بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: خزانة الأدب المؤلف: البغدادي الجزء: 5 الوفاة: 1093 المجموعة: دواوين تحقيق: محمد نبيل طريفي/إميل بديع اليعقوب الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1998م المطبعة: بيروت - دار الكتب العلمية الناشر: دار الكتب العلمية ردمك: ملاحظات: ((التوابع)) 3 (النعت)) أنشد فيه: وهو الشاهد الثاني والثلاثون بعد الثلاثمائة وهو من أبيات إيضاح أبي علي الفارسي: البسيط * رباء شماء لا يأوي لقلتها * إلا السحاب وإلا الأوب والسبل * على أن الموصوف قد يحذف في الأغلب مع قرينة دالة عليه كما في البيت. والتقدير: هو رجل رباء هضبة شماء. فحذف الموصوف وأقيم الوصف مقامه في الموضعين فإن رباء فعال وهو وصف مبالغة من قولهم: هو رباء لأصحابه بالهمز ربأ يربأ من باب منع إذا صار ربيئة لهم أي: ديدبانا. في الصحاح: المربأة: المرقبة وكذلك المربأ والمرتبأ. وربأت القوم ربئا وارتبأتهم أي: رقبتهم وذلك إذا كنت لهم طليعة فوق شرف أي: موضع
3 مرتفع. يقال: ربأ لنا فلان وارتبأ إذا وهو فعيل وفعيلة. فالرباء وصف مبالغة والوصف لا بد له من موصوف. ومن المعلوم أن الذي يرقب الأعداء لأصحابه إنما هو الرجل في الغالب. وقيل: إنه من ربأت الجبل إذا صعدته وعلوته فيكون رباء شماء كقولهم: طلاع أنجد. وهو مضاف إلى شماء والشماء مجرور بالفتحة وهو مؤنث أشم من الشمم وهو الارتفاع. أراد هضبة شماء فحذف الموصوف بدليل القلة وهي رأس الجبل. والهضبة: الجبل المنبسط على وجه الأرض. ومن المعلوم أيضا أن التي لا يأوي إلى قلتها إلا السحاب والمطر لا تكون إلا هضبة. وإضافة رباء إلى شماء لفظية. وقال السكري في شرح أشعار هذيل: إن رباء من ربأت الجبل إذا صعدته وعلوته فيكون مثل قولهم: طلاع أنجد لمن هو ركاب للصعاب من الأمور. وقال ابن يعيش في شرح المفصل: الشاهد في قوله رباء شماء والمراد رجل رباء ربوة شماء أو رابية شماء. وهو فعال من قولك: ربوت الرابية إذا علوتها. وضعف العين للتكثير. والهمزة في) آخره بدل من واو هي لام الكلمة كهمزة كساء ولم ينونه لأنه مضاف إلى شماء. وشماء فعلاء من الشمم يقال: جبل أشم ورابية شماء أي: مرتفعة. أقول: ليس في هذا كثير فائدة وهو مع تكلفه يدفعه قوله: لا يأوي لقلتها إلا السحاب إلخ. فتأمله. وحكى الأندلسي في شرح المفصل عن الخوارزمي: قلة رباء وهضبة شماء لأن الرباء هي العالية واشتقاقها من الرب لعلوه على المربوب.
4 أقول: لا وجه لما ذهب إليه الخوارزمي فإن رباء من وصف الربيء لا القلة كما يأتي وهو فعال لا فعلاء. وقال أبو البقاء في شرح الإيضاح لأبي علي: أنث رباء لما أراد به الربيئة وهو الحافظ لأصحابه في الأمكنة العالية. أقول: هذا خطأ فإن رباء فعال لا فعلاء. ورواه بعضهم: زناء شماء بالزاي المعجمة والنون من زنأ في الجبل يزنا زنئا وزنوءا بمعنى صعد. وهو مهموز. وقال بعضهم: إن شماء اسم هضبة وهو منقول من الصفة إلى العلمية مثل حسن فلا شاهد فيه. أقول: كون شماء اسم هضبة ذكره أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم قال: شماء على لفظ * بعد عهد لنا ببرقة شما * ء فأدنى ديارها الخلصاء * لكن الظاهر هنا أن المراد بشماء اسم جنس بدليل وصفه بقوله: لا يأوي لقلتها الخ. فإن قلت: أجعل الجملة حالا من شماء لتعريفها. قلت: صاحب البيت هذلي وشماء الهضبة المعروفة في بلاد بني يشكر مع أن مقام المدح يقتضي أنه يربأ كل جبل موصوف بهذا الوصف وليس في جعلها علما كثير مدح. وقوله: لا يأوي لقلتها الخ هو من أوى إلى منزله يأوي من باب ضرب أويا بمعنى أقام. والمراد لا يصل إلى قلتها. وروى السكري: لا يدنو لقلتها.
5 وضمير قلتها لشماء. وقلة الجبل: وروى: لقنتها بالنون. والقنة هي القلة. وقوله: إلا السحاب هو استثناء مفرغ أي: لا يقرب إلى قلتها شيء إلا السحاب. وكر إلا في) قوله وإلا الأوب للتوكيد. والأوب قال السكري: هو النحل حين تؤوب: ترجع. ويؤيده أنه روى وإلا النوب بضم النون وهو النحل وهو جمع نائب لأنها ترعى وتؤوب إلى مكانها أي: ترجع وقيل: هو الريح ذكره الصاغاني في العباب. وقال الخوارزمي: هو المطر لأنه بخار ارتفع من الأرض ثم آب إليها أي: رجع ولذلك سمي رجعا فسموه أوبا ورجعا تفاؤلا ليرجع ويؤوب. وقيل لأن الله تعالى يرجعه وقتا فوقتا. وإليه ذهب صاحب الكشاف عند قوله تعالى: والسماء ذات الرجع وأنشد هذا البيت على أن المطر تسمى رجعا كما في الآية وأوبا كما في البيت تسمية بمصدري رجع وآب. وذلك أن العرب كانت تزعم أن السحاب يحمل الماء من البحر ثم يرجعه إليه. قال صاحب الكشف: جعل صاحب الكشاف الأوب والسبل بمعنى المطر والأولى ما قيل أن الأوب النحل لأنها تؤوب إلى محالها بعدما خرجت للنجعة والسبل. بفتحتين: المطر المنسبل أي: النازل. قال ابن خلف في شرح أبيات الكتاب: السحاب اسم عام للغيم والماء ينسحب في الأفق أي: ينجر نازلا ماؤه وغير نازل. والسبل: المطر النازل فهو إذن أخص من السحاب ولذلك جاء قوله تعالى: فترى الودق يخرج من
6 خلاله لما كان الودق الماء النازل نفسه. وهذا البيت آخر قصيدة عدتها عشرون بيتا للمتنخل الهذلي تقدمت ترجمته في الشاهد السادس والسبعين بعد المائتين رثى بها ابنه أثيلة بضم الهمزة وفتح المثلثة. وهذان البيتان قبله: * أقول لما أتاني الناعيان به * لا يبعد الرمح ذو النصلين والرجل * * رمح لنا كان لم يفلل ننوء به * توفى به الحرب والعزاء والجلل * رباء شماء لا يدنو لقلتها................ البيت قوله: الناعيان به في الصحاح: الناعي الذي يأتي بخبر الموت. قال الأصمعي: كانت العرب إذا مات فيهم ميت له قدر ركب راكب فرسا وجعل يسير في الناس ويقول: نعاء فلانا أي: انعه واظهر خبر وفاته. وهي مبنية على الكسر مثل نزال. وقوله: به أي: بنعيه حذف المصدر لدلالة الناعيات عليه. والمصدر جاء على نعي بفتح فسكون ونعي على وزن فعيل ونعيان بضم النون. والضمير راجع إلى أثيلة المقتول وهو ابن المتنخل.) وذلك أنه كان خرج مع ابن عم له يقال ربيعة بن الجحدر غازيين فأغارا على طوائف من فهم بن عمرو بن قيس عيلان فقتل أثيلة وأفلت ربيعة فقال المتنخل هذه القصيدة في رثاء ابنه. وقوله: لا يبعد الرمح فاعل يبعد يقال: بعد بعدا من باب فرح
7 فرحا إذا هلك. وعادة العرب أن تقول عند ذكر الميت: لا يبعد فلان إما استعظاما لموته وإما رجاء بقاء ذكره. ويأتي شرح هذا مبسوطا إن شاء الله بعد أبيات. والنصل: حديدة الرمح الذي يطعن به وهو السنان ويقال لحديدة السهم والسيف والسكين أيضا. والحديدة التي يركز بها الرمح في الأرض من الطرف الأسفل يقال لها الزج بضم الزاي المعجمة وتشديد الجيم. وسمي الزج نصلا بالتغليب فقال: النصلين وإنما غلب على الزج لأن العمل وقوله: والرجل أراد الرجل الكامل في الشجاعة والفعل وهو ابنه وقيل: أراد بالرمح ابنه شبهه بالرمح الذي له نصل وزج ويؤيده قوله رمح لنا أي: هو رمح لنا. وضمير كان راجع إليه وجملة لم يغلل خبرها أي: لم يكسر ولم يثلم من الفل بفتح الفاء وهو واحد الفلول وهي كسور في الشيء. وقوله: ننوء به أي: ننهض به. يقال: ناء بكذا أي: نهض به مثقلا. وقوله: توفى به الحرب أي: تعلى به وتقهر. وهو بالفاء وروي بالقاف أيضا من الوقاية. والعزاء بفتح العين وتشديد الزاء المعجمة: السنة الشديدة. والجلل بضم الجيم وفتح اللام: جمع جلى وهو الأمر الجليل العظيم مثل كبرى وكبر وصغرى وصغر. وفي هذا القصيدة أبيات من الشواهد فينبغي أن نورد بقيتها مشروحة إجمالا. وهذا مطلع القصيدة: * ما بال عينك أمست دمعها خضل * كما وهى سرب الأخراب منبزل *
8 هذا خطاب مع نفسه. وخضل: ندي. ووهى السقاء إذا تخرق وانشق. والأخراب: جمع خربة بالضم وهي عروة المزادة وكل ثقب مستدير. وسرب بفتح فكسر: السائل يقال: سربت المزادة من باب فرح إذا سالت. ومنبزل: منشق. وقد أخذ ذو الرمة مطلع قصيدته من هذا * ما بال عينك منها الماء ينسكب * كأنه من كلى مفرية سرب * والكلى: جمع كلية بالضم وهي جليدة مستديرة تحت عروة المزادة تخرز مع الأديم. * لا تفتأ الليل مع دمع بأربعة * كأن إنسانها بالصاب مكتحل *) لا تفتأ: لا تزال يقال: جاءنا وعيناه بأربعة أي: بأربعة مدامع أو مسايل أي: تسيل من نواحيها من المأقين واللحاظين. والصاب: شجر له لبن مر إذا أصاب لبنه العين حلبها. * تبكي على رجل لم تبل جدته * خلى عليك فجاجا بينها خلل * لم تبل جدته: لم تستمتع بشبابه من الإبلاء. وروي لم تبل جدته من البلى وجدته فاعل. وفجاجا أي: طرقا. بينها خلل أي: فرجة أي: كان يسدها. ومعنى خلى تركها. يريد أنه لم يمتع منه كما قال ابن أحمر: الطويل
9 * لبست أبي حتى تمليت برهة * وبليت أعمامي وبليت خاليا * * فقد عجبت وما بالدهر من عجب * أنى قتلت وأنت الحازم البطل * أي: كيف قتلت مع كونك شجاعا حازما. يقول: لا تعجب من الدهر فإن البطل يقتل فيه والضعيف ينجو فيه وفيه أمور مختلفة. * ويلمه رجلا تأبى به غينا * إذا تجرد لا خال ولا بخل * هذا البيت من شواهد أدب الكاتب لابن قتيبة. قوله: ويلمه رجلا هذا مدح خرج بلفظ الذم يروى بكسر اللام وضمها. ورجلا تمييز للضمير. وقد تقدم الكلام على هذا مستوفى في باب التمييز. وتأبى مضارع أبى بمعنى تكره والجملة صفة رجلا. والغبن بفتح الباء: الخديعة في الرأي وفعله من باب فرح. وبسكونها: الخديعة في الشراء والبيع وفعله من باب ضرب. يقول: تأبى أنت أن تقبل به نقصانا. ومعنى التجرد ها هنا التشمر للأمر والتأهب له. وأصل ذلك أن الإنسان يتجرد من ثيابه. يقول: إذا حاول فعل أمر أو الدخول في حرب فصار مثلا لكل من جد في الشيء وإن لم يتجرد من ثيابه. يقول: إذا أتيته قام معك وتجرد وجد. وقوله: لا خال ولا بخل فيه وجهان: أحدهما: الخال الاختيال والتكبر فخال مبتدأ محذوف الخبر أي: لا فيه تكبر ولا بخل أو هو خبر بتقدير مضاف لمبتدأ محذوف أي: لا هو ذو خال. وثانيهما: الخال المتكبر ذكر المصدر وأريد الوصف مبالغة أو هو وصف وأصله خول فانقلبت الواو المكسورة ألفا كقولهم رجل مال ويوم راح وأصلهما مول وروح.
10 ويؤيده أنه روي ولا بخل بكسر الخاء. فخال خبر مبتدأ محذوف اي: لا هو خال ولا ذو بخل) * السالك الثغرة اليقظان كالئها * مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل * أي: هو السالك. ويجوز نصبه على المدح أي: أعني السالك والثغرة بالضم والثغر بمعنى واحد وهو موضع يخاف دخول العدو منه. وكالئها: حافظها. والهلوك من النساء: التي تتهالك في مشيتها أي: تتبختر وتتكسر وقيل: هي الفاجرة التي تتواقع على الرجال. والخيعل بفتح الخاء المعجمة. قال السكري: هو ثوب يخاط أحد شقيه ويترك الآخر. والفضل هو الخيعل ليس تحته إزار. وقال ابن الشجري: الخيعل القميص الذي ليس له كمان وقيل: ولا دخاريص له. ويقال: امرأة فضل بضمتين إذا كان عليها قميص ورداء وليس عليها إزار ولا سروايل. وفي العباب: المفضل والفضل بضمتين. وفي هذا عن الفراء كالخيعل تلبسها المرأة في بيتها والمرأة فضل بضمتين إذا لبسته. قال الأعشى: البسيط * ومستجيب تخال الصنج يسمعه * إذا ترجع فيه القينة الفضل * المستجيب: العود شبه صوته بصوت الصنج فكأن الصنج دعاه. يقول: هو الذي من شأنه سلوك موضع المخافة يمشي متمكنا غير فروق ولا هيوب
11 كمشي المرأة المتبخترة الفضل. قال ابن الشجري في أماليه: الوجه نصب الثغرة بالسالك كقولك: الضارب الرجل ويجوز خفضها على التشبيه بالحسن الوجه. واليقظان صفة الثغرة نصبتها أو خفضتها وارتفع به كالئها وجاز ذلك لعود الضمير على الموصوف. وقوله: مشي الهلوك منصوب بتقدير: تمشي مشي الهلوك وإن شئت نصبته بالسالك لأن السالك يقطع الأرض بالمشي. انتهى. وقال العيني: لا يجوز نصبه بالسالك لأنه موصوف باليقظان ولا تعمل الصفة بعد وصفها. أقول: هذا سهو منه فإنه قال اليقظان صفة الثغرة كما نقلنا. والفضل نعت للهلوك على الموضع لأنها فاعلة للمصدر الذي أضيف إليها والتقدير تمشي كما يمشي الهلوك الفضل. وبه أنشد ابن الناظم في شرح الألفية. وزعم جماعة أنه مرفوع على المجاورة للمرفوع الذي هو الخيعل. وهذا شيء لم يقل به أحد من المحققين. وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى بأوسع) من هذا في آخر هذا الباب. وعلى تفسير الفراء والسكري للفضل بكون صفة للخيعل. وقد تكلم أبو علي في الإيضاح الشعري على المصراع الأول بغير ما ذكرنا تمرينا للطالب أحببنا ذكره هنا قال: إن نصبت كالئها لم يجز أن تجعلها حالا من السالك وأنت قد وصفته باليقظان لأن حينئذ تفصل بين الصلة والموصول ولكن يجوز أن تنصبه حالا عما في يقظان كأنه يتيقظ في حال حفظه إياها. ويجوز إذا نصبت كالئها أيضا أن تجعله بدلا من اليقظان. فإن قلت: أفيجوز إذا نصبت كالئها أن أجعل الكالئ حالا من الموصول الذي هو السالك على أن لا أجعل اليقظان صفة للألف واللام ولكن أجعله صفة للثغرة فلا يلزم حينئذ إذا جعلته حالا أن أكون قد فصلت بين الصلة والموصول.
12 فالجواب أن وصف الثغرة باليقظان ليس بالسهل لأن اليقظان من صفة الرجل دون الثغرة وهو مع ذلك مذكر والثغرة مؤنث. فإن قلت: فهل يجوز أن أحمل على الاتساع فأقول: ثغرة يقظان وأنا أريد يتيقظ فيها لشدة خوف السالك لها كما أقول: ليل نائم أريد أنه ينام فيه وأحمل التذكير على المعنى لأن الثغرة والثغر والموضع واحد في المعنى فالجواب: أنك إن حملته على هذا لم يمتنع أن يكون كالئها حالا من اللام التي في السالك المنتصب. وإن جعلت اليقظان على هذا الذي ذكرته من الاتساع جاز أيضا في الكالئ أن تجعله حالا مما ألا ترى أنك إذا جعلت اليقظان وصفا للثغرة ولم تجعله صفة للام لم تتم الصلة وإذا لم تتم ولم يكن في الكلام شيء يؤذن بتمامها من صفة لها أو عطف عليها أو تأكيد يتبعها لم يمتنع أن تجعل كالئها حالا من الضمير كما وصفنا. فإن رفعت كالئها ورفعت السالك جاز أن يكون السالك ابتداء مثل الضارب هندا حافظها. فإن نصبت السالك ورفعت كالئها كان ارتفاع كالئها باليقظان كأنه قال: السالك الثغرة المتيقظ كالئها كأنه ثغر مخوف يحتاج حافظه أن يكون متيقظا حذرا لا يغفل ولا يدع التحرز من شدة الخوف فيها. ويجوز أن ترفع اليقظان وتنصب السالك وكالئها فيكون اليقظان بدلا من الذكر العائد إلى) الألف واللام في السالك فيكون كالئها حالا من السالك. انتهى كلام أبي علي. وبعد خمسة أبيات قال: * فاذهب فأي فتى في الناس أحرزه * من حتفه ظلم دعج ولا جبل * هذا الاستفهام معناه النفي ولذلك عطف عليه قوله ولا جبل.
13 وبهذا المعنى استشهد العلماء بهذا البيت منهم الفراء في تفسيره عند قوله تعالى: وما لنا أن لا نقاتل وقال: هذا البيت مما حمل على معنى هو مخالف لصاحبه في اللفظ أي: ليس يحرز ومثله قول الشاعر: الطويل ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم أي: ما أخو عيش. ومثله في قراءة عبد الله: كيف يكون للمشركين عهد عند الله ولا ذمة أي: ليس للمشركين. وقال الكسائي: سمعت العرب تقول: أين كنت لتنجو مني أي: ما كنت لتنجو مني. وذكر له نظائر كثيرة. ولهذا أيضا أورده ابن هشام في مغني اللبيب في الواو العاطفة. وأحرزه بمعنى جعله في حرز يمنع من الوصول إليه. ومن حتفه متعلق به. والحتف: الهلاك. والظلم بضم ففتحة: جمع ظلماء وهي الليالي السود. والدعج: جمع دعجاء وهي الشديدة السواد.
14 والعرب تسمي الليلة الأولى من ليالي المحاق الثلاثة في آخر الشهر دعجاء وهي ليلة ثمانية وعشرين والثانية السرار بالكسر والثالثة الفلتة بالفاء وهي ليلة الثلاثين. والجبل بالجيم والموحدة وروي الحيل بكسر المهملة جمع حيلة. وأنشد بعده الشاهد الثالث والثلاثون بعد الثلاثمائة * وذبيانية أوصت بنيها * بأن كذب القراطف والقروف * على أن الكذب مستهجن عندهم بحيث إذا قصدوا الإغراء بشيء قالوا: كذب عليك. أي: عليكم بهما فاغتنموهما. وقد بينه الشارح المحقق في باب اسم الفعل بأوضح من هذا ونزيد هناك ما قيل فيه إن شاء الله. قال الزمخشري في الفائق عن أبي علي: هذه كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم ولذلك لم تصرف ولزمت طريقة واحدة في كونها فعلا ماضيا معلقا بالمخاطب ليس إلا وهي في معنى الأمر كقولهم في الدعاء: رحمك الله. والمراد بالكذب الترغيب والبعث من قول العرب: كذبته نفسه إذا منته الأماني وخيلت إليه الآمال مما لا يكاد يكون. وذلك ما يرغب الرجل في الأمور
15 ويبعثه على التعرض لها. انتهى. ومضر تنصب بكذب وأهل اليمن ترفع به. قال ابن السكيت: يرفعون المغري به ومن نصب فعلى الأمر والإغراء. وأورد صاحب الكشاف هذا البيت عند قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حسنا على أن وصى يجرى مجرى أمر معنى وتصرفا. والقراطف: جمع قرطف كجعفر وهو القطيفة أي: كساء مخمل. والقروف: جمع قرف بفتح فسكون وهو وعاء من جلد يدبغ بالقرفة بالكسر وهو قشور الرمان ويجعل فيه الخلع ويطبخ بتوابل فيفرغ فيه. والخلع بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام: لحم يطبخ بالتوابل ثم يجعل في القرف ويتزود به في الأسفار. والواو واو رب. يقول: رب امرأة ذبيانية أمرت بنيها أن يستكثروا من نهب هذين الشيئين إن ظفروا بعدوهم وغنموا وذلك لحاجتهم وقلة مالهم. كذا في أبيات المعاني لابن قتيبة وفي نوادر ابن الأعرابي. وهذا البيت من قصيدة لمعقر البارقي مدح بها بني نمير وذكر ما فعلوا ببني ذبيان بشعب جبلة وهو يوم كانت فيه وقعة بين بني ذبيان وبين بني عامر فظهرت بنو عامر على بني ذبيان في ذلك اليوم. وبعد هذا البيت:) * تجهزهم بما اسطاعت وقالت * بني فكلكم بطل مسيف * * فأخلفنا مودتها فقاظت * ومأقي عينها حذل نطوف *
16 وبني: منادى أي: يا بني والفاء في فكلكم فصيحة أي: إن تغزوا فكلكم الخ. قال ابن قتيبة وابن الأعرابي: المسيف الذي ذهب ماله ووقع في إبله السواف. يقال: أساف الرجل أي: هلك ماله. والسواف بالفتح وقيل بالضم: مرض المال وهلاكه. يقال: وقع في المال سواف أي: موت. تعني أن أولادها فقراء. تحرضهم على الغنيمة. وقوله: فأخلفنا مودتها الخ أي: أخلفنا هواها وخيبنا مأمولها. وقاظت أي: أقامت في القيظ وهو الصيف. والحذل بفتح الحاء المهملة وكسر الذال المعجمة: الموق الذي فيه بثر وحمرة. والمأقي: لغة في الموق وهو طرف العين ناحية الأنف. ونطوف أي: سائل. يقال: نطف الماء ينطف بالضم والكسر إذا سال. ومعقر بضم الميم وفتح العين وتشديد القاف المكسورة وهو معقر بن أوس ابن حمار على لفظ واحد الحمير ابن الحارث بن حمار بن شجنة بن مازن بن ثعلبة بن كنانة بن بارق وهو لقب واسمه سعد. قال صاحب العباب: وبارق أبو قبيلة من اليمن واسم بارق سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء الأزدي. قيل: بارق في الأصل جبل باليمن نزله بنو عدي بن حارثة فسموا به. وكان قوم معقر قد حالفوا بني نمير بن عامر في الجاهلية لدم أصابوه منهم وشهدوا يوم جبلة وكان معقر قد كف بصره وكان قبل ذلك من فرسان قومه وشعرائهم المشهورين يوم جبلة وكان قبل الإسلام بتسع وخمسين سنة قبل
17 المولد الشريف النبوي بتسع عشرة سنة. كذا في الأغاني للأصبهاني. وأنشد بعده الشاهد الرابع والثلاثون بعد الثلاثمائة الطويل * وليل يقول الناس من ظلماته * سواء صحيحات العيون وعورها * * كأن لنا منه بيوتا حصينة * مسوحا أعاليها وساجا كسورها * على أن مسوحا وساجا نعتان لقوله: بيوتا. وصح النعت بهما مع أن كلا منهما اسم جوهر أي: جسم لتأويلهما بالمشتق. فالأول يؤول بسودا والثاني بكثيفا. قال ابن مالك: رفع الأعالي والكسور بمسوح وساج لإقامتهما مقام سود. وقال السيرافي: ذهب بمسوح إلى سود وبساج إلى كثيف. انتهى. وأورد ابن جني هذا البيت في إعراب الحماسة مع نظائر له ثم قال: وهذا يدلك من مذهبها على أنها إذا نقلت شيئا من موضعه إلى موضع آخر مكنته في الثاني. ألا ترى أن هذه الأشياء كلها أسماء في أصولها ولما نقلتها إلى أن وصفت بها مكنتها وثبتت أقسامها فيه حتى رفعت بها الظاهر وحتى أنثتها تأنيث الصفة
18 وأجرتها على ما قبلها جريان الصفات على موصوفاتها. وعكس ذلك ما أخرج من الصفة إلى الاسم فمكن فيه نحو صاحب ووالد. ألا تراهم حموا كلامهم أن يقولوا فيه: مررت بإنسان صاحب حتى صار صاحب بمنزلة جار وغلام. انتهى باختصار. والمسوح: جمع مسح بالكسر وهو البلاس بكسر الموحدة وفتحها وهو فارسي معرب أورده الجواليقي في المعربات وهو ينسج من الشعر الأسود. قال صاحب الصحاح: وأهل المدينة يسمون المسح بلاسا. ومن دعائهم: أرانيك الله على البلس وهي غرائر كبار من مسوح يجعل فيها التبن فيشهر عليها من ينكل به وينادى عليه. والساج بالجيم: ضرب من الشجر لا ينبت إلا بالهند والزنج يجلب خشبه وهو أسود. وإليه يشير تفسير الشارح له بالكثيف. والساج أيضا: الطيلسان الأخضر وهو ألوان متقاربة يطلق كل منها على الآخر. وبهذا المعنى فسر الساج ها هنا. قال غلام ثعلب في كتاب اليوم والليلة: يقال: إن أشعر ما قيل في الظلمة قول مضرس. وأنشد هذين البيتين. ثم قال: يريد الطيلسان.) وكذلك قال الشريف ضياء الدين هبة الله علي بن محمد بن حمزة الحسيني في الحماسة التي صنفها كحماسة أبي تمام وزاد عليه أبوابا كثيرة وأورد فيها أشعارا جيدة وقد أجاد في الاختيار والنقد عندما أورد هذا الشعر فيها. وعلى هذا يؤول الأول بسودا كثيفة والثاني بأسود لطيف. وإلى هذا أشار الحصري في زهر الآداب بعدما أورد البيتين بقوله: أراد أن أعلاه أشد ظلاما من جوانبه. وهذا معلوم حسا فإن الإنسان إذا كان قائما في
19 الظلام لا يكاد يرى شيئا وإذا لطئ بالأرض فربما رأى شيئا. والكسور: جمع كسر بكسر الكاف وهو أسفل شقة البيت التي تلي الأرض من حيث يكسر جانباه من يمينك ويسارك. وفي جميع نسخ الشرح ستورها بدل كسورها والظاهر أنه تحريف من الكتاب. والبيوت: جمع بيت قال ابن الأنباري في شرح المفضليات: البيت عند العرب هو ما يكون من صوف أو شعر والخيمة لا تكون إلا من شجر. وضمير أعاليها وكسورها راجع للبيوت. شبه الليل بالبيوت الحصينة للتحصين بهول الظلام فإنه لا يقدر أحد أن يهجم على أحد. وقوله: وليل يقول الناس الخ من التعليل سواء خبر مقدم وصحيحات مبتدأ مؤخر والجملة مقول القول أي: العيون الصحيحة والعيون العور سواء في عدم رؤية شيء لتكاثف الظلام. وروي: بصيرات العيون والواو في وليل هي واو رب وجوابها: تجاوزته في بيت بعدهما وهو: * تجاوزته في ليلة مدلهمة * ينادي صداها ناقتي يستجيرها * كأنه أراد بليلة قطعة منها. والمدلهمة: الشديدة السواد. وروي: تجاوزته في همة مشمعلة أي: سريعة. والصدى من طيور الليل وهو ذكر البوم وإنما استجار بناقته لتفاقم هول الليل فأراد أن يصحبها ليأمن. والأصل يستجير بها فحذف ووصل. قال الشريف صاحب الحماسة: من أحسن ما وصف به سواد الليل هذه الأبيات.
20 وقبلها بيتان في وصف اليوم وهما:) * ويوم من الشعري كأن ظباءه * كواعب مقصور عليها ستورها * * نصبت له وجهي وكلفت حميه * أفانين حرجوج بطيء فتورها * أي: رب يوم من أيام طلوع الشعري وهو الكوكب الذي يطلع بعد الجوزاء وطلوعه في شدة الحر. والكواعب: جمع كاعب وهي الجارية التي يبدو ثديها للنهود. وقصرت الستر: أرخيته. شبه الظباء الكانسة من شدة الحر بعذارى أرخي عليهن الستر لئلا يراهن أحد. ونصبت له أي: لذلك اليوم. ونصب الشيء: أقامه وهو جواب رب. وكلف يتعدى لمفعولين أولهما حميه أي: حمي ذلك اليوم وهو مصدر حميت الشمس والنار مثلا إذا اشتد حرهما. وثانيهما أفانين وهو جمع أفنون بالضم وهو الجري المختلط من جري الفرس والناقة. كذا في القاموس. والحرجوج بضم الحاء المهملة وجيمين أولهما مضمومة وهي الناقة السمينة وقيل الشديدة وقيل الضامرة الوقادة القلب. وبطيء بالجر صفة سببية لحرجوج وفتورها فاعل بطيء والضمير لحرجوج. والفتور: مصدر فتر من باب دخل إذا ضعف وتعب. وهذه الأبيات لمضرس بن ربعي وهو بكسر الراء وسكون الموحدة الأسدي. وهو شاعر جاهلي وهو بضم الميم وكسر الراء المشددة في اللغة الأسد الذي يمضغ لحم فريسته ولا يبتلعه. وقد ضرس فريسته تضريسا إذا فعل بها ذلك. وقال أبو عمرو: المضرس الذي قد جرب الأمور وقيل: مشتق من الضرس أي: قد نبت له ضرس الحلم. وهذا نسبه من المؤتلف والمختلف للآمدي: مضرس بن ربعي بكسر
21 الراء وسكون الموحدة وتشديد الياء المكسور ما قبلها ابن لقيط بفتح اللام بن خالد بن نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن الأشتر بن جحوان بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة ابن فقعس بن طريف بن عمرو بن قعين بضم القاف ابن الحارث بن ثعلبة بن دودان بضم الدال ابن أسد بن خزيمة. وهو شاعر محسن متمكن وهو القائل: الطويل * فلا تهلكن النفس لوما وحسرة * على الشيء سداه لغيرك قادره * * ولا تيأسن من صالح أن تناله * وإن كان بؤسا بين أيد تبادره * * وما فات فاتركه إذا عز واصطبر * على الدهر إن دارت عليك دوائره) * (فإنك لا تعطي امرأ حظ غيره * ولا تعرف الشق الذي الغيث ماطره * وربعي: منسوب إلى الربيع. وأربع الرجل إذا ولد له ولد وهو شاب. وولده ربعي. وأصاف فهو مصيف إذا ولد له بعدما كبر. وولده صيفي. قال الراجز: الرجز * إن بني صبية صيفيون * أفلح من كان له ربعيون * وذكر الآمدي شاعر آخر اسمه مضرس وهو مضرس بن قرطة بن الحارث أحد بني صبيح بن
22 * وأقسم لولا أن تقول عشيرتي * صبا بسليمى وهو أشمط راجف * * لخفت إليها من بعيد مطيتي * ولو ضاع من مالي تليد وطارف * * ذكرت سليمى ذكرة فكأنما * أصاب بها إنسان عيني طارف * * ألا إنما العينان للقلب رائد * فما تألف العينان فالقلب آلف * وليس في الصحابة من اسمه مضرس إلا مضرس بن سفيان بن خفاجة. كذا في الإصابة. وأنشد بعده: ولقد أمر على اللئيم يسبني وتمامه: فمضيت ثمت قلت لا يعنيني وقد تقدم شرحه مستوفى في الشاهد الخامس والخمسين. وأنشد بعده: جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط وهذا أيضا تقدم شرحه مفصلا في الشاهد السادس والتسعين.
23 وأنشد بعده وهو من شواهد س: الكامل * ونظرن من خلل الستور بأعين * مرضى مخالطها السقام صحاح * على أن مخالطها بالجر صفة لأعين. قال سيبويه: سمعنا العرب تنشد هذا البيت جرا. ومراده الرد على يونس في زعمه أن الوصف إذا كان للاستقبال يجب رفعه على الابتداء ولا يجوز اتباعه لما قبله فلو كان كما زعم لرفع الوصف فدل رواية الجر على جواز ما زعمه.) ونص سيبويه: وبعضهم يجعله نصبا إذا كان واقعا ويجعله على كل حال رفعا إذا كان غير واقع. هذا قول يونس. وكلام سيبويه هنا فيه غموض وقد لخصه الشارح المحقق وبين المذاهب الثلاثة بألطف عبارة وأظهر بيان فلله دره ما أحسن استنباطه وأجود تقريره. وهذا البيت من قصيدة لابن ميادة وقبله: * وارتشن حين أردن أن يرميننا * نبلا بلا ريش ولا بقداح * وقوله: وارتشن أي: اتخذن ريشا لسهامهن. وهذا على طريق المثل جعل أعينهن إذا نظرن بمنزلة السهام التي يرمى بها. ونبلا إما منصوب بارتشن بمعنى رشن وإما منصوب بإضمار رشن كأنه قال: ارتشن فرشن نبلا تقديره اتخذن ريشا فرشن به نبلا. والقداح: جمع قدح بكسر القاف وسكون الدال وهو عود السهم قبل أن يوضع فيه النصل والريش.
24 وروى: نبلا مقذذة بغير قداح والمقذذة: السهام التي لها قذة بضم القاف وتشديد الذال المعجمة وهي ريش السهم. يريد أن السهام التي أصلحنها ورمين بها ليست بسهام من خشب وإنما هي أعينهن إذا نظرن بها إلى إنسان. وخلل الستور بفتح الخاء المعجمة: الفرج التي فيها. وأورده الزجاج في معاني القرآن عند قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا قال: والخلل: كل فرجة تقع في شيء فإن معناه نظرن من الفرج التي تقع في الستور. انتهى. وروي: من خلل الخدور جمع خدر بالكسر وهو الستر. وجارية مخدرة إذا ألزمت الستر. أشار إلى أنهن مصونات لا ينظرن إلا من وراء حجاب. والعيون المرضى: التي في طرفها فتور وجعل ذلك الفتور والضعف الذي في نظرها بمنزلة السقام فيها وهي صحاح في أنفسها لا علة فيها. وإنما يفتر النظر من رطوبة الجسم والنعمة والترفه. وصف نساء يصبن القلوب بفتور أعينهن وحسنهن فجعل نظرهن كالسهام ووصف عيونهن بالمرض لفتور جفونهن ثم بين أن فتورها من غير علة. فقوله: ونظرن معطوف على قوله وارتشن ومن والباء متعلقان به وذكر لأجل وصفها المذكور وإلا فالنظر لا يكون إلا بالعين.) ومرضى: جمع مريض وصف الجمع بالجمع أو جمع مريضة. والسقام فاعل مخالط. والصحاح بالكسر: جمع صحيحة وهو وصف ثالث.
25 وابن ميادة شاعر إسلامي تقدمت ترجمته في الشاهد التاسع عشر من أوائل الكتاب. وأنشد بعده الشاهد السادس والثلاثون بعد الثلاثمائة وهو من شواهد س: الطويل * حمين العراقيب العصا وتركنه * به نفس عال مخالطه بهر * على أن مخالطه بالرفع صفة لنفس وبهر فاعله والإضافة لفظية والتنوين مقدر لنية الانفصال كالبيت السابق. قال سيبويه: وإن ألغيت التنوين وأنت تريد معناه جرى مثله منونا. ويدل على ذلك أنك تقول مررت برجل ملازمك فتجر ويكون صفة للنكرة بمنزلته إذا كان منونا. وتقول: مررت برجل مخالط بدنه أو جسده داء فإن ألغيت التنوين جرى مجرى الأول إذا أردت فإن قلت مررت برجل مخالط داء وأردت معنى الأول جرى على الأول كأنك قلت: مررت برجل مخالط غياه داء. فهذا تمثيل وإن كان يقبح في الكلام. فإذا كان يجري عليه إذا التبس بغيره فهو إذا التبس به أحرى أن يجري عليه. انتهى.
26 وفي البيت رد على يونس في زعمه أن الصفة إذا كانت للحال وجب نصبها على الحال فإن الرواية برفع مخالطه على الاتباع مع أنه للحال لا للاستقبال. قال سيبويه: وأنشد غيره أي: غير ابن ميادة من العرب بيتا آخر فأجروه هذا المجرى وهو قوله: ((حمين العراقيب العصا وتركنه)) والعمل الذي لم يقع والواقع الثابت في هذا الباب سواء وهو القياس وقول العرب. انتهى. وظهر من هذا أن قول الشارح المحقق: وأنشد غيره داخل تحت مقول قول سيبويه وإن كان ظاهر العبارة يوهم أن المنشد غير سيبويه. وقوله أيضا: وليونس أن يحمل رفعه على الابتداء هو تخريج الأعلم في شرح أبيات الكتاب. قال: ويجوز أن يكون رفعهما على الابتداء والخبر.) وقول ابن خلف ولم ينصب مخالطه على الحال لأن المخالطة فاعلها البهر ساقط وما المانع من كونه حينئذ حالا سببية والعراقيب والعصا مفعولان لحمين وتركنه معطوف على حمين بمعنى فارقنه. وجملة به نفس عال الخ حال من الهاء. والبهر بالضم: تتابع النفس من التعب. يعني أنهن سرن سيرا شديدا ففتن الحادي فحمين عراقيبهن من ضربه بالعصا فأخذه البهر لشدة عدوه خلفهن. وقوله: حمين العراقيب جواب إذا في بيت قبله وهو: * إذا اتزر الحادي الكميش وقومت * سوالفها الركبان والحلق الصفر * واتزر بمعنى لبس الإزار. والحادي: سائق الإبل. والكميش: السريع الماضي. وقد كمش بالضم كماشة فهو كمش وكميش. وقومت: عدلت. والسوالف: جمع سالفة وهي الإبل والخيل: الهادية أي: ما تقدم من العنق وهو مفعول مقدم والركبان فاعل مؤخر والحلق معطوف على
27 الركبان وهو جمع حلقة بالتحريك أيضا وأراد بها البرة وهي حلقة من نحاس تجعل في أنف الإبل لتذليلها. والصفر: النحاس بضم الصاد وكسرها: وصف في هذين البيتين سرعة الإبل. وهما من قصيدة للأخطل وهو شاعر نصراني من شعراء الدولة الأموية ومادحيهم. وقد تقدمت ترجمته في الشاهد الثامن والسبعين. الشاهد السابع والثلاثون بعد الثلاثمائة الطويل * قولوا لهذا المرء ذو جاء ساعيا * هلم فإن المشرفي الفرائض * على أن ذو الطائية إنما وقعت وصفا وإن كانت على حرفين لمشابهتها لذو الموضوعة للوصف بأسماء الأجناس. وهذا البيت أول أبيات ثلاثة لقوال الطائي أوردها أبو تمام في الحماسة. والساعي: الوالي على صدقة الزكاة. يقال: سعى الرجل على الصدقة يسعى سعيا: عمل في أخذها من أربابها. وهلم: أقبل وتعال. المشرفي: بفتح الميم والراء هو السيف نسب إلى المشارف وهي قرى كانت السيوف تصنع فيها. الفرائض جمع فريضة وهي الأسنان التي تصلح أن تؤخذ في الصدقات.
28 قال صاحب الصحاح: الفريضة ما فرض في السائمة من الصدقة يقال: أفرضت الماشية أي: وجبت فيها الفريضة وذلك إذا بلغت نصابا. يقول: أبلغا هذا الرجل الذي جاء لأخذ الصدقات تعال فإن لك عندنا السيف بدلا من الفرائض. قال التبريزي: وهذا مأخوذ من المثل السائر: خذ من جذع ما أعطاك. وجذع: رجل أتاه * وإن لنا حمضا من الموت منقعا * وإنك مختل فهل أنت حامض * أي: وقولا له: إن لنا حمضا بفتح المهملة وهو من النبات ما له ملوحة ومرارة. والخلة بضم المعجمة: ما كان حلوا من النبات. تقول العرب: الخلة خبز الإبل والحمض فاكهتها ويقال: لحمها. ومنه قولهم للرجل إذا جاء متهددا: أنت مختل فتحمض المختل: الذي يرعى الخلة. قال التبريزي: وما في البيت مثل يقول: قد مللت العافية والسلامة فهلم إلى الشر. والخلة مثل ضربه للحياة والحمض مثل ضربه للموت. يقول: إن ضاق صدرك من الحياة فأتين مصدقا فإني أقتلك. والمنقع بزنة اسم المفعول: الثابت. يقال: انقع له الشر حتى يسأم أي: أدمه. * أظنك دون المال ذو جئت تبتغي * ستلقاك بيض للنفوس قوابض *
29 المال: الماشية ودون متعلق بأظنك لا بجئت ولا بتبتغي لأن معمول الصلة لا يتقدم على الموصول وذو هو المفعول الثاني للظن بمعنى الذي والبيض: السيوف. أراد التهكم وقد خلط) به التوعد والاستهانة ولذلك قال: أظنك. وتبتغي جملة حالية ومفعوله محذوف. والمعنى أحسبك الذي جاء دون المال تبتغي صدقاته سترى ما أهيئ لك من سويف تنتزع الأرواح. وقوال الطائي بفتح القاف وتشديد الواو: شاعر إسلامي في آخر الدولة الأموية وقد أدرك الدولة العباسية. وقال هذه الأبيات في مصدق جاء يطلب منهم إبل الصدقة. وسببها هو ما رواه أبو رياش في شرح الحماسة. وقال: كان من خبر هذه الأبيات أن معدان بن عبيد بن عدي بن عبد الله حدث أنه تزوج امرأة من بني بدر بن فزارة قال: وكان شباب من بني بدر يزوروننا فأدرك الثمار فاجتمعوا على نبيذ لهم مع شباب منا فأسرع فيهم الشراب فوقع بينهم كلام فوثب غلام منا فضرب شابا من بني بدر فشجه فمات منها فقلت للبدريين: لكم دية صاحبكم. فأبوا إلا أن يدفع الطائي إليهم وأبيت أن أفعل فأتوا صاحب المدينة في ذلك وكنا قد منعنا الصدقة حين وقعت الفتنة فكتب أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ابن عفان عامل صدقة الحليفين: طيئ وأسد إلى مروان الحمار آخر ملوك بني أمية يخبره بمنعنا الصدقة وقتلنا الرجل فكتب إليه: أن سير إليهم جيشا. وكتب إلي: أن مكن البدريين من صاحبهم وأد الصدقة وإلا فقد أمرت رسولي أن يأتيني بك وإن أبيت أتاني برأسك ثم والله لأبيلن الخيل في عرصاتك فأمرت بضرب عنق الرسول. فقال الرسول: إن الرسول لا يقتل وإني لأسير فيكم يا معشر طيئ استحياء
30 فقلت: قد صدقت وخليت سبيله وقلت له: قل لمروان: آليت تبيل الخيل في عرصاتي وبيني وبينك رمل عالج وعديد طيئ حولي والجبلان خلف ظهري فاجهد جهدك فلا أبقى الله عليك إن أبقيت. وكتب إليه: الوافر * ألا من مبلغ مروان عني * على ما كان من نأي المزار * * ألم تر للخلافة كيف ضاعت * إذا كانت بأبناء السراري * * إذا كانت بذي حمق تراه * إذا ما ناب أمر كالحمار *) وكتب إليه غالب بن الحر الطائي: الطويل * لقد قلت للركبان من آل هاشم * ومن عبد شمس والقبائل تسمع * * قفوا أيها الركبان حتى تبينوا * ويأتيكم الأمر الذي ليس يدفع * * وحتى تروا أين الإمام وتشعبوا * عصا الملك إذ أمسى وبالملك مضيع * * أرى ضيعة للمال أن لا يضمه * إمام ولا في أهله المال يودع * فكتب إلى عبد الواحد بن منيع السعدي من سعد بن بكر وإلى أمية بن عبد الله ابن عمرو بن عثمان: أن سر بأهل الشام وأهل المدينة وأهل البوادي وقيس وغيرهم إلى معدان حتى تأخذوا منه الصدقة وتقيدوا البدريين من صاحبهم وأوطئوا الخيل بلاد طيئ وائتوني بمعدان فسار أمية في ثلاثين ألفا من أهل المدينة والشام والبوادي من قيس وأسد وبعث إلى كل صاحب ذحل ودمنة يطلبها في طيئ وقدم على مقدمته رجلا يقال له: الحريز بن يزيد بن حمل من الضباب وثارت قيس تطلب الثأر من طيئ. قال معدان: وكنت في اثني عشر ألفا فلما انتهيت إلى عسكر أمية إذا جبال
31 الحديد وعسكر لا يرى طرفاه فرفع طيئ النار على أجأ فاجتمعوا فنحروا الجزر وعملوا من جلودها درقا وطعموا من لحومها. فقلت: يا بني خيبري ويا معشر طيئ هو والله يومكم لبقاء الدهر أو لهلاك فإذا وقع النبل عندكم فقبح الله أجزع الفريقين فصاففناهم فرموا بالنبل ثم شددنا عليهم شدة رجل واحد فما كان إلا سيف أو سيفان حتى قتل الحريز وسرحان مولى قيس. واستحر القتل في قيس لأنهم حاموا عن الحريز وكان يلي المعادن فقتل من قيس ثلاثمائة وانهزموا أقبح هزيمة وأسوأها فأتيت بأمية أسيرا فخليت سبيله وأتيت بجارية له فأحلقتها به إلى المدينة وناديت أن لا يتبعوا مدبرا ولا يجهزوا على جريح وإن الكتاب الذي كتبه مروان لفي أيدينا ما نحسن أن نقرأه وجدناه في متاعه حتى قرأه بعض فتياني فإذا فيه: اقتل واسب. وبالله لو كنت علمت ما في الكتاب ما أفلت منهم صبي فكتب صاحب المدينة إلى مروان يخبره بما صنعت طيئ من قتل الحريز وسرحان وأسر أمية وقتل ابنه وما لقيت قيس ومن أجاب دعوته. فوجه مروان من عنده ابن رباح الغساني في عشرة آلاف فكتب ابن هبيرة إلى مروان بقتل ابن ضبارة وفصول قحطبة متوجها من الري.) فقال: ما تصنع بشغل عشرة آلاف في قتال أعراب طيئ فصرفهم إلى ابن هبيرة. قال معدان: وكتبت إلى قحطبة وبعثت رسولا فوافقه بهمذان والجيش بنهاوند فكتب إلي يسدد رأيي ويصوب أمري ويخبر أنه لو قدم الكوفة بعث إلي جندا. ثم كان من أمر قحطبة ما كان وقال أبو العباس السفاح فقدمت إليه في مائتي
32 رجل من طيئ فأمر لي بعشرين ألف درهم وخلعة وأمر لأصحابي بثلاثمائة ثلاثمائة وخص قوما نحوا من ثلاثين رجلا بخمسمائة درهم لكل رجل ولعشرة منهم بألف لكل رجل فوالله ما رزأنا مروان ولا جنده ولا عماله شاة ولا بعيرا وإنا لأول من نقم عليه ونصر آل محمد حتى انتهى إلينا صاحبنا قحطبة بن شبيب بن خالد بن معدان ولجأ إلي يومئذ فرارا من الحرب عبد العزيز بن أبي دهبل الجعفري وكنا أخواله فقال عبد العزيز يمدح معدان في قطعة: الطويل وقيلت أشعارا كثيرة في تلك الوقعة أورد بعضها أبو تمام في الحماسة. وأنشد بعده الشاهد الثامن والثلاثون بعد الثلاثمائة وهو من أبيات سيبويه: الطويل * ولا تجعلي ضيفي ضيف مقرب * وآخر معزول عن البيت جانب * على أنه يجوز القطع إلى الرفع في خبر نواسخ المبتدأ فإن جعل هنا بمعنى صير من نواسخ المبتدأ والخبر ينصبهما على المفعولية وضيفي المفعول الأول وهو في الأصل مبتدأ وهو مثنى مضاف إلى ياء المتكلم وضيف مقرب وآخر بتقدير وضيف آخر كانا في الأصل منصوبين على أنهما مفعول ثان لجعل وفرق بينهما
33 بالعطف لأجل وصف كل منهما بصفة تغاير الآخر فقطعا من المفعولية إلى المبتدأ فيكون الخبر محذوفا أي: منها ضيف مقرب ومنهما ضيف آخر الخ. أو هما خبران لمحذوف أي: أحدهما ضيف مقرب وثانيهما ضيف آخر الخ. وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب على أنهما المفعول الثاني لجعل. قال سيبويه بعد إنشاده هذا البيت: والنصب جيد كما قال الجعدي: الطويل * وكانت قشير شامتا بصديقها * وآخر مزريا عليه وزاريا * قال الأخفش: يعني النصب في ضيف على البدل ورفع جانب بتقدير: هو جانب. أقول: صوابه النصب على أنه مفعول ثان لا على البدل وشامتا في البيت نصب على أنه خبر كان. ولم يجعل الكلام تبعيضا ولو رفع شامتا لكان التقدير: منهم شامت والجملة حينئذ) خبر كان. هجا قشيرا وهي قبيلة من بني عامر وكانت بينه وبينها مهاجاة فجعل منهم من يشمت بصديقه إذ نكب وجعل بعضهم يرزأ بعضا للؤمهم واستطالة قويهم على ضعيفهم. وبنى مزريا على تخفيف الهمزة ولو بناه على الأصل لقال: مرزوءا. وجانب بمعنى المجانب والمتنحي. والبيت للعجير السلولي خاطب به امرأته. يقول لها: سوي بين ضيفي في التقريب والإكرام ولا تكرمي بعضا وتهيني بعضا. والعجير بضم العين المهملة وفتح الجيم كنيته أبو الفرزدق: وقال الآمدي في المؤتلف والمختلف هو مولى لبني هلال. ويقال: هو العجير بن
34 عبد الله بن عبيدة بفتح العين وكسر الموحدة ابن كعب. وأنهى نسبه إلى مرة بن صعصعة. قال: وهو سلول. انتهى. وفي الأغاني: العجير بن عبد الله بن عبيدة بن كعب ويقال ابن عبيدة بضم العين واسمه عمير من بني سلول بن مرة بن صعصعة أخي عامر بن صعصعة. وأم بني مرة سلول بنت ذهل بن شيبان بن ثعلبة غلبت عليهم وبها يعرفون. ويكنى العجير أبا الفرزدق وأبا الفيل. شاعر من شعراء الدولة الأموية مقل إسلامي. انتهى. قال ابن السيد في شرح أبيات الجمل: عجير: اسم منقول ويحتمل أن يكون مصغر عجر من قولهم: عجر عنقه إذا لواها ويحتمل أن يكون مصغرا مرخما من أعجر وهو الناتئ السرة. وأما سلول فاسم مرتجل غير منقول. انتهى. وله خبر مع بنت عمه يأتي إن شاء الله تعالى في باب الجوازم. وأنشد بعده الشاهد التاسع والثلاثون بعد الثلاثمائة وهو من أبيات سيبويه: الطويل * فأصبح في حيث التقينا شريدهم * طليق ومكتوف اليدين ومزعف *
35 لما تقدم في البيت الذي قبله من أنه يجوز القطع في الرفع في خبر النواسخ فإن أصبح هنا من أخوات كان وشريدهم اسمها وما بعده كان في الأصل منصوبا على أنه خبر أصبح فقطع عن الخبرية ورفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي: منهم طليق ومنهم مكتوف الخ أو خبر لمبتدأ محذوف أي: بعض الشريد طليق الخ. والجملة في محل نصب على أنها خبر أصبح ويجوز أيضا فإن قلت: أيجوز أن يكون طليق مقطوعا عن الحالية ويكون خبر أصبح قوله: في حيث التقينا قلت: لا يجوز معنى فإن المقصود تقسيم الشريد وتبيين أنواعه بما ذكر لا أنه ذكر في موضع الالتقاء. والشريد واحد يؤدي معنى الجمع لأنه واقع على كل من شردته الحرب فهو يعم ما ذكر. قال الأخفش: يريد أصبحوا منهم قتيل ومنهم مكتوف لا أن الشريد وحده اجتمع فيه ما ذكره. وقال ابن خلف: لا يصح أن يكون في حيث التقينا خبر أصبح. لأن ظرف الزمان لا يصح أن يكون خبرا عن الجثة. وهذا سهو لأن حيث للمكان لا للزمان. والشريد: الطريد. والطليق: الأسير الذي أطلق عنه إساره. والإسار بالكسر: القد ومنه سمي الأسير لأنهم كانوا يشدونه بالقد ثم سمي كل أخيذ أسيرا وإن لم يشد به. والمكتوف: من كتفت الرجل إذا شددت يديه إلى خلف بالكتاف. قال ابن دريد: الكتاف بالكسر: حبل يشد به وظيف البعير إلى كتفيه. والمزعف بالزاي قال الأصمعي: أزعفته وأزدعفته إذا أقعصته. يقال: ضربه فأقعصه أي: قتله مكانه. وقال الخارزنجي: أزعفت عليه إذا أجهزت عليه وتممت قتله. وقال الأعلم: رواه حملة الكتاب مزعف بكسر العين ومعناه ذو زعاف أي: ذو صرع وقتل وليس بجار على الفعل.)
36 وقال ابن خلف: ورواه غيرهم بفتح العين من أزعفه الموت إذا قاربه وهو مأخوذ من قولهم: موت زعاف وذعاف اي: معجل. انتهى. وإلى هذا ذهب الشارح المحقق. قال الصاغاني في العباب: زعفه يزعفه زعفا من باب منع أي: قتله مكانه. وسم زعاف وذعاف بضم المعجمتين أي: قاتل. وهذا البيت من قصيدة طويلة عدتها مائة وخمسة وعشرون بيتا للفرزدق وقد تقدمت ترجمته في الشاهد الثلاثين من أوائل الكتاب. وهي قصيدة افتخارية هجا في آخرها. ومنها وهو قبل البيت: * وأضياف ليل قد نقلنا قراهم * إلينا فأتلفنا المنايا وأتلفوا * * قريناهم المأثورة البيض قبلها * يثج العروق الأزاني المثقف * فأصبح في حيث التقينا شريدهم............... البيت قال الصاغاني في مادة تلف وقد أورد هذا البيت: هؤلاء غزي غزوهم. يقول: فجعلناهم تلفا للمنايا. وجعلونا كذلك أي: وقعنا بهم فقتلناهم أي: صادفنا المنايا متلفة وصادفوها كذلك كما تقول: أتينا فلانا فأبخلناه وأجبناه أي: صادفناه كذلك. انتهى. فالهمزة في أتلفنا للوجدان. وغزي في كلامه: جمع غاز مثل قاطن وقطين وحاج وحجيج. أو هو بضم الغين وتشديد الزاي المفتوحة: جمع غاز أيضا كسابق وسبق. وقوله: قريناهم المأثورة الخ يقال: قريت الضيف قرى أي: أحسنت
37 إليه. وهذا من قبيل الاستعارة التهكمية. قال صاحب الصحاح: المأثور: السيف الذي يقال: إنه من عمل الجن. قال الأصمعي: وليس من الأثر الذي هو الفرند. والبيض: السيوف أي: البيض المأثورة. ونجعت الماء والدم بالجيم إذا سيلته فالعروق مفعول بتقدير مضاف أي: دم العروق. الأزاني فاعل. قال صاحب الصحاح: ذو يزن ملك من ملوك حمير تنسب إليه الرماح اليزنية يقال: رمح يزني وأزني ويزأني وأزأني. والمثقف: المعدل. والتثقيف: التعديل. وقوله: قبلها أي: قبل المأثورة البيض. يقول: طاعناهم بالرماح قبل أن جالدناهم بالسيوف. وفي هذه القصيدة شاهد آخر يأتي شرحه إن شاء الله تعالى في باب العطف. الشاهد الأربعون بعد الثلاثمائة الوافر * كأن حمولهم لما استقلت * ثلاثة أكلب متطاردان * على أن بعضهم أجاز وصف البعض دون بعض محتجا بهذا البيت. لم أر هذا البيت إلا في كتاب المعاياة للأخفش وهو على طريقة أبيات المعاني. ونصه: قال بعضهم: إن هذا شعر وضع على الخطأ ليعلم الذي يسأل عنه كيف فهم من يسأله. وقال بعضهم: لا ولكنه وصف اثنين منها وأخبر عنهما بتطارد وأجاز مررت برجلين صالح وصف أحد الرجلين وكف عن الآخر ومررت بثلاثة رجال صالحين. ولا يقول هذا كل أحد. وقد يحتمله القياس. انتهى كلامه.
38 ويجوز أن يقرأ متطاردان باسم الفاعل وأن يقرأ يتطاردان بالمضارع. وعلى كل منهما هو وصف ثلاثة لكن بإلغاء واحد منها. ويشبه هذا قول جرير: البسيط * صارت حنيفة أثلاثا فثلثهم * من العبيد وثلث من مواليها * قال ابن السيد في شرح كامل المبرد: هذا مما عيب عليه لأنه لم يذكر الثالث. قال الآمدي: لما قال جرير هذا البيت قيل لرجل من بني حنيفة: من أي الأثلاث أنت قال: وأراد جرير بالثلث المتروك أشرافهم وترك الثالث عمدا لأنه في مقام الذم لا يثبت لهم أشرافا صراحة. والحمول بضم الحاء المهملة والميم هي الإبل التي عليها الهوادج كذا في العباب. واستقلت: ارتفعت. واستقل القوم: ارتحلوا ومضوا. والتطارد والمطاردة أن يحمل بعضهم على بعض في الحرب. وأكلب: جمع كلب جمع قلة. وفي هذا البيت مبالغة من الهجو فإن الإبل التي يعدونها عندهم كثيرة عدتها ثلاثة لا غير وإنها صغيرة في الجثة جدا حتى إنها مع ما عليها في مقدار جرم الكلاب وإنها ليس عليها ما يثقلها من الأثاث والمتاع ولذلك تطاردت لخفة ما عليها وإن بعضها هزيل جدا لا يقدر على الطراد. هذا ما سنح لي والله أعلم. وأنشد بعده: المتقارب
39 * ويأوي إلى نسوة عطل * وشعثا مراضيع مثل السعالي * على أن الأعرف مجيء نعت النكرة المقطوع بالواو.) وتقدم عن الشارح في الشاهد الثالث والخمسين بعد المائة أن شعثا منصوب على الترحم. قال سيبويه: كأنه حيث قال نسوة عطل صرن عنده ممن علم أنهن شعث ولكنه ذكر ذلك تشنيعا لهن وتشويها. قال الخليل رحمه الله: كأنه قال: وأذكرهن شعثا إلا أن هذا فعل لا يستعمل إظهاره وإن شئت جررت على الصفة. وزعم يونس أن ذلك أكثر كقولك: مررت بزيد أخيك وصاحبك. انتهى. وفاعل يأوي ضمير الصياد أي: يأتي مأواه ومنزله إلى نسوة بعد أن ذهب إلى الصيد فيجدهن في أسوأ الحال. وعطل: جمع عاطل أي: لا شيء عندها. والشعث: جمع شعثاء وهي المتغيرة من الجوع ونحوه. وتقدم شرحه هناك مفصلا فليرجع إليه. وأنشد بعده الشاهد الحادي والأربعون بعد الثلاثمائة وهو من شواهد س: الكامل
40 * لا يبعدن قومي الذين هم * سم العداة وآفة الجزر * * النازلين بكل معترك * والطيبون معاقد الأزر * على أنه يجوز قطع نعت المعرفة بالواو كما يجوز قطع نعت النكرة بها. فقولها: والطيبون نعت مقطوع بالواو من قومي للمدح والتعظيم بجعله خبر مبتدأ محذوف أي: هم الطيبون. وإنما حكم بالقطع مع أنه مرفوع كالمنعوت وهو قومي لقطع النازلين قبله لما ذكرنا أيضا بجعله منصوبا بفعل محذوف تقديره أعني أو أمدح ونحوهما. والعرب إذا رجعت عن شيء لم تعد إليه. وقال ابن السكيت في أبيات المعاني: قال ابن الأعرابي: النازلين تابع لقومي على المعنى لأن معناه النصب كأنه قال: لا يبعد الله قومي. قال سيبويه: في باب ما ينتصب على التعظيم والمدح: وإن شئت جعلته صفة فجرى على الأول وإن شئت قطعته فابتدأته وذلك قول الله عز وجل: لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة. فلو كان كله) رفعا كان جيدا. فأما المؤتون فمحمول على الابتداء. وقال تعالى: ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين إلى قوله: وحين البأس فلو رفع الصابرين على أول الكلام كان جيدا ولو ابتدأ فرفعه على الابتداء كان جيدا كما ابتدأت: والمؤتون الزكاة.
41 ونظير هذا من الشعر قول الخرنق: لا يبعدن قومي الذي هم البيتين * وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم * إلا نميرا أطاعت أمر غاويها * * الظاعنين ولما يظعنوا أحدا * والقائلون لمن دار نخليها * وزعم يونس أن من العرب من يقول: النازلون بكل معترك والطيبين. ومن العرب من يقول: الظاعنون والقائلين فنصبه كنصب الطيبن إلا أن هذا شتم لهم وذم كما أن الطيبين مدح لهم وتعظيم. وإن شئت أجريت هذا كله على الاسم الأول وإن شئت ابتدأته جميعا فكان مرفوعا على الابتداء. كل هذا جائز في هذين البيتين وما أشبههما. انتهى كلام سيبويه. وقال الزجاج: اختلف الناس في إعراب المقيمين فقال بعضهم: هو نسق على ما المعنى: يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين الصلاة أي: يؤمنون بالنبيين المقيمين الصلاة. وقال بعضهم: نسق على الهاء والميم المعنى: لكن الراسخون في العلم منهم ومن المقيمين الصلاة يؤمنون بما أنزل إليك. وهذا عند النحويين رديء لا ينسق بالظاهر على المضمر إلا في شعر. وذهب بعضهم إلى أن هذا وهم من الكاتب. وقال بعضهم: في كتاب الله أشياء ستصلحها العرب بألسنتها. وهذا القول عند أهل اللغة بعيد جدا لأن الذين جمعوا القرآن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أهل اللغة وهم القدوة وهم الذين أخذوه عن رسول الله صلى
42 وهذا ساقط عمن لا يعلم بعدهم وساقط عمن يعلم لأنهم يقتدى بهم فهذا مما لا ينبغي أن ينسب إليهم. والقرآن محكم لا لحن فيه حتى يتكلم العرب بأجود منه في الإعراب. ولسيبويه والخليل وجميع النحويين في هذا باب يسمونه باب المدح قد بينوا صحة هذا وجودته. قال النحويون: إذا قلت مررت بزيد الكريم وأنت تريد أن تخلص زيدا من غيره فالخفض هو) الكلام حتى تعرف زيدا الكريم من زيد غير الكريم. وإذا أردت المدح والثناء فإن شئت نصبت وإن شئت رفعت وجاءني قومك المطعمين في المحل والمغيثون في الشدائد على معنى أذكر المطعمين وهم المغيثون. وعلى هذا الآية لأنه لما قال: بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك علم أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة فقال: والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة على معنى أذكر المقيمين وهم المؤتون. وأنشدوا بيت خرنق بنت هفان: لا يبعدن قومي الذين هم البيتين على معنى أذكر النازلين وهم الطيبون رفعه ونصبه على المدح. وبعضهم يرفع النازلين وينصب الطيبين وكله واحد جائز حسن. انتهى. وقال ابن جني في المحتسب: القطع لكونه بتقدير الجملة أبلغ من الاتباع لكونه مفردا. قال في سورة فاطر: قرأ الضحاك: الحمد لله فطر السموات. وهذا على الثناء على الله سبحانه وذكر النعمة التي استحق بها الحمد. وأفرد ذلك في الجملة التي هي جعل بما فيها من الضمير فكان أذهب في معنى الثناء لأنه جملة بعد جملة وكلما زاد الإسهاب في الثناء أو الذم كان أبلغ.
43 ألا ترى إلى قول خرنق: لا يبعدن قومي الذين هم البيتين ويروى: النازلون والطيبون والنازلين والطيبون والنازلون والطيبين. والرفع على هم والنصب على أعني فلما اختلفت الجمل كان الكلام أفانين وضروبا فكان أبلغ منه إذا ألزم شرحا واحدا. فقولك: أثني على الله أعطانا فأغنى أبلغ من قولك: أثني على الله المعطينا والمغنينا لأن معك هنا جملة واحدة وهناك ثلاث جمل. ويدلك على صحة هذا المعنى قراءة الحسن: جاعل الملائكة بالرفع. فهذا على قولك: هو جاعل الملائكة. ويشهد به أيضا قراءة خليد بن نشيط: جعل الملائكة. قال أبو عبيدة: إذا طال الكلام خرجوا من الرفع إلى النصب ومن النصب إلى الرفع. يريد ما نحن عليه لتختلف ضروبه وتتباين تراكيبه. هذا كلامه.) وقد أورده سيبويه في باب الصفة المشبهة أيضا على أن معاقد منصوب بقوله الطيبون على التشبيه بالمفعول به وليس مفعولا به لأن عامله غير متعد ولا تمييزا كما زعم الكوفيون لأنه معرفة. فإن قيل: يكون تمييزا من باب حسن الوجه المنوي به الانفصال فيكون نكرة. أجيب بأنه ليس منه في شيء إنما إضافته من باب إضافة المصادر أو الأمكنة إلى ما بعدها كقيام زيد ومقام عمرو فإن إضافتهما معنوية. وقولها: لا يبعدن معناه لا يهلكن وهو دعاء جاء بلفظ النهي. ويبعدن: فعل مستقبل مبني مع نون التوكيد الخفيفة وموضعه جزم بلا الدعائية
44 وقومي فاعله يقال: بعد يبعد من باب فرح إذا هلك. وإما الذي هو ضد القرب فهو بعد يبعد بضم العين فيهما ومصدره البعد وقد يستعمل في الهلاك أيضا لتداخل معنييهما كقوله تعالى: ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود. قال اللخمي في شرح أبيات الجمل: واسم الفاعل منهما جميعا بعيد استويا فيه كما استويا في المصدر تقول بعد وبعد بعدا وبعدا. وقال ابن السيد في شرح أبيات الجمل: فإن قيل: كيف دعت لقومها بأن لا يهلكوا وهم قد هلكوا فالجواب أن العرب قد جرت عادتهم باستعمال هذه اللفظة في الدعاء للميت ولهم في ذلك غرضان: أحدهما: أنهم يريدون به استعظام موت الرجل الجليل وكأنهم لا يصدقون بموته. وقد بين هذا المعنى النابغة الذبياني بقوله: الطويل * يقولون حصن ثم تأبى نفوسهم * وكيف بحصن والجبال جنوح * * ولم تلفظ الموتى القبور ولم تزل * نجوم السماء والأديم صحيح * يريد أنهم يقولون: مات حصن ثم يستعظمون أن ينطقوا بذلك ويقولون: كيف يجوز أن يموت والجبال لم تنسف والنجوم لم تنكدر والقبور لم تخرج موتاها وجرم العالم صحيح لم يحدث فيه حادث. والغرض الثاني أنهم يريدون الدعاء له بأن يبقى ذكره ولا يذهب لأن بقاء ذكر الإنسان بعد موته بمنزلة حياته. ألا ترى إلى قول الشاعر: الطويل * فأثنوا علينا لا أبا لأبيكم * بأفعالنا إن الثناء هو الخلد *
45 ) وقال آخر يرثي يزيد بن مزيد الشيباني: الطويل وقال المتنبي وأحسن: البسيط * ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته * ما فاته وفضول العيش أشغال * وقد بين مالك بن الريب المزني ما في هذا من المحال من قصيدة تقدمت: الطويل * يقولون لا تبعد وهم يدفنونني * وأين مكان البعد إلا مكانيا * وقال الفرار السلمي: الكامل * ما كان ينفعني مقال نسائهم * وقتلت دون رجالهم لا تبعد * وقولها: سم العداة الخ السم معروف وسينه مثلثة. والعداة: الأعداء جمع عاد كقضاة جمع قاض حكى أبو زيد: أشمت الله عاديك أي: عدوك. ولا يكون العداة جمع عدو لأن عدو فعول وفعول لا يجمع على فعلة إنما يجمع عليه فاعل المعتل اللام. والأعداء جمع عدو أجروا فعولا مجرى فعيل كشريف وأشراف. وقد جمعوا أعداء على أعادي. والآفة: العلة. والجزر بضم فسكون: جمع جزور والأصل بضمتين كرسول ورسل فسكن الثاني تخفيفا. والجزور هي الناقة التي تنحر. فإن كانت من الغنم فهي جزرة بفتحتين. وصفتهم أولا بالشجاعة والنجدة وأنهم يقتلون أعداءهم كما يقتلهم السم.
46 قال ابن السيد: فإن قيل: كيف قالت الذين هم وإنما يليق هذا بمن هو موجود وإنما كان ينبغي أن تقول كانوا كما قال الآخر: الكامل * كانوا على الأعداء نار محرق * ولقومهم حرما من الأحرام * فالجواب عنه من وجهين: أحدهما أن العرب كانت تضمن كان اتكالا على فهم السامع كقوله تعالى: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان قال الكسائي: أراد ما كانت تتلو. وثانيهما: أنها إذا دعت ببقاء الذكر بعد موتهم صاروا كالموجودين وكانوا موصوفين بما كانوا يفعلونه. وقولها النازلين الخ قال ابن خلف: يجوز في النازلين والطيبين أربعة أوجه: رفعهما ونصبهما ورفع أحدهما مع نصب الآخر مقدما ومؤخرا على القطع غير أنك إن رفعتهما جاز أن يكونا نعتين لقومي فيكون الرافع لهما رافع قومي بعينه والكلام جملة واحدة وجاز أن يكونا) مقطوعين في التقدير بإضمار مبتدأ فيكونا جملتين والرافع والناصب المقدران لا يجوز أن يظهر واحد منهما لفظا إنما يكون مقدرا أبدا منويا وامتناع إظهاره إشعار باتصاله بما قبله وتشبيه به فلو ظهر أمكن أن يكون جملة قائمة بنفسها مستقلة وليس الغرض ذلك. ويجوز أن يكون الطيبون معطوفا على سم العداة وآفة الجزر وأن يكون على الضمير في النازلين. ويجوز الرفع على إضمار مبتدأ كما ذكر في الكتاب. ولا يجوز أن يكون النازلون رفعا صفة لمجموع قومي وسم العداة لاختلاف العاملين. فإن قيل: هل الأقيس أن يكون نعتا لقومي أو لسم العداة فالجواب: لقومي
47 لأنه محض الاسم فهو أولى بالوصف من الصفة. انتهى. وإنما كان سم صفة لتأويله بالقاتل. ثم قوله: وفي نصب النازلين اختلاف فالزجاجي يذهب إلى أنه نصب على إضمار أعني وعلى قياس قول سيبويه نصب على المدح ساقط إذ لا اختلاف معنى فإن هذا ونحوه منصوب على المدح سواء قدر أمدح أو أعني أو نحوهما. والباء في بكل ظرفية متعلقة بالنازلين والمعترك وكذلك المعرك كجعفر والمعركة: موضع القتال. وهذا مشتق من عركت الرحا الحب إذا طحنته. أرادوا أن موضع القتال يطحن كما تطحن الرحا ما يحصل فيها ولذلك سموه رحا. قال عنترة: دارت على القوم رحا طحون وقد بين ذلك زهير بن أبي سلمى بقوله: الطويل وقولها: النازلين بكل معترك يعني أنهم ينزلون عن الخيل عند ضيق المعترك فيقاتلون على أقدامهم وفي ذلك الوقت يتداعون: نزال كما قال ربيعة بن مقروم الضبي: الكامل * ولقد شهدت الخيل يوم طرادها * بسليم أوظفة القوائم هيكل *
48 * فدعوا نزال فكنت أول نازل * وعلام أركبه إذا لم أنزل * وقال ابن السيد: النزول في الحرب على ضربين: أحدهما ما ذكر والثاني في أول الحرب وهو أن ينزلوا عن إبلهم ويركبوا خيلهم. قال اللخمي: وإنما ينزلون عن الإبل إلى الخيل في الغارات يقودون خيولهم ليريحوها ويركبون) إبلهم فإذا قربوا من عدوهم وأغاروا نزلوا عن إبلهم إلى خيلهم مخافة أن يتبعوا فيدركوا. وزعم ابن سيده في نزولهم إنما هو من الإبل إلى الخيل. وليس كذلك. وفي قولها: النازلين الخ إشارة إلى أن حالهم في القتال على الخيل كحالهم في القتال على الأقدام وأنهم لا يكعون عن النزول إذ أحوال الناس في ذلك مختلفة ولا ينزل في ذلك الموضع إلا أهل البأس والشدة ولذلك قال مهلهل: الخفيف * لم يطيقوا أن ينزلوا فنزلنا * وأخو الحرب من أطاق النزولا * وقولها: والطيبون أرادت أنهم أعفاء في فروجهم لأن العرب تكني بالشيء عما يحويه أو يشتمل تقول: لا يحلون أزرهم على ما ليس لهم. قال اللخمي: وقال ابن خلف: إذا وصفوا الرجل بطهارة الإزار وطيبه فهو إشارة وكناية عن عفة الفرج يراد أنه لا يعقد إزاره على فرج زانية. وكذلك طهارة الذيل. وإذا وصف بطهارة الكم أو الردن وهم الكم بعينه أرادوا أنه لا يسرق ولا يخون.
49 وإذا وصفوه بطهارة الجيب أرادوا أن قلبه لا ينطوي على غش ولا مكر. وقد يكنون عن عفة الفرج بطيب الحجزة كما قال النابغة: الطويل رقاق النعال طيب حجزاتهم والمعاقد إما جمع معقد بكسر القاف وهو موضع العقد وإما جمع معقد بفتحها وهو مصدر ميمي. قال اللخمي: المعاقد الحجز. والحجزة بضم المهملة وسكون الجيم بعدها زاي معجمة وهي حيث يثنى طرف الإزار في لوث الإزار أي: طيبه. وحكى ابن الأعرابي حزة بضم المهملة وتشديد الزاء كما ينطق بها العامة. وقيل: المعاقد للأزر والحجز للسراويلات. والحجز للعجم وملوك العرب كما قال النابغة والمعاقد للعرب لأنها لا تكاد تلبس إلا الأزر وهو جمع إزار وسكن الزاء أيضا تخفيفا والأصل ضمها والإزار ولبس السراويل عند العرب نادر. يروى أن أعرابيا مر بسراويل ملقاة فظنها قميصا فأدخل يديه في ساقيها وأدخل رأسه فلم يجد منفذا فقال: ما أظن هذا إلا من قمص الشياطين ثم رماها. وهذان البيتان من قصيدة لخرنق بنت هفان رثت بها زوجها بشر بن عمرو ابن مرثد الضبعي) وابنها علقمة بن بشر وأخوه حسان وشرحبيل ومن قتل معه من قومه وكان بشر غزا بني أسد بن خزيمة هو وعمرو بن عبد الله بن الأشل وكانا متساندين: بشر على بني مالك وبني عتاب بن ضبيعة وعمرو على بني مالك وبني رهم.
50 ومعنى التساند والمساندة أن يخرج كل رجل على حدته وانفراده ليس لهم أمير يجمعهم. فأغار على بني أسد فتقدمتهم بنو أسد إلى عقبة يقال لها: قلاب فقتل بشر بن عمرو وبنوه وفر عمرو بن عبد الله بن الأشل فسمي ذلك اليوم يوم قلاب. كذا قال ابن السيد واللخمي. وبعد البيتين: * قوم إذا ركبوا سمعت لهم * لغطا من التأييه والزجر * * في غير ما فحش يجاء به * بمنائح المهرات والمهر * * إن يشربوا يهبوا وإن يذروا * يتواعظوا عن منطق الهجر * * هذا ثنائي ما بقيت عليهم * فإذا هلكت أجنني قبري * واستدل بعضهم بهذه الأبيات على أن ما تقدم دعاء لمن بقي من قومها أي: لا أبعد الله من قومي كبعد من مضى منهم. ويرد عليه قولها في القصيدة: * لاقوا غداة قلاب حتفهم * سوق العتير يساق للعتر * واللغط بفتح المعجمة وسكونها: الأصوات المختلطة. والتأييه: الدعاء. يقال: أيهت بالرجل إذا دعوته وأيهت بالفرس. وفي الحديث: أن ملك الموت سئل: كيف تقبض الأرواح فقال: أؤيه بها كما يؤيه بالخيل فتجيء إلي. وقولها: في غير ما فحش الخ ما زائدة. قال ابن السكيت: تقول:
51 يزجرونها بعفاف من ألسنتهم لا يذكرون الفحش في الزجر. وقولها: إن يشربوا يهبوا ليس بمدح تام لأنها جعلت العلة في كرمهم شرب الخمر. وقد عيب على طرفة قوله: الرمل * فإذا ما شربوها وانتشوا * وهبوا كل أمون وطمر * وعيب على حسان قوله: الوافر وقد قال البحتري في هذا فأحسن: الطويل) * تكرمت من قبل الكؤوس عليهم * فما اسطعن أن يحدثن فيك تكرما * وأول من نطق بهذا امرؤ القيس في قوله: الطويل * سماحة ذا وبر ذا ووفاء ذا * ونائل ذا إذا صحا وإذا سكر * فأخبر أنه جواد في الحالين جميعا: في حال الصحو وفي حال السكر. وهذا هو المدح التام. ثم اتبعه زهير فقال: الطويل * أخو ثقة لا تتلف الخمر ماله * ولكنه قد يهلك المال نائله * والهجر بالضم: الكلام القبيح. وقولها: والخالطين نحيتهم الخ النحيت بفتح النون وكسر المهملة: الخامل الساقط الذكر. والنضار بضم النون بعدها ضاد معجمة: الخالص النسب العزيز الشهير. يقول: إنهم خلطوا خاملهم برفيعهم وفقيرهم بغنيهم فاكتسبوا منهم الغنى والخصال الحميدة فليس فيهم خامل ولا فقير.
52 ومثله قول زهير: الطويل * على مكثريهم حق من يعتريهم * وعند المقلين السماحة والبذل * والعروض في هذا البيت على متفاعلن تامة وهي في جميع الأبيات على فعلن حذاء ولا يجوز ذلك. والشعر من الضرب الرابع من الكامل. وقولها: فإذا هلكت الخ: أجنني: سترني. قال ابن السيد: كلام لا فائدة فيه على ظاهره والمعنى فإذا هلكت قام عذري في تركي الثناء عليهم لهلاكي فهو مما وضع السبب فيه موضع المسبب. وقولها: لاقوا غداة الخ الحتف: الهلاك. وسوق مفعول مطلق أي: سيقوا إلى الحتف سوقا كسوق العتير وهو بفتح العين المهملة وكسر المثناة الفوقية: ما يذبح للأصنام في رجب في الجاهلية تعظيما لأصنامهم. والعتر بفتح العين المهملة: ذبح العتيرة فهو مصدر. وقلاب بضم القاف وتخفيف اللام وآخره باء موحدة قال أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم: هو جبل من محلة بني أسد على ليلة. وفي عقبة قلاب قتلت بنو أسد بشر بن عمرو زوج خرنق وابنها منه علقمة بن بشر فقالت: الوافر
53 * منت لهم بوائلة المنايا * بحرف قلاب للحين المسوق *) ثم إن بني ضبيعة أصابوا بني أسد بهرشى وأدركوا بثأرهم فقال وائل بن شرحبيل بن عمرو بن مرثد: الطويل انتهى. ومنت أصله منيت أي: قدرت المنايا لهم فحذفت الباء. وهو آخر بيت من أبيات وهي: * لا وأبيك آسى بعد بشر * على حي يموت ولا صديق * * وبعد الخير علقمة بن بشر * إذا ما الموت كان لدى الحلوق * * ومال بنو ضبيعة بعد بشر * كما مال الجذوع من الحريق * * فكم بقلاب من أوصال خرق * أخي ثقة وجمجمة فليق * وآسى: أحزن. ولا محذوفة أي: وأبيك لا أحزن بعد بشر. والحلوق جمع حلق وهو مجرى الطعام. ومال بنو ضبيعة أي: تساقطوا بعد بشر. والخرق بكسر المعجمة من الفتيان: الظريف في سماحة ونجدة. وخرنق بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة وكسر النون بعدها قاف هي امرأة شاعرة جاهلية. قال أبو عبيدة: هي خرنق بنت بدر بن هفان من بني سعد بن ضبيعة رهط الأعشى. كذا في العباب للصاغاني. وفي كتاب التصحيف للعسكري وشروح أبيات الكتاب والجمل: خرنق بنت هفان القيسية من بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن
54 وائل بحذف بدر. وقالوا: هي أخت طرفة بن العبد لأمه. وقال يعقوب ابن السكيت في أبيات المعاني: هي عمة طرفة بن العبد. والله أعلم. وقيس هو رهط الأعشى أيضا وإليه ينسب فيقال أعشى قيس. وخرنق من الأسماء المنقولة لأن الخرنق في اللغة ولد الأرنب. والخرنق أيضا: مصنعة الماء وهو نحو الصهريج والنون أصلية. وأما هفان بفتح الهاء وكسرها وتشديد الفاء فهو اسم مرتجل غير منقول مشتق من الهفيف وهو سرعة السير.) وأنشد بعده الشاهد الثاني والأربعون بعد الثلاثمائة وهو من شواهد سيبويه: الطويل * وما الدهر إلا تارتان فمنهما * أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح * على أن الموصوف محذوف أي: منهما تارة أموت. هكذا قدر سيبويه وأورده في باب حذف قال: وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول: ما منهما مات حتى رأيته في حال كذا وإنما يريد: ما منهما واحد مات. انتهى. وأورده الفراء أيضا في تفسيره عند قوله تعالى: ومن آياته يريكم قال:
55 من أظهر أن فهي في موضع اسم مرفوع كما قال: ومن آياته منامكم بالليل فإذا حذفت أن جعلت مؤدية عن اسم متروك يكون الفعل صلة له كقول الشاعر: وما الدهر إلا تارتان......................... البيت كأنه أراد: فمنهما ساعة أموتها وساعة أعيشها وكذلك: ومن آياته آية للبرق وآية لكذا. وإن شئت يريكم من آياته البرق فلا تضمر أن ولا غيره. انتهى. وكذلك أنشده الزجاج في تفسيره عند قوله تعالى: من الذين هادوا يحرفون الكلم أي: قوم يحرفون كهذا البيت. والمعنى منهما تارة أموت فيها فحذف تارة وأقام الجملة التي هي صفتها نائبة عنها فصار: أموت فيها فحذف حرف الجر فصار التقدير: أموتها ثم حذف الضمير فصار أموت. ومثله في الحذف من هذا الضرب بل هو أطول منه: الرجز * تروحي يا خيرة الفسيل * تروحي أجدر أن تقيلي * أصله: ائتي مكانا أجدر بأن تقيلي فيه فحذف الفعل الذي هو ائتي لدلالة تروحي عليه فصار مكانا أجدر بأن تقيلي فيه ثم حذف الموصوف الذي هو مكانا فصار تقديره أجدر بأن تقيلي فيه ثم حذف الباء أيضا تخفيفا فصار أجدر أن تقيلي فيه. ففيه إذن خمسة أعمال وهي حذف الفعل الناصب ثم حذف الموصوف ثم
56 حذف الباء ثم حذف في ثم حذف الهاء. وهنا عمد سادس وهو أن أصله ائتي مكانا أجدر بأن تقيلي فيه من غيره كما تقول: مررت برجل أحسن من فلان وأنت أكرم علي من غيرك. انتهى.) وهذا البيت من قصيدة لتميم بن أبي بن مقبل وهو شاعر إسلامي تقدمت ترجمته في الشاهد الثاني والثلاثين من أوائل الكتاب. وقبله يصف القحط: * ألم تعلمي أن لا يذم فجاءتي * دخيلي إذا اغبر العضاه المجلح * * وأن لا ألوم النفس فيما أصابني * وأن لا أكاد بالذي كنت أفرح * * وما العيش إلا تارتان فمنهما * أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح * * وكلتاهما قد خط لي في صحيفة * فلا العيش أهوى لي ولا الموت أروح * أن في المواضع الثلاثة مخففة من الثقيلة والفعل بعدها مرفوع وفجاءتي مفعول مقدم. والفجاءة بضم الفاء والمد: مصدر فجأه الأمر كضربه وفجئه كعلمه إذا أتاه بغتة. ويقال أيضا فاجأه المر مفاجأة وفجاء. ودخيلي أي: ضيفي فاعل مؤخر والدخيل: الضيف إذا حل بالقوم فأدخلوه. يقول: إذا جاءني بغتة ضيف في أيام القحط فلا بد من إطعامه وإكرامه ولا أدعه يذمني. واغبر: صار بلون الغبرة. والعضاه بكسر العين المهملة بعدها ضاد معجمة وآخره هاء: شجر عظيم شائك تأكل الماشية ورقه. والمجلح بالجيم قال صاحب الصحاح: المأكول ومنه قول ابن مقبل: إذا اغبر العضاه المجلح وهو الذي قد أكل حتى لم يترك منه شيء.
57 والكدح: الكسب والسعي وجملة أكدح حال مؤكدة لعاملها وهو أبتغي وتارة المحذوفة مبتدأ وجملة أموت صفتها والعائد إلى الموصوف محذوف أي: فيها. ومنهما خبر مقدم وأخرى صفة مبتدأ محذوف أي: تارة آخرى. وليس في هذا شاهد. وجملة أبتغي العيش خبر المبتدأ والعائد محذوف أيضا أي: فيها. يقول: لا راحة في الدنيا لأن وقتها قسمان: إما موت وهو مكروه عند النفس وإما حياة وكلها سعي في المعيشة. الشاهد الثالث والأربعون بعد الثلاثمائة الطويل * وكلمتها ثنتين كالماء منهما * وأخرى على لوح أحر من الجمر * لما تقدم قبله أعني أن الموصوف محذوف إذا كان بعضا من مجرور بمن سواء تقدم المجرور كما مضى أو تأخر كما هنا ولهذا كرر الشاهد فإن التقدير: كلمتها كلمتين منهما كلمة كالماء وكلمة أخرى أحر من الجمر. وتقدم المجرور أكثري. وهذا ثالث أبيات ثلاثة أوردها الجاحظ في كتاب البيان والتبيين وهي: * لقيت البنة السهمي زينب عن عفر * ونحن حرام مسي عاشرة العشر * * وإني وإياها لحتم مبيتنا * جميعا وسيرانا مغذ وذو فتر * * فكلمتها ثنتين كالثلج منهما * على اللوح والأخرى أحر من الجمر * السهمي: نسبة إلى سهم بفتح السن المهملة: قبيلة من قريش وقبيلة في باهلة أيضا. وزينب بدل من ابنة وعفر بضم العين المهملة وسكون الفاء وبضم الفاء أيضا.
58 قال الجاحظ: يقال ما يلقانا إلا عن عفر أي: بعد مدة. وكذلك قال القالي في أماليه: قوله عن عفر: عن بعد أي: بعد حين يقال: ما ألقاه إلا عن عفر أي: بعد حين. وقال الزمخشري في مستقصى الأمثال: لقيته عن عفر أي: بعد شهر ونحوه والأصل قلة الزيارة من تعفير الظبية ولدها وهو أن ترضعه ثم تدعه ثم ترضعه ثم تدعه وذلك إذا أرادت أن تفطمه. وعكس المأخذ صاحب الصحاح فقال: والتعفير في الفطام أن تمسح المرأة ثديها بشيء من التراب تنفيرا للصبي. ويقال هو من قولهم: لقيت فلانا من عفر بالضم أي: بعد شهر ونحوه لأنها ترضعه بعد اليوم واليومين تبلو بذلك صبره. وقوله: ونحن حرام قال القالي: أي: محرومون. قال صاحب الصحاح: ورجل حرام بالفتح أي: محرم والجمع حرم مثل قذال وقذل. انتهى. وإنما لم يجمعه هنا لأنه في الأصل مصدر يستوي فيه الجمع والتثنية والمفرد. وجملة ونحن حرام حال من الفاعل والمفعول. وقوله: مسي عاشرة الخ مسي بضم الميم وسكون السين وكسر الميم) لغة: اسم للمساء كالصبح اسم للصباح ولهذا قال الجاحظ أي: وقت المساء. وهو ظرف لقوله لقيت. وعاشرة العشر هو اليوم العاشر من ذي الحجة يريد أنه لقيها بعرفات عشية عرفة وهي مسي عاشرة العشر. وقوله: لحتم مبيتنا الحتم بفتح الحاء المهملة: اللازم. يريد إن مبيت الناس بالمدلفة حتم لا يتجاوزها أحد. وجميعا حال من المضاف إليه وهو ضمير المتكلم مع الغير.
59 وقوله وسيرانا الخ سيرا: مثنى سير حذفت نونه للإضافة ونا ضمير المتكلم مع الغير. وروي: مسرانا بالإفراد. قال صاحب الصحاح: وسريت سرى ومسرى وأسريت بمعنى إذا سرت ليلا. وأما السير فلا يختص بالليل. قال صاحب الصحاح: سار يسير سيرا ومسيرا يكون بالليل وبالنهار ويستعمل لازما ومتعديا. ومغذ بالغين والذال المعجمتين اسم فاعل من أغذ في السير إغذاذا. أي: أسرع فيه وجد. والفتر بفتح الفاء بمعنى الفترة والفتور أي: الانكسار والضعف. قال القالي: أي سير أنا مسرع وسيرها ذو فتور وسكون لأنها يرفق بها. ولم يرو القالي في أماليه إلا هذين البيتين عن أبي بكر بن دريد. وقوله: فكلمتها ثنتين الخ الصواب رواية الجاحظ وهي كالثلج بدل كالماء. والمصراع الثاني كذا: على اللوح والأخرى أحر من الجمر وكذا رواه الزمخشري في المستقصى: واللوح بفتح اللام وآخره حاء مهملة: العطش. قال وعلى بمعنى مع. يريد: إني كلمتها كلمتين كانت إحداهما كالثلج مع العطش زال بها ما أجد من الحرارة وكانت الكلمة الأخرى أحر من الجمر فالتهب قلبي من حرارتها. قال الحريري في درة الغواص: أراد بالكلمة الأولى تحية القدوم وبالأخرى سلام الوداع. وجعل الزمخشري: أحر من الجمر من الأمثال وأنشد له هذا البيت مع
60 البيت الأول عن الجاحظ لكن روى المصراع الأول هكذا: فقالت لنا ثنتين كالثلج منهما وهذا أنسب بما قاله الحريري. وقوله: ثنتين منصوب على المفعول المطلق أي: تكليمتين والأخرى مبتدأ بتقدير موصوف أي:) والكلمة الأخرى وأحر من الجمر خبر المبتدأ. وهذه الأبيات نسبها الجاحظ والقالي والحريري إلى أبي العميثل عبد الله بن خالد. والعميثل بفتح العين المهملة والميم وسكون المثناة التحتية وفتح الثاء المثلثة. والعميثل في اللغة يأتي لمعان منها الأسد الضخم والسيد الكريم. وأنشد بعده الشاهد الرابع والأربعون بعد الثلاثمائة * لو قلت ما في قومها لم تيثم * يفضلها في حسب وميسم * على أن جملة يفضلها صفة لموصوف محذوف هو بعض المجرور بفي. قال سيبويه: يريد ما في قومها أحد يفضلها كما قالوا لو أن زيدا ها هنا وإنما يريدون لكان كذا. انتهى. وأنشده الفراء في تفسيره عند قوله تعالى: من الذين هادوا يحرفون الكلم على أحد وجهين وذلك من كلام العرب أن يضمروا من في مبتدأ الكلام
61 بمن فيقولون منا يقول ذاك ومنا لا يقوله وذلك أن من بعض لما هي منه فلذلك أدت عن المعنى المتروك. قال الله تعالى: وما منا إلا له مقام معلوم وقال: وإن منكم إلا واردها. ولا يجوز إضمار من في شيء من الصفات إلا على هذا الذي نبأنك به. وقد قالها الشاعر في في ولست أشتهيها قال: * لو قلت ما في قومها لم تأثم * يفضلها في حسب وميسم * ويروى أيضا: تيثم لغة. وإنما جاز ذلك في في لأنك تجد معنى من أنه بعض ما أضيفت إليه. ألا ترى أنك تقول فينا الصالحون وفينا دون ذلك فكأنك: قلت منا. ولا يجوز أن تقول في الدار يقول ذاك وأنت تريد في الدار من يقول إنما يجوز إذا أضيفت في إلى جنس المتروك. انتهى كلامه. وأراد بمن المضمرة النكرة الموصوفة لا الموصولة فإنها لا تحذف وتبقى صلتها أو أنها هي المرادة عنده فإنه كوفي والكوفيون يجوزون حذف الموصول. وقد بين الضابط في حذف الموصوف مع المجرور بمن وفي إلا أنه جعل الثاني دون الأول ووافقه السيرافي فقال: أكثر ما يأتي الحذف مع من لأن من تدل على التبعيض. وقد جاء مثله مع في وليس مثل من الكثرة. انتهى.) وقوله: لم تيثم جواب لو الشرطية أي: لم تكذب فتأثم وأصله تأثم فكسر التاء على لغة من يكسر حروف المضارعة إلا الياء للكراهة وهم بنو أسد. قال ابن يعيش: وذلك إذا كان الفعل على فعل نحو يعلم ويسلم. انتهى. وقبل كسر التاء قلبت الهمزة ألفا وبعد كسر التاء قلبت الألف ياء لانكسار ما قبلها. وقوله: ما في قولها خبر لمبتدأ محذوف وهو الموصوف بقوله يفضلها. وقدره ابن يعيش بإنسان يفضلها والجملة المنفية مقول القول.
62 وقوله: في حسب متعلق بيفضلها. والحسب: ما يعده الإنسان من مفاخره وأراد به الشرف النسبي وهو شرف الآباء وأراد بالميسم الشرف الذاتي فإن الميسم الحسن والجمال من الوسم وهو الحسن. وهذا البيت من رجز لحكيم بن معية الربعي. من بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وهو راجز إسلامي كان في زمن العجاج وحميد الأرقط. نسبه إليه سيبويه في موضع آخر من كتابه. وبعده: * عفيفة الجيب حرام المحرم * من آل قيس في النصاب الأكرم * والنصاب وكذا المنصب: الأصل. وكان يفضل الفرزدق على جرير فهجاه جرير لذلك. ونسب ابن يعيش البيت الشاهد للأسود الحماني. والله أعلم. ومعية بضم الميم وفتح العين وتشديد التحتية: مصغر معاوية. والحماني بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم: نسبة إلى حمان. وأنشد بعده: الوافر
63 * أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * متى أضع العمامة تعرفوني * على أن الاسم الموصوف بالجملة لا يحذف بدون من أو في إلا في الشعر كما هنا فإن أصله أنا ابن رجل جلا. فجلا فعل ماض بمعنى كشف الأمور أو بمعنى انكشف أمره. وفيه ضمير يعود على الموصوف المحذوف لضرورة الشعر. وهذا على أحد التخريجين المشهورين في هذا البيت. والتخريج الثاني لسيبويه وهو أن جلا مع ضميره المستتر جملة محكية جعلت علما ولا شاهد فيه على هذا. ولنا عليه كلام أسلفناه في) الشاهد الثامن والثلاثين من أوائل الكتاب. وأنشد بعده الشاهد الخامس والأربعون بعد الثلاثمائة الرجز * مالك عندي غير سهم وحجر * وغير كبداء شديدة الوتر * جادت بكفي كان من أرمى البشر على أن جملة كان مع ضميره المستتر صفة لموصوف محذوف ضرورة أي: بكفي رجل أو إنسان كان. والأولى بكفي رام للقرينة. قال ثعلب في أماليه: لم أسمع من في موضع الاسم إلا في ثلاثة مواضع قوله: جادت بكفي كان من أرمى البشر
64 وقوله: ألا رب منهم من يقوم بمالكا ألا رب منهم دارع وهو أشوس انتهى. وإنما قال لم أسمع لأن كان فعل ورب حرف ولا يليهما إلا الأسماء. وبهذا يستدل على حرفية من التبعيضية لأن رب لا تجر إلا النكرة. وأقول: لولا وقوع هذا الموصوف مضافا إليه هنا لجاز أن يكون من قبيل: وكلمتها ثنتين كالماء منهما وقال ابن جني في الخصائص: روي أيضا بفتح ميم من أي: بكفي من هو أرمى البشر وكان على هذا زائدة. انتهى. أقول: جعل من على هذه الرواية نكرة موصوفة أولى من جعلها موصولة. وقوله: مالك عندي الخ لك: ظرف مستقر وغير: فاعله وعندي: متعلق بلك. وكبداء أي: قوس كبداء وهي التي يملأ الكف مقبضها. وجادت أي: أحسنت. وهذه رواية ثعلب وابن جني وغيرهما ووقع في رواية ابن هشام في المغني: ترمي بدل جدل جادت ويروى في بعض نسخ هذا الشرح كانت وهذا لا يناسب المعنى.) وقوله: بكفي متعلق بمحذوف على أنه حال وهو مثنى كف وحذفت النون للإضافة.
65 وأنشد بعده الشاهد السادس والأربعون بعد الثلاثمائة من شواهد سيبويه: الوافر * كأنك من جمال بني أقيش * يقعقع خلف رجليه بشن * على أن حذف الموصوف هنا بدون أن يكون بعضا من مجرور بمن أو في لضروة الشعر والتقدير: كأنك جمل بني أقيش. وهذا مثال لقيام الظروف مقام الموصوف لضرورة الشعر والبيتان قبله لقيام الجملة مقامه كذلك. وقد أورده ابن الناظم والمرادي في شرح الألفية كما أورده الشارح المحقق. وفيه أن البيت من القسم الأول وهو أن الموصوف بالجملة أو الظرف إذا كان بعضا من مجرور بمن أو في يجوز حذفه كثيرا. وبيانه أن الموصوف يقدر هنا قبل يقعقع والجملة صفة له أي: كأنك جمل يقعقع وهو بعض من المجرور بمن ويكون قوله من جمال بني أقيش حالا من ضمير يقعقع الراجع إلى جمل المحذوف. وقد أورده الزمخشري في المفصل وصاحب اللباب فيما يجوز حذف الموصوف منه إلا أنهما جعلاه خبرا لكان كالشارح المحقق. وهما في ذلك تابعان لسيبويه فإنه قال في باب حذف المستثنى استخفافا قال: وذلك قولك ليس غير وليس إلا كأنه قال: ليس إلا ذاك وليس غير ذاك ولكنه حذفوا ذلك تخفيفا واكتفاء بعلم المخاطب ما يعنى. وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول: ما منهما مات حتى رأيته فيي حال كذا وإنما يريد ما منهما واحد مات.
66 ومثل ذلك قوله تعالى جده: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ومثل ذلك من الشعر: كأنك من جمال بني أقيش أي: كأنك جمل من جمال بني أقيش. ومثل ذلك قوله أيضا: لو قلت ما في قومها لم تيثم) البيت. انتهى. وليس في كلامهم ما يشعر كونه من قبل الضرورة بل جعله الزمخشري وصاحب اللباب من قبل ما إذا ظهر أمر الموصوف ظهورا يستغنى معه عن ذكره فحينئذ يجوز تركه وإقامة الصفة مقامه. ولم يذكر ما ذكره الشارح المحقق من جواز حذفه كثيرا إذا كان بعضا من مجرور بمن أو وقوله: بني أقيش بضم الهمزة وفتح القاف وآخره شين معجمة. قال أبو عمرو: هو حي من عكل وجمالهم ضعاف تنفر من كل شيء تراه. وقال ابن الكلبي: بنو أقيش: حي من الجن وإنما أراد إنك نفور وليس لك معقود رأي. وقال الأصمعي: جمال بني أقيش حوشية ليست ينتفع بها فيضرب بنفارها المثل. ورأيت في جمهرة الأنساب: أقيش بن منقر بن عبيد بن مقاعس بن عمرو ابن كعب. وأنشد هذا البيت. وقيل: بنو أقيش فخذ من أشجع وقيل: حي من اليمن. ويقعقع بالبناء للمفعول. والقعقعة: تحريك الشيء اليابس الصلب. والشن بالفتح: القربة البالية وجمعها شنان وتقعقعها يكون بوضع الحصا فيها
67 وتحريكها فيسمع منها صوت وهذا مما يزيدها نفورا. وقع مثله في شعر صخر بن حبناء يخاطب أخاه المغيرة: الوافر * تجنيت الذنوب علي جهلا * لقد أولعت ويحك بالتجني * * كأنك إذ جمعت المال عير * يقعقع خلف رجليه بشن * ومنه المثل: فلان ما يقعقع له بالشنان يضرب لمن لا يتضع لما ينزل به من حوادث الدهر ولا يروعه ما لا حقيقة له. وقال الزمخشري في المستقصى: يضرب للرجل الشرس الصعب أي: لا يهدد ولا ينزع. وهذا البيت من قصيدة للنابغة الذبياني. قال ابن السيرافي في شرح أبيات سيبويه: سبب هذا الشعر أن بني عبس قتلوا رجلا من بني أسد فقتلت بنو أسد رجلين من بني عبس فأراد عيينة بن حصن الفرزاري أن يعين بني عبس عليهم وينقض الحلف الذي بين بني ذبيان وبين بني أسد فقال له النابغة: أتخذل بني أسد وهم حلفاؤنا وناصرونا وتعين بني عبس عليهم. انتهى. وهذه أبيات من القصيدة بعد ثمانية أبيات من أولها: الوافر * أتخذل ناصري وتعزعبسا * أيربوع بن غيظ للمعن * * كأنك من جمال بني أقيش * يقعقع خلف رجليه بشن) * (تكون نعامة طورا وطورا * هوي الريح تنسج كل فن *
68 * إذا حاولت في أسد فجورا * فإني لست منك ولست مني * * هم درعي التي استلأمت فيها * إلى يوم النسار وهم مجني * * وهم وردوا الجفار على تميم * وهم أصحاب يوم عكاظ إني * * شهدت لهم مواطن صادقت * أتيتهم بنصح الصدر مني * * بكل مجرب كالليث يسمو * على أوصال ذيال رفن * * ولو أني أطعتك في أمور * قرعت ندامة من ذاك سني * وقوله: أتخذل ناصري وتعز عبسا هذا خطاب لعيينة بن حصن وأراد بناصره بني أسد. وقوله: أيربوع بن غيظ للمعن هذا خطاب آخر ليربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان وهو من قوم النابغة والمعن بكسر الميم وفتح العين المهملة: المعترض في الأمور وعنى به عيينة بن حصن يقال: عن يعن وإنك لتعن في هذا الأمر أي: تعرض فيه. واللام في المعن متعلقة بمحذوف أي: تعجب يا يربوع من هذا المتعرض. وقوله: كأنك من جمال الخ هذا خطاب لعيينة أيضا. يقول: أنت سريع الغضب والنفور تنفر مما لا ينبغي لعاقل أن ينفر منه. وقيل معناه إنك جبان في
69 الحرب لا تقدر على الطعان والضراب بل تنفر عنها كما ينفر الجمل عن صوت الشن وقعقعته. وقوله: تكون نعامة قال أبو عمرو: يقول: تتخيل مرة كذا ومرة كذا. وقوله: هوي الريح يريد طورا تهوي هوي الريح. والفن: اللون والجمع الفنون. وقال الأصمعي: وقوله: إذا حاولت في أسد فجورا استشهد به الزمخشري عند قوله تعالى: وربائبك اللاتي في جحوركم من نسائكم. وقوله: درعي التي الخ اللأمة بالهمزة: الدرع واستلأمتها: تحصنت فيها. والمجن: الترس. والنسار بكسر النون: اسم مء لبني عامر من بني تميم وفهي وقعة كانت لأسد وغطفان على) تميم. وقوله: وردوا الجفار البيتين في البيت التضمين وهو عيب وهو أن يتوقف على البيت الثاني فأن خبر إن هو أول البيت الثاني الجفار بكسر الجيم: اسم ماء لبني تميم بنجد. وقوله: بكل مجرب كالليث الخ أي: بكل بشجاع مجرب في الحروب. ورفن بكسر الراء المهملة بعدها فاء قال أبو عمرو: هو السريع. والذيال: الطويل الذنب. والأوصال: المفاصل أي: على أوصال فرس يذيل في مشيته سابغ الذنب. والنابغة الذبياني شاعر جاهلي قد تقدمت ترجمته في الشاهد الرابع بعد المائة.
70 * والمؤمن العائذات الطير يمسحها * ركبان مكة بين الغيل والسند * على أن العائذات كان في الأصل نعتا لطير فلما تقدم وكان صالحا لمباشرة العامل أعرب بمقتضى العامل وصار المنعوت بدلا منه فالطير بدل من العائذات وهو منصوب إن كان العائذات منصوبا بالكسرة على أنه مفعول به للمؤمن ومجرور إن كان العائذات مجرورا بإضافة المؤمن إليه. والأصل على الأول: والمؤمن الطير العائذات بنصب الأول بالفتحة والثاني بالكسرة. وعلى الثاني: والمؤمن الطير العائذات بجرهما بالكسر فلما قدم النعت أعرب بحسب العامل وصر المنعوت بدلا منه. هذا محصل كلام الشارح المحقق وهو في هذا تابع لأبي علي في الإيضاح الشعري وهذه عبارته: من كانت الكسرة عنده جرة على هذا الحسن الوجه جر الطير لأن العائذات مجرورة. ومن كانت الكسرة عنده في موضع نصب على قولك: الضارب الرجل نصب الطير والطير في هذا الموضع بدل أو عطف وإنما كان حده. والمؤمن الطير العائذات أو الطير العائذات فقدم العائذات وأخر الطير. والمؤمن هو الله سبحانه وهو اسم فاعل من آمن كما قال: الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف أي: آمنهم من الخوف لكونهم في الحرم وحلولهم فيه. انتهى. ولم يرض الزمخشري هذا في المفصل في باب الإضافة أن العائذات كان في الأصل الطير العائذات فحذف الموصوف وجعل العائذات اسما لا صفة فلما جعلت اسما احتاجت إلى تبيين ولا يخفى أن هذا تكلف ولهذا أعرض عنه الشارح.)
71 وزعم بعضهم أن الطير بدل بعض من العائذات لأن العائذات عام يقع على الطير والوحش وغيرهما. وهذا البيت من قصيدة للنابغة الذبياني وهو أحسن شعره ولهذا ألحقوها بالقصائد المعلقات مدح بها النعمان بن المنذر ملك الحيرة وتبرأ فيها مما اتهم به عند النعمان. وتقدم أبيات منها في باب الاستثناء وفي خبر كان وفي غيرهما. وهذه أبيات منها: * فلا لعمر الذي قد زرته حججا * وما هريق على الأنصاب من جسد * والمؤمن العائذات الطير................ البيت * ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه * إذن فلا رفعت سوطي إلي يدي * * إذن فعاقبني ربي معاقبة * قرت بها عين من يأتيك بالحسد * * هذا لأبرأ من قول قذفت به * طارت نوافذه حرى على كبدي * قوله: فلا لعمر الذي الخ لا الداخلة على القسم قيل نافية منفيها محذوف أي: ليس الأمر كما زعموا وقيل: زائدة توطئة لنفي جواب القسم وعمر مبتدأ محذوف الخبر وجوبا أي: قسمي. وحججا: جمع حجة بكسر المهملة فيهما وبعدها جيم وهي السنة. أقسم بالبيت الذي زاره في سنين متعددة وهو البيت الحرام.
72 وقوله: وما هريق على الأنصاب هريق بمعنى أريق والهاء بدل من الهمزة. والأنصاب: حجارة كانت العرب في الجاهلية تنصبها وتذبح عندها. والجسد بفتح الجيم هو الدم. وما معطوف على الذي وكذا قوله والمؤمن. وزعم من لم يطلع على البيت الأول أن الواو واو القسم. والعائذات: ما عاذ بالبيت من الطير قال ثعلب: أراد بالعائذات الحمام لما عاذت بمكة والتجأت إليها حرم قتلها وآمنها من أن تضام. وقد أغرب بعضهم بقوله العائذات جمع عائذ وهي الحديثة النتاج من الطيور والبهائم وهو من عذت بالشيء التجأت إليه لأن الحامل إذا ضربها المخاض عاذت. وهو في الأصل من باب الكناية. انتهى. وفيه أن العائذ المعنى المذكور خاص بالناقة.) والطير: جمع طائر مثل صحب وصاحب وقد يقع على الطير الواحد وجمعه طيور وأطيار. وركبان: جمع ركب وجملة: يمسحها ركبان مكة حال من الطير. والسند بفتحتين: ما قابلك ورى أبو عبيدة الغيل بكسر الغين المعجمة وقال: هي والسند أجمتان كانتا بين مكة ومنى. وأنكرها الأصمعي وقال: إنما الغيل بالفتح وهو ماء وإنما يعني النابغة ماء كان يخرج من أبي قبيس. كذا في شرح ديوان النابغة. ولم يذكر أبو عبيد هذا في معجم ما استعجم. وقوله: ما إن أتيت بشيء الخ هذا هو جواب القسم. واستشهد به ابن هشام في المغني على أن إن تزاد بعد ما النافية. يقول: ما فعلت شيئا تكرهه
73 أنت وإلا فلا رفعت يدي إلي سوطي اي: شلت يدي ولم تقدر على رفع السوط. وقوله: إذن فعاقبني ربي الخ هذا دعاء آخر على نفسه. وقوله: هذا لأبرأ الخ أي: هذا القسم لأجل أن أتبرأ مما اتهمت به. والنوافذ تمثيل من قولهم: جرح نافذ. أي: قالوا قولا صار حره على كبدي وشقيت به. وأنشد بعده: وليل أقاسه بطيء الكواكب على أنه يجوز أن توصف النكرة بالجملة قبل وصفها بالمفرد إذا اجتمعا كما هنا فإن ليلا قد وصف بجملة أقاسيه قبل وصفه بقوله بطيء وليس مجرورا بالعطف على هم في صدر البيت كليني لهم يا أميمة ناصب يقول: دعيني واتركيني لهذا الهم المتعب ومقاساة الليل البطيء الكواكب. وهذا البيت مطلع قصيدة للنابغة الذبياني أيضا تقدم الكلام عليه مفصلا في الشاهد السابع والثلاثين بعد المائة. وأنشد بعده الشاهد الثامن والأربعون بعد الثلاثمائة: الطويل
74 * ألا أيها الطير المربة بالضحى * على خالد لقد وقعت على لحم * على أن الصفة ربما تنوى ولم تذكر للعلم بها كما هنا. فإن التقدير على لحم أي: لحم. وأورده في باب اسم الفعل أيضا على أن التنكير في لحم للابهام أن التفخيم. وكذا أورده في التفسيرين عند قوله تعالى: أولئك على هدى من ربهم على تنكير هدى للتعظيم أي: هدى عظيم كتنكير لحم في هذا البيت أي: لحم عظيم. والفرق بينهما أن الأول مفهوم من اللفظ المحذوف والثاني من الفحوى والمحوج إلى هذا استقامة المعنى ولولاه لكان لغوا لا يفيد شيئا ولهذا اعتبر سواء كان بالطريق الأولى أم الثانية. ولجوازهما قدر الشارح المحقق هنا الوصف واعتبره هناك من التنكير لما فيه من الإبهام المقتضى للتفخيم والتعظيم. ونقل عن الزمخشري أنه كان إذا أنشد هذا البيت يقول: ما أفصحك من بيت وصدر البيت لم أره كذا إلا في رواية الشارح المحقق. والبيت من شعر مذكور في أشعار هذيل ذكر في موضعين منها ذكر في الموضع الأول ستة أبيات وفي الموضع الثاني اثنين وثلاثين بيتا. أما الرواية الأولى والشعر منسوب لأبي خراش فهي هذه: * إنك لو أبصرت مصبر خالد * بجنب الستار بين أظلم فالحزم * * لأيقنت أن البكر ليس رزية * و الناب لااضطمت يداك على غنم *
75 * تذكرت شجوا ضافني بعد هجعة * على خالد فالعين دائمة السجم * * لعمر أبي الطير المربة بالضحى * على خالد لقد وقعت على لحم * * كليه وربي لا تجيئين مثله * غداة أصابته المنية بالردم * * ولا وأبي لا تأكل الطير مثله * طويل النجاد غير هار ولا هشم * قوله: إنك لو أبصرت هذا خطاب لعشيقة خالد بن زهير الهذلي قتل بسببها كما يأتي بيان قتله. وخالد هو ابن أخت أبي ذؤيب الهذلي. والستار بكسر السين المهملة بعدها مثناة فوقية وآخره راء مهملة قال البكري في معجم ما استعجم: هو جبل معروف بالحجاز. وأنشد هذا البيت.) وأظلم على وزن أفعل التفضيل من الظلم قال البكري: هو موضع قريب من الستار. والحزم بفتح المهملة وسكون الزاي المعجمة هو موضع يقال له: حزم بني عوال. ووقوع هذه الفاء بعد بين قد شرحه الشارح المحقق في الفاء العاطفة. وقوله: لأيقنت أن البكر هو بالفتح الجمل الشاب. والناب: الناقة المسنة. يقول: لو رأيت هلاك خالد لعلمت أن ذهاب البكر والناب ليسا بمصيبة واستخففت مصابهما. وقوله: لا اضطمت الخ هو دعاء عليها وهو افتعلت من الضم أي: لا غنمت يداك بل خيبك الله إذ صرت تحزنين على هذا البكر. وقوله: تذكرت شجوا هو بضم التاء. والشجو: الحزن. وضافني: نزل بي كالضيف. والهجعة: النومة. والسجم: السكب. وقوله: لعمر أبي الطير قال السكري في شرح أشعار هذيل: قوله لقد وقعت على لحم: كان ممنوعا. والطير مضبوط بالكسرة في نسختي وهذه نسخة قديمة صحيحة تاريخ كتابتها في سنة مائتين بعد الهجرة وعليها خطوط العلماء منهم ابن فارس صاحب المجمل في اللغة كتب
76 لعمر مبتدأ محذوف الخبر أي: قسمي وقوله: لقد وقعت جواب القسم وهو خطاب للطير على الالتفات. وروى لقد عكفن بدله من العكوف بالغيبة والنون ضمير الطير وعليه لا التفات. وأراد بأبي الطير الواقعة على لحمه واستعظمها بالقسم بها لاستعظام لحم خالد العظيم ففيه تعظيم للإقسام عليه بنفسه كما قال أبو تمام: وثناياك إنها إغريض والمربة: اسم فاعل صفة للطير من أرب بالمكان إذا أقام به. وروي في التفسيرين: فلا وأبي الطير المربة بالضحى فلا رد لما يتوهم من تحقيره بأكل الطير له وقيل زائدة. وزعم بعضهم أن أبي بياء المتكلم والطير بالرفع. وبعض آخر لأن أبي أصله أبين بالجمع حذفت نونه للإضافة. ولا يخفى ركاكته. وقال السعد في حاشية الكشاف: وروي برفع الطير على أنه فاعل فعل يفسره لقد عكفن. وقوله: كليه وربي أمر للطير بالأكل يرغبها في أكلها إياه فإنها لا تجيء إلى مثله ولا تظفر به. وقوله: ولا وأبي لا تأكل الطير الخ هار أصله هائر أي: ضعيف ساقط فقلب وحذف) بالإعلال مثل شاكي السلاح أصله شائك. والهشم:
77 الرخو الضعيف. وأما الرواية الثانية بعد ثماني أوراق بعد هذا ونسبها الأخفش لخراش بن المذكور. والقصيدة هذه: * أرقت لهم ضافني بعد هجعة * على خالد فالعين دائمة السجم * * إذا ذكرته العين أغرفها البكا * وتشرق من تهمالها العين بالدم * * فباتت تراعي النجم عين مريضة * لما عالها واعتادها الحزن بالسقم * عالها: أثقلها وشق عليها. * وما بعد أن قد هدني الحزن هدة * تضال لها جسم ورق لها عظمي * * وأن قد أصاب العظم مني مخامر * من الداء داء مستكن على كلم * تضال بمعنى صغر وضعف وأصله بالهمزة بعد الألف فحذفها للضرورة. ومخامر: مخالط وملازم. والكلم بالفتح: الجرح. * وأن قد بدا مني لما قد أصابني * من الحزن أني ساهم الوجه ذو هم * * شديد الأسى بادي الشحوب كأنني * أخو جنة يعتاده الخبل في الجسم * الساهم: المتغير. الأسى: الحزن. والشحوب: التغير. وجنة بالجيم هو الجن.
78 وروي حية بمهملة ومثناة تحتية يعني ملسوعا. والخبل بفتح المعجمة: فساد الجسم والعقل. * يعود على ذي الجهل بالحلم والنهى * ولم يك فحاشا على الجار ذا عذم * لا يجتوي بالجيم أي: لا يكره. والعذم بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة. العض والوقيعة. * ولم يك فظا قاطعا لقرابة * ولكن وصولا للقرابة ذا رحم * * وكنت إذا ساجرت منهم مساجرا * صفحت بفضل في المروءة والعلم * هذا خطاب لخالد. وساجرت بالجيم بمعنى عاشرت. والسجير: العشير والصاحب. * وكنت إذا ما قلت شيئا فعلته * وفت بذاك الناس مجتمع الحزم * * وإن تك غالتك المنايا وصرفها * فقد عشت محمود الخلائق والحلم * * كريم سجيات الأمور محببا * كثير فضول الكف ليس بذي وصم * * أشم كنصل السيف يرتاح للندى * بعيدا من الآفات والخلق الوخم) * (جمعت أمورا ينفذ المرء بعضها * من الحلم والمعروف والحسن الضخم * المرء: مفعول ينفذ وبعضها فاعله. يقول: بعض هذه الأمور التي فيك تجعل المرء نافذا فائقا لا يقدر على كسبها
79 فكيف كلها وقد اجتمعت فيك. والمرء بكسر الميم في لغة هذيل. رواية هذا البيت هنا كذا وقعت وقال السكري هنا: أراد التعجب أي: أي لحم وقعت عليه. ويروى: * لقد قلت للطير المربة غدوة * على خالد لقد وقعت على لحم * والمربة: المقيمة. انتهى. * ولحم امرئ لم تطعم الطير مثله * عشية أمسى لا يبين من البكم * أراد البكم بفتحتين فخفف. * فكلا وربي لا تعودي لمثله * عشية لاقته المنية بالردم * * فلا وأبي لا تأكل الطير مثله * طويل النجاد غير هار ولا هشم * * أبعدك أرجو هالكا لحياته * لقد كنت أرجوه وما عشت بالرغم * * فوا الله لا أنساك ما عشت ليلة * ضفي من الإخوان والولد الحتم * الضفي: فعول من ضفا يضفو إذا كثر. والحتم: الحق. * تطيف عليه الطير وهو ملحب * خلاف البيوت وهو محتمل الصرم * الملحب: بفتح الحاء المهملة: المقطع. والصرم بالكسر: الحي. * لأيقنت أن الناب ليست رزية * ولا البكر لا التفت يداك على غنم * هذا خطاب مع المرأة يقول: إن المصيبة قتل ذاك ليس المصيبة نابا تصابين بها.
80 ثم دعا عليها: لا رزق الله يديك خيرا تلتلف عليه. * وأيقنت أن الجود منه سجية * وما عشت عيشا مثل عيشك بالكرم * * أتته المنايا وهو غض شبابه * وما للمنايا عن حمى النفس من عزم * ما: نافية. والكرم بالضم: العزة. والعزم هنا: الصبر. * وكل امرئ يوما إلى الموت صائر * قضاء إذا ما حان يؤخذ بالكظم) * (وما أحد حي تأخر يومه * بأخلد ممن صار قبل إلى الرجم * والكظم بالفتح: الحلق وقيل الفم وقيل مخرج النفس وأصله بفتحتين فسكن ضرورة. والرجم بالفتح: القبر وأصله أيضا بفتح الجيم فسكن. * سيأتي على الباقين يوم كما أتى * على من مضى حتم عليه من الحتم * * جزى الله خيرا خالدا من مكافئ * على كل حال من رخاء ومن أزم * * فلست بناسيه وإن طال عهده * وما بعده للعيش عندي من طعم * وهذا آخر القصيدة. والأزم: الشدة. وإنما سقتها بتمامها لحسنها وانسجامها ولأن شراح وروى قصة قتله قال: زعموا أن رجلا من هذيل كان يقال له: وهب بن جابر هوي امرأة من هذيل كان يقال لها أم عمرو فاصطاد يوما ظبية فقال يخاطبها: الوافر * فما لك يا شبيهة أم عمرو * إذا عاينتنا لا تأمنينا * * فعينك عينها إذ قمت وسني * وجيدك جيدها لو تنطقينا *
81 * وساقك حمشة ولأم عمرو * خدلجة تضيق بها البرينا * * ورأسك أزعر ولأم عمرو * غدائر ينعفرن وينثنينا * تضيق من الإضافة. والبرين: جمع برة وهي الخلخال. ثم خلى سبيها فبلغ ذلك أم عمرو فعطفت عليه فاستمكن منها وكان رسولها إليه أبا ذؤيب الشاعر فلما أيفع أبو ذؤيب وكان جميلا رغبت فيه واطرحت وهبا ففشا أمرهما في هذيل وقصر عن بعض زيارتها وأخفى أمرها خشية أن يرصد فيغتال. فانطلق إلى ابن أخت له يقال له: خالد بن زهير فأخبره بأمر أم عمرو وقال له: هل لك أن تكون رسولي إليها وتعاهدني على أن لا تغدرني. فأعطاه خالد مواثيقه واختلف بينهما فلم تلبث أن عشقت خالدا وتركت أبا ذؤيب. وكان أبو ذؤيب يرسل خالدا إليها فينطلق فيتحدث إليها بحديث نفسه فإذا انصرف قال لأبي ذؤيب: لم ألج إليها الخبا وجدتها وسني وكان ينصرف عنها ملطخا بالطيب فارتاب أبو ذؤيب من ذلك وجعل يمس خده ويشم ثوبه فيجد منه ريح الطيب وأنكر ذلك خالد من خاله فقال خالد لأمه وهي أخت أبي ذؤيب: الرجز * يا قوم من لي وأبا ذؤيب * كنت إذا أتوته من غيب) * (يشم خدي ويشد ثوبي * كأنني أربته بريب * من أجل أن يرميني بغيب فقال له أبو ذؤيب يوما: انطلق إليها يا خالد فإني أريد أن آتيها الساعة. فانطلق خالد إليها فعانقها وقضى ما أراد من لهوه وضاجعها وذهب بهما النوم فجاء أبو ذؤيب بعد ذلك فأخذ سهمين من سهامه فوضعهما عند رؤوسهما وأرجلهما ثم انصرف فلما انتبه خالد عرف السهمين فأعرض عن أبي ذؤيب إذ عرف أنه قد أيقن بغدره. وأقبل أبو ذؤيب على أم عمرو فقال: الطويل
82 * تريدين كيما تجمعيني وخالدا * وهل يجمع السيفان ويحك في غمد * فأجابه خالد من شعر: * فلا تسخطن من سنة أنت سرتها * فأول راض سيرة من يسيرها * وجرى بينهما أشعار مذكورة في أشعار الهذليين. فلما رأى وهب بن جابر فساد ما بينهما بعث ابنه عمرو بن وهب فبذل لأم عمرو ذات يده فعطفها على نفسه بالطمع وكان عمرو من أعظم شباب هذيل واستمسكت بخالد لعشقها إياه فكان لخالد سرها ولعمرو علانيتها. فبينا عمرو عندها ذات يوم إذ أتاها خالد وهي وهو على شرابهما فقام مستبطنا سيفه فولج عليهما فضرب رأس عمرو ثم خرج هاربا فمر بأبي ذؤيب وأبي خراش وربيعة بن جحدر وهم يتصيدون فقال أبو ذؤيب: ما وراءك يا خالد فقال: قتلت عمرا. قال: قد أوقعتني في شر طويل عليك بالحزم فبلغ الخبر وهب بن جابر فركب وركب معه جبار بن جابر في رهطهما فمروا بأبي ذؤيب وأبي خراش وربيعة بن جحدر فسألهم عنه فقالوا: لم نعلمه ولكن هل لك في شياه من الأروى قال: ما لي بهن من حاجة ومضوا في طلب خالد حتى لحقوه بجبل يقال له: أظلم فقتلوه فبلغ ذلك أبا ذؤيب وخراشا وربيعة ابن جحدر فعند ذلك قال ربيعة من شعر: الطويل * فو الله لا ألقى كيوم لخالد * حياتي حتى يعلو الرأس رامس * وقال أبو ذؤيب يرثي خالدا: * لعمر أبي الطير المربة في الضحى * على خالد لقد وقعت على لحم * ثم جمع أبو ذؤيب رهطه فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل عروة بن جحدر ونجا خراش بن أبي) جحدر فعند ذلك قال أبو جحدر: الطويل * حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا * خراش وبعض الشر أهون من بعض *
83 ثم إن القوم تحاجزوا والقتلى في أصحاب أبي ذؤيب أكثر فطلبوا خويلدا وهو أبو خراش ابن وائلة الهذلي وهو في الحزم ومعه امرأته فلما علم بأمرهم أمر امرأته أن تسير أمامه وتقيم بمكان وصفه لها فأخبرها أن قومه يطلبونه بذحل فإن أبطأت عليك فانعيني لقومك. فقصدوا خويلدا حتى خرج عليهم فتنكروا له ورحبوا به ففطن لهم وانصرف راجعا فاتبعوه فسبقهم ورموه بأسهم فلم تصبه. فهو حيث يقول: الطويل * رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع * فقلت وأنكرت الوجوه: هم هم * هذا ما أورده السكري في آخر أشعار الهذليين. وأوردنا القصة هنا لأن فيها أشعارا فيها شواهد إذا جاءت فيما سيأتي نحيل عليها. وكانت هذه الوقعة قبل إسلام أبي ذؤيب وأبي خراش. والله أعلم. وأنشد بعده الوافر * فإياكم وحية بطن واد * هموز الناب ليس لكم بسي * على أن سيبويه استدل به على جر الجوار ردا على الخليل في زعمه أنه لا يجوز إلا إذا اتفق المضاف والمضاف إليه في أمور ذكرها الشارح المحقق: منها اتفاقهما في
84 التذكير والتأنيث وهذا البيت يرد عليه فإن هموز نعت الحية المنصوبة. وجر لمجاورته لأحد المجرورين وهو بطن أو واد. وعينه ابن جني في شرح تصريف المازني فقال: جر هموز لمجاورته لواد مع اختلاف المضاف والمضاف إليه تذكيرا وتأنيثا فإن حية مؤنث وما بعدها مذكر. وفيه أن كلا من الحية وما بعدها مذكر. أما الحية فقد قال صاحب الصحاح: الحية للذكر والأنثى وإنما دخله الهاء لأنه واحد من جنس كبطة ودجاجة. وفلان حية ذكر. على أنه قد روي عن العرب: رأيت حيا على حية أي: ذكرا على أنثى. انتهى.) أما البطن فقد قال صاحب الصحاح أيضا: البطن خلاف الظهر وهو مذكر وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة أن تأنيثه لغة. انتهى. وأما الوادي فهو مذكر لا غير فيجوز للخليل أن يدعي توافق المضاف والمضاف إليه تذكيرا بجعل الحية للواحد المذكر من الجنس وكذلك هموز فإنه فعول يوصف به المذكر والمؤنث اللهم إلا أن يكتفي س للتخالف بالتأنيث والتذكير اللفظيين. وهذا سيبويه لم يستشهد بهذا البيت وإنما استشهد بقول العجاج: الرجز كأن نسج العنكبوت المرمل ووجه الاستدلال منه أن العنكبوت مؤنث والمرمل مذكر لأنه وصف للنسج فقد اختلفا تأنيثا وتذكيرا. وللخليل أن يمنع هذا أيضا فإن العنكبوت قد جاء مذكرا أيضا نقل ذلك عن العرب. وأنشدوا: الوافر
85 * على هطالهم منهم بيوت * كأن العنكبوت هو ابتناها * وعلى تسليم أنها في البيت مؤنثة فإنه تأنيث ليس بعلامة إذ ليس مؤنثا بالتاء ولا بإحدى الألفين المقصورة والممدودة فأشبه التذكير إذ لم يظهر فيه من التنافر ما يظهر في التثنية. وقد استدل لسيبويه بعضهم بقراءة يحيى بن وثاب والأمش: إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين بجر المتين ورد هذا أيضا باحتمال أن يكون المتين صفة للقوة لأنها في معنى السبب فذكر على المعنى فلا يكون من باب الخفض على الجوار. وهذا نص سيبويه في باب النعت: وقال الخليل رحمه الله لا يقولون إلا: هذان جحرا ضب خربان من قبل أن الضب واحد والجحر جحران وإنما يغلطون إذا كان الآخر بعدة الأول وكان مذكرا مثله أو مؤنثا. وقالوا: هذه جحرة ضباب خربة لأن الضباب مؤنثة ولأن الجحرة مؤنثة والعدة واحدة فغلطوا. وهذا قول الخليل رحمه الله. ولا نرى هذا والأول إلا سواء لأنه إذا قال: هذا جحر ضب متهدم ففيه من البيان أنه ليس بالضب مثل ما في التثنية من البيان أنه ليس بالضب. قال العجاج: كأن نسج العنكبوت المرمل والمرمل مذكر والعنكبوت مؤنث. هذا كلام سيبويه.) وقول الشارح المحقق: وقال بعض البصريين: إن التقدير: هذا جحر ضب خرب جحره الخ هذا تخريج ابن جني في الخصائص قال فيه: الأصل هذا جحر ضب خرب جحره حذف الجحر المضاف إلى الهاء وأقيمت الهاء مقامه فارتفعت لأن المضاف المحذوف كان مرفوعا فلما ارتفعت استتر الضمير
86 المرفوع في نفس خرب فجرى وصفا على ضب وإن كان الخراب للجحر لا للضب على تقدير. وقال السيرافي: ورأيت بعض نحويي البصريين قال في هذا جحر ضب خرب قولا شرحته وقويته بما احتمله من التقوية. والذي قاله هذا النحوي أن معناه هذا جحر ضب خرب الجحر والذي يقويه أنا إذا قلنا خرب الجحر فهو من باب حسن الوجه وفي خرب ضمير الجحر مرفوع لأن التقدير كان خرب جحره. ومثله مما قاله النحويون: مررت برجل حسن الأبوين لا قبيحين والتقدير لا قبيح الأبوين وأصله لا قبيح أبواه ثم جعل في قبيح ضمير الأبوين فثنى لذلك وأجرى على الأول فخفض واكتفى بضمير الأبوين ولم يعد ظاهرهما لما تقدم من الذكر. انتهى. قال أبو حيان بعد أن نقل قولهما: ومذهبهما خطأ من غير ما وجه لأنه يلزم أن يكون الجحر مخصصا بالضب والضب مخصص بخراب الجحر المخصص بالإضافة إلى الضب فتخصيص كل منهما متوقف على صاحبه وهو فاسد للدور ولا يوجد ذلك في كلام العرب أعني لا يوجد مررت بوجه رجل حسن الوجه ولا حسن وجهه ولأنه من حيث أجرى الخرب صفة على الضب لزم إبراز الضمير لئلا يلبس وقد فرق سيبويه بين حسن الوجه وحسن. ولأن معمول هذه الصفة لا يتصرف فيه بالحذف لضعف عملها. فأما قول الشاعر: الطويل * ويضحك عرفان الدروع جلودنا * إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف * فلا يريد كاسف الشمس فيكون قد حذف معمول الصفة وإن كان قد ذهب إليه بعضهم وإنما هو عندنا صفة لليوم نفسه لأن الكسوف يكون فيه فيكون نحو قولهم: نهارك صائم وليلك قائم. ولأن هذه الصفة لا يجوز نقل الضمير إليها حتى يصح نسبتها إلى الموصوف على طريق الحقيقة. ألا ترى أنه لا يصح عندنا مررت برجل حائض البنت لأن الحيض لا
87 يكون للرجل. وكذلك الخرب لا يكون للضب والمرمل لا يكون للعنكبوت. وكذلك همز الناب لا يكون) للوادي. والذي يقطع ببطلان ما ذهبا إليه قول الشاعر: البسيط * يا صاح بلغ ذوي الحاجات كلهم * أن ليس وصل إذا انحلت عرى الذنب * وقول أبي ثروان في المفضل كان والله من رجال العرب المعروف له ذلك بخفض المعروف على المجاورة. وفي كلام أبي ثروان وهو ممن تؤخذ عنه اللغة والعربية رد على من يقول بأن الجوار لا يكون إلا مع النكرة فإن كلا من البيت ومن كلام أبي ثروان لا يمكن فيه أن يكون تابعا للمجرور الذي قبله بحال. وتشبيه السيرافي المسألة بنحو قول النحويين: مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين تشبيه غير صحيح. انتهى كلام أبي حيان. وبينه ابن هشام في المغني بعد نقل كلامهما بأنه يلزم استتار الضمير مع جريان الصفة على غير من هي له وذلك لا يجوز عند البصريين وإن أمن اللبس. وقول السيرافي إن هذا مثل: مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين مردود لأن ذلك إنما يجوز في الوصف الثاني دون الأول. انتهى. وقوله: ولأن هذه الصفة لا يجوز نقل الضمير إليها حتى يصح نسبتها إلى الموصوف إلى آخره هذا كلام السيرافي وهو معترف به فإنه قال بعد ما نقلناه عنه: ولا يشبه عندي: وحية بطن واد هموز الناب على هذه العلة لإنا إذا خفضنا هموز الناب فهو محمول على واد أو على بطن واد وليس هموز بمضاف إلى شيء إضافته إليه تصححه في التقدير كما كان تقدير إضافة خرب الجحر توجب تصحيح الخفض. انتهى. وقد بين الشارح المحقق إضافة هموز إلى ما يصحح إضافته في التقدير وشرحه
88 بما لا مزيد عليه وكأنه قصد بهذا البيان الرد على السيرافي. واعلم أن قولهم: جحر ضب خرب مسموع فيه الجر والرفع والرفع في كلامهم أكثر. قال أبو حيان في تذكرته: ينبغي أن لا تجوز مسألة التثنية والجمع لأن جر الجوار لم يسمع إلا في المفرد خاصة فلا يتعدى فيه السماع. وقد قال الفراء وغيره: لا يخفض بالجوار إلا ما استعملته العرب كذلك والمسموع منه ما تقدم * فجئت إليه والرماح تنوشه * كوقع الصياصي في النسيج الممدد * * فدافعت عنه الخيل حتى تبددت * وحتى علاني حالك اللون أسود * وأسود نعت لحالك وجر لمجاورته المجرور.) وقول آخر: البسيط * كأنك ضربت قدام أعينها * قطنا بمستحصد الأوتار محلوج * ومحلوج نعت لقوله قطنا لكنه جر بالمجاورة. وقول ذي الرمة: البسيط
89 * تريك سنة وجه غير مقرفة * ملساء ليس بها خال ولا ندب * وغير: نعت لسنة المنصوبة وجر للمجاورة. وروي بالنصب أيضا. قال الفراء: قلت لأبي ثروان وقد أنشدني هذا البيت بخفض غير: كيف تقول: تريك سنة وجه غير مقرفة قال: تريك سنة وجه غير مقرفة بنصب غير. قلت له: فأنشد بخفض غير فخفض غير فأعدت عليه القول فقال: الذي تقول قيل: ومنه قوله تعالى: اشتدت به الريح في يوم عاصف لأن عاصف من صفة الريح لا من صفات اليوم. وهذا القول للفراء. قال: لما جاء العاصف بعد اليوم أتبعته إعراب اليوم وذلك من كلام العرب أن يتبعوا الخفض الخفض إذا أشبهه. قال أبو حيان في تذكرته: قد أولت هذه الآية. أقول: أولها الفراء بتأويلين: أولهما وهو جيد. قال: جعل العصوف تابعا لليوم في إعرابه وإنما العصوف للريح. وذلك جائز على جهتين: إحداهما: أن العصوف وإن كان للريح فإن اليوم يوصف به لأن الريح فيه تكون فجاز أن تقول يوم عاصف كما تقول: يوم بارد ويوم حار. وقد أنشدني بعضهم: الرجز يومين غيمين ويوما شمسا
90 فوصف اليومين بالغيمين وإنما يكون الغيم فيهما. والوجه الآخر: أن تريد في يوم عاصف الريح فتحذف الريح لأنها قد ذكرت في أول الكلمة كقوله: إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف يريد كاسف الشمس. انتهى.) وجر الجوار لم يسمع إلا في النعت على القلة. وقد جاء في التأكيد في بيت على سبيل الندرة. قال الفراء في تفسيره: أنشدني أبو الجراح العقيلي: * يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم * أن ليس وصل إذا انحلت عرى الذنب * فاتبع كل خفض الزوجات وهو منصوب لأنه توكيد لذوي. انتهى. وزعم أبو حيان في تذكرته وتبعه ابن هشام في المغني أن الفراء سأل أبا الجراح فقال: أليس المعنى ذوي الزوجات كلهم فقال: بلى الذي تقوله خير من الذي نقول. ثم استنشده البيت فأنشده بخفض كلهم. انتهى. والفراء إنما نقل هذه الحكاية في بيت ذي الرمة السابق. وهذا البيت لأبي الغريب. قال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي: هو أعرابي له شعر قليل أدرك الدولة الهاشمية. قال أبو زياد الكلابي: كان أبو الغريب عندنا شيخا قد تزوج فلم يولم فاجتمعنا على باب خبائه وصحنا: الرجز
91 * أولم ولو بيربوع * أو لو بقرد مجدوع * قتلتنا من الجوع * يا ليت شعري عن أبي الغريب * إذ بات في مجاسد وطيب * * معانقا للرشأ الربيب * أأحمد المحفار في القليب * أم كان رخوا يابس القضيب فصاح إلينا: يابس القضيب والله يابس القضيب وأنشأ يقول: البسيط * سقيا لعهد خليل كان يأدم لي * زادي ويذهب عن زوجاتي الغضبا * * كان الخليل فأضحى قد تخونه * هذا الزمان وتطعاني به الثقبا * وقال: * يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم * أن ليس وصل إذا استرخت عرى النب * انتهى. وأراد باسترخاء عرى الذنب استرخاء الذكر. وأما جر الجوار في العطف فقد قال أبو حيان في تذكرته: لم يأت في كلامهم ولذلك ضعف) جدا قول من حمل قوله تعالى: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم في قراءة من خفض على الجوار.
92 والفرق بينه وبين النعت كون الاسم في باب النعت تابعا لما قبله من غير وساطة شيء فهو أشد له مجاورة بخلاف العطف إذ قد فصل بين الاسمين حرف العطف وجاز إظهار العامل في بعض المواضع فبعدت المجاورة. وذهب بعض المتفقهة من أصحابنا الشافعية إلى أن الإعراب على المجاورة لغة ظاهرة وحمل على ذلك في العطف الآية الكريمة وقوله تعالى لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين قال: فخفض المشركين لمجاورة أهل الكتاب. وما ذهب إليه يمكن تأويله على وجه أحسن فلا حجة فيه. انتهى. وقال ابن هشام في المغني: وقيل به في وحور عين فيمن جرهما فإن العطف على ولدان مخلدون لا على أكواب وأباريق إذ ليس المعنى أن الولدان يطوفون عليهم بالحور. وقيل العطف على جنات وكأنه قيل: المقربون في جنات وفاكهة ولحم طير وحور. وقيل على أكواب باعتبار المعنى إذ معنى يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب ينعمون بأكواب. انتهى. وأما قوله في البدل فقد قال أبو حيان أيضا: لم يحفظ ذلك في كلامهم ولا خرج عليه أحد من علمائنا شيئا فيما نعلم. وسبب ذلك والله أعلم أنه معمول لعامل آخر لا للعامل الأول على أصح المذهبين ولذلك يجوز ذكره إذا كان حرف جر بإجماع وربما وجب إذا كان العامل رافعا أو ناصبا. ففي جواز إظهاره خلاف فبعدت إذ ذاك مراعاة المجاورة ونزل المقدر الممكن إظهاره منزلة الموجود فصار من جملة أخرى. انتهى. وقد آن لنا أن نرجع إلى البيت الشاهد فنقول: هو من أبيات للحطيئة وقد
93 تقدمت ترجمته في الشاهد التاسع والأربعين بعد المائة مدح بها عدي بن فزارة وعيينة بن حصن وحذيفة بن بدر فقال بعد تسعة أبيات من الغزل: * فأبلغ عامرا عني رسولا * رسالة ناصح بكم حفي * * فإياكم وحية بطن واد * حديد الناب ليس لكم بسي * * فحلوا بطن عقمة واتقونا * إلى نجران في بلد رخي) * (فكم من دار حي قد أباحت * لقومهم رماح بني عدي * * فما إن كان عن ود ولكن * أباحوها بصم السمهري * وبعد هذا خمسة أبيات أخر. وقوله: فأبلغ عامرا الخ قال أبو عمرو: يعني عامر بن صعصعة وهو أبو قبيلة. والرسول: الرسالة. انتهى. فيكون على هذا قوله رسالة ناصح بدلا من رسولا وأجود منه أن يكون رسولا حالا من وقوله: فإياكم وحية الخ. إياكم محذر وحية محذر منه وهما منصوبان بفعلين أي: أبعدوا أنفسكم واحذروا الحية. وأراد الحطيئة بالحية نفسه يعني أنه يحمي ناحيته ويتقى منه كما يتقى من الحية الحامية لبطن واديها المانعة منه. والوادي: المطمئن من الأرض.
94 وقوله: حديد الناب هكذا وقع في رواية ديوانه وهذا لا يدل على أن المراد بالحية الذكر لأن حديدا في الأصل مسند إلى الناب أي: حديد نابه. والناب من الأسنان مذكر ما دام له هذا الاسم والجمع أنياب وهو الذي يلي الرباعيات. قال ابن سينا: ولا يجتمع في حيوان ناب وقرن. كذا في المصباح. والحديد: القاطع وروي بالنصب إتباعا للفظ الحية والمشهور في رواية النحويين هموز الناب بالجر على المجاورة كما تقدم. والهموز: فعول من الهمز بمعنى الغمز الضغط. وقوله: ليس لكم بسي هذا يدل على تذكير الحية فإن ضمير ليس عائد إلى الحية ولو أراد المؤنث لقال ليست. والسي بكسر السين المهملة: المثل أي: لا تستوون معه بل هو أشرف منكم. وقوله: فحلوا بطن عقمة الخ حلوا أمر من الحلول بمعنى النزول. وعقمة بضم العين وسكون القاف قال أبو عبيد البكري في المعجم: هو موضع ما بين ديار بني جعفر بن كلاب وبين نجران. والمعنى: اتقونا من ها هنا إلى نجران. ونجران: مدينة بالحجاز من شق اليمن. ورخي: بعيد وقيل واسع مخصب. وقوله: فكم من دار حي الخ حي هنا بمعنى القبيلة. وأباحت: بمعنى جعلته مباحا. وقوله: فما إن كان عن ود الخ يقول: لم ينزلوا هذه المنازل عن مودة بينهم وبين هؤلاء ولكن أباحتها لهم رماحهم وسيوفهم.) وأما بيت سيبويه وهو: 3 (كأن نسج العنكبوت المرمل)) فهو للعجاج.
95 وبعده: * على ذرى قلامة المهدل * سبوب كتان بأيدي الغسل * النسج: الغزل. والمرمل: المنسوج والمغزول. والذرى: الأعالي جمع ذروة بالكسر. والقلام: بضم القاف وتشديد اللام: ضرب من النبت وضمير قلامه راجع إلى الماء فإنه في وص ماء ورده. والمهدل: المدلى. والسبوب: جمع سب بالكسر كجذوع. والسب: ثوب من كتان أبيض. والغسل: جمع غاسل وغاسلة. يعني أن العنكبوت قد نسجت على القلام الذي نبت حول الماء. شبه ما نسجت العنكبوت عليه بثوب رقيق من الكتان. وأنشد بعده الشاهد الخمسون بعد الثلاثمائة الطويل كبير أناس في بجاد مزمل على أن قوله مزمل انجر لمجاورته ل أناس تقديرا لا ل بجاد لتأخره عن مزمل في الرتبة. فالمجاورة على قسمين: ملاصقة حقيقية كما في البيت السابق وملاصقة تقديرية كما في هذا البيت. وفيه رد على شراح المعلقات ومن تبعهم فإنهم قالوا: جر مزملا على الجوار
96 ل بجاد وحقه الرفع لأنه نعت لكبير. وممن تبعهم أبو حيان قال في تذكرته: خفض مزملا على الجوار للبجاد وهو في المعنى نعت للكبير تغليبا للجوار. ومنهم ابن هشام في بعض تعاليقه قال: لما جاور المخفوض وهو البجاد خفض للمجاورة. ولا يخفى أن المجاورة رتبية كانت أو لفظية كافية. وما قاله الشارح المحقق لا داعي له.) ولم يجعل أبو علي هذا البيت من باب الجر على الجوار بل جعل مزملا صفة حقيقية ل بجاد قال: لأنه أراد مزمل فيه ثم حذف حرف الجر فارتفع الضمير واستتر في اسم المفعول. انتهى. وقال الخطيب التبريزي في شرح المعلقات: وفي البيت وجه آخر وهو أن يكون على قول من قال كسيت جبة زيدا فيكون التقدير: في بجاد مزمله الكساء ثم تحذف كما تقول: مررت برجل مكسوته جبة ثم تكني عن الجبة فتقول: مررت برجل مكسوته ثم تحذف الهاء في الشعر. هذا قول بعض البصريين. انتهى. ولا يخفى تعسف هذا القول. وتخريج أبي علي أقرب من هذا. والمصراع عجز وصدره: كأن ثبيرا في عرانين وبله والبيت من معلقة امرئ القيس المشهورة. وثبير: جبل بمكة. والعرانين:
97 الأوائل والأصل في هذا أن يقال للأنف: عرنين استعير لأوائل المطر لأن الأنوف تتقدم الوجوه. والوبل: مصدر وبلت السماء وبلا إذ أتت بالوابل وهو ما عظم من القطر. وضمير وبله راجع للسحاب في بيت قبله. والبجاد بالجيم بعد الموحدة المكسورة وهو كساء مخطط من أكسية الأعراب من وبر الإبل وصوف الغنم. والمزمل: اسم مفعول بمعنى الملفف. قال الزوزني في شرح المعلقات: كأن ثبيرا في أوائل مطر هذا السحاب سيد أناس ملفف بكساء مخطط. شبه تغطيه بالغثاء بتغطي هذا الرجل بالكساء. انتهى. ونقل الخطيب التبريزي عن أبي نصر أن امرأ القيس شبه الجبل وقد غطاه الماء والغثاء الذي أحاط به إلا رأسه بشيخ في كساء مخطط. وذلك أن رأس الجبل يضرب إلى السواد والماء حوله أبيض. انتهى. وقال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات: شبه ثبيرا برجل مزمل بالثياب لأن المطر لما سح ستره. وروى المبرد في الكامل تبعا للأصمعي: * كأن أبانا في أفانين ودقه * كبير أناس........ الخ * وقال: أبان: جبل. وهما أبانان: أبان الأسود وأبان الأبيض. وقوله: في أفانين ودقه يريد ضروبا) قوله: كبير أناس الخ يريد مزملا بثيابه قال تعالى: يا أيها المزمل. قم الليل وهو المتزمل والتاء مدغمة في الزاي. وإنما وصف امرؤ القيس الغيث فقال قوم: أراد أن المطر قد خنق الجبل فصار له كاللباس على الشيخ المتزمل.
98 وقال آخرون: إنما أراد ما كساه المطر من خضرة النبت. وكلاهما حسن. وذكر الودق لأن تلك الخضرة من عمله. انتهى. تتمتان إحداهما: لم يذكر الشارح المحقق الرفع على المجاورة لأنه لم يثبت عند المحققين وإنما ذهب إليه بعض ضعفة النحويين في قوله: البسيط * السالك الثغرة اليقظان كالئها * مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل * أولهم الأصمعي ذكره علي بن حمزة البصري في كتاب التنبيهات على أغلاط الرواة قال: سأل الرياشي الأصمعي عنه فقال: الفضل من نعت الخيعل وهو مرفوع وأصله أن المرأة الفضل هي التي تكون في ثوب واحد فجعل الخيعل فضلا لأنه لا ثوب فوقه ولا تحته كما يقال امرأة فضل. قال الرياشي: وهذا مما أخذ على الأصمعي. ثم رجع عن هذا القول وقال بعد: هو من نعت الهلوك إلا أنه رفعه على الجوار كما قالوا: جحر ضب خرب. انتهى. ومنهم ابن قتيبة قال في أبيات المعاني: الثغرة والثغر سواء وهو موضع المخافة. والكالئ: الحافظ. والخيعل: ثوب يخاط أحد جانبيه ويترك الآخر. والهلوك: المتثنية المتكسرة. والفضل من صفة الهلوك وكان ينبغي أن يكون جرا ولكنه رفعه على الجوار للخيعل. ومثله: كأن نسج العنكبوت المرمل ومثله جحر ضب خرب.
99 مثله: كبير أناس في بجاد مزمل وأراد أنه آمن لا يخاف فهو يمشي على هينته. انتهى. وقد رد العلماء هذا القول منه ابن الشجري في أماليه قال: وزعم بعض من لا معرفة لهم بحقائق الإعراب بل لا معرفة لهم بجملة الإعراب أن ارتفاع الفضل على المجاورة للمعرفة فارتكب خطأ فاحشا وإنما الفضل نعت للهلوك على المعنى لأنها فاعلة من حيث أسند) المصدر الذي هو المشي إليها كقولك عجبت من ضرب زيد الطويل عمرا رفعت الطويل لأنه وصف لفاعل الضرب وإن كان مخفوضا في اللفظ. فلو قلت: عجبت من ضرب زيد الطويل عمرو فنصبت الطويل لأنه نعت لزيد على معناه من * قد كنت داينت بها حسانا * مخافة الإفلاس والليانا * ومثل رفع الفضل على النعت للهلوك رفع المظلوم على النعت للمعقب في قول لبيد يصف الحمار والأتان: الكامل * يوفي ويرتقب النجاد كأنه * ذو إربة كل المرام يروم * * حتى تهجر في الرواح وهاجها * طلب المعقب حقه المظلوم *
100 يوفي أي: يشرف. والنجاد: جمع نجد وهو المرتفع. أي: يشرف على الأماكن المرتفعة كالرقيب وهو الرجل الذي يكون ربيئة القوم يربض على نشز متجسسا. والإربة: الحاجة. وقوله: حتى تهجر في الرواح أي: عجل رواحه فراح في الهاجرة. وهاجها أي: هاج الأتان وطردها وطلبها مثل طلب الغريم المعقب حقه فالمعقب فاعل الطلب. ونصب حقه لأنه مفعول الطلب. والمظلوم للمعقب على المعنى فرفعه لأن التقدير طلبها مثل أن طلب المعقب لمظلوم حقه. والمعقب: الذي يطلب حقه مرة بعد مرة. انتهى. ومنهم أبو حيان في تذكرته قال في أولها: قال بعض معاصرينا: أكثرهم يعتقد الجوار مخصوصا بالمجرور وقد جاء في المرفوع وأنشد: السالك الثغرة اليقظان كالئها................. البيت قال أبو حيان: قلت: وليس الرفع كما ذكر اتباعا للخيعل بل رفعه على النعت للهلوك على الموضع لأن معناه: كما تمشي الهلوك الفضل. وعليها الخيعل حال معمولة لتمشي أو جملة اعتراضية. انتهى. واليقظان بالنصب: صفة للثغرة. وكالئها فاعل اليقظان ومشي مفعول مطلق أي: مشيا كمشي الهلوك. والفضل بضمتين: المرأة التي عليها قميص ورداء وليس عليها إزار ولا سروايل. وقال الفراء والحسن السكري في الهذليات: الفضل: ثوب كالخيعل تلبسه المرأة في بيتها. وعلى هذا فلا مجاورة ولا اتباع على المحل. يقول: هذا من شأنه سلوك موضع المخافة متمكنا غير خائف كمشي المرأة المتبخترة الفضل.)
101 وقد تقدم الكلام على هذا البيت في حملة شرح قصيدته في الشاهد الثاني والثلاثين بعد الثلاثمائة. ثانيتهما: قد ضرب المثل بخفض مزمل في كون الشريف يعاشر دنيئا فيسفل بعشرته. قال الأمين المحلي: الطويل * عليك بأرباب الصدور فمن غدا * مضافا لأرباب الصدور تصدرا * * وإياك أن ترضى صحابة ناقص * فتنحط قدرا من علاك وتحقرا * وأورد ابن هشام هذا الشعر في مغني اللبيب في الأمور التي يكتسبها الاسم بالإضافة. منها: وجوب التصدر ومما له الصدارة كلمات الاستفهام يجب أن تتصدر في جملتها فإذا أضيف إليها اسم وجب تصدره أيضا وحيئذ لا يعمل ما قبله فيه ولهذا وجب الرفع في قولك: علمت أبو من زيد. وإليه الإشارة بقوله: فرفع أبو من. والإشارة بقوله: ثم خفض مزمل إلى بيت امرئ القيس الذي شرحناه. وقوله: مغريا راجع إلى قوله أولا عليك بأرباب الصدور وقوله: ومحذرا راجع إلى قوله ثانيا: وإياك أن ترضي صحابة ناقص. فإن قيل: قوله: يبين قولي الخ لا يصح أن يكون خبرا عن مجموع قوله: فرفع أبو من ثم خفض مزمل إذ لم يقل يبينان. ولا عن أحدهما لاشتمال الجملة على قيد لا يصح تعلقه بكل منهما. وذلك أن رفع أبو من لا يبين قوله مغريا ومحذرا وإنما يبين قوله مغريا وكذا الثاني. أجيب بأن قوله: يبين قولي فقط هو خبر الأول وخبر الثاني محذوف وأن قوله مغريا ومحذرا قيدان للمحذوف والتقدير فرفع أبو من يبين قولي وخفض مزمل كذلك هما يبينان قولي مغريا ومحذرا. ومثل هذا الشعر قول ابن حزم الظاهري: الطويل
102 * تجنب صديقا مثل ما واحذر الذي * يكون كعمرو بين عرب وأعجم * قال ابن هشام في المغني في المبحث الذي تقدم ذكره: مراده بما الكناية عن الرجل الناقص كنقص ما الموصولة. وبعمرو الكناية عن المتزيد الآخذ ما ليس له كأخذ عمرو الواو في الخط. وقال في موقد الأذهان وموقظ الوسنان وهي رسالة له بعد أن ذكر أنه سئل عن الأبيات: يريد بالصديق الذي كعمرو المستكثر بما ليس له فإن عمرا قد أخذ الواو في الخط في الرفع والجر وليس داخلة في هجائه ومن ثم نسب الشعراء إلحقها له إلى الظلم.) قال الشاعر: الخفيف * أيها المدعي سليما سفاها * لست منها ولا قلامة ظفر * * إنما أنت من سليم كواو * ألحقت في الهجاء ظلما بعمرو * وأما المشار إليه بما فهو الصديق الناقص وذلك على أنه يريد ما الموصولة فإنها مفتقرة إلى صلة وعائد وما الاستفهامية فإنه تنقص حرفا إذا دخل عليها الجار. وهذا أحسن من قوله في المغني كنقص ما الموصولة لأن ما الناقصة أعم من الموصولة لشمولها الاستفهامية. وأما الموصوفة فهي كالموصولة. وأما الشاهد الذي أشار إليه ابن حزم فهو قول الأعشى ميمون من قصيدة: الطويل
103 * وتشرق بالقول الذي قد أذعته * كما شرقت صدر القناة من الدم * وبيانه أن الفعل إنما تلحقه التاء إذا كان الفاعل مؤنثا ولا يجوز قالت زيد فكان ينبغي أن لا يجوز كما شرقت لأن الصدر مذكر لكنه لما أضافه للقناة سرى منها التأنيث إليه. وعكس ذلك قوله: البسيط * إنارة العقل مكسوف بطوع هوى * وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا * فكان ينبغي أن يقول مكسوفة لأن الإنارة مؤنثة ولكنه لما أضافها إلى العقل سرى إليها منه التذكير. والمين المحلي من الفضلاء المصرية له تأليفات في علم العروض. والمحلة: كورة بمصر القاهرة.
104 3 (باب العطف)) أنشد في أوله: المتقارب * إلى الملك القرم وابن الهمام * وليث الكتيبة في المزدحم * على أن الصفات يعطف بعضها على بعض كما هنا. وقد تقدم الكلام عليه في الشاهد الخامس والسبعين في باب المبتدأ والخبر. وأنشد بعده السريع * يا لهف زيابة للحارث ال * صابح فالغانم فالآيب * على أن الصفة يعطف بعضها على بعض كما هنا فإن الغانم معطوف على الصابح والآيب معطوف على الغانم. وأشار بالبيتين إلى أن عطف الصفات يجوز بالواو إن قصد الجمع وبالفاء إن قصد التعقيب. قال الخطيب التبريزي في شرح الحماسة: لما كانت هذه الصفات متراخية حسن إدخال فاء العطف لأن الصابح قبل الغانم والغانم أمام الآيب.
105 ويقبح أن تدخل الفاء إذا كانت الصفات مجتمعة في الموصوف فلا يحسن أن يقال عجبت من فلان الأزرق العين فالأشم الأنف فالشديد الساعد إلا على وجه يبعد لأن زرقة العين وشمم الأنف وشدة الساعد قد اجتمعن في الموصوف. انتهى. والصواب أن يقال متعاقبة بدل متراخية فإن التعاقب هنا كالتعاقب في قولك: تزوج زيد فولد له وكذلك كل شيء بحسب حصوله وإن كان فيه تراخ. وقال ابن جني في إعراب الحماسة: أراد: الذي يصبح العدو بالغارة فيغنم فيؤوب سالما فعطف الموصول على الموصول وهما جميعا لموصوف واحد. والشيء لا يعطف على نفسه من حيث كان العطف نظير التثنية في المعنى فكما لا يكون الواحد اثنين وليجوزن أن يكون ما فوق ذلك إلى ما لا غاية له كثرة. وعلة جواز ذلك قوة اتصال الموصول بصلته حتى إنه إذا أريد عطف بعض صلته على بعض جيء به هو معطوف في اللفظ على نفسه. ومثله قول الله تبارك وتعالى: الذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين إلى آخر الآية. وهذا كله صفة موصوف واحد وهو القديم) عز اسمه. وقد تقصيت هذا في كتاب المعرب وهو تفسير قوافي أبي الحسن. فأما قول الله تعالى: والعاديات ضبحا. فالموريات قدحا. فالمغيرات صبحا فقد يمكن أن يكون مما نحن فيه وقد يمكن أن تكون العاديات غير الموريات والمغيرات غيرهما فيكون عطف موصوف على موصوف آخر حقيقة لا مجازا كقولك:
106 مررت بالضاحك فالباكي إذا مررت باثنين أحدهما ضاحك والآخر باك. انتهى. وأورد الزمخشري هذا البيت والذي قبله عند قوله تعالى: والذين يؤمنون بما أنزل إليك من سورة البقرة وفي توسط العاطف بينه وبين قوله تعالى قبله: الذين يؤمنون بالغيب فإنهما واحد كما توسط بين الصفات في البيتين. وعطف الصفات على الصفات كثير بناء على تغاير المفهومات وإن كانت متحدة بالذات. وقد يكون العطف بالواو كما في الآية والبيت الأول وقد يكون بالفاء كما تقدم بيانه. قال صاحب الكشاف في أول الصافات ونقله ابن هشام في المغني: للفاء مع الصفات ثلاثة أحوال: أحدها أن تدل على ترتب معانيها في الوجود كقوله: يا لهف زيابة البيت أي: الذي صبح فغنم فآب. والثاني: أن تدل على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه نحو قولك: خذ الأكمل فالأفضل واعمل الأحسن فالأجمل. والثالث: أن تدل على ترتب موصوفاتها في ذلك نحو: رحم الله المحلقين فالمقصرين. انتهى. قال الفاضل اليمني: والقسمة الصحيحة تقتضي أربعة لأنه كما جاز في الصفات الدلالة على ترتيب معانيها في الوجود كذلك يجوز في الموصوفات كما تقول: حل المتمتع فالقارن فالمفرد. وهذا البيت أول أبيات ثلاثة لابن زيابة مذكورة في الحماسة وبعده:
107 * والله لو لاقيته خاليا * لآب سيفانا مع الغالب * * أنا ابن زيابة إن تدعني * آتك والظن على الكاذب * قال الجوهري: يا لهف فلان: كلمة يتحسر بها على ما فات. ولهف: منادى مضاف أي: يا لهف احضر.) وزيابة بفتح الزاي المعجمة وتشديد المثناة التحتية وبعد الألف باء موحدة: اسم أم الشاعر. ومثل هذا البيت في تلهيف الأم والتحسر على الفائت قول النابغة الذبياني: الكامل * يا لهف أمي بعد أسرة جعول * أن لا ألاقيهم ورهط عرار * وزعم ابن هشام في المغني أن زيابة أبو الشاعر ولم أره لغيره. وقال: أراد يا لهف أبي على الحارث أن لا أكون لقيته فقتلته. وذلك لأنه يريد يا لهف نفسي. وفيه أنه يصح أن يكون اللهف من أمه وأبيه فلا حاجة إلى إقامة غيره مقام نفسه. واللام في للحارث للتعليل أي: يا لهف أمي من أجل الحارث بن همام الشيباني. وجعلها ابن هشام بمعنى على. قال أمين الدين الطبرسي في شرح الحماسة: يجوز أن يكون أورد هذا الكلام على الحقيقة فلهف لما رأى من نجاحه في غزواته وسلامته في مآبه. ويجوز أن يكون أورده على طريق الاستهزاء فوصفه بهذه الصفات والأمر بخلافه. والأشهر أن يوصف الرجل بما هو متصف بضده تهكما به وسخرية. وهذا من أشد سباب العرب يقول الرجل لغيره: يا عاقل أو يا حليم إذا استجهله. ونحوه
108 قوله تعالى: ذق إنك أنت العزيز الكريم. انتهى. وحمل أبو عبيد النمري في شرح الحماسة هذا الكلام على ظاهره فقال: يقول: يصبح أعداءه بالغارة فيغنم ويؤوب فوصفه بالفتك والظفر وحسن العاقبة. وهذا بين واضح. ورد عليه أبو محمد الأعرابي الأسود فقال: هذا موضع المثل: أخطأت استك الحفرة كيف يذكره بالفتك والظفر وهو أعدى عدو له وإنما المعنى أنه لهف أمه وهي زيابة أن لا يلحقه في بعض غاراته فيقتله أو يأسره. انتهى. ومنه تعلم أن قول ابن هشام: يا لهف أبي علي الحارث إذ صبح قومي بالغارة غير جيد من وجهين: أحدهما: تفسير زيابة بالأب والثاني: تقييد صبح بقوله قومي. وقد ذهب إليه أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي فقال: تأسف أن صبحهم فغنم وآب سالما. والصابح: الذي يصبح القوم بالغارة. والحارث هذا هو الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان. وإنما قال ابن زيابة فيه هذا الشعر جوابا عن شعر له فيه. وهذا شعر الحارث بن همام: السريع) * أيا ابن زيابة إن تلقني * لا تلقني في النعم العازب * العازب: البعيد. يريد: إنك لا تراني راعي إبل. والمعنى: إنما صاحب فرس ورمح أغير على الأعداء وأحارب من يبتغي حربي. ويشتد: من
109 الشد وهو العدو. والأجرد: الفرس القصير الشعر: والبركة بكسر الموحدة: الصدر أي: متقدم مشرفه. كالراكب أي: إشرافه إشراف الراكب لا المركوب. وأيا: حرف نداء وابن زيابة: منادى. وقوله: والله لو لاقيته خاليا الخ يقول: لو لاقيته لقتلته أو قتلني ورجع السيفان مع الغالب. وفي هذا الكلام وصف لنفسه بالشجاعة وقلة مبالاته بالموت وإنصاف للمحارب. وقوله: إن تدعني الخ هذا يحتمل وجهين: أحدهما: أنك إن دعوتني علمت حقيقة ما أقول فادعني واخلص من الظن لأنك لا تظن بي العجز عن لقائك. والظن من شأن الكاذب مثل ما يقال: القيام بهذا الأمر على فلان أي: هو الذي يقع به. والآخر: أن يكون معنى قوله والظن على الكاذب أي: يكون عونا عليه مع الأعداء كما تقول: رأيك عليك أي: إنك تسيئه فيكون كالمتظاهر عليك. هذا كلام الخطيب التبريزي. وقال الطبرسي: قوله والظن على الكاذب جرى مجرى الأمثال ومعناه قول لبيد: الرمل * واكذب النفس إذا حدثتها * إن صدق النفس يزري بالأمل * والمعنى كل منا يحدث صاحبه بكذبها ثم الظن على من لا يتحقق أصله. ويجوز أن يريد: أنا المشهور المعروف إن تدعني لمبارزتك أجبتك فإن كنت تظن غير هذا فظنك عليك لأنك تكذب نفسك فيما تتوهمه من قعودي عنك ونكولي عن الإقدام عليك. ويجوز أن يريد: إن ظننت أن تكون الغالب فظنك عليك لأنك تكذب نفسك. وابن زيابة شاعر من شعراء الجاهلية واختلف في اسمه فقال أبو رياش
110 في شرح الحماسة: هو عمرو بن لأي أحد بني تيم اللات بن ثعلبة وهو فارس مجلز. وقال أبو محمد الأعرابي والمرزباني: اسمه سلمة بن ذهل. وقال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي اسمه عمرو بن الحارث بن همام أحد بني تيم اللات بن ثعلبة. وزيابة اسم مرتجل للعلم قال ابن جني في المبهج: هو فعالة أو فيعالة أو فوعالة من لفظ) الأزيب وهو النشاط. انتهى. قال صاحب الصحاح عن ابن السكيت: الأزيب على أفعل: النشاط ويؤنث يقال: مر فلان وله أزيب منكرة إذا مر مرا سريعا من النشاط. والأزيب: الدعني. والأزيب: العداوة. والأزيب: النكباء التي تجري بين الصبا والجنوب. وقال أبو زيد: أخذني من فلان الأزيب وهو وأخطأ محمد بن داود الجراح في ضبطه ابن زيابة بباءين موحدتين خفيفتين قال: وهي فأرة صماء يشبه بها الجاهل. قال ابن حلزة: مجزوء الكامل * وهم زباب حائر * لا تسمع الآذان رعدا *
111 وشعره يرد عليه فإنه لا يستقيم على ما قال. نقله عنه أبو عبيد البكري. واللأي بفتح اللام وسكون الهمزة بمعنى البطء. وتيم بمعنى عبد. واللات صنم. ومجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام وآخره زاي معجمة: اسم فرسه وهو من الجلز وهو الفتل الشديد. ولابن زيابة شعر جيد أورد منه المبرد في الكامل هذه الأبيات وأبو تمام في الحماسة: السريع * ما لدد ما لدد ماله * يبكي وقد أنعمت ما باله * * مالي أراه مطرقا ساميا * ذا سنة يوعد أخواله * * وذاك منه خلق عادة * أن يفعل الأمر الذي قاله * * إن ابن بيضاء وترك الندى * كالعبد إذ قيد أجماله * * آليت لا أدفن قتلاكم * فدخنوا المرء وسرباله * * والرمح لا أملأ كفي به * واللبد لا أتبع تزواله * قال المبردك قوله ما لدد يعني رجلا. ودد في الأصل هو اللهو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لست من دد ولا دد مني وقد يكون في غير هذا الموضع مأخوذا من العادة. وقوله: أنعمت ما باله. ما زائدة والبال هنا: الحال. وقوله: مطرقا ساميا السامي: الرافع رأسه يقال: سما يسمو إذا ارتفع. والمطرق: الساكت المفكر المنكس رأسه فإنما أراد ساميا بنفسه. وقوله: ذا سن يقول: كأنه لطول إطراقه في نعسة. انتهى.)
112 قال ابن السيد فيما كتبه على الكامل حكى الزجاجي أن المطرق من هو بذيء في أفعاله ويطلب معالي الأمور. وقال غيره: المطرق الخامل الذكر أي: هو خامل في الحقيقة وهو يتكبر في نفسه. وقوله: ذا سنة يريد أن وعيده لا حقيقة له فكأنه يراه في النوم. انتهى كلام ابن السيد. وروى أبو تمام المصراع الأول: * نبئت عمرا غارزا رأسه * ذا سنة........... الخ * قال الخطيب التبريزي: نبئ وأنبأ متعد إلى ثلاثة مفاعيل أولها نائب الفاعل وهو تاء المتكلم ورأسه منصوب بغارزا بمعنى مدخلا رأسه ومنه الغرز بالإبرة. وغرز الرأس: كناية عن الجهل والذهاب عما عليه وله من التحفظ. والسنة بالكسر: النعاس. يقول: كأنه وسنان قد تغير عقله فهو يوعد من لا يحب أن يوعده وجملة يوعد: حال. وروى: في سنة بفتح السين أي: في جدب وقحط. وقوله: وذاك منه خلق عادة روى بدله أبو تمام: وتلك منه غير مأمونة. قال الخطيب: أي: تلك الخصلة لا يؤمن وقوعها من عمرو وهو فعله لما يقوله. وهذا تهكم. وأن يفعل موضعه رفع على البدل من قوله: وتلك منه. وقوله: كالعبد إذ قيد أجماله قال المبرد: يريد غير أنه مكترث لاكتساب المجد والفضل وذلك أن العبد الراعي إذا قيد أجماله لف رأسه ونام ناحية.
113 وهذا شبية بقوله: البسيط واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي وهذا البيت ساقط في رواية أبي تمام. قال الخطيب: قال النمري: وفيها: إنك يا عمرو وترك العدى قال ابن السكيت: يقول: أنت كالعبد اقتصر على موضع يرعى فيه ولا يعزب بإبله. وعندي أنه يقول: وبخلك وحبسك مالك كالعبد قيد أجماله فلا يبرحه منها بعير. وكذلك أنت قيدت مالك فلا يبرحك منه شيء. قال أبو محمد الأعرابي: هذا موضع المثل: الوافر * فلا يدري نضير من دحاها * ومن هو ساكن العرش الرفيع * أخبرنا أبو الندى قال: هذا البيت من المختل القديم والصواب:) * إني وحواء وترك الندى * كالعبد إذ قيد أجماله * قال: حواء فرسه. ومعناه إني متى أترك الغزو على ظهر حواء واغتنام
114 الأموال وتفريقها على الزائرين والسائلين لم يبق لي هم لأن أكثر همي في ذلك وكنت مثل العبد إذا شبعت إبله فأراحها وقيدها في مراحها لم يبق له هم حينئذ. يقول: همي في الغزو واغتنام الأموال وبذلها. انتهى. وقوله: فدخنوا المرء وسرباله. قال المبرد: يروي أنه طعن فارسا منهم فأحدث فقال: نظفوه فإني لا أدفن القتيل منكم إلا طاهرا. وقوله: والدرع لا أبغي بها نثرة قال المبرد: النثرة: الدرع السابغة. يقول: درعي هذه تكفيني. وقوله: كل امرئ مستودع ماله قال المبرد: أي: مسترهن بأجله وهو كقول الأعشى: الكامل * كنت المقدم غير لابس جنة * بالسيف تضرب معلما أبطالها * انتهى. وقال الإمام أبو الوليد فيما كتبه على الكامل: ليس هذا بالمعنى لأن الاستيداع غير الاسترهان والمال غير الأجل وإنما المعنى مال الإنسان وديعة مرتجعة وعارية مؤداة كما قال لبيد: الطويل * وما المال والأهلون إلا وديعة * ولا بد يوما أن ترد الودائع * ويروى: والدرع لا أبغي بها ثروة
115 وهذا الرواية تدل على معنى بيت لبيد ولا يجوز معها تأويل المبرد. انتهى. وهذه رواية شراح الحماسة. قال الخطيب: أي: درعي مالي الذي أدخره. وهذا كقول الآخر: الطويل * ومالي مال غير درع حصينة * وأبيض من ماء الحديد صقيل * ويحتمل أنه لا يبيعها فيأخذ العوض عنها فيثرى به. وقوله: كل امرئ الخ يريد احتفاظه بالدرع وأن كل إنسان يحفظ ماله فهو عنده كالوديعة التي قد لزم حفظها. ويحتمل أن يريد تعزية نفسه إذ لا مال له فيقول: كل امرئ مستودع ماله أي: أنه سيسترد منه كما تسترد الوديعة. ويجوز أن تكون ما بمعنى الذي فيكون المعنى كل امرئ ولا يمتنع أن يكون أشار بما إلى ما يقتنى من أعراض الدنيا. ويروى: مستودع بكسر الدال) والمعنى أن ما يجمعه المرء ويكسبه إذا جاء محتوم القضاء يتركه لغيره لا محالة فلم أرغب فيه وأزهد في اكتساب المحامد. ويروى: والدرع لا أبغي بها نثرة وهي الواسعة. والمعنى إني أكتفي من الدرع ببدنه. انتهى كلام الخطيب. وقوله: والرمح لا أملأ كفي به قال المبرد: يتأول على وجهين: أحدهما أن الرمح لا يملأ كفي وحده أنا أقاتل بالرمح وبالسيف وبالقوس وغير ذلك. والقول الآخر: إني لا أملأ به كفي إنما أختلس به اختلاسا كما قال: الكامل
116 * ومدجج سبقت يداي له * تحت الغبار بطعنة خلس * وقوله: واللبد لا أتبع تزواله يقول: إن انحل الحزام فمال اللبد لم أمل معه أي: إني فارس ثابت على ظهور الخيل. انتهى. وأوضح منه قوله الطبرسي: يجوز أن يكون المعنى أي: لا اقتصر من تعاطي أنواع السلاح على الرمح فقط ولكني أجمع في الاستعمال بينها وهذا كما يقال: ملأ كفه من كذا فليس فيه موضع لغيره. ويجوز أن يكون المعنى إني أستعمل رمحي بأطراف أصابع اليد لحذقي واقتداري ولا آخذه بجميع كفي. وقوله: واللبد لا أتبع الخ يريد: ألزم دابتي فإن مال اللبد لم أمل معه. يصف نفسه بالفروسية ويعرض بأن أضداد هذه الأوصاف مجتمعة في خصمه. وأنشد بعده الشاهد الثاني والخمسون بعد الثلاثمائة الوافر * ولست بنازل إلا ألمت * برحلي أو خيالتها الكذوب *
117 على أن قوله: خيالتها معطوف على الضمير المستتر في ألمت وجاز مع عدم تأكيد المستتر بمنفصل لوجود الفصل قبل حرف العطف وهو قوله: برحلي. قال ابن جني في إعراب الحماسة: عطف على الضمير المرفوع المتصل بغير تأكيد ولو أكد فقال: ألمت هي لكان أحسن غير أن الكلام طال بقوله برحلي فناب طوله عن التأكيد كما أن قوله الله سبحانه: ما أشركنا ولا آباؤنا لما طال الكلام فيه بلا وإن كانت بعد الواو حسن الكلام بطولها. انتهى. وهذا البيت أول أبيات ثلاثة مذكورة في الحماسة. وبعده: * فقد جعلت قلوص بني سهيل * من الأكوار مرتعها قريب * * كأن لها برحل القوم بوا * وما إن طبها إلا اللغوب * قوله: ولست بنازل مفعول نازل محذوف أي: منزلا أو مكانا. والإلمام: زيارة لا لبث معها أو هو من ألم الرجل بالقوم إلماما بمعنى أتاهم فنزل بهم. وفاعل ألمت ضمير الحبيبة. والرحل: كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع. والخيالة: الطيف يقال: خيال وخيالة كما يقال: مكان ومكانة.
118 والكذوب: صفة خيالة وإنما لم يؤنثه لأن فعولا يستوي فيه المذكر والمؤنث. وجعلها كذوبا لأنها تخيل إليه في النوم ما لا يحق. وقال المرزوقي: وجعلها كذوبا لما لم يحقق قولها وفعلها. يقول: لا أنزل محلا إلا رأيت هذه المرأة ملحمة برحلي اي: متصورة لي بهذه الصورة تشوقا مني وهذا في حال اليقظة أو رأيت خيالها الكاذب الذي لا حقيقة له وهذا في حال النوم. * أآخر شيء أنت في كل هجعة * وأول شيء أنت عند هبوبي * لأن هذا في حال دون حال وذاك الدهر كله. وقد جعلت قلوص الخ جعلت هنا بمعنى طفقت وأقبلت وأخطأ العيني في قوله إن جعلت هنا بالبناء للمفعول وقلوص اسمها وهي الناقة الشابة. وجملة مرتعها قريب في محل نصب خبرها) ومن الأكوار متعلق بقريب. واستعيرت الاسمية موضع الفعلية لأن المراد: وقد جعلت هذه القلوص يقرب مرتعها من الأكوار. وقد أورده الشارح المحقق في آخر أفعال المقاربة ويأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى. وقال المرزوقي: ومرتها قريب في موضع الحال. يقول: أقبلت قلوص هذين الرجلين قريبة المرتع من رحالهم قصيرة المسرح في رواحهم لأنه لما لحقها من الكلال والإعياء لم تقدر على التباعد في المرعى. انتهى.
119 وقد شرحه قول الآخر وأبلغ فقال: الرجز * من الكلال لا يذقن عودا * لا عقلا تبغي ولا قيودا * والأكوار: جمع كور بالضم وهو الرحل بأداته. أي: إذا سرحت لم تبعد في المرعى لشدة كلالها. وزعم الدماميني في الحاشية الهندية وتبعه غيره أنه يصح أن يكون أكوار هنا جمع كور بالفتح وهي الجماعة الكثيرة من الإبل. وهذا وإن كان صحيحا في نفسه إلا أنه لا يناسب المقام. فتأمل. وقوله: كأن لها برحل الخ. قال المرزوقي: يقول: كأن لهذه الناقة ولدا برحل القوم تتعطف عليه ولا تتباعد عنه وما داؤها إلا الإعياء. والطب بالكسر أصله العلم والمراد به هنا الذي يعلم ويعرف. والبو أصله جلد فصيل يحشى تبنا لتدر الأم عليه. انتهى. وقال شارح آخر: قوله: وما إن طبها قال أبو الندى: أي ما شأنها وداؤها. وقال غيره: الطب ها هنا السقم ومنه آخر الطب الكي: وأكثر ما يستعمل ذلك في السحر ومنه رجل مطبوب. واللغوب: الإعياء وقد لغب لغوبا كدخل دخولا ولغب لغبا كفرح فرحا. انتهى. وهذه الأبيات أوردها أبو تمام في باب الحماسة مع أنه لا تعلق لها بها بوجه فإن البيت الأول من باب النسيب والبيتان الأخيران من باب الوصف وهو نعت الناقة بشدة التعب وهذا بمعزل عن الحماسة. ولم أر من تنبه لهذا من شراحه ولم أر أيضا منهم من نسبها إلى قائلها. ورأيت الصغاني نسبها في مادة الخيال من العباب إلى رجل من بني بحتر
120 ابن عتود بضم الموحدة وسكون المهملة وضم المثناة الفوقية. وعتود بفتح المهملة بعدها مثناة فوقية مضمومة وآخره دال. الحافظو عورة العشيرة) على أن أصله الحافظون عورة العشيرة فحذفت النون طلبا للاختصار لأن الصلة قد طالت. وعورة منصوب به. وروي أيضا بجرها بالإضافة. وهذا صدؤ من بيت وهو: * الحافظو عورة العشيرة لا * يأتيهم من ورائنا وكف * والوكف: العيب والإثم. أي: نحن نحفظ عورة عشيرتنا فلا يأتيهم من ورائنا شيء يعابون به من تضييع ثغرهم وقلة رعايته. وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في الشاهد الثامن والتسعين بعد المائتين. وأنشد بعده الشاهد الثالث والخمسون بعد الثلاثمائة وهو من شواهد سيبويه: البسيط * فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا * فاذهب فما بك والأيام من عجب * على أن حرف الجر قد يترك ضورة عند البصريين أي: ما بك وبالأيام عجب.
121 قال سيبويه قبل أن ينشد هذا البيت: ومما يقبح أن يشرك المظهر علامة المضمر المجرور وذلك قولك: مررت بك وزيد وهذا أبوك وعمرو فكرهوا أن يشرك المظهر مضمرا داخلا فيما قبله لأن هذه العلامة الداخلة فيما قبلها جمعت أنها لا يتكلم بها إلا معتمدة على ما قبلها وأنها بدل من اللفظ بالتنوين فصارت عندهم بمنزلة التنوين فلما ضعفت عندهم كرهوا أن يتبعوها الاسم ولم يجز أن يتبعوها إياه. إلى أن قال: وقد يجوز في الشعر. وأنشد هذا البيت وبيتا آخر. انتهى. وأوضح منه قول ابن السراج في الأصول: وأما المخفوض فلا يجوز أن يعطف عليه الظاهر لا يجوز أن تقول: مررت بك وزيد لأن المجرور ليس له اسم منفصل فيتقدم ويتأخر كما للمنصوب وكل اسم معطوف عليه فهو يجوز أن يؤخر ويقدم الآخر عليه فلما خالف المجرور سائر الأسماء لم يجز أن يعطف عليه. وقد حكى أنه جاء في الشعر: فاذهب فما بك والأيام من عجب انتهى ووافق الكوفيين يونس والأخفش وقطرب والشلويين وابن مالك.) وهذه المسألة أوردها ابن الأنباري في مسائل الخلاف بأدلة الفريقين قال: الحتج الكوفيون على جوازها بمجيئها في التنزيل قال تعالى: واتقوا الله الذين تساءلون به والأرحام بالخفض وهي قراءة حمزة وغيره. وقال تعالى: ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم فما عطف على ضمير فيهن.
122 وقال تعالى: لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة فالمقيمين عطف على الكاف في إليك أو على الكاف في قبلك. وقال تعالى: وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين فمن عطف على ضمير لكم. وقال الشاعر: البسيط فاذهب فما بك والأيام من عجب وقال الآخر: الوافر * أكر على الكتيبة لا أبالي * أفيها كان حتفي أم سواها * أي: أم في سواها. وقال آخر: الطويل * نعلق في مثل السواري سيوفنا * وما بينها والكعب غوط نقانف * أي: بين السيوف وبين كعب الرجل. وقال آخر: الكامل أي: عنهم وعن أبي نعيم.
123 ثم قال: والجواب عن الأول من وجهين: أحدهما: أن الأرحام مجرور بواو القسم لا بالعطف وجواب القسم إن الله كان عليكم رقيبا. وثانيهما: أنها مجرورة بباء مقدرة حذفت لدلالة الأولى. وأما الجواب عن الثاني فمن وجهين أيضا: أحدهما: أن ما معطوف على الله أي: الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم يفتيكم فيهن وهو القرآن. وثانيهما معطوف على النساء من قوله: يستفتونك في النساء. وأما الجواب عن الثالث فمن وجهين أيضا: أحدهما: أن المقيمين منصوب على المدح وذلك أن العرب تنصب على المدح عند ترك) العطف وقد تستنأنف فترفع. وثانيهما: أنه معطوف على ما من قوله: بما أنزل إليك أي: يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين. على أنه قد روي عن عائشة أنها سئلت عن هذا الموضع فقالت: هذا من خطأ الكاتب. وروي عن بعض ولد عثمان أنه سئل عنه فقال: إن الكاتب لما كتب: وما أنزل من قبلك قال: ما أكتب فقيل له: اكتب والمقيمين الصلاة يعني أن المملي أعمل قوله اكتب في المقيمين على وأما الجواب عن الرابع فإن المسجد الحرام مجرور بالعطف على سبيل الله لا بالعطف على به لأن إضافة الصد عنه أكثر استعمالا من إضافة الكفر به. ألا ترى أنهم يقولون: صددته عن المسجد الحرام ولا يكادون يقولون: كفرت بالمسجد الحرام. وأما الجواب عن الخامس فإن من عطف على معايش أي: جعلنا لكم فيها المعايش والعبيد والإماء. وأما قول الشاعر: فاذهب فما بك والأيام
124 فلا حجة فيه أيضا لأنه مجرور على القسم لا بالعطف على الكاف. وأما قول الآخر: أفيها كان حتفي أم سواها فإن سواها منصوب على الظرف لا أنها مجرورة بالعطف. وأما قوله: وما بينها والكعب فالكعب مجرور بإضافة بين إليه محذوفا لا بالعطف حذف بين الثانية لدلالة الأولى عليه. هذا ما أورده ابن الأنباري ولا يخفى ما في غالبه من التعسف. وقد أنكر النحاة قراءة حمزة بجر الأرحام وهي قراءة مجاهد والنخعي وقتادة وأبي رزين ويجبيى بن وثاب والأعمش وأبي صالح أيضا. قال الفراء في معاني القرآن: حدثني شريك بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم النخعي أنه خفض الأرحام فقال: هو كقولهم بالله والرحم وفيه قبح لأن العرب لا ترد مخفوضا على مخفوض وقد كني عنه وإنما يجوز هذا في الشعر لضيقه.) وقد بالغ الزجاج في تفسيره في إنكار هذه القراءة فقال: القراءة الجيدة نصب الأرحام والمعنى واتقوا الأرحام أن تقطعوها فأما الخفض في الأرحام فخطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار شعر. وخطأ أيضا في أمر الدين عظيم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحلفوا بآبائكم فكيف يكون تساءلون بالله
125 وبالرحم على ذا ورأيت إسماعيل بن إسحاق ينكر هذا ويذهب إلى أن الحلف بغير الله أمر عظيم فإن ذلك خاص بالله عز وجل. فأما العربية فإجماع النحويين أنه يقبح أن ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الخفض إلا بإظهار الخافض. فقال بعضهم: لأن المخفوض حرف متصل غير منفصل فكأنه كالتنوين في الاسم فقبح أن يعطف باسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه. وقد فسر المازني هذا تفسيرا مقنعا فقال: الثاني في العطف شريك الأول فإن كان الأول يصلح أن يكون شريكا للثاني وإلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكا له. قال: فكما لا تقول: مررت بزيد وبك كذلك لا تقول: مررت بك وزيد وقد جاء في الشعر. أنشد سيبويه: فاذهب فما بك والأيام من عجب انتهى وتعقبه أبو شامة في شرح الشاطبية بعدما نقل عبارة الزجاج بقوله: قلت: هاتان العلتان منقوضتان بالضمير المنصوب وقد جاز العطف عليه فالمجرور كذلك. انتهى. أقول: قد فرق الشارح المحقق بينهما بأن اتصال المضمر المجرور بجاره أشد من اتصال الفاعل المتصل والمضمر المنصوب المتصل ليس كالجزء معنى كما بينه فالقياس ممنوع. ثم قال أبو شامة: وأما إنكار هذه القراءة من جهة المعنى لأجل أنها سؤال بالرحم فهو حلف وقد نهي عن الحلف بغير الله تعالى فجوابه أن هذا حكاية ما كانوا عليه فحضهم على صلة الرحم ونهاهم عن قطعها ونبههم على أنها بلغ من حرمتها عندهم أنهم يتساءلون بها. وحسن حذف الباء هنا أن موضعها معلوم فإنه قد كثر على ألسنتهم قولهم: سألتك بالله وبالرحم
126 أقول: أول كلامه يدفع آخره فإن أوله اقتضى أن الواو للقسم السؤالي. وقد رد الشارح هذا بأن قسم السؤال لا يكون إلا مع الباء وأن آخره اقتضى أنها للعطف والجر بالباء المقدرة. وفيه انتزاع فتأمل.) ثم قال أبو شامة في تعليل قراءة حمزة أنها على القسم وجوابه إن الله كان عليكم رقيبا: أقسم سبحانه بذلك كما أقسم بما شاء من مخلوقاته من نحو: والتين والزيتون. وهذا الوجه وإن كان لا مطعن عليه من جهة العربية فهو بعيدن لأن قراءة النصب وقراءة ابن مسعود وبالأرحام بالباء مصرحتان بالوصاة بالأرحام. وأما رد بعض أئمة العربية ذلك فقد قال القشيري في تفسيره: لعلهم أرادوا أنه صحيح فصيح وإن كان غيره أفصح فإنا لا ندعي أن كل القراءات على أفصح الدرجات في الفصاحة. وإن أرادوا غير هذا فلا يقلد فيه أئمة اللغة والنحو فإن القراءات التي قرأ بها الأئمة ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا كلام حسن صحيح. انتهى. والبيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف لها قائل. وقوله: فاليوم قربت الخ قال الأعلم: معنى قربت وأخذت واحد يقال: قربت تفعل كذا اي: جعلت تفعله. والمعنى: هجوك لنا من عجائب الدهر فقد كثرت فلا يتعجب منها. انتهى. فاليوم أنشأت تهجونا الخ فجملة تهجونا خبر قرب والتاء اسمها. وزعم العيني وتبعه غيره أن قربت هنا بالتشديد بمعنى قربت بالتخفيف أي: دنوت وجملة تهجونا حال ويقال: قربت هنا من أفعال المقاربة فحينئذ تكون الجملة خبرا. هذا كلامه.
127 قال شارح شواهد الموشح: يروى: قربت معروفا ومجهولا. فعلى الأولى معناه: اليوم قربت هجاءنا أي: أدنيته ويجوز أن يكون معناه الإسراع أي: أسرعت في الهجاء. وجملة تهجونا حالية أي: قربت هاجيا. وعلى الثاني يريد أنك كنت مهجورا مبعدا فاليوم قربت تهجونا وليس هذا جزاء الإحسان والتقريب وقوله: فاذهب أمر تهديد وتحذير. انتهى. وهذا ناشئ عن عدم الاطلاع ولا ينبغي تسويد الورق بمثله. وقوله: فاذهب قال العيني: هو جواب شرط محذوف والتقدير فإن فعلت ذلك فاذهب فإن ذلك ليس بعجب من مثلك ومن مثل هذه الأيام. انتهى. وقال ابن جني في إعراب الحماسة عند قول الشاعر: المتقارب * فإن كنت سيدنا سدتنا * وإن كنت للخال فاذهب فخل *) أراد ب اذهب توكيدا كما تقول: أخذ يتحدث وجعل يقول وأنت تريد حديثه. وكذلك قام يشتمني قال حسان: على ما قام يشتمني لئيم أي: علام يشتمني. وعليه بيت الكتاب: فاليوم قربت تهجونا..................... البيت أي: فما بك عجب. واذهب توكيد للكلام وتمكين له. ومثله قوله: الرجز
128 * من دون أن تلتقي الأركاب * ويقعد الأير له لعاب * وليس هناك قيام ولا قعود ولا ذهاب ولكن هذه استراحات من العرب وتطريحات منها في القول. انتهى. وأنشد بعده: الواهب المائة الهجان وعبدها على أن عطف قوله وعبدها بالجر على المائة ضعيف. ووجه الضعف أن اسم الفاعل المقرون بألأ المضاف يلزم أن يكون المضاف إليه معرفا بها أيضا لمشابهته للحسن الوجه فإذا عطف على المضاف إليه شيء لزم أيضا أن يكون معرفا بها لأن المعطوف في حكم المعطوف عليه. وإنما جاز هنا عطف عبدها مع خلوه من أل على المائة لكونه مضافا إلى ضمير المعرف بأل والتقدير وعبد المائة ولكونه تابعا والتابع يجوز فيه ما لا يجوز في متبوعه. وقد تقدم شرح هذا مستوفى مع القصيدة التي هذا المصراع منها في الشاهد الرابع والتسعين بعد المائتين. وأنشد بعده الشاهد الرابع والخمسون بعد الثلاثمائة الطويل
129 * أتعرف أم لا رسم دار معطلا * من العام يغشاه ومن عام أولا * * قطار وتارات خريق كأنها * مضلة بو في رعيل تعجلا * على أن الشاعر قد فصل بالظرف وهو تارات بين العاطف وهو الواو وبين المعطوف وهو خريق والأصل: قطار وخريق تارات. وهذان البيتان من أبيات خمسة للقحيف العقيي مذكورة في أواخر نوادر أبي زيد ولم أرها إلا فيها. وقوله: أتعرف أم لا الخ رسم: مفعول تعرف. ومعناه الأثر. ومعطلا: صفة رسم أي: خاليا من الأنيس والسكان. ومن العام متعلق بمعطلا ومن عام أولا معطوف عليه. والعام: الحول. قال ابن الجواليقي: ولا تفرق عوام الناس بين العام والسنة ويجعلونهما بمعنى فيقولون لمن سافر في وقت من السنة أي وقت كان إلى مثله عام وهو غلط والصواب ما أخبرت به عن أحمد بن يحيى أنه قال: السنة من أي يوم عددته إلى مثله والعام لا يكون إلا شتاء وصيفا. وفي التهذيب أيضا: العام حول يأتي على شتوة وصيفة. وعلى هذا فالعام أخص من السنة وليس كل سنة عاما. وإذا عددت من يوم إلى مثله فهو سنة وقد يكون فيه نصف الصيف ونصف الشتاء. والعام لا يكون إلا صيفا وشتاء متواليين. واللام فيه للعهد الحضوري أي: هذا العام وعام أول هو الحول السابق. وأول له استعمالان: أحدهما: بمعنى سابق ومتقدم ويصرف على هذا. وثانيهما: بمعنى أسبق ولا ينصرف على هذا. قال صاحب المصباح: وتقول عام أول إن جعلته
130 صفة لم تصرفه لوزن الفعل والصفة وإن لم تجعله صفة صرفته. انتهى. وألف آخره للإطلاق ومن التفضيلية محذوفة أي: من عام أول من هذا العام. وقال أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش فيما كتبه على نوادر أبي زيد: قوله ومن عام أولا يريد من عام زمان أول أو دهر أول فأقام الصفة مقام الموصوف. قال أبو عبيدة في قوله تعالى: ترميهم بحجارة من سجيل. قال: أراد والله أعلم: من شديد.) ولم يزد على هذا وتقديره عند أهل العربية: من رام شديد. انتهى. ولا يخفى تعسفه. ويغشاه من غشيه من باب تعب بمعنى أاه والاسم الغشيان. والذي رواه أبو زيد يمحاه بدل يغشاه. قال أبو الحسن الأخفش: تقول العرب: محا يمحو ويمحا وقد جاء يمحي وهو شاذ قليل. يقول بعضهم: محيت كما يقول الآخرون محوت. ومن قال يمحا فإنما يفتح لأن الحاء من حروف الحلق. انتهى. وقطار فاعل يغشاه أو يمحاه وجملة الفعل والفاعل في محل نصب على الحال من رسم ولا يجوز أن يكون حالا من دار لتذكير الضمير في يغشى وقطار بكسر القاف: جمع قطر بمعنى المطر. وهذا عيب في الشعر عند الخليل ويسميه المضمن وهو أن يكون تمام المعنى في البيت الثاني. وتارات منصوب على الظرف ليغشى وهو جمع تارة بمعنى مرة. وخريق
131 معطوف على قطار قال صاحب العباب: الخريق الريح الباردة الشديدة الهبوب. وضمير كأنها للخريق. ومضلة: اسم فاعل من أضللته بالألف بمعنى فقدته وأضعته. قال الأزهري: وأضللت الشيء بالألف إذا ضاع منك فلم تعرف موضعه كالدابة والناقة وما أشبههما. فإن أخطأت موضع الشيء الثابت كالدار قلت: ضللته وضللته. ومضلة صفة موصوف محذوف أي: ناقة مضلة. والبو: جلد الحوار أي: ولد الناقة يحشى إذا مات فتعطف عليه الناقة فتدر. والرعيل بالراء والعين المهملتين: الجماعة من الخيل. وتعجل: فعل ماض بمعنى أسرع وفاعله ضمير الرعيل وجملة كأنها مضلة الخ حال من خريق. شبه الريح العاصفة في رسم الدار بناقة أضاعت ولدا في جمع خيل أسرع ومضى فهي والهة تريد اللحاق إليه فتسرع بأشد ما يمكنها. والقحيف بضم القاف وفتح الحاء المهملة وآخره فاء. والعقيلي بضم العين وفتح القاف هو شاعر جاهلي. وتقدم ذكره في الشاهد الثالث والخمسين بعد الثلاثمائة. وأنشد بعده الشاهد الخامس والخمسون بعد الثلاثمائة البسيط
132 على أن أو هنا بمعنى الواو وإنما احتيج إلى جعل أو بمعنى الواو لأن سواء وسيين يطلبان شيئين فلو جعلت أو لأحد الشيئين لكان المعنى سيان أحدهما. وهذا كلام مستحيل. قال أبو علي في إيضاح الشعر: والذي حسن ذلك للشاعر أنه يرى جالس الحسن أو ابن سيرين فيستقيم له أن يجالسهما جميعا. وكل الخبز أو التمر فيجوز له أن يجمعهما في الأكل. فلما جرت مجرى الواو في هذه المواضع استجاز أن يستعملها بعد سي. ولم نعلم ذلك جاء في سواء وقياسه قياس سيان. انتهى. وبين ابن جني سره في باب تدريج اللغة من الخصائص قال: وذلك أي تدريج اللغة أن يشبه شيء شيئا من موضع فيمضي حكمه على حكم الأول ثم يرقى منه إلى غيره. فمن ذلك قولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين. فلو جالسهما جميعا لكان مصيبا مطيعا لا مخالفا وإن كانت أو إنما هي في أصل وضعها لأحد الشيئين. وإنما جاز ذلك في هذا الموضع لا لشيء رجع إلى نفس أو بل لقرينة انضمت من جهة المعنى إلى أو. وذلك لأنه قد عرف أنه إنما رغب في مجالسة الحسن لما لمجالسته في ذلك من الحظ. وهذه الحال موجودة في مجالسة ابن سيرين أيضا فكأنه قال: جالس هذا الضرب من الناس. وعلى ذلك جرى النهي في هذا الطرز من القول في قوله تعالى: ولا تطع منهم آثما أو كفورا فكأنه والله أعلم قال: لا تطع هذا الضرب من الناس ثم إنه لما رأى أو في هذا الموضع قد جرت مجرى الواو تدرج من ذلك إلى غيره فأجراها مجرى الواو في موضع عار من هذه القرينة التي سوغته استعمال أو في معنى الواو. ألا تراه كيف قال:
133 فكان سيان أن لا يسرحوا نعما................. البيت وسواء سيان لا يستعمل إلا بالواو. انتهى. وقد أخذ هذا من كلام أبو علي في التذكرة القصرية قال: إنما جاز أو مع سيان اتساعا وذلك أنهم لما رأوا أن أو يجمع بها ما قبلها وما بعدها كما جمع بالواو وإن كان المعنى مختلفا شبهوه بها فعطفوا بها في هذا الموضع كما يعطف بالواو. وكذلك العلم بأن هذا الموضع يقتضي اثنين) فصاعدا ولا يقتصر فيه على أحد الاسمين. انتهى. وسيان: مثنى سي بالكسر بمعنى مثل وأصله سوي لأنه من السواء والسوية فقلب وأدغم عملا بالقاعدة. قال ابن يسعون: كان ينبغي أن يقول سيين لأن المعرفة أولى بأن تكون اسم كان وكأنه كره اجتماع ثلاث ياءات فعدل إلى الألف أو قدر في كان ضمير الشأن ورفعه على الخبر لأن المبتدأ وقال أبو علي في إيضاح الشعر: إما أن يكون أضمر في كان الحديث أو الأمر فيكون سيان خبر الاسمين اللذين هما: أن لا يسرحوا نعما أو يسرحوه أو يكون جعل سيان المبتدأ وإن كان نكرة وأدخل كان على قوله سيان. والوجه الأول أشبه. انتهى. قال الدماميني في الحاشية الهندية: ولقائل أن يقول: الإخبار عن المعرفة بالنكرة مغتفر في الضرورة. على أن ابن مالك قال بجوازه مطلقا. وسرحت الإبل سرحا من باب نفع وسروحا أيضا: رعت بنفسها وسرحتها يتعدى ولا يتعدى. وهو هنا متعد. والنعم: المال الراعي وهو جمع لا واحد له من لفظه وأكثر ما يقع على الإبل.
134 قال أبو عبيد: النعم: الجمال فقط وتؤنث وتذكر وجمعه نعمان كحمل وحملان وأنعام أيضا. وقيل: النعم: الإبل خاصة. والأنعام: ذوات الخف والظلف وهي الإبل والبقر والغنم. وقيل: تطلق الأنعام على هذه الثلاثة فإذا انفردت الإبل فهي نعم وإن انفردت البقر والغنم لم تسم نعما. كذا في المصباح. وضمير بها قال ابن يسعون: للسنة المجدبة التي دلت الحال عليها. ويحتمل أن يريد البقعة التي وصفها بالجدب. والباء بمعنى في. واغبرت اسودت في عين من يراها أو كثر فيها الغبار لعدم الأمطار. وروي بدله: وابيضت. والسوح: جمع ساحة وهي قال ابن الشجري في أماليه: وصف سنة ذات جدب فرعي النعم وترك رعيها سواء. قال أبو علي في إيضاح الشعر: زعم أبو عمرو أن الأصمعي أنشدهم هذا البيت لرجل من هذيل. وجميع النحويين رووا هذا البيت كذا وقد رأيته ملفقا من بيتين في قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي وهما: * وقال راعيهم سيان سيركم * وأن تقيموا به واغبرت السوح * * وكان مثلين أن لا يسرحوا نعما * حيث استرادت مواشيهم وتسريح *) وعلى هذا لا شاهد فيه. والقصيدة مرثية رثى بها أبو ذؤيب صديقا له قتل في وقعة. وهذه أبيات منها من المطلع: * نام الخلي وبت الليل مشتجرا * كأن عيني فيها الصاب مذبوح *
135 * لما ذكرت أخا العمقى تأوبني * همي وأفرد ظهري الأغلب الشيح * * المانح الأدم كالمرو الصلاب إذا * ما حارد الخور واجتث المجاليح * * وزفت الشول من برد العشي كما * زف النعام إلى حفانه الروح * وقال ماشيهم سيان سيركم....................... البيتين * واعصوصبت بكرا من حرجف ولها * وسط الديار رذيات مرازيح * * لا يكرمون كريمات المخاض وأن * ساهم عقائلها جوع وترزيح * قوله: نام الخلي الخ قال السكري في شرح أشعار هذيل: الخلي: الذي لا هم له. والمشتجر: الذي قد وضع حنكه على يده أو فمه عند الهم. والصاب: نبت إذا شق يخرج من ورقه كاللبن يحرق العين. ومذبوح: مشقوق. وذبحه: شقه. وقوله: لما ذكرت أخا العمقى الخ العمقى بضم العين المهملة وكسرها وبالقصر: أرض قتل بها هذا الرجل المرثي. وتأوبني: أتاني ليلا.
136 وأفرد ظهري أي: كان يمنع ظهري من العدو. والأغلب: الأسد الغليظ الرقبة يقال: رجل شيح ومشيح إذا كان جلدا. يقول: خلاني للأعداء. وقوله: المانح الأدم الخ ما أوردناه من الأبيات أورده أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات وقال: ومما وصف بن المحل قول أبي ذؤيب ومدح رجلا ببذل ماله فيه. قال السكري: المانح هو أن يدفع الأدم كالعارية يشرب لبنها سنة. كالمرو في صلابتها. والمرو: الحجارة البيض. والخور: الغزار الرقاق وليس بسمان. وحارد: ذهب ألبانها وهي من المحاردة. والمجاليح: اللواتي يدررن في القر والجهد والواحدة مجالح. وقال الدينوري: المحاردة: انقطاع اللبن. والمجاليح: الصبر من النوق على الجدب الباقية الألبان وقوله: وزفت الشول الخ الزفيف: مشي سريع في تقارب الخطو. والشول: التي شالت ألبانها وخفت بطونها من أولادها وأتى على نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية. والحفان بفتح المهملة وتشديد الفاء: صغار النعام. والروح: نعت النعام وهو جمع أروح وروحاء وصف من الروح) وقوله: وقال راعيهم سيان الخ وروى السكري: وقال ماشيهم أيضا. وقال يريد اغبرت ساحات ما حولهم من الجدب وماشيهم يريد ماشي الحي والممشي: صاحبها.
137 قال الباهلي: زعموا أن ماشيهم في معنى ممشيهم أي: صاحب الماشية يقال: أمشى الرجل. أي: سواء سيركم إن سرتم وإن أقمتم فأنتم في جدب. وروى الدينوري: وقال رائدهم سيان سيركم الخ. وقوله: وكان مثلين الخ هذا على القياس بنصب مثلين قال السكري: أراد: أن لا يسرحوا وتسريحهم سواء. ومعنى أن لا يسرحوا: أن لا يرعوا. واسترادت مواشيهم أي: ترود وتطلب المرعى أي: فهو جدب رعوا أم لم يرعوا. وقوله: واعصوصبت بكرا الخ. قال الدينوري: اعصوصبت: اجتمعت من البرد يتقي بعضها والحرجف بتقديم المهملة المفتوحة على الجيم: الريح الباردة اليابسة. والرذية: الهزيلة الساقطة وكذلك المرازيح وهي التي رزحت فلا حراك لها. ولم يقل السكري في هذا البيت شيئا. وقوله: أما ألات الذرى الخ. قال السكري: ألات الذرى: ذوات الأسنمة. ف عاصبة أي: قد عصبت واستدارت لا تبرح. والأقاديح: جمع قداح أي: تجول القداح بين مناقيها وهو أن يضرب عليها بالقداح. يقول: يختار منقياتها أي: سمانها للعقر. وقوله: لا يكرمون كريمات الخ. قال السكري: يقول: ينحرون كريمات المخاض وهي الحوامل فهي أنفس عندهم إذا نحروها. وعقائلها: كرائمها أي: أنساهم الجوع والترزيح وهي الرزاح التي قد قامت من الهزال وسقطت.
138 وترجمة أبي ذؤيب الهذلي تقدمت في الشاهد السابع والستين. وهو شاعر إسلامي. وأنشد بعده الشاهد السادس والخمسون بعد الثلاثمائة الرجز * بات يعشيها بعضب باتر * يقصد في أسوقها وجائر * وأورده الفراء والزجاج في تفسيرهما عند قوله تعالى: ويكلم الناس في المهد على أن جملة يكلم معطوفة على وجيها. قال الزجاج وجائز أن يعطف بلفظ يفعل على فاعل لمضارعة يفعل فاعلا أي: قاصد في أسؤقها وجائر. وأورده الفراء في سورة الأنبياء أيضا عند قوله تعالى: لاهية قلوبهم. وكذلك استشهد به أبو علي في إيضاح الشعر وابن الشجري في أماليه ولم ينسبه أحد منهم إلى قائله ولم أر له تتمة. وهو بيتان من الرجز المسدس. وقوله: بات يعشيها الخ بات من أخوات كان اسمها مستتر فيها وجملة يعشيها في موضع نصب على أنها الخبر أي: يطعمها العشاء بالفتح
139 وهو الطعام الذي يؤكل وقت العشاء بالكسر. ورأيت في أمالي ابن الشجري في نسخة صحيحة قد صححها أبو اليمن الكندي وغيره وعليها خطوط العلماء وإجازاتهم: بات يغشيها بالغين المعجمة من الغشاء كالغطاء بكسر أولهما وزنا ومعنى أي: يشملها ويعمها. وضمير المؤنث للإبل وهو في وصف كريم بادر يعقر إبله لضيوفه. وزعم العيني أن الضمير للمرأة التي عاقبها زوجها بالسيف. ولا يخفى أن هذا غير مناسب ورواه الفراء في تفسيره بت أعشيها بالتكلم. والعضب بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة: السيف وهو في الأصل صفة بمعنى قاطع عضبه بمعنى قطعه والياء متعلقة ب يعشيها وهذا من باب: عتابه السيف وتحيته الضرب. وباتر: صفة أولى لعضب وجملة يقصد صفة ثانية له وجائر صفة ثالثة وهو بمعنى قاطع من بتره بترا من باب قتل إذا قطعه على غير تمام. ويقصد: مضارع قصد في الأمر من باب ضرب أي: توسط ولم يجاوز الحد. وفي متعلقه بيقصد. وأسؤق: جمع قلة لساق وهي ما بين الركبة والقدم. وجائر من جار في حكمه إذا ظلم.) فإن قلت: عقره الإبل إما قصد وإما جور فكيف وصف بهما قلت: هو على التوزيع أي: يقصد في أسؤق إبل تستحق العقر كالنيب ويجور في أسؤق إبل لا تستحق العقر كالحوامل وذوات الفصال. وجائر في الحقيقة معطوف على جملة يقصد الواقعة صفة ثانية لعضب كقول راجز آخر: الرجز أم صبي قد حبا ودارج
140 وفاعله ضمير العضب. وزعم العيني أن الضمير عائد على ما عاد عليه ضمير بات وأن الجملة حال. وهذا فاسد لأنه لو كان كما زعم لنصب جائر لأنه معطوف عليه ولا جائز أن يكون منصوبا أو مرفوعا لأن الشعر من الرجز الذي يجب توافق قوافيه. ويدل لما قلنا رواية الفراء: * بت أعشيها بعضب باتر * يقصد في أسوقها وجائر * والقافيتان مضبوطتان بضبط القلم بالجر في نسخ صحيحة مقروءة وعليها خطوط العلماء منها تفسير الفراء والزجاج ومنها إيضاح الشعر بخط ابن جني ومنها أمالي ابن الشجري كما ذكرنا. ولو رفع باتر على أنه نعت مقطوع من النكرة غير المخصصة لرفع جائر. وفيه ما لا يخفى. وكذلك لا يجوز أن يكون جملة يقصد خبرا ثانيا لبات أو بدلا من يعشيها لما ذكرنا. ولم يذكر الشارح المحقق شرط عطف الاسم على الفعل مضارعا أو ماضيا وعكسه. وقد بينه ابن الشجري في أماليه في فصل عقده له فلا بأس بإيراده قال: عطف اسم الفاعل على ما يفعل وعطف يفعل على اسم الفاعل جائز لما بينهما من المضارعة التي استحق بها يفعل الإعراب واستحق بها اسم الفاعل الإعمال وذلك جريان اسم الفاعل على يفعل. ونقل يفعل من الشياع إلى الخصوص بالحرف المخصص كنقل الاسم من التنكير إلى التعريف بالحرف المعرف فلذلك جاز عطف كل واحد منهما على صاحبه وذلك إذا جاز وقوعه في موضعه كقولك: زيد يتحدث وضاحك وزيد ضاحك ويتحدث لأن كل واحد منهما يقع خبرا للمبتدأ. وكذلك مررت برجل ضاحك يتحدث وبرجل يتحدث وضاحك لأن يفعل مما يوصف به النكرات. فمن عطف الاسم على الفعل قول الراجز: * بات يغشيها بعضب باتر * يقصد في أسؤقها وجائر *
141 فإن قلت: سيتحدث زيد وضاحك لم يجز لأن ضاحكا لا يقع موقع يتحدث من حيث لا) يلي الاسم السين. وكذلك: مررت بجالس ويتحدث لا يجوز لأن حرف الجر لا يليه الفعل. فإن عطفت اسم الفاعل على فعل لم يجز لأنه لا مضارعة بينهما. فإن قربت فعل إلى الحال بقد جاز عطف اسم الفاعل عليه كقول الراجز: أم صبي قد حبا ودارج فإن كان اسم الفاعل بمعنى فعل جاز عطف الماضي عليه كقوله تعالى: إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله لأن التقدير إن الذين تصدقوا واللاتي تصدقن. وأنشد بعده الشاهد السابع والخمسون بعد الثلاثمائة الطويل على أنه تجوز المخالفة في الإعراب إذا عرف المراد كما هنا فإن قوله مجلف معطوف على قوله مسحتا وهما متخالفان نصبا ورفعا. قال أبو بكر محمد بن عبد الملك التاريخي في تاريخ النحاة في ترجمة عبد الله ابن أبي إسحاق النحوي الحضرمي: قال ابن سلام: وحدثنا يونس قال: قال ابن
142 أبي إسحاق في بيت الفرزدق إلا مسحتا أو مجلف قال: للرفع وجه وكان أبو عمرو ويونس لا يعرفان للرفع وجها. قلت ليونس: لعل الفرزدق قالها على النصب ولم يأبه للقافية. قال: لا كان ينشدها على الرفع وأنشدنيها رؤبة على الرفع. انتهى. وهذا البيت صعب الإعراب. قال الزمخشري: هذا بيت لا تزال الركب تصطك في تسوية إعرابه. وقال ابن قتيبة في كتاب الشعراء: رفع الفرزدق آخر البيت ضرورة وأتعب أهل الإعراب في طلب الحيلة فقالوا وأكثروا ولم يأتوا فيه بشيء يرضي. ومن ذا يخفى عليه من أهل النظر أن كل ما أتوا به من العلل احتيال وتمويه وقد سأل بعضهم الفرزدق عن رفعه هذا البيت فشتمه وقال: علي أن أقول وعليكم أن تحتجوا. انتهى. وقال الفراء في تفسيره: حدثني أبو جعفر الرؤاسي عن أبي عمرو بن العلاء قال: مر الفرزدق عزفت بأعشاش وما كدت تعزف
143 حتى انتهى إلى هذا البيت فقال عبد الله: علام رفعت مجلف فقال له الفرزدق: على ما) يسوءك. وفي تذكرة أبي حيان من النهاية قال عبد الله بن أبي إسحاق للفرزدق: بم رفعت أو مجلف فقال: بما يسوءك وينوءك علينا أن نقول وعليكم أن تتأولوا. ثم قال الفرزدق: الطويل * فلو كان عبد الله مولى هجوته * ولكن عبد الله مولى مواليا * فقال له عبد الله: أردت أن تهجوني فلحنت أيضا. والفرزدق مشغوف في شعره بالإعراب المشكل المحوج إلى التقديرات العسرة بالتقديم والتأخير المخل بالمعاني. وسمعت شيخنا يقول: إني لأعجب من إبراهيم بن هشام المخزومي حين فهم قول الفرزدق: الطويل * وما مثله في الناس إلا مملكا * أبو أمه حي أبوه يقاربه * وقال أبو محمد بن الخشاب في كتابه الموضوع لجوابه المسائل الست الإسكندرية: إن أبا حاتم السجستاني قال: ليس الفرزدق أهلا لأن يستشهد بشعره على كتاب الله لما فيه من التعجرف. وقال ابن الخشاب أيضا: لم يجر في سنن الفرزدق من تعجرفه في شعره بالتقديم والتأخير المخل بمعانيه والتقدير المشكل إلا المتنبي ولذلك مال إليه أبو علي وابن جني لأنه مما يوافق صناعتهما. ولا ينفع المتنبي شهادة أبي علي له بالشعر لأن أبا علي معرب لا نقاد وإنما تنفعه شهادة مثل العسكريين وأبي القاسم الآمدي فإنهم أئمة يقتدى بهم في نقد الإعراب. انتهى ما أورده أبو حيان.
144 وقد تكلف له العلماء عدة توجيهات ذكر الشارح المحقق منها ثلاثة أوجه والثلاثة مبنية على رواية لم يدع بفتح الدال وعلى رواية نصب مسحت. أما الأول فهو للخليل بن أحمد وقال: هو على المعنى كأنه قال: لم يبق من المال إلا مسحت لأن معنى لم يبق ولم يدع واحد واحتاج إلى الرفع فحمله على شيء في معناه. قال أبو علي في إيضاح الشعر: نصب مسحت بيدع بمعنى الترك وحمل مجلف بعده على المعنى لأن معنى لم يدع من المال إلا مسحتا تقديره: ولم يبق من المال إلا مسحت فحمل مجلف بعده على ذلك. ومثل ذلك في الحمل على المعنى من أبيات الكتاب قوله: الكامل) * بادت وغير آيهن مع البلى * إلا رواكد جمرهن هباء * لأن معنى بادت إلا رواكد معناه بها رواكد فحمل مشججا على ذلك فكذلك قوله لم يدع من المال إلا مسحتا معناه بقي مسحت. قال أبو عمرو: هذا قول الخليل وليس البيت في الكتاب فلا أدري أسمعه عنه أم قاسه. انتهى. ومحصله أن مجلفا مرفوع بفعل محذوف دل عليه: لم يدع. وإليه ذهب ابن جني في المحتسب في سورة: والضحى قال: إنه لما قال لم يدع من المال إلا مسحتا دل على أنه قد بقي فأضمر ما يدل عليه فكأنه قال: وبقي مجلف. وأما الثاني فهو لثعلب قال في أماليه نصب مسحت بوقوع يدع عليه وقد وليه الفعل ولم يل مجلفا فاستؤنف به فرفع والتقدير: هو مجلف. انتهى.
145 وقول الشارح المحقق إن أو في هذا الوجه للإضراب بمعنى بل لا يناسب المعنى وإنما يناسب لو كان مسحتا بعد أو فهي هنا لعطف جملة على مفرد ومعناها أحد الشيئين. وأما الثالث فهو لأبي علي الفارسي في التذكرة قال: مجلف معطوف على عض وهو مصدر جاء على صيغة المفعول قال تعالى: ومزقناهم كل ممزق كأنه قال: وعض زمان أو تجليف. وبقي غير ما ذكره الشارح توجيه الفراء قال: إن مجلفا مرفوع الابتداء وخبره محذوف كأنه قال: أو مجلف كذلك. نسبه إليه ابن السيد في شرح أبيات الجمل وكذلك نسبه إليه علي بن حمزة البصري في كتاب التنبيهات على أغلاط الرواة ونصه: قال الفراء: ومن روى مسحتا أراد لم يدع فيه عض الزمان إلا مسحتا أو مجلف بقي فرفعه على هذا الإضمار. قال الكسائي: هذا كما تقول: ضربت زيدا وعمرو كأنه يرفعه بفعل مضمر أي: وعمرو مضروب أو وعمرو كذلك. انتهى. وقد ذهب إلى هذا ابن الأنباري أيضا في مسائل الخلاف قال ابن السيد في شرح أبيات المعاني: فيكون هذا من عطف جملة اسمية على جملة فعلية كما تقول: رأيت زيدا وعمرو مر بي أيضا. وبقي أيضا توجيه الكسائي وهو أن مجلفا معطوف على الضمير المستتر في مسحت. قال ابن السيد في شرح أبيات الجمل: حكى هشام هذا التوجيه عن الكسائي. هذا ما اطلعت عليه من توجيه هذه الرواية وهي الرواية المشهورة. وقد أوردها صاحب) الكشاف في سروة طه. وفيه روايات أخر: إحداها: إلا مسحت أو مجلف برفعهما. قال علي بن حمزة في كتاب
146 التنبيهات: رواه أبو جعفر بن حبيب في كتاب النقائض برفع الاسمين. قال ابن الأعرابي والفراء: حروف الاستثناء تجيء بمعنى قليل من كثير فجعل إلا معلقة بأن يكون فأضمرها ونواها ورفع مسحت على هذا المعنى أراد إلا أن يكون مسحت أو مجلف فرفعه بيكون المضمرة وإلا تدل على تعلقها بأن يكون كقولك: ما أتاني أحد إلا زيد وإلا أن يكون زيد. ومثله لشبيب بن البرصاء: الطويل * ولا خير في العيدان إلا صلابها * ولا ناهضات الطير إلا صقورها * أراد: ولا خير في العيدان إلا أن يكون صلابها وإلا أن يكون صقورها. انتهى. وهذا التوجيه مردود فإن الموصول لا يحذف مع بعض الصلة ويبقى بعضها. والصواب توجيه صاحب الكشاف فإنه استشهد به على قراءة أبي والأعمش فشربوا منه إلا قليل بالرفع مع كونه استثناء من كلام موجب حملا له على المعنى فإن قوله: فشربوا منه في معنى فلم يطيعوه إلا قليل فرفعه كرفع الشاعر مسحتا ومجلفا مع كونه استثناء مفرغا في موقع المفعول به لأنه في المعنى واقع موقع الفاعل لأن لم يدع في معنى لم يبق. والأحسن ما ذهب إليه الطوسي نقله عنه صاحب التنبيهات قال: أراد لم يدع من الدعة. ونقل ابن الأنباري أيضا في شرح المفضليات عن أبي عمرو أنه قال: لم يدع من الدعة والسكون يقال: رجل وادع إذا كان ساكنا فيكون على هذا مسحت فاعل ليدع. * وعض زمان يا ابن مروان ما به * من المال إلا مسحت أو مجلف * برفع الاسمين أيضا حكاه عنه علي بن حمزة صاحب التنبيهات. وقال الفراء في تفسيره: قيل لي إن بعض الرواة يقول: ما به من المال إلا
147 مسحت أو مجلف فقلت: ليس هذا بشيء. انتهى. وعندي أن هذه أحسن الروايات وأصحها. وثالث الروايات الأخر: لم يدع من المال إلا مسحت بكسر دال يدع ورفع الاسمين أيضا وقد نسبها صاحب التنبيهات إلى أبي عبيدة وابن الأنباري في شرح المفضليات إلى عيسى بن عمر) عند قول سويد بن أبي كاهل اليشكري من قصيدة: الرمل * أرق العين خيال لم يدع * من سليمى ففؤادي منتزع * قال: يدع بمعنى يقر ويمكث. وإليه ذهب ابن جني في باب الاطراد والشذوذ من الخصائص قال فيه: ومن ذلك امتناعك من وذر وودع لأنهم لم يقولوهما. فأما قول أبي الأسود: الرمل * ليت شعري من خليلي ما الذي * غاله في الحب حتى ودعه * فشاذ وكذلك قراءة بعضهم: ما ودعم ربك وما قلى. فأما قولهم ودع الشيء يدع إذا سكن فاتدع فمسموع متبع وعليه بيت الفرزدق فمعنى لم يدع بكسر الدال أي: لم يتدع ولم يثبت. والجملة بعد زمان في موضع جر لكونها صفة له والعائد منها إليه محذوف للعلم بموضعه وتقديره: لم يدع فيه أو لأجله من المال إلا مسحت أو مجلف فيرتفع به مسحت ومجلف عطف عليه. وهذا أمر ظاهر ليس فيه من الاعتذار والاعتلال ما في الرواية الأخرى. ويحكى عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: خير المجالس ما سافر إليه البصر واتدع فيه البدن. انتهى. وقال في سورة الضحى من المحتسب: قرأ: ما ودعك خفيفة النبي
148 صلى الله عليه وسلم وعروة بن الزبير. وهذه قليلة الاستعمال. قال سيبويه: استغنوا عن وذر وودع بقولهم ترك. على أنها قد جاءت في شعر أبي الأسود. وأما لم يدع في بيت الفرزدق بكسر الدال فهو من الاتداع كقولك: قد استراح وودع فهو وادع من تعبه. والمسحت على هذه الرواية مرفوع بفعله ومجلف معطوف عليه. وهذا ما لا نظر فيه لوضوحه. ورابع الروايات الأخر لم يدع بضم الياء وفتح الدال مع رفع الاسمين أيضا ذكرها ابن جني في المحتسب ونقلها عنه ابن السيد واللخمي في شرح أبيات الجمل ولم ينسبها أحدهم إلى راو. قال ابن جني: وأما رواية يدع بضم الياء وفتح الدال فقياسه يودع كقوله تعالى: لم يلد ولم يولد ومثله يوضع والحديد يوقع أي: يطرق من قولهم وقعت الحديدة أي: طرقتها. قالوا: إلا أن هذا الحرف كأنه لكثرة استعماله جاء شاذا فحذفت واوه تخفيفا فقيل لم يدع أي: لم يترك. والمسحت والمجلف جميعا مرفوعان أيضا كما يجب. انتهى. وهذا ما وقفت عليه من روايات هذا البيت. والله أعلم. وقوله: وعض زمان هو مرفوع بالعطف على هموم المنى في بيت قبله وهو:) * إليك أمير المؤمنين رمت بنا * هموم المنى والهوجل المتعسف * أراد: يا أمير المؤمنين. وابن مروان: عبد الملك بن مروان. شكا إليه ما فعل به الزمان من تفريق أمواله وتغيير أحواله. والهوجل: الفلاة التي لا أعلام فيها يهتدى بها. والمتعسف: التي يسار فيها بلا دليل. وعض الزمان: شدته. قال اللخمي في شرح أبيات الجمل: قال الخليل بن أحمد: العض كله بالضاد إلا عظ الزمان والحرب.
149 وقال ابن سراج العظ المجازي بالظاء والحقيقي بالضاد. وهذا كقول الخليل. وقيل إن العض كله بالضاد مجازيا كان أو حقيقيا. انتهى. والمجلف بالجيم الذي ذهب معظمه وبقي منه شيء يسير. والمسحت المستأصل الذي لم يبق منه بقية. قال الفراء في سورة طه في قوله تعالى: فيسحتكم: سحت أكثر وهو الاستئصال. وقال مثله الزجاج في سورة المائدة وأنشد البيت أيضا. وقال صاحب الصحاح: مال مسحوت ومسحت أي: مذهب. وأنشد هذا البيت أيضا ومنه أخذ الشارح. ومثل هذا البيت ما أورده أبو عبد الله محمد بن الحسين اليمني تلميذ ابن ولاد في طبقات النحويين في ترجمة أبي الفضل الرياشي بسنده عن أبي الفضل قال: وقع رجل بأمة لرجل فولدت فحلف سيدها أن لا يعتقه فقال الذي وقع في الجارية: الطويل * تحلل جزاك الله خيرا أما ترى * تخاذل إخواني وقلة ماليا * * وعض زمان لم تدع جفواته * من المال إلا جلة وعناصيا * * تأل على ما في يديك كأنما * رأيت ابن ذي الجدين عندك عانيا * انتهى. التحليل في اليمين: أن يحلف ثم يستثني استثناء متصلا. والجلة بكسر الجيم من الإبل: المسان وهو جمع جليل كصبي وصبية.
150 والعناصي بفتح المهملة قال صاحب الصحاح: ما بقي من ماله إلا عناص وذلك إذا ذهب معظمه وبقي نبذ منه. وتأل فعل أمر يقال: تألى على كذا أي: أقسم عليه. والعاني: الأسير. والبيتان من قصيدة طويلة للفرزدق تزيد على مائة بيت ليس فيها مديح غير هذين البيتين) وما قبلهما من أول القصيدة نسيب وما بعدهما عدة أبيات في كلال الإبل. وشرحها الشريف المرتضى قدس سره في أماليه غرر الفوائد ودرر القلائد. وما بعدها إلى آخر القصيدة افتخار بآبائه على جرير. وفيها شاهد يأتي شرحه مع أبيات منها إن شاء الله تعالى في باب الفعل. ومضى بيت منها في باب النعت. وتقدمت ترجمة الفرزدق في الشاهد الثلاثين.
151 3 (باب التوكيد)) أنشد فيه الشاهد الثامن والخمسون بعد الثلاثمائة: الرجز ((أقسم بالله أبو حفص عمر)) على أنه ربما دل على عطف البيان بعض متبوعاته مع قلة الاشتراك كأبي حفص وهو المتبوه وقد أورده في باب عطف البيان وشرحه هناك. وهو أول رجز قاله أعرابي لعمر بن الخطاب رضي الله عنه. وسببه ما رواه المحدثون عن أبي رافع أن أعرابيا أتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين إن أهلي بعيد وإني على ناقة دبراء نقباء فاحملني. فقال عمر: كذبت والله ما بها نقب ولا دبر فانطلق الأعربي فحل ناقته ثم استقبل البطحاء وجعل يقول وهو يمشي خلف ناقته: * أقسم بالله أبو حفص عمر * ما إن بها من نقب ولا دبر * اغفر له اللهم إن كان فجر ويروى: ما مسها من نقب. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه مقبل من أعلى الوادي فجعل إذا قال: اغفر له اللهم إن كان فجر
152 قال: اللهم صدق حتى التقيا فأخذ بيده فقال: ضع عن راحلتك. فوضع فإذا هي كما قال فحمله على بعير وزوده وكساه. وروي هذا الأثر بألفاظ مختلفة.) وهذا المقدار من الرجز هو المشهور وفي رواية الأصمعي أزيد من هذا قال أبو عبد الله محمد بن الحسين اليمني في طبقات النحويين في ترجمة الأصمعي أخبرنا ابن مطرف قال: أخبرنا ابن دريد قال: أخبرنا عبد الرحمن عن عمه الأصمعي قال: وقف أعرابي بين يدي عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين أبدع بي وأدمت بي راحلتي ودبر ظهرها ونقب خفها فقال له عمر: والله ما أظنك أنقبت ولا أحفيت فخرج الرجل ثم خرج عمر. قال: والرجل يقول: * أقسم بالله أبو حفص عمر * ما مسها من نقب ولا دبر * * حقا ولا أجهدها طول السفر * والله لو أبصرت نضوى يا عمر * * وما بها عمرك من سوء الأثر * عددتني كابن سبيل قد حضر * فرق له عمر وأمر له ببعير ونفقة. انتهى. والدبراء من دبر ظهر الدابة من باب فرح إذا جرح من الرحل والقتب. وأدبرت البعير فدبر وأدبر الرجل إذا دبر بعيره فهو مدبر. والنقباء من نقب البعير من باب فرح أيضا إذا رق خفه. وأنقب الرجل إذا نقب بعيره. وقوله: فاحملني أي: أعطني حملة وهي بالفتح ما يحمل عليه الناس من الدواب كالركوبة. وقوله: أقسم بالله أبو حفص عمر عمر أبو حفص: فاعل أقسم بمعنى حلف وهو كنية عمر.
153 وقوله: ما إن بها إن زائدة. وقوله: إن كان فجر قال ابن الأنباري في الزاهر الفاجر في كلام العرب: العادل المائل عن الخير وإنما قيل للكذاب فاجر لأنه مال عن الصدق. وأنشد هذا الشعر. وقوله: ضع عن راحلتك أي: ارفع عنها قتبها. وقوله في رواية الأصمعي: أبدع بي بالبناء للمفعول أي: انقطع بي لكلال راحلتي فكأن راحلته جاءت ببدعة. وقوله: ما أظنتك أنقبت ولا أحفيت كلاهما بالبناء للفاعل يقال: أحفى الرجل إذا حفيت دابته أي: رق خفها وحافرها من كثرة المشي. والنضو بكسر النون وسكون المعجمة: المهزول. وقوله: عمرك مبتدأ وخبره محذوف أي: قسمي والجملة معترضة وهي بفتح العين. وهذا الرجز نسبه ابن حجر في الإصابة إلى عبد الله بن كيسبة بفتح الكاف وسكون المثناة التحتية وفتح المهملة بعدها باء موحدة النهدي. ذكره المرزباني في معجم الشعراء قال: وكيسبة) أمه ويقال اسمه عمرو. وهو القائل لعمر بن الخطاب واستحمله فلم يحمله: أقسم بالله أبو حفص عمر الأبيات الثلاثة. وكان نظر إلى راحلته لما ذكر أنها أعجفت فقال: والله ما بها من علة فرد عليه فعلان بالدرة وهرب وهو يقول ذلك فلما سمع عمر آخر كلامه حمله وأعطاه. وله قصة مع أبي موسى في فتح تستر. وقيل بأن كنيته أبو كيسبة وإن عمر سمعه ينشدها فاستحلفه أنه ما عرف بمكانه فحلف فحمله. انتهى. وقد ذكره في قسم المخضرمين الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يروه. وزعم ابن يعيش في شرح المفصل أن الرجز لرؤبة بن العجاج. وهذا لا أصل
154 له فإن رؤبة مات في سنة خمس وأربعين ومائة ولم يعده أحد من التابعين فضلا عن المخضرمين. والله أعلم. وأنشد بعده: الوافر * فلا والله لا يلفى لما بي * ولا للما بهم أبدا دواء * على أنه ضرورة حيث أكد اللام الأولى باللام الثانية بدون ذكر مجرور الأولى والقياس لما لما بي. وهذا البيت قد تقدم شرحه مع قصيدته وسببها مستوفى في الشاهد الرابع والثلاثين بعد المائة.
155 وأنشد بعده: وصاليات ككما يؤثفين لما تقدم قبله ومضى الكلام عليه مفصلا في الشاهد الخامس والثلاثين بعد المائة. الشاهد التاسع والخمسون بعد الثلاثمائة: الطويل * فأين إلى أين النجاء ببغلتي * أتاك أتاك اللاحقوك احبس احبس * على أن المستقبل يجوز تكريره بلا فصل. والظاهر أن المراد أنه من تكرير المفردات لا الجمل وهو الظاهر أيضا من كلام ابن جني في إعراب الحماسة قال: أول البيت توكيد الاستفهام وفي الثاني توكيد الخبر وفي آخره توكيد الأمر. وقال ابن الشجري في أماليه: هذا البيت فيه تكرير ثلاث جمل أراد إلى أين تذهب إلى أين تذهب أتاك أتاك اللاحقوك احبس احبس وهذا يقوي ما ذهب إليه الكسائي من حذف الفاعل في باب إعمال الفعلين. ألآ تراه لو أضمر الفاعل. ولم يحذفه لقال: أتوك أتاك اللاحقوك أو أتاك أتوك. انتهى. والصحيح أن الثلاثة من توكيد المفردات. أما الأول فأين مجرورة بإلى المحذوفة المدلول عليها بالمذكورة وهو خبر مقدم وإلى أين توكيده والنجاء مبتدأ مؤخر وهو مصدر نجا ينجو نجاء إذا أسرع وسبق. وزعم العيني أن إلى أين هو الخبر وأن أين ظرف لمحذوف أي: أين تذهب. وهذا غني عن وأما الثاني فإن اللاحقوك وهو جمع مذكر سالم مضاف للكاف وحذفت نونه للإضافة فاعل لأتاك الأول وأتاك الثاني تأكيد له. ولما كان الأول متصلا به ضمير المفعول اتصل بالثاني ليوافق الأول. وقد اختلف النحويون في نحو قام قام زيد فقيل: زيد فاعل الأول فقط وأما
156 الثاني فإنه يحتاج لفاعل لأنه لم يؤت به للإسناد وإنما أتي به لمجرد التأكيد. وقيل فاعلهما ولا يلزم منه اجتماع العاملين على معمول واحد لأن لفظهما ومعناهما واحد فكأنهما عامل واحد. وقيل فاعل أحدهما وفاعل الآخر ضمير محذوف على أنهما تنازعاه. وقد رده ابن الناظم وابن هشام في شرح الألفية لأنه ليس هذا من مواضع حذف الفاعل ولو كان من التنازع لقيل: أتوك أتاك أو أتاك أتوك. وأما الثالث فإن الأمر الثاني توكيد للأمر الأول وتوكيد الضمير للضمير بالتبعية ضرورة إذ لا يمكن انفكاكه عن المر. ويجوز أن يكون توكيدا مقصودا فيكون من قبيل توكيد الجمل.) وزعم العيني أن مفعول احبس تقديره نفسك. وهذا لا يناسب المقام. والظاهر أنه: بغلتي لوجود القرينة. وهذا البيت مع شهرته لم يعلم له قائل ولا تتمة والله أعلم. الشاهد الستون بعد الثلاثمائة: الكامل * لا لا أبوح بحب بثنة إنها * أخذت علي مواثقا وعهودا * لما تقدم قبله. وهذا في الحرف وما قبله في تكرير الاسم والفعل. وأبوح: مضارع باح الشيء بوحا من باب قال بمعنى ظهر ويتعدى بالحرف فيقال: باح به صاحبه وبالهمزة أيضا فيقال: أباحه. بثنة بفتح الموحدة وسكون المثلثة بعدها نون: اسم محبوبة جميل بن معمر العذري والمشهور بثينة بالتصغير وهي مجرورة بالفتحة لأنها لا تنصرف.
157 وزعم العيني أنها في محل الجر. وقوله: إنها بالكسر استئناف بياني. ومواثق: جمع موثق وهو العهد. وأما المواثيق فهو جمع ميثاق وربما قيل مياثيق على لفظ الواحد. والبيت من قصيدة لجميل العذري وقد تقدمت ترجمته في الشاهد الثاني والستين. وأنشد بعده الشاهد الحادي والستون بعد الثلاثمائة وهو من شواهد سيبويه: الرجز على أن المستقبل يجوز تكريره للتأكيد مع فاصل كما جاز بدونه. وتراك: اسم فعل أمر بمعنى اترك. وله أورده سيبويه. وهو متعد إلى الضمير نصبه على المفعولية. ولما لم يتقدم مرجعه فسره بالتمييز المجرور بمن المبنية. قال أبو عبيدة في أماليه كانوا في الجاهلية إذا غنموا الغنيمة فلحقها أربابها قالوا للسائقين: تراكها من إبل تراكها أي: خلوا عنها. فيقول السائقون:
158 أما ترى الموت على أوراكها أي: مآخيرها أي: إنا نحميها. وبعضهم يقول: مناعها من إبل مناعها فيجاب بقولهم: أما ترى الموت لدى أرباعها يعنون أفتاءها. انتهى. وقال يعقوب بن السكيت: أغير على إبل قوم من العرب فلحق أصحاب الإبل فجعلوا لا يدنو منها أحد إلا قتلوه فقال الذين أغاروا على الإبل: * تراكها من إبل تراكها * أما ترى الموت لدى أرباعها * فقال أصحاب الإبل: * مناعها من إبل مناعها * أما ترى الموت لدى أرباعها * وفي أمالي ابن الشجري: وقال آخر: * تراكها من إبل تراكها * أما ترى الموت لدى أوراكها * أراد أن أوراكها من شدة السير كأنها في استرخائها قد شارفت الموت. ومثله قول الآخر: * مناعها من إبل مناعها * أما ترى الموت لدى أرباعها *) الأرباع: جمع الربع وهو ولد الناقة التي تلده في الربيع. والهبع: الذي تلده في أول الصيف وجمعه أهباع كرطب وأرطاب. انتهى.
159 وقوله: أراد أن أوراكها من شدة السير الخ لا وجه له وكأنه لم يقف على ما قدمنا. وقال ابن خلف: هذا قول طفيل بن يزيد الحارثي حين أغارت كندة على نعمه فلحقهم وهو يقول: أما ترى الموت الخ ويروى: دراكها من إبل دراكها ويروى: قد لحق الموت على أوراكها وحمل على فحل الإبل فعقره فاستدارت النعم حوله ولحقت به بنو الحارث ابن كعب فاستنقذوا ماله وهزمت كندة. قال سيبويه: فهذا اسم لقوله: اتركها أي: هي محمية من أن يغار عليها فاتركها وانج بنفسك. وقوله: أرباعها الأرباع: جمع ربع وهو ولد الناقة. وأولاد الإبل تتبعها. والقتال يشتد إذا لحق الإبل أصحابها وإنما يقع القتال عند مآخيرها لأن الذين أغاروا عليها يطردونها ويسوقونها وأصحابها يمنعونهم من ذلك. وهو مثل قول الآخر: أما ترى الموت لدى أوراكها ويجوز أن يريد بالأرباع جمع ربع بالفتح وهو المنزل يعني أنهم اقتتلوا في المواضع التي فيها الإبل. انتهى. ولم يذكر الآمدي في المؤتلف والمختلف هذا مع أنه أورد خمسة ممن اسمهم طفيل.
160 وأنشد بعده الشاهد الثاني والستون بعد الثلاثمائة الرجز * أقبلن من ثهلان أو وادي خيم * على قلاص مثل خيطان السلم * على أن الأندلسي جوز أن يقال في جمع المذكر العاقل المكسر الرجال كلهن مستدلا بهذا البيت. ولم يظهر لي وجهه وكأن وجه الاستدلال أن نون أقبلن ضمير العقلاء الذكور أي: الرجال أو الركب أو نحوهما وإنما أنث لتأويله بالجماعة. والدليل على أن مرجع الضمير ما ذكر قوله بعد: الرجز حتى أنخناها على باب الحكم فدل ما بعد الكلام على ما قبله. وفيه أنه لا يجب أن يتحدا ويجوز أن تكون النون ضمير النسوة أو أن أصله أقبلنا فحذفت الألف ضرورة فيكون من باب التقارض. وهذه المسألة لم أرها إلا هنا عن الأندلسي. وقد راجعت شروح التسهيل وارتشاف الضرب فلم أر فيها أن النون تعود على الجمع المكسر للعاقل بتأويله بالجماعة.
161 بحوران يعصرن السليط أقاربه سواء أجعلت النون حرفا أم ضميرا. ويأتي شرحه بعد هذا في الشاهد السادس والسبعين بعد الثلاثمائة. وهذا أول رجز لجرير بن الخطفى أورد المبرد بعضا منه في الكامل وفي الاعتنان. قال أبو عبيدة: أخبرنا أيوب بن كسيب بن عطاء بن الخطفى قال: قدم جرير في إمرة الحكم بن أيوب الثقفي البصرة وكان الحكم ابن عم الحجاج وعامله. قال: وأنا معه وكان أيوب بن كسيب لا يفارقه ومدح الحكم فقال: * أقبلن من ثهلان أو وادي خيم * على قلاص مثل خيطان السلم * * حتى أنخناها إلى باب الحكم * خليفة الحجاج غير المتهم * في ضئضئ المجد وبحبوح الكرم فأعجب به الحكم بن أيوب ووجده باقعة. قال: فكتب إلى الحجاج: إنه قدم علي أعرابي شيطان من أشعر الناس وأفصحهم ووصفه له. قال: فكتب الحجاج أن يسرحه إليه حين يقرأ كتابه. قال: فلما قدم الكتاب أمرنا الحكم فشخصنا حتى قدمنا على الحجاج وامتدحه جرير) بكلمته التي يقول فيها: الطويل قال: وأما مسحل بن كسيب أخو أيوب فحدثني أن أول كلمة امتدحه بها كلمته التي يقول فيها: الكامل
162 * من سد مطلع النفاق عليكم * أم من يصول كصولة الحجاج * * أم من يغار على النساء عشية * إذ لا يثقن بغيرة الأزواج * قال: فأمر له الحجاج بأربعة آلاف درهم وكساء حلة صفراء وأنزلنا في دار ضيافته. انتهى. وزاد في الكامل أن جريرا لما دخل على الحجاج قال له: بلغني أنك ذو بديهة فقل لي في هذه لجارية قائمة على رأسه فقال جرير: ما لي أن أقول فيها حتى أتأملها ومالي أن أتأمل جارية الأمير فقال: بلى فتأملها واسألها. فقال لها: ما اسمك يا جارية فأمسكت فقال لها الحجاج: خبريه يا لخناء. فقالت: أمامة. فقال جرير: الكامل * ودع أمامة حين حان رحيل * إن الوداع لمن تحب قليل * * مثل الكثيب تمايلت أعطافه * فالريح تجبر متنه وتميل * * هذي القلوب صواديا تيمتها * وأرى الشفاء وما إليه سبيل * فقال الحجاج: قد جعل الله لك السبيل إليها خذها هي لك. فضرب بيده إلى يدها فتمنعت عليه فقال: الكامل فاستضحك الحجاج وأمر بتجهيزها معه إلى اليمامة. وخبرت أنها كانت من أهل الري وكان إخوتها أحرارا فاتبعوه فأعطوه بها حتى بلغوا عشرين ألفا فلم يفعل. وفي ذلك يقول: الطويل
163 * إذا عرضوا عشرين ألفا تعرضت * لأم حكيم حاجة هي ما هيا * * لقد زدت أهل الري عندي مودة * وحببت أضعافا إلي المواليا * فأولدها حكيما وبلالا وحرزة بني جرير. انتهى. وثهلان: بفتح المثلثة: جبل باليمن وقال حمزة الأصبهاني: هو جبل بالعالية. وأصل الثهل الانبساط على الأرض. ولضخم هذا الجبل تضرب به العرب المثل في الثقل فتقول: أثقل من ثهلان. وخيم بكسر الخاء المعجمة: جبل. قال صاحب الأغاني: ثهلان جبل كان لباهلة ثم غلبت عليه نمير. وخيم: جبل يناوحه من) طرفه الأقصى فيما بين ركنه الأقصى وبين مطلع الشمس به ماء ونخل. انتهى. وهذا هو المشهور والذي في ديوانه ورواه أبو عبيد البكري في المعجم: أقبلن من جنبي فتاخ وإضم وقال: فتاخ بكسر الفاء بعدها مثناة فوقية وآخره خاء معجمة: موضع. وقال الهجري: فتاخ بأطراف الدهناء مما يلي اليمامة. وإضم بكسر الهمزة: واد دون المدينة وقيل جبل. والقلاص: جمع قلوص وهي الناقة الشابة. وخيطان جمع خوط بضم الخاء المعجمة وهو الغصن. وروى الزمخشري في مستقصى الأمثال: مثل أغصان السلم. أراد أن القلاص هزلت من شدة السفر حتى صارت كأغصان السلم في الدقة والضمر. وزاد أبو عبيد البكري بعد هذا في شرح أمالي القالي:
164 * قد طويت بطونها على الأدم * إذا قطعن علما بدا علم * * فهن بحثا كمضلات الخدم * حتى تناهين إلى باب الحكم * العلم: الجبل. قال الزمخشري في مستقصى الأمثال. قوله: إذا قطعن علما بدا علم مثل يضرب لمن يفرغ من أمر فيعرض له آخر. وقوله: فهن بحثا أي: يبحثن بحثا بمناسمهن الأرض كما يبحث المضلات خلاخيلهن في التراب. والخدم: جمع خدمة بفتح الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة هو الخلخال. والضئضئ بكسر الضادين المعجمتين والهمزة الأولى بينهما ساكنة: الأصل والجنس. والبحبوح بضم الباءين والحاء المهملة الأولى بينهما ساكنة: الوسط. وقد أورد صاحب الأغاني حكاية جرير مع الحجاج على غير هذا النمط وأطال وزاد الأبيات. وترجمة جرير قد تقدمت في الشاهد الرابع في أول الكتاب. وأنشد بعده الشاهد الثالث والستون بعد الثلاثمائة الرجز * يا ليتني كنت صبيا مرضعا * تحملني الذلفاء حولا أكتعا * على أن الكوفيين استشهدوا به على جواز توكيد النكرة المؤقتة المعلومة المقدار وهو حول بمعنى العام.
165 قال صاحب المصباح: حال حولا من باب قال إذا مضى. ومنه قيل للعام حول وإن لم يمض لأنه سيكون حولا تسمية بالمصدر. وفيه شاهد آخر وهو التأكيد ب أكتع غير مسبوق بأجمع. وبعده بيت آخر وهو: * إذا بكيت قبلتني أربعا * إذن ظللت الدهر أبكي أجمعا * وفيه أيضا شاهدان: أحدهما: التأكيد بأجمع غير مسبوق بكل. وثانيهما: الفصل بين المؤكد قال ابن عبد ربه في العقد الفريد: نظر أعرابي إلى امرأة حسناء ومعها صبي يبكي فكلما بكى قبلته فأنشأ يقول هذا الرجز. وقوله: يا ليتني الخ يا حرف تنبيه ومرضع اسم مفعول من أرضعته إرضاعا. وجملة: تحملني الذلفاء صفة ثانية. ويجوز أن تكون حالا من ضمير مرضع ويجوز أن تكون خبرا ثانيا لكنت. والذلفاء بفتح الذال المعجمة وبعد اللام الساكنة فاء: وصف مؤنث أذلف من الذلف وهو صغر الأنف واستواء الأرنبة. ويحتمل أنه اسم امرأة منقول من هذا. وأكتع قال صاحب الصحاح: يقال إنه مأخوذ من قولهم: أتى عليه حول كتيع أي: تام. وقوله: أربعا أي: تقبيلا أربعا. وظللت بكسر اللام وظل بمعنى استمر من أخوات كان التاء اسمها وجملة أبكى في موضع نصب خبرها والدهر ظرف لأبكي. وجملة إذن ظللت الخ جواب لشرط محذوف أي: إن حصل ما تمنيته استمررت في البكاء حتى تستمر الذلفاء تحملني وتقبلني كلما بكيت. وزعم العيني أن التقدير: إن لم يكن الأمر كذا إذن ظللت الخ. ولا يخفى أن هذا عكس مراد الشاعر.
166 وأنشد بعده: الرجز لما تقدم قبله:) قال ابن جني في إعراب الحماسة: هذا شاذ وإن لم يكن مصنوعا فوجهه عندي أن أجمع هذه ليست التي تستعمل للتأكيد أعني التي مؤنثها جمعاء ولكن التي في قولك: أخذت الماء بأجمعه وأمعه بفتح الميم وضمها أي: بكليته فدخلو العامل عليها ومباشرته إياها يدل على أنها ليست التابعة للتوكيد فذلك قوله: يوما أجمعا أي: يوما بأجمعه ثم حذف حرف الجر ثم أبدل الهاء ألفا فصار أجمعا. انتهى. وقال العيني: الرواية الصحيحة: قد صرت البكرة يوما أجمع على أن يوما من غير تنوين وأصله يومي فالألف منقلبة عن ياء المتكلم فأجمع توكيد للمعرفة. أقول: إن كان يومي ظرفا فلم لم ينصب أجمع وإن كان غير ذلك فما هو مع أن ما قبله عنده: إنا إذا خطافنا تقعقعا وهذا من الرجز الذي لا يجوز اختلاف قوافيه. وهذا التوجيه تعسفه ظاهر ككلام ابن جني. وقد استدل الكوفيون بأبيات أخر منها قوله: البسيط
167 ومنها قوله: الوافر ثلاث كلهن قتلت عمدا ومنها قوله: الرجز * إذا القعود كر فيها حفدا * يوما جديدا كله مطردا * ومنها قوله: المتقارب * زحرت به ليلة كلها * فجئت به مودنا خنفقيقا * قال ابن الأنباري في مسائل الخلاف: أجاب البصريون عن هذه الأبيات بأن الرواية في الأول يا ليت عدة حولي بالإضافة إلى الياء. وعن الثاني بأن كلهن بدل من ثلاث أو جملة كلهن قتلت خبر عن الثلاث. وعن الثالث بأن كله بالرفع لتوكيد الضمير في جديد. وأما قد صرت البكرة يوما أجمعا فمجهول. لا يعرف قائله. هذا كلامه وهو مبني على الطعن في روايتهم وهذا لا يجوز لأنهم ثقات. ثم قال: وأما قول الكوفيين بأن اليوم مؤقت فيجوز أن تقعد بعضه والليلة مؤقتة فيجوز أن) تقوم بعضها فإذا أكدت صح معنى التأكيد. قلنا: هذا لا يستقيم
168 فإن اليوم وإن كان مؤقتا إلا أنه لم يخرج عن كونه نكرة شائعة وتأكيدها بالمعرفة لا يجوز لأن تأكيد ما لا يعرف لا فائدة أقول: ادعاؤه عدم الاستقامة ممنوع والفرق ظاهر فإن التأكيد باعتبار أجزاء اليوم والليلة ليشمل جميعها والشيوع باعتبار جنس اليوم والليلة فأين هذا من ذاك. وقد أشار الشارح المحقق إلى ما ذكرنا والله أعلم. وقد تقدم شرح هذا البيت في الشاهد الخامس والعشرين من أوائل الكتاب. وأنشد بعده الشاهد الرابع والستون بعد الثلاثمائة الطويل * أولاك بنو خير وشر كليهما * جميعا ومعروف ألم ومنكر * على أن حمل كليهما فيه على البدل عند أهل المصرين أولى لأن خيرا وشرا ليسا بمؤقتين. قال ابن جني في إعراب الحماسة: الوجه في قوله: بنو خير وشر كليهما أن لا يكون كليهما تأكيدا لكن يكون بدلا من خير وشر حتى كأنه قال: بنو كل خير وشر فقد يضاف إلى المفرد المعطوف عليه مثله بالواو في ضرورة الشعر كما قال: الطويل * كلا السيف والساق التي ضربت به * على دهش ألقاه باثنين صاحبه * وإنما جاز ذلك من حيث كان ما عطف بالواو بمنزلة ما جمع في لفظة واحدة. ألا تراك تقول: زيد وعمرو أخواك فإن أخبرت عنهما جميعا قلت: اللذان هما
169 أخواك زيد وعمرو فتأتي بضميرهما جزءا واحدا وكان أحدهما على صاحبه معطوفا. وكذلك: زيد وعمرو مررت بهما. انتهى. وهذا البيت آخر أبيات أربعة لمسافع بن حذيفة العبسي مذكورة في باب المراثي من الحماسة وهي: * أبعد بني عمرو أسر بمقبل * من العيش أو آسى على إثر مدبر * * وليس وراء الشيء شيء يرده * عليك إذا ولى سوى الصبر فاصبر * * سلام بني عمرو على حيث هامكم * جمال الندي والقنا والسنور * أولاك بنو خير................................... البيت) قوله: أبعد بني عمرو الخ الهمزة للاستفهام الإنكاري وأسر بالبناء للمفعول من السرور ومقبل بمعنى آت ومدبر بمعنى ذاهب وآسى: مضارع أسي من باب تعب بمعنى حزن. وقوله: سوى الصبر استثناء منقطع لأن الصبر ليس من الشيء الراد الفائت في شيء. يقول: أأسر بعيش مقبل أو زمن مساعد بعد أن فجعت بهؤلاء أو أحزن في إثر فائت أو أجزع لتولي مدبر وليس وراء الشيء الفائت شيء يرده عليك فالأولى أن تتمسك بالصبر وتعتصم وقوله: سلام بني عمرو الخ سلام مبتدأ وجاز الابتداء به لتضمنه الدعاء. وخبره قوله: على حيث هامكم. قال ابن جني في إعراب الحماسة هامكم مبتدأ محذوف الخبر من جملة مجرورة الموضع بإضافة حيث إليها أي: حيث هامكم متصورة أي: موجودة. ومثله قولهم: جئتك إذ ذاك أي: إذ ذاك كذاك فحذف الخبر من الجملة المجرورة الموضع بإضافة إذ إليها. انتهى. وذكر الهام على عادة العرب في زعمهم أن عظام الموتى تصير هاما تطير. وبني
170 عمرو: منادى بحرف النداء المحذوف. وجمال الندي منصوب على المدح. وقال ابن جني: نصب جمال الندي لأنه بدل من بني عمرو. والندي بتشديد الياء: المجلس لغة في النادي. وقال ابن جني: لام الندي واو لأنه فعيل من الندوة وهي موضع جلوس النادي والندي. انتهى. والقنا: جمع قناة وهي الرمح. والسنور بفتح السين والنون والواو المشددة: لبوس من قد كالدرع. يعني أنهم جمال المجالس يوم الجمع وزين السلاح غداة الروع. وقوله: أولاك الخ هو مبتدأ لغة في أولئك وبنو خبر المبتدأ. أراد أنهم ملازمون لفعل الخير والشر مع الأصدقاء والأعداء كما يقال: فلان أخو الحرب. وجميعا: حال مؤكدة لصاحبها. وقوله: معروف هو بالجر معطوف على خير وكذلك منكر. والمعروف: الجميل الظاهر وضده المنكر فهما أخص من الخير والشر فإن الخير قد يكون ظاهره شرا كالدواء المر. والشر قد يكون ظاهره خيرا كهوى النفس. وألم بمعنى نزل وعرض والجملة صفة معروف ومثله مقدر بعد منكر. ومسافعل بضم الميم وكسر الفاء ابن حذيفة بالتصغير العبسي بالباء الموحدة وهو شاعر فارس من شعراء الجاهلية.)
171 3 (البدل)) أنشد فيه الشاهد الخامس والستون بعد الثلاثمائة وهو من شواهد سيبويه: البسيط * يا مي إن تفقدي قوما ولدتهم * أو تخلسيهم فإن الدهر خلاس * * عمرو وعبد مناف والذي عهدت * ببطن عرعر: آبي الظلم عباس * على أن قوله: عمرو وعبد مناف والذي بدل مقطوع من قوماص. قال ابن خلف: الشاهد فيه رفع عمرو وما بعده بالابتداء كأنه قال: منهم أو من القوم الذين فقدوا أو يكون خبر مبتدأ كأنه قال: بعضهم. ولو نصبت على البدل من القوم لجاز. وعباس بدل من آبي وآبي بدل من الذي ولو أبدلت فسد الكلام لأنا إذا نصبنا وجب أن ينصب الذي هو بدل منه فكنا نقول: عباسا. وقوله: تخلسيهم بالبناء للمفعول أي: يؤخذون منك بغتة فإن الدهر من شأنه أن يؤخذ فيه الشيء بغتة. وعرعر: مكان. ويروى: ببطن مكة. وأراد بعمرو عمرو بن عبد مناف بن قصي وهو هاشم بن عبد مناف وسمي هاشما
172 لهشمه الثريد لقومه في مجاعة أصابتهم. والعباس هو ابن عبد المطلب وإنما قال ولدتهم لما بين هذيل وقريش من القرابة في النسب والدار لأنهم كلهم من ولد مدركة بن الياس بن مضر. وقوله: والذي عهدت الضمير يرجع إلى مي وعدل عن خطابها وأخبر عنها باللفظ الذي يكون للغائب أراد الذي عهدت فلم يستقم له. ومي: مرخم مية. وهذان البيتان مطلعا قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي عدتها خمسة عشر بيتا أوردها أبو سعيد السكري في أشعار الهذليين وبعدهما: * يا مي إن سباع الأرض هالكة * والغفر والأدم والآرام والناس * الغفر بضم الغين وسكون الفاء: ولد الوعل ونقل شارح شواهد المفصل عن صاحب المقتبس أنه القفز بالقاف والفاء والزاي المعجمة وهو جمع أقفز وهو من الخيل المحجل من يديه لا رجليه. وهذا تحريف قطعا. ونقل أيضا عن صاحب الإقليد أنه العفر بعين مهملة وهو جمع أعفر وهو الأبيض. وليس) بشديد. وظبية عفراء يعلو بياضها حمرة وهي قصار الأعناق. والأدم بالضم من الظباء: بيض تعلوهن خطوط فيهن غبرة تسكن الجبال يقال: ظبية أدماء وظبي آدم. والآرام: الظباء البيض الخالصة البياض الواحد رئم بالهمز وهي تسكن الرمل. * تالله لا يعجز الأيام مبترك * في حومة الموت رزام وفراس * لا يعجز: لا يغلب. والمبترك: الأسد من ابتركه إذا صرعه وجعله تحت بكره وهو الصدر. وأغرب الكرماني في شرح شواهد الموشح ورواه المنتزك بالنون والزاي المعجمة أي: الذي له نيزك أي: رمح قصير كأنه فارسي معرب. وحومة الموت: الموضع الذي يدور فيه الموت لا يبرح منه
173 والرزام بتقديم المهملة: الصراع يقال: رزم به إذا صرعه. والفراس: الذي يدق الأعناق ومنه فريسة الأسد لأنه يدق عنقها. * يحمي الصريمة أحدان الرجال له * صيد ومستمع بالليل هجاس * قال السكري: الصريمة ها هنا: موضع. وأحدان الرجال: ما انفرد من الرجال. وقال غيره: الصريمة: رملة فيها شجر حماها من أن يدخلها أحد خوفا منه. وأحدان الرجال: الذين يقول أحدهم: أنا الذي لا نظير لي في الشجاعة والبأس. يقول: هذا الأسد يصيد هؤلاء الذين يدلون بالشجاعة. وهذان البيتان أيضا استشهد بهما سيبويه على جري الصفات على ما قبلها مع ما فيها من معنى التعظيم ولو نصب لجاز. هجاس: يهجس. وروى بدله: هماس من الهمس. قال النحاس: هماس: دقاق للرقاب مكسر لها. قال ابن خلف: وأحدان الرجال يروى بالرفع والنصب فمن رفع قال: أحدان مبتدأ وصيد خبره ومن نصب جعله مفعول يحمي كأنه قال: يحمي الصريمة من أحدان الرجال ف صيد على هذا مبتدأ وله خبره. ومستمع وروى بدله: مجترئ: خبر مبتدأ محذوف أي: وهو مستمع أو هو معطوف على رزام وهو الوجه الذي رواه سيبويه والشاهد على أنه عطف هماس. قال النحاس: ويجوز نصب مجترئ على أعني. * يا مي لا يعجز الأيام ذو حيد * بمشمخر به الظيان والآس *
174 روى صدره صاحب المفصل: على أن اللام في لله هنا للقسم والتعجب معا. وتبعه صاحب المغني. ورواه صاحب الجمل) تالله يبقى بالمثناة الفوقية. قال ابن السيد: ويروى بالباء الموحدة وكلاهما قسم فيه معنى التعجب. وقال اللخمي: ورواية سيبويه لله باللام. وقوله: يبقى جواب القسم بتقدير لا النافية ويعني بقوله ذو حيد الوعل. قال المبرد: الحيد بفتحتين: الروغان والفرار. والمشهور حيد بكسر المهملة وفتح المثناة التحتية جمع حيدة كحيض جمع حيضة. وهذه رواية ثعلب والسكري. قال اللخمي: قوله ذو حيد يروى بفتح الحاء وكسرها فمن رواه بالفتح فهو اعوجاج يكون في قرن الوعل وقيل: إنه مصدر من حاد يحيد حيدا وأصله السكون فلما اضطر حرك الياء ومعناه الروغان. وقيل: هو جمع حيدة وهي العقدة التي تكون في قرنه. وقيل: الحيد القوة. ومن روى حيدا بالكسر فهي نتوءات والواحدة حيدة. ويروى: ذو جيد بالجيم وهو جناح مائل من الجبل وقيل: يعني به الظبي. والوعل: التيس الجبلي ويقال للأنثى: أروية بضم الهمزة وتشديد الياء وربما قالوا وعلة. انتهى. وزعم الدماميني في الحاشية الهندية أن حيدا بكسر الحاء جمع حيدة بفتحها كبدر جمع بدرة وهي الحرف الناتئ في عرض الجبل لا في أعلاه. هذا كلامه وهذا غير مناسب للمقام. والمشمخر: الجبل الطويل وقيل: العالي. والباء بمعنى في. والظيان بفتح المعجمة وتشديد المثناة التحتية: ياسمين البر وقيل الرمان الجبلي. والآس قال ابن السيد: هو الريحان وقيل الآس: أثر النحل إذا مرت فسقط منها بعض نقط من العسل حكاه الشيباني. وقال صاحب كتاب العين: هو شيء من العسل. وأوضحه ابن المستوفي في شرح شواهد المفصل فقال: هو نقط من العسل تقع من النحل على الحجارة
175 فيستدلون بتلك النقط على مواضع النحل. وقال اللخمي: الآس هنا بقية العسل في موضع النحل كما سمي بقية التمر في الجلة قوسا وباقي السمن في النحي كعبا وقالوا للقطعة من الأقط ثور. والآس في غير هذا: المشموم. قال ابن دريد: وهو دخيل في كلام العرب إلا أنهم قد تكلموا به. وقوله: على الأيام حال على حذف مضاف أي: على تعاقب الأيام أو على مرورها أي: لا يبقى ذو حيد والأيام متعاقبة عليه. وقوله: بمشمخر صفة لذي حيد. وكذلك قوله به صفة) لمشمخر. والظيان فاعل به. ووقع في رواية سيبويه تركيب مصراعين من بيتين هكذا: * يا مي لا يعجز الأيام ذو حيد * في حومة الموت رزام وفراس * قال السيرافي: وقع في البيت الأول من هذين غلط من كتاب سيبويه لأن قوله: ذو حيد: وعل ورزام وفراس: أسد والصواب الذي حملته الرواة: * يا مي لا يعجز الأيام ذو حيد * بمشمخر به الظيان والآس * والقصيدة لأبي ذؤيب الهذلي كما ذكرنا وقد أثبتها له السكري في أشعار الهذليين وتقدمت ترجمته في الشاهد السابع والستين. ووقع هذا الشعر في كتاب سيبويه معزوا لمالك بن خالد الخناعي بضم الخاء المعجمة وتخفيف النون: بطن من هذيل وهو خناعة بن سعد بن هذيل بن مدركة ابن إلياس بن مضر. وقال اللخمي: وبعضهم روى هذا الشعر لأمية بن أبي عائذ الهذلي. وأنشده الزمخشري في المفصل لعبد مناف الهذلي. وقال ابن السيد: وروي للفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب.
176 وقال ابن المستوفي في شرح شواهد المفصل: ورواه أبو الحسن الأخفش لأبي زبيد الطائي. والله أعلم. وأنشد بعده: أقسم بالله أبو حفص عمر وأنشد بعده الشاهد السادس والستون بعد الثلاثمائة الوافر * فلا وأبيك خير منك أني * ليؤذيني التحمحم والصهيل * على أن خير بالجر بدل من أبيك بتقدير الموصوف أي: رجل خير منك وهذا البدل بدل كل من كل. ومع اعتبار الموصوف يكون الإبدال جاريا على القاعدة وهي أنه إذا كان البدل نكرة من معرفة يجب وصفها كقوله: بالناصية. ناصية كاذبة. وهذا على رواية الجر. وفيه رواية أخرى وهي رفع خير قال أبو الحسن الأخفش في شرح نوادر أبي زيد. ومن روى خير منك بالرفع فكأنه قال: هو خير منك. وهذا البيت من أبيات سبعة لشمير بن الحارث الضبي رواها أبو زيد في نوادره. وهي في رواية ابن الأعرابي خمسة بحذف الثالث والسابع.
177 وهذه رواية أبي زيد: * دعوت الله حتى خفت أن لا * يكون الله يسمع ما أقول * * ليحملني على فرس فإني * ضعيف المشي للأدنى حمول * * ينعم بال عيني أن أراه * أمام البيت محجره أسيل * * فإن فزعوا فزعت وإن يعودوا * فراض مشيه عتد رجيل * * فلا وأبيك خير منك إني * ليؤذيني التحمحم والصهيل * * ولست بنأنأ لما التقينا * تهيبني الكريمة والأفيل * قال أبو حاتم: يسمع أي: يجيب ومنه: سمع الله لمن حمده. وقوله: ليحملني علة لدعوت. وقوله: ضعيف المشي رواه أبو حاتم ضعيف المتن وحمول: خير ثان لأن. وقوله: أحب الخيل إن لامت عليه هو مثل قولك: أقوم إن قام زيد. ولامت من اللوم فاعله ضمير امرأته ونحوها. قال أبو علي: أي: لامت على حبسه وفي لامت ضمير فاعلة أضمرت لدلالة الحال عليه. انتهى وفيه شاهد وهو رجوع الضمير المذكر على الخيل. وقوله: إناث الخيل هو خبر مبتدأ محذوف أي: الذي أحب أو ما أحب إناث الخيل. وقوله: الذكر الطويل أي: طويل الظهر. وقوله: ينعم الخ من التنعم وهو الترفه يقال: نعمه تنعيما أي: رفهه وفاعله قوله أن أراه) والهاء ضمير الذكر الطويل. وروى ابن الأعرابي في نوادره ينعم بال نفسي. وعليه فالبال بمعنى الخاطر والقلب. وجملة: محجره أسيل: حال منه. والمحجر كمجلس بتقديم الحاء على الجيم: ما حول العين أراد أسفل العين وهو الخد لأنه يقال أسيل الخد إذا
178 كان لين الخد طويله. وكل مسترسل أسيل أيضا. وقوله: فإن فزعوا فزعت الفزع الإغاثة والنصر. ويعودوا في رواية أبي زيد بالعين وفي رواية ابن الأعرابي بالقاف. وقوله: فراض مشيه روي برفع مشيه على أنه مبتدأ أول وراض خبره أي: ذو رضا كقوله: عيشة راضية وليل نائم. وروي بنصب مشيه براض فراض خبر مبتدأ محذوف أي: فأنا راض مشيه. كذا قال الأخفش فيما كتبه على نوادر أبي زيد. وفرس عتد بفتحتين وبفتح فكسر: المعد للجري. قال ابن السكيت: هو الشديد التام الخلق. والرجيل بالجيم هو من الخيل الذي لا يحفى وقيل الذي لا يعرق. وروى ابن الأعرابي في نوادره: * فإن فزعوا فزعت وإن يقودوا * فراض مشيه حسن جميل * وعلى هذا تقديره: فأنا راض ومشيه: مبتدأ وحسن: خبره. وقوله: فلا وأبيك خير منك الكاف في أبيك ومنك مكسورة خطاب للمرأة التي لامته على حب الخيل على طريق الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ولا نفي لما زعمته والواو للقسم. وجملة: إني ليؤذيني الخ جواب القسم. واختلفوا في معناه فقال أبو الفضل: قوله: ويؤذيني أي: يغمني وليس هو لي في ملك. وقال أبو حاتم والفارسي: أي ليؤذيني فقد التحمحم. وفي هذا حذف مضاف ورواه ابن الأعرابي في نوادره: وتبعه ابن دريد ليؤذينني بنونين قال: يؤذينني أي: يعجبني من أذنت له. قال أبو محمد الأسود الأعرابي فيما كتبه على نوادر ابن الأعرابي وسماه ضالة الأديب: وصوابه ليؤذيني التحمحم من الإيذاء أي: فقدان التحمحم فحذف.
179 والتحمحم: صوت الفرس إذا طلب العلف. يقال: حمحم الفرس وتحمحم. وصهيل الفرس:) صوته مطلقا فهو من عطف العام على الخاص. وقوله: ولست بنأنأ الخ النأنأ بنونين وهمزتين على وزن جعفر هو الضعيف من الرجال. يقال: نأنأ في رأيه نأنأة إذا ضعف فيه. وقوله: تهيبني أصله بتاءين مضارع تهيبه أي: هابه وفيه قلب أي: لا أهاب الكريمة من الإبل أن أعقرها للضيف ولا يتعاظمني ذلك. والأفيل قال أبو زيد: هو الإفتاء من الإبل. وقال وفي العباب: الأفيل: ابن المخاض وابن الليون والأنثى أفيلة فإذا ارتفع عن ذلك فليس بأفيل. وروى بدل الكريمة الكريهة وهي الحرب. قال الأخفش فيما كتبه على نوادر أبي زيد: الذي أختار رواية تهيبني الكريمة يقول: لا يهيبني كبير مالي ولا صغيره إذا ورد ضيف علي. والأفيل: الصغير هكذا حفظي وليس له وقت محدود. ومن روى الكريهة يقول: أنا أقاتل وأعقر للأضياف الأفيل. ولا أدري لم خص الفيل دون غيره. انتهى. وشمير بضم الشين المعجمة وفتح الميم وآخره راء مهملة وهكذا ضبطه أبو زيد. وقال الأخفش فيما كتبه عليه: الذي في حفظي سمير بالسين المهملة. وكذا ضبطه الصاغاني في العباب بالمهملة وقال: وهو شاعر جاهلي. والله أعلم. وأنشد بعده: العائذات الطير وهو قطعة من بيت للنابغة الذبياني وهو: البسيط * والمؤمن العائذات الطير يمسحها * ركبان مكة بين الغيل والسند *
180 وقد تقدم شرحه في الشاهد السابع والأربعين بعد الثلاثمائة. أنا ابن التارك البكري بشر وتمامه: عليه الطير ترقبه وقوعا وتقدم شرحه هذا أيضا في الشاهد التاسع والتسعين بعد المائتين. وأنشد بعده الشاهد السابع والستون بعد الثلاثمائة البسيط * إنا وجدنا بني جلان كلهم * كساعد الضب لا طول ولا قصر * على أنه يجوز ترك وصف النكرة المبدلة من المعرفة إذا استفيد من البدل ما ليس في المبدل منه كما هنا فإن قوله: طول المنفي بدل من ساعد الضب ومعنى الطول وما عطف عليه موجود في ساعد الضب.
181 وفيه شاهد آخر وهو إبدال النكرة من المعرفة والنكرة بغير لفظ المعرفة. قال ابن جني في إعراب الحماسة عند قول الماسي: الكامل * نهل الزمان وعل غير مصرد * من آل عتاب وآل الأسود * غير أنه أعاد العامل معه وهو الجار. وبهذا استدللنا على أن البدل من جملة غير الجملة التي منها المبدل. وهو كثير في القرآن والشعر. وأكثر ما يعاد العامل مع البدل إذا كان العامل جارا من حيث صار الجار مع ما جره بمنزلة الجزء الواحد. نعم وأبد النكرة من المعرفة والنكرة بغير لفظ المعرفة. وهذا شيء يأباه البغداديون ويقولون: لا تبدل النكرة من المعرفة حتى يكونا من لفظ واحد نحو قوله تعالى: بالناصية. ناصية كاذبة خاطئة. ورد ذلك أبو الحسن بما أنشده من قول الشاعر: إنا وجدنا بني جلان كلهم................... البيت ومثله ما أنشده أبو زيد: فلا وأبيك خير منك إني.................. البيت انتهى. وإنما أوله الشارح المحقق بقوله: أي لا ذي طول ولا ذي قصر ليصح جعله بدل كل من كل إذ لولا التأويل لكانا متغايرين. وإنما لم يجعف لا طول بأحد التأويلات الثلاثة صفة كقوله أبيك لتخالف الموصوف والصفة فيهما تعريفا وتنكيرا فلو كان معرفا لكان صفة كما في قول أبي
182 * فلا وأبيك الخير لا تجدينه * جميل الغنى ولا صبورا على العدم * يقول: إن تزوجت زوجا لا تجدينه متعففا ولا يصبر على العدم بالضم أي: الفقر.) وجلان بكسر الجيم وتشديد اللام علم لا ينصرف. قال الأصمعي في شرح هذا البيت من شعر ذي الرمة: البسيط * وبالشمائل من جلان مقتنص * رذل الثياب خفي الشخص منزرب * الشمائل: جمع شمال. وجلان: قبيلة من عنزة وهم رماة. ورذل الثياب: خلقها. وخفي الشخص بمعنى ضئيل الشخص خلقة. والمنزرب: الداخل في الزرب وهو قترة الصائد. يقال: انزرب إذا دخل. انتهى. وعنزة حيان أحدهما عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار. وثانيهما: عنزة بن عمرو بن عوف بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد. ولا أعرف عنزة المنسوب إليها جلان أي العنزتين. وقوله: كلهم تأكيد لبني جلان لا لجلان. وقوله: كساعد الضب. الساعد: ذراع اليد. والضب ساعد جميع أفراده على مقدار معين خلقة لا يزيد ساعد فرد من أفراده طولا على ساعد فرد آخر وكذلك لا ينقص عن ساعد فرد آخر بخلاف سائر الحيوانات فإن بين ساعد أفرادها تفاوتا في الطول والقصر بحسب الجثة.
183 وهذا ينبغي أن يكون من الأمثال في الأشياء المتساوية كقولهم: هم كأسنان المشط لكني لم أره في كتب الأمثال. أراد أن جلان متساوون في فضيلة رشق السهام لا يرتفع أحدهم على الآخر فيها ولا ينحط عنه. وهذا البيت لم أقف على قائله. والله أعلم. وأنشد بعده: فلا وأبيك خير منك البيت السابق ذكره آنفا لما تقدم في البيت قبله. لكن قدم الشارح المحقق أنه بتقدير رجل خير منك فالبدل إنما هو النكرة الموصوفة غايته أنه حذف الموصوف وبقيت صفته. ويمكن أن يقال: ما تقدم لأجل جمود البدل لا لأجل وصف النكرة المبدلة فإن اشتراط الوصف مذهب الكوفيين. قال السمين عند قول صاحب الكشاف في قوله تعالى: ناصية كاذبة: جاز إبدال النكرة من المعرفة لأنها وصفت فاستقلت بفائدة. قلت: هذا مذهب الكوفيين لا يجيزون إبدال نكرة من غيرها إلا بشرط وصفها أو كونها بلفظ الأول. ومذهب البصريين: لا يشترط شيء.) وأنشدوا: انتهى وقال ابن عقيل في شرح التسهيل: ولم يشترط البصريون في إبدال المعرفة من النكرة والنكرة من المعرفة اتحاد لفظ ولا وجود وصف. ونقل ابن مالك عن الكوفيين أنهم لا يبدلون النكرة من المعرفة إلا إن كانت من لفظ الأول ونسب هذا
184 بعض النحويين لنحاة بغداد. ونقل عن الكوفيين أيضا أنهم لا يفعلون ذلك وعكسه إلا بالشرط المذكور. وكلام الكوفيين على خلاف هذا. قال الكسائي والفراء في قتال فيه إنه على نية عن وصرح ب عن في قراءة عبد الله. وأجاز الفراء في هارون أخي كونه مترجما لوزيرا. قال: فيكون نصا للتكرير. ونقل أيضا عن الكوفيين والبغداديين اشتراط وصف النكرة المبدلة من المعرفة وتابعهم السهيلي وابن أبي الربيع. ونقل عن بعض الكوفيين في إبدال النكرة المبدلة من النكرة اشتراط وصف المبدلة. ويدل للبصريين حدائق وأعنابا وقوله: الطويل * فألقت قناعا دونه الشمس واتقت * بأحسن موصولين كف ومعصم * وقوله: فلا وأبيك خير منك...................... البيت وأنشد بعده: الطويل لحافي لحاف الضيف والبرد برده
185 هذا صدر بيت وعجزه: ولم يلهني عنه غزال مقنع على أن اللام قد تنوب عن الضمير كما هنا فإن الأصل وبردي برده. وتقدم شرح هذا البيت في الشاهد الثالث والتسعين بعد المائتين. وأنشد بعده الشاهد الثامن والستون بعد الثلاثمائة الرجز * أوعدني بالسجن والأداهم * رجلي ورجلي شثنة المناسم * على أن قوله: رجلي بدل بعض من ياء المتكلم في أوعدني. هذا هو الظاهر. وعليه اقتصر الفراء في تفسيره عند قوله تعالى: للذين اتقوا عند ربهم جنات. واستشكلت البدلية بأن الرجل لا توعد بالسجن. وأجيب بأنها لما كانت سببا للدخول ناسب وفيه وجوه ثلاثة: أحدها: ما قاله ابن السيد في شرح أبيات أدب الكاتب وهو أنه يجوز أن يكون رجلي مفعولا ثانيا حذف منه حرف الجر اختصارا كأنه أراد: لرجلي.
186 وثانيها: ما قاله أبو حيان في تذكرته ومن خطه نقلت وهو أن يكون رجلي منادى على طريق الاستهزاء بالموعد. ثالثها: ما نقله ابن السيرافي في شرح أبيات إصلاح المنطق عن بعضهم وهو أن تكون الأداهم معطوفة على السجن ورجلي معطوفة على ضمير المتكلم أي: أوعدني بالسجن وأوعد رجلي بالأداهم كما تقول: ضربني بالعصا والسوط ظهري تريد ضربني بالعصا وضرب ظهري بالسوط ويكون على هذا من باب عطف معمولين على معمولي عاملين مختلفين. ورجلي الثانية مبتدأ شثنة خبرها وأتى بها ظاهرة غير مضمرة تعظيما لأمرها وإشادة بذكرها أو لأنها وقعت في جمله ثانية. والواو للحال وروي فرجلي بالفاء على السببية. والشثنة: الغليظة الخشنة يقال: في صفة الأسد: شثن البراثن. قال العيني: ويجوز أن يكون بتقديم النون على المثلثة من شنست مشافر البعير أي: غلظت من أكل الشوك. والمناسم: جمع منسم كمجلس وهو طرف خف البعير استعاره للإنسان. وقال ابن السيرافي: المنسم: أسفل خف البعير ولا يستعمل لغيره إلا في ضرورة شعر. وأرد بالمناسم هنا باطن رجليه. يقول: رجلي غليظة لا تألم لجعلها في القيد. هذا كلامه وهذه الإرادة غير ظاهرة. والأداهم: جمع أدهم وهو القيد. والسجن بالكسر: اسم للمحبس والمصدر بالفتح. يقال: سجنته سجنا من باب قتل. وأوعده بكذا بمعنى هدده به.) قال الخطيب التبريزي في شرح إصلاح المنطق: قال الفراء: يقال وعدته خيرا ووعدته شرا بإسقاط الألف فإذا أسقطوا الخير والشر قالوا في الخير وعدته وفي الشر أوعدته. فالوعد والعدة في الخير والإيعاد والوعيد في الشر. فإذا قالوا أوعدته بكذا أثبتوا الألف مع الباء. وأنشد: أوعدني بالسجن والأداهم................ البيت انتهى
187 وقال ثعلب في أماليه: يقال: وعدته خيرا وشرا وإذا لم يذكر الخير ولا الشر قيل في معنى الخير وعدته وفي الشر وعدته وفي بعض اللغات أوعدته بالشر. وأنشد هذا البيت. وفيه مخالفة للفراء فيما إذا لم يذكر الموعود به فإنه إذا أريد المكروه زيدت الألف. وثعلب ساوى بين ما إذا أريد الخبر أو المكروه في أنه يقال بلا ألف. قال في الفصيح: وعدت قال الإمام المرزوقي في شرح الفصيح: وعدته خيرا وشرا. فإن أطلقت ولم تقيد قلت في الخير وعدت وعدا وعدة وموعدا وموعدة. والميعاد: الوقت والموضع. وفي الشر أوعدته إيعادا ووعيدا. هذا هو الصحيح. وقوله: فإذا لم تذكر الشر قلت أوعدته بكذا قال أبو إسحاق الزجاج: قلت لثعلب: قولك بكذا ينقص ما أصلته لأن وعد بإطلاقه ضمان في الخير وأوعد ضمان في الشر ولا حاجة إلى بكذا. قال أبو علي: ويمكن أن يقال في جوابه بكذا إشارة إلى نوع مما يتوعد به وإذا كان القصد إلى التنويع احتيج إليه ألا ترى قوله: أوعدني بالسجن والأداهم وقول الآخر: أتوعدني بقومك يا ابن سعدى والمنكر أن يقال: أوعدني بالشر. فاعلمه. انتهى. وهذا الشعر بيتان من الرجز المسدس. قال ابن السيد: لا أعلم قائله. وقال ياقوت في حاشية الصحاح وتبعه العيني: قائله العديل بن الفرخ وهو شاعر إسلامي في الدولة المروانية وهو بضم
188 قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء: العديل بن الفرخ لقبه العباب بفتح العين المهملة وتشديد) الموحدة الأولى. والعباب: اسم كلبه. وهو من رهط أبي النجم العجلي وكان هجا الحجاج وهرب منه إلى قيصر ملك الروم فبعث إليه: لترسلن به أو لأجهزن إليك خيلا يكون أولها عندك وآخرها عندي فبعث به إليه فلما مثل بين يديه قال: أنت القائل: الطويل * ودون يد الحجاج من أن تنالني * بساط بأيدي الناعجات عريض * * مهامه أشباه كأن سرابها * ملاء بأيدي الغانيات رحيض * فقال: أنا القائل: الطويل * فلو كنت في سلمى أجا وشعابها * لكان لحجاج علي دليل * * خليل أمير المؤمنين وسيفه * لكل إمام مصطفى وخليل * * بنى قبة الإسلام حتى كأنما * هدى الناس من بعد الضلال رسول * فعفا عنه وأطلقه. وأنشد بعده الشاهد التاسع والستون بعد الثلاثمائة وهو من شواهد س: الوافر على أن قوله حلمي بدل اشتمال من الياء في: ألفيتني.
189 قال ابن جني في إعراب الحماسة: إنما يجوز البدل من ضمير المتكلم وضمير المخاطب إذا كان بدل البعض أو بدل الاشتمال نحو قولك: عجبت منك عقلك وضربتك رأسك. ومن أبيات الكتاب: ذريني إن أمرك لن يطاعا.............. البيت ف حلمي: بدل من ني. ولو قلت: قمت زيد أو مررت بي جعفر أو كلمتك أبو عبد الله على البدل لم يجز من حيث كان ضمير المتكلم والمخاطب غاية في الاختصاص فبطل البدل لأن فيه ضربا من البيان وقد استغنى المضمر بتعرفه. انتهى. وكذلك الفراء في تفسيره عند قوله تعالى: مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد. الحلم: منصوب بالإلفاء على التكرير يعني البدل ولو رفعه كان صوابا. وأورده أيضا عند قوله تعالى: ويوم القيامة تري الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة. وتبعه الزجاج فيها ونسبه إلى عدي بن زيد قال في الآية: ترفع وجوههم ومسودة لأن الفعل قد) وضع على الذين ثم جاء بعد الذين اسم له فعل فرفعته بفعله وكان فيه معنى نصب. وكذلك فافعل بكل اسم أوقعت عليه الظن والرأي وما أشبههما فارفع ما يأتي بعده من الأسماء إذا كان أفاعيلها بعدها كقولك: رأيت عبد الله أمره مستقيم. فإن قدمت الاستقامة نصبتها ورفعت الاسم فقلت: رأيت عبد الله مستقيما أمره. ولو نصبت الثلاثة في المسألة الأولى على التكرير كان جائزا فتقول: رأيت عبد الله أمره مستقيما. وقال عدي بن زيد: ذريني إن أمرك لن يطاعا............. البيت فنصب الحلم والمضاع على التكرير.
190 ومثله: ما للجمال مشيها وئيدا فخفض الجمال والمشي على التكرير. فلو قرأ قارئ: وجوههم مسودة على هذا لكان صوابا. انتهى. وقوله: ذريني خطاب لامرأته أي: اتركيني ودعيني. وجملة: إن حكمك الخ مستأنفة للتعليل. وروى سيبويه: إن أمرك وهو بمعناه. وجملة: ما ألفيتني الخ معطوفة على الجملة المستأنفة. وروى العيني: ولا ألفيتني. وألفى بمعنى وجد من أخوات ظن تنصب مفعولين والتاء المكسورة فاعلها والنون نون الوقاية والياء مفعول وحلمي بدل من الياء. وتساهل النحاس في شرح أبيات سيبويه وتبعه ابن السيد في أبيات المعاني فقالا: حلمي بدل من النون والياء. ومن العجائب قول العيني: حلمي بدل من النون وكأنه أراد أن يتبع النحاس فيسقط من قلمه أو من قلم الناسخ عطف الياء على النون. والحلم بالكسر: العقل. يقول لها: ذريني من عذلك فإني لا أطيع أمرك ولا وجدتني سفيها مضيع الحلم وعقلي يأمرني بإتلاف مالي في اكتساب الحمد. ومضاعا مفعول ثاني لألفى وهو اسم مفعول من الإضاعة ولا يصح أن يكون كما زعم بعضهم. ونقل العيني عن تذكرة أبي حيان بأنه يجوز حلمي مضاع بالرفع على الابتداء والخبر والجملة مفعول ثان. وفيه أن هذا البيت من قصيدة قوافيها منصوبة.
191 قال ابن السيد: لا يجوز رفعهما لأن القوافي كلها منصوبة. والبيت نسبه سيبويه لرجل من خثعم أو بجيلة. وتبعه ابن السراج في أصوله. وعزاه الفراء) والزجاج إلى عدي بن زيد العبادي وهو الصحيح. وكذلك قال صاحب الحماسة البصرية وأورد من القصيدة بعده هذه الأبيات: * ألا تلك الثعالب قد تعاوت * علي وحالفت عرجا ضباعا * * فإن لم تندموا فثكلت عمرا * وهاجرت المروق والسماعا * * ولا ملكت يداي عنان طرف * ولا أبصرت من شمس شعاعا * قوله: تعاوت تفاعلت من العواء وهو صياح الكلب والذئب والثعلب. وأراد بالثعالب الذين لاموه على جوده حسدا ولؤما. والثعلب سبع جبان مستضعف ذو مكر وخديعة ولكنه لفرط المكر والحيلة والخبث والخديعة يجري مع كبار السباع. قال الجاحظ: ومن أشد سلاح الثعلب الروغان وفي المثل: أروغ من ثعلب. والروغان بالتحريك: مصدر راغ الثعلب يروغ روغا وروغانا أي: ذهب يمنة ويسرة في سرعة خديعة فهو لا يستقر في جهة. وحالفت بالحاء المهملة أي: عاهدت يقال: تحالفا أي: تعاهدا وتعاقدا على أن يكون أمرهما واحدا في النصرة والحماية. وبينهما حلف بالكسر أي: عهد. والحليف: المعاهد.
192 وضباعا: مفعول حالفت. وعرجا كان في الأصل صفة لضباعا فلما تقدم صار حالا منه. أي: عاهدت تلك الثعالب من هو أسوأ حالا منها. والضباع بالكسر: جمع ضبع وهي يضرب بها المثل في حمقها فيقال: أحمق من ضبع. قال صاحب المصباح: الضبع بضم الباء في لغة قيس وبسكونها في لغة تميم وهي أنثى وقيل: يقع على الذكر والأنثى وربما قيل في الأنثى ضبعة كما قيل سبع وسبعة بالسكون مع الهاء للتخفيف. والذكر ضبعان والجمع ضباعين مثل سرحان وسراحين. ويجمع الضبع بضم الباء والعرج: جمع عرجاء كصفر جمع صفراء. والضبع توصف بالعرج وليس بعرجاء وإنما يخيل ذلك للناظر. وسبب ذلك التخيل لدونة في مفاصلها وزيادة رطوبة في الجانب الأيمن على الأيسر منها. كذا في حياة الحيوان للدميري. ومن الغرائب قول العيني هنا: قوله: تعاوت من عواء الكلب. وقوله: ضباعا جمع ضبع وهو الحيوان المعروف وهذا الجمع للذكر والأنثى مثل سباع وسبع. وقوله: عرجا بفتح العين وكسر الراء صفة للضباع قدمت عليه للضرورة. وتوصف الضباع) بالعرج كما توصف بالخمع. والعرج أيضا يقال: للقطيع من الإبل نحو الثمانين أو المائة والخمسين. فعلى هذا يكون قوله ضباعا بالكسر: جمع ضابع إذا كانت شديدة الجري. هذا كلامه بحروفه. وأي فائدة في تسطيره ولا يزاد الطالب منه إلا جهالة. وقوله: فإن لم تندموا الخ هذا التفات من الغيبة إلى الخطاب. وأراد بالندم الرجوع عن لؤمه فإن الندم لازمه. وجملة ثكلت دعائية. وعمرو: ابنه. وهاجرت بمعنى قاطعت من الهجر بالفتح أي: الترك. والمروق أراد: به الخمر. يقال: خمر مروق. والسماع أراد به آلة الطرب واللهو.
193 والطرف بالكسر: الكريم من الخيل. والخطة بضم الخاء المعجمة: الحالة والخصلة وهو مفعول مقدم لكلفت. وذراعا: تمييز محول عن الفاعل. ورحب الذراع واسعها. وبسطها: طولها. وضيق الذراع والذرع قصرها. ووجهه أن القصير الذراع لا ينال ما يناله الطويل الذراع ولا يطيق طاقته فضرب الذي سقطت قوته دون بلوغ الأمر والاقتدار عليه. وبالعكس طول الذراع وبسطها. وقد تقدمت ترجمة عدي بن زيد مفصلة في الشاهد الستين. وهو شاعر جاهلي. والعبادي بكسر العين وتخفيف الموحدة نسبة إلى عباد وهم قبائل شتى من العرب اجتمعوا على النصرانية بالحيرة. وزعم الجوهري أنه بالفتح. والصواب ما ذكرنا. وأنشد بعده الشاهد السبعون بعد الثلاثمائة وهو من شواهد سيبويه: الكامل * وكأنه لهق السراة كأنه * ما حاجبيه معين بسواد * على أنه قد يعتبر الأول في اللفظ دون الثاني أي: يعتبر المبدل منه في اللفظ دون البدل فإن قوله حاجبيه بدل من ضمير كأنه.
194 وقال أبو علي في إيضاح الشعر قوله حاجبيه بدل من الضمير وما لا تكون إلا زائدة وقد روعي الضمير المبدل منه في اللفظ بجعل معين مفردا ول روعي الذي هو حاجبيه لقيل معينان بالتثنية. وقد يقال: إن الحاجبين لما لزم أحدهما الآخر صار الإخبار عنهما كالإخبار عن الشيء الواحد وكذا حال ما هو مثنى في البدن يجوز إفراد خبره وصفته على المعنى وتثنيته على اللفظ كقوله: الهزج * لمن زحلوقة زل * لها العينان تنهل * فأخبر عن العينين بما يكون خبرا عن الواحد. وعليه قول المتنبي: الطويل * حشاي على جمر ذكي من الهوى * وعيناي في روض من الحسن ترتع * وقال آخر: الكامل وكأن بالعينين حب قرنفل أو سنبلا كحلت به فانهلت وكان الظاهر أن يقول: كحلتا فأفرد لأنهما لا يفترقان. ويجوز عكس هذا فيخبر عن الواحد منهما بالتثنية كقوله: المتقارب * وعين لها حدرة بدرة * وشقت مآقيهما من آخر *
195 ومنه قول الآخر على وجه: الوافر * تسائل بابن أحمر من رآه * أعارت عينه أم لم تعارا * فما استفهم عن الواحدة عطف بالاثنتين في قوله: أم لم تعارا. وقيل: معين مصدر كممزق وإذا أخبر بالمصدر كان موحدا. هذا وسيبويه إنما أورد البيت للبدل ولم يذكر ما اعتبره الشارح المحقق. وهذه عبارته: وإن شئت قلت: ضرب عبد الله ظهره ومطر قومك سهلهم على قولك: رأيت القوم أكثرهم) ورأيت عمرا شخصه كما قال: وكأنه لهق السراة.............. البيت انتهى. ويجوز أن يكون هذا من قبيل بدل البعض. وما ذكره الشارح المحقق هو كلام أبي علي في إيضاح الشعر قال في موضع آخر منه: قد جاء الحمل على المبدل منه. قال: وكأنه لهق السراة.............. البيت فجعل الخبر فيه عن المبدل منه دون البدل. وقوله: وكأنه لهق الخ رواه سيبويه فكأنه بالفاء. قال الأعلم: وصف الشاعر ثورا وحشيا سبه به بعيره في حدته ونشاطه فيقول: كأنه ثور لهق السراة أي: أبيض أعلى الظهر أسفع الخدين كأنما عين بسواد. وكذلك بقر الوحش بيض كلها إلا سفعة في خدودها ومغابنها وأكارعها. انتهى. وقال ابن خلف: اللهق: البياض. والسراة: أعلى الشيء. وثور الوحش يوصف بأنه لهق السراة. وقيل: إنه يصف جملا وسيره وسرعته وشبهه بثور وحش
196 في سرعته. والجملة التي هي: كأنه ما حاجبيه الخ وصف للثور. وترتيب الكلام: كأن هذا الجمل ثور لهق السراة كأن هذا الثور حاجبيه معين بسواد يعني أن ما حول حاجبيه وعينيه أسود. والعينة: ما حول العينين كأنه قال: مسود العينة. انتهى. وفي العباب: قال الليث: اللهق بالتحريك: الأبيض ليس بذي بريق كاليقق إنما هو نعت في الثوب والشيب. والبعير الأعيس لهق والأنثى لهقة والجمع لهقات ولهاق. ولهق الشيء لهقا مثل سحق سحقا ولهق لهقا مثل أرق أرقا إذا كان شديد البياض. انتهى. يريد أنه جاء من بابي فتح فتحا وفرح فرحا. والسراة بفتح السين قال صاحب الصحاح: وسراة كل شيء: ظهره ووسطه. والمعين: بزنة اسم المفعول ولم يزد صاحب الصحاج على قوله المعين ثور. وفي القاموس: والمعين كمعظم: ثور بين عينيه سواد وهو مشتق من العينة بالكسر وهي مصدر عين عينا من باب فرح وعينة إذا عظم سواد عينه في سعة. والعينة أيضا من النعجة: ما حول عينيها.) وهذا البيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف لها قائل. وأنشد بعده الشاهد الحادي والسبعون بعد الثلاثمائة الكامل * إن السيوف غدوها ورواحها * تركت هوازن مثل قرن الأعضب * لما تقدم قبله فإن قوله غدوها بدل من السيوف. قال المبرد في الكامل: هو بدل اشتمال وقد روعي المبدل منه في اللفظ بإرجاع الضمير إليه من الخبر ولم يراع البدل ولو روعي لقيل: تركا بالتثنية.
197 وهذا أيضا كلام أبي علي في إيضاح الشعر فإنه أورد هذا البيت مع البيت الذي قبله لما ذكر. وفيه أن يحتمل أن نصب غدوها على الظرف كخفوق النجم وكأنه قال: إن السيوف وقت غدوها ورواحها. وهوازن: أبو قبيلة وهو هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ابن عيلان بن مضر. والأعضب بإهمال العين. قال صاحب العباب: العضباء: الشاة المكسورة القرن الداخل وهو المشاش. ويقال: هي التي انكسر أحد قرنيها وقد عضبت بالكسر وكبش أعضب بين البعض. وأنشد هذا البيت. وهو من قصيدة للأخطل عدتها ستة عشر بيتا. مدح بها العباس بن محمد بن عبد الله بن العباس رضي الله عنه فأعطاه ألف دينار وكان يقال له المذهب لجماله. روي أنه خرج على فرس له وعليه مطرف خز فأشرفت امرأة فنظرت إليه فقالت: ما أحسن هذا فتقطر به فرسه فمات. وهذا مطلع القصيدة: * بان الشباب وربما عللته * بالغانيات وبالشراب الأصهب * * ولقد شربت الخمر في حانوتها * ولعبت بالقينات عف الملعب * وقال في مدحه: * لذ تقبله النعيم كأنما * مسحت ترائبه بماء مذهب *)
198 * ينظرن من خلل الستور إذا بدا * نظر الهجان إلى الفنيق المصعب * * خضل الكياس إذا تنشى لم تكن * خلفا مواعده كبرق الخلب * * وإذا تعوورت الزجاجة لم يكن * عند الشراب بفاحش متقطب * اللذ بالفتح: المتلذذ. وتقبله النعيم إذا استبان عليه. والربرب: جماعة النساء. والهجان من الإبل: كرامها وبيضها. والفنيق: الفحل المتروك لا يركب ولا يحمل عليه. والخضل: الندي والكياس. والتعاور: التداول. وبعد هذا اقتضب الكلام فقال: إن السيوف غدوها ورواحها.............. البيت وبعده: * وتركن عمك من غني ممسكا * بإزاء منخرق كجحر الثعلب * * وتركن فل بني سليم تابعا * لبني ضبينة كاتباع التولب * * ألقوا البرين بني سليم إنها * شانت وإن حزازها لم يذهب * * ولقد علمت بأنها إذ علقت * سمة الذليل بكل أنف مغضب * * والخيل تعدو بالكماة كأنها * أسد الغياطل من فوارس تغلب * وقوله: وتركن عمك من غني الخ غني: قبيلة. قال شارح ديوانه
199 السكري: هذا مثل يقول: لا شيء بأيديهم كأنهم تمسكوا بحوض صغير قد ذهب ماءه. وإزاء الحوض: موضع مصب الدلو في مقدمه فيوضع هناك جحر يصب عليه الماء أو عباءة لئلا يثور الطين فيفسد الماء ويكدر. وقوله: وتركن فل بني سليم الفل بالفتح: المنهزمون. وسليم بالتصغير. وضبينة بفتح المعجمة وكسر الموحدة وقبل الهاء نون هي أم سعد مناة بن غامد بن الأزد غلبت على نسب ولدها. قاله السكري. وقوله: ألقوا البرين الخ ألقوا: أمر من الإلقاء. والبرين: جمع برة بضم الموحدة وهي ما يخزم به الأنف. وبني سليم: منادى. وذلك أن امرأة من سليم خزمت أنفها لما قتل عمير بن الحباب وحلفت أن لا تنزعها حتى تدرك بثأره. والغياطل: جمع غيطل وهو الشجر الكثير الملتف. وتغلب: قبيلة الأخطل. افتخر بفوارس) قومه. وترجمته تقدمت في الشاهد الثامن والسبعين. وأنشد بعده وهو من شواهد سيبويه: الرجز * إن علي الله أن تبايعا * تؤخذ كرها أو تجيء طائعا *
200 على أن الفعل قد يبدل من الفعل إذا كان الثاني راجح البيان على الأول كما في البيت. فتؤخذ بدل من تبايع وتجيء: معطوف على تؤخذ. وهذا البدل أبين من المبدل منه والبدل في الحقيقة إنما هو مجموع المعطوف والمعطوف عليه إذ لا تكون المبايعة إلا على أحد الوجهين من إكراه أو طاعة. وهو كقولهم: الرمان حلو حامض وإن كان يقال باعتبار اللفظ إن تجيء معطوف على تؤخذ كما يقال في مثل ذلك من الخبر والحال. والآية قبل البيت من بدل الكل قال الخليل: لأن مضاعفة العذاب هي لقي الأثام. والظاهر أن بدل الفعل من الفعل عند الشارح المحقق إنما يكون في بدل الكل وهو مذهب السيرافي قال: لا يبدل الفعل إلا من شيء هو في معناه لأنه لا يتبعض ولا يكون فيه اشتمال فتؤخذ كرها أو تجيء طائعا هو معنى المبايعة لأنها تقع على أحدهما. وقد يظهر من كلام سيبويه في باب ما يرتفع بين الجزمين. وقد جوز المتأخرون الأبدال الأربعة في الفعل منهم الشاطبي في شرح الألفية قال: يتصور في بدل الفعل من الفعل ما تصور في بدل الاسم من الاسم فقد يكون فيه بدل الكل من الكل متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا وقد يكون فيه بدل البعض كقولك: إن تصل تسجد لله يرحمك. وبدل الاشتمال أيضا ومنه قوله:
201 إن على الله أن تبايعا............. البيت لأن الأخذ كرها والمجيء طوعا من صفات المبايعة. وظاهر كلام سيبويه يقتضي أنه أنشده شاهدا على بدل الاشتمال لأنه أتى به مع قول الآخر: الطويل فما كان قيس هلكه هلك واحد وقول الآخر:) وما ألفيتني حلمي مضاعا وذلك في باب من أبواب بدل البعض والاشتمال. وإذا ثبت بدل البعض ثبت بدل الاشتمال: لأنه مشبه به إذ عدوا وصف الشيء كالجزء منه. وقد يكون فيه بدل الإضراب والغلط نحو إن تطعم زيدا تكسه أكرمك. وقد سأل سيبويه الخليل عن قولك: إن تأتنا تسألنا نعطك بجزم تسألنا. فقال: هذا يجوز على أن يكون مثل الأول لأن الأول الفعل الآخر تفسير له وهو هو. يعني ما قال: ولكنه يجوز على الغلط والنسيان ثم يتدارك. وقال بعد: فلو قلت إن تأتني آتك أقل ذلك. كان غير جائز لأن القول ليس بالإتيان إلا أن تجيزه على ما جاز عليه تسألنا. فهذا نص لجواز بدل الغلط والنسيان. وجواز بدل الإضراب أولى. انتهى كلام الشاطبي.
202 فإن قلت: بدل الاشتمال والبعض لا بد لهما من ضمير فكيف الحال على قول الشاطبي قلت: لا يمكن الضمير هنا لظهور أن ذاك خاص بالأسماء لتعذر عود الضمير على الأفعال. كذا في شرح التوضيح للشيخ خالد. وقول الشارح المحقق: إذا كان الثاني راجح البيان مثله في التسهيل قال: ويبدل فعل من فعل موافق في المعنى مع زيادة بيان. انتهى. ولي يعتبر غيرهما هذا القيد. ولم يتعرض له أصلا أبو حيان في الارتشاف. قيل: والحق عدم اعتباره. وأما اعتبار الموافقة في المعنى فقد اعتبروه منهما بن معطي قال: وأبدلوا الفعل من الفعل إذا كان بمعناه. قال ابن الخباز: إنما يكون ذلك إذا ترادف اللفظان كقولك من يأت يمش إلي أكلمه... انتهى. وهذا عند الشارح المحقق من باب التوكيد كما صرح به هنا. وقوله: إنما يكون في ترادف اللفظين ممنوع. وهنا فائدة حسنة ذكرها ابن هشام في حواشي الألفية وهي أنه ينبغي أن يشترط لإبدال الفعل من الفعل ما اشترط لعطف الفعل وهو الاتحاد في الزمان فقط دون الاتحاد في النوع حتى يجوز: إن جئتني تمش إلي أكرمك. انتهى. واعلم أن إبدال الفعل من الفعل هو إبدال مفرد من مفرد بدليل ظهور النصب كما في الشاهد وظهور الجزم كما في الآية.) وزعم ابن السيد في أبيات المعاني وتبعه ابن خلف والعيني والحفيد في حاشية المختصر أن هذا من إبدال جملة من جملة. وهو سهو. قال الشيخ خالد في شرح التوضيح: والفرق بين بدل الفعل وحده الجملة أن الفعل يتبع ما قبله في إعرابه لفظا أو تقديرا والجملة تتبع ما قبلها محلا إن كان له محل. وإلا فإطلاق التبعية عليها مجاز إذ التابع كل ثان أعرب بإعراب سابقه الحاصل والمتجدد. انتهى. وقضية هذا: أنه لا يتصور في الفعل المرفوع أن يكون بدلا من فعل مرفوع
203 وذلك لأن سبب الإعراب متوفر فيه مع قطع النظر عن التبعية وهو تجرده عن الناصب والجازم فرفعه لتجرده لا لكونه تابعا لغيره فكيف يكون بدلا مع انتفاء التبعية لانتفاء الإعراب بإعراب سابقه. وهكذا يقال في العطف: لا يتصور عطف الفعل المرفوع على مثله. ومما يشكل في البدل قول البيضاوي وغيره: إن يتزكى في سورة الليل بدل من قوله: يؤتي ماله لأن يؤتي مرفوع لتجرده فلم يعرب بإعراب سابقه. وأجاب بعضهم بأن المراد أن البدل جملة يتزكى من جملة يؤتي ماله. وهذا لا يدفع الإشكال عن كلام البيضاوي لا عن ظاهر كلامهم أن الفعل يبدل من الفعل وعمومه شامل للفعل المرفوع. وجزم السيد عيسى الصفوي بأنه لا يكون مضارع مرفوع تابعا لمضارع مرفوع وأجاب عما أورد على البيضاوي بأن المراد كل ثان أعرب بإعراب سابقه ولم يكن معربا لمقتض للإعراب غير التبعية. قيل: قد يقال لا مانع من كون المضارع عند التبعية مرفوعا بالتبعية وإن كان فيه مقتض آخر للرفع وهو التجرد بناء على جواز تعدد السبب. وفيه نظر فإنهم قالوا: العامل بمنزلة المؤثر الحقيقي ولا يجتمع مؤثران على أثر. وسكت الشارح المحقق عن إبدال الجملة من الجملة وعن إبدال الجملة من المفرد وعكسه. أما الأول فقد قال الشيخ خالد: تبدل الجملة من الجملة بدل بعض واشتمال وغلط ولا تبدل بدل كل نحو: قعدت جلست في دار زيد فإنه توكيد. أما بدل البعض فنحو قوله تعالى: أمدكم بما تعلمون. أمدكم بأنعام وبنين فجملة أمدكم الثانية أخص من الأولى باعتبار متعلقيهما فتكون داخلة في الأولى.) وأما بدل الاشتمال فكقوله: الطويل
204 أقول له ارحل لا تقيمن عندنا فقوله: تقيمن عندنا بدل اشتمال من ارحل لما بينهما من الملابسة اللزومية وليس توكيدا له لاختلاف لفظيهما ولا بدل بعض لعدم دخوله في الأول ولا بدل كل لعدم الاعتداد به ولا غلط لوقوعه في الفصيح. وأما بدل الغلط فنحو: قم اقعد. وأما إبدال الجملة من المفرد فقد أورد له ابن هشام في شرح الألفية قول الفرزدق: الطويل * إلى الله أشكو بالمدينة حاجة * وبالشام أخرى كيف يلتقيان * قال أبدل كيف يلتقاين وهو جملة مستأنفة نبه بها على سبب الشكوى وهو استبعاد ما بين الحاجتين. وأما عكس هذا وهو إبدال مفرد من جملة فقد قال أبو حيان في البحر في قوله تعالى: ولم يجعل له عوجا قيما قال: قيما بدل من جملة لم يجعل له عوجا لأنها في معنى المفرد أي: جعله وقال ابن هشام في المغني في بحث كيف: إن جملة كيف خلقت بدل من الإبل بدل اشتمال والمعنى إلى الإبل كيفية خلقها. ومثله: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل وكل جملة فيها كيف فهي بدل من اسم مفرد. وقال السيوطي
205 في الهمع: إن بدل الجملة من المفرد بدل اشتمال. وبقي إبدال الفعل من اسم يشبهه وبالعكس وإبدال الحرف من مثله. أما الأول فقد قال ابن هشام في حواشي الألفية: ينبغي أن يجوز إبدال الاسم من الفعل وبالعكس كما جاز العطف نحو: زيد متق يخاف الله أو يخاف الله متق. انتهى. والظاهر أن يخاف الله اسئناف بياني أو البدل هو الجملة لا الفعل وحده في الأول ومتق خبر بعد خبر في الثاني والتقوى غير الخوف فإن الوقاية فرط الصيانة. وأما الثاني فقد ذكره سيبويه وجعل منه: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون فجلع أن الثانية بدلا من الأولى لا توكيدا كما قال غيره. وقوله: إن علي الله الخ قال ابن خروف في شرح الكتاب: الله منصوب على القسم ويجوز أن يكون اسم إن والخبر الجار والمجرور وأن مفعول من أجله. وأنشد يحيى: الطويل) * وإن علي الله لا تحملونني * على خطة إلا انطلقت أسيرها * فلز حذفت إن لقلت: علي عهد الله لأضربنك. قال الفراء: ويجوز علي الله أن أضربك. انتهى. وقال ابن خلف: هذا الشاعر حلف على مخاطبه بالله أنه لا بد له من أن يبايع فلما حذف حرف القسم نصب الاسم وأن تبايع: اسم إن وعلي خبر إن والقسم معترض بين الاسم والخبر. ونقل العيني عن بعض شراح الكتاب أن علي متعلق باستقرار محذوف في موضع خبر إن كأنه قال: وجب علي اليمين بالله لأن هذا الكلام قسم وأن تبايعا يتعلق
206 بعلي أعني بما فيه من معنى الاستقرار. انتهى. وهذا التعلق غير ظاهر. والمبايعة: بمعنى البيعة والطاعة للسلطان. وأصل البيعة الصفقة على إيجاب البيع. وأيمان البيعة هي التي رتبها الحجاج مشتملة على أمور مغلظة من طلاق وعتق وصوم ونحو ذلك. وتؤخذ بدل من تبايع كما تقدم. قال السيرافي: النصب في هذه الأبيات على البدل جيد ولو رفع على الابتداء لكان أكثر وأعرف فيقول: هلكه هلك واحد وما ألفيتني حلمي مضاع وتكون الجملة في موضع الحال وتؤخذ كرها أو تجيء طائعا على معنى أنت تؤخذ كرها فيكون أنت تؤخذ في موضع الحال. انتهى. وهذا كقوله: الطويل * متى تأته تعشو إلى ضوء ناره * تجد خير نار عندها خير موقد * رفع تعشو بين المجزومين أعني الشرط والجزاء لأنه قصد به الحال أي: متى تأته عاشيا أي: ناظرا إلى ضوء ناره. وكذلك كل ما وقع بين مجزومين. وعليه قراءة: يرثني ويرث من آل يعقوب بالرفع لم يجعله جوابا وإنما جعله وصفا أي: وارثا من يعقوب. فتدبره فإنه كثير. كذا في أبيات المعاني لابن السيد. وقوله: كرها مفعول مطلق أي: تؤخذ أخذا كرها. ويجوز أن يكون حالا بتأويله باسم الفاعل. وهو المناسب لقوله: طائعا فإنه حال.
207 ) وهذا البيت قلما خلا عنه كتاب نحوي ومع شهرته لا يعلم قائله وهو من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلها. والله أعلم. وأنشد بعده الشاهد الثالث والسبعون بعد الثلاثمائة * وكنت كذي رجلين رجل صحيحة * ورجل رمى فيها الزمان فشلت * على أنه يروى رجل بالجر على أنه بدل مع أخرى مفصل من رجلين. ويروى بالرفع على أنه بدل مقطوع. أنشده سيبويه في باب مجرى النعت على المنعوت والبدل على المبدل منه قال: ومثل ما يجيء في هذا الباب على الابتداء وعلى الصفة والبدل قوله جل وعز: قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة. ومن الناس من يجر والجر على وجهين: على الصفة وعلى البدل. ومنه قول كثير عزة: وكنت كذي رجلين رجل صحيحة............. البيت وقوله: ومثل ما يجيء في هذا الباب الخ يريد أنه يرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير: إحداهما فئة تقاتل الخ. والجملة صفة لفئتين. وقوله: ومن الناس من يجر الخ يريد أن فئة بدل من فئتين. والصفة جائزة كما تقول: سررت برجلين قائم وقاعد. وإنما جعل فئة صفة لفئتين لأن فئة موصوفة فكان اعتماد الصفة في فئتين على صفة فئة كما تقول: مررت برجلين
208 رجل صادق ورجل كاذب. وقول كثير: ورجل على رواية الرفع إما خبر مبتدأ محذوف تقديره هما رجل صحيحة ورجل أخرى أو تقديره إحداهما رجل صحيحة والأخرى رجل. فالكلام على الأول جملة واحدة وعلى الثاني جملتان. وإما مبتدأ محذوف الخبر والتقدير: منهما رجل صحيحة ومنهما رجل فالكلام جملتان. وقال العيني: ويجوز نصب رجل في الموضعين على إضمار أعني. وعلى رواية جر رجل يكون على الإبدال من رجلين بدل نكرة من نكرة. وجه أورده ابن هشام في المغني والمرادي في شرح الألفية. وإنما أبدل لأجل الصفة وهو وصف الرجل الأولى بصحيحة والثانية بجملة رمى.) ولما كان المبدل منه مثنى وجب الإتيان باسمين. ويعرف نحو هذا الإبدال ببدل المفصل من المجمل لأنه أجمل أولا ثم فصل ثانيا. وجملة رمى الخ صفة لرجل الثانية. ومفعول رمى محذوف تقديره: رمى فيها الزمان داء فشلت. وشلت: أصله سللت تشل شللا من باب فرح. والشلل: آفة تصيب اليد أو الرجل فتيبس منها وقيل تسترخي. يقال: سلت يده وأشلها الله. وقبل هذا البيت: * وكنا سلكنا في صعود من الهوى * فلما توافينا ثبت وزلت * * أريد الثواء عندها وأظنها * إذا ما أطلنا عندها المكث ملت * * فليت قلوصي عند عزة قيدت * بجعل ضعيف عز منها فضلت * * وغودر في الحي المقيمين رحلها * وكان لها باغ سواي فبلت * الصعود بالفتح: خلاف الهبوط. والثواء بالفتح: الإقامة. وعز منه
209 بمعنى غلبه وقوي عليه. وفي العباب: قال الفراء: يقال بلت مطيته على وجهها إذا همت ضالة. وأنشد هذا البيت وهو بالباء الموحدة. واختلف أصحاب المعاني في معنى البيت الشاهد فقال الأعلم: تمنى أن تشل إحدى رجليه وهو عندها وتضل ناقته فلا يرحل عنها فيكون قوله: وكنت كذي رجلين الخ معطوفا على قوله: قيدت ليدخل في التمني. وقال ابن سيده: لما خانته عزة العهد فزلت عن عهده وثبت هو على عهدها صار كذي رجلين رجل صحيحة وهو ثباته على عهدها وأخرى مريضة وهو زللها عن عهده. وقال عبد الدائم: معنى البيت أنه بين خوف ورجاء وقرب وثناء كما قال المتنبي: الطويل * وأحلى الهوى ما شك في الوصل ربه * وفي الهجر فهو الدهر يرجو ويتقي * وقال غيرهم: تمنى أن تضيع قلوصه فيبقى في حي عزة فيكون ببقائه في حيها كذي رجل حكى هذه الأقوال اللخمي وقال: وهذا القول الأخير هو المختار المعول عليه وهو الذي يدل عليه ما قبل البيت وهو اختيار الأستاذ أبي عبد الله بن أبي العافية. وقد أخذ كثير هذا البيت من النجاشي وهو قوله: الطويل
210 * وكنت كذي رجلين رجل صحيحة * ورجل رمت فيها يد الحدثان) * (فأما التي صحت فأزد شنوءة * وأما التي شلت فأزد عمان * وقد أورده ابن رشيق في العمدة في السرقات الشعرية وسماه الاهتدام. قال: فأخذ كثير القسم الأول واهتدم باقي البيت فجاء بالمعنى في غير اللفظ. وهذه القصيدة كلها نسيب بعزة وهي من منتخبات قصائده والتزم فيها ما لا يلزم الشاعر وذلك اللام قبل حرف الروي اقتدارا في الكلام وقوة في الصناعة وما خرم ذلك إلا في بيت واحد هو: * فما أنصفت أما النساء فبغضت * إلي وأما بالنوال فضنت * وهي قصيدة. وهذا مطلعها مع جملة أبيات منها وقعت شواهد للنحويين: * خليلي هذا ربع عزة فاعقلا * قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت * * وما كنت أدري قبل عزة ما البكا * ولا موجعات القلب حتى تولت * * وإني وتهيامي بعزة بعد ما * تخليت فيما بيننا وتخلت * * لكالمبتغي ظل الغمامة كلما * تبوا منها للمقيل اضمحلت * * يكلفها الغيران شتمي وما بها * هواني ولكن للحليل استذلت * * هنيئا مريئا غير داء مخامر * لعزة من أعراضنا ما استحلت *
211 * أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة * لدينا ولا مقلية إن تقلت * وقوله: وما كنت أدري قبل عزة الخ استشهد به ابن هشام في شرح الألفية على نصب موجعات عطفا على محل مفعول أدري المعلق بما الاستفهامية لأن المعلق أبطل عمله لفظا لا محلا. وقال في مغني اللبيب: فائدة الحكم على محل الجملة في التعليق بالنصب ظهور ذلك في التابع فتقول: عرفت من زيد وغير ذلك من أموره. واستدل ابن عصفور بنصب موجعات من هذا البيت. ولك أن تدعي أن البكاء مفعول وأن ما زائدة أو أن الواو للحال وموجعات اسم لا أي وما كنت أدري قبل عزة والحالة أنه لا موجعات للقلب موجودة ما البكا. انتهى. وقوله: وإني وتهيامي بعزة الخ التهيام بالفتح: مبالغة الهيام بالضم وهو كالجنون من العشق. قال ابن جني في سر الصناعة: سألت أبا علي عن قول كثير: وإني وتهيامي بعزة البيت وجعل) الجملة اعتراضا بين اسم إن وخبرها لأن فيها ضربا من التسديد للكلام. ويحتمل أن تكون الواو للقسم فالباء على هذا متعلقة بتهيامي. وعرضت هذا على أبي علي فقبله. انتهى. وقد نقل ابن هشام ما حكيته عنهما في الجملة المعترضة من المغني. وقوله: هنيئا مريئا غير داء الخ أورده صاحب الكشاف عند قوله تعالى: كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون على أن الباء زائدة وما: فاعل هنيئا وهو صفة استعملت استعمال المصدر القائم مقام الفعل كأنه قال: هنأكم الأكل والشرب. وهنيئا لعزة ما استحلت من أعراضنا. الهنيء والمريء صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ كشرف إذا كان سائغا لا تنغيص فيه. والمخامر: المخالط.
212 وقوله: أسيئي بنا أو أحسني الخ هذا التفات من الغيبة إلى الخطاب. وأورده صاحب الكشاف أيضا عند قوله تعالى: أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم على تساوي الإنفاقين في عدم القبول كما ساوى كثير بين الإحسان والإساءة في عدم اللوم. والنكتة في مثل ذلك إظهار نفي تفاوت الحال بتفاوت فعل المخاطب كأنه يأمرها بذلك لتحقيق أنه على العهد. ومقلية بمعنى مبغضة من القلي وهو البغض. وقوله: إن تقلت التفات وروى صاحب الأغاني بسنده عن هيثم بن عدي قال: سأل عبد الملك بن مروان كثيرا عن أعجب خبر له مع عزة فقال: يا أمير المؤمنين حججت سنة وحج زوج عزة معها ولم يعلم أحدنا بصاحبه فلما كنا ببعض الطريق أمرها زوجها بابتياع سمن تصلح به طعاما لرفقته فجعلت تدور الخيام خيمة خيمة حتى دخلت إلي وهي لا تعلم أنها خيمتي وكنت أبري سهما فلما رأيتها جعلت أبري لحمي وأنظر حتى بريت ذراعي وأنا لا أعلم به والدم يجري فلما علمت ذلك دخلت إلي فأمسكت يدي وجعلت تمسح الدم بثوبها وكان عندي نحي سمن فحلفت لتأخذنه. فأخذته وجاءت زوجها فلما رأى الدم سألها عن خبره فكاتمته حتى حلف عليها لتصدقنه. فصدقته فضربها وحلف عليها لتشتمني في وجهي فوقفت علي وهو معها وقالت لي وهي تبكي: يا ابن الزانية ثم انصرفا وذلك حيث أقول:
213 يكلفها الغيران شتمي وما بها الأبيات الثلاثة.) وروى صاحب الأغاني أيضا قال: وقفت على جماعة تكلموا في وفي جميل: أينا أصدق عشقا وهم لا يعرفونني ففضول جميلا فقلت لهم: قد ظلمتم كثيرا كيف يكون جميل أصدق * رمى الله في جفني بثينة بالقذى * وفي الغر من أنيابها بالقوادح * وكثير حين أتاه ما يكره من عزة قال: هنيئا مريئا غير داء مخامر............. البيت وهذه القصيدة جيدة فلا بأس بإيرادها على رواية أبي علي القالي في أماليه قال: قرأت هذه القصيدة على أبي بكر بن دريد في شعر كثير وهي من منتخبات كثير وأولها: * خليلي هذا ربع عزة فاعقلا * قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت * * ومسا ترابا كان قد مس جلدها * وبيتا وظلا حيث باتت وظلت * * ولا تيأسا أن يمحو الله عنكما * ذنوبا إذا صليتما حيث صلت * * وما كنت أدري قبل عزة ما البكا * ولا موجعات القلب حتى تولت * * وقد حلفت جهدا بما نحرت له * قريش غداة المأزمين وصلت * * أناديك ما حج الحجيج وكبرت * بفيفا غزال رفقة وأهلت * * وكانت لقطع العهد بيني وبينها * كنا ذرة نذرا فأوفت وحلت * ويروى: وفت فأحلت * فقلت لها يا عز كل مصيبة * إذا وطنت يوما لها النفس ذلت *
214 * كأني أنادي صخرة حين أعرضت * من الصم لو تمشي بها العصم زلت * * صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة * فمن مل منها ذلك الوصل ملت * * أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها * وحلت تلاعا لم تكن قبل حلت * * فليت قلوصي عند عزة قيدت * بقيد ضعيق فر منها فضلت * * وغودر في الحي المقيمين رحلها * وكان لها باغ سواي فبلت * * وكنت كذي رجلين في رجل صحيحة * ورجل رمى فيها الزمان فشلت * * وكنت كذات الظلع لما تحاملت * على ظلعها بعد العثار استقلت * * أريد الثواء عندها وأظنها * إذا ما أطلنا عندها المكث ملت * * فما أنصفت أما النساء فبغضت * إلينا وأما بالنوال فضنت) * (يكلفها الغيران شتمي وما بها * هواني ولكن للمليك استذلت * * هنيئا مريئا غير داء مخامر * لعزة من أعراضنا ما استحلت * قال أبو علي: قي لكثير: أنت أشعر أم جميل فقال: بل أنا. فقيل له: أتقول هذا وأنت راويته قال جميل الذي يقول: وأنا أقول: هنيئا مريئا غير داء مخامر............. البيت * ووالله ما قاربت إلا تباعدت * بصرم ولا أكثرت إلا أقلت *
215 * فإن تكن العتبى فأهلا ومرحبا * وحقت لها العتبى لدينا وقلت * * وإن تكن الأخرى فإن وراءنا * منادح لو سارت بها العيس كلت * * خليلي إن الحاجبية طلحت * قلوصيكما وناقتي قد أكلت * * فلا يبعدن وصل لعزة أصبحت * بعاقبة أسبابه قد تولت * * أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة * لدينا ولا مقلية إن تقلت * * ولكن أنيلي واذكري من مودة * لنا خلة كانت لديك فضلت * * وإني وإن صدت لمثن وصادق * عليها بما كانت إلينا أزلت * * فما أنا بالداعي لعزة بالجوى * ولا شامت إن نعل عزة زلت * * فلا يحسب الواشون أن صبابتي * بعزة كانت غمرة فتجلت * * فأصبحت قد أبللت من دنف بها * كما أدنفت هيماء ثم استبلت * * ووالله ثم الله ما حل قبلها * ولا بعدها من خلة حيث حلت * * فأضحت بأعلى شاهق من فؤاده * فلا القلب يسلاها ولا العين ملت * * فيا عجبا للقلب كيف اعترافه * وللنفس لما وطنت كيف ذلت *
216 * وإني وتهيامي بعزة بعد ما * تخليت مما بيننا وتخلت * * لكالمرتجي ظل الغمامة كلما * تبوأ منها للمقيل اضمحلت * * كأني وإياها سحابة ممحل * رجاها فلما جاوزته استهلت * قال أبو علي: المأزمان: عرفة والمزدلفة. وأناديك: أحادثك مأخوذ من الندي والنادي جميعا) وهو المجلس. وميعة كل شيء: أوله. والصفوح: المعرضة. وبلت: ذهبت. قال أبو علي: ما أعرف بلت ذهبت إلا في تفسير هذا البيت. ولا العتبى: الإعتاب يقال: عاتبني فلان فأعتبته إذا نزعت عما عاتبك عليه والعتبى الاسم والإعتاب المصدر. وقوله: طلحت الطلح: المعيي الذي قد سقط من الإعياء. وطلت: هدرت. وأزلت: اصطنعت. ويقال: بل من مرضه وأبل واستبل إذا برأ. واعترافه: اصطباره يقال: نزلت به مصيبة فوجد عروفا أي: صبورا. والعارف: الصابر. هذا ما أورده أبو علي القالي. وروى السيوطي: في شرح شواهد مغني اللبيب عن أبي الحسن بن طباطبا في كتاب عيار الشعر أن العلماء قالوا: لو أن كثيرا جعل قوله: في وصف حرب لكان أشعر الناس. ولو جعل قوله أسيئي بنا أو أحسني البيت في وصف الدنيا كان أشعر الناس. وكثير بضم الكاف وفتح المثلثة وكسر الباء المشددة التحتية. وهو كثير ابن عبد الرحمن بن أبي جمعة بن الأسود بن عامر. وقال اللخمي: هو كثير بن أبي جمعة. وهو خزاعي وأبو خزاعة الصلت بن النضر بن كنانة.
217 وفي ذلك يقول كثير: الطويل * أليس أبي بالنضر أم ليس والدي * لكل نجيب من خزاعة أزهرا * فحقق كثير أنه من قريش. وقيل إنه أزدي من قحطان. وهو شاعر حجازي من شعراء الدولة الأموية ويكنى أبا صخر واشتهر بكثير عزة بالإضافة إلى عزة وهي محبوبته وغالب شعره تشبيب بها. وعزة بفتح العين المهملة وتشديد الزاي. والعزة في اللغة: بنت الظبية وبها سميت. وهي كما قال ابن الكلبي: عزة بنت حميل بضم المهملة ابن حفص بفتحها من بني حاجب بن غفار بكسر المعجمة وخفة الفاء وكنيتها أم عمرو الضمرية نسبة إلى قبيلة ضمرة. وكثيرا ما يطلق عليها الحاجبية نسبة إلى جدها الأعلى كقوله في هذه القصيدة: الطويل ومن الغرائب تفسير العيني للحاجبية هنا بالرمل الطويل. وهو غفلة عن نسبها. قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء: بعثت عائشة بنت طلحة بن عبيد الله إلى كثير فقالت له: يا ابن أبي جمعة ما الذي يدعوك إلى ما تقول من الشعر في عزة وليست على ما تصف من) الجمال لو شئت صرفت ذلك إلى من هو أولى به منها أنا أو مثلي فأنا أشرف وأوصل من عزة وإنما أرادت تجربته بذلك فقال: الطويل * إذا وصفلتنا خلة كي تزيلها * أبينا وقلنا: الحاجبية أول * * لها مهل لا يستطاع دراكه * وسابقة ملحب لا تتحول *
218 * سنوليك عرفا إن أردت وصالنا * ونحن لتلك الحاجبية أوصل * فقالت عائشة: والله لقد سميتني لك خلة وما أنا لك وعرضت علي وصالك وما أريد هلا قلت كما قال جميل: الكامل * يا رب عارضة علينا وصلها * بالجد تخلطه بقول الهازل * * فأجبتها بالرفق بعد تستر * حبي بثينة عن وصالك شاغلي * * لو كان في قلبي كقدر قلامة * وصلتك كتبي أو أتتك رسائلي * وروى القالي في أماليه عن العتبي قال: دخلت عزة على عبد الملك بن مروان فقال لها: أنت * وقد زعمت أني تغيرت بعدها * ومن ذا الذي يا عز لا يتغير * قالت: لا أروي هذا ولكني أروي قوله: الطويل * كأني أنادي صخرة حين أعرضت * من الصم لو تمشي بها العصم زلت * * صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة * فمن مل منها ذلك الوصل ملت * وروى ابن قتيبة في كتاب الشعراء إن عائشة بنت طلحة قالت لعزة: أرأيت قول كثير: الطويل * قضى كل ذي دين فوفى غريمه * وعزة ممطول معنى غريمها * ما كان ذلك الدين قالت: وعدته قبلة فتحرجت منها. فقالت: أقضيها وعلي إثمها.
219 قال صاحب الأغاني: كان ابن إسحاق يقول: كثير أشعر أهل الإسلام وكانت له منزلة عند قريش وقدر وكان عبد الملك معجبا بشعره. وقال الجمحي: كان لكثير في النسيب نصيب وافر وجميل مقدم عليه وعلى أصحاب النسيب جميعا في النسيب وكان له من فنون الشعر ما ليس لجميل وكان راوية جميل. وإنما صغر اسمه لشدة قصره وحقارته. وقال الوقاصي: رأيت كثيرا يطوف بالبيت فمن حدثك أنه يزيد على ثلاثة أشبار فلا تصدقه وكان إذا دخل على عبد الملك أو أخيه عبد العزيز يقول: طأطئ رأسك لا يصيبه السقف) * قصير قميص فاحش عند بيته * يعض القراد باسته وهو قائم * وروى صاحب الأغاني عن طلحة بن عبيد الله قال: ما رأيت أحمق من كثير دخلت عليه يوما في نفر من قريش وهو مريض وكنا كثيرا ما نهزأ به وكان يتشيع تشيعا قبيحا فقلت له: كيف تجدك يا أبا صخر قال: أجدني ذاهبا. قلت: كلا. قال: فهل سمعت الناس يقولون في شيئا قلت: نعم يتحدثون بأنك الدجال. قال: أما لئن قلت ذاك فإني لأجد في عيني هذه ضعفا منذ أيام. فقال له محمد بن علي: تزعم أنك من شيعتنا وتمدح آل مروان قال: إنما أسخر منهم وأجعلهم حيات وعقارب وآخذ أموالهم. وكانت وفاته في خلافة يزيد بن عبد الملك بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. قال جويرية بن أسماء: مات كثير وعكرمة مولى بن عباس في يوم واحد فقال الناس: اليوم مات أفقه الناس وأشعر الناس ولم يتخلف رجل ولا امرأة عن
220 جنازتيهما وذلك في سنة خمس أو سبع ومائة وغلبت النساء على جنازة كثير يبكينه. ويقال: أنه لما حضرته الوفاة قال: الوافر * برئت إلى الإله من ابن أروى * ومن دين الخوارج أجمعينا * * ومن عمر برئت ومن عتيق * غداة دعي أمير المؤمنينا * قال ابن السيد في شرح أبيات الجمل: هذا الشعر من حماقته ورفضه. وابن أروى هو عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقد أطنب الأصبهاني في الأغاني في ترجمته.
221 3 (عطف البيان)) أنشد فيه: أقسم بالله أبو حفص عمر تقدم الكلام عليه في الشاهد الثامن والخمسين بعد الثلاثمائة. وأنشد بعده: أنا ابن التارك البكري بشر تقدم أيضا ما يتعلق به في الشاهد التاسع والتسعين بعد المائتين. والله أعلم. ((المبنيات))
222 3 (المضمر)) أنشد فيه: تمامه: والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب وتقدم الكلام عليه في الشاهد الثاني والثمانين. وأنشد بعده: الشاهد الرابع والسبعون بعد الثلاثمائة الوافر إذا زجر السفيه جرى إليه تمامه: وخالف والسفيه إلى خلاف على أن الضمير في إليه راجع على المصدر المدلول عليه بالوصف أي: إلى السفه.
223 وهذا البيت أورده الفراء في تفسيره عند قوله تعالى: ولكن البر من آمن بالله في توجيه صحة الخبر عن المبتدأ فيه قال: من كلام العرب قولهم: إنما البر الصادق الذي يصل رحمه ويخفي صدقته فيجعل الاسم خيرا للفاعل والفعل خبرا للاسم لأنه أمر معروف المعنى. فأما الفعل الذي جعل خبرا للاسم فقوله تعالى: ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم فهو كناية عن البخل. فهذا لمن جعل الذين في موضع نصب وقرأها تحسبن بالتاء من فوق ومن قرأ بالياء من تحت جعل الذين في موضع رفع وجعل عمادا للبخل المضمر فاكتفى بما ظهر في يبخلون من ذكر البخل. ومثله في الكلام: البسيط * هم الملوك وأبناء الملوك لهم * والآخذون به والساسة الأول * وقوله: به يريد بالملك. وقال الآخر: إذا نهي السفيه جرى إليه البيت يريد إلى السفه. انتهى. وأنشده ثعلب أيضا في أماليه وقال: أي: جرى إلى السفه. واكتفى بالفعل من المصدر. وأورده ابن جني أيضا في إعراب الحماسة عند قوله: الطويل * ولم أر قوما مثلنا خير قومهم * أقل به منا على قومهم فخرا *
224 وتقدم الكلام عليه في الشاهد الحادي عشر بعد الثلاثمائة. وأورده في المحتسب أيضا عند قراءة الأعمش: ومن يرد ثواب الدنيا يؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة يؤته منها وسيجزى الشاكرين بالياء فيهما. قال: أضمر الفاعل لدلالة الحال عليه إذا زجر السفيه جرى إليه.............. البيت) أقول: هذا ليس من قبيل إضمار الفاعل في قراءة الأعمش كما هو ظاهر. وقوله بعد هذا وكما أضمر المصدر مجرورا أعني الهاء في إليه يعني إلى السفه. كذلك أيضا أضمره مرفوعا بفعله لم أفهم معنى قوله أضمره مرفوعا بفعله وفاعل جرى وخالف ضمير السفه. وأورده ابن الشجري أيضا عند شرح قول الشاعر: الوافر * ومن يك باديا ويكن أخاه * أبا الضحاك ينتسج الشمالا * قال: الهاء في قوله أخاه عائدة إلى البدو الذي هو ضد الحضر يقال: بدا فلان يبدو بدوا إذا حل في البدو دل على عود الهاء إلى البدو قوله باديا كما دل السفيه على السفه فأضمره القائل: إذا نهي السفيه جرى إليه.............. البيت ومثله قول القطامي: هم الملوك وأبناء الملوك لهم البيت المذكور. ثم ذكر كلام الفراء من غير أن يعزوه إليه. ثم قال ومثل ذلك قوله تعالى: وإن تشكروا يرضه لكم أي: يرض الشكر. وكذلك قوله تعالى: الذين قال لهم الناس إن الناس قد
225 قال: وقوله: أبا الضحاك نصب على النداء فكأنه قال: ومن يك باديا ويكن أخا البدو: يا أبا الضحاك. وجعله أخا البدو كقولك: يا أخا العرب ويا أخا الحضر. وإنما قال: ومن يك باديا ثم قال: ويكن أخا البدو لأنه قد يحل في البدو من ليس من أهل البدو فسمي باديا ما دام مقيما في البدو. والشمال: هنا وعاء كالكيس يجعل فيه ضرع الشاة يحفظ به. يقال: شملت الشاة أي: جعلت لها شمالا. وينتسج: يفتعل من قولك: نسجت الثوب. فالمعنى: من يكن من أهل البدو يمارس ما يحتاج إليه الغنم. انتهى مختصرا. وقوله: إذا زجر هو بالبناء للمفعول ورواه الجماعة: إذا نهي مثله. ومتعلق النهي عام محذوف أي: عن أي شيء كان. وقوله: وخالف مفعوله محذوف أي: خالف زاجره. وقوله: والسفيه إلى خلاف جملة تذييلية أي: شأن السفيه الميل إلى مخالفة الناصح. وهذا البيت لم يعزه الفراء إلى أحد. والله أعلم. وأنشد بعده الشاهد الخامس والسبعون بعد الثلاثمائة الوافر * ولو أن الأطبا كان حولي * وكان مع الأطباء الأساة * ولو أن الأطباء كانوا حولي فحذفت الواو ضرورة وبقيت الضمة دليلا عليها.
226 وأورده الفراء في تفسيره عند قوله تعالى في سورة البقرة: فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم قال: وقوله: واخشوني أثبتت فيها الياء ولم تثبت في غيرها وكل ذلك صواب. وإنما استجازوا حذف الياء لأن كسرة النون تدل عليها وليست العرب تهاب حذف الياء من آخر الكلام إذا كان ما قبلها مكسورا. من ذلك: أكرمن وأهانن في سورة الفجر. وقوله: أتمدونن بمال. ومن غير النون: المناد والداع وهو كثير يكتفى من الياء بكسرة ما قبلها ومن الواو بضمة ما قبلها مثل قوله سندع الزبانية ويدع الإنسان وما أشبهه. وقد تسقط العرب الواو وهي واو جمع اكتفاء بالضمة قبلها فقالوا في ضربوا: قد ضرب وفي قالوا: قد قال. وهي في هوازن وعليا قيس أنشدني بعضهم: الوافر
227 إذا ما شاء ضروا من أرادوا وأنشدني الكسائي: البسيط كأنهم بجناحي طائر طار وأنشدني بعضهم: وتفعل ذلك في ياء التأنيث من تحت كقول عنترة: الكامل * إن العدو لهم إليك وسيلة * إن يأخذوك تكحلي وتخضب * يحذفون الياء وهي دليل على الأنثى اكتفاء بالكسر. انتهى. وظاهر كلامه أن هذا لغة لا ضرورة. وأورده صاحب الكشاف أيضا في سورة المؤمنين شاهدا لقراءة من قرأ: قد أفلح بضم الحاء اجتزاء بالضمة عن الواو والأصل قد أفلحوا على لغة أكلوني البراغيث. ونقل ابن هشام في المغني في الجهة الرابعة من الكتاب الخامس عن التبريزي في قراءة يحيى بن يعمر: على الذي أحسن بالرفع أن أصله أحسنوا
228 فحذفت الواو اجتزاء عنها بالضمة كما قال:) إذا شاء ما ضروا من أرادوا البيت ثم قال: وحذفت الواو. وإطلاق الذي على الجماعة ليس بالسهل والأولى قول الجماعة إنه بتقدير مبتدأ أي: هو أحسن. وأما قول بعضهم في قراءة ابن محيصن: لمن أراد أن يتم الرضاعة إن الأصل أن يتموا بالجمع فحسن لأن الجمع على معنى من. ولكن أظهر منه قول الجماعة: إنه جاء على إهمال أن الناصبة. انتهى مختصرا. وهذا الكلام أيضا يدل على أنه غير ضرورة. وفي البيت شاهد آخر وهو قصر الممدود وبه أورده ثعلب في أماليه قال: قصر الأطباء في أول البيت ومد في آخره وأصله المد. وأما قوله: كان حولي فإنه اكتفى بالضمة عن واو الجمع. هذه عبارته. وأورده ابن الأنباري أيضا في مسائل الخلاف في موضعين بالوجهين ذكره في المسألة الخامسة والسبعين في مسألة فعل الأمر هل هو معرب أو مبني على أن الاكتفاء بالضمة ضرورة. وأورده في المسألة الثانية عشرة بعد المائة في المقصور والممدود على قصر الأطبا لضرورة الشعر. قال: والقياس يوجب مده لأن الأصل في طبيب أن يجمع على طيباء كشريف وشرفاء إلا أنه اجتمع حرفان متحركان من جنس واحد فاستثقلوا اجتماعهما فنقلوه من فعلاء إلى أفعلاء فصار أطبباء فاستثقلوا أيضا اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد فنقلوا كسرة الباء إلى الطاء وأدغموا.
229 وأطنب في الموضعين وبين حجج الفريقين وجاء بما يجلو العين ويمحو عن القلب الرين. وروى بعد البيت الشاهد بيتا ثانيا والرواية عنده هكذا: * فلو أن الأطبا كان حولي * وكان مع الأطباء الشفاة * والطب بالكسر في اللغة: الحذق. والطبيب: الحاذق. والأساة: جمع آس كقضاة جمع قاض. قال في الصحاح: الآسي: الطبيب. وكذلك الشفاة جمع شاف. وقوله: إذن ما أذهبوا جواب لو. ورواية العيني تقديم الأساة في قافية البيت الأول وتأخير الشفاة في قافية البيت الثاني. ولم يعزهما الفراء فمن بعده إلى أحد. والله أعلم.) وأنشد بعده الشاهد السادس والسبعون بعد الثلاثمائة وهو من شواهد س: الطويل ((بحوران يعصرن السليط أقاربه)) على أنه جاء على لغة أكلوني البراغيث. قال سيبويه: واعلم أن من العرب من يقول: ضربوني قومك وضرباني أخواك فشبهوا هذا بالتاء التي يظهرونها في قالت فلانة وكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علامة كما جعلوا للمؤنث وهي قليلة.
230 * ولكن ديافي أبوه وأمه * بحوران يعصرن السليط أقاربه * انتهى. ف أقاربه فاعل يعصر والنون علامة لكون الفاعل جمعا كتاء التأنيث. قال ابن هشام في شرح شواهده: إنما قال يعصرن لأنه شبههم بالنساء لأنهم لا شجاعة لهم والخدمة والتبذل في العرب إنما هو للنساء وإما الرجال فشغلهم بالحروب. وقيل شبهه ببعير ديافي ثم أقبل يصف أقارب البعير وأقاربه جمال. فلذلك جاء بالنون. انتهى. أقول: الوجه الثاني بعيد لا قرينة له ويزيده بعدا يعصرن السليط. قال ابن خلف: وفي رفع أقاربه أوجه أخر: أحدها: يجوز أن يكون مبتدأ ويعصرن خبر مقدم عليه وهذا سائغ عند أهل البصرة كما قالوا: مررت به المسكين يريدون: المسكين مررت به. قال أبو علي: وفيه مع هذا قبح لأن الخبر جملة وليس بمفرد فلا ينبغي أن يجوز فيه ما جاز في الأصل الذي هو المفرد. وأهل الكوفة لا يجيزون مثل هذا. ويحتمل أن يكون رفعا بحوران ويكون بحوران صفة لديافي ويعصرن حالا من الأقارب. ويجوز أن يكون بدلا من النون كما قيل في: وأسروا النجوى الذين ظلموا. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر والجملة جواب لسؤال مقدر كأنه لما قيل بحوران يعصرن السليط فقيل: من أقول: هذه الوجوه الأربعة مبنية على أن النون ضمير وهذه النون في البيت سواء كانت حرفا أم اسما تدل على صحة ما نقله الشارح المحقق في باب التوكيد عن الأندلسي من جواز رجوع ضمير جماعة المؤنث إلى الجمع المكسر العاقل فكان ينبغي أن يستدل بهذا البيت دون البيت) المتقدم لخفائه كما تقدم.
231 وقوله: ديافي خبر لمبتدأ محذوف تقديره: لكن أنت ديافي يدل عليه قوله فيما قبله: لو كنت ضبيا أو هو ديافي: لقوله فلو كان ضبيا كما يأتي. وهو منسوب إلى دياف بكسر الدال بعدها مثناة تحتية وآخره فاء. قال صاحب العباب: دياف من قرى الشام وأهلها نبط الشام وتنسب الإبل إليها والسيوف. وإذا عرضوا برجل أنه نبطي نسبوه إليها. قال: ولكن ديافي أبوه وأمه البيت وهذا يدل على أن ديافا بالشام لا بالجزيرة كما قيل لأن حوران من رساتيق دمشق. وكذا قال الحسن السكري في شرح ديوانه: وقال جرير: الرجز * إن سليطا كاسمه سليط * لولا بنو عمرو وعمر عيط * أراد: عمرو بن يربوع وهم حلفاء بني سليط. وقال الأخطل: الطويل * كأن بنات الماء في حجراته * أباريق أهدتها دياف لصرخدا * انتهى.
232 ولم يورد أبو عبيد البكري دياف في معجم ما استعجم. وأبوه مرفوع بديافي لأنه خبر سببي. وأتى بضمير الغيبة لأن التقدير أنت رجل ديافي أبوه. وأمه معطوف عليه. وقوله: بحوران متعلق ب يعصرن وجملة: يعصرن صفة لديافي وضمير أقاربه راجع عليه. هذا هو الظاهر. وذكر ابن خلف أوجها متعسفة في إعراب كل لفظة من هذا البيت لا فائدة في نقلها. ويعصرن بكسر الصاد. قال صاحب المصباح: عصرت العنب ونحوه عصرا من باب ضرب: استخرجت ماءه وأراد هنا يستخرجن السليط بفتح السين وكسر اللام. قال الصاغاني في العباب: السليط الزيت عند عامة العرب وعند أهل اليمن دهن السمسم. وقال ابن دريد وابن فارس: السليط بلغة أهل اليمن وبلغة من سواهم: دهن السمسم: أقول:) الأمر على خلافه فإني سمعت أهل مكة حرسها الله تعالى وأهل تهامة واليمن يسمون دهن السمسم: السليط. انتهى. وقال ابن خلف: السليط الشيرج وهو هنا الزيت لأن حوران من مدن الشام وأهلها نبط فهي بعصر الزيت أشهر منها بعصر الشيرج. وقد يجوز أن يكون الشيرج لأنه يعصر بالشام كما يعصر الزيت. والدليل على أن السليط يقع على الزيت قول النابغة الجعدي: المتقارب * أضاءت لنا النار وجها أغ * ر ملتبسا بالفؤاد التباسا *
233 * يضيء كضوء سراج السلي * ط لم يجعل الله فيه نحاسا * والنحاس: الدخان وذلك معدوم في الزيت وأما الشيرج فكثير الدخان. هجاه بذلك إذ جعله من أهل القرى المستخدمين لإقامة عيشهم ونفاه عما عليه العرب من الانتجاع والحرب. والبيت من أبيات للفرزدق وهي: الطويل * ستعلم يا عمرو بن عفرى من الذي * يلام إذا ما الأمر عيت عواقبه * * فلو كنت ضبيا صفحت ولو سرت * على قدمي حياته وعقاربه * * ولكن ديافي أبوه وأمه * بحوران يعصرن السليط أقاربه * * ولما رأى الدهنا رمته حبالها * وقالت ديافي مع الشام جانبه * * تضن بمال الباهلي كأنما * تضن على المال الذي أنت كاسبه * * وإن امرأ يغتابني لم أطأ له * حريما ولا تنهاه عني تجاربه * * كمحتطب يوما أساود هضبة * أتاه بها في ظلمة الليل حاطبه * * أحين التقى ناباي وابيض مسحلي * وأطرق إطراق الكرا من أحاربه * روى صاحب الأغاني بسنده عن محمد بن سلام قال: أتى الفرزدق عبد الله بن مسلم الباهلي فسأله فثقل عليه الكثير وخشيه في القليل وعنده عمرو بن عفراء الضبي راوية الفرزدق وقد كان هجاه جرير لروايته
234 للفرزدق في قوله: الطويل * ونبئت جوابا وسكنا يسبني * وعمرو بن عفرى لاسلام على عمرو * فقال ابن عفراء الضبي: لا يهولنك أمره. فقال: وكيف ذاك قال: أنا أرضيه عنك بدون ما كان هم له به. فأعطاه ثلاثمائة درهم فبلغ الفرزدق صنيع عمرو فقال هذه الأبيات. قال: فأتاه ابن عفراء في نادي قومه فقال له: اجهد جهدك هل هو إلا هذا والله لا أدع لك) مساءة إلا أتيتها ولا تأمرني بشيء إلا اجتنبته ولا تنهاني عن شيء إلا ركبته. قال: فاشهدوا أني أنهاه أن ينيك أمه. فضحك القوم وخجل ابن عفراء. وروى أيضا بعد هذا في موضع آخر عن يونس النحوي قال: مدح الفرزدق عمرو بن مسلم الباهلي فأمر له بثلاثمائة درهم وكان عمرو بن عفراء الضبي صديقا لعمرو فلامه وقال: أتعطي الفرزدق ثلاثمائة درهم وإنما كان يكفيه أن تعطيه عشرين درهما فبلغ ذلك الفرزدق فقال: الطويل * نهيت ابن عفرى أن يعفر أمه * كعفر السلى إذ جردته ثعالبه * * وإن امرأ يغتابني لم أطأ له * حريما فلا تنهاه عني أقاربه * * كمحتطب ليلا أساود هضبة * أتاه بها في ظلمة الليل حاطبه * * ألما استوى ناباي وابيض مسحلي * وأطرق إطراق الكرا من أحاربه * * فلو كان ضبيا صفحت ولو سرت * على قدمي حياته وعقاربه * * ولكن ديافي أبوه وأمه * بحوران يعصرن.. البيت انتهى *
235 وقال ابن خلف وصاحب العباب: سبب هذا الشعر أن عمرو بن عفراء الضبي قال لعبد الله بن مسلم الباهلي: وقد أعطى الفرزدق خلعة وحمله على دابة وأمر له بألف درهم فقال له عمرو بن عفراء: ما يصنع الفرزدق بهذا الذي أعطيته إنما يكفي الفرزدق ثلاثون درهما يزني بعشرة ويأكل بعشرة ويشرب بعشرة. فهجاه الفرزدق بهذا. انتهى. وقوله: ستعلم يا عمرو الخ هذا تهديد وعفراء بالمد قصر ضرورة فكتب بالياء وهي أمه. وعي: بمعنى لم يهتد لوجهه. وقوله: فلو كنت ضبيا الخ نفاه عن قبيلته لكونه سكن القرى ولم يكن على طريقة العرب. وقوله: ولما رأى الدهنا الخ الدهنا يمد ويقصر وهو موضع ببلاد تميم. وحبالها: أسبابها. وديافي بتقدير هو ديافي وجملة: مع الشام جانبه صفة له وجواب لما محذوف والتقدير سكن الشام ونحوه. وقال الحسن السكري: الواو هنا مقحمة في وقالت: لا موضع لها أراد قالت. انتهى. وقوله: فإن تغضب الدهنا هذا وجه رمي الدهنا له فإنه سوقي يتاجر بالزيت. والدهنا لا) تقبل من هو كذا. وقوله: تضن أي: تبخل. وقوله: كمحتطب يوما الخ هو خبر إن في قوله وإن امرأ وهو الذي يجمع الحطب. والأساود: جمع أسود وهو العظيم من الحيات وفيه سواد. والهضبة: الجبل المنبسط على وجه الأرض أشار إلى المثل المشهور لمن يتكلم
236 بالغث والسمين: حاطب ليل لأنه لا يبصر ما يجمع في حبله ربما يجمع في حطبه حية يكون هلاكه بها. وقوله: أحين التقى ناباي الخ التقاء النابين واستواؤهما كناية عن بلوغ الأشد. والمسحل: بكسر الميم وسكون السين وفتح الحاء المهملتين: عارض الرجل أي: صفحة خده. وأطرق أي: أرخى عينيه ينظر إلى الأرض. والكرا لغة في الكروان. يقول: أيؤذيني في وقت شدتي وحين تهابني أقراني وأطرقوا مني كإطراق الكروان. والاستفهام إنكاري. وقوله: نهيت ابن عفري أن يعفر أمه الخ التعفير: التمريغ في التراب. والسلى بفتح السين المهملة والقصر هو الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي. وأنشد بعده الشاهد السابع والسبعون بعد الثلاثمائة: الرجز * إن كنت أدري فعلي بدنه * من كثرة التخليط أني من أنه * على أنه قد يبين فتح أنا في الوقف بهاء السكت كما في آخر القافية في هذا البيت. قال ابن جني في سر الصناعة: فأما قولهم في الوقف على أن فعلت: أنا وأنه فالوجه أن تكون الهاء في أنه بدلا من الألف في أنا لأن الأكثر في الاستعمال إنما هو أنا بألف والهاء قليلة جدا فهي بدل من الألف. ويجوز أن تكون الهاء أيضا في أنه ألحقت لبيان الحركة كما ألحقت الألف ولا تكون بدلا منها بل قائمة بنفسها كالتي في قوله تعالى: كتابيه و حسابيه و سلطانيه و ماليه و ماهيه. انتهى.
237 والبدنة قال صاحب المصباح: قالوا هي ناقة أبو بقرة. وزاد الأزهري أو بعير ذكر. قال: لا تقع البدنة على الشاة. وقال بعض الأئمة: البدنة هي: الإبل خاصة وإنما ألحقت البقرة بالإبل بالسنة. وقوله: من كثرة متعلق بالفعل المنفي ضمنا أي: ما أدري من كثرة التخليط. قال صاحب الصحاح: والتخليط في الأمر: الإفساد فيه. وقوله: أني بفتح الهمزة. وقوله: من أنه من عند سيبويه مبتدأ وأنه خبر وعند غيره بالعكس والجملة في محل رفع خبر أني من أنه في محل نصب ساد مسد مفعولي أدري. وهذا البيت لم أقف له على أثر. والله أعلم. وأنشد بعده الشاهد الثامن والسبعون بعد الثلاثمائة الوافر * أنا سيف العشيرة فاعرفوني * حميدا قد تذريت السناما * قال ابن جني في شرح تصريف المازني أما الألف في أنا في الوقف فزائدة ليست بأصل. ولم نقض بذلك فيها من جهة الاشتقاق. هذا محال في الأسماء المضمرة لأنها مبنية كالحروف ولكن قضينا بزيادتها من حيث كان الوصل يزيلها ويذهبها كما يذهب الهاء التي تلحق لبيان الحركة في الوقف.
238 ألا ترى أنك تقول في الوصل: أن زيد كما قال تعالى: إني انا ربك تكتب بألف بعد النون وليست الألف في اللفظ وإنما كتبت على الوقف فصار سقوط الألف في الوصل كسقوط الهاء التي تلحق في الوقف لبيان الحركة في الوصل وبينت الفتحة بالألف كما بينت بالهاء لأن الهاء ماورة للألف. وقد قالوا في الوقف: أنه فبينوا الفتحة بالهاء كما بينوها بالألف وكلتاهما ساقطة في الوصل. فأما قول الشاعر: انا سيف العشيرة فاعرفوني............ البيت فإنما أجراه في الوصل على حد ما كان عليه في الوقف. وقد أجرت العرب كثيرا من ألفاظها في الوصل على حد ما تكون عليه في الوقف وأكثر ما يجيء ذلك في ضرورة الشعر. انتهى. وحميدا بدل من ياء اعرفوني لبيان الاسم أو هو منصوب على المدح. قال أبو بكر الخفاف في شرح الجمل: قال الزجاج: حميدا بدل من الياء وهذا لا حجة فيه لاحتمال أن يكون منصوبا بإضمار فعل على المدح كأنه قال: فاعرفوني مشهورا. وأناب قوله حميدا مناب قوله مشهورا لكونه علما. وحميد يروى مصغرا ومكبرا. وأنشد صاحب الصحاح بدله جميعا. وتذريت السنام بمعنى علوته من الذروة والذروة بالكسر والضم وهو أعلى السنام. وحقيقة تذريت السنام علوت ذروته. ونسب ياقوت هذا البيت في حاشية الصحاح إلى حميد بن بحدل شاعر. وقال ابن الأعرابي: بحدل الرجل إذا مالت لثته أي: لحم أسنانه. وقال الأزهري: البحدلة الخفة في السعي. قال: وسمعت أعرابيا يقول لصاحب له: بحدل بجدك. يأمره بالسرعة في) المشي. انتهى.
239 وحميد مضاف إلى جده لأنه حميد بن حريث بن بحدل من بني كلب بن وبرة وينتهي نسبه إلى قضاعة. وحميد شاعر إسلامي وكانت عمته ميسون بنت بحدل أم يزيد بن معاوية. وكان ابن عمه حسان بن مالك بن بحدل سيد كلب في زمانه وهو الذي بايع مروان بن الحكم يوم المرج وكان ولاه يزيد بن معاوية على فلسطين والأردن. وأخوه مسعد بن مالك بن بحدل على قنسرين فلما مات يزيد بن معاوية وثب زفر بن الحارث على سعيد فأخرجه منها وبايع لابن الزبير ثم خرج عمير بن الحباب مغيرا على بني كلب بالقتل والنهب فلما رأت كلب ما لقي أصحابهم اجتمعوا إلى حميد بن حريث بن بحدل فقتل حميد بني فزارة قتلا ذريعا. والقصة مفصلة في ترجمة عويف القوافي في الأغاني. وأنشد بعده الشاهد التاسع والسبعون بعد الثلاثمائة وهو من أبيات المفصل: البسيط ((فقلت أهي سرت أم عادني حلم)) هذا عجز وصدره: فقمت للطيف مرتاعا فأرقني
240 على أن هاء هي قد تسكن بعد همزة الاستفهام. وفي التسهيل ما يقتضي أنه قليل وفي شرح مصنفه أنه لم يجئ إلا في الشعر. وقال ابن جني في إعراب الحماسة: أسكن أول أهي لاتصال حرف الاستفهام به وأجراها في ذلك مجرى المتصل فصار أهي كعلم وأجرى همزة الاستفهام مجرى واو العطف وفائه ولام الابتداء. نحو قوله تعالى: وهو الله وقوله: فهو جزاؤه وقولك: وهي قامت وفهي جالسة وإن الله لهو السميع العليم. غير أن هذا الإسكان مع همزة الاستفهام أضعف منه مع ما ذكرناه ومن حيث كان الفصل بينهما وبين المستفهم عنه جائزا نحو قولك: أزيد قام وأزيدا ضربت وليس كذلك واو العطف وفاؤه ولا لام الابتداء لا يجوز الفصل بين شيء منهن وبين ما وصلن به.) فأما فصل الظرف في نحو: إن زيدا لفي الدار قائم فمغتفر لكثرته في الكلام ألا تراها في هذا البيت مفصولا بينها وبين ما هي سؤال عنه من اللفظ. وهذا الاتصال أو ضده من الانفصال إنما هو شيء راجع إلى موجود اللفظ لا إلى محصول المعنى انتهى. وهذا البيت من قصيدة مسطورة في الحماسة عدتها ثلاثة وأربعون بيتا للمرار العدوي وقبله: * زارت رويقه شعثا بعد ما هجعوا * لدى نواحل في أرساغها الخدم *
241 فقمت للزور مرتاعا وأرقني................... البيت * وكان عهدي بها والمشي يبهظها * من القريب ومنها النوم والسأم * * وبالتكاليف تأتي بيت جارتها * تمشي الهوينى وما يبدو لها قدم * * رويق إني ومن حج الحجيج له * وما أهل بجنبي نخلة الحرم * * لم ينسني ذكركم مذ لم ألاقكم * عيش سلوت به عنكم ولا قدم * * ولم يشاركك عندي بعد غانية * لا والذي أصبحت عندي له نعم * قوله: زارت رويقة يقول: زار خيال رويقة قوما شعثا أي: غبرا بعدما ناموا عند إبل ضوامر شدت في إرساغها سيور القيد لشدة سيرها وتأثير الكلال فيها. وقوله: فقمت للطيف الخ الطيف: الخيال الطائف في النوم. وروي: فقمت للزور وهو مصدر بمعنى الزائر يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. والمرتاع: الخائف الفزع. وقد أنشده صاحب المفصل لما ذكره الشارح المحقق. وأنشده ابن الناظم وابن هشام في شرح الألفية على أن أم المتصلة وقعت بين جملتين فعليتين في معنى المفردين والتقدير فقلت: أسارت هي أم عادني حلمها أي: أي هذين. وأنشده ابن هشام في موضعين من المغني. الأول في أم قال: إن أم المعادلة لهمزة الاستفهام تقع بين مفردين وهو الغالب وبين جملتين ليستا في تأويل المفردين وتكونان أيضا اسميتين وفعليتين
242 كهذا البيت. قال: وذلك على الأرجح في هي من أنها فاعل بمحذوف تفسره سرت. والثاني في أول الباب الثاني قال: وتقدير الفعلية في أهي أكثر رجحانا من تقديرها في: أبشر يهدوننا لمعادلتها الفعلية. قال ابن الحاجب في أمالي المفصل: يريد: أني قمت من أجل الطيف منتبها مذعورا للقائه) وأرقني لما لم يحصل اجتماع محقق ثم ارتبت لعدم الاجتماع هل كان على التحقيق أم كان ذلك في المنام. ويجوز أن يريد: فقمت للطيف وأنا في النوم إجلالا في حال كوني مذعورا لاستعظامها وأرقني ذلك لما انتبهت فلم أجد شيئا محققا ثم من فرط صبابته شك أهي في التحقيق سرت أم كان ذلك حلما على عادتهم في مبالغتهم كقوله: الطويل آأنت أم أم سالم انتهى. قال الدماميني بعد أن نقل هذا في الحاشية الهندية: حاصله احتمال كون القيام في اليقظة أو في المنام وأما الشك في الاجتماع هل كان في النوم أو في
243 اليقظة فثابت على كل من الاحتمالين. وقوله: وكان عهدي بها الخ يقول: كيف يجوز مجيئها وقد عهدتها. يبهظها أي: يعييها قطع المسافة القريبة والغالب عليها طلب الراحة بالنوم. ونصب الهوينى على المصدر أي: تمشي مشيا هينا. والهوينى: تصغير الهونى مؤنث الأهون. وقوله: وما يبدو لها قدم أي: تجر أذيالها. وقوله: بيض ترائبها جمع تريبة وهو أعالي الصدر. ومرفق أدرم إذا لم يكن له حجم لاكتنازه باللحم والخلق بالفتح: الخلقة. والعمم بفتح العين المهملة والميم: الطول. وقوله: رويق إني الخ هو منادى مرخم رويقة. ونخلة: موضع قرب مكة قال صاحب معجم ما استعجم: نخلة على لفظ واحدة النخل: موضع على ليلة من مكة وهي التي تنسب إليها بطن نخلة وهي التي ورد فيها الحديث ليلة الجن. انتهى. وزعم العيني أنه موضع قرب المدينة. وحرم بضمتين: جمع حرام كسحب جمع سحاب بمعنى المحرم. وروي أيضا: وما حج الحجيج. قال ابن جني في إعراب الحماسة: ما هنا يحتمل أن تكون عبارة عن الله تعالى وأراد في ما الثانية له غير أنه حذفها. ويجوز أن تكون مصدرية فتكون الهاء في له لله تعالى وإن لم يجر له ذكر لأنه قد جرى ذكر الحج فدلت الطاعة على المطاع سبحانه فكأنه قال: إني وحج الحجيج لله. ويؤكد ذلك أنه لم يعد مع الثانية له لأنه غير محتاج إليها من حيث كان مصدرا.) ويجوز أن تكون عبارة عن البيت فأقسم به فحينئذ يحتمل الهاء في له أن تكون للبيت على أن اللام بمعنى إلى وأن تكون لله أي: والبيت الذي حجه الحجيج لطاعة الله.
244 وقوله: لم ينسني الخ هو مضارع أنسى وذكركم: مفعول مقدم وعيش: فاعل مؤخر وقدم بكسر القاف معطوف على عيش. قال ابن جني: هذا البيت جواب القسم وأجاب بلم وحرفا الجواب في النفي إنما هما: ما ولا لكن اضطر فشبه لم بما كما اضطر إلى ذلك الأعشى في قوله: المتقارب أجدك لم تغتمض ليلة فاعرف ذلك فإنه لطيف. ومن أواخر القصيدة: * بل ليت شعري متى أغدو تعارضني * جرداء سابحة أو سابح قدم * * نحو الأميلح من سمنان مبتكرا * بفتية فيهم المرار والحكم * بل للإضراب عما قبله. وتعارضني أي: أقودها فتسبقني من سلاسة قيادها. والجرداء: الفرس القصيرة الشعر وهو محمود في الخيل. وسابحة: كأنها تسبح في سيرها وجريها. وقدم بضم القاف والدال بمعنى متقدم يوصف به المذكر والمؤنث. ونحو ظرف متعلق ب أغدو والأميلح: اسم ماء. وسمنان بفتح السين: ديار الشاعر. والفتية: جمع فتى. والمرار والحكم: رجلان. وهذا البيت أول شاهد وقع في شرح الشافية للشارح المحقق قال فيه: وكذا سمنان إما أن يكون مكرر اللام للإلحاق بزلزال أو يكون زيد فيه الألف والنون لا للتكرير بل كما زيدا في سلمان. ولا دليل في هذا البيت يمنع صرف سمنان على كونه فعلان لجواز كونه فعلالا. وامتناع صرفه لتأويله بالأرض والبقعة لأنه اسم موضع. انتهى.
245 قال أبو عبيد في معجم ما استعجم: الأميلح بضم أوله وبالحاء المهملة كأنه مصغر أملح: موضع. ولم يقل: إنه ماء. وقال في سمنان: بفتح أوله وإسكان ثانيه على وزن فعلان: مدينة بين الري ونيسابور. وسمنان بضم السين: جبل في ديار بني أسد وقال أبو حاتم: في ديار بني تميم. اه.) وهذا ضبط مخالف لسائر الرواة. وأول هذه القصيدة في ذم صنعاء اليمن ومدح بلده وقومه. وهذا أولها: البسيط * لا حبذا أنت يا صنعاء من بلد * ولا شعوب هوى مني ولا نقم * * إذا سقى الله أرضا صوب غادية * فلا سقاهن إلا النار تضطرم * * وحبذا حين تمسي الريح باردة * وادي أشي وفتيان به هضم * إلى أن قال: * هم البحور عطاء حين تسألهم * وفي اللقاء إذا تلقى بهم بهم * * وهم إذا الخيل جالوا في كواثبها * فوارس الخيل لا ميل ولا قزم * * لم ألق بعدهم حيا فأخبرهم * إلا يزيدهم حبا إلي هم *
246 شعوب بفتح الشين وكذلك نقم بضم النون والقاف: موضع باليمن وهو جبل صنعاء الشرقي. وعنس بفتح المهملة وسكون النون وقدم بضم القاف والدال: حيان من اليمن. وأشي بضم الألف وفتح الشين المعجمة وتشديد الياء قال أبو عبيد: هو واد وجبل في بلاد العدوية من بني تميم. وقال عمر بن شبة: أشي بلد قريب من اليمامة. وأنشد هذا البيت. وهضم بضمتين: جمع هضوم وهو الذي ينفق في الشتاء أي: حبذا هم في برد الشتاء إذا اشتد الزمان لأنهم يطعمون فيه. والبهم بضم ففتح: جمع بهمة بضم فسكون وهو الشجاع الذي لا يدرى من أين يؤتى من شدة وقوله: وهم إذا الخيل أراد بالخيل فرسانها كقولهم: يا خيل الله اركبي. وجالوا أي: وثبوا يقال: جال في ظهر دابته إذا ركبها. لا ميل: لا مائلون عن وجوه الأعداء جمع أميل وقيل هو الذي لا يثبت على ظهر الدابة وهو عطف على فوارس ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف كأنه قال: لا هم ميل. وقزم بفتح القاف والزاي: رذال الناس وسفلتهم يطلق على الواحد والجمع والذكر والأنثى لأنه في الأصل مصدر بمعنى الدناءة والقماءة. والكواثب: جمع كاثبة بموحدة بعد مثلثة وهي في عرف الفرس المتقدم من قربوس السرج حيث يقع عليه يد الفارس. كذا في شرح الحماسة.) وأورد صاحب الكشاف هذا البيت في سورة الأعراف على أن الخبر في قوله تعالى: يمدونهم في الغي جار على غير ما هو له كما في البيت فإن الخيل مبتدأ وجالوا خبره مسند إلى ضمير القوم. وفيه كلام طويل. وقوله: لم ألق بعدهم الخ الحي: القبيلة. وخبرت الشيء أخبره من
247 باب قتل خبرا بالضم بمعنى علمته. وانتصب أخبرهم في جواب النفي. وهم الخير فاعل يزيد فصل ضرورة. والمعنى: لم ألق بعد فراق قومي حيا من الأحياء فأخبرهم إلا ازدادوا في عيني إذا قستهم بمن وروى ابن قتيبة الصدر في كتاب الشعراء والأصبهاني في الأغاني: وما أصاحب من قوم فأذكرهم وزعم أبو حيان أن الرواية كذا من تحريف ابن مالك. هذا قصور منه. ويجوز رفع فأذكرهم عطفا على أصاحب. والذكر هنا قلبي بمعنى التذكير فإن المعنى إني إذا صاحبت قوما فتذكرت قومي ازددت محبة فيهم لفضل قومي عليهم. هذا البيت أورده ابن الناظم وابن هشام في شرح الألفية لما ذكرنا من فصل الضمير المرفوع ضرورة. قال ابن هشام في المغني: ادعى ابن مالك أن الأصل يزيدون أنفسهم ثم صار يزيدونهم ثم فصل ضمير الفاعل للضرورة وأخره عن ضمير المفعول. وحامله على ذلك ظنه أن الضميرين لمسمى واحد وليس كذلك. قال في شرح شواهده وزعم بعض من فسر الضرورة بما ليس للشاعر عنه مندوحة أن هذا ليس بضرورة لتمكن قائله من أن يقول إلا يزيدونهم حبا إلي هم ويكون الضمير المنفصل توكيدا للفاعل. ورده ابن مالك بأنه يقتضي كون الفاعل والمفعول ضميرين متصلين لمسمى واحد وإنما يجوز ذلك في باب ظن. وهذا سهو لأن مسمى الضميرين مختلفان إذ ضمير الفاعل لقومه وضمير ويحتمل عندي أن يكون فاعل يزيد ضمير الذكر ويكون هم المنفصل توكيدا لهم المتصل. اه. كلام ابن هشام. وقد أخذ مسلم بن الوليد معنى بيت المرار فقال: الوافر
248 * ويرجعني إليك إذا نأت بي * دياري عنك تجربة الرجال * والمرا: شاعر إسلامي في الدولة الأموية من معاصري الفرزدق وجرير. وهو بفتح الميم) وتشديد الراء. قال ابن قتيبة في كتابة الشعراء: المرار العدوي هو ابن منقذ من صدي ابن مالك بن حنظلة. وأم صدي بالتصغير من جل بن عدي فيقال له ولولده بنو العدوية. وقال لهم عوف بن القعقاع: يا بني العدوية أنتم أوسع بني مالك أجوافا وأقلهم أشرافا. والمرار هو القائل: * وما اصاحب من قوم فأذكرهم * إلا يزيدهم حبا إلي هم * وأنشد معه أبياتا أخر من هذه القصيدة. قال: وفيه وفي قومه يقول جرير: الطويل * إن كنتم جربى فعندي شفاؤكم * وللجن إن كان اعتراك جنون * * وما أنت يا مرار يا زبد استها * بأول من يشقى بنا ويحين * وقد رفع الآمدي نسبه في المؤتلف والمختلف فقال: هو المرار بن منقذ بن عمرو بن عبد الله بن واسم المرار هذا زياد بن منقذ قاله الحصري في زهر الآداب وإلى اسمه
249 نسب الشعر. وفي الحماسة قال شراح الحماسة: هو لزياد بن منقذ وهو أحد بني العدوية من تميم ولم يقل غير هذه القصيدة ولم يقل أحد مثلها. وكان قد أتى اليمن فنزع إلى وطنه ببطن الرمة. قال أبو العلاء: الرمة: واد بنجد يقال بتشديد الميم وتخفيفها اه. وصحفه بعضهم وتبعه العيني فقال: ببطن الرمث بالمثلثة. وقد نسب الحصري أيضا هذا الشعر للمرار قال: أنشد أبو عبيدة لزياد بن منقذ الحنظلي وهو المرار العدوي نسب إلى أمه العدوية وهي فكيهة بنت تميم ابن الدئل بن جل بن عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة فولدت لمالك بن حنظلة عديا ويربوعا. فهؤلاء من ولده يقال لهم بنو العدوية. وكان زياد نزل بصنعاء فاجتواها ومنزله في نجد فقال في ذلك قصيدة يقول فيها وذكر قومه: * لم ألق بعدهم حيا فأخبرهم * إلا يزيدهم حبا إلي هم * وأراه أول من استثار هذا المعنى. وكان ابن عرادة السعدي مع سلم بن زياد بخراسان وكان مكرما له وابن عرادة يتجنى عليه إلى أن تركه وصحب غيره فلم يحمده. فرجع إلى سلم وفال: الطويل
250 * رجعت إليه بعد تجريب غيره * فكان كبرء بعد طول من السقم * ومنه قول أبي العتاهية في جعفر بن المنصور المعروف بابن الكردية وهو جعفر الأصغر:) الطويل * جزى الله عني جعفرا بوفائه * وأضعف إضعافا له بجزائه * * بلوت رجالا بعده في إخائهم * فما ازددت إلا رغبة في إخائه * ومنه أيضا لكنه في الهجو لبعضهم: الوافر * ذممتك أولا حتى إذا ما * بلوت سواك عاد الذم حمدا * * ولم أحمدك من خير ولكن * رأيت سواك شرا منك جدا * * كمضطر تحامى أكل ميت * فلما اضطر عاد إليه شدا * قال الصولي: وآخر من أتى بهذا المعنى أحمد بن أبي طاهر: الوافر * بلوت الناس في شرق وغرب * وميزت الكرام من اللئام * * فردني ابتلاي إلى علي ب * ن يحيى بعد تجريب الأنام * وعندي في هذا المعنى مقاطيع جيدة لولا خشية السأم لسردتها. وزعم أبو تمام في الحماسة أن القصيدة التي منها البيت الشاهد لزياد بن حمل بن سعيد بن وأخطأ أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم في زعمه أن زياد بن حمل هو المرار العدوي. وزعم الأصفهاني في الأغاني والخالديان في شرح ديوان مسلم بن الوليد أن هذه القصيدة للمرار بن سعيد الفقعسي. والله أعلم. والصواب أنها لزياد بن منقذ العدوي. قاله ياقوت في معجم البلدان قال: والمرار والحكم أخوان.
251 تتمة ذكر الآمدي في المؤتلف والمختلف من يقال له المرار ستة. أولهم المرار الفقعسي. وستأتي ترجمته إن شاء الله في الكاف من حروف الجر. ثانيهم: المرار بن منقذ وتقدمت ترجمته هنا. ثالثهم: المرار بن سلامة العجلي وهو إسلامي. رابعهم: المرار بن بشير السدوسي. خامسهم: المرار الكلبي. سادسهم: المرار بن معاذ الجرشي.) وأنشد بعده وهو من شواهد سيبويه: الطويل * فبيناه يشري رحله قال قائل: * لمن جمل رخو الملاط نجيب * على أن واو وهو قد يحذف ضرورة كما هنا فإن الأصل فبينا هو يشري.
252 قال سيبويه: في باب ما يحتمل الشعر: اعلم أنه يجوز في الشعر ما لا يجوز في الكلام. إلى أن قال: وليس شيء يضطرون إليه إلا هم يحاولون به وجها. وما يجوز في الشعر أكثر من أن أذكره لك ها هنا لأن هذا موضع جمل. قال أبو الحسن: سمعت من العرب قول العجير السلولي: فبيناه يشري رحله قال قائل............. البيت قال الأعلم: أراد بينا هو فسكن الواو ثم حذفها ضرورة فادخل ضرورة على ضرورة تشبيها للواو الأصلية بواو الصلة في نحو منه وعنه. وزعم ابن الأنباري في ترك صرف ما ينصرف من مسائل الخلاف: أن الواو حذفت متحركة. قال: إذا جاز حذف الواو المتحركة للضرورة من فبيناه يشري فلأن يجوز حذف التنوين للضرورة من باب الأولى لأن الواو من هو متحركة والتنوين ساكن ولا خلاف أن حذف وبين ظرف لما وصل بالألف إشباعا للفتحة جاز إضافته إلى الجمل وحدث فيه معنى زائد وذلك ظرف الزمان كما حدث في مع لما أشبعت فتحتها وحدث بعدها ألف من قولهم معا. وهو مبتدأ وجملة: يشري خبره والمجموع في محل جر بإضافة بينا إليها. وإنما جاز هذا على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه والتقدير فبينا أوقات هو شار رحله فإنه يقول. وبينا عند سيبويه لا تقع إلا للمفاجأة ولا تقع إلا في صدر الجملة جعلوها بمنزلة الظروف المبهمة التي تقع في صدور الجمل فإذا أضفتها إلى الجملة التي بعدها جئت بالفعل الذي عمل فيها نحو قولك: بينا زيد قائم جاء عمرو. وأما الأصمعي فإنه يقول: إضافة بينا إلى المصدر المفرد جائزة ويروى لأبي ذؤيب: الكامل
253 بينا تعنقه الكماة وروغه بجر تعنقه.) وقال ابن قتيبة: سألت الرياشي عن هذه المسألة فقال: إذا ولي لفظة بينا الاسم العلم رفعت فقلت: بينا زيد قائم جاء عمرو. وإن وليها المصدر فالأجود الجر. وقوم من النحويين لا يجيزون إضافته إلى المصدر المفرد ولا إلى غير مصدر ويمضون على الأصل. ويشري: هنا بمعنى يبيع وهو من الأضداد. والرحل: كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير وحلس ورسن. والملاط بكسر الميم: الجنب. رخو الملاط: سهله وأملسه. كذا قال القالي. وقال ابن خلف: الملاط: مقدم السنام وقيل جانبه. وهما ملاطان: العضدان وقيل الإبطان. وقوله: رخو إشارة إلى عظمه واتساعه. قال الأعلم: وصف بعيرا ضل عن صاحبه فيئس منه وجعل يبيع رحله فبينا هو كذلك سمع مناديا يبشر به. وإنما وصف ما ورد عليه من السرور بعد الأسف والحزن. والملاط: ما ولي العضد من الجنب ويقال للعضدين: ابنا ملاط. ووصف برخاوته لأن ذلك أشد لتجافي عضديه عن كركرته وأبعد له من أن يصيبه ناكت أو ماسح أو حاز أو ضب. وهذه كلها أعراض وآفات تلحقه إذا حك بعضده كركرته. اه.
254 والنجيب: الجيد الأصيل والصواب بدله ذلول فإن القصيدة لامية. قال ابن خلف: وهذا البيت قد وقع صدره في أكثر نسخ كتاب سيبويه وأنشده أبو الحسن الأخفش: رخو الملاط نجيب بالباء وأنشده أيضا في كتاب القوافي كذا وقال: سمعت الباء مع اللام والميم والراء كل هذا في قصيدة واحدة وهي: * ألا قد أرى إن لم تكن أم مالك * بملك يدي أن البقاء قليل * * خليلي سيرا واتركا الرحل إنني * بمهلكة والعاقبات تدور * * فبيناه يشري رحله قال قائل * لمن جمل رخو الملاط نجيب * قال: والذي أنشده أعرابي فصيح لا يحتشم من إنشادها وقال أبو الفتح بن جني: هكذا أنشده أبو الحسن وهو بعيد لأن حكم الحروف المختلفة في الروي أن يتقارب مخرجها كما أنشد سيبويه في كتاب القوافي. والذي وجد في شعر العجير السلولي: * فباتت هموم الصدر شتى يعدنه * كما عيد شلو بالعراء قتيل * * فبيناه يشري رحله قال قائل * لمن جمل رخو الملاط ذلول) * (محلى بأطواق عتاق كأنها * بقايا لجين جرسهن صليل * اه. وقال صاحب العباب: البيت للعجير السلولي ويروى للمخلب الهلالي وهو موجود في أشعارهما. والقطعة لامية ووقع في كتاب سيبويه نجيب بدل ذلول وتبعه النحاة على التحريف. وهي قطعة غراء. اه. قال الأسود أبو محمد الأعرابي في ضالة الأديب: قال أبو الندى: القصيدة للمخلب الهلالي وليس في الأرض بدوي إلا وهو يحفظها وأولها:
255 * وجدت بها وجد الذي ضل نضوه * بمكة يوما والرفاق نزول * * بغى ما بغى حتى أتى الليل دونه * وريح تعلى بالتراب جفول * * أتى صاحبيه بعدما ضل سعيه * بحيث تلاقت عامر وسلول * * فقال: احملا رحلي ورحليكما معا * فقالا له: كل السفاه تقول * * فقال: احملاني واتركا الرحل إنه * بمهلكة والعاقبات تدول * * فقالا: معاذ الله واستربعتهما * ورحليهما عيرانة وذمول * * شكا من خليليه الجفاء ونقده * إذا قام يستام الركاب قليل * * فباتت هموم النفس شتى يعدنه * كما عيد شلو بالعراء قتيل * * فبيناه يشري رحله قال قائل: * لمن جمل رخو الملاط ذلول * * محلى بأطواق عتاق تزينه * أهلة جن بينهن فصول * * فهلل حينا ثم راح بنضوه * وقد حان من شمس النهار أفول * * فما تم قرن الشمس حتى أناخه * بقرن وللمستعجلات زليل * * فلما طوى الشخصين وازور منهما * ووطنه بالنقر وهو ذلول * * فقاما يجران الثياب كلاهما * لما قد أسرا بالخليل قبيل * وقد سلك العجير السلولي طريقة المخلب الهلالي وأدرج معاني قطعته في شعره فقال: الطويل * ألا قد أرى إن لم تكن أم خالد * بملك يدي أن البقاء قليل * * وأن ليس لي في سائر الناس رغبة * ولا منهم لي ما عداك خليل *
256 * وما وجد النهدي وجدا وجدته * عليها ولا العذري ذاك جميل) * (ولا عروة إذ مات وجدا وحسرة * بعفراء لما أن أجد رحيل * * ولا وجد ملق رحله ضل نضوه * بمكة أمسى والرفاق نزول * * سعى ما سعى حتى أتى الليل دونه * وريح تلهى بالتراب جفول * وساق هذا المساق حتى قال بعد سبعة أبيات: * فبيناه يشري رحله قال قائل * لمن جمل رسل الملاط طويل * كذا في شعر العجير رسل الملاط طويل فعلم أن السبق للمخلب الهلالي. شبه الشاعر حاله في هوى امرأة يحبها وشدة وجده بها بوجد هذا الرجل الذي ضل بعيره وفارقه أصحابه فباتت هموم هذا الرجل شتى تذهب عنه حينا فيسكنن وتجيئه جينا فيعود إليه الألم ويأتيه كما يأتي العوائد إلى المريض وإلى القتيل ينظرنه فبينا هو يبيع رحل جمله الذي ضل منه سمع من يعرف الجمل ليرده على صاحبه. والشلو بالكسر: العضو. والعراء بالفتح: الفضاء. والأطواق: جمع طوق. والعتاق: الحسان. والجرس: الصوت. والصليل: صوت فيه شدة مثل صوت الحديد والفضة وما أشبههما. والنضو بالكسر: البعير المهزول. والريح الجفول: التي تلقى التراب شيئا على شيء. والسفاه بالفتح: مصدر سفه فلان سفاهة وسفاها. وتدول بمعنى تدور. يقال: دالت الأيام تدول مثل دارت تدور وزنا ومعنى. واستام: افتعل من السوم يقال: سام المشتري السلعة واستامها إذا طلب بيعها. والركاب: الإبل وهو مفعول وقليل: خبر المبتدأ الذي هو نقده أي: دراهمه. وقرن الثاني: موضع. وزليل: مصدر زل بالزاي إذا مر مرا سريعا. والعجير السلولي بضم العين وفتح الجيم قال ابن السيد في شرح أبيات الجمل: هو منسوب إلى بني عجير وهو حي من أحياء العرب.
257 أقول: العجير لقب وليس فيه نسبة. على أن الصاغاني قال في العباب: بنو عجرة قبيلة من العرب. وليس فيه بنو عجير. والعجير يحتمل أن يكون مصغر عجر مصدر عجر عنقه إذا لواها ومصغر عجر بفتحتين مصدر عجر بالكسر أي: غلظ وسمن. ويحتمل أن يكون مصدر ترخيم أعجر يقال: كيس أعجر أي: ممتلئ وفحل أعجر أي: ضخم. قال اللخمي في شرح أبيات الجمل: اسم العجير عمير بالتصغير بن عبد الله بن عبيدة. بفتح) العين وكسر الموحدة وقيل ابن عبيدة بضمها. وهو من بني سلول بن مرة بن صعصعة أخي عامر بن صعصعة. وأم بني مرة سلول بنت ذهل بن شيبان بن ثعلبة غلبت عليهم وبها يعرفون. ويكنى العجير أبا الفرزدق وأبا الفيل. وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية. اه. وقال الآمدي في المؤتلف والمختلف: أبو الفرزدق فهو ال عجير السلولي مولى لبني هلال ويقال: هو العجير بن عبد الله بن عبيدة بن كعب بن عائشة بن ضبيط بن رفيع بن جابر بن عمرو بن مرة بن صعصعة وهم سلول اه. وسلول اسم مرتجل غير منقول. وتقدمت ترجمته في الشاهد الثامن والثلاثين بعد الثلاثمائة. وأما المخلب فهو بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام المفتوحة اسم منقول. قال صاحب العباب: يقال ثوب مخلب إذا كانت نقوشه كمخالب الطير وقيل هو الكثير الوشي من الثياب. وكرسي مخلب: معمول بالليف. وخلب التنور: طينه. وهذا الشاعر لم أقف على نسبه ولا على شيء من أثره. والله أعلم.
258 دار لسعدى إذه من هواكا على أن الأصل إذ هي فحذفت الياء ضرورة. قال القالي في شرح اللباب أوله: هل تعرف الدار على تبراكا وهو بكسر التاء موضع. وفي هذا رد على الكوفيين في زعمهم أن الضمير في هو وهي إنما هو الهاء والواو والياء زائدتان. قال ابن الأنباري في مسائل الخلاف: ذهب الكوفيون إلى أن الاسم من هو وهي الهاء وحدها. وذهب البصريون إلى أن الهاء والواو من هو والهاء والياء من هي هما الاسم بمجموعهما. أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أن الاسم هو الهاء أن الواو والياء يحذفان في التثنية نحو: هما ولو كانت أصلا لما حذفت. والذي يدل عليه أنهما يحذفان في الإفراد وتبقى الهاء قوله:) فبيناه يشري رحله.............. البيت وقال الآخر: البسيط
259 وقال الآخر: الرجز * إذاه سيم الخلف آلى بقسم * بالله لا يأخذ إلا ما احتكم * وقال الآخر: دار لسعدى إذه من هواكا فدل على أن الاسم هو الهاء وحدها. وإنما زادوا الواو والياء تكثيرا للاسم كراهية أن يبقى على حرف واحد. وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أن الواو والياء أصل أنه ضمير منفصل والضمير المنفصل لا يجوز أن يبنى على حرف لأنه لا بد من الابتداء بحرف والوقف على حرف فلو كان الاسم هو الهاء لكان يؤدي أن يكون الحرف الواحد ساكنا متحركا وهو محال. وأما قولهم إن الواو والياء يحذفان في التثنية. قلنا: إن هما ليس تثنية وإنما هي صيغة مرتجلة للتثنية كأنتما. وأما ما أنشدوه من الأبيات فإنما حذفت الواو والياء لضرورة الشعر كقول الشاعر: الطويل * فلست بآتيه ولا أستطيعه * ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل * أراد: ولكن اسقني فحذفت النون للضرورة. وأما قولهم: زادوا الواو والياء تكثيرا للاسم كما زادوا الواو في ضربتهو قلنا: هذا فاسد لأن هو ضمير منفصل والهاء ضمير متصل وقد بينا أن المنفصل لا يجوز أن يكون على حرف بخلاف المتصل لأنه لا يقوم بنفسه فلا يجب فيه ما وجب في المنفصل والواو في ضربتهو
260 لازمة السكون بخلاف واو هو فإنها جائزة السكون ولو كانا بمنزلة لوجب أن يسوى بينهما في الحكم. والله أعلم. وأنشد بعده الشاهد الحادي والثمانون بعد الثلاثمائة الطويل * وإن لساني شهدة يهتدى بها * وهو على من صبه الله علقم * على أن همدان تشدد واو هو كما في البيت وياء هي ولم يمثل له. وهو في هذا البيت: البسيط * والنفس ما أمرت بالعنف آبية * وهي إن أمرت باللطف تأتمر * وهمدان بفتح الهاء وسكون الميم والدال مهملة: قبيلة من اليمن وهو لقب واسمه أوسلة بن ربيعة بن لحيان بن مالك بن زيد بن كهلان. وهمدان وصف من الهمدة وهي السكتة. وهمدت أصواتهم: سكتت. وشهدة بضم الشين: العسل بشمعه. قال ابن هشام في شرح شواهده: هذا البيت أورده الفارسي في التذكرة عن قطرب والبغداديين وفيه أربعة شواهد: أحدها تشديد واو هو. الثاني: تعليق الجار بالجامد لتأويله بالمشتق وذلك لأن قوله هو علقم مبتدأ وخبر والعلقم هو الحنظل وهو نبت كريه الطعم وليس المراد هنا بل المراد
261 شديد أو صعب فلذلك علق به على المذكورة. ونظيره قوله: مخلع البسيط كل فؤاد عليك أم فعلق على بأم لتأويله إياها بمشتق. وعلى هذا ففي علقم ضمير كما في قولك: زيد أسد إذ أولته بقولك شجاع إلا إذا أردت التشبيه. ومن تعلق الظرف بالجامد لما فيه من معنى الفعل قوله: الطويل * تركت بنا لوحا ولو شئت جادنا * بعيد الكرى ثلج بكرمان ناصح * * منعت شفاء النفس ممن تركته * به كالجوى مما تجن الجوارح * لوحا بفتح أوله أي: عطشا يقال: لاح يلوح أي: عطش. وبعيد: متعلق ب ثلج لما فيه من معنى بارد وإذا كان ريقها باردا في وقت تغيره من نومها فما ظنك به في غير ذلك. وكرمان الثالث: جواز تقديم معمول الجامد المؤول بالمشتق إذا كان ظرفا. ونظيره في ذلك أيضا في تحمل الضمير قوله:) كل فؤاد عليك أم الرابع: جواز حذف العائد المجرور بالحرف مع اختلاف المتعلق إذ التقدير وهو علقم على من صبه الله عليه. فعلى المذكورة متعلقة بعلقم والمحذوفة متعلقة بصبه.
262 وبهذين الوجهين الأخيرين أورده في مغني اللبيب. وأنشد بعده الشاهد الثاني والثمانون بعد الثلاثمائة مجزوء الوافر * رميتيه فأقصدت * وما أخطأت الرمية * على أن أبا علي قال: تلحق الياء تاء المؤنث مع الهاء. قال أبو علي في الحجة في توجيه قراءة حمزة: وما أنتم بمصرخي: بكسر الياء المشددة من سورة إبراهيم عليه السلام: والأكثر أن يقال رميته بكسر التاء دون ياء كما قال أقصدت بدون ياء. وأقصدت: بمعنى قتلت. قال صاحب الصحاح: وأقصد السهم أي: أصاب فقتل مكانه. وأقصدته حية: قتلته. * فإن كنت قد أقصدتني أو رميتني * بسهميك فالرامي يصيد ولا يدري * أي: ولا يختل. انتهى. وهذه رواية أبي علي في كتابه الهاذور. ورواه في الحجة: رميته فأصمت. قال صاحب الصحاح: وأصميت الصيد إذا رميته فقتلته وأنت تراه.
263 وقد صمى الصيد يصمي كرمى يرمي إذا مات وأنت تراه. والرمية: فاعل أخطأت وسكن آخره للقافية. وروى: وما أخطأت في الرمية بالخطاب أيضا. وبعده: * بسهمين مليحين * أعارتكيهما الظبية * وأعارتكيهما مثل رميتيه بزيادة الياء من إشباع الكسرة. كذا أنشد البيتين أبو حيان في تذكرته عن أبي الفتح بن جني. وأنشد بعده الشاهد الثالث والثمانون بعد الثلاثمائة الطويل على أن بني عقيل وبين كلاب يجوزون تسكين الهاء كما في قوله له بسكون الهاء. والذي نقله ابن السراج في الأصول وابن جني في الخصائص والمحتسب وغيرهما أن تسكين الهاء لغة لأزد السراة. وجعله ابن السراج من قبيل الضرورة عندهم. قال: وقد جاء في الشعر حذف الواو والياء الزائدة في الوصل مع الحركة كما هي في الوقف سواء. قال رجل من أزد السراة: فظلت لدى البيت العتيق أخيله....... ...... البيت وكذلك يشعر كلام أبي علي في المسائل العسكرية حيث قال: هذا من إجراء الوصل مجرى الوقف.
264 وأما قوله: البسيط ما حج ربه في الدنيا ولا اعتمرا فهذا خارج عن حد الموقف والوصل جميعا والصواب أنه لغة لا ضرورة وإليه ذهب ابن جني في موضعين من الخصائص قال في الموضع الأول وهو باب تعارض السماع والقياس: ومما ضعف في القياس والاستعمال جميعا بيت الكتاب: الوافر * له زجل كأنه صوت حاد * إذا طلب الوسيقة أو زمير * فقوله: كأنه خلس بحذف الواو وتبقية الضمة ضعيف في القياس قليل في الاستعمال. ووجه ضعف قياسه أنه ليس على حد الوصل ولا على حد الوقف وذلك أن الوصل يجب أن تتمكن فيه واوه كما تمكنت في قوله أول البيت: له زجل والوقف يجب أن تحذف الواو والضمة فيه جميعا وتسكن الهاء فضم الهاء بغير واو منزلة بين منزلتي الوصل والوقف. وقال أبو إسحاق في نحو هذا: إنه أجري في الوصل مجرى الوقف. وليس الأمر كذلك لما بيناه لكن ما أجرى من نحو هذا في الوصل على حد الوقف قول الآخر: فظلت لدى البيت العتيق أخيله............. البيت على أن أبا الحسن حكى أن سكون الهاء في نحو هذا لغة لأزد السراة. ومثل هذا
265 البيت ما رويناه عن قطرب قول الشاعر: البسيط) * وأشرب الماء ما بي نحوه عطش * إلا لأن عيونه سيل واديها * اه. وقال مثله في سورة الأعراف من المحتسب. وقال في الموضع الثاني وهو باب الفصيح: يجتمع في الكلام الفصيح لغتان فصاعدا من ذلك قوله: فظلت لدى البيت الخ فهذان لغتان أعني إثبات الواو في أخيله وتسكين الهاء في قوله: له لأن أبا الحسن زعم أنها لغة لأزد السراة. وإذا كان كذلك فهما لغتان. وليس إسكان الهاء في له عن حذف لحق بصيغة الكلمة لكن ذلك لغة. وأما قول الشماخ: له زجل كأنه صوت حاد.............. البيت فليس هذا لغتين لأنا لا نعلم رواية حذف هذه الواو وإبقاء الضمة. قبلها فينبغي أن يكون ذلك ضرورة وصنعة لا مذهبا ولا لغة. انتهى. تتمة ذكر الشارح المحقق حذف واو الصلة ويائها ولم يذكر حذف الألف من نحو رأيتها. قال ابن جني في سر الصناعة: أما الألف في نحو: رأيتها فزيدت علما للتأنيث. ومن حذف الواو من نحو: كأنه صوت حاد ومن نحو: له أرقان لم يقل في نحو: رأيتها ونظرت إليها إلا بإثبات الألف وذلك لخفة الألف وثقل الواو. إلا أنا روينا عن قطرب بيتا حذفت فيه هذه الألف تشبيها بالواو والياء لما بينهما وبينها من النسبة.
266 وهو قوله: البسيط * أعلقت بالذئب حبلا ثم قلت له * الحق بأهلك واسمل أيها الذيب * يريد: تبيعها فحذف الألف. وهذا شاذ. انتهى. وقوله: فبت بات من أخوات كان التاء اسمها وجملة: أريغه خبرها. وبات يفعل كذا معناه اختصاص ذلك الفعل بالليل كما اختص الفعل بالنهار في نحو: ظل يفعل كذا ومنه تعرف ضعف الرواية الأخرى وهي فظلت لدى البيت بفتح الظاء وأصله ظللت بلامين فخفف بحذف إحدى اللامين. وهي من أخوات كان أيضا. قال الخليل: لا تقول العرب ظل إلا لعمل يكون بالنهار. ولدى: بمعنى عند. والبيت العتيق:) مكة شرفها الله تعالى. والعتيق: الشريف والأصيل أو لأنه عتق من الطوفان. وروى: البيت الحرام بمعنى الممنوع من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول. يقال: البيت الحرام والمسجد الحرام. والبلد الحرام أي: لا يحل انتهاكه. وأريغه: بمعنى أطلبه يقال: أرغت الصيد. وماذا تريغ أي: ماذا تريد وهو بالراء المهملة والغين المعجمة. ويقال: أريغوني إراغتكم أي: اطلبوني طلبتكم. قال خالد بن جعفر بن كلاب في فرسه حذفة: الوافر * أريغوني إراغتكم فإني * وحذفة كالشجا تحت الوريد * وقال عبيد بن الأبرص يرد على امرئ القيس: الوافر
267 وقال زهير بن أبي سلمى في ابنه سالم: الطويل * يديرونني عن سالم وأريغه * وجلدة بين العين والأنف سالم * وهذا المصراع الثاني أراد عبد الملك في جوابه عن كتاب الحجاج: أنت عندي كسالم: وقد أخطأ صاحب الصحاح خطأ فاحشا في قوله: يقال للجلدة التي بين العين والأنف سالم. وأخطأ ابن خلف أيضا في شرح أبيات سيبويه في نسبة هذا البيت لعبد الله ابن عمر قاله في ابنه سالم والصواب أنه تمثل به لا أنه قاله. وأخطأ صاحب العباب أيضا في زعمه أن هذا البيت لدارة أبي سالم والصواب أنه تمثل به أيضا فإن البيت من أبيات لزهير بن أبي سلمى ثابتة في ديوانه. قال شارح ديوانه: كان لزهير ابن يقال له سالم جميل الوجه حسن الشعر وبعث إليه رجل ببردين فلبسهما الفتى وركب فرسا له جيدا وهو بماء يقال لها النتاءة بضم النون بعدها مثناة فوقية بعدها ألف ممدودة ماء لغني فمر بامرأة من العرب فقالت: ما رأيت كاليوم رجلا ولا بردين ولا فرسا فعثرت به الفرس فاندقت عنقه وعنق الفرس وانشق البردان فقال زهير يرثي ابنه سالما:
268 * رأت رجلا لاقى من العيش غبطة * وأخطأه فيها الأمور العظائم * * فأصبح محبورا ينظر حوله * بمغبطة لو أن ذلك دائم * * وعندي من الأيام ما ليس عنده * فقلت تعلم أنما أنت حالم * * لعلك يوما أن تراعي بفاجع * كما راعني يوم النتاءة سالم) * (يديرنني عن سالم وأريغه * وجلدة بين العين والأنف سالم * انتهى. وروى جماعة بدل أريغه: أخيله بالخاء المعجمة يقال: أخلت السحابة وأخيلتها إذا رأيتها مخيلة للمطر بضم الميم أي: تخيل من رآها أنها ممطرة. وهو من خال أي: ظن. ومخيلة أيضا أي: موضع لأن يخال فيها المطر. كذا قال المعري في شرح ديوان البحتري. وأنشد هذا البيت. وروى صاحب الأغاني وعلي بن حمزة البصري بدله: أشيمه يقال: شام البرق إذا نظر إليه أي: إلى سحابته أين تمطر. والهاء في الروايات الثلاث ضمير البرق في بيت قبله. وقوله: ومطواي هو مثنى مطو حذفت نونه عند الإضافة إلى ياء المتكلم. قال علي بن حمزة البصري في كتاب التنبيهات على أغلاط الرواة: المطو بكسر الميم وضمها: الصاحب. وأنشد هذا البيت وقول الشاعر: الطويل
269 * علام تقول الأسعدان كلاهما * ومطوهما كبش بذروة معبر * * ناديت مطوي وقد مال النهار بهم * وعبرة العين جار دمعها سجم * وقال رجل من أزد السراة يصف برقا: الطويل * فظلت لدى البيت العتيق أخيله * ومطواي مشتاقان له أرقان * أي: صاحباي. انتهى. وقوله: مشتاقان خبر مطواي. وكذلك أرقان وضمير له للبرق أيضا. وروى صاحب الأغاني ومحمد بن حمزة العلوي في حماسته: ومطواي من شوق له أرقان وعليه لا شاهد فيه فأرقان خبر مطواي ومن تعليلية متعلقة بأرقان وهو مثنى أرق بكسر الراء وهو وصف من الأرق بفتحها بمعنى السهر. وهذا البيت من قصيدة ليعلى الأحول الأزدي مطلعها في رواية أبي عمرو الشيباني: * أويحكما يا واشيي أم معمر * بمن وإلى من جئتما تشيان *
270 * بمن لو أراه عانيا لفديته * ومن لو رآني عانيا لفداني * * أرقت لبرق دونه شدوان * يمان وأهوى البرق كل يمان * * فبت لدى البيت الحرام أشيمه * ومطواي من شوق له أرقان *) إلى أن قال بعد أربعة أبيات: * ألا ليت حاجات اللواتي حبستني * لدى نافع قضين منذ زمان * * وما بي بغض للبلاد ولا قلى * ولكن شوقا في سواه دعاني * * فليت القلاص الأدم قد وخدت بنا * بواد يمان في ربا ومحان * * بواد يمان ينبت السدر صدره * وأسفله بالمرخ والشبهان * * يدافعنا من جانبيه كلاهما * غريفان من طرفائه هدبان * * وليت لنا بالجوز واللوز غيلة * جناها لنا من بطن حلية جاني * * وليت لنا بالديك مكاء روضة * على فنن من بطن حلية داني * * وليت لنا من ماء زمزم شربة * مبردة باتت على طهيان * الواشي: النمام وشى يشي وشيا. والعاني: الأسير. وشدوان بفتح الشين المعجمة والدال قال أبو عبيد في المعجم: هو موضع ذكره أبو بكر. ونافع: والي مكة كان حبس الشاعر. والقلاص: جمع قلوص وهي الناقة الشابة. والأدم: جمع أدماء. والأدمة في الإبل: البياض الشديد. ووخدت: أسرعت. وربا: جمع ربوة. ومحان: جمع محنية: بفتح الميم وكسر النون
271 والمرخ: شجر سريع الوري. والشبهان بفتح الشين المعجمة وضم الموحدة وفتحها: شجر شائك وقيل: هو النمام من الرياحين. والغريف بالغين المعجمة: الشجر الكثير الملتف أي شجر كان. والهدب بفتح فكسر: الشجر الذي له هدب بفتحتين وهو كل ورق ليس له عرض كورق الأثل والطرفاء والسرو. والغيلة بكسر الغين المعجمة: ثمرة الأراك الرطبة. تمنى أن يأكل الغيلة بدل الجوز واللوز. وحلية: بفتح الحاء المهملة وسكون اللام بعدها مثناة تحتية قال أبو عبيد في المعجم: أجمة باليمن معروفة وهي مأسدة. وقوله: وليت لنا بالديك أي: بدل الديك. وطهيان بفتح الطاء والهاء والمثناة التحتية وهو جبل. يريد أيضا بدلا من ماء زمزم. وهذا البيت يأتي شرحه إن شاء الله تعالى في حروف الجر في الشاهد الخامس والسبعين بعد السبعمائة.) ويعلى الأزدي بفتح المثناة التحتية وسكون العين المهملة واللام بعدها ألف مقصورة. قال الأصبهاني في الأغاني: يعلى الأحول الأزدي هو ابن مسلم ابن أبي قيس أحد بني يشكر بن عمرو بن رالان. ورالان هو يشكر. ويشكر لقب لقب به ابن عمران بن عمرو بن عدي بن حارثة بن لوذان بن كهف الظلام هكذا وجدته بخط المبرد ابن ثعلبة بن عمرو بن عامر. شاعر إسلامي لص من شعراء الدولة الأموية. وقال هذه القصيدة وهو محبوس بمكة عند نافع بن علقمة الكناني في خلافة عبد الملك بن مروان. قال أبو عمرو الشيباني: كان يعلى الأحول الأزدي لصا فاتكا وكان خليعا يجمع صعاليك الأزد وخلعاءهم فيغير بهم على أحياء العرب ويقطع الطريق على
272 السابلة فشكيي إلى نافع بن علقمة بن محرث الكناني ثم الفقيمي وهو خال مروان بن عبد الملك وكان والي مكة فأخذ به عشيرته الأزديين فلم ينفعه ذلك واجتمع إليها شيوخ الحي فعرفوه أنه خليع قد تبرؤوا منه ومن جرائره إلى العرب وأنه لو أخذ به سائر الأزد ما وضع يده في أيديهم. فلم يقبل ذلك منهم وألزمهم إحضاره وضم إليهم شرطا يطلبونه إذا طرق الحي يجيئونه به فلما اشتد عليهم في أمره طلبوه حتى وجدوه فأتوه به فقيده وأودعه الحبس فقال في محبسه هذه القصيدة. كذا قال المبرد وعمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه. قال الشيباني: ويقال إنها لعمرو بن أبي عمارة الأزدي من بني خنيس. ويقال إنها لجواس بن حيان من أزد عمان. والله أعلم. الشاهد الرابع والثمانون بعد الثلاثمائة البسيط * وما نبالي إذا ما كنت جارتنا * أن لا يجاورنا إلاك ديار *
273 على أن وقوع الضمير المتصل بعد إلا شاذ والقياس وقوعه بعدها منفصلا نحو: أن لا يجاورنا إلا إياك ديار. وإنما استحق النصب لأنه استثناء مقدم على المستثنى منه وهو ديار. وإنما استحق الفصل مع أنه معمول ل إلا على الصحيح لأن نحو: ما لقيت إلا إياك معمول للفعل بالاتفاق فلا يصح اتصاله بغير عامله ثم حمل عليه غير المفرغ ليجريا على سنن واحد. وإنما سهل وصله في الضرورة لثلاثة أمور: أحدها: أن الأصل في الضمير الاتصال. الثاني: أن الأصل في الحرف الناصب للضمير أن يتصل به نحو: إنك ولعلك. الثالث: أجرى إلا مجرى غير أختها فأجريت مجراها في الوصف بها. وزعم ابن مالك في شرح التسهيل أن الفصل في البيت ليس بضرورة لتمكن الشاعر من أن يقول: وإذا فتح هذا الباب لم يبق في الوجود ضرورة وإنما الضرورة عبارة عما أتى في الشعر على خلاف ما عليه النثر كذا قال ابن هشام في شرح شواهده. وهذا البيت أنشده الفراء في تفسيره ولم يعزه إلى أحد. قال شارح اللب: ورواية البصريين: أن لا يجاورنا حاشاك ديار
274 قال صاحب الكشاف: ديار من الأسماء المستعملة في النفي العام يقال: ما في الديار ديار وديور كقيام وقيوم. وهو فيعال من الدور أو من الدار أصله ديوار ففعل به ما فعل بأصل سيد ولو كان فعالا لكان دوار. وقال ابن الحاجب في أمالي المفصل: معناه إذا حصلت مجاورتك فانتفاء مجاورة كل أحد مغتفرة غير مبال بها لأن مجاورتك هي المقصودة دون جميع المجاورات. وأن لا يجاورنا في موضع مفعول إما على تقدير حذف حرف جر كقولك: ما باليت بزيد أو على التعدي بنفسه كقولك: ما باليت زيدا. وديار فاعل ل يجاورنا. انتهى.) وقول العيني إلا هنا بمعنى غير فاسد يظهر بالتأمل. وهذا البيت قلما خلا عنه كتاب نحوي. والله أعلم بقائله. وأنشد بعده وهو من شواهد س: الهزج كأنا يوم قرى إنما نقتل إيانا على أن إيانا فصل من عامله لوقوعه بعد معنى إلا وهو شاذ. قال سيبويه في باب من أبواب المضمر: هذا باب ما يجوز في الشعر من أيا ولا يجوز في الكلام. فمن ذلك قول حميد الأرقط: إليك حتى بلغت إياكا وقال الآخر لبعض اللصوص: كأنا يوم قرى إنما نقتل إيانا انتهى.
275 قال الأعلم: الشاهد في وضع إيانا موضع الضمير المتصل في نقتلنا وفي وضع إياك موضع الكاف ضرورة. وقال الزجاج: أراد بلغتك إياك فحذف الكاف ضرورة. وهذا التقدير ليس بشيء لأنه حذف المؤكد وترك التوكيد مؤكدا لغير موجود فلم يخرج من الضرورة إلا إلى أقبح منها. والمعنى: سارت هذه الناقة إليك حتى بلغتك. انتهى. أتتك عنس تقطع الأراكا والعنس بسكون النون: الناقة الشديدة أي: تقطع الأراضي التي هي منابت للأراك. وكان حق الكلام في البيت الشاهد أن يقول نقتل أنفسنا لأن الفعل لا يتعدى فاعله إلى ضميره إلا أن يكون من أفعال القلوب لا تقول: ضربتني ولا أضربني ولا ضربتك بفتح التاء ولا زيد ضربه على إعادة الضمير إلى زيد ولكن تقول: ضربت نفسي وضربت نفسك وزيد ضرب نفسه. وإنما تجنبوا تعدي الفعل إلى ضمير فاعله كراهة أن يكون الفاعل مفعولا في اللفظ فاستعملوا في موضع الضمير النفس نزلوها منزلة الأجنبي واستجازوا ذلك في أفعال العلم والظن الداخلة) على جملة الابتداء فقالوا: حسبتني في الدار ولم يأت هذا في غير هذا الباب إلا في فعلين قالوا: عدمتني وفقدتني. ولما لم يمكن هذا الشاعر أن يقول: نقتل أنفسنا ولا نقتلنا وضع إيانا موضع نا وحسن ذلك قليلا أن استعمال المتصل ها هنا قبيح أيضا وأن الضمير المنفصل أشبه بالظاهر المتصل ف إيانا أشبه بأنفسنا من نا. ولكن أقبح منه قول حميد: إليك حتى بلغت إياكا والبيت من أبيات لذي الإصبع العدواني وهي:
276 * لقينا منهم جمعا * فأوفى الجمع ما كانا * * كأنا يوم قرى * إنما نقتل إيانا * * قتلنا منهم كل * فتى أبيض حسانا * * يرى يرفل في بردين * من أبراد نجرانا * كذا في أمالي ابن الشجري. ولم يرو ابن الأعرابي في أماليه البيت الأول وأنشد بعد نجران: * إذا يسرح ضأنا م * ائة أتبعها ضأنا * وقوله: فأوفى الجمع الخ هو فعل ماض من الوفاء ويجوز أن يريد فأوفى بما كان عليه فحذف وأوصل. ويجوز أن يريد فوفى الجمع الذي لقيناه ما كان عليه أن يفعله من الإقدام على قتالنا. وقوله: كأنا يوم قرى الخ بضم القاف وتشديد الراء المهملة بعدها ألف مقصورة. قال أبو عبيد البكري وياقوت في معجمهما: قرى: موضع في بلاد بني الحارث بن كعب. وزاد أبو عبيد: وقال أبو حنيفة الدينوري: قرى: ماءة قريبة من تبالة وتبالة بفتح المثناة الفوقية بعدها باء موحدة بعدها لام على وزن فعالة: بلد وهي التي يضرب بها المثل فيقال: أهون من تبالة على الحجاج أبو اليقظان: هي أول عمل وليه الحجاج وهي بلدة صغيرة من اليمن فلما قرب منها قال للدليل: أين هي قال: تسترها عنك هذه الأكمة. قال: أهون علي بعمل بلدة تسترها عني أكمة وكر راجعا. قال ابن الشجري: ومعنى قوله كأنا نقتل إيانا تشبيه المقتولين بنفسه وقومه في الحسن والسيادة فلذلك وصفه بما بعده أي: هم سادة يلبسون أبراد اليمن فكأننا بقتلنا إياهم قتلنا أنفسنا.) انتهى.
277 وقال ابن الأعرابي: أي: لا ينبغي أن نقتل منهم لنفاستهم ولكن ألجئونا إلى ذلك. وقال الأعلم: وصف قوما أوقعوا ببني عمهم فكأنهم بقتلهم قاتلون أنفسهم. وقوله: كل فتى أبيض حسانا هم بضم الحاء وتشديد السين: وصف بمعنى الكثير الحسن كالطوال بمعنى المفرط في الطول والكبار بمعنى المفرط في الكبر. والبياض هنا: نقاء العرض عن كل ما يعاب به. وهذا البيت أورده سيبويه في باب ما لا يكون الاسم فيه إلا نكرة قال: حدثني أبو الخطاب أنه سمع من يوثق بعربيته من العرب ينشد هذا البيت: * قتلنا منهم كل * فتى أبيض حسانا * ف أبيض وحسان منصوبان على أنهما نعتان. ويجوز عندي أن يكونا صفتين لفتى وفتحتهما نائبة عن الكسرة لأنهما ممنوعان من الصرف. وتبع ابن الشجري سيبويه فقال: نصب حسانا على الوصف ل كل ولو كان في نثر لجاز حسانين وصفا لكل على معناها لأن لفظها واحد ومعناها جمع. قال: يقال حسنة وحسن فإذا بالغوا في الحسن قالوا: حسان وحسانة مخففان فإذا أرادوا النهاية فيه قالوا: حسان وحسانة مشددان. وقوله: يرى يرفل الخ الأول بالبناء للمفعول يقال: رفل فلان في ثوبه وذلك إذا طال الثوب على لابسه وجره في مشيه ويفعلون ذلك تكبرا. ونجران: بلد باليمن ينسج فيها البرود الجيدة. وذو الإصبع العدواني: شاعر معمر من شعراء الجاهلية. قال أبو حاتم في كتاب المعمرين: عاش ذو الإصبع وهو حرثان بن محرث من عدوان بن
278 عمرو بن قيس عيلان ثلاثمائة سنة وقال: البسيط * أصبحت شيخا أرى الشخصين أربعة * والشخص شخصين لما مسني الكبر * * لا أسمع الصوت حتى أستدير له * ليلا وإن هو ناغاني به القمر * وإنما قال ليلا لأن الأصوات هادئة فإذا لم يسمع بالليل والأصوات ساكنة كان من أن يسمع بالنهار مع ضجة الناس ولغطهم أبعد. وإنما قيل له ذو الإصبع لأنه كانت له في رجله إصبع زائدة.) وقال ابن قتيبة في كتاب الشعراء: ذو الإصبع حرثان بن عمرو من عدوان بن عمرو بن قيس عيلان وكان جاهليا. وسمي ذا الإصبع لأن حية نهشت إصبعه فقطعها. انتهى. وقال ابن الأنباري في شرح المفضليات: نسبه أحمد بن عبيد وغيره. فقالوا: هو حرثان بن الحارث. والأصمعي يقول: ابن السموءل بن محرث بن شبابة بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن الظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان وهو الحرث بن عمرو بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار. وإنما سمي ذا الإصبع لأن أفعلى نهشت إبهام رجله فقطعها. ويقال: إنه كانت له إصبع زائدة. انتهى. وقال علم الهدى السيد المرتضى في أماليه غرر الفوائد ودد القلائد: ومن المعمرين ذو الإصبع العدواني واسمه حرثان بن محرث بن الحارث بن ربيعة بن وهب ابن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان وهو الحارث بن عمرو ابن قيس بن عيلان بن مضر. وإنما سمي الحارث عدوان لأنه عدا علي أخيه فهم
279 فقتله. وقيل: بل فقأ عينه. وقيل: إن اسم ذي الإصبع محرث بن حرثان وقيل حرثان بن حويرث وقيل حرثان بن حارثة. ويقال: إنه عاش مائة وسبعين سنة. وقال أبو حاتم: إنه عاش ثلاثمائة سنة. وهو أحد حكام العرب في الجاهلية. ثم أورد السيد جملا من أحواله إلى أن أورد هذه الحكاية. وأوردها الزجاجي أيضا في أماليه الصغرى بسندهما إلى سعيد بن خالد الجدلي أنه قال: لما قدم عبد الملك بن مروان الكوفة بعد قتل مصعب بن الزبير دعا الناس إلى فرائضهم فأتيناه فقال: ممن القوم فقلنا: من جديلة. فقال: جديلة عدوان قلنا: نعم. فتمثل عبد الملك: الهزج * عذير الحي من عدوا * ن كانوا حية الأرض * * بغى بعضهم بعضا * فلم يرعوا على بعض * * ومنهم كانت الساد * ات والموفون بالقرض * ثم أقبل على رجل كنا قدمناه أمامنا جسيم وسيم فقال: أيكم يقول هذا الشعر فقال: لا أدري. فقلت من خلفه: يقوله ذو الإصبع. فتركني وأقبل على ذلك الجسيم فقال: وما كان اسم ذي الإصبع فقال: لا أدري. فقلت أنا من خلفه: اسمه حرثان. فأقبل عليه وتركني. فقال: لم سمي ذا الإصبع فقال: لا أدري. فقلت أنا من خلفه: نهشته حية على إصبعه.) فأقبل عليه وتركني. فقال: من أيكم كان فقال: لا أدري. فقلت أنا من خلفه: من بني ناج. فأقبل على الجسيم فقال: كم عطاؤك فقال: سبعمائة
280 درهم. ثم أقبل علي فقال: كم عطاؤك فقلت: أربعمائة درهم. فقال لكاتبه حط من عطاء هذا ثلاثمائة وزدها في عطاء هذا. فرحت وعطائي سبعمائة وعطاؤه أربعمائة. اه. وأورد له من شعره قوله: الطويل * أكاشر ذا الضغن المبين منهم * وأضحك حتى يبدو الناب أجمع * * وأهدنه بالقول هدنا ولو يرى * سريرة ما أخفي لبان يفزع * ومعنى أهدنه أسكنه. ومنه قوله: الوافر * إذا ما الدهر جر على أناس * شراشره أناخ بآخرينا * * فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا * ومعنى الشراشرة هنا الثقل. يقال: ألقى علي شراشره وجراميزه أي: ثقله. ومن قوله أيضا: الكامل
281 * ذهب الذين إذا رأوني مقبلا * هشوا إلي ورحبوا بالمقبل * * وهم الذين إذا حملت حمالة * ولقيتهم فكأنني لم أحمل * وحرثان بضم الحاء المهملة وسكون الراء بعدها ثاء مثلثة. ومحرث بكسر الراء المشددة على زنة اسم الفاعل. وعدوان بفتح العين وسكون الدال المهملتين. والسموءل بفتح السين والميم وسكون الواو بعدها همزة مفتوحة ولام. وشبابة بفتح الشين المعجمة بعدها موحدتان خفيفتان. وعياذ بكسر العين المهملة بعدها مثناة تحتية وآخره ذال معجمة. والظرب بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء المشالة. وفهم بفتح الفاء وسكون الهاء وثالثه ميم وهو أخو عدوان. وأنشد بعده: تراكها من إبل تراكها وتقدم شرحه مستوفى في الشاهد الحادي والستين بعد الثلاثمائة: وأنشد بعده) الشاهد السادس والثمانون بعد الثلاثمائة: البسيط ضمنت إياهم الأرض
282 هذا قطعة من بيت وهو: على أن فصل الضمير ضرورة والقياس ضمنتهم الأرض. كذا أنشده ابن الشجري في أماليه وقال: ومثله في القبح ضمير الرفع. قال طرفة: الكامل * أصرمت حبل الوصل بل صرموا * يا صاح بل قطع الوصال هم * وأنشده شراح الألفية وابن هشام في شواهده أيضا بتقديم الباعث على الوارث. والأنسب الرواية الأولى. والباء في قوله بالوارث متعلقة بحلفت في بيت متقدم وهو: * إني حلفت ولم أحلف على فند * فناء بيت من الساعين معمور * وقوله: ولم أحلف على فند الجملة حال من التاء في حلفت. والفند بفتح الفاء والنون: الكذب. وفناء البيت: ساحته وهو بكسر الفاء بعدها نون وهو ظرف لقوله حلفت. وأراد بالبيت بيت الله الحرام زاده الله شرفا. ومن متعلقة ب معمور. والساعين: الذين يسعون إليه من جميع البلاد. ومعمور صفة لبيت. والوارث والباعث: اسمان من أسماء الله الحسنى أقسم بهما. والوارث: الذي يرجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك. والباعث: هو الذي يبعث الخلق أي: يحييهم بعد الموت يوم القيامة. وضمنت: بكسر الميم بمعنى تضمنت عليهم أي: اشتملت عليهم أو بمعنى كفلت كأنها
283 والدهر: الزمان. ودهر الدهارير: الزمان السالف وقيل أول الأزمنة السالفة. وإذا قيل دهر دهارير بالصفة فمعناه شديد كما يقال: ليلة ليلاء. قال ابن هشام: والأموات إما منصوب بالوارث على أن الوصفين تنازعاه وأعمل الثاني والأول لا ضمير فيه وإما مخفوض بإضافة الأول أو الثاني على حد قوله: المنسرح بين ذراعي وجبهة الأسد وأما قوله: قد ضمنت إياهم الأرض فهو إما حال من الأموات أو وصف لها لأن أل فيها للجنس.) والبيت من قصيدة للفرزدق يمدح بها يزيد بن عبد الملك ويهجو يزيد بن المهلب: وقبله: * يا خير حي وقت نعل له قدما * وميت بعد رسل الله مقبور * * إني حلفت ولم أحلف على فند * فناء بيت من الساعين معمور *
284 * في أكبر الحج حاف غير منتعل * من حالف محرم بالحج مصبور * * بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت * إياهم الأرض في دهر الدهارير * * إذا يثورون أفواجا كأنهم * جراد ريح من الأجداث منشور * * فأنت إن لم تكن إياه صاحبه * مع الشهيدين والصديق في السور * والفند بفتح الفاء والنون: الكذب. والمصبور: الذي صبر نفسه على أفعال الحج أي: حبسها. وقوله: إذا يثورون متعلق بالباعث يريد: كأنهم جراد نشرته الريح وفرقته. ومنشور كان حقه الرفع لأنه نعت لجراد ولكنه خفضه على المجاورة. وقوله: لو لم يبشر به الخ هذا جواب القسم وفيه مبالغة فاحشة. وترجمة الفرزدق تقدمت في الشاهد الثلاثين. وأنشد بعده الشاهد السابع والثمانون بعد الثلاثمائة الطويل * وإن أمرأ أسرى إليك ودونه * من الأرض موماة وبيداء سملق * * لمحقوقة أن تستجيبي لصوته * وأن تعلمي أن المعان موفق *
285 على أن الكوفيين أجازوا ترك التأكيد بالمنفصل في الصفة الجارية على غير من هي له إن أمن اللبس فإن قوله: لمحقوقة خبر عن اسم إن وهو في المعنى للمرأة المخاطبة ولم يقل لمحقوقة أنت. وأقول: الظاهر من كلام ابن الشجري في أماليه ومن كلام ابن الأنباري في مسائل الخلاف ومن كلام غيرهما أن مذهب الكوفيين جواز ترك التأكيد مطلقا سواء أمن اللبس أم لا. قال ابن الأنباري: احتج الكوفيون لمذهبهم بالشعر المتقدم وبقوله: الوافر * ترى أرباقهم متقلديها * كما صدئ الحديد على الكماة * ولو كان إبراز الضمير واجبا لقال متقلديها هم فلما لم يبرز الضمير دل على جوازه. وأجاب البصريون عن هذا بأنه على حذف مضاف أي: ترى أصحاب أرباقهم متقلديها. وعن الأول بجوابين: أحدهما: ما نقله ابن الشجري عن أبي علي وهو أنه ليس في قوله محقوقة ضمير لأنه مسند إلى المصدر الذي هو أن تستجيبي فالتقدير لمحقوقة استجابتك فجعل التأنيث في قوله لمحقوقة للاستجابة للمرأة حتى إنه لو قال: لمحقوق بالتذكير لجاز لأن تأنيث الاستجابة غير حقيقي. وحاصله أن المصدر المؤول نائب الفاعل لقوله محقوقة. وإلى هذا ذهب ابن هشام في شرح شواهده. والجواب الثاني ما ذكره ابن الأنباري بأن قوله أن تستجيبي مبتدأ مؤخر ومحقوقة خبر مقدم والجملة خبر اسم إن والرابط الضمير في لصوته. ويحتمل هذين الجوابين ما نقله السكري في كتاب التصحيف قال: أخبرني أبي قال: أخبرنا عسل بن ذكوان قال: قال أبو عثمان المازني: سألني الأصمعي لم أنث محقوقة قلت: لأنه موضع مصدر مؤنث لأن معناه استجابتك لصوته وأن تستجيبي هي استجابتك. فلم يرد علي شيئا. اه. وأجاب صاحب اللباب بأن هذا لضرورة الشعر ولم يرتض الجوابين المذكورين. قال فيما أملاه) على اللباب: قوله لمحقوقة إنما جرى على غير من هو له
286 لأن التقدير وإن امرأ محقوقة بالاستجابة. لا يقال جاز أن يكون أن تستجيبي فاعلى محقوقة أو مبتدأ خبره محقوقة مقدما لأنه يقال: زيد حقيق بالاستجابة فيسند إلى الذات ولا يقال الاستجابة حقيقة بزيد. ولذلك يتأول قوله تعالى: حقيق على أن لا أقول كما هو مذكور في الكشاف. اه. وأجاز شارحه الفالي ما منعه وأجاب عما أورده فقال: ويمكن أن يقال إن قوله أن تستجيبي مبتدأ مؤخر ومحقوقة خبر مقدم والجملة خبر إن فقد جرت على من هي له. ومحقوقة بمعنى جديرة. يقال: أنت حقيق أن تفعل كذا وزيد حقيق به ومحقوق به أي: خليق له. وكان حقه أن يسند إلى الذات فيقال: زيد حقيق بالاستجابة لا أن الاستجابة حقيقة بزيد. ونظير ذلك ما استشكل من قوله تعالى: حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق فيمن قرأ بغير وتأول بتأويلات أحدها: أنه على القلب والثاني: أن ما لزمك فقد لزمته. والثالث: أن المراد حقيق على ترك القول إذ أكون أنا قائله ولا يرضى إلا بمثلي ناطقا به. اه. والبيت الأول من هذين البيتين قد أنشده الشارح في الشاهد الرابع بعد المائتين من باب الحال وتقدم الكلام عليه مع أبيات من أول القصيدة هناك. والقصيدة للأعشى ميمون. وقبله:
287 * وخرق مجوف قد قطعت بجسرة * إذا خب آل وسطه يترقرق * * هي الصاحب الأدنى وبيني وبينها * مجوف علافي وقطع ونمرق * * وتصبح من غب السرى وكأنما * ألم بها من طائف الجن أولق * وإن امرأ أسرى إليك ودونه.................... البيتين * وكم دونه من حزن قف ورحلة * وسهب به مستوضح الآل يبرق * * وأصفر كالحناء ذاو جمامه * متى ما يذقه فارط القوم يبصق * * به تنفض الأحلاس في كل منزل * وتعقد أطراف الحبال وتطلق * * وإن عتاق العيس سوف يزوركم * ثناء على أعجازهن معلق * قوله: وخرق بفتح الخاء المعجمة: الفقر والأرض تنخرق فيها الرياح وهو مجرور برب المقدرة بعد الواو. والجسرة بفتح الجيم وسكون السين المهملة: الناقة القوية على السير. وخب بمعنى) خدع. والآل: السراب في أول النهار ووسطه ويترقرق أي: ينصب خبره والجملة صفة آل والعائد الضمير. يقال: رقرق الماء وغيره إذا صبه رقيقا. والسراب هكذا يرى للناظر إليه. وقوله: هي الصاحب الخ الأدنى: الأقرب. والمجوف بالجيم: الرحل. والعلافي منسوب إلى علاف بكسر المهملة وهو رجل من قضاعة
288 كان يعمل الرحال. والقطع بكسر القاف: طنفسة أي: بساط يجعله الراكب تحته ويغطي كتفي البعير. والنمرق: الوسادة وهي هنا وسادة فوق الرحل. وقوله: وتصبح من غب الخ الغب بالكسر: عاقبة الشيء. وألم بمعنى نزل وفاعله أولق وهو الجنون. يريد: أنها شديدة جدا لا يحصل لها إعياء كالمجنون. وقوله: وإن امرأ أسرى الخ هذا انتقال من وصف ناقته إلى خطاب امرأة. وأراد بالمرء نفسه. وأسرى: لغة في سرى. ودونه بمعنى أمامه وقدامه. والموماة بفتح الميم: الأرض التي لا ماء فيها. والبيداء: القفر. والسملق: الأرض المستوية. وهذا البيت روي في ديوانه وغيره من كتب الأدب كذا: فالمراد من المرء ممدوحه والخطاب لناقته المذكورة. وكان ممدوحه أهداها له فالكلام على هذه الرواية من أوله إلى هنا خطاب لناقته. ومنه يظهر أن المناسب في الرواية الأولى أيضا كون المراد بالمرء ممدوحه والخطاب لناقته وأن أسرى بمعنى حمل على السرى وإلى بمعنى على ليكون الكلام على وتيرة واحد. وفياف: جمع فيفاء وهي الفلاة. وتنوفات: جمع تنوفة وهي القفر واليهماء بفتح المثناة التحتية: الأرض التي لا يهتدى فيها. وروي: خيفق بدل سملق بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة التحتية وفتح الفاء وهي الفلاة الواسعة. وقوله: أن المعان موفق كلاهما اسم مفعول من الإعانة والتوفيق. قال السيد المرتضى في أماليه: فيه قلب يريد أن الموفق معان.
289 وقال المرزباني في الموشح: ينبغي للشاعر أن يتفقد مصراع كل بيت حتى يشاكل ما قبله فقد جاء من أشعار القدماء ما تختلف مصاريعه كقول الأعشى: وأن تعلمي أن المعان موفق غير مشاكل لما قبله. وكذلك قال صاحب تهذيب الطبع.) وقوله: وكم دونه الخ الضمير للمرء. والحزن بالفتح: الأرض الوعرة. والقف بضم القاف: ما وقوله: وأصفر كالحناء يعني ماء أصفر كالحناء. وذاو: متغير. والجمام بكسر الجيم: جمع جم بفتحها وهو الماء الكثير وفارط القوم بالفاء هو الذي يتقدمهم إلى الورد لإصلاح الحوض والدلاء. يقال: فرط القوم يفرطهم فرطا إذا تقدمهم لما ذكرنا. وإنما يبصق عند ذوقه لمرارة الماء وتغيره. وقوله: به تنفض الخ الحلس بكسر المهملة: كساء على ظهر البعير تحت البرذعة ويبسط في البيت تحت حر الثياب. وإنما تنفض للرحيل. وقوله: وإن عتاق العيس الخ هذا المعنى أول من اخترعه الأعشى وأخذه من جاء بعده. قال القطامي: الكامل * لأعلقن على المطي قصائدا * أذر الرواة بها طويلي المنطق *
290 وقال نصيب: الطويل * فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله * ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب * ومن هنا أخذ أبو العتاهية قوله: الكامل * فإذا وردن بنا وردن خفائفا * وإذا صدرن بنا صدرن ثقالا * وقوله: ولا بد من جار الخ الجار له معان والمراد هنا المجير ويقال أيضا للمستجير وللحليف وللناصر وللمجاور الذي أجرته من أن يظلم. والسكي بفتح السين المهملة وتشديد الكاف والياء وهو المسمار ويقال له السك أيضا بدون الياء. والفيتق بفتح الفاء وسكون المثناة التحتية وفتح المثناة الفوقية: النجار والحداد. وترجمة الأعشى تقدمت في الشاهد الثالث والعشرين من أوائل الكتاب. وأنشد بعده الشاهد الثامن والثمانون بعد الثلاثمائة الوافر * فلا تطمع أبيت اللعن فيها * ومنعكها بشيء يستطاع *
291 على أن ما بعد الضمير المجرور إذا كان أنقص تعريفا جاز فيه الانفصال والاتصال فإنه كما جاز منعكها يجوز منعك إياها. وكاف المخاطب محلها الجر بإضافة المصدر إليها وهو المنع وضمير الغائب أنقص تعريفا من ضمير المخاطب. قال ابن هشام في شواهده: هذا مما اتفق على أن فصله أرجح. وأورده ابن الناظم والمرادي في شرح الألفية على أن هذا أعني وصل ثاني ضميرين عاملهما اسم واحد ضعيف والقياس ومنعك إياها. كذا نقل العيني عنهما هذا. والمنقول في اللغة أن منع مما يتعدى إلى المفعول الثاني تارة بنفسه وتارة بحرف الجر يقال: منعتك كذا أو منعتك عن كذا أو من كذا. ففي تصوير الفصل ينبغي أن يقيد المفعول الثاني بحرف الجر. وفاعل المصدر هنا محذوف أي: منعيك عنها. والهاء ضمير راجع لسكاب وهو اسم فرس. والباء في قوله: بشيء زائدة في خبر المبتدأ الذي هو منعكها. وبه استشهد ابن هشام في المغني. قال ابن جني في إعراب الحماسة: قد جاء زيادة الباء في الخبر ألا ترى إلى قول أبي الحسن في قول الله تعالى: جزاء سيئة بمثلها إن تقديره جزاء سيئة سيئة مثلها اعتبارا لقوله عز اسمه: وجزاء سيئة سيئة مثلها فكأنه قال: ومنعكها شيء يستطاع أي: أمر مطاق غير باهظ ولا معجز أي: فاله عنها ولا تعلق فكرك بها. ويجوز وجه آخر وهو أن يريد: ومنعكها بمعنى من المعاني مما يستطاع وذلك المعنى إما غلبة ومعازة وإما بفداء نفديها به منك أو غير ذلك فيكون المعنى قريبا من الأول إلا أنه ألين جانبا منه. فالباء على هذا متعلقة بنفس المنع. ويجوز أيضا أن تعلق بيستطاع أي: يستطاع
292 بمعنى من وهذا البيت آخر أبيات أربعة أوردها أبو تمام في الحماسة. ونسبها إلى رجل من بني تميم وقد طلب منه ملك من الملوك فرسا يقال لها سكاب فمنعه إياها وقال: * أبيت اللعن إن سكاب علق * نفيس لا يعار ولا يباع) * (مفداة مكرمة علينا * يجاع لها العيال ولا تجاع * * سليلة سابقين تناجلاها * إذا نسبا يضمهما الكراع * فلا تطمع أبيت اللعن فيها............. البيت وكفي تستقل بحمل سيفي وبي ممن تهضمني امتناع * وحولي من بني قحفان شيب * وشبان إلى الهيجا سراع * * إذا فزعوا فأمرهم جميع * وإن لاقوا فأيديهم شعاع * وقوله: أبيت اللعن الخ أي: أبيت الأمر الذي تلعن عليه إذا فعلته. قال المرزوقي في شرح الحماسة: أبيت اللعن: تحية كان يستعطف به الملوك وأصل اللعن الطرد. قال الشاعر: مجزوء الكامل * ولكل ما نال الفتى * قد نلته إلا التحية * يعني إلا أن يقال لي: أبيت اللعن لأنه تحية الملوك وكأنه قال: نلت كل شيء إلا الملك. وأصل اللعن: الطرد. وسكاب: فرس إذا أعربته منعته
293 الصرف لأنه علم فلحصول التعريف فيه والتأنيث مع كثرة الحروف يمنع الصرف والشاعر تميمي وهذه لغة قومه. وإذا بنيته على الكسر أجريته مجرى حذام لأنه مؤنث معدول معرفة. فلمشابهته هذه الأوصاف دراك ونزال بني وهذه اللغة حجازية. واشتقاق سكاب من سكبت إذا صببت. ويقال في صفة الفرس بحر وسكب. وقوله: علق نفيس أي: مال يبخل به وهذا كما يقال هو علق مضنة بالكسر. يقول: إن فرسي نفيس لا يبذل للإعارة ولا يعرض للبيع. وقوله: مفداة مكرمة الخ يقول: هي لعزتها على أربابها تفدى بالآباء والأمهات وتؤثر تكريما لها على العيال عند الإضاقة والإقتار فيجوع العيال ولا تجوع هذه. وقوله: سليلة الخ يقول: هي ولد فرسين سابقين إذا نسبا ضم مناسبهما الكراع وهو بالضم فحل كريم معروف. وأصل الكراع أنف يتقدم من الجبل فسمي هذا الفحل به لعظمه. وسليلة ألحق الهاء بها وإن كان فعيل في معنى مفعول لأنه جعل اسما كما تقول هي قتيلة بني فلان. ومعنى سل نزع. ويقال: نجلا ولدهما وتناجلاه بمعنى واحد ومنه النجل بمعنى الولد: * وفيها عزة من غير نفر * نحيدها إذ حر القراع *) وقوله: وفيها عزة الخ نحيدها: بالحاء المهملة أي: نجعلها حائدة. وحر بالمهملتين أي: اشتد. والقراع: مصدر قارعه أي: ضاربه.
294 وقوله: فلا تطمع الخ قال المرزوقي: يقول: ارفع طمعك في تحصيل هذه الفرس أبيت أن تأتي ما تستحق به اللعن ودفعك عنها يقدر عليه بوجه ما وبحيلة ما. والمعنى إني لا أسعفك بها أن استوهبتها ما وجدت إلى الرد طريقا فلا تطمع ما دامت لي هذه الحالة. وقوله: وكفي تستقل الخ يقال: تهضم حقه أي: ظلمه. وقحفان بضم القاف وسكون الحاء المهملة بعدها فاء. والشيب بالكسر: جمع أشيب وهو الذي حصل له الشيب. وقوله: إذا فزعوا الخ الشعاع بفتح الشين: المتفرق. يقول: إن فزعوا من أمر فكلمتهم واحدة وإذا لاقوا العدو فأيديهم متفرقة عليه بالطعن والضرب. وعبيدة بن ربيعة: مصغر عبدة بالتأنيث وهو شاعر فارس جاهلي. وأنشد بعده الشاهد التاسع والثمانون بعد الثلاثمائة وهو من شواهد س: الطويل على أن الضمير الثاني إذا كان مساويا للأول شذ وصله كما هنا فإنه جمع بين ضميري الغيبة في الاتصال وكان القياس لضغمهما إياها. قال سيبويه في باب إضمار المفعولين: إذا ذكرت مفعولين كلاهما غائب قلت
295 أعطاهوها وأعطاهاه جاز وهو عربي ولا عليك بأيهما بدأت من قبل أنهما كلاهما غائب. وهذا أيضا ليس بالكثير في كلامهم والكثير في كلامهم أعطاه إياها. على أن الشاعر قال: وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة............. البيت اه. قال النحاس والأعلم: إنما كان وجه الكلام لضغمهما إياها لأن المصدر لم يستحكم في العمل والإضمار استحكام الفعل. وجعل هنا من أفعال الشروع ونفسي اسمها وجملة تطيب خبرها. والضغمة بفتح الضاد) وسكون الغين المعجمتين: العضة. وقد اختلف الناس في معنى هذا البيت وأصوب من تكلم عليه ابن الشجري في أماليه في موضعين منها وتبعه صاحب اللباب في تعليقه على اللباب قال: يقول: جعلت نفسي تطيب لأن وصف ضغمة بالجملة والمصدر الذي هو الضغم مضاف إلى المفعول وفاعله محذوف التقدير: لضغمي إياهما. والهاء التي في قوله لضغمهماها عائدة إلى الضغمة فانتصابها إذن انتصاب المصدر مثلها في قوله تعالى: إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة وأضاف الناب إلى ضمير الضغمة لأن الضغم إنما هو بالناب. واللام في قوله لضغمهماها متعلقة بيقرع أي: يقرع عظمهما نابي لضغمي إياهما ضغمة واحدة. اه. وعلى هذا الضغمتان والقرع والناب جميعها للمتكلم واللام الأولى متعلقة بقوله تطيب.
296 وينبغي أن نورد الأبيات التي منها هذا البيت وسببها حتى يتضح المعنى ويزول الإشكال فإن غالب من تكلم عليه لم يقف على ما ذكرنا. قال أبو محمد الأسود الأعرابي في ضالة الأديب وهو ما كتبه على نوادر ابن الأعرابي: إن مغلس بن لقيط وهو من ولد معبد بن نضلة كان رجلا كريما حليما شريفا وكان له إخوة ثلاثة: أحدهم أطيط بالتصغير وكان أطيط به بارا والآخران وهما مدرك ومرة مماظين فلما مات أطيط أظهرا له العداوة فقال: الطويل * قرينين كالذئبين يبتدرانني * وشر صحابات الرجال ذئابها * * وإن رأيا لي غرة أغريا بها * أعادي والأعداء كلبى كلابها * * إذا رأياني قد نجوت تلمسا * لرجلي مغواة هياما ترابها * * وأعرضت أستبقيهما ثم لا أرى * حلومهما إلا وشيكا ذهابها * * لعل جوازي الله يجزين منهما * ومر الليالي صرفها وانقلابها * * فيشمت بالمرأين مرء تخطيا * إليه قرابات شديدا حجابها * * وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة * أعضهما ما يقرع العظم نابها * * ولا مثل يوم عند سعد بن نوفل * بفرتاج إذ توفي علي هضابها) * (لأجعل ما لم يجعل الله لامرئ * وأكتب أموالا عداء كتابها * * خرجت خروج الثور قد عصبت به * سلوقية الأنساب خضع رقابها *
297 * حبست بغمى غمرة فتركتها * وقد أترك الغمى إذا ضاق بابها * ثم رثى أطيطا فقال: * ذكرت أطيطا والأداوى كأنها * كلى من أديم يستشن هزومها * * لعمري لقد خليتني ومواطنا * تشيب النواصي لو أتاك يقينها * انتهى ما أورده أبو محمد. وقوله: والدنيا قليل عتابها أراد أن عتاب الدنيا غير نافع فمعاتبها غير مستكثر منه. وقوله: قرينين كالذئبين شبههما بالذئبين لأن الذئاب أخبث السباع. وقوله: وإن رأيا لي غرة الخ روى بدله: إذا رأيا لي غفلة أسدا لها أي: أفسدا قلوب أعادي حتى جعلا أخلاقهم كأخلاق الأسود. والكلبي: جمع كلب كزمنى جمع زمن. وقوله: إذا رأياني قد نجوت الخ تلمسا ألفه ضمير الاثنين والمغواة بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الواو: حفرة كالزبية. يقال: من حفر مغواة وقع فيها. والهيام بفتح الهاء لا بكسرها كما زعمه العيني بعدها مثناة تحتية: الرمل الذي لا يتماسك أن يسيل من اليد للينه. ونقل العيني عن أبي علي في التذكرة أن الرواية عنده هيالى ترابها قال: وهذا يدل على أن التراب جمع ترب ولو كان مفردا لقال: هائل ترابها. قال صاحب العين: الهائل: الرمل الذي لا يثبت. وضرب هذا مثلا لكثرة معرفتهما بالشر والتحيل في جلب أنواع الضرر. وفرتاج بفتح الفاء: موضع.
298 والغمرة بالفتح: الشدة والغمى بفتح المعجمة وضمها: الغامة أي: المهمة الملتبسة. وروى السيرافي بعد قوله هياما ترابها: * فلولا رجائي أن تؤوبا ولا أرى * عقولكما إلا شديدا ذهابها * * سقيتكما قبل التفرق شربة * يمر على باغي الظلام شرابها * وقد جعلت نفسي تطيب................. البيت) والظلام بالكسر: جمع ظلم بالضم. وقد أنشد البيت الشاهد أبو الحسن علي بن عيسى الربعي هكذا: * فقد جعلت نفسي تهم بضغمة * على عل غيظ يقصم العظم نابها * والعل بفتح المهملة: التكرر. والقصم بالقاف: كسر مع فصل. وعلى هذا لا شاهد فيه والمشهور الرواية الأولى. وقد اختلف العلماء في معناه فقال الخوارزمي: الضغمة: العضة ولضغمهماها بدل من قوله لضغمة والضمير الأول لسبعين وأما الثاني فلضغمة والضمير في نابها لضغمة. يقول: لكثرة ما ابتليت به من المحن قد طابت نفسي أن يعضني سبعان ناباهما يضربان العظم. وقرع الناب العظم كناية عن الصوت. هذا كلامه. وقال الأعلم: هذا الشاعر وصف شدة أصابه بها رجلان فيقول: قد جعلت نفسي تطيب لإصابتهما بمثل الشدة التي أصاباني بها. وضرب الضغمة مثلا ثم وصف الضغمة فقال: يقرع العظم نابها فجعل لها نابا على السعة. والمعنى: يصل الناب فيها إلى العظم فيقرعه. اه. وقال الأندلسي في شرح المفصل: قيل إن معنى البيت أن نفسه طابت لإصابة الشدة من أجل أن هذين القاصدين له بالشدة أصابتهما مثلها. وفي البيت إشكال فإن الضغم عبارة عن الشدة فإذا قدرت إضافتها إلى المفعول وهو الظاهر وجب أن يكون ضميرها فاعلا في المعنى فلا يستقيم لوجهين:
299 أحدهما: أنها ليست من ضمائر الرفع. والآخر: أن ضمائر الرفع لا تأتي بعد ضمير المفعول فالوجه أن يقال إن الضغم بمعنى الإصابة أضيف إلى الفاعل الذي هو ضمير التثنية ثم ذكر بعد ذلك المفعول فكأنه قال: لإصابة هذه الشدة التي عبر عنها بالضغمة أولا. هذا كلامه. ونقل ابن المستوفي عن حواشي المفصل أنه قال في الحواشي: هما عائدان للأسد والضبع وقيل للأسد والذئب وها للضغمة. ووجدت في موضع آخر من الحواشي قال: الضمير الأول يرجع إلى الذئب والضبع والثاني إلى النفس. وهذا أشبه من الأول إلا أنه مع وجود ما يعود إليه ضمير الاثنين من قوله قرينين كالذئبين لا والذي أراه أن معنى البيت إن نفسي قد طابت أن تصيبها ضغمة بهذه الصفة لأجل ضغمهما إياها إذ ليسا من نظرائي وأشكالي. فيكون موضع لام لضغمهماها نصب على أنه مفعول له) وموضع هما رفع بالفاعلية وموضع ها نصب بالمفعولية. هذا كلامه. وقال ابن الحاجب في أماليه ونقله شارح اللباب: يقول: طابت نفسي للشدة التي أصابتني لوقوع القاصد لي بها في أعظم منها. والضغمة عبارة عن الشدة وهما اثنان قصداه بسوء فوقعا في مثل ما طلباه له. وجعل من أفعال المقاربة ولضغمة معمول لتطيب إعمال الفعل في مفعوليه وليست بمعنى المفعول من أجله لأنه لم يرد أنها طابت لأجل الضغمة وإنما طابت بها. والتعليل هو قوله لضغمهماها أي: طابت نفسي لما أصابني من الشدة لإصابة من قصدني بمثلها.
300 والضغمة: العضة فكنى بها عن المصيبة. ويقال: ضغم الشدة وضغمته. وجاء البيت على الوجهين فقوله لضغمة من قولهم عضته الشدة لقوله يقرع العظم نابها. وقوله: لضغمهماها من قولهم: عضضت الشدة لأن الفاعل ها هنا ضمير من أصابها وضمير المفعول ضميرها أي: لضغمهما إياها فهي معضوضة لا عاضة لمجيئها مفعولة لا فاعلة. ويجوز أن يكون الموضعان من ضغمت الشدة لا ضغمتني ويكون قوله: يقرع العظم نابها مبالغة وموضع استشهاده مجيء الضميرين الغائبين متصلين وليس أحدهما فاعلا وهما: ضمير الفاعلين وهو قوله: هما وضمير الضغمة وهو قولك: ها. وهو شاذ والقياس في مثله ضغمهما إياها كراهة اجتماع ضمائر الغائبين البارزة من جنس واحد بخلاف ما لو اختلفا. والضمير الأول في موضع خفض بالإضافة وهو فاعل في المعنى والضمير الثاني في موضع نصب على المفعولية بالمصدر أي: لأن ضغماها. ويقرع العظم نابها في موضع صفة إما لضغمة الأولى وفصل للضرورة بالجار والمجرور الذي هو لضغمهماها ويضعف لأجل الفصل بين الصفة والموصوف بالأجنبي وهو غير سائغ. وإما في موضع صفة لمعنى قولك ها إذ معناه لضغمهما مثلها إذ الأولى لم تصب هذين وإنما أصابهما مثلها فهو في المعنى مراد. ومثل نكرة وإن أضيفت إلى المعرفة فجاز أن توصف بالجملة. ويجوز أن يكون يقرع العظم نابها جملة مستأنفة لتبيين أمر الضغمة في الموضعين جميعا فلا موضع لها من الإعراب لأنها لم تقع موقع مفرد. وما يتوهم من أن لضغمهماها مضاف إلى المفعول وها في المعنى فاعل فيؤدي إلى أنه أضاف) إلى المفعول وأتى بعده بالفاعل بصيغة ضمير المنصوب مندفع بما تقدم من أنه لم يرد أن الشدة عضت وإنما أراد أنهما عضا الشدة إذ لا
301 يستقيم أن يضاف المصدر إلى المفعول ويؤتى بالفاعل بصيغة ضمير المنصوب باتفاق فوجب حمله على ما ذكرناه دفعا لما يلزم مما أجمع على امتناعه. اه كلامه. وهذا كله مبني على خلاف التحقيق ومنشؤه عدم الاطلاع على الأبيات وسببها وكذلك قول بعض فضلاء العجم في شرح شواهد المفصل أن قوله لضغمهماها بدل من قوله لضغمة. والضمير الأول في لضغمهماها للسبعين. وأما الثاني فقال صاحب التحبير والإيضاح لضغمة. ووافقهما في ذلك صاحب الإقليد والموصل. وقال صاحب المقتبس: هو لنفسي. وتابعه في ذلك صاحب المقاليد. وقوله: لضغمهماها مصدر مضاف إلى الفاعل على الوجهين إلا أن المفعول في الوجه الأول يكون محذوفا وهو النفس وفي الثاني يكون مذكورا. هذا كلامه. وأغرب من هذا كله قول شارح اللب السيد عبد الله لضغمة مفعول تطيب على أنه مفعول به لا مفعول له. وقوله: لضغمهماها هو المفعول له. أي: جعلت تطيب لضغمة سبع يقرع العظم ناب تلك الضغمة لضغمة هذين السبعين النفس. والمراد به أن ضغمة سبع واحد أهون من ضغمة وقد
302 لخص ابن هشام في شرح شواهده هذه الأقوال فقال: وفي معنى البيت وتوجيهه أوجه: أحدها: أن الضغمة الأولى له والثانية لهما أي: نفسه طابت لأن يوقع بهما مصيبة عظيمة لأجل ضغمهما إياه مثلها. واللام من لضغمة تتعلق بتطيب وهي لام التعدية واللام من لضغمهما متعلق بضغمة أو بجعلت أو بتطيب وهي لام العلة. وضمير التثنية فاعل وضمير المؤنث مفعول مطلق. والمعنى لضغمهما إياي ضغمة مثلها فحذف المفعول به والموصوف وأناب عنه صفته ثم حذف المضاف وأناب عنه المضاف إليه ووصله شذوذا. الثاني: أن يكون المعنى كذلك لكن يكون ضمير المؤنث عائدا على الصفة المتقدمة في اللفظ والمراد غيرها على حد قولهم: عندي درهم ونصفه. الثالث: أن الضغمتين كلتيهما من فعل المتكلم أي: جعلت نفسي لأجل إيذائهما لي تطيب لإيقاع) ضغمة بهما يقرع العظم نابها لشدة ضغمهما إياها فحذف المضافين: الشدة المضافة إلى الضغمتين وياء المتكلم المضاف إليها الضغمتان وهي فاعل المصدر. فاللام الأولى متعلقة بتطيب والثانية متعلقة بيقرع. الرابع: أن الضغمتين للمتكلم وأن الثانية على تقدير ياء المتكلم كما تقدم ولكن الثانية بدل من الخامس: أن الضغمة الأولى لأجنبي والثانية لهما أي: تطيب لأن يضغمني ضاغم ضغمة يقرع العظم نابها لضغمهما إياي مثلها كما تقول: طابت نفسي بالموت لما نالني من أذى فلان. واللام الأولى للتعدية والثانية للتعليل. وراجح الأوجه الثالث لأن السيرافي روى: تهم بضغمة علي على غيظ ولأن بعضهم روى: لغضمة أعضهماها. وضمير نابها راجع للضغمة إما على أنه جعل لها نابا على الاتساع والمراد صاحبها أو على أن التقدير ناب صاحبها ثم حذف المضاف. اه.
303 وقال ابن يسعون في شرح شواهد الإيضاح: استشهد به أبو علي على وقوع الضمير المتصل موقع المنفصل لأن مجيء الضمير المنفصل مع المصدر أحسن والمصدر هو لضغمهما وهو مضاف إلى هما وهما في المعنى فاعلان والمفعول المضغوم محذوف. ولو ذكره مع ها المتصلة العائدة على ضغمة لقال: لضغمهماها إياي. ولو أتى بضمير الضغمة منفصلا على الوجه الأحسن لقال: لضغمهما إياي إياها فكان يتقدم لوجهين: أحدهما: لأنه ضمير المخاطب وهو أولى بالتقدم من ضمير الغائب. والوجه الثاني أن إياي ضمير المفعول به وإياها ضمير المصدر وهي فضلة مستغنى بما هو آكد منها وكان الأصل لضغمهما إياي مثلها أي: مثل تلك الضغمة فحذف المضاف وأقام وحذف المفعول مع المصدر إذا كان معه الفاعل كثير كما قد يحذف معه الفاعل أيضا. هذا ما وقفت عليه. ومغلس بن لقيط: شاعر من شعراء الجاهلية وهو بضم الميم وفتح الغين المعجمة وكسر اللام المشددة. ولقيط بفتح اللام وكسر القاف ومعبد بفتح الميم الموحدة وسكون العين المهملة. وكون الشعر لمغلس بن لقيط المذكور هو ما قاله الأعلم. قال: واسم هذا الشاعر مغلس بن لقيط الأسدي والرجلان من قومه وهما مدرك ومرة. وكذا قال السيرافي لكنه قال: هو لمغلس بن لقيط الأسدي من ولد معبد
304 ابن نضلة يعاتب) فيه مدرك بن حصن ومرة بن عداء ويذكر أخاه أطيط بن لقيط. وقال العيني: هو المغلس بن لقيط بن حبيب بن خالد بن نضلة الأسدي جاهلي هو وأخواه بعثر ونافع ابنا لقيط شعراء وهو من قصيدة هائية يرثي فيها أخاه أطيطا ويشتكي من قرينين له يؤذيانه. وقيل: هما ابنا أخيه وهما مدرك ومرة. اه. ونسب ابن الشجري في أماليه وتبعه شارح اللباب هذا الشعر إلى لقيط بن مرة قال: رثى فيه أخاه أطيطا وهجا مرة بن عداء ومدرك بن حصن الأسديين. وقال ابن هشام في شرح شواهده: هو لمغلس بن لقيط السعدي لا الأسدي وكان له ثلاثة أخوة: مرة ومدرك وأطيط وكان أبرهم به فمات وأظهر الأخوان عداوته وآذياه فقال يرثيه ويشتكي من أخويه وقيل: هما ابنا أخيه المذكور وقيل: أجنبيان. هذا ما وقفت عليه والله أعلم بحقيقة الحال. وأنشد بعده الشاهد التسعون بعد الثلاثمائة الطويل * لئن كان إياه لقد حال بعدنا * عن العهد والإنسان قد يتغير * على أن المختار في خبر كان وأخواتها إذا كان ضميرا الانفصال كما هنا لأنه خبر والأصل في الخبر الانفصال.
305 وقال بدر الدين في شرح ألفيه والده: الصحيح اختيار الاتصال لكثرته في النظم والنثر الفصيح. وهذا البيت من قصيدة لعمر بن أبي ربيعة وقبله: * ألكني إليها بالسلام فإنه * يشهر إلمامي بها وينكر * * بآية ما قالت غداة لقيتها * بمدفع أكنان: أهذا المشهر * * أهذا الذي أطريت ذكرا فلم أكن * وعيشك أنساه إلى يوم أقبر * * فقالت: نعم لا شك غير لونه * سرى الليل يحيي نصه والتهجر * لئن كان إياه لقد حال بعدنا................. البيت قوله: ألكني أي: كن رسولي وتحمل رسالتي إليها.) وقوله: قفي أمر من الوقوف والآمرة هي نعم محبوبة الشاعر. وأسماء: صاحبة نعم. وأسماء: منادى بحرف النداء المحذوف. وروي أيضا: قفي فانظري يا أسم وهو مرخم أسماء. وهذا على طريقته فإنه كثيرا ما يتغزل بنفسه زعما منه أن المخدرات يعشقنه لحسنه وجماله وقد عيب عليه. والهاء في تعرفينه ضمير الشاعر وهو عمر كما أن المغيري عبارة عنه. قال الخوارزمي: المغيري منسوب إلى المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهو من أجداده. وقوله: وعيشك أنساه الواو للقسم والجملة معترضة بين لم أكن وبين خبره وهو جملة أنساه وسرى الليل فاعل غير والتهجر معطوف عليه وهو السير في الهاجرة. ويحيي مضارع معلوم من الإحياء وفاعله ضمير المغيري ونصه مفعوله.
306 وقوله: قفي فانظري إلى آخر البيتين من مقول قالت. وزعم بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل أن البيتين من مقول الشاعر فإنه قال: والمعنى قلت لحبيبتي أسماء قفي يا أسماء فانظري وتأملي هل تعرفين هذا الرجل الذي ترينه يريد به نفسه. ولما قال ذلك توهمته فقالت متعجبة متفكرة لفرط تغيره: الذي تراه عمر المغيري الذي كان يذكر عندنا والله لئن كان المغيري إياه لقد حال وتغير عما عهدناه فإنه عهدناه شابا وقد كبر وعهدناه ناضرا طريا وقد حال عن ذلك ثم قال تسلية له: والإنسان قد يتغير عن حال إلى حال فلا تحزن. ويجوز أن يكون هذا مقول الشاعر قال ذلك نفيا لتعجبها مما استعظمته من تغيره بعدها. أي: إن الإنسان يتغير فلا تتعجبي. اه. وفيه ما لا يخفى. وقوله: لئن كان الخ اللام موطئة للقسم واسم كان ضمير المغيري وإياه خبرها وجملة لقد حال الخ جواب القسم المحذوف وقد سد مسد جواب الشرط. وحال بمعنى تغير من قولهم: حالت القوس أي: انقلبت عن حالها التي عمرت عليها وحصل في قالبها اعوجاج. وبعدنا: متعلق بحال. وكذلك قوله: عن العهد أي: عما عهدنا من شبابه وجماله. وجملة والإنسان قد يتغير حالية. ومثله قول كثير عزة: الطويل * وقد زعمت أني تغيرت بعدها * ومن ذا الذي يا عز لا يتغير * وهذه القصيدة عدة أبياتها ثمانون بيتا أوردها القالي في أماليه ومحمد بن المبارك بن محمد بن) ميمون في منتهى الطلب من أشعار العرب. وقد أنشد المبرد أبياتا منها في الكامل وقال: يروى من غير وجه أن ابن
307 الأزرق أتى ابن عباس رضي الله عنه يوما فجعل يسأله حتى أمله فجعل ابن عباس يظهر الضجر وطلع عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة على ابن عباس وهو يومئذ غلام فسلم وجلس فقال له ابن عباس: ألا تنشدنا شيئا من شعرك فأنشده: الطويل * أمن آل نعم أنت غاد فمبكر * غداة غد أم رائح فمهجر * حتى أتمها وهي ثمانون بيتا فقال له ابن الأزرق: لله أنت يا ابن عباس أنضرب إليك أكباد الإبل نسألك عن الدين فتعرض ويأتيك غلام من قريش فينشدك سفها فتسمعه فقال: تالله ما سمعت سفها. فقال ابن الأزرق: أما أنشدك: الطويل * رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت * فيخزى وأما بالعشي فيخسر * فقال: ما هكذا قال: إنما قال: فيضحى وأما بالعشي فيخصر قال: أو تحفظ الذي قال قال: والله ما سمعتها إلا ساعتي هذه ولو شئت أن أردها لرددتها قال: فارددها. فأنشده إياها. وروى الزبيريون أن نافعا قال له: ما رأيت أروى منك قط فقال ابن عباس: ما رأيت أروى من عمر ولا أعلم من علي. انتهى كلام المبرد. وفي هذه القصيدة أبيات شواهد في هذا الشرح وغيره لا بأس بإيرادها هنا. وهي هذه:
308 * أمن آل نعم أنت غاد فمبكر * غداة غد أم رائح فمهجر * * بحاجة نفس لم تقل في جوابها * فتبلغ عذرا والمقالة تعذر * * نهيم إلى نعم فلا الشمل جامع * ولا الحبل موصول ولا القلب مقصر * * ولا قرب نعم إذ دنت لك نافع * ولا نأيها يسلي ولا أنت تصبر * * وأخرى أتت من دون نعم ومثلها * نهى ذا النهى لو ترعوي أو تفكر * * إذا زرت نعما لم يزل ذو قرابة * لها كلما لاقيتها يتنمر * * عزيز عليه إن ألم ببيتها * مسر لي الشحناء للبغض مظهر * * ألكني إليها بالسلام فإنه * يشهر إلمامي بها وينكر * * على إنها قالت غداة لقيتها * بمدفع أكنان: أهذا المشهر) * (قفي فانظري يا أسم هل تعرفينه * أهذا المغيري الذي كان يذكر * * أهذا الذي أطريت نعتا فلم أكن * وعيشك أنساه إلى يوم أقبر * * فقالت: نعم لا شك غير لونه * سرى الليل يحيي نصه والتهجر *
309 * رأت رجلا أما غذى الشمس عارضت * فيضحى وأما بالعشي فيخصر * * أخا سفر جواب أرض تقاذفت * به فلوات فهو أشعث أغبر * * قليل على ظهر المطية ظله * سوى ما نفى عنه الرداء المحبر * * وأعجبها من عيشها ظل غرفة * وريان ملتف الحدائق أنضر * * ووال كفاها كل شيء يهمها * فليست لشيء آخر الليل تسهر * * وليلة ذي دوران جشمني السرى * وقد يجشم الهول المحب المغرر * * فبت رقيبا للرفاق على شفا * أراقب منهم من يطوف وأنظر * * إليهم متى يستأخذ النوم فيهم * ولي مجلس لولا اللبانة أوعر * * وباتت قلوصي بالعراء ورحلها * لطارق ليل أو لمن جاء معور * * فبت أناجي النفس أين خباؤها * وأني لما تأتي من الأمر مصدر * * فدل عليها القلب نار عرفتها * بها وهوى الحب الذي كان يظهر * * فلما فقدت الصوت منهم وأطفئت * مصابيح شبت بالعشاء وأنور * * وغاب قمير كنت أهوى غيوبه * وروح رعيان ونوم سمر *
310 * فحييت إذ فاجأتها فتولهت * وكادت بمرفوع التحية تجهر * * فقالت وعضت بالبنان فضحتني * وأنت امرؤ ميسور أمرك أعسر * * أريتك إذ هنا عليك ألم تخف * رقيبا وحولي من عدوك حضر * * فقلت كذاك الحب قد يحمل الفتى * على الهول حتى يستقاد فينحر * * فو الله ما أدري أتعجيل حاجة * سرت بك أم قد نام من كنت تحذر * * فقلت لها بل قادني الحب والهوى * إليك وما نفس من الناس تشعر * * فقالت وقد لانت وأفرخ روعها * كلاك بحفظ ربك المتكبر * * فأنت أبا الخطاب غير منازع * علي أمير ما مكثت مؤمر * * فبت قرير العين أعطيت حاجتي * أقبل فاها في الخلاء فأكثر) * (فيا لك من ليل تقاصر طوله * وما كان ليلي قبل ذلك يقصر * * ويالك من ملهى هناك ومجلس * لنا لم يكدره علينا مكدر * * يمج ذكي المسك منها مفلج * نقي الثنايا ذو غروب مؤشر * * يرف إذا تفتر عنه كأنه * حصى برد أو أقحوان منور * * وترنو بعينيها إلي كما رنا * إلى ظبية وسط الخميلة جؤذر * * أشارت بأن الحي قد حان منهم * هبوب ولكن موعد لك عزور * * فما راعني إلا مناد تحملوا * وقد شق معروف من الصبح أشقر *
311 * فلما رأت من قد تنور منهم * وأيقاظهم قالت أشر كيف تأمر * * فقلت: أباديهم فإما أفوتهم * وإما ينال السيف ثأرا فيثأر * * فقالت أتحقيق لما قال كاشح * علينا وتصديق لما كان يؤثر * * فإن كان ما لا بد منه فغيره * من الأمر أدنى للخفاء وأستر * * أقص على أختي بدء حديثنا * وما بي من أن تعلما متأخر * * لعلهما أن تبغيا لك مخرجا * وأن ترحبا سربا بما كنت أحصر * * فقامت كئيبا ليس في وجهها دم * من الحزن تذري عبرة تتحدر * * فقالت لأختيها أعينا على فتى * أتى زائرا والأمر للأمر يقدر * * فأقبلتا فارتاعتا ثم قالتا * أقلي عليك اللوم فالخطب أيسر * * فقالت لها الصغرى سأعطيه مطرفي * ودرعي وهذا البرد إن كان يحذر * * يقوم فيمشي بيننا متنكرا * فلا سرنا يفشو ولا هو يظهر * * فكان مجني دون من كنت أتقي * ثلاث شخوص كاعبان ومعصر * * وقلن أهذا دأبك الدهر سادرا * أما تستحي أو ترعوي أو تفكر *
312 * إذا جئت فامنح طرف عينك غيرنا * لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر * * على أنني يا نعم قد قلت قولة * لها والعتاق الأرحبيات تزجر * * هنيئا لبعل العامرية نشرها ال * لذيذ ورياها الذي أتذكر * * فقمت إلى حرف تخون نيها * سرى الليل حتى لحمها يتحسر * * وحبسي على الحاجات حتى كأنها * بقية لوح أو شجار مؤسر) * (وماء بموماة قليل أنيسه * بسابس لم يحدث بها الصيف محضر * * به مبتنى للعنكبوت كأنه * على شرف الأرجاء خام منشر * * وردت وما أدري أما بعد موردي * من الليل أم ما قد مضى منه أكثر * * فطافت به مغلاة أرض تخالها * إذا التفتت مجنونة حين تنظر * * تنازعني حرصا على الماء رأسها * ومن دون ما تهوى قليب معور * * محاولة للورد لولا زمامها * وجذبي لها كادت مرارا تكسر * * فلما رأيت الضر منها وأنني * ببلدة أرض ليس فيها معصر * * قصرت لها من جانب الحوض منشأ * صغيرا كقيد الشبر أو هو أصغر *
313 * ولا دلو إلا القعب كان رشاءه * إلى الماء نسع والجديل المضفر * * فسافت وما عافت وما صد شربها * عن الري مطروق من الماء أكدر * هذا آخر القصيدة. وقد شرح العيني ألفاظها اللغوية إجمالا. وقوله: رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت البيت أورده الشارح المحقق في حروف الشرط من أواخر الكتاب ويأتي إن شاء الله شرحه هناك. وقوله: فكان مجني دون من كنت أتقي. البيت أورده أيضا في باب العدد. وقوله: إذا جئت فامنح طرف عينك غيرنا البيت أورده ابن هشام في المغني في حرف الكاف برواية: كما يحسبوا. وعمر بن ربيعة قد تقدمت ترجمته في الشاهد السابع والثمانين من أوائل الكتاب. وأنشد بعده الشاهد الحادي والتسعون بعد الثلاثمائة وهو من شواهد س: مجزوء الرمل
314 * ليت هذا الليل شهر * لا نرى فيه عريبا * * ليس إياي وإيا * ك ولا نخشى رقيبا * لما تقدم قبله من أن الفصل هو المختار في خبر ان وأخواتها كما قال ليس إياي ولو وصل لقال ليسني. قال سيبويه: ومثل ذلك كان إياه لأن كأنه قليلة لا تقول: كأنني وليسني ولا كأنك فصارت غيا ها هنا بمنزلتها في ضربي إياك. قال الشاعر: ليت هذا الليل شهر الخ وبلغني عن العرب الموثوق بهم أنهم يقولون: ليسني وكذلك كأنني. اه. قال الأعلم: الشاهد في إتيانه بالضمير بعد ليس منفصلا ولوقوعه موقع خبرها والخبر منفصل من المخبر عنه فكان الاختيار فصل الضمير إذا وقع موقعه. واتصاله بليس جائز لأنها فعل وإن لم تقو قوة الفعل الصحيح. وليس في هذا البيت تحتمل تقديرين: أحدهما أن تكون في موضع الوصف للاسم قبلها كأنه قال: لا نرى فيه عربيا غيري وغيرك. والتقدير الآخر: أن تكون استثناء بمنزله غلا. وعريب بمعنى أحد وهو بمعنى معرب أي: لا نرى فيه متكلما يخبر عنا ويعرب عن حالنا. اه. وقوله: ليت هذا الليل شهر قال أبو القاسم سعيد الفارقي فيما كتبه في تفسير المسائل المشكلة في أول المقتضب للمبرد: وقد روي في شهر الرفع والنصب جميعا وهو عندي أشبه بمعنى البيت. وكلاهما حسن. وقد قضينا هذا في كتابنا تفسير أبيات كتاب سيبويه. اه. ولم يظهر لي وجه النصب.
315 ونرى من رؤية العين. وعريب من الألفاظ الملازمة للنفي واسم ليس ضمير مستتر راجع إلى عريب وإياي خبرها بتقدير مضاف أي: ليس عريب غيري وغيرك فحذف غير وانفصل الضمير وقام مقامه في النصب. تمنى أن تطول ليلته بمقدار شهر.) وجملة لا نرى فيه خبر ثان لليت. وجملة لا نخشى رقيبا معطوف عليه والرابط محذوف أي: فيه. ويجوز أن يكون جملة لا نرى صفة لشهر. وقال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل: يقول لحبيبته: ليت هذا الليل الذي نجتمع فيه طويل كالشهر لا نبصر فيه أحدا ليس إياي وإياك أي: ليس فيه غيري وغيرك أحد. وهو استثناء لنفسه كما قال إلاك لا نحاف فيه رقيبا. وهذا الشعر نسبه خدمة كتاب سيبويه إلى عمر بن أبي ربيعة المذكور آنفا. ونسبه صاحب الأغاني وتبعه صاحب الصحاح إلى العرجي وهو عبد الله بن عمر ابن عمرو بن عثمان بن عفان. نسب إلى العرج وهو من نواحي مكة لأنه ولد بها وقيل بل كان له بها مال وكان يقيم هناك. والله أعلم. وتقدمت ترجمة العرجي في الشاهد السادس من أوائل الكتاب. وأنشد بعده الشاهد الثاني والتسعون بعد الثلاثمائة الرجز
316 * عددت قومي كعديد الطيس * إذ ذهب القوم الكرام ليسي * على أنه جاء متصلا. قال الزنجاني: هذا الشعر أنشده السيرافي وفيه شذوذ من وجهين: الأول: أنه أتى بخبر ليس متصلا. والثاني: أنه أسقط نون الوقاية وحقه أن يقال: ليسني. اه. وأنشده شراح الألفية على أن حذف نون الوقاية منه ضرورة. وكذلك حكم ابن هشام بأنه ضرورة في قد وفي النون من المغني وقال في شرح شواهده: والذي سهل ذلك مع الاضطرار أمور أحدها: أن الفعل الجامد يشبه الأسماء فجاء ليسي كما تقول: غلامي وأخي ومن ثم جاز: إن زيدا ليسي يقوم كما جاز لقائم ولا يجوز إن زيدا لقام وجاز أيضا نحو: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى كما جاز: علمت أن زيدا قائم ولا يجوز: علمت أن قام ولا أن يقوم. والثاني: أن ليس هنا للاستثناء فحق الضمير بعدها الانفصال وإنما وصله للضرورة كقول الآخر: البسيط)
317 أن لا يجاورنا إلاك ديار والنون ممتنعة مع الفصل فتركها مع الوصل التفاتا إلى الأصل. الثالث: أن ليسي بمعنى غيري ولا نون مع غير. اه. واسم ليس هنا ضمير اسم الفاعل المفهوم من ذهب والتقدير: ليس هو إياي أي: ليس الذاهب إياي. وقال شارح أبيات الموشح: اسم ليس لمضمر يرجع إلى الكريم المستفاد من الكرام. وفيه ما لا يخفى. وقال ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل: كذا أنشد العلماء هذا البيت. ويروى: عهدي بقومي كعديد الطيس وهو الصحيح. وكذا أنشده الخليل في كتاب العين في مادة طيس لرؤبة وقال: الطيس: العدد الكثير. وأنشد البيتين لرؤبة. واختلفوا في تفسير الطيس فقال بعضهم: هو كل ما على وجه الأرض من خلق الأنام. وقال بعضهم: بل هو كل خلق كثير النسل نحو النمل والذباب والهوام. وقال غيره: الطيس: الكثير من الرمل والماء وغيرهما. وأراد به رؤبة هنا الرمل. اه. وكذلك أنشده ابن الأعرابي في نوادره: عهدت قومي. ورواه بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل: عهدي بقوم. وقال: أراد بقوم
318 المنكر قومه بدليل رواية قومي واللام في القوم إشارة إليهم وهذا من باب وضع الظاهر موضع المضمر والأصل: إذ ذهبوا. وفائدته التوصل إلى وصفهم بالكرم. وقوله: عهدي بقوم مبتدأ خبره محذوف وهو حاصل. وقوله: ليسي استثناء لنفسه من القوم الكرام الذاهبين. يفتخر بقومه ويتحسر على ذهابهم فيقول: عهدي بقومي الكرام الكثيرين مثل كثرة الرمل حاصل إذ ذهبوا إلا إياي. فإني بقيت بعدهم خلفا عنهم. ولا يبعد أن يريد قوما غير كرام فيكون المعنى: أرى قوما كثيرا غير كرام إذ ذهب الكرام غيري. اه. كلامه. وهذا المعنى هو الظاهر دون الأول وهو معنى قول العيني: والمعنى عددت قومي وكانوا بعدد) الرمل ومع تلك الكثرة ما فيهم كريم غيري. وعليه فيكون العامل في إذ: عددت أو عهدت أو عهدي على الروايات. وقال شارح أبيات الموشح: قوله: كعديد الطيس حال من قومي. وقوله: إذ ذهب ظرف ليسي. يقول: عهدي بقومي الكرام الكثيرين مثل كثرة الرمل حاصل وليس فيهم الآن كريم غيري إذ ذهب القوم الكرام وبقيت بعدهم خلفا عنهم. هذا كلامه فتأمله. وقال العيني: عديد الطيس: صفة مصدر محذوف تقديره عدا كعدد الطيس. والعديد بمعنى العدد. يقال: هم عديد الحصى والثرى في الكثرة. وترجمة رؤبة تقدمت في الشاهد الخامس من أوائل الكتاب. وأنشد بعده الشاهد الثالث والتسعون بعد الثلاثمائة وهو من شواهد س: الطويل
319 * فإن لا يكنها أو تكنه فإنه * أخوها غذته أمه بلبانها * لما تقدم قبله من وصل الضمير المنصوب بكان والقياس فإن لا يكن إياها أو تكن إياه. وأنشده سيبويه في أوائل كتابه في باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد قال فيه: وتقول: كنا هم كما تقول: ضربناهم وتقول إذا لم نكنهم فمن ذا يكونهم كما تقول: إذا لم نضربهم فمن يضربهم. قال أبو الأسود الدؤلي: فإلا يكنها أو تكنه فإنه.............. البيت قال الأعلم: أراد سيبويه أن كان لتصرفها تجري مجرى الأفعال الحقيقة في عملها فيتصل بها ضمير خبرها اتصال ضمير المفعول بالفعل الحقيقي في نحو ضربته وضربني وما أشبهه. اه. وقبل هذا البيت: * دع الخمر تشربها الغواة فإنني * رأيت أخاها مجزئا لمكانها * قال شراح أبيات سيبويه وشراح أبيات أدب الكاتب: سبب هذا الشعر أن مولى لأبي الأسود الدؤلي كان يحمل تجارة إلى الأهواز وكان إذا مضى إليها تناول شيئا من الشراب فاضطرب أمر البضاعة فقال أبو الأسود هذا الشعر ينهاه عن شرب الخمر. فاسم يكنها ضمير الأخ وها) ضمير الخمر وهو خبر يكن
320 واسم تكنه ضمير الخمر والهاء ضمير الأخ وهو خبر تكن. وأراد بأخي الخمر الزبيب. يقول: دع الخمر ولا تشربها فإني رأيت الزبيب الذي هو أخوها ومن شجرتها مغنيا لمكانها وقائما مقامها فإلا يكن الزبيب الخمر أو تكن الخمر الزبيب فإن الزبيب أخو الخمر غذته أمه بلبانها يعني أن الزبيب شرب من عروق الكرمة كما شرب العنب الذي عصر خمرا. وليس ثمة لبان وإنما هو استعارة. كذا قال جماعة منهم الجواليقي قال في شرح أبيات أدب الكاتب: نهاه عن شرب الخمر وقال له: إن الزبيب يقوم مقامها. فإن لم تكن الخمر نفسها من الزبيب فهي أخته اغتذتا من شجرة واحدة. ومنهم ابن الأنبار في مسائل الخلاف قال: أراد بقوله أخاها الزبيب وجعله أخا الخمر لأنهما من شجرة واحدة. ومنهم ابن هشام في شرح شواهده قال: زعم مولى أبي الأسود أنه يشرب الخمر لحرارتها فأمره بأكل الزبيب فإنه أخوها أي: ارتضع معها من ثدي واحد أي: إنه شرب من عروق الكرمة كما شرب العنب الذي هو أصلها. وقال جماعة: أراد بأخي الخمر نبيذ الزبيب منهم الأعلم قال: وصف نبيذ الزبيب وأطلقه على مذهب العراقيين في الأنبذة وحث على شربه وترك الخمر بعينها للإجماع على تحريمها. وجعل الزبيب أصلا للخمر لأن أصلهما الكرمة واستعار اللبان لما ذكره من الأخوة. ومنهم ابن السيد ف شرح أبيات أدب الكاتب قال: يعني بأخيها نبيذ الزبيب. يقول: إن لم يكن الزبيب الخمر أو تكن الخمر الزبيب فإنهما أخوان غذيا بلبن واحد ينوب أحدهما مناب الآخر. ومنهم صاحب فرائد القلائد. قال: إن أخاها نبيذ الزبيب يريد به الماء الذي نبذ بزبيب ليصير حلوا من غير أن تشوبه حرمة فإنه أخوها إلا أنه حلال وهي حرام.
321 وقد أنشده الزجاج في تفسيره عند قوله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر قال: الخمر المجمع عليه وقياس كل ما عمل عملها أن يقال له خمر وأن يكون في التحريم بمنزلتها لأن إجماع العلماء أن القمار كله حرام وإنما ذكر الميسر من بينه. وجعل كله حراما قياسا على الميسر والميسر إنما كان قمارا في الجزر خاصة.) فكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلته وتأويل الخمر في اللغة أنه ما ستر على العقل يقال: لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر بالتحريك. وما ستره من شجر خاصة ضرا مقصور. يقال: دخل في خمار الناس أي: في الكثير الذي يستتر فيهم. وخمار المرأة قناعها وإنما قيل له خمار لأنه يغطيها. والخمرة بالضم: التي يسجد عليها إنما سميت بذلك لأنها تستر الوجه عن الأرض. وقيل للعجين: قد اختمر لأن فطورته قد غطاها الخمر أعني الاختمار. يقال: قد أخمرت العجين وخمرته وفطرته فهذا كله يدل على أن كل مسكر خمر وكل مسكر مخالط العقل ومغط عليه. وليس يقول أحد للشار إلا مخمور من كل مسكر وبه خمار. فهذا بين واضح. وقد لبس على أبي الأسود الدؤلي فقيل له: إن هذا المسكر الذي سموه بغير الخمر حلال فظن أن ذلك كما قيل ثم رده طبعه إلى أن حكم بأنهما واحد فقال: دع الخمر يشربها الغواة................. البيتين وما ذكره خلاف المعنى الذي ذكره الجماعة. وقد وافقه في هذا المعنى أبو القاسم عبد الرحمن السعدي الأندلسي وتوفي بمصر في سنة خمس وخمسين وخمسمائة
322 في كتاب مساوي الخمرة وهو كتاب ضخم وهو عندي في جلدين قال فيه: وقد حرم الخمر والقمار والزنى على نفسه في الجاهلية عفيف بن معد يكرب الكندي بقوله: الوافر * وقالت لي: هلم إلى التصابي * فقلت عففت عما تعلمينا * * وودعت القداح وقد أراني * لها في الدهر مشغوفا رهينا * * وحرمت الخمور علي حتى * أكون بقعر ملحود رهينا * أنت ترى كيف تفهم ما في القمار من المشاركة للزنى والخمر في سوء الذكر. ولا ننس قوله: وحرمت الخمر فأتى بها بلفظ الجمع إشارة إلى اختلاف أجناسها كالخمر المتخذة من ماء العنب ونبيذ الزبيب والتمر والشعير والحنطة والعسل وأمثال هذه إذ الكل خمرو مختلفة الألوان والطعوم والأمزجة. وقد قال ابن شبرمة منبها على اشتراك هذه كلها في المعنى: * يا أخلاء إنما الخمر ذيب * وأبو جعدة الطلاء المريب * * ونبيذ الزبيب ما اشتد منه * فهو للخمر والطلاء نسيب *) وقال عبيد بن الأبرص: المتقارب * وقالوا هي الخمر تكنى الطلاء * كما الذئب يكنى أبا جعدة * وقد قال أبو الأسود الدئلي: دع الخمر يشربها الغواة................... البيت
323 فقيل له: فنبيذ الزبيب فقال: * فإلا يكنها أو تكنه فإنه * أخوها غذته أمه بلبانها * اه. وقوله: دع الخمر أي: اترك. والغواة: جمع غاو وهو الضال. وقوله: مجزئا قال ابن الأنباري في وقوله: فإلا يكنها الخ الفاء للتفريع والتفسير وإن شرطية ولا نافية وتكنه معطوف على تكنها فهو منفي أيضا وجملة: فإنه أخوها جواب الشرط وجملة: غذته أمه الخ لا محل لها من الإعراب لأنها مفسرة للأخوة كقوله تعالى: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب وقال العيني: هي خبر بعد خبر ويجوز أن تكون حالا من الهاء في أخوها والعامل فيها إن. هذا كلامه. واللبان بكسر اللام قال الأعلم: هو للآدميين واللبن لغيرهم وقد يكون جمع لبن في هذا الموضع. اه. قال ابن السكيت: يقال هو أخوه بلبان أمه ولا يقال: بلبن أمه إنما اللبن الذي يشرب. قال الكميت يمدح مخلد بن يزيد: الرجز * ترى الندى ومخلدا حليفين * كانا معا في مهده رضيعين * تنازعا فيه لبان الثديين وقال الحريري في درة الغواص: اللبان: مصدر لابنه. قال ابن بري في حاشيته عليه: اللبان مصدر لابنه أي: شاركه في اللبن ليس بإجماع بل الأكثر على جواز غير ذلك.
324 قال بعضهم: اللبان بمعنى اللبن إلا أنه مخصوص بالآدمي وأما اللبن فعام في الآدمي وغيره. وقال آخرون: اللبان جمع لبن. فمما جاء فيه اللبان للمشاركة في اللبن قولهم: هو أخوه بلبان أمه. كذا فسره يعقوب أي: هو أخوه لمشاركته في الرضاع. وعليه قول الكميت المذكور. وقال أبو سهل الهروي: لبان هنا جمع لبن وعلى قول غيره هو لغة في اللبن. وكذلك بيت أبي) الأسود الدؤلي. اه كلامه. وترجمة أبي الأسود قد تقدمت في الشاهد الأربعين. وأنشد بعده الشاهد الرابع والتسعون بعد الثلاثمائة السريع لولاك في ذا العام لم أحجج على أنه يجوز ورود الضمير المشترك بين النصب والجر على قلة بعد لولا. ولولا حرف جر عند سيبويه كما ذكره الشارح ويأتي نص كلامه في البيت الذي بعد هذا. وأنشده الزمخشري في سورة ص مستشهدا به على أن لات تجر الأحيان كما أن لولا تجر الضمائر. وهو عجز وصدره:
325 وبعده: * أنت إلى مكة أخرجتني * ولو تركت الحج لم أخرج * وروي: حبا ولولا أنت لم أخرجه وهما من شعر عمر بن أبي ربيعة. وأومت: أشارت. والكاف في لولاك مفتوحة كما أن التاء من أنت كذلك. خاطبته حبيبته ومنت عليه بتحمل المشاق لأجله. وزعم الخطيب التبريزي في شرح ديوان أبي تمام أن البيت الشاهد للعرجي المذكور آنفا. ولم يوجد في ديوانه والذي رواه العلماء أنه لعمر بن أبي ربيعة وهو موجود في شعره. وسبب توهمه: أن للعرجي أبياتا على هذا النمط رواها الزجاجي في أماليه الوسطى بسنده إلى إسحاق بن سعد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: كان العرجي وهو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان يشبب بامرأة محمد ابن هشام. وقال غيره: إنه يشبب بامرأته الحارثية: السريع * عوجي علينا ربة الهودج * إنك إن لا تفعلي تحرجي * * أيسر ما قال محب لدى * بين حبيب قوله عرج *
326 ) * من حيكم بنتم ولم ينصرم * وجد فؤادي الهائم المنضج * * فما استطاعت غير أن أومأت * بطرف عيني شادن أدعج * * تذود بالبرد لها عبرة * جاءت بها العين ولم تنشج * * مخافة الواشين أن يفطنوا * بشأنها والكاشح المزعج * * أقول لما فاتني منهم * ما كنت من وصلهم أرتجي * * إني أتيحت لي يمانية * إحدى بني الحارث من مذحج * * نمكث حولا كاملا كله * لا نلتقي إلا على منهج * * في الحج إن حجت وماذا منى * وأهله إن هي لم تحجج * فقال عطاء: الكثير الطيب يا خبيث. وروى أيضا صاحب الأغاني بسنده أن مما قال العرجي في الجيداء أم محمد بن هشام المخزومي وهي من بني الحارث بن كعب: عوجي علينا ربة الهودج الأبيات الأربعة. فلما سمع البيت الأخير عطاء بن أبي رباح قال: الخير والله كله في منى وأهله
327 حجت أم لم قال: ولقي ابن سريح عطاء في منى وهو راكب على بغلته فقال له: سألتك بالله إلا وقفت لي حتى أسمعك شيئا. قال: ويحك دعني فإني عجل فقال: امرأتي طالق إن لم تقف مختارا للوقوف لأمسكن بلجام بغلتك ثم لا أفارقها ولو قطعت يدي حتى أغنيك وأرفع صوتي. فقال: هات وعجل فغناه: في الحج إن حجت وماذا منى............... البيت فقال: الخير والله كله في منى وأهله لا سيما وقد غيبها الله عن مشاعره خل سبي البغلة. اه. وقوله: نلبث حولا كاملا كله البيت هو من شواهد الكوفيين استدلوا به على جواز توكيد النكرة المحدودة. وقد نقله عنهم ابن هشام في مغني اللبيب ولأجله أوردت هذه الأبيات. وترجمة عمر بن أبي ربيعة تقدمت في الشاهد السابع والثمانين. وأنشد بعده) الشاهد الخامس والتسعون بعد الثلاثمائة وهو من شواهد س: الطويل
328 * وكم موطن لولاي طحت كما هوى * بأجرامه من قلة النيق منهوي * لما تقدم قبله قال سيبويه في باب ما يكون مضمرا فيه الاسم متحولا عن حاله إذا أظهر بعده وذلك لولاك ولولاي إذا أمضر فيه الاسم جر وإذا أظهر رفع. ولو جاءت علامة الإضمار على القياس لقلت: لولا أنت كما قال الله تعالى: لولا أنتم لكنا مؤمنين ولكنهم جعلوه مجرورا. والدليل على ذلك أن الياء والكاف لا تكونان علامة مضمر مرفوع قال يزيد بن الحكم: وكم موطن لولاي طحت................ البيت وهذا قول الخليل ويونس. وأما قولهم: عساك فالكاف منصوبة. قال الراجز: يا أبتا علك أو عساكا
329 والدليل على أنها منصوبة إنك إذا عنيت نفسك كان علامتك ني قال عمران بن حطان: الوافر * ولي نفس أقول لها إذا ما * تنازعني لعلي أو عساني * فلو كانت الكاف مجرورة لقال: عساي ولكنهم جعلوها بمنزلة لعل في هذا الموضع. فهذان الحرفان لهما في الإضمار هذا الحال كما كان ل لدن حال مع غدوة ليست مع غيرها وكما أن لات إذا لم تعملها في الأحيان لم تعملها فيما سواها فهي معها بمنزلة ليس فإذا جاوزتها ليس ورأي أبي الحسن أن الكاف في لولاك في موضع رفع على غير قياس كما قالوا: ما أنا كانت ولا أنت كأنا وهذان علم الرفع كذلك عساني. ولا يستقيم أن تقول: وافق الرفع الجر في لولاي كما وافقه النصب إذ قلت معك وضربك لأنك إذا أضفت إلى نفسك فالجر مفارق للنصب في هذه الأشياء. ولا تقل وافق الرفع النصب في عساني كما وافق النصب الجر في ضربك ومعك لأنهما إذا أضفت إلى نفسك اختلفا. وزعم ناس أن موضع الياء في لولاي وني في عساني في موضع رفع جعلوا لولاي موافقة للجر وني موافقة للنصب كما اتفق النصب والجر في الهاء والكاف وهذا وجه رديء لما ذكرت ولأنك لا ينبغي أن تكسر الباب وهو مطرد وأنت تجد له نظائر.) وقد يوجه الشيء على الشيء البعيد إذا لم يوجد له غيره. وربما وقع ذلك في كلامهم وقد بين بعض ذلك وستراه فيما يستقبل إن شاء الله. هذا نص سيبويه برمته. قال الأعلم: الشاهد في هذا البيت إتيان ضمير الخفض بعد لولا التي يليها المبتدأ
330 ولما كان مبتدؤها محذوف الخبر أشبه المجرور لانفراده والمضمر لا يتبين فيه الإعراب فوقع مجروره موقع مرفوعه والأكثر لولا أنت كالظاهر. ورد هذا المبرد وسفه قائله تحاملا منه وتعسفا. اه. وقد رأيت كلام المبرد في الكامل فإنه بعد أن نقل كلام سيبويه قال: والذي أقول أن هذا خطأ ولا يصلح إلا أن تقول لولا أنت كما قال تعالى: لولا أنتم لكنا مؤمنين. ومن خالفنا يزعم أن الذي قلناه أجود ويدعي الوجه الآخر فيجيزه على بعده. اه. وقد فصل ابن الشجري في أماليه الأقوال فقال في وقوع المضمر بعد لولا التي يرتفع الاسم بعدها بالابتداء: وللنحويين في ذلك ثلاثة مذاهب: فذهب سيبويه أن يرى إيقاع المنفصل المرفوع بعدها هو الوجه كقولك: لولا أنت فعلت كذا. ولا يمتنع من إجازة استعمال المتصل بعدها كقولك: لولاي ولولاك ولولاه ويحكم بأن المتصل بعدها مجرور بها فيجعل لها مع المضمر حكما يخالف حكمها مع المظهر. ومذهب الأخفش أن الضمير المتصل بعدها مستعار للرفع فيحكم بأن موضعه رفع بالابتداء وإن كان بلفظ المضمر المنصوب أو المجرور. فيجعل حكمها مع المضمر موافقا حكمها مع المظهر. ومذهب المبرد أنه لا يجوز أن يليها من المضمرات إلا المنفصل المرفوع. واحتج بأنه لم يأت في القرآن غير ذلك. ودفع الاحتجاج بهذا البيت وقال: إن في هذه القصيدة شذوذا في مواضع وخروجا عن القياس فلا معرج على هذا البيت. وأقول: إن الحرف الشاذ أو الحرفين أو الثلاثة إذا وقع ذلك في قصيدة من الشعر القديم لم يكن قادحا في قائلها ولا دافعا للاحتجاج بشعره. وقد جاء في شعر لأعرابي: لولاك في ذا العام لم أحجج
331 وللمحتج لسيبويه أن يقول: إنه لما رأى الضمير في لولاي ونحوه خارجا عن حيز ضمائر الرفع) وليست لولا من الحروف المضارعة للفعل فتعمل النصب كحروف النداء ألحقها بحروف الجر. وحجة الأخفش أن العرب قد استعارت ضمير الرفع المنفصل في قولهم: لقيتك أنت وكذلك استعاروه للجر في قولهم: مررت بك أنت أكدوا المنصوب والمجرور بالمرفوع. وأشذ منه إيقاعهم إياه بعد حرف الجر في قولهم: أنا كأنت وأنت كأنا. فكما استعاروا المرفوع للنصب والجر كذلك استعاروا المنصوب للرفع في قولهم: لولاي ولولاك ولولاه. اه. وقد نسب ابن الأنباري في مسائل الخلاف مذهب الأخفش إلى الكوفيين وذكر حجج الفريقين وصحح مذهب الكوفيين ورد كلام سيبويه بأن قوله إن الياء والكاف لا يكونان علامة مرفوع غير مسلم فإنه يجوز أن يستعار للمرفوع علامة المخفوض كما يستعار له علامة المنصوب في نحو عساك. ثم قال: والذي يدل على أن لولا ليس بحرف خفض أنه لو كان كذلك لوجب أن وقول البصريين إنه قد يكون الحرف في موضع مبتدأ لا يتعلق بشيء قلنا: الأصل في حروف الخفض أن يجوز الابتداء بها وأن تقع في موضع مفيد وإنما جاء ذلك نادرا في قولهم: بحسبك زيد وما جاءني من أحد لأن الحرف في نية الاطراح إذ لا فائدة له بخلاف لولا فإنه حرف جاء لمعنى وليس بزائد. ألا ترى أنك لو حذفتها لبطل ذلك المعنى الذي دخلت من أجله بخلاف الباء ومن. فبان الفرق بينهما. انتهى كلامه. وما نسبه ابن الأنباري للكوفيين نسبه النحاس في شرح أبيات سيبويه للفراء قال: مذهب سيبويه عند المبرد خطأ لأن المضمر يعقب المظهر فلا يجوز أن نقول المظهر مرفوعا والمضمر مجرورا. وأبو العباس المبرد لا يجيز لولاك ولولاه وإنما يقول لولا أنت.
332 قال أبو العباس: وحدثت أن أبا عمرو اجتهد في طلب مثل لولاك ولولاي بيتا يصدقه أو كلاما مأثورا عن العرب فلم يجده. قال أبو العباس: وهو مدفوع لم يأت عن ثقة ويزيد بن الحكم ليس بالفصيح. وكذلك عنده قول الآخر: لولاك هذا العام لم أحجج قال: إذا نظرت إلى القصيدة رأيت الخطأ فيها فاشيا. وقول سعيد الأخفش في لولاك: وافق ضمير الخفض في لولاي ليس هذا القول بشيء ولا يجوز هذا. وقال الفراء: لولاي ولولاك) المضمر في موضع رفع كما تقول لولا أنك ولولا أنت. قال: فإنما دعاهم أن يقولوا هذا لأنهم يجدون المكني يستوي لفظه في الخفض والنصب والرفع فيقال: ضربنا ومر بنا وقمنا فلما كان كذلك استجازوا أن تكون الكف في موضع أنت رفعا إذ كان إعراب المكني بالدلالات لا بالحركات. قال أبو الحسن بن كيسان: الوجه لولا أنت ولا يجوز أن يكون المضمر خلاف المظهر في الإعراب وهو بدل منه وموضوع موضعه ولكن المكني مستغن عن دلالته بالحرف الذي يوجب فيه الرفع ولا يقع منصوب ولا مخفوض واكتفى بدلالة الحرف مندلالة المكني وكان حرف أخصر من حروف. قال وهذا الذي اخترته هو مذهب الفراء. ثم قال النحاس: وأما أبو إسحاق فجرى على عاداته في الاحتجاج عن سيبويه والتصحيح عنه فقال إن خبر المبتدأ الذي بعد لولا لا يظهر فأشبهت لولا حروف الجر لوقعوع اسم بعدها وكان المضمر لا يتبين فيه إعراب فجعل موضع المجرور. وهذا احتجاج لطيف لم نر أحدا يحسن مثل هذا. وزاد عليه هذا أنه احتج بقول
333 رؤية وهو لولاكما قد خرجت نفساهما انتهى ما أورد النحاس مختصرا. قال ابن الأنباري: وأما إنكار أبي العباس المبرد جوازه فلا وجه له لأنه قد جاء كثيرا في كلامهم وأشعارهم. قال الشاعر: وأنت امرؤ لولاي طحت كما هوى.............. البيت وقال الآخر: الطويل * أتطمع فينا من أراق دماءنا * ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن * وقال بعض العرب: لولاك هذا العام لم أحجج وأما مجيء الضمير المنفصل بعده فلا خلاف أنه أكثر وأفصح وعدم مجيء الضمير المتصل في التنزيل لا يدل على عدم جوازه. وقد أنشد المبرد في الكامل في الموضع الذي نقلنا منه آنفا بيتا في وقعة للخوارج وهو:) * ويوم بجي تلافيته * ولولاك لاصطلم العسكر *
334 والموطن قال صاحب الصحاح: هو المشهد من مشاهد الحرب. وقد استشهد صاحب الكشاف بهذا البيت عند قوله تعالى: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة على أن المراد بالمواطن مواقف الحروب كما في البيت. ولولا هنا عند سيبويه حرف الجر لا يتعلق بشيء. وعند غيره الياء مبتدأ استعير لفظ غير المرفوع للمرفوع وخبره محذوف تقديره حاضر. وجملة: طحت في موضع النعت لموطن والرابط محذوف تقديره فيه وهو قد سد مسد جواب لولا عند من يجعلها على بابها وتكون معترضة بين النعت والمنعوت. قال ابن الشجري: والجملة التي هي لولاي طحت محلها جر على النعت لموطن والعائد محذوف. انتهى. وهذا باعتبار مذهب سيبويه. وطاح يطوح ويطيح أيضا بمعنى هلك وسقط وكذلك إذا تاه في الأرض. وقوله: كما هوى الخ مفعول مطلق لطحت من غير لفظه أي: طحت طيحا كهوي الساقط فما مصدرية وقيل: كافة. وهوى بالفتح يهوي بالكسر هويا بضم فكسر فتشديد أي: سقط إلى أسفل. والأجرام: جمع جرم بالكسر وهو الجسد. قال المبرد: في الكامل بعد إنشاده هذا البيت: جرم الإنسان: خلقه. والنيق: أعلى الجبل. وهذا مثل: شابت مفارقه كأنه جعل أعضاءه أجراما توسعا. وقد زل قلم ابن الشجري فقال: بأجرامه أي: بذنوبه جمع جرم.
335 ويروى: بإجرامه مصدر أجرم يقال: جرم وأجرم لغتان إذا أذنب. وأجرم لغة القرآن. انتهى. ولا يخفى أن جعل الأجرام جمع جرم بالضم وتفسيره بالذنب لا وجه له هنا. والنيق بكسر النون: أرفع الجبل. وقلته: ما استدق من رأسه. ومنهوي: ساقط وهو فاعل هوى. ونقل عن المبرد الطعن في هذه أيضا قال: انفعل لا يجيء مطاوع فعل إلا حيث يكون علاج وتأثير.) وقال ابن جني في شرح تصريف المازني: اعلم أن انفعل إنما أصله من الثلاثة ثم تلحقها الزيادتان نحو قطعته فانقطع ولا يكاد يكون فعل منه إلا متعديا حتى تمكن المطاوعة والانفعال. وقد جاء فعل منه غير متعد وهو: وكم موطن لولاي طحت البيت. فإنما هذه مطاوع هوى إذا سقط وهو غير متعد كما ترى. وقد جاء في هذه القصيدة وهو من قصيدة طويلة ليزيد بن الحكم يعاتب بها ابن عمه وقيل أخاه. وقد تقدمت مشروحة في الشاهد الثمانين بعد المائة. وهذا البيت مع شهرته لم يعرفه شارح شواهد التفسيرين خضر الموصلي حتى إنه قال: هو بيت لم يعزه أحد إلى قائله.
336 وأنشد بعده الشاهد السادس والتسعون بعد الثلاثمائة الطويل لعلك يوما أن تلم ملمة على أنه قد يجيء خبر لعل مضارعا مقرونا ب أن حملا لها على عسى. قال الزمخشري في المفصل: قد جاء في الشعر: * لعلك يوما أن تلم ملمة * علك من اللائي يدعنك أجدعا * قياسا على عسى. وقال ابن هشام في المغني: ويقترن خبر لعل بأن كثيرا حملا على عسى. كقوله: لعلك يوما أن تلم ملمة * فقولا لها قولا رقيقا لعلها * سترحمني من زفرة وعويل * انتهى. فلم يخصه بالشعر. وأما كثرة الاقتران بأن فهو بالنسبة إلى اقترانه بحرف التنفيس وأما بالنسبة إلى التجرد فهو قليل قطعا. ويؤيده أن المبرد قال في الكامل عند إنشاده هذا
337 البيت: إن التجرد من أن هو الجيد والاقتران بها غير جيد. فلم يقيده بالشعر. وقال بعضهم: الخبر في هذا البيت محذوف تقديره: لعلك معد لأن تلم ملمة أو نحوه.) قال الخطيب التبريزي في شرح المفضليات قوله: لعلك يوما أن تلم الخ أظنك أن ألم بك ملمة ممن الملمات التي تتركك ذليلا مجدوع الأنف والأذن. وخبر لعل محذوف مع حرف الجر من أن تلم ويكون تقدير الكلام ومعنا: لعلك لأرجوك لأن تلم بك ملمة. قال سيبويه: لعل طمع وإشفاق يريد أنه يكون للأمرين جميعا. فإذا كان هذا المعنى فكأنه يرجو الشر له ويطمع فيه. انتهى. وهذا البيت من قصيدة لمتمم بن نويرة الصحابي رثى بها أخاه مالك بن نويرة لما قتله خالد بن الوليد بتهمة الردة. وقد تقدم الكلام على قصة قتله مع شرح أبيات من هذه القصيدة في الشاهد السادس والثمانين. وهذه أبيات قبل البيت المذكور: * ألم تأت أخبار المحل سراتكم * فيغضب منكم كل من كان موجعا *
338 * بمشمته إذ صادف الحتف مالكا * ومشهده ما قد رأى ثم ضيعا * * أآثرت هدما باليا وسوية * وجئت بها تعدو بريدا مقزعا * * فلا تفرحن يوما بنفسك إنني * أرى الموت وقاعا على من تشجعا * لعلك يوما أن تلم ملمة............. البيت * نعيت أمرأ لو كان لحمك عنده * لآواه مجموعا له أو ممزعا * * فلا يهنئ الواشين مقتل مالك * فقد آب شانيه إيابا فودعا * وهذا آخر القصيدة. وقوله: ألم تأت أخبار المحل الخ هو بضم الميم وكسر الحاء المهملة وهو رجل من بني ثعلبة مر بمالك مقتولا فنعاه كأنه شامت به فذمه متمم. وقال ابن الأنباري في شرحه: المحل بن قدامة مر بمالك فلم يواره. والسراة: الأشراف. وروي: فيغضب منهم ومنها أي: من الأخبار. وقوله: بمشمته متعلق بموجعا وهو مصدر شمت به شماتة ومشمتا. ويروى: أن صادف الحتف مالك ورفع الحتف أجود من نصبه. ومشهده معطوف على مشمته والضمائر كلها للمحل.) وقوله: أآثرت استفهام توبيخي والخطاب للمحل. والهدم بالكسر: الثوب الخلق. والبالي: الفاني. والسوية بفتح المهملة وكسر الواو: كساء محشو بثمام أو نحوه يجعل على ظهر الإبل كالحلقة لأجل السنام. قال أبو جعفر: أعطي المحل سلب مالك ففرح به وأقبل راجعا. وقزع الرجل بالقاف والزاي المعجمة إذا أسرع في سيره. وقزع القوم رسولا إذا أرسلوا أراد: إنك تسعى بخبره مسرعا كمجيء البريد.
339 وقوله: فلا تفرحن يوما الخ هذا دعاء عليه أي: لا فرحت بنفسك. وقوله: وقاعا على من تشجعا أي: لا يفلت من الموت أحد. يقول: آثرت الثياب وجئت تعدو بشيرا تري الناس أنك قد فزعت لمقتله وإنما ذاك شماتة منك وسرور به. وقوله: لعلك يوما الخ الإلمام: النزول. والملمة: البلية النازلة. والأجداع: المقطوع الأنف والأذن ويستعمل في الذليل وهو المراد هنا. يقول: إيها الشامت لا تكن فحا بموت أخي عسى أن تنزل عليك بلية من البليات اللاتي يتركنك ذليلا خاضعا. وقوله: نعيت امرأ الخ النعي: الإخبار بالموت. والممزع: الممزق والمفرق. يقول: لو كنت أنت القتيل لآوى لحمك بدفنه سواء كان مجموعا أو ممزقا. وقوله: فلا يهنئ الواشين الخ هذا دعاء عليهم في صورة النهي. وأنشد بعده الشاهد السابع والتسعون بعد الثلاثمائة وهو من شواهد سيبويه: الوافر * ولي نفس أقول لها إذا ما * تنازعني لعلي أو عساني * على أن سيبويه استدل على كون الضمير وهو الياء منصوبا بلحوق نون الوقاية في عساني. قد تقدم نص سيبويه قبل هذا ببيتين.
340 قال النحاس: قال سيبويه في قولهك عساك: الكاف منصوبة. واستدل على ذلك بقولهم: عساني ولو كانت الكاف مجرورة لقال عساي. قال: ولكنهم جعلوها بمنزلة لعل في هذا الموضع. قال: فهذان الحرفان لهما في الإضمار هذا الحال كما كان ل لدن مع غدوة حال ليست مع غيرها. قال محمد بن يزيد المبرد: هذا غلط منه يعني جعله عسى بمنزلة لعل. قال: لأن أفعال الرجاء لا تعمل في المضمر إلا كما تعمل في المظهر. قال: تقديره عندنا أن المفعول مقدم والفاعل مضمر كأنه قال عساك الخير والشر. وأراد المبرد أن عسى ككان لأنهما فعلان. وذهب أبو إسحاق إلى صحة قول سيبويه واحتج له بأن عسى ليس بفعل حقيقي بل هو شيبة بلعل. ووجدت بخطي عن أبي إسحاق: يجوز أن يكون الضمير في موضع نصب بعسى في عساك والمرفوع محذوف أي: عسى الأمر إياك. وليس هذا بناقض لما أخذته عنه لأنه قال: يجوز. فذاك عنده الأصل وأجاز قول المبرد. انتهى. وزعم الأخفش تبعا ليونس أن عسى باقية على عملها عمل كان ولكن استعير ضمير النصب مكان ضمير الرفع. قال ابن هشام في المغني: ويرده أمران: أحدهما: أن إنابة ضمير عن ضمير إنما ثبت في المنفصل نحو ما أنا كأنت لا أنت كأنا. والثاني: أن الخبر قد ظهر مرفوعا في قوله: الطويل انتهى.
341 وهذا البيت لعمران بن حطان الخارجي. وقبله: الوافر * ومن يقصد لأهل الحق منهم * فإني أتقيه كما اتقاني) * (علي بذاك أن أحميه حقا * وأرعاه بذاك كما رعاني * يقال: قصدته وقصدت إليه. وضمير منهم للخوارج. ومن للبيان. جعل الخوارج بزعمه أهل حق. أي: من قصد لأهل الحق من الخوارج بمكروه فإني أدافعه وأحاربه واتقيه كما يتقيني. وقوله: ولي نفس تنازعني الخ يقول: إذا نازعتني نفسي فيحملها على ما هو أصلح لها أقول لها: طاوعيني لعل أجد المراد والظفر أو قلت لها لعلي أفعل هذا الذي تدعوني إليه. فإذا قلت لها هذا القول طاوعتني. وعمران بن حطان هو على ما في الجمهرة: عمران بن حطان بن ظبيان ابن شعل بن معاوية بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل السدوسي البصري التابعي المشهور أحد رؤوس الخوارج من القعدية بفتحتين وهم الذي يرون الخروج ويحسنونه لغيرهم ولا يباشرون بأنفسهم القتال. وقيل: القعدية لا يرون الحرب وإن كانوا يزينونه. وفي الأغاني إنما صار حطان من القعدة لأن عمره طال وكبر وعجز عن الحرب وحضورها فاقتصر على الدعوة والتحريض بلسانه. وكان أولا مشمرا لطلب العلم والحديث ثم بلي بذلك المذهب فضل وهلك لعنه الله. وقد أدرك صدرا من الصحابة وروى عنهم وروى عنه أصحاب الحديث. قال ابن حجر في الإصابة: وقد أخرج له البخاري وأبو داود واعتذر عنه بأنه إنما خرج عنه ما حدث به قبل أن يبتدع. واعتذر أبو داود عن التخريج بأن الخوارج أصح أهل الأهواء حديثا عن قتادة. وكان عمران لا يتهم في الحديث. وكان سبب ابتلائه أنه تزوج امرأة منهم فكلموه
342 فيها فقال: سأردها عن مذهبها. فأضلته. وفي الإصابة أنها كانت بنت عمه بلغه أنها دخلت في رأي الخوارج فأراد أن يردها عن ذلك فصرفته إلى مذهبها. وذكر المدائني أنها كانت ذات جمال وكان دميما قبيحا فقالت له مرة: أنا وأنت في الجنة. قال: من أين علمت ذلك. قالت: لأنك أعطيت مثلي فشكرت وابتليت بمثلك فصبرت. والشاكر والصابر في الجنة.) ومن شعره في مدح عبد الرحمن بن ملجم المرادي قبحهما الله تعالى قاتل أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين زوج البتول وصهر الرسول رضي الله عنه: البسيط * لله در المرادي الذي سفكت * كفاه مهجة شر الخلق إنسانا * * أمسى عشية غشاه بضربته * معطى مناه من الآثام عريانا * * يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا * * إني لأذكره حينا فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا * قال أبو محمد بن حزم: إن ابن ملجم عند الخوارج النصرية أفضل أهل الأرض لأنه خلص روح اللاهوت من ظلمة الجسد وكدره وعند الشيعة أنه أشقى الخلق في الآخرة. انتهى. وقد أجابه من القدماء بكر بن حماد التاهرتي من أهل القيروان وأجابه عنها السيد الحميري الشيعي وهي: البسيط * قل لابن ملجم والأقدار غالبة * هدمت ويلك للإسلام أركانا * * قتلت أفضل من يمشي على قدم * وأول الناس إسلاما وإيمانا *
343 * وأعلم الناس بالإيمان ثم بما * سن الرسول لنا شرعا وتبيانا * * صهر الرسول ومولاه وناصره * أضحت مناقبه نورا وبرهانا * * وكان في الحرب سيفا ماضيا ذكرا * ليثا إذا لقى الأقران أقرانا * * ذكرت قاتله والدمع منحدر * فقلت سبحان رب العرش سبحانا * * إني لأحسبه ما كان من بشر * يخشى المعاد ولكن كان شيطانا * * أشقى مراد إذا عدت قبائلها * وأخسر الناس عند الله ميزانا * * كعاقر الناقة الأولى التي جلبت * على ثمود بأرض الحجر خسرانا * * قد كان يخبرهم أن سوف يخضبها * قبل المنية أزمانا وأزمانا * * فلا عفا الله عنه ما تحمله * ولا سقى قبر عمران بن حطانا * * لقوله في شقي ظل مجترما * ونال ما ناله ظلما وعدوانا * * يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا * * بل ضربة من غوي أوردته لظى * فسوف يلقى بها الرحمن غضبانا * * كأنه لم يرد قصدا بضربته * إلا ليصلى عذاب الخلد نيرانا *) قال ابن السبكي في طبقات الشافعية: لقد أحسن وأجاد بكر بن حماد في معارضته فرضي لاله عنه وأرضاه وأخزى الله عمران بن حطان وقبحه ولعنه ما أجرأه على الله قال: وقال القاضي أبو الطيب الطبري: البسيط * إني لأذكره يوما فألعنه * دينا وألعن عمران بن حطانا * * عليك ثم عليه من جماعتنا * لعائن كثرت سرا وإعلانا * * فأنتما من كلاب النار جاء به * نص الشريعة إعلانا وتبيانا * وقد أجاب أيضا الإمام طاهر بن محمد الأسفرائني في كتاب الملل والنحل المسمى
344 بالتبصير في الدين: البسيط * كذبت وأيم الذي حج الحجيج له * وقد ركبت ضلالا منك بهتانا * * لتلقين بها نارا مؤججة * يوم القيامة لا زلفى ورضوانا * * تبت يداه لقد خابت وقد خسرت * وصار أبخس من في الحشر ميزانا * * هذا جوابي في ذا النذل مرتجلا * أرجو بذاك من الرحمن غفرانا * ونقل الإمام الباقلاني أن السيد الحميري نقضها عليه بقوله: البسيط * لا در المرادي الذي سفكت * كفاه مهجة خير الخلق إنسانا * * أصبح مما تعاطاه بضربته * مما عليه ذوو الإسلام عريانا * * أبكى السماء لباب كان يعمره * منها وحنت عليه الأرض تحتانا * * طورا أقول ابن ملعونين ملتقط * من نسل إبليس لا بل كان شيطانا * * عبد تحمل إثما لو تحمله * ثهلان طرفة عين هد ثهلانا * انتهى ما أورده ابن السبكي. ونقل الذهبي في تاريخ الإسلام أن شعر عمران بن حطان المذكور لما بلغ عبد الملك بن مروان أدركته الحمية ونذر دمه ووضع عليه العيون واجتهد الحجاج في أخذه وقيل: لما اشتهر بمذهبه أراده الحجاج ليقتله فهرب فلم يزل ينتقل من حي إلى حي إلى أن مات في تواريه في سنة أربع وثمانين. قال المبرد في الكامل: وكان من حديث عمران حطان فيما حدثني العباس بن الفرج الرياشي عن محمد بن سلام أنه لما أطرده الحجاج كان ينتقل في القبائل فكان إذا نزل في حي انتسب) نسبا يقرب منه ففي ذلك يقول: الوافر
345 * نزلنا في بني سعد بن زيد * وفي عك وعامر وعوبثان * * وفي لخم وفي أدد بن عمرو * وفي بكر وحي بني الغدان * ثم خرج حتى نزل عند روح بن زنباع الجذامي وكان روح يقري الأضياف وكان مسامرا لعبد الملك بن مروان أثيرا عنده فانتمى له من الأزد. وكان روح بن زنباع لا يسمع شعرا نادرا ولا حديثا غريبا عند عبد الملك فيسأل عنه عمران فذكر ذلك لعبد الملك فقال: إن لي جارا من الأزد ما أسمع من أمير المؤمنين خبرا ولا شعرا إلا عرفه وزاد فيه. فقال: خبرني ببعض أخباره. فخبره وأنشده فقال: إن اللغة عدنانية وإني لأحسبه عمران بن حطان. حتى تذاكروا ليلة قول عمران بن حطان يمدح ابن ملجم لعنه الله: * يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا * * إن لأذكره حينا فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا * فلم يدر عبد الملك لمن هو. فرجع روح فسأل عمران بن حطان عنه فقال عمران: هذا يقوله عمران بن حطان يمدح به عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن
346 أبي طالب رحمة الله عليه فرجع روح إلى عبد الملك فأخبره فقال له عبد الملك: ضيفك عمران بن حطان اذهب فجئني به. فرجع إليه فقال: إن أمير المؤمنين قد أحب أن يراك. فقال عمران: قد أردت أن أسألك هذا فاستحييت منك فامض فإني بالأثر. فرجع روح إلى عبد الملك فخبره فقال له عبد الملك: أما إنك سترجع فلا تجده. فرجع فوجد عمران قد احتمل وخلف رقعة فيها: البسيط * يا روح كم من أخي مثوى نزلت به * قد ظن ظنك من لخم وغسان * * قد كنت جارك حولا ما تروعني * فيه روائع من إنس ومن جان * * حتى أردت بي العظمى فأدركني * ما أدرك الناس من خوف ابن مروان * * فاعذر أخاك ابن زنباع فإن له * في النائبات خطوبا ذات ألوان * * يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن * وإن لقيت معديا فعدناني * * لو كنت مستغفرا يوما لطاغية * كنت المقدم في سري وإعلاني) * (لكن أبت لي آيات مطهرة * عند الولاية في طه وعمران * ثم ارتحل حتى نزل بزفر بن الحارث الكلابي أحد بين عمرو بن كلاب وانتسب له أوزاعيا. وكان عمران يطيل الصلاة وكان غلمان من بني عامر يضحكون منه فأتاه رجل يوما ممن رآه عند روح بن زنباع فسلم عليه فدعاه زفر. فقال: من هذا فقال: رجل من الأزد رأيته ضيفا لروح بن زنباع. فقال له زفر: يا هذا أزديا مرة وأوزاعيا مرة إن كنت خائفا آمناك وإن كنت فقيرا جبرناك.
347 فلما أمسى خلف في منزله رقعة وهرب فيها: البسيط * إن التي أصبحت يعيا بها زفر * أعيت عياء على روح بن زنباع * * حتى إذا انقطعت عني وسائله * كف السؤال ولم يولع بإهلاع * * فاكفف كما كف عني إنني رجل * إما صميم وإما فقعة القاع * * واكفف لسانك عن لومي ومسألتي * ماذا تريد إلى شيخ لأوزاع * * أما الصلاة فإني لست تاركها * كل امرئ للذي يعنى به ساعي * * أكرم بروح بن زنباع وأسرته * قوم دعا أوليهم للعلا داع * * جاورتهم سنة فيما أسر به * عرضي صحيح ونومي غير تهجاع * * فاعمل فإنك منعي بواحدة * حسب اللبيب بهذا الشيب من ناعي * ثم ارتحل حتى أتى عمان فوجدهم يعظمون أمر مرداس أبي بلال ويظهرونه فأظهر أمره فيهم فبلغ ذلك الحجاج فكتب إلى عامل عمان فيه فهرب عمران حتى أتى قوما من الأزد فلم يزل فيهم حتى مات. وفي نزوله بهم يقول: الطويل * نزلنا بحمد الله في خير منزل * نسر بما فيه من الأنس والخفر * * نزلنا بقوم يجمع الله شملهم * وليس لهم أصل سوى المجد يعتصر * * من الأزد إن الزد أكرم معشر * يمانية طابوا إذا نسب البشر *
348 * أم الحي قحطان وتلكم سفاهة * كما قال لي روح وصاحبه زفر * * وما منهما إلا يسر بنسبة * تقربني منه وإن كان ذا نفر) * (فنحن بنو الإسلام والله واحد * وأولى عباد الله بالله من شكر * وكان عمران رأس القعدية من الصفرية وفقيههم وخطيبهم وشاعرهم. وقال: لما قتل أبو بلال وهو مرداس بن أدية وهي جدته وأبوه حدير وهو أحد بني ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم: الوافر * لقد زاد الحياة إلي بغضا * وحبا للخروج أبو بلال * * أحاذر أن أموت على فراشي * وأرجو الموت تحت ذرا العوالي * * فمن يك همه الدنيا فإني * لها والله رب البيت قالي * وفيه يقول أيضا: البسيط * يا عين بكي لمرداس ومصرعه * يا رب مرداس الحقني بمرداس * * تركتني هائما أبكي لمرزئتي * في منزل موحش من بعد إيناس * * أنكرت بعدك ما قد كنت أعرفه * ما الناس بعدك يا مرداس بالناس * * إما شربت بكاس دار أولها * على القرون فذاقوا جرعة الكاس * هذا ما أورده المبرد في الكامل. وقال المرزباني: كان عمران شاعرا مفلقا مكثرا. وقال الفرزدق: كان عمران من أشعر الناس لأنه لو أراد أن يقول مثلنا لقال ولسنا نقدر أن نقول مثله.
349 ويروى أنه امرأته قالت له يوما: أما زعمت أنك لم تكذب في شعرك قط قال: أوقع ذلك قال: نعم ألم تقل: مجزوء الكامل * فهناك مجرأة بن ثو * ر كان أشجع من أسامة * أفيكون رجل أشجع من أسد قال: أما رأيت مجزأة بن ثور فتح مدينة والأسد لا يقدر على ذلك. وروي عن قتادة أنه قال: لقيني عمران بن حطان فقال: يا عمي احفظ عني هذه الأبيات: الكامل * حتى متى تسقى النفوس بكأسها * ريب المنون وأنت لاه ترتع * * أفقد رضيت بأن تعلل بالمنى * وإلى المنية كل يوم تدفع * * أحلام نوم أم كظل زائل * إن اللبيب بمثلها لا يخدع *) وفي تاريخ الإسلام للذهبي: أن سفيان الثوري كان يتمثل بأبيات عمران بن حطان هذه: الطويل * أراها وإن كانت تحب فإنها * سحابة صيف عن قليل تقشع * كركب قضوا حاجاتهم وترحلوا طريقهم بادي الغيابة مهيع ومن شعره السائر: الخفيف * أيها المادح العباد ليعطى * إن لله ما بأيدي العباد * * فسل الله ما طلبت إليهم * وارج فضل المهيمن العواد * ومن شعره وأورده أبو زيد في النوادر وقال: إنها قصيدة طويلة: الوافر
350 * وليس لعيشنا هذا مهاه * وليست دارنا هاتا بدار * * وإن قلنا لعل بها قرارا * فما فيها لحي من قرار * * لنا إلا ليالي هينات * وبلغتنا بأيام قصار * * أرانا لا نمل العيش فيها * وأولعنا بحرص وانتظار * * ولا تبقى ولا نبقى عليها * ولا في الأمر نأخذ بالخيار * * ولكنا الغداة بنو سبيل * على شرف ييسر لانحدار * * كركب نازلين على طريق * حثيث رائح منهم وساري * * وغاد إثرهم طربا إليهم * حثيث السير مؤتنف النهار * والمهاه بهاءين وفتح الميم: الصفاء والرقة. والصفرية بضم الصاد وسكون الفاء: جنس من الخوارج نسبوا إلى زياد بن الأصفر رئيسهم. وزعم قوم أن الذي نسبوا إليه هو عبد الله بن الصفار وأن الصفرية بكسر الصاد. كذا في الصحاح. ويقال للخوارج: الشراة بالضم الواحد شار سموا بذلك لقولهم: إنا شرينا أنفسنا في طاعة الله أي: بعناها بالجنة حين فارقنا الأئمة الجائرة. يقال منه: تشرى الرجل. وقد أطنب المبرد في أواخر الكامل في الكلام على الخوارج وفرقهم ووقائعهم.
351 ومن أراد الاطلاع عليه فليرجع إليه. وأنشد بعده الشاهد الثامن والتسعون بعد الثلاثمائة وهو من شواهد س: الرجز يا أبتا علك أو عساكا على أن الكاف خبر منصوب المحل واسم عسى ضمير مستتر على أحد قولي المبرد. وقد تقدم نص سيبويه قبل هذا بثلاثة أبيات. وقد أنشد أبو علي في إيضاح الشعر هذا البيت والذي قبله عن سيبويه ونقل عنه أن الكاف منصوبة ولو كانت مجرورة لقال عساي. قال أبو علي: وجه ذلك أن عسى لما كانت في المعنى بمنزلة لعل ولعل وعسى طمع وإشفاق فتقاربا أجري عسى مجرى لعل إذ كانت غير متصرفة كما أن لعل كذلك فوافقتها في العمل حيث أشبهتها في المعنى والامتناع من التصرف. فإن قلت: إذا صارت بمنزلتها لهذا الشبه فما المرفوع بها وهي إذا صارت بمنزلة لعل تقتضي مرفوعا لا محالة لأنه لا يكون المنصوب في هذا النحو بلا مرفوع. قيل: إن ذلك المرفوع الذي تقتضيه محذوف ولم يمتنع أن تحذفه وإن كان الفاعل
352 لا يحذف لأنها إذا أشبهت لعل جاز أن تحذف خبر هذه الحروف من حيث كان الكلام في الأصل الابتداء والخبر فحذفت كما تحذف أخبار المبتدءات. وكذلك المرفوع الذي يقتضيه عسى حذف على هذا الحد كما حذف الخبر من لعل في قوله: علك أو عساكا وقوله لعلي أو عساني وكما حذف في: المنسرح وكما حذف الخبر في قوله سبحانه: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله لا كما يحذف الفاعل. ويقوي ذلك أنهم قالوا: عسى الغوير أبؤسا فجعلوها بمنزلة ما يدخل على الابتداء والخبر. ومما يقوي حذف ذلك لهذه المشابهة وأن حذفه لا يمتنع من حيث امتنع حذف الفاعل أن ليس لما كانت غير متصرفة صارت عينها بمنزلة ليت في السكون ولم يكن في يائها الكسر والسكون ويكون ذلك المحذوف غائبا كأنه عساك الهالك أو عساك هو.)
353 فإن قلت: فإن جاء شيء بعد شيء من هذه الأبيات التي تشبه ما ذكر من عساك تفعل ولعلي أو عساني أخرج فما يكون الفاعل على قوله قيل: أما على ما ذهب إليه من أنه بمنزلة لعل فلا نظر فيه ويكون بمنزلة لعلك تخرج والقول فيه كالقول فيه. وأما على القول الآخر الذي رأيناه غير ممتنع فهو أشكل لأن الفاعل لا يكون جملة. فإن شئت قلت: إن الفعل في موضع رفع بأنه فاعل وكأنه أراد عساني أن أخرج فحذف أن وصار الفعل مع أن المحذوفة في موضع رفع بأنه فاعل كما كان في موضع رفع بالابتداء في قولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه وكقول أبي دواد: لولا تجاذبه قد هرب * وما راعنا إلا يسير بشرطة * وعهدي به قينا يفش بكير * فكما أن هذا على حذف أن وتقديره: ما راعنا إلا سيره بشرطة كذلك يكون فاعل عسى في نحو: عسى يفعل إنما هو على: عسى أن يفعل كقوله تعالى: عسى أن تكرهوا شيئا فتحذف أن وهي في حكم الثبات. ولو قال قائل إن عسى في عساني وعساك قد تضمن ضميرا مرفوعا وذلك الضمير هو الفاعل والكاف والياء في موضع نصب على حد النصب في قوله: عسى
354 الغوير أبؤسا لا على حد تشبيهه بلعل ولكن على أصل هذا الباب كأنه عداه إلى المضمر على حد ما عداه إلى المظهر الذي هو أبؤس كان وجها. فأما فاعلها فإنه لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون قد جرى له ذكر أو لم يجر له ذكر. فإن كان ذكره قد جرى فلا إشكال في إضماره. وإن لم يجر له ذكر فإنما تضمره لدلالة الحال عليه كما ذكر من قولهم: إذا كان غدا فأتنا فكذلك يكون إضمار الفاعل في عسى وتكون على بابها ولا تكون مشبهة بلعل. والأول الذي ذهب إليه كأنه إلى النفس أسبق. انتهى كلام أبي علي. وقد استشهد لما ذكره الشارح المحقق جماعة منهم الزمخشري في المفصل وابن هشام في أحدهما ما ذكره سيبويه من أن فيه تنوين الترنم. قال: وأما ناس كثير من بني تميم فإنهم يبدلون مكان المدة النون فيما ينون وفيما لا ينون لما لم يريدوا الترنم أبدلوا مكان المدة نونا ولفظوا بتمام البناء وما هو منه كما فعل أهل الحجاز ذلك بحروف المد سمعناهم يقولون للعجاج:) يا أبتا علك أو عساكن ثانيهما: ما ذكره شارح اللباب وغيره من أن في يا أبتا الجمع بين عوضين قال فإن التاء عوض من ياء المتكلم وإنما جاز الألف دون ياء المتكلم لأن التاء عوض من ياء التكلم فيمتنع الجمع بين العوض والمعوض بخلاف الألف فإن غايته أن يذكر عوضان وهو غير ممتنع وليس فيه الجمع بين العوض والمعوض كما زعم العيني وتبعه السيوطي في شواهد المغني. وقد خطأ أبو محمد الأعرابي الأسود رواية يا أبتا وقال: إنما الرواية تأنيا. وهو من التأني كما يجيء بيانه. وقد ذكر جميع شراح الشواهد أن ما قبله: الرجز تقول بنتي قد أنى إناكا
355 وأنى: فعل ماض بمعنى قرب. والإنى بكسر الهمزة والقصر: الوقت. قال تعالى: غير ناظرين إناه على أحد قوليه. وأنى إناك: حان حينك أي: حين ارتحالك إلى سفر تطلب رزقا فسافر وعلك بمعنى لعلك والخبر محذوف. وزعم العيني وتبعه السيوطي أن أناك بفتح الهمزة والمد. قال: أصله أناءك والأناء على فعال اسم من الفعل المذكور. وقد نازع أبو محمد الأعرابي في كون هذا ما قبله وقال: هما من أرجوزتين. ورد ردا شنيعا على ابن السيرافي فإنه قال في شرح أبيات سيبويه: قوله يا أبتا علك أو عساكن قبله: تقول بنتي قد أتى إناكا وفي شعره: فاستعزم الله ودع عساكا وقوله: قد أتى إناكا أي: ممن تلتمس منه مالا تنفقه. وقوله: يا أبتا علك أو عساكا أي: لعلك إن سافرت أصبت ما نحتاج إليه. وقوله: فاستعزم الله الخ أي: استخره في العزم على الرحيل والنصر ودع قولك: عساي لا أفوز بشيء إذا سافرت ويحصل بيدي التعب. قال أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب: خلط ابن السيرافي ها هنا من حيث أن النوى أشباه. وصحف في كلمة من البيت أيضا وهو قوله: يا أبتا وإنما هو: تأنيا علك أو عساكا)
356 فاستعزم الله ودع عساكا من أرجوزة وقوله: تأنيا علك أو عساكا من أرجوزة أخرى. فالتي فيها فاستعزم الله هي قوله يمدح بها الحارث بن سليم الهجيمي يقول فيها: * تقول بنتي قد أنى إناكا * فاستعزم الله ودع عساكا * * ويدرك الحاجة مختطاكا * قد كان يطوي الأرض مرتقاكا * * تخشى وترجى ويرى سناكا * فقلت إني عائك معاكا * * غيثا ولا أنتجع الأراكا * فابلغ بني أمية الأملاكا * * بالشام والخليفة الملاكا * وبخراسان فأين ذاكا * * مني ولا قدرة لي بذاكا * أو سر لكرمان تجد أخاكا * * إن بها الحارث إن لاقاكا * أجدى بسيب لم يكن ركاكا * والأرجوزة الأخرى يمدح فيها إبراهيم بن عربي وهي: * لما وضعت الكور والوراكا * عن صلب ملاحك لحاكا *
357 * تصفير أيدي العرس المداكا * تأنيا علك أو عساكا * * يسأل إبراهيم ما ألهاكا * من سنتين أتتا دراكا * * تلتحيان الطلح والأراكا * لم تدعا نعلا ولا شراكا * هذا ما أورده والله أعلم بالصواب: والأكثرون على أن هذا الرجز لرؤبة بن العجاج لا للعجاج. وقد تقدم ترجمتهما في أوائل الكتاب. وأنشد بعده الشاهد التاسع والتسعون بعد الثلاثمائة الكامل * هل تبلغني دارها شدنية * لعنت بمحروم الشراب مصرم * على أن النون الأولى في تبلغني نون التوكيد الخفيفة والنون الثانية نون الوقاية. وهذا البيت من معلقة عنترة بن شداد العبسي. وقبله: * تمسي وتصبح فوق ظهر حشية * وأبيت فوق سراة أدهم ملجم * * وحشيتي سرج على عبل الشوى * نهد مراكله نبيل المحزم * هل تبلغني دارها شدنية................
358 البيت قوله: تمسي وتصبح الضمير المؤنث لحبيبته وهي عبلة. والحشية: الفراش المحشو. والسراة بفتح السين: أعلى كل شيء وأراد به هنا ظهر فرسه. يقول: تمسي وتصبح فوق فراش وطيء وأبيت أنا فوق ظهر فرس أدهم ملجم. يعني أنها تتنعم وأنا أقاسي شدائد الأسفار والحروب. وقوله: وحشيتي سرج مبتدأ وخبر. يريد أن مستوطئ بسرج الفرس كما يستوطئ غيره الحشية والاضطجاع عليها. ثم وصف الفرس بأوصاف محمودة وهي غلظ القوائم وانتفاخ الجنبين وسمنها والعبل بالفتح: الغليظ. والشوى بالفتح: القوائم جمع شواة أي: على فرس غليظ القوائم والعظام كثير العصب. والنهد بفتح النون: الضخم المشرف. والمراكل جمع مركل كجعفر وهو الموضع الذي يصيب رجل الفارس من الجنبين إذا استوى على السرج. والنبيل: العظيم. والمحزم: موضع الحزام. وقوله: هل تبلغني الخ استبعد الوصول إليها لشدة بعدها فاستفهم عنه. وأبلغه المنزل إذا أوصله إليه. ودارها أي: دار عبلة. وشدنية: ناقة منسوبة إلى شدن بفتحتين وهو حي باليمن وقيل: أرض فيه. وقوله: لعنت بالبناء للمفعول قال التبريزي في شرح المعلقة: دعا عليها بانقطاع لبنها أي: بأن يحرم ضرعها اللبن فيكون أقوى لها وأسمن وأصبر على معاناة شدائد الأسفار لأن كثرة الحمل وقوله: بمحروم الشراب أي: بضرع ممنوع شرابه. وأصل حرم منع. وقيل: بمحروم الشراب أي: في محروم الشراب. وقال خالد بن كلثوم: لعنت:
359 نحيت عن الإبل لما علم أنها معقومة فجعلت للركوب الذي لا يصلح له إلا مثلها. والمصرم: الذي أصاب أخلافه شيء فقطعه من صرار أو) غيره. وقال أبو جعفر: المصرم: الذي يلوى رأس خلفه حتى ينقطع لبنه. وهو هنا مثل لاكي يريد: أنها معقومة ولا لبن لها. انتهى. وقال الأعلم في: شرح الأشعار الستة: قوله لعنت أي: سبت بضرعها كما يقال: لعنه الله ما أدهاه وما أشعره. وإنما يريد أن ضرعها قد حرم اللبن فذلك أوفر لقوتها وأصلب لها فتلعن ويدعى عليها على طريق التعجب من قوتها. والمصرم: المقطوع اللبن. وقيل معنى لعنت أنه دعا عليها بأن ضرعها يكون مقطوع اللبن إذ كان أقوى لها. والمعنى الأول أحسن وأبلغ. انتهى. وقوله: خطارة غب الخ هو صفة لشدنية. والخطارة: التي تخطر بذنبها يمنة ويسرة لنشاطها. والسري: سير الليل وغب الشيء: بعده. يقول: هي خطارة بعد السرى فكيف بها إذا لم تسر والزيافة: التي تزيف في سيرها كما تزيف الحمامة تسرع. وقوله: تقص الإكام أي: تكسرها بأخفافها لشدة وطئها وسرعة سيرها. يقال: وقص يقص بالقاف والصاد المهملة. ويروى: تطس بمعناه. يقال: وطس يطس إذا كسر. والإكام بالكسر: جمع أكم بفتحتين كجبال جمع جبل وهو ما ارتفع من الأرض. والميثم: الشديد الوطء. يقال: وثم الأرض يثمها بالمثلثة إذا وطئها وطئا. وقوله: بذات خف أي: بقوائم ذات أخفاف. وقد تقدم في الشاهد الثاني عشر من أوائل الكتاب شرح أبيات من هذه القصيدة مع ترجمة عنترة.
360 وأنشد بعده الشاهد الموفي الأربعمائة وهو من شواهد سيبويه: الوافر * تراه كالثغام يعل مسكا * يسوء الفاليات إذا فليني * على أنه قد جاء حذف نون الوقاية مع نون الضمير للضرورة كما هنا. والأصل: إذا فلينني بنونين. قال سيبويه: وإذا كان فعل الجميع مرفوعا ثم أدخلت فيه النون الخفيفة أو الثقيلة حذفت نون وتقول: هل تفعلن ذاك بحذف نون الرفع لأنك ضاعفت النون وهم يستثقلون التضعيف فحذفوها إذ كانت تحذف وهم في هذا الموضع أشد استثقالا للنونات وقد حذفوها فيما هو أشد من ذا بلغنا أن بعض القراء قال: تحاجوني وكان يقرأ: فبم تبشروني خفيف وهي قراءة أهل المدينة وذلك لأنهم استثقلوا التضعيف. قال عمرو بن معد يكرب: * تراه كالثغام يعل مسكا * يسوء الفاليات إذا فليني * يريد: إذا فلينني. انتهى. قال الأعلم: الشاهد في حذف النون في قوله فليني كراهة لاجتماع النونين وحذفت نون الياء دون جماعة النسوة لأنها زائدة لغير معنى. انتهى.
361 وهذا موافق لما قاله الشارح. وأخذ ابن مالك بظاهر كلام سيبويه في التسهيل أن المحذوف هنا نون النسوة وقال: هو مذهب سيبويه. ووجهه في شرحه بأنهم حافظوا على بقاء نون الوقاية مطلقا لما كان للفعل بها صون ووقاية. والبيت من أبيات ثمانية لعمرو بن معد يكرب قالها في امرأة لأبيه تزوجها بعده في الجاهلية. * تقول حليلتي لما قلتني * شرائج بين كدري وجون * * تراه كالثغام يعل مسكا * يسوء الفاليات إذا فليني * * فزينك في شريطك أم عمرو * وسابغة وذو النونين زيني * * فلو شمرن ثم عدون رهوا * بكل مدجج لعرفت لوني * * إذا ما قلت إن علي دينا * بطعنة فارس قضيت ديني) * (لقعقعة اللجام برأس طرف * أحب إلي من أن تنكحيني * * أخاف إذا هبطن بنا خبارا * وجد الركض أن لا تحمليني * * فلولا إخوتي وبني منها * ملأت لها بذي شطب يميني * الحليلة: الزوجة. وقلتني من القلى وهو البغض. وشرائج خبر مبتدأ محذوف أي: شعرك شرائج. والجملة مقول القول. وشرائج: جمع شريج بفتح الشين المعجمة وآخره جيم: الضرب والنوع.
362 قال ابن دريد في الجمهرة: كل لونين مختلفين هما شريجان. وأنشد هذا البيت. وقوله: بين كدري وجون أي: بعض الشرائج كدري أي: أغبر وبعضها جون. والكدري: منسوب إلى الكدرة. وجون بضم الجيم: جمع جونة وهو مصدر الجون بالفتح وهو من وقوله: تراه كالثغام الخ الضمير المستتر للحليلة والضمير البارز المنصوب لشعر الرأس المفهوم مما قبله. ورواه الفراء وابن دريد: رأته بالماضي وهو من رؤية العين. وكالثغام حال من الهاء وكذلك قوله يعل. والثغام بفتح المثلثة والغين المعجمة قال الأعلم: هو نبت له نور أبيض يشبه به الشيب. وقال صاحب الصحاح: هو نبت يكون في الجبل يبيض إذا يبس يقال له بالفارسية: درمنه إسبيذ يشبه به الشيب الواحدة ثغامة. وعللته ماء عللا من باب طلب: سقيته السقية الثانية. وعل هو يعل من باب ضرب إذا شرب. قال الأعلم: ومعنى يعل يطيب شيئا بعد شيء. وأصل العلل الشرب بعد الشرب. وهذا غير مناسب فإنه هنا متعد إلى مفعولين: أحدهما: نائب الفاعل وهو الضمير المستتر العائد إلى ما عاد إليه الهاء من تراه والثاني مسكا. وقوله: يسوء الفاليات فاعله ضمير الشعر والفاليات مفعوله وهو استئناف وهو دليل جواب إذا. والفالية هي التي تفلي الشعر أي: تخرج القمل منه. وقوله: فزينك في شريطك الخ هذا خطاب لها. وأم عمرو: منادى.
363 والزين: نقيض الشين مصدر زانه بمعنى زينه إذا جعل له زينة. والشريط قال جامع ديوانه: هو العيبة الصغيرة. والعيبة بالفتح ما تجعل فيه الثياب.) وقوله: وسابغة خبر مقدم. وزيني مبتدأ مؤخر. والسابغة: الدرع الواسعة الطويلة. وذو النونين: السيف والنون شفرته. وقوله: فلو شمرن ثم عدون الخ يعني النساء الفاليات. وشمر إزاره تشميرا: رفعه. والرهو: السير السهل مصدر رها يرهو في السير أي: رفق. والمدجج بجيمين على صيغة اسم المفعول هو اللابس آلة الحرب والسلاح. وقوله: إذا ما قلت الخ هو بضم التاء في الموضعين والطرف بالكسر: الفرس الجواد. والخبار بفتح الخاء المعجمة بعدها موحدة: الأرض الرخوة. وذو شطب هو السيف. وشطب السيف: طرائقه التي في متنه الواحدة شطبة. وترجمة عمرو بن معد يكرب تقدمت في الشاهد الرابع والخمسين بعد المائة. وهو من الصحابة رضي الله عنهم. وأنشد بعده الشاهد الحادي بعد الأربعمائة
364 * كمنية جابر إذ قال ليتي * أصادفه وأفقد جل مالي * على أن حذف نون الوقاية من ليتي ضرورة عند سيبويه. قال سيبويه: وقد قالت الشعراء ليتي إذا اضطروا كأنهم شبهوه بالاسم حيث قالوا: الضاربي والمضمر منصوب. قال زيد الخيل: * كمنية جابر إذ قال ليتي * أصادفه وأتلف بعض مالي * انتهى. وهذا من أبيات لزيد الخيل رضي الله عنه وأولها: * تمنى مزيد زيدا فلاقى * أخا ثقة إذا اختلف العوالي * كمنية جابر إذ قال ليتي................. البيت وقد اقتصر عليهما أبو زيد في نوادره. وبعدهما: * تلاقينا فما كنا سواء * ولكن خر عن حال لحال) * (ولولا قوله يا زيد قدني * لقد قامت نويرة بالمآلي * وقوله: تمنى مزيد الخ مزيد بفتح الميم وسكون الزاء المعجمة بعدها مثناة تحتية قال ابن السيرافي وغيره: هو رجل من بني أسد كان يتمنى أن يلقى زيد الخيل فلقيه زيد الخيل فطعنه فهرب منه. وقوله: أخا ثقة أي: صاحب وثوق بشجاعته وصبره في الحرب. والعوالي: جمع عالية والعالية من الرمح: ما يلي الموضع الذي يركب فيه السنان. يعني وقت اختلاف الرماح ومجيئها وذهابها للطعان.
365 وقوله: كمنية جابر الخ هو في موضع المفعول المطلق أي: تمنى مزيد تمنيا كتمني جابر. والمنية بالضم: اسم للتمني وفي الأصل الشيء الذي يتمنى. وإنما قال: تمنى مزيد زيدا ولم يقل: تمناني مزيد للتهويل والتفخيم فإن زيدا قد اشتهر بالشجاعة فلو أتى بالضمير لفات هذا. وجابر: رجل من غطفان تمنى أن يلقى زيدا حتى صبحه زيد فقالت له امرأته: كنت تتمنى زيدا فعندك فالتقيا فاختلفا طعنتين وهما دارعان فاندق رمح جابر ولم يغن شيئا وطعنه زيد برمح له كان على كعب من كعابه ضبة من حديد فانقلب ظهرا لبطن وانكسر ظهره فقالت امرأته وهي ترفعه منكسرا ظهره: كنت تتمنى زيدا فلاقيت أخا ثقة. ومعنى البيتين أن مزيدا تمنى أن يلقى زيدا كما تمنى جابر وكلاهما لقي منه ما يكره. * ألا أبلغ الأقياس قيس بن نوفل * وقيس بن أهبان وقيس بن جابر * قال: قيس بن جابر هو الذي يقول فيه زيد: كمنية جابر إذ قال ليتي فسماه باسم أبيه كما قال الآخر: الرجز يحملن عباس بن عبد المطلب وإنما يريد عبد الله بن عباس. انتهى. وروى أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل: كمنية حائن بالنون أي: هالك والمراد به جابر المذكور.
366 وقوله: وأفقد جل مالي فقد يفقد من باب ضرب بمعنى عدم. وروى بدله: وأتلف من الإتلاف. وجل الشيء معظمه. وهذه رواية الجوهري وروى غيره:) بعض مالي. قال العيني: والأول أحسن. ومن زعم أن بعضا يرد بمعنى كل وخرج عليه قوله تعالى: يصبكم بعض الذي يعدكم قول الأعشى: البسيط * قد يدرك المتمني بعض حاجته * وقد يكون مع المستعجل الزلل * صح عنده حمل رواية الجماعة على ذلك فيكون أبلغ من رواية الجوهري. إلا أن هذا القول مردود. انتهى. وإذ ظرف عامله منية وجملة: أصادفه خبر ليت. وأفقد منصوب بإضمار أن فإنها تضمر بعد واو المعية الواقعة بعد التمني. قال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل: قال صدر الأفاضل: وأفقد بالنصب كما لو كان مكان الواو الفاء كأنه قال: ليتني أصادف زيدا وأن أفقد بعض مالي أي: يجتمع هذا مع فقدان بعض المال. وقال العيني: أفقد بالرفع جملة فعلية عطف على أصادفه. كذا قيل وفيه نظر لأنه يلزم أن يكون فقد بعض ماله متمنى وليس كذاك والصحيح أنه مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: وأنا أفقد بعض مالي وتكون الواو للحال. انتهى. أقول: لا مانع على الوجه الأول من جعل الواو للمعية. ثم قال: ويقال أفقد منصوب لأنه جواب التمني. وهذا لا يتمشى إلا إذا قرئ بالفاء فأفقد. انتهى. أقول: كأنه لم يطرق أذنه أن المضارع ينصب بإضمار أن بعد واو المعية كما
367 ينصب بعد فاء * وقل لمن يدعي في العلم فلسفة * حفظت شيئا وغابت عنك أشياء * ثم قال: ولكن يجوز نصبه بإضمار أن. أقول: كأن هذا الإضمار عنده من القسم السماعي الذي لم يطرد. وفيما قلنا غنية عن هذا. فتأمل. وقوله: تلاقينا فما كنا سواء الخ خر بالخاء المعجمة: سقط. والحال بالحاء المهملة: موضع اللبد من ظهر الفرس والحال الثانية: الوقت الحاضر. أي: سقط عن ظهر الفرس بطعن في الحال. وقوله: ولولا قوله أي: لولا قول جابر. وقدني: اسم فعل بمعنى حسبي. ونويرة بضم النون:) امرأة جابر. قال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل: والمآلي: جمع مئلاة وهي الخرقة التي تكون مع النائحة تأخذ بها الدمع أي: لولا قول جابر حسبي يا زيد من الطعن قامت امرأته ملتبسة بالخرق. تنوح عليه وتبكي أي: قتلته. وقوله: بمطرد المهزة أراد به الرمح فإنه إذا هز باليد يطرد. والخلال بكسر الخاء المعجمة: العود الذي يتخلل به وربما يخل به الثوب أيضا. أراد أن الرمح كان سنانه دقيقا مثل الخلال. وزيد الخيل هو كما قال صاحب الاستيعاب: زيد بن مهلهل بن زيد ابن منهب الطائي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد طيئ سنة تسع فأسلم وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير وقال له: ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا رأيته دون الصفة غيرك. وأقطع له أرضين في ناحيته.
368 ويكنى أبا مكنف وكان له ابنان مكنف وحريث وقيل: حارث. أسلما وصحبا النبي صلى الله عليه وسلم وشهدا قتال الردة مع خالد بن الوليد. وكان زيد الخيل شاعرا محسنا خطيبا لسنا شجاعا بهمة كريما. وكان بينه وبين كعب بن زهير هجاء لأن كعبا اتهمه بأخذ فرس له. قيل: مات زيد الخيل منصرفه من عند النبي صلى الله عليه وسلم محموما فلما وصل إلى بلده مات. وقيل بل مات في آخر خلافة عمر. وكان قبل إسلامه قد أسر عامر بن الطفيل وجز ناصيته. هذا ما أورده صاحب الاستيعاب. وقيل له زيد الخيل لخمسة أفراس كانت له. وكان طويلا جسيما موصوفا بطول الجسم وحسن القامة وكان يركب الفرس العظيم الطويل فتخط رجلاه في الأرض كأنه راكب حمارا. وأنشد بعده الرمل * أيها السائل عنهم وعني * لست من قيس ولا قيس مني * على أن حذف النون ضرورة عند سيبويه والقياس: عني ومني بتشديد النون فيهما.
369 قال ابن هشام في شرح شواهده: إذا جرت الياء بمن أو عن وجبت النون حفظا للسكون لأنه) الأصل فيما يبنون. وقد يترك في الضرورة. قال: أيها السائل عنهم وعني................. البيت وفي النفس من هذا البيت شيء لأنا لم نعرف له قائلا ولا نظيرا لاجتماع الحذف في الحرفين. ولذلك نسبه ابن الناظم إلى بعض النحويين ولم ينسبه إلى العرب. وفي التحفة: لم يجئ الحذف إلا في بيت لا يعرف قائله. اه. ووقع فيه قيس في موضع الضمير مرتين. وارتفاع الثاني بالابتداء لأن لا لا تعمل إلا في النكرات. انتهى كلام ابن هشام. وقيس في الموضعين غير منصرف للعلمية والتأنيث المعنوي لأنه بمعنى القبيلة. وهو أبو قبيلة من مضر ويقال له: قيس عيلان واسمه الناس بن مضر بن نزار بهمزة وصل ونون وهو أخو إلياس قال ابن الكلبي في الجمهرة: إنما عيلان عبد لمضر حضن الناس ورباه فغلب عليه ونسب إليه. وقال صاحب القاموس: وقيس عيلان تركيب إضافي لأن عيلان اسم فرس قيس لا اسم أبيه كما ظنه بعض الناس. اه. يقال: تقيس فلان إذا تشبه بهم أو تمسك منهم بسبب إما بحلف أو جوار أو ولاء. قال رؤبة: الرجز
370 وقيس عيلان ومن تقيسا وقال الجواليقي في شرح أدب الكاتب: قيس عيلان بن مضر ويقال قيس ابن عيلان واسمه الناس بالنون وأخوه إلياس بالياء. وكان الناس بالنون متلافا وكان إذا نفد ما عنده أتى أخاه إلياس بالتحية فيناصفه أحيانا ويؤيسه أحيانا فلما طال ذلك عليه وأتاه كما كان يأتيه قال له إلياس: غلبت عليك العيلة فأنت عيلان فسمي لذلك عيلان وجهل الناس. ومن قال قيس بن عيلان فإن عيلان كان عبدا لمضر حضن ابنه الناس فغلب على نسبته. اه. وقد تقدم هذا الكلام في الشاهد الخامس عشر من أوائل الكتاب. والقبيلة المنسوبة إلى قيس هي خصفة بن قيس بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة والفاء. وأنشد بعده) الشاهد الثالث بعد الأربعمائة وهو من شواهد س: الرجز * قدني من نصر الخبيبين قدي * ليس الإمام بالشحيح الملحد *
371 على أن هذا ضرورة والقياس قدني بالنون. قال سيبويه: وسألته رحمه الله يعني الخليل بن أحمد عن قولهم قطني ومني وعني ولدني ما بالهم جعلوا علامة المجرور ها هنا كعلامة المنصوب فقال: إنه ليس من حرف تلحقه ياء الإضافة إلا كان متحركا مكسورا ولم يريدوا أن يحركوا الطاء ولا النونات لأنها لا تذكر أبدا إلا وقبلها حرف متحرك مكسور وكانت النون أولى لأن من كلامهم أن تكون النون والياء علامة المتكلم فجاؤوا بالنون لأنها إذا كانت مع الياء لم تخرج هذه العلامة من علامات الإضمار وكرهوا إن يجيئوا بحرف غير النون فيخرجوا من علامات الإضمار. وإنما حملهم على أن لم يحركوا الطاء والنونات كراهية أن يشبه الأسماء نحو: يد وهن. وأما ما يحرك آخره فنحو مع ولد كتحريك أواخر هذه الأسماء لأنه إذا تحرك آخره فقد صار كأواخر الأسماء فمن ثم لم يجعلوها بمنزلتها فمن ذلك معي ولدي في مع ولد وقد جاء في الشعر قدي. قدني من نصر الخبيبين قدي لما اضطر شبهه بحسبي وهني لأن ما بعد حسب وهن مجرور كما أن ما بعد قط مجرور فجعلوا علامة الإضمار فيهما سواء كما قال: ليتي حيث اضطر. انتهى كلام سيبويه. ورده صاحب الكشاف والبيضاوي عند قوله تعالى: قد بلغت من لدني عذرا على قراءة نافع بتحريك نون لدن والاكتفاء بها عن نون الوقاية كما في: قدني من نصر الخبيبين قدي وعند ابن مالك نون الوقاية في قدني وقطني غير لازمة بل يجوز ذكرها وحذفها.
372 واستشهد لقط بما روي في الحديث من قوله: قطي قطي بعزتك يروى بسكون الطاء وبكسرها مع الياء وبدونها. وقال في الألفية: الرجز * وفي لدني لدني قل وفي * قدني وقطني الحذف أيضا قد يفي * قال الشاطبي: قوله قل دليل على أن هذا جائز عنده في الكلام لا مختص بالشعر. وهذا دأبه في) النظم إنما يعبر بلفظ القلة عما جاء في النثر. وهو ثابت بقراءة نافع وأبي بكر. ونبه بذلك على مخالفة ظاهر كلام سيبويه. قال في شرح التسهيل: وزعم سيبويه أن عدم لحاقها من الضرورات. وليس كذلك بل هو جائز في الكلام الفصيح كقراءة نافع: قد بلغت من لدني عذرا بالتخفيف. ثم قال الشاطبي: وقوله: وفي قدني وقطني الحذف أيضا قد يفي يريد أن حذف نون الوقاية فيهما قد يأتي. وإتيانه بقد يفي إشعار بأنه مسموع في الكلام بل قد يكثر كثرة ما إذ معنى يفي يكثر أي: إنه يكثر في السماع فلا يكون معدودا في الشواذ ولا في الضرائر. وهذا تنكيت منه على سيبويه ومن قال بقوله: أن عدم اللحاق يختص بالشع. اه. وقد تبعه ابن هشام في شرح شواهده قال: إذا جرت الياء بلدن أو قط أو قد فالغالب إثبات النون حفظا للسكون وقد يترك. دليله في لدن قوله تعالى: قد بلغت من لدني عذرا قرئ مخففا ومشددا. وأما قول سيبويه: إن ترك النون مع لدن ضرورة فمردود بالقراءة ولا يقال إنها جاءت على من يقول لد وتكون النون للوقاية لأنه لا وجه حينئذ لدخول النون إذ لا سكون فيحفظ. ودليله في قد قوله: قدني من نصر الخبيبين قدي
373 وفي هذا نظر واضح. وقد أغرب الجوهري في زعمه أن لحاق النون لقدني على خلاف القياس. قال: فأما قولهم قدك بمعنى حسبك فهو اسم تقول: قدي وقدني أيضا بالنون على غير قياس لأن هذه النون إنما تزاد في الأفعال. واضح البطلان. وقال ابن هشام في المغني: قد الاسمية على وجهين: اسم مرادف لحسب والغالب فيها البناء يقال: قد زيد درهم وقدني بالنون حرصا على السكون. وتعرب بقلة يقال: قد زيد درهم بالرفع كما يقال حسبه درهم بالرفع وقدي بغير نون كما يقال حسبي. والوجه الثاني: اسم فعل مرادفة ليكفي يقال: قد زيدا درهم وقدني درهم كما يقال: يكفي زيدا درهم ويكفيني درهم.) وقوله: قدني من نصر الخبيبين قدي يحتمل قد الأولى أن تكون مرادفة لحسب على لغة البناء وأن تكون اسم فعل. وأما الثانية فتحتمل الأول وهو واضح والثاني على أن النون حذفت ضرورة ويحتمل أنه اسم فعل لم يذكر مفعوله فالياء للإطلاق والكسر للساكنين اه. وفيه أمور: أحدها: قال الدماميني: لو كانت مرادفة ليكفي لكانت فعلا واللازم باطل ولا أدري لم جعلها بمعنى المضارع مع أن مجيء اسم الفعل بمعناه فيه كلام وابن الحاجب يأباه. وقد صرح ابن قاسم أنها بمعنى كفى. اه. والصواب ما قاله الشارح في باب اسم الفعل أن معنى قدك اكتف ومعنى قدني لأكتف. فيكون الأول أمرا للمخاطب والثاني أمرا للمتكلم نفسه. وهذا كلام في غاية الوضوح. ثانيها: إذا كانت قد في الموضعين بمعنى يكفي فأين فاعلها ثالثها: يرد على قوله إن الياء للإطلاق والكسرة للساكنين قول شارحه الدماميني:
374 إن حرف الإطلاق حرف مد يتولد من إشباع حركة الروي فلا وجود له إلا بعد تحريك الروي فإذن لم يلتق ساكنان. اه. وقد أعاد ابن هشام هذا الكلام في شرح شواهده فقال: الشاهد في قوله قدني بإلحاق النون. وأما قدي فقال الشارح يعني ابن الناظم وغيره: إنه شاهد على ترك النون. وليس كما قالوا لجواز أن يكون أصله قد ثم ألحق ياء للقافية وكسر الدال للساكنين. وإنما شاهد الحذف قوله: الطويل قدي الآن من وجد على هالك قدي ولا يخفى فساد قوله ثم ألحق ياء للقافية فإنها دالية لا يائية. وقوله: من نصر الخبيبين من متعلقة ب قدني لأنه بمعنى لأكتف كما حققه الشارح في باب اسم الفعل. وذهب بعضهم إلى أن قدني مبتدأ بمعنى حسبي والجار والمجرور خبره وأن المعنى حسبي من نصرة هذين الرجلين أي: لا أنصرهما بعد. قال ابن هشام في شرح شواهده: ويجوز أن يكون النصر هنا بمعنى العطية كقول بعض السؤال: من ينصرني ينصره الله وخرج عليه قوله تعالى: من كان يظن أن لن ينصره الله وعلى هذا) فالإضافة للفاعل: ويرجح الأول أنه لم يفرد أبا خبيب بالذكر وإنما يكون العطاء غالبا من ولي الأمر. اه. والخبيبين قيل مثنى خبيب وقيل: جمع خبيب. فعلى الأول الباء الثانية
375 مفتوحة وعلى الثاني مكسورة. وخبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة: مصغر خب. وخبيب هو ابن عبد الله بن الزبير. وكان عبد الله يكنى بأبي خبيب. قال بعض فضلاء العجم في شحر شواهد المفصل: وكنيته المشهورة أبو بكر وكانوا إذا أرادوا ذمه كنوه بأبي خبيب. وفي حاشيته: لعله للإشعار بكونه منقولا من مصغر الخب بالكسر وهو الرجل الخداع. وقال ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل: أراد بالخبيبين مثنى عبد الله ومصعبا ابن الزبير. وخالف ما جاء للعرب من نحوه مثل العمرين يريدون أبا بكر وعمر للخفة والقمرين للشمس والقمر لتغليب المذكر لأن عبد الله بن الزبير يكنى أبا خبيب باسم ولده وأبا بكر فإذا ذموه قالوا أبو خبيب. قال فضالة بن شريك: الوافر * أرى الحاجات عند أبي خبيب * نكدن ولا أمية بالبلاد * فعلى ما ذكره الشاعر ينبغي أن يريد به خبيبا واحد إخوته من بني عبد الله بن الزبير وهم: حمزة وثابت وعباد وقيس وعامر وموسى. اه. ولا يخفى أن هذه الإرادة غير مناسبة لما سيجيء. وأورد المبرد هذا البيت عند ذكر الخوارج وقال: يريد خبيبا ومن معه. وقال الإمام أبو الوليد الوقشي في حاشيته على الكامل: هذا خطأ إنما يريد أبا خبيب وهو عبد الله بن الزبير. وأنشده المبرد في أوائل الكامل أيضا وقال: أراد عبد الله ومصعبا ابني الزبير وإنما أبو خبيب عبد الله. وكتب أبو الوليد في حاشيته هنا أيضا: أنشده في ذكر الخوارج: الخبيبيين جمعا وقال: يريد خبيبا ومن معه كقراءة من قرأ: سلام على
376 الياسين قال: فإنما يريد إلياس ومن كان معه على دينه. كذا وقع هنا يريد خبيبا وإنما هو يريد أبا خبيب على كنيته الأخرى المشهورة ذهابا إلى نسبة الخب إليه. اه.) ونقل ابن المستوفي عند شرح قوله: بصير بما أعيا النطاسي حذيما والأصل ابن حذيم. عن الخوارزمي: أن هذا ليس من باب الحذف إنما هو من باب تعدي اللقب من الأب إلى الابن كما في قوله: الطويل كراجي الندى والعرف عند المذلق أي: ابن المذلق ألا ترى أنه يقال: أفلس من ابن المذلق. ومنه: قدني من نصر الخبيبين قدي ونقل ابن هشام في شرح الشواهد عن ابن السيد فيما كتبه على الكامل رد رواية التثنية بأن الشاعر قال هذا الشعر عند حصار طارق ومصعب مات قبل ذلك بسنين اه. ولم أر لابن السيد شيئا من شرحه على هذا البيت في الموضعين من الكامل. وذكر العيني للتثنية وجهين: أحدهما أن المراد عبد الله وأخوه مصعب. وثانيهما: أن المراد عبد الله وابنه خبيب المذكور. وعلى هذا الثاني لا يرد الرد المذكور عن ابن السيد.
377 ورواه جماعة بفظ الجمع ومنهم أبو زيد في نوادره قال: أراد الخبيبيين فحذف ياء النسبة وأورد له نظائر. ومنهم يعقوب بن السكيت في إصلاح المنطق قال ابن السيرافي في شرح شواهده: الخبيبين جمع يريد به عبد الله بن الزبير وأصحابه وجعلهم كأن كل رجل منهم خبيب. ومثل هذا يفعل كثيرا يقولون الأشعرون إذا نسبوا إلى الأشعر كأنهم جمعوا رجالا كل اسم رجل منهم أشعر وإنما أشعر الذي أضيفوا إليه فصار الخبيبين في موضع الخبيبيين والأشعرون في موضع الأشعريين فحذفوا ياء النسبة وجعلوا الاسم كأنه لكل واحد من المنسوبين. اه. ومنهم أبو عبيدة نقله عنه أبو الحسن الأخفش فيما كتبه على نوادر أبي زيد. ومنهم أبو جعفر النحاس في تفسير القرآن قال: إنما يريد أبا خبيب عبد الله ابن الزبير فجمعه على أنه من كان معه على مذهبه داخل فيه. ومنهم ابن جني في المحتسب في سورة الصافات عند قراءة ابن محيصن: وإن الياس بغير همز سلام على الياسين بغير همز. قال: فأما الياس موصول الألف فإن الاسم منه ياس بمنزلة باب) ودار ثم لحقه لام التعريف. والياسين على هذا كأنه على إرادة ياء النسب كأن الياسيين كما حكى عنهم صاحب الكتاب: الأشعرون والنميرون يريد الأشعريين والنمريين. وروينا عن قطرب عنهم: هؤلاء زيدون منسوبون إلى زيد بغير ياء النسبة. وقال أبو عمرو: هلك اليزيدون يريد: ثلاثة يزيديين. وقد يجوز أن يكون جعل كل واحد منهم من أهل الياس ياسا فقال الياسين كقوله: قدني من نصر الخبيبين قدي
378 يريد أبا خبيب وأصحابه كأنه جعل كل واحد منهم خبيبا. اه. يفهم صنيعه أنه إذا جعل كل واحد منهم خبيبا لا يكون على تقدير ياء النسبة وإذا كان على تقديرها يراد أصحاب أبي خبيب فقط ولا يدخل أبو خبيب فيهم. كما قال أبو محمد التوزي: من أنشده بالجمع يريد أصحاب ابن الزبير كما يقال المهالبة. وحقه الخبيبيين بالتشديد ولكنه حذف ياء النسبة نقله عنه صاحب كتاب التفسح في اللغة. وإليه ذهب ابن هشام في شرح شواهده قال: يروى الخبيبين مثنى على إرادة عبد الله وأخيه مصعب ويروى على الجمع على إرادة عبد الله ومن على رأيه وكلاهما تغليب. ويحتمل على الجمع أن يريد مجرد أصحاب عبد الله على أن الأصل الخبيبيين ثم حذفت الياء وهذا خلاف ما تقدم عن ابن السيرافي وخلاف قول أبي علي في الإيضاح الشعري قال: من أنشده على الجمع أراد الخبيبيين ونسب إلى أبي خبيب يريده ويريد شيعته. وعلى هذا قراءة من قرأ: سلام على الياسين أراد النسب إلى الياس. ومن أنشد على التثنية أراد عبد الله ومصعبا فثناهما كما قالوا: العجاجان. اه. ويؤيد كلام ابن جني ومن تبعه صنيع المبرد في الكامل قال عند ذكر الخوارج: باب للنسب وهو أن يسمى كل واحد منهم باسم الأب إذا كانوا إليه ينسبون. ونظيره المهالبة والمسامعة والمناذرة ويقولون: جاءني النميرون والأشعرون جعل كل واحد منهم نميرا وأشعر. فهذا يتصل في القبائل. وقد تنسب الجماعة إلى الواحد على رأي أو دين فيكون له مثل نسب الولادة
379 كما قلت: أزرقي لمن كان على رأي ابن الأزرق كما تقول تميمي وقيسي لمن ولده تميم وقيس. ومن قرأ: سلام على الياسين فإنما يريد الياس عليه السلام ومن كان على دينه كما قال:) قدني من نصر الخبيبيين قدي يريد أبا خبيب ومن معه. اه. وقوله: قدي تأكيد للأول. وليس الإمام الخ أراد بالإمام الخليفة وعرض بعبد الله بن الزبير فإنه كان بخيلا. والشح: البخل. وشح يشح من باب قتل وفي لغة من بابي ضرب وتعب فهو شحيح من قوم أشحاء. والملحد قال صاحب المصباح: من ألحد في الحرم بالألف إذا استحل حرمته وانتهكها. وألحد إلحادا: جادل ومارى. ولحد بلا ألف بمعنى جار وظلم. والبيتان من أرجوزة لحميد الأرقط. قال ابن المستوفي: ويروى: ليس أميري بالظلوم الملحد ولم أر البيت الأول في ديوانه. وأولها: الرجز
380 * ليس الإمام بالشحيح الملحد * ولا بوبر بالحجاز مقرد * * إن ير بالأرض الفضاء يصطد * وينجحر فالجحر شر محكد * وهي أربعة أبيات. اه. وكذلك أورد الأبيات القالي في أماليه ولم يورد بيت قدني. وأورد أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي أبياتا ثلاثة قبلها قال: يمدح الحجاج وهي: الرجز * أو تردي حوض أبي محمد * ليس الأمير بالشحيح الملحد * إلى آخر الأبيات وقال: هذا تعريض بابن الزبير في قوله: بالشحيح الملحد يريد أنه ألحد في الحرم. وفي قوله: ولا بوبر بالحجاز مقرد. والوبر بفتح الواو وسكون الموحدة وآخره راء مهملة: دويبة مثل السنور طحلاء اللون حسنة العينين لا ذنب لها توجد في البيوت. والمقرد: اللاصق من جزع أو ذل. وقوله: حتى تحسري وتلهدي يقال: لهد البعير يلهد إذا عض الحمل غاربه وسنامه حتى يؤلمه. انتهى.) وقوله: قلت لعنسي الخ العنس بفتح العين وسكون النون: الناقة الصلبة وعجلى: مؤنث عجلان. وتعتدي من العدو. وتحسري: مضارع حسر بالفتح يحسر بالكسر حسورا إذا أعيا.
381 وتلهدي يقال: لهد البعير يلهد إذا عض الحمل غاربه وسنامه حتى يؤلمه. ولهده الحمل أي: أثقله. قال الأصمعي: لهد القوم دوابهم: أجهدوها وأتعبوها. وقوله: أو تردي الخ أو بمعنى إلى أو إلا. وتردي من الورد منصوب بحذف النون بأن مضمرة وقوله ولا بوبر الخ قال ابن الأثير في النهاية: الوبر بسكون الباء: دويبة على قدر السنور غبراء أو بيضاء حسنة العينين شديدة الحياء حجازية والأنثى وبرة. ويشبه بها تحقيرا. اه. وضبطه العيني وتبعه السيوطي في شرح شواهد المغني بفتح الواو وسكون التاء المثناة من فوق وفي آخره نون بمعنى واتن. يعني: ولا بدائم ثابت بأرض الحجاز. ويقال للماء المعين الدائم الذي لا يذهب: واتن وكذلك بمعناه واثن بالمثلثة. هذا كلامه. وهذا تحريف منه قطعا ومقرد: اسم فاعل من أقرد بالقاف بمعنى ذل وخضع وقال الجوهري: أقرد أي: سكن وتماوت. وروى: مفرد بالفاء على أنه اسم مفعول من أفردته إذا عزلته. وقوله: إن ير يوما الخ الجملة الشرطية صفة لوبر ونائب الفاعل في ير ضمير الوبر. والفضاء بالفاء. ويصطد بالبناء للمفعول. وقوله: وينجحر الخ قال صاحب الصحاح: الجحر بضم الجيم: واحد الجحرة والأجحار. وأجحرته أي: ألجأته إلى أن دخل جحره فانجحر. وفاعل ينجحر ضمير الوبر أيضا. والمحكد بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الكاف: الأصل ويقال له المحتد أيضا بكسر المثناة الفوقية. وحميد الأرقط: شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية وهو معاصر الحجاج. وهو حميد بن مالك بن ربعي بن مخاشن بن قيس بن نضلة بن أحيم ابن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
382 وقيل: هو أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وهم ربيعة الجوع. وسمي الأرقط لآثار كانت بوجهه. والرقط النقط. والرقطة: سواد يشوبه نقط. والأرقط من الغنم: مثل) الأبغث. والأرقط: النمر. ولم أر ترجمة حميد هذا في كتاب الشعراء لابن قتيبة ولا في المؤتلف والمختلف للآمدي ولا في الأغاني فيما يحضرني منه. وإنما نقلت ترجمته من الأنساب. وقيل قائل الشعر المذكور أبو بجلة قاله ابن يعيش في شرح المفصل ولا أعرف هذا. والله أعلم. وأنشد بعده: إذ ذهب القوم الكرام ليسي وأوله: عددت قومي كعديد الطيس وأنشد بعده: وليس حاملني إلا ابن حمال
383 أوله: ألا فتى من بني ذبيان يحملني وتقدم شرحه في الشاهد الخامس والتسعين بعد المائتين من باب الإضافة. وأنشد بعده الشاهد الرابع بعد الأربعمائة: الوافر * وكائن بالأباطح من صديق * يراني لو أصبت هو المصابا * على أن ربما وقع ضمير الفصل بلفظ الغيبة بعد حاضر لقيامه مقام مضاف غائب أي: يرى مصابي هو المصاب. بيانه: أن هو فصل وقع بعد ضمير الحاضر أي: المتكلم فكان حقه في الظاهر أن يقول: يراني أنا المصاب لأن ضمير الفصل يجب أن يكون وفق ما قبله في الغيبة والخطاب التكلم لأن فيه نوعا من التوكيد تقول: علمت زيدا هو المنطلق وعلمتك أنت المنطلق وعلمتني أنا المنطلق. وحينئذ يتوجه عليه سؤالان: أحدهما: كيف وقع ضمير الغيبة بعد ضمير المتكلم وحق الفصل أن يكون وفقا لما قبله وثانيهما: أن المفعول الثاني في باب
384 علم يجب أن يكون موافقا للمفعول الأول في الماصدق فكيف يصح حمل المصاب الذي هو بمعنى المصيبة على الياء في يراني وأجاب الشارح المحقق عنهما بما ذكره وهو أن الضمير الحاضر وهو الياء قائم مقام المضاف الغائب أي: يرى مصابي هو المصاب. والمعنى يرى مصابي هو المصاب العظيم ويسقط بهذا الجواب السؤالان. ووجه قيام الياء مقام المضاف أن مفعول يرى في الحقيقة هو المضاف المحذوف والياء مضاف إليه فلما حذف المضاف قام الياء المجرور محلا مقام ذلك المضاف المنصوب على المفعولية فالفصل مطابق للمحذوف لا للقائم مقامه. وإنما وصف المضاف بالغائب لأنه اسم ظاه وهو في حكم الغائب ولهذا يعود ضمير الغيبة إليه. والمصاب على هذا مصدر ميمي كقولهم: جبر الله مصابك أي: مصيبتك. وإنما وصف المصاب بالعظيم لتحصل الفائدة ومثله في حذف الصفة: الآن جئت بالحق أي: بالواضح وإلا لكفروا بمفهوم الظرف إذ يكون المعنى: وقبل الآن لم يجئ بالحق فيكون إنكارا لما جاء به أولا. ويجوز أن لا تقدر الصفة ويكتفي بالفائدة الحاصلة من الحصر والمعنى لو أصبت يرى مصيبتي هي المصيبة ولا يعد غيرها مصيبة وذلك من تأكد صداقته لا يكترث بمصيبة غيري ولا يهتم لها.) ولصحة المعنى هنا لم يقدر الشارح المحقق الصفة. فلله دره ما أدق نظره وهذا الذي ذكره في هذا البيت أحد تخريجين لأبي علي الفارسي ذكرهما في إيضاح الشعر قال: يجوز أن يكون التقدير في يراني يرى مصابي أي: مصيبتي وما نزل بي المصاب كقولك: أنت أنت ومصيبتي المصيبة. أي: ما عداه جلل هين فيكون هو فصلا بين المضاف المقدر وبين الظاهر. واقتصر على هذا التخريج ابن الشجري في أماليه ثم قال: ولو أنه قال: يراه لو أصبت هو المصابا فأعاد الهاء من يراه إلى الصديق والمعنى يرى نفسه
385 كما جاء في التنزيل: إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى لسقط الاعتراض واستغنى عن تقدير المضاف ولكان المصاب اسم مفعول من قولك: أصيب زيد فهو مصاب. ولكن المروي: يراني. انتهى. أقول: لم يرو الأخفش في كتاب المعاياة إلا: يراه لو أصبت هو المصابا بالمثناة التحتية وضمير الغائب. وقال ابن هشام في المغني: ويروى: يراه أي: يرى نفسه وتراه بالخطا ولا إشكال حينئذ ولا تقدير. والمصاب حينئذ اسم مفعول لا مصدر. ولم يطلع على هاتين الروايتين بعضهم فقال: ولو أنه قال يراه لكان حسنا أي: يرى الصديق نفسه مصابا إذا أصبت. اه. والتخريج الآخر الذي ذكره أبو علي: أن يكون تأكيدا لمستتر في يراني لا فصلا. قال: موضع هو رفع لكونه تأكيدا للضمير الذي في يراني لأن هو للغائب والمفعول الأول في يراني للمتكلم والفصل إنما يكون الأول في المعنى كقوله سبحانه: أنا أقل منك مالا وولدا. ألا ترى أن أنا هو المفعول الأول المعبر عنه بني. والمعنى: يراني هو المصابا أي: يراني للصداقة المصاب لغلظ مصيبتي عليه للصداقة وليس كالعدو أو الأجنبي الذي لا يهمه ذاك. اه. فالمصاب على هذا اسم مفعلو لا مصدر. وبقي تخريج ثالث نقله ابن هشام عن بعضهم في المغني وهو أن يجعل هو فصلا للياء. ووجهه بأنه لما كان عند صديقه بمنزلة نفسه حتى كان إذا أصيب كأن صديقه قد أصيب فجعل ضمير الصديق بمنزلة ضميره لأنه نفسه في المعنى. اه. وزعم ابن الحاجب في أماليه أن الرواية: لو أصيب هو المصابا وقال: شرط الفصل أن يأتي على طبق الخبر فكان ينبغي أن يكون أنا لأن المصاب مفعول ثان ليراني والمفعول الأول الياء) وهي للمتكلم والمفعول الثاني هو الأول في المعنى
386 فكان يجب أن يكون الفاصل على القياس أنا. ووجهه أنه ليس على الفصل بل هو تأكيد للضمير المستتر في يراني أو للضمير في أصيب. وأما إن قدر لو أصبت لم يستقم المعنى إذ تقديره يراني مصابا إذا أصابتني مصيبة. ولا يخبر بمثل ذلك عاقل إذ لا يتوهم خلافه. اه. فالمصاب المذكور عنده اسم مفعول لا مصدر. وقد خفي هذا على ابن هشام فقال في المغني بعد نقل كلامه. وعلى ما قدمناه من تقدير الصفة لا يتجه الاعتراض. قال الدماميني في الحاشية الهندية: الصفة التي أشار إليها إنما قدرها على جعل المصاب مصدرا لا اسم مفعول وكلام ابن الحاجب فيما إذا كان المصاب اسم مفعول لا مصدرا ولذلك جعله مفعولا ثانيا ليرى والمفعول الأول هو الياء ولولا ذلك لما صح بحسب الظاهر. والاعتراض الذي أشار إليه ابن الحاجب غير متجه مع الإعراض عن تقدير الصفة وذلك لأن مبناه على أن يكون مصابا اسم مفعول نكرة والواقع في البيت ليس نكرة بل هو معرف بأل والحصر مستفاد من التركيب كقولك: زيد هو الفاضل لا غيره. وكذا المعنى في البيت أي: لو أصبت رآني المصاب بمعنى أنه لا يرى المصاب إلا إياي دون غيري كأنه لعظم مكانه عنده وشدة صداقته له تتلاشى عنده مصائب غير صديقه فلا يرى غيره مصابا ولا يرى المصاب إلا إياه مبالغة. فالمعنى صحيح متجه كما رأيت بدون تقدير صفة. اه. وقوله: لو أصبت جملة معترضة بين مفعولي يرى وجواب لو محذوف يدل عليه ما قبله ويراني بمعنى يعلمني وفاعله ضمير صديق والجملة خبر كائن. وبالأباطح كان في الأصل صفة لصديق فلما قدم عليه صار حالا منه. ومن صديق تمييز لكائن وتمييزها مجرور ب من في الغالب. وكائن هنا خبرية لإفادة التكثير ككم الخبرية. ورواه الأخفش في المعاياة: وكم لي في الأباطح من صديق
387 وأورده الزجاج في تفسيره عند قوله تعالى: وكائن من نبي قتل معه ربيون كثير. قال: وكائن على وزن فاعل وأكثر ما جاء الشعر على هذه اللغة. ثم أنشد هذا البيت مع أبيات أخر.) والأباطح: جمع أبطح وهو مسيل واسع للماء فيه دقاق الحصى. وهذا البيت من قصيدة لجرير بن الخطفى مدح بها الحجاج بن يوسف الثقفي. وبعده: ومنها: * إذا سعر الخليفة نار حرب * رأى الحجاج أثقبها شهابا * ومطلع القصيدة: * سئمت من المواصلة العتابا * وأمسى الشيب قد ورث الشبابا * ومعنى وراثة الشيب الشباب حلوله محله فإن الوارث يحل محل الموروث. وترجمة جرير قد تقدمت في الشاهد الرابع من أوائل الكتاب. وأنشد بعده الشاهد الخامس بعد الأربعمائة: الطويل هو البيت حتى ما تأنى الحزائق
388 تمامه: ويا قلب حتى أنت ممن أفارق على أنه قد يخبر عن ضمير الأمر المستبهم تقديرا بالمفرد كما أخبر ب البين. هنا عن هو كأنه قيل: أي شيء وقع من المصائب فقال: هو البيت. وقوله: حتى ما تأنى مبني على ما يفهم من استعظام أمر البين المستفاد من الضمير أي: ارتقي أمر البين في الصعوبة حتى لا تتأنى جماعات الإبل أيضا. وفي هذا رد على الواحدي في زعمه أن هذا الضمير من قبيل ما فسر بجملة. وهذه عبارته: هو كناية عن البين يسمون ما كان من مثل هذا الإضمار على شريطة التفسير كقوله تعالى: قل هو اللضه أحد. وقوله تعالى: فإنها لا تعمى الأبصار وقول الشاعر: هي النفس ما حملتها تتحمل ومثله كثير. اه.) وقال المبارك بن المستوفي في النظام: قال أبو القاسم عبد الواحد بن علي: يقول: الحق والشأن هو الفراق لا الاجتماع كأنه نظر فيه إلى قوله تعالى: الذي خلق الموت والحياة فقدم الموت لأن الانتهاء إليه والأمور بخواتمها. وهذا تفسير بعيد من معنى البيت وتقدير ضمير الشأن بما قدره به يغاير ما قدره النحويون. اه. وتأنى أصله تتأنى بتاءين مضارع من التأني وهو التلبث والخزائق: جمع حزيق بالحاء المهملة قال صاحب القاموس: الحزيق والحزيقة والحزاقة: الجماعة والجمع الحزائق. والظاهر أنه بمعنى الجماعة مطلقا لا بمعنى جماعة الإبل كما صرح به الشارح. ويدل لما قلنا كلام شراحه.
389 قال ابن جني: تأنى تمكث. والحزائق: جمع حزيق وهو الجماعة. وقال أبو اليمن الكندي: أي هذا الذي تشتكيه هو البين حتى لا مكث للجماعات في التفرق بل لها إسراع وعجلة. ثم التفت إلى خطاب قلبه أي: أنت أيضا مع علقتك في الموجبة لقربك أنت مفارق. وحتى في الموضعين ابتدائية. وأشار إليه ابن جني بقوله: معناه يفارقني كل واحد حتى أنت مفارقي كما قال الفرزدق: الطويل فيا عبجا حتى كليب تسبني أي: يسبني كل أحد حتى كليب تسبني. قال ابن هشام في المغني: حتى الابتدائية حرف يبتدأ بعده الجمل أي: يستأنف. فيدخل على الجملة الاسمية والفعلية قال الفرزدق: فيا عجبا حتى كليب تسبني ولا بد من تقدير محذوف قبل حتى من هذا البيت يكون ما بعد حتى غاية له أي: فواعجبا يسبني الناس حتى كليب تسبني. اه. قال الواحدي: ومعنى البيت: هو البين الذي فرق كل شيء حتى لا يتمهل ولا يتأنى الجماعات أن يتفرقوا إذا جرى حكم البين فيهم. ثم خاطب قلبه: وأنت أيضا على مالك من علائق القرب ممن أفارقه يعني: الأحبة إذا فارقوني ذهب القلب معهم ففارقني وفارقته. اه. وهذا البيت مطلع قصيدة لأبي الطيب المتنبي مدح بها الحسين بن إسحاق التنوخي.)
390 وترجمة المتنبي تقدمت في الشاهد الواحد والأربعين بعد المائة. وأنشد بعده الشاهد السادس بعد الأربعمائة وهو من شواهد المفصل: الطويل * على أنها تعفوا الكلوم وإنما * نوكل بالأدنى وإن جلذ ما يمضي * على أن الضمير في أنها ضمير القصة. في التسهيل وشرحه لابن عقيل: وإفراده لازم لأن مفسره مضمون الجملة. وهو مفرد. وكذا تذكيره. والمنقول عن البصريين جواز التأنيث لإرادة القصة وعن الكوفيين المنع ما لم يله مؤنث نحو: إنها جاريتاك ذاهبتان وإنها نساؤك ذاهبات أو مذكر شبه به مؤنث نحو: إنها قمر جاريتك أو فعل بعلامة تأنيث كقوله تعالى: فإنها لا تعمى الأبصار. فيرجح تأنيثه باعتبار القصة على تذكيره باعتبار الشأن. فيجوز في هذه المسائل الثلالث: التذكير والتأنيث لكن الراجح التأنيث لأن فيه مشاكلة تحسن اللفظ ولا يختلف المعنى بذلك إذ القصة والشأن بمعنى واحد. اه. وتعفو هنا فعل لازم بمعنى تدرس وتبرأ. والكلوم فاعله جمع كلم وهو
391 الجرح والحزة والجملة خبر ضمير الشأن. ولم يحتج إلى رابط لأنها نفس المبتدأ في المعنى. اه. والبيت من أبيات لأبي خراش الهذلي أوردها السكري في أشعار الهذليين وكذلك المبرد في الكامل وأبو تمام في أول باب المراثي من الحماسة. وكذلك الأصبهاني أوردها في الأغاني والقالي في أماليه وهي: الطويل * حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا * خراش وبعض الشر أهون من بعض * * فوالله ما أنسى قتيلا رزئته * بجانب قوسي ما مشيت على الأرض * * على أنها تعفو الكلوم وإنما * نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي * * ولم أدر من ألقى عليه رداءه * على أنه قد سل عن ماجد محض * * ولكنه قد نازعته مجاوع * على أنه ذو مرة صادق النهض * عروة: أخو أبي خراش وخراش: ابنه. وأخطأ بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل) وتبعه شارح أبيات الموشح في زعمه أن عروة ابن الشاعر. وخراش بالراء لا بالدال. وأبو خراش اسمه خويلد بن مرة وتقدمت ترجمته في الشاهد الثاني والسبعين. وكان لأبي خراش تسعة إخوة منهم عروة بن مرة وزهير بن مرة.
392 قال المبرد في الكامل: جاور عروة بن مرة أخو أبي خراش الهذلي ثمالة من الأزد فجلس يوما بفناء بيته آمنا لا يخاف شيئا فاستدبره رجل منهم بسهم من بني بلال فقصم صلبه ففي ذلك يقول أبو خراش: * لعن الإله وجوه قوم رضع * غدروا بعروة من بني بلال * وأسرت ثمالة خراش بن أبي خراش فكان فيهم مقيما فدعا آسره رجلا منهم للمنادمة فرأى ابن أبي خراش موثقا في القد فأمهل حتى قام الآسر لحاجة فقال المدعة لابن أبي خراش: من أنت قال: أنا ابن أبي خراش. فقال: كيف دليلاك قال: قطاة. قال: فقم فاجلس ورائي. وألقى عليه رداءه ورجع صاحبه فلما رأى ذلك أصلت له السيف فقال: أسيري فنثر المجير كنانته وقال: والله لأرمينك إن رمته فإني قد أجرته فخلى عنه فجاء إلى أبيه فقال له: من أجارك فقال: والله ما أعرفه. فقال أبو خراش: حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا الأبيات. وتزعم الرواة أنها لا تعرف رجلا مدح من لا يعرف غير أبي خراش. وقوله: وجوه قوم رضع هو جماعة راضع وقوم يقولون: هو توكيد للئيم كما يقولون جائع نائع. وقوم يقولون: الراضع: الذي يرتضع من الضرع لئلا يسمع الضيف والجار الحلب منه.
393 وقوله: كيف دليلاك فهو كثرة الدلالة. والفعيلي إنما يستعمل في الكثرة. اه. وقال صاحب الأغاني: خرج زهير بن مرة أخو أبي خراش معتمرا حتى ورد ذات الأقير من نعمان فبينا هو يسقي إبلا له إذ ورد عليه قوم من ثمالة فقتلوه فغزاهم أبو خراش وقتل منهم أهل دارين أي: حلتين من ثمالة ثم إن عروة وخراشا خرجا مغيرين على بطنيني من ثمالة يقال لهما: بنو رزام وبنو بلال بتشديد اللام الأولى فظفر بهما الثماليون فأما بنو رزام فنهوا عن) قتلهما وأبت بنو بلال عن قتلهما حتى كاد يكون بينهم شر فألقى رجل منهم ثوبه على خراش وانحرف القوم بعد قتلهم عروة إلى الرجل وكانوا سلموه إليه فقالوا: أين خراش فقال: أفلت مني فذهب. فسعى القوم في أثره فأعجزهم فقال أبو خراش في ذلك يرثي أخاه عروة ويذكر خلاص ابنه خراش: حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا............ الأبيات اه. وذكر التبريزي في شرح الحماسة بعد نقل هذين القولين عن المبرد أيضا أن ملقي الرداء كان مجتازا بعروة فرآه بادي العورة مصروعا ففعل به ذلك. قال التبريزي: قد روي فيما حكي عن الأصمعي وأبي عبيدة أنهما قالا: لا نعرف من مدح من لا يعرفه غير أبي خراش. وقد سلك من شعراء الإسلام مسلكه أبو نواس في أبيات أولها: الطويل
394 * ودار ندامى عطلوها وأدلجوا * بها أثر منهم جديد ودارس * * مساحب من جر الزقاق على الثرى * وأضغاث ريحان جني ويابس * * ولم أدر من هم غير ما شهدت لهم * بشرقي ساباط الديار البسابس * وقوله: حمدت إلهي بعد عروة الخ قال ابن جني في إعراب الحماسة: إذ بدل من بعد عروة والمعنى: أشكر الله بعد ما اتفق من قتل عروة على تخلص خراش وبعض الشر أخف من البعض كأنه تصور قتلهما جميعا لو اتفق فرأى قتل أحدهما أهون. قال ابن جني في إعراب الحماسة وأخذه التبريزي في شرحها: فإن قيل: ليس في الشر هين وأفعل هذا يستعمل في مشتركين في صفة زاد أحدهما على الآخر فكيف يجوز هذا ولا هين في الشر وجوابه أن هذا كلام محمول على معناه دون لفظه وذلك أنه إن كان هناك حال تهون الشر من صبر عليه أو احتساب أو طلب ذكر أو ثواب فإنه أيضا مراتب وليس بجار على سنن واحد. وقال التبريزي: قلت إن للشر مراتب ودرجات فإذا جئت إلى آحادها وقد تصورت جملها ورتب الآحاد فيها وجدت كل نوع منها بمضامته للغير له حال في الخفة والثقل. وإذا كان كذلك فلا يمنع أن يوصف منه شيء بأنه أهو من غيره.) وقوله: فوالله ما أنسى الخ رواه القاري: فوالله لا أنسى. وقوسى بالقاف والقصر قال المبرد في الكامل: وهو بلد تحله ثمالة بالسراة. وقال القالي في المقصور والممدود وتبعه أبو عبيد في معجم ما استعجم: هو موضع ببلاد هذيل وفيه قتل عروة. وأنشد هذا البيت.
395 وأخطأ أبو عبيد في قوله: عروة أخو أبي كبير. وقال أبو عبيد أيضا في شرح أمالي القالي: إن قوسي رواه أبو علي القالي بفتح القاف وغيره يأبى إلا ضمها. وقال في معجم ما استعجم بفتح أوله وضمه معا. وقال ياقوت في معجم البلدان: إن قوسي بفتح القاف وسكون الواو وسين مهملة ثم ألف مقصورة تكتب ياء: بلد بالسراة وبه قتل عروة أخو أبي خراش الهذلي ونجا ولده. ورزئته بالبناء للمفعول أي: أصبت به. قال المرزوقي وتبعه التبريزي: تعلق الباء من قوله بجانب بقتيلا كأنه قال: ما أنسى قتيلا على الأرض بجانب قوسي رزئته ورزئته وبجانب جميعا صفة للقتيل وقد دخله بعض الاختصاص بذكرهما. اه. فأراد بالتعلق التعلق المعنوي وهو كونه صفة كما صرح به في آخر الكلام. وقد غفل عنه الدماميني في الحاشية الهندية فقال: قال المرزوقي في الباء من قوله بجانب: يتعلق بقتيلا. الظاهر أنه لا يعني قتيلا المذكور لأن وصفه مانع من إعماله وإنما يعني قتيلا محذوفا. أي: رزئته حالة كونه قتيلا بجانب قوسي. هذا كلامه. وقوله: ما مشيت على الأرض قال ابن جني في إعراب الحماسة وأخذه التبريزي: ما مع الفعل في تقدير مصدر وحذف اسم الزمان معه كأنه قال: مدة مشي على الأرض وإن أمش على وفي الكلام نية الشرط والجزاء. كأنه قال: لا أنسى قتيلا رزئته إن مشيت على الأرض. ومعناه إن بقيت حيا. فلذلك وقع الماضي فيه في موضع المستقبل لأن ما مشيت على الأرض في موضع ما أمشي على الأرض. وقوله: على أنها تعفو الكلوم الخ قال التبريزي: هذا يجري مجرى الاعتذار منه والاستدراك على نفسه فيما أطلقه من قوله: لا أنسى قتيلا رزئته.
396 والضمير للقصة وخبر إن الجملة بعدها. ولو قال على أنه لجاز وكان الضمير للشأن. ويعني بالكلم الحزة عند ابتداء الفجيعة. اه. وتعفو: تنمحي وتذهب وتبرأ من عفا المنزل يعفو عفوا وعفوا وعفاء بالفتح والمد بمعنى درس) وانمحى. ويأتي متعديا يقال: عفته الريح بمعنى محته وليس بمراد هنا. وقوله: نوكل بالبناء للمفعول يروى بالنون وبالمثناة التحتية من وكلته بأمر كذا توكيلا إذا فوضته إليه أي: ألزمته به إلزاما. والأدنى: الأقرب أي: الرزي الأقرب. قال القاري: يقول: إنما نحزن على الأقرب فالأقرب ومن مضى نسيناه ولو عظم ما مضى. ومثله: السريع * حادث ما مني يعولك وال * أقدم تنساه وإن هو جل * انتهى. وقد ألم بهذا البيت أبو بكر بن دريد من قصيدة أوردها القالي في ذيل ماليه:
397 * بلى غير أن القلب ينكوه الأسى ال * ملم وإن جل الجوى المتقدم * وضد هذا قول هشام في أخويه: أوفى وغيلان ذي الرمة: الطويل * تعزيت عن أوفى بغيلان بعده * عزاء وجفن العين ملآن مترع * * ولم ينسني أوفى المصيبات بعده * ولكن نكء القرح بالقرح أوجع * قال التبريزي: موضع على أنها نصب على الحال والعامل فيه ما أنسى. وهذا كما تقول: ما أترك حق فلان على ظلع لي كأن التقدير: أؤديه ظالعا. فعلى هذا يجيء : ما أنسى قتيلا رزئته على عفاء الكلوم أي: أذكره عافيا جرحى كسائر الجراح. اه. قال ابن الحاجب في أماليه على أبيات المفصل: إن على هذه تقع في شعر العرب وكلامهم كثيرا والمعنى فيها استدراك وإضراب عن الأول. ألا ترى أنك إذا قلت: لا يدخل فلان الجنة لسوء صنيعه على أنه لا ييأس من رحمة الله كان استدراكا لما تقدم وإضرابا عن تحقيقه. وكذلك قوله في البيت الذي قبله: فو الله ما أنسى قتيلا رزئته ثم قال: على أنها تعفو الكلوم. لأن المعنى: على أن العادة نسيان المصائب إذا تطاولت والحزن على ما كان من المصاب قريب العهد وهذا إضراب واستدراك لما تقدم من قوله: أنسى.
398 وكذلك قوله وهو أيضا في الحماسة: الطويل) * وقد زعموا أن المحب إذا دنا * يمل وأن النأي يشفي من الوجد * * بكل تداوينا فلم يشف ما بنا * على أن قرب الدار خير من البعد * * على أن قرب الدار ليس بنافع * إذا كان من تهواه ليس بذي ود * فقوله: بكل تداوينا فلم يشف ما بنا ثم قال: على أن قرب الدار خير من البعد كالإضراب عن الأول لأن المعنى: فلم يحصل لنا شفاء أصلا وإذا كان قرب الدار خيرا في المعنى المراد ففيه شفاء أو بعض شفاء أصلا. وكذلك قوله: على أن قرب الدار خير من البعد فاستدرك أنه لا يكون خيرا إلا مع الود فأبطل العموم المتقدم في قوله قرب الدار خير من البعد. هذا معناها وأما تعلقها على الوجه الإعرابي فيحتمل أمرين: أحدهما: أن تتعلق بالفعل المتقدم قبلها كما تعلقت حاشا الاستثنائية بما قبلها لكونها أوصلت معنى ما قبلها إلى ما بعدها على وجه الإضراب والإخراج. وأظهر منه أن يقال: إنها في موضع خبر محذوف المبتدأ كأنه قيل: والتحقيق على أن الأمر كذا. فتعلقها بمحذوف كما يتعلق كل خبر جار ومجرور لأن الجملة الأولى وقعت عن غير تحقيق ثم جيء بما هو التحقيق فيها وحذف المبتدأ لوضوح المعنى. اه. وقد لخص ابن هشام في المغني هذا الكلام في علي. والعجب من ابن هشام فإنه ذكر في شرح شواهده ما قاله التبريزي من كون على أنها تعفو حال وعامله لا أنسى وغفل عن كلام المغني هذا. والذي رواه أبو بكر القاري في أشعار الهذليين والمبرد فيي الكامل وأبو علي القالي في أماليه وابن جني في المحتسب: بلى إنها تعفو الكلوم وإنما.
399 قال أبو عبيد البكري فيما كتبه على أمالي القالي: هذا رجوع من قوله الأول إلى ما هو أصح. وقال ابن جني عند توجيه قراءة الأعرج وغيره: يا حسره على العباد من سورة يس ساكنة الهاء: قالوا في تفسير قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم: هو كقولك: لا والله وبلى والله. فأين سرعة اللفظ بذكر اسم الله تعالى هنا من التثبت فيه والإشباع له والمماطلة عليه من قول فو الله لا أنسى قتيلا رزئته) البيت. أفلا ترى إلى تنطعك هذه اللفظة في النطق هنا بها وتمطيك لإشباع معنى القسم عليها. وكذلك أيضا قد ترى إلى إطالة الصوت بقوله من بعده: بلى إنها تعفو الكلوم............ البيت أفلا تراه لما أكذب نفسه وتدارك ما كان أفرط فيه لفظه أطال الإقامة على قوله بلى رجوعا إلى الحق عنده وانتكائا عما كان عقد عليه يمينه. فأين قوله هنا فوالله وقوله بلى منهما في قوله: لا والله وبلى والله. وعليه قوله تعالى: ولكن يؤاخذكم بما عقتم الأيمان أي: وكدتموها وحققتموها. انتهى كلامه. وقوله: ولم أدر من ألقى عليه رداءه الخ قال ابن جني: في إعراب الحماسة: من هنا استفهام وخبرها ألقى. ويجوز أن تكون موصولة
400 فتكون منصوبة الموضع بأدري على حد قولك: ما دريت به ثم تحذف حرف الجر. ولا يحسن أن تكون نكرة وألقى صفة لها لأنه يصير المعنى لم أدر إنسانا ألقى عليه رداءه. وهذا ربما أوهم أنه لم يلق أحد منهم رداءه. والأمر بضد ذلك. اه. وقوله: على أنه قد سل قال التبريزي: موضع على نصب على الحال كأنه قال: لا أدريه مسلولا عن ماجد محض. وروى في الحماسة: سوى أنه وهو استثناء منقطع والمعنى لا أعرف اسمه ونسبه لكنه ولد كريم بما ظهر من فعله. قال القاري: لما صرع خراش ألقى عليه رجل ثيابه فواراه وشغلوا بقتل عروة فنجا خراش. والرجل الذي ألقى عليه ثوبه من أزد شنوءة فقال: لا أدري من ألقى عليه ثيابه ولكنه سل عن ماجد محض يعني الرداء. والماجد المحض أي: خالص النسب هو الذي ألقى عليه ثوبه. اه. فالمسلول على هذا هو الرداء لا الوالد كما قال التبريزي. وقال أبو عبيد البكري فما كتبه على أمالي القالي: في هذا البيت ثلاثة أقوال: قال قوم: إن عروة لما قتل ألقى عليه رداءه رجل من القوم فكفنه به. وقال آخرون: بل الذي ألقى عليه الرجل هو خراش وذلك أن رجلا من ثمالة ألقى عليه رداءه ليخفى عليهم وقد شغل القوم بقتل عروة فقال: اهرب. وعطف القوم عليه فلم يروه. وقيل: بل) ألقى رجل على خراش رداءه إجارة له وكذلك كانوا يفعلون. وهذا مثل قول بعضهم يذكر رجلا من عليه: الطويل
401 انتهى. وقد تقدم هذا الأخير عن المبرد. وقوله: ولم يك مثلوج الفؤاد الخ قال القاري: أي: لم يكن مثلوج الفؤاد ضعيفه أي: بارد الفؤاد. والمثلوج: البارد. يقال: للرجل إذا لم يكن ذا رأي وحزم: ما أبرد فؤاده وما أخلاه من ذاك. وقال التبريزي: كأنه أصاب فؤاده ثلج فبردت حرارته. والمهبج بفتح الموحدة المشددة بعدها جيم قال القاري: هو المثقل الكثير اللحم المنتفخ الوجه. وقال التبريزي: هو المرهل اللحم المتغير اللون. والربيلة بفتح الراء المهملة بعدها موحدة قال القاري: يقال إنها النعمة والخصب. وإنه لربل اللحم إذا كان رطب اللحم. وليس عندي كما قالوا لبيت سمعته وهو: الطويل * ربلنا على الأعدا لنبتغي البوا * ولا من وترنا يستقاد وتير * ف الربيلة: الكثرة والشدة. يقال: رل بنو فلان إذا كثروا. والوتير: الموتور. والبواء: أن يقتل الرجل بالرجل. اه. وقال التبريزي: الربيلة: الرطوبة والسمن. يقال: رجل ربل. ومعنى الشعر أنه رجع إلى صفة عروة فقال: كان ذكي الفؤاد شهما لم يكن ممن ضيع شبابه في صلاح البدن. وهذا أولى لشيئين: أحدهما: قوله ولم يك لأنه يدل ظاهره على أنه نعت فائت. والآخر: وصفه بأوصاف لا يوصف بها من لا يعرف. ولا يعدل عن هذا الوجه وإن كان قد ذكر أنه من صفات الذي أنجى خراشا. اه.
402 والخفض: الدعة والراحة. وقوله: ولكنه قد نازعته الخ قال التبريزي: ويروى: ولكنه قد لوحته مخامص. ولوحته: غيرته. والمخامص: جمع مخمصة وهي خلاء البطن من الطعام جوعا. والمجاوع مثل المخامص وإنما أثرت فيه المجاوع لأنه إذا سافر آثر صحبه على نفسه بزاده ويجوع. وقوله: صادق النهض يعني النهوض للمكارم والعلا لا يكذب فيها إذا نهض لها. هذا ما أورده صاحب الحماسة وغيره وزاد أبو بكر القاري والمبرد في الكامل بعد هذا) بيتين وهما: * كأنهم يشبثون بطائر * خفيف المشاش عظمه غير ذي نحض * قال القاري: يقول: هؤلاء الذين يعدون خلف خراش كأنهم يتعلقون بطائر خفيف المشاش أي: ليس بكثير اللحم. يقال لكل ما استخف وخف: إنه لخفيف المشاش بضم الميم. والطائر: العقاب. ثم قال: عظمه غير ذي نحض أي: هو خفيف ليس بمثقل. والنحض: اللحم. اه. وروى المبرد: كأنهم يسعون في إثر طائر. وهذا البيت يؤيد ما اختاره التبريزي من أن الكلام في وصف خراش. * يبادر جنح الليل فهو مهابذ * يحث الجناح بالتبسط والقبض * قال القاري: فهو مهابذ يعني الطائر والمهابذ: السريع فهو جاد ناج. وأصله من مر يهذب إهذابا ولكنه قلب. والقبض: أن يقبض جناحيه. وقال لي الأصمعي: سمعت ابن أبي طرفة ينشد مهابذ وإنما أراد مهاذب فقلبه فقال: مهابذ. يقال: مر يهذب إهذابا إذا عدا عدوا شديدا. وقد سمعت غيره يقول مهابذ أي: جاد. اه.
403 قال المبرد: وقوله فهو مهابذ يقول: مجتهد. وهذيل فيها سعي شديد وفي جماعة من القبائل التي تحل بأكناف الحجاز. وأنشد بعده: الخفيف * إن من يدخل الكنيسة يوما * يلق فيها جآذرا وظباء * على أن اسم إن ضمير شأن محذوف والجملة بعدها خبرها وإنما لم يجعل من اسمها لأنها شرطية بدليل جزمها الفعلين والشرط له الصدر في جملته فلا يعمل فيه ما قبله. وقد تقدم الكلام على هذا البيت في الشاهد الثامن والسبعين. الشاهد السابع بعد الأربعمائة وهو من شواهد سيبويه: الخفيف * إن من لام في بني بنت حسا * ن ألمه وأعصه في الخطوب * على أن اسم إن ضمير شأن محذوف. قال سيبويه في باب ما يكون فيه الأسماء التي يجازى بها بمنزلة الذي وذلك
404 قولك: إن من يأتيني آتيه وكان من يأتيني آتيه وليس من يأتيني آتيه. وإنما أذهبت الجزاء هنا لأنك أعملت كان وإن ولم يسغ لك أن تدع كان وإشباهه معلقة لا تعملها في شيء فلما أعملتهن ذهب الجزاء ولم يكن من مواضعه. ألا ترى أنك لو جئت بأن ومتى تريد إن إن وإن متى كان محالا. وإن شغلت هذه الحروف بشيء جازيت. فمن ذلك قوله: إنه من يأتنا نأته وقال جل وعز: إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم وكنت من يأتني آته. وتقول: كان من يأتنا نعطه وليس من يأتنا نعطه إذا أضمرت الاسم في كان أو في ليس لأنه حينئذ بمنزلة لست وكنت. فإن لم تضمر فالكلام على ما وصفتا وقد جاء في الشعر: إن من قال الأعشى: إن من لام في بني بنت حسان.................. البيت فزعم الخليل أنه إنما جازى حيث أضمر الهاء فأراد إنه. ولو لم يرد الهاء كان محالا. اه. فعلم أن حذف اسم إن في هذا مخصوص بالضرورة. وكذلك قال الأعلم: الشاهد في جعل من للجزاء مع إضمار منصوب إن ضرورة. وقال النحاس: يقدره سيبويه على حذف الهاء وهو قبيح. وفيما كتبته عن أبي إسحاق: لم يجز إن من يأتني آته من جهتين لأن من إذا كانت شرطا واستفهاما لم يعمل فيها ما قبلها ولأن تقديرها تقدير إن في المجازاة فكما لا يجوز: إن إن تأتنا نكرمك كذا لا يجوز هذا. فإذا جاء في الشعر فعلى إضمار الهاء.
405 وقال أبو العباس في الشرح: وأجاز الزيادي: إن من يأتنا نأته على غير ضمير في أن. وهذا لا يجوز لامتناع الجزاء من أن يعمل فيه ما قبله. اه.) ولام: فاعله ضمير من الشرطية والجملة في محل جزم لأنه شرط وألمه مجزوم والأصل ألومه فحذفت الواو للساكن وهو جزاء الشرط والهاء ضمير من. وأعصه معطوف على ألمه وأصله أعصيه فحذفت الياء لما ذكرنا في ألمه. والخطوب: جمع خطب وهو الأمر والشأن. من يلمني على بني بنت حسان الخ وعليه لا شاهد فيه. وهو من قصيدة له مدح بها قيسا أبا الأشعث بن قيس الكندي. وأولها: * من ديار هضب كهضب القليب * فاض ماء الشؤون فيض الغروب * * أخلفتني بها قتيلة ميعا * دي وكانت للوعد غير كذوب * إلى أن قال: * من يلمني على بني بنت حسا * ن ألمه وأعصه في الخطوب * * إن قيسا قيس الفعال أبا الأش * عث أمست أعداؤه لشعوب * * ذاكم الماجد الجواد أبو الأش * عث أهل الندى وأهل السيوب * * كل عام يمدني بجموم * عند ترك العنان أو بنجيب * * تلك خيلي منه وتلك ركابي * هن صفر أولادها كالزبيب *
406 قوله: من ديار الخ من تعليلية. والهضب الأول: المطر يقال: هضبتهم السماء أي: مطرتهم. وهضب القليب: ماء لبني قنفذ من بني سليم. كذا قال البكري في معجم ما استعجم. وهو في والقليب: البئر لأنه قلب ترابها. والشؤون: جمع شأن وهو مجرى الدمع في العين. والغروب: جمع غرب بفتح المعجمة وسكون المهملة: الدلو العظيمة. وقتيلة بالتصغير: اسم امرأة. وقوله: بني بنت حسان وحسان أحد تبابعة اليمن. وقوله: إن قيسا الخ هو قيس بن معد يكرب الكندي مات في الجاهلية وقد تقدمت ترجمته في الشاهد الثاني بعد المائتين وكان يكنى بابنه الأشعث. والأشعث اسمه معد يكرب كان أبدا أشعث الرأس فسمي الأشعث. وهو من الصحابة وفد على النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر وأسلم وكان شريفا مطاعا جوادا شجاعا. وهو أول من مشت الرجال في خدمته وهو راكب.) وكان من أصحاب علي رضي الله عنه في وقعة صفين وقد قاتل قتالا شديدا حتى هجم على أصحاب معاوية ودفعهم عن ماء الفرات وأخذه منهم بعد أن منع منه أصحاب علي رضي الله عنه بليلة. وصلى عليه الحسن بن علي رضي الله عنهما وله من العمر ثلاث وستون سنة. والفعال بفتح الفاء: الكرم والجود. وشعوب بالفتح: علم للمنية. والسيوب: جمع سيب بفتح السين المهملة وسكون المثناة التحتية وهو العطاء.
407 يمدني من الإمداد. والجموم بفتح الجيم: الفرس الكثير الجري. وقوله: عند ترك العنان أي: عند تركك تحريكه في الجري يعطيك ما عنده من الجري عفوا. والنجيب: الجمل الكريم. وقوله: تلك خيلي منه أي: من قيس. والركاب: الإبل لا واحد له من لفظه وإنما يعبر عن واحد بالراحلة. وصفر: جمع أصفر بمعنى أسود. وقد استشهد به البيضاوي عند تفسير قوله تعالى: صفراء فاقع لونها من سورة البقرة. قال: عن الحسن البصري: صفراء: سوداء شديدة السواد وبه فسر قوله تعالى: جمالات صفر. وقال الأعشى: تلك خيلي منه وتلك ركابي................. البيت ولعله عبر بالصفرة عن السواد لأنها من مقدماته أو لأن سواد الإبل يعلوه صفرة. وفيه نظر لأن الصفرة بهذا المعنى لا تؤكد بالفقوع. انتهى. وهذا اعتراض على تفسير الصفرة في الآية بالسواد. وأما البيت فسكت عنه. واعترضه صاحب الكشف من وجهين: الأول أن الزبيب الغالب عند العرب الطائفي وهو إلى الصفرة أقرب منه إلى الحمرة. والثاني جواز أن يراد: هن صفر وأولادها سود. وأجيب عن الأول بأن تشبيه الشيء بالزبيب صار علما في الوصف بالسواد في لسان وعن الثاني بأن الظاهر من العبارة كون أولادها فاعلا لصفر أو كون هن صفر جملة وأولادها كالزبيب أخرى فبعيد لا يتبادر إلى الفهم السليم.
408 وترجمة الأعشى قد تقدمت في الشاهد الثالث والعشرين من أوائل الكتاب. وأنشد بعده الشاهد الثامن بعد الأربعمائة وهو من أبيات المفصل: الطويل فلو أنك في يوم الرخاء سألتني تمامه: طلاقك لم أبخل وأنت صديق على أن إعمال أن المخففة في الضمير البارز شاذ. وفيه شذوذ آخر وهو كون الضمير غير ضمير الشأن لأنهم قالوا: إن أن إذا خففت وجب أن يكون اسمها ضميرا غائبا وأن يكون ضمير شأن. قال سيبويه في الباب السابق بعد قول الأعشى: البسيط * في فتية كسيوف الهند قد علموا * أن هالك كل من يحفى وينتعل * يريد معنى الهاء ولا يخفف أن إلا عليه كما قال: قد علمت أن لا يقول
409 أي: أنه لا يقول وقال تعالى: أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا وليس هذا بقوي في الكلام كقوة أن لا يقول لأن لا عوض من ذهاب العلامة. ألا ترى أنهم لا يكادون يتكلمون بغير الهاء فيقولون قد علمت أن عبد الله منطلق. انتهى. وقال الفراء في تفسيره من سورة الحجر عند الكلام على حذف نون الوقاية: وقد خففت العرب النون من أن الناصبة ثم أنفذوا لها عملها وهي أشد من ذا. قال الشاعر: الطويل * فلو أنك في يوم الرخاء سألتني * فراقك لم أبخل وأنت صديق * * فما رد تزويج عليه شهادة * ولا رد من بعد الحرار عتيق * وقال الآخر: المتقارب * وقد علم الضيف والمرملون * إذا اغبر أفق وهبت شمالا * * بأنك ربيع وغيث مريع * وقدما هناك تكون الثمالا * انتهى. وظاهره أنها تعمل مطلقا كالمثقلة. ونقل ابن المستوفي عنه في شرح أبيات المفصل لم يسمع من العرب تخفيف أن وإعمالها إلا مع المكني لأنه لا يتبين فيه الإعراب فأما مع الظاهر فلا. ولكن ومنه تعلم أن نقل ابن هشام في المغني عن الكوفيين أنهم زعموا أنها إذا خففت لا تعمل شيئا) غير صحيح. وتحريره أن اسمها إذا كان ظاهرا لا تعمل شيئا. والبيت خطاب لزوجته في طلبها الطلاق ويريد بيوم الرخاء قبل إحكام عقد النكاح بدليل البيت الثاني.
410 وبه يسقط قول الدماميني في الحاشية الهندية على المغني: إن الشاعر خاطب امرأته واصفا نفسه بالجود. وقوله: في يوم الرخاء من التتميم. وكذا قوله: وأنت صديق لوقوع كل منهما في كلام لا يفيد خلاف المقصود مفيدا لنكتة وهي المبالغة في الاتصاف بالجود. ويحتمل أن يكون مراده وصف نفسه بمحبته هذه المرأة وأنه قد يؤثر ما تختاره هي على ما يختاره هو حرصا على رضاها وحصول مرادها. انتهى. وتبعه العيني فقال: إنه يصف نفسه بالجود حتى لو سأله الحبيب الفراق مع حبه لأجابه إلى ذلك وإن كان في الدعة والراحة كراهة رد السائل. وإنما خص يوم الرخاء لأن الإنسان ربما يفارق الأحباب في يوم الشدة. هذا كلامه. وزعم بعضهم أن الخطاب لمذكر وروى: فراقك بدل: طلاقك. وهذا كله ناشئ من عدم الاطلاع على البيت الثاني. ويوم الرخاء متعلق بسألتني وطلاقك مفعوله الثاني والجملة خبر أن المخففة ولم أبخل جواب لو وجملة: أنت صديق حال من ضمير أبخل. فإن قلت: كان الواجب أن يقول: وأنت صديقة قلت: قال الشارح المحقق في شرح الشافية عند الكلام على جمع الصفة جمع تكسير: وقد جاء شيء من فعيل بمعنى فاعل مستويا فيه المذكر والمؤنث حملا على فعيل بمعنى مفعول نحو: جديد وسديس وريح خريق ورحمة الله قريب. ويلزم ذلك في سديس وخريق. انتهى. وقال صاحب العباب: قد يقال للواحد والجمع والمؤنث قال الله تعالى: أو صديقكم أي: أصدقائكم.
411 وقال: الطويل * نصبن الهوى ثم ارتمين قلوبنا * بأعين أعداء وهن صديق * وأنشد الليث: الطويل) * إذ الناس ناس والزمان بعزة * وإذ أم عمار صديق مساعف * انتهى. والبيتان أنشدهما الفراء ولم يعزهما لأحد.
412 3 (اسم الإشارة)) أنشد فيه الشاهد التاسع بعد الأربعمائة وهو من أبيات المفصل: الكامل * ذم المنازل بعد منزلة اللوى * والعيش بعد أولئك الأيام * على أن أولاء يشار به إلى جمع عاقلا كان أو غيره كما في البيت فإن أولاء أشير به إلى الأيام وهو جمع لغير من يعقل. وكذا قوله تعالى: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا. قال ابن هشام في شرح الشواهد: ويروى الأقوام بدل الأيام فلا شاهد فيه. وزعم ابن عطية أن هذه الرواية هي الصواب وأن الطبري غلط إذ أنشده الأيام وأن الزجاج تبعه في هذا الغلط. انتهى. قلت: رواه محمد بن حبيب في النقائض ومحمد بن المبارك في منتهى الطلب من أشعار العرب: الأقوام كما قال ابن عطية.
413 ومطلعها: * سرت الهموم فبتن غير نيام * وأخو الهموم يروم كل مرام * ذم المنازل بعد منزلة اللوى............ البيت وقال بعد بيتين: * فإذا وقفت على المنازل باللوى * فاضت دموعي غير ذات نظام * * طرقتك صائدة القلوب وليس ذا * حين الزيارة فارجعي بسلام * * تجري السواك على أغر كأنه * برد تحدر من متون غمام * * لولا مراقبة العيون أريننا * مقل المها وسوالف الآرام * ثم بعد أن تغزل بأبيات شرع في هجو الفرزدق فقال:) * إن ابن آكلة النخالة قد جنى * حربا عليه ثقيلة الأجرام * * خلق الفرزدق سوءة في مالك * ولخلف ضبة كان شر غلام * * مهلا فرزدق إن قومك فيهم * خور القلوب وخفة الأحلام * * الظاعنون على العمى بجميعهم * النازلون بشر دار مقام * * لو غيركم علق الزبير بحبله * أدى الجوار إلى بني العوام *
414 وبعده بيتان هما آخر القصيدة. وقوله: ذم المنازل الخ قال ابن هشام: الأرجح فيه كسر الميم الذي هو واجب إذا فك الإدغام على لغة الحجاز ودونه الفتح للتخفيف وهو لغة بني أسد والضم ضعيف ووجهه إرادة الاتباع. والمنازل: جمع منزلة أو منزلة. فهو كالمساجد والمحامد. وهذا أولى لقوله منزلة اللوى. وبعد إما حال من المنازل أو ظرف. والعيش عطف على المنازل. والأيام صفة لاسم الإشارة أو عطف بيان. وقوله: طرقتك صائدة الخ هذا التفات من التكلم إلى الخطاب. والطروق: الإتيان ليلا. قال ابن هشام: قد عيب عليه طرد خيال محبوبته. وأجيب بأنه طرقه في حال السفر فأشفق عليه من الخطر. وقوله: تجري السوالك على أغر أي: على ثغر أغر. وقوله: لولا مراقبة العيون أي: الرقباء جمع عين وهو الجاسوس. وقوله: إن ابن آكلة النحالة يعني البعيث. وأراد بآكلة النخالة الخنزير والبعيث شاعر من بين مجاشع. والجرم بكسر الجيم: الجسد يقال: رماه بأجرامه أي: بجسده. والخلف بسكون اللام: الرديء من الناس وغيرهم وبفتحها: الجيد من الناس ومن كل شيء. وقوله: الظاعنون الخ معناه: أنهم يركبون ما لا ينالون غايته وينزلون شر البقاع لنذالتهم لا يمكنون من موضع جيد. وقوله: لو غيركم علق الزبير الخ الحبل هنا: الذمة. والجوار: المجاورة والذمة. وعلق الشيء بكذا من باب تعب وتعلق به إذا نشب به واستمسك.
415 يريد أن قوم الفرزدق غدروا بالزبير بن العوام فقتلوه. يقول: لو كان في ذمة غيركم لأدى ذمته إلى بني العوام ولم يغدر به.) وملخص سبب قتله أن الزبير لما جاء مع عائشة في وقعة الجمل ذكره علي رضي الله عنه بقول النبي عليه الصلاة والسلام: إنك ستحاربه وأنت ظالم له فاسترجع وقال: أذكرتني شيئا أنسانيه الدهر. ثم فارق المعركة آخذا طريق مكة فنزل على قوم من بني تميم فقام إليه عمرو ابن جرموز المجاشعي فأضافه ثم قال له: يا أبا عبد الله حدثني عن خصال أسألك عنها. قال: هات. قال: خذلك عثمان وبيعتك عليا وإخراجك أم المؤمنين وصلاتك خلف ابنك ورجوعك عن هذه الحرب. فظن بي كل شيء إلا الجبن. فانصرف وهو يقول: وا لهفي على ابن صفية أضرمها نارا ثم أراد أن يلحق بأهله قتلني الله إن لم أقتله. ثم رجع إليه كالمستنصح. قال: يا أبا عبد الله دون أهلك فيافي فخذ نجيبي هذا وخل فرسك ودرعك فإنهما شاهدان عليك بما تكره. ولم يزل به حتى ترك عنده فرسه ودرعه وخرج معه إلى وادي السباع وأراه أنه يريد مسايرته ومؤانسته فقتله غيلة وهو يصلي وأتى بسيفه إلى أمير المؤمنين وأخبره بقتله فبشره علي بالنار. ثم خرج ابن جرموز على علي مع أهل النهروان فقتل مع من قتل هناك. وهذا البيت أورده المبرد في الكامل إلا أنه رواه بنصب غيركم قال: تصب بفعل مضمر يفسره ما بعده لأنها للفعل. وهو في التمثيل: لو علق الزبير غيركم. انتهى. وأورده أيضا أبو بكر بن السراج في الأصول في باب أن المفتوحة قال: إن الأسماء تقع بعد لو على تقدير تقديم الفعل الذي بعدها.
416 فمما وليها من الأسماء قول الله عز وجل: لو أنتم تملكون وقال جرير: لو غيركم علق الزبير بحبله البيت. انتهى. والظاهر أن الرواية عنده بالرفع وهو الصحيح لأن علق لا يتعدى إلى مفعول صريح. وكذلك رواه ابن هشام في مغني اللبيب عند الكلام على لو غيركم بالرفع. ويرد عليه أن هذا لا يصح لأن المتعلق بالحبل الزبير لا غيركم. وقد يوجه بأن التعلق من الطرفين: من الزبير بنزوله عندهم ومن الغير بحفظ الذمام. وفيه تعسف والظاهر أن هذا مما حذف فيه كان الشأنية كقوله: البسيط) لو في طهية أحلام لما عرضوا وجملة غيركم علق الزبير بحبله من المبتدأ والخبر خبر كان الشانية المحذوفة. أو يكون غيركم اسم كان المحذوفة الناقصة وجملة علق الزبير في محل نصب على أنه خبرها. وإنما أطنبت في شرح هذا البيت لأني لم أر أحدا وفي حقه من الشراح حتى إن الدماميني مع جلالته ما فهم معناه قال في الحاشية الهندية على المغني: والذي يظهر أن غرض الشاعر ذم مخاطبيه بأنهم لا قوة لهم يحكمون بها من التجأ إلى جوارهم. يقول: لو تمسك الزبير بذمة غيركم لم يلتفت إلى جوار قومه واستمسك بهؤلاء الذين استجار بهم لكونهم من الحماية له بحيث يفوقون عصبة قومه. يعني: وأما أنتم فلستم بهذه المثابة فلا يعتد الزبير باعتصامكم بل هو مستمسك بجوار قومه لا يرد عليهم لافتقاره إليه وضعفكم.
417 هذا كلامه على البيت بحذافيره ولا يخفى أن هذا لا مساس له بالبيت ومنشوء عدم الاطلاع وقوله: كان العنان على أبيك محرما الخ أراد عنان الفرس. والكير: كور الحداد. يريد أنهم ليسوا بفرسان وأن أباه قين أي: حداد. وقد عارضه الفرزدق بقصيدة منها هذه الأبيات: الكامل * قال ابن صانعة الزروب لقومه * لا أستطيع رواسي الأعلام * * قالت تجاوبه المراغة أمه * قد رمت ويل أبيك غير مرام * * ووجدت قومك فقؤوا من لؤمهم * عينيك عند مكارم الأقوام * * صغر دلاؤءهم فما ملؤوا بها * حوضا ولا شهدوا غداة زحام * * أشبهت أمك إذ تعاض دارما * بأدقة متقاعسين لئام * * وحسبت بحر بني كليب مصدرا * فغرقت حين وقعت في القمقام * * في لجة غمرت أباك بحورها * في الجاهلية كان والإسلام * إلى هنا كلام أم جرير له. ومن هنا شرع يفتخر فقال: * إن الأقارع والحتات وغالبا * وأبا هنيدة دافعوا لمقامي * * بمناكب سبقت أباك صدورها * ومآثر لمتوجين كرام *
418 * إني وجدت أبي بنى لي بيته * في دوحى الرؤساء والحكام) * (منا الذي جمع الملوك وبينهم * حرب يشب وقودها بضرام * * خالي الذي ترك النجيع برمحه * يوم النقا شرقا على بسطام * * وأبي صعصعة بن ليلى غالب * غلب الملوك ورهطه أعمامي * ويأتي إن شاء الله شرح جميع هذا عند الكلام على قوله: في لجة غمرت أباك بحورها فإنه من شواهد هذا الكتاب في باب الأفعال الناقصة. وأنشد بعده الشاهد العاشر بعد الأربعمائة الوافر * تجلد لا يقل هؤلاء هذا * بكى لما بكى أسفا وغيظا * على أن هؤلاء بفتح الهاء وسكون الواو مخفف هؤلاء بحذف ألف ها وقلب همزة أولاء واوا. وقال ابن جني في الخاطريات: الأصل هؤلاء فحذفت الألف ثم شبه هؤل بعضد فسكن ثم أبدل الهمزة واوا وإن كانت ساكنة بعد فتحة تنبيها على حركتها الأصلية. ومثله في المعتل قول بعضهم في بئس: بيس بياء ساكنة بعد الباء. وأسهل من ذلك أن يقال: أبدل الهمزة من هؤلاء واوا على غير قياس ثم استثقلت الضمة على الواو فأسكنت فحذفت الألف لالتقاء الساكنين.
419 وقال الشلوبين في حاشيته على المفصل: كثر هؤلاء في كلامهم حتى خففوه فقالوا هؤلاء. قال الشاعر: الوافر * تجلد لا يقل هؤلاء هذا * بكلا لما بكى أسفا عليكا * فالقافية في رواية الشلوبين كافية. ولم أدر أي الروايتين صحيحة لأني لم أقف على شيء بأكثر من هذا. والله أعلم. وتجلد: فعل أمر من الجلادة وهو التحفظ من الجزع. ويقل مجزوم بلا الناهية. وأنشد بعده الشاهد الحادي عشر بعد الأربعمائة الطويل * فقلت له والرمح يأطر متنه * تأمل خفافا إنني أنا ذلكا * على أن الإشارة فيه من باب عظمة المشار إليه أي: أنا ذلك الفارس الذي سمعت به. نزل بعد درجته ورفعة محله منزلة بعد المسافة. وكذا القول في قوله عز وجل: آلم ذلك الكتاب. وقال المبرد في الكامل نقلا عن ابن عباس وتبعه ابن الأنباري في مسائل الخلاف قالا: قد يأتي اسم الإشارة البعيد بمعنى القريب كما يكون ذلك بمعنى هذا. قال تعالى: آلم ذلك الكتاب. وقال خفاف بن ندبة.
420 تأمل خفافا إنني أنا ذلكا أي: هذا. وأقره أبو الوليد القرشي في شرح الكامل وقال: وأقرب متأولا من ذا وذاك في قول خفاف وأولى بالتأويل أن يريد أي: أنا خفاف فكنى عنه بقوله أنا ذلك كما يقول لك القائل: أنت زيد فتقول له: أنا ذلك الذي تريد. انتهى. والبيت من أبيات لخفاف بن ندبة الصحابي وهي: * فإن تك خيلي قد أصيب عميدها * فإني على عمد تيممت هالكا * * نصبت له علوي وقد خام صحبتي * لأبني مجدا أو لأثأر هالكا * * لدن ذر قرن الشمس حتى رأيتهم * سراعا على خيل تؤم المسالكا * * فلما رأيت القوم لا ود بينهم * شريجين شتى منهم ومواشكا * * تيممت كبش القوم لما رأيته * وجانبت شبان الرجال الصعالكا * * فجادت له يمنى يدي بطعنة * كست متنتيه أسود اللون حالكا * * أنا الفارس الحامي حقيقة والدي * به تدرك الأوتار قدما كذلكا * قوله: إن تك خيلي الخ أراد بالخيل هنا الفرسان. والعميد: السيد الذي يعمد أي: يقصد أي: إن قتل سيد الفرسان. وروى: صميمها والصميم: الشريف والخالص. وأراد بهذا السيد الذي قتل ابن عمه وهو معاوية بن عمرو بن الشريد وهو أخو صخر والخنساء الصحابية الشاعرة. وتيممت: قصدت. ومالك هو ابن حمار. وهو سيد بني شمخ بن فزارة.) وكان من خبره أن خفاف بن ندبة غزا مع معاوية بن عمرو مرة وفزارة فعمد ابنا حرملة: دريد وهاشم المريان عمد معاوية فاستطرد له أحدهما فحمل عليه معاوية فطعنه في عضده وحمل الآخر على معاوية فطعنه متمكنا فلما تنادوا:
421 قتل معاوية قال خفاف: قتلني الله إن برحت مكاني حتى أثأر به فحمل على مالك المذكور فطعنه فقتله. وإنما تيممه لأنه عدل معاوية. وقوله: نصبت له علوي الخ ويروى: وقفت له علوي وهو بفتح المهملة وسكون اللام وبالقصر: اسم فرس خفاف أورده القالي في المقصور والممدود. وخام بالخاء المعجمة بمعنى ارتد. يقال: أخام الرجل يده عن الطعام إذا رفع يده عنه. والصحبة: مصدر صحبه يصحبه. وأراد به الأصحاب. والمجد: الشرف. وأثأر هالكا أي: آخذ بثأر هالك يعني معاوية. وقوله: لدن ذر قرن الخ يقال: ذر قرن الشمس ذرورا بالذال المعجمة من باب قعد: طلعت. وقرنها: أول ما يظهر منها. ولدن: ظرف لقوله نصبت له علوي. وقوله: شريجين: مثنى شريج بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وآخره جيم حال من القوم أي: صنفين. وشتى ومواشكا: يدل من شريجين. وشتى: جمع شتيت كجرحى جمع جريح. ومواشك: اسم فاعل بمعنى مسرع. يعني رأيت القوم قسمين: فريق منهم رجع وتشتت عن معاوية قبل قتله كما يأتي في خبر مقتله وفريق هارب مسرع بعد قتله. وقوله: تيممت كبش الخ هو جواب لما. وكبش القوم: رئيسهم وسيدهم. وإنما جانب الشباب ولم يقتل منهم لأنهم ليسوا بكفء لمعاوية. والصعالك: جمع صعلوك والقياس الصعاليك وهم الفقراء. وقوله: فجادت له أي: لمالك. والمتنة: مثل المتن كما جاء به في البيت بعده. قال ابن فارس: المتنان: مكتنفا الصلب من العصب واللحم. ومتنت الرجل متنا
422 من بابي وضر وقتل إذا ضربت متنه. وأراد بأسود اللون الدم. والحالك: الشديد السواد. وقوله: وقلت له الخ معطوف على جادت والعاطف هو الواو لا الفاء كما في الشرح. والضمير لمالك وجملة والرمح يأطر متنه: حال من الهاء وحملة تأمل خفافا مقول القول. ويأطر: يحنو ويثني. يقال: أطره أطرا من باب ضرب إذا عطفه ومنه إطار المنخل. ومتنه مفعول يأطر أي:) يعطف ظهر مالك. وتأمل فعل أمر خطاب لمالك من تأملت الشيء إذا تدبرته وهو إعادتك النظر فيه مرة بعد أخرى حتى تعرفه. وخفاف بضم الخاء المعجمة وفاءين كغراب: اسم الشاعر. وإنما قال له ذلك ليعرفه أنه هو الذي قتله. روى الأخفش في شرح ديوان الخنساء أن خفافا لما قال له ذلك قال مالك: أنت ابن ندبة يريد أنت ابن جارية سوداء يعيره بذلك. وقوله: إنني أنا ذلك استئناف بياني كأنه قال له: هل أنت مما يتأمل إنما أنت ابن ندبة فقال له: إنني أنا ذلك الشجاع الذي سمعت به. وأنا إما تأكيد للياء كما تقدم وجهه في الشرح في بابه وإما مبتدأ خبره لك والجملة خبر إنني والألف في ذلك للإطلاق وكذلك في جميع هذه القوافي. وقوله: أنا الفارس الخ استئناف نحوي وهو ابتداء كلام لا علاقة له بما قبله معنى ابتدأ به وحقيقة والده هنا: أخذ ثأر ابن أخيه لأنه يحق على والده أن يأخذ ثأر معاوية. قال عامر بن الطفيل قاتله الله: الطويل
423 * لقد علمت عليا هوازن أنني * أنا الفارس الحامي حقيقة جعفر * وجعفر هذا أبو جده لأنه عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب. وقوله: به تدرك الأوتار الخ أي: إنما تدرك الأوتار بالحمي بالدال عليه الحامي لا بغيره. أو الضمير راجع للحامي يقال: حميت المكان من الناس حميا من باب رمى وحمية بالكسر إذا منعته عنهم. والحماية اسم منه. وتدرك بالبناء للمفعول. والأوتار: جمع وتر بالكسر وهو الثأر والذحل أي: الحقد. وقوله: قدما كذلك أي: كذلك تدرك الأوتار قدما بكسر القاف. قال صاحب الصحاح: يقال قدما كان كذا وكذا وهو اسم من القدم جعل اسما من أسماء الزمان. وروى صاحب الأغاني كذا: * أنا الفارس الحامي الحقيقة والذي * به أدرك الأبطال قدما لذلكا * وزاد بعده وهو: * وإن ينج منها هاشم فبطعنة * كسته نجيعا من دم الجوف صائكا *) وخفاف بن ندبة هو خفاف بن عمير بن الحارث بن الشريج بن رياح ابن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة ابن خصفة. وخفاف بضم الخاء المعجمة وهو بمعنى الخفيف يقال: رجل خفاف وخفيف بمعنى كطوال وطويل. والخف بالكسر بمعنى الخفيف أيضا.
424 وعمير: مصغر عمرو. والشريد اسمه عمرو. ورياح بكسر الراء بعدها مثناة تحتية. ويقظة هو ضد النوم. وعصية: مصغر عصا. وبهثة بضم الموحدة وسكون الهاء بعدها ثاء مثلثة. وسليم بالتصغير. وأما ندبة فهو اسم أمه كان سباها الحارث بن الشريد حين أغار على بني الحارث بن كعب فوهبها لابنه عمير فولدت له خفافا وكانت امرأة سوداء. كذا في الأغاني. وقال ابن الكلبي في الأنساب: ندبة هي بنت الشيطان بن قنان بن سلمة ابن وهب بن عبد الله بن ربيعة بن كعب. انتهى. وقال صاحب العباب: ندبة هذه كانت سوداء حبشية وهي بفتح النون وسكون الدال بعدها باء موحدة مأخوذ من قولهم: رجل ندب أي: خفيف في الحاجة وامرأة ندبة. وفرس ندب أي: ماض. وندب مثل شجع شجاعة أي: خف في العمل. وقنان بفتح القاف بعدها نونان خفيفتان. وخفاف بن ندبة مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام وشهد فتح مكة وكان معه لواء بني سليم واللواء الآخر مع العباس بن مرداس. وشهد حنينا والطائف وثبت على إسلامه في الردة وبقي إلى زمن عمر بن الخطاب وكنيته أبو خراشة. وكان في الجاهلية يهاجي العباس بن مرداس وله يقول العباس: البسيط
425 * أبا خراشة أما كنت ذا نفر * فإن قومي لم تأكلهم الضبع * وتقدم الكلام عليه. وخفاف هو أحد فرسان قيس وشعرائها المذكورين. قال الأصمعي: خفاف ودريد بن الصمة أشعر الفرسان وهو أحد أغربة العرب أي: سودانهم لأنه كان أسود حالكا وهو القائل: * كلانا يسوده قومه * على ذلك النسب المظلم * يعني: السودان.) وأغربة العرب هم: عنترة بن شداد وسليك بن السلكة وأبو عمرو بن الحباب وخفاف بن ندبة وهشام بن عقبة بن أبي معيط. وأما معاوية المذكور فهو ابن عمر خفاف وهو أخو الخنساء الصحابية وأخو صخر. وقد قتل روى هشام عن أبيه قال: كان عمير ابن الحارث بن الشريد يأخذ بيد ابنيه صخر ومعاوية في الموسم فيقول: أنا أبو خيري مضر فمن أنكر ذلك فليغير فما يغير ذلك عليه أحد. وهذا خبر مقتل معاوية. روى صاحب الأغاني عن أبي عبيدة قال: إن معاوية وافى عكاظ في موسم من مواسم العرب فبينما هو يمشي بسوق عكاظ إذ لقي أسماء المرية وكانت جميلة وزعم أنها كانت بغيا فدعاها إلى نفسه فامتنعت عليه وقالت: أما علمت أني عند سيد العرب هاشم بن حرملة فأغضبته فقال: أما والله لأقارعنه عنك.
426 قالت: شأنك وشأنه. فرجعت إلى هاشم فأخبرته بما جرى فقال هاشم: لا نريم أبياتنا حتى ننظر ما يكون من جهده. قال: فلما خرج الشهر الحرام وتراجع الناس من عكاظ خرج معاوية غازيا يريد بني مرة وبني فزارة في فرسان أصحابه من سليم حتى إذا كان بمكان يدعى الحوزة أو الجوزة والشك من أبي عبيدة سنح له ظبي فتطير منه ورجع في أصحابه فبلغ ذلك هاشم بن حرملة فقال: ما منعه من الإقدام إلا الجبن. قال: فلما كان في السنة المقبلة غزاهم حتى إذا كان في ذلك المكان سنح له ظبي وغراب فتطير فرجع ومضى أصحابه وتخلف في تسعة عشر فارسا منهم لا يريدون قتالا إنما تخلف من عظم الجيش راجعا إلى بلاده فوردوا ماء وإذا عليه بيت شعر فصاحوا بأهله فخرجت إليهم امرأة فقالوا: ممن أنت قالت: امرأة من جهينة أحلاف لبني سهم بن مرة بن غطفان. فوردوا الماء فانسلت فأتت هاشم بن حرملة فأخبرته أنهم غير بعيد وعرفته بعدتهم وقالت: لا أرى إلا معاوية في القوم فقال: يا لكاع أمعاوية في تسعة عشر رجلا شبهت وأبطلت قالت: بل قلت الحق وإن شئت لأصفهم لك رجلا رجلا. قال: هاتي. قالت: رأيت فيهم شابا عظيم الجمة جبهته قد خرجت من تحت مغفره صبيح الوجه عظيم البطن على فرس غراء. قال: نعم هذه صفة معاوية وفرسه السماء. قالت: ورأيت رجلا شديد الأدمة شاعرا ينشدهم. قال: ذلك خفاف بن ندبة.)
427 قالت: ورأيت رجلا ليس يبرح وسطهم إذا نادوه رفعوا له أصواتهم. قال: ذلك عباس الأصم. قالت: ورأيت رجلا طويلا يكنونه أبا حبيب ورأيتهم أشد شيء له توقيرا قال: ذاك نبيشة بن حبيب. قالت: ورأيت شابا جميلا له وفرة حنسة. قال: ذلك العباس بن مرداس. قالت: ورأيت شيخا له ضفيرتان فسمعته يقول لمعاوية: بأبي أنت أطلت الوقوف. قال: ذلك قال: فنادى هاشم في قومه وخرج وزعم أن المري لم يخرج إليهم إلا في عدتهم من بني مرة. قال: فلم يشعر السلميون حتى طلعوا عليهم فثاروا إليهم فلقوهم فقال لهم خفاف: لا تنازلوهم رجلا رجلا فإن خيلهم تثبت للطراد وتحمل ثقل السلاح وخيلكم قد أنهكها الغزو وأصابها الحفاء. قال: فاقتتلوا ساعة فانفرد هاشم ودريد ابنا حرملة لمعاوية فاستطرد له أحدهما فشد معاوية عليه وشغله واغتره الآخر فطعنه فقتله. واختلفوا أيهما استطرد له وأيهما قتله وكانت بالذي استطرد له طعنة طعنه إياها معاوية ويقال: هو هاشم وقال آخرون: بل دريد أخو هاشم. قال: وشد خفاف بن ندبة على مالك بن حمار سيد بني شمخ بن فزارة فقتله. ولما دخل الشهر الحرام من السنة المقبلة خرج صخر أخو معاوية حتى أتى بني مرة فوقف على ابني حرملة فإذا أحدهما به طعنة في عضده زعم خفاف في شعره أنه هاشم. فقال صخر: أيكما قتل أخي معاوية فسكتا فلم يحيرا إليه شيئا. ثم قال الصحيح للجريح: ما لك لا تجيبه فقال: وقفت له فطعنني هذه الطعنة في عضدي
428 وشد أخي عليه فقتله فأينا قتلت أدركت ثأرك إلا أنا لم نسلب أخاك. قال: فما فعلت فرسه السماء قال: ها هي تلك خذها. فأخذها فرجع فلما كان في العام المقبل غزاهم صخر وهو على فرسه السماء فقال: أخاف أن يعرفوني ويعرفوا غرة السماء فيتأهبوا. فحمم غرتها. فلما أشرف على الحي رأوها فقالت فتاة منهم: هذه والله السماء فنظر هاشم فقال: السماء غراء وهذه بهيم فلم يشعروا إلا والخيل عليهم فاقتتلوا فقتل صخر دريدا وأصاب) بني مرة فقال: الكامل * ولقد قتلتكم ثناء وموحدا * وتركت مرة مثل أمس المدبر * * ولقد دفعت إلى دريد طعنة * نجلاء تزغل مثل عط المنحر * تزغل: تخرج الدم قطعا قطعا. قال: والزغلة: الدفعة الواحدة من الدم والبول. وقال صخر أيضا فيمن قتل من بني مرة: الوافر * قتلت الخالدين به وبشرا * وعمرا يوم حوزة وابن بشر * * ومن شمخ قتلت رجال صدق * ومن بدر فقد أوفيت نذري * * ومرة قد صبحناها المنايا * فروينا الأسنة غير فخر * * ومن أفناء ثعلبة بن سعد * قتلت وما أبيئهم بوتر *
429 وقال أبو عبيدة: ثم إن هاشم بن حرملة خرج غازيا فلما كان ببلاد جشم بن بكر بن هوازن نزل منزلا وأخذ صفنا وخلا لحاجته بين شجر ورأى غفلته قيس بن الأمرار الجشمي فتبعه وقال: هذا قاتل معاوية لا نجت نفسي إن نجا فلما قعد لحاجته تكمن له بين الشجر حتى إذا كان خلفه أرسل عليه معبلة فقتله. فقالت الخنساء في ذلك: الوافر * فداء الفارس الجشمي نفسي * وأفديه بمن لي من حميم * * خصصت بها أخا الأمرار قيسا * فتى في بيت مكرمة كريم * * أفديه بكل بني سليم * بظاعنهم وبالأنس المقيم * * كما من هاشم أقررت عيني * وكانت لا تنام ولا تنيم * انتهى كلام الأغاني. وروى الأخفش في ديوان الخنساء عن ابن الأعرابي أن قيسا كان رجلا راعيا فأغار عليه هاشم بن حرملة فأخذهم وقال: أتيتكم بهذا الراعي وغنمه. فاغتفله الراعي فرماه فقتله. وللخنساء مراث كثيرة في أخيها معاوية وصخر. والسماء التي هي اسم فرس معاوية هي بلفظ السماء خلاف الأرض. وقد روى ابن عبد ربه في العقد الفريد عن أبي عبيدة أيضا خبر مقتل معاوية
430 على غير هذا الوجه الذي نقلناه عن الأغاني تركناه لطوله ومن أراد الاطلاع عليه فلينظره في باب أيام العرب) من العقد الفريد. والله أعلم. وأنشد بعده الشاهد الثاني عشر بعد الأربعمائة وهو من شواهد سيبويه: البسيط تعلمن ها لعمر الله ذا قسما هذا صدر وعجزه: فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك على أن الفصل بين ها وبين ذا بغير إن وأخواته كالقسم قليل كما هنا. قال سيبويه في باب ما يكون ما قبل المحلوف به عوضا من اللفظ بالواو: قولك إي ها الله ذا يثبت ألفها لأن الذي بعدها مدغم. ومن العرب من يقول إي ها الله ذا فيحذف الألف التي بعد الهاء ولا يكون في المقسم ها هنا إلا الجر لأن قولهم ها صار عوضا من اللفظ بالواو فحذفت تخفيفا على اللسان. وأما قولهم ذا فزعم الخليل أنه المحلوف عليه كأنه قال: إي والله للأمر هذا فحذف الأمر لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم وقدم ها كما قدم قوم ها هو ذا وها أنا ذا. وهذا قول الخليل.
431 وقال زهير: تعلمن ها لعمر الله ذا قسما.................. البيت انتهى. قال النحاس: قال الخليل في ذا: إنه المحلوف عليه فكأنه قال: إي والله الأمر هذا فحذف الأمر وقدم ها كما قدم قوم ها هو ذا. وعند غيره أن المعنى: هذا ما أقسم به. وقسما مصدر في القولين وما قبله يدل على الفعل. انتهى. وقال الأعلم: الشاهد فيه تقديم ها التي للتنبيه على ذا وقد حال بينهما بقوله لعمر الله. والمعنى: لعمر الله هذا ما أقسم به ونصب قسما على المصدر المؤكد لما قبله لأن معناه أقسم فكأنه قال: أقسم لعمر الله قسما. ومعنى تعلمن اعلم ولا يستعمل إلا في الأمر. وقال أيضا في شرح الأشعار الستة قوله: تعلمن أي: اعلم وها تنبيه. وأراد: هذا ما أقسم) به. ففرق بين ذا وها بقوله لعمر الله ونصب قسما على المصدر المؤكد به معنى اليمين. وقال شارح ديوان زهير صعودا وكان ضعيفا في النحو: وقوله تعلمنها أي: اعلمها والمعنى تعلمن هذا وصل ها بالنون من تعلمن وفرق بين ها وذا ونصب قسما بتعلم يريد: يا هذا كما تقول: اعلم زيد أني زائرك أي: يا زيد. قال الأصمعي: وقد رويت ذا قسم فذا حينئذ نصب على الحال وهي ذو التي تتصرف وتصرفها في الإعراب نحو ذو مال وذا ثوب وذي قوم. وبعضهم يقول: تعلمنها لعمر الله ذا ثم ينصب قسما على كلامين كأنه قال: تعلم قسما فاقصد بذرعك أي: اعرف قدرك. هذا كلامه. وكله خلاف الصواب
432 وإنما نقلناه للتعجب. وقوله: فاقدر بذرعك الخ قال الأعلم في شرح الأشعار الستة: أي قدر لخطوك. والذرع: قدر الخطو. وهذا مثل والمعنى لا تكلف ما لا تطيق مني يتوعده بذلك. كذلك قوله: وانظر أين تنسلك. والانسلاك: الدخول في الأمر وأصله من سلوك الطريق. والمعنى لا تدخل نفسك فيما لا يعنيك ولا يجدي عليك. اه. والأحسن أن يكون: أقدر من قدرت قدرا من بابي ضرب وقتل وقدرته تقديرا بمعنى. والاسم القدر بفتحتين ومفعوله محذوف تقديره: فاقدر خطوك بذرعك. وذرع الإنسان: طاقته التي يبلغها. وروى: فاقصد بذرعك من قصد في الأمر قصدا من باب ضرب إذا توسط وطلب الأسد ولم يجاوز الحد. فالباء بمعنى في. والذرع: بمعنى الطاقة أيضا. والبيت من قصيدة لزهير بن أبي سلمى عدتها ثلاثة وثلاثون بيتا قال الأصمعي: ليس في الأرض قصيدة على الكاف أجود من قصيدة زهير التي مطلعها: البسيط * بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا * وزودوك اشتياقا أية سلكوا * ومن قصيدة أوس بن حجر التي أولها: البسيط * زعمتم أن غولا والرجام لنا * ومنعجا فاذكروا والأمر مشترك * وهذه القصيدة هدد بها زهير الحارث بن ورقاء أخا بني الصيداء بن عمرو بن
433 قعين الأسدي فإنه كان أغار على طائفة من بني سليم بن منصور فأصاب سبيا ثم انصرف راجعا فوجد غلاما لزهير حبشيا يقال له: يسار في إبل لزهير وهو آمن في ناحية أرضهم فسأله: لمن أنت) قال: لزهير بن أبي سلمى. فاستاقه وهو لا يحرم ذلك عليه لحلف أسد وغطفان فبلغ ذلك زهيرا فبعث إليه أن رد ما أخذت. فأبى فقال زهير في ذلك هذه القصيدة يهدده بأنه يهجوه إن لم يرسل ما أخذه. وهذا أول الكلام معه بعد التغزل: * فلن يقولوا بحبل واهن خلق * لو كان قومك في أسبابه هلكوا * * يا حار لا أرمين منكم بداهية * لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك * * أردد يسارا ولا تعنف عليه ولا * تمعك بعرضك إن الغادر المعك * * ولا تكونن كأقوام علمتهم * يلوون ما عندهم حتى إذا نهكوا * * طابت نفوسهم عن حق خصمهم * مخافة الشر فارتدوا لما تركوا * تعلمن ها لعمر الله ذا قسما.................. البيت * لئن حللت بجو في بني أسد * في دين عمرو وحالت بيننا فدك * * ليأتينك مني منطق قذع * باق كما دنس القبطية الودك * هذا آخر القصيدة: قوله: هلا سألت بني الصيداء الخ بنو الصيداء: قوم من بني أسد وهم رهط الحارث بن ورقاء. وأي منصوب بأمتسك. والحبل: العهد والميثاق. قال صعوداء: إنما يعني الحلف الذي بين مزينة وغطفان وصهره في بني الغدير.
434 والواهن: الضعيف. والخلق: بفتحتين: الذائب. وجملة: لو كان قومك الخ من المقول المنفي. يقول: سلهم كيف كنت أفعل لو استجرت بهم فإني كنت أستوثق ولا أتعلق إلا بحبل متين. وقوله: لو كان قومك الخ أي: في أسباب ذلك الحبل. يقول: هو حبل شديد محكم فمن تمسك به نجا وليس بحبل ضعيف من تعلق بأسبابه هلك. وقوله: يا حار الخ هو مرخم الحارث بن ورقاء. ولا ناهية وأرمين بالبناء للمفعول مؤكد بالنون الخفيف. والسوقة: الرعية. وهذا البيت من شواهد علم العروض. وقوله: أردد يسارا الخ هو عبد زهير كان الحارث أسره. وتعنف بضم النون من العنف وهو فعل الشيء على غير وجهه والتجاوز فيه. والمعك: المطل وماضيه ومضارعه بفتح العين. والمعك بكسر العين: الذي يماطل. يقول: ما تمطلني فمطلك غدر وكلما مطلتني لحق ذلك) بعرضك. وإنما يتوعده بالهجو. وقوله: ولا تكونن كأقوام الخ يقال: لواه يلويه ليا وليانا أي: مطله. يمطلون بما عليهم من الدين. ومعنى نهكوا شتموا وبولغ في هجائهم وأصله من نهكته الحمى إذا بلغت من جسمه وهزلته. وقوله: فارتدوا لما تركوا أي: لما أوذوا بالهجاء دفعوا الحق إلى صاحبه وارتدوا إلى عطاء ما كانوا تركوه ومنعوه من الحق مخافة من الشر وإبقاء على عرضهم. وقوله: لئن حللت بجو البيتين اللام الأولى موطئة والثانية جواب القسم. جو بالجيم: اسم واد. ودين عمرو بالكسر: طاعته وسلطانه. وعمرو هو عمرو بن هند ملك العرب. وفدك بفتح
435 والقذع بفتح القاف والذال المعجمة: اسم بمعنى السب البليغ. يقال: أقذع فلان لفلان أي: استقبله بكلام قبيح. وباق أي: يبقى على الدهر بجريانه على أفواه الناس. والقبطية بضم القاف وكسرها: ثياب بيض تصنع بالشام وقد يقع على كل ثوب أبيض. والودك: الدسم. يقول: لئن نزلت بحيث لا أدركك ليردن عليك هجوي ولأدنسن به عرضك كما يدنس الدسم الثياب البيض. وقال أبو حاتم: فلما أتت القصيدة الحارث بن ورقاء لم يلتفت إليها فقال زهير: الوافر * تعلم أن شر الناس حي * ينادي في شعارهم يسار * * ولولا عسبه لرددتموه * وشر منيحة عسب معار * * إذا جمحت نساؤكم إليه * أشظ كأنه مسد مغار * * يبربر حين يعدو من بعيد * إليها وهو قبقاب قطار * * كطفل ظل يهدج من بعيد * ضئيل الجسم يعلوه انبهار * * إذا أبزت به يوما أهلت * كما تبزي الصعائد والعشار * * فأبلغ إن عرضت لهم رسولا * بني الصيداء إن نفع الحوار * وقوله: تعلم أن شر الناس الخ الشعار: علامة القوم في سفرهم وغزوهم وحربهم نحو: يا أفلح ويا سلامة فيصير كل قوم إلى داعيهم وكان شعار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يا أهل القرآن.
436 فلما انهزم الناس صاح العباس: يا أهل القرآن فرجع الناس وكان الفتح ويسار: عبد زهير.) والعسب: الضراب والجماع. يقول: لولا حاجة نسائكم إليه لرددتموه علي. والمنيحة: العارية. وجمحت: مالت. وأشظ: قام متاعه وصلب واشتد. والمسد: الحبل. والمغار: الشديد الفتل. يقال: أغرت الحبل أي: فتلته محكما. ويبربر: يصوت مثل بربرة الفحل إذا أراد الناقة والتيس إذا أراد الشاة. والقبقاب: المصوت من القبقبة وهي هدير الفحل. والقطار بضم القاف: القائم المنتصب الرأس يقطر إحليله من الشهوة. والهدجان: مقاربة الخطو في سرعة والانبهار: علو النفس عند التعب. شبهه في عدوه على أربع إليها عند إرادة الفاحشة وعلو نفسه من الحرص والشهوة بطفل صغير يحبو بينهم لضعفه. والإبزاء بالموحدة والزاء المعجمة من جميع الإناث: أن ترفع استها إلى الفحل. وأهلت: رفعت صوتها. والصعائد: جميع صعود وهي الناقة التي تخدج على سبعة أشهر أو ثمانية فتعطف وقيل: هي التي مات ولدها فعطفت على ولدها الأول والعشار: جمع عشراء وهي التي أتى عليها مذ حملت عشرة اشهر وربما بقي الاسم عليها بعد ذلك. وعليه مخرج البيت لأنه شبه النساء في حاجتهن إلى الجماع وإبرازهن أعجازهن وإهلالهن عند ذلك باحتياج الصعائد التي ألقت أولادها لغير التمام والعشار التي ولدت ثم حنت إلى الفحل ولذلك وصفه بالبربرة والقبقبة وهما صوت الفحل وهديره عند الضراب. والحوار بكسر المهملة: المحاورة والمجاوبة. وقال أبو حاتم: فلما بلغتهم الأبيات قالوا للحارث بن ورقاء: اقتل يسارا.
437 فأبى عليهم وكساه وأحسن إليه ورده مع الإبل إلى زهير فمدحه زهير بعد ذلك. ولولا خوف الإطالة لأوردت جملة مما قال فيه. وترجمة زهير تقدمت في الشاهد الثامن والثلاثين بعد المائة. وأنشد بعده الشاهد الثالث عشر بعد الأربعمائة وهو من أبيات المفصل: البسيط ها إن تا عذرة إن لم تكن نفعت هو صدر وعجزه: على أن الفصل بين ها وبين تا بغير إن وأخواتها قليل سواء كان الفاصل قسما كما تقدم أو غيره كما هنا فإن الفاصل هنا إن. وتا: اسم إشارة لمؤنث بمعنى هذه. وروى: ها إن ذي عذرة. وروى أبو عبيدة: وإن ها عذرة فلا شاهد فيه على روايته
438 . وهذا البيت آخر قصيدة للنابغة الذبياني مدح بها النعمان بن المنذر ملك الحيرة واعتذر إليه فيها مما افتري عليه. وقد بينا سبب اعتذاره في ترجمته في الشاهد الرابع بعد المائة وتقدم شرح أبيات منها. وقبله: * نبئت أن أبا قابوس أوعدني * ولا قرار على زأر من الأسد * ها إن تا عذرة................. البيت نبئت بالبناء للمفعول بمعنى أخبرت. وروى أنبئت. وأبو قابوس: كنية النعمان بن المنذر. وقابوس معرب كاوس على وزن طاوس: اسم ملك من ملوك العجم. وأوعد بالألف لا يكون إلا في الشر بمعنى هددني وزأر: مصدر زأر الأسد بالهمز يزئر ويزأر زأرا إذا صوت بحنق. وهذا تمثيل لغضبه. وقوله: ها إن تا الخ ها للتنبيه وتا: اسم إشارة لما ذكره في قصيدته من يمينه على أنه لم يأت بشيء يكرهه. وهي مبتدأ خبره عذرة. وقال بعضهم: إن عذرتي هذه عذرة. وقال الخطيب التبريزي في شرحه لهذه القصيدة: الإشارة للقصيدة أي: إن هذه القصيدة ذات عذرة. والعذرة بكسر العين اسم للعذر وبضمها قال صاحب الصحاح: يقال عذرته فيما صنع أعذره عذرا وعذرا. والاسم المعذرة والعذري. وكذلك العذرة وهي مثل الركبة والجلسة. وأنشد هذا البيت.
439 وقال صاحب المصباح: عذرته فيما صنع عذرا من باب ضرب: رفعت عنه اللوم فهو) معذور أي: غير ملوم. والاسم العذر وتضم الذال للاتباع وتسكن وقوله: إن لم تكن نفعت روى أيضا: إلا تكن نفعت. وقوله: إن صاحبها أي: صاحب العذرة ويعني به نفسه. وتاه: الإنسان في المفازة يتيه تيها: ضل عن الطريق وتاه يتوه توها لغة. وقد تيهته وتوهته ومنه يستعار لمن رام أمرا فلم يصادف الصواب فيقال إنه تائه. كذا في المصباح. والبلدك الأثر والأرض وقيل هنا بمعنى المفازة فإن من تحير في المفازة يهلك. وقال شارح ديوانه: معناه لا أفارق بلدك ما دمت ساخطا علي. والمعنى عندي: إن لم تقبل عذري وترضى علي فإني أختل حتى إني أضل في البلدة التي أنا فيها لما أنا فيه من عظم الدهشة الحاصلة لي من وعيدك. فتأمل. وأنشد بعده الشاهد الرابع عشر بعد الأربعمائة وهو من شواهد س: الطويل * ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا * فقلت لهم: هذا لها ها وذا ليا * على أن الفصل بالواو بين ها وذا قليل والأصل: وهذا ليا. نقل بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل عن صدر الأفاضل: إنما جاز تقديم ها على الواو لأن ها تبنبيه والتنبيه قد يدخل على الواو إذا عطفت جملة على أخرى كقولك: ألا إن زيدا خارج ألا وإن عمرا مقيم. اه.
440 قال سيبويه في باب استعمالهم علامة الإضمار الذي لا يوقع موقع ما يضمر في الفعل قال: وكذلك ها أنا ذا وها نحن أولاء وها هو ذاك وها أنت ذا وها أنتم أولاء وها أنتن أولاء وإنما استعملت هذه الحروف هنا لأنك لا تقدر على شيء من الحروف التي تكون علامة في الفعل ولا على الإضمار الذي في فعل. وزعم الخليل أن ها هنا هي التي مع ذا إذا قلت هذا وإنما أرادوا أن يقولوا: هذا أنت ولكنهم جعلوا أنت بين ها وذا وأرادوا أن يقولوا: أنا هذا وهذا أنا فقدموا ها وصارت أنا بينهما. وزعم أبو الخطاب أن العرب الموثوق بهم تقول: أنا هذا وهذا أنا. ومثل ما قال الخليل في هذا قول الشاعر:) ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا................. البيت كأنه أراد أن يقول: وهذا لي فصير الواو بين ها وذا. وزعم أن مثل ذلك: إي ها الله ذا أي: إنما هو هذا. وقد تكون ها في ها أنت ذا غير مقدمة ولكنها تكون بمنزلتها في هذا. ويدلك على هذا قوله عز وجل: ها أنتم هؤلاء فلو كانت ها هنا هي التي تكون أولا إذا قلت هؤلاء لم تعد ها ها هنا بعد أنتم. وحدثنا يونس أيضا تصديقا لقول أبي الخطاب أن العرب تقول: هذا أنت تقول كذا وكذا. لم يرد بقوله هذا أنت أن يعرفه نفسه كأنه يريد أن يعلمه أنه ليس غيره. هذا محال ولكنه أراد أن ينبهه كأنه قال: الحاضر عندنا أنت إذ الحاضر القائل كذا وكذا أنت. وإن شئت لم تقدم ها في هذا الباب قال عز وجل: ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم. هذا نص سيبويه ونقلناه بطوله لكثرة فوائده.
441 قال الأعلم: الشاهد في فصله بين ها وذا بالواو ونصب نصفين على الحال. وفي هذا حجة لما أجازه سيبويه من الحال في قول ذي الرمة: الطويل * ترى خلقها نصف قناة قويمة * ونصف نقا يرتج أو يتمرمر * وأطال على المبرد في إبطال جوازه فإنه قال: سيبويه رفع نصف وما بعده على القطع والابتداء ولو نصب على البدل أو على الحال لجاز. وغلطه المبرد وزعم أن نصفا معرفة لأنه في نية الإضافة فكأنه قال ترى خلفها نصفه كذا ونصفه كذا. والحجة لسيبويه أنه نكرة وإن كان متضمنا لمعنى الإضافة وليس من باب كل وبعض لأن العرب قد أدخلت عليه الألف واللام وثنته وجمعته وليس شيء من ذلك في كل وبعض. وصف امرأة فجعل أعلاها في اللطافة كالقناة وأسفلها في امتلائه كالنقا المرتج المتمرمر أي: يجري بعضه في بعض. انتهى. ومعنى البيت الشاهد واضح. ونسبه الأعلم إلى لبيد وكذلك نسبه الأندلسي في شرح المفصل إليه. وأنا لم أره في ديوانه. وكذلك قال قبلي ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل: إنه لم يره في ديوانه. والله أعلم. وأنشد بعده: الكامل
442 هذا صدر وعجزه:) وبدا الذي كانت نوار أجنت على أن هنا فيه بمعنى الزمان أي: لات حين حنت فهي ظرف زمان لأضافتها إلى الجملة. قد تقدم الكلام عليه مفصلا في الشاهد الثالث والثمانين بعد المائتين. والحنين: نزاع النفس إلى شيء. ونوار اسم امرأة مبني على الكسر في لغة الجمهور وعند تميم معرب لا ينصرف. وأجنت بالجيم بمعنى أخفت وسترت وتاؤه وتاء حنت مكسورتان للوزن.
443 باب الموصول أنشد فيه الشاهد الخامس عشر بعد الأربعمائة الطويل * وإني لراج نظرة قبل التي * لعلي وإن شطت نواها أزورها * على أن جملة لعلي الخ صلة التي بتقدير القول أي: التي أقول لعلي أزورها. وإنما قدر أقول لأنها إنشائية لا يصح وقوعها صلة فقدر القول لتكون خبرية. وينبغي أن يقول وهذا تخريج أبي علي الفارسي في التذكرة القصرية قال فيها: قول الفرزدق: وإني لراج نظرة قبل التي هو على غير الظاهر وتأويله الحكاية كأنه قال: التي أقول فيها هذا القول. وإضمار القول شائع كثير والحكاية مستعملة إذا كان عليها دليل والدلالة هنا قائمة وهي أن الصلة إيضاح وما عدا الخبر لا يوضح.
444 وقال أيضا في إيضاح الشعر: جاء في هذا البيت للفرزدق الصلة غير الخبر والصلة لا تكون إلا خبرا كما أن الصفة كذلك. فإن قلت: فقد جاء من الموصولة ما وصل بغير الخبر نحو ما قالوه: كتبت إليه: أن قم وبأن قم قلت: ذلك وإن جاء في أن لا يستقيم في الذي ونحوه من الأسماء لأن الذي يقتضي الإيضاح بصلته وليست أن كذلك. ألا ترى أنها حرف وأنه لا يرجع إليها ذكر من الصلة. وهذا وإن جاء في البيت فإن النحويين يجعلون لعل ك ليت في أن الفاء لا تدخل على خبرها فلا يجيزون: لعل الذي في الدار فمنطلق كما لا يجيزكون ذلك في ليت.) فإن قلت: أحمل لعل على المعنى لأنه طمع كأنه قال: أطمع في زيارتها قيل لك: فصله أيضا بالتمني وقل: المعنى الذي أتمنى وصله بالاستفهام والنداء وجميع ما لم يكن خبرا وقل: المعنى ويجوز فيه أن تقدر قبل لعلي فعلا وتحذفه لطول الكلام فيكون الصلة الفعل الذي هو أقول فيها وهو خبر لا إشكال فيه. وحسن الحذف لطول الكلام. اه. وأورده ابن هشام في الجملة المعترضة من الباب الثاني من المغني على أن جملة: وإن شطت نواها معترضة بين لعلي وبين أزورها. وصلة التي قول محذوف كما ذكرنا. وذكره الخفاف في شرح جمل الزجاجي على أن أزورها صلة التي وفصل بينهما بلعل وإن شطت على وجه الاعتراض ويكون خبر لعل محذوفا تقديره: لعلي أبلغ ذلك. والفصل بين الصلة والموصول بجمل الاعتراض جائز.
445 قال الشاعر: الكامل ذاك الذي وأبيك يعرف مالكا ففصل بالقسم بين الصلة والموصول. وتبعه ابن هشام في المغني فقال: ويحتم أن هذا البيت من قبيل الاعتراض بين الموصول وصلته على أن تقدير الصلة أزورها ويقدر خبر لعلي محذوفا أي: لعلي أفعل ذلك. وهذا التخريج مأخوذ من كلام أبي علي في إيضاح الشعر وما ارتضى ظاهره بل وجهه فقال: فإن قلت: أراد بأزورها التقديم كأنه قال: التي أزورها قلنا إن ذلك لا يستقيم لأنه واقع والوجه فيه أنه لما جرى أزورها خبرا ل لعل سد أزورها مسد الصلة التي يجب أن تكون خبرا فكأنه أراد التي أزورها فأغنى ذكر أزورها خبرا ل لعل عن ذكره لها قبل لعل والمعنى على التقديم. وأشبه هذا قولهم: لو أن زيدا جاءني في أن الفعل الجاري في الصلة سد مسد الفعل الذي يقع قبل أن بعد لو ولولا هذا الفعل لم يجز. ألا ترى أنه لا يجوز لو مجيئك. فكذلك سد ذكره بعد لعلي مسد ذكره قبل لعلي. فهذا وجهه. ولا ينبغي أن يقاس على هذا ولا يؤخذ به وكأن الذي حسن هذا طول الكلام وذكر الخبر في الصلة. وقد رأيت طول الصلة يجوز فيه ما لا يجوز إذا لم تطل. اه.)
446 ولم يكتب الدماميني ولا شارح شواهد المغني على هذا البيت شيئا. هذا. وآخر البيت مغير عن أصله والرواية الصحيحة: لعلي وإن شقت علي أنالها والبيت من قصيدة لامية كما يأتي بعضها. وحينئذ يأتي في أنالها ما قيل في أزورها بل يتحتم إضمار القول. * وقاتلة لي لم يصبني سهامها * رمتني على سوداء قلبي نبالها * * وإني لرام رمية قبل التي * لعلي وإن شقت علي أنالها * * ألا ليت حظي من علية أنني * إذا نمت لا يسري إلي خيالها * * فلا يلبث الليل الموكل دونها * عليه بتكرار الليالي زوالها * وبعد هذا شرع في مدحه. وقوله: وقاتلة لي الخ هو من القتل يقول: رب امرأة قتلتني مع أنها لم تصبني بسهامها الحقيقية لكنها رمت سويداء قلبي بنبال عيونها فقتلتني. وقوله: رمتني جواب رب. وقوله: وإني لرام الخ يقال: رمى نظره نحو كذا أي: توجه نحوه ورمى نحوه رمية إذا قصده قصدا. ومنه الحديث: ليس وراء الله مرمى أي: مقصد ترامى إليه الآمال ويوجه نحوه الرجاء. وشطت من بابي ضرب وقتل. يقال: شطت الدار أي: بعدت. ونواها: فاعل شطت. والنوى مؤنثة لا غير وهي الوجه الذي ينويه المسافر
447 من قرب أو بعد. ويجوز أن يكون فاعل شطت ضمير التي ونواها منصوب بتقدير في. هذا على الرواية الأولى. وأما شقت على الرواية الثانية ففاعله ضمير رمية من شق الأمر عليه إذا اشتد وثقل عليه. ومنه حديث: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة. وأنالها: مضارع نال خيرا نيلا أي: أصابه. وقوله: فلا يلبث الليل الخ قال شارح ديوانه: يقول زالت فذهبت فزوالها يهدي إلي خيالها كل ليلة وزوالها لا يحبس الليل عني فلا يلبث زوالها أن يعيد خيالها. وقال الحرمازي: يقول: ليت حظي منها أن لا يلبث الليل الموكل على زوالها بالتكرار أي: بكر) زوالها علي الليل يجعل الليلة ليالي. وهو مثل قوله: الوافر * كأن الليل يحبسه علينا * ضرار أو يكر إلى نذور * أي: كأنه يغور كلما كاد يفنى. اه. وترجمة الفرزدق تقدمت في الشاهد الثلاثين. وأنشد بعده: الرجز جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط على أن الجملة الاستفهامية وقعت صفة ل مذق بتقدير: تقول عند رؤيته: هل رأيت الخ.
448 * ما زلت أسعى معهم وأختبط * حتى إذا جن الظلام واختلط * جاؤوا بمذق الخ. يقال: خبطت فلانا وأختبطته أي: سألته بغير وسيلة ما شكا قوما وقال: لم أزل طول النهار أسعى معهم وأسألهم شيئا حتى إذا أظلم الليل واختلط الظلام جاؤوني بلبن مخلوط بماء كثير يضرب لونه لكثرة مائه إلى لون الذئب فكل من رآه يستفهم عن رؤيته الذئب لأنه بلونه يحمل رائيه على السؤال عن الذئب. وإنما قال هذا لأن الذئب موصوف بالورقة واللبن إذا كثر ماؤه يصير أورق. والورقة بالضم: لون أبيض يخالطه سواد. وقد تقدم الكلام عليه مفصلا في الشاهد السادس والتسعين. وأنشد بعده: الحافظو عورة العشيرة هو بعض بيت أصله: * الحافظو عورة العشيرة لا * يأتيهم من ورائهم وكف * على أنه حذف بعض الصلة تخفيفا وهو النون والأصل الحافظون عورة العشيرة. ف أل موصول اسمي بمعنى الذين والوصف المجموع صلته وقد حذف بعضها وهو النون.
449 وقد تقدم الكلام عليه مفصلا في الشاهد الثامن والتسعين بعد المائتين من باب الإضافة. والعورة: المكان الذي يخاف منه العدو وقال ثعلب: كل مخوف عورة. وقال كراع: عورة الرجل في الحرب: ظهره والعشيرة: القبيلة.) والوكف بفتح الواو والكاف ويروى بدله نطف بفتح النون والطاء المهملة وكلاهما بمعنى العيب أي: يحفظون العشيرة أن يصيبهم ما يعابون به ولا يضيعون ما استحفظوا فيلحق العشيرة عيب بذلك. وأنشد بعده الشاهد السادس عشر بعد الأربعمائة الطويل * بسود نواصيها وحمر أكفها * وصفر تراقيها وبيض خدودها * على أن رجوع الضمير من نواصيها على الموصوف بسود المقدر خاص بالضرورة والقياس: بنساء سود نواصيها. وهذا على رواية البيت كذا وأما على ما سيأتي فمرجع الضمير وصف مذكور في بيت قبله. * لقد كنت جلدا قبل أن توقد النوى * على كبدي نارا بطيئا خمودها *
450 * وقد كنت أرجو أن تموت صبابتي * إذا قدمت أيامها وعهودها * * فقد جعلت في حبة القلب والحشا * عهاد الهوى تولى بشوق يعيدها * بسود نواصيها................................... البيت * مخصرة الأوساط زانت عقودها * بأحسن مما زينتها عقودها * * يمنيننا حتى ترف قلوبنا * رفيف الخزامى بات طل يجودها * قال أمين الدين الطبرسي في شرح الحماسة تبعا للخطيب التبريزي: يقول: كنت حمولا لحوادث الزمان صبورا عليها حتى منيت بفراق الأحبة وكنت أرجو أن تسكن صبابتي وتنصرم إذا مال عليها الدهر وتقادمت أيامها أي: أيام الصبابة. والعهود: جمع عهد وهو اللقاء ها هنا والعهاد: جمع عهد وهو المطر في أول السنة. وروي بالنصب والرفع فالنصب على أنه مفعول أول لجعلت وتولى بشوق في موضع المفعول الثاني ويعيدها صفة شوق. ومعنى تولى: تمطر الولي والولي: المطرة الثانية بعد الوسمي أي: صيرت في حبة القلب وأحشائه أمطار الهوى تتجدد وتتبع بولي من الشوق يردها كما كانت.) والضمير في يعيدها يرجع إلى عهاد. يريد أن الشوق لا ينقضي. والرفع على أن يكون جعلت بمعنى طفقت وأقبلت فيكون غير متعد ويرتفع عهاد الهوى به. ويروى: يولي بالياء. وبعيدها بالباء فاعل يولي أي: فقد طفقت أوائل هواها يمطر أبعدها بشوق يجددها.
451 والباء في قوله: بسود يجوز أن يتعلق بقوله: تموت صبابتي ويجوز أن يتعلق بجعلت إذا ارتفعت عهاد الهوى به. يريد جعلت العهاد تفعل ذلك بسبب نساء بهذه الصفات. مخصرة الأوساط أي: دقيقة الخصور وقلائدهن تكتسب من التزين بهن إذا علقت عليهن أكثر مما يكتسبن منها إذا تحلين بها اه. والأقرب أن تتعلق الباء في بسود بقوله: يعيدها وهو الأنسب من جهة المعنى. وقال الخطيب التبريزي: وإنما جاز أن يجمع حمر وسود وغيرهما وإن ارتفع ما بعدها بها لأن هذه الجموع لها نظائر في الأسماء المفردة ولو كانت ما لا نظير له في الواحد لما جاز جمعه تقول: مررت برجال ظراف آباؤهم ولو قلت: برجال ظريفين آباؤهم لم يجز. وقوله: يمنيننا يصف حسن مواعيدهن وتقريبهن أمر الوصال. حتى ترف قلوبنا أي: تهتز نشاطا وترتاح وتفرح. والخزامى بضم أوله والقصر: خيري البر. ورفيفها: اهتزازها. والطل: أثر الندى في الأرض من المطر. وإنما جعل الطل يجود جودا لأنه يفعل في ري الخزامى ونعمتها ما يفعل الجود في نبات الأرض. يقال: رف يرف إذا اهتز نعمة ونضارة. وقد أورد هذه الأبيات بأكثر من هذا مع بعض تغيير السيد المرتضى في أماليه قال: أخبرنا أبو عبد الله المرزباني قال: أنشدنا علي بن سليمان الأخفش قال: أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب للحسين بن مطير: الطويل * لقد كنت جلدا قبل أن يوقد الهوى * على كبدي نارا بطيئا خمودها * * ولو تركت نار الهوى لتضرمت * ولكن شوقا كل يوم يزيدها *
452 * وقد كنت أرجو أن تموت صبابتي * إذا قدمت أيامها وعهودها * * فقد جعلت في حبة القلب والحشا * عهاد الهوى تلوي بشوق يعيدها * * بمرتجة الأرداف هيف خصورها * عذاب ثناياها عجاف قيودها * * وصفر تراقيها وحمر أكفها * وسود نواصيها وبيض خدودها) * (يمنيننا حتى ترف قلوبنا * رفيف الخزامى بات طل يجودها * اه. وكذا روى هذه الأبيات القالي في أماليه عن ابن دريد وعن ابن الأعرابي. وكتب الشريف المرتضى على قوله بمرتجة الأرداف.... البيت يعني أنها عجاف اللثات. وأصول الأسنان هي قيودها. قال أبو العباس ثعلب: خفض عجاف لحن لأنه ليس من صفة النساء وسبيله أن يكون نصبا لأنه حال من الثنايا. اه. أقول: إنما قال ثعلب ذلك لأن الضمير في قيودها للثنايا وهذا عجب منه فإن باب جريان الصفة على غير من هي له واسع. والباء في قوله: بمرتجة متعلقة بقوله: يعيدها ويجوز أن تتعلق بجعلت أو بتموت. ومرتجة الأرداف هو مرجع الضمائر الآتية بعده فلا يرد ما أورده الشارح المحقق في البيت الشاهد. وقوله: مخصرة الأوساط بالجر ويجوز النصب والرفع على المدح. وكذلك قوله: وصفر تراقيها والبيت مأخوذ من قول مالك بن أسماء بن خارجة: الخفيف * وتزيدين أطيب الطيب طيبا * أن تمسيه أين مثلك أينا * * وإذا الدر زان حسن وجوه * كان للدر حسن وجهك زينا *
453 وقوله: وصفر تراقيها بالتنوين في المواضع الأربعة وتراقيها: فاعل صفر وكذلك أكفها ونواصيها. والتراقي: جمع ترقوة وهي أعالي الصدر. وصفها بالصفرة من الطيب كالزعفران وأراد بحمرة أكفها الخضاب. وهذا البيت أورده ابن رشيق في العمدة في باب المطابقة قال: أنشد غير واحد من العلماء: بسود نواصيها البيت. ورواه ابن الأعرابي في نسق أبيات: وصفر تراقيها وحمر أكفها... إلخ. وهذه الرواية أشكل في الصنعة. وروى أبو تمام في الحماسة للحسين بن مطير أيضا. ويشبه أن يكون الجميع من قصيدة واحدة: * وكنت أذود العين أن ترد البكا * فقد وردت ما كنت عنه أذودها) * (خليلي ما بالعيش عيب لو اننا * وجدنا لأيام الصبا من يعيدها * وروى أبو تمام أيضا لغيره وبعض الرواة يرويها لابن مطير أيضا: * ولي نظرة بعد الصدود من الجوى * كنظرة ثكلى قد أصيب وليدها * * هل الله عاف عن ذنوب تسلفت * أم الله إن لم يعف عنها معيدها * وحسين بن مطير هو كما قال في الأغاني حسين بن مطير بن مكمل مولى لبني أسد بن خزيمة ثم لبني سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن
454 أسد. وكان جده مكمل عبدا فأعتقه مولاه وحسين من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. شاعر متقدم في القصيد والرجز فصيح قد مدح بني أمية وبني العباس وكان زيه وكلامه يشبه مذاهب الأعراب وأهل البادية ووفد على معن بن زائدة لما ولي اليمن فلما دخل عليه أنشده: الطويل * أتيتك إذ لم يبق غيرك جابر * ولا واهب يعطي اللهى والرغائبا * فقال له معن: يا أخا بني أسد ليس هذا بمدح إنما المدح قول نهار بن توسعة في مسمع بن مالك بن مسمع: الخفيف * قلدته عرى الأمور نزار * قبل أن يهلك السراة البحور * قال: وأول هذا الشعر: الخفيف * اظعني من هراة قد مر فيها * حجج مذ سكنتها وشهور * * اظعني نحو مسمع تجديه * نعم ذا المنثني ونعم المزور * * سوف يكفيك إن نبت بك أرض * بخراسان إذ جفاك أمير * * من بني الحصن عامل بن بريح * لا قليل الندى ولا منزور * * والذي يفزع الكماة إليه * حين تدمى من الطعان النحور * * فاصطنع يا ابن مالك آل بكر * واجبر العظم إنه مكسور *
455 * سل سيوفا محدثا صقالها * صاب على أعدائه وبالها * وعند معن ذي الندى أمثالها فاستحسنها وأجزل صلته. قال المفضل الضبي: كنت يوما محتاجا إلى درهم وعلي عشرة آلاف درهم إذ جاءني رسول المهدي فقال: أجب أمير المؤمنين فتخوفته لأني كنت خرجت عليه مع إبراهيم بن عبد الله بن) الحسن فتطهرت ولبست ثوبين نظيفين وصرت إليه. فلما مثلت بين يديه سلمت فرد علي وأمرني بالجلوس فلما سكن جأشي قال لي: يا مفضل أي بيت قالته العرب أفخر فشككت ساعة ثم قلت: بيت الخنساء. وكان مستلقيا فاستوى جالسا ثم قال: وأي بيت هو قلت: قولها: البسيط * وإن صخرا لتأتم الهداة به * كأنه علم في رأسه نار * فأومأ إلى إسحاق بن بزيع ثم قال: قد قلت له ذلك فأبى. فقلت: الصواب ما قاله أمير المؤمنين. ثم قال: يا مفضل أسهرني البارحة قول ابن مطير الأسدي: الطويل * وقد تغدر الدنيا فيضحي فقيرها * غنيا ويغنى بعد بؤس فقيرها * ثم قال: ألهذين البيتين ثالث قلت: نعم يا أمير المؤمنين.
456 * وكم قد رأينا من تغير عيشة * وأخرى صفا بعد اكدرار غديرها * وكان المهدي رقيقا فاستعبر ثم قال: يا مفضل كيف حالك قلت: كيف يكون حال من هو مأخوذ بعشرة آلاف درهم فأمر لي بثلاثين ألف درهم وقال: اقض دينك وأصلح شأنك فقبضتها وانصرفت. ودخل ابن مطير يوما على المهدي فأنشده: البسيط * لو يعبد الناس يا مهدي أفضلهم * ما كان في الناس إلا أنت معبود * * أضحت يمينك من جود مصورة * لا بل يمينك منها صور الجود * * من حسن وجهك تبدو الأرض مشرقة * ومن بنانك يجري الماء في العود * * لو أن من نوره مثقال خردلة * في السود طرا إذا لابيضت السود * فأمر له لكل بيت بألف درهم. والبيت الثالث رأيته مجرورا كما هو. ومن قصيدة له في مدح المهدي: الطويل * إذا شاهد القواد سار أمامهم * جريء على ما يتقون وثوب * * يعف ويستحيي إذا كان خاليا * كما عف واستحيا بحيث رقيب * ومن شعره المشهور في رثاء معن بن زائدة: الطويل)
457 * ألما بمعن ثم قولا لقبره * سقيت الغوادي مربعا ثم مربعا * * أيا قبر معن كنت أول حفرة * من الأرض خطت للمكارم مضجعا * * أيا قبر معن كيف واريت جوده * وقد كان منه البر والبحر مترعا * * بلى قد وسعت الجود والجود ميت * ولو كان حيا ضقت حتى تصدعا * * أبى ذكر معن أن تموت فعاله * وإن كان قد لاقى حماما ومصرعا * هذا ما انتخبته من الأغاني. وروى السيد المرتضى في أماليه بسنده عن محمد بن حميد قال: كنا عند الأصمعي فأنشده رجل أبيات دعبل: الكامل * أين الشباب وأية سلكا * لا أين يطلب ضل بل هلكا * * لا تعجبي يا سلم من رجل * ضحك المشيب برأسه فبكى * * يا سلم ما بالشيب منقصة * لا سوقة يبقى ولا ملكا * * قصر الغواية عن هوى قمر * وجد السبيل إليه مشتركا * * لا تأخذا بظلامتي أحدا * قلبي وطرفي في دمي اشتركا * فاستحسنها كل من كان حاضرا في المجلس وأكثروا التعجب من قوله: ضحك المشيب برأسه فبكى قال الأصمعي: إنما أخذ هذا من قول ابن مطير الأسدي: الخفيف * أين أهل القباب بالدهناء * أين جيراننا على الأحساء * * جاورونا والأرض ملبسة نو * ر الأقاحي تجاد بالأنواء *
458 * كل يوم بأقحوان جديد * تضحك الأرض من بكاء السماء * * ذهب حيث ما ذهبنا ودر * حيث درنا وفضة في الفضاء * وقد أخذه مسلم في قوله: * مستعبر يبكي على دمنة * ورأسه يضحك منه المشيب * قال السيد المرتضى قدس الله روحه: ولأبي الحجناء نصيب الأصغر مثل هذا المعنى: الكامل * فبكى الغمام به فأصبح روضه * جذلان يضحك بالجميم ويزهر * ولابن المعتز مثله: الطويل) * ألحت عليه كل طخياء ديمة * إذا ما بكت أجفانها ضحك الزذهر * * تبسم المزن وانهلت مدامعه * فأضحك الروض جفن الضاحك الباكي * * وغازل الشمس نور ظل يلحظها * بعين مستعبر بالدمع ضحاك * وروي عن أبي العباس المبرد أنه قال: أخذ ابن مطير قوله: تضحك الأرض من بكاء السذماء من قول دكين الراجز: الرجز * جن النبات في ذراها وزكا * وضحك المزن به حتى بكى * انتهى ما أورده السيد في أماليه. وهذا الخبر المسند إلى الأصمعي رواه صاحب الأغاني بسنده إلى أبي المثنى أحمد بن يعقوب ابن أخت أبي بكر الأصم وإنما اخترنا رواية السيد لأنها اشتملت على فوائد.
459 ولم يحك صاحب الأغاني في روايته إلا قوله: لا تعجبي يا سلم من رجل................. البيت مع أبيات ابن مطير. وأنشد بعده الشاهد السابع عشر بعد الأربعمائة * وقد يخرج اليربوع من نافقائه * ومن جحره بالشيحة اليتقصع * * يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا * إلى ربنا صوت الحمار اليجدع * على أن أل الموصولة قد وصلت بالمضارع في ضرورة الشعر كما في اليتقصع واليجدع ببنائهما للمفعول. وهما من مقطوعة هي سبعة أبيات لذي الخرق الطهوي قد شرحناها في أول شاهد من شواهد الشرح. والبيت الثاني هو ثاني الأبيات والأول هو خامسها. وكأنه نقل البيتين
460 من سر الصناعة لابن جني فإنهما كذا وقعا فيه والصواب أيضا فيستخرج اليربوع بالفاء كما مر. وقد ذكر الشارح المحقق هنا أن حق الإعراب في نحو الضارب والمضروب إنما هو ل أل الموصولة لكن لما كانت في صورة الحرف نقل إعرابها إلى صلتها عارية كما في إلا بمعنى غير. وحقق أن أصلهما الضرب والضرب فكرهوا إدخال اللام الاسمية المشابهة للحرفية لفظا ومعنى على صورة الفعل. فظاهر هذا الكلام أن إعرابها ينقل أيضا إلى صلتها إذا كان فعلا لأن علة النقل موجودة بل ولو كانت الصلة جملة اسمية. وعليه فجملة: يجدع ويتقصع في محل جر على الوصفية للحمار. فإن قلت: أل مبنية والبناء يقابل الإعراب فأي إعراب نقل منها إلى ما بعدها قلت: أراد أنها في محل لو كان بدلها معرب لظهر إعرابه فإعرابها محلي. وقد صرح ابن هشام في تذكرته أن الجملة الواقعة صلة لا محل لها من الإعراب تطرد فيما عدا نحو قوله: إني لك الينذر من نيرانها فاصطل وقوله: من القوم الرسول الله منهم لأنها في هذه حالة محل المفرد المعرب من قولك: الضارب والمضروب. وبحث مثله الدماميني في شرح التسهيل فقال: أطلقوا القول بأن جملة الصلة لا محل لها من الإعراب وينبغي أن يستثنى من ذلك الجملة التي تقع صلة ل أل لأنها واقعة موقع المفرد.) وتعقبه الشمني بأنا لا نسلم أن كل جملة واقعة موقع المفرد لها محل من
461 الإعراب وإنما ذلك للواقعة موقع المفرد بالأصالة والواقع بعد أل ليس مفردا بطريق الأصالة لأنهم قالوا: إن صلة أل فعل في صورة الاسم ولهذا يعمل بمعنى الماضي ولو سلم فإنما ذلك للواقعة موقع المفرد الذي له محل والمفرد الذي هو صلة أل لا محل له والإعراب الذي فيه بطريق العارية من أل فإنها لما وعلى هذا الكلام أيضا يرد أن علة النقل موجودة. وقد خطر لي بتوفيق الله تعالى ما أرجو أن يكون سديدا وهو أن أل لما كانت مبنية وكان الوصف بعدها من جنسها وهو الاسمية وكان صالحا لظهور الإعراب فيه حيث كان غير مشغول بإعراب عامل من حيث كونه صلة وكان الغرض ظهور إعرابها المحلي نقل إعرابها إلى الوصف على سبيل العارية. وفي اليجدع لما كان الفعل مخالفا لها في جنسها وكان مشغولا بإعراب عامله وهو التجرد كان غير صالح لظهور إعراب آخر فيه. ولو نقل إعرابها إلى الجملة لما كان يظهر لفظها لكونه غير صالح له. ولو نقلوه إلى محلها لنافى الغرض وكان نقل إعراب مما لا يظهر فيه إلى ما لا يظهر فيه وهذا لا وجه له. فظهر الفرق بين نقل إعرابها إلى الوصف دون المضارع والجملة. ولله الحمد والمنة والله أعلم بالصواب. وأنشد بعده
462 الشاهد الثامن عشر بعد الأربعمائة * لعمري لأنت البيت أكرم أهله * وأقعد في أفيائه بالأصائل * على أن الكوفيين جوزوا أن يكون الاسم الجامد المعرف باللام موصولا كما قالوا في هذا: إن التقدير لأنت الذي أكرم أهله لكنه موصول غير مبهم كسائر الأسماء الموصولة. وعند البصريين اللام غير مقصود قصده والمضارع صفة له. وفيه أمور: الأول: كان ينبغي أن يقول: لأنت البيت الذي أكرم أهله فإن صنيعه يوهم أن البيت عند الكوفيين بمعنى الذي وهو باطل لم يقل به أحد وإنما الموصول مفهوم من اسم الجنس المعرف باللام إذا وقع بعده فعل أو ظرف أو مجرور. الثاني: قوله لكنه موصول غير مبهم لم ينقله أحد عنهم ولو كان قولهم لما رد به البصريون عليهم كما يأتي. الثالث: كون الجواب عند البصريين بجعل اللام للجنس والجملة المضارعية صفة للبيت غير منحصر فيه عندهم كما يأتي أيضا. قال ابن الأنباري في مسائل الخلاف: ذهب الكوفيون إلى أن الاسم المعرف باللام يوصل كالذي واستدلوا بقوله: لعمري لأنت البيت أكرم أهله ورد البصريون عليهم بأنه لا يجوز ذلك لأن الاسم الظاهر يدل على معنى مخصوص في نفسه وليس كالذي لأنه لا يدل على معنى مخصوص إلا بصلة توضحه لأنه مبهم وإذا لم يكن في معناه فلا يجوز أن يقام مقامه. وأما البيت المذكور فلا حجة لهم فيه من وجهين: أحدهما: أن يكون البيت خبر المبتدأ الذي هو أنت وأكرم خبرا آخر. والثاني: أن يكون البيت مبهما لا يدل على معهود وأكر وصفا له فكأنه قال:
463 لأنت بيت أكرم أهله كما تقول: إني لأمر بالرجل غيرك ومثلك وخير منك. انتهى. واقتصر الخفاف في شرح الجمل على الخبرية فقال: لا حجة لهم فيه لاحتمال أن يكون خبرا ثانيا لأنت ويكون قوله: أنت البيت تعظيما له أي: البيت المعظم بمنزلة قولك: أنت الرجل أي: الرجل العظيم.) وقال ابن السيد في شرح سقط الزند: أكرم أهله عند الكوفيين صلة للبيت وعند البصريين جملة في موضع الحال أو في موضع خبر مبتدأ مضمر كأنه قال: أنا أكرم أهله ولو ظهر النصب في هذه الحال لقلت: مكرما أهله أنا لأنها تصير حالا جرت على غير من هي له فيلزم ظهور الفاعل المضمر والعامل في هذه الحال ما في قوله: لأنت البيت من معنى التعظيم كما أن العامل يا جارتا ما أنت جاره ما في قوله: ما أنت من معنى التعظيم. انتهى. وأجاز ابن الأنباري أن يكون أكرم أهله صلة لموصول محذوف لا للبيت كأنه قال: لأنت البيت الذي أكرم أهله لكن الموصول حذف ضرورة. وهذا الوجه جار على مذهب الكوفيين إذ يجيزون حذف الموصل دون صلته في غير ضرورة وهذا يأباه البصريون. قال أبو علي في إيضاح الشعر: لا يجوز أن تحذف الموصول وتدع الصلة لأنها تذكر للتخصيص والإيضاح للموصول. ونظيره: أجمعون في التوكيد لا يجوز أن تذكره وتحذف المؤكد.
464 فإن قلت: لم لا يكون كالصفة والموصوف في جواز حذف الموصوف وذكر الصفة قيل: لم تكن الصلة كالوصف إذا كان مفردا ألا ترى أن الوصف إذا كان مفردا كان كالموصوف في الإفراد وإذا كان مثله جاز وقوعه مواقع الموصوف من حيث كان مفردا مثله مع استقباح لذلك. فأما الصلة فلا تقع مواقع المفرد من حيث كانت جملا كما لم يجز أن تبدل الجملة من المفرد من حيث كان البدل في تقدير تكرير العامل والعامل في المفرد لا يعمل في لفظ الجملة. فأما من تأول قوله: لعمري لأنت البيت أكرم أهله على تقدير: لأنت البيت الذي أكرم أهله وحذف الموصول فليس في البيت دلالة على هذا الذي تأوله وذلك أنه يجوز أن يكون أكرم أهله جملة مستأنفة معطوفة على الأولى ولم يحتج إلى حرف العطف لما في الثانية من ذكر ما في الأولى كقوله تعالى: أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. ويجوز أن يكون قوله: لأنت البيت على جهة التعظيم فأجرى عليه اسم الجنس لهذا كما تقول: أنت الرجل تريد به الكمال والجلد فكذلك يكون المراد بالبيت. ألا ترى أنهم قد يقولون: له بيت وشرف: وإذا كان كذلك جاز أن يكون أكرم أهله في موضع) حال مما في البيت من معنى الفعل كما أن علما في قولك: أنت الرجل علما وفهما ينتصب عما في الرجل من معنى الكمال. وكما أن جارة في قوله: يا جارتا ما أنت جاره ينتصب عما في ما أنت من معنى التعظيم كأنه قال: كملت في جال علمك وبذك غيرك. فإن قلت: فهل يجوز أن يكون البيت بدلا من أنت ويكون أكرم في موضع خبر
465 المبتدأ كأنه قال: إذا أبدل البيت من أنت: أنت أكرم أهله أو البيت أكرم أهله قلت: إن قياس قول سيبويه عندي أنه لا يجوز هذا. ألا ترى أنه لم يجز في قولهم: بي المسكين كان الأمر بدل المسكين من الياء. وإنما لم يجز ذلك لأن البدل إنما يذكر لضرب من التبيين فإذا لم يفد ذلك لم يستجز. والمتكلم في غاية التخصيص والتبيين فلم يحتج لذلك فيه إلى بدل وإذا كان كذلك فالمخاطب في هذا كالمتكلم. انتهى كلام أبي علي ولكثرة فوائده نقلناه بجملته. وقوله: لعمري اللام للابتداء وعمري: مبتدأ وخبره محذوف تقديره قسمي. أقسم بعمره. وجملة: لأنت البيت الخ جواب القسم. وأكرم فعل مضارع وأهله مفعول. وكتب بعض من عاصرناه في حاشيته على شرح القطر للفاكهي: كأن الداعي للكوفيين على جعل البيت اسما موصولا أنه لا يصح الإخبار به عن أنت على الظاهر بجعله اسما معرفا بأل. ويمكن أن يجاب بأنه على حذف مضاف أي: أنت صاحب البيت ونحوه. وقوله: أكرم فعل مضارع لأن الصلة لا تكون إلا جملة. فما في بعض النسخ من ضبطه على صيغة أفعل التفضيل وإضافته إلى أهله ليس كما ينبغي. هذا كلامه.
466 وهو من ضيق العطن وعدم الاطلاع على المعنى فإن البيت مستعمل في حقيقته والخطاب له فإن الشاعر وهو أبو ذؤيب الهذلي. وتقدمت ترجمته في الشاهد السابع والستين بعد أن تغزل بأبيات خاطب دار حبيبته. قال الإمام المرزوقي في شرح أشعار الهذليين: قوله: لعمري لأنت البيت الخ هذا رجوع من أبي ذؤيب إلى ذكر البيت لتعظيم شأن أهله. وأشار بقوله: وأقعد في أفيائه إلى ما كان يناله منهم فيدوم لذلك ملازمته له وحبه وإكرامه لسكانه. قال: ويروى: وأجلس في أفيائه. ولا فضل بين أقعد وأجلس في المعنى وإن كان لكل منهما من) التصرف ما يستبد به دون صاحبه. ألا ترى أنه لا يقال مع القيام إلا القعود وأنه يقال للزمن: هو مقعد وبه قعاد ولا يبنى له من الجلوس مثل ذلك وأنه حكي عن أعرابي يصف رجلا: هو كريم النحاس جميل الجلاس. ويقال: فلان الجليس بمعنى النديم وهم جلساء الملك. ولم يكثر لهذا المعنى مثل هذا البناء من القعود وإن كان الخليل قد حكى: قعيد الرجل: جليسه. ونظائر هذا في اللغة كثيرة. والبيت من قصيدة عدتها أربعة وعشرون بيتا فلا بأس أن تشرح فإن فيها شواهد وهي هذه: الطويل * أساءلت رسما الدار أم لم تسائل * عن السكن أم عن عهده بالأوائل * * لمن طلل بالمنتضى غير حائل * عفا بعد عهد من قطار ووابل *
467 * عفا بعد عهد الحي منهم وقد يرى * به دعس آثار ومبرك جامل * * وإن حديثا منك لو تبذلينه * جنى النحل في ألبان عوذ مطافل * * مطافيل أبكار حديث نتاجها * يشاب بماء مثل ماء المفاصل * * رآها الفؤاد فاستضل ضلاله * نيافا من البيض الحسان العطابل * * فإن وصلت حبل الصفاء فدم لها * وإن صرمته فانصرف عن تجامل * لعمري لأنت البيت أكرم أهله............ البيت * وما ضرب بيضاء يأوي مليكها * إلى طنف أعيا براق ونازل * * تهال العقاب أن تمر بريده * وترمي دروء دونه بالأجادل * * تنمى بها اليعسوب حتى أقرها * إلى مألف رحب المباءة عاسل *
468 * فلو كان حبلا من ثمانين قامة * وتسعين باعا نالها بالأنامل * * تدلى عليها بالحبال موثقا * شديد الوصاة نابل وابن نابل * * إذا لسعته النحل لم يرج لسعها * وحالفها في بيت نوب عوامل * * فحط عليها والضلوع كأنها * من الخوف أمثال السهام النواصل * * فشرجها من نطفة رجبية * سلاسلة من ماء لصب سلاسل * * بماء شنان زعزعت متنه الصبا * وجادت عليه ديمة بعد وابل * * ويأشبني فيها الألاء يلونها * ولو علموا لم يأشبوني بطائل) * (ولم أن ما عند ابن بجرة عندها * من الخمر لم تبلل لهاتي بناطل *
469 * فتلك التي لا يبرح القلب حبها * ولا ذكرها ما أرزمت أم حائل * * وحتى يؤوب القارظان كلاهما * وينشر في الهلكى كليب لوائل * قوله: أساءلت رسم الدار الخ المساءلة: مفاعلة تكون من اثنين وهذا اتساع على عادتهم. والسكن: جمع ساكن مثل تاجر وتجر. وتقديره أساءلت رسم الدار عن السكن أم عن عهده بالوائل أم لم تسائل إذا جعلت عن السكن متعلقة بالفعل الأول. خاطب نفسه على طريق التحزن والتوجع فقال: أباحثت رسم الدار فما وقفت عليها عن أخبار سكانها كيف انتقلوا وإلى اين صاروا أو عن مدة عهده بهم ومذ كم ارتحلوا ومتى ساروا أو لا. والسؤال عن السكن أنفسهم غير السؤال عن مدة العهد بهم فلهذا فرق. والأوائل هم السكن ولكن فخم شأنهم بأن أعاد اسمهم الظاهر ولم يقل عن عهده بهم ودعته القافية إليه أيضا. وحسن ذلك لما لم يهجنه التكرير اختلافهما. ويجوز أن يريد بالسكن الوحش التي استبدلتها من قطانها قبل وتلك الحالة من الدار مما يزيد * يعز علي أن يرى عوض الدمى * بحافاته هام وبوم وهجرس * وقوله: لمن طلل الخ هذا وجه آخر من التحزن كأنه استنكر أن تكون دارهم بالحالة التي رآها فجعل سؤاله سؤال من لا يثبتها تعظيما للأمر. والمنتصي: ملتقى الواديين حيث يناصي أحدهما صاحبه. وقال الباهلي: المنتصي: موضع. وروى أبو عمرو: المنتضي بالضاد معجمة وقال: هو موضع. وقوله: غير حائل قال الباهلي: أراد عفا بعد عهد من قطار ووابل ولم يمر حول. والمشهور أن يقال: أحال الشيء. إذا أي عليه حول
470 إلا أن بعضهم حكى أن حال لغة فيه. ويجوز أن يكون حائل بمعنى متغير يقال: حال الشيء واحتال إذا تغير كأنه كان دارس البعض باقي البعض فلم يعد ذلك تغيرا كاملا ومتى كانت الرسوم بهذه الصفة ذكرت العهود أشد وجددت الغموم أجد. ولذلك تمنى بعض الشعراء شمول الدروس عليها ليستريح منها فقال: الوافر * ألا ليت المنازل قد بلينا * فلا يرمين عن شزن حزينا *) وقوله: بعد عهد يجوز أن يريج بعد إلمام ويجوز أن يكون مصدر عهدت الروضة إذا أتى عليها العهد وهو كل مطر بعد مطر وجمعه عهاد. وقوله: عفا بعد عهد الحي الخ ابتدأ يبين كيف عفا والمعنى: عفا الطلل والمكان بعد أن كان للحي فيه عهد. والعهد: المنزل الذي لا يزالون إذا بعدوا عنه يرجعون إليه كأنهم تركوا النزول به وفارقوه فعفا يريد عفا منهم بعد عهدهم أي: بعد أن كانوا يعهدونه وقد بقي من آثارهم ومبارك إبلهم ما يستدل به على أنه ربعهم. والدعس: شدة الوطء. وقال أبو نصر: هو تتابع الآثار. والجامل: اسم للجمع يقع على الذكور والإناث كالإبل وإن كان من لفظ الجمل. وقوله: عفا غير نؤي الخ عفت آثار الدار وانمحت إلا نؤيا لا يستبان منها وأقطاعا من خوص المقل تمزقت لقدمها فتفرقت في الساحات وكثرت بترديد الرياح لها..
471 والنؤي: حاجز يمنع به السيل عن البيت والطفي واحدتها طفية. ومعنى عفا: درس. وعفت في المعاقل: كثرت. وهذا من الأضداد يقال: عفا المكان إذا درس عفاء وعفوا وعفته الرياح عفاء وعفوا. وعفا الشيء عفوا: كثر وعفوته أنا. والمعاقل: جمع المعقل وهو ها هنا المنزل الذي نزلوه وحفظوا ما لهم فيه. والعقل: الحفظ. وقوله: وإن حديثا منك الخ ترك وصف الدار ودروسها وعطف إلى خطابها يغازلها. يقول: إن حلاوة حديثك لو تفضلت به حلاوة العسل مشوبا باللبن. والجنى أصله الثمر المجتنى فاستعاره. والعوذ: الحديثات النتاج واحدها عائذ. ومطافل: جمع مطفل وهي التي معها طفلها. وإنما نكر قوله حديثا منك ليبين أن موقع كلامها منه على كل وجه ذلك الموقع. ودل بقوله: لو تبذلينه على تمنعها وتعذر ذلك من جهتها. وقوله: مطافيل أبكار الخ مطافيل بدل من قوله عوذ مطافل وأشبع في الفاء للزومها فحدثت الياء. والأبكار: التي وضعت بطنا واحدا لأن ذلك أول نتاجها فهي أبكار وأولادها أبكار ولبنها أطيب وأشهى فلذلك خصه وجعله مزاجا. ويشاب صفة لألبان أي: مشوبة بماء متناه في الصفاء. وقيل في المفاصل إنها المواضع التي ينفصل فيها السهل من الجبل حيث يكون الرضراض فينقطع الماء به ويصفو إذا جرى فيه.) وهذا قول الأصمعي وأبي عمرو. واعترض عليه فقيل: هلا قال بماء من مياه المفاصل وماله يشبهه به ولا يجعله منه فقيل: هذا كما يقال مثل فلان لا يفعل كذا والمراد أنه في نفسه لا يفعل لأنه أثبت له مثل ينتفي ذلك عنه. ألا ترى أنه لو جعل ذلك لنظيره لكان المدح لا يعلق به وقد علم أن القصد إلى مدح. وعلى هذا قد حمل قوله تعالى: ليس كمثله شيء.
472 وقال أبو نصر: أراد بالمفاصل مفاصل الجبل حيث يقطر الوشل وذلك أصفى من مياه المناقع والعيون. وقيل: أراد يشاب بماء كالدمع صفاء فالمفاصل شؤون الرأس وهي تسمى مفاصل ومواصل والدمع منها يخرج. وهذا كما يقال: جئتك بخمرة كماء العين وأصفى من الدمع فالتشبيه حاصل في هذا الوجه وهو عندي حسن والمراد بماء العين الدمع لا غير. وقال أبو سعيد: ماء المفاصل الدم وأراد بالماء الخمر وشبهها به. وقال ابن الأعرابي: ماء المفاصل ماء اللحم التي شبه حمرته بحمرته. وعهدة هذين القولين عليهما. وقوله: رآها الفؤاد الخ أضاف الرؤية إلى الفؤاد تحقيقا للأمر لأن العين رائد القلب فكأنها أدركت بالعين أولا ثم تؤولت بالفكر في محاسنها ثانيا فتمكن الحب بإعادة النظر وبسط الفكر. وقوله: فاستضل ضلاله قال الأصمعي: هو كما يقال: جن جنونه. وكشف هذا أن للنفس شهوة في المستحسنات قد تضل بها عندها فتسمى تلك الشهوة ضلالا لكونها سببا فيه ثم إذا غلب عليها شيء يستتبع تلك الشهوة قيل استضل ضلال فلان أي: طلب منه أن يضل فضل. وقال بعضهم: أراد استزيد ضلاله أي: زيد ضلاله ضلالا كأنه لما تفكر في محاسنها وقال الأخفش: هذا كما يقال: خرجت خوارجه والمعنى دواخله فسماها بما آلت به فكذلك أراد استضل رشاده فقال: ضلاله لرجوعه إليه. ومثله: البسيط يدعون حمسا ولم يرتع لهم فزع أي: لم يرتع أمنهم. وهذا كثير. وقوله: نيافا نصب على الحال. والنياف: الطويلة المشرفة ومنه أناف
473 على كذا أي: أشرف. والعطابل: جمع عطبول بحذف الزيادة منه كأنه كان عطبلا وهي الطويلة الأعناق.) وقوله: فإن وصلت حبل الخ يسأل عن موقع هذا الكلام مما قبله وعن زهده المسرف في هذا البيت بعد ضلاله المفرط في البيت المتقدم وكيف وجه التئامهما على تقاربهما وهل يجوز أن يتجلد في هذا ثم يقول بعقبه: لعمري لأنت البيت أكرم أهله والجواب أن هذا وفق ما تقدمه وغير مخالف له لكنه أظهر الاستسلام لها ولرأيها فإن وصلت حبله دام على مصافاتها لا يشرك أحدا في ودها وإن صرمت وده وقف عند محدودها في الانصراف ومرسومها لا يستعمل منكرا ولا يتعاطى رفثا ولا هجرا. وهذا من الآداب المحمودة فيما يجري عليه المتحابان. ويدل على ما قلنا إن أبا ذؤيب أمر نفسه بالدوام إن رأت الوصل والدوام على الوصل زيادة عليه وثبات فيه وبالانصراف عنها على أجمله إن رأت الصرم إلى أن ترى غيره. وإذا كان الأمر كذلك فما أظهر زهدا فيها. وقوله: وما ضرب بيضاء الخ عاود وصف المرأة. والضرب: الشهدة ويقال: استضرب العسل إذا خثر فصلب. وهو ضرب وضريب. والعسل في لغتهم مؤنثة فلذلك قال بيضاء. وقوله: يأوي مليكها أراد به اليعسوب وهو قائد النحل وأضاف المليك إلى العسل توسعا وإنما هو مليك النحل المعسلة. والطنف بفتح الطاء وضمها: حيد نادر من الجبل. والمعنى: ما عسل بيضاء يأوي نحلها إلى أنف من الجبل يعيي الراقي إليه والنازل منه. وقوله: تهال العقاب الخ قال الباهلي: الريد: شمراخ في الجبل. وقال أبو نصر: الريد: ما نتأ من الجبل فخرج منه حرف. والدروء: جمع الدرء وهو الحيد يدفع ما يلاقيه. ومنه تدارأ الرجلان إذا تدافعا. وقال الأصمعي: هو الأنف المعوج. والمعنى: أن ذلك الجبل تهاب العقاب من المرور بحرفه لإشرافه وعلوه واعوجاج أطرافه وأنوفه.
474 وقوله: تنمى بها اليعسوب الخ ضمير بها للنحل ولم يجر لها ذكر لأنه يستدل عليها بالقصة. يعني أن اليعسوب يرتفع بالنحل حتى يسكنها في مجمع لها ألفته واسع ذي عسل. وإنما قال هذا لأن النحل تتبع قائدها فتطير بطيرانه وترجع برجوعه. والمباءة: مرجع الإبل ومبيتها الذي تتبوأ فيه وتأوي إليه فاستعاره ها هنا. وقوله: أقرها إلى مألف عداه بإلى لأنه في معنى آواها وألجأها وهم يحملون النظير في التعدية) على النظير والنقيض على النقيض كثيرا. وقوله: فلو كان حبلا من ثمانين البيتين الضمير المؤنث في نالها وعليها للخلية المفهومة من المقام وفاعل نالها. شديد الوصاة وجملة تدلى: حال بتقدير قد والتقدير: نالها بالأنامل شديد الوصاة نابل وابن نابل متدليا عليها بالحبال. ويكون موثقا حالا من الضمير في تدلى. ويجوز أن تكون جملة تدلى اعتراضا بين الفعل والفاعل ويحسن الاعتراض أنه تفسير لنيل المشتار للعسل كيف كان وعلى أي وجه توصل. وروى تقديم بيت تدلى عليها على بيت فلو كان حبلا وبه يحسن الانتظام ويصير قوله فلو كان حبلا من ثمانين قامة واقعا في موقعه وبيانا لحذق المشتار وحسن تأتيه فيما يعانيه حتى لا يمتنع عليه شاق منيع. وعليه يكون شديد الوصاة فاعل تدلى وموثقا حال. قال الأصمعي: أراد بشديد الوصاة الشديد الحفاظ بما أوصي به. قال أبو نصر: بيانه شديد عند الوصاة لا يسترخي فيها ولا يتجوز. وقوله: نابل وابن نابل أي: حاذق وابن حاذق يعني أنه ورث صناعته عن أسلافه ثم نشأ عليها وبرع فيها.
475 وقوله: فلو كان حبلا تقديره: لو كان الحبل الذي تدلى به حبلا طوله ثمانون قامة وتسعون باعا. والمعنى تدلى عليها ولو كانت أشق منها مطلبا وأبعد منالا لاحتال فيها حتى ينالها بيده. وقوله: إذا لسعته النحل الخ يروى: إذا لسعته الدبر وهو كالنحل وزنا ومعنى. يقول: إذا لسعت النحل هذا المشتار لم يخف لسعها ولم يبال بها ولازمها في بيتها حتى قضى وطره من معسلها. ومعنى لم يرج لم يخف من قول الله تعالى: إنهم كانوا لا يرجون حسابا. وكما وضعوا الرجاء موضع الخوف وضعوا الخوف موضع الرجاء. وقوله: وحالفها قال الأصمعي: أي: صار حليفها في بيتها وهي نوب. ولم يرد حالفها في بيت غيرها. وروى أبو عمرو: وخالفها بالخاء معجمة. قال: يريد جاء إلى عسلها من ورائها لما سرحت في المراعي. والنوب: النحل ولا واحد له. وقال ابن الأعرابي: هو جمع نوبي سموها بذلك لسوادها. وقال الأصمعي: هو جمع نائب كعائذ وعوذ. يريد أنها تختلف وتجيء وتذهب أي: تنتاب المراعي ثم تعود. وعوامل أي:) وقوله: فحط عليها الخ يقول: انحدر المشتار على الخلية والقلب يجب والحشاء تضطرب خوفا مما يكابده في التدلي حتى كأن ضلوعه سهام لا نصال لها رمي بها فطاشت وقلقت. والسهم الناصل: الذي سقط نصله أو قلق يقال: نصلت السهم إذا ركبت عليه النصل وأنصلته فنصل إذا نزعت نصله. وقوله: فشرجها من الخ أي: جعل العسل شريجين أي: خليطين بالمزاج الذي صبه عليها وكل واحد من الخليطين شريج. والنطفة: الماء.
476 وإنما نسبها إلى رجب لأن رجب وجمادى كانا في زمانهم من شهور الشتاء. والسلاسلة بالضم: التي تتسلسل في الحلق لصفائها وعذوبتها وسهولة صفاء مدخلها. وجعلها من ماء لصب بكسر اللام وهو شق في الجبل ليدل على أنها من ماء المطر وأنه تنقل في مضايق الطرق وتقطع بمدارج الشقوق والنقر فتزيل الكدورة عنه وتسلسل في جريه ومروره حتى تناهى في مقره وربد بالريح في مستنقعه فقوله: سلاسل صفة لماء لصب وأراد به رقته وسرعة مره في مجاريه من المسايل والمناقع. وقوله: بماء شنان الخ رواية الأصمعي بتنوين ماء وإجراء شنان وصفا له. قال أبو نصر: وهو أحب إلي. والشنان بضم المعجمة: البارد ينشن من الجبل انشنانا. ومنه شن عليه الغارة. وروى أبو سعيد: بماء شنان على الإضافة قال: والشنان بكسر المعجمة: جمع الشنة وهي القربة الخلق والماء فيها أبرد. وقوله: زعزعت متنه أي: أعلاه. وقوله: وجادت عليه الخ القصد فيه إلى تكثير الماء حتى يكون أصفى. وقوله: بأطيب من فيها الخ هذا خبر ما في قوله: وما ضرب بيضاء. وإذا جئت ظرف لطارقا وإذا نامت ظرف لأشهى. والمراد: وأشهى من فيها إذا نامت. والمشار إليه بإذا نامت غير المشار إليه بإذا جئت يدلك أن الوقت الذي يجيء فيه طارق يجوز أن يكون من أول الليل ومن أوسطه وآخره فإن الوقت الذي ينام فيه كلاب الأسافل يكون معلوما متميزا عن ساعات الليل. وقد اختلف فيه فقال بعضهم: هو أول الصبح لأن الكلاب إذا تحرك الناس تنام وتسكن ومثله قول أبي ذؤيب في أخرى: الوافر)
477 * بأطيب من مقبلها إذا ما * دنا العيوق واكتتم النبوح * وقيل الأسافل مراد به أسافل الحي لأن مواشيهم لا تبيت بل لها مباءة على حدة فرعاتها لا ينامون إلا آخر من ينام لأن منهم من يربق ومنهم من يحلب وكلابهم تحرس معهم فلا تنام إلا وقال الباهلي: الحواء يكون فيه الوجوه والأسافل يكون فيه الرعاء. وهذا كالبيان الأول. وقال أبو سعيد: الأسافل سفلة الناس ويعني بهم هنا الرعاة وليس يراد به أسافل البيوت. وقال الأخفش: الرواية كلاب المسافل يعني المواضع التي تسفل الناس فيها. يقال: أتيت المسفل من مكة وأتيت المعلى منها وهي مسافلها ومعاليها والمعنى على جميع هذه الوجوه أن فمها أشهى مما وصفه إذا خلفت الأفواه وتغيرت. وقوله: ويأشبني فيها الخ يأشبني: يلطخني ويقذفني. يقال: أشبه بشيء إذا قذفه به. والألاء: اسم موصول بمعنى الذين. وعلم هنا بمعنى عرف يقول: لو عرفوا قصتي معها مع تمنعها لم يقولوا إني أصبت منها طائلا. والطائل: ما له فضل وقدر. وروي: بباطل والمعنى: لتحرجوا من قذفي بالباطل ويلونها: يقربونها. وروي: الألى لا يلونها أي: الغرباء دون أهل بيتها. وقوله: ولو أن ما عند الخ ابن بجرة بضم الموحدة وسكون الجيم: خمار معروف كان بالطائف. والناطل هنا: جرعة من ماء أو لبن أو نبيذ ويأتي بمعنى المكيال للخمر وليس مرادا هنا. وأبلغ من هذا: الطويل
478 وقوله: فتلك التي لا يبرح الخ ما مصدرية ظرفية وأرزمت بتقديم المهملة: حنت. والحائل: الأنثى من أولاد الإبل. والسقب: الذكر. والمعنى: تلك المرأة التي وصفتها هي التي لا يفارقني حبها وذكرها أبدا. وقوله: حتى يؤوب القارظان الخ المعنى: لا يفارقني حبها حتى يكون ما لا يكون. القارظان أحدهما القارظ العنزي وهو يذكر بن عنزة بن أسد بن ربيعة كان يعشق ابنته فاطمة خزيمة بن نهد فطلبها من أبيها فلم يزوجها ثم خرج يذكر وخزيمة يطلبان القرظ وهو ورق تدبغ به الجلود الطائفية ومرا بقليب فاستقيا فسقطت الدلو فنزل يذكر ليخرجها فلما صار في البئر منعه الحبل وقال: زوجني فاطمة.) فقال: أما على هذه الحالة اقتسارا فلا أفعل ولكن أخرجني حتى أزوجك. فامتنع وجعل يسأله ويأبى حتى هلك فيها. والقارظ الثاني: رجل من النمر بن قاسط خرج يبغي قرظا فأبعد فنهشته حية فقتلته فضرب المثل برجوعه فيما لا يكون. قال عمارة بن عقيل: الطويل * لأجزر لحمي كلب نبهان كالذي * دعا القاسطي حتفه وهو نازح * كذا ذكر المبرد أن القاسطي أحد القارظين هذا لخصته من شرح أشعار الهذليين للإمام المرزوقي. وقال الزمخشري في مستقصى الأمثال: القارظ الثاني: اسمه هميم وقيل عقبة وكان من عنزة أيضا وكان يتصيد الوعول ويدبغ جلودها بالقرظ فعرض له في بعض الجبال ثعبان فنفخه نفخة فوقع منها ميتا. انتهى.
479 وأما الميداني في مجمع أمثاله فقد قال: القارظ الثاني ليس له حديث غير أنه فقد في طلب القرظ واسمه هميم. والله أعلم بالصواب. وأنشد بعده: ولقد أمر على اللئيم يسبني وتقدم الكلام عليه في الشاهد الخامس والخمسين من باب المبتدأ والخبر. وأنشد بعده الشاهد التاسع عشر بعد الأربعمائة: الوافر * وليس المال فاعلمه بمال * وإن أغناك إلا للذي * على أن كسرة الياء المشددة من الذي كسرة بناء. والبيتان كذا رواهما ابن الشجري في المجلس الرابع والسبعين من أماليه. وقوله: بمال خبر ليس والباء زائدة وجملة: فاعلمه معترضة وكذلك جملة وإن أغناك معترضة وإن وصلية ونقل شارح شواهد الموشح عن بعضهم أنها نافية والمستثنى منه محذوف تقديره لأحد. وجملة: يريد بفاعله المستتر صلة الذي.
480 وروى بدله: ينال به. ويصطفيه معطوف على يريد. والعلاء: بفتح العين والمد: مفعول يريد وهو بمعنى الرفعة والشرف. ويصطفيه بمعنى يختاره. وقوله: لأقرب: متعلق بيصطفيه. وإضافة أقرب إلى أقربيه كقولهم: أعلم الأعلمين. والقصي: البعيد. يقول: ليس المال في الحقيقة مالا لأحد إلا للذي يريد بسببه علو الدرجة في المجد ويختاره للقريب والبعيد. وروى البيت الثاني الخفاف في شرح الجمل كذا: * تحوز به العلاء وتصطفيه * لأقرب أقربيك وللصفي * بالخطاب في المواضع الثلاثة. * وليس المال فاعلمه بمال * من الأقوام إلا للذي * * يريد به العلاء ويمتهنه * لأقرب أقربيه وللقصي * وعليها فجزم يمتهنه ضرورة وهو من امتهنت الشيء بمعنى أهنته وحقرته. والبيتان لا علم لي بقائلهما. والله أعلم. وأنشد بعده الشاهد العشرون بعد الأربعمائة الرجز * واللذ لو شاء لكنت صخرا * أو جبلا أشم مشمخرا * على أن حذف الياء من الذي والاكتفاء بكسر الذال لغة. والأشم من الشمم وهو الارتفاع. والمشمخر: العالي المتطاول وقيل الراسخ.
481 وهذا ما رواه الخفاف وغيره ورواه ابن الشجري في أماليه وابن الأنباري في مسائل الخلاف: * واللذ لو شاء لكانت برا * أو جبلا أصم مشمخرا * قال شارح شواهد الموشح: ضمير كانت للدنيا أو الأرض. والبر: خلاف البحر. والمعنى هو الذي لو شاء أن يكون برا لكان برا ولو شاء أن يكون جبلا. انتهى. ولا أعلم قائل هذا البيت أيضا وعلمه عند الله. نهاية الجزء الخامس من تقسيم محققه