بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: أنوار البدرين المؤلف: الشيخ علي البحراني الجزء: الوفاة: 1340 المجموعة: ردود علماء المسلمين على الوهابية والمخالفين تحقيق: إشراف وتصحيح : محمد علي محمد رضا الطبسي الطبعة: سنة الطبع: 1377 المطبعة: مطبعة النعمان - النجف الناشر: ردمك: ملاحظات: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم - ايران - 1407 أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين تأليف العالم الرباني والعلامة الكبير الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي البحراني المولود سنة 1274 هج والمتوفى سنة 1340 هج أشرف على طبعه وتصحيحه محمد علي محمد رضا الطبسي النجف الأشرف - العراق مطبعة النعمان - النجف 1377 هج
1 ب - تقريظ بقلم صاحب الفضيلة العلامة السيد محمد مهدي نجل العلامة السيد محمد الموسوي الكاظمي دام ظله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله الذي رفع قدر العلماء العاملين وفضل مدادهم على دماء الشهداء والمجاهدين والصلاة والسلام على الصادع بالشرع المبين محمد وآله الطاهرين.. وبعد: فقد أوقفني العلامة الورع التقي الشيخ حسين أدام الله أيامه نجل المؤلف الوحيد العلم السديد البحاثة الخبير والمتتبع النحرير الشيخ علي البحراني [طاب ثراه] على كتاب والده: [أنوار البدرين في أحوال علماء الأحساء والقطيف والبحرين] وطالعت شطرا وافيا منه فرأيته خير كتاب في خير موضوع قد أحيا آثار العلماء الأعيان والفضلاء الأركان يليق أن يكتب بالنور على الأحداق لا بالحبر على الأوراق، فلله دره وعليه تعالى أجره وقد نقل عنه كل من عاصره وجاء من بعده وصار مصدرا من مصادر كتب الرجال التي يعتمد عليها ويركن إليها والله الهادي إلى دار السلام. حرره في تاسع شهر الصيام سنة 1371 هج، في خزانة كتبه في الكاظميين [ع] الراجي عفو ربه الغني محمد مهدي ابن محمد الموسوي الأصفهاني الكاظمي عفى عنه
2 ج - تقريظ بقلم صاحب السماحة الحجة آية الله الفقيه الحاج الشيخ محمد رضا الطبسي النجفي دام ظله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لولي الحمد، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين ونذيرا للمذنبين محمد بن عبد الله [صلى الله عليه وآله الطاهرين] وعلى أفضل أوصيائه المقربين علي بن أبي طالب وعلى أحد عشر من ولده الأئمة الطاهرين. وبعد: فقد وقفت على تأليف نافع وتصنيف شائع الذي أطلعني عليه صديقنا الجليل قدوة المحدثين وذخر المؤلفين ومن أعد ليله ونهاره لترويج الدين ونشر آثار سيد المرسلين الشيخ حسين نجل المرحوم العلامة حجة الإسلام الشيخ علي البحراني فسبرت نظرات فيه فرأيته محتويا على تراجم عدة من الفطاحل والأعلام من علماء القطيف والأحساء والبحرين [قدس الله أسرارهم ونور مراقدهم] وحيا الله المؤلف لما أحيا ذكر هؤلاء الأكابر والنفوس المقدسة بتأليفه هذا الكتاب فقد أصبح هذا التأليف المنيف يعد من كتب التراجم الذي ينبغي أن يعتمد عليه ويستند إليه وإني أرجو الله أن يوفق خلفه شيخنا الجليل ويوفقنا لخدمة الدين إنه ولي التوفيق. الأحقر الفاني: محمد رضا الطبسي النجفي 1377 هج
3 د - تقريظ بقلم: علي الشيخ منصور المرهون أنوار البدرين بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الميامين. أنوار البدرين الكتاب المنوه عنه في الكثير من المعاجم القيمة كأعيان الشيعة والذريعة والمنيعة وأمثالها الكتاب الذي يضم بين دفتيه رجالا طالما خدموا الدين وأهله ردحا من الزمن غير قصير حتى اختارهم الله إلى جواره ولولاه لما كنا نعرف عنهم شيئا ولذهب ذكرهم كحديث أمس الدابر إلا آثار ما لا يجدي اطلاعنا عليها مزيد علم غير أنا بفضل تلك الجهود الجبارة التي قام بها علينا المغفور له أصبحنا ذا ثروة هائلة طائلة تدلنا بأوضح براهينها على ما كان عليه سلفنا الصالح من مزيد اعتناء بالدين واهتمام بأمور المسلمين وتفان لما فيه الصالح العام وإنقاذا لسائر البائسين من الضعفاء والمساكين من تلك الأيدي التي لا ترى لها حقا الأمر الذي
4 ه - يدعو إلى الاهتمام العظيم بنشر الكتاب وطبعه ليسد محله الشاغر من مكتبة الدين الإسلامي فما ذكره ذاكر إلا سأل الله ذلك لأنه من المصادر التي يعول عليها ويستند إليها وكم قرأت عنه كثيرا من الكتب التاريخية والأدبية مما أطلعت عليه قبل أن أراه وكم كان بودي أن أكون أحد الناظرين إليه والمطلعين عليه حتى يسر الله تعالى ذلك بمناسبة تقديم كتاب العلامة الشيخ ناصر الجارودي المعروف ب [بشرى المذنبين] حيث قد تفضل به العلامة الشيخ حسين نجل المؤلف فاقتطفت منه ترجمة الناصر المذكور فرأيت الكتاب ذا ثروة هائلة كما ذكرنا آنفا قد حفظ الكثير من علماء البحرين والقطيف والأحساء مما سجل على ممر الدهور للمؤلف يدا على هذه الأقطار الثلاثة وما اشتملت عليه من مئات الألوف من الناس وما كانت المجموعة الإنسانية من سائر الأقطار الإسلامية تعرف عن هذه الأقطار الثلاثة شيئا إلا من طريق [أنوار البدرين] أضف إلى ذلك أنه ينشر من آثار أعلامها الأعلام وهم كثيرون وكثيرون ما يروي الغليل ويشفي العليل يرد إلى النفس الاطمئنان ويثلج الصدر اللهفان ما سجل فيه من تاريخ هذه البلدان العربية البحتة التي ملأت بالإيمان وأهله منذ كانت وحتى الآن ولم تزل وإن كان لا يعدوها المثل كما لا يعد وغيرها [ومن ذا الذي يا سعد لا يتغير] وبما إني أعرف من نفسي تمام الرغبة إلى نشر هذا السفر الخالد والأثر القيم لما فيه وفيه من المثل العليا والقيم الروحية مما ذكرت وما لم أذكر مما يعجز عن بيانه أمثالي أود لكل من رأى لمثل هذا المشروع الحي قيمته وأقام له وزنا أن يقدره حق قدره وأن لم يكن من أهل ذلك فليدع الحب في سنبلة فلكل أهل. وقد وفق الرحمن بعض الأخوان لتصحيحه ومقابلته على النسخة الموجودة
5 - و - في مكتبة الإمام كاشف الغطاء الأمر الذي أوجب النشاط من جديد لإحياء هذا الأثر القيم والسفر الجليل بنشره وطبعه فله منا جزيل الشكر وعاطر الثناء والحمد لله رب العالمين. نزيل النجف الأشرف 14 - 11 - 1377 علي المرهون
6 - ز - مقدمة الكتاب بقلم الشاب المثقف حفيد المؤلف [قده] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على نعمه والصلاة والسلام على محمد وآله أبواب كرمه، من المعلوم أن البحرين من المدن التي كانت عامرة بالمعارف والعلوم بحيث إشتهرت في كل مكان ودوى اسمها في مختلف الأنحاء في سالف الأزمان خصوصا في زمن الدولتين البويهية والصفوية فقد ظهرت منها جهابذة وأوتاد وصارت مثوى للعلم يقصد لها من كل بلاد تقابل الحلة والسيفية وجبل عامل وجملة من البقاع بالمدارس معمورة حتى أن من جملة قرأها الصغار جزيرة تسمى بجزيرة [النبي صالح] وإلى الآن فيها مدرسة قد إحتوت على قبور سبعين عالما شهداء كلهم قتلوا في يوم من الخوارج خذلهم الله وبقربها جزيرة أخرى بينهما مقدار سبعين ذراعا على طريق البحر وسمعت من بعض الثقات إنها محل العالم المهذب الأوحد المحقق الممجد الشيخ أحمد بن المتوج البحراني صاحب
7 - ح - التصانيف الفائقة التي منها رسالة [الناسخ والمنسوخ] و [رسالة العقود والإيقاعات] و (شرح المختصر النافع) وهذه إلى الآن باقية موجودة وقبر هذا الشيخ في جزيرة النبي صالح مزار يتبرك به كل أحد من أهل البحرين وبقرب هذه الجزيرة المذكورة (هلتا والغريفة) وهما من قرى الماحوز والأولى منهما هي مسكن العالم الرباني والمحقق الصمداني شيخنا الشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني المشهور في الإجازات من مشايخنا الكبار حتى أنه قيل أن المحقق الطوسي تلمذ عليه في الشرعيات وتلمذ هو على الشيخ الطوسي (ره) في العقليات وهو شارح نهج البلاغة بالشروح الثلاثة الكبير والمتوسط والصغير أما الأكبر منها فهو المطبوع بمطبعة إيران والأوسط فهو موجود عند أهل القطيف في خزانة المرحوم الحاج أحمد بن مسعود الجشي رحمه الله (1) وهو صاحب شرح مائة كلمة ومن نظر إليها وإلى الشرح الكبير عرف مقدار الرجل المشار إليه، ومن آثار البحرين الخاصة لها أن فيها مدارس بحسب الأيام فمنها (مدرسة الاثنين) وهي في البلاد العامرة في ذلك الزمان تسمى (جد حفص) التي خرجت منها فحول من العلماء وصارت مثوى تقصد كالماء وخرج منها جماعات منهم العالم الأديب البحر المتدفق بأنواع العلوم العجيبة السيد ماجد الصادقي (رض) الذي هو أحد المعاصرين للشيخ البهائي المسامر للشاعر الأديب الشيخ جعفر أبي البحر الخطي صاحب الديوان الذي تهش الأسماع إلى استماعه وتلتذ الطباع إلى محاسن إبداعه. ولو لم تكن إلا مئات المؤلفات وعشرات المؤلفين لكفى على ذلك دليلا
(1) هذه الخزانة تضم كتبا خطية في مختلف المواضيع وهي من حسنات موجدها ولكنها قد ذهبت كأن لم تكن لعدم مداراتها وكم لأهلها من خزائن عبثت بها أيدي الاهمال 8 - ط - وأن هذا الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ الكريم، والذي بذل جدنا المرحوم في جمعه وتأليفه قصارى جهده وثمين أوقاته كنار على علم يهديك إلى مواضع فضلها ومزيد شهرتها وطالما تشوق كثير من الراغبين في تتبع هذه الآثار والوقوف على مدا ما قطعته هذه البلاد في سبيل نشر المعارف الإلهية ورفع علم العلم عاليا في بلاد الإسلام للوقوف عليه هذا ولم يحصل إقبال على كتاب من مؤلفات هذا القرن بحيث يستكتب ويكون مصدرا لكتب التواريخ الحديثة من مؤلفات جهابذة العصر مثله فقد استكتبه العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء (1) وربما أخذ عنه في كتابه الحصون المنيعة، وأخذ عنه الحجة الآغا بزرك الطهراني (2) في موسوعته [الذريعة] والأميني في [شهداء الفضيلة] (3) وفقيد الشيعة ومحسنها في [أعيان
(1) هو البحاثة الكبير المتوفى سنة 1350 ووالد الحجتين الإمامين المرحوم الشيخ أحمد صاحب سفينة النجاة المتوفى سنة 1347 والمولى المؤيد آية الله الشيخ محمد الحسين مرجع الشيعة الحالي وصاحب التصانيف الفائقة والمؤلفات المتعددة المطبوعة والخطية متع الله المؤمنين بطول بقائه آمين المولود سنة 1294 (2) هو الحجة الكبير والبحاثة المتتبع الشيخ محمد محسن آغا بزرك الطهراني النجفي صاحب التصانيف المتعددة والمؤلفات الواسعة موسوعته الذريعة إلى تصانيف الشيعة تعد أكبر خدمة قام بها تجاه أبناء ملته فجزاه الله خير الجزاء وأفضل الجزاء ولد سنة 1293 (3) هو العلامة المحقق الشيخ عبد الحسين الأميني النجفي مؤلف كتاب الغدير الذي خدم به مذهبه أكبر خدمة وهذا الشيخ في الحقيقة نادرة من نوادر هذا الزمن لما يخرج من تحت قلمه الشريف في عالم التصنيف والتأليف أطال الله بقاه ووفقه لمثل هذه الخدمات الجليلة ولد سنة 1322 9 - ي - الشيعة] (1) إلى غير ذلك وهو كثير (2) ولا أريد أن أنهي كلمتي قبل أن أتعرض لذكر شئ من أحوال المؤلف جدي المرحوم على أن لا أتعرض لذكر شئ أستعرضه هو عند ذكره لأحواله في آخر الجزء الأول هذا الكتاب كمولده وكيفية مجيئه من البحرين إلى القطيف الخ وكذلك أسرته فقد تكلم هو عنها في غير موضع من الكتاب وهو الثقة الأمين فلنأخذ فيما لم يتعرض له فنقول أولا: مكانته الاجتماعية كان رحمه الله تعالى مطاعا في قومه مهابا عند كافة أهل بلاده محترما عزيزا
(1) هو المولى الحجة المؤرخ الكبير ذو الباع الطويل السيد محسن الأمين الحسيني العاملي المشهور بالتقوى والورع والزهد والعبادة والتصانيف الفائقة والمؤلفات الرائقة التي منها مجالس السنية في خمسة أجزاء ومعادن الجواهر جزئين ولواعج الأشجان جزء واحد وأجلها وأرقاها كتاب أعيان الشيعة فهو موسوعة أدبية تاريخية خدم به العلم والعلماء بل وأبناء المذهب الجعفري توفي (قده) 3 - 7 - 1371 هج قبل إكمال مؤلفه الجليل أعيان الشيعة وقد بلغ السابع والثلاثون من الأجزاء تغمده الله برحمته (2) وممن أخذ عنه في مؤلفاته صاحب الفضيلة الشيخ فرج بن حسن آل عمران الخطي المتولد 21 ج 1 سنة 1321 هج 10 - ك - يرون فيه الحجة الورع والزعيم المصلح يأتمرون بأوامره وينكصون عن ارتكاب ما نهى عنه إذ عرفوه عالما رباني لا يغضب إلا لله ولا يأمر إلا بما أمر الله ولا ينهى إلا عما نهى الله عنه، يمتاز من بين أقرانه بسعة الحلم وقوة الذاكرة ورجاحة العقل وعظم المخافة لله تعالى والفرق منه والتقوى له، ولعل التقوى أبرز ظاهرة فيه فقد اشتهر حتى الآن بين أبناء وطنه لذلك ولعل تقاه بل هو نفسه أكبر دافع لكثير من أبناء البلاد ووجهائها وأصحاب الثروة ذوي الاحسان فيها في الوصاية عليه، والعهد بالولاية على أولادهم وإنفاذ وصاياهم، ولأجل تقواه وورعه وزهده وأمانته وعفته وصيانته حبست الوقوفات عليه وعلى ذريته من كافة الطبقات. حياته الأدبية وإلى جنب ما ذكرنا فهو أديب وشاعر ولكن من الطراز القديم وعلى النحو المألوف بين أمثاله في ذلك الوقت، فمن نظر في خطبه ومقدماته لمؤلفاته وتعليقاته عليها وعلى سائر الكتب وجدها كما ذكرنا، وهذا الكتاب كثيرا ما فيه من إنشائه بل أكثره، وهو على المنهاج الذي أسلفنا ولكن رغم ذلك فالقارئ يجد في قراءتها متعة ولباقة، والمستمع إلى خطبه العيدية يأخذه وقع لفظها ويسيطر عليه ما احتوت عليه من غرر الدر المنثور، وبما فيها من تشويق للإقبال على الآخرة وتخويف من التعرض للدنيا، وأمر بأداء الواجبات ونهي عن ارتكاب المحرمات.. أما شعره فلم يكن فيه ثمة تجدد عن شعر أهل القرن الماضي ولكن يمتاز بتأثيره العظيم سيما في الرثائيات، وقد وقف حياته الأدبية على خدمة أهل البيت عليهم السلام
11 - ل - ومدائحهم ومراثيهم، ولم يتعرض لسواهم إلا قليل وهذا الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم يضم بعض أشعاره فليراجع من شاء الوقوف عليه. مؤلفاته قد التزمنا بعدم التعرض لما ذكره في أحواله ومؤلفاته قد فضلها هنالك والذي نذكره هنا، هو مؤلف له ألفه بعد فراغه من تأليف هذا الكتاب، وهم النعم السابغة والنقم الدامغة، كتاب يثبت الإمامة وكونها منصبا إلهي واجب فيه النهض على فرد معين، يقوم بأهميات الأمور، ثم يعود فيثبت إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأولاده المعصومين إثباتا جليا واضحا، لا يتطرق إليه الشك، ولا يؤثر فيه معلوم الهدم، ذكر ذلك في مقدمته ومطاويه ثم أفرد لكل معصوم بابا يذكر فيه اثنى عشر حديثا يتفرع كل حديث إلى عدة أحاديث في شتى المواضيع كبير الفائدة عظيم النفع، توفي رضى الله عنه ولما يكمله، ونحن نبتهل إلى الله تعالى أن يهيئ ابنه العلامة والدي لإكماله وإخراجه فهو كنز ثمين لا يستفاد منه ما لم يكن سبيله الإنفاق وفاته حزمته يد المنون ليلة الحادية عشر من شهر جمادى الأولى سنة 1340 هج أربعين وثلاثمائة والف من الهجرة لمرض لازمه مدة، فكان صباح وفاته يوما مشهودا حيث زحفت فيه القطيف من أقصاها إلى أدناها نحو عاصمتها القلعة، وخصوصا أهل
12 م - قريته القديح فقد خرجوا إلى القلعة نساءا ورجالا كبارا وصغارا شيبا وشبانا حتى الأطفال يتقدمهم موكب العزاء واللطم وهم بين الآهات والحسرات كأنهم سكارى وما هم بسكارى ولكن المصاب شديد، والخطب فادح، ويحدثنا بعض من شاهد تشييعه بأنه حتى الآن لم يجر تشييع لأحد في تلك الأطراف كالتشييع الذي جرى له هذا ولم يقتصر وقع المصاب على القطيف فحسب بل سرى ذلك إلى أغلب الأنحاء كالبحرين والأحساء قد لبستا أبراد الحزن ورفعتا أعلام الخطب وطفق شاعر الأحساء الفذ وبلبلها الغريد الشيخ عبد الكريم الممتن يؤبنه ويرثيه ويؤرخ وفاته بقوله بدر سماء الدين لما اختفى * دجا بأفق الحق ديجور فانبجست عيني دما عندما * أرخته (غاب لنا نور) وأبنه من أهل القطيف صاحب الفضيلة الشيخ فرج الله آل عمران الخطي بمقطوعة حسنة قال أيده الله لم أدر أي الراسخين به سرى * تعش أرضوي أم علي به سرى عجبا له كيف استطاع لحمل من * في صدره علم الوصي تصدرا أو كان عرش الله هذا النعش أم * لأب الحسين علي أضحى منبرا قد أوحش الدنيا علي إذ مضى * منها وللعلماء أشجى كدرا وبه تباشرت الجنان وأهلها * لما بها ألقى علي عصى السرى ولنا أبان مؤرخوه بأنه * ما زال فيها باسمها مستبشرا 1340. وأقيمت له الفواتح الكثيرة، ولعله أبن بمراثي غير ما أسلفنا ذكرها ولكن عدم الاهتمام بتتبعها وجمعها سبب عدم العلم بها
13 - ن - رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأطال في بقاء ابنه وخلفه، القائم، مقامه سماحة والدي العلامة الشيخ حسين وليكن آخر ما أردناه تقديمه من ذكر هذا الكتاب والله الهادي. حفيد المؤلف علي الشيخ حسين القديحي
14 أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين إن كتابنا هذا كتاب أدب وكمال وقصص وأمثال المؤلف " ره " تأليف العلامة الكبير الشيخ علي ابن المقدس الشيخ حسن آل المرحوم الشيخ سليمان البلادي البحراني رضى الله عنهم وأرضاهم آمين [حقوق الطبع محفوظة لورثة المؤلف] أشرف على طبعه وتصحيحه محمد على محمد رضا الطبسي مطبعة النعمان النجف 1377 هج
15 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي بعث محمد المصطفى صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين، وأرسله بشيرا ونذيرا إلى الخلق أجمعين، وجعله نبيا وآدم بين الماء والطين وفضله وشرفه على كافة المخلوقين، وختم بشريعته جميع شرايع الأنبياء والمرسلين، ونسخ بها جميع شرائع الأنبياء المتقدمين، وجعل عترته وآله الطاهرين خلفاءه الراشدين المرضيين وأوصياءه على اليقين شركاء الكتاب المبين، وسادات المسلمين، وأمناءه في أمور الدنيا والدين، حرس أهل الأرض عن العذاب المهين، سفينة النجاة للراكبين باب خطة للداخلين هدا المهتدين وحبل الله المتين، فصلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، كل آن وحين، ورضوان الله ورحمته على علمائهم العاملين ورواة أخبارهم والمقتفين لآثارهم المستضيئين بأنوارهم والتابعين، ولعنة الله الدائمة على أعدائهم الظالمين.. أما بعد فيقول العبد الجاني، والفقير لربه السبحاني علي ابن المرحوم الشيخ حسن ابن المقدس الشيخ علي ابن المرحوم الشيخ سليمان البلادي البحراني عفا الله عن جرائمهم أجمعين، وأعطاهم خير الدنيا والدين، بحق محمد المصطفى الأمين وآله الطاهرين الميامين، صلى الله عليه وآله الأكرمين قد سألني الولد الصالح، (2 - أنوار البدرين)
16 والميزان الراجح العالم العامل التقي الكامل النقي الواصل الرضي الفاضل المؤيد بالتأييدات الربانية، الموفق بالتوفيقات السبحانية، المتنسل من سلالة العلمان الأعيان، ذوي الإتقان والإيقان، المعتمد الصالح. الشيخ محمد صالح، خلف العالم الأسعد العلامة الأرشد الفهامة الأمجد شيخنا ووالدنا الروحاني الشيخ أحمد بن العالم العابد الزاهد الصالح الشيخ صالح الستري البحراني مد الله عمره السعيد مدا وجعل بينه وبين جميع الحوادث سدا، ووفقنا الله وإياه وأبناءنا والمؤمنين، إلى الدنيا والدين وجعلنا وإياهم وآباءنا والمؤمنين، من أهل دار دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيهم سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين، أن أكتب له كتابا كاملا ودستورا حافلا لترجمة علماء البحرين وفقهائها وأدبائها وفضلائها مع ذكر مصنفاتها ورسائلها وما يدخل في هذا الشأن ويحوم حول هذا الميدان، مما بلغه علمي، وأحاط به اطلاعي وفهمي، وإن كان قليلا من كثير، ونقطة من غدير لتشتت أهلها في البلدان، بما لعبت بهم أيدي الزمان، وما نالوه من البلاء والهوان من أهل الجور والعدوان، والحوادث والوقايع التي أخلت منهم الأوطان وبددت شملهم في كل مكان. كأن لم يكن بين الجحون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر حتى بلغ الحال إن كثيرا من الأولاد لم يعلموا بآثار آبائهم ولم يدروا بأنسابهم وأقربائهم وكانوا من مصاديق قوله صلى الله عليه وآله (أعظم الناس بلاء في الدنيا الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأولياء ثم المؤمنون الأمثل فالأمثل) وقد كان أهل البحرين من قديم الزمان من الشيعة المخلصين، والموالين لمولانا علي أمير المؤمنين، وسيد المسلمين وأبنائه الأئمة الطاهرين، عترة الرسول الأمين، صلى الله عليه وآله الميامين، وكانوا من الزهد والورع والتقوى والتمسك بالعروة الوثقى والسبب الأقوى بمكان مكين وثبات ويقين، كما ستطلع إن شاء الله تعالى في المقدمة على بعض أحوالهم، وتفصيلهم
17 وإجمالهم، فاستخرت الله العليم بالخفيات الخبير بجميع المعلومات، وأجبته إلى ما طلب وأسعفته فيما سأل ورغب، سائلا منه سبحانه أن يمدني بالتوفيق والصواب، والهداية للحق في كل باب، إنه الكريم الوهاب وخير من سئل فأجاب: وسميته ب: أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين والله الكريم أسأل حسن المبدأ والختام وخير الدنيا والدين يوم القيام، وهو حسبنا وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير. ورتبته على مقدمة شريفة وثلاثة أبواب وخاتمة نسأله حسن الابتداء والخاتمة، وهذا ترتيب المبدأ والخاتمة والأبواب ليكون كالفهرست للكتاب. المقدمة في ترجمة البحرين ومدنها الثلاث إجمالا وفيها مباحث شريفة وفوائد منيفة. والباب الأول في ترجمة علماء البحرين وهي جزيرة أوال. والباب الثاني في ترجمة علماء القطيف التي هي الخط. والباب الثالث في ترجمة علماء الأحساء وهي هجر. والخاتمة في ذكر أربعين حديثا نبوية من طرق أصحابنا الإمامية وذكر اتصالنا بالإجازة لأخبار أئمتنا العترة الطاهرة المهدية مشروحة مختصرة ومن الله الكريم الرحمن الرحيم نستمد المعونة والتوفيق ونستدفع التعسير والتعويق إنه ولي كل خير ودافع كل
18 سوء وضير، وهو حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم العليم القدير الأحد الصمد الخبير. المقدمة في ترجمة البحرين واشتمالها على المدن الثلاث وهي جزيرة أوال والقطيف والأحساء وفضلها على كثير من بلاد الإسلام. قال السيد الفاضل المعاصر السيد محمد باقر الأصفهاني في كتابه روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات وهو كتاب جامع جليل في ترجمة العلامة الأمجد الشيخ أحمد بن الشيخ محمد المقشاعي المقابي البحراني الذي نذكر إن شاء الله تعالى ترجمته فيما يأتي. ثم إن البحرين كما في تلخيص الآثار ناحية بين البصرة وعمان على ساحل البحر بها مغاص الدر، ودرة أحسن الأنواع ينتهي إليها قفل الصدف في كل سنة من مجمع البحرين، يحمل الصدف بالدر إليها وليس لأحد من الملوك مثل هذه الغلة، من سكن البحرين عظم طحاله وانتفخ بطنه. قلت وأهل البحرين قديمة التشيع ومتصلبون في أمور الدين خرج منها من علمائنا الأبرار جم غفير، وفي الأمثال المشهورات، خرب الله البحرين وعمر أصفهان كي لا يخلو من أهل الأولى أحد ولا يقع من أهل الثانية الديار. والخط قرية باليمامة يقال لها خط هجر ينسب إليها الرماح الخطية. وهجر مدينة كبيرة هي قاعدة بلاد البحرين ذات النخل والرمان والأترج والقطن قال النبي صلى الله عليه وآله إذا بلغ الماء قدر قلتين لم بحمل خبثا أراد بهما قلال هجر يسعها
19 خمسمائة رطل وإليها ينسب رشيد الهجري صاحب أمير المؤمنين (ع) الذي هو في درجة ميثم التمار وهو من جملة حاملي أسرار أمير المؤمنين عليه السلام انتهى كلامه في الجنان مقامه وإنما نقلناه بطوله لاشتماله على الفوائد الجزيلة والعوائد الجميلة وذكره المدن الثلاث كما عن تلخيص الآثار كل واحد باسم خاص جريا على غلبة الاستعمال، وإلا فاسم البحرين واسم هجر بفتحتين ويطلق كل منهما على الجميع كما هو المستفاد من تتبع كلام أهل اللغة وأهل التواريخ والسير ثم صار علما بالغلبة اسم البحرين على جزيرة أوال وهجر على بلاد الأحساء كابن عباس وابن الزبير ونحوهما وما نقله عن تلخيص الآثار من عظم الطحال وانتفاخ البطن فلعله كان في قديم الزمان كذلك وإلا فالآن ليس كذلك ووجودهما نادر جدا لبعض العوارض ولعله انتفى بسبب عوارض كما يحكى أنه كان في السابق في أهلها بعض الجذام بسبب الرطوبات وكثرة الأسماك فذهب عن أهلها بالكلية بسبب شرب التتن وكثرة شيوعه حتى حكي إن كثيرا من علمائها القدماء يذهب إلى حرمته وينهى عن استعماله فلما رأى منفعته للمرض المزبور سكت عن النهي وأجاز استعماله والله العالم (1) (والخط) بضم المعجمة هي بلاد القطيف والظاهر من تتبع التواريخ القديمة جدا علم أن الأولتين أقدم منها والآثار والوجدان يساعدان فإن جزيرة أوال فيها من الآثار القديمة جدا كقلعة دقيانوس ملك أصحاب الكهف وهو قبل عيسى (ع)
(1) قال ابن الأثير في الكامل إن رسول الله صلى الله عليه وآله أرسل ابن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى يدعوه ومن معه بالبحرين إلى الإسلام وكانت ولاية البحرين للفرس فأسلم المنذر ومن معه وأسلم جميع العرب الذي بالبحرين، وأما أهل البلاد من اليهود والنصارى والمجوس فإنهم صالحوا العلاء والمنذر على الجزية عن كل حالم دينار ولم يكن بالبحرين قتال. 20 وغير ذلك قديما وهجر فيها آثار من قبل عيسى (ع) أيضا وأما القطيف فقد ذكر ابن الأثير في الكامل إن سابور الملك مدن أربعين مدينة من جملتها القطيف من البحرين انتهى - وينسب إليها شاعر البحرين أبو البحر جعفر بن محمد الخطي، والشاعر الأديب الشيخ فرج الخطي وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى على ترجمتهما. وأما فضلها على كثير من غيرها فقد حدثني أقدم مشائخي العلامة الثقة الثبت الحفظة الوالد الروحاني التقي الصالح الشيخ أحمد بن الشيخ صالح البحراني قدس الله نفسه ونور رمسه وأسنده أنه لما أمر الله رسوله محمدا المصطفى صلى الله عليه وآله بالهجرة من مكة بعد موت عمه وكافله سيد البطحاء بيضة البلد أبي طالب وتظاهر المشركين عليه نزل عليه الأمين جبرئيل (ع) من الرب الجليل وخيره في الهجرة إلى البحرين أو فلسطين أو المدينة فترك صلى الله عليه وآله البحرين من أجل البحر وترك فلسطين لبعدها واختار المدينة لقربها من مكة انتهى كلامه علا في الفردوس مقامه. قلت ثم بعد مدة مديدة وقفت على خبر رواه العلامة الثاني الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني في المجلد الثاني من كتابه أزهار الرياض والظاهر أنه عن الإمام الصادع بالحق والناطق جعفر بن محمد الصادق (ع) بالتفصيل الذي ذكره قدس سره إلا أني لم أكن بصدد هذه الكتابة حتى أنقله بلفظه وهذه فضيلة عظيمة تدل على شرف الأرض وقبول أهلها للألطاف بحيث تكون مثوى لسيد المرسلين ومهاجرة لخاتم النبيين واستراحته إليها عن أذيات المشركين. ومنها أنها أسلمت للنبي صلى الله عليه وآله طوعا بالمكاتبة كما ذكره جملة من أهل التواريخ والسير من الخاصة والعامة كما سيأتي حتى إن الفقهاء صرحوا في كتبهم الفقهية في أحكام الموات بأن البحرين حكمها حكم المدينة لأنهما أسلما طوعا لا عنوة بل ذكرها شيخنا الشهيد الأول في اللمعة مرتين مرة في إحياء الموات، ومرة في كتاب الخمس.
21 قال شيخنا الشهيد الثاني في شرحها ممزوجا بها وكل أرض أسلم عليها طوعا كالمدينة المشرفة والبحرين وأطراف اليمن فهي لهم على الخصوص يتصرفون فيها كيف شاؤوا وليس عليهم فيها سوى الزكاة مع اجتماع الشرائط انتهى: وقال في الأنفال من الخمس في الكتاب المذكور ممزوجا بكلام الشارح المزبور ونقل الإمام (ع) الذي يريد به من قبيلة ومنه يسمى نفلا أرض انجلى عنها أهلها وتركوها أو أسلمت للمسلمين طوعا من غير قتال كبلاد البحرين انتهى المقصود من كلامهما زيد في الجنان عالي مقامهما وهو وإن كان الحكم الثاني مخالفا للأول إلا أن الظاهر وهو الذي عليه المعول إنما هو الأول. يدل على الثاني ما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن سماعة بن مهران قال سألته عن الأنفال إلى أن قال ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وربما يجمع بين الحكمين بما لا تنافي بينهما في البين ببعض الوجوه ولسنا بصدد تحقيقه وناهيك بها من فضيلة جليلة ومكرمة نبيلة وذكر ابن عبد ربه في كتاب العقد الفريد في ذكر الوفود على رسول الله صلى الله عليه وآله ووفد عليه وفد عبد القيس من أهل هجر فقال صلى الله عليه وآله لهم مرحبا بوفد قوم لا خزايا ولا نادمين وهجر هذه بلاد البحرين كما قدمنا الكلام عليها وهي التي عناها أبو اليقظان عمار بن ياسر الصحابي البدري (رض) بقوله في صفين يشير به إلى الفئة الباغية معاوية وأهل الشام (والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أننا على الحق وأنهم على الباطل) والمراد بسعفات هجر نخلها كنا عنه بأظهر الأفراد مجازا وذكر هجر مبالغة في الامعان في البعد فإن صفين من قرى المغرب وهجر من قرى المشرق وعمار هذا هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله عمار جلدة بين عيني وقال صلى الله عليه وآله في المستفيض بين الخاصة والعامة بروايات كثيرة منها ويح بن سمية تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار وقال له يا عمار ستقتلك الفئة الباغية ويكون آخر زادك من الدنيا ضياحا من
22 لبن والروايات في هذا المعنى كثيرة جدا ورواها ابن النابغة عمر ابن العاص لأهل الشام قبل وقوع صفين فلما حضر الوقت صار بين ذي الكلاع الحميري وبين ابن العاص وعمار كلام كثير ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج في أخبار صفين وغيره وذكر أن ذا الكلاع قتل في اليوم الذي قتل فيه عمار بن ياسر (رض) ولو لم يقتل في ذلك لمال بأهل الشام إلى أمير المؤمنين (ع) لأنه رئيسهم والمطاع فيهم وهو الذي جد بهم لمعاوية وبئس الخاتمة والعقبى له ولهم. أقول وهذا يدلك يقينا أن قريشا المتقدمين منهم والمتأخرين اجتهدوا في إطفاء فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وإخفاء مناقبه وستر ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله فيما استفاض من رواياتهم بل تواتر من طرقهم فيه من قوله صلى الله عليه وآله من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيثما دار في الروايات الصحيحة في يوم الغدير المتواترة من عدة طرق حتى أفردت فيه الكتب والرسائل بل وفي ذكر رواته في مجلدات كثيرة وفي طرق منها كما في الصواعق المحرقة لابن حجر من كنت وليه فعلي وليه، وقوله (صلى الله عليه وآله يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى " ع " إلا أنه لا نبي بعدي وقوله " ص " في واقعة خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله عليه يعرض بقوله " ص " كرار غير فرار إلى من تقدم بالراية وفر يجبن أصحابه ويجبنونه فجئ بعلي إليه وبه رمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه. وحديث الطائر المستوي ذكره جملة من أساطين القوم ومحدثيهم وهو قوله صلى الله عليه وآله اللهم آتيني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر المشوي فأتاه علي (ع) فأكل معه وقوله " ص " مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من
23 ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى وقوله صلى الله عليه وآله إني مخلف فيكم الثقلين وفي بعضها إني تارك فيكم وفي بعضها إني مخلف فيكم خليفتين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وكذلك قوله صلى الله عليه وآله فيه علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وقوله (ص) علي إمام البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله وقوله " ص " أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها وقوله " ص " يا علي سلمك سلمي وحربك حربي إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة والأخبار الصحيحة الشهيرة المذكورة في الأصحة والمسانيد من طرق متكثرة المتفق على نقلها الخاصة والعامة والأولياء والأعداء الدالة على تفضيل أمير المؤمنين " ع " على جميع الأمة وفي بعضها نص على خلافته وفضيلته وجلالته مما لا تقبل التأويل ولا تتطرق إليها الشبهات التي أظهرها الله لوليه لطفا به بعد طول ذلك الاخفاء وذلك الاستتار حسدا وبغضا من أعدائه وخوفا وتقية من أوليائه مع روايتهم لها وحفظهم إياها على وجه الخوف والتقية حتى أظهرها الله تعالى كالسماء المرفوعة والأعلام الموضوعة والشمس الظاهرة والنجوم الزاهرة والأمثال السائرة فسارت بها الركبان وعطرت الآفاق في كل مكان وغنت بها الحدات ونقلتها السن المحدثين والرواة من الأولياء والعدات. هي الشمس كل العالمين يرونها * عيانا ولكن ذكرها للتبرك وهذه الكتب المعتمدة مبذولة موجودة لأصحابنا وأهل السنة والجماعة مشهورة غير محتاجة إلى التعيين تنادي برفيع أصواتها بخلافة علي أمير المؤمنين " ع " وأبنائه الطاهرين وتفضيلهم على الخلق أجمعين وظهور نورهم وعلو مقامهم وفخرهم وسمو مرتبتهم وقدرهم وإن كانت الشمس تطمس أعين الخفاش والحق مضر بأسماع الأوباش وحيث سترها بغضا الأولون وكتمها حسدا الأقدمون وخوفا الموالون لم تتطرق أسماع كثير من العوام بشئ منها فآل الأمر إلى أنهم أضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل فبسماع
24 بعض أهل الشام هذا الخبر المروي في حق عمار بن ياسر وحق قاتليه صار عند بعضهم الاضطراب وبعض التوقف فكيف لو سمعوا بشئ مما ذكرناه ونقلوا لهم بعض ما رويناه مما هو مجمع على صحته وصدوره وروايته وإن كان أكثرهم أتباع كل ناعق وجلهم مسوقا لسائق وقد أنصف ابن أبي الحديد في هذا المقام حيث أشار إلى ما ذكرناه من الكلام فإنه لما نقل حديث ذي الكلاع الحميري في صفين عن عمار بن ياسر (رض) أهو مع أصحاب علي (ع) فقال له عمرو بن العاص حدثنا أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يلتقي أهل الشام وأهل العراق وفي إحدى الكتيبتين الحق وإمام الهدى ومعه عمار بن ياسر (رض) فقال أبو نوح (ره): نعم أنه لقينا (قال ابن أبي الحديد) قلت وا عجباه من قوم يعتريهم الشك في أمرهم لمكان عمار ولا يعتريهم الشك لمكان علي (ع) ويستدلون على أن الحق مع أهل العراق بكون عمار بين ظهورهم ولا يستدلون بمكان علي (ع) ويحذرون من قول النبي صلى الله عليه وآله تقتلك الفئة الباغية ويرتاعون لذلك ولا يرتاعون لقوله صلى الله عليه وآله: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) ولا قوله صلى الله عليه وآله: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) وهذا يدلك على أن عليا (ع) اجتهدت قريش كلها من مبدأ الأمر في إخماد ذكره وستر فضائله وتغطية خصائصه حتى محي فضله ومرتبته من صدور الناس إلا قليلا انتهى كلامه وهو صريح في أن أئمته وتابعيهم من قريش كلهم اجتهدوا في ستر فضائل أمير المؤمنين (ع) وإخفاء مناقبه ومن جملة تلك النصوص على خلافته والأحاديث الدالة علي إمامته ليسقط قدره ويطفئوا نوره (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) ولقد أظهر الله لهم من ذينك الإخفاءين ما قد ملأ الخافقين وعطر المشرقين والمغربين وفي الأمثال المشهورة (كناقل التمر إلى هجر) وعنى بها البحرين وهو كناية
25 لمن يأتي بشئ إلى مكان والمنقول إليه أكثر وجودا ومحلا من المنقول منه، ثم استعمل في كل ما يلقي إلى من هو أعلم به منه كما في كتاب أمير المؤمنين إلى معاوية: (ولقد خبأ لنا منك الدهر عجبا، إذ طفقت تخبرنا بنعم الله علينا إلى قوله (ع) فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر) وأصل المثل أن تاجرا سافر بتجارته إلى البصرة فلم يربح فيها فأحب أن يشتري تجارة منها ويسافر بها للربح فرأى التمر رخيصا فاشترى بتجارته تمرا وحمله إلى البحرين فرآه فيها أرخص مما اشتراه بكثير فاستأجر له حوانيت للتمر ينتظر غلاه وسعره في نزول حتى حدثت التمرة الجديدة وليس له قيمة فأتى إليه أصحاب الحوانيت وقالوا له: فرغ الحوانيت لنضع فيها التمرة الجديدة فاكترى حماميل لنقل التمر يلقونه في البحر إذ لا قيمة له أصلا فخسره ومصارفه فضربت العرب المثل به لمن يحمل شيئا إلى مكان ذلك الشئ إلى محله وقالوا (كناقل التمر إلى هجر) وبعضهم أزاد مثلا آخر (وحامل الحوت إلى قطر) لأن قطر كثيرة الحوت ولعله لقصة واقعة أو للسجع مع صدق المعنى وقال السيد المحقق السري السيد نور الله الشوشتري صاحب المصنفات الرشيقة والتحقيقات الدقيقة منها (إحقاق الحق) و (مصائب النواصب) و (الصوارم المهرقة في نقض الصواعق المحرقة) وغير ذلك في كتابه (مجالس المؤمنين في ترجمة البحرين) قال صاحب (معجم البلدان) إن البحرين اسم لجميع البلدان التي على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان وقال بعضهم: أن قصبة هجر (إلى أن قال) والبلاد المشهورة بالبحرين القطيف وأده وهجر وينبوتة وزاره وجواتا وشابور ودارين وعانة وفي السنة الثامنة من الهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله العلاء بن عبد الله الحضرمي إلى أهل تلك البلدان بالدخول في الإسلام أو قبول الجزية وكتب بذلك إلى المنذر بن ساوي وإلى
26 مرزبان هجر ولما وصل كتاب النبي صلى الله عليه وآله إلى هذين الاثنين اللذين هما رئيسا تلك الولاية دخلا في الإسلام وكذلك جميع العرب الذين معهما وبعض العجم وأهل القرى والزراعة من المجوس واليهود والنصارى صالحوا على نصف غلتهم من الزراعة والتمر وبقوا على مذاهبهم والعلاء في ذلك العام أرسل إلى النبي صلى الله عليه وآله من مال تلك الولاية ثمانين ألف دينار وبعد ذلك عزل رسول الله صلى الله عليه وآله العلاء وولى أبان بن العاص وسعيد ابن أمية وبقيا إلى وقت وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فلما ولي أبو بكر عزله وولى مكانه العلاء أيضا، ولما كان في زمان عمر عزله وولى أبا هريرة فلما ولي ذلك المكان حصلت منه خيانة عظيمة في الأموال التي قبضها، وروى محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: استعملني عمر بن الخطاب على البحرين فاجتمعت لي اثنا عشر ألف دينار فلما قدمت إلى عمر قال: لي يا عدو الله وعدو المسلمين (أو قال وعدو كتابه) سرقت مال الله قال فقلت: لست بعدو الله والمسلمين ولا عدو كتابه ولكنني عدو من عاداهم، قال فمن أين اجتمعت لك هذه الأموال؟ فقلت: خيل لي تناتجت وسهام اجتمعت، قال فأخذ مني اثني عشر ألف دينار (إلى أن قال السيد السند المشار إليه في الكتاب المذكور) وتشيع أهل البحرين وقصباتها مثل القطيف والأحساء من قديم الزمان إلى هذه الأيام ظاهر شايع ومنشأ ذلك شمول اللطف الإلهي لأهل تلك الديار وكان في مبدأ الإسلام مدة مديدة عامل تلك الديار أبان بن سعيد بن العاص وكان من محبي أهل البيت عليهم السلام وكان ممن تخلف عن بيعة أبي بكر مع بني هاشم وفي زمان ولاية أمير المؤمنين (ع) جعل حكومة تلك لديار على ما في كتاب (تحفة الأحباب) مذكور لعبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وبعض الأوقات لعمرو بن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وهو ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان ممتازا على غيره في العلم والعبادة
27 والعقل وطيب الطينة وصفاء السريرة وفي ذلك المكان قرر أحقية أمير المؤمنين * (ع) * بالخلافة وبيعة الغدير ونفى الشك والشبهة في ذلك انتهى كلامه علا مقامه أقول وجميع ما ذكره قدس سره قد ذكره جملة أهل التواريخ والسير ورؤساء المحدثين وذكر جملة منه ابن أبي الحديد الحنفي المعتزلي في شرح النهج المرتضوي ولا بأس بنقل بعض كلامه وإن كان بعضه خارجا عن المقصود إلا أنه غير خال من الفائدة الراجحة لأن كتابنا هذا كتاب أدب وكمال وقصص واعتبار وأمثال والشئ بالشئ يذكر قال ابن أبي الحديد: جاءت عائشة إلى أم سلمة " رض " تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان فقالت لها: يا بنت أبي أمية أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وأنت كبيرة أمهات المؤمنين وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم لنا من بيتك وكان جبرئيل أكثر ما يكون في منزلك، فقالت أم سلمة " رض " لأمر ما قلت هذه المقالة؟ فقالت عائشة إن عبد الله " تعني ابن أختها ابن الزبير " أخبرني إن القوم استتابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا، فقالت لها أم سلمة " رض " إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان وتقولين فيه أخبث القول وما كان اسمه عندك إلا نعثلا وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب " ع " عند رسول الله " ص " أفأذكرك؟ قالت نعم قالت أتذكرين يوم أقبل " ص " ونحن معه حتى هبطنا من قديد ذات الشمال فخلا بعلي " ع " يناجيه فأطال فأردت أن تهجمي عليهما فنهيتك وعصيتيني فهجمت عليهما فما لبثت أن رجعت باكية فقلت: ما شأنك؟ فقلت إني هجمت عليهما وهما يتناجيان، فقلت لعلي " ع " ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام أفما تدعني يا بن أبي طالب ويومي فأقبل إلي رسول الله " ص "
28 وهو غضبان محمر الوجه فقال إرجعي وراءك فوالله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم إلا وهو خارج من الإيمان فرجعت نادمة ساخطة فقالت: عائشة: نعم أذكر ذلك، فقالت، لها. وأذكرك أيضا كنت أنا وأنت مع رسول الله " ص " وأنت تغسلين رأسه وأنا أحيس له حيسا وكان الحيس يعجبه فرفع " ص " رأسه وقال ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأديب تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط فرفعت يدي من الحيس وقلت: أعوذ بالله ورسوله من ذلك ثم ضرب على ظهرك وقال إياك أن تكونيها، ثم قال " ص " يا بنت أبي أمية إياك أن تكونيها يا حميرا أما أني قد أنذرتك قالت عائشة: نعم أذكر هذا قالت " رض " وأذكرك أيضا إني كنت أنا وأنت مع رسول الله " ص " في سفر له وكان علي " ع " يتعاهد نعل رسول الله يخصفها ويتعاهد أثوابه فيغسلها فنقبت له نعل فأخذها يومئذ ليخصفها وقعد في ظل سمرة وجاء أبوك ومعه عمر فاستأذنا عليه فقمنا إلى الحجاب فدخلا عليه يحادثانه فيما أرادا ثم قالا يا رسول الله صلى الله عليه وآله إنا لا ندري قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا من تستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعا، فقال: أما إني قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران (ع) فسكتا، ثم خرجا فلما أتينا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قلت أنت له وكنت أجرأ عليه منا: من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم؟ فقال " ص ": خاصف النعل فنزلنا فلم نر أحدا إلا عليا، فقلت يا رسول الله " ص " ما أرى إلا عليا، فقال " ص " هو ذاك فقالت عائشة: أذكر ذلك قالت فأي خروج تخرجين بعد هذا!؟ فقالت: إنما أخرج للإصلاح بين الناس وأرجو فيه الأجر إن شاء الله تعالى فقلت: أنت ورأيك فانصرفت عائشة عنها وكتبت أم سلمة * (رض) *
29 بما قالت وقيل لها إلى علي عليه السلام، وقال ابن أبي الحديد: وروى هشام ابن محمد الكلبي في كتاب (الجمل) أن أم سلمة (رض) كتبت إلى علي " ع " من مكة: " أما بعد فإن طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة إلى البصرة ومعهم ابن الحران عبد الله بن عامر بن كريز ويذكرون أن عثمان قتل مظلوما وأنهم يطلبون بدمه والله كافيهم بحوله وقوته ولو لا ما نهانا الله عنه من الخروج وأمرنا به من لزوم البيوت لم أدع الخروج إليك للنصرة لك، لكني باعثة نحوك عدل نفسي عمرو بن أبي سلمة " رض " فاستوص به يا أمير المؤمنين خيرا " قال فلما قدم عمرو على أمير المؤمنين " ع " أكرمه ولم يزل، مقيما معه حتى شهد مشاهده كلها، ثم وجهه أميرا على البحرين وقال " ع " لابن عم له بلغني إن عمروا يقول الشعر فابعث إلي من شعره شيئا فبعث إليه أبياتا له أولها: جزتك أمير المؤمنين قرابة * رفعت بها ذكري جزاء موفرا فعجب عليه السلام من شعره واستحسنه انتهى قلت وبعد ذلك كتب إليه يأتيه لما عزم على الرجوع إلى صفين لجهاد القاسطين بكتاب حسن يتضمن إنه لم يعزله عن خيانة أوامر غير حسن وإنما هو كان عزمه على قتال أهل الشام ولا ينبغي لمثله أن يغيب عن ذلك والكتاب مذكور في أصل نهج البلاغة ثم أرسل مكانه أميرا على البحرين النعمان بن عجلان الأنصاري من سادات الأنصار وشاعرهم ولسانهم الذي خلف على خولة زوجة حمزة أسد الله وأسد رسوله " ص " وهو أيضا صاحب الأبيات المشهورة وهي قوله يخاطب بها المهاجرين:
30 أقمتم أبا بكر لها غير عالم * وأن عليا كان أخلق بالأمر علي بحمد الله يهدي من العمى * ويفتح آذانا صممن من الوقر ولم يرض إلا بالرضاء وأنتم * رضيتم بأدناكم إلى أرذل العمر فقرر على أهل تلك الديار حقية الخلافة للأمير " ع " وخبر الغدير وغيره من فضائله وكراماته وأهل بيته، أصحاب آية التطهير ووجوب محبتهم ولزوم ولايتهم ومودتهم المنجية من نار السعير وقد صح عن رسول الله " ص " في المتفق عليه بين الفريقين إنه قال: أيها الناس إني مخلف فيكم الثقلين ما أن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وقال " ص ": أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى كل ذلك بأسانيد متعددة وألفاظ مختلفة ومعان متفقة وأخبار اثني عشر أمير أو خليفته المذكورة في " صحيح مسلم والبخاري " و " مسند ابن حنبل " منها لا يزال هذا الدين عزيزا ما وليهم اثني عشر خليفة أو أمير كلهم من قريش بألفاظ مختلفة ومعان متفقة وأسانيد صحيحة وفي بعضها كما في " الينابيع " كلهم من بني هاشم وأخبار يوم الغدير وغيرها من الجم الغفير الدالة على خلافة الأمير المتقدم بعضها بل ذلك منها نقضة من غدير وقليل من كثير ولا ينبئك مثل خبير وكله مروي في صحاح القوم ومسانيدهم كالصحيحين " والمستدرك " وبقية الصحاح الست ومسند ابن حنبل وغيرها من كتب الفضائل وكلها دالة منطوقا ومفهوما على أفضلية أهل البيت ووجوب مودتهم وولايتهم ومحبتهم وفي بعضها بل كلها بمعنى من المعاني على خلافتهم والغرض من ذلك أن المستمسك بالعترة الطاهرة والعاملين بأقوالهم والمقتدين بهم في أفعالهم هم الناجون في الآخرة
31 والعاملون بوصية الرسول الأمين في أهل بيته الطاهرين والراكبون سفينة النجاة والشاربون من عين الحياة والسالمون من جميع المهلكات. وعن رسول الله " ص " أنه قال لعلي " ع " يا علي تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين وفي معناه أحاديث كثيرة من طرق العامة فضلا عن الخاصة ودعوى بعض الأشاعرة والمعتزلة أنهم شيعة علي " ع " دعوى باطلة عاطلة فاه بها منهم اللسان وكذبها منهم القلب والجنان والعرف واللغة والوجدان فإنهم جعلوا عترة الرسول الأمين كآحاد المسلمين وسائر الصحابة والتابعين بل اعترضوا بالكلية عنهم وقلدوا أمور دينهم غيرهم مما لا يوازيهم في علم وعمل وكمال وورع وتقوى وجلال وحسب ونسب وإعراض عن الدنيا وإقبال على الأخرى فليس شيعة علي وآله الطاهرين عترة الرسول الأمين إلا الشيعة الإمامية العاملون بأخبار سيد البرية في عترته وأهل بيته والعترة والذرية من محبتهم وتعظيمهم ومودتهم وتكريمهم والعمل بأقوالهم والاقتداء بأفعالهم والاستضاءة بأنوارهم وزيارة قبورهم والحزن على مصائبهم والفرح بنشر فضائلهم ومناقبهم.. ولعمري إنه ينبغي لجميع المسلمين المقرين بنبوة سيد المرسلين بعد وفاته أن يقتدوا بعترته الهادين المهديين ويقلدوهم أمور الدنيا والدين صلة وتقربا لخاتم النبيين ولجامعيتهم للكمالات الصورية والمعنوية والحسب والنسب مما هو عار عنه أكثر العالمين لو لم يرد من رسول الله " ص " نصوص في حقهم ولا حث في تعظيمهم واتباعهم وتكريمهم والاقتداء بهم، فكيف والنصوص منه والحث الأكيد والكتاب المجيد فيه الحث الأكيد على وجوب مودتهم وعلو شأنهم ومودتهم كآية
32 مودة القربى (1) وآية التطهير (2) وآية الولاية للمؤمنين (3) والكون مع الصادقين (4) ولا ينال عهدي الظالمين (5) وآية المباهلة مع المشركين (6) وغير ذلك مما هو كثير ظاهر مبين وكذلك النصوص منه والحث الأكيد الذي ليس عليه من مزيد من الحث على قبول مودتهم والتمسك بحبل ولايتهم وكونهم سفينة النجاة وكونهم شركاء القرآن في وجوب الأخذ بأقوالهم والعمل بما صح
(1) هي قوله تعالى في سورة الشورى آية 23: (.. قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور). (2) هي قوله جل شأنه في سوره الأحزاب آية 34: (.. إنما يريد الله ليذهب الرجس عنكم أهل البيت ويطهركم تطهير). (3) هي قوله عز وجل في سورة المائدة آية 55: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون). (4) هي قوله جلت عظمته في سوره آل عمران آية 119: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين). (5) هي قوله عز من قائل في سورة البقرة آية 124: (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال: إني جاعلك للناس إماما، قال: ومن ذريتي، قال: لا ينال عهدي الظالمين). (6) هي قوله تعالى وتقدس في سورة آل عمران آية 16: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل: تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين). (المصحح) 33 عنهم كوجوب العمل بأوامر القرآن ونواهيه فإنه لا معنى للتمسك بهم وكونهم كالقرآن إلا هذا فهم تراجمة القرآن وأمناء الملك الديان وكونهم الحبل الممدود بين الله وبين خلقه بعد رسوله صلى الله عليه وآله وهم الوسائط بينهم وبينه فلا يقبل الله عمل عامل ولا ترفع إليه قربة متقرب إلا إذا عمل بكتابه واتبع عترة نبيه وآل نبيه صلى الله عليه وآله في أحكام دينه وأعماله ويقينه وكونهما خليفتين على الأمة وكونهما متلازمين لا ينفك أحدهما عن الآخر إلى يوم القيامة لقوله " ص ": (لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وهذا عين ما تقوله الإمامية دون غيرهم من سائر فرق المسلمين من أنه يجب أن تكون مدة التكليف إمام هاد من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله هو اللطف يجب على الأمة معرفته ويؤيده ما استفاض عنه (صلى الله عليه وآله) من طرق الخاصة والعامة من قوله (صلى الله عليه وآله): (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) وكذلك كون علي منه بمنزلة هارون من موسى (ع) وهارون خليفة موسى قطعا بنص الكتاب العزيز ومشارك له في النبوة فأثبت له جميع المنازل التي لهارون من موسى واستثنى النبوة منها خاصة إذ لا نبي ولا رسول مع محمد (صلى الله عليه وآله) ولا بعده وقوله (صلى الله عليه وآله): علي إمام البررة وقاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله، وأخبار الغدير وغيرها من الجم الغفير الواسع الكثير فبموجب ما ذكرناه إنه يجب على جميع المسلمين وكافة العالمين الذين يخافون من عذاب يوم الدين ويتقربون للنبي الأمين أن يقلدوا عترته الطاهرين وآله الميامين في أمور دينهم ودنياهم ويقتدوا بهديهم وهداهم لاتفاق كافة المسلمين العالمين على إثبات علمهم وعدالتهم وتقواهم وطهارتهم وزكاة نسبهم ونجابة أصلهم وأحسابهم ويجب عليهم النظر لأنفسهم وليقتدي بهم من جاء بعدهم بسببهم في من جمع هذه الأوصاف
34 من سادات الأشراف واختص بهذه الكمالات وجمع هذه الخصال والصفات وهم أئمتنا الطاهرون الميامين عترة الرسول الأمين وهم علي أمير المؤمنين (ع) وأبناؤه الأحد عشر الذين أولهم الحسن الزكي (ع) وآخرهم (القائم المهدي - ع) الذي ألفت الكتب والمصنفات في فضائلهم ومناقبهم ومزاياهم ومراتبهم وملأت الدواوين بمدائحهم وأجمع الكل على علمهم وتقواهم وعدالتهم من الذين لم يقروا بأمانتهم فضلا عن أوليائهم وشيعتهم ك (الفضائل) لأحمد بن حنبل الشيباني و (مطالب السؤول) و (الدر النظيم) لمحمد بن طلحة الشامي الشافعي و (الفصول المهمة في فضائل الأئمة) لعلي بن محمد المكي المالكي و (فرائد السمطين) للحميري (وتذكرة الخواص) لعبد الرحيم بن الجوزي و (مودة ذوي القربى) للسيد علي الهمداني و (ينابيع المودة) للسيد سليمان القندوزي الحنفي وغير ذلك مما لا يحصى كثرة فضلا عما سواه، ولكن حب الدنيا وتبع الهوى وغلبة الشقاء ومتابعة من ضل وغوى توجب مخالفة رب الأرض والسماء والرسول المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى والعترة الهادية من الردى الدالة على طريق الرشاد والهدى نسأل الله الكريم أن يثبتنا على محبتهم وولايتهم ويحشرنا في زمرتهم ويدخلنا الجنة معهم وببركاتهم إنه الرب الكريم الرحمن الرحيم فإن شيعتهم هم الفائزون وأتباعهم هم الناجون وهم في تقسيم الفرق فرقة ناجية هم المعنيون فأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فهم كما قلت فيهم: إذا رمت يوم الحشر تنجو من النار * وتأتي إلى الجبار عار من العار وتدخل جنات النعيم مخلدا * بمقعد صدق في جوار لأبرار فوال علي المرتضى علم الهدى * أخا المصطفى الهادي ووالد أطهار
35 وأبناءه الأطهار يا جاء عدهم * وفاطمة الزهرا سليلة مختار هم العروة الوثقى هم النور والهدى * هم السبب الأقوى وهم حجج الباري هم التين والزيتون والشمس والضحى * وهم كلمات الله من غير إنكار وهم فلك نوح ثم هم باب حطة * وهم عترة المختار أشرف أبرار وهم شركاء الذكر في نص أحمد * وهم خلفاه في صحيحات أخبار إذا قال منهم قائل قال صادقا * بحق عن المختار حقا عن الباري لهم آية التطهير أنزلها لهم * فطهرهم من كل رجس وأقذار محبتهم دين وقولهم هدى * ولايتهم فرض وحكمهم جاري وحربهم كفر وبغضهم ردى * وظلمهم حوب يسوق إلى النار فلا عمل فرضا ونفلا بنافع * بغير ولاء الآل فافهم وكن داري فيا رب ثبت في جناني ولاءهم * وحبهم في القلب من غير إنكار وآمن بهم خوفي لدى كل شدة * وسلم بهم جسمي وروحي من النار وأدخلني الجنات فضلا ومنة * فجودك مدرار عظيم بنا ساري وصل على الهادي الشفيع محمد * وعترته الأطهار أفضل أخيار وقد قلت أيضا فيهم صلوات الله على جدهم وأبيهم وأمهم وعليهم: يا آل أحمد من طابوا ومن طهروا * فلا يدانيهم رجس ولا قذر صفاكم الله من رجس وفاحشة * فلا يلم بكم عيب ولا غير ولا يحبكم إلا الذي ربحوا * ولا يقاليكم إلا الذي خسروا أنتم موازين قسطاس الأنام فلا * ترجيح إلا لمن أنتم له الذخر فلا صلاة ولا صوم ولا عمل * إلا بحسن ولاكم أيها الغرر
36 من بأهل المصطفى عن أمر خالقه * بكم يقينا فما بكرو وما عمر وأنتم الآل والقربى وغيركم * المسؤول عن ودكم نصت به السور وأنتم الآل آل الله من علقت * بكم يداه فلا خوف ولا ضرر إني بحبكم دنيا وآخرة * أرجو السلامة من نار لها شرر فحققوا يا غياث الخلق لي أملي * فأنتم أمننا والفخر والذخر أنتم لنا السفرا لله خالقنا * ولم يخب من إليه أنتم السفر صلى عليكم إله الخلق ما طلعت * شمس وما تليت في فضلكم سور وقلت أيضا فيهم صلوات الله وسلامه على رسولهم وعليهم: فلك النجاة وباب حطة حيدر * وبنوه يأثم البتول الطاهره هم قد عناهم أحمد خير الورى * في أهل بيتي مثل فلك ظاهره فاركب سفينة حبهم وولائهم * تسلم بها من حر نار ساعره فهم السبيل إلى الإله وأحمد * خير الخلائق في الأولى والآخره لا شك فيه ومن يماري ناصبا * قد حاد عن سبل النجاة الطاهره يا رب ثبتني على نهج الهدى * بالمصطفى وبهم لفوز الآخره وتوفني متمسكا بولائهم * ورضاك عني في أولاي وآخره فلأنت ربي خير رب راحم * ولأنت ذو النعم العظام الفاخره وصلاة رب العرش تغشى المصطفى * والآل عترته النجوم الزاهره وقد ذكرت ما ذكرته مما فيهم قلته وأنشأته تبركا بشريف ذكرهم وتقربا إلى الله تعالى ورسوله بإظهار بعض فضلهم وفخرهم وإلا ففضلهم وفضائلهم وكراماتهم وفواضلهم قد نوه الله بها في القرآن المجيد والذكر الحميد وضاعت بها البقاع وملأت
37 الأسماع والأصقاع وحدث بها الركبان في كل مكان وروتها الأولياء والعدوان كثيرة جدا لا يحيط بها اللسان ولا يحصرها إنسان وإن كان ما كان وقد أفردوا لها المصنفات الكثيرة والمؤلفات الشهيرة مقبولة في الطباع ولا تمجها الأسماع (هي الشمس كل العالمين يرونها * عيانا ولكن ذكرها للتبرك) وقد ذكرت هذا المعنى في قصيدتي الغديرية التي أنشأتها في يوم الغدير للتسليم على الأمير بعد ذكر شئ كثير من فضائلهم وكراماتهم وفواضلهم معتذرا عن الإحاطة بأكثرها وإنما ذكرنا ما ذكرناه منها لثوابها وأجرها قلت: وفي فضلهم أني وذا الخلق كلهم * لبكم إذا رمناء إلى ذاك من حصر إذا كان رب الخلق أثنى عليهم * ونزل فيهم أفضل الذكر في الذكر فما جهد مقوال يقول بجهده * وما قدر مصقاع يفوه بالشعر وأني بشعري فهت بعض مديحهم * وقصدي ثواب الله مع عظم الأجر وكنت كمن قد شال في بطن كفه * له قطرة من وسط متسع البحر فكنت كمن قد نال في الكف نقطة * من المطر الهامي إذا انهل بالفطر فهم عليهم السلام كلمات لله لا تنفد و خزائن جوده التي لا تحصى ولا تعد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله على ما رواه الفريقان لو أن الرياض أقلام والبحر مداد والإنس والجن كتاب ما أحصوا فضائل (علي بن أبي طالب - ع) وهم عليهم السلام نور واحد وطينة واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض. والغرض الأصلي والمطلب الكلي من إيرادنا هذه النبذة اليسيرة في هذا الكتاب هو التبرك بشريف ذكرهم والتشرف بنشر بعض مزاياهم وفخرهم، وإن تابعيهم ومتعلقيهم كأهل هذه البلاد قد سلكوا طريق الرشاد وفازوا بالهداية
38 والسداد، ونالوا خير الدنيا والمعاد، وامتثلوا أوامر الرسول صلى الله عليه وآله حين تفرقت الآراء وتمسكوا بالعروة الوثقى في الأخذ بوصيته لعترته وذريته حين تبددت الأهواء فهم وأمثالهم الناجون والمؤمنون الفائزون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ثبتنا الله وإخواننا على ولايتهم ومودتهم وحشرنا معهم في زمرتهم ورزقنا الجنة برحمته وفضله وشفاعتهم إنه على كل شئ قدير وبالإجابة جدير. ومن فضائلها إنها أول جمعة أقيمت بعد المدينة المنورة فيها في زمن الرسول كما رواه شيخ الطائفة في التهذيب عن أن أول جمعة أقيمت بعد المدينة في جواثا (1) في بني عبد القيس قرية عظيمة هي قاعدة هجر وهي الأحساء وفي القاموس قرية في البحرين وكانت في الزمن القديم مدينة الأحساء ثم خربها الرمل وأخبرني بعض المترددين إليها من أهل هجر أنه وصل إليها ثلاث مرات خير وأنه قد ظهر مسجدها الأعظم بعد مفارقة الرمل عنه وبعض آثارها وفيه وفيها آثار قديمة عظيمة وهي الآن نائية عن العمران بمقدار ثلاثة أو أربعة فراسخ معروفة عند أهل ذلك المكان وهذه فضيلة عظيمة وكرامة لأهلها جسيمة لامتثال أهلها بأعظم فرض من فروض الدين وإقامته فيها قبل أكثر بلاد المسلمين. ومن فضائلها كثرة بناء المساجد وتعميرها فيها ونشر شعائر الإسلام والإيمان في جميع نواحيها وقد قال الله تعالى (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) وهو أمر معلوم بالوجدان لا ينكره من رآها بالعيان وله عينان، وقد روي في عدة أخبار عن النبي المختار صلى الله عليه وآله الأطهار
(1) جواثا بفتح الجيم والواو ثم ألف ثم ثاء مثلثة على وزن صحارى. 39 وقد ذكر جملة منها ثقة الإسلام الفاضل العلامة الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي (ره) في كتابه (نفس الرحمن في فضائل سلمان) عن كتب معتبرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال: لو كان العلم في الثريا لتناولته رجال من فارس، ولو فقد الإسلام من الدنيا لوجد في هجر (أو ما هو بهذا المعنى) والأمران المذكوران محققان بالتتبع والوجدان وهما من إعلام نبوته صلى الله عليه وآله وذريته لإخباره بما سيكون فكان كما أخبر وقال بلا ريب ولا إشكال فإن أكثر علماء الإسلام والإيمان من قديم الزمان وجمهور أهل النقض والإبرام في أغلب الأزمان من بلاد العجم التي هي بلاد فارس كثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني (ره) صاحب (الكافي) الذي عده بعض مؤرخي العامة أنه المجدد لمذهب الإمامية في المائة الثالثة بعد أن عد مولانا الإمام الرضا (ع) هو المجدد لمذهب الإمامية في المائة الثانية وكأبي جعفر الصدوق القمي (ره) صاحب (من لا يحضره الفقيه) و (مدينة العلم) وما يقرب من ثلاثمائة مصنف وأبيه الثقة على بن بابويه وعلي بن إبراهيم وأبيه إبراهيم بن هاشم ويونس وابن الوليد والصفار القميين وأضرابهم وشيخ الطائفة المحقة محمد بن الحسن الطوسي صاحب (تهذيب الأحكام) و (الإستبصار) و (التبيان) وغيرها من المصنفات الكثيرة في علوم كثيرة وسيد المحققين والحكماء نصير الملة والدين الخواجا صاحب (التجريد) و (قواعد العقائد) وغيرهما وأمين الدين الطبرسي أبي لي صاحب (مجمع البيان) وغيره وأبي طالب الطبرسي صاحب (الإحتجاج) وابن شهرآشوب المازندراني صاحب (المناقب) والطبرسي صاحب (مكارم الأخلاق) وغيره وقطب الدين صاحب (المحاكمات) و (شرح المطالع) و (الشمسية)
40 والمولى الإمام المجلسي غواص (بحار الأنوار) وأبيه العابد التقي وأبو عبد الله التستري والمولى محمد صالح المازندراني والمحقق الخوانساري والفاضل السبزواري صاحب (الذخيرة) والشيرواني والفاضل النراقي والمحقق شيخنا الأنصاري (رض) والشيخ أسد الله التستري والأردكاني والفاضل المقدس الشيخ زين العابدين والميرزا حبيب الله الرشتي والملا محمد الأيرواني والفاضل الملا محمد الشربياني والمقدس الشيخ محمد حسن المغمغاني وأضرابهم قدس الله أرواحهم ونور في الملأ الأعلى أشباحهم، ومن المعاصرين الموجودين حفظهم رب العالمين كالمحقق الأمين الحاج ميرزا حسين ابن الحاج خليل الطهراني والمغمغاني والمحقق الأوحد الشيخ ملا كاظم الخراساني والشيخ محمد تقي الشوشتري والشيخ محمد الأصفهاني دون فحول الفقهاء من السادات الأجلاء الذين توطنوا فيها وصاروا من أهلها فإنا لم نعد أحدا منهم بل جعلناهم كأصلهم الشريف هاشميين علويين فاطميين كآل طباطبا والقزوينيين قدس الله أرواحهم أجمعين وأضرابهم مما لا يحصون كثرة وكلهم مذكورون في كتب الرجال والإجازات والفهارس قد روجوا شريعة سيد المرسلين وآله الطاهرين وأحيوا معالم الدين وأوضحوا مسالك اليقين ومن العامة جملة كثيرة كالرازي والفيروز آبادي صاحب (القاموس) والقوشجي والأصفهاني وغيرهم. وأما الأمر الثاني فهو ترويج شعائر الإسلام والإيمان في هذه الديار والبلدان والتلزم بأحكامه والتصلب في حلاله وحرامه فهو وإن تسافل الزمان واستولت على الناس وساوس الشيطان في أكثر الأصقاع والبلدان إلا أن هذه الديار لها امتياز محقق عن أكثر الأمصار لمواضبتهم على أكثر الواجبات وكثير من
41 المندوبات وعدم تجاهرهم بالمحرمات التي هي شائعة في أكثر بلاد الإسلام رائجة عند أكثر الأنام وبالجملة فمن نظر بعين الإنصاف وترك العصبية وطريق الاعتساف علم ما قلناه وتيقن ما قررناه فدين الإسلام بها ولله الحمد موجود وشعائر الإيمان فيها غير مفقود ونسأل الله الكريم الرحمن الرحيم أن يوفقنا وإخواننا المؤمنين لتقواه، وأن يثيبنا على دينه وهداه ويثبتنا إلى منتهى رضاه ويمنحنا سعادة دنياه وأخراه وأن يدفع عنا وعنهم كلما نحذره ونخشاه مما يكرهه الله فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله وهو بالإجابة جدير وعلى كل شئ قدير والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين المظلومين وسلم تسليما كثيرا مباركا.
42 الباب الأول في ترجمة جزيرة أوال " البحرين "
43 بسم الله الرحمن الرحيم (جزيرة أوال) هي البحرين بحيث صار علما بالغلبة عليها وإلا فهي أي البحرين تطلق على الجميع أو عليها وعلى كلما هو على ساحل ذلك البحر كما قدمنا الكلام عليه كما أن هجر تطلق على الجميع ثم صار علما بالغلبة على بلاد الأحساء والظاهر أن هذه الغلبة قديمة الاستعمال شائعة ينصرف إليها ذلك الاطلاق فأما وجه التسمية والنسبة إلى أوال على وزن جلال فقد حدثني أقدم مشائخي العلامة الثقة الحفظة الأوحد الصالح الرباني الشيخ أحمد ابن المقدس الشيخ صالح البحراني قدس الله نفسه ونور رمسه أن أوال هذا أخ لعاد بن شداد أو ابنه قد طلب أرضا طيبة الهواء جزيرة قابلة للسكنى كأخيه أو أبيه عاد لما طلب أرضا طيبة الهواء ليبنيها كالجنة فبنى إرم ذات العماد فوصفت له هذه الجزيرة أعني البحرين فرآها جزيرة عظيمة حسنة طيبة الهواء ذات مياه خالية من الهوام والسباع قابلة للتعمير والسكنى واستنباط العيون وغرس النخيل والأشجار فسكنها ومدنها فنسبت إليه انتهى كلامه علا في الخلد مقامه. (قلت) وقد وقفت على ما ذكره طاب ثراه بعد ذلك في بعض التواريخ المعتبرة
44 والكتب المشتهرة ولم يحضرني اسم ذلك الكتاب الآن ولم أكن بصدد كتابة هذه الرسالة ولا تحرير هذه المقالة حتى أثبته وأنقله وهذا هو وجه النسبة في أقوال كثير من علماء البحرين بالأوالي أي النسبة إلى جزيرة أوال وهذه الغلبة وهذا الاستعمال الذي ذكرناه من تسميتها بالبحرين وأنه يتبادر اللفظ إليها عند الاطلاق بحيث إذا ذكرت البحرين لا يطلق إلا عليها إطلاقا شائعا هو الذي أوجب للعالم العامل والمحقق الكامل الورع التقي الفقيه الشيخ حسين ابن الشيخ عبد الصمد الجباعي العاملي الحارثي والد شيخنا البهائي (قدس سرهما) التنقل إليها دون غيرها مما شاركها والسكنى فيها إلى الممات لما رأى الرؤيا بمكة المشرفة وقد انتقل إليها وتوطن فيها ذكر شيخنا الفاضل المحقق المحدث الرباني الشيخ يوسف ابن العلامة الشيخ أحمد آل عصفور البحراني صاحب (الحدائق الناضرة) وغيره من المصنفات الفاخرة قال في (لؤلؤة البحرين) وفي كتاب (الكشكول) في ترجمته (ره) أخبرني والدي (قدس سره) أن الشيخ المزبور كان في مكة المشرفة قاصد الجوار فيها إلى أن يموت وإنه رأى في المنام أن القيامة قد قامت وجاء الأمر من الله تعالى بأن ترفع أرض البحرين وما فيها إلى الجنة فلما رأى هذه الرؤيا آثر الجوار فيها والموت في أرضها فرجع عن مكة وجاء إلى البحرين انتهى محل الحاجة من كلامه زيد في مقامه. (قلت) وقد وقفت على هذه الرؤيا مسندة عن علماء ورعين ثقات إلى أن تنتهي إلى المرحوم الشيخ حسين صاحب الرؤيا وقد بقي هذا الشيخ (ره) في البحرين مشتغلا بالتدريس والتصنيف والعبادة والتآليف في قرية المصلى من توابع
45 بلادنا بلاد القديم إلى أن توفي بها لثمان خلون من ربيع الأول سنة 984 ه أربع وثمانين وتسعمائة من الهجرة عن ستة وستين وشهرين وسبعة أيام ودفن في مقبرة البلاد المعروفة بمقبرة الشيخ راشد شمالا من المسجد وقد زرت قبره مرارا ودعوت الله عنده وعلى قبره صخرة مكتوب عليها اسمه واسم أبيه وبلاده وتاريخ وفاته ضاعف الله حسناته، هذا وابنه الشيخ بهاء الملة والدين الشيخ محمد شيخ الإسلام بديار العجم بإلزام من الشاه عباس الصفوي (ره) وقد رثى أباه المذكور بقصيدة فريدة أشار فيها إلى كثير مما ذكرناه بإيرادها لأن كتابنا هذا كتاب أدب وكمال واعتبار وأمثال نذكر فيه الشئ أولا بالذات وثانيا بالعرض قال رحمه الله يرثي أباه المذكور تغمدهما الله وإيانا بالكرامة والحبور: قف بالطلول وسلها أين سلماها * ورو من جرع الأجفان جرعاها وردد الطرف في أكناف ساحتها * وأرج الروح من أرواح أرجاها فإن يفتك من الأطلال مخبرها * فلا يفوتك مرآها ورياها ربوع فضل تباهي التبر تربتها * ودار أنس تحاكي الدر حصباها عدا على جيرة حلوا بساحتها * صرف الزمان فأبلاهم وأبلاها بدور تم غمام الموت جللها * شموس فضل سحاب الترب غشاها فالمجد يبكي عليها جازعا أسفا * والدين يندبها والفضل ينعاها يا حبذا زمن في حبهم سلفت * ما كان أقصرها عمرا وأحلاها أوقات أنس قضيناها فما ذكرت * إلا وقطع قلب الصب ذكراها يا جيرة هجروا واستوطنوا هجرا * واها لقلب المعنى منكم واها رعيا لليلات وصل بالحمى سلفت * سقيا لأيامنا بالخيف سقياها
46 لفقدكم شق جيب الدين فانصدعت * أركانه وبكم ما كان أقواها وخر من شامخات العلم أرفعها * وأنهد من باذخات الحلم أرساها يا ثاويا بالمصلى من قرى هجر * كسيت من حلل الرضوان أبهاها أقمت يا بحر بالبحرين فاجتمعت * ثلاثة كن أمثالا وأشباها ثلاثة أنت أنداها وأغزرها * جودا وأعذبها طعما وأصفاها حويت من درر العليا ما حويا * لكن درك أعلاها وأغلاها يا أعظما وطأت هام السهى شرفا * سقاك من ديم الوسمي أسماها ويا ضريحا سما فوق السماك علا * عليك من صلوات الله أزكاها فيك انطوى من شموس الفضل أضوءها * ومن معالم دين الله أسناها ومن شوامخ أطواد الفتوة أرساها * وأرفعها قدرا وأبهاها فاسحب على الفلك الأعلى ذيول علا * فقد حويت من العلياء علياها عليك منا سلام الله ما صدحت * على غصون أراك الدوح ورقاها انتهى آخرها وقد أجاد فيها بما أفاد، وقد كان أبوه المذكور من العلماء الأمجاد وآباؤه علماء أوتاد ينتهي نسبهم إلى الحارث الأعور الذي هو من خلص أصحاب أمير المؤمنين وسيد المسلمين المخاطب له بالأبيات المشهورة بقوله (ع): يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا يعرفني شخصه وأعرفه * بعينه واسمه وما فعلا وأنت يا حار إن تمت ترني * فلا تخف عثرة ولا زللا أسقيك من بارد على ظمأ * تخاله في الحلاوة العسلا أقول للنار حين تعرض في * المحشر ذريه لا تقربي الرجلا
47 ذريه لا تقربيه إن له * حبلا بحبل الوصي متصلا (1) وما ذكره عليه السلام من رؤيته لكل أحد عند المعاينة والاحتضار فتقر به أعين أوليائه وتشقى به نفوس أعدائه، فذاك مما تواترت به أخبارنا عن أئمتنا الصادقين عترة الرسول الأمين صلى الله عليه وآله الطاهرين وصار عند الطائفة المحقة من الإعتقادات الحقة ويحضر أيضا معه رسول الله صلى الله عليه وآله وقد وافقا عليه ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي إن صح أنه قوله (ع) لعصمته عنده وإن لم يشترط العصمة في الإمام بل للأخبار الثابتة عنده عن النبي صلى الله عليه وآله الدالة على عصمته كقوله صلى الله عليه وآله (علي مع الحق والحق مع علي (ع) يدور معه كيفما دار لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وما بمعناه كما ذكره في شرحه على النهج فهو عليه السلام مع الحق والحق معه يدور معه حيث ما دار وقد نص الكتاب المجيد إن أهل الكتاب يعاينون عيسى (ع) عند الموت فيؤمنون به قال تعالى (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) وأمير المؤمنين (ع) فيه شبه من عيسى (ع) ومن أكثر الأنبياء والمرسلين كما في روايات كثيرة عن سيدهم خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله الطاهرين في كتب الفريقين ينتهي نسبه إلى همدان بسكون الميم قبيلة من اليمن من أنصار أمير المؤمنين عليه السلام في قتاله الناكثين والقاسطين والمارقين ولا سيما في واقعة صفين فقد أبلوا فيها بلاء
(1) المشهور في كتب الأدب والمعاجم أن هذه الأبيات من نظم شاعر آل البيت السيد إسماعيل بن محمد المعروف بالسيد الحميري، وكان قد نظمها على لسان أمير المؤمنين (ع) مضمنا فيها الرواية المشهورة. (المصحح) 48 حسنا وستأتي بقية الكلام في ترجمة الشيخ جعفر الخطي إن شاء الله. وهذه الجزيرة أعني البحرين أحسن المدن الثلاث جامعية للكمال لكثرة العلماء فيها والمتعلمين والأتقياء الورعين والشعراء والأدباء والمتأدبين وخلص الشيعة المتقدمين وكثرة المدارس والمساجد وفحول العلماء الأماجد وهي مع ذلك ذات نخيل وأشجار وعيون وأنهار وأرضها قابلة لكل الزراعات وبها مغاص الدر الجيد من جميع الجهات إلا أنه قد عصفت بها الآن عواصف الأيام ولعبت بأهلها حوادث الدهور والأعوام التي لا تنيم ولا تنام فشتتت شمل أهاليها وبددت نظم قاطنيها وفرقتهم في كل مكان وفرقتهم أيدي سبا من أهل الجور والعدوان كما قيل: كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر بلى نحن كنا أهلها فأبادنا * صروف الليالي والجدود العواثر فصارت أكثر رسومها عافية، وبيوتهم على عروشها خاوية وخلت من السمير والمسامر وانعكست عكس النقيض فكانت كما قال الشاعر: تنكر منها عرفها فأهيلها * غريب وفيها الأجنبي أهيل وأقفرت من أهلها الربوع والمساجد ودرست من أهلها المدارس والمعابد فتجد أكثر قراها رسوما داثرة والقليل بآثار تحكي نضارة أهلها خرابا غير عامرة وقد عمرت أهلها أكثر الأطراف والبلدان ونشروا فيها شعائر الإسلام والإيمان فأكثر العلماء الموجودين ومن سلف في البلدان القريبة كالقطيف وأبي شهر وأطراف فارس ولنجة ومسقط وميناء والمحمرة وأطرافها والبصرة وشيراز وكثير من أطراف العراق والعجم منهم حديثون ومنهم قديمون فكانت مصداق المثل
49 أو الدعاء أو الحديث المرسل الذي ذكره السيد المعاصر السيد محمد باقر في روضاته كما قدمناه وهو قولهم خرب الله البحرين وعمر أصفهان ولقد فسره وأنصف وإن كان منها والإنصاف من شعار أهل الإيمان بما حاصله أن خراب البحرين سبب لعمران أصفهان بأهل البحرين مما فيهم من الصلاح والإيمان والإيقان وبالعكس أصفهان والمراد بأصفهان جميع الإقليم لأنه مخصوص بالبلد المخصوص بهذا العنوان وسنذكر أن شاء الله تعالى كثيرا منهم ممن دخل تحت هذا الشأن، وحدثني بعض الصادقين من الأخوان عن جدي لأبي المرحوم الشيخ علي ابن المقدس الشيخ سليمان إن بيتنا في البلاد القديم اجتمع فيه في عصر من الأعصار خمسة وأربعون عالما مجتهدا ومشارفا للاجتهاد دون الطلبة من أولادهم وكانوا أصحاب نعم جسيمة. وذكر العالم الجليل الرباني الشيخ علي ابن العلامة المحدث الشيخ محمد شارح كتاب (الوسائل) المقابي البحراني الذي يأتي الكلام إن شاء الله تعالى على ترجمتهما في بعض مصنفاته والظاهر أنه هو الترجيحة أي تراجيح الأدلة وهو كتاب حسن كبير وكان يبحث مع بعض معاصريه في مسألة وينسبه فيها إلى قلة الإنصاف قال رحمه الله تعالى نقلا لكلامه بالمعنى قد كان العلماء السابقون من بلادنا البحرين في غاية من الإنصاف والتقوى والإعراض عن الدنيا وقد اتفق أن فاتحة أقيمت لبعض أشخاص البحرين في مسجدها المسمى بالمشهد ذي المنارتين فاتفق فيها حضور ثلاثمائة أو يزيدون من العلماء الأفاضل في وقت من الأوقات فأتى رجل يسأل عن مسألة مهمة في دينه فقصد المشار إليه من بينهم فسأله عنها فأحاله على الذي عن يمينه فسأله فأحاله على الذي إلى جانبه وهكذا لم يزل يحيل
50 كل واحد على الآخر حتى أتى على آخر ذلك الصف ثم أحالوه على الأول أي المسؤول أولا فأحاله على الذي كان على يساره فسأله فأحاله على الذي بجانبه وهكذا حتى أتى على آخرهم فأحالوه على الأول فرجع إليه وأجابه عن مسألته انتهى فانظر رحمك الله تعالى إلى هؤلاء العلماء الأشراف، والمجمع الجامع لمحاسن التقوى والإنصاف الذي جمع هذا الجم الغفير والجمع الكثير في وقت اتفاقي فما ظنك بمن لم يجمعهم ذلك المجمع ولم يحضر ذلك الموضع من أهل القرى البعيدة أو القريبة الذين لم يسمعوا ولم يحضروا فإنا لله وإنا إليه راجعون، فأين تلك العلماء ومصنفاتهم، وأين مدارسهم وتلامذتهم وأين كتبهم ومؤلفاتهم وأين تلك العلوم والأطلال والرسوم: ذهبوا كأن لم يخلقوا * والكل في الآثار ذاهب شرك به كل البرايا * أينما كانوا نواشب لم ينج ذو سرف وذو * شرف وإن ملكا المقانب ما في الوجود فللفناء * وكل آت فهو ذاهب فاعتد للتقوى له * فالحزم في نظر العواقب ولمصنف الكتاب في التحسر على ما جرى عليها من الحوادث والأوصاب: كانت أوال مدينة * للعلم والعمل الصحيح ومحط أرباب التقى * والزهد والأدب الفصيح ومحل أرباب النهى * والدين كل فتى رجيح من جهبذ ورع وذي * فضل وعمال ربيح كم عابد متهجد * في ليله حتى الصبوح
51 واليوم قد لعبت بها * ريح الحوادث أي ريح فالجهل فاش والفساد * بها وكل هوى طموح وتبددت عن أهلها * من كل منتحل قبيح أملاكها غصب وأهلوها * أفانين النزوح فعسى إله العرش يهدي * أهلها لجب الوضيح ويمدنا بالخير والتقوى * على الوجه الرحيح وعلى النبي وآله * صلوات خلاق صفوح فسبحان الملك الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم الدائم الباقي الذي لا يتغير ولا يموت ذي العزة والكبرياء والملك والملكوت ونحن نسأل من فضله الجسيم وجوده العميم ومنه القديم أن يختم لنا بالخيرات وبالأعمال الصالحات، ويغفر لنا جميع ما عملناه من السيئات، ويمنحنا برحمته الواسعة عالي الدرجات في دار القرار والجنات ونتوسل إليه في جميع ذلك بمحمد المصطفى وآله الطاهرين الهداة عليه وآله الأكرمين أفضل السلام والصلاة. حدثني بعض الصالحين الثقات من أهل البحرين عن سلفهم الأقدمين إنه كان في الزمن القديم في البحرين أن الرجل من أهل السوق والتجار يكون عنده العبد المملوك فيراه ليلة من الليالي ربما غفل عن صلاة الليل لنوم أو غفلة فيصبح ويأمر الدلال أن يبيعه فيقول له جيرانه من أهل السوق لم تبيع مولاك ولم تر منه إلا الصلاح والطاعة فيقول لهم مولاه أنه البارحة لم يصل صلاة الليل وأخاف أن تكون له عادة فربما يقتدي به بعض العيال فلا يصلي صلاة الليل فإذا سمعوا ذلك منه صار عندهم عيبا فيأمرون بإخراجه من البحرين وبيعه في غيرها من البلدان انتهى
52 (قلت) رحم الله أهل ذلك الزمان وتغمدنا وإياهم بالرحمة والرضوان، وجمعنا وإياهم في غرفات الجنان، بحق محمد وآله الطاهرين الأعيان وصلى الله عليه وعليهم في كل آن، فمن هؤلاء وأضرابهم سميت البحرين ببلاد المؤمنين والإيمان، واشتهرت بذلك في كل مكان، وبحق صدق رؤيا العالم الجليل الأسعد الشيخ حسين بن عبد الصمد، والد شيخنا البهائي عليهما الرحمة والرضوان، وإلا ففي هذه الأوقات والأزمان، غلب على من فيها الجهل والعصيان لفقد العلماء العاملين والصلحاء الورعين، وتوطن فيها الأجانب، ولعبت بأهلها أيدي النوائب، وتبدلت من أهلها الأحوال بغصب الأملاك ونهب الأموال وشردوا في كل مكان وعمروا أكثر البلدان فإنا لله وإنا إليه راجعون، وكان العبد الفقير إلى ربه العليم القدير صاحب هذا الكتاب ممن رمته مناجيق العباد وقذفته تلك البلاد فخرج من البحرين بعد وفاة والده المقدس في سفره لمكة المشرفة بعد قضاء الحج ومهاجرته لزيارة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين فمات في الطريق في المنزل المعروف برابغ مع جملة من صلحاء البحرين وعلمائها منهم العالم الصالح الشيخ صالح والد شيخنا العلامة أفاض الله عليهم شآبيب اللطف والكرامة بعد الواقعة العظيمة والمصيبة الجسيمة التي نهبت فيها الأموال، وقتل فيها حاكمها علي بن خليفة مع بعض الرجال، إلى بلاد القطيف مع الوالدة المرحومة تغمدها الله برحمته وأحلها دار كرامته وكان عمري إذ ذاك أحد عشر سنة أو اثنى عشر سنة، وكان المرحوم المبرور حذين الولدان والحور شيخنا واستاذنا العلامة الثقة الصالح الرباني الشيخ أحمد ابن العالم العابد الصالح الشيخ صالح البحراني تغمده الله وإيانا بالكرامة والحبور وآمنه وإيانا يوم العرض والنشور من كل عذاب
53 ومحذور قد نزل فيها قبل الواقعة المذكورة بأيام يسيرة بعد رجوعه من زيارة العتبات الشريفة والمقامات المنيفة مع جميع الأولاد والعيال فلما وصل إلى بلاد القطيف وهو في السفينة لم يخطر في باله النزول في القطيف إذ سمع بحركة الواقعة هناك وكان محمد بن خليفة الذي جيش على أخيه علي وقتله فيها محله فلما سمع المرحوم الشيخ المذكور بذلك توقف عن الرواح لما هنالك فاستخار الله على النزول في القطيف إلى أن تنكشف حقيقة الحال لئلا يقع في الورطة والبلبال فخرجت الخيرة الإلهية أمرا بالنزول ونهيا عن القفول وكان معه أشخاص وصلحاء كثيرون من أهل البحرين فعالجوه على الرواح فلم يرض بعد الخيرة من خالق الكونين فنزل في بلاد القطيف، وشرفها الله به غاية التشريف، وبعد نزوله بقليل وقع في البحرين ما وقع من الخطب الجليل وقد شرحنا جميع أحواله في مبدئه ومآله في رسالتنا المسماة (بالحق الواضح في أحوال العبد الصالح) فأتيت إليه مع الوالدة المرحومة صفر الكف من الطارف والتلاد بعيدا عن آثار الآباء فآواني ورباني وأكرمني وحباني وقربني وأدناني على أولاده فضلا عن أقراني وكان (ره) أستاذي ووالدي الروحاني وكهفي وملاذي وشيخي وعمادي وجد أولادي جزاه الله عني أفضل جزاء المحسنين وأجزل الحبا وجعل الجنان له مستقرا ومنقلبا وجمعنا وإياه وآباءنا والمؤمنين في مستقر رحمته ودار كرامته بحق محمد وآله وعترته صلى الله عليه وآله الطاهرين كل آن وحين. (تنبيه) فيه تنويه.. إعلم وفقنا الله وإياك وجميع إخواننا المؤمنين لخير الدنيا والدين ومرضات رب العالمين أنا نذكر في هذا الباب ما وقفنا عليه من علمائنا الأنجاب من أهل البحرين مما ذكره الماضون وسلفنا الصالحون كشيخنا
54 المحقق العلامة الثاني أبي الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني في الفصل الذي عقده لهم، وفي كتابه (أزهار الرياض) وتلميذه المحدث الورع الصالح الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي البحراني في إجازته الكبرى للعالم العامل الفاخر الشيخ ناصر الجارودي الخطي وشيخنا المحقق المحدث المنصف الشيخ يوسف بن عصفور البحراني (ره) في لؤلؤته وكشكوله وما ذكره هؤلاء الأعلام منهم فيض من غيض وقطرة من بحر لأن أكثرهم إنما تعرضوا لمشائخ الإجازات وغيرهم قليلا بالعرض وأهملوا الأكثر إما لعدم معرفتهم أو لعدم الوقوف على تراجمهم أو لعدم اندراجهم في مشيختهم وإجازاتهم وكذلك مصنفاتهم ذكروا منها بعضا على جهة التمثيل لا الحصر والتطويل وكذلك المتأخرون عن أعصارهم لم نقف على من تصدى لذكرهم ولا من تشرف بنشر فخرهم ولنفرقهم في الأمصار وبعدهم عن الديار ونحن إن شاء الله تعالى نذكر ما أثبتناه وعرفناه منهم ومن مصنفاتهم وسمعناه وإن كان بالنسبة إلى الواقع قليلا من كثير بل نقطة من غدير فإنك بعد أن سمعت ما نقلناه عن جدنا المقدس المرحوم من إن بيتنا وحده اجتمع فيه أربعون عالما بين مجتهد ومشرف على الاجتهاد في عصر واحد من الأعصار والحال أنا الآن لم نعرف منهم إلا القليل لاضمحلال الآثار والبعد عن الديار بما وقع فيها من الوقائع والأغيار وفي أكثر الأعصار وكذلك ما نقلناه عن الفاضل الأمجد الشيخ علي ابن الشيخ محمد المقابي من حضور ما يزيد على ثلاثمائة عالم في وقت من الأوقات وساعة من الساعات ومكان من الأمكنة يتبين لك وجه ما قلناه وتنكشف لك حقيقة ما ذكرناه وقررناه والله الكريم نسأل أن يرحمنا وآباءنا وإياهم والمؤمنين برحمته ويجمعنا جميعا
55 في دار كرامته محمد المصطفى وعترته وآله وذريته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين آمين رب العالمين. وهذا أوان الشروع في المقصود متوكلين على الملك المعبود، ذي الرحمة والعفو والجود فإن في ذكر أولئك العلماء الأعلام تنزل من الله الرحمة على الأنام ويحصل الاعتبار التام لذوي الأبصار والبصائر والأفهام، وهو حسبنا وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب الكريم الرحيم، وأنت العليم الخبير، ولم نرتب أسمائهم على حروف الهجاء لعدم تأتي حصوله بل ذكرنا الأسبق فالأسبق بالعرض لا بالذات وجعلنا ترتيبهم كالدر المنثور تغمدنا الله وإياهم وآباءنا بالكرامة والحبور وأثابنا جزيل الثواب وأعظم الأجور وجمعنا وإياهم في تلك المنازل العالية والقصور مع رضوان من الرب الغفور بحق محمد وآله الطاهرين أمناء الله في الدنيا وفي يوم النشور صلى الله عليه وآله صلاة لا تفنيها الأيام والدهور. ولنذكر أولا ما ذكره العالم الرباني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني (ره) في الفصل الذي عقده لهم إلا ما لم يذكره ثم نعقبه بكلام غيره مما ذكرناه ومما لم لم نذكره مما وجدناه وبالله المستعان وعليه التكلان. 1 - نصر بن نصير البحراني هو الفاضل الجليل نصر يروي عن أبيه المذكور عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رض) عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ذكره الشيخ السعيد المفيد في (الأمالي) وروى عنه قال عن محمد بن الحسين البصير عن محمد بن
56 إسماعيل الحاسب عن سليمان بن أحمد الواسطي عن أحمد بن إدريس عن نصر ابن نصير البحراني (رض) عن أبيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رض) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها الناس اتقوا الله واسمعوا، قالوا: لمن السمع والطاعة بعدك يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله: لأخي ووصي ابن عمي علي بن أبي طالب عليه السلام، قال جابر بن عبد الله: فعصوه وأبغضوه وخالفوا أمره وأسروه وحملوا عليه السيوف، انتهى، وذكره المحقق المجلسي في تاسع بحاره (قدس سره) ونور قبره. 2 - محمد بن سهل (ومنهم) محمد بن سهل البحراني (ره) أحد الرواة المعاصرين لبعض الأئمة الهداة عليهم السلام والظاهر أنه في عصر الإمام الكاظم (ع) فإنه يروي عن الإمام الصادق (ع) بواسطة وروى عنه الصدوق القمي في العلل هكذا: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه (رض) قال حدثنا محمد بن يحيى العطار قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري قال حدثني العباس بن معروف عن محمد بن سهل البحراني عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: (ينادي مناد يوم القيامة أين زين العابدين؟ فكأني أنظر إلى علي بن الحسين (ع) يخطر بين الصفوف). 3 - محمد بن محمد البحراني (ومنهم) الشيخ الفاضل الأديب الصالح الفقيه قوام الدين محمد بن محمد
57 البحراني، ذكره شيخنا الحر العاملي في كتابه (أمل الآمل) الذي ننقل عنه في هذا الكتاب كغيره فقال: الشيخ الفقيه قوام الدين محمد بن محمد البحراني كان فاضلا أديبا صالحا يروي عن السيد فضل الله الراوندي، انتهى كلامه علا مقامه، وفي (لؤلؤة البحرين) لشيخنا العلامة الشيخ يوسف ابن العلامة الشيخ أحمد بن إبراهيم آل عصفور البحراني إنه يروي عنه الشيخ الفاضل الكامل الشيخ محمد بن صالح البستي انتهى. 4 - الشيخ ابن الشريف أكمل (ومنهم) العالم الفقيه الشريف المعروف بابن الشريف أكمل البحراني ذكره الفاضل المحقق الشيخ أسد الله الشوشتري في مقدمات (مقابيس الأنوار ونفائس الأسرار) وذكر إنه يروي عن السيد المرتضى علم الهدى بواسطة الشيخ الجليل النبيل المعظم المعتمد أبي الحسن محمد بن محمد البصروي فعلى هذا أسبق من نذكره من علماء البحرين، ولعل محمد بن محمد البصروي هو الذي قدمناه قبله والنسبة إلى البصروي لقب أو نسبة للسكنى فافهم. ونسبة الشرافة إليه يدل على إنه من الذرية العلوية كما هو المصطلح عليه بينهم والله العالم. 5 - ناصر الدين الشيخ راشد (ومنهم) الإمام اللغوي الفقيه المتكلم الأديب العالم ناصر الدين راشد ابن إبراهيم بن إسحاق البحراني بينه وبين الشيخ أبي جعفر الطوسي (قدس الله روحه) كما ذكره شيخنا الشهيد الأول في الأربعين حديثا في الحديث الثالث ثلاث
58 وسائط وهم السيد أبو الرضي فضل الله الراوندي الحسيني عن أبي الصمصام ذي الفقار الحسيني عن الشيخ الإمام أبي علي ابن الشيخ أبي جعفر الطوسي عن والده وأثنى عليه كثيرا كما ذكرناه وبين شيخنا الشهيد وبينه أربع وسائط وهم السيد شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي المعالي عن الشيخ الصدوق كمال الدين أبي الحسين علي بن الحسين بن حماد الليثي عن الشيخ الفقيه الصالح شمس الدين أبي جعفر محمد بن محمد بن صالح الواسطي عن والده وجمال الدين أحمد بن صالح ولم قف على تاريخ ولادته ولا شئ من مصنفاته قاله شيخنا الشيخ سليمان الماحوزي البحراني (قدس سره) وهو أول من ذكره من علمائهم في فضله وما لم يذكره أيضا كثير ولا ينبئك مثل خبير، وقال تلميذه الصالح الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي البحراني في إجازته الكبرى للعالم الفاخر التقي الشيخ ناصر بن محمد الجارودي الخطي التي ننقل عنها كثيرا في هذا الكتاب، وعن محمد بن أحمد عن أبيه عن الشيخ راشد البحراني وكان هذا الشيخ فقيها أديبا متكلما لغويا دينا قرأ على العراق وأقام بها مدة وقبره في جزيرة النبي صالح من أوال حرست من الوبال في الدار الجنوبية المقابلة للشمال من حضرة النبي صالح انتهى كلامه، ومثله ما ذكره صاحب اللؤلؤة فيها وفي إجازته للسيد العلامة الطباطبائي بحر العلوم إلا أنه زاد فيها ومعه في الدار العلامة ابن متوج البحراني (ره). (قلت) وقد ذكر هذا الشيخ جملة من علماء الرجال في الإجازات وبلغوا في الثناء عليه علما وعملا وجزيرة النبي صالح التي ذكرها الشيخ عبد الله وصاحب اللؤلؤة هي قرية من قرى البحرين في وسط البحر ذات عيون وأنهار
59 ونخيل وأشجار وفي طرفها الغربي مقام عظيم ينسب للنبي صالح (ع) وفيها جملة من قبور العلماء ولم نعرف وجه النسبة وتعرف هذه الجزيرة أيضا في بعض الكتب (بجزيرة أكل) بضم الأولين ورأيت في هذه الجزيرة مدرسة كبيرة خرابا تسمى مدرسة الشيخ داوود وسيأتي الكلام على ترجمته وينقل أهل هذه الجزيرة إنه قتل في بعض الوقائع في تلك المدرسة أربعون أو سبعون عالما ومشتغلا كلهم شهداء ولهذا يسمونها الآن بكربلاء رحم الله من قتل فيها من العلماء الصالحين. 6 - الشيخ أحمد بن سعادة (ومنهم) العالم العامل الشيخ المحقق المتكلم النحرير كمال الدين الشيخ أحمد بن علي بن سعيد بن سعادة البحراني (ره) له رسالة في العلم التي شرحها سلطان المحققين نصير الملة والدين الطوسي (ره) وهي رسالة جيدة تشعر بفضل غزير وقد أثنى عليه الخواجة (قدس سره) في ديباجة شرحه ثناء عظيما وهو أستاذ الشيخ الحكيم الفيلسوف الشيخ جمال الدين علي بن سليمان البحراني (ره) وقد صرح بذلك الشيخ المحقق ابن أبي جمهور الأحسائي في (غوالي اللئالي) و (درر العمادية) وبين الشيخ المذكور والشيخ أبي جعفر الطوسي (رض) وقد سمعت جماعة من المعمرين يقولون إن قبره في قرب الشيخ جمال الدين علي بن سليمان قاله شيخنا الشيخ سليمان البحراني (قلت) وقد ذكر هذا الشيخ أكثر من تأخر عنه كالمحدث الشيخ عبد الله السماهيجي والشيخ يوسف في اللؤلؤة وغيرها وصاحب (روضات الجنات)
60 وغيرهم وأثنوا عليه بأحسن الثناء وقبره في قرية سترة من البحرين وأما شرح رسالة العلم التي ذكرها شيخنا الشيخ سليمان وغيره ونسبوه للمحقق الخواجة نصير الدين فهو عندنا ساقط من أول خطبته قليل إلا أن أسلوب الخطبة والديباجة معين أن الشرح المزبور للشيخ الجليل الرباني الشيخ ميثم البحراني (ره) التمس منه الخواجة نصير الدين أن يشرحه لا أنه للخواجة ويحتمل أن يكون هذا شرحا ثانيا للشيخ كمال الدين الشيخ ميثم إلا أني لم أقف لأحد النسبة إليه وإنما ينسبونه في جملة من الكتب والإجازات للخواجة نصير الملة والدين فاعلم والله العالم. 7 - الشيخ على بن سليمان (ومنهم) العالم الجليل الرباني الشيخ على بن سليمان البحراني (ره) قال شيخنا الشيخ الماحوزي البحراني ومنهم الشيخ الفيلسوف الحكيم الشيخ جمال الدين علي بن سليمان البحراني أثنى عليه آية الله العلامة في رسالته التي أفردها مع إجازته لأولاد زهرة وذكر أنه عارف بقواعد الحكماء وأنه يروي عنه بواسطة ولده الشيخ حسين، وأثنى عليه الشيخ كمال الدين الشيخ ميثم بن المعلى في بعض مصنفاته والشيخ الفاضل ابن أبي جمهور الأحسائي ورأيت في مصنفاته رسالة (الإشارات) في الإلهيات على طريقة الحكماء المتألهين انتهى كلامه رفع مقامه، وقال تلميذه المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح في الإجازة المتقدم ذكرها وعن العلامة (يعني به العلامة الحلي) عن الشيخ العالم الرباني الشيخ ميثم بن علي البحراني عن شيخه الشيخ علي بن سليمان البحراني وكان هذا الشيخ عالما جليلا متكلما حكيما وهو أستاذ الشيخ ميثم المذكور وقبره في ستره من البحرين حميت عن حوادث
61 الملوين، وله تصانيف في الحكمة منها كتاب (الإشارات) ومنها (رسالة الطير) شرح أبيات الشيخ علي بن سينا في وصف الروح وهي (هبطت إليك من المحل الأرفع) المذكور في مولد رسول الله صلى الله عليه وآله انتهى كلامه (قدس سره) (قلت) وهذا الشيخ قد ذكره كل من تأخر عنه كصاحب اللؤلؤة والحرفي الأمل والمحقق الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني والفاضل المعاصر السيد محمد باقر والمحقق المعاصر ثقة الإسلام النوري في آخر (مستدرك الوسائل) وبالغوا في الثناء عليه وكفى بمدح تلميذه الشيخ ميثم والعلامة الحلي عن كل أحد وشرح قصيدة الروح عندنا منها نسخة دقيق المشرب جزل العبارة. 8 - ابنه الشيخ حسين (ومنهم) ابنه العلامة الأمين الشيخ حسين من مشائخ العلامة الحلي بالإجازة وكفاه فضلا وفخرا كما ذكره العلامة في إجارته لأولاد زهرة الحلبيين وهي عندنا وعليها خط ابنه فخر المحققين، وكان هذا الشيخ معاصرا لهذه الطبقة كالشيخ ميثم والعلامة والخواجة وذكره أكثر من تأخر عنه في مشائخ الإجازة ولم أسمع له بشئ من المصنفات ولا بتاريخ وموضع للوفاة ضاعف الله له الحسنات وحشره مع أئمته الهداة. 9 - تلميذه الرباني الشيخ ميثم البحراني (ومنهم) تلميذ، العالم الرباني والعارف الصمداني كمال الدين الشيخ ميثم ابن علي بن ميثم البحراني وهو المشهور في لسان الأصحاب بالعالم الرباني والمشار
62 إليه في تحقيق الحقائق وتشييد المباني أثنى عليه سلطان المحققين الخواجة نصير الملة والدين ثناء عظيما وعبر عنه المحقق الشريف في شرح المفتاح في أوائل علم البيان ببعض مشائخنا تنويها بشأنه وتعريضا وأثنى عليه صدر المحققين مير صدر الدين الشيرازي في حواشي التجريد في مباحث الجواهر وأعجب بما أورده في المعراج السماوي وله مصنفات كثيرة مليحة منها (شرح نهج البلاغة) (1) لا سيما الشرح الكبير فإنه حقيق بأن يكتب بالنور على بطون الأحداق لا بالحبر على بطون الأوراق رأيته وانتفعت منه وعندي منه المجلد الأول ورأيت شرحه الصغير في خزانة شيخنا الفقيه الشيخ سليمان بن علي بن سليمان (قدس الله سره) سنة 1095 من الهجرة، ومنها (الاستغاثة في بدع الثلاثة) وهي عندي بنسخة عتيقة جدا وكان بعض مشائخنا المعاصرين قدس الله روحه يتوقف في نسبتها إليه ويقول إنها غير جارية على مذاقه وهي بكلام غيره أشبه، ومنها (القواعد) في علم الكلام رأيته في السنة المذكورة عند بعض إخواني ولم أتفرغ لتتبعه ومطالعته ومنها (شرح إشارات) أستاذه الشيخ جمال الدين علي بن سليمان البحراني وقد أجاد فيه وطبق المفصل وهو عندي قال بعض مشائخنا المعاصرين: لو لم يكن له إلا هذا الكتاب لكفاه دليلا على كمال تبحره ومنها (شرح المائة الكلمة المرتضوية)
(1) شرح (ره) كتاب (نهج البلاغة) شروحا ثلاثة وهي: (الصغير) و (المتوسط) و (الكبير) وهو شرح لا يمكن توصيفه ولا تعريفه، حيث لم ير في الإمامية مثله (قدس الله رمسه). (المصحح) 63 وهو شرح نفيس لم يعمل في فنه مثله، ومنها كتاب (المعراج السماوي) وكتاب (البحر الخضم) وغيرها ورأيت في بعض رسائل بعض أصحابنا المعاصرين إنه تلمذ على سلطان الحكماء في الحكمة وتلمذ سلطان المحققين عليه في العلوم الشرعية ولم أستثبته وروى عنه العلامة جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر كما صرح به الفاضل ابن أبي جمهور في كتابيه وقد استوفينا أحواله في رسالة مفردة عملناها في سنة 1101 ه بالتماس بعض الأخوان وقبره متردد بين بقعتين كلتاهما مشهورة بأنها مشهده إحداهما في جبانة الدونج والأخرى في هلتا من الماحوز وأنا أزوره فيهما احتياطا وإن كان الغالب على الظن أنه في هلتا لوفور القرائن على ذلك لظهور آثار الدعوات وتواتر المنامات. ومن غريب ما اتفق من المنامات في ذلك إن بعض المؤمنين من أهل الماحوز ممن لا سواد له وهو متمسك بظاهر الخبر رأى أن الشيخ كمال الدين مضجع فوق ساجة قبره الذي هو في هلتا مسجى بثوب وقد كشف الثوب عن وجهه قال فسلمت عليه وشكوت له ما نلقى من الأعراب فأجابني بقوله تعالى (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) ثم سألته عن قوله تعالى (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب..) فقال رحمه الله تعالى إن النواصب ومن يشاكلهم في عقائدهم الفاسدة ينطلقون إلى الرسول صلى الله عليه وآله وقد كظهم العطش والحر فيطلبون منه السقاية والاستظلال فيقول لهم (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون) يعني عليا (ع) فينطلقون إلى علي (ع) فيقول لهم (انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب) يعني الخلفاء الثلاثة وكان ذلك في سنة 1152 ه
64 ثم إن الرجل سألني عن هذه الآية ولم يكن يحضرني ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام فيها فأخبرته بتفسير العامة فقال إن لها تفسير غير هذا ففتشت تفسير الشيخ الثقة الجليل علي بن إبراهيم بن هاشم فوجدت التفسير الذي حكاه عن منامه مرويا فيه عنهم عليهم السلام وهو من غرائب المنامات ورأيت في رسالة للشيخ الجليل الكفعمي (رسالة وفيات العلماء) أنه مات في دار السلام ببغداد والله أعلم بحقيقة الحال انتهى كلام العلامة الرباني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني (رض). (قلت) وقد ذكر أيضا هذا الشيخ الجليل الرباني كل من تأخر عنه ممن تصدى لكتب الرجال والإجازات كالعلامة والشهيد الثاني والشيخ حسن والمولى المجلسي (ره) وابن أبي جمهور وغيرهم ونقلوا تحقيقاته وفتاويه وبالغوا في الثناء عليه وذكره الشيخ الزاهد فخر الدين بن طريح النجفي (ره) في (مجمع البحرين) وأثنى عليه ثناء جميلا وذكر أنه ورد إلى الحلة السيفية وكانت له مع علمائها قصة عجيبة واستجاز منه كثير من علمائها كالعلامة والسيد عبد الكريم بن طاووس صاحب (فرحة الغري) وغيرهما والقصة التي ذكرها وأشار إليها هذا الشيخ قد ذكرها العالم الرباني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني في رسالته التي عملها في أحواله وسماها (بالسلامة البهية في الترجمة الميثمية) مبسوطة مشروحة يطول الكلام بذكرها فلهذا طويناها على غيرها، وذكره أيضا السيد المحقق الشريف نور الله الشوشتري صاحب (إحقاق الحق) وغيره في كتابه (مجالس المؤمنين) وذكر القصة أيضا. وأما كتبه فهو كما ذكرها مشبوعة بالتحقيق والتدقيق وحسن التحبير والتعبير
65 عندنا الشرح الكبير كله وشرح المائة الكلمة وقواعد العقائد وشرح (رسالة العلم) التي هي للعالم الأوحد الشيخ أحمد بن سعادة البحراني وله كتب كثيرة غير ما ذكره (منها) رسالة عجيبة في شرح حديث المنزلة وأنه وحده كاف في خلافة أمير المؤمنين لم نحتج إلى غيره وهو قوله صلى الله عليه وآله في الصحيح المتفق عليه: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) وما هو بمعناه فأثبت النبي صلى الله عليه وآله له جميع المنازل التي لهارون من موسى (ع) ولم يستثن منها إلا النبوة ومن جملة منازل هارون الخلافة يقينا بنص القرآن في قوله تعالى (اخلفني في قومي) وله كتاب (...) (1) ذكره الشيخ سبط الشهيد الثاني في كتابه (الدر المنثور) ونقل عنه وأما كتاب (الاستغاثة في بدع الثلاثة) فهو لأبي القاسم علي بن أحمد الكوفي، كان أولا على مذهب أهل الحق ثم غلا في آخر عمره وله كتب في حالتيه وهذا الكتاب في حال استقامته فليس للشيخ المزبور (أعني به العلامة الشيخ ميثم) وأن نسبه له كثير من الأصحاب كشيخنا المذكور والعلامة المجلسي (ره) في البحار وغيرهما. وأما قبره الشريف فالظاهر بل الأظهر لوفور القرائن الكثيرة كما ذكره شيخنا أنه في هلتانا من الماحوز في حجرة قدام المسجد مع قبور بعض العلماء مبني مشهور وقد دفن عند رأسه شيخنا العلامة الرباني ووالدنا الروحاني العبد الصالح والميزان الراجح التقي النقي الأسعد الأرشد الشيخ أحمد ابن المرحوم الشيخ صالح الستري البحراني تغمدهم الله برحمته وأحلنا وإياهم دار كرامته لوصية منه بذلك لرؤيا رآها شيخنا قبل وفاته ضاعف الله حسناته فأحيا بدفنه معه ذكره بين
(1) بياض في الأصل. " المصحح " 66 الأنام وصار قبرهما الآن مزارا مشهورا بين الخاص والعام وقد قلت في هذا المعنى بعد وفاته لتاريخ يكتب على حجرة قبره قدس الله سره وهي هذه: له الله يوما به قد دهينا * لمن كان للدين حصنا حصينا وأضحى الهدى والتقى والندى * أيمى حيارى تبين الحنينا وأم المعالي غدت ثاكلا * تقيم العزاء وتبدي الأنينا تقول التصبر مني مضى * خلعت السرور لبست الشجونا وأرخت: (ميثم أس العلوم * دعا أحمدا صالح المؤمنينا ولنا فيه أيضا غير ذلك * سنة 1315 ه وأما ما ذكره عنه من تفسير الآية في الرؤيا وأنه رآها مسندة عن أهل البيت عليهم السلام في تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي (رض) فقد كتب بعض فضلائنا في الحاشية عليه وجدنا هذه الرواية منقولة من تفسير محمد بن العباس بن ماهيار (1) مسندة عن الصادق (ع) ولم نظفر لها في تفسير القمي ولا رأينا من نقلها عنه غير شيخنا المذكور وهو أعلم بما قال وأخبر انتهى كلام ذلك الفاضل. (قلت) ويمكن الجواب عن ذلك بأن لعلي بن إبراهيم تفسيرين صغير وكبير أو تفسير كبير والموجود الآن المتداول مختصر منه اختصره بعض الأصحاب فلعل شيخنا وقف على الأصل أو التفسير الكبير لا هذا ونقل منه وكفى به ثقة وناقلا وهذا هو الأظهر والله العالم. (تنبيه) كل ميثم بكسر الميثم كميثم التمار وغيره إلا ميثم البحراني (ره)
(1) في الأصل مارماهتا وفي نسخة المؤلف مارماهيار. " المصحح " 67 وجده ميثم بن المعلا فإن ميمه مفتوحة الدراية ومن شعره قدس الله روحه قوله: طلبت فنون العلم أبغي بها العلا * فقصر بي عما سموت به القل تبيين لي أن العلوم بأسرها * فروع وأن المال فيها هو الأصل (1)
(1) أجاب (ره) بهذه القطعة الفضلاء من أهل الحلة، لأنه كان قد كتب إليه بعضهم كتابا يحتوي على قدحه وملامته لانزوائه عن الناس وتركه إياهم فقال في كتابه: (العجب منك مع شدة مهارتك في جميع العلوم والمعارف وحذاقتك في تحقيق الحقائق وإبداع اللطائف قاطن في ظلول الاعتزال ومخيم في زاوية الخمول الموجب لخمود نار الكمال...) فكتب في جوابهم هذا البيت: طلبت فنون العلم أبغي بها العلى * فقصر بي عما سموت به القل تبين لي أن المحاسن كلها * فروع وأن المال فيها هو الأصل فلما وصل إليهم الكتاب، كتبوا إليه: (إنك أخطأت في ذلك خطأ ظاهرا وحكمك بأصالة الماء عجب)، فكتب في جوابهم هذه الأسطر وهي لبعض الشعراء: قد قال قوم بغير علم *: ما المرء إلا بأكبريه فقلت قول امرء حكيم *: ما المرء إلا بدرهميه من لم يكن درهم لديه * لم تلتفت عرسه إليه ثم إنه (ره) لما رأى أن المراسلات لا تنفع عزم العراق لزيارة الأئمة (ع) وفي أحد الأيام لبس أخشن ثيابه وأرثها ودخل بعض المدارس المشحونة بالعلماء فسلم عليهم فرد عليه بعض ولم يجبه آخرون، فجلس في صف النعال ولم يلتفت إليه أحد، فدار بين العلماء البحث عن مسألة عويصة ومشكلة كانت من مزال الأقدام فأجاب عنها بتسعة أجوبة دقيقة جميلة. فتوجه إليه بعضهم مستهزء وقال له: (يا خليلك أخالك طالب علم...) ثم بعد ذلك أحضروا الطعام ولم يطعموه بل أفردوا له بشئ قليل من الطعام في صحن واجتمعوا هم على المائدة، فلما انقضى المجلس قام وعاد في اليوم التالي إليهم وقد لبس ملابس فاخرة بهية لها أكمام واسعة وعلى رأسه عمامة كبيرة فلما قرب منهم سلم عليهم، فقاموا تعظيما له واستقبلوه تكريما به واجتهدوا في توقيره وأجلسوه في صدر المجلس المشحون بالعلماء والأفاضل والمحققين ولما شرعوا في البحث تكلم معهم بكلمات عليلة لا وجه لها فقابلوا كلماته العليلة بالتحسين وأذعنوا له على وجه التعظيم، ثم حضرت المائدة فبادروا إليه بأنواع الطعام باحترام وأدب، فألقى الشيخ (قدس الله روحه) كمه في ذلك الطعام وقال: (كل يا كمي، كل يا كمي)، تعجب واستغرب الحاضرون من فعله هذا ثم استفسروه عن معنى ذلك الخطاب، فقال (ره): (إنكم أتيتموني بهذه الأطعمة النفيسة لأجل أكمامي الواسعة لا لنفسي القدسية اللامعة وإلا فأنا صاحبكم بالأمس لم أر منكم تكريما ولا تعظيما مع أني جئتكم بهيئة الفقراء وسجية العلماء واليوم جئتكم بلباس الجبارين وتكلمت بكلام الجاهلين فقد رجحتم الجهالة على العلم والغنى على الفقر وأنا صاحب الأبيات التي في أصالة المال وفرعية الكمال التي أرسلتها وعرضتها عليكم فقابلتموها بالتخطئة وزعمتم انعكاس القضية). فاعترفت الجماعة بالخطأ في تخطأتها إليه واعتذرت بما صدر عنها من التقصير في شأنه. انتهى ما نقلته عن كتاب (ذرايع البيان - ق 1 ج 2 ص 112) لمؤلفه آية الله الوالد دام ظله. (المصحح) 68 ومن شعره أيضا كما نقل. وقيل لبعض الحكماء: قد قال قوم بغير علم * ما المرء إلا بأصغريه فقلت قول امرئ حكيم * ما المرء إلا بدرهميه من لم يكن درهم لديه * لم تلتفت عرسه إليه وضل في بيته وحيدا * يبول سنوره عليه
69 10 - الشيخ فضل البحراني (ومنهم) العالم الفاضل الشيخ فضل بن جعفر بن فضل بن أبي قابد البحراني من تلامذة الإمام المحقق نجم الدين جعفر بن سعيد الحلي صاحب (الشرائع) و (المعتبر) و (النافع) وغيرها قرأ عليه نهاية الشيخ ذكره شيخنا الشيخ يوسف في (الكشكول) عن شيخنا العلامة الشيخ سليمان البحراني ولم أسمع له بمصنف ولا تاريخ ولا غير ذلك. 11 - الشيخ أحمد بن المتوج - ره - " ومنهم " العلامة الجليل جمال الدين الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد الله بن محمد بن علي بن حسن بن متوج البحراني وهو شيخ الإمامية في وقته كما ذكره ابن أبي جمهور الأحسائي في " غوالي اللئالي " وذكر في موضع آخر أن فتاويه مشتهرة في المشارق والمغارب وهو من أعاظم تلامذة الشيخ العلامة فخر الدين
70 أبي طالب محمد بن العلامة الحلي " ره " تلمذ عليه في الحلة السيفية المزيدية وعلى غيره من علماء الحلة واستجاز منهم ورجع إلى البحرين وقد بلغ الغاية في العلوم الشرعية وغيرها وله التصانيف المليحة منها كتاب " منهاج الهداية في شرح آيات الأحكام الخمسماية " مختصر جيد يدل على فضل عظيم، قرأته في حداثة سني على بعض مشائخي سنة 1091 هجرية ومن جملة إفاداته فيه أن الطلاق البذلي أعم من الخلع والمبارات يصح حيث يصح أحدهما ولا يصح حيث لا يصح أحدهما كما تتعارفه متفقهة زماننا وقد بسطنا الكلام في ذلك في رسالة مفردة وله رسالة وجيزة فيما يعم به البلوى ذكر فيها في بحث القبلة أن قبلة البحرين أن تجعل الجدي محاذيا لطرف الأذن اليمنى وليس قبلتها كقبلة البصرة كما ظنه بعض متفقهية زماننا ومن غريب ما اتفق في ذلك أنه ورد في سنة 1108 ه على البحرين حاكم اسمه " محمد سلطان بن فريدون خان " وأشكل عليه معرفة القبلة جدا وادعى أن أكثر محاريب المساجد منصوبة على غير القبلة وكان عنده الآلة المعروفة بقبلة نماز " 1 " في معرفة القبلة فسأل جماعة من علماء البحرين المتفقهة فذكروا له أن قبلتها كقبلة العراق وذكروا له علامة البصرة وما حاذاها فلم تقع في خاطره بموقع وذكر أن قبلة نماز لا تساعد على ذلك وكانت بيني وبينه كدورة فاستمالني فلما زرته سألني عن قبلة البحرين فذكرت أنها بحيث يحاذي الجدي طرف الأذن اليمنى كما ذكر الشيخ جمال الدين في رسالته وكل المتفقهة المذكورون حاضرين فتبينت لهم أن الشيخ جمال الدين وغيره قد بينوا ذلك فوقع ذلك فوقع ذلك من السلطان موقع القبول وساعدت عليه الآلة المذكورة.
(1) الصحيح " قبله نما ". (المصحح) 71 ومن جملة مؤلفاته مختصر التذكرة وهو جيد مفيد مليح كثير الفوائد ظفرت منه بنسخة عتيقة مقررة عليه " قدس سره " قرأها عليه تلميذه الفقيه أحمد بن فهد بن حسن بن محمد بن إدريس بن فهد الأحسائي وعليها الإجازة بخطه " قدس سره " تاريخها سنة اثنتين وثمانمائة ومنها كتاب " مجمع الغرائب " وهو كما سمي يحتوي على فروع غريبة ومسائل نادرة رأيته في كتب بعض إخواني بنسخة سقيمة سنة 1120 + ه وقبره " قدس سره " في الجزيرة " جزيرة أكل " في المشهد المعروف بمشهد النبي صالح وسمعت جماعة من مشائخنا عطر الله مراقدهم يحكون أنه كان كثيرا ما يقع بينه وبين شيخنا الشهيد الأول " ره " مناظرات وفي الأغلب يكون الغالب الشيخ جمال الدين أحمد بن المتوج فلما عاد الشيخ جمال الدين إلى البحرين واشتغل بالأمور الحسبية وفصل القضايا الشرعية وغيرها من الوظائف الفقهية اشتغل ذهنه " قدس سره " ثم حج الشيخ جمال الدين واتفق اجتماعه بشيخنا الشهيد " رض " في مكة المشرفة فتناظرا فغلب شيخنا الشهيد وأفحمه فتعجب الشيخ جمال الدين فقال له الشيخ الشهيد " ره " قد سهرنا وأضعتم، ولشيخنا الشيخ جمال الدين تلامذة فضلاء منهم ابنه. 12 - الشيخ ناصر بن المتوج الشهاب الثاقب والسهم الصائب والبحر الزاخر الشيخ ناصر بن الشيخ أحمد ابن المتوج كان نادرة عصره في الذكاء واشتعال الذهن ونسيج وحده في الصلاح ولم نظفر له بشئ من المصنفات وقبره بجنب قبر أبيه وقد زرتهما مرارا جمة ومشهدهما من المشاهد المتبرك بهما، انتهى كلام شيخنا الرباني الشيخ سليمان
72 الماحوزي البحراني (ره). " قلت " وقد ذكر هذا الشيخ الجليل كل من تأخر عنه كالمحدثين البحرانيين والحرفي الأمل وخريت هذه الصناعة الملا عبد الله أفندي في " رياض العلماء " والسيد المعاصر في روضاته والفاضل المعاصر في آخر " المستدرك " وأثنوا عليه بكل جميل وذكره تلميذه الفاضل السبعي الأحسائي شارح قواعد العلامة بما لا مزيد عليه وذكر أن له شرحا على مشكلات القواعد وله أيضا من المصنفات تفسير الكتاب المجيد وله رسالة (الناسخ والمنسوخ) وله أشعار كثيرة منها نظم مقتل الحسين (ع) رأيناه ومراثي كثيرة وله مدح حسن في أمير المؤمنين عليه السلام وذكر المماثلة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله في صفات الكمال. ومن تلامذته الشيخان الجليلان السميان الشيخ أحمد بن فهد الحلي والشيخ أحمد بن فهد المضري الأحسائي ولكل منهما شرح على الإرشاد فهو من غرائب الاتفاقات. 13 - الشيخ عبد الله بن المتوج (ومنهم) والده العلامة الفاضل الأواه الشيخ عبد الله بن المتوج البحراني وكان عالما ورعا فاضلا واشتهر ابنه بابن المتوج دونه ذكره الفاضل الملا عبد الله أفندي الأصفهاني في (رياض العلماء) ولم نسمع له بشئ من المصنفات ولا بتاريخ وموضع للوفاة.
73 14 - الشيخ أحمد بن مخدم (ومنهم) العالم الفاضل فخر الدين الشيخ أحمد بن مخدم البحراني وكان هذا الشيخ زاهدا عابدا عدلا ورعا قاله شيخنا المحدث الشيخ عبد الله بن صالح البحراني وكان من تلامذة الشيخ جمال الدين بن المتوج وذكره ابن أبي جمهور الأحسائي في (غوالي اللئالي) وفي إجازته للسيد محسن الرضوي وأثنى عليه ثناء حسنا. 15 - الشيخ حرز الدين البحراني (ومنهم) الشيخ حرز الدين البحراني الفقيه العلامة الحبر الأديب الفهامة تلميذ الشيخ فخر الدين بن المخدم ذكره المحدث الصالح المذكور والشيخ ابن أبي جمهور كما ذكرنا ولم يذكرا له ولا لشيخه شيئا من المصنفات. 16 - الشيخ مفلح بن حسن الصيمري (ومنهم) الشيخ الفقيه العلامة الحبر الأديب الفهامة الشيخ مفلح بن حسن الصيمري البحراني قال شيخنا الشيخ سليمان (ره) ومنهم أي من علماء البحرين الشيخ الفقيه العلامة الشيخ مفلح بن حسن الصيمري (1) وأصله من صيمر
(1) أخبرني جملة من الثقات أنه (ره) في قرية سلماباد في محلة منها يقال لها صيمر فلعل هذا الشيخ (قده) منها إلا أن علماءنا المتصدين لذكر العلماء يذكرون أنه في صيمر البصرة ثم انتقل للبحرين فلعله أخفى عليه اسم تلك المحلة ونظروا إلى أن اللفظ ينصرف عند إطلاقه إلى أظهر الأفراد فحكموا بذلك سلك الله بالجميع أحسن المسالك. " المصنف " 74 وانتقل إلى البحرين وسكن قرية سلماباد وله التصانيف الفائقة المليحة منها شرح الشرائع وقد أجاد فيه وطبق وقد فرق فيه بين الرطلين في الزكوتين وفاقا للشيخ العابد جمال الناسكين أحمد بن فهد الحلي (ره) في المهذب والعلامة في التحرير وله شرح الموجز موجز الشيخ جمال الدين بن فهد أظهر فيه اليد البيضاء وقد طالعته واستفدت منه كثيرا في سنة 1093 ه وما بعدها ومنها كتاب (جواهر الكلمات في العقود والإيقاعات) مليح كثير المباحث غزير العلم ومنها رسالة (إلزام النواصب بخلافة علي بن أبي طالب) وله رسالة رأيتها في خزانة كتب شيخنا العلامة (قدس سره) في تكفير ابن قرقور رجل من أعيان البحرين وارتداده بسبب تلاعبه بالشرع المقدس، وله قصائد مليحة أورد بعضها الشيخ الصالح الشيخ فخر الدين الطريحي في مجالسه انتهى كلامه علا في الجنان مقامه. " قلت " وهذا الشيخ " قدس سره " من رؤساء الطائفة المحقة وفتاويه كثيرة منقولة مشهورة في كتب الأصحاب كالجواهر والمقابيس ومفتاح الكرامة وغيرها ورأيت شرحه على الشرائع سماه (غاية المرام شرح شرائع الإسلام) مجلدان عندنا من الكتب الموقوفة وعندنا أيضا (جواهر الكلمات) وله شعر كثير في المراثي للحسين (ع) والمثالب لأعداء آل محمد صلى الله عليه وآله ووقفت له على أبيات لما خرج من البحرين من بعض الظلمة يتأسف عليها وعلى بعض إخوانه فيها ثم بعد ذلك أرجعه الله إليها قال.
75 ألا من مبلغ الأخوان أني * رضيت بسنة الفجار فينا فافعل مثل فعلان وأني * كجندب للولاية قد نفينا وما أسفي على البحرين لكن * لإخوان بها لي مؤمنينا دخلنا كارهين لها فلما * ألفناها خرجنا كارهينا (1) وقبره في قرية سلماباد من البحرين وقبر ابنه الصالح الشيخ حسين بجنبه. 17 - الشيخ حسين ابن الشيخ مفلح (ومنهم) ولده وتلميذه الشيخ الفقيه الزاهد العابد الورع الشيخ حسين أورع أهل زمانه وأعبدهم وأفضلهم كان مستجاب الدعوة كثير العبادات والصدقات، قل أن يمضي له عام في غير حج أو زيارة لم يعثر له عثرة وكان للناس فيه اعتقاد عظيم وراج الشرع الشريف في زمانه غاية الرواج وكان أذكى أهل زمانه واجتمع في بعض أسفاره بالشيخ العلامة مروج مذهب الإمامية في المائة التاسعة الشيخ علي بن عبد العال الكركي واستجاز منه وأجازه وله مصنفات له كتاب (الناسك الكبير) كتاب كثير الفوائد وكتاب (المناسك الصغير) ورأيت خطه في بعض نسخ (الشرائع) وقبره وقبر أبيه (رض) في قرية سلماباد وزرتهما مرة انتهى كلام الشيخ سليمان البحراني (ره). (قلت) قد ذكره السيد العلامة بحر العلوم الطباطبائي (ره) في (الفوائد)
(1) أقول والحق أقول إن قوله (رض): دخلنا كارهين لها فلما * ألفناها خرجنا كارهينا هو مما يؤيد قول شيخنا الشيخ سليمان أنه من صيمر البصرة. (المصنف) 76 وذكر أن له كتاب (محاسن الكلمات في معرفة النيات) ذكر فيه كثيرا من فتاوي والده في كتابيه (شرح الموجز) و (شرح الشرائع) ووجدت له أجوبة لبعض المسائل وبعض الفتاوي وذكره أيضا السيد المعاصر في الروضات توفي (قدس سره) سنة 933 ه مفتتح شهر محرم الحرام (1). 18 - الشيخ عبد الله ابن الشيخ حسين الصيمري (ومنهم) ابنه الفاضل العالم الشيخ عبد الله ابن الشيخ المذكور وجدت بخطه في آخر المجلد الأول من تحرير العلامة في النسخة التي عندنا إجازة لبعض تلامذته بهذه الصورة " أنهاه أيده الله تعالى قراءة وبحثا وشرحا في مجالس متعددة وأوقات متبددة أخراها في يوم العشرين من ربيع الأول سنة خمس وخمسين وتسعمائة والمشار إليه الشيخ حسين بن صالح ابن... بن صالح دام ظله وأجزت له روايته عني عن والدي المرحوم الشيخ حسين عن والده المرحوم الشيخ مفلح ابن حسن متصل بالمجتهدين متصل بالأئمة المعصومين عن الرسول الأمين عن جبرائيل (ع) عن الله رب العالمين حرره الفقير إلى ربه عبد الله بن حسين بن مفلح عفى الله عنهم أجمعين " نقلته من خطه وكان فيه بعض الحروف المقشعة لطول مدة الكتابة رحمنا الله وإياهم وإخواننا المؤمنين في الدنيا والآخرة إنه أرحم الراحمين.
(1) تشرفت بزيارة قبر هذين العالمين العلمين وأهديت لكل واحد منهما ثواب ركعتين ودعوت الله عندهما بأن يمنحني خير الدارين. (ابن المصنف حسين) 77 19 - الشيخ يحيى بن عشيرة (ومنهم) الفاضل الكامل الشيخ يحيى بن حسين بن عشيرة البحراني أحد تلامذة الشيخ الصالح الشيخ حسين بن الشيخ مفلح المذكور ويروي عنه ولعله صاحب كتاب (الشهاب في الحكم والآداب) الذي ذكره فيه ألف حديث عن سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الطاهرين من طرق الخاصة وبعضها من طرق العامة المطبوع الآن الذي ذكره السيد المعاصر في (روضاته) وذكر أنه للشيخ يحيى البحراني وليس له ذكر في التراجم والله تعالى العالم، وليس هو كتاب الشهاب المذكور فيه أيضا ألف حديث للقاضي القضاعي السني فإنه ليس جاريا على أسلوبهم والله العالم. 20 - الشيخ حسين بن أبي سردال (ومنهم) العالم العامل الفقيه الرباني الشيخ حسين بن علي بن الحسين بن أبي سردال البحراني ذكره شيخنا الحر في الأمل وأثنى عليه بالعلم والفضل وذكر أنه من تلامذة المحقق الشيخ علي بن عبد العال الكركي له مصنفات منها (الأعلام الجلية شرح الألفية الشهدائي) وكتاب (الكواكب الدرية في شرح الرسالة النجمية) للشيخ علي بن عبد العال قال الشيخ الجليل الحر: رأيت هذين الكتابين في خزانة الكتب الموقوفة في مشهد الإمام الرضا (ع) بخط مؤلفها انتهى كلام السيد ابن أبي شبانة البحراني في كتابه تتمة الأمل.
78 21 - الشيخ على العسكري البحراني (ومنهم) العالم العامل الفقيه الرباني الشيخ علي ابن الشيخ حسين الشاطري الشهدائي العسكري، قال شيخنا الشيخ سليمان البحراني كان أوحد عصره غير مدافع وله كتب منها كتاب (شرح الألفية) مفيد كثير المباحث وهو عندي وله حواشي مفيدة ورأيت خطه في كتبه وفي الكتب الموقوفة على أهل الماحوز من كتبه كثير مثل كتاب (المنهاج) وكتاب (أحكام القرآن) للقطب الراوندي انتهى كلامه علا مقامه. (قلت) والعسكر قرية من قرى البحرين في طرفها الجنوبي وهي الآن خراب غير مسكونة وقرية المعامير حدثت بعد خرابها وأهلها أهلها كذا قيل وينسب إليها هذا الشيخ وابنه حرز (1). 22 - الشيخ حرز العسكري (ومنهم) ولده الفاضل الشيخ حرز ابن الشيخ علي ابن الشيخ المذكور أبوه آنفا له مصنفات منها (مقتل أمير المؤمنين) عليه الصلاة والسلام.
(1) والعسكر هذه تعرف بعسكر الشهداء ولم أقف على وجه نسبتها وقد سكن الآن في بعض نواحيها أناس من السنة يسمون آل أبي رميح. (حرره عبد الله بن أحمد العرب) 79 . 23 - الشيخ داود بن أبي شافيز (ومنهم) الشيخ المحقق العلامة الأديب الحكيم الشيخ داود بن محمد بن عبد الله بن أبي شافيز (بالشين المعجمة بعدها ألف ثم الفاء والزاء أخيرا) واحد عصره في الفنون كلها وله في علوم الأدب اليد الطولى وشعره في غاية الجزالة وقصائد شعره مشهورة وكان جدليا حاذقا في علم المناظرة وآداب البحث ما ناظر أحدا إلا وأفحمه وله مع السيد العلامة النحرير ذي الكرامات السيد حسين ابن السيد حسن الغريفي (ره) مجالس ومناظرات وسمعت شيخي الفقيه العلامة الشيخ سليمان يقول كان السيد أفضل وأشد إحاطة بالعلوم وادق نظرا وكان الشيخ داود (ره) أشد بديهة وادق في صناعة علم الجدل فكان في الظاهر يكون الشيخ غالبا وفي الحقيقة الحق مع السيد وكان الشيخ داود (ره) يأتي ليلا إلى بيت السيد العلامة الغريفي ويعتذر منه ويذكر أن الحق معه وله (ره) رسائل منها رسالة وجيزة في علم المنطق اختار فيها مذهب الفارابي في تحقيق عقد الوضع في المحصورات واختار فيها أيضا أن الممكنة تنتج في صغرى الشكل الأول وله فيها مذاهب نادرة انتهى كلام شيخنا العلامة الماحوزي البحراني. (قلت) وهذا الشيخ من العلماء الكبار وهو الذي تصدى لمباحثة العلامة الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي والد شيخنا البهائي لما قدم البحرين وزاروه ثم زارهم وجرى البحث بينهما فلما انفض المجلس ورجع الشيخ حسين إلى بيته كتب هذين البيتين: أناس في أول قد تصدوا * لمحو العلم واشتغلوا بلم لم
80 إذا جادلتهم لم تلق فيهم * سوى حرفين لم لم لا نسلم وله شرح على الفصول النصيرية في التوحيد جيد حسن وقد رأيته وكان سيدنا المعاصر السيد الفاخر السيد أحمد بن السيد عبد الصمد البحراني (ره) يعجب منه ومن متانته وتحقيقاته وذكره الجليل السيد علي خان في (السلافة) وبالغ في إطرائه وذكر جملة من آدابه وأشعاره وهو من أهل جد حفص البحرين ومدرسته هو المسجد المسمى بمدرسة الشيخ داود الشائع على السنة عوام عصرنا هذا بمدرسة العريبي وقبره (ره) في حجرة في جنب المسجد داخلة فيه من الشمال إلا أنها الآن خارجة عن المسجد المذكور وهناك قبور جماعة من العلماء إلا أني لم أقف على أسمائهم وقد وقعت على هذا المسجد سنة من السنين حادثة من النصارى لا يسعها هذا المكان في سنة 1335 ه. 24 - السيد حسين الغريفي (ومنهم) السيد العلامة النحرير ذو الكرامات السيد حسين ابن السيد السعيد السيد حسن الغريفي البحراني أفضل أهل زمانه وأعبدهم وأزهدهم كان متقللا في الدنيا وله كرامات وله كتب نفيسة منها كتاب (الغنية في مهمات الدين عن تقليد المجتهدين) لم ينسج على منواله أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين فهو أبو غدير تلك الطريقة وابن جلائها وله فيها اليد البيضاء ومن تأملها بعين الإنصاف أذعن بغزارة مادته وعظم فضله ولم يكملها بل بلغ فيها إلى كتاب الحج وهو عندي وفيه من الفوائد ما لا يوجد في غيره ومن مؤلفاته أيضا شرح الرسالة الشمسية وشرح المائة العامل ورسالة مليحة في علم العروض والقافية وله
81 على الذكرى حواش مفيدة وكان شاعرا مصقعا ومن جملة ما ينسب إليه ما وجدته بخط شيخنا (قده) وهو أيضا مذكور في سلافة العصر للسيد الأديب النجيب السيد علي ابن الميرزا السيد أحمد وهو قوله رحمة الله عليه: قل للذي غبت فغاب الذي * قلت وقلت السن مني ضروس لا تمتحنها تمتحن أنها * دلية دليت مني غروس بل وقناتي صعدة صعبة * تخبراني الهزبري الشموس وقد زرت (1) قبره وتبركت به ودعوت الله عنده انتهى كلام شيخنا العلامة الماحوزي البحراني (قدس سره النوراني). (قلت) وقد ذكره هذا الجليل الفاضل النبيل السيد علي صاحب السلافة وأثنى عليه ثناء عظيما ومدحه مدحا جميلا جسيما وينبغي ذكره قبل الشيخ داود لأشياء كثيرة لكنه جرى هكذا غفلة، والغريفة بالضم تصغير غرفة قرية من قرى بلادنا البحرين هي مسكن هذا الجليل في الطرف الجنوبي من قرية الشاخورة وقد خربت، وقد رثاه بعد وفاته الأديب الماهر أبو البحر الشيخ جعفر بن محمد الخطي (ره) بهذه القصيدة الفريدة وهي قوله: جد الردى سبب الإسلام فانجذما * وهد شامخ طود الدين فانهدما وسام طرف العلا غضا فأغمضه * وفل عزب جسام المجد فانثلما الله أكبر ما أدهاك مرزية * فصمت ظهر التقى والدين فانفصما أحدثت في الدين كلما لو أتيح له * عيسى بن مريم يأسوه لما التحما أي امرئ بك أفجعت الأنام به * فاستشعروا بعده التزفار والألما
(1) قبره في أبو صيبع إحدى قرى البحرين ووفاته 1001 هجرية. 82 كل يزير ثناياه أنامله * حزنا عليه ويدميها له ندما وينثرون وسلك الحزن ينظمهم * على الخدود عقيق الدمع منسجما لهفي وما لهفي مجد علي على * مجد تفرق أشتاتا فما التأما لهفي على كوكب حل الثرى وعلى * بدر تبوأ بعد الأبرج الرجما إيه خليلي قوما واسعدا دنفا * أصاب أحشاه دامي الحزن حين رمى نبكي خضم علوم جف زاخره * وغاض طاميه لما فاض والتطما نبكي فتى لم يحل الضيم ساحته * ولا أباح له غير الحمام حمى ذو منظر يبصر الأعمى برؤيته * هدى وذو منطق يستنطق البكما لو علم الوحش ما يلقيه من حكم * لراحت الوحش من تعليمه علما أو أسمع الأسد شيئا من مواعظه * لراحت الأسد خوفا تكرم الغلما لو أنصف الدهر أفنانا وخلده * وكان ذلك من أفعاله كرما ما راح حتى حشى أسماعنا دررا * من لفظه وسقى أذهاننا حكما كالغيث لم ينأ عن أرض ألم بها * حتى يغادر فيها النبت قد نجما كأنه وضريح ضم جثته * ذو النون يونس لما أن له التقما يا قبره لا عداك الدر منسجم * من المدامع هام يخجل الديما (1)
(1) وهذا السيد الجليل ينتهي إليه في النسب الغريفي الأورع النجيب السيد محسن ابن السيد عبد الله ابن السيد أحمد نزيل قرية نعيم والعالم الفاضل الحبر السيد عدنان ابن العالم السيد شبر آل السيد مشعل نزيل المحمرة والسيد مهدي ابن السيد علي نزيل النجف الأشرف على مشرفه السلام. (عبد الله بن أحمد العرب سنة 1335) 83 صبرا بنيه فإن الصبر أجمل * بالحر الكريم إذا ما حادت دهما هي النوائب ما تنفك دامية * الأنياب منا وما منها امرؤ سلما فكم تخطف ريب الدهر من أمم * فأصبحوا تحت أطباق الثرى رمما لو أكرم الله من هذا الردى أحدا * لأكرم المصطفى من ذاك واحترما صلى عليه إله العرش ما وخدت * خوص الركاب تؤم البيت والحرما انتهى ولقد أجاد وهي أول شعر قاله في المراثي كما في ديوانه وناهيك بها بلاغة وعظما وفخامة تغمده الله برحمته ورضوانه، ولما سمع بوفاته العالم الفاضل الشيخ داود بن أبي شافيز أنشد ارتجالا يقول: هلك الصقر يا حمام فغني * طربا منك فوق عالي الغصون انتهى قدس الله أرواحهم أجمعين وحشرنا وإياهم في زمرة محمد وآله الطاهرين. 25 - السيد عبد الله القاروني (ومنهم) السيد العلامة الأواه السيد عبد الله القاروني نزيل كرانا وهو أوحد زمانه له كتب منها (شرح المغني) وقفت على مجلد منه كبير ولم يبلغ الأوسط باب الألف وهو كثير الأبحاث دقيق الأنظار جزل العبارة والمجلد المذكور كان في خزانة كتب شيخنا واستعرته من أولاده ومنها شرح كتاب (العزة) عجيب في فنه سمعت صاحبنا السيد اللغوي الأديب السيد علي (ابن خالنا) السيد العلامة السيد حسين الكتكاني (قدس سره) يصفه وقال إنه لم يعمل مثله في فنه وللسيد العلامة الفقيه السيد ماجد ابن السيد هاشم العلوي العريضي البحراني (قدس سره) في مرثيته قصيدة أبدع فيها مطلعها:
84 رثت لفقدك لذة الفضل * وفشت خلافك آفة الجهل وتنكبت سبل الهدى عصب * قد كنت هاديها إلى السبل ويعجبني قوله أيضا رحمه الله فيها هذين البيتين العجيبين: لولا علا علقت يداك به * لم تغن عنك نجابة الأصل كالسيف لا تغنيه نسبته * يوما إلى يمن عن الصقل وهي موجودة في ديوان السيد المذكور، وكان عندي بخط السيد اللغوي الأديب السيد علي ابن خالنا السيد العلامة السيد حسين الكتكاني انتهى كلام شيخنا العلامة الماحوزي (قدس الله سره). (وكرانا) بالكاف المفتوحة أولا ثم الراء المشددة بعدها الألف ثم النون ثم الألف أخيرا قرية من قرى البحرين شمالا عن قرية أبي أصيبع. 26 - السيد ماجد الصادقي (منهم) السيد العلامة الفهامة محرز قصب السبق في جميع الفضائل والفائز بالرقيب والمعلى من قداح الكمالات الكسبية والوهبية من بين فحول الأواخر والأوائل السيد أبو علي السيد ماجد ابن السيد العالم السيد هاشم ابن العريض الصادقي البحراني (ره) كان أوحد زمانه في العلوم أحفظ أهل عصره، نادرة في الذكاء والفطنة وهو أول من نشر علم الحديث في دار العلم شيراز المحروسة وله مع علمائها مجالس عديدة ومقامات مشهورة أخبرني شيخنا الفقيه ببعضها وأقبل أهلها عليه إقبالا شديدا وتلمذ عليه العلماء الأعيان مثل مولانا العلامة محمد محسن الكاشاني صاحب (الوافي) والشيخ الفقيه ذو المرتبة الرفيعة في الفضل والكمال
85 الشيخ محمد بن حسن بن رجب البحراني والشيخ الفاضل المتبحر الشيخ محمد ابن علي البحراني والشيخ زين الدين الشيخ علي بن سليمان البحراني والشيخ العلامة الأديب الخطيب الشيخ أحمد بن عبد السلام البحراني والسيد العلامة السيد عبد الرضا البحراني والشيخ الفاضل الشيخ أحمد بن جعفر البحراني وغيرهم وخطب على منبر شيراز خطبتي الجمعة بديهة لما نسي تلميذه السيد الفاضل السيد عبد الرضا الخطبتين اللتين أنشأهما والقصة مذكورة في كتاب (سلافة العصر في محاسن الدهر) للسيد الأديب النجيب الفاضل السيد علي ابن الميرزا أحمد وختمها بأبيات في غاية من البلاغة والجزالة وكان شيخنا العلامة معجبا كثيرا بقصيدته الرائية في مرثية الحسين (ع) سيد الشهداء التي مطلعها: بكى وليس على صبر بمعذور * من قد أطل عليه يوم عاشور وله معان كثيرة في نظمه ومن بديع ذلك قوله رحمة الله عليه لشيب رأسي بكت عيني ولا عجب * تبكي العيون لوقع الثلج في القلل واجتمع في سنة بالعلامة الشيخ البهائي (قده) في دار السلطنة أصفهان المحروسة فأعجب به شيخنا البهائي (ره) حكى بعض مشائخنا أنه سأل السيد عن مسألة بمحضر الشيخ فأوجز السيد الجواب تأدبا مع الشيخ فأنشد الشيخ (قدس سره): حمامة جرعا حومة الجندل اسجعي * فأنت بمرأى من سعاد ومسمع فأطال السيد الكلام فاستحسنه الشيخ، وحدثني شيخنا العلامة أنه لما اجتمع السيد بالشيخ كان في يد الشيخ سبحة من التربة الحسينية على مشرفها سلام الله فتلا الشيخ على السبحة فقطر منها ماء على طريقة ما تستعمله أهل الشعابذة
86 والعلوم الغريبة فسأل السيد أيجوز التوضؤ به فقال السيد لا يجوز، وعلله بأنه ماء خيالي لا حقيقي وليس من المياه المتأصلة المنزلة من السماء أو النابعة من الأرض فاستحسنه الشيخ واستجاز منه الشيخ فكتب له إجازة طويلة تشتمل على تأدب عظيم في حقه وثناء جميل وتقريظ عظيم وقد وجدت الإجازة في خزانة بعض كتب الأعيان سنة 1103 ولولا ضيق المقام لنقلتها. وللسيد (قدس سره) (الرسالة اليوسيفية) جيدة جدا وعليها له حواشي مفيدة ورأيتها بخط تلميذه الفاضل الشيخ أحمد بن جعفر البحراني (ره) وقد قرأها عليه (قدس سره) في دار العلم شيراز وعليها الانهاء والإجازة بخطه روح الله روحه وله رسالة في مقدمة الواجب مليحة كثيرة الفوائد ورأيتها مرة واحدة في يد بعض الفضلاء في مجلس شيخنا سنة 1109 ولم يعطها صاحبها للاستنساخ ثم إنه مات فطلبتها من ورثته ففتشوا عنها ولم يروها وله حواشي مليحة متفرقة على المعالم وحواشي متفرقة على خلاصة الرجال ورأيتها بخطه عند بعض لأصحاب وله حواشي على الشرائع وعلى اثني عشرية شيخنا البهائي (ره) وحواشي على كتابي الحديث وفي نسخة التهذيب التي عندي جملة منها وله فتاوى متفرقة جمعها بعض تلامذته وهي عندي وله رسالة سماها (سلاسل الحديد في تقييد أهل التقليد) ومنه أخذ العلامة السيد هاشم البحراني هذا الاسم فانتخب من شرح عز الدين ابن أبي الحديد كتابا مليحا سماها (سلاسل الحديد في التقييد لأهل التقليد من كلام ابن أبي الحديد) ورأيت له (وقف نامة) تتضمن وقف الخان الأفخم إمام قلي خان للمدرسة التي في دار العلم شيراز المعروفة بمدرسة الخان وموقوفاتها في غاية البلاغة ونهاية البراعة رأيتها في يد السيد الأديب
87 النجيب صاحبنا السيد عبد الرؤف ابن السيد حسين الجد حفصي البحراني. وبالجملة فمحاسنه كثيرة وعلومه غزيرة روح الله روحه وتابع فتوحه توفي (قدس سره) بالليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان بدار العلم شيراز سنة 1028 ه انتهى كلام شيخنا العلامة الشيخ سليمان البحراني. (قلت): وهذا السيد الجليل من نوادر الزمان علما وأدبا وعملا وكمالا ويكفيه أنه تلمذ مثل الكاشاني وأضرابه من فحول العلماء عليه وذكره السيد الأديب النجيب السيد علي في السلافة وبالغ في الثناء والتقريظ عليه وذكره كل من تأخر عنه من علماء الرجال والإجازات وكتابه (اليوسيفية) التي ذكرها شيخنا مع حواشيه الكثيرة موجودة عندنا في أولها أصول الدين إجمالا مفيدا ثم الطهارة والصلاة وله الشعر البليغ الذي لم يوجد لأحد من الهاشميين بعد السيد الرضي أحسن منه وشعره في البداهة في غاية القوة والجزالة ولا سيما الأبيات التي ارتجلها بعد خطبتي الجمعة التي أشار إليها شيخنا وذكرها السيد النجيب في السلافة ولا بأس بذكرها مع بعض من كل من شعره المشتمل على التفكر والآداب والاتعاظ لأولي الألباب فمنها الأبيات التي ختم بها الخطبتين قوله (ره): ناشدتك الله إلا ما نظرت إلى * صنيع ما ابتدأ الباري وما ابتدعا تجد صفيح سماء من زمردة * خضرا وفيها فريد الدر قد رصعا ترى الدراري يدانين الجنوح فما * يجدن غب السرى عيا ولا ضلعا والأرض طاشت ولم تسكن فوقرها * بالراسيات التي من فوقها وضعا فقر ساحتها من بعد ما امتنعا * وانحط شامخها من بعد ما ارتفعا وأرسل الغاديات المعصرات لها * فقهقهت ملء فيها واكتست خلعا
88 هذا ونفسك لوام الخبير لها * لارتد عنها كليل الطرف وارتدعا وليس في العالم العلوي من أثر * يحير اللب إلا فيك قد جمعا انتهى قال السيد الصدر في السلافة وهذه الأبيات لو كانت عن رؤية لأفحمت مصاقع الرجال فكيف وهي عن بداهة وارتجال ومن شعره في الموعظة: طلعت عليك المنذرات البيض * وابيض منها الفاحم الممحوض صرحن عندك بالنذارة عندما * لم يقفها الإعاء والتعريض ست مضين وأربعون نصحن لي * والمثلهن على التقى تحضيض وافى المشيب مطالبا بحقوقه * وعلي من قبل الشباب فروض أيقوم أقوام بمسنون الصبا * متوافرا ويفوتني المفروض!؟ لأحق هذا قد نهضت به ولا * أنا بالذي يبغي المشيب نهوض إن الشباب هو المطار إلى الصبا * فإذا رماه الشيب فهو مهيض بادرته خلس الصبا إذ لاح لي * بمفارق الفودين منه وميض فمشى وحاز السبق إذ أنا قارح * جذع بمستن العذار ركوض واسود في نظر الكواعب منظري * إذ سودته الغائبات البيض والليل محبوب لكل ضجيعة * تهوى عناقك والصباح بغيض عريت رواحل صبوتي من بعد ما * أعيى المناخ نهن؟ والتقويض قد كنت في طلب العنان فساسني * وال يذلل مصعبي ويروض عبث الربيع بلمتي وعاث في * تلك المحاسن كلهن مقيض ومن شعره رحمه الله يحن إلى إلفه ووطنه حنين النجيب إلى عطنه يقول: يا ساكني جد حفص لا تخطفكم * ريب المنون ولا نالتكم المحن
89 ولا عدت زهرات الخصب واديكم * ولا أغب ثراه العارض الهتن ما الدار عندي وإن ألفيتها سكنا * يرضاه قلبي لولا الألف والسكن ما لي بكل بلاد جئتها سكن * ولي بكل بلاد جئتها وطن الدهر شاطر ما بيني وبينكم * ظلما فكان لكم روح ولي بدن ما لي وما لك يا ورقاء لا انعطفت * بك الغصون ولا استعلى بك الفنن مثير شجوك أطراب صدحت بها * ومصدر النوح مني الهم والحزن وجيرتي لا أراهم تحت مقدرتي * يوما وإلفك تحت الكشح محتضن هذا وكم لك من أشياء فزت بها * عني وإن لزنا في عوله قرن وقال (ره) وقد سمع مليحا يقرأ على القبور ويتلو القرآن بنغم الزبور: وقال لأي الذكر قد وقفت بنا * تلاوته بين الضلالة والرشد بلفظ يسوق الزاهدين إلى الخنا * ومعنى يشوق الفاسقين إلى الزهد (قلت) ولقد أجاد، وله (قدس سره) شعر كثير في غاية البلاغة ومجاراة بديهية مع أبي البحر الخطي (ره) نذكر بعضها إن شاء الله تعالى في ترجمته وقد أصيب في صغره من بعض الحاسدين بعين فذهبت من عينيه عين فرأى والده جده رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له إن أصيب بصره فلقد أعطاه الله بصيرته ولقد صدق صلى الله عليه وآله وهو الصادق الأمين، وقبره (رض) بشيراز في جوار السيد (أحمد ابن الإمام موسى الكاظم - ع) المعروف (بشاه چراغ) كما في اللؤلؤة نور الله ضريحه وقدس الله في الفردوس روحه.
90 . 27 - السيد عبد الرؤف ابن السيد ماجد الصادقي (ومنهم) ابنه السيد عبد الرؤف قال السيد في روضاته بعد ترجمة السيد ماجد المذكور وكلام في البين: وينسب بعض الفضلاء الأواخر هذه الأبيات إلى السيد عبد الرؤف ابن السيد ماجد بن هاشم الصادقي وهي هذه المناجاة: يا حليما ذا أناة * واقتدار ليس يعجل عبدك المذنب مما * قد جناه يتنصل كاد أن يقنط لولا * سعة الرحمة يأمل باء بالخسران عبد * أمهل المولى فأهمل إن في ذاك لسرا * من يخاف الفوت يعجل ملت التوبة من سوف * ومن ليت ومن عل تهت في بيداء * تقصيري فهل يرشد من ضل أدخلتني النفس لكن * منهج المخرج أشكل كلما أقبل عام * أتمنى عام أول فإذا أقبل عام * كان مما فأت أخمل ليتني أجهل علمي * أو بما أعلم أعمل فعلى عفوك لا * الأعمال يا رب المعول فعسى جرح ذنوبي * يمسح العفو فيدمل لو برضوى بعض ما بي * لتداعى وتزلزل
91 غير أني بالنبي * المصطفى أشرف مرسل وعلي وبنيه * يا إلهي أتوسل فبهم يا واسع الرحمة * ثبت لي ما زل واسع الغفران يا من * يغفر الذنب وإن جل لست أقفو أثر قوم * غيرهم في العقد والحل عجل الفوز بهم لي * وعلى أرواحهم صل تمت المناجاة وانتهى كلامه. (قلت): ولم أر لهذا السيد ترجمة ولا ذكرا غير ما ذكرناه ولعله كان طفلا بعد موت والده العلامة ونشأ في شيراز ولم يذكر السيد له غير هذه المناجاة وكفى لها أدبا وتقوى وورعا. 28 - السيد ماجد ابن السيد محمد البحراني (ومنهم) السيد السند السيد ماجد ابن السيد محمد البحراني (ره) قال الشيخ في الأمل كان السيد ماجد ابن السيد محمد البحراني عالما فاضلا جليل القدر وكان قاضيا بشيراز ثم بأصفهان وكان شاعرا أديبا منشئا له (شرح نهج البلاغة) لم يتم من المعاصرين كتبت له مرة أبياتا من جملتها: قصدت فتى فريدا في المعالي * حماء ظل للآمال قصدا ولم أطلب لنفسي بل لشخص * عزيز في الكمال أراه فردا دعوتك لاكتساب الأجر أرجو * إجابة (ماجد) كم حاز مجدا ومثلك من تناط به الأماني * ويرضى بالندى والجود وفدا
92 يهزك هزة الهندي شعر * يذكر جودك المأمول وعدا أما تبغي بذي الأيام شكري * أما ترضى بهذا (الحر) عبدا انتهى كلامه علا في الجنان مقامه. (أقول) وقد ذكره السيد الجليل صاحب تتمة الأمل وهو من أهل بيته المعروفين بآل أبي شبانة بل يمكن أن يكون من ذريته تغمده الله برحمته. 29 - السيد أحمد ابن السيد عبد الصمد (ومنهم) السيد الأمجد الأسعد العلامة السيد أحمد ابن السيد عبد الصمد البحراني عالم فاضل أديب شاعر كامل قرأ عند شيخنا البهائي وذكره صاحب السلافة فقال فيه: هو للعلم علم وللفضل ركن مستلم مديد في الأدب باعه جليد كريم شيمة وطباعه خلد في صفحات الدهر محاسن آثاره وقلد جيد الزمان قلائد نظامه ونثاره فهو إذا قال صال وغنت لشبا لسانه النصال ولم أسمع من شعره إلا هذين البيتين العجيبين: لا أبلغتني إلى العلياء عارفتي * ولا دعتني العلا يوما لها ولدا إن لم أمر على الأعداء مشربهم * مرارة ليس يحلوا بعدها أبدا وكفى بهما شاهدا على قوته في الفصاحة والأدب والملاحة انتهى كلامه علا مقامه (قلت): وقد رثاه أبو البحر الشيخ جعفر الخطي بقصيدة بديعة مذكورة في ديوانه (ره) وكان قد توفي ووالده حي يعزيه فيها ويسليه ويعبر عنه ولم أسمع له بشئ من المؤلفات.
93 . 30 - السيد على ابن السيد ماجد (ومنهم) السيد التقي السيد علي ابن السيد الزاهد السيد ماجد ابن السيد أحمد ابن السيد إبراهيم الحسيني البحراني بحر لا يقاس دره وحبر لله دره وقد كان في أبان شبابه لم تكن له معرفة بالشعر وآدابه وغلطه وصوابه إلا أنه كان محبا لإنشاده مواضبا عليه كسائر أوراده سائحا في بيداء الأشعار آناء الليل وأطراف النهار حتى حصلت له ملكة قوية يقتدر بها على نظم القريض فسار في بحره الطويل العريض فهو الآن شاعر أوانه ونابغة زمانه ورئيس أقرانه إن نظم أجاد وإن نثر أفاد صحبني صغيرا وأحسن إلي الصحبة كبيرا فجزاه الله عني خير الجزاء قاله صاحب تتمة الأمل السيد محمد البحراني وذكر له أشعارا كثيرة ولم يذكر تاريخا لوفاته ولا شيئا من مصنفاته. 31 - السيد علوي ابن السيد إسماعيل البحراني (ومنهم) السيد علوي ابن السيد إسماعيل البحراني فاضل أديب صالح تقي ذكره صاحب السلافة فقال فيه: فاضل في النسب والأدب معرق وكامل تهدل فرع مجده وأعرق وهو اليوم شاعر هجر ومنطيقها الذي واصله المنطق الفصل وما هجر يفسح للبيان مجالا ويوضح منه غررا وأحجالا ويطلق في آفاقه بدورا وشموسا ويروض من صعابه جموحا وشموسا ويشتار من جناه عسلا ويهز من قناه أسلا ومعظم شعره فائق مستجاد فمنه قوله وقد أجاد:
94 بنفسي أفدي وقل الفدا * غزالا بوادي النقا أغيدا مليحا إذا نض من وجهه * نقاب الحيا قلت بدر بدا غزالا ولكن إذا ما نصبت * شراكا لأصطاده استأسدا سقيم اللواحظ مكحولة * ولم يعرف الكحل والأثمدا إلى آخرها وذكر له أشعارا كثيرة ولم يذكر السيدان صاحب السلافة والتتمة للأمل له ولا لغيره مصنفا كما هو الأكثر مع أكثر العلماء وإنما الأهم عندهما ذكر أدب الرجل وأشعاره المستجادة وأقواله الحسنة ولو كان هذان السيدان يذكران مع تلك المصنفات والرسائل والمؤلفات حفظا لها عن العدم وإزالة لها عن شبهة عدم القدرة لكان أولى ولكل وجهة هو موليها شكر الله مساعيهم الجليلة ومنحنا وإياهم من خيراته الجزيلة. 32 - السيد محمد ابن السيد عبد الحسين آل شبانة (ومنهم) العالم الفاضل الحسيب النسيب الكامل الأديب الأريب السيد محمد ابن السيد الحسين ابن السيد إبراهيم بن أبي شبانة البحراني الحسيني قال فيه في السلافة علم العلم ومناره، ومقتبس الفضل ومستباره، فرع دوحة الشرف الناظر، المقر بسموه كل مناضل ومناظر، أضاءت أنوار مجده ومآثره كالبدر من حيث التفت * رأيته يهدي إلى عينيك نورا ثاقبا أما العلم فهو بحره الذي طما وزخر وأما الأدب فهو صدره الذي سما به وفخر، أن نثر فالثرة منه في خجل، أو نظم فالثريا من استلابه عقدها في وجل طالما استنزل الدراري بقلمه واستخرج الدر من البحار بكلمه فأطلعها في سماء بيانه ونظمها في سلك عقيانه وناهيك بمن تهابه النجوم في سمائها،
95 وتخشاه اللئالي في دائمها وقد كان دخل الديار الهندية فاجتمع بالوالد ومدحه بمدائح نقضت غزل الحارث بن خالد فعرف له حقه وقابله بالإكرام بما استوجبه واستحقه، وذكرنا عند مولانا السلطان بما قدمه لديه وملأ من المواهب. الجليلة يديه ولما قضى آماله من مطالبها ارتحل إلى الديار الأعجمية وقطن بها فلقي بها تحية وسلام وتنقل في المراتب حتى ولي شيخ الإسلام وهو الآن قاطن بإصبهان رافع من قدر الأدب ما هان انتهى كلامه علا مقامه. (وقلت) وذكر له جملة من الأشعار مما مدح به والده وجاراه به في هذا المضمار، ومن شعره وقد كتبه لابنه الآتي ذكر بعده: بليت بدهر بلا فضل غادر * وأنت على خلاته غير عاذر قطعت حبال الوصل خوف خصاصة * ولم تك في الضراء عندي بصابر وبعدك عني إن سلكت طريقة * تؤدي إلى رشد فليس بضائر فإن شئت أن أرضى عليك فلا تكن * إلى غير منهاج الصلاح بساير عسى الدهر يوما أن يلم شتاته * ويقطع أسباب النوى والتهاجر وذلك موكول لرحمة راحم * ومنة منان وقدرة قادر ولله تدبير وللدهر رجعة * وللعسر تيسير بحكم المقادر وما غلقت أبواب أمر على امرئ * فصابر إلا فتحت في الأواخر تحية مشتاق وتسليم واله * إلى غائب بين الجوانح حاضر وقال أيضا رحمة الله عليه مضمنا: ولما أن تراءت من بعيد * خيامكم أمين المستهام تأجج وجده ونمى جواه * وذاب القلب من فرط الغرام
96 وأعظم ما يكون الشوق يوما * إذا دنت الخيام من الخيام (قلت): وهذا السيد من أجداد السيد الفاضل الفاخر ذي النسب الطاهر سيدنا المعاصر السيد ناصر ابن المرحوم السيد أحمد ابن المقدس السيد عبد الصمد آل أبي شبانة البحراني المشرف لمدينه البصرة بنزوله فيها ونسبه الشريف ينتهي إلى الإمام العالم موسى بن جعفر الكاظم (ع) وهو من أهل مني قرية من قرى البحرين ثم سكنوا القرية المعروفة بالزنج وهي من قرى البحرين وفيها بيوتهم وأملاكهم كما حدثني بذلك دام ظله العالي وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى على ترجمته 33 - السيد عبد الله ابن السيد محمد آل شبانة (ومنهم) ابنه الأديب الحسيب النسيب السيد عبد الله ابن العالم الأسعد السيد محمد آل أبي شبانة البحراني قال في السلافة بعد ذكر أبيه أنه أديب قام مقام أبيه وسد ولا عجب للشبل أن يخلف الأسد فهو نفحة ذلك الطيب وأريجه ونهر ذلك البحر وخليجه المنشد لسان محتده (وهل ينبت الخطي إلا وشيجه) أثمرت أغصان أقلامه اليانعة بثمرات البيان وضم هوامل الكلام لقمة النهج وغنى وراءها الحاديان فنثره الورود في رياض النفوس لا الفروس ونظمه العقود لكن في ترائب الطروس لا العروس وهو أحد من خدم الوالد ومدحه وأورى زند فكره لشكره وقدحه (إلى آخر ما قال) وذكر له بعض الأشعار. 34 - السيد على ابن السيد إبراهيم آل شبانة (ومنهم) العالم الفاضل السيد علي ابن السيد إبراهيم ابن السيد علي ابن السيد إبراهيم آل أبي شبانة الموسوي الحسيني البحراني وهو والد صاحب تتمة الأمل
97 والسيد محمد الآتي ذكره شاعر في زمانه ورئيس هذه الصناعة في وقته وأوانه نظمه أرق من نسيم الصبا وأعذب من أيام عصر الصبا كان ذا نفس كريمة وسجية في أبناء زمانه عديمة أخذ عن الفضلاء ولازم الأدباء حتى صارت له قوة في العلوم وملكة قوية يقتدر بها على المنثور والمنظوم ولم يزل سائحا في بيداء الأدب أوقاتا وأعواما وشهورا وأياما حتى صار لأهل هذه الصناعة سيدا وإماما أصبحت منه أيامه أحلاما وقد كان أعذب مورد وأحلى ماء ولكن حوادث الأهوال الواقعة على أوال قد فرقت ما نظم وأذهبت منه الجزء الأعظم وأني وقت اشتغاله بالعلوم والآداب لم أخرج من الأصلاب فلما من الله علي بالإبراز من العدم إلى الوجود بعد أن لم أكن شيئا معدود، وألهمني شيئا من معرفة هذه الصناعة وإن لم تكن لي بضاعة تتبعت أشعاره واستقفيت آثاره فلم أعثر بعد تتبع كثير إلا على شئ يسير فمنه قوله: - ضاق النطاق وأحكمت حلقاتها * فالنفس لا تختار طول حياتها بلغ الربا سيل الهموم ولا أرى * من يزجر الأيام عن نكباتها فلذلك خاطبت الزمان وأهله * بشكاية الشعراء في أبياتها قد قلت للزمن المضر بأهله * ومقلب الدولات عن حالاتها إن كان عندك يا زمان بقية * مما تهين به الكرام فهاتها وله أيضا من قصيدة مطلعها: (كفي من المدمع الوكاف عاد كفا) ولم أسمع من مطلعها إلا هذا المصرع إلا أنه قال (ره) فيها: يا بارقا فوق بأن المنحني سحرا * كفي من النوح ما أتلفتني أسفا وله منها:
98 إن تقعد العيس بي من دون حيهم * أو يعتريهن من طول المسير حفا فلا رعين الكلى غضا ولا وردت * من الموارد إلا موردا خسفا بلى إذا قعدت بي في منازلهم * وقمت أسحب أذيال الهنا شغفا فلا ذوي لهم فرع ولا برحت * تسقي السماء طرفا إن أمحلت طرفا وقوله أيضا رحمة الله عليه وهو يومئذ بمدينة شيراز المحروسة: يا بارقا في أفقه متعرضا * إن جزت يوما بالمنامات (ومنها): وإلى أوال تروع قلبي كلما * سرت الصبا من تلكم الساحات وإلى نواحي أرضها وربوعها * ولما لها قد مر من أوقات وعراصها الفح التي قد طرزت * أطرافها ببواسق النخلات وعلى عشيات حسوت مكررا * فيها كؤوس الوصل في الخلوات من كل شهدي المذاق تديره * من ريقها وردية الوجنات حوراء فاترة اللحاظ كأنما * رضوان أبرزها من الجنات عذراء ناحلة الوشاح بطيئة * الحركات آرامية اللفتات إن حدثتك أرتك عند حديثها * دررا ولكن غير منتظمات فإذا هي ابتسمت أرتك بثغرها * في السلك در الحب ملتثمات هي روضة العشاق إلا أنها * تصمي القلوب بأسهم اللحظات (ومنها): ولدي إن حياة من لا يرتوي * من مشرع العشاق بئس حياة ولينقلوا أهل الغرام مذاهبي * ولترو أهل العشق معتقداتي
99 وعلى الهوى ومتابعيه تحيتي * وجزيل تسليمي معا وصلاتي انتهى كلام ابنه فيه ولم يذكر له شيئا من المصنفات ولا تاريخا للوفاة ووجدنا له منسكا مجلدا كبيرا مبسوطا بالاستدلال وذكر الأقوال مع مزار حسن للنبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام، وذكر السيد المعاصر سيدنا السيد ناصر وهو من أحفاده أن له شرح كبيرا جيدا على (لمعة الشهيد) في مجلدات وقف هو على بعض مجلداته ولم نقف له على غيرها إلا جمع ديوان شيخه العالم الرباني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني بأمره وله على حروف الهجاء كما ذكره ابنه في ترجمة شيخه المذكور تغمدنا الله وإياهم بالكرامة والحبور. 35 - السيد محمد صاحب تتمة الأمل (ومنهم) ابنه العالم الأمجد الأديب السيد محمد ابن السيد علي آل أبي شبانة البحراني المتقدم ذكره كان من العلماء الأعلام والأدباء العظام قرأ على فضلاء زمانه من أهل البحرين كعمنا العلامة الشيخ يوسف البلادي الآتي ذكره والفاضل الشيخ حسين الماحوزي وغيرهما ولم أقف له على مصنف إلا تتمة الأمل الذي ننقل منه هنا وهو مجلد حسن كتبه تتمة لكتاب الأمل للشيخ الفاضل المحدث الحر العاملي (قدس سرهما) وله كتاب آخر سماه... بمنزله الكشكول كتاب أدب وله فيه أشعار كثيرة ولم أقف له على ترجمة حتى منه في كتابه التتمة لم يذكر لنفسه ترجمة سوى ما ذكرناه وينسب الأشعار التي فيه لصاحب الكتاب فمن شعره قوله رحمه الله تعالى: أبا حسن لولا اختياري ولاية * علقت؟ من تكوين آدم
100 لما كان ينجيني انتسابي لأحمد * ولا بك كلا أو ثلاث الفواطم (1) ومن شعره أيضا قوله تغمده الله برحمته ورضوانه: بنى لنا أحمد بيتا دعائمه * سمت على هامة المريخ مع زحل وكان قدما لنا من هاشم نسب * يعلو علاه على ذ والحمل فلا أبالي وإن أضحت معاقدة * دنيا تحاربني بالبيض والأسل كفى بأني من أولاد حيدرة * وفاطم وأبيها سيد الرسل ومن شعره في الحماسة والافتخار بآبائه الأطهار: أقلي عن ملامك والعتاب * ولا تعزي بتمويه الخطاب لقد سافرت عن وطني وقومي * إلى أن مل أصحابي ذهابي وطفت على البلاد فما ترائى * إلي سوى ذئاب في ثياب لقد ضاقت علي الأرض حتى * رضيت من الغنيمة بالإياب وأيام العذيب تبدلت لي * بأيام أشر من العذاب فلي حظ كخافقة الغراب * ولي عرض كأيام الشباب أنا الرجل الذي لم اثن عزمي * عن المعروف في النوب الصعاب سل الدار التي شط التنائي * بها هل ناب ساكنها منابي
(1) أشار بها إلى فاطمة المخزومية أم عبد الله وأبي طالب عليهما السلام وفاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وأبنائها الطاهرين. (المؤلف) 101 . 36 - السيد عبد الرؤف الموسوي (ومنهم) السيد النجيب الأديب الحسيب الأريب السيد عبد الرؤف بن الحسين بن عبد الرؤف بن أحمد بن حسين بن محمد بن حسن بن يحيى بن علي ابن إسماعيل بن علي بن إسماعيل أخ السيدين الشريفين الرضي والمرتضى علم الهدى ابن الحسين بن موسى بن إبراهيم المجاب ابن الإمام موسى الكاظم عليه السلام، البحراني أحد الأكابر والأعيان المشار إليهم بالبنان في البيان بدر كمال وشمس ظهيرة وسيد قوم وكبير عشيرة جمع بين علو الهمة وعلو الأدب وشفع سمو الأصل بسمو الحسب فهو غرة جبهة الدهر وتوريد وجنة العصر ووشي ديباجة الشرف والفضل وطراز حلتي الجلال والنبل وله شعر يحبب العقول بسحره ونثر يزري بنظم الدر ونثره جمع فيه بين الجزالة والرقة وأعطى كل ذي حق حقه كان مولده سنة 1013 ه وتوفي سنة 1060 الله أعلم وله رحمه الله من العمر سبعه وأربعون سنة تغمده الله برحمته ورضوانه وله شعر كثير ومنه: وأغيد أبدى عن لئالي ثغوره * ففاضت دموعي حسرة وهو باسم إذا ما انتضى إلحاظه من جفونه * أقيمت لأرباب الغرام مآتم تثنى فمال الغصن من طرب به * ألم تره ناحت عليه الحمائم انتهى كلام السيد في تتمة الأمل. (قلت) وهذا السيد من أجلاء السادة ورؤسائهم في زمانه في البحرين من أهل جد حفص القرية المشهورة ودفن في مقبرة الشيخ راشد من بلاد القديم
102 والظاهر أنه خال السيد العلامة السيد ماجد الصادقي (ره) الجد حفصي وزوج ابنته وكان أعني صاحب الترجمة شيخ الإسلام أي قاضي القضاة في بلادنا البحرين، وقال جامع ديوان الشيخ جعفر الخطي (ره) وقال أي الشيخ جعفر يرثي الشريف قاضي القضاة أبا جعفر عبد الرؤف بن الحسين العلوي الموسوي سنة 1016 ه. كف الحمام وترت أي جواد * ورجعت ظافرة بأي مراد وطردت ليث الغاب عن أشباله * ورجعت سالمة من الآساد أخمدت ضوء الكوكب الوقاد من * آفاقه وأملت طود النادي وكففت من غلواء مهر طالما * بد الجياد بكل يوم طراد للسبع بعد العشر من صغر مني * منك الورى بمفتت الأكباد رزء تقاصر كل رزء دونه * فخلا كصاحبه عن الأنداد رزء أتاح لكل قلب حرقة * تفتر عن جمر الغضا الوقاد (ومنها): هيهات إن ولد الزمان له أخا * أنى وقد عقمت عن الميلاد إن الثلاث البيض حالت بعده * سودا فما يعرفن غير دآد وآخرها قوله تغمده الله بعفوه ورضوانه: فلئن مضى عبد الرؤف لشأنه * والموت للأحياء بالمرصاد فلقد أقام لنا إماما هاديا * يقفوه في الإصدار والإيراد يزهو به دست القضاء كأنه * بدر تعرى عنه جنح الهادي لا زال دست الحكم يبصر منه عن * عين الزمان وواحد الآحاد
103 أنشدت هذه القصيدة بسابع موت هذا الشريف في جمع كثير وجم غفير ولا غرو فلقد كان له من العظمة والجلالة ما ليس إلا لنبي في أمته وملك في رعيته. وأنشد في ذلك المقام للشريف الإمام العلامة أبي علي السيد ماجد بن هاشم العلوي مرثيته الهمزية المهموزة العزيزة الوجود التي أولها: حلت عليك معاقد الإنداء * ونحت ثراك قوافل الأنواء وسرت على أكناف قبرك نسمة * بلت حواشيها يد الإنداء ما بالي استسقيت أنداء الحيا * وأرحت أجفاني من الإسقاء ما ذاك إلا أن بيض مدامعي * غاضت مبدلة بحمر دماء هتفت أياديك الجسام بأعيني * فسمحن بالبيضاء والحمراء أنى يجازى شكر نعمتك التي * جللتنيها قطرة من ماء يا درة سمحت بها الدنيا على * يأس من الاحسان والإعطاء واسترجعتها بعد ما سمحت بها * وكذاك كانت شيمة البخلاء (ومنها): فلئن قصرت من الإقامة عندنا * حتى كأنك لمحة الايماء فلقد أقمت بنا غريبا في العلا * وكذا تكون إقامة الغرباء انتهى ما في ديوان أبي البحر الشيخ جعفر الخطي. (قلت) وهذه القصيدة المهموزة من جيد الشعر وأبلغه وأحلاه وأعذبه وللسيد العلامة المذكور هذان البيتان أيضا ليكتبا على قبر المرثي السيد عبد الرؤف المزبور ولقد أجاد: هذا مقر العلم والفضل * ومخيم التوحيد والعدل
104 شبران جزئيان ما خلقا * إلا لحفظ العالم الكلي قال جامع ديوان الشيخ جعفر الخطي والتمسوا منه أي الشيخ جعفر الخطي شيئا يكتب على قبر الشريف أبي جعفر عبد الرؤف المرثي سابقا فقال: لعمرك ما واروه في الأرض أنه * تقاعس عن نيل العلاء إلى الأفق ولكنه الطود الذي لو أزيل عن * مراسيه مادت هذه الأرض بالخلق قال الشيخ جعفر (ره) فسبقني الشريف العلامة بعمل بيتين أي المتقدمين وكتبا على حجر قبره بمقبرة الشيخ راشد بجبانة أبي عنبرة من أوال البحرين وهما البيتان المتقدمان قال فقلت البيتين، واتفق وفاة السيد الشريف أبي جعفر السيد عبد الجبار بن الحسين الحسيني أخ السيد المذكور بشيراز فدفن بمدفن السيد أحمد ابن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) فكتبا على قبره هناك قال جامع الديوان ثم قربت العهود والتأييدات المقررة من قبل هرموز بتقليد القضاء ابنه أبا عبد الله السيد جعفر وولاية الأوقاف وفوض إليه الأمور الحسبية وأفرغت عليه الخلع من الديوان وذلك بالمشهد المعروف بذي المنارتين من أوال البحرين وذلك في ثالث عشر شهر صفر سنة السادسة بعد الألف انتهى. (قلت) وهذا الشريف الجليل الذي كان شيخ الإسلام بعد أبيه هو ممدوح الشيخ جعفر الخطي ومخدومه والذي يصحبه معه في أسفاره إلى شيراز رحمهم الله جميعا. 37 - السيد محمد القاروني (ومنهم) السيد الشريف الفاضل أبو الحسين السيد محمد ابن السيد سليمان
105 القاروني التوبلي البحراني ولم أقف على شئ من أحواله إلا مرثية الشريف العلامة الماجد السيد ماجد بن السيد هاشم الصادقي البحراني (ره) له أو الشاعر الماهر أبو البحر الشيخ جعفر الخطي (قدس سرهما) وهي تدل على فضل عظيم للممدوح والمرثي قالها فيه سنة ثمان والف وتولى إنشادها غيره بمسجد ماتنا من كتكان من أوال البحرين حرسها الله من الحدثان وهي هذه القصيدة الفريدة: عاث الحمام فما أبقى وما تركا * ولم يدع سوقة منا ولا ملكا فما سألت امرءا يوما بصاحبه * والعهد لم ينأ إلا قال قد هلكا تراه أقسم لا يبقي على بشر * ولا يغادر إنسانا ولا ملكا ما بث في ساكن الغبراء أسهمه * إلا ويصمي بها من يسكن الفلكا فما يشد على شخص فيعصمه * أن يمتطي العيس أو يستبطن الفلكا يا للرزية لم يسمع بها أحد * إلا وأجهش من حزن لها وبكى ما للجليد بها لو ساورته يد * لو خامرت جلد أيوب الصبور شكى شلت يدا الدهر لم يعلم بأي فتى * أودى وأي همام سيد فتكا بواحد مر فردا في مكارمه * ما افتر عن مثله دهرا ولا ضحكا وكارع في حياض المكرمات فما * زاحمه واغل فيها ولا شركا متى يفاخره حي مت منتسبا * لمحتد تتوارى عن سناه ذكا من دوحة طاب مجناها وحلق * أعلاها كما قر مسرى عرقها وزكا تكاد تخرق سمك الأرض راسخة * عروقها ويناجي فرعها الحبكا شهادة الله في التنزيل كافية * في فضلهم عن رواه جابر وحكى يربع على ضلعه الساعي ليدركه * فليس يدركه إن خب أو بركا
106 عف السريرة صفاح الجريرة مقدام * العشيرة جواد بما ملكا ما مد يوما إلى لدنيا وزينتها * طرفا ولا كان في اللذات منهمكا ما ضم يوما على الدينار راحته * بخلا ولا شد من حرص عليه وكا أثرى فما كان فيما أحرزت يده * لفرط ما جاد إلا واحد الشركا الشهد ما مجه زجرا وموعظة * لسانه الطلق لا ما أودع العككا والعضب ما استل من رأي إذا التحمت * عرى الخطوب وأمر الأمة البتكا يا من مضى وبقينا بعده هملا * لو أنصف الدهر أفنانا وخلدكا لو سامنا فيك محتوم القضا بدلا * فداك كل امرئ منا وخلدكا أبعد به من غريم إن خضعت له * ذلا قسا وإن استمحلته محكا ما لامرئ يتقاضاه الديون يد * بدفعه الواه الدين أم معكا فلست أعلم ما مت الحمام به * حتى لوى بك عنا واستبد بكا إن يغتصبك الردى منا فقد غصبت * بالأمس أمك صافي إرثها فدكا فاذهب فما زال هامي الغيث يصحبه * من فيض دمعي على مثواك منسفكا هذا آخرها وكلما أردت اختصارها لم تطب نفسي إلا إتمامها لبلاغتها وطلاوتها. 38 - السيد ناصر القاروني (ومنهم) السيد الفاضل النبيل الفاخر السيد ناصر ابن السيد سليمان القاروني البحراني والظاهر أنه أخ السيد محمد المذكور قبله قال في حقه السيد النجيب الأديب في السلافة هو من قوم لم ينجح المجد عن خطتهم إلى التخطي فيهم يقول أبو البحر الخطي (ره)
107 آل قارون لا كبا بكم الدهر * ولا زلتم رؤوس الرؤوس والسيد ناصر هو فرقد سمائهم وواحد عظمائهم ورأس رؤوسهم وناشر بزهم وصفوة مجدهم وربوة نجدهم وباسق غروسهم الخطيب الشاعر الرحيب المشاعر نثر فأكثر ونظم فأعظم وصاب فأصاب وجاد فأجاد وقضى فشرع ونضى فأشرع ففرع وفنن وبرع وتفنن فنظمه وشح الزمان ونثره نجح الأمان، يفضل زهر المروج بل يفضح زهر البروج، ويفوق سجع الحمام بل يخجل سفح الغمام وقد أثبت من كلامه وزهرات أقلامه ما تنافح به القماري وتصادح به القماري، أخبرني شيخنا العلامة جعفر بن كمال الدين البحراني قال كنت ذات يوم جالسا في مسجد السدرة أحد مساجد القرية المعمورة جد حفص إحدى قرى البحرين وهو مدرسة العلم ومجمع أولي الفضل والحلم وكان عميد البلاد وكبيرها، وقاضيها الدائم بتدبيرها وكان السيد حسين ابن السيد عبد الرؤف جالسا في ذلك المجلس وإلى جنبه السيد ناصر وأحد المدرسين يقرأ كتاب القواعد فجاء ابن أخ للسيد حسين نافحا بكمه وزحزح السيد ناصر عن مكانه وجلس إلى جنب عمه فغضب السيد ناصر وعتب وتناول القلم مسرعا وكتب: (لا تعجبن من تقدم ذي البنان الخاضب على ذي البيان الخاطب وذي الطرف المفتون على ذي الظرف والفنون وذي الجسم الفاضل على ذي الجسم الفاصل وذي الطول على ذي الطول فإن الزمان قد طبع على هذه الشيم مذ كان في المشيم وكتب ناصر بن سليمان البحراني) ورمى بالبطاقة وقام وأقام من البلاء ما أقام. الخ
108 39 - السيد عبد الصمد البحراني (ومنهم) السيد النجيب العالم الفاخر السيد عبد الصمد ابن السيد عبد القادر البحراني ذكره في الأمل وأثنى عليه بالعلم والفضل والعمل وأنه كان من المعاصرين له رحمه الله تعالى. 40 - السيد عبد الجبار البحراني (ومنهم) السيد النجيب الحسيب العالم السيد عبد الجبار ابن السيد حسين الحسيني البحراني ذكره أيضا في الأمل وأثنى عليه بالعلم والأدب والشعر والإنشاء وذكر أيضا هذين السيدين الجليلين والسيد في تتمة الأمل ولم يذكر لهما شيئا من المصنفات ولا تاريخا للوفاة كما هو الغالب عنده عدم ذكرهما ولا سيما الأول والظاهر أن الأول من جد حفص أو البلاد والثاني من توبلي ووقفت للسيد الأخير وهو السيد عبد الجبار على كتاب (مقتل الأمير المؤمنين عليه السلام) ذكر في أوائله خطبة البيان المنسوبة لمولانا أمير المؤمنين (ع) ونقل فيها الحكاية المشهورة من مجيئ عبد الملك بن مروان الأموي للبحرين لما التجأ إليها أكابر الشيعة كصعصعة بن صوحان وأخيه زيد بن صوحان العبديين وإبراهيم بن مالك الأشتر (رض) وغيرهما أو أنهما من عمال الحسن السبط الزكي عليه السلام وطلبه لهم وتسييره الجنود المجندة على أهل البحرين وهو في القطيف وتقع الدائرة على جنوده وجيوشه مرارا متعددة حتى عبر إليهم بنفسه واحتال عليهم وأغرى
109 أشرارهم وخدعهم فثاروا على خيارهم وقتلوهم وقتلوا المشار إليهم آنفا ثم ندمت الأشرار على ما صنعوا بالأخيار فارتدوا عليه ثم عاهدهم على شروط وترك البحرين في أيديهم في حكاية طويلة مبسوطة وللمشار إليهم من رؤساء الشيعة قبور ومقامات معروفة تزورها الناس وذكر هذه الحكاية شيخنا الشيخ يوسف (رض) (صاحب الحدائق) في (الكشكول) والظاهر أنه أخذها من هذا الكتاب على جهة الحكاية والكتاب المذكور عندنا وجمد عليها شيخنا ولم يتكلم عليها بشئ (أقول) والظاهر أن هذه الحكاية لا أصل لها والله العالم لأن زيد بن صوحان (رض) قتل يوم الجمل في واقعة البصرة باتفاق المؤرخين وأهل السير قتله عمرو بن يثري الأزدي أشجع أهل البصرة ووقف عليه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: رحمك الله يا زيد، فلقد كنت خفيف المؤنة كثير المعونة قال فرفع زيد رأسه وفي آخر رمق، فقال: وأنت رحمك الله يا أمير المؤمنين وجزاك الله خيرا، والله يا أمير المؤمنين ما علمك إلا بالله عليما وفي أم الكتاب عليا حكيما وأن الله في صدرك لعظيم والله ما قاتلت معك على جهالة ولكني سمعت أم سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) فكرهت أن أخذلك فيخذلني الله تعالى رواه الإمام السعيد الشيخ المفيد في الإقتصاد وابن أبي الحديد المعتزلي في شرع النهج العلوي وغيرهما (وأما) أخوه صعصعة بن صوحان (رض) فالظاهر من بعض الكتب المعتبرة إنه قتله معاوية ولم يبق إلى زمان الحسين (ع) فضلا عن زمان عبد الملك أو أبيه مروان (وأما) إبراهيم بن الأشتر (رض) فقد قتله عبد الملك بن
110 مروان مع مصعب بن الزبير في العراق وقبره معروف مشهور قريب من سر من رأى قريب من قبر مصعب بن الزبير. وفي القطيف والبحرين عيون كثيرة عظيمة مدفونة وينسبون دفنها إلى مروان أو ابنه عبد الملك كما في هذه الحكاية والظاهر والله العالم أن ذلك هو مروان بن محمد الحمار هو آخر ملوك بني أمية من بني مروان أو غيره من ملوك الأمويين لعدم انقياد أهل البحرين لهم كما ينبغي وقتالهم لهم في بعض الأحيان لخلوص تشيعهم وعدم رضاهم لأمارتهم فأرسل لهم ذلك الظالم الجيوش والجنود فصار ما هو مذكورا ولانحياز كثير من العلويين في زمن الأمويين والعباسيين إلى بلاد البحرين لبعدها عن ديار الظالمين وموالاتهم لمولانا أمير المؤمنين وآله المعصومين سلام الله عليهم أجمعين وربما طلبهم أو بعضهم بعض الظالمين الغاصبين لحقوقهم والمعتدين ولهذا فيها من السادة الأنجبين العلويين الموسويين ممن هو صحيح النسب جمع كثير وجم غفير أكثر من بلدان المؤمنين بل في الزمن المتقدم أغلبهم رؤساؤهم وعلماؤها وعظماؤها وإن تسافل الزمان الآن وغلب الزمان على هذه البلاد أهل الجور والعدوان والبغض والشنئان فهم ولله الحمد فيها كثيرون وإلى أرضها مباركون ولأهلها مشرفون ولقد ذكرنا في هذا الكتاب كثيرا منهم من العلماء والعظماء الأطياب الأنجاب ومن جملة العيون العظام التي ينسبون دفنها لمروان أو آل مروان عين السجور في قرية الدراز من البحرين كما ذكرها الشيخ يوسف في كشكوله وهي في قريتهم وعين أم الفرسان في قرية تاروت من القطيف وهذه العين تنبت أرضها الرماح الخطية ولقد حدث كثير من القدماء أنهم أدركوا بنيان بعض حصون تاروت التي يصيدون فيها السمك
111 مبنية من الرماح وغير ذلك من العيون المنسوبة لدفن ذلك المأبون والله عز وجل هو العالم بحقائق ما كان أو يكون. 41 - الشيخ جعفر بن محمد البحراني (ومنهم) العالم العلم الأفخر الشيخ جعفر بن محمد بن حسن بن علي بن ناصر البحراني ذكره في الأمل بعنوان الشيخ الجليل الأديب الفاضل المعاصر روى عن شيخنا البهائي وله ديوان شعر كبير وذكره أيضا في الروضات. 42 - الشيخ عبد على البحراني (ومنهم) الشيخ المحقق الأديب الجليل الشيخ عبد علي بن ناصر بن رحمة البحراني ساكن البصرة ذكره السيد في السلافة وأثنى عليه ثناء بليغا جدا له كتاب (المقول في شرح شواهد المطول) وكتاب (الحواشي على مغني اللبيب) وكتاب (قطر الغمام) وذكره أيضا في (روضات الجنات) تغمده الله برضوانه. 43 - الشيخ جعفر بن صالح (ومنهم) الشيخ الصالح الشيخ جعفر بن صالح ذكره في الأمل وأثنى عليه بالعلم والصلاح والفضل وهو من المعاصرين له وذكره السيد أيضا في التتمة (قدس سره). 44 - الشيخ أحمد البحراني (ومنهم) العالم العامل التقي الرباني الشيخ أحمد بن سالم بن عيسى البحراني
112 وهو من قدماء علمائها وأتقيائها في الزمن القديم الذي لما كانت البحرين في يد الإفرنج قبل افتتاحها من الدولة الصفوية له رسالة الاستخارة المعروفة (بفال الطير) المشتمل على الدوائر الثلاث بالكيفية المنقولة عن مولانا جعفر بن محمد الصادق (ع) في كثير من كتب أصحابنا كالكشكول لشيخنا الشيخ يوسف وغيره والظاهر أنه صاحب الكرامة المشهورة في قضية الرمانة. 45 - الشيخ محمد العسكري (ومنهم) العالم الفاضل خلاصة الأفاضل الكرام وصدر جريدة العلماء الأعلام وبيت قصيدة الأجلاء الفخام شمس فلك الإفادة والإفاضة والإجلال وبدر سماء الفضيلة والتقوى والكمال الشيخ أبي الحسن محمد نجل الشيخ الأجل الورع العالم الأمجد غرة سماء أصحاب الفضل والأرجاني الشيخ يوسف البحراني العسكري أدام الله فضلهما وكثر في العلماء مثلهما انتهى كلام شيخنا بهاء الملة والدين قدس الله تربته وعلا في الجنان رتبته ولم أقف على ترجمة لهذين الشيخين في الإجازات ولا كتب الرجال سوى ما ذكرناه من إجازة شيخنا البهائي (قدس سره) للأول بما ذكرناه والنسبة إلى العسكري نسبة إلى العسكر قرية من قرى البحرين من طرفها الجنوبي وكم وكم من علماء فضلاء أتقياء نبلاء في بلادنا البحرين لم تذكر أسماؤهم في البين ولاندراس الآثار وتشتت أهلها في الأمصار بما أصابها من الأغيار تغمدنا الله وآباءنا ومشايخنا وإياهم في دار القرار جوار النبي وآله
113 الأطهار صلوات الله عليه وعليهم آناء الليل وأطراف النهار (1) 46 - الشيخ يوسف البحراني (ومنهم) الشيخ يوسف البحراني العسكري تغمده الله برحمته. (2)
(1) يقول الأحقر حسين ابن المؤلف (قدس سره ونور قبره) وجدت على حجر موضوع على قبر من مقابر المسجد المسمى بأبي عنبرة الكائن في أرض بلاد القديم ما لفظه، هذا ضريح المبرور المقدس الشيخ سالم ابن الأقدس الشيخ عبد الوهاب توفي خامس عشر جمادى الأولى سنة 1103 طبت يا قبر حيث واريت شيخا * سالما كاملا عليما خبيرا قدس الله روحه وحباه * كرما منه جنة وحريرا مستدرك الشيخ حسين بن عبد النبي يقول الأحقر حسين ابن المؤلف (عطر الله مرقده) من علماء البحرين العالم الفاضل الكامل الشيخ حسين ابن الشيخ محمد ابن الشيخ عبد النبي البحراني البارباري رأيت له رسالة حسنة مشتملة على كتاب (الطهارة، والزكاة، والخمس والصوم) وفي آخرها ذكرى صور الخمسة إلا أن النسخة التي رأيتها عتيقة غير سالمة من الغلط وعليها آثار تصحيح بقلم جدي العلامة الصالح الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح وعلى ظهرها مكتوب ما ذكرناه من وصف المصنف واسمه وقد نسختها بنفسي لنفسي وصححتها بحسب الممكن والله الموفق. 114 . 47 - السيد حسين الكتكاني التوبلي البحراني (ومنهم) السيد العلامة السيد حسين ابن السيد محمد الكتكاني التوبلي البحراني (ره) خال أعلى للعلامة الشيخ سليمان الماحوزي البحراني ويعبر عنه دائما بالعلامة ويعبر عنه شيخنا الشيخ يوسف في اللؤلؤة بالعلامة المشهور وتارة بالعلامة ولم أقف له على ترجمة ولا شئ من المصنفات. 48 - السيد علي الكتكاني التوبلي (ومنهم) ولده الفاضل الأديب اللغوي المتكلم السيد علي الذي يعبر عنه شيخنا العلامة الماحوزي البحراني بما ذكرناه من الأوصاف وقال في أزهار الرياض ولم أر أحفظ من هذا السيد في اللغة والسير والمحاضرات والتواريخ وكان والده فقيها جليلا وهو خال أعلى لجامع الكتاب وشعره منحط الرتبة بالنسبة إلى نثره، انتهى كلامه علا مقامه وينسب إليه الشيخ يوسف في الكشكول شرح الكتاب الذي كتبه الفاضل المحقق الشيخ أحمد بن عطية الأصبعي البحراني للشيخ الفاضل الشيخ صلاح الدين ابن العلامة الشيخ علي بن سليمان القدمي البحراني وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكره في ترجمته تغمدنا الله وإياهم برحمته وحشرنا وآباءنا وأبناءنا وجميع المؤمنين والمؤمنات في دار كرامته بحق محمد وآله وعترته صلى الله عليه وآله وذريته.
115 . 49 - السيد علي البلادي (ومنهم) السيد النجيب العالم الأديب الأريب السيد علي ابن السيد حسين البلادي البحراني عالم أديب شاعر وفي أزهار الرياض لشيخنا العلامة الماحوزي البحراني في الاقتباس ومن خطه نقلت: عاطيت حبي كأس الراح مترعة * ثم ارتشفت زلالا من لمى فيه فقلت: للعاذلات انظرن طلعته * فذلكن الذي لمتني فيه وله رحمه الله: يا ويح قلبي رداء الوصل يجمعنا * ومقلتي لم تزل في دأب حسرتها لكن لي أسوة بالعين إذ قرنت * بأختها ثم لا تحظى برؤيتها انتهى وتنسب إليه هذه الأبيات في ضبط كنى الأئمة الهداة عليهم السلام والصلاة إذا لم تقيد أبا جعفر * فلا شك في أنه الباقر وإن أنت بالثاني قيدته * فذلك نجل الرضا الفاخر كذاك أبو حسن مطلقا * هو الكاظم الغيظ والصابر وإن في أحاديثهم قيدوا * بثان فذاك الرضا الطاهر وإن أطلقوا صادقا في الحديث * فيعرفه القرم والماهر ولم أقف له على شئ من المصنفات ولا تاريخ للوفاة تغمده الله برحمته
116 50 - الشيخ محمد الأصبعي (ومنهم) العالم العلامة المتكلم الفقيه الشيخ محمد بن علي البحراني والد الفقيه العلامة الشيخ أحمد الأصبعي وهو شيخ مشائخنا (قدس الله سرهم جميعا) وله مصنفات مليحة منها (شرح الباب الحادي عشر) جيد لم يعمل مثله وكان في خزانة كتب شيخنا (قدس سره) وله حواش مليحة على كتاب الغنية في مهمات الدين واستدراكات جيدة انتهى كلام شيخنا العلامة المحقق الشيخ سليمان البحراني (ره) في فصله. (قلت): وقد ذكر هذا الشيخ المحدثان الفاضلان الشيخ عبد الله والشيخ يوسف ومدحاه وهو من مشائخ الإجازة. 51 - الشيخ محمد البحراني (ومنهم) الشيخ الفقيه المحدث ذو المرتبة الرفيعة في الفضل والكمال الشيخ محمد بن الحسن بن رجب البحراني المقابي أصلا الرويسي مسكنا وكان أفقه أهل زمانه وكان شيخنا يذكر أنه لم يوجد في زمانه مثله ولا بعده ولا قبله في هذه البلاد في الفقه والفروع وذكر أن السيد العلامة السيد ماجد البحراني (رض) كان يعظمه ويعرف فضله ويثني عليه وله مع العلامة السيد ماجد قصة غريبة حكاها لنا ولده الفقيه الشيخ حسين وحكاها شيخنا وكان متقللا زاهدا متألها شديدا في جنب الله عز وجل من الله به على هذه البلاد وأزال بدعها وحسم
117 مواد الظلم عنها وتولى القضاء وأحسن السيرة ومالت إليه القلوب وأقبلت عليه العوام والخواص وأطبق على تقديمه علماء هذه البلاد مات في دار العلم شيراز: وذكره شيخنا العالم الرباني الشيخ علي بن سليمان القدمي البحراني في رسالته التي عملها في وجوب الجمعة وجوبا عينيا وذكر أنه يذهب إلى ذلك وبالغ في الثناء عليه في الفضل والكمال وذكر شيخنا أنه اجتمع بالشيخ الفاضل الشيخ علي بن نصر الله الليثي الجزائري في محروسة شيراز فسأله عن مسائل وقال يحكي عن الشيخ علي بن نصر الله وجدته كالبحر الزخار وقال لو عرفته قبل ما قرأت على غيره ما قرأت على غيره وكان الشيخ علي بن نصر الله فاضلا متجرا، له رسالة (1) في الفرايض والمواريث عجيبة وعليه قرأ شيخنا العلامة الزبدة وقرأ عليه الشيخ العلامة جعفر بن كمال الدين واستقضى في البحرين وقتا ثم عزل وهو من تلامذة شيخنا البهائي وأخبرني شيخنا العلامة الشيخ سليمان (قدس سره) أنه قرأ زبدة الأصول لشيخنا البهائي عليه وكان شريكه في قراءتها شيخنا العلامة المحقق الشيخ محمد بن ماجد الماحوزي البحراني وكان كثيرا ما يقع بيني وبين الشيخ محمد المذكور نزاع والشيخ (ره) ساكت يسمع وقد يتفق أنه يأمرنا بالرجوع إلى شرح الشيخ جواد وكان لا يذكره إلا محتقرا لمنافسة جرت بينهما ورأيت رسالته في الفرائض في سنة 1098 ه في دار العلم شيراز وله حواشي متفرقة على (شرح اللمعة) وله على بحث القسم في النكاح حاشية مليحة واستدراك وقد أجبنا عنها في حاشية كتبناها على ذلك الموضع بتوفيق الله عند
(1) قوله له رسالة الخ الضمير عائد على صاحب الترجمة وكذلك الكلام الذي بعده لا على الشيخ الجزائري (ره) فتدبر ذلك منه. (المؤلف) 118 قراءة بعض الأخوان في حدود سنة 1089 انتهى كلام شيخنا الرباني الشيخ سليمان البحراني. (قلت) والأصبعي نسبة إلى أبي أصيبع قرية من قرى البحرين وكذلك الرويس بالتشديد تصغير رأس قرية من قرى البحرين والظاهر أنها الآن خراب وقال الشيخ يوسف البحراني (ره) في اللؤلؤة في ترجمته وكان هذا الشيخ فاضلا فقيها إماما في الجمعة والجماعة وهو أول من صلى الجمعة في البحرين بعد افتتاحها في الدولة الصفوية انتهى كلامه علا قدره ومقامه وذكره أيضا المحدث الصالح والسيد في روضاته وصاحب تتمة الأمل وأحسن ذكره. 52 - الشيخ علي البحراني (ومنهم) شيخنا المحدث العالم الرباني زين الدين الشيخ علي بن سليمان البحراني (ره) انتهت إليه رئاسة الإمامية في البحرين وما والاها كان كثير العلم مجدا ورعا زاهدا عابدا لا تأخذه في الله لومة لائم حمدت في جنب الله آثاره وتلمذ على شيخنا البهائي (ره) واستجاز منه ورأيت الإجازة بخط شيخنا البهائي وقد أثنى عليه فيها أحسن الثناء وذكر أنه بلغ أعلى مراتب الاستنباط وكان في أول حاله تلميذ السيد العلامة السيد ماجد والشيخ محمد بن حسن بن رجب ولما سافر واجتمع بشيخنا البهائي في محروسة أصفهان واستجاز منه وقابل كتابي (الأخبار) على نسخته ولا سيما كتاب (التهذيب) رجع إلى البحرين واجتمع علماء البحرين لاستماع الحديث منه ومعارضته كتب الحديث بنسخته وكان ممن حضر معهم الشيخ محمد بن حسن أيضا وكان الشيخ كثير الأسفار
119 والإفادة بدار العلم شيراز وله أيضا تصانيف مليحة منها رسالة في الصلاة ورسالة الجمعة ورسالة المناسك ورسالة في جواز التقليد وحواشي النافع وغير ذلك وأكثر تصانيفه موجودة عندي وتوفي (قدس سره) سنة 164. (1) انتهى كلام شيخنا الماحوزي (قلت) وهذا الشيخ قد ذكره كل من تأخر عنه كالمحدث الصالح والمحدث المنصف الشيخ يوسف في اللؤلؤة والكشكول والشيخ علي العاملي سبط الشهيد الثاني في كتابه الدر المنثور وهو من معاصريه وبينهما مباحثات وهو من قرية القدم بفتح القاف والدال قرية من قرى البحرين وقبره فيها ويكنى بأم الحديث لأنه هو الذي روجه وشهره في بلادنا البحرين قدس الله روحه ونور ضريحه 53 - الشيخ أحمد بن محمد الأصبعي (ومنهم) شيخنا المحقق المدقق الفقيه الأصولي الشيخ أحمد ابن الشيخ المقدس الشيخ محمد بن علي الأصبعي كان أوحد أهل زمانه علما وعملا وحيد عصره في الكمالات الكسبية والموهبية وأكثر مشائخنا تلامذته وكانوا يصفون فضله وعلمه وذكاءه حتى أن شيخنا المحقق المتصلف الشيخ محمد بن ماجد (قدس سره) مع شدة تصلفه كان يتعجب من فضله واشتغال ذهنه وكان يذكر غزارة علمه فهو من تلامذته وكان له (قدس سره) مذاهب نادرة (منها) القول بعدم نجاسة
(1) يقول الأحقر حسين ابن المؤلف أرخ بعض الأدباء سنة وفاة هذا الشيخ المقدس (قدس سره) بقوله: (بألف واقع ستون أربع) وقبره الشريف في دار واقعة شمالا من مدرسته المباركة الكائنة مع المسجد الشريف الكائن في أرض القدم قد زرته مرارا ودعوت الله عنده سرا وجهارا روح الله روحه. 120 الماء القليل بالملاقات وفاقا للحسن بن أبي عقيل وهذا القول هو الذي يقوي عندي في نفسي وقد كتبت في نصرته رسالة سميتها (تفصيل الدليل في نصرة الحسن بن أبي عقيل - ره) (ومنها) أيضا وجوب الاجتهاد على الأعيان وفاقا لأهل حلب وعلى عدم جواز العمل بخبر الآحاد وفاقا للمرتضى وذكر شيخنا العلامة إنه شرح النافع شرحا أجاد فيه إلا أنه لم يتمه وحكى لي جماعة أنه كان قليل البضاعة في العلوم العربية والعقلية وحكي لي أنه لم يقرأ في النحو إلا شرح الملحة وعلى كل فلا كلام في غزارة علمه واجتهاده باتفاق علماء بلاده وتولى القضاء في البحرين مدة طويلة حتى وقع بين العلماء اختلاف عظيم في بعض الوقائع وحدث فيه تنافر بين الشيخ أحمد وبين العالم الرباني الشيخ علي بن سليمان وأدى ذلك إلى عزله (قدس سره) وكان ذا صلاح عظيم ومن كراماته المشهورة أنه لم يحلف أحد عنده كاذبا إلا وأصيب على الفور بعمى أو مرض أو نحوهما حكى ذلك والدي (قدس سره) وغيره وحكى شيخنا عنه أنه كان (ره) لا يتراخى الإحلاف بل يبادر إليه وقد تحاماه الناس لذلك انتهى كلام شيخنا العلامة الثاني الشيخ سليمان البحراني (قدس سره) وقال شيخنا الشيخ يوسف في اللؤلؤة في ترجمة والده الشيخ محمد بن علي الأصبعي المذكور ص 117 ولهذا الشيخ ولد فاضل محقق يسمى الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد وكان معاصرا للشيخ علي بن سليمان القدمي البحراني تولى قضاء البحرين بأمر الشيخ علي المذكور ثم عزله عن القضاء لقضية جرت بينهما في مسألة وقعت في البلد يومئذ في امرأة طلقت وتزوجت بعد انقضاء العدة وكان زوجها غائبا فلما قدم ادعى أنه رجع إليها في العدة وأقام بينة شرعية إلا لم يعلمها بالرجوع ولم يبلغها ذلك حتى خرجت من العدة
121 وتزوجت فاختلفا في ذلك فحكم الشيخ علي بأنها للزوج الثاني وحكم الشيخ أحمد بأنها للزوج الأول وكتبا بذلك إلى علماء شيراز وأصبهان فوافقوا الشيخ أحمد وخطأوا الشيخ عليا ولا ريب أن المشهور في كلام الأصحاب هو ما أفتى به الشيخ أحمد المذكور ونحن قد حققنا الكلام في هذه المسألة في الدرة الثامنة والعشرين من كتابنا (الدرر النجفية)، انتهى موضع الحاجة من كلامه. 54 - الشيخ أحمد البحراني (ومنهم) العالم الأمجد الرباني الشيخ أحمد بن عبد السلام البحراني وكان نادرة عصره في ذكاءه وكثر فنونه أوحد أهل زمانه في الانشاء والخطابة وقد جمعت خطبه فكانت مليحة وله ديوان صغير رأيته في خزانة كتب ولده الصالح الفاضل صاحبنا الشيخ حسن وشعره ليس في مرتبة إنشائه وكان بينه وبين شيخنا العالم الرباني الشيخ علي بن سليمان البحراني صداقة واتحاد مفرط وفي آخر الأمر تنافرا لسبب يطول شرحه وأدى ذلك إلى سفر الشيخ أحمد (قدس سره) إلى شيراز وبها توفي وقد زرت قبره هناك بجوار مشهد (ولاء حسين) وله مؤلفات منها رسالة مليحة في الاستخارة ورسالة في أصول الدين صغيرة سماها (المبارات) ورسالة في علم الفلاحة وغيرها انتهى كلام شيخنا العلامة الشيخ سليمان الماحوزي البحراني (قدس سره). (قلت) قد وقفت لهذا الشيخ على جواب بعض المسائل في غاية البلاغة والتحقيق ولأبي البحر الشيخ جعفر الخطي مدح حسن لهذا الشيخ (قدس سره) ونور قبره.
122 55 - السيد عبد الرضا البحراني (ومنهم) السيد الفاضل السيد عبد الرضا البحراني تلميذ العلامة السيد ماجد أخبرني والدي (قدس سره) أنه تلمذ عليه ووصف حدة ذهنه وتبحره في العلوم العقلية والعربية وكانت فيه حدة وكان شاعرا جيدا أنشدني والدي (ره) مقاطيع كثيرة من شعره كتبتها في بعض مجموعاتي انتهى كلام شيخنا الماحوزي (ره) 56 - صلاح الدين البحراني (ومنهم) الشيخ المحقق الشيخ صلاح الدين ابن شيخنا الشيخ الأفقه الشيخ علي بن سليمان البحراني (ره) كان من آيات الله في الذكاء وحدة الذهن والصلاح والورع رأيت حوله حواشي متفرقة على كتابي الحديث مليحة وله خط في غاية الجودة وكان منشأ شاعرا وتوفي شابا في دار العلم شيراز وكان شيخنا العلامة الشيخ محمد بن ماجد (عطر الله مرقده) كثيرا ما يثني عليه ويبالغ في إطرائه وتعريضه وكان بينهما مودة أكيدة وصحبة شديدة، انتهى كلام شيخنا العلامة البحراني، وقال تلميذه المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني في إجازته الكبرى: وأما الشيخ صلاح الدين فهو رجل فاضل في علم الحديث والأدب تولى الأمور الحسبية بعد أبيه وجلس مجلسه في القضاء والجمعة والجماعة وله بعض الحواشي على التهذيب إلا أنه لم يعش بعد أبيه إلا قليلا وليس لي طريق إليه.
123 وله أخوان فاضلان أحدهما (الشيخ حاتم) القدمي البحراني وهو فقيه والثاني (الشيخ جعفر) رأيته في أواخر عمره وكان شديدا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إماما في الجمعة والجماعة مدرسا في مدرسة القدم وله ابن فاضل فقيه أفضل منه وافقه اسمه (الشيخ علي) سلمه الله تعالى زاهد عابد، عزيز النفس، غير راغب في الدنيا وجمع الأموال، عدل ثقة، حضرت درسه مرارا وقد تولى الأمور الحسبية في هذه الديار وكان شديد الانكار لا تأخذه في الله لومة لائم غير مداهن للأمراء والكبراء ومن أجل ذلك وقع عليه خفة من قبل السلطان ثم هاجر بعدها إلى ديار العجم وهو الآن بدار العلم شيراز إمام في الجمعة والجماعة متع الله المسلمين بطول بقائه ولي به اختصاص زائد واعتقاد عظيم كما هو أيضا له في اختصاص زائد واتحاد، وله رسالة في (مناسك الحج) وله رسالة في (أحكام الصلاة) إلا أني لم أقف عليها لكن أخبرني بها ابنه الأوحد الشيخ محمد وذكر أنه لم يكملها بعد وكتب في الحاشية على هذا الموضع بخطه الشريف في إجازته المذكورة التي عندنا وقد كتب لي إجازة في رواية الحديث عن أبيه عن أبيه عن الشيخ البهائي وأجازني رواية الرسالتين المذكورتين منه في عدد سنة 1129 في دار العلم شيراز وقد رأيت الرسالة المذكورة بلغت إلى حد الصلاة وذكر أنه تجاوزها إلى الزكاة والصوم، انتهى كلام شيخنا الصالح في المتن والحاشية وقال شيخنا المحدث المنصف الشيخ يوسف في لؤلؤته بعد ذكر آباء هذا الشيخ كما ذكرناهم وللشيخ جعفر هذا ابن فقيه أفضل من أبيه يسمى الشيخ علي ابن الشيخ جعفر كان زاهدا ورعا شديد التصلب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم غير مداهن للأمراء والكبراء وقد تولى
124 الأمور الحسبية في بلاد البحرين مدة إلا أنه لما هو عليه مما ذكرناه حسده بعض أمرائها فكاتبوا عليه السلطان سليمان ورموه بما هو برئ منه فأرسل له من أخرجه مقيدا إلى أن وصل إلى كازران فحصل من بلغ حقيقة الأمر إلى السلطان وأخبروه بحقيقة هذا الشيخ المزبور فأرسل عاجلا أن يخلى عنه ويطلق فجلس في كازران وتوطن بها مدة مديدة وربما رجع إلى بلاد البحرين بعض الأوقات بعد مضي مدة مديدة من تلك الواقعة المتقدمة ثم يرجع إلى العجم وليس لنا طريق إليه ولا إلى الشيخ صلاح الدين عطر الله مرقدهما وتوفي الشيخ علي هذا في كازران في السنة الحادية والثلاثين بعد المائة والألف وهي السنة التي توفي فيها الوالد كما سيأتي في ترجمته إن شاء الله انتهى كلامه علا في الجنان مقامه. (قلت) نفيه (قدس سره) الطريق إلى الشيخ علي المزبور ناش من عدم اطلاعه على ما كتبه الشيخ المحدث الصالح في الحاشية من أنه كتب إليه إجازة عن أبيه عن أبيه عن الشيخ البهائي وذلك لأن شيخنا صاحب اللؤلؤة له الطريق إلى الصالح كما ذكره هو بنفسه فيها والمحدث الصالح له الطريق إلى الشيخ علي بالإجازة فثبتت له الطريقية لصاحب اللؤلؤة بواسطته ولكن النسخة أعني الإجازة الكبرى التي لشيخنا المحدث الصالح التي عند شيخنا (صاحب الحدائق) واللؤلؤة خالية من الحاشية المذكورة سابقا والطريقة إنما تضمنتها الحاشية المذكورة وهذا من ثمرات الحاشية فلعل فيها شيئا لم يكن في المتن أصلا كما هنا فاعلم. 57 الشيخ محمد المقابي البحراني (ومنهم) العالم الفاضل المحقق الكامل رفيع الشأن الشيخ محمد بن سليمان
125 المقابي (نسبة إلى مقابا بالميم والقاف المفتوحتين والباء الممدودة أخيرا قرية من قرى البحرين) البحراني قال شيخنا الفاضل الشيخ يوسف في اللؤلؤة بعد ذكر بعض أسلافه وهو الشيخ صالح بن عصفور الذي يأتي الكلام إن شاء الله تعالى على ترجمته وأما الشيخ محمد بن سليمان المذكور آنفا فإنه بعد ما ذكرنا قد ارتقى في العلوم إلى أن صار مرجع البلاد والعباد بعد موت الشيخ صلاح الدين ابن الشيخ علي بن سليمان المتقدم ذكره وفوضت إليه الأمور الحسبية والقضا بتأييد السلطان وأكابر البلاد وكان الشيخ المذكور له ثلاثة أولاد فضلاء أحدهم (الشيخ عبد النبي) وكان أفضلهم كان فقيها مجتهدا ورعا صالحا إماما في الجمعة والجماعة في قرية مقابا بعد الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد بن يوسف المتقدمين وليس له ثان في الاطلاع على فروع الفقه والإحاطة بها (وثانيهم) الشيخ سليمان وهو فاضل أيضا توفي في البحر في طريق مكة (وثالثهم) الشيخ زين الدين، أما الشيخ عبد النبي فإني رأيته صغير السن مرة واحدة وقد كان أتى إلى زيارة أبي وجدي في بعض الأعياد وله ولد فاضل صالح ليس له في تقواه وورعه ثان. (الشيخ علي) وهو والد الشيخ الفاضل الأمجد الشيخ محمد المعاصر سلمه الله تعالى، وأما الشيخ سليمان فلم أره وأما الشيخ زين الدين والظاهر أنه أصغرهم فإنه بقي جملة من السنين وكان من المعاصرين إلى أن استولت الخوارج على البحرين وأرجعها منهم سلطانها وقبره مع قبر أبيه وأخيه في قبة في مقبرة مقابا انتهى كلامه علا مقامه. (قلت): ولم يذكر هذا الشيخ لهؤلاء المشائخ الأجلاء شيئا من المصنفات أما لعدمها وهو بعيد أو لعدم اطلاعه ووقوفه على شئ منها. وأما الشيخ الأمجد الشيخ محمد المعاصر له الذي ذكره فسيأتي إن شاء الله تعالى
126 الكلام على ترجمته وترجمة ابنه المحقق الشيخ علي وذكر مصنفاتهما (ره) فترقبه. 58 - الشيخ صالح الكرزكاني (ومنهم) العالم العامل الفقيه الكامل الصالح الشيخ صالح بن عبد الكريم الكرزكاني (نسبة إلى كرزكان بالكاف أولا ثم الراء المهملة ثم الزاء المنقوطة ثم الكاف المشددة بعدها الألف والنون أخيرا قرية من قرى البحرين) البحراني المتوطن في بلاد شيراز قال الفاضل الشيخ يوسف (ره) في اللؤلؤة وقبره معروف هناك بجوار السيد علاء الدين حسين وكان هذا الشيخ فاضلا ورعا فقيها شديدا في ذات الله انتهت إليه رئاسة البلد المذكورة أي شيراز وقام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحسن قيام وانقادت له حكامها فضلا عن رعيتها لورعه وتقواه ونشر العلم والتدريس فيها ولا يكاد يوجد كتاب في جميع الفنون في شيراز إلا وعليه تبليغه والمقابلة عليه تولى القضاء بأمر السلطان الشاه سليمان ولما أتته خلعة القضاء من السلطان المزبور ورقم القضاء امتنع من لبس الخلعة المذكورة وبعد الالتماس والتخويف من سطوة السلطان وغضبه لبسها كما يلبس العباءة وستأتي بقية فيه مع الشيخ جعفر بن كمال الدين البحراني وله من المصنفات رسالة في تفسير أسماء الله تعالى الحسنى ورسالة الخمرية ورسالة في الجبائر وهذا الشيخ يروي عن السيد نور الدين علي بن أبي الحسن العاملي انتهى كلامه زيد مقامه. (قلت): ويروي عنه جماعة كثيرة منهم الفقيه الشيخ سليمان بن أبي ظبية الشاخوري البحراني وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على ترجمته ومن شعره ما أجاب به ابن الراوندي:
127 كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه * وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا هذا الذي ترك الأوهام حائرة * وصير العالم النحرير زنديقا فأجابه (قدس سره) يقول: إن الكريم الذي يعطي على قدر * يراه ذو اللب إحسانا وتوفيقا فذو الجهالة مرزوق ليكمله * وذو النباهة من ذا صار ممحوقا قدس سره وعطر قبره وحشره الله مع محمد وآله الطاهرين. 59 - الشيخ جعفر البحراني (ومنهم) الشيخ الإمام العلامة الرباني الشيخ جعفر بن كمال الدين البحراني قدس الله روحه كان من العلماء الأعلام والفقهاء الأجلاء الكرام قال في اللؤلؤة وعن الشيخ سليمان بن علي بن أبي ظبية عن الشيخين الجليلين الشيخ جعفر بن كمال الدين والشيخ صالح بن عبد الكريم الكرزكاني عن السيد نور الدين المتقدم ذكره إلى آخر ما تقدم وأخبرني والدي (قدس سره) أن هذين الشيخين خرجا من البحرين لضيق المعيشة إلى شيراز وبقيا فيها برهة من الزمان وكانت مملوءة بالفضلاء والأعيان ثم أنهما اتفقا على أن يمضي أحدهما إلى الهند ويقيم الآخر في العجم فأيهما أثرى أولا أعان الآخر فسافر الشيخ جعفر (ره) إلى الهند واستوطن حيدر آباد وبقي الشيخ صالح في شيراز من التوفيقات الربانية والأقضية السبحانية أن كلا منهما صار علما للعباد ومرجعا في تلك البلاد وانقادت لهما أزمة الأمور وحازا سعادة الدنيا والدين في الورود والصدور ولم أقف للشيخ جعفر على شئ من المصنفات وقد توفي (قدس سره) في حيدر آباد في السنة الثامنة والثمانين
128 بعد الألف من الهجرة وكان منهلا عذبا للوراد لا يرجع القاصد إليه إلا بالمطلوب والمراد وللشيخ عيسى بن صالح عم جدي الشيخ إبراهيم قصيدة في مدحه لما ورد عليه فأكرمه وهي في كتابنا الكشكول أولها. الهند بعد صلاة الليل في القدم * يا ضيعة العمر بل يا زلة القدم ومنها: أعطى الإله يمينا في خلائقه * لا قال لما ولا يلوي على قدم أمسى يمير عشار المزن واكفة * ليضحك البحر والأشجار في الإحم فكنت لأفواهها الأصداف مذ عملت * لو بله فقدت للؤلؤ الرخم مست يدا حاتم يمناه فانفجرت * في صلب آدم بين الماء والأدم انتهى المقصود من نقل كلامه زاد الله في علو مقامه. (قلت): وهذا الشيخ أعني صاحب الترجمة الشيخ جعفر (ره) من كبار العلماء العاملين وأساطين الملة والدين ومن جملة مشائخ السيد المحقق الأواه السيد نعمة الله الجزائري في شيراز وقد ذكره في (الأنوار النعمانية) وكشكوله (وزهر الربيع) ومن مشائخ السيد النجيب الحسيب الأديب السيد علي الصدر شارح الصحيفة وصاحب السلافة وقد ذكره في الأخير ومدحه وأثنى عليه ثناء عظيما وتقريظا جسيما ويعبر عنه بشيخنا العلامة وذكره المعاصر في روضاته والفاضل المعاصر الأخير ثقة الإسلام المحدث المتتبع الماهر الميرزا حسين النوري الطبرسي (ره) صاحب المصنفات الجليلة (كنفس الرحمن في فضائل سلمان) و (فصل الخطاب) و (جنة المأوى) و (مستدرك الوسائل) و (مستنبط الدلائل) وغيرها من المصنفات الفاخرة وكان هذا الشيخ آية من آيات الله في الاطلاع والتتبع والتحقيق وكثرة الإحاطة
129 كالمولى المجلسي والورع والتقوى، طبرسي الأصل، نجفي التحصيل، عسكري المسكن وفي آخر عمره بعد وفاة العالم الرباني الميرزا حسن الشيرازي رجع إلى النجف الأشرف وبها توفي (قدس الله روحيهما وتابع فتوحيهما) في المجلد الثالث من (المستدرك) قال (قدس الله سره) بعد نقله كلام صاحب اللؤلؤة المتقدم ذكره ولكن في مجموعة شريفة كالتأريخ لبعض المعاصرين له والظاهر أنها للفاضل الماهر المولى محمد مؤمن الجزائري صاحب كتاب (طيف الخيال) و (خزانة الخيال) وغيرهما قال ما لفظه: تلم ثلمة في الدين بموت الشيخ الجليل والمولى النبيل الذي زاد به الدين رفعة فشاد دروس العلم بعد دروسها وأحيا موات العلم منه بهمة يلوح على الإسلام نور شموسها في تأله وتنسك وتعلق بالتقدس والتمسك وعفة وزهادة وصلاح وطد به مهاده وعمل زاد به علمه ووقار حلا به حلمه وسخا يخجل به البحار وخلق يزهو على نسائم الأسحار باهت به أعيان الأكابر وفاهت به السن المفاخر العالم العامل الرباني الشيخ جعفر بن كمال الدين البحراني وكان ذلك في أواخر السنة الحادية والتسعين بعد الألف انتقل في عنفوان شبابه قبل بلوغ نصابه إلى بلاد فارس الطيبة المفارع والمغارس لا زال أهلها في محارس وتوطن منها بشيراز صينت عن الاعواز واشتغل على علمائها بالتحصيل وتهذيب النفس بالمعارف والتكميل حتى فاق أترابه وأقرانه فرقى فوق العليا ذراها وبرع في الأصول والفروع فتمسك من المحامد أوثق عراها ثم انتقل منها إلى حيدر آباد (إلى أن قال بعد كلام طويل في وصفه الجميل): وله رحمه الله تعالى تصانيف شتى وتعليقات لا تحصى في علمي التفسير والحديث وعلوم العربية وغيرها إلى أن عد منها اللباب الذي أرسله إلى تلميذه العالم الجليل السيد علي خان
130 وجرت بينهما أبيات فيه فتبين لك إنما في اللؤلؤة من عدم المصنفات له ناش من عدم وقوفه على شئ منها والله أعلم، انتهى كلامه علا في الجنان مقامه. 60 - الشيخ حسن الكرزكاني البحراني (ومنهم) العالم الأجل الشيخ حسن بن عبد الكريم الكرزكاني البحراني وهو أخو الشيخ صالح المذكور آنفا قال شيخنا الشيخ سليمان الماحوزي ومنهم الشيخ الأجل الشيخ حسن بن عبد الكريم الكرزكاني وكان فاضلا محققا أثنى عليه أخوه الصالح السعيد الشيخ صالح بن عبد الكريم وتوفي في ديار العجم أظنه في دار السلطنة أصفهان، انتهى كلامه علا في الجنان مقامه. 61 - الشيخ أحمد بن صالح الدرازي (ومنهم) العالم الزاهد العابد العبد الصالح الشيخ أحمد بن صالح الدرازي البحراني وكان هذا الشيخ (قدس سره) كما ذكره شيخنا في اللؤلؤة على غاية من الزهد والورع والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤثر بماله الأضياف وكان بيته لا ينفك دائما عن جمع من العرفاء والواردين سيما من أهل بلاده البحرين وكان هو القائم مقام العالم الأفخر الشيخ جعفر المتقدم ذكره في تلك البلاد إلى أن فتح تلك البلاد الشاه أو تكريت فأمر بإخراج الأصناف منها كل بمقدمه فكان الشيخ المذكور مقدم من فيها من صنف العلماء فأمر له بألف روبية ورجع الشيخ أحمد منها إلى بلاد العجم بعد أن حج بيت الله الحرام واستوطن في بلدة جهره من توابع العجم إماما في الجمعة والجماعة وكانت تلحقه
131 الغشية والصعقة في مقام شدائد الآخرة له من المصنفات كتاب (الطب الأحمدي) كله في الطب بطريق الرواية ورسالة الاستخارة توفي في شهر صفر من سنة 1134 ه وكان مولده سنة 1085 ه رحمنا الله وآباءنا وإياهم والمؤمنين ومنحنا وإياهم خير الدنيا والدين بحق محمد وآله الطاهرين صلى الله عليهم أجمعين. 62 - الشيخ محمد بن ماجد البحراني (ومنهم) العالم العلامة الماجد الفهامة الشيخ محمد بن ماجد البحراني الماحوزي ثم البلادي قال شيخنا الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني في إجازته المتقدم ذكرها مرارا في روايته عن بعض مشائخه وما أرويه عن أخي بالمؤاخاة الشيخ محمد بن يوسف عن شيخه الشيخ محمد بن ماجد بن مسعود الماحوزي (نسبة إلى الماحوز قرية من قرى أوال مشتملة على ثلاث قرى الغريفة وهرتى والدونج وكان هذا الشيخ من الدونج بضم المهملة وسكون الواو وفتح النون والجيم أخيرا). (قلت): وهذه أي الدونج هي المعروفة بالماحوز وأكثر العلماء الكبار كالشيخ ميثم وأبيه الشيخ علي وجده الشيخ ميثم بن المعلى وهذا الشيخ وشيخنا العلامة الشيخ سليمان والشيخ حسين الماحوزي وغيرهم كلهم منها وما سواها من القريتين يعرف كل منهما باسمه وضبطها المحدث الصالح هنا هرتى (بالراء المهملة) وشيخه الشيخ سليمان (باللام) والمشهور في لسان أهل تلك الديار هرتى (بالراء) كما ضبطها المحدث المذكور قال ذلك المحدث الصالح (ره): إلا أنه سكن في البلاد القديم وصار رئيسا في البلاد وتولى الأمور الحسبية وكان إماما
132 في الجماعة وتارة في الجمعة لأنه كان يعتقد وجوبها عينا إلا أنه ما كان يصليها في أكثر الأوقات لعذر عنده وكان فقيها مجتهدا دقيق النظر ثقة جليلا من أعيان علماء هذه البلاد له الرسالة المسماة (بالروضة الصفوية) وله رسالة في الصلاة وله شكل في مسائل المنطق رأيته في أواخر عمره وصليت خلفه مرتين مقتديا به في الظهرين في قريته الماحوز مع أستاذنا العلامة الشيخ سليمان وكان صهره على ابنته ووقع بينهما بحث في ذلك اليوم في مسألة فقهية وهي أن وضع الجبهة جزء من السجود أو أنه غير جزء فلو تليت آية العزيمة على ساجد فهل يكفيه الاستمرار على السجود أو يرفع ثم يضع فادعى الشيخ المذكور أنه غير جزء وأن الاستمرار كاف وادعى عليه الاجماع وخالفه الأستاذ وقال يجب عليه الرفع ثم الوضع حتى وقعت بينهما مشاجرة عظيمة فانتهى أمرهما (إلى أن قال شيخنا) لكم دينكم ولي دين يريد أن هذا اعتقادك لأنك مجتهد لا يجوز لك تقليدي وهذا اعتقادي لأني مجتهد أيضا لا يجوز لي تقليدك فقال الشيخ بكلام فيه وحاشة ونفرة هذا كلام جهل لأنه التفت إلى أصل ورود الآية الشريفة فإنها خطاب النبي صلى الله عليه وآله للمشركين فقال شيخنا إنما هو بالحجج لا بالتشنيع ولم يمكنه أن يرد عليه أكثر من ذلك لأن الشيخ كان المشار إليه وشيخنا بعد لم يشتهر قلت ولأن الشيخ أستاذه وصهره على ابنته فلا يبتغي له الزيادة وافترقا وانفض المجلس وكان كل منهما مملوء غيظا على الآخر فما بقي إلا مدة قليلة تقرب من أربعين أو خمسين يوما وصنف شيخنا رسالة في الرد عليه وعرض للشيخ مرض عظيم فعاده شيخنا في مرضه وتوفي في ذلك المرض وسنه يقرب من سبعين سنة في حدود السنة الخامسة والمائة والألف وهو عام جلوس الملك الأعظم سلطان
133 حسين ابن الشاه سلطان سليمان وقبره في مقبرة المشهد وهو المسجد الجامع ذو المنارتين وهو بالجانب الشرقي من المسجد المذكور فانتهت رئاسة البلد بعده للسيد هاشم العلامة انتهى كلامه زيد مقامه. (قلت): والرسالة التي في الصلاة المذكورة صنفها في شيراز للسيد الصفي البهي ميرزا محمد مهدي النسابة وسماها (الروضة الصفوية في فقه الصلاة اليومية) والميرزا محمد مهدي المذكور كان شيخ الإسلام في شيراز بعد الشيخ صالح بن عبد الكريم البحراني ورثاه شيخنا العلامة الشيخ سليمان الماحوزي على ما بينهما من الوحشة كما ذكرنا سابقا بقصيدة جيدة أطرى عليه فيها ومدحه كما ذكره تلميذه المحدث الصالح ولصاحب الترجمة أعني به شيخنا الماجد مع حاكم البحرين الشيخ محمد بن ماجد البلادي البحراني قصة حسنة عجيبة تدل على فضيلتهما وفضيلة تابعيهما لا بأس بإيرادها في هذا المقام: حدثني أقدم مشائخي الثقة العلامة التقي الصالح شيخنا الأرشد الشيخ أحمد ابن العالم الصالح الشيخ صالح البحراني (ره) عن شيخه التقي المقدس السيد علي ابن السيد محمد ابن السيد إسحاق البلادي البحراني (قدس الله سرهما وبرضوانه سرهما) إن العامل الماجد الشيخ محمد بن ماجد هو شيخ الإسلام في البحرين وولي الحسبة الشرعية وكان الحاكم فيها من جهة العجم هو المرحوم الشيخ محمد آل ماجد البلادي البحراني وكانت عند الحاكم الشيخ محمد عمارة بجانب البحرين وكان الشيخ محمد بن ماجد يدرس في مسجد من مساجد البلاد ويجتمع عنده جمع كثير من فضلاء البحرين وكان المسجد المذكور الذي يدرس فيه الشيخ المزبور علي طريق العمارة التي يعمرها ذلك الحاكم وفي كل يوم يركب ذلك
134 الحاكم عصرا للنظر إلى عمارته فيمر بالمسجد الذي يدرس فيه الشيخ ويجلس معهم ويستمع البحث ثم يركب على فرسه ويمضي إلى عمارته فكان يوما من الأيام تأخر من وقته الذي يركب فيه وظن أن الدرس قد انقضى بسبب تأخيره فمر عليهم ولم يمض إليهم فرآه الشيخ والجماعة مارا وفي آخر النهار رجع من العمارة ومر على المسجد وإذا هم حضور فيه لم يتفرقوا عنه فنزل ودخل وسلم على الشيخ فزبره الشيخ وغضب عليه وتفل في وجهه وسبه وقال له قد شغلتك الدنيا وحبها عن استماع أحكام الله وأخبار آل رسول الله صلى الله عليه وآله والشيخ الحاكم يتضرع بين يديه ويعتذر إليه بظن فوات الوقت عليه والشيخ يزيده سبا ويوليه غضبا وكان الشيخ (قدس سره) فيه حدة مزاج وصلافة ولما تفل في وجهه مسح الحاكم التفلة بيديه وقال الحمد لله الذي جعل ريق العلماء شفاء من كل داء وتفرق المجلس بعد ذلك والشيخ على غضبه عليه فلما افترقا وذهب عنه الغيظ فكر في نفسه ورأى أنه قد أخطأ معه وهو حاكم البلد ورئيسها على الاطلاق ولا سيما أنه اعتذر إليه بعذر وكان ذلك الحاكم هو الذي يجري الإنفاق على الشيخ وتلامذته من ماله فخاف الشيخ أن يعاقبه ذلك الحاكم بسوء ومكروه لسوء صنيعه معه فلما مضى شطر من الليل وإذا بباب بيت الشيخ يطرق فخاف من ذلك وارتقب ما ظنه مما هنالك وأرسل من يكشف الخبر وإذا هو رسول ذلك الحاكم ومعه خلعة وكسوة له ولأهل بيته ولتلامذته دنانير ودراهم زيادة عن وظائفهم المقررة المعتادة ويقول له إن الشيخ يعتذر ويقول هذه كفارة وصدقة عما عملناه هذا اليوم من التقصير فطابت نفس ذلك الماجد بعد الخوف والكدر وآمنت من ذلك الحذر (نقلت كلامه بالمعنى).
135 (قلت) لله دره من حاكم ورحمه الله مع ذلك العالم كيف قاده الإخلاص والإيمان إلى هذا الاذعان وفعل ذلك الجميل والإحسان وله معه أيضا حكاية أخرى حدثني بها جماعة من الإخوان، منهم الثقة الصالح المتقدم ذكره أن ذلك الحاكم وهو الشيخ محمد آل ماجد اشترى من بعض المخالفين (والظاهر أنه من أهل قطر) لؤلؤا كثيرا فمطلهم بالثمن كله أو بعضه فلما يئسوا منه بعد الطلب مضوا إلى ذلك العالم الماجد وأخبروه بذلك فكتب إليه رقعة مكتوب فيها هذين البيتين العجيبين: ليس التقى بمسابيح تخرطها * ولا مصابيح تتلوها وتقراها بل التقى أن تزين الناس معملة * وتنصف الناس أعلاها وأدناها وأرسلها إليه فدعاهم وأعطاهم حقهم بالتمام غفر الله لنا ولهم وختم لنا ولهم بأحسن ختام وأحلنا وإياهم بفضله دار السلام والمقام بحق محمد وآله الأعلام صلى الله وسلم عليهم ما أضاء نهار وما أدلهم ظلام. 63 - السيد هاشم البحراني (ومنهم) السيد الجليل ذي الشرف الأصيل العديم المثيل السيد هاشم ابن السيد سليمان ابن السيد إسماعيل ابن السيد عبد الجواد البحراني التوبلي الكتكاني نسبة إلى كتكان (قرية من التوبلي من البحرين) المعروف بالعلامة ضاعف الله إكرامه كان فاضلا محدثا متتبعا للأخبار بما لم يسبقه إليه سابق سوى مولانا المجلسي وقد صنف كتبا عديدة تشهد بشدة تتبعه واطلاعه إلا أني لم أقف له على كتاب فتاوي في الأحكام الشرعية ولو في مسألة جزئية وإنما كتبه مجرد جمع وتأليف
136 ولم يتكلم فيما وقفت عليه على ترجيح في الأقوال أو بحث أو اختيار مذهب وقول في ذلك المجال ولم أدر أن ذلك لقصور درجته عن مرتبة النظر والاستدلال أم تورعا عن ذلك كما نقل عن السيد رضي الدين بن طاووس (قدس سرهما) كما نذكره إن شاء الله تعالى في ترجمته وانتهت رئاسة البلد بعد الشيخ محمد بن ماجد المتقدم ذكره إلى السيد المذكور فقام بالقضاء في البلاد وتولى الأمور الحسبية أحسن قيام وقمع أيدي الظلمة والحكام ونشر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالغ في ذلك وأكثر ولم تأخذه في الله لومة لائم في الدين وكان من الأتقياء المتورعين شديد على الملوك والسلاطين توفي (قدس سره) في قرية نعيم في بيت الشيخ عبد الله ابن الشيخ حسين بن كفار لأنه كان متزوجا بمخلفة الشيخ علي ابن الشيخ عبد الله المذكور ونقل نعشه إلى قرية توبلي ودفن بها في مقبرة ماثنى من مساجد القرية المذكورة وقبره مزار معروف وانتهت رئاسة البلد بعده إلى الشيخ سليمان بن عبد الله المذكور وكانت وفاته (ره) للسنة السابعة بعد المائة والألف، وذكر بعض مشائخنا المعاصرين أن وفاته بعد الشيخ محمد بن ماجد المتقدم بأربع سنين فعلى هذا تكون وفاته سنة التاسعة بعد المائة والألف. ومن مصنفاته كتاب (البرهان في تفسير القرآن) ستة مجلدات قد جمع فيه جملة الأخبار الواردة في التفسير من الكتب القديمة الغريبة وغيرها وكتاب (الهادي وضياء النادي) في تفسير القرآن أيضا مجلدان وكتاب (معالم الزلفى في النشأة الأخرى) وكتاب (مدينة المعجزات في النص على الأئمة الهداة) مجلدان وكتاب (الدر النضيد في فضائل الحسين الشهيد - ع) مجلد وكتاب في
137 تفضيل الأئمة " ع " على الأنبياء عدا نبينا صلى الله عليه وآله وكتاب (وفاة النبي - ص) وكتاب (وفاة الزهراء) وكتاب (سلاسل الحديد) المنتخب من شرح النهج لابن أبي الحديد في فضل أمير المؤمنين (ع) والأئمة عليهم السلام وكتاب (الإحتجاج) وكتاب (نهاية الآمال فيما تتم به الأعمال) وكتاب (ترتيب التهذيب) مجلدان قد رتب الأخبار فيه كلا في الباب المناسب له وكان بعض معاصريه من علماء البحرين يسميه تخريب التهذيب حسدا له هو كما شأن المعاصرين غالبا وكتاب (تنبيهات الأديب في رجال التهذيب) وقد نبه فيه على أغلاط عديدة لا تكاد تحصى مما وقع للشيخ في أسانيد أخبار الكتاب المذكور وقد نبهنا في كتابنا (الحدائق الناضرة) على جملة مما وقع له أيضا من السهو والتحريف في متون الأخبار وقلما يسلم خبر من أخبار الكتاب المذكور من سهو أو تحريف في سنده أو متنه وكتاب (الرجال والعلماء الذين رجعوا إلى الحق) وكتاب (حلية الأبرار) وكتاب (حلية النظر في فضل الأئمة الاثني عشر عليهم السلام) وكتاب (البهجة المرضية في إثبات الخلافة والوصية) وكتاب (مناقب الشيعة) وكتاب (اليتيمة) وكتاب (نسب عمر) وكتاب (تعريف من لا يحضره الفقيه) وكتاب (مولد القائم عليه السلام) وكتاب (نزهة الأبرار ومنازل الأفكار في خلق الجنة والنار) وكتاب (الحجة فيما نزل في الحجة) وكتاب (تبصرة الولي في من رأى المهدي) وكتاب (عمدة النظر في الأئمة الاثني عشر) وكتاب (معجزات النبي - ص) وهذا السيد كان يروي عن جملة من المشائخ منهم السيد عبد العظيم ابن السيد عباس الاستربادي إنتهى كلام صاحب اللؤلؤة (قدس سره).
138 (أقول) الأظهر من ترك السيد المذكور كتابة كتب الفتوى تورعا كما نقل عن السيد ابن طاووس أو ترك ذلك بالمرة حتى صار له ملكة وإن كان هو في أعلى رتبة الاجتهاد ككثير من علمائنا الأمجاد منهم أستاذ صاحب اللؤلؤة العلامة الشيخ حسين الماحوزي فإنه لا خلاف بين أهل عصره عربا وعجما وعراقا في اجتهاده بل أنه أوحدي الزمان كما ذكره الفاضل التقي المتتبع الميرزا حسين النوري الطبرسي في المجلد الأخير من (المستدرك) في ترجمته وكان أكثر أهل عصره استجازوا منه عربا وعجما وكثير من بلدان المؤمنين مقلدوه ولا سيما طرفنا مع وجود الجم الغفير من العلماء الأعلام أولي النقض والإبرام ولأن البحرين في الزمن القديم ليس كحالها الآن السقيم بلدة العلوم فإنه في ذلك الزمان لا يقدمون مع كثرة العلماء الأعيان والسلطان على مذهبهم إلا من اجتمعت فيه شرائط الافتاء ولا سيما باتفاق العلماء وقد ترك شيخنا في تعداد كتبه كتاب (غاية المرام في معرفة الإمام) مجلد كبير ضخم من أحسن كتبه وكانت أكثر الأحاديث المذكورة في كتبه من كتب العامة إلزاما لهم وكثير من كتب هذا السيد يسر الله من طبعها وروجها. ورأيت في بعض فوائد شيخنا العلامة الشيخ سليمان الماحوزي قال: دخلت على شيخنا العلامة السيد هاشم التوبلي زائرا مع والدي (قدس سره) فلما قمنا معه لنودعه وصافحته لزم يدي وعصرها وقال لي لا تفتر عن الاشتغال فإن هذه البلاد عن قريب ستحتاج إليك انتهى. (قلت) وصدق رحمه الله فإنه بعد برهة قليلة توفي ذلك السيد وانتقلت الرياسة الدينية إليه أفاض الله شآبيب رحمته ورضوانه عليه.
139 ولهذا السيد ولد فاضل محقق اسمه السيد عيسى له شرح على زبده شيخنا البهائي إلا أن النسخة التي عندنا غير تامه ولم أقف له على ترجمة ولا رواية. 64 - الشيخ أحمد المقابي البحراني (ومنهم) العالم الفاضل المحقق الكامل المدقق العلامة صاحب كتاب (رياض الدلائل وحياض المسائل) التقي الأرشد الشيخ أحمد ابن العالم الأمجد الشيخ محمد بن يوسف الخطي البحراني المقابي منشأ وتحصيلا وكان هذا الشيخ علامة فهامة زاهدا عابدا ورعا تقيا كريما وتصانيفه التي وقفت عليها تشهد بعلو كعبه في المعقول والمنقول والفروع والأصول ودقة النظر وحدة الخاطر مع مزيد الفصاحة والبلاغة في التحرير والتعبير وعندي أنه أفضل علماءنا البحرين ممن عاصره وتأخره عنه بل وغيرهم وقد ذكر بعض تلامذته أنه في سفره إلى أصبهان كان المولى الفاضل الخراساني صاحب (الكفاية) و (الذخيرة) وغيرهما يخلو معه في الأسبوع للمذاكرة معه والاستفادة منه وقد أجازه شيخنا المجلسي فقال في إجازته له أنه من غرائب الزمان وغلط الدهر الخوان بل من فضل الله علي ونعمته البالغة لدي اتفاق صحبة المولى الفاضل الورع الكامل التقي الزكي البارع الجامع لفنون الفضائل والكمالات الحائز قصب السبق في مضامير السعادات ذي الأخلاق الرضية والأعراق الطيبة البهية علم التحقيق وطود التدقيق العلم النحرير الفائق في التحرير والتقرير كشاف دقائق المعاني الشيخ أحمد البحراني أدام الله أيامه وقرن بالسعود شهوره وأعوامه فوجدته بحرا زاخرا في العلم لا يساجل وألفيته حبرا ماهرا في الفضل لا يناضل (إلى آخر الإجازة) وشعره ونثره (قدس الله سره)
140 في غاية الجودة والجزالة. ومن مصنفاته كتاب (رياض الدلائل وحياض المسائل) لم نجد منه إلا قطعة من الطهارة ورسالة في وجوب الجمعة عينا ردا على رسالة الشيخ سليمان الشاخوري كما تقدمت الإشارة إليه وأنا أقول كما سيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليه ورسالة في استقلال الأب بولاية البكر الرشيد البالغ ورسالة في المنطق سماها (المشكاة المضية) ورسالة سماها (الرموز الخفية في المسائل المنطقية) ورسالة صغيرة في مسألة البداء توفي (قده) بالطاعون مع أخويه الشيخ يوسف والشيخ حسين في العراق ودفنوا في جوار الكاظمين عليهما السلام في السنة الثانية بعد المائة والألف وأبوه حي في قرية مقابا مسكنه وهو (قدس الله سره) يروي عن جملة من المشائخ منهم شيخنا المجلسي (قده) كما تقدمت الإشارة إليه في الإجازة المزبورة قاله شيخنا المنصف في اللؤلؤة (قدس الله سره ونور قبره). 65 - الشيخ محمد الخطى المقابي البحراني (ومنهم) والده الفقيه المحقق الشيخ محمد بن يوسف المذكور الخطي البحراني عن الشيخ علي بن سليمان القدمي البحراني المتقدم ذكره وكان الشيخ محمد بن يوسف المذكور ماهرا في العلوم العقلية والرياضة والهيئة والهندسة والحساب والعربية وعليه قرأ والدي أكثر علوم العربية والرياضية وقرأ عليه خلاصة الحساب وأكثر شرح المطالع وتمم الباقي من المطالع بعد موت الشيخ المزبور على أستاذه الشيخ سليمان بن عبد الله الآتي ذكره، ثم التزمه في بقية عمره في بقية العلوم من الحكمة والفقه والحديث والرجال ولم ينقل للشيخ محمد شئ من المصنفات انتهى
141 كلام صاحب اللؤلؤة، (وقال) المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح في إجازته الكبرى أعني الشيخ أحمد ووالده الشيخ محمد المذكورين قال: ومنهم الشيخ الأوحد الأمجد العلامة الفهامة الشيخ أحمد بن الشيخ العلامة الشيخ محمد بن يوسف بن صالح المقابي البحراني وكان أصله من الخط عن أبيه المذكور وكان الشيخ أحمد أعجوبة في السخا وحسن المنطق واللهجة والخشوع والرقة والصلابة في الدين والشجاعة على المعتدين وقد جمع بين درجتي العلم والعمل الذين بهما غاية الأمل وله مصنفات كثيرة منها رسالة في وجوب الجمعة عينا نقضا لرسالة الشيخ سليمان المذكور وقد أصاب فيما نقض وأجاب ومن اطلع عليها عرف حقيقة القشر من اللباب ورسالة في استقلال الأب بولاية البكر البالغ الرشيد وله كتاب (الخمائل في الفقه) خرج منه بعض كتاب الطهارة وهو كتاب استدلال نفيس وجامع أنيس وله رسالة في المنطق ورسالة في مسألة البداء توفي رحمه الله في بغداد في جوار الكاظمين في عام الطاعون سنة 1102 ه وقبره معروف هناك وقد مات معه أخواه الشيخ يوسف والشيخ حسين وجملة من رفقائه وأبوه حي وما بقي بعده غير سنة وانتقل إلى رحمة الله في قرية مقابا من البحرين وقبره في مقبرة مقابا معروف وبالجملة فضل هذا الشيخ مما لا ينكره إلا مكابر وكان عدلا ثقة ورعا محدثا عظيما وأما أبوه فكان تفننه في العلوم الأدبية أكثر وليس له مصنف يذكر إلا أنه كان يذكر ماهرا في العلوم العقلية والفلكية والرياضية والهيئة والهندسة والعربية انتهى كلامه علا مقامه. (قلت) والظاهر أن المراد بالخمائل هو كتاب (رياض الدلائل) لعدم ذكر هذين الشيخين التعدد في البين إلا باختلاف الاسمين إلا أن السيد في تتمة
142 الأمل ذكر الرياض ثم قال وله كتاب (الخمائل في الفقه) أيضا لم يتم رأيت منه في الطهارة تدل على فضل عظيم انتهى، وكثيرا ما يعبر عنه العلامة المشهور الشيخ حسين آل عصفور بفاضل (الخمائل) والشيخ يوسف في (طهارة الحدائق) بفاضل (رياض الدلائل) وقد أخذ هذا الاسم كله أعني (رياض الدلائل وحياض المسائل) لسيد المحقق مير سيد علي الطباطبائي في شرحه على النافع فيظن من لا اطلاع له ولا تتبع أن الشيخ يوسف في الحدائق ينقل عن السيد علي المذكور وهو غلط ناش في القصور فإن السيد علي المزبور من بعض تلامذة الشيخ يوسف الذين حضروا عنده في كربلاء واستجازوا منه وكان يحضر عنده ليلا سرا لا جهرا خوفا من خاله الآغا المجدد الشيخ محمد باقر البهبهاني (1) لما هو معلوم من
(1) هو الإمام المجدد فخر الشيعة ومدار الشريعة الآقا محمد باقر بن محمد أكمل الشهير (بالوحيد البهبهاني)، (قدس الله سره)، تولد (ره) في السنة السادسة عشر والمأة بعد الألف، (وقيل في 1117) بعد وفاة سميه العلامة المجلسي (ره) ب (5 أو 6 سنين)، وتوفي في السنة الثامنة والمأتين بعد الألف في أرض الحائر الحسيني (كربلاء) ودفن في الرواق الشرقي مما يلي قبور الشهداء (رضوان الله عليهم). قال فيه الشيخ عبد النبي القزويني في (تتميم أمل الآمل): فقيه العصر، فريد الدهر، وحيد لزمان، صدر فضلاء الزمان، صاحب الفكر العميق والذهن الدقيق، صرف عمره في اقتناء العلوم واكتساب المعارف الدقائق، وتكميل النفس بالعلم بالحقائق فحباه الله باستعداده علوما لم يسبقه فيها أحد من المتقدمين ولا يلحقه أحد من المتأخرين إلا بالأخذ منه... الخ وقال المحدث النوري (ره) فيه: (قلت): وما ذكره الشيخ من العجز شرح فضله، هو الكلام الفصل، اللائق بحاله، والميرزا محمد الأخباري مع ما هو عليه من العداوة والبغضاء لجنابه ذكره في رجاله بكلام تكاد ترجف منه السماوات وتهتز منه الأرض، عده في الفائدة الحادية عشر من الباب الرابع عشر من كتابه المعروف ب (دوائر العلوم من الذين رأوا الحجة - ع). ويقول العلامة المامقاني في ج 2 من (تنقيح المقال) فيه: محمد باقر بن محمد أكمل الشهير ب (الآغا الوحيد البهبهاني) مجدد ملة سيد البشر في الرأس المأة الثانية عشر ولد (قده) في 18 أو 17 بعد المئة والألف بإصبهان وقطن مدة بهبهان فلما استكمل على يد والده انتقل إلى العراق فورد النجف الأشرف وحضر مجلس بحث مدرس ذلك الوقت فلم يجده كاملا فانتقل إلى كربلاء المشرفة وهي يومئذ مجمع الأخباريين ورئيسهم يومئذ الشيخ يوسف صاحب (الحدائق) فحضر بحثه أياما، ثم وقف يوما في الصحن الشريف ونادى بأعلا صوته: أبا حجة الله عليكم، فاجتمعوا عليه وقالوا له ما تريد؟ فقال: أريد أن الشيخ يوسف يمكنني من منبره ويأمر تلاميذه أن يحضروا تحت منبري، فأخبروا الشيخ يوسف بذلك، وحيث أنه يومئذ كان عادلا عن مذهب الأخبارية خائفا عن إظهار ذلك لجهالهم طالبت نفسه بالإجابة لعل الوحيد يثبت لهم بطلان مسلكهم، فباحث الوحيد ثلاثة أيام، فعدل ثلث التلامذة إلى مذهب الأصولية وسر صاحب الحدائق بذلك، هذا ما سمعته عن ثقات مشائخي أعلى الله مقامهم، ومن غريب ما نقلوه ومما يكشف عن قوة ديانة صاحب الحدائق أن: مسجد الوحيد " ره " كان محاذيا لمسجد صاحب الحدائق وكان الوحيد يفتي ببطلان الصلاة خلف صاحب الحدائق وكان صاحب الحدائق يفتي بصحة الصلاة خلف الوحيد وكان الناس يخبرون صاحب الحدائق بما يقوله الوحيد، فكان يجيب بأن تكليفه الشرعي ذاك وتكليفي الشرعي هذا، فكل منا يعمل بما كلفه الله تعالى، وكان صاحب الحدائق يتحمل ذلك لأجل رواج مذهب الأصولية، ثم أن المولى الوحيد قد أذعن الكل به وتربت على يده تلامذة كل واحد منهم نادرة عصره ك: " بحر العلوم والشيخ الأكبر الشيخ جعفر وصاحب الرياض والفاضل القمي والسيد محسن الكاظمي والشيخ محمد يونس والشيخ حسين نجف " وغيرهم رحمهم الله. انتهى ما نقلته بتصرف عن كتابنا " ذرايع البيان ق 1 ج 2 ص 153 ". " المصحح " 143 اختلاف المشرب وقد كتب السيد المذكور جميع كتاب الحدائق بيده في مجلدات كثيرة ذكر ذلك كله السيد المعاصر في روضاته وغيره وقد وقفت على رسالة جيدة لهذا الشيخ أيضا رد فيها على الأشاعرة في الحسن والقبح مليحة جدا على
144 اختصارها وقد ذكر هذا الشيخ وأباه أكثر من تأخر عنهما كصاحب الروضات والمستدرك والتتمة وأثنوا عليهما بما لا مزيد عليه تغمدنا الله وآباءنا وإياهم برحمته وأحلنا جميعا دار كرامته بحق محمد النبي المصطفى وعترته صلى الله عليه وآله وذريته والحمد لله رب العالمين. 66 - الشيخ يوسف البلادي البحراني " ومنهم " العالم العامل الفاضل الرباني الشيخ يوسف ابن الشيخ حسن البلادي البحراني الظاهر أنه من أجدادنا الكرام وسلفنا العظام ذكره شيخنا
145 الحر في الأمل وأثنى عليه بالأدب والفضل وله ولد فاضل اسمه الشيخ حسن ولابنه الشيخ حسن ولد فاضل علامة كامل إمام فهامة اسمه " الشيخ علي " من أكابر العلماء معاصر للعلامة الشيخ سليمان الماحوزي منازع له في الفضيلة والعلم وكلهم من مشائخ الإجازة وقد ذكرهم جميعا الشيخ يوسف في اللؤلؤة قال (قدس الله روحه): ومنهم الشيخ علي ابن الشيخ حسن ابن الشيخ يوسف البلادي البحراني عن الشيخ محمد بن ماجد المتقدم ذكره وكان الشيخ علي المذكور فاضلا سيما في العربية والمعقولات مدرسا إماما في الجمعة والجماعة معاصرا للشيخ سليمان المذكور معارضا له في دعوى الفضل كما هو الغالب بين المتعاصرين في أكثر الأعصار إلا أن الشهرة بين العرب والعجم إنما هي للشيخ سليمان وكان الشيخ حسن والد الشيخ علي فاضلا أيضا وكذا جده الشيخ يوسف وقد ذكره في كتاب (أمل الآمل) فقال الشيخ يوسف بن حسن البلادي البحراني فاضل متبحر شاعر أديب من المعاصرين انتهى، وأخبرني والدي (قدس سره) أنه لما توفي الشيخ يوسف المذكور ودفن في مقبرة المشهد اتفق أن إحدى منارتي المشهد انهدم رأسها فسقط على قبر الشيخ يوسف المذكور وكان الشيخ عيسى عم جدي الشيخ إبراهيم (وقد تقدم ذكره) متوجها إلى قرية البلاد إلى تعزية ابنه الشيخ حسن بموت أبيه الشيخ يوسف فمر بامرأة عجوز جالسة عند رأس المنارة تتعجب من سقوطها وانهدامها فلما وصل إلى بيت الشيخ حسن في محل التعزية أخبرهم بذلك وأنشد في ذلك فقال رحمه الله: مررت على امرأة قاعدة * تحولق في صورة العابدة وتسترجع الله في ذا المنار * فما بالها في الثرى راقدة
146 فقلت لها يا ابنة الأكرمين * رأيت أمورا بلا فائدة رأت تحتها يوسفي الكمال * فخرت لهيبته ساجدة فقال الشيخ حسن ما جزاء هذه الأبيات إلا أن يملأ فمك لؤلؤ انتهى. (قلت) لو قال هذا الشاعر الماهر (رأيت أمورا لها فائدة) والفائدة هو جوابه عن سقوطها على قبره لكان أولى وأبلغ. ولم نسمع لهؤلاء الفضلاء الأجلاء بشئ من المصنفات سوى جدنا الكبير الشيخ يوسف فإن له كتابا كبيرا في تعزية سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع) مرتبا كترتيب (المنتخب) للشيخ العابد الزاهد الشيخ فخر الدين الطريحي (ره) وكان من المعاصرين له مجلدان يقرأ في بعض المجالس الحسينية رأيت منه مجلدا في البحرين في أوائل أمري وعندنا كتاب المطول بخطه له عليه بعض الحواشي جمعنا الله وإياهم وآبائنا وأبنائنا والمؤمنين في مستقر رحمته ودار كرامته أنه أرحم الراحمين. 67 - الشيخ محمود المعني (ومنهم) الشيخ الفقيه الورع الشيخ محمود بن عبد السلام المعني البحراني (نسبة إلى معن بفتح الميم وسكون العين ثم النون أخيرا قرية من قرى البحرين) قال الشيخ الفاضل في اللؤلؤة وكان هذا الشيخ صالحا قد عمر إلى ما يقرب من مائة سنة وكان إماما في قريته وقد استجاز من هذا الشيخ جملة من المشائخ منهم الشيخ عبد الله المذكور (يعني به الشيخ عبد الله البلادي أحد مشائخه) والوالد الشيخ عبد الله بن صالح وغيرهم (قدس الله أرواحهم وطيب مراحهم).
147 (قلت) وهذا الشيخ يروي عن جملة من المشائخ العظام كالسيد هاشم التوبلي والشيخ الحر العاملي وغيرهما ولم نسمع له بشئ من المصنفات. 68 - الشيخ سليمان الأصبعي (ومنهم) العلامة الفقيه الكامل رفيع الشأن الشيخ سليمان بن علي بن سليمان ابن أبي ظبية (بالظاء المشالة ثم الباء الساكنة الموحدة ثم الياء المثناة المفتوحة ثم الهاء) الأصبعي أصلا الشاخوري مسكنا البحراني وكان هذا الشيخ مجتهدا صرفا توفي في سنة 1101 ه. وقد رثاه السيد الأجل السيد عبد الرؤف الجد حفصي (ره) بقصيدة وكان خصيصا به منها ما يتضمن تاريخ وفاته قوله: صاح الغراب بغاق في رجب على * موت الفقيه فأي دمع يذخر وله من المصنفات رسالة في تحريم صلاة الجمعة في زمن الغيبة وقد نقضها المحقق المدقق الأوحد الشيخ أحمد بن الشيخ محمد بن يوسف الآتي ذكره (قلت) قد مضى ذكره وقد أجاد بنقضه فيما أفاد ووافق السداد وأصاب فيما نقض وأجاب ومن وقف عليهما عرف حقيقة القشر من اللباب وله رسالة في تحليل التتن والقهوة ردا على بعض علماء العجم القائلين بتحريمها ورسالة في علم الكلام في أصول الدين ورسالة في تحريم السمك جملة والرسالة الأولى ونقضها كانتا عندي وهذا الشيخ أيضا يروي عن شيخه العلامة الشيخ علي بن سليمان القدمي البحراني انتهى كلام صاحب اللؤلؤة. (قلت) قد ذكر هذا الشيخ كل من تأخر عنه ولا سيما تلميذه العلامة المحقق الشيخ سليمان الماحوزي وهو الذي يعبر عنه بشيخنا العلامة وبشيخنا مجردا وذكره المحدث الصالح والسيدان في التتمة والروضات وغيرهم وهو الذي
148 يقول فيه تلميذه الشيخ سليمان المذكور لما لاموه على كثرة ملازمته إياه عنفوني لما لزمت سليمان * وجانبت جملة العلماء فتمثلت في الجواب ببيت * قاله مغلق من الشعراء ينزل الطير حيث يلتقط الحب * ويأتي منازل الكرماء وأقول أني لم أفهم فتوى هذا الشيخ (قده) في الرسالة التي يذكرها عنه الأصحاب في تحريم السمك جملة ولم أقف على هذه الرسالة حتى أعرف مراده منها ولم أر من ذكر معناه فيها وتنبه لذلك فإن أراد أن جنس السمك الذي يصطاد من البحر من حيث هو سمك حرام فهو خلاف الضرورة من المذهب بل ومن الدين والكتاب والسنة وإجماع المسلمين قال الله تعالى (وهو الذي جعل البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية) في مقام الامتنان وحاشا هذا الشيخ عن ذلك الشأن وأن أراد أن نوعا من أنواع السمك المختلف فيه كالذي لا فلس له والميت في شبكة المسلم مثلا فهو من المسائل الخلافية النظرية يتبع فيها الدليل وكل مجتهد ونظره وما يؤديه إليه دليله ويتضح فيه سبيله ولا بأس به وهذا من المواضع المشكلة وظاهر قولهم تحريم السمك جملة هو الأول وهو مشكل جدا ثم أني بعد أن كتبت هذا وقفت على كتاب (تتمة الأمل) للسيد الأمجد السيد أحمد البحراني (ره) وقد ذكر في ترجمة هذا الشيخ الرسالة المذكورة فقال وله رسالة في تحريم السمك الذي لا فلس له ولم ينقل كما نقله الفاضل المحدث الشيخ يوسف في اللؤلؤة ولا المحدث الصالح في إجازته فزال بذلك الإشكال والداء العضال والحمد لله وله المنة على كل حال. ولهذا الشيخ ولد فاضل أديب كامل اسمه (الشيخ أحمد) وهو صاحب
149 المسائل التي أجاب عنها المحدث الفاضل الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني الآتي ذكره له كتاب حسن جليل قليل المثيل في فضائل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الاثني عشر سماه (عقد اللئال في فضائل النبي والآل) (1) مجلدان لم يكن يشبهه في ترتيبه وتبويبه إلا كتاب (كشف الغمة) وفيه أخبار عجيبة حسنة وأشعار له كثيرة مستحسنة رأيته ولم أقف له على غيره، ولهذا الشيخ (أعني به الشيخ أحمد المذكور) ولد فاضل محقق كامل اسمه (الشيخ محمد - ره) له كتاب في الأصول الخمسة سماه (ينبوع الإخلاص) جيد مبسوط إلا أن النسخة التي رأيناها غير تامة وله شعر حسن في المناجاة ذكره الشيخ يوسف في كشكوله ولم أقف له ولا لأبيه على ترجمة غير ما ذكرناه والله العالم. 69 - الشيخ سليمان الماحوزي (ومنهم) علامة العلماء الأعلام وحجة الإسلام وشيخ المشائخ الكرام أولي النقض والإبرام المحقق المدقق العلامة الثاني أبو الحسن شمس الدين الشيخ سليمان ابن الشيخ عبد الله بن علي بن الحسن بن أحمد بن يوسف بن عمار البحراني الستري الماحوزي، أصله من ستره من قرية الخارجية، ومولده الماحوز، ثم إنه سكن البلاد القديم وبها توفي وكان الأكثر إذا انتهت الرياسة لأحد من العلماء من غير أهل البلاد القديم ينقله أهل البلاد إليها لأنها في ذلك الزمان هي عمدة البحرين ومسكن الملوك والتجار والعلماء وذوي الأقدار وهي بلادنا ومسكن
(1) يقول الأحقر حسين ابن المؤلف: هذا الكتاب المذكور أعني (عقد اللئال) موجود عندي من فضل الملك المتعال. 150 آبائنا وموضع أملاكنا إلا أنها الآن كما قاله الأديب المهذب الشيخ علي بن مقرب الأحسائي (ره) طم البلاء على البلاد فكلها * بحر من الشر المبرح مفعم ما أن مررت بوهدة أو تلعة * إلا وفيها للحوادث صيلم فكأنه عناها وإن كان مراده العموم لكل بلاد في زمانه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحديث ذو شجون وإنا لله وإنا اليه راجعون. (نرجع إلى صاحب الترجمة): وقال شيخنا الفاضل في اللؤلؤة. وهذا الشيخ قد انتهت إليه رئاسة بلاد البحرين في وقته، وقال تلميذه المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني الآتي ذكره إن شاء الله تعالى في وصفه: كان هذا الشيخ أعجوبة في الحفظ والدقة وسرعة الانتقال في الجواب والمناظرة وطلاقة اللسان لم أر مثله قط وكان ثقة في النقل ضابطا إماما في عصره وحيدا في دهره أذعنت له جميع العلماء وأقرت بفضله جميع الحكماء وكان جامعا لجميع العلوم علامة في جميع الفنون حسن التقرير عجيب التحرير خطيبا مفوها وكان أيضا في غاية الإنصاف وكان أعظم علومه الحديث والرجال والتواريخ منه أخذت الحديث وتلمذت عليه ورباني وقربني وأدناني واختصني من بين أقراني جزاه الله عني خير الجزاء بمحمد وآله الأزكياء، وتوفي وعمره يقرب من خمسين سنة في سابع عشر شهر رجب للسنة الحادية والعشرين بعد المائة والألف ه ودفن في مقبرة الشيخ ميثم بن المعلى جد العلامة الشيخ ميثم المشهور بقرية الدونج (بالنون والجيم من قرى الماحوز بالحاء والزاء) نقل من بيت سكناه من من بلاد القديم لها لكونه منها انتهى، ووجدت بخطه (قدس سره) نقلا عن
151 والده قال كان مولدي ليلة النصف من شهر رمضان من السنة الخامسة والسبعين بعد الألف بطالع عطارد وحفظت الكتاب الكريم ولي سبع سنين تقريبا وأشهر وشرعت في كسب العلوم ولي عشر سنين ولم أزل مشتغلا إلى هذا العام وهو العام التاسع والتسعون والألف انتهى. (أقول) بالنظر إلى تاريخ وفاته المتقدم ذكره (قدس سره) يكون عمره أربعا وأربعين سنة وعشرة أشهر فقول تلميذه المحدث الصالح المتقدم ذكره أنه يقرب من خمسين سنة سهو ناش من عدم الاطلاع على تاريخ مولده. وكان شيخنا شاعرا مجدا وله شعر كثير متفرق في ظهور كتبه وفي المجاميع وكتاب " أزهار الرياض " ومراثي على الحسين " ع " جيدة ولقد هممت في صغر سني بجمع أشعاره على حروف المعجم في ديوان مستقل وكتبت كثيرا منها إلا أنه حالت الأقضية والأقدار بخراب بلادنا البحرين بمجئ الخوارج إليها وترددهم مرارا عليها حتى افتتحوا وجرى ما جرى من الفساد وتفرق العباد في كل بلاد (انتهى كلامه علا مقامه). (قلت) قد جمع أشعاره كلها في ديوان مستقل تلميذه السيد علي آل أبي شبانة بإشارته إليه كما ذكره ابنه لسيد أحمد في تتمة الأمل فقول شيخنا متفرق الخ ناش من عدم اطلاعه عليه وقد ذكر هذا الشيخ المحقق صاحب الترجمة كل من تأخر عنه كصاحب التتمة وصاحب منتهى المقال والروضات والمستدرك والآغا المجدد في التعليقة وبالغ في وصفه مع إذعانه لغيره فقال في وصفه العالم العامل والفاضل الكامل المحقق المدقق الفقيه النبيه نادرة العصر والزمان الشيخ سليمان انتهى، ويكفيه عن مدح كل مادح وله " قدس الله روحه ونور ضريحه " مع
152 قصر عمره مصنفات شتى ورسائل وفوائد لا تكاد تحصى منها كتاب " الأربعين " في الإمامة من أحاديث العامة جيد حسن مشروح من أحسن مصنفاته عندنا منه نسخة جيدة ونقل شيخنا المحدث الصالح في إجازته أنه أهدي، للشاه السلطان حسين الصفوي حيث أنه صنفه باسمه فأعطاه ألفي درهم يعني عشرين تومانا وما أنصفه انتهى، " ومنها " كتاب " أزهار الرياض " وهو كاسمه ثلاثة مجلدات يجري مجرى الكشكول فيه من الرسائل والفوائد ومن أشعاره شئ كثير عندنا منه مجلد واحد بنسخة حسنة وكتاب (الفوائد النجفية) وأكثره رسائل له سابقة في علوم وفوائد متقدمة وكتاب (العشرة الكاملة) يتضمن عشر مسائل من أصول الفقه قال في اللؤلؤة وفيه دلالة على تصلبه في القول بالاجتهاد إلا أن المفهوم من جملة من فوائده المتأخرة عن هذا الكتاب رجوعه إلى ما يقرب من طريقة الأخباريين وكتاب " الشافي في الحكمة النظرية " ورسالة في (الصلاة العملية) ورسالة في * (مناسك الحج) * مختصرة كتبها بالتماس السيد الأجل الأمجد السيد محمد ابن السيد عبد الرؤف الجد حفصي البحراني ورسالة (نفحة العبير في طهارة البير) ورسالة أيضا ثانية في مناسك الحج مختصرة ورسالة ثالثة في المسائل الخلافية في الحج ورسالة (إقامة الدليل في نصرة الحسن بن أبي عقيل في عدم نجاسة الماء القليل) ورسالة في وجوب صلاة الجمعة عينا نقضا لرسالة بعض الفضلاء في تحريمها ورسالة (بلغة المحدثين) في الرجال على حذو الوجيزة للمجلسي وهذه الرسالة قد شرحها شيخنا العلامة والدنا الروحاني الشيخ أحمد ابن المرحوم الشيخ صالح البحراني وسماه (زاد المجتهدين) إلا أنه لم يمض فيها كثيرا بل بلغ إلى أواخر الألف مجلد حسن ذكر في أول
153 الكتاب فوائد وقواعد لعلم الرجال مفيدة عجيبة ولو أكمله على هذا المنوال لكمل علم الرجال بلا إشكال وكتاب (المعراج) و (شرح الفهرست) للشيخ الطوسي عجيب إلا أنه لم يتم وقد خرج منه باب الألف والباء والتاء وهو شرح نفيس والرسالة (الحمدية) وقد شرحها تلميذه المحقق والد صاحب الحدائق كما سيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى ورسالة في (تحريم الارتماس دون نقضه للصوم) ورسالة في (نجاسة أبوال الدواب الثلاث) (1) ورسالة في وجوب الطهارات لغيرها خصوصا الجنابة ورسالة في أفضلية التسبيح على الحمد في أخيرتي الرباعية وثالثة المغرب ورسالة في كيفية التسبيح في الأخيرتين وثالثة المغرب وهذه الرسالة لم يذكرها تلميذه المحدث الصالح ولا صاحب اللؤلؤة وكأنه ينقل عنه في إجازته غالبا وهي مع أختها عندنا ورسالة في شرح خطبة الاستسقاء ورسالة تعريب رسالة فارسية في الإمامة ردا على العامة عندنا ورسالة في تحقيق كون الوضع جزء من السجود في معارضة شيخه وصهره الشيخ محمد بن ماجد كما تقدم الكلام عليه ورسالة في (نية المؤمن خير من عمله) ورسالة في (سبب تساهل الأصحاب في أدلة السنن) ورسالة (صوب الندا في تحقيق البدا) ورسالة ثانية أيضا في (البدا) ورسالة في (استقلال الأب بالولاية على البكر البالغ الرشيد في التزويج) ورسالة في (جواز التقليد ورسالة (النكت البديعة) ورسالة في فرق الشيعة ورسالة في إعراب (تبارك الله أحسن الخالفين) ورسالة في (أسرار الصلاة) ورسالة في (الاستخارة) ورسالة في (القرعة) ورسالة في (الصوم) وكتاب (شرح الباب الحادي عشر) غير تام ورسالة في (وجوب غسل الجمعة) ورسالة في
(1) الخيل والبغال والحمير. 154 (خواص يوم الجمعة) ورسالة (كشف القناع عن حقيقة الاجماع) وله رسالة جيدة في كلمة التوحيد لا إله إلا الله لفظا ومعنى عجيبة ورسالة (الذخيرة) ورسالة في (وجوب القنوت) ورسالة في (البئر والبالوعة) ورسالة في (النحو) ورسالة في " مقدمة الواجب " ورسالة سماها " فحائل الإعجاز في التعمية والألغاز " ورسالة " ناظمة الشتات فيما يستحب تأخيره عن أوائل الأوقات " حسنة جيدة ورسالة في " آداب البحث " ورسالة في " علم المناظرة " ورسالة سماها " إيقاظ الغافلين " في الموعظة ورسالة في " حكم الحدث في أثناء الغسل " ورسالة في رد الشمس لمولانا أمير المؤمنين " ع " سماها " الشمسية " ورسالة سماها " السر المكتوم في حكم تعلم علم النجوم " ورسالة في " حرمة تسمية صاحب الزمان باسمه " ورسالة " فصل الخطاب في كفر أهل الكتاب والنصاب " وكتاب " هداية القاصدين إلى أصول الدين " ورسالة " ضوء النهار " وكتاب " شرح مفتاح الفلاح " للبهائي غير تام وكتاب " شرح اثني عشرية البهائي " غير تام ورسالة " السلافة البهية في الترجمة الميثمية " في أحوال الشيخ ميثم البحراني ورسالة في " الأحبار والتكفين " ورسالة في " طلاق الغائب " إلى غير ذلك من الرسائل والفوائد وأجوبة المسائل كأجوبة مسائل الشيخ الفاخر الشيخ ناصر الجارودي وغيرها وله حواش كثيرة على كتب الرجال والحديث والفقه كالمدارك وغيره وبالجملة فهذا الشيخ من نوادر الزمان وأغلوطة الدهر الخوان وفوائده وآثاره وكثرة تلامذته واشتهاره مع قصر عمره يدل على فضل عظيم وفخر جسيم وقد اجتمع مع المولى المجلسي وأعجب به وأجازه وأرخ وفاته بعض فضلاء عصره بقوله " كورت شمس الدين " ومن جملة أشعاره المذكورة في أزهار الرياض قوله
155 " قدس سره ونور قبره ": نفسي بآل رسول الله هائمة * وليس إذ همت فيهم ذاك من سرف كم هام قوم بهم قبلي جهابذة * قضية الدين لا ميلا إلى الصلف لا غرو هم أنجم العليا بلا جدل * وهم عرانين بيت المجد والشرف شم المعاطس من أولاد حيدرة * من البتول تجافوا وصمة الكلف سباق غايات أرباب السباق وهم * جواهر القدس ترزي لؤلؤ الصدف بهم غرامي وفيهم فكرتي ولهم * عزيمتي وعليهم في الهوى لهفي فلست عن مدحهم دهري بمشتغل * ولست عن حبهم عمري بمنصرف وفيهم لي آمال أؤملها * في الحشر إذ تنشر الأعمال في الصحف وله أيضا في ذكر النواصب " قدس سره ونور قبره ": خلع النواصب ربقة الإيمان * فصلاتهم وزناهم سيان قد جاء ذا في واضح الآثار عن * آل النبي الصفوة الأعيان وقال جامع الكتاب وفقه الله للصواب مجاريا له: الناصبي خلا من الإيمان * فصلاته وزناته سيان قد صح هذا في صريح النقل عن * آل الرسول خليفة الرحمن وكذاك صح بأنهم شر من * الذمي يهودي ومن نصراني وله " قدس الله سره وعطر قبره " في الحماسة: قل للثريا هل رأت لي خلة * لما ارتقيت لها وبت ضجيعها إن أمحلت أرض أقول لأهلها * أني لأرضكم أكون ربيعها وله أيضا مضمنا:
156 قد كنت في شرخ الشباب بنعمة * ونعمة طابت بها الأكوان الروض أنف بالمكارم والعلا * والحوض من نعمائها ملآن ذهبت ولم أعرف لها أقدارها * والماء يعرف قدره الظمآن وله قدس الله سره: أني وإن لم يطب بين الورى عملي * فلست انفك ما أن عشت عن أملي وكيف أقنط من عفو الإله ولي * وسيلة عنده حب الإمام علي قال (ره) (قلت) هذين البيتين حاذيا حذو الصاحب بن عباد وذلك كما ذكره في (أزهار الرياض) أنه ورد على الصاحب أعرابي فوقف على رأسه وأنشد: منائح الله عندي جاوزت أملي * فليس يبلغها شكري ولا عملي لكن أفضلها عندي وأكملها * محبتي لأمير المؤمنين علي فهش الصاحب (رض) لذلك ثم أنشد يقول: يا ذا المعارج إن قصرت في عملي * وغرني من زماني كثرة الأمل وسيلتي أحمد وابناه وابنته * إليك ثم أمير المؤمنين علي ثم جاراه صاحب الترجمة بالبيتين المتقدمين، وقال جامع الكتاب وفقه الله للصواب ومنحه جزيل الثواب مجاريا لهم وقد ينظم مع اللؤلؤ السبج: يا رب قد أوبقتني كثرة الزلل * وليس لي عوض من صالح العمل لكن لي حسن ظن فيك يا أملي * وأنني لموال للإمام علي وله رحمه الله أشعار كثيرة وقفنا عليها وله إجازات لعلماء عصره عربا وعجما تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته وحشرنا وإياه وآباءنا والمؤمنين في مستقر
157 رحمته مع محمد المصطفى وعترته وآله وذريته صلى الله عليه وآله الطاهرين كل آن وحين. 70 - الشيخ عبد الله الماحوزي (ومنهم) والده العالم الفاضل الأواه الشيخ عبد الله قرأ عند السيد عبد الرضا تلميذ العلامة السيد ماجد البحراني (ره) العلوم العقلية كما نقله عنه ابنه المذكور ولهذا الشيخ (ره) ولد فاضل اسمه (الشيخ حسن) قرأ على أخيه العلامة الشيخ سليمان المزبور كما ذكره المحدث الشيخ عبد الله بن صالح في آخر كتابه (منية الممارسين في أجوبة مسائل الشيخ ياسين) في الإجازة له ولم أسمع لهما بشئ من الصنفات ضاعف الله لنا ولهم الحسنات. 71 - الشيخ علي الجد حفصي (ومنهم) العالم العامل الأصولي الشيخ علي ابن الشيخ عبد الله الجد الحاجي البحراني (قرية من قرى البحرين والمركب فيها بهذا الاسم: جد حفص، وجد الحاج، وجد علي) وهذا الشيخ أعجوبة في الحفظ فاضل فقيه محدث وهو مشغول بالقراءة على القبور كتلميذه الشيخ علي وهو الشيخ الفاضل الكامل المحقق التقي الشيخ علي ابن الشيخ عبد الصمد ابن الشيخ محمد بن يوسف بن علي الأصبعي مولدا ومنشأ المقشاعي أصلا البحراني المتقدم ذكر آبائه توفي (ره) في شهر جمادي الأولى في السنة السابعة والعشرين بعد المائة والألف هجرية وعمره فوق الخمسين السنة، قال المحدث الصالح في إجازته: وكان هذا الشيخ فاضلا كاملا قرأ في
158 أكثر العلوم الأدبية والعربية والعقلية والفقه والحديث دقيق النظر منشئ شاعر وإنشاؤه متكلف غير منطبع قرأ الجزء الأول من (الإستبصار) على شيخنا وحضر درسه جم غفير من الطلبة والفضلاء إلا أنه كان رحمه الله تعالى مشغولا بالقراءة على القبور والعبادة ولو اشتغل بالعلم لبلغ الرتبة العليا له مصنفات منها (ترتيب الفهرست) للشيخ الطوسي (رض) وشرح رسالة شيخه الشيخ علي ابن الشيخ عبد الله الجد الحاجي انتهى كلامه، وقد ذكرهما أيضا في اللؤلؤة وأثنى عليهما ولا سيما الأخير منهما غفر الله لنا ولهما ولآبائنا وإخواننا المؤمنين بحق محمد وآله الطاهرين. 72 - الشيخ سليمان الدرازي (ومنهم) العالم الفاضل المحدث الصالح الشيخ سليمان ابن الحاج صالح الدرازي البحراني من أعمام جد صاحب (الحدائق) قال فيه الشيخ المذكور في اللؤلؤة بعد كلام في البين: أما الشيخ سليمان المذكور فكان عم جدي الشيخ إبراهيم ابن الحاج أحمد بن صالح وكان فاضلا فقيها محدثا، حكى لي والدي طيب الله مرقده، أن الشيخ سليمان كان في حجر أخيه الحاج أحمد وهو كبير أولاد الحاج صالح المذكور ومرجع القرية المذكورة وكان الحاج صالح (ره) له سفن في الغوص فجعل أخاه الشيخ سليمان في أول شبابه ممن يعمل له في تلك السفن ثم أنه أصابه مرض بسبب فلحبه له وشفقته عليه رفعه عن هذا العمل وتركه في البيت وأمره بملازمة الدرس وطلب له الشيخ محمد ابن سليمان (يعني به الشيخ محمد بن سليمان المقابي الذي مر ذكره وذكر أولاده في ص 125) يأتيه ويدرسه وجعل له
159 وظيفة يجريها عليه لذلك وكان الشيخ محمد بن سليمان المذكور في أول أمره فقيرا سئ الحال وهذا كان في أول أمر كل من الشيخين المذكورين حتى وفق الله سبحانه لبلوغ كل منهما الرتبة العليا والفوز بسعادة الدنيا والأخرى وتلمذا معا على الشيخ علي بن سليمان المتقدم ذكره (يعني به العلامة القدمي) وكان الشيخ سليمان مع اشتغاله بالتدريس وملازمة العلم مشغولا بأمر التجارة وكان جوادا كريما إماما في الجماعة في القرية المذكورة في مسجد القدم المعروف في تلك القرية وحكى لي والدي أنه إذا كان وقت الغوص وأتت سفن أهل القرية من الغوص مضى الشيخ واشترى جميع ما أتي من اللؤلؤ والأقمشة وكان تجار بلاد البحرين الذين يشترون اللؤلؤ يقصدون بيت الشيخ المزبور حيث أن أهل القرية لا يبيعون على أحد غيره فكان الشيخ يبيع ذلك عليهم بالمرابحة والقسمة بينهم بحيث لا يرجع أحد منهم خائبا، ومن عجائب الزمان ما حكاه لي والدي (قدس سره) أيضا إنه إذا كان رجل من قرية بني جمرة وهي قريب قرية الدراز قد باع على الشيخ المزبور لؤلؤ كبيرة مجهولة بقيمة قليلة واتفق أن الشيخ أعطاها من يصلحها وصارت جيدة فباعها بما يقرب من خمسين تومانا، فلما جاء البائع من الغوص قال له الشيخ: إن اللؤلؤة التي اشتريناها منك قد بيعت بهذا الثمن والقيمة الزائدة وأنا إنما أخذتها منك بشئ قليل فأنا آخذ رأس مالي من هذا الثمن والباقي لك فامتنع الرجل وقال: إني بعتك والمال مالك ولو ظهرت فاسدة فنقصها عليك وعلى هذا فالزائد لك، فامتنع الشيخ من القبول حتى حصل من صالح بينهما بأن أعطى الرجل بعضا وأعطى الشيخ البعض الآخر، توفي الشيخ المذكور في كربلاء المعلى في السنة الخامسة والثمانين بعد الألف ورثاه أخوه الشيخ عيسى (ره) بقصيدة أولها:
160 بشراك يا با صالح بشراكا * لما تضمن كربلا مثواكا ومنها قوله: يبكيك مسجدك الشريف وقد غدا * ما بينهم متسربلا بفراكا وقد ذكره في (أمل الآمل) فقال: الشيخ سليمان بن عصفور البحراني الدرازي فاضل فقيه محدث ورع عابد من المعاصرين، أنتهي كلامهما أعلى الله مقامهما وإنما أخرناه عن طبقته لندرجه مع طائفته ولم يذكر شيخنا المذكور له شيئا من المصنفات وليذكر الآن إن شاء الله تعالى المشاهير من تلامذة العلامة الثاني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني قدس الله أرواحهم ونور أشباحهم فأولهم: 73 - الشيخ أحمد آل عصفور الدرازي (ومنهم) المحقق الأمجد العالم الأوحد الشيخ أحمد ابن الشيخ إبراهيم ابن الحاج أحمد بن صالح بن عصفور بن أحمد بن عبد الحسين بن عطية بن شنبة الدرازي البحراني، قال ابنه الفاضل المنصف في اللؤلؤة في ترجمته كذا وجدته بخطه رحمه الله في آخر كتاب (قطر الندى) المكتوب بخطه وقت اشتغاله بالنحو في أول عمره وقد طلب له أبوه رجلا فاضلا يسمى الشيخ أحمد بن إبراهيم المقابي يجئ له في البيت كل يوم لتدريسه وعين له وظيفة هذا في أول اشتغاله بالمطلب ثم لما صارت له قوه في علم النحو والصرف انتقل إلى الشيخ محمد بن يوسف المتقدم ذكره ثم إلى شيخه الشيخ سليمان المتقدم ذكره وكان (قدس سره) مجتهدا فاضلا جليلا وفقيها نبيلا لا يجاريه مجاري ولا يباريه في ذلك مباري وكان لا يمل من البحث ولا يغتاظ ولا يظهر منه الغضب كما هو عادة جملة من العلماء
161 الذين ليس لهم ملكة البحث ولقد كان يدرس في خطبة الكافي ومكان في الحلقة جملة من الفضلاء منهم الشيخ علي ابن الشيخ عبد الصمد الأصبعي (الآتي ذكره). (قلت): قد مضى ذكره مع شيخه الشيخ علي وهما اللذان يدرسان على القبور فراجع) وكان فاضلا دقيق النظر فوقع البحث في قوله (ره) احتجب بغير حجاب محجوب واستمر البحث من أول الصبح إلى وقت الظهر وهما ينتقلان في البحث من علم إلى علم ومن مسألة إلى مسألة أخرى وانفض المجلس بدخول وقت الظهر وانصرفوا، ثم بعد صلاة العصر جلسوا للدرس فعاد الشيخ علي البحث واستمر الكلام إلى المغرب، قرأت عليه (قطر الندى) وكتاب شرح ابن الناظم أكثره وكتاب (المطول إلى علم البديع) واتفق بعد ذلك مجئ الخوارج لأخذ بلاد البحرين ووقع فيها الهرج والمرج والخراب والعطال باشتغالهم للاستعداد لحرب الأعداء وسيأتي كل ذلك في آخر الإجازة إن شاء الله تعالى وكانت له ملكة في التدريس لم يسبق إليها سابق غيره ممن رأيت وحضرت درسه من علماء عصرنا كان (قدس سره) لسعة باعه في العلوم يستفيد منه الدارس في علم جملة من مسائل العلوم المتأخرة مما يفرغه في وقت البحث ويبسطه من الكلام في المقام فتصير عند الدارس قواعد من تلك العلوم قبل الخوض فيها. قال المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح (الآتي ذكره) في وصفه (قدس الله سرهما) أخي بالمؤاخاة وصديقي بالمصافات الشيخ العلامة الفهامة الأسعد الأمجد شيخنا الأوحد الشيخ أحمد ابن المقدس الحليم الكريم الشيخ إبراهيم ابن أحمد بن صالح بن عصفور الدرازي البحراني متع الله المسلمين بوجوده
162 وشمل المتعلمين إفادات جوده وهذا الشيخ ماهر في أكثر العلوم لا سيما العقلية والرياضية وهو فقيه مجتهد محدث وله شأن كبير في بلادنا واعتبار عظيم إمام في الجمعة والجماعة ولي به اختصاص زائد دون سائر الأخوان والأقران وقد قرأت عليه شيئا من النحو في كتاب الرضي وفي صغري وأوائل الخلاصة في طريق السفر وله لسان طلق وسرعة في الجواب حسن الانشاء والعبارة وهو أفضل أهل بلدنا الآن في العلوم العقلية والرياضية انتهى. له من التصانيف جملة من الرسائل الرشيقة والتحقيقات الدقيقة وكانت تصانيفه مهذبة محررة وعباراته مع دقتها ظاهرة منها رسالة في بيان القول بحياة الأموات بعد الموت ورسالة في الجوهر والعرض ورسالة في الجزء الذي لا يتجزأ وقد اختار فيها مذهب الحكماء ورسالة في الأذان ورسالة الاستثنائية في الاقرار ورسالة شرح الحمدية لشيخه الشيخ سليمان بن عبد الله (المتقدم ذكره) وقد مدحه في صدرها مدحا عظيما وأثنى عليه غاية الثناء أخبر (قدس سره) أنه لما عرضها عليه وكان فيها جملة من الاعتراضات على المصنف وأعجب بها قال بعد ملاحظة الاعتراضات مداعبا له: إن حصل من يتصدى للجواب عنها أعناه، فقال له الوالدان عدتم عدناه ورسالة في بيان ثبوت الولاية على البكر البالغ الرشيد ورسالة في مسألة هدم الطلقتين بتخلل المحلل وعدمه اختار فيها عدم الهدم خلاف المشهور ورد في هاتين الرسالتين على بعض المعاصرين وأراد به المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح ورسالة في القرعة حسنة ورسالة في التقية غريبة عجيبة إلا أن هاتين الرسالتين ذهبتا فيما وقع على كتبنا من قضية البحرين مع جملة من الكتب وقد كان (قدس سره) يتلهف عليهما غاية التلهف ويتأسف على عدم حفظهما
163 غاية التأسف ورسالة في شرح عبارة اللمعة في بحث الزوال ورسالة في مسألة موت الزوج أو الزوجة قبل الدخول هل يوجب المهر كملا أم لا؟ ورسالة في الدعوى على الميت هل يثبت بشاهد ويمين أم لا؟ اختار فيها الأول ورد فيها على بعض المعاصرين وهو الشيخ عبد الله بن علي البلادي كما تقدمت الإشارة إليه، قلت وسيأتي لكلام إن شاء الله تعالى عليه ورسالة في الصلح ورسالة في تحقيق مسألة النجاسة ورسالة في العدول من سورة إلى سورة أخرى ورسالة أجوبة ثلاث مسائل للشيخ ناصر الجارودي الخطي حسنة جيدة تشتمل على تحقيق في طلاق الفدية وأنه هل يفيد فائدة الخلع أم لا والرسالة العطارية وهي أجوبة جملة من المسائل للشيخ علي بن لطف الله الجد حفصي تتعلق بالعطارة و تنتظم بالتجارة ورسالة أجوبة مسائل السيد يحيى بن السيد حسين الأحسائي ورسالة في مسألة المتنجس بعد زوال عين النجاسة هل ينجس أم لا وهي مسألة المحدث الكاشاني التي تفرد بها وقد رد فيها عليه ورسالة أجوبة مسائل الشيخ عبد الإمام الأحسائي ورسالة في دخول الرقبة في الرأس في الغسل وقد كان الشيخ عبد الله بن صالح قد كتب رسالة في عدم دخولها وقد أشرنا إلى ذلك في كتابنا (الحدائق الناضرة) وتوفي (قدس سره) في بلد القطيف بعد أخذ الخوارج البحرين وخرج جملة من أعيانها إلى القطيف وذلك بضحوة اليوم العشرين من شهر صفر في السنة الحادية والثلاثين بعد المائة والألف هجرية ودفن في مقبرتها المعروفة بالحباكة وعمره يومئذ يقرب من سبعة وأربعين سنة تغمده الله تعالى بغفرانه وعامله بعفوه ورضوانه وأفاض عليه رواشح فضله وإحسانه وأسكنه بحبوحة جنانه، انتهى كلامه علا مقامه.
164 (قلت): وكثير من الرسائل التي ذكرها لأبيه (قدس سرهما) عندنا وهي كما ذكر متبوعة بالتحقيق والتدقيق وحسن التحرير والتعبير جزاه الله بكل خير. 74 - الشيخ أحمد بن جمال من أجداد المصنف (ومنهم) العالم العامل العلامة الفقيه الكامل المحقق الأمجد المعروف بالفاضل الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد الله بن جمال البلادي البحراني ومن أجدادنا أيضا يروي عن العلامة الشيخ سليمان الماحوزي ومن مشاهير تلامذته قال المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح في إجازته المشهورة في تعداد معاصريه وتلامذة شيخه المذكور: وأخي الفاضل الكامل الفقيه النبيه الثقة العدل الأمجد الشيخ أحمد ابن المرحوم الشيخ عبد الله بن الشيخ حسن بن جمال البلادي وهذا الشيخ فاضل فقيه نحوي صرفي كاتب شاعر حسن الانشاء والشعر في غاية ذلة النفس والمسكنة والإنصاف ليس في بلادنا مثله في التواضع والإنصاف وذلة النفس والورع. له مصنفات منها شرح رسالة الشيخ (قدس الله روحه ونور ضريحه) في الصلاة نفيسة حسنة التحرير إلا أنها لم تكمل ورسالة في إثبات الدعوى على الميت بشاهد ويمين وقد صنفها قبل أن يصنف الشيخ أحمد رسالته (أدام الله نفعه وإفادته وأقام مجده وسعادته) انتهى كلامه علا مقامه. وقال شيخنا الشيخ يوسف (ره) في لؤلؤته وهو من جملة مشائخه والشيخ الأمجد الأواه الشيخ أحمد بن الشيخ عبد الله ابن حسن البلادي وكان على
165 ما هو عليه من الفضل في غاية الإنصاف وحسن الأوصاف والذلة والورع والتقوى والمسكنة لم أر مثله قط في ذلك كانت وفاته (قدس سره) في يوم الاثنين رابع عشر شهر رمضان من السنة السابعة والثلاثين بعد المائة والألف وقد حضرت درسه وقابلت في (شرح اللمعة) عنده انتهى كلامه. وقال السيد أحمد في تتمة الأمل فيه: الفقيه الزاهد والعالم العابد قاضي القضاة وخليفة الأئمة الهداة العالم العامل المعروف في وقته بالفاضل، ثم قال بعد أوصاف جميلة له: رسائل منها رسالة فيما يحرم نكاحهن تدل على فضل وافر وعلم زاخر رأيتها في يد ولده العالم خلف العلماء الصالحين وخليفة العلماء المتألهين (انتهى كلامه علا مقامه). ولهذا الشيخ ولد فاضل محقق كامل يسمى (الشيخ محمد) كأبيه في المعقول وهو الذي ذكره السيد في كلامه المتقدم ذكره، له رسالة جليلة في الهيئة سماها.... (1) وقد شرحها الشيخ عبد علي الخطيب التوبلي البحراني شرحا حسنا وسيأتي إن شاء لله تعالى ولم أقف على شئ من أحواله غير ما ذكره السيد المتقدم ذكره والشيخ عبد علي الخطيب في صدر شرحه. وما أدري أن هذا الشيخ أعني به الفاضل الأمجد جدنا الشيخ أحمد هو الشيخ أحمد بن حاجي الأحسائي الشاعر المشهور وهو أيضا من العلماء الأعلام وهو أيضا جدنا أم لا؟ والظاهر بحسب بعض القراين إنه غيره أو هو ابن عمه ولم يبق لنا من آثار آبائنا ما نستكشف به أحوالنا مع كثرتها لكثرة ما وقع على البحرين من الحوادث والوقائع في البين ولا سيما على بلادنا (البلاد) لأنها المنظور إليها
(1) بياض في الأصل. (المصحح) 166 في أعين الحكام والرصاد وقد وقعت على كتب آبائنا بعد وفاة جدي الشيخ علي قضية فتركها الوالد بالكلية تورعا بحصول شبهة في البين وكان (قدس الله روحه وطيب ريحه ونور ضريحه) على غاية من الورع والتقوى والتمسك بالعروة الوثقى، حدثني بذلك شيخنا الثقة العلامة الأمجد الصالح الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح تغمده الله برحمته وحشرنا الله وإياه وآباءنا ودار كرامته وذهبت كلها مع كثرتها وحسنها فلم نحظ بشئ منها لنعرف منها بعض الآثار ولم أدرك أحدا من أهل التصنيف منا حتى أسأله عن تلك الديار على أني لم أنشأ في بلادي وأنظر آثار آبائي وأجدادي ولقد من الله الكريم على عبده الأثيم بالنعم الوافرة التي من جملتها أن أعطاني كتبا فاخرة كثيرة وافرة ونسأله تعالى وهو الرحمن الرحيم أن يعطيني كما أعطاني خير الدنيا خير الآخرة إنه الرب الكريم الغني العظيم وهذا الشيخ أعني جدنا الشيخ أحمد بن حاجي لم أقف على أحواله سوى اشتهار أشعاره وكثرتها حتى سمعت أن له من المراثي والقصائد الحسينية ما يقرب من ألف قصيدة دون غيرها من التواريخ والمدائح وكانت له ملكة في التواريخ لم تكن عند أحد غيره كان يتكلم بالتاريخ الذي يريده بداهة وارتجالا بلا تأمل وتدبر وسمعت من بعض أعمامي أن ديوانه الحسيني مجلدان وقف على أهل قريتنا من البلاد وتلف في الوقعة الأخيرة التي قتل فيها حاكمها علي بن خليفة. وله حكايات حسنة بل كرامات مستحسنة نقلها لي بعض الأرحام، ثم إن ابنه الشيخ سليمان وهو جد والدي أيضا لم أقف على شئ من أحواله بتفصيله وإجماله سوى كتابته اسم بالشيخ سليمان. وأما جدي الشيخ علي فكان فاضلا وحيدا في المعرفة بأصول الدين وعليه
167 قرأ والدي في النحو والعربية وكان على ما هو عليه من الفضل تاجرا بزازا في السوق للكسب على العيال الذي هو من أفضل الجهاد والأعمال ولليأس عما في أيدي الناس وكذلك الوالد المقدس المرحوم المؤتمن الشيخ حسن وكان من أتقى أهل زمانه وأورع أهل دهره وأوانه ولم أدرك أيامهم وقد توفي (قدس الله روحه ونور ضريحه) بعد الحج مهاجرا لزيارة رسول الله وآله حجج الله (صلى الله عليه وآله) ودفن في (رابغ) وقبله بأيام قليلة توفي العابد الزاهد الصالح الشيخ صالح من جملة من صلحاء البحرين وكانوا حجاجا من الطاعون في ذلك العام سنة 1281 ه غفر الله لنا ولهم جميع الذنوب والآثام وجمعنا وإياهم في دار السلام والجنة والفقير يومئذ ابن ثمانية أعوام نسأله تعالى حسن الختام إنه الكريم الرحيم ذو الفضل والإنعام. 75 - الشيخ عبد الله البلادي البحراني (ومنهم) العالم الجليل والكامل النبيل الأمجد الأواه الشيخ عبد الله ابن الشيخ على بن أحمد البلادي البحراني وهو أيضا من مشائخ (صاحب الحدائق) قال المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح وأخي الشيخ الأفضل الأعدل الأكمل الشيخ عبد الله بن علي بن أحمد البلادي البحراني وهذا الشيخ فاضل كامل خصوصا في علم الكلام: ثقة عدل متورع عاقل رزين صالح أمين له رسالة في علم الكلام ورسالة كتبها للشيخ الأوحد الأمجد الشيخ الأجل الأوحد الشيخ محمد شيخ الإسلام في علم الكلام أيضا انتهى كلامه. وقال في اللؤلؤة ومن طرقي ما أخبرني به سماعا وإجازة الشيخ الأجل البهي الشيخ عبد الله بن علي بن أحمد
168 البلادي وكان فاضلا سيما في الحكمة والمعقولات إلا أنه كان قليل الرغبة في التدريس والمطالعة في وقتنا الذي رأيناه وله رسالة في علم الكلام ورسالة أخرى في علم الكلام كتبها الشيخ أحمد ابن شيخ الإسلام ورسالة في نفي الجزء الذي لا يتجزء ورسالة في تقسيم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف وشرح رسالة شيخه الشيخ سليمان في المنطق إلا أنه لم يتمها ورسالة في وجوب جهاد العدو في زمن الغيبة ورسالة في عدم ثبوت الدعوى على الميت بشاهد ويمين، وللوالد (قدس سره) رسالة في الرد عليه في ذلك قد اختار ثبوت الدعوى المذكورة بالشاهد واليمين كالدعوى على الحي. توفي (قدس سره) في شيراز في عام جلوس السلطان نادر شاه ودعواه السلطنة وقد أرخ ذلك (الخير فيما وقع) وقلبه بعضهم إلى (لا خير فيما وقع) وهو العام الثامن والأربعون بعد المائة والألف في بلاد شيراز ودفن في قبة السيد أحمد ابن مولانا الإمام (الكاظم عليه السلام) المشهور بشاه چراغ وأنا كنت يومئذ في شيراز إمام جمعتها وجماعتها في جامعها المشهور إلا أنه لما ورد الشيخ المزبور في إصلاح مقدمات البحرين لما استولت عليها الأعراب وأوقعوا فيها الخراب قدمته في الصلاة حيث أنه شيخي وأستاذي فلم يبق إلا مدة يسيرة حتى توفي فيها وكأنما ساقه حديث التربة المشهورة. وهذا الشيخ يروي عن جملة من المشائخ منهم شيخه الذي اشتهر تلمذه عليه الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني المتقدم ذكره انتهى كلامه. (قلت) وهذا الشيخ مشهور في ألسنة أهل البلاد بالشيخ عبد الله أبو الجلابيب ولم أدر ما وجه هذه الكنية، ورأيت له رسالة حسنة زائدة على
169 ما عدده تلميذه المذكور جملة من أجوبة المسائل الحسنة واردة عليه من القطيف المحروسة والسائل هو السيد محمد الصنديد القطيفي وهي عندنا منقولة من خطه (قدس سره) ورأيت له أيضا جواب مسألة في الرضاع للسيد محمد المذكور مستقلة إن شاء الله تعالى ننقل الجميع في ترجمة السيد محمد الصنديد المذكور لما فيها من الفوائد الجليلة، وبالجملة هو من العلماء الكبار والفضلاء الأتقياء الأخيار وقد ذكرناه وجدنا الشيخ أحمد المتقدم ذكره أكثر من تأخر عنهما بأحسن الذكر. 76 - ولده الشيخ محمد (ومنهم) ولده العالم الأسعد الكامل الأمجد الشيخ محمد، قال السيد في تتمة الأمل بعد ذكر ترجمة والده الشيخ عبد الله وكان ولده الفاضل الأوحد الشيخ محمد متوقد الذهن سريع الفهم عارفا بالعلوم العقلية والنقلية إلا أن الزمان لم يزل له معاندا وله منابذا (انتهى كلامه قدس سره) ولم يذكر له شيئا من المصنفات كما هو الأغلب عنده. 77 - الشيخ عبد الله السماهيجي (ومنهم) العالم العامل المحدث الصالح التقي الفاضل الشيخ عبد الله ابن الحاج الصالح السماهيجي البحراني، قال في (لؤلؤة البحرين): الشيخ المحدث الصالح الشيخ عبد الله ابن الحاج صالح بن جمعة بن علي بن أحمد بن ناصر بن محمد بن عبد الله السماهيجي (بالياء المثناة من تحت ثم الجيم أخيرا وهي قرية من جزيرة صغيرة بجنب جزيرة أوال من المشرق وفيها قرية صغيرة تسمى عراد) ثم انتقل
170 منها مع أبيه وسكن قرية أبي إصبع (بالباء الموحدة بين الصاد والعين) وقد كان (قدس الله سره) أخباريا صرفا كثير التشنيع على المجتهدين وعكسه الوالد (قدس سره) قد كان مجتهدا صرفا كثير التشنيع على الأخباريين وقد عرض في الرسالتين اللتين رد فيهما على الشيخ عبد الله المذكور والحق كما ذكرناه في كتابنا (الدرر النجفية) ومقدمات الحدائق هو سد هذا الباب وإرخاء الستر دونه والحجاب لما فيه من المعائب الكثيرة التي لا تخفى على أولي الألباب، وكان الشيخ المذكور صالحا عابدا ورعا شديدا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جوادا كريما سخيا كثير الملازمة للتدريس والمطالعة والتصنيف لا تخلو أيامه من أحدها، له جملة من المصنفات ذكرها في إجازته للشيخ الفاخر الشيخ ناصر الجارودي الخطي (ره) وكان تاريخ فراغه من هذه الإجازة في بلدة بهبهان عصر يوم الاثنين الثالث والعشرين من شهر صفر سنة الثامنة والعشرين بعد المائة والألف ه منها كتاب (جواهر البحرين في أحكام الثقلين) رتب فيه الأخبار وبوبها على نهج آخر غير صاحب الوافي والوسائل مقتصرا على كتب المحمدية الثلاثة وهي الكتب الأربعة خرج منه المجلد الأول في كتاب الطهارة وبعض من المجلد الثاني في كتاب الصلاة، وكتاب (المسائل المحمدية فيما لا بد منه من المسائل الدينية)، وكتاب (صحيفة العلوم والتحفة المرتضوية)، ورسالة (التحرير في مسائل الديباج والحرير)، ورسالة صنفها للسيد علوي ابن السيد عبد الله المتقدم ذكره، (أقول سيأتي إن شاء الله تعالى ذكرهما بعد) سماها (عيون المسائل الخلافية فيما لا بد منه في الطهارة والصلاة الأبدية) ورسالة (العلوية) كتبها في جواب ثلاث مسائل كلامية، كتبها جوابا للشيخ علي ابن الشيخ سليمان
171 ابن علي الشاخوري والرسالة الموسومة (بمسائل الجداول وجداول المسائل) ورسالة كتبها لوالده في نسب كنكر ورسالة في أحقية الزوج بتغسيل زوجته والصلاة عليها من الأب والأخ وغيرهما رد فيها على صاحب المدارك، ورسالة في إثبات التوحيد في ثالثة الوتر ورسالة في مسائل المضمرات في علم النحو تسعين مسألة ورسالة في تغسيل النبي صلى الله عليه وآله بسبع قرب من بئر غرس والرسالة البهبهانية في أحكام الأموات اثنتان وعشرون مسألة، ورسالة أخرى منتخبة منها بالفارسية ورسالة في جواب مسئلتين أحدهما جواز التنقل بين الفجر وطلوع الشمس والثانية أفضلية الصلاة ولو قضاء على التعقيب، ورسالة في إثبات اللذة القبلية عقلا ومنها شرعا، ورسالة في مسألة من مسائل الحيض والرسالة الموسومة (بحقيقة التعبد في وجوب التشهد) ورسالة في ضمان ما أكلته البهائم ليلا لا نهارا والرسالة الموسومة (بالكافية) في النحو إلا أنها لم تكمل ورسالة في إجبار الزوج على الإنفاق على زوجته وكسوتها والمنظومة الموسومة (بتحفة الرجال وزبدة المقال في علم الرجال) ورسالة (البلغة الصافية والتحفة الوافية)، وكتاب (ارتياد ذهن النبيه في شرح من لا يحضره الفقيه) إلا أنهما لم يكملا والرسالة السليمانية ورسالة في مسألة لا ضرر ولا إضرار، ورسالة الإنتصار للأصحاب على صاحب المدارك في كون المئزر من الكفن ومخالفتهم في كونه غير واجب، ورسالة في شرح حديث مشكل في أصول الكافي في الأسماء، ومنظومة الرسالة الاثني عشرية في الصلاة للشيخ البهائي (ره)، ورسالة في أن المتصرف في الملك بالتصرف الشرعي لا ينزع من يده إلا بالبينة بكونه غاصبا أو تشهد بأن الملك للمدعي إلى الآن، ورسالة كتبها في خراسان رد فيها على الملا سلمان ابن الملا
172 خليل القزويني في تحقيق النفر والرهط الذين تجب عليهم صلاة الجمعة، ورسالة في تحقيق مقدم الرأس الذي يجب مسحه لم تكمل، ورسالة في ما يجوز وما لا يجوز بيعه من الأوقاف، وكتاب (مصائب الشهداء ومناقب السعداء) وهو خمسة مجلدات، ورسالة في جواز أكل الحلال المختلط بالحرام إذا كان غير محصور، والرسالة النوحية كتبها في جواب للشيخ نوح بن هاشل تتعلق بأصول الفقه، وكتاب (رياض الجنان المشحون باللؤلؤ والمرجان) وهو بمنزلة الكشكول وكتاب الخطب التي أنشأها للجمع والأعياد وهذا ما كتب (قدس سره) وقد نسي و (منية الممارسين في أجوبة الشيخ ياسين) وهو أحسن ما صنفه وقد كان والدي (قدس سره) يعترض عليه في مواضع عديدة من هذا الكتاب وقد استكتبه لقصد تصنيف كتاب في رد ما اختار رده في بلدة القطيف، ثم عاجلته المنية وحالت بينه وبين تلك الأمنية وكان يعترض عليه بأنه لشدة الاستعجال في التصنيف وحب كثرة المصنفات كانت مصنفاته خالية من التحقيق غير مهذبة ولا منقحة وهو كذلك كما تقدمت إليه الإشارة في ترجمة الشيخ محمد الحر العاملي (ره) توفي (قدس سره) في بلدة بهبهان حيث إنه استوطنها لما أخذت الخوارج بلدة البحرين وكان قد خرج من البحرين في الوقعة الثانية من وقائع قوم الخوارج إليها وكانوا قد أتوا أول مرة في غراب واحد وانضمت إليهم الأعراب من أعداء الدين فرد الله كيدهم في نحورهم ولم يتمكنوا من أخذها ثم بعد سنة قدموا في سبع برش وانضمت إليهم الأعراب وقد أرسل السلطان شاه حسين خان من أهل الدشت مع جملة من العسكر قبل وصولهم فانحدروا أيضا عليها في جم غفير وكان أهل البحرين قد استعدوا بالأسلحة وساعدهم
173 العسكر المذكور فوقع الحرب وهم في السفن فقتل منهم جماعة فردوا بالخيبة، وبعد رجوعهم سافر الشيخ عبد الله المذكور إلى أصفهان للسعي في مقدمة البلد المذكورة عند الشاه وقد كان شيخ الإسلام بأصفهان، أنه لما كان لأمور الشاه المزبور مدبرة رجع بالخيبة مما أمله وتوطن في بلدة بهبهان لظنه رجوع الخوارج إليها واتفق رجوع الخوارج إليها مرة ثالثة اتفق رأيهم على حصار البلد والمنع من الدخول والخروج إليها وانضمت لإعانتهم أيضا أعداء الدين من الأعراب فالشيخ لما سمع ذلك توطن في بلدة بهبهان وأخذوها بعد الحصار مدة مديدة وكانت وفاته (قدس سره) ليلة الأربعاء تاسع عشر شهر جمادي الثانية سنة الخامسة والثلاثين والمائة والألف تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته، انتهى كلامه علا مقامه. (قلت): وهذا الشيخ من أكابر العلماء العاملين والفقهاء الورعين ذكره كل من تأخر عنه كصاحب (منتهى المقال) و (الروضات) و (المستدرك) وغيرهم وله كتب كثيرة لم يذكرها هو في إجازته ولا صاحب اللؤلؤة في لؤلؤته ولعلها متأخرة عن الإجازة منها كتاب (ذخيرة العباد لترجمة زاد المعاد) عربي قدم فيه وأخر وأزاد واختصر وفيه إيرادات على المصنف وهو من أحسن كتب الأدعية ومنها رسالة (التهاني والتعازي في مواليد النبي الأئمة عليهم السلام ووفاياتهم) يذكر فيها الأقوال ويختار ما يختار حسنة ورسالة (إسالة الدمعة لعين المانع من صلاة الجمعة) رد فيها على الفاضل الهندي في (كشف اللثام) ونقض عبارته في بحث صلاة الجمعة نقضا محكما حيث أن الفاضل المذكور ذهب إلى تحريمها في زمن الغيبة والمحدث المذكور يرى وجوبها عينا وكان من المعاصرين
174 له ومنها رسالة مبسوطة سماها (القامعة للبدعة في ترك صلاة الجمعة) ورسالة أخرى في الجمعة مختصرة جواب مسألة عنها ورسالة في ثلاث مسائل عملها في مشهد الكاظمين وله أجوبة مسائل كثيرة متعددة مبسوطة وكل ذلك عندنا ولله الحمد وله رسالة في نفي الاجتهاد وعدم وجوده في زمان الأئمة الأمجاد وله رسالة في صلاة الليل سماها (ناشئة الليل) ذكرها بعض الأصحاب ونقل منها وله الإجازة الكبيرة للشيخ ناصر الجارودي القطيفي (ره) وبعد وفاته ضاعف الله حسنا قام مقامه في بلدة بهبهان العالم العامل التقي: 78 - السيد عبد الله البلادي البحراني وهو ابن السيد علوي البلادي البحراني وكان يلقب بعتيق الحسين (ع) وكان فاضلا ورعا تقيا زاهدا عابدا ليس له في وقته ثان في التقوى والورع قطن بلاد بهبهان بعد أخذ الخوارج للبحرين وكان الشيخ عبد الله المذكور قاطنا فيها قبله فبقي في خدمة الشيخ ملازما لسماع الدرس منه والاستفادة ثم بعد وفاة الشيخ صار إمام البلد في الجمعة والجماعة حتى توفي بها (قدس الله سره) والسادة الذين في بهبهان أكثرهم من ذريته وكانوا أهل علم وكذلك في (أبي شهر) وبعضهم في النجف الأشرف وكانوا علماء صالحين ولم أسمع له بشئ من المصنفات سوى بعض الحواشي رأيتها منسوبة إليه من قديم الزمان وله الإجازة من جماعة من مشائخ البحرين وغيرهم منهم المحدث الصالح المذكور ومنهم الشيخ أحمد آل عصفور والد (صاحب الحدائق) وللشيخ يوسف (صاحب الحدائق) الإجازة منه بالرواية عن والده المزبور لكونه لم يجزه والده المذكور لصغره وليس
175 له طريق إليه إلا من جهة هذا السيد المحبور وكان والده السيد علوي أيضا من العلماء الأتقياء وله ذرية علماء فضلاء كملاء في بهبهان (السيد إسماعيل المجتهد البهبهاني) وفي أبي شهر منهم (السيد العالم علم الهدى) المعاصر وفي النجف الأشرف جماعة من المشتغلين الأخيار معاصرون ووجدت لهؤلاء السادة الأجلاء نسبا شريفا يتصل بالسيد إبراهيم المجاب ابن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) وكثير من علماء فضلاء بحرانيون تغمدهم الله وإياهم وآباءنا والمؤمنين بالكرامة والحبور وأسكننا وإياهم من جنانه الباقية تلك القصور بحق محمد وآله الطاهرين أمناء الملك الغفور. 79 - الشيخ حسين الماحوزي (ومنهم) العالم العامل المحقق الأمين الأفخر الشيخ حسين ابن الشيخ محمد بن جعفر الماحوزي البحراني كان (رحمه الله) من العلماء العاملين والفضلاء المحققين والأتقياء وهو أكبر مشائخ (صاحب الحدائق) قال المحدث الصالح في تعداد مشاهير تلامذة شيخه الشيخ سليمان الماحوزي: وأخي الشيخ الأجل الأكمل الأمجد الشيخ حسين ابن الشيخ محمد بن جعفر الماحوزي وهذا الشيخ فاضل كامل له يد مليحة في سائر العلوم إمام في الجماعة مدرس، انتهى كلامه علا مقامه، وقال تلميذه الشيخ يوسف في اللؤلؤة: فمن طرقي إلى المشائخ الأعلام ومصنفاتهم المشار إليها في المقام ما أخبرني به قراءة وسماعا وإجازة شيخنا الفاضل واستاذنا الكامل جامع المعقول والمنقول ومستنبط الفروع من الأصول الجامع بين درجتي العلم والعمل والفائز بأكمل رتبة لا يعتريها الخلل الشيخ الأجل الأوحد
176 الأفخر الشيخ حسين ابن الشيخ محمد بن جعفر الماحوزي، ثم ذكر نسبته إلى الماحوز وقراها وقد قدمنا ذلك، ثم قال: وقد عاش شيخنا المذكور وبلغ من العمر إلى ما يقرب من تسعين سنة ومع ذلك لم يتغير ذهنه ولا شئ من حواسه سوى ما لحقه من الضعف الناشئ من كبر السن ومن العجب أنه (قدس سره) مع غاية فضله لم تكن له ملكة التصنيف ولم يبرز له شئ في قالب التأليف وكان تلمذي على الشيخ المذكور المزبور في بلاد القطيف بعد وفاة الوالد (قدس سره) في البلد المذكور وبعد استيلاء الخوارج على بلادنا البحرين كما سيجئ تفصيله في آخر الإجازة انتهى كلامه علا مقامه. (أقول): قد نقل بعض الأساطين من أهل العرفان بعض أجوبة مسائل للشيخ حسين المذكور وفيها أبحاث جليلة ولعل تلميذه الشيخ يوسف لم يطلع على ذلك وقد ترك نسبة كثير من المصنفات لكثير من العلماء مع وجودها لهم لعدم وقوفه على ذلك وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود. وقد ذكر هذا الشيخ كل من تأخر في كتب الرجال والإجازات وشهرته (قده) أعظم وأشهر ممن ذكرناهم من العلماء الأعلام مع عدم مصنف له بين الأنام وذلك أنه سكن العراق بعض الأعوام في كربلاء المعلى واستجاز منه جملة من العلماء الكرام من عرب وعجم، وقال تلميذه الأمجد السيد أحمد البحراني في تتمة الأمل: ومنهم الشيخ الفقيه العالم الرباني الشيخ حسين ابن الشيخ محمد بن جعفر الماحوزي البحراني شيخ الشيعة وإمام الشريعة أصبحت به الأعصار باسمة الثغور والأمصار ضاحكة الثغور كانت أيامه أغلوطة الزمان ونزهة الأوان لم يعثر له على عثرة حتى وارت جسده الحفرة مضى طاهر الأثواب نقي الأعراض
177 لم يدنس عرضه لؤم من نساء ولا قوم إلا أنه لم يوجد له مصنف ولم يوقف له على مؤلف وذلك لكثرة اشتغاله بالتدريس والنظر في ليله ونهاره وعشياته وأسحاره وكان مرضيا عند الناس منزها عن الأدناس كثير الاحتياط عديم الاختباط قرأت عليه في علم الفقه وقابلت عنده فيه وفي علم الحديث فوجدته بحرا لا ينزف ومعلما لا يوصف، قد تشرفت بمجالسته برهة من الزمان، وتنعم ناظري بمطالعته طائفة من الأوان توفي (قدس سره) سنة إحدى وثمانين ومائة والف ه. في بلدة القطيف وقد زرته وتبركت بزيارته ودعوت الله عند حفرته وقد رثاه كثير من شعراء زمانه ورثيته بقصيدة أولها: قف بالديار بعبرة وشجاء * وتحسر وتزفر وبكاء انتهى كلامه علا مقامه (قلت) ورأيت له جملة من الإجازات والانهاءات لجملة من تلامذته وذكره ثقة الإسلام (النوري الطبرسي) في آخر (المستدرك) وبالغ في الثناء عليه (إلى أن قال نقلا عن تتمة الأمل): الثاني لبعض تلامذة بحر العلوم لا الذي ننقل منه للسيد أحمد البحراني وبالجملة كان رحمه الله تعالى في عصره مسلم الكل لا يخالف فيه أحد من أهل العقد والحل حتى أن السيد الأجل والسند الأبجل السيد صدر الدين المجاور في النجف الأشرف مع ما كان فيه من الفضل الرائق والتحقيق الفائق أمسك عن الافتاء حين تشرف الشيخ بزيارة أئمة العراق (عليهم السلام) ووكلها إليه على ما أخبرني به الفاضل الحاج محمد حسين بنلفروش قال: ومما نقل عنه أنه (ره) كان يرى من الواجب على العلماء والعدول تقسيم الوجوه التي يجعلها الظلمة على الناس ويصادرونهم بها بينهم مع مراعاة ضعيفهم وقويهم ويسرهم وفقرهم لئلا يحترق الضعيف ويتضرر، قيل
178 وكان يباشر ذلك بنفسه، انتهى كلامه علا مقامه. (أقول) ولهذا الشيخ ولدان عالمان فاضلان الأول (الشيخ محمد) وهو الكبير له كتاب في المزار كبير ثلاثة مجلدات أو.... والتواضع سماه.. (1) وقفت على مجلد كبير منه مشتمل على زيارات الأمير وابنه السبط الشهيد سلام الله عليهما، فيه إحاطة وتتبع تام. والثاني (الشيخ عبد علي) ولا أدري هل لهما أو أحدهما الرواية عن والدهما أم لا لعدم وقوفي على تفصيل أحوالهما (قدس سرهما) 80 - الشيخ يوسف البلادي البحراني (ومنهم) العالم العامل الفاضل التقي الشيخ يوسف ابن الحاج علي بن فرج المنوي البحراني (أصله من مني بفتح الميم وكسر النون وسكون الياء أخيرا قرية من قرى البحرين) ثم البلادي مسكنا قال المحدث الصالح في إجازته: وأخي الشيخ يوسف ابن الحاج علي بن فرج المنوي أصلا البلادي مسكنا وهذا الشيخ فاضل فقيه له مصنفات منها شرح رسالة شيخا (قدس سره) في الصلاة وشرح الإرشاد للعلامة الحلي (ره) وهو أيضا حسن الأخلاق والسجايا والإنصاف والتواضع انتهى كلامه زيد إكرامه. (أقول): وقد وقفت لهذا الشيخ على رسالة حسنة تتضمن القول ببقاء العصمة بين الزوج والزوجة لو مات أحدهما ثم أحيي لمعجزة من نبي أو إمام أو ولي كما صدر ذلك كثيرا من أئمتنا الطاهرين آل طه ويسن صلوات الله عليه وآله أجمعين بإذن الله رب العالمين مذكورة في كتب الفضائل والمعجزات والبراهين وهي عندنا وفيها كثير من ذلك مذيل بالإيضاح والتبيين فرغ من تحريرها يوم
(1) لم يذكر المؤلف (ره) اسم الكتاب. (المصحح) 179 الثامن عشر من شهر صفر سنة 1100 هج. في بلدة القطيف ولعله بعد الواقعة الكبرى التي تفرقت منها العباد في أطراف البلاد ولا سيما بلاد القطيف لقربها من البحرين ولم أعلم بتاريخ وفاته ولا محل قبره ضاعف الله حسناته. 81 - الشيخ محمد الضبيري (ومنهم) العالم الزاهد العابد التقي الشيخ محمد بن يوسف بن علي بن كنبار الضبيري النعيمي أصلا البلادي مسكنا ومولدا ومنشئا قال المحدث الصالح في إجازته: وأخي المواخي بالدين يوم الغدير في المسجد الحرام (شرفه الله تعالى) الشيخ محمد بن يوسف بن علي بن كنبار الضبيري النعيمي أصلا البلادي مسكنا ومولد أو منشئا وقت قراءته على الشيخ في نكاح التهذيب، وهذا الشيخ فقيه فاضل وعالم عامل إمام للجماعة معتبر صالح ساع في حوائج إخوانه شديد الانكار على الفاسقين وقد خدم كثيرا في العلوم وقرأ أكثر الفنون وتلمذ على الشيخ الفقيه الشيخ محمد بن ماجد بن مسعود حتى مات، ثم لازم شيخنا حتى مات، وله ديوان شعر في مراثي الحسين (ع) وله مقتل الحسين (ع) وشعره نفيس وهو مشغول بالدرس لا يكل منه كثير العبادة ملازم الدعاء لا يمل منه ولا يفارق (مصباح المتهجد) أبدا أدام الله سلامته وأقام كرامته انتهى كلامه. (قلت): تغمده الله برحمته وحشره مع أئمته وقال (ره) في (اللؤلؤة) في وصفه: وكان هذا الشيخ فقيها عابدا صالحا ملازما لمصباح الشيخ والعمل بما فيه وله ديوان حسن في مراثي أهل البيت (عليهم السلام) وله مقتل الحسين (ع) وشعره نفيس بليغ توفي في بلدة القطيف وأنه بعد أن كان فيها مضى إلى البحرين
180 وهي في أيدي الخوارج لضيق المعيشة في القطيف فاتفق وقوع فتنة بين الخوارج وعسكر العجم وجرح هذا الشيخ جروحا فاحشة ورحل إلى القطيف وبقي أياما قليلة وتوفي إلى رحمة الله ودفن في مقبرة الحباكة وذلك في شهر ذي القعدة الحرام سنة 1130 ه انتهى كلامه علا مقامه. 82 - الشيخ محمد الحجري البحراني (ومنهم) العالم الفاضل التقي الشيخ محمد بن أحمد بن ناصر الحجري البحراني (نسبة إلى الحجر على وزن صفر قرية من قرى البحرين) قال في (اللؤلؤة): وكان هذا الشيخ فقيها أصوليا بحتا دقيق النظر ظريفا لطيفا منصفا ذكر الوالد (قدس سره) أنه طلب منه درسا مدة كون شيخه الشيخ سليمان في العجم فلم يجبه تواضعا منه وكانت سنيه تقرب من ثمانين سنة وكان يأتم بالشيخ الحجري وهو أفضل منه هضما لنفسه وتواضعا وتورعا من تقلد الإمامة انتهى كلامه. وقال المحدث الصالح وكان هذا الشيخ فقيها أصوليا بحثا دقيق النظر مجتهدا صرفا إلا أنه كان قليل الحافظة كتلميذه الشيخ علي المذكور (يعني به الشيخ علي ابن الشيخ عبد الصمد المتقدم ذكره) إلا أنه منصفا متواضعا لم أر في العلماء مثله في الإنصاف وذلة النفس وقد رأيته فأعجبتني سجاياه وطلبت منه درسا فلم يجب تواضعا ومات وعمره (ره) يقرب من ثمانين سنة بالبحر بعد مجيئه من العجم ورمي فيه رحمة الله عليه، انتهى ولم يذكر له مصنفا. وأما الشيخ حسين الحجري المذكور في كلام صاحب اللؤلؤة عن أبيه بأن هذا الشيخ الجليل يقتدى به في
181 الصلاة فلم أقف له على ذكر ولا ترجمة ويكفيه صلاة مثل هذا الشيخ الفقيه مقتديا به معتمدا عليه فاعلم. 83 - الشيخ أحمد الأصبعي (ومنهم) الشيخ الفاضل الأسعد الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد بن عطية الأصبعي البحراني لم أقف له على ترجمة في كلام أحد من أصحابنا ولعله لعدم اتصال أحد منهم برواية عنه لا يذكرون غالبا لا مشائخ الإجازة للرواية وأهملوا أكثر العلماء الذين ليس لهم اتصال بالسند وربما ذكروا الشاذ والنادر من غيرهم بالعرض ولم أقف على من ذكره سوى شيخنا الشيخ يوسف في كتابه الكشكول في المكاتبة التي صدرت منه لتلميذه العالم الرباني الشيخ صلاح ابن العلامة الشيخ علي بن سليمان القدمي المتقدم ذكره ص 123 وكفاه هذا الكتاب فضلا وعلما وأدبا ونبلا الذي تصدر لشرحه في كتاب مستقل بعض العلماء السادة من توبلي السيد علي ابن السيد حسين الأديب اللغوي وقد مر ذكره ص 115 وقد كانت هذه المكاتبة في أعلى طبقات البلاغة نثرا وشعرا ويكفيه أيضا تلمذ مثل الشيخ صلاح الدين المزبور عليه ووصف الشيخ يوسف له بالشيخ الفاضل الأمجد ولا بأس بنقل ذلك الكتاب لما فيه من البلاغة والأدب لأن كتابنا هذا كتاب اعتبار وكمال وأدب. قال الشيخ يوسف المذكور في الكتاب المزبور: هذا كتاب أرسله الشيخ الفاضل الأمجد الشيخ أحمد ابن المرحوم الشيخ محمد بن عطية البحراني الأصبعي لجناب الشيخ الكامل العلامة الشيخ صلاح الدين ابن العلامة الشيخ علي بن سليمان البحراني القدمي وكان الشيخ صلاح الدين المذكور في صغره يقرأ على
182 الشيخ أحمد المزبور فعذله قوم معاندون للشيخ أحمد عن درسه عليه وقراءته لديه وقالوا كيف يجوز أن يتقدم المفضول على الفاضل؟ أم كيف يجوز أن يسود الناقص على الكامل؟ فتأخر الشيخ كمال الدين عن ملازمته وترك مباحثته وممارسته فكتب له الشيخ أحمد عاتبا عليه وناصحا إليه فلما وصل الكتاب للشيخ صلاح الدين رجع إلى ما كان عليه من الدرس على الشيخ أحمد المذكور والمباحثة وترك قول العاذلين والمناقشة وقد شرحه السيد الشريف السيد علي ابن السيد الشريف الفردوسي السيد حسين العلامة المشهور الكتكاني التوبلي البحراني وهذه صورة الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد حمدا لله وإن كلب الزمان وخانت الأخوان واختلفت الأهواء وتشتت الآراء، والصلاة والسلام على رسوله محمد صلى الله عليه وآله الذي صدع بالرسالة وبالغ في الدلالة وجاهد في سبيل الله حق جهاده وأدب نفسه في إرشاد عباده لم يبال بشقاق مشقاق ولا عذل عاذل ولم تأخذه في الله لومة لائم ولا عذل عاذل وآله الذين سقوا كؤوس الخذلان وتجرعوا ذعاف الهوان واحتملوا في الله عظيم الأذى وأغضوا على أليم القذى وشروا نفوسهم في طاعة الجبار واشتروا بدار الغيار دار القرار فقد اصطفيتك من الأخوان وجعلتك إنسان عين الزمان وبعجت لك طي وقلت قطني من الأصحاب قطني وغذيتك من لبان العلم والحكمة ما يبرئ الأبرص والأكمه وصيرت ودك الصق من الجود بحاتم
183 والشرف بهاشم وانقضت ظهري في تأديبك وتهذيبك وبذلت جهدي في تأريبك وتشذيبك حتى ضارعت قسا وسحبان بعد أن كنت وباقلا رضيعي لبان واحتملت فيك كيد فلان وهو داهية وظهيره الذي هو أدهى وأمر وصبرت متهما على ضرب أخماس لأسداس وعذت من شرهما برب الناس وقد كانا أظهرا لي المودة ولم أدر أن الذئب يسمى أبا جعدة حتى لقيت منهما من الأهوال ما وددت تعويض يسيره بالسمام ورميت من الأوجال بما يزيد عشيرة بين أبناء سمام غير أن الله أنجاني بلطفه من مكائدهما وأنقذني من حبائلهما ومصائبهما وكأن الغادر لم يعي ما قال ربه (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) مع ما لقيته منك من إذلال الصبوة وجفوة النخوة وما زلت مع ذلك أرأف بك من والدك وأنصر لك من ساعدك فكان جزائي منك أن تركتني ترك ظبية ظله وحملتني على شاة اله خير حلابك تنطحين. أبعد الوهي ترتعين وأنت مبصرة أما والذي له الحمد والشكر مالي ذنب إلا ذنب صخر ولعمري لم نجد الأخيار يجزون جزاء سنمار وهبك أبدلتني بنظرة ذي حنق أسرق العلم أم فسق؟ أم ظهر منه بعد الوقار الطيش والنزق حتى استوجب أن تشفع هجري بهجره وتطرح مع إطراحي عظيم فخره؟ (ألا من يشتري سهرا بنوم * ويتبع دهره دوما بيوم) ما هذا إلا اشتراء الحمقاء وبيع الخرقاء أفلا على دواء اجتمع جميع الحكماء على أنه أبلغ الأدوية في الشفاء استراح من لا عقل له فاتبع العالمين ودع الجهلة. ألا قم واسع للعليا لعلك * لعلك أن تجوز المجد علك فليس بنافع بأبيك فخر * كذا التحقيق إن لازمت جهلك
184 أتلبث في الجفون وأنت عضب * إذا ما سل يوم الروع أهلك وتقنع بالخمول وأنت من من * ترى من ذا الورى بالعلم أملك لقد أمتك أبكار المعالي * وقد طلبت غواني الفضل وصلك وجئنك قد سفرن لك ابتهاجا * وما أسفرن للخطاب قبلك فهل لك من معانقة الغواني * على سرر العلا والعز هل لك وهل لك في بكارات إذا ما * فضضت ختامها علت محلك وهل لك أن تذل إليك قوم * تراهم حاولوا ذا اليوم ذلك وفي قول الأفاضل بعد درس * أدام الله للعلياء ظلك وخلدك المليك مدا الليالي * وأعزز في أديم الأرض ويلك وها أنا قد أدبتك بأسواطي وكررت في الطواف بكعبة نصحك أسابيع أشواطي دونك كأس النصح فاشرب بها * ووجه النفس إلى ربها فإن أبت إلا خلاف الهدى * فاكفف هداك الله من غربها وذكرنها عرصات البلا * وموقفا تسأل عن ذنبها وحر نار نورها ظلمة * أعوذ بالرحمن من لهبها فكن لوصيتي من الحافظين لا من الخافضين ولا تكن ممن يجعل العظاة عضين وإياك أن تكون مضروب المثل إن الموصيين بنو سهوان فتتعرض عند ذلك للهوان أعوذ بالله أن تكون كذلك وأمثاله إصلاح بالك واستقامة أحوالك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته). هذا آخر الكتاب الجامع لأنواع البلاغة وفصل الخطاب مما اشتمل عليه من الأشعار الرائقة والأمثال الفائقة والاستعارات الحسنة والكنايات المستحسنة
185 فبحق إذا شرح في كتاب كما لا يخفى على أولي الأفهام والألباب. 84 - الشيخ داود الجزيري (ومنهم) العالم الصالح الفاضل الخير الشيخ داود بن حسن الجزيري البحراني وكان هذا الشيخ صالحا دينا صحيح الإعتقاد مخلصا في محبة أهل البيت (ع) وقد رتب كتاب (النجاشي) وكتاب (معاني الأخبار) وله رسالة في مسائل أصول الدين ورسالة في تحريم التتن إلا أنها غير محكمة الأدلة وأكثر استدلالاته بمنامات الأخيار وبالجملة فالرجل خير صالح إلا أنه ليس له قوة في الاستدلال والتصرف في ترجيح الأقوال وقد كتب كتبا كثيرة بيده الشريفة ووقفها مع كتب كثيرة بخطه وخط غيره تقرب من أربعمائة كتاب في المدرسة التي بناها في بيته بالجزيرة وله ثلاثة أولاد أخيار فضلاء (الشيخ علي) وهو أكبرهم (والشيخ حسن) و (الشيخ صلاح) وللشيخ علي (ره) ولد يسمى (الشيخ داود) أفضل من أبيه وعميه وهو ثقة عدل صالح وقبر الشيخ داود بالدار الشمالية عن النبي صالح (ع) بالجزيرة وكذا قبر ابنه الشيخ علي رحمهم الله تعالى أجمعين انتهى كلام شيخنا الصالح عبد الله بن صالح (قدس سره). (قلت): وقد وقفت على مجلد في الطهارة والصلاة ولم يحضرني اسمه الآن للشيخ داود البحراني والظاهر أنه هو هذا الجزيري والمدرسة التي ذكرها له هي الآن خراب ويسميها أهل تلك الجزيرة كربلاء لأنه قتل فيها في بعض الوقائع التي صدرت على البحرين أربعون أو سبعون عالما ومتعلما فسميت لذلك كربلاء مع أن تلك الجزيرة المذكورة في غاية من الصدود والإخفاء عن المستطرقين من
186 الأعراب والأجانب لأنها جزيرة لا يتوصل إليها بالسفن فإذا انضمت إليها تعذر الوصول إليها ولكن الأقضية والأقدار تأتي خلاف العادات ولهذا كثيرا ما يلتجئ إليها كثير من أهل البحرين عند وقوع حادثة في البين وقد رأيتها مرارا وهي جنة من جنن الدنيا جنات تجري من تحتها الأنهار لولا ما فيها من الظلم والغضب والأكدار. 85 - الشيخ على البحراني (ومنهم) الأديب الكامل اللبيب الشيخ علي بن لطف الله بن يحيى بن راشد البحراني، قال السيد في تتمة الأمل هو في أدبه وكماله، وتفرده بهذا الفن واستقلاله، واحد زمانه ونادرة أوانه، لم يسبق إلى ما سبق إليه، ولم يشتمل على ما اشتمل عليه من فطنته وذكائه وفراسته ودهائه وملحه ونوادره وشوارده وبوادره ونكته ولطائفه وظرائفه فإنه أصبح في هذا الفن إماما وسيدا مطاعا وهماما وله اليد الطولى والقدح المعلى في الشعر والإنشاء والتصرف فيهما كيف (إلى أن قال): وما زالت تبتهج به الليالي والأيام وتتحلى به الشهور والأعوام إلى أن هتف به داعي الحمام وانتقل إلى دار السلام لسبع عشر ليلة خلت من شهر صفر يوم الاثنين عند طلوع الشمس سنة 1142 وكان مولده سنة 1099 ه ومن شعره (ره) قوله: صبوت وقد زال الصبا بجنونه * ولم تبق إلا ما له من ديوانه فما ذنب جسمي إن أجاب ندا الصبا * إذا كان قلبي موثقا من رهونه؟ وهي طويلة جدا، وله يذكر سفرا طال عليه في البحر ويتشوق إلى أوطانه
187 وإخوانه قال: يا نسيم الريح إن جئت المقاما * فأبلغن عني أحباي السلاما بلغيهم قبل ما أن تحملي * من هداها الروض شيحا وخزامي سفر قد صار من أهواله * فيه كل المستحبات حراما طال حتى ملت الروح به * الجسم والقلب به حل المقاما ولقد صليت نحو الشرق والغرب * في السير ولن أخشى الآثاما ولعمري جاز من تطويله * لو به صمنا وصلينا تماما فكأني صار قصد السد لي * مثل ذي القرنين في السير مراما عزبة قد عرف القلب بها * ربه من بعد ما عنه تعامى وهي طويلة (قلت): ولم أقف له على ترجمة إلا من السيد والظاهر أنه هو صاحب المسائل التي أجاب عنها الفاضل الأمجد الشيخ أحمد بن عصفور والد الشيخ يوسف في العطارة والتجارة كما قدمناه في ترجمته والظاهر أنه من أهل جد حفص من البحرين والله العالم. 86 - الشيخ لطف الله البحراني (ومنهم) الأديب الكامل الفاضل الشيخ لطف الله بن عطاء بن علي بن لطف الله البحراني، الراقي في درجات الأدب إلى أعلى محل الرتب والصاعد في دوحة الكمال إلى أعلى محل لم تنله سائر الرجال، أصبحت به الفصاحة ناشرة الأعلام منشورة الأعلام، شعره ألذ من رجع القيان، وأعذب من رشف الدنان إن نثر نظم شوارد الآداب، وإن نظم نثر اللئالي وسحر العقول والألباب قاله
188 السيد في تتمة الأمل. (قلت): وله شعر في مراثي الحسين (ع) يقرأ في المجالس الحسينية والظاهر أنه من قرية جد حفص ومن شعره قوله رحمه الله تعالى: وصلنا السرى بالسير نقطعها قفرا * مهامه لا تهدي إليها القطا أثرا يضل بها الخريت إن حل أرضها * وترصدها الجربا فتقذفها سعرا على يعملات كالقسي تفاوضت * أحاديث من تهوى فطاب لها المسرى تسابق أيديها على السير أرجل * قد حن من الصلد الصفاة لها حجرا وما أن زجرناها ولكنها متى * تلهف ملهوف توهمه زجرا وما اتخذت منا دليلا وإنما * تخب وتستقري إذا انتشقت عطرا إلى أن أجازت ساحة الحي وانتهت * إلى دار من تهوى وقد أقفرت دهرا فلما عرفن الدار حنت وأرزمت * فلم تنبعث في السير أرجلها شبرا فملنا عن الأكوار للأرض سجدا * فسابقت الأجفان أفواهنا فخرا وعدنا فسلمنا سلاما فسلمت * ثلاثا فسلمنا عليها بها عشرا وهي طويلة جيدة بليغة وله شعر كثير وقفت عليه ولم يذكر السيد له تاريخ وفاته ضاعف الله لنا وله وللمؤمنين الحسنات. 87 - الشيخ محمد ابن الشيخ على البحراني (ومنهم) العلامة الأمجد الفقيه الأرشد التقي الشيخ محمد ابن العالم الورع التقي الشيخ علي ابن العالم الشيخ عبد النبي ابن العلامة الشيخ محمد بن سليمان المقابي البحراني وقد تقدم الكلام في ترجمة آبائه وأعمامه ولم أقف له على ترجمة
189 سوى ما ذكره شيخنا الشيخ يوسف في (اللؤلؤة) وفي إجازته لابنه الشيخ علي الآتي ذكره لأنه من المعاصرين له وكان هذا الشيخ عالما عاملا فاضلا كاملا وإماما في الجمعة والجماعة، انتهت إليه رئاسة البلاد في الحسبة الشرعية حضر بحثه جماعة من فحول العلماء كابنه المحقق التقي الشيخ علي والفاضل الأمجد الشيخ عبد علي ابن الشيخ أحمد آل عصفور أخ الشيخ يوسف وغيرهما له من المصنفات (شرح الوسائل) للشيخ الحر العاملي وقفت منه على مجلد كبير ضخم جدا ومجلد ثان أصغر منه وكانا في خزانة شيخنا العلامة الثقة الصالح ورأيت منه في النجف الأشرف مجلدا كبيرا أيضا ولا أدري هل أكمله أم لا؟ والذي رأيناه غير تام وهو شرح حسن مبسوط وله كتاب (نخبة الأصول في أصول الفقه) كبير حسن على نهجه تمهيد القواعد لشيخنا الشهيد الثاني (عطر الله مرقدهما) والظاهر أن له مصنفات غيرهما، وله تفسير للقرآن المجيد في ثلاث مجلدات سماه: (صفوة الصافي والبرهان ونخبة البيضاء ومجمع البيان) وهو عندي بتمام مجلداته الثلاثة، فرغ من المجلد الأول سنة 1165 هج. وعليه تملك السيد حسين ابن السيد علي الموسوي (قده). وهو يروي عن جماعة من العلماء الأعلام كشيخنا الشيخ الماحوزي والشيخ حسين بن علي بن فلاح البحراني وغيرهما، كما سيأتي الكلام في ترجمة ابنه الشيخ علي وهذا الشيخ أعني به الشيخ حسين بن فلاح البحراني لم أقف له على ترجمة من أحد إلا من هذا الشيخ في إجازته لابنه الشيخ علي ويكفي في فضله أنه من مشائخ هذا الشيخ الجليل وأنه من مشائخ الإجازة فإن كثيرا من علماء الرجال والدراية لا يحتاجون إلى توثيق علماء الإجازة لعدالتهم ووثاقتهم لأنهم
190 لا يجيزون ولا يستجيزون إلا من ثقة وإن ناقش فيه بعضهم أو توقف والله العالم. وحيث ذكرنا الشيخ محمد فلا بأس بذكر ابنه وهو العالم العامل الفقيه الكامل المحقق التقي (الشيخ علي) كان رحمه الله عالما فاضلا محققا مدققا وقفت على إجازة أبيه وإجازة الشيخ يوسف له وقد أثنيا عليه ثناء جميلا وهما عندنا، قال أبوه الشيخ محمد المذكور في إجازته له: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله على ما أنعم وصلى الله على محمد وآله وسلم وبعد فإن من جملة ما من الله به من السوانح القدسية وأفاض علينا من النفحات الرحمانية أن وفق الولد الأغر عليا لقراءة تهذيب الأحكام في معرفة الحلال والحرام فقرأه من أوله إلى آخره قراءة تنقيح وتحقيق وتقرير وتدقيق فأفاد كما أنه استفاد واستخرج الفرع من الأصل وأجاد وكان ذلك في مدة مديدة وأوقات عديدة آخرها قبيل ظهر ثاني عشري شهر الحج الحرام سنة 1160 ستين ومائة وألف هجرية فاستجازني فأجزت له أن يرويه عني بل أجزت له رواية باقي الكتب الأربعة التي عليها المدار في هذه الأعصار وهي (الكافي) و (الفقيه) و (التهذيب) و (الإستبصار) وكذا رواية ما صح لي روايته ووضح لدي درايته من جميع الفنون العقلية والنقلية والتواريخ والآداب فليرو ذلك قاصدا سبيل الاحتياط لمن أحب عني عن مشائخي عطر الله مراقدهم ونور ضرايحهم وهم كثيرون (منهم) جدي زين الملة والدين (قدس سره) عن والده الشيخ محمد بن سليمان (ومنهم) الشيخ حسين بن علي بن فلاح عن والدي الشيخ علي من والده الشيخ محمد بن سليمان عن شيخنا بهاء الملة والدين (طاب ثراه) (ومنهم) شيخي الشيخ حسين بن جعفر مد في بقائه، وشيخي
191 الشيخ عبد الله بن علي، وشيخي الشيخ عبد الله بن صالح عن شيخهم الشيخ سليمان ابن عبد الله عن مولانا محمد باقر المجلسي، إلى (آخر الإجازة). قال شيخنا الشيخ يوسف البحراني (ره) في إجازته له بعد الخطبة: أما بعد فإن من سوانح الأقدار الإلهية ورواشح الألطاف السبحانية أن وفق الله للاجتماع في أشرف البقاع والأرض المقدسة بالإجماع بالشيخ الأجل الأكمل الفاضل نتيجة الأفاضل الأماثل الجامع بين رتبتي العلم والعمل والعري عن وصمتي الخطل والخلل الشيخ التقي الزكي البهي الشيخ علي ابن الشيخ الفاضل الأوحد الشيخ محمد ابن الورع الألمعي الشيخ على ابن الشيخ العلامة الشيخ عبد النبي ابن الشيخ الفاضل وحيد الزمان الشيخ محمد بن سليمان المقابي البحراني (ره) وفقه الله للعروج إلى أعلى معارج الكمال والفوز بأعلى مراتب الاستنباط والاستدلال (إلى آخرها وهي طويلة) وإنما ذكرنا نقلنا ما نقلناه منها إظهارا لأقدار هؤلاء الأعلام وإحياء لذكرهم وإن كانوا تحت الرغام بل في الحقيقة هم الأحياء وأهل الجهل هم الموتى كما قال أمير المؤمنين (ع) (فخذ بعلم ولا تبغي به بدلا * فالناس موتي وأهل العلم أحياء) ولعدم تعرض أحد فيما وقفت عليه لذكرهم بالتفصيل من الأنام لتقاصر همم الخلق عن هذا المرام. له من المصنفات كتاب (التراجيح) وهو المعروف بالترجيحية أي ترجيح الأخبار والأدلة مجلد حسن وله (رسالة الروح) وذكر الأقوال فيها مشبوعة بالتحقيق والتدقيق عندنا منها نسخة بخط العالم الأوحد الشيخ أحمد بن
192 زين الدين الأحسائي (ره) وله رسالة في الجهر والإخفات في الأخيرتين وثالثة المغرب ووجوب الاخفات بالتسبيح في الأخيرتين وثالثة المغرب وجواز الجهر به مفصلا بالأدلة، هذا الذي وقفت عليه من مصنفاته والظاهر أن له ولأبيه مصنفات غير ما ذكرناه لهما إلا أن حوادث الزمان والتفرق في البلدان وعدم وجود من يسأل من المطلعين في هذا الشأن أوجبت عدم الوقوف على أحوالهم وغيرهم من العلماء الأعيان وفي طرفنا كتاب (المعراج للنبي صلى الله عليه وآله) كبير مبسوط مجلد في ديباجته (أما بعد فيقول الفقير لله الخ محمد بن أحمد المقابي البحراني) وكذلك كتاب (وفاة مريم ابنة عمران - ع) وكذلك كتاب (وفاة النبي يحيى بن زكريا - ع) مشهورة أنها للشيخ محمد المقابي والظاهر أنه ولد الشيخ علي المزبور أو أحد أسباطه فلا تغفل ولهذا الشيخ ذرية صلحاء في فارس متسمون بالعلم إلى زماننا ولم أعلم بتاريخ وفاته ووفاة والده (قدس الله عز وجل روحيهما ونور ضريحهما وحشرهما مع أئمتهما المعصومين). 88 - الشيخ يوسف بن عصفور (ومنهم) العالم العامل الجليل الفاضل الكامل النبيل عديم النظير والمثيل العلامة المنصف الرباني الشيخ يوسف ابن العالم الأرشد الشيخ أحمد ابن الشيخ إبراهيم آل عصفور الدرازي البحراني (رض) (صاحب الحدائق الناضرة) وغيره من المصنفات الفاخرة، شيخ مشائخ العراق والبحرين العري من كل وصمة وشين، قال السيد المعاصر في (روضاته) في ترجمته: العالم الرباني والعالم الإنساني شيخنا الأفقه الأوجه الأحوط الأضبط (يوسف بن أحمد بن إبراهيم
193 ابن أحمد بن صالح بن عصفور الدرازي البحراني) صاحب (الحدائق الناضرة) و (الدرر النجفية) و (لؤلؤة البحرين) وغير ذلك من التصانيف الفاخرة الباهرة التي تلتذ بها النفوس وتقر بملاحظتها العين لم يعهد مثله من بين علماء هذه الفرقة الناجية في التخلق بأكثر المكارم الزاهية من سلامة الجنبة واستقامة الدربة وجودة السليقة ومتانة الطريقة ورعاية الإخلاص في العلم والعمل والتحلي بصفات طبقاتنا الأول والتخلي عن رذائل طباع الخلف الطالبين للمناصب والدول والعجب من سمينا العلامة المروج كيف أنكر على سيرة هذا الرجل الجليل في زمن حياته وشدة الملامة والتبجيل على من حضر مجلس إفاداته بحيث قد نقل أن ابن أخته الفاضل صاحب (رياض الدلائل) كان من خوفه يدخل على ذلك الجناب سرا ويقرأ عليه ما كان يقرأ ليلا ومتخافتا لا جهرا وإن كان سمينا سيدنا الآخر سيدنا الفقيه المعاصر عامله الله بفضل ما لديه وملأ بالمواهب من سوابغ فضله يديه شافهني بمثل هذه المخادشة عليه والمناقشة في إتقان ما سبق من الكتاب الكبير المنتسب إليه وذلك مما رأيناه ظاهرا من جهة بينونة طريقته لطريقة المجتهدين وعدم موافقته معهم في تربيع الأدلة كما هو الحق المبين ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك، لأملئن جهنم من الجنة والناس أجمعين، هذا ومن جملة من تعرض لذكر أحوال هذا الرجل على سبيل التفصيل هو الشيخ الفاضل الجليل أبو علي الرجالي الحائري المتسم بمحمد بن إسماعيل فإنه قال في كتابه الموسوم) (بمنتهى المقال في أحوال الرجال) بعد الترجمة له بمثل ذكر في هذا المجال من قرية لدرار إحدى قرى البحرين: عالم فاضل متتبع ماهر محدث ورع عابد صدوق دين من أجلة مشائخنا المعاصرين
194 وأفاضل علمائنا المتبحرين كان أبوه الشيخ أحمد من أجلة تلامذة شيخنا الشيخ سليمان الماحوزي وكان عالما فاضلا محققا مدققا مجتهدا صرفا كثير التشنيع على الأخباريين كما صرح به ولده شيخنا المذكور في إجازته الكبيرة المشهورة وكان هو (قدس سره) أولا إخباريا صرفا، ثم رجع إلى الطريقة الوسطى وكان يقول أنها طريقة العلامة المجلسي (ره) غواص (بحار الأنوار)، مولده كما ذكره في إجازته الكبيرة المذكورة في السنة السابعة بعد المائة والألف في قرية الماحوز إحدى قرى البحرين واشتغل وهو صبي على والده (طاب ثراه) ثم على العالم العلامة الشيخ حسين الماحوزي وكان عالما عاملا فاضلا كاملا مجتهدا صرفا حكى الأستاذ العلامة دام مجده إنه كان كثير الطعن على الإخباريين ويقول الإخباريون هم الذين يقولون ما لا يفعلون ويقلدون من حيث لا يشعرون وعلى الشيخ أحمد بن عبد الله البلادي وغيرهما من علماء البحرين وبقي مدة مشتغلا بالتحصيل ثم سافر إلى حج بيت الله الحرام وزيارة رسول الله صلى الله عليه وآله الكرام ثم رجع إلى القطيف وبقي بها مدة مشتغلا بالتحصيل بعد خراب البحرين واستيلاء الأعراب وغيرهم من الفجرة النصاب عليها، ثم فر إلى ديار العجم وقطن برهة من الزمان في كرمان ثم في شيراز وتوابعها من الإصطهبانات مشتغلا بالتدريس والتأليف ثم سافر إلى العتبات العليات وجاور في كربلاء شرفها الله تعالى واشتغل بإبراز المصنفات مواظبا على العبادات ملازما على الطاعات، إلى أن أدركه الأجل المحتوم ونزل به القضاء الملزوم فجاور في تلك الحضرة المجاورة الحقيقية. له (قدس سره) من المصنفات كتاب (الحدائق الناضرة في أحكام العترة
195 الطاهرة) وهو كتاب جليل لم يعمل مثله جدا، ذكر فيه جميع الأقوال والأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار عليهم السلام إلا أنه (طاب ثراه) لميله إلى الإخبارية كان قليل التعلق بالاستدلال بالأدلة الأصولية التي هي أمهات الأدلة الفقهية وعمدة الأدلة الشرعية خرج منه جميع العبادات إلا كتاب الجهاد وأكثر المعاملات إلى أواخر كتاب الطلاق وأعرض عن ذكر كتاب الجهاد لعدم النفع المتعلق به الآن وإيثارا لصرف الوقت فيما هو أهم تبعا لبعض الأعيان وكتاب (سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد والرد عليه في شرح نهج البلاغة) ذكر في أوله مقدمة شافية في الإمامة تصلح أن تكون كتابا مستقلا، ثم ذكر جملة من كلامه في الشرح المذكور مما يتضمن بتعلق بالإمامة والخلافة وأحوال الصحابة والرد عليه خرج منه المجلد الأول وقليل من المجلد الثاني وكتاب (الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب وما يترتب عليه من المطالب) وكتاب (الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية) وهو كتاب جيد جدا مشتمل على علوم ومسائل وفوائد ورسائل جامع لتحقيقات شريفة وتدقيقات لطيفة وكتاب (النفحات الملكوتية في الرد على الصوفية) ذكر فيه جملة من ترهاتهم وشطرا من خرافاتهم وعد منهم المولى محسن الكاشاني ونقل عنه مقالات قبيحة وعقائد غير مليحة وردها (1) وكتاب (تدارك المدارك فيما هو غافل عنه وقارك) وهو حاشية على الكتاب المذكور خرج منه المجلد المشتمل على كتاب الطهارة (2) ثم عد بعد ذلك عدة كتب
(1) يقول ابن المصنف (حسين): لقد رأيت هذا الكتاب في بلدة الكاظمين بخطه وهو إلى آخر الحج وهو كتاب حسن معتبر. (2) يحتمل أن شيخنا المحدث البحراني (المترجم - ره) لم ير ما كتبه المولى الكاشاني (ره) في رد هذه الفرقة الضالة المضلة أنظر كتابه (الطرائف) ص 78 حيث يقول في ردهم: (تبديع): ومنهم قوم تسموا بأهل لذكر والتصوف، يدعون البراءة من التصنع والتكلف، يلبسون خرقا ويجلسون حلقا، يخترعون الأذكار، ويتغنون بالأشعار، يعلنون بالتهليل، وليس لهم إلى العلم والمعرفة سبيل، ابتدعوا شهيقا ونهيقا، واخترعوا رقصا وتصفيقا، قد خاضوا الفتن، وأخذوا بالبدع دون السنن، رفعوا أصواتهم بالنداء، وصاحوا الصيحة الشنعاء، أمن الضرب تتألمون؟ أم من الرب تتظلمون؟ أم مع أكفائكم تتكلمون؟ إن الله لا يسمع بالصماخ، فأقصروا من الصراخ، أتنادون باعدا؟ أم توقظون راقدا؟ تعالى الله لا تأخذه السنة، ولا تغلطه الألسنة، سبح تسبيح الحيتان في النهر، واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر، إنه ليس منكم ببعيد، (بل هو أقرب إليكم من حبل الوريد...). إلى غيرها من الكلمات التي قالها (ره) في ردهم وردعهم، فبالله عليك أيها القارئ الكريم كيف يمكن نسبة هذا المولى الجليل إلى مثل هذه الفرقة التائهة في ظلمات الكفر والإلحاد. وقد نقل (سماحة آية الله الوالد - دام ظله) في القسم الأول والثاني من المجلد الثاني من كتابه (ذرايع البيان) كلمات وأقوال منه (ره) التي ذكرها في كتبه. (المصحح) 196 ورسائل وهي كتاب (أعلام القاصدين إلى مناهج أصول الدين)، وكتاب (معراج النبيه في شرح من لا يحضره الفقيه) وكتاب (الخطب للجمعة والأعياد)
197 وكتاب (جليس الحاضر وأنيس المسافر) يجري مجرى الكشكول و (أجوبة المسائل البحرانية) ورسالة في (مناسك الحج) ورسالة (الترجيح لأفضلية التسبيح في الأخيرتين) ورسالة في تحقيق معنى الإسلام والإيمان ورسالة في انفعال الماء القليل بالنجاسة ردا على المولى محسن الكاشاني (ره) ورسالة في (إتمام الصلاة في الحرم الأربعة) ورسالة في الرد على السيد الداماد في القول بعموم المنزلة في الرضاع ورسالة في المنع عن الجمع بين الفاطميتين وهي التي كتب في ردها أستاذنا البهبهاني (ره) رسائل متعددة وكذا ولد الأستاذ وبعض آخر من المشائخ الأزكياء ورسالة الصلاة متنا وشرحا ورسالة منتخبة منها ورسالة في الميراث وأجوبة المسائل الشيرازية وأجوبة المسائل البهبهانية وأجوبة المسائل الكازرونية وإجازة كبيرة موسومة ب (لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرتي العين) كتبها لأبني أخويه الشيخ خلف والشيخ حسين وهي مشتملة على ذكر أكثر علمائنا وأحوالهم ومؤلفاتهم ومدة أعمارهم ووفياتهم من زمانه إلى زمان الصدوق والكليني (رضوان الله عليهم)، ثم قال: إلى غير ذلك من فوائد ورسائل وأجوبة مسائل، توفي (قدس سره) في شهر ربيع الأول من السنة السادسة والثمانين بعد المائة والألف وتولى غسله المقدس التقي الشيخ محمد علي الشهير بابن سلطان وكان ممن تلمذ عليه وتلميذه الآخر المغفور المرحوم الحاج معصوم وصلى عليه الأستاذ العلامة واجتمع خلف جنازته خلق كثير وجم غفير مع خلو البلاد من أهاليها وتشتت شمل ساكنيها لحادثة نزلت بهم في ذلك العام من حوادث الأيام التي لا تنيم ولا تنام، انتهى. ومراده (ره) بالحادثة المذكورة هي قضية الطاعون الشديدة الواقعة في عين
198 تلك السنة بأرض العراق ومن المسموع أن قرار تلك الأرض المقدسة غالبا الابتلاء بهذه البلية الجارية على رأس كل قرن من القرون بمعنى أن الفاصلة فيها في الغالب ثلاثون سنة كاملة بين كل طاعون وطاعون نعوذ بالله، من غضب الله على الذين يسمعون ولا يعون ويدعون العبودية ولا يدعون. ثم إن من جملة من تعرض لترجمة هذا الشيخ المنتقل بالجمال المعنوي والصوري هو تلميذ تلميذه المتعصب المحدث المتنصب النيسابوري فإنه قال في كتاب رجاله الكبير عند بلوغ كلامه إلى تسمية هذا البارع النحرير كان فقيها محدثا له كتب كثيرة أشهرها كتاب (الحدائق الناضرة) في الفقه وكتاب (الدرر النجفية) في النوادر يروي عن جماعة كما ذكر في رسالته (لؤلؤة البحرين) منهم المولى محمد رفيع الجيلاني يعني به المتوطن في نشأتيه بالمشهد المقدس الرضوي والآخذ سنده عن كلما لديه عن العلامة المجلسي القدوسي ويروي عنه جماعة منهم سيدنا المبرور الميرزا محمد مهدي الشهرستاني وشيخنا المحدث الورع الشيخ علي بن موسى البحراني ولد سنة 1107 ه وتوفي مجاورا لمشهد الحسين (ع) سنة 1187 ه ودفن قريبا من الشهداء رضوان الله عليهم روينا عن عدة عنه (أقول): أرخ وفاته بعض الأدباء وكان مصراع تاريخه (قرحت قلب الدين بعدك يوسف) (أقول) صاحب هذا النظم هو السيد السند السيد محمد المنسوب إلى السيد رزين زينه الله بلباس التقوى ومطلعه: يا قبر يوسف كيف أوعيت الهدى * وكنفت في جنبيك من لا يكنف؟! قامت عليه نوائح من كتبه * تشكو الظليمة بعده وتأسفوا كحدائق العلم التي من زهرها * كانت أنامل ذي البصائر تقطف
199 في تسعة أبيات آخرها هذان البيتان: مذ غبت عن عين الزمان فكلنا * يعقوب حزن غاب عنه يوسف فقضيت واحد ذا الزمان فأرخوا * (قرحت قلب الدين بعدك يوسف) انتهى كلامه علا مقامه. (قلت): هذا الشيخ العلام من أكابر علماء الإيمان والإسلام ومن أعاظم أرباب النقض والإبرام وقد ذكره كل من تأخر عنه وأثنوا عليه الثناء الجميل علما وعملا وتقوى ونبلا ولقد حدثني من أثق به والظاهر أنه من علماء النجف الأشرف سلام الله على مشرفه وآله عمن حدثه أن السيد السند والركن المعتمد العلامة الطباطبائي السيد مهدي بحر العلوم (تغمده الله برحمته) أمر بعد صلاة العصر من يوم الجمعة بوضع فاتحة ولم يكن يتجاسر على السؤال إليه والكلام معه أحد لهيبته هيبة التقوى إلا السيد الفاضل السيد جواد العاملي تلميذه صاحب (مفتاح الكرامة) فسأله عن هذه الفاتحة فقال السيد (رحمه الله تعالى) لشيخنا الشيخ يوسف البحراني ولم يكن سمعوا بمرضه فقال له هل أتاك خبر بوفاته؟ فقال لا ولكني نمت نومة القيلولة فرأيت في المنام كأني في جنان الدنيا وادي السلام وإذا بأرواح المؤمنين ولا سيما علماء العاملين كالشيخ الكليني والصدوق والمفيد والمرتضى علم الهدى وغيرهم من علمائنا الأتقياء كلهم (رض) جلوس حلقا يتحدثون كما وردت به الأخبار وكأن شيخنا الشيخ يوسف قد أقبل عليهم فلما رأوه فرحوا به واستبشروا بقدومه وأقبلوا كلهم إقبالا شديدا فسألهم عن سبب زيادة إقبالهم عليه دون غيره فقالوا لي أنه قادم علينا الآن جديد ولا شك مع هذه الرؤيا في وفاته فلما وصل الخبر وإذا هو كما أخبر.
200 وحدثني أيضا بعض العلماء أن بعض تلامذته رآه بعد وفاته بقليل وهو في مقبرة الأنصار أنصار الحسين (سلام الله عليه وعليهم آناء الليل وأطراف النهار) فقال له شيخنا: وصلت إلى هذا المكان العظيم الشأن؟ فقال: نعم ولو أكملت الحدائق لكنت أقرب إلى الحسين (ع) من أنصاره (رض) انتهى. وبالجملة فهذا الشيخ من أعاظم العلماء الأعلام وأكابر أساطين علماء الإسلام ومن وقف على كتبه وفوائده كالحدائق والدرر النجفية والرضاعية والشهاب الثاقب وسلاسل الحديد ولؤلؤة البحرين وغير ذلك عرف حقيقة الحال والرجال تعرف بالحق لا الحق بالرجال ولا سيما كتاب (الحدائق الناضرة) فإنه كما قلت فيه مادحا له لتعظيم شعائر الله وترويج آثار أولياء الله قلت هذه الأبيات: هذا كتاب الفقه للذاكرين * هذا رياض العلم للمجتنين (حدائق ناضرة) للورى * قد أثمرت فقه الرسول الأمين وفقه أهل البيت ساداتنا * العترة الطاهرة الطيبين أشجارها مثمرة دائما * أنهارها تجري بماء معين تجري ولكن من عيون لها * صافية لذا إلى الشاربين قطوفها دانية المجتنى * دائمة الأكل إلى الآكلين أنوار تحقيقاتها للورى * ظاهرة نورا إلى المؤمنين تسر من شايع أهل العبا * تسر أهل الحق والناظرين غارسها رب التقى يوسف * أطعم من أثمارها كل حين وعمنا الرحمن من فضله * بالعلم والتقوى وحسن اليقين والفوز بالرضوان في جنة * فإن ربي أرحم الراحمين
201 ثم صلاة الله تترى على * محمد مع آله الطاهرين وله أيضا (ره) شعر بليغ حسن ذكر بعضه في الكشكول ويروي عن جملة من أكابر العلماء الأعيان من أهل البحرين والعراق وإيران كابني أخويه العلامة المشهور الشيخ حسين والفاضل الشيخ خلف والمحقق الشيخ علي المقابي والفقيه الشيخ علي بن موسى البحرانيين والسيد السند السيد مهدي بحر العلوم " ره " ذي الكرامات والسيد الفاضل السيد علي المير " صاحب الرياض " والسيد السند السيد مهدي الشهرستاني المجاور بكربلاء حيا وميتا والعلامة الشيخ محمد مهدي الفتوني النجفي والشيخ الفاضل النقي الشيخ محمد علي الشهير بابن سلطان والمرحوم المقدس الحاج شيخ معصوم والمحقق الشيخ محمد مهدي النراقي من ذرية أبي ذر الغفاري " رض " والفاضل الشيخ سليمان بن معتوق العاملي والشيخ أبو علي الرجالي صاحب " منتهى المقال " وغيرهم من فحول العلماء وأساطين الحكماء فتعجب السيد الماهر السيد محمد باقر صاحب " الروضات " من عدم ارتضاء سميه المجدد الآقا باقر البهبهاني لطريقة هذا العالم الرباني والكامل الصمداني في محله ولا سيما المنقول على ألسن الثقات لما سمع بوفاته والمباينة في المشرب لا توجب هذا المذهب وكلية هذا المطلب ولولا الحكم والقطع بعدالته واجتهاده ووثاقته لكان للقادح في ذلك الصنع مجال وللقائل في سوء هذه المعاملة عدم حسن وكمال والله العالم بحقائق الأحوال وإليه المرجع والمآل ونحن نسأل الله الكريم أن يعاملنا وإياهم والمؤمنين بعفوه العميم وجوده الجسيم وكرمه العظيم إنه أهل العفو والمغفرة وأهل التقوى والرحمة.
202 89 - الشيخ عبد على آل عصفور (ومنهم) أخوه الفاضل المحدث الفقيه الأمجد الشيخ عبد علي ابن الشيخ الفقيه الشيخ أحمد آل عصفور الدرازي البحراني وكان هذا الشيخ عالما عاملا محدثا كاملا وقد ذكره السيد في (الروضات) مجملا والمحدث النيسابوري والسيد الأمجد السيد أحمد البحراني في (تتمة الأمل) وبالغ في إطرائه ومدحه بالفضل والعلم والعمل وهو والد الشيخ خلف المجاز من عمه صاحب (لؤلؤة البحرين) مع ابن أخيه الآخر الشيخ حسين وذكره ابن أخيه الشيخ حسين المذكور في إجازته للفاضل الشيخ مرزوق الشويكي الخطي وهو من مشائخه ومجيزيه. له كتاب معالم الدين ويسمى (إحياء علوم الدين) مجلد كبير في الطهارة والظاهر أنه لم يبرز منه سواه ولم أسمع له بغيره وهو كتاب حسن رأيته وكان (رحمه الله) من متصلفي المحدثين ومنه حدث القول بوجوب الجهر بالتسبيح في الأخيرتين على الإمام لحديث ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلما يقول ولا ينبغي لهم أن يسمعوه كلما يقولون وتبعه بعض من هو على مذاقه كابن أخيه الشيخ حسين وغيره وقبله لا أثر لهذا القول ولا غيره من محدث أو مجتهد فهو محجوج بإجماع المسلمين والفرقة الناجية المحقين وقد أفردت في المسألة لرده رسائل من أفاضل متأخري المتأخرين من المحدثين كالمحقق علي الشيخ المقابي والعالم الرباني الشيخ حسن الدمستاني البحراني (ره) والشيخ أحمد بن محسن الأحسائي والشيخ الفاضل الشيخ محمد بن عبد الجبار وغيرهم والجميع عندنا وأما أخوه
203 الشيخ يوسف (صاحب الحدائق - ره) فهو قائل بالتخيير يعني أن الإمام مخير في الجهر والإخفات غير محتم عليه الجهر كما هو قول بعض أصحاب تلك الرسائل التي ذكرناها وذلك القول قد انقرض الآن والمسألة محققة في محلها بتفصيلها ومجملها وهو يروي عن جماعة من مشاهير العلماء منهم الفاضل الأمين الشيخ حسين الماحوزي وقد أجازه وأخويه الشيخ يوسف والشيخ محمد في إجازة واحدة توفي (قدس سره) في كربلاء المشرفة ودفن في الصحن الشريف الحسيني سلام الله على من شرفه في شهر رجب سنة 1122 ه. ولهذا الشيخ ولدان فاضلان عالمان عاملان أحدهما (الشيخ أحمد) والثاني هو الفاضل (الشيخ خلف) وقد ذكرهما صاحب تتمة الأمل فقال في الشيخ أحمد بعد ذكر أبيه وله ولد فاضل أوحد اسمه الشيخ أحمد قد حاز من العلم أكثره ومن الحلم أوفره ومن الأدب أفخره، انتهى، ولم يبق بعد أبيه إلا قليلا والثاني العالم الفاضل ذو الشرف الشيخ خلف وهو المعني بخلف في (لؤلؤة البحرين) وقد أجازه وابن أخيه الآخر الشيخ حسين أولا بإجازة صغيرة ثم شفعها لهما بهذه الإجازة الكبيرة وهو من العلماء الأعلام أولي النقض والإبرام رأيت له حواشي كثيرة على المجلد الرابع من البحار بقلمه الحسن تفسيرا وردا وإيرادا وقد نشأ في البحرين واشتغل فيها حتى صار من العلم مملوء اليدين ثم سكن القطيف مدة وجرت له مع بعض رؤسائها قضية أوجبت خروجه منها وسكن المحمرة وأطراف عربستان إلى أن انتقل إلى الجنان وله ذرية فيها علماء صلحاء إلى الآن وينقل مستفيضا أنه كان يحفظ كتاب " الوسائل " للشيخ الحر العاملي " ره " بأسانيده على ظاهر قلبه وذلك من عجائب الأمور وينقل عنه القول بانحصار الأدلة
204 في السنة فقط لأن الكتاب الكريم لا يجوز تفسيره إلا بما ورد التفسير به عن أهل العصمة " سلام الله عليهم أجمعين " فانحصر الدليل في السنة لا غير والجواب عن ذلك مذكور في محله من كتب الأصول ولم أسمع له بمصنف ولا بتاريخ لوفاته وفي تلك الأطراف من ذرية هذا الشيخ وغيره من آل عصفور علماء فضلاء لهم مصنفات لم أعرفهم على التحقيق وكذلك في شيراز جماعة من العلماء منهم وينقل فيهم أيضا من ذرية الشيخ يوسف " صاحب الحدائق " فيها فضلاء لم أعلم بهم على التفصيل لعدم وصولي هناك ووجود من يكشف عن أخبارهم من الثقات والله العالم. 90 - الشيخ محمد آل عصفور (ومنهم) العالم العامل الأمجد أخوه الفاضل الشيخ محمد ابن العالم الأرشد الشيخ أحمد المتقدم ذكره وهو ولد العلامة الشيخ حسين المشهور وكل هذا الشيخ عالما عاملا فاضلا كاملا محدثا ورعا ذكره أخوه الشيخ يوسف في لؤلؤته وذكر تاريخ ولادته فقال مولد أخي الشيخ محمد مد في بقائه سنة 1112 له كتب ومصنفات منها كتاب (مرآة الأخبار في أحكام الأسفار) ويعرف بالسفرية كتاب حسن فيه مطالب كثيرة وفوائد غير يسيرة وله رسالة في الصلاة وله رسالة في أصول الدين وله كتاب كبير في (وفاة أمير المؤمنين) وله تتميم كتاب الأسفار للعالم الرباني الشيخ حسن الدمستاني (ره) وهو من معاصريه وله أجوبة مسائل مبسوطة عندنا بخطه هذا الذي رأيته من مصنفاته ولا يبعد أن له غيرها وله مراثي على الحسين (ع) ويروي عن الشيخ حسين الماحوزي ويروي عنه ولداه
205 الشيخ حسين والشيخ أحمد الآتي ذكرهما إن شاء الله تعالى وللشيخ يوسف أخوان فضلاء غير هذين الفاضلين المذكورين لا أعرفهم على اليقين إلا أنه قد ذكر العالم الأمجد الشيخ علي ابن الشيخ محمد المقابي البحراني المتقدم ذكره في رسالة الجهر والإخفات المبسوطة وأن السبب في جهر الشيخ عبد علي بالتسبيح والقول بوجوبه هو أن أخاه الفاضل الشيخ علي سأله عن مسألة فقال له أخوه الشيخ عبد علي: هذه المسألة لا نص فيها ولا أفتي بما يحكم به الأصحاب من غير نص، فقال له أخوه المذكور: أراك تعمل بما لا فيه نص فقال: كلا، فقال له أنك تخفت بالتسبيح في الأخيرتين وثالثة المغرب ولا نص، فقال له: بلى النص موجود فأنكر وجود نص، ففتشا كتاب الوافي لجامعيته الكتب الأربعة فلم يقفا فيه على نص ولم تكن الوسائل حينئذ موجودة عندهم فلما صلى الشيخ (أي الشيخ عبد علي) المغرب جهر بالتسبيح في الثالثة فأعاد الصلاة كل من صلى خلفه ولم يزل يجهر بالتسبيح كما كان إماما من تفسيق لن يخافت بل يصلي الجمعة مع أستاذه الشيخ محمد المقابي وغيرها مدة ثلاث سنوات ثم حدث جور عظيم في البحرين فخرج هذا الشيخ مع من خرج إلى القطيف وكان فيها العلامة الشيخ حسين الماحوزي أستاذه فأبطل الشيخ حسين صلاته وصلاة من يصلي من الإخباريين خلفه وأبطل الشيخ عبد علي صلاة من يخافت بالتسبيح وفسقه ولما رجع إلى البحرين أخيرا ترك صلاة الجمعة لكون إمامها يخفت في الأخيرتين بالتسبيح هذا ملخص ما ذكره الفاضل في السبب والشيخ علي صاحب الرسالة ذهب إلى ما عليه المشهور وهو المذهب المنصور بعد أن كان يجهر مدة فلما تبين له خلافه ترك الجهر بالتسبيح وأخفت به على المذهب الحق الصحيح، سامحنا الله وإياهم بعفوه
206 وغفرانه وعاملنا وإياهم بكرمه وفضله وإحسانه آمين بمحمد وآله الطاهرين صلى الله عليه وآله الأكرمين. 91 - الشيخ حسين آل عصفور (ومنهم) العلامة الفاضل الفهامة الكامل خاتمة الحفاظ والمحدثين وبقية العلماء الراسخين الإخباريين الفقيه النبيه الشيخ حسين ابن العالم الأمجد الشيخ محمد ابن الشيخ أحمد آل عصفور الدرازي البحراني وهو المعني في (لؤلؤة البحرين) بحسين كان رحمه الله تعالى من العلماء الربانيين والفضلاء المتتبعين والحفاظ الماهرين من أجلة متأخري المتأخرين وأساطين المذهب والدين بل عده بعض العلماء الكبار من المجددين للمذهب على رأس ألف ومائتين كان يضرب به المثل في قوة الحافظة ملازما للتدريس والتصنيف والمطالعة والتأليف مواظبا على تعزية الحسين عليه السلام في بيته في كل وقت منيف لا تخلو أوقاته من بعض ما ذكرناه وحدثني العالم الفاخر المرحوم الشيخ ناصر بن نصر الله القطيفي (رحمه الله تعالى) وكان على غير مذاقه عمن يثق به، أن هذا الشيخ أتى لبلاد القطيف مسافرا لحج بيت الله الحرام وزيارة النبي وآله عليه وآله أفضل الصلاة والسلام واجتمع بالسيد الأمجد السيد محمد الصنديد القطيفي (ره) وكان هذا عنده من الكتب النفيسة الكثيرة ما لا توجد عند غيره فرأى عنده كتابا هو يتطلبه من كتب الأخبار فالتمس منه أن يصحبه إياه في سفره لينقله عنده وكان السيد ضنينا بذلك لعدم وجود نسخته فلم يعطه إياه فبقي الكتاب المذكور عند الشيخ المذكور أياما يسيرة مدة جلوسهم في القطيف ثم أعطاه الكتاب وسافر فلما قضى مناسكه
207 وزيارته رجع على البر مارا ببلاد القطيف فلما اجتمع بالسيد أمره أن يأتيه بذلك الكتاب فأتى به إليه فاستخرج نسخة جديدة كراريس مكتوبة عديدة ليقابله عليه فقال له: هل وجدت نسخة ونقلته؟ فقال لا ولكنني تتبعته وحفظته وكتبته على حفظي بأبوابه وترتيبه وأسانيده فتعجب السيد والحاضرون عجبا عظيما وقابله به طبقا لم يختلف عنه إلا يسيرا لا يذكر انتهى، وهذا من عجائب الأمور وشذ أن تحتمله القلوب البشرية والصدور وينقل عنه في الحفظ الأمور الغريبة ويكفيه إملاؤه " النفحة القدسية في الصلاة اليومية " المشهورة اليوم على تلميذه وكاتبه الشاعر الأديب الشيخ محمد الشويكي الخطي في ثلاثة أيام ويذكر فيها الأقوال والأدلة إجمالا حتى نظمها الشعراء في مدائحهم لهم ولها فقال الشيخ محمد المذكور: حبذا نفحة قدس لا تضاهى * في صلاة أرضت الرب الإله بنت يومين ويوم برزت * في صدور الطرس تهدي من تلاها تطرب الرائي والراوي ولا * عجب ممن رآها ورواها إلى آخر الأبيات وهي كثيرة وبالجملة فهو من أكابر علماء عصره وأساطين فضلاء دهره علما وعملا وتقوى ونبلا وبحثه مملوء من العلماء الكبار من البحرين والقطيف والأحساء وأطراف تلك الديار وفتاواه وأقواله منقولة كثيرة مشتهرة من تلامذته وغيرهم في حياته وبعد وفاته ضاعف الله حسناته وله مصنفاته كثيرة وكتب كبيرة وصغيرة ذكر هو (ره) جملة منها في إجازته للفاضل الشيخ مرزوق الشويكي وكثير تلامذته في كتبهم وإجازاتهم كالفاضل المحقق الشيخ عبد المحسن اللويمي الأحسائي منها كتاب (الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع)
208 للكاشاني أربعة عشر مجلدا عندنا منه مجلدان في الصلاة والنذور والمندوبات وكتاب (الرواشح السبحانية في شرح الكفاية الخراسانية) خمسة مجلدات بلغ فيه إلى مكان المصلي وكتاب (السوانح النظرية شرح البداية الحرية) مجلدان وله كتاب (الأنوار الوضية في شرح الأحكام الرضوية) وهو كتاب (شرايع الدين) الذي كتبه الإمام الرضا (ع) للمأمون عندنا منه نسخة مقروة عليه وعلى ظهرها الإجازة لقارئها وهو الشيخ مرزوق الشويكي بخطه (قدس سره) مجلد واحد وله كتاب (السداد) مجلدان في الفقه بلغ فيه إلى المعاملات وله (النفحة القدسية في الصلاة اليومية) أملاها في ثلاثة أيام كما تقدم الكلام وله (الفرحة الأنسية شرح النفحة القدسية) مجلدان وله كتاب (الحقائق الفاخرة في تتميم الحدائق الناضرة) لعمه الشيخ يوسف مجلدان وله كتاب (الحدق النواظر في تتمة كتاب النوادر) للملا محسن الكاشاني مجلدان وله كتاب (مفاتيح الغيب والتبيان في تفسير القرآن) لم أعلم بمقداره وله كتاب (رسالة حاسمة القال والقيل في تحديد المثيل) وله رسالة (إسكات أهل الاخفات وإخفات أهل الإسكات) وله كتاب (كشف اللثام في شرح أعلام الأنام بعلم الكلام) في التوحيد والمتن لجده لأمه العلامة الثاني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني وله كتاب (البراهين النظرية في أجوبة المسائل البصرية) وله كتاب (المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية) وله كتاب (أجوبة المسائل الشيرازية) وله كتاب (أجوبة المسائل القطيفية) في مرات متعددة وله (رسالة الجنة الوافية في أحكام التقية) وله رسالة " الأشراف في المنع عن بيع الأوقاف " وله رسالة " باهرة العقول في نسب الرسول - ص - إلى آدم - ع " وله " رسالة في الحبوة " وله كتاب
209 في تعزية الحسين (ع) اشتمل على ثلاثين مجلسا للشهر كله وله كتاب " مريق الدموع في ليالي الأسبوع " في التعزية أيضا وله كتاب " الفوادح الحسينية والقوادح البينية " جزءان لتعازي عشر المحرم وهو كتاب جليل كترتيب المنتخب وله كتاب في وفاة رسول الله " ص " اسمه " مهيج الكمد في وفاة النبي محمد ص " وله كتاب اسمه " سحائب المصائب في وفاة الإمام علي بن أبي طالب ع " وله كتاب " الدرة الغراء في وفاة فاطمة الزهراء " وله كتاب في " وفاة الإمام الحسن - ع " وله كتاب في " وفاة الإمام زين العابدين - ع " وله كتاب في " وفاة الإمام محمد الباقر - ع " وله كتاب في " وفاة الإمام الصادق - ع " وله كتاب في " وفاة الإمام الكاظم - ع " وله كتاب في " وفاة الإمام الرضا - ع " وله كتاب في " وفاة الإمام الجواد - ع " وله كتاب في " وفاة الإمام الهادي - ع " وله كتاب في " وفاة الإمام العسكري - ع " وهذه الكتب لكل كتاب منها اسم مستقل أكثرها عندنا وله كتاب " رسائل أهل الرسالة ودلائل أهل الدلالة " مشتمل على الصلاة والصوم والزكاة والخمس وبقية العبادات وله منسك كبير وله أيضا منسك متوسط وله أيضا منسك صغير له رسالة في شرح فقرة من دعاء كميل وهي وما كانت لأحد فيها مقرا ولا مقاما وتوجيه إعرابها وله رسالة في العوامل السماعية والقياسية وله رسالة (النفحات الدهلكية) وله منظومة في الفقه لم تكمل وله منظومة في الأصول الخمسة سماها (شارحة الصدور) وقد شرحها ابنه الشيخ حسن شرحا حسنا وله منظومة في النحو لظننت وأخواتها وله ديوان شعر ينيف على سبعة آلاف بيت في الرثاء على الحسين (ع) وله كتاب (محاسن الإعتقاد) جعله كالمقدمة لكتابه (السداد) وله كتاب (القول
210 الشارح) وله (الحجة لثمرات المهجة) وكلاهما في المعارف الخمس. وهو يروي عن أبيه الشيخ محمد وعن عميه الشيخ يوسف والشيخ عبد علي ويروي عنه جماعة كثيرة يطول ذكرهم (منهم) الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي (ره) والشيخ عبد المحسن اللويمي الأحسائي وابنه الشيخ حسن والشيخ علي بن الشيخ عبد الله بن يحيى الجد حفصي والشيخ محمد بن خلف الستري البحراني (ره) والشيخ محمد علي القطري البلادي البحراني والشيخ عبد علي ابن قضيب القطيفي والشيخ مرزوق الشويكي الخطي وغيرهم وقد كانت البحرين في عصره وقبله عامرة بالعلماء الأعلام الأنجاب والمشتغلين والطلاب مع ما هي فيه في الغالب من الحوادث الكثيرة والخراب. توفي (قدس الله روحه ونور ضريحه وطيب ضريحه) ليلة الأحد ليلة الحادية والعشرين من شهر شوال سنة 1216 ه ست عشر ومائتين وألف من الهجرة وكانت وفاته في بعض الوقائع في تلك السنة وسمعت أنه ضربه ملعون من أعداء الدين بحربة في ظهر قدمه فمات شهيدا منها وأرخ عام وفاته (طود الشريعة قد وهى وتهدما) وتاريخ آخر (قد كانت الجنة مثواه) (1) وقبره (ره) في قرية سكناه الشاخورة مزار مشهور وقد رثاه الشاعر الماهر الحاج محمد هاشم ابن حردان الكعبي المشهور بقصيدتين عظيمتين بليغتين مكتوبتين في شعره في آخر كتاب كشكول الشيخ يوسف (ره) المطبوع من أحبهما رجع إليهما كما وصفنا وله أولاد فضلاء علماء نبلاء سنذكرهم إن شاء الله تعالى بعد ذكر عمهم الشيخ أحمد
(1) رأيت بخط الكمل تاريخا لوفاة هذا الشيخ الأجل قده وهو (قمر الشريعة أفل) (حسين ابن المؤلف) 211 92 - الشيخ أحمد آل عصفور (ومنهم) أخوه الفاضل الأمجد الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد ابن الشيخ أحمد آل عصفور البحراني (ره) وأخوه الآخر الشيخ علي ابنا الشيخ محمد أخو العلامة الشيخ حسين المتقدم ذكره فهما عالمان فاضلان، أما الشيخ أحمد فيروي عن أبيه الشيخ محمد وأخيه الشيخ حسين ويروي عن المحقق الأوحد الشيخ أحمد ابن زين الدين الأحسائي وله مصنفات منها رسالة في الصلاة اليومية (سماعا) ورسالة في الطهارة إلا أني لم أحفظ شيئا منهما ولم أقف عليه والشيخ علي المذكور لم أقف على شئ من أحواله ولا أدري هل بقيا بعد أخيهما الشيخ حسين أم توفيا قبله ووجود الشيخ حسين وشهرته أخفتهما وعلمهما وللشيخ علي المذكور ولد فاضل كامل تقي أسعد اسمه الشيخ محمد إمام في الجمعة والجماعة والقضاء في الشاخورة وله بيت في المنامة يأوي إليه. سمعت من شيخنا العلامة الثقة الصالح الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح البحراني يصف علمه وتقواه كثيرا وله كتاب في الأصول الخمسة جيد جدا وله رسالة في وجوب الجمعة عينا وله مسائل أجاب عنها الفاضل الشيخ أحمد بن طوق القطيفي ولما توفي قام مقامه في الجمعة والجماعة والقضاء ابن عمه الشيخ أحمد المذكور الشيخ محمد وكان عالما متكلما ماهرا خطيبا مفوها وسمعت أيضا من شيخنا العلامة الثقة المقدس الشيخ الصالح يصف علمه جدا وقد أدركه والظاهر أنه قرأ عنده قليلا في بعض العلوم وله مصنفات منها رسالة في استقلال الأب على ابنته البكر البالغ الرشيد وله غير ذلك.
212 وأما ذكر أولاد المقدس المبرور الشيخ حسين المذكور فالظاهر أنهم سبعة ولم أقف إلا على ذكر ستة منهم. أكبرهم (الشيخ محمد) وهو عالم فاضل توفي بعد أبيه بقليل في سنة موته وأرخ تاريخ وفاته رحمه الله (مضى في جوار ربه). والثاني (الشيخ عبد علي) وهو أيضا فاضل مات في حياة أبيه وخلف ولدا صالحا عالما فاضلا اسمه (الشيخ خلف) من العلماء في أبي شهر في الجمعة والجماعة بعد وفاة عمه الشيخ حسن الآتي ذكره له مصنفات كثيرة منها أجوبة جملة من المسائل وله رسالة في أصول الفقه سماها (مزيلة الشبهات) وسمعت أن له شرحا على كتاب الشداد لجده الشيخ حسين المذكور وقفت له على رسالة جيدة في رؤيا رآها وهي طويلة مقدار ثلاثة كراريس من حجم الربع مضمونها أنه (ره) في يوم عاشوراء وهو العاشر من المحرم بعد قراءته مقتل الحسين (ع) وقد أصابه تعب عظيم من البكاء والنياح نام في مكانه في المأتم فرأى سيد الشهداء أبا عبد الله الحسين (ع) فسأله عن مسائل عديدة والحسين (ع) يجيبه عن كل مسألة ومن جملة ما سأله أن السيد ابن طاووس (ره) ذكر في (اللهوف) أن الذي قطع رأسك الشريف هو اللعين سنان والأشهر هو شمر اللعين فأيهما قطع رأسك فأجابه بجواب حسن مفصل إلا أني لبعدي عن رؤيتها لم أحفظ كيفيته والظاهر أن كلا منهما له دخل في قطع رأسه الشريف، توفي هذا الشيخ في أبي شهر وخلف ولدا فاضلا محدثا اسمه الشيخ عبد علي وهو من المعاصرين اجتمعت به مرة واحدة في بيته في أبي شهر في مرضه الرعشة وعمره يقرب من ثمانين سنة والفقير متوجه للعراق في بعض سفراتي لزيارة الأئمة الطاهرين وللاشتغال في
213 النجف الأشرف وهو في بلاد أبي شهر إمام في الجمعة والجماعة والقضاء وسمعت أن له مصنفات كثيرة أخبرني بها ابن أخته وخليفته الشيخ محمد ابن الشيخ إبراهيم آل عصفور إلا أني لم أحفظها ووقفت له على كتاب سماه (لئالي والأفكار) لا لئالئ البحار في الأصولين أصول الدين وأصول الفقه مطبوع عندنا وله رسالة في أجوبة مسائل لوالد شيخنا العلامة الصالح الشيخ صالح وهي مسائل جيدة أكثرها في الاجتهاد والتقليد وفروعهما توفي (قدس سره) في أبي شهر ولم أحفظ تاريخ وفاته ودفن مع أبيه وعمه الشيخ حسن في بيتهم في أبي شهر وقبرهم مزار مشهور. وأما ابن أخته الأسعد (الشيخ محمد ابن الشيخ إبراهيم) فهو قام مقام خاله الشيخ عبد علي في الجمعة والجماعة والقضاء إلا أنه ليس في رتبة آبائه في العلم والفضل توفي سنة 1325 ه. ودفن مع سلفه (قدس سره ونور قبره). وأما أبوه (الشيخ إبراهيم " ره ") فهو من الأتقياء الأخيار سكن البصرة في آخره عمره مدة مديدة واجتمعت معه أكثر من اجتماعي بابنه وهو أي الشيخ محمد أعلم من أبيه وهو من ذرية الشيخ حسين المذكور سابقا ولم أعرف آباءه على اليقين. والثالث من أولاد الشيخ حسين المذكور سابقا وهو أشهرهم (الشيخ حسن) وهو العالم الفاضل المؤتمن الشيخ حسن وكان تنقل إلى أبي شهر بعد وفاة أبيه الشيخ حسين وصار له في أبي شهر اعتبار عظيم إمام في الجمعة والجماعة والقضاء وبها توفي وقبره (ره) مزار مشهور في بيته ودفن معه بعده أولاد أخيه كما ذكرنا وله مصنفات منها رسالة عملية في الطهارة والصلاة مبسوطة مجلد أيضا له
214 شرح منظومة والده في الأصول الخمسة المسماة (بشارحة الصدور ودافعة المحذور) وله منظومة في الكلام وقد شرحها وهو شرح حسن جيد رأيته في النجف (1). والرابع منهم العالم الفاضل الأواه (الشيخ عبد الله رحمه الله) وبقي بعد وفاة أبيه في البحرين وصار إماما في الجمعة والجماعة والمرافعات ولم أسمع له بمصنف ولهذا الشيخ المبرور ولد عالم فاضل اسمه (الشيخ سلمان) تولى الحسبة الشرعية في البحرين بعد تنقل الشيخ خلف إلى أبي شهر وكذا الجمعة والجماعة ومحل إقامته الجمعة في مشهد الخميس وهو أحد أساتيذ السيد علي ابن السيد محمد آل إسحاق وكان معاصرا للشيخ محمد بن خلف الستري خرج من البحرين وسكن أطراف فارس وفي شيراز سمعت أن له بعضا من المصنفات كتاب في تعزية الحسين بليغ حسن. والخامس منهم العالم الأسعد الأمجد (الشيخ أحمد) ولم أعرف مبلغ علمه ومات وخلف ولدا فاضلا اسمه (الشيخ محمد). السادس (الشيخ علي) مات أيضا في حياة أبيه والذي عاصرناه من أفاضلهم الفاضل الأسعد الشيخ أحمد ابن الشيخ سلمان آل عصفور وهو من ذرية الشيخ حسين (2) " ره " اشتغل أولا في البحرين ثم في القطيف عند الشيخ ضيف الله
(1) وله مسألة في عدم تقليد الأموات ابتداء إلا ضرورة. (حرره عبد الله بن أحمد) (2) الشيخ أحمد بن سلمان ابن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ أحمد أخ الشيخ حسين المذكور فهو ليس من ذريته (ره) وإنما هو من ذرية أخيه الشيخ المذكور والد الشيخ محمد العالم المصقع وكان هذا المشار إليه مبرزا في جميع العلوم (حرره عبد الله بن أحمد) 215 ابن سيف ثم في أبي شهر وشيراز وأقام بها مدة وحصل تحصيلا حسنا ورجع إلى البحرين وصار إماما في الجمعة والجماعة والقضاء وله حافظة جيدة وتوفي (رحمه الله تعالى) ودفن في مقبرة الشاخورة في قريتهم المذكورة رحمنا الله وآباءنا وأبناءنا وإياهم وإخواننا المؤمنين جميعا برحمته الواسعة في الدنيا والآخرة إنه أرحم الراحمين. 93 - الشيخ أحمد ابن الشيخ خلف (ومنهم) العالم العامل الفاضل الأمجد الشيخ أحمد ابن الشيخ خلف آل عصفور الزبور ذكره بعض السادة الأكابر الأجلاء وهو أيضا من العلماء الكبار أولي الكمال والعلوم والاقتدار ولم أقف له على مصنف ولا تأريخ للوفاة ضاعف الله لنا ولهم الحسنات. وأما ذرية الشيخ خلف أحد المجازين في اللؤلؤة (المتقدم ذكره) فقد كانوا بعيدين في كعب والمحمرة وليس لنا معهم اتصال ومعرفة وصار فيهم علماء فضلاء سماعا لا أعرف تفصيلهم (رضي الله عنهم جميعا). وللشيخ يوسف (ره) صاحب الحدائق إلى الآن ذرية متسمة بالعلم في أبي شهر وشيراز لم أعرفهم على اليقين (1) وفقنا الله وإياهم وجميع المؤمنين إلى خير الدنيا والدين ورحمنا برحمته الواسعة إنه أرحم الراحمين.
(1) منهم الشيخ التقي الشيخ محمد علي ابن الشيخ محمد تقي تولى القضاء والجمعة بعد وفاة الشيخ محمد ابن الشيخ إبراهيم المذكور في أبي شهر وهو الآن موجود. (حرره عبد الله بن أحمد سنة 1335 هج) 216 94 - الشيخ حسن الدمستاني ومنهم العالم الرباني والفاضل الصمداني الكامل العلامة المحقق الفهامة التقي النقي الأديب المصقع الشيخ حسن ابن المرحوم الشيخ محمد بن خلف بن ضيف الدمستاني البحراني (نسبه إلى دمستان بالدال المهملة المكسورة أولا ثم الميم المفتوحة ثم السين الساكنة ثم التاء بعدها الألف والنون أخيرا قرية من قرى البحرين) (1) وكان هذا الشيخ (قدس الله روحه وطيب ريحه ونور ضريحه) من العلماء الأعيان ذوي الإتقان والإيمان وخاص أهل الولاء والإيمان زاهدا عابدا تقيا ورعا شاعرا بليغا إن نظم أتى بالعجب العجاب وإن نثر أتى بما يسحر عقول أولي الألباب قلما يوجد مثله في هذه الأعصار في العلم والتقوى والبلاغة والإخلاص في محبة الآل الأطهار سلام الله عليهم آناء الليل وأطراف النهار ومن وقف على مصنفاته وأشعاره وظاهر كلامه وأسراره وفهم مراده عرف حقيقة مقداره وعلو مجده وفخاره له مصنفات كثيرة لم أقف منها إلا على كتاب (الانتخاب الجيد لتنبيهات السيد) في علم الرجال قد لخص فيه كتاب التنبيهات الذي هو للعلامة السيد هاشم التوبلي البحراني (ره) على
(1) قرية الدمستان بلدة استيطانه فغلبت نسبته عليها وإلا فبلدته عالي حويص وهي الآن خراب إلا أن آثار مبانيها ومساجدها ظاهرة وقبر أبيه الشيخ محمد معروف بها إلى الآن في جانب المسجد المحاذي للعين المسماة بعين حويص ينزل عليها أهل قرية بوري في أيام الصيف لأجل نخيلهم. (حرره عبد الله بن أحمد) 217 تهذيب الأحكام كما تقدم الكلام عليه فيه فوائد جليلة وتنبيهات جميلة في علم الرجال لم توجد في غيره وله رسالة في الجهر والإخفات ولا سيما في الأخيرتين مفيدة جيدة وله رسالة في الأصول في غاية البلاغة والأحكام وله منظومة جليلة في الأصول الخمسة في غاية البلاغة والبراعة وله كتاب أوراد الأبرار في مأتم الكرار وهو المشهور في طرفنا بالأسفار يقرأ في الثلاث الليال من تسعة عشر إلى ليلة إحدى وعشرين غير تام بعد كل سفر منه قصيدة عجيبة من شعره (رحمه الله) وأكثر أشعاره له (رحمه الله) وهو كتاب جيد عديم النظير بل هو كتاب استدلال وقد أكمله الفاضل الشيخ محمد آل عصفور والد الشيخ حسين المشهور وله مراثي جليلة مشهورة تقرأ في المجالس الحسينية ومن أشهرها القصيدة المشهورة المربعة المشتملة على نظم المقتل التي أولها. أحرم الحجاج عن لذاتهم بعض الشهور * وأنا المحرم عن لذاته كل الدهور إلى آخرها وكذلك القصيدة اللامية (1) التي مطلعها: من يلهه المرديان عن المال والأمل * لم يدر ما المنجيان العلم والعمل إلى آخرها في غاية البلاغة ونهاية المواعظ البالغة مع حسن التلخيص، وغير ذلك من أشعاره الفائقة وأقواله الرائعة التي اشتمل عليها كتابه الأسفار
(1) وله ديوان شعر كبير رأيته في قرية كرزكان عند بعض بني عمه مع ديوان ابنه الشيخ أحمد في جلد واحد إلا أن ديوان الأب يزيد على ديوان ابنه بكثير وقد وقفت على تخميس للقصيدة اللامية لابنه الشيخ أحمد في ديوانه المذكور والله أعلم بحقائق الأمور. (حرره فقير الله عبد الله بن أحمد سنة 1335 ه) 218 وغيره ولقد كان مع ما هو فيه من الفضل والعلم والعمل يعمل بيده ويشتغل لمعيشته وعياله، حدثني شيخنا العلامة الثقة المقدس الصالح الشيخ أحمد ابن المرحوم الشيخ صالح (قدس الله سره) أنه وردت في زمانه مسائل من علماء أصفهان إلى البحرين ليجيب عنها علماؤها ووصلت إلى حاكم البحرين من جهة العجم فأرسل رجالا من عنده إلى علمائها ليجيبوا عنها ومن جملتهم الفاضل المذكور صاحب الترجمة (قدس الله روحه) فلما وصل رجال الحاكم إلى قريته دمستان وهي قرية صغيرة وأهلها فقراء وأكثر أرضها تسقى بالدلاء سألوا من رأوه عن الشيخ المزبور فأتى بهم إلى رجل عليه خلقان من الثياب يستقي دالية بالدلاء وفيها بعض الزرع والنخيل وعنده صبية تروس عليه وقال لهم هذا الشيخ الذي تسألون عنه فلما أخبرهم بذلك ظنوا أنه يهزأ بهم لما رأوا ما هو فيه فضربوه وآذوه فسمع الشيخ بما هنالك ورأى هيئة الحكام فأتى إليهم وسألهم عن ذلك فأخبروه بمقصدهم وأن هذا يهزأ بنا بإرشادنا إليك فقال لهم صدق إنه لم يهزأ بكم فما الذي تريدون؟ فقالوا: نريد الشيخ المجتهد الشيخ حسن الذي في هذه القرية فقال: وماذا تريدون منه؟ فقالوا له: أرسلنا إليه الحاكم بمسائل واردة عليه من أصفهان ليجيب عليها فقال لهم أنا طلبتكم فأتوني إياها فتبين لهم أن هذا هو الشيخ والذي أخبرهم صادق فسلموا عليه وقبلوا يديه وجلسوا معه في تلك الدالية وأعطوه المسائل فرآها وأمر تلك الصبية أن تأتي إليه بدواة وقلم وكتب الجواب بحضرتهم من غير مراجعة وأعطاهم إياه فتعجبوا من ذلك عجبا شديدا لما يعهدونه من زيادة التشخص وظهور الأبهة عند علمائهم وهذا بهذه الحالة (انتهى ما نقلته بالمعنى).
219 وبالجملة هذا الشيخ من أعاظم العلماء الأتقياء وخلص الأولياء توفي (قدس الله سره) في بلدة القطيف يوم الأربعاء يوم الثالث والعشرين من شهر ربيع سنة 1281 هج إحدى وثمانين ومائتين بعد الألف من الهجرة صلى الله على مهاجرها وآله ودفن في المقبرة المعروفة الحباكة والظاهر أن سبب مجيئه إليها من إحدى الحوادث والوقائع الواقعة على البحرين التي لا تخلو منها في أغلب السنين وهو يروي عن الفاضل المتكلم الأمجد الشيخ عبد الله ابن الشيخ علي بن أحمد البلادي (1) أحد مشائخ (صاحب الحدائق) كما تقدم الكلام عليه مفصلا ويروي عنه ولده العالم الفاضل الكامل الأمجد (الشيخ أحمد) قراءة وإجازة كما ذكره الفاضل الشيخ عبد المحسن اللويمي الأحسائي وعن (صاحب الحدائق) كما ذكره في (روضات الجنات) وهذا الشيخ لم أقف له على ترجمة لأحواله بتفصيله وإجماله إلا أن إجازة هذين الشيخين الجليلين بل أحدهما وإجازته أيضا لمثل العالم الأوحد الشيخ أحمد بن زين الدين والشيخ عبد المحسن اللويمي الأحسائيين كافية في فضله وعلمه ونبله ولم أسمع له بشئ من المصنفات لا بتاريخ للوفاة غفر الله لنا ولهم ولآبائنا وللمؤمنين وجمعنا وإياهم في الجنات وعالي الدرجات بحق محمد وآله الهداة عليه وآله أفضل السلام والصلاة.
(1) وعن الشيخ محمد الفاراني (نسبة لقرية من قرى البحرين من الجانب الغربي وآثار مدرسته باقية إلى الآن) ولم أقف له على ترجمة. (حرره عبد الله بن أحمد) 220 95 - الشيخ ياسين البلادي (ومنهم) العالم الفاضل العامل المحقق الكامل الأمين الشيخ ياسين ابن الشيخ صلاح الدين البلادي البحراني كان رحمه الله تعالى من العلماء الأعلام والفقهاء الكرام إماما في الجمعة والجماعة وانتهت رياسة القضاء والحسبة الشرعية في بلاد البحرين إليه حتى عصفت عليها رياح المصائب والحدثان وفرقت شمل قاطنيها في كل مكان كما لم يزل ذلك بها في أكثر الأحيان وكان (قدس سره) ممن خرج منها إلى شيراز خاليا من الطارف والتلاد يقاسي ما لقيه من ألم الجراحات والضر الشديد قال رحمه الله في كتابه (الروضة العلية في شرح الألفية) الذي صنفه لابنه الشيخ علي في شيراز بعد الواقعة المذكورة قال بعد الخطبة المشتملة على الحمد والثناء والصلاة على سيد الأنبياء وآله الأئمة الأمناء: أما بعد فالعبد المسكين ياسين بن صلاح الدين عفي عنهما آمين يقول: إن ربي وله المنة علي حيث نجاني من غمرات وأهوال ومصائب وزلزال لأني ممن كنت في قلب هذه الهلكة والحين وتلك الطامة الواقعة على أهل البحرين التي لم يقع مثلها في الأزمان كلا ولا، ولم تكن غير كربلاء فيا لها من مصيبة قد شربتها، ومن رزية قد تجرعتها، ثم إن لم أتحسر على ما فات علي من المال ولا ما تلف علي من الحال بل أتذكر ضرب الرماح المريقة لدمي وملاطمة السيوف المبرية لأعضائي وأعظمي فلم أزل أسلي النفس عن ذكرها وأشغلها بالتسلي عن غيرها، وكيف تسلو وقد ترمتني بعدها أيدي الغربات، وتعاورتني أيدي الكربات، حتى ألقتني نون الآونة والأقدار، وقذقتني تحت يقطين الدار،
221 دار العلم والكمال شيراز، صانها الله من الزلزال، خاليا من الطارق والتلاد، ليس معي أصل أطالعه، ولا كتاب أراجعه، فخشيت أن يفوت مني ما كان معلوما، ويعسر علي ما كان لدي مفهوما، (إلى أن قال) وكان لدي الولد الأعز علي، على علم النحو ولهان، لم يزل يلح علي على كتاب يقرأه وشرح يديره ويراه لا جرم جزمت أن أعلق له شرحا على ألفية ابن مالك أهذب فيها المطالب وأوضح منها المسالك (إلى آخر كلامه زيد في علو مقامه). ولم تزل أهل هذه البلاد في أكثر الأوقات والآيان تقاسي من أهل الظلم والعناد وأهل الزيغ والفساد ضروب النكال والنكاد حتى تفرقوا أيدي سبأ في سائر الأقطار وعمروا بالإيمان وشعائر الإسلام سائر الأمصار فكأنهم قد خصوا بالبلاء لما كانوا من خلص أهل الولاء فلهم أسوة بساداتهم الأطهار النبلاء ومن شعر صاحب الترجمة في تذكره لتلك الديار وبعده عن وطنه والجوار قال رحمة الله عليه: ليس البعاد عن الأهلين والدار * وإن لقيت بها هما بأضرار بل عن منادمة الأحباب ويحك ما * ترى ضياعي عن الأهلين والجار هذي (أوال) فلا آوي بها وطن * ولا حوت لأديب لا ولا دار أرى معالمها تبكي عوالمها * قد بدلت بعد سكن الدار بالدار إن الأمير بها من كان مفخرة * إني التمست من العشار أعشاري وأمس كنت بدار الحكم يلحظني * حامي الذمار عزيز الجند والجار إلى آخره، له مصنفات منها كتاب (معين النبيه على رجال من لا يحضره الفقيه) مجلد حسن وكثير من المتأخرين عنه ينقلون منه وله كتاب (الروضة
222 العلية في شرح الألفية) وهو من أحسن الشروح عليها مجلد كبير بقدر شرح ابن الناظم وكثيرا ما يعترض عليه فيه، وله كتاب (الفوائد العربية) متن جيد مليح أكبر من الكافية، وله حواشي كثيرة على الفوائد المذكورة بمنزلة الشرح، وسمعت أن له شرحا على شرح ابن الناظم أكثر فيه من الرد والاعتراض عليه سماه (السيف الصارم في أرد على ابن الناظم) ونقل أن بعض تلامذته كتب كتابا في الإنتصار لابن الناظم سماه (السيف السنين في الرد على مولانا الشيخ ياسين) فلما وقف الشيخ عليه قال له: لم لا قلت في رقبة ياسين وهو (قدس سره) صاحب الرسالة المتضمنة لما يزيد على تسعين مسألة من مشكلات المسائل في علوم شتى وأرسلها إلى العالم العامل المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي البحراني وأجاب عنها جوابا شافيا كافيا في مجلد كبير وفي آخره أجاز له لطلبها منه وسماه (منية الممارسين في جواب مسائل مولانا الشيخ ياسين) وهو عندنا وهو أحسن مصنفاته ولم أدر بتاريخ وفاته ولا محل قبره، وهل هو بقي في شيراز أم رجع إلى البحرين لعدم وقوفي على ترجمة له تغمده الله برحمته وسمعت من بعض الفضلاء الثقات أن لهذا الشيخ ولدا صالحا فاضلا عالما صالحا اسمه كاسم جده (صلاح الدين) له بعض المصنفات لم أقف على شئ منها والله العالم. 96 - الشيخ محمد مهدي المقشاعي (ومنهم) العالم الفاضل الأسعد الشيخ محمد مهدي ابن الشيخ أحمد المقشاعي المقابي البحراني، له منسك كبير مجلد وجدناه بخطه فرغ من تصنيفه
223 سنة 1210 ه ولم أقف على شئ من أحواله ولا شئ من مصنفاته غير ما ذكرناه ولا تاريخ لوفاته ضاعف الله له حسناته وحشره في زمرة أئمته وهداته. 97 - الشيخ علي البلادي (ومنهم) العالم الأديب الكامل الشيخ علي ابن الشيخ حسين ابن الشيخ محمد البلادي البحراني (ره) كان رحمه الله تعالى فاضلا أديبا كاملا، له كتاب (وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام) مجلد حسن الترتيب والتأليف وله فيها بعض الأشعار وينقل فيها كثيرا من أسفار الدمستاني، ولم أقف على شئ من أحواله ولا تأريخ وفاته ضاعف الله حسناته. 98 - الشيخ محمد علي القط (ومنهم) العالم العامل الفقيه الكامل التقي الشيخ محمد على ابن غانم القطري البلادي البحراني كان رحمه الله عالما عاملا فاضلا محدثا كاملا من تلامذة المرحوم الشيخ حسين ابن عصفور (ره) المتقدم ذكره، وقرأ المفعول على بعض الأساطين من أهل العرفان وله الإجازة منه ومن العلامة الشيخ حسين وله كتاب (الكواكب الدرية في مذهب الاثني عشرية) سمعت من شيخنا العلامة الصالح الرباني الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح البحراني إنه بقدر كتاب (البحار) للمجلسي (ره) رأيت منه مجلدين مجلد في الزكاة والصوم يذكر فيه الروايات وأقوال الأصحاب ويكثر فيه النقل عن شيخه الشيخ حسين (المتقدم ذكره) ويعبر عنه بشيخنا ومجلد في أحوال البرزخ والمعاد مصنف حسن جيد مليح
224 والظاهر أنه أكمله وعدم خروجه من البحرين واشتهاره وتقاصر الهمم والحوادث التي جرت على بلادنا البحرين أوجبت عدم اشتهاره بل إعدامه وأشباهه من كتب أكثر أهل البحرين وله شرح على (الدرة الغروية) منظومة السيد السند بحر العلوم الطباطبائي مجلد أو مجلدان والظاهر أنه تام أيضا ولم أقف عليه ولكن رأيت شرح بيت من أبياتها على الحاشية في بعض النسخ وكان [قدس الله روحه] على ما هو عليه من العلم والفضل والاشتغال بتصنيف الكتب الكبار جوهريا للؤلؤ ومرجعا لأهله بحيث إذا اشتبهت لؤلؤة على أهل هذا الفن يرجعون إليه في تمييزها فيخبرهم عن حقيقتها وذلك لأنه وأهل بيته تجار فيه وهو من بيتهم اشتغل في العلوم فحصل ما هو خير من لؤلؤه المنثور والمنظوم ولم أقف على شئ من أحواله غير ما ذكرناه ولا تاريخ لوفاته وموضع قبره أزاد الله في مقامه وقدره. ولهذا الشيخ ولد فاضل عالم كامل اسمه " الشيخ غانم " إلا أني لم أسمع بشئ من أحواله وتفصيله وإجماله سوى المسائل التي أرسلها للعلامة الأمجد رفيع المقدار الشيخ سليمان ابن الشيخ أحمد آل عبد الجبار الآتي ذكره إن شاء الله تعالى في أحوال رجعة قائم آل محمد " ص " عجل الله فرجه وفرجهم وفرجنا بهم وهي مسائل عظيمه جيدة مفيدة تبني عن فضل عظيم للسائل وأجابه عنها بأحسن جواب وجعل الجواب عنها بمنزلة الشرح لها وهي عندنا ولله الحمد.
225 99 - الشيخ على الجد حفصي " ومنهم " العالم العامل الفقيه المحدث الكامل الشيخ علي ابن الشيخ عبد الله ابن الشيخ يحيى الجد حفصي البحراني من تلامذة المرحوم المبرور الشيخ حسين آل عصفور، له مصنفات كثيرة منها كتاب مختصر شرح شيخه على المفاتيح المسمى (بمصابيح الأنوار اللوامع) وله كتاب " حياة القلوب " في الفقه مجلدان كامل الفقه عندنا وله أيضا كتاب " حياة القلوب " كبير مبسوط في مجلدات لم أقف عليه ولا أدري هل هو كامل الفقه أم لا وله رسالة في طهارة الماء القليل بملاقات النجاسة كما ذهب إليه ابن أبي عقيل وجنح إليه جماعة من متأخري المتأخرين كشيخنا البهائي والكاشاني والشيخ سليمان الماحوزي البحراني والفاضل الشيخ حسن الدمستاني البحراني وغيرهم، وله رسالة في حكم الدفين المستعمل في بلاد القطيف والبحرين وكيفيته، أن مالك البستان مثلا يبيع أو يوقف أو يتصدق أو غير ذلك من أنواع النواقل الشرعية من نماء ذلك البستان من عينه وغلاته شيئا معلوم الكمية والكيفية مستمرا على الدوام والاستمرار كعشرين منا مثلا من أمنان تلك البلاد المتعارفة بينهم صافية من الخراجات الديوانية والاصطلاحات العرفية بحيث لو نقص ذلك البستان أو ذهب أكثره فهو باق على حاله لا يصيبه شئ من النقص ولو لم يبلغ إلا ذلك القدر الذي باعه أو وقفه مثلا دون صاحب الأصول وهذه المسألة في غاية الإشكال والداء العضال مع كثرة الابتلاء بها في تلك المحال والأوفق بالقواعد الشرعية والأصول المعتبرة المرعية
226 هو البطلان لأن هذه النواقل الشرعية من البيع وشبهه نواقل للأعيان والأصول وهذا لا عين له وله أصل فهو مجهول فالبيع والوقف وشبهها غير متحقق في حقه نعم ربما تتجه الصحة على أشكل فيما لو أوصى لأحد بإعطاء شئ معين من ثمرة ذلك البستان أو باع الأصل وشرط شيئا من ثمرته سنين معلومة وبالجملة فهذا المتداول في طرفنا وأكثره من الزمن القديم المستعمل غير موافق للقواعد الشرعية والأدلة المرعية ومطالعتي لهذه الرسالة من قديم الزمان ولا أحفظ ما ذهب إليه هذا الفاضل فيها صحة أو فسادا ولا دليله على ما ذهب إليه والله العالم، وهذا الشيخ قد انتقل من البحرين وسكن بلاد " مينا " من بلاد العجم وصارت له رئاسة ومرتبة عظيمة ولعل تنقله من بعض الحوادث الحادثة على البحرين والظاهر أن له مصنفات غير ما ذكرناه لم أقف عليها لأني لم أقف على ترجمته، تغمده الله برحمته وأحلنا وإياه وآباءنا والمؤمنين في دار كرامته بجوده ومنه. 100 - الشيخ ناصر المنامي " ومنهم " الشيخ الفاضل الفاخر الشيخ ناصر بن عبد الحسن المنامي (1)
(1) نسبته إلى المنامة هي قرية من بلاد البحرين وهي حادثة فيها لقربها من البحر والبندر ومطرح المراكب والسفن وموضع البيع والشراء الآن وحدوثها في حدود تسعمائة من الهجرة كما ذكره جامع ديوان أبي البحر الخطي (قده) (المؤلف) 227 البحراني " ره " كان من العلماء الفضلاء من تلامذة الفاضل العلامة الشيخ حسين الماحوزي البحراني المتقدم ذكره وقد رأيت الانهاء له بخط الشيخ حسين المذكور على آخر شرح التجريد للأصفهاني وله عليه بعض الحواشي بخطه وكان خطه في غاية الجودة والملاحة ولم أسمع له بمصنف ولا تاريخ لشئ من أحواله ووفاته ضاعف الله حسناته. 101 - الشيخ عبد الله البلادي " ومنهم " العالم العامل المحقق الكامل الأواه الشيخ عبد الله ابن العالم المرحوم الشيخ يوسف البلادي البحراني وهو من جملة آبائنا وأرحامنا والظاهر أنه من أعمام جدي (قدس الله أرواحهم وطيب أشباحهم) وكان عالما فاضلا مجتهدا معاصرا للعلامة الشيخ حسين بن عصفور، رئيسا لأهل الأصول في البلاد القديم وكان أكثر أهل البلاد من القديم من أهل الأصول في مقابلة الشيخ حسين لرئاسته على المحدثين، وله أخ فاضل يسمى " الشيخ عبد الحسين " عندنا من آثاره المجلد الأول من (الوافي) وقف على ذريته وهو عندنا وله مسائل عظيمة مشتملة على فروع ونكت في الكفر وأقسامه، أرسلها لبعض العلماء الأساطين وأجاب عنها، تدل على فضل عظيم للسائل، وكان أبوهما الفاضل (الشيخ يوسف) من العلماء الفضلاء إلا أني لم أقف على شئ من المصنفات لأحد منهم لاندراس آثارهم وانقطاع أخبارهم ولا على تاريخ لوفاياتهم ضاعف الله حسناتهم وعفى عن سيئاتهم آمين، ولعل لهم كتبا ومصنفات وعدم الوجدان لا يدل على عدم
228 الوجود والله بحقائق الأمور وهو العليم الخبير. 102 - الشيخ محمد بن خلف الستري (ومنهم) العالم العامل التقي الورع الكامل الشيخ محمد بن خلف الستري البلادي البحراني كان (ره) من أهل سترة (قرية من البحرين) ثم انتقل إلى البلاد القديم وبها توفي كان (قدس الله سره ونور قبره) من العلماء المتقين والفضلاء المتورعين والفقهاء الزاهدين محتاطا في دينه ثابتا في يقينه كان من تلامذة المرحوم جدنا الشيخ عبد الله (المتقدم ذكره) ومن تلامذة الشيخ حسين آل عصفور، له حاشية حسنة على زبدة الأصول لشيخنا البهائي ونقل فيها حواشي المصنف، وله رسالة في أحكام الشك والسهو ينقل فيها كثيرا عن شيخه الشيخ حسين ويعبر عنه بشيخنا لم أقف له على غيرهما وكان يحتاط كثيرا ويتحرج عن الفتوى، والتمس منه جماعة كثيرة رسالة عملية وألحوا عليه فلم يعمل سوى هذه الرسالة الشكية السهوية المتقدم ذكرها ومع ذلك شرط عليهم في أولها شروطا كل ذلك تحرجا وتورعا من الفتوى وقبره (قدس سره) في مقبرة البلاد ولم أعلم بسنة وفاته ضاعف الله حسناته ومن تلامذته العالم التقي السيد علي ابن السيد إسحاق البلادي الستري البحراني وسيأتي إن شاء الله الكلام على ترجمته.
229 103 - الشيخ عبد الرضا بن المكتل (ومنهم) الأديب الأريب المحدث الشيخ عبد الرضا بن محمد بن المكتل البحراني " المكتل بضم الميم وفتح الكاف وتشديد التاء " وكان يعبر عن نفسه بالأوالي " أي نسبة إلى جزيرة أوال " كما قدمنا ذكره، له كتاب (وفاة الإمام الرضا عليه السلام سماه (بالتهاب نيران الأحزان في وفاة غريب خرسان) مبسوط وله كتاب (وفاة الإمام الزكي الحسن السبط عليه السلام) وأورد فيهما أحاديث غريبة وأخبارا نادرة وأقاصيص عجيبة لم نقف على كثير منها في الكتب المعتبرة والسير المشتهرة والتواريخ المنتشرة وحسن الظن في مثل هذا المقام ولا سيما بمثل الأحاديث التي ذكرها في وفاة الإمام الرضا (ع) التي لم يذكرها رئيس المحدثين الصدوق القمي في (عيون الأخبار) وغيره من الأصول المعتبرة من كتب الأخبار بعيد جدا من جهة العادة والاعتبار بل بعضها مخالفة لتلك الروايات المشتهرة غاية الاشتهار، لأن قدمائنا (رضوان الله عليهم وجمعنا وإياهم في دار القرار) ولا سيما المحمدين الثلاثة بذلوا الجهد في جمع الأخبار وتنقيتها عن الأغيار وهذا وغيره ممن تأخر عنهم إنما يقفون آثارهم وينقلون من أخبارهم ويستبقون في مضمارهم ويلتقطون من دور أفكارهم، نعم ربما يختلفون معهم في فهم المعنى ودلالة الألفاظ وما أشبه ذلك ومن وقف على كتابيه المذكورين من ذوي الاطلاع التام ولا سيما كتاب وفاة الإمام الرضا (ع) المشتهر في هذه الأزمان والأعوام علم حقيقة ما قلناه وحقيقة ما ذكرناه، على أن كثيرا من
230 أخبارهما مراسيل فهي في غاية الضعف والتجهيل والله العالم بالدقيق والجليل وأمناؤه أهل الوحي والتنزيل ولم أقف له على ترجمة شئ من أحواله بل ولا عصره بل ولا محل قبره تجاوز الله عن سيئاته وضاعف حسناته. 104 - الشيخ عبد الله الشهيد البحراني (ومنهم) العالم الأواه الشهيد الشيخ عبد الله بن محمد بن أحمد بن غدير البحراني (تغمده الله برحمته وأحل بقاتله وبال نقمته) هكذا ذكره المحقق الأوحد الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي (ره) في جواب المسائل التوبلية وله (مسائل وجوابها) وهي مسائل جيدة تبني عن فضل وعلم ذكرها في المجلد الثاني من جوامع الكلم ولم أقف على شئ من أحواله ولا على سبب شهادته تغمده الله برحمته. 105 - الشيخ أحمد آل ماجد البلادي (ومنهم) العالم الشيخ الأرشد الماجد الشيخ أحمد ابن المقدس الممجد الشيخ محمد آل ماجد البلادي البحراني، له رسالة في تحقيق الكاف من قوله تعالى: " ليس كمثله شئ " هل هي صلة أي زائدة أم أصلية جيدة تبني عن فضل ذكرها الشيخ أحمد بن زين الدين في المجلد الأول من جوامع الكلم، وقد شرحها ولم أقف له على ترجمة ولا على شئ من مصنفاته على تقديرها سوى ما ذكرناه غفر الله لنا وله ولآبائنا وأبنائنا وللمؤمنين وأعطانا وإياهم خير الدنيا
231 والدين إنه أرحم الراحمين. 106 - السيد عبد الصمد الزنجي (ومنهم) العالم الأسعد السيد السند السيد عبد الصمد ابن السيد العلي السيد علي ابن السيد أحمد الزنجي البحراني (نسبة إلى أرض الزنج قرية من قرى البحرين) وهو جد السيد الفاضل العالم المعاصر سيدنا السيد ناصر ساكن البصرة أيده الله تعالى وقد ذكرنا ترجمته وترجمة آبائه في ص 97 من هذا الكتاب وأن لقبهم آل أبي شبانة وأصله من قرية مني ثم سكنوا أرض الزنج ولهم فيها أملاك وبيوت، ذكره الشيخ أحمد بن زين الدين وذكر أن له بحثا طويلا مع الشيخ أحمد آل ماجد المتقدم ذكره وعمل الرسالة المتقدم ذكرها بأمر السيد المذكور ولم أقف على ترجمة ولا مصنف إلا أن كلام الشيخ أحمد بن زين الدين يدل على أنه من أهل التحقيق وأهل هذا البيت معروفون بالعلم والتدقيق من قديم الزمان كما أخبرني به سبطه سيدنا السيد المعاصر الفاخر السيد ناصر وكما قدمناه من تراجمهم وأحوالهم كما لا يخفى والله عز وجل أعلم وأدرى. 107 - السيد هاشم الصياح الستري (ومنهم) السيد النجيب الأديب السيد هاشم المعروف بالصياح (ره) الستري البحراني كان (رحمه الله تعالى) أديبا شاعرا له يد طولى في علم التجويد ولهذا يلقب بالقارئ سمعت من شيخنا الثقة العلامة المرحوم الصالح الشيخ أحمد
232 ابن المقدس الشيخ صالح (قدس سره) أن له كتابا في القراءة سماه (هداية القارئ إلى كلام البارئ) وله القصيدة الغراء التي أولها: قم جدد الحزن في العشرين من صفر * ففيه ردت رؤوس الآل للحفر وهي مشهورة وعندنا كتاب مقنعة الشيخ المفيد (رحمه الله) نسخة قديمة جدا عليها تملكه وأنهى نسبه فيها إلى الإمام العالم موسى بن جعفر الكاظم (ع) ولم أقف له على ترجمة تغمده الله بالرضوان والرحمة. 108 - الشيخ عبد الله الستري " ومنهم " العالم العامل الفقيه المحدث الكامل العري عن البأس الشيخ عبد الله ابن المرحوم الشيخ عباس الستري البحراني كان رحمه الله تعالى من بقايا علماء البحرين الأتقياء الورعين المصطفين الزاهدين العابدين كثير النوافل والصيام والزيارة للأئمة الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام وكان مشتغلا بالتدريس في قريته الخارجية من جزيرة ستره يحضر عنده جملة من الطلبة والعلماء كثير المواظبة على البحث والتصنيف متواضع النفس، حدثني شيخنا الثقة العلامة الصالح الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح وكان أبوه الصالح من جملة تلامذته وهو أيضا أدركه وقرأ عنده قليلا في علم التوحيد: إنه يجلس في مجلس التدريس وقبل اشتغاله بالدرس كان هو والحاضرون من العلماء المشتغلين يشتغلون في فتل الحبال وتمييلها لأجل صنعة الفرش المسماة ب " المداد " وكانت معايشهم منها وله ولأولاده من بعده دكاكين لصنعتها بالأجرة فإذا أكمل الطلبة والعلماء الذين يدرسون عنده
233 أخذ مما صنعوه من الميال والحبال واشتغل بالدرس وكان يقرر في " تهذيب الأحكام " و " شرح اللمعة " و " الشرائع " مثلا ورسالته العملية " والقطر " و " ابن الناظم " بل وحتى " الأجرومية " على قدر قوابل أولئك الحاضرين ولا تأنف نفسه عن صغير أو كبير كما يستعمله الأكثر وحدثني أيضا شيخنا العلامة وابنه المقدس الشيخ محمد علي بوأهما الله في دار الكرامة أنه أصابه مرض في أواخر عمره في عينيه فعميتا معا وبقي على حالته من التدريس والتصنيف والجمعة والجماعة وصنف كتاب " معتمد السائل في الفقه كله " إملاء بقدر كتاب تبصرة العلامة أو أكبر قليلا، وسافر إلى حج بيت الله الحرام وزيارة النبي وآله الكرام " عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام " ويسير الله له ببركة النبي " ص " طبيبا حاذقا من العجم في الطريق بين مكة والمدينة فعالج عينيه فبرأت واحدة منهما ولو صبر على شرط ذلك الطبيب لبرئت عيناه وذلك ما أراده الله، وبقيت عينه سالمة صحيحة إلى أن توفي " قدس الله روحه " وله مصنفات كثيرة منها شرح " مختصر النافع "، مجلدان وله تفسير القرآن مختصر. وله كتاب " الخلافيات " وهو المسائل الخلافية بين الأصحاب كامل الفقه مجلد له رسالة " منية الراغبين " في الطهارة والصلاة وله رسالة أصغر منها سماها " الجوهرة العزيزة " وله شرح على شرح السيوطي للألفية في النحو وله رسالة في حكم الجهر والإخفات بالتسبيح في الأخيرتين وثالثة المغرب وحكم البسملة كذلك وله كتاب " معتمد السائل كامل الفقه " فيه ألفا مسألة وله أجوبة مسائل كثيرة متفرقة رأيت منها مجلدا كاملا ومن جملتها أجوبة مسائل لوالدي المرحوم " قدس الله سرهما " ونور قبرهما، وله رسالة في الرد على بعض العلماء
234 من معاصرين في الإعتقادات مختصرة غير وافية بالمراد وله مراثي على سيد الشهداء وإمام السعداء أبي عبد الله الحسين وتوفي " قدس سره " وعمره يقرب من ثمانين سنة ودفن في جانب مسجده من الجنوب في قرية الخارجية وقد زرت قبره ودفن أولاده بعده معه وقرأ عند جماعة منهم الشيخ حصين بن عصفور وبعده على ابنه العالم المؤتمن الشيخ حسن وله الإجازة عنه ويروي عنه بعض فضلاء وعلماء العراق. وله تلامذة صلحاء منهم العالم الزاهد العابد الصالح الشيخ صالح بن طعان الستري البحراني والد شيخنا العلامة الأرشد الثقة الأمجد التقي الأسعد الشيخ أحمد وكان الشيخ صالح المذكور من العلماء الأتقياء الورعين العابدين الزاهدين سمعت إنه لم يلبس لباسا فيه شئ من الإبريسم قط، انتقل من جزيرة سترة إلى قرية المنامة مع ابنه شيخنا العلامة وانتقل إلى رحمة الله في سفره إلى مكة المشرفة بالطاعون ومعه والدي المقدس المرحوم وتوفي بعده بأيام يسيرة مهاجرا لزيارة رسول الله " ص " في المنزل المسمى برابغ سنة 1281 ه ج. وتوفي معهما جماعة من صلحاء البحرين تلك السنة، تغمدهم الله جميعا وإيانا والمؤمنين والمؤمنات برحمته وجمعنا وإياهم في دار كرامته مع محمد المصطفى وآله وعترته صلى الله عليه وآله وذريته. وللشيخ صالح " ره " كتاب حسن سماه " لؤلؤة الأفكار المستخرجة من بحار الأنوار " بمنزلة كتاب مسكن الفؤاد لشيخنا الشهيد الثاني (قده) أكبر منه وقد صنفه تعزية وتسلية لبعض أقاربه. ومن تلامذة الشيخ المذكور العالم الأسعد الأواه الشيخ عبد الله ابن الشيخ أحمد والفاضل الأواه الشيخ عبد الله ابن الشيخ علي الستريين وكانا من أقاربه
235 ومنهم أيضا الفاضل الورع العلي المقدس الشيخ محمد علي المعاصر كان من العلماء الأخيار توفي (قدس سره) وعمره يقرب من تسعين سنة ودفن عند قبر أبيه وابنه العالم الأواه الشيخ عبد الله وقد توفي قبله بسنتين تقريبا، غفر الله لنا ولآبائنا ولهم ولجميع المؤمنين والمؤمنات وأعطانا وإياهم خير الدنيا والآخرة بحق محمد وآله الهداة. 109 - الشيخ على الستري البحراني (ومنهم) العالم العامل والمجتهد الكامل المحقق المجاهد لأعداء الدين والمرابط في سبيل الله في الثغر الذي يلي إبليس القوي اللعين العالم الرباني الشيخ علي ابن الشيخ عبد الله ابن الشيخ علي الستري البحراني، انتقل من البحرين وسكن (مسقط) ثم سكن لنجة في أواخر عمره وبها توفي، كان رحمه الله تعالى من العلماء الأعلام والفقهاء الكرام والنقاد الكرام العظام ومن رؤساء أهل النقض والإبرام والاجتهاد التام، ومن نظر إلى مصنفاته وتحقيقاته عرف صدق ما قلناه وحقيقة ما ذكرناه، انتقل من البحرين وسكن مطرح في زمان والده وهدى الله به أهل تلك الديار ولا سيما الطائفة المعروفة بالحيدر آبادية فكانوا ببركاته ذوي معرفة ودين وثبات ويقين بعد أن كانوا أصحاب جهل وتهاون بالدين وأقام بها مدة مديدة في غاية الإعزاز والإكرام مشتغلا بالتصنيف والعبادة والمطالعة والتأليف متصديا لأجوبة المسائل وإيضاح الدلائل، ثم بعد ذلك حدثت قضية أوجبت خروجه منها وسكن بلدة لنجة من توابع إيران إلى أن أدركه الأجل
236 المحتوم والقضاء المبروم فتوفي بها في شهر جمادي سنة 1319 هج. وكان (قده) من المعاصرين ولم أجتمع به، له من المصنفات الرشيقة والتحقيقات الأنيقة كتاب (لسان الصدق) في الرد على النصارى على كتاب لبعض أحبارهم ولقد أجاد بما أجاب وطابق الواقع والصواب وقد ذكر في آخره خاتمة جيدة في الإمامة وختمه بقصيدة فريدة متضمنة لما قرره في الكتاب وكتاب (منار الهدى في إثبات النص على الأئمة الأمناء) تعرض فيه لنقض كلام ابن أبي الحديد المعتزلي وأصحابه ولرد كلام القوشجي في شرح التجريد وأضرابه من معتزلة وأشاعرة وهو كتاب جليل، ومصنف عديم المثيل، محكم الدليل، هاد إلى سواء السبيل، يستحق أن يكتب بالتبر على الأحداق، لا بالمداد على الأوراق، كما لا يخفى على أولي الفضل والحذاق، وقد قلت فيه مادحا وله مقرظا نصرة للحق وأهله وتقربا لله ورسوله وآل رسوله وإن لم أجتمع بصاحبه: هذا منار الهدى حقا وذا علمه * هذا لسان الهدى حقا وذا قلمه فالزم محجته واسلك طريقته * تلق النجاة يقينا حين تلتزمه فالحق نور عليه للهدى علم * من أمه مستنيرا قاده علمه ولنا عليه أيضا تقريظ آخر في أبيات جيدة تقارب عشرين بيتا ذكرناها في كتابنا المسمى (بجنات تجري من تحتها الأنهار) في المناظيم العلمية والمدائح والمراثي وسائر الأشعار نسأل الله تعالى إكماله، وله كتاب (قامعة أهل الباطل) في الرد على بعض الحنفيين المحرمين لتعزية الحسين " ع " ابن سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الطاهرين، وقد أجاد فيما أفاد وطابق الحق والسداد وقمع
237 به أهل النصب والعناد والنفاق واللداد فجزاه الله خير الجزاء في الحشر والمعاد وله رسالة عملية حسنة في الطهارة والصلاة وله كتاب (الأجوبة العلية للمسائل المسقطية) وقد جمعها تلميذه وابن أخته الشاب الأسعد الشيخ أحمد ابن الحاج محمد بن سرحان البحراني ورتبها على ترتيب الفقه وهو كتاب نفيس وجامع أنيس، وله رسالة في بعض مسائل التوحيد رد فيها على بعض السادة من العلماء المعاصرين، وله رسالة في التقية وأحكامها، وله رسالة في المتعة وفضلها، وله رسالة في الفرق بين الإسلام والإيمان وتحقيقهما، وله رسالة في نفي الاختيار في الإمامة عقلا ونقلا حسنة جيدة محكمة الأدلة وله رسالة في وجوب الاخفات بالبسملة في الأخيرتين وثالثة المغرب لمن قرأ الفاتحة خلافا للمشهور ووفاقا لابن إدريس الحلي (ره) وهذه الرسالة قد نقضها شيخنا العلامة الفهامة الأسعد الصالح الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح نقضا جيدا محكما وهو عندنا، وله أجوبة مسائل كثيرة وجوابه في غاية البسط والإيضاح والاستدلال كما هو الغالب في أجوبة أمثاله من علماء بلادنا الأبدال، شكر الله سعيهم الجميل وأثابهم بالأجر الجزيل، والظاهر أن له عندنا من المصنفات غير ما ذكرناه لكن عددنا ما رأيناه وأكثرها ولله الحمد عندنا وأكثر كتبه مطبوعة الآن، وسمعت مستفيضا أن له (قدس سره) حافظة عظيمة في التواريخ والحديث والسير والأدب وأشعار العرب وله أشعار رائقة جيدة بليغة قرأ عند والده الشيخ عبد الله ابن الشيخ علي (المتقدم ذكره) والظاهر أنه لم يقرأ على غيره وقراءته بالنسبة إلى علمه وتحصيله قليل يسير وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل الكبير، وسمعت شيخنا العلامة الصالح يذكر أن قراءته على أبيه قليلة جدا ولكنه ذو حافظة وذكاء مفرط وفرغ نفسه للمطالعة
238 والتصنيف وبعض التدريس والتأليف وسمعت من بعض المطلعين إنه مات شهيدا مسموما ولعنة الله على الظالمين ورحمنا الله وآبائنا وإياه وإخواننا المؤمنين في الدنيا والآخرة إنه أرحم الراحمين. 110 - السيد ناصر ابن السيد أحمد (ومنهم) العالم الفاخر العلم الظاهر والنور الزاهر المحقق المعاصر الركن المعتمد السيد ناصر ابن المرحوم السيد أحمد ابن السيد عبد الصمد البحراني، يتصل نسبه الشريف إلى من قدمنا ذكرهم وذكرنا شرفهم وفخرهم من العلماء الأعلام والسادة الكرام وهم آل أبي شبانة، وحدثني أيده الله تعالى وحرسه أن مسكن آبائه الأقدمين قرية (منى) من البحرين، ثم انتقلوا منها إلى قرية أرض (الزنج) من البحرين وبيتهم الرفيع وأملاكهم فيها إلى الآن، وحدثني أيضا سلمه الله تعالى أن آباءه وأجداده ينتهون إلى الإمام موسى بن جعفر عليه وعلى آبائه وأبنائه المعصومين صلوات رب العالمين كلهم علماء فضلاء أدباء كملاء انتقل من البحرين مع أبيه إلى مسقط ثم إلى العجم ثم إلى زيارة العتبات الشريفة والمشاهد المنيفة وحضر بحث شيخنا العلامة المحقق الشيخ مرتضى الأنصاري فأعجب به وطلب من أبيه إبقاءه في النجف الأشرف للاشتغال ولو مقدار سنتين فأبى وذكر إنه غير محتاج لذلك وبالغ الشيخ معه فيما هنالك وتكفل له بمصارفه فلم يرض أبوه بذلك وكان أبوه يعتقد فيه أنه أعلم العلماء وأفضل الفقهاء وانحدر على طريق البصرة فيسر الله لأهلها التشرف عندهم بمقامه وأن يكونوا من
239 أصحابه وخدامه فشرف بمقامه قدرها وعلى فخرها وكان السيد المذكور آية من آيات الله في الذكاء وقوة الذاكرة والملح والنوادر والطرائف والظرائف مع الجلالة والعظمة والوقار والهيبة وكان والي البصرة ورؤساؤها وسائر الحكام من الخاص والعام يعظمونه غاية التعظيم والإكرام ويزورونه في بيته الرفيع المقام وهو أيضا يزورهم لحسن المعاشرة والالتئام لا يمله جليسه ونسأل الله تعالى أن يديم له البقاء السعيد ويمتنع المؤمنين بيمنه المبارك الرشيد فإنه تنقطع بموته هذه السلسلة الطيبة لعدم وجود خلف له من ذريته وطائفة، والظاهر أنه ميؤوس من الولد والله ولي التدبير وهو على كل شئ قدير وسمعت أن له الإجازة من العالم الفاضل الأفخر الشيخ مهدي ابن العالم الشيخ علي ابن الشيخ الأكبر الشيخ جعفر النجفي صاحب (كشف الغطاء) ولا أدري هل له إجازة من غيره أم لا. له من المصنفات كتاب في التوحيد مجلد وسط على قواعد الحكماء والمتكلمين، حسن جيد استعرته منه وطالعته في بعض أسفاري للعتبات الشريفة وكتبت عليه بعضا من المدح والتقريظ وقد نسيت الآن اسمه وله رسالة في مقدمة الواجب. وله منظومة في الإمامة ولا سيما في أحوال يوم الغدير قرأ علي سلمه الله تعالى جملة منها وله قصائد جيدة في رثاء جده الحسين (ع) بليغة ومرثية على والده مليحة بليغة قرأ علي كثيرا منها ولا أدري له من المصنفات غير ما ذكرناه أم لا نسأل الله الكريم الحميد أن يمد له ولنا ولإخواننا المؤمنين ولا سيما العلماء في العمر السعيد ويمتعنا بالعيش الرغيد ويوفقنا إلى ما يحب ويريد ويختم للجميع منا بخير بقي وسعادة وشرف مزيد.
240 . 111 - السيد شبر الستري (ومنهم) العالم المحدث الأجل السيد شبر ابن السيد علي ابن السيد مشعل الستري البحراني الغريفي كان رحمه الله تعالى من العلماء المحدثين والفقهاء المتبحرين والظاهر أن أكثر تحصيله عند علماء الجزائر المعروفين بالأخباريين وله منهم الإجازة وأول تحصيله في البحرين عند العالم الأواه الشيخ عبد الله ابن الشيخ عباس الستري البحراني وكان مسكنه البصرة تارة والمحمرة أخرى. وله تصانيف منها رسالة سماها (معراج التحقيق إلى منهاج التصديق) مبسوطة في أصول الفقه، ورسالة سماها (مهذب الأفهام في مدارك الأحكام) مختصرة من تلك الرسالة وله رسالة في أجوبة تسع في التوحيد وأصول الفقه من مشكلات المسائل في غاية البسط والتحقيق والمسائل المذكورة لشيخنا العلامة الأمجد الصالح الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح في مبادئ أمره، وله أجوبة مسائل وحواشي على بعض الرسائل وله رسالة في النقض على جواب السيد التقي السيد علي ابن السيد إسحاق البلادي البحراني لمسائل للسيد شبر المذكور (ره) في غاية الجودة والأحكام والجميع عندنا والظاهر أن له غير ما ذكرنا من المصنفات لم أقف عليها وكان شاعرا مفوها. وله أربع مسائل في أصول الفقه تشبه الألغاز أرسلها للعالم الزاهد الصالح الشيخ صالح والد شيخنا الأمجد العلامة الشيخ أحمد فأجابه فيها عنه ابنه شيخنا
241 المذكور جوابا شافيا كافيا مبسوطا في مجلد حسن سماها (الدرر الفكرية في أجوبة المسائل الشبرية) عندنا وكان السيد شبر المذكور في آخر عمره أخذته الغيرة الإيمانية على ما جرى على أهل البحرين من الحكام المتغلبين عليها من الظلم والعدوان وغصبهم الأموال وتشتتهم في كل مكان وأداه نظره واجتهاده وإن لم يوافقه عليه أكثر علماء زمانه إلى جمع العساكر من أهل البحرين والقطيف الساكنين هناك لأخذ بلاد البحرين من أيدي أولئك المتغلبين الظالمين فاقتضى نظره الشريف أن يستند أولا إلى سلطان العجم وهو " ناصر الدين شاه القاجاري - ره " ليكون له ظهرا ولكون البحرين ملكا للعجم وتغلب عليها أولئك فلما سمع بذلك المتغلبون عليها هنالك أرسلوا إلى حاكم شيراز بالهدايا الكثيرة والبراطيل الوفيرة لكسر سورة ذلك السيد وسافر ذلك السيد إلى شيراز فلم يجتمع به ذلك الحاكم ولم ينظر إلى ما جاء إليه ذلك العالم فبقي في شيراز مقدار أربعة أشهر متكدر الخاطر عادم المعين والناصر إلى أن توفي (قده) بغصته قبل بلوغ أمنيته " وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟ " والدنيا عدوة الأحرار معاندة للأبرار تغمده الله برحمته وحشره مع آبائه وأئمته. 112 - عدنان ابن السيد شبر " ومنهم " ابنه السيد الفاضل رفيع القدر والشأن السيد عدنان خلفه أبوه صغيرا واشتغل بالعلوم في النجف الأشرف وكان ذكيا فطنا زكيا عالما عاملا قرأ في الأوليات عند جماعة من الفضلاء منهم ابن عمه الفاضل الكامل الفطن التقي
242 السيد علي البحراني (ره) من سكنة النجف الأشرف هو وأبوه قديما صحبته وحضرت معه بحث العالم الفقيه الأمين الشيخ محمد حسين الكاظمي أصلا النجفي مدفنا وتحصيلا (قدس سر ونور ضريحه) وهذا السيد النجيب (أعني به السيد علي البحراني) من العلماء النبلاء دقيق النظر له يد طولى في العقليات والهيئة من أهل الغريفة قرية من البحرين، له منظومة في الهيئة شرحها تلميذه وابن عمه السيد عدنان المذكور شرحا حسنا والظاهر أن له منظومة أخرى والظاهر أنه شرحها أيضا ابن عمه المذكور، وله منظومة في المواريث كما سمعته منه وقرأ علي بعضها وله أيضا مصنفات ومناظم ذكرها لي ونسيت أسماءها الآن، (توفي قدس سره) ولم يحضرني تأريخ وفاته تجاوز الله عن سيئاته وضاعف حسناته وللسيد عدنان المذكور مصنفات لم يحضرني الآن معرفتها منها رسالة في الطهارة والصلاة سماها (قبسة العجلان)، ورسالة أكبر منها وله أجوبة بعض المسائل وله شعر حسن وكان شاعرا مطبوعا وهو الآن قاطن في بلدة المحمرة مشتغل بالتصنيف والتدريس أطال الله عمره وسمعت إنه مجاز من فخر الشيعة وركن الشريعة الميرزا محمد حسن الشيرازي ومن الفقيه ذي الشرف شيخنا الشيخ محمد طه نجف تغمدهما الله برحمته وأسكنهما فسيح جنته. 113 - محمد بن السيد شرف (ومنهم) السيد السند والركن المعتمد ذو الفضل والشرف السيد محمد ابن السيد شرف الجد حفصي الموسوي البحراني المتوطن أولا مسقط ثم لنجة وبها توفي
243 (قدس الله سره وروحه وتابع فتوحه) في سنة 1319 هج، وكان هذا السيد النجيب الجليل عالما عاملا فاضلا كاملا كريما مهيبا وقورا ذا رياضة ربانية اشتغل أولا عند خاله ومربيه الفاضل الشيخ سليمان ابن العلامة الأمجد الشيخ أحمد آل عبد الجبار القطيفي البحراني برهة من الزمان ثم سافر إلى النجف الأشرف لتحصيل العلوم وحضر عند جماعة من فضلائها كالسيد المحقق حجة الإسلام الميرزا حسن الشيرازي وشيخنا العلامة الشيخ محمد حسين الكاظمي (قدس الله سرهما) ونور قبريهما) وغيرهما من فضلائها، ثم زار الإمام الرضا " ع " ورجع وسكن بلدة لنجة وقطن وبها همى غيث جوده وهتن وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وكان مرجعا لأهل تلك الأطراف ملجأ وموئلا لمن من الفقر والجور يخاف وبيته كعبة للاجئ والأضياف ذابا عن المؤمنين قامعا لأيدي المعتدين مؤيدا من رب العالمين مقيما لشعائر الدين وسمعت مستفيضا أنه يكون في بيته من أطراف البحرين والعجم والعراق المائة والمائتان والثلاث في كثير من الأيام ويتلقاهم بغاية الاكرام وحسن الترتيب والانتظام وكان معظما عند الملوك والحكام، مهابا عند الخاص والعام وربما تنزل النازلة بأحد أمراء العجم التي في تلك الأطراف فيلتجئ إليه فيصلح أمره ويشد على ما أصابه أزره، وبالجملة فهذا السيد الجليل قليل المثيل ومن هذه الجهة لم يتمكن من التصنيف والتدريس والتأليف وكل ميسر لما خلق له ولم أقف على مصنف له إلا جواب بعض المسائل وردت عليه من البحرين من السيد الفاخر السيد باقر ابن المرحوم السيد علي ابن السيد إسحاق البحراني (الآتي ذكره إن شاء الله) فكتب جوابها جوابا شافيا وافيا وهو عندنا بخطه (قدس سره) وحدثني شيخنا الثقة الصالح العلامة أفاض الله عليه شآبيب
244 الكرامة أنه لما اجتمع به السيد المذكور في النجف الأشرف وكان شيخنا زائرا والسيد مجاورا التمس السيد منه أن يخمس له أبيات (المعلم الثاني أبي نصر الفارابي) فخمسها له تخميسا جيدا فأعجب به السيد المذكور تغمدهما الله تعالى بالكرامة والحبور والأبيات التي للفارابي الحكيم هي هذه: كمل حقيقتك التي لم تكمل * والجسم دعه في الحضيض الأسفل أتكمل الفاني وتترك باقيا *.... الخ وقد ضاع تخميس شيخنا منه بعد ما ضاع وحصل المطلوب منه والانتفاع وتوفي (قدس سره) ولم يخلف ولدا ذكرا إلا أنه خلف ذكرا جميلا وأجرا جزيلا. 114 - السيد عبد القاهر التوبلي " ومنهم " السيد الفاخر الفاضل الماهر السيد عبد القاهر التوبلي البحراني كان رحمه الله تعالى من أفاضل تلامذة العالم المشهور الشيخ حسين آل عصفور مشهورا بالعلم والفضل إلا أني لم أقف على شئ من أحواله ولا شئ من مصنفاته والحوادث التي وقعت على بلاد البحرين، أذهبت أكثر آثارها في البين وحدثني شيخنا الثقة العلامة (أعلى الله مقامه) أن المرحوم الشيخ حسين آل عصفور رأى ليلة من الليال في الطيف إنه أتى إلى محراب مسجده الذي في قريته الشاخورة الذي يصلي فيه الجمعة والجماعة المعروف بمسجد حبيب وبال فيه سبع بولات (أي سبع مرات من البول) فانتبه متكدرا من هذه الرؤيا حتى أنه لم
245 يخرج للبحث والتدريس فلما اجتمعت العلماء والطلبة من أطراف البحرين وغيرها وقد كان العلم رائجا في زمانه كما قدمنا سألوا عما بالشيخ فأخبروا أنه غير طيب النفس ولم يعلموا بالسبب فدخل عليه هذا السيد (صاحب الترجمة) وكان أجرا تلامذته عليه بعد طلب الاستئذان إليه فرآه حزينا كئيبا فسأله عن سبب ذلك فأخبره بما هنالك، فقال له السيد المذكور إن رؤياك هذه حسنة مبشرة ينبغي لك أن تحمد الله عليها وتلبس ثياب المسرة والبشرى إليها فقال له: وما ذاك؟ فقال له السيد إن رؤياك تدل على أن الله تعالى يرزقك سبعة أولاد ذكورا علماء فضلاء وكلهم يخلفونك ويصلون في هذا المسجد أئمة للإنس وكان الشيخ قبل ذلك ليس له ولد ذكر أصلا فلما سمع الشيخ من السيد بتفسيرها وتعبيرها انجلى عنه ما يجده من الهم والثبور وتبدل ذلك عليه بالبشرى والسرور وخرج للتدريس على عادته حامدا مستبشرا فما كان إلا وقت يسير حتى من الله عليه بما ذكره السيد المذكور فرزقه الله سبعة أولاد علماء فضلاء مجتهدين وكلهم صلوا الجماعة والجمعة في ذلك المسجد المزبور والعلم كله في العالم كله إلا ما استأثر الله به دون خلقه واختص به رسله وأنبيائه وأمنائه (صلى الله عليهم أجمعين). ومثل هذه القضية والشئ بالشئ يذكر ما حدثني به شيخنا العلامة بوأه الله في دار المقامة قال (قدس سره) لما كنا في النجف الأشرف آخر زياراته وكان في أيام مرض العالم العامل الفاضل الفقيه الشيخ محمد حسين الكاظمي ذكر لي العالم الفاضل رفيع الشأن الشيخ محمد بن عيثان الأحسائي وكان مجاورا في النجف الأشرف للاشتغال يوما من تلك الأيام أني رأيت البارحة في الطيف كأن العالم الفقيه الشيخ محمد حسين الكاظمي أتى إلى براني الشيخ الفاضل ذي الشرف
246 الشيخ محمد طه نجف وهو المكان الذي يدرس فيه وبال فيه ولم أعلم حقيقة هذه الرؤيا ومعناها فقلت له إن هذه الرؤيا والله العالم تدل على أن الشيخ محمد حسين المذكور يموت وتنتقل رئاسة العلماء إلى الشيخ محمد طه نجف المزبور فما بقي بعد هذه الرؤيا إلا قليلا يوما أو يومين فانتقل إلى رحمة الله ورضوانه وفسيح جنانه وكان الشيخ محمد حسين رئيس العلماء من العرب بل والعجم الذين في النجف وانتقلت الرئاسة للشيخ محمد طه كما عبرنا، انتهى كلامه نقلناه بمعناه (قدس الله جميعا أرواحهم ونور في الملأ الأعلى أشباحهم). 115 - حسين ابن السيد عبد القاهر (ومنهم) ابنه الفاضل المحقق السيد حسين ابن السيد عبد القاهر المذكور خرج من البحرين وسكن البصرة تارة والمحمرة أخرى وأكثر سكناه في البصرة وبها توفي، قرأ عليه ابن عم والدي الفاضل الأواه الشيخ عبد الله ابن الحاج محمد ابن الشيخ سليمان في البصرة كتاب (قواعد العقائد) للعالم الرباني الشيخ ميثم البحراني من أوله إلى آخره وهو كتاب عجيب محكم الأدلة مكتوب على آخره الانهاء بخط ابن عمنا ووصفه بأوصاف جليلة ونعوت جميلة وقرأ عليه العالم الفاخر الشيخ ناصر بن نصر الله القطيفي في العلوم العقلية و كان الشيخ ناصر المذكور يبالغ في علمه وفضله وتقواه ونبله وذكر له كرامة حسنة قد شاهدها هو وجميع الحاضرين وهي أنه لما توفي " قدس سره " وخرجت الشيعة من أهل البصرة مشيعين لجنازته قاصدين بها النجف الأشرف بتشييع عظيم والناس في بكاء وعويل
247 جسيم ومروا بجنازته على العشار المعلوم من البصرة وكانت هناك سفينة فيها جماعة من المخالفين من أهل الكويت وفيهم رجل هو توخذ تلك السفينة فلما رأى كثرة الناس واجتماعهم وصراخهم فأظهر كلاما فيه الشماتة والسرور فما أكمل كلامه حتى وقعت على رأسه قفية " وهي خشبة في السفينة لرفع الحبال من آلاتها " فأهلكته بلا إمهال وعجل الله له في الدنيا قبل الآخرة النكال والناس يرونه بذلك الحال وله في الآخرة أشد العذاب والوبال، ومن أهل هذا البيت بارك الله عليهم: 116 - عبد القاهر التوبلي البحراني (ومنهم) السيد التقي الفاخر المعاصر السيد عبد القاهر بن السيد كاظم التوبلي البحراني المقابي كان (قدس سره) من العلماء الأخيار والنجباء الأبرار خرج من البحرين وسكن بلاد القطيف، ثم مسقط ثم لنجة وبها توفي " قدس الله سره ونور قبره " رأيت له رسالة في شرح أسماء الله الحسنى وخواصها ومنافعها حسنة، ولا أدري هل له غيره أم لا؟ من المعاصرين ولم أره وسمعت له بعض المراثي على الحسين بن علي عليه السلام جيدة بليغة ولم يحضرني تأريخ وفاته ضاعف الله حسناته.
248 . 117 - الشيخ عبد علي التوبلي " ومنهم " العالم العامل المحقق الكامل الأديب الأريب الشيخ عبد علي ابن محمد الخطيب التوبلي البحراني كان رحمه الله من فحول العلماء ومن أعاظم الأتقياء الأخيار ولا سيما في العقليات والهندسيات وله المسائل العويصة الدقيقة وقد تضمنته الرسالة الرشيقة المشتملة على علم التوحيد والكيمياء والسلوك وأرسلها إلى العالم الأوحد الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي وأجاب عنها جوابا شافيا يليق بها تنبي عن فضل عظيم وعلم جسيم للسائل المذكور وسعة دائرية في العلوم وطول باعه في الرسوم في المجلد الأول من جوامع الكلم وله من المصنفات شرح رسالة العالم الفاضل الشيخ محمد ابن العلامة الشيخ أحمد البلادي البحراني في علم الهيئة مجلد حسن مبسوط يدل على سعة باحثه في العلوم ولا أدري هل له من المصنفات غيره أم لا؟ لأني لم أقف له على ترجمة كأكثر من ذكرناهم ولا تأريخ للوفاة ضاعف الله له الحسنات. 118 - الشيخ عبد الله البصري " ومنهم " من أدبائها وعارفيها وشعرائها ومادحيها الشاعر الأديب الماهر الشيخ عبد الله ابن الشيخ أحمد البصري البحراني البلادي، رأيت له ديوان شعر مدائح ومراثي وتواريخ لوفيات بعض علماء البحرين والقطيف ومن
249 شعره ما أجاب به أبا العلاء المعري الذي ينسب إلى الالحاد والزندقة وهو قوله: ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة * وحق لسكان البسيطة أن يبكوا يحطمنا ريب الزمان كأننا * زجاج ولكن لا يعاد له سبك فقال رحمة الله عليه مجيبا لأبي العلاء المعري: تقول بأن الضحك منا سفاهة * وتندب سكان البسيطة أن يبكوا وتزعم أن الدهر فينا محطم * كحطم زجاج لا يعاد له سبك فلو لم يكن عود لنا بعد موتنا * لما قبح الاضلال واستحسن النسك ولو لا ترجينا الثواب وخشية العقاب * بحشر حق أن يحسن الضحك وما الموت إلا راحة واستراحة * عن البؤس يا من قاده الشك والشرك فبشراك يا أعمى البصيرة دائما * عقاب طويل ليس يرجى له فك 119 - الشيخ عبد الله الذهبة الخطي " ومنهم " الأديب الأريب الأواه الشاعر المصقع المطبوع الماهر التقي الحاج
" ومنهم " العالم الفاضل الفاخر الشيخ ناصر ابن الحاج عبد النبي بن عبد الله ابن ناصر آل الشيخ مبارك الهجري التوبلي توفي " قدس سره " في سنة 1331 ه وله من العمر ما يقرب من 65 سنة خمس وستين سنة ولم يحضرني شئ من تأريخ حياته وترجمته تغمده الله عز وجل بعفوه ورحمته وأسكنه فسيح جنانه. حرره عبد الله بن أحمد العرب سنة 1335 هج. 250 عبد الله ابن المرحوم الحاج أحمد الذهبة البحراني كان رحمة الله تعالى عليه من أهل قرية جد حفص، سكن مسقط ثم لنجة من توابع إيران وبها انتقل إلى الرحمة والرضوان كان شاعرا ماهرا مجيدا من شعراء أهل البيت * (ع) * وراثيهم ومادحيهم تقيا نقيا لم يوجد مثله في الشعر والمعاني الجيدة وكان بمنزلة المرحوم السيد حيدر الحلي (ره) في العراق بل في بعض الأشعار له التقدم عليه اجتمعت معه في بيتنا في القطيف وقد كان جاء زائرا للمرحوم العلامة الصالح شيخنا الأسعد الشيخ أحمد ابن المرحوم الشيخ صالح، له ديوان شعر رأينا منه مجلدين ضخمين وكان من الأتقياء الأخيار العارفين الأبرار، أسكننا الله وإياه وآبائنا وإخواننا في دار القرار في زمرة محمد وآله الأطهار صلى الله عليهم آناء الليل وأطراف النهار. ومن جملة قصائده القصيدة الغراء التي أولها: أبى الدهر أن يصفر لحر مشاربه. ويقول في آخرها في شأن بنات الرسالة: ولهفي ولا يشفي الذي في ضمائري * بلهفي ولا يخبو من الوجد لاهبه لربات خدر لم تر الشمس وجهها * لها دان أعجام الورى وأعاربه لدى كل وغد ما درى المجد ما اسمه * يجاذبها فضل الردى وتجاذبه 120 - السيد علي البلادي البحراني " ومنهم " العالم العامل التقي النقي السيد علي ابن السيد محمد ابن السيد إسحاق البلادي البحراني كان رحمه الله تعالى من العلماء العاملين والأتقياء الورعين قرأ
251 عند المرحوم الشيخ محمد بن خلف الستري البحراني المتقدم ذكره وعليه قرأ شيخنا العلامة الصالح في أكثر العلوم رأيته وأنا ابن ثمان أو تسع سنوات، له جواب بعض المسائل أرسلها إليه العالم السيد شبر ابن السيد مشعل البحراني المتقدم ذكره في ص 241 وأجاب عنها وأرسلها إليه ونقضها السيد شبر وأرسلها إليه والجميع عندنا ورثاه شيخنا العلامة الصالح بمرثية وموضع التأريخ منها قوله (غاب بدر للهدى) ودفن في مقبرة الشيخ راشد من بلاد القديم من البحرين. ولنختم هذا الباب بترجمة خاتمة العلماء الأطياب وصفوة الفقهاء الأنجاب شيخنا العلامة الأمجد التقي النقي الأرشد الأورع الأحوط الأضبط سلمان دهره وأبو ذر عصره العالم العامل الفاضل الكامل العبد الصالح الرباني: 121 - الشيخ أحمد آل طعان " ومنهم " العالم الأعظم الرباني الشيخ أحمد ابن العالم العامل الزاهد العابد المرحوم الشيخ صالح بن طعان بن ناصر بن علي الستري البحراني (قدس الله تربته وعلى في الجنان رتبته) كان رحمه الله تعالى خلاصة علمائها الأخيار وبقية فقهائها الأبرار جامعا لأنواع الكمالات ومحاسن الصفات والحالات في مكان مكين من الورع والتقوى والتمسك بالعروة الوثقى والسبب الأقوى في غاية من التواضع والإنصاف في نهاية حسن الأخلاق والعفاف والكرم الذي لم يزل بيته العالي مناخا للوافدين والأضياف محبوبا عند العوام والخواص من ذوي الوفاق والخلاف، لم أر في العلماء ممن رأيناهم على كثرتهم في الجامعية للكمالات مثله
252 (أعلى الله في دار الكرامة محله). وكان رحمه الله تعالى من أهل سترة جزيرة من البحرين ثم انتقل مع والده إلى قرية المنامة وقرأ عند السيد التقي النقي السيد علي ابن السيد إسحاق (المتقدم ذكره) أكثر العلوم من نحو وصرف ومعاني وبيان وتجويد ومنطق وغير ذلك حتى أذعن هو وغيره له بالفضيلة وبقي مقدار سنتين وأكثر لا يحضر عند أحد لعدم قابلية من في البحرين حينئذ لحضوره عنده مشتغلا بالتصنيف والمطالعة والتأليف وأجوبة بعض المسائل التي ترد عليه وقد قرر شرح الباب الحادي عشر للفاضل الشيخ مقداد السيوري الحلي على العالم الأواه الشيخ عبد الله ابن الشيخ عباس المذكور إذا جاء لقرية المنامة في أثناء قراءته على السيد علي المذكور إلى أن من الله عليه بالتشرف لزيارة العتبات الطاهرة وتفضل عليه بالوصول إلى النجف الأشرف لمجاورة فحضر عند جماعة من فحول علمائها وأساطين فقهائها كشيخنا المحقق المدقق الشيخ مرتضى الأنصاري (ره) والفقيه التقي الشيخ راضي النجفي والفقيه الزاهد الأمين الشيخ محمد حسين " ره " والزاهد العابد التقي النقي سلمان الزمان الشيخ ملا علي ابن الميرزا خليل الطهراني النجفي وتوفي الشيخ مرتضى (ره) وهو حاضر فرثاه بقصيدتين فريدتين يأتي الكلام عليهما وعلى غيرهما إن شاء الله تعالى، ثم توجه بعد وفاة والده والوالد المرحومين ومن هو السبب في إقامته هناك إلى البحرين ملآنا من العلوم والمعارف يهتف به في محافل أولي الكمال الهواتف وكان له كثير من الرسائل وأجوبة المسائل قبل رواحه النجف الأشرف قد فرط بها آذان أهل الفضل وشنف، وأقام في البحرين مدة ثلاث سنوات ملازما على التدريس والتصنيف والعبادات مواظبا على أنواع الطاعات، ثم سافر
253 لزيارة الأئمة الهداة والمقامات العاليات ثم رجع وسكن في القطيف وشرفت به غاية التشريف لسبب ذكرناه سابقا ملازما للمطالعة التصنيف والتدريس والتأليف مواظبا على طاعة ذي الجلال ملازما لمحاسن الخصال مرجعا لأهلها حالا لمشكلها ثم سافر للزيارة وإلى الإمام الرضا (ع) زاره، ثم رجع إلى القطيف وفي أواخر عمره الشريف صار يتردد إلى البحرين مع بعض الأهل لإرشاد أهلها وإنقاذهم من هلكة الجهل والحين بعد مراسلات من أهلها كثيرة وترددات والتماسات وفيرة حتى هتف به داعي الحمام فأجاب أمر الملك العلام وعرج بروحه المقدسة إلى دار السلام وجوار أوليائه الكرام في ليلة الأربعاء عيد الفطر (أو ثانيه) على الاختلاف في رؤية الهلال من السنة 1315 هج. الخامسة عشرة والثلاثمائة والألف من هجرة سيد الأنام عليه وآله أفضل الصلاة والسلام. وقبره المقدس في الحجرة التي فيها قبر العالم الرباني الشيخ ميثم البحراني المتصلة بالمسجد بقرية هلتا من الماحوز من البحرين بوصية منه بذلك، لأنه قد رآه في المنام قبل وفاته بأيام كأنه يعاتبه على تركه الزيارة له والحال أنه من قريب قد زاره فأولها شيخنا بأنه قد طلب جواره، وقد حصل له من التشييع والإكرام ما لم يتفق لأحد من العلماء العظام والملوك والحكام وبعض الكرامات عند دفنه وبعده من قبره في بعض الليالي والأيام وعطلت لفقده الأسواق سبعة أيام وأقيمت له من المآتم العظام في البحرين والقطيف ولنجة والنجف الأشرف وغيرها في سائر بلاد الإسلام ما يزيد على مائة وخمسين مأتما بالمراثي الكثيرة الجسام وسائر النظام ولم تر مثل ذلك اتفق لأحد من مشاهير العلماء
254 الأعلام والسلاطين والحكام (قدس الله نفسه وطهر رمسه) وقد ذكرنا أكثر أحواله بتفصيله وإجماله في رسالتنا المسماة بالحق الواضح في أحوال العبد الصالح. (وله قده) من المصنفات الرشيقة والتحقيقات الدقيقة جملة وافرة منها كتاب (زاد المجتهدين في شرح بلغة المحدثين) والأصل للعالم الرباني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني في علم الرجال ذكر في أوله فوائد وقواعد عجيبة في علم الرجال لم يشرح إلا قليلا مجلد حسن، ورسالة " قرة العين في حكم الجهر بالبسملة والتسبيح في الأخيرتين " مبسوطة عجيبة، وله (ره) رسالة ثانية مختصرة، وله رسالة ثالثة نقضا لرسالة المعاصر الشيخ علي الستري البحراني كما قدمنا، وله شرح اللمعة، وله كتاب (سلم الوصول إلى علم الأصول) أصول الفقه لم يخرج منه إلا القليل، وله كتاب (إزالة السجف عن موانع الصرف) في النحو مجلد حسن، وله [إقامة البرهان على حلية الأربيان] رد فيها على بعض الشارحين على اللمعة حيث استشكل في حليته وزعم أنه الربيان المنهي عنه في بعض الأخبار وله رسالة في حكم الخارج عن بلد الإقامة سماها " منهاج السلامة " وله مع علماء البصرة قصة عجيبة يطول ذكرها لإنكارهم فتواه في المسألة فصنف هذه الرسالة وأرسلها إليهم فسلموا وأذعنوا، وله رسالة في الحبوة وما يحبى به الولد الأكبر رجح فيها إدخال الكتب العلمية فيها كما هو قول بعض القدماء ونطقت به بعض الأخبار، وله رسالة في حكم الجمع بين الشريفتين رجح فيها قول صاحب الحدائق بتحريم الجمع، وله رسالة في تحقيق العقل وأقسامه جيدة مليحة وله رسالة في صوم يوم عاشوراء أي العاشر من المحرم وتحقيق خبر ابن وهب رجح فيه كراهة لصوم
255 في ذلك اليوم وأنه إمساك إلى بعد العصر لا صوم، وله كتاب (ملاذ العباد في أحكام التقليد والاجتهاد) مبسوط جيد بذكر الأدلة والأقوال رجح فيه جواز تقليد الأموات من جهة الدليل واحتاط فيه بالمنع لقاعدة الاشتغال وله كتاب [الدرر الفكرية في أجوبة المسائل البشرية] جواب أربع مسائل للسيد شبر مجلد حسن كما تقدم في أصول الفقه وله رسالة جيدة في شرح فقرة من دعاء كميل (ره) وهي (فهبني الخ) وإعرابها وقد سأله عنها العالم الشيخ حسن ابن الشيخ علي بن عصفور البحراني فكتب جوابها معنى وإعرابا مبسوطا وأرسلها إليه فكتب عليها السائل بعض الإيرادات والاعتراضات فأجاب عنها برسالة أيضا جيدة وله أجوبة مسائل كثيرة في دفعات متعددة للسيد باقر ابن أستاذه السيد علي ابن السيد إسحاق البحراني (المتقدم ذكره) وله أجوبة مسائل للشيخ محمد ابن الشيخ عبد الله ابن الشيخ أحمد البحراني متعددة وله أجوبة مسائل للفاضل الشيخ ضيف الله بن سيف وغيره كثيرة مما يبلغ مجلدين وله كتاب (الصحيفة الصادقية) سماها [التحفة الأحمدية للحضرة الجعفرية] مجلد كبير جدا رتبه كترتيب الفقه من الطهارة بدأ أولا بأدعيتها وتوابعها ثم الصلاة ثم الصيام وهكذا مما هو مختص ببحر الحقائق أبي عبد الله الصادق (ع) أو ما رواه عن آبائه (ع) والأحراز والعوذ والاستفتاءات كلها فيها بأتم تتبع وأحسن ترتيب بقدر العلويين البحرانية والطوسية فجزاه الله خير الجزاء وله حواش عليها وله حواش على كتاب الميرزا الكبير في الرجال والنجاشي، وله منظومة كبيرة في الفقه تبلغ الفين وخمسمائة بيت.، نظم نخبته الكاشاني وله المنظومة الجليلة المسماة [بالعمدة نظم الزبدة] للشيخ البهائي في الأصول عجيبة جيدة وله منظومة في الكشكول والسهو
256 مائة وخمسة وعشرون بيتا حسنة جيدة وله منظومة عجيبة في التوحيد غير تامة أيضا وله كتاب (قبسة العجلان في وفاة غريب خراسان) صنفها في جدة عند رجوعه من حج بيت الله الحرام وزيارة النبي وآله الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام وقد حصل لهم عطال كثير في جدة فلما كان قبل وفاة الإمام الرضا (ع) بيوم التمس منه أصحابه ورفقاؤه تصنيف وفاة لقراءتها يوم وفاته عليه السلام ولم تكن عنده كتب في هذا الفن فصنف هذا الكتاب العجيب في يومه وليلته وذكر الروايات المتضمنة لمناقبه ووفاته وأحواله بالمعنى ومزجها بما يناسبها من الأشعار الجيدة له ارتجالا حتى أكملها وقرأها يوم وفاته عليه السلام وكادت تلحق بالمعاجز والكرامات فلما وصل إلى البلاد كتب الروايات بلفظها وهي الآن تقرأ في أطرافنا كالقطيف والبحرين والبصرة ولنجة أحسن ما صنف في هذا الباب فجزاه الله خير جزاء وثواب. وله ديوان شعر في مدح النبي والأئمة عليهم السلام ومراثيهم (ع) وغير ذلك جمعه بعض الأخوان وطبعه بعد وفاته وسماه ب (الديوان الأحمدي) ولم يستوف جميع أشعاره الرائقة لعدم إحاطته بكلها ونحن إن شاء الله تعالى نذكر في ترجمته أكثر ما أهمله إلا ما شذ منها وضاع حفظا لها عن الضياع وقصدا للانتفاع فمنه قوله قدس سره في مدح أمير المؤمنين علي عليه السلام: قالوا: إمدحن أمير النحل قلت لهم: * مدحي له موجب نقصا لمعناه لأن مدحي له فرع بمعرفتي * بذاته وهي سر صانه الله فإن أصفه بأوصاف الأناس أكن * مقصرا إذ جميع الخلق أشباه وإن أزد فوق هذا الوصف خفت بأن * أتيه مثل غلاة فيه قد تاهوا فدع مديحي ومدح الناس كلهم * والزم مديحا له الرحمن أولاه
257 فكل من رام مدحا فيه منحصر * لسانه عن يسير من مزاياه ومنه قوله (قده) في الحث على الإنفاق: يا فاعل الخير والإحسان مجتهدا * أنفق ولا تخش من ذي العرش إقتارا فالله يجزيك أضعافا مضاعفة * والرزق يأتيك أمثالا وأبكارا ومنه قوله أعلى الله مقامه وأزاد إكرامه في رثاء العلامة المحقق الشيخ مرتضى الأنصاري " ره " " من ذرية جابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي - رض " صاحب المصنفات العجيبة " كالمكاسب " و " الرسائل " وغيرهما وقد كان من مشائخه كما تقدم وحاضرا في وفاته ضاعف الله حسناته وصفاته سنة 1281 ه فرثاه بهاتين القصيدتين البديعتين الفريدتين وقد أعجب بهما فحول الشعراء ومصاقع البلغاء وحدثني " قدس سره " أن السيد السند حجة الإسلام السيد أسد الله الأصفهاني " ره " كان مغرما بهما غاية ونهاية وكان رحمه الله تعالى يستدعي الشيخ علي الحمامكي قارئ النجف الأشرف وهو الذي تولى إنشادهما في الفاتحة لإنشادهما عليه ولا سيما النونية مرارا عديدة مقدار شهرين أو ثلاثة وهما هاتان أولهما الضادية وهي هذه لله سهم سددته يد القضا * فأصاب كل الخلق حتى من مضى بل قد طوى منشور دين المصطفى * لما طوى نشر الإمام المرتضى الكوكب الدري الذي أنواره * عمت جميع الكون لما أومضا أوما رأيت النجم يبني أنه * قد شاء مركزه الرفيع فقوضا عقدت عليه المكرمات نطاقها * فالآن حق لعقدها أن ينقضا سند عماد قامت الدنيا به * فاليوم حق لها انقلاب وانقضا طود عظيم لا يقوم ببعض ما * قد حاز يذبل بل يضيق به الفضا
258 لولا محبة نفسه لصعودها * للخلد لم يقدر على أن ينهضا فاعجب لمن كان المحكم في القضا * والحكم لم لا رد أحكام القضا أتراه قد كره الدنية فارتضى * التخليد في دار المعزة والرضا؟ أو أن طبع العالم السفلي لم * يك قابلا لكماله فتنهضا؟ أو أن خالقه أحب لقاءه * فأجابه وإلى رضاه تعرضا؟ فليبكه الذكر الحكيم لأنه * قد أحكم الأحكام منه وفرضا وليبكه الدين الشريف لأنه * على قواعده وحل المغمضا وليبكه كل الأنام لأنهم * فقدوا أبا في برهم متمحضا وإليك عز المصطفى والمرتضى * بالمرتضى للمصطفى والمرتضى يا شمس فانكسفي ويا بدر انخسف * فتمام نوركما تصرم وانقضى وعليك يا دنيا العفا فتعطلي * فتمام زينتك النفيسة قد قضى يا كافل الأيتام أيتمت الهدى * والدين والدنيا وأعواد القضا أحييتنا واليوم أنت أمتنا * هل كنت ربا أم وليا مرتضى لله نعشك حيث يهوي دونه * نعش السما والعرش عانقه رضا تالله إن المرتضى قد شب في * قلب الورى لما مضى نار الغضا أنى يبوخ ضرامها إلا إذا * قد قام (قائمنا) الحسام المنتضى فانهض إمام العصر قد عظم البلا * وعظيم بعدك قلبنا قد أمرضا وتلافنا قبل التلاف وثر على * أهل الخلاف بمثل ما منهم مضى ذبحوا الحسين على ظما رفعوا الكريم * على قنا والصدر منه رضضا ذبحوا الرضيع وللحرائر قد سبوا * سبوكم فعلوا الذي لا يرتضى
259 قادوا الإمام أبا الأئمة صاغرا * وجنين فاطم أمكم قد أجهضا يا سيدي ضاق الخناق متى أرى * لجياد خيلك في دماهم مركضا؟ صلى الإله عليكم ما ذكركم * قد طبق الأكوان أو أرضا أضا وسقى ضريح المرتضى صوب الرضا * ما نور مفخره على الدنيا أضا هذا تمام الأولى، والثانية هي هذه: الله أكبر حل عقد الدين * رمي الهدى فهو على العرنين والعلم أصبح لابسا ثوب الأسى * يحكي الحيا بالمدمع المهتون والحق حق عليه إظهار الأسى * بسقوط عقد جمانه المكنون ونضوب ماء حياته شمس التقى * علم الهدى مبديه بعد كمون ظل الإله على الأنام ومن به * يسقى الأنام يتيمة التكوين محيي دروس العلم بعد دروسها * وكذا الأنام بعلمه الميمون سباق حلبات الفضائل كلها * حلال كل عويصة بفنون المرتضي للمصطفى والمرتضى * فليبكياه بمدمع مسخون لا غرو إن بكياه فهو إليهما * خلف وبالتخليف خير قمين حمال أعباء الخلافة قائم * بالعدل في المفروض والمسنون وليبكه شرق البلاد وغربها * وليستجدا هيئة المحزون فلقد نعى جبريل في أفق السما * قد خر نجم الأوليا والدين اليوم نأتي الأرض ننقصها وقد * باء الأنام بصفقة المغبون الله أكبر ما أتاح يد القضا * من فادح قدح الهدى بشجون لولا بقية آل بيت محمد * (القائم) الموعود بالتمكين
260 ساخت بنا الأرض البسيطة بعده * إذ كان حصنا من أشد حصون يا من قضى الإسلام لما أن قضى * لا كان يومك في قضايا كوني ترك الأنام تموج تطلب موردا * إذ غاب عنها مثل.. النون قد حز ناصية العلوم مع العلا * بل حز من ذا الدين كل وتين يا بدر تم قد أضاء إلى الورى * فاغتاله صرف الردى بمنون يا بحر علم فاض رشح عبابه * فسقى القلوب عن الصدى بمعين إن يمس شخصك في اللحود مغيبا * فالعلم فينا منك غير دفين ناداك ربك فاستجبت نداءه * فغدوت تبسم في حجور العين ولقد تسابقت السماء وأرضها * في ضم شخصك مجمع التبيين فقسمت بينهما فروحك في السما * والجسم للأرضين للتحصين فاذهب جميل الذكر منشور اللوى * وإليك في الجنات خير قرين وعليك تترى رحمة الباري متى * ما رنحت ريح الصبا بغصون هذا آخرها * (قلت) * غير خفي على أهل الكمال والأدب ما فيهما من البراعة والبلاغة والطلاوة والحلاوة مع صدق المعنى لأن الشعر أكذبه أعذبه وانظر إلى البيتين الذين في أولهما * (ولقد تسابقت السماء وأرضها) * الخ تجدهما أحلى وأعذب ويستحق أن يكتبا بماء الذهب، بل ربما كتبهما بذلك بعض أهل الكمال والأدب. وقال " قدس سره " لما دفن الشيخ المرحوم المذكور في باب القبلة من الصحن الشريف العلوي المحبور في الحجرة التي فيها العالمان العاملان ذوو الفضل والشرف الشيخ حسين نجف، والعالم العامل الأفخر الشيخ محسن خنفر تغمدهم الله وإيانا برحمته وجمعنا وإياهم والمؤمنين في دار كرامته مع محمد (صلى الله عليه وآله) وعترته بحقه وآله وعترته وذريته صلى الله
261 عليه وآله وعترته: في باب قبلتنا مقام المرتضى * من كان بابا للإمام المرتضى فكفاه فخرا أنه بحياته * ومماته باب له حاز الرضا وقد كتب هذان البيتان في الكاشي في باب القبلة المذكور مما يلي الحجرة المذكورة وله (قدس سره) القصيدة العجيبة الفريدة التي جاري بها الملك أبا فراس بن حمدان ملك الجزيرة الموصل في ذم بني العباس وهي القصيدة المشهورة التي مطلعها: الدين مخترم والحق مهتضم * وفئ آل رسول الله مقتسم وقد اقترحها عليه الأديب الحاكم الأريب الأسعد الشيخ أحمد ابن الشيخ مهدي ابن نصر الله آل أبي المسعود القطيفي لما كان في البحرين وهو أيضا شاعر زمانه وقد جاراه فيها فعمل شيخنا هذه القصيدة الفريدة التي مطلعها: الحق نور عليه للهدى علم * من أمه مستنيرا قاده العلم وهي طويلة تقرب من مائة وخمسين بيتا في غاية البلاغة والمعاني الجيدة منها قوله (قدس سره ونور قبره): يا حبذا عترة بدء الوجود بهم * وهكذا بهم ينهى ويختتم من مثلهم؟ ورسول الله فاتحهم * وسبطه العقد والمهدي ختمهم! فمن تولى سواهم أنهم ندموا * إذ في الممات على ما قدموا قدموا ومنها قوله (قده): وهل أمية لا أمت بمغفرة * ولا نحت سوحها من رحمة ديم تنوش هدب ذيول للهدى سدلت * من الإله لها الأملاك تحترم ومنها قوله (تغمده الله برحمته) في التخلص إلى ذم بني العباس:
262 ولا كمثل بني العباس لا رقبوا * إلا ولا ذمة بل رحمهم جذموا جنوا بمثل الذي تجني أمية بل * على طنابيرهم زادت لهم نغم وهي طويلة جيدة جليلة ذكر بعض أبياتها في أول وفاة الإمام الرضا (عليه السلام) ومن شعره قوله (رحمة الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطيبين) في جواب بعض النواصب تعالوا إلينا معشر الرفض إن تكن * لكم همة الإنصاف دينوا بديننا مدحنا عليا فوق ما تمدحونه * وسبيتم أصحاب أحمد دوننا جوابه له (قدس الله نفسه وطهر رمسه): تعالوا إلينا معشر النصب نبتهل * وهذا كتاب الله يحكم بيننا مدحنا عليا بالذي الله خصه * ونلعن من باللعن قد خص ربنا كمن فر عن زحف وآذى نبينا * بهجر ومن آوى طريد نبينا وشاهدنا القرآن في آي لا تجد * فهذا كتاب الله يخبر معلنا ومنها قوله (رحمه الله تعالى) في تاريخ بناء مسجده الذي بجنب بيته في قرية (القديح): على التقى أسس هذا البنا * وصار للناس به مأنس عمر بالذكر وفي طاعة * تطيب من رؤيته الأنفس نادى به تاريخ إكماله * " يا مسجدا بالذكر قد أسسوا " وله " أعلى الله مقامه " لغز نحوي فقهي: يا فضلاء الأدب * من عجم أو عرب ما قولكم في أجنبي * مورث من أجنبي حال وجود أقرب * ذي نسب لم يحجب
263 جوابه له " قدس الله روحه ونور ضريحه ": يا سائلا لم يجب * عن لغز مستغرب ذاك مريض طلقا * زوجته على تقى أو ضررا ومطلقا * على خلاف حققا فمات في هذا المرض * لا مرض به عرض بعد تمام العدة * ولم تزوج بعده وهي تمام الحول * فاقنع بهذا القول وله أيضا " أعلى الله مقامه وقدس نفسه وطيب رمسه " لغز فقهي: أيا علماء العصر هل من مخبر * عن امرأة حلت لصاحبها عقدا فإن طلقت قبل الدخول ففرضها * ثلاثة أقراء تعد لها عدا وإن طلقت بعد الدخول ففرضها * بقرء من الأقراء تأتي به فردا وله أيضا " قدس سره ونور قبره " لغز نحوي: يا من ببحر النحو يجني الدرر * ما مبتدأ ليس له من خبر وليس وصفا لفظ نفي يلي * ولا بالاستفهام شاع الخبر جوابه لمصنف هذا الكتاب وفقه الله لكل خير وصواب: يا أبحر العلم ومأوي الدرر * وجامع المعقول ثم الأثر ذا مبتدى صدر بالنفي في * المعنى فألجأه لحذف الخبر إذ كان فيه فاعل قد غنى * عنه كما جاء ببعض الصور تقول غير ضارب عبيدهم * عبدكم وغير مرضي عمر وله أيضا القصيدة التي في مدح " صاحب الزمان عجل الله فرجه " وقد تلقت
264 في زمانه وهي عجيبة جدا وقد جاري بها شيخنا البهائي والشيخ جعفر الخطي (ره) مطلعها: سقى عارض الأنوا بوطفاء مدرار * معاهد يهدى من شذا طيبها الساري ولا برحت أيدي اللواقح غضة * توشى برودا من رباها بأزهار لا أحفظ من أولها إلا هذين البيتين ومنها قوله (ره) في (صاحب الزمان - ع): فقم بلغ السيل الزبا وعلا الربا * وهاد وقاد الأرنب الأسد الضاري ففوت بها أثر البهائي وجعفر * وكل بمقدار اقتدار له جاري وله (قدس سره) غير ذلك مما تلف في حياته. وقد رثته شعراء زمانه وعلماء عصره الذين في بلاده وأهل أوانه بمراثي كثيرة نذكر إن شاء الله تعالى قليلا من ذلك الكثير يستدل به على قدرة الجليل الخطير فقد قال أمير المؤمنين (ع) في عهده الكبير لمالك بن الحارث الأشتر النخعي: إنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسنة عباده المؤمنين، قال العالم الفاضل الأواه الحجة الشيخ حسن علي ابن الشيخ عبد الله بن بدر القطيفي أيده الله في رثاه رحمه الله: طرقتك يا أم العلوم * فقماء تذهب بالحلوم وارتك في الظهر الكواكب * فاقعدي جزعا وقومي وأتتك تنسف راسيات العلم * بالريح العقيم وتلف ألوية الشريعة * رأي عينك كالرقيم خلعت على وجه الزمان * براقع الجهل الفحيم فتغيبت شمس الهداية * في دجا الليل البهيم
265 قطعت يد الدهر القطيعة * ساعد الشرف القديم يا أيها الدهر المشوم * قتلت من دهر مشوم هل تدري ماذا لا دريت * فعلت بالشرع القويم طاحت شظايا قلبه * ما بين أنياب الهموم بمصيبة أحللتها * بفناء أندية العلوم هتف النعي بمن وطا * بنعاله هام النجوم فرمى المكارم من قسي * النعي مبهمة الوجوم سحبت أراقم نعيه * قصدا لأفئدة الشهوم فغدوا ولا أيوب إلا * وهو يعقوب الغموم تذري الحشاشة أدمعا * حمرا أحر من الحميم نسفت رواسي عزة * بزعازع الخطب الجسيم خطب له ذهب الأسى * بحلوم أرباب الحلوم يا مزهرا بحنادس الأسحار * بالذكر الحكيم متململا يبدي الخشوع * تململ الرجل السليم أفديك كم سدلت يد * الإشكال جنح دجا بهيم فطويته ببيان شمس * بيانك الشافي العظيم وقطعت بالبرهان حجة * كل أفاك أثيم حتى إذا شاء الإله * لقاك في دار النعيم عرجت بك الروح الكريمة * نحو بارئها الكريم وأقام جسمك في البسيطة * أن تميد من الرجوم
266 أفديك أحمد من جرت * بثناه ألسنة الخصوم وأحق من لهجت له * الأشراف بالذكر الحكيم لم يبر ذاتك ربها * إلا لإحياء العلوم فأتيت تصدع بالبيان * كما أمرت بلا بجوم آه ولما أن عزمت * على الرحيل إلى النعيم وأردت إهداء الأنام * إلى الصراط المستقيم أوصيت باب علومك * الهادي إلى النهج القويم مصباح ليل المشكلات * إذا أدلهم على عليم سمي عليا مذ علا * شرفا على هام النجوم ولئن جللت فجل في * الإسلام فقدك من عظيم فلقد تجلت شمس علمك * في ابنك البر الكريم ولئن رمى ركن الشريعة * رزء فقدك بالهجوم فبها محمد صالح * لبناء هاتيك الثلوم فليثلجن فؤادها * منه بأنفاس النسيم ولتمسحن بكفه * سيال مدمعها السجوم أعلى أرباب العلا * ومحمدا في كل خيم سعدت بطول بقاكما * الدنيا وأندية العلوم وممن رثاه فأغرب وشنف الأسماع فأعجب إنسان عين الكمال والأدب الفاضل الحجة الزكي المؤتمن الشيخ علي ابن الحاج حسن الجشي قال دام عزه:
267 رمى غايل البين نفس الهدى * فهد قواها وأركانها رمى أحمدا فأصاب الورى * جميعا وأوحش أزمانها فيا ناعيا أحمدا هل ترى * لظى الخطب يا عم إمكانها أيخفى غروب شموس الهدى * على ناظر حل أكوانها فدع نعيه فنفوس الورى * تكاد تفارق جثمانها فلله خطب دهى العالمين * فأصبح ذو اللب حيرانها فويحك يا دهر من ذا رميت * أصبت من الخلق إنسانها فذي المكرمات تصوب الحشا * دموعا لمن شاد بنيانها وتلك المعالي عراها الأسى * لمن عقدت فيه تيجانها وتلك المفاخر قد ألحدت * بقبر تضمن عنوانها ليهنك يا قبر من ذا حويت * حويت العلم وعرفانها حويت الهدى والتقى والندا * بمن فات في السبق أقرانها حويت خليفة آل الرسول * فطلت بعلياه كيوانها فتلك المساجد قد أوحشت * لفقد الذي في الدجا زانها وتلك الشريعة تبكي على * فقيد يبين برهانها تكفل إيضاحها ميتا * تكفله حي تبيانها فأودعها الكتب حفظا لها * وأوصى الذي حاز عرفانها عليا يقوم بأمر الإله * يبين للخلق عنوانها وخلف فينا حميد الخصال * ومن بالتقى فاق أقرانها محمد صالح نجم الفخار * وعين المعالي وإنسانها
268 هو الفرع من أحمد الصالحين * فلا غرو أن طال كيوانها هو الغصن من دوحة المكرمات * فيا سلم الله أغصانها وخلد فينا الوصي الأمين * ومن للعلى شاد أركانها * * * أعترة أحمد من فيهم * الخلائق تألف سلوانها لكم أحسن الله فيه العزا * وجاور في الخلد رحمانها 121 - الشيخ محمد صالح آل طعان (ومنهم) ولده العالم العامل الفاضل الكامل الورع التقي الصالح ابن الصالح الشيخ محمد صالح ابن المقدس العلامة الأرشد الشيخ أحمد ابن العالم الزاهد الشيخ صالح أصلح الله أحوالنا وأحواله وبلغناه وإياه آمالنا وختم بالصالحات والخيرات أعمالنا وأعماله وجعل إلى كل خير مآلنا ومآله هو كأبيه في التقوى والكرم ومحامد الخصال والشيم وخلفه في محاسن الآداب والورع والهمم حتى صار كنار على علم ولقد صدق المثل من أشبه أباه فما ظلم حرس الله عمره السعيد ومتعه بالعيش الرغيد ووفقنا الله وإياه وأبناءنا والمؤمنين لما يحب ويريد أنه الكريم الرحيم المجيد الحميد، له من المصنفات شرح منظومة والده في الشكوك والسهو وله كتاب في الفقه أكثر العبادات، وله كتاب في أدعية مناسك الحج، وله منظومة في الأصول الخمسة مبسوطة جيدة تامة وله كتاب سماه (ذرايع الآمال فيما يخص السنة من الأعمال على نسق الأقبال) وله بعض الأشعار في المراثي (1)
(1) توفي قدس سره ليلة الرابعة على اختلاف في الهلال من شهر شعبان المعظم سنة 1333 ه في كربلاء المشرفة ودفن في حجرة من حجرات الصحن الشريف وله أيضا من المصنفات غير ما ذكره الوالد الماجد أيده الله منها كتاب " المفزع في أعمال الجمع " ورسالة حسنة جيدة في الخمس وكتاب مطول في الأخبار والبسط من الوسائل كثيرا خرج منه مجلدان في الطهارة وكتاب في الأدعية والفوائد حسن وكتاب في أعمال مكة والمدينة حسن وغير ذلك قدس الله سره ونور قبره. (حسين ابن المؤلف) 269 . 122 - (مصنف هذا الكتاب) (وأما أحوال) العبد الفقير المذنب الجاني مصنف هذا الكتاب علي بن حسن بن علي بن سليمان البحراني عامله الله بعفوه وغفرانه وفضله وإحسانه وختم له بمغفرته ورضوانه وأحلهم دار كرامته وجنانه بحقه العظيم وبرسوله النبي الكريم وآله أولي التطهير والتعظيم عليه وعلى آله الطاهرين أفضل الصلاة والتسليم، فقد ذكرناها فيما تقدم من انتقال الوالد المرحوم مهاجرا بعد الحج لزيارة الرسول صلى الله عليه وآله بالمنزل المعروف برابغ تغمده برحمته وبلغه دار كرامته في سنة 1281 ه ولي من العمر حينذاك ثمان سنوات وقد حفظت الكتاب المجيد وكان مولدي كما أخبرني به بعض أرحامي المطلعين الثقات سنة 1274 ه فكنت مع الوالدة المرحومة حتى وقعت الواقعة العظيمة على بلادنا البحرين سنة 1284 ه التي قتل فيها حاكمها (علي بن خليفة) وغيره فتفرقت أهلها في الأقطار وتشتتوا في الديار فكنت ممن رمته مناجيق الأقضية والأقدار وقذفته نون الآونة والأخطار في بلاد القطيف مع الوالدة المقدسة وقد كان الأمجد الأرشد المرحوم العلامة أعلى الله مقامه في
270 دار المقامة (ذكرناه في ترجمته) قد سكنها مع الأهل والأولاد وشرف تلك البلاد فصرت في حجره وتربيته فقربني وآواني وعلمني وحباني وقدمني على أولاده فضلا عن أقراني وكان شيخي وأستاذي وجد أولادي فجزاه الله عني وعن المؤمنين خير الجزاء وحباه أفضل الحباء، وبعد سنتين انتقلت الوالدة المرحومة إلى رضوان الله ورحمته وفسيح جنته فصرت يتيما من الأبوين، وكان لي (رحمه الله تعالى) بمنزلتهما وأعظم وقرأت عنده (قدس الله تربته وعلى في عليين رتبته) في النحو والصرف والمعاني والبيان والتوحيد والفقه، ثم سافرت إلى النجف الأشرف مهاجرا لتحصيل العلوم وحضرت متطفلا عند جملة من فضلائها وثلة من علمائها كالعلامة الأمين الشيخ محمد حسين الكاظمي أصلا والنجفي مدفنا وأهلا والفاضل ذي المجد والشرف الشيخ محمد طه نجف وسيدنا المقدس التقي الزاهد النقي السيد مرتضى ابن السيد مهدي الكشميري النجفي والعالم التقي الشيخ محمود ذهب النجفي المقدس والشيخ حسن ابن الشيخ مطر الجزائري وغيرهم من العلماء الأتقياء (قدس الله أرواحهم وطيب مراحهم ونور أشباحهم) وفي تاريخ هذا الكتاب لم يبق أحد منهم سوى ذكرهم الجميل المستطاب فهم أحياء وإن ضمهم التراب (الناس موتى وأهل العلم أحياء): فسبحان الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ذي الملك والملكوت والعزة والكبرياء والجبروت الذي يميت ملله ولا يموت، ولم أطلب إجازة من أحد منهم حياء وبعدا عن الاتهام بالأغراض الدنيوية الباطلة الدنية سوى أن سيدنا الجليل التقي الزاهد الأورع النقي السيد مرتضى الكشميري ابتدأني بالإجازة وأجاز لي رواية الكتب الأربعة وكتب جميع الأصحاب بل كتب جميع علماء
271 الإسلام من الخاص والعام في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المكرم في الروضة الحيدرية مقابلا لوجه أمير المؤمنين وسيد المسلمين عليه آلاف الصلاة والسلام وكان السيد المذكور مجازا من أكثر علماء العراق عربا وعجما وكان (قدس الله سره ونور قبره) من العلماء الأوحدين والأتقياء الزاهدين والفضلاء المحققين والكملاء المدققين. ولي من الكتابات التي لا ينبغي إن تذكر لولا ألتزمه في تراجم الأكثر منظومة في الأصول الخمسة كبيرة تقرب من أربعمائة بيت سميناها (جواهر المنظوم في معرفة المهيمن القيوم) ومنظومة ثانية سميناها (زواهر الزواجر في معرفة الكبائر) ذكرنا فيها سبعين كبيرة تقرب من أربعمائة بيت جيدة جامعة جدا ومنظومة في مواليد النبي والأئمة والزهراء ووفياتهم عليهم السلام سميناها (جامعة الأبواب لمن هم لله خير باب) ومنظومة سميناها (جامعة البيان في رجعة صاحب الزمان) تقرب من أربعمائة بيت جيدة جامعة جدا وأيضا لنا حواش كثيرة على شرح ابن أبي الحديد للنهج المرتضوي وردا عليه ولنا كتاب (رياض الأتقياء الورعين في شرح الأربعين وخاتمة الأربعين) اشتمل عنوانا على اثنين وخمسين حديثا مشروحة مبسوطة في الأصول والفروع والمواعظ والمناقب جيد جيدا ولنا (الجوهرة العزيزة في جواب المسألة الوجيزة) في التوحيد ولنا رسالة سميناها (الحق الواضح في أحوال العبد الصالح) وهو شيخنا العلامة الأسعد المرحوم ولنا بعض الحواشي المتفرقة على بعض الكتب الفقهية ولنا هذا الكتاب الذي نسأل الله تعالى إكماله بالحق والصواب ولنا كتاب سميناه (بجنات تجري
272 من تحتها الأنهار) في المناظيم والمدائح والمراثي وسائر الأشعار (1) ونحن نسأل الله الكريم ونتوسل إليه بحقه العظيم وبأكرم الخلق عليه (محمد وآله الطاهرين) صلواته وسلامه عليه وعليهم أجمعين أن يوفقنا لصرف هذا المهلة اليسيرة في طاعته ورضاه وعبادته وتقواه وأن يثبتا بالقول الثابت في دنياه وأخراه ويمنحنا دار كرامته والفوز بجنته مع آبائنا وجميع إخواننا المؤمنين ولا سيما مشائخنا الأكرمين إنه أرحم الراحمين رؤوف بعباده المؤمنين، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم الظالمين في كل آن وحين.
(1) توفي الوالد المقدس التقي العلامة الفهامة المؤتمن النقي (قدس سره ونور قبره) صبيحة اليوم الحادي عشر من شهر جمادى الأولى سنة 1340 الأربعين والثلاثمائة والألف من الهجرة وقد أرخ وفاته جناب العامل الأديب الشيخ عبد الكريم الممتن الأحسائي دام توفيقه بقوله: بدر سماء الدين لما اختفى * دجا بأفق الحق ديجور فانبجست عيني دما عندما * أرخته (غاب لنا نور) 1340 ه (حسين ابن المؤلف) 273 الباب الثاني في ذكر القطيف وتراجم علمائها
274 بسم الله الرحمن الرحيم (القطيف هي الخط) القطيف صانها الله من جميع النكبات والمخاويف والحوادث والأراجيف ووفقنا وأهلها إلى القيام بوظائف الشرع الشريف والعبودية للإله الملك اللطيف هي بلاد (الخط) في ألسنة المتقدمين والمتأخرين وإليها تنسب الرماح الخطية وهي أوسط المدن الثلاث وأقلها حجما وكثير من قراها القديمة قد خربت بالرمل وهي أخلصها من شوائب الكدورات والطوائف المتخالفات المتباينات وأهلها كلهم يحمد الله متمسكون بالعروة الوثقى وولاية الأئمة الهداة آل الرسول وعترته الأمناء الولاة والراكبون سفينة النجاة والداخلون باب حطة الذي من دخله كان آمنا وغفر الله له الزلات والخطيئات والناشرون لأعلام الإيمان وشعائر الإسلام أولي الايقان وأكثر أهلها الآن علماء ومتعلمون وأدباء ومتأدبون وأرضها من أطيب الأرضين جنات تجري من تحتها الأنهار بماء معين وإن عرض عليها ما عرض على غيرها من حوادث البلاء الجور والقلاء إلا أنها بالنسبة لهذه الثلاث كقطرة من غدير وقليل من كثير نسأل الله تعالى أن يوفقنا وأهلها وجميع إخواننا المؤمنين إلى مرضاته والمواظبة على طاعاته ويحرسنا وإياهم من جور الظالمين وكيد الحاسدين ولها علينا حق التربية والجوار ولها حق وذمار وحرمة لا تضيعها الأحرار ذووا المروات والأخطار.
275 (والقطيف) المذكورة هي التي ظهر فيها القرامطة وأتوا إليها بالحجر الأسود والميزاب وبنوا فيها بيتا للحج قاتلهم الله ولنذكر حديثهم ومبدأ أمرهم في هذا الباب ونكمله إن شاء الله تعالى في (الباب الثالث) في ترجمة هجر وهي الأحساء فإنها كانت مقر سلطنتهم ومحل غاراتهم ونذكر هناك القصة الكشمردية لما فيها من الفوائد العلية والكرامات الحيدرية والاستغاثة بهم إلى رب البرية فنقول وبالله الثقة والمأمول: القرامطة قبيلة من الكوفة وهم بنو أبي الحسن بن بهرام الحياني، نسب إلى مذهبه وهو شخص من أهل الكوفة يقال له: (حمدان قرمط) نسب إليه أهل مذهبه فقيل: (القرامطة) والواحد (قرمطي) كما يقال: شافعي منسوب إلى الشافعي (محمد بن إدريس) وحنفي منسوب إلى (أبي حنيفة النعمان بن ثابت) أو إلى القبيلة، فالقرمطي من انتسب إلى هذا بالنسب لا بالمذهب، وجاء منهم جماعة إلى القطيف يضمنون مكوسها وأعشارها وترعرعوا ونمت أموالهم وكثرت أتباعهم، وكان ملك القطيف من بني عبد القيس وتحت ملكها قرية كبيرة تسمى (الزارة) وكانت الممالك في تلك الأوقات والتي بعدها غير مضبوطة وليست كلها تحت ملك الدولة بل من تغلب على بلد تملكها وطرد الذي قبله أو قتله، وربما يخطب لخليفة ذلك الوقت (عباسيا كان أو علويا) وهكذا هو الذي يتصرف فيها كيف يشاء ويدفع عنها من قصدها وإن استفحل أمره فعل ما أراد من إظهار الغارات وتملك الولايات على من أراد حتى على مملكة الخليفة كالقرامطة وغيرهم من المتقدمين وكالوهابيين وغيرهم من المتأخرين، وهكذا فلما استفحل أمر القرامطة الذين في القطيف وتبعهم كثير من الأعراب ومن يريد الانتهاب غاروا على الزارة التي فيها ملك البلاد وحصروها وغادوها الحرب صباحا ومساء
276 وقد ضعف حاكم البلد عن قتالهم خارج البلد فحصروها أربعة أشهر حتى افتتحوها عنوة فأشعلوا فيها النار جميعا فخربت البلد وهجمت بيوتها وتملكوا البلاد، وكان حاكمها من قبل من بني عبد القيس من تميم وهم أهل البحرين (أعني الأحساء والقطيف وأوال) فعمدت القرامطة إلى فريق من بني عبد القيس فحرقوهم بالنار وصارت الزارة خرابا يبابا ثم حدثت بعد خرابها القرية المعروفة بالعوامية أول من سكنها وعمرها أبو البهلول العوام بن محمد بن يوسف بن الزجاج أحد بني عبد القيس وهو الذي أخذ جزيرة أوال من القرامطة واستولى عليها بعد ضعفهم وإدبار دولتهم فنسبت إليه وبقيت الزارة خرابا، ثم صارت نخيلا وأشجارا وأنهارا تبعا للعوامية فلما ملكت القرامطة بلاد القطيف صارت لهم قوة عظيمة واستفحل أمرهم وتملكوا بعدها الأحساء وأخذوها قهرا من بني عبد القيس وجمعوا منهم رجالا كثيرة من ساداتهم وأحرقوها بالنار في مكان منها يسمى الرمادة، فلما قوي أمرهم وعظم خطبهم أخذوا (جزيرة أوال) أيضا فصارت البحرين كلها ملكا لهم، ثم أخذوا عمان وما والاها من القرى واستفحل أمرهم جدا ولا سيما في زمن (أبي طاهر القرمطي) الذي يعرف (بقصير الركاب) وبقيت غاراته وخيوله تبلغ الشام ومكة والعراق والبصرة وواسط، وقد نهب البصرة والكوفة ونهب جانب بغداد وانقطع الجسر وإلا لكان دخل الجانب الشرقي وعسكره يومئذ ألف رجل بين فارس وراجل وإلا فكثير من غزواته أربعمائة أو أقل أو أكثر وغار على الحاج مرارا كثيرة، ومن بعضها إنه التقى مع السيدين الجليلين النبيلين النجيبين الفاضلين السيد المرتضى علم الهدى وأخيه السيد الرضي (رضي الله عنهما) وكانت لهما الرياسة على الحاج فأعز ماله من
277 مالهما سبعة آلاف دينار ولم يأخذا من الحاج شيئا ومن أعظمها الغارة الكبرى على الحاج في مكة المشرفة وقد أرسل الخليفة (الناصر العباسي) عسكرا عظيما لحراسة الحاج ومكة عن (أبي طاهر القرمطي) وكانوا عشرين أميرا وكل أمير على ألف فارس وكان أمير الأمراء جميعا الملك أبو الهيجاء (ابن حمدان) ملك الموصل ومعه ألف فارس من بني تغلب وألف فارس من بني شيبان فكان الجميع من العساكر اثنين وعشرين ألف فارس فرهقهم (أبو طاهر القرمطي قاتله الله وأخزاه) يوم التروية ومعه ألف فارس فحين التقاهم جعل أبو الهيجاء لجيشه ميمنة وميسرة وجلس هو مع الفين من تغلب وشيبان قلبا وكذلك الخبيث أبو طاهر سليمان ابن حسن القرمطي جعل له ميمنة وميسرة وقلبا فقامت الحرب على ساق وحمل بعضهم فانهزمت ميمنة أبي الهيجاء، وهزم أبو الهيجاء عسكر القرمطي فحين نظر أبو الهيجاء ومن معه في القلب الهزيمة من ميمنتهم تداركهم فتلاحق الفريقان فاقتتلوا قتالا شديدا وغلب القرمطي جيش أبي الهيجاء وأسره وأشراف قومه من تغلب وشيبان وأسر أيضا عبد الله بن حمدان التغلبي ووزير الخلافة فأقاموا عنده أسراء في هجر " وهي الأحساء من البحرين " وسيأتي الكلام على بقية الكلام في المأسورين عنده في ترجمة الأحساء إن شاء الله تعالى فقتل العسكر المذكور والحاج ونهب الأموال وقتل الحاج وأهل مكة قتلا ذريعا وأظهر الكفر والإلحاد في أشعاره. ونقل أنه لم يستبق إلا أهل الصناعات وساقهم إلى الأحساء وحمل من الأموال الجليلة اثنين وثمانين ألف جمل وحمل الحجر الأسود والميزاب معه وأتى بهما إلى بلاد القطيف وبني فيها بيتا سماه " الكعبة " ووضعه فيه وقال إصرف الحج إليه
278 وقهر أهل مملكته على الحج والطواف لديه وموضعا سماه " المشعر " " وعرفات " " ومنى " وآثارها إلى الآن خراب يباب ولله الحمد، فصار كلما جعل الحجر الأسود في أركانه أصبح في ناحية غير متعلق بالبناء وكان ذلك في سنة 312 اثنتي عشرة وثلاثمائة من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله آلاف الصلاة والتحية وكان ردهما في سنة 335 خمسة وثلاثين وثلاثمائة بعد موت الخبيث أبي طاهر القرمطي فمدة إقامتها بالقطيف من البحرين ثلاث وعشرون سنة. وفي بعض التواريخ إنه بذل في رده بعض الملوك أربعين ألف دينار فلم يقبل فلما أرجعوه اختيارا سألوا عن ذلك فقالوا أخذناه بقدر وأرجعناه بقدر، ونقل أن أبا طاهر كان يخطب للعبديين الفاطميين ويدعي المحبة والولاء لآل رسول الله المصطفى وكذب وأخزى بل أقواله القبيحة وأفعاله الشنيعة تدل على كفره بل وزندقته (لعنه الله وقومه الراضين بأفعاله وأقواله) فلما بلغ الخليفة الفاطمي بمصر ما فعل بالحاج من القتل والنهب وقلع الحجر والميزاب عظم ذلك عليه، فكتب إليه يقبح أفعاله ويكفره ويتبرأ منه فترك أبو طاهر الخطبة ولم يخطب لأحد (هكذا وقفت عليه في بعض التواريخ القديمة). وحكي أنه لما أتى بالحجر الأسود والميزاب حمله جملة من الجمال وكل جمل حمله قتله حتى نقل أنه مات سبعون جملا وفي بعضها ثلاثون أو أربعون ولما أرجعوه وضعوه على جمل هزيل فكان يسرع في السير إسراعا عنيفا وازداد شحما ولحما وقوة، ولم يعتبر أولئك الطغام، فلعنة الله على من انتهك حرمة الإسلام وسعى في عباد الله وأرضه بالفساد والحرام، وقتل النفوس المحترمة بغير رضى من الله ورسوله عليه وآله الطاهرين وسيأتي الكلام إن شاء الله على بقية من
279 أفعالهم إلى انقراض دولتهم وانعدام ذكرهم ومملكتهم، وسبحان الملك الحق الحي القيوم المبين الذي لا تغيره الأيام والدهور والسنين والذي لا يبقى إلا وجهه ولا يدوم إلا ملكه له الحكم وإليه المرجع وهو أرحم الراحمين. وأما الكلام في ذكر علمائها وأدبائها وفقهائها فأعلم أنه لم يصل إلينا منهم إلا الشاذ اليسير وخفي علينا الجم الكثير لاندراس الآثار وتقاعد الهمم عن تجشم هذه الأمور والأخطار وعدم إدراكنا ذوي الاطلاع منهم والاختبار وإلا فالمنقول مستفيضا إنها في أكثر الأوقات مملوءة من العلماء الأتقياء الثقات والشعراء المفلقين والأدباء الكاملين فلنذكر إن شاء الله تعالى ما وقفنا عليه وانتهى اطلاعنا إليه. 1 - الشيخ حسين بن راشد (فمنهم) العالم العامل والعارف الكامل رضي الدين الشيخ حسين بن راشد القطيفي، ذكره المحدثان الفاضلان الشيخ عبد الله بن صالح والشيخ يوسف ابن عصفور في (لؤلؤة البحرين) وقبلهما الفاضل الماهر الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي (ره) في (غوالي اللئالي) وإجازته للعالم السيد محسن الرضوي وغيرهم من علماء الرجال والإجازات كابن أبي جمهور في إجازته للسيد محسن الرضوي في ذكر تلميذه العلامة الشيخ يوسف ابن أبي (الآتي ذكره) وهو يروي عن عدة من المشائخ أشهرهم الشيخ الأعلم الأعظم الأكرم رضي الملة والدين الحسين ابن راشد القطيفي، انتهى ولم يذكر له شيئا من المصنفات ولا تاريخا للوفاة لأن نظره في ذكر مشائخ الإجازات دون الكتب والمصنفات.
280 2 - الشيخ يوسف ابن أبي (ومنهم) العالم العامل المحقق العارف الكامل الشيخ ظهير الملة والحق والدين الشيخ يوسف بن أبي (بضم الألف وسكون الياء أخيرا) القطيفي، وهذا الشيخ من أساطين العلماء وأكابر العظماء، يروي عن السيد الأعرجي عن مشائخ الشهيد الأول، قال الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي في إجازته المذكورة سابقا: وهذا السيد (أي الفاضل الأعرجي المتقدم ذكره) يروي أيضا عن الشيخ الأعظم العلامة البحر الخضم صاحب المعارف والعلوم الفائضة عنه عند كل طالب وهاتف شمس المشارق والمغارب وظهير الملة والحق والدين يوسف بن أبي القطيفي (انتهى كلامه علا مقامه). (قلت): وهذا الشيخ من قرية (رشا) لا من (القديح) إحدى قرى القطيف سكنى صاحب هذا الكتاب وقبره (قدس سره) في مقبرة رشا لا تابع القديح، معروف عند أهل تلك القرية زرته مرارا ودعوت الله عنده ودفنا بعض أرحامنا بجنبه، له كتاب وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله المشهور الذي يقرأ في أطرافنا عجيب الترتيب وهو أحسن ما صنف في هذا الباب، وله رسالة في العقود والنيات رأيتها قديما جيدة، ولم أقف له على غيرهما ولم أقف على تاريخ لوفاته، إلا أن الظاهر أنه من أهل المائة السابعة ضاعف الله حسناته ورأيت كتاب وفاة أمير المؤمنين عليه السلام منسوبا للشيخ محمد أو للشيخ علي بن أبي القطيفي من قديم الزمان إلا أنه بحسب تتبعي لكلماته متأخر عن طبقته بكثير ولعله من ذريته وعقبه النازلين والله العالم العاصم.
281 3 - الشيخ إبراهيم بن سليمان (ومنهم) العالم العامل المشهور الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي الغروي صاحب المصنفات الكثيرة منها كتاب (الفرقة الناجية) الغروي الحلي المعاصر للمحقق الشيخ علي الكركي المعارض له في كثير من المباحث وقد انتقل من القطيف وقطن في النجف الأشرف وكان أكبر علمائها ثم انتقل منها إلى الحلة فلهذا نسب إلى كل منهما قال شيخنا (ره) في (اللؤلؤة): هو فاضل ورع قد روى عنه جملة من الأفاضل قال بعض الفضلاء: وقد رأيت بخط بعض العلماء أنه حكى عن بعض أهل البحرين في حق الشيخ إبراهيم هذا (قده): أن هذا الشيخ قد دخل عليه الإمام الحجة عليه السلام في صورة رجل يعرفه الشيخ فسأله أي الآيات من القرآن في المواعظ أعظم فقال الشيخ قوله تعالى: (إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأت آمنا يوم القيمة؟ اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير) فقال صدقت يا شيخ، ثم خرج فسأل أهل البيت: هل خرج فلان؟ فقالوا ما رأينا أحدا داخلا ولا خارجا، انتهى، قال الشيخ يوسف المذكور (ره) والعجب أنه مع كونه يروي عن الشيخ علي الكركي المزبور كان له معه مناقضات ومعارضات، بل رأيت في كلامه في بعض كتبه ما يدل على القدح في فضل الشيخ علي المذكور ونسبه إلى الجهل، كما هو شأن جملة من المعاصرين، حتى إنه ألف في جملة من المسائل رسائل في مقابلة رسائل الشيخ علي المذكور ردا عليه ونقضا لما ذكر، منها مسألة
282 حل الخراج كان هو المشهور وأن الشيخ علي صنف رسالة في حله سماها " قاطعة اللجاج في حل الخراج " فصنف الشيخ إبراهيم رسالة في مقابلته سماها " السراج الوهاج لدفع لجاج قاطعة اللجاج " واقتفى أثره المحقق المقدس الأردبيلي في شرح الإرشاد وقد حققنا المسألة في كتاب المتاجر من " الحدائق الناضرة " وفق الله تعالى لإتمامها، وصنف " ره " رسالة في حرمة الجمعة زمان الغيبة مطلقا ردا على الشيخ علي " ره " في رسالته التي في وجوبها بشرط الفقيه الجامع للشرائط وصنف رسالة في القول بالمنزلة في الرضاع ردا على الشيخ علي في رسالته التي ألفها في بطلان القول بالتنزيل وفي الجميع ما أصاب ولا وافق الصواب وقد حققنا جميع ذلك بما لا مزيد عليه في كتاب (الحدائق الناضرة)، وفي رسالة (كشف القناع عن صريح الدليل في الرد على من قال في الرضاع بالتنزيل) ونقل عن الأفاضل قال وقد سمعنا من المشائخ أنه كان " ره " بمشهد الحسين " ع " أو المشهد الغروي (على مشرفيهما أفضل الصلاة والسلام) وقد اتفق ورود الشيخ علي هناك واجتمعا خلف القبر المبارك في الرواق وكان (الشاه طهماسب) قد أرسل في تلك الأوقات للشيخ إبراهيم المذكور جائزة وردها الشيخ واعتذر من ذلك بأنه لا حاجة له في أخذها فقال له الشيخ علي ورد عليه إنك أخطأت في ذلك وارتكبت محظورا أو مكروها واستدل على ذلك القول بأن مولانا الحسن " ع " قد قبل جوائز معاوية ومتابعته " ع " والتأسي به إما واجبا أو مندوبا وتركها إما حرام أو مكروه كما تحقق في الأصول وهذا السلطان لم يكن أنقص درجة من معاوية وأنت لم تكن أعلى مرتبة من الحسن عليه السلام فأجابه الشيخ إبراهيم بجواب اقناعي.
283 أقول قد وقعت في رسالة من رسائله سماها (الرسالة الحائرية في تحقيق المسألة السفرية) وقد ذكر في صدر الرسالة المذكورة ما اتفق له مع الشيخ علي في سفره معه للمشهد المقدس الرضوي إجمالا من المسائل التي نسبه فيها إلى الخطأ، منها أن العشرة القاطعة لكثرة السفر يشترط فيها التتالي أم لا؟ فنسب إلى نفسه الأول وإلى الشيخ علي الثاني، وفي هذه المسألة صنف الرسالة المشار إليها ومنها أنه نقل عنه أن من لم يجد ساترا إلا جلد الكلب وعليه في نزعه تقية يسقط عنه أداء فريضة الصلاة، قال فبالغته في ذلك فأبى إلا الاصرار على منافاته مع أن الذي وصل إلينا معرفته أن الصلاة لا تسقط بفقد الساتر ولا بفقد صفة الواجب في حال الاختيار بإجماع العلماء وهو مصرح به في كتبهم كلام الأصحاب، قال فأعرضت عنه وحملته على الغفلة وعدم المطالعة، وقال مسألة أخرى مجملها أنه حكم باستحباب الوضوء والمجدد على من إغتسل غسل الجنابة قال وبالغته في ذلك قلت له: إن المجدد لا يستحب إلا مع سبق وضوء قبله قال: في غسل الجنابة وضوء ضمنا قلت: إذا أردت كفايته عن الوضوء فلا وضوء ضمنا وإن أردت غير ذلك فبينه فأبى إلا ما ذكره فأعرضت عنه ثم ذكر إنه دخل يوما إلى ضريح الإمام الرضا عليه السلام قال فوجدته هناك فجلست معه فاتفق حضور بقية العلماء المتبحرين وزبدة الفضلاء الراسخين جمال الملة والدين فابتدأ بحضوره معترضا علي لم لا تقبل جائزة الحكام فقلت لأن التعرض لها مكروه واستشهدت بقول الشهيد في دروسه ترك أخذ ذلك من الظالم أفضل ولا يعارض ذلك أخذ الحسنين (عليهما السلام) جوائز معاوية لأن ذلك من حقوقهم " ع " بالأصالة فمنع أولا ذلك في الدروس ثم التزم بالمرجوحية وعاهد الله تعالى هناك أن يقصر
284 كلامه على قصد الاستفادة بالسؤال أو الإفادة بالجواب ولولا كراهة الإطالة لفصلت أكثر ما وقع بيني وبينه ثم فارقته قاصدا المشهد الغروي على أحسن فلما وصلت تواترت الأخبار عنه من الثقاة وغيرهم بما لا يليق ذكره فقابلته بالضد فلم أزل ساكتا إلى أن انتهى الأمر بدعواه العلم ونفيه عن غيره فبذلت له وسعي في رضاه بالاجتماع للبحث والمذاكرة بجميع أنواع الملاطفة فأبى، إلى آخر كلامه في الرسالة المذكورة وهو مما يفضي منه العجب العجيب كما لا يخفى على الموفق الأديب ثم ذكر في آخر الرسالة المذكورة ما صورته وإذا فرغت من هذه فأنا مشتغل بنقض رسالة الخراجية وكشف لبس ما رتبه فيها من المباحث الإقناعية قال بعض الفضلاء من تلامذة الآخوند المجلسي (ره): وقد سمعت من الأستاذ الاستناد (رحمه الله تعالى) أنه لم يكن له كثير فضل فإنه ليس له رتبة المعارضة مع الشيخ علي الكركي وسمعت منه مشاكلة ما يدل في فضله بل في تدينه حيث إنه نقل لي أنه رأى مجموعة بخط الشيخ إبراهيم هذا وقد ذكر فيها إيرادات على الشيخ علي ويقول أين فضله من فضل الشيخ علي وتبحره انتهى، ومن وقف على ما نقلناه من الرسالة المذكورة المتقدمة وقد حذفنا مما هو من هذا القبيل وأشنع عرف صحة ما ذكره شيخنا المذكور ولكن هذه طريقه قد جرى عليها جملة من العلماء من تخطئه بعضهم بعضا وربما أنجز إلى التجهيل والطعن في العدالة كما وقفت عليه في رسالة للشيخ علي أبن الشيخ محمد ابن الشيخ حسن (صاحب حاشية اللمعة) في الرد على المولى محمد باقر الخراساني ره " " صاحب الكفاية " والطعن فيها بما يستقبح نقله وما وقع لشيخنا المفيد " ره " والسيد المرتضى بناء على الخلاف في المصنف لهذه الرسالة في الرد على الصدوق " ره " في مسألة جواز
285 السهو على المعصوم من الطعن الموجب للتجهيل وما وقع للمحقق والعلامة في الرد على ابن إدريس (ره) والتعريض به ونسبته إلى الجهل ونحو ذلك سامحنا الله تعالى وإياهم بعفوه وغفرانه، انتهى ما أردنا نقله من كلامه (ره) (أقول): ما ذكر (قدس سره) في حق هذا الرجل وقبله شيخنا المجلسي وفي حق غيره من علمائنا الأعلام الأتقياء الكرام ففيه مواقع للنظر لا يخفى على أولي الإنصاف والنظر فإن نسبة كثير منهم أو بعضهم إلى الافتراء والكذب (والعياذ بالله منهما) قبيح منزه عنه أقلهم درجة وأنزل رتبة يقينا فإن كان الناقل والمنقول عنه مجتهدا جامعا للشرائط فذاك ما أداه اجتهاد كل منهما إليه مع صدوره عن المنقول منه وليس افتراء ولا بأس به على المنقول منه إذا كان باجتهاده وما أداه إليه رأيه وإن كان الناقل غير مجتهد أو جاهلا فلا عبرة بنقله ونسبة القدح في ديانة الرجل بمجرد إيراده على معاصره والرد عليه في غير محله إذ نزهناه عن الافتراء ونسبناه إلى اجتهاده، كما وقع لشيخنا المجلسي (ره) في حق هذا الرجل ونحوه غيره نعم تخطئة اجتهاده حسب مع عذره وعدم القدح في عدالته لا بأس به، اللهم إلا أن يكون المنسوب إلى المنقول عنه من المسائل الضرورية التي لا مسرح للنظر والاجتهاد فيها فهي في محله وبالجملة فطعن بعضهم على بعض إن كان باجتهاد في المسائل النظرية فذاك ما أدى إليه اجتهاده فهو تخطئة له في اجتهاده في تلك المسألة مع معذورية المطعون عليه من غير أن ينجر إلى القدح في العدالة والتدين والافتراء وإن كان بغير اجتهاد صحيح فهو قدح في جهله وهو في محله كما لا يخفى والله العالم العاصم. وللشيخ إبراهيم (ره) المذكور ما قدمنا سابقا وهو كتاب (الفرقة
286 الناجية) جيد حسن كما قيل ولم أره والرسالة الحائرية التي ذكرناها في اللؤلؤة (والسراج الوهاج في رد قاطعة اللجاج) والرسالة التي في تحريم الجمعة زمان الغيبة والرسالة... في القول بالتنزيل قال في اللؤلؤة: ومنها رسالة في شرح عدد محرمات الذبيحة لطيفة مختصرة، وله رسالة الصومية، نسبها إليه الفاضل الأردبيلي (ره) في بحث صوم الإرشاد، ونقل منها بعض الفتاوى وله شرح على ألفية الشهيد " ره " على ما صرح به الشيخ عز الدين الحسين بن عبد الصمد العاملي " ره " في حواشيه على الألفية المذكورة وله تعليقات أيضا على الشرائع وله حاشية على الإرشاد نسبها إليه القاضي نور الله في (مجالس المؤمنين) وله كتاب (الفرقة الناجية) والظاهر أنه في تحقيق الفرقة الناجية وأنها الإمامية وهذا كان عندي ثم ذهب فيما وقع على كتبي في بعض الوقائع، وله كتاب (نفحات الفوائد ومفردات الزوائد) وهذا الكتاب في صورة الأسئلة والأجوبة إنه سأل سائل بكذا فالجواب كذا وهذا الكتاب قد استكتبه الوالد في القطيف وكان في كتبه ولا أدري إلى من صار من الوراثة؟ وله كتاب شرح أسماء الله الحسنى طويل الذيل في الفوائد وقد فرغ منه سنة أربع وثلاثين وتسعمائة (1) وله رسالة في الشكيات وله إجازة لتلميذه معز الدين محمد بن تقي الدين الحسيني الأصفهاني ويظهر من تلك الإجازة أن الشيخ علي بن هلال الجزائري كان عم هذا الشيخ وكان تاريخ الإجازة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة وله إجازة للمولى محمد أمين الاستربادي قال فيها إن عدة من الفضلاء أجازه ولكن أوثقهم الشيخ إبراهيم
(1) في الأصل ثمانمائة والذي يظهر من كلامه فيما بعد خطأ هذا التاريخ والصحيح تسعمائة. (المصحح) 287 ابن حسن الشهير بابن الوراق عن الشيخ علي بن هلال الجزائري المذكور وكان تاريخ الإجازة سنة عشرين وتسعمائة في أيام مجاورته للروضة الغروية، ومن تلامذته السيد شريف الدين الحسيني المرعشي التستري والد القاضي نور الله التستري (صاحب مجالس المؤمنين) على ما صرح به القاضي في حواشي المجالس ومنهم السيد الأمين نعمة الله الحلي والمفهوم من رسالته التي قدمنا ذكرها والنقل منها أن مبدأ مقدمه إلى العراق في أواخر جمادى الثانية سنة ثلاث عشرة وتسعمائة من هجرة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الطاهرين، هكذا صورة الكتاب انتهى كلامه علا مقامه. قلت: ووقفت لهذا الشيخ أيضا زيادة على ما ذكره شيخنا المذكور على حاشية له على مختصر النافع في النجف الأشرف في يد سيدنا الأجل السيد مرتضى الكشميري (قدس سره) مجلد لطيف، وعلى رسالة لطيفة في طلب الرزق في القطيف استعرتها من بعض الأخوان ولم أقف على تاريخ لوفاته ضاعف الله حسناته. 4 - الشيخ جعفر بن محمد الخطي (ومنهم) العالم الكامل الشاعر الأديب المصقع الماهر الشيخ جعفر بن محمد بن حسن بن علي بن ناصر بن عبد الإمام، أحد بني عبد القيس من تميم الخطي كان مسكنه قرية التوبي (إحدى قرية القطيف المحروسة) وله عقب فيها إلى الآن وكان كثير السفر إلى البحرين بل قطن فيها كثيرا وكان مصاحبا فيها العلامة المحقق الأديب الماجد السيد ماجد ابن السيد هاشم الصادقي الجد حفصي (ره) والسيد عبد الرؤف قاضي القضاة وأبناءه بعده وله فيهم المدائح
288 والمراثي كما ذكرناه في ترجمة السيد عبد الرؤف البحراني (1) ويصحبهم في أسفارهم إلى شيراز وأصفهان وله ديوان شعر وقفنا على كثير منه والموجود منه الآن نسخة مقطوعة الطرفين كان (رحمه الله تعالى) من الأدباء الكاملين والشعراء المفلقين وله يد في العلوم أيضا إلا أن الشعر غلب عليه وله الإجازة من شيخنا البهائي (ره) لما اجتمع معه في أصفهان سنة ستة عشر وألف هج. وطلب منه مجاراته بقصيدته المسماة (بروح الأمان في مدح الإمام صاحب الزمان عجل الله فرجه) وهي التي أولها: سرى البرق من نجد فهيج تذكاري * عهود بحزوى والعذيب ذي قار وقد ذكره السيد النجيب العالم الأديب في (سلافة العصر) فقال فيه: ناهج طرف البلاغة والفصاحة، الزاخر الباحة، الرفيع الساحة، البديع الأثر والعيان، الحكيم الشعر الساحر البيان، تقف بالبراعة قداحه، واردا على المسامع كؤوسه وأقداحه، فأتى بكل مبتدع مطرب، ومخترع في حسنه معرب، ومع قرب عهده فقد بلغ من الشهرة المدا وسار به من لا يسير مشمرا وغنى به من لا يغني مغردا وقد وقفت على فرائده التي لمت فرأيت ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وكان قد دخل الديار الأعجمية، فقطن منها بفارس ولم يزل وهو لرياض الأدب جان وغارس حتى اختطفته أيدي المنون فعرس بفناء الفنا وخلد دائرة الفنون وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين وألف هج. انتهى. قلت ولما دخل أصفهان اجتمع بالشيخ البهائي (ره) وعرض عليه أدبه فاخترع عليه معارضة قصيدته الرائية التي أولها: (سرى البرق من نجد فهيج تذكاري.....)
(1) راجع ص 91 من هذا الكتاب. (المصحح) 289 فعارضه بقصيدته التي أولها: هي الدار تستسقيك مدمعك الجاري * فسقيا فخير الدمع ما كان للدار ولا تستضع دمعا تريق مصونه * لعزته ما بين نؤي وأحجار فأنت امرؤ قد كنت بالأمس جارها * وللجار حق قد علمت على الجار ويعجبني منها قوله تغمده الله برحمته: نواصع بيض لو أفضن على الدجا * سناهن لاستغنى عن الأنجم الساري معاطير لم تغمس يد في لطيمة * لهن ولا استعبقن جونة عطار وهي طويلة جيدة مشهورة مدح فيها أولا شيخنا البهائي (ره) وقبيلته من همدان (رض) ثم تخلص إلى مدح إمام العصر والزمان عليه وآبائه الصلاة والسلام، وقد جاراها شيخنا العلامة (أعلى الله مقامهما ومقامه) بقصيدته الرائية أيضا التي ذكرنا أولها في ترجمته (قده) وقال قدس سره في آخرها: قفوت بها أثر البهائي وجعفر * وكل بمقدار اقتدار له جاري وهي لا تقصر عنهما ونقل أنه لما اقترح الشيخ البهائي (ره) عليه معارضته قال له قد أجلتك شهرا فقال له الشيخ جعفر (ره): يوما بل في مجلسي هذا، واعتزل ناحية في المجلس وأنشأها ارتجالا فلما أتمها وأنشدها راويته وجامع ديوانه الغنوي وقعت عند الشيخ البهائي (ره) بموقع من القبول والإقبال كتب إليه الشيخ البهائي: أيها الأخ الأعز الفاضل الألمعي بدر سماء الأعصار وغرة شمس بلغاء الأمصار أيم الله إني كلما سرحت بريد نظري في رياض قصيدتك الغراء ورويت بريد فكري من حياض خريدتك العذراء زاد بها ولوعي وهيامي واشتد بها ولهي
290 وأوامي فكأنما عناها من قال: قصيدتك الغراء يا فرد دهره * تنوب عن الماء الزلال لمن يظمأ فنزوى متى تروى بدائع لفظها * ونظما إذا لم نرو يوما لها نظما ولعمري لا أراك إلا آخذا فيها بأزمة أوابد اللسن، تقودها حيث أردت وتوردها أنى شئت وارتدأت، حتى كأن الألفاظ تتحاسد على التسابق إلى لسانك، والمعاني تتغابر على الإنثيال إلى جنانك والسلام، وكتب المحب الأخلاصي (بهاء الدين محمد العاملي) ومن شعره (ره) في رثاء سيد الشهداء وإمام السعداء أبي عبد الله الحسين (ع) القصيدة الدالية الغريزة الوجود التي أولها: معاهدهم بالأبرقين هوامد * رزقن عهاد المزن تلك المعاهد وهي مشهورة وقل في المراثي مثلها، ومن شعره القصيدة المعروفة بالسبيطية وقد توجه من مري (قرية من توبلي من البحرين) مع ولده حسان إلى قرية أبي بهان (قرية من البلاد القديم) في خورهما في أول الخور فوثبت عليه سمكة من ذلك البحر تسمى السبيطية فنطحت جبهته فسالت الدماء منه وقد كان هذا النوع من السمك كثيرا منه في هذا البحر فأنشد هذه القصيدة العجيبة الفريدة على جهة الحماسة والهجاء فعدمت من ذلك البحر وأولها هو هذا: برغم العوالي والمهندة البتر * دماء أراقتها سبيطية البحر ألا قد جنى بحر البلاد وتوبلي * علي بما ضاقت به ساحة الصدر فويل بني شن بن أفصى وما الذي * رمتهم به أيدي الحوادث من وتر دم لم يرق من عهد نوح ولا جرى * على مد ناب للعدو ولا ظفر
291 تحامته أطراف الفنا وتعرضت * له الحوت يا بؤس الحوادث والدهر وهي طويلة بليغة جدا مشهورة وهي ما قبلها في كشكول الشيخ يوسف بن عصفور (قده) وفي غيره وقال (رحمة الله عليه) في آخرها: لعمر أبي الخطي إن بات تارة * لدى غير كفؤ وهو نادرة العصر فثأر علي بات عند ابن ملجم * وأعقبه ثار الحسين لدى شمر ولما عرضت هذه القصيدة الفريدة على العلامة الشاعر المصقع السيد ماجد البحراني الحسيني الصادقي كتب عليها مقرظا: أجلت رائد النظر في ألفاظها ومعانيها، وسر حت صاعد الفكر في أركانها ومبانيها فوجدتها قرة في عين الابداع ومسرة في قلب الاختراع والحق أحق بالاتباع والحمد لله على تجديد معالم الأدب بعد اندراسها وتقويم راية البلاغة بعد انتكاسها ورد غرائب ألفاظها إلى مسقط رأسها، وإزالة وحشتها إلى إيناسها (وكتب ماجد بن هاشم البحراني): ومن شعره (رحمه الله) ما جاراه به العلامة الماجد السيد ماجد الجد حفصي البحراني قال أبو البحر الشيخ جعفر: سمرت ليلة عند الشريف العلامة فيما كنت أسمر معه فبينما نحن كذلك إذ طلع الفجر فقلت بديهة: خذه إليك كصفحة المرآة * بدرا يكشف حالك الظلمات فأجاز السيد المذكور قائلا: وكأنه وجه المليحة حسرت * عنه ذوائب فرعها الفحمات وكأنه والشهب محدقة به * ملك أطاف به الجنود ثبات فقال أبو البحر (رحمة الله عليه):
292 وكأنه الدينار يثبت حوله * بيض الدراهم غير مجتمعات وكأنه والنقص يأخذ بعضه * بيض اللجين مثلم الجنبات وكأنه والمحو في أرجائه * وجه الفتاة مجدر الصفحات انتهى، وقال أبو البحر أيضا وسمرت أيضا عند الشريف العلامة ليلة والسماء دكناء الجلباب كاسية السحاب فأخذنا في باب الآداب فقلت: توشحت السماء ببرد غيم * فأجمل بالموشح والوشاح فأجازه الشريف العلامة قائلا رحمه الله تعالى: فقم وانهض إلى عصر التصابي * فليس عليك فيها من جناح فقال أبو البحر قدس سره: أمط قدم التواني وأجل منها * بآفاق الشموس كؤوس راح فقال الشريف العلامة قدس سره: كميت إن تشب بغير ماء * يسكن ما اعتراها من جماح فقال أبو البحر رحمه الله تعالى: تولد فوقها حبب إذا ما * تغشاها فتى الماء القراح فقال الشريف العلامة قدس سره: وتنزل من فم الميزاب نبضا * كما نبض الدماء من الجراح فقال أبو البحر طاب ثراه: بكف مخضب الكفين رخص * فسادي في محبته صلاحي انتهى كلامهما علا مقامهما، ومن شعره في الحماسة وقد أجاد رحمة الله عليه لما رأيت وشاة الحي ترصدنا * بأعين لا عداها غائل الرمد
293 جعلت لا من قلا مني أزوركم * آنا وأهجركم بعضا من الأبد وله أيضا رحمه الله في الغزل القصيدة الفريدة وهي قوله (قده): جد بالبكا إن الخليط مقوض * فمصرح بشكاتهم ومعرض ومنها قوله: من ناشد لي بالعقيق حشاشة * طاحت وراء الركب ساعة قوضوا لم تلو راجعة ولم تلحق بهم * حتى وهت مما... وتقبض ردوه أحيى برده أو فالحقوا * كلي به فالحي لا يتبعض ومنها: قبضوا بأيديهم على أكبادهم * والشوق ينزع من يد ما تقبض وهي طويلة في غاية البلاغة، ومن شعره (ره) في المناجاة قوله (قده) مولاي لو قرع امرؤ باب امرئ * بيد الرجاء وآب بالخسران لرحمته وذممت ذاك لبخله * والبخل قلت سجية الإنسان فعلى م أرجع خائبا من بعد ما * تعبت يدي دقا وكل لساني؟ وهي مذكورة في ديوانه (ره) وسمعت إن لهذه الأبيات قصة عجيبة وهي أنه أصابه دين في بلاده القطيف بحيث أوجب له الخروج منها وكان في مسورة القطيف عازما على الخروج والسفر فدخل المسجد المعروف بالمسهلة من مساجدها الواقع شرقا من باب الشمال وأنشد هذه الأبيات من قلب محترق فلما أكملها نزلت على رأسه من السماء صرة دنانير في خرقة سوداء بقدر دينه بلا زيادة ولا نقصان ولكنه تشأم من سواد الخرقة ففرقها على الفقراء والمساكين وديوانه موجود ناقص الطرفين قدس الله روحه ونور ضريحه.
294 5 - الشيخ فرج المادح الخطي (ومنهم) الأديب الأريب الشاعر الصالح الشيخ فرج المادح الخطي كان رحمه الله تعالى من شعراء أهل البيت عليهم السلام ومادحيهم وهاجي أعدائهم ومبغضيهم وقد وقفت له على شعر كثير من هذا القبيل في المدح لهم (ع) والهجاء لأعاديهم، فمنه قوله في (الصواعق المحرقة) لابن حجر: يا سالكا في الجحيم علك أن * تسأل فيها المزنم ابن.. هل أحرقت غيره صواعقه * أو ألقمت مثله اللعين حجر ومنه قوله (ره) في جواب بعض النواصب في الرد على الشيعة الإمامية في انتظارهم صاحب الزمان عجل الله فرجه وسهل مخرجه وقد قابله بمثل كلامه الفاسد وجوابه البارد. 6 - الشيخ محمد بن سليمان (ومنهم) العالم المحدث الأسعد الشيخ محمد بن سليمان بن زوير الخطي (ره) ذكره المحقق الأوحد الشيخ محمد بن عبد الجبار القطيفي البحراني (ره) في المجلد الثاني من (الباقة الحسينية) ونقل خبرا طويلا في وصف الإمام (ع) عن المعلى بن خنيس (رض) عن الإمام الصادق (ع) من المجلد الثالث من كتاب (سرور الموالي) وذكر أن الكتاب للشيخ محمد بن سليمان بن زوير الخطي (ره) ولم نقف على الكتاب ولا على ترجمة لمؤلفه سوى ما ذكرناه مما ذكره هذا الفاضل (ره) والظاهر أنه من كتب الفضائل كالبحار والعوالم والله العالم.
295 7 - الشيخ حسن بن محمد الخطي (ومنهم) العالم الظريف النحوي الأديب الحفظة الفقيه الشيخ حسن بن محمد بن يحيى الخطي وكان أنحا من عاصرته وأحفظهم للعلوم العربية وغيرها حتى أنه كان يحفظ أكثر شرح الجامي للكافية وألفية جمال الدين بن مالك ومنظومة الشيخ تقي الدين علي بن داود الحلي في الفقه وغيره إلا أنه كان كثير الهزل والمجون ومن ثم كان ساقط الجاه عادم الصيت ومن لسانه ما سمعته منه في أيام اشتغالي عليه في التبجح والإعجاب بإتقان النحو والعربية قال إن النحو قد خالط لحمي ودمي حتى أن بولي نحو وله من هذا القبيل أشياء كثيرة توفي (رحمه الله تعالى) قاله شيخنا الشيخ سليمان الماحوزي البحراني في (أزهار الرياض). 8 - الشيخ محمد أبو عزيز (ومنهم) العالم الفاضل المحدث الأديب الشاعر الكامل الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الله أبو عزيز الخطي (قده) كان رحمه الله تعالى من العلماء الفضلاء والشعراء النبلاء المخلصين في الولاء له شعر كثير مذكور في كتبه من الوفايات والمواليد، وله كتاب الذخيرة في المحشر في مولد الحجة المنتظر حسن جيد يصلح أن يكون كتاب استدلال وله أيضا كتب كثيرة منها كتاب مولد الأمير ومولد الصديقة الزهراء ومولد الحسن ومولد الحسين عليهم السلام وسمعت أن له مواليد الأئمة عليهم السلام جميعا كل مولد كتاب مستقل وكذلك وفايات الأئمة الثمانية عليهم السلام من الإمام زين العابدين (ع) إلى الإمام الحسن العسكري
296 لكل إمام كتاب مستقل وأكثرها موجود في بلاد القطيف تقرأ أيام التعازي والتهاني ولم أقف له على ترجمة لأعرف حقيقة أحواله (ره) إلا أنه من المعاصرين لشيخنا العلامة الشيخ حسين الماحوزي (قده) ولعله من تلامذته تغمده الله تعالى برحمته. 9 - الشيخ ناصر الجارودي (ومنهم) العالم الفاضل المحقق المحدث الكامل الفاخر الشيخ ناصر بن محمد الجارودي القطيفي (نسبة إلى الجارودية قرية من قرى القطيف المحروسة) كان (رحمه الله تعالى) من العلماء الأعلام الأتقياء الكرام وكان اشتغاله في مبدأ أمره عند بعض فضلائها خفية عن والده وكان والده من الفقراء الفلاحين وعليه في كل يوم وظيفة من الحشيش وسائر الخدم وهو يقرأ ويقوم بذلك حتى علم أبوه بما هنالك، ونقل أنه لم يرض بذلك لاحتياجه لخدمته حتى تكفل له بعض أهل الخير بمؤنته فتركه واشتغاله، ثم هاجر إلى البحرين وحضر عند جملة من فضلائها في عصر العلامة الثاني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني (قده) وقد حضر عنده وأجازه وقد رأيت إجازة الشيخ المذكور له على ظهر رسالته العملية مختصرة ثم بعد وفاة العالم المذكور، اختص بتلميذه العالم المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني ولازمه مدة مديدة حتى بلغ مبلغا عظيما في العلوم وقرأ عنده كتبا كثيرة في مدرستي بوري والقدم (من قرى البحرين) وأجازه إجازة عامة مبسوطة جدا تقرب من (لؤلؤة البحرين) للشيخ يوسف بالغ فيها من المدح له والثناء عليه، وأجازه أيضا العالم الفاضل العابد الزاهد الشيخ محمد بن كنبار
297 البحراني (ره) المتقدم ذكره (ص 180)، وقد رأيت الإجازة بخطه (قده) عندنا، له كتاب جليل دقيق المعنى مجلد حسن في مكارم الأخلاق والسلوك نفيس جدا، وله ترتيب مسائل الثقة علي بن جعفر الصادق (ع) عن أخيه موسى الكاظم (ع) وتنبيهات له عليها جيدة، رأيتها بخط العالم العابد الشيخ مبارك آل حميدان الجارودي القطيفي (قده). وله تغمده الله برحمته قصة مع حاكم البلاد من أهل القطيف وهي أنه كانت مقبرة بجنب بستان لذلك الحاكم فأراد عمارتها وغرسها وإدخالها في بستانه فوعظه ذلك الشيخ فلم يتعظ ومنعه فلم يمتنع وكانت القطيف والأحساء حينئذ لبعض الحكام من أهل البادية مقدار يومين أو ثلاثة فمشى الشيخ ناصر المذكور إليه حتى اجتمع به وأخبره بما جاء إليه فلما حضر وقت الغداء قام من عنده إلى رحله فدعاه إلى الغداء فامتنع امتناعا شديدا واعتذر إليه ببعض الأعذار وكانت له دوخلة (وهي إناء من خوص) فيها تمر فأكل منه فأضمر له ذلك الحاكم سوءا ثم اختبره ببعض العطايا والإقطاعات فلم يقبل قليلا ولا كثيرا فوجده صادقا زاهدا فأجابه إلى ما طلب وكتب إلى عامله ينهاه عن التعرض لتلك الأرض ويأمره بالإحسان للشيخ المزبور فبقيت تلك المقبرة خرابا، ونقل أنه لما توفي الشيخ المذكور تغمده الله بالكرامة والحبور، قام ذلك الحاكم لتلك الأرض وعمرها وغرسها في يومها وهي الآن خراب لا يقبر فيها أحد وكانت عاقبة ذلك الحاكم أن قتل أشر قتلة وغصبت جميع أملاكه فهي إلى الآن مغصوبة سنية، فما أغر ابن آدم وأشقاه وما أحرصه على دنياه وما أطول أمله وأقساه وما أطوعه إلى هواه وأبعده عن طاعة ربه ومولاه، ونسأل الله تعالى أن يتجاوز
298 عن إسرافه وخطاياه وأن يكون قتله تمحيصا لذنوبه وشقاه لموالاته لعترة رسول الله صلى الله عليه وآله فلك النجاة عترة سيد المرسلين وآله الطاهرين صلى الله عليه وآله الميامين (وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين) وهذا الشيخ يروي عنه جماعة: 10 - الشيخ حسين بن عبد العباس (ومنهم) الشيخ الفاضل الزاهد الشيخ حسين بن عبد العباس القطيفي وله إجازة منه عندنا، قال الشيخ ناصر المذكور بعد الخطبة: أما بعد استخرت الله تعالى وأجزت للشيخ الكامل الفاضل المحقق المدقق الفطن النبيه الزكي الفقيه الشيخ حسين بن عبد العباس وفقه الله تعالى لارتقاء معارج الكمال بحق محمد والآل (إلى آخر الإجازة) ولم أقف لهذا الشيخ بل وأستاذه إلا على إجازاتهما دون ترجمتهما ولا على مصنف للأخير ولا شعر ولا مؤلف ولا تاريخ لوفاته تجاوز الله عن سيئاتنا وسيئاته وضاعف حسناتنا وحسناته. 11 - الشيخ عبد الله آل عمران (ومنهم) العالم العامل الأواه الشيخ عبد الله بن فرج بن عبد الله بن عمران القطيفي كان من العلماء الأعلام له كتاب (تحفة الأبرار في معرفة الأقضية والأقدار) والظاهر أني رأيت له رسالة مبسوطة في الحسن والقبح العقليين ردا على الأشاعرة غير قاطع بها ويمكن أن تكون له مصنفات كثيرة أو يسيرة غير ما ذكرناه كغيره ممن ذكرناهم ولم نجد لهم مصنفا أو بعضا وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود كما لا يخفى، ولم أقف على من ذكر له ولغيره ولا سيما علماء القطيف تراجم ولعله
299 والله العالم لعدم خروجهم منها واشتهارهم في غيرها مع فتور الهمم وتقاصر العزائم عن هذا الأهم وقد رأينا علماء كثيرين لم يخرجوا من القطيف والبحرين أفضل ممن خرج واشتهر والله أعلم وأخبر. 12 - الشيخ محمد بن عمران (ومنهم) ابنه العالم الكامل الأسعد الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الله كان (رحمه الله تعالى) من العلماء الأعيان ذوي الإتقان. له كتاب في العبادات مشتمل على الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والخمس والاعتكاف وعلى ظهر ذلك الكتاب كلام بخطه نقله بعض الفضلاء في حق الملا محسن الكاشاني أكثر فيه من الرد عليه والقدح فيه قال: اعلم أن محسن الكاشي لا يجوز الاعتماد على الأخبار التي ينقلها ولا يلتفت إليها ولا يجوز العمل بها ما لم يثبت وجودها في الكتب التي ينقلها منها وذلك لعدم وثاقة الرجل لفساد عقيدته لإنكاره المعراج الجسماني والملائكة (1) الخ.
(1) إلى هنا نكتفي من ذكر أقوال هذا الشيخ (المترجم له)، حيث أنه جاء فيها بما لا يرضي الله ولا رسوله، جاء فيها من الطعن بقدسية المولى الكاشاني، وقد نسبه إلى الكفر و.. وأقول مقالتي هذه: ليعلم الجميع أن الذي طعن هذا المولى هو أولى وألزم به. أخي القارئ الكريم: في الحقيقة عندما كنت أراجع مسودات الكتاب التي كتبها المؤلف (ره) لتصحيح بعض الأخطاء إذ تراءت لي هذه السطور البشعة، فاغتممت كثيرا، وتعجبت كثيرا! اغتممت لما رأيت من الطعن والتفسيق لهذا المولى الجليل من الذي لا يميز يمينه عن شماله. وتعجبت من المؤلف (ره) كيف أورد هذه السطور في كتابه؟!. ومن كان يزيل همي وغمي إلا أن أدحض الباطل وأحق الحق (1) ولو كره الشيخ فشمرت الساعد لأجل أن أرد كيد الطاعن إلى نحره، وقد استعنت سماحة آية الله الوالد (دام ظله) ورفعت إلى مقامه السامي مسودات الكتاب وطلبت منه أن يرد على هذا الشيخ، فأجابني سماحته إلى ذلك وإليك ما قاله: ولعمري لا يكاد ينقضي تعجبي، كيف أعتمد الشيخ الجليل (المؤلف - ره) على مجرد نقل ما كتبه بعض الفضلاء على ظهر كتابه من التجاسر بساحة المحدث والمحقق الكاشاني (ره)؟ وقد ذكر ما لا يليق أن يصدر من صغار الطلبة أو يسطر ويدرج في كتابه ما هو افتراء على هذا الرجل العظيم، وهو منه براء، كما لا يخفى على من اطلع على كتبه أخص منها بالذكر كتاب (الإنصاف) حيث أنه (قده) كتبه في أواخر حياته الغالية (2) قال في أوله بعد البسملة: (الحمد لله الذي أنقذنا بالتمسك بحبل الثقلين من الوقوع في مهاوي الضلالة، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله، خير نبي وخير آل، وبعد: فهذه رسالة في بيان طريق العلم بأسرار الدين المختص بالخواص والأشراف... الخ) فمن تأمل في قوله: (أنقذنا بالتمسك بحبل الثقلين) تأمل رجل منصف يحكم بأن الرجل (كما يأتي) لا يعتقد بغيرهما ولا يعتمد إلا عليهما ولا يعتني بما قيل أو يقال من المسالك المختلفة، وقوله هذا جعل كل ما صدر عن جميع المسالك بأي اسم كانت تحت قدميه ولهذا يشير بقوله ما هذه ترجمة عن الفارسية: (.. فاشتغلت برهة من الزمان بمطالعة مجادلات المتكلمين خائضا فيها، ومدة من الزمان في مكالمات المتفلسفين بتعلم وتفهم ومدة أخرى كنت أزوال أقاويل المتصوفة ودعاويهم وأكتب الكتب والرسائل من غير تصديق بكلها ولا عزيمة على جلها، بل أحطت بما لديهم خبرا وكتبت في ذلك على التمرين زبرا، فلم أجد في شئ من إشاراتهم شفاء علتي ولا في أوراق عباراتهم بلال غلتي، حتى خفت على نفسي، إذ رأيتها فيهم كأنها من ذويهم، فتمثلت بقول من يقول: (خدعوني نهبوني أخذوني وغلبوني وعدوني كذبوني) فإلى من أتظلم ففررت إلى الله من ذلك وعذت بالله من أن يوقعني هناك واستعذت بقول أمير المؤمنين " ع " في بعض أدعيته: (أعذني اللهم من أن استعمل الرأي فيما لا يدرك قوة ولا يتقلقل فيه الفكر، أنبت إلى الله وفوضت أمري إليه) فهداني الله ببركة متابعة الشرع المبين إلى التعمق في أسرار القرآن وأحاديث آل سيد المرسلين، وفهمني الله منها بمقدار حوصلتي ودرجتي من الإيمان، فحصل لي بعض الاطمئنان وسلب الله مني وساوس الشيطان، ولله الحمد على ما هداني وله الشكر على ما أولاني فأخذت أنشد: ملك الشرق تشرق * وإلى الروح تعلق غسق النفس تفرق * رفض الكفر تهدم ثم إني جربت الأمور واختبرت الظلمة والنور، حتى استبان لي أن طائفة من أصحاب الفضول، المنتحلين متابعة الرسول غمضوا العينين ورفضوا الثقلين وأحدثوا في العقائد بدعا وتحربوا فيها شيعا، لا في اثنين منهم اتفاق ولا في ما بينهم توالف ديني ولا تحالف إخواني إلا النفاق، وذلك لأنهم كانوا يطوفون حول الطوائف الأربع من غير بصيرة ولا متابعة بصيرة وكانوا بالأحرى أن يتلى عليهم: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا كتاب منير) (إلى أن قال - ره): وما ذلك كله إلا لرفضهم التمسك بحبل الثقلين وتركهم وصية سيد الثقلين، ترى أحدهم مولعا بالنظر إلى كتب الفلاسفة وليس له طول عمرهم سواه ولا يكون في غيره هواه من أن يحكم علما شرعيا أصليا أو فرعيا وربما لم يسمع قط بما جاء به نبيه في دينه سوى ما سمعه في صغره من أمه وأبيه، لم يتعلم من الشريعة أدبا ولا سنة ولم يتقلد من صاحبها في علم منه، عجبت من قوم أرسل الله إليهم أفضل أنبيائه لهدايتهم وأعطاه الكتاب والخلفاء ذوي البصائر وأولي النهى واحدا بعد واحد إلى يوم القيامة وقال صلى الله عليه وآله: (إني تارك فيكم الثقلين أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ولا يأخذون بهما ويذهبون يمينا وشمالا ويستمدون بغيرهما أو يستبدون بعقولهم الناقصة (إلى قوله - ره): وزعموا أن بعض العلوم الدينية لا يوجد في القرآن ولا في الحديث، بل ينظروا كتب الفلاسفة والمتصوفة غافلين عن أن النقص والقصور فيهم لا في القرآن والحديث بدلالة قوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب فيه تبيان كل شئ وهدى ورحمة للمسلمين) (إلى أن يقول (ره) بعد كلام طويل) فاشهدوا أيها الأخوان، شهادة أسألكم بها عند الحاجة، إني ما اهتديت إلا بنور الثقلين وما اقتديت إلا بالأئمة المصطفين وبرئت إلى الله مما سوى هدى الله فإن هدى الله هو الهدى، اعلموا أني لست بمتكلم ولا بمتفلسف ولا متصوف ولا متكلف، بل أنا أقلد القرآن وحديث النبي وتابع لأهل بيته " ع " كما أني أبرء إلى الله مما سوى القرآن وأحاديث النبي، فكل من لم يعتقد بهما فلا عصمة بيني وبينه وأنا أجنبي عنه، إلى أن يقول (ره) في آخر هذه الرسالة: كلما دام العقل أن يبصر أشياء انقلب إليه خاسئا وهو حسير وكلما بزغ نور الفكر ليضئ اضمحل متلاشيا ثم أفل وهو خبير، فلما رأيت الأمر كذلك ناديت من وراء حجاب العبودية: (سبحانك إني كنت من الظالمين، غفرانك إني لا أحب الآفلين، إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين). هذا قوله (ره) في كتابه (الإنصاف) وهاك كتاب (منهاج النجاة) له (ره) وقد أفرد لكل أصل من الأصول الخمسة فصلا مستقلا أنظر ما قاله فيه ص 1 بعد الخطبة: اعلم أن خير هاد إلى الله عز وجل نبينا محمد المصطفى صلى الله عليه وآله ثم من بعده متروكاه وخليفتاه الثقلان، كتاب الله وعترته أهل بيته فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليه حوضه، فمن تمسك بهما لن يضل ولم يزل ومن طلب من غيرهما يزل، ومن جعلهما أمامه قاداه إلى الجنة ومن جعلهما خلفه ساقاه إلى النار، وأن المستفاد منهما إن النجاة في العقبى موقوفة على الإيمان والتقوى وكل من الخصلتين مرتبطة بالأخرى معتضدة بها والإيمان أشرفها وأعظمها وأقدمها رتبة ولكن لا عاقبة إلا للتقوى ولا هدى إلا للمتقين، والإيمان عبارة عن الإعتقاد بالأركان الخمسة التي هي: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة، والمعاد، والتقوى عبارة عن: امتثال أوامر الله عز وجل واجتناب نواهيه. الخ. وانظر ص 3 من كتابه المذكور: حيث قال " هداية " إن جميع ما جاء به نبينا (محمد - ص هو الحق المبين الذي لا مرية فيه ومن أنكر شئ منه بعد إقراره بأنه ما جاء به فقد كفر. وقد ذكر (قدس الله روحه) حكاية المعراج كما ذكره الله عز وجل بقوله: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..) فهل من المعقول أن كلامه هذا إنكار للمعراج؟ حتى يرميه الرجل بأنه ينكر المعراج، ثم من بعد هذا عقد فصلا للنبوة فقال: (هداية) في النبوة: لما ثبت أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق ولم يجيز أن يشاهده خلقه ولا إذ يلامسوه ثبت أن له سفراء في خلقه يعبرون عنه إلى خلقه وعباده وهم وسائط بينه وبينهم أسماع من جانب وألسنته إلى آخر يأخذون من الله ويعطون الخلق يتعلمون من لدنه ويعلمون الناس ويدلونهم من عنده إلى مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه هم الأنبياء وصفوته من خلقه حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين بها. الخ وفي ص 7 قال: (باب الإمامة) إن ما ذكرناه في بيان الاضطرار إلى النبي صلى الله عليه وآله فهو بعينه جار في الاضطرار إلى أوصيائهم وخلفائهم الأئمة من بعدهم إلى ظهور نبي آخر، لأن الاحتياج إليهم غير مختص بوقت دون وقت آخر. (إلى أن يقول في ص 8): وأما غيبة بعض الأئمة في بعض الأحيان وعدم تمكنه من إجراء الأحكام فإنما ذلك من جهة الرعية دون الإمام فليس ذلك نقصا على لطف الله سبحانه فإنما على الله إيجاد الإمام للرعية ليجمع به شملهم. (إلى أن قال - ره): (هداية) ويجب أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه وأقربهم إلى الله عز وجل وأن يجمع فيه خصال الخير المتفرقة في غيره مثل العلم بكتاب الله وسنة رسوله والفقه في دين الله والجهاد في سبيل الله والرغبة فيما عند الله والزهد فيما بيد خلق الله (إلى قوله) كلما اشترط في النبي من الصفات فهو شرط في الإمام ما خلا النبوة كما قال الصادق " ع " كلما كان لرسول الله فلنا مثله إلا النبوة والأزواج، الخ وقال: (هداية): قد تواتر لنا عن نبينا صلى الله عليه وآله: أن حجج الله تعالى على خلقه بعده صلى الله عليه وآله الأئمة الاثني عشر، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم الحسن الزكي، ثم الحسين الشهيد ثم علي بن الحسين زين العابدين ثم محمد بن علي الباقر ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم علي بن موسى الرضا 300
ثم محمد بن علي الجواد ثم علي بن محمد الهادي ثم الحسن بن علي الزكي ثم ابنه (القائم - عج) سمي النبي وكنيته صاحب زماننا وخليفة الله في أرضه في أواننا (إلى قوله): بعدي اثني عشر أولهم أنت يا علي وآخرهم (القائم) الذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها، وقد استفاض أمثال ذلك من الروايات في كتب العامة أيضا (إلى قوله في ص 10 من كتابه " منهاج النجاة " في حق الإمام المنتظر " ع "): وإن حجة الله في أرضه وخليفته على عباده في زماننا هو القائم المنظر - محمد بن الحسن العسكري - ع) وإنه هو الذي أخبر به النبي عن الله عز وجل باسم ونعته ونسبه وكذا ساير أهل البيت " ع " وإنه هو الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، وإنه هو الذي يظهر الله به دينه (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) وإنه هو الذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها حتى لا يبقى في الأرض مكان إلا نودي فيه بالأذان ويكون الدين كله لله فإنه هو المهدي الذي أخبر النبي أنه إذا خرج نزل عيسى ابن مريم يصلي خلفه.. الخ، وقال في منتصف الصفحة العاشرة: تنبيه حب أولياء الله واجب وكذا بغض أعداء الله والبراءة منهم ومن أئمتهم سيما من الذين ظلموا آل محمد حقهم وغصبوا ميراثهم وغيروا سنة نبيهم، ومن الذين نكثوا بيعة إمامهم وأخرجوا المرأة وحاربوا أمير المؤمنين " ع " وقتلوا الشيعة، ومن الذين نفى الأغيار وشردهم وآوى الطرداء اللعناء وجعل الأموال دولة بين الأغنياء. (حتى قال - ره) في (باب المعاد) (هداية): الموت حق وكل نفس ذائقة الموت إلا أن الإنسان خلق للأبد والبقاء لا للعدم والفناء فلا يعدم بالموت بل يفرق بين روحه وجسده وينتقل من دار إلى دار (كذا في الحديث النبوي) وقال الله عز وجل: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء) ونادى النبي الأشقياء المقتولين يوم بدر: يا فلان قد وجدت ما وعدني ربي حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ ثم قال: والذي نفسي بيده أنه لأسمع لهذا الكلام منكم إلا أنهم لا يقدرون على الجواب، (ثم يقول: هداية) المسألة في القبر حق، قال الصادق " ع " من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا: المعراج والمسألة في القبر والشفاعة ولا يسأل إلا من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا والباقون يلهون عنهم وما يعبأ بهم فمن أجاب بالصواب فاز بروح وريحان في قبره وبجنة النعيم في الآخرة ويسأل وهو مضغوط وما أقل من يفلت من ضغطة القبر وأكثر ما يكون عذاب القبر من سوء الخلق والنميمة والاستخفاف بالبول وهو للمؤمنين كفارة لما بقي عليهم من الذنوب (إلى أن يقول): (هداية): البعث بعد الموت حق لاقتضاء عدل الله وحكمته، إيصال جزاء التكاليف إلى العبيد والوفاء بالوعد والوعيد ومؤاخذة الظالم للمظلوم، إلى غير ذلك، قال الله سبحانه (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) (إلى أن يقول): وقال النبي صلى الله عليه وآله: يا بني عبد المطلب إن الرائد لا يكذب أهله والذي بعثني بالحق لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون وما بعد الموت دار إلا جنة أو نار.. الخ ثم قال في ص 11: (هداية) الصراط حق وهو جسر ممدود على متن جهنم ينتهي إلى الجنة وعليه ممر جميع الخلائق، قال الله عز وجل: (وإن منكم إلا واردها، كان على ربك حتما مقضيا) وعن الإمام الصادق " ع ": الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف فمنهم من يمر مثل البرق ومنهم من يمر مثل عدو الفرس ومنهم من يمر حبوا ومنهم من يمر مشيا ومنهم من يمر متعلقا قد تأخذ النار منه شيئا وتترك شيئا، وقال " ع " أيضا: الصراط هو الطريق إلى معرفة الله وهما صراطان، صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فالصراط في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه على الصراط في الآخرة فتردى في نار جهنم، يعني أن الإمام هو الطريق إلى معرفة الله تعالى والهادي إلى سبيله قولا وفعلا، فمن عرفه في الدنيا واقتدى بهداه واستن بسنته مر على الصراط المستقيم الذي مر هو عليه في الدنيا أي طريقته التي هو عليها في الأعمال والأخلاق، كما قال الله عز وجل حكاية عن نبينا صلى الله عليه وآله: (وإن هذا صراطي مستقيم فاتبعوه) فهو الناجي الذي يمر على الصراط الآخرة ومن لم يعرفه ولم يهتد إلى طريقته ولم يعمل بها فهو الهالك الذي تزل قدمه عند صراط الآخرة الخ. ثم قال في الصحيفة نفسها: (هداية) الميزان حق والحساب حق، قال الله عز وجل: (والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون) وقال تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) وقال الصادق " ع ": الموازين القسط هم الأنبياء والأوصياء " ع ". ثم قال في ص 12: (هداية) الحساب حق هو جمع تفاريق المقادير والأعداد وتعريف مبلغها وفي قدرة الله تعالى أن يكشف في لحظة واحدة للخلائق حاصل حسناتهم وسيئاتهم وهو أسرع الحاسبين، ويأبى الله إلا أن يعرفهم حقيقة ذلك ليبين فضله عند العفو وعدله عند العقاب، فيخاطب عباده جميعا من الأولين والآخرين بمحل حساب أعمالهم مخاطبة واحدة يسمع منها كل واحد قضيته دون غيره ويظن أنه المخاطب دون غيره لا يشغله عز وجل مخاطبة عن مخاطبة ويفرغ من حسابهم جميعا مقدار ساعة من ساعات الدنيا ويخرج لكل إنسان كتابا يلقاه منشورا، ينطق عليه بجميع أعماله، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها فيجعله الله محاسب نفسه والحاكم عليها بأن يقال (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) ويختم الله تبارك وتعالى على أفواههم وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون، وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا؟ قالوا أنطقنا الذي أنطق كل شئ، فتتطاير الكتب وتشخص الأبصار إليها أيقع في اليمين أو في الشمال (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم إقرؤا كتابيه، وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه). الخ ثم يقول في الصحيفة نفسها (هداية) كلما ورد في الشرع من أهوال يوم القيامة وطوله وحره وعرق الناس فيه وازدحامهم واختصامهم وبراءة بعضهم من بعض وفرار المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه والسياق وإحضار الشهداء والمسائلة، وغير ذلك، كما أخبر الله عز وجل عنه في القرآن وأئمة الهدى " ع " في الأخبار المروية عنهم حق وصدق لا ريب فيه، قال الصادق " ع ": (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها، فإن للقيامة خمسين موقفا، كل موقف مقام ألف سنة ثم تلا (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة). ثم قال في ص 13 (هداية) الجنة حق والنار حق وهما مخلوقتان، اليوم لا تخرج نفس من الدنيا حتى ترى مكانها من إحديهما، كذا عن أئمة الهدى " ع " الجنة دار البقاء ودار السلامة لا موت فيها ولا هرم ولا مرض ولا سقم ولا آفة ولا زمانة ولا غم ولا هم ولا حاجة ولا فقر، وهي دار الغناء والسعادة ودار المقامة والكرامة لا يمس أهلها فيه نصب ولا يمسهم فيها لغوب لهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون (إلى أن يقول) والنار دار الهوان ودار الانتقام من أهل الكفر والعصيان لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها، لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا وأن استطعموا أطعموا من الزقوم وإن استغيثوا أغيثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ينادون من مكان بعيد ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون، فيمسك الجواب عنهم أحيانا، ثم قيل لهم إخسؤا فيها ولا تكلمون، ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك، قال إنكم ماكثون، لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم. هذا ما وسع لي في هذه العجالة أن أنقل من كلامه " ره " وقلما يتفق أن يحرر ويهذب العقائد الجعفرية بمثل هذه العبارات الموجزة المشتملة على ما هو اللازم اعتقادها لكل مسلم، وقد أوردها (ره) في أتقن بيان وأنفس برهان، كل ذلك بالأدلة العقلية والنقلية وقسيميهما من السنة والإجماع. ولا يخفى أنه (ره) قد كتب كتابه هذا (منهاج النجاة) وكذلك كتابه (الإنصاف) قبيل وفاته بسبع أو ثمان سنوات. فبالله عليك أيها القارئ الكريم كيف يجوز أن يرمى هذا المولى الكبير والموفق النبيل (ره) إلى فساد العقيدة وأني على يقين بأن هذا الشيخ (..) هو في حد من قلة الباع وعدم الاطلاع على كتابيه ما لا يوصف، حتى أنه لم ير ما رواه من حديث الثقلين المتواتر لدى الفريقين، ومن المعلوم أنه ليس من تعاليم القرآن والأخلاق النبوية رمي أحد إلى فساد العقيدة ولو كان مظهرا لأول مرتبة من المراتب الإسلامية (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) وجاء في الأخبار: (من أهان عالما فقد أهانني). والآن قد تبين لك الرشد من الغي وعلمت أن المولى الكاشاني (ره) هو من اللازمين للأصول الإمامية السالكين للفرقة الناجية الجعفرية، ولم يبق لأحد مجال للشك والارتياب من كون الرجل من أجلاء الشيعة وكبارهم وثقاتهم وختاما نسأل الله العزيز أن يلهمنا الصواب إنه هو الوهاب، هذا ما أملاه على سماحة آية الله الوالد (دام ظله). وختاما أسأل الله أن يوفقني لخدمة الدين بمحمد وآله الطاهرين (المصحح) (1) سبق في ص 169 من هذا الكتاب كلام من شيخنا (صاحب الحدائق) في حق المولى الكاشاني وقد دفعته. (2) طبع هذا الكتاب في ضمن عدة من رسائله المطبوعة. 300 13 - الشيخ على بن فرج (ومنهم) أخوه الفاضل الكامل الشيخ علي بن فرج بن عبد الله بن عمران القطيفي (ره)
301 كان عالما فاضلا من تلامذة العالم الشيخ حسين الماحوزي، وله الإجازة منه
302 وبحسب الظاهر والله العالم أن أخاه الشيخ عبد الله (المتقدم ذكره) كذلك فإن
303 أكثر معاصريه بل كلهم من أهل القطيف صاروا تحت مشيخته، ولم أقف له
304 على مصنف سوى بعض الحواشي على المذكورة ولا تاريخ للوفاة ضاعف الله لهم الحسنات. 14 - الشيخ محمد آل عمران (ومنهم) ابنه الفاضل الأسعد الشيخ محمد، قرأ على أبيه (المتقدم ذكره) كتاب (المدارك) المجلدين وهي النسخة التي عندنا وعليهما الانهاء بخط والده في
305 سنة 1144 ه. وله حواشي كثيرة على المدارك أكثر من حواشي أبيه وبعض
306 الفوائد الفقهية والاختيارات العلمية ولعل له ولأبيه ولغيرهما ممن ذكرنا كما
307 قدمنا مصنفات، تجاوز الله عنا وعنهم جميع ما أسلفناه من السيئات ومنحنا
308 وآباءنا وإياهم الدرجات العاليات بحق محمد وآله الهداة عليهم أفضل السلام والصلوات وأكرم التحيات.
309 15 - الشيخ حسين بن محمد (ومنهم) العامل الكامل الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي كان من الفضلاء وله حواشي كثيرة على جملة من الكتب ولم أقف له على مصنف
310 وكان من شعراء أهل البيت (عليهم السلام) وجدت بخطه له قصائد في رثاء
311 الحسين (عليه السلام) وكان خطه في غاية الجودة والملاحة ولا أدري عمن يروي من المشائخ والله العالم.
312 15 - الشيخ محمد مسعود (ومنهم) العالم العامل الأنور الألمعي الفهامة الأورعي الشاب الرضي الشيخ محمد مسعود ابن الشيخ سعود القطيفي، ذكره العالم الأوحد الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي كما رسمنا له المسائل الدقيقة العويصة في التوحيد وغيره وجوابها للشيخ أحمد المذكور ولم أقف على شئ من أحواله ولا على شئ من مصنفاته وتاريخ وفاته عفا الله عن سيئاتنا وسيئاته سوى المسائل المذكورة وفيها دلالة على فضل عظيم وعلم جسيم والله العالم الخبير. 16 - الشيخ مبارك الجارودي (ومنهم) العالم العامل الفقيه المحدث الكامل رفيع الشأن الشيخ مبارك ابن الشيخ علي آل حميدان الأحسائي القطيفي الجارودي مولدا ومنزلا كان (رحمه الله تعالى) من العلماء الفضلاء الأتقياء النبلاء محدثا مجتهدا ورعا، ينقل عنه تلميذه العلامة الأوحد الشيخ سليمان ابن الشيخ أحمد آل عبد الجبار (الآتي إن شاء الله ذكره) بعض فتاويه كتحريم الجمع بين الشريفتين كما هو قول صاحب (الحدائق) وغيره وغير ذلك، له رسالة عملية في الصلاة مختصرة ولم أسمع له بغيرها توفي (قدس سره) سنة 1224 ه وأرخ وفاته بهذا المصراع (في نعيم خلد الله مبارك) وقبره في مقبرة الحباكة معروف ولهذا الشيخ أولاد ثلاثة علماء فضلاء أتقياء نبلاء أصحاب كرامات، كملاء يستسقى بوجوههم الغمام وتنزل الرحمة بهم على الأنام أكبرهم
313 العالم العامل الأواه صاحب الكرامات الشيخ عبد الله، وله يد طولى في علوم كثيرة وكرامات شهيرة خرج من القطيف وأبوه حي وساح في البلاد لطلب العلوم الغريبة واستوطن بعد ذلك المحمرة تارة والبصرة أخرى وشيراز أحيانا وبها توفي (قدس سره) ونقل أنه أصبح ذات يوم حزينا كئيبا وصلى بالناس في المسجد وأمر بوضع فاتحة وقراءة القرآن المجيد وأخبرهم بوفاة والده " قده " تلك الليلة ودفن في يومها وحيث أنه يشاهدون منه الكرامات الكثيرة لم يستنكروا ذلك وضبطوا ذلك اليوم فبعد مدة وصلت جماعة من القطيف فسألوهم عن الشيخ المذكور " قده " فأخبروهم بوفاته ودفنه في ذلك اليوم المزبور وله الرواية عن بعض علماء العراق ولا أدري هل له رواية عن أبيه أم لا؟ ويروي عنه بعض علماء العراق كما رأيته في إجازة للمجاز منه. وأوسطهم العالم العامل التقي النقي الكامل الزاهد العابد الأشرف الأرشد الشيخ محمد كان " رحمه الله تعالى " سلمان دهره في التخلي عن الدنيا والإقبال على الأخرى مضرب المثل في الورع والتقوى صاحب كرامات مشهورة عند المخالف فضلا عن الموالف وكان سكناه وسكنى أبيه وأخيه الشيخ علي " الآتي ذكره " قرية صفوى " إحدى قرى القطيف " وتارة بمسورة القطيف وكان يباشر غسل ثيابه بنفسه ويدفع في كل شهر أجرة لأهله لمباشرة خدمة بيته وبالجملة فهو ممن أجمع معاصروه على زهده وفضله وتقواه وورعه ونبله وأنه الأوحدي في الزهد والتقوى ورأيت بخط والده الشيخ مبارك الانهاء على آخر المجلد الأول من شرح اللمعة لابنه الشيخ محمد هذا والظاهر أنه في المجلد الثاني كذلك. وأصغرهم العالم العامل التقي النقي الشيخ علي، كان (رحمه الله تعالى)
314 صاحب كرامات وأسرار كأخويه وسجيته هداية الجهال والإصلاح بين المؤمنين وكان من العلماء الأبدال ورأيت إجازته من العالم الفاضل الشيخ عبد المحسن اللويمي الأحسائي (الآتي ذكره إن شاء الله) في بابه وقد مر عليه مع جماعة من فضلاء القطيف كالعلامة الشيخ سليمان آل عبد الجبار الكبير وغيره زائرين الإمام الرضا عليه على وآبائه وأبنائه المعصومين صلوات رب العالمين فاستجازوه فأجازهم وشرك أيضا معهم إجازة مبسوطة بالطرق المتعددة المضبوطة وقد كان للشيخ عبد المحسن المذكور إجازات متعددة من أكثر معاصريه عربا وعجما هجرا وعراقا فأطرى فيها على الشيخ علي المذكور بما لا مزيد عليه ومن جملة ما ذكره في حقه: (عمدة علماء هذا الزمان الشيخ علي ابن العالم الفاضل المحدث الشيخ مبارك آل حميدان الخ) وكان من ورعه وتقواه كأخيه الشيخ محمد إنهما يأمران الناس بتقليد من يرتضيانه من المجتهدين ولا يفتيان عن أنفسهما تورعا من خطر الفتوى لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لأبي ذر: فر من الفتيا فرارك من الأسد، وفي بعضها لا تجعل رقبتك جسرا يعبر عليه الناس وغير ذلك كما صنعه جملة من العلماء الأعلام كرضي الدين بن طاووس وغيره، وهذا كله إنما يسوغ مع وجود المجتهد الجامع لشرائط الفتوى وكان ميسورا ممكنا بواسطة أو وسائط مع عدالة الجميع إما إذا تعسر أو تعسر الوصول إليه فيجب على من له أهلية ذلك المقام ولا يجوز ترك الأنام كالأنعام ولا سيما على القول بحرمة تقليد الأموات بل يجب النفر على كافة العباد حتى يحصل من يقوم بذلك المرام ولتحقيق المسألة محل آخر أليق بها من هذا المقام وبالجملة فهؤلاء الفضلاء من نوادر الزمان
315 وأغاليط الدهر الخوان وتوفي الشيخ علي وأخوه الشيخ محمد (ره) في سنة واحدة وبينهما مدة يسيرة ودفنا في مقبرة الحباكة عند أبيهما وقد زرتهم مرارا عديدة ودعوت الله عندهم، وقد حدثني جماعة كثيرة ممن يوثق بنقلهم من أهل القديح وغيرهم بل يذكرون تواتره في ذلك الزمان وهو أنه بعد دفنهم في المقبرة المذكورة كانوا يشاهدون ليلة الجمعة وليلة الاثنين لا غير نورا عظيما كالعمود تنشق السماء فينزل ذلك النور كالعمود على قبورهم ثم ينتشر فيملأ المقبرة المذكورة وما حولها من الفضاء والنخيل التي حولها فيكون كوقت الضحى بحيث أن القارئ في كتاب تينك الليلتين لا يحتاج إلى مصباح فيبقى على هذا الحال إلى الفجر فيجتمع ثم يرتفع كما نزل إلى السماء وصار ذلك عادة في تينك الليلتين كل أسبوع بحيث يرتقبه الساكنون في النخيل أيام القيظ ويراه الذي يأتي لسقاية النخيل ليلا في الشتاء وبقي على هذه الحال سنين كثيرة ثم انقطع وليس ذلك على أولياء الله منه تعالى بكثير رحمنا الله وإياهم برحمته الواسعة في الدنيا والآخرة إنه على كل شئ قدير (1). 17 - الشيخ محمد بن عبد الجبار (ومنهم) العالم الفاضل الزاهد العابد رفيع المقدار الشيخ محمد بن عبد الجبار الكبير، وآل عبد الجبار بيت في القطيف عظيم خرج منهم علماء فضلاء كثيرون
(1) (ومنهم قده) العالم الكامل الشيخ عبد الجبار بن محمد بن أحمد بن علي ابن عبد الجبار الخطي البحراني (ره) تلميذ الفاضل الشيخ خلف ابن الحاج عسكر الحائري قدس الله أرواحهم جميعا. (حسين ابن المؤلف) 316 أصحاب مصنفات وفتاوى وأصلهم من البحرين من قرية سار وسكنوا بلاد القطيف قديما وهذا الشيخ معروف بالزهد والعلم إلا أنا لم نقف له على ترجمة كغيره من علماء هذه البلاد فلذا عميت علينا أخبارهم وانقطعت أكثر آثارهم وينقل تلميذه وابن أخته العلامة الأوحد الشيخ محمد ابن الشيخ عبد علي بن عبد الجبار (الآتي ذكره) كثيرا من الفتاوى كحجية الاجماع المنقول وغيره ولم أسمع له بشئ من المصنفات ولا تاريخ للوفاة. 18 - الشيخ محمد بن الشيخ عبد علي (ومنهم) العلامة المحقق النحرير الفهامة المدقق الأمجد الشيخ محمد ابن الشيخ عبد علي ابن الشيخ محمد بن عبد الجبار القطيفي البحراني وكان هذا الشيخ (قدس سره) من أساطين علماء الإمامية وأكابر فقهاء الشيعة الحقية أيدهم رب البرية في الإحاطة بالعلوم والمعارف والجامعية لأنواع المكارم واللطائف له ملكة قدسية ومعرفة علية وقد ارتضاه علماء النجف الأشرف للمحاكمة بينهم وبين السيد كاظم الرشتي في أيام المنازعة معه وارتضاه السيد المذكور أيضا إلا أنه لم تتم الشروط بينهم وبينه وناهيك بذلك فضلا وكان (رحمه الله تعالى) كثير الأسفار لزيارة العتبات الشريفة ويقلده كثير من سكنة العراق وأهل القطيف والأحساء في حياته وكان يسكن في القطيف تارة وفي الأحساء أخرى وله في كل منهما بيت وأولاد وأملاك. وله (ره) مصنفات كثيرة مبسوطة ومختصرة أيضا له شرح على (أصول الكافي) أربعة عشر مجلدا أو اثنى عشر والموجود الآن منها عشرة مجلدات
317 والباقي في المسودة لم يخرج له فيه من التحقيقات الأنيقة شئ كثير وقد رأيت منه جملة وهو أكبر شروح الكافي على الاطلاق وفيه أشياء كثيرة ليست فيها وله كتاب (البارقة الحسينية) مجلدان ضخمان في رد شبه وتشبيهات وإشكالات في التوحيد ومقامات آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين وصنفه في الحائر الحسيني علي مشرفه آلاف السلام ولهذا نسبه، وله كتاب الرد على النصارى مجلدان ويعرف بالكبير، له كتاب الرد على النصارى الصغير مجلد وقد كان بعض علماء النصارى أرسل في ذلك الوقت كتابا في الرد على الإسلام والقرآن المجيد فكتب هذا الشيخ في نقضه ورده هذين الكتابين وكتب ابنا عمه الشيخ علي الشيخ سليمان (الآتي ذكرهما إن شاء الله) كل واحد كتابا ردا عليه وقد رأيت الأخيرين دون الأولين له، كتاب (الشهب الثواقب لرجم شياطين النواصب) في إثبات خلافة الإمام علي بن أبي طالب (ع) وأبنائه الأئمة الأحد عشر الأطايب (ع) بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بلا فصل بالأدلة العقلية والنقلية والاعتبارية وقد كتب إليه عالم من علماء تبريز يسأله عن ذلك فكتب له بذلك وهو عندنا ولله الحمد، وله كتاب مستقل في حديث الثقلين مجلد ضخم ذكره في (الشهب الثواقب) ولم أقف عليه، وله كتاب (سلم الوصول إلى الأصول) أصول الفقه ثلاثة مجلدات أو أربعة تام رأيت منه مجلدا حسنا في حجية الاجماع وأقسامه مبسوط جدا أكبر كتب الأصول، وله كتاب " شرح خلاصة الحساب " مجلد، وله كتاب " تشريح الأفلاك " مجلد مبسوط رأيته، وله كتاب شرح إيساغوجي في المنطق، وله رسالة عملية في الطهارة والصلاة مبسوطة مجلد صنفها في أقل من سبعة أيام وقد اختصرها تلميذه العالم الأسعد الشيخ أحمد بن
318 طوق القطيفي " الآتي ذكره " وله رسالة في وجوب الاخفات بالتسبيح في الأخيرتين كما هو المشهور، وله أيضا الحاقة في رد رسالة بعض علماء آل عصفور في وجوب الجهر على الإمام والجميع عندنا، وله رسالة مختصرة في جواز الجمع بين الشريفتين بل استحبابه، وله أجوبة كثيرة لمسائل متعددة وكان عندنا بعض منها بخط والدي (قدس الله روحه)، ثم تلفت في حداثة سني والظاهر أن له مصنفات غير ما ذكرناه لكن هذا الذي رأيناه وكان خطه (قدس سره) في غاية الرداءة وله كتاب يملي عليهم ويعرفون خطه واصطلاحه فيبيضونه وبقي كثير منه بلا تبييض إلى الآن لهذه العلة توفي (قدس سره) بعد رجوعه من زيارة العتبات العاليات في البلدة المعروفة بسوق الشيوخ وكان فيها جماعة من مقلديه وأوصاهم أن يدفنوه فيها ولا ينقلوه كما قيل بعد وفاته ولم تطب نفوسهم بدفنه هناك ونقلوه إلى المشهد الغروي على مشرفه آلاف التحية والثناء من رب الأرض والسماء ولم أحفظ تاريخ وفاته ضاعف الله حسناته. 19 - الشيخ على آل عبد الجبار (ومنهم) العالم العامل الأمجد الشيخ علي ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ حسين آل عبد الجبار كان رحمه الله تعالى عالما فاضلا حكيما فيلسوفيا شاعرا أديبا حفظه الله محققا متتبعا له ديوان شعر كثير في مراثي الحسين (ع) ومدائح آل محمد صلى الله عليه وآله وكان جيد الشعر وله مناظيم كثيرة في الأصول الخمسة له منظومة كبيرة في التوحيد رد فيها على بعض معاصريه وله منظومة ثانية في التوحيد والأصول الخمسة متوسطة أيضا وله ثالثة مختصرة أيضا وله أيضا رابعة مختصرة وله منظومة في تعداد
319 سور القرآن المجيد وبعض أحكام القراءة والتجويد وله رسالة في الأصول الخمسة مبسوطة جيدة أيضا وله ثانية متوسطة أيضا وله ثالثة مختصرة وله رابعة مختصرة وله رسالة دقيقة في تحقيق ليس كمثله شئ وله رسالة في عدم وجوب كون أجداد المعصوم لأمه مسلمين وله منسك مختصر وله كتاب الرد على النصارى سماه (ثمرات لب الألباب في الرد على أهل الكتاب) وله كتاب مختصر معاني الأخبار للصدوق (ره) وله فيه تنبيهات جيدة وأكثر هذه المناظيم والرسائل وكتب الرد على النصارى عندنا وكثير منها بخطه (رحمه الله تعالى) وله حواشي كثيرة على كثير من كتب الأصحاب الفقهية وغيرها بل قلما رأيت كتابا من كتبه أو رسالة للأصحاب مما دخل في ملكه إلا وله عليه حواشي وتحقيقات وردا واختيارات ومن شعره (قدس سره) في الموعظة: ولكم يصدع الخطيب بوعظ * يصدع الصخر لو يصيخ استماعا وينادي إلي داع إلى الله * أجيبوا ولا يرى اتباعا فلهذين جهرة هلك الناس * وكانوا سوائما ورعاعا يحسبون السليم والحي لبا * وسليما والمقتدي اتباعا وله أيضا (قدس سره) في الوعظ: أمس طيف واليوم خلسة برق * وغد غائب فمالي منها فاختلس خلسة من الآن واعمل * عملا صالحا لترحل عنها وله أيضا (قدس سره) في القناعة: لقد طالبتني النفس من سوء حرصها * برزق غد والموت منها بمرصد فقلت لها هاتي كفيلا بأنني * إذا ما ملكت الرزق أبقى إلى غد؟
320 وله في مدح أمير المؤمنين علي (عليه السلام) هذه الأبيات: قلت والشاعرون قولا عليا * بمدح الباب والحجاب عليا وسلكنا المديح كالخلق حتى * قال من قال جئت شيئا فريا قلت إني مدحت مدحي بمدحي * نفس خير الورى الصراط السويا وذكرنا في ذكرنا بعض حرف * جاء في الذكر بكرة وعشيا وذكرنا قصورنا فاقتصرنا * من قصور الجنان قصرا عليا وسألنا الأشياء ماذا أجابت * فأجابت جهرا وسرا خفيا بثناها لم يثنها وثناها * لوجود الأشياء شيئا هنيا وله (ره) في تشطير بيتي أبي نؤاس في مدح آل رسول الله صلى الله عليه وآله: كرام إذا الدنيا دجت أشرقت بهم * وإن أجدبت يوما بهم نزل القطر أقاموا بظهر الأرض فاخضر عودها * وحلوا ببطن الأرض فاستوحش الظهر فقال (قدس الله نفسه الطاهرة) مشطرا: كرام إذا الدنيا دجت أشرقت بهم * فهم نورها لا الفجر والشمس والبدر وإن خافت الأكوان هم أمن خوفها * وإن أجدبت يوما بهم نزل القطر أقاموا بظهر الأرض فاخضر عودها * فأقطارها من نور أنوارهم خضر فآنس ظهر الأرض وصف ظهورهم * وحلوا ببطن الأرض فاستوحش الظهر وله أيضا (ره) في تشطير بيتي أبي نؤاس في مدح أمير المؤمنين عليه السلام إلى م ألام وحتى متى * أعنف في حب هذا الفتى؟ فهل زوجت فاطم غيره؟ * وفي غيره هل أتى (هل أتى)؟ فقال (نور الله قبره ورفع قدره) مشطرا:
321 إلى م ألام وحتى متى * ينازعني ناصبي عتا ومهما نطقت بوحي أتى * أعنف في حب هذا الفتى فهل زوجت فاطم غيره * ونص الغدير لمن أثبتا وفي الذكر أنفسنا من عنى * وفي غيره هل أتى (هل أتى) وله (قدس) أيضا في تشطير أبياته الأربعة التي مدح بها الإمام الرضا (ع) فقال له يا أبا نؤاس لقد جئتنا بأبيات ما سبقك بها أحد من الناس وهي الأبيات المشهورة: مطهرون نقيات ثيابهم * تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا من لم يكن علويا حين تنسبه * فما له في قديم الدهر مفتخر فقال (رحمه الله عليه) مشطرا لها: مطهرون نقيات ثيابهم * دل الكتاب على التطهير والأثر صلى العلي عليهم أولا فلهم * تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا من لم يكن علويا حين تنسبه * ففرضه طاعة القالين إن أمروا إذا المفاخر أوصاف لهم جمعت * فما له من قديم الدهر مفتخر والله لما برا خلقا فأتقنه * كنتم صفايا البرايا أيها الخير وأول الخلق في طاعاته فلذا * صفاكم واصطفاكم أيها الغرر فأنتم الملأ الأعلى وعندكم * علم المشاءات والمقضي والقدر وما أراد وعلم الأذن يتبعه * علم الكتاب وما جاءت به السور وله (قدس سره): لو كان يحسن صو العلم من كتبت * يداه حرف الهجا أو أحرف الجمل كتبت علما ولكن ليس ذاك كذا * العلم نور علي حل قلب علي
322 وله (قدس سره): لله قوم إذا ما يكتبوا نشروا * ما كان في العالم المعقول محسوسا فبينما هو مخفي وذو حجب * وقد تجسد منظورا وملموسا وله (ره) شعر كثير توفي (رحمه الله تعالى) وقد ناف على الثمانين سنة 1287 ه وقد رثاه شيخنا العلامة الأمجد الفهامة الصالح بهذه الأبيات وليست في الديوان: يا لخطب قد دهانا بالمصاب * صابه في حبة القلب أصاب فقد نور العلم نبراس الهدى * جامع العليا العلي المستطاب فعليه حق أن يبكي دما * عوض الدمع إذا عز انسكاب إذ هو اللطف لنا في سوحنا * فبه قد كفيت سوء انقلاب لو خلا من خلف من بعده * خلف الخلق ركودا في التراب فبك السلوة ضيف الله يا * خلف الماضين يا عالي الجناب وابنه الجامع حمدا وعلا * فرعه الزاكي كفي سوء الحساب يا ذوي الإيمان صبرا أجملوا * عظم الله لكم فيه الثواب وسقى صوب الرضا قبرا به * بحر علم قد حوى فصل الخطاب (غاب بدر المجد) ذا تاريخه * يا ليوم فيه بدر المجد غاب (1287 ه) 20 - الشيخ سليمان آل عبد الجبار (ومنهم) أخوه العلامة الفهامة الفاضل المحقق الكامل خاتمة الحفاظ الأفاضل الأمجد الشيخ سليمان ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ حسين آل عبد الجبار البحراني
323 القطيفي كان (رحمه الله تعالى) من العلماء الأبرار الكبار والفقهاء الأخيار وكان على غاية من الإنصاف ومحاسن الأوصاف وكثير من أهل البحرين ولا سيما العلماء والمتعلمين وأهل عمان ومسقط وتلك الأطراف مقلدوه وكانت ترد عليه المسائل الكثيرة من أهل الأطراف كثيرا وأجوبته في غاية من البسط والتحقيق وقد تلمذ على جماعة من فضلاء القطيف كالشيخ مبارك آل حميدان والمحقق الشيخ محمد ابن عبد الجبار وينقل بعض فتاويه في بعض مصنفاته وانتقل من القطيف وسكن بلاد مسقط فشرفها الله به غاية التشريف وسما قدرها وعلا فخرها وكانت حينئذ عامرة بأهل البحرين تجارا وساكنين وصنف فيها وألف وقرط الأسماع بدرر حكمه وشنف وقصدته الفضلاء والأماثل لتحقيق الحقائق وتنقيح الدلائل. له مصنفات كثيرة، له كتاب (النجوم الزاهرة في أحكام العترة الطاهرة) مجلد فتوى ويشير إلى الدليل وله شرح المفاتيح في الطهارة والصلاة عندنا بخطه وله شرح على اللمعة سماه (الأنوار المشرقية في شرح اللمعة الدمشقية) غير تام وله شرح على باب الحادي عشر في المعارف الخمسة مبسوط حسن مجلد سماه (إرشاد البشر في شرح الباب الحادي عشر) وله شرح على الفصول النصيرية مبسوط جيد وله شرح على شمسية المنطق مجلد وله شرح على تهذيب المنطق للتفتازاني وله شرح على كتاب إيساغوجي وله منظومة مبسوطة جيدة في المنطق وله رسالة في الجزء الذي لا يتجزأ وله رسالة في أن الواحد لا يصدر منه إلا واحد وله رسالة في انعتاق أم الولد بعد موت سيدها من حصة ولدها هو المشهور انعتاقا قهريا خلافا للشيخ حسين آل عصفور (ره) فإنه اختار في شرح المفاتيح أن ولدها بعد بلوغه يعتقها لا أنها بمجرد موت أبيه تنعتق عليه وله رسالة
324 في أجوبة مسائل الشيخ غانم القطري البحراني في مسائل الرجعة جيدة وله رسالة في أجوبة مسائل العلامة الشيخ عبد الله ابن الشيخ عباس البحراني دفعتين أو ثلاثا وله رسالة في أجوبة مسائل العلامة الأمجد الشيخ محمد ابن الشيخ أحمد ابن عصفور (ره) جيدة جدا وله رسالة في جواب رده على جواب المسائل المذكورة وله أجوبة كثيرة لكثير من علماء زمانه في علوم كثيرة وله منسك كبير مبسوط جيد جدا وله منسك صغير وله منسك في نيات مناسك الحج وله رسالة حسنة في الأصول الخمسة وله حاشية على المدارك وله منظومة في أجوبة مسائل في أصول الفقه وعلاج اختلاف الأخبار وله كتاب الرد على النصارى مجلد كما تقدم الكلام عليه وله رسالة في الطهارة والصلاة والظاهر أن له مصنفات كثيرة غير ما ذكرناه، لكن هذا الذي رأيناه وأكثره عندنا وبخطه قدس الله روحه وسئل عن بلاد المسقط وتظاهر من فيها من الأباضية باللواط والزنا مع أنهما (والعياذ بالله) يوجبان لنزول الطاعون ولم يأت بلاد مسقط في ذلك الوقت سنين كثيرة فأجاب (قدس سره) بأن المقتضي لمجيئه موجود وهو وجودها ولكن المانع منه موجود أيضا وهو عدل الحاكم وكان في ذلك الوقت الحاكم سيد سعيد الأباضي وكان في غاية عظيمة من العدل ومحبة الشيعة ولا سيما البحارنة والرحمة والرأفة بالرعية وإنصافهم. توفي (قدس سره) سنة 1266 ه وللعالم العابد الزاهد الشيخ صالح البحراني والد شيخنا العلامة الأسعد الشيخ أحمد مرثية عليه أولها: تزعزع الدين لرزء شديد * من أجله خر عماد عميد
325 21 - الشيخ سليمان بن سليمان (وله قدس سره) ولد فاضل عامل كامل اسمه كأبيه الشيخ سليمان، سكن بعد أبيه بمدة مديدة ميناب (من توابع العجم) وقفت له على رسالة في الأصول الخمسة مبسوطة حسنة، أيضا له منسك صغير، أيضا له جواب مسائل للشيخ صالح والد شيخنا العلامة، أيضا له شرح أبيات عمه الشيخ علي من منظومته في التوحيد في الرد على الشيخية وكان والد الشيخ علي والشيخ سليمان الشيخ أحمد وجدهما الشيخ حسين من العلماء الفضلاء إلا أني لم أقف على حقيقة أحوالهما رحمنا الله وإياهم وآباءنا والمؤمنين في الدنيا والآخرة إنه أرحم الراحمين. 22 - الشيخ أحمد آل عمران (ومنهم) العالم المشهور الشيخ أحمد بن محسن بن منصور من آل عمران القطيفي كان رحمه الله تعالى من العلماء الأفاضل ومن مشائخ الشيخ أحمد بن طوق وغيره وسمعت أن له كتابا مبسوطا في الفقه اسمه (الحاوي) وأخبرني قديما بعض المشائخ المطلعين إنه عنده لكني لم أقف عليه والله أعلم. 23 - الشيخ أحمد بن صالح (ومنهم) العالم العامل الفاضل الأوحد الصالح الشيخ أحمد ابن المرحوم الشيخ صالح بن طوق القطيفي كان (رحمه الله) من أفاضل عصره علما وعملا وله مصنفات كثيرة تقرب من أربعين مصنفا أو كثر كما ذكره ابنه الفاضل الأواه
326 الشيخ ضيف الله في شرح رسالة لأبيه المذكور في المعارف الخمس، والذي وقفنا عليه منها رسالة مبسوطة سماها (جامعة الشتات في أحكام الأموات وفي الفرائض والمواريث)، رأيتها بخطه وله رسالة مبسوطة في الأصول الخمسة وقد شرحها ابنه المذكور وله رسالة في الأصول الخمسة مختصرة عندنا وله منسك مختصر وله كتاب (نزهة الألباب ونزل الأحباب) يشتمل على رسائل وفوائد وأجوبة مسائل وله كتاب آخر مثله مجلد وله مجلد كبير وله كتاب (نعمة المنان في إثبات صاحب الزمان عجل الله فرجه) مجلد وله مختصر رسالة شيخه الشيخ محمد بن عبد الجبار وله رسالة في ترك الصلاة على محمد وآله في الركوع والسجود على قصد الجزئية لا مطلق الذكر وقد نقضها بعض معاصريه وسنذكره إن شاء الله تعالى وله رسالة عجيبة جيدة تدل على فضل عظيم في شرح الحديث عن الأمير (سلام الله عليه) وهو: (من عرف نفسه فقد عرف ربه) استخرج منه الأصول الخمسة بأبسط بيان وأوضح برهان، عندنا بخطه، هذا الذي وقفت عليه من كتبه (قده) ووقفت له على أجوبه مسائل للشيخ محمد الفرساني البحراني الساكن في قرية صفوى وعلى أجوبة كثيرة وله المسائل العويصة الكثيرة التي أرسلها إلى العالم الأوحد الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي المذكورة في (جوامع الكلم). ولوالده العالم الصالح الشيخ صالح بن طوق مسائل له وكان أبوه أيضا من العلماء المؤمنين الصالحين تغمدهما الله تعالى برحمته وحشرهما مع محمد وآله الطاهرين. 24 - الشيخ ضيف الله بن أحمد وابنه الشيخ ضيف الله من العلماء الأخيار ولم أقف له على مصنف سوى
327 شرح رسالة والده رحمه الله تعالى في الأصول الخمسة وهو شرح مبسوط ممزوج وفيه ذكر ما نقلناه عنه سابقا، ورأيت له جمع فتاوى السيد كاظم الرشتي في الطهارة والصلاة من أجوبة مسائل بأمره، توفي في كربلاء المعلى أو أطراف العراق 25 - الشيخ على بن حبيب التاروتي (ومنهم) العالم الأديب الشاعر الأريب الشيخ علي بن محمد بن حبيب التاروتي القطيفي وكان من شعرائها المجيدين وفصحائها المادحين الراثين وهو أيضا من العلماء الفاضلين إلا أني لم أطلع على حقيقة أحواله ولم أسمع بتفصيله وإجماله سوى ما ذكرناه ووقفنا عليه من أشعاره في المدح لآل المصطفى والمراثي على الحسين الشهيد (ع) خامس أهل الكساء وأنصاره فمن مدحه قوله وقد ذكره شيخنا الشيخ يوسف في كشكوله فقال: سمعا مهفهة الهفوف من هجر * أنغمة الصوت ذا أم رنة الوتر؟ وذا الذي عطر الآفاق فائحة * ترديد نفسك ذا أم نفحة العطر؟ وصفحة الوجه تبدو منك مسفرة * أم قرص شمس الضحى أم غرة القمر؟ وذا الذي فوق متن الظهر منسدل * ستر الدجا مرتخ أم دجنة الشعر؟ وهذه الوجنة الحمراء خدك أم * نار بثلج فلا بدعا من القدر؟ وذا هو الخال فوق الخد كون أم * قيراط مسك مليح الكون والقدر؟ وذي ثغورك في فيك العقيقي أم * عقد من البرد المنظوم والدرر؟ وذا الذي فوق ملعوس الشفاة جرى * رحيق ريقك أم صهباء معتصر؟ وذا هو الجيد مصقول الجوانب أم * سبيكة الفضة المنزوعة الكدر؟
328 وذاك نهداك في بلور صدرك أم * رمانتان هما من أحسن الثمر؟ وذا الحرير على البطن الخميص على * الخصر النحيل كخصر النحل مختصر وذا الذي خلف قد ضاق الإزار به * مرتج كفلك أم حتف من المدر؟ وذا الرطب الذي ماس النسيم به * أملود غصنك أم ذا بانة الشجر؟ وهي طويلة الغزل إلى أن قال (رحمه الله تعالى): مني بوصل ولو بالطيف زائرة * فليرض بالطل من لم يحظ بالمطر وذا الصقيل رقيق الحد انفك أم * سيف كسيف علي سيد البشر؟ مروي البواتر من دم العساكر حزا * ز الحناجر مولى الفتح والظفر قرم الحروب وكشاف الكروب وعلا * م الغيوب جمال الآي والسور وهو العبوس إذا اصطاد النفوس و * حصاد الرؤس مزيل البوس والحذر وهو الرؤف ووهاب الألوف ورغا م * الأنوف لأهل الكفر والغير بحر الفضائل ينبوع الفواضل حلال * المشاكل أوج المجد من مضر وهو العطوف على الملهوف والملك * المعروف بالفضل والمعروف والغير ليث الجهاد ومصدام الجياد ومقدام * الجلاد ومهدي القوم للحفر مبدي السرائر في ررس المنابر * مصباح المشاعر فخر الحجر والحجر ومظهر الدين كهف المسلمين أمير * المؤمنين وجالي ظلمة الحفر وهو المبين محك العالمين ملاذ * الهالكين مجبر الخلق من سقر ووارث الأنبياء والمرسلين إمام * المتقين وأعلى خيرة الخير سل المحاريب عنه والحروب هو * الضحاك في الحرب والبكاء في السحر معطي الأسير وصوام الهجير على * قرص الشعير ووجه السادة الغرر
329 طهر بشوش عبوس لين خشن * محيي مميت ولي النفع والضرر إن جال أسقطت الهامات راحته * أو جاد يسقط منها الجود كالمطر مردي القرون وساقيها المنون وفتاح * الحصون نصير أي متصر! فتلك سلع فسلها عن شجاعته * واستخبرن خيبرا تخبرك بالخبر وسل تبوك ومردي العنكبوت وداعي * ذا الخمار بدم النحر مؤتزر وكم بصفين من صف فنى ولكم * أباد قرنا لدى الأحزاب مع زجر كم عنه من نفر خوف الردى نفروا * وكم أسود تولت عنه كالحمر وعمرو عمرو بن ود قصه وسقى * مرد الردى مرة بالصارم الذكر المرتضى الفارس الكرار والأسد * المغوار سيد أهل البدو والحضر وعيبة العلم بيت الحلم سيد أهل * الحكم قالع ساس الظلم والبطر صنو الرسول وفاديه بمهجته * فوق الفراش وما فيه من الحذر الفلك والباب داحي الباب حمال * القعاب وغاب الحرب أي جري خليفة المصطفى الراقي لمنكبه * فانظر لمركبه يا صاحب الفكر قاضي القضايا وذو علم البلايا وطلاع * الثنايا وراقي ذروة الخطر وافي النذور الفتى الليث الهصور * وممدوح الزبور ومولى الصور والزبر ولي رب السما داعيه آيته الكبرى * وحجته العظمى على البشر بواب رحمته، سياف نقمته، خزا * ن حكمته، أغلوطة القدر يا رافعا راية الإسلام ناصبها * وجازما حركات الكفر بالشرر لولاك لم تخلق الأفلاك حتى * ولا الأملاك مع سائر الأرواح والصور أبلغ حبيب حبيب الله وارثه * بأن نجل حبيب من عداك بري
330 جد بالقبول عليه بالوصول إلى * المسؤول مع غاية المأمول والوطر إذا قلا وهجا ضد إلى ملك * متن عليه فبالإكرام منه حري واشفع لمن دلني طفلا عليك معا * من فيك شاركني يا خير مدخري وانجز الوعد يا بن العسكري فقد * طال انتظاري فقم يا خير منتظر صلى الإله عليكم ما على شجر * طير علا أو تغنى سادة الشجر وله غير ذلك من المراثي الحسينية (تغمده الله برحمته). 26 - الشيخ مرزوق الشويكي (ومنهم) العالم العامل الأواه الشيخ مرزوق ابن الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الله الشويكي الخطي الأصيبعي البحراني (قده) (والشويكي نسبة إلى الشويكة بالضم تصغير شوكة قرية من قرى القطيف) مسكن الشيخ وآبائه وإلا فهم من أهل البحرين كما ذكره العلامة المشهور الشيخ حسين آل عصفور في إجازته الكبيرة له، وشرح الشيخ حسين المفاتيح الشرح الكبير بالتماسه وكتابته بخطه وعندنا منه مجلدان بخطه، ووجدت له إجازة صغيرة من الشيخ حسين المذكور بخط المجيز على ظهر كتاب (الأنوار الوضية في شرح الأحكام الرضوية) ولم أقف له على مصنف ولا تاريخ لوفاته ضاعف الله له حسناته. وكان أبوه الشيخ محمد من العلماء وشعراء أهل البيت (عليهم السلام) وله فيهم المراثي الكثيرة وكان من تلامذة العلامة المشهور الشيخ حسين آل عصفور كأبنه المذكور ومن كتابه. وكان جده الشيخ عبد الله من العلماء الفضلاء ومن شعراء أهل البيت (عليهم السلام)
331 ووقفت له على مصنف جيد حسن في الفضائل للنبي صلى الله عليه وآله وللأئمة الطاهرين صلى الله عليه وآله المعصومين مجلد وله بعض الأشعار والشيخ مرزوق المذكور يروي عن العلامة الشيخ حسين آل عصفور كما ذكرناه في إجازتيه وهما عندنا. 27 - الشيخ عبد الله الحريفي (ومنهم) العالم العامل الفاضل البهي التقي الشيخ عبد الله ابن الشيخ علي البحاري الحريفي الخطي (البحاري والحريف بالتصغير في الثاني قريتان من قرى القطيف المحروسة) كان من أهل الحريف أولا فلما أخربها الأعراب انتقلوا إلى البحاري وسكنوا فيها وبقيت الأولى خرابا إلى الآن يسكنها بعض أهل قريتنا في أيام القيظ خاصة وكان هذا الشيخ عالما فاضلا أديبا شاعرا، له حواشي كثيرة على المدرك وله رسالة جيدة في الحكمة النظرية من الأصول وله كتاب شرح الدرة في المنطق الجميع عندنا بخطه وله رسالة نقض لرسالة الشيخ أحمد بن طوق (ره) (المتقدم ذكره) في وجوب ترك الصلاة على محمد وآله في الركوع والسجود على جهة الجزئية وله بعض الرسائل لا يحضرني الآن ذكر أسمائها وكان أبوه الشيخ علي من العلماء وله أخ اسمه الشيخ محمد من العلماء أيضا إلا أني لم أقف لهما على مصنف والشيخ عبد الله صاحب الترجمة أعلمهم وأفضلهم ويعرفون ببيت العوي. 28 - السيد محمد أبو الفلفل (ومنهم) العالم السيد الحسيب الشاعر الأديب الأسعد السيد محمد ابن السيد
332 مال الله أبو الفلفل القطيفي من التوبي (قرية من قراها) كان رحمه الله تعالى من الشعراء المجيدين المكثرين في مراثي الحسين (ع) وأصحاب الحسين سلام الله عليهم أجمعين وله يد قوية في العلم إلا أن الشعر غلبه انتقل من القطيف للعراق وجاور جده الحسين سيد الشهداء وإمام السعداء (ع) حتى مات فيها كان رحمه الله تعالى كثير الرقة وإراقة الدموع على مصاب جده الحسين الشهيد المفجوع الذي يحق لكل مؤمن أن يسكب عليه عوض الدموع دما، ولا يتهنى بلذيذ الطعام وبارد الماء ويجعل العمر كله عليه مأتما فلقد بكته الأفلاك والأملاك والأرض والسماء والجن والإنس والصامتات والجامدات والثابتات وما نما. ونقل الشيخ علي الحمامكي قارئ النجف الأشرف وكان من الأخيار قال حدثني العلامة الأفخر الشيخ جعفر الشوشتري وكان الشيخ جعفر المذكور من أفاضل العصر ونواميس الدهر وكان زائرا للإمام الرضا عليه السلام وفيها توفي قال الشيخ جعفر: حدثني السيد محمد أبو الفلفل القطيفي قال: رأيت في الطيف ليلة من الليالي كأني جئت إلى غدير ماء يجري وعلى حافته امرأة جالسة عليها آثار الهيبة والعظمة وهي تئن وتبكي وبيدها قميص أحمر تغسله في ذلك الغدير وهي تردد هذا البيت بأنين وبكاء وزفير: وكيف يطوف القلب مني ببهجة * ومهجة قلبي بالطفوف غريب؟ قال السيد محمد فدنوت منها وسلمت عليها وقلت لها من أنت وما هذا القميص فقالت أما تعرفني أنا جدتك (فاطمة الزهراء - ع) وهذا القميص قميص ولدي الحسين (ع) لا أفارقه أبدا، أو ما هو بمعناه فانتبه السيد المذكور وعمل قصيدة جيدة على الحسين (ع) وضمنها هذا البيت عن لسان فاطمة الزهراء صلوات الله
333 وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبينها وأول القصيدة المذكورة هو هذا. (أراك متى هبت صبا وجنوب) وكان أبوه السيد مال الله من أهل العلم ومن شعر السيد محمد الكثير قوله (رحمه الله تعالى): يا زائرين إلى المختار من مضر * رحتم جسوما ورحنا نحن أرواحا إنا أقمنا على عذر ومن قصر * ومن أقام على عذر كمن راحا وله رحمه الله القصيدة الرائية في رثاء جده الحسين (ع) منها في شأن الأنصار (ع) عشقوا القنا للدفع لا عشقوا القنا * للنفع لكن أمضي المقدور ما شاقهم للخلد إلا دعوة الرحمن * لا ولدانها والحسور فتمثلت لهم القصور وما بهم * لولا تمثلت القصور قصور 29 - الشيخ يحيى بن عمران (ومنهم) العالم الفاضل الأسعد الشيخ يحيى ابن الشيخ محمد الخطي القطيفي والظاهر أنه من آل عمران ولم أتحققه وكان من الفضلاء النبلاء إلا أني لم أقف على شئ من أحواله ولا شئ من مصنفاته سوى أني رأيت له إجازة في آخر الروضة شرح اللمعة لتلميذه العالم. 30 - الشيخ محمد بن سيف (ومنهم) المقدس الفاضل العامل الأمجد الشيخ محمد ابن الحاج أحمد بن سيف النعيمي القطيفي وهذا الشيخ أيضا من مشاهير علماء القطيف وأرباب الفتاوى ولم أقف على شئ من أحواله سوى الإجازة من شيخه (المتقدم ذكره).
334 ولهذا الشيخ أعني الشيخ محمد بن سيف ثلاثة أولاد علماء فضلاء أكبرهم الشيخ حسين وقد بلغ مرتبة عظيمة في العلم إلا أنه تطل أيامه. وأوسطهم العالم الفاضل العامل التقي النقي الشيخ علي وهو أفضلهم وأعلمهم له كتاب حسن في التوحيد مبسوط رأيته قديما بخطه، وله كتاب وفاة أمير المؤمنين (ع) وهو أحسن ما صنف في هذا الباب مطبوع، وله وفاة الإمام الحسن (ع) أيضا وله رسالة جيدة في الأصول الخمسة سماها (غنية المكلفين) رأيتها والظاهر أن له بعض المصنفات لا يحضرني الآن أسماؤها. وله ولد فاضل عالم اسمه الشيخ ناصر أدركته في حداثة سني رأيته مرة واحدة وكان ضريرا ومسكنه قرية تاروت وعقبه فيها إلى الآن علماء فضلاء. وأصغرهم الشيخ سليمان وله ولد فاضل عالم ناضل أواه اسمه الشيخ ضيف الله من المعاصرين أفضل من أبيه كان رحمه الله تعالى من العلماء الأتقياء الأخيار الأصفياء ورع متعفف، له بعض الأجوبة على بعض المسائل وله من المسائل سئل عنها شيخنا العلامة الصالح وأجابه عنها بين دفعات توفي (قدس سره) في ربيع الأول سنة 1296 وصلينا عليه مع شيخنا العلامة، بوأهما وإيانا وآباءنا وآباءهم والمؤمنين دار الكرامة والمقامة بحق محمد المصطفى وآله أهل العصمة والكرامة صلى الله عليهم أجمعين كل آن وحين. 31 - الشيخ سليمان بن فضائل (ومنهم) العالم الفاضل الشيخ سليمان بن فضائل الشويكي القطيفي كان من مشائخ الفاضل الشيخ مبارك بن حميدان الجارودي.
335 32 - الشيخ مبارك بن خضر (ومنهم) العالم الأسعد الشيخ مبارك بن خضر الخطي ولم أقف على شئ من أحواله مع الذي قبله سوى ما ذكرناه قدس روحه ونور ضريحه. 33 - الشيخ عبد علي بن قضيب (ومنهم) العالم العامل الفاضل الأديب الشيخ عبد علي بن محمد بن قضيب الخطي من آل المقلد وأصلهم القديم ملوك الجزيرة والموصل أي جزيرة العرب ثم سكنوا القطيف قديما وكانوا فيها أصحاب رئاسة وأموال مخالطون للحكام في الأعمال وهذا الشيخ هو جوهرة هذا البيت كان رحمه الله تعالى من تلامذة العلامة المشهور الشيخ حسين آل عصفور وله منه الإجازة وله أيضا إجازة من السيد السند والركن المعتمد صاحب الكرامات والفضائل السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي (قدس سره) بالغ في الثناء فيها عليه وذكره في (روضات الجنات) وذكر أنه بعد مجيئه من العراق ورد أصفهان وسكنها واستجاز منه جماعة منهم الفاضل الحاج إبراهيم الكرباسي صاحب (الإشارات) ولم أقف على شئ من مصنفاته سوى جواب مسألة له عندنا بخطه في صلاة الجماعة واشتراط عدالة الإمام وتفسير العدالة جوابا مبسوطا شافيا ولا أدري توفي في أصفهان أم غيرها. 34 - السيد محمد الصنديد (ومنهم) السيد النجيب العالم الأديب السعيد السيد محمد ابن السيد إبراهيم ابن السيد يحيى ابن السيد شرف الصنديد الخطي كان (رحمه الله تعالى) من
336 أهل الثروة والرغبة العظيمة في اقتناء الكتب النفيسة وقلما يوجد كتاب في طرفنا إلا وعليه تملكه وقد كان بيت الصنديد جماعة كثيرة من السادة الموسويين أصحاب إباء وغيرة في الدين، وجرى لهم مع عسكر السلطان الذين في القطيف وكانوا يعرفون بالمغاربة والظاهر إنهم من أهل مصر وكانت القطيف والأحساء من قديم الزمان ملكا لملك الروم وإنما يتغلب عليها بعض الأعراب والوهابية أو غيرهما غفلة أو إرضاء من المأمورية ولبعد الشقة في ذلك الزمان ولعدم ضبط الممالك كالآن قضية عظيمة فقتل أولئك السادة المذكورون أكثر العسكر الذين هم الحاضرون وبعد مدة تتبعوا هذا العسكر فقتلوا منهم جماعة في الطرق والأسواق وهم غازون فلما سمع بذلك حاكم صنعاء اليمن وكان زيديا قام في طلب ثأرهم لاعتقاده إمامتهم لأن الإمام عندهم كل فاطمي قام بالسيف فهو إمام وكاتب السلطان بما جرى وأنه ثائر بثأرهم فأرسل إليه ديات عدد من قتل منهم فأرسل جماعة من جهته بالديات لورثتهم فلما وصلوا القطيف اختفى بقية من سلم منهم خوفا من العاقبة بعد ولم يقبض أحد منهم شيئا من الديات خوفا وتقية فأخذ تلك الديات جماعة من السادة من غير ذلك البيت بأنهم منهم وربما أخذ بعضها غير سادة وتسموا بالسيادة وهكذا ذكر جماعة من العلماء الثقات عن الماضين الثبات وهذا السيد من أفاضلهم عالم عامل له مسائل جيدة اثنى عشر مسألة أرسلها إلى العالم الفاضل الشيخ عبد الله ابن الشيخ علي بن أحمد البلادي البحراني من مشائخ (صاحب الحدائق) فأجابه عنها وله أيضا مسألة مستقلة في الرضاع سأله وأجابه الجميع عندنا ولا بأس بإيرادها وجوابها لما فيها من كثرة الفوائد والعوائد ومذاكرة العلماء الأماجد لأن كتابنا هذا جامع نفيس ومستطرف أنيس، قال السيد محمد المذكور:
337 الحمد لله الذي زين السماء الدنيا بمصابيح الدين وثبت قواعد الأحكام بأطواد شرائع الإسلام للمسلمين والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله النبي المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وخلفائه العالمين صلاة تتعاقب بتعاقب السنين وتدوم بدوام الدنيا والدين. أما بعد فقد عرض للداعي آناء الليل وأطراف النهار والمقر بالعبودية بصريح الاقرار بعض المسائل العلمية والجزئيات الفقهية فأحب تحقيق الحكم الشرعي فيها على التفصيل وبسط الجواب مع تحقيق جزئياتها بإيراد الدليل حسبما ظهر لشيخنا الأعظم ودستورنا الأقوم الأستاذ الحقيقي والمعلم النبضي التحقيقي من غير اكتفاء بنقل أقاويل الأصحاب والخلاف لأن ذلك لا يجزي عند ذوي الإنصاف بل المسؤول عن الجواب المأمول بيان ما هو لشيخنا المختار ليستفيد السائل ويهتدي المحتار وهي مسائل. (الأولى): رجل عين وصيا لوصاياه ولم يعلمه حتى مات فهل يجب على الوصي القيام بها أم له الاختيار في القبول والرد ولو علم الوصي بذلك قبل موت الموصي ورد الوصية ولم يقبلها ثم عاد الموصي بعد ذلك لتعيينه لذلك مرة أخرى ولم يعلمه به حتى مات فهل حكمه هذا كالأول أم البطلان لرده السابق ولو غير الوصية بزيادة أو نقصان أو غير ذلك وعينه لما غيره ولم يعلمه أيضا حتى مات فهل هو كالأول أو كالثاني؟ (الثانية) لو عين موص وصاياه في عقار معين أو غيره وزادت الوصايا على الثلث وأجاز الوارث الوصية ثم بعد الإجازة ادعى أنه جاهل بما أجاز فيه جهالة روية أو القيمة هل تقبل منه هذه الدعوى بعد الإجازة ويتعقبها من بعد
338 ثبوت دعواه اشتراط المعلومية أم لا؟ وعلى تقدير سماعها هل تورث هذه الدعوى فتقبل من ورثة المدعي بعد موته إذا لم يقم بها مورثهم أو قام ولم يتم حكم الحاكم فيها أم لا؟ (الثالثة) لو أن رجلا صار ضيفا لرجلين مجتمعين في خوان واحد في شهر رمضان إلى وقت وجوب زكاة الفطرة هل زكاته بينهما أم على أحدهما وجوبا كفائيا أم لا ولو تناوباه يوما ويوما من أول الشهر أو من وقت الضيافة إلى آخره فهل هو كذلك أم على ذي النوبة المقارنة لوقت الوجوب مع صدق الضيافة له عليهما في المدة كلها ولو تناوباه أحدهما فطورا والآخر سحورا فكذلك أيضا أم على ذي الفطور أو السحور مع صدق الضيافة له عليهما ولو أفطر عند شخص وتسحر من مال نفسه أو العكس فهل فطرته بينه وبين مضيفه أم على مضيفه مطلقا أو إن كان مضطرا خاصة أو مسحرا خاصة أو على نفسه مطلقا؟ (الرابعة) هل يصح الاقتداء بإمام يقضي صلاة عن الغير مع عدم وجوبها على القاضي بل والمقضي عنه أم لا لأن الاقتداء في غير الفريضة مخصوص بمواضع ليس هذا منها. (الخامسة) هل يجوز أن يعطي الهاشمي الزكاة إذا منع الخمس أو قصر عن كفايته أم لا وعلى تقدير الجواز هل يعطي ما اتفق ولو أغناه أم قوت يومه خاصة. (السادسة) ما حد الجمع بين الصلاتين الذي يسقط معه الأذان للثانية. (السابعة) ما أفضل التعقيب والنافلة مطلقا أو الراتبة خاصة. (الثامنة) لو اشترى رجل من آخر دارا فأحدث المشتري فيها إحداثا
339 لا يمكن الانتفاع به إلا فيه ولا قيمة له يعتد بها إذا أزيل ثم احتال البائع على المشتري في الفسخ وعدا بإرجاعه عليه ففسخ ولم يف له بوعده هل يكون الفسخ صحيحا والبيع باطلا أم لا، وعلى الأول هل للمشتري قيمة ما أحدثه على البائع أم يجب عليه إزالته عنه أم له الانتفاع به في ملك الغير لكون تصرفه شرعيا أم لا (التاسعة) متى يحاسب الغريق لأن المفهوم من الرويات كونه في القبر ولا قبر وكذلك الذي في بطون الوحوش والهوام. (العاشرة) هل تحريم العصير الثابت بالروايات شامل للتمري أم لا وما المراد بالنضوج المسؤول عنه في روايات عمار بن موسى الذي فسره الإمام (ع) بماء التمر هل هو شامل للدبس أم خاص بالتمر المنبوذ في الماء فإنا لم نجده في كتب اللغة التي تحت أيدينا ومع ذلك فهي تدل على تحريمه من غير اعتبار مس النار أو الغليان ولا يمكن القول به للعلم بحليته من كون ذلك بضرورة المذهب ولو قيل بأن اعتبار ذلك مفهوم من قول الإمام عليه السلام في الجواب خذ ماء التمر واغله حتى يذهب ثلثاه قلنا إن ذلك كيفية التحليل لا التحريم كما لا يخفى. (الحادية عشرة) هل الشاك بين الأربع والخمس قبل الركوع يهدم ركعته وينتقل شكه بين الثلاث والأربع أم يبني على الأربع ويتم صلاته ويسجد للسهو كما اختاره شيخنا أحمد بن إسماعيل الجزائري دام ظله لإطلاق النص وأصالة عدم الزيادة. (الثانية عشرة) هل يحرم تسمية المهدي (ع) باسمه وكنيته ولقبه في زمن غيبته أم لا ولنختم الكلام بالسؤال عن هذا الإمام عليه السلام لأنه لعدد الأئمة الختام كما أن هذه المسألة لعدد المسائل هي التمام والمسؤول من توجيهات ذلك النور
340 الأقدس والكمال الأنفس تعجيل الجواب في هذه الأبواب على وجه التحقيق والتدقيق الرشيق فإن فيض ذلك الوهاب لا مزيد عليه وللسائل كفاية لديه وليكن على وجه الافتاء والاستدلال على وجه التفصيل لا الاجمال والدعاء منكم مسؤول ولكم مبذول لا زالت المدارس مجددة بتجديد بقائه والنفائس مستفادة من إفاداته وعطائه آمين آمين قدم هذا الداعي لكم على وجه التبجيل والتعظيم محمد بن شرف بن إبراهيم الحسيني الموسوي حامدا مصليا مسلما مستغفرا. (جواب المسائل) بسم الله الرحمن الرحيم ومنه سبحانه استمداد الصواب أن نقول على وجه الاختصار أما عن المسألة. (الأولى) فهو أن الرجل له الرد في حياة الموصي مع بلوغه الرد لما في المعتبرة إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب فليس له أن يرد وصيته لأنه لو كان شاهدا فأبى أن يقبلها طلب غيره أما بعد الموت فلا خلافا للعلامة في المختلف والتحرير فإنه قال له الرد ما لم يقبل نعم لو حصل للوصي من القيام بها مشقة لا تتحمل فغير بعيد جوازه. (وأما الثانية) فالمشهور عدم سماع الدعوى لأصالة عدم الجهل بالزيادة وعدم زيادة المال على ما أظن وفي القول بالسماع قوة وإليه ميل الشهيد في الدروس واحتمله العلامة في القواعد ولو كان الايصاء بجزء مشاع فلا كلام في سماع الدعوى مع اليمين وكيف كان لا تكون الدعوى موروثة. (وأما عن الثالثة) فهو أن الزكاة الفطرة على الرجلين المجتمعين في خوان واحد معا إذا أكل من مالهما على الأقرب كما في العبد المنفق عليه من مال الشريكين خلافا لبعض الأصحاب وباقي فروع المسألة معلوم من تفسير الأصحاب الضيافة
341 وفيه أقوال سبعة. (وأما عن الرابعة) فهو أنه لا دليل على ما هو المشهور من عدم جواز الجماعة في شئ من النوافل عدا العيد والاستسقاء والمستند ضعيف والإجماع غير معلوم وعن أبي الصلاح جواز الجماعة في الغدير وعن جماعة إعادة الصلاة خلف المعيد بل نقل المحقق قولا بالجواز في النافلة مطلقا وصحاح الأخبار معه غير بعيد استثناء ما أصلها الفرض مطلقا إذ المفهوم المتبادر من النافلة المستحبة أصالة وقد صلى جماعة مع القاضي تبرعا بمحضر مشائخنا المعاصرين من غير نكير قدس الله أرواحهم جميعا. (وأما عن الخامسة) فهو أنه يجوز للهاشمي تناول الزكاة في الجملة أما من مثله أو من المندوبة فظاهرها الاجماع وأما من الواجبة من غير قبيلة فأكثر الأصحاب أطلقوا تحريمها وهو يشمل غير المفروضة إلا أن الأخبار تدل على التخصيص بالمفروضة وعليه جماعة من محققي الأصحاب واستثنى من المنع ما إذا قصر الخمس عن كفايته فيجوز له تناولها إجماعا كما حكاه جماعة والأكثر أنه لا يتقدر بقدر والأقرب أنه لا يتجاوز قدر الضرورة كما عن طائفة من الأصحاب فيقتصر على قوت يوم وليلة إلا مع عدم اندفاع الضرورة بذلك. (وأما عن السادسة) فالحق أن يأتي بالفريضة الثانية قبل انقضاء فضيلة الأولى قبل أن يأتي بنافلتها فلو أتى بالثانية بعد انقضاء فضيلة الأولى مع الإتيان بها في أول وقتها وبعد نافلتها كان مفرقا. (وأما عن السابعة) فهو أن النص الصحيح دال على أفضيلة التعقيب بعد الفريضة على الصلاة تنفلا لكن في الراتبة قد يقال أنها جبر للفريضة ومن مكملاتها
342 ولا شئ بعد المعرفة أفضل منها ويدل عليه استحباب المبادرة قبل التعقيب سوى تسبيح الزهراء عليها السلام وعسى أن تبسط الكلام في تحقيق المقام حيث أنه في هذا الآن لم يمكن البرهان. (وأما عن الثامنة) وهو أن الفسخ صحيح ولا يقدح أنه مغرور إذا صدر منه بالقصد والاختيار وللمالك الإزالة ومع البقاء يكون المحدث شريكا بالنسبة. (وأما عن التاسعة) فإن الحساب والعذاب في البرزخ أعني ما بين الموت والقيامة سواء كان الميت في بر أو بحر على وجه الأرض أو في قبره وهو المراد من قولهم عذاب القبر حق، لا القبر العرفي بل مكان الجسم كيف كان وفي القرآن العزيز حكاية عن آل فرعون (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب) ومن آل فرعون الغرقى قال شيخنا البهائي قدس الله سره وقد يستبعد تعلق الروح بمن أكلته السباع وأحرق وتفرقت أجزاؤه يمينا وشمالا ولا استبعاد فيه، وفيه نظر إلى قدرة الله تعالى على حفظ أجزائه الأصلية عن التفرق أو جمعها بعده وتعلق الروح بها تعلقا ما وقد روي عن أئمتنا عليهم السلام ما يدل على أن الأجزاء الأصلية محفوظة إلى يوم القيامة روى الشيخ الجليل محمد بن يعقوب الكليني في باب النوادر من كتاب الجنائز من الكافي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) أنه سئل عن الميت يبلى جسده قال نعم حتى لا يبقى لحم ولا عظم إلا طينته التي خلق منها فإنها لا تبلى بلى تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق الله منها كما خلق منها أول مرة وفي حديث آخر كل شئ يبلى من ابن آدم إلا عجب الذنب. (وأما عن العاشرة) فهو أن الأقرب عدم الشمول للتمري ما لم يسكر خلا أو لا
343 والمتبادر من العصير في رواية عبد الله بن سنان المعتبرة العصير العنبي كما هو المتعارف والمراد بالنضوج المروي في التهذيب هو النبيذ المسكر ولهذا وصف بالمعتق وسئل عن كيفية تحليله فقال (ع) خذ ماء التمر وأغله حتى يذيب ثلثا ماء التمر وهو الذي أمر (ع) بإهراقه في البالوعة حين شمه فقال ما هذا؟ فقال النضوع كما رواه في الكافي وأما النبيذ الذي لم يبلغ الاسكار فالأقرب حليته بل ربما يدعي عدم ظهور الخلاف فيها وفي كتاب الشرائع في مورد وأما التمر إذا غلا ولم يبلغ الاسكار ففي تحريمه تردد والأشبه بقاء التحليل حتى يبلغ الاسكار وهو يشعر بالخلاف كما ذكره شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان البحراني وفي المفاتيح نقل الخلاف في وجوب الحد فيه وفي الزبيبي ثم قال والأصح عدم التحريم فيهما فضلا عن الحد وتحريم المسكر من نبيذ التمر مما لا كلام فيه والرويات مصرحة به وبأنه من أقسام الخمر وفي القاموس في مادة النضح وكصبور الوجور في أي موضع من الفم كان وفيها نضح عطشه سكنه أو روي أو شرب دون الري فيكون أخذه من ذلك. (وأما عن الحادية عشرة) فهو أنا لا نعلم خلافا بين المتأخرين في أن الشاك بين الأربع والخمس قبل الركوع يهدم الركعة ويرسل نفسه ويحتاط بركعتين جالسا ويكون شكا بين الثلاث والأربع وتدل عليه الروايات الدالة على البناء على الأكثر إذا اعتدل الوهم فهدم الركعة بناء على أنها تكون خامسة والنص الذي يزعم المحقق الزكي الشيخ أحمد الجزائري دام ظله يدل بإطلاقه على البناء على الأربع ويتم صلاته لا نعرفه فإن ما ورد من الأخبار في صورة الشك بين الأربع والخمس وأنه موجب للمرغتين كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
344 قال إذا أنت لم تدر أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدها وصحيحة عبد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا وغيرهما من الروايات لا يشمل تلك الصورة كما لا يخفى إذ الركعة إنما تتحقق بالركوع وقبل الركوع لا يصدق أنها قد صليت ولا يراد بالنص ما يدل على البناء على الأقل كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وعلي عن أبي إبراهيم (ع) في السهو في الصلاة قال يبني على اليقين ويأخذ بالحزم وموثقة إسحاق بن عمار قال قال لي أبو الحسن (ع) فابن على اليقين قال قلت هذا أصل؟ قال نعم لأنه مع ما يعارضه من الأخبار لا يعمل به في جميع الأحوال وما زعمه ذلك الشيخ هو الظاهر في بادئ الأمر وفي التنقيح بعد أن نقل رواية ابن سنان المتقدمة قال ليس في هذا كما ترى تفصيل وعمل بمضمونها المرتضى والشيخ في المبسوط وابن أبي عقيل وابن البراج وابن إدريس لكن المتأخرين فصلوا تفصيلا وذكر التفصيل إلى آخر ما ذكره وعند التأمل يكون الشك قبل الركوع شكا بين الثلاث والأربع كما ذكرناه وحققه المتأخرون. (وأما عن الثانية عشرة) فهو أن الأقرب القول بكراهة التسمية إلا مع الخوف والتقية فيحرم جمعا بين الأخبار وما ورد في بعض الدعوات من تسميته صلوات الله عليه وهنا نختم الكلام ونعتذر من عدم البسط في هذا المقام من تشويش البال وشغل الحال ومثلكم من يعذر والباقي لسلامتكم انتهى. ولهذا الشيخ المذكور مكاتبة للسيد المزبور صورتها: أبهى سلام شدت بنغمات السرور أطياره وبدت على صفحات الدهور أنواره وأصلح دعاء تعاضدت
345 شرائط إجابته وترادفت وسائط إصابته وسمعت مصاعد قبوله ونمت فوائد فروعه وأصوله وأنفس ثناء ثنيت بالوفاء مسانده ووسائده وبنيت على الولاء قواعده ومقاعده للغصن المتفرع من الزيتونة العلوية والنهر المنبجس من العين الصافية النبوية البهي الرضي المهذب الوفي الشريف النجيب الأمجد سيدنا السيد محمد أدام الله تعالى توفيقه وسهل إلى كل خير طريقه وبعد فقد ورد الكتاب الشريف فأسر الخاطر وأقر الناظر حيث أشعر بحسن سلامتكم وحسن صفاتكم وما ذكرتموه من السؤل صار معلوما وأما الجواب فهو أن المعروف في كلام بعض الأصحاب أنه ينبغي تقيد جواز نظر الرجل مطلقته الرجعية بشهوة أو بغيرها بقصد الرجوع به أو بعدم قصد غيره وأنه بدون ذلك يفعل حراما ووجهه انفساخ النكاح بالطلاق وإن كان التزلزل لا يستقر إلا بانقضاء العدة ومن هنا قيل بوجوب مهر المثل لو وطأ ولم يراجع حتى انقضت العدة لكن التحقيق أن الأمر في رفع النكاح كذلك أو توقفه على خروج العدة مشتبه مما ذكر ومن عدم وجوب الحد عليه مع الوطئ بدون الشرط وجواز تغسيل كل من الزوجين الآخر ولعل الأول أقرب وإن كانت بحكم الزوجية في بعض الوجوه ولا إشكال في التحريم مع عدم قصد الرجوع أما مع عدم قصده فغير بعيد بظاهر رفع الطلاق حكم الزوجية وإن توجه الاكتفاء به في الصحة بقصد الفعل مع عدم قصد المنافي فيكون ذلك رجوعا والله أعلم بحقيقة أحكامه، انتهى نقل ما أردنا منه تغمدنا الله وإياه برحمته ورضوانه وجمعنا وإياهم وآباءنا وأبناءنا ومشائخنا والمؤمنين في فسيح جنانه بحق محمد وآله أهل الهدى وأركانه.
346 35 - السيد محمد ابن السيد معصوم (ومنهم) السيد الأمجد العالم الأريب الأرشد الفاضل السيد محمد ابن السيد معصوم القطيفي قال الفاضل المعاصر التقي الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي (رحمه الله تعالى) في كتاب (دار السلام) بعد ذكر رؤيا في حق هذا السيد المرحوم قلت هذا السيد كان جليل القدر عظيم الشأن وكان شيخنا الأستاذ العلامة الشيخ عبد الحسين الطهراني أعلى الله مقامه كثيرا ما يذكره بخير ويثني عليه ثناء بليغا قال كان تقيا صالحا وشاعرا مجيدا وأديبا وقارئا غريقا في بحار محبة أهل البيت عليهم السلام وأكثر ذكره وفكره فيهم عليهم السلام حتى أنه نلقاه في الصحن الشريف ونسأله عن مسألة أدبية فيجيبنا ويستشهد في خلال كلامه ببيت أنشده هو أو غيره في المراثي فينقلب حاله فيشرع في ذكر مصائبهم على أحسن ما ينبغي ويتحول المجلس إلى مجلس آخر فيه رضا الله تعالى ثم ذكر له قضية حسنة مضمونها أنه تشرف في ليلة الجمعة في مسجد الكوفة برؤية صاحب العصر وناموس الدهر مع شخصين فاضلين، انتهى موضع الحاجة من كلامه زاد الله في علو مقامه (قلت) ولم أقف على شئ من أشعاره إلا ما ذكره هذا الفاضل في هذا الكتاب من قصيدته ليوم التاسع من ربيع الأول (هن ربيع الأول) وهو من تلامذة العالم الفقيه الماهر الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر قدس سرهما وقد وقفت له على رسالة جيدة في ترجمة العلامة السري السيد عبد الله شبر الكاظمي في آخرها قصيدة له مرثية عليه وذكر في كتاب (نفس الرحمن في فضائل سلمان) لهذا السيد
347 كتاب في التوحيد سماه (نوافح المسك) ونقل منه في كتابه المذكور تغمده الله بالكرامة والحبور آمين. 36 - الشيخ ناصر أبو ذيب الخطي (ومنهم) العالم الفاضل الفاخر الشيخ ناصر بن محمد آل أبو ذيب القطيفي كان من علمائها العظام وفقهائها الكرام ولي الحسبة في بلاد القطيف في زمانه والظاهر أنه من تلامذة العلامة الثاني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني وقفت له على بعض الأشعار ولم أسمع له بمصنف ولم أقف له على ترجمة ولا على خبر للوفاة ضاعف الله له الحسنات. 37 - الشيخ عبد الحسين أبو ذيب (ومن أهل هذا البيت قدس سرهم) أعني بيت أبي ذيب الشاعر الأديب الخير الشيخ عبد الحسين أبو ذيب من شعرائها المشهورين وأدبائها المذكورين ومن شعراء أهل البيت الطاهرين صلى الله على محمد وآله أجمعين له قصائد في الرثاء مشهورة ومن جيدها قوله القصيدة التي أولها: عبرات تحثها زفرات * هن عنهن ألسن ناطقات 38 - الشيخ يوسف أبو ذيب (ومنهم) الشاعر المصقع الأديب ابن عمه الشيخ يوسف أبو ذيب كان رحمه الله تعالى أشعر من ابن عمه وأفحل وله مراثي كثيرة ومن جيدها القصيدة التي أولها:
348 نعم آل نعم بالغميم أقاموا * ولكن عقا ربع لهم ومقام وهي بليغة جيدا ومن نوادر المراثي ولنا قصيدة في مجاراتها أولها: على ساكني أرض الطفوف سلام * سلام مشوق شب فيه ضرام وهي جيدة نسئل الله تعالى قبولها وغيرها. 39 - محمد بن سلطان ومن شعرائها الكبار الشاعر اللبيب وليس له سواد ولا يقرأ القرآن عامي صرف وهو من العجيب محمد بن سلطان القطيفي له القصيدة الرائية العجيبة مدح الأمير في أولها مدحا حسنا بليغا ثم تخلص للرثاء على الحسين (ع) أولها: (سرى البارق المفتض ختم المحاجر) وقصيدة رائية أيضا في رثاء الحسين (ع) وهي (آليت أخلع للزمان عذاري) وله قصيدة أخرى في رثاء الحسين وهي: (مرابعنا نعم تلك المرابع) وله قصيدة ميمية في مدح رحمة بن جابر وله أشعار أخر. 40 - الشيخ حسن التاروتي (ومنهم) الشاعر الماهر البليغ المصقع الشيخ حسن بن محمد بن مرهون التاروتي القطيفي (من أهل جزيرة تاروت على وزن هاروت) هو من شعراء أهل البيت (ع) ومادحيهم له الشعر البليغ الجيد ولا سيما هذه القصيدة التي أولها: لمن القباب الطالعات على قبا * كالشهب إلا أنها فوق الربا والأخرى التي أولها: اللراعبية بالأجرع * صبابة وجد ولم تهجع
349 فإنه (ره) أبدع وأغرب فيهما بل قلما يوجد في المراثي مثلهما وله (ره) (لا تذقها على الشحوب لبابا) 41 - الشيخ محسن الملهوف التاروتي (ومنهم) الشاعر الأديب الماهر الشيخ محسن المعروف بالملهوف التاروتي القطيفي له القصيدة الدالية التي أولها: دعها تجدد عهدها بالوادي * وتمزق البيداء بالتأساد ولم أسمع له غيرها وهي جيدة ولم أعلم بتاريخ وفاتهما ضاعف الله حسناتنا وحسناتهما. 42 - الشيخ ناصر بن نصر الله (ومنهم) العالم الأسعد الأديب الفاخر الشيخ ناصر بن أحمد بن نصر الله أبو السعود القطيفي كان رحمة الله عليه من العلماء الفضلاء الأدباء له شعر كثير في مراثي الحسين عليه السلام وله منظومة في الأصول الخمسة وهو من المعاصرين قرأ رحمه الله تعالى علي كثيرا من شعره. وأرخ وفاته بعض الأدباء بقوله: (تبكي المدارس فقد ناصرها) 43 - الشيخ عبد الله ابن الشيخ ناصر وله (قده) ولد صالح فاضل عالم من الأخيار اسمه الشيخ عبد الله سلمه الله تعالى وأبقاه من المعاصرين له شعر كثير في الرثاء على سيد الشهداء وله منظومة في الأصول الخمسة وله منظومة في أحوال صاحب الزمان عليه وعلى آبائه أفضل
350 الصلاة والسلام وله قصيدتان في رثاء شيخنا العلامة الصالح الرباني وكان ممن قرأ عليه وحضر لديه رحمة الله عليه. 44 - الشيخ أحمد ابن الشيخ مهدي ومن أدبائها الفخام وبلغائها العظام ورؤسائها الحكام وشعرائها الأعلام الأديب الأريب الأسعد الشيخ أحمد بن الشيخ مهدي بن أحمد بن نصر الله أبو السعود الخطي له من الأدب والشعر الحظ الوافر والكمال والغيرة والحمية على على الأصاغر والأكابر والعفو عمن أساء إليه وهو عليه قادر ذو الهمم العالية والسجايا العجيبة السامية عاصرناه مدة من الزمان فوجدناه من نوادر الأوان بل لم نر مثله في الرؤساء والأعيان إن جلس مع العلماء فهو كأحدهم في اللهجة واللسان أو مع الشعراء المجيدين والأدباء الكاملين فهو المقدم عليهم في ذلك الشأن أو مع الرؤساء والحكام فهو المشار إليه من بينهم بالبنان قد سلم الله بسببه كثيرا من المؤمنين من القتل وإلى الآن لم نقف لأحد من الشعراء المجيدين والأدباء الكاملين مع كثرة تتبعنا واطلاعنا بمثل ما وقفنا له من كثرة الأدب والشعر البليغ المتين ولا سيما في المدائح والمراثي لمحمد وآله الطاهرين مع ما فيه من أمور الحكام وكثرة العداوة والخصام بين أهل بلاده وزمانه في أكثر الشهور والأعوام وما أصابه من البلايا العظام والفوادح الجسام ولقد أصابته نكبات عظام بعد وفاة والده من حكام الوهابية أوجبت نهب أمواله وأملاكه وإجلاءه عن البلاد بالكلية فانجلى إلى البحرين على طريق قطر ثم إلى أبي شهر وكاتب الدولة العثمانية وأطمعها في البلاد وبسببه أخذت البلاد من أيدي أولئك الظلمة الوهابية ثم رجع من أبي شهر
351 إلى البحرين وسبب الله له بالرجوع إلى بلاده بالعز والهيبة وسخر له الحكام والرعية وباشر أمواله وأملاكه بنفسه وبقي عزيزا جليلا رئيسا مهابا نبيلا متمكنا من جانب الحكام ملقى له فيها الزمام ملجأ لمن يلتجي إليه في أكبر المهام مفرجا كربة من يقصده من أهل الإيمان والإسلام حتى دعاه داعي الحمام وانتقل إلى دار السلام وجوار الملك العلام. له مدائح كثيرة في أمير المؤمنين عليه السلام وأبنائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين التي من جملتها العلويات السبع اللواتي جاري بها ابن أبي الحديد المعتزلي المدائني بأبلغ نظام وأكمل معنى وانتظام على وزنها وقافيتها أطول منها وأكثر معان له فيها اليد البيضاء العجيبة إلا أنه ابتدأ أولا بواقعة بدر ثم أحد ثم الأحزاب على الترتيب المطلوب ولا بأس بإيراد بعض من كل واحدة منها تبركا بمدح الأمير وأبنائه الطاهرين المعصومين عليهم السلام ليستدل بالقليل على الكثير ولا ينبئك مثل خبير ولئلا يكون كلامنا دعوى مجردة عن الدليل والله الهادي إلى سواء السبيل قال رحمه الله تعالى في أول السبع العلويات: سرى ورواق الليل بالدجن مضروب * وقيد الحواشي بالأشعة مقطوب وميض كتلويح الرداء ودونه * وهاد تجافي بالسرى وأهاضيب فما راعني عذب المراشف شادن * ولا شاقني وافي الروادف مخضوب سرى البارق الملتاح من جانب الحمى * لنا وجناح الليل أسود غريب بدا من كثيب عالج فاستفزني * بنجد وقلبي بالصبابة ملهوف وذكرني من كنت أهوى وبيننا * على النأي إدلاج يطول وتأديب ومنها:
352 رويدا طلاب المجد بالجد إنما * هو المجد بالمسعات لا السعي مسكوب تهون المعالي عند قوم وأنها * على الدهر شئ بالمنية مطلوب سأتخذ الظلماء درعا حصينة * وإن قل عندي الرجال الأصاحيب أما كان بدر شاهدا لذوي العلا * بأن رواق العز في الموت مضروب غداة تولى بالمعالي مهذب * وعادت بإنكاث المخازي القراصيب وأشرق في العلياء بدر سمائها * فللقوام خسران عليه وتتبيب وجاءت قريش تمضغ الغضن والعنا * صدور عليها للضغائن تكتيب على كل نهد المركلين مطهم * كأن عليه من ذرى الشم مخشوب وجرداء ما امتطت عليها جزارة * ولكنها تحت العجاجة سرحوب ومنها: فلما اشمخرت واشمأزت قناتها * إلى حيث لا تسمو الرعان الأخاشيب سماها علي والرماح شوارع * وفحل المنايا بالشراسة مركوب جلا نقعها واليوم باليوم مسدف * وكأس الردى بين الفوارس معبوب فأضحت وفيها للغواني نوادب * وللوحش ولغ والقشاعم تخليب وقد علت البيض القواضب ريها * شفاء وأشرعن الرماح السلاهيب فكم ضيغم أعفى وليس به كرى * ولكنه من خمرة الموت مصحوب وكم ملك يأبى المذلة أصبحت * تقبل مثواه العتاق اليعابيب وممتقص قد كان يسمو إلى العلا * فأضحى وفيه للردى الحم تقطيب وكم خر فيها مستطيل ودونه * طعين بأطراف الأسنة مخضوب وكم هان مشبوح الذراعين أغلب * فأمسى على المثوى لقى وهو مغلوب
353 ودان بدين الحق فيه شمردل * غدا وهو للدين الحنيفي مشعوب وكم آسر أضحى وللأسر موثق * عليه وللأغلال غل وتكليب وأصيد ما راضت نوازق بأسه * جرى وهو للجرد الشوازب مجنوب وشقشقة قرت لمقرم مصعب * وعضب تولى وهو بالعضب معضوب وناعم جسم عافر الوجه شاحب * عوائده العقبان والنسر والذيب هو الخطب ما كانوا يظنون مثله * ولكنه من حارب الله محروب تغشاه طلاع الثنايا مشيع * إذا أرهق الأقوام للبؤس أثعوب ظهور على السر المصون ومهطع * له الملأ الأعلى متى فاه تثويب وناصر دين الله وابن نصيره * إذا عز إقدام وأعوز مندوب عماد إلى الدين الحنيفي قائم * وهاد إلى الأمر الإلهي منسوب ومظهر أسرار النبوة والذي * بسطوته استعلى الهدى وثوى الحوب وذو الجهد يوم الشعب لما تشعشعت * كؤوس الردى في قومه والأكاويب وجاشت قريش والتوت وتمردت * ورانت عليها للضلال الغياهيب هو السر سر السر سر مقنع * بسر وسر مستسر وملحوب علالم تنول بالمساعي لعلة * ولكنه شئ من الله موهوب وفضل به تم الوجود ومفضل * به قام للأمر الإلهي ترتيب إلى آخرها وهي طويلة جدا جليلة. وأول الثانية قوله: ألا ما لعيني والخيال الموازر * ودون التداني طول رجع المعاذر أفي كل يوم لي على الدهر عثرة * تكر بأعقاب الجدود العواثر ولا يسمح الدهر الغشوم بصاحب * ولا ترجع الأيام مني بعاذر
354 ولا أقتضي منه ديوني ويقتضي * سوالف من أستارها بالغوابر فلا بل كفي بالسماح ولا ورت * زنادي ولا أم الضيوف مناوري إذا لم أزرها كالسعالي مغارة * عتاقا كأطراف الرماح الخواطر فقد طالما جمجمت دون مطالبي * وجعجعت أخفاف المطي الذواعر وخليت ما بين المعازيل والعلى * وأسهلت ما بيني وبين ابن داغر وهومت تهويم الغبي كأنني * إلى المجد لم أصدع صفاة العشائر ولا ذاق بأسي الزائرون ولا نما * عديدي على هام العلا والمفاخر ولا اقتنصت هدي الليالي حبائلي * غلابا ولا دارت بهن دوائري ولا جلجلت بالدار عين صواعقي * ولا نصبت فوق الأعادي منابري ولا اغتبطت بي في الورى أم قسطل * ولا انجفلت من سطوتي أم عامر ولا أبرقت يوم النزال صوارمي * ولا هتفت يوم الهياج زماحري لعمري لقد خان الأجيدع ربه * وران على المعروف أم المناكر وهي طويلة جدا ومنها: حنانيك ليس المجد إلا من السري * ولا العز إلا تحت وطئ الحوافر ولا مدح إلا للوصي فإنه * معاذ لمن أوداه سوء الكبائر لئن تاه مدح فيه أو ضل شاعر * فقد دله من كل فضل بباهر ولكن لفظ المدح فيه على فمي * من الفكر منثال بغر الجواهر علي أمين الله جل جلاله * على كل غيب من خفي وظاهر زعيم على الأمر الربوبي محكم * جميع القضايا من جميع المقادر شهدت لقد آوى الخلافة سيفه * إلى جانب من عقوق الدين عامر
355 كغدوة أحد والقنا يحطم القنا * وفي الهام أمثال الرعود الزواخر غداة اكفهر القوم والله شاهد * لإدبارهم والدين دامي الأظافر تجلت قريش بالردى مكفهرة * حفيفا على حزن الملأ والأواعر وجاءت على خيلائها تكشف الضحى * طلابا لأضغان التراث الغوابر وقد ضاق بالأرض الفضا من مزاحف * لأرعن موار الجناحين زاخر ظلام ولا غير المواضي نهاره * ولا شهب غير العاسلات الشواجز تؤم الكمات المعلمين كواعب * من البيض أمثال البدور الزواهر تميل على الأرداف تيها كأنها * غصون تلوى فوق كثبان حاجر جنين المنايا في خدود أسيلة * وأقمار تم تحت ليل الغدائر تثنى بقعقاع الرماح نزيقة * وتشدو إذا صلت ضيافي المغافر ومهما تجافى الموت نا وحياضه * عقدن دبابات الصبا بالخناصر قلم يتبين راقع حومة الوغى * صليل المواضي من حنين المزامر خفقن بترجيع الأغاني مكبة * على هام وراد الوغا في المصادر وقد جمعوا زلزاءهم وتدامروا * مقارعة بين القنا المتشاجر فمالوا عليهم ميلة جاهلية * وقد وقفت أرواحهم في الحناجر وضاقت فجاج الأرض طرا عليهم * بما رحبت والحتف سامي المظاهر سماها أبو سفيان والكفر حاشد * على الهدي أذيال المنايا الحواضر يغالب أمرا دونه الله غالب * ويسمو لأخرى رامها غير قادر وجاء بها تمشي الوحا مشمئزة * على رسلها فيهم بسود الغرائر فكم للمنايا فيهم من يلامق * وكم للمواضي فوقهم من معاجر
356 وكم ساق فيها مصعب الحرب مصعبا * ودهدى على أعقابه بالدوائر فلما رأوا أن لا مناص من الردى * تولوا كأسراب القطا المتزاور وقد جعلوا حب القلوب نثارها * وآجالهم في بعض تلك النثائر وضل رسول الله لولا ابن عمه * قليل المحامي بينهم والموازر وقاه المنايا الحاضرات بنفسه * وقد نفشت في جمعهم بالقواقر وعب عباب الموت لا يرهب الردى * ولا يدري من دونه بالستائر نعات له في الروع كل شمردل * ويعنو له في الروع كل مشاجر لأن زعموا علياه فالله دونها * وهز العوالي غير هز المخاصر فما الدين لولا ما بناه بقائم * وما الكفر لولا ما رماه بصاغر وما الخلق لولا ما أقات بممكن * وما الرزق لولا ما أقات بهامر وما العلم لولا ما أماط بلا حب * وما النور لولا ما جلاه بزاهر ومنها بعد تعداد فضائل كثيرة بليغة: مآثر يشرقن الشموس بنورها * ويصدعن ألباب العقول الجماهر تحيرت الأوهام فيه فما اهتدت * لرب قدير أم بخيبة قادر تبوأ أشناخ العلى يستجمها * إلى ركن فوق العلى غير مائر وحاز مناط الدهر كرها وطاعة * فأولاه من كلتا يديه بغامر وآوى وحامى دون ما الله نادب * إليه على رغم الحسود المجاهر إلى آخرها وهي طويلة جيدة جليلة فيها بعض مثالب أعداء آل الرسول (ص) وتخلص إلى رثاء سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام كما رثاه ابن أبي الحديد في رائيته قال:
357 إلى أن تنوها دعوة جاهلية * تربي الأماني في حجور الأعاصر وما طال حتى أظهروا مستكنة * من الغدر تزجيها أكف المقادر وجاؤا بها طخياء قذفا على الهدى * تجر على الإسلام أم الجرائر مكللة سمر القنا قعضبية * مدفعة بيض الرقاق البواتر تنوها إلى حرب الحسين مغارة * كما مد مقتل الغمام المباكر فراح بها وترا وقد طل دونه * لأبنا أبيه كل بر معاقر فلله ظام حيل بالماء دونه * وسيق له بالزاخرات الشوادر قضى ظامئا ما بل بالماء ريقه * ولا عل إلا بالرماح القواطر فقل للمعالي أسلسي وتنكبي * هل انكفأت إلا بصفقة خاسر وللعربيات الجياد تنبدي * ظلال العوالي واقتحام المغاور فما للمعالي في علاهن باذخ * ولا للعوادي قائد للمضامر وللسمر والملس المنون وللضبا * بعادا فما عند الوغا من مواطر وللدين فليجرر بذل قناته * فإن زعيم الدين دامي المناظر وللتسعة الأفلاك هدا تدكدكي * إذا كان مجراهن بين الحفائر وللشم هلا ساخ بالأرض مورها * وحلت على أذقانها والمناسر لقد قذف الدين الحنيفي قاذف * من الخطب لم يخطر ببال وخاطر فهذي أنوف المجد جذعا وهذه * أكف المعالي داميات الخناصر فهل لك علم منهم يوم جدلوا * كمثل الأضاحي اتبعت بالعقائر تنوء العوالي منهم بأهلة * من الهام والأجساد رهن المعافر وتجري عليهم كل جرداء لم تبل * بأن وطأت في جربها جسم طاهر
358 ومنها بعد أبيات: إليك أمير المؤمنين مدائحي * وفيك وإن لج اللواحي بضائري وأنت معاذي في المعاد وإنما * إليك مصير الأمر يوم المصائر هل المدح إلا في معاليك رائق * وهل راق بالأشعار مثل المآثر الخ وهي طويلة مليحة كما تراها وقال (ره) في أول الثالثة: في كل يوم للحشاشة مصدع * أرق يلم وظاعن لا يرجع وخليقة هتفت عليك ببوسها * قلب يسيم وناظر لا يهجع أما الأحبة فالدجنة دونهم * عب الخضارم واليباب اليرمع جربت من نار الهوى لا تنطفي * نار الهوى وتكل عما تقطع وغدوت ألتجع الدنو كأنني * دان من الصفواء لا تتصدع ومنها: سبع وعشرون اهتبلن لي العدى * فغدت بكاسات العنا تتجرع أرعى من العهد القديم بروضة * أنف وأدعو معرضا ما يسمع وأضن من عصر الصبا بشبيبة * ذهبت وفات بها الزمان المهيع لم يترك الزمن اللجوج بمهجتي * شيبا يتيمه الغزال الأمروع ومنها: ما لي أذل ولا ذراعي رخوة * كلا ولا عضبي كهام يوزع فلأقذفن بكل حزق واسع * عيسا تجد ألده وتزعزع ولأخضمن إليه كل شقيقة * خضم المصاعب نبت واد يمرع ولأحملن على الدجنة فتية * يجبى لهم من كل فضل مرتع
359 شعثا يلوثون الأكف قوابضا * أكباد وجد في الصبابة تمزع ضربوا على هذا الدجا بسرداق * من نعدهم ورواق عنف يشرع وتملكوا شرق العلاء وغربها * وتسلفوا دين العلا وتدفعوا فهم نجاد المجد أين تنجدوا * وهم طلاع المجد أين تطلعوا قذفوا بأيدي القارعات تغطرفا * والشوق بين ضلوعهم يتلذع وتقنعوا سرح العلا فتفرعوا * منها العماد وفي البلاد تفرعوا الممرعون الجود وهو مغيض * والسامكون المجد وهو موزع أرمي لهم غسق الظلام وأرتقي * منهم لمصدع قلة لا تصدع وإلى أمير المؤمنين تحملي * وإلى علاه معاذنا والمفزع ملك تصور كيف شاء إلى الورى * يعطي به هذا وهذا يمنع وتحلقت عذباته بمعاقد * يهوي لأخمصها المحل الأرفع ومنها: كم تستمد السحب منه سماحة * فتلث منها ديمة ما تقشع ولكم يمر به الغمام فينثني * وطفا يسح ركامه يتدفع ومنها: ملك أقام الملك بعد تأود * والدين من جنباته يتصدع من بعد أن نيطت على الملكوت * بأسائه عصم هناك وأربع وسما فقصر عن مداه أولوا العلا * حتى ثووا وهم حفاة ضلع لم يدع يوما بالقضاء ولو نأى * إلا وأقبل نحوه يتسرع بل لو دعا رمم البلا لأجبنه * ولقد دعا فأجبن لا نتمنع
360 سل عنه يوم الخندقين ومصرع * العمرين ذا عان وذاك مصرع بل سل غداة أطل منهم مرحب * فنجا بمهجته الجبان الأكوع من بعد ما غص الفضا بجيشه * والكل منهم بالفرار مولع جيش تقدمه النسور عرمرم * مد الخضم بعارض ما يقلع فغدا اللذان تقدماه وقد سمت * للموت خطة مورد لا تدفع لم يلبثا إلا ومد عليهما * للخزي مرط لا يزاح ومدرع حتى تصوب للملاحم قسطل * عادت به شمس الظهيرة تسفع ودعا النبي لأنفذن برايتي * عبل الذراع مقذعا لا يجزع رجلا يحب الله وهو يحبه * لا ينثني حتى يفل المجمع حتى إذا سفر الصباح وكلهم * دنف الفؤاد لمثلها يتوقع أدناه ثم حباه تلك فضيلة * ما نال موسى مثل تلك ويوشع فغدا يلف مؤخرا بمقدم * والنصر تحت لوائه يترعرع أهوى لمرحب ضربة فقضى بها * ومضى لشامخة الحصون يزعزع حتى إذا جذب الرياح وراءها * فكأنه كرة دحاها مستع ولكم تنوء بأربعين وأربع * وزرا عليهم وهي لا تتضعضع هذي المناقب لا مناقب أسرة * حشدوا على ليل الضلال فقعقعوا فليتركوا أعلى الطريق لضيغم * سام له منه السبيل المهيع وليرفضوا عي الكلام وينصتوا * لهدير شقشقة الفنيق لكي يعوا سلبوا الخلافة من مناط حقوقها * والله يشهد والبرية أجمع وتقمصوها بعد نص محمد * نصا له في كل آي مصدع
361 جاءوا بها موصولة بشنارها * يغشاهم منها الجليل المفضع تاهتهم الآراء فليتبؤوا * منها مقاعد في لظى تتقعقع زعموا محاولة العلو وأينهم * بل أين شامخة الذرى والبلقع يا من تخب إليه كل فضيلة * خب الظماء لوردها تتدفع بل رادع القدر الحري بأن يرى * منه الزمان على المذلة يهطع إني مدحتك غير ذي من منة * مني عليك ولا لشئ أطمع لكن وجدتك للمحامد والثنا * أهلا ففاه به اللسان الأقطع والمدح ليس ببالغ لكنها * نفث الصدور وغلة لا تنقع ماذا يقول المادحون بمدح من * آي الكتاب بمدحه تتشعشع خذني إليك فمهجتي ذهبت عنا * في حب ذاتك والفؤاد مبضع وإليك مني ما حييت مدائحا * يعنو لهن الهزبري المصقع تشدو بفضلك يا علي وفي العدى * قذفا بكل بلية لا تورع لو رامهن اليشكري وطرفة * أودى نظامهما الفصيح المصطع وعليك مني ما حييت من الثنا * أبدا سلام متيم لا ينزع ولك السلام من السلام مني اغتدى * بالدوح قمري الأراك يسجع وقال رحمه الله تعالى في أول الرابعة: لمن المطي يشفها الادراك * مثل الرعان على القنا تعاك يوضحن غامضة السبيل كأنما * أهوى إليه من الغمام دراك ومنها: يحملن كل عقيلة لو أسفرت * للشمس غال ضياءها استحلاك
362 يصفحن عن غر الصفاح أسيلة * أبدا بلحظ الناظرين تشاك إلى أن قال (ره): وعلى أمير المؤمنين تلهفي * وله الثنا ونسيبه المضباك الفارس العربي والمتألق * القرشي والمتحنن الهتاك ومسابق الآجال طعنا في العدى * متداركا والآسر الفكاك خلق أرق من النسيم وسطوة * تعنو لها الأقدار وهي ركاك ومناط بأس لو ألم شداه * بالأفلاك لم تتحرك الأفلاك وعلا يطول على العلا ومكارم * خضعت لأخمص طولها الأملاك ويد تمد الغيث من جدوائها * حتى يجلجل من نداه وشاك ومنها أيضا بعد أبيات عظيمة: أسد يعير الموت غرة وجهه * واليوم ليل والمجال ضناك ما سالم الدنيا وقد أدلى لها * كف المهالك والشكيم يلاك كلا ولا ترك الضلال وإنما * أنحى إليه من يديه هلاك فأقام أعلام الهدى متأودا * منها العماد رسيمهن سواك فله من الشرف الأثيل أرائك * ومن المعالي تمرق ودراك وله على الأعداء حتف واصب * وله بإرماق العفاف مساك ثم الصلاة عليه ما هتفت به * دعوات داع واستقام سماك وقال طاب ثراه في أول الخامسة: دع الحب واسلم أن تباع وتشترى * ولا يتصباك الغريم وإن عرى فإن الهوى صعب يدق جلالة * فيمنع نجدي الحما أن يغورا
363 أرقت ونام الليل صحبي ولم أكن * أرقت لبرق باليمامة قد سرى ولكن أمرا بين جنبي ولو ثوى * بدهم المنايا أوشكت أن تقطرا ومنها: وما نحن بالقوم الذين إذا دعوا * رموا عامرا دون الردى أو معمرا ولكننا نغشى المنايا طوالعا * إلى المجد نمشي فرحة أو تبخترا ونلقى إلى من دوننا كل حادث * فنمري له النعماء وردا ومصدرا وإن آض في الشحنا القطين فإننا * صفحنا إليه عن جزا السوء مقدرا أخذنا العلى قسرا على طالبي العلا * فلم نتبين صاغرا أو مصغرا ولم تغتنم إلا مليكا محجبا * ولم نستلب إلا عديدا مجمهرا ومنها: فلا جد جد المجد إن لم أثر بها * عتافا يقعقعن الوشيج المسعرا فإن يسمعوها غدوة أو عشية * يسروا مذاعا أو يذيعوا مكفرا هو الخطب حتى يشرق اليوم شمسه * كشافا وحتى يذهب الغل والمرا فلا صلح حتى يستزل يلملم * وحتى يعود القارضان لمن يرى سأقذفها كالشم تحمل مثلها * من الصيد لا تأتل في الأين موغرا وأعرض عن ذكر الديار وأهلها * وإن ظل وجدا في الحشاشة مضمرا فأما بلوغ الملك قسرا أو الردى * وإلا فقد أدركت في المجد مؤزرا إلى أن قال (ره) بعد أبيات: فلا شوق إلا للمعالي متى هفا * ولا مدح إلا للوصي متى جرى فتى أنزل الدنيا حمى من ذمامه * فقرت وقد كادت تلاحي بها الذرى ومنها بعد أبيات:
364 وهب لإملاء الطغام مشمرا * عليهم فأودى الأبلج المتنورا وزعزع أطراف الرماح لغارة * على الكفر أمسى عندها الهدي نيرا وجلى فما جلى لديه شمردل * من الصيد يصطاد الهزبر الغضنفرا وألوى إلى الأقران ليثا مشيعا * يعيد الضحى ليلا من النقع مدجرا وألقى إلى الحرب العوان بكلكل * من البأس يفتل العجاج المكدرا فزلزل من أركانها كل ثابت * وأثبت من أركانها ما تمورا فأمست حزازات الأعادي شواجرا * وبالرغم من أضغانها ما تشجرا على غير ما يهوى الضلال لأسرة * تبوأت الشحناء بغيا ومغدرا هو السر سر السر سر مقنع * بسر وسر مستسر لمن يرى حنانيك كم ألبست ذا الدين يلمقا * من العز مزرور الحواشي ومعجرا وأنزلته من سورة الملك منزلا * تقاصر عنه ملك كسرى وقيصرا وقد حام من حول الحما كل أشوس * طلعت عليه أشوس البأس أصغرا وتلك العلا ألوت عليك عقودها * ولم ترض من تلك المعاقد خنصرا وزرت المنايا يوم دارت بقطبها * كشافا وقد اتأمن ملقى ومدبرا وجلجلت بالعقد الصفون لمورد * من الموت لم تدرك لها عنه مصدرا وصلت على الهام المواضي كأنما * وقعن على الهام الرعود فأمطرا ورحت على ضغن الترات وإن غلت * صدور من الشحنا إلى الحفظ مصحرا عداك من العليا الملام فإنما * ثوت منك مثوى مشرق الصبح مسفرا فما غشت عيش المطمئن وإنما * جلبت على الأحزاب يوما حبوكرا بحيث استعاذ الناس بالناس وانتدى * نبي الهدى داع عن الله مخبرا فلم يسمعوا من دعوة غير رجعها * وقد لج فيهم برثن الموت موزرا
365 أماطوا عن السر الخفاء وكلهم * قليل الوفا ما شد أزرا ولا قرا فلم يغن عنهم ما بنوه وخندقوا * وما أحصدوه من موثقة العرى هفوا خافقي الألباب والكفر حاشد * وقد أط فيهم زاحر الرعب مذعرا طفقت على عمرو بن ود بمؤبد * فصادفها عمرو بن ود معفرا فأين على الأقوام مثلك أصيد * إذا قال يوما من فتى الحرب شمرا وأين يرى الراؤن أنى تحملوا * أشم المعالي الغر غيرك مهجرا وأين يروم الدين غيرك والهدى * رقيبا على هذا الورى ومسيطرا وأين على العلياء مثلك شامخ * يؤلق من أنوارها كل أزهرا وأين على الإسلام مثلك ناصر * يسهل من اوعاره ما توعرا وأين على العلم الربوبي خازن * سواك إذا ما أثقل العبء أنهرا وأين على حكم القضا متبطن * سواك يعير الغامض السر مظهرا وأين على الهيجاء مثلك فارس * إذا ما خبت نار العجاجة أسعرا إلى آخرها وهي طويلة وقال (ره) في أول السادسة: هلا وقفت على الكنس * بين النواصب عن عبس لبست بها أيدي الغمام * بكل منهمر فغس.. وأعادها عند العفاء * فغالها منه العنس كان الجميع فأبكروا * منهن في غسق الغلس إلا أثافيا بها * ستعاد نؤما قد طمس ومنها بعد أبيات كثيرة: للخل ما راق النسيب * وللهوى ما قد هجس
366 وإلى الوصي من الثنا * ما طاب منه وما نفس غيث المحول وغوث من * أودى به سوء البلس طلاع كل ثنية * ما لاب لوب أو مغس وأخو النبي المصطفى * والأصيد الملك الندس عف الإزار مبرأ * من كل رجس أو دنس ومنها: وأقام من دين النبي * عماده لمن انتكس ضرب كأفواه الهياج * ودونه الطعن البلس ومعاقد من همة * هتكت بها عصم الطغس ومحل قدس لو تبوأ * قدسه الملك ارتكس سبحان خلاق الورى * منشية سبوح قدس كلا وليس لمثله * عجب وإن حس الهجس من مثل حيدرة الوصي * فثم أمر ملتبس ومنها بعد أبيات: عقاد ألوية العلا * والشامخ البر الشرس كيف استلان لمعشر * قذفوا على الهدي الخمس من بعد ما غطى على * شمس الضحى منه الغلس والبيض ترعد في الفوارس * والأسنة ترتجس كغداة بدر والنظير * وخيبر وبني عبس والخندقين واحد والأحزاب * والفتح الخمس
367 لكنهن حوادث * حكمية لم تلتبس ياسر أحمد والذي * بزغت له شمس القدس والمستسر بعلم غيب * للقضاء وما وهس إني عقلتك مدنفا * لا كالعميد المبتئس في حب ذاتك مولعا * ثلج الحشاشة لم ألس خذني إليك فقد أباد * حشاي شوقك وانتهس ثم الصلاة عليك ما * عج المثوب أو هبس ولك السلام متى أضاء * سناء بدرك في غلس وقال (ره) في أول السابعة وهي آخرها: هي سلوة أودى بها المتعلل * درك لعمري في الهوى لا يوغل ذهبت بكل صبابة لو أنها * أشفى عليها العارض المتهلل الآن إذ هتف المشيب بمفرقي * وأبيض من رأسي الظلام المسدل صبغ يجعجع من طماحي لم يحل * ومن الشبيبة صبغ ليل ينصل أطفوا وأرسب في الغرام ومنجدي * رشأ من الآرام حر أكحل وجه كأن الشمس تكسف دونه * يغشاه فرع دجنة متعثكل ومنها بعد أبيات كثير: أنضيت عيشي في الهوان فكيف لي * منه بحزن مغارة لا تسهل سبع وعشرون اهتبلن لي العدى * فغدت على شحنائها تتغلغل فلأهتكن فروج كل كريهة * طخياء تلعب بالكمات وتهزل حتى يناط من العجاجة بالضحى * ليل بأقران العجاجة أميل
368 تالله لا أدع الجماح إلى العلا * حتى يقصر بالبحار الجدول ما لي وما للحادثات ينشنني * ولدي من بأسي وعزمي موئل عزم كمنقض الصفاة ودونه * بأس كحد المشرقي ومنصل فلأدخلن على النساء خدورها * واليوم ليل بالعجاجة أليل ومنها بعد أبيات قوله (ره) لا تجزعن من الخطوب طوارقا * فلربما اجترم الأخير الأول واشدد رجاءك بالوصي فإنه * حرم يذم من الزمان ومعقل كم حد من غلوائه ما يرتقي * وأباد من خيلائه ما يرفل وأتاه مر النفس من أساسه * فثوى به وهو الجراز المفصل ضرب كما اختلب الغضنفر كاويا * سغبا وطعن كالعيون مجلجل وفوارس من طول ما التثموا الوغى * شعث الصفاح إلى المنية ترقل طلعوا على الشرف الأثيل بعارض * مد الدجنة بالنجيع يجلجل أولاهم فرع العلى فتبؤوا * شرفا له انحط السماك الأعزل ورمى بهم في قعر كل ملمة * ما ثوب الداعي وثار القسطل ألوى لحرب الناكثين بجمعهم * فثوت بهم أم الخطوب المعضل ثم استطال إلى ابن هند بعدما * جمح العتو به وأحفى العذل فاجتافه بالقارعات ولفه * بيد الردى واحتز منه المفصل رفع المصاحف خيفة العود الذي * أنحى إلى أشياخه فتبزلوا وسما لأهل النهروان فرعبلوا * عصف الردى ما لا تهب الشمأل من بعد ما اتخذ الرماح عرينه * والدين في ثوب المذلة يرقل
369 حامي فما شمخت عليه قبيلة * إلا غشاها منه خطب مهول تعنو الملائك والملوك متى سما * ملك معم في المعالي مخول الناسك الفتاك يوم خميسه * والمستطيل الراهب المتبتل وله الصفا والمروتان ومن سعى * والضرتان وملو جود المعدل (1) وله المقام المجتبى وله المحل * المنتهى وله العماد الأطول وإليه ميراث السماوات العلى * والأرض نصا والطراز الأول وله الولاية في الوجود جميعها * وله المدا والمبتدى والمأول شرف سما الأفق المبين ودونه * مجد يقصر بالضراح مؤثل ويد لو اندفعت مزاخر جودها * لطما على الوجود المنهل ومناط بأس لو تقلده امرؤ * لسما على الأفلاك منه مرعبل ونجاد عزم لو تنجده الثرى * لهوت له شم الأهاضب من علو ومفيض جاش كالزمان ودونه * خلق يرق له الزلال السلسل إلى أن قال (ره) بعد أبيات كثيرة تركناها يا قاسم النيران حيث تنهدت * والخلد في عذباتها تتهلل يا صاحب الأعراف في يوم الجزا * حتى يماز من الهداة الضلل يا سر أحمد خيرة الله التي * اختيرت (2) فخر لها الصفيح الأعزل يا سيف كل ضريبة يا ليث كل * كتيبة والمستغاث المفضل يا غيث كل محلة يا شمس كل * دجنة والشامخ المتطول والآسر الفكاك والمتألق السفا * ك والمتعزز المتفضل
(1) كذا في الأصل. (2) كذا في نسخة الأصل. 370 والركن ركن العرش لا متأودا * سامي المعاقد والحجاب المسدل والأمر أمر الله أمر واصب * والحكم حكم الله حكم فيصل ونجاة يونس يوم راح مغاضبا * حتى استقل به الخضم المسجل وعذاب مؤتفكات لوط والذي * تم الوجود به وقام الأميل عجت بك الأصوات وانتشرت بك * الأموات واقترب العذاب الموغل عطفا أمير المؤمنين فقد شفى * مني الغليل مكفر ومضلل يرضيك أنك في نعيمك خالد * وعلى محبيك العنا يتسلسل فلعلما تبع المضاضة منهم * حط لخطأ شارفوه فأوغلوا ومنها في شأن صاحب الزمان عجل الله فرجه وسهل مخرجه وأرانا فلجه آمين وإلى م نرسف في الهوان ولم يقم * لله سيف بالهداية مفصل ملك تخر له الرعان مهابة * ضرعا وترجف من شذاه الأجبل وله القضا والنشأتان معا معا * هذا يؤم لظى وذا متهلل في موكب نقص السيوف مهابة * منه ويرتعص الوشيح الذبل من كل أبلج لو تميز بأسه * لهوى لخيفته أبان ومأثل ضربوا رواق المجد فوق خميسه * والنصر تحت لوائهم يتهلل فيه من الأملاك كل غضنفر * لا يكفهر به العجاج المسبل وعلي إن يطأ الحجاز وأهلها * يوم أغر من الدماء محجل أسعى له في كل أبيض واضح * ينشي مناط المجد وهو مجلجل ومنها بعد أبيات: عطفا أمير المؤمنين فما لنا * عن جود كفك أين كنا معدل
371 لولاك ما سمحت بمدح همتي * قدري أجل من القريض وأفضل هذا وفي بعض الذي امتلأت به * عني البلاد لقائل متعلل خذها إليك أبا الأئمة بالثنا * سبعا على السبع الطوال لها العلو لم تعتلق بالمقرفات وإنما * طلعت كما طلع الكتاب المنزل ومنها أيضا في آخرها: من مبلغ الشعراء أن قريضهم * طلعت عليه من الرجال حبوكل قول كمطرد الكعوب يهزه * طعن كأشداق اللواغب أنجل تركوا مناط الفضل لا عن طاعة * قسرا ويترك للأخير الأول فإليك يا بن الطالعين على العلا * شرف بها مات العلى يتزلزل لا يسبكر بي الغرام وإن هفا * قلبي لغيرك أو الج العذل خذني إليك فأنت أو في ذمة * من أن يضام لجار مجدك معقل ومنها: هتفت لأحمد في هواك هواتف * بالشوق في أحشائه تتنضل ومنها: قعدت به الأغلال عن نيل المنى * فهو العليل وداؤه المتعضل يرجو غياثك وهو أحرى ظنه * أن لا يحيط به العذاب المنزل ثم الصلاة عليك ما هطل الحيا * أوزار قدسك للملائك جحفل هذا آخرها وقد حذفنا كثيرا منها ولا سيما الأخيرة فإنها مائة وعشرون بيتا والعجب أنه أنشأها وهو مجلو عن البلاد خاليا من الطارف والتلاد وهو حينئذ ابن سبعة وعشرون سنة، ولعل الأبيات التي تركناها منها أبلغ بحسب الصناعة
372 العربية إلا أنا تركناها لبعض الأعذار الشرعية والعرفية وتقربنا بما كتبناه إلى رب البرية إذ كان في مدح عترة المصطفى وأهل العصمة والتطهير والكسا وأيضا له مجارات المعلقات السبع وله ما يقرب من مائة قصيدة في رثاء الحسين (ع) في غاية البلاغة والملاحة وله مدائح ومناقضات لبعض المذاهب والرد عليهم ومناجاة كثيرة وقد كانت قريحته مع قوة البلاغة وفخامة اللفظ والفصاحة سيالة ربما يجلس في المجلس وينظم القصيدة والأكثر بحسب ما يريد والناس على ما هم من الهدر والكلام، ونقل أنه في بعض السنين في عشر المحرم الحرام في كل ليلة بعد صلاة العشاء ينشئ قصيدة على الحسين (ع) ويعطيها من يقرأها في ليلتها والحال أنه الحاكم في البلاد وعليه إصدارها والإيراد. وبالجملة فالذي وقفنا عليه من شعره غير الذي تلف وضاع مجلدان كبيران من الحجم الكامل أكثره في المدائح والمراثي والمناجاة وفيه أيضا مدح للملوك والسلاطين والأمراء الكبار كالسلطان (عبد الحميد خان العثماني) وغيره على البعد لإظهار الصيت والإعزاز لا للجوائز والإعطاء وبالجملة فهو من نوادر الزمان وعجائب الدهر الخوان، توفي رحمة الله عليه في شهر ربيع سنة 1306 ه وصلينا عليه مع شيخنا الوالد الروحاني العلامة أزاد الله إكرامه وأكرامه وتغمدنا وإياهم وآباءنا والمؤمنين باللطف والكرامة. 46 - الشيخ عبد العزيز الجشي (ومنهم) الأديب الكامل الشاعر الشيخ عبد العزيز ابن الحاج مهدي ابن حسن بن يوسف بن محمد الجشي (قده) البحراني القطيفي، كان له رحمه الله
373 تعالى من الأدب الحظ الوافر ومن الشعر والمعرفة النصيب الكامل له قصائد جيدة منها في رثاء الحسين (ع) تقرأ في المجالس الحسينية ومنها في مدح كتاب الرد على النصارى للشيخ سليمان آل عبد الجبار (المتقدم ذكره) ومتضمنة للأدلة التي ذكرها في الرد على النصارى جيدة حسنة وقد اشتغل في العلوم إلا أن الشعر والتجارة غلبا عليه فكان بهما موسوما ولم أعلم بتاريخ وفاته ضاعف الله حسناته. 47 - الشيخ محمد علي بن مسعود الجشي (ومنهم) ابن عمه الفاضل التقي الشيخ محمد علي ابن الحاج مسعود ابن الحاج سليمان الجشي البحراني الخطي (ره) كان رحمه الله تعالى عالما عاملا أديبا كاملا إلا أنه لم ينفك عن التجارة لكونه من بيت ثروة وتجارة، له شرح على الصحيفة السجادية مجلد غير تام وله شرح على منظومة العالم الرباني الشيخ حسن الدمستاني البحراني في الأصول الخمسة رأيته في يد ابنه الخير الصالح الفطن الأسعد الحاج أحمد كراريس مجلد بخط أبيه الشارح مبسوط غير تام. 48 - الشيخ محمد بن إسماعيل (ومن علمائهم) العالم الفاضل الأسعد الشيخ محمد ابن الشيخ إسماعيل البحراني الجد حفصي القطيفي من بيت الحكيم من أهل جد حفص ثم سكنوا القطيف ونقل أنه من فضلاء البلاد وأدبائها علما وورعا لكنني لم أسمع له بمصنف ولا تاريخ لوفاته توفي رحمه الله تعالى زائرا للإمام الرضا (ع) وانتقل إلى دار السلام وأبوه أيضا كان من العارفين الأبرار الأخيار.
374 49 - السيد حسين الكويكبي (ومنهم) السيد العالم السيد حسين الكويكبي من قرية تسمى الكويكب لم أسمع له بمصنف ولا بتاريخ لوفاته ضاعف الله حسناته. وقد سمعنا بعلماء كثيرين وأدباء بالغين إلا أني لم أعلم بحقائق أحوالهم ولم أقف على شئ من مؤلفاتهم وآدابهم وكمالهم حتى أنقل أسماءهم وأترجم أعيانهم رحمنا الله وآباءنا وإياهم وجميع المؤمنين برحمته الواسعة في الدنيا والآخرة إنه أرحم الراحمين. (تتميم نفعه عميم) لا بأس أن نذكر من عاصرناه من أهل البلاد ونكتسب إن شاء الله تعالى جزيل الثواب في المعاد وجميل الذكر لنا ولهم الباقي المخلد مدة الآباد ونسألهم ونلتمس منهم ومن يأتي بعدهم الدعاء لنا بالرحمة والمغفرة من رب العباد إنه الكريم الرحمن الرحيم الجواد اللطيف بخلقه وإليه المرجع وإليه الإصدار والإيراد، أما العلماء والمتعلمين من أهل هذه البلاد فممتازون عن غيرهم بالآباء والتقوى والورع إلا من شذ منهم وندر على خلاف ما ذكرنا واشتهر نسأل الله أن يديم لنا ولهم التوفيق إلى طاعاته وخيراته ويزيل عنا وعنهم التعسير والتعويق عمل يقربنا إليه من زلفاته وعناياته إنه بالإجابة جدير وعلى كل شئ قدير وهم الآن كثيرون كثر الله أمثالهم وأصلح بالنار وبالهم ولنذكر منهم البالغين والواصلين: 50 - الشيخ عبد الله بن معتوق (فمنهم رضي الله عنهم) العالم الفاضل التقي الصدوق الأواه الشيخ عبد الله
375 ابن المرحوم الخير معتوق التاروتي كان سلمه الله تعالى من العلماء الأتقياء الورعين الأزكياء زاهدا عابدا تقيا ذكيا قرأ رحمه الله تعالى في القطيف عند الفقير لله صاحب الكتاب كثيرا في النحو والصرف وبعضا عند شيخنا العلامة، ثم سافر إلى النجف الأشرف للاشتغال في العلوم وبقي فيها مدة من الزمان وفي كربلاء بعض الأحيان ثم استقل في كربلاء المعلى وهو من العلوم ملآن إلى هذه الآن له بعض التصانيف سماعا من الغير لا أحفظ أسماءها ومن جملتها رسالة في الشك اسمها (سفينة المساكين) وإلا فهو حرسه الله تعالى كثير المكاتبة والمراسلة لنا كل آن وقد أجازه كثير من علماء النجف الأشرف وغيرها من العرب والعجم أدام الله توفيقه وسلامته وأفاض عليه إمداده ورعايته. 51 و 52 - السيدان السيد حسين والسيد ماجد (ومنهم رض) السيد الجليلان النبيلان السيد حسين والسيد ماجد ابنا المرحوم السيد هاشم المعروف بالعوامي من أهل مسورة القطيف كان السيد حسين المذكور أكبر سنا من أخيه قرأ في القطيف وفي النجف الأشرف على الفقير لله مصنف هذا الكتاب فلما توجهت إلى القطيف راجعا قرأ عند جملة من الفضلاء في النجف من أهلها ومن أهل بلاده والسيد ماجد المذكور قرأ أيضا في النجف الأشرف وحضر عند جملة من فضلائهما فهما من العلماء الفضلاء الأتقياء أدام الله تعالى سلامتهما وأزاد سعادتهما. 53 السيد علي بن السيد حسين (ومنهم رضي الله عنهم) السيد النجيب الفاضل الأديب البهي السعيد
376 السيد علي ابن السيد حسين ابن السيد يوسف العوامي من سكنة المحمرة، اشتغل في النجف الأشرف سنين كثيرة عند الفقير صاحب الكتاب وغيره وحضر مجالس العلماء ومحافل الفضلاء وهو إلى الآن في النجف الأشرف مشتغل بالعلوم ولا أدري هل له بعض التصانيف أم لا؟ وفقه الله إلى ما يحب ويرضى وختم لنا وله ولإخواننا المؤمنين بخير عقبى ورضى آمين. 54 - الشيخ علي أبو عبد الكريم الخنيزي (ومنهم رضي الله عنهم) العالم الفاضل العامل التقي الشيخ علي ابن المرحوم الحاج حسن علي ابن الحاج حسن المعروف بالخنيزي القطيفي البحراني كان اشتغاله كله سلمه الله تعالى في النجف الأشرف قرأ وحضر عند جملة من فضلائها وثلة من علمائها حتى تضلع من العلوم وصار له الحظ الوافر من المنطوق والمفهوم وأجازه جملة من علمائها عربا وعجما ورجع إلى بلاده ملآنا من العلم من طريقه لاتلاده (1) له رسالة مختصرة في بعض أحكام الطهارة والصلاة وله منسك متوسط له شرح على تبصرة العلامة (ره) لم يكتب من أوله إلا أقل من كراس أدام الله سلامته وأزاد كرامته. 55 الشيخ علي أبو الحسن الخنيزي (ومنهم رض) عمه الفاضل التقي العالم الذكي الشيخ علي ابن الحاج حسن
(1) توفي ليلة الثلاثاء الثانية من شهر صفر سنة 1362 ه اثنين وستين وثلاثمائة وألف ه. 377 الخنيزي اشتغل أولا في القطيف ثم سافر مع والده المرحوم إلى النجف الأشرف واشتغل وحضر وحصل وأكثر وإلى حال التاريخ هو في النجف الأشرف عند فضلائها وعلمائها يشتغل ويحضر ولا أدري له شئ من المصنفات أم لا (1) وفقنا الله وإياه وإخواننا بتوفيقاته وأفاض على الجميع سوابغ خيراته. وأما الولد الصالح التقي العالم التقي الشيخ محمد صالح والمكرم الشيخ عبد الله ابن الشيخ ناصر فقد ذكرناهما عقيب ترجمتي والديهما فيما تقدم. 56 - الشيخ محمد بن نمر (ومنهم رض) العالم الفاضل الذكي الشيخ محمد ابن المرحوم الحاج ناصر ابن نمر من أهل قرية العوامية كان من العلماء الأذكياء، قرأ مدة من الزمان في القطيف والنجف عند الفقير لله مؤلف هذا الكتاب ثم رجعت من النجف لبلاد القطيف فقرأ عند جملة من العلماء في جملة من العلوم وحصل منها ما يسره الله له وأعطاه من المنطوق والمفهوم (2)
(1) له كتاب شرح على الشرائع سماه (دلائل الأحكام) وله منسك متوسط وله رد على كتاب العالم السني الذي صنفه ردا على الإمامية سماه (الرد على الصراع) وله رسالة في ورسالة الشكوك في الصلاة سماها (طريق النجاة) ورسالة (قبسة العجلان) وله غير ذلك توفي قده 21 ذي القعدة سنة 1264 ه. (2) وكان تقيا مجتهدا متصرفا ومع هذا فهو حكيم ماهر وطبيب حاذق درس علم الحكمة على يد خليل الميرزا صادق فكان له يد طولى في الطب توفي قدس يوم الاثنين تاسع شوال سنة 1348 ه. تغمده الله برحمته. 378 وله أخ صالح اسمه الشيخ حسن قرأ أيضا في النجف الأشرف مدة من الزمان ورجع إلى الأوطان وفقنا الله وإياهما وإخواننا إلى مراضيه وجعل مستقبل العمر منا جميعا خيرا من ماضيه آمين رب العالمين. 57 - الشيخ حسن علي ابن الشيخ عبد الله (ومنهم رض) الفاضل العالم العامل الكامل البهي الشيخ حسن علي ابن المرحوم المقدس الشيخ عبد الله بن بدر القطيفي وكان عالما ذكيا فطنا قرأ في النجف الأشرف سنين كثيرة عند جملة من فضلائها وحضر عند جمع من علمائها له رسالة في وجوب تقليد الأعلم وله رسالة نقضا لجواب مسائل بعض المعاصرين وسمعت أنه يكتب الآن شرحا على منظومة شيخنا الوالد الروحاني العلامة الصالح المسماة بالعمدة نظم الزبدة في أصول الفقه والظاهر أن له غير ذلك لكن لا أعرفه وهو الآن في النجف الأشرف يحضر في محافل الفضلاء وبجوار الأمير سلام الله عليه يتشرف أدام الله لنا وله ولأولادنا والمؤمنين التوفيق وسهل لنا ولهم إلى خير الطريق إنه أرحم الراحمين. 58 - الشيخ علي ابن الحاج حسن الجشي (ومنهم أحسن الله مثواهم) الشاب الأسعد النبيه الفاضل البهي الشيخ علي ابن الحاج حسن الجشي البحراني القطيفي كان سلمه الله تعالى نبيها ذكيا فطنا ورعا أدبيا فاضلا أريبا له شعر كثير في رثاء الحسين عليه السلام وفي بعض الآداب والمناظيم وله قصيدة غراء في رثاء شيخنا العلامة أزاد الله إكرامه وأكرامه وأسبغ عليه إنعامه.
379 (ومنهم طاب مثواهم جميعا) الآن موجودون غير ما ذكرناهم من حاضري البلاد أئمة للجماعة ومنهم في النجف الأشرف يشتغلون وللعلوم الشرعية يحصلون منهم أولادنا وبعض أرحامنا مما يقرب من عشرين أو يزيدون أدام الله لنا ولهم من خيره المزيد وأمد لنا ولهم في العمر السعيد ومتعنا وإياهم بالعيش الرغيد ووفقنا جميعا لما يحب ويرضى ويريد إنه الكريم الحميد الفعال لما يشاء ويريد وهو حسبنا عليه توكلنا وإليه أنيب وإليه المصير (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) اللطيف الخبير. وقد فرغ منه مصنفه الفقير لرحمة ربه السبحاني علي بن حسن بن علي بن سليمان البحراني عفا الله عنه وعنهم وعن إخوانه المؤمنين وأعطاه وإياهم خير الدنيا والدين بحق وآله الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في حدود سنة 1325 ه الخامسة والعشرين والثلثمائة وألف من هجرة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين.
380 الباب الثالث في ذكر الهجر وهي الأحساء وتراجم علمائها وأدبائها
381 بسم الله الرحمن الرحيم (الهجر وهي الأحساء) نذكر هنا ما وقفنا عليه من أحوال علمائها وفضلائها وأدبائها وإن كان قليلا من كثير بل نقطة من غدير وذلك لعدم التصدي لهذا الشأن والترجمة لهذا العنوان ولم نجتمع بأحد من علمائها المطلعين والفضلاء المتتبعين حتى نستفيد من ذلك شيئا على اليقين، وهي (أي بلاد الأحساء) مدينة كبيرة عظيمة من أكبر مدن الإسلام القديمة وهي هجر (بفتح الهاء والجيم على وزن صفر) تغلبيا كما عرفت فيما تقدم ذكره وينسب إليه رشيد الهجري (رض) الذي هو من خواص أصحاب أمير المؤمنين (ع) وسيد المسلمين ومن حملة أسراره كما سمعت من كلام صاحب (الروضات) وغيره والله أعلم بالصواب. وهذه المدينة تقارب جزيرة أوال أو تزيد ذات الأترج والنخيل والأرز والقطن وتمرها أجود تمر يوجد وإن شاركتها الأولتان في أكثر الأوصاف المذكورة وزادتا عليها حسنا واستقرارا بمجاورة البحر وهذه بلاد برية يتكلف أهلها في أسفارهم ونقل غلاتهم وبلوغ أوكارهم بسبب البر ومهامه الوعر وغارات الأعراب والنهب والاستلاب فكثيرا ما يقع في طريقها نهب الأموال وقتل
382 الرجال ولا سيما في هذا الزمان، فقد لعبت بأهلها أيدي الحدثان من النهب والجور والعدوان. وبندرها المجاور للبحر العجير (بالتصغير على وزن عمير) مسير يومين عنها أو أكثر وفيها آثار قديمة وينقل مستفيضا أن في بعض قراها ولعلها القارة آثارا من زمن المسيح عيسى بن مريم (ع) ومن أقدم قراها جواثا وهي قاعدة بلاد الأحساء في الزمن القديم، خربها الرمل وفي الحديث: أول جمعة أقيمت بعد المدينة في جواثا في بني عبد القيس " كما تقدم ". وفيها الجبل المشهور المعروف بجبل القارة من عجائب الدنيا فيه مغارات كثيرة عظيمة تسع بعض المغارات خلائق كثيرة جسيمة ليس فيه شئ من هوام الأرض وحشراتها أصلا حتى النمل ومن خواصه البرودة العظيمة في الصيف حتى أن النائم فيه يحتاج إلى غطاء وبالعكس في شدة البرد من الشتاء وبالجملة فهذه المدينة من أكبر وأحسن مدن الإسلام ولذا تسمى كوفة العرب ذات الهواء الطيب والماء العذب إلا أنه كما ذكرناه الآن قد استولى على أهلها الجور والعدوان من الحكام والبدوان وخرب بسبب ذلك كما ينقل مستفيضا أكثر العمارات من مزرعة وبستان وخراب طريقها بسبب الأعراب أضعف أهلها بالسلب والانتهاب نسأل الله تعالى دفع البليات والآفات عنا وعن جميع إخواننا المؤمنين والمؤمنات وإصلاح كل فاسد من الأمور وإن ينشر علينا وعليهم فضله ورحمته الواسعة في الدنيا ويوم النشور إنه ذو الفضل العظيم والرحمة الواسعة والمن القديم. ولنذكر الآن بقية أخبار المأسورين عند القرامطة في هجر كأبي الهيجاء
383 ووزير الخلافة.. كما مضى الكلام على أوله في ترجمة بلاد القطيف وما فعل الخبيث بالحجر الأسود ونقله إياه إليها وما صدر من الأراجيف فنقول وبالله الثقة والمأمول: لما أسر أبو الهيجاء بن حمدان وكان من رؤساء الشيعة المخلصين ومن ذكرناهم من وزير الخلافة والتغلبي فأما وزير الخلافة والتغلبي فبقيا في الحبس في هجر مدة مديدة حتى بذل في فكهما مال كثير ووصل إليه فخلي سبيلهما وأما أبو الهيجا فولع به وأحبه لفضله وأدبه وكماله فكان لا يفارقه في وقت العشاء والغداء والمسامرة ومن جملة المأسورين عنده المحبوسين أبو العباس بن كشمرد من الرؤساء وله إذ كان في حبسه قصة عجيبة فيها كرامات علوية وفضائل حيدرية لا بأس بإيرادها لما فيها من النفع العظيم والخير الجسيم. ذكر السيد الجليل النبيل ذو الكرامات رضي الدين السيد علي بن طاووس الحلي قدس الله نفسه وطهر رمسه في كتاب (مصباح الزائر) والشيخ التقي الشيخ إبراهيم الكفعمي العاملي " قدس سره " في كتاب " الجنة الواقية " المعروف بالمصباح بتغاير يسير في الألفاظ وطريق آخر غير طريق السيد ابن طاووس ونحن نذكر كلام الأول أولا ثم نشير إلى كلام الثاني أخيرا. قال السيد المذكور في الكتاب المزبور عن محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني قال سمعت أبا العباس بن كشمرد في داره ببغداد وسأله شيخنا أبو علي أن يذكر لنا حاله إذ كان عند الهجري بالأحساء فحدثنا أبو العباس أنه كان ممن أسر بالهيبة مع أبي الهيجاء بن حمدان، قال وكان أبو طاهر سليمان بن الحسن القرمطي مكرما لأبي الهيجاء برأيه وكان يستدعيه إلى طعامه فيأكل معه ويستدعيه بالليل
384 أيضا للحديث معه فلما كان ذات ليلة سألت أبا الهيجاء أن يجري ذكري عند سليمان بن الحسن ويسأله في إطلاقي فأجابني إلى ذلك ومضى إلى أبي طاهر في تلك الليلة على رسمه وعاد من عنده ولم يأتني وكان من عادته أن يغشاني ورفيقي في كل ليلة عند عودته من عند سليمان فتسكن نفوسنا ويعرفنا بأخبار الدنيا فلما لم يعاودنا في تلك الليلة مع سؤالي إياه الخطاب في أمري استوحشت لذلك فصرت إليه في منزله المرسوم له وكان أبو الهيجاء مبرزا في دينه مخلصا في ولاية ساداته عليهم السلام متوفرا على إخوانه فلما وقع طرفه علي بكى بكاءا شديدا وقال: والله يا أبا العباس لقد تمنيت أني مرضت سنة ولم أجر ذكرك قلت ولم؟ قال: لأني لما ذكرتك له اشتد غضبه وغيظه وحلف بالذي يحلف بمثله ليأمرن بضرب رقبتك غدا عند طلوع الشمس ولقد اجتهدت والله في إزالة ما عنده بكل حيلة وأوردت عليه كل لطيفة وهو مصر على قوله وأعاد يمينه بما خبرتك به قال: ثم جعل أبو الهيجاء يطيب نفسي وقال: يا أخي لو لا أنني ظننت أن لك وصية أو حالا تحتاج إلى ذكرها لطويت عنك ما أطلعتك عليه من ذلك وسترتك ما أخبرتك به عنه ومع هذا فثق بالله تعالى وارجع فيما يهمك من هذه الحالة الغليظة إليه تعالى فإنه جل ذكره يجير ولا يجار عليه وتوجه إلى الله تعالى بالعدة والذخيرة للشدائد والأمور العظيمة بحق محمد وعلي وآلهما الأئمة الهادين المهديين صلوات الله عليهم أجمعين قال: أبو العباس فانصرفت إلى موضعي الذي أنزلت فيه في حالة عظيمة من اليأس من الحياة واستشعار الهلكة فاغتسلت ولبست ثيابا جعلتها كفني وأقبلت على القبلة فجعلت أصلي وأناجي ربي وأعترف له بذنوبي وأتوب منها ذنبا ذنبا وتوجهت إلى الله تعالى بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين
385 وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة لله عز وجل في أرضه المأمول لإحياء دينه صلوات الله عليهم أجمعين قال: ولم أزل في المحراب قائما أتضرع إلى أمير المؤمنين عليه السلام وأستغيث به وأقول يا أمير المؤمنين أتوجه بك إلى الله ربك وربي فيما دهمني وأظلني ولم أزل أقول هذا وشبهه من الكلام إلى أن انتصف الليل وجاء وقت الصلاة والدعاء وأنا استغيث إلى الله تعالى وأتوسل إليه بأمير المؤمنين صلوات الله عليه إذ نعست عيني فرقدت فرأيت أمير المؤمنين عليه السلام فقال لي يا بن كشمرد قلت لبيك يا أمير المؤمنين فقال لي: مالي أراك على هذه الحالة فقلت يا مولاي أما يحق لمن يقتل صباح هذه الليلة غريبا عن أهله وولده بغير وصية يسندها إلى أحد متكفل بها أن يشتد قلقه وجزعه فقال: عليه السلام تحول كفاية الله ودفاعه بينك وبين الذي توعدك فيما أرصدك به من سطواته أكتب (بسم الله الرحمن الرحيم) من العبد الذليل فلان بن فلان إلى المولى الجليل الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وسلام على آل ياسين محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن وحجتك يا رب على خلقك اللهم أني المسلم وأني أشهد أنك الله إلهي وإله الأولين والآخرين لا إله غيرك وأتوجه بك بحق هذه الأسماء التي إذا دعيت بها أجبت وإذا سئلت بها أعطيت لما صليت عليهم وهونت علي خروجي وكنت لي قبل ذلك عياذا ومجيرا ممن أراد أن يفرط علي أو أن يطغى) واقرأ سورة يس وادع الله بعدها بما أحببت يسمع الله منك ويجيب ويكشف همك ثم قال لي مولاي (ع): أجعل الرقعة في كتلة من طين وارم بها في البحر فقلت يا مولاي البحر بعيد وأنا محبوس ممنوع عن التصرف فيما التمس فقال عليه السلام: ارم بها
386 في البئر وفيما دنا منك من منابع الماء قال ابن كشمرد فانتبهت من وقتي وقمت ففعلت ما أمرني به أمير المؤمنين عليه السلام وأنا مع ذلك قلق غير ساكن النفس لعظيم الجرم والمحنة وضعف اليقين من الآدمين فلما أصبحنا وطلعت الشمس أستدعيت فلم أشك أن ذلك لما وعدت به من القتل فلما دخلت على أبي طاهر وهو جالس في صدر مجلس كبير على كرسي وعن يمينه رجلان على كرسيين وعلى يساره أبو الهيجاء على كرسي وإذا كرسي آخر إلى جانب أبي الهيجاء ليس عليه أحد فلما بصر بي أبو طاهر استدناني حتى وصلت إلى الكرسي فأمرني بالجلوس عليه فقلت في نفسي ليس عقيب هذا الأخير إن شاء الله تعالى ثم أقبل علي فقال: كنا قد عزمنا في أمرك ما قد بلغك ثم رأينا بعد ذلك أن نفرج عنك وأن نخيرك أحد أمرين أما تجلس فنحسن إليك وأما أن تنصرف إلى عيالك فنحسن إجازتك فقلت له: في المقام عند السيد النفع والشرف والانصراف إلى عيالي ووالدتي عجوز كبيرة السن فيه الأجر والثواب فقال لي: إفعل ما شئت فالأمر مردود إليك فخرجت منصرفا من بين يديه فناداني فرددت إليه، فقال لي: ما تكون من علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فقلت: لست نسيبا له ولكني وليه فقال لي: تمسك بولايته فهو قد أمرنا بإطلاقك والإفراج عنك فلم تمكننا المخالفة لأمره ثم أمسك فجهزت وأصحبني من أوصلني مكرما إلى مأمني فلك الحمد يا ربي انتهى كلام السيد المقدس ابن طاووس رحمه الله تعالى. أقول وذكر هذه القصة أيضا جماعة من أصحابنا (منهم) الكفعمي (ره) وسيأتي كلامه بعد أن شاء الله تعالى (ومنهم) أي من جماعة أصحابنا قدس الله أرواحهم جميعا.
387 الشيخ سليمان الصهرشتي أيضا ينص على القصة ذكر الشيخ الثقة الجليل الشيخ سليمان بن الشيخ حسن الصهرشتي قدس سره في كتابه (قبس المصباح) كما في البحار بزيادات حسنة أكثر مما ذكره هذا السيد الجليل قال: العلامة الصهرشتي (ره) (وكان من أفاضل تلامذة شيخ الطائفة المحقة أبي جعفر الطوسي - ره): حدثنا الشيخ أبو الحسن محمد بن الحسين الصقال ببغداد في مسجد الحذائين بالكرخ في رجب سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة قال: حدثنا الشيخ أبو المفضل محمد بن عبد الله بن البهلوان بن همام بن المطلب الشيباني يوم السبت التاسع من شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين وثلاثمائة بالشرقية قال: سمعت أبا العباس أحمد بن كشمرد في داره ببغداد (إلى آخر ما ذكره السيد المذكور قدس سره كما نقلناه)، قال: الشيخ الصهرشتي قدس سره بعده: قال الشيخ أبو المفضل (ره): فذكرت هذا الحديث في مجلس أبي وائل داود بن حمدان بنصيبين سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة هجو حضر هذا المجلس يومئذ رجل من أهل نصيبين يقال له أبو عثمان سعيد بن البندقي الشاعر وكان من شهود البلد فقال أبو عثمان: عندي قول ما تقدم من قول أبي العباس بن كشمرد وقد أسر أبو العباس بن كشمر ذو الخال وفلفل الخادم وغيرهم من وجوه الأولياء مع أبي الهيجاء وأسرت فيمن أسر معهم من الحاج فطال بالأحساء محبوسا وكنت أقول الشعر فامتدحت السيد أبا طاهر بقصيدة أوصلها إليه أبو الهيجاء فأذن لي السيد بالدخول والخروج
388 من الحبس فكنت أدخل على ابن العباس بن كشمرد فكان يأنس بي ويحدثني فأرسل إلي ذات يوم في السحر قبل طلوع الشمس وقال لي: خذ هذه الرقعة وهي في كتلة من الطين وامض بها إلى موضع وصفه لي وكان فيه ماء جار قال: واقرأ سورة ياسين واطرح الرقعة في الماء فأخذتها وصرت إلى الماء وأحببت أن أقف فقلعت الطين عنها ونشرتها وقرأت ما فيها قال: أبو عثمان وأخذت عودا وبللته في الماء وكتبت ما في الرقعة على كفي وكتبت اسمي واسم أبي وأمي وأعدت الرقعة في الطين وقرأت سورة ياسين عني وغسلت كفي في الماء ثم قرأت سورة ياسين عن أبي العباس بن كشمرد (ره) وطرحت الرقعة في الماء وعدت إلى مجلسي ذلك بعقب طلوع الشمس فلم تمض إلا ساعة زمانية وإذا برسول السيد يأمر بإحضاري فحضرت فلما بصر بي قال لي أنه قد ألقي في قلبي رحمة لك وقد عرفت على إطلاقك فكيف تحب أن تسير إلى أهلك في البر أو البحر فقلت في البحر وخشيت إن سرت في البر أن يبدو له فيلحقوني ويردوني فقلت في البحر فأمر أن يدفعوا لي كفافي من زاد وتمر وخرجت في البحر فصرت إلى البصرة فلما كان بعد ثلاثة أيام من وصولي البصرة جلست عند أصحاب الكتاب فإذا أنا بأبي العباس بن كشمرد ركب في موكب عظيم والأمراء من خلفه وقد خرج أمير البصرة لاستقباله والجند بين يديه ومن خلفه العساكر محدقة به وهو وأمير البصرة يتسايران فلما رأيته قمت إليه فلما بصر بي وقف على رأسي وقال لي يا فتى كيف عملت حتى تخلصت فحدثته ما صنعته من كتبي ما كان في الرقعة بالماء على كفي وغسلي يدي بالماء ما كنت كتبت عليها قبل أن رميت رقعة فقال لي: أنا وأنت من طلقاء أمير المؤمنين فقلت نعم فمضى حتى نزل في دار أعدت له وحمل إليه أمير البصرة
389 الهدايا واللباس والآلة والدواب والفرش وغير ذلك فلما استقر في موضعه أرسل لي فدخلت عليه وأقمت عنده أياما وأحسن إلي وحملني مكرما إلى بلادي فعجب أبو وائل من ذلك وقال: يا أبا المفضل أنت صادق في حديثك ولقد اتفق لك ما أكده قال الشيخ الجليل الصهرشتي: فهذه الرقعة معروفة بين أصحابنا يعملون بها ويعولون عليها في الأمور العظيمة والشدائد والروايات فيها مختلفة لكني أوردت ما هو سماعي ببغداد. وقد ذكر شيخنا أبو جعفر الطوسي في كتاب (المصباح) ومختصر المصباح أيضا أنها تكتب وتطوى ثم تكتب رقعة أخرى إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه وتجعل الرقعة الكشمردية في طي رقعة الإمام عليه السلام وتجعل في الطين وترمي في البحر أو البئر يكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم إلى الله سبحانه وتقدست أسماؤه رب الأرباب وقاصم الجبابرة العظام عالم الغيب وكاشف الضر الذي سبق في علمه ما كان وما يكون من عبده الذليل المسكين الذي تقطعت به الأسباب وطال عليه العذاب وهجره الأهل وباينه الصديق الحميم فبقي مرتهنا بذنبه قد وبقه جرمه وطلب النجاة فلم يجد ملجأ ولا ملتجأ غير القادر على حل العقد ومؤبد الأبد ففزعي إليه واعتمادي عليه ولا ملجأ ولا ملتجأ إلا إليه اللهم إني أسألك بعلمك الماضي وبنورك العظيم وبوجهك الكريم وبحجتك البالغة أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تأخذ بيدي وتجعلني ممن تقبل دعوته وتقيل عثرته وتكشف كربته وتزيل ترحته وتجعل له من أمره فرجا ومخرجا وترد عني بأس هذا الظالم الغشوم وبأس الناس يا رب الملائك والناس حسبي أنت وكفي من أنت حسبه يا كاشف الكروب والأمور العظام فإنه لا حول ولا قوة إلا بك "
390 ثم تكتب رقعة أخرى إلى صاحب الزمان بسم الله الرحمن الرحيم توسلت بحجة الله الخلف الصالح محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب النبأ العظيم والصراط المستقيم والحبل المتين عصمة الملتجأ وقسيم الجنة والنار أتوسل إليك بآبائك الطاهرين الخيرين المنتجبين وأمهاتك الطاهرات الباقيات الصالحات الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه فقال عز من قائل: (والباقيات الصالحات) وبجدك رسول الله وخليله وحبيبه وخيرته من خلقه أن تكون وسيلتي إلى الله تعالى في كشف ضري وحل عقدي وفرج حزني وكشف بليتي وتنفيس كربتي وبكهيعص وبياسين والقرآن الحكيم وبالكلمة الطيبة وبما حوى القرآن من مستقر الرحمة وبجبروت العظمة وباللوح المحفوظ وبحقيقة الإيمان وقوام البرهان وبنور النور وبمعدن النور والحجاب المستور والبيت المعمور والسبع المثاني والقرآن العظيم وفرائض الأحكام والتكلم بالعبراني والمترجم باليوناني والمناجي بالسرياني وما دار في الخطرات وما لم تحط به الظنون من علمك المخزون وبسرك المصون والتوراة والإنجيل والزبور يا ذا الجلال والإكرام صل على محمد وآل محمد وخذ بيدي وفرج عني بأنوارك وأقسامك وكلماتك البالغة إنك جواد كريم وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلواته وسلامه على صفوته من بريته محمد وذريته، وتطيب الرقعتين وتجعل رقعة الباري عز وجل في رقعة الإمام عليه السلام وتطرحهما في نهر جاري أو بئر ماء بعد أن تجعلهما في طين
391 حر وتصلي ركعتين وتتوجه إلى الله تعالى بمحمد وآله الطاهرين عليهم السلام وتطرحهما ليلة الجمعة واستشعر فيهما الإجابة لا على سبيل التجربة ولا يكون إلا عند الشدائد وللأمور الصعبة ولا تكتبها لغير أهلها فإنها لا تنفعه وهي أمانة في عنقك وسوف تسأل عنها وإذا رميتهما فادع بهذا الدعاء اللهم إني أسألك بالقدرة التي لحظت بها البحر العجاج فأزيد وهاج وماج وكان كالليل الداج طوعا لأمرك وخوفا من سطوتك فانفتق أجاجه وأتلق منهاجه وسجت جزائره وقدست جواهره تناديك حياته باختلاف لغاتها إلهنا وسيدنا ما الذي نزل بنا وما الذي حل ببحرنا فقلت لها اسكني سأسكنك وليا وأجاور بك عبدا زكيا فسكن وسبح ووعد بضمائر المنح فلما نزل به ابن متى بما ألم الظنون فلما في فيها سبح في أمعائها فبكت الجبال عليه تلهفا وأشفقت عليه الأرض تأسفا فيونس عليه السلام في حوته كموسى في تابوته لأمرك طائعا ولوجهك ساجدا خاضعا فلما أحببت أن تقيه ألقيته في شاطئ البحر شلوا لا تنظر عيناه ولا تبطش يداه ولا تركض رجلاه وأنبت منة عليه شجرة من يقطين وأجريت له فراتا من معين فلما استغفر وتاب خرقت له إلى الجنة بابا إنك أنت الوهاب وتذكر الأئمة عليهم السلام واحدا انتهى كلام الشيخ الصهرشتي قدس الله روحه. (أقول): وهو يدل على طريق آخر لهذه القصة بهذه الكيفية إذ لم يذكرها السيد والشيخ الكفعمي قدس سرهما ثم إسناد ذلك منه عن مصباح الشيخ ومختصره والمصباح الموجود المتداول ليس فيه شئ من ذلك ولعل هذا الشيخ عنده نسخة الأصل لكونه في عصر الشيخ ومن تلامذته وفيها ما ليس في غيرها أو كتبها الشيخ حاشية على كتابه فظن أنها من الأصل ولم تكتب في النسخ وربما
392 تزيد نسخة الأصل على غيرها وكيف كان فيكفي في هذه الاستغاثة الشريفة ما نقله السيد الجليل ونقله هو أيضا إلى آخر كلام أبي عثمان (ره) من دون هذه الزيادات. وقال الشيخ الكفعمي في المصباح ومن رقاع الاستغاثات في الأمور المخوفات القصة الكشمردية تكتب الحمد وآية العرش ثم تكتب بسم الله الرحمن الرحيم من العبد الذليل وساق الكلام إلى قوله أو يطغى ثم قال ثم تدعو بما تختار وتكتب هذه القصة في قرطاس ثم تضع في بندقة طين طاهر نظيف ثم تقرأ عليها سورة ياسين ثم ترمي بها في بئر عميقة أو عين ماء عميقة تنج إن شاء الله تعالى انتهى كلامه علا مقامه وظاهره الوقوف على هذه القضية بطريق آخر غير ما تقدم والكل حسن وكل ناقل منهما ثقة أمين. (أقول): ولم تزل القرامطة في دولتهم ومنكراتهم حتى أباد الله دولتهم وأخمد صولتهم بظهور الأمير عبد الله بن علي البيوني الأحسائي آل إبراهيم من ربيعة جد الأمير علي بن مقرب الشاعر الأديب فبقي يراوحهم ويغاديهم بالحرب مدة سبع سنوات وهو في أربعمائة رجل وربما تزيد قليلا حتى ذهبت أيامهم وعفت رسومهم وأعوامهم ومن جملة ما اتفق في إدبار أمرهم وقطع شرهم أن أبا البهلول العوام بن محمد بن الزجاج الذي أحدث قرية العوامية من بني عبد القيس تغلب على جزيرة أوال وانتزعها من أيديهم وطرد عاملهم عنها فلما سمعوا الخبر حشدوا الجنود الكثيرة من الأعراب وغيرهم وأتوا بهم إلى القطيف وكانت لهم فجهزوا ثلاثمائة سفينة مملوءة عساكر وعليهم أمير من جهتهم فلما توسطوا البحر بين البحرين والقطيف في الموضع المعروف إلى الآن بكسكوس عصفت بهم ريح عظيمة فاغرقتهم جميعا إلى أن صار ما ذكرناه من قطع أدبارهم وقلع آثارهم وقد أشار إلى ذلك الأديب
393 الشاعر المهذب علي بن مقرب في بعض قصائده بقوله: سل القرامط من شظى جماجمهم * طرا وغادرهم بعد العلا خدما وما بنوا مسجدا لله نعلمه * بل كلما وجدوه قائما هدما وحرقوا عبد قيس في منازلها * وغادروا الغر من ساداتها حمما فسبحان الملك الحق المبين الذي لا يزول ملكه ولا يبقى إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون. وهذا أوان ذكر علمائها وما وقفنا عليه من أدبائها وما شذ عنا أكثر لعدم المتصدي لهذا الشأن وعدم اجتماعنا بالمطلعين منهم لهذا العنوان فهو قليل من كثير ونقطة من غدير: 1 - الشيخ علي بن مقرب فمن أدبائها (ره) البلغاء وأمرائها النبلاء الأمير الأديب الأريب المهذب الشيخ علي بن مقرب الأحسائي ينتهي نسبه إلى عبد الله بن علي بن إبراهيم البيوني الذي أزال دولة القرامطة من ربيعة كما تقدم وكان هذا الشيخ أديبا فاضلا ذكيا أبيا شاعرا مصقعا من شعراء أهل البيت (عليهم السلام) ومادحيهم المتجاهرين ذا النفس الأبية والأخلاق المرضية والشيم الرضية وقد كشف جامع ديوانه وشارحه كثيرا من أحواله بتفصيله وإجماله وهو مطبوع الآن وإن كان الظاهر أنه من المخالفين له في المذهب ولهذا حذف من أشعاره المراثي والمدائح
394 وجرد منها ما هو الأولى والأحرى بالذكر والصالح وتحتمل التقية في حقه وقد وقفت له على مراثي كثيرة على الحسين (ع) سبط المصطفى منها المربعة في نظم مقتل الحسين (ع) ومنها قصائد من جملتها المشهورة التي أولها: من أي خطب فادح نتألم * ولأي مرزئة ننوح ونلطم إلى أن يقول في آخرها: قمنا بسنتكم وحطنا دينكم * بالسيف لا نالوا ولا نتبرم وعلى المنابر صرحت خطباؤنا * جهرا بكم وأنوف قوم ترغم لا تسلموني يوم لا متأخر * لي عن جزا عملي ولا متقدم (1) وفي نظمه الحماسة والأمثال الجيدة مع البلاغة المستحسنة وقد أصابته من بني عمه نكبات أوجبت له تجشم الغربات وفي ديباجة شرح ديوانه شرح لما لقيه في زمانه من أراده فهو مبذول.
(1) ومن جملة قصائده (ره) في رثاء الحسين (ع) قصيدة عينية أولها: يا باكيا لدمنة ومربع * إبك على آل النبي اللوذعي ويقول في آخرها: يا آل طه أنتم وسيلتي * عند إلهي وإليكم مفزعي وإن منعتم من تولى غيركم * أن يرد الحوض غدا لم امنع إليكم نفثة مصدور أتت * من مفحم للشعراء مصقع مقربي عربي طبعه * ونجره وليس بالمبتدع ينمى من البيت العيوني إلى * أجل بيت في العلا وأرفع عليكم صلى إلهي وسقى * أجداثكم بكل غيث ممرع 395 2 - الشيخ أحمد السبعي ومنهم رحمهم الله تعالى العالم الكامل النحرير فخر الدين الشيخ أحمد بن محمد بن عبد الله بن رفاعة السبعي الأحسائي الفاضل الفقيه صاحب شرح قواعد العلامة من العلماء الفضلاء يروي عن شيخنا الشهيد الأول بواسطتين قال في (اللؤلؤة) كان (قدس سره) من أجل تلامذة الشيخ جمال الدين الشيخ أحمد ابن عبد الله بن سعيد بن المتوج البحراني وكان تاريخ فراغة من الشرح المذكور سنة ست وثلاثين وثمانمائة وما ذكرناه من تاريخ فراغه من الشرح المذكور من النسخة التي بخطه قد وصلت إلى آخر كتاب الوصية انتهى. (قلت) وقد صرح في ديباجة الشرح المذكور كما عن جماعة بشرح شيخه العلامة ابن المتوج المزبور وهو كتاب الوسيلة على القواعد وأثنى على شيخه بغاية الثناء ونهاية الاطراء. 3 - الشيخ أحمد بن فهد (ومنهم قدس سرهم) العالم العامل المحقق الكامل الأسعد الشيخ أحمد ابن فهد بن إدريس الأحسائي، قال الشيخ الفاضل ابن أبي جمهور الأحسائي الآتي
396 ذكره في (غوالي اللئالي) عن الشيخ النحرير شهاب الدين أحمد بن فهد بن إدريس الأحسائي عن شيخه العلامة خاتمة المجتهدين المنتشرة فتاويه في جميع العالمين فخر الدين أحمد بن المتوج البحراني انتهى. وقال شيخنا في (اللؤلؤة): (أقول) ومن غريب الاتفاق ما ذكره بعض أصحابنا بعد ذكر هذا الرجل أعني أحمد بن فهد قال واعلم أن ابن فهد هذا وابن فهد الأسدي المشهور متعاصران ولكل منهما شرح على إرشاد العلامة وقد يتحد بعض مشايخهم أيضا ومن هذه الوجوه كثيرا ما يشتبه الأمر فيهما ولا سيما في شرحيهما على الإرشاد قال وقد وقع بيدي جلد من شرح الإرشاد للشيخ أحمد الأحسائي المذكور من كتاب النكاح وفي آخره مكتوب نقلا من خط الشارح المذكور ما صورته: (وحيث وفق الله سبحانه لتكميل ما أوردناه وتيسر لنا الذي قصدناه من إيضاح الخطاب وأعطانا من فضل رحمته كمال الأمنية وسهل لنا ما ألفناه في الملة الحنفية فلنحبس خطوب الأقلام ونقبض عنان الكلام حامدين لربنا على سوابغ النعم مصلين على سيد العرب والعجم وعلى أهل بيته دعايم الإسلام ما كثر الضياء على الظلام وصدعت في أفنانها ورق الحمام ونبتهل إلى من لا تأخذه سنة ولا نوم أن يؤتينا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة تم الكتاب الموسوم بخلاصة التنقيح في مذهب الحق الصريح في أواخر شهر رمضان في اليوم الثالث والعشرين منه من أحد شهور سنة ست وثمانمائة هجرية على يد مؤلفه العبد الغريق في بحور المعاصي الخائف يوم يؤخذ بالنواصي أحمد بن فهد بن حسن بن محمد بن إدريس الأحسائي حامدا لله تعالى ومصليا على رسوله وآله رب أختم بالخير وأعن) انتهى.
397 (قلت) قد ذكر بعض الأصحاب أيضا أن لهذا الشيخ (ره) كتابا في الدعاء سماه (عدة الداعي) كشريكه وسميه الشيخ أحمد بن فهد الحلي (ره) وقد علمت أيضا أنهما اشتركا في التلمذ على العلامة الأمجد الشيخ أحمد بن متوج البحراني وشرحي الإرشاد مع اتحاد الاسمين والأبوين فهو من غرايب الاتفاقات والقبر الذي في كربلاء قريبا من الخيم الحسينية المشتهر أنه قبر ابن فهد قبر هذا الشيخ الأحسائي كما ذكره بعض الأصحاب وقيل قبر الشيخ الحلي سميه والله العالم تغمدهما الله برحمته وأفاض علينا وعلى آبائنا وعليهم وإخواننا سوابغ رضاه ومغفرته. 4 - الشيخ محمد بن أبي جمهور (ومنهم قدس سرهم) الشيخ الفاضل المحقق الكامل المشهور الشيخ محمد ابن الشيخ حسن ابن الشيخ علي بن أبي جمهور الأحسائي وهو من العلماء المشهورين والفقهاء المتبحرين المذكورين قال في (اللؤلؤة) كان فاضلا مجتهدا متكلما له كتاب (غوالي اللئالي) جمع فيه جملة من الأحاديث إلا أنه خلط فيه الغث والثمين وأكثر فيه من أحاديث العامة ولهذا إن بعض مشائخنا لم يعول عليه وله كتاب شرح زاد المسافرين وكتاب المجلي على مذاق الصوفية وله شرح الباب الحادي عشر كان عندي فذهب فيما ذهب من كتبي وله رسالة في العمل بأخبارنا ورسالة في مناظرة الملا الهروي ومن مشائخه الشيخ علي بن ملاك الجزايري ذكره في (مجالس المؤمنين) أنه صحبه إلى كرك نوح (ع) من جبل عامل وقرأ عليه
398 واستفاد منه في تلك الصحبة وذكر في الكتاب المذكور قدوم الشيخ بيت السيد محسن وتصنيف كتاب شرح زاد المسافرين لأجله كان في سنة ثمان وسبعين وثمانمائة بالتماس السيد منه وسماه (كشف البراهين في شرح زاد المسافرين) انتهى. (قلت): وقد ذكر هذا الشيخ أكثر من تأخر عنه ووصف علمه وعمله ولا سيما الفاضل المعاصر ثقة الإسلام النوري الطبرسي في كتاب (مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل) ووثقه وأثنى عليه ثناء جميلا وصحح كتبه ونقل أكثرها في كتابه المذكور لأن صاحب الوسائل لم يعول على الغوالي المذكور وله أيضا كتاب زيادة على ما ذكره في اللؤلؤة منها (الغوالي العمادية) بقدر الغوالي وهل هو بالمعجمة أو المهملة الأشهر الأول والمعاصر النوري الطبرسي ضبطه بالثاني والمعنى صحيح على الحرفين وله كتاب شرح ألفية الشهيد الأول مجلد رأيناه وله الإجازة للسيد محسن الرضوي عندنا وعندنا مناظرته مع الهروي حسنة جيدة والظاهر أن له غير ذلك أيضا فهو من العلماء الفضلاء الأتقياء النبلاء وكان والده الشيخ علي وجده الشيخ إبراهيم من العلماء الفضلاء وهو أيضا يروي عن أبيه المذكور قال في كتاب (غوالي اللئالي) في ذكر طرقه إلى مشائخه الطريق الأول عن شيخي وأستاذي ووالدي الحقيقي النسبي المعنوي وهو الشيخ الزاهد العابد العامل الكامل زين الملة والدين أبي الحسن ابن الشيخ الولي الفاضل التقي من بين أنسابه وأقاربه حسام الدين إبراهيم ابن المرحوم حسن بن إبراهيم بن أبي جمهور (ره) الأحسائي تغمدهم الله برحمته وغفرانه واسكنهم بحبوحة جنانه انتهى. وذكرهما أيضا إجازته للسيد محسن بهذه الألفاظ ولم يذكر لأحد منهم ولا غيرهما مصنفا ولا كتابا لأنه بصدد طرقه إلى مشائخه خاصة.
399 5 - الشيخ إبراهيم بن نزار (ومنهم قدس سرهم) شيخ جده الشيخ إبراهيم وهو الشيخ النحرير قاضي قضاة الإسلام ناصر الدين الشهير بابن نزار الأحسائي وذكره أيضا في (غوالي اللئالي) وإجازته للسيد محسن الرضوي بهذه الألفاظ. 6 - الشيخ جمال الدين المطوع (ومنهم قدس سرهم) الشيخ التقي الزاهد جمال الدين حسن الشهير بالمطوع الجرواني الأحسائي وقد ذكره أيضا في الغوالي والإجازة المذكورة بهذه الألفاظ رحمنا الله وآباءنا ومشائخنا وإياهم والمؤمنين برحمته الواسعة إنه أرحم الراحمين 7 - الشيخ هاشم بن الحسين ابن السيد عبد الرؤف (ومنهم رحمهم الله تعالى) العالم الفاضل الشيخ العارف بالأصوليين السيد هاشم بن الحسين ابن السيد عبد الرؤف الأحسائي من مشائخ السيد الجليل
400 السيد نعمة الله الجزائري صاحب (الأنوار النعمانية) و (شرح التهذيب) و (زهر الربيع) وغيرها يروي عن جملة من المشائخ العظام كالسيد نور الدين العاملي أخ صاحب المدارك والشيخ جواد الكاظمي شارح (آيات الأحكام) وشرحي (الزبدة) و (خلاصة الحساب) وغيرها، وعن الشيخ الفاضل الشيخ محمد الحرفوشي العاملي شارح الزبدة عن علي بن عثمان بن معمر الدنيا الهمداني الذي كان من أصحاب أمير المؤمنين وسيد المسلمين عليه السلام وللشيخ محمد الحرفوشي مع ملاقاته لعلي بن عثمان وإجازته قصة حسنة قال السيد السند السيد نعمة الله الجزائري (رض) (ولا بأس لو نقلنا كلامه بطوله لزيادة فوائده ومحصوله) قال: ومن المعمرين علي بن عثمان بن خطاب بن مرة بن مؤيد المغربي أبو الدنيا قال الصدوق (طاب ثراه): حدثنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بن نصر الشجري قال حدثنا أبو بكر محمد بن الفتح الزكي وأبو الحسن علي بن الحسن ابن حمكا الملاشكي (ختن أبي بكر) قالا لقينا بمكة رجلا من أهل المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أهل الحديث ممن كان حضر الموسم في تلك السنة وهي سنة تسع وثلاثمائة فرأينا رجلا أسود الرأس واللحية كأنه شن بال وحوله جماعة من أولاد أولاد أولاده ومشائخ من أهل بلده ذكروا أنه من أقصى بلاد المغرب تعرف باهره العليا وشهدوا هؤلاء المشائخ إنا سمعنا من آبائنا حكوا عن آبائهم وأجدادهم إنا عهدنا هذا الشيخ المعروف بأبي الدنيا معمرا واسمه علي بن عثمان وذكر أنه همداني وأن أصله من صنعاء اليمن فقلنا له أنت رأيت علي بن أبي طالب فمال بيده ففتح عينيه وقد كان وقع حاجباه على عينيه ففتحهما فقال: رأيته بعيني هاتين وكنت خادما له وكنت معه في واقعة صفين وهذه
401 الشجة من دابة علي (ع) وأرانا أثرها على حاجبه الأيمن وشهدوا الجماعة الذين كانوا حوله من المشائخ ومن حفدته وأسباطه له بطول العمر وأنهم منذ ولدوا عهدوه على هذه الحالة وكذا سمعنا من آبائنا وأجدادنا ثم إنا فاتحناه وسائلناه عن قصته وحاله وسبب طول عمره فوجدناه ثابت العقل يفهم ما يقال له ويجيب عنه بلب وعقل وذكر أنه كان له والد قد نظر في كتب الأوايل وقرأها وقد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان وأنها تجري في الظلمات وأن من شرب منها طال عمره فحمله الحرص على دخول الظلمات فتحمل وتزود حسبما قدر أنه يكتفي في مسيره وأخرجني معه وأخرج معنا خادمين بازلين وعدة أجمال لبون عليها روايانا وزادا وأنا يومئذ ابن ثلاثة عشر سنة فسار بنا إلى أن وافينا طرف الظلمات ثم دخلنا الظلمات فسرنا فيها نحو ستة أيام بلياليها وكنا نميز بين الليل والنهار بأن النهار يكون أضوء قليلا وأقل ظلمة من الليل فنزلنا بين جبال وأودية وذكوات وقد كان والدي وجد في الكتب التي قرأها أن مجرى نهر الحيوان في ذلك الموضع فأقمنا في تلك البقعة أياما حتى فني الماء الذي كان معنا وأسقينا جمالنا ولولا أن جمالنا كانت لبونا لهلكنا وتلفنا عطشا وقد كان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر ويأمرنا بأن نوقد نارا ليهتدي إليها إذا أراد الرجوع إلينا فمكثنا في تلك البقعة نحو من خمسة أيام ووالدي يطلب النهر فلا يجده وبعد الأياس عزم على الانصراف حذرا من التلف لفناء الزاد والماء، والخدم الذين كانوا معنا ضجروا وخشوا على أنفسهم فألحوا على والدي بالخروج من الظلمات فقمت يوما من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل قدر رمية سهم فعثرت بنهر ماء أبيض اللون عذبا لذيذا لا بالصغير من الأنهار ولا بالكبير يجري جريا لينا فدنوت منه وغرفت منه بيدي غرفتين أو
402 ثلاثا فوجدته عذبا باردا لذيذا فبادرت مسرعا إلى الرحل وبشرت الخدم بأني قد وجدت الماء فحملوا ما كان معنا من القرب والأداوات لنملأها ولم أعلم أن والدي في طلب ذلك النهر وكان سروري بوجود الماء لما كنا عدمنا الماء وفني ما كان معنا وكان والدي في ذلك الوقت مشغولا بالطلب فجهدنا وطفنا ساعة هوية على أن نجد النهر ولم نهتدي إليه حتى أن الخدم كذبوني وقالوا لي لم نصدق فلما انصرفنا إلى الرحل وانصرف والدي أخبرته بالقصة فقال لي يا بني الذي أخرجني إلى ذلك المكان وتحمل الخطر كان لذلك النهر ولم أذق منه ولم أرزق منه ورزقته أنت وسوف يطول عمرك حتى تمل الحياة ورحلنا منصرفين وعدنا إلى أوطاننا وبلدنا وكان قد عاش والدي بعد ذلك سنيات ثم توفي (ره) فلما قرب سني من ثلاثين سنة وكان اتصل بنا خبر وفاة النبي * صلى الله عليه وآله * ووفاة الخليفتين من بعده خرجت حاجا فلحقت آخر أيام عثمان، فمال قلبي من بين جماعة أصحاب رسول الله * صلى الله عليه وآله * إلى علي بن أبي طالب (ع) فأقمت معه أخدمه وشهدت معه وقائعه وفي وقعة صفين أصابتني هذه الشجة من دابته فما زلت مقيما معه إلى أن مضى لسبيله فالح علي أولاده وحرمه أن أقيم عندهم فلم أقم وانصرفت إلى بلدي وخرجت أيام بني مروان حاجا وانصرفت مع أهل بلدي وإلى هذه الغاية ما خرجت في سفر إلا أن الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري وطول عمري فيشخصوني إلى حضرتهم ليروني ويسألوني عن سبب طول عمري وعما شاهدت وكنت أتمنى وأشتهي أن أحج حجة أخرى فحملني هؤلاء حفدتي وأسباطي الذين ترونهم حولي وذكر أنه سقطت أسنانه مرتين أو ثلاثة فسألناه أن يحدثنا بما سمعه من أمير المؤمنين عليه السلام فذكر أنه لم يكن له حرص ولا همة في العلم في وقت صحبته لعلي بن أبي طالب (ع)
403 والصحابة أيضا كانوا متوفرين فمن فرط ميلي إلى علي بن أبي طالب (ع) ومحبتي له لم اشتغل بشئ سوى خدمته وصحبته والذي كنت أتذكره فما كنت قد سمعته منه فقد سمعه مني عالم من الناس ببلاد المغرب ومصر والحجاز قد انقرضوا وتفانوا وهؤلاء أهل بلدي وحفدتي قد دونوه فاخرجوا إلينا النسخة وأخذ يملي علينا من حفظه. حدثنا أبو الحسن علي بن عثمان أبي الدنيا قال حدثني علي بن أبي طالب قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قرأ (قل هو الله أحد) مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن ومن قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن ومن قرأها ثلاثا فكأنما قرأ القرآن كله وهذا الرجل ساكن في المغرب في طنجة. وحدث أبو الدنيا قال حضرت مع علي (ع) الجمل وصفين وكنت بين الصفين يومئذ واقفا عن يمينه إذ سقط سوطه (ع) من يده فأكببت عليه لآخذه وأدفعه إليه وكان لجم دابته حديدا مدمجا فرفع الفرس رأسه فشجني هذه الشجة التي في صدري فدعاني أمير المؤمنين (ع) إليه فتفل فيها وأخذ بيده حفنة من تراب فتركه عليها فوالله ما وجدت لها ألما ولا وجعا أبدا قال ثم أقمت معه حتى قتل صلوات الله وسلامه عليه ثم صحبت بعده ابنه أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام حين ضرب على فخذه بساباط المدائن ثم بقيت معه في المدينة المنورة أخدمه حتى مات الإمام الحسن عليه السلام مسموما ثم خرجت مع الحسين بن علي عليه السلام بعد وفاة أخيه حتى حضرت معه كربلاء فقتل عليه السلام فخرجت هاربا ببدني وأنا مقيم في المغرب أنتظر خروج القائم المهدي عجل الله فرجه وسهل مخرجه وخروج عيسى بن مريم عليه السلام. قال أبو محمد العلوي رضي الله عنه ومن عجيب ما رأيت من هذا الشيخ
404 علي بن عثمان وهو يحدث فنظرت إلى لحيته وعنفقته فقال ما ترون هذا يصيبني إذا أنا جعت فإذا شبعت رجعت إلى سوادها فدعا بالطعام فأكل أكل شاب فاسودت عنفقته شيئا فشيئا حتى رجعت إلى سوادها. قال مؤلف الكتاب (رض) حدثني أوثق مشائخي السيد هاشم الأحسائي (رض) في شيراز في مدرسة الأمير محمد عن شيخه العادل الثقة الورع الشيخ محمد الحرفوشي أعلى الله مقامه في دار المقامة أنه دخل يوما مسجدا من مساجد الشام وكان مسجدا عتيقا مهجورا فرأى رجلا حسن الهيئة في ذلك المسجد فأخذ الشيخ في المطالعة في كتب الحديث ثم إن ذلك الرجل سأل الشيخ عن أحواله وعن من نقل الحديث عنهم فأخبره الشيخ عن مشائخه قال إن الشيخ سأله عن أحواله وعن مشائخه قال ذلك الرجل: أنا معمر أبو الدنيا وأخذت العلم عن علي بن أبي طالب عليه السلام وعن الأئمة الطاهرين عليهم السلام وأخذت فنون العلوم عن أربابها وسمعت الكتب من مصنفيها فاستجازه الشيخ في كتب الأحاديث الأصول وغيرها وفي كتب العربية والأصول فأجازه وقرأ عليه الشيخ بعض الأخبار في ذلك المسجد توثيقا للإجازة فمن ثم كان شيخنا الثقة قدس سره يقول له يا بني إن سندي إلى المحمدين الثلاثة وغيرهم من أهل الكتب قصير فإني أروي عن الفاضل الحرفوشي عن معمر أبي الدنيا عن الإمام أمير المؤمنين علي (ع) وكذا إلى الصادق وإلى كاظم (ع) إلى آخر الأئمة (ع) وكذا روايتي لكتب الأصول مثل الكافي والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه وأجزتك أن تروي عني بهذه الإجازة فنحن نروي الكتب الأربعة عن مصنفيها بهذا الطريق.
405 8 - الشيخ أحمد بن زين الدين ومنهم قدس سرهم العالم العلامة الفاضل الفهامة الوحيد في علم التوحيد وأصول الدين الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي المطيرفي (1) وهو صاحب جوامع الكلم مجلدان كبيران مشتملان على جملة من الرسائل وكثير من التحقيقات الرشيقة وأجوبة المسائل وله شرح الزيارة الجامعة الكبرى وله شرح العرشية والمشاعر للملا صدر الدين الشيرازي (ره) تعرض فيما عليه وعلى تلميذه الملا محسن الكاشاني (ره) وله جملة من المصنفات الأنيقة والتحقيقات الرشيقة وحاله أشهر من أن يذكر وأظهر من أن يشهر وقد ذكر أحواله بالبسط والبيان السيد المعاصر السيد محمد باقر الأصفهاني في كتابه (روضات الجنات) من أراده يقف عليه وغيره في غيره توفي (قده) مهاجرا لزيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأئمة البقيع عليهم السلام سنة اثنين وأربعين ومائتين وألف من الهجرة وله الإجازة من جملة من المشائخ العظام وأساطين الإسلام منهم السيد السند بحر العلوم ومجدد آثار الإيمان والرسوم السيد محمد مهدي الطباطبائي والسيد الأجل السري السيد مير علي الطباطبائي صاحب (الرياض) والشيخ الأفخر الشيخ جعفر كاشف الغطاء وابنه الأجل الأنور الشيخ موسى والعلامة المشهور الشيخ حسين آل عصفور وأخيه الأسعد الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد آل عصفور والسيد الأجل الأمجد
(1) المطيرفي قرية من قرى الأحساء في جهة الشمال منها كثيرة المياه. 406 السيد محمد الشهرستاني والفاضل الأمجد الشيخ أحمد ابن العالم الرباني الشيخ حسن الدمستاني وغيرهم قدس الله أرواحهم ونور أشباحهم وقد وقفت على أكثر إجازاتهم له وفيها تفخيم له عظيم ومدح جسيم (1) ويروي عنه جماعة من فحول العلماء منهم المحقق الفاخر الشيخ محمد حسن (صاحب الجواهر) والسيد كاظم الرشتي والمحقق الحاج إبراهيم الكرباسي صاحب الإشارات وغيرهم (2) قدس الله أرواحهم. 9 - ابنه الشيخ على نقي (ومنهم قدس سرهم) ابنه الشيخ الفاضل العلي الشيخ علي نقي ابن الشيخ أحمد بن زيد الدين الأحسائي (المتقدم ذكره) كان فاضلا محققا مدققا إلا أنه لم تطل أيامه بعد أبيه له كتب منها شرح رسالة الإمام الهادي (ع).
(1) وله يد قوية في الشعر رأيت له جملة من القصائد الرثائية في غاية الجودة بخط ابنه محمد تقي وهو غير الشيخ علي نقي المذكور بعده، وخطه في غاية الحسن ولا أعرف علمه حتى أصفه (حسين ابن المؤلف). (2) توفي (ره) في سنة 1342 هج. وقد ضمن تاريخ وفاته في بيت شعر حسن قال ناظمه طاب ثراه. فزت بالفردوس فوزا * يا بن زين الدين أحمد (حسين ابن المؤلف) 407 أيضا له تحقيقات في دفع اعتراضات وإيرادات على والده وله كتاب المحجة في الإمامة مجلد كبير، هذا الذي رأيته والظاهر أن له غيره والله أعلم ولا أدري بتاريخ وفاته ولا بموضع قبره (قدس سره) وأما الكلام فيه وفي أبيه والسيد كاظم والجماعة المعروفين بالشيخية وهم المنسوبون للشيخ أحمد بن زين الدين واعتقادهم صحة وفسادا فلست أحكم في شئ من ذلك إلا صحة الانتماء لمذهب الأئمة الأمناء (عليهم السلام) والإقرار بمحبتهم ومودتهم والتمسك بولايتهم والالتزام بأحكامهم وحلالهم وحرامهم وهو أصل أصيل متين: وأما ما ينافي ذلك فالفقير عاجز عن فهم كلامهم على اليقين بحيث أفهم منه ما يهدم ذلك الأصل المتين وأدين بذلك رب العالمين فحيث كنت عاجزا عن فهم ذلك ولم يتضح لي غير ما هنالك فالأصل باق على حاله من الموالاة لأولياء الله والمعادات لأعداء الله حيث عجزت ولم أصل إلى ما ينافيه ولم يهدم ظاهره وخافيه وأما التقليد في المقام (1) مع
(1) أقول: للعلامة الأوحد الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء (ره) كلام متين في حق الشيخ أحمد بن زين الدين لا بأس بنقله (قال ره): كان الشيخ أحمد (ره) في أوائل القرن الثالث عشر وحضر على السيد بحر العلوم وكاشف الغطاء وله منهما إجازة تدل على علو مقامه عندهم وعند سائر علماء ذلك العصر ثم لما انتشرت كتبه ومؤلفاته بعد وفاته اختلف الناس فيه بين غال وقال بين من يقول بركنيته وبين من يقول بكفره والمتوسط خير الأمور والحق أنه رجل من أكابر علماء الإمامية وعرفائهم وكان على غاية من الورع والزهد والاجتهاد في العبادة كما سمعناه ممن نثق به ممن عاصره ورآه نعم له كلمات في مؤلفاته بجملة متشابهة لا يجوز من أجلها التهجيم والجرأة على تكفيره بها ولكن تلميذاه الكرماني والرشتي خرجا عن الجادة القويمة وزاغا زيغا عظيما ولكن لا أدري هل بلغ ذلك إلى حد الكفر والخروج عن الدين أم لا، أدخلا على الشيعة الإمامية أشد فتنة وأعظم بلية ومنهما نشأت بلية البابية. (حسين ابن المؤلف) 408 ثبوت الأصل وعدم ثبوت القاطع له وظهور المرام كما يصنعه كثير من العوام فهو غير تام نعم من ظهر له الفساد بتتبع واجتهاد من الأدلة التي نصبها لعبادة رب العباد من غير عصبيته أو تقدم شبهة وعناد فيترتب عليه الآثار من الفساد وهذا كلام من لزم جادة الإنصاف وتجنب العصبية والاعتساف والمؤمن يجب عليه الاشتغال بعيوب نفسه فيصلحها وبذنوبه فيتوب ويتنصل منها (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) وقد تكلمنا عند الكلام على الملا محسن الكاشاني في باب علماء القطيف بكلام له دخل بهذا المقام فيه شفاء من الأسقام وبالجملة فاليقين لا ينقض بالشك وإنما ينقض بيقين مثله كما هو القاعدة المسلمة بالأدلة الصحيحة المحكمة والله ولي التوفيق وإليه تصير الأمور نسأله تعالى حسن الختام والفوز بدار السلام والحلول في دار المقام بحق محمد وآله الطاهرين الكرام عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام. 10 - الشيخ عبد المحسن اللويمي (ومنهم قدس سرهم) الفاضل المحقق الكامل الشيخ عبد المحسن بن
409 محمد بن مبارك اللويمي الأحسائي (1) من العلماء الأعلام ذوي النقض والإبرام له جملة من المصنفات ذكرها في إجازته لولده وللشيخ سليمان آل عبد الجبار والشيخ علي ابن الشيخ مبارك آل حميدان الخطي الجارودي وسيأتي تفصيلها وله الرواية عن جملة المشايخ الكرام أركان الإسلام منهم العلامة الفهامة المشهور الشيخ حسين آل عصفور والفاضل الشيخ أحمد ابن العلامة الشيخ حسن الدمستاني البحراني وعن جملة من مشايخ العراق والعجم منهم بعض من قدمناه ذكره ومنهم العلامة الولي بحر العلوم الطباطبائي القدوسي (قده) ومنهم السيد الفاضل السيد مهدي الشهرستاني الحائري وغيرهم ذكر في إجازته المذكورة جملة من مشائخه الذين أجازوه عربا وعجما وهم كثيرون ذكرنا بعضهم فيما تقدم وله مصنفات ذكرها في إجازته وسنذكرها على ترتيبه قال رحمه الله تعالى: ومما صنفت شرح العوامل الجرجانية وشرح الرسالة الآجرومية وكفاية الطلاب المودعة بدائع علم الإعراب نظما وشرحا ورسالة وفي التجويد والتحفة في تعزية أهل العصمة والرسائل الثلاث في الصلاة الصغيرة والوسطى والكبيرة ووفاة النبي يحيى (ع) ووفاة الكاظم (ع) ووفاة الحسن بن علي (ع) وجامع الأصول عن أهل الوصول والنهج القويم والصراط المستقيم أسأل الله تعالى التوفيق لإتمامه فقد برز منه في الأصولين مجلد ومجلد في الصلاة ورسالتان في معرفة أحوال الرجال الذين لم يعرف لهم حال
(1) هذا الشيخ المتقن الشيخ عبد المحسن (قدس سره) من القرية المعروفة بالبطالية وتعرف أيضا بالبلاد وقد كانت أكبر مدن الأحساء وأصلنا القديم منها ومسجد الشيخ المذكور إلى الآن معروف كائن في فريق من فرقانها. (حسين ابن المؤلف) 410 (انتهى كلامه علا مقامه). (قلت): وله الإجازة الكبيرة التي ذكرناها وختمها بأربعين حديثا بدأ فيها بالأصول الخمسة أولا ثم الطهارة ثم الصلاة ثم الزكاة وهكذا على ترتيب الفقهاء وشرحها شرحا جيدا منقحا ولم أقف له على غيرها والتحفة المذكورة وهي التحفة الحسينية المشهورة موجودة وهو في طرفنا كتاب حسن جيد. وأما ابنه المذكور في إجازته فلم أطلع على شئ من أحواله بل حتى أبوه المذكور إلا ما استفدته من إجازته المذكورة وهو قد سكن في قرية (دسترجن) من بلاد إيران ومر به المشائخ المذكورون زوارا لضامن الجنان عليه وآبائه الطاهرين وأبنائه المعصومين صلوات الملك الرحمن وهو قاطن فيها فاستجازوه وأجازهم وقد شرك ابنه المذكور معهم وهم ثلاثة أو أربعة كلهم من علماء أهل القطيف شكر الله مساعيهم الجميلة وأفاض علينا وعليهم رحماته الجزيلة وخيراته الكثيرة الجليلة بحق محمد المصطفى الأمين وآله الطاهرين الميامين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. 13 - الشيخ أحمد الأحسائي (ومنهم قدس سرهم) العالم الفاضل الأسعد الشيخ أحمد ابن الشيخ محسن الأحسائي قال في وصفه سبطه الشيخ موسى: العالم العابد جامع شتات المفاخر والمحامد من ضم إلى الإحاطة بالعلوم الشرعية زهدا وافيا وورعا شافيا ذو الأخلاق الكريمة والسجايا القويمة الإمام المقدس العلامة الشيخ أحمد ابن الشيخ محسن
411 الأحسائي انتهى. وقفت له على رسالة حسنة في الجهر والإخفات بالبسملة والتسبيح في الأخيرتين وثالثة المغرب ورسالة في حجية ظواهر الكتاب الكريم وحواشي على تهذيب الأحكام وبعض الفوائد والنوادر ومن جملة تلك الفوائد بخط سبطه الشيخ موسى فائدة تحريم الدم مما علم بالضرورة من الدين ولكن حيث قد شربه الحجام متبركا بدم النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يكن عالما بالتحريم على هذا الوجه لم يخطئه النبي (صلى الله عليه وآله) بل جعل ذلك سببا لنجاته من النار ففيه دلالة على ما أشرنا إليه في بعض كتبنا أن الجاهل معذور وإنما تكون المعصية معصية إذا قصد المخالفة ثم قال: تلك الدماء أراقتها أمية بعد * العلم فاستوجبوا التخليد في النار سيعرضون بيوم لا حلاق لهم * فيه وحاكمه الهادي على الباري انتهى كلامه (ره) ومن فوائده قال: فائدة في (ثواب الأعمال) عن مولانا الباقر (ع) قال: إن عابدا عبد الله تعالى ثمانين سنة ثم أشرف على امرأة فوقعت في نفسه فراودها عن نفسها فتابعته فلما قضى منها حاسبته طرقه ملك الموت فاعتقل لسانه فمر سائل فأشار إليه أن يأخذ رغيفا كان في كسائه فأحبط الله عمل ثمانين سنة بتلك الزنية وغفر له بذلك الرغيف فانظر يا أخي شدة عقاب الزنا وعظم ثواب الصدقة ثم قال (ره) شعرا: فإياك إياك الزناء فإنه * سواد لوجه العبد دنيا وآخره ومقت من الباري فيا بعد ماقت * من الله لا يلقى من الأرض ناصره وكن باذلا ما استطعت في الله موقنا * بحسن الجزا فاجهد ولا تخش فاقرة فكم من فتى قد جاءه الموت عاجلا * وأعطى فأحياه الإله وآثره
412 توفي (قدس سره) سنة 1247 هج. سبع وأربعين ومأتين وألف هجرية خرجوا من الأحساء وسكنوا الدورق وفيها ذريته وأبوه الشيخ محمد وجده الشيخ محسن وجد أبيه الشيخ علي، بنقل سبطه الشيخ موسى كلهم علماء فضلاء وكذلك الفاضل الشيخ حسن وابنه الشيخ موسى من علماء ووقفت على بعض الكتابة العلمية للشيخ حسن تدل على فضله وعلمه وأما الشيخ موسى فلم أقف له على شئ سوى بعض الافتخار بالأشعار البليغة في الافتخار قال: فلست ترى منا سوى كل سيد * بصير بطرق المجد جم المحامد يصد عن الدنيا إذا عن سؤدد * ولو برزت في زي عذراء ناهد وكل أبي لو تجرد عزمه * لزالت بأدناه رواسي القواعد له في بيوت المجد صرح مشيد * يحج إليه وافد بعد وافد يقول له المجد الأثيل لأنت في * فنون المعالي واحد أي واحد لوجهك في الاحسان بسط وبهجة * أنالهماه تقو أكرم والد وهي كثيرة وله في المناجاة والتوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله) وآله (ع) الهداة عليهم من الله أفضل التسليم والصلوات قوله: إذا لاقيت ربي يوم حشري * وناقشني بما قد كنت جاني ولم يك من فعالي لي شفيعا * وصار علي ما اكتسب اليدان أخذت بحجزة الهادي شفيعا * وحجزة آله وهم أماني وقلت لسيدي الجبار: ها قد * علقت بهؤلاء كما تراني فما لي غير فضلك من شفيع * وكنت لهؤلاء ثاني العنان محبا تابعا عبدا بريئا * بذا انطبق اللسان على الجنان
413 فإن تصفح لأجلهم فأهل * وإن عذبت أني أي جاني 12 - الشيخ محمد حسين آل أبو خمسين (ومنهم) العالم العامل العابد الكامل الأمين الشيخ محمد حسين ابن الشيخ آل أبو خمسين الأحسائي كان من العلماء الأبرار والفضلاء الأخيار من المعاصرين ولم أره، له شرح على إرشاد العلامة مبسوط وله شرح على تبصرة العلامة ولا أدري هل أتمها أم لا؟ لم أرهما بل سماعا من مطلعين وله الرسالة العلمية الكبرى سماها منار العارفين: وله الرسالة الصغرى سماها (مصباح العابدين) بلغ من العمر ما يقرب من تسعين سنة وتوفي (قدس سره) سنة 1316 هج ستة عشر وثلاثمائة وألف هج. 13 - السيد هاشم الأحسائي (ومنهم) السيد السند والركن المعتمد ذي الماثر والمكارم السيد هاشم ابن السيد أحمد الأحسائي من المعاصرين ولم أجتمع به كان (رحمه الله تعالى) من العلماء الربانيين والفضلاء المبرزين والكرماء الأجودين له السجايا الحميدة والمزايا الحسنة السديدة والكمالات العديدة فهو ورقة من تلك الشجرة الطيبة الأحمدية ونبقة من الدوحة الزكية العلوية والزيتونة الفاطمية، قد جمع بين العلم
414 والعمل والكرم والتقوى الذين ليس فيه خلل رأيت له في النجف الأشرف عند بعض تلامذته كتابا جليلا في أصول الفقه وفروعه من الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والخمس والحج والجهاد حسن جيد جزل العبارة جيد الإشارة مجلد ضخم وله رسالة عملية كبرى في الطهارة والصلاة وله رسالة صغرى كذلك وله بعض الأجوبة في التوحيد والظاهر أن له غير ذلك ولم أقف عليه توفي (قدس سره) سنة 1339 هج. تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف هج. وله ولد فاضل عالم كامل فاخر اسمه السيد ناصر ذو ذهن وقاد وفضل في ازدياد في النجف الأشرف يشتغل بتحصيل العلوم وإحياء الرسوم رأيته في سفر زيارتي وتشرفي بسادتي أدام الله بقاه ووفقنا وإياه والمؤمنين لرضاه وتقواه آمين. 14 - الشيخ محمد آل عيثان الأحسائي (ومنهم) العالم العامل الفاضل الأواه الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الله آل عيثان الأحسائي كان (سلمه الله تعالى) عالما فاضلا مجتهدا كاملا اشتغل مدة مديدة تقرب من ثلاثين سنة أو تزيد في النجف الأشرف وأجازه جملة من علمائها وبعض من أهل كربلاء ثم رجع إلى الأحساء بعد وفاة والده من المعاصرين له من المصنفات رسالة في معاني الحروف وله شرح رضاعية السيد مهدي القزويني وله الرسالة العملية في الطهارة والصلاة وله أجوبة مسائل ولا أدري هل له غير هذا أم لا وكان أيده الله تعالى من بيت علم وكثير من آبائه علماء فضلاء.
415 يقول الأحقر حسين ابن المؤلف قدس سره: (توفي قدس سره) ونور قبره سنة 1331 هج. وقد أرخ عام وفاته أخوه الكامل المؤتمن الشيخ حسن بقوله: علامة العلماء ألبس رزؤه * كل الأنام من الأسى جلبابا لهفي على قمر تكور نوره * في الأرض واتخذ التراب حجابا وغدت تنوح لفقده أم العلا * مذ أرخوه (فيالبدر غابا) 15 - الشيخ عبد الله بن رمضان * (ومنهم) الفاضل الأديب الماهر الشيخ عبد الله بن رمضان الأحسائي كان رحمه الله تعالى من العلماء العابدين والأدباء الكاملين له القصيدة الكبيرة النونية المسماة بخير الوصية المشتملة على ذكر أكثر الواجبات والمندوبات والمحرمات عملها وصية لابنه الشيخ علي وإخوانه وقد أجاد في أولها: هي الدار دار العنا والمحن * ودار الفناء ودار الفتن وهي طويلة جيدة. 16 - ابنه الشيخ علي الأحسائي ومن أدبائها وعلمائها ابنه الشيخ علي من العلماء العاملين والعباد
416 المعروفين وله يد قوية في الشعر قتل شهيدا في الأحساء في ملك الوهابية ظلما وعدوانا كما قتلت ساداته خير الخلق فضلا وشأنا. 17 - الملا على بن رمضان الأحسائي (ومن أهل هذا البيت) الأديب الشاعر الملا علي بن رمضان القاري المعاصر له شعر كثير في المدائح والمراثي وسمعت بعضه ونقل أن له روضة على الحسين (عليه السلام) يعني قصائد في الرثاء على جميع حروف الهجاء وله في رثاء النبي صلى الله عليه وآله ورثاء الزهرا والأئمة جميعا مراثي كثيرة مكررة توفي رحمه الله تعالى سنة 1323 هج ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف (1) هجرية.
(1) أقول له كشكول حسن ظريف فيه من كل شئ لطيف مجلدان كبيران رأيت المجلد الثاني عند الكامل الذكي الأسعد السيد عبد علي ابن المرحوم السيد أحمد التويثري الأحسائي واستعرته منه ونقلت منه لطائف وأشعار في كشكولي المختصر المسمى: (فرحة القلوب) وهذا السيد أعني السيد عبد علي المذكور من السادة الأجلاء الموسويين نسبهم الشريف ينتهي للسيد إبراهيم المجاب المدفون بكربلاء ولهم نبوغ في مهر قرية من قرى فارس وفي القديح قرية من القطيف وهم المعروفون بالخضاروه وفي العراق وهم المعروفون ببيت أبي طبيخ وعميدهم الآن السيد الجليل المؤتمن السيد حسن والسيد المذكور السيد عبد علي من طلبة العلم وهو ذكي زكي تقي كامل ذو ذهن وقاد إلا أن ابتلاءات الزمان أقعدته عن الترقي حفظه الله وأبقاه. حسين ابن المؤلف 417 18 - الشيخ عبد الله الأحسائي (ومن أدبائها الكاملين وقرائها الخيرين) الشيخ عبد الله بن علي الأحسائي (رحمه الله تعالى) كان من الأخيار الأتقياء الأبرار ومن شعراء أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) له ديوان شعر في مجلدين أو أكثر وله القصيدة الهائية الكبيرة التي جاري بها المرحوم الأديب الشيخ كاظم الأزري في قصيدته المشهورة بالألفية وهي: لمن الشمس في قباب قباها * شف جسم الدجا بروج ضياها تبلغ ثلاثة آلاف أو تزيد ذكر فيها جملة من الفضائل وجملة من المغازي جيدة وأكثر أشعاره في مراثي الحسين (ع) وأنصاره عليهم السلام من المعاصرين توفي (ره) في سيهات قرية من قرى القطيف وصلى عليه شيخنا العلامة أفاض الله علينا وعليهما شآبيب اللطف والكرامة. 19 - الشيخ محمد الأحسائي (ومنهم) الفاضل الأسعد الشيخ محمد ابن الشيخ حسين بن خليفة الأحسائي (ره) من فضلائها الأخيار اشتغل مدة مديدة في النجف الأشرف ورجع إلى الأحساء ولها شرف: سمعت أن عنده إجازات من بعض علماء النجف
418 ولم أسمع له بشئ من المصنفات وفقنا الله وإياه وإخواننا المؤمنين لخير الدنيا والدين. 20 - الشيخ موسى أبو خمسين (ومن علمائها المعاصرين) الشاب الأسعد العالم الكامل المؤيد الشيخ موسى ابن الحاج عبد الله أبو خمسين. 21 - الشيخ طاهر أبو خمسين وابن عمه العالم الفاخر الشيخ طاهر ابن الشيخ محمد أبو خمسين (المتقدم ذكره). 22 - الشيخ عبد الحميد أحسائي المهذب الأديب السعيد الشيخ عبد الحميد وكان ذا ذهن وقاد وفضل في ازدياد إلا أن الدهر ذو غير أصابه في عقله وكدر. 23 - الشيخ عمران (ومنهم) ذو الإيمان الشيخ عمران وغيرهم لم أعرف أكثرهم كثر الله أمثالهم وأصلح بالنا وبالهم وأحسن أحوالنا وأحوالهم إنه كريم رحيم تواب حليم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين كل آن وحين. انتهى الكتاب بعون الملك الوهاب
419 كلمة الختام بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية سيدنا وإمامنا علي أمير المؤمنين وبأولاده المعصومين - عليهم سلام رب العالمين. وله الشكر على توفيقه إياي لإنجاز تصحيح هذا السفر الجليل: (أنوار البدرين) هذا الكتاب الذي ضم بين دفتيه جملة وافرة من تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين. - تغمدهم الله برحمته واسكنهم فسيح جنته. وقبل أن أختم الكتاب هذا بكلمتي القصيرة - هذه - أود أن أعرب عن شعوري تجاه العلامة الشيخ حسين القديحي - نجل المؤلف (ره) وأشكره على قيامه بهذا العمل الصالح - طبع هذا الكتاب وإحياء ذكر العلماء السالفين (رحمهم الله) به - أسأله تعالى أن يجزيه عن عمله هذا خير جزاء المحسنين. كما أسأله تعالى أن يوفقني وإياه لخدمة الدين الإسلامي والأمة المحمدية وأن يشملني وإياه سعة رحمته ويجعلنا عنوان قوله تعالى: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وأن الله لمع المحسنين ". المصحح أقل الطلبة محمد على محمد رضا الطبسي النجف الأشرف في يوم الخميس 28 / 4 / 1380