خزانة الأدب (جزء 6) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

خزانة الأدب (جزء 6) - نسخه متنی

عبدالقادر بن عمر بغدادی؛ محققین: امیل بدیع یعقوب، محمد نبیل طریفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: خزانة الأدب
المؤلف: البغدادي
الجزء: 6
الوفاة: 1093
المجموعة: دواوين
تحقيق: محمد نبيل طريفي/إميل بديع اليعقوب
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1998م
المطبعة: بيروت - دار الكتب العلمية
الناشر: دار الكتب العلمية
ردمك:
ملاحظات:
وأنشد بعده الشاهد الحادي والعشرون بعد الأربعمائة كاللذ تزبى زبية فاصطيدا على أن حذف الياء من الذي وتسكين الذال لغة. قال ابن الأنباري في المقصور والممدود: زبي وجمعها زبية وهي أماكن تحفر للأسد. أنشد الفراء:
* فكنت والأمر الذي قد كيدا
* كاللذ تزبى زبية فاصطيدا
* والزبى: أماكن مرتفعة يقال في المثل: قد بلغ الماء الزبى.

3
قال العجاج: قد بلغ الماء الزبى فلا غير وقد أخذه القالي في المقصور والممدود وزاده. قال: ومن أمثالهم: قد بلغ السيل الزبى يقال ذلك عند شدة الأمر. ومنه حديث عثمان: أما بعد فقد بلغ السيل الزبى. ويقال: إن النمل إذا أحست بندى الأرض ترفعت إلى زباها خوفا من السيل فيستدل بذلك من فعلها على كثرة المطر وخصب السنة. قال الكميت الطويل: انتهى. وقال أبو فيد مؤرج بن عمرو السدوسي في أمثاله: وتقول العرب: قد بلغ السيل الزبى وهو أن يبلغ الأمر منتهاه. والزبية غير القترة. الزبية تحفر للأسد فيصاد فيها وهي ركية بعيدة)
القعر إذا وقع فيها لم يستطع الخروج منها لبعد قعرها يحفرونها ثم يوضع عليها لحم وقد غموها بما لا يحمله فإذا أتى اللحم انهدم غطاء الزبية. وأما القترة والناموس والبراءة فإنها حفيرة يحتفرها القانص على موارد الوحش ويطرح عليها الشجر فإذا وردت رمى من قريب. والزبية لا يستطيع أحد نزولها لبعدها والرمي فيها أبعد من أن يرى إذا دخلها شيء. حدثني سعيد بن السماك بن حرب عن أبيه عن حنش بن المعتمر قال: أتي معاذ بن جبل بثلاثة نفر قتلهم أسد في زبية. فلم يدر كيف يفتيهم فسأل علي بن

4
أبي طالب فقال: قصوا علي خبركم.
قالوا: صدنا أسدا في زبية فاجتمعنا عليه فتدافع الناس عليها فرموا برجل فيها فتعلق الرجل بآخر وتعلق الآخر برجل آخر فهوى فيها ثلاثتهم. فقضى فيها: أن للأول ربع الدية وللثاني النصف وللثالث الدية كلها. وروى البيت الأول ابن ولاد في المقصور والممدود: فظلت في الأمر الذي قد كيدا يقول: ظللت في شر من الذي كدت في حقه كالذي عمل حفرة ليصطاد فيها فاصطيد وأخد.
وفي هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: من حفر بئرا لأخيه يوشك أن يقع فيها. وروى ولا تكونن من اللذ كيدا وهو ماض مجهول من الكيد. وتزبى: معناه حفر زبية بضم الزاي المعجمة وسكون الموحدة وجمعها زبى. وأما الربا بضم الراء المهملة فجمع ربوة مثلثة الراء وهي ما ارتفع من الأرض.
وهذا من رجز أورده السكري في أشعار الهذليين لرجل من هذيل وهو:
* أريت إن جاءت به أملودا
* مرجلا ويلبس البرودا
* أي: إن جاءت به ملكا أملودا أملس. ولا ترى مالا له معدودا أي: لا يعد ماله من وجوده.
* أقائلون أعجلي الشهودا
* فظلت في شر من اللذ كيدا
*

5
كاللذ تزبى صائدا فصيدا ويروى: فاصطيدا. وتزبى زبية: حفر زبية. يقول: أرأيت إن ولدت هذه المرأة رجلا هذه صفته أيقال لها: أقيمي البينة أنك لم تأتي به من غيره. هذا ما أورده السكري. ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في نون التوكيد من آخر الكتاب. وأنشد بعده)
الشاهد الثاني والعشرون بعد الأربعمائة
* فقل للت تلومك إن نفسي
* أراها لا تعوذ بالتميم
* على أن الياء حذفت من التي وسكن تاؤها. هذا البيت أنشده ابن الشجري في أماليه عن الفراء وقال: التميم: جمع تميمة وهي التعويذ.

6
وأنشد بعده الشاهد الثالث والعشرون بعد الأربعمائة وهو من شواهد س الوافر:
* أبني كليب إن عمي اللذا
* قتلا الملوك وفككا الأغلالا
* على أن حذف النون من قوله اللذا وأصله اللذان تخفيفا لاستطالة الموصول بالصلة. هذا قول البصريين. وأما الكوفيون فحذف النون عندهم لغة في إثباتها أطالت الصلة أم لم تطل.
حكاه عنهم ابن الشجري في أماليه. قال سيبويه: قال رجل من الأنصار المنسرح:
* الحافظو عورة العشيرة لا
* يأتيهم من ورائنا وكف
* لم يحذف النون للإضافة ولا ليعاقب الاسم النون ولكن حذفوها كما حذفوها من اللذين والذين حين طال الكلام وكان الاسم الأول منتهاه الاسم الآخر. وقال الأخطل: أبني كليب إن عمي اللذا البيت

7
لأن معناه الذين فعلوا يعني: الحافظو عورة العشيرة وهو مع المفعول. بمنزلة اسم مفرد لم يعمل
* و إن الذي حانت بفلج دماؤهم
* هم القوم كل القوم يا أم خالد
* انتهى. والبيت من قصيدة للأخطل يفتخر بقومه ويهجو جريرا. والألف للنداء وبنو كليب بن يربوع: رهط جرير. فخر الأخطل على جرير بمن اشتهر من قومه من بني تغلب وساد كعمرو بن كلثوم التغلبي قاتل عمرو بن هند ملك العرب وعصم أبي حنش قاتل شرحبيل بن عمرو بن حجر وغيرهم من سادات تغلب. والأغلال: جمع غل وهو طوق من حديد يجعل في عنق الأسير وقد يكون من قد وعليه شعر فيقمل على الأسير ومنه قيل للمرأة السيئة الخلق: غل قمل بفتح القاف وكسر الميم أي: ذو قمل. أي: إن عميه يفكان الغل من عنق الأسراء وينجونهم من أسر أعدائهم قسرا عليهم. قال السكري في شرح ديوان الأخطل: أحد عميه أبو حنش عصم بن النعمان قاتل شرحبيل بن الحارث بن عمرو بن آكل المرار يوم الكلاب

8
الأول.
والآخر دوكس بن الفدوكس بن مالك بن جشم بن بكر بن حبيب بالتصغير. وبعده:)
* وأخوهما السفاح ظمأ خيله
* حتى وردن جبا الكلاب نهالا
* الكلاب بضم الكاف: اسم ماء فيما بين البصرة والكوفة على بضع عشرة ليلة و من اليمامة على سبع ليال أو نحوها. والجبا بكسر الجيم بعدها موحدة قال السكري: السفاح اسمه سلمة بن خالد بن برة القنفذ وهو كعب بن زهير من بني تيم بن أسامة بن بكر بن حبيب وإنما سمي السفاح لأنه لما دنا من الكلاب عمد إلى مزاد أصحابه فشققها وسفح ماءها وقال: لا ماء لكم إلا ماء القوم فقاتلوا عنه وإلا فموتوا عطاشا. انتهى. وللعرب وقعتان على الكلاب يقال لهما: يوم الكلاب الأول ويوم الكلاب الثاني. وقد تقدم شرح الكلاب الثاني في الشاهد الخامس والستين وهذا شرح اليوم الأول باختصار. قال الإمام العسكري في كتاب التصحيف: أما اليوم الأول فكان في الجاهلية لبني تغلب وعليهم سلمة بن الحارث الكندي ومعهم ناس من بني تميم قليل وفيهم سفيان بن مجاشع. وكانت تميم يومئذ فرقتين: فرقة مع تغلب وفرقة مع بكر بن وائل. فلقي سلمة بن الحارث بن عمرو أخاه شرحبيل بن الحارث ومع شرحبيل بكر بن وائل

9
وبعض بني تميم فهزم أصحاب شرحبيل وقتل شرحبيل. قال ابن الكلبي: شرحبيل بن حارث الكندي من ولد حجر آكل المرار: ملك بني تميم وسلمة بن الحارث ملك بني تغلب. انتهى. وقد تجوز الأخطل في جعل أبي حنش ودوكس عميه مع أنهما من أعمام آبائه كما تجوز في جعل السفاح أخا لهما. والصواب ما قاله ابن قتيبة في ترجمة ابن كلثوم من كتاب الشعراء: يعني بعميه عمرا ومرة ابني كلثوم فإن عمرا قتل عمرو بن هند ومرة قتل المنذر بن النعمان بن المنذر.
ولذلك قال الفرزدق لجرير:
* ما ضر تغلب وائل أهجوتها
* أم بلت حيث تناطح البحران
* انتهى. ونقل ابن المستوفي عن الخوارزمي أنه قال: في حاشية نسختي من المفصل: يعني بعميه ابن هبيرة التغلبي والهذيل بن عمران الأصغر. قال: سئلت كيف يكونان عميه وأحدهما ابن عمران والآخر ابن هبيرة أجبت بأنه يحتمل أن يكون أحدهما عمه والآخر عم أبيه أو جده.
وكلاهما يسمى عما. انتهى. وقال ابن خلف: عماه أبو حنش وأخوه أو رجل آخر من قومه غير أخي أبي حنش. وقيل: عمه الآخر عمرو ابن كلثوم. انتهى. وأول القصيدة نسيب وهذا مطلعها:
* كذبتك عينك أم رأيت بواسط
* غلس الظلام من الرباب خيالا
*

10
)
* وتعرضت لك بالأبالخ بعدما
* قطعت بأبرق خلة ووصالا
*
* وتغولت لتروعنا جنية
* والغانيات يرينك الأهوالا
*
* يمددن من هفواتهن إلى الصبا
* سببا يصدن به الرجال طوالا
*
* ما إن رأيت كمكرهن إذا جرى
* فينا ولا كحبالهن حبالا
*
* المهديات لمن هوين مسبة
* والمحسنات لمن قلين مقالا
*
* يرعين عهدك ما رأينك شاهدا
* وإذا مذلت يصرن عنك مذالا
*
* وإذا وعدنك نائلا أخلفنه
* ووجدت عند عداتهن مطالا
* ثم بعد أربعة أبيات من هذا النمط قال: أبني كليب أن عمي اللذا البيت وذكر ثلاثة أيام أخر مما أوقع بنو تغلب ببني تميم وهي يوم الكحيل بالتصغير ويوم الشرعبية ويوم إراب. وكان السبب في يوم الكلاب أن الحارث بن عمرو الكندي جد امرئ القيس الشاعر ملك المدر والوبر أربعين سنة وقيل ستين سنة وقد كان فرق بينه في قبائل معد قبل موته فجعل حجرا وهو أبو امرئ القيس في بني أسد وكنانة وكان أسن ولده. وجعل شرحبيل في بكر بن وائل وبني حنظلة بن مالك وبني أسيد بن عمرو ابن تميم وطوائف من بني عمرو بن تميم والرباب وجعل ابنه معدي كرب في قيس عيلان وجعل سلمة وهو أصغرهم في بني تغلب والنمر بن قاسط

11
وبني سعد بن زيد مناة. فلما هلك أبو هم الحارث بن عمرو تشتت أمرهم وتفرقت كلمتهم ومشت الرجال بينهم وتفاقم أمرهم حتى جمع كل واحد منهم لصاحبه الجموع وزحف إليه بالجيوش فسار شرحبيل فيمن معه فنزل الكلاب وأقبل أخوه سلمة فيمن معه من بني تغلب وسعد وغيرهما وكان على بني تغلب السفاح المذكور فالتقى القوم فاقتتلوا قتالا شديدا حتى إذا كان في آخر النهار خذلت بنو حنظلة وعمرو بن تميم والرباب وانصرف بنو سعد وصبر ابنا وائل: بكر وتغلب وليس معهم أحد غيرهم حتى غشيهم الليل فنادى منادي شرحبيل: من أتاني برأس سلمة فله مائة من الإبل. ونادى منادي سلمة كذلك. ولما انهزم بنو حنظلة مع من ذكرنا خرج معهم شرحبيل ولحقه ذو السنينة كانت له سن زائدة فسمي بذلك فضربه شرحبيل على ركبته فأطن رجله وكان ذو السنينة أخا أبي حنش لأمه فقال ذو السنينة: يا أبا حنش قتلني الرجل وهلك ساعته. فقال أبو)
حنش: قتلني الله إن لم أقتله فحمل أبو حنش على شرحبيل فأدركه والتفت إليه فقال: يا أبا حنش اللبن اللبن قال: قد هرقت لبنا كثيرا. فقال: يا أبا حنش أملكا بسوقة فقال: إنه كان ملكي. فطعنه فألقاه فاحتز رأسه فبعث به مع ابن عم له إلى سلمة فطرحه بين يديه فقال سلمة: لو كنت ألقيته إلقاء رفيقا فقال: ما صنع به وهو حي شر من هذا وعرف القوم الندامة في وجهه واجزع على أخيه فهرب أبو حنش فقال سلمة:
* ألا أبلغ أبا حنش رسولا
* فما لك أن تجيء إلى الثواب
*
* تعلم أن شر الناس طرا
* قتيل بين أحجار الكلاب
* فأجابه أبو حنش:

12
* أحاذر أن أجيئك ثم تحبو
* حباء أبيك يوم صنيبعات
*
* وكانت غدرة شنعاء نهفو
* تقلدها أبوك إلى الممات
* وقوله: كذبتك عينك إلخ خطاب لنفسه وفيه حذف ألف الاستفهام أي: أكذبتك. وبه استشهد بعضهم. وأورده ابن هشام في المغني على أن أبا عبيدة قال: إن أم تأتي للاستفهام المجرد عن الإضراب وقال: إن المعنى في البيت هل رأيت وفي تفسير ابن جرير عند قوله تعالى: أم تريدون أن تسألوا رسولكم قال: أم هنا على الشك ولكنه قاله ليقبح به صنيعهم كقول الأخطل: كذبتك عينك البيت. والرباب: اسم امرأة. و واسط هذه: قرية غربي الفرات مقابل الرقة من أعمال الجزيرة. والخابور: قرب قرقيسياء وهي من منازل بني تغلب وليست واسط هنا واسط التي بناها الحجاج بين البصرة والكوفة خلافا لشارح شواهد المغني. نقل ياقوت في معجم البلدان عن الأسود أبي محمد الغندجاني قال: أخبرني أبو الندى قال: للعرب سبعة أواسط: واسط نجد وواسط الحجاز وواسط الجزيرة. قال الأخطل: كذبتك عينك أم رأيت بواسط البيت وواسط اليمامة وواسط العراق وهي التي بناها الحجاج في سنة أربع وثمانين وفرغ منها في ست وثمانين. قال أبو الندى: وقد أنسيت اثنتين.

13
ثم قال ياقوت: وواسط أيضا: قرية مشهورة ببلخ وواسط: قرية بحلب قرب بزاعة مشهورة عندهم وبالقرب منها قرية يقال لها الكوفة.
وواسط: قرية بدجيل على ثلاثة فراسخ من بغداد. وواسط: قرية بالأندلس. وواسط: قرية قرب مرزاباد حلة بني مزيد من أعمال بغداد يقال لها واسط مرزاباد. وواسط: قرية في شرقي)
دجلة الموصل بينهما ميلان ذات بساتين كثيرة. وواسط: قرية باليمن بسواحل زبيد. وواسط: موضع في بلاد تميم. وواسط من منازل بني قشير. وواسط: موضع بين العذيب والصفراء.
وغير ذلك. وقوله: وتعرضت لك بالأبالخ هو جمع بليخ بفتح الموحدة وكسر اللام وآخره خاء معجمة قال أبو عبيد في معجم ما استعجم: البليخ: نهر الرقة والفرات وبينه وبين شط الفرات ليلة. وجمعه باعتبار أجزائه. وتغولت: تهولت. والغانية: المرأة التي غنيت بجمالها عن الزينة.
وهفواتهن: جهلهن. والسبب: الحبل. والطول بضم الطاء بمعنى الطويل صفة لسبب. ومذلت بكسر الذال المعجمة. بمعنى قلقت وضجرت ومذال بكسر الميم: جمع مذلة بفتح فسكون كعبلة وعبال وجعدة وجعاد بمعنى قلقة ومتضجرة. والأخطل: شاعر نصراني من شعراء الدولة الأموية وتقدمت ترجمته في الشاهد الثامن والسبعين.

14
وقد نسب الزمخشري في المفصل البيت الشاهد للفرزدق ونقله العيني عنه. وهذا سهو من قلم الناسخ. والله أعلم. وأنشد بعده الشاهد الرابع والعشرون بعد الأربعمائة
* هما اللتا لو ولدت تميم
* لقيل فخر لهم صميم
* على أن نون اللتان حذفت لاستطالة الموصول بالصلة تخفيفا كالبيت المتقدم. قال شراح التسهيل: حذف النون من الذين واللذون واللتان: لغة بني الحارث ابن كعب وبعض بني ربيعة.
وأنشدوا هذين البيتين. والعجب من ابن مالك بعد أن قال في التسهيل: إنه يجوز حذف النون قال في شرحه: إن حذف النون من هما اللتا ضرورة. وهما مبتدأ واللتا خبره بتقدير موصوف أي هما المرأتان اللتان والجملة الشرطية مع جوابها صلة الموصول والعائد محذوف لكونه مفعولا أي: ولدتهما وتميم فاعل ولدت وهو أبو قبيلة. والصميم: الخالص النقي وهو صفة للمبتدأ الذي هو فخر ولهم هو الخبر والجملة مقول القول. قال ابن الشجري: وهذا البيت أنشده الفراء. وقال العيني: هو للأخطل. وقد فتشت أنا ديوانه فلم أجده فيه. والله أعلم.

15
وأنشد بعده
الشاهد الخامس والعشرون بعد الأربعمائة
* قومي اللذو بعكاظ طيروا شررا
* من روس قومك ضربا بالمصاقيل
* على أنه قد تحذف النون من اللذون. وعكاظ بضم العين المهملة وبالتنوين باعتبار أنه اسم مكان. قال أبو عبيد في معجم ما استعجم: عكاظ: صحراء مستوية لا علم فيها ولا جبل إلا ما كان من الأنصاب التي كانت بها في الجاهلية وبها من دماء الإبل كالأرحاء العظام. وكانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا لمكة في الجاهلية. قال محمد بن حبيب: عكاظ بأعلى نجد قريب من عرفات. وقال غيره: عكاظ وراء قرن المنازل بمرحلة من طريق صنعاء وهي من عمل الطائف وعلى بريد منها وأرضها لبني نصر واتخذت سوقا بعد الفيل بخمس عشرة سنة وتركت عام خرجت الحرورية بمكة مع المختار بن عوف سنة تسع وعشرين ومائة إلى هلم جرا. قال أبو عبيدة: عكاظ فيما بين نخلة والطائف وكان سوق عكاظ يقوم صبح هلال ذي القعدة عشرين يوما وسوق مجنة تقوم عشرة أيام بعده وسوق ذي المجاز تقوم هلال ذي الحجة.
ثم قال: وعكاظ مشتق من قولك: عكظت الرجل عكظا إذا قهرته بحجته لأنهم كانوا يتعاكظون هناك بالفخر. وكانت بعكاظ وقائع مرة بعد مرة. وذكر أبو عبيدة أنه كان بعكاظ أربعة أيام: يوم شمطة ويوم العبلاء ويوم

16
شرب ويوم الحريرة وهي كلها من عكاظ قال: فشمطة من عكاظ هو الموضع الذي نزلت فيه قريش وحلفاؤها من بني كنانة بعد يوم نخلة وهو أول يوم اقتتلوا فيه من أيام الفجار بحول على ما تواعدت عليه مع هوزان وحلفائها من ثقيف وغيرهم فكان يوم شمطة لهوازن على كنانة وقريش ولم يقتل من قريش أحد يذكر واعتزلت بكر بن عبد مناة بن كنانة إلى جبل يقال له دخم فلم يقتل منهم أحد. وقال خداش بن زهير:
* بأنا يوم شمطة قد أقمنا
* عمود الدين إن له عمودا
* ثم التقى الأحياء المذكورون على رأس الحول من يوم شمطة بالعبلاء إلى جنب عكاظ فكان لهوزان أيضا على قريش وكنانة. قال خداش بن زهير:
* ألم يبلغكم أنا جدعنا
* لدى العبلاء خندف بالقياد
*
* ضربناهم ببطن عكاظ حتى
* تولوا طالعين من النجاد
* ثم التقوا على رأس الحول وهو اليوم الرابع من يوم نخلة بشرب وشرب من عكاظ. ولم يكن)
بينهم يوم أعظم منه. فحافظت قريش وكنانة وقد كان تقدم لهوزان عليهم يومان وقيد أبو سفيان وحرب ابنا أمية وأبو سفيان بن حرب

17
أنفسهم وقالوا: لا يبرح منا رجل مكانه حتى يموت أو يظفر فانهزمت هوازن وقيس كلها إلا بني نصر فإنها صبرت مع ثقيف. وذلك أن عكاظ بلدهم لهم فيه نخل وأموال فلم يغنوا شيئا ثم انهزموا وقتلت هوازن يومئذ قتلا ذريعا. قال أمية بن الأسكر الكناني:
* ألا سائل هوان يوم لاقوا
* فوارس من كنانة معلمينا
*
* لدى شرب قد جاشوا وجشنا
* فأوعب في النفير بنو أبينا
* وقال: ثم التقوا على رأس الحول بالحريرة وهي حرة إلى جنب عكاظ مما يلي مهب جنوبها فكان لهوازن على قريش وكنانة. والشرر بفتحتين هو إما جمع شررة وهو ما يتطاير من النار وكذلك الشرار والشرارة وإما مصدر شررت يا رجل بفتح الراء وكسرها شرا وشررا من الشر نقيض الخير. وقوله: من روس قومك هو بحذف الهمزة من رؤوس. وقوله: ضربا إما منصوب بنزع الخافض أي: بضرب وإما منصوب بعامل محذوف حال من الواو في طيروا أي: يضربون ضربا أو ضاربين ضربا. والمصاقيل: جمع مصقول من الصقل وهو جلاء الحديد وتحديده أي: جعله قاطعا. أراد كل آلة حديد من السلاح مثل السيف والسنان. والبيت لأمية بن الأسكر الكناني. ولم أقف على ما قبله ولا ما بعده.

18
وأمية كما قال صاحب الأغاني: أمية بن حرثان بن الأسكر بن عبد الله بن سرابيل الموت بن زهرة بن زبينة بن جندع بن ليث بن بكر بن عبد مناة ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. شاعر فارس مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام. وكان من سادات قومه وفرسانهم وله أيام مأثورة مذكورة. وابنه كلاب بن أمية أيضا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم مع أبيه ثم هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وروى صاحب الأغاني بسنده إلى الزهري عن عروة بن الزبير قال: هاجر كلاب بن أمية بن الأسكر إلى المدينة في خلافة عمر بن الخطاب فأقام بها مدة ثم لقي ذات يوم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام فسألهما: أي الأعمال أفضل في الإسلام فقالا: الجهاد. فسأل عمر فأغزاه في جيش وكان أبوه قد كبر وضعف فلما طالت غيبة كلاب عنه قال:)
* لمن شيخان قد نشدا كلابا
* كتاب الله لو قبل الكتابا
*
* أناديه فيعرض في إباء
* فلا وأبي كلاب ما أصابا
*
* إذا سجعت حمامة بطن وج
* إلى بيضاتها دعوا كلابا
*

19
* أتاه مهاجران تكنفاه
* ففارق شيخه خطئا وخابا
*
* تركت أباك مرعشة يداه
* وأمك ما تسيغ لها شرابا
*
* تمسح مهدة شفقا عليه
* وتجنبه أباعرها الصعابا
*
* فإنك وابتغاء الأجر بعدي
* كباغي الماء يتبع السرابا
* قال: تجنبه وتجنبه واحد من قول الله تعالى: واجنبني وبني أن نعبد الأصنام. فبلغت أبياته عمر رضي الله فلم يردد كلابا وطال مقامه فأهتر أمية وخلط جزعا عليه ثم أتاه يوما وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله المهاجرون والأنصار. فوقف عليه وأنشأ يقول:
* فإما كنت عاذلتي فردي
* كلابا إذ توجه للعراق
*
* ولم أقض اللبانة من كلاب
* غداة غدا وآذن بالفراق
*
* فتى الفتيان في عسر ويسر
* شديد الركن في يوم التلاقي
*
* فلا وأبيك ما باليت وجدي
* ولا شغفي عليك ولا اشتياقي
*
* وإبقائي عليك إذا شتونا
* وضمك تحت نحري واعتناقي
*
* فلو فلق الفؤاد شديد وجد
* لهم سواد قلبي بانفلاق
*

20
* سأستعدي على الفاروق ربا
* له دفع الحجيج إلى بساق
*
* وأدعو الله مجتهدا عليه
* ببطن الأخشبين إلى دفاق
*
* إن الفاروق لم يردد كلابا
* إلى شيخين هامهما زواقي
* قال: فبكى عمر بكاء شديدا وكتب إلى سعد بن أبي وقاص بالكوفة يأمره بإقفال كلاب بن أمية إلى المدينة فلما دخل عليه قال له: ما بلغ من برك بأبيك قال: كنت أوثره وأكفيه أمره وكنت أعتمد إذا أردت أن أحلب له لبنا أغزر ناقة في أبله وأسمنها فأريحها فأتركها حتى تستقر ثم أغسل أخلافها حتى تبرد ثم أحلب له فأسقيه. فبعث عمر إلى أمية فجاء يتهادى وقد ضعف بصره وانحنى فقال له: كيف أنت يا أبا كلاب فقال: كما ترى يا أمير المؤمنين.)
قال: فهل لك من حاجة قال: نعم أشتهي أن أرى كلابا فأشمه شمة وأضمه ضمة قبل أن أموت فبكى عمر وقال: ستبلغ في هذا ما تحب إن شاء الله ثم أمر كلابا أن يحتلب لأبيه ناقة كما كان يفعل ويبعث إليه بلبنها. ففعل فناوله عمر الإناء وقال: دونك هذا يا أبا كلاب. فلما أخذه وأدناه إلى فمه قال: لعمر الله يا أمير المؤمنين إني لأشم رائحة يدي كلاب من هذا الإناء.
فبكى عمر وقال له: هذا كلاب عندك حاضر قد جئناك به. فوثب إلى ابنه فضمه إليه وقبله وجعل عمر يبكي ومن حضره وقال لكلاب: الزم أبويك فجاهد فيهما ما بقيا ثم شأنك بنفسك بعدهما.

21
وأمر له بعطائه وصرفه إلى أبيه فلم يزل معه مقيما حتى مات أبواه. وأخبرنا الحسن بن علي قال: حدثنا الحارث عن المدائني قال: لما مات أمية بن الأسكر عاد ابنه كلاب إلى البصرة فكان يغزو مع المسلمين منها مغازيهم وشهد فتوحا كثيرة. وبقي إلى أيام زياد فولاه الأبلة فسمع كلاب يوما عثمان بن أبي العاص يحدث إلى داود نبي الله عليه السلام كان يجمع أهله في السحر فيقول: ادعوا ربكم فإن في السحر ساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن إلا غفر له إلا أن يكون عشارا أو عريفا. فلما سمع ذلك كلاب كتب إلى زياد فاستعفاه من عمله فأعفاه. قال المدائني: ولم يزل كلاب بالبصرة حتى مات. والمربعة المعروفة بمربعة كلاب بالبصرة منسوبة إليه. قال: وعمر أمية بن الأسكر عمرا طويلا حتى خرف. وكذلك قال أبو حاتم في كتاب المعمرين. ولم يذكر ما مقدار عمره وفي أي سنة أسلم وفي أي سنة مات. والله أعلم.
ونقل صاحب الأغاني عن أبي عمر و الشيباني أن كلاب بن أمية هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه أبوه شعرا فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بصلة أبيه وملازمة طاعته. ثم قال: هذا خطأ من أبي عمرو وإنما أمره بذلك عمر. وذكره ابن حجر في قسم الصحابة ثم قال: إنما لم أؤخره إلى المخضرمين لقول أبي عمر و الشيباني فإنه ليس في بقية الأخبار ما ينفيه فهو على الاحتمال ولا سيما من رجل كناني من جيران قريش. اه. وذكر الذهبي أمية هذا في التجريد وقال: في صحبته نظر.

22
قال ابن حجر: الأسكر بالسين المهملة فيما صوبه الجياني.
وضبطه ابن عبد البر بالمعجمة. تتمة الشاهد المشهور فيما بين النحويين لقولهم: اللذون هو قوله:
* نحن اللذون صبحوا الصباحا
* يوم النخيل غارة ملحاحا
* قطعة من أرجوزة أوردها أبو زيد في نوادره وقال: هي لأبي حرب الأعلم من بني عقيل بالتصغير وهو شاعر جاهلي. وبعدهما:)
* نحن قتلنا الملك الجحجاحا
* ولم ندع لسارح مراحا
*
* ولا ديارا أو دما مفاحا
* نحن بنو خويلد صراحا
* لا كذب اليوم ولا مراحا قوله: أو دما مفاحا أو في معنى واو العطف. والمفاح: المهراق. يقال: فاح دمه وأفاح جميعا يفيح فيحا ويفيح إفاحة. لم يعرف الرياشي ولا أبو حاتم: أفاح. لا كذب اليوم ولا مراحا أي: بضم الميم قال أبو حاتم: مراحا بكسر الميم وبالراء المهملة وهو النشاط.

23
قال أبو زيد: أفحت دمه ففاح يفيح فيحانا. والجحجاح: السيد. هذا ما في النوادر. والنخيل بالتصغير: عين ماء قرب المدينة على مشرفها الصلاة والسلام وموضع من نواحي الشام. ولم يذكر أبو عبيد في معجم ما استعجم هذا اللفظ ولا ذا النخيل وهو موضع قرب مكة وموضع قرب حضرموت.
قاله الصغاني في العباب. وخلط العيني بينهما فقال: نخيل: أربعة مواضع. ثم ذكر معنييهما.
والغارة: اسم من الإغارة على العدو وملحاحا صفة غارة ولم يؤنثه لعدم اعتبار تأنيث المصدر لأنه في تأويل أن والفعل وهذا لا يتصف بتأنيث أو لأنه بمعنى النسبة أي: ذات إلحاح كقوله تعالى: السماء منفطر به أي: ذات انفطار. وهو من ألح المطر إذا دام. والسارح: المال السائم. والمراح بالضم: اسم مكان من أراح إبله إذا ردها إلى المراح وهو حيث تأوي إليه الإبل والغنم بالليل ولا يكون ذلك إلا بعد الزوال. وصراح بالكسر: جمع صريح وهو الخالص في النسب ككرام جمع كريم. وروى العيني عن الصاغاني في العباب أن الرجز لليلى الأخيلية في قتل دهر الجعفي وأن الرواية كذا:
* لا كذب اليوم ولا مراحا
* قومي اللذين صبحوا الصباحا
*
* يوم النخيل غارة ملحاحا
* مذحج فاجتحناهم اجتياحا
* فلم ندع لسارح مراحا

24
إلى آخر الأبيات. وعليها لا شاهد فيه. وأنواح: جمع نوح بفتح النون. ومذحج بكسر الحاء المهملة بعد الذال المعجمة الساكنة: قبيلة كبيرة. فاجتحناهم من الاجتياح بتقديم الجيم على الحاء المهملة وهو الإهلاك والاستئصال. وصبحه بمعنى أتاه صباحا. وغارة مفعول لأجله.
وقال العيني ويجوز أن يكون حالا من الواو في صبحوا. وقد فتشت هذا الرجز بجميع مواد ألفاظه في العباب فلم أرى له فيه أثرا ولم أدر من أي مادة نقله. والله أعلم. وأنشد بعده)
الشاهد السادس والعشرون بعد الأربعمائة وهو من شواهد س:
* وإن الذي حانت بفلج دماؤهم
* هم القوم كل القوم يا أم خالد
* على أن أصله: وإن الذين وحذفت النون منه تخفيفا. وقد تقدم نص سيبويه في هذا البيت عند شرح قوله:

25
أبني كليب إن عمي اللذا البيت قبل هذا ببيتين. قال الأعلم: الشاهد فيه حذف النون من اللذين استخفافا والدليل على أنه أراوبة الجمع قوله دماؤهم ويجوز أن يكون الذي واحدا. يؤدي عن الجمع لإبهامه ويكون الضمير محمولا على المعنى فيجمع كما قال جل وعز: والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون. رثى قوما قتلوا بفلج وهو موضع بعينه كانت فيه وقعة. اه. وأورده ابن جني في المحتسب عند قراءة من قرأ: والمقيمي الصلاة بالنصب قال: أراد المقيمين فحذف النون تخفيفا. أو شبه ذلك باللذين في قوله: فإن الذي حانت بفلج دماؤهم البيت وأورده صاحب الكشاف أيضا عند قوله تعالى: آلم ذلك الكتاب على أن السورة المسماة ب آلم هو الكتاب لكماله حتى كأن ما عداه من الكتب بالنسبة إليه لا يستحق أن يسمى كتابا من باب حصر الجنس في بعض أفراده على حد قولك: زيد هو الرجل أي: الكامل في الرجولية.
ولما كان ذلك مستبعدا في الأوهام أتى بما صرح به بحصر كل الجنس في الفرد الكامل في قوله: هم القوم كل القوم يا أم خالد إزالة لذلك الوهم. والمعنى: إن اللذين هلكوا بهذا الموضع هم القوم والرجال الكاملون فاعلمي ذلك وابكي عليهم يا أم خالد. قال الواحدي: قولهم يا أم خالد ويا ابنة القوم هو من عادة العرب بهذا الخطاب للنساء لحثهن على البكاء. وكل القوم صفة للقوم دلالة على كمالهم.

26
وبه أورده ابن هشام في كل من المغني. والحين بالفتح: الهلاك. وحان الرجل: هلك. وأحانه الله أهلكه. ودماؤهم: فاعل حانت. ومعنى حانت دماؤهم: لم يؤخذ لهم بدية ولا قصاص. وفلج بفتح الفاء وسكون اللام وآخره جيم. قال أبو عبيد في معجم ما استعجم: هو موضع في بلاد بني مازن وهو في طريق البصرة إلى مكة وفيه منازل للحجاج. وقال الزجاج: هو ماء لبني العنبر)
وما بين الحيل إلى المجازة. وقال ياقوت في معجم البلدان: قال أبو منصور: فلج اسم بلد ومنه قيل لطريق يؤخذ من طريق البصرة إلى اليمامة: طريق فلج. وأنشد: وإن الذي حانت بفلج دماؤهم وقال غيره: فلج واد بين البصرة وحمى ضرية من منازل عدي بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم من طريق مكة. وبطن واد يفرق بين الحزن والصمان يسلك منه طريق البصرة إلى مكة ومنه إلى مكة أربع وعشرون مرحلة. وهذا البيت أنشده الجاحظ في البيان والتبيين بدون واو مع بيتين بعده للأشهب بن رميلة وهما:
* هم ساعد الدهر الذي يتقى به
* وما خير كف لا ينوء بساعد
*

27
* أسود شرى لاقت أسود خفية
* تساقوا على حرد دماء الأساود
*
* هم كاهل الدهر الذي يتقى به
* ومنكبه إن كان للدهر منكب
* وأنشده الآمدي في المؤتلف والمختلف للأشهب بن رميلة أيضا مع البيت الثاني فقط وهو: هم ساعد الدهر إلا أنه أنشده: فإن الذي بالفاء. وقد أنشد الأبيات الثلاثة أحمد بن أبي سهل بن عاصم الحلواني في كتاب أسماء الشعراء المنسوبين إلى أمهاتهم إلا أنه أنشد البيت الأول كذا: إن التي مارت بفلج دماؤهم وعليه لا شاهد فيه ومن خطه نقلت. فيكون بتقدير: إن الجماعة التي مارت أي: ساحت وجرت. يقال: مار الدم على وجه الأرض. وينوء. بمعنى ينهض. وفي معجم ما استعجم: قال الأصمعي: الشرى: أرض في جهة اليمن وهي مأسدة. وأنشد هذا البيت. قال أبو الفتح: لام الشرى ياء لأنها مجهولة والياء أغلب على اللام من الواو. قال: وكذلك رأيته في الخط العتيق مكتوبا بالياء. اه. وقال صاحب الصحاح: والشرى: طريق في سلمى كثيرة الأسد. وخفية بفتح الخاء المعجمة وكسر الفاء قال صاحب الصحاح: قولهم أسود خفية كقولهم: أسود غابة وهما مأسدتان.

28
وقال صاحب المعجم: خفية: اسم غيضة ملتفة تتخذها الأسد عريسة. كذا قال الخليل وأنشد هذا البيت. وحرد بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين: مصدر حرد من باب ضرب بمعنى قصد وبمعنى غضب من باب فرح أيضا. ودماء: مفعول تساقوا أي: سقي كل منهما دم الأساود. وهو إما جمع أسود على أفعل وهو العظيم من الحيات
وفيه سواد. وهو اسم له ولو كان وصفا لجمع على فعل بالضم. وإما جمع أسود بالضم وهو جمع أسد فيكون)
جمع الجمع. والمراد بالأساود الشجعان وهو عبارة عنهم وعن أخصامهم. وقال العيني وتبعه السيوطي: الأساود: جمع أسودة وأسودة: جمع سواد والسواد: الشخص وأراد بالأساود شخوص الموتى. وروى سمام بدل دماء وقال: هو جمع سم. فالمناسب على هذه الرواية تفسير الأساود بالحيات. وروى أبو تمام البيت الشاهد في كتاب مختار أشعار القبائل آخر أبيات خمسة لحريث بن محفض وهي:
* ألم تر أني بعد عمر و ومالك
* وعروة وابن الهول لست بخالد
*
* وكانوا بني ساداتنا فكأنما
* تساقوا على لوح دماء الأساود
*
* وما نحن إلا مثلهم غير أننا
* كمنتظر ظمأ وآخر وارد
* هم ساعد الدهر الذي يتقى بهم وما خير كف لا تنوء بساعد فإن الألى حانت بفلج دماؤهم................. البيت والألى بمعنى اللذين وعلى هذه الرواية أيضا لا شاهد فيه. واللوح بفتح اللام وسكون الواو آخره حاء مهملة: العطش. والظمء بكسر الظاء المشالة وسكون الميم بعدها همزة: اسم الزمان الذي يكون بين الشربتين

29
للإبل من الظمأ بفتح الميم وهو العطش. وآخر: ضد أول معطوف على منتظر. أما الأشهب بن رميلة فهو شاعر إسلامي مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام أسلم ولم تعرف له صحبة واجتماع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولهذا أورده ابن حجر في قسم المخضرمين من الإصابة. ورميلة: اسم أمه وهي بضم الراء المهملة وفتح الميم.
وذكره المرزباني في معجم الشعراء في حرف الزاء المعجمة. قال صاحب الأغاني: هو الأشهب بن ثور بن أبي حارثة بن عبد المدان بن جندل بن نهشل بن دارم بن عمرو بن تميم. وفي المؤتلف والمختلف وفي كتاب الشعراء المنسوبين إلى أمهاتهم: المنذر بدل عبد المدان. وفي مختصر الجمهرة لياقوت ابن عبد المنذر. والله أعلم. ورميلة أمه وهي أمة لخالد بن مالك بن ربيعي بن سلمى بن جندل المذكور. قال أبو عمرو: ولدها يزعمون أنها كانت سبية من سبايا العرب فولدت لثور ابن أبي حارثة أربعة نفر وهم رباب وحجناء والأشهب وصويط. وكانوا من أشد أخوة لسانا ويدا ومنعة للجانب فكثرت أموالهم في الإسلام. وكان أبوهم ثور ابتاع رميلة في الجاهلية وولدتهم في الجاهلية فعزو عزا كثيرا

30
حتى إذا وردوا ماء من ماء الصمان حظروا على الناس ما يريدونه منه. وكانت لرميلة قطيفة حمراء فكانوا يأخذون الهدب من تلك القطيفة)
فيلقونه على الماء أي: قد سبقنا إلى هذا فلا يرده أحد لعزهم فيأخذون من الماء ما يحتاجون إليه. فوردوا في بعض السنين ماء من ماء الصمان وورد معهم ناس من بني قطن بن نهشل فأورد بعضهم بعيره فأشرعه حوضا قد حظروا عليه. وبلغهم ذلك فغضبوا فاقتتلوا فضرب رباب بن رميلة رأس بشير بن صبيح فمات بشير في ليلته فقتل رباب قودا ولما أرادوا ضرب عنقه قالوا له: أوصنا. قال لهم: دعوني أصلي ركعتين. فصلى ثم قال: أما والله إني إلى ربي لذو حاجة وما منعني أن أزيد في صلاتي إلا أن تقولوا: خاف من الموت فليضربني منكم رجل شديد الساعد حديد السيف. فدفعوه إلى ابن خزيمة بن بشير فضرب عنقه وذلك في الفتنة بعد مقتل بن عفان. ورثاه أخوه الأشهب بقصائد. وفي كتاب الشعراء المنسوبين إلى أمهاتهم ونقلته من خط مؤلفه: كان الأشهب يهاجي الفرزدق ولقيه يوما عند باب عثمان بن عفان وهو يريد أن يجوز نهر أم عبد الله على قنطرة فاحتبسه الفرزدق عليها الفرزدق على فرس فقال الأشهب:
* يا عجبا هل يركب القين الفرس
* وعرق القين على الخيل نجس
*

31
* والقين لا يصلح إلا ما جلس
* بالكلبتين والعلاة والقبس
* ثم إن غالبا لما بلغه ما قال الأشهب أتاه ليلا فتعوذ منه وقال: أتشتمنا من غير إحنة فأمسك عنا. فقال الأشهب: هلا كان هذا نهارا ويقال: كان الأشهب ابن رميلة يهجو غالبا أبا الفرزدق فقال الفرزدق: ربما بكيت من الجزع أن الأشهب كان يهجونا فأريد أن أجيبه فلا يتأتى لي الشعر ثم فتح الله علي فهجوته فغلبته وسقط بعد ذلك. وأما حريث بن محفض فهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية. وحريث بضم الحاء وفتح الراء المهملتين وآخره ثاء مثلثة. ومحفض بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر الفاء المشدودة وآخره ضاد معجمة وهو في الأصل اسم فاعل من حفضه تحفيضا إذا طرحه خلفه وخلفه وراءه. وحفضه بالتخفيف بمعنى ألقاه وطرحه من يده كحفضه تحفيضا. وحفض العود بالتخفيف أيضا بمعنى حناه وعطفه. قال الإمام أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري في كتاب التصحيف في باب ما يشكل ويصحف من
أسماء الشعراء: هذا باب صعب لا يكاد يضبطه إلا كثير الرواية غزير الدراية. وقال أبو الحسن علي بن عبدوس الأرجاني وكان فاضلا ومتقدما وقد نظر في كتابي هذا فلما بلغ هذا الباب قال لي: كم عدة أسماء الشعراء الذين ذكرتهم فقلت: مائة ونيف.)
فقال لي: إني لأعجب كيف استتب لك هذا فقد كنا ببغداد والعلماء بها متوافرون وذكر أبا إسحاق الزجاج وأبا موسى الحامض وأبا محمد الأنباري واليزيدي وغيرهم فاختلفنا في اسم شاعر واحد وهو حريث بن محفض وكتبنا أربع قاع إلى أربعة من العلماء فأجاب كل واحد منهم بما يخالف الآخر فقال

32
بعضهم مخفض بالخاء والضاد المعجمتين وقال آخر: ابن محفض وقال آخر: ابن محفض. فقلنا: ليس لهذا إلا أبو بكر بن دريد. فقصدناه في منزله فعرفناه ما جرى فقال ابن دريد: أين يذهب بكم هذا مشهور هو حريث بن محفض الحاء غير معجمة ومفتوحة والفاء مشددة ومكسورة والضاد منقوطة. وهو من بني تميم ثم من بني مازن بن عمرو بن تميم. وهو القائل:
* ألم تر قومي إن دعوا لملمة
* أجابوا وإن أغضب على القوم يغضبوا
*
* هم حفظوا غيي كما كنت حافظا
* لقومي أخرى مثلها إن تغيبوا
*
* بنو الحرب لم تقعد بهم أمهاتهم
* وآباؤهم آباء صدق فأنجبوا
* وتمثل الحجاج بهذه الأبيات على المنبر فقال: أنتم يا أهل الشام كما قال حريث بن محفض. قال: أنا والله حريث بن محفض. فقال: ما حملك على أن سابقتني قال: لم أتمالك إذ تمثل الأمير بشعري فأعلمته مكاني. ثم قال أبو الحسن ابن عبدوس: فلم يفرج عنا غيره. انتهى ما أورده العسكري.

33
وأنشد بعده
الشاهد السابع والعشرون بعد الأربعمائة وبئري ذو حفرت وذو طويت هذا عجز وصدره: على أن ذو اسم موصول وهو هنا بمعنى التي لأن البئر مؤنثة. قال ابن هشام في شرح الشواهد: وزعم ابن عصفور أن ذو خاصة بالمذكر وأن المؤنث يختص بذات وأن البئر في البيت ذكرت على معنى القليب كما قال الفارسي في قوله:
* يا بئرنا بئر بني عدي
* لأنزحن قعرك بالدلي
* حتى تعودي أقطع الولي إن التقدير: حتى تعودي قلبيا أقطع فحذف الموصوف. وفرق ابن الضائع بينهما بأن أقطع صفة فيحمل على الفعل بخلاف ذو. قال: ألا ترى أن من قال نفع الموعظة لا يقول مشيرا إليها: هذا الموعظة. ولهذا قال الخليل في: قال هذا رحمة من رب: إنه إشارة إلى القطر لا إلى الرحمة.
اه. والبيت مشهور. وهو من أبيات خمسة أوردها أبو تمام في الحماسة لسنان ابن الفحل الطائي وهي:

34
* وقالوا قد جننت فقلت كلا
* وربي ما جننت ولا انتشيت
*
* ولكني ظلمت فكدت أبكي
* من الظلم المبين أو بكيت
*
* فإن الماء ماء أبي وجدي
* وبئري ذو حفرت وذو طويت
*
* وقبلك رب خصم قد تمالوا
* علي فما هلعت ولا دعوت
* قال أمين الدين الطبرسي في شرح الحماسة: قد عيب على أبي تمام إيراده مثل هذه الأبيات في باب الحماسة والبكاء على الظلم ضعف وعجز والوجه فيه أن بكاءه كان لمطالبتهم ما ليس لهم ولا سبيل له على الاعتساف. والمغالبة فعل أهل الجاهلية إذ لا يراقب دين ولا يرهب سلطان ويدل على ذلك ما ذكره ابن دريد في سببه: أنه اختصم حيان من العرب إلى عبد الرحمن بن الضحاك وهو والي المدينة في ماء من مياههم وعبد الرحمن مصاهر لأحد الحيين فبرك شيخ بين يديه من الحي الآخر وقال:
أصلح الله الأمير أنا الذي أقول:
* إلى الرحمن ثم إلى أميري
* تعسفت المفاوز واشتكيت
*
* رجالا طالبوني ثم لجوا
* ولو أني ظلمتهم انتهيت)
* (رجوا في صهرهم أن يغلبوني
* وبالرحمن صدق ما ادعيت
* وقالوا قد جننت فقلت كلا................. الأبيات الخمسة وبعدها:
* فأنصفني هداك الله منهم
* ولو كان الغلبة لاكتفيت
* وقال الخطيب التبريزي في شرحه: وهذا ماء لبني أم الكهف من جرم طيء ولبني هرم بن العشراء من فزارة اختصم فيه الحيان وهم مختلطون مجاورون.

35
وقوله: ولو أني ظلمتهم انتهيت أي: قلت أنا ظالم ثم امتنعوا لكففت ولم ألج. وقوله: وقالوا: قد جننت معطوف على لجوا وجننت بالبناء للمفعول وبالخطاب في الأول وبالتكلم في الثاني. وكلا للزجر والردع. قال الإمام المرزوقي: كان الواجب أن يقول: قالوا جننت أو سكرت. فاكتفى بذكر أحدهما لأن النفي الذي يتعقب في الجواب ينظمهما. ومثله قول الآخر:
* فما أدري إذا يممت وجها
* أريد الخير أيهما يليني
* لأن المراد أريد الخير وأتجنب الشر فاكتفى بذكر أحدهما لأن ما بعده يبينهما وهو:
* الخير الذي أنا أبتغيه
* أم الشر الذي هو يبتغيني
* أراد: إني لما أظهرت إنكاري وتشددت في إبائي قالوا: إنه جن أو سكر. فزجرتهم وحلفت بالله نافيا ما نسبت إليه. والإنتشاء والنشوة: السكر. ثم أخذ يبين كيف استنكر ما دفع إليه حتى قيل فيه ما قيل كقوله: ولكني ظلمت فكدت إلخ وذكر البكاء ليري أنفته وامتعاضه وإنكاره لما أريد ظلمه فيه واغتياظه.

36
فأما العرب فإنما تنسب نفسها إلى القساوة وتعير من يبكي. قال مهلهل:
* يبكي علينا ولا نبكي على أحد
* لنحن أغلظ أكبادا من الإبل
* يقول: لكن عرض علينا ضيم لم آلفه واستنزلت عن حق لي طال ملازمتي له فشارفت البكاء أو بكيت كل ذلك لاستنكافي مما أرادوني عليه. وقوله: فإن الماء ماء إلخ صرح بما أريد غصبه عليه فقال هو ماء موروث عن الأسلاف وحمى معروف لي سلمه الناس لي على مر الأيام وبئر توليت استحداثها وحفرها وطيها. وطي البئر: بناؤها بالحجارة. وطويت البئر فهو طوي. وقوله: وقبلك رب خصم إلخ الخصم لكونه في الأصل مصدرا يطلق على المفرد)
وغيره والذكر والأنثى بلفظ واحد. وفي لغة يطابق في التثنية والجمع فيجمع على خصوم وخصام. وخصم الرجل يخصم من باب تعب إذا أحكم الخصوم فهو خصم وخصيم.
وخاصمته فخصمته أخصمه من باب قتل إذا غلبته في الخصومة. وتمالوا أصله تمالؤوا بهمزة مضمومة بعد اللام المفتوحة يقال مالأه ممالأة كفاعله مفاعلة بمعنى عاونه معاونة. وتمالؤوا على الأمر: تعاونوا. وقال ابن السكيت: اجتمعوا عليه. وهلع هلعا من باب تعب بمعنى جزع فهو هلع وهلوع مبالغة وقيل الهلع: أفحش الجزع. ودعوت بمعنى قلت: يا لفلان قال الإمام المرزوقي: نبه على حسن ثباته في وجه الخصوم وتمرنه بمجادلتهم قديما وحديثا وتحككه لهم على احتفال منهم على مناوأته سالفا وآنفا فيقول: وقد

37
بليت قبلك بقوم لد تألبوا علي وتعاونوا فلم أجزع لما منيت بهم جزعا فاحشا ولا استنصرت عليهم غيري. فإن قيل: كيف قال هلعت وقد قال: كدت أبكي من الظلم إلخ وهل الهلع إلا البكاء والجزع قلت: إن الهلع هو الجزع الفاحش الذي يظهر فيه الخضوع والانقياد فهذا هو الذي زعم أنه لا يظهر عليه.
والبكاء الذي ذكر أنه شارفه إنما كان على طريق الاستنكاف وإذا كان كذلك فإنه لم يكن عن تخشع وتذلل ولا انقياد ولا استسلام. وسلم الكلام من التناقض. وقال ابن هشام في شرح الشواهد: وهذا ليس تناقضا لأنه على اختلاف وقتين أي: إنه ذل جانبه بعد أن كان عزيزا.
وهذا كلام الخطيب التبريزي. ونظيره أبيات فاطمة بنت الأجحم حين ضعف جانبها لموت من كان ينصرها وهي أبيات حسنة تمثلت بها سيدتنا فاطمة رضي الله عنها حين
قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي:
* قد كنت لي جبلا ألوذ بظله
* فتركتني أمشي بأجرد ضاحي
*
* قد كنت ذات حمية ما عشت لي
* أمشي البراز وكنت أنت جناحي
*
* فاليوم أخضع للذليل وأتقي
* منه وأدفع ظالمي بالراحي
*

38
* وإذا دعت قمرية شجنا لها
* ليلا على فنن دعوت صباحي
* وقوله: ولكني نصبت لهم إلخ الألة بفتح الهمزة وتشديد اللام: الحربة والجمع إلال كحربة وحراب. يقول: ولكنني صبرت لهم وانتصبت في وجوههم وهيأت سلاحي لدفعهم وطردتهم عن وردهم كفعل الفارس الذاب المانع حتى خلصت عن غصبهم حقي وقريت الماء من دونهم في حوضي. يقال: قريت الماء في الحوض بالقاف أي: جمعته واسم ذلك الماء: قرى)
بكسر القاف مقصور. وسنان بن الفحل: شاعر إسلامي في الدولة المروانية. وهو بكسر السين بعدها نونان. والفحل بفتح الفاء وسكون الحاء المهملة. وأما عبد الرحمن بن الضحاك فقد ذكره الفاسي في تاريخ مكة المشرفة وقال: عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس بن خالد بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر بن مالك الفهري. قال الزبير: ولاه يزيد بن عبد الملك المدينة والموسم. وذكر الطبري أن في سنة ثلاث ومائة ضمت إليه مكة مع المدينة وأنه عزل عن مكة والمدينة في النصف من ربيع الأول سنة أربع ومائة بعبد الواحد بن ربيع البصري. وسبب عزله أنه كان خطب فاطمة بنت الحسين رضي الله عنهما فامتنعت من قبوله فألح عليها وتوعدها فشكته إلى يزيد بن عبد الملك فبعث إلى عبد الواحد فولاه المدينة وأمره بالقبض على عبد الرحمن وأخذ ماله حتى تركه في جبة صوف بالمدينة وكان قد باشر نيابة المدينة ثلاث سنين وأشهرا.

39
وكان الزهري قد أشار عليه برأي وهو أنه يسأل العلماء إذا أشكل عليه أمر فلم يفعل فأبغضه الناس وذمه الشعراء. وهذا كان آخر أمره. انتهى. وإنما ذكرت عبد الرحمن هذا ليعلم منه عصر سنان بن الفحل الطائي فإني لم أظفر له بترجمة ولم أر
* قولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا
* هلم فإن المشرفي الفرائض
* على أن ذو بمعنى الذي. والساعي: الوالي على صدقة الزكاة. وهلم: أقبل وتعال. والمشرفي: السيف المنسوب إلى المشارف وهي قرى للعرب كانت السيوف تطبع بها. والفرائض: الأسنان التي تصلح لأن تؤخذ في الزكاة. يقول: أبلغا هذا الرجل الذي جاء ساعيا أي: واليا للصدقات: هلم فإنك تعطى السيف بدلا من فرائض الإبل. وهذا مثل ضربه لهذا الساعي مستهزئا به ومتوعدا إياه. يقول: إنك مللت العافية والسلامة فهلم إلى البلاء والشر من هذه الولاية. والبيت أول أبيات لقوال الطائي أوردها أبو تمام في الحماسة. وقد شرحناها مع ذكره سببها في الشاهد السابع والثلاثين بعد الثلثمائة من باب النعت.

40
وأنشد بعده
الشاهد الثامن والعشرون بعد الأربعمائة
* عدس ما لعباد عليك إمارة
* أمنت وهذا تحملين طليق
* على أن هذا عند الكوفيين اسم موصول بمعنى الذي أي: الذي تحملينه طليق. قال الفراء في تفسيره عند قوله تعالى: ويسألونك ماذا ينفقون: العرب قد تذهب بهذا وذا إلى معنى الذي فيقولون: ومن ذا يقول ذاك في معنى من الذي يقول وأنشدوا: عدس ما لعباد عليك أمارة البيت كأنه قال: والذي تحملين طليق. انتهى. قال أبو علي الفارسي في إيضاح الشعر: هذا البيت ينشده البغداديون ويستدلون به على أن ذا بمنزلة الذي وأنه يوصل كما يوصل الذي فيجعلون تحملين صلة ل ذا كما يجعلونه صلة للذي. وعندنا يحتمل قوله تحملين وجهين: أحدهما: أن يكون صفة لموصوف محذوف تقديره: وهذا رجل تحملين

41
فتحذف الهاء من الصفة كما حذفت في قولك: الناس رجلان: رجل أكرمت ورجل أهنت. وكقوله: وما شيء حميت بمستباح أي: حميته. والآخر: أن يكون صفة لطليق فقدمت فصار في موضع نصب على الحال: فإذا احتمل غير ما تأولوه من الصلة لم يكن على الحكم بأن ذلك والأسماء المبهمة توصل كما يوصل الذي دليل.
وكذلك ما استشهدوا به من قوله تعالى: وما تلك بيمينك يا موسى وقالوه وتأولوه على أن المعنى: وما التي بيمينك ولا دلالة فيه لأنه يمكن أن يكون بيمينك في موضع الحال والعامل في الحال في الموضعين جميعا ما في الاسم المبهم من معنى الفعل. انتهى.
والاحتمال الأول ضعيف لأنه تخريج على ضرورة لأن حذف الموصوف إذا كانت صفته جملة بدون أن يكون بعضا من مجرور ب من أو في خاص بالضرورة أو الشذوذ. وأضعف من هذا تخريج ابن الأنباري في مسائل الخلاف أن جملة تحملين صلة لموصول محذوف تقديره: وهذا الذي تحملين. وهذا لا يقول به بصري لأنه لا يرى أحد منهم حذف الموصول الاسمي وبقاء صلته.

42
والتخريج على الحالية هو الجيد ولا حاجة إلى اعتبار كونه في الأصل صفة فلما قدم صار حالا لأن ذاك انما يعتبر في الأحوال المفردة لا في الجمل نحو: لمية موحشا طلل وادعاء أن العامل في هذه الحال ما في اسم الإشارة من معنى الفعل غير جيد فإن جملة تحملين)
حال من ضمير طليق فطليق هو العامل في الحال وصاحبها. فإن قلت: نزل كلامه على أن الجملة حال من اسم الإشارة فيكون العامل معنى التنبيه. قلت: يأباه قوله: إن تحملين مقدم من تأخيره. فتأمل. والبيت أول أبيات ليزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري خاطب بها بغلة. وبعده:
* طليق الذي نجى من الحبس بعدما
* تلاحم في درب عليك مضيق
*
* ذري وتناسي ما لقيت فإنه
* لكل أناس خبطة وحريق
*

43
* قضى لك خمخام بأرضك فالحقي
* بأهلك لا يؤخذ عليك طريق
*
* فيا بغلة شماء لو كنت مادحا
* مدحتك إني للكرام صديق
*
* لعمري لقد أنجاك من هوة الردى
* إمام وحبل للأنام وثيق
*
* سأشكر ما أوليت من حسن نعمة
* ومثلي بشكر المنعمين حقيق
* وقد تقدم سبب هذه الأبيات مع ترجمة يزيد هذا في الشاهد الثالث بعد الثلثمائة ولكن ينبغي إيراده هنا مختصرا لطول العهد. قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء: يزيد هذا حليف لقريش ويقال: إنه كان عبدا للضحاك بن عبد عوف الهلالي فأنعم عليه ولما ولي سعيد بن عثمان ابن عفان خراسان استصحبه فلم يصحبه يزيد وصحب زياد بن أبي سفيان فلم

44
يحمده وأتى عباد بن زياد فكان معه. وكان عباد طويل اللحية عريضها فركب ذات يوم وابن مفرغ معه في موكبه فهبت ريح فنفشت لحيته فقال ابن مفرغ:
* ألا ليت اللحى كانت حشيشا
* فترعاها خيول المسلمينا
* فبلغ ذلك عبادا فحقد عليه وجفاه فقال ابن مفرغ:
* إن تركي ندى سعيد بن عثما
* ن فتى الجود ناصري وعديدي
*
* واتباعي أخا الرضاعة واللؤ
* م لنقص وفوت شأو بعيد
*
* قلت والليل مطبق بعراه
* ليتني مت قبل ترك سعيد
* فأخذه عبيد الله بن زياد وحبسه وعذبه وسقاه التربد في النبيذ وحمله على بعير وقرن به خنزيرة وأمشاه بطنه مشيا شديدا فكان يسيل منه ما يخرج على الخنزيرة فتصيح وكلما صاحت قال ابن مفرغ: وسمية: أم زياد وجعلها خنزيرة. فطيف به في أزقة البصرة وجعل الناس يقولون: أين جيست أي: ما هذا وهو يقول:)

45
آب است نبيذ است عصارات زبيب است سمية روسبيد است وهذه كلمات بالفارسية أي: هذا الذي ترونه إنما هو نبيذ وعصارة زبيب وسمية البغي.
يعني بها الخنزيرة. فلما ألح عليه ما يخرج منه قيل لعبيد الله: إنه يموت فأمر به فأنزل واغتسل فلما خرج من الماء قال:
* يغسل الماء ما فعلت وقولي
* راسخ منك في العظام البوالي
* ثم دس عليه غرماءه يستعدون عليه فأمر ببيع ما وجد له في إعطاء غرمائه فكان فيما بيع له غلام يقال له برد وكان يعدل عنده ولده وجارية يقال لها الأراكة. ففيهما يقول:
* يا برد ما مسنا دهر أضر بنا
* من قبل هذا ولا بعنا له ولدا
*
* أما الأراك فكانت من محارمنا
* عيشا لذيذا وكانت جنة رغدا
*
* لولا الداعي ولولا ما تعرض لي
* من الحوادث ما فارقتها أبدا
*

46
* وشريت بردا ليتني
* من بعد برد كنت هامه
*
* أو بومة تدعو صدى
* بين المشقر واليمامة
*
* الريح تبكي شجوه
* والبرق يلمع في الغمامة
* ثم إن عبيد الله أمر به فحمل إلى سجستان إلى أخيه عباد بن زياد وكان ابن مفرغ كتب في حيطان الطرق والمنازل والخانات هجاءهم فألزم محوه بأظافره حتى فسدت أنامله ومنع أن يصلي إلى الكعبة وألزمه أن يصلي إلى قبلة النصارى فلما وصل إلى عباد حبس فكان يهجوهم في الحبس. ومما قاله فيه:
* إن زيادا ونافعا وأبا بك
* رة عندي من أعجب العجب
*
* إن رجالا ثلاثة خلقوا
* من رحم أنثى مخالفي النسب
*
* ذا قرشي كما يقول وذا
* مولى وهذا بزعمه عربي
* والثلاثة أولاد سمية. أما نافع فهو من الحارث بن كلدة. وأما أبو بكر وزياد فهما من عبيد الرومي فإن الحارث بعد أن أولدها نافعا زوجها لعبيد فزياد ادعى أنه قرشي وأبو بكرة مولى لكونه ابن عبيد.

47
وأما نافع فهو عربي لكونه ابن الحارث الثقفي. فلما طال حبسه دخل)
أهل اليمن إلى معاوية فشفعوا فيه ووجه رجلا من بني أسد يقال له خمخام وقال ابن السيد: هو من بني راسب بريدا إلى عباد وأمره أن يبدأ بالحبس فيخرج ابن مفرغ منه قبل أن يعلم عباد فيغتاله. ففعل ذلك فلما خرج من الحبس قربت بغلة من بغال البريد فركبها وقال: عدس ما لعباد عليك إمارة الأبيات وتمام القصة هناك. فقوله: عدس هو زجر للبغل أي: إنه زجر له ليسرع. قاله الجوهري وأنشد هذا البيت. وربما سموا البغل عدس بزجره. قال الشاعر:
* إذا حملت بزتي على عدس
* فما أبالي من غزا ومن جلس
* وقال الجاحظ: زعم أناس أن عدس اسم لكل بغلة وذهبوا إلى قول الشاعر:
* إذا حملت بزتي على عدس
* على التي بين الحمار والفرس
* فما أبالي من غزا ومن جلس وروي عن الخليل أن عدس كان رجلا عنيفا بالبغال أيام سليمان عليه السلام فإذا قيل لها ذلك إنزجرت وأسرعت. وهذا لا يعرف في اللغة. وزعم ابن قتيبة أن الذي ركبه ابن مفرغ فرس. قال: فبعث على البريد من أطلقه فبدأ بالحبس فأخرجه فلما قرب إليه فرسه قال: عدس ما لعباد البيت.

48
وهذا وهم ويدل لما قلنا قوله: فيما بغلة شماء................. البيت وأن عدس خاص بزجر البغال. وقال بعضهم: إن عدس اسم بغلته. وهذا غير صحيح أيضا لأنها لم تكن له وإنما هي من بغال البريد. وقوله: ما لعباد إلخ ما نافية واللام متعلق بمحذوف وعليك متعلق بالظرف وإمارة إما فاعل لقوله لعباد وإما مبتدأ وخبره لعباد. وجملة: أمنت مستأنفة بيانا للجملة المنفية. وجملة: وهذا تحملين طليق حال من فاعل أمنت أي: أمنت في حال كون محمولك طليقا. والطليق: الذي أطلق من الإسار أي: أمنت من حكم عباد. وإذا لم يكن له حكم على البغلة فلأن لا يكون عليه حكم أولى. وقوله: وهذا تحملين يعني بالإشارة نفسه. ومن العجب قول العيني هنا: إن عدس منادى بحرف نداء محذوف وبني على السكون لأنه في الأصل حكاية صوت. إلى أن قال: وإمارة مبتدأ. وعباد هو أخو عبيد الله بن زياد الذي قاتل الحسين بن علي رضي الله عنهما في كربلاء. وزياد يقال له زياد بن سمية وهي أمه بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء ويقال له زياد بن عبيد بالتصغير وهو أبوه. ويقال)
له أيضا زياد بن أبيه أي: ابن أبي معاوية لأن معاوية بن أبي سفيان جعله أخا لنفسه واستلحقه بأبيه. وبيان ذلك كما ذكره الملك إسماعيل الأيوبي صاحب حماة في كتابه أخبار البشر: أنه لما دخلت سنة أربع وأربعين من الهجرة استلحق معاوية زياد بن سمية وكانت سمية جارية للحارث بن كلدة الثقفي فزوجها بعبد له رومي يقال له عبيد فولدت سمية زيادا على فراشه فهو ولد عبيد شرعا. وكان أبو سفيان قد سار في الجاهلية إلى الطائف فنزل على إنسان يبيع الخمر يقال له أبو مريم أسلم بعد ذلك وكانت له صحبة فقال له أبو سفيان: قد اشتهيت النساء فقال له أبو مريم: هل لك في سمية فقال أبو سفيان: هاتها على

49
طول ثدييها ودفر إبطيها فأتاه بها فوقع عليها فيقال إنها علقت منه بزياد فوضعته في سنة الهجرة.
ونشأ زياد فصيحا ثم لما كان قضية شهادة الشهود على المغيرة بالزنى وجلدهم ومنهم أبو بكرة أخو زياد لأمه وامتناع زياد عن التصريح كما ذكرنا اتخذ المغيرة بذلك لزيادا يدا. ثم لما ولي علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة استعمل زيادا على فارس فقام بولايتها أحسن قيام. ولما سلم الحسن الأمر إلى معاوية امتنع زياد بفارس ولم يدخل في طاعة معاوية وأهم معاوية أمره وخاف أن يدعو إلى أحد من بني هاشم ويعيد الحرب وكان معاوية قد ولى المغيرة بن شعبة الكوفة فقدم المغيرة على معاوية في سنة اثنتين وأربعين فشكا إليه معاوية امتناع زياد بفارس. فقال المغيرة: أتأذن لي في المسير إليه فأذن له وكتب معاوية لزياد أمانا فتوجه المغيرة إليه لما بينهما من المودة وما زال عليه حتى أحضره إلى معاوية وبايعه وكان المغيرة يكرم زيادا ويعظمه من حين كان منه في شهادة الزنى ما كان. فلما كانت هذه السنة سنة أربع وأربعين استلحق معاوية زيادا وأحضر الناس وحضر من يشهد لزياد بالنسب وكان ممن حضر ذلك اليوم أبو مريم الخمار الذي أحضر سمية إلى أبي سفيان بالطائف فشهد بنسب زياد من أبي سفيان وقال: إني رأيت إسكتي سمية يقطران من مني أبي سفيان. فقال زياد: رويدك طلبت شاهدا ولم تطلب شتاما. فاستلحقه معاوية. وهذه أول واقعة خولفت فيها الشريعة علانية لصريح قول النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. وأعظم الناس ذلك وأنكروه خصوصا بني أمية لكون زياد بن عبيد الرومي صار من بني أمية بن عبد شمس.
وقال عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان في ذلك:

50
* ألا أبلغ معاوية بن صخر
* لقد ضاقت بما تأتي اليدان)
* (أتغضب أن يقال أبوك عف
* وترضى أن يقال أبوك زاني
*
* وأشهد أن رحمك من زياد
* كرحم الفيل من ولد الأتان
* ثم ولى معاوية زيادا البصرة وأضاف إليه خراسان وسجستان ثم جمع له الهند والبحرين وعمان. ثم دخلت سنة خمس وأربعين فيها قدم زياد إلى البصرة وسدد أمر السلطنة وأكد الملك لمعاوية وجرد السيف وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة فخافه الناس خوفا شديدا.
وكان معاوية وعماله يدعون لعثمان في الخطبة يوم الجمعة ويسبون عليا. ولما كان المغيرة متولي الكوفة كان يفعل ذلك وكان حجر يقوم ومعه جماعة يردون عليه وكان المغيرة يتجاوز عنهم فلما ولي زياد ودعا لعثمان وسب عليا قام حجر وقال كما كان يقول من الثناء على علي فغضب زياد وأمسكه وأوثقه بالحديد وثلاثة عشر نفرا معهم وأرسلهم إلى معاوية فشفع في ستة منهم عشائرهم وبقي ثمانية منهم حجر فقتلهم معاوية. وكان حجر صحابيا من أعظم الناس دينا وصلاة. وروى ابن الجوزي بإسناده عن الحسن البصري أنه قال: أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة وهي: أخذه الخلافة بالسيف من غير مشاورة وفي الناس بقايا الصحابة وذوو الفضيلة. واستخلافه ابنه يزيد وكان سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير. وادعاؤه زيادا أخا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهرة الحجر. وقتله حجر بن عدي وأصحابه فيا ويلا له من حجر وأصحاب حجر. وروي عن الشافعي أنه أسر إلى الربيع أن لا يقبل شهادة أربعة وهم: معاوية عمرو بن العاصي والمغيرة وزياد.

51
وأما قضية المغيرة بن شعبة فقد كانت في سنة سبع عشرة وهي أن المغيرة كان عمر بن الخطاب قد ولاه البصرة وكان في قبالة العلية التي فيها المغيرة بن شعبة علية فيها أربعة وهم أبو بكرة مولى النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه لأمه زياد ابن أبيه ونافع بن كلدة وشبل بن معبد فرفعت الريح الكوة عن العلية فنظروا إلى المغيرة وهو على أم جميل بنت الأرقم بن عامر بن صعصعة وكانت تغشى المغيرة فكتبوا بذلك فعزل المغيرة واستقدمه مع الشهود. فلما قدم إلى عمر شهد أبو بكرة ونافع وشبل على المغيرة بالزنى وأما زياد بن أبيه فلم يفصح بشهادة الزنى فقال: رأيته جالسا بين رجلي امرأة ورأيت رجلين مرتفعتين ونفسا يعلو واستا تربو عن ذكر ولا أعلم ما وراء ذلك. فقال عمر: هل رأيت الميل في المكحلة فقال: لا. فقال: هل تعرف المرأة قال: ولكن أشبهها. فأمر عمر بالثلاثة الذين شهدوا بالزنحها أن)
يحدوا حد القذف فجلدوا. وكان زياد أخا أبي بكرة لأمه فلم يكلمه أبو بكرة بعدها. انتهى ما نقلته عن أخبار البشر. وقال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي: كتاب مثالب العرب أصله لزياد بن أبيه فإنه لما ادعى أبا سفيان أبا علم أن العرب لا تقر له بذلك مع علمهم بنسبه فعمل كتاب المثالب والصق بالعرب كل عيب وعار وباطل وإفك وبهت. ثم ثنى على ذلك الهيثم بن عدي وكان دعيا فأراد أن يعر أهل الشرف تشفيا منهم. ثم جدد ذلك أبو عبيدة معمر بن المثنى وزاد فيه لأن أصله كان يهوديا أسلم جده على يدي بعض آل أبي بكر فانتمى إلى ولاء تيم. ثم نشأ غيلان الشعوبي الوراق وكان زنديقا ثنويا لا يشك فيه فعمل لطاهر ابن الحسين كتابا خارجا عن الإسلام بدأ فيه بمثالب بني هاشم وذكر مناكحهم وأمهاتهم ثم بطون قريش ثم سائر العرب ونسب إليهم كل كذب وزور ووضع عليهم كل إفك وبهتان. ووصله عليه طاهر بثلاثين ألفا.

52
وأما كتاب المثالب والمناقب الذي بأيدي الناس اليوم فإنما هو للنضر بن شميل الحميري وخالد بن سلمة المخزومي وكانا أنسب أهل زمانهما أمرهما هشام بن عبد الملك أن يبينا مثالب العرب ومناقبها وقال لهما ولمن ضم إليهما: دعوا قريشا بما لها وما عليها. فليس لقرشي في ذلك الكتاب ذكر. انتهى. وقوله: طليق الذي نجى إلخ الذي نجاه من الحبس هو معاوية. والدرب بالفتح: باب السكة الواسع والباب الأكبر. ومضيق: فاعل تلاحم. وقوله: لكل أناس خبطة إلخ الخبطة بفتح المعجمة وسكون الباء قال صاحب القاموس: الخبطة: الركمة تصيب من قبل الشتاء والمطر الواسع. وقال: الركمة بالضم: الطين المجموع. وقوله: قضى لك خمخام بفتح الخاءين المعجمتين. وروى ابن قتيبة بحاءين مهملتين.
ويؤخذ مجزوم بلا الناهية وأراد به الدعاء لها بأن لا تؤخذ في طريق وهو عليها. والشماء: العالية المرتفعة مؤنث الأشم. والهوة بالضم: الموضع الهاوي. والردى: الهلاك. وإمام: فاعل أنجاك. والطرق والطروق: الإتيان بالليل وأراد به مطلق الإتيان. وقوله:
* وشريت بردا ليتني
* من بعد برد كنت هامه
* في القاموس: الهامه: طائر من طير الليل وهو الصدى. وقال في صدى: والصدى: طائر يطير بالليل يقفز قفزا. والمشقر كمعظم: حصن

53
قديم. واليمامة: بلاد الجو وأصل اليمامة اسم امرأة وهي جارية زرقاء وكانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام وهي مشهورة سمي الجو باسمها. وبها تنبأ مسيلمة الكذاب وهي عن مكة ست عشرة مرحلة من البصرة وعن الكوفة نحوها.)
وقوله: شجوه مفعول لأجله أي: شجو برد. والشجو: الحزن أي: لشجوها عليه. والبرق معطوف على الريح أي: والبرق يبكي أيضا. وجملة يلمع إلخ حال. قال السيد المرتضى قدس سره في أماليه الغرر والدرر: عطف البرق على الريح ثم أتبعه بقوله: يلمع في الغمامة كأنه قال: والبرق أيضا يبكيه لامعا في غمامه أي: في حال لمعانه. ولو لم يكن البرق معطوفا على الريح في البكاء لم يكن للكلام معنى ولا فائدة. والبيت الأول استشهد به صاحب الكشاف عند قوله تعالى: الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة على أن الشراء يأتي بمعنى البيع كما في البيت يقال: شريت الشيء أشريه شرى وشراء إذا بعته وإذا أخذته أيضا. فهو من الأضداد. وقد عن لي أن أسوق القصيدة هنا فإنها جيدة في بابها. قال:
* أصرمت حبلك من أمامه
* من بعد أيام برامه
*
* ورمقتها فوجدتها
* كالضلع ليس لها استقامة
*

54
* لهفي على الرأي الذي
* كانت عواقبه ندامه
*
* تركي سعيدا ذا الندى
* والبيت ترفعه الدعامة
*
* ليثا إذا شهد الوغى
* ترك الهوى ومضى أمامه
*
* كانوا صديقا قبل ذا
* فألم دهر ذو عرامه
*
* وتبعت عبد بني علا
* ج تلك أشراط القيامة
*
* جاءت به حبشية
* سكاء تحسبها نعامة
*
* من نسوة سود الوج
* ه ترى عليهن الندامة
* وشريت بردا ليتني............ البيتين وبعدهما:
* والعبد يقرع بالعصا
* والحر تكفيه الملامه
*
* والهول يركبه الفتى
* حذر المخازي والملامه
*

55
وقوله: سكاء تحسبها نعامه قال في العباب السكك بفتحتين: صغر الأذن وأذن سكاء أي: صغيرة. يقال: كل سكاء تبيض وكل شرفاء تلد. فالسكاء: التي لا أذن ظاهرة لها. والشرفاء: التي لها أذن ظاهرة. انتهى. والنعام صغير الأذن خلقه. وأنشد بعده
الشاهد التاسع والعشرون بعد الأربعمائة
* فقلت له: لا والذي حج حاتم
* أخونك عهدا إنني غير خوان
* على أنه بتقدير: حج حاتم إليه فحذف إليه. قال أبو علي في الإيضاح الشعري: قوله: لا والذي حج حاتم يحتمل الذي ضربين: إن عنى بالذي الكعبة فذكر على إرادة البيت كما يقولون: والكعبة والبيت والمسجد فالضمير في حج محذوف لأن هذا الفعل متعد يدل على ذلك قوله: فمن حج البيت أو اعتمر. فالمعنى الذي حجه حاتم
. وإن عنى بالذي الله سبحانه فالتقدير لا والذي حج له حاتم فحذف من الصلة. وهذا النحو من الحذف من الصلات قد جاء في الشعر من ذلك قوله:
* ناديت باسم ربيعة بن مكدم
* إن المنوه باسمه الموثوق
* فقال: الموثوق وحذف به. انتهى. وقال ابن جني في إعراب الحماسة: سألني أبو علي مرة عن قوله:

56
* فقلت له لا والذي حج حاتم
* البيت
* فقلت له: يجوز أن يكون أقسم بالله عز وجل أي: والله الذي حج حاتم بيته ثم حذف المضاف فصار حجة ثم حذف الضمير على العادة من الصلة. ويجوز أن يكون الذي مصدرا كقوله تعالى: الذي يبشر الله عباده. وهو شبيه بيتنا هذا. اه. أراد بالبيت المشبه به البيت الذي شرحه وهو:
* رويق إني وما حج الحجيج له
* وما أهل بجنبي نخلة الحرم
* قال: يحتمل ما هنا أوجها: أحدها أن تكون عبارة عن القديم سبحانه على ما حكاه أبو زيد عن العرب من قوله: سبحان ما سخركن لنا وسبحان ما سبح الرعد بحمده وأراد: في ما الثانية له غير أنه حذفها لطول الكلام وتقدم ذكرها مع ما في الأولى. ويجوز أيضا أن يكون ما هنا مصدرا فتكون الهاء في له لله تعالى وإن لم يجر له ذكر لأنه قد جرى ذكر الحج فدلت الطاعة على المطاع سبحانه فكأنه قال: إني وحج الحجيج لله. ويؤكد ذاك أنه لم يعد مع ما الثانية له لأنه غير محتاج إليها من حيث كانت مصدرا وغير محتاجة إلى عائد وقد تقدم له الأولى. ويجوز أيضا أن تكون ما عبارة عن البيت فيقسم بالبيت كقول زهير:

57
* فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله
* رجال بنوه من قريش وجرهم
*)
فإذا كان الأمر كذلك احتملت الهاء في له أمرين: أحدهما: أن تكون للبيت على أن يكون له بمعنى إليه كقوله تعالى: بأن ربك أوحى لها أي: إليها. والآخر أن يكون لله تعالى أي: والبيت الذي حج الحجيج لطاعة الله. وسألني أبو علي مرة عن قوله. إلى آخر ما أوردناه أولا.
فعلم أن كلام الشارح المحق هو أحد تخريجي أبي علي الفارسي على تقدير حمل الذي على الله. ولم يرتضه ابن جني على هذا التقدير بل جعله على تأويل: والله الذي حج بيته حاتم فحذف بيت أولا ثم الضمير العائد تدريجا. وهذا أقيس من كلام أبي علي. والبيت أحد
* مررت على دار امرئ السوء عنده
* ليوث كعيدان بحائط بستان
*
* ومررت على دار امرئ الصدق حوله
* مرابط أفراس وملعب فتيان
*
* فقال مجيبا والذي حج حاتم
* أخونك عهدا إنني غير خوان
* والسوء: بفتح السين وضمها: مصدر أراد به السيئ فأطلق عليه مبالغة. وكذلك الصدق مصدر أطلق على الصادق. ويكون السوء والصدق في القول والفعل. والليوث: جمع ليث وهو الأسد أراد به الشجعان. وقال الجرمي: هو جمع ليثة يقال: ناقة ليثة. انتهى.

58
وفي القاموس: الليثة من الإبل: الشديدة. والعيدان بفتح العين المهملة: النخل الطوال قال الجوهري: والعيدان بالفتح: الطوال من النخل الواحدة عيدانة. هذا إن كان فعلان فهو من هذا الباب فإن كان فيعالا فهو من باب النون. وقوله: بحائط بستان الباء بمعنى في. والحائط البستان والبستان فعلان: الجنة. قال الفراء: عربي. وقال بعضهم: رومي معرب. فإضافة حائط إلى بستان بيانية. وقوله: ومررت على دار إلخ قال الجرمي: الواو زائدة في البيت كأنه عطف بيتا على بيت. وفتيان: جمع فتى. وقوله: أخونك عهدا الخون والخيانة: أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح بتعدى بنفسه إلى مفعول واحد تارة يقال: خان الرجل الأمانة وتارة إلى المفعول الثاني بنفسه وبحرف الجر يقال: خانه العهد وفي العهد. والعهد: الوصية والأمان والموثق والذمة. وقوله: فقال مجيبا فاعل قال ضمير امرئ الصدق ومجيبا حال منه. وقوله والذي الواو للقسم والذي مقسم به. وحج حاتم صلة الذي والعائد محذوف كما تقدم بيانه وجملة: أخونك جواب القسم بتقدير لا النافية كقوله تعالى: تالله تفتؤ تذكر يوسف والكاف مفعول أول وهي مفتوحة لا مكسورة وعهدا مفعول ثان وجملة: إنني غير خوان استئناف بياني. والأبيات لعريان بن سهلة الجرمي وهو شاعر من شعراء الجاهلية. كذا قال أبو زيد في نوادره. والعريان بضم العين)
وسكون الراء المهملتين بعدهما مثناة

59
تحتية وآخره نون. وسهلة بفتح السين المهملة وسكون الهاء بعدها لام وهاء تأنيث. والجرمي: نسبة إلى جرم بفتح الجيم وسكون الراء المهملة. وجرم: بطن من قبيلة طيء وبطن من قبيلة قضاعة أيضا. ولا أعلم إلى أي هذين البطنين. والله أعلم.
وأنشد بعده الشاهد الثلاثون بعد الأربعمائة فسلم على أيهم أفضل هذا عجز وصدره: إذا ما لقيت بني مالك على أن العائد الواقع مبتدأ محذوف والتقدير: أيهم هو أفضل. وفيه روايتان: على أيهم بالبناء على الضم وبه أورده ابن هشام في بحث أي من المغني. وعلى أيهم بإعرابه بالجر وبه أورده أيضا في بحث جملة الصلة من الباب الثاني قال: قرئ: أيهم أشد بالنصب وروي: فسلم على أيهم أفضل بالخفض. وكذلك رواه بالوجهين في شرح الشواهد. وإذا شرطية وما زائدة. وجملة: فسلم جواب الشرط. ومسألة أي خلافية وقد فصلها ابن الأنباري في مسائل الخلاف وكذلك الشارح المحقق بعد الإخبار بالذي.

60
والبيت لم يبلغني قائله. وقال ابن الأنباري: حكاه أبو عمرو الشيباني بضم أيهم عن غسان وهو أحد من تؤخذ عنه اللغة من العرب. انتهى. فغسان قائل البيت. وزعم ابن هشام أنه لرجل من غسان.
والله أعلم. وأنشد بعده
الشاهد الحادي والثلاثون بعد الأربعمائة أنا الذي سمتن أمي حيدره على أن يجوز أن يقال: سمتني والأكثر سمته. وظاهر كلامه أنه غير قبيح. وكذلك كلام صاحب الكشاف وبه استشهد عند قوله تعالى: ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي على جواز كون أبلغكم صفة رسول الله لأن الرسول وقع خبرا عن ضمير المتكلم في لكني فجاز عود ضمير المتكلم عليه كما وقع الموصول في البيت خبرا عن ضمير المتكلم مع أن حق الضمير العائد إلى الموصول الغيبة فكان مقتضى الظاهر في الآية: يبلغكم وفي البيت: سمته. وكذلك ظاهر كلام ابن الشجري في أماليه فإنه تكلم على قول المتنبي:

61
قال: رجل خبر موطئ والجملة بعده صفته والفائدة بها والخبر الموطئ كالزيادة في الكلام.
فلذلك عاد الضميران وهما الياء في مخاطبتي ولم ترني إلى الياء في أنني ولم يعودا على رجل لأن الجملة في الحقيقة خبر عن أنني. ونظيره عود الياء إلى الذي في قول علي رضي الله عنه: أنا الذي سمتن أمي حيدره لما كان المعنى الذي هو أنا في المعنى وليس هذا مما يحمل على الضرورة لأنه وقع في القرآن نحو: بل أنتم قوم تجهلون. ومما جاء في الشعر لغير ضرورة قوله:
* أأكرم من ليلى علي فتبتغي
* به الجاه أم كنت امرأ لا أطيعها
* ولم يقل يطيعها وفاقا لامرئ. فهذا دليل على دليل التنزيل فاعرف هذا وقس عليه نظائره.
انتهى. ولا يخفى أن مبنى كلامه على أن الضرورة ما ليس للشاعر عنه مندوحة. والصحيح أنها ما وقع في الشعر سواء كان عنه مندوحة أم لا. وصريح كلام الإمام المرزوقي أنه قبيح مردود. قال: كان القياس أن يقول سمته حتى يكون في الصلة ما يعود إلى الموصول لكنه لما كان القصد في الإخبار عن نفسه وكان الآخر هو الأول لم يبال برد

62
الضمير على الأول وحمل الكلام على المعنى لأمنه من الإلباس وهو مع ذلك قبيح عند النحويين حتى إن المازني قال: لولا اشتهار مورده وكثرته لرددته. انتهى. والحيدرة: الأسد نقل الحسين الميبذي في شرح ديوان الإمام علي رضي الله عنه عن الحافظ إسماعيل قال: يروى أن أم مرحب كانت كاهنة قالت لابنها: يا بني إني خائفة عليك رجلا يسمي نفسه في الحرب حيدرة فإن سمعت ذلك فلا تبارزه. فلما سمع الرجز أراد الرجوع فمنعته الحمية الجاهلية فقتله علي رضي الله عنه)
والسياق مشعر بأن عليا كان سمع هذا فلهذا قال حيدرة. انتهى. وحمله الجمهور على غير هذا قال ابن قتيبة في غريب الحديث: سألت بعض آل أبي طالب عن قوله: سمتن أمي حيدره فذكر أن أم علي فاطمة بنت أسد ولدت عليا وأبو طالب غائب فسمته أسدا باسم أبيها فلما قدم أبو طالب كره هذا الاسم وسماه عليا فلما كان يوم خيبر ورجز علي ذكر الاسم الذي سمته به أمه فكأنه قال: أنا الأسد. اه. ومثله في صحاح الجوهري. وقال السهيلي في الروض الأنف. في قول علي: سمتن أمي حيدره ثلاثة أقوال ذكرها قاسم بن ثابت. أحدها: أن اسمه في الكتب المتقدمة أسد والأسد هو الحيدرة. الثاني: أن أمه فاطمة بنت أسد حين ولدته كان أبوه غائبا فسمته باسم أبيها

63
أسدا فقدم أبوه فسماه عليا. الثالث: أنه كان لقب بصغره بحيدرة لأن الحيدرة الممتلئ لحما مع عظم بطن وكذلك كان رضي الله عنه ولذلك قال بعض اللصوص حين فر من سجنه الذي كان يسمى نافعا وقيل فيه بالياء أيضا:
* ولو أني مكثت لهم قليلا
* لجروني إلى شيخ بطين
* انتهى. فعلى القولين الأولين يكون من التعبير بالمترادف. قال ابن السيد البطليوسي في شرح أدب الكتاب: أراد أنا الذي سمتني أمي أسدا فلم يمكنه ذكر الأسد من أجل القافية فذكر حيدرة لأنه اسم من أسمائه. وإنما قلنا ذلك لأن أمه لم تسمه حيدرة وإنما سمته أسدا. انتهى. والبيت من رجز لعلي رضي الله عنه قال يوم خيبر. روي أن مرحبا اليهودي خرج يوم خيبر وهو يخطر وعليه مغفر يماني وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه وهو يرتجز ويقول:
* قد علمت خيبر أني مرحب
* شاكي السلاح بطل مجرب
* إذا الليوث أقبلت تلهب فبرز له علي عليه السلام وعليه جبة حمراء قد أخرج خملها وهو يقول:
* أنا الذي سمتن أمي حيدره
* ضرغام آجام وليث قسوره
*
* عبل الذراعين شديد القصره
* كليث غابات كريه المنظره
*
* أضرب بالسيف رقاب الكفرة
* أكيلهم بالسيف كيل السندره
* وروى أيضا:

64
أوفيهم بالصاع كيل السندره وزاد الحسين الميبذي في روايته:
* أضربكم ضربا يبين الفقرة
* وأترك القرن بقاع جزره
*
* أشفي صدري من رؤوس الكفرة
* أقتل منهم سبعة أو عشره
*)
وقد روي أبيات مرحب على غير ما ذكرنا وهي:
* إنا أناس ولدتنا عبهره
* لباسنا الوشي وريط حبره
* أبناء حرب ليس فينا غدره وقال: العبهرة: المرأة الحسناء. والوشي من الثياب معروف. والريطة: الملاءة. والحبرة: البرد اليمني. وغدرة: جمع غادر. والجزرة بفتحتين: اللحم الذي تأكله السباع والجمع جزر يقال: تركوهم جزرا أي: قتلوهم. اه. والسندرة: بفتح السين المهملة وسكون النون قال السهيلي: شجرة يصنع منها مكاييل عظام. وقال ابن السيد البطليوسي: قال ابن قتيبة: في شرح الحديث: السندرة شجرة تعمل منها القسي والنبل فيحتمل أن يكون مكيالا يتخذ من هذه الشجرة يسمى باسمها كما تسمى القوس نبعة باسم الشجرة التي أخذت منها. قال: ويحتمل أن يكون امرأة كانت تكيل وافيا أو رجلا. وذكر أبو عمر المطرز في كتاب الياقوت: أن السندرة امرأة.
انتهى. وفي العباب للصاغاني: السندرة: اسم امرأة كانت تبيع القمح وتوفي الكيل. والسندري: مكيال ضخم كالقنقل والجراف. وقال ثعلب في قول علي رضي الله عنه:

65
* أنا الذي سمتن أمي حيدره
* كليث غابات كريه المنظره
*
* أكيلكم بالسيف كيل السندره
* أطعن بالرمح نحور الكفرة
* لم تختلف الرواة أن هذا الرجز له واختلفوا في السندرة فقال ابن الأعرابي: هي مكيال. أي: أقتلكم قتلا واسعا كثيرا. وقال غيره: هي امرأة كانت توفي الكيل. أي: أقتلكم قتلا وافيا.
انتهى. والضرغام والليث بمعنى الأسد. والآجام والغابات: جمع الأجمة والغابة وهما الشجر الكثيف الملتف أو القصب مثله يكونان مأوى الأسد إشارة إلى فرط قوته ومنعة جانبه حيث لم يكتف بأجمة بل حمى آجاما وغابات. وليث الأول مضاف إلى قسورة والقسورة هنا أول الليل ذكر هذا المعنى صاحب العباب. ويأتي بمعنى الأسد أيضا وهو من القس لأنه يأخذ فريسته قهرا وغلبة ويجوز على هذا أن يقرأ بتنوين ليت فيكون قسورة وصفا له.
والقصورة لغة في القسورة وفسره شارح الديوان برامي السهم وفي التنزيل: فرت من قسورة.
قيل من أسد. وقال ابن عباس: القسورة: ركز الناس وحسهم. وقال غيره: هم الرماة الذين يتصيدونها. وقال: المعنى كأنهم حمر نفرها من يقسرها برمي أو صيد أو غير ذلك. والعبل بفتح العين المهملة مسكون الموحدة: الضخم. والقصرة بفتح القاف والصاد المهملة. أصل)
العنق. ورواه أبو عمرو الشيباني: كليث غابات غليظ القصره وأخطأ شارح الديوان بتفسيره إياه بأصل الأذن. والفقرة بكسر الفاء وفتح القاف: جمع فقرة بسكون القاف وهي خرزة الظهر. والفقارة بالفتح أيضا هي خرزة الظهر. والقرن بكسر القاف وسكون الراء وهو المقاوم في قتال

66
أو علم أو غيرهما. وقول مرحب: شاكي السلاح قال صاحب المصباح: الشوكة: شدة البأس والقوة في السلاح. وشاك الرجل يشاك شوكا من باب خاف: ظهرت شوكته وحدته. وهو شائك السلاح وشاكي السلاح على القلب. وفي سيرة ابن سيد الناس أن مرحبا لما رجز: قد علمت خيبر أني مرحب أجابه كعب بن مالك شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم:
* قد علمت خيبر أني كعب
* مفرج الغما جريء صلب
* في أبيات. وهذا هو الصحيح فإن أجوبة الأرجاز في الحرب إنما هي على القافية فيكون رجز علي رضي الله عنه جوابا عن قول مرحب: إنا أناس ولدتنا عبهرة كما رواه حسين الميبذي. ولم يذكر الشامي هذا في سيرته وذكر في قتل مرحب روايات مختلفة. وخيبر: اسم ولاية مشتملة على حصون ومزارع ونخل كثير على ثلاثة أيام من المدينة على يسار الحاج الشامي سميت باسم أول من نزلها وهو خيبر أخو يثرب ابنا أخي عاد.
وكانت غزوة خيبر في آخر السنة السادسة من الهجرة قبل فتح مكة شرفها الله تعالى فإن فتحها كان في سنة ثمان من الهجرة.

67
واعلم أن العلماء قد اختلفوا في الشعر المنسوب إلى علي رضي الله عنه قال المازني: إنه لم يصح أنه عليه السلام تكلم بشي من الشعر غير هذين البيتين. وصوبه الزمخشري وهما:
* تلكم قريش تمناني لتقتلني
* فلا وربك ما بروا ولا ظفروا
*
* فإن هلكت فرهن ذمتي لهم
* بذات ودقين لا يعفو لها أثر
* كذا قال صاحب القاموس. وفسر ذات ودقين بالداهية قال: كأنها ذات وجهين. و ودقين بفتح الواو وسكون الدال وفتح القاف. ويرد على المازني والزمخشري ما نقلناه آنفا عن ثعلب من كون)
الرواة لم يختلفوا في الرجز الذي منه البيت الشاهد أنه له عليه السلام ويؤيده أنه مذكور في جميع كتب السير والمغازي. وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه قال ابن حجر قي الإصابة: هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأبو الحسن وأول الناس إسلاما في قول الكثير من أهل العلم ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح فربي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الحديث. وزوجه بنته فاطمة وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد. ولما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه قال له: أنت أخي.
ومناقبه كثيرة حتى قال الإمام أحمد: لم ينقل لأحد من الصحابة ما نقل لعلي. وقال غيره: وكان سبب ذلك تنقيص بني أمية له فكان كل من كان عنده علم من مناقبه من الصحابة يبثه وكلما أرادوا إخماده وهددوا من حدث بمناقبه لا يزداد إلا انتشارا.

68
ومن خصائص علي رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه. فلما أصبح صلى الله عليه وسلم غدوا كلهم يرجو أن يعطاها فقال صلى الله عليه وسلم: أين علي بن أبي طالب فقالوا يشتكي عينيه. فأتى به فبصق في عينيه ودعا له وأعطاه الراية. أخرجاه في الصحيحين. وبعثه لقراءة براءة على قريش وقال: لا يذهب إلا رجل مني وأنا منه. وقال لبني عمه: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة فقال علي: أنا. فقال: إنه ولي في الدنيا والآخرة وأخذ رداءه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين وقال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت. ولبس ثيابه ونام مكانه. وكان المشركون قصدوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبحوا رأوه قالوا: أين صاحبك وقال له في غزوة تبوك: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي أي: لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي.
وقال له: أنت ولي كل مؤمن بعدي. وسد الأبواب إلا باب علي فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره. وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. وأخرج الترمذي بإسناد قوي عن عمران بن حصين في قصة قال فيها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يريدون من علي إن عليا مني وأنا من علي وهو ولي كل مؤمن بعدي. واستشهد في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة. ومدة خلافته خمس سنين إلا ثلاثة اشهر ونصف شهر. انتهى كلام الإصابة مختصرا. ومناقبه العديدة وسيره الحميدة لا يحتملها هذا المختصر. وقد ألف)
العلماء فيها تآليف عديدة لا تعد ولا تحصى.

69
وأنشد بعده الشاهد الثاني والثلاثون بعد الأربعمائة القاتلي أنت أنا وهذا بعض بيت وضعه بعض النحاة للتعليم كما في سفر السعادة وهو:
* كيف يخفى عنك ما حل بنا
* أنا أنت القاتلي أنت أنا
* وروي أيضا: أنا أنت الضاربي أنت أنا واقتصر الشارح المحقق على هذا القدر لتعلق غرضه به ولم يورده بتمامه لشهرته وخطأ قائله فإنه كان يجب أن يقول: القاتله بالهاء لا بالياء ليكون التقدير: الذي قتلته أنا. لأن أل في القاتل اسم موصول بمعنى الذي وحق العائد أن يكون بضمير الغائب لا بضمير المتكلم لئلا يصير الإخبار لغوا إذ التقدير: الذي قتلني فيصير من قبيل الذي ضربت أنا. وقد ذكر أنه لا يجوز الحمل على المعنى. قال ابن السراج في الأصول: لا يجوز الذي ضربتك أنت ولا الذي ضربتني أنا. فإن قدمت نفسك قبل الذي قلت: أنا الذي ضربتك وأنا الذي ضربتني. قال أبو عثمان المازني: ولولا أن هذا حكي عن العرب الموثوق بعربيتهم رددناه لفساده. ومما جاء في الشعر في صلة الذي محمولا على معناه لا لفظه قوله:
* وأنا الذي قتلت بكرا بالقنا
* وتركت تغلب غير ذات سنام
*

70
ولو حمل على لفظه لقال قتل. وليس كل كلام يحتمل أن يحمل على المعنى. انتهى. وقد جوزه أبو ذر مصعب بن أبي بكر الخشني حكاه عنه أبو حيان في الارتشاف قال: يجيز عودة ضمير مطابقا للخبر في الخطاب والتكلم بحمله على المعنى. قال: ورد عليه بأنه يلزم منه أن تكون فائدة الخبر حاصلة في المبتدأ. وذلك خطأ. وقال ناظر الجيش في شرح التسهيل: المبتدأ يخبر عنه مظهرا كان أو مضمرا بمتكلم أو مخاطب أو غائب فيقال في الإخبار عن هو من قولك: هو قائم هو وفي الإخبار عنه إذا كان لمتكلم أو مخاطب خلاف والأصح الجواز. والضمير الذي يأتي به خلفا يكون ضمير غيبة. وأجاز الكسائي: الذي أنا قائم أنا والذي أنت قائم أنت.
والكسائي نظر إلى المعنى. ولا شك أن هذه المسألة نقلت إلى مسالة أنت الذي قام وأنا الذي قام حيث يجوز فيها. أنت الذي قمت وأنا الذي قمت ولكن شرط مراعاة المعنى في هذه)
المسألة تقدم الضمير على الاسم الموصول فلو تقدم الموصول على الضمير لم يجز مراعاة المعنى إلا عند الكسائي ومن ثم أجاز: الذي أنا قائم أنا والذي أنت قائم أنت. انتهى. وإذا وقفت على هذا علمت أن ما رده الشارح المحقق وأبو حيان ليس بوجه لأنه قول لإمام الكوفيين وغيره فناظم البيت تابع لهما. غايته أنه مخالف لقول الجمهور. وقد أعرب هذا المصراع بوجهين أبو محمد عبد الرحمن الشهير بابن بري كما نقله عنه صاحب سفر السعادة قال: أحد الوجهين أن تجعل الألف واللام ل أنا والفعل ل أنت. فأنا على هذا مبتدأ وأنت مبتدأ ثان والقاتلي مبتدأ ثالث لأنه غير أنت إذا الألف واللام لأنا.

71
والعائد على الألف واللام الياء في القاتلي لأنها أنا في المعنى وأنت فاعل بالقاتلي أبرز لما جرى الوصف على غير من هو له إذ الألف واللام لأنا والفعل لأنت فأنا على هذا مبتدأ وأنت مبتدأ ثان والقاتلي خبر أنت ولا يبرز الضمير فيه لأنه جرى على من هو له ويكون الكلام قد تم عند قوله القاتلي ويكون أنت أنا على طريق المطابقة للأول ليكون آخر الكلام دالا وجاريا على أوله. ألا تراه قال في أول الكلام: أنا أنت ولهذا قال في آخره: أنت أنا أي: كيف أشكو ما حل بي منك وأنا أنت وأنت أنا فإذا شكوتك فكأنما أشكو نفسي. قال: ولو جعلت الألف واللام والفعل في هذه المسألة لأنا لقلت: أنا أنت القاتلك أنا فأنا مبتدأ وأنت مبتدأ ثان والقاتلك مبتدأ ثالث لأنه غير أنت وفيه ضمير يعود على الألف واللام التي هي أنا في المعنى. ولم يبرز الضمير الذي في القاتلك. والقاتلك وخبره خبر أنت وأنت وخبره خبر أنا. اه. وقد أورد أبو حيان هذا البيت في تذكرته واقتصر في إعرابه على الوجه الأول من وجهي قول ابن بري قال: أنا الأول مبتدأ وأنت الأول مبتدأ ثان والألف واللام لأنا وقاتلي لأنت. فقد جرى اسم الفاعل صلة على الألف واللام التي هي أنا فأبرز ضميره وهو أنت. فأنت يرتفع بقاتلي وأنا خبر عن الألف واللام وهي وما بعدها خبر عن أنت الأول وهو وما بعده خبر عن أنا الأول والعائد إلى أنا الأول أنا الثاني والياء في القاتلي عائدة على الألف واللام. انتهى. وقد أجاب بالوجه الأول نظما أبو بكر بن عمر بن إبراهيم بن دعاس الفارسي فإنه سأله بعضهم عنه بقوله:
* أيها الفاضل فينا أفتنا
* وأزل عنا بفتواك العنا
*

72
* كيف إعراب نحاة النحو في:
* أنا أنت الضاربي أنت أنا
* فأجابه بقوله:)
* أنا أنت الضاربي مبتدأ
* فاعتبرها يا إماما لسنا
*
* ثم إن الضاربي أنت أنا
* خبر عن أنت ما فيه انثنا
*
* وأنا الجملة عنه خبر
* وهي من أنت إلى أنت أنا
* وأبو بكر هذا كان فقيها حنفيا أديبا شاعرا نال من إمام اليمن المظفر حظوة حتى اختص به ثم طرده لإدلال تكرر منه من تعز إلى زبيد فمات بها في جمادى الآخرة سنة سبع وستين وستمائة. وكان أهل زبيد ينسبونه إلى سرقة الشعر ويقولون: إذا حوسب الشعراء يوم القيامة يؤتى بابن دعاس فيقول: هذا البيت لفلان وهذا المصراع لفلان وهذا المعنى لفلان. فيخرج بريئا. كذا في معجم النحويين للسيوطي. وأما أبو محمد ابن بري فهو عبد الرحمن بن بري بن عبد الجبار المقدسي المصري الشافعي النحوي اللغوي كان قيما بهما وبالشواهد ثقة. قرأ عليه الجزولي. وصنف الرد على ابن الخشاب في رده على الحريري في مقاماته وكتاب الرد على درة الغواص للحريري وحواشي على صحاح الجوهري. قال الصفدي: لم يكملها بل وصل إلى وقش وهو ربع الكتاب فأكملها الشيخ عبد الرحمن بن محمد البسطي. مات في ليلة السبت السابعة والعشرين من شوال سنة ثنتين وثمانين وخمسمائة. وأقرأ كتاب سيبويه وتصدر بجامع عمرو.

73
وكان مع غزارة علمه ودقة فهمه ذا غفلة وبلاهة تحكى عنه حكايات عجيبة. كذا في معجم النحويين للسيوطي. وبري بفتح الموحدة وتشديد الراء والياء وهكذا ضبطه ابن حجر في مشتبه النسبة. وأما مصعب الخشني فهو محمد بن مسعود الخشني الأندلسي الجياني كان أحد الأئمة المتقنين وأحد المعتمدين في الفقه والأدب إماما في العربية جال الأندلس في طلب العلم. وروى عن ابن قرقول وابن بشكوال وعبد الحق الإشبيلي وأجاز له السلفي وولي قضاء بلده. ولم يكن في وقته أتم وقارا ولا أحسن سمتا منه. واتفقوا على أنه لم يكن في وقته أضبط منه ولا أتقن في جميع علومه حفظا وقلما. وكان نقادا للشعر مطلق العنان في معرفة أخبار العرب وأيامها وأشعارها ولغاتها متقدما في كل ذلك. والخشني بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين وبالنون: نسبة إلى خشين كقريش: قرية بالأندلس وقبيلة من قضاعة وهو خشين بن النمر بن وبرة بن تغلب بن عمران بن حلوان بن الحاف بن قضاعة. كذا في معجم النحويين للسيوطي. وأما صاحب سفر السعادة فهو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد الهمداني الملقب علم الدين السخاوي من سخى إحدى بلاد مصر من إقليم المحلة. كان فقيها شافعيا)
إماما في القراءات والتفسير والنحو.

74
وصنف تصانيف كثيرة منها: شرح الشاطبية. وتفسير القرآن في أربعه مجلدات. وشرح المفصل شرحين. وسفر السعادة وسفير الإفادة. وشرح أحاجي الزمخشري النحوية وغير ذلك. وكان مولده سنة ثمان أو تسع وخمسين وخمسمائة ومات بدمشق ليلة الأحد ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة بمنزله بالتربة الصالحية الشاهد الثالث والثلاثون بعد الأربعمائة
* من النفر اللائي الذين إذا اعتزوا
* وهاب الرجال حلقة الباب قعقعوا
* على أنه من باب التكرير اللفظي كأنه قال: من النفر اللائي اللائي. على أنه قد رواه الرواة: من النفر الشم الذين. قال ابن السراج في الأصول: العرب لا تجمع بين الذي والذي ولا ما كان في معنى الذي. وأما ذلك فشئ قاسه النحويون ليتدرب به المتعلمون. وكذا يقول البغداديون الذين على مذهب الكوفيين يقولون: إنه ليس من كلام العرب ويذكرون أنه إذا اختلف جاز.

75
وينشدون:
* من النفر اللائي الذين إذا هم
* يهاب اللئام حلقه الباب قعقعوا
* قالوا: فهذا جاء على إلغاء أحدهما. وهذا البيت قد رواه الرواة ولم يجمعوا بين اللائي واللذين. ويقولون على هذا: مررت بالذي ذو قال ذاك على الإلغاء. وهذا عندي أقبح لأن الذي يجعل ذو في معنى الذي: طيء فكيف يجمع بين اللغتين. ولا يجيزون الذي من قام زيد على اللغو ويحتجون بأن من تكون معرفة ونكرة ويجيزون بالذي القائم أبوه على أن يجعل الألف واللام للذي وما عاد من الأب على الألف واللام وبخفض القائم يتبع الذي. وهذا عندنا غير جائز لأن الذي لا بد لها من صلة توضحها فمتى حذفت الصلة في كلامهم فإنما ذاك لأنه قد علم. وإذا حذفت الصلة وهي التي توضحه ولا معنى له إلا بها كان حذف الصفة أولى فكيف تحذف الصلة وتترك الصفة. اه. وجميع ما أورده الشارح المحقق هنا من مسائل الإخبار عن الذي فهو من الأصول وهي بالنسبة إلى ما فيه قليل من كثير. وقد أورد البيت الفراء في سورة الذاريات من تفسيره عند قوله تعالى: إنه لحق مثل ما تنطقون. قال: قد يقول القائل: كيف اجتمعت ما وإن وقد يكتفي بإحداهما عن الأخرى فوجهه أن العرب تجمع بين الشيئين من الأسماء والأدوات إذا اختلف لفظهما. فمن الأسماء قول الشاعر:
* من النفر اللائي الذين إذا هم
* البيت
*)
فجمع بين اللائي والذين وأحدهما يجزئ من الآخر. انتهى كلامه.

76
وأورده أبو علي أيضا في إيضاح الشعر في موضعين قال في الموضع الأول: أعلم أنه لا يجوز أن يكون الذين صلة اللائي كقولك: الذي الذي في داره زيد عمرو لأنه ليس في ظاهر صلة الذين ما يرجع إلى اللائي. وقد جاء في التنزيل وصل الموصول بالموصول على ما يحمل النحويون عليه مسائل هذا الباب. زعموا أن بعض القراء قرأ: فاستغاثه الذي من شيعته. وقال في الموضع الثاني: فأما قوله من النفر اللائي الذين فإن اللائي وإن لم يعد عليه ذكر من اللفظ فإنه يجوز أن يكون حذف الراجع من الصلة كأنه قال: اللائي هم الذين. ويجوز أن يكون حذف الصلة لأن صلة الموصول بعده تدل
* من اللواتي والتي واللاتي
* زعمن أني كبرت لداتي
* فلم يأت للموصولين الأولين بصلة. ويجوز فيه وجه آخر وهو أن البغداديين قد أجازوا في هذه الموصولة من نحو الذين أن يوصف ولا يوصل كإجازة الجميع ذلك في من و ما. وقد أنشد أبو عثمان عن الأصمعي:
* حتى إذا كانا هما اللذين
* مثل الجديلين المحملجين
* واللاتي واللائي من الأسماء الموصولة وهما يقعان على المؤنث ولم نعلم اللاتي استعملت في المذكر.

77
فأما اللائي فقد استعمل في المذكر قال:
* ألما تعجبي وتري بطيطا
* من اللائين في الحقب الخوالي
* ولو كان يختص بالمؤنث لم يجمع بالواو والنون. ويدل على تذكير اللائي أيضا قوله: من النفر اللائي الذين ألا ترى أنه جعله وصفا للنفر والنفر مذكر. وأما هم في البيت فإنه يرتفع بمضمر يفسره قعقعوا والشرط قعقعوا المتأخر والتقدير: إذا أظهرت المضمر الذي ارتفع عليه الضمير: إذا قعقعوا قعقعوا لأن الضمير يتصل بالفعل المضمر إذا أظهرته ولا يجوز أن يكون الشرط يهاب لأنه لا يجوز أن يفسر ما ارتفع عليه هم وإنما يفسره قوله قعقعوا. والتقدير: إذا قعقعوا حلقة الباب هاب اللئام دقها لأنهم ليسوا على ثقة من الإذن لهم كما يثق هؤلاء النفر الرؤساء بأنهم يؤذن لهم. فقعقعوا وإن كان مؤخرا في اللفظ فهو مقدم في التقدير بدلالة أنه لا يخلو من أن تجعل الشرط إذا يهاب أو إذا قعقعوا. فلا يجوز الأول لأنه لا يفسر ما ارتفع عليه كما يفسره قعقعوا. ألا ترى أنه مشتغل بظاهر وإذا كان كذلك لم يجز من جهة اللفظ إن لم يمتنع من جهة المعنى أن تقول: إذا هاب اللئام دق الحلقة دقها الكرام. فأما صلة الموصول بإذا مع أن الذين)
يعنى بهم أعيان ولا يجوز الذي يوم الجمعة زيد كما يجوز الذي يوم الجمعة القتال فإن الكلام محمول على المعنى كأنه قال: الذين إن قعقعوا يهاب اللئام فلذلك جاز. وهذا يدل على جواز ما أجازه سيبويه من قوله: زيد إذا أتاني أضرب وأنه لا يكون بمنزلة زيد يوم الجمعة ولا زيد غدا. وعلى هذا قول أوس:

78
* فقومي وأعدائي يظنون أنني
* متى أحدثوا أمثالهم أتكلم
* مع أنه لا يجوز علمت أن زيدا يوم الجمعة. فأما قوله: إذا يهاب فجاء بالمضارع بعد إذا وأكثر ما يجيء في الاستعمال الماضي فإن الأصل المضارع. ألا ترى أنه يراد به الآتي فإذا جاء به على الأصل كان حسنا كقوله: إذا يراح اقشعر الكشح والعضد انتهى كلام أبي علي. وقوله: إذا اعتزوا في رواية الشارح المحقق بمعنى إذا انتسبوا. وروى أيضا: إذا انتموا من الانتماء بمعنى الانتساب. والشم بالضم: جمع أشم وهو الذي به شمم أي: كبر ونخوة وأصله ارتفاع الأنف وهو من صفة العظماء. وأورد هذا البيت بمفرده أبو علي القالي في ذيل أماليه كذا:
* من النفر البيض الذين إذا انتموا
* وهاب اللئام... إلخ
* وقال: البيض: السادة الذين لا عيب فيهم يقدمون على أبواب الملوك بأحسابهم ومواضعهم وكبر أنفسهم ويهابها اللئام لخمولهم وقصور هممهم. انتهى. وجميع من روى هذا البيت رواه: من النفر البيض الذين أو من النفر الشم الذين. ولم أر من رواه: من النفر اللائي الذين إلا النحويين.

79
والنفر: اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة. ولا واحد له من لفظها. كذا في النهاية. وإنما أطلقه الشاعر هنا على الكرام إشارة إلى أنهم ذوو عدد قليل. واللئام: جمع لئيم وهو الشحيح والدنيء النفس والمهين. واللؤم: ضد الكرم.
وروى بدله: الرجال. وحلقة الباب وحلقة القوم وهم الذين يجتمعون مستديرين كلتاهما بسكون اللام. وأما الحلقة بفتح اللام فهو جمع حالق. وقعقعوا بمعنى ضربوا الحلقة على الباب لتصوت. والقعقعة: حكاية صوت الحلقة على الباب ونحوها. وهذا البيت وقع في شعرين: أحدهما: ما رواه أبو سعيد السكري في كتاب اللصوص
قال: أخبرني رفيع بن سلمة عن أبي عبيدة وقال: زعم النقري أن أبا الربيس الثعلبي من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان سرق ناقة كان)
عبد الرحمن بن جعفر بن أبي طالب صنعها وعلفها فسرقها أبو الربيس وقال:
* هل تبلغينها إذا ما طلبتها
* غدا وانجلى عني الغطاء المقنع
*
* قصيرة فضل النسعتين إذا رمى
* بها الرعلة الأولى الزميل المزعزع
*
* مطية بطال لدن شب همه
* قمار الكعاب والطلاء المشعشع
*
* من النفر البيض الذين إذا انتموا
* وهاب الرجال حلقة الباب قعقعوا
*
* إذا النفر السود اليمانون نمنموا
* له حوك برديه أجادوا وأوسعوا
*

80
قوله: قصيرة فضل النسعتين بكسر النون. يريد أنها تستوفي نسوعها أي سيورها لعظمها وسعة جوفها. والرعلة بالفتح: القطعة المتقدمة. والزميل: الردف. والمزعزع: الذي يزعزعه السير. قال: فلما قال أبو الربيس هذا الشعر ومدح به صاحب الناقة ادعت فتيان قريش كلهم الناقة وإنما كانت لعبد الله. قال: فعمد رجل من الموالي إلى نجيبة فصنعها وعلفها وجعلها في مواضع تلك الناقة رجاء أن يسرقها أبو الربيس فيمدحه فمر بها أبو الربيس فطردها وقال: قال أبو عبيدة: بل قال هذه الجون المحرزي:
* نجيبة عبد دانها القت والنوى
* بيثرب حتى نيها متظاهر
*
* فمثلك أو خيرا تركت رذية
* تقلب عينها إذا طار طائر
* دانها أي: عودها من الدين بالكسر وهو العادة. والني بفتح النون وتشديد الياء: الشحم.
وألقت بفتح القاف وتشديد المثناة الفوقية: الفصفصة إذا يبست. وقال الأزهري: حب بري لا ينبته الآدمي فإذا كان عام قحط وفقد أهل البادية ما يقتاتون به من لبن وتمر ونحوه دقوه وطبخوه واجتزؤوا به على ما فيه من الخشونة. وقوله: سنامك مدموم رواه أبو عبيد: سنامك ملموم أي: مجتمع. وفطر نابه إذا طلع. يقول: تقلب عينيها خوفا من الطائر يقع على دبرها فيأكلها لأنها دبرت. رذية: قد أرذاها وأدبرها.

81
وفي الصحاح: الرذية: الناقة المهزولة من السير.
وقال أبو زيد: هي المتروكة التي حسرها السفر لا تقدر أن تلحق بالركاب. والذكر رذي وقد أرذيت ناقتي إذا هزلتها وخلفتها وقوله: مطية بطال إلخ يمدح عبد الله بن جعفر. يقول: هي مطية شجاع همه اقتناء المعالي من يوم كبر وترعرع. والقمار: المقامرة. والكعاب بالكسر: جمع كعب. والطلاء بالكسر: الخمر. والمشعشع: الممزوج بالماء. وهذان مدح عند العرب. وقوله: من النفر البيض من ابتدائية أو تبعيضية. يقول: ذلك البطال من النفر البيض. وأما الشعر الثاني)
فقد رواه جماعة منهم الجاحظ رواه في كتاب البيان والتبيين قال: كان أسيلم بن الأحنف الأسدي ذا بيان وأدب وعقل وجاه. وهو الذي يقول فيه الشاعر:
* من النفر البيض الذين إذا انتموا
* وهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا
*
* جلا الأذفر الأحوى من المسك فرقه
* وطيب الدهان رأسه فهو أنزع
*
* إذا النفر السود اليمانون حاولوا
* له حوك برديه أرقوا وأوسعوا
* وهذا الشعر من أشعار الحفظ والمذاكرة. اه. وقال المبرد في الكامل وتبعه صاحب كتاب فضائل الشعر: قال عبد الملك بن مروان لأسيلم بن الأحنف الأسدي: ما أحسن ما مدحت به فاستعفاه فأبى أن يعفيه وهو معه على سرير فلما أبى إلا أن يخبره قال: هو القائل:

82
* ألا أيها الركب المخبون هل لكم
* بسيد أهل الشام تحبوا وترجعوا
*
* من النفر البيض الذين إذا اعتزوا
* وهاب الرجال حلقة الباب قعقعوا
*
* إذا النفر السود اليمانون نمنموا
* له حوك برديه أجادوا وأوسعوا
*
* جلا المسك والحمام والبيض كالدمى
* وفرق المداري رأسه فهو أنزع
* فقال له عبد الملك: ما قال أخو الأوس أحسن مما قيل لك. اه. أراد بقول أخي الأوس وهو أبو قيس بن الأسلت قوله:
* قد حصت البيضة رأسي فما
* أطعم نوما غير تهجاع
*
* أسعى على جل بني مالك
* كل امرئ في شأنه ساعي
* واختلف في إسلام ابن الأسلت فقال العسكري: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلم.
وقال المرزباني: كان قد غضب من عبد الرحمن بن أبي فحلف لا يسلم شهرا فمات قبل ذلك فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليه وهو يموت: قل لا إله إلا الله أشفع لك يوم القيامة فسمع يقولها. وهو من سادات الأنصار وشعرائهم وفرسانهم. وقد تقدمت ترجمته في الشاهد السابع والثلاثين بعد المائتين.

83
والمخبون: المسرعون ونمنموا: زخرفوا يقال: نمنم الشيء نمنمة إذا رقشه وزخرفه وثوب منمنم أي: موشى. والبيض: النساء الحسان. والدمى: جمع دمية وهي الصورة الحسنة. وفرق المداري بالرفع عطفا على المسك. والمداري: الأمشاط.
والأنزع: الذي انحسر الشعر عن جانبي جبهته. والأصلع: الذي انحسر الشعر عن مقدم رأسه.
وقوله: قد حصت البيضة رأسي إلخ البيضة بالفتح: ما يلبس على الرأس من الحديد في)
الحرب. وحصت البيضة رأسه بمهملتين أي: قللت شعره. يقال: رجل أحص بين الحصص أي: قليل شعر الرأس. وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد: قال عبد الملك بن مروان لأسيلم بن الأحنف الأسدي: ما أحسن شي ء مدحت به قال: قول الشاعر. وروى ما رواه الجاحظ من الأبيات. ثم قال: وقال عبد الملك: أحسن من هذا قول أبي قيس بن الأسلت. وأنشد البيتين.
وقال الزبير بن البكار في أنساب قريش وتبعه الدارقطني في كتاب المختلف والمؤتلف: إن أبا
* جميل المحيا واضح اللون لم يطأ
* بحزن ولم تألم له النكب أصبع
*
* من النفر الشم الذين إذا انتدوا
* وهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا
*
* إذا النفر الأدم اليمانون نمنموا
* له حوك برديه أرقوا وأوسعوا
*
* جلا الغسل والحمام والبيض كالدمى
* وطيب الدهان رأسه فهو أصلع
*

84
والحزن بفتح المهملة وسكون المعجمة: ما غلظ من الأرض. والنكب منصوب بنزع الخافض أي: بنكب وهو مصدر نكب كنانته نكبا إذا كبها. يريد أنه رئيس لا يمشي ولا يحمل سلاحه بل يحمله خدمه. وانتدوا بمعنى حضروا الندي وهو المجلس. والأدم: جمع آدم بمعنى الأسمر من الأدمة وهي السمرة. والغسل بالكسر: ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره. وأبو الربيس: شاعر إسلامي. قال الأمير أبو نصر بن ماكولا: هو بضم الراء وفتح الباء الموحدة بعدها مثناة تحتية بعدها سين مهملة. وهو أبو الربيس الثعلبي واسمه عباد بن طهفة بكسر الطاء. ولم يذكر صاحب الجمهرة طهفة في نسبه وإنما قال: أبو الربيس الشاعر هو عباد بن عباس بن عوف بن عبد الله بن أسد بن ناشب بن سبد بضم ففتح ابن رزام بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان. وأنشد بعده: لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا

85
على أن الظاهر الواقع موقع الضمير يفيد التفخيم والأصل: لا أرى الموت يسبقه شيء فلم يضمر للتفخيم. وقد تقدم أن الشارح المحقق أورده في الشاهد الستين من باب المبتدأ أن إعادة الموت هنا ظاهرا غير مفيد للتفخيم. وقد ذكرناه هناك مفصلا فليرجع إليه. وأنشد بعده: أنا الذي سمتن أمي حيدره تقدم الكلام عليه قتله ببيتين. وأنشد بعده:)
القاتلي أنت أنا هو من بيت وهو:
* كيف يخفى عنك ما حل بنا
* أنا أنت الضاربي أنت أنا
* وتقدم الكلام عليه قبله ببيت. وأنشد بعده:
* إلى الملك القرم وابن الهمام
* وليث الكتيبة والمزدحم
*

86
تقدم شرحه في الشاهد الخامس والسبعين. وأنشد بعده الشاهد الرابع والثلاثون بعد الأربعمائة وهو من شواهد س: على أن ما الاستفهامية يدخلها معنى التحقير كما هنا وكذلك قوله ويب أبيك وفيه معنى التحقير والتصغير. وهذا عجز وصدره: يا زبرقان أخا بني خلف واستشهد بالبيت سيبويه على أنه عطف الفخر على أنت مع ما فيه من معنى مع وامتناع النصب إذ ليس قبله فعل ينفذ إليه فينصبه. وأورده صاحب الكشاف في آخر المائدة من تفسيره عند قوله تعالى: يا عيسى بن مريم قال: إذا قلت يا زيد أخا تميم أو قلت: يا زيد ابن الرجل الصالح رفعت الأول ونصبت الثاني كما في البيت. ألا أنه روى المصراع الثاني: ما أنت ويل أبيك باللام.
ونقل بعضهم عنه أنه قال أصل ويل: وي زيد عليها لام الجر فأن كان بعدها مكني فتحت لأمه كويلك وويله. وأن كان ظاهرا جاز فتح اللام وكسرها.

87
وذكر أنهم أنشدوا قوله: ما أنت ويل أبيك والفخر البيت بكسر اللام وفتحها فالكسر على الأصل والفتح لجعلها مخلوطة بوي كما قالوا: يا لتيم ثم كثرت في الكلام فأدخلوا لاما فقالوا: ويل لك. قال السيرافي: ولو كان كما قال قالوا ويل لك بالتنوين والضم فأن قال: توهموا أنها أصلية فنونوها وزادوا بعدها لاما فبعيد جدا. وقال الصاغاني في العباب: ويب كلمة مثل ويل تقول: ويبك وويب زيد وويب أبيك. وزاد أبو عمرو: ويبا له وويب له وويبه وويب غيره. وزاد الفراء: ويبك وويب بك بالكسر فيهما.
ومعنى هذه الكلمة ألزمه الله ويلا. نصب نصب المصادر. فأن جئت باللام قلت: ويب لزيد.)
فالرفع على الابتداء أجود من النصب والنصب مع الإضافة أجود من الرفع. وقيل أنهم قالوا ذلك لقبح استعمال الويل عندهم. اه. وقوله: ويب أبيك معناه ألزمك الله هلاك أبيك أي: فقدته. وهو اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه. وقوله: يا زبرقان إلخ الزبرقان هو صحابي. وهو الزبرقان بن بدر واسمه حصين بالتصغير. وقد تقدمت ترجمته في الشاهد الرابع والتسعين بعد المائة. يقال: يا أخا العرب يراد: يا واحدا منهم جعله واحدا من قومه وقصده تحقيره وقيل للاحتراز عن الزبرقان الفزاري. وبنو خلف: رهط الزبرقان بن بدر وخلف جده الأعلى لأنه الزبرقان بن بدر بن امرئ القيس بن خلف بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. والبيت للمخبل السعدي وهو ابن عم الزبرقان هجا به ابن عمه وبعده:
* هل أنت إلا في بني خلف
* كالإسكتين علاهما البظر
*

88
والإسكتان بكسر الهمزة: ناحيتا فرج المرأة. والبظر بفتح الهمزة: هنة بين شفري فرجها.
وامرأة بظراء: لم تختن. شبه قومه وهم حوله بالإسكتين حول البظر وشبه إذا اجتمعوا حوله بالبظر بين الإسكتين. والمخبل بفتح الباء المشددة في الأصل اسم مفعول من خبله تخبيلا أي: أفسد عقله. ورجل مخبل كأنه قطعت أطرافه. واسمه ربيع بن ربيعة بن عوف بن قتال بن أنف الناقة: وقتال بكسر القاف بعدها مثناة فوقية بعدها لام. كذا في مختصر أنساب الكلبي. وقال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي: المخبل لقب وهو ربيعة بن مالك بن ربيعة بن عوف أحد بني أنف الناقة واسمه جعفر بن قريع بن عوف بن سعد بن زيد مناة بن تميم. هذا قول ابن حبيب ويكنى أبا زيد. وهو شاعر مخضرم فحل وهو المراد بقول الفرزدق:
* وهب القصائد لي النوابغ إذ مضوا
* وأبو يزيد وذو القروح وجرول
* انتهى. ف النوابغ ثمانية شعراء. وأبو يزيد: المخبل السعدي. وذو القروح: امرؤ القيس.
وجرول: هو الحطيئة. قال صاحب الأغاني: عمر المخبل في الجاهلية والإسلام عمرا طويلا وأحسبه مات في خلافة عمر أو عثمان وهو شيخ كبير. قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء: هاجر المخبل وابنه إلى البصرة وولده كثير بالأحساء وهم شعراء.

89
وكان المخبل هجا الزبرقان بن بدر وذكر أخته خليدة ثم مر بها بعد حين وقد أصابه كسر وهو لا يعرفها فآوته وجبرت كسره فلما عرفها قال:
* لقد ضل حلمي في خليدة ضلة
* سأعتب نفسي بعدها وأتوب
*)
انتهى. وفي الإصابة لابن حجر: قال ابن حبيب: خطب المخبل إلى الزبرقان أخته خليدة فرده وزوجها رجلا من بني جشم بن عوف فهجاه المخبل السعدي وعبدة بن الطبيب وعمرو بن الأهتم وعلقمة ابن عبدة قبل أن يسلموا وقبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الشعراء من يقال له المخبل غير هذا ثلاثة وهم المخبل الزهري والمخبل الثمالي وكعب المخبل. وقد أخطأ الآمدي هنا في المؤتلف والمختلف فزعم أن البيت الشاهد للمتنخل السعدي بضم الميم وفتح المثناة الفوقية بعدها نون وكسر الخاء المعجمة المشددة وقال: لم يقم إلي من شعره شيء.
واستشهد الكسائي والفراء بقوله:
* يا زبرقان أخا بني خلف
* ما أنت ويب أبيك والفخر
* وهذا تصحيف منه في اسم الشاعر. وهو تارة ينسب إلى قريع وتارة إلى سعد. وهذا سبب التصحيف وما ذكرناه هو الذي قاله شراح شواهد سيبويه

90
والمفصل وغيرهما. وأنشد بعده الشاهد الخامس والثلاثون بعد الأربعمائة يا سيدا ما أنت من سيد على أن ما الاستفهامية قد يدخلها معنى التعظيم كما في البيت فإنها استفهامية تعجبية والمقصود التعظيم. وأورده الفراء في سورة يس من تفسيره عند قوله تعالى: يا حسرة على العباد قال: المعنى يا لها من حسرة على العباد. وقرأ بعضهم: يا حسرة العباد والمعنى في العربية واحد. والله أعلم. والعرب إذا دعت نكرة موصولة بشيء آثرت النصب يقولون: يا رجلا كريما أقبل ويا راكبا على البعير أقبل فإذا أفردوا رفعوا أكثر مما ينصبون. أنشدني بعضهم:
* يا سيدا ما أنت من سيد
* موطأ البيت رحيب الذراع
* ولو رفعت النكرة الموصولة بالصفة كان صوابا وقد قالت العرب: يا دار غيرها البلى تغييرا اه.

91
والبيت من قصيدة للسفاح بن بكير بن معدان اليربوعي رثا بها يحي بن شداد ابن ثعلبة بن بشر أحد بني ثعلبة بن يربوع. وقال أبو عبيدة: هي لرجل من بني قريع رثا بها يحي بن ميسرة صاحب مصعب بن الزبير وكان وفى له حتى قتل معه. وهذه أبيات من أولها:
* صلى على يحي وأشياعه
* رب غفور وشفيع مطاع)
* (لما عصى أصحابه مصعبا
* أدى إليه الكيل صاعا بصاع
*
* يا سيدا ما أنت من سيد
* موطأ البيت رحيب الذراع
*
* قوال معروف وفعاله
* وهاب مثنى أمهات الرباع
*

92
وهذه قصيدة اختلفت الرواة في عدة أبياتها فقد رواها الضبي ثلاثة عشر بيتا ورواها أحمد بن عبيد اثني عشر بيتا مع تغاير في الأبيات. والروايتان مسطورتان في المفضليات وشرحها لابن الأنباري. وقوله: لما عصى أصحابه مصعبا إلخ تقدم شرحه في الشاهد الحادي والأربعين من أوائل الكتاب. ورواه أحمد بن عبيد:
* لما جلا الخلان عن مصعب
* أدى إليه القرض صاعا بصاع
* قوله: يا سيدا ما أنت إلخ وروى صدره الضبي: يا فارسا ما أنت من فارس ومن سيد ومن فارس: تمييز مجرور بمن. وموطأ البيت يعني أن بيته مذلل للأضياف.
والرحيب: الواسع. والمعنى أنه واسع البسيطة كثير العطاء سهل لا حاجز دونه. ولما كان الذراع موضع شدة الإنسان قيل في الأمر الذي لا طاقة للإنسان به: ضاق بهذه الأمر ذراع فلان وذرع فلان أي: حيلته بذراعه. وتوسعوا في هذا حتى قلبوه فقالوا: فلان رحب الذراع إذا وصفوه باتساع المقدرة. وقوله: قوال معروف وفعاله إلخ الأوصاف الثلاثة بالجر على الوصفية لسيد أو لفارس. والمعنى أنه لا يقول إلا فعل ولا يعد إلا وفى ولا يخلف والرباع بالكسر: جمع ربع بضم ففتح وهو ما ينتج في أول نتاج الإبل.

93
وخص أمهات الرباع لأنها غزيرة. ومثنى عقار أمات الرباع الرتاع أي هي مترعة لسعة الرعي عليها. اه. وقوله: يجمع حلما إلخ الأناة بالفتح: التأني. وثمت مخصوصة بعطف الجمل. وينباع بمعنى يثب ويسطو. والشجاع: الحية. والسفاح بن بكير تقدم في الشاهد الحادي والأربعين. وأنشد بعده
الشاهد الحادي والأربعمائة
* على ما قام يشتمني لئيم
* كخنزير تمرغ في رماد
* على أن ثبوت الألف في ما الاستفهامية المجرورة في غير الأغلب مفهومة أن إثباتها فيها غالب.

94
ويوافقه قول صاحب الكشاف في سورة يس عند قوله تعالى: بما غفر ليربي: طرح الألف أجود وإن كان إثباتها جائزا. وهذا معارض لقوله في سورة الأعراف عند قوله تعالى: قال فبما أغويتني: قيل ما للاستفهام وإثبات الألف قليل شاذ. قال الشارح المحقق في شرح الشافية: وبعض العرب لا يحذف الألف من ما الاستفهامية المجرورة كقوله:
* على ما قام يشتمني لئيم
* البيت
* فهذا لا يقول على مه وقفا بل يقف بالألف التي كانت في الوصل والأولى حذف ما الاستفهامية مجرورة لما ذكرنا في الموصولات. اه. أراد أنه ذكره في شرح الموصولات من شرح الكافية. وإذا ثبت أن هذا لغة لبعض العرب لم يكن إثبات الألف نادرا ولا ضرورة كما قيل في قوله تعالى: عم يتساءلون فيمن قرأ عما بالألف. قال الفالي في شرح اللباب: الكثير الشائع حذف الألف وجاء إثباتها في عما يتساءلون وفي قوله: على ما قام يشتمني البيت. وقال السمين: يجوز إثبات الألف في ضرورة أو في قليل من الكلام. وقال ابن جني في المحتسب: إثبات الألف أضعف اللغتين. قال ابن السمين في سورة يس: المشهور من مذهب البصريين وجوب حذف ألفها إلا في ضرورة.

95
وكذلك قال ابن هشام في المغني: يجب حذف ألف ما الاستفهامية إذا جرت وإبقاء الفتحة دليلا عليها. وربما تبعت الفتحة الألف في الحذف وهو مخصوص بالشعر كقوله:
* يا أبا السود لما خلفتني
* لهموم طارقات وذكر
* ثم قال: وأما قراءة عكرمة وعيسى: عما يتساءلون فنادر. وأما قول حسان: على ما قام يشتمني لئيم فضرورة. ومثله قول الآخر:
* إنا قتلنا بقتلانا سراتكم
* أهل اللواء ففيما يكثر القيل
* قال الدماميني في الحاشية الهندية: ادعى المصنف أن إثبات الألف في البيتين ضرورة ولقائل أن يمنع ذلك بناء على تفسيرها بما لا مندوحة للشاعر عنهن إذ الوزن مع حذف الألف في كل)
منهما مستقيم. غاية الأمر يكون في بيت حسان العقل وفي الآخر الخبن وكل منهما زحاف مغتفر. اه. وقد عمم الشارح المحقق في الجار لما سواء كان حرف جر أو
مضافا. وهذا هو المشهور.

96
وقال اللبلي في شرح أدب الكتاب: إن كان الجار اسما متمكنا لم يفعلوا ذلك أي: لم يحذفوا الألف. وقول العرب: مجيء م جئت ومثل م أنت شاذ وإنما جاء مع بعد وعند لأنهما غير متمكنين فألحقا بحروف الجر. اه. وهذا قول غريب لم يقله غيره كقول ابن قتيبة في أدب الكتاب: إن ألف ما الموصولة لا تحذف إلا مع شئت قال: تقول: ادع بما شئت وسل عم شئت وخذه بما شئت وكن فيم شئت. إذا أردت معنى سل أي: عن أي شيء شئت نقصت الألف. وإن أردت سل عن الذي أحببت أتممت الألف إلا مع شئت خاصة فإن العرب تنقص الألف منها خاصة فتقول: ادع بم شئت في المعنيين جميعا. اه. والمشهور أن ألفها يثبت مطلقا سواء استعملت مع شئت أو غيرها. وعلى نقله يلغز فيقال: في أي موضع يجب حذف ألف ما الموصولة المجرورة بحرف جر وهذا البيت من أبيات دالية لحسان بن ثابت الصحابي. وقد حرف الرواة قافيته فبعضهم رواه: كخنزير تمرغ في دمان وهو ابن جني في المحتسب وتبعه جماعة منهم ابن هشام في المغني قال: الدمان كالرماد وزنا ومعنى ورواه صاحب اللباب وشارحه الفالي: في الدهان بالهاء بعد الدال. ورواه المرادي في شرح الألفية: في تراب ورواه بعضهم: في دمال باللام. وهذا كله خلاف الصواب: ورواية السكري في ديوان حسان: ففيم تقول يشتمني لئيم إلخ وعليه لا شاهد فيه.

97
وقوله: على ما قام إلخ على تعليلية أي: لأجل أي شيء. ونقل العيني عن ابن جني أن لفظة قام ها هنا زائدة والتقدير ما يشتمني. وقال ابن يسعون: وليس كذلك عندي لأنها مقتضى النهوض بالشتم والتشمير له والجد فيه. وقوله: كخنزير إلخ تعريض بقبحه أو كفره فلذلك خص الخنزير لأنه مسخ قبيح المنظر سمج الخلق أكال العذرة. وقوله: تمرغ في رماد تتميم لذمه لأنه يدلك نفسه بالشجر ثم يأتي للطين والحمأة فيتلطخ بهما وكلما تساقط منه شيء عاد فيهما فيكون في أقبح منظر. قال الجاحظ: والعين تكره الخنزير جملة دون سائر المسوخ لأن القرد وإن كان مسيخا فهو مستملح. والفيل عجيب ظريف نبيل بهي وإن كان سمجا قبيحا. والأبيات قالها حسان في هجو بني عابد بموحدة بعدها دال غير معجمة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم.)

98
قال البلاذري: لم يكن لهم هجرة ولا سابقة. قال: وقال الأثرم عن أبي حبيرة: قال حسان هذا الشعر في رفيع بن صيفي بن عابد وقتل رفيع يوم بدر كافرا. ورفيع بضم الراء وفتح الفاء: مصغر رفع بالعين المهملة. وصيفي بفتح الصاد المهملة وسمون المثناة التحتية وكسر الفاء وتشديد التحتية. والأبيات هذه:
* إن تصلح فإنك عابدي
* وصلح العابدي إلى فساد
*
* وإن تفسد فما ألفيت إلا
* بعيدا ما علمت من السداد
*
* وتلقاه على ما كان فيه
* من الهفوات أو نوك الفؤاد
*
* مبين الغي لا يعيا عليه
* ويعيا بعد عن سبل الرشاد
*
* ففيم تقول يشتمني لئيم
* كخنزير تمرغ في رماد
*
* فأشهد أن أمك م البغايا
* وأن أبك من شر العباد
*
* فلن أنفك أهجو عابديا
* طوال الدهر ما نادى المنادي
*
* وقد سارت قواف باقيات
* تناشدها الرواة بكل واد
*
* فقبح عابد وبني أبيه
* فإن معادهم شر المعاد
* وهذا آخر الأبيات. وقوله: إن تصلح إلخ فيه خرم وبعضهم يرويه: وإن تصلح فلا خرم.
والسداد بالفتح: الرشد والاستقامة. والهفوات: السقطات. والنوك بالضم: الحمق وهو نقص في

99
العقل وأراد به البلادة وعدم الاهتداء للمقصود ولهذا أضافه إلى الفؤاد وهو معطوف على الهفوات. وقوله: مبين الغي بالنصب من حال مفعول تلقاه. وقوله: ففيم تقول رواية السكري بالخطاب لمن يصلح الخطاب معه. وقوله: م البغايا أصله من البغايا وهو لغة في من. والبغي: الامرأة الفاجرة. وقوله: طوال الدهر بفتح الطاء بمعنى طول الدهر. وقوله: فقبح عابد وهو بالبناء للمفعول على الدعاء. والواو في قوله: وبني أبيه واو المعية وبني أبيه مفعول معه. وترجمة حسان تقدمت في الشاهد الحادي والثلاثين. البيت الذي أورده صاحب المغني وهو: قتلنا بقتلانا سراتكم أهل اللواء ففيما يكثر القيل لم يعرفه أحد ممن كتب على المغني وما قبل حرف الروي فيه مثناة تحتية والقاف مكسورة.
وقد صحفه البدر الدماميني فضبطه بمثناة فوقية ثم استشكله قال: في كلام من جهة العرض وذلك أن هذا من بحر البسيط من عروضه الأولى وضربها الثاني وهو المقطوع كان أصله فاعل)
حذفت نونه وسكنت لامه فصار فعلن بإسكان العين فقد ذهب منه زنة متحرك وإذا ذهب منه ذلك وجب أن يكون مردفا يؤتى قبل حرف الروي بحرف لين كما في شاهد العروضيين:

100
* قد أشهد الغارة الشعواء تحملني
* جرداء معروقة اللحيين سرحوب
* ولا يخفى أن ضرب البيت الذي نحن فيه وهو اللام الروي غير مردف ففيه مخالفة لما قرره العروضيون في أمثاله. هذا كلامه وهذا موضع المثل المشهور: زناه فحده. والبيت من قصيدة لكعب بن مالك شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم رواها الكلاعي في سيرته قال: أجاب بها ابن الزبعرى وعمرو بن العاصي عن كلمتين افتخرا بهما بيوم أحد وهي هذه: أبلغ قريشا وخير القول أصدقه والصدق عند ذوي الألباب مقبول
* أن قد قتلنا بقتلانا سراتكم
* أهل اللواء ففيما يكثر القيل
*
* ويوم بدر لقيناكم لنا مدد
* فيه مع النصر ميكال وجبريل
*
* إن تقتلونا فدين الله فطرتنا
* والقتل في الحق عند الله تفضيل
*
* وإن تروا أمرنا في رأيكم سفها
* فرأي من خالف الإسلام تضليل
*
* إنا بنو الحرب نمريها وننتجها
* وعندنا لذوي الأضغان تنكيل
*
* إن ينج منا ابن حرب بعد ما بلغت
* منه التراقي وأمر الله مفعول
*
* فقد أفادت له حكما وموعظة
* لمن يكون له لب ومعقول
*

101
* ولو هبطتم ببطن السيل كافحكم
* ضرب بشاكلة البطحاء ترعيل
*
* تلقاكم عصب حول النبي لهم
* مما يعدون في الهيجا سرابيل
*
* من جذم غسان مسترخ حمائلهم
* لا جبناء ولا ميل معازيل
* وهي قصيدة طويلة جيدة سردها بتمامها وبين مشكل لغاتها قال: سراة القوم: خيارهم.
والقيل والقول واحد. والتنكيل: الزجر المؤلم. وبطن السيل: الوادي. وكافحكم: واجهكم.
وشاكلة البطحاء: طرفها. والترعيل: الضرب السريع. والسرابيل: جمع سربال وهو الدرع.
وجذم بكسر الجيم: الأصل. وغسان: قبيلة من الأنصار. والحمائل: حمائل السيف. والجبناء: جمع جبان. والميل: جمع أميل وهو الذي لا ترس معه. والمعازيل: الذي لا رماح معهم. وأنشد بعده
الشاهد السابع والثلاثون بعد الأربعمائة وهو من شواهد س:
* ربما تكره النفوس من الأم
* ر له فرجة كحل العقال
* على أن ما نكرة موصوفة بجملة تكره النفوس. فحكم على كونها نكرة بدخول رب عليها وحكم بالجملة صفة على قياس نكرة رب من أنها

102
موضوعة لتقليل نوع من جنس فلا بد أن يكون الجنس موصوفا حتى تحصل على النوعية. وقد أورده سيبويه في كتابه مرتين لذلك قال: رب لا يكون بعدها إلا نكرة. وأنشده. قال الأعلم: استشهد به على أن ما نكرة بتأويل شيء ولذلك دخلت عليها رب لأنها لا تعمل إلا نكرة. ولا تكون ما هنا كافة لأن في تكره ضميرا عائدا عليها ولا يضمر إلا الاسم. وكذلك الضمير في له عائد عليها. والمعنى: رب شيء تكرهه النفوس من الأمور الحادثة الشديدة وله فرجة تعقب الضيق والشدة كحل عقال المقيد.
والفرجة بالفتح في الأمر وبالضم في الحائط ونحوه. اه. ومثله في إيضاح الشعر لأبي علي قال فيه: ما اسم منكور يدل على ذلك دخول رب عليه ولا يجوز أن تكون كافة كالتي في قوله تعالى: ربما يود الذين كفروا لأن الذكر قد عاد إليها من قوله له فرجة فلا يجوز مع رجوع الذكر أن تكون حرفا فالهاء في قوله تكره مرادة والتقدير: تكرهه النفوس. وفرجة مرتفعة بالظرف وموضع الجملة جر. اه. وقوله: وموضع الجملة جر أي: على الوصفية للأمر ولا اعتبار بلام التعريف لأنها كما قال شارح المحقق للجنس. وفي كون الجملة صفة نظر إذ الوصف على كلامه إنما هو الجار والمجرور لا غير لأنه جعل فرجة فاعلهما. وإنما كان يتجه لو جعل فرجة مبتدأ والظرف قبله خبره كما هو ظاهر صنيع الشارح المحقق في قوله: له فرجة صفى الأمر. وبما سقاه من قول الأعلم وأبي علي

103
علم ضعف قول من ذهب إلى ما في البيت: كافة مهيئة لدخول رب على الجمل كما في الآية. قال ابن الحاجب في شرح المفصل: وكونها اسما أولى لأن الضمير العائد على الموصوف حذفه سائغ ومن الأمر تبيين له. وإذا جعلت ما مهيئة كان قوله من الأمر واقعا موقع المفعول بتقديره تكره النفوس شيئا من الأمر. وحذف الموصوف وإبقاء الصفة جارا ومجرورا في موضعه قليل. انتهى. وقد ناقشه الشارح المحقق بعد نقل كلامه بالمعنى بأنه لا يلزم من كون ما مهيئة أن يكون من الأمر واقعا موقع المفعول حتى يرد ما ذكر لجواز أحد أمرين: أحدهما: يجوز بقوله أن تكون من متعلقة بنكرة وهي للتبعيض كما في)
أخذت من الدراهم أي: أخذت من الدراهم شيئا. فكذا معناه تكره من الأمر شيئا.
ثانيهما: تضمين تكره معنى تشمئز وتنقبض بدليل رواية سيبويه وغيره: ربما تجزع النفوس من الأمر فإن تجزع لازم لا يقتضي مفعولا به. وبقي وجه ثالث وهو جواز كون من زائدة عند الأخفش والكوفيين. وتبع ابن الحاجب شارح اللباب الفالي قال: لا يتعين كون ما موصوفة إذ قيل إنها كافة مهيئة لدخول رب على الجمل ولكن الأولى جعلها موصوفة لوجهين: أحدهما: أنه حمل لرب على بابه الكثير وهو كونها غير مكفوفة. والثاني: أن تكره لا بد له من مفعول حينئذ وتقديره: شيئا من الأمر ولكن حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ضعيف. اه.
وقول الخوارزمي في التخمير: لا يجوز قول ما كافة لئلا تبقى من التبيينية لا معنى لها يمنع كونها حينئذ تبيينية. ويجاب بأحد الأوجه الثلاثة.

104
وقال ابن هشام في المغني: يجوز أن تكون ما كافة والمفعول المحذوف اسما ظاهرا أي: قد تكره النفوس من الأمر شيئا أي: وصفا فيه. أو الأصل من الأمور أمرا وفي هذا إنابة المفرد عن الجمع. وفيه وفي الأول إنابة الصفة غير المفردة عن الموصوف إذ الجملة بعده صفة له. اه. وقد أورد البيت في التفسيرين عند قوله تعالى: ربما يود الذين كفروا على أن بعضهم قال: موصوفة بجملة يود كما وصف ما في البيت وكأنه جعل العائد ضميرا منصوبا أي: يوده الذين كفروا. وفيه أن مفعوله
مضمون قوله تعالى: لو كانوا مسلمين أي: الإسلام أو هو المفعول بجعل لو مصدرية. وقوله: له فرجة قال صاحب المصباح: الفرجة بالفتح: مصدر يكون في المعاني وهي الخلوص من شدة والضم فيها لغة. قال ابن السكيت: هو لك فرجة وفرجة أي: فرج. وزاد الأزهري فرجة بالكسر. وحكى الثلاثة صاحب القاموس أيضا. وقوله: كحل العقال صفة فرجة أي: فرجة سهلة سريعة كحل عقال الدابة. والعقال بالكسر: هو الحبل الذي يشد به يد الدابة عند البروك أو الوقوف ليمنعها من الذهاب ويكون ربطه كأنشوطة وهي عقد التكة حلها سهل. وقال أبو علي في إيضاح الشعر: موضع الكاف من قوله كحل العقال يجوز فيه ضربان: أحدهما أن يكون نصبا والآخر أن يكون جرا: كقولك: مررت برجل معه صقر صائد به. اه.

105
وأراد النصب على الحالية من المجرور بمن بعد وصفه بقوله: له فرجة. وأراد الخفض على الوصفية للأمر بجعل اللام للجنس بدليل التنظير. وهذا بعيد والقريب أن تكون صفة لفرجة وهو أحد وجهي ما جوزه في الحجة قال موضع الكاف يحتمل وجهين: أحدهما أن تكون في موضع نصب على الحال من له)
والآخر: أن تكون في موضع رفع صفة لفرجة. اه. وأراد بقوله له ضمير الأمر المجرور باللام.
والبيت الشاهد قد وجد في أشعار جماعة والمشهور أنه لأمية بن أبي الصلت من قصيدة طويلة عدتها تسعة وسبعة وسبعون بيتا ذكر فيها شيئا من قصص الأنبياء: داود وسليمان ونوح وموسى. وذكر قصة إبراهيم وإسحاق عليهما السلام وزعم أنه هو الذبيح وهو قول مشهور للعلماء. وهذه أبيات من القصيدة إلى البيت الشاهد قال:
* يا بني إني نذرتك لل
* ه شحيطا فاصبر فدى لك خالي
*
* فأجاب الغلام أن قال فيه:
* كل شيء لله غير انتحال
*
* أبتي إنني جزيتك بالل
* ه تقيا به على كل حال
*
* فاقض ما قد نذرت لله واكفف
* عن دمي أن يمسه سربالي
*
* واشدد الصفد أن أحيد من الس
* كين حيد الأسير ذي الأغلال
*
* إنني آلم المحز وإني
* لا أمس الأذقان ذات السبال
*
* وله مدية تخيل في اللح
* م هذام جلية كالهلال
*
* بينما يخلع السرابيل عنه
* فكه ربه بكبش جلال
*

106
قال: خذه وأرسل ابنك إني للذي قد فعلتما غير قالي
* والد يتقي وآخر مولو
* د فطارا منه بسمع معال
* هكذا رواه جامع ديوانه محمد بن حبيب: من الشر بدل من الأمر وقال: قوله: جزيتك بالله معناه أطعمتك بالله. وقوله: غير انتحال أي: غير كذب وادعاء بل هو حق. والسربال: القميص. والصفد: الحبل الذي يربط به. وقوله: أن أحيد أي: خشية أن أحيد مضارع حاد عنه أي: مال عنه وعدل. وقوله: لا أمس الأذقان إلخ
قال محمد بن حبيب: يقول: لم أمسس ذقني إني لا أجزع ولا أمنعك. وذقن الإنسان: مجمع لحييه وأصله في الجمل يحمل الثقيل فلا يقدر على النهوض فيعتمد بذقنه على الأرض. والسبال: جمع سبة وهي عند العرب مقدم اللحية. وقوله: وله مدية هي بضم الميم: السكين. قال محمد بن حبيب: تخيل في اللحم: تمضي فيه من الخيلاء. وهذام بضم الهاء بعدها ذال معجمة: القاطعة السريعة من الهذم وهو القطع والأكل في سرعة. قال أبو عبيد: سيف هذام أي: قاطع. وجلية: مجلوة. وكبش جلال بضم الجيم بمعنى جليل وعظيم. وسمع بالكسر: الذكر الجميل. يقال: ذهب سمعه في الناس.)
والمعال بضم الميم: المرتفع أي: صار لهما شرفا يذكران به. وأمية هذا شاعر جاهلي تقدمت ترجمته في الشاهد السادس والثلاثين من أوائل الكتاب. ووجد أيضا في قصيدة رواها الأصمعي لأبي قيس اليهودي وقيل: هي لابن صرمة الأنصاري ومطلعها:

107
* سبحوا للمليك كل صباح
* طلعت شمسه وكل هلال
* وقال ابن المستوفي في شرح الشواهد للمفصل: وجدت قوله ربما تكره النفوس من الأمر البيت في أبيات لأبي قيس صرمة بن أبي أنس من بني عدي بن النجار ووجد أيضا في أبيات لحنيف بن عمير اليشكري قالها لما قتل محكم بن الطفيل يوم اليمامة وهي:
* يا سعاد الفؤاد بنت أثال
* طال ليلي بفتنة الرجال
*
* إنها يا سعاد من حدث الده
* ر عليكم كفتنة الرجال
*
* إن دين الرسول ديني وفي القو
* م رجال على الهدى أمثالي
*
* أهلك القوم محكم بن طفيل
* ورجال ليسوا لنا برجال
*
* ربما تجزع النفوس من الأم
* ر له فرجة كحل العقال
* وحنيف أدرك الجاهلية والإسلام ولا تعرف له صحبة. وقال ابن حجر في الإصابة: هو مخضرم ذكره المزرباني وروى له هذه الأبيات عمر بن شبة ووجد أيضا في أبيات لأعرابي.
وهي:

108
* يا قليل العزاء في الأهوال
* وكثير الهموم والأوجال
*
* اصبر النفس عند كل ملم
* إن في الصبر حيلة المحتال
*
* لا تضيقن بالأمور فقد يك
* شف غماؤها بغير احتيال
*
* قد يصاب الجبان في آخر الص
* ف وينجو مقارع الأبطال
* ورواها صاحب الحماسة البصرية لحنيف بن عمير المذكور وقيل أنها لنهار ابن أخت مسيلمة الكذاب لعنه الله. ونسبها العيني لأمية بن أبي الصلت. وهذا لا أصل له.
وقوله: يا قليل العزاء هو بالفتح بمعنى الصبر والتجلد. وقوله: اصبر النفس أي: احبسها. والملم: الحادث من حوادث الدهر وهو اسم فاعل من ألم إذا نزل. وغماؤها: مبهمها ومشكلها وهو بالغين المعجمة يقال: أمر غمة أي: مبهم ملتبس. ويقال: صمنا بالغمى بفتح الغين وضمها وصمنا للغماء على فعلاء بالفتح والمد إذا غم الهلال على الناس وستره عنه غيم ونحوه. وصحفه)
العيني فقال: عماؤها بالعين المهملة وتشديد الميم للضرورة. والعماء في اللغة: السحاب الرقيق سمي بذلك لكونه يعمي الأبصار عن رؤية ما وراءه. وأراد بها ما يحول بين النفس ومرادها.
هذا كلامه. قال السيوطي في شرح شواهد المغني: أخرج ابن عساكر من طريق الأصمعي قال: قال أبو عمرو بن العلاء: هربت من الحجاج فسمعت أعرابيا ينشد:
* يا قليل العزاء في الأهوال
* وكثير الهموم والأوجال
*

109
إلى آخر الأبيات. فقلت: ما وراءك يا أعرابي فقال: مات الحجاج فلم أدر بأيهما أفرح: أبموت الحجاج أم بقوله فرجة لأني كنت أطلب شاهدا لاختياري القراءة في سورة البقرة: إلا من اغترف غرفة بالفتح. انتهى. وقد رويت قصة أبي عمرو بن العلاء هذه على وجوه مختلفة منها رواية الصاغاني في العباب قال: قال الأصمعي: سمعت أبا عمرو بن العلاء وكان قد هرب من الحجاج إلى اليمن يقول: كنت مختفيا لا أخرج بالنهار فطال علي ذلك فبينا أنا قاعد وقت السحر مفكرا سمعت رجلا ينشد وهو مار:
* ربما تكره النفوس من الأم
* ر له فرجة كحل العقال
* ومر خلفه رجل يقول: مات الحجاج قال أبو عمرو: فما أدري بأيهما كنت أفرح أبموت الحجاج أم بقوله: فرجة بفتح الفاء وكنا نقوله بضمها. اه. ومنها ما رواه الدماميني في الحاشية الهندية قال: يحكى عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان له غلام ماهر في الشعر فوشي به إلى الحجاج فطلبه ليشتريه منه. قال: فلما دخلت عليه وكلمني فيه قلت: إنه مدبر. فلما خرجت قال الواشي: كذب. فهربت إلى اليمن خوفا من شره فمكثت هناك وأنا إمام يرجع إلي في المسائل عشر سنين فخرجت ذات يوم إلى ظاهر الصحراء فرأيت أعرابيا يقول لآخر: ألا أبشرك قال: بلا. قال: مات الحجاج فأنشده:
* ربما تكره النفوس من الأم
* ر فرجة كحل العقال
* وأنشده بفتح الفاء من فرجة. قال أبو عمرو: لا أدري بأي الشيئين أفرح أبموت الحجاج أم بقوله فرجة بفتح الفاء ونحن نقول فرجة بضمها وهو خطأ.

110
وتطلبت ذلك زمانا في استعمالاتهم.
قال أبو عمرو: وكنت بقوله: فرجة أشد مني فرحا بقوله: مات الحجاج. اه. كذا ساق الحكاية.
وفي قوله في آخرها: وهو خطأ نظر لا يخفى. والمشهور أن سبب هروب أبي عمرو إلى اليمن طلب الحجاج منه شاهدا من كلام العرب لقراءته: غرفة بالفتح فلما تعذر عليه هرب إلى)
اليمن. ولم تحضرني الآن هذه الرواية. روى السيد المرتضى رحمه الله: في أماليه الغرر والدرر عن الصولي أن منشدا أنشد إبراهيم بن العباس وهو في مجلسه في ديوان الضياع: ربما تكره النفوس من الأمر البيت قال: فنكت بقلمه ساعة ثم قال:
* ولرب نازلة يضيق بها الفتى
* ذرعا وعند الله منها المخرج
*
* كملت فلما استحكمت حلقاتها
* فرجت وكان يظنها لا تفرج
* فعجب من جودة بديهته. اه. وأنشد بعده: لأمر لا يسود من يسود

111
على أن ما هنا لإفادة التعظيم. ويسود بالبناء للمفعول أي: يجعل سيدا. وهذا عجز وصدره: وقد تقدم الكلام عليه في الشاهد السبعين بعد المائة من باب المفعول فيه. وأنشد بعده الشاهد الثامن والثلاثون بعد الأربعمائة
* فكفى بنا فضلا على من غيرنا
* حب النبي محمد إيانا
* إلى أن من نكرة موصوفة بمفرد وهو قوله: غيرنا. قال سيبويه: قال الخليل رحمه الله: إن شئت جعلت من بمنزلة إنسان وجعلت نا بمنزلة شيء نكرتين. وزعم أن
هذا البيت مثل ذلك:
* وكفا بنا فضلا على من غيرنا
* حب النبي محمد إيانا
*

112
وكذا أورده الفراء في أول تفسيره من سورة البقرة. قال الأعلم: الشاهد فيه حمل غير على من نعتا لأنها نكرة مبهمة فوصفت بما بعدها وصفا لازما يكون لها كالصلة والتقدير: على قوم غيرنا. ورفع غير جائز على أن تكون من موصولة ويحذف الراجع عليها من الصلة والتقدير: من هو غيرنا. والحب مرتفع بكفى والباء في بنا زائدة مؤكدة والمعنى كفانا. اه. وأورده ابن الشجري في ثلاثة مواضع من أماليه قال في الموضع الثاني: رفع غير رواية. وقال في الثالث: وإن رفعت غير فإنه خبر مبتدأ محذوف تريد من هو غيرنا فجعلت من موصولة كقراءة من قرأ: تماما على الذي أحسن يريد: هو أحسن. وقال ابن هشام في المغني في بحث من: ويروى برفع غير فيحتمل أن من على حالها ويحتمل الموصولية. وعليهما فالتقدير: من هو غيرنا والجملة صفة أو صلة. وقال الكسائي: من هنا زائدة وغيرنا مجرور بعلى. نقله العيني عنه. وأورده ابن)
هشام في المغني على أن الباء قد زيدت في مفعول كفى المتعدية لواحد ومنه الحديث: كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع. وقيل: إنما هي في البيت زائدة في الفاعل وحب: بدل اشتمال على المحل. اه. قال المرادي: صاحب هذا القيل ابن أبي العافية.

113
وعلى هذا حمل بعضهم قول المتنبي:
* كفى بجسمي نحولا أنني رجل
* لولا مخاطبتي إياك لم ترني
* ونقل ثعلب في أماليه عن المازني أن زيادة الباء في قوله: فكفى بنا شاذ وإنما تدخل الباء على الفاعل. وحب النبي: فاعل كفى ومحمد عطف بيان للنبي وحب مصدر مضاف إلى فاعله وإيانا مفعوله. وفضلا: تمييز محول عن الفاعل والأصل كفانا فضل حب النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الدماميني: فضلا حال وتنوينه للتفخيم أي: كفانا حب النبي حالة كونه فضلا عظيما. ولا يصح كونه مفعولا ثانيا لكفى لفساد المعنى. انتهى. وروي بعده: شرفا وعلى: متعلقة به وهما بمعنى المزية والفضيلة. وهذا البيت لكعب بن مالك شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدمت ترجمته في الشاهد السادس والستين. ونسب إلى حسان بن ثابت رضي الله عنه أيضا ولم يوجد في شعره. قال ابن هشام اللخمي في شرح شواهد الجمل: وقيل: هو لعبد الله بن رواحة الأنصاري وقيل: لبشير بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك. وهو مع كثرة وجوده في كتب النحو لم يذكر أحد ما قبله إلا السيوطي في شرح شواهد المغني وهو:
* نصروا نبيهم بنصر وليه
* فالله عز بنصره سمانا
*

114
يعني أن الله عز وجل سماهم الأنصار لأنهم نصروا النبي صلى الله عليه وسلم ومن والاه.
والباء في نصر وليه. بمعنى مع. وأنشد بعده
الشاهد التاسع والثلاثون بعد الأربعمائة
* رب من أنضجت غيظا صدره
* قد تمنى لي موتا لم يطع
* على أن جملة أنضجت في موضع جر على أنها صفة ل من لأنها نكرة بمعنى إنسان بدليل دخول رب عليها. وأورده صاحب الكشاف عند قوله تعالى: إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا على أن من فيها نكرة موصوفة بالظرف لأنها وقعت بعد كل كوقوعها بعد رب في البيت. قال ابن هشام في المغني: زعم الكسائي أن من لا تكون نكرة إلا في موضع يخص النكرات. ورد بقوله: فكفى بنا فضلا على من غيرنا وبقول الفرزدق:

115
أي: كشخص ممطور بواديه لأن مجرور على والكاف لا يجب أن يكون نكرة. وقد خرج من فيهما على الزيادة وذلك شيء لم يثبت. وروي أيضا:
* ربما أنضجت غيظا قلب من
* قد تمنى......... إلخ
* فلا شاهد فيه إن كانت من موصولة وما حينئذ كافة مهيئة لدخول رب على الجملة. ومجرور رب هنا في محل رفع على المبتدأ والخبر إما قد تمنى ولم يطع خبر بعد خبر وإما لم يطع وجملة قد تمنى صفة ثانية. وإنضاج اللحم: جعله بالطبخ أو الشئ مستويا يمكن أكله ويحسن وهو هنا كناية عن نهاية الكمد الحاصل للقلب أو استعارة. شبه تحسير القلب وإكماده بإنضاج اللحم الذي يؤكل. وغيظا إما مفعول لأجله أي: أنضجت قلبه لأجل غيظي إياه وإما تمييز عن النسبة أي: أنضج غيظي إياه قلبه وهو مصدر غاظه إذا أغضبه. قال ابن السكيت: ولا يقال أغاظه. وأثبته صاحب القاموس قال: يقال: غاظه وغيظه وأغاظه. وروي: قلبه موضع صدره المراد به قلبه
وروي أيضا: كبده. وهذا البيت من قصيدة طويلة عدتها مائة بيت وثمانية أبيات لسويد بن أبي كاهل اليشكري مسطورة في المفضليات مطلعها:
* بسطت رابعة الحبل لنا
* فوصلنا الحبل منها ما اتسع
*

116
وهذه أبيات منها بعد الشاهد المذكور. قال ابن قتيبة في ترجمة سويد من كتاب الشعراء: كان
* رب من أنضجت غيظا قلبه
* قد تمنى لي موتا لم يطع
*
* ويراني كالشجا في حلقه
* عسرا مخرجه ما ينتزع)
* (مزبد يخطر ما لم يرني
* فإذا أسمعته صوتي انقمع
*
* قد كفاني الله ما في نفسه
* ومتى ما يكف شيئا لم يضع
*
* لم يضرني غير أن يحسدني
* فهو يزقو مثل ما يزقو الضوع
*
* ويحييني إذا لاقيته
* وإذا يخلو له لحمي رتع
*
* كيف يرجونا سقاطي بمد ما
* جلل الرأس مشيب وصلع
* قال ابن الأنباري في شرح القصيدة: روي أيضا: ربما أنضجت غيظا قلب من إلخ والشجى: الغصص ونحوه. ومزبد: من أزبد. وأصل الخطر في الناس: تحريك اليدين في المشي والاختيال بهما. وانقمع: دخل بعضه في بعض. والمعنى أنه يتعظم إذا لم يرني فإذا رآني تضاءل. والضوع بضم الضاد: ذكر البوم. ويزقو: يصيح. ورتع: أكل. والسقاط: الفترة. يقول على طريق التعجب: كيف يأملون فترتي وسقطي وقد بلغت هذه السن. وسويد هو ابن أبي كاهل واسمه غطيف بن حارثة بن حسل بن مالك ابن عبد سعد بن عدي بن جشم بن ذبيان

117
* أنا أبو سعد إذا الليل دجا
* دخلت في سرباله ثم النجا
* ويقال اسم والده شبيب. وهو شاعر مقدم مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام. عده ابن سلام الجمحي في الطبقة السادسة وقرنه بعنترة العبسي. قال أبو نصر أحمد بن حاتم: قرأت شعر سويد على الأصمعي فلما بلغت قصيدته التي أولها:
* بسطت رابعة الحبل لنا
* فوصلنا الحبل منها ما اتسع
* فضلها الأصمعي وقال: كانت العرب تفضلها وتقدمها وتعدها من حكمها وكانت في الجاهلية تسمى اليتيمة لما اشتملت عليه من الأمثال. وعاش سويد في الجاهلية دهرا وعمر في الإسلام ستين سنة بعد الهجرة إلى زمن الحجاج. كذا في الإصابة. وهو من المعمرين ولم يذكره أبو حاتم في كتاب المعمرين. وكان زياد الأعجم قد هجا بني يشكر بقوله:
* إذا يشكري مس ثوبك ثوبه
* فلا تذكرن الله حتى تطهرا
*
* فلو أن من لؤم تموت قبيلة
* إذا لأمات اللؤم لا شك يشكرا
* فأتت بنو يشكر سويدا ليهجو زيادا فأبا سويد فقال زياد:)

118
* وأنبئتهم يستصرخون ابن كاهل
* وللؤم فيهم كاهل وسنام
*
* دعي إلى ذبيان طورا وتارة
* إلى يشكر ما في الجميع كرام
* فقال لهم سويد: هذا ما طلبتم لي وكان سويد مغلبا. وأما قول زياد الأعجم: دعي فإن أم سويد كانت امرأة من بني غبر وكانت قبل أبي كاهل عند رجل من بني ذبيان بن قيس فمات عنها فتزوجها أبو كاهل وكانت فيما يقال حاملا فلما ولدته استلحقه أبو كاهل وسماه سويدا وكان سويد إذا غضب على بني يشكر انتمى إلى بني ذبيان وإذا رضي عنهم أقام على نسبه فيهم. وهاجى سويد حاضر بني سلمة العنزي فطلبهما عبد الله بن عامر فهربا من البصرة.
ثم هاجى الأعرج أخا بني حماد بن يشكر فأخذهما صاحب الصدقة في أيام ولاية عامر بن مسعود الجمحي الكوفة فحبسهما وأمر أن لا يخرجا من السجن حتى يؤديا مائة من الإبل ففك بنو حماد صاحبهم وبقي سويد فخذله بنو سعد وهم قومه فلم يزل محبوسا حتى استوهبته عبس وذبيان لمديحه لهم وانتمائه إليهم وأطلقوه بغير فداء. وحلف أن لا يعود. وهذه أبيات من قصيدة انتهى فيها إلى ذبيان ومدحهم:
* أنا الغطفاني ابن ذبيان فابعدوا
* وللزنج أدنى منكم ويحابر
*

119
* أبت لي عبس أن أسام دنية
* وسعد وذبيان الهجان وعامر
*
* وحي كرام سادة من هوازن
* لهم في الملماة الأنوف الفواخر
*
الشاهد الموفى الأربعين بعد الأربعمائة
* آل الزبير سنام المجد قد علمت
* ذاك العشيرة والأثرون من عددا
* على أن من عند الكوفيين حرف زائد أي: والأثرون عددا. وهي عند البصريين موصوفة أي: والأثرون إنسانا معدودا. وهذا الجواب أورده الفالي في شرح اللباب قال: يجعل عددا مصدرا بمعنى

120
المفعول أي: معدودا فتكون صفة مفردة. ف من اسم موصوف بمفرد كقوله: فكفى بنا فضلا على من غيرنا ويجوز أن تكون موصوفة بجملة محذوفة وذلك أن عددا: مفعول مطلق وعامله محذوف تقديره: يعد عددا بالبناء للمفعول. والجملة صفة من أي: إنسانا يعد عددا. وعلى هذا الجواب اقتصر صاحب اللباب وابن الشجري في أماليه قال: زاد الكسائي في معاني من قسما آخر وهو أنها قد جاءت صلة يعني زائدة وأنشد: والأثرون من عددا وقال غيره: معناه والأثرون من يعد عددا فحذف الفعل واكتفى بالمصدر منه كما تقول: ما أنت إلا سيرا. ف من في هذا القول نكرة موصوفة بالجملة المحذوفة فالتقدير: والأثرون إنسانا يعد. اه. وأجاب بهما ابن هشام في المغني فقال: عددا إما صفة لمن على أنه اسم وضع موضع المصدر وهو العد أي: والأثرون قوما ذوي عدد أي: قوما معدودين. وإما معمول ليعد محذوفا صلة أو صفة لمن ومن بدل من الأثرون. اه. وإنما نصبوا تفسير من وهو قولهم: إنسانا أو قوما لأن من تمييز. وعلى قول الكوفيين من زائدة وعددا هو التمييز. وفي تخريجهم نظر لا تخفى سماجته مع أنه ليس فيه كبير مدح فإن مراد الشاعر أن آل الزبير سنام المجد والأكثر ون عددا فإن أتباعهم أكثر من أتباع غيرهم عددا إلا أنهم يعدون عددا فإن من يعد قليل والقلة لا فخر فيها ولا مدح. وجعل ابن هشام من بدلا من الأثرون على تقدير الفعل لا وجه له إذ لا فرق في المعنى بين قولنا: قوما معدودين وبين قوما يعدون. فتأمل.

121
ونقله كونهما اسما في حال الزيادة يخالفه صريح نقل الشارح المحقق وصريح كلام ابن الشجري. وتخريج الكوفيين خال من التعسف مع صحة معناه ومتانة مغزاه. وقال
الأندلسي في شرح المفصل: الرواية عند البصريين: والأثرون ما عددا وزيادة ما جائزة لا اختلاف فيها. وقوله: آل الزبير: مبتدأ وسنام المجد: خبره والأثرون معطوف على الخبر وجملة قد علمت ذاك العشيرة: اعتراضية لتقوية المعنى)
وتسديده وذاك مفعول علمت وهو إشارة إلى كونهم سنام المجد والأكثرين عددا. والعشيرة فاعل علمت وروى بدله القبائل أي: قبائل العرب. وعلم هنا متعد لمفعول واحد لأنه بمعنى عرف. وسنام المجد: أعلى المجد استعير من سنام الإبل. والأثرون: جمع أثرى وهو أفعل تفضيل من ثريت بك بكسر الراء أي: كثرت بك. قاله في الصحاح. وهذا البيت مع كثرة دورانه في كتب النحو لا يعرف له قائل ولا تتمة. والله أعلم به. وأنشد بعده الشاهد الحادي والأربعون بعد الأربعمائة

122
* يا شاة من قنص لمن حلت به
* حرمت علي وليتها لم تحرم
* على أن من عند الكوفيين زائدة. قال ابن هشام في المغني: من هنا أيضا نكرة موصوفة بمفرد أي: يا شاة إنسان قنص على أنه من الوصف بالمصدر للمبالغة. يريد أن قنصا مصدر بمعنى الصيد أريد به اسم الفاعل أي: يا شاة إنسان قانص. وأراد بالإنسان نفسه. وهذا تخريج جيد لا مطعن فيه والمشهور فيه كما قال الشارح المحقق: يا شاة ما قنص بزيادة ما وهي رواية شراح المعلقات ولم يرو أحد منهم الرواية الأولى فإن البيت من معلقة عنترة بن شداد العبسي.
والشاة هنا كناية عن المرأة والعرب تكني عنها بالنعجة أيضا. وقد أورده صاحب الكشاف برواية ما عند قوله تعالى: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة على أن النعجة استعيرت للمرأة كما استعار عنترة للشاة فقنص على هذه الرواية مصدر بمعنى المفعول وهو مجرور بإضافة شاة إليه. وفي زيادة ما وتنكير قنص ما يدل على أنها صيد عظيم يغتبط بها من يحوزها أي اغتباط فيكون في قوله: حرمت علي الدلالة على التحزن التام على فوات تلك الغنيمة. قال الخطيب التبريزي في شرح هذه المعلقة: قوله: لمن حلت أي: لمن قدر عليها.
وقوله: حرمت علي معناه هي من قوم أعداء. ويدل على هذا قوله في القصيدة:

123
علقتها عرضا وأقتل قومها والمعنى: أنها لما كانت في أعدائي لم أصل إليها وامتنعت مني. وأصل الحرام: الممنوع.
والمعنى: أنها حرمت علي باشتباك الحرب بيني وبين قبيلتها. وقوله: وليتها لم تحرم هو تمن في بقاء الصلح. وقال الأخفش: معنى حرمت علي: أي هي جارتي وليتها لم تحرم: أي ليتها لم تكن جارة حتى لا يكون لها حرمة. وقال الزوزني في شرحه: هي امرأة أبيه يقول: حرم علي تزوجها لتزوج أبي إياها وليتها لم يتزوجها حتى كانت تحل لي. اه. أقول: لا ينبغي أن يذكر)
هذا فإن التزوج بامرأة الأب كان جائزا في الجاهلية ويشهد له القرآن. وشاة بالنصب لأنه منادى مضاف عند أبي جعفر النحوي ومفعول لفعل محذوف مع المنادى عند الزوزني قال: التقدير: يا هؤلاء اشهدوا شاة قنص لمن حلت له فتعجبوا من حسنها وجمالها فإنها قد حازت الجمال. والمعنى: هي حسناء جميلة. وترجمة عنترة قد تقدمت في الشاهد الثاني عشر من أوائل الكتاب. وقد أورد البدر الدماميني هنا أبياتا قد ضمن فيها البيت الشاهد قال: أنشدني شيخنا شمس الدين الغماري إجازة قال: أنشدني أبو حيان قال: أنشدنا جعفر بن الزبير قال: أنشدني القاضي أبو حفص عمر بن عمر الفاسي لنفسه وقد أهديت إليه جارية فوجدها ابنة سرية كان تسراها فردها وكتب إلى مهديها:
* يا مهدي الرشأ الذي ألحاظه
* تركت فؤادي نصب تلك الأسهم
*

124
* ريحانة كل المنى في شمها
* لولا المهيمن واجتناب المحرم
*
* ما عن قلى صرفت إليك وإنما
* صيد الغزالة لم يبح للمحرم
*
* إن الغزالة قد علمنا سرها
* قبل المهاة وليتنا لم نعلم
*
* يا ويح عنترة يقول وشفه
* ما شفني فشدا ولم يتكلم
*
* يا شاة ما قنص لمن حلت له
* حرمت علي وليتها لم تحرم
* وأنشده بعده
الشاهد الثاني والأربعون بعد الأربعمائة أو تصبحي في الظاعن المولى على أن أل الموصولة المستعملة في الجمع إذا لم تصحب موصوفها يجوز مراعاة لفظها كما هنا إذ المراد: في الظاعنين المولين. ويجوز أن يكون الإفراد باعتبار أن موصوفها المقدر مفرد اللفظ أي: في الجمع الظاعن وإنما حمل أل في الوصفين على الجمع لأن المعنى دل على أن المراد: إن تصبحي راحلة مع الظاعنين. وليس لإفرادهما معنى بدون ما ذكره الشارح المحقق. وذهب أبو علي الفارسي في المسائل البصرية إلى أن الجمعية مستفادة من كون أل للجنس لا أنها تدل عليها وضعا قال: أنشد المازني: أو تصبحي في الظاعن المولي وفسره بالظاعنين. وسألني أبو يعقوب المارودي: إذا حسن أن تكون اللام للجمع في الظاعنين دالة على الجمع فيه على قول المازني وابن السراج فلم لا يحسن ذلك في الظاعن مع إفراد ظاعن كما جاز مثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت

125
ما حوله فقلت له: الفرق بينهما أن ذلك في الذي اتساع وأنه لم يخل ذلك من دليل يدل عليه ملفوظ به. ألا ترى أنه قال: فلما أضاءت ما حوله وقال: إن الذي حانت بفلج دماؤهم واللام محمولة على الذي اتساعا فلا تحتمل من الاتساع ما يحتمله الأصل. ألا ترى أن حملها على الذي اتساع فيها حتى قال أبو عثمان: ليست بمعنى الذي ولكنها دالة على الذي. وتوالي الاتساع مرفوض وإذا لم يحسن أن يجعل بمنزلة الذي في هذا فأن لا تحسن تجعل بمنزلة الذي فيه مع تعريها من دليل يدل عليه أولى وإن الذي لا يسوغ ذلك فيها متعرية من دليل. اه. وفيه نظر من وجهين: الأول: أن قوله اللام محمولة على الذي اتساعا ممنوع فإنها موضوعة لمعنى الذي وفرعيه بالاشتراك وليست محمولة على الذي. الثاني: قوله وتوالي الاتساع مرفوض ممنوع أيضا فإن المجاز وهو من الاتساع في اللغة فلا يتجوز به إلى مجازين أو أكثر. وكذلك ذهب ابن الشجري في أماليه إلى أن الجمعية مستفادة من لام الجنس قال: والشكور من قوله تعالى: وقليل من عبادي الشكور اسم جنس والمعنى: وقليلون من عبادي الشكورون.

126
وكون اسم الجنس مشتقا قليل وإنما يغلب على أسماء الأجناس الجمود كالدينار والدرهم والقفيز والإردب. إلى)
أن قال: ومما جاء من المشتق يراد به الجنس: المفسد والمصلح في قوله تعالى: والله يعلم المفسد من المصلح أي: المفسدين من المصلحين. ومنه قول الراجز: أو تصبحي في الظاعن المولي أراد: في الظاعنين المولين. وقول الأخيلية:
* كأن فتى الفتيان توبة لم ينخ
* بنجد ولم يهبط مع المتغور
* أرادت: مع المتغورين. اه. والبيت من أرجوزة أورد بعضها أبو زيد في نوادره وهذا مقدار ما أورده:
* إن تبخلي يا جمل أو تعتلي
* أو تصبحي في الظاعن المولي
*
* كأن مهواها على الكلكل
* وموقعا من ثفنات زل
* موقع كفي راهب يصلي وأورد ابن الأعرابي في نوادره أيضا هذا المقدار وزاد عليه بعده وهو: في غبش الصبح وفي التجلي

127
وقال أبو زيد بعد إيراده الأبيات: المغتل: الذي اغتل جوفه من الشوق والحب والحزن كغلة العطش. والوجناء: الوثيرة القصيرة. والعيهل: الطويلة. والزل: الملس. اه. وقوله: إن تبخلي هو من البخل أي: إن تبخلي علينا بوصلك. وجمل بضم الجيم من أسماء نساء العرب. وتعتلي من الاعتلاء وهو التمارض والتمسك بحجة. والظاعن من ظعن من باب نفع إذا ارتحل.
والمولي من وليت عنه إذا أعرضت عنه وتركته. وتعتلي وتصبحي معطوفان على تبخلي ولهذا جزما بحذف النون. وقوله: نسل جواب الشرط مجزوم بحذف الياء وأوله نون المتكلم من التسلية وهو إذهاب الهم ونحوه بالسلو. قال أبو زيد: السلو: طيب نفس الإلف عن إلفه.
والوجد: الغم والحزن. والهائم أراد به الشاعر نفسه وهو من هام إذا خرج على وجهه لا يدري أين يتوجه إن سلك طريقا مسلوكا فإن سلك طريقا غير مسلوك فهو راكب التعاسيف.
كذا في المصباح. والمغتل بالغين المعجمة من الغلة بالضم وهي حرارة العطش. وفسر المغتل صاحب الصحاح بشديد العطش. وقوله: بيازل متعلق بنسل والبيازل: الداخل في السنة التاسعة من الإبل ذكرا كان أو أنثى والمراد هنا الثاني لقوله وجناء. وفسرها أبو زيد بالوثيرة بالثاء المثلثة وهي الكثيرة اللحم والتي لا تتعب راكبها. والمشهورة تفسيرها بالناقة الشديدة.)
والعيهل: فسره أبو زيد بالطويلة وقال غيره: هي السريعة. قال صاحب العباب: العيهل والعيهلة: الناقة السريعة. قال أبو حاتم: ولا يقال جمل عيهل وتشديد اللام
لضرورة الشعر. اه.
وبه يظهر فساد قول السخاوي في سفر السعادة: إن العيهل: النجيب من الإبل والأنثى عيهلة.
ويرد عليه أيضا قوله وجناء.

128
وقوله: مهواها مصدر بمعنى الهوي والسقوط. والكلكل كجعفر: الصدر وتشديد اللام ضرورة أيضا. وثفنات: جمع ثفنة بفتح المثلثة وكسر الفاء بعدها نون وهو ما يقع على الأرض من أعضاء الإبل إذا استناخ وغلظ كالركبتين وغيرهما. وزل بالضم جمع أزل وهو الخفيف. وفسره أبو زيد بملس. وهو غير مناسب إذ المراد تشبيه الأعضاء الخشنة الغليظة من الناقة بكثرة الاستناخة بكفي راهب قد شثنت وخشنت من كثرة اعتماده عليهما في السجود. وروى: رجلي راهب بدل كفي راهب. والغبش بفتحتين: بقية الليل.
وأراد بالتجلي النهار. وهذه أرجوزة طويلة أورد منها شراح شواهد سيبويه جملة وكذلك أبو علي في المسائل العسكرية. وقوله: أورده سيبويه في باب الوقف لرجل من بني أسد على أن تضعيف الآخر في القافية ضرورة.
قال الأعلم: الشاهد فيه تشديد عيهل في الوصل ضرورة وإنما يشدد في الوقف ليعلم أنه متحرك في الوصل. قال أبو علي في المسائل العسكرية أما العيهل والكلكل فاستعمالهما بتحفيف فقدر الوقف عليه فضاعف إرادة للبيان. وهذا ينبغي أن يكون في الوقف دون الوصل لأن ما يتصل به في الوصل يبين الحرف وحركته. فمن ذلك من قال في الوقف: هذا خالد. فإذا وصل قال: هذا خالد كما ترى. ويضطر الشاعر فيجري الوصل بهذه الإطلاقات في القوافي مجرى الوقف.
وقد جاء ذلك في النصب أيضا.

129
قال: مثل الحريق وافق القصبا وهذا لا ينبغي أن يكون في السعة. اه. وهذه الأرجوزة نسبها السخاوي في سفر السعادة لمنظور بن مرثد الأسدي. قال: وقيل لغيره. ونسبه الصاغاني في العباب لمنظور بن حبة الأسدي وهما واحد فإنما مرثدا أبوه وحبة أمه فبعضهم ينسبه إلى أبيه وبعضهم إلى أمه. قال الصاغاني في العباب: منظور بن حبة راجز من بني أسد. وحبة أمه واسم أبيه مرثد بن فروة بن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن جحوان بن طريف بن عمرو بن قعين. اه. وقعين: ابن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة. وأنشد بعده:)
على أن جملة هل رأيت إلى آخرها صفة لمذق بتقدير القول.

130
وتقدم شرحه مستوفى في الشاهد السادس والتسعين. وأنشد بعده الشاهد الثالث والأربعون بعد الأربعمائة وهو من شواهد س:
* ولقد أبيت من الفتاة بمنزل
* فأبيت لا حرج ولا محروم
* على أن لا حرج عند الخليل مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة محكية بقول محذوف أي: أبيت مقولا في: هو لا حرج ولا محروم. وهذا من حكاية الجمل بتقدير المبتدأ ولا يصح أن يكون من حكاية المفرد لأن حكاية إعرابه إنما تكون إذا أريد لفظه نحو: قال فلان: زيد إذا تكلم بزيد مرفوعا وفي غير هذا يجب نصبه إلا أن يكون بتقدير شيء فنجب حكاية إعرابه كما هنا. وهذا نص سيبويه في المسألة: وزعم الخليل أن أيهم إنما وقع في قولهم: اضرب أيهم أفضل على أنه حكاية كأنه قال: اضرب الذي يقال له: أيهم أفضل. وشبه بقول الأخطل: ولقد أبيت من الفتاة بمنزل............. البيت قال الأعلم: الشاهد في رفع حرج ومحروم وكان وجه الكلام نصبهما على الحال. ووجه رفعهما عند الخليل الحمل على الحكاية والمعنى: فأبيت كالذي يقال له لا حرج ولا محروم.

131
ولا يجوز: رفعه حملا على مبتدأ مضمر كما لا يجوز: كان زيد لا قائم ولا قاعد على تقدير: لا هو قائم ولا هو قاعد لأنه ليس موضع تبعيض ولا قطع فلذلك حمله على الحكاية. اه. وقال النحاس: قال سيبويه: زعم الخليل أن هذا ليس على إضمار أنا ولو كان كذلك لجاز: كان عبد الله لا مسلم ولا صالح ولكنه فيما زعم الخليل: فأبيت كالذي يقال له: لا حرج ولا محروم.
وإنما فر الخليل من إضمار أنا وإن كانت قد تضمر في هذا الموضع لأنه يلزم عليه أن يقول: كنت لا خارج ولا ذاهب. وهذا قبيح جدا فجعله على الحكاية: فأبيت بمنزلة الذي يقال له: لا حرج ولا محروم أي: إنها لم تحرمني فيقال لي محروم ولم أتحرج من حضوري نعها فيقال لي: حرج. وقال أبو إسحاق الزاج: هو بمعنى لا حرج ولا محروم في مكاني. فإذا لم يكن في مكانه حرجا ولا محروما فهو لا حرج ولا محروم. وزعم الجرمي أنه على معنى فأبيت وأنا لا حرج ولا محروم. قال سيبويه: وقد زعم بعضهم أنه على النفي كأنه قال: فأبيت لا حرج ولا محروم بالمكان الذي أنا فيه. وكلام أبي إسحاق شرح لهذا. قال أبو الحسن: فيكون في المكان الذي أنا)
فيه خبرا عن حرج والجملة خبر أبيت. انتهى كلام النحاس. قال السيرافي: وهذا التفسير أسهل لأن المحذوف خبر حرج وهو ظرف وحذف الخبر في النفي كثير كقولنا: لا حول ولا قوة إلا بالله أي: لنا. وقوله: ولقد أبيت قال صاحب المصباح: بات له معنيان: أحدهما كما نقل الأزهري عن الفراء: بات الرجل إذا سهر الليل كله في طاعة أو معصية. وثانيهما: بمعنى صار يقال: بات بموضع كذا أي: صار به سواء كان في ليل أو نهار. وعليه قوله عليه الصلاة والسلام: فإنه لا يدري أين باتت يده أي: صارت ووصلت. اه.

132
والمناسب هنا المعنى الثاني. والرواية في ديوان الأخطل: ولقد أكون. والمستقبل هنا في موضع الماضي لأنه يريد أن يخبر عن حاله فيما مضى وأكثر ما يجيء هذا
فيما علم منه ذلك الفعل خلقا وطبعا وقد تكرر ذلك الفعل منه ولا يكون كفعل فعله في الدهر مرة واحدة. والفتاة: الجارية الشابة يريد أنه كان في شبابه تحبه الفتيات ويبيت عندهن بمنزل يعني بمنزلة جميلة. والحرج بفتح الحاء وكسر الراء: المضيق عليه. يقول: إن موضعه لم يكن مضيقا به ولا هو محروم من جهتها ما يريده.
وقبل هذا البيت:
* ولقد يكن إلي صورا مرة
* أيام لون غدائري يحموم
* والنون في يكن ضمير النساء الغواني في بيت قبله. والصور: جمع صائرة بمعنى مائلة. والغدائر: الذوائب جمع غديرة. واليحموم: الأسود. والبيتان من قصيدة ذكر فيها ما كان يفعله أيام الشباب ثم توعد جميعا وهو رجل من كلب بأنه إن لم يمسك لسانه عنه هجاه وهجا قبيلته.
والأخطل شاعر نصراني من شعراء الدولة الأموية. وقد تقدمت ترجمته في الشاهد الثامن
الشاهد الرابع والأربعون بعد الأربعمائة وهو من شواهد س:

133
* دعي ماذا علمت سأتقيه
* ولكن بالمغيب نبئيني
* على أن ذا هنا زائدة بعد ما الموصولة. وهذا مخالف لكلام سيبويه فيهما فإن ما عنده في البيت استفهامية و ذا اسم مركب معها جعلا بمنزلة شيء واحد. وهذا نص كلامه: وأما إجراؤهم ذا مع ما بمنزلة اسم واحد فهو قولك: ماذا رأيت فتقول: خيرا كأنك قلت: ما رأيت فلو كانت ذا لغوا لما قالت العرب: عما ذا تسأل ولقالوا: عم ذا تسأل ولكنهم جعلوا ما و ذا اسما واحدا كما جعلوا ما وإن حرفا واحدا حين قالوا: إنما. ومثل ذلك: كأنما وحيثما في الجزاء ولو كان ذا بمنزلة الذي في ذا الموضع البتة لكان الوجه في ماذا رأيت إذا أراد الجواب أن يقول: خير وقال الشاعر: وسمعنا بعض العرب يقوله:
* دعي ماذا علمت سأتقيه
* ولكن بالمغيب نبئيني
* ف الذي لا يجوز في هذا الموضع وما لا يحسن أن تلغيها. انتهى كلامه. وقال أبو حيان في تذكرته: قال بعضهم: ذا مع ما شيء واحد وموضع ماذا نصب ب علمت وهي الاستفهامية على ما حكى سيبويه. وحكى السيرافي أن ماذا في البيت بمعنى الذي وعلمت صلة وحذفت الهاء العائدة وماذا في موضع نصب بدعي والتقدير: دعي الذي علمت فإني سأتقيه.

134
وهو أصح معنى مما حكى سيبويه لأنه جعلها استفهامية منصوبة بعلمت الواقع بعدها وهو فاسد من طريق المعنى. ويمكن أن يكون منصوبا بإضمار فعل يدل عليه سأتقيه كأنه قال: دعي كل شيء سأتقي ماذا علمت سأتقيه. اه. وقد خفي على الأعلم ظهور كون ما في البيت استفهامية فزعم أنها موصولة قال: الشاهد فيه جعل ماذا اسما واحدا بمنزلة الذي والمعنى دعي الذي علمته فإني سأتقيه لعلمي مثل الذي علمت ولكن نبئيني بما غاب عني وعنك مما يأتي به الدهر أي: لا تعذليني فيما أبادر به الزمان من إتلاف مالي في وجوه الفتوة ولا تخوفيني الفقر. اه. والمفهوم من تقريره أن التاء من علمت مكسورة. قال النحاس: وهي رواية أبي الحسن وأما رواية أبي إسحاق فهي بضم التاء. قال النحاس: ف إذا هنا لا تكون بمعنى الذي لأنه لا يجوز دعي ما الذي علمت. قال أبو إسحاق: لا يكون ذا هنا إلا بمنزلة اسم مع ما وذلك أنها لا تخلو من إحدى ثلاث جهات: إما أن تكون ما صلة وذا بمعنى الذي وهذا لا يجوز)
لأن ذا لا يكون بمعنى الذي إلا مع ما ومن الاستفهاميتين وكذا استعملت. وإما أن يكون ما بمعنى الذي وذا بمعنى الذي فتكون ما مفعولة وذا مبتدأ وعلمت صلة ويبقى المبتدأ بلا خبر. فإن قلت: أضمر هو فكأنك قلت: دعي الذي هو الذي علمت. فهذا قبيح. وهذا الذي قال سيبويه والذي لا يجوز في هذا الموضع لئلا يلزم أن تحذف هو منفصلة. الثالث: أن تكون ما مع ذا بمنزلة اسم واحد. اه. ولا يخفى أنه لم يعين معنى ماذا بعد هذا الترديد هل هي استفهام أو موصول. وذهب ابن عصفور إلى أن ما استفهامية و ذا موصولة وقال: لا يكون ماذا مفعولا لدعي لأن الاستفهام له الصدر. ولا لعلمت لأنه لم يرد أن

135
يستفهم عن معلومها ما هو. ولا لمحذوف يفسره سأتقيه لأن علمت حينئذ لا محل له. بل ما استفهام مبتدأ وذا موصول خبر وعلمت صلة وعلق دعي عن العمل بالاستفهام. اه. ولا يخفى أن هذا مبني على رواية كسر التاء من علمت وأما على رواية ضمها فلا استفهام إذ المعنى: دعي ما علمته أنا وخبريني ما جهلته. وأورد عليه ابن هشام في المغني بعد نقل كلامه أن قوله لم يرد أن يستفهمها عن معلومها لازم له إذا جعل ماذا مبتدأ وخبرا. ودعواه تعليق دعي مردودة لأنها ليست من أفعال القلوب فإن قال: إنما أردت أنه قدر الموقف على دعي فاستأنف ما بعده رده قول الشاعر: ولكن فإنها لا بد أن يخالف ما بعدها ما قبلها والمخالف هنا دعي فالمعنى دعي كذا ولكن افعلي كذا. وعلى هذا فلا يصح استئناف ما بعد دعي لأنه لا يقال من في الدار فإنني أكرمه ولكن أخبرني عن كذا. اه. وذهب أبو علي في المسائل المنثورة إلى أن ماذا بمعنى شيء نكرة. قال: ولا يجوز أن أجعل ذا في تأويل الذي لأنها لم تجىء في تأويل الذي إلا في الاستفهام. وها هنا ليس معنى استفهام ولكن معنى ما و ذا بمعنى شيء فيكون بمعنى اسم واحد فيكون تقديره: دعي شيئا علمت ويكون علمت صفة لماذا. والشاهد على هذا القول أن ما وذا إنما جاءت بمعنى شيء واحد في الاستفهام والاستفهام نكرة وهي ها هنا أيضا مبهمة فحملتها على النكرة التي جاءت في الاستفهام. اه. وعلمت هنا بمعنى عرفت ولهذا تعدى إلى مفعول واحد. والنبأ: الخبر. والبيت من أبيات سيبويه الخمسين التي ما عرف قائلها والله أعلم به. وزعم العيني وتبعه السيوطي في شرح شواهد المغني أنه من قصيدة للمثقب العبدي مطلعها:

136
* أفاطم قبل بينك متعيني
* ومنعك ما سألت كأن تبيني
*)
وهذا لا أصل له وإن كان الروي والوزن شيئا واحدا فإن قصيدة المثقب العبدي قد رواها جماعة منهم المفضل الضبي في المفضليات ومنهم أبو علي القالي في أماليه وفي ذيل أماليه ولم يوجد البيت فيها ولم يعزه إليه أحد من خدمة كتاب سيبويه وهم أدرى بهذه الأمور. والله أعلم. وأنشد بعده الشاهد الخامس والأربعون بعد الأربعمائة وهم من شواهد س: على أن ما مبتدأ و ذا زائدة وجملة يحاول خبر المبتدأ والرابط محذوف أي: يحاوله. وهذا مخالف لسيبويه ومن تبعه فإن جعل ذا هنا موصولة وهذا نصه: أما إجراؤهم ذا بمنزلة الذي فهو قولهم: ماذا رأيت فيقول: متاع حسن.

137
وقال لبيد: ألا تسألان المرء ماذا يحاول............. البيت قال الأعلم وابن السيرافي: التقدير: ما الذي يحاول ف ما: مبتدأ و ذا خبره ويحاول: صلة ذا كأنه قال: أي شيء الذي يحاوله بدليل قوله: أنحب. ولو كان ذا مع ما كشيء واحد لكان ماذا منصوبا بيحاول وكان مفسره الذي هو نحب منصوبا لأنه استفهام مفسر للاستفهام الأول فهو على إعرابه ولوجب أن يقال: أنحبا فيقضى أم ضلالا وباطلا. اه. وكذلك قال أبو علي في إيضاح الشعر كأنه قال: ما الذي يحاوله أألذي يحاوله نحب أم ضلال ولو كان ذا مع ما في البيت اسما واحدا كما كان في قوله تعالى: ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا لكان النحب نصبا.
اه. ونقل النحاس عن ابن كيسان أنه قال هنا: إن شئت جعلت ما و ذا شيئا واحدا لأن ما تكون لكل الأشياء و ذا كذلك فوافقتها في الإبهام فقرتنا. والذي أختار إذا جعلا شيئا واحدا أن يكون ذا صفة لما. انتهى. وكذلك قال الدماميني في الحاشية الهندية: كون ذا موصولا لا يتعين لاحتمال أن يكون ماذا كله اسما واحدا مرفوعا على أنه مبتدأ ويحاول خبره والرابط محذوف أي: يحاوله. ومثله في الشعر جائز. ونحب بدل من المبتدأ ويحتمل أن يكون ماذا كله في محل نصب على أنه مفعول يحاول و لا ضمير محذوفا. فإن قلت: يبطله رفع البدل. قلت: لا يكون نحب حينئذ بدلا بل يكون خبر مبتدأ مضمر. اه.

138
أقول أما النصب فقد جوزه الفراء في تفسيره عند قوله تعالى: ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال: تجعل ما في موضع نصب وتوقع عليها ينفقون ولا تنصبها بيسألونك. وإن شئت رفعتها من وجهين: أحدهما أن تجعل ذا اسما)
يرفع ما كأنك قلت: ما الذي ينفقون. والعرب قد تذهب بهذا وذا إلى معنى الذي. والرفع الآخر: أن تجعل كل استفهام أوقعت عليه فعلا بعده رفعا لا يجوز تقديمه قبل الاستفهام فجعلوه بمنزلة الذي إذ لم يعمل فيها الفعل الذي بعدها. فإذا نويت ذلك رفعت العفو كذلك كما قال الشاعر: ألا تسألان المرء ماذا يحاول............. البيت رفع النحب لأنه نوى أن يجعل ما في موضع رفع ولو قال: أنحبا فيقضى أم ضلالا وباطلا كأن أبين في كلام العرب وأكثر. اه. وأما جعل نحب خبر مبتدأ فقد نقله ابن هشام اللخمي في شواهد الجمل وقواه. قال: نحب بدل من ما وقيل: إن نحبا خبر مبتدأ مضمر والتقدير: أهو نحب والمبتدأ والخبر بدل من موضع ماذا. وهذا أقوى لأنه أبدل جملة من جملة لما كانت في معناها. اه. ومثله لابن السيد في شرح شواهد الجمل قال: من اعتقد في نحب البدل فموضع ما رفع على كل حال ومن اعتقد أن قوله أنحب مرتفع على خبر مبتدأ مضمر كأنه قال: أهو نحب جاز أن تكون ما مرفوعة المحل وجاز أن تكون منصوبة الموضع. اه. وقال ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل: إذا كان ذا بمعنى الذي ففيه وجوه: أحدهما: أن يكون خبر ما وأن يكون بدلا منها وأن يكون خبرا

139
لمبتدأ محذوف تقديره: ما هو الذي يحاول. اه. أقول: أما الثاني فباطل لأنه لو كان كذلك لوجب أن قترن مع البدل استفهام كما اقترن بقوله: نحب على تقدير كونه بدلا من ما. وأما الثالث فلا يجوز لعدم القرينة على الحذف. وبقي عليه أن يقول: ما خبر مقدم و ذا مبتدأ مؤخر كما اختلفوا في قولهم: كم مالك. وقوله: ألا تسألان إلخ ألا: كلمة يستفتح بها الكلام ومعناه التنبيه. وتسألان خطاب لصاحبين له وقيل: إنما هو خطاب لواحد. وزعم بعضهم أن العرب تخاطب الواحد بخطاب الاثنين. وحكي عن بعض الفصحاء وهو الحجاج: يا حرسي اضربا عنقه وزعموا أن قوله تعالى: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد أنه خطاب للملك. وهذا شيء ينكره حذاق البصريين لأنه إذا خاطب الواحد بخطاب الاثنين وقع اللبس. وذهب المبرد إلى أن التثنية على التوكيد تؤدي عن معنى ألق ألق.
وخالفه أبو إسحاق بأنه في كله خطاب لاثنين وهو الظاهر هنا والسؤال هنا بمعنى الاستفهام يقال: سألته عن كذا فهو يتعدى إلى المسؤول منه بنفسه وإلى المسؤول عنه بحرف عن فجملة ماذا يحاول في موضع المفعول الثاني المقيد ب عن المعلق عن العمل بالاستفهام. والمحاولة:)
استعمال الحيلة وهي الحذق في تدبير الأمور وهو تقليب الفكر حتى يهتدي إلى المقصود.
والحيلة أصلها حولة إن قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. ولام المرء للعهد الذهني نحو: إذ هما في الغار. أي: سلا الإنسان الساعي

140
في تحصيل الدنيا. وقيل اللام للجنس لا يعني امرأ معينا. وقال ابن المستوفي: يعني بالمرء نفسه والناس فيه سواء. والنحب: بفتح النون وسكون المهملة ه معان المراد هنا النذر وهو ما ينذره الإنسان على نفسه ويوجب عليها فعله على كل حال. يقول اسألوا هذا الحريص على الدنيا عن هذا الذي هو فيه أهو نذر نذره على نفسه فرأى أنه لابد من فعله أم هو ضلال وباطل عن أمره. وقوله: فيقضى روي بالبناء للفاعل وبالبناء للمفعول وعليهما الجملة خبر لمبتدأ محذوف أي: هو يقضي. وهذا المبتدأ ضمير المرء على الرواية الأولى وضمير النحب على الرواية الثانية. والفاء هنا للاستئناف كقوله: يريد أن يعربه فيعجمه وقصره بعضهم على الرواية الثانية فقال: هو في موضع نصب على أنه جواب الاستفهام وليس بمعطوف على يحاول. وقد سها العيني هنا سهوا فاحشا فزعم أن جملة يقضي في محل رفع صفة ل نحب. ويجوز أن تكون في محل نصب على تقدير انتصاب النحب.
اه. فإن الفاء مانعة من الوصفية وكأنه قاسها على واو اللصوق.

141
والبيت أول قصيدة للبيد العامري الصحابي وتقدمت ترجمته مع شرح أبيات منها في الشاهد الثالث والعشرين بعد المائة. وأنشد بعده
الشاهد السادس والأربعون بعد الأربعمائة
* وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا
* سوى أن يقولوا: إنني لك عاشق
* على أن ذا قيل إنها زائدة لا موصولة. وذهب ابن جني في إعراب الحماسة عند قول المعلوط السعدي:
* غيضن من عبراتهن وقلن لي
* ماذا لقيت من الهوى ولقينا
* إلى أن ماذا فيه مركبة بمعنى المصدر مبتدأ أي: تحديث وجملة عسى خبره. ولم يلتفت إلى إنشائيته لوروده في الخبر إما لأنه بتقدير قول محذوف كما هو مذهب الجمهور وإما بدونه كما هو مذهب البعض. وهذه عبارته: لا سبيل إلى أن تنصب ماذا على أنهما اسم واحد بيتحدثوا لأنه في صلة أن

142
فيجرى هذا في امتناع ما بعد أن من الموصول إليه مجرى ذكر من قولك: أذكر أن تلد ناقتك أحب إليك أم أنثى وماذا هنا بمعنى المصدر فترفعه بالابتداء وتضمر له عائدا كقولك: أي قيام عسى زيد أن يقول وأنت تريد يقومه فتحذف الهاء وترفع الأول مضطرا إلى رفعه إذ لا سبيل إلى نصبه. ويضعف أن تكون ذا بمنزلة الذي وذلك لما تصير إليه ما وصل الذي بعسى. وفيه ذهاب عن البيان والإيضاح بالصلة. فإن قلت: فقد قال الفرزدق:
* وإني لرام نظرة قبل التي
* لعلي وإن شطت نواها أزورها
* فإن أبا علي يتأول هذا ويتناوله على الحكاية حتى كأنه قال: قبل التي يقال فيها: لعلي. وباب الحكاية طريق مهيع يتقبل فيه كل تأول وما أشبهه إلا بالمنام أو حديث البحر الذي انطوت النفوس على تقبل ما يعرض فيه وترك التناكر لشيء يرد عنه. اه مختصرا. والبيت أورده أبو تمام في الحماسة وبعده بيت ثان ونسبهما لجميل العذري وهو:
* نعم صدق الواشون أنت كريمة
* علينا وإن لم تصف منك الخلائق
* يقول: الواشون لا يقدرون في وشايتهم على أكثر مما أن يقولوا: إنني لك عاشق. ثم أوجب بقوله: نعم. فكأنه قال: قد صدقوا فيما ادعوه أنت تكرمين

143
علينا وإن لم نصادف من أخلاقك صفاء. والواشي: النمام الذي يحسن الكلام ويزوقه للإفساد بين اثنين من الوشي وهو التزيين.
وروى: وامق بدل عاشق وهو بمعناه. وروى: حبيبة إلي بدل كريمة علينا. وهو مناسب.
وترجمة جميل العذري تقدمت في الشاهد الثاني والستين. وقد روى صاحب الأغاني هذين البيتين من جملة أبيات لمجنون بني عامر وهو قيس بن الملوح المشهور بمجنون ليلى. روى بسنده)
عن الهيثم بن عدي أن رهط المجنون اجتازوا في نجعة لهم بحب ليلى فرأى أبيات أهلها ولم يقدر على الإلمام بهم وعدل أهله إلى وجهة أخرى فقال المجنون:
* لعمرك إن البيت بالقبل الذي
* مررت ولم ألمم عليهم لشائق
*
* كأني إذا لم ألق ليلى معلق
* بسبين أهفو بين سهل وحالق
*
* على أنني لو شئت هاجت صبابتي
* علي رسوم عي منها المناطق
*
* لعمرك إن الحب يا أم مالك
* بقلبي يراني الله منك للاصق
* وماذا عسى الواشون......... إلى آخر البيتين وكذلك نسبهما ابن نباتة المصري في شرح رسالة ابن زيدون إلى المجنون إلا أنه أورد بعدهما بيتين آخرين وهما:
* كأن على أنيابها الخمر شجها
* بماء سحاب آخر الليل غابق
*

144
* وما ذقته إلا بعيني تفرسا
* كما شيم في أعلى السحابة بارق
* وترجمة المجنون قد تقدمت في الشاهد التسعين بعد المائتين. وأنشد بعده:
* وإني لرام نظرة قبل التي
* لعلي وإن شطت نواها أزورها
* على أن جملة لعلي إلخ مقولة بقول محذوف وهو الصلة أي: قبل التي أقول لعلي إلخ. وقد تقدم الكلام عليه مفصلا في أول الباب في الشاهد الخامس عشر بعد الأربعمائة. وأنشد بعده الشاهد السابع والأربعون بعد الأربعمائة
* من اللواتي والتي واللاتي
* زعمن أني كبرت لداتي
* على أن جملة زعمن إلخ صلة الموصول الأخير وصلة كل من الموصولين الأولين محذوفة للدلالة عليها بصلة الثالث والتقدير: من اللواتي زعمن ومن النساء التي زعمن.

145
ويجوز أن تكون صلة للموصولات الثلاثة لاتحاد مدلولها ولا يجوز أن تكون صلة للثاني فقط هذا تقرير كلام الشارح المحقق وأما غيره فقد جعل الصلة للموصول الأخير فقط وصلة كل مما قبله محذوفة منهم ابن الشجري في أماليه قال: أنشد المبرد في المقتضب:
* بعد اللتيا واللتيا والتي
* إذا علتها أنفس تردت
* لم يأت للموصولين الأولين بصلة لأن صلة الموصول الثالث دلت على ما أراد. ومثله: من اللواتي والتي واللاتي............... البيت)
وصل اللاتي وحذف صلة اللواتي والتي للدلالة عليها. ومما حذف منه صلة موصولين فلم يؤت فيه بصلة قول سلمي بن ربيعة السيدي:
* ولقد رأبت ثأى العشيرة بينها
* وكفيت جانبها اللتيا والتي
* أراد اللتيا والتي تأتي على النفوس لأن تأنيث اللتيا والتي ها هنا إنما هو لتأنيث الداهية. ألا ترى إلى قوله:

146
بعد اللتيا واللتيا والتي وتردت: تفعلت من الردى مصدر ردي يردى إذا هلك أو من التردي الذي هو السقوط من علو. حذف الصلة من هذا الضرب من الموصولات إنما هو لتعظيم الأمر وتفخيمه. وقد جاء التصغير في كلامهم للتعظيم كقوله: دويهية تصفر منها الأنامل أراد بالدويهية الموت ولا داهية أعظم منها فتحقير اللتيا ها هنا للتعظيم. والرأب: الإصلاح. والثأى بفتح المثلثة والهمزة وبعدها ألف تكتب ياء: الفساد. والظرف متعلق بالثأى أي: أصلحت ما فسد بينها. اه. وإنما نقلته هنا بتمامه لأنه كالشرح لما سيأتي قريبا. ومنهم أبو علي قال في إيضاح الشعر عند قول الشاعر وتقدم شرحه: من النفر اللاء الذين إذا هم.......... البيت المتقدم يجوز أن يكون حذف صلة الأول لأن صلة الموصول الذي بعده تدل عليها كقول الآخر: من اللواتي والتي واللاتي............. البيت

147
فلم يأت للموصولين الأولين بصلة. اه. وقوله: من اللواتي حرف الجر متعلق بما قبل البيت.
واللواتي واللاتي كلاهما جمع التي. وكبرت من الكبر في السن وقد كبر الرجل بكسر الباء يكبر بفتحها كبرا بكسر الكاف وفتح الباء. وروى صاحب الصحاح: زعمنا أن قد كبرت لداتي ولداتي: جمع لدة ولدة الرجل: تربه الذي ولد معه قريبا والهاء عوض من الواو الذاهبة في أوله لأنه من الولادة ويجمع على لدون أيضا. والزعم يطلق على القول والظن قال الأزهري: وأكثر ما يكون الزعم فيما يشك فيه ولا يتحقق. وقال بعضهم: هو كناية عن الكذب. وقال المرزوقي: أكثر ما يستعمل فيما كان باطلا أو فيه ارتياب. والبيت لا أعرف ما قبله ولا قائله مع كثرة وجوده في كتب النحو. والله أعلم. وأنشد بعده
الشاهد الثامن والأربعون بعد الأربعمائة
* فإن أدع اللواتي من أناس
* أضاعوهن لا أدع الذينا
*

148
قال أبو علي الفارسي في إيضاح الشعر: أنشده أحمد بن يحيى ثعلب وقال: يقول: فإن أدع النساءاللاتي أولادهن من رجال قد أضاعوا هؤلاء النساء. أي: لا أهجو النساء ولكن أهجو الرجال الذين لم يمنعوهن. فعلى تفسيره ينبغي أن يكون المبتدأ مضمرا في الصلة كأنه قال: فإن أدع اللواتي أولادهن من أناس أضاعوهن فلن يحموهن
كما تحمي البعولة أزواجها فلا أدع الذين.
والتقدير: إن أدع هجو هؤلاء النساء الضعاف لا أدع هجو الرجال المضيعين وذمهم على فعلهم. فالمضاف محذوف في الموضعين. وتقدير حذف المبتدأ غير ممتنع هنا وقد حذف المبتدأ من الصلة نحو قول عدي: أي: ما هو عواقبها فحذف. وكذلك يمكن أن يكون قوله: ألا ليتما هذا الحمام لنا وقد يستقيم أن تكون الصلة من أناس فتكون مستقلة. وإن لم تقدر حذف المبتدأ فيكون التقدير على أحد أمرين: إما أن يكون اللواتي من نساء أناس فحذف المضاف أو يكون اللواتي من أناس على ظاهره لا تقدر فيه حذفا فيكون معنى قوله من النساء هن من أناس على معنى أنهم يقومون بهن وبالإنفاق عليهن. وأما صلة الذين فمحذوف من اللفظ للدلالة عليها فيما جرى من ذكرها تقديره: الذين أضاعهن. اه. وأورده أبو عبيد القاسم بن سلام في أمثاله وقال: الذين ها هنا لا صلة لها. والمعنى: إن أدع ذكر النساء فلا أدع الذين يريد الرجال أي: إني إن تركت شتم النساء فلا أترك شتم الرجال. اه.

149
وأورده أبو بكر بن السراج أيضا في أصوله قال: إن الكوفيين يقولون: إن العرب إذا جعلت الذي والتي لمجهول مذكر أو مؤنث تركوه بلا صلة نحو قول الشاعر: فإن أدع اللواتي من أناس.............. البيت ولا أدع جواب الشرط ولهذا جزم وكسرة العين لدفع التقاء الساكنين. وهذا البيت من قصيدة طويلة للكميت بن زيد هجا بها قحطان أعني قبائل اليمن تعصبا لمضر. وتقدم سبب هجوه لأهل اليمن بهذه القصيدة في الشاهد الرابع والعشرين. وتقدم أيضا بعض من هذه القصيدة مع
الشاهد التاسع والأربعون بعد الأربعمائة دويهية تصفر منها الأنامل على أن تصغير دويهية للتعظيم فإنه أراد بها الموت ولا داهية أعظم منها

150
والتصغير غير مناسب لذكر الموت. والدليل على أنه أراد بها الموت كقوله: تصفر منها الأنامل. والمراد من الأنامل الأظفار فإن صفرتها لا تكون إلا بالموت. وقال الطوسي في شرح ديوان لبيد: إذا مات الرجل أو قتل اصفرت أنامله واسودت أظافره. ولم يرتضه الشارح المحقق في شرح الشافية فإنه قال: قيل مجيء التصغير للتعظيم فيكون من باب الكناية يكنى بالصغر عن بلوغ الغاية في العظم لأن الشيء إذا جاوز حده جانس ضده. وقريب منه قول الشاعر:
* وكل أناس سوف تدخل بينهم
* دويهية تصفر منها الأنامل
* ورد بأن تصغيرها على حسب احتقار الناس لها وتهاونهم بها إذ المراد بها الموت أي: يجيئهم ما يحتقرونه مع أنه عظيم في نفسه تصفر منه الأنامل. واستدل أيضا بقوله:
* فويق جبيل سامق الرأس لم تكن
* لتبلغه حتى تكل متعملا
* ورد بتجويز كون المراد دقة الجبل وإن كان طويلا وإذا كان كذا فهو أشد لصعوده. اه.

151
وكذلك الجاربردي لم يرتضه وأوله بوجهين: أحدهما: أن التصغير فيه لتقليل المدة. وثانيهما: بأن المراد أن أصغر الأشياء قد يفسد الأمور العظائم فحتف النفوس قد يكون بالأمر الصغير الذي لا يؤبد به. وقال الفالي في شرح اللباب: هذا على العكس كتسمية اللديغ سليما ونظائره إطلاقا لاسم الضد على الضد. وقد أورده المرادي في شرح الألفية بأن الكوفيين استدلوا به على مجيء التصغير للتعظيم. وأنشده ابن هشام في أربعة مواضع من المغني في أم وفي رب وفي كل وفي حذف الصلة من الباب الخامس. والداهية: مصيبة الدهر مشتقة من الدهي بفتح الدال وسكون الهاء وهو النكر فإن كل أحد ينكرها ولا يقبلها. ودهاه الأمر يدهاه إذا أصابه بمكروه. ورواه ابن دريد في الجمهرة: خويجية تصفر منها الأنامل وقال: الخويجية: الداهية وهي بخاءين معجمتين: مصغر الخوخة بالفتح وهي الباب الصغير. ورواها الطوسي أيضا عن أبي عمر و وقال: يقول: ينفتح عليهم باب يدخل منه الشر. وسوف: هنا للتحقيق والتأكيد.
والبيت من قصيدة للبيد بن ربيعة الصحابي وتقدمت ترجمته مع شرح أبيات منها في الشاهد الثالث والعشرين بعد المائة.

152
وأنشد بعده)
الشاهد الموفى الخمسين بعد الأربعمائة قول المتنبي: بئس الليالي سهدت من طربي شوقا إلى من يبيت يرقدها على أنه يخرج بحذف الموصول والتقدير: بئس الليالي التي سهدت قياسا على تخريج الكوفيين قوله تعالى: وما منا إلا له مقام معلوم أي: إلا من له مقام فإن الموصول يجوز حذفه عندهم.
وقد ارتضاه المحقق. وأشار إليه الواحدي في شرحه بقوله: يريد الليالي التي لم ينم فيها لما أخذه من القلق وخفة الشوق إلى الحبيب الذي كان يرقد تلك الليالي. وخرجه ابن الشجري في أماليه على حذف الموصوف أي: ليال سهدت. وهذا خاص بالشعر لأن الموصوف بالجملة أو الظرف إنما يجوز حذفه إذا كان بعضا منه مجرور ب من أو في. قال ابن الشجري: ومما أهمل مفسرو شعر أبي الطيب المتنبي تعريبه قوله: بئس الليالي سهدت من طربي............. البيت يتوجه فيه السؤال عن المقصود فيه بالذم وما موضع من طربي من الإعراب وما الذي نصب شوقا وكم وجها في نصبه وبم يتعلق إلى وكم حذفا في البيت

153
فأما المقصود بالذم فمحذوف وهو نكرة موصوفة ب سهدت والعائد إليه من صفته محذوف أيضا فالتقدير: ليال سهدت فيها. ونظير هذا الحذف في قوله تعالى: ومن آياته يريكم البرق. التقدير: آية يريكم البرق فيها. وجاء في الشعر حذف النكرة المجرورة الموصوفة بالجملة في قوله: أراد: بكفي رجل فحذف رجلا وهو ينويه. وقله: من طربي مفعول له ومن بمعنى اللام وشوقا يحتمل أن يكون مفعولا من أجله عمل فيه طربي فيكون الشوق علة للطرب. والطرب علة للسهاد. ولا يعمل سهدت في شوقا لأنه قد يتعدى إلى علة فلا يتعدى إلى أخرى إلا بعاطف كقولك: سهدت طربا وشوقا. ويحتمل أن ينتصب شوقا انتصاب المصدر كأنه قال: شقت شوقا أو
شاقني التذكر شوقا. وشقت بالبناء للمفعول كقول المملوك: قد بعت أي: باعني مالكي. فأما إلى فالوجه أن تعلقها بالشوق لأنه أقرب المذكورين إليها وإن شئت علقتها بالطرب وذلك إذا نصبت شوقا بطربي. فإن نصبته على المصدر امتنع تعليق إلى بطربي لأنك حينئذ تفصل شوقا وهو أجنبي بين الطرب وصلته. وكان الوجه في يرقدها يرقد فيها كما)
تقول: يوم السبت خرجت فيه ولا تقول خرجته إلا على التوسع في الظرف تجعله مفعولا به.
ففي البيت أربعة حذوف: الأول: حذف المقصود بالذم وهو ليال. الثاني: حذف في من سهدت فيها فصار سهدتها. والثالث: حذف الضمير من سهدتها. والرابع: حذف في من يرقدها.

154
وقد روى سهدتها طربا. وقد فرق بعض اللغويين بين السهاد والسهر فزعم أن السهاد للعاشق واللديغ والسهر في كل شيء. وأنشد قول النابغة: يسهد في ليل التمام سليمها وبت كما بات السليم مسهدا والطرب: خفة تصيب الإنسان لشدة سرور أو حزن. اه. والبيت من قصيدة للمتنبي قالها في صباه مدحا في محمد بن عبد الله العلوي. وهذه أربع أبيات من مطلعها:
* أهلا بدار سباك أغيدها
* أبعد ما بان عنك خردها
*
* ظلت بها تنطوي على كبد
* نضيجة فوق خلبها يدها
*
* يا حاديي عيسها وأحسبني
* أوجد ميتا قبيل أفقدها
*
* قفا قليلا بها علي فلا
* أقل من نظرة أزودها
*

155
نصب أهلا بمضمر تقديره: جعل الله تعالى بتلك الديار أهلا. وإنما تكون مأهولة إذا سقيت الغيث فينبت الكلأ فيعود إليها أهلها. وهو في الحقيقة دعاء لها بالسقي. والأغيد: الناعم البدن وأراد جارية وذكر اللفظ لأنه عنى الشخص. والخرد: جمع خريدة وهي البكر التي لم تمسس وأبعد مبتدأ وخردها الخبر أي: أبعد شيء فارقك جواري هذه الدار. وقوله: ظلت بها تنطوي إلخ يريد ظللت فحذف إحدى اللامين تخفيفا. يقول: ظللت بتلك الديار تنثني على كبدك واضعا يدك فوق خلبها. والمحزون يفعل ذلك كثيرا لما يجد في كبده من حرارة الوجد يخاف على كبده تنشق كما قال الصمة القشيري: والانطواء كالانثناء. والنضج لليد ولكن جرى نعتا للكبد لإضافة اليد إليها. وجعل اليد نضيجة لأنه أدام وضعها على الكبد فأنضجتها بما فيها من الحرارة ولهذا جاز إضافتها إلى الكبد. والعرب تسمي الشيء باسم غيره إذا طالت صحبته إياه كقولهم لفناء الدار: العذرة.
وإذا جازت هذه التسمية كانت الإضافة أهون فلطول وضع يده على كبده أضافها إليها كأنها لها لأنها لم تزل عليها. والخلب: غشاء للكبد رقيق لازب بها. وارتفع يدها بنضيجة وهو)
اسم فاعل يعمل عمل الفعل. ويجوز أن تكون نضيجة من صفة الكبد وتم الكلام ثم وضع اليد على الكبد. كذا في شرح الواحدي.

156
وأورد ابن هشام هذا البيت في الباب الثالث من المغني وقال: يحتمل قول المتنبي يذكر دار المحبوب: ظلت بها تنطوي البيت أن تكون اليد فيه فاعلة بنضيجة أو بالظرف أو بالابتداء. والأول أبلغ لأنه أشد للحرارة. والخلب: زيادة الكبد أو حجاب القلب أو ما بين الكبد والقلب. أضاف اليد إلى الكبد للملابسة بينهما لأنهما في الشخص. اه. وقوله: يا حاديي عيسها البيتين قال الواحدي: دع الحاديين ثم ترك ما دعاهما إليه حتى ذكره في البيت الذي بعده وأخذ في كلام آخر. وتسمي الرواة هذا الالتفات كأنه التفت إلى كلام آخر. أقول: هذا اعتراض وليس من الالتفات في شيء. وأراد قبيل أن أفقدها فلما حذف أن عاد الفعل إلى الرفع. وقال للحاديين الذين يحدوان عيرها: احتباسها علي زمانا قليلا لأنظر إليها وأتزود منها نظرة فلا أقل منها. ومن رفع أقل جعله بمنزلة ليس. وضمير بها يجوز أن يعود إلى العيس وإلى المرأة. وقريب من هذا في المعنى قول ذي الرمة:
* وإن لم يكن إلا تعلل ساعة
* قليل فإني نافع لي قليلها
* وأورد ابن هشام هذا البيت في المغني على أن لا فيه نافية للجنس عاملة عما إن. ويجوز رفع أقل على أن تكون عاملة عمل ليس. وترجمة المتنبي قد تقدمت في
الشاهد الحادي والأربعين بعد المائة. وأنشد بعده:

157
* لعمري لأنت البيت أكرم أهله
* وأقعد في أفيائه والأصائل
* على أن فيه حذف موصول عند الكوفيين والتقدير: لأنت البيت الذي أكرم أهله. وتقدم الكلام عليه في الشاهد الثامن عشر بعد الأربعمائة.
3 (باب الحكاية بمن و ما و أي))

158
أنشد فيه الشاهد الحادي والخمسون بعد الأربعمائة وهو من شواهد س:
* أتوا ناري فقلت: منون أنتم
* فقالوا الجن قلت: عموا ظلاما
* على أن يونس يجوز الحكاية ب من وصلا كما في البيت. قال سيبويه: وأما يونس فإنه يقيس منه على أية فيقول: منة ومنة ومنة إذ قال يا فتى. وهذا بعيد وإنما يجوز على قول شاعر قاله مرة في شعر ثم لا يسمع بعد: أتوا ناري فقلت: منون أنتم............. البيت وزعم يونس أنه سمع عربيا يقول ضرب من منا. وهذا بعيد لا تتكلم به العرب ولا تستعمله ناس كثير وكان يونس يقول: لا يقبل هذا كل أحد فإنما يجوز منون يا فتى على هذا. انتهى.

159
قال النحاس: وهذا عند سيبويه رديء لأن هذه العلامة إنما تقع في الوقف ولا تقع في الوصل فلما اضطر أجراه في الوصل على حاله في الوقف. وأنشد أبو الحسن بن كيسان: وقال: إنما حكى كيف كان كلامه وجوابه. انتهى. وهذه الرواية هي رواية أبي زيد في نوادره كما يأتي. ففي الرواية الأولى شذوذان كما في المفصل: إلحاق العلامة في الدرج وتحريك النون.
وفيه أيضا كما قال ابن الناظم في شرح الألفية أنه حكى مقدارا غير مذكور. وفي الثانية شذوذ واحد وهو تحريك النون. قال ابن جني في الخصائص: من رواه: منون قالوا فإنه أجرى الوصل مجرى الوقف. فإن قلت: فإنه في الوقف إنما يكون منون ساكن النون وأنت في البيت قد حركته. فهذا إذن ليس على نية الوقف ولا على نية الوصل. فالجواب: أنه إنما أجراه في الوصل على حده في الوقف فلما أثبت الواو والنون التقيا ساكنين فاضطر حينئذ إلى أن حرك النون لإقامة الوزن. فهذه الحركة إذن إنما هي حركة مستحدثة لم تكن في الوقف وإنما اضطر إليها في الوصل. وأما من رواه منون أنتم فأمره مشكل. وذلك أنه شبه من ب أي فقال: منون أنتم على قوله: أيون أنتم. فكما حمل ها هنا أحدهما على الآخر كذلك جمع بينهما في أن جرد من الاستفهام كل منهما. ألا ترى إلى حكاية يونس عنهم: ضرب من منا كقولك: ضرب رجل رجلا. انتهى. وقوله: أتوا ناري فقلت إلى آخره الفاء عطفت جملة قلت على أتوا. وهي)
للترتيب الذكري وهو عطف مفصل على مجمل نحو: فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه. وجملة منون أنتم من المبتدأ والخبر محكية

160
بالقول. ومنون إما مبتدأ وأنتم خبره أو بالعكس. والفاء من فقالوا عطفت مدخولها على قلت. والجن خبر مبتدأ محذوف أي: نحن الجن. والجملة محكية بقالوا. وكذلك على الرواية الثانية: فقلت منون قالوا سراة الجن أي: نحن أشرافها. وهو بفتح السين جمع سري على ما قيل بمعنى الشريف. وكذلك منون على تقدير منون أنتم. قال الجوهري: عموا صباحا: كلمة تحية. قال ابن السيرافي: وإنما قال لهم: عموا ظلاما لأنهم جن وانتشارهم بالليل فناسب أن يذكر الظلام كما يقال لبني آدم إذا أصبحوا: عموا صباحا. قال ابن السيد في شرح أبيات الجمل: ومعنى عموا انعموا يقال: عم صباحا بكسر العين وفتحها. ويقال: وعم يعم من باب وعد وومق. وذهب قوم إلى أن يعم محذوفة ينعم. وقالوا: إذا قيل عم بفتح العين فهو محذوف من أنعم المفتوح وإذا قيل عم بكسر العين فهو محذوف من ينعم المكسور العين. وحكى يونس أن أبا عمرو بن العلاء سأل عن قول عنترة: وعمي صباحا دار عبلة واسلمي فقال هو من نعم المطر إذا كثر ونعم البحر إذا كثر زبده كأنه يدعو لها بالسقية وكثرة الخير.
وقال الأصمعي والفراء في قولهم: عم صباحا: إنما هو دعاء بالنعيم والأهل وهذا هو المعروف وما حكاه يونس نادر غريب. وظلاما: ظرف

161
أي: انعموا في ظلامكم أو تمييز والأصل لينعم ظلامكم فحول إلى التمييز. انتهى. وقال ابن الحاجب في أماليه: ظلاما تمييز أي: نعم ظلامكم كما تقول: أحسن الله صباحك. ولا يحسن أن يكون ظرفا إذ ليس المراد أنهم نعموا في ظلام ولا في صباح وإنما المراد أنه نعم صباحهم وإذا حسن صباحهم كان في المعنى حسنهم. والبيت من أبيات أربعة رواه أبو زيد في نوادره ونسبها لشمير بن الحارث الضبي مصغر شمر بكسر المعجمة. قال أبو الحسن فيما كتبه على نوادر أبي زيد: سمير المذكور بالسين المهملة. وهي هذه:
* ونار قد حضأت لها بليل
* بدار لا أريد بها مقاما
*
* سوى تحليل راحلة وعين
* أكالئها مخافة أن تناما
*
* أتوا ناري فقلت: منون قالوا
* سراة الجن قلت: عموا ظلاما
*
* فقلت: إلى الطعام فقال منهم
* زعيم: نحسد الإنس الطعاما
*)
وزاد بعده غيره بيتا آخر وهو:
* لقد فضلتم بالأكل فينا
* ولكن ذاك يعقبكم سقاما
*

162
وزاد بعضهم بعده:
* أمط عنا الطعام فإن فيه
* لآكله النقاصة والسقامة
* قال السكري فيما كتبه هنا: حضأت أي: أشعلت وأوقدت يقال في تصريفها حضأت النار أحضؤها حضا وهو بالحاء المهملة والضاد المعجمة والهمزة. واللام في لها زائدة لأن حضأت متعد. وروى ابن السيد وغيره: ونار قد حضأت بعيد وهن وقال: الوهن والموهن: نحو من نصف الليل. والذي ذكره الأصمعي أن الوهم هو حين يدبر الليل. وهذا يدل له الاشتقاق. فالمجرور بواو رب في محل نصب على المفعول بحضأت. وقوله: سوى تحليل راحلة قال السكري: أراد: سوى راحلة أقمت فيها بقدر تحلة اليمين. وروى غيره: سوى ترحيل راحلة قال ابن السيد: ترحيل الراحلة: إزالة الرحل عن ظهرها. والرحل للإبل كالسرج للخيل. والراحلة: الناقة التي تتخذ للركوب والسفر سميت بذلك لأنها ترحل براكبها.
وأكالئها: أحرسها وأحفظها لئلا تنام. قال ابن السيد: وكان المفضل يروي: معير أكالئها بالراء بدل النون وقال: العير: إنسان العين. قال ابن هشام اللخمي بعد هذا: وهذه هي الرواية الصحيحة. وعير تؤنث على المعنى لأنها عين وتذكر. ومخافة مفعول لأجله. وقوله: فقلت إلى الطعام إلى متعلقة بفعل محذوف أي: هلموا إليه وأورده الزمخشري في أول الكشاف على أنه حذف متعلق الجار من بسم الله الرحمن الرحيم كما حذف متعلق إلى الطعام وهذا المحذوف في حكم الموجود

163
والمجموع محكي بالقول. وقول ابن السيد: هذا الفعل المحذوف في حكم الظاهر فلذلك لم يكن له موضع من الإعراب لا يظهر لتعليله وجه. وقال ابن خروف: يجوز أن تكون إلى اسم فعل. وجزم اللخمي بأن إلى هنا إغراء. وفسروا الزعيم بالرئيس والسيد. وقال بعضهم: الزعيم بمعنى القائل كما تقول: زعم زاعم أي: قال قائل ولا معنى للسيد هنا.
وزعيم فاعل. قال: وروى بدل زعيم: فريق. ومنهم كان في الأصل وصفه فلما قدم عليه صار حالا منه. وقوله: نحسد إلخ يروى بالنون فالجملة مقول القول. ويروى بالمثناة التحتية فالجملة صفة لزعيم فيكون البيت الذي بعده مقول القول. و الأنس يروى بفتحتين وبكسرة فسكون)
ومعناهما البشر. قال ابن الحاجب في أماليه: الطعام: مفعول ثان إما على تقدير حرف خفض أي: نحسد الإنس على الطعام. وإما على أنه متعد بنفسه من أصله. كقوله: استغفرت الله الذنب ومن الذنب. وقال اللخمي: الطعام مفعول ثان على إسقاط حرف الجر أي: نحسد الإنس في الطعام. وقال الأندلسي: الأولى تقديره بعلى: لأنه يقال: حسدته على كذا. وقد قوله صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنتين يجوز أن يكون أقام بعض حروف الصفات مقام الآخر. ويؤيده قول الجوهري: حسدتك على الشيء وحسدتك الشيء بمعنى. وقوله: لقد فضلتم بالبناء للمفعول و فينا بمعنى علينا.

164
وقوله: أمط عنا إلخ أي: أزله عنا. والنقاصة بالفتح هو مصدر كالنقص بالنون والقاف والصاد المهملة. ذكر في أبياته أن الجن طرقته وقد أوقد نارا لطعامه فدعاهم إلى الأكل منه فلم يجيبوه وزعموا أنهم يحسدون الإنس في الأكل وأنهم فضلوا عليهم بأكل الطعام ولكن ذلك يعقبهم السقام. وقوله: لقد فضلتم بالأكل فينا ظاهره أن الجن لا يأكلون ولا يشربون. وقال ابن السيرافي: قال زعيمهم: نحسد الإنس على أكل الطعام والالتذاذ وليس من شأننا أن نأكل ما يأكله الإنس. وقال ابن المستوفي: لم يرد أن الجن لا تأكل ولا تشرب وإنما أراد أن طعام الإنس أفضل من طعام الجن. وهذان القولان خلاف الظاهر. ويؤيد ما قلنا قول ابن خروف في شرح أبيات سيبويه: قوله: لقد فضلتم بالأكل فينا مخالف للشرع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الجن تأكل وتشرب. وفي آكام المرجان في أحكام الجان لبدر الدين محمد بن عبد الله الشبلي الحنفي الشامي وقد صنفه كما قال الصفدي في سنة سبع وخمسين وسبعمائة: وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: أحدها: أن جميع الجن لا يأكلون ولا يشربون. وهذا قول ساقط. ثانيها: أن صنفا منهم يأكلون ويشربون وصنفا لا يأكلون ولا يشربون.

165
ثالثها: أن جميع الجن يأكلون ويشربون. فقال بعضهم: أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لا مضغ وبلع. وهذا لا دليل له. وقال آخرون: أكلهم وشربهم مضغ وبلع. ويدل لهذا حديث أمية بن مخشي من رواية أبي داود: ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر الله تعالى استقاء ما في بطنه. وفي الصحيحين أن الجن سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاد فقال: كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في يد أحدهم أوفر ما يكون لحما وكل بعر علف لدوابهم. وفي حديث يزيد بن جابر قال: ما من أهل بيت من
المسلمين إلا وفي سقف بيتهم من الجن من المسلمين إذا وضع غداؤهم نزلوا فتغدوا معهم وإذا وضع عشاؤهم نزلوا)
فتعشوا معهم يدفع الله بهم عنهم. والجن على مراتب قال ابن عبد البر: إذا ذكروا الجن خالصا قالوا: جني. فإن أرادوا أنه ممن يسكن مع الناس قالوا: عامر والجمع عمار. فإن كان مما يعرض للصبيان قالوا: أرواح. فإن خبث ولؤم قالوا: شيطان. فإن زاد على ذلك فهو مارد.
فإن زاد على ذلك وقوي أمره قالوا: عفريت. وقال ابن عقيل: الشياطين: العصاة من الجن وهم ولد إبليس والمردة أعتاهم وأغواهم وهم أعوان إبليس. وقال الجوهري: كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان. وقال ابن دريد: الجن: خلاف الإنس. ويقال: جنه الليل وأجنه وأجن عليه وغطاه في معنى واحد إذا ستره. وكل شيء استتر عنك فقد جن عنك. وبه سميت الجن. وكان أهل الجاهلية يسمون الملائكة جنا لاستتارهم عن العيون. قالوا: والحن بالحاء المهملة زعموا أنه ضرب من الجن

166
. وقال أبو عمر الزاهد: الجن: كلاب الجن وسفلتهم.
والجان: أبو الجن. قال السهيلي في كتاب النتائج: ومما قدم للفضل والشرف تقديم الجن على الإنس في أكثر المواضع لأن تشتمل على الملائكة وغيرهم مما اجتن عن الأبصار. قال تعال:
* وسخر من جن الملائك سبعة
* قياما لديه يعملون بلا أجر
* فأما قوله تعالى: لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان وقوله تعالى: لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان وقوله تعالى: وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا فإن لفظ الجن ها هنا لا يتناول الملائكة لنزاهتهم عن العيوب فلما لم يتناولهم عموم اللفظ لهذه القرينة بدأ بلفظ الإنس لفضلهم وكمالهم. وشمير بن الحارث الضبي ناظم هذه الأبيات تقدم ذكره في الشاهد السادس والستين بعد الثلثمائة. قد روي البيت الشاهد من قصيدة قافيتها حائية. قال ابن السيد في شرح أبيات الجمل للزجاجي: ذكر أبو القاسم مؤلف الجمل أن الناس يغلطون في هذا الشعر فيروونه: عموا صباحا وجعل دليله الأبيات الميمية المنقولة عن أبي زيد. ولقد صدق فيما حكاه ولكنه أخطأ في تخطئة رواية من روى: عموا صباحا لأن هذا الشعر الذي أنكره وقع في كتاب خبر سد مأرب ونسبه إلى

167
جذع بن سنان الغساني في حكاية طويلة زعم أنها جرت له مع الجن. وكلا الشعرين أكذوبة من أكاذيب العرب لم تقع قط. والشعر الذي على قافية الميم ينسب إلى شمير بن الحارث وينسب إلى تأبط شرا. وأما الشعر الذي على قافية الحاء فلا أعلم خلافا في أنه لجذع بن سنان وهو:
* أتوا ناري فقلت: منون أنتم
* فقالوا: الجن قلت: عموا صباحا)
* (أتيتهم وللأقدار حتم
* تلاقي المرء صبحا أو رواحا
*
* أتيتهم غريبا مستضيفا
* رأوا قتلي إذا فعلوا جناحا
*
* أتوني سافرين فقلت: أهلا
* رأيت وجوههم وسما صباحا
*
* نحرت لهم وقلت: ألا هلموا
* كلوا مما طهيت لكم سماحا
*
* أتاني قاشر وبنو أبيه
* وقد جن الدجى والليل لاحا
*
* فنازعني الزجاجة بعد وهن
* مزجت لهم بها عسلا وراحا
*
* وحذرني أمورا سوف تأتي
* أهز لها الصوارم والرماحا
*
* سأمضي للذي قالوا بعزم
* ولا أبغي لذلكم قداحا
*
* أسأت الظن فيه ومن أساه
* بكل الناس قد لاقى نجاحا
*
* وقد تأتي إلى المرء المنايا
* بأبواب الأمان سدى صراحا
*
* سيبقي حكم هذا الدهر قوما
* ويهلك آخرون به ذباحا
*
* أثعلبة بن عمر و ليس هذا
* أوان السير فاعتد السلاحا
*

168
* ألم تعلم بأن الذل موت
* يتيح لمن ألم به اجتياحا
*
* ولا يبقى نعيم الدهر إلا
* لقرم ماجد صدق الكفاحا
* قال ابن السيد: إن قيل كيف جاز أن يقول لهم: عموا صباحا وهم في الليل. وإنما يليق هذا الدعاء بمن يلقى في الصباح. فالجواب من وجهين: أحدهما: أن الرجل إذا قيل له: عم صباحا فليس المراد أن ينعم في الصباح دون المساء كما أنه إذا قيل أرغم الله أنفه وحيا الله وجهه فليس المراد الأنف والوجه دون سائر الجسم. وكذلك إذا قيل له: أعلى الله كعبك. وإنما هي ألفاظ ظاهرها الخصوص ومعناها العموم. ومثله قول الأعشى: الواطئين على صدور نعالهم والوطء لا يكون على صدور النعال دون سائرها. والوجه الثاني: أن يكون معنى أنعم الله صباحك: أطلع الله عليك كل صباح بالنعيم لأن الصباح والظلام نوعان والنوع يسمى به كل جزء منه بما يسمى به جملته. والشعب بالكسر: الطريق إلى الجبل. و وسما بالضم: جمع وسيم وهو الذي عليه سمة الجمال. وكذلك الصباح بالكسر: جمع صبيح. شبه بالصبح في إشراقه. وطهيت: طبخت يقال: طهيت اللحم وطهوته فأنا طاه.

169
وقوله: لا أبغي لذلكم)
قداحا أي: لا أطلب ضرب القداح لأنهم كانوا إذا أرادوا فعل أمر ضربوا بالقداح فإن خرج القدح المكتوب عليه: افعل فعل الأمر. وإن خرج القدح المكتوب عليه: لا تفعل لم يفعل الأمر.
وقوله: أسأت الظن فيه يقول: أسأت الظن بضرب القداح والتعويل على ما تأمر به وتنهى عنه وعلمت أن ما أمرتني به الجن أحرى أن يعول عليه. وقوله: سدى صراحا السدى: الإبل المهملة التي لا يردها أحد. والصراح: الظاهرة. والذباح بضم الذال المعجمة بعدها موحدة: نبات يقتل من أكله ومن رواه بكسر الذال جعله جمع ذبيح. وقوله: يتيح أي: يقدر ويجلب يقال: أتاح الله كذا أي: قدره. وألم: نزل. والاجتياح بجيم بعدها مثناة فوقية: الاستئصال. والقرم بفتح القاف وسكون الراء: السيد وأصله الفحل من الإبل. والكفاح بالكسر: ملاقاة الأعداء.
انتهى. وجذع بن سنان الغساني بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة شاعر جاهلي قديم.
وغسان: قبيلة من الأزد من قحطان. وجذع خرج مع من خرج الأزد قبل سيل العرم وجاؤوا إلى الشام وكان ملكها إذ ذاك سليح وهم من غسان أيضا وقيل من قضاعة. وكانوا يؤدون لسليح عن كل رجل دينارين فجاء عامل الملك إلى جذع بن سنان يطلب الخراج الذي وجب عليه فدفع إليه سيفه رهنا فقال: أدخله في حر أمك فغضب
جذع وقنعه به فقيل: خذ من جذع ما أعطاك وسارت مثلا. تضرب في اغتنام ما يجود به البخيل. وقيل في سبب المثل غير هذا.

170
وامتنعت غسان من هذا الخراج بعد ذلك وولوا الشام كما تقدم شرحه في ملوك بني جفنة. وفي العباب للصاغاني أن جذعا هو جذع بن عمرو وهو غلظ

171
.
أنشد فيه وهو
الشاهد الثاني والخمسون بعد الأربعمائة فداء لك الأقوام هو قطعة من بيت وهو:
* مهلا فداء لك الأقوام كلهم
* وما أثمر من مال ومن ولد
* على أن فداء اسم فعل منقول من المصدر. قال صاحب الصحاح: الفدا إذا كسر أوله يمد ويقصر وإذا فتح فهو مقصور يقال: قم فدى لك أبي. ومن العرب من يكسر فداء بالتنوين إذا جاور الجر خاصة فيقول: فداء لك لأنه نكرة يريدون به معنى الدعاء. وأنشد هذا البيت للنابغة عن الأصمعي. وهذا التعليل فيه خفاء. والواضح قول أبي علي في المسائل المنثورة وقد أنشده فيها قال: بني على الكسر لأنه قد تضمن معنى الحرف وهو لام الأمر لأن التقدير: ليفدك الأقوام كلهم. فلما كان بمعناه بني. وبني على الكسر لأنه وقع للأمر. والأمر إذا حرك تحرك إلى الكسر. ونونوه لأنه نكرة. انتهى. قال الزمخشري في المفصل: ومنه فداء لك بالكسر والتنوين أي: ليفدك. وأنشد البيت. قال ابن المستوفي: قوله: ومنه: يريد ما التزم فيه التنكير كإيها في الكف وويها في الإغراء وواها في التعجب. وعقبه بقوله: ومنه فداء يستعمل مكسورا منونا وغير منون حملا على إيه وإيه.

172
ثم نقل عن الزمخشري في حواشيه أنه قال: فداء بالرفع على أنه خبر الأقوام. وفداء بالكسر لما ذكرنا. وفداء بالنصب على أنه مصدر لفعله وهو ليفدك الأقوام مع كسر فداء بالفاعل أيضا لأنه أمر لهم بالفداء. يعني أن الأقوام فاعل فداء أيضا في حالة النصب لأنه فاعل المصدر كما أنه فاعله في حالة الكسر والتنوين. وذكر القواس في شرح ألفية ابن معطي أن فيه لغات: فدى بفتح الفاء وضمها على القصر وكسرها مع القصر والمد. وروى أبو زيد في نوادره قول الراجز: ويها فداء لك يا فضاله بالكسر والتنوين. وهذا لا فاعل له في اللفظ وإنما الفاعل مفهوم من المقام أي: ليفدك الناس ونحوه. و ويها: كلمة إغراء. وقوله: مهلا بمعنى أمهل وتأن. وقوله: وما أثمر معطوفة على الأقوام وهي موصولة والعائد محذوف أي: أثمره. وأثمر: أجمع وأصلح. يقال: ثمر فلان ماله إذا أصلحه وجمعه. ومن للبيان. والبيت من قصيدة للنابغة الذبياني مدح بها النعمان بن المنذر وتنصل عن ما قذفوه به حتى خافه وهرب منه إلى بني جفنة ملوك الشام. وقد تقدم شرح)
أبيات كثيرة منها في باب الحال وفي باب خبر كان وفي النعت وفي البدل وغير ذلك. وبعد هذا البيت بيت يورده علماء التصريف في كتبهم وهو: وقوله:

173
لاتقذفني أي: لا تركبني بما لا أطيق ولا يقوم له أحد. والكفاء بالكسر: المثل.
وتأثفك الأعداء: اجتمعوا حولك واحتوشوك فصاروا منك موضع الأثافي من القدر. وقوله: بالرفد بكسر ففتح: جمع رفدة بكسر فسكون أي: يرفد بعضهم بعضا يتعاونون بالنمائم علي ويسعون بي عندك. يقال: رفد فلان فلانا يرفده رفدا إذا أعانه. وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث والخمسون بعد الأربعمائة وهو من شواهد س:
* كذب العتيق وماء شن باردا
* إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي
* على أن كذب في الأصل فعل وقد صار اسم فعل أمر بمعنى الزم. لم أر من قال من النحويين وغيرهم أن كذب اسم فعل. وهذا شيىء انفرد به الشارح المحقق. وإنما ذكروه في جملة الأفعال التي منعت التصرف منهم ابن مالك في التسهيل. وقول الشارح المحقق: إذا روي بنصب العتيق تحقيق لكونه اسم الفعل فإن أكثر اسم الفعل يكون بمعنى الأمر كما قاله الشارح ففاعله مستتر فيه وجوبا

174
تقديره أنت والعتيق مفعوله وماء معطوف على العتيق وباردا صفة ماء. ومفهومه أن العتيق إذا روي بالرفع لم يكن كذب اسم فعل. ولم يبين حكمه وكأنه ترك شرحه لشهرته بمعنى الإغراء. وفيه أن كذب سواء نصب ما بعده أو رفع بمعنى الإغراء كما في الأمثلة المذكورة في الشرح فجعله مع المنصوب دون المرفوع اسم فعل تحكم لا يظهر له وجه. على أن النصب قد أنكره جماعة وعينوا الرفع منهم أبو بكر بن الأنباري في رسالة شرح فيها معاني الكذب على خمسة أوجه قال: كذب معناه الإغراء ومطالبة المخاطب بلزوم الشيء المذكور كقول العرب: كذب عليك العسل ويريدون كل العسل. وتلخيصه: أخطأ تارك العسل فغلب المضاف إليه على المضاف. قال عمر بن الخطاب: كذب عليكم الحج كذب عليكم العمرة كذب عليكم الجهاد: ثلاثة أسفار كذبن عليكم معناه الزموا الحج والعمرة والجهاد. والمغرى به مرفوع بكذب لا يجوز نصبه على الصحة لأن كذب فعل لا بد له من فاعل وخبر لا بد من محدث عنه والفعل والفاعل كلاهما تأويلهما الإغراء. ومن زعم أن الحج والعمرة والجهاد في حديث عمر حكمهن النصب لم يصب إذ قضى بالخلو عن الفاعل. وقد حكى أبو عبيد عن)
أبي عبيدة عن أعرابي أنه نظر إلى ناقة نضو لرجل فقال: كذب البزر والنوى. قال أبو عبيد: لم يسمع النصب مع كذب في الإغراء إلا في هذا الحرف. قال أبو بكر: وهذا شاذ من القول خارج في النحو عن منهاج القياس ملحق بالشواذ التي لا يعول عليها ولا يؤخذ بها. قال الشاعر:

175
كذب العتيق وماء شن بارد معناه الزمي العتيق وهذا الماء ولا تطالبيني بغيرهما. والعتيق مرفوع لا غير. انتهى. ومن الغريب قول ابن الأثير في النهاية في حديث عمر برفع الحج والعمرة والجهاد معناه الإغراء أي: عليكم بهذه الأشياء الثلاثة. وكان وجهه النصب ولكنه جاء شاذا مرفوعا. انتهى. وقد نقل أبو حيان كلام ابن الأنباري
في تذكرته وفي شرح التسهيل وزاد فيه بأن الذي يدل على رفع الأسماء بعد كذب أنه يتصل بها الضمير كما جاء في كلام عمر: ثلاثة أسفار كذبن عليكم.
وقال الشاعر: كذبت عليك ولا تزال تقوفني معناه عليك بي: فرفع التاء وهي مغرى بها واتصلت بالفعل لأنه لو تأخر الفاعل لكان منفصلا وليس هذا من مواضع انفصال الضمير. انتهى. والصحيح جواز النصب لنقل العلماء أنه لغة مضر والرفع لغة اليمن. ووجهه مع الرفع أنه من قبيل ما جاء لفظ الخبر فيه بمعنى الإغراء كما قال ابن الشجري في أماليه كتؤمنون بالله بمعنى أمنوا بالله. ورحمه الله بمعنى اللهم ارحمه وحسبك زيد بمعنى اكتف به.

176
ووجهه مع النصب من باب سراية المعنى إلى اللفظ فإن المغرى به لما كان مفعولا في المعنى اتصلت به علامة النصب ليطابق اللفظ المعنى. وقال عبد الدائم بن مرزوق القيرواني في كتاب حلى العلى في الأدب: إنه يروى العتيق بالرفع والنصب ومعناه عليك العتيق وماء شن وأصله: كذب ذاك عليك العتيق ثم حذف عليك وناب كذب منابه فصارت العرب تغري به. وقال الأعلم في شرح مختار الشعراء الستة عند كلامه على هذا البيت: قوله: كذب العتيق أي: عليك بالتمر. والعتيق: التمر البالي. والعرب تقول: كذبك التمر واللبن أي: عليك بهما. وبعض العرب ينصب وهم مضر والرفع لليمن. وأصل الكذب الإمكان. وقول الرجل للرجل: كذبت أي: أمكنت من نفسك وضعفت فلهذا اتسع فيه وأغري به لأنه متى أغري بشيء فقد جعل المغرى به ممكنا مستطاعا إن رامه المغرى. انتهى. قال أبو حيان في شرح التسهيل بعد نقله لهذا الكلام: وإذا نصبنا بقي كذب بلا فاعل على ظاهر اللفظ)
والتي تقتضيه القواعد أن هذا يكون من باب الإعمال فكذب يطلب الاسم على أنه فاعل وعليك يطلبه على أنه مفعول فإذا رفعنا الاسم بكذب كان مفعول عليك محذوفا لفهم المعنى التقدير كذب عليكه الحج. وإنما التزم حذف المفعول لأنه مكان اختصار ومحرف عن أصل وضعه فجرى لذلك مجرى الأمثال في كونها يلتزم فيها حالة واحدة يتصرف فيها وإذا نصبنا الاسم كان الفاعل مضمرا في كذب يفسره ما بعده على رأي سيبويه ومحذوفا على رأي الكسائي. وقال ابن طريف في الأفعال: وكذب عليك كذا أي: عليك به معناه

177
الإغراء إلا أن الشيء الذي بعد عليك يأتي مرفوعا. انتهى. وقد بسط الكلام على هذه الكلمة الزمخشري في الفائق فلا بأس بإيراده هنا وإن كان فيه طول. قال في حديث الحجامة: فمن احتجم في يوم الخميس والأحد كذباك أي: عليك بهما. ومنه حديث عمر رضي الله عنه: كذب عليكم الحج الحديث السابق. وعنه أن رجلا أتاه يشكو إليه النقرس فقال: كذبتك الظهائر أي: عليك المشي في حر الهواجر وابتذال النفس. وعنه: أن عمرو بن معد يكرب شكا إليه المعص.
فقال: كذب عليك العسل يريد العسلان. فهذه كلمة مشكلة قد اضطربت فيها الأقاويل حتى قال بعض أهل اللغة: أظنها من الكلام الذي درج ودرج أهله ومن كان يعلمه. وأنا لا أذكر من ذلك إلا قول من هجيراه التحقيق. قال أبو علي: الكذب ضرب من القول وهو نطق كما أن القول نطق. فإذا جاز في القول الذي الكذب ضرب منه أن يتسع فيه فيجعل غير نطق على نحو قوله: قد قالت الأنساع للبطن الحقي جاز في الكذب أن يجعل غير نطق على نحو قوله: كذب

178
القراطف والقروف فيكون ذلك انتفاء لها كما أنه إذا أخبر عن الشيء على خلاف ما هو به كان انتفاء للصدق فيه. وكذلك قوله: كذبت عليكم أوعدوني معناه لست لكم وإذا لم أكن لكم ولم أعنكم كنت منابذا لكم ومنتفية نصرتي عنكم. وفي ذلك إغراء منه لهم به.
وقوله: كذب العتيق أي: لا وجود للعتيق وهو التمر فاطلبيه وإذا لم تجدي التمر فكيف تجدين الغبوق. وقال بعضهم في قول الأعرابي وقد نظر إلى جمل نضو: كذب عليك القت والنوى وروي: البزر والنوى ومعناه أن القت والنوى ذكرا أنك لا تسمن بهما فقد كذبا عليك فعليك بهما فإنك تسمن بهما. وقال أبو علي: فأما من نصب البزر فإن عليك فيه لا يتعلق بكذب ولكنه يكون اسم فعل وفيه ضمير المخاطب وأما كذب ففيه ضمير الفاعل كأنه قال: كذب السمن أي: انتفى من بعيرك فأوجده بالبزر والنوى. فهما مفعولا عليك وأضمر السمن لدلالة)
الحال عليه في مشاهدة عدمه. وفي المسائل القصريات: قال أبو بكر في قول من نصب الحج فقال كذب عليك الحج: إنه كلامان كأنه قال: كذب يعني رجلا ذم إليه الحج ثم هيج المخاطب على الحج فقال: عليك الحج. هذا وعندي قول هو القول وهو أنها كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم ولذلك لم تصرف ولزمت طريقة واحدة في كونها فعلا ماضيا معلقا بالمخاطب ليس

179
إلا وهي في معنى الأمر كقولهم في الدعاء: رحمك الله والمراد بالكذب الترغيب والبعث من قول العرب كذبته نفسه إذا منته الأماني وخيلت إليه من الآمال ما لا يكاد يكون وذلك ما يرغب الرجل في الأمور ويبعثه على التعرض لها. ويقولون في عكس ذلك: صدقته إذا ثبطته وخيلت إليه العجز والنكد في الطلب. ومن ثم قالوا للنفس: الكذوب. قال أبو عمرو بن العلاء: يقال للرجل يتهدد الرجل ويتوعده ثم يكذب ويكع: صدقته الكذوب وأنشد:
* فأقبل نحوي على قدرة
* فلما دنا صدقته الكذوب
* وأنشد الفراء: أي: نفوسه جعل له نفوسا لتفرق الرأي وانتشاره. فمعنى قوله: كذبك الحج: ليكذبك أي: ينشطك ويبعثك على فعله. وأما كذب عليك الحج فله وجهان: أحدهما أن يضمن معنى فعل يتعدى بحرف الاستعلاء أو يكون على كلامين كأنه قال: كذب الحج عليك الحج أي: ليرغبك الحج وهو واجب عليك.

180
فأضمر في الأول لدلالة الثاني عليه. ومن نصب الحج فقد جعل عليك اسم فعل كما سبق وفي كذب ضمير الحج. انتهى. والبيت الشاهد هو من أبيات سبعة لعنترة صاحب المعلقة. وروي أيضا أنه لخزز ابن لوذان السدوسي. وكلاهما جاهليان. قال الصاغاني: وهو موجود في ديوان أشعارهما. وهذه أبيات عنترة خاطب بها امرأته وكانت لا تزال تذكر خيله وتلومه في فرس كان يؤثره على سائر خيله ويسقيه اللبن:
* لا تذكري فرسي وما أطعمته
* فيكون جلدك مثل جلد الأجرب
*
* إن الغبوق له وأنت مسوءة
* فتأوهي ما شئت ثم تحوبي
*
* كذب العتيق وماء شن بارد
* إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي
*
* إن الرجال لهم إليك وسيلة
* إن يأخذوك تكحلي وتخضبي
*
* ويكون مركبك القعود وحدجه
* وابن النعامة عند ذلك مركبي
*
* وأنا امرؤ إن يأخذوني عنوة
* أقرن إلى شر الركاب وأجنب
*)
وقوله: مثل جلد الأجرب أي: لا تلوميني في إيثار فرسي فأبغضك وأهجر مضجعك وأتحاماك كما يتحامى الأجرب من الإبل ويبعد عنها لئلا

181
يعديها. وقيل معناه: أضربك فيبقى أثر الضرب عليك كالجرب. فيكون تهددها بالضرب الأليم. وقوله: إن الغبوق له إلخ الغبوق: شرب اللبن بالعشي: ما بين الزوال إلى الغروب وقيل: من الزوال إلى الصباح. ومسوءة أي: آت إليك ما يسوءك بإيثار فرسي عليك. والتأوه: التحزن وأن تقول: آه توجعا. والتحوب: التوجع ويقال هو الدعاء على الشيء. وقوله: كذب العتيق إلخ العتيق هو التمر القديم. قال الدينوري في كتاب النبات: يقال عتق وعتق بالفتح والضم إذا تقادم. والعتيق: اسم للتمر علم.
وأنشد هذا البيت. والشن: القربة الخلق والماء يكون فيها أبرد منه في القربة الجديدة. يقول: عليك بالتمر فكليه والماء البارد فاشربيه ودعيني أوثر فرسي باللبن. وإن تعرضت لشرب اللبن فاذهبي. وإنما يتوعدها بالطلاق. وقد أورد سيبويه هذا البيت في باب وجوه القوافي في الإنشاد على أنه سمع من العرب من ينشده: إن كنت سائلتي غبوقا فاذهب بسكون الباء لأنهم لم يريدوا الترنم. وقوله: إن الرجال إلخ ويروى: إن العدو والوسيلة: القربة وقيل: المنزلة القريبة. قال الأعلم في شرح مختار شعر عنترة: هذا منه وعيد وتخويف أن تسبى فيستمتع الرجال بها وكذلك قال: تكحلي وتخضبي. والمعنى: إن أخذوك تكحلت وتخضبت لهم ليستمتعوا بك. وقال ابن الشجري: أن يأخذوك موضعه نصب بتقدير حذف الخافض أي: في أن يأخذوك أي: لهم قربة إليك في أخذهم إياك. قذفها بإرادتها أن تؤخذ مسبية.

182
هذا كلامه وهذا تحريف منه فإن إن شرطية لا مفتوحة مصدرية وقد جزمت الشرط والجزاء.
وقد غفل عنهما. وقوله: ويكون إلخ القعود بفتح القاف: ما اتخذ من الإبل للركوب خاصة.
والحدج بكسر المهمل وآخره جيم: مركب من مراكب النساء. وروى بدله: رحله. وابن النعامة: اسم فرسه. وقيل: هو الطريق وقيل: هو صدر القوم. يقول: إن أخذوك حملت سبية على قعود ونجوت أنا على فرسي. والمعنى على الثاني والثالث أنه إن أسر يمشي راجلا مهانا. وقوله: وأنا امرؤ إلخ العنة بالفتح: القسر والقهر. والركاب: الإبل التي يحمل عليها الأثقال.
وأقرن أي: ألصق بها وأجعل مقرونا إليها. وأجنب: أقاد. يقول: إن أخذت عنوة قرنت إلى شر الإبل وجنبت كما تجنب الدابة. وقوله: إني أحاذر إلخ الظعينة: الزوجة ما دامت في)
الهودج. والتلبب: التحزم أي: تحزم للمحاربة. وقيل: هو الدخول في السلاح. وقوله: هذا غبار يعني غبار الخيل عند الغارة. والساطع: المستطير في السماء. وترجمة عنترة تقدمت في الشاهد الثاني عشر أول الكتاب. وترجمة ابن لوذان تقدمت أيضا في الشاهد العشرين بعد المائة. أصل الكذب الإخبار على خلاف الواقع. قال ابن قتيبة: الكذب يكون في الماضي والخلف في المستقبل. قال ابن السيد: هذا الأكثر والأشهر. وقد جاء

183
الكذب مستعملا في المستقبل. قال تعالى: ذلك وعد غير مكذوب. ومن المجاز حديث: صدق الله وكذب بطن أخيك. قال صاحب النهاية: استعمل الكذب ها هنا مجازا
حيث هو ضد الصدق.
والكذب يختص بالأقوال فجعل بطن أخيه حيث لم ينجع فيه العسل كاذبا لأن الله تعالى قال: فيه شفاء للناس. وقد ألف أبو بكر بن الأنباري رسالة في معاني الكذب قال: الكذب ينقسم على خمسة أقسام: إحداهن: تغيير الحاكي ما يسمع وقوله ما لا يعلم نقلا ورواية. وهذا القسم هو الذي يؤثم ويهضم المروءة. الثاني: أن يقول قولا يشبه الكذب. ولا يقصد به إلا الحق ومنه حديث كذب إبراهيم ثلاث كذبات في قوله: إني سقيم. وفي قوله: بل فعله كبيرهم هذا وفي قوله: سارة أختي أي: قال قولا يشبه الكذب. وهو صادق في الثلاث لأن معنى إني سقيم: الموت في عنقي ومن الموت في عنقه سقيم أبدا. وقوله: بل فعله كبيرهم هذا تأويله فعله الكبير إن كانوا ينطقون فهو في الحقيقة لا يفعل كما ينطقون أبدا. وتأويل قوله: سارة أختي هي أختي في ديني لا في نسبي. الثالث: بمعنى الخطأ نحو: أقدر أن فلانا في منزله الساعة فيقال لقائله: صدقت وكذبت. فتأويل صدقت أصبت ومعنى كذبت أخطأت. قال ابن الأثير في النهاية: ومنه حديث صلاة الوتر: كذب أبو محمد أي: أخطأ سماه كذبا لأنه شبيه في كونه ضد الصواب كما أن الكذب ضد الصدق وإن افترقا من حيث النية والقصد لأن الكاذب يعلم أن ما يقوله كذب والمخطئ لا يعلم.

184
وهذا الرجل ليس بمخبر وإنما قاله باجتهاد أداه إلى أن الوتر واجب. والاجتهاد لا يدخله الكذب وإنما يدخله الخطأ. وأبو محمد: صحابي اسمه مسعود بن زيد. وقد استعملت العرب الكذب في موضع الخطأ. قال الأخطل:
* كذبتك عينك أم رأيت بواسط
* غلس الظلام من الرباب خيالا
* انتهى. الرابع: البطول كذب الرجل بمعنى بطل عليه أمله وما رجاه. قال أبو دواد الإيادي:
* قلت لما ظهرا في قنة
* كذب العير وإن كان برح
*)
معناه كذب العير أمله وبطل عليه ما قدر لأنه كان أمل السلامة مني لما برح. وتفسير برح أخذ من جهة شمالي ماضيا على يميني فلما قلبت عليه الرمح وطعنته بطل عليه ما كان أمل من التخلص والسلامة. وقد قيل في هذا البيت:
* كذبتم وبيت الله لا تأخذونها
* مغالبة ما دام للسيف قائم
* إن معناه: كذبكم أملكم. ومثله أيضا قوله:

185
* كذبتم وبيت الله لا تنكحونها
* بني شاب قرناها تصر وتحلب
*
* كذبتم وبيت الله نبزي محمدا
* ولما نطاعن دونه ونناضل
* معناه: بطل عليكم ما أملتم. وقال بعض أهل اللغة في قول الله تعالى: انظر كيف كذبوا على أنفسهم: انظر كيف بطل عليهم أملهم لأنهم لما قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين رجوا أن يزول عنهم بهذا القول البلاء ولم يحلفوا على الذي أقسموا عليه إلا وهو في معتقدهم حق إذ كانوا في حالة ما أقسموا على ما قدروه في دار الدنيا من أن الشرك غير شرك وأن الكفر هدى وإيمان. ومن كانت هذه سبيله فليس كذبه إلا من جهة بطول أمله. وقد خولف هذا اللغوي.
انتهى. ومنه قول سيبويه: وهو محال كذب أي: باطل وفاسد قاله في الكلام المختل وهو الذي لا تحصل فائدته نحو: سوف أشرب ماء البحر أمس وقد شربت ماء البحر غدا. قال أبو حيان في تذكرته: وخالفه فيه أصحابه: الأخفش والمازني والمبرد فقالوا: هذا القسم محال وليس كذب لأنه لا يحصل له معنى. والكذب سبيله أن يقع لما يخاطب بمعناه. قال أبو بكر: وقول سيبويه عندي صحيح لأن الكذب يقع على الفاسد من القول كما يقع الصدق على الصحيح منه. وجائز عندي أن يقال محال لكل ما لا يحصل معناه من الخطأ والكذب من حيث أن تأميل المحال في اللغة المغير عن

186
الصواب المزال عن طريق الصحة. فمن كذب وأخطأ في قول يفهم عنه فقد أحال. انتهى. قال ابن الأنباري: ومما يدل على أن كذب بمعنى أخطأ وهو مصحح لقول سيبويه ومبطل لمذهب مخالفيه: أن عروة بن الزبير ذكر عند عمر بن عبد العزيز ما كانت عائشة رضي الله عنها تخص به عبد الله بن الزبير من البر والأثرة والمحبة فقال له عمر: كذبت وبالحضرة عبيد الله بن عبد الله فقال: إني ما كذبت وإن أكذب الكاذبين لمن كذب الصادقين. قال أبو بكر: فلا يحمل هذا من قول عمر بن عبد العزيز إلا على أنه أراد أخطأت إذ المعنى الآخر يلزم عمر كذبا فيأثم. وجواب عروة وقع على غير المعنى الذي قصد له عمر لأنه)
حين غضب حمل كذب على معنى قلت غير الحق. ومثله قول معاوية للناس: كيف ابن زياد فيكم قالوا: ظريف على أنه يلحن. قال: فذاك أظرف له. أراد القوم بقولهم يلحن: يخطئ وذهب معاوية إلى أنهم أرادوا يلحن بمعنى يفطن ويصيب من قول العرب: فلان ألحن بحجته من فلان. وقد حكي عن بعض أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه حكي له عن صحابي رواية رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كذب يعني أخطأ. لا محتمل لهذا غير التأويل إذ هم معادن التقوى والورع وأرباب الصدق والفضل وصفهم الله بالصدق بقوله: وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون. ويقال: كذبت الرجل إذا كذبته فيما هو فيه كاذب. وكذبته إذا نسبته إلى الكذب فيما هو صادق. قال الله تعالى: فإنهم لا يكذبونك أراد لا يصححون عليك الكذب وإن نسبوك إليه. قال أبو بكر: وقد أجبت عنها بجواب آخر فإنهم لا يكذبونك بقولهم عندما ينسبونك إلى الكذب بألسنتهم لأنه عليه الصلاة والسلام كان عندهم علما في الصدق قبل النبوة وبعدها ولذلك كانوا يدعونه: الأمين.

187
وأنشدنا أحمد بن يحيى لابن الدمينة:
* حلفت لها أن قد وجدت من الهوى
* أخا الموت لا بدعا ولا متأشبا
*
* وقد زعمت لي ما فعلت فكيف بي
* إذا كنت مردود المقال مكذبا
* أراد منسوبا إلى الكذب فيما أنا فيه محق صادق. والمعنى الخامس من المعاني كذب: الإغراء. وقد تقدم الكلام فيه في أول الشاهد. وأنشد بعده:
* وذبيانية أوصت بنيها
* بأن كذب القراطف والقروف
* على أن كذب فيه مستعمل في الإغراء والقراطف فاعله والمعنى على المفعولية أي: عليكم بالقراطف وبالقروف فاغنموهما. وتقدم ما يتعلق بكذب في البيت الذي قبله:
* تجهزهم بما استطاعت وقالت
* بني فكلكم بطل مسيف
*
* فأخلفنا مودتها ففاظت
* ومأقي عينها حدر نطوف
* والأبيات من قصيدة لمعقر البارقي وكان حليفا لبني نمير ومدحهم فيها وذكر ما فعلوا ببني ذبيان. وقد تقدمت ترجمته مع شرحها في الشاهد الثالث والثلاثين بعد الثلثمائة.

188
وهذا شرحها باختصار. يقول: رب امرأة ذبيانية أمرت بنيها أن يكثروا من نهب هذين الشيئين إن ظفروا ببني نمير وذلك لحاجتهم وقلة مالهم. والقراطف: جمع قرطف كجعفر وهو كساء مخمل.)
والقروف: جمع قرف بفتح القاف وسكون الراء: وعاء من جلد يدبغ بالقرفة بالكسر وهي قشور الرمان يجعل فيه الخلع بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام وهو لحم يطبخ بالتوابل يوضع في القرف ويزود به في الأسفار. وبني: منادى. والمسيف: الذي قد هلك إبله ومواشيه. يقال: أساف الرجل أي: هلكت مواشيه بالسواف بفتح السين المهملة وضمها وهو مرض الدواب وطاعونها. يعني أن أولادها فقراء قد هلكت مواشيهم. تحرضهم على الغنيمة. وقوله: فأخلفنا مودتها إلخ أي: أخلفنا مأمولها. وفاظت: ماتت. والمأقي: لغة في الموق وهو طرف العين من ناحية الأنف. وحدر وصف بمعنى منحدر. ونطوف: سائل يقال: نطف الماء إذا سال.
يعني ماتت وهي في هذه الحالة. وأنشد بعده الشاهد الرابع والخمسون بعد الأربعمائة

189
* يا أيها المائح دلوي دونكا
* إني رأيت الناس يحمدونكا
* على أن معمول اسم الفعل يجوز تقدمه عليه كما هنا فإن قوله: دلوي مفعول دونكا والمعنى: خذ دلوي ومنعه البصريون فجعلوا دلوي مبتدأ ودونك ظرفا لا اسم فعل أي: دلوي قدامك فخذها فدونك ظرف خبر المبتدأ. وقد بين الفراء مذهب الكوفيين في تفسيره عند قوله تعالى: كتاب الله عليكم من سورة النساء قال: قوله: كتاب الله عليكم كقولك: كتابا من الله عليكم. وقد قال بعض أهل النحو: معناه عليكم كتاب الله. والأول أشبه بالصواب. وقلما تقول العرب: زيدا عليك أو زيدا دونك وهو جائز كأنه منصوب بشيء مضمر قبله. وقال الشاعر: يا أيها المائح دلوي دونكا الدلو رفع كقولك: زيد فاضربوه: هذا زيد فاضربوه. والعرب تقول: الليل فبادروا. وتنصب الدلو بمضمر في الخلفة كأنك قلت: دونك دلوي دونك. انتهى. وتعقبه الزجاج في تفسيره قال في كتاب الله: منصوب على التوكيد محمول على المعنى لأن المعنى: حرمت عليكم أمهاتكم كتب الله عليكم هذا

190
كتابا. وقد يجوز أن يكون منصوبا على جهة الأمر ويكون عليكم مفسرا له فيكون المعنى: الزموا كتاب الله عليكم. ولا يجوز أن سكون منصوبا ب عليكم لأن قولك: عليك زيدا ليس له ناصب في اللفظ متصرف فيجوز تقديم منصوبه. وقول الشاعر: يا أيها المائح دلوي دونكا)
يجوز أن يكون دلوي في موضع نصب بإضمار: خذ دلوي ولا يجوز أن يكون على: دونك دلوي لما شرحنا. ويجوز أن يكون دلوي في موضع رفع المعنى: هذه
دلوي دونك. انتهى.
وقد أورد هذه المسألة ابن الأنباري في مسائل الخلاف فقال: ذهب الكوفيون إلى أن عليك وعندك ودونك يجوز تقديم معمولاتها كما في الآية والبيت ولأنها قامت مقام الفعل فتعمل كعمله. ومنعه البصريون والفراء وقالوا: إن كتاب الله منصوب بكتب مقدرا وإن دلوي خبر مبتدأ مقدر أو منصوب بفعل محذوف كخذ يفسره دونك لا بدونك. وأجابوا عن الثاني بأن الفعل متصرف في نفسه فتصرف في عمله وهذه الألفاظ لا تستحق عملا وإنما أعملت لقيامها مقام الفعل وهي غير متصرفة في نفسها فلا تتصرف في عملها فلا يقدم معمولها. انتهى.
وقوله: إن الفراء تبع البصريين مخالف لنص كلامه فإنه صرح بجواز عمله مؤخرا ومحذوفا.
وردهما الزجاج وجعل دلوي منصوبا بفعل محذوف يفسرهدونك. فدونك على هذا اسم فعل قد حذف مفعوله أي: دونكه. ويكون في جعله دلوي خبر مبتدأ محذوف دونك ظرفا في موضع الحال لا اسم فعل. وهذان الوجهان غير ما وجه به الشارح المحقق وإنما حكاه عن البصريين لأنه تخريج موافق لقواعدهم. وقد وجه به أيضا ابن هشام في: شرح القطر وفي المغني.

191
وقول الشيخ خالد في التصريح: وفيه نظر لأن المعنى ليس على الخير المحض حتى يخبر عن الدلو بكونه دونه لا وجد له كما قال عبد الله الدنوشري: وما المانع من أن يكون خبرا محضا قصد به التنبيه على أن الدلو أمامه ويكون الدال على الأمر بأخذ الدلو مقدرا.
والتقدير: فتناوله. وجوز ابن مالك أن يكون دلوي منصوبا بدونك مضمرة مدلولا عليها بدونك المذكورة مستندا لقول سيبويه في زيدا عليك: كأنك قلت: عليك زيدا. وقد رده الزجاج وغيره. قال ابن هشام في المغني: شرط الحذف ألا يؤدي إلى اختصار المختصر فلا يحذف اسم الفاعل دون معموله لأنه اختصار للفعل. وأما قول سيبوبه في: زيدا فاقتله وفي: شأنك والحج وقوله: يا أيها المائح دلوي دونكا إن التقدير: عليك زيدا وعليك الحج ودونك دلوي فقالوا: إنما أراد تفسير المعنى لا الإعراب وإنما التقدير: خذ دلوي والزم زيدا والزم الحج. ويجوز في دلوي أن يكون مبتدأ ودونك خبره.
انتهى. وظاهره أن البيت ذكره سيبويه في كتابه. وليس كذلك فإنه لم يورده في البتة. ولم يورد)
الدماميني هنا شيئا سوى ما نقله عن الشارح المحقق من أنه لا يجوز تقدم معمول اسم الفعل عليه. والمائح: فاعل من الميح بالمثناة التحتية والحاء المهملة قال صاحب الصحاح: المائح الذي ينزل البئر فيملأ الدلو وذلك إذا قل ماؤها والجمع ماحة وقد ماح يميح. وأنشد هذا البيت.
وأما الماتح بالمثناة الفوقية فهو الذي يستقي الماء يقال: متح الماء يمتحه متحا

192
من باب فتح إذا نزعه بالدلو. وبئر متوح للتي يمد منها باليدين على البكرة. والبيتان لراجز جاهلي من بني أسيد بن عمرو بن تميم ولهما قصة أوردها أبو رياش وأبو عبد الله النمري وأبو محمد الأسود الأعرابي في شروحهم لحماسة أبي تمام. قال أبو محمد الأسود: أملى علينا أبو الندى قال: كان وائل بن صريم الغبري ذا منزلة من الملوك ومكان عندهم وكان مفتوق اللسان حلوه وكان جميلا فبعثه عمرو بن هند اللخمي ساعيا على بني تميم فاخذ الإتاوة منهم حتى استوفى ما عندهم غير بني أسيد بن عمرو بن تميم وكانوا على طويلع فأتاهم فنزل بهم وجمع النعم والشاء فأمر بإحصائه وفيما هو قاعد على بئر أتاه شيخ منهم فحدثه فغفل وائل فدفعه الشيخ فوقع في البئر فاجتمعوا فرموه بالحجارة حتى قتلوه وهم يرتجزون ويقولون:
* يا أيها المائح دلوي دونكا
* إني رأيت الناس يحمدونكا
* إنما هذا هزء به فبلغ الخبر أخاه باعث بن صريم فعقد لواء ونادى في غبر فساروا وآلى أن يقتلهم على دم وائل حتى يلقي الدلو فتمتلئ دما فقتل باعث منهم ثمانين رجلا وأسر عدة وقدم رجلا منهم يقال له: قمامة فذبحه حتى ألقى دلوه فخرجت ملأى دما. ولم يزل يغير عليهم زمانا وقتل منهم فأكثر حتى أن المرأة من بني أسيد كانت تعثر فتقول: تعست غبر ولا لقيت الظفر ولا سقيت المطر وعدمت النفر. وقال باعث في ذلك:
* إذ أرسلوني مائحا لدلائهم
* فملأتها حتى العراقي بالدم
*

193
انتهى. والغبري: نسبة إلى غبر بضم الغين المعجمة وفتح الموحدة قبيلة. وأسيد بضم الهمزة وفتح السين وتشديد الياء المكسورة. وقد أنشدتهما جارية من بني مازن وضمت إليهما بيتين آخرين. وقال الصغاني في العباب في مادة الميح ونقله العيني: ومنه حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على بئر ذمة فنزلناها ستة ماحة ونزل فيها ناجية بن جندب الأسلمي رضي الله عنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدلت جارية من بني مازن دلوها وقالت:)
* يا أيها المائح دلوي دونكا
* إني رأيت الناس يحمدونكا
*
* يثنون خيرا ويمجدونك
* خذها إليك اشغل بها يمينكا
* فأجابها ناجية:
* قد علمت جارية يمانيه
* أني أنا المائح واسمي ناجيه
*
* وطعنة ذات رشاش واهية
* طعنتها تحت صدور العادية
* انتهى. وبئر ذمة بالوصف أي: قليلة الماء أي: إنها تذم لقلة مائها. والذميم: الماء المكروه.
ومازن: اسم ثلاث قبائل في عدنان. وهذا يخالفه قول ناجية: فإن أهل اليمن كلهم من قحطان. وأثنى عليه خيرا من الثناء وهو الوصف الجميل فعليك في الرجز مقدرة. ويمجدونك: يذكرونك بالمجد وهو العز والشرف والكرم. وشغل من باب نفع.
وطعنة أي: رب طعنة. ورشاش الطعنة بالفتح: الدم المتطاير منها. وأرشت الطعنة بالألف: نفذت فأنهرت الدم. كذا في المصباح. وزعم الشامي في السيرة أنه بالفتح جمع رش والمراد به المطر القليل. هذا كلامه.

194
وواهية: صفة طعنة أي: منشقة مسترخية. والعادية قال الشامي: هم الذين يعدون: يسرعون الجري. وأخذ العيني من ظاهر نقل الصاغاني أن البيتين الأولين لتلك الجارية وليس كذلك. وروى السيوطي في شواهد المغني عن البيهقي في الدلائل عن ابن إسحاق قال: زعمت أسلم أن جارية من الأنصار أقبلت بدلوها عام الحديبية وناجية بن جندب الأسلمي صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القليب يميح على الناس فقالت. وأنشد الشعرين: خذها إليك اشغل بها يمينكا وقوله: جارية من الأنصار يوافقه قوله: جارية يمانية فإن أصل الأنصار من اليمن. وكذا روى الشامي في السيرة. وزعم ابن الشجري في أماليه أن البيتين لرؤبة وأنه لم يستسق ماء في الحقيقة وإنما طلب عطاء. وكلاهما لا أصل له كما عرفت. والبيت الذي لرؤبة إنما هو هذا: أي: كأن الناقة في السرعة دلو ملأى وصلت إلى فم البئر ثم انقطع حبلها فهوت فيها. والماتح هنا بالمثناة الفوقية هو الذي يستقي على رأس البئر. والكرب بفتحتين: الحبل الذي يشد على عرقوة الدلو. وروى الزجاجي في أماليه قال: حدثنا ابن دريد قال: أخبرنا أبو حاتم قال: أخبرنا أبو عبيدة قال: كتبت امرأة من العرب إلى طلحة الطلحات:)
* يا أيها الماتح دلوي دونكا
* إني رأيت الناس يحمدونكا
* يثنون خيرا ويمجدونكا

195
فلما قرأ طلحة الكتاب أحب أن لا يفطن الرسول فقال: ما أيسر ما سألت إنما سألت جنبة.
ثم أمر بجنبة عظيمة فقورت وملئت دنانير وكتب إليها:
* إنا ملأناها تفيض فيضا
* فلن تخافي ما حييت غيضا
* خذي لك الجنب وعودي أيضا وغيضا من غاض الماء في الأرض إذا غار فيها وانمحق. وأنشد بعده:
* ألا أيها الطير المربة بالضحى
* على خالد لقد وقعت على لحم
* على أن تنوين لحم للإبهام والتفخيم أي: لحم وأي لحم. تقدم شرحه مفصلا في الشاهد الثامن والأربعين بعد الثلثمائة من باب النعت. وأنشد بعده:

196
* وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم
* وما بال تكليم الديار البلاقع
* على أن ابن السكيت والجوهري قالا: إنما جاء ذو الرمة هنا ب إيه غير منون مع أنه موصول بما بعده لأنه نوى الوقف. هذا الكلام نقله الجوهري عن ابن السكيت ثم نقل عن ابن السري الزجاج أنه قال: إذا قلت: إيه يا رجل فإنما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما كأنك قلت: هات الحديث. فإن قلت: إيه بالتنوين فكأنك قلت: هات حديثا ما لأن التنوين تنكير.
وذو الرمة أراد التنوين فتركه للضرورة. انتهى. وإنما كان ترك التنوين ضرورة لأنه أراد من الطلل أن يخبره عنها أي حديث كان وليس فيه ما يقتضي أن يحدثه حديثا معهودا. كذا قيل وفيه أنه إنما طلب حديثا مخصوصا وهو الحديث عن أم سالم. وبه يسقط قول ثعلب في أماليه: تقول العرب: إيه بالتنوين بمعنى حدثنا. وأما قول ذي الرمة فإنه ترك التنوين وبنى على الوقف ومعناه إيه أي: حدثنا. قال ابن جني في سر الصناعة: تنوين التنكير لا يوجد في معرفة ولا إلا تابعا لحركات البناء وذلك نحو: إيه فإذا نونت وقلت: إيه فكأنك قلت: استزادة. وإذا قلت: إيه فكأنك قلت: الاستزادة. فصار التنوين علم التنكير وتركه علم التعريف.

197
قال ذو الرمة: وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم فكأنه قال: الاستزادة. وأما من أنكر هذا البيت على ذي الرمة فإنما خفي عليه هذا الموضع.
هذا كلامه. وفي شرح الصفار لسيبويه: وأما إيه فمعناه حدث أو زد لكن هو لازم لا يقال:)
إيه كذا. قال أبو حيان: قد استعمله بعض الشعراء المولدين متعديا فقال: إيه أحاديث نعمان وساكنه وقال آخر: إيه حديثك عن أخبارهم إيه والبيت من قصيدة طويلة لذي الرمة وهذا مطلعها:
* خليلي عوجا عوجة ناقتيكما
* على طلل بين القلات وشارع
*

198
* به ملعب من معصفات نسجنه
* كنسج اليماني برده بالوشائع
* وقفنا فقلنا إيه.............. البيت وقوله: عوجا عوجة يقال: عجت البعير أعوجه عوجا ومعاجا إذا عطفت رأسه. والتاء في عوجة للمرة. وناقتيكما: مفعول عوجا. والطلل: ما بقي في الدار من أثر الراحلين كالأثفية ونحوها. والقلات بكسر القاف وآخره مثناة وسارع بالمهملات: موضعان. وقوله: به ملعب إلخ المعصفة: الريح الشديدة يقال: عصفت الريح وأعصفت. ونسجنه أي: ذهبت عليه الريح وجاءت كالنسج. والوشائع: جمع وشيعة من وشعت المرأة الغزل على يدها: خالفته.
وتوشعت الغنم في الجبل أي: اختلفت. وقوله: وقفنا فقلنا إلخ أي: وقفنا عليه أي الطلل.
والعطف بالفاء لا بالواو كما في الشرح. قال الأصمعي: أساء في قوله: إيه بلا تنوين. والبال: الشأن والحال. وما: استفهام إنكاري أي: ليس من شأنها الكلام. والديار البلاقع: التي ارتحل سكانها فهي خالية. طلب الحديث من الطلل أولا ليخبره عن محبوبته أم سالم وهذا من فرط تحيره وتدلهه في استخباره مما لا يعقل ثم أفاق وأنكر من نفسه بأنه ليس من شأن الأماكن الإخبار عن السواكن. وترجمة ذي الرمة تقدمت في الشاهد الثامن في أول الكتاب.

199
وأنشده بعده
الشاهد السادس والخمسون بعد الأربعمائة
* تذر الجماجم ضاحيا هاماتها
* بله الأكف كأنها لم تخلق
* على أنه قد روي الأكف بالحركات الثلاث. أول البيت: فترى الجماجم وقبله:
* نصل السيوف إذا قصرن بخطونا
* قدما ونلحقها إذا لم تلحق
* وإنما ينشدونه: تذر الجماجم ليعرى من التعلق بما قبله. والقدم بضمتين: والقبل بضمتين أيضا كذا في المصباح. وقال صاحب الصحاح: ومضى قدما بضم الدال: لم يعرج ولم ينثن. ويجوز أن يكون بكسر القاف وسكون الدال اسم من القدم أي: جلاف الحدوث وهو ظرف لقوله: نصل. قال الجاحظ في كتاب البيان: إن الفارس ربما زاد في طول رمحه ليخبر عن فضل قوته ويخبر عن قصر سيفه ليخبر عن فضل نجدته. وأنشد هذا البيت ونظائره. وقوله: فترى الجماجم إلخ الرؤية بصرية: والجماجم: مفعول الرؤية. وضاحيا: حال سببية من الجماجم وهاماتها: فاعل ضاحيا وهو من ضحا يضحو: إذا ظهر وبرز عن محله.

200
والجماجم: جمع جمجمة قال صاحب المصباح: هي عظم الرأس المشتمل على الدماغ وربما عبر عنها عن الإنسان فيقال: خذ من كل جمجمة درهما كما يقال: خذ من كل رأس بهذا المعنى. وقال أيضا: الهامة من الشخص: رأسه. فالمناسب هنا أن الجمجمة بمعنى الإنسان. وقد فرق الزجاج في كتاب خلق الإنسان بين الجمجمة والهامة فقال: عظم الرأس الذي فيه الدماغ يقال له: الجمجمة والهامة: وسط الرأس ومعظمه. وزعم الدماميني في الشرح المزج على المغنى أنه يصح أن تكون الجماجم هنا القبائل التي تجمع البطون فينسب إليها دونهم. فمعنى: بله الأكف على رواية نصب الأكف: إنك ترى رؤوس الرجال أي: بعض الرؤوس بارزة عن محلها بضرب السيوف كأنها لم تخلق على الأبدان فدع ذكر الأكف فإن قطعها من الأيدي أهون بالنسبة إلى الرؤوس. فبله على هذا: اسم فعل. وعلى الجر: إنك ترى تطاير الرؤوس عن الأبدان فتركا لذكر الأكف أي: فاترك ذكرها تاركا فإنها بالنسبة إلى الرؤوس سهلة. فبله على هذا مصدر مضاف. وعلى الرفع: إنك ترى الهامات ضاحية عن الأبدان فكيف الأكف لا تكون ضاحية عن الأيدي يعني: إذا جعلت السيوف الأبدان بلا رؤوس فلا عجب أن تترك الأيدي بلا أكف. فبله بمعنى كيف للاستفهام التعجبي. فبله الأكف على الأول والثالث جملة اسمية وفتحة بله بنائية. وعلى الثاني جملة فعلية حذف صدرها والفتحة إعرابية. وهي بالمعنى الأول)
والثاني مأخوذة من لفظ البله والتباله وهي من الغفلة

201
لأن من غفل عن شيء تركه ولم يسأل عنه. وكذلك هنا أي: لا تسأل عن الأكف إذا كانت الجماجم ضاحية مقطعة. كذا في الروض الأنف للسهيلي. قال أبو علي في إيضاح الشعر: قال سيبويه: أما بله زيد فبله هنا بمنزلة المصدر كما تقول: ضرب زيد. فمن قال بله زيد جعله مصدرا. ولا يجوز أن تضيف ويكون مع الإضافة اسم
الفعل لأن هذه الأسماء التي يسمى بها الأفعال لا تضاف. ألا ترى أنه قال: جعلوها بمنزلة النجاءك أي: لم يضيفوها إلى المفعول به كما أضافوا أسماء الفاعلين والمصدر إليه. فهي في قوله على ضربين: مرة تجرى مجرى الأسماء التي تسمى بها الأفعال ومرة تكون مصدرا. قال أبو زيد: إن فلانا لا يطيق أن يحمل الفهر من بله أن يأتي بالصخرة يقول: لا يطيق أن يحمل الفهر فمن بله أن يأتي بالصخرة فكيف يطيق أن يحمل الصخرة. قال: وبعض العرب يقول: من بهل أن يحمل الصخرة فقلب. وأنشد: فما حكاه أبو زيد من دخول من عليه والإضافة والقلب يدل على أنه مصدر وليس باسم فعل لأن أسماء الفعل لا تضاف ولا يدخل عليها عوامل الأسماء. ألا ترى أن أبا الحسن يقول: إن دونك ليس ينتصب على انتصابه قبل. ويقوي كونه مصدرا أن أبا عمر و الشيباني حكى: ما بلهك لا تفعل كذا أي: ما لك. ومن الناس من ينشده: بله الأكف بالنصب. فهذا على هذا الإنشاد اسم فعل كأنه قال دع الأكف فجعلها اسما لدع. والدلالة على جواز كونها اسما للفعل كما أجاز سيبويه قول الشاعر:

202
* يمشي القطوف إذا غنى الحداة به
* مشي الجواد فبله الجلة النجبا
* فأما ما يتعلق به من فيما حكاه أبو زيد من قوله: فمن بله فهو ما ينتصب عليه بله في من جعله مصدرا وأضاف. وهذا خلاف ما قاله الشارح المحقق فإنه جعل بله فيما حكاه أبو زيد بمعنى كيف. ولم يتعرض أبو علي في هذا الكتاب بمجيء بله بمعنى كيف. ونقل الشارح عنه لعله من غير هذا الكتاب. ونقل عنه ابن هشام في المغني: نقيض ما نقله الشارح عنه فقال: وإنكار أبي علي أن يرتفع ما بعدها مردود بحكاية أبي الحسن وقطرب له. انتهى. والقطوف من الدواب وغيره: البطيء. والجلة بكسر الجيم: جمع جليل كصبية جمع صبي وهو المسن من الإبل. والنجب بضمتين: جمع نجيب وهو الأصيل الكريم. والمعنى أن البطيء يمشي كمشي الجواد من الخيل مع الحداء فدع الإبل الكرام فإنها مع الحداء تسرع أكثر من غيرها. ورواه)
صاحب الصحاح: مشي النجيبة بله الجلة النجبا ونسبه إلى ابن هرمة. وقال أبو حيان في تذكرته: هذا الذي تأوله سيبويه في الخفض من نيابة بله عن المصدر المضاف إلى المخفوض عند الكوفيين على معنيين: إن كان المخفوض بتأويل مرفوع وتقدير ضرب: ليضرب زيد فالكلام صحيح. وإن كان تقدير المخفوض النصب والتأويل اضرب زيدا فالكلام عندهم خطأ لأن المصدر الذي يتعدى فعله إلى المفعول إذا أفرد بواحد أضيف إليه ولم يذكر معه غيره فلا بد من أن يكون ذلك الواحد مرفوعا لأن الفعل لا يخلو من الفاعل وما

203
يجرى مجراه فيعجبني ركوب الفرس موضع الفرس عند الكوفيين رفع لا غير لأن معناه يعجبك أن يركب الفرس. وجواز البصريون أن يكون منصوبا بتأويل أن يركب الفرس أي: يركب راكب الفرس. ورد الكوفيون هذا واحتجوا بأن المصدر لا يحتمل ضميرا من الفاعل فإذا أضيف إلى الفرس والفرس منصوب بقي الركوب بلا فاعل له مظهر ولا مضمر وفي هذا فساد التركيب. وقال البصريون: عملت على الاختصار ومعرفة المخاطب بأن للركوب فاعلا وإن لم يكن مظهرا ولا مضمرا. وقال الكوفيون: ما وجدنا فاعلا خلا الفعل من إظهاره معه أو إضماره فيه وما يصل إلى إظهار الفاعل ولا إضماره مع المصدر إذا انفرد واحد. والمصدر على الفعل مبني فما لم يعرف صحته مع الفعل فهو سقيم مع المصدر. انتهى. والبيتان من قصيدة لكعب بن مالك شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالها في وقعة الأحزاب وأوردها أصحاب السير والمغازي في كتبهم وهي:
* من سره ضرب يرعبل بعضه
* بعضا كمعمعة الأباء المحرق
*
* فليأت مأسدة تسن سيوفها
* بين المذاد وبين جزع الخندق
*
* دربوا بضرب المعلمين فأسلموا
* مهجات أنفسهم لرب المشرق
*
* في عصبة نصر الإله نبيه
* بهم وكان بعبده ذا مرفق
*
* في كل سابغة تخط فضولها
* كالنهي هبت ريحه المترقرق
*
* بيضاء محكمة كأن قتيرها
* حدق الجنادب ذات شك موثق
*

204
* جدلاء يحفزها نجاد مهند
* صافي الحديدة صارم ذي رونق
*
* تلكم مع التقوى تكون لباسنا
* يوم الهياج وكل ساعة مصدق)
* (نصل السيوف إذا قصرن بخطونا
* قدما ونلحقها إذا لم تلحق
*
* فترى الجماجم ضاحيا هاماتها
* بله الأكف كأنها لم تخلق
*
* ونعد للأعداء كل مقلص
* ورد ومحجول القوائم أبلق
*
* تردي بفرسان كأن كماتهم
* عند الهياج أسود طل ملثق
*
* صدق يعاطون الكماة حتوفهم
* تحت العماءة بالوشيج المزهق
*
* أمر الإله بربطها لعدوه
* في الحرب إن الله خير موفق
*
* لتكون غيظا للعدو وحيطا
* للدار إن دلفت خيول النزق
*
* ويعيننا الله العزيز بقوة
* منه وصدق الصبر ساعة نلتقي
* ونطيع أمر نبينا ونجيبه وإذا دعا لكريهة لم نسبق
* ومتى ينادي للشدائد نأتها
* ومتى نرى الجومات فيها نعنق
*
* من يتبع قول النبي فإنه
* فينا مطاع الأمر حق مصدق
*
* فبذاك ينصرنا ويظهر عزنا
* ويصيبنا من نيل ذاك بمرفق
*
* إن الذين يكذبون محمدا
* كفروا وضلوا عن سبيل المتقي
*

205
قوله: من سره ضرب إلخ رعبله: قطعه. والمعمعة قال صاحب الصحاح: هو صوت الحريق في القصب ونحوه وصوت الأبطال في الحرب. وأنشد هذا البيت. والأباء: القصب واحدتها أباءة كسحاب وسحابة وقيل أجمة الحلفاء والقصب خاصة. كذا في الصحاح. وقال السهيلي في: الروض الأنف: والهمزة الأخيرة بدل من ياء قاله ابن جني لأنه عنده من الإباية كأن القصب يأبى على من أراده بمضغ أو نحوه. ويشهد لما قاله قول الشاعر:
* يراه الناس أخضر من بعيد
* وتمنعه المرارة والإباء
* والمحرق: اسم مفعول. وقوله: فليأت مأسدة إلى آخره هذا جواب الشرط. قال السهيلي: المأسدة: الأرض الكثيرة الأسد وكذلك المسبعة: الأرض الكثيرة السباع. ويجوز أن يكون جمع أسد كما قالوا مشيخة ومعلجة. حكى سيبويه: مشيخة ومشيوخاء ومعلجة ومعلوجاء.
قوله: تسن سيوفها قال السهيلي: نصب الفاء هو الصحيح عند القاضي أبي الوليد ووقع في الأصل عند أبي بحر برفعها. ومعنى الرواية الأولى: تسن أي: تصقل. ومعنى الثانية أي: تسن للأبطال ولمن بعدها من الرجال سنة الجرأة والإقدام. والمذاد قال أبو عبيد البكري في معجم ما)
استعجم: هو بفتح الميم بعدها ذال معجمة والآخر دال مهملة الموضع الذي حفر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق. وقال السيوطي في شواهد المغني: هو أطم بالمدينة.

206
وقال الشامي: هو لبني حرام غربي مساجد الفتح سميت به الناحية. والجزع بكسر الجيم: منعطف الوادي. قال الشامي: وهو هنا جانب الخندق. والخندق هنا هو خندق المدينة. وقوله: دربوا بضرب إلخ قال صاحب الصحاح: الدربة بالضم: عادة وجرأة على الحرب وكل أمر وقد درب بالشيء بكسر الراء إذا اعتاده وضري به. والمعلمون بضم الميم وفتح اللام: الذين يعلمون أنفسهم بعلامات في الحرب يعرفون بها وهم الشجعان هنا. وأسلموا: من أسلم أمره لله أي: سلمه له. والمهجة هنا: الروح. وأراد برب المشرق رب المشرق والمغرب. وقوله: بعبده ذا مرفق: مصدر كالرفق ضد العنف. قال أبو زيد: رفق الله بك ورفق عليك رفقا ومرفقا بفتح الميم وكسر الفاء في الأول وبالعكس في الثاني. وزاد غيره مرفقا بفتح الميم والفاء حكاه الصاغاني في العباب. وقوله: في كل سابغة إلخ السابغة: الدرع الواسعة وتخط بالبناء للفاعل.
وفضولها: جمع فضل وهو الزائد أي: ينسحب ذيل الدرع على الأرض لطولها. والنهي بفتح النون: الغدير وأهل نجد يكسرون النون. والمترقرق بالجر صفة للنهي ومن ترقرق: إذا تحرك جاء وذهب. والريح إذا هبت على الماء حصلت هذه الصفة. وزعم السيوطي أنه بمعنى اللامع. وقوله بيضاء محكمة إلخ البيضاء: المجلوة. والقتير بفتح القاف وكسر المثناة الفوقية قال صاحب الصحاح: رؤوس المسامير في الدروع

207
شبهها بعيون الجندب وهو نوع من الجراد في البريق واللمعان. والشك: مصدر شككت الشيء إذا ضممته إلى غيره ومنه شك القوم بيوتهم إذا جعلوها مصطفة متقاربة. وهو معنى قول الشامي: الشك هنا: إحكام السرد وهو متابعة نسج حلق الدرع وموالاته شيئا فشيئا حتى يتناسق. والموثق: المحكم المثبت. وقوله: جدلاء يحفزها إلخ الجدلاء بفتح الجيم: الدرع المحكمة النسج. ويقال: درع مجدولة أيضا من جدلت الحبل أجدله بالضم جدلا أي: فتلته فتلا محكما. ويحفزها أي: يشمرها ويرفعها بالحاء المهملة والفاء والزاء المعجمة. والنجاد: سيور السيف. والمهند السيف المطبوع من حديد الهند. قال السهيلي: هذا كقول ابن الأسلت في وصف الدرع:
* أحفزها عني بذي رونق
* أبيض مثل الملح قطاع
* وذلك أن الدرع إذا طالت فضولها حفزوها أي: شمروها فربطوها بنجاد السيف. وقال)
غيره: كانت العرب تعمل في أغماد السيوف أشباه الكلاليب فإذا ثقلت الدرع على لابسها رفع ذيلها فعلقه بالكلاب الذي في غمد السيف ليخف عليه. وصارم: قاطع. والرونق: جوهر السيف. وقوله: تلكم مع التقوى إلخ الإشارة للدرع الموصوفة. قال السهيلي: هذا من أجود الكلام انتزعه من قول الله تعالى: ولباس التقوى ذلك خير

208
. وموضع الإجادة أنه جعله لباس الدروع تبعا للباس التقوى لأن حرف مع يفيد أن ما بعده هو المتبوع وليس بتابع. ويوم الهياج: يوم القتال. والمصدق كجعفر: الحملة الصادقة على العدو يقال للرجل الشجاع والفرس الجواد: إنه لذو مصدق أي: صادق الحملة وصادق الجري كأنه ذو صدق في وعد ذلك. وقوله: نصل السيوف إلخ قد نظم هذا المعنى كثيرا. قال الأخنس بن شهاب: وقال السموءل بن عادياء:
* إذا قصرت أسيافنا كان وصلها
* خطانا إلى أعدائنا فتطول
* وقال رجل من بني نمير:
* وصلنا الرقاق المرهفات بخطونا
* على الهول حتى أمكنتنا المضارب
* وقال آخر:
* إذا الكماة تنحوا أن يصيبهم
* حد الظبات وصلناها بأيدينا
* وقال آخر:
* الطاعنون في النحور والكلى
* شزرا ووصالو السيوف بالخطى
*

209
وقال آخر:
* إن لقيس عادة تعتادها
* سل السيوف وخطى تزدادها
* وهذا كله شعر جاهلي. وقال حميد بن ثور الهلالي الصحابي:
* ووصل الخطى بالسيف والسيف بالخطى
* إذا ظن أن السيف ذو السيف قاصر
* وله نظائر أخر ستأتي إن شاء الله تعالى في باب الظروف. وقوله: فترى الجماجم قد غيره النحويون إلى قولهم: تذر الجماجم وتقدم شرحه. قال السهيلي: خفض الأكف هو الوجه وقد روي بالنصب لأنه مفعول أي: دع الأكف وبله كلمة معناها دع وهي من المصادر المضافة إلى ما بعدها وهي من لفظ البله أي: الغفلة لأن من غفل ترك ولم يسأل عنه وكذلك هذا أي: لا تسأل عن الأكف إذا كانت الجماجم ضاحية مقطعة. قال الدماميني في الشرح المزج على)
المغني: الجمجمة: عظم الرأس المشتمل على الدماغ والقبيلة تجمع البطون فينسب إليها دونهم.
والبيت محتمل لكل من المعنيين. والمعنى على رواية رفع الأكف أن تلك السيوف تترك قبائل العرب الكثيرة بارزة الرؤوس للأبصار كأنها لم تخلق في محالها من تلك الأجسام. أو تترك تلك العظام المستورة مكشوفة ظاهرة فكيف الأكف. أي: إذا كانت حالة الرؤوس هذه مع عزة الوصول إليها فكيف حال الأيدي التي يتوصل إليها بسهولة. وعلى رواية النصب: أنها تترك الجماجم على تلك الحالة دع الأكف فأمرها أيسر وأسهل.

210
وعلى رواية الجر: أنها تترك الجماجم ترك الأكف منفصلة عن محالها كأنها لم تخلق متصلة بها. وقال ابن الملا في شرحه على المعني: الجمجمة: القحف أو العظم فيه الدماغ والسيد والقبيلة التي تنسب إليها البطون. ومتى أريد بالجماجم القبائل جاز أن يراد بالهامات رؤساؤها وبالأكف من دونهم من الكفاة. ففي القاموس: الهامة: رأس كل شيء. ورئيس القوم. والمعنى على رواية الرفع أن تلك السيوف تترك تلك العظام المستورة ظاهرة فكيف الأكف البادية أي: إذا كانت حالة الرؤوس هذه مع عزة الوصول إليها فكيف الأكف التي يتوصل إليها بسهولة فإنها تدعها كأنها لم تخلق في محالها.
ولا حاجة إلى دعوى المجاز في الأكف عن الأيدي كما يفهم من صنيع الشارح. أو تترك السادات من كل قبيلة أو القبائل من العرب بارزة الرؤوس للأبصار بإبانتها عن محالها كأنها لم تخلق فيها. أو تترك القبائل بارزا رؤوسها للقتل أي: مقتولة. وأراد بالأكف من يتقوى به من فرسان القبائل. وعلى النصب: أنها تترك الجماجم على تلك الحالة دع الأكف فإن أمرها أيسر وأسهل. وعلى الجر: أنها تتركها ترك الأكف منفصلة عن محالها كأنها لم تخلق متصلة بها.
انتهى. وهذا كله تكلف وتوسيع للدائرة. وقوله: نلقى العدو إلخ الفخمة: الجيش العظيم من الفخامة وهي العظم. وملمومة: مجموعة. وقوله: كقصد رأس المشرق قال السهيلي: الصحيح ما رواه ابن هشام عن أبي زيد: كرأس قدس المشرق لأن قدس جبل معروف من ناحية المشرق. انتهى. وظاهره أنه بفتح الميم. وقول الشامي المشرق نعت ل قدس بمعنى جبل إشارة إلى ضمة الميم وهو اسم فاعل من الإشراق. والظاهر أن هذا هو الجيد.

211
قال البكري في معجم ما استعجم: القدس بضم القاف وسكون الدال: من جبال تهامة وهو جبل العرج. قال ابن الأنباري: قدس: مؤنثة لاتنصرف لأنها اسم للجبل وما حوله. وقال ياقوت في معجم البلدان: قدس: جبل عظيم بأرض نجد. قال ابن دريد: قدس أوارة: جبل معروف. وأنشد الآمدي)
* ونحن جلبنا يوم قدس أوارة
* قنابل خيل تترك الجو أقتما
* وقال الأزهري: قدس أوارة: جبلان لمزينة وهما معروفان بحذاء سقيا مزينة. وقال عرام: بالحجاز جبلان يقال لهما القدسان: قدس الأبيض وقدس الأسود وهما عند
ورقان. أما الأبيض فهو جبل شامخ بين العرج والسقيا. والقدسان جميعا لمزينة. انتهى. فظهر بهذا أنه ليس جبل في المشرق اسمه قدس فالصواب ما قاله الشامي. وقوله: ونعد للأعداء نعد: نهيئ من الإعداد وهو التهيئة. والمقلص

212
قال صاحب الصحاح: فرس مقلص بكسر اللام أي: مشرف طويل القوائم. والورد: الفرس الذي تضرب حمرته إلى الصفرة. والمحجول: الفرس المحجل والتحجيل: بياض في قوائم الفرس أو في ثلاث منها أو في رجليه قل أو كثر بعد أن يجاوز الأرساغ ولا يجاوز الركبتين والعرقوبين لأنها مواضع الأحجال وهي الخلاخيل والقيود. ولا يكون التحجيل واقعا بيد أو يدين ما لم يكن معها رجل أو رجلان. كذا في العباب للصاغاني.
والأبلق: الفرس الذي فيه البلق بفتحتين وهو سواد وبياض. وقوله: تردي بفرسان إلخ قال صاحب الصحاح: ردى الفرس بالفتح يردي رديا ورديانا: إذا رجم الأرض رجما بين العدو والمشي الشديد. والكماة: جمع كمي وهو الشجاع المتكمي في سلاحه لأنه كمي نفسه أي: سترها بالدرع. والبيضة. والطل: المطر الضعيف. والملثق: اسم فاعل صفة لطل من اللثق بفتحتين قال السهيلي: واللثق: ما يكون عن الطل من زلق وطين. والأسد أجوع ما يكون وأجرأ في ذلك الحين. وقال صاحب العباب: اللثق: الندى. قال كعب بن زهير:
* باتت له ليلة جم أهاضبها
* وبات ينفض عنه الطل واللثقا
* وألثقه غيره. قال سلمة بن الخرشب:
* خدارية فتخاء ألثق ريشها
* سحابة يوم ذي أهاضيب ماطر
* وقوله: صدق يعاطون إلخ بالرفع صفة أسود وهو بضم الصاد جمع صدق بفتحها والدال ساكنة معها يقال رجل صدق اللقاء وصدق النظر إذا مضى فيهما ولم يثنه شيء.

213
والصدق أيضا: الكامل المحمود من كل شيء. والصدق أيضا: الصلب من الرماح ويقال المستوي.
ويعاطون: يناولون. والكماة: الشجعان مفعول لأول وحتوفهم مفعول ثان وهو جمع حتف وهو الهلاك. والعماءة بالمد كالسحابة وزنا وومعنى. قال أبو زيد: العماء: السحاب وهو شبه الدخان يركب رؤوس الجبال وأراد به هنا الغبار الثائر في المعركة. ورواه الشامي: العماية)
بالياء وفسره بالسحاب وليس في الصحاح إلا ما ذكرنا. وإنما فيه: عماية: جبل من جبال هذيل. والوشيج: الرماح وأصبه شجر الرماح. والمزهق: اسم فاعل المذهب للأرواح.
وقوله: لتكون غيظا للعدو وحيطا قال الشامي: هو جمع حائط اسم فاعل من حاط يحوط أي: كلأه ورعاه. وأراد بالدار المدينة المنورة. ودلفت: قربت. والنزق: الأعداء وهو جمع نزق بفتح فكسر من نزق نزقا كفرح فرحا. والنزق: الخفة والطيش وسوء الخلق. وهذا أصله.
وقوله: وإذا دعا لكريهة إلخ الكريهة من أسماء الحرب ونسبق بالبناء للمفعول. والحومات: جمع حومة وهو موضع القتال. ونعنق: نسرع. قال في المصباح: العنق بفتحتين: ضرب من السير فسيح سريع وهو اسم من أعنق إعناقا. وقوله: حق مصدق بفتح الدال المشددة مصدر أي: تصديقا حق تصديق. وترجمة كعب بن مالك الصحابي تقدمت في الشاهد السادس والستين.

214
وأنشد بعده الشاهد السابع والخمسون بعد الأربعمائة أعطيهم الجهد مني بله ما أسع على أن الأخفش أورده في باب الاستثناء قال: بله فيه حرف جر كعدا وخلا بمعنى سوى.
أورده أبو علي في إيضاح الشعر وعقد ل بله بابا قال: هذا باب ما يكون مرة اسما ومرة مصدرا ومرة حرف جر. قال الشاعر:
* حمال أثقال أهل الود آونة
* أعطيهم الجهد مني بله ما أسع
* قال أبو الحسن الأخفش في باب من الاستثناء: إن بله حرف جر. قال أبو علي: ووجه كونه حرفا أنه يمكن أن يقال أنك إن حملته على أنه اسم فعل لم يجز لأن الجمل التي تقع في الاستثناء مثل لا يكون زيدا وليس عمرا وعدا خالدا فيمن جعله فعلا ليس شيء منه أمرا وهذا يراد به الأمر وهو اسم للفعل فإذا كان كذلك لم يجز لأنه لا نظير له. فإن قلت: فلم لا تجعله المصدر لأن المصدر قد وقع في الاستثناء في قولك: أتاني القوم ما عدا زيدا والتقدير: مجاوزتهم زيدا فهو مصدر. قلت: يمكن أن يقال إن ما زائدة وليست التي للمصدر وعدا إذا قدرت زيادة ما كان جملة فليس في ذلك دلالة لاحتماله غير ذلك. والحروف قد وقعت في الاستثناء نحو: خلا و حاشا ولا وجه لهذه الكلم إلا أن تكون حروف جر فإذا كان بله زيد هنا ليس يخلو من أن يكون اسم فعل أو مصدرا أو حرفا وليس يجوز وقوع اسم فعل هنا لما)
قدمنا ولا المصدر لأنه لم يقع عليه دلالة من حيث جاز أن تكون ما زائدة في ما عدا كان حرف جر لأن حروف الجر قد وقعت في موضع الاستثناء. انتهى كلامه. وحاصله أنه استدل ل بله بكونه حرف استثناء بأن اسم الفعل لم يقع في الاستثناء فكذلك لم يكن مصدرا لأنه لا يكون مصدر إلا حيث يكون اسم فعل.

215
ثم اعترض نفسه بما عدا زيدا وبابه فقال: يمكن أن تكون ما زائدة. قال أبو حيان في تذكرته: قلت كزنها مصدرية أولى وبه قال سيبويه والجماعة.
وقد حكى أبو عبيدة وأبو الحسن النصب بعدها في الاستثناء. انتهى. ويريد أبو علي أنها ليست في النصب حرفا لأنها قد جرت وليس في الاستثناء ما ينصب ويخفض إلا وهو متردد بين الحرفية والفعلية ولا يكون نصبها كنصب إلا لهذا ولأنها لا يقع بعدها المرفوع. كذلك قال أبو حيان. يريد أنها لم تخرج عن بابها وإن دخلها معنى الاستثناء. فالخفض على أنها مصدر والنصب على أنها اسم فعل. وقال الدماميني في شرحه المزج على المغني: ذهب الكوفيون والبغداديون إلى أن بله ترد للاستثناء كغير. وجمهور البصريين على أنها لا يستثنى بها. واستدل ابن عصفور بأمرين: أحدهما أن ما بعد بله لا يكون من جنس ما قبلها. ألا ترى أن الأكف في البيت ليست من الجماجم. والثاني: أن الاستثناء عبارة عن إخراج الثاني مما دخل في الأول والمعنى في بله ليس كذلك. ألا ترى أن الأكف مقطوعة بالسيوف كالجماجم. وفيه نظر. أما الأول فلأنا لا نسلم أن كل استثناء يكون ما بعد الأداة فيه من جنس ما قبلها بدليل المنقطع.
وأما الثاني فلتحقق الإخراج باعتبار الأولوية. انتهى. وقد بسط القول أبو حيان في شرح التسهيل على هذه المسألة فلا بأس بإيراده هنا. قال: مذهب جمهور البصريين: لا يجوز فيما بعدها إلا الخفض. وأجاز الكوفيون والبغداديون فيه النصب على الاستثناء نحو أكرمت العبيد بله الأحرار. وإنما جعلوها استثناء لأنهم رأوا ما بعدها خارجا عما قبلها في الوصف من حيث كان

216
مرتبا عليه لأن المعنى فيه: إن إكرامك الأحرار يزيد على إكرامك العبيد. والصحيح أنها ليست من أدوات الاستثناء بدليل انتفاء وقوع إلا مكانها وأن ما بعدها لا يكون إلا من جنس ما قبلها. ويجوز دخول حرف العطف عليها ولم يتقدمها استثناء. قال شيخنا ابن الضائع: ومما يضعف إدخال بله ولا سيما في أدوات الاستثناء أنهم لم يأتوا بحتى في الاستثناء.
ألا ترى أن قولهم: قام القوم حتى زيد قد أخرج زيد عن القوم لصفة اختص بها في القيام لم تثبت لهم فلو كان هذا المعنى حقيقة في الاستثناء للزم. ولا تذكر حتى في أدوات الاستثناء.)
انتهى. وما ذهب إليه جمهور البصريين من أنه لا يجوز فيما بعدها النصب ليس بصحيح بل النصب بعدها محفوظ من العرب. قال الشاعر: مشي الجواد فبله الجلة النجبا وقال جرير:
* وهل كنت يا ابن القين في الدهر مالكا
* لغير بعير بله مهرية نجبا
* وقال آخر:

217
بله الأكف كأنها لم تخلق وقد روي الرفع أيضا بعد بله على معنى كيف. ذكره قطرب وأنكره أبو علي. وفي مختصر العين: بله بمعنى كيف وبمعنى دع. فأما الجر بعدها وهو المجمع على سماعه فذهب بعض الكوفيين إلى أنها بمعنى غير فمعنى بله الأكف غير الأكف فيكون هذا استثناء منقطعا.
وذهب الفارسي إلى أنها مصدر لم ينطق له بفعل وهو مضاف وهي إضافة من نصب.
وذهب الأخفش إلى أنها حرف جر. وأما النصب فيكون على أنه مفعول وبله مصدر موضوع موضع الفعل أو اسم الفعل ليس من لفظ الفعل. فإذا قلت: قام القوم بله زيدا فكأنك قلت: تركا زيدا أو دع زيدا. وأما الرفع فعلى الابتداء وبله بمعنى كيف في موضع الخبر. وقال ابن عصفور: إذا قلت: قام القوم بله زيدا إنما معناه عندنا دع زيدا وليس المعنى إلا زيدا. ألا ترى أن معنى بله الأكف دع الأكف. فهذه صفتها ولم يرد استثناء الأكف من الجماجم. قال شيخنا: هذا مناقض لقوله: كأنها لم تخلق فإنما يريد إذا كان فعلها في الجماجم كذا فالأكف أحرى بذلك فكأنها لم تكن قط فيقال أنها قطعتها. فلا بين معنى لا سيما وبله. انتهى. هذا ما أورده ابن حيان. وقول الشارح المحقق: ومنه بله ما أطلعتم أي: من الاستثناء بجعله بله بمعنى سوى. وهو قطعة من حديث أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة في تفسير سورة السجدة وهو: يقول الله تعالى:

218
أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما أطلعتم عليه. ثم قرأ: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون. وأطلعتم ضبطه القسطلاني بضم الهمزة وكسر اللام.
قال: ولأبي الوقت: أطلعتهم بفتح الهمزة واللام وزيادة هاء بعد التاء. وأخرجه مسلم أيضا عن أبي هريرة في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها من صحيحه ولفظه: قال رسول الله صلى الله)
عليه وسلم: يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما أطلعتم عليه ثم قرأ: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين انتهى. وفي رواية منه: بله ما أطلعتم الله عليه. فقول القسطلاني في شرح البخاري: إن هذا الحديث من أفراد البخاري سهو مع أن ابن حجر قال: في فتح الباري: أخرج مسلم الحديث كله عن أبي بكر بن أبي شيبة. قال النووي في شرح مسلم: بله معناها: دع عنك ما أطلعتكم عليه فالذي لم أطلعكم عليه أعظم. فكأنه أضرب عنه استقلالا له في جنب ما لم يطلع عليه. وقيل معناها غير وقيل معناها كيف. وقال ابن الأثير في النهاية: بله اسم فعل بمعنى دع وقد يوضع موضع المصدر ويضاف. وقوله: ما أطلعتم عليه يحتمل أن يكون منصوب المحل ومجروره. انتهى. ورواه أبو حيان في تذكرته: بله ما قد أطلعتكم عليه وقال: يريد فدع ما أطلعتكم عليه وكيف ما أطلعتكم. وتقول العرب: إني لا أركب الخيل فكيف الحمير يريد: فدع ذكر الحمير لا تذكره. ففي هذا القول دلالة على موافقة كيف معنى دع في هذه الجهة.
انتهى. ووقع في أكثر نسخ البخاري من بله ما اطلعتم عليه بزيادة من

219
. قال القسطلاني هي رواية أبي ذر وأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر. قال ابن حجر: قال الصاغاني: اتفقت نسخ الصحيح على من بله والصواب إسقاط كلمة من. وتعقب بأنه لا يتعين إسقاطها إلا إذا فسرت بمعنى دع وأما إذا فسرت بمعنى من أجل أو من غير أو سوى فلا. وقد بينت في عدة مصنفات خارج الصحيح بإثبات من. وأخرجه سعيد بن منصور من طريق ابن مردويه أبي معاوية عن الأعمش كذلك. وقد فسر الخطابي الجار والمجرور بقوله: كأنه يقول: دع ما اطلعتم عليه فإنه سهل في جنب ما ادخر لهم. وهذا إنما هو لائق بشرح بله بغير تقدم من عليها. وأما إذا تقدمت من عليها فقد قيل: هي بمعنى كيف ويقال: أجل ويقال بمعنى غير أو سوى وقيل بمعنى فضل. انتهى. قال ابن هشام في المغني: ومن الغريب أن في رواية البخاري من بله قد استعملت معربة مجرورة ب من وخارجة عن المعاني الثلاثة. وفسرها بعضهم بغير وهو ظاهر. وبهذا يتقوى من يعدها في ألفاظ الاستثناء. انتهى. وكذلك قال القسطلاني: قد ثبت جر بله بمن في الفرع المعتمد المقابل على أصل اليونيني المحرر بحضرة إمام العربية أبي عبد الله بن مالك. قال الدماميني في شرح البخاري: وفي شروح المغني: نص ابن التين على أن بله ضبط بالفتح والجر وكلاهما مع وجود من. فأما الجر فقد وجهه ابن هشام. وأما توجيه الفتح مع)
وجود من فقد قال الرضي: إذا كان بله بمعنى كيف جاز أن تدخله من وعليه تتخرج هذه الرواية فتكون بمعنى كيف التي يقصد بها الاستبعاد.

220
و ما مصدرية وهي مع صلتها في محل رفع على الابتداء والخبر من بله والضمير من عليه عائد على الذخر أي: كيف ومن أين اطلاعكم على الذخر الذي أعددته فإنه أمر قلما تتسع العقول لإدراكه والإحاطة به. انتهى.
ومثله لابن حجر قال: ووقع في المغني لابن هشام أن بله استعملت معربة مجرورة ب من وأنها بمعنى غير ولم يذكر سواه. وفيه نظر لأن ابن التين حكى رواية من بله بفتح الهاء مع وجود من فعلى هذا فهي مبنية و ما مصدرية وهي وصلتها في موضع رفع على الابتداء والخبر هو الجار والمجرور المتقدم ويكون المراد ب بله كيف التي يقصد بها الاستبعاد. والمعنى: من أين اطلاعكم على هذا القدر الذي تقصر عقول البشر عن الإحاطة به. ودخول من على بله إذا كانت بهذا المعنى جائز كما أشار إليه الشريف في شرح الحاجبية. وأوضح التوجيهات لخصوص سياق حديث الباب أنها بمعنى غير. وذلك بين لما تأمله. انتهى. وهذا الاتفاق من الدماميني وابن حجر غريب يقل وقوع مثله فإنهما وإن كانا متصاحبين لم ير كل منهما شرح الآخر على البخاري. أقول: كسرة بله يحتمل أن تكون كسرة بناء ويؤيده ما قاله أبو حيان في الارتشاف بأنه سمع في بله فتح الهاء وكسرها. والبيت الشاهد من قصيدة لأبي زبيد الطائي النصراني. وقبله وهو مطلع القصيدة:
* حمال أثقال أهل الود آونة
* أعطيهم الجهد مني بله ما أسع
* من استفهامية ومبلغ متعد إلى مفعولين يقال: أبلغته السلام فقومنا مفعوله الأول والنائين: جمع ناء اسم فاعل من النأي وهو البعد. وإذ ظرف معناه التعليل متعلق بمبلغ.

221
وشحطوا بفتح الحاء يقال: شحط يشحط شحطا من باب منع وشحوطا وهو البعد. وشيق: مشتاق وأصله شيوق بوزن فيعل. و ولع بكسر اللام: وصف من ولع بفتح اللام وكسرها يلع بفتحها مع سقوط الواو ولعا بسكون اللام وفتحها بمعنى علق به من علاقة الحب. كذا في المصباح.
وحمال: مبالغة حامل خبر لمحذوف أي: هو حمال. وأثقال: جمع ثقل بفتحتين وهو متاع المسافر. وآونة: جمع أوان بمعنى الحين كأزمنة وزمان وهو ظرف لحمال أي: حملته في أزمان كثيرة. وضمير أعطيهم لأهل الود وجمعه باعتبار معناه. والجهد بالفتح: النهاية والغاية وهو مصدر جهد في الأمر جهدا من باب نفع إذا طلب حتى بلغ غايته في الطلب. ومنه اجتهد في)
الأمر أي: بذل وسعه وطاقته في طلبه ليبلغ مجهوده ويصل إلى نهايته. والجهد أيضا: الوسع والطاقة يفتح في لغة الحجاز ويضم في غيره. وأسع: مضارع وسع يتعدى ولا يتعدى. يقال: وسع المكان القوم ووسع المكان أي: اتسع. قال النابغة:
* تسع البلاد إذا أتيتك زائرا
* وإذا هجرتك ضاق عني مقعدي
* والسعة والوسع: الطاقة والجدة أيضا. والفعل وسع بكسر السين يسع بفتحها وأصل الفتحة الكسرة ولهذا أسقطت الواو لوقوعها بين ياء مفتوحة وكسرة ثم فتحت بعد الحذف لمكان حرف الحلق. فأسع إن كان متعديا فما موصولة أو موصوفة والعائد محذوف أي: أسعه. وإن كان لازما بمعنى اتسع فما مصدرية. فالجهد إن كان بالمعنى الأول فالوسع بالمعنى الثاني وبالعكس لئلا يتكرر. وظهر من هذا التقدير أن الاستثناء لا مساس له هنا وإنما المعنى على أحد الأوجه الثلاثة في البيت السابق. فالأول أني أعطيهم فوق

222
الوسع فتركا للوسع أو فدع الوسع أي: ذكره أو فكيف الوسع لا أعطيه فتأمل. وأنشد بعده: وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم تقدم شرحه قبل بيتين منه. وأنشد بعده:
* مهلا فداء لك الأقوام كلهم
* وما أثمر من مال ومن ولد
* وهذا أيضا تقدم شرحه في أول الباب. وأنشد بعده
الشاهد الثامن والخمسون بعد الأربعمائة
* ألا حييا ليلى وقولا لها هلا
* فقد ركبت أمرا أغر محجلا
* على أن هلا فيه اسم فعل بمعنى أسرعي.

223
المعروف أنها زجر للدابة لتذهب فتكون من أسماء الصوت كما فسره هو بهذا في باب الصوت. قال صاحب الصحاح: هلا: زجر للخيل أي: توسعي وتنحي. قال: وأي جواد لا يقال له هلا وللناقة أيضا وقال: حتى حدوناها بهيد وهلا وهما زجران للناقة وقد تسكن بها الإناث عند دنو الفحل منها. قال: ألا حييا ليلى وقولا لها هلا انتهى. فقد عكس الشارح كما ترى ففسرها بأسرعي دون اسكني. وقال ابن الأثير في النهاية في شرح حيهلا من حديث ابن مسعود: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر قال: أي: أقبل به وأسرع وهي كلمتان جعلتا كلمة واحدة فحي بمعنى أقبل وهلا: بمعنى اسكن عند ذكره حتى تنقصي فضائله. انتهى.

224
فهلا من حيهلا إما بمعنى أسرع وإما بمعنى اسكن لأنها تأتي للمعنيين كما قال الشارح. وكأنه رحمه الله أخذ كلامه من هنا لكنه لم ينعم النظر. وأورده الزمخشري في مفصله قال: ويستعمل حي وحده بمعنى أقبل وهلا وحده. وأنشد البيت.
والبيت أول أبيات للنابغة الجعدي الصحابي هجا بها ليلى الأخيلية. وبعده:
* بريذينة بل البراذين ثفرها
* وقد شربت في أول الصيف أيلا
*
* وقد أكلت بقلا وخيما نباته
* وقد نكحت شر الأخايل أخيلا
*
* وكيف أهاجي شاعرا رمحه استه
* خضيب البنان لا يزال مكحلا
* وقوله: ألا حييا أي: ابلغاها تحيتي على طريق الهزء والسخرية. وروي: ألا أبلغا أمر مخاطبين بالتبليغ أو واحدا إما بتقدير الألف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة. وإما من قبيل خطاب الرجل صاحبه بخطاب الاثنين على عادتهم. وهلا هو المحكي بالقول. وقوله: فقد ركبت إلخ أراد أنها ركبت بسبب التعرض لي أمرا واضحا ظاهرا لا يخفى. وهذا يقال في كل شيء ظاهر عرف كما يعرف الفرس الأغر المحجل. ومنه قول الشاعر:)

225
* وأيامنا معروفة في عدونا
* لها غرر معروفة وحجول
* وروي: لقد ركبت أيرا بالمثناة التحتية بدل الميم وهو تحريف من الكتاب. وقوله: ذري عنك إلخ ذري: اتركي. وتهجاء بالفتح: مصدر لمبالغة الهجاء. وأذلقي أي: أير أذلقي. والأذلق: السنان المسنون المحدد. قال صاحب العباب: ذلق السنان بالكسر يذلق ذلقا أي: صار حديدا فهو ذلق وأسنة ذلق. وقال العيني: أذلقي أي: رجل فصيح متقن. وهذا لا مناسبة له هنا. ومثله لبعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل وتبعه الكرماني في شرح أبيات الموشح قالا: أذلقي أي: فصيح يقال: فلان ذلق اللسان أي: طليقه. والأذلقي مبالغة. انتهى.
وروي: أذلغي بدل أذلقي بذال وغين معجمتين بينهما لام. قال صاحب العباب: وقال للذكر أذلغ وأذلغي ومذلغ بكسر الميم. والأذلغي: منسوب إلى بني أذلغ: قوم من بني عامر يوصفون بالنكاح. قال ابن الكلبي: الأذلغ هو عوف بن ربيعة بن عبادة وأمه من ثمالة. وقال الأزهري: الذكر يسمى أذلغ إذا اتمهل فصارت تومته مثل الشفة المنقلبة. ويقال: رجل أذلغ إذا كان غليظ الشفتين. وذلغ جاريته إذا جامعها. انتهى. والفيشل بفتح الفاء: رأس الذكر ومثله الفيشلة.
كذا في العباب. وقال العيني: الفيشل: الذكر العظيم الكمرة. ولم أره بهذا المعنى. وقوله: برذينة حك البراذين إلخ مصغر البروذنة. قال المطرزي: البرذون: التركي من الخيل وهو خلاف العراب. وقال ابن الأنباري: البرذون يقع على

226
الذكر والأنثى وربما قالوا في الأنثى بروذنة كذا في المصباح. والثفر بفتح المثلثة وسكون الفاء. قال صاحب المصباح: الثفر مثل فلس للسباع وكل ذي مخلب منزلة الفرج والحيا للناقة. وربما استعير لغيرها. وقوله: وقد شربت من آخر إلخ الأيل بضم الهمزة وتشديد الياء المفتوحة: جمع آيل كقارح وقرح والآيل: اللبن الخاثر. وقيل اسم جمع له يقال: آل اللبن يؤول أولا إذا خثر. وأراد ألبانا أيلا فحذف الموصوف. وقيل: هو أيل بفتح الهمزة كسرها وتشديد الياء المكسورة وهو الذكر من الأوعال. والأنثى أيلة وأروية.
والأيل هو ذو القرن الأشعب مثل الثور الأهلي وإنما سمي أيلا لأنه يؤول إلى الجبال يتحصن فيها.
قال ابن السيد في شرح أبيات أدب الكاتب: أراد لبن أيل فحذف المضاف وخصه دون غيره لأنه يهيج الغلمة. وقال صاحب العباب: قال شمر: هو لبن الأيايل. قال أبو
الهيثم: هذا محال ومن أين يوجد ألبان الأيايل. وقال أبو نصر: هو البول الخاثر من أبوال الأروى إذا شربته المرأة اغتلمت. وهو يغلم أي: يقوي على النكاح. وقوله: إذا أكلت بقلا وخيما إلخ الوخيم: الثقيل.)
ونكحت: تزوجت من باب ضرب. والأخايل: جمع أخيل قال صاحب العباب: بنو الأخيل: حي من بني عقيل رهط ليلى الأخيلية. وقولها:
* نحن الأخايل ما يزال غلامنا
* حتى يدب على العصا مذكورا
* وإنما جمعت القبيلة باسم الأخيل بن معاوية العقيلي. انتهى

227
. أراد أنها تزوجت بأشر بني أخيل. وأخيل: صفة لشر لتأويله بمشؤوم فإن الأخيل هو الشقراق والعرب تتشاءم به. وقوله: وكيف أهاجي شاعرا إلخ أي: كيف أهاجي امرأة بهذه الصفات. والاستفهام إنكاري. أي: لا أهجو استنكافا ممن بهذه الصفة. وسبب هجو النابغة لليلى أنه كان يهاجي زوجها سوار بن أوفى القشيري فاعترضت ليلى بينهما فهجت النابغة بشعر فهجاها بهذا الشعر فهجته بقصيدة منها هذه الأبيات:
* أنابغ إن تنبغ بلؤمك لا تجد
* للؤمك إلا وسط جعدة مجعلا
*
* أعيرتني داء بأمك مثله
* وأي حصان لا يقال لها: هلا
*
* تساور سوارا إلى المجد والعلا
* وفي ذمتي لئن فعلت ليفعلا
* فغلبته ولهذا صار النابغة معدودا من المغلبين. هذه هو الصحيح في الرواية كما في الأغاني وفي شرح شواهد إصلاح المنطق لا العكس كما قاله ابن هشام في شرح الشواهد وتبعه العيني وغيره. ثم إنها وفدت إلى الحجاج بن يوسف فأعطاها ما سألت ثم قال لها: ألك حاجة بعد هذا قالت: نعم تدفع إلي النابغة الجعدي. قال: قد فعلت. فلما بلغ النابغة فعل الحجاج به خرج هاربا إلى عبد الملك بن مروان عائذا به فاتبعته إلى الشام فهرب إلى قتيبة بن مسلم بخراسان فاتبعته بكتاب الحجاج إليه فماتت

228
بقومس. وقال ابن قتيبة: بساوة وقبرت هناك.
وقولها: أنابغ إلخ الهمزة للنداء. ونابغ: مرخم نابغة وهو لقب والهاء للمبالغة. يقال: نبغ الرجل إذا لم يكن في إرث الشعر ثم قال وأجاد ومنه سمي الشعراء من النوابغ وهم ثمانية. واسم الجعدي قيس بن عبد الله. وقد تقدمت ترجمته في الشاهد السادس والثمانين بعد المائة. ونبغ ينبغ بفتح الباء في الماضي وبتثليثها في المضارع إذا ظهر وعلا. وقولها: ولم تك أولا أي: لم تكن أول من قال شعرا وليس لك قدم فيه. والصني: مصغر صنو بكسر الصاد المهملة وسكون النون وهو حسي صغير لا يرده أحد ولا يؤبه له يقال: هو شق في الجبل. كذا في الصحاح.
وقال ابن السيد في شرح أبيات أدب الكتاب: الصني: شعب ضيق بين الجبال وقيل: هو الرماد)
وقيل: هو الشيء الحقير الذي لا يلتفت إليه. والحسي بكسر الحاء وسكون السين المهملتين وهو الماء المتواري في الرمل. قال ابن السيرافي في شرح أبيات إصلاح المنطق: لم تنبغ: لم تعل ولم تذكر. والصني: الحسي الصغير تريد أنه بمنزلة الحسي كهذا الماء الذي بين جبلين لا يريده أحد. وجهلا نعت لصني. والصد بضم الصاد وفتحها ويقال: سد بالسين كذلك هو الجبل.
والمجعل: مصدر ميمي. بمعنى الجعل أي: لم تجد من يجعلك شريفا إلا قومك. وقولها: أعيرتني داء أي: أنسبتني إلى العار وهو كل شيء يلزم منه عيب أو سبة يتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه كما هنا. وبالباء أيضا. قال المرزوقي في شرح الحماسة: المختار أن يتعدى بنفسه.
والحصان بالفتح: المرأة العفيفة. وروي بدله: وأي جواد وهو الفرس الجيدة. وقولها: تساور سوارا إلخ تساور: تواثب وتغالب.

229
وسوار قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء: هو سوار بن أوفى القشيري. وكان زوجها. وصحفه بعضهم ورواه: تسور سوار والصواب ما رويناه.
وهذا البيت أورده سيبويه في كتابه على الألف في ليفعلا أصلها نون التوكيد الخفيفة قلبت ألفا.
واللام في لئن موطئة القسم واللام الثانية في جواب القسم المقدر وجملة: يفعلا جواب القسم وجواب الشرط محذوف وجوبا وفي ذمتي خبر مبتدأ محذوف أي: في ذمتي القيام بما أدعيه لسوار من أن يغلبك والله لئن فعلت ليفعلن أي: لئن وأثبته ليواثبنك ويغلبنك. وقال أبو علي في إيضاح الشعر قوله: وفي ذمتي قسم وجوابه ليفعلن. فإن قلت: إن في قوله: وفي ذمتي ليس بكلام مستقل والقسم إنما هو جملة. قلت: أنه أضمر في الظرف اليمين أو القسم لدلالة الحال عليه كما أضمر قي قوله سبحانه: ثم بدا لهم الفاعل وصار ليسجننه كالجواب لأن بدا بمنزلة علم وذاك أنه علم. ومن لم يرفع بالظرف فينبغي أن يكون المبتدأ عنده محذوفا. ويبين ذلك قولهم: علي عهد الله لأفعلن. انتهى. المبتدأ وجوبا إذا كان خبره صريحا في القسم كقولهم: في ذمتي لأفعلن أي: في ذمتي يمين. وأنشد هذا البيت. وإنما عده صريحا لأنه اشتهر استعماله
في القسم وبه يسقط قول من قال كما نقله العيني: يحتمل أن يكون: في ذمتي دين أو عهد فلا يفهم القسم إلا بذكر المقسم به

230
. وأنشد بعده: قدني من نصر الخبيبين قدي وقد تقدم شرحه مفصلا في الشاهد الثالث بعد الأربعمائة. وأنشد بعده
الشاهد التاسع والخمسون بعد الأربعمائة
* ومتى أهلك فلا أحفله
* بجلي الآن من العيش بجل
* على أن بجل كان في الأصل مصدرا بمعنى الاكتفاء ثم صار اسم فعل بمعنى الأمر فإن اتصل به الكاف كان معناه اكتف أمر مخاطب حاضر. وإن اتصل به الياء كان معناه لأكتف أمر متكلم نفسه كما أن قد و قط كذلك. ففيه ضمير مستتر وجوبا تقديره في الأول: أنت وفي الثاني أنا. ومثله في المفصل للزمخشري: أن قدك و قطك بمعنى اكتف وانته. ولم يذكر معهما بجل. وكونها موضوعة لهذا المعنى هو المتبادر الظاهر من موارد استعمالها والمطرد في كل موضع أتت فيه.

231
وذهب ابن مالك في التسهيل إلى أن الثلاثة موضوعة لأكتفي فعلا مضارعا للمتكلم. وهو قريب مما قالاه. وقال أبو حيان في الارتشاف: وأما بجل فقد ذكروا أنها اسم فعل والياء في موضع نصب بمعنى كفاني أو يكفيني. وإذا لم تلحق فهي بمعنى حسب. واقتصر المرادي في الجنى الداني وابن هشام في المغني وغيرهما على أنها موضوع ليكفي فعلا مضارعا غائبا. وهذا يحتاج إلى فاعل ظاهر. ولا يتيسر فيه بجلي الآن ولا في قول طرفة بن العبد. وقد أورده ابن هشام في المغني: ألا بجلي من الشراب ألا بجل لعدم وجوده. ولما رأوا أن لا فاعل اضطروا إلى جعل بجل في البيتين بمعنى حسب وأثبتوا معنى ثانيا لها. ولا ضرورة تدعو إليه ولهذا لم يذكر الشارح المحقق معنى حسب أصلا حسما للانتشار من غير فائدة. فإن قلت: إن علماء اللغة المتقدمين كالأزهري وابن دريد والجوهري وغيرهم إنما قالوا: بجل بمعنى حسب ولم يتعرضوا لمجيئها اسم فعل فما وجهه قلت: هو راجع إليه وإنما عبروا بحسب لقرب المعنى تيسيرا للفهم. وهم يتساهلون في تفسير بعض الألفاظ. ولما كان غرض النحويين متعلقا بأحكام الألفاظ دققوا النظر فبينوا حقيقتها وفسروها بالفعل وسموها اسم فعل. ولا يصح أن تكون موضوعة بمعنى حسب لأن كلا منهما لا يستعمل استعمال الآخر.

232
أما حسب فإنها اسم معرب متصرف يقع مبتدأ وخبرا وحالا ومجرورا ويدخل عليها العوامل اللفظية. وبجل إلى خلاف هذا وإثبات هذه الأمور لها دونه خرط القتاد. وأما بجل فإن نون الوقاية تلحقها وحسب لا تلحقها ولا في الندرة. وقد أخذ ابن مالك بظاهر كلام أهل اللغة فأثبت مجيء بجل بمعنى حسب. وحسب ليست اسم فعل)
لدخول العوامل عليها ولم يصب من عدها من أسماء الأفعال كالقواس في شرح ألفية ابن معطي ولا يجب لحاق نون الوقاية لبجل مع الياء بل يجوز بمرجوحية. قال الشارح المحقق هنا: وتجب نون الوقاية في قد و قط دون بجل في الأعراف لكونهما على حرفين دونه. وقال في باب المضمر: وكذا الحذف في بجل أولى من الإثبات وإن كان ساكن الآخر مثل قد و قط لكراهة لام ساكنة قبل النون وتعسر النطق بها. ومثله لابن هشام في المغني: أن لحاق النون لبجل إذا كان اسم فعل نادر. وكذا حال جميع أسماء الأفعال يجوز إلحاق نون الوقاية وتركها. قال الشارح المحقق في باب المضمر: يجوز إلحاق نون الوقاية في أسماء الأفعال لأدائها معنى الفعل ويجوز تركها أيضا لأنها ليست أفعالا في الأصل. حكى يونس: عليكني وحكى الفراء: مكانكني. انتهى.
وكذا قال الشاطبي في شرح الألفية: حكى سيبويه في أسماء الأفعال عليكني وعليكي. بل ينبغي أن يكون إلحاق النون لاسم الفعل كالفعل من كل وجه فكما تقول تراكها: تقول تراكني وفي رويد: رويدني وفي هلم الحجازية: هلمني. وكذلك سائر أسماء الأفعال المتعدية. وقد نص ابن مالك في شرح التسهيل على جواز إلحاق النون في اسم الفعل مطلقا. انتهى.

233
وزعم ابن هشام في شرح الألفية وفي الجامع الصغير وغيرهما أن لحاقها لاسم الفعل واجب. وحينئذ يرد عليه ما استشكله الدماميني في شرح المغني قال: هذا مشكل لأنها حيث تكون اسم فعل بمعنى يكفي فالنون واجبة لا نادرة. نعم إذا كانت بمعنى حسب جاز الأمران إلا أن ترك النون أعرف من إثباتها فندور: بجلني بالنون إنما هو إذا كانت بمعنى حسب لا بمعنى يكفي. هذا كلامه.
وتابعه عليه الشمني وناقشه بشيء لا طائل تحته. وقد لفق بين كلاميهما ابن الملا على عادته ولم يأت بشيء. وقول الشارح المحقق: إلا أن الضمير قد يحذف من بجل بخلاف قد و قط يعني قد تستعمل مجردة من إلحاق ضمير المتكلم أو المخاطب كما في البيت فإن بجل الثانية تأكيد للأولى ألا بجلي من الشراب ألا بجل وكذلك قول بعض أهل البصرة في يوم الجمل: ردوا علينا شيخنا ثم بجل يريد: ثم بجلكم أي: كفوا وانتهوا. وزعم العيني أن بجل الثانية حرف بمعنى نعم ومع هذا فهي تأكيد لبجل الأولى. وفيه أن الحرف لا يؤكد الاسم لتغايرهما بالنوعية. وقول الشاعر: ومتى أهلك إلخ متى: جازمة. وأهلك شرط ولهذا جزم. وجملة: لا أحفله في محل جزم جواب)
الشرط. وهلك الشيء من باب ضرب وكذلك حفل من باب ضرب.

234
قال صاحب العباب: وحفلت كذا أي: باليت به. ويتعدى بالباء أيضا وهو الكثير. يقال: حفلت بفلان إذا قمت بأمره ولا تحفل بأمره أي: لا تبال به ولا تهتم به. واحتفلت به: اهتممت به. وضمير أحفله راجع إلى الهلاك المفهوم من أهلك. وهذا البيت من قصيدة للبيد بن ربيعة الصحابي ذكر فيها أيامه ومشاهده وما جرى له عند النعمان بن المنذر ملك الحيرة والتأسف على موته. إلى أن قال: فمتى أهلك فلا أحفله البيت وبعده: ثم رثى أخاه لأمه أربد لموته بصاعقة نزلت به بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان جاء مع عامر بن الطفيل قاتلهما الله للغدر بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم. وهذه القصيدة قالها قبل إسلامه. وتقدم شرح أبيات منها في الشاهد
الثامن والعشرين بعد المائتين. وترجمته تقدمت أيضا في الشاهد الثاني والعشرين بعد المائة. وقوله: من حياة بدل من قوله: من العيش في البيت السابق.

235
وأنشد بعده
الشاهد الستون بعد الأربعمائة
* أنشأت أسأله ما بال رفقته
* حي الحمول فإن الركب قد ذهبا
* على أن حي جاء متعديا بمعنى: ائت الحمول جمع حمل بالكسر. وهذه رواية الجوهري في الصحاح وكذا رواه خطاب بن يوسف في كتاب الترشيح وقال: أخذ يسأل غلامه: ما بال الرفقة وأين أخذت ثم قال له: حي الحمول يا غلام أي: ائتها وحثها. انتهى. نقله عنه أبو حيان في التذكرة. وقد روى البيت أبو علي في كتاب إيضاح الشعر والسهيلي في الروض الأنف هكذا:
* أنشأت أسأله عن حال رفقته
* فقال: حي فإن الركب قد ذهبا
* وعليه فليس بمتعد. ورواه الأخفش أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي في كتاب المعاياة: وقال: أراد بقوله: حيهل فنقصه. والرفقة بضم أولها وتكسر. وجعل الركب بمنزلة الواحد.
اه. أي: بالنظر إلى قوله ذهب الإفراد ولو كان راعى معناه لقال: ذهبوا. وقال ابن أبي الربيع: حي تستعمل مركبة وغير مركبة. فإن كانت غير مركبة كانت بمنزلة أقبل فتتعدى بعلى وإذا كانت مركبة كانت متعدية بمنزلة ائت. انتهى.

236
وقوله: أنشأت أي: شرعت أسأل غلامي كيف أخذ الركب. والبال: الحال والشأن. والرفقة قال صاحب المصباح: هي الجماعة ترافقهم في سفرك فإذا تفرقتم زال اسم الرفقة. وهي بضم الراء في لغة تميم والجمع رفاق مثل برمة وبرام وبكسرها في لغة قيس والجمع رفقة مثل سدرة وسدر. وقوله: حي الحمول مقول لقول محذوف أي: فقال: حي الحمول وهو مصرح به في رواية غير الجوهري. قال صاحب المصباح: وراكب الدابة جمعه ركب مثل صاحب وصحب وركبان. انتهى. وقال ابن قتيبة في أدب الكاتب: الركب: أصحاب الإبل وهم العشرة ونحو ذلك. قال ابن السيد في الاقتضاب: هذا الذي قاله ابن قتيبة قاله غير واحد. وحكى يعقوب عن عمارة بن عقيل قال: لا أقول راكب إلا لراكب البعير خاصة وأقول لغيره قارس وبغال وحمار. ويقوي هذا الذي قاله قول قريط العنبري:
* فليت لي بهم قوما إذا ركبوا
* شنوا الإغارة فرسانا وركبانا
* والقياس يوجب أن هذا غلط والسماع يعضد ذلك. ولو قالوا إن هذا هو الأكثر في الاستعمال لكان لقولهم وجه. وأما القطع على أنه لا يقال راكب ولا ركب إلا لأصحاب الإبل خاصة فغير)
صحيح لأنه لا خلاف بين اللغويين في أنه قال: ركبت الفرس وركبت البغل

237
وركبت الحمار.
واسم الفاعل من ذلك راكب وإذا كثرت الفعل قلت: ركاب وركوب. وقد قال الله تعالى: والخيل والبغال والحمير لتركبوها فأوقع الركوب على الجميع. وقال امرئ القيس:
* إذا ركبوا الخيل واستلأموا
* تحرقت الأرض واليوم قر
* وقال زيد الخيل الطائي:
* وتركب يوم الروع فيها فوارس
* بصيرون في طعن الأباهر والكلى
* وهذا كثير في الشعر وغيره. وقد قال الله تعالى: فرجالا أو ركبانا. وهذا اللفظ لا يدل على تخصيص شيء بشيء بل اقترانه بقوله فرجالا يدل على أنه يقع على كل ما يقل على الأرض.
ونحوه قول الراجز:
* بنيته بعصبة من ماليا
* أخشى ركيبا أو رجيلا عاديا
* فجعل الركب ضد الرجل وضد الرجل يدخل فيه راكب الفرس وراكب الحمار وغيرهما.

238
وقول ابن قتيبة أيضا: إن الركب العشرة ونحو ذلك غلط آخر لأن الله تعالى قال: والركب أسفل منكم يعني مشركي قريش يوم بدر وكانوا تسعمائة وبضعة وخمسين.
والذي قاله يعقوب في الركب هم العشرة فما فوقها. وهذا صحيح وأظن أن ابن قتيبة أراد ذلك فغلط في النقل.
انتهى. وقبل البيت الشاهد:
* تعدو بنا شطر جمع وهي عاقدة
* قد قارب العقد من إيفادها الحقبا
* وتعدو أي: الناقة من العدو وهو ما قارب الهرولة وهو دون الجري. وبنا أي: بي وبغلامي فإنه كان زميلي على الناقة. والشطر هنا بمعنى الجهة. وجمع: اسم المزدلفة. وسميت به إما لأن الناس يجتمعون بها وإما لأن آدم اجتمع هناك بحواء. والعاقدة: الناقة التي قد أقرت باللقاح لأنها تعقد بذنبها فيعلم أنها حملت. وقيل: العاقدة: التي تضع عنقها على عجزها.
والإيفاد: الإسراع مصدر أوفد بالفاء أي: أسرع. والحقب بفتح المهملة والقاف: حبل يشد به الرحل إلى بطن البعير مما يلي ثيله أي: ذكره كي لا يجتذبه التصدير. تقول منه: أحقبت البعير.
وروي أيضا:
* تعدو بنا شطر جمع وهي موفدة
* قد قارب الغرض من إيفادها الحقبا
* وموفدة: اسم فاعل بمعنى مسرعة من الإيفاد المذكور. والغرض بفتح الغين المعجمة وسكون)
الراء المهملة بعدها ضاد معجمة ويقال له: غرضة بالضم وهو التصدير وهو للرجل بمنزلة الحزام للسرج والبطان للقتب. يقول: قد لوت عنقها وعسرت بذنبها وتخامصت ببطنها فقري كل واحد من

239
الغرض والحقب من صاحبه وذلك من شدة السير. والبيتان من قصيدة لابن أحمر. كذا أورد البيتين السهيلي في الروض الأنف: قال الحافظ مغلطاي في حاشيته عليه: وفيه نظر من حيث أن الذي في ديوان ابن أحمر أن ذلك البيت بعد قوله:
* قالوا: عيينا فابدري وقد زعموا
* أن قد مضى منهم ركب فقد نصبا
*
* إما الجبال وإما ذو المجاز وإ
* ما في منى سوف تلقى منهم سببا
*
* وافيت لمل أتاني أنها نزلت
* إن المنازل مما يجمع العجبا
*
* ثم ارتمينا بقول بيننا دول
* بين الهباءين لا جدا ولا لعبا
*
* في طمية الناس لم يشعر بنا أحد
* لما اغتنمنا جبال الليل والصخبا
*
* حتى أتيت غلامي وهو ممسكها
* يدعو يسارا وقد جرعته غضبا
* أنشأت أسأله ما بال رفقته............. البيت انتهى. وهو شاعر إسلامي في الدولة الأموية. وهجا يزيد بن معاوية فأراد يزيد أن يأخذه ففر منه ولم يقدر عليه. قال الجواليقي في شرح أدب الكتاب: هو عمرو بن أحمر من باهلة وهو أحد عوران قيس وهو خمسة شعراء: تميم بن أبي بن مقبل والراعي والشماخ وابن أحمر وحميد بن ثور.

240
وقال ابن الشجري في أماليه: هو عمرو بن أحمر بن العمرد بن عامر بن عبد شمس بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر. وكان من شعراء الجاهلية وأدرك الإسلام. وأورد الآمدي في المؤتلف والمختلف من يقال له ابن أحمر أربعة وقال: منهم عمرو بن أحمر الباهلي. قال ابن حبيب: هو عمرو بن أحمر
بن العمرد بن عامر بن عبد شمس بن عبد بن قدام بن فراص بن معن الشاعر الفصيح كان يتقدم شعراء أهل زمانه.
وقد ذكرت حاله وأشعاره مع الشعراء المشهورين. انتهى. وأورده ابن حجر في قسم المخضرمين من الإصابة وقال: قال المرزباني: هو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام فأسلم وغزا مغازي في الروم وأصيب بإحدى عينيه هناك ونزل الشام وتوفي على عهد عثمان بعد أن بلغ سنا عالية. وقال أبو الفرج: كان من شعراء الجاهلية المعدودين ثم أسلم وقال في الجاهلية والإسلام شعرا كثيرا ومدح الخلفاء الذين أدركهم ولم يلق أبا بكر ومدح عمر فمن دونه إلى)
عبد الملك بن مروان. وهذا يخالف قول المرزباني: إنه في عهد عثمان. وأنشد بعده الشاهد الحادي والستون بعد الأربعمائة

241
* يتمارى في الذي قلت له
* ولقد يسمع قولي حيهل
* على أن لبيدا سكن اللام للقافية فلا يجوز تسكين اللام في غير الوقف. تبع الشارح المحقق في هذا صاحب الصحاح فإنه قال: وأما حي هلا بلا تنوين فإما تجوز في الوقف وأما في الإدراج فإنها لغة رديئة. وأما قول لبيد يذكر صاحبا له في السفر كان أمره بالرحيل: يتمارى في الذي قلت له.............. البيت فإنما سكنه للقافية. وأصله من كتاب الأصول لابن السراج قال: وأما حيهل فإذا وقفت فإن شئت قلت: حيهل بالسكون وإن شئت قلت: حيهلا تقف على الألف كما وقفت في أنا.
انتهى. وتبعه أبو علي في إيضاح الشعر وسيأتي كلامه. والصحيح أن تسكين اللام لغة سواء كان في الوقف أم في الدرج. قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات: حيهل وحيهلا وحي على يقال في الاستسراع والاستحثاث. وقال زكريا الأحمر: في حيهل ثلاث لغات: يقال: حيهل بفلان بجزم اللام وحيهل بفلان بحركة اللام وحيهلا بفلان بالتنوين. وقد يقولون من غير هل من ذلك: حي على الصلاة. انتهى. فهل تكون لغة في هلا كما قال ابن جني في الخصائص عند الكلام على هلم. وهو: قال الفراء: أصل هلم هل زجر وحث دخلت على أم كأنها كانت: هل أم أي: اعجل واقصد. وأنكر أبو علي عليه ذلك وقال: لا مدخل هنا للاستفهام. وهذا عندي لا يلزم

242
الفراء لأنه لم يدع أن هل هنا حرف استفهام وإنما هي عنده زجر وهي التي في قوله: ولقد يسمع قولي حيهل قال الفراء: فألزمت الهمزة في أم التخفيف فقيل: هلم. انتهى. وقال ابن عصفور: أن حيهلا مركبة من حي و هلا إلا أن ألف هلا تحذف في بعض اللغات تخفيفا. وهذا البيت من قصيدة طويلة للبيد بن ربيعة الصحابي وقد شرحناه مع أبيات قبله في الشاهد الثامن والعشرين بعد المائتين. والتماري: المجادلة ومثله الامتراء وهما من المرية بالكسر وهي الشك وحيهل: بمعنى أسرع. وقول الشارح المحقق: وفي الكتاب الشعري لأبي علي: حيهل بكسر اللام وتنوينه أراد به كتاب إيضاح الشعر فإنه يعبر عنه تارة بالأول وتارة بالثاني وتارة بكتاب الشعر. وهذا نصه فيه. وقد وصلوها بهل فقالوا: حيهل. وزعم أبو الخطاب أن بعضهم يقول حي هل الصلاة.)
وقال أبو زيد: حي هل وحي هل وحي هلا. والقول في حي هل أن التنوين دخله للتنكير كما دخل في صه ونحوها. وكأنه قدر فيه الإسكان كأنه قال: حي هل على الوقف كما قال لبيد: ولقد يسمع قولي حيهل فكسر اللام كما كسر الذال في يومئذ. ولا يجوز أن تكون حركة اللام للإضافة لأن هذه الأسماء التي سميت بها الأفعال لا تضاف ألا ترى أنه قال: جعلوها بمنزلة النجاك أي: لم يضيفوها إلى المفعول كما أضافوا المصادر وأسماء الفاعلين إليه.

243
ويجوز أن يكون لما نكر حرك بالكسر ليكون على لفظ غيره من أمثاله من النكرات نحو صه وإيه ولما جرى في كلامهم غير مضاف لإجرائهم إياه مجرى الفعل لنصبهم الأسماء المخصوصة بعده لم يستجيزوا إضافتها إلى المفعول به فيكون ما لم يجعل بمنزلة الفعل على حد ما جعل من هذه الأسماء بمنزلته. ألا ترى أن الأسماء لم تجعل بمنزلة الفعل مفردة حتى ينضم إليها جزء آخر وإن كان فيها ضمير لأن الضمير الذي في اسم الفاعل لما لم يظهر في أكثر أحواله صار لا حكم له فإذا لم يضيفوا هذا الباب لأن إضافته يخرج بها عن الحد الذي استعملت عليه علمت أن الكاف في حيهلك للخطاب لا لضمير الاسم. وإذا كان كذلك علمت أن الكاف فيه مثل الهاء في: ههناه وهؤلاء في أنها لحقت الألف لتبينها لما لم يلتبس بالإضافة. فكذلك الكاف في حيهلك لحقت للخطاب حيث لم يجز لحاق التي تكون اسما في هذا الموضع كما لم تلحق الهاء التي لحقت في ههناه أفعاه ونحوها.
والضمير الذي في حيهل ينبغي أن يكون في مجموع الاسمين ولا يكون في كل واحد منهما ضمير كما كان في حي على الصلاة ضمير لأن الاسمين جعلا بمنزلة اسم واحد كما أن خمسة عشر بمنزلة مائة. فكما أن خمسة عشر حكمه حكم المفرد كذلك حي هل حكمه حكم المفرد.
وإذا كان كذلك كان متضمنا ضميرا واحدا. ويدلك على ضم الكلمة الثانية إلى الأولى قول ابن أحمر: انتهى. وعلم من قوله: والضمير الذي في حيهل ينبغي أن يكون في مجموع الاسمين أن ما نقله الشارح المحقق عنه وعن أبي علي حالهما مع التركيب في احتمال الضمير كحال حلو حامض إلى آخر ما نقله مخالف لما هنا ولعله نقله عنه من كتاب آخر له. والله أعلم.

244
ونقل أبو حيان في الارتشاف عن النهاية لابن الخباز قيل: في حي و هلا: ضميران لأنهما في الأصل اسما فعل)
أمر فكل واحد منهما يستحق الضمير وقيل: فيهما ضمير واحد لأنهما بالتركيب صارا كالكلمة الواحدة. ويدل على ذلك أن حي و هل لا يتعديان فلما ركبا تعديا فدل على أن حكم الإفراد قد زال. وقوله: يوم كثير تناديه وحيهله أضافه إلى الضمير وأعربه. انتهى. وحاصل ما ذكر الشارح من لغات حيهل ثمانية: أولها: حيهل بحذف الألف وإبقاء فتح اللام. قال ابن عصفور في شرح إيضاح أبي علي: إذا وقفت عليها في هذا الوجه جاز أن تقف بالسكون وأن تقف بالألف لتبين حركة المبني في الوقف
.
ثانيها: حيهل بسكون الهاء وفتح اللام بلا تنوين. ثالثها: حيهلا بفتح الهاء والتنوين. رابعها: حيهلا بسكون الهاء والتنوين. ولا ينبغي أن يعد المنون من اللغات إذ التنوين في اسم الفعل للتنكير. وإذا كان غير منون فهو معرفة فإن المجرد من التنوين غير المنون. قال أبو حيان في الارتشاف: ولا يكون المنون إلا بمعنى ائت. ويرد عليه: فحيهلا بعمر فإنه بمعنى أسرع بذكره.

245
خامسها: حيهلا في الوقف بفتح الهاء وسمون الألف وحذف التنوين فيهما. وقال ابن عصفور: هذه اللغة تكون في الوقف والوصل. ولم يقيد كونها رديئة في الوصل كما قيد الشارح المحقق تبعا لصاحب الصحاح. وقال ابن أبي الربيع: منهم من يقول: حيهلا في الوصل والوقف لأن هلا صوت أو لأنه من إجراء الوصل مجرى الوقف أو لأن منهم من يقول حيهل بالسكون في الوصل فإذا وقف وقف بالألف فتكون الألف عوضا من هاء السكت كألف أنا. وكذلك قال أبو حيان في الارتشاف: إن حيهلا بإثبات الألف تكون وصلا ووقفا كما قال الشاعر: بحيهلا يزجون كل مطية سادسها: حيهل بسكون اللام في الوقف. وأطلق أبو حيان تبعا لابن عصفور سواء كان في الوقف أم الوصل. وقال الراعي في شرح الألفية ذكر سيبويه في حيهل ثلاث لغات: فتح اللام بلا تنوين وفتحها مع التنوين وفتحها مع الإشباع. وزاد ابن سيده تسكين اللام. قيل: وما سمع منه لا حجة فيه لاحتمال أن يكون للوقف. انتهى. وفيه ما تقدم عن كتاب النبات. وهذا نص سيبويه: من العرب من يقول حيهل إذا وصل وإذا وقف أثبت الألف. ومنهم من لا يثبت الألف في الوقف والوصل. انتهى. سابعها: حيهل بكسر اللام والتنوين. وظاهره أن الهاء في هذه اللغة يجوز سكونها أيضا.

246
ثامنها: حيهلك بفتح اللام وإلحاق الكاف التي هي حرف خطاب. ولم)
أعرف هل يجري مع الكاف سكون الهاء أيضا أم لا قال ابن عصفور: وتستعمل في جميع ذلك متعدية بنفسها وبإلى وبعلى وبالباء. فإذا تعدت بنفسها كانت بمعنى ائت وإذا تعدت بإلى أو بعلى كانت بمعنى أقبل وإذا تعدت بالباء كانت بمعنى جئ. انتهى. وقول الشارح المحقق: إن الباء للتعدية كذهبت به فيه أنهم ذكروا أن باء التعدية في ذهبت به غير التعدية المشهورة وذلك أن مدخولها يكون فاعلا في المعنى كقوله تعالى: ذهب الله بنورهم أي: جعله ذاهبا فهي تساوي همزة التعدية. وهذا المعنى لا يجري هنا. وقول الشارح المحقق: وقد تركب حي مع هلا إلخ قال ابن عصفور: إذا ركبت حي مع هلا فالأكثر أن تستعمل لاستحثاث العاقل تغليبا لحي. ومنهم من يغلب هلا فيستعملها لاستحثاث غير العاقل وذلك قليل. وقد يستعمل كل واحدة منهما على انفرادها فإذا استعملت حي وحدها كانت بمعنى أقبل وإذا استعملت هلا على انفرادها كانت بمعنى تقدم. وحي خاصة باستحثاث العاقل وهلا باستحثاث غير العاقل إلا أن ذلك قليل. ومن ذلك قوله: ألا حييا ليلى وقولا لها هلا انتهى.

247
وقال أبو حيان في الارتشاف: وحيهل: مركبة من حي ومعناها أقبل ومن هل و هلا.
قال ابن هشام: بمعنى عجل وقيل بمعنى قر وتقدم وقيل إنها صوت الإبل. انتهى. وزعم الراعي في شرح الألفية أن حيهل كلمة واحدة عند الجمهور وقيل مركبة. انتهى. وهذا خلاف المنقول. قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات: الحيهل: نبت من دق الحمض الواحدة حيهلة سميت بذلك لسرعة نباتها. قال حميد بن ثور: دميث به الرمث والحيهل والرمث أيضا من الحمض. فأما أبو زياد فقال: الحيهل فخفف الياء وسكنها فيما بلغني عنه وقال: الحيهل ينبت في السباخ وإذا أخصب الناس ومطروا هلك فلا يكاد يرى منه نبت فإذا أسنتوا وذهبت المطار نبت في مواضعه وهو دقاق قصف ليس لها خشب ولا حطب وإنما يأكله من الإبل الإبل التي عودوها إياه. يحبسونها فيه حين لا تجد شيئا تأكله وربما قتل الإبل في أول أمرها وذلك إذا أكلته ثم كظم عليها لا تسلح فإذا سلحت نجت وطابت بطونها. انتهى باختصار.

248
وأنشد بعده
الشاهد الثاني والستون بعد الأربعمائة وهو من شواهد س:
* فهيج الحي من كلب فظل لهم
* يوم كثير تناديه وحيهله
* على أن ضمة اللام حركة إعراب وهو مفرد بلا ضمير. قال سييبويه: وأما حيهل التي للأمر فمن شيئين يدلك على ذلك: حي على الصلاة. وزعم أبو الخطاب أنه سمع من يقول: حي هل الصلاة. والدليل على أنهما جعلا اسما واحدا قول الشاعر:
* وهيج الحي من دار فظل لهم
* يوم كثير تناديه وحيهله
* والقوافي مرفوعة. وأنشدناه هكذا أعرابي من أفصح الناس وزعم أنه شعر أبيه. انتهى. قال الأعلم: الشاهد في قوله: حيهله وإعرابه بالرفع لأنه جعله وإن كان مركبا من شيئين اسما للصوت بمنزلة معديكرب في وقوعه اسما للشخص وكأنه قال: كثير تناديه وحثه ومبادرته لأن معنى قولهم: حيهل: عجل وبادر وصف جيشا سمع به وخيف منه فانتقل عن المحل من أجله وبودر بالانتقال قبل لحاقه. انتهى. وفي شرح أبيات المفصل لابن المستوفي: وقال السيرافي: زعم سيبويه أن الشعر لرجل من بني أبي بكر بن كلاب واحتج به ليري أنه من شيئين إذ ليس في الأفعال والأسماء المفردة مثل هذا البناء. قال ابن السراج في حيهله: جعله اسما واحدا كحضرموت ولم يأمر أحدا بشيء.

249
قال سيبويه: والقوافي مرفوعة أي: أنه جعله بمنزلة اسم واحد ولو لم يكن كذلك لقال وحيهله بالفتح. وجميع ما يجري هذا المجرى إذا جعل علما أعرب. وقالوا: إذا
قال حيهلا تركه على البناء مع التسمية وإذا قال حيهله أعربه كما يعرب وبار إذا سمي به. ووجدته يروى لرجل من بجيلة. انتهى. وهيج بمعنى فرق وفاعله ضمير الجيش على ما قاله الأعلم. والحي: القبيلة مفعوله. وقوله: من كلب هي قبيلة. ولم أره كذا إلا هنا وأما في كتاب سيبويه وفي المفصل وشروحهما فقد رأيت بدله من دار. قال أبو عبيد في معجم ما استعجم: دار معرفة لا تدخله الألف واللام قال ابن دريد: هو واد قريب من هجر معروف. انتهى. وظل: بمعنى استمر. ويوم: فاعل ظل وتناديه: فاعل كثير. والتنادي: تفاعل مصدر من نادى القوم بعضهم بعضا. وحيهله: معطوف عليه. وقال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل: قيل فاعل هيج غراب البين وقد ذكر قبل. ويجوز أن يكون هيج وظل متوجهين إلى يوم على التنازع. وظل لهم يوم من باب قولهم: نهاره صائم لأن الظلول في الحقيقة)
للقوم لا لليوم. وروى: فظللهم موصولا. ومعناه دنا منهم يوم وحقيقته: ألقى عليهم ظله. انتهى. والبيت من أبيات سيبويه الخمسين التي ما عرف قائلها. والله أعلم. وأنشد بعده الشاهد الثالث والستون بعد الأربعمائة وهو من شواهد س:

250
* بحيهلا يزجون كل مطية
* أمام المطايا سيرها المتقاذف
* على أن حيهلا بلا تنوين محكي أريد به لفظه. قال النحاس: جعله بمنزلة خمسة عشر فلذلك لم ينونه. وقال الأعلم: الشاهد في قوله: بحيهلا فتركه على لفظه محكيا. يقول: لجعلتهم يسوقون المطايا بقولهم: حيهلا. ومعناه الأمر على أنها متقدمة في السير متقاذفة عليه أي: مترامية.
وجعل التقاذف للسير اتساعا ومجازا. انتهى. قال ابن السيرافي: المتقاذف: الذي يتبع بعضه بعضا كأن كل سير تسيره هذه المطية يقذف بها إلى سير آخر. ومثله قول عمر بن أبي ربيعة:
* أخو سفر جواب أرض تقاذفت
* به فلوات فهو أشعث أغبر
* أي: رمته فلاة إلى أخرى. وقال غيره: إن القذاف سرعة السير. وفرس متقاذف: سريع العدو.
ويجوز أن يكون المتقاذف الذي يرمي بعضه بعضا لسرعته. والإزجاء بالزاي المعجمة والجيم: السوق. والمطية: الدابة يقال لها لأنها تمطو في السير أي: تمتد. وأمام بالفتح قال ابن الحاجب في أماليه: يريد أنهم مسرعون في السير فهم يسوقون بهذا الصوت لتسرع في سيرها. وقال: أمام المطايا لأنه إذا سبقت الأولى تبعها ما بعدها بخلاف سوق الأواخر. وقال: سيرها المتقاذف يعني أنهم يسوقونها مع كون سيرها متقاذفا والتقاذف: الترامي في السير وإذا سبق المتقاذف كان سيره أبلغ مما كان عليه.

251
وأمام المطايا في موضع وصف المطية وسيرها المتقاذف جملة ابتدائية صفة لمطية والجار والمجرور متعلق بيزجون. انتهى. وأجود من هذا أن يكون سيرها فاعل الظرف لاعتماده على الموصوف والمتقاذف صفة لسيرها. ويجوز أن يكون سيرها المتقاذف مبتدأ موصوفا والظرف قبله خبره والجملة صفة مطية. والبيت أنشده سيبويه للنابغة الجعدي الصحابي وتبعه عليه خدمة كتابه. وقد تقدمت ترجمته في الشاهد السادس والثمانين بعد المائة. ونقل ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل عن السيرافي أنه من قصيدة لمزاحم ابن الحارث العقيلي. وأورد هذه الأبيات منها:
* ووجدي بها وجد المضل بعيره
* بمكة لم تعطف عليه العواصف)
* (رأى من رفيقيه الجفاء وفاته
* بنشدانها المستعجلات الخوانف
*
* وقالوا: تعرفها المنازل من منى
* وما كل من وافى منى أنا عارف
* الوجد: ما يجده الإنسان من العشق. والمضل: اسم فاعل من أضله وجملة لم تعطف إلخ حال من المضل. وهذا غاية في الحيرة. ولم تعطف عليه

252
العواطف: جمع عاطفة أي: لم يرق عليه أحد ولم يحمله على بعير من إبله وهو جمع عاطفة. ويراد بها في الصداقة والرحم والمودة والصحبة وما أشبه ذلك. وروي: نخلة بدل مكة وهي موضع بقرب مكة وعليها يؤخذ الحاج بعد انقضاء حجهم ولذلك قال: لم تعطف إلخ. لأنهم آخذون في الانصراف. أي: إنه وجد بمفارقته لها كما وجد الذي ضل بعيره في هذا الموضع. والبيت من أبيات سيبويه ومحل الشاهد فيه أنه جعل وجدي: مبتدأ ووجد المضل: خبره لا يستغني عنه فلم يجز نصبه على المصدرية.
وأصله وجدي بها وجد مثل وجد المضل بعيره. والخوانف: جمع خانفة وهي الناقة التي تخنف برأسها أي: تميلها إذا عدت. وهي بالخاء المعجمة والنون والفاء. وقوله: وقالوا تعرفها المنازل إلخ قال أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم: كانوا يسمون منى المنازل وأنشد هذا البيت.
ثم قال: ويقال للرجل إذا أتاها: نازل. قال عامر بن الطفيل:
* أنازلة أسماء أم غير نازلة
* أبيني لنا يا أسم ما أنت فاعله
* وقال غيره: المنازل من منى: حيث ينزلون أيام رمي الجمار.

253
والبيت أورده سيبويه في موضعين من كتابه برفع كل على لغة الحجاز. قال سيبويه: وإن شئت حملته على ليس يعني إن شئت جعلت كل مرفوعا بما وجعلت أنا عارف في موضع الخبر وأضمرت في عارف هاء تعود إلى كل كأنك قلت: عارفه. ثم قال: وإن شئت حملته على كله لم أصنع. وهذا أبعد الوجهين يعني: وإن شئت رفعت كل بالابتداء وجعلت الجملة في موضع الخبر كذلك على لغة تميم كما قلت: كله لم أصنع فرفعت كل بالابتداء وأضمرت هاء في أصنع. ومعنى قوله: وهذا أبعد الوجهين يعني رفع كل بالابتداء وذلك لأن من يرفعه بالابتداء لا يعمل ما فإذا لم يعملها أمكنه أن يعمل عارف في كل فإذا لم يعمل فقد قبح إذ قد وجد السبيل إلى المختار ولا ضرورة تدعو إلى غيره. ومن رفع كل ب ما فهو لا يجد السبيل إلى إعمال عارف في كل إلا بحذف ما وحذفها يغير المعنى. وقال النحاس: ويجوز أن ينصب كلا بعارف على أنها تميمية. وقال ابن خلف: هذا البيت روي برفع كل ونصبه على جعل ما تميمية وإبطال عملها. ونصب كل)
بعارف. وأنشده الفراء أيضا في تفسيره مرتين: الأولى عند قوله تعالى: يسألونك ماذا ينفقون.
قال: أنشدني أبو ثروان:
* وقالوا تعرفها المنازل من منى
* البيت
*

254
رفعا. قال: ولم أسمع نصب كل. والثانية عند قوله تعالى: وكل إنسان ألزمناه طائره قال: العرب في كل تختار الرفع وقع الفعل على راجع الذكر أو لم يقع. وأنشدوني فيما لم يقع الفعل على راجع ذكره: فقالوا تعرفها المنازل.............. البيت فلم يقع عارف على كل وذلك أن في كل تأويل: وما من أحد وافى منى أنا عارف. ولو نصبت لكان صوابا وما سمعته إلا رفعا. وقال الآخر:
* قد علقت أم الخيار تدعي
* علي ذنبا كله لم أصنع
* رفعا. وأنشدنيه بعض بني أسد نصبا. انتهى. وأنشده ابنالناظم في شرح الألفية وابن هشام في شرحها وفي المغني أيضا بنصب كل على إبطال ما لإيلائها معمول الخبر وليس ظرفا لأن كلا معمول لعارف. وقال ابن هشام في شرح شواهده: ويروى كل بالرفع على أنه اسم ما والجملة من قوله: أنا عارف خبرها والعائد محذوف أي: عارفه. وذلك متسهل إذا كان المخبر عنه كلا كقراءة ابن عامر: وكل وعد الله الحسنى وكقوله:

255
ثلاث كلهن قتلت عمدا وقول أبي النجم: كله لم أصنع وانتصاب المنزل على إسقاط في توسعا لا على الظرف لأنه مختص. انتهى. وهذا رد على ابن خلف في زعمه أنه منصوب على الظرف. وتعرفها أي: أعرف منزلها بالسؤال عنها. قال النحاس: سألنا أبو إسحاق الزجاج عن معنى هذا البيت فقال: الإنسان يسأل عن الشيء من يعرفه ومن لا يعرفه فما معنى هذا البيت وأجاب فقال: هذا يذكر امرأة يتعشقها فليس يسأل عن خبرها إلا من يعرفه ويعرفها. ومزاحم بن الحارث شاعر إسلامي من بني عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. قال صاحب الأغاني: وقيل هو مزاحم بن عمرو بن مروة بن الحارث. وهذا القول أقرب عندي إلى الصواب. انتهى. فيكون الحارث على هذا جد أبيه.)
ثم قال: وهو شاعر بدوي فصيح إسلامي كان في زمن جرير والفرزدق وكان جرير يصفه ويقرظه ويقدمه ويقول: ما من بيتين كنت أحب أن أكون سبقت إليهما غير بيتين من قول مزاحم العقيلي وهما:
* وددت على ما كان من سرف الهوى
* وغي الأماني أن ما شئت يفعل
*
* فترجع أيام تقضت ولذة
* تولت وهل يثنى من الدهر أول
*

256
وسرف الهوى: خطؤه. ومثله قول جرير: ما في عطائهم من ولا سرف أراد أنهم يحفظون مواضع الصنائع لا أنه وصفهم بالاقتصاد والتوسط في الجود. وروي أن الفرزدق دخل على عبد الملك بن مروان أو بعض بنيه فقال له: يا فرزدق أتعرف أحدا أشعر منك قال: لا إلا أن غلاما من بني عقيل يركب أعجاز الإبل وينعت الفلوات فيجيد ثم جاءه جرير فسأله عن مثل ما سأل عنه الفرزدق فأجابه بجوابه فلم يلبث أن جاءه ذو الرمة فقال له: لا ولكن غلام من بني عقيل يقال له مزاحم يسكن الروضات يقول وحشيا من الشعر لا يقدر على قول مثله. فقال: أنشدني بعض ما تحفظ من ذلك. فأنشده:
* خليلي عوجا بي على الدار نسأل
* متى عهدها بالظاعن المحتمل
*
* فعجت وعاجوا بين بيداء مورت
* بها الريح جولان التراب المنخل
*

257
إن لوا وإن ليتا عناء هذا عجز وصدره: ليت شعري وأين مني ليت ويأتي شرحه إن شاء الله في باب العلم. وأنشد بعده
الشاهد الرابع والستون بعد الأربعمائة
* لشتان ما بين اليزيدين في الندى
* يزيد سليم والأغر بن حاتم
* على أنه قد يقال في غير الأكثر الأفصح: شتان ما بين زيد وعمرو كما في البيت. قال أبو علي في المسائل العسكرية: وأما شتان فموضوع موضع قولك: افترق متباين وهو من قوله عز وجل: إن سعيكم لشتى

258
وأشتاتا. وهذا الباب إذا كان كذلك اقتضى فاعلين فصاعدا فمن ثم يقال: شتان زيد وعمرو. وعلى هذا قول الأعشى:
* شتان ما يومي على كورها
* ويوم حيان أخي جابر
* فأسنده إلى فاعلين معطوف أحدهما على الآخر. فأما قولك: شتان ما بينهما فالقياس لا يمنعه إذا جعلت ما بمنزلة الذي وجعلت بين صلة ل ما لإبهامها قد تقع على الكثرة ألا ترى قوله: يعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم. ثم قال: ويقولون فعلمت أن المراد به جمع. وكذلك: ما لا يملك لهم رزقا ثم قال: ولا يستطيعون فإذا كان كذلك لم يمتنع في القياس. وقد جاء في الشعر: لشتان ما بين اليزيدين إلا أن الأصمعي طعن في فصاحة هذا الشاعر وذهب إلى أنه غير محتج بقوله. ورأيت أبا عمرو قد أنشد هذا البيت على وجه القبول له والاستشهاد به. وقد طعن الأصمعي على غير شاعر قد احتج بهم غيره كذي الرمة والكميت فيكون هذا أيضا مثلهم. انتهى. ومثله للإمام المرزوقي في شرح فصيح ثعلب قال: شتان موضوع موضع تشتت وإذا قلت: شتان ما هما ف ما صلة أكد بها الكلام وهما في موضع الفاعل ولا يستغنى بواحد لأنه وضع لاثنين فصاعدا كما أن تشتت كذلك.

259
والعامة تقول: شتان ما بين فلان وفلان وكثير من الناس يدفعونه حتى خطأ جماعة من النحويين ربيعة الرقي. وله وجه صحيح وهو أن يكون ما لأحوال اليزيدين وأوصافهما وجعلت ما بعده صلة له فعرفته أو صفة له فنكرته لأنه حينئذ يصح دخول شتان وتشتت عليه. ولا يكون لواحد.
انتهى. وهذا مخالف لصنيع الشارح المحقق فإنه منع ما أن تكون موصولة مع تفسير شتان بما يطلب فاعلين لأن بين مع الأمور المعنوية تقتضي المشاركة في شيئين والمشاركة هنا لا تصح.
فإن مشاركة اليزيدين في كل من خصلتي الجود والبخل ضد مقصود الشاعر وإنما مراده انفراد أحدهما بالجود والآخر بالبخل. ويدل عليه قوله بعد: وهذا مبني على أن في البيت حذف معطوف والتقدير: لشتان ما بين اليزيدين في الندى)
والبخل فيكون من قبيل قوله تعالى: سرابيل تقيكم الحر أي: والبرد. فإن قلت: يجوز أن يشتركا في الندى ويكون أحدهما في الطرف الأعلى منه والآخر في الطرف الأسفل فلا يكون فيه حذف معطوف. قلت: هذا أيضا خلاف مقصوده. فإنه يريد أن يثبت صفة الجود لأحدهما ويثبت خلافها للآخر فلا اشتراك لهما في أصل الجود. ويدل عليه قوله أيضا:
* يزيد سليم سالم المال والفتى
* أخو الأزد للأموال غير مسالم
* فلما رأى الشارح المحقق ما ذكر من منع تفسير شتان ب افترق حمل شتان على معنى بعد الطالب لفاعل واحد وهو:

260
إما ما وتكون عبارة إما عن البون والمسافة. والبون: الفضل والمزية وهو مصدر بأنه يبونه بونا إذا فضله. وبينهما بون أي: بين درجتيهما وبين اعتبارهما في الشرف. وأما إذا كانا متباعدين بالجسم. فيقال: بينهما بين بالياء. والمسافة: قطع الطريق مفعلة من السوف وهو الشم لأن الدليل يسوف تراب الموضع الذي يسير فيه فإن استافا رائحة أبوال الإبل وأبعارها علم أنه على جادة وإلا فلا يقال: بينهم مسافة بعيدة. وما في الحقيقة على هذين الوجهين موصولة أي: البون الذي بينهما أو المسافة التي بينهما. وإما بين هو الفاعل وتكون ما زائدة كما قرره الشارح المحقق. ويؤيده ورود بين بالنصب فاعلا لشتان بدون ما.
* وشتان بينكما في الندى
* وفي البأس والخير والمنظر
* وقال آخر:
* أخاطب جهرا إذ لهن تخافت
* وشتان بين الجهر والمنطق الخفت
* وقال جميل:
* أريد صلاحها وتريد قتلي
* وشتى بين قتلي والصلاح
* أصله شتان وحذفت النون ضرورة. وعلى هذا لا يعتبر حذف معطوف كما اعتبر على غير توجيه الشارح المحقق. ويجوز رفع بين إذا لم يسبقها ما وقدمه صاحب القاموس على النصب فقال: وشتان بينهما وينصب.

261
وروى أبو زيد في نوادره قول الشاعر:
* شتان بينهما في كل منزلة
* هذا يخاف وهذا يرتجى أبدا
* برفع بين. ثم قال: ومن العرب من ينصب بينهما كقوله تعالى: لقد تقطع بينكم. وبين: لفظ مشترك بين المصدر والظرف وهي من الأضداد تكون للوصل وللفرقة. قال في القاموس: البين يكون فرقة ووصلا واسما وظرفا متمكنا. وقول الشارح المحقق كما هو مذهب الأخفش في)
قوله تعالى: يفصل بينكم بالبناء للمفعول إما بتشديد الصاد وهي قراءة ابن عامر وإما بتخفيفها وهي قراءة غيره وغير الأخوين وعاصم. وأما قراءة الأخوين فهي بالبناء للمعلوم مع تشديد الصاد. وأما قراءة عاصم فهي كذلك مع تخفيفها. قال السمين في الدر المصون: من بناه للمفعول فالنائب إما ضمير المصدر أو الظرف وبني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن. أو الظرف وهو باق على نصبه. انتهى. وهذا الأخير هو قول الأخفش. واعلم أن الشارح المحقق مسبوق بتوجيهه. أما الأول فقد قال ابن عصفور في شرح الإيضاح لأبي علي: والذي يجيز شتان ما بينهما يجعل شتان بمنزلة بعد فكما يجوز بعد ما بين زيد وعمرو كذلك يجوز: شتان ما بين زيد وعمرو.

262
ومثله لابن السيد في شرح أدب الكتاب. قال: كان ربيعة عند الأصمعي ممن لا يحتج بشعره. وهذا غلط لأن شتان اسم للفعل يجري مجراه في العمل فلا فرق بيت ارتفاع ما به في بيت ربيعة وارتفاع اليوم في بيت الأعشى كما أنك لو قلت: بعد ما بين زيد وعمرو لجاز بالاتفاق. وكذلك قال اللبلي في شرح فصيح ثعلب: شتان بمعنى بعد وتفرق وما بمعنى الذي فاعل شتان وبين صلة ل ما. وأما الثاني فقد قال أبو البقاء: إن جعلت ما: زائدة وبين فاعلا وهي ظرف لا تكاد العرب تستعملها كذلك. وإن جعلتها بمعنى الذي ضعف أيضا لأن المعنى يصير افترق الذي بين زيد وعمرو. وليس المراد ذلك بل المراد افترق زيد وعمرو. ومن أجازه قال: إن مفارقة زيد لعمرو ليس من جهة الأشخاص بل المراد افتراقهما في الأخلاق والأحوال وهو المعني بالذي. انتهى. وقوله: لا تكاد العرب تستعملها كذلك غير مسلم فإنه قد قرأ به في القرآن في عدة مواضع. وكلامه وإن كان على اعتبار شتان بمعنى ما يقتضي فاعلين إلا أن المنزعين فيه. وأما إنكار الأصمعي شتان ما بينهما فقد قال ابن بري في حاشية الصحاح: ليس بشيء لأن ذلك قد جاء في أشعار العرب وقال أبو الأسود الدئلي:
* وشتان ما بيني وبينك أنني
* على كل حال أستقيم وتظلع
* ومثله قول البعيث:
* وشتان ما بيني وبين ابن خالد
* أمية في الرزق الذي يتقسم
*

263
وقال آخر:
* وشتان ما بيني وبين رعاتها
* إذا صرصر العصفور في الرطب الثعد
* والثعد: بفتح المثلثة: ما لان من البسر. ويقال: شتان بينهما أيضا بدون ما. وتقدمت أبياته.)
وقد تبع الأصمعي في إنكاره جماعة منهم ابن قتيبة في أدب الكاتب قال: يقال: شتان ما هما بنصب النون ولا يقال: شتان ما بينهما وليس قوله: لشتان ما بين اليزيدين في الندى بحجة. ومنهم الأزهري في التهذيب قال: قول ربيعة ليس بحجة إنما هو مولد. وأبى الأصمعي شتان ما بينهما. قال أبو حاتم: فأنشدته قول ربيعة فقال: ليس بفصيح يلتفت إليه. وقول الشارح المحقق: وموهمه شيئان: أحدهما لغة في شتان وهي كسر النون قال الإمام المرزوقي في شرح فصيح ثعلب: أصحابنا البصريون لا يجيزونفيه إلا الفتح ولو كان مثنى لجاز تأخيره فقيل: زيد وعمر و شتان بل كان هو الوجه والترتيب ولجاز أن يقلب ألفه في النصب والجر ياء وذلك لا يعرف. ألا ترى أن قولهم سيان زيد وعمرو لما كان مثنى سي وهو المثل جاز جميع ذلك فيه. انتهى.

264
وزعم ثعلب في فصيحه أن كسر النون هو قول الفراء. ونقل شارحه اللبلي عن ابن درستويه أن الفراء إنما ذهب إلى الكسر لأن المعنى لما كان للاثنين ظن أن شتان مثنى فكسره والعرب كلها تفتحه والكسر لا يجيزه عربي. انتهى. أقول: أن الفراء لم يذهب إلى أن النون مكسورة لا غير وشتان مثنى شت وإنما حكى أن كسر النون لغة في فتحها. قال في تفسيره عند قوله تعالى: ما هذا بشرا: أنشدني بعضهم:
* لشتان ما أنوي وينوي بنو أبي
* جميعا فما هذان مستويان
*
* تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى
* وكل فتى والموت يلتقيان
* قال الفراء: يقال شتان ما أنوى بنصب النون وخفضها هذا كلامه. وكذا نقل الصاغاني في العباب عنه أن كسر النون لغة في فتحها وليس فيما زعمه ابن درستويه. وبه يسقط ترديد أبي سهل الهروي في شرح الفصيح حيث قال: وأما على قول الفراء فإنه يجوز أن يكون كسر النون على أصل التقاء الساكنين ويجوز أن أراد تثنية شت وهو المتفرق. انتهى. وزعم ابن الأنباري في الزاهر أنه يجوز كسر النون في شتان ما بين أخيك وأبيك قال: لأنها رفعت اسما واحدا. ويجوز كسرها في غيره وهو شتان أخوك وأبوك وشتان ما أخوك وأبوك. قال: يجوز في هذا كسر النون على أنه ثنية شت. هذا كلامه وفيه ما لا يخفى.

265
قال الشارح المحقق: الثاني: إن المرفوع بعده لا يكون إلا مثنى أو ما هو بمعنى المثنى إلخ أقول: قد ورد المرفوع بعد شتان أربعة قال لقيط بن زرارة:)
* شتان هذا والعناق والنوم
* والمشرب البارد في ظل الدوم
* وهذا مما يرد على الأصمعي ويؤيد قول غيره أن شتان لا يكتفي بواحد لأنه وضع لاثنين فصاعدا. وقد أجاز ثعلب ما منعه الأصمعي قال في فصيحه: وتقول: شتان زيد وعمرو وشتان ما هما نون شتان مفتوحة. إن شئت قلت شتان ما بينهما. والفراء يخفض نون شتان. انتهى. ومحصل الكلام فيها أن شتان يكون مرفوعها شيئين اتفاقا وأكثر عند غير الأصمعي ويكون معهما ما الزائدة وبدونها. والصحيح جواز شتان ما بينهما خلافا للأصمعي. ولم يتعرض ابن السراج في الأصول لهذا. قال: قولك شتان زيد وعمر و معناه بعد ما بين زيد وعمر و جدا. وهو مأخوذ من شت. والتشتيت: التبعيد ما بين الشيئين أو الأشياء فتقديره تباعد زيد وعمرو. انتهى. وهي عند الشارح قسمان: أحدهما: ما ذكر من أنه لا بد لها من مرفوعين فصاعدا. والثاني: جواز الاكتفاء بمرفوع واحد. وهو في شتان ما بينهما لكونهما بمعنى واحد. وبقي استعمالها مع ما الموصولة بفعل ولم يذكروه. وهو ما أورده الفراء في الشعر المذكور وهو لشتان ما أنوي. وينبغي أن تقدر ما الموصولة في الفعل الثاني ليكون مرفوعها شيئين. وهي اسم فعل على الصحيح.

266
قال ابن عصفور في شرح الإيضاح: وهو ساكن في الأصل إلا أنه حرك لالتقاء الساكنين وكانت الحركة فتحة إتباعا لما قبلها وطلبا للخفة ولأنه واقع موضوع الماضي مبني على الفتح فجعلت حركته كحركته. وزعم المرزوقي والهروي في شرح الفصيح أنها مصدر. قال الأول: شتان مصدر لم يستعمل فعله. وهو مبني على الفتح لأنه موضع فعل ماض وزيد: فاعل له. وقال الثاني: معنى شتان البعد المفرط بين الشيئين وهو اسم وضع موضع الفعل الماضي تقديره: شت زيد وعمر و أي: تشتتا وتفرقا جدا. وسبقهما الزجاج كما نقل الشارح المحقق. قال ابن عصفور: وزعم الزجاج أنه مصدر واقع موقع الفعل جاء على فعلان فخالف أخواته فبني لذلك فإن قيل: لنا فعلان في المصادر قالوا: لوى يلوي ليانا وشنئته شنآنا. وأن لو وضعت ليانا وشنآنا موضع الفعل لبقيا على إعرابهما ولم يبنيا.
فالجواب: أنهما مصدران قد استعملا بعد فعلهما وتمكنا فإذا وقعا موقع فعلهما بقيا على إعرابهما وليس كذلك شتان لأنك لا تقول شت يشت شتاتا وإنما استعمل في أول أحواله موضوعا موضع الفعل المبني فبني لذلك. انتهى. قال ناظر الجيش في شرح التسهيل: مقتضى هذا الجواب أن تبنى المصادر الملتزم إضمار ناصبها كسبحان الله ومعاذ الله. انتهى. وجوز)
المازني تنوين شتان قال أبو علي في التذكرة القصرية: قال أبو عثمان: سبحان وشتان يجوز تنوينهما اسمين كانا أو في موضعهما. قال أبو علي: شتان إذا كان في موضعه فهو اسم للفعل وهو شت بمنزلة صه فإن نونته فهو نكرة وإن لم تنونه فهو معرفة.

267
فإن قيل: كيف يجوز أن يكون معرفة وهو بمنزلة شت وكذلك صه بمنزلة اسكت واسكت وصه لا يجوز أن يكونا معرفة. قيل: لأنهما اسمان للفعل وليسا بفعل. فإن نقلت شتان عن أن يكون اسما للفعل فجعلته اسما للتشتيت معرفة وصار بمنزلة: سبحان من علقمة الفاخر في أنه اسم للتنزيه معرفة جاز. فإن نونته ونونت سبحان هذا تنكر لأجل التنوين وصار بمنزلة زيد من الزيدين إذا نكرت زيدا المعرفة. ويضعف جعل هذه المعرفة نكرة لأن المعنى الملقب بسبحان وشتان شيء واحد لا يصح له أن يكون أمثال من جنسه هي تنزيه وتشتيت وليس كذلك الملقب بزيد لأنه يصح أن يكون له أمثال من جنسه فيقدر زيدا من الزيدين يصح في المعنى وتقدير سبحان من أمثاله لا يصح في المعنى. فالجواب أن هذا وإن لم يصح في المعنى فإن تقديرهم له تقدير ما يصح له في هذا المعنى جائز يدل على ذلك أن من قال: هذا ابن عرس مقبلا نزل الجنس منزلة شيء واحد وإن كان في الحقيقة أشياء ثم قال: هذا ابن عرس مقبل نزل ما قد نزله منزلة شيء واحد منزلة أشياء كثيرة. فهذا ابن عرس مقبل بمنزلة زيد من الزيدين منكرا من هذا ابن عرس مقبلا. ونظير تلقيب المعنى بسبحان وشتان فيمن جعله لقبا للمعنى جعل النحويين أفعل معرفة في قولهم: أفعل إذا كان وصفا لا
ينصرف فيجعلون أفعل معرفة لقبا للمعنى وهو هذا الوزن. فلم يخرج النحويون بتلقيبهم المعاني عن كلام العرب لأنها

268
قد لقبت المعاني كما لقبت الأشخاص. ونظير ذلك قولهم: فحملت برة فجار وبرة تلقيب المعنى فلهذا لم يصرفها. انتهى كلام أبي علي ولنفاسته سقناه برمته. والبيت الشاهد من قصيدة لربيعة الرقي مدح فيها يزيد بن حاتم المهلبي. وهذه أبيات من أولها:
* لفت يمينا غير ذي مثنوية
* يمين امرئ آلى بها غير آثم
*
* لشتان ما بين اليزيدين في الندى
* يزيد سليم والأغر ابن حاتم
*
* يزيد سالم سالم المال والفتى
* أخو الأزد للأموال غير مسالم)
* (فلا يحسب التمتام أني هجوته
* ولكني فضلت أهل المكارم
*
* فيا أيها الساعي الذي ليس مدركا
* بمسعاته سعي البحور الخضارم
*

269
* سعيت ولم تدرك نوال ابن حاتم
* لفك أسير واحتمال العظائم
*
* كفاك بناء المكرمات ابن حاتم
* ونمت وما الأزدي عنها بنائم
*
* فيا ابن أسيد لا تسام ابن حاتم
* فتقرع إن ساميته سن نادم
*
* هو البحر إن كلفت نفسك خوضه
* تهالكت في أمواجه المتلاطم
*
* تمنيت مجدا في سليم سفاهة
* أماني حال أو أماني حالم
*
* ألا إنما آل المهلب غرة
* وفي الحرب قادات لكم بالخزائم
*
* هم الأنف والخرطوم والناس بعدهم
* مناسم والخرطوم فوق المناسم
*
* قضيت لكم آل المهلب بالعلا
* وتفضيلكم حقا على كل حاكم
*
* لكم شيم ليست لخلق سواكم
* مناعيش دفاعون عن كل جارم
* وقوله: حلفت يمينا إلخ مثنوية: مصدر بمعنى الاستثناء في اليمين أي: حلفت غير مستثن في يميني. وقوله: غير ذي مثنوية أي: غير يمين ذي مثنوية. وهذا المصراع من شعر للنابغة الذبياني وتمامه:

270
وهو من شواهد سيبويه وقد شرحناه مع قصيدته في الشاهد الثالث والعشرين بعد المائتين.
وقوله: يمين امرئ إلخ مفعول مطلق تشبيهي أي: كيمين. واليمين: القسم سمي بها لأنهم إذا تحالفوا ضرب كل امرئ منهم على يمين صاحبه. قال صاحب المصباح: ويمين الحلف أنثى. قال ابن الأنباري: ولهذا أعاد الضمير عليها من بها مؤنثا. و آلى بمعنى أقسم. وقوله: لشتان ما بين اليزيدين إلخ اللام في جواب القسم وما بعدها جوابه. قيل: شتان ما بين اليزيدين صار مثلا في ظهور الفرق. و الندى: السخاء والجود والألف أصلها واو لأنه يقال ندوت. ويقال: سن للناس الندى فندوا بفتح الدال. والأغر من الغرة وهو بياض فوق الدرهم في جبهة الفرس.
يقال: فرس أغر ومهرة غراء وقد استعيرت للوضوح والشهرة. وقال في المصباح: ورجل أغر: صبيح أو سيد قومه. أما يزيد سليم فهو يزيد بن أسيد بضم الهمزة وفتح السين المهملة وينتهي نسبه إلى بهثة بضم الموحدة وسكون الهاء بعدها ثاء مثلثة ابن سليم بضم السين ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة ابن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار)
بن معد بن عدنان. وأما يزيد بن حاتم فهو يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة وينتهي نسبه إلى الأزد وهي قبيلة عظيمة باليمن. وهو جد الوزير المهلبي. فإنه أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون بن إبراهيم بن عبد الله بن يزيد بن حاتم. ومات في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة.

271
وكان السبب في هذه القصيدة أن ربيعة قصد يزيد بن أسيد وهو يومئذ وال على أرمينية وكان قد وليها زمانا طويلا لأبي جعفر المنصور ثم من بعده لولده المهدي. وكان يزيد هذا من أشراف قيس وشجعانهم ومن ذوي الآراء الصائبة. ومدحه ربيعة بشعر أجاد فيه فقصر يزيد في حقه. ومدح يزيد بن حاتم فبالغ في الإحسان إليه فقال ربيعة هذه القصيدة يفضل يزيد بن حاتم على يزيد بن أسيد. وكان في لسان يزيد بن أسيد تمتمة فعرض بذكرها: فلا يحسب التمتام أني هجوته. كذا في تاريخ ابن خلكان. قال صاحب المصباح: وتمتم الرجل تمتمة إذا تردد في التاء فهو تمتام بالفتح. وقال أبو زيد: هو الذي يجعل في الكلام ولا يفهمك.
وقال ابن عبد ربه في ثلاثة مواضع من العقد الفريد: مدح ربيعة الرقي يزيد بن أسيد السلمي فلم يعطه شيئا ثم عطف على يزيد بن حاتم وهو والي مصر ومدحه فتشاغل عنه في بعض الأمور واستبطأه ربيعة فشخصمن مصر وقال:
* أراني ولا كفران لله راجعا
* بخفي حنين من نوال ابن حاتم
* فبلغ قوله يزيد بن حاتم فأرسل في طلبه فلما دخل عليه قال له: أنت القائل: أراني ولا كفران لله راجعا............. البيت قال: نعم قال: هل قلت غير هذا قال: لا. قال: والله لترجعن بخفي حنين مملوءة ذهبا. فأمر بخلع خفيه وأن تملئا دنانير. ثم قال له: أصلح ما

272
أفسدت من قولك. فقال فيه لما عزل من مصر وولي مكانه يزيد بن أسيد السلمي:
* بكى أهل مصر بالدموع السواجم
* غداة غدا منها الأغر ابن حاتم
* وفيها يقول:
* لشتان ما بين اليزيدين في الندى
* يزيد سليم والأغر ابن حاتم
* مع أبيات ثلاثة بعده. وكان يزيد بن حاتم جوادا سريا مقصودا ممدوحا. قصده جماعة من الشعراء فأحسن جوائزهم. قال ابن عبد ربه: كتب إليه رجل من العلماء يستوصله فبعث إليه ثلاثين ألف درهم وكتب إليه: أما بعد فقد بعثت إليك ثلاثين ألفا لا أكثرها امتنانا ولا أقلها)
تحقيرا ولا أستثنيك عليها ثناء ولا أقطع لك بها رجاء. والسلام. وقال ابن خلكان: ذكر ابن جرير الطبري في تاريخه أن الخليفة أبا جعفر المنصور عزل حميد بن قحطبة عن ولاية مصر فولاها نوفل بن الفرات ثم عزله وولى يزيد بن حاتم وذلك في سنة ثلاث وأربعين ومائة. ثم إن المنصور عزله عن مصر في سنة اثنتين وخمسين ومائة وجعل مكانه محمد بن سعيد. انتهى.
وهذا لا يوافق ما قاله ابن عبد ربه. وقيل: تولى بعده عبد الله بن عبد الرحمن من قبل المنصور. ولم أر ما قاله ابن عبد ربه.

273
ثم قال ابن خلكان: وقال ابن يونس في تاريخه: ولي يزيد بن حاتم مصر في سنة أربع وأربعين ومائة. وزاد غيره: في منتصف ذي القعدة. ثم إن المنصور خرج إلى
الشام وإلى زيارة بيت المقدس في سنة أربع وخمسين ومائة ومن هناك سير يزيد بن حاتم إلى إفريقية لحرب الخوارج الذين قتلوا عامله عمر بن حفص وجهز معه خمسين ألف مقاتل واستقر واليا وكان وصوله إليها واستظهاره على الخوارج في سنة خمس وخمسين. ولما عقد المنصور ليزيد المهلبي على بلاد إفريقية وليزيد السلمي المذكور على ديار مصر خرجا معا وكان يزيد المهلبي يقوم بكفاية الجيشين فقال ربيعة الرقي:
* يزيد الخير أن يزيد قومي
* سميك لا يجود كما تجود
*
* تقود كتيبة ويقود أخرى
* فترزق من تقود ومن يقود
* وقدم أشعب المشهور في الطمع على يزيد وهو بمصر فجلس بمجلسه ودعا بغلامه فساره فقام أشعب فقبل يده فقال له يزيد: لم فعلت هذا فقال: إني رأيتك تسارر غلامك فظننت أنك قد أمرت لي بشيء فضحك منه وقال: ما فعلت ولكني أفعل. ووصله وأحسن إليه.
وقدم عليه بمصر أبو عبيد الله محمد بن مسلم الشهير بابن المولى وأنشده:
* يا واحد العرب الذي
* أضحى وليس له نظير
*
* لو كان مثلك آخر
* ما كان في الدنيا فقير
* فدعا يزيد بخازنه. وقال: كم في بيت مالي قال: فيه من العين والورق ما مبلغه عشرون ألف دينار. فقال: ادفعها إليه. ثم قال: يا أخي المعذرة إلى الله تعالى وإليك والله لو أن في ملكي غيرها ما ادخرته عنك.

274
قال الطرطوشي في كتاب سراج الملوك: قال سحنون: كان يزيد بن حاتم يقول: والله ما هبت شئيا قط هيبتي لرجل ظلمته وأنا لا أعلم وليس له ناصر إلا الله تعالى فيقول: حسبك الله الله بيني وبينك وذكر أبو سعيد السمعاني في كتاب الأنساب أن)
المسهر التميمي الشاعر وفد على يزيد بن حاتم بإفريقية فأنشده:
* إليك قصرنا النصف من صلواتنا
* مسيرة شهر ثم شهر نواصله
*
* فلا نحن نخشى أن يخيب رجاؤنا
* لديك ولكن أهنأ البر عاجله
* فأمر يزيد بوضع العطاء في جنده وكان معه خمسون ألف مرتزق فقال: من أحب أن يسرني فليضع لزائري هذا من عطائه درهمين. فاجتمع له مائة ألف درهم وضم يزيد إلى ذلك مائة ألف درهم أخرى ودفعها إليه. ولما كان يزيد واليا بإفريقية كان أخوه روح بن حاتم واليا في السند وولي لخمسة من الخلفاء: أبي العباس السفاح والمنصور والمهدي والهادي والرشيد فقال أهل إفريقية: ما أبعد ما بين هذين الأخوين فإن يزيد هنا وأخاه روحا في السند. فلما توفي يزيد بإفريقية يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة سبعين ومائة وكان واليا فيها خمس عشرة سنة وثلاثة أشهر فاتفق أن الرشيد عزل روحا السند وسيره إلى موضع أخيه يزيد فدخل إلى إفريقية في أول رجب سنة إحدى وسبعين ومائة ولم يزل واليا عليها إلى أن توفي بها لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربع وسبعين ومائة ودفن في قبر أخيه يزيد. فعجب الناس من هذا الاتفاق بعد ذلك التباعد.

275
قال الصولي في كتاب الأنواع: حدثنا أبو العباس محمد الجبائي قال: أنشدنا بكر المازني لربيعة بن ثابت الرقي يمدح يزيد بن حاتم المهلبي ويهجو يزيد ابن أسيد السلمي: لشتان ما بين اليزيدين في الندى.............. البيت وبعده الأبيات الثلاثة. قال: بلغ هذا الشعر أبا الشمقمق واسمه مروان فقال يفضل يزيد بن مزيد الشيباني على يزيد المهلبي:
* لشتان ما بين اليزيدين في الندى
* إذا عد في الناس المكارم والحمد
*
* يزيد بني شيبان أكرم منهما
* وإن غضبت قيس بن عيلان والأزد
* انتهى. ويزيد هذا هو ابن مزيد بن زائدة وهو ابن أخي معن بن زائدة الشيباني. وكان يزيد هذا من الأمراء المشهورين والشجعان المعروفين وكان واليا بأرمينية فعزله عنها الرشيد سنة اثنتين وسبعين ومائة ثم ولاه إياها وضم إليها أذربيجان في سنة ثلاث وثمانين. وهو من الأجواد وقد قصده الشعراء من سائر النواحي وأجاد صلاتهم. وقد أطال ترجمته ابن خلكان. وتوفي سنة خمس وثمانين ومائة ورثاه أبو الشمقمق ومسلم بن الوليد وأبو محمد عبد الله بن أيوب)
التيمي المشهور وغيرهم. ورأيت في رسائل الصاحب بن عباد رسالة مداعبة جمع فيها نظائر هذا الشعر وهي رسالة جيدة أحببت أن أوردها هنا وهي: أبو الفرج عباد بن المطهر أعزه الله يزعم أن الشيخ الأمين رضي الله عنه سماه عبادا.

276
والناس يروون:
* لشتان ما بين اليزيدين في الندى
* يزيد سليم والأغر بن حاتم
* وفيهم من لا يعلم أنه لربيعة الرقي ولا أن اليزيدين: يزيد بن حاتم المهلبي وهو الممدوح ويزيد بن أسيد وهو المذموم. وكما لا يدري أن الشعر بلغ أبا الشمقمق فقال: وفضل عليهما يزيد بن مزيد الشيباني:
* لشتان ما بين اليزيدين في الندى
* إذا عد في الناس المكارم والحمد
*
* يزيد بني شيبان أكرم منهما
* وإن غضبت قيس بن عيلان والأزد
* وقد قال الآخر:
* يزيد الخير إن يزيد قومي
* سميك لا يزيد كما تزيد
* ويذكرني مولاي أنه أنشد كثيرا لأبي الهول الحميري وفي الفضل بن العباس والبرمكي: كما سمعني أنشد لبشار:
* رأيت السهيلين استوى الجود فيهما
* على بعد ذا من ذاك في حكم حاكم
*
* سهيل بن عثمان يجود بماله
* كما جاد بالفعلى سهيل بن سالم
* ومن المبتذل في هذا:
* شتان بين محمد ومحمد
* حي أمات وميت أحياني
*

277
والمحمدان: محمد بن منصور بن زياد ومحمد بن يحيى بن خالد. ولا أحسب عبادا هذا يعد ما قلته تفضيلا لعباد بن العباس عليه وإضافة له إليه ولا أن يقول كما قال يونس بن حبيب: أشد الهجاء الهجاء بالتفضيل. وذلك كما قال صديق مولاي القريب وابن عمته النسيب الفرزدق بن غالب وقد قيل له: انزل على أبي قطن قبيصة فحسبه ابن مخازق الهلالي فإذا هو آخر لا يحضرني نسبه وذم قراه وجواره فقال:
* سرت ما سرت من ليلها ثم وافقت
* أبا قطن ليس الذي لمخارق
*
* وقد تلتقي الأسماء في الناس والكنى
* كثيرا ولكن لا تلاقى الخلائق
* فأما التفضيل الذي أومأت إليه فقد أعجبني منه أن الحطيئة قال:)
* فلما أن مدحت القوم قلتم
* هجوت وهل يحل لي الهجاء
* حتى زعم بعضهم عن الزبرقان أن هذا أوجع له من قوله:
* دع المكارم لا ترحل لبغيتها
* واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
*

278
وعلى ذكر هذا البيت فلا أدري لم ترك ما قيل قبله. فقد سبق الأعشى بقوله:
* فدعنا وقوما إن هم عمدوا لنا
* أبا ثابت واجلس فإنك طاعم
* لست أدري أيد الله مولاي ما هذا الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس. وإنما حضر هذا الفتى وله حق الغربة وأعظم به حقا ثم حق الأدب وأكرم به فخرا وقد خدمني طفلا والآن كهلا وهاجر إلي فتظاهرت حرماته لدي. وهذه التسمية أيضا لها ذمام يرعى وذمار لا ينسى وسألني أن أخاطب مولاي في بابه وأسيمه في مرعى جنابه وتصور لي الأنس بمطاولة مولاي وحسبتني أناجيه عن قرب كما أنا مكاتبه عن بعد فلج الطبع والقلم وحضرت هذه الأبيات والعبر ومولاي ولي ما يوليه ويختصه بالجميل فيه فقد كان أبو عيسى النوشجاني عبد المسيح أنشد والدي:
* وإن ائتلاف النفس أدنى قرابة
* لمن يدعي القربى إذا كان ظالما
* انتهى. وقوله: وقد قال الآخر: يزيد الخير أن يزيد قومي.............. البيت هذا سهو منه في زعمه أنه لغير ربيعة والصواب أنه له كما نقلناه. وقوله: بمسعاته سعي البحور الخضارم المسعاة: مصدر ميمي وهو السعي. والخضارم بالفتح: جمع خضرم بكسر الخاء وسكون الضاد المعجمتين وكسر الراء: الواسع الكثير.

279
وقوله: بالحزائم جمع حزام مستعار من حزم الدابة. أراد أنهم متشمرون للحرب. وقوله: هم الأنف والخرطوم هو بالضم: الأنف.
وخرطوم القوم: سيدهم. والمناسم: جمع منسم بفتح الميم وكسر السين وهو خف البعير.
والملاحم: جمع ملحمة بفتح الميم والحاء وهي الوقعة العظيمة في الفتنة. والمناعيش: جمع منعاش مبالغة ناعش كمنحار مبالغة ناحر من نعشه ينعشه بفتح العين فيهما نعشا بسكونها إذا رفعه من سقطته. والجارم: الكاسب الفقير من جرم يجرم كضرب يضرب. وربيعة الرقي هو أبو أسامة ربيعة بن ثابت من موالي سليم. ويدل عليه قوله: يزيد الخير إن يزيد قومي)
وقال محمد بن معاوية الأسدي: هو من بني جذيمة بن مالك بن نصر بن قعين. وهو شاعر مطبوع. قال دعبل بن علي الخزاعي: قلت لمروان بن أبي حفصة: يا أبا السمط من أشعركم جماعة المحدثين قال: أشعرنا أسيرنا بيتا. قلت: من هو قال: الذي يقول:
* لشتان ما بين اليزيدين في الندى
* يزيد سليم والأغر ابن حاتم
* والرقي: منسوب إلى رقة بفتح الراء وتشديد القاف وهي مدينة ومعناهافي اللغة كل أرض إلى جانب واد ينبسط عليها الماء أيام المد ثم ينحسر

280
عنها فتكون جيدة النبات والجمع رقاق. قال ياقوت في معجم البلدان: الرقة: مدينة مشهورة على الفرات بينها وبين حران ثلاثة أيام معدودة في بلاد الجزيرة لأنها من جانب الفرات الشرقي. ويقال لها الرقة البيضا وهي من الإقليم الرابع. ووصفها ربيعة الرقي بقوله:
* حبذا الرقة دارا وبلد
* بلد ساكنه ممن تود
*
* ما رأينا بلدة تعدلها
* لا ولا أخبرنا عنها أحد
*
* إنها برية بحرية
* سورها بحر وسور في الجدد
*
* يسمع الصلصل في أشجارها
* هدهد البر ومكاء غرد
*
* لم تضمن بلدة ما ضمنت
* من جمال في قريش وأسد
* وكان بالجانب الغربي مدينة أخرى تعرف برقة واسط كان بها قصران لهشام ابن عبد الملك كانا على طريق رصافة هشام. وأسفل من الرقة بفرسخ الرقة السوداء: وهي قرية كبيرة ذات بساتين كثيرة. والرقة أيضا: البستان المقابل للتاج من دار الخلافة ببغداد وهي بالجانب الغربي وهو عظيم جدا جليل القدر. وأطنب ياقوت في وصفها. قد تقدم بيتان هما من شواهد

281
* شتان ما يومي على كورها
* ويوم حيان أخي جابر
* وهو من قصيدة للأعشى ميمون قد شرحنا بعض أبياتها في الشاهد الخامس والثلاثين بعد المائتين. قال ابن السيد في شرح أبيات أدب الكتاب: حيان وجابر ابنا عميرة من بني حنيفة وكان حيان نديما للأعشى. يقول: يومي على كور هذه الناقة بالضم وهو الرحل ويومي مع حيان أخي جابر مختلفان لا يستويان لأن أحدهما يوم سفر وتعب والثاني يوم لهو وطرب.
روي أن حيان كان سيدا أفضل من أخيه جابر فلما أضافه إلى جابر غضب وقال: عرفتني بأخي وجعلته أشهر مني والله لا نادمتك أبدا فقال له الأعشى: اضطرتني القافية فلم يعذره.)
انتهى. وقد غلط الأندلسي في شرح المفصل فقال: الأخ يقال له جابر يقول: كنا نشرب مع جابر. وهذا غلط ظاهر يلزم منه أن يكون حيان وجابر مبينين للأخ. وهذا محال. وقال الخوارزمي: يقول: كنا نشرب ونتنعم مع جابر وكان فيما يقال ملكا يختص بحيان لأنه نديمه.
هذا كلامه. ونقله بعض فضلاء العجم في أبيات المفصل. وهذا غير صحيح أيضا لأنه يصف حيان ويذكر عيشه معه ولم يكن يشرب مع جابر وإنما كان نديمه حيان.

282
وقد وقع في شعر حسان نظير ما وقع للأعشى من تعريف المشهور بالخامل قال في رثاء جعفر أخي علي بن أبي طالب رضي الله عنهما:
* بهاليل منهم جعفر وابن أمه
* علي ومنهم أحمد المتخير
* البهاليل: جمع بهلول بالضم وهو السيد الوضيء الوجه الطويل القامة. والمتخير: المنتخب.
وقوله: منهم أحمد المتخير قد عابه بعض الناس لما أضاف أحمد المتخير إليهم وليس هذا بعيب لأنها ليست بإضافة تعريف وإنما هذا تعريف لهم حيث كان منهم. وإنما ظهر العيب في قول أبي نواس من قصيدة مدح بها العباس بن عبيد الله بن أبي جعفر المنصور:
* كيف لا يدينك من أمل
* من رسول الله من نفره
* لأنه ذكر واحدا وأضاف إليه فصار بمنزلة ما عيب على الأعشى. قال السهيلي في الروض الأنف: وجدت في رسالة لمهلهل بن يموت بن المزرع قال: قال علي بن الأصغر وكان من رواة أبي نواس قال: لما عمل أبو نواس:
* أيها المنتاب عن عفره
* لست من ليلى ولا من سمره
* أنشدنيها فلما بلغ قوله: من رسول الله من نفره وقع لي أنه كلام مستهجن في غير موضعه إذا كان حق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضاف إليه ولا يضاف إلى أحد. فقلت له: أعرفت عيب هذا البيت فقال: ما يعيبه إلا جاهل بكلام العرب إنما أردت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من القبيل الذي هذا الممدوح منه أما سمعت قول حسان بن ثابت شاعر الإسلام: ومنهم أحمد المتخير وأنشد البيتين.

283
ورأيت هذه الحكاية في آخر ديوان أبي نواس في الباب الخامس عشر أوردها حمزة بن الحسن الأصفهاني فيما دونه من شعر أبي نواس. وأما الثاني فهو:
* شتان هذا والعناق والنوم
* والمشرب البارد في ظل الدوم
*)
وهو للقيط بن زرارة بن عدس بن تميم ويكنى أبا دختنوس وهي بنته وأبا نهشل أيضا وأخوه حاجب بن زرارة صاحب القوس التي يقال لها: قوس حاجب. أنشده المبرد في المقتضب وأنشده: والمشرب الدائم في الظل الدوم جعل المبرد المصدر في هذا الموضع موضع الوصف أي: الدائم. وأنشد غيره: في ظل الدوم على الإضافة. والدوم: شجر المقل. وهذه رواية أبي عبيدة. قال الأصمعي: قد أحال ابن الحائك لأنه ليس بنجد دوم وإنما الرواية: في الظل الدوم أي: الدائم. قال الخوارزمي:
من أنكر على من روى ظل الدوم قال: أي الظل يكون للدوم وهو شجر المقل. ولا يخفى أن المنكر هو الأصمعي وإنما أنكره لأن الدوم ليس مما ينبت في بلاد الشاعر لا لما ذكره وأما شجر المقل فله ظل قطعا. وقوله: شتان هذا اسم الإشارة راجع إلى الأمر الذي استصعبه الشاعر من الحال. والعناق: المعانقة. والمعنى افترق هذا أي: ما أنا فيه من التعب والمعانقة والنوم والراحة والماء العذب في ظل هذا الشجر أو في الظل الدائم.

284
وقبله:
* يا قوم قد حرقتموني باللوم
* ولم أقاتل عامرا قبل اليوم
* وقد أرخينا هنا عنان القلم فجرى في ميدان الطروس فأتى بما يبهج النفوس. وقد بقيت أشياء تركناها خشية السآمة واتقاء الملامة كالكلام على تثنية العلم في اليزيدين فإن ابن جني قد حقق ما يتعلق به في سر الصناعة. وإن ظهر لنا موضع يناسبه أوردناه فيه إن شاء الله تعالى. وأنشد بعده
الشاهد الخامس والستون بعد الأربعمائة وهو من شواهد سيبويه: قالت له ريح الصبا: قرقار على أن الأكثرين قالوا: لم يأت اسم فعل من الرباعي إلا كلمتان إحداهما قرقار. قال سيبويه: وأما ما جاء معدولا عن حده من بنات الأربعة فقوله: قالت له ريح الصبا: قرقار فإنما يريد بذلك قالت له: قرقر بالرعد يا سحاب. وكذلك عرعار وهي بمنزلة قرقار وهي لعبة وإنما هي من عرعرت. ونظيرها من الثلاثة. خراج أي: اخرجوا وهي لعبة أيضا.
انتهى. قال الأعلم: قرقار: اسم لقولك قرقر كما أن نزال اسم لقولك انزل.

285
وحق هذا المعدول أن يكون في باب الثلاثي خاصة فهو على طريق الشذوذ والخروج عن النظائر. وصف سحابا هبت له ريح الصبا فألقحته وهيجت رعده فكأنه قالت له: قرقر بالرعد أي: صوت.
والقرقرة: صوت الفحل من الإبل. وقد خولف سيبويه في حمل قرقار وعرعار على العدل لخروجهما عن الثلاثي الذي هو الباب المطرد وجعلا حكاية للصوت المردد دون أن يكونا معدولين عن شيء. انتهى. أقول: المخالف هو المبرد قال: غلط سيبويه ولم يأت في الأربعة معدول إنما أتى في الثلاثي وحده. وقرقار وعرعار حكاية صوت نحو: غاق غاق. قال السيرافي: والقول ما ذهب إليه سيبويه لأن حكاية الصوت لا يخالف فيها أول ثانيا نحو: غاق غاق. وقد يصرفون الفعل من صوت المكرر نحو: قرقرت من قار قار وعرعرت من عار عار يصيرون به إلى وزن الفعل. فلما خالف اللفظ الأول الثاني علمنا أنه محمول على قرقر وعرعر لا على حكاية قار قار وعار عار. انتهى. وقال أبو حيان في شرح التسهيل بعد ما ذكر أن المبرد غلطه: ومما يقوي ما ذهب إليه سيبويه وجود مثل قرقار اسم فعل في غير الأمر وحكى ابن كيسان أنه يقال: همهام محمحام وهجهاج وبحباح أي: لم يبق شيء. وأنشد: انتهى. ولم يذكر صاحب الصحاح إلا همهام عن اللحياني قال: سمعت أعرابيا من بني عامر يقول: إذا قيل لنا: أبقي عندكم شيء نقول: همهام أي: لم يبق شيء. وانشد هذا الشعر.
وزاد الصاغاني في العباب على هذه الألفاظ: دعداع وقال: قرقار بني على الكسر وهو معدول والعدل في الرباعي عزيز كعرعار وهمهام وهجهاج وبحباح ودعداع.

286
قال أبو النجم)
يصف سحابا:
* حتى إذا كان على مطار
* يمناه واليسرى على الثرثار
*
* قالت له ريح الصبا: قرقار
* تمري خلايا هزم نثار
*
* بين مشاييع له درار
* فشق أنهارا إلى أنهار
* ومطار بنجد والثرثار ببلاد الجزيرة. وقوله: قرقار أي: قرقر بالرعد وصب ماءك وهات ما عندك. ومعناه ضربته ريح الصبا فدر لها فكأنها قالت له: صب ماءك. انتهى. ولم يورد هو من هذه الألفاظ في كتابه إلا بحباح بموحدتين ومهملتين قال: قيل لبعض بني عامر أبقي عندكم شيء فقال: بحباح مبنيا على الكسر أي: لم يبق شيء. هذا كلامه. فكان ينبغي له أن لا يذكر هذه الألفاظ مع قرقار لئلا يتوهم أنها اسم فعل أمر معدول. ولم يورد الجوهري ما أورده مع أنه أصله وإنما قال: وقولهم قرقار بني على الكسر وهو معدول ولم يسمع العدل من الرباعي إلا في عرعار وقرقار. فلله دره ما أحسن صنيعه وقال الأصمعي في كتاب الإبل: قالوا قراقار وقرقار بفتح القاف كسرها وقرقر. وأنشد البيت. وأورده صاحب الكشاف عند قوله تعالى: ألست بربكم قالوا بلى على أنه من باب التمثيل والتخييل كما في البيت.
وقوله: حتى إذا كان على مطار قال أبو عبييد البكري في معجم ما استعجم: مطار بضم الميم: واد قرب الطائف. وأنشد هذه الأبيات. وقال:

287
والثرثار بالجزيرة: ماء معروف وقيل هو قريب من تكريت. ولم تختلف الرواة في هذا الوادي أنه مطار بضم الميم. فأما مطار بفتحها فموضع في ديار بني تميم مؤنث
لا ينصرف. وقال في الثناء المثلثة: الثرثار: ماء معروف قبل تكريت. وقال الهمداني: هو نهر يصب من الهرماس إلى دجلة. وقال أبو حنيفة: هو بالجزيرة.
واسم كان يمناه والضمير للسحاب. و على مطار يريد أنه سحاب عظيم طرفه الأيمن على مطار وطرفه الأيسر على الثرثار. وجملة قالت له إلخ جواب إذا. وتمري: مضارع مريت الناقة مريا إذا مسحت ضرعها لتدر. وفاعله ضمير الريح. والخلايا: جمع خلية بالخاء المعجمة: الناقة تعطف مع أخرى على ولد واحد فتدران عليه ويتخلى أهل البيت بواحدة يحلبونها. وهزم بفتح الهاء وكسر الزاي المعجمة يقال: غيث هزم أي: متبعق لا يستمسك.
ونثار: مبالغة ناثر. وبين ظرف للنثار. والمشاييع: جمع مشياع وهو الذي يشيع السر استعير للسحاب الساكب. ودرار صفة لمشاييع وهو بضم الدال جمع دار. يقال: ناقة دار بدون هاء)
ونوق درار مثل كافر وكفار أي: كثيرة الدر وهو اللبن. وقوله: فشق أنهارا إلخ أي: فشق ماء ذلك السحاب الأرض فصير فيها أنهارا جارية إلى أنهار. وأنشد الجوهري البيت الشاهد من هذا الرجز مع بيت آخر منه وهو: واختلط المعروف بالإنكار وهذا هو المشهور في كتب النحو. يريد: قالت الريح للسحاب: قرقر بالرعد. ولما كان إنشاء السحاب بسبب الريح صار كأن الريح قالت له: قرقر بالرعد.

288
والقرقرة: صوت فحل الإبل.
والقرقرة: الهدير. وبعير قرقار الهدير إذا كان صافي الصوت في هديره. وقوله: واختلط المعروف أي: من صوت الرعد بالمنكر منه. وقيل: أراد أن السحاب أصاب كل مكان مما يعرف وينكر أي: عم الأراضي كلها أو مما كان معروفا بأن يمطر وما كان منكرا إمطاره. قال ابن الأعرابي في نوادره: مطرت مطرا شديدا فأنكرت ما تعرف من آثار الديار ومعالمها. وقيل المعروف: المطر والإنكار: البرق والسيل والصاعقة. شبه الريح بالآمر والسحاب بالمأمور وقرقار بالمأمور به لأن الريح هي التي تنشأ السحاب وتسوقه ولهذا جعلت الريح كأنها قائلة له. كل ذلك على سبيل التمثيل. وترجمة أبي النجم العجلي وهو راجز إسلامي قد تقدمت
الشاهد السادس والستون بعد الأربعمائة يدعو وليدهم بها عرعار لما تقدم قبله. وهذا عجز وصدره:

289
متكنفي جنبي عكاظ كليهما يعني: يقيمون في كنفي جنبي عكاظ. والكنف: الناحية. وهو جمع مذكر سالم حذفت نونه للإضافة والإضافة لفظية. وعكاظ: سوق قريبة من مكة كانت في الجاهلية تقام وقد شرحناها فيما مضى وهي غير مصروفة للعلمية والتأنيث. وكليهما تأكيد لقوله جنبي.
والوليد: الصبي. وضمير بها لعكاظ. عرعار: لعبة للصبيان إذا خرج الصبي من بيته ولم يجد أحدا يلاعبه رفع صوته فقال: عرعار أي: هلموا إلى العرعرة فإذا سمعوا صوته خرجوا ولعبوا معه تلك اللعبة. قال ابن دريد في الجمهرة: سمعت عرعار الصبيان إذا سمعت اختلاط أصواتهم. وقال في الصحاح: العرعرة: لعبة للصبيان. وعرعار بني على الكسر وهو معدول عن عرعرة. والصحيح كما قال الأعلم عرعار معدولة عن قولهم عرعر أي: اجتمعوا للعب كما أن خراج اسم لعبة لهم: معدول عن قولهم: اخرج. ومعنى البيت أنهم آمنون في إقامتهم هناك لعزهم وكثرتهم وصبيانهم يلعبون بهذه اللعبة لبطرهم ورفاهيتهم. ونحوه قول حسان: أي: لا يرحلون عنه لعزهم وغناهم بخلاف غيرهم لابد له من الرحلة للانتجاع.

290
والبيت آخر أبيات تسعة للنابغة الذبياني حذر بها عمرو بن المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة من أعدائه وهم قوم النابغة. أخبره بأنهم نزلوا بعكاظ وهم كثيرون ينتظرون وقوع الربيع فيرعونه ويحاربونه. وأولها:
* من مبلغ عمرو بن هند آية
* ومن النصيحة كثرة الإنذار
*
* لا أعرفنك عارضا لرماحنا
* في جف تغلب وارد الأمرار
* الجف بضم الجيم: العدد الكثير والجماعة من الناس ومنه قيل لبكر وتميم: الجفان لكثرتهما.
وتغلب: أبو قبيلة عظيمة وهو تغلب بن وائل. والأمرار بفتح الهمزة قال صاحب الصحاح: هي مياه في البادية مرة. وأنشد هذا البيت.
* ومعلقون على الجياد حليها
* حتى تصوب سماؤهم بقطار
* الحلي بفتح المهملة وكسر اللام: ما تعتلفه الخيل إذا يبس وإذا كان رطبا أخضر فهو نصي.)
وقطار بالكسر: جمع قطر. إلى أن قال:
* فيهم بنات العسجدي ولاحق
* ورق مراكلها من المضمار
* عسجد ولاحق: فحلان من خيل غني بن أعصر. والمركل كجعفر: موضع عقب الفارس.
يقول: تضمر خيلهم بالركوب فتقرع أعقابهم مواضع المراكل فيتحات شعرها ثم ينبت بعد ذلك شعر أسود. ولهذا قال: ورق لأنه إذا نبت خرج يضرب إلى الغبرة وهي
الورقة.

291
* تشلى توابعها إلى ألافها
* خبب السباع الوله الأبكار
* متكنفي جنبي عكاظ كليهما............. البيت الإشلاء: الدعاء أشليته: دعوته. يعني يدعي توابع من أولادها ومن خيل أخرى إلى ما ألفته.
والوله: التي قد ولهت إلى أولادها. والأبكار: التي وضعت بطنا وتكون التي لم تلد قط. وقوله: متكنفي حال من أصحاب هذه الخيل. والإضافة لفظية ولهذا صحت الحال. ولما بلغت هذه الأبيات عمرو بن هند قال:
* أبلغ زيادا أن قومك حاربوا
* فانهض إلينا إن قدرت بجار
*
* نجزيك إنذارا بما أنذرتنا
* وذكرت عطف الود والإصهار
* وزياد: اسم النابغة. وله قصيدة على هذا الوزن والروي مطلعها:
* نبئت زرعة والسفاهة كاسمها
* يهدي إلي غرائب الأشعار
* وزرعة هو ابن عمرو بن خويلد أخي يزيد بن عمرو بن الصعق الكلابي كان هجاء للنابغة فلما بلغ هجاؤه النابغة قال هذه القصيدة يتوعده بالهجاء ومحاربته إياه مع قومه ثم وصف

292
* جمع يظل به الفضاء معضلا
* يذر الإكام كأنهن صحاري
* معضل اسم فاعل يعني غاصا ضيقا. يقال: قد عضلت المرأة بولدها تعضيلا إذا تعسر عليها فنشب ولم يخرج. وليس في هذه القصيدة البيت الشاهد. وزعم ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل وتبعه جماعة أنه منها. وأورد معه قوله: جمع يظل به الفضاء معضلا البيت مع أبيات أخر وقال: مدح بهذه القصيدة بني غاضرة من بني أسد. وليس الأمر كذلك كما بينا. وسيأتي شرح بعض هذه القصيدة بعد شاهد واحد إن شاء الله تعالى. وترجمة النابغة الذبياني قد تقدمت في الشاهد الرابع بعد المائة. وأنشد بعده)
الشاهد السابع والستون بعد الأربعمائة وهو من شواهد س:
* ولأنت أشجع من أسامة إذ
* دعيت نزال ولج في الذعر
*

293
على أن عبد القادر استدل على تأنيث فعال الأمري بما هنا فإن نزال: نائب فاعل دعيت ولولا أنها مؤنثة ما ألحق علامة التأنيث للفعل المسند إليها. وفيه ما أورده الشارح المحقق. وعبد القاهر مسبوق بما قاله. قال سيبويه في باب ما جاء معدولا عن حده من المؤنث: ويقال: نزال أي: أنزل. وأنشد البيت ثم قال: فالحد في جميع هذا: افعل ولكنه معدول عن حده وحرك آخره لأنه لا يكون بعد الألف حرف ساكن وحرك بالكسر لأن الكسر مما يؤنث به. وإنما الكسرة من الياء. انتهى. وقال ابن السراج في الأصول: اعلم أنه لا يبنى على مثال فعال من هذا الباب على الكسر إلا وهو مؤنث معرفة معدول عن جهته وإنما بني على الكسر لأن الكسر مما يؤنث به تقول للمرأة: أنت فعلت وإنك فاعلة. وكان أصل هذا إذا أردت به الأمر السكون فحركته لالتقاء الساكنين فجعلت الحركة الكسرة للتأنيث وذلك قولك: نزال وتراك ومعناه انزل واترك فهما معدولان عن المتاركة والمنازلة. قال الشاعر تصديقا لذلك:
*................ إذ
* دعيت نزال ولج في الذعر
* فقال: دعيت لما ذكرت لك من التأنيث. انتهى. وهكذا قال خدمة كتاب سيبويه. وشراح شواهد الجمل وغيرهم. قال الأعلم: الشاهد في قوله: نزال وهو اسم لقوله انزل ودل على أنه اسم مؤنث دخول التاء في فعله وهو دعيت. وإنما أخبر عنها على طريق الحكاية وإلا فالفعل وما كان اسما له لا ينبغي أن يخبر عنه. انتهى. ومثله في كون نزال أريد به لفظه فجعل نائب فاعل قول زيد الخيل الصحابي:

294
* وقد علمت سلامة أن سيفي
* كريه كلما دعيت نزال
*
* فدعوا نزال فكنت أول نازل
* وعلام أركبه إذا لم أنزل
* ومعنى دعاء الأبطال بعضهم بعضا بهذه الكلمة: أن الحرب إذا اشتدت بهم وتزاحموا فلم يمكنهم التطاعن بالرماح تداعوا بالنزول عن الخيل والتضارب بالسيوف. ومعنى لج في الذعر: تتابع الناس في الفزع وهو من اللجاج في الشيء وهو التمادي فيه. وقد تقدم شرح النزال مفصلا في الشاهد الحادي والأربعين بعد الثلثمائة. والشارح المحقق قد تبع صاحب الصحاح في)
روايته البيت كذا في مادة أسم وهو مركب من بيتين فإن البيت الذي فيه دعيت نزال وهو لزهير بن أبي سلمى صدره كذا:
* ولنعم حشو الدرع أنت إذا
* دعيت نزال ولج في الذعر
* وقوله:

295
ولأنت أشجع من أسامة إذ إنما هو صدر من بيت للمسيب بن علس وعجزه: نقع الصراخ ولج في الذعر وهذا ليس فيه دعيت نزال. والبيت الشاهد كما ذكرناه هو رواية سيبويه وسائر النحويين.
وبيت المسيب ابن علس على ما رتبناه هو رواية الجاحظ في كتاب البيان والتبيين. وقد رأيت البيتين في ديوانيهما كذلك. أما بيت زهير فهو من قصيدة مدح بها هرم بن سنان المري. وهذه أبيات بعد ثلاثة أبيات من أولها:
* دع ذا وعد القول في هرم
* خير البداة وسيد الحضر
*
* تالله قد علمت سراة بني
* ذبيان عام الحبس والأصر
*
* إن نعم معترك الجياع إذا
* خب السفير وسابئ الخمر
*
* ولنعم حشو الدرع أنت إذا
* دعيت نزال ولج في الذعر
*
* ولنعم مأوى القوم قد علموا
* إن عضهم جل من الأمر
*
* ولنعم كافي من كفيت ومن
* تحمل له تحمل على ظهر
*
* حامي الذمار على محافظة ال
* جلى أمين مغيب الصدر
*
* حدب على المولى الضريك إذا
* نابت عليه نوائب الدهر
*

296
* عظمت دسيعته وفضله
* جز النواصي من بني بدر
*
* أيام ذبيان مراغمة
* في حربها ودماؤها تجري
*
* ومرهق النيران يطعم في ال
* لأواء غير ملعن القدر
*
* ويقيك ما وقي الأكارم من
* حوب تسب به ومن غدر
*
* متصرف للمجد معترف
* للنائبات يراح للذكر
*
* جلد يحث على الجميع إذا
* كره الظنون جوامع الأمر)
* (ولأنت تفري ما خلقت وبع
* ض القوم يخلق ثم لا يفري
*
* ولأنت أشجع حين تتجه ال
* أبطال من ليث أبي أجر
*
* يصطاد أحدان الرجال فما
* تنفك أجريه على ذخر
*
* والستر دون الفاحشات وما
* يلقاك دون الخير من ستر
*
* أثني عليك بما علمت وما
* أسلفت في النجدات والذكر
* قوله: وعد القول في هرم وهو بفتح الهاء وكسر الراء أحد الأجواد في الجاهلية من بني مرة.
أي: دع ما أنت فيه من وصف الديار وعد القول أي:

297
اصرفه إلى مدح هرم. والبداة: جمع باد. والحضر: جمع حاضر كصحب جمع صاحب. وقوله: تالله قد علمت إلخ السراة: جمع سري وهو الكريم. والحبس والأصر والأزل بفتح الهمزة واحد وهو أن يحدق العدو بالقوم فيحبسوا أموالهم ولا يخرجوها إلى الرعي خشية أن يغار عليها. والأصر: الضيق أيضا وسوء الحال. وقوله: أن نعم معترك إلخ أن بفتح الهمزة مخففة من الثقيلة مؤولة مع مدخولها بمصدر سادة مسد مفعولي علمت. ومترك: فاعل نعم والمخصوص محذوف وهو اسم مكان أي: نعم موضع ازدحام الفقراء أنت. وأصله في الحرب فاستعاره هنا. وخب السفير أي: أسرع وطار مع الريح. والسفير: ما جف من الورق وسقط وذلك في شدة البرد وقحط الزمان.
وسابئ: معطوف على مترك وهو مهموز الآخر اسم فاعل من سبأ الخمر إذا اشتراها وإنما وصفه بسباء الخمر في شدة الزمان ليدل على كرمه وتناهي جوده فلا تمنعه شدة الزمان من إنفاق ماله. وقوله: ولنعم حشو الدرع إلخ جعل لابس الدرع حشوا لها لاشتمالها عليه كما يشتمل الإناء على ما فيه. وهو العامل في إذا لأنه بمعنى
لابس وقيل: متعلق بنعم لما فيه من معنى الثناء كما فيما قبله. والجل بالضم: الحادث العظيم كالجلى. وقوله: على ظهر أي: ظهر حمول قوي. والذمار: ما يجب عليه أن يحميه من حرمه. والجلى: النائبة الجليلة وجمعها جلل وقيل هنا بمعنى: جماعة العشيرة. وقوله: أمين مغيب الصدر أي: لا يضمر إلا الجميل ولا ينطوي إلا على الوفاء والخير وحفظ السر فهو مأمون على ما غاب في صدره.

298
والحدب: المتعطف المشفق. والمولى: ابن العم. والضريك: الفقير والمحتاج. والدسيعة: العطية الجزيلة.
وجز الناصية تكون في الأسير إذا أنعم عليه وأطلق جزت ناصيته وأخذت للافتخار.
وراغمهم: نابذهم وهجرهم وعاداهم. وقوله: ومرهق النيران أي: تغشى ناره يقال: رهقت)
الرجل إذا غشيته وأحطت به والمشدد للتكثير. يصف أنه يوقد النار بالليل للطبخ وإطعام الناس وليعشو إليها الضيف والغريب. وكثرة النيران للإخبار عن سعة معروفة. والأواء: شدة الزمان والقحط. وقوله: غير ملعن القدر أي: لا يؤكل ما فيها دون الضيف والجار واليتيم والمسكين فهو محمود القدر لا مذمومها. وأوقع اللعن على القدر مجازا وهو يريد صاحبها.
وقوله: ويقيك ما وقي الأكارم إلخ وقي بالبناء للمفعول. والحوب: الإثم أي: إن الأكارم وقوا أن يسبوا فيقيك ذلك أنت أيضا أي: إنه لا يغدر ولا يسب فبأتي بإثم. وروي: ما وقى الأكارم بالبناء للفاعل ونصب الأكارم. وقوله: وإذا برزت به أي: برزت إليه يعني: إذا صرت إليه صرت إلى رجل واسع الخلق طيب الخبر. وقوله: متصرف للمجد إلخ أي: يتصرف في كل باب من الخير لاكتساب المجد. والمعترف: الصابر أي: يصبر لما نابه من الأمر ويحتمله. وقوله: يراح أي: يخش ويخف ويطرب لأن يفعل فعلا كريما يذكر به ويمدح من أجله.

299
وقوله: جلد يحث إلخ أي: قوي العزم مجتهد فيما ينفع العشيرة من التآلف والاجتماع فهو يحث على ذلك ويدعو إليه إذا كره الظنون الاجتماع والتآلف لما يلزمه عند ذلك من المشاركة والمواساة بماله ونفسه.
والظنون: الذي لا يوثق بما عنده لما علم من قلة خيره. وجوامع الأمر: ما يجمع الناس في شأنهم. وقوله: ولأنت تفري إلخ هذا مثل ضربه. والخالق: الذي يقدر الأديم ويهيئه لأن يقطعه ويخرزه. والفري: القطع. والمعنى: إنك إذا تهيأت لأمر مضيت له وأنفذته ولم تعجز عنه وبعض القوم يقدر الأمر ويتهيأ له ثم لا يعزم عليه ولا يمضيه عجزا وضعف همة. قال ابن قتيبة في أدب الكتاب: فرى الأديم: قطعه على جهة الإصلاح وأفراه: قطعه على جهة الإفساد.
وقال ابن السيد: هذا قول جمهور اللغويين وقد وجدنا فرى مستعملا في القطع على جهة الإفساد قال الشاعر:
* فرى نائبات الدهر بيني وبينها
* وصرف الليالي مثل ما فري البرد
* وحكى أبو عبيد في الغريب المصنف عن الأصمعي: أفريت: شققت وفريت بمعنى وفريت إذا كنت تقطع للإصلاح. انتهى. وقوله: ولأنت أشجع إلخ تتجه: يواجه بعضهم بعضا في الحرب. والأجر ي جمع جرو مثل الجيم وهو ولد الأسد وغيره. وإنما جعل الليث ذا أولاد لأن ذلك أجرا له وأعدى على ما يريده لاحتياج أولاده إلى ما تتغذى به. وقوله: يصطاد أحدان إلخ جمع واحد والهمزة بدل من واو أي: يصطاد الرجال واحدا بعد الآخر فلا يزال عنده ما)
يدخره لما بعد اليوم. ومثله في وصف جروي أسد:

300
* ما مر يوم إلا وعندهما
* لحم رجال أو يولغان دما
* وقوله: والستر دون الفاحشات إلخ أي: بينه وبين الفاحشات ستر من الحياء وتقى الله ولا ستر بينه وبين الخير يحجبه عنه. وحكي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سمعه قال: ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله: أثني عليك إلخ أي: بما علمت من أمرك وشاهدت من جودك. وما أسلفت أي: ما قدمت في الشدائد. والنجدة: الشدة والبأس.
والذكر: ما يذكر به من الفضل. وترجمة زهير بن أبي سلمى تقدمت في الشاهد الثامن والثلاثين بعد المائة. وأما بيت المسيب بن علس فهو من قصيدة أيضا مدح بها قيس بن معديكرب الكندي تقدم شرح بعضها في الشاهد الثاني بعد المائتين ورويت لابن أخته الأعشى ميمون وهي ثابتة في ديوانه أيضا فيكون المسيب بن علس خال الأعشى. وهذه أبيات منها:
* وإليك أعملت المطية من
* سهل العراق وأنت بالقفر
*
* أنت الرئيس إذا هم نزلوا
* وتوجهوا كالأسد والنمر
*
* أو فارس اليحموم يتبعهم
* كالطلق يتبع ليلة البهر
*

301
* ولأنت أشجع من أسامة إذ
* نقع الصراخ ولج في الذعر
*
* وأنت أجود بالعطاء من ال
* ريان لما ضن بالقطر
*
* ولأنت أحيا من مخباة
* عذراء تقطن جانب الكسر
*
* ولأنت أبين حين تنطق من
* لقمان لما عي بالأمر
*
* لو كنت من شيء سوى بشر
* كنت المنور ليلة القدر
* وفارس اليحموم هو النعمان بن المنذر ملك الحيرة. واليحموم: اسم فرسه. والطلق: الليلة التي لا حر فيها ولا برد. وليلة البهر: ليلة البدر حين بهر النجوم. وفي القاموس: أسامة بالضم معرفة: علم الأسد. والأسامة لغة فيه. والصراخ بالضم: الصوت الشديد يكون للاستغاثة وغيرها.
والريان قال ياقوت في معجم البلدان: جبل ببلاد طيء لا يزال يسيل منه الماء وضم بالبناء للمفعول أي: بخل. وتقطن بالقاف أي: تسكن. والكسر بكسر الكاف: الشقة السفلى من الخباء. ولقمان هو كما قال الجاحظ في كتاب البيان والتبيين: هو لقمان ابن عاد الأكبر وكانت العرب تعظم شأنه في النباهة والقدر وفي العلم وفي الحكم وفي اللسان وفي الحلم. وهو غير)
لقمان المذكور في القرآن. وترجمة المسيب بن علس تقدمت في الشاهد الثامن والثلاثين بعد المائة

302
. وأنشد بعده الشاهد الثامن والستون بعد الأربعمائة وهو من شواهد س:
* أنا اقتسمنا خطتينا بيننا
* فحملت برة واحتملت فجار
* على أن فجار مصدر معرفة مؤنث. قال سيبويه: وأما ما جاء اسما للمصدر كقول النابغة: فحملت برة واحتملت فجار
* فقال: امكثي حتى يسار لعلنا
* نحج معا قالت: أعاما وقابله
* فهي معدولة عن الميسرة فأجرى هذا الباب مجرى الذي قبله لأنه عدل كما عدل ولأنه مؤنث بمنزلته. اه. قال الأعلم: الشاهد في فجار وهو اسم للفجرة معدول عن مؤنث كأنه عدل عن الفجرة بعد أن سمي بها الفجور كما سمي البر: برة ولو عدلها لقال: برار كما قال فجار. اه.
قال الشارح المحقق: لم يقم لي إلى الآن دليل قاطع على تعريفه ولا تأنيثه إلى آخر ما حققه وأجاد فيه البحث ودققه.

303
ومثله لناظر الجيش في شرح التسهيل قال: وما ذكره المصنف من أن ما كان من أسماء الأفعال على فعال محكوم بتأنيثه كأنه أمر مجمع عليه من النحاة. وهو أمر يؤخذ تقليدا. وقال في باب منع الصرف أيضا: وأما قوله وكلها معدول عن مؤنث فهو أمر كالمجمع عليه عند النحاة ولكن يتعين التعرض لبيان المعدول عنه في كل من الأربعة المذكورة. أما الصفة المختصة بالنداء فالظاهر أن فساق معدول عن فاسقه لقصد المبالغة في الذم. وأما الصفة الجارية مجرى الأعلام فذكروا أنها معدولة عن صفات غلبت فاستعملت أسماء كنابغة في قوله: ونابغة الجعدي في الرمل بيته فنابغة: نعت في الأصل إلا أنه غلب حتى صار اسما. قالوا: وكذلك لا يجوز أن تتبع موصوفا. ولا يخفى أن الغلبة لا تكون عدلا لأن العدل عبارة عن تبديل لفظ بلفظ للدلالة على المبالغة في ذلك المعنى الذي أفاده اللفظ المعدول عنه. ولم يتحقق لي وجه العدل في هذه المسألة. وأما المصدر فقالوا: هو معدول عن مصدر مؤنث معرفة وإن كانوا لم يستعملوا في كلامهم ذلك المصدر للمعرفة المؤنثة الذي عدل عنه. ويفهم من هذا أنه عدل تقديري لا تحقيقي. وأما الحال فقال: إنه عدل عن مصدر مؤنث معرفة. وقد فسر سيبويه بداد بقوله:)
بدادا. وليس هذا بعدل لأنه نكرة وإنما هي معدولة عن البدة أو المبادة وهذا أيضا عدل تقديري.

304
وأما اسم الفعل فلم يذكروا ماذا عدل منه ولم يتحقق لي وجه العدل فيه. والعجب أنهم يجعلون اسم الفعل أصلا في العدل والتأنيث. وما برحت أتطلب بيان ما عدل عنه نزال وبيان كونه مؤنثا ولم أقف من كلامهم على ما يوضح لي ذلك. والذي يظهر أن القول بالعدل والتأنيث في نزال ليس على وجه التحقيق بل على وجه التقدير. وقال صاحب الإفصاح: نزال عند سيبويه علم على المعنى كسبحان ومثله حلاق وجماد في اسم المنية والسنة المجدبة.
وقد يكون هذا العدل علما على الشخص كحذام. ويرى سيبويه أن هذه الأشياء بنيت حملا على نزال ونزال بني حملا على الفعل. اه. ويظهر من كلامه أن العدل في هذه الأمور إنما هو تقديري. وأما قوله إن نزال عند سيبويه علم فلم يتضح لي كونه علما. انتهى ما أورده ناظر الجيش باختصار. واستدل ابن السيد في شرح أبيات الجمل للتأنيث بشيئين ضعيفين قال: أراد بفجار الغدرة. وتسمى الغدرة فجار كما تسمى المرأة حذام. فإن قلت: لما لم جعلته للغدرة المؤنثة دون أن تجعله اسما للغدر وما دليلك على هذه الدعوى قلنا: على ذلك دليلان: أحدهما: أن فعال المعدول لا يعدل إلا عن مؤنث ألا تراه قد قال دعيت نزال وليس هذا في بيت زهير وحده بل هو مطرد في فعال حيثما وقعت. والثاني: أن النابغة سمى الوفاء برة وهو يريد البر وكذلك سمى الغدر فجار وهو يريد الفجور. انتهى. وقال اللخمي: فجار اسم للفجور وهو معدول عن مؤنث كأنه عدل عن الفجرة وهو مصدر بعد أن سمى بها الفجور كما سمى البر: برة. هذا مذهب سيبويه وحكى غيره أنه معدول عن صفة غالبة ودليل ذلك أنه قال: فحملت برة واحتملت فجار

305
فجعلها نقيض برة وبرة صفة كأنه قال: حملت الخصلة البرة وحملت الخصلة الفاجرة كما تقول: الخصلة القبيحة والحسنة فهما صفتان. اه. وهذا الذي حكاه هو مذهب السيرافي كما نقله الشارح عنه. وزاد ابن جني في الطنبور نغمة فزعم أن فجار معدولة عن فجرة علما بدون أل قال في باب التفسير على المعنى دون اللفظ من كتاب الخصائص: اعلم أن هذا موضع قد أتعب كثيرا من الناس واستهواهم ودعاهم من سوء الرأي وفساد الاعتقاد إلى ما مذلوا به وتتايعوا فيه حتى إن أكثر ما ترى من هذه الآراء المختلفة والأقوال المستشنعة إنما دعا إليها)
القائلين بها تعلقهم بظواهر هذه الأماكن دون أن يبحثوا عن سر معانيها ومعاقد أغراضها. فمن ذلك قول سيبويه في بيت النابغة: إن فجار معدولة عن الفجرة وإنما غرضه إنها معدولة عن فجرة علما معرفة على ذا يدل هذا الموضع. ويقويه ورود برة معه في البيت وهي كما ترى علم لكنه فسر على المعنى دون اللفظ. وسوغه أنه لما أراد تعريف الكلمة المعدولة عنها مثل ذلك بما يعرف باللام لأنه لفظ معتاد وترك لفظ فجرة لأنه لا يعتاد ذلك علما وإنما يعتاد نكرة من جنسها نحو: فجرت فجرة كقولك: تجرت تجرة. ولو عدلت برة على هذا الحد لوجب أن يقال: برار كفجار. اه. وقد أخذ الشاطبي هذا الكلام فزاده تنويرا في شرح الألفية عند قول ناظمها:
* ومثله برة للمبره
* كذا فجار علم للفجره
*

306
قال: ومن علم الجنس للمعنى: فجار وهو علم الفجور ومعدول عن فجرة علما لا عن الفجرة فإنه من باب حذام المعدول عن علم مثله. فقول سيبويه: إن فجار معدول عن الفجرة تجوز. كذا قال ابن جني والمحققون. وأل في الفجرة في كلام الناظم لا إشكال فيها إذ لم يرد العلم كما أراد سيبويه وإنما مراده الجنس الذي هو مطلق الفجور. ومثل هذين المثالين فينة في قولهم: ما ألقاه إلا فينة أي: في الندرة. قال ابن جني: هو علم لهذا المعنى. ومنه حماد للمحمدة ويسار للميسرة. وأشار الناظم بمثالي برة وفجار إلى بيت النابغة. وفي عبارته شيء وهو أن الفجرة هي المرة الواحدة من الفجور ومعلوم أن فجار ليس علما لجنس المرة الواحدة فإن أهل اللغة لم ينقلوا إلا أنه علم للفجور المطلق ولا يصح أن يريد أن فجار اسم جنس للفجرة المعدول هو عنه إذ لم يقولوا ذلك ولا يصح في نفسه. فثبت أن قوله: فجار علم للفجرة مشكل.
والجواب أن إتيانه بالفجرة مقصود له وذلك أن القاعدة في فعال أنه مؤنث ومعدول عن مؤنث.
وقد بين ذلك سيبويه في أبواب ما لا ينصرف غاية البيان حتى إنه قدر ما لم يستعمل مؤنثا كأنه استعمل كذلك ثم جعل فعال معدولا عنه. وإذا كان كذلك فالاسم المعدول عنه وهو العلم المقدر اسم لجنس مؤنث إذ لا بد من مطابقته له في التأنيث ولذلك قال: ومثله برة للمبرة ولم يقل للبر ونحوه. والحاصل أن الناظم نبه بمثال الفجرة على أن فعال علم لاسم الجنس المؤنث فإن كان مستعملا فذاك وإلا قدر له اسم مؤنث. وهذه قاعدة محل بيانها باب ما لا ينصرف.
انتهى كلامه باختصار يسير. وهذا كله لا يدفع ما أورده الشارح المحقق. والبيت من قصيدة)
للنابغة الذبياني هدد بها زرعة بن عمرو الكلابي وكان زرارة لقي النابغة بعكاظ وأشار عليه أن يشير على قومه أن يغدروا بني أسد

307
وينقضوا حلفهم فأبى عليه النابغة وجعل خطته الذي التزمها من الوفاء برة وخطة زرعة لما دعاه إليه من الغدر ونقض الحلف فاجرة. وبلغ النابغة أن زرعة هجاه وتوعده فقال النابغة وهذا أول القصيدة عند أبي عمرو الشيباني والأصمعي:
* نبأت زرعة والسفاهة كاسمها
* يهدي إلي غرائب الأشعار
*
* فحلفت يا زرعة بن عمر و إنني
* مما يشق على العدو ضراري
*
* أعلمت يوم عكاظ حين لقيتني
* تحت الغبار فما خططت غباري
*
* أنا اقتسمنا خطتينا بيننا
* فحملت برة واحتملت فجار
*
* فلتأتينك قصائد وليدفعن
* ألف إليك قوادم الأكوار
*
* رهط ابن كوز محقبو أدراعهم
* فيهم ورهط ربيعة بن حذار
*
* ولرهط حراب وقد سورة
* في المجد ليس غرابها بمطار
*

308
* وبنو قعين لا محالة أنهم
* آتوك غير مقلمي الأظافر
*
* سهكين من صدأ الحديد كأنهم
* تحت السنور جنة البقار
*
* وبنو سواءة زائروك بوفدهم
* جيش يقودهم أبو المظفار
*
* وبنو جذيمة حي صدق سادة
* غلبوا على خبت إلى تعشار
*
* جمع يظل به الفضاء معضلا
* يذر الإكام كأنهن صحار
* وقال في آخرها:
* حولي بنو دودان لا يعصونني
* وبنو بغيض كلهم أنصاري
* وقوله: نبئت زرعة إلخ بالبناء للمفعول والتاء نائب فاعل وزرعة مفعول ثان وجملة: يهدي إلخ في موضع المفعول الثالث. وقوله: والسفاهة كاسمها اعتراض أي: فعل السفاهة قبيح وإنما قال هذا لأن السفاهة كما تنكرها القلوب والعقول تمج الآذان اسمها. فإن قلت: ما اسم السفاهة حتى قال: كاسمها قلت: أراد ما سمي سفاهة. أي: المسمى بهذا الاسم قبيح كما أن الاسم الذي هو السفه قبيح إلا أنه لما لم يجد إلى العبارة عن الذات طريقا إلا باسمه قال: والسفاهة كاسمها. كذا قال الإمام المرزوقي. وقوله: يهدي إلي غرائب الأشعار إلخ يعني أنه)
غير مشهور فالشعر من قبله غريب إذ ليس من أربابه. قوله: فحلفت يا زرع إلخ جملة: إنني إلخ جواب القسم والضرار

309
بالكسر: الدنو من الشيء واللصوق به يقول: أنا قوي عزيز فالعدو يكره مجاورتي له. وقوله: أعلمت إلخ الاستفهام تقريري. وروى: أنسيت يوم وخططت بالخاء المعجمة: شققت يقال: ما خط غباره أي: لم يدن منه ولم يتعلق به. وقوله: أنا اقتسمنا إلخ بفتح همزة أنا لأنها مع معموليها في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي علمت هذه وراية أبي عمرو. وروى الأصمعي: يوم اختلفنا خطتينا وابن الأعرابي: يوم احتملنا. يقول: بررت أنا وفجرت أنت. قال شارح الديوان: قوله فجار يعني خطة فاجرة خرج مخرج حذام ورقاش.
والخطة بالضم: الحالة والخصلة. قال ابن السيد في شرح أبيات الجمل: وقال في البر حملت وفي الفجور احتملت لأن العرب إذا استعملت فعل وافتعل بزيادة التاء كان الذي لا زيادة فيه يصلح للقليل والكثير والذي فيه الزيادة للكثير خاصة نحو: قدر واقتدر وكسب واكتسب. فأراد أن يهجو بكثرة غدره وإيثاره للفجور فذكر اللفظة التي يراد بها الكثير ليكون أبلغ في الهجو. ولو قال: حملت فجار لأمكن أن لا يكون غدر إلا مرة واحدة. وأما الأفعال التي لا تستعمل إلا بالتاء فخارجة عن هذا الحكم لأنها تصلح لما قل ولما كثر كقولك: استويت على الشيء واجتويت البلد إذا كرهته واكتريت الدار. فهذا لا يقال فيه إنه للتكثير خاصة لأنه لم يستعمل غير مزيد.

310
وقوله: فلتأتينك قصائد إلخ هذا شروع في تهديد زرعة. يقول: والله لأغيرن عليكم بقصائد الهجو ورجال الحرب. وروي بنصب ألف ورفع قوادم. يقول: لتركبن إليك نجائب تدفع إليك جيشا. والكور بالضم: الرحل وقادمته: العودان اللذان يجلس بينهما الراكب.
وقوله: رهط ابن كوز إلخ أي: هم رهط إلخ. وابن كوز وربيعة بن حذار بضم الحاء المهملة وكسرها هما من بني أسد. وقوله: محقبو أدراعهم أي: يجعلونها خلفهم في موضع الحقائب.
والحقيبة: خرج صغير يربطه الراكب خلفه. وقوله: ولرهط حراب وقد إلخ الأول بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين والثاني بفتح القاف وتشديد الدال. قال ابن الكلبي وابن الأعرابي: هما من بني والبة ابن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد. والسورة بالضم: الفضيلة. وهذا البيت استشهد به الزمخشري والبيضاوي عند قوله تعالى: فأتوا بسورة من مثله على أن السورة: الرتبة. وقوله: ليس غرابها بمطار كناية عن كثرة الرهط ودوام العز لهما. وإذا وصف المكان بالخصب وكثرة الشجر قيل: لا يطار غرابه. يريد أن يقع في المكان فيجد ما يشبع ولا يحتاج)
أن يتحول عنه. فجعله مثلا للمجد أي: مجدهم ليس بمنقلع. وقال أبو عبيدة: هو في مكان مرتفع لا يؤذى من العز. أراد أنهم أعزاء منعاء لا يوصل إليهم. وتخصيص الغراب لأنه المثل في الحذر فإنه يطير بأدنى ريبة. وقوله: وبنو قعين إلخ هم من بني أسد. وقوله: غير مقلمي إلخ يريد إنهم آتوك غير مسالمين لك وعداوتهم ظاهرة وإنما يأتونك للمحاربة. وآتوك: جمع آت.

311
وقوله: سهكين من صدأ إلخ متلبسين برائحة الحديد المصدئ. يعني أن السلاح يصدأ عليهم لطول لبسهم إياه. والسهكة: رائحة الحديد المصدئ. والسنور: الدروع وقيل: السلاح كله.
والبقار بالموحدة والقاف المشددة: موضع برمل عالج قريب من جبلي طيئ تسكنه الجن.
يقول: كأنهم جن في شجاعتهم. وقوله: وبنو سواءة بضم السين والمد هم من بني أسد أيضا.
وأبو المظفار هو مالك بن عوف من بني أسد. وقوله: وبنو جذيمة إلخ بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة هو من بني أسد أيضا. وجذيمة هو ابن مالك بن نصر بن قعين. وخبت بفتح المعجمة وسكون الموحدة: اسم ماء في ديار كندة. وتعشار بكسر المثناة الفوقية وبعد المهملة شين معجمة: موضع في بلاد بني تميم وقيل: جبل في بني ضبة وقال الخليل: ماء لبني ضبة في نجد.
كذا في معجم ما استعجم. وقوله: والقوم غاضرة إلخ غاضرة بإعجام الأولين: قوم من بني أسد أيضا. يقول: لم يتحملوا ليهربوا إنما أرادوا الإقامة والثبات في منازلهم. وقوله: جمع يظل به إلخ معضلا بفتح الضاد المشددة. غاصا ضيقا. وقوله: حولي بنو دودان هم من بني أسد وبنو بغيض هم رهط النابغة. وترجمة النابغة تقدمت في الشاهد الرابع بعد المائة.

312
وأما البيت الذي أورده سيبويه بعد البيت الشاهد فقد أورده غفلا غير منسوب ولم يعزه شراح أبياته وقال ابن السيد لا أعرف قائله. وعينه ابن هشام اللخمي فقال: هو لحميد الأرقط يقول لزوجه وكانت قد سألته الحج وكان مقلا فقال لها: امكثي حتى يرزقنا الله مالا نحج به. فقالت: منكرة لقوله: أأمكث عاما وقابله أي: قابل ذلك العام. والقابل بمعنى المقبل. وهو جار على قبل.
يقال: أقبل وقبل وأدبر ودبر. وهو ظرف ومثله: معا وعاملهما محذوف دل عليه المعنى كما قدرنا. والهمزة للإنكار. وهو من أبيات ثلاثة هي: فقلت امكثي حتى يسار................. البيت
* لعل ملمات الزمان ستنجلي
* وعل إله الناس يوليك نائله
* ويسار: اسم لليسر معدول عن الميسرة وهي الغني. وترجمة حميد الأرقط تقدمت في)
الشاهد الثالث بعد الأربعمائة. وأنشد بعده الشاهد التاسع والستون بعد الأربعمائة وهو من شواهد س:
* جماد لها جماد ولا تقولي
* طوال الدهر ما ذكرت: حماد
*

313
على أنهم قالوا: معناه قولي لها: جمودا ولا تقولي: حمدا بالتنكير والتذكير. وهذا وارد على قولهم إن فعال معدول عن معرف مؤنث. وممن قال كذا ابن السراج في الأصول فإنه قال بعد ما أنشد البيت: قال سيبويه: يريد قولي لها: جمودا ولا تقولي لها: حمدا. ومنهم ابن الشجري قال في أماليه: جماد: اسم للجمود وحماد: اسم للحمد في هذا البيت. أراد قولوا لها: جمودا ولا تقولوا لها: حمدا. وهذا لا يرد عليهم فإنهم قالوا: لا بد من التعريف والتأنيث في فعال بالمعاني الأربعة. وقولهم: معناه جمودا وحمدا وما أشبهه فإنما هو تساهل في التعبير عنه. وكذلك فعل سيبويه إلا أنه اعتبر التأنيث في المعدول عنه إما تحقيقا أو تقديرا قال: وأما ما جاء اسما والخيل تعدو بالصعيد بداد فهذا بمنزلة قوله: تعدو بددا إلا أن هذا المعدول عن حده مؤنثا. وكذلك لا مساس والعرب تقول: أنت لا مساس ومعناه لا تمسني ولا أمسك. ودعني كفاف فهذا معدول عن مؤنث وإن كانوا لم يستعملوا في كلامهم ذلك للمؤنث الذي عدل عنه بداد وأخواتها. ونحو ذا في كلامهم.

314
ألا ترى أنهم قالوا: ملامح ومشابه وليال فجاء جمعه على حد ما لم يستعمل في الكلام لا يقولون: ملمحة ولا ليلاة. ونحو ذلك كثير قال الشاعر: جماد لها جماد ولا تقولي............... البيت فهذا بمنزلة جمودا. ولا نقول عدل عن قوله جمدا لها ولكنهما عدلا عن مؤنث كبداد. انتهى نص سيبويه. فعنده يجب فيما لو كان من أسماء الأجناس غير مؤنث فجعل له اسم فعال أن يقدر له التأنيث. وقد قدر سيبويه في حضار وسفار أنه اسم الكوكبة والماءة وهما من علم الشخص. وقال السيرافي في بداد: إنه معدول عن البدة أو المبادة أو غير ذلك يعني مما يقدر مؤنثا يعطى معنى ذلك المذكر. والبيت من قصيدة للمتلمس أورد بعضها الشريف ضياء الدين هبة الله علي بن محمد بن حمزة الحسيني في حماسته وهي:
* صبا من بعد سلوته فؤادي
* وسمح للقرينة بانقياد)
* (عقارا عتقت في الدن حتى
* كأن حبابها حدق الجراد
*
* جماد لها جماد ولا تقولن
* لها يوما إذا ذكرت حماد
* هذا ما أورده الشريف. وقوله: صبا من بعد سلوته إلخ ماضي يصبو صبوة أي: مال إلى الجهل والفتوة. وسمح بمهملتين: بمعنى ذل وفاعله ضمير الفؤاد. ويقال: أسمح بالألف أيضا.
والقرينة: النفس ومثله القرونة بالواو أيضا. يقال: أسمحت قرينته وقرونته وكذلك قرينه وقرونه بدون هاء أي: ذلت نفسه وتابعته على الأمر.

315
وقوله: كأني شارب يوم استبدوا إلخ أي: مضوا برأيهم كذا قال الشريف صاحب الحماسة. وهو من استبد فلان بكذا أي: انفرد به. والواو ضمير تعود على قوم حبيبته. وقوله: وحث بهم إلخ أي: أسرع بهم. وحادي فاعل حث وهو سائق الإبل بالحداء يقال: حدا بالإبل يحدو حدوا أي: حثها على السير بالحداء كغراب وهو الغناء لها. وقوله: وراء البيد قال الشريف: أي: حال دونهم البيد وهو جمع بيداء وهي القفر والمفازة. وقوله: عقارا عتقت إلخ بضم العين مفعول شارب بمعنى الخمر.
وهذا البيت يشهد للأصمعي فإنه قال: إن الخمر إنما سميت عقارا لطول مكثها في الدن.
واحتج بقولهم: عاقر فلان الشراب إذا لزمه وأدمنه. والحباب بالفتح: ما ينتفخ من الماء ونحوه ويعلوه. قال الدينوري في كتاب النبات: يقال لما ينزو من الخمر إذا مزجت: الحباب والفواقع.
والجنادع: جنادب تكون في العشر. فشبه ما ينزو منها بالجنادب إذا قمصت. وأنشد هذا البيت مع البيت الأخير. وقد شبه حباب الخمر بعيون الجراد. وقوله: جماد لها جماد إلخ بالجيم: الجمود والكلمة الأخيرة حماد بالمهملة: الحمد. قال الأعلم: هما اسمان للجمود والحمد معدولين عن اسمين مؤنثين سميا بهما كالمجمدة والمحمدة. وقال صاحب الصحاح: يقال للبخيل جماد له. وإنما بني على الكسر لأنه معدول عن المصدر أي: الجمود كقولهم: فجار أي: الفجرة. وهو نقيض قولهم: حماد بالمهملة في المدح.

316
وأنشد الأبيات الثلاثة الأخرة للمتلمس ثم قال: أي قولي لها جمودا ولا تقولي لها حمدا وشكرا. اه. وكونه معدولا عن المصدر لا يكون سببا لبنائه. قال الشريف صاحب الحماسة: الضمير في لها يعود على القرينة. قال جامع شعره أبو الحسن الأثرم: أي: أجمد الله خيرها يقول: قلله. يعني الخمر. اه. ومنه تعلم أن الأعلم لم يصب في قوله: وصف امرأة بالجمود والبخل وجعلها مستحقة للذم غير مستوجبة للحمد. هذا)
كلامه. وسببه لم يطلع على البيت الأول. وكذلك لم يصب ابن السيد في قوله: فيما كتبه على كامل المبرد: دعا على عاذلته بأن يقل خيرها. وهو مأخوذ من الأرض الجماد وهي التي لا تنبت شيئا. وقيل إنه دعا على بلاد هذه المرأة بالجمود وأن لا تنبت شيئا. انتهى. وقوله: ولا تقولي بياء المخاطبة. وهذا هو المشهور وهو
محرف من نون التوكيد الخفيفة كما رويناها عن الشريف وهي الصواب فإنه خطاب لمذكر ولم يتقدم ذكر أنثى. ويؤيده ما رواه ابن الشجري في أماليه: ولا تقولوا بالواو. وقوله: طوال الدهر بفتح الطاء ظرف للقول يقال: لا أكلمه طوال الدهر وطول الدهر بمعنى. وما: مصدرية ظرفية ونائب فاعل ذكرت ضمير القرينة وحماد في موضع نصب لأنه مقول القول. وهذه الأبيات الأربعة أول قصيدة وما أحسن هذه الأبيات منها:
* وأعلم علم حق غير ظن
* وتقوى الله من خير العتاد
*
* لحفظ المال خير من ضياع
* وضرب في البلاد بغير زاد
*
* وإصلاح القليل يزيد فيه
* ولا يبقى الكثير مع الفساد
*

317
وقد ضمن البيت الأخير بعضهم في الهجاء فقال:
* يحصن زاده عن كل ضرس
* ويعمل ضرسه في كل زاد
*
* ولا يروي من الأشعار شيئا
* سوى بيت لأبرهة الإيادي
*
* قليل الماء تصلحه فيبقى
* ولا يبقى الكثير مع الفساد
* وقد أخطأ هذا القائل في نسبة البيت إلى أبرهة من وجهين. ومثله لابن وكيع التنيسي:
* خير له من قصده
* إخوانه مسترفدا
* وروي أن حاتما الطائي لما سمع قول المتلمس قال: ما له قطع الله لسانه يحمل الناس على البخل هلا قال:
* وما الجود يفني المال قبل فنائه
* ولا البخل في مال البخيل يزيد
*
* فلا تلتمس فقرا بعيش فإنه
* لكل غد رزق يعود جديد
*
* ألم ترى أن المال غاد ورائح
* وأن الذي يعطيك ليس يبيد
* والمتلمس شاعر جاهلي مفلق مقل ذكره الجمحي في الطبقة السابعة من شعراء الجاهلية. قال أبو عبيدة: اتفقوا على أن أشعر المقلين في الجاهلية ثلاثة: المسيب بن علس والحصين بن حمام)
والمتلمس. واتفقوا على أن المتلمس أشعرهم. والمتلمس اسمه جرير وكنيته أبو عبد الله بن عبد المسيح بن عبد الله بن

318
زيد بن دوفن بن حرب بن وهب بن جلى بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. وقيل: إنه جرير بن عبد العزى وقيل: غير هذا. ودوفن بفتح الدال وسكون الواو وفتح الفاء بعدها نون. وجلى بضم الجيم وتشديد اللام بعدها ألف مقصورة.
وأحمس: أفعل من الحماسة. وضبيعة بالتصغير. وسيأتي إن شاء الله وجه تسميته بالمتلمس في باب العلم. وكان المتلمس مع ابن أخته طرفة بن العبد ينادم عمرو بن
هند ملك الحيرة ثم إنهما هجواه فلما أشعر بهجوهما كره قتلهما عنده فكتب لهما كتابين إلى عامل البحرين يأمر بقتلهما وقال لهما: إني كتبت لكما بصلة فاذهبا لتقبضاها فخرجا حتى إذا كانا ببعض الطريق إذ هما بشيخ على يسار الطريق وهو يحدث ويأكل ويقتل القمل فقال المتلمس: ما رأيت كاليوم شيخا أحمق فقال له الشيخ: ما رأيت من حمقي أخرج الداء وآكل الدواء وأقتل الأعداء أحمق مني والله من يحمل حتفه بيده فاستراب الملتمس بقوله وطلع عليهما غلام من الحيرة فقال له الملتمس: تقرأ يا غلام قال: نعم. ففك الصحيفة ودفعها إليه فإذا فيها: أما بعد فإذا أتاك الملتمس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حيا فقال لطرفة: ادفع إليه بصحيفتك فإن فيها مثل الذي في صحيفتي فقال طرفة: كلا لم يكن ليجترئ علي فإن بني ثعلبة ليسوا كبني ضبيعة.
فقذف الملتمس صحيفته في نهر الحيرة وهرب إلى بني جفنة ملوك الشام وذهب طرفة إلى عامل البحرين فقتل هناك كما شرحناه مفصلا في ترجمته في الشاهد الثاني والخمسين بعد المائة.

319
وقال المتلمس في ذلك يخاطب طرفة:
* من مبلغ الشعراء عن أخويهما
* خبرا فتصدقهم بذاك الأنفس
*
* أودى الذي علق الصحيفة منهما
* ونجا حذار حبائه الملتمس
*
* ألق الصحيفة لا أبا لك إنه
* يخشى عليك من الحباء النقرس
* والنقرس: داء في الرجل معروف. وصارت صحيفة الملتمس مثلا يضرب لمن يحصل له الضرر من جهة النفع. قال الفرزدق:
* يا مرو إن مطيتي محبوسة
* ترجو الحباء وربها لم ييأس
*
* وحبوتني بصحيفة مختومة
* يخشى علي بها حباء النفوس
*
* ألق الصحيفة يا فرزدق لا تكن
* نكداء مثل صحيفة الملتمس
*)
والبيت الأول من شواهد سيبويه واستشهد به على ترخيم مروان بحذف الألف والنون لزيادتهما وكون الاسم ثلاثيا بعد حذفهما. وأراد مروان بن الحكم.

320
وسبب هذا الشعر أن الفرزدق قدم المدينة مستجيرا بسعيد بن العاصي من زياد ابن سمية فامتدح سعيدا ومروان عنده قاعد فقال:
* ترى الغر الجحاجح من قريش
* إذا ما الأمر بالمكروه عالا
*
* قياما ينظرون إلى سعيد
* كأنهم يرون به هلالا
* فقال له مروان: قعودا يا غلام. فقال: لا والله يا أبا عبد الملك إلا قياما. فأغضب مروان: وكان معاوية يعادل بين مروان وبين سعيد فلما ولي مروان كتب للفرزدق كتابا إلى واليه بضريه أن يعاقبه إذا جاء وقال للفرزدق: إني قد كتبت لك بمائة دينار فلما أخذ الكتاب وانصرف
* قل للفرزدق والسفاهة كاسمها
* إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس
*
* ودع المدينة إنها مرهوبة
* واعمد لمكة أو لبيت المقدس
* ففطن الفرزدق وأجابه بهذه الأبيات فكان الفرزدق لا يقرب مروان في خلافته ولا عبد الملك ولا الوليد. وروي من طريق أخرى: أن مروان تقدم إلى الفرزدق أن لا يهجو أحدا وكتب إليه البيتين فأجابه الفرزدق بالأبيات. وقوله: فاجلس أي: اذهب إلى الجلس بفتح الجيم وسكون اللام وهو نجد. يقال: جلس الرجل إذا أتى نجدا. والحباء: العطاء. وجعل الرجاء للناقة وهو يريد نفسه.

321
وروى ابن السيد في شرح أبيات الجمل هذا الخبر على غير هذا الوجه فقال: إن الفرزدق كان مقيما بالمدينة وكان أزنى الناس فقال شعرا يقول فيه:
* هما دلتان من ثمانين قامة
* كما انقض باز أقتم الريش كاسره
*
* فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا
* أحي يرجى أم قتيل نحاذره
*
* فقلت: ارفع الأسباب لا يشعروا بنا
* وأقبلت في أعجاز ليل أبادره
*
* أحاذر بوابين قد وكلا بنا
* وأسمر من ساج تصل مسامره
* فعيره جرير بذلك في شعر طويل منه:
* لقد ولدت أم الفرزدق فاجرا
* فجاءت بوزواز قصير القوائم
*
* تدليت تزني من ثمانين قامة
* وقصرت عن باع العلا والمكارم
*
* هو الرجس يا أهل المدينة فاحذروا
* مداخل رجس بالخبائث عالم)
* (لقد إخراج الفرزدق عنهم
* طهورا لما بين المصلى وواقم
* فاجتمع أشراف المدينة إلى مروان بن الحكم وكان واليا بها فقالوا: ما يصلح أن يقال مثل هذا الشعر بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وقد أوجب عليه الحد فقال مروان: لست أحده ولكن أكتب إلى من يحده. فأمره مروان بالخروج من المدينة وأجله ثلاثة أيام ففي ذلك قال:
* توعدني وأجلني ثلاثا
* كما وعدت لمهلكها ثمود
* ثم كتب له كتابا إلى عامله يأمره فيه بأن يحده ويسجنه وأوهمه أن كتب له بجائزة.

322
ثم ندم على ما فعل فوجه عنه رجلا وقال له: أنشده هذين البيتين: قل للفرزدق والسفاهة كاسمها ففطن الفرزدق لما أراد فرمى الصحيفة وقال الأبيات الثلاثة وخرج هاربا حتى أتي سعيد بن العاصي وعنده الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم فأخبرهم الخبر فأمر له كل واحد منهم بمائة دينار وراحلة وتوجه إلى البصرة. وقيل لمروان: أخطأت فيما فعلت كأنك عرضت عرضك لشاعر مضر فوجه وراءه رسوله ومعه مائة دينار وراحلة خوفا من هجائه. ولما هرب المتلمس إلى ملوك الشام هجى عمرو بن هند بقصيدة وحرض قوم طرفة على الطلب بدمه أولها:
* إن العراق وأهله كانوا الهوى
* فإذا نأى بي ودهم فليبعد
* إلى أن قال:
* إن الخيانة والمغالة والخنى
* والغدر تتركه ببلدة مفسد
*
* ملك يلاعب أمه وقطينها
* رخو المفاصل أيره كالمرود
*
* بالباب يرصد كل طالب حاجة
* فإذا خلا فالمرء غير مسدد
* فبلغ هذا الشعر عمرا فحلف إن وجده بالعراق ليقتله وأن لا يطعمه حب العراق فقال المتلمس من قصيدة:
* آليت حب العراق الدهر أطعمه
* والحب يأكله في القرية السوس
*

323
* لم تدر بصرى بما آليت من قسم
* ولا دمشق إذا ديس الكراديس
* والبيت من شواهد سيبويه على أن نصب حب على نزع الخافض أي: على حب العراق.
وآليت بالخطاب لعمرو بن هند يقال له: حلفت لا تتركني بالعراق ولا تطعمني من حبه والحال)
أن الحب لا يبقى إن أبقيته بل يسرع إليه الفساد ويأكله السوس فالبخل به قبيح. وهذا على طريق الاستهزاء به والسخرية. وبصرى: مدينة بالشام. يقول: لا تدري كثرة الطعام الذي ببصرى وبدمشق. والكراديس: أكداس الطعام. ومن شعر المتلمس وهو من شواهد البديع:
* ولا يقيم على ضيم يراد به
* إلا الأذلان: عير الحي والوتد
*
* هذا على الخسف مربوط برمته
* وذا يشج فلا يرثي له أحد
* وأنشد بعده الشاهد السبعون بعد الأربعمائة وهو من أبيات المفصل:

324
* أطلت فراطهم حتى إذا ما
* قتلت سراتهم كانت قطاط
* على أن قطاط فيه وصف مؤنث بمعنى قاطة أي: كافية. قال الزمخشري في المفصل: أي: كانت تلك الفعلة كافية لي وقاطة لثأري أي: قاطعة له. أشار إلى أن اسم كان ضمير الفعلة المفهومة من قتلت سراتهم. وقطاط مبنية على الكسر في محل نصب خبر كان. قال ابن يعيش في شرحه: وقطاط معدول عن قاطة أي: كافية يقال: قطاط بمعنى حسبي من قولهم: قطك درهم أي: حسبك مأخوذ من القط وهو القطع كأن الكفاية قطعت عن الاستمرار. انتهى.
وفراطهم بكسر الفاء أي: إمهالي إياهم فهو مصدر مضاف إلى المفعول والفاعل محذوف. قال صدر الأفاضل: أي: أطلت إمهالهم والتأني بهم. والصواب: فراطكم وسراتكم بالخطاب كما سيأتي. قال ابن السيرافي في شرح أبيات الغريب المصنف: الفراط هو التقدم. يقول: سبقت إليكم بالتهدد والوعيد لتخرجوا من حقي. والسراة بالفتح قال أهل اللغة قاطبة: هو جمع سري بمعنى الشريف. ويرد عليهم أن فعيلا لا يجمع على فعلة بالتحريك لهذا قال الشارح المحقق في شرح الشافية: الظاهر أنه اسم جمع لا جمع. وذهب السهيلي في الروض الأنف إلى أنه مفرد لا جمع ولا اسم جمع قال: لا ينبغي أن يقال في سراة القوم إنه جمع سري لا على القياس ولا على غير القياس إنما هو مثل كاهل القوم وسنامهم. والعجب كيف خفي هذا على النحويين حتى قلد الخالف منهم السالف فقالوا: سراة جمع سري. ويا سبحان الله كيف يكون جمعا له وهم يقولون: جمع سراة سروات مثل قطاة وقطوات. يقال: هؤلاء من سروات الناس كما تقول: من رؤوسهم. ولو كان السراة جمعا ما جمع لأنه على وزن الفعلة ومثل هذا البناء)
في المجموع لا يجمع وإنما سري فعيل من السرو وهو الشرف فإن جمع على لفظه

325
قيل: سري وأسرياء كغني وأغنياء ولكنه قليل وجوده وقلة وجوده لا تدفع القياس فيه. وقد حكاه سيبويه. انتهى. والبين من أبيات لعمرو بن معديكرب الصحابي قالها قبل إسلامه لبني مازن من الأزد فإنهم كانوا قتلوا أخاه عبد الله فأخذ الدية منهم فعيرته أخته كبشة بذاك فغزاهم
* تمنت مازن جهلا خلاطي
* فذاقت مازن طعم الخلاط
*
* أطلت فراطكم عاما فعاما
* ودين المذحجي إلى فراط
*
* أطلت فراطكم حتى إذا ما
* قتلت سراتكم كانت قطاط
*
* غدرتم غدرة وغدرت أخرى
* فما إن بيننا أبدا يعاط
*
* بطعن كالحريق إذا التقينا
* وضرب المشرفية في الغطاط
* الخلاط: مصدر خالطه مخالطة وخلاطا. ومازن: هو مازن بن زبيد وأراد به القبيلة. و دين بالفتح. ومذحج بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة بعدها جيم: قبيلة كبيرة من قبائل اليمن تفرعت منها قبائل كثيرة. قال ابن الكلبي في جمهرة الأنساب: بنو الحارث بن كعب من مذحج. والنخع من مذحج وجنب من مذحج وصداء من مذحج ورهاء من مذحج وسعد العشيرة من مذحج والبطون المذكورة منها إلى زبيد. ومراد من مذحج وعنس من مذحج وطيئ من مذحج. ومذحج: اسم امرأة وهي بنت ذي منجشان كانت أمها ولدتها على أكمة يقال لها: مذحج فلقبت بها.

326
ويعاط بفتح المثناة التحتية بعدها عين مهملة: كلمة إغراء على الحرب أي: احملوا. والغطاط بضم الغين المعجمة: أول الصبح. كذا روى أبو علي القالي هذه الأبيات الخمسة في نوادره. وقد اختلف في رواية هذا الخبر. قال أبو علي القالي في ذيل الأمالي: قال: أبو محلم: حدثني السكري قال: حدثنا ابن حبيب قال: قال هشام بن الكلبي: مر عبد الله بن معديكرب براع للمحزم بن سلمة من بني مالك بن مازن بن زبيد فاستسقاه لبنا فأبى واعتل عليه فشتمه فقتله عبد الله فثارت بنو مازن بعبد الله فقتلوه فتوانى عمرو في الطلب بدمه فأنشأت أخته تقول أبياتا فاحتمى عمرو عند ذلك فثار في قومه بني عصم فأباد بني مازن وقال في ذلك: تمنت مازن جهلا خلاطي إلى آخر الأبيات الثلاثة الأول. ولم ينشد البيتين الأخيرين. وروى أيضا في نوادره أن الأصمعي)
قال: كان بين عمرو بن معديكرب وبين رجل من مراد يقال له: أبي كلام فتنازعا في القسم فعجل عمرو وكانت فيه عجلة وكان عبد الله أخو عمرو رئيس قومه فجلس مع بني مازن رهط من سعد العشيرة وكانوا فيهم فقعد عبد الله يشرب ويسقيهم رجل يقال له: المحزم من بني زبيد له مال وشرف. وكان عبد من عبيد المحزم

327
قائما يسقي القوم فسبه عبد الله فضربه فقام رجل نشوان من بني مازن فقتل عبد الله. فرأس عمرو بعد أخيه وكان غزا غزوة فأصاب فيها ومعه أبي المرادي فادعى أنه مساند عمرو فأبى عمرو أن يعطيه فلما رجع عمر و من غزاته جاءت بنو مازن فقالوا: قتله رجل منا سيفه ونحن يدك عليه وعضدك وإنما قتله وهو سكران فنسألك بالرحم أن تأخذ الدية بعد ذلك ما أحببت فأخذ عمر و الدية وزاده بعد ذلك أشياء كثيرة فغضبت أخت له تسمى كبشة وكانت ناكحا في بني الحارث بن كعب فقالت:
* أرسل عبد الله إذ حان يومه
* إلى قومه أن لا تخلوا لهم دمي
*
* ولا تأخذوا منهم إفالا وأبكرا
* وأترك في بيت بصعدة مظلم
*
* ودع عنك عمرا إن عمرا مسالم
* وهل بطن عمر و غير شبر لمطعم
*
* فإن أنتم لم تقتلوا واتديتمو
* فمشوا بآذان النعام المصلم
*
* ولا تشربوا إلا فضول نسائكم
* إذا أنهلت أعقابهن من الدم
*
* جدعتم بعبد الله سيد قومه
* بني مازن أن سب ساقي المحزم
* فلما حضت كبشة أخاها عمرا أكب بالغارة عليهم وهم غارون فأوجع فيهم. ثم إن بني مازن احتملوا فنزلوا في مازن بن مالك بن عمرو بن تميم فقال عمرو في ذلك: تمنت مازن جهلا خلاطي

328
الأبيات الستة. والمحزم بتشديد الزاء المفتوحة والحاء قبلها مهملة. والمساندة: المعاضدة.
وخرج القوم متساندين أي: على رايات شتى أي: ولم يكونوا تحت راية أمير واحد. وقولها: أرسل عبد الله أورد أبو تمام هذه الأبيات إلا البيت الأخير في الحماسة: قال التبريزي: إنما تكلمت به على أنه إخبار عما فعله عبد الله وغرضها تحضيضهم على إدراك الثأر. وقولها: أن لا تخلوا من التخلية. وهذه رواية القالي. ورواية الحماسة: لا تعقلوا لهم دمي. يقال: علقت فلانا إذا أعطيت ديته. والمراد: لا تأخذوا بدل دمي عقلا. ورواه ابن الأعرابي: أن لا يغلوا لهم)
دمي بالمثناة التحتية والغين المعجمة وقال: الإغلال عند العرب: ترك القصاب بعض اللحم في الإهاب. والغلول: الخيانة في المغنم. والإفال: جمع أفيل وهو الصغير من الإبل وكذا الأبكر وهو جمع بكر. قال التبريزي: فإن قيل: لما ذكر الإفال والأبكر وما يؤدي إلى الديات لا يكون منهما قلت: أراد تحقير الديات كما يقال في الرجل إذا أراد تحقير أمر خلعة فاز بها إنسان إنما أعطي فلان خرقا وإن كانت فاخرة. وقولها: وأترك في بيت إلخ صعدة مخلاف من مخاليف اليمن أي: ناحية منها. وإنما جعلت قبره مظلما لأنهم كانوا يزعمون أن المقتول إذا ثأروا به أضاء قبره فإن أهدر دمه أو قبلت ديته يبقى قبره مظلما. وقولها: وهل بطن عمرو إلخ تزهيد في الدية كما روي في الخبر: هل بطن ابن آدم إلا شبر في شبر لما أريد تزهيده في الدنيا. وقولها: أتديتمو أي: قبلتمو الدية وهو افتعلتم يقال: وديته فاتدى. وقولها: فمشوا إلخ أي: امشوا.
وضعف الفعل للتكثير. ومن روى بضم الميم فمعناه امسحوا بالمشوش بفتح الميم وهو منديل يمسح به الدسم.

329
والمعنى: إن لم تقتلوا قاتلي وقبلتم ديتي فامشوا أذلاء بآذان مجعدة كآذان النعام. ووصف النعام بالمصلم تصغيرا لها وإن كانت خلقة. يقول: كأنكم مما تعيرون ليست لكم آذان تسمعون بها فامشوا بغير آذان. واختلف في النعام فقيل: إنها كلها صلم وقيل غير ذلك. وقولها: ولا تشربوا إلا فضول إلخ رواه أبو تمام: ولا تردوا وإذا ارتملت. قال التبريزي: يقال ترمل وارتمل إذا تلطخ بالدم فكان من عادتهم إذا وردوا المياه أن يتقدم الرجال ثم العضاريط والرعاة ثم النساء فكن يغسلن أنفسهن وثيابهن ويتطهرن آمنات مما يزعجهن فمن تأخر عن الماء حتى تصدر النساء فهو الغاية في الذل. وجعلت النساء مرتملات بدم الحيض تفظيعا للشأن. وقال النمري: قال أبو رياش: تقول: إذا قبلتم الدية فلا تأنفوا بعدها من شيء كما تأنف العرب واغشوا نساءكم وهن حيض. والفضول ها هنا: بقايا الحيض وسمى الغشيان وردا مجازا. وقال أبو محمد الأعرابي: معناه لا تردوا المواسم بعد أخذ الدية إلا وأعراضكم دنسة من العار كأنكم نساء حيض. وهذا كما قال جرير:
* لا تذكروا حلل الملوك فإنكم
* بعد الزبير كحائض لم تغسل
* وقال ابن الأعرابي بعد إيراده هذه الأبيات: إن المحزم بن سلمة أحد بني مازن بن زبيد قتل عبد الله بن معديكرب أخا عمرو وكان عبد الله لطم عبدا للمحزم على شراب فجاءت بنو مازن إلى عبد الله فقتلوه ورأسوا عليهم عمرو بن معديكرب فلما حضت عمرا أكب على)
بني مازن بقتلهم وهم غارون فيقال:

330
إنهم احتملوا فنزلوا في بني مازن بن عمرو فهم فيهم. وأنفذ عمر و ابن أخ له وأعطاه الصمصامة وقال: اقتل بها المحزم. فمضى فقتل المحزم وابن أخ له ثم انصرف إلى عمرو فقال له: ما صنعت قال: قتلت المحزم وابن أخيه فقال عمرو: كيف أصنع ببني مازن وقد قتلت سيدها فقال الغلام: أعطيتني الصمصامة وسميتني المقدام ثم أقتل واحدا فما خبري إذن قال: فرحل عمرو في أربعين من بني زبيد فصار في جرم حتى جاء الإسلام وهاجر. اه. وروى هذا الخبر مفصلا الأصفهاني في الأغاني: قال: كان عبد الله بن معديكرب أخو عمرو رئيس زبيد فجلس مع بني مازن فشرب فتغنى عنده حبشي وهو عبد للمحزم أحد بني مازن فشبب بامرأة من بني زبيد فلطمه عبد الله وقال له: أما كفاك أن تشرب معنا حتى تشبب بالنساء فنادى الحبشي: يا لمازن فقاموا إلى عبد الله فقتلوه وكان الحبشي عبدا للمحزم فرئس عمر و مكان أخيه. وكان عمر و غزا هو وأبي المرادي فأصابوا غنائم فادعى أبي أنه كان مساندا فأبى عمر و أن يعطيه شيئا فكره أبي أن يكون بينهم شر لحداثة قتل أخيه فأمسك عنه. وبلغ عمرا أنه توعده فقال في ذلك قصيدة منها:
* تمناني ليقتلني أبي
* وددت وأينما مني ودادي
*
* إذا للقيت عمك غير نكس
* ولا متعلم قتل الوحاد
*

331
* أريد حباءه ويريد قتلي
* عذيرك من خليلك من مراد
* وكان علي بن أبي طالب إذا نظر إلى ابن ملجم أنشد: أريد حباءه ويريد قتلي.............. البيت وجاءت بنو مازن إلى عمرو فقالوا: إن أخاك قتله رجل منا سيفه وهو سكران ونحن يدك وعضدك فنسألك بالرحم إلا أخذت منا الدية ما أحببت فهم عمرو بذلك وقال: إحدى يدي أصابتني ولم ترد فبلغ ذلك أختا لعمرو يقال لها كبشة وكانت ناكحا في بني الحارث بن كعب فغبت فلما وافى الناس من الموسم قالت شعرا. وأنشد الأبيات الستة. فقال عمرو قصيدة منها:
* أرقت وأمسيت لا أرقد
* وساورني الموجع الأسود
*
* وبت لذكرى بني مازن
* كأني مرتفق أربد
* ثم أكب عمر و على بني مازن وهم غارون بقتلهم وقال في ذلك:)

332
* خذوا حققا مخطمة صفايا
* وكيدي يا محزم ما أكيد
*
* قتلتم سادتي وتركتموني
* على أكتافكم عبء جديد
* فأرادت بنو مازن أن يردوا عليهم الدية لما آذنهم بحرب فأبى عمرو. وكانت بنو مازن من أعداء مذحج وكان عبد الله أخا كبشة لأبيها وأمها دون عمرو وكان عمر و قد هم بالكف عنهم حين قتل من قتل منهم فركبت كبشة في نساء من قومها وتركت عمرا أخاها وعيرته فأفحمته فأكب عليهم أيضا بالقتل فلما أكثر فيهم القتل تفرقوا فلحقت بنو مازن بصاحبهم مازن بن تميم ولحقت ناشرة ببني أسد وهم رهط الصقعب بن الصحصح ولحقت فالج بسليم ابن منصور. وفالج وناشرة: ابنا أنمار بن مازن بن ربيعة بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة.
وأمهما هند بنت عدس بن يزيد بن عبد الله بن دارم فقال كابية بن حرقوص بن مازن:
* يا ليتني يا ليتني بالبلدة
* ردت علي نجومها فارتدت
*
* من كان أسرع في تفرق فالج
* فلبونه جربت معا وأغدت
*
* هلا كناشرة الذي ضيعتم
* كالغصن في غلوائه المتنبت
* وقال عمرو في ذلك: تمنت مازن جهلا خلاطي

333
الأبيات السابقة إلا البيت الأخير. وتقدمت ترجمة عمرو بن معديكرب في الشاهد الرابع والخمسين بعد المائة. وأنشد بعده وهو من شواهد س: والخيل تعدو في الصعيد بداد على أن بداد وصف مؤنث معدول عن متبددة أي: متفرقة فهو حال. وهذا مخالف لقول سيبويه فإنه أنشده على أن بداد فيه معدول عن مصدر مؤنث لا عن وصف. قال: هذا بمنزلة قوله تعدوا بددا. فيكون المصدر مؤولا بالحال. قال الأعلم: الشاهد فيه قوله بداد وهو اسم للتبدد معدول عن مؤنث كأنه سمى التبدد بدة ثم عدلها إلى بداد كما سمي البر: برة.
انتهى. وصنيع الشارح أحسن فإن الحال نادر وقوعها معرفة. ويأتي: بداد اسم فعل أمر أيضا. وأورده الزمخشري في فعال الأمري قال: وبداد أي: ليأخذ كل منكم
قرنه. ويقال أيضا: جاءت الخيل بداد أي: متبددة. فهي مشتركة بين الأمر والمصدر.

334
قال في الصحاح: قولهم في)
الحرب: يا قوم بداد بداد أي: ليأخذ كل رجل قرنه. يقال منه تباد القوم يتبادون إذا أخذوا أقرانهم. وبني لأنه واقع موقع الأمر. ويقال أيضا: لقوا بدادهم أي: أعدادهم لكل رجل رجل.
والبداد بالفتح: البراز. يقال: لو كان البداد ما أطاقونا أي: لو بارزناهم رجل ورجل.
وقولهم: جاءت الخيل بداد أي: متبددة. وبني أيضا على الكسر لأنه معدول عن المصدر وهو البدد. قال: وتفرق القوم بداد أي: متبددة. قال حسان:
* كنا ثمانية وكانوا جحفلا
* لجبا فشلوا بالرماح بداد
* وإنما بني للعدل والتأنيث والصفة. انتهى. ف بداد على هذا ثلاثة أقسام. وهو تابع في صنيعه. وكذلك تبعه ابن الشجري في أماليه فإنه أورد البيت في قسم المصدر وقال: أراد بددا. والبيت من أبيات لعوف بن الخرع التيمي يرد على لقيط بن زرارة فإنه كان هجا عديا وتيما وعيره عوف بفراره عن أخيه معبد لما أسر. وقبله:
* هلا كررت على ابن أمك معبد
* والعامري يقوده بصفاد
*

335
* وذكرت من لبن المحلق شربة
* والخيل تعدو بالصعيد بداد
* في الأغاني بسنده أن الحارث بن ظالم المري لما قتل خالد بن جعفر بن كلاب غدرا عند النعمان بن المنذر بالحيرة هرب فأتى زرارة بن عدس فكان عنده فلم يزل في بني تميم عند زرارة حتى لحق بقريش. فخرجت بنو عامر إلى الحارث بن ظالم حيث لجأ إلى زرارة فسارت بنو عامر نحوهم والتقوا برحرحان فاقتتلوا قتالا شديدا وأسر يومئذ معبد بن زرارة أسره عامر بن مالك واشترك في أسره طفيل بن مالك ورجل من غني يقال له: أبو عميلة وهو عصمة بن وهب وكان أخا ابن مالك من الرضاع. وكان معبد بن زرارة كثير المال فوفد لقيط بن زرارة على عامر بن مالك في الشهر الحرام وهو رجب فسأل عامرا أن يطلق أخاه فقال عامر: أما حصتي فقد وهبتها لك ولكن ارض أخي وحليفي الذين اشتركا فيه. فجعل لقيط لكل واحد مائة من الإبل فرضيا وأتيا عامرا فأخبراه فقال عامر للقيط: دونك أخاك فأطلق عنه. فلما أطلقه فكر في نفسه لقيط وقال: أعطيهم مائتين من الإبل وتكون النعمة لهم لا والله لا أفعل ذلك ورجع إلى عامر فقال: إن أبي زرارة نهانا أن نزيد على دية مضر وهي مائة إن أنتم رضيتم أعطيتكم مائة من الإبل. فقالوا: لا حاجة لنا في ذلك.)
فانصرف لقيط فقال له معبد: مالي يخرجني من أيديهم فأبى ذلك عليه لقيط وقال معبد لعامر: يا عامر أنشدك الله لما خليت سبيلي فإنما يريد ابن الحمراء أن يأكل مالي ولم تكن أمه أم لقيط. فقال عامر: أبعدك الله إن لم يشفق عليك أخوك فأنا أحق أن لا أشفق عليك.
فعمدوا إلى معبد فذبحوا شاة فألبسوه جلدها حارا وشدوا عليه القد وبعثوا به

336
إلى الطائف فلم يزل بها حتى مات. فقال في ذلك عوف بن عطية بن الخرع:
* هلا كررت على ابن أمك
* البيتين
* والكر هنا: الرجوع في حومة الحرب لاستخلاص أخيه من الحرب. واتفقت جميع الروايات على قوله ابن أمك مع أنهما من أمين. قال ابن حبيب في شرح النقائض: ليست أمهما واحدة ولكن أمهما أمهات فجمعهما. ورواه ابن السيد فيما كتبه على كامل المبرد: على أخيك معبد. وقال أبو محمد الأعرابي الأسود في ضالة الأديب: قد غلط ابن الأعرابي من وجهين: أحدهما: أن الشعر لعوف بن الخرع وهو قد نسبه إلى ابن كراع. والثاني: أنه قال: على ابن أمك وإنما الرواية على أخيك بالتصغير لأن معبدا لم يكن لأم لقيط. وقوله: والعامري يقوده إلخ جملة حال من التاء في كررت. والصفاد بالكسر: جمع صفد بفتحتين وهو القيد. وقوله: وذكرت من لبن إلخ الجملة معطوفة على هلا كررت. والمحلق بتشديد اللام المفتوحة قال صاحب النقائض: المحلق سمة إبل بني زرارة. وقالابن السيد فيما كتبه على الكامل: المحلق: إبل موسومة بالحلق على وجهها. وقال ابن الشجري في أماليه: أي: من لبن النعم الذي عليه وسوم كأمثال الحلق. وقوله: والخيل تعدوا الجملة حال من تاء المخاطب في ذكرت. والصعيد: وجه الأرض.

337
وروى بدله: بالصفاح بالكسر. قال ابن السيد: وهو موضع. قال الأعلم: يقول هذا للقيط بن زرارة التميمي وكان قد انهزم في حرب أسر فيها أخوه معبد بن زرارة فعيره ونسب إليه الحرص على الطعام والشراب وأن ذلك حمله على الانهزام وأراد بالمحلق قطيع إبل وسم بمثل الحلق من وسم النار. انتهى. قال ابن قتيبة في أبيات المعاني: قال مقاس العائذي:
* تذكرت الخيل الشعير عشية
* وكنا أناسا يعلفون الأياصرا
* أي: ذكرتم الحب والقرى فانهزمتم ورجعتم إليها ونحن نعلف الحشيش فنحن نسير لا ننهزم ولا نبالي أين كنا. ونحو منه قول عوف بن عطية بن الخرع للقيط بن زرارة: هلا كررت على ابن أمك................. البيتين)
والمحلق: إبل سماتها الحلق. وبداد: متفرقة. انتهى. والأياصر: جمع أيصر وهو الحشيش.
وهذه الوقعة يقال لها: يوم رحرحان براءين وحاءين مهملات وهو جبل قرب عكاظ. وقد شرح خبر هذا اليوم شارح المناقضات شرحا مفصلا قال: قال أبو عبيدة: حدثني أبو الوثيق أحد بني سلمى بن مالك بن جعفر بن كلاب قال: لما التحف بنو دارم على الحارث بن ظالم لما قتل خالد بن جعفر بن كلاب وأبى بنو دارم أن يسلموه أو يخرجوه من عندهم غزاهم ربيعة بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بأفناء عامر طالبا بدم أخيه خالد بن جعفر عند الحارث بن ظالم فقاتل في القوم فهزمت بنو دارم وهرب معبد بن زرارة.

338
فقال رجل من غني لعامر والطفيل ابني مالك بن جعفر بن كلاب: هذا رجل معلم بعمامة حمراء في رأسه جرح رأيته يسند في الهضبة أي: يصعد وكان معبد قد طعن فصرع فلما أجلت عنه الخيل سند في هضبة من رحرحار وهو جبل فقال عامر وأخوه الطفيل للغنوي: اسند واحدره. فسند الغنوي فحدره عليهما فإذا هو معبد بن زرارة. فأعطيا الغنوي عشرين بكرة وصار أسيرهما. وأما درواس بن هني أحد بني زرارة فزعم أن معبدا كان برحرحان متنحيا عن قومه في عشراوات له فأخبر الأحوص بمكانه فاغتره فوفد لقيط بن زرارة عليهم في فداء أخيه فقال: لكم عندي مائتا بعير. فقالوا: إنك يا أبا نهشل سيد الناس وأخوك معبد سيد مضر فلا نقبل فداءه منك إلا دية مالك. فأبى أن يزيدهم وقال: إن أبانا أوصانا أن لا نزيد بأسير منا على مائتي بعير فيحب الناس أخذنا. فقال معبد: والله لقد كنت أبغض إخوتي إلي وفادة علي لا تدعني ويلك يا لقيط فوالله إن عدة نعمي لأكثر من ألف بعير فافدني بألف بعير من مالي فأبى لقيط وقال: تصير سنة علينا. فقال معبد: ويلك يا لقيط لا تدعني فلا تراني بعد اليوم أبدا فأبى لقيط ومناه أن يغزوهم ويستنقذه ورحل عن القوم فما سقوا معبدا الماء حتى هلك هزلا. وقال أبو الوثيق: لما أبى لقيط أن يتفادى معبدا بألف بعير ظنوا أنه سيغزوهم فقالوا: ضعوا معبدا في حصن هوازن. فحملوه حتى وضعوه بالطائف فجعلوا إذا سقوه قراه لم يشرب وضم بين فقميه وقال: لا أقبل قراكم وأنا في القد أسيركم فلما رأوا ذلك عمدوا إلى عود فأولجوه في فيه وفتحوا فاه ثم أوجروه اللبن رغبة في فدائه وكراهية أن يهلك. فلم يزل كذلك حتى هلك في القد. فلما هجا لقيط عديا وتيما قال عطية بن عوف التيمي يعيره أسر بني عامر معبدا وفراره عنه:)

339
فلما انقضت وقعة يوم رحرحان جمع لقيط بن زرارة لبني عامر وألب عليهم. وبين يوم رحرحان ويوم جبلة سنة وكان يوم جبلة قبل الإسلام بخمس وأربعين سنة في قول المكثر وذلك عام ولد النبي صلى الله عليه وسلم. وفي قول المقلل: أربعين سنة. انتهى باختصار.
وعوف بن خرع التيمي شاعر جاهلي وهو عوف بن عطية بن الخرع واسم الخرع عمرو بن عيش بن وريقة بن عبد الله بن لؤي بن عمرو بن الحارث ابن تيم بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. كذا في جمهرة الأنساب. فالخرع لقب جده وهو بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء بعدها عين. وله ديوان صغير وهو عندي. وأنشد بعده الشاهد الثاني والسبعون بعد الأربعمائة
* قد كنت أحسبكم أسود خفية
* فإذا لصاف تبيض فيه الحمر
* على أن فعال في الأعلام الشخصية جميع ألفاظها مؤنثة. وأما لصاف هنا فإنما ذكره بإرجاع الضمير عليه من فيه لتأويله بالموضع وهو منزل من منازل بني تميم. وروي أيضا فيها بتأنيث الضمير فلا إشكال حينئذ. أقول: الذي رواه: فيه بضمير المذكر هو صاحب الصحاح والعباب. والذي رواه: فيها بضمير المؤنث جماعة كثيرة منهم ابن السكيت في إصلاح

340
المنطق والقالي في أماليه وأبو محمد الأعرابي في ضالة الأديب وأبو العلاء المعري في شرح ديوان البحتري وأبو عبيد البكري في معجم ما استعجم. قال ابن دريد في الجمهرة بعد إنشاده البيت: يخرج لصاف مخرج المؤنث فتقول: هذه لصاف ورأيت لصاف ومررت بلصاف فهو لا ينصرف. وكان أبو عبيدة يقول: هذا لصاف مبني على الكسر أخرجه مخرج حذام وقطام.
وإن رفعت فجيد وإن نصبت فجائز. انتهى. قال الصاغاني في كتاب فعال: وبعضهم يجريه مجرى ما ينصرف. وقد صرفه الشاعر في قوله:
* إن لصافا لا لصاف فاصبري
* البيت
* ولصاف باللام والصاد المهملة: اسم ماء في موضع بين مكة والبصرى لبني يربوع من قبيلة تميم.
قال أبو عبيد في المعجم: قال الأثرم: لصاف: ماء لبني يربوع وكانت لصاف هي وما يليها من المياه والمواضع أولا لإياد وفيها يقول عبد ناجر الإيادي:
* إن لصافا لا لصاف فاصبري
* إذ حقق الركبان موت المنذر
* ثم نزلتها بنو تميم فصارت لهم. ولصاف موضع رفع على الابتداء وجملة تبيض إلخ خبره.)
والحمر بضم الحاء المهملة وتشديد الميم المفتوحة: ضرب من الطير كالعصفور الواحدة حمرة وقد تخفف الميم فيقال: حمر وحمرة.

341
أنشد ابن السكيت لابن أحمر:
* إن لا تداركهم تصبح منازلهم
* قفرا تبيض على أرجائها الحمر
* كذا في الصحاح وأنشد البيت. وقال أبو حاتم في كتاب الطير: الحمر بعظم العصفور وتكون كدراء ورقشاء. قال أبو العلاء المعري في شرح ديوان البحتري: يجوز أن يكون كل من المشدد والمخفف لغة ويجوز أن يكون المخفف ضرورة لأن إحدى الميمين زائدة. وقد ذكر ابن السكيت المخفف في باب فعلة فأوجب عليه ذلك أن يكون يرى التخفيف أفصح. ومذهب سيبويه والخليل أن الميم الأولى هي الزائدة ومذهب غيرهما أن الثانية هي المزيدة. وكلا القولين له مساغ. قال صاحب العباب: وابن لسان الحمرة كوفي نسابة واسمه عبد الله بن حصين ابن ربيعة بن صعير بن كلاب. وحصين هو لسان الحمرة. وقرأت في كتاب الفهرست لمحمد بن إسحاق بن النديم بخطه: أن اسم ابن لسان الحمرة ورقاء بن الأسعر. انتهى. وخفية بفتح الخاء المعجمة وكسر الفاء بعدها مثناة تحتية مشددة قال الخليل: هي اسم غيضة ملتفة تتخذها الأسد عرينا. كذا في المعجم لأبي عبيد. يقول: كنت أحسبكم شجعانا كأسود خفية فإذا أنتم جبناء ضعفاء فكأن أرضكم لصاف يتولد فيها هذا الطير لا الرجال. والبيت أول أبيات لأبي المهوش الأسدي هجا بها نهشل بن حري أوردها أبو محمد الأعرابي في ضالة الأديب وهي:
* قد كنت أحسبكم أسود خفية
* فإذا لصاف تبيض فيها الحمر
*

342
* عضت تميم جلد أير أبيهم
* يوم الوقيط وعاونتها حضجر
*
* وكفاهم من أمهم ذو بنة
* عبل المشافر ذو قليل أسعر
*
* ذهبت فشيشة بالأباعر حولنا
* سرقا فصب على فشيشة أفجر
*
* منعت حنيفة واللهازم منكم
* قشر العراق وما يلذ الحنجر
*
* وإذا تسرك من تميم خلة
* فلما يسوؤك من تميم أكثر
*
* يا نهشل بن أبي ضمير إنما
* من مثل سلح أبيك ما تستقطر
*
* إذ كان حري سقيط وليدة
* بظراء يركض كاذتيها العهر
* قوله: فترفعوا هدج إلخ استهزاء بهم. وهدج الرئال منصوب بنزع الخافض أي: عن هدجه)
وهو مصدر وفعله من باب فرح يقال: هدج الظليم إذا مشى في ارتعاش. والرئال: جمع رأل بفتح الراء وسكون الهمزة وهو فرخ النعام. والهجيم بالتصغير والعنبر أخوان وهما ابنا عمرو بن تميم. وأراد أولادهما فإن كلا منهما أبو قبيلة. وقوله: عضت تميم إلخ روى بدل تميم أسيد مصغر أسود لا ينصرف وهو أخو الهجيم والعنبر. وروى أيضا بدل جلد جذل بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة وهو أصل الحطب العظيم. شبه أير أبيهم به. وهذا الكلام سب وتذليل عند العرب. وأراد بتميم ما تفرع منه من القبائل والبطون. ويوم القيظ كان في فتنة عثمان بن عفان وهو للهازم رئيسهم أبجر بن بجير على بني مالك بن حنظلة. فأما بنو عمرو بن تميم فأنذرهم ناشب بن
بشامة العنبري فدخلوا الدهناء فنجوا. وفي هذا اليوم أسر ضرار بن معبد بن زرارة.

343
وحضجر بفتح المهملة وسكون المعجمة بعدها جيم وهو لقب العنبر.
قاله أبو محمد الأعرابي. والمعاونة كانت بالإنذار كما ذكرنا. وقوله: وكفاهم من أمهم ضمير هم راجع لأسيد والهجيم والعنبر وأمهم هي أم خارجة المشهورة بالنكاح يقال فيها: أسرع من نكاح أم خارجة. كانت ذواقة إذا ذاقت الرجل طلقته وتزوجت غيره. فتزوجت نيفا وأربعين زوجا ولدت في عامة قبائل العرب. وكان الخاطب يأتيها فيقول: خطب فتقول: نكح وكان أمرها إليها إذا تزوجت إن شاءت أقامت وإن شاءت ذهبت فيكون علامة ارتضائها للزوج أن تصنع له طعاما كلما تصبح. وكان آخر أزواجها عمرو بن تميم وهو المراد بقوله ذو بنة بفتح الموحدة وتشديد النون وهي رائحة بعر الظباء والرائحة أيضا. والعبل: الضخم. والمشفر بالكسر في الأصل: شفة البعير. والقليل بالقاف: دقة الجثة. والأسعر بالسين والعين المهملتين: القليل اللحم الظاهر العصب. وصفه بحقارة الجثة. وقوله: ذهبت فشيشة بالفاء والشين المعجم: لقب لبعض بني تميم. وأبجر: رئيس اللهازم.

344
وقوله: منعت حنيفة واللهازم حنيفة: أبو قبيلة وهو حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. واللهازم: هي تيم الله بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي المذكور. واللهازم حلفاء بني عجل وعجل أخو حنيفة المذكور.
والقشر بفتح القاف وكسر الشين وهو التمر الكثير القشور. والحنجر: الحلقوم. وقوله: وإذا تسرك إلخ الخلة بفتح الخاء المعجمة هي الخصلة. وقوله: يا نهشل إلخ هو نهشل بن حري بن ضمرة وهو شقة ابن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ابن تميم. وضمير هو مصغر ضمرة. والسلح: التغوط وهو مصدر سلح.)
والسلاح بالضم: اسم النجو والعذرة. وتستقطر: تتبخر بالقطر بالضم وهو العود الذي يبخر به. وقوله: إذ كان حري بفتح المهملة وتشديد الراء والياء وهو أبو نهشل المهجو. وسقيط بمعنى السقط. والوليدة: الخادمة. والبظراء: التي لم تختن. ويركض: يحرك. والكاذتان: ما نتأ من اللحم في أعالي الفخذ. والعهر: جمع عاهر وهو الزاني. رمى أمه بالفجور. ذكر المدائني وغيره قال: مر الفرزدق بمضرس بن ربعي الأسدي وهو ينشد بالمربد وقد اجتمع الناس حوله فقال: يا أخا بني فقعس كيف تركت القنان قال: تبيض فيه الحمر. قال: أراد الفرزدق قول نهشل بن حري:
* ضمن القنان لفقعس سوءاتها
* إن القنان بفقعس لمعمر
* وأراد مضرس قول أبي المهوش الأسدي:
* قد كنت أحسبكم أسود خفية
* فإذا لصاف تبيض فيها الحمر
*

345
* عضت أسيد جذل أير أبيهم
* يوم النسار وخصيتيه العنبر
* نسبهم إلى الجبن بقوله: فإذا لصاف تبيض إلخ ثم أعضهم أير أبيهم لفرارهم يوم النسار. وقال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر قال: قيل للفرزدق: إن ها هنا أعرابيا قريبا منك ينشد شعرا رقيقا. فقال: إن هذا لقائف أو لحائن فأتاه فقال: ممن الرجل قال: من بني فقعس. قال: كيف تركت القنان قال: تركته يساير لصاف. فقلت: ما أراد قال: أراد الفرزدق قول الشاعر: ضمن القنان لفقعس سوءاتها.............. البيت وأراد الفقعسي قول الآخر: وإذا تسرك من تميم خصلة.............. البيت قد كنت أحسبهم أسود خفية.............. البيت
* أكلت أسيد والهجيم ودارم
* أير الحمار وخصيتيه العنبر
* انتهى. قال أبو عبيد البكري فيما كتبه على أمالي القالي: البيت الأخير محول عن وجهه والمحفوظ فيه: انتهى.

346
وبنو تميم لا تعير بأكل أير الحمار وإنما تعير به بنو فزارة. وقوله: يساير لصاف من المحال الذي لا يجوز إلا إذا سيرت الجبال فكانت سرابا والتعريض الحسن هو ما نقلنا. انتهى.)
قلت: وقد روى البيت المذكور أبو محمد الأعرابي كما رواه القالي وهو خطأ كما بينا. وقنان بفتح القاف ونونين: جبل في ديار بني فقعس. وأبو مهوش الأسدي قال ابن الكلبي في جمهرة الأنساب: هو ربيعة ابن رئاب بن الأشتر بن حجوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. ومهوش بكسر الواو المشددة بعدها شين معجمة. وحوط بواو ساكنة بين مهملتين. ورئاب براء مهملة مكسورة بعدها همزة ممدودة. وحجوان بفتح المهملة وسكون الجيم. وقعين بضم القاف وفتح العين. ودودان بضم الدال المهملة الأولى. وقال أبو محمد الأعرابي في ضالة الأديب: اسمه حوط بن رئاب. وبه ترجمة ابن حجر في الإصابة في قسم المخضرمين الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يروه. قال: حوط بن رئاب الأسدي الشاعر ذكر أبو عبيد
البكري في شرح الأمالي أنه مخضرم. وهو القائل:
* دنوت للمجد والساعون قد بلغوا
* جهد النفوس وألقوا دونه الأزرا
* فظهر من هذا أنه إسلامي. ولم أر له في كتب تراجم الشعراء ذكرا. والله أعلم.
((الأصوات))

347
أنشد فيه: باسم الماء وهو قطعة من بيت وهو:
* لا ينعش الطرف إلا ما تخونه
* داع يناديه باسم الماء مبغوم
* وتقدم شرحه مفصلا في الشاهد السابع بعد الثلثمائة. وأنشد بعده
3 (الشاهد الثالث والسبعون بعد الأربعمائة))
كما رعت بالجوت وهو قطعة من بيت:
* دعاهن ردفي فارعوين لصوته
* كما رعت بالجوت الظماء الصواديا
*

348
على أن بعض الأصوات قد يدخله أداة التعريف. قال الزمخشري في المفصل بعد ما أنشده: هو بالفتح محكيا مع الألف واللام. وقال ثعلب في أماليه: يقال للبعير جوت جوت إذا دعوته إلى الماء وإذا أدخلوا الألف واللام تركوها على حالها. وكان أبا عمر و يكسر التاء ويقول: إذا أدخلت عليه الألف واللام ذهبت منه الحكاية. وجوز ابن الناظم في شرح الألفية الوجهين: الجر على الإعراب والفتح على الحكاية. قال الصغاني في العباب: يقال إلى الإبل: جوت بفتح الجيم والتاء المثناة إذا دعيت إلى الماء. وحكى الفراء: جوت بفتح الأول وكسر الآخر وضمه أيضا.
فالجيم مفتوحة لا غير. والتاء ورد فيها الحركات الثلاث. قال صاحب القاموس: جوت جوت مثلثة الآخر مبنية: دعاء للإبل إلى الماء. وقد جأوتها وجأيتها. أو زجر لها. والاسم الجوات.
وأما حوب بفتح الهاء المهملة وآخره باء موحدة فهو زجر للإبل وليس بمراد هنا وباؤه مثلثة الحركات وقد أخذ منه فعل فقيل: حوب فلان بالإبل إذا قال في زجرها: حوب. والبيت وقع في شعري شاعرين: أحدهما: في شعر عويف القوافي وهو المشهور. واختلف في معناه فقيل: أراد بالردف تابعه من الجن فإن القوافي إذا تزاحمت في خاطره ووسوسته يقولون: إن له شيطانا يوسوسه. فضمير دعاهن للقوافي أي: دعا شيطاني القوافي فأجبنه وانثلن عليه. يعني أن الشعر أطاعه. والردف بالكسر في الأصل: المرتدف وهو الذي يركب خلف الراكب.
والارعواء: النزوع عن الجهل وحسن الرجوع عنه. ورعت بالخطاب هو من قولهم: هذه شربة راع بها فؤادي أي: برد بها غلة روعي بالضم وهو القلب أو موضع الفزع منه أو سواده.
وقيل: هو من راعه بمعنى أعجبه.

349
والظماء: جمع ظمآن وظمآنة من ظمئ كفرح أي: عطش أو اشتد عطشه. والصوادي: جمع صادية من الصدى وهو العطش وفعله من باب رضي.
وقيل: معناه وهذا هو المشهور: أن رديفه لما دعا النساء اجتمعن ورجعن عما كن عليه من الشغل كما لو دعوت إلى الشرب الإبل فالتففن وتضاممن للشرب. فضمير دعاهن راجع للنساء.
ولم أقف على ما قبل البيت حتى أتحققه. والثاني: وقع في شعر سحيم عبد بني الحسحاس)
هكذا: وأوده ردفي فارعوين لصوته إلخ وأوده فعل ماض قال صاحب القاموس: أوده بالإبل أي: صاح بها. ويوجد في بعض نسخ مجمع الأمثال للميداني عند قوله: إلا ده فلا ده قال أبو السمح: أظنه من الإيداء وهو الإهابة بالإبل. وأنشد هذا البيت. وقد وقع المصراع الأول صدر بيت من قصيدة لمضرس بن ربعي وهي قصيدة مختلفة المعاني وصف فيها الإبل ثم قال:
* دعاهن ردفي فارعوين لصوته
* وقلن لحاديهن هل أنت ناظره
* قال الأصمعي: دعاؤه: أن يغني ليعرفن صوته وإنشاده فيحبسن عليه. ومثله:
* نادوا الذين تحملوا كي يربعوا
* كيما يودع عاشق ويودعوا
*

350
وأضيف عويف إلى القوافي لقوله: ويشبه أن يكون هذا البيت من قصيدة البيت الشاهد. وعويف هو عويف بن معاوية بن عقبة بن ثعلبة بن حصن وقيل: بن عقبة بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جؤية بن لوذان بن ثعلبة ابن عدي فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار. وعويف القوافي شاعر مقل من شعراء الدولة الأموية من ساكني الكوفة وبيته أحد البيوتات المتقدمة الفاخرة في العرب. قال أبو عبيدة حدثني أبو عمرو بن العلاء أن العرب كانت تعد البيوتات المشهورة بالكبر والشرف من القبائل بعد بيت هاشم بم عبد مناف في قريش ثلاثة بيوتات. ومنهم من يقول أربعة. أولها بيت آل حذيفة بن بدر الفزاري: بيت قيس. وبيت آل زرارة بن عدس الدارميين: بيت تميم. وبيت آل الجدين بن عبد الله بن همام: بيت شيبان. وبيت بني الديان من بني الحارث بن كعب. بيت اليمن. وأما كندة فلا يعدون من أهل البيوتات إنما كانوا ملوكا. وروى صاحب الأغاني بسنده أن عويف القوافي وقف على جرير بن عبد الله البجلي وهو في مسجده فقال:
* أصب على بجيلة من شقاها
* هجائي حين أدركني المشيب
*

351
فقال له جرير: ألا أشتري منك أعراض بجيلة قال: بلى. قال: قل. قال: بألف درهم وبرذون.
فأمر له بما طلب فقال: فقال جرير: ما أراهم نجوا منك بعد وروى بسنده أيضا إلى أبي بردة الأشعري قال: حضرت)
مع عمر بن عبد العزيز جنازة فلما انصرف انصرفت معه وعليه عمامة قد سدلها من خلفه فما علمت به حتى اعترضه رجل على بعير فصاح به:
* أجبني أبا حفص لقيت محمدا
* على حوضه مستبشرا ورآكا
* فقال عمر بن عبد العزيز: لبيك ووقف ووقف الناس معه ثم قال له: فمه فقال:
* فأنت امرؤ كلتا يديك مفيدة
* شمالك خير من يمين سواكا
* قال: ثم مه فقال:
* بلغت مدى المجرين قبلك إذا جروا
* ولم يبلغ المجرون بعد مداكا
*
* فجداك لا جدين أكرم منهما
* هناك تناهى المجد ثم هناكا
* فقال له عمر: أراك شاعرا ما لك عندي من حق. قال: ولكني سائل وابن سبيل وذو سهمة.
فالتفت عمر إلى قهرمانه فقال: أعطه فضل نفقتي. فقال: وإذا هو عويف القوافي الفزاري.

352
وكانت أخت عويف القوافي تحت عيينة بن أسماء بن خارجة الفزاري فطلقها عيينة فكان عويف مراغما لعيينة وقال: الحرة لا تطلق لغير ما بأس. فلما حبس الحجاج عيينة وقيده قال عويف:
* خبر أتاني من عيينة موجع
* ولمثله تتصدع الأكباد
*
* بلغ النفوس بلاؤها فكأننا
* موتى وفينا الروح والأجساد
*
* ساء الأقارب يوم ذاك وأصبحوا
* بهجين قد سرت به الحساد
*
* يرجون عثرة جدنا ولو أنهم
* لا يدفعون بنا المكاره بادوا
*
* لما أتاني عن عيينة أنه
* عان تظاهر فوقه الأقياد
*
* نخلت له نفسي النصيحة إنه
* عند الحفائظ تذهب الأحقاد
*
* وذكرت أي فتى يسد مكانه
* بالرفد حين تقاصر الأرفاد
*
* أو من يهين لنا كرائم ماله
* ولنا إذا عدنا إليه معاد
*

353
وأنشد بعده
3 (الشاهد الرابع والسبعون بعد الأربعمائة))
* ترد بحيهل وعاج وإنما
* من العاج والحيهل جن جنونها
* على أن اسم الصوت إذا قصد به لفظه أعرب كما في البيت فإن عاج وهو زجر للإبل لتسرع لما قصد لفظه أعرب بالجر والتنوين أولا وبالجر والتعريف ثانيا. أي: أنها ترد بمجرد ذكر هذه الكلمة وهي اسم فعل كما تقدم. وأنشد ثعلب في أماليه بيتا فيه حيهل معرفا باللام ونقله ابن بري في حاشية الصحاح قال: قد عرفت العرب حيهل كقوله:
* وقد غدوت قبل رفع الحيهل
* أسوق نابين ونابا م الإبل
* قال: والنابان: العجوزان. و م الإبل أصله: من الإبل فحذفت منه النون. والبيت الشاهد نسبع الشارح المحقق لجهم بن العباس ولم أره إلا في شرحه ولا أعرف جهما من هو. والله أعلم. وأنشد بعده: تداعين باسم الشيب في متثلم

354
تقدم شرحه مستوفى في الشاهد الثامن أول الكتاب. وأنشد بعده: كما رعت بالجوت الظماء الصواديا تقدم شرحه قريبا قبل هذا بشاهد واحد. وأنشد بعده: إن لوا وإن ليتا عناء على أن الكلمة المبنية إذا قصد لفظها أعربت كما أعربت لو و ليت. وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في باب العلم. وأنشد بعده:
* عدس ما لعباد عليك إمارة
* نجوت وهذا تحملين طليق
* على أن عدس فيه زجر للبغل.

355
وتقدم شرحه مفصلا في الشاهد الثامن والعشرين بعد الأربعمائة. وأنشد بعده
3 (الشاهد الخامس والسبعون بعد الأربعمائة))
* حتى استقامت له الآفاق طائعة
* فما يقال له هيد ولا هاد
* على أن الشاعر لما أراد لفظ هيد وهاد أعربهما بالرفع على جعل الأول نائب فاعل يقال والثاني معطوفا عليه. وهذا مأخوذ من صحاح الجوهري قال فيه: وهيد بفتح الهاء وكسرها وهاد: زجر للإبل. وأنشد أبو عمرو:
* وقد حدوناها بهيد وهلا
* حتى يرى أسفلها صار علا
* وقولهم: ما له هيد ولا هاد أي: ما يقال له هيد ولا هاد. وأنشد الأحمر: حتى استقامت له الآفاق طائعة البيت أي: لا يحرك ولا يمنع من شيء ولا يزجر عنه. اه.

356
وخطأه ابن بري في رواية الرفع قال في أماليه على الصحاح: البيت لابن هرمة وصواب إنشاده بالكسر في هيد وهاد لأنهما مبنيان.
وأول القصيدة: والبيت في شعره بخلاف ما أنشده الجوهري وهو:
* إني إذا الجار لم تحفظ محارمه
* ولم يقل دونه هيد ولا هاد
*
* لا أخذل الجار بل أحمي مباءته
* وليس جاري كعش بين أعواد
* انتهى. وتبعه الصلاح الصفدي في كتابه نفوذ السهم فيما وقع للجوهري من الوهم ونقل كلامه برمته وقال: فالبيت الذي أورده الجوهري تغير أكثر ألفاظه مع تغيير القافية لأن هيد وهاد مبنيان على الكسر وهما بمعنى الزجر عن الشيء وفعله. اه. وأنا أستبعد أن يكون بيت الجوهري من قصيدة ابن هرمة لاحتمال أن يكون من شعر آخر. والله أعلم. وقوله: إربع بكسر الهمزة وفتح الموحدة أي: قف وتحبس. والثواء: الإقامة. وقوله: إني إذا الجار خبر إني أول البيت الثاني وهو لا أخذل. والمباءة بالفتح والمد: منزل القوم في كل موضع. وأما البيت الأول وهو: وقد حدوناها بهيد وهلا فلم يكتب ابن بري عليه شيئا وقد نسب إلى القتال الكلابي ولم يوجد في ديوانه.

357
ونسبه أبو محمد الأعرابي لغيلان بن حريث الربعي كذا: ليس بثانيها بهيد أو حلا)
وقال الصفدي: هلا في هذا الرجز غلط لأن هيد: زجر للإبل وهلا: زجر للخيل والذي يقرن به هيد إنما هو حلا وكذا هو في الرجز. وهو لغيلان. على أن البيت مغير. والصواب.
ليس بثانيها بهيد أو حلا وترجمة ابن هرمة تقدمت في الشاهد الثامن والستين. وأنشد بعده
3 (الشاهد السادس والسبعون بعد الأربعمائة))
إلا ده فلا ده هو مثل وقع في قطعة من رجز لرؤبة بن العجاج يورد النحويون منه أربعة أبيات وهي:
* فاليوم قد نهنهني تنهنهي
* وأول حلم ليس بالمسفه
*

358
* وقول إلا ده فلا ده
* وحقة ليست بقول التره
* وصف قبل هذه الأبيات شبابه وما كان فيه من مغازلة الغواني ومواصلة الأماني إلى أن قال: فاليوم قد زجرني عما كنت فيه أربعة أشياء: الأول: التنهنه وهو مطاوع نهنهته عن كذا فتنهنه أي: كففته وزجرته عنه فكف أي: زجرني زواجر العقل. الثاني: أول حلم أي: رجوع العقل لا ينسب إلى السفه. الثالث: عذل القائلين: إن لم تتب الآن مع الدواعي إلى التوبة فلا تتوب أبدا. فقوله: وقول هو على حذف مضاف. والرابع: حقة أي: خطة حقة.
فالموصوف محذوف وأراد بها الموت وقربه. يقال: حق وحقة كما يقال: أهل وأهلة. والتره: اسم مفرد بمعنى الباطل يقال: تره وترهة وجمع الأول تراريه وجمع الثاني ترهات. وقول الشارح المحقق: ده بفتح الدال وسكون الهاء إلى آخر ما ذكره هذا كلام شارح اللباب إسماعيل الفالي من غير زيادة ولا نقص. ولا يخفى أنه إذا كان ده بمعنى اضرب فهو اسم فعل لا صوت والحق أنها في لغة الفرس زجر لذي الحافر ليسرع أو ليذهب وليست بمعنى اضرب. وهذا أمر ظاهر من استعمالهم إلى الآن ولكنهم أجمعوا على أنها بمعنى الضرب. وحينئذ فيرد عليهم أنها تكون اسم فعل لا صوتا. قال صاحب اللباب فيما علقه على متنه: ذكر جار الله أن ده زجر للإبل مثل هيد وهاد. وذكر في أمثاله أن ده بفتح الدال وكسرها فارسية معناها الضرب قد استعملها العرب في كلامهم وأصله أن الموتور يلقي واتره فلا يتعرض له فيقال له: إلا ده فلا ده أي: إنك إن لم تضربه الآن فإنك لا تضربه أبدا.

359
وتقديره: إن لم يكن ده فلا يكون ده أي: إن لم يوجد ضرب الساعة فلا يوجد ضرب أبدا. ثم اتسعوا فيه فضربوه مثلا في كل)
شيء لا يقدم عليه الرجل وقد حان حينه من قضاء دين قد حل أو حاجة طلبت أو ما أشبه ذلك من الأحوال التي لا يسوغ تأخيرها. وأنشد أبو عبيد لرؤبة: وذكر هشام بن محمد الكلابي في حكاية طويلة أن هذا من قول الكاهن الذي سافر إليه عبد المطلب وحرب بن أمية وقد خبؤوا له رأس جرادة في خرز مزادة وجعلوه في قلادة كلب يقال له سوار فقال: خبأتم لي شيئا طار فسطع فتصوب فوقع في الأرض منه بقع: جمع باقعة وهي الداهية. فقالوا: لا ده أي بينة. قال: هو شيء طار فاستطار أي: تفرق وفشا ذو ذنب جرار وساق كالمنشار ورأس كالمسمار فقالوا: لا ده. فقال: إلا ده فلا ده. هو راس جرادة في خزر مزادة في عنق سوار ذي القلادة. قالوا: صدقت. وفي أمثال الميداني: إلا ده فلا ده رواه ابن الأعرابي ساكن الهاء. قال أبو عبيد: يضربه الرجل يقول: أريد كذا وكذا.
فإن قيل له: ليس يمكن ذا. قال فكذا وكذا. وقال الأصمعي: معناه إن لم يكن هذا الآن فلا يكون بعد الآن. وقال: لا أدري ما أصله.

360
ويروى أيضا: إلا دو فلا ده أي: إن لم تعط الاثنين فلا تعط العشرة. انتهى. وهذه رواية غريبة شاذة وبها يخرج ده مما نحن فيه فإن لفظ دو بالفارسية الاثنان من العدد بدال مضمومة بعدها واو ساكنة ولفظ ده بمعنى العشرة في لغتهم بدال مفتوحة وهاء ساكنة. ثم قال الميداني: وقال المنذر: قالوا معناه: إلا هذه فلا هذه يعني أن الأصل إلا ذه فلا ذه بالذال المعجمة فعربت بالدال غير المعجمة كما في يهودا مبدلة من يهوذا. انتهى. أقول: هذا يقتضي أن تكون الكلمة عربية أبدلت ذالها المعجمة دالا مهملة لا أنها كانت أعجمية فعربت بما ذكر. فتأمل. والحاصل أن قولهم: إلا ده فلا ده قد اختلف في ضبط لفظه وشرح معناه وجميع الأقوال على أنها كلمة فارسية معربة. وقد أبى أبو محمد عبد الله الشهير بابن بر المقدسي أن تكون هذه الكلمة في هذا المثل غير عربية وذهب إلى أنها صفة مشبهة من الدهاء وهو الفطنة ورد على ملك النحاة في زعمه أنها أعجمية في الأصل بمعنى اسم الفعل. ولقد أجاد فيما أفاد وحقق مدعاه فوق المراد فلا بأس بنقل كلاميهما. قال أبو نزار الملقب بملك النحاة في مسائله التي سماها المسائل العشر المنبوذة بإتعاب الفكر إلى الحشر وتحدى بها في قصة يطول ذكرها: المسألة السابعة وهي مسألة سئلت عنها بغزنة لما دخلتها فبينت مشكلها للجماعة وأوضحتها.

361
وذلك أني سئلت عن قول الراجز: وقول إلا ده فلا ده)
فذكرت أن هذه من باب كلمات نابت عن الفعل فعملت عمله. وده في كلام العرب بمعنى صح أو يصح. ألا ترى أن قوما جاؤوا إلى سطيح الكاهن وخبؤوا له خبيئة وسألوه فلم يصرح فقالوا: لا ده. أي: لا يصح ما قلت. فقال لهم: إلا ده فلا ده حبة بر في إحليل مهر فأصاب.
فكأنه قال: إلا يصح فلا يصح أبدا لكني أقول في المستقبل ما تشهد له الصحة. فكان كما قال. إلا أن التنوين في هذه الكلمة ليس كتنوين رجل وفرس ولكنه تنوين تنكير. هذا كلامه.
وحذفت منه ما لا حاجة لنا إليه. وأجاب ابن بري: إن قولك ده اسم من أسماء الفعل ليس بصحيح على مذهب الجماعة ومن له حذق في هذه الصناعة. والصحيح أنها اسم الفاعل من دهي فهو داه وده والمصدر منه الدهي والدهاء. فيكون المراد بده فطن لأن الدهاء الفطنة وجودة الذهن فكأنه قال: إلا أكن دهيا أي: فطنا فلا أدهى أبدا أي: فلا أفطن. فهذا أصله ثم أجريت هذه اللفظة مثلا إلى أن صارت يعبر بها عن كل فعل تغتنم الفرصة في فعله. مثل ذلك أن يقول الإنسان لصاحبه وقد أمكنته الفرصة في طلب ثأر: إلا ده فلا ده أي: إلا تطلب الآن ثأرا فلا تطلبه أبدا وهذا الرجز لرؤبة. وقبله:
* فاليوم قد نهنهني تنهنهي
* وأول حلم ليس بالمسفه
* وقول: إلا ده فلا ده

362
ومعناه: إن لا تفلح اليوم فلا تفلح أبدا أي: إن لا تنته اليوم فلا تنته أبدا هذا معنى ده في هذا المثل. وأما إعرابه فإنه في موضع نصب على خبر كان المحذوفة تقديره: إلا أكن دهيا فلا أدهى. وإنما أسكن الياء وكان حقها أن تكون منصوبة من قبل أن الأمثال تنزل منزلة المنظوم.
وهذه الياء قد حسن إسكانها في الشعر وهو عندهم من الضرورات المستحسنة كقول الشاعر: وكقول الآخر: كفى بالنأي من أسماء كافي فقد ثبت بهذا أن ده اسم فاعل لا اسم للفعل. وهي معربة لا مبنية وتنوينها تنوين الصرف لا تنوين التنكير. ويدل على أنها ليست من أسماء الأفعال أنها لا تقع بعد حرف الشرط. ألا ترى أنه لا يحسن: إلا صه فلا صه ولا: إلا مه فلا مه ولا هيهات. اه. وقد نقل السخاوي في سفر السعادة هذا عن ملك النحاة وهذا الجواب أيضا لكنه لم يعزه إلى ابن بري.

363
وترجمة رؤبة)
تقدمت في الشاهد الخامس. وفي هذه الأرجوزة بيتان من أولها وهما:
* له در الغانيات المدة
* سبحن واسترجعن من تألهي
* أورد هذا بعض المفسرين في بيان اشتقاق لفظ الجلالة فقال: هو من أله يأله إلاهة كعبد يعبد عبادة وزنا ومعنى. والتأله: التعبد كما هنا. قال: فمعنى الإله المعبود. وأنشد بعده
3 (الشاهد السابع والسبعون بعد الأربعمائة))
* رمى الله في عيني بثينة بالقذى
* وفي الغر من أنيابها بالقوادح
* على أن الشيء إذا بلغ غايته يدعى عليه صونا عن عين الكمال كما هنا. قال ابن الأنباري في الزاهر: معنى قوله: رمى الله في عيني بثينة إلخ سبحان الله ما أحسن عينيها. من ذلك قولهم: قاتل الله فلانا ما أشجعه وأنياب القوم: ساداتهم أي: رمى الله الفساد والهلاك في سادات قومها لأنهم حالوا بينها وبين زيارتي. انتهى.

364
وقال المرزوقي في شرح الفصيح: قيل أنه لم يدع عليها بذلك وإنما هو كما يقال: قاتله الله ما أفرسه على وجه التعجب. وحكى بعض أهل اللغة أن مما يشهد لطريق التعجب في مثل هذا أن بعضهم عدل عن لفظ قاتل إلى قاتع فقال: قاتعه الله ما أشجعه ليزول المكروه من اللفظ كما لم يكن في المعنى. وأحسن مما ذكرناه أن يقال: أراد بالعينين رقيبيها وبالغر من أنيابها كرام ذويها وعشيرتها. والمعنى: أفناهم الله وأراهم المنكرات. فهو في الظاهر يشتمها وفي النية يشتم من يتأذى به فيها. ويقال: هم
أنياب الخلافة للمدافعين عنها. وقيل أراد: بلغها الله أقصى غايات العمر حتى تبطل عواملها وحواسها.
فالدعاء على هذا لها لا عليها. انتهى. وقال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي: قد تأوله قوم على أنه أراد بالعينين الرقيبين وبالأنياب سادة قومها الذين يحجبونها عنه ويمنعونه منها.
انتهى. وبثينة بالتصغير: محبوبة جميل العذري. والباء في بالقذى زائدة. قاله أبو حيان في تذكرته. والقذى: كل ما وقع في العينين من شيء يؤذيها كالتراب والعود ونحوهما. قال ثعلب في الفصيح: تقول: قذت عينه تقذي قذيا إذا ألقت القذى وقذيت تقذى قذى إذا صار فيها القذى. وأقذيتها إقذاء إذا ألقيت فيها القذى. وقذيتها تقذية إذا أخرجت منها القذى.
انتهى. وقوله: وفي الغر إلخ معطوف على قوله: في عيني وهو جمع أغر وغراء أراد: ورمى الله في أنيابها الحسان النقية البياض القوادح. فالباء زائدة أيضا. وأنياب: جمع ناب وهو السن.
وللإنسان أربع وثلاثون سنا: أربع ثنايا وهي مقدم الأسنان اثنتان من فوق واثنتان من تحت.)
وأربع رباعيات. وأربعة نواجذ

365
تكون بينها الأنياب. وأربع ضواحك تكون بينها النواجذ. واثنتا عشرة رحى تكون بينها الضواحك. والقوادح: جمع قادح قال صاحب الصحاح: القادح: السواد الذي يظهر في الأسنان. وقال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات: يقال: قدح في سنه أي: بالبناء لمفعول إذا وقع فيها الأكل ووقع في أسنانه القادح وإذا عرض شيء من جميع ما ذكرنا من آفات العود قيل: قدح العود يقدح قدحا فهو مقدوح وهي القوادح. وبعضهم يقول: قدح في العود إذا عرض له القادح فأتكل يأتكل ائتكالا. وقال الباهلي: يقال: عود قد قدح فيه ولا يقال: مقدوح. وكذلك قدح في سنه إذا وقع الأكل ووقع في أسنانه القادح. وأنشد البيت.
وهذه التأويلات يدفع في صدرها ما رواه الأصفهاني في الأغاني: قال: حدثني علي بن صالح قال: حدثني عمر بن شبة عن إسحاق قال: لقي جميل بثينة بعد تهاجر بينهما طالت مدته فتعاتبا طويلا فقالت له: ويحك يا جميل أتزعم أنك تهواني وأنت الذي تقول: فأطرق جميل طويلا يبكي ثم قال: بل أنا القائل:
* ألا ليتني أعمى أصم تقودني
* بثينة لا يخفى علي كلامها
* فقالت له: ويحك وما حملك على هذا المنى أوليس في سعة العافية ما كفانا جميعا وروى بسنده أيضا أن جميلا لما ودع بثينة وذهب إلى الشام لكثرة اللغط فيهما

366
واصلت بعده حجبة الهلالي. ولما رجع من الشام بعد حين قال حجبة لبثينة وكان ابن سرية: لا أرضى إلا أن تعلمي جميلا أنك استبدلت به فقالت لجميل:
* ألم ترى أن الماء غير بعدكم
* وأن شعاب القلب بعدك حلت
* فقال جميل:
* فإن تك حلت فالشعاب كثيرة
* وقد نهلت منها قلوصي وعلت
* فقالت لحجبة: عرضتني لجميل يجعلني حديثا. وقالت لجميل: إنه استزلني وقد ناشدتك الله أن تسترني فإنها كانت هفوة. فقال جميل من أبيات:
* فيا بثن إن واصلت حجبة فاصرمي
* حبالي وإن صارمته فصليني
*
* ولا تجعليني أسوة العبد واجعلي
* مع العبد عبدا مثله وذريني
* وانصرف عنها. وهجرها وقال: وقال في ذلك أيضا:)

367
* وإني لأستحي من الناس أن أرى
* رديفا لوصل أو علي رديف
*
* وإني للماء المخالط للقذى
* إذا كثرت وراده لعيوف
* وقال أيضا:
* بينا حبالي ذات عقد لبثنة
* أتيح لها بعض الغواة فحلها
*
* فعدنا كأنا لم يكن بيننا هوى
* وصار الذي حل الحبال هوى لها
* وروى أيضا بسنده عن كثير ونقله القالي في أماليه والمرزباني في الموشح أيضا: أن كثيرا حدث وقال: وقفت على جماعة يفيضون في وفي جميل: أينا أصدق عشقا ولم يكونوا يعرفونني ففضلوا جميلا فقلن لهم: ظلمتم كثيرا كيف يكون جميل أصدق منه وحين أتاه من بثينة ما يكره قال: رمى الله في عيني بثينة بالقذى البيت وكثير حين أتاه من عزة ما يكره قال:
* هنيئا مريئا غير داء مخامر
* لعزة من أعراضنا ما استحلت
* فما انصرفوا إلا على تفضيلي. اه. وهذا كله يدل على أن جميلا دعا عليها حقيقة ويدل أيضا على أن البيت لجميل لا لغيره. ومن الغرائب أن الصاغاني قال في مادة ترب من العباب: إن هذا البيت لأخي شمجى يخاطب أذينة بنت عم صعب بن كلثوم والرواية كذا: رمى الله في عيني أذينة بالقذى البيت

368
وليس البيت لجميل ولا الرواية في عيني بثينة كما وقع في بعض كتب اللغة منسوبا إليه. اه.
أقول: جميع من تكلم على هذا البيت وروى فيه خبرا أثبته لجميل في بثينة. ومع كثرة ورود هذه الأخبار في أكثر كتب الأدب كيف يقال أنه وقع في بعض كتب اللغة. والله أعلم. وجميل شاعر إسلامي تقدمت ترجمته في الشاهد الثاني والستين. وشمجى بالشين والميم والجيم وألف مقصورة قال في القاموس: وبنو شمجى بن جرم من قضاعة وهو بفتحات ثلاثة. وأنشد بعده
3 (الشاهد الثامن والسبعون بعد الأربعمائة))
وهو من شواهد س:
* وي كأن من يكن له نشب يح
* بب ومن يفتقر يعش عيش ضر
* على أن وي كأن عند الخليل وسيبويه مركبة من وي التعجبية وكأن المخففة من المثقلة إلى آخر ما ذكره. وهذا نص سيبويه ونقله ابن السراج في الأصول بحروفه: سألت الخليل عن قوله تعالى: ويكأنه لا يفلح الكافرون وعن قوله تعالى: ويكأن

369
الله فزعم أنها وي مفصولة من كأن والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نبهوا فقيل لهم: أما يشبه أن يكون هذا عندكم هكذا والله أعلم. وأما المفسرون فقالوا: ألم تر أن الله. وقال زيد بن عمرو بن نفيل: وي كأن من يكن له نشب البيت انتهى. وقال النحاس: يريد أن معنى وي تنبيه يقولها الإنسان حين يستنكر أمرا أو يستعظمه فيقول: وي فتكون ويكأن مركبة من وي للتنبيه ومن كأن للتشبيه. وكذلك قال الأعلم: فقول الشارح المحقق إن وي عند سيبويه بمعنى التعجب خلاف المنقول. وهذا نص الفراء في تفسيره قال في آخر سورة القصص: ويكأن في كلام العرب تقرير كقول الرجل: أما ترى إلى صنع الله.
وقال الشاعر:
* وي كأن من يكن له نشب يح
* بب.......... البيت
* وأخبرني شيخ من أهل البصرة قال: سمعت أعرابية تقول لزوجها: أين ابنك ويلك فقال: ويكأنه وراء البيت. معناه أما ترينه وراء البيت. وقد يذهب بعض النحويين إلى أنهما كلمتان يريد: ويك أنه أراد: ويلك فحذف اللام وجعل أن مفتوحة بفعل مضمر كأنه قال: ويلك أعلم أنه وراء البيت فأضمر أعلم. ولم نجد العرب تعمل الظن والعلم بإضمار مضمر في أن وذلك أنه يبطل إذا كان بين الكلمتين أو في آخر الكلمة فلما أضمره جرى مجرى الترك.

370
ألا ترى أنه لا يجوز في الابتداء أن تقول: يا هذا أنك قائم ولا يا هذا أن قمت تريد علمت أو أعلم أو ظننت أو أظن. وأما حذف اللام من ويلك حتى تصير ويك فقد تقوله العرب لكثرتها في الكلام. قال عنترة:
* ولقد شفى نفسي وأبرا سقمها
* قول الفوارس ويك عنتر أقدم
*)
وقد قال آخرون: إن معنى وي كأن أن وي منفصلة من كأن كقولك لرجل: وي أما ترى ما بين يديك فقال: وي ثم استأنف كأن يعني: كأن الله يبسط الرزق لمن يشاء. وهي تعجب وكأن في مذهب الظن والعلم. فهذا وجه مستقيم. ولم تكتبها العرب منفصلة ولو كانت على هذا لكتبوها منفصلة. وقد يجوز أن تكون كثر بها الكلام فوصلت بما ليس منه كما اجتمعت العرب على كتاب يا ابن أم: يبنؤم. قال: وكذا رأيتها في مصحف عبد الله وهي في مصاحفنا أيضا. اه. فعلم من كلامه أن ويكأن كلمة
بسيطة بمعنى ألم تر والاستفهام للتقرير لا أنها مركبة من كلمتين إما من ويك ومن أن كما نقله عن بعض النحويين وإما من وي ومن كأن كما نقله عن بعض آخر. فما نقله الشارح المحقق عن الفراء نقل من مركب من قوله الذي صدره ومن القول الأول لبعض النحاة. قال النحاس بعد نقل ما نقله الفراء: وما أكثر خطأ هذا القول وذلك لأن المعنى لا يصح عليه لأن القوم لم يخاطبوا أحدا فيقولوا له: ويلك وكان يجب على

371
قوله أن يكون إنه بالكسر. وأجمع المسلمون على الفتح. وأيضا فليس في القرآن لام فكيف تحذف اللام لغير علة. وزعم ابن جني في المحتسب أن وي عند سيبويه والخليل بمعنى أعجب كما قال الشارح المحقق وأن كأن ليست للتشبيه عندهما خلافا للشارح. قال: ومن ذلك قراءة يعقوب: ويك يقف عليها ثم يبتدئ فيقول: إنه. وكذلك الحرف الآخر مثله. قال أبو الفتح في ويكأنه ثلاثة أقوال: منهم من جعلها كلمة واحدة فلم يقف على وي ومنهم من يقف على وي ويعقوب يقف على ويك وهو مذهب أبي الحسن. والوجه فيه عندنا قول الخليل وسيبويه وهو أن وي على قياس مذهبهما اسم سمي به الفعل فكأنه اسم أعجب ثم ابتدأ فقال: كأنه لا يفلح الكافرون ووي كأن الله يبسط الرزق ووي منفصلة من كأن. وعليه بيت الكتاب:
* وي كأن من يكن له نشب يح
* بب.......... البيت مكنته
* ومما جاءت فيه كأن عارية من معنى التشبيه قوله:
* كأنني حين أمسي لا تكلمني
* متيم أشتهي ما ليس موجودا
* أي: أنا حين أمسي متيم من حالي كذا وكذا. اه. أقول: أما قوله إن وي عندهما اسم أعجب فقد تقدم عن النحاس والأعلم ما يرده. وأما قوله: إن كأن عارية عن التشبيه فقول سيبويه: أما يشبه أن يكون هذا عندكم هكذا يكذبه.

372
وأما تنظيره لخلو التشبيه بقوله: كأنني حين أمسي البيت فهو مذهب الزجاج فيما إذا كان خبر كأن مشتقا لا تكون للتشبيه لئلا)
يتحد المشبه والمشبه به. وأجيب بأن الخبر في مثله محذوف أي: كأنني رجل متيم فهي على الأصل للتشبيه. ثم قال ابن جني: ومن قال إنها ويك فكأنه قال: أعجب لأنه لا يفلح الكافرون وهو قول أبي الحسن. وينبغي أن تكون الكاف هنا حرف خطاب كما في ذلك لأن وي ليست مما يضاف. ومن وقف على ويك ثم استأنف فينبغي أن يكون أراد أن يعلم أن الكاف من جملة وي وليست بالتي في صدر كأن فوقف شيئا لبيان هذا المعنى. ويشهد لهذا المذهب قول عنترة: قيل الفوارس ويك عنتر أقدم وقال الكسائي: فيما أظن أراد ويلك ثم حذف اللام. وهذا يحتاج إلى خبر نبي ليقبل منه.
وقول من قال إن ويكأنه كلمة واحدة إنما يريد به أنه لا يفصل بعضه من بعض. اه. إحداهما: جعل ابن هشام في المغني وي وواها لغتين في وا بمعنى أعجب. وهذا باطل فإن كل واحدة من هذه الثلاثة كلمة مستقلة في نفسها أصلا ومادة وليست ياء وي مبدلة من ألف وا كما يزعمه ابن قاسم في حواشيه عليه. هب أنه كذلك فما يقول في واها. ولم يتنبه أحد من شراحه لما ذكرناه.

373
واعترض الدماميني في شرح التسهيل على قول ابن مالك إن وي اسم فعل بمعنى أعجب. في كلام ابن الحاجب ما يشعر بأن القائل إنها اسم فعل يقول: إنها اسم لا عجب أمرا لا مضارعا لأنه قال: وي تعجب. ويجوز أن يقال: إنها اسم صوت لا اسم فعل لأن المتعجب يقوله عند التعجب لا لقصد الإخبار بالتعجب بل كما يقول المتألم. اه. وكذلك يقول المتعجب منفردا ولو كان اسم فعل لم يقله إلا مخاطبا لغيره. انتهى. أقول: لا إشعار فيه بما زعمه فإن آه اسم صوت وهم قالوا: إنه بمعنى أتوجع وليس فيه قصد الإخبار به. فتأمل. الثانية: نقل المرادي في الجنى الداني عن صاحب رصف المباني أنه قال: وي حرف تنبيه معناه التنبه على الزجر كما أن ها معناها التنبيه على الحض وهي تقال للرجوع عن المكروه والمحذور وذلك إذا وخد رجل يسب أحدا أو يوقعه في مكروه أو يتلفه أو يأخذ ماله أو يعرض بشيء من ذلك فيقال لذلك الرجل: وي معناه تنبه وازدجر عن فعلك. ويجوز أن يوصل به كاف الخطاب.
انتهى. والبيت الشاهد من أبيات لزيد بن عمرو بن نفيل وهي:
* تلك عرساي تنطقان على عم
* د إلى اليوم قول زور وهتر
*
* سالتاني الطلاق أن رأتا ما
* لي قليلا قد جئتماني بنكر)
* (وترى أعبد لنا وأواق
* ومناصيف من خوادم عشر
*
* ونجر الأذيال في نعمة زو
* ل تقولان: ضع عصاك لدهر
*

374
* وي كأن من يكن له نشب يح
* بب ومن يفتقر يعش عيش ضر
*
* ويجنب سر النجي ولك
* ن أخا المال محضر كل سر
* قوله: تلك عرساي مثنى عرس مضاف إلى الياء. والعرس بالكسر: الزوجة أي: هما عرساي. ويجوز أن يخالف اسم الإشارة المشار إليه كقوله تعالى: عوان بين ذلك أي: بين ذينك والعمد: القصد. والهتر بفتح الهاء وسكون المثناة الفوقية: مصدر هتره يهتره من باب نصر إذا مزق عرضه. والهتر بالكسر: الكذب والداهية والأمر العجب والسقط من الكلام والخطأ فيه. وبالضم: ذهاب العقل من كبر أو مرض أو حزن. وروى أيضا:
* تلك عرساي تنطقان بهجر
* وتقولان قول أثر وعتر
* والهجر بالضم: اسم: من الإهجار وهو الإفحاش في المنطق والخنى. والأثر بالفتح: مصدر أثرت الحديث إذا ذكرته عن غيره. ومنه الحديث المأثور أي: ينقله خلف عن سلف. والأثر بالضم: أثر الجراح يبقى بعد البرء. والعتر بمثناة فوقية بعد المهملة: مصدر عتر الرمح إذا اضطرب واهتز من باب صرب. والعثر بالمثلثة: الاطلاع على الشيء مصدر عثر عليه.
وقوله: سالتاني الطلاق إلخ استشهد به سيبويه على أن الشاعر يبدل الهمزة ألفا في الضرورة.
قال: وليس هذا من لغة من يقول: سلت يسال كخفت يخاف. وبلغنا أنه لغة. قال الأعلم: هي لغة معروفة وعليها قراءة من قرأ: سال سائل بعذاب واقع. وروى: تسألان الطلاق وحينئذ لا شاهد فيه.

375
وقوله: قد جئتماني بنكر التفات من الغيبة إلى الخطاب. والنكر بالضم: الأمر القبيح المنكر. وروى الزجاجي في أماليه بدل نكر مر من المرارة: ضد الحلاوة. وروى أيضا:
* سالتاني الطلاق أن رأتاني
* قل مالي قد........ إلخ
* فجملة قل مالي في محل نصب مفعول ثان للرؤية كالرواية السابقة ويجوز أن تكون الرؤية بصرية.
وجملة قل مالي: حال من الياء. وقليلا: حال من مالي. وقوله: ويعرى من المغارم جمع مغرم بالفتح وهو ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية كتحمل الديات والإطعام في النائبات. وقوله: وترى أعبد إلخ بالبناء للمفعول. وأعبد: جمع عبد. وأواق أي: من الذهب والفضة وهو جمع أوقية وهي سبعة مثاقيل وأربعون درهما. وروى بدله: وجياد جمع)
جواد وهو الكريم من الخيل. ومناصيف: جمع منصف وهو الخادم. قاله الجاحظ. فالياء زائدة لضرورة الشعر. ومنصف بفتح الميم وكسرها والأنثى بالهاء. وفعله نصفه ينصفه من باب نصر وضرب نصفا ونصافا ونصافة بكسرهما وفتحهما أي: خدمة ويقال أيضا: أنصفه بالألف. وخوادم: جمع خادم وهي الجارية ويقال أيضا: خادمة. والخادم يطلق على المذكر. وروى بدله: من ولائد عشر جمع وليدة بمعنى الخادمة. وقوله: في نعمة زول بفتح الزاي المعجمة وسكون الواو صفة نعمة أي: حسنة وجيدة. قاله الجاحظ.

376
وقوله: ضع عصاك إلخ وضع العصا كناية عن الإقامة لأن المقيم يضعها عن يده والمسافر يحملها. قال الشاعر:
* فألقت عصاها واستقر بها النوى
* كما قر عينا بالإياب المسافر
* وما أحسن قول الباخرزي:
* حمل العصا للمبتلى
* بالشيب أنواع البلا
*
* وصف المسافر أنه
* ألقى العصا كي ينزلا
*
* فعلى القياس سبيل من
* أخذ العصا أن يرحلا
* واللام في لدهر بمعنى إلى أي: إلى انقضاء دهر وهو الزمان الطويل. وقوله: وي كأن من يكن إلخ من: شرطية ونشب: اسم كان وله: خبرها ويحبب: بالبناء للمفعول من المحبة جزاء الشرط. وكذلك من يفتقر يعش. وعيش: مفعول مطلق. والضر بالضم والفتح: سوء الحال من قلة مال وجاه والنشب بفتح النون والشين: المال الأصيل من الناطق والصامت. وأورد صاحب الكشاف هذا البيت عند قوله تعالى: ويكأنه لا يفلح الكافرون على أن وي مفصولة من كأن. وقوله: ويجنب سر النجي معطوف على يعش وهو بالبناء للمفعول من جنبه إياه تجنيبا أي: باعده عنه. فهو متعد لمفعولين أولهما نائب الفاعل وهو ضمير من يفتقر وثانيهما سر النجي. والسر: هو الحديث المكتم في النفس.

377
والنجي: فعيل هو من يفشى له السر. يعني أن الفقير يستحقره صاحبه فلا يفشي له سره. وقوله: محضر: اسم مفعول من أحضره إياه أي: جعله حاضرا غير غائب فهو متعد إلى مفعولين أولهما نائب الفاعل وهو ضمير أخي المال والثاني كل سر. وروى أيضا:
* ويجنب يسر الأمور ولك
* ن ذوي المال حضر كل يسر
* واليسر: نقيض العسر. وحضر: جمع حاضر من حضره إذا شاهده. والرواية الأولى هي)
رواية الجاحظ في البيان والتبيين والرواية الثانية هي رواية الزبير بن بكار في أنساب قريش وتبعه صاحب الأغاني. وأبو الحسن المدائني في كتاب المقسات. وهي لزيد بن عمرو بن نفيل كما في كتاب سيبويه وخدمته. وكذا في أمالي الزجاجي الوسطى وأثبتها الجاحظ لابنه سعيد بن زيد ونسبها الزبير بن بكار لنبيه بن الحجاج. قال أبو الحسن المدائني: قالوا: تزوج عمرو بن نفيل امرأة أبيه نفيل بن عبد العزى فولدت زيد بن عمرو بن نفيل وكانت ولدت الخطاب أبا عمر بن الخطاب فكان الخطاب عم زيد وأخاه لأمه. وكان زيد يطلب الدين ويخرج من مكة إلى الشام وغيرها يلتمس الدين فكان الخطاب يعيب عليه خروجه عن مكة وطلب الدين وخلاف قومه وكان يؤذيه

378
وأمر امرأته أن تعاتبه وتأخذه بلسانها ففعلت فاعتزم على الخروج فقال زيد لامرأته صفية بنت الحضرمي:
* لا تحبسيني في الهوا
* ن صفي ما دابي ودابه
*
* إني إذا خفت الهوا
* ن مشيع ذلل ركابه
*
* دعموص أبواب الملو
* ك وجانب للخرق بابه
*
* قطاع أسباب تذ
* ل بغير أقران صعابه
*
* وإنما ألف الهوا
* ن العير إذ يهوى إهابه
*
* وأخي ابن أمي ثم عم
* ي لا يواتيني خطابه
*
* وإذا يعاتبني أخ
* ي أقول: أعياني جوابه
*
* وإذا أشاء لقلت: ما
* عندي مفاتحه مبابه
* وقال لامرأتيه: تلك عرساي تنطقان.............. الأبيات أما الأول فهو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر: القرشي العدوي. قال صاحب الاستيعاب: كان زيد بن عمرو بن نفيل يطلب دين الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم وكان لا يذبح للأنصاب ولا يأكل الميتة والدم. قال ابن حجر في الإصابة: ذكر البغوي وبن منده وغيرهما زيدا هذا في الصحابة. وفيه نظر لأنه مات قبل البعثة بخمس سنين ولكنه يجيء على أحد الاحتمالين في تعريف الصحابي وهو أنه من رأى النبي صلى الله عليه)
وسلم مؤمنا به هل يشترط في كونه مؤمنا به أن تقع رؤيته له بعد البعثة فيؤمن به حين يراه أو بعد ذلك أو يكفي كونه مؤمنا به أنه سيبعث كما في قصة هذا وغيره.

379
وقد ذكر ابن إسحاق أن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش والذي نفسي بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري. وأخرج الفاكهي بسند له إلى عامر بن ربيعة قال: لقيت زيد بن عمرو وهو خارج من مكة يريد حراء فقال: يا عامر إني قد فارقت قومي واتبعت ملة إبراهيم وما كان يعبد إسماعيل من بعده كان يصلي إلى هذه البنية. وأنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل ثم من ولد عبد المطلب وما أراني أدركه. وأنا أومن به وأصدقه وأشهد أنه نبي. الحديث. زاد الواقدي في حديث نحوه: فإن طالت بك مدة فأقرئه مني السلام. وفيه: لما أسلمت أقرأت النبي صلى الله عليه وسلم منه السلام فرد عليه وترحم عليه وقال: رأيته في الجنة يسحب ذيولا. وروى الواقدي عن ابنه سعيد بن زيد قال: توفي أبي وقريش تبني الكعبة. وكان ذلك قبل المبعث بخمس سنين. أما سعيد بن زيد المذكور فقد كان من السابقين إلى الإسلام وهاجر وشهد أحدا والمشاهد بعدها ولم يكن بالمدينة زمان بدر فلذلك لم يشهدها. وهو أحد العشرة المبشرة وكان إسلامه قديما قبل عمر وكان إسلام عمر عنده في بيته لأنه كان زوج أخته فاطمة. قال الواقدي: توفي بالعقيق فحمل إلى المدينة وذلك سنة خمسين من الهجرة وقيل إحدى وخمسين وقيل سنة اثنتين وعاش بضعا وسبعين سنة. وزعم الهيثم بن عدي أنه مات بالكوفة وصلى عليه المغيرة بن شعبة. قال: وعاش ثلاثا وسبعين سنة وزعم العلامة الدواني في شرح ديباجة العقائد العضدية وتبعه السيد عيسى الصفوي في شرح الفوائد الغياثية أن زيد بن عمر المذكور نبي أوحي إليه لتكميل نفسه.

380
وهذه عبارته: النبي: إنسان بعثه الله إلى الخلق لتبليغ ما أوحاه إليه.
وعلى هذا لا يشمل من أوحى الله ما يحتاج إليه لكماله في نفسه من غير أن يكون مبعوثا إلى غيره كما قيل في زيد بن عمرو بن نفيل اللهم إلا أن يتكلف. أقول: هذا غير صحيح فإنه لم يقل أحد من المؤرخين والمحدثين: إنه نبي أو ادعى النبوة. وأمره مشهور وكان حيا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وليس في عصره نبي غيره. قال الذهبي: زيد بن عمرو بن نفيل هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه يبعث أمة وحده وكان على دين إبراهيم ورأى النبي صلى الله عليه وسلم وتوفي قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم. وكان دخل الشام والبلقاء.)
وكان نفر من قريش: زيد وورقة وعثمان بن الحارث وعبيد بن جحش خالفوا قريشا وقالوا لهم: إنكم تعبدون ما لا يضر ولا ينفع من الأصنام ولا يأكلون ذبائحهم. واجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وقال له: إني شاممت النصرانية واليهودية فلم أر فيها ما أريد فقصصت ذلك على راهب فقال لي: إنك تريد ملة إبراهيم الحنيفية وهي لا توجد اليوم فالحق ببلدك فإن الله باعث من قومك من يأتي بها وهو أكرم الخلق على الله. اه. ومنه تعلم أن ما قاله الدواني لا يليق بمثله أن يذكره. وكذا ما في حواشي الكازروني من أنه يجوز أن يكون زيد مبعوثا إلى الخلق بدليل أنه كان يسند ظهره إلى الكعبة ويقول: أيها الناس لم يبق على دين إبراهيم غيري. ويعلم من هذا أنه يجوز أن يكون نبيا فلا ينتقض به التعريف. انتهى. وهذا مما يقضي منه التعجب وكذا جميع ما ذكره هنا أرباب حواشيه.

381
وذكره البيضاوي عند تفسير قوله تعالى: فلا تجعلوا لله أندادا: وقال: هو موحد الجاهلية. وأما الثاني فهو نبيه بضم النون وفتح الموحدة بعدها ياء ساكنة فهاء وكنيته أبو الرزام بتشديد الزاي المعجمة ابن الحجاج بتشديد الجيم الأولى ابن عامر بن حذيفة بن سهم بن عمرو بن هصيص بالتصغير ابن كعب بن لؤي بن غالب. قال الزبير بن بكار في أنساب قريش: كان نبيه وأخوه منبه على صيغة اسم الفاعل من التنبيه من وجوه قريش وذوي النباهة فيهم وقتلا ببدر كافرين. وكانا من المطعمين يوم بدر ورثاهما الأعشى بن نباش بن زرارة التميمي حليف بني عبد الدار وكان مداحا لنبيه بن الحجاج وله فيه قصيدة يصف ناقته:
* تبلغن رجلا محضا ضرائبه
* مؤملا وأبوه قبل مأمول
*
* إن نبيها أبا الرزام أحلمهم
* حلما وأجودهم والجود تفضيل
* وكان نبيه شاعرا وهو الذي يقول في زوجتيه وقد سألتاه الطلاق:
* تلك عرساي تنطقان بهجر
* وتقولان قول أثر وعثر
* إلى آخر الأبيات المقدمة. ومن شعره:
* قصر الشيء بي ولو كنت ذا ما
* ل كثير لأحلب الناس حولي
*

382
* ولقالوا أنت الكريم علينا
* ولحطوا إلى هواي وميلي
*
* ولكلت المعروف كيلا هنيئا
* يعجز الناس أن يكيلوا ككيلي
* وله أيضا:)
* قالت سليمى يوم جئت أزورها
* لا أبتغي إلا امرأ ذا مال
*
* فلأحرصن على اكتساب محبب
* ولأكسبن في عفة وجمال
* وله شعر كثير. اه. والأنضر كأحمد: لغة في النضر وهو الذهب.
وأنشد بعده
3 (الشاهد التاسع والسبعون بعد الأربعمائة))
قول الفوارس ويك عنتر أقدم على أن الفراء قال: وي في ويكأنه كلمة تعجب ألحق بها كاف الخطاب كقوله: ويك عنتر أي: ويلك وعجبا منك. أقول: ليس هذا مذهب الفراء وإنما هو قول لبعض النحويين نقله الفراء عنه كما مضى.

383
زعم أن ويكأن مركب من ويك ومن أن وأن ويك أصله ويلك فحذفت منه اللام كما في بيت عنترة. ولا تخفى ركاكة قول الشارح: وي كلمة تعجب ألحق بها كاف الخطاب مع قوله: أي ويلك وعجبا منك. قال ابن الشجري في أماليه: قال المفسرون في قول الله تعالى: ويكأن الله يبسط الرزق معناه ألم تر أن الله. ومثل ذلك: ويكأنه لا يفلح الكافرون.
واختلف فيها اللغويون فقال الخليل: إنها وي مفصولة من كأن والمراد بها التنبيه. وإلى هذا ذهب يونس وسيبويه والكسائي. وقال السيرافي: وي كلمة يقولها المتندم عند إظهار ندامته ويقولها المندم لغيره والمنبه. ومعنى كأن الله يبسط الرزق التحقيق وإن كان لفظه لفظ التنبيه فالتقدير: تنبه أن الله يبسط الرزق أي: تنبه لبسط الله الرزق. وقال الفراء معناه في كلام العرب التقرير كقولك لمن تقرر: ألا ترى إلى صنع الله فكأنه قيل: أما ترى أن الله يبسط الرزق. وأقول: إن كل واحد من مذهبي الخليل والفراء وكذلك ما قاله السيرافي من أن التقدير: تنبه أن الله يبسط الرزق معناه ألم تر أن الله يبسط الرزق. وشاهد ذلك قوله تعالى: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة

384
. فهذا تنبيه على قدرته وتقرير بها. وقال غير هؤلاء من اللغويين: هي ويك بمعنى ويلك وحذفت اللام لكثرة هذه اللفظة في الكلام. وأن من قوله أن الله يبسط الرزق مفتوحة بإضمار اعلم. واحتجوا بقول عنترة: ويك عنتر أقدم فالكاف على هذا القول ضمير فلها موضع من الإعراب. وقال آخرون: هي وي اسم للفعل ومعناها أتعجب كما تقول: وي لم فعلت هذا فالكاف في هذا الوجه حرف للخطاب كالكاف في رويدك فهي دالة على أن التعجب موجه إلى مخاطب لا إلى غائب. وانفتحت أن)
بتقدير اللام أي: أتعجب لأن الله يبسط الرزق. انتهى كلام ابن الشجري. والبيت من معلقة عنترة العبسي. قال شراح المعلقة: قال بعض النحويين: معنى: ويك ويحك. وقال بعضهم: معناه ويلك. وكلا القولين خطأ لأنه كان يجب على هذا أن يقرأ: ويك إنه كما يقال: ويلك إنه وويحك إنه. على أنه قد احتج لصاحب هذا القول بأن المعنى: ويلك اعلم أنه لا يفلح الكافرون. وهذا أيضا خطأ من جهات إحداها: حذف اللام من ويلك وحذف اعلم لأن مثل هذا لا يحذف لأنه لا يعرف معناه. وأيضا فإن المعنى لا يصح لأنه لا يدرى من خاطبوا بهذا. وروي عن بعض أهل التفسير أن معنى ويك ألم تر وأما ترى والأحسن في هذا ما روى سيبويه عن الخليل وهو أن وي منفصلة وهي

385
كلمة يقولها المتندم إذا ما تنبه على ما كان منه كأنهم قالوا على الندم: وي كأنه لا يفلح الكافرون. انتهى. وروي: قيل الفوارس. والقول والقيل بمعنى. وجمع فارس الوصفي على فوارس نادر. وعنتر: منادى مرخم أي: يا عنترة.
وأقدم بفتح الهمزة وكسر الدال بمعنى تقدم أو هو من الإقدام الذي بمعنى الاجتهاد والتصميم.
وروى بدله: قدم أي: قدم الفرس أو بمعنى تقدم. جعل أمرهم له بالتقدم شفاء لنفسه لما ينال في تقدمه من الظفر بأعدائه ولما يكتسب من ذلك من الرفعة وعلو المنزلة.
وقد تقدمت ترجمة عنترة وشرح المعلقة في أبيات منها في الشاهد الثاني عشر وغيره. وأنشد بعده
3 (الشاهد الثمانون بعد الأربعمائة))
* روافده أكرم الرافدات
* بخ لك بخ لبحر خضم
* على أن الشاعر جمع فيه لغتي بخ الموصولة في الدرج وهما: تخفيف الخاء مع الكسر والتنوين وتشديدها كذلك. وهذا من الصحاح فإنه قال: بخ كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء وتكرر للمبالغة فيقال: بخ بخ. فإن وصلت خفضت ونونت فقلت: بخ بخ وربما شددت كالاسم.

386
وقد جمعهما الشاعر فقال يصف بيتا: روافده أكرم الرافدات.............. البيت وأورده أبو عبيد القاسم بن سلام في الغريب المصنف قال: الروافد خشب السقف قال الشاعر وذكر بيتا: روافده أكرم الرافدات.............. البيت قال شارح أبياته يوسف بن الحسن السيرافي: بخ كلمة تقال عند وصف الشيء بالرفعة والتناهي في الأمور الجليلة: وهي مبنية على السكون لأنه من أسماء الأفعال والفعل الذي هي في موضعه فعل تعجب في قولك: أفعل به في موضع أعظم به وأكرم به كما كان صه في موضع اسكت. وهو في نية تعريف. وهذه الأفعال التي للتعريف إذا نوي بها التعريف لم تنون وإن نوي بها التنكير نونت. فمن قال: بخ ونون أراد به النكرة فأدخل التنوين وهو حرف ساكن على الخاء وهي ساكنة فاجتمع ساكنان فكسرت الأولى منهما وهي الخاء. فإن قال قائل: الساكنان إذا التقيا في كلمة واحدة كسر الثاني منهما نحو: دراك ونزال وإذا التقيا من كلمتين كسر الأول نحو: اضرب ابنك وأكرم القوم فلما كسرت الخاء لدخول التنوين وهما في كلمة واحدة ولم يكسر التنوين قيل له: التنوين ليس من الكلمة وهو مضموم إليها داخل للعلامة وليس من حروفها فجرى مجرى كلمة غير الكلمة الأولى. وبخ بالتشديد هو الأصل والمخفف ما حذف منه حرف من الأصل. والخضم: الكثير العظيم الكثرة. وصف البيت بالكرم وأراد كرم من هو بيته. انتهى. فعلى كلامه هي اسم فعل لا اسم صوت. والبيت لم أقف على قائله وتتمته. والله أعلم.

387
وأنشد بعده
3 (الشاهد الحادي والثمانون بعد الأربعمائة))
وصار وصل الغانيات أخا على أن الشاعر جعل أخا كالمصدر فأعربه وهو مصدر بمعنى المفعول أي: مكروها.
وكذلك أورد الزمخشري في الأصوات وقال: وأخ عند التكره. قال العجاج: وصار وصل الغانيات أخا وروى كخا. قال ابن دريد في الجمهرة: أخ وذكرها بالفتح كلمة تقال عند التأوه وأحسبها محدثه. وكخ: زجر للصبي وردع له وتقال عند التقذر للشيء وتكسر الكاف وتفتح وتسكن الخاء وتكسر بتنوين وغير تنوين قيل: هي أعجمية عربت. كذا في النهاية. ولم أر نسبة البيت للعجاج إلا في المفصل. وفي العباب للصاغاني يقال للصبي إذا نهي عن فعل شيء قذر: إخ بالكسر بمنزلة قول العجم: كخ كأنه زجر وقد تفتح همزته قال أعرابي: وكان وصل الغانيات أخا ويروى كخا. وإخ بالكسر: صوت يناخ به الجمل ليبرك ولا يشتق منه الفعل فلا يقال أخخت الجمل. إنما يقولون أنخته. وهو من أبيات رواها جماعة غفلا منهم ثعلب في أماليه وأنشد:

388
* لا خير في الشيخ إذا ما أجلخا
* وسار غرب عينه ولخا
*
* وكان أكلا قاعدا وشخا
* تحت رواق البيت يخشى الدخا
*
* وانثنت الرجل فكانت فخا
* وكان وصل الغانيات أخا
* اجلخ: سقط ولم يتحرك. ولخ: سال. وأخ كقولك: أف وتف. انتهى. وكذا رواها الزجاجي في أماليه الوسطى عن ابن الأعرابي وقال: اجلخ: اعوج. ولخ: التصقت عينيه. وشخا يقول: كثر غائطه. والدخ بضم الدال وفتحها: الدخان. ويغشى الدخ: يغشى التنور فيقول: أطعموني. انتهى. وقال علي بن حمزة البصري في التنبيهات: الغرب: بثرة تكون في العين تقذى ولا ترقأ. وأنشد الأبيات. وكذلك أنشد الأبيات ابن دريد في الجمهرة وقال: لخت عينه تلخ لخا ولخخا إذا كثرت دموعها وغلظت جفونها. وربما قالوا: لحت أي: بالمهملة. وقال أبو عبد الله محمد بن الحسين اليمني في طبقات النحويين: حدثنا ابن مطرف قال: أخبرنا ابن دريد قال: أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: قالت أعرابية في زوجها وكان شيخا: لا خير في الشيخ إذا ما اجلخا)
الأبيات. فقال زوجها:
* أم جوار ضنؤها غير أمر
* صهصلق الصوت بعينيها الصبر
*
* تبادر الذئب بعدو مشفتر
* سائلة أصداغها ما تختمر
*
* تغدو عليهم بعمود منكسر
* حتى يفر أهلها كل مفر
*
* لو نحرت في بيتها عشر جزر
* لأصبحت من لحمهن تعتذر
* فقالت لزوجها: اسكت فإنا حمارا العبادي. قال: أجل وأنت بدأت. انتهى.

389
وجوار: جمع جارية. والضنء بفتح الضاد المعجمة وكسرها وسكون النون بعدها همزة: النسل والولد ولا واحد له من لفظه. وأمر: كثير من أمر كفرح إذا كثر والصهصلق قال في القاموس: هي العجوز الصخابة ومن الأصوات: الشديد. والصبر: عصارة شجر مر. يريد أن عينيها تدمع دائما كأن في عينيها هذه العصارة. والمشفتر كمقشعر: المشمر والمنتصب. وسائلة أصداغها أي: طويلة شعر الأصداغ. وما تختمر أي: لم تستعمل الخمار. والجزر بضمتين: جمع جزور وهو البعير أو الناقة المجزورة وما يذبح من الشاء واحدتها جزرة.

390
((المركب))
أنشد فيه
3 (الشاهد الثاني والثمانون بعد الأربعمائة))
* كلف من عنائه وشقوته
* بنت ثماني عشرة من حجته
* على أن بعض الكوفيين أجاز إضافة النيف إلى العشرة. قال أبو علي في التذكرة القصرية: البغداديون يجيزون خمسة عشر فيضيفون وأنت تريد به العدد ويستشهدون بقول الشاعر:
* كلف من شقائه وشقوته
* بنت ثماني عشرة من حجته
* وأصحابنا يمنعون من ذلك إذا أردت به العدد. فإن سميته بخمسة عشر جازت الإضافة على قول من قال: معديكرب وجاز أن لا تضيف على حد من قال: معديكرب لأنه قد خرج عن العدد بالتسمية. وأجاز ذاك أبو عمر في الفرخ. انتهى. وقال ابن الأنباري في مسائل الخلاف: ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز إضافة النيف إلى العشرة واستدلوا بالبيت ولأن النيف اسم مظهر كغيره من الأسماء المظهرة التي تجوز إضافتها ومنعه البصريون لأن الاسمين قد جعلا اسما واحدا فكما لا يجوز أن يضاف الاسم الواحد بعضه إلى بعض فكذلك ها هنا.

391
وبيان ذلك: أن الاسمين لما ركبا دلا على معنى واحد والإضافة تبطل ذلك المعنى. ألا ترى أنك لو قلت: قبضت خمسة عشر من غير إضافة دل على أنك قد قبضت خمسة وعشرة. وإذا أضفت دل على أنك قبضت الخمسة دون العشرة فلما كانت الإضافة تبطل المعنى المقصود وجب أن لا تجوز. وأما البيت فلا يعرف قائله ولا يؤخذ به. على أنا نقول: إنما صرفه لضرورة ورده إلى الجر لأن ثماني عشرة لما كانا بمنزلة اسم واحد وقد أضيف إليهما بنت رد الإعراب إلى الأصل بإضافة بنت إليهما لا بإضافة ثماني إلى عشرة. وهم إذا صرفوا المبني للضرورة ردوه إلى الأصل. وأما قولهم إن النيف اسم مظهر كغيره من الأسماء في جواز الإضافة قلنا: إلا أنه مركب والتركيب ينافي الإضافة لأن التركيب جعل الاسمين اسما واحدا بخلاف الإضافة فإن المضاف يدل على مسمى والمضاف إليه يدل على مسمى آخر. وحينئذ لا يجوز الإضافة لاستحالة المعنى. اه. وأنشد الفراء البيت في موضعين من تفسيره عن أبي ثروان: أحدهما: عند قوله تعالى: إني رأيت أحد عشر كوكبا لما ذكر من مذهب الكوفيين وفصل المسألة عندهم. وثانيهما عند قوله تعالى: ربنا غلبت علينا شقوتنا بكسر الشين وهي قراءة أهل المدينة وعاصم وأنشد هذا البيت أيضا. والعناء: بالفتح: التعب والنصب. والحجة بالكسر: السنة. ونائب فاعل كلف: ضمير الرجل وبنت: مفعول ثان لكلف. قال الجاحظ في)
كتاب الحيوان: أنشدني أبو الرديني الدلهم بن شهاب أحد بني عوف بن كنانة من عكل قال: أنشدني نفيع بن طارق:
* علق من عناءه وشقوته
* بنت ثماني عشرة من حجته
*

392
* وقد رأيت هدجا في مشيته
* وقد جلا الشيب عذار لحيته
*
* يظنها ظنا بغير رؤيته
* تمشي بجهم ضيقه في همته
*
* لم يخزه الله برحب سعته
* حجم بعد حلقه ونورته
*
* كقنفذ القف اختفى في فروته
* لا يقنع الأير بنزع زهرته
* كأن فيه وهجا من ملته والهدج: مشية الشيخ. والجهم: الباسر الكالح من جهم بالضم إذا صار باسر الوجه. أراد حرا جهما ذا عكن كالوجه الجهم. وقوله: ضيقه في همته أراد أن حرها ضيق كضيق همته.
وحجم بفتح الجيم والحاء المهملة أي: برز الحر الجهم من حجم الرجل إذا فتح عينيه كالشاخص. والقف: حجارة غاص بعضها ببعض مترادف بعضها إلى بعض. والملة: بالفتح: الرماد الحار. وأنشد بعده
* ولا تبلى بسالتهم وإن هم
* صلوا بالحرب حينا بعد حين
* على أن أصل حين حين بالتركيب حينا بعد حين كما في البيت.

393
وأورده صاحب الصحاح في صلي بالأمر كفرح إذا قاسى حره وشدته. والبيت من أبيات لأبي الغول الطهوي أوردها القالي في أماليه وأبو تمام في أول حماسته وهي:
* فدت نفسي وما ملكت يميني
* فوارس صدقوا فيهم ظنوني
*
* فوارس لا يملون المنايا
* إذا دارت رحى الحرب الزبون
*
* ولا يجزون من حسن بسوءى
* ولا يجزون من غلظ بلين
*
* ولا تبلى بسالتهم وإن هم
* صلوا بالحرب حينا بعد حين
*
* هم منعوا حمى الوقبى بضرب
* يؤلف بين أشتات المنون
*
* فنكب عنهم درء الأعادي
* وداووا بالجنون من الجنون
*
* ولا يرعون أكناف الهوينى
* إذا حلوا ولا أرض الهدون
* قوله: فدت نفسي إلخ جملة دعائية و ما موصولة. وتخصيص اليمين لفضلها وقوة التصرف)
بها وهم يقيمون البعض مقام الجملة وينسبون إليه الأحداث والأخبار كثيرا كقوله تعالى: فظلت أعناقهم لها خاضعين. قال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي: قوله: صدقوا فيهم ظنوني ف ظنوني مفعولة. وروى غير القالي: صدقت فيهم ظنوني فالظنون على هذه الرواية فاعلة.

394
ويروى: صدقت بضم الصاد فتكون الظنون مفعولة. يريد: أنها نائب فاعل. وأنشده صاحب الكشاف في صورة سبأ برواية: صدقت فيهم ظنوني وقال: لو قرئ: ولقد صدق عليهم إبليس ظنه بتشديد الدال ورفع إبليس والظن كما في البيت لكان مبالغة في الصدق عليهم. وفوارس شاذ في الجموع لأن فواعل جمع فاعلة لما يعقل دون فاعل. والمعنى: تفدي نفسي ومالي أجمع فوارس يكونون عند ظنوني بهم في الحرب. وقوله: فوارس لا يملون إلخ بالنصب بدل من فوارس وبالرفع خبر مبتدأ محذوف أي: هم فوارس. والمنايا: جمع منية وهي الموت أراد أسبابها. والزبون: الناقة التي تزبن حالبها أي: تدفعه برجلها ومنه الزبانية لأنهم يدفعون إلى النار. وإنما لم يؤنث لاستواء فعول في المؤنث والمذكر. شبه الحرب التي لا تقبل الصلح بالناقة الزبون. ويقال: ثبت فلان في رحا الحرب أي: حيث دارت كالرحا. قوله: ولا يجزون من حسن إلخ يشرح إن شاء الله في أفعل التفضيل. قوله: ولا تبلى بسالتهم إلخ قال الطبرسي: تبلى من بلي الثوب. ويروى: تبلى بالضم من بلوت إذا اختبرت. والبسالة يوصف بها الأسد والرجل وصلوا من صليت بكذا أي: منيت به. وجواب إن هم صلوا يدل عليه ما قبله تقديره: إن منوا بالحرب لم تخلق شجاعتهم أو لم تختبر شجاعتهم ليعرف غورها ومنتهاها على مر الزمان واختلاف الأحوال. انتهى. وقال أبو عبيد البكري: هكذا الرواية تبلى بالفتح من البلى.

395
وروى غير القالي: ولا تبلى بضم التاء من الابتلاء وهو الاختبار أي: لا يختبر ما عندهم من النجدة والبأس وإن طال أمد الحرب لكثرة ما عندهم من ذلك. ويجوز على هذه الرواية صلوا بالحرب إلا بعد حين. وقوله: هم منعوا حمى إلخ الحمى: موضع الماء والكلأ.
والوقبى: بفتح الواو والقاف: موضع بقرب البصرة. وكان حديثه أن عبد الله ابن عامر كان عاملا لعثمان بالبصرة وأعمالها. واستعمل بشر بن حارث بن كهف المازني على الأحماء التي منها الوقبى فحفر بها ركيتين: ذات القصر والجوفاء فانتزعهما منه عبد الله بن عامر ووقعت الحرب بينهم بسبب ذلك وعاد الماء في آخر حروب ومغاورات إلى بني مازن. كذا قال شراح الحماسة. وقال أبو عبيدة: كانت الوقبى لبكر على إياد الدهر فغلبهم عليها بنو مازن بعون عبد)
الله بن عامر صاحب البصرة لهم فهي بأيدي بني مازن اليوم. وكان بين بني شيبان وبين مازن حرب فيها وتعرف بيوم الوقبى قتل فيها جماعة من بني شيبان. انتهى. يقول: إن هؤلاء القوم الذين يمنعون حمى هذا المكان بضرب يجمع بين المنايا المتفرقة. وهذا يحتمل وجوها: يجوز أن يكون أن هؤلاء لو بقوا في أماكنهم ولم يجتمعوا في هذه المعركة لوقعت مناياهم متفرقة في أمكنة متغايرة وأزمنة متفاوتة فلما اجتمعوا تحت الضرب الذي وصفه صار الضرب جامعا لهم.
ويجوز أن يكون المعنى أن أسباب الموت مختلفة وهذا الضرب جمع بين الأسباب كلها. وحكي عن أبي سعيد الضرير أن المعنى أن الضرب إذا وقع ألف بين أقدارهم التي قدرت عليهم.
ويجوز أن يكون المراد: بضرب لا ينفس المضروب ولا يمهله لأنه جمع فرق الموت له. وقوله: فنكب عنهم إلخ الدرء أصله الدفع ثم استعمل في الخلاف لأن المختلفين يتدافعان. يقول: هذا الضرب نكب عن هؤلاء القوم اعوجاج الأعادي وخلافهم وداووا الشر بالشر.

396
وهذا كقولهم: الحديد بالحديد يفلح. وأصل النكب الميل. وقال أبو عبيد البكري: هذا مثل قول عمرو بن كلثوم:
* ألا لا يجهلن أحد علينا
* فنجهل فوق جهل الجاهلينا
* وقال الفرزدق:
* أحلامنا تزن الجبال رزانة
* ويزيد جاهلنا على الجهال
* قوله: ولا يرعون أكناف إلخ الهوينى: الدعة والخفض وهو مصغر الهونى تأنيث الأهون. ويجوز أن يكون الهونى اسما مبنيا من الهينة وهي السكون ولا تجعله تأنيث الأهون. والهدون: السكون والصلح. يصفهم بالحرص على القتال وإيثار جانب الخصومة على الصلح. فيقول: لا يرعى هؤلاء القوم من عزهم ومنعتهم الأماكن التي أباحتها المسالمة ووطأتها المهادنة ولكن يرعون النواحي المحمية والأراضي المنعية. وأبو الغول الطهوي هو كما قال الآمدي في المؤتلف والمختلف من قوم

397
من بني طهية يقال لهم: بنو عبد شمس بن أبي سود. وكان يكنى أبا البلاد وقيل له: أبو الغول لأنه فيما زعم رأى غولا فقتلها وقال:
* رأيت الغول تهوي جنح ليل
* بسهب كالعباية صحصحان
*
* فقلت لها: كلانا نضو أرض
* أخو سفر فصدي عن مكاني
*
* إذا عينان في وجه قبيح
* كوجه الهر مشقوق اللسان)
* (بعيني بومة وشواة كلب
* وجلد في قرا أو في شنان
* وله في هذا حديث وخبر في كتاب بني طهية. انتهى. ونسب ابن قتيبة تلك الأبيات لأبي الغول النهشلي. قال: علباء بن جوشن من بني قطن بن نهشل وكان شاعرا مجيدا وهو القائل:
* وسوءة يكثر الشيطان إن ذكرت
* منها التعجب جاءت من سليمانا
*
* لا تعجبن لخير جاء من يده
* فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا
* انتهى. وأبو الغول النهشلي غير أبي الغول الطهوي نقلهما الآمدي عن أبي اليقظان وقال في النهشلي: هو علباء بن جوشن وإنه شاعر ذكره أبو اليقظان ولم ينشد له شعرا ولم أرى له ذكرا في كتاب بني نهشل. انتهى.

398
وأبو سود بضم السين هو ابن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وأم أبي سود: طهية بنت عبد شمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم. ونهشل هو ابن دارم بن مالك بن حنظلة المذكور. فأبو سود يكون عم نهشل. وعلباء بكسر العين المهملة وسكون اللام بعدها باء موحدة وألف ممدودة. وسليمان هو سليمان بن عبد الملك بن مروان.
فالنهشلي شاعر إسلامي في الدولة المروانية وأما الطهوي فلم أقف على كونه إسلاميا أو جاهليا. وأنشد بعده
3 (الشاهد الرابع والثمانون بعد الأربعمائة))
وهو من شواهد س:
* فلولا يوم يوم ما أردنا
* جزاءك والقروض لها جزاء
* على أنه إذا خرج الظروف والأحوال عن الظرفية والحالية وجبت الإضافة ولم يجز التركيب. قال سيبويه: وأما يوم يوم وصباح مساء وبيت بيت وبين بين فإن العرب تختلف في ذلك يجعله بعضهم بمنزلة اسم واحد وبعضهم يضيف الأول إلى الآخر ولا يجعله اسما واحدا ولا يجعلون شيئا من هذه الأسماء بمنزلة اسم واحد إلا في حال الحال والظرف كما لم يجعلوا يا ابن عم ويا ابن أم بمنزلة شيء واحد إلا في حال النداء.

399
والآخر من هذه الأسماء في موضع جر وجعل لفظه كلفظ الواحد وهما اسمان أحدهما مضاف إلى الآخر. وزعم يونس وهو رأيه أن أبا عمرو كان يجعل لفظه كلفظه إذا كان شيء منه ظرفا أو حالا. وقال الفرزدق: ولولا يوم يوم ما أردنا................... البيت فالأصل في هذا والقياس الإضافة. انتهى. قال الأعلم: الشاهد فيه إضافة يوم الأول إلى الثاني على حد قولهم: معديكرب فيمن أضاف الأول إلى الثاني. يقول: لولا نصر مالك في اليوم الذي تعلم ما طلبنا جزاءك. وجعل نصرهم له قرضا يطالبونه بالجزاء عليه. هذا كلامه. ولم يشرح وجه الإضافة. وظاهرها إضافة المترادفين. وقد شرحها أبو علي في التذكرة قال: أما قوله حين لا حين فالثاني غير الأول لأن الحين يقع على الجزء اليسير من الزمان فأضاف الحين الأول إلى الثاني ولا زائدة فيكون من إضافة البعض إلى الكل نحو: حلقة فضة وعيد السنة وسبت الأسبوع فلا يكون إضافة الشيء إلى نفسه. ومثله قول الفرزدق: ولولا يوم يوم ما أردنا.............. البيت فيوم الأول: وضح النهار والثاني: البرهة كالتي في قوله: ومن يولهم يومئذ دبره. وأنشد أبو عمرو:

400
* حبذا العرصات يوما
* في ليال مقمرات
*
3 (الشاهد الخامس والثمانون بعد الأربعمائة))
وهو من شواهد س: وجن الخازباز به جنونا على أن لام التعريف إذا دخلت على اللغات المذكورة ل خازباز لم تغير ما كان مبنيا عن بنائه.
قال ابن بري في شرح أبيات إيضاح الفارسي: بني على الكسر كما تبنى الأصوات وفيه لغات.
ولما أرادوا تعريفه أدخلوا أل عليه لأن المركب حكمه حكم المفرد في ذلك نحو: الخمسة عشر درهما. قال أبو علي: وإنما جاز دخول أل عليه وإن كان الغالب عليه وقوعه صوتا لأنهم أوقعوه على غير الأصوات في نحو قوله:
* يا خازباز أرسل اللهازما
* إني أخاف أن تكون لازما
*

401
فقيل: إنه ورم. وقد يجوز أن يشبه بباب العباس لأن ما دخلته أل من ذلك كثير نحو: تداعين باسم الشيب وشيب: حكاية صوت جذب الماء ورشفه عند الشرب. انتهى. وصدره: تفقأ فوقه القلع السواري
* يظل يحفهن بقفقفيه
* ويلحفهن هفافا ثخينا
*
* بهجل من قسا ذفر الخزامى
* تهادى الجربياء به الحنين
* تفقأ فوقه القلع السواري.............. البيت يصف في هذه الأبيات نعاما. ويحفهن أي: يحف بياضات. والقفقفان: الجناحان. والقفقف كجعفر بقافين بينهما فاءان. وجناح هفاف أي: حفيف الطيران. وحمله ثخينا لتراكب الريش عليه. أي: يلبس بيضه جناحيه ويجعلهما للبيض كاللحاف وجناحه خفيف مع ثخنه وكثرة ريشه لأنه لو كان ثقيلا لكسر البيض. وقوله: بهجل من قسا إلخ الباء متعلقة بيلحفهن.
والهجل بفتح الهاء وسكون الجيم: المطمئن من الأرض. والروض أحسن ما يكون في مطمئن لأن السيول تجتمع فيها. وقسا بفتح القاف والسين المهملة: موضع.

402
يريد أن هذا الموضع أدحيها ومحل بيضها. وذفر: صفة لهجل بفتح الذال المعجمة وكسر الفاء وصف من الذفر بفتحتين وهو كل ريح ذكية من طيب أو نتن. وأما الدر بالمهملة وسكون الفاء فهو النتن خاصة.
والخزامى بضم المعجمة: نبات طيب الريح. والجربياء بكسر الجيم: ريح الشمال. وتهادى أي:)
تتهادى أي: تهدي إليه الحنين وهو الشوق وتوقان النفس. وضمير به للهجل. وقوله: تفقأ فوقه أي: فوق الهجل. وتفقأ أي: تتفقأ فهو مضارع أي: تنشق السحائب فوق هذه الروضة التي في هذا الهجل. وقال المرزوقي في شرح الفصيح: يقال: تفقأ السحاب أي: سال بالمطر. وأنشد البيت. وجملة تفقأ صفة أخرى من هجل أو حال منه. والقلع بفتح القاف واللام: جمع قلعة وهي القطعة العظيمة من السحاب. وقال ابن السكيت في لإصلاح المنطق: السحاب العظام.
والسواري: جمع سارية وهي السحابة التي تأتي ليلا. والخازباز هنا: نبت. قال ابن السيرافي في شرح أبيات الإصلاح: جنونه: طوله وسرعة نباته. وبه أي: بهذا الهجل. وكذلك قال قبله أو حنيفة الدينوري في كتاب النبات: المجنون من الشجر كله العشب: ما طال طولا شديدا. وإذا كان كذلك قيل جن جنونا. وأنشد هذا البيت. وقال في ثلاثة مواضع أخر من كتابه: الخازباز من ذبان العشب. وأنشدوا قول ابن أحمر في صفة عشب: وجن الخازباز به جنونا يعني في هزجه وطيرانه. وقال آخرون هو نبت. وجنونه: طوله وسموقه. انتهى.

403
وفسره حمزة في أمثاله بالذباب عند قوله: الخازباز أخصب قال: هو ذباب يطير في الربيع يدل على خصب السنة. وأنشد البيت. وفسره الزمخشري أيضا في المفصل بذباب العشب. ومثل للعشب بقوله: والخازباز السنم المجودا وهو من أرجوزة أورد بعضها ابن الأعرابي في نوادره وهو:
* والخازباز الناعم الرغيدا
* والصليان السنم المجودا
* بحيث يدعو عامر مسعودا فهذا صوابه. وقد سبق الزمخشري ابن السكيت في إصلاح المنطق. وهو مركب من بيتين كما ترى. وهذه أسماء نباتات. والسنم بفتح السين وكسر النون: العالي. والمجود: الذي أصابه الجود بالفتح وهو المطر القوي. وعامر ومسعود: راعيان. قال ابن السكيت: قوله: بحيث يدعو إلخ هذا بيت يلقى فيسأل: لم يدعو أحدهما الآخر فالجواب: إنما قال هذا لكثرة النبت وطوله بحيث يواري مسعودا عن عامر فلا يعرف عامر مكان مسعود فيدعوه ليعرف مكانه.
وأطيب: مفعول ثان. وروى بدله: أكرم. وها: ضمير الإبل مفعول أول. ومن روى: رعيتها فأطيب حال وها ضمير البقعة وما بعده بدل من أطيب على الوجهين. وتسمية هذه النباتات)
عودا على اعتبار تسمية الغيث شجرة.

404
وابن أحمر شاعر إسلامي تقدمت ترجمته في الشاهد الستين بعد الأربعمائة.

405
((الكنايات))
أنشد فيها
3 (الشاهد السادس والثمانون بعد الأربعمائة))
* كأن فعلة لم تملأ مواكبها
* ديار بكر ولم تخلع ولم تهب
* على أن فعلة كناية عن موزونه مع اعتبار معناه وهو خولة. والبيت للمتنبي من قصيدة رثى بها خولة أخت سيف الدولة الحمداني ولم يصرح بلفظها استعظاما لكونها ملكة بل كنى عن اسمها بفعلة فلفظ فعلة حكمها حكم موزونها ممتنع من الصرف للعلمية والتأنيث فكذا فعلة ممتنع. وقد أورده الشارح المحقق في باب العلم أيضا. ومنه قول المتنبي أيضا:
* يا وجه داهية التي لولاك ما
* أكل الضنى جسمي ورض الأعظما
* قال ابن فورجة: داهية ليست باسم علم لمحبوبته ولكن كنى بها عن اسمها على سبيل التضجر لعظم ما حل به من بلائها أي: إنها لم تكن إلا داهية عليه. وزعم ابن جني أن داهية اسم التي شبب بها. ولم يصب الواحدي في قوله: الوجه قول ابن جني: فترك صرفها في البيت ولو لم يكن علما كان الوجه صرفها. اه. وقد نقل الشارح المحقق عن سيبويه أن حال كناية العلم في الصرف ومنعه كحال العلم. وبه يضمحل قوله: ولو لم تكن علما لكان الوجه صرفها.

406
وهذه أبيات من أول القصيدة:
* يا أخت خير أخ يا بنت خير أب
* كناية بهما عن أشرف النسب
* قال الواحدي: أراد يا أخت سيف الدولة ويا بنت أبي الهيجاء فكنى عن ذلك ونصب كناية على المصدر كأنه قال: كنيت كناية.
* أجل قدرك أن تسمي مؤبنة
* ومن يصفك فقد سماك للعرب
* مؤبنة: مرثية من التأبين وهو مدح الميت. وتسمي بمعنى تعرفي. أي: أنت أجل من أن تعرفي باسمك بل وصفك يعرفك بما فيك من المحاسن والمحامد التي ليست في غيرك كما قال أبو نواس:
* فهي إذا سميت فقد وصفت
* فيجمع الاسم معنيين معا
*)
إلى أن قال:
* طوى الجزيرة حتى جاءني خبر
* فزعن فيه بآمالي إلى الكذب
* يريد خبر نعيها وأنه رجا أن يكون كذبا وتعلل بهذا الرجاء. والجزيرة: مدينة على شط دجلة بين الموصل وميافارقين. يقول: جاءني خبر موتها من الشام وقطع الجزيرة حتى وصل إلي فلما
* حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا
* شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
* يقول: حتى إذا صح الخبر ولم يبق لي أمل في كونه كذبا شرقت بالدمع لغلبة البكاء إياي حتى كاد الدمع يشرق بي أي: كثرة الدموع حتى صرت بالإضافة إليها لقلة كالشئ الذي يشرق به.
والشرق بالدمع: أن يقطع الانتحاب نفسه فيجعله في مثل حال الشرق بالشيء. والمعنى: كاد الدمع لإحاطته بي أن يكون كأنه شرق بي.

407
* تعثرت به في الأفواه ألسنها
* والبرد في الطرق والأقلام في الكتب
* أورده الشارح المحقق في باب الوقف من شرح الشافية قال: إن كان قبل الهاء متحرك نحو: به وغلامه فلا بد من الصلة إلا أن يضطر شاعر فيحذفها كقول المتنبي:....... وأنشد البيت. قال الواحدي: أي لهول ذلك الخبر لم تقدر الألسن في الأفواه أن تنطق ولا البريد في الطريق أن يحمله ولا الأقلام أن تكتبه. ولم يلحق الياء في الهاء من به واكتفى بالكسرة ضرورة. وقد جاء عن العرب ما هو أشد من هذا كقول الشاعر:
* واشرب الماء ما بي نحوه عطش
* إلا لأن عيونه سيل واديها
* وهذا كقراءة من قرأ: لا يؤده إليك بسكون الهاء. ويروى: تعثرت بك يخاطب الخبر وترك لفظ الغيبة. كذا في شرح الواحدي. وقال المعري: يريد أن هذا الخبر نبأ عظيم لا تجترئ الأفواه على النطق به. وهذا قد يجوز أن يكون صحيحا لأن الإنسان ربما هاب الإخبار بالشيء لعظمه في نفسه وكذلك الكاتب الذي يكتب بالخبر
الشنيع ربما يعثر قلمه هيبة للأمر الذي دخل فيه وإنما التعثر للكاتب. وأما إذا ادعى التعثر من البرد فكذب لا محالة لأن البريد لا يشعر بالخبر.
وقد ذكر في موضع آخر ما يدل على أن حامل الكتاب الذي لا يشعر ما فيه غير شاق عليه حمله فكيف بالدابة التي لا يحكم عليها بالعقل. وذلك قوله لعضد الدولة:

408
* حاشاك أن تضعف عن حمل ما
* تحمل السائر في كتبه
* وقال المبارك بن أحمد المستوفي في كتاب النظام: لا فرق بين تعثر القلم وتعثر البريد لأن نسبة)
ذلك إليهما محال. وإذا اعتذر في القلم بتعثر الكاتب فهلا اعتذر في البريد بتعثر أصحابه لأن كلا من الأقلام والبرد لا يشعر بالخبر.
* كأن فعلة لم تملأ مواكبها
* ديار بكر ولم تخلع ولم تهب
* قال ابن جني: كنى بفعلة عن اسمها واسمها خولة. قال أبو العلاء: وهذا تقوية لقوله: أجل قدرك أن تسمي مؤبنة قال الواحدي: يذكر مساعيها أيام حياتها يقول: كأنها لم تفعل شيئا مما ذكر لأن ذلك انطوى بموتها. وقال ابن المستوفي في النظام: زعم أبو البقاء أن المعنى: أنها كانت تجهز الجيوش إلى ديار بكر للجهاد. وليس كذلك لأن الموكب الجماعة يركبون للزينة والفرجة. قال الجوهري: الموكب بابة من السير. والموكب: القوم الركوب على الإبل للزينة وكذلك جماعة الفرسان. وفي قول أبي الطيب: ديار بكر دليل على ما ذكرته لأنه لو أراد ما ذكره أبو البقاء كان قد قصر جهادها على موضع مخصوص وهذا فيه نقص من المدح. وعلى أن ديار بكر كان لسيف الدولة معظمها فكيف تجهز جيشا إلى بلاد أخيها. وترجمة المتنبي قد تقدمت في الشاهد الواحد والأربعين بعد المائة.

409
وأنشد بعده
3 (الشاهد السابع والثمانون بعد الأربعمائة))
اكفف اكفف هو قطعة من بيت ثان من أحجية للحريري في مقاماته وهما:
* يا من تقصر عن مدا
* ه خطا مجاريه وتضعف
*
* ما مثل قولك للذي
* أضحى يحاجيك: اكفف اكفف
* على أن المراد بهذين اللفظين المكررين بطريق الإلغاز والتعمية: مهمه وهو القفز. فإن اكفف يرادفه مه ومكرره مهمه فمجموع اكفف اكفف كناية عن: مهمه. وهذا تعمية وإلغاز.
والمعمى واللغز في اللغة كلاهما بمعنى واحد وهو الشيء المستور. وبينهما فرق عند علماء الأدب. فالمعمى كما قال القطب في رسالة المعمى المسماة بكنز الأسما في كشف المعمى: هو قول يستخرج منه كلمة فأكثر بطريق الرمز والإيماء بحيث يقبله الذوق السليم. واللغز: ذكر أوصاف مخصوصة بموصوف لينتقل إليه وذلك بعبارة يدل ظاهرها على غيره وباطنها عليه.
قال القطب في رسالته: قد فرقوا بينهما بأن الكلام إذا دل على اسم شيء من الأشياء بذكر صفات له تميزه عما عداه كان لغزا. وإذا دل على اسم خاص بملاحظة كونه لفظا بدلالة مرموزه سمي ذلك معمى. فالكلام الدال على بعض السماء يكون معمى من حيث أن مدلوله اسم من الأسماء بملاحظة الرمز على حروفه ولغزا من حيث أن مدلوله ذات من الذوات بملاحظة أوصافها. فعلى هذا يكون قول القائل في كمون:

410
* يا أيها العطار أعرب لنا
* عن اسم شيء قل في سومكا
*
* تنظره بالعين في يقظة
* كما ترى بالقلب في نومكا
* يصلح أن يكون لغزا بملاحظة دلالته على صفات الكمون ويصلح أن يكون في اصطلاحهم معمى باعتبار دلالته على اسم بطريق الرمز. انتهى. ويقال للمعمى في اللغة أحجية أيضا وهي في اصطلاح أهل الأدب نوع منه. وقد نظم الحريري في المقامة السادسة والثلاثين عشرين أحجية وهو أول من اخترعها وسماها أحجية. وقال: وضع الأحجية لامتحان الألمعية واستخراج الخبيئة الخفية. وشرطها أن تكون ذات مماثلة حقيقية وألفاظ معنوية ولطيفة أدبية. فمتى نافت هذا النمط ضاهت السقط ولم تدخل السفط. ومن أحاجيه قوله في ها دية:
* أيا مستنبط الغام
* ض من لغز وإضمار)
* (ألا اكشف لي ما مثل
* تناول ألف دينار
* وقد تلاه من جاء بعده فنظم في هذا الأسلوب ما راق وسحر الألباب وشاق الأفهام لدركها من كل باب. والأحجية في الحقيقة من قسم الترادف والتحليل وهما من أعمال فن المعمى.
فالأحجية نوع من المعمى وهو فن استنبطه أدباء العجم أسسوا له قواعد وعقدوا له معاقد حتى صار فنا متميزا من سائر الفنون. وأول من دونه المولى شرف الدين علي اليزيدي مؤرخ الفتوحات التيمورية

411
باللغة الفارسية. وكان شاعرا فصيحا وناثرا بليغا في اللسانين وتوفي سنة ثلاثين وثمانمائة. قال القطب: وما زال فضلاء العجم يقتفون أثره ويوسعون دائرة الفن ويتعمقون فيه إلى أن ألف فيه المولى نور الدين عبد الرحمن الجامي صاحب شرح الكافية عشر مسائل قد دونت وشرحت. وكثر فيها التصنيف إلى أن نبغ في عصره المولى مير حسين النيسابوري فأتى فيه بالسحر الحلال وفاق فيه لتعمقه ودقة نظره سائر الأقران في الأمثال. كتب فيه رسالة تكاد تبلغ حد الإعجاز أتى فيها بغرائب التعمية والإلغاز حتى إن المولى عبد الرحمن الجامي مع جلالة قدره قال: لو اطلعت عليها قبل الآن ما ألفت شيئا في علم المعمى. وارتفع شأن مولانا مير حسين بسبب علم المعمى مع تعمقه في سائر العقليات فصار ملوك خراسان وأعيانها يرسلون أولادهم إليه ليقرؤوا رسالته عليه إلى أن توفي في عام اثني عشر وتسعمائة بعد وفاة الجامي بأربعة عشر عاما. وظهر بعدهما فائقون في المعمى في كل قطر بحيث لو جمعت تراجمهم لزادت على مجلد كبير. ثم قال القطب: وأنت إذا تصفحت كتب الأدب وتتبعت دواوين شعراء العرب ظفرت من كلامهم بكثير مما يصدق عليه تعريف المعمى لكنهم نظموه في قالب اللغز يستخرج منه الاسم الذي ألغزوه بطريق الإيماء ووجدت كثيرا من أعمال المعمى في غضون ألغازهم. فليس العجم أبا عذرة هذا الفن ولكنهم دونوه ورتبوه. ورأيت كثيرا من ألغاز شرف الدين بن الفارض يصدق عليه تعريف المعمى في اصطلاح العجم. ويقرب من ذلك قول القائل في بختيار:
* وأهيف معشوق الدلال ممنع
* يمزقني في الحب كل ممزق
*
* فلو أن لي نصف اسمه رق وارعوى
* أو العكس من باقيه لم أتعشق
*

412
إلى أن قال: وأعمال المعمى ثلاثة: الأول: العمل التحصيلي وهو ما يتحصل به حروف الكلمة المطلوبة. والثاني: العمل التكميلي وهو ما بسببه تتكمل الحروف الحاصلة وتترتب. وهذا بمنزلة)
الصورة والأول بمنزلة المادة. والثالث: العمل التسهيلي وهو الذي يسهل أحد العملين السابقين.
وتحت كل نوع من هذه الأعمال أنواع متعددة. انتهى. قلت: وأول من دون في المعمى في اللغة العربية وترجمه بالطريقة العجمية العالم الفاضل قطب الدين المكي الحنفي في رسالة سماها كنز الأسما في كشف المعمى. وتلاه تلميذه عبد المعين بن أحمد الشهير بابن البكاء البلخي الحنفي وألف رسالة سماها الطراز الأسمى على كنز الأسما. وأما التأليف في الألغاز والأحاجي فقد صنف فيه جماعة عديدة لهم فيها كتب مفيدة وتصانيف سديدة أجلها علما وأعظمها حجما كتاب الإعجاز في الأحاجي والألغاز تأليف أبي المعالي سعد الوراق الحظيري وهو كتاب تكل عن وصفه اللسن جمع فيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ فيع الأعين ذكر في أوله اشتقاق المعمى واللغز والأحجية والفرق بينها وبين وما شاكلها فلا بأس بإيراده هنا فإنه قلما يوجد في كتاب على أسلوبه. قال في الجمهرة: الحجا: العقل. والحجيا من قولهم: حجياك ما كذا وكذا

413
وهي لعبة وأغلوطة يتعاطاها الناس بينهم نحو قولهم: أحاجيك ما ذو ثلاث آذان يسبق الخيل بالرديان يعنون السهم وما أشبه ذلك. وقال أيضا اللغز: ميلك بالشيء عن جهته وبه سمي اللغز من الشعر كأنه عمي عن جهته. واللغيزاء بالمد: أن يحفر اليربوع ثم يميل في بعض حفر ليعمي على طالبه. والألغاز: طرق تلتوي وتشكل على سالكها والواحد لغز. وقال الأزهري: قال الليث: اللغز: ما ألغزت من كلام فشبهت معناه مثل قول الشاعر أنشده الفراء:
* ولما رأيت النسر عز ابن دأية
* وعشش في وكريه جاشت له نفسي
* أراد به الشيب شبهه به لبياضه وشبه الشباب بابن دأية وهو الغراب الأسود لأن شعر الشباب أسود. قال: وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: اللغز بضمتين واللغز بالسكون واللغيزاء. والألغاز: حفر يحفرها اليربوع في جحره تحت الأرض. يقال: ألغز اليربوع إلغازا.
فيحفر في جانب منه طريقا ويحفر في الجانب الآخر طريقا وكذلك في الجانب الثالث والرابع فإذا طلبه البدوي بعصاه من جانب نفق من الجانب الآخر. والأحاجي: جمع
أحجية أفعولة من الحجا وهو العقل أي: مسألة تستخرج بالعقل. وقال الأزهري: قال الليث: تقول حاجيته فحجوته إذا أتت عليه كلمة مخالفة المعنى للفظ. والجواري يتحاجين الحجيا تصغير الحجوى.
وتقول الجارية للأخرى: حجياك ما كلن كذا وكذا والأحجية: اسم المحاجاة وفي لغة: أحجوة والياء أحسن. والحجوى: اسم أيضا للمحاجاة.

414
والمعمى: المغطى. قال الأزهري: التعمية: أن)
يعمى الإنسان فيلبسه عليه تلبيسا. والأعماء: جمع عمى وأنشدونا: وبلدة عامية أعماؤه أي: دراسة. وأعماؤه: مجاهله بقال: بلد عمى لا يهتدى فيه لأنه لا أعلام له يهتدى بها: والمعامي هي الأراضي المجهولة. وقال الليث: العمى: ذهاب البصر من العينين كلتيهما والفعل منه عمي يعمى عمى. وقال مجاهد في قوله تعالى: قل رب لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال: أعمى عن الحجة وقد كنت بصيرا بها. وقال ابن عرفة: يقال: عمى عن رشده وعمي عليه طريقه إذا لم يهتد إليه. وروى أبو عبيد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا رزين العقيلي قال له: أين كان ربنا قبل أن خلق السماوات والأرض قال: كان في عماء تحته هواء. وقال أبو عبيد: العماء في كلام العرب: السحاب وهو ممدود. قال أبو عبيد: وإنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المنقول عنهم ولا يدرى كيف كان ذلك العماء. قال: وأما العمى في البصر فمقصور وليس هو من هذا الحديث في شيء. قال الأزهري: وبلغني عن أبي الهيثم في تفسير هذا الحديث أنه في عمى مقصور قال: وكل أمر لا تدركه القلوب بالعقول فهو عمى.
والمعنى أنه تبارك

415
وتعالى كان حيث لا تدركه عقول بني آدم ولا يبلغ كنهه الوصف ولا تدركه الفطن. ثم قال بعد كلام طويل: فصل في ذكر أسماء هذا الفن وعودها إلى معنى واحد. هذا الفن وأشباهه يسمى المعاياة والعويص واللغز والرمز والمحاجاة وأبيات المعاني والملاحن والمرموس والتأويل والكناية والتعريض والإشارة والتوجيه والمعمى والممثل. والمعنى في الجميع واحد وإنما اختلفت أسماؤه بحسب اختلاف وجوه اعتباراته فإنك إذا اعتبرته من حيث هو مغطى عنك سميته معمى مأخوذ من لفظ العمى وهو تغطية البصر عن إدراك المعقول. وكل شيء تغطي عنك فهو عمى عليك. وإذا اعتبرته من حيث أنه ستر عنك ورمس سميته مرموسا مأخوذ من الرمس وهو القبر كأنه قبر ودفن ليخفى مكانه عن ملتمسيه. قد صنف بعض الناس في هذا كتابا وسماه كتاب المرموس وأكثره ركيك عامي.
وإذا اعتبرته من حيث أن معناه يؤول إليك أي: يرجع أو يؤول إلى أصل سميته مؤولا وسميت فعلك تأويلا. وأكثر ما يختص هذا بالآيات والأخبار. والتفسير يختص باللفظ والتأويل بالمعنى.
وإذا اعتبرته من حيث صعوبة فهمه واعتياص استخراجه سميته عويصا. وهذا يختص بمشكل كل علم يقال منه مسألة عويصة وعلم عويص. وإذا اعتبرته من حيث أن غيرك حاجاك به)
أي: استخرج مقدار حجاك وهو عقلك أو مقدار ريثك في استخراجه مشتقا من الحجو وهو الوقوف واللبث سميته محاجاة ومسائله أحاج وأحدها أحجية وأحجيا. وهذا أيضا لا يختص بفن واحد من العلوم وإن كان الحريري صاحب المقامات قد أفرد له بابا. وإذا اعتبرته من حيث أنه قد عمل له وجوه وأبواب مشتبهة سميته لغزا وسميت فعلك له إلغازا مأخوذ من لغز اليربوع.

416
وإذا اعتبرته من حيث أن واضعه كان يعاييك أي: يظهر إعياءك. وهو التعب فيه سميته معاياة. وقد صنف الفقهاء في هذا الفن كتبا وسموها كتب المعاياة. ولغيرهم من أرباب العلوم مصنفات. وإذا اعتبرته من حيث أن واضعه لم يفصح به قلت: رمز والشيء مرموز والفعل رمز وقريب مئة الإشارة. وإذا اعتبرته من حيث استخراج كثرة معانيه في الشعر سميته أبيات المعاني وكتب المعاني. وهذا يخص الأدب والشعر. وإذا اعتبرته من حيث هو ذو وجوه سميته الموجه وسميت فعله التوجيه. وذلك مثل قول محمد بن حكينا وقد كان أمين الدولة أبو الحسن بن صاعد الطبيب قاطعه ثم استماله وكان ابن حكينا قد أضر بصره وافتقر فكتب إليه:
* وإذا شئت أن تصالح بشا
* ر بن برد فاطرح عليه أباه
* فنفذ إليه بردا واسترضاه فاصطلحا. وهذا أحسن ما سمعت في التوجيه. قوله: بشار بن برد أي: أعمى. فاطرح عليه أباه هذه لفظة بغدادية يقال: لمن يريد أن يصالح: اطرح عليه فلانا أي: احمله إليه ليشفع لك. ولم يتفق لأحد في التوجيه أحسن من هذا. وإذا اعتبرته من حيث أن قائله لم يصرح بغرضه سميته تعريضا وكناية. وأكثر أرباب الحياء من الناس مضطر إلى مثله. وإذا اعتبرته من حيث أن قائله يوهمك شيئا ويريد غيره سميته لحنا وسميت مسائله الملاحن. وقد صنف الناس في هذا الفن كتبا كالملاحن لابن دريد والمنقذ

417
للمفجع والحيل في الفقه وغيره. فاعرف ذلك. والحريري هو أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري البصري صاحب المقامات. كان أحد أئمة عصره ورزق السعادة والحظوة التامة في عمل المقامات واشتملت على شيء كثير من كلام العرب من لغاتها وأمثالها ورموز أسرار كلامها. ومن عرفها حق معرفتها استدل بها على فضله وكثرة اطلاعه وغزارة مادته. روي أن الزمخشري لما وقف عليها استحسنها وكتب على ظهر نسخة منها:
* أقسم بالله وآياته
* ومشعر الحج وميقاته)
* (أن الحريري حري بأن
* نكتب بالتبر مقاماته
* ثم صنع الزمخشري المقامات المنسوبة إليه وهي قليلة بالنسبة إليها وشرحها أيضا وصنع في إثرها نوابغ الكلم. وقد اعتنى بشرح المقامات أفاضل العلماء شروحا متنوعة تفوت الحصر والعد. وله أيضا درة الغواص وله أيضا شروح كثيرة قد اجتمع منها عندي خمسة شروح. وله أيضا ملحة الإعراب في النحو وشرحها أيضا. وهو عند العلماء يعد ضعيفا في النحو. وله ديوان رسائل وشعر كثير. وله قصائد استعمل فيها التجنيس كثيرا. ويحكى أنه كان دميما قبيح المنظر فجاءه شخص غريب ليأخذ عنه فلما رآه استزرى شكله ففهم الحريري ذلك منه فلما التمس منه أن يملي عليه قال له: اكتب:

418
* فاختر لنفسك غيري إنني رجل
* مثل المعيد فاسمع بي ولا ترني
* فخجل الرجل وانصرف عنه. وكانت ولادته سنة ست وأربعين وأربعمائة وتوفي في سنة ست عشرة وخمسمائة بالبصرة. والحريري نسبته إلى الحرير وعمله أو بيعه. وكان يزعم أنه من ربيعة الفرس وكان مولعا بنتف لحيته عند الفكرة وكان يسكن في مشان البصرة بفتح الميم والشين المعجمة وهي بليدة فوق البصرة كثيرة النخل موصوفة بشدة الوخم وكان أصله منها يقال: إنه كان له بها ثمانية عشر ألف نخلة وإنه كان من ذوي اليسار. ولما اشتهرت المقامات استدعاه من البصرة إلى بغداد وزير المسترشد جلال الدين عميد الدولة أبو الحسن بن صدقة وسأله عن صناعته فقال: أنا رجل منشئ. فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعة عينها فانفرد في ناحية من الديوان ومكث زمانا طويلا فلم يفتح الله عليه بشيء فقام وهو خجلان. عمل هذين البيتين في أبو محمد المعروف بابن حكينا الشاعر البغدادي:
* شيخ لنا من ربيعة الفرس
* ينتف عثنونه من الهوس
*
* أنطقه الله بالمشان كما
* رماه وسط الديوان بالخرس
* وأما سعد الوراق فهو أبو المعالي سعد بن علي بن القاسم الأنصاري الخزرجي الوراق الحظيري البغدادي المعروف بدلال الكتب. كان له نظم جيد وألف مجاميع منها كتاب زينة الدهر وعصرة أهل العصر وهو ذيل على دمية القصر للباخرزي.

419
وله كتاب سماه ملح الملح يدل على كثرة اطلاعه. وله كتاب الألغاز المذكور. وله شعر جيد منه:
* ومعذر في خده
* ورد وفي فيه مدام)
* (ما لان لي حتى تغ
* شى صبح سالفه ظلام
*
* كالمهر يجمع تحت را
* كبه ويعطفه اللجام
* وله أيضا:
* أحدقت ظلمة العذار بخدي
* ه فزادت في حبه حسراتي
*
* قلت: ماء الحياة في فمه العذ
* ب دعوني أخوض في الظلمات
* وله كل معنى مليح مع جودة السبك. وتوفي في يوم الاثنين الخامس والعشرين من صفر سنة ثمان وستين وخمسمائة ببغداد. والحظيري بفتح الحاء المهملة وكسر الظاء المعجمة: نسبة إلى موضع فوق بغداد يقال له: الحظيرة ينسب إليه كثير من العلماء. والثياب الحظيرية منسوبة إليه أيضا.
ولخصت هاتين الترجمتين من الوفيات لابن خلكان. وأنشد بعده
3 (الشاهد الثامن والثمانون بعد الأربعمائة))

420
على أنه يقال: كنوت كما يقال كنيت. وأورده يعقوب بن السكيت في باب ما يقال بالياء والواو من إصلاح المنطق قال: ويقال: كنيته وكنوته. وأنشد أبو زياد: وإني
لأكنو عن قذور البيت قال شارح أبياته ابن السيرافي: قذور: امرأة. يقول: أذكرها في بعض الأوقات باسم غيرها وأصرح باسمها في وقت آخر وأعرب وأبين. يقال: أعرب عن الشيء يعرب إعرابا إذا بينه.
وأصارح: أظهر ولا أستر. انتهى. وقال ابن دريد: ناقة قذور: عزيزة النفس لا ترعى مع الإبل ولا تبرك معها. انتهى. فيكون اسم المرأة منقولا من هذا. وأبو زياد هو صاحب النوادر المشهورة أنشد ذلك البيت في نوادره ولم يعزه لأحد. وهو يزيد بن عبد الله بن الحر بن همام بن دهر بن ربيعة بن عمرو بن نفاثة بن عبد الله بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وقدم أبو زياد بغداد من البادية أيام المهدي لأمر أصاب قومه فأقام ببغداد أربعين سنة وصنف كتاب النوادر وهو كتاب كبير فيه فوائد كثيرة. وله كتاب الفروق. ومن شعره:

421
* له نار تشب على يفاع
* إذا النيران ألبست القناعا
*
* ولم يك أكثر الفتيان مالا
* ولكن كان أرحبهم ذراعا
* وأنشد بعده: هذا صدر وعجزه:)
قد تمنى لي موتا لم يطع وتقدم شرحه في الشاهد التاسع والثلاثين بعد الأربعمائة. وأنشد بعده:
* على أنني بعد ما قد مضى
* ثلاثون للهجر حولا كميلا
* وتقدم الكلام عليه في الشاهد السادس عشر بعد المائتين. وأنشد بعده

422
3 (الشاهد التاسع والثمانون بعد الأربعمائة))
وهو من شواهد س:
* كم يجود مقرف نال العلا
* وكريم بخله قد وضعه
* على أن يونس يجيز في الاختيار الفصل بين كم الخبرية وبين مميزها المتضايفين بالظرف كما في البيت. قال سيبويه: وقد يجوز أن تجر يعني: كم وبينها وبين الاسم حاجز فتقول: كم فيها رجل. فإن قال قائل: أضمر من بعد فيها قيل له: ليس في كل موضع يضمر الجار. وقد يجوز على قول الشاعر:
* كم بجود مقرف نال العلا
* وكريم بخله قد وضعه
* الجر والرفع والنصب على ما فسرنا. انتهى. قال الأعلم: فالرفع على أن تجعل كم ظرفا ويكون لتكثير المرار وترفع مقرف بالابتداء وما بعده خبر والتقدير: كم مرة مقرف نال العلا. والنصب على التمييز لقبح الفصل بينه وبين كم في الجر.

423
وأما الجر فعلى أنه أجاز الفصل بين كم وما عملت فيه بالظرف ضرورة. وموضع كم في الموضعين موضع رفع بالابتداء والتقدير: كثير من المقرفين نال العلا بجود. والمقرف: النذل اللئيم الأب. يقول: قد يرتفع اللئيم بجوده ويتضع الرفيع الكريم الأب ببخله. انتهى. وقال ابن الأنباري في مسائل الخلاف: ذهب الكوفيون إلى أنه إذا فصل بين كم الخبرية وبين الاسم بظرف كان مخفوضا بالنقل والقياس. أما بالنقل فقوله: كم بجود مقرف نال العلا وقال الآخر: كم من بني بكر بن سعد سيد وأما القياس فلأن خفض الاسم بتقدير من نحو: كم رجل أكرمت بدليل أن المعنى يقتضيه فتقدر من في الفصل كما تقدر في الاتصال. ولا يجوز أن تكون بمنزلة عدد ينصب كثلاثين ولو كانت بمنزلته لكان ينبغي أن لا يجوز الفصل بينهما. وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز فيه الجر)
ويجب نصبه لأن كم هي العاملة للجر لأنها بمنزلة عدد مضاف فإذا فصل بظرف بطلت

424
كم نالني منهم فضلا على عدم والتقدير: كم فضل فلما فصل نصب. وإنما عدل إلى النصب لأن كم بمنزلة عدد ينصب ما بعده. ولم يمتنع النصب بالفصل لأن له نظيرا. وأما قوله: بجود مقرف فالرواية الصحيحة مقرف بالرفع أو أن الجر شاذ وهذا هو الجواب عن البيت الثاني. وقولهم: إن من مقدرة قلنا: إن كم عند المحققين من أصحابكم بمنزلة رب يخفض الاسم بها كرب ولأن حذف حرف الجر له مواضع مخصوصة وليس هذا منها. وقولهم: إنها لو كانت بمنزلة عدد ينصب ما بعده كثلاثين لكان ينبغي أن لا يجوز الفصل. قلنا: إنما جاز فيها جوازا حسنا دون نحو ثلاثين لأن كم منعت من بعض ما لثلاثين من التصرف فجعل هذا عوضا مما منعته. ألا ترى أن ثلاثين تكون فاعلة لفظا ومعنى ومفعولة فلما منعت كم من هذا جعل لها ضرب من التصرف ليقع التعادل. على أنه جاء الفصل بين ثلاثين ومميزها في الشعر كقوله:
* على أنني بعد ما قد مضى
* ثلاثون للهجر حولا كميلا
* انتهى. وقوله: بجود متعلق بنال والباء سببية وكم على هذا الوجه مبتدأ وهي خبرية ونال العلا الخبر. ومن روى بنصب مقرف فهي أيضا خبرية.

425
قال أبو علي: وقد تجعل كم في الخبر بمنزلة عشرين فينصب ما بعدها ويختار ذلك إذا وقع الفصل بين المضاف والمضاف إليه.
فتكون كم أيضا مبتدأ ونال العلا الخبر ونصب مقرف على التمييز. ومن روى برفع مقرف فهي أيضا خبرية وموضعها نصب بأنها ظرف والعامل فيها نال ومقرف: مبتدأ ونال العلا خبره. وإنما لم تكن كم في الخبر لأنها هنا ظرف زمان. وقوله: وكريم بالجر عطف على مقرف على رواية الجر وجملة بخله قد وضعه من المبتدأ والخبر خبر لكم المقدرة. والبيت من أبيات نسبها صاحب الأغاني لأنس بن زنيم قالها لعبيد الله بن زياد بن سمية. كذا قال صاحب الأغاني وشراح أبيات سيبويه وشراح الجمل وهي:
* سل أميري ما الذي غيره
* عن وصالي اليوم حتى ودعه
*
* لا تهني بعد إكرامك لي
* فشديد عادة منتزعه
*
* لا يكن وعدك برقا خلبا
* إن خير البرق ما الغيث معه
*
* كم بجود مقرف نال العلا
* وشريف بخله قد وضعه
*)
وقوله: سل أميري إلخ أنشده الشارح المحقق في شرح الشافية على أن يدع سمع ماضيه ودع كما في البيت.

426
قال سيبويه: استغنوا عن وذر وودع بقولهم: ترك. وقد جاء ودع على جهة الشذوذ قرئ في الشواذ: ما ودعك وكقوله: حتى ودعه. قال سويد بن أبي كاهل:
* فسعى مسعاته في قومه
* ثم لم يدرك ولا عجزا ودع
*
* فكان ما قدموا لأنفسهم
* أكثر نفعا من الذي ودعوا
* وقد جاء وادع أيضا في الشعر انشده أبو علي في البصريات وهو:
* فأيهما ما اتبعن فإنني
* حزين على ترك الذي أنا وادع
* وقد جاء المصدر أيضا في الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم. وقد جاء اسم المفعول أيضا. قال خفاف بن ندبة:
* إذا ما استحمت أرضه من سمائه
* جرى وهو مودوع وواعد مصدق
* قال الصغاني: أي: متروك لا يضرب ولا يزجر. وقول ابن بري إن مودوعا هنا من الدعة التي هي السكون لا من الترك يرد عليه أن ودع بمعنى سكن غير متعد يقال: ودع في بيته.

427
وقوله: لا تهني هو من الإهانة. والخلب من البرق: الذي لا مطر معه ولا ينتفع بسحابه. وتضرب به العرب المثل لمن أخلف وعده. قال أعشى همدان:
* لا يكن وعدك برقا خلبا
* كاذبا يلمع في عرض الغمام
* الأبيات. ونسب صاحب الحماسة البصرية هذه البيات في باب الوصف لعبد الله بن كريز.
وزاد بعد البيت الثاني:
* واذكر البلوى التي أبليتني
* ومقالا قلته في المجمعه
* ورويت أيضا لأبي الأسود الدؤلي. والله أعلم بحقيقة الحال. وأنس بن زنيم شاعر صحابي مضاف إلى جده. قال الآمدي: هو أنس ابن أبي أناس الكناني بن زنيم بن محمية بن عبد بن عدي بن الديل بن بكر ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة. وهو شاعر مشهور حاذق وهو القائل:
* وعوراء من قيل امرئ قد رددتها
* بسالمة العينين طالبة عذرا
*
* ولو أنه إذ قالها قلت مثلها
* أو أكثر منها أورثت بيننا غمرا
*

428
* فأعرضت عنه وانتظرت به غدا
* لعل غدا يبدي لمؤتمر أمرا
*
* لأنزع ضيما ثاويا في فؤاده
* وأقلم أظفارا أطال بها الحفر
*)
وقال ابن حجر في الإصابة: ذكر ابن إسحاق في المغازي أن عمرو بن سالم الخزاعي خرج في أربعين راكبا يستنصرون رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش فأنشده: لا هم إني ناشد محمدا عهد أبينا وأبيه الأتلدا الأبيات. ثم قال: يا رسول الله إن أنس بن زنيم هجاك فهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه فبلغه ذلك فقدم عليه صلى الله عليه وسلم معتذرا وأنشده أبياتا مدحه بها وكلمه فيه نوفل بن معاوية الدؤلي فعفا عنه. ومن تلك الأبيات:
* فلما حملت من ناقة فوق رحلها
* أبر وأوفى ذمة من محمد
* قال دعبل بن علي في طبقات الشعراء: هذا أصدق بيت قالته العرب. ولأنس مع عبد الله بن زياد أمير العراق أخبار أوردها الأصفهاني صاحب الأغاني في ترجمة حارثة بن بدر الغداني فإنه كان بينهما أهاج بعد تصاف. وروى أن أنسا لما رأى من عبيد الله بن زياد جفوة وأثرى لحارثة بن بدر قال:
* أهان وأقسى ثم تنتصحونني
* ومن ذا الذي يعطي نصيحته قسرا
*

429
* رأيت أكف المصلتين عليكم
* ملاءا وكفي من عطائكم صفرا
*
* متى تسألوني ما علي وتمنعوا
* الذي لي لا أسطع على ذلكم صبرا
*
* وإني صرفت الناس عما يريبكم
* ولو شئت قد أغليت في حربكم قدرا
*
* وإني مع الساعي عليكم بسيفه
* إذا عظمكم يوما رأيت به كسرا
* فقال عبيد الله لحارثة: أجبه. فاستعفاه لمودة كانت بينهما فأكرهه على ذلك وأقسم عليه فقال:
* تبدلت من أنس إنه
* كذوب المودة خوانها
*
* أراه بصيرا بعيب الخليل
* وشر الأخلاء عورانها
* فأجاب أنس:
* بصرت به في قديم الزمان
* كما بصر العين إنسانها
* ودام الشر بينهما زمانا طويلا. وذكر ما جرى بينهما وشعر كل واحد في الآخر بإغراء عبيد الله بن زياد. وأنشد بعده
3 (الشاهد التسعون بعد الأربعمائة))
وهو من شواهد س:

430
* كم في بني سعد بن بكر سيد
* ضخم الدسيعة ماجد نفاع
* على أن فيه دليلا على جواز الفصل بالظرف المستقر عند يونس كما جاز الفصل بالظرف اللغو في البيت السابق. وسيبويه لا يجيز الفصل بالظرف إلا لضرورة. وأنشد هذا البيت. قال الأعلم: الشاهد فيه خفض سيد ب كم ضرورة ولو رفع سيد أو نصب لجاز كما تقدم. وبيان كونه ظرفا مستقرا أن كم في محل رفع مبتدأ والظرف الفاصل في محل رفع خبر المبتدأ. وأخطأ ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل في زعمه أن الظرف حال من سيد وكان في الأصل صفة فلما قدم عليه صار حالا منه. ووجه الخطأ أن المبتدأ يبقى بلا خبر. وضخم وماجد ونفاع بجر الثلاثة صفات لسيد. والدسيعة بفتح الدال وكسر السين وبعد المثناة التحتية عين والثلاثة بالإهمال ومعناها العطية. قال الأعلم: هي من دسع البعير بجرته إذا دفع بها. ويقال هي الجفنة والمعنى أنه واسع المعروف. والماجد: الشريف. يصف كثرة السادات في هذه القبيلة.
والبيت وقع غفلا في كتاب سيبويه والمفصل ولم يعزه أحد من شراحهما إلى قائله. وزعم العيني أنه للفرزدق. والله أعلم به. وأنشد بعده
3 (الشاهد الحادي والتسعون بعد الأربعمائة))
وهو من شواهد س:

431
* كم نالني منهم فضلا على عدم
* إذ لا أكاد من الإقتار أحتمل
* على أن جر التمييز مع الفصل بالجملة لا يجيزه إلا الفراء فيجوز عنده خفض فضلا. وأما غيره فيوجب نصبه كما في البيت. قال سيبويه: وقال الخليل: إذا فصلت بين كم وبين الاسم بشيء استغنى عليه السكوت أو لم يستغن فاحمله على لغة الذين يجعلونه بمنزلة اسم منون لأنه قبيح أن يفصل بين الجار والمجرور لأن المجرور داخل في الجار فصارا كأنهما كلمة واحدة.
والاسم المنون قد يفصل بينه وبين الذي يعمل فيه تقول: هذا ضارب بك زيدا ولا تقول هذا ضارب بك زيد. قال القطامي: وإن شاء رفع فجعل كم المرار التي ناله فيها الفضل فارتفع الفضل بنالني كقولك: كم قد أتاني زيد فزيد: فاعل وكم: مفعول فيها وهي المرار التي أتاه فيها وليس زيد من المرار. اه.
قيل: روى فضلا بالجر أيضا. فكم على النصب والجر مبتدأ وجملة: نالني خبره وفاعله ضمير كم. وعلى الرفع ظرف لنالني كما قال سيبويه. وزعم العيني أن كم مع النصب ظرف زمان تقديره: كم مرة أو كم يوما وجملة نالني منهم جملة معترضة بين كم ومميزها وهو فضلا. هذا كلامه.

432
ولا يخفى فساده إذ جعل المميز محذوفا مع أن مذكور. ولا يصح جعل جملة نالني اعتراضية إذ لا فاعل للفعل حينئذ. وقوله: على عدم أي: مع عدم متعلق بمحذوف على أنه حال من الياء. كذا قال ابن الحاجب في أماليه عن ابن برهان. وزعم العيني أنه متعلق بنالني.
وهو فاسد يدرك بالتأمل. وأفسد منه قول ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل: قوله: على عدم حال من الياء وعامله نالني ويجوز أن يعمل فيه فضل المصدر على أنه مفعول به.
والعدم بفتحتين والعدم بضم فسكون كلاهما بمعنى الفقر والاحتياج. ومنهم متعلق بنالني.
وقال ابن المستوفي يجوز أن يكون موضع منهم النصب على الحال صفة لفضل مقدما عليه ويجوز أن يكون من قيه مبنيا للجنس ويعمل فيه نالني. وهذا خطأ فإن من البيانية مع مجرورها تتعلق بمحذوف على أنه حال. والفضل: الخير والإنعام وجملة أحتمل في محل نصب خبر كاد وهو بالحاء المهملة. قال شارح ديوان القطامي: أي: لم يكن لي حمولة أحتمل عليها. والحمولة بالفتح قال صاحب المصباح: هو البعير يحمل عليه وقد يستعمل في الفرس والبغل والحمار.)
اه. فمعنى احتمل: أتخذ حمولة. وقال الأعلم: قوله: إذ لا أكاد إلخ أي: حين بلغ مني الجهد وسوء الحال إلى أن لا أقدر على الارتحال لطلب الرزق ضعفا وفقرا.
ويروى: أجتمل بالجيم أي: أجمع العظام لأخرج ودكها وأتعلل به والجميل: الودك. اه.

433
ولم يذكر أحد رواية الجيم من اجتملت الشحم إذا أذبته وكذا جملته أجمله جملا وربما قالوا: أجملته حكاه أبو عبيد.
ورأيت في بعض الحواشي أنه روي: أحتمل بالحاء المهملة من الاحتمال وما أظنه صحيحا.
وزعم بعض فضلاء العجم في أبيات المفصل أن الرواية احتول ولم يذكر غيرها. وقال: أحتول من الحيلة وأصلها حولة قلبت الواو ياء كما في ميزان. وكان الوجه أحتال إلا أنه جاء على الأصل المرفوض. هذا كلامه ولم أرها لغيره. وقوله: إذ لا أكاد إذ ظرف لنالني. والإقتار: مصدر أقتر. قال في الصحاح: وأقتر الرجل: افتقر. ومن متعلقة بالنفي وقال العيني: ومن متعلقة بأجتمل. وسيجئ رده. وزعم ابن برهان أن قوله من الإقتار مفعول له يعمل فيه أحتمل. قال ابن الحاجب في أماليه: لا يصح هذا لفساد المعنى إذ الاحتمال لم يكن من أجل إقتار فيخصصه بالنفي وإنما يصح أن يكون معللا بمثل ذلك ثم ينفيه مخصصا له كقولك: ما جئتك طمعا في برك فإن المجيء قد يكون طمعا في البر فينفى المجيء المقيد بعلة الطمع ولذلك لا يلزم منه نفي المجيء لغير ذلك لأنه لا يتعرض له بل قد يفهم منه إثبات مجيء لغير ذلك عند من يقول بالمفهوم. أما لو قال: ما كلفتك بشيء للتخفيف عليك فلا يستقيم أن يكون تعليلا لكلفتك فإنه لا يصح أن يكون التخفيف علة للتكليف وإنما علل به نفي التكليف من أجل غرض التخفيف. وسر ذلك هو أنه إذا تعلق الفعل بشيء فلا بد أن يعقل مثبتا في نفسه ثم يتعلق النفي به. وإذا تعلق النفي به انتفى المقيد بما تعلق ولا ينتفي مطلقا إذ لم ينفه إلا مقيدا. ومن أجل ذلك امتنع تعلق من الإقتار بأحتمل. ويمنع أيضا تعلقه بأكاد إذ لا يتصور تعليل مقاربة الاحتمال بالإقتار لأنه عكس المعنى على ما تقدم في أحتمل فوجب أن يكون متعلقا بالنفي إذ هو المسبب بالمعنى لأن المعنى انتفت مقاربة الاحتمال من أجل الإقتار.

434
ألا ترى أنك لو قلت لمن قال: انتفت مقاربة الاحتمال: ما سبب ذلك لصح أن يقول: سببه الإقتار. ولو قلت لمن قال: ما سبب مقاربة الاحتمال أو ما سبب الاحتمال سببه الإقتار لكان فاسدا. فهو مما يوضح أنه تعليل للنفي وغير مستقيم أن يكون تعليلا لأحتمل أو أكاد. انتهى كلامه. والبيت من قصيدة للقطامي عدتها واحد وأربعون بيتا مدح بها أبا عثمان عبد الواحد. قال ابن)
الكلبي وابن حبيب: هو عبد الواحد بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن عبد شمس بن عبد مناف. وقال مصعب الزبيري: هو عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك. وكان واليا في المدينة لمروان بن محمد. وهذا مطلع القصيدة:
* إنا محيوك فاسلم أيها الطلل
* وأن بليت وإن طالت بك الطيل
* إلى أن قال بعد ستة أبيات:
* والناس من يلق خيرا قائلون له
* ما يشتهي ولأم المخطئ الهبل
*
* قد يدرك المتأني بعض حاجته
* وقد يكون مع المستعجل الزلل
* ثم وصف الإبل التي توصله إلى حبيبته علية بأبيات منها:

435
* يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة
* ولا الصدور على الأعجاز تتكل
* إلى أن قال:
* فقلت للركب لما أن علت بهم
* من عن يمين الحبيا نظرة قبل
*
* ألمحة من سنا برق رأى بصري
* أم وجه عالية اختالت به الكلل
* ثم بعد أبيات خاطب ناقته فقال:
* إن ترجعي من أبي عثمان منجحة
* فقد يهون على المستنجح العمل
*
* أهل المدينة لا يحزنك شأنهم
* إذا تخاطأ عبد الواحد الأجل
*
* إلا وهم جبل الله الذي قصرت
* عنه الجبال فما ساوى به جبل
*
* قوم هم ثبتوا الإسلام وامتنعوا
* رهط الرسول الذي ما بعده رسل
*
* من صالحوه رأى في عيشه سعة
* ولا يرى من أرادوا ضره يئل
* كم نالني منهم فضلا على عدم...................... البيت
* وكم من الدهر ما قد ثبتوا قدمي
* إذ لا يزال مع الأعداء ينتضل
*

436
* فما هم صالحوا من يبتغي عنتي
* ولا هم كدروا الخير الذي فعلوا
*
* هم الملوك وأبناء الملوك لهم
* والآخذون به والساسة الأول
* قوله: إنا محيوك أي: داعون لك بالتحية وهي البقاء والطلل: ما شخص من آثار الديار.
والطيل بالكسر: جمع طيلة وهي الدهر. وقوله: والناس من يلق إلخ يقول: من أخطأ قيل: لأمه الثكل وهو الهبل. ومن يلق خيرا أي: من أصاب عوضا من الدنيا قالوا: ما أرجله لله)
أبوه ما أعقله ومن أخطأه الرزق قالوا: أماته الله ما أعجزه وقوله: قد يدرك المتأني إلخ صاحب الأناة والوقار والحلم. وزل عن الأرض يزل زليلا إذا عثر. وقوله: يمشين رهوا إلخ أي: على هينتها. يقال: فعل ذلك راهيا أي: ساكنا سهلا. وأورده صاحب الكشاف عند قوله تعالى: واترك البحر رهوا على أن الرهو: السير السهل الساكن. ونسب البيت للأعشى
* ودع هريرة إن الركب مرتحل
* وهل تطيق وداعا أيها الرجل
* وليس كذلك. قال أبو عمرو: يقول: هي موثقة الصدور والأعجاز لا تخذل أعجازها صدورها ولا صدورها أعجازها. وقوله: فقلت للركب إلخ نظرة: فاعل علت. والنظرة القبل بفتحتين: التي لم تتقدمها نظرة ومنه يقال: رأينا الهلال قبلا إذا لم يكن رئي من قبل ذلك.
ومعنى علت بهم: جعلتهم يعلون وينظرون.

437
والحبيا بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وتشديد المثناة التحتية: موضع بالشام. وعن بمعنى جانب فهي اسم. وبه استدل ابن قتيبة في أدب الكاتب وابن الناظم والمرادي أيضا في شرح الألفية. وقوله: ألمحة من سنة إلخ هذا البيت مقول قلت. واللمحة: اللمعة. وسنا البرق: ضوءه. واختالت: تزينت به الكلل من حسنه وضمير به للوجه. والكلل: الستور. يريد أن وجه عالية ظهر إليهم من الستر فأشرفوا ينظرون إليه إعجابا به. ومنجحة من أنجح الرجل واستنجح إذا ظفر بحاجته. والعمل: التعب. ويحفى: يمشي بغير حذاء ومصدره الحفاء بالمد. ويئل: ينجو يقال: وأل يئل موئلا. ونالني: أصابني.
وينتضل: يرتمي بالضاد المعجمة. وعنتي: هلاكي. يقال: عنت الرجل يعنت عنتا إذا وقع في هلكة. وقوله: هم الملوك وأبناء الملوك لهم أي: منهم. والآخذون به أي: بالملك فأضمره لما جرى ذكر الملوك. والقطامي: شاعر إسلامي في الدولة الأموية تقدمت ترجمته في الشاهد الثالث والأربعين بعد المائة.

438
وأنشد بعده
3 (الشاهد الثاني والتسعون بعد الأربعمائة))
وهو من شواهد س:
* كم عمة لك يا جرير وخالة
* فدعاء قد حلبت علي عشاري
* على أنه قد روي عمة وخالة بالحركات الثلاث. وشرحها شرحا جيدا وجوز في النصب أن تكون كم استفهامية وخبرية. وهو مذهب أبي الحسن الربعي. فإن السيرافي قال: كم حينئذ استفهامية. وتبعه الزجاجي. وقال أبو علي: لا معنى هنا للاستفهام ولكن شبه بالاستفهامية فنصب بها كما تشبه الاستفهامية بالخبرية فيجر بها في نحو قولك: على كم جذع بيتك مبني.
وتوسط الربعي بينهما فقال: الوجه ما قاله أبو علي. والذي قاله السيرافي يجوز على أنه استفهمه هازئا به. كذا نقل ابن السيد وتبعه ابن خلف. والربعي مسبوق فإن ابن السراج قال في الأصول: النصب عندي على وجهين: على ما قاله سيبويه في لغة من ينصب في الخبر وعلى الاستفهام. انتهى. وبهذا يضمحل قول اللخمي في شرح أبيات الجمل: إن سيبويه أدخل البيت في وجه النصب على الخبر والتحقيق لا على وجه الاستفهام والشك.

439
قال سيبويه: ومن ينصب كثير منهم الفرزدق. ولم يذكر الاستفهام لكن ذكر أنها شبهت في الخبر بالاستفهام فنصب بها كما ينصب ما بعد العدد. انتهى. وكذا جوز الشارح المحقق الوجهين في الرفع. قال ابن السراج: اعلم أنك إذا قلت: كم عمة بالجر فلست تقصد إلا واحدة وكذلك إذا نصبت فإن رفعت لم يكن إلا واحدة لأن التمييز يقع واحده في موضع الجمع فإذا رفعت فلست تريد التمييز فإذا قلت: كم درهم عندك فإنما المعنى: كم دانقا هذا الدرهم الذي أسألك عنه فالدرهم واحد لأنه خبر وليس بتمييز. اه. فكل من الجر والنصب أبلغ من الرفع لأنهما يدلان على أن لجرير عمات وخالات أجيرات ممتهنات. والرفع يدل على أن له عمة واحدة حلبت له عشاره. ولهذا قال السيرافي: الأجود في البيت الخفض وبعده النصب وبعده الرفع. وبين الشارح المحقق إعراب كم مع الرفع ولم يبينه مع غيره. فهي مع خفض عمة ونصبها موضعها رفع على الابتداء والخبر جملة قد حلبت. قال ابن هشام في المغني: وأفرد الضمير في حلبت حملا على لفظ كم. وليس هذا من قبيل ما هو عائد على مجموع ما تقدم نحو: النساء فعلت كما زعمه الدماميني فإن العمة والخالة مفردان بخلاف النساء فإنه اسم جمع. وأما في رواية رفع عمة على الابتداء فلا بد من تقدير قد حلبت أخرى لأن المخبر عنه في هذا الوجه متعدد لفظا ومعنى. ونظيره:)
زينب وهند قامت. قاله ابن هشام في المغني. وجاز الابتداء بها وإن كانت نكرة لأنها قد وصفت ب لك وبفدعاء محذوفة مدلولها عليها بالمذكورة إذ ليس المراد تخصيص الخالة بالفدع كما حذفت لك من صفة خالة استدلالا عليها بلك الأولى. قاله ابن هشام أيضا. وعليه فيكون من قبيل الاحتباك وهو أن يثبت لأحدهما نظير ما حذف من الآخر. ونقل ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل عن الزمخشري في حواشيه على المفصل أن التقدير: كم لك غيرهما فتعلق لك بكم. ولأبي علي في المسائل المنثورة كلام جيد في كم أحببت إيراده هنا.

440
قال: إذا كانت كم خرا جاز فيهما بعدها الجر والرفع والنصب وإنما جررته بكم لأن كم نقيضة رب ومن أصولهم حمل الشيء على نقيضه. ألا ترى أن رب للقلة وكم للكثرة فلما كانت بهذه المنزلة أجريت مجرى رب. وإن نصب ما بعدها فجائز لأنها عدد في الحقيقة والأعداد تبين مرة بالنصب ومرة بالجر. وإذا كان هذا جائزا في الأعداد فعلى أي وجه أردت جاز. الرفع إذا قلت: كم رجل أتاني صارت كم في معنى مرار فتكون في موضع نصب بأتاني ويكون رجل مبتدأ وأتاني خبره. قال أبو عمرو: لا يكون ما تبين به كم إلا نكرة وذلك لأنها عدد والأعداد لا تبين إلا بالنكرات. والنصب في الخبر جائز لأنها عدد في الحقيقة وإن كان الوجه الجر.
والحسن أن تنصب إذا فصلت بينها وبين ما أضيف إليها لأن الفصل بين المتضايفين قبيح. فلما قبح نصبوه لأنها في الحقيقة عدد ورجل يفسر ويوضح. وأما قول الشاعر: كم بجود مقرفا البيت فنصب مقرفا فسر به كم لأنه حال بينه وبين كم بقوله بجود وتكون كم في موضع رفع بالابتداء وهي في المعنى فاعلة كما تقول: زيد قام فزيد مبتدأ وإن كان فاعلا في المعنى.
ويجوز الجر لأنك حلت بين كم وبين عملت فيه بظرف. فأما قول الفرزدق: كم عمة لك يا جرير وخالة فأما النصب في العمة فتجعل كم رفعا بالابتداء وحلبت خبرها وعمة تفسير العدد كأنه قال: عشرون عمة حلبت. والجر على ما تقدم من الكلام. وأما الرفع في العمة فتكون كم في موضع نصب وتكون كم في معنى مرار فتصير ظرفا للحلب.

441
قال أبو عمرو: تقول: كم رجال قد رأينا فجاز في كم أن تفسر بالجمع لأن العدد يفسر بالجمع وبالواحد. وإذا كانت كم عددا جاز تفسيرها بالواحد والجمع مع أنه مع كم أشد استمرارا وذلك إذا قلت: عشرون درهما ففي الكلام دلالة على الجمع. وإذا قلت: كم فليس في كم دلالة على الجمع فلذلك أجازوا ذلك)
في كم. انتهى كلام أبي علي. وفدعاء: صفة لخلة لقربها وحذفه من عمة قبلها. وقد فسر الشارح الفدعاء بكلام الصحاح وقال ابن الأعرابي: الأفدع: الذي يمشي على ظهور قدميه.
وقال أبو جعفر: الفدع في القدم والكوع في اليد. والرسغ بالضم هو من الإنسان: مفصل ما بين الكف والساعد والقدم إلى الساق. ومن الدواب: الموضع المستدق بين الحافر وموضع الوظيف من اليد والرجل. والإنسي بكسر الهمزة قال صاحب الصحاح: الإنسي: الأيسر من كل شيء.
وقال الأصمعي: هو الأيمن. وقال: كل اثنين من الإنسان مثل الساعدين والقدمين فما أقبل منهما على الإنسان فهو إنسي وما أدبر عنه فهو وحشي. انتهى. وقال صاحب المصباح: الوحشي من كل دابة: الجانب الأيمن. قال الشاعر:
* فمالت على شق وحشيها
* وقد ريع جانبها الأيسر
* قال الأزهري: قال أئمة العربية: الوحشي من جميع الحيوان غير الإنسان: الجانب الأيمن وهو الذي لا يركب منه الراكب ولا يحلب منه الحالب. والإنسي: الجانب الآخر وهو الأيسر. وروى أبو عبيد عن الأصمعي أن الوحشي هو الذي يأتي منه الراكب ويحلب منه

442
الحالب لأن الدابة تستوحش عنده فتفر منه إلى الجانب اليمن. قال الأزهري: وهو غير صحيح عندي. قال ابن الأنباري: ويقال: ما من شيء يفزع إلا مال إلى جانبه الأيمن لأن الدابة إنما تؤتى للركوب والحلب من الجانب الأيسر فتخاف عنده فتفر من موضع المخافة وهو الجانب الأيسر إلى موضع الأمن وهو الجانب الأيمن. فلهذا قيل الوحشي الجانب الأيمن. ووحشي اليد والقدم: ما لم يقبل على صاحبه والإنسي خلافه. ووحشي القوس: ظهرها. وإنسيها: ما أقبل عليك منها. انتهى وسقناه برمته لجودته. والشوه بسكون الواو: مصدر شاهت الوجوه تشوه أي: قبحت. وقول الشارح المحقق: وإنما عدى حلبت بعلى لتضمنه معنى ثقلت إلخ مأخوذ من كلام صدر الأفاضل فإنه قال: إن قيل: ما معنى حلبت علي أجيب بأن معناه: على كره مني. وهذا كما يقال باع القاضي عليه داره. يقول: استنكفت أن تحلب عشاري. ويشهد لهذا المعنى الفدعاء. انتهى. قال شارح شواهد الإيضاح والمفتاح: وجه الشهادة أن الفدعاء من صفات الإماء فيؤذن بلؤم من يوصف به فلذلك استنكف. يريد: خدمنني على كره لأنني لم أكن راضيا بذلك لخستهن ولؤمهن. ونقل ابن المستوفي عن حواشي المفصل أن الفدع من صفات الإماء. وقوله: علي أي: لي أي: كانت راعية لي. ثم نقل كلام صدر الأفاضل. وقال: الأجود)
ما في الحواشي لأنه لا تحلب عشاره إلا بإذنه وهو أبلغ. هذا كلامه.

443
والعشار بالكسر جمع عشراء بضم ففتح وبالمد قال اللخمي: هي الناقة التي مضت لها عشرة أشهر من حملها. ثم يبقى عليها الاسم إلى أن تنتج لحول وبعد ذلك بأيام. على هذا إجماع أكثر اللغويين. وقيل: يقع هذا الاسم على التي أتى عليها من وضعها عشرة أشهر وهي في هذا البيت كذلك بدليل قوله: حلبت وهو الوجه ويحتمل أن يحمل البيت الأول على القول الأول. ومعنى البيت يذمه بذلك ويصفه أنه من أهل القلة وليس من أهل الشرف والسعة إذ لو كان كذلك لصانهن من الابتذال. وإنما خص النساء بالحلب لأن العرب يتعايرون بحلب النساء فهو في القلة كما قال السليك:
* أشاب الرأس أني كل يوم
* أرى لي خالة وسط الرحال
*
* يعز على أن يلقين ضيما
* ويعجز عن تخلصهن مالي
* وقد صحف اللحياني ثلاث كلمات من البيت. الأولى: حلبت فإنه صحفه بجليت بضم الجيم وكسر اللام بعدها مثناة تحتية. والثانية: علي صحفه بعلى الجارة. والثالثة: عشاري فإنه صحفه بعشار بفتح العين وتشديد الشين. قال ابن جني في سر الصناعة: أصحابنا البصريون في كثير مما يحكيه اللحياني كالمتوقفين. حكى أبو العباس عن إسحاق بن إبراهيم قال: سمعت اللحياني ينشد:
* كم عمة يا جرير لك وخالة
* فدعاء قد جليت على عشار
* فقلت له: ويحك إنما هو: قد حلبت علي عشاري. فقال لي: وهذه أيضا رواية.

444
ومما صحفه أيضا قولهم في المثل: يا حامل اذكر حلا حامل بالميم. وإنما هو: يا حابل اذكر حلا بالباء أي: يا من يشد الحبل اذكر وقت حله. وذاكرت بنوادره شيخنا أبا علي فرأيته غير راض بها وكان يكاد يصلي بنوادر أبي زيد إعظاما لها. وقال لي وقت قراءتي إياها عليه: ليس فيها حرف إلا وتحته لأبي زيد غرض ما. وهو كذلك لأنها محشوة بالنكت والأسرار. انتهى. ورأيت في تذكرة أبي علي حدثني أبو خالد عن إسحاق بن الموصلي قال: أنشد أبو المنذر العروضي يوما: قد جليت على عشار فقيل له: الرواية: قد حلبت علي عشاري فقال: وهذا أيضا وجيه. انتهى. ووقع مثل بيت الفرزدق بيت لجرير من قصيدة هجى بها خليد عينين العبدي وهو:)
* كم عمة لك يا خليد وخالة
* خضر نواجذها من الكراث
* قال المبرد في الكامل: وإنما هجاه بالكراث لأن قبيلة عبد القيس يسكنون البحرين والكراث من أطعمتهم والعامة يسمونه: الركل والركال. وبيت الفرزدق من قصيدة عدتها ثمان وثلاثون بيتا هجا بها جريرا مطلعها:
* يا ابن المراغة إنما جاريتني
* بمسبقين لدى الفعال قصار
*

445
* والحابسين إلى العش ليشربوا
* نزح الركي ودمنة الأسئار
*
* يا ابن المراغة كيف تطلب دارما
* وأبوك بين حمارة وجمار
*
* لن تدركوا كرمي بلؤم أبيكم
* وأوابدي بتنحل الأشعار
* إلى أن قال:
* يستيقظون إلى نهاق حميرهم
* وتنام أعينهم عن الأوتار
*
* متبرقعي لؤما كأن وجوههم
* طليت حواجبها عنية قار
*
* كم من أب لي يا جرير كأنه
* قمر المجرة أو سراج نهار
*
* ورث المكارم كابرا عن كابر
* ضخم الدسيعة كل يوم فخار
* إلى أن قال:
* كم عمة لك يا جرير وخالة
* فدعاء قد حلبت علي عشاري
*
* كنا نحاذر أن تضيع لقاحنا
* ولهى إذا سمعت دعاء يسار
*
* شغارة تقذ الفصيل برجلها
* فطارة لقوادم الأبكار
* وهذا آخر القصيدة. وقوله: لا يغدرون إلخ. يقول: هم ضعفاء لا يقدرون على غدر ولا على وفاء.

446
وعنية بفتح العين وكسر النون بعدها مثناة تحتية مشددة قال في الصحاح: هو بول البعير يعقد في الشمس يطلى به الأجرب. والقار بالقاف قال في الصحاح: هو الإبل. وقوله: كنا نحاذر إلخ تضيع: مضارع أضاع ولقاحنا مفعوله وهو جمع لقوح وهي الناقة الحلوب. قال في الصحاح: إذا نتجت الناقة فهي لقوح شهرين أو ثلاثة ثم لبون بعد ذلك. وقوله: ولهى: فاعل تضيع وهو فعلة من الوله. ويسار اسم عبد كان يتعرض لبنات مولاه. وقوله: شغارة تقذ الفصيل إلخ هو من شواهد سيبويه أورده بعد قوله: كم عمة لك يا جرير البيت بنصب شغارة على الذم. قال: زعم يونس أنه سمع الفرزدق ينشده بالنصب جعله شتما وكأنه حين)
ذكر الحلب صار من يخاطب عنده عالما بذلك. ولو ابتدأه وأجراه على الأول كان جائزا عربيا.
انتهى. قال الأعلم: الشاهد في نصب شغارة وفطارة على الشتم. والشغارة: التي ترفع رجلها ضاربة للفصيل لتمنعه من الرضاع عند الحلب يقال: شغر الكلب إذا رفع رجليه ليبول.
والوقذ: أشد الضرب. والموقوذة: التي نهكت ضربا حتى أشرفت على الهلاك.

447
والفطارة: التي تحلب الفطر وهو القبض على الخلف بأطراف الأصابع لصغره. والضف: أن يقبض عليه بالكف لعظمه. والأبكار: جمع بكر وهي التي نتجت أول بطن. وقوادمها: أخلافها وهي أربعة: قادمان وآخران فسماها كلها قوادم اتساعا وجازا. وإنما وصفها بهذا الضرب من الحلب لأنه أصعبه. انتهى. وقال ابن خلف:
الضف بالفاء ويقال: الضب بالباء وهو الحلب بالكف كلها وإنما يكون للكبار من النوق وأما الصغار من النوق فإنما تحلب بأطراف الأصابع لصغر ضرعها وإنما وصف حذقها ومعرفتها بالحلب لأنها نشأت عليه. وقال ابن المستوفي: أراد أنها عالمة بالحلب فهي أول من فتح قوادمها. قالوا: لأن الأخلاف والضروع أيام الحمل تكون مسدودة بشيء كالصمغ فإذا ولدت الدابة عالجه الحالب حتى ينزعه من مكانه فيسهل خروج
* عوجوا المطي علي ذا الأكوار
* كيما أخبركم من الأخبار
*
* أن الخلال وخنزرا ولدتهما
* أم مقارفة على الأطهار
* شغارة تقذ الفصيل برجلها.............. البيت انتهى. وقد تكلم السيد المرتضى قدس سره في أماليه على هذا البيت فلا باس بإيراده: قال: أما قول الفرزدق:

448
شغارة تقذ الفصيل برجلها.............. البيت فإنه من غريب شعره. وفسره قال: معنى شغارة أنها ترفع رجلها للبول. وقوله: تقذ الفصيل أي: تدفعه عن الدنو إلى الرضاع ليتوفر اللبن على الحلب. وأراد بتقذه أي: تبالغ في إيلامه وضربه ومنه الموقوذة. فأما قوله: فطارة لقوادم البكار فالفطر هو الحلب بثلاث أصابع.
والقوادم: الأخلاف. وإنما خص الأبكار بذلك لأن صغر أخلافها يمنع من حلبها ضبا. والضب هو الحلب بالأصابع الأربع فكأنه لا يمكن فيها لقصر أخلافها إلا الفطر. ومعنى البيت تعييره لنساء جرير بأنهن راعيات وذلك مما تعير به العرب النساء. ألا ترى إلى قوله قبل هذا البيت: كم عمة لك يا جرير وخالة.............. البيت)
كنا نحاذر أن تضيع لقاحنا.............. البيت ثم تلا ذلك بقوله: شغارة. قال السيد المرتضى رضي الله عنه: وعندي أن قوله شغارة كناية عن رفع رجلها للزنى وهو أشبه بأن تكون مرادة في هذا الموضع. ألا ترى أنه قد وصفها بالوله وترك حفظ اللقاح عند سماعها دعاء يسار. ويسار: اسم لراع فكأنه وصفها بالوله إلى الزنى والإسراع إليه وترك حفظ ما استحفظته من اللقاح. انتهى كلامه. وترجمة الفرزدق قد تقدمت في الشاهد الثلاثين. وأنشد بعده:

449
الواهب المائة الهجان وعبدها هذا صدر وعجزه: عوذا تزجي خلفها أطفالها على أنه يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع كما هنا وهو جعل ضمير المعرف باللام في التابع مثل المعرف باللام فإن قوله: عبدها بالجر معطوف على المائة وهو مضاف إلى ما ليس فيه أل واغتفر هذا لكونه تابعا. والهجان: كرام الإبل. والعوذ: جمع عائذ وهي الحديثة النتاج قبل أن توفي خمس عشرة ليلة ثم هي مطفل بعده. وتزجي: تسوق وفاعله ضمير العوذ وأطفالها مفعولة. والمعنى أن هذا الممدوح يهب المائة من الإبل الكريمة مع أطفالها ويهب راعيها أيضا.
وقد تقدم شرح هذا مفصلا في الشاهد الرابع والتسعين بعد المائتين.

450
((الظروف))
أنشد فيه:
* إلا علالة أو بدا
* هة سابح نهد الجزاره
* على أنه حذف المضاف إليه من الأول بدلالة المضاف إليه من الثاني التابع فإن الأصل: إلا علالة سابح أو بداهة سابح فحذف سابح من الأول لدلالة الثاني عليه. وتقدم الكلام عليه مشروحا في الشاهد الثالث والعشرين من أوائل الكتاب ومر في باب الإضافة أيضا. قال الفراء في تفسيره: ولا تنكرن أن تضيف قبل وبعد وأشباههما وإن لم يظهر فقد قال الشاعر:
* إلا بداهة أو علا
* لة سابح نهد الجزاره
* وسمعت أبا ثروان العكلي يقول: قطع الله الغداة يد ورجل من قاله. وإنما يجوز هذا في الشيئين يصطحبان مثل اليد والرجل. ومثله: عندي نصف أو ربع درهم وجئتك قبل أو بعد العصر. ولا يجوز في الشيئين يتباعدان مثل الدار والغلام فلا يجيزون: اشتريت دار أو غلام زيد ولكن عبد أو أمة زيد وعين أو أذن زيد وما أشبهه. اه.

451
والعلالة بالضم: بقية جري الفرس وهو منصوب لأنه استثناء منقطع. والبداهة بالضم أيضا: أول جري الفرس. والسابح: الفرس الذي يدحو الأرض بيديه في العدو. والنهد: المرتفع العالي. والجزاره: بضم الجيم: الرأس واليدان والرجلان. يريد أن في عنقه وقوائمه طولا وارتفاعا. وأنشد بعده لاهد الثالث والتسعون بعد الأربعمائة
* ونحن قتلنا الأزد أزد
* فما شربوا بعدا على لذة خمرا
* على أنه يجوز بقلة في هذه الظروف أن يعوض التنوين من المضاف إليه فيعرب كما أعرب بعدا في البيت على الظرفية والكثير البناء على الضم إذ المختار عند الشارح المحقق أن المبني على الضم والمنون لا فرق بينهما في المعنى وإنهما مقطوعان عن الإضافة. فإن لم يبدل التنوين من المضاف إليه بني على الضم لما ذكره وإن أبدل عنه كان معربا بالنصب على الظرفية. وقد ينون المبني على الضم في الضرورة. وقد روى: فما شربوا بعد أيضا بضمتين. فالأول معرب وهذا مبني وكلاهما معرفة إذ المضموم بنية الإضافة إلى معرفة. قال أبو حيان في الارتشاف: وإذا قطعا يعني قبل وبعد عن الإضافة لفظا ونوى ما أضيف إليه وكان معرفة بنيا على الضم.

452
ثم قال أبو حيان: وقد يتوقف في تعريفهما بالإضافة إلى معرفة لأنهما متوغلان في الإبهام. هذا)
محصل كلام الشارح المحقق: وكون التنوين المنصوب للتعويض من المضاف إليه كتنوين بعض وكل هو مذهب الجماعة. قال ابن مالك في شرح الكافية: وذهب بعض العلماء إلى أن قبلا في قوله: وكنت قبلا معرفة بنية الإضافة إلا أنه أعرب لأنه جعل ما لحقه من التنوين عوضا من اللفظ بالمضاف إليه فعومل قبل مع التنوين لكنه عوضا من المضاف إليه بما يعامل به مع المضاف إليه كما فعل بكل حين قطع عن الإضافة لحقه التنوين عوضا. وهذا القول عندي حسن. اه. وهذا خلاف الطريقة المشهورة وهو ما عليه الجمهور قالوا: إن المنون نكرة كسائر النكرات وإن التنوين فيها للتمكين. قال ابن مالك في الألفية:
* وأعربوا نصبا إذا ما نكر
* قبلا وما من بعده قد ذكرا
* قال الشاطبي في شرحه: تخصيصه النصب في هذه الأشياء إذا قصد تنكيرها دون الجر والرفع ظاهر التحكم من غير دليل وأمر لا يساعده عليه سماع فإن أكثر ما ذكر يدخل فيه الجر وغيره.

453
تقول أتيته من فوق ومن تحت وفي بعض القراءات: لله الأمر من قبل ومن بعد ومن دون ومن دبر وما أشبه ذلك. قال سيبويه: وسألته يعني الخليل عن قوله: ومن دون ومن فوق ومن تحت ومن قبل ومن بعد ومن دبر ومن خلف فقال: أجروا هذا مجرى الأسماء المتمكنة لأنها تضاف وتستعمل غير ظرف. ثم قال: وكذلك من أمام ومن قدام ومن وراء ومن قبل ومن دبر قال: وزعم الخليل أنهن نكرات كقول أبي النجم: يأتي لها من أيمن وأشمل وزعم أنهن نكرات إذا لم يضفن إلى معرفة كما يكون أيمن وأشمل نكرة. وسألنا العرب فوجدناهم يوافقونة. اه. وقد رفعوا قبل ونحوه كما في قوله الوافر:
* هتكت به بيوت بني طريف
* على ما كان قبل من عتاب
* انتهى وأورده الشاطبي. وقسموا هذه الظروف على أربعة أقسام:

454
ما ذكر فيه المضاف إليه نحو: قبل زيد وبعده. فهذا ينصب على الظرفية ويجر بمن خاصة. الثاني: ما حذف منه المضاف إليه ونوي ثبوت لفظه فهذا أيضا يعرب كالأول إلا أنه لا ينون لنية الإضافة. الثالث: ما حذف منه المضاف إليه ونوي معناه لا لفظه فهذا يبنى على الضم. الرابع: ما حذف منه المضاف إليه ولم ينو لا لفظه ولا معناه. فهذا ينون وتنوينه للتمكين وهو نكرة. وقد تكلم الفراء على قبل وبعد في تفسيره فلا بأس بنقل كلامه تبركا. قال: قوله تعالى: لله الأمر من قبل)
ومن بعد القراءة بالرفع من غير تنوين لأنهما في المعنى يراد بهما الإضافة إلى شيء لا محالة فلما أديا عن معنى ما أضيفتا إليه وسموهما بالرفع وهما مخفوضتان ليكون الرفع دليلا على ما سقط مما أضفتهما إليه. وكذلك ما أشبههما كقول الشاعر الوجز: إن تأت من تحت أجئها من عل ومثله قول الشاعر: ترفع إذا جعلته غاية ولم تذكر بعده الذي أضفته إليه فإن نويت أن تظهره أو أظهرته قلت: لله الأمر من قبل ومن بعد كأنك أظهرت المخفوض الذي أسندت إليه قبل وبعد.

455
وسمع الكسائي بعض بني أسد يقرؤها: لله الأمر من قبل ومن بعد بخفض قبل وبرفع بعد على ما نوى. وأنشدني هو الطويل:
* أكابدها حتى أعرس بعد ما
* يكون سحيرا أو بعيد فأهجعا
* أراد: بعيد السحر فأضمره ولو لم يرد ضمير الإضافة لرفع فقال: بعيد. ومثله قول الشاعر الطويل:
* فوالله ما أدري وإني لأوجل
* على أينا تعدو المنية أول
* رفعت أول لأنه غاية. ألا ترى أنها مسندة إلى شيء هي أوله كما تعرف أن قبل لا يكون إلا قبل شيء وأن بعد كذلك. ولو أطلقتهما بالعربية فنونت وفيهما معنى الإضافة فخفضت في الخفض ونونت في النصب والرفع لكان صوابا. قد سمع ذلك من العرب وجاء في أشعارها فقال بعضهم:
* فساغ لي الشراب وكنت قبلا
* أكاد أغص بالماء الحميم
* فنون. وكذلك تقول: جئتك من قبل فرأيتك. وكذلك قوله الطويل:

456
فهذا مخفوض وإن شئت نونت. وأما قول الآخر:
* هتكت به بيوت بني طريف
* على ما كان قبل من عتاب
* فنون ورفع فإن ذلك لضرورة الشعر كما يضطر إليه الشاعر فينون في النداء المفرد كقوله:
* قدموا إذ قيل قيس قدموا
* وارفعوا المجد بأطراف الأسل
* وأنشدني بعض بني عقيل:
* ونحن قتلنا الأسد أسد شنوءة
* فما شربوا بعد على لذة خمرا
*)
ولو رده إلى النصب كان وجها كما قال الطويل: فساغ لي الشراب وكنت قبلا وكذا النداء لو رد إلى النصب إذا نون كان وجها كما قال:
* فطر خالدا إن كنت تستطيع طيرة
* ولا تقعن إلا وقلبك حاذر
* ولا تنكرن أن تضيف قبل وبعد وأشباههما وإن لم يظهر. إلى آخر ما نقلناه قبل هذا البيت.
انتهى كلام الفراء. وقد لخص هذا الكلام أبو إسحاق الزجاجي في شرح خطبة أدب الكتاب

457
وهو عندي بخطه وتاريخ كتابته سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وقال: هذا الذي اختاره الفراء من نصب المنادى المفرد في ضرورة الشعر هو مذهب أبي عمرو بن العلاء وأصحابه. والمذهب الأول هو رفعه منونا هو مذهب الخليل وسيبويه وأصحابه. وذلك أن أبا عمرو قال: المنادى المفرد إذا اضطر الشاعر إلى تنوينه فسبيله أن ينصبه لأنه في موضع نصب. وإنما بني على الضم لمضارعته المضمر فإذا نون فقد زال عن البناء وسبيله أن يرجع إلى أصله. وقال الخليل: سبيله أن يترك مضموما وينون. وشبهه بالاسم الذي لا ينصرف إذا نون في ضرورة الشعر. ومذهب أبي عمرو أقيس ولولا كراهة الإطالة لذكرت ما يعتل به الفريقان. وأنشد البصريون قول الأحوص الوافر:
* سلام الله يا مطر عليها
* وليس عليك يا مطر السلام
* فالخليل وأصحابه يروونه: يا مطر بالرفع والتنوين وأبو عمرو وأصحابه يروونه: يا مطرا بالنصب. قال سيبويه: وكل العرب ينشدون الخفيف:

458
يا عديا لقلبك المهتاج بالنصب. انتهى. والبيت الشاهد لم أر من عزاه إلى قائله. وأورده الزجاجي في شرح تلك الخطبة مع بيت قبله وهو الطويل:
* ما من أناس بين مصر وعالج
* وأبين إلا قد تركنا لهم وترا
* وعالج بكسر اللام: موضع بالبادية به رمل. وأبين بفتح الهمزة وكسرها وسكون الموحدة بعدها مثناة مفتوحة: موضع في اليمن قال أبو عبيد البكري: هو بكسر الهمزة اسم رجل كان في الزمن القديم وهو الذي تنسب إليه عدن إبين من بلاد اليمن هكذا ذكره سيبويه في الأبنية بكسر الهمزة. وقال أبو حاتم: سألت أبا عبيد: كيف تقول أبين بفتح الهمزة أو بكسرها قال:)
أقولهما جميعا. قال الهمداني: وهو ذو أبيت بن ذي يقدم بن الصوأر بن عبد شمس بن وائل بن الغوث. قال الرائش البسيط:
* واذكر به سيد الأقوام ذا بين
* من القدام وعمرا والفتى الثاني
* أراد: ذا إبين. وحمير تطرح مثل هذه الألف فتقول في اذهب: ذهب. اه. وقال ياقوت في معجم البلدان: أبين بفتح أوله ويكسر ويقال: يبين. وذكره سيبويه في الأمثلة بكسر الهمزة ولا يعرف أهل اليمن غير الفتح وهو مخلاف باليمن منه عدن يقال: إنه سمي بأبين بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير ابن سبأ. وقال الطبري: عدن وأبين: ابنا عدنان بن أدد.

459
وأنشد الفراء:
* ما من أناس بين مصر وعالج
* البيتين
* وقال عمارة بن الحسن اليمني: أبين: موضع في جبل عدن. اه. والوتر بفتح الواو وكسرها: الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبي. والأزد ويقال: الأسد بإبدال الزاي سينا: أبو حي من اليمن وهو أزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن كهلان بن سبأ. وهو فرق: فرقة يقال لها: أزد شنوءة وأخرى أزد عمان
وأخرى أزد السراة. فلما كان الأزد يجمع قبائل شتى بين المراد منه بقوله أزد شنوءة. والشنوءة بالهمزة على وزن فعولة ومعناه التقزز وهو التباعد من الأدناس. تقول: رجل فيه شنوءة أي: تقزز. قال في الصحاح: ومنه أزد شنوءة وهم حي باليمن ينسب إليهم شنائي. قال ابن السكيت ربما قالوا أزد شنوة بالتشديد غير مهموز وينسب إليها شنوي. قال الرجز:
* نحن قريش وهم شنوه
* بنا قريشا ختم النبوة
* ورواه ابن سيده في المحكم وتبعه العيني: ونحن قتلنا الأسد أسد خفية وهذا تحريف قطعا ولا يلائمه ما بعده. وخفية بفتح الخاء المعجمة وكسر الفاء: اسم موضع كثير الأسود. قال العيني: وأسد خفية بدل من الأسد ولم يبين هل هو بدل كل أو بدل بعض بتقدير العائد أي: منهم والظاهر أنه بيان له. وبعدا: ظرف لشربوا.

460
والأصل عند الشارح المحقق بعد قتلنا إياهم فحذف المضاف إليه وعوض عنه بالتنوين. وأنشد بعده الوافر:
* فساغ لي الشراب وكنت قبلا
* أكاد أغص بالماء الحميم
* على أن الأصل: قبل هذا فحذف المضاف إليه وعوض عنه بالتنوين. وعند الجمهور: التنوين)
للتمكين وهو نكرة فمعنى كنت قبلا: كنت متقدما. ومعنى فما شربوا بعدا: ما شربوا متأخرا ولا ينوي تقدم ولا تأخر على شيء معين وإنما المراد في هذه الحالة مطلق التقدم والتأخر من حيث هو. وأما في حال الإضافة فالنية بهما التقدم والتأخر على شيء بعينه. قال الدماميني.
والبيت قد تقدم شرحه مستوفى في الشاهد التاسع والستين. وأنشد بعده الرجز:

461
خالط من سلمى خياشيم وفا على أن الأصل: وفاها فحذف المضاف إليه. وتقدم عليه الكلام في الشاهد الثالث والأربعين بعد المائتين من باب الاستثناء وبعد الشاهد الثاني والعشرين بعد الثلثمائة من باب الإضافة.
وأنشد بعده
3 (الشاهد الرابع والتسعون بعد الأربعمائة))
البسيط:
* إني أتتني لسان لا أسر بها
* من علو لا عجب منها ولا سخر
* على أنه روى علو مثلث الواو. قال صاحب الصحاح: وعلو بتثليث الواو: أي: أتاني خبر من أعلى نجد. وقال أبو عبيدة: أراد العالية. وقال ثعلب: أي: من أعالي البلاد. وأنث اللسان لأنه بمعنى الرسالة هنا لأن الشاعر كان أتاه خبر قتل أخيه المنتشر. والسخر بفتحتين وبضمتين: الاستهزاء. يقول: لا عجب من هذه الرسالة وإن كانت عظيمة لأن مصائب الدنيا كثيرة ولا سخر بالموت. وقيل: معناه لا أقول ذلك سخرية. والبيت مطلع قصيدة لأعشى باهلة رثى بها أخاه المنتشر بن وهب الباهلي. وقد

462
شرحنا القصيدة برمتها وما يتعلق بها على سبيل الاستقصاء في الشاهد السابع والعشرين من أوائل الكتاب. وأنشد بعده
3 (الشاهد الخامس والتسعون بعد الأربعمائة))
وهو من شواهد س:
* بآية يقدمون الخيل شعثا
* كأن على سنابكها مداما
* على أن آية تضاف في الأغلب إلى الفعلية مصدرة بحرف المصدر ومن غير الأغلب أن تضاف إليها بدونه كهذا البيت. وهذا خلاف مذهب سيبويه فإن آية عنده لا تضاف إلى الفعلية إلا بدون حرف المصدر. هذا نصه: ومما يضاف إلى الفعل أيضا قال الأعشى: بآية يقدمون الخيل شعثا.............. البيت وقال يزيد بن عمرو بن الصعق: فما: لغو. انتهى. وذهب ابن جني إلى أن آية إنما تضاف إلى مفرد نحو: إن آية ملكه أن

463
يأتيكم التابوت وقال: الأصل بآية ما تقدمون أي: بآية إقدامكم كما قال الوافر: بآية ما يحبون الطعاما ويؤخذ من تقريره أن تقدمون بالخطاب والمشهور أنه بالغيبة وعليه المعنى. قال ابن هشام في المغني: فيه حذف موصول حرفي غير أن وبقاء صلته. ثم هو غير متأت في قوله الطويل: بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا وتكلف الدماميني فقال: بل هو متأت بأم تكون ما مصدرية ولا النافية محذوفة لدلالة ما بعدها عليها والمعنى بآية كونهم لا ضعافا ولا عزلا. ثم قال ابن هشام: ومذهب سيبويه أن آية مما يضاف جوازا إلى الجملة الفعلية المتصرف فعلها سواء كان مثبتا كالبيت الشاهد أو منفيا بما كقوله: بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا انتهى.

464
وكذا قال: صاحب المفصل أن آية مما يضاف إلى الفعل. قال النحاس: قال أبو إسحاق: لأن معنى آية علامة من الزمان وأضيف الفعل إلى الزمان لأن الفعل من أجل الزمان ذكر. وكان أبو إسحاق يرى أنه حكاية. وقال غيره: المراد المصدر. وقال المبرد في إضافة آية إلى الفعل: إنه بعيد وجاز على بعده للزوم الإضافة لأن آية لا
تكاد تفرد إذا أردت بها العلامة. انتهى. وفيه أن أكثر ما وجدت في القرآن بهذا المعنى مفردة عن الإضافة قال تعالى: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار و آية لهم أن حملنا ذريتهم. وقال الأعلم: الشاهد فيه إضافة آية إلى يقدمون على)
تأويل المصدر أي: بآية إقدامهم الخيل. يريد أن المعنى عليه لأن الفعل مؤول بحرف مصدر مقدر إذ الغرض أنه مضاف إلى الجملة من دون سابك. ثم قال الأعلم: وجاز هذا فيها لأنها اسم من أسماء الفعل لأنها بمعنى علامة والعلامة من العلم وأسماء الأفعال تضارع الزمان فمن حيث جاز أن يضاف الزمان إلى الفعل جاز هذا في آية وكأن إضافتها على تأويل إقامتها مقام الوقت كأنه قال: بعلامة وقت يقدمون. يقول: أبلغهم عني كذا بعلامة إقدامهم الخيل للقاء شعثا متغيرة من السفر والجهد. وشبه ما ينصب من عرقها ممتزجا بالدم على سنابكها بالخمر.
والسنابك: جمع سنبك وهو مقدم الحافر. انتهى.

465
أراد أن ذلك لما صار عادة وأمرا لازما صار علامة. وكأن الشاعر لما حمل إنسانا أن يبلغ قوما رسالته قال له ذلك الإنسان: بأي علامة يعرف هؤلاء القوم فقال: بعلامة تقديمهم الخيل إلى الحرب. أي: إذا رأيت قوما بهذه الصفة فأبلغ رسالتي. والشعث: جمع أشعث وهو المغبر الرأس. قال الدماميني في الحاشية الهندية: ضمير يقدمون ضمير غيبة يعود على تميم المذكورين قبله وهو: وهذا لا يصح فإن كل بيت منهما من شعر آخر وليسا من قصيدة لقائل واحد. والبيت الشاهد لم أره منسوبا إلى الأعشى في كتاب سيبويه وفي غيره غير منسوب إلى أحد. والله أعلم به. وقد تكلم على معنى الآية أبو القاسم علي بن حمزة البصري اللغوي فيما كتبه على إصلاح المنطق لأبي يوسف بن السكيت من كتاب التنبيهات على أغلاط الرواة قال أبو يوسف: وقد تأييته: تعمدت آيته أي: شخصه. وحكى لنا أبو عمرو: يقال خرج القوم بآيتهم أي: بجماعتهم أي: لم يدعوا وراءهم شيئا. وأنشدنا لبرج بن مسهرالطويل:
* خرجنا من النعتين لا حي مثلنا
* بآيتنا نزجي اللقاح المطافلا
* قال: ومعنى آية من كتاب الله أي: جماعة حروفه. قال أبو القاسم: قد أفسد أبو يوسف صحيح قوله الأول بقول أبي عمرو في معنى الآية من كتاب الله وإنما الآية العلامة لا جماعة حروف.

466
وكذلك قال ابن دريد: والآية من القرآن الكريم كأنها علامة لشيء ثم يخرج منها إلى غيرها. وكذلك قال في بيت البرج أي: خرجوا بجماعتهم وبما يستدل به عليهم من متاعهم.
ويقال: هذه آية كذا أي: علامة كذا ومنه قوله تعالى: أتبنون بكل ربع آية تعبثون أي: أمرة وعلامة ومنه قول الشاعر: بآية يقدمون الخيل زورا تسن على سنابكها القرون)
* بآية يقدمون الخيل زورا
* كأن على سنابكها مداما
* وقال آخر
* ألا أبلغ لديك بني تميم
* بآية ما يحبون الطعاما
* وقال المفسرون في قوله تعالى: رب اجعل لي آية قالوا علامة أعلم بها وقوع ما بشرت به.
وكذلك قالوا في قوله سبحانه: قال آيتك أن لا تكلم الناس أي: تمنع الكلام وأنت سوي فتعلم بذلك أن الله قد وهب لك الولد. فكان ذلك من فعل الله به علامة دالة على صحة ما بشره به من أمر يحيى عليه السلام. وكذلك قوله سبحانه وتعالى: واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى قال المفسرون: كانت في قلب العصا آية دالة على وحدانية الله تعالى. ثم أمره بضم يده وأعلمه أنها تخرج بيضاء من غير برص وأن

467
تلك آية أخرى دالة على ما دلت عليه الآية الأخرى. فأصل الآية العلامة فكأن الآية من كتاب الله علامة يفضى منها إلى غيره كأعلام الطريق المنصوبة للهداية. قال الشاعر البسيط: إذا مضى علم منها بدا علم ولما كانت الآية هي العلام الدالة على الشيء سموا شخص الشيء آيته وقالوا: تآييته على وزن فاعلته إذا تعمدت آيته. وكذلك آيات الله التي ضربها لعباده أمثالا: ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره وقال سبحانه: وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس. وقال عز وجل: لقد رأى من آيات ربه الكبرى. وقال تقدست أسماؤه: لنريك من آياتنا الكبرى في أمثال هذه الآيات. وكلها بمعنى الدلائل والعلامات الدالة على صنع اللطيف الخبير. ولا وجه لما قاله من جماعة الحروف. وإن قاله غيره فهو قول غير مقبول. انتهى ما ساقه أبو القاسم. وقد اختلف في أصلها على ستة أقوال: أحدها: أن أصلها أيية كقصبة فالقياس في إعلالها أياة فتصح العين وتعل اللام ولكن عكسوا شذوذا فأعلوا الياء الأولى لتحركها وانفتاح ما قبلها دون الثانية. وهذا قول الخليل.

468
الثاني: أن أصلها أيية بسكون العين كحية فأعلت بقلب الياء الأولى اكتفاء بشطر العلة وهو فتح ما قبلها فقط دون تحركها. قاله الفراء وعزي لسيبويه واختاره ابن مالك وقال: إنه أسهل الوجوه لكونه ليس فيه إلا الاجتزاء بشطر العلة. وإذا كانوا قد عولوا عليه فيما لم يجتمع فيه ياءان نحو: طائي وسمع: اللهم تقبل تابتي وصامتي ففيما اجتمع فيه ياءان أولى لأنه أثقل. الثالث: أن أصلها آيية كضاربة حذفت العين استثقالا لتوالي ياءين أولاهما)
مكسورة ولذلك كانت أولى بالحذف من الثانية. قال الكسائي: ورد بأنه كان يلزم قلب الياء همزة لوقوعها بعد ألف زائدة في قولهم: آي. الرابع: أن أصلها أيية بضم الياء الأولى كسمرة فقلبت العين ألفا. ورد بأنه كان يجب قلب الضمة كسرة. الخامس: أن أصلها أيية بكسر الياء الأولى كنبقة فقلبت الياء الأولى ألفا. ورد بأن ما كان كذلك يجوز فيه الفك والإدغام كحيي وحي. السادس: أن أصلها أيية كقصبة كالأول إلا أنه أعلت الثانية على القياس فصار أياة كحياة ونواة ثم قدمت اللام إلى موضع العين فوزنها فلعة. وأنشد بعده
3 (الشاهد السادس والتسعون بعد الأربعمائة))
وهو من شواهد س الوافر:

469
* ألا من مبلغ عني تميما
* بآية ما يحبون الطعاما
* على أن آية تضاف في الأغلب إلى الفعلية مصدرة بحرف المصدر كما في البيت فإن ما مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر مجرور بإضافة آية إليه. وهذا خلاف مذهب سيبويه: فإن ما زائدة وآية مضافة إلى الفعل ولا تأويل بمصدر صناعة. قال النحاس: ما عند سيبويه لغو. وقال المبرد: ما والفعل مصدر. وأنكر ما قاله سيبويه. وقال ابن هشام في المغني في حذف ما المصدرية من الباب الخامس: الصواب أن ما مصدرية. وهذا يشعر أن مذهب سيبويه خطأ. وليس هذا بصواب فكان اللائق أن يقول: والصحيح أو يقول: وعندي أو وعند غيره. قال الأعلم: الشاهد فيه إضافة آية إلى يحبون وما زائدة للتوكيد. ويجوز أن تكون ما مع الفعل بتأويل المصدر كإضافتها إلى سائر الأسماء. انتهى. ومفعول مبلغ محذوف أي: رسالة كأنه لما قال: من مبلغ تميما عني رسالة قيل له: بأي علامة يعرفون فقال: بعلامة حبهم الطعام وحرصهم عليه. يريد: إذا رأيت قوما يحبون الطعام فاعلم أنهم تميم فبلغهم رسالتي.
وقل الزمخشري في شرح أبيات سيبويه: ما زائدة أي: بعلامة محبتكم الطعام يشعر أن تحبون بالخطاب. وليس كذلك وإنما هو بالغيبة.

470
وروى صدره المبرد في الكامل:
* ألا أبلغ لديك بني تميم
* بآية ما يحبون الطعاما
* قال ابن السيد فيما كتبه على الكامل هذا من الغلط إنما الرواية: بآية ما بهم حب الطعام وبعده الوافر:)
* أجارتها أسيد ثم أودت
* بذات الضرع منها والسنام
* وليس أبو العباس المبرد بأول من غلط فيه من النحويين. انتهى. وعليه لا شاهد فيه. وهذا يؤيد قول سيبويه فإن ما موصولة وحب الطعام مبتدأ والظرف قبله خبره والجملة صلة الموصول. وفي شرح شواهد المغني للسيوطي: قال أبو محمد السيرافي: وفي شعره يعني يزيد بن عمرو بن الصعق:
* أجارتها أسيد ثم غارت
* بذات الضرع منه والسنام
* وسببه أن بني عوف بن عمرو بن كلاب جاوروا بني أسيد بن عمرو بن تميم فأجلوهم عن مواضعهم فقال يزيد هذا الشعر. وفي أيام العرب لأبي عبيدة: نزل يزيد بن الصعق قريبا من بني أسيد بن عمرو بن تميم واستجارهم لإبله فأجاروه ثم أغار عليه ناس منهم فذهبوا بها فقال يزيد هذين البيتين. انتهى. وعلى هذه الرواية أيضا لا شاهد فيه وحب منصوب بنزع الحافض أي: بآية ما يذكرون بحب الطعام.

471
وقول السيرافي وفي شعره يوهم أن هذا الشعر غير البيت الشاهد وليس كذلك فإن الشعر واحد والقافية مجرورة. وقد رد عليه أوس بن غلفاء الهجيمي من قصيدة الوافر:
* فإنك من هجاء بني تميم
* كمزداد الغرام إلى الغرام
*
* هم تركوك أسلح من حبارى
* رأت صقرا وأشرد من نعام
*
* وهم ضربوك أم الرأس حتى
* بدت أم الشؤون من العظام
*
* إذا يأسونها جشأت إليهم
* شرنبثة القوائم أم هام
* قال ابن السيد فيما كتبه على الكامل: الذي ضرب يزيد على رأسه الحارث بن حصبة أو طارق بن حصبة الشك من أبي عبيدة ضربه يوم ذي نجب وأسره فقال تميم لابن أبي جويرية التميمي وكان نطاسيا أي: طبيبا: انظر إليه فإن كنت ترجوه فلن نطلقه حتى يعطينا الرضا في فدائه. فإن خفت عليه قنعنا منه بأدنى شيء. فأعطاه يزيد شيئا على أن يخبره بأنه يخاف عليه فأخذوا منه شيئا يسيرا وأطلقوه. انتهى. وقوله: أجارتها أسيد ثم أوردت إلخ أجاره: التزم له ذمة المجاورة. والضمير للإبل. وأودت بذات الضرع أي: أهلكتها. وروى بدله: غارت أي: أتت الغور بها.

472
وإنما جعل حب الطعام آية لبني تميم يعرفون به لما كان من أمرهم في تحريق عمرو بن هند إياهم ووفود البرجمي عليه لما شم رائحة المحرقين فظنهم طعاما يصنع)
فقذف به إلى النار. قال المبرد في الكامل: وكان سبب ذلك أن أسعد بن المنذر أخا عمرو ابن هند كان مسترضعا في بني دارم في حجر حاجب بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم وانصرف ذات يوم من صيد وبه نبيذ فعبث كما تعبث الملوك فرماه رجل من بني دارم بسهم فقتله ففي ذلك يقول عمرو بن ملقط الطائي لعمرو ابن هند مجزوء الكامل:
* فاقتل زرارة لا أرى
* في القوم أوفى من زرارة
* فغزاهم عمرو بن هند فقتلهم يوم القصيبة ويوم أوارة. وفي ذلك يقول الأعشى مجزوء الكامل:
* وتكون في الشرف الموا
* زي منقرا وبني زرارة
*
* أبناء قوم قتلوا
* يوم القصيبة والأواره
* ثم أقسم عمرو بن هند ليحرقن منهم مائة فبذلك سمي محرقا فأخذ تسعة وتسعين رجلا فقذفهم في النار ثم أراد أن يبر قسمه بعجوز منهم لتكمل العدة فلما أمر بها قالت العجوز: ألا فتى يفدي هذه العجوز بنفسه ثم قالت: هيهات صارت الفتيان حمما. ومر وافد للبراجم فاشتم رائحة اللحم فظن أن الملك يتخذ طعاما فعرج عليه فأتي به فقال له من أنت فقال: أبيت اللعن أنا وافد

473
البراجم. فقال عمرو: إن الشقي وافد البراجم ثم أمر به فقذف في النار. ففي ذلك يقول جرير يعير الفرزدق الكامل:
* أين الذين بنار عمر و حرقوا
* أم أين أسعد فيكم المسترضع
* وقال الطرماح البسيط:
* ودارم قد قذقنا منهم مائة
* في جاحم النار إذ ينزون بالجدد
*
* ينزون بالمشتوى منها ويوقدها
* عمر و ولولا شحوم القوم لم تقد
* ولذلك عيرت بنو تميم بحب الطعام يعنى كطمع البرجمي في الأكل. قال يزيد بن عمرو بن الصعق أحد بني عمرو بن كلاب:
* ألا أبلغ لديك بني تميم
* بآية ما يحبون الطعاما
* وقال آخر الوافر:
* بخبز أو بلحم أو بتمر
* أو الشيء الملفف في البجاد
*
* تراه ينقب البطحاء حولا
* ليأكل رأس لقمان بن عاد
* انتهى ما أورده المبرد. قال ابن رشيق في العمدة: زعم أبو عبيدة أن من زعم أنه أحرقهم فقد)

474
أخطأ فذكر له شعر الطرماح فقال: لا علم له بهذا. واستشهد بقول جرير:
* أين الذين بسيف عمر و قتلوا
* أم أين أسعد فيكم المستوضع
* انتهى. وهذه الرواية للبيت غير رواية المبرد. وروى صاحب الأغاني خبر هذا اليوم بسنده إلى هشام بن الكلبي عن أبيه وغيره من أشياخ طيئ بأبسط من رواية المبرد مع مخالفة قال: كان من حديث يوم أوارة أن عمرو بن المنذر بن ماء السماء وهو عمرو بن هند كان يعرف بأمه هند بنت الحارث الملك المقصور بن حجر آكل المرار الكندي وهو الذي يقال له: مضرط الحجارة أنه كان عاقد هذا الحي من طيئ على أن لا ينازعوا ولا يفاخروا ولا يغيروا. وأن عمرو بن هند غزا اليمامة فرجع منفضا فمر بطيئ فقال له زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم الحنظلي: أبيت اللعن أصب من هذا الحي شيئا. قال له: ويلك إن لهم عقدا.
قال: وإن كان. فلم يزل به حتى أصاب مالا ونسوة وأذوادا فذمه قيس بن جروة الطائي بقصيدة على نقض عهده فبلغت عمرو بن هند فغزا طيئا. فأسر أسرى من طيئ من بني عدي بن أخزم وهم رهط حاتم بن عبد الله وفيهم قيس بن جحدر وهو جد الطرماح بن حكيم وهو ابن خالة حاتم فوفد حاتم فيهم إلى عمرو بن هند فوهبهم له. ثم إن المنذر بن ماء السماء وضع ابنا له صغيرا ويقال: بل كان أخاه صغيرا يقال له: مالك عند زرارة وإنه خرج ذات يوم يتصيد فأخفق ولم يصب شيئا فمر بإبل لرجل من بني عبد الله بن دارم يقال له: سويد.

475
وكانت عند سويد ابنة زرارة بن عدس فولدت له سبعة غلمة فأمر مالك بن المنذر بناقة سمينة منها فنحرها ثم اشتوى وسويد نائم فلما انتبه شد على مالك بعصا فضربه فأمه. ومات الغلام. وخرج سويد هاربا حتى لحق بمكة وعلم أنه لا يأمن فحالف بني نوفل بن عبد مناف فاختط بمكة وكانت طيئ تطلب عثرات زرارة وبني أبيه حتى بلغهم ما صنعوا بأخي الملك فأنشأ عمرو بن ثعلبة بن ملقط الطائي يقول مجزوء الكامل:
* من مبلغ عمرا بأ
* ن المرء لم يخلق صباره
*
* وحوادث الأيام لا
* يبقى لها إلا الحجارة
*
* أن ابن عجزة أمه
* بالسفح أسفل من أواره
*
* تسفي الرياح خلال كش
* حيه وقد سلبوا إزاره
*
* فاقتل زرارة لا أرى
* في القوم أوفى من زراره
*)
والصبارة: بالضم: الحجارة وقيل: بالفتح جمع صبار والهاء لجمع الجمع لأن الصبار جمع صبرة بالفتح وهي حجارة شديدة. كذا في الصحاح. وأوارة بالضم: اسم ماء وإليه نسب ذلك اليوم. والعجزة بالكسر:

476
آخر ولد الرجل عنى به أخاه. ويقال لأول ولد الرجل: زكمة بالضم. فلما بلغ العشر عمرو بن هند بكى حتى فاضت عيناه وبلغ الخبر زرارة فهرب وركب عمرو بن هند في طلبه فلم يقدر عليه فأخذ امرأته وهي حبلى وقال: ما فعل زرارة الغادر الفاجر قالت: إن كان ما علمت لطيب العرق سمين المرق ويأكل ما وجد ولا يسأل عما فقد ولا ينام ليلة يخاف ولا يشبع ليلة يضاف فبقر بطنها فقال قوم زرارة لزرارة: والله ما قتلت أخاه فأت الملك فاصدقه الخبر. فأتاه زرارة فأخبره الخبر فقال: جئني بسويد. فقال: قد لحق بمكة. فقال: علي ببنيه. فأتاه ببنيه السبعة وبأمهم بنت زرارة وهم غلمة فتناولوا أحدهم فضربت عنقه وتعلق بزرارة الآخرون فتناولوهم وقتلوا. وآلى عمرو بن هند ليحرقن من بني حنظلة مائة رجل فخرج يريدهم وبعث على مقدمته عمرو بن ملقط الطائي فأخذ منهم ثمانية وتسعين رجلا بأسفل أوارة من ناحية البحرين فحبسهم ولحقه عمرو بن هند حتى انتهى إلى أوارة فأمر لهم بأخدود ثم أضرمه نارا وقذف بهم فيها فاحترقوا. وأقبل راكب من البراجم وهم بطن من بني حنظلة عند المساء لا يدري بشيء مما كان فقال له عمرو بن هند: ما جاء بك فقال: حب الطعام قد أقويت ثلاثا لم أذق طعاما فلما سطع الدخان ظننته دخان طعام. فقال له
عمرو: ممن أنت قال: من البراجم. فقال عمرو: إن الشقي وافد البراجم فذهبت مثلا. ورمي به في النار. فهجت العرب تميما بذلك فقال ابن الصعق العامري:
* ألا أبلغ لديك بني تميم
* بآية ما يحبون الطعاما
*

477
وأقام عمرو بن هند لا يرى أحدا فقيل له: أبيت اللعن لو تحللت بامرأة منهم فدعا بامرأة منهم فقال لها: من أنت قالت: أنا الحمراء ابنة ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل. فقال: إني لأظنك أعجمية. فقالت ما أنا بأعجمية ولا ولدتني العجم الرجز:
* إني لبنت ضمرة بن جابر
* سادا معدا كابرا عن كابر
*
* إني لأخت ضمرة بن ضمره
* إذا البلاد لفعت بغمره
* فقال عمر و: والله لولا مخافة أن تلدي مثلك لصرفتك عن النار قالت: أما والذي أسأله أن)
يضع وسادك ويخفض عمادك ويسلبك ملكك ويقرب هلكك ولا أبالي ما صنعت فقال: اقذفوها في النار: فأحرقت. انتهى ما أورده صاحب الأغاني مختصرا. قال ابن قتيبة في خطبة أدب الكتاب: مازح معاوية بن أبي سفيان الأحنف ابن قيس فما رئي مازحان أوقر منهما فقال له: يا أحنق ما الشيء الملفف في البجاد فقال: السخينة يا أمير المؤمنين. أراد معاوية قول الشاعر:
* إذا ما مت ميت من تميم
* فسرك أن يعيش فجئ بزاد
*
* بخبز أو بلحم أو بتمر
* أو الشيء الملفف في البجاد
*
* تراه يطوف الآفاق حرصا
* ليأكل رأس لقمان بن عاد
* والملفف في البجاد: وطب اللبن. وأراد الأحنف أن قريشا كانت تعير بأكل السخينة وهي حساء من دقيق يتخذ عند غلاء السعر وعجف المال وكلب الزمان. انتهى.

478
قال ابن السيد في شرحه: هذا الشعر ليزيد بن عمرو بن الصعق وذكر الجاحظ أنه لأبي المهوش الأسدي. والذي اقتضى ذكر الشيء الملفف في البجاد وذكر السخينة في هذه الممازحة أن معاوية كان قرشيا وكانت قريش تعير بأكل السخينة. وكان السبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث فيهم فكفروا به دعا الله عليهم وقال: اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف. فأجدبوا سبع سنين فكانوا يأكلون الوبر بالدم ويسمونه العلهز. وكان أكثر قريش إذ ذاك يأكلون السخينة فكانت قريش تلقب سخينة ولذلك يقول كعب بن مالك الكامل: وذكر أبو عبيدة أن قريشا كانت تلقب سخينة لأكلهم السخن وأنه لقب لزمهم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. ويدل على صحة ما ذكر قول خداش بن زهير ولم يدرك الإسلام البسيط:

479
* يا شدة ما شددنا غير كاذبة
* على سخينة لولا الليل والحرم
* وأما الأحنف بن قيس فإنه كان تميميا وكانت تميم تعير حب الطعام وشدة الشرة وكان السبب الذي جر ذلك أن أسعد بن المنذر أخا عمرو بن هند كان مسترضعا في بني دارم.
إلى آخر ما رواه المبرد في الكامل. وقال السهيلي في الروض الأنف: قول كعب:
* جاءت سخينة كي تغالب ربها
* البيت
*)
كان هذا الاسم مما سميت به قريش قديما ذكروا أن قصيا كان إذا ذبحت ذبيحة أو نحرت نحيرة بمكة أتي بعجزها فيصنع منه خزيرة وهو لحم يطبخ ببر فيطعمه الناس فسميت قريش سخينة. وقيل: أن العرب كانوا إذا أسنتوا أكلوا العلهز وهو الوبر والدم وتأكل قريش الخزيرة واللفيتة فنفست عليهم العرب ذلك فلقبوهم سخينة. ولم تكن
قريش تكره هذا اللقب ولو كرهته ما استجاز كعب أن يذكره ورسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ولتركه أدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان قرشيا. ولقد استنشد عبد الملك بن مروان ما قاله الهوازني في
* يا شدة ما شددنا غير كاذبة
* البيت
* فقال: ما زاد هذا على أن استثنى. ولم يكره سماع التلقيب بسخينة. فدل على أن هذا اللقب لم يكن مكروها عندهم ولا كان فيه تعيير لهم. انتهى. والعلهز بكسر العين المهملة وسكون اللام وكسر الهاء بعدها زاي معجمة. والخزيرة بفتح الخاء وكسر الزاي المعجمتين ثم راء مهملة. قال في

480
الصحاح: الخزيرة: أن تنصب القدر بلحم يقطع صغارا على ماء كثير فإذا نضج ذر عليه الدقيق. فإن لم يكن فيها لحم فهي العصيدة. وقال ابن السيد: قوله: إذا ما مات ميت إلخ فيه رد على أبي حاتم السجستاني فإنه كان يقول: قول العامة مات الميت خطأ والصواب مات الحي. وهذا الذي أنكره غير منكر لأن الحي قد يجوز أن يسمى ميتا لأن أمره يؤول إلى الموت. قال تعالى: إنك ميت وإنهم ميتون. ومثله كثير. وقد فرق قوم بينهما فقالوا: الميت بالتشديد: ما سيموت والميت بالتخفيف: ما قد مات. وهذا خطأ فإن المشدد أصل المخفف والتخفيف لم يحدث فيه شيئا يغير معناه. وقد استعملتهما العرب من غير فرق. قال الشاعر الخفيف:
* ليس من مات فاستراح بميت
* إنما الميت ميت الأحياء
* وقال ابن قعاس الأسدي الوافر: ففي البيت الأول سوى بينهما وفي الثاني جعل المخفف الحي الذي لم يمت. ألا ترى أن معناه والمرء سيموت فجرى مجرى قوله تعالى: إنك ميت وإنهم ميتون. وقوله: بخبز أو بتمر أو بسمن: بدل من قوله: بزاد. والملفف في البجاد: وطب اللبن يلف فيه ويترك حتى يروب.
والوطب: زق اللبن خاصة. والبجاد: الكساء فيه خطوط.

481
وقوله: حرصا: مصدر وقع موقع الحال أو مفعول لأجله. وإنما ذكر لقمان بن عاد لجلالته ولعظمه يريد أنه لشدة نهمه وشرهه إذا)
ظفر بأكلة فكأنه قد ظفر برأس لقمان لسروره بما نال وإعجابه بما وصل إليه. وهذا كما يقال لمن يزهى بما فعل ويفخر بما أدرك: كأنه قد برأس خاقان وهذا الكلام الذي جرى بين معاوية والأحنف يسمى التعريض لأن كل واحد منهما عرض بصاحبه بما تسب به قبيلته من غير تصريح. ويشبه ذلك ما يروى من أن شريك بن عبد الله النميري ساير عمر بن هبيرة الفزاري يوما فبدرت بغلة شريك فقال له ابن هبيرة: غض من لجام بغلتك. فقال له شريك: إنها مكتوبة. فضحك ابن هبيرة وقال: لم أرد ما ذهبت إليه. عرض ابن هبيرة بقول الشاعر الوافر:
* فغض الطرف إنك من نمير
* فلا كعبا بلغت ولا كلابا
* وعرض شريط بقول سالم بن دارة البسيط:
* لا تأمنن فزاريا خلوت به
* على قلوصك واكتبها بأسيار
* وكان بنو فزارة ينسبون إلى غشيان الإبل. وقوله: تعير بأكل السخينة بالباء. وقد منعه ابن قتيبة قال: تقول: عيرته كذا ولا تقول عيرته بكذا. والصحيح أنهما لغتان وإسقاط الباء أفصح. والحساء والحسو: لغتان. والعجف: الضعف والهزال. وأراد بالمال هنا الحيوان وكذلك تستعمله العرب في الأكثر وقد يجعل اسما لكل ما يملكه الإنسان من ناطق وصامت قال تعالى: ولا تؤتوا السفهاء

482
أموالكم وقال تعالى: والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم. فالمال فيهما عام لكل ما يملك. وكلب الزمان: شدته وأصل الكلب سعار يصيب الكلاب فضرب بذلك مثلا للزمان الذي يذهب بالأموال ويتعرق الأجسام كما سموا السنة الشديدة ضبعا تشبيها لها بالضبع. وقالوا: أكله الدهر وتعرقه الزمان كما قال البسيط:
* أبا خراشة أما أنت ذا نفر
* فإن قومي لم تأكلهم الضبع
* وترجمة يزيد بن الصعق تقدمت في الشاهد التاسع والستين. وأنشد بعده البيسط:

483
* لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت
* حمامة في غصون ذات أو قال
* وتقدم الكلام عليه في الشاهد السابع والثلاثين بعد المائتين. وضمير منها راجع للوجناء وهي الناقة الشديدة. والشرب: مفعول يمنع وغير فاعله لكنه بني على الفتح جوازا لإضافته إلى مبني. وروى الرفع أيضا فلا شاهد فيه. وأراد بنطقت صوتت مجازا. وفي بمعنى على.
وذات بالجر صفة لغصون. والأوقال: جمع وقل بفتح فسكون وهو ثمر الدوم اليابس فإن كان ثمره طريا فاسمه البهش. يريد: لم يمنعها أن تشرب الماء غير ما سمعت من صوت حمامة)
فنفرت. يريد أنها حديدة النفس يخامرها فزع وذعر لحدة نفسها وهو محمود فيها. وأنشد بعده الخفيف:
* غير أني قد استعين على اله
* م إذا خف بالثوي النجاء
* وتقدم هذا أيضا مشروحا في الشاهد الثامن والثلاثين بعد المائتين. وغير للاستثناء المنقطع مما قبله فيحتمل أن تكون الفتحة فيه للبناء وفيه الشاهد ويحتمل أن تكون نصبا فلا شاهد فيه.
وقوله: قد استعين بنقل فتحة الهمزة إلى دال قد. وخف بمعنى ذهب وأسرع. والثوي: مبالغة ثاو بمعنى مقيم. والنجاء بفتح النون

484
بعدها جيم: المضي والسرعة والباء للتعدية. أي: إذا اضطر المقيم السفر وأقلقه السير والمضي. وأنشد بعده
3 (الشاهد السابع والتسعون بعد الأربعمائة))
الكامل: بأذل حيث يكون من يتذلل على أن أبا علي قال في كتاب الشعر: إن جملة يكون صفة ل حيث لا أنها مضاف إليه. لأن حيث هنا اسم بمعنى موضع لا أنها باقية على الظرفية. وكتاب الشعر يقال له: إيضاح الشعر وإعراب الشعر أيضا. وقد تكلم على هذا المصراع وأجاد الكلام فيه فينبغي أن نثبته هنا إيضاحا له. والمصراع من قصيدة طويلة عدتها تسعة وتسعون بيتا للفرزدق هجا بها جريرا.
ولا بد من نقل بيتين منها ليتضح معناه وهما:
* إنا لنضرب رأس كل قبيلة
* وأبوك خلف أتانه يتقمل
*
* يهز الهرانع عقده عند الخصي
* بأذل حيث يكون من يتذلل
* قال أبو علي: أنشده بعض البغداديين وزعم أن حيث يكون اسما والقول في ذلك أن أفعل لا يضاف إلا إلى ما هو بعضه فإذا كان كذا فإنه يراد به الموضع لأنه مضاف إلى مواضع وجاز أن يراد بحيث الكثرة لإبهامها كما تقول أفضل رجل.

485
وكذلك لما أضاف أذل صار كأنه قال: بأذل موضع فحيث موضع ولا يجوز مع الإضافة إليها أن تكون ظرفا كقولك: يا سارق الليلة أهل الدار وقد حكى قطرب فيها الإعراب. ومما جاء حيث مفعولا به قوله تعالى: الله أعلم حيث يجعل رسالاته. ألا ترى أن حيث لا يخلو من أن يكون جرا أو نصبا. فلا يجوز أن يكون جرا لأنه)
يلزم أن يضاف إليه أفعل وأفعل إنما يضاف إلى ما هو بعض له وهذا لا يجوز في هذا الموضع فلا يجوز أن يكون جرا وإذا لم يكنه كان نصبا بشيء دل عليه يعلم أنه مفعول به. والمعنى: الله يعلم مكان رسالاته وأهل رسالته. فهذا إذن اسم أيضا. فإن قال قائل: إذا صار اسما فلم لا يعرب لزواله عن أن يكون ظرفا قيل: كونه اسما لا يخرجه عن البناء ألا ترى أن منذ حرف فإذا استعملت اسما في نحو منذ يومان لم تخرج عن البناء. وكذلك عن وعلى إذا قلت: من عن يمين الخط وكذلك قول الشاعر الطويل: غدت من عليه

486
وكذلك: كم بنيت في الاستفهام فإذا صارت خبرا بقيت على بنائها فكذلك حيث إذا صارت اسما. فأما موضع يكون في قوله: بأذل حيث يكون من يتذلل فجر بأنه صفة حيث كأنه قال: بأذل موضع يكونه أي: يكون فيه. فحذف الحرف وأوصل الفعل فليس بجر لإضافة حيث إليه لأن حيث إنما يضاف إلى الفعل إذا كان ظرفا. فإذا لم يكن ظرفا لم ينبغ أن يضاف إلى الفعل. وليس حيث في البيت بظرف. وإنما لم يعرب من لم يعربه لأنه جعله بمنزلة ما ومن في أنهما لم يعربا إذا وصفا وكانا نكرتين. وذاك أن الإضافة في حيث كانت للتخصيص كما أن الصفة كذلك فلما جعل اسما ولم يضف صار لزوم الصفة له للتخصيص بمنزلة لزوم الصلة للتخصيص فضارع حال الوصف حال الإضافة. ولو جعلت في قوله: بأذل حيث يكون زمانا لم يحسن لأن أفعل هذا بعض ما يضاف إليه. وإذا قلت: هذا أذل رجل فالمعنى: هذا رجل ذليل ولا يكاد يقال: زمان ذليل كما يقال: موضع ذليل. ألا ترى أن الأماكن قد وصفت بالعز فإذا جاز وصفها بالعز جاز وصفها بخلافه ولا تكاد تسمع وصف الزمان بالذل. فلا يجوز إذن أن يكون موضع يكون جرا بأنه صفة حيث ويجعل حيث اسم زمان. انتهى كلام أبي علي. وحاصله: أن أذل أفعل تفضيل مجرور بالكسر وهو مضاف إلى حيث بمعنى موضع يراد به الكثرة لإبهامه ولهذا صح إضافة أفعل إليه إذ لا يضاف أفعل التفضيل إلا إلى ما هو بعضه. وجملة يكون: صفة ل حيث فتكون في محل جر والعائد إلى الموصوف ضمير نصب محذوف والأصل: يكون فيه ففيه خبر يكون ومن يتذلل اسمه فحذف حرف الجر واتصل الضمير بيكون فصار يكونه ثم حذف الضمير فصار

487
يكون فجملة يكون)
إلخ في محل جر لكونها صفة لحيث لا لكونها مضافا إليه. وحيث موصوف بالجملة لا مضاف إليها. ولما كان حكم الجملة بعد حيث في الآية حكمها في البيت نسبهما إلى أبي علي وإن لم يذكر حكم الجملة بعد حيث في الآية أبو علي. وقال الشارح المحقق: الأولى أن يكون مضافا ولا مانع من إضافته وهو اسم لا ظرف إلى الجملة كما في ظروف الزمان وذلك نحو قوله تعالى: يوم ينفع الصادقين صدقهم. وعلى هذا أيضا يكون الخبر محذوفا يقدر بعد يتذلل أي: فيه.
وقوله: إنا لنضرب رأس كل قبيلة يقول: نحن في الطرف الأعلى من العز وأنتم في نهاية الذل والعجز. والأتان: أنثى الحمار.
ويتقمل: يقتل قمله. وقوله: يهز الهرانع إلخ تفسير لقوله: يتقمل. ويهز: مضارع وهز يهز هزة ووهزا إذا نزع القملة وقصعها أوله وثالثه زاء معجمة. والهرانع: مفعول يهز مقدم جمع هرنع بكسر الهاء وسكون الراء المهملة وكسر النون بعدها عين مهملة وهو القمل الواحدة هرنعة.
قال الشاعر: في رأسه هرانع كالجعلان كذا قال ابن دريد. وقال الليث: الهرنوع كعصفور: القملة الضخمة ويقال: هي الصغيرة.
وأنشد البيت. فيكون الجمع على حذف الزائد. وقال ابن الأعرابي: الهرنع كقنفذ والهرنوع: القملة الصغيرة. وعقده فاعل يهز وهو بفتح العين المهملة وسكون القاف والضمير راجع لقوله: وأبوك.

488
وفسره ابن حبيب في شرح المناقضات وابن قتيبة في أبيات المعاني وقالا: يعني عقدة الثلاثين وهو هيئة تناول القملة بإصبعين: الإبهام والسبابة. ورواه الصاغاني في العباب في مادة وهز عن شمر كذا:
* يهز الهرانع لا يزال ويفتلي
* بأذل حيث يكون من يتذلل
* ففاعل يهز على هذا ضمير أبوك. واعلم أن العقود والعقد نوع من الحساب يكون بأصابع اليدين يقال له: حساب اليد. وقد ورد منه في الحديث: وعقد عقد تسعين. وقد ألفوا فيه كتبا وأراجيز منها أرجوزة أبي الحسن علي الشهير بابن المغربي. وقد شرحها عبد القادر بن علي بن شعبان العوفي ومنها في عقد الثلاثين الرجز:
* واضممهما عند الثلاثين ترى
* كقابض الإبرة من فوق الثرى
*)
قال شارحها: أشار إلى أن الثلاثين تحصل بوضع إبهامك إلى طرف السبابة أي: جمع طرفيهما كقابض الإبرة. وعند الخصي ظرف لقوله يهز. وقوله: بأذل الباء بمعنى في متعلقة بمحذوف على أنه حال من ضمير عقده. يقول: نحن لعزنا وكثرتنا نحارب كل قبيلة ونقطع رؤوسها وأبوك لذله وعجزه يقتل قمله خلف أتانه فهو يتناول قملة بإصبعه من بين أفخاذه حالة كونه جالسا في أحقر موضع يجلس فيه الذليل وهو خلف الأتان. فنحن نقتل الأبطال وأبوك يقتل القمل والصئبان فشتان ما بيني وبينك. وهذه القصيدة مطلعها: ويأتي شرحه أن شاء الله في الصفة المشبهة.

489
وترجمة الفرزدق قد تقدمت في الشاهد الثلاثين من أوائل الكتاب. وأنشد بعده
3 (الشاهد الثامن والتسعون بعد الأربعمائة))
الوافر:
* نهيتك عن طلابك أم عمر و
* بعاقبة وأنت إذ صحيح
* على أن التنوين اللاحق ل إذ عوض عن الجملة والأصل: وأنت إذ الأمر ذاك وفي ذلك الوقت.
وكذا أورده صاحب الكشاف في سورة ص. استشهد به على أن أوان في قوله: طلبوا صلحنا ولات أوان بني على الكسر تشبيها ب إذ في أنه زمان قطع منه المضاف إليه وعوض عنه التنوين وكسر لالتقاء الساكنين. وروي أيضا: وأنت إذا صحيح فيكون التنوين فيه أيضا عوضا عن المضاف إليه الجملي عند الشارح المحقق ويكون الأصل وأنت إذ نهيتك كما قال في قوله تعالى: فعلتها إذا وأنا من الضالين. والمشهور أنها في مثله للجواب والجزاء. وعليه مشى المرزوقي في شرح الهذليين قال: رواه الباهلي: وأنت إذا

490
صحيح. وتكون إذا للحال كأنه يحكي ما كان. والمراد:
* فإنك إن ترى عرصات جمل
* بعاقبة فأنت إذا سعيد
* قال سيبويه: إن إذا جواب وجزاء وإذا كان كذلك ففي الفاء مع ما بعدها الجزاء فما معنى إذا فإن ذلك عندي لتوكيد الجزاء كما أن الياء في قوله الرجز: والدهر بالإنسان دواري لتوكيد الصفة. انتهى. وقوله قبل البيت: وقوله هو بالجر معطوف على مدخول الكافي في قوله تعالى: وكلا آتينا. واعلم أن الشارح المحقق قد دقق النظر في نحو: يومئذ فجعل إذ بدلا من)
الظرف قبله فيكون يوم ونحوه غير مضاف إلى إذ. وحينئذ يرد عليه: ما وجه حذف

491
التنوين من الظرف الأول ومن قال بالإضافة كالجمهور فحذف التنوين ظاهر. ويجوز فيه البناء على الفتح والإعراب على حسب العامل. قال ابن السراج في الأصول: وأسماء الزمان إذا أضيفت إلى اسم مبني جاز أن تعربها وجاز أن تبنيها وذلك نحو: يومئذ بالرفع ويومئذ بالفتح فيقرا على هذا إن شئت: من عذاب يومئذ بالجر ومن عذاب يومئذ بالفتح. اه. وقد قرر الشارح المحقق هذا فيما سيأتي وتنبه لهذا الاعتراض فأجاب عنه بأن الإعراب لعروض علة البناء أعني الإضافة إلى الجمل والبناء
لوقوع إذ المبني موقع المضاف إليه لفظا. وقوله: والذي يبدو لي أن هذه الظروف التي كأنها في الظاهر مضافة إلى إذ ليست مضافة إليه بل إلى الجمل المحذوفة هذا ممكن في يوم وحين فإنهما يجوز إضافتهما إلى الجمل وقد سمع. وأما ساعة وليلة وغداة وعشية وعاقبة فإنها ليست من الظروف التي يجوز إضافتها إلى الجمل لأنه لم يسمع فكيف يقال إنها تضاف إلى الجمل وإذ بدل منها فلما حذفت الجملة المضافة إليها إذ عوض التنوين عنها وقد وجد بخط صاحب القاموس تركيب هذه الظروف مع إذ قال: لا يضاف إلى إذ من الظروف في كلام العرب غير سبعة ألفاظ وهي: يومئذ وحينئذ وساعتئذ وليلتئذ وغداتئذ وعشيتئذ وعاقبتئذ. اه. قيل: ومقتضاه أنه لا يقال وقتئذ ولا شهرئذ ولا سنتئذ.
وقد ورد أوانئذ في شعر الداخل بن حرام الهزلي قال الوافر:
* دلفت لها أوانئذ بسهم
* حليف لم تخونه الشروج
*

492
والدليف: سير فيه إبطاء. وحليف: حديد. وتخونه: تنقصه. والشروج: الشقوق والصدوع.
وزعم الأخفش أن إذ معرب مجرور بإضافة ما قبله إليه. قال ابن هشام في المغني: وزعم الأخفش أن إذ في ذلك معربة لزوال افتقارها إلى الجملة وأن الكسرة إعراب لأن اليوم مضاف إليها. ورد بأن بناءها لوضعها على حرفين وبأن الافتقار باق في المعنى كالموصول تحذف صلته لدليل. قال مجزوء الكامل:
* نحن الألى فاجمع جمو
* عك ثم جهزهم إلينا
* أي: نحن الألى عرفوا. وبأن العوض ينزل منزلة المعوض منه فكان المضاف إليه مذكور وبقوله: وأنت إذ صحيح. وأجاب عن هذا بأن الأصل حينئذ ثم حذف المضاف وبقي الجر كقراءة بعضهم: والله يريد الآخرة أي: ثواب الآخرة. اه. وهذا مع أنه لا قرينة عليه لا يفيد شيئا)
لوجود مقتضى البناء فيه. وقد سها سهوا بينا شارح شواهد المغني فقال: البيت استشهد به الأخفش على أن إذ معربة لعدم إضافة زمان إليها وقد كسرت. وأجيب بأن الأصل وأنت حينئذ ثم حذف المضاف وبقي الجر. هذا كلامه.

493
ولا يخفى أن الأخفش لم يستشهد بالبيت وإنما استشهد به عليه فأجاب بأن الحين منه محذوف. وهو غير قائل بأن إذ معربة لعدم الإضافة. وقد تكلم ابن جني في سر الصناعة على يومئذ ببيان واف وإن كان على خلاف طريقة الشارح المحقق فلا بأس بإيراده مختصرا قال: من وجوه التنوين أن يلحق عوضا من الإضافة نحو: يومئذ وليلتئذ وساعتئذ وحينئذ وكذلك قول الشاعر: وأنت إذ صحيح وإنما أصل هذا أن تكون إذ مضافة إلى جملة نحو: جئتك إذ زيد أمير وقمت إذا قام زيد فلما اقتطع المضاف إليه إذ عوض منه التنوين فدخل وهو ساكن على الذال وهي ساكنة فكسرت الذال لالتقاء الساكنين فقيل: يومئذ. وليست الكسرة كسرة إعراب وإن كانت إذ في موضع جر بإضافة ما قبلها إليها. وإنما الكسرة فيها لسكونها وسكون التنوين بعدها ويدل على أن الكسر في ذال إذ إنما هي لالتقاء الساكنين قول الشاعر: وأنت إذ صحيح ألا ترى أن إذا ليس فبلها شيء فأما قول أبي الحسن أنه جر إذ لأنه أراد قبلها حين ثم حذفها وبقي الجر فساقط. ألا ترى أن الجماعة قد أجمعت على أن إذ و كم و من من الأسماء المبنية على الوقف. وقد قال أبو الحسن نفسه في بعض التعاليق عنه في حاشية الكتاب: بعد كم و إذ من التمكن أن الإعراب لم يدخلهما قط. فهذا تصريح منه ببناء إذ وهو اللائق به والأشبه باعتقاده وذلك القول الذي حكيناه عنه شيء قاله في كتابه الموسوم بمعاني القرآن وإنما هو شبيه بالسهو منه.

494
على أن أبا علي قد اعتذر له منه بما يكاد يكون عذرا. قلت: أورد هذا العذر في آخر إعراب الحماسة: قال: سألت أبا علي عن قوله: وأنت إذ صحيح فقلت: قد قال أبو الحسن: إنه أراد حينئذ فهذا تفسير المعنى أم تقدير الإعراب على أن تكون إذ مجرورة بحين المرادة المحذوفة فقال: لا بل إنما فسر المعنى ولا يريد أن إذ مجرورة بحين المرادة. والذي قاله أبو علي أجري على مقاييس مذاهب أصحابنا غير أن كلام أبي الحسن ظاهره هناك أنه يريد ما عدل أبو علي عنه. انتهى.
ثم قال ابن جني: ويؤيد ما ذكرته من بناء إذ أنها إذا أضيفت مبنية نحو قوله: إذ الأغلال في)
أعناقهم و إذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت فإذا في هذا ونحوه مضافة إلى الجمل بعدها وموضعها نصب وهي كما ترى مبنية. فإذا كانت في حال إضافتها إلى الجمل كلا إضافة لأن من حق الإضافة أن تقع على الأفراد فهي إذا لم تضف في اللفظ أصلا أجدر باستحقاق البناء. ويزيدك وضوحا قراءة الكسائي: من عذاب يومئذ فبني يوم على الفتح لما أضافه إلى مبني غير متمكن. فإن قيل: بنيت إذ من حيث كانت غاية منقطعا منها ما أضيفت إليه أو من حيث إضافتها إلى جملة تجري الإضافة إليها مجرى لا إضافة فهلا أعربت لما أضيفت إلى المفرد في نحو قولهم: فعلت إذ ذاك قلت: هذه مغالطة فإن ذاك ليس مجرورا بإضافة إذ إليه وإنما ذاك مبتدأ حذف خبره تخفيفا والتقدير: إذ ذاك كذاك. فالجملة هي التي في موضع الجر.

495
ونظير هذا ما ذهب إليه أبو العباس المبرد في قول الآخر الخفيف:
* طلبوا صلحنا ولات أوان
* فأجبنا أن ليس حين بقاء
* وذلك إلى أنه ذهب إلى كسرة أوان ليست إعرابا ولا أن التنوين الذي بعدها هو التابع لحركات الإعراب وإنما تقديره عنده أن أوان بمنزلة إذ في أن حكمه أن يضاف إلى
الجملة نحو: جئتك أوان قام زيد وأوان الحجاج أمير أي: إذ ذاك كذاك فلما حذف المضاف إليه أوان عوض من المضاف إليه تنوينا. والنون عنده كانت في التقدير ساكنة فلما لقيها التنوين ساكنا كسرت النون هذا أوان الشد فاشتدي زيم وقوله: فهذا أوان العرض وغير ذلك.

496
فإن قيل: فإذا كان الأمر كذلك فهلا حركوا التنوين في يومئذ وأوان ولم حركوا آخره دون التنوين فالجواب: أنهم لو فعلوا ذلك لوجب أن يقولوا: إذن فيشبه النون الزائد النون الأصلي ولما أمكنهم أن يفعلوه في أوان لأنهم لو آثروا إسكان النون لما قدروا على ذلك لأن الألف ساكنة قبلها وكان يلزمهم من ذلك أن يكسروا النون لسكونها وسكون الألف ثم يأتي التنوين بعدهما فكان لا بد أيضا من أن يقولوا: أوانن. فإن قيل: فلعل على هذا كسرهم النون من أوان إنما هو لسكونها وسكون الألف قبلها دون أن يكون كسرهم إياها لسكونها وسكون التنوين بعدها فالجواب ما تقدم من كسرهم ذال إذ لسكونها وسكون التنوين بعدها. فعلى هذا ينبغي أن يحمل كسر النون من أوان لئلا يختلف الباب. ولأن أوان أيضا لم ينطق به قبل)
لحاق التنوين لنونه فيقدر مكسور النون لسكونها وسكون الألف قبلها إنما حذف منه المضاف إليه وعوض التنوين عقيب ذلك فلم يوجد له زمن تلفظ به بلا تنوين فيلزم القضاء بأن نونه إنما كسرت لسكون الألف قبلها. فاعرف ذلك من مذهب المبرد. وأما الجماعة إلا أبا الحسن والمبرد فعندها أن أوان مجرورة بلات وأن ذلك لغة شاذة. انتهى كلام لبن جني. والبيت من مقطوعة تسعة أبيات لأبي ذؤيب الهذلي أولها الوافر:
* جمالك أيها القلب القريح
* ستلقى من تحب فتستريح
* نهيتك عن طلابك أم عمر و.............. البيت
* وقلت: تجنبن سخط ابن عم
* ومطلب شلة وهي الطروح
*

497
وقوله: جمالك إلخ قال الإمام المرزوقي في شرحه: يجوز أن يكون المراد: الزم جمالك الذي عرف منك وعهد فيما تدفع إليه وتمتحن به أي: صبرك المألوف المشهور. ويجوز أن يكون المعنى: تصبر وافعل ما يكون حسنا بك. والمصادر يؤمر بها توسعا مضافة ومفردة. وهذا الكلام بعث على ملازمة الحسنى وتحضيض ووعد النجاح في العقبى وتقريب. وقوله: نهيتك عن طلابك إلخ قال الإمام المرزوقي: يذكر قلبه بما كان من وعظه له في ابتداء الأمر وزجره من قبل استحكام الحب فيقول: دفعتك عن طلب هذه المرأة بعاقبة أي: بآخر ما وصيتك به.
هذا كما تقول لمن تعتب عليه فيما لم يقبله: كان آخر كلامي معك تحذيرك ما تقاسيه الساعة ولست تريد أن تلك الوصاة كانت مؤخرة عن غيرها ومردفة سواها مما هو أهم منها ولكنه تنبه على أن الكلام كان مقصورا عليها أولا وآخرا. ويجوز أن يكون المعنى: نهيتك عن طلبها بذكر ما يفضي أمرك إليه وتدور عاقبتك عليه وأنت بعد سليم تقدر على التملس منها وتملك أمرك وشأنك في حبها. وكأنه كان رأى لتلك الحالة عواقب مذمومة تحصل كل واحدة على طريق البدل من صاحبتها وكان ذكرها كلها فلذلك نكر العاقبة. ويجوز أن يريد: نهيتك بعقب ما طلبتها أي: كما طلبتها زجرتك عن قريب لأن مبادئ الأمور تكون ضعيفة فيسهل فيها كثير مما يصعب من بعد وهذا أقرب الوجوه في نفسي. والعرب تقول: تغير فلان بعاقبة أي: عن قريب بعقب ما عهد عليه قبل. انتهى.

498
فظهر من هذا أن عاقبة بالقاف والموحدة.
وكذا هي في رواية أبي بكر القاري شارح أشعار الهذليين قبل الإمام المرزوقي وهي عندي بخطه وعليها خطوط علماء العربية. منهم أحمد بن فارس صاحب المجمل في اللغة وفسرها)
القاري بقوله: آخر الشأن. والباء على المعاني الثلاثة متعلقة بنهيتك. وحملة وأنت صحيح حال من الكاف في نهيتك. وصحفها الدماميني في الحاشية الهندية على المغني بالفاء والمثناة التحتية فجعل الباء متعلقة بمحذوف على أنه حال من إحدى الكافين كالجملة الاسمية وجوز أيضا أن تكون الباء متعلقة بنهيتك وقال: أي: نهيتك عن حال عاقبة. والاسمية حال من التاء. أقول: لا يصح كونها حالا من التاء لأنها صفة للمخاطب لا للمتكلم. فتأمل. وقوله: وقلت تجنبن إلخ قال الإمام المرزوقي: روي لنا عن الدريدي عن أبي يزيد وعن الزيادي: شلة بضم الشين قال: وكذا قرأته بخط ذي الرمة. وكذا رواه الباهلي أيضا. وروي: شلة بفتح الشين وهما جميعا من الشل: الطرد كأنه يعدد ما كان يحذره منه ويعرفه أن نتائجه كان عالما بها فلها ما كان ينفره.
والمعنى أن طلبك لها يجلب عليك مراغمة أبناء عمك ويسوقك إلى التعب فيما يبعد عنك ولا يجدي عليك.

499
والطروح: البعيدة. وروى بعضهم: ونوى طروح أي: تطرح أهلها في أقاصي الأرض. وكأنه أراد: ونوى طروح ذاك لأن القوافي مرفوعة. اه. وترجمة أبي ذؤيب الهذلي تقدمت في الشاهد السابع والستين من أوائل الكتاب. وأنشد بعده
3 (الشاهد التاسع والتسعون بعد الأربعمائة))
وهو من شواهد س الطويل:
* على حين عاتبت المشيب على الصبا
* فقلت: ألما تصح والشيب وازع
* على أنه يجوز إعراب حين بالجر لعدم لزومها للإضافة إلى الجملة ويجوز بناؤها على الفتح لاكتسابها البناء من إضافتها إلى المبني وهو جملة عاتبت. وأورده صاحب الكشاف عند قراءة نافع والكسائي: ومن خزي يومئذ بفتح الميم شاهدا على اكتساب المضاف البناء من المضاف إليه. والبيت من قصيدة للنابغة الذبياني وقد تقدمت مشروحة بتمامها في الشاهد

500
* فأسبل مني عبرة فرددتها
* على النحر منها مستهل ودامع
* وفاعل أسبل ضمير ذو حسى في بيت من مطلع القصيدة بضم الحاء والسين المهملتين وهو بلد في بلاد بن مرة. وعبرة: مفعول أسبل يقال: أسبل الرجل الماء أي: صبه. والعبرة بالفتح: الدمعة. وإنما ردها خوف الفضيحة فإنه يبكي على دار الحبيب الدارسة وهو شيخ. وعلى النحر متعلق بأسبل ويجوز أن يتعلق برددتها على وجه. والنحر موضع القلادة من الصدر والدمعة تجري على الخدود ثم تسيل منها على النحر. ومستهل: سائل منصب له وقع. ومنه)
استهلت السماء بالمطر إذا دام مطرها. ودامع: قاطر. وجملة منها مستهل صفة لعبرة أي: بعضها مستهل وبعضها دامع. وقوله: على حين عاتبت إلخ على بمعنى في متعلقة بأسبل.
وعاتبه على كذا أي: لامه مع تسخط بسببه. فعلى الصبا متعلق بعاتبت. والصبا بالكسر والقصر: اسم الصبوة وهي الميل إلى هوى النفس. والمشيب: الشيب وهو ابيضاض الشعر المسود ويأتي بمعنى الدخول في حد الشيب. وقوله: فقلت أي: للمشيب معطوف على عاتبت. وجملة: ألما تصح إلخ مقول القول. والهمزة للإنكار ولما: جازمة بمعنى لم وفيها توقع لأن صحوه متوقع. وتصح مجزوم بحذف الواو من صحا يصحو إذا زال سكره. وجملة والشيب وازع: حال من فاعل تصح. و وازع بالزاي المعجمة: الزاجر والكاف. تقول: وزع

501
* إذا لم يزع ذا الجهل حلم ولا تقى
* ففي السيف والتقوى لذي الجهل وازع
* وروى أبو عبيدة: ألما أصح بالهمزة بدل التاء. وقد تقدمت ترجمة النابغة الذبياني في الشاهد الرابع بعد المائة. وأنشد بعده البسيط:
* لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت
* حمامة في غصون ذات أو قال
* على أن غيرا بنيت على الفتح لإضافتها إلى مبني وبينه الشارح المحقق مع أنها فاعل لم يمنع.
وقد روى الرفع أيضا على الأصل: قال سيبويه في باب ما تكون أن وأن مع صلتهما بمنزلة غيرهما من السماء: حدثنا أبو الخطاب أنه سمع من العرب الموثوق بهم من ينشد هذا البيت رفعا:
* لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت
* البيت
* وزعموا أن أناسا ينصبون هذا كنصب بعضهم يومئذ في كل موضع فكذلك غير أن نطقت.
وكما قال النابغة: على حين عاتبت المشيب على الصبا انتهى. وتقدم شرحه قريبا.

502
وأنشد بعده
* ونطعنهم حيث الكلى بعد ضربهم
* ببيض المواضي حيث لي العمائم
* على أن إضافة حيث إلى مفرد نادرة فتكون حيث بمعنى مكان ولي مجرور بإضافة حيث إليه وهو مصدر لوى العمامة على رأسه أي: ومكان لف العمائم هو الرأس. قال ابن هشام في المغني: وندرت إضافة حيث إلى المفرد كهذا البيت. والكسائي يقيسه. وأندر من ذلك)
إضافتها إلى جملة محذوفة كقوله الطويل:
* إذا ريدة من حيث ما نفحت له
* أتاه برياها خليل يواصله
* أي: إذا ريدة نفحت له من حيث هب وذلك لأن ريدة فاعل بمحذوف يفسره نفحت فلو كان نفحت مضافا إليه حيث لزم بطلان التفسير إذ المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف فلا يفسر عاملا فيه. قال أبو الفتح في كتاب التمام: ومن أضاف حيث إلى المفرد أعربها.
انتهى. وقال العيني: إن حيث لم يضف في البيت إلى جملة فيكون معربا ومحله النصب على الحالية. انتهى.

503
يريد ما ذكره أبو الفتح من أنها إذا أضيفت إلى مفرد أعربت فتكون منصوبة لفظا على الظرفية وعاملها مقدر منصوب على الحالية كما قالوا مثله في: رأيت الهلال بين
السحاب. هذا مراده. وقال شارح شواهد المغني: الصواب أنها ظرف لضرب لا حال فإنها ظرف مكان كما أن تحت ظرف مكان لنطعنهم. ولم يفهم ابن الملا الحلبي في شرح المغني عبارة العيني وزيفها وهذا كلامه. ومن خطه نقلت: وقول العيني هنا أن حيث حيث لم تضف إلى جملة معربة محلها النصب على الحال مردود إذ لا معنى لجعل إعرابها محليا مع الحكم عليها بأنها معربة. انتهى. وقول شارح أبيات المغني كما أن تحت ظرف مكان لنطعنهم. هذه رواية العيني أخذها منه فإن صاحب المغني لم يورد إلا المصراع الثاني. والمشهور في شرح المفصل وغيره أن الرواية حيث الحبا قال ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل: يجوز أن يكون حيث مضافا إلى الحبا على حد حيث: لي العمائم إلا أنه لا يظهر فيه الإعراب. والحبا: جمع حبوة وهو أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بعمامته وقد يحتبي بيديه. وفيها ضم الحاء وفتحها. وقال الجوهري: والجمع حبى مكسور الأول عن يعقوب. والذي أنشده شيخنا البحراني وكتبه بخطه: الحبا بضم الحاء وبالألف. انتهى. ورواية الشارح المحقق في جميع نسخه: الكلى بدل الحبا. وبهذه الرواية تمم المصراع الدماميني وتبعه ابن الملا. وهو جمع كلية والكلوة لغة فيه. وقال ابن السكيت: ولا تقل كلوة أي: بكسر الكاف. والمراد بالروايات الثلاث الأوساط. ولكل كليتان وهما لحمتان لازقتان بعظم الصلب عند الخاصرتين. وقوله: ونطعنهم قال صاحب المصباح: طعنه بالرمح طعنا من باب قتل. ثم قال: وطعنت فيه بالقول وطعنت عليه من باب قتل أيضا ومن باب نفع لغة. وأجاز الفراء يطعن في جميع معانيه بالفتح لمكان حرف الحلق.

504
وفي القاموس: طعنه بالرمح كمنعه ونصره طعنا: ضربه وفيه بالقول طعنا. وقال شارح أبيات المغني: يقال: طعنه بالرمح)
يطعنه بالضم في المضارع وكذا كل ما هو حسي. وأما المنوي كيطعن في النسب فبفتح العين.
وقوله: بعد ضربهم مصدر مضاف إلى المفعول والفاعل محذوف أي: ضربنا إياهم. وقوله: ببيض المواضي بالكسر: جمع أبيض وهو السيف. والمواضي: جمع ماض وهو القاطع الحاد والإضافة من باب إضافة الموصوف إلى الصفة. وقال العيني: البيض بفتح الباء: الحديد.
والمواضي: السيوف. أراد ضربهم بحديد السيوف في رؤوسهم. ويجوز كسر الباء إلى آخر ما ذكرنا. ولا ينبغي لمثله أن يسود وجه الورق الأبيض بهذه الترهات. وهذا البيت لم يعرف له قائل. قال ابن المستوفي: هذا البيت لا يحسن أن يكون من باب ما يفتخر به لأنهم إذا ضربوهم مكان لي العمائم ولم يموتوا واحتاجوا إلى أن يطعنوهم مكان الحبا وعادة الشجاع أن يأتي بالضرب بعد الطعن فهذا منهم فعل جبان خائف غير متمكن من قتل قرنه. وإنما الجيد قول بلعاء بن قيس من بني ليث بن كنانة البسيط:
* وفارس في غمرات الموت منغمس
* إذا تألى علة مكروهة صدقا
*
* غشيته وهو في جأواء باسلة
* غضبا أصاب سواء الرأس فانفلقا
*
* بضربة لم تكن مني مخالسة
* ولا تعجلتها جبنا ولا فرقا
* فانظر كيف وصف قرنه بما وصف به ووصف موضعه وبالغ في وصفهما ووصف ضربته بما يدل على جرأته وشجاعته. انتهى.

505
هذا ولم يورد الزمخشري في المفصل هذا البيت بتمامه وإنما قال: وقد روى ابن الأعرابي بيتا عجزه: حيث لي العمائم قال التبريزي في شرح الكافية: إنما لم ينشد البيت بتمامه للاختلاف في صدره فبعضهم رواه كما ذكر وبعضهم قال: صدره:
* ونحن سقينا الموت بالسيف معقلا
* وقد كان منهم حيث لي العمائم
* انتهى. وقال ابن المستوفي: وما أنشده ابن الأعرابي فقد قال الأندلسي: وجدت أنا تمامه في بعض حواشي المفصل وهو:
* ونحن قتلنا بالشآم مغفلا
* وقد كان منا حيث لي العمائم
* قال: ولا أعلم صحته. وأوله على ما أنشدنيه شيخنا محمد بن يوسف البحراني: ونطعنهم حيث الحبا بعد ضربهم.............. البيت)
ولم يتممه بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل إلا بقوله:
* ونحن سقينا الموت بالشآم معقلا
* وقد كان منكم حيث لي العمائم
* وقال: المعنى ونحن سقينا هذا الرجل وهو معقل كأس الموت بهذه البلدة وقتلناه وقد كان هذا الرجل منكم فوق الرؤوس منكم أي: كان رئيسكم وعاليا عليكم. وقال
بعض الشارحين: معناه قد كان المعقل منكم وهو الملجأ في مكان لي العمائم وهو الرأس. وهذا ليس بظاهر.
انتهى. وهذا البيت أيضا لم يعرف قائله. أقول: البيت الذي رواه ابن الأعرابي غير ذينك البيتين. قال الصاغاني في العباب: وروى ابن الأعرابي بيت كثير الطويل:

506
* وهاجرة يا عز يلطف حرها
* لركبانها من حيث لي العمائم
*
* نصبت لها وجهي وعزة تتقي
* بجلبابها والستر لفح السمائم
* ويروى: من تحت لوث العمائم ولعل الزمخشري لم ينشده لرجحان الرواية الثانية عنده. وأما البيت الذي أنشده صاحب المغني هو:
* إذا ريدة من حيث ما نفحت له
* إلخ
* فهو لأبي حية النميري: شاعر إسلامي أدرك الدولة الأموية والعباسية. توفي سنة بضع وثمانين ومائة. والريدة براء مهملة مفتوحة ومثناة تحتية بعدها دال: الريح اللينة الهبوب. ونفحت: هبت. والريا: الرائحة. وقد أورد أبو علي هذا البيت في الإيضاح الشعري وتكلم عليه فيه ولم يظفر به أحد من شراح المغني فلا بأس بإيراده. قال: وصف أبو حية النميري بهذا البيت حمارا. يقال: ريح رادة وريدة وريدانة: اللينة. ورياها: ريحها. وخليل يعني: أنفه. يقول: تأتيه الريح لتنسمه إياها بأنفه. فإذا هذه هي التي هي ظرف من الزمان لأن المعنى: إذا نفحت ريح تنسمها. وإذا كانت كذلك كانت ريدة مرتفعة بفعل مضمر يفسره نفحت مثل: إذا السماء انشقت ونحو ذلك ومن متعلقة بالمحذوف الذي فسره نفحت. وما أضيف إليه حيث محذوف كما يحذف ما يضاف إليه إذ في يومئذ للدلالة عليه وأنه قد علم أن المعنى إذا نفحت من حيث ما نفحت. وإن شئت قلت: إن حيث مضافة إلى نفحت وريدة مرتفعة بفعل مضمر دل عليه نفحت وإن كان قد أضيف إليه حيث كما دل عليه الفعل الذي في صلة)
أن في قولك: لو أنك جئتني لأكرمتك وأغنى عنه. فكذلك هذا الفعل المضاف إليها

507
حيث أغنى عن ذلك الفعل لما دل عليه كما قلنا في لو. ألا ترى أن المضاف إليه مثل ما بعد الاسم الموصول في أن كل واحد منهما لا يعمل فيما قبله. ومع ذلك فقد أغنى الفعل الذي في صلة أن عن الفعل الذي يقتضيه لو وإن كان قبل الصلة. فكذلك الفعل المضاف إليه حيث. انتهى بكلامه وحروفه. وما تكون زائدة في التوجيهين. ونقل عن ابن مالك في التوجيه الأول عوض عن الجملة المحذوفة كالتنوين الذي في حينئذ. وبالتوجيه الثاني يسقط قول ابن هشام: فلو كانت نفحة مضافا إليه لزم بطلان التفسير إذ المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف. ويتأيد قول الدماميني في الحاشية الهندية: لا مانع من كون نفحت مضافا إليه مع جعله مفسرا. وما استند إليه منظور فيه لأن الظاهر من كلامهم أن امتناع تفسير ما لا يعمل مخصوص بباب الاشتغال.
تم بعون الله وتيسيره الجزء السادس من خزانة الأدب بتقسيم محققها.

508
/ 1