مصباح الأنس بين المعقول و المشهود نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مصباح الأنس بين المعقول و المشهود - نسخه متنی

محمد بن حمزه فناری؛ محقق: محمد خواجوی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: مصباح الأنس بين المعقول والمشهود
المؤلف: محمد بن حمزة الفناري
الجزء:
الوفاة: 834
المجموعة: فلسفة ، منطق ، عرفان
تحقيق: تصحيح وتقديم : محمد خواجوي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1416 - 1374 ش
المطبعة: ايران مصور
الناشر: انتشارات مولى - طهران - ايران
ردمك:
ملاحظات: مع تعليقات لميرزا هاشم الأشكوري والآية الله الخميني وسيد محمد القمي وآقا محمد رضا قمشئي والأستاذ حسن زاده آملي وفتح المفتاح
مصباح الانس بين المعقول والمشهود

1
مقدمة الشارح
هو
بسم الله الرحمن الرحيم
1 - 1 سبحانك اللهم وبحمدك (1)، حمدا يرتضيه ذاتك الذي لا يحوم حول عزه الاحمى



(1) - قوله سبحانك اللهم: التسبيح التنزيه عما لا يليق بجلاله وهو إشارة إلى التنزيه الاطلاقي السلبي، أي المجرد عن
كل تعين وقيد بمعنى الاعتبار، لا الاعتبار العدم، وذلك التنزيه هو الحمد المرضى عند ذاته وهويته الغيبية
اللا تعينية، فيحمده تعالى نفسه في مقام الاطلاق اللا تعيني بمحامد سلبية وكمالات تنزيهية على الوجه المذكور -
أعني ما لا يعتبر فيه قيد ولا تعين أصلا - فلا اسم ولا رسم ولا ذكر ولا عبارة، لان ما ذكر مبنى على التعين، وحيث
لا تعين له لا ينشئ منه - على ما قال الشارح المحقق - ونحمدك حمدا يرتضيه ذاتك الذي لا يحول حول عزه الاحمى
ذكر ولا عبارة واما في مقام التعين الأول ومرتبة وحدته الحقيقية الجامعة لجميع الاعتبارات والإضافات الذي
هو عبارة عن ظهور الذات لنفسها وعبره الشيخ عن هذا المقام باعتبار علمه نفسه بنفسه وكونه كنفسه هو
فحسب، انتهى، فحمده تعالى نفسه فيه حمد وتعريف يستغرق جميع المحامد ويستوعب جميع المحاسن والكمالات
ويحيط بكل الفضائل والنعوت ومنه ينبعث وينفصل جميع المحامد والكمالات، فهو تعريف وحمد ذاتي للذات في
أعلى مراتب حمد الحمد القائم بالذات وهو المسمى بلواء الحمد، وفي هذا المقام يحمد تعالى ذاته بعين تعينه الذي هو
أصل التعيناتها أو ينبوعها ويعرف انه مسبوق باللا تعين لدلالة المقيد على المطلق وعلى ان ما ورائه ما لا يتعين،
فيحمد الحق تعالى في ذلك المقام بأحدية جميع الكمالات، وكل واحد من الكمالات الصفاتية فيه عين الذات وعين
الاخر، واطلاقها كاطلاقها بل عينه، ويسمى تلك الكمالات الصفاتية في ذلك الموطن بالأسماء الذاتية على
التوصيف وفيه يثبت مفاتيح الغيب، كل منها في ذلك الموطن على سبيل الاطلاق الصرف وعدم التميز -
3
ذكر ولا عبارة، ويقتضيه كنه حقائق كمالاتك الصفاتية التي لا تبلغ شأو (1) شمة منها من



- لا الحقيقي ولا النسبي، لا الوجودي ولا المفهومي العلمي - وانما التميز في التعبير، كعبارة العلم والوجود
والنور والشهود، فجميع الكمالات في ذلك المقام متحدة بالذات - وحدة قدسية ذاتية بلا غيرية - وتميز نسبى
علمي وتفصيل حقيقي علمي بينهما، فلا كثرة هناك بوجه، وإلى ما ذكرنا أشار الشارح بقوله: ويقتضيه كنه
حقايق كمالاتك... إلى قوله: لكن لاشتمال.
ثم لما كان ظهور ذاته لذاته بذاته مستلزما ومتضمنا لظهور سائر الصفات التي يلزم الذات وشعورها،
لكونها عين الذات بهذا الاعتبار، فيتضمن ذلك الشعور شعور ما يستلزم تلك الصفات من الأحكام الخاصة التي
لكل واحد منها، فالظهور المذكور مستلزم لشهود الذات نفسه من حيث وحدته لجميع شؤونها نزولا وعروجا
- دنيا وآخرة - شهود مفصل في مجمل - دفعة واحدة - وذلك الشهود - أي شهود المفصل مجملا في الأحدية - من
الشهود العلمي الذاتي الذي يقال به انه سبحانه علم جميع الأشياء من عين علمه بذاته، كشهود النخلة وثمرها
وما يتبعها في النواة الواحدة التي حصل الكل بغرسها لمن يقدر بالكشف وغيره ان يرى ذلك لا في عين الخارج
ولا في صورة الحضرة العلمية بالتفصيل، فالنظر بعلمه الذاتي في الكمال الذاتي الاطلاقي لما كان موجبا لمشاهدة
كمال اخر مستكن، وهو الكمال الأسمائي، فحصلت رقيقة عشقية نزيهة بين الكمال الذاتي والكمال الأسمائي
المندمج في حضرة الوحدة الحقيقية، فاستتبعت تلك النظرة العلمية المقدسة انبعاث تجل اخر حتى متعلق
بما شاهده العلم الذاتي وحواه الغيب لطلب ظهوره، فتجلى فظهر الذات لنفسها بشئونها مع مظاهر الشؤون المسماة
صفات وحقائق، فتفصت الحقائق من الفاعلة الإلهية والكونية القابلة متميزة، فشهد المفصل مفصلا بالتفصيل
العلمي وبالكثرة العلمية الامتيازية النسبية، ففي هذا التعين الثاني والحضرة الواحدية تفصيل حقيقي علمي وكثرة
حقيقية بالنسبة إلى الموجد العالم، ولأجل مرور ذلك التجلي الحبى والفيض الأقدس على جميع التعينات العلمية
والحقائق وتمخضها وتحركها بتلك الحركة القدسية وانتشاء البواعث العشقية بتلك المخضة من تلك التعينات،
أي جميع الحقائق تطلب تلك الحقائق من الحق ظهور أعيانها وما فيه كمالها على حسب الاستعداد والقبول للتجلي
الوجودي، فحينئذ حصلت مقدمتان وظهرت الطلبتان حتى يتحقق النتيجة، لان المقدمة الواحدة غير منتجة،
أحدهما الطلب الذي تضمنه التجلي الحبى الذي هو منبع الفعل من الأسماء والحقائق الإلهية، وثانيهما الطلب
الاستعدادي الكوني لصفة القبول الذي هو مظهر الفعل من الحقائق الكونية، وتعين الطلب الإلهي حين تعين
الطلب الكوني، وعند تعين الطلبين يتجلى الحق تعالى بفيضه المقدس، فيظهر المطلوب بالظهور الوجودي العيني
ويتحقق المجازاة الكبرى بين الحق والماهيات القابلة التي هي شؤونه بأخذ التعين واعطاء الوجود الإضافي العيني،
فان الايجاد عبارة عن تعين الحق بصورة تقتضيها تلك الحقيقة العلمية، اما كونها كبرى: فلان أصل تكليف العباد
والمجازاة المترتبة عليه مبنى عليها، كما أشار الشارح المحقق بقوله: التي يترتب عليها ثمرات النشأتين... إلى اخره.
وإلى ما بيناه وفصلنا أشار بقوله: لكن لاشتمال معقوليتها على نسبة رابطة... إلى قوله: فالحمد بالألسنة
الخمسة، فقوله: نسبة رابطة وحكمة ضابطة، إشارة إلى ما ذكرنا من الرقيقة العشقية النزيهة المتصلة بين الكمال
الذاتي والاسمائي، وعلمت ان منشأ تلك الرقيقة شهود الحق بنظره العلمي الذاتي الأزلي نظر تنزه كماله الذاتي
المستتبع لانبعاث تجلى غيبي حبى لكمال اخر وهو كمال الجلاء والاستجلاء، وأشار الشارح إلى ذلك المنشأ بقوله:
لكن لاشتمال معقوليتها، فافهم.
وقوله كثرة نسبية: قد علمت تفصيلها. وقوله: طالبة مظاهر، إشارة إلى إحدى المقدمتين، أي الطلب -
(1) - أي: الغاية. شيئا - ط
4
حيث لك فكر ولا إشارة، لاتحادها بها من تلك الحيثية وحدة قدسية منزهة عن اعتباري (1)
الصفة والموصوف، بل ذاتية لا يلاحظ العارف فيها غير المعروف، لكن لاشتمال معقوليتها



- الفاعلي من الأسماء الإلهية. وقوله: كما يطلب القوابل، إشارة إلى مقدمة أخرى وهى الطلب القابلي من الحقائق
الكونية. وقوله: ليحصل نور على نور ويتحقق المجازاة الكبرى، إشارة إلى النتيجة وهى الوجود الإضافي. (ش) -
نحمدك - ل. هذا يحتمل ان يكون إشارة إلى مقام فبي يسمع وبي يبصر وبي ينطق، وهو السير المحبي وقرب النوافل
وتقدم السلوك على الجذبة، فحينئذ يكون الحق آلة لادراك العبد وهو أول مراتب الكمال، ويحتمل ان يكون
إشارة إلى مقام قول الله على لسان عبده: سمع الله لمن حمده، وهو السير المحبوبي وقرب الفرائض وتقدم الجذبة على
السلوك، فحينئذ يكون العبد آلة لادراك الحق وهو وسط مراتب الكمال، فعلى هذين الوجهين يكون الحمد صادرا
من العبد ولكن لا بقوة بشرية، بل ربانية، وفي هاتين المرتبتين لا يخلو الحمد عن الانصباع باحكام الامكان، وان
قلت وضعفت، لان انتفائها بالكلية مستحيل كما ذكره الشيخ مرارا في تفسيره. فالأولى حمل الحمد هنا على حمد
منه تعالى لا بملامسة بالممكن، ويدل على هذا الحمد قوله: متحدا بك لا منقسما ولا مفصولا، بيانه: ان الله تعالى إذا
حمد نفسه يتحد الحمد والحامد والمحمود في ذلك المقام، وهذا يحتمل حمده نفسه من حيث هويته القلبية واطلاقه
ولا تعينه، ففي هذا المقام عدم الانقسام والتفصيل ظاهر لكن قول الشيخ: ليكون مستوعبا - إلى آخره، على جميع
التعينات، فحمده له في هذا المقام تعريف وحمد يستغرق جميع المحامد ويستوعب جميع المحاسن والكمالات ويحيط
بكل الفضائل والنعوت تماما ومنه ينبعث وينفصل جميع المحامد والكمالات وهو تعريف وحمد ذاتي للذات في
أجلي مراتب حمد الحمد القائم بالذات. ففي هذا المقام يحمد ذاته بعين تعينه الذي هو أصل التعينات، ويعرف انه
مسبوق باللا تعين، لان كل مقيد يدل على المطلق وعلى ان ما ورائه ما لا يتعين، أي يحمد نفسه بمحامد سببية
وكمالات تنزيهية، أي في مقام الاطلاق ولا في مقام التعين الأول، يحمد بأحدية جمع جميع الكمالات لا سببية
كانت أو ثبوتية.
وقوله: اللهم صلى على من وجدنا في قصدنا نحوك به إليك سبيلا (في خطبة المفتاح): الصلاة بالاشتقاق
الكبير الذي يعتبره المحققون في علم الحروف من الوصلة والصلة والصولة والصلاة، والمعنى المشترك بينها الارتباط،
فاما الوصلة: فاتصال مجتمعين، واما الصلة: فاتصال عطاء مرغوب من المعطى إلى المعطى له، واما الصولة: فاتصال
باتصال حركة قهرية استيصالية ممن يصول إلى من يصول عليه. واما الصلاة: فان يكن الصلا، فإذا كان الصلاة
من الله فهو توصل العبد الكامل به بالتجلي والتنزل، والله له رحمة وحنانا وافضالا واحسانا ولطفا ورضوانا
وتجعله خليفة له على الخليفة ومصليا، أي تابعا للحق المستخلف في الظهور بصورته وبالمظهرية الكاملة في الذات
والأسماء والصفات، وتعطيه الصولة من حوله وقوته على الأعداء، ولا يخفى ان حقيقته - صلى الله عليه وآله - أصل
الحقائق وبالصلاة عليه يحصل المناسبة، ولا بد للجزژ من الاتصال بالكل وللفروع والشعب من الرجوع إلى
الأصل لئلا يحصل الانقطاع من شرب زلال الوصل، لأنه (ص) ممد الهمم من وجهين، والفائدة راجعة إلى
المصلى من وجه وإلى خاتم الأنبياء من وجه، لان كمال الكل بكمال الاجزاء ومباهاته بكثرة آلامه - ولو بسقط -
ظاهرة يوم القيامة، خصوصا بالكامل منهم وبه يكمل فخره في مقام هدايته. (فتح المفتاح - ف).
(1) - الطلب الذي تضمنه التجلي الحبى الذي هو منبع الفعل والاخر الطلب الاستعدادي الكوني بصفة القبول
الذي هو مظهر الفعل - ق
5
على نسبة رابطة وحكمة ضابطة عرضت على وحدانيتها الحقيقية كثرة نسبية طالبة مظاهر
تعينها على مراتب تبينها، كما تطلب القوابل ما لا يلائم كلا (1) من الظهور، ليحصل عند
تعين الطلبين نور على نور، ويتحقق المجازاة الكبرى التي يترتب عليها ثمرات النشأتين
الأولى والاخرى.
2 - 1 فالحمد بالألسنة الخمسة (2) لهذه الحقائق، الهية فاعلة كانت أو كونية قابلة على



(1) - أي من القوابل - ق (2) - الحضرات الخمس - ق - الألسنة الخمسة التي هي لسان الذات من حيث هي
ولسان الأحدية الغيبية ولسان الواحدية الجمعية ولسان الأسماء الإلهية ولسان الأعيان الثابتة، ومعلوم ان
الأعيان كونية قابلة والباقي فاعلة الهية، فهذا الحمد على المولود منهما الذي هو الرقيقة وهو مقام المشيئة الكلية،
فتلك الألسن الخمسة تحمد المولود جزاء عن اظهاره إياها، مع أن نفس ايجاده حمده وحمدها أنفسها، كما أن المولود
أيضا بجميع تعيناته يحمد الحضرات جزاء لايجادها إياه، مع أن نفس الوجود حمد لها، كما أن الحضرات يحمد
بعضها بعضا باعتبار الحقيقة والرقيقة والوحدة والكثرة والوحدة المحضة والكثرة المحضة، فالكل حق، فالحق
حامد ومحمود، والكل خلق، والخلق حامد ومحمود، فالحق حق والخلق خلق، فالحق محمود والخلق حامد
وبالعكس، والحق خلق والخلق حق كذلك، فقوله: فالحمد... إلى قوله: على ما بينهما من الرقائق، ناظر لمرتبة الأولى
التي ذكرنا، أي حمد الحضرات للمولود، وقوله: مع أنه... إلى قوله: ولا ريب، إشارة إلى المرتبة الأخيرة، أي حمد
الحضرات بعضها بعضا بالاعتبارات، ومنه إلى... قوله: أو طائفة إلى المرتبة المتوسطة، أي حمد المولود إياها - خ -
قوله: فالحمد بالألسنة الخمسة: مبتداء خبره يكون متحدا بك في ذاتك، أي إذا كان أصل الحقائق من حيث الذات
والاستعداد الذاتي والوجود الإضافي والكمال بأجمعها، وبعبارة أخرى: إذا كانت الحقائق مطلقا والرقائق كلها
منك، فالحمد الذي يكون لهذه الحقائق والرقائق يكون متحدا بك في ذلك بلا توزع وانفصال، أي منك واليك،
أنت الحامد والمحمود والحمد، ويمكن ان يقال إن لهذه الحقائق خبر للمبتدأ وجملة يكون متحدا بك خبر لمبتدأ
مقدر في الكلام قبل قوله: مع أنه حمد، أي هذا الحمد انه جامع، الا ان يكون متحدا بك، تدبر. والألسنة الخمسة:
لسان الذات ولسان المرتبة ولسان كامل ولسان الاستعداد ولسان أحدية الجمع الكمالي.
وقوله: بأربع اعتباراته: والمراد من الاعتبارات الأربع على ما في نظري القاصر هي الوحدة الحقيقية
والكثرة الحقيقية والوحدة النسبية والكثرة النسبية، توضيح كلام الشارح يحتاج إلى تفصيل الاعتبارات وهى
على ما يستفاد من تحقيق الشيخ وبيانات الشارح انه إذا اعتبرت الأحدية الوجودية في الحضرة الإلهية وأسمائها
الفاعلة وفي الحضرة الكونية وحقائقها القابلة، فالكل حق بهذه الاعتبار، لأنه الموجود المحقق لذاته الواحد
الاحد، والأسماء فاعلية من حيث بطونه، والحقائق الكونية نسب قابلية من حيث ظهوره، وإذا اعتبرت الكثرة في
حضرة الأسماء الإلهية في أن تعينات الأشياء من حيث الفاعل وفي حضرة الحقائق الممكنة، أي في تعيناتها من
حيث القابل وجودية أيضا قيل إنها خلق وسوى وحقيقة ممكنة وظاهرة، أو هي مظاهر أو صورا وشئون، لان
الكثرة الوجودية ليست شأن الحق - بل مضافة إليه بنوع من الإضافة - وإذا لم تعتبر الكثرة وجودية بل نسبة
راجعة إلى عين واحد، اما لان الكثرة انما هي بالتعينات التي هي نسب الذات المتعين، واما لأنها ناشئة من نسبة
الظهور قيل إنها - أي الكثرة - أسماء الحق وأحواله ونسبه وإضافاته، وان اعتبرت الكثرة من حيث -
6
ما بينهما من الرقائق، مع أنه حمد جامع لأنواعه وآلاته من حيث تعاكسه حقا وخلقا
بأربع اعتباراته (1) في خمس حضراته، ولا ريب في ذوق التحقيق: ان محامد الكل (2) إليك
راجعة، معرضة كانت في زعمها أو طائعة، يكون متحدا بك في ذاتك لا متوزعا،
ولا يتصور الا منك أو ممن بك (3) وأنت به (4) بين القربين (5) جامعا، (6) بل وقد ترقى



- الامر الجامع وعقلت متوحدة مجردة عن الصبغة الوجودية، فهي المسمى بالامكان وهو حقيقة العالم وعينه
الثابتة من جهة كونه خلقا، إذا المتعقل حينئذ كثرته الوجودية لا وحدته ولا من جهة كونه حقا أو المتعقل مع
وحدته الوجودية لا المجردة عن الصبغة الوجودية. قال الشيخ في تفسير الفاتحة: ان معقولية النسبية الجامعة لاحكام
الكثرة من حيث وحدتها حقيقة العالم، وتعين الحق من حيثها وجود العالم. انتهى. ولما كانت الأسماء من حيث إنها
أسماء والأحوال نسب للحق تعالى راجعة إليه تعالى ومحكومة بحكمه، وحقيقة العالم من جهة كونها عالما وامكانا
راجعة إلى الخلق وحكمه، حكم الشارح ههنا في الاعتبارات الأربع بالحقيقة والخلقية ولم يفصل حكم
الاعتبارات وأسمائها الأربعة، لان المقصود في هذا المقام بملاحظة الحقيقة والخلقية حاصل، وللشرح والبسط
موضع اخر، إذ تأملت ما ذكرنا وفصلنا ظهر لك قوله: مع أنه حمد جامع لأ نواعه من حيث تعاكسه حقا وخلقا
بأربع اعتباراته في خمس حضراته. فافهم واغتنم هذا ما عندنا، والله العالم (ش)
(1) - أي الفاعلي الإلهي والكوني والقابلي الإلهي والكوني - ق (2) - قوله: ان محامد الكل: أي كل من الحقائق
والرقائق من الروحانيات والمثاليات والجسمانيات العلوية والسفلية البسيطة والمركبة، سواء كانت حقيقة محيطة
سعيدة مقبلة إليك بذاتها وبزعمها لشعورها بك وبتوفيقك وتيسيرك، أو شقية معرضة في زعمها عنك، فإنها
مقبلة إليك كرها من حيث لا تشعر تثنية عليك كما قال تعالى: وان من شئ الا يسبح بحمده - وينزه الحق بحمده -
فان كل شئ يسبح وينزه الحق من النقائص والرذائل ويحمده بأكمل المحامد والفضائل لأنك رب العالمين، فكل
ما لهم منك واليك، وإن كانت الشقية تحسب انها غافلة أو معرضة لمحجوبيتها بخصوصية حجاب المظهرية وعمى
قلبها عن أحدية الظاهر، تدبر (ش) (3) - أي قرب النوافل - ق (4) - أي قرب الفرائص - ق (5) - أي
الفرائض والنوافل - ق (6) - قوله: ولا يتصور الا منك: إذا نظر إلى الوهم وبعين الأحدية والحقيقة الجامعة
الواحدة بالوحدة الحقيقية السارية في الكل الظاهرة به، فحينئذ يتحد الحامد والمحمود والحمد (ش) وقوله: أو ممن
بك: إشارة إلى الجمع بين الفرائض - كما صرح بقوله بين القربين جامعا - وهو الاظهر، ويمكن ان يحمل قوله:
ولا يتصور الا منك على بعد يحمل حمد منه تعالى لا بمناسبة بالممكن بل من حيث هويته الغيبية الاطلاقية ومن
حيث التعين الأول الجامع لتعينات، وقوله: أو ممن بك وأنت به: على حمد منه تعالى في مرتبة الامكان والتفصيل
وقد أشرنا إلى ذلك في تعليقاتنا على المتن. (ش) قوله: أو ممن بك: إشارة
إلى قرب النوافل ومقام في يسمع وبي يبصر وبي ينطق، فحينئذ يكون الحق آلة
لادراك العبد وهو أول مراتب الولاية والكمال. وقوله: وأنت به: إشارة إلى قرب الفرائض ومقام قول الله على
لسان عبده: سمع الله لمن حمده، فحينئذ يكون العبد آلة لادراك الحق وهو أوسط مراتب الولاية والكمال، ومن
هاتين الصورتين يكون الحمد من العبد ولكن لا بقوة بشرية بل ربانية، فالحمد وان انصبغ في هاتين المرتبتين
باحكام الامكان ولكنها ضعيفة ويمكن ان يقال إن قوله: ولا يتصور الا منك إشارة إلى قرب النوافل والفرائض
لان التصور منك يشتمل عليها (ش).
7
فوق (1) القربين إلى نقطة جامعة بين قرآنية المحاذاة بمعناه (2)، وبين فرقانية المضاهاة لسيده
ومولاه (3)، وذا (4) لمن تعين له الأزلية من النون الأولى، وذلك فضل إليه يؤتيه من يشاء
(4 - الجمعة).
3 - 1 وصل على من جعلته عنوان عنايتك العظمى وخلتك الكبرى، وآتيته انية جمعية (5)
أسمائك الأولى، صاحب أمانة حقيقة الخلافة، ومن من منه وبامداده يمكن وصول النقطة



(1) - وقوله: وقد ترقى فوق القربين إلى نقطة جامعة: إشارة إلى اخر مراتب الولاية والكمال وهو مرتبة الكمال
المختص بصاحب أحدية الجمع واحكام الامكان حينئذ مستهلكة غاية الاستهلاك والمحل في غاية التطهير عن
سائر التعلقات ويعبر عن ذلك المقام بالفناء عن القربين وعن الجمع بينهما، وعن الفناء يسمى بمرتبة التمحض
والتشكيك وبلسان المعروف بالاخفى وغير ذلك وهو المظهر للوحدة الحقيقية والتعين الأول، كما أشار إليه
الشارح بقوله: وذا لمن تعين له العناية الأزلية من النور الأول، أي التعين الأول والوحدة الحقيقية الجامعة و
وتحقيق المراتب والمقامات يظهر من متفرقات الكتاب وليس هنا موقع جمعه وشرحه. وقوله: بمعناه: صلة تامة
للمحاذاة أو متعلق بقوله: ترقى، أي يكون جامعا بين الوحدة والكثرة والجمع والفرق. قوله: وخلتك الكبرى: هي
الخلة المختصة بخاتم النبيين وورثته وهى المحبة الذاتية الصرفة الموجبة لارتفاع الآنية وانتفاء الاثنينية ولا حجاب
معها، فان الخلة هي محبة ذاتية مع بقية أنانية تحدث من استحكام المودة وتوصل إلى خلوص المحبة، ثم يصفو المحبة
بارتفاع الآنية وارتفاع الاثنينية، فالمحبة الصرفة فوق الخلة وهى المسماة بالخلة الكبرى، واما الخلة الإبراهيمية
فهي الخلة الأولى الحاصلة مع عدم ارتفاع احكام الحجب ببقاء الآنية ويشير إلى ذلك الحديث النبوي المعروف:
ان الخلق إذا التجأوا يوم القيامة إلى إبراهيم ويقولون: أنت خليل الله اشفع لنا أنه يقول: انما كنت خليلا من وراء
وراء انتهى. حيث نبه على أن خلته من وراء حجاب باق، وفي آية: بلى من أسلم وجهه لله، وانى وجهت وجهي
للذي فطر السماوات والأرض، تلويح إلى قرب الأول وبقاء اثنينية الثاني اللازمي ان الحبيب صلى الله عليه وآله
اختار اللقاء لأنه لما احتضر بين جهتي المقام والانتقال كان يقول: الرفيق الاعلى، أي في مقعد صدق عند مليك
مقتدر، والخليل عليه السلام لم يقدم ان يختار اللقاء لأنه لما احتضر إبراهيم قال الملك الموت: هل رأيت خليلا
يقبض روح خليله؟ فقال الله تعالى: يا عبدي قد هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله؟. قال الشيخ في الفكوك: ومن
جملة ما اختص به كمال الخلة الخارقة كل حجاب ولها درجة المحبوبية، فان الخلة لها مرتبتان غاية إحداهما كمال
المجاورة مع بقاء الحجاب المعبر عنها بقولهم. شعر:
وتخللت مسلك الروح منى * * وبذا سمى الخليل خليلا
وقال أيضا: لما كانت خلة الخليل من وراء حجاب لزم ان يكون هذه الخلة - أي الخلة المحمدية - حاصلة
دون حجاب وتلك مرتبة المحبوبية. انتهى. والفرق بين الخلة الأولى الإبراهيمية وبين الخلة الكبرى المحمدية من
جهات كثيرة متعددة ذكرها يوجب الاسهاب والاطناب (ش). فويق - ن - ط - يترقى فوق - ل (2) - أي
بجمعه الروحانية والنور - ق معناه - ل (3) - قوله: بل وقد ترقى... إلى آخره، فالمرتبة الجامعة بين القربين ان
يحصل له مقام الوحدة والكثرة وفوقهما ان لا يشغله شأن عن شأن، لا الوحدة صارت حجاب الكثرة ولا الكثرة
حجاب الوحدة - خ (4) - أي ذلك المقام - ق (5) - أي الأحدية الجمع - ق
8
المشار إليها بالوراثة، محمد المحمود سره وعلنه وعينه وعلمه، الخليفة على كل الخليقة من
حيث ذاته وحاله ومرتبته وحكمه، وعلى آله الطينية والدينية وورثته الحالية والمقامية
والعلمية والعملية، صلاة تجازى بها عنا احسانه وتكافئ بها ما خصنا وعمنا ارساله
بالرحمتين من رحيمه ورحمانه.
4 - 1 وبعد: فان التنفر عن تشذب (1) أراء علماء الرسوم بتوفر تذبذب أهواء أبناء
العلوم إلى حد لا يرجى تطابق طرائقهم ولا التوافق بين سوابقهم ولواحقهم في كشف
حقائق العقيدة وحل مزالق الشريعة العتيدة، لما بعثني على امعان النظر في حقيقة مذاهب
توحيد الذات والصفات، وانعام الفكر في مشارب أهل التحقيق والثقات، الذين شعارهم
العض بالنواميس والشرعيات، ودثارهم تهذيب النفوس وتتميم مكارم الأخلاق
ومعرفة اسرار الآيات، وجذبة الحق الحقيق بالقبول وسر اسرار الفروع والأصول، لان
خلاصة ذوقهم حمل الكتاب والسنة على حقيقته دون مجازه مدى طوقهم، والتوفيق بين
آبيات العقول وآيات المنقول، وجمعها في دائرة امكان المعقول.
1 فحين ساعدني التوفيق الإلهي لاطمئنان القلب على طريق ذلك الفريق، قلت
للقلب: هذا نصيبك، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
1 ولما وجهت تلقاء مدين ركب الخاطر ظهرت بركاته في الباطن والظاهر،
ومن جملتها ان يسرني الله لتكرار النظر وترداد الفكر في حقائق مفتاح غيب الجمع
والوجود، الذي صنفه شيخنا الكامل المكمل، سلطان الكونين، برزخ الحضرتين، مرآة
الطرفين، مجلي الشرفين، صدر الملة والحق والحقيقة - أبو المعالي - محمد بن إسحاق
بن محمد بن علي بن يوسف القونوي قدس الله سره راضيا عنه به منه، رضاء يبوئه على



(1) - أي: تفرق
9
خلق مولاه، من حيث الحاصل له في أولاه واخراه.
وهذا دعاء منه فيه له به * * ففي ذوقه كل لكل حبيبه
7 - 1 أردت بسط كلامه، لا على ما هو حق مقامه، بل على ما هو طوق ذوقي في فهمه
وافهامه، مستدلا في ذلك البسط بما افاده في قواعد سائر تصانيفه من الضبط كما قيل:
ولولا اللطف والاحسان منه * * لما طاب الحديث ولا الكلام
وكل لطيفة وظريف معنى * * حبيبي فيه والله الامام
8 - 1 أو بما افاده شيخه الذي شهد له بأنه خاتم الولاية المحمدية، أو أولاده الإلهيون
- كالاذواق السعيدية الفرغانية والمؤيدية - رضي الله عنهم وأرضاهم بهم منهم إليهم.
9 - 1 واجتهدت في تأنيس تلك القواعد الكشفية حسب الامكان بما توافق عقل
المحجوبين بالنظر والبرهان، تأسيا بذلك بما سلكه نفسه في كثير من المواضع، مع كونه
محيطا بكل المشاهد والمجامع، فان وافق ما قصده فذاك من فيض بركاته، والا فمن قصور
القلب وتوجهه وسوء حركاته، وقد قيل بالفارسية:
هر چند به نزد تو نيرزم حبه أي * * در كوى اميد ميزنم دبدبه أي
مستان شراب عشق تو بسيارند * * شايد كمه بما نيز رسد مشربه أي
10 - 1 وسميته: مصباح الانس بين المعقول والمشهود، في شرح: مفتاح غيب الجمع
والوجود. فإن لم تكن تأسيسا وتهذيبا بالنسبة إلى الكاملين في حقيقته، فلا بد من أن
يكون تأنيسا وترغيبا للمحجوبين إلى محبته وطريقته، ولعلى أعد بذلك عند الحق
سبحانه ممن تمتع بشريف شفاعته ونجا من اليم لئيم النفس بكريم كرامته، انه تعالى
هو المفضال المحسان وعليه التوكل في كل شأن وآن.
11 - 1 ثم هذا الكتاب مرتب على فاتحة وتمهيد جملي فيه سابقة وفصلان وخاتمة، وعلى

10
باب لبيان الترتيب الوجودي (1) وفيه فصول عزيزة الفحوى وأصول غزيرة الجدوى،
وعلى خاتمة جامعة لما سبق من المقاصد لبيان ما هو اقصى مقاصد خير قاصد (2).
12 - 1 اما الفاتحة: ففي مقدمات الشروع، المفيدة للشوق الجملي والضبط الأصلي في
المشروع (3).
13 - 1 واما التمهيد الجملي: ففي ذكر ما به صح ارتباط العلم بالحق والحق بالعالم، مع أنه
بذاته ووحدته الذاتية غنى عن العالمين، وسابقته في أمهات أصول تلك الصحة، وفصله
الأول في تصحيح الإضافات التي بين الذات والصفات، وفصله الثاني في تصحيح النسبة
التي بينه سبحانه باعتبار أقسام أسماء الصفات وبين تكوين أعيان المكونات، وخاتمته في
بيان متعلقات طلبنا بالاجمال، وبأي اعتبار لا يتناهى مراتب الاستكمال؟
14 - 1 واما الباب: ففي تعيين كليات جهات الارتباطات بينه سبحانه وبين المكونات
وغيرها من العلويات والسفليات.
15 - 1 واما خاتمة الكتاب الجامعة لمقاصد الباب: ففي بيان خواص الانسان الكامل،
لأنه مع آخريته الشهودية، أول الأوائل في التوجه الإلهي الشامل.



(1) - قوله: لبيان الترتيب الوجودي: أي بيان سلسلة ترتيب الموجودات (ش) (2) - قوله: لبيان ما هو اقصى
المقاصد: أي لبيان حال الانسان الكامل وهو المقصود الأصلي والغاية الأصلية من الايجاد، لأنه القابل الكلى
والكون الجامع للحقائق الإلهية والكونية (ش) (3) - قوله: للشوق الجملي: من جهة بيان شرافته وفضيلته على
الغير والضبط الأصلي: من جهة ذكر الموضوع والمبادئ والمسائل اجمالا (ش)
11
(2)
الفاتحة
في مقدمات الشروع وفيها فصول:
الفصل الأول
في تقسيم العلوم الشرعية الإلهية إلى الأمهات الأصلية والفروع الكلية
1 - 2 روى عن النبي صلى الله عليه وآله: العلم علمان: علم الأبدان وعلم الأديان، فعلم
الأبدان كالطب ندب إليه النبي بالتصريح والتقديم هنا، والتلويح والتعظيم في قوله صلى الله
عليه وآله حكاية عن الله تعالى: انا الله وانا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسما من
اسمى، فمن وصلها، وصلته، ومن قطعها، قطعته. وعن أبي هريرة: قال الله لها: من وصلك
وصلته، ومن قطعك قطعته.

12
2 - 2 قال الشيخ قدس سره في شرحه: (1) الرحم اسم لحقيقة الطبيعة، وهى حقيقة جامعة بين
الكيفيات الأربع، بمعنى انها عين كل واحدة (2) وليس كل واحدة من كل وجه عينها، بل من بعض
الوجوه (3)، ووصلها (4) بمعرفة مكانتها وتفخيم قدرها، إذ لولا المزاج المتحصل من أركانها لم يظهر
تعين الروح الإنساني (5) ولا امكنه (6) الجمع بين العلم بالكليات والجزئيات الذي (7) به توسل إلى
التحقق بالمرتبة البرزخية المحيطة باحكام الوجوب والامكان والظهور بصورة الحضرة والعالم
تماما. واما قطعها: فبازدرائها (8) وبخس حقها، فان من بخس حقها فقد بخس حق الله تعالى وجهل
ما أودع فيها من خواص الأسماء (9)، ولولا علو مكانتها لم يحبها الحق بآخر الحديث (10).



(1) - أي في شرح حديث الأربعين الذي كان من أحد مصنفاته قدس سره. المسمى ب‍ (شرح الأربعين
حديثا. ص: 80) (2) - قوله: بمعنى انه عين كل واحدة: بنحو الوحدة والبساطة من غير مضادة (ش) (3) - قوله: بل
من بعض الوجوه: لأنه مرتبة من مراتبها ووجه من وجوهها (ش) (4) - قوله: ووصلها: مبتداء خبره قوله
بمعرفة مكانتها أي مرتبتها (ش) وصلها - ل (5) - بل وصلها عبارة عن ايصالها بمقامها الأصلي، أي بالعالم
العقلي، وهو لا يحصل الا بحفظها للارتياض، وبعبارة أخرى: بالحفظ المقدمي الذي يخرج منها الحقيقة وأخرجت
منها الأثقال، واما مذمة متأخري الحكماء فليست من جملة ازدرائها، فان الطبيعة إذا صارت مستقلة منظورة إليها
في نفسها حجاب عن الحقيقة، فيمكن ان يكون نظرهم الخلاص عن تلك الطبيعة، لا الطبيعة التي صارت
مرتاضة سائرة إلى الحقيقة (خ) (6) - قوله: ولا امكنه الجمع بين العلم: بل كان علم الروح الإنساني بالكليات
أيضا مستهلكا كما أخبر الحق تعالى عن ذلك بقوله: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا، أي
مستصحبين جهل الجمادية وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة، أداة تتعلمون بها فتحسون بمشاعركم
جزئيات الأشياء فتدركونها ثم تتنبهون بقلوبكم بمشاركاته ومناسبات ومبايناتها فيها بتكرر الاحساس حتى
يتحصل لكم العلوم البديهية وتتمكنوا من تحصيل العلوم الكسبية بالنظر فيها لعلكم تشكرون وتعرفوا ما
أنعم عليكم طورا بعد طور فتشكروه، تدبر (ش) (7) - قوله: الذي به توسل إلى التحقق: صفة لقوله: الجمع بين
العلم بالكليات، أي بهذا الجمع توسل إلى التحقق بالمرتبة البرزخية المحيطة، فكملت المضاهاة وصحت المحاذاة
فظهر بصورة الحضرة الإلهية وصورة العالم تماما ظاهرا وباطنا (ش) (8) - قوله: فبازدرائها: الازدراء افتعال
من زرى عليه إذا عابه، قلبت تائه دالا لتجانس الزاء في الجهر (ش) (9) - والقوى والآلات - ق (10) - قوله: لم
يحبها الحق باخر الحديث: من المحبة، أي لولا علو مرتبة الطبيعة لم يحب الحق تعالى إياها وقوله: باخر الحديث: أي
يستفاد ويظهر من اخر الحديث حب الحق تعالى إياها، فقوله: باخر الحديث، قيد للمنفى، تدبر، هكذا في النسختين
الموجودتين عندنا، وعلى هذا فمعنى الكلام ما ذكرنا على وجه التكلف ولكن الصحيح في نظري القاصر لم يخبرها
الحق من الاخبار، وقوله: باخر الحديث متعلق بقوله: لم يخبرها، أي لولا علو مكانة الطبيعة لم يخبرها الحق بقوله: من
وصلك وصلته ومن قطعك قطعته، المذكورين في اخر الحديث، فافهم واغتنم وان ذكرت في الكتاب في مقام
التصحيح لفظ لم يخبر بعنوان النسخة بدل للفظ لم يحبها ولكنه متعين، ولفظ لم يحبها غلط، لانى وجدت بعد
التصحيح في بعض كلمات الشيخ على ما صححته فلله الحمد والمنة. (ش) - بقوله: من وصلك وصلته - ق
13
3 - 2 ومن جملة ازدرائها: مذمة متأخري الحكماء لها ووصفها بالكدورة والظلمة
وطلب الخلاص منها، فلو علموا (1) ان كل كمال يحصل للانسان بعد مفارقة النشأة
الطبيعية فهو من نتائج مصاحبة الروح للمزاج الطبيعي وثمراته، فحقيقة ما يتوقف (2)
مشاهدة الحق سبحانه عليها على ما تتأتى (3) لعموم السعداء، رؤية الحق الموعود بها في الشريعة،
كيف يجوز ان تزدرى؟ هذا كلامه.



(1) - قوله: فلو علموا ان كل كمال: جواب ذلك الشرط مقدر ومحذوف لوضوحه واستفادته من اخر كلامه،
وكيف يجوز ان تزدرى، أي لو علموا ذلك لما ازدروها ولما ذموها، ويحتمل أن تكون لفظة (لو) للتمني،
فلا يحتاج إلى الجواب، تدبر (ش) (2) - فحقيقته يتوقف - ل - قوله: فحقيقة يتوقف: مبتداء خبره جملة كيف
ان يجوز ان تزدرى (ش) (3) - قوله: على ما تتأتى لعموم السعداء: لان الانسان بعد المفارقة انما ينتقل من
مسرب الطبيعة إلى العوالم التي هي مظاهر لطائفها ومن نتائج نشأته الطبيعية ومن تلك العوالم التي هي من ثمرات
هذه النشأة وصفوتها وروحها يتأتى لعموم السعداء ورؤية الحق الموعود بها في الشريعة والمخبر عنها انها أعظم نعم
الله على أهل الجنة، فالرؤية ثابتة في الجنة التي تكون للسعداء، الحاصلة من الطبيعة، والتقييد بعموم السعداء لخروج
الخصوص من أهل الله، كالكمل ومن تليهم، فإنهم فازوا بشهود الحق ومعرفته المحققة هنا، ولكن هذا الشهود أيضا
انما يتيسر لهم بمعونة هذه النشأة الطبيعية، تدبر.
واعلم انى حين كتابتي هذه التعليقات المتعلقة بشرح الرحم رأيت اخبارا أخرى مروية عن النبي صلى الله
عليه وآله في الرحم وإن كان راويها من لا عبرة بقوله ولكن نقلها من كان عليه استنادي واعتمادي في المعارف
الإلهية ولا يحتمل في حقه عدم معرفة الصحيح من السقيم أو المسامحة أو غير ذلك، وهو - رحمه الله - أجل شأنا من أن
يمجده ويعرفه ويصدقه امثالي - أين التراب ورب الأرباب - ولأجل ذلك ولاشتمال تلك الأخبار على العلوم
العلية والاسرار الخفية وكونها في غاية الاجمال والايجاز وحق دركها في كمال الصعوبة يحتاج إلى لطف قريحة
يعجبني ذكرها واشرحها شرحا مختصرا وافيا على قدر بضاعتي المزجاة واستفاضتي من كلماته النورية وقواعده
الشريفة المحكمة العالية وهى هذه:
روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الرحم شجنة من الرحمن وقال الله لها: من وصلك وصلته ومن
قطعك قطعته، وفي رواية عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن
قطعني قطعه الله. وأيضا روى عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الله خلق الخلق حتى إذا فرع منهم قامت الرحم
فأخذت بحقو الرحمن. انتهى. بحقو العرش - (النهاية).
فقال: مه؟ قالت: هذا مقام اللائذ (العائذ) من القطعية، قال: اما ترضين ان أصل من وصلك واقطع من
قطعك؟ قالت: بلى قد قال: فذلك لك. انتهى. وفي القاموس: الشجنة مثلثة الغصن المشتبك، والشعبة من كل شئ وقد
أشجن الكرم في الجبل وتشجن الشجر التف. انتهى. ونقل عن الصحاح الشجنة بالكسر والضم عروق الشجر
المشتبكة، بيني وبينه شجنة الرحم أي قرابة مشتبكة، وفي الحديث: الرحم شجنة من الله أي الرحم مشتقة من الرحمن
والمعنى انها قرابة من الله مشتبكة كاشتباك العروق. وفي القاموس: الحقو الكشح والإزار أو مقعده كالحقوة. انتهى.
في مسند أحمد وسنن البيهقي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: يقول الله تعالى: انا الرحمن وهذه الرحم شققت لها -
14
وأقول: قد علم من توقف تعين الروح الإنساني على تحصيل المزاج الطبيعي
وظهور كمالاته عليه، جهة تقديمه في الحديث على علم الأديان.



- اسما من اسمى فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته. في الطبراني والبيهقي ومسلم: عن رسول الله صلى الله عليه
وآله: ان الرحم معلقة بالعرش وليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها، وفي
البخاري دون قوله: الرحم معلقة بالعرش.
اعلم أن الرحمة منفس الوجود لأنها وسعت كل شئ وما كان شئ وسع كل شئ الا الوجود، فإنه من
سعته يشمل كل شئ حتى تقبضه الذي هو العدم، فان العدم من حيث ماهيته في التعقل والحكم عليه بأنه نقيض
الوجود له ضرب ما من الوجود وإذا كانت الرحمة اسما للوجود فالرحمن اسم للحق تعالى من حيث كونه وجودا
محضا منبث بنوره على الممكنات الموجودة كما قال الله تعالى: الله نور السماوات والأرض - الآية، والموجودات
تنقسم إلى ظاهر وباطن وغيب وشهادة، والأجسام صور ظاهر الوجود وشهادته والأرواح تعينات باطنه
وغيبه، وأول ظهور الطبيعة في تمام عالم الأجسام المحسوسة بالعرش المحيط والجسم البسيط، وبعبارة واضحة الحمل
ان أول مولود ونتيجة يظهر من النكاح الثالث الطبيعي الكوني، أي من توجه الأرواح العالية من حيث
مظاهرها المتعينة في عالم المثال، فحينئذ به المعقولية الجسم الكل هو العرش المجيد، وللأرواح والمثال درجة
الذكورة وللطبيعة فينا درجة الأنوثة، والمعقولية لجسم الكل مرتبة المحلية وللصورة العرشية درجة المولود
والعرش مقام انقسام الموجودات إلى ظاهر محسوس وباطن غير محسوس، فبالطبيعة تنقسم وتنشعب الموجودات
إلى القسمين المذكورين، فالرحم شعبة وشجنة من الرحمن، وأيضا لما كانت الطبيعة من حيث أول ولدها الذي هو
العرش المجيد المحيط بجميع الصور والأجسام المحسوسة المظهر، لأن هذه العامة الايجادية في الافعال العادية من
حيث اخر، ولدها الذي هو النوع الإنساني الذي كان هذا، فالجميع القوى الطبيعية والاحكام الأسمائية
الوجودية والتوجهات الملكية والآثار الفلكية محلا للمصانع حسب درجات الامتدادية المتعينة بالأمزجة
مظهرا تاما للرحمن ومحل استواه لما قال الله تعالى: الرحمن على العرش استوى، قال صلى الله عليه وآله: خلق آدم
على صورة الرحمن وفي رواية آخر: انه مشتبكة بالرحمن، وظهر لك مما ذكرنا أيضا وجه كون الرحم معلقة
بالعرش، حيث إن جميع الأجسام الموجودة عند المحققين طبيعية والعرش أولها، فافهم واغتنم.
قال الشيخ في الفكوك بعد ذكر ان الرحمة التي وسعت كل شئ هي الوجود وان الاسم الرحمن اسم للحق من
كونه وجودا منبسطا نوره على الممكنات الموجودة، فاعلم أن لهذا الوجود من حيث مبدأ انبساطه وتعينه من غيب
هوية الحق تعالى مراتب كلية في التعين والظهور أولها عالم المعاني ثم عالم الأرواح التي نسبتها إلى الظهور أتم من
نسبة عالم المعاني، ثم عالم المثال المجسد للأرواح والمعانى بمعنى انه لا يظهر ولا يتعين فيه الا مجسدا ثم عالم الحس الذي
أول صورة العرش المجيد المحيط لجميع الأجسام المحسوسة المحدد للجهات وبه انتهى أي استوى السير المعنوي
الوجودي الصادر من غيب الهوية في مراتبه الكلية للظهور الذي غايته عالم الحس، لان تعينات الوجود
وتنوعات ظهوره بعد العرش انما هو تفصيل وتركيب، فوضح ان في العرش وبه تمت درجات الظهور كما بينا،
لهذا أضيف الاستواء إلى الاسم الرحمن دون غيره من الأسماء، لما مر من أن الرحمن صورة الرحمة التي وسعت كل
شئ وانتهت ظهوراته الكلية في العرش، انتهى.
اما كون الرحم آخذة بحقو الرحمن فهو من أجل ان الرحمن الذي هو عبارة عن التجليات الوجودي شامل
لعالم المعاني والأرواح والأجسام وعالم الأرواح متقدم في الوجود والمرتبة على عالم الأجسام، بل له درجة العلية
والسببية بالنسبة إلى الرحم فله العلو وهو على النصف الأول من صورة الحضرة الإلهية، والرحم معلقة -
15
5 - 2 فان قلت: فقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: خلق الأرواح قبل
الأجساد بألفي عام، وصرح الشيخ قدس سره أيضا في كتبه - سيما في باب النكاحات - ان
وجود الأرواح مقدم على تعين عالم المثال المتقدم على وجود الأجسام البسيطة، فضلا عن
الأبدان المركبة، فما التوفيق بين القولين؟
6 - 2 قلت: التقدم للأرواح العالية الكلية، حتى لو كان المدبر للاشباح من الأرواح
الكلية قد يكون عالما بنشأته السابقة على نشأة البدن، كنشأة (الست) وغيرها - كما
سيجئ - والتوقف للأرواح الجزئية موافقا لما ثبت في الحكمة، ولكون الأرواح العالية
المسماة بالعقول واسطة في تعين النفوس الكلية ثم في تعين النفوس الجزئية حسب تعين
الأمزجة الطبيعية، عبر عن كل تقدم بألف عام - تنبيها على قوة التفاوت بين المراتب
الثلاث - والله أعلم.
7 - 2 وفي الحث على وصل رحم الطبيعة معرفة سر المنهى عن إلقاء النفس في التهلكة.
وقد روى عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: نفسك مطيتك، فارفق بها، وسر مغضوبية من



- بالعرش، فان العرش أول عالم الأجسام المحسوسة والمحيط بجميع الصور الظاهرة وبه تميز ما ظهر عما بطن
والحقو الذي هو معقد الازار وشده هو مبدأ النصف الثاني النازل المستور بالإزار، وكذلك العرش هو مبدأ
النصف الثاني النازل المستور بالإزار الذي هو عالم الطبيعة ومحل استتار الحق في التجليات الخصيصة بالطبيعة
التي هي العورة، فالزم، أخذت أولا بالعرش الذي هو حقو الرحمن ومبدأ النصف الثاني من صورة الحضرة الإلهية
المستورة بالطبيعة جهلتها الملائكة المأمورة بالسجود لآدم الذي هو ولد الجامع والمظهر التام الكامل للرحمن،
فنفرت من نشأته الطبيعية وذمتها وأثنت على نفسها بالتسبيح والتقديس، فافهم واغتنم.
ولما تنزلت الطبيعة وفصلت وتميزت عن عالم الأرواح وحضرة النفس الرحماني الذي هو مقام القرب
التام الرباني تأملت من حالة البعد بعد القرب وخافت من انقطاع الامداد الربانية بسبب الفصل الذي شعرت
به، فتوجهت توجها جبليا إلى الحق وسألته نوالا ذاتيا، فنبهها الحق في عين اجابته سبحانه لدعائها على استمرار
الامداد ودوام الوصلة من حيث المعية والحيطة الذاتيتان، فسرت بذلك واطمأنت واستبشرت بما جاء به الحق لها
في عين ما سألت فاستمر دعائها لمن وصلها والدعاء على من قطعها كما أخبر صلى الله عليه وآله بقوله: الرحم
معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله وظهر لك من هذا ان الاستعاذة من القطيعة من
أجل شعورها بالتميز والانفصال حسبما بينا، تدبر تفهم. واما معنى الوصل والفصل فقد عرفته سابقا في شرح
الحديث الذي نقله الشارح، واما قيامها ودعائها فعبارة عن توجهها الجبلي بصفة الافتقار الذاتي إلى الحق تعالى (ش)
16
أهلك نفسه أو قتل مؤمنا متعمدا، وسر اشتراط الأربع في شهادة الزنا - لا في القصاص - لان
العدل صفة حكم الحق مطلقا، والله غالب على امره، فرجح جانب رعايته ما أمكن، وانما حكم
برجم المحصن لاشتمال اطلاق تصرف التأثير لا عن أمر على ادعاء الألوهية، فاهلك بتفرق
الاحجار عليه في مقابلة هتك حرمته تفاصيل احكام أسماء احصانها (1)، واكتفى في البكر
بالجلد بعدد تلك الأسماء لشفاعة حكم الأولية الذاتية الأحدية، كذا ذكره الشيخ قدس سره.
8 - 2 وفي ان الكمال الأخروي (2) ليس الا من ثمرات هذه النشأة، موافقا لقوله تعالى:
وان ليس للانسان الا ما سعى (39 - النجم) معرفة ان حكم الثلاث - المستثناة في حديث:
إذا مات ابن آدم انقطع عمله الا عن ثلاث - الحديث - وما يلائمه كحديث الخثعمية وغيره
لكونها (3) من ثمرات النشأة الدنياوية.
9 - 2 اما علم الأديان فقسمان: علم الظاهر وعلم الباطن، كل منهما مع تشعبهما من القرآن
والحديث، كأن علومهما نهران ينصبان في حوض كوثر يتفرق منه جداول علوم الكسب من
جانب، وعلوم الوهب التي عبر عن مظاهرها في الجنة بالأنهار الأربعة من جانب اخر، (4) كما
أخبر صلى الله عليه وآله: ان للقرآن ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا، وفي رواية: ولبطنه بطنا إلى
سبعة ابطن، وفي رواية: إلى سبعين بطنا - (5) ذكره الشيخ قدس سره في الفكوك -



(1) - احصائها - ط - التي هي أمهات احكام حضرة الربوبية - ق (2) - قوله: وفي ان الكمال الأخروي: خبر
مقدم مبتدئه معرفة (ش) (3) - قوله: لكونها من ثمرات: خبر لاسم ان وهو حكم الثلاث (ش) (4) - قوله:
حوض كوثر: هو مقام الكثرة في الوحدة والوحدة في الكثرة، وعلم التوحيد التفصيلي، والوحدة الغير المحتجبة
بالكثرة والكثرة الغير المحتجبة بالوحدة، فهو الجامع بين الظاهر والباطن (خ) (5) - إذا كان القرآن جميع
صفحة الوجود يمكن ان يكون المراد بالمطلع هو الكلام الذاتي والتجلي الاعرابى في الحضرة الواحدية المشرف على
التعينات الغيبية والشهادية اللائقين للفيض والحد هو الكلام الظلي الفيضي الفاصل بين الحضرة الواحدية
والمظاهر الغيبية والشهادية المعبر عنه بالعماء والبطن هو العالم الغيبي إلى منتهى المثل النورية العرشية والظهر هو
عالم الشهادة، وهذا أجمع مما ذكروه كما لا يخفى، كما أن المراد بالبطون السبعة هو المراتب السبعة الكلية من مقام
الأحدية الغيبية وحضرة الواحدية ومقام المشيئة والفيض المنبسط وعالم العقل وعالم النفوس الكلية وعالم المثال
المطلق وعالم الطبيعة، وإن كان المراد بالقرآن هو الانسان الكامل الذي هو الكون الجامع والكتاب المبين، كان
الظهر والبطن والحد والمطلع باعتبار مراتبه الأربعة والبطون السبعة باعتبار لطائفه السبعة، بل عند أهل
المشرب الاعلى الذوقي كل فرد من افراد الوجود حتى الموجودات الخسيسة عند أهل الظاهر قرآن جامع له -
17
10 - 2 وقال في تفسير الفاتحة: الظهر هو الجلي والنص المنتهى إلى اقصى مراتب البيان
والظهور، نظير الصورة المحسوسة. والبطن هو الخفى، نظير الأرواح القدسية المحجوبة عن أكثر
المدارك. والحد هو المميز بين الظاهر والباطن به يرتقى (1) من الظاهر إليه، وهو البرزخ الجامع بذاته،
والفاصل أيضا بين الباطن والمطلع، ونظيره عالم المثال الجامع بين الغيب المحقق والشهادة. والمطلع
ما يفيدك الاستشراف على الحقيقة التي إليها يستند ما ظهر وما بطن وما جمعهما وميز بينهما، فيريك
ما وراء ذلك كله، وهو أول منزل للغيب الإلهي وباب حضرة الأسماء والحقائق المجردة الغيبية، ومنه
يستشرف المكاشف على سر الكلام الاحدى الغيبي، فيعلم ان الظهور والبطون والحد والمطلع
منصات لهذا التجلي الكلامي ومنازل لتعينات احكام الاسم المتكلم من حيث امتيازه عن المسمى.
2 ثم قال: وللكلام رتبة خامسة من حيث إنه ليس بشئ زائد على ذات المتكلم، يعرف من
سر النفس الرحماني. هذا كلامه.
12 - 2 وأقول: والله أعلم، كان (2) ظهرهما ما يفهم منهما بالعرف اللغوي مما يتعلق بالاعمال
القالبية، كالاقرار بالايمان، وبطنهما مقصودهما الأصلي مما يتعلق بالمعاملات القلبية، والمطلع
ما بعدهما مما يتعلق بالاسرار السرية والحقائق الجمعية إلى حد التعين الأول، واما من حيث التجلي
الاحدى المخصوص بالكمل المحمديين، فهو ما يسميه الشيخ ما بعد المطلع.



- الظهر والبطن والحد والمطلع والمراتب السبعة بل السبعين، واما السبعة بالنسبة إلى ما في الدفتين من الكتاب
المنزل، فباعتبار كون الألفاظ موضوعة للمعاني العامة وكون الكتاب الإلهي النازل من مقام الأحدية إلى عالم
اللفظ والصوت لايقا لهداية كل طائفة من الطوائف، فيفهم كل طائفة من أهل السلوك من كل آية ما لا يفهم
منه الاخر مثلا يفهم أهل الظاهر من قوله: زين للناس حب الشهوات... الآية معناه الظاهر، واما أهل القلوب
وأصحاب السلوك الروحي فيفهمون منه مرتبة عالية، فان هيئات عالم النفس من الرتبة الدنياوية، كما أن الأنوار
القلبية والواردات القلبية من الزينة الدنياوية عند أهل الروح والمعارف الغيبية والتلوينات الروحية، كذلك
بالنسبة إلى أهل السر والخفى والأخفى فالآية الشريفة لها سبعة ابطن بالنسبة إلى سبع طوائف، فتلطف (خ)
(1) - قوله: يرتقى من الظاهر إليه: ضمير إليه راجع إلى الباطن (ش). (2) - قوله: كان ظهرهما: أي القرآن
والحديث والشارح لم يذكر في بيانه وتحقيقه معنى الحد ولكن المعنى الذي ذكره للبطن يشمل الحد بالمعنى المذكور
سابقا ولم يخصص البطن بالمرتبة الروحية، بل جعلها أعم منها ومن المثالية، تدبر (ش)
18
13 - 2 واما تفسير سبعة ابطن: فلما كانت المخاطبات الربانية والتنزلات (1) الإلهية،
السنة أحوال المخاطبين عنده (2) من حيث إنهم معه، والسنة أحواله عندهم ومعهم (3)، والسنة
النسب والإضافات المتعينة في البين - كما قال في تفسير الفاتحة - كان تعين بطونها حسب
تعين بطونهم، وذلك فيهم على ما في شرح القصيدة للفرغاني، مع مزيد بيان: ان للنفس من
حيث قوتها العاملة في ضبط الأمور الدنيوية المذكورة كلياتها ثمانية في قوله تعالى: زين
للناس حب الشهوات - الآية (14 - آل عمران) بطنا أولا ولسانه: يعلمون ظاهرا من
الحياة الدنيا - الآية (7 - الروم) وطلب صاحبه: ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من
خلاق (200 - البقرة)
14 - 2 ومن حيث (4) عبورها إلى طلب الأمور الأخروية من جهة قوتها العاقلة



(1) - قوله: التنزلات الإلهية: أي الكتب الإلهية (ش) (2) - قوله: السنة خبر لكانت. عنده: صفة للأحوال، أي
الأحوال الثابتة عند الحق، أي الكتب الإلهية السنة وعبارات تخبر عن أحوال الخلق من حيث كينونته معه تعالى
كما قال: وهو معكم أينما كنتم ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وما من نجوى ثلاثة الا هو رابعم - الآية، ومن حيث
تعينهم لديه تعالى بصور يقتضيها استعداداتهم الذاتية الغير المجعولة التي بها أخذوا الوجود منه تعالى ومن حيث
لوازم تلك الاستعدادات التابعة لها وهى أحوالهم الثابتة في علم الحق الذاتي الأزلي، وإلى هذا ينظر من كتاب الله
آيات التقدير والإثابة والعقاب ومجملها قوله تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
ومجمعها الحكمة العملية المنقسمة إلى العبادات والمعاملات والمزاجر يذكر في أبواب الفقه وإلى الآداب المذكورة
في علم الأخلاق، كذا حققه الشارح (ش) (3) - قوله: والسنة أحواله عندهم ومعهم: أي ان الكتب الإلهية
السنة وترجمة عن أحواله عندهم ومعهم وعلم النسب والإضافات الناشئة من البين من حيث إنهم بحقائقهم
المتبوعة وأحوالهم التابعة من مظاهر شؤونه ومجلا أسمائه وهو سبحانه مرآة لأحوالهم بحيث لولا ذاته تعالى لكانوا
عدما محضا، إذ لا ظهور الا بنور الوجود ومتقلب في تلك الأحوال أي ظاهر فيها شيئا فشيئا كما هو مؤثر في
ظهورها، كما قال تعالى: الله نور السماوات، وكل يوم هو في شأن ونحوهما، وإلى هذا القسم ينظر الآيات الدالة على
الحكمة النظرية التي هي الاعتقادات، كما أن الآيات الدالة على الحكمة العملية ناظرة إلى القسم الأول، هكذا قال
الشارح. (ش) (4) - قوله: ومن حيث عبورها إلى طلب الأمور الأخروية: أي السالك بعد التنبه والتيقظ
يرجع عن اللذات الطبيعية الحسية الفانية وعن الاحكام العادية إلى طلب الآخرة بملازمة الأوامر والنواهي
وضبط نفسه من التصرفات الغير المرضية والأقوال الباطلة والغير المفيدة والآراء والتصورات الفاسدة، هذا مقام
دخوله في دائرة الأعيان ولها عرض عريض ومراتب كثيرة حتى ينتهى إلى أعلى درجات الأعيان وهو أي المنتهى
أنتم قربان أهل العينان والتالي لطائفة الكشف والشهود والعرفان وهو المؤمن بالله وكتبه ورسله وملائكته وما
أخبر به الأنبياء بالعلم القطعي التفصيلي اليقيني البرهاني كما في قصة حارثة وهو الجامع في التوحيد بين التنزيه
والتشبيه العارف بالتنزيه الاطلاقي والوحدة الحقيقية الجامعة الظاهرة (ش)
19
المنورة بنور الشرع بطنا ثانيا ولسانه: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة... الآية
(201 - البقرة) وهو لعوام أهل الاسلام والايمان وأول مراتب الاحسان الذي فسره الشيخ
قدس سره في الفكوك بفعل ما ينبغي بما ينبغي كما ينبغي وحكم بدخول جميع الوصايا
والنصائح في احكامه.
15 - 2 وللروح من حيث تعينه في عالم الأرواح واللوح المحفوظ بطن ثالث وهو
منفتح لخواصهم، ولسان مرتبته (1) جواب حارثة - حين سأله النبي صلى الله عليه وآله يا



(1) - ولسان مرتبته جواب حارثة: هذا هو روح الايمان واخر درجاته وحقيقته كما أن ما لزمت السابقة عليه
هي حق الايمان لا حقيقته، توضيح هذا المقام وفهم هذا الحديث يحتاج إلى كلام جملي بحسب مناسبة الموضع وهو ان
للايمان صورة وروحا، صورته هي الاقرار باللسان والعمل بالأركان، وروحه هو التصديق، وذلك التصديق
الايماني ينقسم إلى قسمين: تصديق جملي وهو تصديق المخبر الصادق على وجه كلي، اما لأجل سكون وامن يجده في
نفسه من دون سبب خارجي، أو يكون الموجب له آية ومعجزة، وتصديق تفصيلي بالنسبة إلى افراد اخبارات
المخبر الصادق المصدق واشخاصها من المبدأ والمعاد وما بينهما، ويوجب ذلك التصديق رغبة ورهبة في استحضار
ما قرر وبين المخبر الصادق في اخباراته من تفصيل الوعد والوعيد، ولهذا التصديق والاستحضار التفصيلي بحسب
استحضاره لافراد الاخبارات وما قرن بها من الوعد والوعيد مراتب ودرجات على حسب استعداد الطالبين
والمؤمنين عاما وخاصا، أعلاها واخر درجاتها في ختام الايمان الحجابي العلمي قصة حارثة مع النبي صلى الله عليه
وآله وهو مقام حقيقة الايمان الذي هو وراء حقه، وفوقه مقام العيان والمشاهدة على اختلاف درجاته، وأولها
مقام قرب النوافل وبعده خصوصيات الولاية التي لا نهاية لها، وكان المقدم على المخالفة والتصديق الجملي دون
التفصيلي، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وآله: لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن، أي تام الايمان بمعنى إن كان
التصديق موقوف على الجمع بين التصديق الاجمالي والتفصيلي فهو استحضر المخالف ما قرن بكل فعل من
العقوبة وجزم بوقوعها وصدق الله في اخباره انه يعلم ما يفعلون، لم يقدم على المخالفة، كالطبيب الماهر لا يقدم على
تناول السمومات والمآكل والمشارب الشديد الضرر، فالمخالف انما أقدم على المخالفة لخلل واقع في كمال التصديق
أو استحضاره رجاء العفو والتوبة والاستدراك.
ولا يخفى ان قوة استحضار افراد الاخبارات النبوية وما قرن بها من الوعد والوعيد توجب مزيد الخوف
والتقوى، فتفاوت درجاتهما بحسب تفاوت تلك الاستحضار، وكمال الخوف والتقوى في مقام قصة حارثة، بل في
ذلك المقام تكون الخشية متحققة، أي رهبة في ذلك المقام تصير خشية لا خوفا، كما تصير رغبة، من هذا شأنه رغبة
سعى في الظفر والفوز بأمر محقق واجب الحصول، لا رغبة رجاء، وفي المراتب السابقة على تلك المرتبة تكون
الرغبة والرهبة التابعتان للتصديق التفصيلي - رغبة رجاء ورهبة خوف - ولكن حكم تلك المرتبة حكم العيان
كما ذكرنا سابقا، والرغبة والرهبة الحاصلتين في مقام المشاهدة والعيان ويوجبهما علم محقق ومشاركة للمخبر
الصادق في معاينة ما أخبر (يخبر) عنه ويكتفيه تحصيله تكونان كذلك أي تصير رغبة من هذا مقامه رغبة سعى في
الفوز والظفر بأمر محقق واجب الحصول لا رغبة رجاء وتصير رهبته خشية لخوفا، فان الخوف صفة المحترز -
20
حارثة كيف أصبحت؟ قال: أصبحت مؤمنا حقا، فقال: ان لكل حق حقيقة (1)، فما حقيقة
ايمانك؟ قال: عزفت نفسي عن (2) الدنيا فتساوى عندي ذهبها وحجرها ومدرها، ثم قال:



- بموجب حكمه بامكان وقوع ما ذكر له وكذلك حكم الرجاء، كحال المريض الذي لا يعرف الطب مع الطبيب
الذي يعتقد صدقه وكمال خبرته بالطب، والخشية صفة الطبيب العارف بمضار الأغذية والمشارب ومنافعهما ونحو
ذلك، وإلى هذا المقام الإشارة بقوله تعالى: انما يخشى الله من عباده العلماء. الا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وملخص ما ذكرنا انه لا يخلو الرغبة والرهبة من أحد أمرين: أحدهما علمي قطعي (فعلى) والاخر ايمانى،
فموجب الرغبة اما تصديق تام بالموجود أو اطلاع محقق عن قبل ما اطلع عليه المخبر الصادق صلى الله عليه وآله ومن
مأخذه ومشربه وموجب الرهبة أيضا اما تصديق تام بما وقع الانذار به فينتج خوفا كتصديق المريض الطبيب فيما
يحذره منه من المضرات ويسمى خوفا. واما علم محقق بالمضار والمنافع، كحال الطبيب مع ما يعرفه من مضار المآكل
والمشارب ومنافعهما، فالتصديق ينتج الخوف والعلم ينتج الخشية، فالخشية خوف خاص لا يقوم الا بمن يعلم نتائج
الأعمال وثمره الخشية، فمن قامت به عدم الاقدام على كل فعل يعلم أن نتيجته متى طهرت له واتصلت به لا يلائمه
ولا يرضيه، والخوف لا يشترط فيه العلم بمعرفة كل فعل ونتيجته، بل يشترط فيه التصديق بما ورد الاخبار عنه بلسان
الانذار والنظر في أسباب السلامة فإنما هي للاهتمام بالمقصود خصوصا أمرا يفرق بين الخوف والخشية، فإنه قد اشتبه
على كثير من الأفاضل، حتى نقل عن بعض الأعاظم عدم الفرق بينهما، وبعضهم فرقوا بينهما بجهات سخيفة
واعتبارات ضعيفة غير قابل للنقل والتضعيف، فافهم ما ذكرنا واغتنم، فان هذا من لباب المعرفة (ش).
(1) - قوله: فقال صلى الله عليه وآله: ان لكل حق حقيقة: ولما كان الانسان السالك مع ايمانه وتوبته
وملازمته للأعمال الصالحة واستحضاراته القطعية التفصيلية يتحرى الأسد، فالأسد الأولى فأولى من كل
كلام وعمل فيتقى ويترقى من حق الايمان إلى حقيقته فقال صلى الله عليه وآله: لكل حق حقيقة، منبها
على ذلك لحارثة فقسم معنى الايمان الذي هو روحه إلى حق وحقيقة، فلما قال حارثة: عزفت نفسي من
الدنيا إلى الآخرة فقال له صلى الله عليه وآله: عرفت فالزم، أي عرفت ان الشرط في كمال التصديق
والايمان استحضار ما وردت به الاخبارات الإلهية والنبوية على القطع واليقين وما بعد ذلك فوق مرتبة
الايمان، لأنه شهود وعيان، فمقام: كأني انظر إلى عرش ربى - إلى اخره، برزخ بين التصديق الجملي وبين
الكشف العياني والعلم الشهودي وما بعد مقام كأني - إلى آخره، علم تام وشهود محقق ومعاينة. ولما كان
هذا المقام أعلى درجات الايمان الحجابي وما فوقه درجة فيه امره صلى الله عليه وآله بالالزام، لأنه ما وراء
عبادان قرية، والامر باللزوم من جهة كونه موجبا لوصوله إلى الايمان الشهودي، أو لان هذا مقامه المقدر
له في الحضرة العلمية بحسب استعداده الذاتي، فالامر باللزوم معنى اخبار عن حقيقة الامر هذا كذلك بناء
على أن يكون المراد بقوله فالزم، الامر بملازمة ما عرف الحارثة، أي عرفت حقيقة الايمان فالزم ما عرفت،
ويحتمل ان يكون المراد من الامر باللزوم ملازمة الكامل ومصاحبته، أي أنت وان عرفت الايمان
ووجدت حقيقته ولكن فالزم عند غيبتنا وحضورنا حتى تصل إلى مقام أعلى منه فتدبر، ويستفاد منه ان
كل من صحبه شخصا ووجد في حاله زيادة عليه من الكمالات والمقامات، فعليه بملازمته، فهذا معنى هذا
الحديث فتدبره وكرر التأمل فيه تفز بكليات العلوم والاسرار (ش). (2) - عرفت - ن - ط - ع -
قوله: عزفت: عزف عن الشئ، يعزف ويعزف وعزوفا بالعين المهملة والزاء المعجمة معناه بالفارسية: باز
ايستاد از خير، وفي بعض النسخ: عرفت نفسي الدنيا بدون نقطة بالعين والراء المهملة (ش) - عيب - ن -
ط - ع - نفسي الدنيا - ل
21
وكأني انظر إلى عرش الرحمن بارزا - الحديث (1) - إلى أن قال صلى الله عليه وآله: عرفت (2)
فالزم، فهذا مرتبة: ان تعبد الله كأنك تراه. وقد قال الشيخ قدس سره في الفكوك: انها أوسط
مراتب الاحسان (3)، لان اخرها ما سيجئ - أعني المشاهدة من دون كأن - ولسانها:



(1) - الكافي: باب حقيقة الايمان (2) - كذا في جميع النسخ والظاهر: أصبت. (3) - قوله: وقد قال
الشيخ في الفكوك: انها أوسط مراتب الاحسان لان آخرها ما سيجئ: اعلم أن الاحسان قد يطلق بالمعنى
العام على ما يستفاد من قوله تعالى: هل جزاء الاحسان الا الاحسان وله ثلاث مراتب: الأولى فعل ما ينبغي
لما ينبغي، أي متابعة الأوامر والنواهي الإلهية قولا وفعلا، هذا هو المعاملة مع الحق في مقام النفس والحس
الظاهر وفي مرتبة الاسلام، والمرتبة الثانية وهى التي أجابها النبي عند سؤال الاحسان وقوله: الاحسان ان
تعبد الله كأنك تراه، وهى عبارة عن استحضار الحق على ما وصف به نفسه في كتبه وعلى السنة رسله
وأوليائه المعصومين دون مزج ذلك بشئ من التأويلات السخيفة بمجرد الاستبعاد وقصور ادراك العقل
النظري المشوب بالوهم الغير المنور بنور الشرع في فهم مراد الله من اخباراته.
وبعبارة أخرى: العلم القطعي بتفاصيل اخباراته النبوية من المبدأ والمعاد وما بينهما، وهذا هو المعاملة مع
الحق تعالى في مقام الروحي الغيبي الإضافي المختص حكمه بباطن الايمان وروحه وحقيقته، كما أن نشأ في النفس
حسية وحكمها يختص بصورة الايمان وحقه كما فصلنا تلك المرتبة في قصة حارثة، والمرتبة الثالثة هي مقام
المشاهدة دون (كأن) كما هو المروى عن قطب الأولياء سيد الموحدين والمشاهدين علي عليه السلام: كيف أعبد
ربا لم أره؟ هذا هو المعاملة مع الحق في مقام السير الغيبي الحقيقي، فهي أول مراتب الولاية واخر مراتب الاحسان
بهذا المعنى العام وقصة حارثة أوسط مراتب الاحسان، وقد يطلق الاحسان على معنى خاص على حسب طبق
الحديث النبوي المذكور ان الاحسان ان تعبد الله كما تراه، بحيث تكون المرتبة الأولى المذكورة خارجة عن
درجات الاحسان، وعلى هذا الاطلاق الثاني فالاستحضار التفصيلي القطعي العلمي وحقيقة الايمان وباطنه كما
في قصة حارثة أول درجات الاحسان ومقام قرب النوافل، وكنت سمعه وبصره ثاني درجاته ومقام قرب
الفرائص اخر درجاته وأوسط مراتب الولاية والمشاهدة، وقد يطلق على معنى أخص على ما يستفاد من قوله تعالى:
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا
وأحسنوا والله يحب المحسنين، حيث ختم الآية بذكر الاحسان واقرن محبة الحق بالمحسنين، ومن قوله تعالى: ومن
يسلم وجهه إلى الله وهو محسن، أي ومن ينقاد برمة ذاته إلى الله وهو مشاهد، فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله
عاقبة الأمور ونظائرهما، وعلى هذا المعنى فالمرتبة الثانية أيضا خارجة عن درجات الاحسان، فأول ظهور الولاية
ومرتبة الكمال والمشاهدة أول درجات الاحسان، فمقام قرب النوافل أول درجاته ومقام قرب الفرائض أوسط
درجاته ومقام أحدية الجمع آخرها.
وإذا فهمت ما نبهت عليه فيرتفع التنافي والتناقض والتخالف في كلمات الشيخ وغيره من العرفاء
الكاملين عن نظرك حيث قال في الفكوك: ان قضية حارثة ومرتبة كأنك تراه أوسط مراتب الاحسان وآخرها
مرتبة المشاهدة من دون (كأن) وقال في تفسير الفاتحة بعد نقل قضية حارثة انها آخر درجات الايمان وأول
مراتب الاحسان، وقال أيضا: ان مرتبة قرب النوافل أول درجات الاحسان، وقال الشارح الفرغاني ههنا على
ما نقله الشارح على طبق ما ذكرنا في المعنى الأول من المراتب الثلاث. وقال في تحقيق المنازل في شرح القصيدة -
22
لست أعبد ربا لم أره، وجعلت قرة عيني في الصلاة، وكنت سمعه وبصره.
16 - 2 وللسر الإلهي وهو الوجود المضاف إلى الحقيقة الانسانية (1) من حيث ظهوره
العيني في مراتب الكون روحا ومثالا وحسا، بطن رابع ولسانه ما مر من نحو: كنت سمعه
وبصره، وهو أول مراتب الولاية واخر مراتب الاحسان.
17 / 2 ومن حيث بطونه الاستعدادي في قلب الانسان (2) القابل لتجليه، بطن



- على ما نقل عنه الشارح فيما سيأتي مفصلا في مواضع ثلاثة ان أولي درجات الاحسان مقام المشاهدة وقرب
النوافل، كما أن القوم بأجمعهم ذكروا الاحسان في مقام الأودية، فافهم واغتنم. وتفصيل الايمان ومراتبه ومقاماته
واطلاقاته وكذلك الاسلام يمكن ان يستفاد مما ذكرنا في المقام ومما حققنا في الاحسان، وعلى هذا يمكن للمتفطن
اللبيب ان يجمع بين الاخبار المختلفة في الايمان والاسلام وليس هيهنا موضع تفصيله وبسطه، وتحقيقه يقتضى
نمطا اخر من الكلام، والمقصود هنا توضيح مرام ما قاله الشارح في هذا المقام ولله الحمد على كل حال (ش)
قوله: وللسر الإلهي وهو الوجود المضاف إلى الحقيقة الانسانية: وإذا تخلص السالك عن قيود الانحرافات
وتعرى عن احكام التعلقات الكونية وتحقق بالفقر وهو الخلو الحقيقي عن سائر احكام الغيرية حتى عن رؤية الخلو
وعن نفى تلك الرؤية أيضا، فيظهر من مشيمة جمعية النفس بحكم اجتماع الروح والنفس قلب حقيقي جامع بين
احكامها واحكام السر، وصار هذا القلب قابلا للتجلي الوحداني الصفاتي، فيتجلى الحق من حيث التجلي
الظاهري ويتعين التجلي بحسب مرتية الاسم الظاهر، وحينئذ يترقى السالك من مرتبة اسم إلى مرتبة اسم اخر كلي أعلا
من الأسماء الجزئية التي يشتمل عليها الاسم الظاهر الذي حكمه رؤية الوحدة الوجودية في عين الكثرة الظاهرة ومن
حيث تعاقب ظهور اثار الأسماء على قلب السائر متنوعة الاحكام متميزة الأوصاف، وعند ظهور كل واحد
بخصوصية تكون السائر محتجبا عن حكم خصوصية الاخر إلى أن يظهر الحق من حيث جمعية الاسم الظاهر
فيدخل في التمكين ولا يتأثر عن التلوين من حيث خوصوصيات الأسماء المندرجة تحت الاسم الظاهر فيشمل هذا
التجلي جميع قواه الظاهرة وأفاد المتجلى له رؤية الحق في كل شئ رؤية حال، فظهر سر الحكم التوحيد في مرتبة
طبيعته وقواها الحسية والخيالية ولم يزهد في شئ من الموجودات والنشق له راجع إلى البطن كنت سمعه وبصره
ورجله ونطقه، فكثرة الشؤون الوجود العلمي الباطني النسبية التي صورتها الحقائق الكونية مرات لوحدة الوجود
العليني الظاهري، فالوحدة فيها ظاهرة وكثرة الشؤون باطنة، ففي هذا السر يرفع حجاب حجب الكثرة عن مراة
الوحدة الوجود، أي إلى أن يتجلى وحدة الوجود الظاهرة من عين كثرة النفس وصور العالم ويظهر الكمال الحاصل
للوجود الواحد بتلك الكثرة نزولا، فالبطن الرابع للوجود المضاف إلى الانسان من حيث ظهور العليني روحا
ومثالا وحسا هو شهود وحدة الوجود ظهور حكم التوحيد الوجودي في جميع مراتبه حتى في مرتبة الحسية
وتحققه بجميع ما يحوى عليه الاسم الظاهر من الأسماء حتى يصير قائما في نقطة الوسطية الاعتدالية تبحيث تكون نسبة
جميع الأسماء الظاهر إليه على السواء تدبر (ش). (2) - قوله: من حيث بطونه الاستعدادي في قلب الانسان: وإذا
حصل للسالك السيار التمكين في المرتبة الظاهرية وتنور بالوجود الحقاني النوراني وتحقق بجميعه ما يحوى عليه
الاسم الظاهر وانتهى سيره الأول المحبي وصار وليا محبوبا، فيشرع في السير الثاني المحبوبي لخرق حجاب وحدة
الوجود العليني الظاهرة على الروح والسر الظاهري في السير الأول عن مرآة كثرة الشؤون النسبية العلمية -
23
خامس ولسانه: وسعني قلب عبدي المؤمن - الحديث، وهو أوسط مراتب الولاية.
18 - 2 ومن حيث جمعه الرحماني (1) بين الظهور والبطون في دائرة صفات الألوهية التي
هي المفاتح الثانية للبرزخية الثانية، بطن سادس وهو لأهل النهايات - وهم الكمل والافراد.
19 - 2 ومن حيث حضرة أحدية جمع الجمع للكل متوحدة العين (2)، بطن سابع،
ولا ينفتح شمة منه الا لصاحب الإرث المحمدي، فإنه له خاصة.



- ليظهر التجلي الباطني بخصائصه فيتولد حينئذ بحكم اجتماع وامتزاج وفعل وانفعال واقع بين السر والروح من
مشيمة الروح قلب قابل للتجلي الوجودي الباطني، فيتعين الحق من حيث التجلي الباطني بحيث يتعاقب اثار
الأسماء المندرجة تحت الاسم الباطن حاجب كل اسم من حيث خصوصية حكمه واثره عن خصوصية حكم اسم
اخر واثره، إلى أن يظهر له جمعية الاسم الباطن ويصير قائما في نقطة الوسطية الاعتدالية بحيث يكون نسبة جميع
الأسماء الباطنة إليه على السواء، وحينئذ يكون السر الظاهري مرآة للباطني، والسر الباطني باحكامه واثاره ظاهرا
على الظاهري، فيصير عالما بالعلوم الغيبية والاسرار الإلهية والحقائق الكونية كما هي في الحضرة العلمية، وفي هذا
المقام كثرة الشؤون والصور العلمية ظاهرة ووحدة الوجود باطنة، فالبطن الخامس للوجود المضاف إلى الحقيقة
الانسانية من حيث ظهوره بالبطون والاسم الباطن هو ظهور حقيقة الأشياء كما هي في حضرة العلم الذاتي الأزلي
وشهود الكثرة النسبية، وإذا تدبرت ما ذكرنا ظهر لك معنى قوله: ومن حيث بطونه الاستعدادي في قلب الانسان
القابل لتجليه بطن خامس، تدبر تفهم (ش).
(1) - قوله: ومن حيث جمعه الروحاني - دائرة الصفات: وإذا تحقق السالك السائر بمقام التمكين المختص بهذه المرتبة،
أي التجلي الباطني، يستعد للدخول في حضرة الجمع والبرزخية بين الظاهر والباطن بخصوصياتها، لان احكام كل
من الظاهر والباطن بخصوصياتها تكون مستلزمة لاحتجاب احكام الاخر، وحينئذ عرف انه في مقام التقييد
بحكم أحد التجليين، أي الظاهري والباطني ويستلزم عليه ازالته حتى لا يحتجب كل عن الاخر ويتمكن عن
الجمع بين احكامهما ويفرق بينهما فلا يحجبه شأن عن شأن، فيتوجه حينئذ توجها حقيقيا إلى حضرة جمع الجمع
مستمدا منها باستعداد في ذلك، فيتداركه العناية الأزلية فيحكم البرزخية عند ظهور كل من الاسم الظاهر
والباطن بكمالاتهما عليهما بامتزاج وفعل وانفعال بينهما وبين احكامهما، فيتولد بينهما قلب جامع بين الحضرتين وهو
صورة ومظهر للبرزخية الثانية والتعين الثاني ومجلى ومرآة لأمهات صفات الألوهية التي هي المفاتيح الثانية
ويتلون السالك في هذه المرتبة الجمعية حتى يحصل له التمكين في التلوين والتلبس بأي لباس ومظهر شاء، فإذا يصلح
لتكميل العام والخاص وخاص الخاص من أهل الشريعة والطريقة والحقيقة، ومن هنا مشرع أولي العزم من الرسل
والأنبياء الأفضلين من السابقين صلوات الله وسلامه عليه، والكمل والافراد (ش). (2) - قوله: ومن حيث
أحدية جمع الجمع للكل متوحدة العين: هذا هو التجلي الذاتي الاحدى المخصوص بالمحمديين وبعد انتهاء سير السالك
إلى ما ذكرنا سابقا في قوله: من حيث جمعه الرحماني وظهور كمالات الأسماء الكلية الإلهية وأمهات الأسماء الألوهية
المتعينة في التعين الثاني يقع اجتماع وامتزاج بين الأسماء الذاتية التي هي المفاتيح الأول للغيب الأول واحكام
الوحدانية الثابتة في التجلي والتعين الأول وبين الأسماء الكلية المذكورة في التعين الثاني، فيتولد ويحصل من ذلك
الاجتماع قلب تقى نقى إحدى جمعي احمدى هو صورة التعين الأول ومظهره ومرآة ومجلى للوحدة الحقيقية -
24
20 - 2 قال الشيخ قدس سره في تفسير (1) الفاتحة: بين مرتبة: كنت سمعه و



- الجامعة، فله الأحدية الجمعية بين جميع الأسماء من الكلية والجزئية والأصلية والفرعية والذاتية والصفاتية، هذا
هو مقام أو أدنى، ولصاحب هذا المقام الرئاسة الكبرى والسيادة العظمى، وهو المرجع والمبدأ، ومنه يصل الفيض
إلى الكل من الدرة إلى الذرة، وما ذكرنا في شرح البطون مأخوذ ومستفاد من كلام الشارح الفرغاني في تحقيق
المنازل والمقامات، فقد شرحت كلامه بكلامه اقتداء بالشارح الفاضل. تدبر (ش)
(1) - قوله: قال الشيخ في التفسير بين مرتبة كنت سمعه وبصره: قد علمت من بياناتنا السابقة ان مرتبة النبوة
والرسالة والخلافة بين قرب النوافل ومرتبة الكمال المختص لصاحب أحدية الجمع، فلا يحتاج إلى الشرح
والتفصيل ثانيا، ويظهر من هذا الكلام ما هو حق المقام من أن كل نبي ولى ولا عكس، وكل رسول نبي
ولا ينعكس، وكل خليفة أولي العزم رسول وليس كل رسول بأولى العزم، ويظهر منه أيضا ان أولي العزم هم
الذين يبلغون رسالات ربهم ويلزمون ممن أرسلوا إليهم بالايمان، فان أبوا قاتلوهم، بخلاف الرسول إذا انفرد
بالرسالة ولم يؤمر بالقتال فإنه ما عليه الا البلاع، كما كان الامر في أول عهد نبينا، على ما قيل في أول عهد نبينا اخذ
السنة عليه في سورة قل يا أيها الكافرون، وفي قوله: وما عليك الا البلاع، وفي قوله: فمن شاء فليؤمن ومن شاء
فليكفر على وجه وأمثال ذلك، بخلاف الحال في ما بعد، فإنه ورد الامر بالقتال وانسحب الحكم وانبسط على
الأموال فنزل: اقتلوا المشركين كافة واقتلوهم حيث ثقفتموهم ونحو ذلك، وإن كان كلمات القوم في معنى أولي
العزم مختلفة وليس هنا موضع نقلها ويلوح لمة أيضا كما حققنا وفصلنا ان منشأ تقدم النبي وشرافته وفضيلته على
الولي، وكذلك الرسول وكذلك صاحب أحدية الجمع والخاتم على الكل هو خصوصيات الولاية والقرب
والكمال وقوتها وشدتها، لأنها روح النبي والرسول واولى العزم وباطنها وحقيقتها، وجهة الابلاع والارسال
والالزام ونظائرها صورة وظاهر، والعبودة متقومة بالمعنى والروح والظاهر بالباطن والرقيقة بالحقيقة، بل قوة
الولاية وشدته الموجبة للنبوة والرسالة والخلافة، أي اقتران الرسالة بالسيف.
وبعبارة أخرى: جهة الولاية جهة الحقانية الإلهية والوحدة، وجهة الرسالة والنبوة جهة الامكانية
والخلقية والكثرة، فظهر ان جهة الولاية أشرف وأفضل وأكمل من جهة النبوة والرسالة والخلافة إذا اجتمعت في
شخص واحد أو لو حظت الجهات، لا ان الولي أفضل وأكمل من النبي والرسول واولى العزم، لوجدانهم الولاية
الشديدة التامة على حسب مراتبهم، وإذا تأملت فيما ذكرته حق التأمل من أن منشأ التقدم والشرافة هو
خصوصيات الولاية والكمال وشدتهما وقوتهما لا تشك ان تقدم النبي والرسول على الولي ليس على اطلاقه وعمومه،
بل على الولي الذي يكون من أوصيائه وخلفائه وتوابعه وورثته، لا من ولى رسول اخر ووصيه وخليفته وورثته
وتابعه، بل قد يكون ذلك الولي الذي يكون وصيا وخليفة وتابعا لرسول اخر مرتبة ولايته ومقام قربه وكماله أعلى
وأقوى وأشد من ذلك النبي والرسول، وعلى هذا يكون ذلك الولي والوصي أقدم وأشرف وأكمل من ذلك النبي
والرسول بدرجة أو درجات كثيرة.
فطلع من أفق ذلك البيان شمس سر تقدم الأوصياء المحمدية على الأنبياء السابقين من أولي العزم وغيرهم
بدرجات كثيرة، بل تقدم علماء الأمة المحمدية على السابقين أو كونهم على درجتهم ومقامهم، فإنك قد علمت أن
أعلى درجات الكملين من أولي العزم من الرسل من السابقين حالا أو مقاما ومحتدهم ومنبعهم هو البطن السادس
والتعين الثاني، ومقام الوارث المحمدي ومرتبته في البطن السابع والتعين الأول والوحدة الحقيقية الجامعة وازالته
ظلمات ليالي الأوهام السخيفة والتخيلات الفاسدة من القائلين بتقدم النبي والرسول على الولي والوصي -
25
بصره، (1) ومرتبة الكمال المختص بصاحب أحدية الجمع مراتب: منها: مرتبة النبوة ثم
الرسالة ثم الخلافة - أعني الرسالة المقرونة بالسيف المختصة بأولي العزم - كل من الثلاث
بالنسبة إلى أمة مخصوصة، ثم العامة (2) من الثلاث، ثم الكمال المتضمن للاستخلاف الأتم من
الخليفة الكامل لربه سبحانه، فما ظنك بدرجات الأكملية التي وراء الكمال؟ تم كلامه.
21 - 2 واما رواية سبعين بطنا: فناظرة - والله أعلم - نظر استكثار إلى اشتمال كل بطن
على مراتب ومظاهر لا تحصى، أو نظر استكثار مطلقا تتعارفه العرب إلى درجات الأكملية.
22 - 2 فعلوم الظاهر أن تعلقت بالعقائد، فعلم الكلام والعلم الإلهي، وان تعلقت
بالافعال، فباعتبار ضبطها تحت قواعد استنباط احكامها من الكتاب والسنة بقواعده، أو
الاجماع أو القياس، علم أصول الفقه. وباعتبار بذل الجهد في معرفة كل فعل فعل منها
على تفصيل يضيق عنه نطاق الموضع، علم الفقه والمذهب والفتوى. والمتوسل به إلى
تحصيل هذه المقاصد سندا ومتنا، علم ظاهر التفسير والحديث.



- باطلاقه والمتمجمجين في تقدم الأوصياء المحمدية على الأنبياء السابقين والمعتقدين بتقدم السابقين على
الأوصياء المحمديين من الظاهريين وبعض المنتسبين إلى الحكمة والعرفان، كما رأيت في رسالة مؤلفة في علم الحقيقة
والعرفان من بعض الفضلاء المدعى لوجدان علم الحقائق انجزم بتقدم أولي العزم من الرسل على الأوصياء المحمدية،
والحال ان أرباب تلك الأوهام معتقدة بتقدم خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله بدرجات كثيرة على كل السابقين،
بل على كل الموجودات، وان مقامه فوق مقام الكمل وليس وراء عبادان قرية وان إلى ربه المنتهى، ومع هذا صدر
منهم ما صدر، وانى أتعجب منهم انهم كيف تصوروا معنى الخلافة والوصاية، فلو انهم عرفوا معناهما ومغزاهما
وحقيقتهما لعلموا تحقق التلازم بين تقدم الخاتم وتقدم أوصيائهم، بل تقدمه عين تقدمهم، وفيما ذكرنا كفاية
للمستبصر المسترشد، وليس المقام متحملا بأكثر من ذلك، فقد خرجنا عن طور التعليقة، والا لبسطت الكلام في
تحقيق الولاية والنبوة والرسالة ولذكرت شمة من مقامات الأوصياء المحمدية على قدر قابليتنا واستعدادنا، والبحر
أجل من أن يتمكن في جرة.
كتاب فضل ترا آب بحر كافي نيست * * كمه تر كنى سر انگشت وصفحه بشمارى
ومعذلك ومن عناياتهم الخاصة فقد لوحت في هذا المبحث بما ان تفطن له اللبيب عثر على لباب المعرفة وخلاصة
الحكمة، فلله الحمد (ش).
(1) - أي البطن الثالث الذي للروح - الشرح - ل (2) - أي النبوة والرسالة والخلافة بالنسبة إلى عموم الأمة،
كما في خاتم الأنبياء صلوات الله عليه (ش)
26
23 - 2 وعلوم الباطن انما تتحقق بعد احكام احكام الظاهر، لكن على طريقة السلف
الصالح التي سيشار إليها (1)، وهى بعد ان حقيقة أكثرها وهبية تتلقى من الكمل -
لا كسبية كما سيتضح - ان تعلقت بتعمير الباطن بالمعاملات القلبية بتخليته عن
المهلكات وتحليته بالمنجيات، فعلم التصوف والسلوك.
2 وان تعلقت بكيفية ارتباط الحق بالخلق وجهة انتشاء الكثرة من الوحدة
الحقيقية مع تباينهما، وذلك باضافاتها ومراتبها، فعلم الحقائق والمكاشفة والمشاهدة ويسميه
الشيخ الكبير: العلم بالله، كما يسمى ما قبله: منازل الآخرة.
2 فهذه أمهات العلوم التي يتعلق بها الشرع الإلهي أو يندب إليها، وباقيها فروعها
التفصيلية، والمراد بالأمهات ما يبتنى عليها علوم اخر هي المرادة بالفروع ويتصور (2)
على وجوه ثلاثة:
2 الأول ان يكون احكام الثاني نتائج انضمام قواعد الأول، كبرى (3) إلى الصغرى
سهلة الحصول، تفرع الفقه عن الأصول (4)، والمجسطي عن الهندسة.
2 الثاني ان يكون الثاني جزء الأول أفرز استقلالا لاهتمام به، افراز الفرائض من
الفقه والكحالة من الطب وعلم احصاء الأسماء من علمنا هذا.
28 - 2 الثالث ان يكون موضوع الثاني أخص (5) - كموضوع الطبيعي - وهو الجسم
من حيث يتغير عن موضوع الإلهي، وهو الموجود من حيث هو موجود - على رأى -
وأعلى الكل: العلم الأخير الإلهي الذي نحن بصدده بالوجوه المذكورة (6)، فان أصوله هي



(1) - أي في الفصل الثاني في تفسير الطوائف نقلا عن رسالتي المفصحة والهادية لقوله: وقسم آمن بما ورد منه فما
ساعده نظره أدركه، والا فآمن به على مراد الله تعالى... إلى اخره (ش) (2) - ويتصور الابتناء (ش)
(3) - بيان للقواعد - ش (4) - لاخفاء عند أهله ان تفرع الفقه عن الأصول ليس من قبيل تفرع الكبرى على
الصغرى والا يلزم دخول بعض القواعد الفقهية مثل قاعدة: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وغيرها في
الأصول والميزان في المسألة الأصولية محقق في محله المناسب لها - خ (5) - أي من موضوع الأول - ق
(6) - الآتية - ق
27
المفيدة للمعرفة بالحقائق التفصيلية الإلهية والكونية - حتى بحقائق مراد الله ورسوله في
القرآن والحديث - ولان الاحكام والأحوال المبحوث عنها في سائر العلوم بعض احكام
الأسماء الإلهية، إذ لا مخرج عنها في الوجود، ولان موضوعه أعم الموضوعات.
29 - 2 ثم إنه أشرف الكل لوجوه عديدة: منها: علو مرتبة موضوعه على الكل وهو الحق
تعالى، ومباديه (1) وهى أسمائه الأول ووثاقة برهانه، وهو الكشف الصريح والذوق
الصحيح - مع مساعدة العقل النظري في الكل - إذ لا تناقض في حجة، وان حجب عن
دركها التصور البشرى، ومنها: حيطة متعلقة، إذ لا حقيقة الا وهى محاطة به - الا انه
بكل شئ محيط (54 - فصلت) - علما ووجودا، قدرة وإرادة، ظاهرا وباطنا.
الفصل الثاني
في سبب اختلاف الأمم والتنبيه على سر الطريق الأمم (2)
30 - 2 قال الشيخ قدس سره في الرسالة المفصحة عن منتهى الأفكار: العلوم تنقسم
بنحو من القسمة إلى ما يستقل الانسان بادراكه بالقوى البدنية فيما يلائمها، أو بعقله من
حيث نظره - كالعلم بوجود الحق والمعانى البسيطة -
31 - 2 فأقول: اما الأول: فإذ لولا انتهاء المبدئية إلى الواجب الحق لدار الايجاد أو صار
متسلسلا، والدور فيه لزوم وجود الشئ قبل وجوده - وفيه التناقض - والتسلسل فيه
لزوم عدم السلسلة المترتبة إلى غير النهاية - حين فرض وجودها - لان تلك السلسلة تلزم
ان عدم أي فرد منها يوجب عدم ما بعده، فعدم أول مبدأ السلسلة يوجب عدمها، وهذا
برهان غريب ذكره المحقق الطوسي هنا (3). اما ان امكان مجموع السلسلة يقتضى مبدأ



(1) - عطف على موضوعه، أي علو مرتبة مباديه (ش) (2) - بالفتح أي القريب - ش - الأمم بفتح الهمزة:
المستقيم (القيصري) (3) - هذا هو البرهان الترتيب المذكور في الكتب الحكمية وتوضيحه: ان جملة وسلسلة من
علل ومعلولات مترتبة فهو تجب ان يكون لا محالة بحيث إذا فرض انتفاء واحد من آحادها استوجب ذلك انتفاء
ما بعد ذلك الواحد كله، وما بعد ذلك الواحد هو الذي استدعته المعلولية، فلو فرضت سلسلة المعلولية أي سلسلة -
28
خارجا من الممكنات، والا يلزم دخوله وخروجه: ففيه شئ. واما المعاني البسيطة، فلان
ههنا موجودا، فإن كان مركبا: فكل مركب فيه البسيط، وكل متعدد فيه الواحد.
32 - 2 فان قلت: الموجود ما صدق عليه المعاني - لا هي - أي لا نفس المعاني - لاشتراكها -
ولان الحقائق لو وجدت لم يجر بينها الحمل - لاقتضاء وحدة الوجود -
33 - 2 قلت: اما وجودها الذهني: فظاهر، واما الخارجي: فلان امره منحصر في الماهية (1)
والتعين، لكن التعين نسبة لا تحقق لها، (2) والا لتحققت التعينات اللا متناهية. وكل تعين
صفة لما هو له، فلا يكون عينه، مع أنه (3) عارض لا يتحقق بدون معروض. ثم محل التعينات (4)
واحد في الافراد، ومورد التعين في نفسه غير معين، والمطلق واحد. ثم الحقائق (5) أوصاف
الوجود الجامع لها في مشرب الذوق، ولذا جرى الحمل بينها، إذ في العكس لزوم توقف
الموصوف على تحقق الصفة سيما المخصوصة.
34 - 2 ثم قال الشيخ (6) قدس سره: وإلى ما لا يستقل الانسان مطلقا بادراكه، كذات الحق
تعالى وحقائق أسمائه وصفاته وكيفية اضافاتها المتنوعة، فان مقسامها مهيب وكذا
كيفية ايجاده وتعلق قدرته بالمعلومات. فمن محالات (7) العقول معرفة الخواص والآثار



- استدعتها المعلولية كان حكمها أيضا حكم ما بعد ذلك الواحد للاشتراك في استيعاب المعلولية، ففرض
الاستيعاب على فرض عدم واحد، كذلك يكون متناقضا.
قال صدر المتألهين في الاسفار في ذيل تقرير برهان الترتيب: والحاصل ان استغراق المعلولية على سبيل
الترتيب جملة احادها السلسلة بالتمام على وضع ان لا يكون هناك علة واحدة للجميع، لولاها لانتفت السلسلة
بأسرها كلام تناقض (ق)
(1) - هذا الجواب على مذاق الجمهور من أصالة الماهية، أي فلو لم يكن الماهية موجودة ولا موجودة في الخارج - ش
(2) - وان لم تكن الماهية والحقيقة موجودة أيضا فلا موجود في الخارج - ق (3) - أي على فرض كون التعين
موجودا في الخارج، فلا محالة تكون الماهية موجودة فيه، لان وجوده العارض بدون معروضه محال، فان العروض
حينئذ - أي على فرض كون التعين موجودا عينيا - عروض عرض خارجي لا عارض عقلي، حتى يقال بكفاية
وجودها في العقل (ش) (4) - إلى ههنا في مقام إثبات وجود الماهية في الخارج، فأراد بقوله: ثم محل التعينات...
إثبات وحدتها حتى تثبت المطلوب وهو وجود الواحد والبسيط - ش (5) - جواب عن الوجه الثاني لنفى
موجودية المعاني وهو قوله: ولان الحقائق لو وجدت... (ش) (6) - أي في الرسالة المفصحة
(7) - محارات - ن - ع - أي: رجوعات.
29
الناتجة عن امتزاجات القوى الطبيعية ومن ممازجات القوى الفلكية والتوجهات الملكية مع
النفوس البشرية والقوى السفلية، وأيضا تعقل صفات الحق في عرصة الفكر الإنساني من
حيث الاطلاق الحقيقي متعذر، لان الانسان لا يدرك الا متعينا في مقامه النظري بحسب
قوته الفكرية، وليس هو سبحانه وأسمائه في نفسه كهى في تصور المتصورين بأفكارهم،
وهكذا شأن الانسان في معرفة الحقائق في مقام تجردها مطلقا.
2 ومن جملة الأمور التي لا يستقل العقل بادراكه: سر ترتيب طبقات العالم
وخواصه، وسبب انحصار كل جنس ونوع وصنف في عدد واختصاصها بأوقات وبقاع
وأحوال مخصوصة، وامتياز كل بعد الاشتراك في أمور، وكذا معرفة العلة الغائية في ايجاد
مجموع العالم أو بعض من أجناسه أو أنواعه، وبالنسبة إلى كل قطن (1) وشريعة وعالم ومرتبة.
36 - 2 فلما رأى المستبصرون من أهل الله ذلك ووجدوا علوم الناس ظنونا وتخيلات لا
اتفاق لهم فيها - ما خلا أكثر المسائل الرياضية الهندسية وغايتها معرفة المقادير - لم ترض
نفوسهم الا ان تكلفوا بمعرفة أشرف المعلومات، لجلالة قدرها ودوام ثمرتها، بعد مفارقة
الأجسام طلبا للاتصال بجناب العلام ومضاهاة نشأته الاعلى في معرفة حقائق الأشياء، بل
مقتضى حال خلاصة خاصة الخاصة، المؤهلين للظفر بذلك، جمع الهم بالكلية على الحق -
على نحو ما يعلم نفسه - وتفريغ المحل عن طلب ما سواه، وإن كان مثمرا سعادة ما، أو
منتهيا بصاحبه إلى كمال نسبى، فمتى قدر لهم معرفة شئ غير الحق، وإن كان يفيض منه
سبحانه دون تعمل منهم، فإنما موجبه سعة دائرة كمال استعدادهم الغير المجعول، لا انه
مقصودهم أو متعلق هممهم - كغيرهم من الناس -
37 - 2 ثم نقول: فلما شاء الحق تكميل مرتبة العلم وتكميل بعض عباده بالعلم المختص
بالقسم الثاني على نحو تعينه في علم الحق، اصطفى من خلقه في كل عصر ومن كل جيل نقاوة
سموا أنبياء وأولياء وأيدهم بروح منه واطلعهم على ما شاء من حقائق صفاته واسرار



(1) - أي الناحية - قطر - ل
30
احكام وجوب وجوده. ثم امرهم ان ينبهوا جميع الناس على هذا الطرز وما يتضمنه هذا
القسم ويدعوا إلى ربهم ويعرفوا بالطريق الموصل بالحكمة والموعظة الحسنة. ثم أيدهم
بالمعجزات والنصرة التي يتضمنها احكام نفوسهم الماضية وسيوفهم الباترة (1)، فامتثلوا
وأعربوا عن بعض ما شاهدوا، لكن بلسان التشويق والايماء، الجامع بين الكتم والإفشاء -
وفاء لحقوق الحكمة (2) -
38 - 2 فاختلف استعداد المخاطبين في تلقى ما أتت به الرسل ثم الكمل من الأولياء، فمن
الناس من قبل مطلقا - عرف أو لم يعرف - وهم كافة أهل الاسلام، ومنهم من أنكر مطلقا،
وهم أهل الكفر، ويقرب منهم أهل الطغيان، وان كانوا من وجه مستيقنين، ومنهم من آمن
ببعض وكفر ببعض، ومنهم المتوقف الحائر بين الاقدام للمعجزات والاحجام - لعجزه عن
التوفيق بين عقله القاصر وشرعه - فهذه أربع طوائف.
39 - 2 ثم إن الطائفة الأولى أقسام:
40 - 2 قسم وقف مع الظاهر ولم يتعد ولم يتأول وعزل عقله مطلقا ولم يتشوق لان
يعرف، وهم الظاهرية المقتصرون على صورة العبارات.
41 - 2 وقسم آمن بما ورد مطلقا، فما ساعده نظره ادراكه، والا فآمن به على مراد الله
والكمل من سفرائه - دون الجمود على الظاهر - بل أثبت صفات الكمال، منزها ربه
عما لا يليق بجلاله، لكن على نحو ما يعلم سبحانه نفسه، لا من حيث ما يتصوره أمثاله، بل قال:
رب أمر (3) يكون بالنسبة إلى ادراك صفة (4) كمال يليق بجلاله، ويكون بالنسبة إلى علمه (5)



(1) - هذه النصرة هي الفتح المطلق المشار إليه بقوله تعالى: إذا جاء نصر الله والفتح. والفتوحات ثلاثة: فتح قريب
وفتح مبين وفتح مطلق، وهذه الأخير وإن كان مختصا بصاحب الولاية المطلقة الا ان غيره من الرسل أيضا له حظ
بالتبع - لا بالأصالة - واما الفتحان السابقان: فلا يختص به صلى الله عليه وآله (خ) (2) - فان الأنبياء عليهم
السلام صاحب الاسرار وليس من شأنهم افشائها لدى الأغيار، ولذا تراهم في اظهار المعارف كان لسانهم غير
لسان الحكماء، والمحققون أيضا تابع لهم في ذلك - خ - وفاء - ل (3) - بالتنوين - التنكير - أي
ادراك (ش) (4) - بالنصب خبر ليكون جملة يليق صفة الكمال - ش (5) - بالنسبة بعلمه -
ط أي علم الحق بذلك الامر - ش
31
به وبتلك الصفة (1) نقصا وبالعكس، وهذا حال السلف الصالح السالمين من آفتي التجسم
والتشبيه وزيغ التأويل ومزج الاعتقاد بشوائب ظنون الأقيسة.
42 - 2 وقسم قبل ما امكنه ادراكه بنظره ونفى المفهوم الظاهر، وكان ضرره لخطاء المتأول
فيه وعدم استناده إلى أصل محقق، أكثر (2) من نفع اصابته، وهذا هو حال المتكلمين، فإنهم (3)
ما وقفوا مع ما يقتضيه الايمان المحقق ولا ادركوا جلية الامر بمعرفة المراد ولا انحازوا إلى طائفة
من أهل النظر الصرف والميزان، وإن كان أهل النظر أيضا عاجزين عن الوصول إلى شأو الحق.
43 - 2 واما الطبقة العلياء: وهم أرباب الهمم السامية، الطالبة معرفة حقائق الأشياء على نحو
تعينها في علم الله تعالى، فهم في بداية امرهم شاركوا السلف الصالح في الايمان بما ورد على مراد الله
ورسوله والكمل، ووكلوا علم ما لم يدركوا جلية الامر فيه إلى الله وإلى العارفين بمراده، غير أنهم
كانت لهم نفوس شريفة وهمم عالية انفت من التقليد، بل طلبت اللحوق بالأنبياء، وان تحصل (4)
ما حصلته بتلك الطريقة، سيما ولم تخبر ان هذا محجور عليه، فنظرت وأدركت عجز أهل هذه
الأقسام فتعدت مراتبهم وانتهت إلى مقام النظر الفكري وأدركت عجزهم أيضا على ما سيأتي.
الفصل الثالث
في تبيين منتهى الأفكار وتعيين ما يسلكه أهل الاستبصار
44 - 2 معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه في علم الله تعالى بالأدلة النظرية متعذرة
لوجوه مستنبطة من كلام الشيخ قدس سره:



(1) - أي بصفة الكمال - ش (2) - خبر كان - ش (3) - عبارة الشيخ في الرسالة المفصحة هكذا: فإنهم
ما وقفوا مع ما يقتضيه الايمان المحقق ولا وفوا بشروط التصديق ولا ادركوا أيضا جلية الامر بمعرفة المراد مما أخبروا
به على نحو ما هو الامر عليه في نفسه ولا انحازوا إلى طائفة من أهل
الصرف والميزان، وهذا وإن كان أهل النظر من جملة العاجزين عن الوصول إلى شئ من التحقيق على ما سنقرره
عن قريب - انتهى. (4) - قوله: وان تحصل ما حصلته: لفظ (ان) مصدرية والجملة بتأويل المصدر عطف على
اللحوق وبيان له ضمير تحصل يرجع إلى نفوس شريفة والضمير المستتر في حصلت ترجع إلى الأنبياء (ش)
32
45 - 2 الأول: ان الاحكام النظرية تابعة للمدارك (1)، وهى لتوجهات المدركين، وهى
للمقاصد، وهى للعقائد والعوائد، وهى للتجليات الأسمائية المتعينة حسب استعدادات
القوابل، فان التجليات في ينبوع الوحدة وحدانية النعت هيولانية الوصف، لا تعدد لها ومن
ذاتها، بل تختلف باختلاف القوابل في قابليتها بحكم مراتبها ومواطنها وأوقاتها وأحوالها
وأمزجتها وصفاتها وبحسب احكام أحوال وسائط وجودها، مثاله: تعدد ابصار الواحد
المتعلق بعشر مبصرات مثلا، يختلف حسب اختلافها - قربا وبعدا لطافة وكثافة وتلونا
وشفيفا - فثبت ان الاحكام النظرية تابعة لاستعداد الناظر وتختلف باختلافه، لا لما عليه
نفس الامر لتطابقه. ومنه يعلم أيضا سبب اختلاف أهل النظر.
46 - 2 الثاني: اختلاف الآراء المتناقضة مع عدم قدرة أحدها على ابطال دليل الاخر،
دليل ان لا تعويل على نظره أيضا، مع أن أحدها باطل قطعا، فحصل الاحتمال في كل
دليل.
47 - 2 الثالث: الناظر كثيرا ما يعول على نظره برهة مديدة ثم يطلع هو أو من بعده على
خلله فيرجع، فهذا الاحتمال يتحقق في كل نظر كان سبب التعويل أو سبب الرجوع (2)،
فلا اتكال على شئ منها.
48 - 2 الرابع: ان كل ذي رأى نظري انما نظر فيه بقوته الفكرية الجزئية، وسنقرر ان
الشئ لا يدرك الا ما يناسبه، فلا يدرك فكره الا جزئيا مثله، والحقائق في الحضرة العلمية
كليات فلا يدركها الفكر نحو تعينها فيها.
49 - 2 الخامس: انا نرى من يعتقد شيئا ولا يمكنه ان يقيم عليه برهانا ثم لا يرعوى
عنه، ولو فرضنا تشكيك مشككين فيه بحيث لا يقدر على دفعه، فحاله كحال أهل الأذواق



(1) - قوله: تابعة للمدارك: أي تختلف بحسب تفاوت المدارك. وقوله: وهى لتوجهات المدركين: أي تابعة لها، أي
تختلف بحسب اختلافها وهكذا البواقي. تدبر (ش) (2) - قوله: سبب التعويل أو سبب الرجوع: الضمير المستتر في
كان يرجع إلى النظر وسبب التعويل بالنصب خبر كان، ويحتمل على بعد ان يكون لفظ كان تامة بمعنى تحقق ووجد
صفة لنظر، أي هذا الاحتمال متحقق في كل نظر تحقق. وقوله: سبب التعويل - بالجر - بدل لكل نظر (ش)
33
في أن الحاصل لهم بطريق التلقي لا يقبل الشك والتردد، وإذا لم يتبع دليل المشكك في مثله
وأعتقد خلافه، قام الاحتمال في الكل.
50 - 2 السادس: ان حقائق الأشياء في الحضرة العلمية بسيطة فلا يدركها على نحو تعينها
فيها الا من حيث أحديتها، (1) وذلك متعذر، إذ لا نعلم شيئا الا من حيث اتصاف أعياننا
بالوجود وقيام الحياة والعلم بنا، وارتفاع الموانع الحائلة بيننا وبين ما نروم ادراكه، فهذا أقل
ما يتوقف معرفتنا عليه، وهذه جمعية كثيرة، فالبسيط لا يدركه الا بسيط، فلا نعلم من الحقائق
الا صفاتها من حيث هي صفات - لا من حيث حقائقها لما مر - وقد اعترف به الرئيس ابن
سينا. وصفاتها متعددة ومتفاوتة قربا وبعدا، ولذلك أيضا تفاوت علوم الناس، فالعلم
بالحقائق متعذر الا من الوجه الخاص بارتفاع حكم النسب والقيود الكونية من العارف
حال تحققه بمقام: كنت سمعه وبصره، ومن احكام هذا السر اسرار اخر غامضة، منها: حكم
تجلى الحق الساري في حقائق الممكنات، وإليه يشير قول الشيخ الكبير رضي الله عنه:
ولست أدرك من شئ حقيقته وكيف أدركه وأنتم فيه؟
51 - 2 السابع: وأقول: انه يؤيد الوجه السادس ما اعترف به أهل الميزان بأسرهم: ان
البسائط لا تحد والرسم لا يعرف كنه الحقيقة، ومعرفة المركب فرع معرفة بسائطه، إذ كل
مركب ينحل إليها في الوجودين الذهني والخارجي بحسب التركيب، وإذ لا موقوف عليه،
فلا موقوف، فلا علم بالحقائق أصلا.



(1) - أحديتنا - ط - ل - قوله: الا من حيث أحديتها: هكذا في النسختين الموجودتين عندنا ولكن في نظري القاصر انه
غلط والصحيح من حيث أحديتنا، بالضمير المتكلم مع الغير، حاصل هذا الوجه ان حقائق الأشياء في الحضرة
العلمية بسيطة فلا ندركها، أي فلا يمكن لنا ان ندركها على نحو تعينها فيها الا
من حيث أحديتنا، وذلك أي ادراكنا من حيث أحديتنا متعذر، إذ لا يخلو من احكام الكثرة ولا نعلم شيئا من حيث حقائقنا المجردة ولا من حيث وجودنا
فحسب، بل نعلم من حيث اتصاف أعياننا بالوجود وقيام الحياة والعلم بنا وارتفاع الموانع الحائلة. فهذا أقل
ما يتوقف معرفتنا عليه وهو جمعية كثيرة، وحقائق الأشياء في مقام تجردها وحدانية بسيطة، والواحد والبسيط
لا يدركه الا واحد بسيط، فالعلم بالحقائق بكنهها متعذر الا من الوجه الخاص، أي إذا ظهر حكم أحديتنا بارتفاع
حكم الكثرة والقيود الكونية وطلوع الوحدة الحقيقية السارية عن مغربها حال تحقق العارف السالك بمقام كنت
سمعه وبصره وبالمرتبة التي فوقها المختصة بقرب الفرائص وبما بعدها إلى ما شاء الله، تدبر تفهم (ش)
34
52 - 2 الثامن: ان أقرب الحقائق إلى الانسان نفسه، ولا يدرك كنهها، فكيف بغيرها؟
53 - 2 التاسع: ان اعرف الحقائق الجوهرية عندهم - حيث عينوها للتمثيل بالحقيقة - الحقيقة
الانسانية التي عرفوها بالحيوان الناطق، والحيوان بأنه جسم نام حساس متحرك بالإرادة،
والجسم بأنه جوهر قابل للابعاد الثلاثة المتقاطعة على قوائم، وفيها شك من وجوه:
54 - 2 الأول: في جنسية الجوهر للجسم.
55 - 2 الثاني: ان قبول الابعاد المذكورة بالفعل لا يتحقق في الكرة وبالقوة يصدق على
الهيولي فقط.
56 - 2 الثالث: ان النمو في سن الشيخوخة معدوم، لان الذبول ينافيه.
57 - 2 الرابع: ان الحساس والمتحرك بالإرادة ليسا فصلى الحيوان، إذ الفصل القريب
لا يتعدد، وهم معترفون به، فلا يعلم فصله.
58 - 2 الخامس: ان الناطق بمعنى مدرك الكليات فيكون صفة للروح المباين
للحيوان، فكيف يحمل على الحيوان؟
59 - 2 السادس: كيف تركبت الماهية الحقيقية من المتباينين - وهما الروح المجرد
والجسم - والتشبث بحديث العشق (1) والتدبير بينهما من تعشق الحديث وسوء التدبير، إذ
مثلهما من الإضافة لا يفيد المضافين أحدية حقيقية - كالأبوة والملك -
60 - 2 السابع: ان تحقق الحيوان الجنس (2) والناطق الفصل في الخارج، لم يحمل أحدهما
على الاخر، إذ الموجود ان الخارجيان لا حمل بينهما، وان لم يتحقق - لا الحيوان ولا الناطق -
كيف يتحقق الانسان؟ ويكونان من المعقولات الثانية، ولم يقل به أحد منهم وكيف ذا؟
وانهما عبارتان عن الجسم والروح المخصوصين.



(1) - قوله: والتشبث بحديث العشق: أي الاستدلال في تركب الماهية الحقيقية من الروح والجسم وتحققها منهما
بوجود العلاقة العشقية والتدبيرية بينهما فاسد ناش من سوء التدبر والتدبير والميل المفرط بالتكلم من غير تأمل في
صحته وفساده وفائدته، فقوله: والتشبث: مبتداء خبره من تعشق - الحديث (ش) (2) - لفظة (ان) شرطية وقوله: لم
يحمل: جواب الشرط (ش)
35
61 - 2 الثامن: قالوا: حقيقة الشئ ما به يتحقق ذلك الشئ، فان أريد ما نتصوره، كان
تصور الشئ سببا لوجوده، وان أريد ما نصدقه فالتصديق بعد التحقق وسببه قبله، وان أريد
ما نحققه، فيتحقق الحقيقة الواحدة خارجا في كل فرد ويمتنع الشركة الخارجية، وقد صرح (1)
بها الأرموي والخنجي (2) بدون التعدد والتوزع، ولم يقل بهما أحد (3) فكيف الامر هذا؟
62 - 2 وقد قال الشيخ (4) قدس سره: لما اتضح لأهل البصائر ان لتحصيل المعرفة
الصحيحة طريقين: طريق البرهان بالنظر وطريق العيان بالكشف، وحال المرتبة النظرية قد
استبان انها لا تصفو عن خلل، وعلى تسليمه لا يتم (5)، فتعين الطريق الاخر وهو التوجه إلى الله
بالتعرية الكاملة والالتجاء التام وتفريغ القلب بالكلية عن جميع التعلقات الكونية والعلوم
والقوانين، ولما تعذر استقلال الانسان بذلك في أول الأمر، وجب عليه اتباع من سبقه بالاطلاع
ممن خاض لجة الوصول وفاز بنيل المأمول - كالرسل ومن كملت وراثته منهم علما وحالا
ومقاما - عساه سبحانه يجود بنور كاشف يظهر الأشياء كما هي، كما فعل ذلك بهم وباتباعهم.
63 - 2 ثم أقول: التعرية الكاملة تفصيلها ما ذكره الشيخ قدس سره (6) في شرح قوله صلى
الله عليه وآله - حين شكى بعض أصحابه الفقر والفاقة -: دم على الطهارة يوسع عليك



(1) - قوله: وقد صرح: كلام وقع في البين، هذا إشارة إلى الدليل الذي ذكره المحقق الطوسي في منع القول بوجود
الكلى الطبيعي المشترك في الخارج، وملخص استدلاله ان الماهية المشتركة ان تحققت في كل افرادها على وجه العامية
لم يكن شيئا واحدا بعينه وان تحققت في كل افرادها على وجه التفرق كان في كل واحد جزئيا لانفسها، وان تحققت
في الكل من حيث هو كل فالكل من تلك الحيثية شئ واحد فلم تقع على أشياء، فليس (نفيس) مع كونها مشتركة بين
الافراد الا حملنا عليها، والحمل أمر عقلي فلا وجود للمشترك الا في الفصل، انتهى. وهذا الدليل وان لم يكن تماما عند
الشارح وعلى مشرب التحقيق لان تحقق الحقيقية الكلية في افرادها لا يلزم التعدد والتوزع كما سيأتي، ولكن لما كان
إليه النظر بين تزئيف الأدلة النظرية وبيان عدم معرفة امكان الحقائق بها أشار إليه (ش) (2) - أي بالاشتراك
الخارجي أي صرحا بوجود الحقيقة المشتركة في الخارج، والحال ان الاشتراك الخارجي بدون التعدد والتوزع ممتنع
ولم يقل أحد بالتعدد والتوزع - ق (3) - قوله: ولم يقل بهما أحد: أي بالتعدد والتوزع، فيمتنع الشركة
الخارجية (ش) (4) - أي في الرسالة المفصحة. (5) - لا يعم - ن - ع - ل - أي وعلى تقدير التصفية عن الخلل
لا تكون تاما بحيث يشتمل جميع الموارد والأمور كالحقائق البسيطة ونحوها مما يرجع إلى معرفة المبدأ والمعاد،
والأولى في العبارة لا تعم من العموم - ش (6) - في شرح حديث الأربعين.
36
الرزق، فقال: طهارة البدن من الأدناس والقاذورات، وطهارة الحواس من اطلاقها
فيما لا يحتاج إليه من الادراكات، وطهارة الأعضاء من اطلاقها في التصرفات الخارجة عن
دائرة الاعتدالات المعلومة شرعا أو عقلا، وخصوصا للسان طهارتان: الأولى بالصمت عما
لا يعنى، الثانية بمراعاة العدل فيما يعبر عنه من الأمور، فلا يجوز عليها بنقص بيانه أو وصف
شئ بما ليس فيه، فان ذلك ظلم من قبيل شهادة الزور، هذه هي الطهارة الظاهرة، واما
الطهارات الباطنة:
64 - 2 فطهارة خياله من الاعتقادات الفاسدة والتخيلات الرديئة وجولانه في ميدان
الآمال والأماني.
65 - 2 وطهارة ذهنه من الأفكار الرديئة والاستحضارات الغير الواقعة والغير المفيدة.
66 - 2 وطهارة عقله من التقييد بنتائج الأفكار فيما يختص بمعرفة الحق ويصاحب
فيضه المنبسط على الممكنات من غرائب العلوم والاسرار.
67 - 2 وطهارة القلب من التقلب التابع للتشعب بسبب التعللات الموجبة
لتشتت العزمات.
68 - 2 وطهارة النفس من أغراضها بل من عينها، لأنها خميرة الآمال والأماني وكثرة
التشوقات.
69 - 2 وطهارة الروح من الحظوظ الشريفة المرجوة من الحق - كمعرفته والقرب
منه ومشاهدته وسائر أنواع النعيم الروحاني -.
70 - 2 وطهارة الحقيقة الانسانية عن عوز (1) ما في الجمعية ومن تغير صورة ما يصل
إليه من الحق عما كان عليه حال تعينه في علمه أزلا من حيث إن ذلك العلم صفة للحق،
لا من حيث علمه بعلم زيد الناقص، فان ذلك من علم الحق أيضا - لكن من حيث إنه صفة
لزيد -



(1) - أي: الفقدان.
37
71 - 2 وطهارة سره - وهو (1) حصة من مطلق التجلي الجمعي الذي انما يستند إلى الحق
المطلق ويرتبط به من حيثية تلك الحصة - هي (2) باتصاله بالحق المطلق الجامع، وزوال
الاحكام التقييدية التي عرضت بسبب المعية مع العين الثابتة التي هي المجلى القابل لذلك
التجلي (3) والمقيدة إياه.
72 - 2 وطهارة الانسان (4) الخاصة (5) - بعد تجاوزه ما ذكرنا، من طهارة بدنه وروحه
وسره - بمقدار تحققه بالحق واحتظائه بتجليه الذاتي لا حجاب بعده (6) ولا مستقر للكمل
دونه، مع الحضور التام والمعية المنبسطة الذاتية على عالم الغيب والشهادة وما اشتملا عليه.



(1) - أي: السر - ش (2) - أي: طهارة السر - مبتداء خبره جملة هي باتصاله - ش (3) - فان احكام كل تجلى
وصفاته تابعة للمجلى الذي هو مراته، وذلك من سنة الحق ولن تجد لسنة الله تبديلا - ش (4) - قوله: الخاصة، صفة
الطهارة - أي بعد التجلي الذاتي - ش - طهارة الانسان مبتداء، قوله:
بمقدار تحققه خبره، وقوله: الخاصة صفة الطهارة، أي بعد التجلي الذاتي. دونه: أي التجلي الذاتي، وهذه المرتبة هي أعلى
مراتب الطهارة الخاصة بالانسان في الطهارات الباطنة، فان الطهارة تظهر وتحصل من احكام الجمع الوحداني
الوجوبي الوجودي والاطلاق عن كل تقييد يقضى بالحصر والعلم المحقق والتوحيد الشهودي وخلو الباطن عما
سوى الحق أو عما سوى ما يحبه سبحانه ويرضاه، وأول درجاتها المختصة بالباطن والقلوب والأرواح الايمان
والتوحيد الاستحضاري الخصيص بالايمان ولوازمهما كما سبق مفصلا، وأعظم درجاتها دوام التحقق المعرفة الحق
وشهوده، التجلي الذاتي الذي لا حجاب بعده ولا مستقر للكمل دونه، وباقي أنواعها ودرجاتها يتعين بين الطرفين
المذكورين، ومنها تعلم أنواع النجاسة التي يراد التطهر منها والاحتراز عن التلوث بها وانصباع المحال باحكامها بعد
التطهر، فإنها - أي أنواع النجاسة - انما تظهر وتنشأ من الجهل والشرك، واحكام القيود القاضية بالحصر في عقيدة
مخصوصة ناشئة من التأويلات والآراء الفاسدة والعادات الرديئة والشهوات الغالبة للقوى الروحانية الموجبة
بخروجها عن الضوابط الشرعية والعقلية.
فإذا علمت أنواع الطهارات فاعتبر من كل طهارة منها ما يقابلها من النجاسات فلا حاجة إلى تفصيلها
وشرحها. ثم اعلم أن في تقييد الشارح طهارة الانسان بلفظ الخاصة إشارة إلى أن طهارة الانسان كطهارة ما في
الموجودات تنقسم إلى طهارة عامة وهى ما يشترك فيه، وإلى طهارة خاصة وهى ما ينفرد به عما سواه، لاختصاصه به،
واما الخاصة فهي ما فصله الشارح من أنواع الطهارة الظاهرة والباطنة من قوله، فقال طهارة البدن إلى ههنا
فما ذكره سابقا داخل في الطهارة الخاصة أيضا، ولذا قيد الخاصة هنا بقوله بعد تجاوزه ما ذكرنا... إلى اخره، حتى
لا يتوهم اختصاص الطهارة الخاصة الإنساني بتلك الطهارة والمرتبة، واما طهارته العامة فهي من كونه نسخة من
حضرة الحق وحقائق العالم وجامعا لأحكامها، فالأجمع لحقائق العالم واحكامها واحكام الحضرة الإلهية بالفعل
تحلية وحكما هو الأتم تحققا بالطهارة العامة، ومن دونه فبمقدار حظه من الجمعية المذكورة، هذا كله من أنواع
الطهارة الثانية الوجودية المجعولة التي يتعلق بها الامر ويفيد فيها الوضينة والتحريص ويجدى فيها -
(6) - غير هذا التجلي - ق
38
73 - 2 وقال قدس سره: فطهارة الأرواح والقلوب يوجب مزيد الرزق المعنوي
وقبول العطايا الإلهية على ما ينبغي، وطهارة الصورة يجب ان يستلزم مزيد الرزق الحسى
لما عرف من تبعية عالم الصور للأرواح في الوجود والاحكام.
الفصل الرابع
في ذكر الموضوع والمبادى لعلم التحقيق ومسائله المبرهن عليها ببرهان نظري أو
كشفي بحسب التوفيق
74 - 2 العلوم تشترك في أن لكل منها موضوعا، إذ به تمايزها الذاتي. ومبادئ،
لان المبادى العلمية لا تكون فطرية وبينة بذاتها، فلا بد مما تتضح فيه ومسائل، لأنها
اهداف سهام طلبه، فموضوع كل علم ما يبحث فيه عن حقيقته (1) وهى كيفية تعينه في علم
الله تعالى وعن أحواله الذاتية، أي الحقيقة التابعة لحقيقته التي تعينها، (2) وتسمى المتبوعة
ذاتا والتابعة ذاتيا، وعن عوارضها الذاتية، أي الحقائق اللاحقة بها - ولو بواسطة الأحوال
والمراتب - ومعنى الذاتية (3) في الموضوعين أن تكون تعيناتها مقتضى تلك الذات، فلا يتوقف



- السعي والتعمل، واما الطهارة الأولى الصلية الغير المجعولة التي ليس للكسب والتعمل فيها مدخل ولا فائدة
الوضينة والتحريص في التحلي بها ومراتبها ومظاهرها، فليس ههنا محل بسطها وتفصيلها، فافهم ما ذكرنا
واعرف قدره فإنه من نفائس المعارف والعلوم - ش
قال الشيخ: ان من المتفق عليه عقلا وشرعا وكشفا: ان عالم الأرواح متقدم بالوجود على
عالم الأجسام وان عالم الأجسام أو جده الله بواسطة عالم الأرواح وجعله تابعا له في الصفات والاحكام، كتبعية له في قبول الوجود من
الموجد الحق، فهو من وجه كالظل لعالم الأرواح، فاعلم ذلك، انتهى. - ش
(1) - أي هليته البسيطة (2) - قوله: التي تعينها: صفة الحقيقة (الحقائق) التابعة، أي الحقائق التابعة التي تصيرها
أي حقيقة الموضوع متعينة، ويحتمل أن تكون صفة لقوله: لحقيقته، أي حقيقة الموضوع التي تعين تلك الأحوال
والحقائق التابعة، أي يكون تعيناتها على اقتضاء حقيقة الموضوع وذاته، والثاني أولي، تدبر - ش (3) - قوله: ومعنى
الذاتية في الموضوعين: قد حققنا العرض الذاتي ودفعنا الاشكال المعروف في العارض لأمر أخص الذي هو مطرح
الانظار الأفاضل ولم يذكروا في حله ما يشفى العليل ويروى الغليل في رسالة مخصوصة مختصرة، من أراد الوقوف
فليراجع إليها - ش
39
ثبوتها الا على شروط تمام الاستعداد، فلا بد ان يختص بها من تلك الحيثية، إذ لو ثبت لغيرها
أيضا لكانت حكم الحقيقة الشاملة لها كمشى الانسان من حيث حيوانيته، ففيما ذكرنا
تنبيه على خطأ أهل النظر من وجوه:
75 - 2 الأول: تخصيصهم المبحوث عنه بالأحوال قولا بان حقيقة موضوع كل علم
لا بد ان يثبت في علم اخر، لان الهلية المركبة فرع البسيطة، (1) فاثبات مسائل العلم موقوف
على ثبوت حقيقة موضوعه، فلو استفيد من مسائله دار، وذلك لأنا لا نسلم (2) اختصاص
المسائل بأحواله - لا سيما في علم لا أعلى منه -
76 - 2 الثاني: تفسيرهم الذاتية بعدم الواسطة لا يصح (3)، اما بعدم الواسطة في



(1) - حاصله: ان مسائل هي إثبات الاعراض الذاتية وإثبات الاعراض الذاتية يتوقف على ثبوت الموضوع، فلو
كان ثبوت الموضوع مسألة من المسائل توقف الشئ على نفسه - ق (2) - قوله: ذلك: أي وجه الخطاء قوله: لأنا
لا نسلم اختصاص المسائل بأحواله: بل إثبات الموضوع وبيان حقيقته أيضا من المسائل المبحوث عنها في ذلك
العلم، فالمسائل المبحوث عنها مطلقا لا تتوقف على ثبوت حقيقة الموضوع، بل المسائل المبحوث عنها التي تكون
من أحوال الموضوع متوقفة عليه ولا يستفاد ثبوت الموضوع من تلك المسائل الأحوالية، بل من المسائل التي في
مقام اثباته وتحقيق حقيقته وهى غير متوقفة عليه، بل مبنية له، فتدبر، فعلى ما قررنا ظهر لك عدم توجه الايراد،
والذي ذكره سيد الحكماء (وهو آقا ميرزا أبو الحسن الجلوة) وكتبه بخطه الشريف طاب ثراه في حاشية هذا الكتاب
في هذا الموضوع وهو هذا العبارة: إن كان الموضوع من المسائل لا يبين لقولهم ولقول الشيخ ان لكل علم
موضوعا ومبادئ ومسائل معنى عمومه، فتأمل. انتهى. فانظر كيف غفل ولم يتأمل في عبارة الشيخ في تعريف
الموضوع: فالموضوع ما يبحث فيه عن حقيقته... إلى اخره، حيث جعل البحث عن حقيقة الموضوع أيضا من
المسائل المبحوث عنها في ذلك العلم مخالفا للقوم حيث خصصوا المسائل المبحوث عنها فيه الأحوال والأمور
العارضة للموضوع، ومن أين ينافي هذا في قوله: ان لكل علم موضوعا ومبادي ومسائل حتى لا يبقى لذلك القول
معنى ولم يجعل نفس الموضوع من المسائل، بل حمل الشارح إثبات الموضوع وتحقيق حقيقته من المسائل أيضا،
فافهم - ش (3) - أقول: ما فسروا الذاتية بعدم الواسطة بل فسروا العارض بما هو هو لعدم في الثبوت بل في
العروض، وجوزوا فيه الواسطة في التصديق بل الغالب في المسائل وانما فسروا الذاتية بما يلحق الشئ لما هو هو أو
لأمر يساويه، سواء كان داخلا فيه أو خارجا عنه، فيجوز في الآخرين الواسطة في الاثبات وفي الثبوت وفي
العروض، وكذا قوله لا يكون من المطالب العلمية ما لا يكون فيه واسطة في التصديق ليس بصحيح، لأنه قد
يكون من المسائل ضرورية فتورد في العلم، كالضرب الأول من الشكل الأول لاحتياجها إلى تنبيه يزيل عنها
خفائها... ان هذه التخطئة من أي عبارة الشيخ يفهم؟ - ق - أقول: ما فسروا الذاتية بعدم الواسطة، بل فسروا
العارض لما هو هو بعدم الواسطة في الثبوت، بل في المعروض، وجوزوا فيه الواسطة في التصديق، بل هي الغالب
في المسائل، وانما فسروا الذاتية بما يلحق الشئ لما هو هو، أو لأمر يساويه، سواء كان داخلا فيه أو خارجا عنه، -
40
التصديق، فلان مثله فطرى لا يكون من المطالب العلمية، واما بعدم الواسطة في الثبوت، فلان
ثبوت الخواص المتعددة لحقيقة واحدة من حيث وحدتها محال - لما سيجئ - فلا بد من نسب يتوسط
بينها وبين اللواحق، باعتبارها يتحقق (1) الارتباط بينهما، فلا مندوحة عن الواسطة في الثبوت.
77 - 2 الثالث: ذكرهم اللاحق للجزء من أقسام المبحوث عنه، فإنه ربما (2) يكون
الخاصة الحقيقة الشاملة كما مر مثاله (3).
78 - 2 واما مباديه: فهي التي بها يتضح مسائله، وهى اما تصورات (4) كحدود موضوع
العلم أو الصناعة التي هي العلم الراسخ أو العلم العملي (5)، بأي وجه يمكن تحديده لفظيا أو رسميا
أو حقيقيا، وكحدود فروعه، أي احكامه وثمراته، وكحدود تفاصيله، أي أقسامه وجزئياته،
وكحدود اجزائه أيضا (6) - إن كان ذا اجزاء - وكحدود اعراضه التي ثبت لها، وهى محمولات
المسائل، فان التصديق بها يتوقف على تصور أطرافه.



- فيجوز في الأخيرين الواسطة في الاثبات وفي الثبوت وفي العروض، وكذا في قوله: لا يكون في المطالب العلمية
ما لا يكون فيه واسطة في التصديق ليس بصحيح، لأنه قد يكون من المسائل ضرورية فتورد في العلم، كالضرب
الأول من الشكل الأول لاحتياجها إلى تنبيه يزيل عنها خفائها، مع أن هذه التخطئة من أي عبارة الشيخ يفهم.
تأمل (ف)
(1) - أي باعتبار تلك النسب - ش (2) - تعليل وبيان لخطائهم والضمير يرجع إلى اللاحق للجزء - ش
(3) - قوله كما مر مثاله: في قوله: كمشى الانسان من حيث حيوانيته، واعلم أن من معنى الذاتية حسبما حققه
الشارح يعلم خطائهم في جعل اللاحق للجزاء من أقسام المبحوث عنه، تدبر. ثم اعلم أن المحققين من أهل النظر لم
يجعلوه اللاحق للجزء الأعم من الاعراض الذاتية، بل الجزء المساوى - ش (4) - قوله: اما التصورات...: أي
تورد الحدود لفروع موضوع العلم وتفاصيله، أي أقسامه وجزئياته، كتعريف الفلك والعناصر في العلم الطبيعي
وتعريف الاسم والفعل وغيرهما في النحو، وعطف تفاصيله يقرب من العطف التفسيري، وفي جعل الفروع
عبارة عن الاحكام والثمرات شئ، لان الاحكام داخلة في قوله بعد: واعراضه، فافهم (ف) (5) - قوله: أو العلم
العملي: أي العلم المتعلق بكيفية العمل وكان المقصود من ذلك العلم العملي يسمى بالصناعة وان لم يتعلق بكيفية
العمل، وكان مقصودا في نفسه يسمى ويخص باسم العلم. قوله: بأي وجه يمكن تحديده: أي ليس المراد بالحد هنا هو
الحد المصطلح بل المراد منه مطلق التعريف أو المانع الجامع أعم من الحقيقية والرسمية واللفظية - ش (6) - أي
بورود الحدود لفروع موضوع العلم وتفاصيله، أي أقسامه وجزئياته، كتعريف الفلك والعناصر في العلم الطبيعي
وتعريف الاسم والفعل وغيرهما في النحو وعطف تفاصيله بقرب من العطف التفسيري، وفي جعل الفروع عبارة
عن الاحكام والثمرات شئ، لان الاحكام داخلة في قوله بعد واعراضه، فافهم - ق
41
79 - 2 واما تصديقات، هي المقدمات التي بها يعلم، لأنها يتوسط في التصديق كما في
الثبوت - كمبادئ علمنا - وهى أسماء الذات في طور الكشف للكمل، أو التحقيق
التفصيلي كما هي في نظر العارفين من الأبرار من خلف حجاب الآثار، فإنهم علموها
من الآثار، لا بالعكس كما سنشير إلى جهته، فكونها مبادى بالنسبة إلى الكمل ظاهر، لان
كشفهم بالتوابع تبع الكشف بالمتبوعات - كما علم في أوائل تفسير الفاتحة - واما بالنسبة
إلى العارفين: فبعد تحققهم بالعرفان مثلا إذا حققوا من كمال الصانع، فيظهر انه عالم
بالعالم من الوجه الأكمل الأتم، حصل لهم منه انه عالم بالجزئيات على وجه جزئي، فهو
ثمرة مطلق العلم في طور التحقيق أو صفته ومشموله، والحصول التام الكامل للأصل
والموصوف والشامل يستلزم حصول فروعه وصفته ومشموله، إذ لا نعنى بالتمامية الا
إحاطة الوجود.
2 ثم التصديقات التي هي المقدمات المسماة مع الحدود أوضاعا - أي موضوعات -
منها يقينية، نحو كل كمال مخلوق ففي خالقه موجود - بل أتم - لان الاثبات فرع الثبوت،
ولا ينتقض بالشمس، فإنها تفيد الحرارة في المقابل، مع أنها ليست بحارة، لأنه ممنوع، فان
طبيعة السماوات السبع وكواكبها عندنا عنصرية، وهذا أحد دلائله.
81 - 2 ومنها مسلمة ايمانا وعلى سبيل حسن الظن بالمخبر، نحو: ان الله لا يظلم مثقال
ذرة (40 - النساء): وان الله لا يضيع اجر المحسنين (20 - التوبة) مع أن العقل لا يحيل
خلافه، لأنه تصرف المالك في محض ملكه، وتسمى أصولا موضوعة (1).
82 - 2 ومنها مسلمة في الوقت إلى أن يتبين في موضع اخر، وإن كان للسامع فيها



(1) - قوله: تسمى أصولا موضوعة، منها مسلمة في الوقت إلى أن يتبين في موضوع آخر وإن كان للسامع فيها
تردد إلى أن يتضح له لا ببرهان نظري أو فطرى الهى: أي: البرهان المركب من المقدمات الكشفية الالهامية المحققة
كاكثر مسائل هذا الفن، ويحتمل ان يكون المراد من الفطري ما حصل له باقتضاء حاله وصفاء استعداده بحسب
تعمل وتوجه من جنبه، ومن الإلهي ما حصل له بلا تعمل واستعداد غير مجعول، بل بوجه خاص بينه وبين الحق
لا يعرفه الا الكمل (ف)
42
تردد إلى أن يتضح له أمر ببرهان نظري أو فطرى الهى أي كشفي (1)، قد تعلق الإرادة
القديمة بظهوره على شئ كوقته، كما قال صلى الله عليه وآله: ان لله تعالى في أيام دهركم
نفحات الا فتعرضوا لها، فان لصفة الدهر والشأن الإلهي المتجدد مدخلا في تجدد الكائنات
وتسمى مصادرات، لكونها تحكمات ذوقية يتعلق بوجدان الذوق كما قيل: ليس من
الواجب في صناعة - وإن كان المرجع في أصولها وتفاريعها إلى مجرد العقل - ان يكون
الدخيل (2) فيها كالناشئ (3) عليها، (4) فكيف (5) إذا كانت مستندة إلى تحكمات وضعية
واعتبارات (6) ألفية، فلا (7) على الدخيل فيها ان يقلد صاحبه في بعض فتاواه (8) ان فاته (9)
الذوق هناك، إلى أن يتكامل له على مهل موجبات، وذلك الذوق.
83 - 2 واما المسائل فهي المطالب المبرهن عليها ببرهان نظري أو فطرى كشفي وهى
قسمان (10):
84 - 2 أحدهما ان يكون أصولا حاصرة لما يحتوى عليه ذلك العلم - حصر
الأجناس لأنواعها - كالقواعد الآتية في التمهيد الجملي.
85 - 2 وثانيهما الفروع المندرجة تحتها، كالانواع وأنواع الأنواع، فعند معرفة القسمين
يتضح كيفية نسبة التفريع بينهما، أي طريق اخراج الفروع من القوة إلى الفعل عند جعل
الأصول كبرى لصغرى سهلة الحصول.



(1) - أي البرهان المركب من المقدمات الكشفية الالهامية كاكثر مسائل هذا الفن، ويحتمل ان يكون المراد من
الفطري، ما حصل له باقتضاء حاله وصفاء استعداده بحسب تعمل وتوجه من جهته، ومن الإلهي ما حصل
بلا تعمل واستعداد غير مجعول، بل بوجه خاص بينه وبين الحق لا يعرفه الا الكمل - ق (2) - أي المبتدى.
(3) - أي المنتهى. (4) - في استفادة الذوق من تلك الصناعة - ش (5) - أي في استفادة الذوق منها - ق
(6) - أي قبل حصول العلم بها بالبرهان والكشف ذوقا - ش (7) - أي فلا بأس - ش (8) - فتاويه - ط -
الضمير راجع إلى صاحبه - ش (9) - أي الدخيل - ش (10) - قيل: هذا على الغالب والا فالمسألة قد يكون
ضرورية فنورد في العلم لاحتياجها إلى تنبيه يزيل عنها خفائها كالشكل الأول في المنطق - ق
43
86 - 2 إذا تقرر هذا فنقول: العلم الإلهي الشرعي المسمى علم الحقائق، هو العلم بالله الحق
تعالى من حيث ارتباطه بالخلق وانتشاء العالم منه بحسب الطاقة البشرية، إذ منه (1) ما يتعذر
معرفته كما فيما فيه حيرة الكمل، فموضوعه الخصيص به وجود الحق سبحانه من حيث الارتباطين -
لا من حيث هو - لأنه من تلك الحيثية غنى عن العالمين لا تناوله إشارة (2) عقلية أو وهمية، فلا عبارة
عنه، فكيف يبحث عنه أو عن أحواله وكذا عن كل حقيقة من حقائقه في الحقيقة؟
87 - 2 فان قلت: ليس وجود الحق من حيث هو - أو مطلقا (3) - حتى عن قيد
الاطلاق إشارة إليه وعبارة عنه؟
88 - 2 قلت: نعم قد لكن المنفى الإشارة إلى حقيقته، وهذا سلب الغير عنه، كذا قيل.
والتحقيق ان المنفى الإشارة إليه ما دام مطلقا ومعتبرا من حيث هو، والإشارة في الجملة ومن
حيث تعينها الوصفي لا ينافيه، وقد عرف في أن المجهول المطلق يمتنع الحكم عليه، وفي ان
المعدوم المطلق - أعني ذهنا وخارجا - قسيم للآخرين.
89 - 2 ومباديه التي يتضح بها الارتباطان بأحد الوجهين السالفين (4)، أمهات الحقائق (5)
وأصولها اللازمة وجود الحق وتسمى أسماء الذات (6) وسيفسر بأنها الأسماء العامة الحكم



(1) - أي من علم الحقائق - ش (2) - لان الإشارة تنال التعينات وهو بذاته لا تعين له - ش - لا يتناوله إشارة - ل
(3) - أي من حيث الذات والحقيقة الغير المتعينة - ق (4) - أي طور الكشف للكمل أو التحقيق التفصيلي كما
في نظر العارفين من الأبرار من خلف حجاب الآثار - ش - السابقين - ل (5) - قوله: أمهات الحقائق: وانما
كانت أمهات الحقائق مبادى، لان كلا من الحقائق المركبة ومن مظاهرها الروحانية أو المثالية أو الجسمانية من
لوازمها وآثارها ومن المعلوم ان معرفة الآثار بالمؤثر طريق (لمى) واما معرفة المؤثر بالأثر فطريق فكري
(انى) والأول هو حظ المقربين الكمل والثاني هو حظ العارفين من الأبرار (ف) (6) - هذه الحقائق اللازمة
لوجود الحق لكمال حيطتها قديمة في القديم محدثة في الحادث متناهية من وجه. أقول: انما سميت أسماء الذات لكمال
مناسبتها للذات بكمال الحيطة وعموم الحكم كما سيصرح الشيخ: فما كان عام الحكم... إلى اخره. ولا يخفى ان
التعبير بلفظ الجمع كأسماء الذات وأمهات الحقائق وبلفظ اللازمة يشعر باعتبار الامتياز النسبي، على أن كونها
مبادى يدل دلالة ظاهرة على ما ذكرت، لان مبدئية الحق والتأبد والفعل الايجادي ونحو ذلك انما يصح ويضاف
إلى الحق باعتبار التعين الأول المتعقل والنسبة العلمية الذاتية، لكن من حيث امتيازه النسبي لا الحقيقي، لا من
حيث إنها صفة قائمة بالحق، إذ لا يقول به محقق موحد، ولا من حيث إنها عين الذات، إذ لا يعقل من تلك الحيثية
نسبة يعبر عنها بالعلم أو غيره، ولا كثرة وجودية أو اعتبارية، وهذه النسبة العلمية مقام الوحدانية
التالية للأحدية التالية المجهول، كذا في النصوص - ق
44
القابلة للتعلقات (1) المتقابلة والصفات المتباينة، كالحياة من حيث هي، والعلم من حيث هو،
وكذا الإرادة والقدرة والنورية وكالوحدة من حيث إنها عين الواحد، لا من حيث إنها
نعت الواحد (2)، وذلك لان (3) الحقائق الكلية للأسماء في كمال اطلاقها عين الذات (4)، وهو المراد
بقول الشيخ قدس سره في مواضع لا تحصى: انها من حيث انتسابها إليه عين الذات، إذ لو
كانت متغايرة لتكثرت وتباينت أو تناسبت، وقد اعتبرت في الذات الأحدية الكاملة من
كل وجه، فلا يكون كما اعتبرت (5) هذا خلف.
2 فان قلت: لا شك في تعددها من حيث امتيازها النسبي عن الذات، ولا شك ان
لكل من المتمايزات نسبة إليه (6)، وهلم جرا فلا خلاص من التعدد (7)؟



(1) - كالقدم والحدوث والتناهي وعدمه والتحيز والتجرد وغير ذلك - ش - قوله: وسيفسر بأنها الأسماء العامة...:
وهذه الحقائق اللازمة وجود الحق لكمال حيطتها قديم في القديم محدثة في الحادث، متناهية من وجه غير متناهية من
وجه آخر. أقول: انما سميت أسماء الذات لكمال مناسبتها للذات لكمال الحيطة وعموم الحكم، كما سيصرح الشيخ في
قوله: فما كان عام الحكم... إلى آخره. ولا يخفى ان التعبير بلفظ الجمع كأسماء الذات وأمهات الحقائق وبلفظ اللازمة
يشعر باعتبار الامتياز النسبي، مع أن كونها مبادى يدل دلالة ظاهرة على ما ذكرت، لان مبدئية الحق والتأثير
والفعل الايجادي ونحو ذلك انما يصح ويضاف إلى الحق باعتبار التعين الأول المتعقل وهو النسبة العلمية الذاتية،
لكن من حيث امتيازها النسبي لا الحقيقي، لا من حيث إنها صفة قائمة بالحق، إذ لا يقول به محقق موحد، ولا من حيث إنها
عين الذات، إذ لا يعقل من تلك الحيثية نسبة يعبر عنها بالعلم أو غيره ولا كثرة وجودية أو اعتبارية، وهذه النسبة
العلمية مقام الوحدانية التالية للأحدية التالية للاطلاق المجهول، كذا في النصوص والهادية (ف) (2) - لأنها
حينئذ تكون من أسماء الصفات لا شئ بنوع تكثر في الذات من جهة النسب والإضافات - ش (3) - أي وجه
تسمية أمهات الحقائق بأسماء الذات - ش (4) - حاصلة: ان أمهات الأسماء إذا اعتبرت من حيث اطلاقها وعدم
تعلقها، يكون عين الذات الأحدية فلم يتمايز عنه، إذ لو تمايزت عنه لتمايزت بقيود فلم يبق على كمال اطلاقها، هذا
خلف، ولذلك كانت عامة الحكم أو خصوصية الحكم من خصوصيات التعلقات، فإذا علمت أن كونها أسماء الذات
من حيث اعتبار اطلاقها، ظهر لك وجه التقييد بالحيثية في الأمثلة، لكونها إشارة إلى اعتبار الاطلاق، كالحياة من
حيث هي والعلم من حيث هو، أي بلا اعتبار تعلقهما بمظهر وتقيدهما بقيد حتى بقيد العموم والاطلاق، والا لم يبقيا
على اطلاقهما الحقيقي المراد، فافهم - ش (5) - إذ الوحدة والكثرة لا يجتمعان في اعتبار واحد - ق (6) - وهو رد
على قوله: من انتسابها إليه عين الذات، أي النسبة إلى الذات لا يوجب العينية، لان كل متمايز منسوب إليه على وجود
التغاير كما لا يخفى، وقوله: هلم جرا: أي أي متميز كان بأي تميز من أنواع التميز من امتيازه النسبي عن الذات بحسب
النسبة لعدم اعتبار النسبة في الذات واعتبارها في الحقائق، لان القدرة تتعلق بالمقدور والعلم بالمعلوم وهكذا، فتكون
متعددة لتعدد النسب فلا تكون عين الذات - ق (7) - أي في الذات المنسوبة إليها وهو الحق تعالى، لان تلك النسبة
أيضا ممتازة عن الذات، ولكل من التمايزات نسبة إليه، وهكذا تدبر - ش
45
91 - 2 قلت: هذا (1) خلط الاعتبارين، فان امتيازها النسبي من حيث نسبتها إلى
المتعلقات واتحادها مع الذات من حيث إن كلا منها أول نسبة مطلقة للذات الواحدة من
كل وجه، وكم بينهما (2)؟
92 - 2 والتحقيق (3): ان كل متميز ومتعين بأي نوع كان من أنواع التعين لا بد ان
يشتمل على شئ معروض لتعينه ويكون من حيث هو غير متعين (4) بذلك التعين، إذ كل
متعدد فيه الواحد وكل مركب فيه البسيط، فجميع أنواع التعينات معروضها ما لا تعين
فيه أصلا، (5) وذلك هو المطلوب. ومنه يعلم وحدة الحق تعالى في ذاته وأسمائه الأول بكل
اعتبار. ويعلم أيضا اشتمال كل متعين على الواحد بالذات الذي هو أصله، كما قيل:
ففي كل شئ له أية * * تدل على أنه واحد
93 - 2 والمحجوب عن هذه الحقيقة أصلا ووصفا يكثر برهان التوحيد مائة وألفا - كما
فعله الرازي وغيره -.
94 - 2 ويمكن ان يقال أيضا (6): ان الوحدة آية الاستغناء - كما أن الكثرة دليل
الافتقار - فهي كمال وكل كمال ففي مولاه أتم وكان الاثبات فرع الثبوت.
2 لا يقال: الانسان أكمل المظاهر مع أنه أجمع للكثرات.
2 لأنا نقول: أكمليته بجمعيته الأحدية، والا فالتفصيل في العالم الأكبر، أو
نقول: لا كلام في أن الوحدة أشرف ولذا كانت الملائكة أشرف - وان لم تكونوا أكمل -
والشرف في مولاه أتم.
97 - 2 ثم أسماء الذات قسمان: أحدهما: ما تعين حكمه واثره في العالم، فيعرف من خلف



(1) - أي اعتبار الامتياز النسبي واعتبار الاتحاد - ش (2) - أي وكم فرق بينهما؟ - ش (3) - بحيث يدفع شبهة
التعدد في الذات في صورة اعتبار لا امتياز النسبي، وأيضا يدل عليه قوله: ومنه يعلم وحدة الحق تعالى وأسمائه الأول
لكل اعتبار، تدبر فافهم واغتنم - ش واما حقيقة الوجود فلا يحصل في الذهن فما في الذهن يكون من المفاهيم
والمفهوم من وجه من وجوهه وصفة من صفاته - ق (4) - بل له السعة والإحاطة الوجودية - ق (5) - وهو
لا يتعدد والا يكون متعينا، وكل متعين مشتمل على معروض التعين وأيضا بقاعدة صرف الشئ لا يتكرر لا بدان
يكون واحدا - ق (6) - في دلالة المتعين على وحدة الأصل - ش
46
حجاب الأثر - كما قلنا - وذلك للعارفين الأبرار، أو كشفا وشهودا، وهو وصف الكمل.
98 - 2 وثانيهما: ما لم يتعين له اثر وهو المشار إليه بقوله (ص): أو استأثرت به في علم
الغيب (1) عندك، وذلك لان الشؤون الإلهية أكثر من أن يكون له نهاية، والتي تشم رائحة
الوجود متناهية، وأي متناه يفرز من غير المتناهى؟ فالباقي أكثر (2)، فنسبة ما تعين له اثر إلى
ما لم يتعين، نسبة المتناهى إلى غير المتناهى، فلا نهاية لمراتب الأكملية كما قيل، ولا نهاية
للمعلومات والمقدورات - فما دام معلوم أو مقدور - فالشوق لا يسكن والنقص لا يزول.
99 - 2 ومنه يعلم قوله تعالى: وما أوتيتم من العلم الا قليلا (85 - الاسراء) وانما عبرنا
عن أسماء الذات بالأمهات، لما يتفرع منها أسماء الصفات - وهى التي يشعر بنوع تكثر
محسوس أو معقول كالوحدة من حيث إنها نعت الواحد - ونسب (3) ارتباطها بالذات. ثم
أسماء الافعال - المشعرة بنوع الفعل على اختلاف صورة كالخلق والبسط والقبض
واللطف والقهر وغيرها - ونسب ارتباطها (4).



(1) - قال شيخنا العارف الكامل دام ظله: ان الاسم المستأثر هو الذات الأحدية المطلقة، فان الذات بما هي متعينة
منشأ للظهور دون الذات المطلقة، أي بلا تعين، واطلاق الاسم عليه بنحو من المسامحة، والظاهر من كلام الشيخ
وتقسيمه الأسماء الذاتية إلى ما تعين حكمه وإلى ما لم يتعين انه من الأسماء الذاتية التي لا مظهر لها في العين. وعندي
ان الاسم المستأثر أيضا له اثر في العين، الا ان اثره أيضا مستأثر، فان للأحدية الذاتية وجهة خاصة مع كل شئ هو
سره الوجودي لا يعرفها أحد الا الله، كما قال تعالى: ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها - ولكل وجهة هو موليها -
فالوجهة الغيبية لها اثر مستأثر غيبي، تدبر تعرف - خ (2) - أقول: ما ذكره الشارح غير مطابق للمتن، فان
الظاهر منه ان الشؤون الغير الظاهرة التي بصدد الظهور إلى ما لا يتناهى ابدا هي الأسماء المستأثرة مع أن ظاهر
كلام الشيخ ان الاسم المستأثر غير قابل للظهور - لا لعدم تناهى الشؤون - بل لكونه من المكنون الغيبي، حتى لو
فرض تناهى الشؤون الإلهية لم يظهر حكم الاسم المستأثر - خ (3) - عطف على قوله: أسماء الصفات - ش -
نسبة - ل (4) - ارتباطها بهما - ل يعنى ان المبادى هي معرفة أسماء الذات والصفات ومعرفة ارتباط كل منها
ونسبتها إلى الأخرى، مثلا ان يعرف ان صور حكم أسماء الصفات والافعال تتعين من اجتماع احكام أسماء الذات
وان ظهور حكم أسماء الافعال يتعين من اجتماع احكام أسماء الصفات وكذا معرفة نسب ما بين الأسماء مثلا ان
الخلق متوقف على القدرة وهى متوقفة على الإرادة المطابقة للعلم المشروط بالحياة وسيجئ تفصيلها. قوله: من
بيان: لما، يعنى ان النعوت والأوصاف والأسماء انما تتعين وتتحصل باحكام حقائق المتعلقات واثارها ومراتبها
ومحالها. وانما كانت أمهات الحقائق مبادئ لان كلا من الحقائق المركبة ومن مظاهره الروحانية أو المثالية أو
الجسمانية من لوازمها واثارها، ومن المعلوم ان معرفة الآثار بالمؤثر طريق لمى، واما معرفة المؤثر بالأثر فطريق
فكري انى، والأول هو حظ المقربين الكمل والثاني حظ العارفين من الأبرار - ق
47
100 - 2 ومسائله ما يتضح بأسماء الذات وبما يليها من أسماء الصفات والافعال (1)
ونسب البين (2) من (3) حقائق متعلقاتها (4) ومراتبها (5) ومواطنها (6) وتفاصيل اثارها، تعلقا
وتخلقا وتحققا (7)، وما يتعين بها من النعوت والأسماء الجزئية، ومرجع جميعها إلى أمرين:
أحدهما معرفة الارتباطين وثانيهما معرفة ما يمكن معرفته وما يتعذر.
101 - 2 فان قلت: المبادى إذا لم يعرفها الا الكمل المطلعون على الاسرار والعارفون من
وراء أستار الآثار والمسائل موقوفة عليها، فكيف يعرفها غير الطائفتين؟
102 - 2 قلنا: يأخذ كلا منها مسلمة - كما مر - من العارف المتحقق بها، أي الذي
صار مرآة لها بلا تكلف شعور، إلى أن يتبين له وجه الصواب، اما بالنظر ان تأتى للعارف
المخبر واقتضى (8) حكم حاله وذوقه ومقامه، أو بتحقق السامع وجه الحق فيه بأمر يجده في
نفسه من الحق، لا يفتقر فيه إلى سبب خارجي، كالأقيسة والمقدمات ونحوهما من
الاستدلالات والتنبيهات.
103 - 2 فان قلت: لكل علم ميزان وقانون يميز به صحيح ما يختص به من سقيمه،
كالمنطق لعلوم الانظار والنحو لعبارة الكتب والاخبار والعروض لوزن الاشعار
والموسيقى لنغم الأصوات والأوتار، فهل لعلمنا هذا مثله من القوانين؟ وقد قيل: إنه
لا يدخل تحت حكم الموازين قد
104 - 2 قلنا: ما هو أشرف العلوم من كل وجه، كيف لا يكون له هذا الشرف؟ وما قيل فيه (9)



(1) - ظاهر كلام الشيخ ان المبادى عبارة عن أمهات الأسماء، أي الأسماء الذاتية والمسائل وما عداها ما يتضح
بها، فالأسماء والصفات والافعال من المسائل لا المبادى، كما هو أيضا ظاهر كلامه في المقام الرابع من الفصل
الثاني للتمهيد الجملي فراجع - خ (2) - أي التميز - ق - التبيين - ل (3) - بيان لما في يتضح، والضمير راجع
إلى الأسماء الذاتية والصفاتية والفعلية، كالحضرات الخمسة الحاصلة من النكاحات الخمسة - ش (4) - أي
المبادى - ق (5) - قال الشيخ في تفسير الفاتحة: المرتبة عبارة عن حقيقة كل شئ لا من حيث تجردها، بل من
حيث معقولية نسبتها الجامعة بينها وبين الوجود المظهر لها والحقائق التابعة - ش (6) - وهى المحال الحسية
المراتب - كالدنيا والآخرة والبرزخ - ش (7) - تعلقا بالنسبة إلى كل موجود وتخلقا بالنسبة إلى السالكين
المهذبين وتحققا بالنسبة إلى الكاملين المتحققين - خ (8) - اقتضاه - ن - ع - ل عطف تفسير لتأتي - ق
(9) - من أنه لا يدخل تحت حكم الموازين - ش
48
معناه كثرة موازينه وسعة دائرة قوانينه، لا لأنه لا ميزان له، فقد صح عند الكمل ان له (1)
بحسب كل مرتبة نوعا مضبوطا من العلم بتعيناتها وبالاستناد (2) إلى علم اسم من الأسماء
الإلهية قدرا مخصوصا من تجلياته (3)، وبالنسبة إلى كل فرد وموطن (4) من السماويات
والأرضيات وحال من الحالات المتلونة ومقام من المقامات المتمكنة ووقت من الأوقات
المتجددة وشخص من الاشخاص المتعددة قوانين (5) مضبوطة (6) الحصول محفوظة الأصول
متمايزة الفصول، بها (7) يحصل التميز بين أنواع الفتح، أي الظهور بالكمال العلمي وغيره،
كالفتح القريب وهو الظهور بالكمالات الروحية والقلبية بعد العبور من المنازل النفسية
وهو المشار إليه بقوله تعالى: نصر من الله وفتح قريب (13 - الصف)
105 - 2 ثم الفتح المبين وهو الظهور بمقام الولاية وتجليات أنوار الأسماء الإلهية المفنية
لصفات الروح والقلب، المثبتة لكمالات السر وهو المشار إليه بقوله تعالى: انا فتحنا لك فتحا
مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر (1 و 2 - الفتح) أي من الصفات النفسية والقلبية.



(1) - أي لذلك العلم - ش - فان قلت... قلنا... لأنه لا ميزان له، بل قد صح عند الكل دون التحقيق من أهل
الله ان له بحسب كل مرتبة واسم من الأسماء الإلهية ومقام وموطن وحال ووقت كان سائلا يقول: وهل لكل
شخص أيضا ميزان؟ قال الشيخ: نعم قد وشخص (ف) (2) - قوله: وبالاستناد وقوله: وبالنسبة، معطوفان على
بحسب كل مرتبة - ش (3) - أي تجليات ذلك الاسم - ش (4) - أي المرتبة - ش (5) - اسم ان، أي ان
لذلك العلم بالنسبة إلى كل فرد وموطن وحال ومقام ووقت وشخص قوانين مضبوطة الحصول... إلى اخره - ش
(6) - صفة للقوانين وكذلك المحفوظة والتمايزة - ش (7) - أي بتلك الموازين المذكورة والقوانين المضبوطة
المتمايزة المحفوظة - ش وبه يحصل التمييز بين أنواع الفتح والعلوم الشهودية عطف على الأنواع، لا على الفتح،
لان المعطوفات وقعت بلفظ دالة على التعدد والتنوع، فافهم. وقوله (في المفتاح) والعلوم الشهودية: وهى فوق
العلم، لان العلم هو الاطلاع على الشئ لا عن شهود، بل عن يقين، ويكون مع غيبة المعلوم ومقتضيا غالبا
أعمالا قالبية واما الشهود فلا يكون الا مع بوارق نور الوجود ولوائحه التي تسفر، أي تكشف عن وجه
المعروف فيشاهد العارف وقت لمعانها ويبقى عليه المعرفة وقت خفوقها، أي غروب الأنوار، لكنه لا يكون
ثابتة - بخلاف مشاهدة المعاينة - فإنها ثابتة مستقرة، واللدنية حاصلة باطلاع المطلعات التي في الحضرة
العلمية المقتضى لمعرفة سر القدر، والصوفية سموا العلوم الحاصلة بطريق المكاشفة العلوم اللدنية، قال الامام
القشيري: ما لا يجد صاحبها سبيلا إلى جحدها ولا دليلا على غشها، والتحقيق ان القوى الحسية والخيالية
الشاغلتين إذا كانتا ضعيفتين، اما بواسطة الرياضة والمجاهدة والتزكية واما بواسطة الفطرة السليمة والاستعداد
الإلهي، قويت النفس الناطقة وأذشرقت الأنوار الإلهية والمعارف الربانية عليها، كالمرآة المجلوة في مقابلة
الشمس وحصلت العلوم اللدنية على سبيل الكمال من غير سعى وطلب بالفكر والنظر (ف)
49
106 - 2 ثم الفتح المطلق (1) وهو تجلى الذات الأحدية والاستغراق في عين الجمع بفناء
الرسوم الخلقية كلها، وهو المشار إليه بقوله تعالى: إذا جاء نصر الله والفتح (1 - النصر) وبها (2)
أيضا يتحقق الفرق بين الخواطر الأربعة، وهى ما يرد على القلب بلا تعمل للعبد، وهى
الالقاءات، أعني الخطابات والواردات (3).
107 - 2 والالقاء (4) اما صحيح أو فاسد لا ينبغي الوثوق به، والصحيح اما الهى رباني -
وهو ما يتعلق بالعلوم والمعارف - أو ملكي روحاني - وهو الباعث على الطاعة من
مفروض أو مندوب - وبالجملة كل ما فيه صلاح ويسمى الها ما، والفاسد اما نفساني -
وهو ما فيه حظ النفس واستلذاذها ويسمى هاجسا - أو شيطانى - وهو ما يدعو إلى
معصية الحق كما قال الله تعالى: الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء (268 - البقرة)
ويسمى وسواسا - فمعيار الفرق ميزان الشرع، فما فيه قربة فهو من الأولين (5)، وما فيه
كراهة شرعية فهو من الآخرين (6).
108 - 2 اما المباحات: فاما أقرب إلى مخالفة النفس وهداها: فهي من الأولين، أو إلى
موافقة النفس وهواها: فهي من الأخيرين.
109 - 2 قال الشيخ قدس سره في النفحات: الالقاء الإلهي يعقب لذة عظيمة
يستغرق جملة الانسان ويغنى أحيانا بعض أربابه عن الطعام والشراب مدة كثيرة، والالقاء



(1) - وهو أعلى الفتوحات - ق (2) - أي وبتلك القوانين يتحقق الفرق (آ) (3) - قوله: والالقاءات
والواردات... إلى آخره: اعلم أن الالقاء هو الخطاب الذي يرد على القلب من غير إقامة وهو من الواردات التي
لا تعمل فيها، بل من محض الموهبة وهو المسمى بالخاطر، واما إذا أقام فهو حديث نفس ما هو خاطرا. قال طائفة
منهم الشيخ الكبير العربي والشيخ شهاب الدين عمر السهروردي: ان الواردات أعم من الخواطر، لان الخواطر
تختص بنوع خطاب أو مطالبة، واما الواردات فتكون تارة خواطر وتكون أخرى وارد صحو وسكر وقبض
وبسط وغير ذلك. قال الشيخ الكبير العربي في فتوحاته: قد تختلف أحوال الوارد في الاتيان، فقد يرد فجأة،
كالهواجم وهى ما يرد على القلب بقوة الوقت من غير تصنع - كالبوادة - وهى أيضا ما يفجأ القلب من الغيب
على سبيل الغفلة ويوجب فجأة بسط أو قبض وغير ذلك، وقد يرد من غير فجأة بل بشعور من الوارد عليه يطلبه
استعداد المحل. قال: إن القوم اصطلحوا على أن يسموا الوارد ما ذكرناه من الخواطر المعهودة. وقوله: والتجليات
الحاصلة (في المفتاح): أي بالميزان يحصل التمييز بين التجلي الذاتي والوصفي والفعلي كما سيجئ (ف) (4) - أي
الخاطر - ق (5) - أي الإلهي والملكي - ق (6) - أي النفساني والشيطاني - ق
50
الروحاني لا يصحبه لذة لغير الالقاء، فإن كانت فالعلم الحاصل عنه أو الأثر الباقي في
المحل منه، وله طرفان: أحدهما من خارج بطريق التمثل، والاخر كما قال: نزل به الروح
الأمين على قلبك (193 - الشعراء) وفيه شده بخلاف التمثل، فان صاحبه لا ينزعج منه ولا
ينحرف له مزاجه، وان تأثر لوروده فاثر يسير. واما التنزل القلبي: فيحرف المزاج ويغيره
ويجد صاحبه شدة.
110 - 2 والقدر الذي يحصل للشخص من إلقاء الجن لا يعول عليه ولا يجوز ان يقبله الا
كامل عارف بموازين التحقيق يميز بين الصحيح والفاسد، وان ورد (1) مثل ذلك على مريد
هو تحت تربية شيخ محقق كامل، فله ان يقبل ذلك الوارد ويضبطه ولا يعتمد عليه حتى
يعرضه على الشيخ الكامل، فان أقر ذلك وصححه، اخذه واعتمد عليه بقول الشيخ لا لنفس
الالقاء، وان رده وانكره رمى به واعرض عنه، وعلامته انه يعقب شدة وحرارة وقبضا
ونحو ذلك.
111 - 2 ومن الالقاءات الملكية (2) ما هو صحيح من حيث إنه ملكي، لكن يمتزج
بحديث نفس سابق أو تأويل قد انغمر المحل به قبل الورود، أو قياس مستنبط من ذوق اخر
احتج به السالك في هذا الالقاء الملكي (3)، وهذا أيضا لا يعول عليه الا بتقرير الشيخ.
112 - 2 ومن الالقاءات ما ترد بواسطة صور متجسدة من معان أو مظاهر صفات أو
أحوال الهية أو كونية، فيخبر بأمور بحروف وأصوات وكلمات متنوعة ومعهودة أو غير
معهودة، وهذا أيضا لا يعتمد عليه الا بتقرير من الشيخ الكامل، والنص انما هو في الالقاء
الملكي في التنزل القلبي أو في التجلي الذاتي الخاص - لا العام - أو في اخبار الحق عن نفسه أو



(1) - أي القدر الذي يحصل من إلقاء الحق - ش (2) - أي هو قسم اخر غير المذكور سابقا من التنزل
القلبي - ش (3) - بل قد يشاهد السالك المرتاض نفسه وعينه الثابتة في مرآة المشاهد لصفاء عين
المشاهد، كرؤية بعض المرتاضين من العامة الرفضة بصورة الخنزير بخياله، وهذا ليس مشاهدة الرفضة كذا،
بل لصفاء مرآة الرافضي رأى المرتاض نفسه التي هي على صورة الخنزير فيها فتوهم انه
رأى الرافضي، وما رأى الا نفسه - خ
51
عما شاء برفع الوسائط ومحو خواص جميع المواد من الصور والحروف والكلمات وسائر
التمثيلات، والله المرشد. تم كلامه.
113 - 2 وبها أيضا يتحقق الفرق بين التجليات الفعلية والوصفية والذاتية يعرف
من أقسام الفتوح (1)، وبين التجلي الأول وهو تجلى ذاته لذاته في حضرة أحديته، والتجلي
الثاني وهو ظهوره في أعيان الممكنات التي هي شؤون ذاته، والتجلي الثالث الشهودي
الحاصل لدى الفتح، وهو المنقسم إلى الثلاثة (2)، الأول بما (3) قال الشيخ قدس سره في
التفسير وسننقل في أول الخاتمة: ان (4) التجلي اما حال التفرقة (5)، وهو تجلى حكم الصفة
الغالبة - وان سرى إلى سائر الصفات - واما حال (6) الجمع، فلا يخلو اما ان يتعين بحسب
الاسم الظاهر أو الاسم الباطن أو الجمع بينهما، فالأول أفاد رؤية الحق في كل شئ، فظهر
التوحيد في حسه وخياله، فلم يعرض عن شئ من الموجودات، والثاني أفاد معرفة أحدية
الوجود، فظهر التوحيد في عقله واعرض عن الوجودات الظاهرة، والثالث أفاد الفوز
بالجمع بين الحسنيين، وهذه (7) تجليات الأسماء.
114 - 2 ثم التجلي الذاتي بطهارة قلب المتجلى له عن العلائق بالكلية - حتى عن
التوجه إلى الحق باعتقاد خاص أو باسم مخصوص - وأدناه قرب الفرائض، ثم الجمع بين
القربين، ثم الفناء عنهما وعن الجمع بينهما وعن الفناء، وذلك مرتبة التمحض والتشكيك



(1) - في الفتح القريب يعلم التجلي الفعلي وفي الفتح المبين يظهر التجلي الصفتي وفي الفتح المطلق التجلي
الذاتي - ش (2) - أي الفعلي والصفتي والذاتي - ش (3) - متعلق بقوله: المنقسم - ش (4) - هو
المقول الشيخ في التفسير - ش (5) - واعنى بالتفرقة ههنا عدم خلو الباطن من الاحكام الكونية
وشوائب التعلقات، فان التجلي عند وروده عليه يتلبس بحكم الصفة الغالبة على القلب وينصبغ بحكم
الكثرة المستولية عليه كانصباغ النور العديم اللون بألوان ما يشرق عليه من الزجاج فيتكثر صفات التجلي
بحسب ما يشرق ويمر عليه ويتصل به من صفات المتجلى له وقواه - ش (6) - أي كان المتجلى له في حال
جمع متوحد مع التعري عن احكام التعلقات الكونية - ش (7) - وغير الظاهر - ش
52
ومرتبة استخلاف الحق والاستهلاك فيه عينا، والبقاء حكما، وليس بعد هذه المرتبة مرمى
لرام. كذا في التفسير
115 - 2 وهذا موضع للبسط فيه مجال، بل استيفاء ما لا نهاية له من موازين الكمال
والأكملية في مرتبة الكتب المتناهى محال، مع أن ضبطه في الجملة إلى علم السلوك انسب،
فرأينا ان إشارة ما إلى أمهات المقامات هنا إلى تشويق التحقيق أقرب.
تنبيه
116 - 2 ربما يقع الموافقة بين البيان النظري والبيان العياني الذوقي في العبارة، اما
لكونها واضحة (1) في المعنى المراد، أو لاحاطة المقام على ما يأخذ المحجوب المتوجه بفكره
والمعتنى (2) به المتوجه (3) بقلبه، وإن كان بين المأخوذين فرق، فما بالتوجه القلبي مأخوذ
كشفا دون تعمل وبمحل طاهر (4) لا شوب فيه، فيبقى الوارد على طهارته الأصلية، وما
بالتوجه الفكري مأخوذ من خلف حجاب الفكر البشرية بتعمل وبمحل غير طاهر، فيكسى
الوارد الشوب والشين.
117 - 2 فيميز الكلمة (5) الواحدة إلى كلمتين، لسعة العطاء الإلهي الذاتي أو الأسمائي
وتحقيق (6) حكم القبضتين كما قال تعالى: كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك
(20 - الاسراء) وذلك هو سبب تشتت الآراء وتشعب الأهواء بحيث لا يكاد يتطابق عليها
أهل زمان - فضلا عن أن يتصالح عليها نوع الانسان - وإليه أشير في قول أمير المؤمنين



(1) - أي عند صاحب العيان - ش (2) - بصيغة المفعول عطف على محجوب - ش (3) - بصيغة
الفاعلي في كلا الموضعين - ش (4) - متعلق بقوله: مأخوذ، عطف على دون تعمل - ش
(5) - تفريع على مجموع ما سبق، أي بحسب المحل الطاهر الغير الملون والمحل الغير الطاهر الملون ينقسم الوارد
إلى قسمين، كما قيل: لون الماء لون انائه، وفي المحل الغير الطاهر بقيد القطع واليقين - دون المحل المنصبغ - ش
(6) - عطف على قوله: سعة، أي قبضة اليمين والشمال وكلتا يديه يمين مباركة لأجل استعداد المحل، والعطاء
في كل محل قابل على حسب قابليته بمقتضى العدل ولوجوه أخرى ليس هنا مقام بيانها، تدبر - ش
53
عليه السلام: العلم نقطة كثرها جهل الجاهلين (1).
118 - 2 قال الشيخ: فمن رزق الطهارة حتى عن الاخلاص فقد منح الخلاص.
119 - 2 فأقول: وذلك بالاعراض عما لنفسه وروحه من الأغراض وعما حصل بقيود
عينه الثابتة من الاعراض ويتصور تحققه بما مر من أقسام الطهارة، ويسمى اخلاص خاصة
الخاصة وفسر بالخلاص عن رؤية الاخلاص.
الفصل الخامس
فيما افاده الكمل من ضبط كليات مهمات العلم والعمل وفيه طرق:
120 - 2 منها ما اختاره الإمام أبو حامد الغزالي في القسم الثاني من كتاب جواهر
القرآن وهو أربعون بابا، عشرة في العقائد وعشرة في العبادات الظاهرة وعشرة في الأعمال
الباطنة المسماة بالمهلكات، وعشرة في الباطنة المسماة بالمنجيات (2).



(1) - الجاهلون - ن - ع - أي العلم حقيقة واحدة تكثر بتكثرة المحال المتعددة المختلفة، فالجهل بالمعنى البسيط، أو
المراد ان الألوان المختلفة والنقوش المتشتتة التي هي المحال موجب التكثر والانصباغ ولم تبق الوارد على طهارته
الأصلية، فالجهل على هذا بالمعنى المركب، فافهم - ش (2) - استنسخ هذا الشكل من كتاب جواهر القرآن:
القسم الأول في حمل العلوم وأصولها وهى عشرة:
الأول في الذات - الثاني في التقدير - الثالث في القدرة - الرابع في العلم - الخامس في الإرادة - السادس في
السمع - السابع في الكلام - الثامن في الافعال - التاسع في اليوم الآخر - العاشر في النبوة.
القسم الثاني في الأعمال الظاهرة وهى عشرة أصول:
الأول في الصلاة - الثاني في الزكاة - الثالث في الصيام - الرابع في الحج - الخامس في القرآن - السادس
في ذكر الله تعالى في كل حال - السابع في طلب الحلال - الثامن في القيام بحقوق المسلمين - التاسع في الامر
بالمعروف والنهى عن المنكر - العاشر في اتباع السنة.
القسم الثالث في تزكية القلب عن الأخلاق المذمومة وأصولها عشرة:
الأول في شره الطعام - الثاني في شره الكلام - الثالث في الغضب - الرابع في الحسد - الخامس في البخل -
السادس في الرعونة - السابع في حب الدنيا - الثامن في الكبر - التاسع في العجب - العاشر في الرياء.
القسم الرابع في الأخلاق المحمودة وهى عشرة أصول:
الأول في التوبة - الثاني في الخوف - الثالث في الزهد - الرابع في الصبر - الخامس في الشكر - السادس في
الاخلاص والصدق - السابع في التوكل - الثامن في المحبة - التاسع في الرضاء - العاشر في ذكر الموت.
54
121 - 2 ومنها ما اختاره وهو أيضا في اخر كتاب صنفه يسمى بمنهاج العابدين، وهو
مشتمل على سبع عقبات يحصل لمن قطعها تهذيب الباطن من المردئات (1)
122 - 2 ومنها ما للشيخ رضي الله عنه في مواقع النجوم جعل فيه كل فضيلة نتيجة
التوفيق المقسوم، قال: التوفيق تفعيل من الموافقة، وهو معنى تقوم بالنفس عند كل فعل
يمنعه من المخالفة للحد المشروع له فيه، فمطلوب الانسان على الحقيقة كمال التوفيق وهو
استصحابه له في جميع أحواله، وإذا كمل فهو المعبر عنه بالعصمة، وذلك بعناية الله للعبد
قبل كونه المشار إليه بقدم الصدق في قوله تعالى: وبشر الذين آمنوا ان لهم قدم صدق عند
ربهم (2 - يونس) فهو قائد إلى كل فصيلة وباعث لطلب الاستقامة الهادي إلى سبيل
السلامة، فمن دعا لك في جميع الأحوال ما ترك لك شيئا من الخير والكمال.
123 - 2 وللتوفيق بداية ووسط وغاية: فبدايته الاسلام، يعنى الانقياد الكلى
المستجمع لمقامات التفويض والتوكل والتسليم والرضاء، ووسطه الايمان، أعني التصديق
بكل ما جاء به الرسول على مراد الله ورسوله، وغايته الاحسان على مراتبه.
124 - 2 فالاسلام يحفظ الدماء والأموال، والايمان يحفظ النفوس من ظلم الضلال
والاضلال، والاحسان يحفظ الأرواح من رؤية الأغيار والاظلال ويهبها الحياء والمراقبة
على الكمال، فيحصل بها للنفس التنعم بشهوات الجنان، وللعين لذة مشاهدة الرحمن،
وللروح التنعم بحقائق الامتنان.
125 - 2 مبدئه يفنيك عن حسك، ووسطه عن نفسك، وغايته يجود إليك بشمسك،



(1) - استنسخ هذا الشكل من كتاب منهاج العابدين: العقبة الأولى: عقبة العلم - العقبة الثانية: عقبة التوبة -
العقبة الثالثة: عقبة العوائق (الف) - العقبة الرابعة: عقبة العوارض - العقبة الخامسة: عقبة البواعث (ب) -
العقبة السادسة: عقبة القوادح (ت) - العقبة السابعة عقبة الحمد والشكر.
(الف) الدنيا والخلق والشيطان والنفس.
(ب) الرجاء والخوف.
(ت) الرياء والعجب.
55
مبدئه يعطيك الكرامات المسماة بخرق العادات، ووسطه يفيدك الفناء عن الصفات
بشهود فناء الكل في أحدية الذات، واخره يفيدك التنعم بمشاهدة الذات التي هي نهاية اللذات.
126 - 2 فلكل من المبتدى والمتوسط والمنتهى توفيق على حدة وهو هذا الشكل
الجامع لأقسام التوفيق على ما وصفه الشيخ الكبير أستاذ التحقيق، وقد عين الوظائف
الاسلامية لامام عالم الشهادة وسماها بالمواقع، والايمانية لامام عالم الجبروت والملكوت،
والاحسانية للقطب الجامع وسماها بالمطالع.
127 - 2 ثم قال: والناس في نتائج التوفيق قسمان: منهم من يحصل له على الكمال -
وهو القطب صاحب الوقت - ومنهم من ينتهى به إلى حيث قدره العليم الحكيم، والتوفيق (1)
إذا صح وذلك (2) بتحصيل العلم المشروع بالحق والخلق والشرع وطريق النجاة، انتج
الإنابة وهى الرجوع من المخالفات والمعاصي بالباطن ومن غير الحق إلى الحق، فهي علامة
صحة التوفيق.
128 - 2 ثم نتيجة (3) الإنابة وعلامتها التوبة، وهى الرجوع من المخالفات بالظاهر
بتركها في الحال والندامة على ما مضى، ثم نتيجة التوبة وعلامتها الحزن، وهو حالة إذا قامت
بالعبد اشغله عن غير الحق، ثم نتيجة الحزن الخوف عن فوات الوقت، فالحزن على ضياع
الماضي والخوف للحال والمستقبل، ونتيجة الخوف الاستيحاش عن الأغيار وما سوى
الحق تعالى، ونتائجه كثيرة - كالزهد والفرار (4) -
129 - 2 ومنها الخلوة، ونتيجة الخلوة الفكرة في حصول موجبات الوصول، والفكر
ينتج ذكر المطلوب، والذكر ينتج الحضور مع المذكور، فدوام الذكر ينتج دوام الحضور
وهو دوام المراقبة، ودوامها ينتج الحياء من الحق في ارتكاب ما لا يرضيه، وهو ينتج



(1) - مبتداء خبره جملة: انتج الإنابة - ش (2) - أي صحة التوفيق - ش (3) - مبتداء خبره التوبة، ويحتمل
منها عطف على النتيجة وكذلك قوله: نتيجة التوبة وعلامتها الحزن - ش (4) - أي إلى الله تعالى حيث قال:
ففروا إلى الله.
56
الأدب مع الله تعالى وهو حط اليدين (1): الغلو والجفاء، والأدب ينتج مراعاة الحدود الشرعية،
وهو ينتج القرب المنتج للوصال المنتج للانس مع الله تعالى المنتج للادلال والانبساط، وهو
ارسال السجية والتحاشي عن وحشة الحشمة (2)، والادلال ينتج السؤال المنتج للإجابة،
ويسمى جميع هذه المقامات المعرفة، هذا ما فيه وتتميم المقامات الكلية فيما نذكره (3).
130 - 2 ومنها ما جمعه الشيخ علم الهداية قطب العارفين محمد بن عبد الله الأنصاري
الهروي في منازل السائرين وهذه صحيفتها (4).



(1) - حفظ الحد بين - حط الحدين - ن - ع - ل - حفظ الحدين - ط - أي حفظ لحدود المعينة في الشرع والعقل
المنور مع الحق والخلق من غير زيادة فيقع في الغلو، كما فعلت النصارى في حق المسيح والنصيرية في حق أمير
المؤمنين عليهما السلام، ومثل الدقائق المذمومة في العبادات، كالوضوء والغسل والتيمم وغيرها ولا ينفع الانسان
فيقع في الجفاء، كما في التاركين للعبادات والمرتكبين للفسق والفجور المضيعين لحقوق الناس الهالكين لحرمتهم
واعراضهم - ش (2) - أي ترك الطبيعة على حالها من غير حصول الهيمان والوحشة الحاصلة في بدو الامر عند
ملاقاة المحبوب، فان في ملاقاة المعشوق وحشة وهيمانا ابتداء يرفع عند الانس - خ (3) - بصيغة المتكلم مع
الغير، أي في قوله: اعلم أن النفس الانسانية هيئة اجتماعية - إلى اخره، اعلم أن الفاضل الشارح ذكر أولا في هذا
الفصل الخامس الذي ابتدأه لإفادة ما افاده الكمل هي ضبط كليات مهمات العلم والعمل طرقا أربعة: الأولى ما
اختاره حجة الاسلام أبو حامد محمد الغزالي في القسم الثاني من كتاب جواهر القرآن، الطريقة الثانية ما اختاره
الغزالي أيضا في كتاب منهاج العابدين، والطريقة الثالثة ما اختاره الشيخ الأكبر محي الدين العربي في مواقع
النجوم، والطريقة الرابعة ما اختاره الشيخ قطب العارفين محمد بن عبد الله الأنصاري في منازل السائرين، وصور
كل واحد مما اختاره من الطرق يشكل للتسهيل والتفهيم ولكن الاشكال الثلاثة لم تكن موجودة في النسخة التي
تكون عندنا وانا أيضا لم نتكلف في تعيين الاشكال وترسيمها لاحتمال وقوع الاختلاف ولعدم الاحتياج في
فهم المرام إليها، ثم ذكر في بيان المنازل والمقامات كلاما طويلا مشتملا على التحقيق والتدقيق ومع كونه طويلا
في غاية الاختصار والاعتدال وهو مأخوذ من كلام الشيخ سعد الدين الفرغاني في شرح القصيدة بقوله: اعلم أن
النفس الانسانية - إلى اخره، جزاه الله أحسن الجزاء - ش (4) - استنسخ هذا الشكل من شرح منازل السائرين:
قسم البدايات وهو عشرة أبواب: اليقظة - التوبة - المحاسبة - الإنابة - التفكر - التذكر - الاعتصام -
الفرار - الرياضة - السماع.
قسم الأبواب وهو عشرة أبواب: الحزن - الخوف - الاشفاق - الخشوع - الاخبات - الزهد - الورع -
التبتل - الرجاء - الرغبة.
قسم المعاملات وهو عشرة أبواب: الرعاية - المراقبة - الحرمة - الاخلاص - التهذيب - الاستقامة -
التوكل - التفويض - الثقة - التسليم.
قسم الأخلاق وهو عشرة أبواب: الصبر - الرضاء - الشكر - الحياء - الصدق - الايثار - الخلق -
التواضع - الفتوة - الانبساط.
57
131 - 2 اعلم أن النفس الانسانية هيئة اجتماعية من البخار الضبابي والقوة الحيوانية
المسمى ذلك البخار بها روحا حيوانيا ومن الأثر الروحاني الذي به بائن سائر الأرواح
الحيوانية، وقد حجبت عن أصل فطرة (1) ذرتها الجسمانية المجيبة ب‍ (بلى) (172 - الأعراف)
واتينا طائعين (11 - فصلت) وكذا فطرة روحانيتها بحكم خواص التطويرات واحكام
التعويقات وغلبة احكام الطبيعة والحيوانية عليها، فغفلت عن أصل فظرتها، متوجهة إلى
حظوظها المختصة بالنشأة الحسية العاجلة، فكانت كالنائم المعرض عن المحسوسات الثابتة،
غافلا عنها، مقبلا على الخيالات الزائلة، وكان حكم هذه الغفلة شاملا حقيقة السر الإلهي
الوجودي وحقيقة الأثر الروحاني وحقيقة النفس الانسانية الحيوانية، وبحكم غلبة احكام
الكثرة على هذه الحقائق الثلاثة انحرفت اخلاقها وأوصافها اما إلى تفريط أو افراط، وخفى
لذلك اثر القلب الوحداني الاعتدال في كل منها، بل استهلك بالنسبة إلى بعض الاشخاص
استهلاك الصورة في الممسوخين. (2).
132 - 2 ثم إن بعض القلوب انجذب سره الوجودي المفاض على حقيقته واستتبع الأثر



- قسم الأصول وهو عشرة أبواب: القصد - العزم - الإرادة - الأدب - اليقين - الانس - الذكر - الفقر
- الغنى - المراد.
قسم الأودية وهو عشرة أبواب: الاحسان - العلم - الحكمة - البصيرة - الفراسة - التعظيم - الالهام -
السكينة - الطمأنينة - الهمة.
قسم الأحوال وهو عشرة أبواب: المحبة - الغيرة - الشوق - الغلق - العطش - الوجد - الدهش - الهيمان -
البرق - الذوق.
قسم الولايات وهو عشرة أبواب: اللحظ - الوقت - الصفا - السرور - السر - النفس - الغربة - الغرق -
الغيبة - التمكن.
قسم الحقائق وهو عشرة أبواب: المكاشفة - المشاهدة - المعاينة - الحياة - القبض - البسط - السكر -
الصحو - الاتصال - الانفصال.
قسم النهايات وهو عشرة أبواب: المعرفة - الفناء - البقاء - التحقيق - التلبيس - الوجود - التجريد -
التفريد - الجمع - التوحيد.
(1) - أي عن نحو وجودها المثالي الجسماني الذي يكون لها في عالم المثال المطلق المسمى بلسان الشرع بعالم الذر -
ش - فطرة ذاتها - ل (2) - بالحاء المهملة، أي الصورة التي محي اثارها، ويحتمل ان يكون بالمعجمة، أي
المسوخة التي تبدلت عن صورتها الأصلية - خ - الممسوخين - ل
58
الروحاني، والنفس الانسانية بحكم ظهور اثر، قبل من قبل - لا لعلة - ورد من رد - لا
لعلة - وبموجب جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين، وكان من الأولياء الذين
أخرجهم من الظلمات إلى النور بلا سعى وتعمل، وبعضهم ظهر له النور الايماني من باطنه
ثم رأى عينه، ومظهريه الروحاني والنفساني، مسجونين في سجن التلبس باحكام الطبيعة
واثار الحجب، فقال منبها لمظهريه عن نومة الاعراض عن الحقيقة والاستجابة للجبار:
يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار (39 - يوسف) فتنبهت
النفس الانسانية بباطنها وباطن باطنها عن نومها وأحست بنقصانها وتضييع زمانها
فقالت: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله (56 - الزمر) فأحست بحكم هذا التنبيه انه
وجب عليها ثلاثة أمور مهمة:
133 - 2 أولها الاخذ في السير عن مقار احكام عاداتها ولذاتها الفانية الطبيعية
بملازمة الامر والنهى في جميع حركاتها قولا وفعلا، وهذا متعلق بمقام الاسلام.
134 - 2 وثانيها دخول النفس من حيث باطنها في الغربة بالانفصال عن ذلك المحل
والاتصال باحكام وحدة باطنية من الأخلاق الملكية الروحانية، وذلك متعلق بمقام
الايمان.
135 - 2 وثالثها حصول النفس من حيث سرها على المشاهدة الجاذبة إلى عين
التوحيد بطريق الفناء عن احكام الحجب والقيود الطارئة بالتلبس باحكام المراتب حين
التنزل، وذلك متعلق بمقام الاحسان.
136 - 2 اما الاخذ في السير فمنقسم إلى ثلاثة أقسام، كل قسم يتضمن أمورا كلية
مسماة بالمقامات لإقامة النفس في كل منها لتحقيق ما تحت حيطتها المتناوبة (1) على النفس
المسماة أحوالا لتحولها، وذلك (2) لان للنفس ثلاثة وجوه:
137 - 2 الأول وجه توجهها بقواها التي تدبير البدن وتوطينه إلى ما فيه نفعه



(1) - قوله: المتناوبة وقوله: المسماة صفتان - ش (2) - أي الانقسام إلى الأقسام الثلاثة - ش
59
عاجلا أو آجلا على وجه جميل، أي على وفق الشريعة، فيسمى مقامات السير، وهذا
الوجه بدايات (1) فإنه بداية الاخذ في استعداد السير.
138 - 2 الثاني وجه توجهها إلى عينها بتعديل صفاتها وتسكين حدتها وثباتها،
وهذا باب دخولها من الظاهر إلى الباطن فيسمى قسم الأبواب (2).
139 - 2 الثالث وجه توجهها إلى باطنها - أعني الروح والسر الرباني - واستمدادها
منها في إزالة الحجب وقبوله المدد، ولهذا يسمى قسم المعاملات (3)، وملاك مقامات كل قسم
ثلاث، والباقي متممات.
140 - 2 فاهم قسم البدايات التوبة، وهى الرجوع من المخالفة إلى الموافقة ومن الظاهر
إلى الباطن، ويدخل فيه اليقظة والإنابة والمحاسبة.
141 - 2 وثانيه الاعتصام بحبل الله، وهو التمسك بأمره ونهيه وتأسيس أقواله وافعاله
وأحواله عن يقين على الشريعة ويدخل فيه التفكر والتذكر والسماع، فالاعتصام بالله
التوفيق لجمع أسمائه وصفاته وتعلقا في الاسلام وتخلقا في الايمان وتحققا في
الاحسان.
142 - 2 وثالثه الرياضة، وهى إزالة الشماس عن النفس بقطع مألوفاتها ومخالفة
مراداتها، وأعظم أركانها دوام الملازمة على ذكر لا إله إلا الله على العموم (4) أو ذكر اخر
لإزالة قيد حجاب معين عن تلقين مرشد ليكون اثره في إزالة ظلمة الحجب أقوى، وعن
حضور ودفع كل خاطر (5) حتى خاطر الحق، ومنع كل تفرقة وتوجه ساذج عن العقائد



(1) - قسم البدايات: اليقظة - التوبة - المحاسبة - الإنابة - التفكر - التذكر - الاعتصام - الفرار - الرياضة -
السماع. (2) - قسم الأبواب: الحزن - الخوف - الاشفاق - الخشوع - الاخبات - الزهد - الورع - التبتل -
الرجاء - الرغبة. (3) - قسم المعاملات: الرعاية - المراقبة - الحرمة - الاخلاص - التهذيب - الاستقامة -
التوكل - التفويض - الثقة - التسليم. (4) - أي لإزالة مطلق الحجاب - ش - أي ذكرا عاما في جميع حالاته من
غير أن يكون مقامه مقام هذا الذكر، فان هذا المقام لا يحصل له الا في قسم النهايات، والحاصل ان هذا الذكر في هذا
المقام ليس ذكرا للذاكر، بل وسيلة إلى إزالة الحجاب - خ (5) - أي على ما يعتقده - ش
60
على اعتقاد ما يعلم الحق نفسه بنفسه في نفسه ويعلم كل شئ وعلى ما يفهمه رسوله من ربه،
ويدخل فيها باب الفرار والمجاهدة والمكابدة.
143 - 2 ثم نقول: إذا صارت هذه الثلاثة ملكة النفس يستعد للدخول في قسم الأبواب
الذي ملاك مقاماته أيضا ثلاثة:
144 - 2 أهمها الزهد، وهو الاعراض عما هو خارج عن ذاته من الاعراض والاغراض
الظاهرة أولا، وعن الباطنة ثانيا، وعن كل ما هو غير ثالثا، ويتضمن الرجاء والرغبة والتبتل.
145 - 2 وثانيها الورع وهو الاحتراز عن كل ما فيه شوب انحراف شرعي أو شبهة
مضرة معنوية، ويتضمن القناعة، وانه (1) صورة التقوى.
146 - 2 وثالثها الحزن على ما فات من الكمالات وأسبابها، ويتضمن الخوف والحذر
والاشفاق والخشوع والاخبات.
147 - 2 ثم نقول: وبتملك ناصية هذه الثلاثة يستحق المعاملة اعطاء من حظوظها
واخذا من حقوقها.
148 - 2 فاهم مقامات المعاملة الاخلاص، وهو تصفية كل عمل قلبي أو قالبي من كل
شوب، ويتضمن التهذيب والاستقامة.
149 - 2 وثانيها المراقبة وهى دوام ملاحظة المتوجه إليه ظاهرا وباطنا، ويندرج فيه
الرعاية والحرمة.
150 - 2 وثالثها التفويض، وهو كلة الأمور كلها قبل الرجوع وبعده إلى مجريها،
علما بأنه اعلم بمصالحها وأشفق عليها وأقوى، وذلك لسبب هو التوكل، وبلا سبب هو
الثقة، وفي مقابلة مزاحمة العقل والوهم هو التسليم.
151 - 2 فإذا تحققت النفس بهذه المقامات مع المداومة على الذكر بجمع الهمم ودفع
الخواطر، يزول عنها احكام الكثرة ويظهر اثر وحدة جمعيتها، وهو القلب المختص بالنفس



(1) - أي الورع مظهر التقوى - ش
61
- لا الحقيقي - ويظهر حكم الوحدة في سمعه وبصره أيضا، فلا يرى كل ما يرى الا حسنا
جميلا ولا يسمع الا كذلك، لتجرد فعل الله الوحداني الساري في جميع الأشياء في نظره،
وهذا هو التجلي الفعلي والتوحيد الفعلي، وربما يقع للسالك ههنا ميل حبى بحكم مناسبة
فعلية ونسبة جميعة إلى بعض المظاهر الحسية الحسنة من الصور الانسانية التي هي اشمل
المظاهر حسنا وجمالا وكمالا، والتجلي الفعلي لا يكون ابدا الا في مظهر. فمن (1) هنا ابتداء
القصيدة التائية لابن فارض.
152 - 2 فنقول: إذا فنيت عن نفس السالك في هذه المقامات التسعة حجب الكثرة
وظهرت وحدتها، انتقلت عن مقام الاسلام إلى باطنه الذي هو نور حدقة الايمان.
153 - 2 ولما كانت العلاقة بينها وبين الروح والسر قوية جدا في هذه النشأة، ولكل من
الثلاثة نشأة مخصوصة به، فنشأة النفس حسية وحكمها في مرتبة الاسلام، ونشأة الروح غيبية
اضافية وحكمها مختص بباطن الايمان، ونشأة السر غيبية حقية وحكمها مختص بمقام
الاحسان، ونشأة كل واحد غربة بالنسبة إلى غيره، وكل نشأة غلب اثرها كان صاحبها مستتبعا
صاحبه، لا جرم (2) كانت النفس في مقام الاسلام مستتبعا صاحبه في رجوعها إلى مولاها.
154 - 2 فلما انتهى سيرها بظهور وحدتها، آل أمر السير إلى الروح وتحققها بحقيقة
الايمان بإزالة خفايا احكام انحرافية باقية في الروح - وان زالت عن النفس - وذلك لتأثر
المنطبع من الأثر الحاصل في المرآة، فيشرع الروح في السير لازالتها واستتبعت النفس دفعا
لتوقع الشر، والسير (3) جلبا للنفع، فوقعت النفس في غربة.
155 - 2 وهذه المرتبة الايمانية لها ركنان:
156 - 2 أحدهما قسم الأخلاق (4) التي هي بمثابة الشروط في الصلاة، وثانيهما قسم



(1) - خبر مقدم قوله: ابتداء القصيدة، ابتداء مؤخر - ش (2) - جواب لقوله: ولما كانت العلاقة - ش
(3) - عطف على النفس، تدبر - ش (4) - قسم الأخلاق: الصبر - الرضاء - الشكر - الحياء - الصدق - الايثار -
الخلق - التواضع - الفتوة - الانبساط.
62
أصول الطلب المترتب عليها الوجدان، فاعم الأخلاق حكما، الصبر الذي لا يتم شئ من
المقامات والأعمال والأخلاق والأحوال الا به، وحقيقته حبس النفس على الطاعات، ثم على
ترك رؤية الأعمال وترك الدعوى مع مطالبة الباطن ذلك، وعلى الاعراض من اظهار العلوم
والأحوال وكل ما يبدو للروح من المواجيد والاسرار، ثم حبس السر والروح عن
الاضطراب في كل ما يبدو من الالهامات والواردات والتجليات والثبات على ذلك، ثم على
مقاساة البلايا لرؤيتها، رافعة للحجب الرقيقة النورانية حتى يصير كل محنة بتلك الرؤية
منحة (1) ويصير وظيفته شكرا بعد إن كان صبرا.
157 - 2 وثانيها الشكر على نعمة التخليق أولا وعلى الهداية ثانيا وعلى التأييد في أداء
حقوق الطريق ثالثا وعلى البلوغ إلى رتبة التحقيق رابعا، ويندرج فيه الصدق والتواضع
والحياء والخلق والايثار والكرم والفتوة.
158 - 2 وثالثها الرضاء وهو وجدان نفس السالك وروحه وسره، كل (2) ما يقع في
الوجود صادرا (3) من الله تعالى، مطابقا (4) لمرادها، فلا يكره شيئا الا ما يخالف الشرع،
فيكرهه بلسان الشرع موافقة له، لا من كونه فعل الله العليم الحكيم.
159 - 2 ثم نقول: إذا تحقق السالك بهذه الأخلاق، نحت أثقاله فيسرع مجدا في سيره
كسائر حصل مقصوده بمرأى منه فيكون محققا لمقامات الأصول (5) التي بمنزلة الأركان
للصلاة، وتلك أربعة:
2 أولها القصد الصحيح في التوجه عن بصيرة وطمأنينة بحكم التجرد عن كل
ما يعوقه، فإذا قصد ربما يعتريه نوع التفات إلى اثر من اثار ما انقطع يجره (6) إلى وراء، مع



(1) - لرؤيته ان تلك البلايا نعم عظيمة ويجب الشكر على النعم - ش (2) - مفعول أول للوجدان - ش
(3) - حال عن فاعل يقع أو هو أيضا مفعول، تدبر - ش (4) - مفعول ثان - ش (5) - قسم الأصول: القصد -
العزم - الإرادة - الأدب - اليقين - الانس - الذكر - الفقر - الغنى - مقام المراد. (6) - صفة لقوله: نوع
التفات أو لقوله: اثر - ش
63
قوة باعث السير، فيحتاج إلى تقوية الباعث بقطع ذلك الأثر ويسمى عزما، وهو الأصل
الثاني، فالقصد يقويه (1) الإرادة الباعثة على الجد في السير، والعزم يقويه (2) الأدب الذي
يظهر الخوف بصورة القبض، والرجاء بصورة البسط، ويراعى التوسط بينهما، فان اجتلاء
قرب المقصد مما يوجب بسطا، يوجب اقدامه واستقبال (3) حضرة المحبوب، وهيبته (4)
يستلزم قبضا يوجب احجامه والأدب بحفظ التوسط، ولذا يقوى العزم، فإذا صح عزمه
ورقت حجب خلقيته وانقطع تلفته إلى الاحكام الكونية الموجبة للجهد والتودد،
يظهر حكم الأصل الثالث وهو اليقين من حيث رتبته الثانية التي هي عين اليقين، ومعناه
السكون بالاستغناء عن الدليل بشهود الفعل الوحداني الساري في كل شئ، وعلم اليقين
السابق معناه السكون بما غاب، بناء على قوة دليله، وهو متعلق بمرتبة الاسلام وهذا
بالايمان. واما حق اليقين: فباسفار (5) التجليات الصفاتية أولا وطلوع الشمس الذاتية في
المرتبة الاحسانية، ويدخل في هذا القسم من اليقين الانس والذكر الباطني.
161 - 2 فإذا وصل الروح إلى هنا تخلص عن جميع قيود الانحرافات وظهر تجلى
وحدة الفعل المضاف إلى ربها، وانتفت اثار المغالبة الواقعة بين رتبة السر والروح
والنفس، فيصل حكم (6) ولا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فيلقى السائر عصى
تسياره وينتهى كربة غربته وأستاره، يتداركه الآثار الحبية فينقله من مقام الكون
والبون إلى حضرة الصون والعون، فيتحقق بالفقر الذي هو الأصل الرابع، وهو
الخلو الحقيقي عن جميع احكام الغيرية - حتى عن رؤية الخلو وعن نفى تلك الرؤية أيضا -



(1) - تقوية - ط - الضمير راجع إلى القصد مفعولا والإرادة فاعل - ش (2) - تقوية - ط - الضمير راجع إلى
العزم مفعوله والأدب فاعله - ش (3) - عطف على اقدامه - ش (4) - عطف على اقدامه أو عطف على
اجتلاء اسم ان، وخبره قوله: يستلزم قبضا... إلى اخره، وهيبته عطف على استقبال... إلى اخره وضميره راجع إلى
المحبوب، أي استقبال المحبوب وهيبته يستلزم قبضا... إلى اخره أو هيبته عطف على الاجتلاء والضمير راجع إلى
قرب المقصد - ش (5) - الاسفار اضائة نور الصبح وافنائه لظلمة الليل، فاستعير هنا لاستيلاء نور التجلي
الإلهي على ظلمة رسوم الكوني - ش (6) - بإضافة لفظ حكم إلى قوله: ولا يزال - ش
64
لان اشتقاق الفقر من ارض قفراء - على القلب - (1) لانبات فيها أصلا.
162 - 2 ولما كان نسبة الفاعلية إلى الروح أقوى، لشدة ارتباطه باحكام الوجوب،
ونسبة الانفعال إلى النفس الحيوانية أشد لقوة ارتباطها بالحضرة الامكانية، وقد شاهد كل
منهما من السر تعلق ظهور كماله الخصيص (2) بالآخر (3)، فحن الروح إلى النفس حنين
الزوج الراضي إلى زوجته الموافقة وبالعكس، فامتزجا بكل ما يتضمن كل منهما من اثار
الوحدة الاعتدالية امتزاجا بطور اخر، فتولد بحكم اجتماعهما من مشيمة جمعية النفس ولد
قلب حقيقي جامع بين جميع احكامها واحكام السر - ظهور ولد بار بوالديه - وصار
هذا القلب الجامع التقى، النقي عن احكام الانحرافات، مرآة ومجلى للتجلي الوحداني الصفاتي،
فيشمل هذا التجلي جميع قواه الظاهرة، فانشق رابع ابطن سمعه وبصره ونطقه، وحينئذ
يكون السائر متخطيا جميع المراتب الكونية وداخلا في مبدأ الحضرات الحقية المسمى بمقام
الاحسان (4) وبانت له حقيقة كنت سمعه - إلى اخره.
163 - 2 ثم نقول: فعند ذلك ترقيه المحبة الإلهية من مرتبة اسم إلى مرتبة اسم اخر أعلى
منه حيطة وكلية وتسير به في وادى وصف واثر من علم وحكمة وبصيرة (5) قلبية سرية -
لا عقلية أو روحية - ووادي فراسة تفرس فيها المغيبات الشاردة عن الافهام سره (6)
بديهة - لا نظرا واستدلالا - ثم في وادى الالهام عند رجوع سره إلى حكم المظهر
وحجابيته، والالهام علم رباني وارد على القلب، منصبغ بحكم الحال الغالب حالتئذ، ثم في



(1) - أي الفاء بالقاف والقاف بالفاء، أي كون القاف مكان الفاء والفاء مكان القاف - ش (2) - صفة الكمال - ش
(3) - متعلق بالتعلق، أي تعلق ظهور الكمال المخصوص لكل منهما بالآخر، أي توقف ظهور الكمالات الخاصة
لكل منهما على الاخر - ش (4) - قسم الأودية: الاحسان - العلم - الحكمة - البصيرة - الفراسة - التعظيم -
الالهام - السكينة - الطمأنينة - الهمة. (5) - أي بصيرة قلبية يحصل من مقام السر وهو ارفع مقام للقلب، لان
القلب يترقى من مقامه بنور العقل والبصيرة، إذ حصل ما يحصل فيه بالكشف، والعقل يحصل العلم بالفكر
والروية، فإذا ترقى مقام القدس والهداية الشرعية صار بصيرة، ونهاية البصيرة مقام السر الذي يحصل ما يحصل منه
بالكشف - ش (6) - فاعل تفرس، وقوله: المغيبات مفعوله، فان الفراسة هو ابصار حكم الغيب من غير
استدلال بشاهد، كالاستدلال بالدخان على النار وبالبرق على المطر، ولا اختبار بتجربة - ش - بداهة - ل
65
وادى طمأنينة السر عقيب اضطراب حاصل من هيبة أو دهشة بين احكام جلال الغيب،
ثم في وادى سكينة واقعة عند تردد من اثر تلك الأحكام، ثم في وادى همة مثيرة (1) شدة
انتهاض إلى معالى الأمور واطلاقها.
164 - 2 ثم نقول: بعد قطع هذه الأودية يظهر (2) هذه الحقيقة الحبية الغالب حكمها
على سر هذا السائر بموجب: فإذا أحببته، في قلبه (3) وسره ونفسه وروعه، خواصها (4)
وشئونها المتفرع بعضها عن بعض، لإزالة خفايا بقايا قيود كل واحد منها بأوصاف مختصة
لا يطلع السيار عليها البتة، ولإزالة (5) عين تعينه وتقيده به أيضا، وعبر (6) عن كليات
تلك الخواص (7) بعض المحققين بقسم الأحوال (8).
165 - 2 فاولها الغيرة المقتضية إزالة الغيرية ونفض اثار الخلقية عن أذيال الحقية، ثم
الشوق الذي هو اثر الغيرة وبه هبوب قواصف قهر المحبة لشدة ميلها إلى الحاق المشتاق
بمشوقه والعاشق بمعشوقه، ثم القلق وهو ظهور اثر الشوق في المشتاق بحصول اضطراب قوى
وحركة مزعجة معنوية لرفع الحائل الذي هو عين تعينه وتميزه، ثم العطش الحاصل فيه



(1) - أي المثيرة انتهاضا شديدا فهو، أي انتهاضا، مفعول مطلق من غير لفظة والمعنى انه هم همة، متعلقة بالحق
تعالى وتتصاعد عن الأحوال ولا تتعلق بالوسائط التي هي واردات تتأثر بها نفس السالك أو تجليات نورية من
المواهب، كالشوق والوجد والبرق والذوق وأمثالها، وعن المقامات، كالتوكل والرضاء والتفويض وأمثالها،
وتستحقر الثواب وأجور الأعمال، وكذلك درجات الجنان والمنازل الرفيعة، ولا تقصد أيضا تجليات الافعال
والصفات والأسماء ولا تقف عندها، بل تجاوزها وطلب التجلي الذاتي والفناء في الأحدية، وهذه الدرجة الكاملة
التامة الأخيرة من الهمة تطلب أعلى المقام والمراتب، كما أن الدرجة الأولى من الهمة هي الاعراض عن الأمور
الزائلة الفانية الشهوانية وطلب الأمور الأخروية الباقية الثابتة، تدبر - ش (2) - وهذه الحقيقة فاعل يظهر
من باب الافعال - ش (3) - متعلق بيظهر - ش (4) - مفعول يظهر والضمير راجع إلى الحقيقة الحبية - ش
(5) - تعليل اخر لاظهار الحقيقة الحبية خواصها، وضمير تعينه وتقيده راجع إلى السائر وضمير به راجع إلى
التعين ولإزالة نفس تعين السائر وتقيده بالتعين أيضا، كما لإزالة الخفاء المذكورة في إحدى النسختين الموجودتين
عندنا، نعم قد ولإزالة تعينه وتقيده به أيضا كان سائلا يسأل انه بعد اظهار الحقيقة الجلية خواصها وشئونها، هل
تزيل نفس تعين السائر وتقيده بالتعين؟ فأجاب بقوله: نعم قد لإزالة عين تعينه... إلى اخره، فافهم واغتنم - ش
(6) - كلام مستأنف - ش - عبر - ل (7) - أي خواص الحقيقة الحبية - ش (8) - قسم الأحوال: المحبة -
الغيرة - الشوق - القلق - العطش - الوجد - الدهش - الهيمان - البرق - الذوق
66
من اثر تلك الحركة المزعجة يوجب كآبة وحرقة لا يرويه الا قطرة من سلسبيل العناية، ثم
وجدان السر (1) اثر (2) الألم والقهر من ذلك القلق بحيث يكاد (3) يفنيه ذلك عن تعينه، ثم
الهيمان الذي هو تحقيق الغيبة من اثر الوجدان، (4) ثم البرق وهو لائح اطلاق مددي مترتب
على تلك الغيبة من اثر التعين، قاهر وساتر ظلمة تلك الأثر بالكلية، ثم الذوق وهو قطرة مطرة
نازلة من ضمن ذلك البرق من الحضرة العمائية مستدعية تسكين حرقة العطش المذكور.
166 - 2 ثم نقول: فهذه أحوال مرقية سير السائر ومنقله من الحضرات النازلة الجزئية
إلى الحضرات الرفيعة الكلية مما اشتمل عليه الاسم الظاهر الذي حكمه رؤية الوحدة
الوجودية في عين الكثرة الظاهرة بالنفس، وبمقابلة إزالة القيود الجزئية يزداد سير السيارة
قوة وقدرة في مدارج نهايات الأطوار.



(1) - إضافة الوجدان إلى السر هي الإضافة إلى الظاهر - ش (2) - بالفتحات الثلاث مفعول
للوجدان، أي وجدان سر السائر اثرا نورانيا يوجب القلق والألم ويبعث الشوق إلى شدة الطلب، فان الوجد كما
حقق (خص) لهب نوري تشتعل من شهود عارض مقلق أي كشف دفعي الوجود يبدو بغتة فيقلق صاحبه.
وبعبارة أخرى: الوجد نور من أنوار الأحوال المشوق مقلق داع إلى الترقي في الأحوال والمواهب، سواء كان ذلك
الأثر اثرا صوريا حسيا - كما في الكشف الصوري المثالي - أو معنى معقولا - كما في الكشف المعنوي العقلي - أو
نورا من أنوار الذاتية الأزلية - كما في التجلي الأسمائي والذاتي - تدبر تفهم. ويمكن ان يجعل إضافة الوجدان إلى
السر هي الإضافة إلى المفعول، على أن يكون السر بفتح السين المهملة بمعنى السرة والسرور، لا بالكسر كما في
السابق، وقوله: اثر الألم - بكسر الأول وسكون الثاء المثلثة - أي وجدان السائر السرة والانبساط عقب الألم
والقهر الحاصل من ذلك القلق لأجل مشاهدته ذلك العارض النوري على التامة المذكورة سابقا، فافهم - ش
(3) - متعلق بالوجدان ثم يحصل الهيمان والغيبة لأجل الوجدان ثم يلمع البرق وهو أول ما يبدو من أنوار
التجليات من اثر التعين، فيقهر ويستر ذلك البرق ظلمة اثر التعين الامكاني بالكلية فيدعوه إلى الدخول في طريق
الولاية، فهو نور من أنوار الأحوال وداع إلى الدخول في الولايات، فالبرق مبدأ الاخذ فيها فهو أنور واجذب من
نور الوجد، لأنه - أي الوجد - داع إلى الترقي في الأحوال وشوق مقلق ومبق للوجود، لأنه باعث على الطلب
والسعي - بخلاف البرق - فإنه محرق جاذب مفن. فقوله: مترتب، خبر بعد خبر، وقوله: من اثر التعين، صلة للغيبة،
وقوله: قاهر، صفة لائح، وكذلك قوله: ساتر، أو خبر بعد خبر، والمراد من المدد الاطلاقي هو الوجود الحقاني
والفيض الانبساطي النوراني الذي به يظهر ويتحقق مقام الولاية، والبرق بدايته وأول ظهوره، فلذا قال: وهو
لائح، اطلاق مددي، تدبر وافهم واغتنم، فان فهم المرام في ذلك المقام في غاية الصعوبة، ذلك فضل الله يؤتيه من
يشاء - ش (4) - أي الفناء عن اثر الألم والقهر الحاصل في حال الوجدان، والفرق بين الوجدان والهيمان كالفرق
بين الفناء والفناء عن الفناء - خ - الوجد - ل
67
167 - 2 فسمى بعضهم هذا التقوى قسم الولاية، (1) فتلحظ السر (2) بتلك القوة عينه
بجميع كمالاته وتلحظ نهايته النسبية أو الحقيقية (3) والمحل (4) المعنوي الذي يحصل اللحظ
فيه وهو باطن الزمان المسمى بالوقت، وهو الحال المتوسط بين الماضي والمستقبل، وله
الدوام (5)، وهو (6) الذي كان جميع المعلومات فيه في الحضرة العلمية، وكل معلوم كان
حاصلا في حصة معينة منه مع توابعه وإضافة الوجود إليه أيضا متعلق فلحظ سر هذا (7)
السائر كان متعلقا (8) بوقته وبما يقتضيه وقته، وحينئذ يصفو حاله عن اكدار الأغيار (9)،
فكان اللحظ والوقت والصفاء من مقاماته (10) ويكون عند ذلك ملتبسا بالسرور (11)
بذاته ووقته وصفاته.
168 - 2 وإذا كان حاصلا في الحال الذي هو لا زمان بالنسبة إلى شهود الأغيار كان
حاله (12) السرار بحكم الوقت، فلا يطلع عليه غير الله، وإليه يشير قوله صلى الله عليه وآله
حكاية عن ربه: أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري، فيكون هذا الولي الصاحب للسر



(1) - قسم الولايات: اللحظ - الوقت - الصفا - السرور - السر - النفس - الغربة - الغرق - الغيبة - التمكن -
الولايات - ل (2) - السر فاعل لحظ، قوله: عينه، مفعوله، ويحتمل ان يكون الامر بعكس ذلك، والأول هو
الأصح، ويدل عليه قوله فيما بعد، فلحظ سر هذا السائر كان متعلقا بوقته - ش (3) - أي يلحظ السر بقوة
نور الولاية عينه الثابتة بجميع كمالاته ويلحظ نهايته النسبية التي هي الوجود الإضافي والفيض المقدس الاطلاقي
أو الحقيقة التي هي في الحضرة العلمية والواحدية، أي يلاحظ عينه الثابتة في الحضرة العلمية ويلحظ الحضرة
العلمية من حيث ترتيبها الوجودي الترتبي الذاتي التي هي روح الترتب الواقعي في عالم الدهر الذي هو روح
الترتب الزماني والتغير والتصرم الكوني في العالم المادي والامتدادي وهو وقته الذي يحصل التجلي له فيه - خ
(4) - والمراد منه هو الحضرة العلمية من جهة الترتيب الذاتي فيها تكون منشأ الزمان وباطنه - ش (5) - قوله:
وهو الحال المتوسط، أي الزمان الحال المتوسط، والضمير في قوله: وله الدوام، يمكن ان يرجع إلى الحال ويكون هذه
الجملة معترضة مفسرة للزمان - لا لروحه - وضمير هو راجع إلى روحه الذي هو الوقت، ويمكن ان يكون المراد
بالحال روح الزمان على أن يرجع الضمير إلى الوقت، وعلى هذا في اطلاق الماضي والمستقبل على الحقائق السابقة
في الحضرة العلمية واللاحقة فيها مسامحة من باب اتصاف مظهرها الذي هو الزمان بهما - خ (6) - أي الوقت،
وضمير فيه راجع إلى الموصول الذي هو الوقت - ش (7) - خبر كان - ش (8) - وهو المغلب لحكم الحال على
حكم العلم الموقع في التلوين، وكلما صفا الوقت فقط التلوين، فالوقت هو حالة استغراق العبد في الحق وتلاشيه
فيه وشاهدته الحقائق في الحضرة العلمية - ش (9) - بروح نسيم الاتصال - ش (10) - قوله: وحينئذ
يصفو، أي في هذا الوقت الذي يستغرق فيه نهاية الأطوار يصفو ويخلص عن الأغيار - خ (11) - بذهاب
خوف الانقطاع وضحك الروح - ش (12) - أي استسرار حال العبد عنه فلا يعلم ما هو فيه للطفه ودقته - ش
68
في هذه الحالة صاحب نفس واحدة ويظهر اثر نفسه في نفسه (1) بحسب حالة حجابية،
واستاره لاعدام كل صورة ترجحت حجابه وستره وبعده، وإيجاد صورة مستلزم
كشفه وتجليه وقربه، ويظهر ذلك الأثر بحسب حالة كشفه وشهوده وتجليه باحياء
القلوب الميتة كما ورد من قوله صلى الله عليه وآله: انى لأجد نفس الرحمان من قبل اليمن،
وبايجاد صورة في موضع واعدامها في اخر، وفيه قوله تعالى: انا اتيك به قبل ان يرتد إليك
طرفك (40 - النمل)
169 - 2 ومن (2) هذا حاله يكون في الغربة مع الخلق بصورته، بائن عنهم بمعناه
وسريرته، راحل عنهم إلى أوطانه، قاطن فيهم في مقر حدثانه، فيكون في مقام الغرق (الفرق)
في لجة بحر القرب في غيبة عن الاحساس (3) بالروح والنفس واللب، فيدخل باب التمكين
بحيث لا يتأثر من التلوين، وهو (4) التغير بغلبة بعض التجليات الأسمائية على البعض.
170 - 2 واعلم أن للتلوين والتمكين ثلاث مراتب:
171 - 2 الأولى من حيث التجلي الظاهري وهو تعاقب ظهور اثار الأسماء على قلب
السائر متنوعة الاحكام (5)، متميزة الأوصاف فيحجب السائر (6) كل بخصوصيته عن احكام
الاخر إلى أن يبدو بارق جمعية الاسم الظاهر ويقيم السيار في نقطة حاق وسطه الذي يكون
نسبة جميع الأسماء إليه على السواء، فتلك النقطة هي مقام التمكين الذي لا يحجب صاحبها أحد.



(1) - بفتح الفاء، وهى روح يحدث بانجلاء غمام الاستسرار (2) - لفظة من موصولة مبتداء وجملة يكون في
الغربة - إلى اخره خبره، قيل: غربة العارف هي ارتفاع حجاب العلم عنده بالتجلي الشهودي واختصاصه بأمر
لا يدركه اقرانه واكفائه، لان شهوده بحق على وجه المكاشفة، بل بالفناء في المشهود، فهو متفرد بهذه الرتبة عن
الأكفاء، والتفرد عن الأكفاء غربة - ش (3) - قوله: عن الاحساس متعلق بالغيبة، قوله: بالروح، متعلقا
بيكون في مقام الفرق، والمراد بغيبته عن الاحساس، اما غيبته عن احساس الغير ونظره وادراكه إياه من حيث
الباطن والمعنى، أو غيبة نفسه عن حاله بوجود شهوده من غير شعوره بحاله، ويحتمل ان يكون قوله: بالروح - إلى
اخره، متعلقا بالاحساس وهو الظاهر، ويؤيد ذلك ما في بعض النسخ من لفظ الغنية بالغين المعجمة والنون والياء
المثناة من تحت من الغنى - مكان الغيبة - تدبر - ش (4) - أي التلوين - ش - التلوين وهو التغير بغلبة بعض
التجليات - ل (5) - حالان لقوله: اثار الأسماء - ش (6) - السائر بالنصب، مفعول يحجب، وقوله: كل، فاعله - ش
69
172 - 2 الثانية من حيث التجلي الباطني كما قلنا في الظاهري.
173 - 2 الثالثة مرتبة الجمع والبرزخية بين الظاهر والباطن، فان احكام كل منهما
بخصوصياتها يستلزم الاحتجاب عن احكام الاخر، والسائر في البرزخ بينهما يتمكن من
الجمع بين احكامهما ويفرق بينهما، فلا يحجبه شأن عن شأن، وهذا هو مقام التمكين في
التلوين، فالذي نحن فيه هو التمكين (1) في المرتبة الأولى.
174 - 2 ثم نقول: إذا تحقق الولي بهذا المقام تبدى له قسم الحقائق، (2) وذلك بانتهاء سيره
الأولى المحبي - بعد تحققه بجميع ما يحوى عليه الاسم الظاهر من الأسماء - فيشرع في السفر
الثاني المحبوبي، لرؤية كثرة التعينات النسبية المنسوبة إلى الشؤون الباطنة التي هي مرآة
لوحدة الوجود العيني الغالب على الروح حكمها.
175 - 2 فان للوجود حكمين: أحدهما من جهة كونه مفيضا والغالب على الروح اثره،
والاخر من جهة كونه مفاضا والغالب على النفس اثره، فوحدة شعاع الوجود العيني في
النفس من كونه مفاضا، مرآة لكثرة احكام الحقائق الكونية، فكانت تلك الكثرة المنطبعة في
المرآة ظاهرة ووجه المرآة خفيا - كما هو شأن المرآة المحسوسة -
176 - 2 واما في الروح: فكثرة شؤون الوجود العلمي الباطني النسبية التي صورتها
الحقائق الكونية مرآة لوحدة الوجود العيني الظاهري، فالوحدة فيها ظاهرة وكثرة الشؤون
باطنة.
177 - 2 ففي السير الأول يرفع حجاب حجب كثرة الاحكام عن مرآة وحدة
الوجود، إلى أن يتجلى وحدة الوجود الظاهرة من عين كثرة النفس وصور العالم، ويظهر
الكمال الحاصل للوجود الواحد بتلك الكثرة نزولا.
178 - 2 وفي السير الثاني يخرق حجاب وحدة الوجود العيني الغالب اثره على الروح



(1) - أي التمكين الذي في قسم الولايات وأشرنا إليه سابقا بقولنا: فيدخل باب التمكين بحيث لا يتأثر... إلى اخره
والتمكين من حيث التجلي بالاسم الظاهر - ش (2) - قسم الحقائق: المكاشفة - المشاهدة - المعاينة - الحياة -
القبض - البسط - السكر - الصحو - الاتصال - الانفصال
70
عن مرآة كثرة الشؤون النسبية المضافة إلى الوجود العلمي الباطني، ليظهر التجلي الباطني
بخصائص تلك الكثرة النسبية، وهى العلوم الغيبية والاسرار الإلهية، وبعد فتق الروح يحصل
بين احكام حقيقته الكونية وبين احكام سره - أعني الوجود العيني المضاف - امتزاج
وفعل وانفعال - كما جرى بينه وبين النفس أولا - لكن هنا ينسب الفعل إلى السر
والانفعال إلى الروح، فيتولد من مشيمة الروح قلب قابل للتجلي الوجودي الباطني المشتمل
على الشؤون وكثرتها النسبية، مع ظهورها التي هي الصور العلمية، ليتحقق بالسير في هذه
الحضرة الباطنة بكليات الأسماء السلبية، فيدخل في مبدأ ظهور التجلي الباطني في قسم
الحقائق فيظهر عليه وبه وفيه احكام هذا القسم.
179 - 2 واعلم أن الشاهد في هذا القسم سر وجودي ظاهري، والمشهود سر وجودي
باطني (1)، بل يكون السر الظاهري مرآة للباطني والباطني باحكامه واثاره ظاهرا على
الظاهري، لكن لا يخفى عينه واثاره عليه، بل يكون كل واحد منهما مرآة للاخر، فيظهر
من بين ذلك حقيقة كل شئ وسرها - كما هو في حضرة العلم الوجوبي الأزلي بلا تغير -.
180 - 2 فأول (2) ما يبتدئ السر الباطني من وراء ستر رقيق من صفة أو حقيقة الهية



(1) - قوله: سر وجودي ظاهري: وهو عين العبد والمشهود هو الحق، ولما وصل العبد إلى مقام المحبوبية بحصول
جمعية الأسماء الظاهرة يصير سيره باسراء الحق فيسير بقدمه، فان المحبوب مجذوب، فيقع المكاشفة بين الحق والعبد
برؤية كل منهما جميع الأحكام والآثار في الاخر ويصير كل مرآة الاخر، الا ان هذا السير والاسراء يكون في
بادئ الامر من وراء حجاب العقائد والتعلقات وغلبة بعض الأسماء فيكون المشهود أسماء مقيدة الهية في مرآة
خلقي أو حقي مجرد أو مادي، كما أخبر الله تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام بقوله: فلما جن عليه الليل رأى كوكبا...
إلى اخر المراتب والتدرجات والكمالات، ثم يخلصه عن المظاهر ويسيره في الظاهر، الا انه مع تميز بين الحق والعبد
فيقع المشاهدة ثم يسيره حتى يعاين كل منهما الاخر بلا وصف وتميز، الا كون الحق ظاهرا بهوية العبد وباطنا إلى
اخر المراتب والمقامات - خ (2) - قوله: أول، مبتداء خبره قوله: من اسم الهى مقيد، وقوله: السر الباطني من وراء
مبتدئ، ويحتمل على بعد ان يكون من وراء ستر رقيق خبر للمبتدأ وبعده أيضا قوله: لسر ظاهري، وحينئذ
يكون قوله: من اسم الهى بيانا لحجاب شفاف، ويمكن ان يقال إن قوله: السر الباطني... إلى اخره خبر للمبتدأ
ولفظة ما حينئذ موصوفة بين الشئ أي أول ما يبتدئ في قسم الحقائق والسفر المحبوبي هو السر الباطني، تدبر، هذا
ما خطر بالبال حين مقابلة ذلك الموضع وتصحيحه في طبع هذا الكتاب ولم يكن مسبوقا -
71
أو كونية لسر ظاهري، ولكن من خلف حجاب شفاف من اسم الهى مقيد بحكم مختص
بوصف، ويسمى ذلك مكاشفة، لانكشاف حقيقة كل منهما بحكمه ووصفه على الاخر.
181 - 2 ثم إذا بان كل منهما للاخر بلا مظهر حقيقة (1) وصفة، لكن مع تميز يسير
علمي مدرج في كل منهما يسمى مشاهدة.
182 - 2 ثم إذا عاين كل منهما عين صاحبه بلا وصف وخصوصية - الا كون هذا
ظاهرا والاخر باطنا - يسمى معاينة.
183 - 2 وإذا تجلى كل منهما للاخر بعينه ووصفه وخصوصيته - ولكن لا يحجبه الوصف
عن العين - فهي حياة سارية فيهما، وتلك الصفة والخصوصية اما علم أو أمر جامع بينهما أو عين
وجود منصبغ جميع النسب بصبغة، فيؤمن هذه الحياة كل واحد منهما من موت الاعتدال
من الأحوال وموت الانفصال من هذا الاتصال وموت الغيلة عن أزل الآزال.
184 - 2 فإذا كانت هذه المقامات الأربع مقصورة عليه فهو في قبض، فإذا انبسطت
حتى تخطى بواسطة اخر، فهو في بسط، وفي القبض والبسط معنى اخر هو انه إذا كان مدده في
هذه الأمور من حضرة جلال الغيب واطلاقه ينطوى السائر في جلبات القبض بحيث
لا يتفرع للادراك والنظر أصلا، وإن كان في عين الجمال، فيظهر في صورة خلق (2) وسؤال،
فهو في بسطة حتى ربما يسكر من قوة الذوق فيتجاوز طوره (3) فإذا صحى تاب وذلك أعلى
مقام التوبة. ثم يتواصل بالامداد عليه فهو صلة بالممد، ثم ينفصل عن الاتصالات المنتهى
عن نوع من الانفصال. ثم ينفصل من رؤيتهما لكونهما عين الاعتلال (4)، وهذا كله من
شعب المرتبة الثانية من التلوين.



- بتدبر وتفكر وتأمل حتى ارجع إليه ثانيا للتصحيح والتنقيه لضيق المجال وعدم مساعدة الحال، والتحقيق
وتمييز الصحيح من السقيم موكول إلى نظر خلص الاخوان الشاركين في المشرب والمحتد - ش
(1) - بالجر بإضافة المظهر إليهما، أو بالنصب على التميز - ش (2) - ملق - ل (أي: تملق) (3) - لسقوط التمالك
من شدة الطرب - ش (4) - أي رؤية الاتصال والانفصال عين الاعتلال لبقاء آنيته المنافية للفناء الذاتي، وفي
بعض النسخ اعتدال من التعديل، فالضمير راجع إلى الانفصالين - ش
72
185 - 2 ثم نقول: إذا انتهى اخر هذا القسم وتحقق بمقام التمكين المختص به، تخطى حينئذ
مقام التجلي الباطني وتصدى للدخول في حضرة جمع الجمع، لتحققه بحقيقة المعرفة التي هي
الإحاطة بعينه وادراك ماله وعليه، وذلك مبدأ مقامات قسم النهايات (1)، وعند ذلك عرف
حقيقة ان عليه بقية من حقوق الفناء في الفناء الذي هو إزالة قيد التقيد بحكم أحد التجليين
الظاهري والباطني، بحيث لا يحجب كل عن الاخر.
186 - 2 فيتوجه حينئذ توجها حقيقيا إلى حضرة جمع الجمع مستمدا منها في ذلك
باستعداده، فتداركته العناية الأزلية أولا بفناء معرفته المقيدة بأحد التجليين وثانيا: بفناء
تعين كل منهما وتميزه في حضرة جمع الجمع، وثالثا: بالفناء عن شهود هذا الفناء، وذلك عند
ظهور كل من الاسمين الظاهر والباطن بكمالاتهما إلى عين التعين الثاني والبرزخية الثانية،
فيحكم البرزخية عليهما (2) بامتزاج وفعل وانفعال بينهما وبين احكامهما، فيتولد بينهما حقيقة
قلب جامع مسخر بين الحضرتين هو (3) عين البرزخية الثانية، فيطلع من مشرق هذا
القلب شمس التجلي الجمعي الذاتي الكمالي.
187 - 2 فان هذه البرزخية الثانية التي قلب هذا الكامل صورتها الحقيقية هي عين
الحضرة الكمالية وميراثها، وهى أيضا عين المرتبة الثانية من مراتب التمكين، فلم يبق عليه
اسم ولا رسم ولا إشارة تؤذن بحقيقة تميز وإضافة الا اثر خفى من حكم أحد كليات الأصول
من الأسماء، فيتمكن السائر حينئذ من التلبس بأي لباس شاء وفي أي مظهر أراد (4)،
ويتمكن من معرفة معروفه في أي صورة تجلى حقا وخلقا، وهذا هو مقام التلبيس وهو أعلى
مراتب التمكين الذي هو التمكين في التلوين.



(1) - قسم النهايات: المعرفة - الفناء - البقاء - التحقيق - التلبيس - الوجود - التجريد - التفريد - الجمع -
التوحيد. (2) - قوله: عين التعين الثاني: وهو مقام الواحدية كما أن التعين الأول مقام الأحدية، وإذا تولد القلب
في هذا المقام من حكومة البرزخية عليهما يحصل مقام البقاء وأشار بقوله: فيطلع من مشرق هذا القلب - إلى اخره
إلى مقام التحقيق - خ (3) - أي مظهرها - ش هو صورة عين - ل (4) - قوله: من الأسماء: أي من الأسماء
الذاتية التي هي مفاتيح الغيب، فإنها لا تتجلى له في هذا المقام، بل هي مختفية بمقام الخاتمية صاحب مقام أو أدنى - خ
73
188 - 2 ثم يتحقق بحقيقة الوجود الجمعي الذي به يجد المقصود في كل شئ (1) بحكم
السريان في كل معدوم وموجود، ثم يتجرد عن جميع الملابس والمظاهر فيشهد ويشاهد
بقلب غائب حاضر، وهذا أعلى مراتب التجريد، ثم يتفرد بان لا يشهد شيئا الا ذاته من
حاق البرزخية الثانية وهو أعلى مقامات التفريد وعند ذلك يتحقق بحقيقة الجمع بين نفى
التفرقة واثباتها، وذلك برؤية المجمل في تفصيله، والتفصيل في جملته في جميع المراتب الحقية
والخلقية.
189 - 2 وبهذا يصح أعلى مراتب التوحيد ويتلاشى الحدوث في القدم والعين في العلم ثم
يعود الانتهاء إلى الابتداء لاتمام الدائرة، فينصب عموم شواهد آيات للعامة أهل الشريعة،
ورسوم قواعد هدايات للخاصة أصحاب الطريقة، وهجوم عوائد عنايات لخاصة الخاصة من
أرباب الحقيقة، ليظهر عند الجمع علما وعينا وحقا وحقيقة: الامر كله لله منه ابتدائه
وإليه انتهائه وإليه يرجع الامر كله، وهو الأول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ
عليم (3 - الحديد) وهذا كله من مقامات قاب قوسين.
190 - 2 واما مقام أو أدنى المختص بسير نبينا سيد الأولين والآخرين، فان ابتداء
الشروع في السير فيه كان بعد الانتهاء إلى هنا وسره شهود كل شئ فيه معنى كل شئ،
وكيفية حصول هذا السير: ان يتحصل بين الأسماء الذاتية التي هي مفاتيح الغيب
واحكامها الوحدانية الثابتة في التجلي الأول وبين الأسماء الكلية الأصلية المتعينة في
التجلي الثاني بعد ظهور كمالاتها الاشتمالية والاختصاصية أيضا في سيرها الأول ورجوعها
بكمالاتها، اجتماع وامتزاج بحكم سراية المحبة الأصلية في كل منها ومن مظاهرها الروحانية
والنفسانية، فيحصل من ذلك الاجتماع بتأثير الذاتيات في الصفاتيات والأصليات في
الفرعيات ولد قلب تقى نقى إحدى جمعي محمدي، هو صورة عين البرزخية الأولى الأصلية،



(1) - والفرق بين هذا المقام، أي مقام الوجود ومقام التلبيس بالجمع والتفصيل، فان التلبيس من مقام التفصيل
والوجود من مقام الجمع - خ
74
ويتجلى فيه عين التجلي الأول له أحدية جمعية بين جميع الأسماء الكلية والجزئية والأصلية
والفرعية والذاتية والصفاتية بحيث (1) لا يظهر غلبة شئ منها أصلا، فكان كل اسم منها
مشتملا على الجميع - اشتمالا حقيقا في ذوقه وشهوده والنظر بعين قلبه - والإشارة إلى تلك
الأحدية الجمعية قوله تعالى: أو أدنى (9 - النجم)
191 - 2 ولما كانت المحبة الأصلية الأولية هي عين القابلية وعين حقيقة الحقائق
الأحمدية والبرزخية الأولى بين الواحدية والأحدية، لا جرم كان قبلة توجهها وتعلقها عين
المزاج الأجمل والقلب الا عدل المحمدي صلى الله عليه وآله، اللذين هما محل كمال الاستجلاء
الذاتي الاحدى الذي كان في الأول نوره، ولذا كان اسم حبيب الله من أخص أسمائه صلى
الله عليه وآله وسائر ورثة علمه ومقامه أجمعين.



(1) - أي لا يزول ولا يخفى عليه شئ منها - ش
75
(3)
التمهيد الجملي
في ذكر ما به صح ارتباط العالم بالحق والحق بالعالم مع أنه بذاته ووحدته الذاتية غنى
عن العالمين وفيه سابقة وفصلان وخاتمة:
السابقة
في أمهات أصول صحة الارتباطين وفيه فصول:
الفصل الأول
1 - 3 قال الشيخ قدس سره: أفاد الكشف الصريح ان الشئ إذا اقتضى أمرا فاما لذاته،
أي لا بشرط زائد عليه وهو المسمى غيرا - وان اشتمل على شرط أو شروط هي عين الذات
كالنسب والإضافات - أو بذلك الشرط، اما الأول فلا يزال على ذلك الامر ويدوم له
ما دامت ذاته.
2 - 3 فأقول: تأييده: ان الذات حينئذ علته التامة ولا يتخلف عنها معلولها، والا لزم

76
رجحان وجود الممكن بلا مرجح - لتساوى نسبة الأزمنة بعد التخلف إلى وجود المعلول.
وهو محال من وجوه: كانقلاب حقيقة الامكان وتعدد الواجب وحدوثه (1) إلى غير ذلك.
3 - 3 فان قلت: قد وقع في اختيار الجائع أحد الرغيفين المتساويين من كل وجه ونحوه
مما ذكروه؟
4 - 3 قلت: المرجح ثمة موجود (2) وهو الاختيار، ولا ننقل الكلام إليه، لأنه نسبة
لا وجود له فلا يستدعى مرجحا - كذا قيل - والتحقيق: ان اختياره يستند إلى اختيار الحق
الحاصل أزلا لكل شأن مع آية، والاستناد إليه لا يمنع اختيار العبد، لأنه صورته ومظهره.
5 - 3 وتأنيسه قولهم: ما بالذات لا يزول بما بالعرض، لأنه لازمه، فلو لم يدم



(1) - قوله: وتعدد وحدوثه: لا يخفى انه في صورة انقلاب حقيقة الامكان على الوجوب يلزم تعدد الواجب
وحدوثه، ولكن يمكن ان يقال بالتعدد، والحدوث إذا كان الممكن نافيا على حقيقة امكانه بان يقرر ان الممكن
حينئذ إذا وجد في الخارج فلا يمكن ان يستند إلى ممكن اخر، لان حاله كحاله - والفرض ان الواجب المفروض
أيضا لا يكفي ذاته في وجود ذلك الممكن نفرض التخلف - فلا يدل ان يستند وجوده إلى واجب آخر وذلك
الواجب الآخر إن كان ذاته علة تامة وقديما كحكمه (كحلمه) كالواجب السابق، فلا بد ان يكون ذلك الواجب
حادثا حتى يتصور حدوث ذلك المعلول، فتأمل - ش (2) - قوله: قلت: المرجح ثمة موجود: حاصله ان الكلام
انتهى في المرجح الفاعلي والعلة التامة الفاعلية وهو موجود في المثال المذكور ونحوه وهو الاختيار، والاشكال
المعروف في اختيار الجامع ونحوه انما هو من جهة عدم المرجح من غير مرجح، لا الترجح من غير مرجح، لان
المرجح محقق وهو اختيار بين الفاعل، فقول المعترض قد وقع، أي رجحان وجود الممكن بلا مرجح في اختيار
الجامع ونحوه باطل ناش من عدم الفرق بين المسألتين، واما الكلام قد أشار المجيب إلى الدفع حادث يحتاج إلى
مرجح فأعلى اخر فهو اشكال اخر يحتاج إلى نمط اخر من الكلام قد يشار المجيب إلى الدفع والجواب التحقيقي
بقوله: والتحقيق ان اختياره يستند... إلى اخره، فظهر من هذا التقرير ان نسبة الشارح هذا الجواب الضعيف
ومخالفة التحقيق بقوله: كذا قيل والتحقيق... إلى اخره، من جهة ذلك الدفع المستفاد من قول المجيب. ولا ينقل
إلى اخره لا من جهة أصل الجواب عن ايراد المورد بقوله: المرجح ثمة موجود وهو الاختيار، فافهم. وظهر فيما
ذكرنا أيضا ان مسألة الترجيح بلا مرجح غير مسألة الترجيح بلا مرجح، وان الأولى لا خلاف فيها عند القائلين
بالمبدأ بخلاف المسألة الثانية، فان جمع كثير من المتكلمين قائل بجوازها، بل نسب إلى بعض من يدعى الحكمة
والعرفان بل الشهود والعيان من المتأخرين أنه قال بوجوب الترجيح بلا مرجح، لشبهة عرضت له في ايجاد الحق
تعالى العالم، فان نسبة الوجود والعدم إلى ماهيات الممكنة متساوية وليس لأحدهما ترجيح على الاخر، فاختيار
الوجود وافاضته ترجيح من غير مرجح، ولكن بطلان مسألة الأولى مسلم عنده، مع أن الترجيح بلا مرجح
يستلزم الترجيح بلا مرجح وتحقق الامر واضح عند العارف بالقواعد الحكمة والأصول العرفانية وليس هيهنا
موقع البسط والبيان، من لم يجعل الله له نورا فما له من نور - ش
77
وانتفى، انتفى الملزوم (1) أيضا، والا فلا لزوم - كما في زوجية الأربعة وفردية الثلاثة -
6 - 3 فان قلت: اللزوم العادي لا يناسب بحث الحقائق واللزوم العقلي ممنوع، لان
اختيار الحق ينافيه؟
7 - 3 قلت: لا نسلم المنافاة، لجواز ان لا يوجده المختار بان لا يوجده ولا ملزومه،
والوجوب بعد ايجاد الملزوم وجوب بشرط الاختيار، وهو غير محذور شرعا وعقلا وتحقيقا -
كما سيجئ -
8 - 3 والتحقيق: ان كون الحق تعالى مختارا من حيث ذاته الغنية عن العالمين لا ينافي
الوجوب من حيث صفاته. من حكمته وارادته كمال الجلاء (2) والاستجلاء (3).
9 - 3 وبهذا يحصل التوفيق بين عدم التعطيل في الصفات وبين قوله تعالى: ولو شاء
لجعله ساكنا (4) (45 - الفرقان) أي ظل التكوين، وقوله صلى الله عليه وآله: كان الله ولا شئ
معه، حتى قيل: هو الان كما كان عليه.



(1) - والفرض بقائه - ش (2) - قوله: وارادته كمال الجلا: عطف على حكمته وضمير ارادته راجع إلى الحق
واضافتها إلى الضمير إضافة إلى الفاعل، وقوله: كمال الجلا: مفعول الإرادة، أي كون الحق تعالى مختارا من حيث
ذاته لا ينافي الوجوب من حيث ارادته كمال الجلاء والاستجلاء - ش (3) - قوله: والتحقيق ان كون الحق
تعالى مختارا، أقول: هذا خلاف التحقيق جدا - وان صدقه أستاذ مشايخنا العارف الجليل الميرزا هاشم قدس الله
اسرارهم - اما أولا فلان المراد من الحق من حيث ذاته الغنية إن كان مرتبة الذات من حيث هي فهي لا يتصف
بصفة أصلا - حتى الأسماء الذاتية - كما هو محقق عند أصحاب المدارج، وإن كان المراد مرتبة الأحدية فهي وان
اتصفت بالأسماء الذاتية لكن الاختيار لا يكون من الأسماء الذاتية كما هو معلوم عند أرباب المعارج، مع أن
الوجوب إن كان منافيا للاختيار، فاثباته للحق من حيث مرتبة الواحدية بل مرتبة الظهور والفيض المقدس
باطل فاسد، مع أن هذا تعطيل وايجاب باطل مختلطا، مع أن قوله صلى الله عليه وآله: كان الله ولم يكن معه شئ
لا يتوقف على هذا، فان الأشياء غير كائن مع الحق حتى في مرتبة الظهور وإن كان الحق مع كل شئ والحق ان
هذا الوجوب لا ينافي الاختيار بل يؤكده، بل الاختيار الغير الواجب ليس اختيارا عند التحقيق وليس ههنا
محل البسط والتفصيل - خ (4) - قوله: وبين قوله تعالى ولو شاء لجعله ساكنا: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل أي
ظل التكوين على المكونات، ولو شاء لجعل الظل ساكنا ولم يمده على الممكنات، فمقتضى الآية المذكورة ان الحق لو
لم يشأ ايجاد العالم لم يظهر، وكان له ان الانشاء فلا يظهر، ولا يخفى ان عدم ايجاد العالم وعدم ظهوره يلزم التعليل في
صفاته وهو محال عقلا وكشفا، فتحويز تلك المشيئة وعدم الايجاد والظهور تحويز التعطيل في الصفات، فبين
عدم تحويز التعطيل، وقوله تعالى: ولو شاء لجعله ساكنا، تناف وتناقض، ووجه التوفيق على تحقيق الشيخ في
النفحات: ان للحق نسبتين: نسبة الوحدة الصرفة ولها الغنى التام ولسانها: وانه لغنى عن العالمين، فبهذا الاعتبار -
78
10 - 3 واما تسميته تعالى: كل ممكن قبل وجوده شيئا في قوله تعالى: انما امرنا لشئ إذا



- صدر الشرطية وننظر الآية فقولهم في الايجاد الكلى للعالم كأن له ان الانشاء فلا يظهر باعتبار ذاته الأحدية
الغيبية عن العالمين ونسبتها إلى الطرفين على السواء، ونسبة التعلق بالعالم وتعلق العالم به من كونه إليها لا من حيث
ذاته الصرف، وبهذا الاعتبار يجب وجود العالم وعدمه ممتنع، لأنه إحدى الصفات وامر واحد وعلمه بنفسه
وبالأشياء علم واحد ولا يمكن غير ما هو المعلوم المراد في نفسه تعالى، القدرة تتعلق بما عينته الإرادة والإرادة تتبع
العلم وعلمه بالأشياء على ما هي عليه بحسب الواقع لا اختلاف فيه ولا يعتبر ولا يصح ولا به تردد ولا امكان
حكمين مختلفين، فالمشيئة والاختيار إحدى التعلق ولا يجوز تعلقها بالطرفين - للزوم التناقض وتحويزه -
فالواقع واجب وما عداه مستحمل الوجود لأحدية امره الكامل وحزم علمه الشامل، فالحق تعالى من حيث
صفاته وأسمائه وحكمته وعلمه بالأصلح هو الأحسن، وارادته كمال الجلاء والاستجلاء بحيث منه صدور العالم
ولا يزلم التعطيل في الصفات، فعدم ذلك بحسب تلك المرتبة فيرتفع التنافي، فالاختيار الثابت للحق تعالى ليس
على نحو الاختيار المتصور للخلق من التردد الواقع بين أمرين كل منهما ممكن الوقوع عند المختار، ثم يترجح عنده
أحد الامرين لمزيد فائدة أو مصلحة، فان هذا محال في حقه، فالأشياء جميعها مرتسمة في عرصة علمه تعالى أزلا
متعينة بصور خاصة مترتبة ترتيبا أزليا ذاتيا لا أكمل منه في نفس الامر، فصدر منه سبحانه على ذلك الوجه
الأحسن الأكمل، فبالايجاد يظهر الأولى من كل أمرين، فتوهم امكان وجود كل منهما انما هو بالنسبة إلى المتوهم
الذي يصدق في حقه الاتصاف بالتردد والترجح، واما في الواقع ونفس الامر فبالترتيب الثابت للمعلومات أزلا
من دون جعل على الوجه الأتم نفع في الخارج، فالقدرة أبرزت الأشياء بموجب الشهود العلمي الأزلي، فظهر هنا
على ما كان عليه هناك، فإذا كان ذلك الترتيب الوجودي على الوجه الأحسن الأكمل بحيث لا أكمل وأتم منه،
فصدوره منه على سبيل الوجوب والجزم، فالواقع واجب وغير الواقع مستحيل الموجود، وان حكم المحجوب
بامكانه فالاختيار المضاف إلى الحق ليس فيه امكان ولا تردد، بل الأولى من كل الأمور يصدر من الحق دون
روية ولا تردد ولا قصد ولا ترجيح مقرون بالامكان في مقتضى الحكمة والكمال الأسمائي بحسب صدور العالم
ووجوده، فذلك الوجوب لا يحبله مجبورا وموجبا - بفتح الجيم - وليس فيه بعد، فمن الجائز، والموجب نظيره بوجه
ثابت في اختيار الخلق بعد الظهور المنفعة والتصديق بها وتحقق العزم والجزم بسر حد الكمال والتمام، فإنه حينئذ
بحسب صدور الفعل ويمتنع عدمه ولا يكون الفاعل حينئذ مجبور أو مضطر أو يصدق على ذلك الفعل الوجوبي
واللزومي على سبيل الاختيار، مع أنه لا يمكن وقوع ما هو خلاف المعلوم المصدق المجزوم في نفس الامر، فحال
الواجب تعالى من وجه في أول الأمر وبحسب ذاته كحال العازم الجازم ومن حيث ذاته فعلى فعليته ووحدته
الصرفة في نسبته إلى الصدور ولا صدور كحال الخلق قبل التصور والتصديق والعزم والجزم في نسبته إلى صدور
ذلك الفعل وعدمه من جهة تساوى النسبة إليهما، وصدق الشرطية في الاعتبار الثاني دون الأول.
فان قلت: ان صدق الشرطية لا تقتضى صدق المقدم أو انكاره، بل تصدق في صورة امتناع المقدم
فلا ينافيه قاعدة الايجاب، فالشرطية المذكورة، أي ان لم يشأ لم يفعل، أو لم يقع تصدق على الاعتبار الأول الذي
بحسب المشيئة ويمتنع عدمها كما فصلنا، فلا يصح ما ذكرت من صدق الشرطية في الاعتبار الثاني دون الأول.
قلت: نعم ولكن كلامنا ههنا على مشرب ومذاق اخر غير ذلك المشرب المعروف، بل يمكن ان يقال إن
ذلك جواب جدلي وما ذكرنا هو الجواب الحقيقي لأنه يستفاد من كلامهم صحة استناد عدم المشيئة وجوازه إلى
الحق تعالى حيث قالوا: كان له تعالى ان الانشاء فلا يظهر، فعلى هذا والتحقيق ما فصلنا، واما الاختيار الترديدي
الذي للعباد في الجزئيات، فيمكن اضافته إلى الحق تعالى، ولكن لا مطلقا ومن حيث ذاته، بل من حيث تجلى -
79
أردناه ان نقول له كن فيكون (40 - النحل) فلا تقتضى الوجود، بل الثبوت في علم الله
المصحح للخطاب معه، وهو نوع من الوجود لكن بالنسبة إلى العالم، لا بالنسبة إلى ذلك
الشئ في نفسه - كذا حققه الشيخ في النفحات. والحق ان المستحيل داخل في دائرة هذا
الثبوت، فضلا عن المعدومات الممكنة دون الوجود (1) في نفسه، فليس هذا ما يقوله المعتزلة
بان الممكنات المعدومة ثابتة في أنفسها من غير الوجود، فإنه باطل قطعا، إذ لا واسطة بين
الوجود والعدم (2)، تفريعه: ان أول مخلوق حيث لا واسطة بينه وبين خالقه يدوم بدوامه هو
القلم الاعلى.
11 - 3 قال الشيخ قدس سره في النفحات: حقيقة القلم الاعلى المسمى بالعقل الأول
عبارة عن المعنى الجامع لمعاني التعينات الامكانية التي قصد الحق افرازها من بين الممكنات
الغير المتناهية، ونقشها على ظاهر صفحة النور الوجودي بالحركة الغيبية الإرادية وبموجب
الحكم العلمي الذاتي.
12 - 3 واما الثاني وهو المقتضى بشرط زائد، فيدوم بحسب دوام الشرط، سواء كان ذلك
الشرط واحدا - كما أن طبيعة (3) كل عنصر تقتضى الحركة إلى المركز بشرط خروجه عنه



- فيه وليس هنا موقع تحقيقه وتفصيله وبسطه وسيأتى الكلام في ذلك، فظهر مما ذكر وجه استناد الاختيارات
الثلاثة إلى الحق تعالى، أحدها من حيث ذاته العينية ووحدته الصرفة، وثانيها من حيث مرتبة الإلهية ومن حيث
الأسماء والصفات ومقتضى الكمال الأسمائي، وثالثها من حيث التجلي في المهالك المملكة الغير المحولة ونسبتها إلى
نوره الوجودي. وانما أطنبت الكلام في المقام لكونه من مزالق العقول والأوهام ومحل اختلاف الأفاضل العظام،
والتوفيق من الموفق العلام. - ش
(1) - أي الوجود في نفسه غير داخل في دائرة الثبوت العلمي والحضرة العلم، إذ المراد ان المستحيل غير داخل في
دائرة الوجود في نفسه، بل هو داخل في دائرة الثبوت العلمي فقط، وله صورة علمية وعين ثابتة ولكن يمتنع
وجوده في الخارج لأجل كونه من لوازم الاسم الباطن وصورته هاربا عن الظاهر، فليس المراد من المستحيل ما هو
باطل الذات غير منفرد الحقيقة والماهية، كشريك البارئ واجتماع النقيضين ولظاهرهما ليس صورة علمية
مستقلة، تدبر - ش (2) - هذا التعليل عليل، فان القول بثبوت الماهيات غير القول بالواسطة بين الوجود
والعدم التي يعبرون عنها بالحال، والجواب عن قولهم هو ما ذكره الحكماء من أن ما ليس موجودا يكون ليسا صرفا
إلى غير ذلك - خ (3) - أي طبيعة كل عنصر مع اقتضائه الحركة إلى مركزه المعين لأجل اقتضائه الشرط
الخروج عنه، فليس المراد من المركز مركز العالم والأرض حتى يقال: إن هذا غير صحيح، لان من المعلوم عدم
اقتضاء كل عنصر ذلك المركز، فالصواب ان يقال إلى حيزه، تدبر - ش
80
والسكون بشرط كونه فيه، فان شيئا من الحركة والسكون لا يدوم الا بحسب شرطه - أو
كان الشرط أكثر من واحد، فان الجمعية التركيبية المزاجية الانسانية شرط (1) خواصها
المترتبة (2) عليها، سواء كان ذلك الشرط أمرا وجوديا ثبوتيا - كما مر - أو نسبة سلبية
عدمية - كمحاذاة (3) الشمس لحصول الضوء في الجدار وخلو الفضاء لنفوذ الجسم المتحرك -
أو كان هيئة متعقلة الاجتماع منهما (4) في الذهن - كالجمعية التركيبية المذكورة من
العناصر والنسبة المخصوصية بينها وبين القوى الحيوانية ونسبها، أو كان حكمه موقتا متناهيا -
كالنشأة الدنيوية أو البرزخية أو الحشرية أو الجهنمية لبعض - أو غير موقت وغير متناه -
كالنشأة الجنانية وما بعدها.
13 - 3 تأييده: انه لولا دوامه حسب دوام الشرط، فاما ان يدوم بلا دوامه فيوجد
بدونه، فلا يكون شرطا، واما ان لا يدوم مع دوامه، والفرض ان الاقتضاء بعد المقتضى
لا يتوقف الا عليه، فيلزم محذور القسم السابق من انتفاء اللازم مع بقاء ملزومه.
14 - 3 فان قلت: الشئ من حيث هو هو ان اقتضى أمرا - كالظهور المعين - يكون
محتاجا إليه بذاته، فلا يوجد بدونه، وان لم يقتض يكون مستغنيا بذاته فلا يجامعه أصلا، لان
ما بالذات لا يزول.
15 - 3 قلت: هذه نكتة ذكرها الرئيس ابن سينا (5) في الإشارات في تعدية ثبوت
الهيولي من العنصريات إلى الفلكيات وفي كل من شقيها غلط.



(1) - خبر، لان الضمير راجع إلى الجمعية - ش (2) - صفة الخواص وضمير عليها يرجع إلى الجمعية - ش
(3) - في كون المحاذاة سلبية محل خدشة، الا ان يراد بالسلبية انها غير موجودة، ويشعر بذلك لفظ العدمية - ش
(4) - أي من الامر الثبوتي والنسبة السلبية العدمية - ش (5) - قوله: هذه نكتة ذكرها الرئيس ابن سينا: قد
كتب مولانا واستاذنا، محتد المعارف صدر الحكماء المتألهين وحيد دهره وزمانه، آقا محمد رضا الأصفهاني طاب
ثراه هذا، حاشية مشتملة على التحقيق والتدقيق، نقلته بعبارته الشريفة تيمنا وتبركا وهى هذه - فيه نظر -: لان
الشيخ أثبت في الإشارات للمتصل بذاته الذي هو الصورة الجسمية قابلا يقبله ويحل ذلك المقبول فيه، وظاهر ان
الحال يحتاج إلى المحل، فثبت احتياج المتصل بذاته في ذاته إلى المحل الذي هو الهيولي، وظاهر ان الاحتياج إلى شئ
في أن يقوم فيه ذاته يتوقف عليه ذاته الموقوف على الشئ في ذاته لا يتحقق ذاته بدون ذلك الشئ، فكلما تحقق ذاته
تحقق ذلك الشئ، ولما تحقق المتصل بذاته في الفلكيات تحقق للهيولي فيها، فبالافتقار الذاتي للمتصل بذاته -
81
16 - 3 اما في الأول: فلان الاقتضاء لا يقتضى الاحتياج، والا لكان كل علة موجبة



- أثبت الهيولي في الفلكيات، وأين هذا من الاقتضاء؟ فان الاقتضاء الذاتي تساوق توقف ذات الشئ لما يفتقر
إليه، واقتضاء الشئ للشئ ايجابه لذلك الشئ مقدم عليه وما يوجبه الشئ متأخر عنه، فان سومح وسمى
الاحتياج والتوقف بالاقتضاء فلا بأس به، لكن لا ينتقض حينئذ باقتضائه العلية للمعلوم والملزوم للازم
وعدم احتياجهما إليهما، لان اقتضائهما للمعلول واللازم بمعنى ايجابهما لهما لا توقفهما عليهما، وفيما نحن فيه
الاقتضاء بمعنى التوقف، وأيضا ما يقال في المقدمة الثانية من أنه ان لم يقتض يكون مستغنيا، لا يقول به الشيخ
الرئيس وليس في كلامه اقتضاء أصلا، بل يلزم من كلامه انه لو لم يكن محتاجا لكان مستغنيا، لكن لما علم أنه
غير مستغن لم يكن مستغنيا، وأيضا ليس في كلام الشيخ ما يدل على أنه لو كان مستغنيا لكان لا يجامعه
ولا يلزم من كون الشئ مستغنيا عن الشئ بذاته عدم مجامعته له وانما يلزم منه الاستغناء، لكان الافتراق
والاجتماع، ونحن ننقل كلام الشيخ بعين عبارته ليتفتح الحال.
قال في الإشارات: إشارة: قد علمت أن للجسم مقدارا ثخينا متصلا وانه قد يعرض له انفصال وانفكاك
وتعلم أن المتصل بذاته غير القابل للاتصال والانفصال قبولا يكون هو بعينه الموصوف بالامرين، فاذن قوة
هذا القبول غير وجود المقبول بالفعل وغير هيأته وصورته، وتلك القوة لغير ما هو ذات المتصل بذاته الذي عند
الانفصال يعدم ويوجد غيره وعند عود الاتصال يعود مثله متجددا - وهم وتنبيه - ولعلك تقول: ان هذا ان
لزم فإنما يلزم فيما يقبل الفلك والتفصيل وليس كل جسم فيما احسب كذلك، فان خطر هذا ببالك فاعلم أن
طبيعة الامتداد الجسماني في نفسها واحدة وما لها من الغنى عن القابل أو الحاجة إليه متشابه، وإذا عرف في
بعض أحوالها حاجتها إلى ما تقوم فيه عرف ان طبيعتها غير مستغنية عما تقوم فيه، ولو كانت طبيعتها طبيعة
ما يقوم بذاته فحيث كان لها ذات، كان لها تلك الطبيعة، لأنها طبيعة نوعية محصلة تختلف بالخارجات عنها
دون الفصول. انتهى عبارته.
فان التفت إلى ما ذكرته من البيان وأمعنت النظر في كلامه قدس سره ظهر ان فحوى كلامه غير
ما ذكره وأيضا تعليل الاستغناء لعدم المجامعة بان بالذات لا يزول عليل (عليك) فإنه يمكن ان يكون الاستغناء
الذاتي عن الشئ ثابتا للشئ ويجامع ذلك الشئ مع ما يستغنى عنه باعتبار غير نفس ذاته، وأيضا قوله: واما
الثاني فلان عدم الاقتضاء الذاتي لا يستلزم الاستغناء الذاتي إن كان بمعنى الحاجة، لا خفاء في أن عدمه يستلزم
الاستغناء الذاتي، بل عدمه نفس الاستغناء، وإن كان بمعنى ايجاب الشئ للشئ، فعدم الايجاب الذاتي يستلزم
الاستغناء الذاتي، وأيضا قوله: فلعل كلا منهما بسبب خارجي خارج عن الفرض، لان الكلام في الذاتي
والسبب الخارجي خارج عن الفرض، وكذلك قوله: إذا كان الاقتضاء بشرط خارجي خارج عن الفرض،
قوله: كما قلنا إشارة إلى قوله: فلان الاقتضاء يقتضى الاحتياج -.
هذا ما كتبه الأستاذ في هذا المقام في غاية التحقيق ولكني أقول توضيحا للمقصود ما ذكره الشارح
المحقق بقوله: فان قلت: الشئ ان اقتضى أمرا كالظهور المعين... إلى اخره، ونسبه إلى الشيخ الرئيس بقوله: هذه
نكتة ذكرها الرئيس ابن سينا، فيمكن تقريره على وجه يكون مطابقا لما قرره الشيخ في الإشارات ولا يرد
عليه اعتراض الشارح ولا ما اعترضه الأستاذ، ولكن يحتاج إلى تقديم مقدمة تبنى عليها ذلك الطريق الذي
ذكره الشيخ في الإشارات في تقدير ثبوت الهيولي من العنصريات إلى الفلكيات أي في افتقار الأجسام من
حيث جسميتها إلى الهيولي وهى ان كل ماهية واحدة نحو وجوده الذاتي لا يكون متفاوتا فلا يجوز ان يكون
نحو وجود الماهية المختص بها من حيث هي هي مختلفا بحسب اختلاف الخارجة عنها وعن مقوماتها، -
82
محتاجا إلى معلولها، وكل موصوف ملزوم محتاجا إلى صفة لازمة، وفيه دور.



- مثلا ماهية الجوهرية بما هو جوهر نحو وجودها هو القيام بذاتها والاستغناء عن الموضوع، ونحو وجود العرض
بما هو عرض هو الافتقار في الموضوع ولا يصح ان ينقلب نحو وجود ماهية جوهر من الاستغناء إلى الافتقار
والماهية هي ماهية الجوهرية، وكذا في ماهية العرض، واما وجوداتها الإضافية والنسبية فيمكن ان يكون مختلفة
باختلاف الخارجات، مثلا الافتقار إلى الاكل انما يعرض للانسان لا لأجل بقاء الانسانية بل بسبب الحرارة
المحلية للمواد وقد يزول بزوالها، وكذا الاستغناء عن اللباس بالذات لا ينافي عروض الافتقار إليه بسبب برد
مفرط، لان كون الانسان آكلا ولا بسا ليس نحو وجوه المختص به، وكذا نظائرها من الموجودات الإضافية
والنسبية، ولأجل ما ذكرنا، أي عدم مراعاة الفرق بين الموجودين اشتبه الامر فقيل بامكان الواسطة بين الغنى
الذاتي أو جواز عروض الافتقار لعلة كما سيأتي، وإلى تلك المقدمة المذكورة بقوله: لأنها طبيعة نوعية يختلف
بالخارجات دون الفصول. انتهى، فتدبر.
وبعد تمهيد تلك المقدمة فنقول: اما تقرير كلام الشيخ في الإشارات على ما أشار إليه الشارح المحقق بقوله:
فان قلت: الشئ ان اقتضى أمرا... إلى اخره: فهو ان الطبيعة الامتدادية الجسمانية اما ان يكون بذاتها ومن حيث
هي مجردة عن الخصوصيات غنية عن الهيولي أو لم يكن، فإن لم يكن غنية بالذات فتكون مفتقرة لذاتها فيلزم
حلولها في المحل أينما تحققت، سواء كانت في العنصريات أو في الفلكيات، أي في الأجسام القابلة للانفصال
الخارجي أو غيرها، وإن كانت غنية بذاتها فاستحال حلولها في المحل أينما تحققت، لان الحلول في المحل عين الافتقار
إليه ونحو وجود الحال والغنى عنه إذا كان ذاتيا استحال زواله ولو بالغير، لان ما بالذات لا يزول ولا يزال،
فاستحال حلولها في المحل، ولكن الحلول ثابت في بعض الأجسام وهو ينافي كون الفناء ذاتيا للجسم من حيث
الجسمية، كما صرح الشيخ بقوله: وإذا عرف في بعض أحوالها حاجتها إلى ما تقوم فيه عرف ان طبيعتها غير
مستغنية عما تقوم فيه، ولو كانت طبيعتها طبيعة ما تقوم بذاتها فحيث كان لها ذات كانت لها تلك الطبيعة. انتهى
قوله: فحيث كانت لها ذات، إشارة إلى التعليل المذكور، أي ان ما بالذات لا يزول، قوله: كانت لها تلك الطبيعة،
أي الطبيعة القائمة بذاتها وغير حالة في المحل، بمعنى ان الطبيعة الحسية إذا كانت في حد ذاتها مستغنية القوام عن المحل
فحيث وجدت وجدت بلا محل، لان ذاتها تلك الذات وما كان بحسب ذاته لتحصل القوام بلا تعلق لغيره كان
ذلك نحو وجوده الذاتي، والذاتي لا يختلف ولا يتخلف، فإذا وجدت فلا يجامع المحل ولكنها جمعت في بعض
أحوالها، أي في الأجسام العنصرية، فعلم أنها لم يكن مستغنية، إذا عرفت ما ذكرنا علمت أن ما ذكره الأستاذ بقوله:
وأيضا ليس في كلام الشيخ ما يدل على أنه لو كان مستغنيا لكان لا يجامعه محل نظر وتأمل، وكذا ما ذكره الأستاذ
بقوله، وأيضا قوله: ولا يلزم كون الشئ مستغنيا عدم مجامعته، وكذا قوله: وأيضا تعليل الاستغناء بعدم المجامعة
بان ما بالذات لا يزول عليل، لأنه يمكن ان يكون استغناء الشئ عن الشئ ثابتا للشئ ويجامع ذلك الشئ مع
ما يستغنى عنه باعتبار غير نفس ذاته، انتهى محل نظر، وخدشه ناش من عدم رعاية تلك المقدمة المذكورة وعدم
مراعاة الفرق بين الموجودين، أي الذاتي والنسبي العرضي كأنه قد فرض المحال الحلول في المحل أمرا عرضي
للطبيعة، نظير الاكل واللبس اللذين ذكرناهما بأنهما قد يجتمعان مع الانسان ويفرقان لعلة خارجة وليس الامر
كذلك، لان الحلول عبارة عن نحو وجود الحال، وإذا كان نحو وجود الذاتي للماهية افتقاريا ناعتيا فلا يمكن تحققها
ووجودها قائما بذاتهما، وكذلك إذا كان نحو وجود الذاتي للماهية قائما بذاته بلا تعلق بغيره، فلا يمكن ان يوجد مع
الغير ويجامع المحل، والا لزم الانقلاب، فعروض الافتقار إلى المحل بعد ان لم يكن بسبب أمر اخر، وكذا -
83
17 - 3 واما الثاني: فلان عدم الاقتضار الذاتي لا يستلزم الاستغناء الذاتي، فلعل كلا
منهما بسبب خارجي أو كان الاقتضاء بشرط خارجي - كما قلنا - والا ورد في كل
عارض، وانما فرعنا هذا التفصيل على الاقتضاء وقيدنا في شرط الهيئة الاجتماعية بالذهنية -
احترازا عن مثل توقف احداث الهيئة السريرية على آلات حيث لا يدوم حسب دوامها -
لان التأثير ثمة ليس بالاقتضاء، بل بالصنع، وهو معد للمصنوع، باصطلاحهم أيضا لا علة
له ولا يشترط لدوام المعلول دوام معده، فضلا عن دوام شرط المعد.
18 - 3 ويمكن ان يقال: الهيئة الجمعية من الصنع وآلاته معتبرة شرطا واحدا لأول
حدوث المصنوع، فما دام يوجد هذا المجموع - وذلك عند تمام الصنع - يوجد الحدوث، وبعد
التمام لم يبق الصنع، فلم يبق أول الحدوث، ثم بقاء المصنوع ليس مشروطا بشئ منهما.
19 - 3 تأنيسه: قولهم: ان وجود المشروط لازم مساو لاخر الشروط، إذ به
يحصل تمام العلة ولا يتخلف عنه، كما لا يتقدم عليه.



- عروض الاستغناء عنه بعد الافتقار إليه، لان نحو وجود الذاتي لا يختلف ولا يتخلف، فقول الشارح
المحقق أيضا، ولعل كل منهما بسبب خارجي غير صحيح وقد خبط خبطا فاحشا ناشئا من عدم الفرق بين
وجود الذاتي والعرضي، نعم قد يمكن ان يكون الشئ غنيا عن شئ من حيث الذات ثم عرض له الافتقار
بسبب اخر، إن كان السبب واسطة في العروض فلا امتناع حينئذ، لان المحتاج بالذات هو الواسطة وهذا
لا ينافي كون ذي الواسطة غنيا بالذات - كما في افتقار الطبيعة إلى المحل المعين بواسطة خصوصية الفرد -
وكلامنا في الامتناع فيما إذا كان السبب واسطة في ثبوت الافتقار، وسره: ان تعيين المحل وخصوصيته
خارج عن نحو وجود الذاتي للطبيعة، قد يجتمع معه وقد يفرق، كما أن نفس الافراد عندهم أيضا من
عوارض الطبيعة ولا يختلف نحو وجود الذاتي للطبيعة، معد تبدل خصوصية المحل وخصوصية الفرد.
وبالجملة لا فرق بين المحل المعين والمحل المطلق في امتناع ثبوت الافتقار للطبيعة بسبب أمر اخر بعد
فرض كون الطبيعة مستغنية بالذات عنهما، كما أنه لا فرق بين المحل المعين والمطلق في جواز عروض الافتقار
للطبيعة إليهما - بعد ان لم يكن بسبب أمر اخر - إذا كان السبب واسطة في العروض وجهة الفرق بين
الواسطة في الثبوت وبين الواسطة في العروض بالامتناع والجواز هو تغيير الوجود الذاتي للطبيعة في الأول
وعدم تغيير الوجود الذاتي في الثاني. فتدبر. ومما ذكرنا يندفع الايراد المشهور على هذا البرهان بأنه كما جاز
ان لا يكون افتقار الطبيعة إلى المحل الواحد لذاتها ثم يحصل الافتقار لأجل خصوصية وسبب، فليجز مثل
ذلك بالقياس إلى المحل مطلقا، فتأمل - ش.
84
20 - 3 تفريعة: المخلوق الذي لا يتوقف الا على ما بدوام الحق، يدوم (1) بدوامها،
كالأرواح العالية المسماة بالعقول وكاللوح المحفوظ المسمى بالنفس الكلية، وبالجملة
ما لا يتوسط بينه وبين خالقه الأمور الحادثة كالحركات.
21 - 3 يناسبه (2) ما ذكره الشيخ قدس سره في الفك الشيثى: ان بعض الموجودات من
الملائكة والاناسي لا يصعقون بنفخ الصور لكمال استعدادهم القابل للفيض الذاتي على
سبيل الاستمرار، ولمن (3) هذا شأنه (4) الرفعة عن مقام النفخ الاسرافيلي، فان النفخ لا يؤثر فيمن علا عنه، بل
فيمن نزل عن درجته.
تحقيق شريف
22 - 3 قال الشيخ قدس سره في الرسالة الهادية: أقول: المشهود المحقق انه ما من
موجود من الموجودات الا وارتباطه بالحق من جهتين: جهة سلسلة الترتيب التي أولها العقل



(1) - خبر لقوله: المخلوق - ش (2) - مر ذلك التفريع - ش (3) - لفظ من موصولة - ش
(4) - أي عدم الصعق بنفخ الصور - ش
1 - ان المخلوق - ل 2 - تنبيه شريف - ل قوله تحقيق شريف ثم نقول قد مر فمن كان وجوده عين ذاته
لزم ان يكون كماله التابع لوجوده بنفسه اما كماله الذاتي فظاهر واما الأسمائي فلانه بنفسه فلانه لازم
للازم الأول لأول اللازم الذي لا يغاير الذات لام مغايرة نسبيه وهو العلم الذي يلزمه... إلى اخره " ف ".
قوله قلنا لا حجاب الا الجهل واما لفرط عزته وعلوه كما لا يدرك البصر وسط قرص الشمس في غاية
نورها بل بتخيل فيه سواد أو ظلمة أقول ليس عدم الادراك في المثل المذكور لسبب العلو بل بسبب
الظهور التام لان شأن البصر عدم ادراك ما في طرفي الافراط والتفريط من الخفاء التام والظهور التام اللهم
الا ان يريد بالعزة القوة والغلبة بالظهور التام (ف).
قوله ثم نقول تلك العناية فسرها القاشاني في رسالة القضاء والقدر أعني العناية الأزلية بمجموعها
وليس بشئ قان الظهور التفصيلي.. إلى آخره أقول وبه أستعين ان القاشاني لم يفسر العناية الأزلية
بمجموعها بل جعلها عبارة عن إحاطة علم الله تعالى بالكلل كما كان حصول صور جميع الموجودات في القضاء
كليا وبالجزئي أيضا كان حصولها في القدر جزئيا ومحل القضاء القلم الاعلى ومحل القدر اللوح المحفوظ ولا
ريب عندهم في أن الصور الثابتة في القلم اجمالا وفى اللوح تفصيلا أزلية فكيف قال المولى الشارح الظهور
التفصيلي ليس بازلى؟ نعم! يتوجه قوله إذا أراد القاشاني منه الظهور التفصيلي بالوجود الخارجي (ف)
قوله: وهو السميع البصير فالأول بظاهره تنزيه يتضمن التشبيه بتصوير المثلية إذا كان الكاف غير -
85
الأول، وجهة طرف وجوبه الذي يلي الحق، وانه من ذلك الوجه يصدق عليه انه واجب - وإن كان
وجوبه بغيره - ومراد المحققين من هذا الوجوب مخالف من وجه لمراد غيرهم (1)، والسر
فيه: عموم وحدة الحق الذاتية المنبسطة على كل متصف بالوجود، والقاضية باستهلاك
احكام الكثرة والوسائط، والموضحة أحدية التصرف والمتصرف، بمعنى ان كل ما سوى الحق تعالى
مما يوصف بالعلية، فإنه معد غير مؤثر، فلا اثر لشئ في شئ الا لله الواحد القهار.
23 - 3 وأقول: الغرض من هذه النكتة الأخيرة: ان كل ما يطلق عليه المؤثر في هذه
الأصول (2)، فالمراد به المعد، والمؤثر الحقيقي هو السر الإلهي وان كل موجود فوحدة الحق فيه
سارية فيدل على وحدة موجده بالأولى.
الفصل الثاني
في أن الشئ لا يثمر ما يضاده (3) وما يناقضه في كل نوع من الأثمار
24 - 3 اثمار الشئ اما من حيث هو، أي لا بوجه من وجوهه (4) ولا باعتبار شرط



زائدة كما ذهب إليه الشيخ في فتوحاته يكون اثبات المثل صريحا لا على تقدير الزيادة فالتشبيه ضمني لان
أكثر استعمال النفي فيما فيه المنفى متصور لئلا يكون نفى معدوم فافهم وكذا حكم عدم الزيادة إذا استعملت
الكاف على سبيل الكناية أو على المذهب الكلامي فافهم قوله: فان حقيقة السمع والبصر ومطلقها له بل
عينه في البطن السابع كما مر في أوايل الكتاب بل السمع والبصر في البطن السابع عين الذات وكل منهما عين
الاخر فان البطن السابع مختص بصاحب الإرث المحمدي لله يتفاح خوخه من بابه الا له (ف).
(1) - فان مراد الحكماء من الوجوب الغيري هو الوجوب بعلله وأسبابه، والمحقق لا يرى الكثرة في هذا النظر،
وأيضا الحكيم يقول بان الوجوب الغيري صفة للممكن على وجه الاستقلال، والعارف المحقق لا يستقل عنده
وجود سوى الوجود القيوم المطلق - خ (2) - أي الأصول الممهدة في هذا الكتاب - خ (3) - قوله: في أن الشئ
لا يثمر ما يضاده... اعلم أن الشارح الفاضل قال في شرح هذا الموضع في النصوص قوله: لكن للاستدراك من نفى
الأثمار، والعطف بقوله: وباعتبار، بيان للجنسية، أي من حيث عينه الثابتة لا من حيث الأسباب والوسايط
لوجود وهو النسبة الترس وهو النسبة الترس المطلق والمقيد بالسريان المعبر عنه بالمعية التي فسرت بصحبته لكل
موجود من غير حلول ولا انقسام. أقول: بين الكلامين مخالفة، أي بين كلام الشارح الفاضل في شرح مفتاح
الغيب وشرح النصوص، والأولى بالقبول منهما عند الفقير ما وقع في شرح النصوص، لان الحق من حيث هو هو
بمعنى الاطلاق الذاتي لا يصح ان يحكم عليه بحكم أو يضاف إليه مبدئية أو اقتضاء ايجاد أو صدور اثر، وانما -
(4) - أي القلب والخمسة صفة الوجوه - ش
86
زائد، كثمرات الأوصاف والأخلاق والكمالات التي يحصلها الولد بالسراية من والده على
ما قال عليه السلام: الولد سر أبيه.
25 - 3 واما من حيث وجهه الخاص (1) الذي يعرفه المحققون: وهو الوجه الذي
للقلب إلى حضرة الغيب الإلهي وعالم المعاني من وجوهه الخمسة، وباعتباره يتعين التجلي
الإلهي الذي هو سره (2)، كاوصاف الولد واخلاقه التي على خلاف حال والده حيث قال
تعالى: يخرج الحي من الميت (95 - الانعام) أي المؤمن من الكافر وأمثاله، ومنه كل أمر
يفيده الشئ، لا بالكيفية، ويقول الطبيب انه بالخاصية - كجذب الحديد للمغناطيس -.
26 - 3 واما باعتبار شرط أو شروط خارجة عن ذاته، كما يتوهم (3) من تبريد سقمونيا
الحرارة بواسطة اسهال الصفراء، ومن اثمار الروحانيات (4) الباقيات الحوادث الفانية



- يصح نسبة المبدئية والتأثير والفعل الايجادي إلى الحق باعتبار التعين، وأول التعين النسبة العلمية الذاتية وهى
متعلقة بالمهمات بحسب ما يقتضى حقائقها. ثم ليعلم ان الاقتضاء ثلاث مراتب حكمه من حيث المرتبة الأولى هو
انه لا يتوقف على شرط ولا موجب يكون سببا لتعينه، وفي هذه المرتبة لا يكون الثمر ما يضاد المثمر ويناقضه.
نكتة: وهى ان الأثر من حيث النسبة التي بينه وبين المؤثر وهى سر سريان المعبر عنه بالمعية لا يكون ضده،
بل هو من نسب علمه وعلمه ليس غيره بالحقيقية، تأمل تدر. وحكمه من حيث المرتبة الثالثة هو ان ظهور
احكامه يتوقف على شروط وأسباب ووسائط. اعلام ان في المثال الأول نوع مناقشة، لان حصول تلك الأخلاق
والكمالات ليس للولد من حيث هو هو، بل باعتبار حصولها أولا لوالده وسرايتها للولد ثانيا، لكونه سر أبيه، وان
في كون الوجه الخاص عبارة عن الوجه الذي للقلب إلى حضرة الغيب الإلهي بحثا، لان هذا كان عبارة كما نقله
عن الشيخ عن الذي به يقابل القلب غيب الحق ولا يكون فيه مدخل للوسايط الأسمائية وغيرها، ومن علامته ان
المتحقق به إذا راقب مراقبة لا يتخللها فترة، أصاب في كل ما يخطر له، فعلى هذا كيف ينطبق المثالان عليه، وان في
كون (لكن) استدراكا في نفى الأثمار بحثا، إذ الاستدراك من النفي إثبات، فيلزم ان يكون الأثمار بالضد جائزا
باعتبار الوجه الخاص، مع أنه مصرح بأنه ليس فيه اثمار الضد، فالأولى ان يكون استدراكا في مقدر، أي لا يكون
عدم الأثمار من غير الوجوه الآتية لكن من حيث هو هو - إلى آخره (ف)
(1) - أي الوجه الخاص الذي للقلب إلى عالم المعاني -
ش (2) - أي ذلك الوجه الخاص سر التجلي الإلهي، تدبر - ش - الوجه الخاص -
ل (3) - هذا مثال الشرط الخارج، فتبريد السقمونيا الحارة لأجل شرط وواسطة وهى
اسهال الصفراء فيتوهم أولا ان ظهور التبريد من الشئ الحار انما هو اثمار الشئ لما يضاده ويناقضه ولكن لملاحظة
الواسطة فيظهر ان التبريد ليس ثمر تضاد السقمونيا - ش (4) - مثال الشروط الخارجية، والأولى حذف لفظ
يتوهم في المثالين، لأنه موهم للخلاف، والغرض من هذا اللفظ توهم الضدية في الثمر والنتيجة، وليس الامر
كذلك واقعا، لا ان تبريد السقمونيا بواسطة اسهال الصفراء أو اثمار الروحانيات الحوادث الفانية بواسطة
الحركات الفلكية أمر متوهم وليس بواقع، كما يفهم من لفظ متوهم، والامر سهل بعد وضوح المقصود حينئذ - ش
87
باعتبار توسط الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية الزائلة.
27 - 3 فهذه ثلاثة أقسام ليس في شئ منها اثمار الضد والنقيض من حيث إنه الضد
أو النقيض، اما في الأولين فظاهر، واما في الثالث فقد يتوهم ذلك وليس كذلك، فان
حركة العرش الذي هو ابسط الأجسام مظهر الحركة الأحدية الحبية الأزلية المعنوية التي
بها تعين التجلي الاحدى حسب الحقائق المحاذية، فلدوامها بنوعها استندت إلى الدوام،
ولاقتضاء حقيقتها تزائل جزئياتها توسطت لعالم الجزئيات المتعاقبة المتزائلة المستندة إلى
الدوام بأصولها، لا بتعيناتها المتفرعة عنها.
28 - 3 وتأييده: اما نقلا: فلقوله تعالى. قل كل يعمل على شاكلته (84 - الاسراء) أي على
ما يماثله، لا على ما يضاده ويناقضه.
29 - 3 فان قلت: قد فسر (1) بأنه يعمل على مذهبه وطريقته التي يشاكله في الهداية
والضلالة، واستدل عليه بقوله تعالى: فربكم اعلم بمن هو اهدى سبيلا (84 - الاسراء).
30 - 3 قلت: ذكر الشيخ قدس سره في تفسير الفاتحة قاعدة هي: ان كل صفة من
صفات الحق انما يضاف إليه على الوجه الأتم الأكمل، وكلامه صفة من صفاته، فله الإحاطة
كما قال تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شئ (2) (38 - الانعام) فما من كلمة من كلمات
القرآن لها عدة معان الا وكلها مقصودة للحق تعالى، فلا يتكلم متكلم في كلام الحق بأمر
يقتضيه اللسان الذي نزل به ولا يقدح فيه الأصول الشرعية الحقة الا وذلك الامر حق



(1) - لا يخفى عليك ان هذا التفسير لا ينافي المعنى الذي ذكره أولا، أي على ما يماثله... إلى اخره - ش (2) - قوله:
ذكر الشيخ في الفاتحة... إلى اخره، ليس الكلام من حيث ظهوره الملكي وخصوصا الذي هو من مقولة اللفظ
والصوت صفة للحق من حيث هويته الاحاطية حتى يتفرع عليه ما ذكر، كما أن قوله تعالى: ما فرطنا في الكتاب
من شئ لا يدل على مقصوده بوجه، نعم قد الكلام الذاتي الذي هو التجلي باظهار ما في الغيب على ذاته المقدسة صفة
من صفاته في الحضرة الجمعية الكمالية، والكلام الظهوري الوجودي الذي هو التجلي بالفيض المقدس لاظهار
ما في الغيب على الحقائق التفصيلية صفة من صفاته الفعلية ولهما الإحاطة والشمول، ولهذا الكلام اللفظي أيضا
إحاطة بمعنى اخر وهو وجه السر الوجودي الذي يعرفه المحققون، وهو غير الأوضاع اللفظية، نعم قد لو كان الألفاظ
موضوعة لأرواح المعاني أو أرواح المعاني مرادة للحق من كلامه لكان تلك الإحاطة حقا - كما الامر كذلك - خ
88
ومراد الله تعالى، اما بالنسبة إلى ذلك المتكلم به أو بالنسبة إليه وإلى من يشاركه في ذوقه
وفهمه، وكون (1) بعض المعاني أليق (2) لأمور (3) مشروحة من أسباب النزول (4) وسياق
الآية، لا ينافي ما ذكرنا، لما ثبت ان له ظهرا وبطنا.
31 - 3 واما عقلا: فان ثمرة الشئ هو الأثر الحاصل منه، فهي لازمته كليا كان
أو جزئيا، (5) ومن المحال ان يكون اللازم ضد الملزوم أو نقيضه، سواء كان اللزوم كليا أو
جزئيا.
32 - 3 وما يقال من أن اللزوم الجزئي ثابت بين كل شيئين، ولو كانا نقيضين ببرهان
من الشكل الثالث فذلك من باب (6) استلزام المحال المحال (7)، وكلامنا ليس في مثله.
33 - 3 وتحقيقه: انه إذا تحقق تقدير اللزوم الجزئي، تحقق الأثمار والثمرة مناسبه، وإذا لم
يتحقق، فالمترتب عدم الأثمار - لا اثمار العدم -
34 - 3 اما بيان أنواع الأثمار: فكلياته خمسة، بعدد النكاحات:
35 - 3 الأول: اثمار اجتماع النسب الأسمائية صور الحقائق المتعينة في العلم.
36 - 3 الثاني: اثمار اجتماع المعاني والحقائق صور الأرواح المتعينة في نفسها.
37 - 3 الثالث: اثمار اجتماع الأرواح صور عالم المثال أو صور الأجسام البسيطة
الطبيعية الغير العنصرية - كالعرش والكرسي - أو العنصرية - كما تحتها -
38 - 3 الرابع: اثمار اجتماع الأجسام البسيطة صور المولدات.
39 - 3 الخامس: ما يختص بالانسان.
40 - 3 واما بيان وجوه القلب: فما ذكره الشيخ في تفسير الفاتحة: ان أحدها يقابل



(1) - مبتداء خبره قوله: لا ينافي - ش (2) - أي بذلك الموضع - ش (3) - تعليل للأليقية - ش (4) - أي
نزول الآية وسياقها والقصة أو الحكم، أو رعاية أعم الأغلب من المخاطبين ونحو ذلك - ش (5) - تقريره: انه
كلما تحقق النقيضان تحقق أحدهما وكلما تحقق النقيضان تحقق الاخر، فينتج انه كلما تحقق أحد النقيضين تحقق
الاخر فثبت اللزوم بين النقيضين على هذا التقدير - ش - كليا أو جزئيا - ل (6) - أي اللزوم بين النقيضين - ش
(7) - أي كون ثمرة الشئ ضده ونقيضه، والجواب الحقيقي ما أشار إليه بقوله: تحقيقه - إلى بعد فرض اللزوم،
فالثمرة مشاكله ومناسبه لا مناقضه حتى ينتقض الأصل والقاعدة - ش
89
غيب الحق وهويته، وهو المسمى بالوجه الخاص عند المحققين الذي ليس للوسائط الأسمائية
وغيرها فيه مدخل، ولا يعرفه الا الكمل والافراد وبعض المحققين، والمتحقق به إذا راقب
مراقبة لا يتخللها فترة، أصاب في كل ما يخطر له.
41 - 3 الثاني: يحاذى به عالم الأرواح ويأخذ صاحبه عنها بحسب المناسبة وصقالته
الأخلاق الحميدة.
42 - 3 الثالث: يقابل به العالم العلوي بحسب صور صاحبه في كل سماء ويحفظ
الاستقامة في الأوصاف الظاهرة.
43 - 3 الرابع: يقابل به عالم العناصر واحيائه بالموازين الشرعية والعقلية - أمرا
ونهيا -
44 - 3 الخامس: يقابل به عالم العبد واحيائه بتحسين المقاصد والحضور مع الخواطر
ومحو ما لا يستحسن منها شرعا أو عقلا.
45 - 3 وتأنيسه: قولهم: الواحد من كل وجه لا يصدر عنه الا الواحد، إذ لو صدر عنه
اثنان، لكان له علتان، فهو مع كل علتيه غيره مع الأخرى، فهو اثنان ولو من جهتين.
46 - 3 لا يقال: فلا يصدر عنه واحد أيضا والا لكان له علية فهو معها، غيره بدونها.
47 - 3 لأنا نقول: ليس المراد بالعلية النسبة التي بين العلة والمعلول، فان النسبة غير
المنتسبين قطعا، بل المراد كونه بحيث يصدر عنه، وان من شأنه الصدور عنه، وهذا عينه،
ولذا لا يوجب اعتبار الغير والا التعدد من حيث هو هو - بخلاف العليتين - فان تعددهما
قطعا باعتبار الغيرين، كما مر مثاله من أن ابصار الواحد، عشر مبصرات، فإنه من حيث محله
واحد، وإن كان من حيث المتعلقات عشر مبصرات.
48 - 3 فان قلت: عدم ايجابه اعتبار الغير مسلم، اما عدم لزوم التعدد فلا، كما قلنا إنه
بدون ذلك الشأن غيره معه.

90
49 - 3 قلت: المراد بالواحد من كل وجه ما لا يعتبر معه غيره، لا ما لا يعتبر صفته الذاتية
أيضا، كالوحدة والوجوب الذاتيين وغيرهما، والدليل (1) على أن مرادهم ذلك، انهم ما (2)
اعتبروهما في تعريفه من تجويز صدور الكثير من الحق تعالى، وانهم بنوا (3) على ذلك ان
الصادر الأول هو العقل الأول، فلوحدته الذاتية صح صادرا، ولاشتماله على تعقل موجده
وتعقل وجوبه بالغير وامكانه في نفسه، توسط لعقل اخر ونفس وجسم على الترتيب، (4) ولم
يذكروا اشتماله على وجوده وهويته وتعقل نفسه، والا لكان اعتباراته ستة وجاز صدور
أكثر من واحدة، ولم يقولوا به، لما ان ليس في الثلاثة الأخيرة اعتبار الغير.
50 - 3 فان قلت: إن كانت الاعتبارات الثلاثة الأول وجودية تعدد الصادر الأول،
وإن كانت عدمية كيف صارت علة للموجود أو جزء علة؟
51 - 3 قلت: هي شرط العلة، كما مر في نحو محاذاة الشمس لاحداثها الضوء في الأرض،
ومدار اعتبار مثلها في العقل الأول دون الحق، كون الحق واحدا من كل وجه، أي ليس
معتبرا تحققه الا من حيث هو هو، فان الشيخ قدس سره به فسر الوحدة الذاتية في تفسير
الفاتحة والفكوك ومنع اعتبار مبدئيته من هذا الوجه، وليس العقل واحدا من كل وجه



(1) - أي ما لا يعتبر معه غيره لا ما لا يعتبر صفته الذاتية - ش (2) - خبر للمبتدأ الذي هو الدليل ولفظة ما
نافية، وفي نسخة ما اعتبر وهما بضمير التثنية، أي والدليل على أن مرادهم ذلك انهم لم يعتبروا الصفة الذاتية
والوحدة والوجوب الذاتيين في تفريع ذلك الأصل المعروف، أي تجويز صدور الكثير من الحق تعالى لأجل تلك
الأوصاف الكثيرة - ش (3) - عطف على أنهم ما اعتبروها في موضع الخبر للمبتدأ المذكور، أي والدليل على أن
مرادهم ذلك الأصل المعروف، وتفريعه: ان الصادر الأول، فقوله: الصادر الأول... إلى اخره، في موضع المفعول
لبنوا، يعنى انهم جعلوا وحدته الذاتية مصححة لصدوره عن الواحد الحقيقي وجعلوا جهاته المشتملة على اعتبار
الغير منشأ لصدور الكثرة ولم يعتبروا الجهات والاعتبارات التي تكون راجعة إلى ذاته من غير اعتبار الغير في كونها
منشأ لصدور الكثرة - تدبر - ويحتمل ان يكون قوله: انهم بنوا على ذلك... إلى اخره، عطفا على أن مرادهم ولفظ
ذلك إشارة إلى ما يشير إليه لفظ ذلك المذكور سابقا، وقوله: ان الصادر الأول خبر للمبتدأ المذكور، أي والدليل
على أنهم بنوا على ذلك، أي الواحد ما لا يعتبر معه غيره ما لا يعتبر صفته الذاتية ان الصادر الأول... إلى اخر هو
فافهم - ش (4) - المراد من الامكان هو الامكان الذي من أوصاف الوجود، لا الذي من أوصاف الماهية، فان
الأول يعتبر معه الغير دون الثاني، تأمل - خ
91
بهذا المعنى، فبهذا سقطت الاعتراضات بأسرها وثبت انه كلما تكثر المعلول تكثر العلة وكلما
اتحد المعلول اتحد العلة - بعكس النقيض (1) -
52 - 3 ثم اعلم أن الأصل مسلم عندنا، لكن في تعريفهم ان الواحد الصادر الأول عن
الحق تعالى هو العقل الأول، منع ذكره الشيخ قدس سره في الرسالة المفصحة (2) وهو: لم لا
يجوز ان يكون ذلك الواحد الصادر الأول عن ذات الحق هو الوجود العام (3) - كما هو عند
المحققين - وهو الفيض الذاتي المعبر عنه بالتجلي الساري في حقائق الممكنات والامداد
الإلهي المقتضى قوام العالم، وهو الوجود المنبسط والرق المنشور، والنور اسم حاله.
53 - 3 وسيجئ انه (4) من باب تسمية الشئ بأعم أوصافه وأولها، وان نسبته إلى مرتبة
التعين الأول وحضرة أحدية الجمع والوجود نسبة (5) الأنوثة إلى الذكورة، فإنه (6) بذاته عين
غيب الهوية ولم يزد عليه الا اعتبار جمعيته للحقائق، فصار (7) منسوبا إلى جميع الحقائق
بنسبة كلية متضمنة لإضافة الألوهية والربوبية والمبدئية وغيرها مما سنذكر في مباحث
المناسبات، لكن الجملة مندرجة فيها تقابل العقل الأول وما بعده، ولم يتوقف قبول
الفيض الا على استعداد القابل، ولا تعدده الا بحسب تعدد القوابل.



(1) - قوله: وكلما اتحد المعلول اتحد العلة، هذه القضية تكون عكس النقيض للقضية السابقة باعتبار ان
عكس النقيض لقوله كلما تكثر المعلول تكثر العلة، هو انه كلما لا يتكثر العلة لا يتكثر المعلول، وهو في قوة
قولنا: كلما اتحد العلة اتحد المعلول، وعكس نقيضه: كلما اتحد المعلول اتحد العلة، تأمل - خ (2) - قوله: ثم
اعلم... إلى اخره، قد حققنا في رسالتنا الموسومة بمشكاة الهداية إلى حقيقة الخلافة والولاية كيفية الصدور
ووجه الجمع بين قول العرفاء الشامخين والحكماء المحققين بما لا مزيد عليه، ونبهنا ان سلوك المحقق القونوي على
خلاف التحقيق الحقيق، فليراجع - خ (3) - سيأتي اثباته في المقام الخامس من الفصل الأول للتمهيد
الجملي - ق (4) - أي كل واحد من هذه التعبيرات من التجلي الساري والوجود المنبسط والرق المنشور
ونظائرها من باب تسمية الشئ بأعم الأوصاف، وأولها، أي أول الأوصاف تعينا وظهورا، فقوله:
وأولها عطف على أعم الأوصاف - ش (5) - إشارة إلى أن صدور الوجود المنبسط وظهوره من حضرة
أحدية الجمع من جهة واحديتها وثبوت الاعتبارات والحقائق فيها، لا من حيث أحديتها وتجردها عن
الاعتبارات، إذ التأثير موقوف على المناسبة ولا ارتباط بين الأحدية الذاتية من حيث تجردها عنها وبين شئ
أصلا، تدبر، فظهر وصدر من الاجتماع والتوجه الواقع بين الأسماء الذاتية في مرتبة حضرة أحدية الجمع
والتعين الأول والوجود العام إليه نسبة الذكورة إلى الأنوثة، فافهم - ش (6) - أي التعين الأول - ش
(7) - أي التعين الأول - ش - فصار الوجود العام المنسوب منسوبا - ل
92
54 - 3 فمنه ما لم يتوقف تمام استعداده على شئ، فقبل قبل الكل - كالقلم الاعلى -
55 - 3 ومنه ما لم يتوقف الا على شرط واحد - كما بعده -
56 - 3 ومنه ما يتوقف على شروط كما بعد ما بعده، فحصل من هذا التحقيق قواعد حقة
- لا كما زعم الفلاسفة -:
57 - 3 منها ان الوسائط معدات لتمام الاستعدادات المجعولة، ولا مؤثر الا الله.
58 - 3 ومنها ان الاستعداد الغير المجعول المقارن لكل ماهية من حيث ما هي في علم
الله أزلا - لا (1) مدخل للوسائط فيه.
59 - 3 ومنها ما تحقق عند المحققين ان لكل موجود غير جهة سلسلة الترتيب من
الوجه الخاص الذي به يستند إليه، جهة (2) وحدته ووجوبه ورجحان اخذه الفيض على
اخذ الغير (3)، وبه يتأتى له قبول فيض الحق بلا واسطة - كما في العقل الأول كما سيجئ -
وفيه ورد قوله صلى الله عليه وآله: لي مع الله وقت... الحديث.
60 - 3 ومنها ان العقل الأول أول مخلوق أو أول صادر، لكن في عالم التدوين
والتسطير - اما مطلقا فلا - لان أول متعين في المراتب الإلهية حضرة أحدية الجمع
المذكور ثم مرتبة الألوهية والواحدية التي تليه، وفي المراتب الكونية عالم التهيم ثم القلم الاعلى
في عالم التسطير - كذا في تفسير الفاتحة - وما وقع فيه أيضا من أول متعين من الحضرة



(1) - خبر لان - ش (2) - جهة هي - إليه من جهة - ن - ع. بالنصب اسم لان - ش. وأنت خبير بأنه
على هذا لا ارتباط ولا وجه على هذا الوجه ضمير إليه في قوله: به يستند إليه، راجع إلى الحق تعالى الغير المذكور
صريحا، ويمكن ان يقرأ لفظ الجهة بالرفع على أن يكون فاعلا لقوله: ان يستند، وضمير إليه راجع إلى كل
موجود، ويناسبه ما في نسخة أخرى وهو هكذا: يستند إليه جهة وحدته ووجوبه - بدون لفظ هي جهة -
وقوله: غير جهة سلسلة الترتيب، اسم ان - موجود - وخبره أو ضمير الشأن المقدر اسمه، وجملة المبتدأ والخبر
خبره، وحاصله أنه يكون لكل موجود وجه خاص يكون هو جهة وحدة ذلك الموجود ووجوبه، وكيف
كان فامر اللفظ سهل بعد وضوح المقصود والمعنى، فتأمل - ش (3) - أي على اخذ غير هذا الفيض
ليكون متقدما من حيث الوجود على ذلك الغير لأجل اقتضاء الوجه الخاص التقدم - ش
93
العمائية عالم المثال ثم عالم التهيم ثم القلم الاعلى، فذلك - والله أعلم - باعتبار تقدمه في الجمعية (1)
وكونه صورة حضرة العماء ومرتبة الانسان الكامل الذي به يتعين الأولية كالأخرية -
لا بحسب الوجود - إذ بحسبه عالم التهيم (2) مع العقل الأول، وعالم المثال بعد عالم الأرواح (3).



(1) - قوله: فذلك والله أعلم... إلى اخره، أقول: يمكن ان يكون مراده من الحضرة العمائية مقام الواحدية كما هو
أحد الاحتمالات منها، وعلى هذا يكون عالم المثال مقام المشيئة والفيض المنبسط العام، فإنه برزخ البرازخ وهو
مقام الانسان الكامل الحائز بين الخصلتين والجامع بين المقامين، تدبر - خ - مرتبة في الجمعية والشمول من جهة
كونه - ل (2) - قوله: إذ بحسبه عالم التهيم: المشهور ان المهيمة في مرتبة العقل الأول والقلم الاعلى، ومرادهم اما
في رتبة الايجاد والوجود حتى يكونا في عرض الاخر وفي وصف واحد وجودا، كما هو ظاهر العبارة - ويلوح من
كلام الشيخ أيضا فيما سيأتي في الفصل الثاني من التمهيد الجملي - حيث قال بعد تقسيم المراتب الوجودية والأعيان
بحسبها بالقسمة الأولية إلى قسمين وذكر القسم الأول الذي لا حكم للامكان إليه الا من وجه واحد، أي من جهة
حقيقة الامكانية، ولا يوقف بقوله: الموجد من وجوده واتصافه على شرط غير ممكن وهذا القسم له الأولية
الوجودية في مرتبة الايجاد والقرب التام أيضا في حضرة أحديته، أولا واسطة بينه وبين ربه، ويختص بهذه المرتبة
القلم الاعلى والملائكة المهيمة، انتهى. واما في عدم الوساطة بينهما وبين الحق فيكون المهيمة من حيث عدم
الوساطة بينهم وبينه سبحانه وتعالى في مرتبة القلم الاعلى، وإن كانت المهيمة في مرتبة الايجاد والوجود متقدمة
على العقل الأول - كما صرح وحكم الشيخ بالتقدم في مواضع من التفسير والشارح أيضا صرح في غير موضع -
بان المراد يكون المهيمة في مرتبة العقل الأول هو الاعتبار الثاني إلى عدم الواسطة بينهما وبين الحق.
قال الشيخ في تفسير الفاتحة: ان أول المراتب والاعتبارات العرفانية غيب هوية الحق والاطلاق
الصرف عن القيد والاطلاق وعن كل ما يتصور ويعقل ويفرض بأي وجه يصور أو يعقل فرض، وليس لهذا
المقام لسان، وغاية التنبيه عليه هذا ومثله تم اعتبار علمه نفسه بنفسه وكونه، هو لنفسه هو فحسب من غير
تعقل تعلق أو اعتبار حكم أو تعين ما عدا هذا الاعتبار الثاني ويليه مرتبة شهوده سبحانه نفسه بنفسه في مرتبة
ظاهريته الأولى بأسمائه الأصلية، وذلك أول مراتب الظهور بالنسبة إلى الغيب الذاتي المطلق وجميع ما مر
ذكره من التعينات إلى تناهى تعينات الظاهر بنفسه لنفسه على النحو المشار إليه قبل ان يظهر للغير عين أو
يبدو ويظهر لمرتبته حكم، فافهم.
ثم نقول: وتلي ما ذكرنا مرتبة شهود الظاهر نفسه في مرتبة سواء من غير أن يدرك ذلك الغير نفسه
وما ظهر من الامر به أوله لقرب نسبته إلى هذه ممن امتاز عنه وكغلبة حكم الغيب المطلق والتجلي الوحداني
المذكور عليه، وهذا صفة المهيمن في جلال الحق. ثم ظهر حكم تعلق الإرادة بنسبتي التفصيل والتدبير
لإيجاد عالم التدوين والتسطير وابراز الكلمات الإلهية التي هي مظاهر نوره وملابس نسب علمه ومرائي
أسمائه، فكان ثمرة هذا التعلق الإرادي شهود الظاهر نفسه في مرتبة الغير الممتاز عنه في الشهادة الأولى
ليظهر حكم الغيب في كل نسبة ظهر تعينها بحسب ثبوتها في العلم فيدرك بهذا التجلي عينه ومن امتاز عنه
وما امتاز به عن غيره. ثم قال بعد بيان سر عزيز وضابط شريف: وإذا تقرر هذا فلنعد إلى ما كنا فيه من سر
الترتيب الايجادي، فانسحب حكم التوجه الإلهي الاحدى الايجاد عالم التدوين والتسطير على الأعيان الثابتة
بعد ظهور الأرواح المهيمة التي مر حديثها منصبغا بحكم كل ما حواه الغيب مما تعين به وامتاز عنه -
(3) - لكونه برزخا بينه وبين عالم الأرواح (الأشباح) كما قال في شرح الحدث ان تعينه في عالم الأشباح (الأرواح) - ل
94
61 - 3 ومنها مراعاة حال التجلي الفاعل والممكن القابل في الارتباط بينهما، فان الحق لما
كان واحدا من جميع الوجوه وجب ان يكون الارتباط من حيث الحق من جهة واحدة،
ولما كانت الكثرة من لوازم الممكنات - وأقلها الاثنينية - وجب ان يكون ارتباط كل
ممكن بالحق من حيث الممكن من جهتين: جهة امكانه بسلسلة الترتيب وجهة وجوبه
بالحق بوجهه الخاص ويكون الغلبة من هذا الوجه للوحدة واحكام الوجوب، ومن الوجه
الاخر للكثرة واحكام الامكان.
62 - 3 ومنها ان يبنى تفاوت امتزاج احكام جهتي هذا الوجوب الذي يقوله المحقق
وجهة الامكان وغلبة أحد الطرفين على مراتبهما، وذلك بحسب تفاوت استعدادات
الماهيات الغير المجعولة الترتيب (1)، المتعقل في الممكنات تقدما وتأخرا وشرفا وخساسة
وشقاوة وسعادة وعلما وجهلا وبقاء ونفادا و فناء وغير ذلك، فجهات الوجوب



- من وجه، فكان توجها جمعيا أحديا وحداني الصفة، فاما جمعيته: فلما حواه الغيب مما أحاط به العلم
وتعلق بابرازه، واما أحديته: فلان المريد الحق واحد وارادته واحدة لا محالة ومتعلقها لا يكون في كل
شأن الا أمر واحدا هو غاية ذلك التوجه الإرادي ونتيجته، فانتج التوجه الإلهي المذكور كما قلنا في
مقام عالم التدوين والتسطير نتيجة وجودية متوحدة حائلة كثرة غيبية نسبية سماها الحق قلما وعقلا، اما
عقلا: فمن حيث إنه أول موجود متعين عقل نفسه ومن تميز عنه وما تميز به عن غيره، بخلاف من تقدمه
بالمرتبة وهم المهيمنون، انتهى. وانما قلنا بطوله لاشتماله على أصول المعرفة ولباب علم الحقيقة ولنفعه في
كثير من المباحث الآتية.
فظهر منه ان رأى الشيخ تقدم عالم التهيم على العقل الأول والقلم الاعلى في رتبة الايجاد والوجود
وانهما مشتركان في عدم احتياجهما في قبول الفيض والوجود من الحق إلى شرط وامر وجودي غير الحق
تعالى، بخلاف القلم الاعلى، فإنه عقل نفسه ومن تميز عنه وما تميز به عن غيره، ولذا يصلح للتوسط دون
الأول وما هو أقرب إلى الواسطة الوحدة، أولي بصدوره أولا، ويؤيده أيضا: ان المهيمن مظاهر صفات
الجلال، والعقول مظاهر الجمال والجلال، وكذا مظهره على مظهره، وصفات الجلال أول اعتبار ثبت في
مرتبة التعقل للحق تعالى، تدبر تفهم، وفي المقام كلام ليس هنا موقع بيانه، وبالجملة فهم مرامه
ومقاله في عالم التهيم والعقل بحيث ينطبق على القواعد الحكمية ويندفع عنه الاشكالات المتصورة في عالم
الغموض والدقة يحتاج إلى لطف قريحة - ش
(1) - قوله: على مراتبهما، متعلق بقوله: يبنى، أي تفاوت امتزاج جهة يلي الحقي وجهة يلي الخلقي مبنى على
مرتبة الوجود ومرتبة الماهية، فكلما قرب من المبدأ الفياض يكونا لجهة الأولى أقوى، وبالعكس العكس - خ
95
والوحدة للكمال والتقدم، وجهات الامكان والكثرة للنقصان والتأخر، ويتضمن هذا
الأصل ان علة ظهور الحقيقة المعقولة المعبر عنها بالزمان وعلة ظهور الموجودات الزمانية
هو هذا الترتيب المنبه عليه.
63 - 3 ومنها ان مبنى تضاعف وجوه الامكان والكثرة على كثرة الوسائط بينه وبين
الحق وعدم تضاعفها على قلتها، فان قلتها يقتضى عدم تغير الفيض الذاتي عن تقديسه
الأصلي أو قلته، وكثرتها تقتضى انصباغه بخواص امكانات الوسائط، ومن هنا يعلم أن من
له برزخية اعتدالية جامعة بين الطرفين مشتملا على كليات احكامهما - اشتمالا معتدلا
فعليا من وجه وانفعاليا من اخر - لا تغاير الطرفين الا بمعقولية جمعهما، وهى الحقيقة
الانسانية الكمالية التي هي كالمرآة للطرفين.
64 - 3 ومنها ان يبنى على غلبة حكم الوحدة والوجوب والاطلاق وحكم الكثرة
والامكان والتقيد سبب موافقة العقل النظري في البعض لنتائج الكشف وسبب (1)
التوفيق أو المخالفة.
65 - 3 وسر ذلك: ان النفوس الجزئية لما كان تعينها بعد تعين المزاج وبحسبه على
مذهب أهل الذوق والحكمة صار كأن في المزاج معنى يصح وصفه بالمرآتية وكأن النفس
انطبعت فيه، فعبر عن ذلك الانطباع بالتعلق التدبيري، ولما كان الموجب لتعين المزاج اثار
القوى العلوية والاتصالات الكوكبية والحركات الفلكية وتوجه نفوسها وعقولها العلية
وكان قبول الأمزجة متفاوتة بحسب استعداداتها الأصلية، كان المزاج كالمرآة لهذه
الآثار، ثم استعد بما قبله ان يكون مرآة لقبول نفس جزئية تعينت بحسبه، فبمقدار قربه
وبعده من درجة الاعتدال تفاوتت النفوس في النورية والشرف وغير ذلك من صفات



(1) - قوله سبب التوفيق: أي التوفيق الإلهي المقسوم وهو المعنى القائم بالنفس عند الفعل المانعة من المخالفة للحد
المشروع، وفيه على مراتبه ومقاماته حيث ما فصل في السابق أو الجمع والوفق بين الكشف والنظر وتطبيق
المطالب والاحكام الكشفية على قواعد النظرية الاستدلالية كما هو دأب الشارح المحقق، فتأمل - ش
96
الكمال، ولزم ان لا يخلو في تعقلاتها من خواص المزاج، ولزم ان يكون لكل نفس مناسبة
مع العالم العلوي ونفوسها بموجب ما انفجر في مزاجها من آثاره وبحسب حكم الوقت الذي
وقع فيه اجتماع الاجزاء المزاجية، ولا بد ان يكون قوى بعضها أغلب، فيكون نسبة النفس
ومزاجها إلى ذلك الفلك ونفسه وعقله أقوى وأتم، فيكون ادراكه بحسب المرتبة المتعينة لها
هناك، وسيما بعد الترقي والمعراج الروحاني إلى مقام كماله النسبي أو إلى المرتبة الكمالية للكمل
الذين يستجلون الحقائق في أعلى مراتب تعيناتها على نحو تعينها في علم الحق أزلا.
66 - 3 وإلى هذا التفاوت المرتبي أشار النبي صلى الله عليه وآله في اخباره انه اجتمع
في معراجه مع أرواح الأنبياء في السماوات إشارة إلى مرتبة نفوسهم بموجب المناسبة
الثابتة بينها وبين النفوس السماوية والعقول العالية، والا فلا ريب ان النفوس غير متحيزة،
والكمل ومن يدانيهم يشاهدون كما شاهده قاطبة.
67 - 3 ومنها ان الوجود العام لما كان مقابلا لجميع الموجودات بالنسب (1) الأحدية
الجوادية المطلقة، وكان علم الحق بها من حيث يعلم نفسه بنفسه وبما في نفسه، أي من عين علمه بذاته،
لكن من حيث الامتياز النسبي، وهو (2) أول لازم للحق وباعتباره يتحقق مبدئيته، وانشاء
العالم منه حسب ذلك العلم العقلي التابع للحقائق، ظهر ان علمه بالجزئيات على وجه جزئي،
كتعلقه بكل جزئي بلا واسطة العقول، كما (3) يظنه بعض الحكماء القائلون بأنه على وجه كلي.
68 - 3 وذكر الحكيم الطوسي قدس سره: ان محققيهم معنا، وهم القائلون باستناد
جميع الموجودات إلى الأول - لا إلى الوسائط - وبان (4) العلم التام بالعلة يستلزم العلم التام
بتفاصيل معلولاتها، وظهر أيضا صحة أزلية تعلقات علمه وسائر صفاته بظهور كل ما
يظهر بحسب آنه المخصوص.



(1) - أي من جهة تعلقه بالمتعلقات والمعلومات، فهو إشارة إلى العلم التفصيلي الذي في الحضرة الواحدية، لأنه
المبدأ والمنشأ لإيجاد العالم تفصيلا بقوله: وانشاء العالم منه حسب ذلك العلم العقلي التابع للحقائق - ش بالنسبة - ل
(2) - أي العلم - ش (3) - قيد للمنفى - ش (4) - عطف على قوله: باستناد جميع الموجودات - ش
97
69 - 3 قال المحقق الطوسي قدس سره: العالم بالأمكنة (1) إذا لم يكن مكانيا، كان عالما
بان كل متمكن في أي جهة من الاخر، وكيف الإشارة منه إليه وكم بينهما من المسافة؟
ولا يحصل نسبة شئ منها إلى نفسه لكونه غير مكاني (2)، كذلك العالم بالأزمنة، إذا لم
يكن زمانيا، يعلم كل زماني له، أي نسبة من زماني اخر، وكم بينهما من المدة؟ ولا يحصل
نسبة شئ منهما إلى زمان يكون (3) حاصرا (4) له بان (5) هذا مضى والاخر ما حصل بعد، بل
جميع الزمانيات يكون حاضرا (6) عنده - مع علمه بنسبتها وترتيبها - انتهى.
70 - 3 هذه المسائل مع اشتمالها على علوم عزيزة وبنائها على أن لا فيض الا للحق
تعالى، مستنبطة من كلام الشيخ قدس سره في التفسير أو المفصحة أو الهادية.
الفصل الثالث
في أن الشئ لا يثمر ما يشابهه كل المشابهة والا لتكرر الوجود من كل وجه ذلك
تحصيل الحاصل وانه من الحكيم محال لخلوه عن الفائدة وكونه نوع عبث تعالى عن
ذلك
71 - 3 تأييده: ان أصل الزمان الذي هو اسم الدهر حقيقة نسبية معقولة كسائر النسب
الأسمائية يتعين احكامه في كل عالم بحسب التقديرات المفروضة المتعينة بأحوال (7)
الأعيان الممكنة واحكامها واثار الأسماء ومظاهرها، كذا قال الشيخ قدس سره في التفسير،
فينبغي بناء على أنه لا ينقطع حكمه دنيا وآخرة، ان لا ينقطع تجدد نسبه كما لا ينقطع تجدد



(1) - أي إلى نفس العالم بالأمكنة، وفي بعض النسخ: ولا يجعل قوله نسبة مفعوله وضمير المستتر راجع إلى
العالم بالأمكنة - ش - ولا يجعل - ل (2) - حاله كالسابق في كون نسبة شئ حينئذ مفعوله وضمير
المستتر الفاعل راجعا إلى العالم بالأزمنة - ش (3) - جملة يكون صفة الزمان وضمير له راجع إلى العالم
بالأزمنة - ش (4) - بالصاد المهملة - ش (5) - تفسير وبيان للمنفى - ش (6) - بالضاد المعجمة - ش
(7) - متعلق بالمتعينة - ش
98
اجزائه المفروضة كنسبة الزمان الذي هو (1) صورته إلى الزمانيات وعالم الدنيا.
72 - 3 وكذا الشأن (2) الإلهي يتجدد في كل آن كما قال تعالى: كل يوم هو في شأن
(29 - الرحمن) أي كل آن، وذلك لان العالم مفتقر في كل نفس إلى أن يمده الحق بالوجود
الذي به بقاء عينه، والا فالعدم يطلب كل ممكن بحكم النسبة العدمية الامكانية،
فلا بد من حكم ترجيح الجمعي الاحدى المقتضى للبقاء في كل نفس.
73 - 3 فبحكم هذين (3) الأصلين ينبغي ان يتجدد صفة الوجود واضافته (4) كل آن
كما قال تعالى: بل هم في لبس من خلق جديد (15 - ق) لان اجزاء الدهر والزمان لا يتكرر،
فكذا ما بهما (5) يتعين ويتجدد، وعليه مبنى قول الشيخ الكبير رضي الله عنه:
انما الكون خيال وهو حق في الحقيقة كل من يعرف هذا حاز اسرار الطريقة
74 - 3 تأنيسه من بعض الوجوه (6): ان الاثنين لا يتحدان وكذا المثلان لا يجتمعان،
لان الحقيقة المتحدة ان خلعت إحدى الصورتين فلا اثنينية، والا فما به تعددهما ينافي الاتحاد
والاجتماع المراد.
75 - 3 فان قلت: فكيف قال الشيخ في الهادية: إذا شاء الحق تعالى بسابق عنايته
ان يطلع من اختار من عبيده على حقائق الأشياء على نحو تعينها في علمه، جذبه إليه بمعراج
روحاني فيشاهد انسلاخ نفسه عن بدنه وترقيه في مراتب العقول والنفوس، متحدا بكل
عقل ونفس طبقة بعد طبقة اتحادا يفيده الانسلاخ عن جملة من احكامه الجزئية واحكامه
الامكانية في كل مقام حتى يتحد بالنفس الكلية ثم بالعقل الأول - ان كمل معراجه -
فيظهر مع جميع لوازم ماهيته من حيث امكاناتها النسبية ما عدا حكما واحدا هو معقولية



(1) - أي صورة الدهر ومظهره - ش (2) - هذا تأييد اخر غير السابق، فايد الشارح المحقق الأصل
المذكور بتأييدين: أحدهما من جهة الدهر وثانيهما من جهة الشأن - ش (3) - أي الدهر والشأن الإلهي - ش
(4) - بالرفع عطف على صفة الوجود - ش (5) - بها - ن - ع - ل أي باجزاء الزمان والدهر، وفي
نسخة منها أي بالزمان والدهر - ش (6) - أي من وجه عدم خلع الحقيقة المتحدة إحدى الصورتين
مع الحكم بالاتحاد، تدبر - ش
99
كونه في نفسه ممكنا في العقل الأول، فيثبت المناسبة بينه وبين ربه ويحصل القرب الحقيقي الذي
هو أول درجات الوصول، ويصح له الاخذ عن الله بدون واسطة - كما هو شأن العقل الأول -.
76 - 3 قلت: روى أن الشيخ قدس سره كتب ثمة حاشية ناطقة بان ليس المراد
بالاتحاد صيرورة الذاتين ذاتا واحدة، فإنه محال، بل انسلاخ التعددات العارضة لكل كلي
بظهور أمر أقوى منه حتى يعود واحدا كما كان، والدليل على ذلك أنه فرق عقيب ذلك بين
الانسان الواصل إلى رتبة العقل الأول وبينه بان للانسان ان يجمع بين الاخذ الأتم عن
الله تعالى بواسطة العقول والنفوس بموجب حكم امكانه الباقي المشار إليه وبين الاخذ عن الله
تعالى بلا واسطة بحكم وجوبه، فيحل مقام الانسانية الحقيقية التي فوق الخلافة الكبرى.
77 - 3 فان قلت: اعترض المحقق الطوسي قدس سره على الترقي والمعراج الروحي بان
التغير من حال إلى حال لا يكون الا لما يكون تحت الزمان الذي هو منشأ جميع التغيرات،
والزمان لا يحيط بالنفس، فلو كان لها نشآت أخرى بين هذه الأفلاك للاستكمال لكان
ذلك تناسخا - وقد أبطلوه - وان لم يكن بين هذه الأفلاك لا يمكن ان يكون لها استكمال. ثم
قال: بل الانسلاخ لا يكون الا بالموت، فكما لم يكن ارتباطها بإرادتها، فكذا انسلاخها،
وما يسمى ترقيا هو الاستغناء عن التعلق، مع وجود التعلق بالاقبال إلى الآخرة
والاعراض عن الدنيا، وأيضا فصيرورة النفس المتعلقة بالبدن الجزئي حال تعلقها كلية
محال، فضلا عن الاتحاد.
78 - 3 قلت: انغماس الروح في قيود التعلقات وانسلاخها عنها معلومة مشهودة لكل
أحد، ولا ريب ان زيادة القيود تقوى جزئيته، كما أن التجرد عنها تحقق كليته الأصلية،
ولا نعنى بالترقي في كليته الا التخلص عن القيود التي اكتسبها في كل طبقة حال العروج
فيمكنه الانسلاخ عنها لعروضها حال العروج، ولا يزيل الانسلاخ عن تدبير البدن كما زعم.

100
79 - 3 فاما التناسخ: فقال الشيخ قدس سره: انه عبارة عن تدبير بدن اخر عنصري
مثله، يعنى ان النشأة البرزخية المثالية وتدبير صورها ليس تناسخا، والا لوجب القول به،
كما تحقق شرعا مجيئي جبرئيل تارة في صورة دحية الكلبي واخرى في صورة شاب شديد
بياض الثوب وشديد سواد الشعر وغير ذلك.
80 - 3 تفريعه: أولا: ان التجلي لا يتكرر، أي الحق سبحانه لا يتجلى لشخص ولا
لشخصين في صورة مرتين، وثانيا: ان المعدوم لا يعاد بعينه، بناء على عدم عود زمانه، والا
لكان للزمان زمان.
81 - 3 فان قلت: لو صح هذا الزم فسادان: أحدهما: بطلان الأجزية التكليفية الدنيوية
والأخروية، لان المكلف في كل حال غيره فيما تقدم حينئذ، وثانيهما: بطلان حشر الأجساد،
وكلاهما ثابتان شرعا وتحقيقا.
82 - 3 قلت: لا نسلم اللزوم، لان معنى ثبوت الامرين المذكورين اتحاد الذات
والمرتبة، فلا ينافيه اختلاف الأحوال والنشآت.
الفصل الرابع
في أن كل ما هو سبب في ظهور وجود كثرة وكثير - أي عدد ومعدود - فإنه من
حيث هو سبب فيه لا يتعين بظهور من ظهوراته ولا يتميز لناظر في منظور جزئي
من جزئياته
83 - 3 توضيحه يستدعى أصولا في حقائق نسبتي الظهور والبطون، ذكرها الشيخ في
التفسير:
84 - 3 الأول: ان الموجودات بأسرها صور تجليات الأسماء الإلهية ومظاهر شؤونه
الأصلية ونسبه العلمية، وصورة الشئ ما به يظهر ويتعين. (*)

101
85 - 3 الثاني: كل شئ له ظاهر هو صورته وشهادته، وباطن هو روحه ومعناه
وغيبه، فنسبة جميع الصور إلى الاسم الظاهر، ونسبة جميع الحقائق والمعانى إلى الاسم
الباطن.
86 - 3 الثالث: كل موجود من حيث معناه وروحانيته أو هما معا متقدم على صورته -
تقدما بالمرتبة والشرف - وإن كان للصورة أيضا أولية من حيث العلم (1) حال
العروج - لا حال النزول - ومن حيث إن الأرواح الجزئية الانسانية تتعين بعد الانشاء
المزاجي وبحسبه.
87 - 3 الرابع: العالم محصور بين مرتبتي الامر والخلق، وعالم الخلق فرع وتابع لعالم
الامر، والله غالب على امره (21 - يوسف).
88 - 3 الخامس: للعلم الإلهي الذي هو النور نسبتان: نسبة ظاهرة تفاصيلها الصور
الوجودية، والنور (2) المحسوس حكم هذه النسبة، ونسبة باطنة هي معنى النور وروح
الوجود الظاهر الموضح (3) للمعاني والحقائق الغيبية الكلية، حتى (4) معرفة عينها ومعرفتها
ووحدتها واصلها الذي هو الحق، ونسب (5) هويته التي (6) هي أسمائه الأصلية وشئونه (7)
الذاتية، وكذا (8) جميع الحقائق مما يخص الحق أو العالم أو يشترك بينهما بنسبتين مختلفتين،
فصور الموجودات نسب ظاهر النور، والمعقولات (9) تعينات نسبه (10) الباطنة.



(1) - فان العلم بالجزء مقدم على العلم بالكل، والعلم بالظاهر مقدم على العلم بالباطن وشرط في معرفته - ش
(2) - أي النور المنبسط على الكون المدرك في الحس المفيد تميز الصور عن بعض هو حكم هذه النسبة، أي
النسبة الظاهر من حيث كليتهما وأحديتهما، قال الشيخ في التفسير: وانما قلت حكم النسب الظاهرة من أجل
ان النور من حيث تجرده لا يدرك ظاهرا، وهكذا حكم كل حقيقة بسيطة، وانما يدرك النور بواسطة الألوان
والسطوح القائمة بالصور، وكذا سائر الحقائق المجردة لا تدرك الا في مادة الهى - ش (3) - صفة للروح - ش
(4) - متعلق بقوله: الموضح، أي هذه النسبة الباطنة العلمية توضح وتفيد أيضا معرفة عينها ووحدتها،
فالضمائر الثلاثة راجعة إلى النسبة الباطنية - ش (5) - عطف على عينها، أي معرفة نسب هوية الحق -
ش - نسبة - ل (6) - صفة للنسب - ش (7) - عطف تفسير - ش (8) - عطف على عينها، أي
وكذلك تفيد وتوضح النسبة معرفة جميع الحقائق - ش (9) - أي المعلومات المعقولة - ش
(10) - وهى أعيان الممكنة الثابتة والحقائق الأسمائية كلها وتوابعها من الأسماء - ش - نسبة - ل
102
89 - 3 فالعالم بمجموع صوره (1) وحقائقه (2) أشعة نور الحق، الله نور السماوات
والأرض (35 - النور) وان الله قد أحاط بكل شئ علما (12 - الطلاق).
90 - 3 فأقول: أفاد هذه الأصول منضمة إلى أنواع الأثمار السالفة (3) بحسب النكاحات
المذكورة: ان الحقائق الكلية الأسمائية الإلهية أو الكونية أسباب التعينات الروحانية وهى
للجسمانية، وإن كان المؤثر هو الحق تعالى بالتوجه الاحدى الإرادي والتجلي الذاتي المتعين
حسب تعينات القوابل، فكل تجل كلي إحدى هو سبب في ظهور جزئياته ونسب
تعلقاته، هو من حيث سببيته العامة النسبة لا يتعين بظهور معين من ظهوراته (4)،
ولا يتميز في عالم الحس لناظر في جزئي منظور من جزئياته (5)، وذلك كالوجود العام من
حيث نسبة عمومه إلى الكل لا يقتضى التعين المخصوص من تعينات نسب ظهوره.
91 - 3 وانما قلنا من حيث هو سبب، لأنه (6) لا من تلك الحيثية الكلية يتعين بالمظاهر
وقلنا لا يتعين بظهور، لأنه قد يتعين بذاته (7) أو في بعض مراتب البطون مع كليته -
كالعقول والنفوس الكلية (8) - اما الحق تعالى فإنه لا يتعين محض ذاته بتعين يحيط به العقل



(1) - أي المحسوسة - ش (2) - أي العينية المعقولة - ش (3) - أي في الفصل الثاني - ق - السابقة - ل
(4) - بل بظهور كل معين - ش (5) - بل في كل منظور - ش (6) - أي لأنه من حيث ذلك الاعتبار
أي من حيث هو سبب في وجود الكثرة يتعين بحسب مظهر مظهر - ش (7) - كما في الوجود العام، فإنه
من حيث إنه سبب لظهور الجزئيات الحسية لا يتعين بظهور جزئي محسوس، لكنه يتعين بذاته وهو اعتبار
عمومه وجمعيته للحقائق، وأيضا هو متعين في بعض مراتب البطون، أي بالتعين العقلي والنفسي وإن كان
من حيث إنه سبب للعقول والنفوس غير متعين بتعيناتها أيضا، البرهان جار هنا لكن الغرض بيان ما هو
سبب للمظاهر الحسية من حيث إنه سبب حسي ولذا قال: ولتأكيد الاحتراز... إلى اخره، والمراد بأظهر
الظهور هو الظهور في المظاهر الحسية، هذا وجود العام، واما الحق فإنه غير متعين بذاته بتعين يشار إليه
بعقل أو وهم، لكنه يتعين في بعض مراتب بطونه - كما في مرتبة التعين الأول - فافهم - ق (8) - قوله:
وانما قلنا من حيث ما هو سبب... إلى اخره، اعلم أن الفيض المنبسط والظل النوري الممتد على هياكل
سكان الملك والملكوت وقطان الجبروت له اعتباران: اعتبار الوحدة والبساطة، وهو اعتبار اضمحلال
الكثرات في ذاته وفناء الصور والتعينات في حضرته، وبهذا الاعتبار ليس له ظهور ولا تعين في مظهر من
المظاهر، وهذا مقام الباطنية والأولية الفعلية، نعم قد هو متعين بذاته عند اعتبارها والنظر إليها استقلالا
وبالمعنى الأسمى، وإن كان هذا النظر نظرا باطلا شيطانيا والنظر المحقق الذي كان لا بينا آدم عليه السلام
غير ذلك، أي كان نظره إليه وإلى كل الأسماء نظرا آليا اسميا، فإنه عليه السلام كان متعلما -
103
أو الوهم بإشارة، ثم يتعين بمراتب نسب بطونه - كما في مرتبة التعين الأول، لان (1) تعينه
وهو كونه هو هو وجودا وثبوتا عينه لا بسبب زائد، إذ لا زائد ثمة، ولتأكيد الاحتراز عن
ذلك قيدناه بقولنا: ولا يتميز لناظر... إلى اخره، فالمراد بالظهور ما سماه الجندي أظهر
الظهورات، والا فالشيخ قدس سره سمى التعين الأول أول مراتب الشهادة، بل واخرها
باعتبار انتهاء التحليلين (2) إليها.
92 - 3 تأييده: لو اقتضاه لزمه ذلك التعين والتعين الاخر ينافيه، ومنافى اللازم منافى الملزوم
فلا يجامعه، هذا خلف، كما أن كل حقيقة كالانسانية مثلا من حيث عموم نسبته لا يقتضى تعين
زيد أو عمر أو غيرهما، ولان اعتبار الشركة ينافي اعتبار عدمها - أعني التعين - فلا يجتمعان.
93 - 3 لا يقال: المنفى في الأصل المذكور ان يتعين السبب من حيث اشتراكه، لا ان
يقتضى التعين (3) أو يجتمع مع اعتبار التعين، والدليلان ينفيانهما - لا الأول -.
94 - 3 لأنا نقول: إذا تعين التجلي من تلك الحيثية كان التعين صورته من حيث
اشتراكه، وكل صورة للشئ فهو اثره ومقتضاه في قاعدة التحقيق.
95 - 3 وتأنيسه: قولهم: الكلى العقلي غير موجود في الخارج، لأنه عبارة عن مجموع
الحقيقة (4) وكليته، سواء اعتبرت الكلية جزء أو عارضا فلو وجد المجموع لوجدت الكلية



- بالتعليم الإلهي، كما شهد الله بقوله: وعلم ادم الأسماء كلها، هذا أحد الاعتبارين، والاخر اعتبار الكثرة
والتركيب، وهو اعتبار الظهور في المظاهر من التعينات الجبروتية والملكوتية الكلية والملكية الناسوتية الجزئية،
وبهذا الاعتبار ليس له تعين خاص بل يتعين بكل التعينات بل نسبته إلى كل التعينات على حد سواء، وهو الذي
في السماء اله وفي الأرض اله، ولو دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبطتم إلى الله، وبهذا الاعتبار ورد: ان معراج
يونس عليه السلام كان في بطن الحوت كما أن معراج نبينا صلى الله عليه وآله كان بالعروج إلى فوق اللاهوت،
ونظر المحقق الماتن إلى الاعتبار الثاني، أي اعتبار الكثرة، ولا يخفى ان كلام الشارح في هذا المقام غير منقح وفيه
مواقع النظر ليس لنا مجال التعرض له ولما فيه، وقد أشبعنا الكلام في ذلك المقام في بعض رسائلنا - خ
(1) - تعليل لقوله: لا يتعين - ق (2) - أي التحليل النزولي والعروجي - ش (3) - قوله: المنفى في الأصل...
إلى اخره، حاصله: ان الكلام في تعين الظاهر في مظهر من المظاهر لا في اقتضائه التعين أو اعتبار الشركة وعدمها
فليس التأييد بشئ والجواب ظاهر - خ (4) - قوله: الكلى العقلي... إلى اخره، وجه كونه تأنيسا: ان الحقيقة
العقلية لها مقام لم يتعين بأحد التعينات الخارجية ولا يخفى ما في مقايسته، ولو مثل بالكلى الطبيعي لكان انسب،
فان الكلى الطبيعي مع كونه ظاهرا في المظاهر لا يتعين بظهور من ظهوراته ولا يتميز لناظر في منظور - خ
104
- وهو محال - لأنها من المعقولات الثانية.
96 - 3 فان قلت: هذا حكم الحقيقة الكلية من حيث كليتها وعموم شيئيتها، فما
حكم المطلق منها، وهو المأخوذ بلا شرط شئ - لا بشرط لا شئ - والبون بين الحقيقة المطلقة
والحقيقة من حيث اطلاقها بين، إذ الأولى ليست من حيث هي كلية ولا جزئية ولا واحدة
ولا كثيرة ولا سببا ولا مسببا، ومن هنا يقال: إن عدم الاعتبار ليس باعتبار للعدم، وهل
هي موجودة في الخارج ومتحققة كالوجود المطلق؟
97 - 3 فقد ذهب أكثر الحكماء إلى أن الكلى الطبيعي موجود فيه لوجود أحد قسميه، وهو
المخلوط والماهية بشرط شئ، وقد صرح الخنجي والارموى والكاتبي وغيرهم بوجود الماهية
المشتركة، ومنعه المحقق الطوسي بأنها: ان تحققت في كل افرادها لم يكن شيئا واحدا بعينه،
وان تحققت في الكل من حيث هو كل، فالكل من تلك الحيثية شئ واحد فلم يقع على أشياء،
وان تحققت في الكل من حيث معنى التفرق، كان في كل واحد جزئه - لا نفسه -.
98 - 3 ثم قال: فليس معنى كونها مشتركة بينها الا حملها عليها، والحمل أمر عقلي،
فلا وجود للمشترك الا في العقل.
99 - 3 ومنعه قطب الدين الرازي أيضا بان: عدة من الحقائق كالجنس والفصل
والنوع تتحقق في فرد، فلو وجدت امتنع الحمل بينها.
100 - 3 قلت: الحقيقة المطلقة - ولو عن قيد الاطلاق - موجودة في الخارج عند أهل
التحقيق، والدليل عليه ما وقع في بعض نسخ مفتاح الغيب وفي كتاب النصوص من قول
الشيخ قدس سره: ولا يتميز لناظر الا في منظور، وهذا بصراحته يدل على تميزها، فضلا
عن وجودها في مظهر منظور.
101 - 3 ثم الجواب عن الدليلين بلسان أهل النظر: ان التعين عارض على الحقيقة، فإن لم
يكن التعين أيضا موجودا في الخارج فلا موجود فيه، إذ الامر دائر بين التعين والحقيقية، وان

105
كان موجودا، فوجود العارض بدون معروضه محال، وهذا العروض - على تقدير وجود
التعين في الخارج - عروض عرضي خارج لا عارضي عقلي حتى يقال بكفاية وجودها في العقل.
102 - 3 ثم نقول: معنى تحقق الحقيقة الكلية الواحدة والمتعددة في افرادها، تحققها تارة
متصفة بهذا التعين واخرى بذاك التعين، وهذا لا يقتضى كونها أشياء كما لا يقتضى تحول
الشخص في أحوال مختلفة - بل متباينة - كونه اشخاصا. ثم من الجائز أن تكون عدة من
الحقائق المتناسبة متبوعة وتبعه موجودة بوجود واحد شامل لها من حيث هي - كالأبوة
القائمة بمجموع اجزاء الأب من حيث هو مجموع -
103 - 3 فان قلت: كيف يتصف (1) الواحد بالذات بالأوصاف المتضادة،
كالمشرقية والمغربية والعلم والجهل وغيرها؟
104 - 3 قلت: الاستبعاد حاصل من قياس الكلى على الجزئي والغائب على الشاهد،
ولا برهان على امتناعه في الكلى، إذ لا يلزم من عدم التعين الشخصي عدم التعين مطلقا، لجواز
ان يتعين (2) بأحد التعينات الشخصية لا بعينه - ما دامت منسوبة إلى الكلى - وهو التعين
النوعي أو الجنسي، ويكون تعينا ذاتيا لا علميا - كتعين الروح الكلى - والاستبعاد يزول بما
نقلناه عن المحقق الطوسي: ان ما لا يكون مكانيا ولا زمانيا يكون نسبة جميع الأمكنة
والأزمنة إليه على السوية، فلا يعتبر شئ منهما (3) في نفسه (4) ولم يتحقق (5) في طور



(1) - قوله: قلت الاستبعاد: لان الاتصاف بالاتصاف المتعددة المتفاوت المتباينة يكون ممتنعا في الجزئي وفي الواحد
الجسماني الزماني المكاني، لا في الكلى على وجه كلي وفي الواحد الروحاني المثالي الخارج عن التقييد بالزمان
والمكان، فقياس الكلى على الجزئي والغائب الذي هو الواحد الخارجي الروحي والمثالي على الشاهد الذي هو
الواحد الخارجي الجسماني في الحكم بالاجتماع - ش (2) - يعنى انه يجوز ان يتعين بتعين ذاتي كلي
احاطى قائم بذاته موجود بوجود الأصل إذا نسبت التعينات الشخصية إليه، كان ذلك التعين أحدها ويسمى
نوعيا، إذا نظر إلى ذاته كان تعينا ذاتيا لا تعينا علميا مجعولا للعالم تابعا له في الوجود موجودا بوجود حاك كما في
المفاهيم الانتزاعية العلمية - ق (3) - أي الأمكنة والأزمنة - ش - منها - ل (4) - أي في نفس ما لا يكون
مكانيا ولا زمانيا - ش (5) - قوله: ولم يتحقق في طور التحقيق: أي لم يتحقق هذا المستبعد المورد، قوله: صور
التجليات مفعوله، بناء على قرائة المعلوم - ش
106
التحقيق (1) صور التجليات في مراتبها الكلية الأسمائية الروحية (2) أو المثالية أو النفسية
عبر عنها بالمثل الأفلاطونية (3)، أو (4) زعم (5) ان الكليات في النفوس الجزئية



(1) - فإنه لو تحقق وعلم كيفية وجود الأرواح والمثل والنفوس الكلية المسماة بالمثل الأفلاطونية وكيفية سريانها
وانبساطها على الموجودات الجزئية لم يستبعد وجود الكلى الطبيعي - ق (2) - قوله: الروحية المثالية: بدل
وبيان لصور التجليات، فان الموجودات الروحية والمثالية صور ومظاهر للأسماء الكلية، لان الحق يتجلى في
المراتب الروحية والمثالية من حيث أسماء الكلية الجامعة، وتلك الموجودات الروحانية والمثالية التي عبر عنها
بالمثل الأفلاطونية، لها مظاهر حسية وأجسام جسمانية واجزاء وجزئيات مادية، فتلك التعينات الكونية المتباينة،
نسب وإضافات واشراقات وحالات لتلك التعينات الكلية المثالية، وهى في حد نفسها وحريم ذاتها حالة عن
تلك التعينات الجزئية النسبية على وجه الخصوصية والجزئية والتفرقة، وواحدة لها بنحو الوحدة والبساطة لكل
من التعينات الجزئية، فهي مقومها واصلها وملحوقها. وقد قرر على القواعد العرفانية في مقامه: ان كل غير
متعين يتعين ما في مرتبة ذاته وحد نفسه، إذ الحقيقة ذلك التعين واحكامه يكون ذا وجهين واعتبارين: أحدهما انه
في حال لحوق ذلك التعين واحكامه غير متعين في نفسه ومنزه عنها في ذاته، وثانيا انه متصف بذلك التعين ومحكوم
بحكمه، لكن لا في مرتبة اطلاقه، بل من حيث ذلك التعين والمظهر وبحسب تلك المرتبة، وهذا هو الجمع بين
التشبيه والتنزيه، فاتصافه بالأوصاف المتباينة المتضادة باعتبار مظاهرها وافرادها وبحسب كل فرد ومظهر
يكون محكوما بحكم خاص لا يكون ذلك الحكم والوصف في مظهر وفرد اخر، ووحدته واطلاقه باعتبار ذاته
ونفسه، ومن الجائز اجتماع المتنافيين بحسب الاعتبارين، فالاتصاف بالأوصاف المتعددة المتضادة بحسب المظاهر
والنسب والحالات، وفي كل مظهر يكون حكما واحدا وصفة واحدة.
وأيضا اتصافه بتلك الأوصاف المتعددة المتضادة على وجه كلي، والممتنع الاتصاف بها على وجه جزئي،
فمن تحقق وعلم حال التعين الكلى الروحي الذي هو صورة التجلي الكلى الأسمائي ومظهره بالنسبة إلى الافراد
الخارجة المادية والتعينات الجزئية وسعته وانبساطه عليها من حيث إنها نسب وإضافات واشراقات له وهو
مقومها واصلها لم يصعب عليه الامر في الجمع بين الموجود الكلى الروحاني والمثالي وبين جزئياتها المادية
الجسمانية واتصافه بتلك الأوصاف المتضادة التي في الجزئيات ولم يستند اشتراك الحقيقة الواحدة في الخارج من
جهة لزوم اتصاف الذات الواحدة بالأوصاف المتضادة، تدبر تفهم. ويمكن ان يحمل الصور على المظاهر الجزئية
لافراد المادية ويجعل قوله: الروحية والمثالية بدلا وبيانا للتجليات أو المراتب، إلى لم يتحقق هذا المستبعد المورد
هذه الجزئيات من جهة كونها مظاهرا ونسبا واوصافا للموجود الكلى الروحي والمثالي، والا لم يستبعد اتصاف
ذلك الواحد بالأوصاف المتضادة ولم يصعب عليه أمر الاشتراك الخارجي، فافهم واغتنم - ش (3) - أرباب
الأنواع عند الافلاطون وأشياعه مثل نورية، وهى عند العارفين أسمائه تعالى، فان كل نوع تحت اسم وهو عبد
ذلك الاسم، مثلا ان الحيوان عبد السميع و البصير والفلك عبد الرفيع الدائم والانسان عبد الله، والاشراقيون
قائلون بان كل رب من أرباب الأنواع مربوب اسم من أسماء الله، فمآل الاشراقي والعارف واحد، لان الامر ينتهى
بالآخرة إلى الأسماء، فتبصر - ق (4) - عطف على لم يتحقق - ق (5) - قوله: أو زعم أن الكليات: عطف على
لم يتحقق أو عطف على مضمون الكلام السابق، أي الاستيلاء وحاصل من جهة انه قاس الكلى على الجزئي، أو
زعم أن الكليات في النفوس الجزئية تابعة للجزئيات ومنتزعة منها ولم يكن في الخارج شئ واحد موجود -
107
لا تكون (1) الا منتزعة الصورة من الجزئيات، واما في العقول العالية والنفوس السماوية
وذات الحق تعالى فلا تكون منتزعة - بل علمية علية - وعليه جماعة كابى علي بن سينا
ومن تبعه، والحق ما عليه أهل التحقيق. (2)
105 - 3 وبلسان (3) التحقيق على ما سيتضح في بحث اخر: ان الحقائق غير مجعولة، إذ
الظهور نسبة لوجود الحق المتصف بتلك الحقيقة المتصفة بتعينات الافراد، كما أن البطون
نسبة أخرى له، فالوجود الحق واجب، لكن إحدى نسبتي الظهور والبطون لازمه من
حيث امتيازهما النسبي، وإن كان من حيث ذاته مستغنيا عنهما، ولا يلزم من عدم تحقق
الشئ من حيث نسبته إلى لوازمه الا مع لازم منها عدم تحققه في نفسه أو توقف وجوده
عليه، كما يحوم حوله الأوهام الفاسدة، كيف والوجود ماهية وجودها عينها، والا اجتمع
وجودان في شئ، وكل ماهية وجودها عينها كان واجبا - باعتراف محققهم الطوسي قدس
سره - إذ لو جاز عدمه لم يكن ذلك الشئ ذلك الشئ وكان الماهية مجعولة، والكل باطل،



- مشترك بل الشئ تابع في الوجود للجزئيات فلم يكن في الخارج شئ سوى الجزئيات حتى يكون مشتركا
وفي العقول العالية وان لم يكن الكليات تابعة ومنتزعة بل متنوعة ولكن لم يكن موجود في الخارج بل
موجود بالوجود العلمي - ش
(1) - حاصله: انه زعم أن الكلى لا يوجد الا في العلم، اما بالانفعال والانتزاع من الجزئيات - كما في النفوس
الجزئية - واما بالعلم الفعلي العلى - كما في العقول والنفوس السماوية - ق (2) - قوله: والحق ما عليه أهل
التحقيق: من أن الجزئيات تابعة للكلي متوقف وجودا عليه وهو يتحقق في حد نفسه وإن كان غير منفك
عن تلك الجزئيات والتعينات في الخارج، إذ هي نسبة ظهوره وتجلياته واشراقاته وهو لائح عنها، فهي
لازمة له وإذا لنسب إلى لوازمه لا يتحقق الا مع لازم بعضها وهو لا يلزم عدم تحققه في نفسه أو توقف
وجودها عليه، وقد اتضح في مقامه ان حقيقة الوجود ظاهرة بتلك الحقائق العينية ومتعينة بتلك التعينات
المختصة، فالموجودات الخارجية مرتبة ظهوره والظهور نسبة للوجود الحق ونسبة الظهور لازمة للوجود
والوجود وان لم ينفك عن الظهور ولكن من حيث ذاته مستغن عنه ولم يتوقف عليه، كيف يتصور
التوقيف والحال ان حقيقة الوجود واجب، فكيف يتوقف وجود ذاته على أحد تعيناته وظهوراته
واشراقاته، فإذا علمت الحال في المطلق الحقيقي ظهر لك ان حال كل كلي ومطلق بالنسبة إلى جزئياته
وتعيناته بعينه ذلك الحال من غير فرق، وهذا ملخص ما قال الشارح المحقق بلسان التحقيق على حقيقة
ما عليه أهل التحقيق، فافهم واغتنم - ش (3) - عطف على بلسان أهل النظر - ق
108
فإذا وجب وجوده كيف يتوقف وجود ذاته على أحد تعيناته المخصصة؟ تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
106 - 3 فان قلت: فالتعين الغير العلمي - سواء كان شهوديا أو غيبيا لكونه لاحقا
بالمطلق وتابعا لتحققه - يستدعى تعينا سابقا - والا اجتمع التعين وعدمه وهلم جرا -
وتعينا لاحقا به يتمايز افراد حقيقة التعين.
107 - 3 قلت: اما السابق فلا نسلم استدعائه، كيف ولو استدعى استدعى جميع
التعينات تعينا خارجا عنها، فيلزم دخوله وخروجه معا وهو محال، وتحقيقه: انه كالتحيز
والتسود يستدعى تعينا وتحيزا وتسودا في الجملة لئلا يجتمع الضدان أو يصدق النقيضان،
لا سابقا، والا كان تحصيلا للحاصل، بل حاصلا بهذا التعين وهذا الحيز والسواد، وقد
عرفت في بحث ان الاتحاد للموجود بهذا الاتحاد، واما اللاحق فلان التعين حقيقة
يقتضى بذاته متعينة ما يلحق (1) به، لا بتعين زائد كباقي العوارض.
108 - 3 وذلك بناء على الأصل السالف ان حقيقته عين التعين، فلو احتاج إلى سبب
زائد كان الحقيقة مجعولة ولم يكن حقيقة التعين تلك الحقيقة لولاه، لكن كون الشئ هو هو
واجب وسلبه عن نفسه ممتنع الا عند من يقول بان وجود كل شئ ماهيته وان الماهيات
مجعولة، وذلك عند المحقق باطل، لان ماهية كل شئ كيفية ثبوته في علم الله أزلا، نعم قد وجودها في
العلم الكوني مجعول تابع لوجود محله - ذكره الشيخ قدس سره في النفحات - لكنه وجود شئ
تبعي حاك، والكلام في الوجود الأصيل المحكي، والمخالف لا يقول الا بان الثاني هو الوجود. (2)
الفصل الخامس
في امكان كون الشئ الواحد مظهرا وظاهرا باعتبارين ويستدعى تقديم أصول:
109 - 3 الأول: ان كل مظهر كل شئ - بفتح الميم - (3) صورته التي فسرها الشيخ
في التفسير بقوله: كل ما لا يظهر الحقائق الغيبية من حيث هي غيب الا به، فهو صورة،



(1) - أي يقتضى التعين حال كونه متعينا بذاته لا بتعين زائد - ق (2) - أي الوجود التبعي الحاكي - ق
(3) - أي مظهر الشئ صورته التي لا يعقل ذلك الشئ ولا يظهر الا بها - ش
109
فاعرف مثله في المسمى مظهرا إلهيا.
110 - 3 الثاني: ظهور الشئ نسبة تعينه في ذاته، فظهور الحقيقة الكونية نسبة تعينها
الايجادية، (1) وله (2) مراتب حسب مراتب النكاح، لما (3) قال الشيخ في النفحات: لا
ايجاد ولا ظهور لشئ الا بالنكاح، علمنا منه ان المراتب الكلية للظهور كمراتب
النكاح، فالحقائق صور الاجتماعات الأسمائية ومظاهر (4) النسب العلمية، والأرواح صور
اجتماعات الحقائق، والمظاهر (5) المثالية والجسمية (6) صور الاجتماعات الروحانية، فمنها علم أن
لكل صورة وجودية روحانية، والكل (7) صور التجلي الاحدى الساري في حقائق
الممكنات المتعين بحسبها، ومن أقسام الظهور ظهور اعمال العباد وأقوالهم واخلاقهم
بالصور المثالية في انتهائها، ومنها (8) ظهور الهيولي بالصورة والجواهر بالاعراض.
111 - 3 الثالث: ما قال في تفسير الفاتحة: ان كل مدرك من الصور - بأي نوع أدرك
من أنواع المدارك - ليس الا نسبة اجتماعية في مرتبة أو مراتب على اختلاف أنواع
الاجتماعات، فالتركيب الجمعي (9) يحدث عين الصورة بحكم أحدية الجمع الإلهي الساري
فيه، فمتعلق الحدوث هو التركيب والجمع والظهور، لا الأعيان المجردة والحقائق الكلية (10)،



(1) - وبظهور الحقيقة الكونية نسبة الايجادية - ق (2) - أي وللظهور - ش (3) - بكسر اللام علة لما
سبق، ويحتمل ان يكون لفظة لما شرطية وقوله: علمنا منه جواب الشرط ولكنه خلاف الظاهر والسياق
كما لا يخفى - ش (4) - عطف على صور الاجتماعات خبر لمبتدأ المذكور - ش (5) - مبتداء خبره قوله:
صور الاجتماعات الروحانية - ش (6) - عطف على المثالية - ش (7) - كلام مستقل مبتداء وخبر، أو
عطف على الكل، أي فمنها علم أن الكل صور التجلي الاحدى، لان في الاجتماع والنكاح اعتبار التجلي
الاحدى الساري - كما سيأتي مفصلا - ش (8) - صفة التجلي - ش - أي عروجها - ق (9) - كذا
في نسخة التفسير التي عندنا، فالتركيب الجمعي يحدث عين الصورة التي قصد المركب والجامع اظهار
بالجمع والتركيب الذي هو شرط في ظهور عين ذلك المركب - ش (10) - التي هي أصول المركبات
والمجتمعات في سائر مراتب الجمع والتركيب ومواد عين الجمع والمركب، وليس الجمع والتركيب إذا
تدبرت ما ثبتت عليه نسبة انضمام الحقائق المجردة بعضها إلى بعض بحركة منبعثة عن قصد خاص،
فليجامع المركب فيحرك أو يتحرك لابراز عين الصورة الوجودية أو الكلية المرادة ظهورها في النفس،
فيصير الكلمة مشهودة بواسطة النسبة الانضمامية بعد إن كانت عينا، وهكذا الشئ الظاهر بالايجاد الإلهي
في أي مرتبة ظهر من المراتب الوجودية حسب المشيئة والاستعداد، كذا في التفسير - ش
110
ومتعلق الشهود هو المركب من البسائط، مع أنه ليس بشئ زائد عليها الا نسبة جمعها
المظهرة للامر الكامن فيها، الذي لولا الاجتماع على النحو المقصود لم يعلم ولم يظهر عينه،
فالبساطة حجابك، وبالتركيب الذي هو ستر على الحقائق يرتفع ذلك الحجاب، مع عدم
تجدد أمر وجودي، هذا هو العجب العجاب.
112 - 3 الرابع: ما قال الشيخ قدس سره في النفحات: كل هيئة واجتماع من وجه
أول ومظهر وما يتصل ويتعين به من مطلق الذات هو اخر وظاهر، لان المظهر حكمه حكم
المرآة، فالمرآة إذا امتلأت بما ينطبع فيها لا ترى، وانما يرى المنطبع (1)، فلذا قلنا: كل
مظهر باطن، والظاهر هو المنطبع، هذا مع أنه - أعني المنطبع - من وجه اعتبار تقدمه على
حالة الانطباع باطن هذا الظاهر وروحه (2)، وباطن الباطن (3) ما يعلم مجملا من غيب
الذات بواسطة ما تعين منها، باعتبار ان وراء هذا المتعين أمرا تعينه مسبوق باللا تعين، وقد
تعين من هذه الحيثية. هذا كلامه قدس سره.
113 - 3 إذا تحققت هذه الأصول فنقول: كل مظهر لأمر ما من هذه المظاهر - أعني
صورته التي بها يتعين ويظهر حقيقته - سواء كان من المظاهر الحسية أو المثالية أو غيرهما مما
ذكر، لا يمكن ان يكون ذلك المظهر ظاهرا من حيث كونه مظهرا له، والا لتوقف تعين كل
منهما على الاخر ودار التوقف من جهة واحدة وهو محال، ولا ظاهرا بذاته، والا لاستغني
عن الغير ولم يكن صورته، وقد فرض انه كذلك، هذا خلف، ولا ظاهرا في شئ غير ذلك
الظاهر، والا كان التعين من ذلك الغير لا منه، وقد فرض انه منه، هذا خلف.
114 - 3 والتحقيق: ان قاعدة الظهور تبعية الظاهر للمظهر في التعين وبالعكس في
الظهور، ولا يتحقق (4) هذا على شئ من التقادير الثلاثة، اللهم الا في صورة واحدة هي ان



(1) - قوله: من وجه أول، وهو وجه كونه مرآة به يظهر مطلق الذات ويكون المرئي بهذا الاعتبار اخرا وظاهرا، وإن كان
من وجه آخر آخرا وهو اعتبار كونه ناشئا من الذات، والذات بهذا الاعتبار أول - خ (2) - عطف على باطن، أي
روح هذا الظاهر - ش (3) - مبتداء خبره مجملا - ش (4) - أي ذلك التحقيق الذي هو قاعدة الظهور أو كون المظهر
ظاهرا - ش - اما في الأول فلتبعية كل منهما الاخر في التعين، واما في التقدير الثاني فلان المظهر لا يكون تابعا للظاهر
في الظهور، واما الثالث فلعدم تبعية الظاهر للمظهر في الظهور. قوله: اللهم، استثناء منقطع وبيانا لمواد القاعدة - ق
111
يكون الظاهر بذاته وحقيقته في عين أحواله بحيث يكون حكمها معه حكم الممتاز من وجه
دون وجه، فبجهة ما به الممايزة - كالذاتية (1) والحالية - يكون الذات ظاهرا والحال مظهرا،
وبجهة ما به الاتحاد - أي من جهة ان حال الشئ وصفته من حيث هو عينه - يكون
الظاهر والمظهر واحدا (2)، ويمكن اعتبار الكل (3) مظهرا لما لم يتعين أصلا.
115 - 3 وتحقيقه: ان أحوال الشئ صور نسبه التي هي بالنسبة إليه عين (4) ذاته، وذاته
يفيد أحدية أحواله المصححة لظهورها (5)، وأحواله تفيد تعين ذاته، فبذلك صار هذا المتعين
بالأحوال مظهرا لما لم يتعين منه من غيبه، وتحقق (6) كونه ظاهرا في الأحوال
والصفات ومظهرا لغيب الذات، فهذا الذات (7) لا دور في ظهوره وليس ظاهرا بنفسه،
لتوقف ظهوره على غيبه ولا ظاهرا في ما سواه، لان أحواله نسبه التي هي عينه من حيث
انتسابها إليه - كما وضح من الأصل الرابع -
116 - 3 ثم نقول: وهذا شأن الحق تعالى، إذ هو المظهر من حيث صفاته ونسبه،
والظاهر من حيث ذاته وغيبه - كما قال الشيخ قدس سره في التفسير: أنت مراته وهو
مرآة أحوالك. وقال فيه أيضا: كل موجود حكمه مع الأسماء حكمها مع المسمى،
والانفكاك محال على كل حال وفي كل مرتبة، فالعالم بمجموعه مظهر الوجود البحت



(1) - أي ككون أحدهما ذاتا والاخر حالا - ش (2) - قوله: فبجهة ما به الممايزة، لا يخفى ان ما ذكره
الشارح في بيان كلام الشيخ غير تام، بل ظاهر كلام الشيخ أيضا كذلك، وإن كان له وجه صحة، لان
الأصل المذكور عدم جواز كون شئ واحد من جهة واحدة ظاهرا ومظهرا، واما إذا تعددت الحيثيات
فليس مشمولا للأصل حتى يصح الاستثناء، والظاهر من كلام الشيخ والمصرح في كلام الشارح كون
الحق ظاهرا ومظهرا من جهتين: جهتي الوحدة والكثرة، وهذا غير منفى بالأصل، نعم قد يكون للحقيقة
الوجودية ظاهرية وباطنية وأولية وآخرية غير ما ذكراها، يعرفها الراسخون مع صفاء الفطرة وسلامة
الذوق، فان حقيقة الوجود مع كونها نورا بذاته في ذاته ومظهر الأشياء غيب محض ومجهول مطلق - خ (
3) - أي الذات على الأقوال - ق (4) - أي في الوجود، وإن كانت غيره باعتباره تعلقاتها إلى المجالي - ش
(5) - أي لظهور الأحوال - ش (6) - عطف على صار - ش (7) - أي ليس في هذا شئ من
المحذورات الثلاثة المتقدمة - ش
112
وكل موجود على التعين مظهر له أيضا، ولكن من حيث نسبة اسم خاص في مرتبة مخصوصة،
والوجود مظهر لاحكام الأعيان وشرط في وصول الاحكام من بعضها إلى بعض، هذا قوله (1).
117 - 3 فالانسان الكامل مظهر له من حيث الاسم الجامع، ولذا كان له نصيب من
شأن مولاه، فإذا تحقق بمظهرية الاسم الجامع، كان التروحن من بعض حقائقه اللازمة،
فيظهر في صور كثيرة من غير تقيد وانحصار، فيصدق تلك الصور عليه ويتصادق (2) لاتحاد
عينه، كما يتعدد (3) لاختلاف صوره، ولذا قيل في إدريس انه هو الياس المرسل إلى
بعلبك، لا بمعنى ان العين خلع تلك الصورة ولبس صورة الالياسية، والا لكان قولا
بالتناسخ، بل إن هوية إدريس مع كونها قائمة في آنيته وصورته في السماء الرابعة ظهرت
وتعينت في انية الياس الباقي إلى الان، فيكون من حيث العين والحقيقة واحدة ومن حيث
التعين الشخصي اثنين، كنحو جبرئيل وميكائيل وعزرائيل يظهرون في الان الواحد من
مائة الف مكان بصور شتى كلها قائمة بهم، وكذلك أرواح الكمل وأنفسهم كالحق المتجلى
بصور تجليات لا تتناهى - كذا ذكره الجندي -
118 - 3 وكما يروى عن قضيب البان - وهو أبو الفتح الموصلي - انه كان يرى في
زمان واحد في مجالس متعددة مشتغلا في كل بأمر غير ما في الاخر، فمنه يتصور معنى المظهر
الإلهي والصورة التي حذى الانسان الكامل عليها.
119 - 3 ولقد أحسن في كشف الغطاء لاخوان الصفاء عن مراتب مشاهدة التوحيد
لاخلاء التجريد فقال: المعلول صورة العلة والعلة باطنه، لأنه ممكن فليس له الا قبول
الوجود، فالظاهر في مظهر ماهية المعلول كمالات العلة على قدر قابليته، وان ظن المحجوب انها
للمعلول، فكأن ماهية المعلول هي المرآة المصقولة، وليس للمرآة الا حكاية صورة المحاذى،
إذ في ذاتها خالية عن جميع الصور، فاجعل جميع المرايا وما يرى فيها من الكمالات المحسوسة
والمعقولة صور صفات الحق فيها، بل اجعل جميعها مرآة واحدة لتصير من أهل المشاهدة.



(1) - أي قول الشيخ في التفسير - ش (2) - أي الصور - ق (3) - أي الكامل - ق
113
120 - 3 ثم ارق إلى مدركها (1) غير خارج عنك ومحيط بما ادركها من حيث ما ادركها،
وهى إحاطة علمية، والعلم غير منفك عن ذات العالم، فذاتك محيطة بجميع معلوماتك، فهي في
ذاتك، فنفسك هي المرآة المذكورة، فهذه أعلى مما سبق، لأنك ثمة كنت تشاهد الموجود الحقيقي
في غيرك وهنا تشاهد في ذاتك.
121 - 3 ثم ارق إلى أن ذاتك ممكن وكل ممكن من حيث هو هو غير موجود، فارفعها من البين
وأنسب الأشياء من حيث هي تجليات إلى الحضرة الأحدية قائمة به، فهي كمالات للحق تشاهدها فيه.
122 - 3 ثم ارق إلى انك مع هذه المشاهدات لم تخرج عن كونك مدركا، وقد بان استحالة
محليتك، فلا مدرك بالحقيقة الا الحق تعالى.
123 - 3 تأنيسه: من وجه قولهم: البسيط لا يكون قابلا وفاعلا معا من جهة واحدة، أي
لما كان قابلا له لم يكن فاعلا له، فان الفاعلية شأن الظاهر والقابلية شأن المظهر.
124 - 3 وذلك أولا لما يلزم من تأثير الشئ في نفسه وهو (2) محال لما مر ولما فيه من الدور
وفي نقضه بالمعالج نفسه نقض ظاهر، اما لأنه من جهتين أو لان المعالج معدلا مؤثر، والتأثير
لطبيعة الأدوية مثلا، وانما فرض في البسيط، لان المركب كجسم النار مثلا يفعل التسخين
بصورته ويقبل الحرارة بمادته، ولان الصورة شريكة العلة للهيولي على أصلهم، فيتوقف عليها
الهيولي في القيام والصورة عليها في التعين.
125 - 3 وثانيا لان المراد بالفاعل، التام الموجب، فلو كان قابلا لما أوجب لان نسبة
القبول من حيث الامكان الخاص أو للامكان المطلق الذي يتناوله، فيلزم اللا ضرورة ويمتنع
اتصاف النسبة الشخصية من جهة واحدة بالضرورة واللا ضرورة، والا صدق عليه النقيضان.
126 - 3 توضيحه: انه لو جاز لجاز في واجب الوجود من كل وجه، ولا يتحقق ذلك (3)
الا بان كان الوجود عينه.



(1) - بصيغة الفاعل - ش (2) - في قوله: ولا يثمر ما يضاده عليه ولا يشابهه كل المشابهة - ش (3) - أي لا يتحقق
الواجب الوجود من كل وجه الا بان يكون الموجود عينه ونفسه، أي وجودا صرفا، وإذا كان نفس الوجود فله -
114
127 - 3 ولما (1) اقتضى أصلهم (2) هذا ان يكون صفات الحق تعالى عندهم أيضا ممتازة
عنه بالامتياز النسبي ومتحدة مع ذاته في الوجود، كان موافقا لطور التحقيق (3)، فصح ان
يعتبر (4) في تعينات نسب أسمائه ومظهرا لمحض ذاته، فهذا (5) - أعني كون صفاته عين ذاته
وجودا وغيرها نسبة - فرع أصلهم هذا، وإذ لو كانت موجودة لساوته لو قدمت ولزم
تعطيلها وقيام الحوادث بذاته لو حدثت (6) على أن الموجد بالوجود مقدم، فالتعطيل لازم
ولا تشبث (7) بأنها (8) لا عينه ولا غيره - لعدم انفكاكها (9) - لأنه (10) يمتنع تعدد القدماء
المتفاصلة لا مطلقا، ولا (11) تعدد الواجبات المتلازمة.



- الضرورة الذاتية الأزلية فلا محال للامكان ولا ضرورة الذي هو مناط القبول ومنشأه، وإذا فرض
كونه قابلا مع كونه وجودا صرفا وعدم تحقق الجهتين فيه بالضرورة والضرورة فيصدق ويجتمع في الواحد الحقيقي الصرف
النقيضان ومجاليه من البديهيات الأولية، فظهر من هذا التقرير ان التوضيح متعلق بالوجه الثاني، تدبر - ش
(1) - جواب لما، أي هذا الأصل كان موافقا لظهور التحقيق، وفي نسخة أخرى: وكان موافقا بالواو العاطفة، فعلى هذا
فجواب الشرط هو قوله: فصح ان يعتبر... إلى اخره، فتأمل - ش (2) - هذا الكلام مستأنف لا ربط له بالتوضيح،
والمراد بالأصل هنا وفي قوله: فرع أصلهم هذا، هو عدم جواز كون شئ واحد فاعلا وقابلا من جهة واحدة - ش
(3) - قوله: ولما اقتضى أصلهم هذا، أي مقتضى عدم جواز كون الشئ قابلا وفاعلا هو الامتياز النسبي بين الذات
والصفات تحقيقا للذات والصفة، واما كونها متحدة مع ذاته تعالى في الوجود فليس مقتضى هذا الأصل، بل هو مقتضى
أدلة التوحيد، والحاصل ان الجمع بين القاعدتين يقتضى الامتياز النسبي والاتحاد الوجودي - خ (4) - بصيغة المجهول
والجار والمجرور، أي في تعينات يقوم مقام الفاعل وإضافة التعينات إلى نسب أسمائه بتقدير اللام، والمراد من التعينات
هو التعينات الخارجة والمظاهر الموجودة أي إذا كانت الأسماء والصفات متحدة مع ذاته تعالى في الوجود، فيصح ان
يجعل الموجودات الخارجية التي مظاهر الأسماء مظهرا لمحض ذاته تعالى، ويمكن ان يجعل إضافة التعينات إلى نسب
أسمائه بيانية، أي إذا كانت الأسماء والصفات متمايزة عنه تعالى بالامتياز النسبي، فيصح ان يعتبر ويجعل النسب
الأسمائية مظهرا لمحض ذاته تعالى، وما ذكرنا أي جعل لفظة في التعينات نائبا للفاعل وقوله: مظهرا مفعوله على قرائة
مظهرا بالنصب - كما في النسختين الموجودتين عندنا - حيث كتب الألف بعد مظهر، واما على قرائة مظهر بالرفع
فهو نائب الفاعل - ش (5) - عطف على أصلهم، أي الدليل على عينية الصفات أمور: أحدها هذا الأصل، أعني بطلان
كون البسيط فاعلا وقابلا، والثاني انه لو كانت موجودة... إلى اخره - ق (6) - قوله: لزم تعطيلها، أي تعطيل الذات
الإلهية لو كانت الصفات زائدة عليها وهى خالية عنها في مرتبتها، أو تعطيل الصفات لو كانت الذات في مرتبتها واجدة
إياها أو نائبة عنها لعدم الاحتياج إليها، تأمل - خ (7) - إشارة إلى دفع ما قاله الا شاعرة ردا للاستدلال بلزوم تعدد
القدماء من أنه لا تغاير فلا تعدد - ق (8) - القائل للخصم بعدم عينية الصفات - ق (9) - دليل على الغيرية - ق
(10) - وجه لتشبث به ودفع لما اوردنا من لزوم تعدد القدماء - ق - وجه ودليل للتشبث وعلة عدم التشبث هي
الدلائل آلة آلة على العينية والايجاد ومن حيث الوجود وعلى التغاير من حيث الامتياز النسبي وبطلان الوجه الذي
تشبث به ولظهور بطلانه لم يتعرض الشارح لبيانه - ش (11) - أي ولا يمتنع - ق
115
الفصل السادس في أنه لا يعلم شئ بغيره من الوجه المغاير المباين
128 - 3 لان العلم بالمسبب اثر العلم بالسبب (1) ولازم له، فلا يباينه من حيث هو
لازم، فهذا في الوجود العلمي - كما مر في الوجود العيني - ومن ثمراته ان لا يعرف الواحد
من حيث هو واحد بالكثير وبالعكس.
129 - 3 اما في ذوق الكشف: فلان الكشف ظهور المستور في قلب العالم من وجوهه
السالفة (2)، فلا يعلم الا بنفسه بعد رفع الحجاب بينه وبين العالم (3)، كما يحجب عن
معلوماتنا اشتغالنا بغيرها، لذا قيل: طول العهد منس.
130 - 3 واما في طور النظر: فلان النظر اما رسمي وهو بالخواص واللوازم وهما ليسا
من المباين للمعرف واما حد حقيقي أو اسمى (4)، وهو تفصيل مجمل المحدود - مع أنه عينه
في الحقيقة (5) - وتحقيقه: ما أشار إليه الشيخ قدس سره في تفسير الفاتحة: ان معرفة الحدية (6)
متعلقها النسب الثبوتية أو السلبية - لا الحقائق - لما مر (7) انها لا تعرف بالنظر، وكل
مركب ينتهى إلى البسيط، واجزاء كل بسيط ليست اجزاء لحقيقته بل لحده فحسب،
وهو شئ يفرضه العقل في المرتبة الذهنية، فاما هو في ذاته فغير معلوم من حيث هو، حتى ينفى
الاجزاء عنه نفيا حقيقيا أو تثبت له.



(1) - لان العلم بالسبب اثر العلم بالمسبب - ق - العلم المسبب اثر علم المتسبب - ل (2) - أي في الفصل
الثاني - ق - لسابقة - ل (3) - أي الوجوه الخمسة التي للقلب إلى الحضرات الخمسة، فبكل وجهة
ينطوى فيه ما في تلك الحضرة ينكشف لديه إذا ارتفع الحجاب بينه وبين تلك الحضرة، فيقرأ ما في نفسه
بحسب تلك الوجهة فلا يظهر له شئ من خارج ذاته ومباين حقيقته - خ (4) - فلان النظر اما حد
حقيقي أو اسمى - ق (5) - قوله: وهو، أي الأسمى، واما الحقيقي فلا يمكن لما حققه سابقا وبرهن عليه
الشيخ - خ - فلان النظر اما حد حقيقي أو رسمي - ل (6) - أي صاحب المعرفة الحدية انما عرف نسب
الحقائق أو معرفة حقائق الأشياء من حيث اطلاقها وبساطتها في حضرة الغيب الذي هو معدنها متعذرة
من حيث الطريق النظري - كما سبق في أول الكتاب - تدبر - ش (7) - أي في الفصل الثالث من
الفاتحة - ق
116
131 - 3 واما برهان وهو وجدان ما يستدل بصدقه على موضوع النتيجة من أحواله
على صدق محمولها، والأمور الصادقة على الشئ متحدة معه في الوجود، إذ هو (1) المدار لصحة
الصدق، فمن حيث اتحادها معه يعرف حاله.
132 - 3 فان قلت: أ ليس ان تعريف الشئ بنفسه ممتنع؟ لامتناع ان يعلم الشئ قبل
ان يعلم، وانتاج الشئ نفسه تحصيل للحاصل، والا لكان الا قدر عليه الحق، سبحانه
وتعالى عما لا يليق به، فلذلك أثبتوا المغايرة بين الحد والمحدود بالتفصيل والاجمال وبين البرهان
والنتيجة بوجوب اشتماله على الحدود الثلاثة المكرر أوسطها، محاكاة لسر تثليث النكاح
الوجودي، فان التحصيل العلمي كالعيني.
133 - 3 قلت: بلى قد لكن في أن هذه الأصول لا تخالف ما ذكرنا سر ذكره الشيخ قدس سره
وحاصله (2): ان السبب وإن كان من حيث إنه سبب غير المسبب، فلا بد من جهة المغايرة
والتعدد ليتصور الانتقال بينهما وهى جهة التفصيل والكثرة في أحدهما، وجهة الاجمال والوحدة
في الاخر، لكن لا بد ان يكون للكثرة وحدة تخصها، والا لما (3) طابق الواحد وما (4) ناسبه
ولا ينتقل منها (5) إليه، وللوحدة أيضا كثرة نسبية من الاجزاء المقومة تتعلق بها (6) أو الأحوال (7)
التابعة تتعين وتتعدد الوحدة بها، فمن الواجب ان يعتبر في ابتداء الطلب المقتضى فقد المطلوب جهة
(8) اختلافهما، وبهذا الاعتبار يسمى حدا ومحدودا وبرهانا ومطلوبا وسببا ومسببا، وفي انتهاء
الطلب المقتضى لحصول المطلوب جهة اتحادهما ومناسبتهما، فلم يحصل العلم الا بجهة الاتحاد.



(1) - أي الاتحاد في الوجود - ش (2) - محصول الحاصل بعبارة واضحة انه كما لا بد ان يكون بين السبب والمسبب
جهة المغايرة والمباينة والتعدد حتى يتصور الانتقال بينهما وهى المغايرة جهة التفصيل والكثرة في أحدهما أي في
السبب كالتعريف والبرهان وجهة الاجمال والوحدة في الأخرى، أي المسبب كالمعرف والنتيجة، كذلك لا بد ان
يكون للكثرة وحدة تخصها وللوحدة أيضا كثرة نسبية - ش (3) - أي الكثير - ش (4) - لفظة ما نافية، أي لم يناسب
الكثير الواحد - ش (5) - أي من الكثرة - ش (6) - أي تتعلق بتلك الاجزاء - ش (7) - عطف على من الاجزاء
المقومة، أي الخواص والعوارض اللازمة المتميزة - ش (8) - بالرفع فاعل يعتبر، وكذلك قوله: جهة اتحادهما - ش
117
134 - 3 بل التحقيق ان الحاصل حين تمام التفصيل عينه - كما في المركب الخارجي -
135 - 3 تأنيسه: قولهم قاطبة بعدم جواز التعريف بالمباين وقول المتأخرين بعدم
جوازه بالأعم، لعدم المنع والأخص لعدم الجمع، وقولهم: السالبتان لا ينتج والحد الأوسط
واجب التكرار حتى تكلفوا في قياس المساواة لوجدان تكرره ونحو ذلك.
الفصل السابع
في أن الشئ لا يؤثر في الشئ الا بنسبة بينه وبينه إذ هي التي تقتضى لزوم الأثر
136 - 3 تأييده: ان تأثير الشئ في الشئ تحصيل مقتضاه فيه، فاعمال (1) الكلم بحسب
مقتضاها (2) فلو لم يكن للمؤثر في المؤثر فيه شئ يكون (3) الأثر لازمه، لكان ذلك الأثر في المؤثر
فيه منفكا عن (4) مقتضيه (5) الخاص، وانفكاك الأثر الخاص عن مقتضيه الخاص محال، وكذا
توارد (6) المؤثرين المستقلين على اثر شخصي، ثم ما للمؤثر في المؤثر فيه اما جزئه كما قال تعالى:
وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا (13 - الجاثية) وذلك لسبب جمعية مظهرية
الانسان لجمعيات سائر المظاهر بسبب جمعية مستندة وهو الاسم المستجمع لجميع الأسماء،
وكتأثير مظهر في مظهر (7) في الجملة بما اشتركا فيه، واما نسبة له (8) معه (9) عارضة، ولا شك
ان للنسبة حظا في كل من المنتسبين، باعتباره (10) يتحدان ويكون كل منهما للاخر.



(1) - مبتدأ خبره بحسب مقتضاها، أي اعمال الاسم والفعل والحرف انما هو بحسب مقتضاها - ش (2) - قوله:
فاعمال الكلم... إلى اخره، بناء على أن اعمال الكلم كأوضاعها تكون بالأوضاع الإلهية التابعة للتجليات
الأسمائية في الحضرة الواحدية، كما الامر كذلك في كل ما في دائرة الظهور - خ (3) - هذه جملة صفة
لقوله: شئ - ش (4) - مثلا تأثير النار في الماء معناه تحصيل مقتضاها وهى الحرارة في الماء، فالحرارة
لازم للنار فلو لم يكن للنار في الماء شئ، أي لو لم يكن في الماء نار لكان الحرارة في الماء منفكة عن النار - ق
(5) - بصيغة اسم الفاعل - ش (6) - ان قلت: ان هذا لاثر الشخص الخاص في المؤثر فيه يكون مستندا
إلى شئ اخر، وقد فرض انه اثر خاص للمقتضى الأول بحيث يكون مستقلا في ذلك الأثر والمقتضى،
فحينئذ يلزم توارد المؤثرين المستقلين فهو محال - ش (7) - كما في تأثير الانسان في شئ أو الفلك مثلا في
عنصر ونحوهما أمثال لكون جزء المؤثر في المؤثر فيه - ش - مظهر - ل (8) - أي للمؤثر - ش
(9) - أي مع المتأثر، صفة للنسبة، أي يكون للمؤثر مع المتأثر نسبة عارضة جامعة - ش (10) - أي
باعتبار ذلك الحظ - ش
118
137 - 3 ومنه من وجه ما يقوله علماء الحنفية: ان أصل سبب ثبوت حرمة المصاهرة
للولد فإنه جعل جزء كل من الأبوين جزء للاخر، والاستمتاع بالجزء (1) حرام - الا في
موضع الضرورة - وهذا (2) كتأثير الظاهر في المظاهر بنسبة الظهور بينهما، فتلك النسبة
التي في القسمين هي محل الأثر ومستدعيه (3) ولا شك في اشتراكها بينهما، فهي مؤثرة باعتبار
متأثرة باخر.
138 / 3 فالشئ لا يؤثر في نفسه، لكن بالاعتبارين، ففي القسم الأول باعتبار ما منه فيما
يسمى غيرا وسوى، وفي القسم الثاني في ما لا يغايره الا كونه ظهورا خاصا منه في مرتبة أخرى
أو موطن اخر به حصل التعدد والتنوع مع بقاء أحدية العين على ما كانت عليه، ومنه (4)
يعرف سر الوجود والعلم ونحوهما من أمهات الحقائق (5) في تفاوتها بالنسبة إلى المرتبة
الربانية وما تنزل إلى الغير، وتفاوت اعتباري العينية من حيث الكلية الأحدية والغيرية من
حيث التنزل فيه (6).
139 - 3 فان قلت: فما وجه تسمية الأغيار مؤثرات كالأرواح بالنسبة إلى الأشباح
والطبائع بالنسبة إلى الصور الطبيعية؟
140 - 3 قلت: ذلك بحسب الظاهر، لكونها (7) معدات كما قال الشيخ قدس سره في
النصوص:: لا اثر لشئ في شئ وان الأشياء هي المؤثرة في أنفسها، وان المسماة عللا و
أسبابا مؤثرة شروط في ظهور الأشياء، لا ان ثمة حقيقة تؤثر في حقيقة غيرها.
141 - 3 فان قلت: فتكون ممدات وللامداد نوع تأثير؟
142 - 3 قلت: لا، لما قال الشيخ قدس سره: وهكذا المدد، فليس ثمة شئ يمد شيئا غيره،
بل المدد يصل من باطن الشئ إلى ظاهره.



(1) - أي فيما له فيه جزء وفيما له معه نسبة عارضة - ش (2) - أي ما كان نسبته صفة عارضة - ق
(3) - عطف على محل الأثر - ش (4) - أي من القسم الثاني، أي كونه ظهورا خاصا موجبا للتنوع
والتعدد مع بقاء أحدية العين على ما كانت عليه - ش (5) - أي أمهات الحقائق كالوجود والعلم ونحوهما - ش
(6) - أي في الغير - ش (7) - أي سبب الواقع - ش
119
143 - 3 فان قلت: فيكون التأثير اظهارا؟
144 - 3 قلت: لا، لما قال الشيخ قدس سره فيه: وتجلى النور الوجودي هو المظهر
وليس الاظهار بتأثير في حقيقة ما أظهر، فالنسب الأسمائية هي المؤثرة بعضها في
البعض، بمعنى ان بعضها سبب لانتشاء البعض وظهور حكمه في الحقيقة التي هي محتدها.
145 - 3 ثم قال: فلا اثر للاعيان الثابتة من كونها مرايا في التجلي الوجودي الإلهي الا من
حيث ظهور التعدد الكامن في غيب ذلك التجلي (1)، فهو اثر في نسبة الظهور من الامر الذي
هو شرط في الاظهار، يعنى به اقتران الأعيان الثابتة بحسب استعداداتها المخصوصة بالتجليات.
146 - 3 وهذا بناء على ما قال فيه أيضا: ان الحق يتعالى عن أن يكون متأثرا عن غيره،
ويتعالى حقائق الممكنات عن أن يكون من حيث حقائقها متأثرة، لأنها في ذوق الكمال من
هذا الوجه عين شؤون الحق، فلا جائز ان يؤثر فيها غيرها.
147 - 3 ثم قال في النفحات: ان الآثار للأشياء في أنفسها وفي الوجود الكاشف، (2)
وليس في الوجود الا الاظهار، ولا اثر له بدون مرتبة ما أو قابل (3) ما، لان كل كيفية
لا يظهر كيفية تأثيرها في الوجود المطلق، وان علم ذلك بوجه كلي، واما إذا انتهى تأثير
الكيفية (4) إلى غاية يستقر عندها قبل، ظهر اثر الكيفية في حصتها من الوجود المطلق، وإذا



(1) - قوله: فلا اثر للاعيان... إلى اخره، أي تأثير الأعيان في التجلي الوجودي الذي هو الفيض المنبسط هو
التعين والتعدد الكامن في غيبه، فان ذلك الفيض الوجودي مظهر أحدية الأسماء، أي مظهر نسبة الغيب إلى
الأسماء، المعبر عنها بالفيض الأقدس، وعن مظهرها الذي هو نسبة أحدية الجمع إلى الأعيان بالفيض المقدس،
فهو باعتبار تلك المظهرية كامنة فيه الحقائق، لكن لا يظهر التعدد الا بالتعينات، كما أن الفيض الأقدس كامنة
فيه الحقائق الأسمائية بوجه ابسط تفصيلها الحقائق الأسمائية، فالفيض الا قدس والمقدس مقام جمع الأسماء
والأعيان، كما أن الأسماء والأعيان مقام بسطهما، وبما ذكرنا ظهر كيفية تأثير الحقائق في التجلي الوجودي، أي
بالتعين والتشخص وتأثيره فيها، أي بالظهور - خ (2) - حيث تعين وتقيد الوجود في كل منها وبحسبها،
فاثرت الأشياء في الوجود المطلق، التقييد والتعيين - ش (3) - قوله: ولا اثر له... إلى اخره، أي لا اثر للوجود
مطلقا الا بتعين من التعينات وحقيقة من الحقائق، كما الامر كذلك في الفيض الأقدس، بل الذات من حيث هي
غيب مطلقا ما ظهرت قط حتى في ذوات الموجودات الكونية، المؤثر هو الذات مع تعين من التعينات - خ
(4) - أي في الوجود المطلق، والمراد بالكيفية هي حقائق الأشياء وصورها العلمية المسماة بالأعيان الثابتة، قال -
120
انتهى اثر الكيفية في الوجود المطلق إلى غاية التأثير اكتسب المطلق بذلك صفة المؤثرية فيمن
اثر فيه، فأعاد الوجود اثر الكيفية عليها، فهذا سر قولي في غير ما موضع: الحكم للأشياء
على أنفسها وكونها الحاكمة على الحكم ان يحكم عليها بما يقتضيه حقائقها، وهذا هو سر
القدر دون رمز - فاعلم ذلك -
148 - 3 فأقول: علم من هذه الأصول ومما يجئ في مفتاح الغيب من أن الايجاد (1)
عبارة عن ظهور التعين العلمي بالقدرة (2) صورة ظاهرة لنفسها، أعني انصباغ الامر
الوجودي الإلهي بالتعين العلمي الإرادي من حيث المراد (3) وبحسبه - صبغا نورانيا
ثابتا بالتعلق حاصلا بالاقران - تم لفظه (4).
149 - 3 ان (5) المؤثر هو الحق وتجليه الذاتي الاحدى لا غير، وتأثيره اظهار التعين
العلمي الذاتي الكامن في غيبه صورة (6) ظاهرة في نفسها، لكن لا من حيث هو، إذ هو
من تلك الحيثية غنى عن العالمين، بل من حيث نسب أسمائه ومن حيث يعلم
نفسه وما في نفسه من عين علمه بذاته، فان تأثيره بالقدرة المتعلقة بما عينته الإرادة الذاتية (7) التابعة لما
في علمه المتعلق المتعين حسب تعين المعلوم في نفسه المراد حسب استعداده ولوازم استعداده



- في النفحات: اعلم أن حقائق الأشياء المسماة فروعا عبارة عن كيفيات ذاتية متعددة محدودة من حيث
يتناهى قولها لما يقترن منها ويظهر فيها وبها من الوجود المطلق العديم الوصف والاسم والحكم، انتهى. وقال
أيضا في موضع اخر منها: وتلك الكيفيات إذا تعقلت ممتازة عن الوجود المطلق المنسحب عليها، بحيث
ممكنات معدومة واعيانا ثابتة وغير ذلك من الأسماء، وإذا اعتبرت هذه الكيفيات ظاهرة بالوجود الذي
قيدته بذاتها وخصصته واعتبر عليها، ولذلك سمى كل واحد كيفية منها بما اتصف بها من الوجود المطلق
خلقا وسوى، انتهى. فظهر مما نقلنا من النفحات صدق ما قلنا، تدبر - ش
(1) - بيان لما يجئ في مفتاح الغيب - ش (2) - أي بسبب تعلق القدرة - ش (3) - أي الموافق لذلك
الشئ المراد، فالايجاد عبارة عن تعين الوجود بصورة يقتضيها ذلك التعين العلمي المراد - ش (4) - أي
انتهى كلامه في المفتاح بعينه ولفظه - ش (5) - هذه الجملة بتأويل المصدر نائب فاعل لقوله: علم من
هذه الأصول - ش (6) - مفعول لقوله: اظهار التعين - ش (7) - قوله: فان تأثيره بالقدرة... إلى
اخره، حاصلة ان العلم تابع للمعلوم والإرادة تابعة للعلم، والقدرة تابعة للإرادة والتأثير والايجاد تابع
للقدرة، كما حقق الشيخ الاعرابى في مواضع من فصوص الحكم - خ
121
فلكيفيات الأشياء وحقائقها ومراتبها أيضا مدخل بسؤالاتهم الاستعدادية في تعلق
النسب الأسمائية المطلقة في ذاتها، لكن بالشرطية والاعداد - لا بالعلية والامداد -
150 - 3 وكذا المتأثر هو الوجود الإلهي، لكن لا من حيث هو سبحانه وإن كان من
نفسه - فضلا عن أن يكون من غيره - بل من حيث اقتضاء حكمته في نسبة ظهوره كمال
جلائه واستجلائه في شؤون نفسه التي (1) هي حقائق الممكنات بقدر قابلياتها، تفصيلا
تارة وجمعا أخرى وجمعا وتفصيلا أخرى.
151 - 3 وبهذا يتوافق النقول ويتطابق العقول في أن تأثيره تعالى اما من مظهر في مظهر
- وهو القسم الأول - (2) واما من حيث أمهات أسمائه في مظاهرها - وهو القسم الثاني -
152 - 3 قال الشيخ في النفحات (3) بعد قول ما نقلته: هذا هو الحق اليقين والنص المبين،
وكلما تسمعه مما يخالف هذا فإنه وإن كان صوابا فهو صواب نسبى وهذا هو الحق الصريح
الذي لا مرية فيه، والله المرشد.
153 - 3 تأنيسه: قولهم في إثبات الصور النوعية: ان كلا من احراق النار واغراق الماء
ليس بالفاعل المفارق لأنه عام النسبة، فلا يختص اثره بمحل دون اخر، فهو بأمر في الجسم
وليس عرضا فيه، إذ لو غيره مغير لعاد عند عدم المغير إلى أصله - بخلاف العرض - فهو
لذاته وليس بالهيولي والصورة الجسمية - لاشتراكهما - فهو بالصورة النوعية.
154 - 3 لا يقال: الدليل يعاد في اختصاصه بتلك الصورة النوعية، فإن كان اقتضاء



(1) - صفة للشئون - ش (2) - من القسمين المذكورين في أول الفصل - ق (3) - النصوص 22 -
هكذا في النسختين الموجودتين عندنا، ولكن الظاهر أنه غلط والصحيح في النصوص - بدل النفحات -
لان هذا الكلام مذكور بعينه في النصوص - لا في النفحات - لا في هذا الموضع الذي عين بقوله بعد قول
ما نقلته ولا في غيره، ولكن قال في النصوص بعد ذكر ما نقله الشارح هنا سابقا وهو قوله: ويتعالى حقائق
الكائنات ان يكون من حيث حقائقها متأثرة... إلى قوله: فلا اثر لمرآة من حيث هي مرآة في حقيقة
المنطبع بها كما مر بيانه، فافهم هذا النص وتدبره فقد أدرجت فيه من نفائس العلوم والاسرار ما لا يقدر
قدره الا الله، وهذا هو الحق اليقين المبين، وكلما تسمعه مما يخالف هذا وإن كان صوابا فإنه صواب
نسبى وهذا هو الحق الصريح الذي لا مرية فيه، والله المرشد الهادي، انتهى - ش
122
السبب على طريق المسابقة العلية - تسلسل (1) - وإن كان على طريق المسابقة الاعدادية
فليكن الآثار المختصة كذلك من غير حاجة إلى الصورة.
155 - 3 لأنا نقول: على طريق المسابقة، لكن الفرق على ما ذكرنا ان الآثار كتسخن
الماء يعود إلى أصلها عند زوال التأثير، والصورة المائية مثلا إذا زالت إلى الهوائية لا يعود
بنفسها، وفيه بحث من وجهين:
156 - 3 الأول: لم لا يجوز ان يكون القوى المسماة بالصور اعراضا متعاقبة متسابقة
لا تتبادل الا بما سموه كونا وفسادا - بخلاف سائر الاعراض -؟
157 - 3 لا يقال: تنوع الأجسام بتلك القوى فلا تكون اعراضا - لامتناع تقوم الجوهر
بالعرض -
158 - 3 لأنا نقول: القوى المسماة صورا نوعية إن كانت محسوسة في الأجسام تكون
تابعة لعالم الأرواح والمعانى، فلم لا تكون المؤثرات تلك المتبوعة؟ وإن كانت معقولة
روحانية، لم تكن في الجسم، هذا خلف، ثم كيف يتقوم الأجسام بها، على أن الجوهرية
كالعرضية نسبة على قاعدة التحقيق، والفرق بينهما بالتابعية والمتبوعية، فلم لا يجوز ان
يتقوم نسبة متبوعة بحقائق مثلا بنسب تابعة لحقيقة أخرى، كالحركة السريعة والبطيئة (2)؟



(1) - قوله: الدليل يعاد في اختصاصه... إلى اخره، حاصله اننا ننقل الكلام في اختصاص الأجسام بالصور
النوعية، فإن كان بالفاعل المفارق فكذا إلى آخر الدليل، وإن كان بصورة مختصة أخرى هلم جرا تسلسل،
هذا كله فيما إذا كان على طريق العلية، واما إذا كان الاجتماعات السابقة معدة لإفاضة الصورة النوعية، فلم
لا يجوز ان يفاض الآثار بواسطة الاعدادات السابقة من غير وساطة الصورة النوعية - خ (2) - قوله: على أن
الجوهرية كالعرضية... إلى اخره، كون الجوهرية والعرضية نسبة لا يقتضى جواز تقوم أحدهما بالآخر،
كما أن العقلية والجسمية أيضا نسبة ولا يجوز تقوم أحدهما بالآخر، فان مظاهر الأسماء تابعة لها، فالأسماء
المتبوعة تقتضى الجوهرية والتابعة تقتضى العرضية والمراتب محفوظة ولن تجد لسنة الله تبديلا، والنقض
بالحركة السريعة والبطيئة في غير محله، اما على مسلك الحكيم فظاهر، واما على مذهب أصحاب التحقيق
فلان الحركة لا يتقوم بهما، بل الحق تقوم الحركة بالتجليات المتبوعة من وجه وهما متقومان بالتابعة، بل
التقويم والتقوم بين الأسماء المتجلية والمظاهر دون المظاهر بعضها مع بعض الا بوجه آخر غير ما يفهمه
الجمهور ويحتاج إلى مشرب أحلى وتحقيق في الأسماء المحيطة والمحاطة وليس هنا محل تحقيقه - خ
123
وذلك أن كل مظهر فهو صورة نسبة جميعة (1).
159 - 3 الثاني: لم لا يجوز ان يكون الآثار للمفارق واختلافها لاختلاف القابلات
وبحسب قبولها؟
160 - 3 قالوا: نحن نقطع ان تلك الآثار صادرة عن الأجسام.
161 - 3 قلنا: لا بمعنى انها معدة ممنوع على ما مر.
162 - 3 قال المتكلمون: الآثار للفاعل المختار.
163 - 3 قلنا: مسلم، لكن المختار العالم الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض
ولا في السماء ولا يفعل الا بالحكمة كان منزها عن التردد والتأمل في العواقب وجاريا بسنة
اجراها المرادة بالوسائط والشروط والمعدات، (2) ولن تجد لسنة الله تبديلا (62 - الأحزاب)
164 - 3 والحق ما مر من أن المؤثر في الكل التجلي الاحدى الجمعي، لكن في كل
نوع وشخص باعتبار اسم معين من أسماء الله، إليه يستند جميع احكامه واثاره، وإن كان
تعين الاسم بحسب (3) الحقيقة المنسوبة إليه في علم الله الأزلي، فان اصطلح أحد بتسمية ذلك
بالصورة النوعية فلا مناقشة فيها.
165 - 3 وأقول: بناء على هذا ما أحق قول الحنفية بالقبول في المسألتين:
166 - 3 الأولى: ان جميع الأفعال والآثار مستندة إلى الحق بلا واسطة، إذ هو لتجليه المذكور
من حيث الاسم المختص به، والوسائط معدات، وهذا من جهة الحقيقة الوحدانية الوجودية
فلا ينافيه التكليف المبنى على الظاهر وحكم (4) الكثرة الامكانية كما زعم المعتزلة.



(1) - كما أشير إليه في الفصل الخامس - ق (2) - فاختصاص بعض الأجسام بصفات وآثار مخصوصة
لا بد في حصوله من الفاعل الحكيم والفاطر العليم من مخصص حتى لا يلزم الترجيح بلا مرجح ولا يبطل اخذ
الحكمة والترتيب، والمخصص هي الشروط والوسائط والمعدات كالصورة النوعية مثلا على قول المشائين
وهى المرادة بالسنة - ق (3) - خبر لكان وضمير إليه راجع إلى الاسم والمراد بالحقيقة هي الحقيقة الكونية
والعين الثابتة - ش - مرتبة الحقيقة - ل (4) - بالرفع عطف على التكليف ويحتمل ان يكون بالجر
عطفا على الظاهر، تدبر - ش
124
167 - 3 الثانية: ان قدرة العباد كانت مؤثرة وبحسب الظاهر غير مطروحة عن قاعدة
إجراء السنة الإلهية، إذ لا بد من ترتب احكام المظاهر والمراتب عليها، فالآثار الاختيارية من
حيث الظاهر للمظاهر أو بقدرتهم، ولهذا جرى فنون احكام التكليف عليها، وهو التأثير
الظاهري المراد بتقسيم كلياته إلى النكاحات، وأمهات (1) نتائجه إلى الحضرات، وإن كان
الآثار كلها بالنظر إلى حضرة الوجوب والوحدة بتجلي الاحدى المتعين بحسب كل مظهر.
168 - 3 فالقول بان للعبد قدرة - لا كما قال الجهمية - لضرورة الفرق بين نحو حركة
المرتعش والسليم، ولكن بلا اثر لها، لان التأثير لقدرة الله تعالى، ولا يجتمع قدرتان على
مقدور واحد بالشخص كما قال الأشعرية، تخليط بين اعتباري الوجوب والامكان
والوحدة والكثرة، بل الحقية والخلقية، والتخليط جهل وتلبيس ويفضى تجويزه إلى رفع
التكليف والتأسيس (2) ووضع الإباحة والتدليس، والسعي كله في التوفيق بين الظاهر
والباطن وتأنيس ذلك (3)، وقولهم بكسب العبد ليبنوا عليه ترتب الجزاء، يفيد ان لقدرة
العبد مدخلا ولو في تجدده - لا في وجوده -.
الفصل الثامن
في أنه لا يؤثر مؤثر حتى يتأثر (4)
169 - 3 وذلك لان المؤثر إن كان حقا، سلف ان علمه وإن كان فعليا - أي غير
مستنبط ومستفاد من الخارجي - فهو تبع للمعلوم بمعنى حكايته إياه ومطابقته له، ثم ارادته



(1) - عطف على كلياته - ش (2) - أي أساس الشرع والقواعد الحكمة فيكون عطفا على التكليف، أو
تأسيس قواعد جديدة منافية للعقل والشرع فيكون معطوفا على الرفع، وقوله: ووضع الإباحة والتدليس
يؤيد الثاني - ش (3) - عطف على التوفيق أي بين الظاهر والباطن - ش - كيف - ل (4) - قوله: في أنه
لا يؤثر حتى يتأثر: قلت: المراد بنفس المؤثر ذاته، فهو شامل للحق تعالى. أقول: بقى هنا بحث وهو ان
الشيخ قال: وهذه بعينها مراتب التصورات، فأين ما يوازى من مراتبها مرتبة العلم الإلهي الأزلي (ف)
125
تبع لعلمه ثم قدرته تتعلق بما عينته الإرادة، ثم فعله وايجاده يعين تجليه بحسب ذلك،
ولا ينافيه أزلية هذه الصفات، لما مر ان جميع الأزمنة بالنسبة إلى من هو عالم بجميع
المعلومات وغير متقيد بالزمان كالان، فهذا تأثر بوجوه أربعة، لكن من نفسه، لأنه من
الحقائق العلمية التي هي بالنسبة إليه عينه، وهذا بعد ان يتأثر الحكيم من حيث حكمته ببعث
الباعث وترجيحه الفعل والجزم به، كما يقال: أول الفكر اخر العمل.
170 - 3 لذا يقول: وأقل ذلك التأثر استحضاره أو علمه في نفسه بما يريد ايقاعه،
والضبط ان المؤثر اما ان يكون عالما في نفسه بالأثر وبجميع المصالح والحكم - كالحق
تعالى - أو بعضها، فاما من نفسه - كاهل الكشف من الوجه الخاص - أو من غيره،
فاما بحضوره الاتفاقي حالة القصد إلى التأثير أو باستحضاره بعد القصد وتجديد حضوره،
وهذه التأثرات الأربعة (1) اما من الأثر فقط واما من الأثر والمؤثر فيه معا.
171 - 3 فهذه الأقسام الثمانية منها ما هو الطارئ - كالكوني والإلهي المظهري -
ومنها ما هو غير الطارئ كالعلم الأزلي -
172 - 3 فان قلت: تأثر الحق من الأثر أو المؤثر فيه مستبعد - بل محال - من وجهين:
173 - 3 الأول: ان الانفعال من الغير عجز وفقر، والحق تعالى له القدرة الكاملة والقوة
الشاملة ويفضى إلى كونه محل الحوادث، تعالى عن ذلك.
174 - 3 الثاني: ان تأثره من الباعث ولو من كونه حكيما استكمال من الغير،
والمستكمل من الغير ناقص في نفسه، وذلك لان حصول تلك الغاية أولي من لا حصولها
بالنسبة إليه، والا لم يكن باعثا، ثم هذا كذلك وان فرضنا ان منفعته عائدة إلى العباد، ولذا
قالت الفلاسفة بأنه موجب بالذات، والأشاعرة بان أفعاله غير معللة بالاغراض،



(1) - قوله: اما بحضوره الاتفاقي... إلى اخره، مراده من الحضور الاتفاقي هو العلم الابتدائي الانفعالي الذي
ينال النفس من الخارج، ومن الاستحضار هو استحضار المعلوم من خزانة خياله أو عقله، وهذا غير العلم
الكشفي، بل هو العلم الكسبي المخزون، أي العلم الناشئ من الملكة البسيطة الفعالة - خ
126
لكنهم قالوا: المصالح الشرعية القياسية عائدة إلى العباد، وهو لا يسأل عما يفعل (23 -
الأنبياء) والاستكمال في عودها إليهم ممنوع، فان من صار بذل الآلاف له ملكة صادرة بلا
تأمل، لا يكون ببذل فلس لمستحق مستكملا بوجه، ولا شك ان نسبة حاله إلى وجود الحق
نسبة أقل شئ إلى غير متناه، فأين استكماله به (1)؟
175 - 3 قلت: اما الانفعال فقد مر انه من بعض أسمائه وصفاته للبعض - لا لذاته
الغنية عن العالمين - والتوقف والتأثر فيما بين الصفات التي هي الاعتبارات لا يوجب الفقر
والعجز في الذات، ولا كونه محل الحوادث، لان الصفات نسب اعتبارية تقييدية - لا أمور
محققة قائمة بذاتها كما زعم -.
176 - 3 واما الاستكمال المحال، فما به يحصل له بسبب غيره كمال لا يكون مقتضى
ذاته، اما إذا كان مقتضى ذاته من حيث كماله وحكمته - ولو بشرط بعض المراتب والمظاهر -
سواء عاد فائدته إلى الخلق أو إلى الحق - لكن من حيث الحقائق المظهرية التي هي في علمه
عينه - فلا محال، وإليه أشار الشيخ قدس سره في تفسير الفاتحة. فعلى هذا نحو قوله تعالى:
وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون (56 - الذاريات) و: خلقت الخلق لا عرف، حقيقة
عندنا لما سيجئ: ان الباعث على خلق العالم كمال الجلاء والاستجلاء (2)، لا انه مجاز من
باب: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا (8 - القصص) كما ظن.
177 - 3 ثم نقول: ومراتب التأثير على حذف المضاف، أي مراتب تأثر التأثير أربعة:
178 - 3 الأولى: تأثر في نفس المؤثر بالتصور المطلق الروحي - سواء كان طارئا
بحسب بعض الأوقات، لكن بلا نظر وكسب، أو لم يكن طارئا -
179 - 3 الثانية: تأثر في الذهن والخيال، إن كان المؤثر ذا ذهن وخيال - كالانسان -



(1) - لا يختص هذا البيان بالمصالح الشرعية، فان نسبة تمام مراتب الوجود إلى الحق تعالى ليست الا نسبة
أقل شئ إلى غير المتناهى، بل لا نسبة بينه تعالى شأنه وبين الأشياء - كما حققنا في بعض رسائلنا - وليس
ما ذكره الأشاعرة الا لقصور نظرهم والحادهم بأسماء الله وكفرهم به تعالى شأنه - خ (2) - التجلي الحبى
هي الجلاء، أي ظهور ذاته لذاته، واستجلائه عبارة عن ظهور ذاته لذاته في التعينات - ق
127
180 - 3 الثالثة: تأثر في الحس - إن كان من أهله -
181 - 3 الرابعة: تأثر جامع للثلاثة. 182 - 3 قيل: هذه المراتب الأربعة بعد مرتبة العلم الإلهي الأزلي، فالمراتب بذلك خمس.
183 - 3 قلت: المراد بنفس المؤثر ذاته، فهو شامل للحق تعالى وإليه أشار قولنا: أو لم يكن طارئا، فان ما لم
يكن طارئا كان أزليا فلا يتصور الا في الحق تعالى.
184 - 3 ثم نقول: وهذه المراتب الأربع بعينها مراتب التصورات.
185 - 3 فأولاها التصور المطلق الروحي والفطري البديهي، اما كونه روحيا،
فلبساطته، واما كونه فطريا بديهيا، فلحصوله بلا توسط القوى البدنية، وهذا هو الذي
جعله الشيخ قدس سره في تفسير الفاتحة قسما ثانيا فقال: ثم التصور البسيط النفساني
الوحداني - كتصور أصل كلي - يكون مبدأ لتفاصيل فروعه التي يتمكن من ذكرها - مع
عدم استحضار جزئياتها - وانما يتشخص في الذهن بعد التصور قليلا قليلا.
186 - 3 فان قلت: فأين القسم الذي جعله في التفسير أول الأقسام وهو الشعور
الاجمالي الوحداني وهو استشراف العالم بما في ظاهره وباطنه من سر الجمعية وحكم النور
من خلف أستار احكام كثرته؟
187 - 3 قلت: انما لم يذكره ههنا لما قال الشيخ قدس سره فيه: انه ليس تصورا
علميا، بل ادراك روحاني جملي من خلف حجاب الطبع والعلائق، فلا يدخل في
مراتب العلم الا باعتبار القوة القريبة من الفعل (1).
188 - 3 وثانيتها: التصور الذهني الخيالي (2)، وهو التصور الجزئي، لكن بالقوة
الباطنة كالمتخيلة، فنسبته إلى الذهن - لأنه قوة بدنية - معدة للادراك الباطني، والذكاء



(1) - قوله: بل ادراك روحاني، أقول: وهو السر الوجودي الاحدى الجامع للحقائق، لكنه محجوب
بالعلائق الجسمانية والحجب الطبيعية، وليس هذا هو العقل الهيولاني باصطلاح الحكيم - كما احتمله شيخنا
العارف دام ظله - وان يوهمه قوله: الا باعتبار القوة القريبة من الفعل - خ (2) - قوله: وثانيتها التصور
الذهني... إلى آخره: أقول: يفهم من هذا ان الخيال على المعنى المصطلح عند الحكماء وهو مخالف لما حقق
اخرا في دفع الاشكالات من أن المراد به القوة الباطنة المدركة للجزئيات وهو الأولى بالإرادة (ف)
128
جودته، وإلى الخيال، لأنه يأخذ مدركات الحس ويحكيها بصور مثالية الطف من الحسية، كما
يحكى المعاني الروحانية بصور أكثف منها.
189 - 3 وثالثتها: التصور الحسى، وهو ادراك المحسوسات بأي حاسة كان من الحواس
الخمس الظاهرة المشهورة.
190 - 3 ورابعتها: الجامع للكل، أي التصور المركب من هذه الأقسام التي هي أشعة
أنوار العلم في مراتب القوى بأحدية الجمع - كذا في تفسير الفاتحة -
191 - 3 فان قلت: ذكر الشيخ الكبير رضي الله عنه في التدبيرات الإلهية في المملكة
الانسانية: ان الحواس تأخذ جميع المحسوسات فتؤديها إلى الحس المشترك وهو صاحب
خراج الخيال، فيرفعها في خزانة الخيال، ويسمى المحسوسات حينئذ بالمتخيلات.
192 - 3 والخيال صاحب خراج، تحت سلطان الذكر فيحفظها، ويسمى بالمدركات
أو المحفوظات، وهو صاحب خراج، تحت سلطان الفكر فيعرضها عليه فينشرها، ويسأل
الرعية ويفرق بين الحق والباطل، ويمسى المتفكرات.
193 - 3 والفكر صاحب خراج، تحت سلطان العقل، فلما عرض عليه ما جاء به من
العلوم والأعمال مفصلة، هذا عمل البصر وهذا عمل السمع وهذا عمل اللسان وغيرها،
انتقل اسمها إلى المعقولات فيأخذها العقل الذي هو الوزير ويأتي به إلى الروح الكلى
القدسي، فيستأذن له النفس الناطقة فيدخل فيضع جميع المعقولات بين يديه ويقول: السلام
على السيد الكريم والخليفة، هذا وصل إليك من تأدية حضرتك على يدي عمالك، فيأخذها
الروح فينطلق إلى حضرة القدس فيخر ساجدا ويرفع رأسه فيسقط الأعمال من يده،
للدهش الذي يحصل له في ذلك التجلي، فينادى: ما جاء بك؟ فيقول: اعمال فلان بن فلان،



- قوله: بأحدية الجمع، ليس المراد بها المرتبة الكاملة الغيبية للنفس، كما هي إحدى اطلاقاتها، بل المرتبة المحيطة
المبسوطة على جميع المراتب بحيث لا يشغلها شأن عن شأن، وهذا البسط يؤكد الجمعية الأحدية - خ - ص 187
- قوله: فان قلت: ذكر الشيخ الكبير... إلى آخره: حاصلة: انه لم لم يذكر الواهمة كما ذكرت في الحكمة والعقل،
مع أن الشيخ الأكبر ذكر في التدبيرات الإلهية كلاما يدل على أن مرتبة الادراك للحس ثم الخيال ثم الذكر ثم
الفكر ثم للعقل ثم للروح (ف) - المذكورات (التدبيرات) - فيسترعها - ط - ل ويسبرها ويخلصها
(التدبيرات) - فاخذها - ل - بادية (التدبيرات) - فتقع (التدبيرات)
129
فيقول الحق تعالى: قابلوه بالامام المبين الذي كتبته قبل ان اخلقه، فلا يغادر حرفا واحدا،
فيقول: ارفعوا زمامه في عليين، فيرفع، وهذا في سدرة المنتهى، واما إن كان في تلك الأعمال
مظالم وما لا يليق به فلا يفتح له أبواب السماء - ومحل وصولها الفلك الأثير - ثم يؤمر بها
فتودع بها في سجين... إلى اخر ما قال.
194 - 3 والغرض ان المفهوم منه ان مراتب الادراك: الحس ثم الخيال ثم الذكر ثم
الفكر، وان قدم الفكر على الذكر في رسالة الجندي قولا بان الفكر ينقد فيؤدى إلى
الذكر ليحفظ، ولكل وجه، لكن القدس لبارئها ثم العقل ثم النفس الناطقة ثم
الروح الخليفة، فلم اقتصرتم ههنا موافقا لتفسير الفاتحة على الثلاث أو الأربع
والجامع؟
195 - 3 قلت: لان المقصود بالذكر ههنا مراتب الادراك وذلك بحسب حال المدرك
اما كلي أو جزئي، والثاني اما بالقوة الباطنة - فهو خيالي - أو الظاهرة - فهو حسي -
والكلى هو النفساني والروحاني والسري، ولذا سماه الشيخ قدس سره في التفسير نفسانيا وفي
مفتاح الغيب روحانيا، ولا امكان للزيادة عليهما الا بنسبة جمعها، فاما الحفظ للذاكرة
والتصرف للمتفكرة، فليس بادراك، بل أمر اخر موقوف عليه.
196 - 3 ويدل على أن الكلى الذي جرده العقل عين النفساني وما فوقه ما ذكره
الشيخ قدس سره في التفسير: ان الحق تعالى إذا شاء ان يوصل أمرا إلى انسان بتوسط
انسان اخر أو غير انسان - ولكن من هذه المراتب - تنزل ذلك الامر من الحضرة العلمية
تنزلا معنويا - دون انتقال - فيمر على مراتب التصورات المذكورة حتى إذا انتهى إلى
الحس تلقاه السامع بسمعه - إن كانت الاستفادة باللفظ - أو ببصره - إن كانت
بطريق الكتابة أو حركات الأعضاء أو غيرها - ثم انتقل إلى التصور الذهني ثم إلى
النفساني، فجردته النفس عن شوائب احكام القوى، فلحق بمعدنه الذي هو الحضرة

130
العلمية، بل ارتفاع احكام القوى عين رجوعه إلى معدنه، فإنه فيه (1) ما برح.
197 - 3 ثم إذا لحق بالمعدن أدركه المستفيد من الكتاب أو الخطاب ثابتا في مستقره
بحكم عينه الثابتة المجاورة لذلك الامر في حضرة العلم، وانما تغدر هذا الادراك قبل الدروج
والعروج مع حصول المجاورة المذكورة للقرب المفرط وحجاب الوحدة، إذ الغيب الإلهي
لا يتعدد فيه شئ، فلا يضبطه النفس (2)، بخلاف ما اكتسب حال التنزل والمرور على
المراتب هيئة معنوية وصفات صابغة يصير له تميز به يتأتى للنفس ضبطه وادراكه
وتذكرة في ثاني الحال، وقد تعذر قبله لعدم تعينه. هذا كلامه.
198 - 3 فان قلت: لم لم يذكر الواهمة في أقسام القوى (3) - كما ذكرت في الحكمة -؟
199 - 3 قلت: لان المتخيلة يشملها (4)، فان المراد بالخيال، القوة الباطنة المدركة
للجزئيات، على أن المدرك الباطني معنى كلي ويحصل جزئيته بالتعلق بالمحسوسات بان
يحكيه الخيال بصورة تناسبه، ولذا قال الجندي في رسالته: المتخيلة في مقدم الدماع والحافظة
في مؤخره، والمفكرة في وسطه، ولم يذكر قوة أخرى مدركة جسمانية باطنية.
200 - 3 وههنا تنبيه شريف ذكره الجندي وهو: ان حال النفس الناطقة مع قواها
المبثوثة في جسمانيتها وروحانيتها أدل دليل على أن النفس الكلية مع قواها المبثوثة في
طبقات السماوات وأركان الأمهات والمولدات الموكلة للحفظ والتربية، وهى الملائكة التي



(1) - فإنه ما برح - ط - ل - كذا في النسخة بدون لفظة فيه، أي المعدن على حاله دائما ثم ينتقل من مقامه،
وفي التفسير: فإنه فيه ما برح، أي ذلك الامر يكون في المعدن دائما ولم ينتقل عن معدنه، وانما الاحكام
اللاحقة به قضت عليه بقول النعوت المضافة إليه من المرور والتنزل وغيرهما - ش (2) - قوله: وانما تعذر...
إلى اخره، لا يحصل الادراك الامتيازي الأسمائي الا بالتجليات الأسمائية، لا في الحضرة الواحدية ولا في
الحضرة الكونية، وعند اضمحلال الأسماء والصفات في أحدية الجمع لا حكم الا للأسماء الذاتية، فالامتياز
والإدراك والمدرك والمدرك كلها حكم الأسماء في الظهور بالواحدية، والأسماء الذاتية عند التجلي بالأحدية
الجمعية وعند صعق السماوات والأرض ومن فيهن فلا حكم أصلا - لا للأسماء ولا للاعيان - وهذا غير
الصعق الحاصل بالنفخ عند احتجاب القلوب - خ (3) - فعلى هذا تكون الواهمة متدرجة في النفساني
والعقلاني كما اختاره صدر المتألهين في الاسفار وغيره وحققه ببيان دقيق، فارجع - ش (4) - فيعم
الخيال في الواهمة والحس المشترك - ش
131
قال الله تعالى: لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون (6 - التحريم) كذلك ويترقى
منه إلى أن الحق تعالى مطلع على كل كلي وجزئي من اسرار المخلوقات، لا يعزب عن علمه
مثقال ذرة في الأرض ولا في السماوات بالطريق الأولى، لان المخلوق مع أنه ملازم العجز
والفقر إذا كان مطلعا على جميع ما في مملكته، فالخالق أولي بان لا يفوته علم شئ، كما قال
تعالى: الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14 - الملك) ويكون الكل في عبادته وطاعته
وتحت امره ونهيه، كما قال تعالى: كل له قانتون (116 - البقرة) وان من شئ الا يسبح
بحمده (44 - الاسراء) وإلى هذا التنبيه أشار قوله صلى الله عليه وآله: من عرف نفسه فقد
عرف ربه.
201 - 3 ثم نقول: وانما أضفنا ذكر مراتب التصورات إلى مراتب التأثر لتساوى
مراتبهما في العدد ولسر أخرى خفى هو أقوى جامع بينهما.
202 - 3 فيمكن ان يقال هو ان كل تصور تأثر بالتعلق المخصوص والتقييد المعقول
أو المحسوس، وان يقال: التصور إن كان فعليا يستتبع التأثير، وإن كان انفعاليا يستتبعه
التأثر، فبينهما علاقة وشيجة (1)، وان يقال: لا تأثير ولا تأثر الا بالجمعية، فالتأثير من
حيث الجمعية الأسمائية والتأثر من جهة جمعية الحقائق الكونية، ومعدن الجمعيتين الحضرة
العلمية، فمنها التركيب وإليها التحليل كما مر، ولا يعنى بمراتب التأثير الا مراتب التركيب
والتحليل، وان يقال: سيجئ ان كل علم يستلزم العمل وذلك تأثير وتأثر فيكون مراتبه
كمراتبها. والله أعلم بما هو مراد الكمل.
203 - 3 تأنيسه: قولهم: ان الغاية علة فاعلية الفاعل وان كل عمل مسبوق بالخطور
ثم الميل ثم العزم ثم الجزم ثم الاقدام.
204 - 3 والأولان ضروريان فلا يترتب عليهما الجزاء، كما قال صلى الله عليه وآله:
اللهم هذا قسمتي بما أملك، فلا تؤاخذني بما لا أملك.



(1) - أي: الرحم المشتبكة المتصلة.
132
205 - 3 والثلاثة الأخيرة اختيارية، فان تخلفت عن العمل المقصود لمانع خارجي،
يترتب عليها في الحسنة ثواب العمل فضلا، وفي السيئة عقاب مقدماتها عدلا، لذا ورد قوله
تعالى: وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله (284 - البقرة) وان تخلفت عنه
بتركه الاختياري، يترتب عليها ثواب المقدمات فضلا، ولا عقاب أصلا (1).
206 - 3 ومن تأنيساته: ان مراتب الادراكات اما كلية - وهى أصلية في الواجب
والمبادى العالية ومستنبطة من الجزئيات في الانسان - واما جزئية بتوسط الآلات
البدنية، فاما ظاهرة بالحواس الظاهرة واما باطنة بالحواس الباطنة، وقد يصح الافتراق من
بعض الوجوه.
الفصل التاسع
في أن الأثر لا يكون لموجود ما من حيث وجوده فقط
207 - 3 تأييده أولا: ان التأثير بحسب الاقتضاء، والوجود من حيث هو لا يقتضى
خصوصيته، لأنه أعم العام، وكل عام فاختصاصه ليس لذاته.
208 - 3 وثانيا: لأنه لو اثر فاما في مثله أو ضده - وهما منتفيان لما مر - كيف قد
ولا مثل له فلا ند له (2)، لأنه المثل المساوى ولا ضد له، إذ غير الوجود اما عدم محض أو شئ
تعلق به الوجود (3). والأول (4) لا شئ، فلا يصلح اثرا، والثاني (5) وجود عرض عليه
النسبة، والنسبة عدمية، فلم يبق في الوجود الا الوجود.
209 - 3 وثالثا: ما ذكره الشيخ قدس سره: ان كل اثر نسبة بين المؤثر والمؤثر فيه،
وكل نسبة فتحققها بغيرها - أعني المنتسبين - فتحقق الأثر بتحقق المؤثر، ولا جائز ان



(1) - على المقدمات في السيئة في صورة تركه الاختياري - ق (2) - أي الند هو المثل المساوى - ق
(3) - قوله: أو شئ تعلق به الوجود ليس معناه ما ذكره، بل معناه: شئ عرض له وجود، فحينئذ المحذور
الذي ذكره راجع إلى ما يبينه في الوجه الرابع، فافهم - ق (4) - أي غير الوجود - ق (5) - أي شئ
تعلق به الوجود - ق
133
يتحقق النسبة بتحقق الوجود، لان النسبة عدم والوجود لا يصدر عنه العدم لما مر.
210 - 3 ورابعا: ان الوجود لو اثر فاما في الوجود المطلق، وهو تحصيل الحاصل كما مر،
واما في الوجود المقيد، ولا يقتضيه من حيث اطلاقه، واما في العدم، وهو لا يصلح اثرا له.
211 - 3 فنقول: بل لا بد من انضمام أمر اخر خفى، أي قيد واعتبار نسبى عدمي إلى
الوجود، لان النسبة عدم يكون هو المؤثر في تعين المؤثر فيه وخصوصيته، وذلك (1) ان
اعتبرنا امتياز المراتب والمظاهر، أو (2) يتوقف عليه تأثير الوجود، توقف المشروط على
الشرط، كما صرح به في النفحات، كالنسب الأسمائية المتعينة حسب تعين القوابل والمراتب،
وذلك (3) إذا اعتبرنا الامر الحقيقي لا النسبي، وهو ان المؤثر هو الحق والبواقي شروط ومعدات.
212 - 3 فان قلت: كل (4) من الامرين لا يتصور في أول مخلوق - كالقلم الاعلى - إذ لا
آخر ثمة لينضم إليه.
213 - 3 لا يقال: تعين نسبة اسمية من حيث حقيقة القلم الاعلى، فاثر الوجود فيها
لانضمام تلك النسبة.
214 - 3 لأنا نقول: ننقل الكلام إلى تعينها من غيب الحق واطلاقه، فإنها إن كانت
وجودية تعين عن الوجود مثله، وإن كانت عدمية تعين عنه ضده، ولا نعنى بالأثر الا
التعين - كما سيظهر -؟
215 - 3 قلت: الكلام الجامع فيه انه لما كانت التعينات العلمية المسماة بالحقائق أزلية
غير مجعولة، كانت التعينات لاسمائية التي بحسبها أيضا أزلية غير مجعولة، فلا يسمى آثارا.
216 - 3 ثم إن الحقائق لعدميتها في أنفسها لم تتصف بالاثرية والجعل ولم يقدح في
وحدة الحق، ولوجودها العلمي صحت مناطات للتعينات الأسمائية التي هي الاعتبارات



(1) - أي كون ذلك الامر الاخر مؤثرا فيما إذا اعتبر بامتياز المراتب والمظاهر عن صاحب المراتب والمظاهر،
وقلنا بعلة الغير - ش (2) - عطف على قوله: يكون هو المؤثر، والجملة كالمعطوف عليها صفة لأمر اخر،
وضمير عليه راجع إلى الامر الاخر - ش (3) - أي القول بالتوقف والشرطية - ش (4) - أي المؤثرية
والشرطية - ش
134
النسبية المعتبر انضمامها إلى الوجود في حصول المرتبة الإلهية التي بها (1) وبنسبها المعبر عنها
بالأسماء ظهرت منه التعينات العينية على مراتبها، وكان وصف الشيخ قدس سره ذلك
الامر بالخفاء إشارة إلى انضياف هذه الوسائط بتينك (2) الجهتين، وتمثيله الحسى ما سلف
من تعين الضوء في الجدار من الشمس لا مطلقا، بل عند انضمام المقابلة التي هي نسبة عدمية.
217 - 3 فلهذا نقول: لما كان أمر الكون منحصرا بين الوجود والمرتبة وتعذر إضافة
الأثر إلى الوجود فقط بما سلف من الوجوه تعين الإضافة إلى مرتبة الوجود المطلق وهى
الألوهية، المفسرة بالاستغناء عن جميع الأغيار واستناد الكل إليه بالافتقار، فلذا اشتملت
على الجلال والجمال والكمال، وانما كانت مرتبته لما سيتحقق: ان موجودية كل موجود
بالوجود، ووجود الوجود ليس بغيره، والا اجتمع الوجودان، فهو بذاته، وكل ما وجوده
بذاته كان له الألوهية بالنسبة إلى جميع ما وجوده بغيره، فإلى الألوهية ونسبها الأسمائية
يستند الآثار بالاعتبارين (3) المذكورين.
218 - 3 وانما قلنا أمر الكون منحصر بين الوجود والمرتبة لما قال الشيخ قدس سره في
التفسير: ان (4) كل موجود كان ما كان فله ذات ومرتبة، فذاته حقيقته باعتبار كونها
محل الحقائق التابعة، والمرتبة عبارة عن حقيقته أيضا - لا من حيث تجردها - بل من حيث
معقولية نسبها الجامعة بينها (5) وبين الوجود المظهر (6)، ظهرت بوجود (7) واحد تعين



(1) - بها متعلق بقوله: ظهرت، وكذلك قوله: بنسبها، وجملة ظهرت صلة لقوله: التي، وضمير بها وبنسبها
راجع إلى الإلهية، وضمير عنها راجع إلى النسب، وضمير منه في قوله: ظهرت من الحق التعينات العينية على
مراتبها بالمرتبة الإلهية ونسبها التي يعبر عن تلك النسب بالأسماء، فافهم - ش (2) - أي للعدمية النفسية
وللوجود العلمي - ش (3) - أي اعتبار المؤثرية والاعداد والشرطية - ش (4) - هذا تعريف للمرتبة
الكونية لا الألوهية كما لا يخفى - ش (5) - ان الحقيقة - ش (6) - أي يظهر الحقيقة - ش (7) - أي
الحقيقة ظهرت بوجود واحد في حد نفسه تعين وتعدد في مرتبة الحقيقة وبحسب الحقيقة، الا انه إذا اعتبر
مجردا يتعدد في نفسه، وتوضيح العبارة بنى على نقل عبارة التفسير بعينها، قال في التفسير: ان كل موجود
كان ما كان فله ذات ومرتبة، وللمرتبة احكام تظهر في وجوده المتعين بحقيقة الثانية، فتسمى آثار تلك الأحكام
في ذات صاحبها أحوالا، والمرتبة عبارة عن حقيقة كل شئ - لا من حيث تجرده - بل من -
135
وتعدد في مراتبها وبحسبها، ثم إن لكل ذات أحوالا ولكل مرتبة احكاما، فالاحكام اثار
المرتبة واثار تلك الأحكام في ذات صاحبها أحوال.
219 - 3 ثم نقول: للحق سبحانه ذات ومرتبة (1) هي معقولية نسبة كونها الها، وهى
الألوهية، واثار الحق من حيث الألوهية في المألوهين احكام الألوهية، واثار (2) تلك الأحكام
في ذاته سبحانه - لا من حيث تجردها إذ لا كلام فيه بل من حيث تعلقها بالخلق
فمن جهة انهم مظاهره - أحوال - كالرضاء والغضب والفرح والاجابة وغير ذلك - ومن
جهة استنادها (3) إلى المرتبة التي هي الألوهية - كالقبض والبسط والاحياء والإماتة
واللطف والقهر وغيرها - إلى هنا كلامه.
220 - 3 وقال في النصوص: حقيقة الحق صورة علمه بنفسه من حيث تعينه في
تعقله نفسه باعتبار توحد العلم والعالم والمعلوم، وصفته (4) الذاتية التي لا تغاير ذاته



- حيث معقولية نسبتها الجامعة بينها وبين الموجود المظهر لها، والحقائق التابعة لها، فإنه قد بينا ان بعض الحقائق
تابع للبعض وان التابعة أحوال للمتبوعة وصفات وأيضا ان الموجودات ليست زائد على حقائق مختلفة ظهرت
بوجود واحد تعين وتعدد في مراتبها وبحسبها، لا انه إذا اعتبر مجردا عن الاقتران بهذه الحقائق يتعدد في نفسه، انتهى،
فتأمل حتى تظهر لك معنى العبارة، وفي النقل اختلال - ش
(1) - أي المرتبة عبارة عن معقولية نسبة كونه الها - ش (2) - مبتدأ خبره أحوال - ش (3) - قوله: ومن
جهة استنادها: عطف على قوله: فمن جهة انهم مظاهره، لا يخفى عليك ان هذا الكلام بظاهره غير تام يحتاج إلى خبر
للمبدأ المذكور وهو اثار ذلك الاحكام وفي النتيجة الموجودة عندنا قد كتب في ذيل تلك العبارة حاشية وهى
هذه: الجهة أيضا أحوال حذفها لذكرها سابقا انتسبت ولا بد لتوضيح الكلام من نقل عبارة الشيخ بعينها، قال
الشيخ في التفسير بعد ما نقلتها سابقا: وللحق ذات ومرتبة، ومرتبته عبارة عن معقولية نسبة كونه الها من حيث
هي هي مسماة بالألوهية، وللحق سبحانه من حيث هي اثار للمألوهين وصفات لازمة يسمى احكام الألوهية،
وذاته سبحانه من حيث تجردها عن جميع الاعتبارات المقيدة وعدم تعلقها بشئ وتعلق شئ بها لعدم المناسبة لا
كلام فيهما - كما مر بيانه غير مرة - ومن حيث معقولية نسبة تعلقها بالخلق وتعلقهم بها وبحسب أحوالهم من
كونهم مجاليه ومظاهره ينضاف إليها أحوال، كالرضي والغضب والاجابة والفرح وغير ذلك عبر عنها بالشئون
وينضاف إليها من حيث اثار مرتبتها التي هي الألوهية في كل مؤثر فيه صفات يسمى احكام المرتبة كالقبض
والبسط والاحياء والإماتة والقهر واللطف ونحو ذلك، فاعلم واستحضر هذه المقدمة الكلية لتنفع بها إن شاء الله
تعالى، انتهى، وما يستفاد من عبارة الشيخ أن تكون الكلام هكذا ومن جهة استنادها إلى المرتبة التي هي
الألوهية صافت... إلى اخره، على أن تكون لفظ صفات خبرا لقوله: اثار، أي في أصل النقل اختلال، فافهم
واغتنم - ش (4) - مبتدأ خبره أحدية جمع - ش
136
أحدية جمع لا يتعقل ورائها جمعية ولا نسبة ولا اعتبار، والتحقق بشهود هذه الصفة
ومعرفته تماما انما يكون بمعرفة ان الحق في كل متعين قابل للحكم عليه بأنه متعين بحسبه،
مع العلم بأنه غير محصور في التعين وانه من حيث هو غير متعين حال الحكم عليه بالتعين -
لقصور (1) الادراك - وهذا هو صورة علمه بنفسه.
221 - 3 وحقيقة الخلق عبارة عن صورة علم ربهم بهم، وصفتهم الذاتية الفقر المثمر
لمطلق الغنى ليس كل فقر (2)، فافهم، تم كلامه.
222 - 3 فان قلت: فمرتبة الوجود التي هي المؤثر لا شك انها غير الحق سبحانه، فتكون
اثرا، فلا بد لها من مرتبة أخرى (3)، وهلم جرا، بل جميع المراتب المؤثرة لا بد لها من مرتبة
مؤثرة فهي خارجة وداخلة معا وهو محال، فلا بد ان يكون المؤثر فيها غير المرتبة.
223 - 3 قلت: المراتب كلها (4) أمور معقولة غير موجودة في أعيانها، فلا تحقق لها
الا في العلم - كاعيان الممكنات قبل انصباغها بالوجود العام المشترك - وبذلك تتميز (5) من
الأرواح والصور التي لها وجود في أعيانها - بخلاف المراتب والنسب الأسمائية - فتسقط
مطالبة المؤثر فيها، وإذا لم يكن الأثر الا للمرتبة (6) المعقولة الباطنة أو باعتبارها (7)، فلا اثر
لشئ في شئ الا لباطن في ظاهر، حتى لو أضيف إلى ظاهر لغموض سر الباطن وصعوبة ادراكه
بدون الظاهر، فمرجعه في الحقيقة إلى أمر باطن منه (8) أو فيه.



(1) - أي متعلق بالحكم - ق - تعليل للحكم بالتعين لا بجعل قصور الادراك - ش (2) - أي ليس الفقر
الذي من صفتهم الذاتية هو مطلق الفقر، أي أي فقر كان، كالفقر من المال والجاه والمناصب وغيرها من
الكمالات، بل الفقر المخصوص المثمر لمطلق الغنى، تدبر - ش (3) - إذا المفروض ان كل اثر يستند إلى
مرتبة - ش (4) - قوله: قلت: المراتب كلها... إلى آخره: فتسقط مطابقة المؤثر فيها وإذا لم يكن الأثر الا
للمرتبة المعقولة الباطنة أو باعتبارها، فلا اثر لشئ في شئ الا لباطن في ظاهر، أقول، مراد الشارح - والله أعلم -
ان منشأ الأثر الإلهي لإيجاد العالم هو باعث المحبة الإلهية الظاهرة الحكم في الوجود العالم المقترن بأعيان
الممكنات، يعنى ان السبب للايجاد والطلب الذي تضمنه التجلي الحبى الإلهي وطلب الحقائق الكونية من الحق
بحكم ما سرى فيها من اثر التجلي الحبى ظهور أعيانها وما فيه كمالها على حسب استعدادها وقبولها للتجلي
الوجودي، فحينئذ حصلت المقدمتان (ف) (5) - تميز عن - ط - أي المراتب عن الأرواح - ش
(6) - بناء على اعتبار المؤثرية - ش (7) - بناء على اعتبار الشرطية والاعداد - ش (8) - كالمجردات - ق
137
224 - 3 ثم نقول (1): ومنشأ (2) الأثر الإلهي لإيجاد العالم الذي هو ينبوع (3) جميع
الآثار ومعدنها الذي يسرى الآثار منه، هو باعث المحبة الإلهية المستفادة من قوله تعالى:
فأحببت ان اعرف، الظاهرة (4) الحكم في الوجود العام، المقترن بأعيان الممكنات، وهى (5)
محبة كمال الجلاء والاستجلاء المعبر عن حكمه تارة بالعبادة واخرى بالمعرفة، كما فسر قوله
تعالى: وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون (56 - الذاريات) بها.
225 - 3 اما (6) تفسير الكمالين فما قال الشيخ قدس سره في التفسير: ان كمال الجلاء (7)
هو كمال ظهور الحق بالانسان الكامل، وكمال الاستجلاء عبارة عن جمع الحق بين
شهود نفسه بنفسه في نفسه وفيما (8) امتاز عنه، فيسمى بسبب الامتياز غيرا (9) ولم يكن



(1) - تفصيل المقام في الفصل الأول من الباب - ق (2) - مبتدأ خبره هو باعث لمحبة الإلهية - ش
(3) - قوله: الذي هو ينبوع: صفة للأثر الإلهي وكذلك قوله: الذي يسرى الآثار... إلى اخره، صفة له، أي منشأ
توجه الحق لإيجاد العالم هي المحبة الإلهية التي هي باعثة على التوجه والطلب والظهور متعلقة بكمال الجلاء
والاستجلاء، فإضافة الباعث إلى المحبة الإلهية بيانية كما يدل عليه قوله فيما بعد، واما كون التوجه الايجادي الذي
محبتها باعثة عليه... إلى اخره، ويحتمل ان يكون الإضافة للمغايرة بتقدير اللام على أن يكون المراد بالباعث
المنشأ هو التجلي الذاتي الكمالي الاطلاقي الموجب للعلم بشهود كمال الجلاء والاستجلاء والتوجه يجئ بهما فالتجلي
الحبى منبعث منه ويزول عنه ذلك الاحتمال ما ينقل عن الشيخ في التفسير وهو قوله: ان الحق تعالى لما علم كل شئ
من عين علمه بذاته نظر... إلى اخره، وإليه يشير أيضا قوله في التفسير: ان مبدأ التوجه الإلهي للايجاد صدر من
علمه ينبوع الوحدة بأحدية الجمع وتعلق بكمال الجلاء والاستجلاء المعبر عن حكمه تارة بالعبادة وتارة بالمعرفة
وهو قوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون، بالتفسيرين، والظاهر بهذا التوجه من غيب الحق هو
الوجود المنبسط على الأعيان لا غير، انتهى، ولكن الظاهر من كلمات الشارح المحقق هو الاحتمال الأول، فافهم - ش
(4) - قوله: الظاهرة الحكم: صفة للمحبة الإلهية، حاصله: ان منشأ الأثر الإلهي لإيجاد العالم هو باعث المحبة الإلهية
الظاهرة الحكم في الوجود المقترن بأعيان الممكنات، يعنى ان السبب للايجاد الطلب الذي تضمنه التجلي الحبى
الإلهي وطلب الحقائق الكونية من الحق تعالى بحكم ما سرى فيها من اثر التجلي الحبى ظهور أعيانها وما فيه كمالها
على حسب استعدادها وقبولها للتجلي الوجودي، فحينئذ حصلت المقدمتان الطلب الإلهي الذي تضمنه التجلي
بصفة الفعل، والاخرى الطلب الاستعدادي الكوني بصفة القبول، فحصلت النتيجة - ش (5) - أي المحبة
الإلهية - ش (6) - متعلق بفسر، أي كما فسر قوله: وما خلقت الجن... الآية، بالمعرفة - ش (7) - أي حضرة
وحدانيته - ش (8) - عطف على في نفسه، أي بين شهوده نفسه فيما امتاز عنه - ش (9) - قوله: وكمال
الاستجلاء، ليس مطلق جمع الحق جل اسمه بين شهود نفسه بنفسه في نفسه فيما امتاز عنه كمال الاستجلاء
ولا مشاهدة الغير نفسه بنفسه مطلقا مربوطا به، بل الحق ان كمال الاستجلاء عبارة عن مشاهدة الحق نفسه باسمه
الجامع في المرآة الأتم، أي الانسان الكامل، فظهور الحق في المرآة الأتم كمال الجلاء وشهود نفسه في تلك -
138
كذلك (1) قبله (2)، وعن (3) مشاهدة الغير نفسه بنفسه من جهة كونه غيرا ومن (4) امتاز
عنه (5) بعينه (6) وعين (7) من امتاز عنه.
226 - 3 واما كون التوجه الايجادي الإلهي الذي محبتهما (8) باعثة عليه، ينبوع (9) جميع
الآثار، فلما قال الشيخ فيه (10): ولما (11) كان العالم بما فيه ظلا لحضرة الحق ومظهرا لعلمه،
سرى الحكم واطرد في كل ما هو تابع للعلم.
227 - 3 وأقول: وعليه يبنى قاعدة (12) ذكرها (13) فيه أيضا وهى: ان كل موجود
جامع (14) لصفات شتى، فوصول (15) اثره إلى كل قابل انما يتعين بحسب أولية الامر
الباعث عليه وبحسب الصفة الغالبة الحكم عليه (16) حال التأثير وبحسب حال القابل
واستعداده، وإذا تعين التوجه بحسب أحد هذه الأمور (17) لغلبته (18)، يبقى (19) حكم
الآخرين، (20) واحكام (21) باقي الصفات تابعة له (22)، وكذلك صورة ثمرة ذلك التوجه
تكون تابعة لحكم الأغلب، وحكم باقيها (23) خافيا بالنسبة إليه.



- المرآة كمال الاستجلاء، هذا عند اعتبار المراتب، واما عند الاضمحلال، فكمال الجلاء ظهوره جل وعلا في
كل مرآة وكمال الاستجلاء شهود نفسه فيها، واما الامتيازات التي ذكرها الشيخ فهي حكم الكمالين، لأنها
داخلة فيهما، كما يظهر من عبارته، وعندنا في هذا المشهد تحقيق رشيق يظهر شمة منه من شرحنا لدعاء الأسحار
من شهر رمضان المبارك - خ
(1) - أي غيرا - ق - أي قبل الامتياز، أي لم يكن غير قبله - ش (2) - أي قبل الامتياز - ق (3) - أي
وعبارة عن مشاهدة الغير نفسه بنفسه - ق - عطف على عن جمع الحق... إلى اخره، أي وعبارة عن مشاهدة
ذلك الغير - ش (4) - عطف على في نفسه، أي بين شهوده نفسه فيما امتاز عنه - ش (5) أي يشاهد الحق
بالحق - ق (6) - أي بعين الغير - ش (7) - عطف على عينه، أي مشاهدة الغير من امتاز عنه بعين من
امتاز - ش (8) - أي كمال الجلاء والاستجلاء - ق - ش (9) - هذا خبر لكون التوجه - ش
(10) - أي في التفسير جواب اما - ش (11) - مقول قول الشيخ - ش (12) - أي الموجود المؤثر الحاكم
بالنسبة إلى باقي صفاته حال التأثير والتحكم في القابل - ش (13) - أي في التفسير - ش (14) - صفة
الوجود - ش (15) - هذه الجملة خبران - ش (16) - جواب الشرط - ش (17) - أي هذه الأمور
الثلاثة المذكورة من أولية الباعث وغلبة الصفة حال التأثير واستعداد القابل وحاله - ش (18) - أي غلبة
أحد هذه الأمور الثلاثة - ش (19) - ينفى - ل (20) - أي آخرين من الأمور الثلاثة، أي يبقى الآخرين
على التبعية للأحد الغالب - ش (21) - مبتدأ خبره تابعة - ش (22) - أي للغالب من الثلاثة، ويحتمل
ان يكون تابعة خبرا ليبقى على أنه من الافعال الناقصة وقوله: حكم الآخرين اسمه واحكام باقي الصفات عليه،
أي على الاسم، فتدبر - ش (23) - اسم لمكون المقدر وقوله: خافيا خبره، أي حكم باقي الصفات والنسب في تلك
الصورة تكون خافيا بالنسبة إلى ذلك الامر الغالب وتبعا له، فافهم - ش
139
228 - 3 واما بعث محبتهما (1) وكونهما محبوبا، فبناء على ما ذكر فيه أيضا: ان الحق تعالى
لما علم كل شئ من عين علمه بذاته (2)، نظر بعلمه الذي هو نوره (3) في حضرة غيب ذاته،
نظر تنزه في الكمال الوجودي الذاتي المطلق الذي لا يتوقف ثبوته له على أمر خارجي، إذ ما ثمة
ما يخرج عنه، وشاهد بالنظر المذكور كمالا اخر مستجنا في غيب هويته غير الكمال
الأول، فإذا رقيقة متصلة بين الكمالين اتصال تعشق تام وهو (4) كمال الجلاء والاستجلاء (5)
فاستتبعت تلك النظرة العلمية المقدسة عن احكام الحدوث من حيث النسبة الشهودية المعبر
عنها بالاسم البصير، انبعاث تجل غيبي اخر، فتعين ذلك التجلي لنفسه متصفا بصفة حبية (6)
متعلقة بما شاهده العلم يطلب ظهوره لتقدم مرتبة العلم على مرتبة المحبة، إذا المجهول لا يحب.
229 - 3 ولان التجلي بالباعث الحبى مقدمة واحدة (7)، والواحد في مقام وحدانيته
لا ينتج الكثرة والكمال (8) المطلوب لا يحصل بدون الكثرة، وما لا يحصل المطلوب الا به فهو
مطلوب، عاد حكم التجلي يطلب مستقره من الغيب المطلق، إذ من نسبة التجلي يتقلص
إلى أصله عند انقضاء حكمه لعدم مناسبة عالم الكثرة، كما في التجليات التفصيلية العائدة إلى
الغيب بعد التلبس باحكام المتجلى له، وكمال في انسلاخات أرواح الكمل عن النشآت بعد
الاستكمال بها، وكما في التصورات، فحصل بهذا العود دورة مقدسة شوقية سرى حكمها



(1) - أي كمال الجلاء والاستجلاء - ش (2) - أي الطلب الإلهي الذي تضمنه التجلي الحبى بصفة الفعل
والاخرى الطلب الاستعدادي الكوني بصفة القبول، فبحصولهما وتناكحهما يظهر المطلوب (377 س 15
مصباح) (3) - سينقل الشارح هذه العبارة من التفسير بتمامه مع توضيحه، في الأصل السابع من الفصل
الأول من الباب، فارجع إليه - ق (4) - أي الكمال الاخر المستجن - ش (5) - قوله: وهو كمال الجلاء...
إلى اخره، أي ظهور نفسه بذاك الكمال المستجن في غيب هويته وشهود نفسه في ذلك الكمال كمال الجلاء
والاستجلاء، ومعلوم ان الكمالين المذكورين ههنا غير ما ذكر قبيل هذا بقوله: ان كمال الجلاء هو كمال ظهور
الحق بالانسان الكامل... إلى اخره، فان هذا في الحضرة العلمية وفي الأعيان الثابتة في غيب هويته بمقتضى
استجماعه بأحدية ذاته لجميع الكمالات، وذاك في الحضرة العينية والأعيان الموجودة - خ (6) - فالتجلي
الحبى ينبعث من التجلي الذاتي الكمالي الموجب للعلم بشهود كمال الجلاء والاستجلاء - ق - منصبغا بصبغة
حبية - ل (7) - فلم ينفذ الحكم لسلطنة الوحدة والغنى حينئذ فلم ينفد اتصال احكام التجليات، لان أمر
اخر يكون مظهرا لحكمه المسمى فعلا فعاد - ق (8) - أي كمال الجلاء والاستجلاء - ش
140
فيما حواه الغيب من الحقائق الأسمائية والكونية، فمر ذلك التجلي في عوده على جميع التعينات
العلمية، فمخضها بتلك الحركة القدسية الشوقية، فانتشت بتلك المخضة البواعث العشقية
من جميع الحقائق (1) يطلب من الحق ظهور أعيانها وما فيه (2) كمالها، فصار ذلك العود
مفتاح سائر الحركات الدورية الاحاطية المظهرة للخفيات المخرجة ما في قوة الامكان إلى
الفعل من أعيان الكائنات.
230 - 3 ثم نقول: وانتشاء ذلك الأثر بحسب مرتبة الألوهية ونسبها، المعبر عنها
بالأسماء، وتعين تلك النسب في مرتبة الامكان بأعيان الممكنات فرعا واصلا - جزء وكلا،
لان نسب الألوهية من حيث مصدرها - كالتجلي الإلهي - وحدانية النعت وهيولانية
الوصف، ويسمى حينئذ أسماء ذاتية لكونها عين الذات، فتعدداتها لا تكون الا باعتبار
متعلقاتها التي هي حقائق المكونات، لذلك كانت (3) الحقائق صور النسب الأسمائية، كما أن
الأرواح صور الحقائق، والأشباح المثالية والحسية صور الأرواح.
الفصل العاشر
في قاعدة كشفية يسرى حكمها في أمهات المسائل العزيزة
231 - 3 وهى ان كل ما لا تحويه الجهات وكان في قوته ان يظهر في الاحياز - أعني غير
الجسم والجسمانيات من الفلكيات والعنصريات التي في ضمن محدد الجهات - وذلك أعم من أن
يظهر بنفسه (4) - كالحق تعالى - أو بغيره - كغيره من المعاني الغيبيات والحقائق



(1) - قوله: فانتشت بتلك المخضة، أي ان البواعث العشقية من الحقائق والأعيان الثابتة تابعة للباعث الحبى الذاتي
في الحضرة الغيبية، كما أن الظهور التابع لتلك البواعث تابع لظهوره تعالى شأنه، فتكون الأعيان محبوبا بالعرض ومقضيا
بالعرض وظاهرا بالعرض، وذاته تعالى مجده محبوب ومراد وظاهر بالذات - خ (2) - عطف
على أعيانها، وما موصولة وضمير فيه عائد صلة راجع إلى ما، أي يطلب الحقائق من الحق ظهور أنفسها واصل
وجودها وظهورها هو كمال لها من العلم والقدرة وغيرها على حسب الاستعداد والقابلية، وحينئذ حصلت
المقدمتان: إحداهما الطلب الإلهي الذي يتضمنه التجلي الحبى بصفة الفعل والاخرى الطلب الاستعدادي الكوني
بصفة القبول - ش (3) - لأنها كانت معينة ومخصصة - ش (4) - أي بلا واسطة شرط وجودي خارجي - ق
141
الكليات وكالملائكة والجن من الروحانيات وكالكمل من الأناسي والمتروحنين - فحكمه
انه إذا ظهر بنفسه بلا واسطة شرط وجود خارجي كما سلف، أو توقف ظهوره على شرط أو
شروط كذلك.
232 - 3 ثم اقتضى ذلك الظهور النفسي أو الشرطي انضياف وصف إلى ذلك الظاهر
- كالامكان بوجه واحد في العقل الأول الذي ظهر الوجود فيه بلا واسطة - أو انضياف
أوصاف - كالاحكام الامكانية التي فيما بعده - بحيث لا يكون شئ من ذلك الوصف أو
الأوصاف مقتضى ذاته، أي مقتضاه لولا ذلك المظهر، فإنه لا ينبغي ان ينفى تلك الأوصاف
مطلقا عن ذلك الظاهر الموصوف، وهو ما لا تحويه الجهات ولا
ان يثبت له مطلقا، بل ينبغي ان يثبت له بشرط أو شروط وينفى عنه كذلك، وهى له في حالتي الثبوت والانتفاء صفة
كمال، لأنها من حيث الانتفاء اثر استغناء ذاته وفرط نزاهته وبساطته، ومن حيث الثبوت
آيات قدرته وشواهد فضيلة حيطته وصفات كماله، ولكن على شرط قابلية محاله، وإن كانت
تلك الأوصاف بحيث لو أضيفت إلى غيره كان ثبوتها مذمة وانتفائها محمدة أو
بالعكس، فان غيره لا يقاس عليه ولا بالعكس، لأنه قياس مع الفارق أو بدون الجامع.
233 - 3 اما انها بالنسبة إلى الحق صفات كمال، والمراد بها ما يتناول صفات الأكملية،
فلما قال الشيخ قدس سره في النصوص: ان للحق كمالا ذاتيا وكمالا اسمائيا يتوقف ظهوره
على ايجاد العالم، والكمالان معا من حيث تعين الحق في تعقل الحاكم بهما اسمائيان، إذ الحكم
عليه بان له كمالا ذاتيا يستدعى تعقل ذات الحق بغناه (1) في ثبوت وجوده له عن سواه،
ولا شك ان كل تعين للحق هو اسم له، فان الأسماء عند المحقق ليست الا تعينات الحق، واما
من حيث انتشاء أسماء الحق من حضرة وحدته هو من مقتضى ذاته، فان جميع الكمالات
التي يوصف بها كمالات ذاتية.



(1) - حتى أن كلمة هو المشار به إلى غيب الهوية من الأسماء الذاتية، فان مقام الذات لا إشارة إليه أصلا،
فلا اسم له ولا رسم ولا إشارة، فكلما تعقل عاقل أو أشار إليه مشير فهو تعين من تعيناته واسم من أسمائه
ومظهر من مظاهره، فهو هو، وهو غيره - خ
142
234 - 3 وإذا تقرر هذا فنقول: من كان له هذا الكمال لذاته من ذاته، فإنه لا تنقص
بالعوارض واللوازم الخارجية في بعض المراتب بمعنى انها لا تقدح في كماله بحيث يكمل بها
- كالخالقية بالمخلوق - بل قد يظهر بها في بعض المراتب وصف الأكملية، ومن جملتها
معرفة ان هذا شأنه (1) هذا كلامه.
235 - 3 واما عدم جواز القياس، فلان كل مظهر هو صورة حقيقة مخصوصة
ومستند إلى اسم مخصوص من أسماء الله تعالى، يكون ظهور احكام حقيقته ومرتبته فيه كمالا
له، وإن كان بالنسبة إلى من لا يلائمه مذمة ونقصانا وعدم ظهورها أو الخلل فيها بالعكس،
كالهداية للأنبياء والأولياء والكاملين، والشيطنة للشياطين، وكل منهما لكونه كمالا نسبيا
- أي بالنسبة إلى خلق ما لا إلى من يقابله أو يضاده - يكون منشأ المحمدة والمذمة
خصوصية محله التي منها الملائمة وعدمها، فمن لا يكون له خصوصية الاقتضاء بل يكون
بذاته مستغنيا عن الكل وبحسب شروطه مقتضيا للكل، يكون كل في محله مقتضى حكمته
ودليل قدرته وفضيلة حيطته وآية كماله مع فرط نزاهة جلاله، فالقياس مع فارق علة
الخصوصية وعدمها، والملائمة أو عدمها قياس مع وجود الفارق أو عدم الجامع.
236 - 3 توضيحه: ان صاحب كمال الحيطة واستيعاب الوجوه للوجود لو لم يوصف
بوصف مظهر من مظاهره كان قادحا في سعة إحاطته وكان الوصف له كمالا، غير أن
الموصوفية به - لكونه من فضائل الكمال المستوعب - غير الموصوفية لا بذلك الوجه (2)،
والمتغاير ان حكمهما من حيث الغيرية متغايران، فالمتصف بخصوصية النسبة لو قيس على
المتصف به بمقتضى الإحاطة الكمالية أو بالعكس لكان قياسا مع التفاوت الفاحش في المعنى



(1) - قوله: الأكملية، أي في مقام الظهور على بعض الوجوه واما على وجه استهلاك الكل كما هو شأن
كل موجود ومظهر بالنسبة إلى الظاهر فليست الأكملية الظهورية أيضا، بل على وجه أحدية جمعه للكل
واخذ كل النواصي بمقام أحديته وربطه الخاص مع كل موجود ليس التفوه بالأكملية الظهورية في محله - خ
(2) - فان نسبة الكمال إلى الظاهر ذاتية حقيقة ونسبة التعين والنقص إليه عرضية مجازية - وإن كان الكل
منه وإليه - ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وإن كان الكل من عند الله - خ
143
المؤثر، بل كان من جملة الأقيسة التي يسميها الأصوليون بفساد الوضع، ومثاله شرعا: ان
ضرب اليتيم من حيث اليتم يتفاوت مدحا وذما بحسب التأديب والتعذيب، لا من حيث
القادر عليه، كما قال الشاعر:
حليم إذا ما الحلم زين أهله * * مع الحلم في عين العدو مهيب
237 - 3 فان كلا من الحلم وعدمه كمال من حيث القادر شرعا وعقلا، لأنه حكم الاسم
(العدل) الذي محتد الجميعة الإلهية ومناط الكمالات الانسانية الروحانية والجسدانية
والجمعية بينهما.
تثمير القاعدة وتحرير العائدة منها
238 - 3 وهى من وجوه: الوجه الأول: ان من عرفها عرف سر الآيات والاخبار التي
توهم التشبيه، فلم يقع في ورطتي التأويل - لكونه حقيقة من حيث المظاهر - والتشبيه -
لكون الحق منزها عنها من حيث غيب أحديته وكمال وجوبه - وهذا مما يبنى على ما مر
من الأصل المذكور في النصوص من أن الصفة الذاتية للحق أحدية جمع لا يتعقل ورائه،
ولا نسبة ولا اعتبار، والتحقق بشهود هذه الصفة ومعرفته تماما انما يكون بمعرفة ان الحق في
كل متعين قابل للحكم عليه باحكامه، مع العلم بأنه غير محصور في التعين وانه من حيث
هو غير متعين خال ما يحكم عليه بالتعين لقصور الادراك، هذا هو صورة علم الحق بنفسه،
هذا كلامه، وقد علم منه احكام علية وأصول آلية:
239 - 3 الأول ان كل متعين من حيث دلالته على من تعين بتعينه عينه، وإن كان
من حيث مفهوم تعينه غيره (1).



(1) - أي حقيقة التعين، والمقصود ان المتعين عينه ذاتا وكمالا وغيره تعينا ونقصانا، وهذا الحكم جار في الأسماء
وصورها التي هي الأعيان وفي المظاهر الكونية عند المحقق - خ
144
240 - 3 الثاني ان كل اسم وهو متعين صار بتعينه علامة لما لم يتعين، عين المسمى من
وجه وغيره من وجه، كما قال الشيخ الكبير رضي الله عنه في الفص الإدريسي: الاسم عين
المسمى من حيث الذات وغيره من حيث ما يختص به من المعنى الذي اشتق له.
241 - 3 الثالث ان كل اسم من حيث دلالته على الذات له جميع الأسماء، ومن
حيث دلالته على المعنى الذي ينفرد به يتميز عن غيره (1)، فكل اسم الهى يتسمى
بجميع الأسماء الإلهية وينعت بها، كما نقله في ذلك الفص عن أبي القاسم بن قسى
صاحب كتاب خلع النعلين، ومنه يعلم ذوق كل شئ في كل شئ وهو للمحمديين
خاصة - كما مر - (2)
242 - 3 الرابع ان المتعينات من حيث الذات الأحدية واحدة وهذا شهود المفصل
في المجمل والكثرة في الوحدة، ومن حيث معانيها الخصيصة التي بها تمايزها متعددة،
وهو شهود المجمل في المفصل والواحد في العدد.
243 - 3 قال الشيخ قدس سره في النصوص: تعقل الحقائق على نحوين: أحدهما
تعلقها من حيث استهلاك كثرتها في وحدة الحق وهو تعقل المفصل في المجمل، كمشاهدة
العالم في النواة الواحدة ما فيها بالقوة من الأغصان والأوراق والثمر الذي في كل فرد منه
مثل ما في النواة الأولى إلى غير النهاية.
244 - 3 والاخر تعقل احكام الوحدة جملة بعد جملة فيتعقل كل جملة بما يشتمل



(1) - قوله: من حيث دلالته على الذات، أي من حيث ظهور الذات فيه، فالذات بحقيقة أحدية جمعه ظاهر
في كل اسم، فكل اسم فيه جميع الأسماء حقيقة، وإن كان التميز باعتبار الظهور والبطون، فالاسم (الرحمن)
ظاهر فيه الرحمة، باطن فيه الغضب، و (القهار) بالعكس، فالجنة حفت بالمكاره والنار حفت بالشهوات،
فكل شئ آية (الله) اسمه الجامع لدى أول البصائر ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله ومعه، أي باسمه
الجامع كما عن الصادق عليه السلام - خ (2) - فان لهم البرزخية الكبرى وهم أمة وسط، وهذا سر
الختمية، أي تمام دائرة الوجود وختم سير النور في الغيب والشهود - خ
145
عليه من الماهيات التي هي صور تلك التعقلات المعددة للوجود الواحد - وهذا عكس
الأول - لأنه استهلاك الوحدة في الكثرة. تم كلامه.
245 - 3 وعلى هذا بنى الشيخ الكبير رضي الله عنه في الفصوص: ان المصطفين - الذين
أورثوا كتاب الجمع والوجود - ثلاثة (1)، فالظالم (2) من عدد الاحد بشهود تكثيرة، فله
الضلال والحيرة المطلوبة أبد الآباد، إذ كماله رفع العين من البين لكثرة الأين، فقد نظر هذا
العبد الأوحد إلى أحدية عين من عبد وعبد، فظلم جمع الألوهية بتفريقها وظلم نفسه
بتضليلها وتحييرها في صور الفرق الحجابي، ولكن لنفسه حيث ما حصر الألوهية في
الوحدة، كما لم يحصرها في مظهر، بل حار في الجميع بين كثرة النسب ووحدة الذات.
246 - 3 فالظالم على هذا هو المصطفى الذي اعطى الحق في كل حقيقة حقه.
247 - 3 والسابق من وحد العدد وحصر الألوهية في الوحدة المقابلة للكثرة،
ولا شك انهم المقربون إلى جمع الاحد والمنزهون عن شتات العدد.
248 - 3 والمقتصد الجامع بين الشهودين: أعني شهود الكثرة في الاحد وشهود الواحد في
أعيان العدد، أي كثرة النسب العدمية في الوجود، وبين وحدة الذات في الاله والمألوه، وتأويل
هذا الوجه في النصوص الرحمة والغضب والمكر والاستهزاء والاستواء ببعض معانيه واليد
والوجه والقدم والمرض والسرور والمسيس والتردد والصورة وغير ذلك، وكل هذه مما
لا يحتاج إلى التأويل كما ذكروه ولا يفضى إلى التشبيه كما وهموه إذ بنيت على هذا الأصل.



(1) - قوله في الفصوص: في الفص النوحي حيث قال: ولا تزد الظالمين لأنفسهم، المصطفين الذين أورثوا
الكتاب، فهم أول الثلاثة، فقدمه على المقتصد والسابق الا ضلالا الأخيرة، انتهى. أشار إلى قوله تعالى: ثم
أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات (32 -
الفاطر) وفسر القيصري الظالم بالفاني في الذات والمقتصد بالفاني في الصفات والسابق بالخيرات بالفاني في
الافعال - خ (2) - قال القيصري: الظالم من ظلم نفسه لتكميل نفسه بعدم اعطاء حقوقها - فضلا عن
حظوظها - فالظلم يشبه الذم.
146
249 - 3 الوجه الثاني: ان من عرفها عرف تجسد أرواح الملائكة وغيرها كجبرئيل
وميكائيل وكونهما يبكيان ويحملان السلاح للحرب، على ما ورد في الحديث، وان يسع
أحدهما أو كلاهما في أيسر جزء من الأرض كحجرة عائشة مع اتفاق المحققين، على أن
البكاء على الوجه المعلوم عندنا لا يقتضيه نشأة الملائكة وان الأرواح لا تتحيز، ووجوب
القول بان الداخل في حجرة عائشة وغيرها من الأماكن المذكورة هو جبرئيل حقيقة (1)،
والا لزم من المفاسد ما لا يخفى، وأقلها ارتفاع الثقة عن قول الرسول صلى الله عليه وآله
واختلال أصل الدين والاسلام، وذلك لما مر انها لا تحويه الجهات وفي قوتها ان يظهر في
الاحياز وإن كان بأقدار الحق.
250 - 3 الوجه الثالث: ان من عرفها عرف ان مظهر الاسم الجامع كالانسان
الكامل من القطب وغيره يجوز ان يظهر فيه الكمالات الإلهية، لكن غير القسم الأول من
الأقسام الثلاثة المذكورة في تفسير الفاتحة، أعني غير ما يختص بجناب الحق تعالى - كوجوب
الوجود والأزلية والإحاطة (2) والنزاهة عن أصل جهة الامكان - وهى في الحقيقة لله تعالى -
كوجوب الوجود والأزلية - وان ظهر في الصورة، إذ جمعية الصورة صورة الجمعية،



(1) - عائشة هو جبرئيل حقيقة - ط - ل - قوله: تثمير القاعدة وتحرير العائدة منها ووجوب القول بان
الداخل في حجرة عائشة... إلى آخره: من جملتها عدم الاعتماد على قول الرسول، ومنها عدم اقتدارهم على أن
يظهروا في الاحياز، ومنها عدم اقتدارهم على التشكل باشكال مختلفة، قال الشارح الفاضل: يلزم
اختلال أصل الدين وذلك لما مر من أنها مما لا تحويه الجهات، أقول: لا يلزم اختلال الدين لان من أهل السنة
من يقول إنها أجسام لطيفة، فعلى هذا يحوى الجهات (ف) (2) - قوله: غير القسم الأول إلى قوله:
غير ما يختص بجناب الحق تعالى، أقول: وعندنا ان وجوب الوجود وما بعده كلها ثابتة للانسان الكامل
والمظهر الأتم، والفرق بينها وبين ما ثبت لله تعالى في مقام أحدية الذات هو الفرق بين الظاهر والمظهر وبين
الغيب والشهادة وبين الجمع والفرق، فجميع الأسماء الإلهية ذاتية كانت أو غيرها ظاهرة في المظهر الأتم،
والاسم المستأثر في الحقيقة ليس من الأسماء فلا ظهور له ولا مظهر، واما الأسماء الذاتية حتى الهوية الصرفة
والغيب الاحدى فلها ظهور بمعنى اخر، بل لها ظهور في كل موجود بمعنى غيبي إحدى سرى لا يعرفه الا
الله، الا ترى قوله تعالى: ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها ان ربى على صراط مستقيم، فهذا هو الوجه الخاص
بلا واسطة اسم من الأسماء أو مظهر من المظاهر - خ
147
فظهر معنى قوله صلى الله عليه وآله: ان الله خلق ادم على صورته - أو على صورة الرحمن -
أي على صورة الاسم الجامع أو صورة لازمه العلمي الذي هو من حيث إنه له عينه، ومعنى
قوله تعالى: ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله (10 - الفتح) لأنك صورته، وهذا أصل له
فرط غموض من المذاهب بحيث يوجب ذلك السكوت عنه في بعض المراتب - وان صرح
في بعض المواضع بأعجب من هذه العجائب -
251 - 3 تأنيسه: قولهم: الحقيقة ليست من حيث هي واحدة ولا كثيرة ولا شيئا من
المتقابلات (1)، أي الحقيقة المطلقة، ولا يصدق الحقيقة من حيث هي ليست واحدة
ولا كثيرة، لان المراد نفى الاقتضاء لا اقتضاء للنفي، فمن شأنها ان يظهر مع كل منها
بشرط، مع أنها منزهة عن الكل في كل حالة من حيث هي، أي غير مقتضية، فلو نسب كل
من المتقابلات إلى الحقيقة المطلقة صدق، لأنه صفتها، وليس ما يدل على القصور في بعض
الافراد كالصمم والعمى، نقصانا لحقيقة الانسان، لأنها يتصف بحسب البعض بعدم ذلك
القصور، بل التحقيق ان ذلك القاصر إذا ضم إلى الكامل الاخر اقتضى وصفا فوق الكمال
لا نقصانا ومذمة (2)، كيف وباعتبار ان كلا منتهى ما يقبله المحل وصف كمال ونعت جمال
ويندرج تحته - اندراج الجمال في الجلال - وعكسه اندراج الكمال فيهما.
الفصل الأول
للتمهيد الجملي في تصحيح الإضافات التي بين الذات والصفات
مقدمة
في ضبط مسائله
252 - 3 هي: انا لما أسلفنا التصديق بموضوعية موضوع علمنا في مقدمات الشروع



(1) - قوله: تأنيسه قولهم الحقيقة... إلى اخره، ولا يخفى ان قياس ظهور الحقيقة الإلهية في المظاهر الخلقية
على الطبيعي مع الافراد مع الفارق الا على بعض الاعتبارات البعيدة - كما هو الظاهر عند أولي البصائر - خ
(2) - قوله: بل التحقيق ان ذلك... إلى اخره، هذا التحقيق ليس بشئ فان ضم شئ إلى شئ لا يفيد -
148
وبقى تصوره، لأنه من المبادى على ما عرف والتصديق بهليته وثبوته، لأنه من اجزاء العلم
عند الجمهور - بناء على أن إثبات احكام الشئ فرع ثبوته ومن المسائل عندنا كما
سلف - وكان الغرض الحال عرض كيفية الارتباط بينه وبين الصفات، ناسب
طور التحقيق ان يبين هنا تصور وجود الحق لأنه الموضوع والإشارة إلى هليته، لأنه أول
المسائل عندنا.
253 - 3 ثم كيفية هليته من الوحدة الكاملة ليتضح كونه مبدء حقيقيا لكل كثرة، إذ
المتعدد مسبوق بالواحد.
254 - 3 ثم إن ادراك الموضوع بأي وجه امكانه.
255 - 3 ثم كيفية نسبة الوجود إلى ذات الحق وحقائقه الصفاتية والحقائق الكونية
وما معناه بكل اعتبار.
256 - 3 ثم الفائض الأول الذي يصح كونه واسطة بينه وبين الكثرة.
257 - 3 ثم إن ذلك الفائض نسبته إلى جميع المخلوقات على السواء.
258 - 3 ثم بما ذا ناسب الأول، فصح فائضا غير مخلوق وبما ذا ناسب المخلوقات حتى
ترتبت عليه، وقد اختلف ثمراته قربا وبعدا وقوة وضعفا وشرفا ونقصا، معللا ذلك
باختلاف استعدادات القوابل، وهذا لا علة له، لأنها غير مجعولة.
259 - 3 ثم أي مرتبة ينبع منها الكثرات؟
260 - 3 ثم كيف يتميز اعتبار مبدئية الحق تعالى عن اعتبار وحدته وغناه - مع
ثبوته في الحالين -؟ فهذه عشر مقامات:



- شيئية أخرى مقتضية لأمر من الأمور كما هو المحقق في محله، ولكن التأنيس حاصل بان الحقيقة اللا
بشرطية الطبيعية مع أنها حد ذاتها ليست بناقصة ولا كاملة متصفة بهما وتظهر مع كل منهما، فالحقيقة
المقدسة الإلهية مع ظهورها وتجليها في كل المرائي الوجودية في عوالم الغيب والشهود مقدسة عن كل
التعينات منزهة عن كل القصورات مع كل شئ لا بالمداخلة وغير كل شئ لا بالمزايلة - خ
149
المقام الأول
في الإشارة إلى تصور وجود الحق وهليته
261 - 3 وهو: ان الحق هو الوجود المحض الذي لا اختلاف فيه، أي وجود الحق هو
الوجود المحض وهو الذي فسره الشيخ قدس سره في هذا الفصل في الاعتبار السابق على
اعتبار مبدئيته فقال: وهو كونه وجودا فحسب بحيث لا يعتبر فيه كثرة ولا تركب
ولا صفة ولا نعت ولا اسم ولا رسم ولا نسبة ولا حكم، بل وجود بحت.
262 - 3 فأقول: معنى الوجود البحت، الوجود المطلق، أعني ما لا يعتبر فيه قيد أصلا
وان احتمل ان يؤخذ مع القيود وعدمها، وهو المأخوذ بلا شرط، لا ما قيد بالاطلاق، أعني
المجرد عن القيود المأخوذ بشرط، لان المحض هو الخالص من كل شئ وهذا الوجود خالص
من كل اعتبار وقيد.
263 - 3 اما قولنا: لا اختلاف فيه: فاما إشارة إلى هذا التفسير بمعنى لا قيد فيه أصلا، إذ
القيود منبع الاختلاف ومستلزمها، فحيث لا لازم - وهو الاختلاف - فلا ملزوم - وهو
القيد - فعلى هذا يكون صفة كاشفة لاطلاقه التام حتى عن قيد الاطلاق. واما إشارة إلى هليته،
إذ قيل معناه لا اختلاف في ثبوته، وذلك لان في الوجود موجود، أو في ثبوته ثبوت مطلق
الوجود، أو لا اختلاف في وجوده، أي من حيث الحقيقة - وان اختلف فيه من حيث الظاهر -
264 - 3 وذلك لان القوم بين محقق قائل بان الوجود موجود بوجود هو عينه،
وسنبرهن عليه بوجوه، وبين أهل نظر قائل بان حقيقة الحق وجوده الخاص وهى موجودة
- فكذا هو - ومتى وجد المقيد وجد المطلق المحمول عليه بهو هو. فقولهم بان المطلق معقول
ثان خطأ فاحش، تعالى الله عما لا يليق به، وبين متكلم قائل بان الوجود عين كل موجود
- كابى الحسن الأشعري وأبى الحسين البصري - فذلك كما مر (1)، أو صفة زائدة في الكل،



(1) - من أن حقيقة الحق وجوده الخاص - ق
150
لكنه يخالف سائر الصفات بان وجود سائر الصفات بوجود موصوفها وهذه صفة انما
يوجد الموصوف بها، والا كان موجودا قبل وجوده، ولا ريب ان سبب الوجود موجود،
فالوجود موجود.
265 - 3 تأييده بالبرهنة على أن الحق - أعني واجب الوجود الموجد لكل المخلوقات - هو
الوجود المطلق، وهى من وجوه:
البرهان الأول
266 - 3 انه لولاه، فاما ان يكون العدم أو المعدوم أو الموجود أو الوجود المقيد.
267 - 3 والأولان باطلان، لأنها تؤثر ان ببديهة الصبيان والمجانين والحيوان، وقول أهل
النظر: عدم المعلول لعدم العلة، معناه: عدم التأثير لا تأثير العدم، أي الواقع عند عدم العلة عدم
المعلول، فاللام مجازى كما في: لدو الموت وابنوا للخراب. غير أن الترتبين متعاكسان للفرق
بين سببي الفاعلية والغائية، أو نقول من الأول، لأنهما لا يؤثران في الوجود كما هو المبحث.
268 - 3 واما الثالث وهو الموجود: فلان موجوديته بالوجود الذي هو غيره، لأنه اما
صفة الموجود - كما هو النظر القاصر لأهل الظاهر - أو الموجود صفة الوجود - كما هو ذوق
التحقيق - وكل ما موجوديته بالغير لا يكون واجب الوجود (1).
269 - 3 لا يقال: الوجود عين للموجود، اما مطلقا - كمذهب شيخي المتكلمين - أو
في الواجب فقط - كمذهب الحكيم - فلا يلزم من توقف موجودية الواجب على الوجود توقفه
على غيره، كيف والسببية حينئذ اعتبارية، إذ لا حقيقة لها بين الشئ ونفسه، كما يقال: قائم بذاته.
270 - 3 لأنا نقول تارة جدلا: ان مذهب شيخيهم مبنى على الاشتراك اللفظي للوجود
وهو باطل قطعا، بين في موضعه بعدم زوال مطلقه عند زوال اعتقاد خصوصيته وبكونه
مورد التقسيم المعنوي. ومذهب الحكيم يبطله قوله بان مطلقه معقول ثان، إذ وجد حينئذ



(1) - قوله: صفة الوجود، لان الوجود قائم بذاته ومفهوم الموجودية المصدرية منتزعة منه، والا بحسب
حاق الواقع ومتن كبد الأعيان فالموجود والوجود شئ واحد لا اختلاف بينهما أصلا - خ
151
ما يحاذى به في الخارج، وان مخصص الوجود الذي هو عين الواجب إن كان ذاتي الواجب
كان مركبا والا كان عين الواجب هو معروض التخصص، فكان حقيقة الواجب
الوجود المطلق لا كما قال، هذا خلف.
271 - 3 لا يقال: خصوصيته بعدم الاقتران بماهية ما، فيكون حقيقة الواجب الوجود
المجرد لا المطلق عندهم، ثم القيد العدمي لا يفيد التركيب الوجودي.
272 - 3 لأنا نقول: معروض التخصص هو المطلق، وقد مر ان الماهية المجردة
لا وجود لها بالاتفاق، والحق موجود بالاتفاق. وأيضا المجردة ضد المخالطة ومباينها، والقيد
العدمي يفيد التركيب في العقل - وان لم يفده في الخارج - والحق منزه عنهما. وأيضا الشئ
لا يؤثر في ضده ومباينه، وان الوجود لما أمكن ان يكون عين الموجود، فقد صح ثبوت
الوجود للوجود، وسيجئ انه مستلزم لما عليه أهل التحقيق: ان الحق عين الوجود المطلق.
273 - 3 واخرى تحقيقا (1): ان الوجود له معنيان: أحدهما خلاف العدم ونقيضه،
وهو اسم ويسمى الوجود الحقيقي. وثانيهما مصدر وجد، يستعمل بمعنى الموجودية، أعني كون
الشئ له الوجود الأول أو موقعه أو محله، ويسمى الوجود الإضافي كمضروبية الشئ،
فإنها ليست عين الضرب والا صح اسنادها إلى الضارب، بل التحقيق: ان الضرب نسبة
بين الضارب والمضروب، والنسبة نسبة إلى منتسبيها، ونسبة الضرب إلى الضارب يسمى
ضاربية وإلى المضروب يسمى مضروبية، وكل منهما يسمى حاصل المصدر - لا مصدرا -
فالموجودية منتسبة بالوجود بالمعنى الأول وحاصلة منه، كالمضروبية بالضرب وهى
الحاصلة للمخلوقات (2). والأول ليس الا لما له الوجود من ذاته - بل عينه - وهذه نكتة من



(1) - عطف على لأنا نقول تارة جدلا - ق (2) - هذا شبيه مذهب ذوق التأله أو عينه، ولعل المحقق
الدواني اخذ مذهبه منهم، أي من أهل الذوق والعرفان أو طابق ذوقه ذوقهم - خ
152
تأمل فيها تنبه على منشأ الأغلاط المضلة من المتفلسفين المتحذلقين (1) تحت البطلة.
274 - 3 واما الرابع وهو الوجود المقيد: فاما إن كان الواجب كلا الامرين فكان
مركبا أو الوجود - فهو المدعى - أو القيد - فالوجود معروضه أو عارضه - فإن كان
الواجب وهو القيد هو المعروض: كان وجود الواجب معلولا في الخارج، إذ الكلام في
العروض الخارجي، فيكون هو ممكنا وعلته متقدمة بالوجود - كما مر من شأن العارض
الخارجي - ويلزم منه محالات سنعدها. وإن كان القيد وهو الواجب هو العارض: كان
نفس الواجب محتاجا ومعلولا في الخارج، لان العروض خارجي فيلزم الخلف وامكان
الواجب.
البرهان الثاني
275 - 3 ان حقيقة الحق تعالى لو لم يكن الوجود المطلق، فاما ان يكون الوجود الخاص
- كقول شيخي المتكلمين والحكيم - أو يكون وجوده زائدا - كقول جمهورهم - أعني
الزيادة في الخارج، إذ الزيادة في العقل مما يعترف بها القائلون بالعينية، وكل من القولين
الأخيرين باطل، فالحق هو الأول.
276 - 3 اما عينية الوجود الخاص: فلان ما به خصوصية إن كان داخلا فيه - تركب
الواجب - وإن كان خارجا - كان الواجب محض ما هو الوجود وهو المطلق والخصوصية
صفة عارضة - وقد مر تحقيقه - ثم لا بد من امتيازه في ذاته، لا جائز ان يكون امتيازه بعدم
المقارنة، والا لم تقارنه الخصوصية العارضة - كما هو زعمهم - فتعين ان يكون امتيازه
بعدم اعتبار المقارنة - وهو المطلق المطلوب -
277 - 3 واما زيادة الوجود في الخارج: فهذا مع شهرة بطلانه واستلزامه المحالات من
تقدمه على الوجود بالوجود في الخارج وتعدد وجوداته والمفروض وحدته، بل عدم تناهى



(1) - أي: متظرف متكيس، الحذلق: الكثير الكلام، وبالفارسية: لاف زن.
153
الوجودات المحققة في كل موجود، بل إذا نسب إلى جميع الوجودات الخارجية، يلزم عدم الوجود
له في ذاته وحصوله بمخلوقه وتأثير المعدوم في الوجودات (1)، نقول فيه: لا جائز ان يكون كل
من العارض والمعروض الموجودين في الخارج واجبا، والا تعدد الواجب، وأيهما كان ممكنا جاز
عدمه، وكل من جواز عدم الماهية والوجود ينافي الوجوب، إذ لا يتحقق الا بهما.
278 - 3 فان قلت: كل منهما واجب بمعنى اخر، فالماهية واجبة لذاتها - أي لنفسها -
والوجود واجب لذاته، وهى الماهية لاقتضائها إياه (2).
279 - 3 قلت: هذا اجتهاد في صدق الواجب لذاته على كل منهما بكل من الاعتبارين،
والصادق بكل الاعتبارين إن كان هو الواجب المطلوب، فقد تعدد، وإن كان المطلوب هو
الواجب بأحد الاعتبارين: فبالاعتبار الاخر كان ممكنا وجائز الزوال في نفسه وفيه المحال المذكور.
البرهان الثالث
280 - 3 انا لا نشك ان الصور اثار المعاني والحقائق مؤثرة فيها - ولو باعتبار النسب
الأسمائية المتعينة بحسبها - يدل عليه استدلال الأطباء بالاعراض على الصحة والأمراض، و
استدلال الصيدلي (3) بالألوان والطعوم وغيرهما على طبائع الأدوية والطعوم، واستدلال علماء
الفراسة بالحلى (4) على الأخلاق والأمزجة والاعراق، والوجدان أدل دليل على أن الحركة
الظاهرة للباعث الباطني أعم من أن يشعر ببعثه المتحرك أم لا. وإذا تقرر ان الحقيقة هي المؤثرة في
الصور كان الآثار العامة مستندة إلى الحقائق الشاملة، فإذا أردنا ان نطلب الحقيقة المؤثرة في جميع
الموجودات تعين ان يكون حقيقة شاملة لها، ولا ذلك الا حقيقة الوجود المطلق - وهو المطلوب



(1) - إذا فرض ان الوجود الزائد مخلوقه، واما إذا فرض انه لازمه فلا يلزم هذا المحذور - بل محذور اخر - خ
(2) - قوله: لذاته، أي لذات الوجود، وانما هو واجب الوجود بالذات، لأنه مقتضى ذات الماهية، والجواب ان
هذا ليس الوجوب الذاتي، بل بالغير - كما هو معلوم - خ (3) - الصيدلاني - ط - ل - الصيدلي والصيدلاني
يبايع العطر والأدوية والعقاقير، قيل إن اللفظة فارسية معربة وقيل إنها مأخوذة من لفظة صندلاني، أي الذي
يبيع الصندل وهو خشب هندي طيب الرائحة ثم اطلق على من يبيع العطر والأدوية والعقاقير. وعلم يبحث
عن تركيب الأدوية. (4) - بالخلق - بالخلقة - ن - ع - حلية الانسان: ما يرى من لونه وظاهره وهيئته.
154
البرهان الرابع
281 - 3 ان الوجود المطلق موجود لصدق قولنا: الوجود موجود، اما بصحة حمل
الشئ على نفسه - وإن كان غير مفيد - أو بالذات، لان الماهيات غير مجعولة، أو
بالضرورة، لامتناع سلب الشئ عن نفسه (1) من حيث اخذه ذهنا أو خارجا أو مطلقا (2).
282 - 3 لا يقال - كما قال في المواقف والمقاصد -: سلب الشئ عن نفسه جائز عند
عدمه - لصدق السلب بعدم الموضوع -
283 - 3 لأنا نقول: هذا غلط فاحش ناش من عدم الفرق بين اخذ الموضوع مطلقا
وبين اخذه موجودا، والفرق قطعي، والا لم يكن الماهيات المعدومة ماهية ممكنات كانت
أو ممتنعات، وأيضا لم يتحقق القضية الذهنية ولا الطبيعية (3)، ولزم من انتفاء المقيد - أعني
الماهية المخلوطة (4) - انتفاء مطلق الماهية (5) وغير ذلك من المفاسد.
284 - 3 أو لان (6) موجودية كل موجود بالوجود كما مر وسبب الموجودية موجود
باتفاق مثبتي الصانع وببديهة الصبيان أو الحيوان كما مر - بخلاف سبب المضروبية - فإنه
ليس بمضروب، لان معنى المضروب من وقع عليه الضرب، لا ماله الضرب، ومعنى الموجود
ماله الوجود.
285 - 3 فهذه الأدلة الأربعة قائمة على أن الوجود موجود. وما ذكره البهشتي من لزوم



(1) - فثبوته لنفسه ضروري - ق (2) - قوله: البرهان الرابع ان الوجود المطلق - إلى اخره، لا يخفى ان هذا
البرهان لا يدل على ما هو بصدده من إثبات كون الحق وجودا مطلقا، والغلط فيه ناش من اشتباه المفهوم بالمصداق
والحمل الأولى بالشائع، وكيف كان فما نقل عن المحقق الطوسي من كون ماهيته تعالى عين وجوده أدل دليل على
المطلوب، فان سلب الماهية عنه تعالى سلب كافة التعينات والتقيدات وإثبات إحاطته على قاطبة الوجودات
والموجودات ووجدانه لجميع الكمالات ومطلق الوجود، وهو الذي في السماء اله وفي الأرض اله، ولو دليتم بحبل
إلى الأرض السفلى لهبطتم (لهبط) على الله - خ (3) - لان مع فرض عدم ثبوته لنفسه لا يثبت له شئ أصلا - ق
(4) - أي الموجودة - ق (5) - لان مع عدم المقيد يصدق سلب الماهية عن نفسه فيلزم انتفاعه - ق
(6) - عطف على اما بصحة حمل الشئ على نفسه، وهذا دليل رابع على أن الوجود موجود - ق
155
التركيب فيما هو الموجود ظاهر المنع، لان التركب في مفهومه لا يقتضى التركب فيما
صدق عليه، والا لم يصدق على البسائط أصلا، فلم يصدق على المركبات أيضا، لان موجودية
المركب يلزمها موجودية البسائط، نعم قد يقتضى مفهومه ان يكون الموجود - أي ماله الوجود - غير
الوجود، لكن عقلا، لامتناع موضوعية الشئ لنفسه - لا خارجا - لشموله
ماله الوجود الغير الزائد كما سيجئ.
286 - 3 ثم نقول: وكل موضوع له المحمول فالوجود له الوجود، وكل ماله الوجود موجود.
287 - 3 ومما يدل عليه اتفاق شيخي المتكلمين والحكماء ان وجود الواجب عين
ماهيته وماهيته موجودة، فكذا هو. وذلك لان معنى الموجود ماله الوجود، لا من صدر
عنه الوجود - بخلاف الكاتب فرضا - والا لم يصدق على المخلوق، ولا ما وقع عليه
الوجود - كالمضروب مثلا - والا لم يصدق على الخالق.
288 - 3 فان قلت: الذي اتفقوا عليه ان وجوده الخاص عين ماهيته لا الوجود المطلق،
فلا يلزم الا ان يكون الوجود الخاص موجودا.
289 - 3 قلت: بعد ما ثبت وصح بالبرهان النير ان الوجود المطلق يصدق على الوجود
الخاص الواجبي الذي هو عندهم عين الحقيقة الموجودة، وكل ما يصدق على ما هو عين الوجود
بهو هو، فهو موجود، فالمطلق موجود.
290 - 3 ثم نقول: لا شك ان الوجود للوجود ضروري، لما مر ان الماهيات غير مجعولة
وان سلب الشئ عن نفسه ممتنع، فإنه ذاتي له لما قيل: كل حكم ثبت لشئ بواسطة أم ثبت
لذلك الامر بالذات - كقدم القدم وحدوث الحدوث وتعين التعين وغيرها - فكذا وجود
الوجود ذاتي بلا علة، ولان ذات الشئ لا يعلل ثبوتا - كما لا يبرهن عليه اثباتا - ولما نقلناه
فيما مر عن المحقق الطوسي قدس سره: ان كل ماهية وجودها عينها فهي واجبة لذاتها،
وكل ما وجوده ضروري فهو واجب، ثم لا واجب الا هو، لامتناع تعدد الواجب، وهذا
برهان يمكن ان يستنبط منه براهين عديدة عزيزة.

156
البرهان الخامس
291 - 3 ان الوجود المطلق لو لم يكن موجودا كان معدوما، والا كذب أجلي
البديهيات فارتفع الثقة عن العلميات (1) لكن المعدوم وإن كان بمعنى المتصف بالعدم لزم
اتصاف الوجود بالعدم واجتمع النقيضان، وإن كان بمعنى المرتفع رأسا، فالوجود المطلق
لو ارتفع ارتفع كل وجود - حتى الواجب - كما أن الانسانية المطلقة لو ارتفعت ارتفع
كل انسانية فلم يبق انسان، وارتفاع وجود الواجب ممتنع، فكذا ارتفاع الوجود المطلق،
وكل ما ارتفاع وجوده ممتنع فوجوده واجب - لما تبين في العقليات -.
292 - 3 لا يقال: فيه شكان: الأول ان الواجب بالذات الذي هو المبحث ما يمتنع ارتفاع
وجوده لذاته، وههنا ارتفاع وجود الموجود المطلق، لكونه مستلزما لارتفاع وجود
الواجب، فان المطلق لازمه، وارتفاع اللازم ملزوم ارتفاع الملزوم، فهو كامتناع ارتفاع
العقل الأول الذي هو لازم الواجب بالذات عندهم، ولا شك ان وجوبه بالغير لا بالذات.
293 - 3 لان جوابه: ان ارتفاع الحقيقة الكلية التي هي ذات الافراد ومقومها، عين
ارتفاع الافراد التي من جملتها وجود الواجب (2)، إذ الفرق (3) بين الذاتي واللوازم الاخر فيما
ذكروا ان رفع الافراد عين رفع الماهية بخلاف رفع اللوازم الاخر، كالعقل الأول
للواجب، فتبين الفرق وحصحص الحق.
294 - 3 الثاني النقض بمطلق التعين، فان ارتفاعه يوجب ارتفاع تعين الحق الذي هو



(1) - قوله: البرهان الخامس... إلى اخره، هذا البرهان في غاية السقوط، والاشتباه فيه ناش من اخذ مطلق
الوجود مكان الوجود المطلق، والمقصود إثبات الثاني للحق لا الأول، فإنه ليس محل البحث ههنا، فتدبر - خ
(2) - قوله: ارتفاع الحقيقة الكلية، ليس نسبة مفهوم الوجود إلى ما صدق عليه نسبة الحقيقة الكلية إلى
افرادها والماهية على مصاديقها، واما حقيقة الوجود التي هي عين الحق فهي ليست بماهية كلية صادقة على
الافراد، وهذا أمر مشتبه على الشارح واترابه، وقد حقق في محله، فمن أراد الاطلاق عليه فليراجع كتب
صدر المتألهين قدس الله نفسه الزكية - خ - للوجود وجود الواجب - ل (3) - الافراد إذ الفرق - ط -
إن كان المتن هكذا فالحاشية التي قبيل هذا زائد، فتدبر - م
157
عين الحق - كما علم - فيلزم ان يكون مطلق التعين حقيقة الحق وليس كذلك، بل التعينات
مجالي تنزلاته.
295 - 3 لان جوابه: ان تعين الحق نسبة فكونه عين الحق، معناه ان لا وجود له الا
وجود الحق، لا ان له وجودا حقيقة هو عين وجود الحق - كما للوجود -
296 - 3 فان قلت: فكذا كل تعين نسبة، فيكون عين المتعين بذلك المعنى، فما الداعي إلى
الفرق بين تعين الحق وتعين غيره.
297 - 3 قلت: هو ان لتعين ما يسمى غيرا باعثا على اعتباره - كاجتماع الحقائق حسا
أو مثالا أو روحا - بخلاف تعين الحق الاحدى أو الواحدي.
298 - 3 اما الأول فهو صورة علمه بنفسه وفسرها الشيخ قدس سره بكونه غير
متعين في نفسه وقابلا ان يحكم عليه بحكم كل متعين بحسب كل تعين - مع كونه في
نفسه غير متعين حال الحكم عليه بذلك - وهذا انما يلحقه في مرتبة التعين الأول الذي هو
الحد الفاصل بين كمال الاطلاق حتى قيد الأحدية وبين ما اندرج تحت الشهادة، إذ قبله
لا حكم عليه ولا وصف له - لا بالأحدية ولا بعدمها -
299 - 3 واما الثاني فباعتبار اتصافه الاحاطي بجميع الكمالات الجمالية والجلالية،
فمعنى وأحديته وتعينه بها ان لا تعدد في مجموع له أحدية جمعية لا يتصور ورائها وصف
ولا مرتبة، فهذان التعينان له لا يتوقفان على ملاحظة الغير الباعث على اعتبارهما لامكان
اتصافه بهما - ولو لم يتحقق الغير -
300 - 3 فان قلت: هذان التعينان المسميان بالتعين الأول والثاني عند القوم نسبة كما
مر، فمعروض النسبة خال في نفسه عنهما. وأيضا فهل له تحقق بدونهما - فضلا عن غيرهما -
وقد قيل لا تحقق للعام بدون أحد خواصه؟ أو لا تحقق له بدونهما، فكيف صح نفى الشئ - أي
الوجود المطلق - عن نفسه؟ وفيه من المحالات السالفة.
301 - 3 قلت: كل ماله ماهية وهوية غير الوجود لا يتصور مقارنتها للوجود الا

158
بالتعين، لان تلك المقارنة بعين الوجود بخلاف ما لا ماهية له غير الوجود، فإنه في نفسه
واتصافه بالوجود منزه عن التعين - لعدم احتياجه إلى غير ذاته - لان ذلك الاحتياج هو
المنبع للحاجات والمحتد للتعينات. فقوله: لا تحقق للعام... إلى اخره، انما يتصور في القسم
الأول ويتعالى القسم الثاني عن ذلك، فعند تحقيقه كما ينبغي يتحقق كون الحق تعالى واجبا
وجوده أزليا أبديا ومستغنيا عن مطلق التعين، وعدم منافاة ذلك توقف ظهور بعض
كمالاته الأسمائية على بعض التعينات الكلية أو الجزئية التي هي شؤونه وأوصافه ومقتضيات
ذاته، لكن بحسب شروطها للمظهرية وتتسلق (1) بذلك إلى التحقيق بالتوحيد الذاتي
والاسمائي والافعالي ان وفقت.
302 - 3 واعلم أن المنكرين ان حقيقة الحق هي الوجود المطلق من أهل النظر
والمتكلمين لهم شبه جمعها في شرح المقاصد وارتضاها، ولا بد من دفعها، رفعا لتردد
الضعفاء وتنبيها لمن يزعم بعد التباهي بها التناهى في رئاسة الحكماء والعلماء، انه لم يكد
يحوم حول معرفة حقائق الأشياء، فعياذا بالله من الجهل المركب فضلا عن المباهاة باللفظ
المرتب، اللهم عفوا وغفرا ولا تكلنا إلى أنفسنا كشفا وسترا، ولا تبتلنا بما لا ترضاه
سرا وجهرا، وأصلح لنا شأننا فكرا وذكرا.
303 - 3 الشبهة الأولى: ان المطلق لا تحقق له الا في الذهن والواجب من يجب
وجوده في الخارج (2).



(1) - تسلق الجدار، أي: صعد عليه. تنساق - ن - ع (2) - قوله: الشبهة الأولى... إلى اخره، هذه الشبهة وجوابها
في غاية السقوط، اما الشبهة فلانها ناشئة من اشتباه المفهوم الذهني بالحقيقة الخارجية، فالاطلاق الذي نحن بصدد
اثباته للحق تعالى هو عين الوجود الصريح الخارجي الذي لا تعين له ولا ماهية، بل هو نور محض وحقيقة خالصة
لا سبيل للبطلان إليه ولا طريق للبوار الذي هو التعين أو اللازم له إليه، واما الاطلاق المفهومي فهو خارج عن
حقيقة الحق عند الكل، وليس أحد يتفوه به، وبهذا يظهر سقوط الجواب أيضا، فان الحق في الجواب ما عرفت وهو
لا يبتنى على وجود الطبيعي وليس نسبة الحقيقة الحقة الإلهية الاطلاقية مع مفهوم الوجود المطلق نسبة الماهية
مع افرادها - كما هو أظهر من أن يخفى على أولي النهى - خ
159
304 - 3 جوابها: ما مر في الأمهات: ان الحق وجود الكلى الطبيعي في الخارج لوجود
أحد قسميه وهو المخلوط (1)، وقد اندفع ثمة شبه منكريه.
305 - 3 فان قالوا: الموجود هو الهوية لا الماهيات الكلية.
306 - 3 قلنا: الهوية هي الماهية مع التشخص، والتشخص نسبة اعتبارية، فلم يبق
متحققا الا معروضه.
307 - 3 لا يقال: الموجود ما به التشخص، إذ الهوية الموجودة هي الانضمامات.
308 - 3 لأنا نقول: ما به التشخص له ماهية والفرض انها غير موجودة، فبقى
تشخصه والانضمامات نسب اعتبارية، فليست عين الهوية الموجودة، بل لها مدخل في ذلك.
والتحقيق (2) ان الوجود للموجود بحسب مرتبته والماهيات والهويات نسبة وصفاته
التنزلية من الكلية والجزئية.
309 - 3 الشبهة الثانية: ان لا تحقق للعام الا في ضمن الخاص، فلا يتحقق الا في
ضمن غيره وهو محال.
310 - 3 جوابها: بعد ان يدفع ورود السؤال الأول، ما مر ان الموقوف تحققه
على تخصيص وتقييد بخصوصية ما، هو الذي له ماهية أو هوية غير الوجود، فلا يتحقق
الا بمقارنة ماهيته أو هويته بوجوده، اما الذي وجوده عينه فوجوده ذاتيه وواجب له،



(1) - قوله: لوجود أحد قسميه وهو المخلوط، إثبات وجود الطبيعي بوجود المخلوط ظاهر الفساد - وان أصر
عليه بعض المحققين من أهل النظر في كتبه - فان تقسيم الماهية إلى الأقسام الثلاثة من الاعتبارات العقلية
التي لا وجود لها على التحقيق، فالمخلوط لا وجود له البتة وإن كان الطبيعي له وجود والطريق الصحيح
لاثباته هو من طريق حمل الطبيعي على الافراد الخارجية، والحمل يقتضى الاتحاد اما مفهوما فليس، واما
وجودا فهو المدعى، وللمقام تفصيل وتحقيق ليس مجال ذكره - والله العالم - خ (2) - في ذلك، هذا إذا
أريد بالمطلق الماهية المطلقة المفسرة بالتعين العلمي المقسم للتعين الوجودي، فهي التي اختلف في وجودها
بل اقتران الماهية لم يظهر ولا يظهر ابدا على ما قال في النصوص، اما لو أريد بالمطلق الوجود الذي هو أعم
من أن يتعين بالتعين العلمي أو الخارجي ويكون كل التعين اسما وصفة له بحسب مرتبتهما فهما يتبعان له بل
اعتباران له فكيف يتوقف وجوده عليهما؟ فالتحقيق... - ل
160
وعدمه سلب الشئ عن نفسه، وقد ظهر امتناعه، فكيف يتوقف ذات مثل هذا على شئ
ولو على التعين الأول الاحدى الجامع بالنسبة إلى الحق؟ نعم قد يمكن ان يتوقف هويته من
حيث كمالاته الأسمائية على المظاهر - ولكن بالشرطية لا بالعلية -
311 - 3 وجملة الكلام فيه: ان الحق ان الذات المطلق اما ان يتوقف على تحقق صفاتها
وأحوالها المشخصة بدون عكسه أو بالعكس كذلك (1)، أو لا توقف من الطرفين أو لكل
توقف على الاخر من وجه.
312 - 3 فالأول بين الاستحالة، لان توقف تحقق الذات على تحقق أحوالها دور
ويقتضي ان يكون الذات والحال على عكس المفروض.
313 - 3 والثاني يقتضى ان يتعين الماهية قبلها تعينا شخصيا فلا يكون كلية - هذا
خلف -
314 - 3 والثالث محال، لان الوصف والحال ما يكون تبعا في الوجود وسره: ان عدم
التوقف من الطرفين - بل من أحدهما - يمنع سريان سر الجمع الاحدى الإلهي، فلا يوجد.
315 - 3 فالحق هو الرابع وهو ان يتوقف الأحوال على الذات في انتساب الوجود،
والماهية على الأحوال في التعين.
316 - 3 لا يقال: فتوجد الماهية قبل التعين.
317 - 3 لأنا نقول: نعم قد في ما وجودها عينها، اما في غيره، فإنما يلزم لو لم يكن أحد
التعينات لازمه، وتقدم الذات فيه تقدم بالذات - كتقدم حركة الإصبع على حركة الخاتم -



(1) - قوله: وجملة الكلام: لولا هذه الجملة التي زعم أنها تحقيق لكان صدر كلامه موافقا للتحقيق، ولكنه
على زعمي اخذ صدر كلامه من غيره كالقونوي واترابه ولم يطلع على حقيقته، وبالجملة ففي قوله: والثاني
يقتضى ان يتعين الماهية قبلها... إلى اخره، نظر واضح، فان الكلية التي سلبها متحاشيا إن كانت المفهومية،
فالحق سلبها وإن كانت بمعنى سعة الوجود وإحاطته، كما في تعبير كثير من أهل المعرفة فلا يكون تاليا لما
ذكر، والحق ان في كلام هذا الشارح القاضي في كثير من المواضع اغلاط غريبة، ومن لم يجعل الله له نورا
فماله من نور - خ
161
ولا يلزم من عدم وجود الملزوم بدون لازمه توقفه عليه - كالثلاثة بدون الفردية والجسم
بدون التحيز - وهذه النسبة هي السارية فيما بين الهيولي والصورة والجوهر والعرض في
الشخص، فإنها سر سريان وجود الحق في المظاهر (1)، فان تقيده الذي تنزل به من كماله
الذاتي الاطلاقي إلى الحقائق العلمية التي هي بالنسبة إلى ذاته عينه (2) المجعولة حسب
استعداداتها صورا واعيانا ظاهرة يتوقف بوجه الشرطية على نسبة الأسمائية، فالتوقف
ولو بالشرطية انما هو لبعض أسمائه وصفاته على البعض - لا لذاته المطلقة الغنية عن
العالمين - فافهم، تسلم عن ورطتي مجرد التشبيه والتنزيه.
318 - 3 الشبهة الثالثة: لو كان الوجود المطلق واجبا لكان كل وجود واجبا - حتى
وجود القاذورات والخنازير والحيات - تعالى الله عما لا يليق به (3).
319 - 3 جوابها: ما مر ان الوجود الإضافي لحقائق الممكنات بمعنى الموجودية (4)، أي
نسبة خاصة إلى الوجود الحق لا عينه، ولا يلزم من وجوب الشئ في ذاته وجوب انتسابه إلى
شئ مخصوص.
320 - 3 فلا يرد ان الوجوب إذا كان مقتضى الذات كان لازمه، فأينما وجد وجد معه.



(1) - قوله: فإنها سر سريان وجود الحق... إلى اخره، هذا وأمثاله من لوازم الماهية والنقص وليس من
اسرار سريان الحق، فان الكمالات برمتها منه ومن اثر ظهوره في الخلق واما النواقص فمن نفس
الماهيات، فهو تعالى نور السماوات والأرض، واما الظلمات اللازمة للتعينات فمن الكلمة الخبيثة، وان قلنا
بان الكل من عند الله فهو بنحو العرضية واللازمية كما هو ظاهر - خ (2) - غيبها - ن - ط - يمكن ان
يكون: غير. (3) - قوله: الشبهة الثالثة... إلى اخره هذه الشبهة كأمثالها أيضا واهية ساقطة ناشئة من عدم
الفرق بين الوجود المطلق، أي الغير المتعين المجرد عن كافة الماهيات والتعلقات، وبين مطلق الوجود المحكوم
في كل وجود بحكمه ولا يحتاج إلى تحقيقات الشارح التي هي منظور فيها في نفسها، وان شئت بلسان أهل
المعرفة فقل: ان الوجود مطلقا كمال وجمال والنقص ناش من التعينات والماهيات، لا أصل الوجود، وهذا
أيضا غير مربوط بما نحن بصدده من إثبات الوجود المطلق للبارئ جل ذكره، بل راجع إلى أن ظهوره في
مجالي الأنوار كمال ونور وهو نور السماوات والأرض - خ (4) - ان للوحدة اعتبارين: أحدهما متعلقه
طرف بطون الذات وخفائها، وهو اعتبار اسقاط سائر النسب والإضافات كلها، ويسمى الذات به
واحدا، وبهذا الاعتبار الثاني يصير الذات منشأ الأسماء والصفات (آ)
162
321 - 3 لان مقتضى الذات تحققه في نفسه أو في الجملة، لا تحققه من حيث النسبة
المخصوصة، كما أن حقيقة الجسم يقتضى تجسما ما وتميزا ما، فهما لازماه، لا المخصوصان.
322 - 3 فالتحقيق: ان المتعدد حسب تعدد الماهية الجنسية أو النوعية أو الشخصية
أو العرضية هي الموجودات، مجالي نسب الوجود - لا نفس الوجود - ثم النسب الأسمائية:
منها جمالية لطفية متعلقاتها مستحسنة بالنسبة إلينا، ومنها جلالية قهرية متعلقاتها
مستكرهة في نظرنا القاصر لكونها مهلكة أو مؤذية أو غير ملائمة، والكل بالنسبة إلى حيطة
قدرته وحكمته وسعة علمه وقوته كمال كما مر في الفصل العاشر.
323 - 3 الا ترى انهم أسندوا خلق مثل الحيات والخنازير والقاذورات إليه في الواقع
- وان احترزوا عن سوء الأدب في التصريح بذلك؟ - فمثله بعينه الانتساب الذي عندنا إلى
أسمائه التي هي مثل القاهر والضار والمنتقم والمذل وغيرها من الأسماء الجلالية، فلا ريب ان
بمجموع الجلال والجمال يتحقق الكمال.
324 - 3 الشبهة الرابعة: ان الوجود ليس بموجود، كما أن الكتابة ليست بكاتب والسواد
ليس بأسود، حتى قيل: مبدأ المحمول من افراد نقيضه (1)، الا ان يريدوا بقولهم: الوجود موجود،
ان الوجود وجود لا انه ذو وجود، لكن المراد بقولنا: الواجب موجود، هو الثاني لا الأول.
325 - 3 فان قلت: لو لم يكن الوجود موجودا لكان معدوما، ولزم اتصاف الشئ
بنقيضه.
326 - 3 قالوا في جوابه: ان الممتنع اتصاف الشئ بنقيضه، بمعنى حمله عليه بالمواطاة،
نحو: الوجود عدم - لا بالاشتقاق - نحو: الوجود معدوم، إذ هو كقولنا: الكتابة ليست بكاتبته.
327 - 3 ولذا قالت الفلاسفة: الوجود المطلق من المعقولات الثانية. وقال مثبتوا الحال
من المتكلمين انه من الأحوال.
328 - 3 وجوابها: ما مر ان الموجود ماله الوجود، لا من صدر عنه كالكاتب، بل



(1) - قوله: الشبهة الرابعة... إلى اخره، هذه الشبهة غير مرتبطة بما نحن بصدده من أن الحق وجود مطلق،
بل راجعة إلى أصل تحقق الوجود، ففي الحقيقة هذه المرحلة قبل المرحلة التي الان الكلام فيها. فتدبر - خ
163
التحقيق ان معنى الكاتب أيضا من له الكتابة لا من صدر عنه، والا كان كل اسم فاعل
كذلك، وليس كذلك، كالمائت والمتقدم، وقولنا: ماله الوجود أعم مما له الوجود الزائد
وغيره أو الخارجي والعقلي، والوجود ماله الوجود الغير الزائد، لامتناع سلب الشئ عن
نفسه، فيجب اثباته له، ولذا قالت الفلاسفة: ان وجود واجب الوجود عينه، وكذا
الأشاعرة في كل موجود، فهم وأكثر العقلاء معترفون بان الوجود موجود بالشكل الأول،
القائل: ان الوجود عين الماهية الموجودة وكل ما هو عين الموجود موجود، وكذا الكاتب بمعنى
من له له الكتابة، ولو غير زائدة صدق على الكتاب بحسب المفهوم الوصفي، غير أن
العرف اشتهر باطلاقه على أحد قسميه وهو ما له الكتابة الزائدة، فلا ينافي عموم الحقيقة
اللغوية القسمين، فظهر فساد القول بان الوجود حال أو معقول ثان، تعالى الله عن ذلك،
اللهم الا ان يريدوا انتساب الوجود إلى الماهية، فإنه من الأمور العقلية وبه يقول المحقق.
329 - 3 الشبهة الخامسة: ان الوجود المطلق ينقسم إلى الواجب والممكن والقديم
والحادث، والمنقسم إلى شئ وغيره لا يكون عينه فضلا عن أن يكون المنقسم إلى الممكن واجبا
وإلى الحادث قديما (1).
330 - 3 وجوابها: ان الوجوب والامكان والقدم والحدوث أسماء نسب الوجود، أعني
الموجودات، وليست من الأسماء الذاتية، أعني التي نسبتها إلى المتقابلات سواسية، فالتقسيم في
الحقيقة لنسبه لا لنفسه.
331 - 3 الشبهة السادسة: ان الوجود يتكثر بتكثر المجالي، والمتكثر لا يكون واجبا - إذ
يجب وحدته -
332 - 3 وجوابها: ان المتكثر والمتعدد نسبه وشئونه لا عينه، لما قيل: إن الوجود عند



(1) - هذه الشبهة أيضا من باب اشتباه الوجود المطلق مع مطلق الوجود، فالوجود المطلق واجب ليس الا
ومطلق الوجود مفهوم عام بديهي لازم للحقائق الوجودية وصادق عليها صدقا عرضيا - خ
164
انضمامه إلى الماهيات لا يكون غير الوجود، بل هو هو ابدا، لكن سمى بواسطة الانضمام غيرا
فيكون هو في حد ذاته مع جميع التعينات واحدا بالشخص كائنا في كل آن في شأن
- بل شؤون - بواسطة تغيرات التعينات، فاللازم من تعدد التعينات تعدد الموجودات
والموجوديات - أعني نسب الوجود لا تعدد نفس الوجود -
333 - 3 لا يقال: فلا يكون مطلقا وكليا ومشتركا - كما هو شأن الواحد بالشخص -
حتى لو التزم كليته لا يكون موجودا في الخارج، فلم يكن واجبا.
334 - 3 لأنا نقول: أجاب البهشتي عنه بان كونه شخصا بحسب الخارج، والكلية انما
تعرض له في الذهن فلا منافاة بينهما.
335 - 3 قال: وبهذا يندفع أيضا ما يقال: لو كان كليا كان الواجب واحدا بالنوع
لا بالشخص، وذلك لجواز ان يكون شخصا في الخارج، واحدا بالنوع في الذهن، وفيه
تأمل، لان تعين الوجود الواجبي في نفسه عينه، فإن كان المتعين بذلك التعين شخصا
لا يتصور كلية ونوعيته ذهنا - كتعين زيد - وإن كان ذلك التعين نوعيا كليا لا يكون
شخصا، نعم قد تعين حقيقة الجزئي غير تعين ذاته، ولذا كان الأول كليا والاخر جزئيا، وليس
للوجود الواجبي في نفسه الا تعين واحد هو عينه.
336 - 3 فالجواب: الحق ما مر ان تعين ما عدا الوجود انما هو بمقارنة الوجود لماهية أو
هوية وتخصصه بها، اما الوجود المطلق فتعينه عين وحدته ووحدته عين حقيقته، وما
بالذات لا ينفك ولا يزول، فلا يتصور التعدد والاشتراك الا في نسبه الجزئية أو الكلية، ونفسه
كما هو هو في كل الأحوال، فوحدته في اقصى الكمال حتى لا يتصور في مقابلته كثرة، بل
وحدته - لأنها عين حقيقته - يكون عين الكثرة إذا تحققت، والتي ينقسم إلى الجنسية والنوعية
والشخصية هي الوحدة العددية المتصورة في مقابلة الكثرات، ووحدة الحق في ذاته بمعزل عنها
فلا يوصف من حيث هو بالكلية والجزئية ولا بالنوعية والشخصية، بل هذه أحوال نسبه
العلمية، ولذا لم يكن تعينات سائر الحقائق الا بأحدها، اللهم الا ان يراد بالوحدة الشخصية

165
وحدة ذاتية ممتنع الاشتراك في عين تعين موضوعها - كالتعين الأول لذات الحق فيتناول
أحدية الحق -
337 - 3 يدل عليه ما قال الشيخ قدس سره في النصوص: ان اطلاق اسم الذات
لا يصدق على الحق الا باعتبار تعينه - الذي يلي في تعقل الخلق غير الكمل (1) - الاطلاق (2)
المجهول النعت، وهو التعين الأول وانه بالذات مشتمل على الأسماء الذاتية التي هي مفاتيح
الغيب، والأحدية وصف التعين لا وصف المطلق المعين، إذ لا اسم للمطلق ولا وصف، ومن
حيثية هذه الأسماء من حيث عدم مغايرة الذات لها نقول: إن الحق مؤثر بالذات. هذا كلامه.
338 - 3 وانما قال في تعقل الخلق غير الكمل، لان التعين الأول في تعقل الكمل مطلق
بالنسبة إلى كل تعقل لما قال الشيخ قدس سره في موضع اخر منه: وهذا التعقل التعيني
وإن كان يلي الاطلاق المشار إليه فإنه بالنسبة إلى تعين الحق في تعقل كل متعقل مطلق وانه
أوسع التعينات وهو مشهود الكمل وهو التجلي الذاتي وله مقام التوحيد الاعلى، ومبدئية
الحق يلي هذا التعين، والمبدأ هو مبدأ الاعتبارات الظاهرة والباطنة، والمقول



(1) - والتقييد بتعقل الخلق غير الكمل، للإشارة إلى أن هذا التعين وإن كان يلي الاطلاق ولكن له الاطلاق
بالنسبة إلى تعين الحق في تعقل كل متعقل، وبالنسبة إلى تعين كل شئ في كل عالم على ما يتعقل الكمل، واما
في تعقل غير الكمل فليس له الاطلاق، لعدم تعقلهم إياه على الحقيقة وعلى ما هو عليه وصرح بهذا المعنى،
فالتوجيه الفاضل المحقق شارح مفتاح غيب الجمع والوجود حيث قال بعد نقل هذا الكلام: وانما قال في
تعقل الخلق غير الكمل، لان التعين الأول في تعقل الكمل مطلق بالنسبة إلى كل تعقل لما قال الشيخ قدس
سره في موضع اخر من النصوص: وهذا التعقل التعيني وإن كان يلي الاطلاق المشار إليه، فإنه بالنسبة إلى
تعين الحق في تعقل كل متعقل مطلق وانه أوسع التعينات وهو مشهود الكمل وهو التجلي الذاتي وله مقام
التوحيد الاعلى ومبدئية الحق يلي هذا التعين.
ويمكن ان يقال: إن غرض الشيخ الإشارة إلى أن التعين الذي يلي الاطلاق في تعقل الكمل هو أحدية
الجمع والوحدة الحقيقية الجامعة، واما في تعقل غير الكمل هو الأحدية الصرفة المقابلة للواحدية، ولا شك انه
وصف سلبى، فيظهر من كلامه ان أول المراتب والتعينات بعد اطلاقه اللا تعيني عند الجمهور هو الأحدية
الصرفة، واما عند الكمل هو أحدية الجمع والوحدة المطلقة الحقيقية الجامعة، ولا يخفى عليك انه يستفاد من
كلامه على التوجهين ان اطلاق اسم الذات انما يكون على الأحدية الصرفة التي هي وصف سلبى. تدبر
تفهم - ش (2) - مفعول لقوله: يلي - ش
166
فيه انه وجود مطلق واجب واحد، عبارة عن تعين النسبة العلمية الذاتية الإلهية والحق
من هذه النسبة يسمى عند المحقق بالمبدأ، لا من نسبة غيرها. تم كلامه.
339 - 3 الشبهة السابعة: انه مقول (1) على الموجودات بالتشكيك، فإنه في العلة أقوى
وأقدم واولى منه في المعلول، ويمتنع ان يكون الواجب مقولا على غيره بالتشكيك (2)، لان
المشكك يكون زائدا والزائد على حصص الوجود - لا يكون عينها -
340 - 3 وجوابها: ان المقولية نسبة الوجود، فكما لم يكن لتعدد الا فيها، لم يقع التشكيك
الا فيها، بناء على اختلاف قابليات المتعلقات أو الاختلاف بذاتية الوجود وعرضيته.
341 - 3 قال الشيخ قدس سره في الرسالة الهادية: ما يقال من أن الحقيقة المطلقة
تختلف بكونها في شئ أقوى أو أقدم أو أولي، فكل ذلك عند المحقق راجع إلى الظهور
بحسب استعدادات قوابلها، فالحقيقة واحدة في الكل والتفاوت واقع بين ظهوراتها
بحسب المقتضى (3) تعين تلك الحقيقة.
342 - 3 الشبهة الثامنة: اشتراك الوجود معنويا بين الواجب والممكنات. قد ثبت
بالبرهان (4) النير كما مر. فلو وجد الوجود فاما بوجود زائد أو بوجود هو نفسه، وأيا ما كان
فليس اطلاقه على جميع الموجودات بذلك المعنى، فلم يكن مشتركا معنويا، هذا خلف.
343 - 3 وجوابها: ان الاشتراك لمطلق النسبة الكلية والا فذاتها غنية عن العالمين، على



(1) - أي: الوجود. (2) - قوله: الشبهة السابعة، هذه الشبهة أيضا غير مرتبط بما نحن بصدده كما لا يخفى، الا
انه لازمه كأمثاله، بل هي شبهة في مقابل من يقول إن الوجود في كل موجود عين في الخارج، والجواب
عنها كما في محله: ان التشكيك الخاص الذي يكون ما به الاشتراك فيه عين ما به الامتياز لا يقتضى الزيادة بل
بان يكون للحقيقة عرض عريض فلها مراتب كاملة وناقصة، والكمال عين الحقيقة والنقص خارج عنها،
والهويات بسيطة - فراجع إلى مكانه كالأسفار وغيره - خ (3) - كذا في النسختين. (4) - والجواب
عنها ان الاشتراك المعنوي الذي هو روح وحدة الوجود لا ينافي ان يكون للوجود مراتب، بل كون الحقيقة
ذات المراتب يؤكد الوحدة الحقيقية، ولا يخفى ان هذه الشبهة أيضا غير مربوطة بما نحن فيه - خ
167
انا لما فسرنا الموجود بما له الوجود أعم من أن يكون زائدا أو نفسه، فقد حصل معنى يصح
مشتركا به بين الكل.
344 - 3 الشبهة التاسعة: ان دليلهم في إثبات زيادة الوجود على الماهية بانا نعقلها
ونشك في وجودها، فالمعقول غير، غير المعقول جار في وجود الوجود، فثبت بذلك انه
ليس عينه.
345 - 3 الشبهة العاشرة: ان مفهوم الوجود وهو الكون العام معلوم لكل أحد، حتى قيل
ببداهته، وحقيقة الواجب غير معلومة، فلا يكون هو إياها (1).
346 / 3 وجوابهما: منع تعقل كنه ماهية الوجود فضلا عن بداهته، ولو سلم البداهة،
فقد قيل تلك في تعقل الوجود نفسه، ثم الكون عبارة عن نسبته إلى الكائنات من مجاليه
ومظاهره، لا عن حقيقته، بل سيجئ في مفتاح الغيب ان قولنا: هو الوجود للتفهيم، لا ان
ذلك اسم حقيقي له.
347 - 3 قال الشيخ قدس سره في تفسير الفاتحة: ولا خلاف في استحالة معرفة ذاته
سبحانه من حيث حقيقتها - لا باعتبار اسم أو حكم أو نسبة أو مرتبة -
348 - 3 ثم قال: والتحقيق الأتم أفاد انه متى شم أحد من معرفتها رائحة فذلك بعد فناء
رسمه وأنحاء حكمه وتعينه واسمه واستهلاكه تحت سطوات أنوار الحق (2) وسبحات وجهه



(1) - هاتان الشبهتان كبعض الشبهات السابقة غير راجعة إلى ما نحن فيه ابتداء، بل باعتبار ان الوجود
إذا كان عين الماهية في الواجب فلازمه ان يكون وجودا مطلقا، فنفى العينية يلازم نفى الاطلاقي - خ
(2) - قوله: والتحقيق الأتم... إلى اخره، وهذا هو المشاهدة الحضورية الحاصلة للأولياء والعرفاء الكمل
بعد الرياضات المعنوية وهى أعلى وأجل من كل عرفان واكتناه، فان الاكتناه بقدم الفكر وهو غير
معقول في الوجود، وفيما يجوز هو أيضا علم ناقص حاصل من الفكر الذي هو ترتيب أمور لتحصيل اخر
فهو في الحقيقة مثار الكثرة والغيرية، والغير لا يعرف الغير - بخلاف العلم الشهودي والمعرفة الحضورية -
فإنه مثار الوحدة والهوهوية ونفى الغيرية حتى رسوم التعينات الماهوية.
پس عدم گردم عدم چون ارغنون * * گويدم انا إليه راجعون - خ
168
الكريم، فيكون حينئذ العالم والمتعلم والعلم في حضرة وحدانيته، رفعت الأشباه والاشتباه
وحققت معرفة سر: لا إله إلا الله العزيز الغفار.
349 - 3 فان قلت: المنفى هنا معرفته بوجه يختص به سبحانه من الإحاطة وغيرها، والا
فينافيه ما صرح به في مواضع من أن الكمل الواصلين يحصل لهم العلم بما في الحضرة العلمية من
الحقائق على نحو تعينها في علم الله، ومن جملة تلك الحقائق حقيقة الحق سبحانه، فالواصل
بالإرث المحمدي إلى مرتبة كشف الذات ينبغي له ان يحصل له معرفته على صورة علمه
تعالى بنفسه، يدل عليه ما حكيناه قبل من الشيخ قدس سره من صورة علمه تعالى بنفسه.
350 - 3 قلت: لو حصل ذلك يكون من جملة الصور المخصوصة بالحالة المذكورة في
التحقيق الأتم فلا ينافيه، والله أعلم.
تفريع التعريف السابق بالتوصيف اللائق
وفيه فصول:
الفصل الأول
351 - 3 لما تحقق ان الحق هو الوجود والوجود ماهيته، وسيجئ ان الماهية غير
مجعولة، فالوجود غير مجعول، وكل وجود غير مجعول واجب، وكذا انتساب الشئ إلى عينه
فالوجود ذاتيه، وكل حقيقة وجودها ذاتيها فهي واجبة ووجوبه عينه، لأنه نسبة الشئ
إلى نفسه، وكذا تعينه عينه لأنه حضوره لنفسه - إذ لا غير - فذلك بتعقل كونه هو هو، وهو
وحدته الذاتية وعلمه الذاتي، فالكل عين الذات.
الفصل الثاني
352 - 3 هذه الوحدة لكونها ذاتية لا تركيب فيه - لا خارجا - والا فالجزء الخارجي
أوجب - ولا عقلا - لان العقل عاقل ومقيد ولا قيد ثمة، فلا جنس للوجود ولا فصل

169
ولا حد له، وغيره عدم فلا مثل له، ومقابله عدم محض فلا ضد له ولا ند له أيضا، لأنه المثل
المساوى.
الفصل الثالث
353 - 3 ولاطلاقه التام حتى عن قيد الاطلاق ليس له من حيث هو تقيد،
فلا يختص ببعد أو جهة أو امارة حسية أو وهمية أو عقلية إلى كنهه ولا بتجرد أو
جسمانية أو روحانية ملكية أو غيرها أو عقلية أو نفسية أو مثالية أو خيالية أو حسية
جوهرية أو عرضية قارية أو غير قارية أو زمان أو مكان أو فلكية أو عنصرية أو بساطة
أو تركيب أو جمادية أو حيوانية أو انسانية أو والدية أو مولودية أو غيرها، بل الكل نسب
توجهه واحكام التفاته، وكل من هذه الالتفاتات - لأنه نوع قيد له وتنزل عن رتبة
غناه الذاتي - صفته النسبية ونسبته الاسمية، لكون التعين علامة على ما لم يتعين، والكل
صور تعينات أسمائه وتجليات ذاته بحسبها، فهي من حيث ذاته عينه، لان التعين
نسبته، وإن كان من حيث متعلقاتها ممتازة - امتيازا نسبيا - فكل متعين بتعين هو في
ذاته غير متعين حال الحكم عليه بالتعين ولا يفارقه كونه هو، وهو التعين الذاتي
والأحدية، وكل وجود يلزمه تعينه - بل يكون ذاته - يكون أزليا أبديا ولكونه
مطلقا كان ولم يكن معه شئ، والا لتقيد بذلك، ولأنه حال لحوق التعين غير متعين في
ذاته كان الان كما كان عليه.
الفصل الرابع
354 - 3 ولاطلاقه له المعية الذاتية مع كل موجود، وحضوره مع الأشياء علمه بها،
والأشياء تعينات تعقلاته، كما أن حقائقها تعقلات تعيناتها، فلا يعزب عن علمه مثقال
ذرة في الأرض ولا في السماء، فعلمه بالكلى كلي وبالجزئي جزئي وبكل شئ على ما هو عليه

170
حتى بنفسه، وعلمه بنفسه عين علمه بجميع المعلومات (1)، فكان جميع علومه كسائر
الصفات أزلية التعلقات، كل تعقل شأنه المخصوص في أنه المخصوص، فكانت نسب
علمه المسماة كلياتها ماهيات وجزئياتها هويات أزلية غير مجعولة، إذ لا وجود ثم لغيره
ولا جاعل لما في ذاته، ولان علمه في ذاته الأحدية وحداني النعت هيولاني الوصف، كان
الاختلاف في نسبه بحسب اختلاف المتعلقات، وذلك سبب تبعية علمه للمعلومات، لكن
غير مستنبط من الافراد، فكان فعليا - لا انفعاليا كعلوم العباد -.
الفصل الخامس
355 - 3 ولعدم تقيده بالزمان كان جميع الانات حاضرة عنده ولحضورها يحضر
ما فيها، فجميع الموجودات بوجودها وأحوالها المنقسمة بالنسبة إليهم إلى السابقة والحاضرة
واللاحقة ونسب ما بينهما حاضرة عنده، فلو اعتبر في كلامه أو أفعاله تقيد بزمان أو مكان
أو حال كان باعتبار حال الغير من المخاطبين وغيرهم.
الفصل السادس
356 - 3 ولأنه لاطلاقه وسع كل شئ رحمة، أي وجودا وعلما، فلا يمكن وقوع ما يخالفه،
وصح سر القدر وصح تبعية الإرادة لعلمه، كما تبعتها القدرة باظهار ما عينته الإرادة،
وبمقارعتهما يظهر الكلام (2) والتأثير والايجاد، وهو تعين الوجود بحسب كل نسبة علمية
هي حقيقة من الحقائق بصورة تقتضيها تلك الحقيقة، وهو معنى سريان الوجود وتخصصه



(1) - قوله: وبالجزئي جزئي، بل علمه بالكلى والجزئي والمحيط والمحاط والعقل والهيولي كلي محيط على نعت واحد
بلا اختلاف حيثية ولا تقدم، فهو تعالى يعلم الجزئيات على نعت الإحاطة والكلية، والتقييد والجزئية من ناحية
المعلوم لا العالم، وليس علمه تابعا للمعلوم، لا في العلم الذاتي، وهو واضح، ولا في العلم الظهوري الفعلي، وذلك
لان الفيض الاشراقي والوجود المنبسط مقدم على الماهيات والتعينات كما هو مبرهن في محله ومعلوم عند أهله - خ
(2) - وهذا هو الكلام الفعلي الظهوري في مقام الفيض والتجلي الفعلي، واما الكلام الذاتي النفسي فهو اظهار ما في
غيب ذاته في الحضرة الأسمائية ومقام الواحدية التابع للتجلي الذاتي العلمي والحب الذاتي والإرادة الذاتية، -
171
ونشره وانبساطه ورشه، وهو الخلق والايجاد مطلقا، والابداع والاختراع لما لا مادة له
ولا مدة له، غير أن الابداع يناسب القدرة والاختراع يناسب الحكمة. ثم التكوين لما له مادة
بلا مدة، والاحداث لما له هما، هذا عند أهل النظر، وفي ظهور التحقيق التكوين شامل للكل (1)،
لان لكل مخلوق فيه مادة وصورة مخصوصة أو غير مخصوصة بحسب اقتضاء مرتبته، وإذا
كان التعين الوجودي صورة التعين العلمي، فما لم يتعلق العلم بوقوعه لم يقع، وما أبى العلم
عن وقوعه استحال وامتنع، وما تعلق بوقوعه وجب لما توجه إليه الإرادة والقدرة والكلام،
وانتظم أمر الكون بهذا النظام.
الفصل السابع
357 - 3 ولان علمه الشامل بالعواقب والأوائل جزم لا تردد فيه، حكمه حتم جف به
القلم وانقسم الامر بين وجوب الوجود والعدم، لا لان ذاته موجب، فإنه غنى عن كل الحاجات
وموجب، وبذلك الغنى اختص بالقدم، ووسم (2) كل شئ سواه بالحدوث عن العدم.
الفصل الثامن
358 - 3 ولان وجود كل موجود له حقيقة ورتبة، وللمظهر مجازه لا حقيقته،
فكل نعمة فضل منه، لأنه عنوان جماله، وكل نقمة عدل منه، لأنه تبيان جلاله وكل منهما



(1) - بل على التحقيق العرفاني والذوق الشهودي هو تعالى متكلم في مقام الأحدية وتكلمه الفيض الأقدس والتجلي
الاعلى الارفع، والمخاطب به الأسماء الذاتية أولا وحضرة الواحدية والأسماء والصفات ثانيا، ومتكلم في مقام
الواحدية وتكلمه التجلي بمقام اسم الله بوجهته الظاهرة والمخاطب به الأعيان الثابتة عين الانسان الكامل أولا
والبقية تبعا له، وقد بسطنا الكلام بما لا مزيد عليه في الرسالة الموسومة بمصباح الهداية إلى حقيقة الرسالة والولاية - خ
(1) - بل التحقيق ان الابداع شامل للكل، فان ايجاده تعالى منزه عن كل ما يتوهم من المادة والمدة وغير ذلك من
سمة المخلوقين، وهذه الأمور من ناحية المخلوق لا الخالق، فايجاده بالفيض المقدس عن كل تكوين وتدريج، فالعالم
بقضه وقضيضه مبدع وان اطلق على بعضه الخلق مثلا فباعتبار الجنبة الخلقية، فتدبر - خ (2) - أي: العلامة.
172
برهان كماله، غير أن توزع الحاصل حسب استعداد القابل، فمن وجد خيرا فليحمد الله
ومن لا، فلا يلومن الا نفسه، وكل ميسر لما خلق له.
المقام الثاني
ان الحق تعالى واحد وحدة حقيقية لا يتعقل في مقابله كثرة، والكلام فيه يستدعى تقديم
مقدمات:
المقدمة الأولى
359 - 3 ان التوحيد في اللغة التفريد وفي اصطلاح أهل الذوق هو العلم بتفريد الوجود
المحض على وجه ينطوى المبادى والترتيب في عظمته القيومية. ومعنى عظمته إحاطته بكل شئ
وحضوره عنده وغاية قربه منه، لان الوجود يساوق الشيئية فلا يتحقق شئ دونه، أعني ان
الوجود العيني يساوق شيئية الوجود والوجود العلمي يساوق شيئية الثبوت، فلبيان الأول:
لم يكن شيئا مذكورا (1 - الانسان) ولبيان الثاني: انما قولنا لشئ... الآية (40 - النحل) واما
مدعى التفريد بدون العلم والوجود - وهما النسبتان الباطنة والظاهرة للنور (1) - فمكابر
عقله. ومعنى القيومية دوام القيام وعدم تعلق الوجود بغيره، بل تعلق غيره به بالعلية مطلقا
ولذا قيل: القيوم هو القائم بذاته والمقيم لغيره، فمعنى المبالغة اثر في التعدية كما في الظهور.
المقدمة الثانية
360 - 3 في أقسام الوحدة من الذاتية والوصفية والفعلية باعتباراتها المشتمل بيانها على
ثلاثة مشاهد بعضها فوق بعض، وهى ما ذكره الشيخ في فك ختم الفص الهودي الاحدى:
ان للوحدة ثلاثة مراتب:



(1) - العلم نسبة باطنة للنور والوجود نسبة ظاهرة - له - ق
173
361 - 3 المرتبة الأولى: اعتبارها من حيث هي هي فلا تغاير الأحدية بل عينها وليس
نعتا للواحد وهى مراد المحققين الراسخين بالأحدية الذاتية، ولكل شئ أحدية ذاتية من حيث
عدم مغايرة كل شأن الهى لذات الاحد.
362 - 3 المرتبة الثانية: اعتبارها من حيث كونها نعتا للواحد ويسمى بوحدة الصفات
والنسب والإضافات، وينضاف إلى الحق من حيث الاسم الله الذي هو محتد الصفات
ومشرع الوحدة والكثرة المعلومتين للجمهور.
363 - 3 المرتبة الثالثة: اعتبارها من حيث الاحكام اللاحقة التي هي على نوعين:
364 - 3 نوع من الاحكام يتعقل في الوحدة وظهوره موقوف على شرط أو شروط، مع
اشتمال الوحدة عليها بالقوة (1).
365 - 3 والنوع الاخر لا يشتمل عليها الوحدة، وانما يلتحق من أمور خارجة مخرجة
عن معقولية صرافة وحدتها، كقولنا: الواحد نصف الاثنين وثلث الثلاثة، وهذا هو مبدأ
التعدد النسبي أو الوجودي وهى المضادة للكثرة وتختص بمرتبة الافعال، كوحدة الفعل
والفاعل مع كثرة محاله، وانها الخصيصة بذوق هود عليه السلام حيث قال: انى توكلت
على الله ربى وربكم... الآية (56 - هود) والسر فيه عدم اعتبار الوسائط والأسباب، فلهذا
أضاف الاخذ إلى الهوية التي هي عين الذات ولم يذكر يدا ولا صفة ولا غير ذلك في قوله تعالى:
وما من دابة الا هو اخذ بناصيتها (56 - هود) وهو مشهد المتوسطين من المحققين، فان
مقتضى ذوقهم ان الوسائط معدات لا مؤثرات، وكل فعل اثر الحق أصله واحد لكن
يكتسب من المحال تعددا تتبعه كيفيات نافعة أو مضرة عاجلا أو آجلا يعود اثره - أعني
النفع والضرر - تارة على الانسان من حيث روحه واخرى من حيث جسمه وطورا



(1) - قوله: وظهوره موقوف على شرط... إلى اخره، كسريان حقيقة الوجود التي هي الوحدة الحقة
الحقيقية، فإنه من احكام حقيقة الوحدة لكنه يحتاج إلى المجالي والمرائي، أي بحسب الظهور بنعت الكثرة - خ
174
من حيث صورته ونشأته واخر من حيث المجموع.
366 - 3 وثمة صنف أعلى وذوقهم ان الفعل الوحداني الإلهي المطلق عن الوصف في
الأصل تعينه بالتأثير والتأثر التكيفي، انما يكون بحسب المراتب التي يحصل منها جملة من
احكام الوجوب والامكان في قابل لهما (1)، فان ظهرت الغلبة لاحكام الوجوب على احكام
الامكان وصف الفعل بعد تقيده وقبوله التعدد طاعة وفعلا مرضيا حميدا، وإن كانت
الغلبة لاحكام الامكان وتضاعف خواص الوسائط يسمى من حيث تقيده معصية
وقبيحا، والحسن والقبح راجعان إلى ما يناسب مرتبة الشرع أو العقل أو الملائمة من حيث
الطبع والغرض، ولسان الشرع معرب عن المحاسن والقبائح أو معرف لثمراتها ولكيفية
التدارك لمضرة المعصية أو تنمية نفع الفعل المرضى.
367 - 3 وثمة صنف أعلى ومن ذوقهم ان كل سبب وشرط وواسطة ليس غير تعين من
تعينات الحق، وان فعله الوحداني يعود إليه من حيثية كل تعين، وان من أضيف إليه الفعل ظاهرا،
يتصل به حكم الفعل وثمرته بحسب شهوده ومعرفته ونسبته إلى الأصل، واحدية التصرف
والمتصرف وانصباع أفعاله بحكم الوجوب وسر سبق القلم ومقتضاه وبضعف ذلك أو عدمه (2).



(1) - قوله: صنف أعلى وذوقهم، فان الصنف الأول نسب النفع والضر إلى المعدات وهذا الصنف نسب
النفع إلى جهة الوجوب والضر إلى جهة الامكان، ولسان هذا قوله تعالى: ما أصابك من حسنة فمن الله وما
أصابك من سيئة فمن نفسك، والصنف الثالث هم الذين نسبوا الكل إلى الله ولسانهم: قل كل من عند الله،
وقوله تعالى: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، وإن كان في هذا المقام مقامات ومراتب ليس المقام محل
بسطه - خ (2) - فالطائفة الأولى ينسبون الافعال إلى الله بلا واسطة ويجعلون الوسائط معددات لا تأثير لها
أصلا، وفعل الحق واحد الا انه اكتسب التعدد بالمحال، وبسبب ذلك التعدد اتصف بالكيفيات الضارة
والنافعة والحسنة والقبيحة. والطائفة الثانية يجعلون الوسائط أسبابا ومؤثرات بالحقيقة، لان فعل الحق
وحداني لا يوصف بالتأثير والتأثر، الا إذا ظهر في المجالي والمراتب، فالفعل منسوب إلى الوسائط لا إلى الله
بلا واسطة. والطائفة الثالثة يجمعون بين نسبة الافعال إلى الله وإلى الوسائط، فالفعل اثر الحق من حيث
التعين واثر التعين من حيث كونه مرتبة للحق وتنزلا من تنزلاته وآلة له، كما أنه ينسب الابصار إلى البصر
باعتبار كونه آلة للنفس ومرتبة ونعتا من مراتبها وتعيناتها وإلى النفس باعتبار ظهورها بتعين البصر
وتنزله في مرتبته - لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الامرين - ق
175
ومن لم يذق هذا المشهد لم يعرف سر قوله تعالى: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى
(17 - انفال) ولا سر قوله تعالى: ان الذين يبايعونك... الآية (10 - الفتح) ولا سر قوله
صلى الله عليه وآله: ان الله قال على لسان عبده: سمع الله لمن حمده، ولا سر قوله تعالى: كنت
سمعه وبصره... الحديث، ولا سر قوله الذي دون هذه كله: قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم
(14 - التوبة) ولا يعرف من أي وجه يصح نسبة الافعال إلى الحق من حيث أصالتها ومن
حيث أحدية جمعها، ومن أي وجه يصح نسبتها إليه - وان تعددت - هذا ما قاله قدس سره.
المقدمة الثالثة
368 - 3 ان الوحدة تنقسم من وجه اخر إلى الحقيقية والعددية:
369 - 3 فالحقيقية ما لا يتوقف على مقابلة كثرة - تعقلا ووجودا - وهى اما ذاتية أو
نسبية، فالذاتية وهى الأحدية ما أشار إليه الشيخ قدس سره في التفسير بقوله: كون
الواحد واحدا لنفسه فحسب، من غير تعقل ان الوحدة صفة له أو حكم، بل كونه هو لنفسه
هو، وليس بين غيب الهوية وهذا التعين فرق غير نفس التعين. هذه عبارته. فالمراد به الذاتية
اعتبرت في الحق أو بعد سريانها في غيره (1)، اما لأنها عين الذات أو مقتضى نفس الذات أو
لاحقة لا بواسطة نحو العدد.
370 - 3 واما النسبية وهى وحدة النسب أو الاحكام لكن بنسبتها إلى الذات لا
باعتبار مفهوماتها (2) كما مر، فيتناول الوصفية والفعلية، فهي ما أشار إليها الشيخ قدس
سره فيه بقوله: والحكم الاخر للواحد كونه يعلم نفسه بنفسه ويعلم وحدته ومرتبته وعلمه
بذلك، وكون الوحدة نسبة وصفة، فهذه النسبة حكم الواحد من حيث نسبه، ومنها انبثت
الكثرة، ومن هنا نسبة التعلق للحق بالعالم ونسبة الغنى عنه من حيث الأولى (3).



(1) - أي اعتبرت في غيره بعد سريانها في ذلك الغير - ق (2) - فإنها كثيرة في مقام الواحدية وحضرة
الأسماء والصفات، واما حقائقها فواحدة - وحدة حقة حقيقية - منزهة عن الكثرات واحكامها - خ
(3) - أي من حيث الوحدة الحقيقية الذاتية (آ)
176
371 - 3 واما العددية وهى التي تتوقف على مقابلة كثرة تعقلا ووجودا، فما أشار الشيخ
قدس سره فيه أيضا بقوله: حكم الوحدة بالنسبة إلى العدد كونها من شأنها ان تعد بها (1) أو
ان يظهر العدد - لا انها منه - هذا كلامه.
372 - 3 فالفرق بين الوحدة الحقيقية والأخيرتين، انها نفس الذات من كل وجه
وهما بأحد الاعتبارين (2)، وانها سارية إلى كل حقيقة وتعين، لوجوب سريان الجمع
الاحدى إلى كل متعين بخلافهما، لجواز (3) ان لا يعتبر النسب المندمجة، ولا (4) المقابلة بالممانعة
الضدية، وانها ليس فيها ملاحظة التعدد - لا قوة ولا فعلا - بخلافهما، وانها تنافى مبدئية
الكثرة وهما يصححانها، فهذه أربعة.
373 - 3 والفرق بين الأخيرين ان الوحدة النسبية تشتمل على الكثرة المعقولة بالفعل،
والعددية تتوقف معقوليتها على الأمور الخارجة، وان النسبية تتعقل مع الكثرة لا في
مقابلتها، والعددية في مقابلتها المتصورة من ممانعة الضدين، وان العددية هي المنقسمة إلى
الوحدة الجنسية والنوعية والشخصية ونحو المشابهة والموازاة والمطابقة وغيرها من أقسام
الوحدات المذكورة في علم النظر - لا الأوليان - وان تحققت الوحدة الذاتية في الكل من
جهة عموم سريانها.
374 - 3 إذا تحققت هذه فنقول: الحق تعالى واحد وحدة حقيقية، ونعني بها كما مر
ما لا يتعقل في مقابلة كثرة، أي لا يتوقف تحققها في نفسها ولا تصورها في العلم الصحيح
المحقق على تصور ضد لها، كالكثرة في التحقق أو العلم، إذ لو توقف كانت الوحدة عددية
كما هي المتصورة في الأذهان المحجوبة، فالعلم الصحيح المحقق صحته احتراز عما فيها شك، فإنه
اما فاسد أو غير محقق صحته - لعدم الكشف والمعاينة - وهذه الوحدة الحقيقية تشمل غير
العددية من الذاتية والوصفية والفعلية، ومعنى حقيقتها عدم توقفها على ما وراء حقيقتها مما
يسمى غيرا أو ضدا، فهي منشأ كونه تعالى أحدا في ذاته واحدا في صفاته وافعاله.



(1) - أي يفنى - ق - شأنها ان يعد الذاتية بها - ل (2) - أي اعتبار نسبتها إلى الذات - ش (3) - هذا
دليل عدم سريان الوحدة النسبية - ش (4) - هذا دليل على عدم سريان الوحدة العددية - ش
177
375 - 3 فالأحدية سقوط كافة الاعتبارات، والواحدية تعلقها في ظهور الذات (1)،
ومتعلق الأحدية بطون الذات واطلاقها وأزليتها، ونسبة الاسم الاحد إلى السلب أحق من
نسبته إلى الثبوت.
376 - 3 اما متعلق الواحدية وهى اعتبار اندراج النسب الغير المتناهية في أول رتبة الذات
وتحقق تفصيل تعيناتها في ثاني المرتبة، لذلك ينشأ من هذه الوحدة أعيان الكثرة، فظهور الذات (2)
ووجودها وأبديتها ونسبتها إلى الثبوت لا السلب، ولا مغايرة بين الاعتبارين في الحقيقة، إذ
لا كثرة ثمة بالفعل، لذلك حكم بعض أكابر المحققين: ان الواحد الاحد اسم واحد مركب كبعلبك
- قاله الفرغاني -
377 - 3 اما الوحدة العددية فمنشأ الكثرة أو عادها، أي مفنيها وهى متضايفة معها، ولذا
وحدة كل شئ بالنسبة إلى أمثاله من جنسه، فوحدة الشخص بالنسبة إلى الاشخاص والنوع إلى
الأنواع والجنس إلى الأجناس والعشرة إلى العشرات، وكذا المائة والألف والجذر إلى المجذور
والمربع إلى المربعات وغيرها، والمتضايفان متكافئان ومتلازمان من حيث التضايف تعقلا
ووجودا، لذا قال الأصوليون: جزء الشئ من حيث كونه جزء موقوف على الكل تعقلا
ووجودا، لكن الكل يتوقف على الجزء ذاتا، ومن كلتا الحيثيتين تضايفا.
378 - 3 واعلم أن للوحدة الحقيقية خواص:
379 - 3 منها سريانها إلى كل موجود حقيقي، لما ثبت ان الحكم الجمعي الاحدى الإلهي
هو الذي بسرايته يتحقق كل متحقق، لذا كانت الوحدة المصححة لوجوده دليل وحدة
موجده الذي هو مطلق الوجود.
380 - 3 ومنها ان وحدة الشئ الذاتية عين تعينه، فاقسام التعين كاقسامها جزئية وكلية
وأصالية وتبعية، فاعم التعينات كأعم الوحدات له جمعية جميع التعينات، فلا يتصور ورائه



(1) - في الذات - ن - ع - ل - واما الذات من حيث هي فلا يعتبر فيها الأحدية ولا الواحدية ولا سائر
الصفات، ففي الحقيقة اسقاط كافة التعينات والاعتبارات راجعة إليها لا إلى الأحدية، فان فيها اعتبار
الأسماء الذاتية بنحو كما مر في صدر الكتاب - خ (2) - خبر لقوله: متعلق الواحدية - ق
178
تعين كما لا يتصور وراء مطلق الوجود وجود ووحدة، فينبغي ان يدوم ويكون أزليا أبديا
ومنبعا لجميعها فيدل كل تعين عليه.
381 - 3 ومنها ما مر من عدم توقفها على غير ذاتها بخلاف محال سريانها وقوابلها، فان
أحديتها موقوفة على منبعها الذي منه تشعبت، فعلم من كونها سارية دائمة انها (1) ثابتة ومثبتة
- بكسر الباء - لا مثبتة - بفتحها - كأحدية الأغيار - كما أشار إليها الشيخ قدس سره -
382 - 3 فان قلت: المفهوم من الوحدة انها صفة للواحد بعدم الكثرة، فكيف يتصور
ان تثبت لا بمقايستها؟
383 - 3 قلنا: قولنا واحد وحدة للتنزيه عن أن يعتبر معه غيره، لان الله كان ولا شئ
معه والآن كما كان عليه، ولان كل مقيد ومتعدد مسبوق بالمطلق الواحد، وأيضا للتفخيم
حيث يشعر بعدم العجز والاحتياج والاستعانة والمعلولية وسائر الصفات الجلالية، لا لان
يدل بلفظ الوحدة على مفهومها المقيس بالكثرة - كما هو متصور في الأذهان المحجوبة -
من أن المراد بوحدة الحق نفى كثرته وتعدده وبيان ان لا شريك له في الألوهية، إذ لا حاجة إليه
بعد إثبات ان الحق هو الوجود المطلق، إذ لا يمكن ان يوجد مثله، اما في ذاته أو في جمعيته أو في
انتساب جميع الوجودات الخاصة إليه أو في غناه من حيث هو عن كل خصوصيته أو في
قيوميته بذاته، وغير ذلك من كمالاته.
384 - 3 ولغفلة الأذهان المحجوبة عن هذا الأصل تكلفوا في إثبات الوحدة العددية
والزامها على غير أهل الملة بجهات يشتمل كل على مقدمات مزجاة، وهيهنا يخاف على أهل
عونها ان يتوهم شوق (2) هذا المطلب العالي ان غرضهم ترويج الكاسد بالشوق المتوالى، وقد
وضح فيما مر وهنا من المنهاآت الدالة على وحدته سبحانه في كل من التعينات كما قيل:
وفي كل شئ له آية * * تدل على أنه واحد



(1) - فاعل علم - ش (2) - شؤق (شؤق) الشيق: أعلى الجبل وقيل أصعب مواضعه - يتوهم في سوق - ل
179
385 - 3 واضبط ما ذكروا في إثبات الوحدة انه لو تعدد فاقله اثنان، فاما ان يقدر أحدهما
على خلاف مراد الاخر ونقيضه أم لا. الثاني عجز عن الغير في محل الامكان وينافيه الألوهية
بخلافه (1) عن الجمع بين النقيضين، فإنه عجز لنبو (2) المحل في نفسه وعدم الامكان (3)
وبخلاف العجز عن خلاف مراد نفسه، كعن ايجاد سكون زيد (4) حال ايجاد حركته، فإنه عن
نفسه لا عن الغير، والأول يفضى إلى الجمع بين النقيضين، وكل ما يمضى إلى المحال محال.
المقام الثالث
في أن المدرك من الحق سبحانه الذي هو موضوع العلم والمطلوب
احكامه فيه انما هو احكامه ونسب علمه وصفاته من حيث اقترانه بالماهيات لأكنه حقيقته
386 - 3 ذات الحق سبحانه من حيث وحدته المنبه عليها - أعني الحقيقة الذاتية لا
العددية - ومن حيث تجرده عن أوصافه ونسبه اللاحقة من حيث المظاهر والظهور فيها
لا يدرك ولا يوصف، وذلك لوجهين: أحدهما باعتبار حال مدرك الانسان والاخر باعتبار
حال ادراكه.
387 - 3 اما الأول: فلان كل ما يدركه الانسان في الأعيان (5)، أي في المظاهر كان
ما كان، أعني كل ما يشهده من الأكوان بعقل أو خيال أو حس غير ما يدركه من الحقائق
المجردة في حضرة غيبها بالكشف اما ألوان أو أضواء أو سطوح (6) مختلفة الكيفية



(1) - أي العجز - ش (2) - نبأ ونبوء أي ارتفع وتجافى وتباعد. (3) - وهذا في الحقيقة ليس عجزا بل الجمع
بين النقيضين من الممتنعات الذاتية الغير القابلة للوجود ولا ينافي عموم القدرة وسريان الفيض كما لا يخفى - خ
(4) - أي كالعجز عن ايجاد سكون زيد - ش (5) - أي الأكوان - ق (6) - قوله: في حضرة غيبها بالكشف:
اما المشاهدة الحضورية والمكاشفة الذوقية فليست من الاكتناه في شئ، فان الاكتناه بقدم الفكر وهى ببراق
الذوق والعشق، والفكر ترتيب أمور معلومة لتحصيل أمر مجهول، فما لا جنس له ولا فصل ولا حد له فلا برهان
عليه فالفكر حجاب والعلم هو الحجاب الأكبر، والمشاهدة حضور وتدل وتعلق وربط ورفض قاطبة التعينات
كما أفصح عنه قوله تعالى: ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، وقول ولى العصر روحي له الفداء على ما نقل
عنه في بعض الأدعية: وأنر ابصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق ابصار القلوب حجب النور فتصل إلى
معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك، فالمعرفة مرغوب فيها ومأمور بها، والفكر مرغوب عنه -
180
متفاوتة الكمية، وذا في عالم الحس، واما أمثلتها الظاهرة في عالم الخيال والمثال المتصل
بالانسان أو في عالم المثال المطلق والخيال المنفصل عنه من وجه وإن كان متصلا به من جهة
جمعية الانسان وبواسطة ان خياله المتصل جدول منه، سواء كانت تلك الأمثلة أمثلة
الصور الروحانية عندما يتجسد فيه الأرواح أو أمثلة الصور الجسمانية حيثما يتروح فيه
الأجساد، وسواء كانت تلك الأمثلة لصور متحققة في الخارج يحكيها الخيال أو المتحقق في
الخارج مفرداته والخيال يحكيها ويركبها، وكل من تلك المحسوسات والمتخيلات فكثرتها
محسوسة ووحدتها معقولة - ان حصلت بترتيب المبادى - والا فمحدوسة، وكل ما هو كثرة
محسوسة فهي ليست نفس الوجود الحق، لأنه واحد من كل وجه، بل هي احكام الوجود،
أي الموجوديات، وصور نسب علمه وصفاته اللازمة من حيث اقترانه بكل عين وماهية حكم
بالموجودية عليها - لسر ظهور الوجود فيها (1) - لكونها مرآة له وظهوره بها، لتوقف
تعينه عليها بالشرطية وعلى مرتبتها بالشرطية أو العلية كما مر، وظهوره لها، أي لان يكون
الوجود مرآة لأحوالها وظهوره بحسبها، أي بقدر قابليتها له.
388 - 3 واما الثاني: فلان ادراك الانسان انما يصح ويتحقق له من جهة كثرته، وكل ادراك
شأنه ذلك لا يتعلق بالواحد من كونه واحدا، اما الصغرى فلما مر ان الشئ لا يدرك الا من جهة
كونه حقيقة متصفة بالوجود والحيوة وقيام العلم به والإرادة وثبوت المناسبة بينه وبين
ما يروم ويطلب ادراكه، مع ارتفاع الموانع من ادراكه، فيتعذر ادراكه من حيث وحدته، وإن كانت
الأحدية الجمعية الإلهية سارية إليه كما مر من نص الفكوك: ان لكل موجود محقق، أحدية
تخصه سارية من هذه الأحدية، اللهم الا بجهة خاصة من وجوه قلبه وعينه الثابتة في حضرة
غيبه، فإنه بأحدية تلك الجهة يحصل له معرفة الحقائق البسيطة بالكشف كما مر فيما أسلفناه.



- ومنهي عنه، وهذا وجوه الجمع بين الاخبار الامر بالمعرفة والناهية عن الفكر في ذات الله، فافهم واغتنم - خ
(1) - أي في عين موجودة - ق
181
389 - 3 تلخيصه: ان ذات الحق سبحانه من حيث وحدته المذكورة مطلقة مستغنية
عن كافة القيود، والانسان مقيد من حيث استعداده ومرتبته وأحواله، فلا يقبل الا مقيدا
مثله، لما مر مرارا ان ادراك الشئ لما ينافيه من جهة ما ينافيه لا يكون، واما من جهة الأحدية
بعينه الثابتة حين الفناء الماحي للمغايرة بين المدرك والمدرك والإدراك فلا كلام فيه.
390 - 3 وتحقيق ذلك ما قاله الشيخ في التفسير: ان الذوق الصحيح التام أفاد ان
مشاهدة الحق تقتضى الفناء الذي لا يبقى معه للمشاهد فضيلة يضبط بها ما أدرك، وفي
التحقيق الأتم: انه متى شهد أحد الحق فإنما يشهده بما فيه من الحق، وما فيه من الحق عبارة
عن تجليه الغيبي (1) الذي قبله المتجلى له بأحدية عينه الثابتة المتعينة في العلم التي تمتاز بها عن
غيره من الوجه الخاص دون واسطة، فاستعد به لقبول ما يبدو له من التجليات الظاهرة فيما
بعد بواسطة المظاهر الصفاتية والأسمائية.
391 - 3 وبهذا حصل الجمع بين قولهم: ما يعرف الله الا الله وقولنا: لا يمكن ادراك شئ
بما ينافيه وبين دعوى العارف انه قد عرف الله معرفة ذوق وشهود. وقولهم: التجلي في
الأحدية محال مع اتفاقهم على أحدية الحق ودوام التجلي لمن شاء من عباده من غير تكرار
التجلي. ومن عرف سر قرب الفرائض والنوافل وما بينا في ذلك تنبه لما أو مأنا إليه، وعلى
كل حال فنحن مقيدون من حيث استعدادنا ومراتبنا وأحوالنا وغير ذلك، فلا نقبل الا
مقيدا مثلنا وبحسبنا، والتجليات الواردة علينا ذاتية كانت أو أسمائية وصفاتية، فلا يخلو (2)
عن احكام القيود المذكورة. هذا كلامه.



(1) - التجلي الغيبي هو التجلي الوجود المطلق الاحدى الذي هو في كل متعين غير متعين في ذاته - ق
(2) - اعلم أن الشيخ قدس سره ذكر في أوائل تفسيره الفاتحة: ان القلب إذا تطهر عن جميع العلائق
بالكلية، حتى عن التوجه إلى الحق باعتقاد خاص والالتجاء إليه من حيث اسم مخصوص أو مرتبة وحضرة
معينة، يشرق شمس الذات على قلبه التقى النقي ويبقى العبد خلف حجاب غيب ربه ويرى بعين ربه ربه
ويعلم ربه لا من حيث هو نفسه وما شاء الحق ان يعلمه من الأسماء والحقائق المجردة البسيطة. تم كلامه
المنتخب من التفسير فعلى هذا في كلامه اضطراب ولكن الأحر بالعقول والأوفق بالمنقول الأول - ق
182
392 - 3 قال الفرغاني: منهما (1) علم أو شوهد شئ من الذات عند تجليه الظاهر أو الباطن
أو الجمعي في السير المحبي وقرب النوافل وتقدم السلوك على الجذبة وسبق الفناء على البقاء
حيث يظهر لدى الفتح ان الحق المتجلى آلة لادراك العبد المتجلى له فبي يسمع وبي يبصر (2)،
وفي السير المحبوبي وقرب الفرائض، وتأخر السلوك عن الجذبة وتقدم البقاء الأصلي على الفناء
حيث يتبين ان المتجلى له آلة لادراك الحق المتجلى من باب: ان الله قال على لسان عبده:
سمع الله لمن حمده، وعند انتهاء السيرين والجمع بين الحكمين ابتداء وانتهاء حيث يظهر الحالتان
على التعاقب أو معا من باب: وما رميت إذ رميت - الآية (17 - الأنفال) فعلى (3) كل حال
يكون ذلك الادراك والشهود والتجلي من حيث تعينه ومشيئته وعلمه الأقدس بذاته تعالى
من حيث واحديتها، لا من حيث اطلاقها واحديتها (4). تم كلامه.



(1) - ان هذه الذات الأقدس وغيب الهوية والاطلاق والأزلية المندرجة فيها حكم الأبدية لا يشهد
ولا يفهم ولا يدرك ولا يعلم من حيث التعين أصلا ولا يدخل تحت حكم متعين البتة. اللهم الا ان يكون
حكما سلبيا ومهما علم... إلى آخره - ق - قوله: فلا تقبل الا مقيدا... إلى آخره: اعلم أن الشيخ ذكر في
أوايل تفسير الفاتحة: ان القلب إذا تطهر عن جميع العلائق بالكلية حتى عن التوجه إلى الحق باعتقاد خاص
والالتجاء إليه من حيث اسم مخصوص أو رتبة وحضرة معينة، يشرق شمس الذات على قلبه التقى النقي
ويبقى العبد خلف حجاب غيب ربه ويرى بعين ربه ربه ويعلم ربه لا من حيث هو نفسه وما شاء الحق ان
يعلمه من الأسماء والحقائق المجردة البسيطة. تم كلامه المنتخب من التفسير، فعلى هذا في كلامه اضطراب
ولكن الأحرى بالعقول والأوفق بالنقول الأول (ف) (2) - قوله: ان الحق المتجلى آلة... إلى آخره: فان
العبد إذا صار فانيا في الحق يصير الحق سمعه وبصره ويده ليس للعبد سمع ولا بصر، وهذا هو قرب النوافل
الحاصل للسالك المجذوب المشار إليه في الحديث القدسي بقوله: وانه ليتقرب إلى بالنافلة حتى أحبه. وإذا صار
العبد باقيا ببقاء الله عند شمول توفيق الله يصير العبد سمع الحق وبصره، والله تعالى يسمع به ويبصر به، فان
مقامه عند الرجوع إلى مملكته مقام مشيئة الله الظاهرة وهذا هو قرب الفرائض الحاصل للمجذوب السالك
المشار إليه في قوله عليه السلام: رضا الله تعالى رضانا أهل البيت، وقوله عليه السلام: انا يد الله وعين الله
وغير ذلك من التعبيرات، وأشار المولوي في المثنوي إلى المقام الأول بقوله: از عبادت مى توان الله شد. وإلى
المقام الثاني بقوله: نى توان موسى كليم الله شد. - خ (3) - جواب لقوله: مهما علم - ش (4) - قوله: من
حيث واحديتها: فان في كلا المقامين يكون حكم الكثرة باقيا والفناء ليس تاما وليس فناء عن الفناء، واما
التجلي من حيث الاطلاق والأحدية فيفنى كل التعينات ولا يبقى إشارة واسم الا عند الصحو الحاصل بعد
المحو، وهذا هو مقام أو أدنى المشار إليه بعد الصحو بقوله: لي مع الله حالة أو وقت... إلى آخره، وهذا
التجلي بالاطلاق والأحدية يحصل للكمل في بعض حالات السلوك وللختم في كل الحالات وللناس كلهم
عند القيامة الكبرى - خ
183
393 - 3 ثم الشيخ يفهم من كلامه في التفسير لعدم شهود الانسان للحق - بل والحقائق
الإلهية - الا في المظاهر، وبحسبها وجهان آخر ان رأينا ان لا يخلو الموضع عن الإشارة إليهما:
394 - 3 أحدهما غاية ظهور الحق بمحض نورانيه وبساطته كما قال صلى الله عليه وآله
لعائشة: نور انى أراه؟ لما تقرر في الفكوك: ان النور لا يدرك ويدرك به، والظلمة عكسه،
تدرك ولا تدرك بها، والضياء الحاصل من اختلاطهما يدرك ويدرك به (1)، والمتعين من
امتزاج النور والظلمة عالم المثال، لذا كان الضياء صفته الذاتية.
395 - 3 ويؤيده ما مر نقله من التفسير: ان البساطة حجابه وبالتركيب الذي هو ستر على
الحقائق يرتفع الحجاب، وان لم يزد الا معقولية جمعها الذي لا وجود له، هذا هو العجب العجاب.
396 - 3 وثانيهما: غاية قربه، فإنه أقرب إلينا من حبل الوريد، إذ الوجود إلى كل
موجود أقرب من كل قريب، وذلك لان البصر كالبصيرة لا يدرك الا المتوسط بين القرب
والبعد والحقارة والعظمة، فلا يدرك البصر مع غاية البعد، كحركة الحيوان الصغير من
المسافة البعيدة وحركة قرص الشمس والكواكب، ومع غاية القرب كالهواء المتصل
بالحدقة وكنفس الحدقة، وكذلك يعجز عن ادراك الأشياء الحقيرة مثل الذرات والهباءات،
وعن العالية كقرص الشمس عند كمال نوره، فإنه يتخيل سوادا فيه - لعجزه عن ادراكه -
مع أن الوسط منبع الأنوار، كذلك البصائر يعجز عن ادراك المعقولات الحقيرة مثل مراتب
الأمزجة الجزئية والتغيرات الجزئية من النماء والذبول وغيرهما الواقعة في كل آن، وكذا



(1) - قوله: لما تقرر في الفكوك: عبارة الفكوك هكذا: وإذ قد نبهتك على شأن النور الحقيقي وانه يدرك به وهو لا يدرك.
فاعلم أن الظلمة لا تدرك ولا يدرك بها وان الضياء يدرك ويدرك به - انتهى - ومعلوم انه غير ما نقله الشارح أو فهم
من عبارته ونقل بالمعنى، مع أن ما ذكره الشارح غير صحيح، فان الظلمة عدم محض وهو غير مدرك أصلا، نعم قد وقع
نظير ما ذكره الشارح في عبارة الشيخ الكبير في تفسيره على ما حكاه الشارح، قال في ذيل كلام منه: اما ما امتاز به
الحق عن الخلق فله مرتبة الغيب والنور المحض، ومن شأنه ان يدرك به ولا يدرك. ثم قال: واما للحضرة الكيانية
فالظلمة المنبهة على مرتبة الامكان والعدم المعقول ومن شأنها ان تدرك ولا يدرك بها، ثم قال: واما البرزخ المنعوت
بالضياء المسمى بالعماء فمن شأنه ان يدرك ويدرك به - انتهى كلامه - ويمكن الفرق بين العبارتين بان المقصود من
عبارة الفكوك هو محض الظلمة ومن عبارة الشيخ هو ظلمة الامكان لا محضها، كما هو صريح عبارته فلا تغفل - خ
184
عن الحقائق العالية مثل ذات الحق وحقائق أسمائه وصفاته الا بالحق.
397 - 3 وعلى هذا المطلوب يبنى التوفيق بين قوله صلى الله عليه وآله - لما سئل: هل
رأيت ربك؟ قال: - نور انى أراه؟ أي النور المجرد لا يمكن رؤيته، وبين ما سئل ابن عباس
عن رؤية النبي فأخبر انه رآه، فأخبر بقول عائشة - أعني القول الأول - فقال ابن عباس:
ويحك قد ذاك إذا تجلى في نوره الذي هو في نوره، أي انما تتعذر الرؤية باعتبار تجرد الذات
عن المظاهر، فاما المظاهر ومن وراء حجابية المراتب: فالادراك ممكن، كما قيل:
كالشمس تمنعك اجتلائك وجهها * * فإذا اكتست برقيق غيم أمكنا
398 - 3 وإليه الإشارة بذكر الحق تعالى ظهور نوره في مراتب المظاهر وقال: الله نور
السماوات والأرض - ثم قال: - نور على نور - فاحد النورين هو الضياء والاخر هو النور
المطلق، لذا تمم بقوله تعالى: - يهدى الله لنوره من يشاء (35 - النور) أي يهد الله لنوره
المتعين في المظاهر إلى نوره المطلق الاحدى، وإليه أيضا أشار صلى الله عليه وآله في بيان
الرؤية الجنانية المشبهة برؤية الشمس والقمر عن أهل الجنة: انهم يرون ربهم وانه ليس بينه
تعالى وبينهم حجاب الارداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن. فنبه على بقاء الرتبة الحجابية
وهى رتبة المظهر. كذا في فك الفص اليوسفي النوري.
المقام الرابع
في نسبة الوجود إلى حقيقة كل موجود بالعينية والغيرية
399 - 3 فنقول: نسبته إلى الحق بأنه عينه وإلى غيره بأنه زائد عليه، وتستدعى تقديم
مقدمة هي: ان حقيقة الشئ نسبة تعينه في علم ربه، أي كيفية تعينه في علم الحق أزلا وابدا،
فهي كيفية علمه بذلك الشئ، ولا شك ان علم الحق صفته وكيفية صفته صفة له، فالحقائق
صفات الحق وصور نسبه العلمية وتعيناته الغيبية وتعقلات تعيناته الوجودية وتجلياته
النورية، لكن بالنسبة الباطنة.

185
400 - 3 وقيل (1): حقيقة الشئ خصوصية وجوده، فلو أريد بها خصوصية العلم،
فذاك (2) وان أريد خصوصيته الخارجة فهي من لواحق الحقيقة لا عينها، والا لم يكن
الحقائق أزلية غير مجعولة - مع أن قائله ذاهب إليه - فذلك التفسير بالقول بمجعوليتها
انسب، وسنحقق بطلانه، كيف ولو صح لم تكن الماهيات المعدومة ماهيات، اللهم الا ان
يصطلح على تخصيص الحقيقة بالماهية المحققة فيكون النزاع لفظيا، أو يراد بخصوصية الوجود
الخصوصية المقدرة لا المحققة، فيعود إلى الأول.
401 - 3 ثم تفسيرنا يقتضى شيئية الثبوت لكل حقيقة، لا شيئية الوجود، ولذا سماها
المحققون العين الثابتة وغيرهم الماهية والمعدوم المعلوم والشئ الثابت، فيتمشى صحته
سواء قيل بعدم الوجود أو قيل به، ولكن وجود غير أصيل وبالنسبة إلى العالم لا في نفس الامر.
402 - 3 واما التقرر الذي يقول به المعتزلة بين الوجود والثبوت العلمي - أعني تقرر
الممكن المعدوم في نفسه - فقال الشيخ انه باطل قطعا، إذ لا واسطة بين الوجود والعدم،
وتمسكهم بتميزه باطل، لان مقتضاه الثبوت في علم المميز أو في علم الحق لا في نفس ذلك
الشئ بدليل الحقائق الممتنعة المتميزة (3).
403 - 3 فنقول: تأييده: اما ان الوجود في الحق عين حقيقته مع ما سلف، فلان حقيقة
الحق لما كانت كيفية تعين الوجود عند نفسه وهو (4) كونه هو هو صار الوجود عين



(1) - قائلة البهشتي - ق (2) - فذلك - أو المقدرة - ق (3) - ولا تقرر البتة - ق (4) - وهى - ن -
ط - ل - قوله: فنقول: تأييده: ان الوجود في الحق عين حقيقته... إلى آخره: قال الشيخ في النصوص:
حقيقة الحق عبارة عن صورة علمه بنفسه من حيث تعينه في تعقله نفسه باعتبار توحد العلم والعالم
والمعلوم، ومعناه - والله أعلم - انها عبارة عن نسبة معلوميته لنفسه وتمييزه في حضرته بحيث يكون العالم
والمعلوم والعلم واحدا، ولا يخفى انه من أمعن النظر يفهم من هذا التفسير ان يكون عين عينه الثابتة لا عين
وجوده الخارجي، غايته فهم استلزام وجوده، فعلى هذا كون الوجود عين حقيقته غير واضح، انى له
الواضحية غاية الوضوح؟ (ف)
ذيل الأصل السادس: البحث في تحقيق حقيقة العلم في الواجب والممكن: فنقول: اعلم أن تجلى الحق
سبحانه سار في كل شئ وليس متعينا في كل شئ... إلى آخره: مثل قوله: وهو معكم أينما كنتم، وهو مع أنه
لكل شئ بحسبه لا ينحصر فيه، ولذا قيل: إن الحق في كل متعين متعين ومطلق غير متعين، ومن هذا
الوجه تعذرت معرفة كنهه تماما (ف)
186
حقيقته (1)، وهذا مع أنه واضح غاية الوضوح برهنوا عليه بأنه لو كان زائدا على حقيقته،
وكانا حقيقتين، فوجوب إحداهما يقتضى امكان الأخرى، لاستحالة تعدد الواجب، وامكان
أيهما كان يجوز ارتفاع وجود الواجب أو حقيقته، فينافى وجوب الحق، وبان وجوده لو زاد
لعلل ولو بماهيته، فيتقدم على وجوده بالوجود، ببديهة الصبيان والحيوان وبالنظر في أن
الزيادة خارجة وفيه من المحالات الخمسة السالفة، فلا وجه للاعتراض بان تقدم الماهية
بالوجود، انما يلزم لو أعطاه الحقيقة غيرها فزاد عليه اما لو أعطته نفسها فزاد عليها فلا، والفارق في
الموضوعين الضرورة، وذلك للزوم تأثير المعدوم في نفسه، وهو محال من وجوه لا تخفى.
404 - 3 وقال المحقق الطوسي قدس سره: لو كان للحق وجود وماهية لكان مبدأ
الكل اثنين محتاج إلى واحد هو مبدأ الاثنين، والمحتاج إلى المبدأ لا يكون مبدأ الكل.
405 - 3 فان قلت: الماهية موصوفة بالوجود فهي لتقدمها متعينة للمبدئية.
406 - 3 قلت: الماهية على تقدير تقدمها على الوجود لا تكون موجودة ولا معدومة،
فاذن يكون مبدأ الموجودات غير موجودة وهذا محال.
407 - 3 واما ان الوجود زائد على غير الحق من الموجودات، فلان حقائقها صفاته
وشئونه وصوره ونسبه كما مر، وكل موصوف زائد على صفته ونسبته.
408 - 3 وعلى لسان أهل النظر: ان وجودات الممكنات مستفادة من الواجب،
والمستفاد للشئ من الغير لا يكون عينه، وهذا على تقدير عدم مجعولية الحقائق أو كون
مجعوليتها عين مجعولية وجوداتها الإضافية صحيح، اما على تقدير مجعوليتها بجعل آخر



(1) - قال الشيخ في النصوص: حقيقة الحق عبارة عن صورة علمه بنفسه من حيث تعينه في تعقله نفسه
باعتبار توحد العلم والعالم والمعلوم، ومعناه - والله أعلم -: انها عبارة عن نسبة معلوميته لنفسه وتميزه في
حضرته بحيث يكون العالم والمعلوم والعلم واحدا، ولا يخفى انه من أمعن النظر يفهم من هذا التفسير أن تكون
عين عينه الثابتة لا عين وجوده الخارجي، غايته فهم استلزام وجوده، فعلى هذا كون الوجود عين
حقيقته غير واضح، انى له الا وضحية غاية الوضوح؟ - ق
187
غير مجعولية الوجودات الإضافية فلا، لكن فيه بعض من المحالات السابقة والآتية.
409 - 3 واما في طور التحقيق فما مر الإشارة إليه (1) مرارا: ان المشترك بين الموجودات
أو المشكك بينها والعارض عليها هي الموجودية، أعني النسبة الاسمية للوجود الحق إلى الماهيات
الممكنة، بناء على أن الأشياء صور التعينات العلمية وهى صور النسب الأسمائية للوجود إلى
الماهيات ونسب الوجود إليها هي الموجوديات المسماة بالوجودات الإضافية، والا فذات الحق
من حيث هو أجل من أن يعرض أو يتعدد أو يحتاج إلى علة القيام أو البقاء أو يتغير، بل الكل
شجون شؤونه وظهورات نسب أسمائه.
410 - 3 وبهذا يندفع الاسئولة التي ذكرها الشيخ في المفصحة على إثبات ان الوجود
عين الحق بالنظر.
411 - 3 السؤال الأول: ان مفهوم الوجود واحد، فهو من حيث هو ان اقتضى
العروض لماهية كان كل وجود عارضا، وكان وجود الواجب صفة لحقيقته لا عينها، وان
اقتضى اللاعروض كان وجود كل ممكن اما عينه فلا يكون مفهوما واحدا، هذا خلف،
واما ان يكون عارضا وكان الوجود زائدا على الممكنات فلا تكون موجودة، وان لم
يقتضى شيئا منهما كان تجرد وجود الواجب بسبب منفصل فيكون واجبا بغيره، هذا خلف.
412 - 3 وذلك لان العروض لا لنفسه بل بالنسبة الاسمية والغناء لنفسه على انا
نقول: كل ماهية يقتضى اللاعروض بالنسبة إلى نفسه، لأنها غير مجعولة، وسلبها عنها ممتنع
ويقتضي العروض لغيره، أي الانتساب إليه بشرط أو سبب - فكذا الوجود -
413 - 3 واما ما أجاب به المحقق الطوسي قدس سره من أنه مشكك ويجوز للمشكك



(1) - وحاصل ما ذكر في طور التحقيق: ان الأشياء الخارجية تعينات تعقلاته، كما أن الحقائق تعقلات
تعيناته، فحينئذ كان المقول على غير الحق ليس الوجود المطلق الذي هو عين الحق، بل الموجودية، أعين
النسبة الاسمية للوجود الحق إلى الماهيات الممكنة، ونسب الوجود إليها هي الوجوديات المسماة بالوجودات
الإضافية، لان ذات الحق من حيث هو أجل من انى يعرض... إلى آخره - ق
188
اختلاف مقتضياته، كالنور يقتضى في الشمس الضياء ابصار الأعشى لا في السراج، فقد
مر ان الشيخ منع التشكيك واختلاف اقتضاءاته، بل الاختلاف في نسب ظهور تلك
الحقيقة الواحدة بحسب قابليات محالها وهو الحق عند أهل النظر أيضا.
414 - 3 السؤال الثاني: ان وجود الواجب متعين في العقل، واتفق جميع العقلاء ان
حقيقته مجهولة، والمعلوم غير المجهول، وكونه معلوما من وجه ومجهولا من وجه يقتضى
تعقل جهتين مختلفتين فيه، وهو واحد من جميع الوجوه.
415 - 3 وذلك أن المجهول حقيقته والمعلوم نسبته المسمى بالكون والموجودية، والأول
تصور والثاني تصديق، ولا يلزم من معلومية حصول الوجود معلومية كنه الوجود، لان
التصديق لا يقتضى تصور كنه الأطراف (1)، ثم التعدد الاعتباري بلحوق النسبة لا ينافي
كمال وحدة الحقيقة.
416 - 3 قال الشيخ قدس سره في المفصحة: الحق في كل متعين عقلا أو ذهنا أو حسا
غير متعين، ولا مما زج ولا مماثل ولا مقيد الا من حيث امتياز حقيقته عن كل شئ
بوجوب الوجود والأولية ونحوهما، فعلمنا تعين الحق في كل تعقل لا يمكن ان يكون
مطابقا لما عليه الحق في نفسه ولا لنفسه عند نفسه، فكل حكم يترتب على ذلك التعقل
سلبا أو اثباتا انما هو مضاف إلى هذا التعين المتشخص في تصور العاقل - لا للحق من
حث علمه بنفسه - إذ لا مطابقة فلا علم ولا حكم يصح.
417 - 3 السؤال الثالث: ان مبدئيته اما لأنه وجود، فيكون كل وجود كذلك، واما
لأنه وجود مع سلب، فكان السلب جزء علة الثبوت.
418 - 3 وذلك لان مبدئيته باعتبار نسبته العلمية الشاملة، أي باعتبار ان علمه



(1) - قوله: وذلك أن المجهول... إلى آخره: وأيضا الاكتناه والعلم بالحقيقة غير شهود الحقيقة والحضور
عنده، كما أن النور مشهود كل أحد وغير معلوم لهم، كذلك حقيقة الوجود مشهود كل أحد والحاضر عند
كل أحد بحيث لا يشهد شئ الا به، فهو مبدأ كل ادراك وشهود وعلم، ومع ذلك غير مكتنه ولا معلوم
لاحد، وبهذا يندفع كثير من الاشكالات - خ
189
بنفسه في نفسه عين علمه بجميع الكائنات - وليس كل وجود كذلك - لان هذا خاصة
حقيقة الوجود من حيث هي ولا يلزم ان يكون كل نسبة من نسبه كذلك، ولئن سلم ان
المبدئية لنفس الوجود فلا يلزم ان يكون نسبه كذلك. ثم يجوز ان يكون السلب شرطا لا جزء
علة، كاقتضاء الجسم الطبيعي الحركة إلى مركزه - بشرط ان لا يكون فيه -
419 - 3 السؤال الرابع: ان افراد الطبيعة الواحدة لا تختلف بالتخلف، والوجود من
حيث هو طبيعة واحدة فلا يختلف بالافتقار الاستغناء.
420 - 3 وذلك لما مر ان استغنائه من حيث ذاته وكمال اطلاقه، والافتقار من حيث
نسبه وكمال أسمائه. ثم إنه افتقار الشرط لا افتقار العلة، وقد مرت الإشارة مرارا إلى أن الكل
مقتضى ذاته اقتضاء واحدا متنوعا بحسب عدم الاحتياج إلى الشرط، والاحتياج إلى شرط
واحد أو إلى أكثر على ثلاثة أنواع، كذا حققه الشيخ قدس سره في الهادية.
421 - 3 وأجاب أهل النظر بان الذي لا يختلف افراده هي الطبيعة النوعية، لا كل
طبيعة، وطبيعة الوجود عرضية، لكن تنزيلهم في الطبيعة الامتدادية الجسمانية، والقول بأنها
نوعية لا يخلو عن تأمل، فان الظاهر أنها جنسية لا نوعية، والتشكيك في الجواب بتجويز
اختلاف مقتضيات طبيعة عند التشكيك قد سلف.
422 - 3 قال الفرغاني: حقيقة الوجود ما به وجدان العين نفسه في نفسه أو في غيره أو
غيره في غيره من محل ومرتبة ونحوهما، ونوريته كشفه للمستور، ثم العلم ظهور عين لعين
بحيث يحصل اثر الظاهر فيمن ظهر له من حيث الظهور، والشهود هو الحضور مع
المشهود، والعلم من حيث الأحدية في العين الأول ظهور عين الذات لنفسه باندماج
اعتبارات الواحدية مع تحققها، فمتعلقه مفعول واحد هو ذاته فقط. واما من حيث المرتبة
الثانية وهى الواحدية فهو ظهور الذات لنفسها بشئونها من حيث مظاهر الشؤون المسماة
صفات وحقائق، وهو متعد إلى مفعولين، لأنه ظهر لنفسه ذا صفات من الحياة والعلم
وغيرهما، فكان للعلم في هذه المرتبة كثرة حقيقية ووحدة نسبية مجموعية.

190
423 - 3 إذا تحقق ذلك: فللوجود قسمان بحسب تينك المرتبتين، ففي الأحدية ما به
وجدان الذات نفسها في نفسها باعتبار اندماج اعتبارات الواحدية فيها - وجدان مجمل
مندرج تفصيله منفى الكثرة والتميز والغيرية - وفي الواحدية نوعان: أحدهما من حيث ما هو
مجلي الظهور للحق، وثانيهما من حيث هو مجلي الظهور للكون.
424 - 3 فالوجود الظاهر من الحيثية الأولى ما به وجدان الذات بنفسها من حيث
ظهوره وظهور صورته المسماة بظاهر الاسم الرحمن وظهور صور تعيناته المسماة أسماء
الهية - مع وحدة غيبية حقيقية وكثرة نسبية - فان كل اسم الهى انما هو ظاهر الوجود
الذي هو عين الذات، فتكون وحدته حقيقية، وبالنظر إلى التقيد والتميز لكل معنى يكون
غيرا فيكون له كثرة نسبية.
425 - 3 واما الوجود الظاهر من الحيثية الثانية، فما به وجدان كل صورة تعين منه
نفسها ومثلها، موجودا روحانيا أو مثاليا أو جسمانيا، ظاهرا في كل مرتبة بحسبها، فكان
التأثير في تنوعات التعينات الوجودية للحقائق، وفي تسميتها عينا أو غيرا للمراتب التي
هي المحال المعنوية وهى أمور عدمية في أنفسها، فانظر اثر المعدوم، وإن كانت عدمية بوجه
ما في عين الوجود وفيما هو موجود من جميع الوجوه ترى العجب العجاب ومحار عقولي
أولي الألباب، تم كلامه.
المقام الخامس
في أن الحق سبحانه لما لم يصدر عنه لوحدته الحقيقية الذاتية الا الواحد؟
426 - 3 فذلك الواحد عند أهل النظر هو القلم الاعلى المسمى بالعقل الأول وعندنا
الوجود العام المفاض على أعيان المكونات ما سبق العلم بوجوده - وجد أو لم يوجد بعد -

191
وهو التجلي الساري والرق المنشور والنور المرشوش، فلا بد من بيان أمرين: صحة كون
الوجود العام صادرا، أول متوسطا في صدور الكثرة وبطلان القول بأنه العقل الأول كما عندهم.
427 - 3 اما الأول: فلان الوجود العام لكونه بسيطا في ذاته كالأول بعينه، لولا تقيده
بنسبة العموم صح صادرا عنه، ولاعتبار نسبة العموم - أعني نسبته إلى كل ماهية قابلة من
العقل الأول إلى ما لا يتناهى - صح رابطا لها إلى الوجود المطلق المتعين بالتعين المطلق (1)، إذ
العموم في الحقيقة لنسبة ظهوره، فله أحدية الوجود الظاهري وكثرة النسب المظهرية التي
هي موجوديات المظاهر، كنسبة الابصار الواحد إلى المبصرات، وكما أن مطلق الوجود
الاحدى في كل متعين انما هو على اطلاقه في نفسه وعلى أحديته وكونه هو هو، كذلك
تعينه الاحدى في كل تعين جزئي على صرافة اطلاقه وكونه هو هو في ذاته، وان صح الحكم
باحكام التعين المخصوص، وانما التعدد الحقيقي في نسبتهما - أعني الموجودية والمتعينية -
وهكذا حكم الصفات المطلقة والمراتب الأصلية والحقائق الكلية مع جزئياتها ومظاهرها.
428 - 3 واما الثاني: وهو بطلان كون الصادر الأول المتوسط هو العقل الأول فمن
وجوه:
429 - 3 الوجه الأول: ان العقل الأول كسائر الممكنات مشتمل على الماهية الممكنة
القابلة والوجود المقبول، فالصادر عن الواحد الحق اما المجموع من حيث هو وفيه كثرة أو
الوجود من حيث خصوصيته باقترانه بتلك الماهية، فإن كانت الخصوصية جزء الصادر فقد
كثر، والا فالصادر هو الوجود (2) الذي لا خصوصية له بماهية ممكنة قابلة، لذا كان من
المراتب الإلهية لا الكونية، وإذا كان كذلك فالوجود الذي ثبت اشتراكه بين الماهيات
بالأدلة، وعروضه عليها يكون ذلك من حيث نسبته لا من حيث ذاته.



(1) - وهو الحق سبحانه - آ (2) - وليس من حيث هو والا صدر عن الحق مثله، فتعين ان يكون من
حيث نسبه العموم، فحينئذ يكون الصادر الوجود العام الذي ثبت اشتراكه بين الماهيات بالأدلة وعروضه
عليها وهو المطلوب - ش
192
430 - 3 الوجه الثاني: ان لكل موجود متعين وجوده ليس عينه (1) مادة وصورة
متعينة أو متعددة يناسب مرتبته في نظر التحقيق، فلم يكن واحدا في ذاته، بخلاف الوجود
العام، فان وجوده في الحقيقة عينه - وإن كان من حيث النسبة غيره -
431 - 3 الوجه الثالث: ان كل ممكن عندهم ليس الا ماهية غير مجعولة ووجودا خاصا
زائدا ولا خصوص له الا باقترانه بالماهية، والاقتران نسبة غير مجعولة، فلو لم يكن الوجود
المشترك مجعولا فلا مجعول، فالمجعول الأول هو الموجودية المشتركة، إذ في اعتبار اشتراكه اعتبار
وحدته التي بها يناسب الجاعل، فان الاشتراك شأن الواحد، بخلاف الموجودية الخاصة، فان
منشأ الخصوصية اعتبار التميز والتعدد فينا في مناسبة الوحدة والتفرد.
432 - 3 فان قلت: قد اورد الشيخ قدس سره في المفصحة على القول بان الصادر الأول
هو الوجود العام شكوكا - مع أنه المذهب عنده - تنبيها على قصور طور النظر، فما جوابها؟
433 - 3 الأول: ان الوجود العام اما ممكن أو واجب، الثاني محال، لاستحالة صدور
الواجب وتعدده، وعلى الأول: ان اشتمل على ماهية غير الوجود وكان الاشتراك بين
الماهيات بمجموع الوجود والماهية، كان المشترك بينها ممكنا بماهيته ووجوده وليس كذلك (2)،
وان لم يشترك الماهية - بل الوجود فقط - كان الصادر الأول من الممكنات هو القلم
الاعلى، وان لم يشتمل على ماهية غير الوجود كان واجبا - لما مر من الوجوه - (3) فان
الممكن هو المفتقر في استفادة وجوده، وهذا غنى في ذلك، لان الوجود ذاته.
434 - 3 الثاني: تعيين الفرق بين وجود الواجب وبينه، لان كلا بسيط وغنى وغير مجعول.



(1) - جملة: وجوده ليس عينه، صفة لكل موجود متعين، والذي وجوده عينه هو الحق سبحانه - آ (2) - أي
ممكنا واحدا وجودا وماهية وليس كذلك، فان الأشياء متعددة ممتازة ليست بواحدة ومشتركة في كل الجهات - خ
(3) - قوله: وان لم يشتمل على ماهية... إلى آخره، والجواب عنه وعن سائر الشبهات ان الوجود المفاض ليس
له ماهية، بل هو وجود محض متعلق بالواجب تعالى وربط محض وتعلق صرف ومعنى حرفي، وبهذا يفرق بينه
وبين الواجب تعالى، فان الواجب قيوم بذاته مستقل في هويته، والوجود العام المتقوم به ذاتا صرف الاحتياج
ومحض الفاقة - خ
193
435 - 3 الثالث: لما كان الوجود عينه كان واجبا، فلم يصح صادرا وفائضا.
436 - 3 الرابع: يلزم ان لا يفيض من الحق وجود، لان هذا غير مجعول، ففيضانه على
الممكنات إن كان مقتضى ذاته فهو الفياض بالاستقلال، وإن كان بشرط مؤثر غيره هو
الحق، لزم ان يكون تأثير الحق اقران الوجود بالماهيات - لا افاضته - والاقران نسبة،
فلم يفض من الحق وجود أصلا.
437 - 3 هذه هي الشكوك التي ذكرها امتحانا لطور العقل.
438 - 3 لا يقال: الوجود العام كسائر الكليات ليس بموجود، فضلا عن أن يكون ممكنا
أو واجبا، بل هو معنى من شأنه ان تجعل الماهيات الغير المجعولة بانتسابه إليها مجعولة، كما أن
العمى معنى عدمي يجعل الانسان بانتسابه إليه أعمى، وإليه ينظر القول بأنه معقول ثان.
439 - 3 لأنا نقول: فلا مجعول حينئذ لا الماهية ولا الوجود ولا اقترانهما، اما لو كان
الوجود موجودا فتعينه يصح مجعولا، أي فائضا، وليس هذا مثل العمى، لان العمى العدمي
لا يجعل الأعمى موجودا، بل منسوبا إليه العمى فقط.
440 - 3 قلت (1): الوجود العام من الحقائق الإلهية والمراتب الكلية الأسمائية فهو
بذاته ذات الواجب كما سيجئ (2)، ونسبة عمومه واشتراكه من حيث الفيض صفة له،
فاعتباره صادرا باعتبار تعين نسبة عمومه لا ينافي كونه في ذاته واجبا ولا بسيطا ولا غنيا،
وبه يسهل الفرق، ولا كون الصادر الأول من الممكنات القلم الاعلى، وبهذا يسقط الاسئولة،



(1) - جواب فان قلت ص 193 (2) - قوله: الوجود العام من الحقائق الإلهية... إلى آخره، والحق
الحقيق بالتصديق عند المشرب الأحلى والذوق الاعلى ان الوجود العام لا يمكن ان يشار إليه وان يحكم عليه
بحكم، لا عين الحق ولا غيره، لا مفيض ولا مفاض، لا هو من الأسماء الإلهية ولا الأعيان الكونية، بل كلما
يشار إليه انه هو، هو غيره، لأنه صرف الربط ومحض التعلق، وكلما كان كذلك فهو معنى حرفي لا يمكن ان
يحكم عليه بشئ أصلا، ولهذا يقتضى ذوق التأله أن تكون الماهيات مجعولة ومفاضة وظاهرة، واما الوجود
فنسبة المجعولية إليه باطلة، ومع أنه مشهود كل أحد ولا مشهود الا هو، لا يمكن ان يحكم عليه بأنه مشهود
أو موجودا وظاهرا وغير ذلك من الأسماء والصفات، وبهذا جمعنا بين القول بأصالة الوجود ومجعولية الماهية
وبين قول العرفاء الشامخين القائلين بان الماهية مجعولة وبين قول بعض أرباب المعرفة وبعض أرباب التحقيق
القائلين بان الوجود مجعول والماهيات اعتبارية، فافهم واغتنم - خ
194
فيكون هذا الوجود مشتركا بينه وبين سائر الموجودات، والتقدم والتأخر في الظهور لتمام
قابلية الماهية للمتقدم ونقصانه للمتأخر، فقولهم: يتوسط العقل الأول في ايجاد سائر
الممكنات ليس كذلك، إذ ما ثم عند المحققين الا الحق والعالم، والعالم ليس بشئ زائد على
حقائق معلومة لله تعالى - معدومة أولا متصفة بالوجود ثانيا - وكل الحقائق في ذواتها
غير مجعولة، فضلا عن توسطها في الجعل، فلم يبق الفائض والمجعول والمتوسط الا نسب
الوجود أصلا وتبعا، فاصل الكل هو المتوسط للكل.
441 - 3 فان قلت: الوجود واعتباراته المسماة بالأسماء والصفات ونسبهما أمور عدمية
ليس شئ منها بأمر موجود محقق - وكذا الاجتماع والجمع الاحدى - فكيف صار تحصيل
هذه الأشياء وتجديدها ايجادها وتحديدها تعينا خارجيا؟
442 - 3 قلت: هو محار العقول والافهام ومدار اختلاف الأئمة الاعلام، وكأنه - والله أعلم
- ليس بذلك الهائل، وله أصل قابل يتفرع عليه صحة عدة مسائل، وذلك أنه انما يشتبه
هذا على من يقول بان الماهيات غير مجعولة وان الوجود معقول ثان، كالفلاسفة أو حال
كبعض المعتزلة، فان ضم المعدوم إلى المعدوم لا يفيد الوجود ولا الهوية الخارجية.
443 - 3 اما عند من يقول بان الوجودات متخالفة وكل وجود عين ماهية الموجود
فهو الموجود، فالماهيات مجعولة كالوجودات، والماهية خصوصية الوجود - كالأشعرية -
أو يقول الوجود هو الموجود حقيقة وموجودية الماهيات انتسابه إليها باتصافه بالتعين
الحاصل منها، وظهور احكامه حالتئذ في كل مرتبة بحسبها، كان الظهور في الحقيقة للوجود
لكن بصورة تحكى ذلك التعين الباطني بنوع يقتضيه المرتبة، فلا اشتباه، لان الموجودية
النسب انتساب مخصوص للوجود الموجود حقيقة إليها ولا استبعاد، لان ضم المعدوم إلى
الوجود الموجود يجعله منسوبا إلى الوجود فيصدق عليه الموجود.
444 - 3 فمن جملة مسائلة: وجود الجسم عن الهيولي والصورة المعقولتين أو عن الجواهر
الفردة الغير المحسوسة، والجسمية الطبيعية عن الكيفيات الأربع المعقولة، والسواد المحسوس

195
عن العفص والزاج الغير المحسوس سوادهما، والعامل في ظهور الكل الوجود المشروط في
تعينه الحقيقة والمرتبة المخصوصتان. فليتأمل، غير أن ثبوت اشتراك الوجود بالبرهان النير كما
مر يدفع الأول، فلذا قالوا: تأثير الحق اعطائه تعالى للحقائق الكونية ما به وحدتها،
بإضافة تعين منه إليها واظهار احكامها بذلك القدر المضاف في كل مرتبة بحسبها، فجميع
الموجودات الكونية صور النسب العلمية التي هي صور النسب الأسمائية.
445 - 3 فان قلت: فحاصله كما مر تأثير الحقائق والمراتب في الوجود بالتعين، كما اثر هو
في اظهاره، فالحيرة باقية، لأنه اثر المعدوم في الوجود.
446 - 3 قلت: لا يخلو الكلام من نحو مسامحة، فان المراد تأثير الحقائق في نسبة الوجود
بالتعين لا في نفسه، لما نقلناه مرارا عن تصانيف الشيخ قدس سره: ان الحق في كل متعين حال
الحكم عليه باحكام التعين غير متعين في ذاته، ففيه أعم توضيح وأتم تصحيح ان ذات الحق لم
يؤثر فيه شئ، بل التأثير من شؤونه في تحصيل نسبه ليس الا وكلاهما عدميان، والله أعلم.
المقام السادس
في أن هذا الوجود العام نسبته إلى العقل الأول وجميع المخلوقات على السوية
447 - 3 لا كما قال أهل النظر من الفلاسفة ان العقل هو المتوسط في وجود سائر المخلوقات،
إذ ليس في الوجود الا الحق سبحانه والعالم الذي من جملته العقل الأول - والعالم بجميع
اجزائه أو جزئياته - ليس بشئ زائد على حقائق معلومة لله تعالى، معدومة أولا، متصفة
بالوجود ثانيا، فالعقل الأول أيضا معدوم في نفسه محتاج إلى الوجود المفاض، فهو متوسط بين
الحق وبينه، كما أن غيره كذلك، وذلك لان الحقائق غير مجعولة عند المحققين من أهل الكشف
والنظر لوجهين ذكرهما الشيخ قدس سره:
448 - 3 الوجه الأول: انها لو كانت مجعولة في الأزل، أي موجودة بوجود خارجي
لكان للعلم القديم في تعين معلوماته في الخارج اثر، وذا لا يكون، فان شأن العلم من حيث

196
هو علم استجلاء كيفية المعلوم وحكايتها - لا التأثير - لكن إذا لم يكن بطريق الاستنباط
من الجزئيات يسمى فعليا - لا لأنه مؤثر -
449 - 3 فان قلت: فليكن التأثير لازمه - وان لم يكن عينه - كما سبق ان المبدئية
للمرتبة العلمية، لا سيما من كامل القدرة، الشامل الطوع، الممتنع الجهل، العديم التردد لجزمه
بالمصالح والعواقب، وبذلك الاعتبار يكون العلم فعليا.
450 - 3 قلت: الحقائق معدومة لا نفسها، لا ثبوت لها الا في نفس العالم بها، فإن كان
ذلك وجودا خارجيا لها، فان قدمت: لزم مساوقتها للحق العالم بها في الوجود، وفي ذلك
تعدد الذات الأزلية، وهو ممتنع، وان حدثت يكون العالم بها مؤثرا من نفسه في نفسه وظرفا
لغيره، وكل ذلك قادح في صرافة وحدته، لذا قلنا: تأثير الماهيات والمراتب انما هو في نسب
الحق سبحانه لا في ذاته.
451 - 3 الوجه الثاني: ان الماهيات لو كانت مجعولة في الأزل كانت حين عروض
الوجود المفاض موجودة قبله، وفي ذلك تحصيل الحاصل المحال.
452 - 3 فان قلت: يحتمل ان يكون الحاصل حين العروض غير الذي كان في الأزل.
453 - 3 قلت: فكان لكل موجود وجودان، وليس كذلك، بل الوجود واحد وهو
المشترك بين الكل المستفاد من الحق سبحانه.
454 - 3 قال الشيخ قدس سره في المفصحة: إذ لو كان اثنين لطالبنا الفرق بينهما،
والفائدة في تعددهما.
455 - 3 الوجه الثالث: المشهور بين أهل النظر ان الماهيات لو كانت مجعولة لم تكن
الماهيات تلك الماهيات - على فرض عدم الجاعل - لكن ثبوت الشئ لنفسه واجب وسلبه
عنه ممتنع كما مر لما مر.
456 - 3 لا يقال: لو لم تكن مجعولة لم يتحقق جعل، إذ لكل منضم وانضمام ماهية
ولا جعل في شئ منهما حينئذ، لا لأنه يجاب كما أجاب في المواقف بان المجعول هو الهوية

197
ولا ينافيه عدم مجعولية الماهية، لان الهوية ليست الا الماهيات المنضامة إلى أن تبلغ مرتبة
الحس، فإذا لم تكن الماهيات ولا الانضمامات ولا المراتب موجودة في الحس، كيف حصل
الهوية المحسوسة من محض المعدومات؟
457 - 3 بل لأنا نقول: انما يتحقق الجعل باقتران الوجود بتلك الماهيات (1) العدمية،
وإن كان الاقتران عدميا، لما مر ان الأمور العدمية بانتساب الوجود إليها وتعلقه بها تصدق
عليها الموجودات (2).
458 - 3 الوجه الرابع: مستفاد من كلام الشيخ قدس سره أيضا: انها لو كانت مجعولة،
فإن لم تكن وجودية، لزم ان يكون الحق سبحانه مصدرا لعدمات لا تتناهى ويكون سبحانه
علة تميز بعضها عن بعض، إذ الحقائق أنفسها لا تكون علة تمايزها والا يلزم منه تأثير المعدوم
من حيث هو معدوم في المعدوم، ويكون التعدد الثابت وجوده وصفا لما لا وجود له، وذلك
محال، وإن كانت وجودية لزم ما أسلفنا في الوجودين من بيان الفرق وتعيين الفائدة منهما.
459 - 3 فان عورض بأنها ان لم تكن مجعولة، فاما وجودية: فلزم مساوقتها للواجب في
وجوب الوجود وصرافة الوحدة الذاتية، فكانت واجبة - لخلوها عن الامكان والفقر -
ويكون اتصافها بالوجود ثانيا تحصيل الحاصل، إذ الفرض ان الممكنات ليس لها الا
الوجود الواحد، فان استكمال الممكن بالوجود المستفاد من الواجب ويلزم انتقال جميع
الممكنات من الوجوب إلى الامكان ومن الغنى الذاتي إلى الحدثان، ولا خفاء ان إبقائها على
البقاء على الحالة الأولى أولي. واما عدمية (3): فلزم تمايز الاعدام - وليس ثمة غير الحق -
فيكون عن علة تمايزها، فالتمايز إن كان وجوديا لزم اتصاف الماهيات المعدومة بالامر



(1) - لعل مراد صاحب المواقف من جعل الهوية هو جعل الوجود، فان الهوية يقال على الموجود المتعين،
وحينئذ لا يرد عليه ما ذكره الشارح، واما قول الشارح: انما يتحقق الجعل باقتران الوجود بتلك الماهيات،
فهو بظاهره سخيف بل هو عبارة عن جعل الاتصاف المردود، واما عند المشرب العرفاني الدقيق فالجعل
متعلق بالماهيات ولا يرد عليه ما ذكروه من الوجوه كما أشرنا إليه سابقا وجمعنا بينه وبين جعل الوجود -
خ (2) - أعني ماله الوجودات - ش (3) - الشق الثاني بأنها ان لم تكن مجعولة فاما...
198
الوجودي، وإن كان عدميا: كان الحق سبحانه مصدرا لعدمات لا تتناهى؟
460 - 3 قلت: ليست مجعولة ولا وجودية في أنفسها، بل عدمية وإضافات علمية،
والنسب - وان تعددت - لا يسمى هي ولا تمايزها آثارا، كما مر في الأصول، لان المخلوقية
شيئية الوجود لا شيئية الثبوت، والمتحقق في النسب العلمية والروابط الأسمائية هي الثانية
- لا الأولى (1) -.
المقام السابع
في أن هذا الوجود العام يناسب الأول وحدة فصح فائضا عنه ويناسب الممكنات كثرة
فترتبت عليه
461 - 3 وذلك لان هذا الوجود ليس بمغاير في الحقيقة للوجود الحق الباطن المجرد
عن الأعيان والمظاهر الا بنسب واعتبارات، وهى النعوت التي تلحقه بواسطة التعلق
بالمظاهر، كالظهور والتعين والتعدد الحاصل باقترانه بالمظاهر وقبول حكم الاشتراك بينها
وغير ذلك من احكام المظاهر، والمراد بوجود الحق الباطن - والله أعلم - هو التجلي الاحدى



(1) - لا الأولى، ومن هذا يتحقق ان الماهيات كما هي غير مجعولة غير ظاهرة ولا متحققة في الخارج، بل
الظهور ليس الا للوجود في كل مرتبة بصورة يقتضيها فهي شروط ذلك الظهور، قال الشيخ في اخر
النصوص: ان أعظم الشبه والحجب التعددات الواقعة في الوجود الواحد بموجب آثار الأعيان الثابتة فيه،
فتوهم ان الأعيان ظهرت في الوجود وبالوجود، وانما ظهرت آثارها في الوجود ولم تظهر هي ولا تظهر
ابدا، لأنها لذاتها لا يقتضى الظهور، ومتى أخبر محقق بغير هذا أو نسب إليها الوجود والظهور فإنما ذلك
الاخبار بلسان بعض المراتب والا ذوق النسبية انما يثبت صحته بالنسبة إلى مقام معين أو مقامات مخصوصة
دون مقام الكمال، واما النص الذي لا ينفسخ (ينسخ حكمه - النصوص) وهو ما ذكرناه وكذا كلما أذكره
في هذا الكتاب، يعنى كتاب النصوص هو الحق الصريح وما سواه صحيح بالنسبة إلى مقام. فقد علمت أن
الظهور للوجود لكن بشرط التعدد مع آثار الأعيان فيه، وان البطون صفة ذاتية للاعيان، وللوجود أيضا
من حيث تعقل وحدته والامر دائر بين ظهور وبطون بغلبية ومغلوبية، بمعنى انه ما نقص من الظاهر اندرج
في الباطن وبالعكس، والنسب والإضافات صور احكام وأحوال تنشأ بين المراتب فيظهر بعضها بعضا
ويخفى أيضا بعضها بعضا بحسب الغلبة والمغلوبية المشار إليها آنفا، والله أعلم، تم كلامه. (النصوص -
ص: 89) - ل أظن هذه حاشية على هذا الموضع دخل في المتن.
199
الذاتي في مرتبة التعين الأول، لأنه باطن، إذ لا فرق بينه وبين غيب الهوية وكمال الاطلاق
الا باعتبار حضوره لنفسه المسمى بالتعين الأول، ولأن هذه المرتبة سابقة على مرتبة شهوده
سبحانه نفسه بنفسه في المرتبة الظاهرية الأولى - كما يفهم من التفسير - فيكون مجردا عن
المظاهر التفصيلية التي هي المرادة بالأعيان.
462 - 3 وانما قيدنا النعوت بالتي تلحقه بواسطة التعلق بالمظاهر، احترازا عن النعوت
التي تلحقه بواسطة التعلق بالبواطن، كالبطون والتعين العلمي وتعدد المعاني والحقائق
ونحو ذلك، فان هذا الوجود العام لا مدخل له في تلك النعوت، بل لها مدخل في تعينات
تعلقات هذا الوجود، فهذا لكونه في الحقيقة عين الوجود الحق صح فائضا منه، لكن لا من
حيث هو، والا فاض عن الحق سبحانه مثله، بل باعتبار التعين الطارئ بسبب عموم النسب
والاعتبارات، فلكون نسبتها إليه أحدية عينية، وإلى الحقائق القابلة له غيرية أفادت أمورا:
463 - 3 الأول: المناسبة بين الفائص والفياض في الوحدة والغنى الذاتيين.
464 - 3 الثاني: الغيرية التقييدية المصححة لان يكون أحد طرفي الفيض.
465 - 3 الثالث: التعدد الاعتباري، أعني الحاصل في المرتبة الواحدية باعتبار تعلقات
القوابل المصحح لانتساب الواحد بالحقيقة إلى كثرة معينة، كمسألة ابصار الواحد عشر
مبصرات دفعة.
المقام الثامن
في أن ينبوع مظاهر الوجود باعتبار اقترانه بها العماء
466 - 3 لا بد هيهنا من تحقيق حقيقة العماء، وقد اختلف فيها كلمات القوم.
467 - 3 قال القاساني: هو الحضرة الأحدية، لأنه لا يعرفها أحد غيره فهو في حجاب
الجلال، وقيل هو الواحدية التي هي منشأ الأسماء والصفات، لان العماء هو الغيم الرقيق،

200
والغيم هو الحائل بين السماء والأرض، وهذه الحضرة حائلة بين سماء الأحدية وارض الكثرة
الحقيقية، قال: ولا يساعده الحديث النبوي، لان المبين فيه قبل ان يخلق الخلق وهذه
الحضرة تتعين بالتعين الأول، لأنها محل ظهور الحقائق، وكل ما يتعين فهو مخلوق فهو العقل
الأول، ولذا قد يسميها هذا القائل بحضرة الامكان وحضرة الجمع بين احكام الوجوب
والامكان وبالحقيقة الانسانية، وكل ذلك من المخلوقات.
468 - 3 وأقول: فيه غلط من وجوه: الأول: ان صاحبة الأحدية والواحدية والألوهية
والنفس الرحماني وأم الكتاب وغيرها من المراتب الإلهية متعينات ليس شئ منها بمخلوق.
469 - 3 الثاني: ان حضرة الوجوب وحضرة الامكان وحضرة الجمع بينهما مراتب
كليات غيبيات، فكيف تكون مخلوقات؟
470 - 3 الثالث: ان الحقيقة الانسانية - مع أن الحقائق غير مجعولة مطلقا - هي صاحبة
حضرة الجمع وحقيقة الحقائق الجامعة لها، فكيف يكون مخلوقة؟ فمن البين ان البون بين
الحقيقة ومظهرها غير بين عنده - عياذا بالله من مثله -
471 - 3 الرابع: ان حضرة الواحدية هي التعين الثاني لا الأول كما سيظهر.
472 - 3 الخامس: ان الحكم على الحضرة التي ذكر انها منشأ أسماء الله بأنها العقل الأول
يقتضى تخصيص الأسماء بالتعينات الخلقية، والقول بان العقل الأول منشأ للجميع وليس
شئ منها، كذلك عندهم.
473 - 3 فأقول استنباطا من قول الشارح الفرغاني: ان الوجود المطلق من حيث إنه
ذات الحق سبحانه لما اقتضى ان يكون له تعين يتجلى به على نفسها، أي يظهر له ويعلمه
بنفسه في نفسه، ويسمى التجلي الاحدى الذاتي ويتضمن الشعور من الكمال الذي حقيقته
حصول ما ينبغي، بالذاتي المجمل الوحداني، وهو مستلزم للغنى المطلق الذي هو عبارة عن
شهود الذات نفسه من حيث وأحديته بجميع شؤونه واعتباراته باحكامها ولوازمها
وبجميع صورها ومظاهرها المعنوية والروحانية والمثالية والحسية، متبوعاتها وتوابعها

201
جنسا ونوعا وشخصا، بدء وعودا، نزولا وعروجا، دنيا وبرزخا وآخرة، كما ثبت في مراتب
الكون دفعة أو متعاقبا من كونها اعتبارا بالنسبة إلى شهود الأغيار، ومن كون الكل عينا
واحدا بالنسبة إلى شهود الحق الواحد الاحد شهود مفصل في مجمل، مثل شهود المكاشف
في النواة الواحدة نخيلا وثمارا لا تحصى.
474 - 3 ثم يستلزم هذا الشعور الشعور بالكمال الأسمائي المسمى كمال الجلاء أعني
ظهور الذات على نفسها بأحدية جمعها بشئونها واعتباراتها ومظاهرها مفصلا ومجملا بعد
التفصيل، لكن في مظهر كلي جامع بالفعل هو الانسان الكامل وعلى كل واحد من حيث
نفسه ومثله استتبع (1) ذلك التجلي والشعور انبعاث تجل اخر لظهور الكمال الأسمائي
لرقيقة عشقية تنزيهية متصلة بين الكمالين، فتحرك ذلك التجلي حركة غيبية مقدسة نحو
ظهوره معبرا عنها ب‍ (أحببت ان اعرف) فلم تصادف محلا قابلا، إذ لا غير ثمة، فرجع بقوة
ذلك الميل العشقي إلى أصله وعاد، لكنه غلب بتلك القوة العشقية حكم الظهور المعبر عنها
بالرحمة الذاتية التي هي عين باطن الوجود المطلق على حكم اللا ظهور (2)، المكنى عنه
بملابسة الخفاء الحقيقي الذي هو باطن الغضب المقلوب بباطن الرحمة، فعاد متعينا تعينا
قابلا لتحقيق مطلبه العالي الذي هو عين الكمال الأسمائي.
475 - 3 فالتجلي الأول حضرة أحدية الجمع والوجود وتعينه التعين الأول والقابل
الأول، ومقام أو أدنى كناية عنه.



(1) - جواب لما اقتضى - آ (2) - لما كانت المحبة الأصلية المعبر عنها بأحببت حاملة لهذا التجلي الأول وباعثة له
على التوجه لتحقيق هذا الكمال الأسمائي التفصيلي ولم يصادف توجهه ذلك محلا قابلا لما توجه له، رجع بقوة ذلك
التوجه الشوقي والميل العشقي إلى أصله وعاد، كما كان حكم الظهور والبطون بالنسبة إليه على السواء، الا انه غلب
وسبق بتلك القوة العشقية حكم الظهور المعبر عنه بالرحمة الذاتية التي هي عين باطن الوجود المطلق المشار إليه
بقوله: ان اعرف، على حكم اللا ظهور المكنى عنه بملابسة حقيقة البطون والخفاء الحقيقي الذي هو باطن الغضب
المسبوق والمغلوب بباطن الرحمة المذكورة، فعاد ذلك التجلي ظاهرا متعينا في عون هذا بقوة المحبة الأصلية اللازمة
له والباطنة والحاملة من غير نسبة الواحدية تعينا قابلا لتحقيق مطلبه الغائي الذي هو عين الكمال الأسمائي - آ
202
476 - 3 فالتجلي الثاني المتضمن تميز الحقائق والمراتب التي كانت مستهلكة الحكم في
حضرة التعين الأول، الظاهر على مثال النفس المنبث الذي هو صورة التجلي الأول.
477 - 3 وظله الجامع لجملة الاعتبارات والتعينات يسمى برتبة الألوهية وحضرة قاب
قوسين وتعينه تعينا ثانيا وقابلا ثانيا جامعا بين طرف الاجمال والوحدة (1)، ومقابلهما التفصيل
والكثرة، لانتسابه إلى الواحدية ووقوعه في ثاني رتب تعيناتها الذي هو صورة التعين الأول وظله.
478 - 3 ثم سمى كليات ما اشتمل عليه هذا التعين بالمراتب، ولكن من جهة محليتها
لثبوت باقي الحقائق، وهى كالحضرات الخمس ومراتب اعتدالات المولدات وميزانها المرتبة
الانسانية، كما أن كليات تعينات هذا التجلي هي الأسماء السبعة.
479 - 3 ثم إن هذا التعين الثاني النفسي من جهة انه أصل ظهور التعينات ومرجعها
والتجلي الظاهر به أصل جميع الأسماء الإلهية ومرجعها، سمى التعين القابل لمرتبة الألوهية
والتجلي بالاسم (الله) و (الاله)، وباعتبار تحقق جميع المعاني الكلية والجزئية فيه يسمى
بعالم المعاني، وباعتبار ارتسام الكثرة النسبية المنسوبة إلى الأسماء الإلهية ولكثرة الحقيقية
الكونية فيه يسمى بحضرة الارتسام، وباعتبار البرزخية الحاصلة بين الوحدة والكثرة لاشتمالها
على هذه الحقائق الكلية الأصلية من حيث صلاحية اضافتها إلى الحق أصالة وإلى الكون
تبعية وانتشاء أنواعها وجزئياتها منها مفصلة، يسمى بالحضرة العمائية (2)، وباعتبار اندراج
تلك الحقائق الكلية الأصلية في عين تلك البرزخية مع تحقق اثر خفى منها فيه، يسمى بالحقيقة
الانسانية الكمالية، وباعتبار كون المعلومات التي فيه ما بين واجب ظهوره بنفسه وممتنع
تحققه في نفسه ومتوسط بينهما، نسبته إليهما على السواء، يسمى المتوسط مرتبة الامكان.



(1) - ومقام قاب قوسين عبارة عن التعين الثاني والقابل الثاني لهذا التجلي الثاني الجامع لجميع الاعتبارات
كما أن مقام التدلي عبارة عن القابل للفيض المنبسط الظهوري والوجود البسيط النوري - خ (2) - نحن
بحمد الله قد حققنا الحضرة العمائية وبسطنا القول في رسالة مصباح الهداية بما لا مزيد عليه وقد حققنا فيها ان
حقيقتها عبارة عن الفيض الأقدس والتجلي الغيبي الاحدى الأول وهو باطن الاسم الله الأعظم من حيث
وجهته الغيبية وظاهره حضرة الاسم الله من حيث أحدية جمع الأسماء الإلهية - خ
203
480 - 3 ثم لهذا التعين والتجلي المتعين به، الذي هو ظاهر الوجود المسمى باعتبار المرتبة
بظاهر الاسم (الله)، وباعتبار الوجود العام بظاهر الاسم (الرحمن) وحدة وكثرة وبرزخ
فاصل وجامع بينهما، اما وحدته فمضافة إلى التجلي الثاني الذي نسبته إلى الأحدية الذاتية
أقوى ومظهريتها به أولي، ولكن بسراية اثر الواحدية، اما سراية حكم الواحد، فانتشاء الكثرة
النسبية الأسمائية الثبوتية والسلبية منه، واما أولوية انتسابه إلى الأحدية الذاتية: فبنفي
الاحكام والنسب واسقاطها عن أسمائه السلبية، نحو الأزلي المنفى عنه الأولية، والغنى المنفى
عنه الاحتياج مطلقا في قيام الكمال به وظهوره، والفرد المنفى عنه ما يزوج به من عديل
وشبيه وند ونظير ومثل كوجود آخر في مقابلة وجوده، والوتر المنفى عنه ما يشفعه في
الصفات كحيوة مثل حياته وغيرها، والقدوس المنفى عنه مذام الصفات كالظلم والكذب
والعبث وغيرها، والسلام المنفى عنه تنازع ظهور الصفات بحيث لم ينازعه الغضب عند
الرضاء ولا إرادة الانتقام حين عفى عنه وعكسها ونحوهما، والسبوح المنفى عنه ما ينتفى
عنه في الفرد والقدوس والسلام، وكذلك المتعالى وغيرها من الأسماء السلبية.
481 - 3 واما طرف كثرة التعين الثاني: فمظهر للواحدية الذاتية، لكن بسراية حكم الأحدية.
482 - 3 اما حكم مظهرية الواحدية: فلانتشاء كثرة التعينات الإلهية والكونية.
483 - 3 واما حكم سراية الأحدية فمن وجهين:
484 - 3 الأول: ان لكل جملة من أعيان تلك الكثرة وحدة جمعية هي أصلها ومنشأها،
فمثال تلك الوحدة في اعتبارات الإلهية التجلي أولا،
ثم كالاسم (الله) و (الرحمن)، ثم كالاسم (الحي)، (الحق) ثم كباقي الأصول، ومن الكونية كحقيقة القلم الاعلى
ووجوده ثم كحقيقة الروح الأعظم ووجوده ثم كحقيقية الطبيعة ثم كحقيقة الجسم ووجوده
إلى أن ينتهى إلى آدم عليه السلام.

204
485 - 3 الثاني: ان لكل واحد من هذه الأجناس والأنواع والاشخاص أحدية محضة
لا يشابهه ولا يشاركه فيها غيره البتة.
486 - 3 واما البرزخ الذي هو على الحقيقة منشئ هذين الطرفين (1) ومعينهما أولا
والجامع بينهما ثانيا، فإنما هي الحقيقة الانسانية ولها اعتباران: أحدهما غلبة حكم الوحدة
والاجمال عليه، والثاني غلبة حكم الكثرة والتفصيل، فباعتبار الاجمال يسمى بالحقيقة
المحمدية وباعتبار التفصيل يسمى بالحضرة العمائية (2).
487 - 3 وقال في الديباجة: وباعتبار سير التجلي الأول وسرايته في التعين الثاني
وظهوره بصورة النفس المنبث، سمى حقيقة الحقائق وحضرة العماء والخيال المطلق.
488 - 3 وأقول: الذي يفهم من كلام الشيخ قدس سره في التفسير انه التعين الأول
حيث قال فيه: متى ذكرت البرزخ الأول وحضرة الأسماء والحد الفاصل ومقام الانسان
الكامل وحضرة أحدية الجمع والوجود وأول مراتب التعين وصاحبة الأحدية وآخر
مراتب الغيب وأول مرتبة الشهادة بالنسبة إلى الغيب المطلق ومحل نفوذ الاقدار.
489 - 3 فالكل إشارة إلى العماء الذي هو النفس الرحماني، لكن المذكور فيما سيجئ في
مفتاح الغيب من أن (الرحمن) اسم لصورة الوجود الإلهي من حيث ظهوره لنفسه (3)، وان
(الرحمن) باعتبار انبساط نوره على الممكنات وظهورها به مع وحدته في نفسه يسمى
نفسا - كما نطقت به النبوة - وان هذا النفس بالنسبة إلى مطلق النشأة الكلية الوجودية
والموجودات المكونة الصادرة من الرب سبحانه التي هي كلمات نفسه وحروفه، بخار (4)
عام هو نتيجة الاجتماع بين الأسماء الذاتية وأول مولود ظهر عنها، ثم الحكم بان النفس
الرحماني عين العماء دليل (5) ظاهر على أن العماء ما بعد التعين الأول (6)، إذ لا يعتبر فيه أمر زائد



(1) - أي الوحدة والكثرة - ق (2) - هذه كلمات يفهم منها ان العماء هي الحضرة الواحدية ومن الأسماء
التعين الثاني باعتبار البرزخية - ق (3) - والرحمة نفس الوجود - ق (4) - خبر ان هذا - ق (5) - خبر
لكن المذكور - ش (6) - والمفهوم من التفسير ان النفس الرحماني عين العماء وانها أول مرتبة التعين، فبين
كلاميه في الكتابين مخالفة ظاهرة - ق
205
على غيب الحق الا تعينه، وكونه هو هو وعلمه بنفسه واعتبار انبساط نور الوجود على
الممكنات وظهورها به وتولده من الأسماء الذاتية ينافيه.
490 - 3 وظني (1) ان التعين الثاني لكونه برزخا جامعا بين الأحدية والواحدية، بل
مشتملا في طرف الوحدة على قوة نسبة الأحدية مع سراية الواحدية، وفي طرف الكثرة على
نسبة الواحدية مع سراية الأحدية من وجهين كما سبق بيان الكل، صح اعتبار العمائية التي
هي عبارة عن البرزخية الجامعة للحقائق الإلهية والممكنة (2) في كل من التعينين، وصح
أيضا اعتبار حكم أحد التعينين في الاخر، فيحنئذ يكون الأول منبعا للكل مجملا، وصح
أيضا اعتبار العمائية للتعين في أحدهما وأيها كان، لكون الأول منبعا للكل مجملا،
والثاني منبعا للكل مفصلا، فان الوجود العام الفائض يتبع الأول ذاتا والثاني تعلقا، لأنه
صورة الأول وظاهره، لكن لقوة نسبة الأحدية وكون التكون في جهة سرايتها (3)،
اعتبرها في التفسير في التعين الأول، لأنه أول مراتب التميز والظهور في الدروج، كما أنه الاخر
عند العروج وفي التعين الثاني في مفتاح الغيب، لان فتح المبدئية منه، والله أعلم.
491 - 3 فنقول: العماء المذكور في الحديث النبوي ينبوع مظاهر الوجود، أي أصل
الأعيان المظهرية، والذي ينشأ منه اما بتفصيل مجمله وتفتيح مقفله - إن كان التعين
الأول - واما بحكاية تفصيله الغيبي في الوجود العيني بحسب مرتبته روحانيا أو مثاليا أو
جسمانيا أو غيرها - ان أريد به التعين الثاني - وهذا هو معنى قولنا: باعتبار اقترانه، أي كونه
ينبوعا للمظاهر باعتبار اقتران الوجود بالماهيات، اما من حيث هو: فغنى عن الينبوعية،



(1) - في التوفيق بين الكلامين - ق (2) - الكونية - ن - ع - ل - وقوله: وظني التعين الثاني... إلى آخره،
والتحقيق ان للحقيقة العمائية والنفس الرحماني حقيقة ورقيقة وباطنا وظاهرا وغيبا وشهادة كما الامر كذلك في
جميع الحقائق الإلهية والأسماء الربوبية، فالحقيقة والباطن والغيب منهما عبارة عن الفيض الأقدس والتجلي
الأول، لكنه باعتبار البرزخية والأحدية الجمعية يقال له العماء، وباعتبار الظهور في الكثرات الأسمائية الذاتية
يقال له نفس الرحمن والرقيقة، والظاهر والشهادة منهما عبارة عن التجلي الظهوري الفعلي والفيض المقدس
والوجود المنبسط، الا انه باعتبار البرزخية يقال له العماء وباعتبار البسط والظهور في مراتب التعينات يقال له
النفس الرحماني، فافهم وكن من الشاكرين ولا تكن من الغافلين - خ (3) - أي الأحدية - ق - سرايته - ل
206
وانما صار ينبوعا للتجليات الوجودية، لأنه حضرة تجليه الذاتي ومنزل تعينه الأولى وتدليه
من الغيب الاطلاقي، فإنه أول مراتب التجلي والتعين والتدلي مجملا في التعين الأول ومفصلا
علميا في التعين الثاني، لأنه حضرة الارتسام والمعانى، فيكون بالنسبة إلى غيب الهوية
وحجاب عز الآنية مقام التنزل الرباني، لأنه جامع لوجوهه جمعا وتمييزا ومنبعث الجود
الذاتي الرحماني لانبعاث الوجود العام منه ذاتا أو تعلقا.
492 - 3 وانما ورد في الحديث بلفظ العماء لأنه في اللغة السحاب الرقيق المتولد من
البخار، ويعتبر فيه بعد كونه بخارا متكاثفا، ان من أنواعه النفس الإنساني المعتبر فيه كونه
منبعثا من الغيب ومتعينا بالتعين الاجمالي الصالح لان يكون موردا لكل تعين تفصيلي
باعتبار المحال القابلة أو المراتب المتفاصلة وكون المنشئ منه الحروف والكلمات، فلما كان
أعيان الموجودات كلمات الله وحروفه وورد في الحديث لأصلها هذا اطلاق العماء ونفس
الرحمن، سميت هذه المرتبة بالعماء باعتبار برزخيته ومنبعثيته والنفس الرحماني باعتبار
انبساطه، كما سمى التجلي الذي فيها رحمانيا باعتبار الوجود الصوري وظهوره لنفسه، واما
الاسم (الاله): فقيل: اسم لمرتبة الألوهية، والظاهر أنه اسم الوجود والتجلي باعتبار تلك
المرتبة الجامعة (1).
493 - 3 ثم نقول: وفي مرتبة العماء يتعين ويحصل مرتبة النكاح الأول من النكاحات
الخمس الآتي ذكرها، وهو النكاح الغيبي الأزلي الفاتح لحضرات الأسماء الإلهية، والمراد
بالنكاحات الاجتماعات المنتجة، كما ينتج اجتماع الأسماء الإلهية الحقائق والمعانى، واجتماع
المعاني الأرواح، واجتماع الأرواح الأمثلة والأجسام الطبيعية البسيطة العنصرية وغيرها،



(1) - قوله: واما الاسم الله... إلى آخره، بل التحقيق ان الاسم الله اسم لأحدية الجمعية الأسمائية باعتبار وجهة
الظهور في عالم الأسماء والصفات، وصورته العين الثابتة للانسان الكامل، كما أن مقام الألوهية مقام ظهور الاسم
الله في الأعيان الكونية والمظاهر الخلقية باعتبار أحدية الجمع، كما أن مرتبة تدلى الألوهية ومرتبة جمع جمعه هو
الفيض المقدس الذي هو باطن الألوهية، كما أن باطن الاسم الله ومقام غيبه هو الفيض المقدس، فمقام الألوهية
باطنها، وظاهرها مظهر الاسم الله بباطنه وظاهره - خ
207
واجتماع البسائط المولدات، والخامس ما يختص بالانسان، وهذه النتائج هي المرادة بحضرات
الأسماء الإلهية، فالاجتماع الأول الواقع في الغيب الإلهي بين الأسماء الذاتية المسماة بالمفاتيح
الأول هو الواقع في هذه المرتبة، وانما سميناه غيبا لأنه ينتج الوجود العلمي الغيبي
- لا الشهود العيني - ولذا قد لا يعده الشيخ قدس سره من مراتب النكاح ويحكم في بعض
الحواشي بان سببه انه نكاح مجازى بالنسبة إلى الوجود الظاهري، فكأنه نكاح بالقوة (1).
المقام التاسع والعاشر
في نسبة صفات الحق إليه على اعتباره في ذاته من حيث هو وعلى اعتباره من حيث
تعلقه بالمظاهر وهما اعتبار الاطلاق والتقييد أو الوحدة والكثرة أو الوجوب
والامكان أو الغنى والتعلق أو التنزيه والتشبيه
494 - 3 اما على الاعتبار الأول (2) فمبناه على أصول:
495 - 3 الأصل الأول: ان نسبة كل مطلق إلى مقيداته انه أحد في ذاته من حيث هو (3)،
وواحد بنسبه (4) من حيث جمعيته لها، وبسيط لم يعتبر معه في كل منها شئ آخر، ومركب
اعتبر معه في كل منها شئ آخر، وانه في كل منها هو هو، مع تقيده من حيثها، فجاز اتصافه
بالغنى والتعلق بالاعتبارين وترتب احكامهما. ولما كانت حقيقة الوجود موجودة كما مر،
ولما مر كانت أعم الموجودات، لان كل موجود هو الوجود مع قيد، والا باينه ما ليس فيه
ذلك القيد فلا يكون أعم منه، فالوجود من حيث هو منزه عن كل قيد داخل أو خارج،
فينتفى عنه توابع القيد الداخل كالتركيب والانضمام إلى الاجزاء والقيد الخارج من الكثرة
والتعدد والتميز عقلا أو ذهنا أو حسا، ويلزمه ان لا يحصره تعين وجودي أو عقلي أو حسي أو
خيالي أو وهمى، فلا يتعين بحد أو رسم ولا يطابق كنهه مفهوم فلا يتناوله عبارة أو اسم.



(1) - في شأن الوجود الظاهري - ش (2) - أي على اعتبارها في ذاته من حيث هو - ق (3) - أي الاعتبارات مسلوب
عنه - ق (4) - أي جامع بجميع نسبه ولا تعدد المجموع في اجزائه فضلا من التعدد في المنسوب إلى المجموع - ق
208
496 - 3 الأصل الثاني: شأن المطلق ان يكون مع كل من مقيداته، لكن لا بظرفية أو
حلول أو مجاورة أو مماسة أو نحوها، والا لامتاز عنها في الإشارة. ولا باتحاد والا لما اختلفت
احكامهما، كالاشتراك والاختصاص. ولا ممازجة والا لأمكن تحقق أحدهما بدون الاخر.
ولا ان يتجزى بحسبها والا لانقسم إلى الاجزاء، بل بان يتوقف تحقق المقيدات عليه وتعينه
عليها، كما تقرر في المنطق من مناسبة بين الجنس والفصل: ان التوقف على الجنس في التقوم
وعلى الفصل في التخصص وفي الفلسفة من مناسبة بين الهيولي والصورة مثل ذلك،
فالوجود المطلق بالنسبة إلى كل موجود كذلك، ولذلك يسقط النسبة إليه ويصدق الكل
عليه، لكن بلا حصر فيتصادق بالنظر إليه.
497 - 3 الأصل الثالث: المطلق لاحاطته المعنوية بمحتملاته وحضوره معها يكون
حقيقته مع حقائقها مستتبعة توابعها ولوازمها فيجاورها في عالم المعاني الذي هو التعين
الثاني، فذلك المطلق الحاضر إذا كان من شأنه الاستشراف والاستجلاء كان حضوره مفيدا
لهما على الكل، بل متضمنة للكل بإحاطته القدسية المعنوية، فيكون عالما بالكل بعين علمه
بنفسه، لان علمه لعدم الحجاب يكون علما تاما، وتمامه انما هو باستيفاء الوجوه
والمحتملات بجميع أوصافها فيما له شرط أو شروط يتعلق على ذلك وفيما لا شرط له، فكذلك
ولأزلية تلك المجاورة، لأنها حكم الحقيقة الغير المجعولة، يكون ذلك لمن لا يتصور له حجاب
- أزليا أبديا -
498 - 3 الأصل الرابع: أمثاله من المطلقات (1) التي لا يعتبر فيها قيد ولا تميز من أنواع
الامتيازات، إذا تلا حقت فيه وتصادفت اتحدت، إذ لو اختلفت معتبرة لتمايزت
بالتعينات، وقد فرض عدمها في الاعتبار الأول، اما لو اعتبرت بحسب متعلقاتها لحقها



(1) - كالحياة والعلم والقدرة وغيرها - ق.
209
التمايز واحكامها من المضادة والملازمة، وتوقف البعض على البعض بلا عكس، ومن
لوازمه ان يوجد الكل في كل متعلق بوجود أصلها، وإن كان الباقي عند غلبة أحدها
مستهلك الحكم أو مغلوبه وضعيفه، فلو لحق بهذا السبب شين أو نقص لا يقتضيه جمال
الأصل، فذلك لخصوصية النوع، والا فبالنسبة إلى الأصل المحيط يقتضيه كماله، إذ ذلك
لحكمة تقتضى ان تختلط بجماله جلاله.
499 - 3 الأصل الخامس: الصور العلمية من حيث التمايز العلمي متباينة، وإن كانت
من حيث العالم متحدة ومن حيث المعلوم مختلفة متلاحقة، فحقيقة المطلق مباينة من الحيثية
الأولى، وعلى ذا يبنى صفات التنزيه له عنها، وإن كان من حيث التحقق عينها، فعند
الجمع بين الاعتبارين يجمع بين التنزيه والتشبيه، ولذا سئل بعض طلاب الحقيقة فقال:
هل صح مقيد ولا مطلق فيه
* * قول محقق وذي شرع فقيه؟
500 - 3 الظاهر أنه محال عقلا، فالقول به بأي نوع التوجيه. فأجبت:
قد صح لان صورة التجريد * * في الذهن خلاف صورة التقييد
والمطلق في الذهن قسيم لهما * * هذا هو وجه صحة التفريد
قل ان لمن وجوده ذاتي * * ان يوجد غيره على التوحيد
501 - 3 الأصل السادس: المطلق إذا كان وجوده عينه - كالوجود - يجب ما يصح له
على أكمل الوجوه، لان الوجود أصل الكل، فكماله بوجودية كمال الكل، فيكون الحاصل لما
يسمى غيرا به فشأنه ان يرتبط بغيره من حيث ما يتصف به ولا يرتبط من حيث امتيازه عنه،
وذلك جهة التعدد والنقصان أو التغير والحدثان - الا من حيث ما يتصف ذلك الغير به -
502 - 3 إذا تحققت هذه فنقول: للوجود المطلق - أعني المأخوذ بلا شرط - ان فهمت
وميزت عن القسمين الأخيرين وهما الوجود المخلوط - أعني المأخوذ بشرط شئ - والوجود

210
المجرد - أعني المأخوذ بشرط لا شئ - اعتباران: اعتبار كونه وجودا فحسب، أي من غير
اعتبار التجريد والتخليط (1)، وهو الحق سبحانه، والوجود الحق من هذا الوجه لا كثرة فيه،
لأنها حكم التعدد وهو في صرافة الوحدة ولا تركيب فيه، لأنه حكم القيد الداخل،
ولا صفة تحمل عليه بالاشتقاق ولا نعت يحمل عليه بالمواطاة، لأنهما من احكام القيد الخارج،
ولا اسم ولا رسم، لأنه حكم التعين العقلي أو الخيالي الذهني، ولا نسبة ولا حكم، لأنهما من حكم
التعلق بالغير ولا غير ثمة، بل وجود بحت، أي غير معتبر فيه قيد - لا داخل ولا خارج - لان
يعتبر فيه عدم القيد.
503 - 3 فان قلت: فمفهوم الوجود كالكون له تعين في العقل، والوجود اسمه وله رسم
وهو كما مر ما به الوجدان، فكيف نفى عنه هذه الأشياء؟
504 - 3 قلنا: قولنا: هو وجود للتفهيم، إذ لا أكثر إحاطة بالموجودات منه في العبارات
ولا مفهوم يتعين في العقول مما يكون الوجود عينه وذاتيه الا هو، لا ان ذلك اسم حقيقي له،
والا كان متمايزا عن سائر المفهومات - ولو في الوجود العلمي - ومتعينا بذلك التعين وليس
كذلك، فإنه بذلك الاعتبار غنى عن كل تعين كما مر في الأصل الأول، بل لا يمكن ان يكون له في
علمنا النظري اسم حقيقي، لان اسمه معنى قائم به، فهو صفته وصفته عين ذاته إذا اعتبرت فيه.
505 - 3 فان قلت: كيف يكون اسمه عين ذاته وكماله الأسمائي قسيم كماله الذاتي وقسيم
الشئ مباينه؟
506 - 3 قلنا: ذلك إذا اعتبر في الأسماء امتيازها النسبي، وذلك من احكام الاعتبار الثاني،
اما في الاعتبار الأول الذي كلامنا فيه: فكماله نفس وجوده الذاتي الثابت له من نفسه لا من
سواه، وقد مر فيما نقلناه من نصوص الشيخ قدس سره: ان الكمال الأسمائي ذاتي باعتبار الذات



(1) - والاعتبار الاخر من حيث اقترانه بالممكنات وشروق نوره على أعيان الموجودات، وهو عين الاعتبار
الثاني الذي يصرح به الشارح فيما سيأتي بقوله: واما على الاعتبار الثاني، وهو تعلقه بالكائنات وتكثر نسبه
باقران الممكنات... إلى آخره، كما أن اعتبار كونه وجودا فحسب، هو الاعتبار الذي صرح الشارح به
سابقا بقوله: ولا على الاعتبار الأول، فمبناه على أصول - ش
211
- كعكسه باعتبار التعين العلمي - وأي كمال أعلى من الوجود الذاتي الوجوبي الاحدى
المحيط بجميع محتملاته؟ ولذا كان حياته وقدرته، إذا اعتبرنا في ذاته من حيث هو على
كمال اطلاقها، وقد مر في الأصل الرابع: ان المطلقات التامة إذا تلا حقت اتحدت فيكونان
عين علمه، وعلمه بالأشياء أزلا عين علمه بنفسه بمعنى انه علم الأشياء بعين علمه بنفسه - لما
سبق في الأصل الثالث - ويتحد فيه المختلفات، كابصار المتعددات بالنسبة إلى البصر (1)،
وقد مر في الأصل الثاني.
507 - 3 وتنبعث منه المتكثرات، لكن لا من حيث إنه واحد وانه وجود، بل من حيث
علمه بالأشياء الذي هو عين علمه بنفسه، لكن دون ان يحويه المنبعثات أو يحويها، لما مر
في الأصل الثاني من امتناع ظرفيته ومظروفيته، ودون ان يبديه الكائنات عن بطون متقدم،
لان بطونه وظهوره بالنسبة إليه عينه، وانما يتميز ان في عقولنا بالنسبة إلينا، إذ لولا ما يسمى
غيرا لم يتحقق من له الظهور ومن عنه البطون، فهما نسبتان لا تتحققان بدون المنتسبين و
دون ان يفرز الأشياء من نفسه، لما مر فيه انه لا يتجزئ، بل كل ما يسمى شيئا كان ما كان
فهو صورة نسبة من نسب علمه ويسمى تجليا مخصوصا.
508 - 3 ولما علم أن الحقيقة المطلقة وان لحقها نسب وقيود فسميت بسببها حصة
لا يخرج بذلك عن أن يكون هي هي، فكونها هي هي أعني وحدتها الذاتية وتعينها الذاتي
باقية مع تلك الكثرة، ولذا قال مترجم حقيقة الحق - لما سمع كان الله ولا شئ معه -: والآن
كما كان عليه، فوحدته عين كل كثرة وبساطته عين كل تركيب اخر أو أول مرة، إذ الغيرية
حكم اعتبار التعينات والقيود لكل وجود في كل موجود.
509 - 3 فان قلت: الوحدة ضد الكثرة، فاثبات إحداهما في قوة سلب الأخرى، فالحكم
باجتماعهما تناقض - فضلا عن اتحادهما -



(1) - يعنى ان الوجودات المتعددات لفظ بالنسبة إلى الوجود المطلق، ما بينها من احكام الامتياز من التخالف
والمقابلة، فيصدق على الكل ويصدق الكل عليه، لكن بلا حصر، فيتصادق حينئذ بالنظر إليه - ق - المبصر - ل
212
510 - 3 قلنا: المراد الوحدة الحقيقية الذاتية لا ما يقابل الكثرة، ولئن سلم فهما نسبتان
طارئتان باعتبار التعينات، والمطلق ليس من حيث هو شيئا من المتقابلات كما تحقق - ولو
في العلوم النظريات - وكل ما يتناقض في حق غيره انما يتناقض لخصوصيات الاعتبار،
فذلك ثابت له على أكمل الوجوه لاطلاقة عنده، والمطلق كامل، لأنه محيط شامل - وقد مر
في الأصل الرابع -.
511 - 3 فان قلت: إثبات (1) الأمور المتناقضة للناطق عن الحق - لأنه لا يعقل في
غيره - مشتبه، فينفى عنه لما قيل: الحمق في اعتقاد ما لا برهان عليه ليس بأدنى منه في
انكار ما عليه برهان.
512 - 3 قلنا: كل من نطق عنه بعقله وفكره - لابه - أعني غير متحقق بمرتبة فبي
يسمع وبي ينطق ونفى عنه كل أمر مشتبه على عقله وذلك انما يكون إذا حصره سبحانه من
حيث ذاته أو صفاته أو أفعاله في مدركه العقلي ومشربه النظري فهو ناطق بما لا ينبغي ان
ينطق به، لعدم تحقيقه، فإن لم يزعم أنه مصيب فهو في الحقيقة أبكم ساكت، لان وجود
ما لا حقيقة له كعدمه كالدمى، وان زعم اصابته فهو جاهل مباهت (2) لا يعرف جهله،
وذلك لما مر في الأصل الثاني ان المنافاة والتضاد والمقابلة من احكام اعتبار القيود
والمخصصات، ومر في الأصل الأول ان احكام القيود تنتفى وترتفع حين عدم اعتبارها -
كما في المطلق - فعند ذلك يصدق الكل عليه ويتصادق فيه، لان ارتفاع السبب المنحصر
ملزوم ارتفاع المسبب.



(1) - حاصله: ان إثبات الأمور المتناقضة مشتبه على الناطق عن الحق لأنه لا يعقل مثله في غيره، فنفى
الناطق عن الحق إثبات الأمور المتناقضة من الحق موجه، لان الحمق في اعتقاد ما لا برهان عليه ليس بأدنى
في انكار ما عليه برهان - ش (2) - جهلا مركبا - ق
213
513 - 3 فمن فروعه ان وحدة الحق سبحانه نفس كثرته وبساطته عين تركيبه وظهوره
نفس بطونه وآخريته عين أوليته، لأنها اعتبارات تلحقه بسبب ما يسمى غيرا، إذ لولاه لم يلحق
شئ منها، هذا كله لعدم تعينه الخاص الوجودي، اما لعدم تعينه العقلي، إذ هو حسب اعتقاد
العاقل - لا كما هو عليه في نفس الامر - فلا ينحصر في مفهوم ما كمفهوم الوجود
والوحدة، ولعدم تعينه الشهودي، إذ لا ينحصر لشاهد ولا في مشهود، بل له ان يكون
كما قال.
514 - 3 فالواجب ان يعتقد وعلى ما اراده محال، وان يظهر كما يريد، ولذلك حين
سئل: ما مراد الحق من الخلق قيل في جوابه: ما هم عليه - دون الحصر في الاطلاق فيزاحمه
ويقابله التقييد - ولا في التقييد فيقابله المتصف بالاطلاق والتجريد أو المقيد بغير ذلك
التقييد، إذ الأول قادح في جماله والثاني في جلاله أو جماله، وكل منهما اختلال في سعة كماله،
فسبحانه سبحانه وله المعنى المحيط بكل حرف، أي حقيقته شاملة الحقائق والذوات،
كما أن كماله مستوعب الأوصاف والكمالات.
515 - 3 واعلم أن المكاشف للحقائق في حضرة المعاني يعلمها بلوازمها على نحو
ما تعينت في علم الحق تعالى، فيعرف ان كل ما فيها من الحقائق والمراتب والأسماء الذاتية
دلالات جماله وآيات جلاله ومقتضيات كماله، لا نقص فيها من تلك الحيثية أصلا كما مر في
الأصل الخامس، فكل ما خفى عن المحجوبين حسنه مما توهم فيه شين أو نقص، كالحيات
والعقارب والخنازير والقاذورات، فإنه متى كشف له عن ساقه، أي علم علم تحقيق وشهود
ان كل وجود من حيث هو وجود خير والعدم شر، علم أن مرجع ذلك الشين والنقص جهة
الظلمة العدمية الحاصلة بعدم قابلية المحل لما هو خير منه، فتحصل الدلالة على أن المحل
لو قبله ففي قدرة الجواد المطلق الذي لا بخل فيه أصلا فيضه عليه، ففيه الاشعار بكمال الحق (1)
وهو التحميد وبان النقصان ليس إليه وهو التسبيح كما قال تعالى: وان من شئ الا يسبح



(1) - لأنه فاض منه الوجود - ق
214
بحمده (44 - الاسراء) وقال صلى الله عليه وآله: الخير كله بيديك والشر ليس إليك - ونحوه -
516 - 3 وأعلى من هذا المشهد ذوق المحمديين وهو العلم بان كل وجود للحق في
الحقيقة، إذ لا تعدد فيه من حيث هو، إذ التعدد من اثار الحقائق وثمرات المراتب، وهو هو
دائما ووجود الحق لا نقص فيه ولا شين، بل كمالاته حاصلة بالفعل دائما، فلا إضافة للشين
والنقص إليه من حيث هو، بل من جهة ان المرتبة تقتضى استهلاك حكم بعضها أو
اختلاله أو ضعفه لاقتضاء أولية الامر وغلبة البعض لأمر ذلك على ما ستعرف إن شاء الله.
517 - 3 فلهذا الذوق قلنا: إذا أدرك صحة انضياف ما فيه شين أو نقص إليه سبحانه
الفى فيه صورة الكمال، فللذوق الأول قلنا: ورأى أنه منصة (1)، أي مظهر مرتفع لتجلى
الجلال بتسبيحه والجمال بتحميده، كل ذلك بلسان حاله ومرتبته وحكمته.
518 - 3 قال الشيخ قدس سره في النفحات: كل نقص والم يشهد في الممكن معنوي
كالجهل ونحوه أو ظاهر كالكذب والظلم وغيرهما، وكل قصور يوصف به مما يعوق عن
التحقق بأوصاف الكمال، انما ذلك من احكام امكانه وظلمة نسبية العدمية، لما علمت أن
مقتضى حقيقة كل ممكن ان يكون ذا وجهين: وجه إلى الوجود ووجه إلى العدم،
والوجهان ذاتيان له، ولهذا كان افتقاره إلى المرجح ذاتيا له، والمرجح هو الحق وله الكمال
الذاتي، بل هو ينبوع كل كمال فلا يصدر منه الا ما هو الخير المحض، اما قلة النقائص
وكثرتها فبحسب تضاعف وجوه الامكان التي موجبها كثرة الوسائط وقلتها، واما تعين
درجات الموجودات في الخسة والشرف بحسب القوة المناسبة المقتضية للقرب من درجة
التمامية وبحسب البعد عنها. هذا كلامه.
519 - 3 واعلم أنه لما (2) علم فيما مر سراية الواحدية في الأحدية (3) وقد قال الشيخ



(1) - بفتح الميم، المكان الذي يرفع إليه العروس للجلوة (2) - جواب لما قوله فيما سيأتي: علم أن جميع...
إلى اخره - ش (3) - بانتشاء الكثرة النسبية الأسمائية السلبية والثبوتية والتعينات الوجودية - ش
215
قدس سره في النصوص: الأحدية وصف التعين لا المطلق المعين، والواحدية ثابتة للحق من
حيث العلم الذي هو لازم الذات، لا يغايرها الا مغايرة نسبية وبه وفيه يتعين مرتبة الألوهية
وجميع المراتب والأسماء الذاتية التي لا يغايرها الذات بوجه ما، مع أنه محتد الكثرة (1) المعنوية
ومشرعها. تم كلامه.
520 - 3 علم أن جميع الأسماء والصفات عند الحق ومن حيث هو متكثر في عين
وحدة هي عينه، لا يتنزه عما هو ثابت له من الأسماء الجلالية، ولا يحتجب عما أبداه بالأسماء
الجمالية لتكمله.
521 - 3 فان قلت: فما معنى حجابه وعزته وغناه وقدسه؟
522 - 3 قلنا: هي امتياز حقيقته بكمال اطلاقه ووجوب وجوده عن كل شئ يضادها،
باقتضاء حقيقته الامكانية عدمه والنقص والشين المبنيين عليها حسب مرتبتها وبحسب
قربها وبعدها عن الحق تعالى كما مر. وأيضا عبارة عن عدم تعلقه من حيث اطلاقه بشئ،
كما قال صلى الله عليه وآله: كان الله ولا شئ معه. وأيضا عن عدم احتياجه في ثبوت
وجوده وبقائه إلى شئ، مع أن لا تحقق لشئ بنفسه ولا بغيره الا به تعالى.
523 - 3 قال في الفتوحات: ومجموع عدم احتياجه إلى الغير في الوجود والبقاء
واحتياج الغير إليه فيهما هو معنى الألوهية (2).
524 - 3 وأقول: فحاصل كلام الشيخ رضي الله عنه ههنا على ما فهمته وحدة الأسماء
والصفات مع الذات وعدم التنزه والاحتجاب من حيث عين وجود الحق سبحانه،
والاحتجاب والغنى من حيث التفصيل بالامتياز العلمي للحقائق.
525 - 3 ولا يتحقق هذا لغاية غموضه الا بنقل ما قال الشيخ قدس سره في النفحات في



(1) - أي مع أن العلم لا يغاير الذات الا مغايرة نسبة محتده - ش (2) - الألوهية الفعلية الظهورية
التي هي مظهر الاسم الله هي قيوميته تعالى لكل شئ مطلقا، ولازمها عدم احتياجه إلى الغير مطلقا،
واحتياج الغير إليه كذلك، لا ان حقيقة الألوهية عبارة عن مجموع الامرين كما يتوهم من ظاهر عبارة
الشيخ الكبير رضي الله عنه - خ
216
تنبيه رباني من كتاب علم العلم وهو: ان صور الأشياء في العلم من كون العلم صفة للوجود
الحق أو نسبة من نسبه ليس (1) كصورها في الوجود الحق من حيث قولهم: الأشياء لم تزل
مرتسمة في ذات الوجود الحق، لان صورها في الوجود الحق صورة واحدة فهي من حيث
وحدتها كائنة في الوجود - دون تعدد شئ منها فيه - وهى في حضرة العلم كائنة كينونة
تعيين وتفصيل بالنسبة إلى العالم فقط، ووجود كل منها من حيث معقولية تعينه
وتخصصه فيما بعد كائن معها، حكمه حالتئذ حكمها، فافهم.
526 - 3 ومطلق الظهور حكما للأشياء، ومطلق الظهور عينا للوجود، وتعين الظهور
الحكمي بالتميز المشهود، وتعين الظهور الوجودي في كل مرتبة من المراتب التي اشتمل عليها
العلم بالنسبة إلى الوجود المطلق من وجه مخالف لظهور تعينه في مرتبة أخرى، وحكمه أيضا
في مرتبة مغاير لحكمه في مرتبة أخرى، وان حصل الاشتراك في الظهورين بأمر جامع غير
الذي به امتاز كل منهما عن الاخر، فالثابت لشئ في شئ من شئ بشرط أو شروط أو المنفى
عنه، كذلك لا يثبت له ولا ينتفى عنه بعدم ذلك الشرط أو الشروط، مرتبة كان الشرط أو
حالا أو زمانا أو مكانا أو غير ذلك، والتجدد تارة تكون صفة للشئ الممكن بالنسبة إلى
ادراكه الخاص في نشأة خاصة أو حالة معنية أو زمان موقت، وتارة صفة للوجود لا مطلقا،
بل بشرط ارتباط خاص بعين ممكنة من الممكنات التي لا نهاية لها.
527 - 3 هذا كلامه وقد تحقق منه مطلبان عظيمان من الفرق بين اعتباري الوجود:
528 - 3 أحدهما: الفرق بين وحدة الصفات والذات وعدم التنزه والاحتجاب وبين
الغنى والحجاب.
529 - 3 وثانيهما: الفرق بين جهة إضافة الحوادث ولوازم الامكان إلى الممكنات وبين
جهة اضافتها إلى الحق سبحانه.
530 - 3 ثم نقول: وإذا كانت انية الحق سبحانه بهذه الحيثية المشتملة على الأحدية



(1) - خبر ان صور الأشياء - ش
217
والواحدية المذكورتين كانت بحيث لا يدركها العقول والأفكار، اما لان ادراك هذه الأحدية
المطلقة الجامعة ليس في طور العقل المعقول بتعينه المجعول لما مر في أول الكتاب (1)، واما
لعدم قدرته على إحاطة ما لا يتناهى من جهة الواحدية، ولا تحويه الجهات ولا الأقطار لعدم
تعينه المشهودي، ولا يحيط بمشاهدته البصائر والابصار، وكل ذلك لأنه من هذه الحيثية
المطلقة منزه عن القيود الصورية والمعنوية، مقدس عن قبول كل تقدير متعلق بكمية مدة أو
عدة أو مسافة زيادة ونقصانا أو كيفية شدة وضعا، متعال عن الاحاطات الحدسية والفهمية
والمنطقية والعلمية، لان كلا منها شأن العقل العاقل والتوجه المتناهى الزائل، فكيف
يحاط به الأزلي الأبدي الكامل؟
531 - 3 ولما علم أن حجابه امتياز حقيقته، فهو محتجب بكمال حقيقته ونور عزته عن
جميع بريته، لوجوب نقصان كل بامكان حقيقته وظلمة عدميته، حتى أن بطونه بالبساطة
لغاية ظهوره احتجاب، وظهوره عين بطونه بستر تركيب وحجاب، هذا هو العجب
العجاب، وهذا حكم شامل للكامل منهم والناقص والمقبل إليه في زعمه والناكص، إذ
لا محيص لمخلوق عن جهة الامكان التي هي محتد النقصان والتغير والحدثان.
532 - 3 فان قلت: فمع امتناع هذه الادراكات كيف صح للعقول ما سلم لها (2) من
التنزيهات؟
533 - 3 قلنا: جميع تنزيهاتها من حيث أفكارها سلبية لا يفيد معرفة كنه حقيقته، مع أنها
لو بولغ بأقصى ما في وسعها - دون ما يقتضيه جلاله ويستحقه قدسه وكماله - لتناهيها دونه
واندراجها تحته، وكل ما يقدر من غير المتناهى فنسبته إلى ما بقى نسبة المتناهى إلى
اللا متناهي، ولأنه من وراء الحجاب - بخلاف ما يدرك بالكشف لاولى الألباب -.
534 - 3 ثم نقول: منشأ تعلق علمه بالعالم من عين علمه بنفسه، كما مر انه علم نفسه
بنفسه وعلم الأشياء بعين علمه بنفسه، وتحقيقه يستدعى تحقيق حقيقة العلم على



(1) - في الفصل الثالث من الفاتحة. (2) - أي التنزيهات المسلمة من العقول - ش
218
ما قال الشيخ في النفحات: نفحة تتضمن التعريف لحقيقة العلم:
535 - 3 اعلم أن حصول العلم بالشئ كان ما كان وكمال معرفته موقوف على الاتحاد
بذلك المعلوم، والاتحاد بالشئ موقوف على زوال كل ما يتميز به العالم عن المعلوم، فإنه ما في
الوجود شئ الا وبينه وبين كل شئ أمر حقيقي الهى يقتضى الاشتراك دون مغايرة، وأمور
أخرى يقتضى تميز ذلك الشئ عما سواه، هذا مما لا ريب فيه، وقد ينضم إلى هذا الامر الحقيقي
مناسبات اخر من حيث الصفات أو المواطن والنشآت أو المراتب والأزمان وغيرها.
536 - 3 فاعلم أن علة جهل الانسان بموجود ما انما هي غلبة احكام ما به يتميزان،
ومتى ظهرت غلبة ما به يتحدان، علم الطالب بعد قصده ما رام معرفته، ثم إن ارتفعت
احكام ما به الامتياز بالكلية كملت المعرفة والا صار معلوما من وجه أو وجوه دون
اخر.
537 - 3 فان قلت فما سبب جهل الشئ بنفسه مع عدم امتيازه عنه؟
538 - 3 فنقول: اعلم أن تجلى الحق سبحانه سار في كل شئ وليس متعينا في كل شئ،
ولا مشارا إليه بإشارة عقلية أو حسية، وهو سر المعية التي ذكرها الحق في كتبه المنزلة
واطلع عليه الصفوة من عباده، فكل شئ فإنه من حيث ذلك السر الذي هو سبب وجوده
والمقيم له غير متناه، ولا متقيد باسم أو وصف أو مرتبة أو غير ذلك، وذلك (1) الشئ من
حيث تعينه وتعين الإشارة إليه عقلا أو حسا، جمعا وفرادى، يلحقه احكام واعتبارات
يقتضيها لذاته، بشرط أو شروط حسب حاله ومرتبته، والاحكام والاعتبارات المشار إليها
تنضاف إلى الحق من كونه الها واحدا وتسلب عنه من حيث اطلاقه وأحديته وتنضاف إلى
سواه من حيث خصوصية ذلك الممكن، فتلك الأحكام والأحوال المختصة بكل عين عين هي
المانعة له من معرفة حقيقته بدون اللوازم، فمتى غلب حكم الحقيقة من حيث حقيقتها



(1) - قوله: غير متناه ولا متقيد، وهذا سر قول المحققين: ان الله تعالى يعلم الجزئيات بالعلم الكلى الشامل الغير
المقيد، وما عرفه الناس حق معرفته وبدلوه تبديلا - خ
219
احكام لوازمها، عرفت نفسها (1) متعينة من حيث الامتياز الحقيقي الثابت بينها وبين الحق،
فالمعرفة بمرتبة الحق واحكامها تحصل للانسان من معرفة نسبة مرتبته من مرتبة الحق
والاحكام بالأحكام، فافهم.
539 - 3 هذا كلامه، ويعلم منه ان بين جميع الأشياء سرا إلهيا مشتركا مطلقا غير متعين
بوجه ما، ولا ريب انه التجلي الإلهي الذاتي الاحدى، فلما كان حصول العلم بالاتحاد إذا لم يمنع
مانع، فالحق الذي لا يشغله شأن عن شأن ولا يتصور في حقه مانع ما، يعلم بأحدية ذلك
التجلي كل شئ بعين علمه بنفسه - أعني ذلك التجلي - وكما يعلمه - أعني علما كاملا
مستوفيا لوجوهه ومحتملاته - فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
540 - 3 ثم نقول: وإذا تحقق ان علمه متعلق بجميع الأشياء من عين علمه بنفسه من
حيث أحديته المحيطة، فإنه كما قال تعالى: والله بكل شئ محيط (126 - النساء) وقال: ان الله
قد أحاط بكل شئ علما (12 - الطلاق) فليعلم ان ظهور هذا التعلق العلمي - أعني استجلائه
في إحدى الحضرات الظاهرة في أنفسها (2) كالحضرة الروحانية والمثالية والحسية - انما هو
بظهور نسب علمه فيها، ونسب علمه الخصوصيات العلمية المسماة بالمعاني والحقائق والأعيان
الثابتة.
541 - 3 قال في النصوص: هي تعقلات التعينات، كما أن الأشياء تعينات التعقلات،
ثم تلك النسب المسماة حقائق هي المعلومات، فكما ان خصوصيات الوجود ونسبه تسمى
موجودات، كذلك نسب العلم وخصوصياته تسمى معلومات، لذلك قلنا: حقيقة كل شئ
نسبة تعينه في علم الحق تعالى.
542 - 3 ثم نقول: إن الحق تعالى عالم بما لا يتناهى، لعدم تناهى محتملاته المحاطة التي هي



(1) - قوله: فمتى غلب حكم الحقيقة... إلى آخره، وعندي انه إذا غلب حكم الحقيقة واندكت جبال الآنيات
عند ظهور نور الألوهية وتجلى الكمال الربوبي وانقهر حكم التعينات ولوازم الامكانات عند قهر كبريائه
تعالى وبروز أحديته، شهد السالك نفسها مندكة متعلقة بعز قدسه مضمحلة تحت نور ربه، وذلك عند القيامة
الكبرى وهذه التعبيرات أيضا من ضيق المجال، وهذا سر قوله صلى الله عليه وآله - ما حكى - اللهم أرني
الأشياء كما هي، وقوله: من عرف نفسه عرف ربه، فافهم - خ (2) - أي ظهور ذاته لذاته في التعينات - ق
220
أكثر من العقلية والوهمية، وإن كانت ما شمت رائحة الوجود متناهية وانه مصدر كل شئ،
فيقتضى كل شئ اما لذاته أو بشرط أو بشروط كما مر، فيكون كل شئ لازمه أو لازم
لازمه وهلم جرا، فالصانع الذي لا يشغله شأن عن شأن والعليم اللطيف الخبير الذي لا يفوته
لغناه الذاتي كمال، لا بد ان يعلم ذاته ولازم ذاته ولازم لازمه جمعا وفرادى، اجمالا وتفصيلا
إلى ما لا يتناهى.
543 - 3 وأيضا يعلم كل شئ على ما هو عليه وهو معنى تبعية علمه للمعلوم - لا وقوعه
بعده - مثلا ما عينه الحق سبحانه تعيينا جزئيا عند شرط أو سبب، أو علم تعيين مرتبته
الكلية عند شرط - كالتغذي باللحم بشرط طبخة - أو عند سبب - كطبخ اللحم بمجاورة
النار - فإنه يعلم بشرطه وسببه ولازمه، إن كان علم الحق سبحانه بتلك المرتبة الكلية أو
تعينية ذلك الترتيب الجزئي قد سبق بذلك الوجه والا - أي فإن لم يعينه معلقا بشرط أو
سبب - فيعلمه بنفسه سبحانه كيف شاء.
544 - 3 وحاصله: ان العلم الإلهي الأزلي يتبع المعلوم المعين حسبما يقتضيه حقيقته
واستعدادها وشروط استعدادها ومرتبته واحكامها، سواء كان غير موقوف على سبب اخر
أو شرط أو موقوفا على واحدا وأكثر كما مر. ثم يتبع الإرادة الذاتية الإلهية العلم ويتعلق به
حسبما تعلق العلم، ثم القدرة يظهر عما عينته الإرادة ثم يتعين الكلام المؤثر في ايجاده بينهما
بمقارعتهما، وهذا ما يقول العلماء: ان التقدير الأزلي يتعلق بمجموع النظام الواقع من الأسباب
والمسببات، فلا وجه لاعتراض الجاهلين بان الامر الفلاني ان قدر وقوعه يقع، فلا حاجة إلى
مباشرة أسبابه، كالدعوات والأعمال الصالحة في الأخروية والأسباب العادية من المعالجات
وغيرها في الدنيوية، والا فلا ينفع السعي في السبب.
545 - 3 وعلى هذا الأصل نبه النبي صلى الله عليه وآله حين سئل بعد تمهيد قاعدة
التقدير بقولهم: ففيم العمل؟ بان قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أي اعملوا، فربما كان
حصول الثواب مقدرا بتقدير سببه العادي الذي هو عملكم.

221
546 - 3 فان قلت: فإذا كان بعض علوم الحق سبحانه متعلقا بالمعلوم بشرط أو سبب
متجدد كان علمه متجددا، فيلزم كونه محل الحوادث وجهله ببعض الأمور في بعض
الأوقات ومستكملا بحصول علم لم يكن، وكل منهما قادح في صرافة وحدته ووجوبه؟
547 - 3 قلت: التعلق المخصوص مسلم، غير أنه لا يتجدد له علم ولا يتعين في حقه أمر
ينحصر فيه ولا حكم معين، يعنى لا يلزم من التعلق الأزلي للشأن الكلى بشؤونه وحقائقه
الجزئية الإضافية المشروطة الظهور بحسب آناتها المعينة حدوث (1) التعلق، لما مر ان من
ليس زمانيا ولا مكانيا ويكون عالما بجميع المعلومات يكون جميع الانات والأمكنة عنده
حاضرة ولكونه محيطا بالكل يعلم كل واقع فيها بسوابقها ولواحقها على ما بينها من نسبة
السببية أو الشرطية أو الواقتية أو الآنية أو الكيفية أو غيرها، فلا يتعين في حقه أمر دون اخر
ولا حكم دون اخر، بل جميع الأمور حاصلة بشؤونه بالنسبة إلى آناته، والمتعلق بالكل من
جناب الحق سبحانه تجل واحد واقتضاء واحد وحكم واحد انما يتعلق حسب قابليات
المتعلقات وشئونه الجزئية، فبهذا يحصل التوفيق بين قوله تعالى: كل يوم هو في شأن
(29 - الرحمن) وبين قوله: وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر (50 - القمر).
548 - 3 وهذا هو سر القدر وقد صدق الخبر الخبر ذكر الشيخ قدس سره في النفحات: 9
قال الوارد المأمور بالتعليم والتذكير والتلقين: متى أقلقتك المطالبات والمعاتبات الإلهية أو
الكونية، خاطب ربك ناشرا بين يديه بعض ما أنعم به عليك - لا مجادلا ولا محاججا -
وقل: يا رب هذا الذي تراه في وتصدره منى، ان كنت جاعله ومنشئه في فلا تنسبه إلى،
لأنه لا يمكن ان يصدر منى الا ما أودعته وخزنته في نسخة وجودي، لانى لا أملك لنفسي
نفعا ولا ضرا الا ما شئت اضافته إلى لما تراه وتريده، وإن كان الذي هو في ليس بجعلك -
مع ثبوت ان لا اله غيرك - فهو اذن من مقتضى حقيقتي التي تعلق علمك بها أزلا بحسبها



(1) - فاعل لا يلزم - ش
222
- دون اثر حاصل أو متجدد من علمك فيها - وإذ لا يمكنني ان أكون على خلاف ما يقتضيه
حقيقتي، فلا تطالبني بالظهور بما ليس في مجعولا وغير مجعول، وكيف يوصف حقيقتي
واحكامها بالجعل؟ وحقيقتي عبارة عن صورة علم ربى بي أزلا وابدا دون زيادة ونقصان
وبحكم وجوب عار عن كل امكان.
549 - 3 بل أقول: حقيقتي عبارة عن صورة علمه بمطلق ذاته التي لا يتعين اطلاقها
بوصف ثبوتي، ورؤيته لها في شأن جامع بين هذه النسبة الاطلاقية المعروضة وبين
صور سائر شؤونه واحكامها التي لا تنحصر ولا تتناهى.
550 - 3 وإلى هذا الشأن الجامع الإشارة (بي) وب‍ (يا ربي) وب‍ (نا) و (لي)، وهو
أول مفاتيح الغيب ويتفرع منها أربعة (1) يغايره من وجه ولا يغايرها هذا الشأن بوجه
ابدا، ولا ما يتفرع عنها إلى أبد الأبد، فهي هو من كل وجه وليست هو هي من كل
وجه، بل من بعض الوجوه، فحقيقة هذا شأنها كيف يصح ويصدق عليها اسم الجعل؟
551 - 3 فان قيل بلسان بعض الحجج: حقائق الأشياء وإن كانت متفرعة عن
الشأن الجامع المذكور ولوازمه المذكورة (2)، لأنها أصول ومقدمات واباء وأمهات
والسنة الخطاب، والصور الباقية والناشئة من الأعمال التي بسببها يقع المعاتبات ويتوجه
المطالبات، نتائج وثمرات، فالمجعول فيك مما يتشخص عملا وصفة لم يكن له من قبل ذلك
وصف أصلا، بل عندك قبل الكيف والكم، واكتسب الحكم والوصف وخرج من صفة
تقديسية من كل وصف إلى ما كيفيته وصبغته به.
552 - 3 فأقول: فالصابغ منى لما حل في بعد تعيني فاصدره مكيفا مصبوغا، هل هو
أمر وجودي مجعول في أو هو (3) شئ غير مجعول؟ إن كان أمرا وجوديا، فبم قبلته على



(1) - الوجود والنور والشهود والعلم - ق (2) - أي اللوازم المذكورة وهى الأربعة - ق (3) - أم هو صح - آ
223
هذا الوجه؟ متى كان منه وبه ما يذكرون؟ ويعود الكلام في المقبول منه نحو (1) ما مر. وإن كان
شيئا غير مجعول، فما حيلتي فيه ولا مندوحة (2) لي عنه (3)؟ فإنه من مقتضى حقيقتي
وكوني. وأيضا فهب انى اكتم مثل هذا ممن لا يعرفه كيلا يعرفه، وأ غالط فيه بموجب الامر
والحكمة، أ اكتم هذا عنك وأنت أشهدتنيه وأريتنيه؟ ثم عرفتني غير ما مرة شهودا وكفاحا، (4)
وان (5) هذا سر قدرك وان المطلع عليه (6) غير مطالب ولا محجوج، ولو لم يكن الامر كذلك لم
يظهر الفائدة من الاطلاع على هذا المقام ولم يتميز من شهد هذا وعرفه ممن لم يشهد ولم يعرف.
553 - 3 وغاية ما في الباب ان يقال: إن الذي قلناه بلسان الامر والحجة والمعاتبة
والمطالبة والتعريف والانذار والبشائر وغير ذلك هو من مقتضى حقيقتنا التي لا مندوحة
عن حكمها الباقي (7)، مقابلة ما اقتضت حقيقتك ذكره وفعله.
554 - 3 فأقول: فقد فلجت (8) حجتي فان البعض تابع للكل والفرع ظاهر بصورة
الأصل، ولذا قيل لنا: فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسى آدم فنسيت ذريته، ولولا حواء لم
تحن أنثى إلى زوجها، فاذن لا مندوحة عن احكام الحقيقة ولا عدول هناك عنها ولا تبديل،
وقد حقت الكلم ولزم الحكم، وبشهود (9) مثل هذا ومعرفته والاحتجاج به يظهر مصداق:
قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون (9 - الزمر).
555 - 3 ثم قال قدس سره في اخر ما في الوارد: هذه ترجمة ضمنت بعض (10) احسانك
إلى وانعامك على بلسان الشكر والتذكر والاستيمار، (11) لا المجادلة والاحتجاج والانتصار،
فبحقك عليك وحق ما تحب ان تقسم به عليك أو يتوسل به إليك من أسمائك وصفاتك



(1) - المقبول به بنحو (النفحات) في القبول به بنحو صح - آ (2) - أي: الفرار (3) - من العذاب الأخروية - ق
(4) - أي عملا استدلاليا - ق - نكاحا - ن - ط (5) - ان هذا - ط - ل - شهودا وكفاحا. ان هذا صح - آ
(6) - وفي الحديث: لو علم الناس أمر القضاء والقدر لم يلم أحد أحدا - ق (7) - لنا في - ل - ط - النفحات -
النافي صح - آ (8) - أي ظهرت (9) - فكيف يمكن غير ذلك هنا وهذا فرع تابع بحسب الأصل تابع
وظاهر نعم وبشهود صح - آ (10) - الوارد، الهى هذه ترجمة ضمنت ذكر بعض صح - آ - ل (11) - أي:
مشورت - ق - والاشتمال (النفحات)
224
ومبدعاتك ومكوناتك، ما علم منها وما لم يعلم، وبحق عنايتك في حقي التي لم أر مثلها ولم اسمع
الا ما عفوت عن ادلالي ورحمت عجزي واذلالي الذي لا يعرفه منى غيرك، إذ لولا ذلك
العجز لانسلخت عن بعض مقتضيات حقيقتي الغير المناسبة لبعض المراتب من بعض
الوجوه، وتلبست بما يناسب بشرط تضمنه رضاك الاعلى الأتم، لكن حقت الكلمة ولزم
الامر. وغير الواقع عندي مستحيل - وان فرض امكانه أو وجوبه (1) - والسلام.
556 - 3 ثم نقول: قد مر ان الكمال هو حصول ما ينبغي لما ينبغي كما ينبغي، وانه قسمان:
ذاتي وأسمائي، وان كليهما ذاتيان من وجه (2)، وأسمائيان من وجه (3)، وكل حصول تابع
للوجود، فمن كان وجوده عين ذاته لزم ان يكون كماله التابع لوجوده بنفسه.
557 - 3 اما كماله الذاتي فظاهر (4)، واما كماله الأسمائي: فلانه بنفسه اللازم الأول
لأول اللازم، وهو العلم الذي يلزمه القدرة حسب الإرادة، لذا ترى بعض العلماء كالرازي
في التفسير الكبير يحصر الكمال في العلم والقدرة، ولان الكمال الأسمائي ذاتي من وجه كما مر،
وأن يكون (5) وجوده بالفعل لا بالقوة، لوجوب ثبوت الشئ لنفسه وبالوجوب لا بالامكان،
لامتناع سلب الشئ عن نفسه، وأن يكون منزها عن التغير المعلوم والحدثان، وهو التغير
بالحوادث المشهودة في الأوقات المحدودة، كطرو عدم الكمال على الخصوص، مثل السقم
عقيب الصحة وسائر الأشياء الخمس المذكورة في الحديث، والمراد التغير عليه وتحول الامر
فيه، اما تحول الحق سبحانه بكماله الذاتي في مراتب شؤونه وأسمائه ومظاهره كما قال تعالى:
كل يوم هو في شأن (29 - الرحمن) المستدعى لظهوره كل لحظة ولمحة في الف الف مظهر أو
أكثر، فليس بممتنع.
558 - 3 والفرق ان الأول يقتضى التنوع في ذاته وهو قادح في صرافة وحدته، والثاني



(1) - أي بالغير - ق (2) - إذ لو حظ الأسمائيان وجودا - ق (3) - اخر - إذ لو حظ الذاتي عقلا
صار اسمائيا - ق (4) - أي اما كون كماله الذاتي بنفسه فظاهر، واما كون كماله الأسمائي بنفسه فلانه اللازم
الأول - ش (5) - عطف على أن يكون كماله التابع - ش
225
يقتضى التعدد في نسبه وإضافاته، ولزم ان لا يحويه المحدثات ولو بوجه عقلي، لامتناع
ان تحوى المتناهى باللا متناهي، فلا تحويه لتبديه، لان بدئه من نفسه، ولا لتصونه، لان بقائه
لوجوب وجوده، ولا يكونها لحاجة إلى سواه، لا في وجوده أو بقائه، لأنهما ذاتيان،
ولا في كمالاته، لأنها لوازم وجوده الكامل في ذاته - وان توقف بوجه الشرطية على مظهر (1)
قابل واستعداد (2) له - فذلك لتحصيل خصوصية توجه الجواد المطلق لا لتوقف مطلق
الفيض عليه، وان لا يرد عليه تكوين الغير (3)، والا لم يكن المبدأ للكائنات الا ذلك الغير (4)،
وإذا كان توقفه على مظهر أو استعداد لتحصيل خصوصية التوجه، كان ارتباط الأشياء به
من حيث الوجه الذي يحصل منه نسبه ونعوته من حيث تعينه في صور أحواله الذاتية، لا من
حيث الوجود والبقاء، ولا يرتبط هو سبحانه بالأشياء من حيث امتيازها بتعددها عنه، لان
ارتباطه بالأشياء ايجادها واظهارها وبسط التجلي عليها.
559 - 3 وقد مر في أمهات الأصول: ان التأثير انما يكون من حيث المناسبة لا من حيث
الامتياز والمباينة، وإذا لم يكن ارتباطه بها لحاجة إليها في وجوده بل مستغنيا عنها في ذلك -
لأنه عين الوجود - لزم ان يتوقف وجود الأشياء الحاصل لها عليه، إذ موجودية كل موجود
بالوجود ولا يتوقف وجوده عليها، لأنه ذاته، ويكون مستغنيا بحقيقته عن كل شئ، وان
افتقر في تعينه الأسمى إلى حقائق الأشياء أو ظهوراتها لكن بالشرطية لا بالعلية، كما يفتقر
بها (5) إليه كل شئ في وجوده (6)، ويلزم ان لا يكون بينه وبين الأشياء نسب لغناه



(1) - في العقول - ق (2) - في الماديات - ق (3) - عدم ورود تكوين الغير أعم من أن يكون الغير شريكا له
تعالى في التكوين أو مستقلا - ق (4) - أي تكوين الغير لا يكون واردا عليه تعالى بمعنى انه لا يصير موردا
للتكوين والا يكون ذلك الغير مبدأ التكوين وذلك واضح - خ (5) - أي بالعلية - ش (6) - قوله: وان افتقر
في تعينه الأسمى، أقول: هذا التعبير وقع في عبارة الشيخ الكبير في فصوصه أيضا وهو تعبير بشيع مع أنه خلاف
التحقيق، فإنه تعالى في ظهوره الأسمائي بل الافعالي لا يفتقر إلى شئ بل الحقائق في ظهوراتها تحتاج إليه تعالى، فان
الاطلاق مقدم في التحقق على التعين والفيض المنبسط مقدم بالوجود على تعيناته، بل التعينات موجودة
بالعرض والظهور له ومنه وفيه، والتجلي العيني وإن كان في المرائي ولكنه مقدم عليها، وهذا من الاسرار التي
لا يمكن افشاء حقيقتها والتصريح بها، فالعالم خيال في خيال ووهم في وهم، ليس في الدار غيره ديار، تأمل تعرف - خ
226
الذاتي عنها الا العناية الذاتية الأزلية بتعلقاتها، كما قيل. لكن بحسب أوقاتها المعينة.
560 - 3 فان قلت: فعلاقة العناية لما كانت ثابتة أزلا وهى كما سيجئ إفاضة نور
الوجود، ينبغي ان لا يكون بين الفائض والمفاض عليه حجاب.
561 - 3 قلنا: لا حجاب الا الجهل بالفائص وتلبيس الأسماء بالمسميات وتخييل التعينات
والتعددات التي هي نسب الوجود وليست موجودة حقيقة كما مر، نقله من اخر النصوص،
وكيف تكون هي الموجودة وهى اثار الحقائق الغير المجعولة العدمية، واثر العدم لا يكون
وجودا ولا يعتبر موجودا ما لم ينضم إليه الوجود، اما ذلك الجهل: فاما لغاية قربه ودنوه، كما
لا يدرك البصر الهواء ونفس (1) الحدقة و (2) العقل (3) الاستحالات المزاجية الجزئية، واما
لفرط عزته وعلوه، كما لا يدرك البصر وسط قرص الشمس في غاية نورها، بل يتخيل فيه
سواد أو ظلمة، مع أنه (4) منبع الأنوار (5)، والعقل (6) حقائق الأنوار العالية من الأرواح
والنفوس وقد مر (7).
562 - 3 ثم نقول: تلك العناية فسرها الحكماء بالعلم الأزلي الفعلي المتعلق بالكليات كليا
وبالجزئيات كليا أيضا وليس بشئ، إذ العلم الفعلي ليس هو المؤثر، بل هو مما لا يكون
مستنبطا من الجزئيات، فإنه من حيث هو علم حاك وتابع للمعلوم - كليا كان أو جزئيا -
والنسب العلمية لا تتغير كما علم، ولئن سلم فلا يلزم من تغير النسبة تغير الذات، وفسرها



(1) - عطف على الهواء - ش (2) - عطف على البصر - ش (3) - قيل جهل العقل إياها في المثال المذكور
لحقارتها ودقتها وشأنه ان يدرك المعقولات المتوسطة في الحقارة والعلو والمثال المنطبق هنا عدم ادراك العقل أي
النفس الناطقة نفسه وحقيقة الانسان - ش (4) - أي الوسط، قيل ليس عدم الادراك في المثال المذكور بسبب
العلو، بل بسبب الظهور التام، لان شأن البصر عدم ادراك ما في طرفي الافراط والتفريط من الخفاء التام والظهور
التام، اللهم الا ان يريد بالعزة القوة والغلبة بالظهور التام، والمثال المنطبق هنا عدم ادراك البصر الكواكب
الصغيرة في فلك الثوابت، فبالحقيقة يرجع إلى البعد المفرط - ش (5) - قوله: فاما لغاية قربه... إلى اخره، الترديد
بلا وجه بل الحق تعالى مع أنه في غاية القرب حتى يكون أقرب إلى كل شئ منه في غاية العلو والعزة، أين التراب
ورب الأرباب، فهو تعالى دان في علوه وعال في دنوه فلا يدركه العقول والابصار مع أنه مشهود كل شاهد
ومطلوب كل طالب - خ (6) - عطف على البصر - ش (7) - في المقام الثالث من الفصل الأول للتمهيد
الجملي - ق
227
القاساني (1) في رسالة القضاء والقدر، أعني (2) العناية الأزلية بمجموعها (3) وليس بشئ، فان
الظهور التفصيلي (4) ليس بازلى، وأيضا تعين الاحكام من خصوصيات الحقائق ومراتبها كما
مر، لا من الحق كما هو، لان شأنه الفيض والظهور موافقا لنسب علمه.
563 - 3 فالحق ان عنايته وان فسرت بوجه آخر مجازا، حقيقتها عندنا إفاضة نوره
الوجودي على من انطبع في مراة عينه، وحضرته (5) العلمية صورته (6) التي هي نسبة
معلوميته واستعد (7) لقبول حكم ايجاده ومظهريته، لكن بحسب ذلك الاستعداد إذ باعتباره
يتعين حصة الايجاد، فهو تعالى من حيث حقيقته الغنية واطلاقه الذاتي ليس كمثله شئ
(11 - الشورى) وإن كان من حيث تعلقه بالكائنات وافتقارها إليه في الوجود وتوقف
خصوصية ظهوره في كل مظهر على نسبة معلوميته عنده وهو السميع البصير
(11 - الشورى) فالأول بظاهره تنزيه يتضمن التشبيه بتصوير المثلية إذا كان الكاف غير
زائدة (8)، والثاني بظاهره تشبيه يتضمن التنزيه بالحصر، فان حقيقة السمع والبصر
ومطلقهما له، بل (9) عينه في البطن السابع كما مر في أوائل الكتاب.
564 - 3 ومن المناسب ان يشار ههنا إلى حقيقة الفيض وأقسام التنزيه:
565 - 3 اما الأول: فقد قال الشيخ قدس سره في النفحات: الفيض الواصل من



(1) - قيل إن القاساني لم يفسر العناية الأزلية بمجموعهما بل جعلها عبارة عن إحاطة علم الله تعالى بالكل
على ما هو عليه، أي بالكلى كليا وبالجزئي جزئيا، وجعلها شاملة للقضاء والقدر يعنى به أي بالشمول إحاطة علمه
بالكلى كما كان حصول صور جميع الموجودات في القضاء كليا وبالجزئي كما كان حصولها في القدر جزئيا ومحل
القضاء القلم الاعلى ومحل القدر اللوح المحفوظ، ولا ريب عندهم في أن الصور الثابتة في القلم اجمالا وفي اللوح
تفصيلا أزلية، فكيف قال الشارح المحقق الظهور التفصيلي ليس بازلى؟ نعم قد يتوجه قوله إذا أراد القاساني منه
الظهور التفصيلي بالوجود الخارجي كلا. انتهى - ش (2) - تفسير لضمير فسرها - ش (3) - أي بمجموع
القضاء والقدر - ش (4) - الذي في القدر - ق (5) - عطف تفسيري لقوله مرآة غيبه - ش (6) - فاعل
انطبع - ش (7) - عطف على انطبع - ش (8) - إذا كان الكاف غير زائدة - كما ذهب إليه الشيخ رضي الله عنه
في فتوحاته - يكون إثبات المثل صريحا، اما على تقدير الزيادة، فالتشبيه ضمني، لان أكثر استعمال النفي فيما فيه
المنفى متصور لئلا يكون نفى معدوم، فافهم، وكذا حكم عدم الزيادة إذا استعملت الكاف على سبيل الكناية أو
على المذهب الكلامي، فافهم - ش (9) - أي بل السمع والبصر في البطن السابع عين الذات وكل منهما عين
الاخر، فان البطن السابع مختص بصاحب الإرث المحمدي - ش
228
الحق إلى المسمى غيرا عبارة عن صورة صفة أكمليته تعالى، وذلك حكم زائد على الكمال
الذاتي، وكما أن كمال كل وعاء بامتلائه وأكمليته (1) بما يفيض منه بعد الامتلاء، كذلك
الفيض الايجادي، لكن محل ذلك الجناب منزه عن الظرفية والمظروفية، فالامتلاء هناك
عبارة عن الغنى الذاتي من حيث وجوب الوجود وعدم الحاجة وعدم الحاجة إلى السوى وعن
سر الصمدية، فإنه لا خلو في الحضرة ولا عون ولا فراع، وثمة كمال ثان وهو الكمال الأسمائي
والصفاتي، وانه مقرون بالوجود الفائض على الكائن بموجب اثر الأكملية، والايجاد ثمرة
كماله لا ان ايجاده مثمر للكمال، كمل سبحانه (2) فاوجد، لم يوجد ليكمل، فالكمال الأسمائي
نعوت له سبحانه من حيث تعينه في صور أحواله الذاتية - أعني الأسماء والصفات -
وموجب اختلاف ظهوراته وتنوعاته هو اختلاف حقائق شؤونه التي اشتملت عليه ذاته،
تم كلامه.
566 - 3 واما الثاني: فليعلم ان التنزيه الإلهي أنواع ثلاثة - عقلي وشرعي وكشفي.
567 - 3 قال الشيخ قدس سره في النصوص: اعلم أن ثمرة التنزيه العقلي هو تميز الحق عما
يسمى سوى بالصفات السلبية حذرا عن نقائص مفروضة في الأذهان غير واقعة في
الوجود (3).
568 - 3 والتنزيهات الشرعية ثمرتها نفى التعدد الوجودي والاشتراك في مرتبة الألوهية
وهى (4) ثابتة شرعا (5) بعد تقرير الاشتراك مع الحق في الصفات الثبوتية لنفى المشابهة
والمساواة، وإليه الإشارة بقوله: خير الرازقين (11 - الجمعة) خير الغافرين (155 - الأعراف)
و: أحسن الخالقين (14 - المؤمنون) و: ارحم الراحمين (64 - يوسف) والله أكبر (45 - العنكبوت)
ونحو ذلك.



(1) - قوله: أكمليته، عطف على اسم ان، أي الكمال بالامتلاء والأكملية بالإفاضة - خ (2) - فاعل كمل - ش
(3) - لأنه ليس في الوجود نقص - ش (4) - أي ثمرة التنزيه العقلي - ش (5) - لان كل ما دخل في الوجود
فهو خير محض - ق
229
569 - 3 واما تنزيه أهل الكشف فهو لاثبات الجمعية للحق مع عدم الحصر ولتميز
احكام الأسماء بعضها عن بعض، فإنه ليس كل حكم يصح اضافته إلى كل اسم، بل من
الأسماء ما يستحيل إضافة بعض الأحكام إليها - وإن كانت ثابتة لأسماء اخر - وهكذا
الامر في الصفات. ومن ثمرات التنزيه الكشفي نفى السوى مع بقاء الحكم العددي (1)، دون
فرض نقص (2) يسلب أو تعقل كمال مضاف إلى الحق باثبات مثبت، والسلام.
570 - 3 واما على الاعتبار الثاني: وهو تعلقه بالكائنات وتكثر نسبه باقتران
الممكنات وتدليه بشروق نوره على أعيان الموجودات فمبناه أيضا على أصول:
571 - 3 الأصل الأول: ان التعلق والاقتران نسبة وكل نسبة يتعلق بالمنتسبين،
فيجوز ان يكون لها باعتبار كل من المنتسبين اسم برأسه، كما تسمى النسبة بين الموجب
والموجب باعتبار الفاعل ايجابا وباعتبار المفعول وجوبا وكذا التحريم والحرمة وكذا الايجاد
والوجود الإضافي، فلا يعد في تسمية تعين الوجود الحقيقي باعتبار أصله الاحدى ومحله
الاطلاقي حقا وباعتبار التميز الساري والتكثر الطارئ والتغير المتوالى أو المتوازي خلقا.
قال الشيخ الكبير رضي الله عنه.
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا * * وليس خلقا بذاك الوجه فادكروا
جمع وفرق فان العين واحدة * * وهى الكثيرة لا تبقى ولا تذر
572 - 3 الأصل الثاني: ان الامر العدمي اعتباري يجوز ان يفيد احكاما خارجية
كالمحاذاة لضوء المقابل من الاحجار والاجتماع لقوة آحاد العسكر والأوتار ولهيئة
الكرسي والبيت والجدار، ومنه ما مر نحو اجتماع الهيولي والصورة المعقولتين لمحسوسية
الأجسام وعرضية الأنوار، فيجوز ان يبلغ تضاعف التعينات الموجب لتضاعف احكام



(1) - لظهور الحق باحكام المرايا التي هي الأعيان الثابتة - ش (2) - كما توهمه أهل التنزيه العقلي وكما أشار إليه
سابقا، حذرا من نقائص مفروضة، أي دون فرض نقص حتى يسلب، وبعبارة أخرى دون سلب نقص مفروض - ش
230
الامكان حدا يثمر التعدد الحسى في ثالث مراتب الأطوار، وذلك لان الاجتماع على أنه
المظهر الجمعي الاحدى الأصلي الذي به الظهور والاظهار كما قال:
والجمع حال لا وجود لعينه * * وله التحكم ليس للآحاد
573 - 3 يفيد مقدارا من سر التركيب الذي به امتزاج النور الاحدى، والظلمة
الامكانية على بسائط الأنوار معتدلا بين الافراط والتفريط كي يدخل تحت وسع احساس
الحواس الضعيفة من الاسماع والابصار، ففي نسبة نور الشمس إلى أعين الخفافيش ونور
السراج إلى عين الأعشى تنبيه صحيح على اعتدال المقدار، وفي زجاج المرآة وقوس قزح من
جهة اشتراط الظلمة الممتزجة خلفهما تمثيل صريح لعالم المثال الذي هو مجمع الاعلان
والاسرار ومرتبة الكاملين الكبار.
574 - 3 الأصل الثالث: مثل هذا التعلق لما كان زائدا على كمال أحدية ذات المعروض
لا يؤثر في ذاته غير التقيد والتعين المفروض من التجزئ والحلول والاتحاد مع المعلول، كما في
ابصار الواحد عشر مبصرات فيبقى ذاته على كماله الاحدى الاطلاقي ويطرء لوازم التعلق
واحكامه من حيث تعينه الالحاقي، فيكون برزخا بين حكميهما المتضادين وجامعا بين كل
مختلفين وفارقا بينهما باعتبارين، وكل ذلك باقتضاء ذاته اما بلا واسطة أو بواسطة صفاته
وما يتعلق بها من مظهرياته، فهو المفيض للكل أولا ببسط تجلية والقابض اخرا بارتفاع
حكم تدليه، والكل محكوم مشيئته ومحبته ومقهور قبضه وبسطه.
575 - 3 قال الشيخ الكبير قدس سره في التفسير: الحضرات الكلية التي ينتهى إليها
الحضرات الخمس هي ثلاثة: الحضرة الإلهية التي لها الغيب والحضرة الكونية التي لها الشهادة
والسر الجامع بينهما، وكذا الامر الكلى ثلاثة: قسم يخص الحق وقسم ينفرد به الكون وقسم
يشترك بينهما ويقع في المقام النفسي العمائي الذي هو السر الجامع.
576 - 3 فما يخص الحق اما ثبوتية، أو سلبية، فالثبوتية كاحاطته الوجودية والعلمية
وتقدم وجوده على كل متصف بالوجود وأولية الإرادة والطلب وقبوله في كل وقت وحال

231
ومظهر، ومرتبة كل حكم بحسبها، والجمع بين وجوب الوجود ووجوب الثبوت على
الدوام. والسلبية ككونه سبحانه لا يتقيد ولا يتميز ولا ينحصر ولا أولية لوجوده ولا يحاط به،
فهذه من مقتضيات ذاته، لا ان يعرض له من حيث المظاهر الكونية.
577 - 3 وما يخص الكون عدم كل من المذكورات وانفراده بوجوب الثبوت دون وجوب
الوجود، وكالحدوث وتقلب الأحوال عليه، بخلاف الحق سبحانه، فإنه لا يتقلب في الأحوال.
578 - 3 وما سوى القسمين من الصفات يبدو في البرزخ الأول وهى مشتركة ذات
وجهين، باعتبارهما يصح نسبتها إلى الطرفين، لكن ثبوتها للحق بنسبة الاشتراك مما اقتضت
ذاته قبولها بهذا الشرط، وكل حكم من احكامها بحسب شرائطه.
579 - 3 واعلم أن المتجدد ظهور تلك الأمور ومعرفتها لا ثبوتها في عالم الأعيان الثابتة -
لمن ثبتت له أو نفيها عمن انتفت عنه - لان ثبوتها ونفيها لا يظهر الا في العماء المذكور
الفاصل بين الغيب والشهادة، فالثابت للحق ولغيره كان ما كان هو ما اقتضته ذات من
ثبت له أزلا، وكذا الثابت نفيه عنهما.
580 - 3 ثم اعلم أن لهذا البرزخ مرتبة الضياء، اما ما امتاز به الحق عن الخلق، فله
مرتبة الغيب والنور المحض، ومن شأنه ان يدرك به ولا يدرك، والقائم (1) بحق مظهريته
(السابق) وله العبادات النهارية والتي لها الأولية (2).
581 - 3 واما للحضرة الكيانية فالظلمة المشبهة على مرتبة الامكان والعدم المعقول،
ومن شأنها ان تدرك ولا يدرك بها، ولها من العبادات الليلية والتي لها الاخرية (3) ومن القائمين (4)
بحق مظهرية المقامات الكلية (الظالم)



(1) - مبتداء خبره: السابق، وهو إشارة إلى قوله تعالى: ومنهم سابق بالخيرات - ش (2) - عطف على النهارية، أي
العبادات التي لها الأولية - ش (3) - عطف على الليلة، إلى العبادات التي لها الاخرية - ش (4) - خبر مقدم على
المبتدأ الذي هو الظالم، إشارة إلى الظالم لنفسه المذكور في الآية الشريفة: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا
فمنهم ظالم لنفسه... الآية - ش
232
582 - 3 واما البرزخ المنعوت بالضياء المسمى بالعماء: فمن شأنه ان يدرك ويدرك به، وله
من العبادات الجامعة، كالمغرب والصبح وما لا يتقيد بأولية ولا آخرية، ومن ورثته القائمين
بحجج الله وحق مظهرية المقامات الكبرى (المقتصد) (1) القائم في الوسط، الموفى كل ذي
حق حقه، كربه الذي اعطى كل شئ خلقه (50 - طه) فهذا مقام الفردية الأولى الذي وقع
فيه الانتاج والتناسل بالنكاحات الخمسة (2)، تم كلامه.
583 - 3 إذا تحققت هذا - وقد مر ان أول لوازم الوجود من حيث الألوهية العلم فان
الحياة شرط لا علة ويتعين نسبتها بالعلم وآخرها الكلام - فنقول: متى أدرك الحق غيره أو
شاهده غيره أو خاطب أو خوطب، فليس ذلك من حيث هو في مرتبة نفسه، إذ بها عزته
ولا بنسبة باطنية، لأنها تثمر القبض لا البسط، بل من وراء حجاب عزته التي في تلك المرتبة
بنسبة ظاهريته وحكم تجليه في منزل تدليه، لا بحكم تقلصه (3) إلى رتبة تعاليه، وتلك النسبة
الظاهرية ثابتة من حيث اقتران وجوده التام، إذ النقصان في نفس الوجود محال بالممكنات (4)،
أي بحقائقها، لكن لاظهار احكامها أو بأعيان الممكنات الظاهرة، وهى اثار الحقائق التي
هي التعينات، وذلك لما مر من اخر نص النصوص: ان نفس الحقائق لم تظهر ولا تظهر
ابدا.
584 - 3 أو من حيث شروق نور الحق، أي نسبة ظهوره واظهاره على أعيان
الموجودات - لا على حقائقها كما مر (5) وليس اعتبار تعلقه بالغير غير ذلك المذكور من
نسبة ظاهريته من الحيثية المذكورة.
585 - 3 ثم الحق سبحانه من هذا الوجه التعلقي الظهوري إذا نظر إليه تعين وجوده مقيدا
بأنواع من القيود.
586 - 3 فالأول: بالصفات اللازمة لكل متعين من الأعيان الممكنة، لكون تلك الصفات



(1) - مبتداء خبره: ومن ورثته القائمين - إلى اخره - ش (2) - أي: الغيبي والروحاني والطبيعي والعنصري
والجامع بين جميعها - كما في التفسير - ق (3) - أي: الارتفاع (4) - متعلق بالاقتران - ش (5) - من أن نفس
الحقائق لم تظهر ولا يظهر ابدا - ش
233
نسبا مخصوصة علمية جمعا (1) وفرادى (2)، وهذه هي الحقائق المتبوعة وذاتياتها المسماة عند
المتكلمين بالصفات النفسية.
587 - 3 والثاني: بما يتبعها من الأمور الخارجة عن الحقائق الأصلية، سواء كانت
عوارض شاملة لغيرها أو خواص غير شاملة أو شئونا أعم منهما.
588 - 3 والثالث: بالآثار الثابتة لاحكام الاسم الدهر من أسماء الحق سبحانه، المسماة
تلك الأحكام أوقاتا، لان الأوقات مظاهر وهو (3) روحها.
589 - 3 والرابع: بالمراتب، وقد مر تفسيرها (4)، والمواطن، وفسرها الشيخ قدس
سره في التفسير بمواضع تعين النشآت وفسر النشأة بما يظهر بها نفس الشئ.
590 - 3 وأقول: وفسر قدس سره حال الشئ بما يتلبس به، ومقامه بما يحل فيه أو يمر
عليه، ومكانه بمستقره من حيث هو متحيز، ولا ريب ان لهذه الثلاثة أيضا مدخلا في تقيد
لوجود، وكأنها لم تذكر هنا، إذ ليس المراد هنا استيفاء وجوه التقييد، بل التمثيل ببعضها،
ثم ذلك التعين والتشخص يسمى خلقا وسوى وستعرف سره عن قريب إن شاء الله فينضاف
إلى الوجود، إذ ذاك التعين حاصل ومعتبر كل وصف من أوصاف الموجودات، نحو: يد الله
فوق أيديهم، بعد قوله: ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله (10 - الفتح) ويسمى بكل اسم من
أسمائهم، نحو: ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى (17 - الأنفال) ويقبل كل حكم من
احكامهم، نحو: مرضت فلم تعدني، ويتقيد في كل مقام بكل رسم، نحو: ولنبلونكم حتى نعلم
المجاهدين (31 - محمد) ويدرك بكل مشعر من بصر وسمع وعقل كما قيل: ما رأيت شيئا الا
ورأيت الله فيه، بسر المعية، أو قبله، وذلك لغلبة الأحدية، أو بعده، بتوحيد الكثرة أو بقرب
النوافل، وكل هذه الاتصافات لسريانه بتجليه الاحدى الغير المتعين في كل شئ، وهو
نوره الذاتي المقدس عن التجزئ والانقسام والحلول في الأرواح والأجسام - كما تقدم في
الأصل الثالث -



(1) - بالانسان - ق (2) - في غير الانسان - ق (3) - أي الدهر - ش (4) - في الوصل التاسع من سابقة التمهيد - ق
234
591 - 3 ثم أقول: لا مندوحة في تحقيق الموضع عن قواعد ذكرها الشيخ قدس سره في
التفسير لتحقيق التعين وأوصافه واحكامه.
592 - 3 الأولى: ان مبدأ تعين جميع الموجودات مقام أحدية الجمع الذي ليس ورائه اسم
ولا رسم.
593 - 3 الثانية: تعين الأسماء من هذا المقام بحسب احكام الكثرة التي يشتمل هذا المقام
عليها، وهى الأسماء المنسوبة إلى الكون.
594 - 3 الثالثة: في تجلى الكثرة واحكامها يتلاشى العقول النظرية وتغشى عن درك
سر الوحدة والحسن المستجن فيها، فتجبن عن إضافة احكامها إلى الحق المتعين عندها، مع أنها
ترد باحكام الكثرة عليها ولا تدرى، وسببه انها (1) لم تشهد الوحدة الحقيقية التي
لا تقابلها الكثرة، بل نسبتها إلى الكثرة والوحدة المعلومتين عند المحجوبين على السوية، لأنها
منبع لهما ولاحكامهما، مع عدم التقيد بالمتبعية وغيرها أيضا.
595 - 3 الرابعة: معقولية النسبة الجامعة لاحكام الكثرة من حيث وحدتها حقيقة العالم،
وتعين الحق من حيث تلك النسبة الجامعة وجود العالم، إذ وجود كل شئ تعين الحق
من حيثيته، فالموجودات تعينات شؤونه وهو ذو الشؤون من حيث تقلبه فيها، ومثال ذلك (2) -
ولله المثل الاعلى (60 - النحل) -: تقلب الواحد في مراتب الاعداد لاظهار أعيانها
ولاظهار عينه من حيثيتها، فاوجد الاحد العدد، وفصل العدد الواحد.
596 - 3 الخامسة: حقائق الأسماء والأعيان عين شؤونه التي لم يميز عنه الا بمجرد تعينها
منه من حيث هو غير متعين.
597 - 3 السادسة: الوجود المنسوب إلى الحقائق عبارة عن تلبس شؤونه بوجوده.
598 - 3 السابعة: تعدد شؤونه واختلافها عبارة عن خصوصياتها المستجنة في غيب
هويته، ولا موجب لتلك الخصوصيات - لأنها غير مجعولة -



(1) - أي العقول - ش (2) - أي مثال التقلب في الشؤون مبتداء خبره تقلب الواحد، ولله المثل جملة معترضة بينهما - ش
235
599 - 3 الثامنة: ما يرى ويدرك فهو حق ظاهر بحسب شأن من شؤونه القاضية بتنوعه
وتعدده، ظاهرا مع كمال أحديته في نفسه (1)، وانظر إلى أحدية الصورة الجسمية التي
يدركها بصرك وكون الفواصل (2) المعددة لمطلق الصورة الجسمية أمورا غيبية غير
مدركة، كالفاصل بين الظل والشمس والسواد والبياض والصلب والرخو، وكل برزخ
بين أمرين مميز بينهما ترى حكمه ظاهرا، وهو غيب لا يظهر، الا وان الفواصل البرزخية هي
الشؤون الإلهية.
600 - 3 وذكر قدس سره في حواشي تفسيره: ان الوجود كما أنه من حيث حقيقته واحد
غير منقسم، فكذلك من حيث صورته واحد مصمت (3)، والفواصل المعددة لهذه الصور
الوجودية المشهودة للكل على قسمين: قسم يعلم بأول وهلة تعذر (4) ادراكه، كالفاصل بين
الشمس والظل وبين الألوان المختلفة المتلاصقة. وقسم يظن فيه انه مرئي ومدرك، كما بين
الأجسام من لطف وكثافة ولين وصلابة ونحوها، وفي الحقيقية لا فرق بين القسمين في أنها
معان مجردة يظهر اثرها لا عينها، والظاهر ليس الا صورة واحدة لا يحكم عليها بالانقسام الا
من حيث احكام هذه المعاني المحدثة للتميز في الامر الواحد الغير المنقسم في ذاته بتجزئة،
فالوجود رق واحد منشور والفواصل برازخ معقولة ذات احكام مشهودة.
601 - 3 التاسعة: العالم من حيث التعين ثلاثة أقسام:
602 - 3 ما غلب عليه طرف الوحدة والبطون كالأرواح.
603 - 3 وما غلب عليه احكام الكثرة كالأجسام المركبة.
604 - 3 وما توسط بينهما وهو أيضا ثلاثة أقسام:
605 - 3 ما غلب عليه حكم الروحانية ومجمل الظهور كالعرش والكرسي. وما



(1) - قوله: الثامنة: حاصلها: ان الوجود مع كمال أحديته تجلى بشؤونه الذاتية فظهرت التعينات
الوجودية فالتعينات مظاهر الشؤون الإلهية وهى مظاهر الأحدية الجمعية فالظاهر حق بتعينات شؤونه - خ
(2) - المراد من الفواصل المميزات نفسية كانت أو خارجية - ش (3) - أي: لا جوف لها. (4) - فاعل يعلم - ش
236
غلب عليه نسبة الجمع لكمال الظهور التفصيلي اخرا - كالمولدات الثلاث - والوسط
الذي تفرع منه ما تفرع، مشتملا على درجات لكل منها أهل، كالسماوات السبع والاسطقسات
الأربع، والظاهر بصورة الكل اخرا في المقام الاحدى الذي لا يتعين قبله أولية ولا غيرها، هو
الانسان وله العماء.
606 - 3 العاشرة: الشؤون على قسمين: تابعة ومتبوعة:
607 - 3 فالتابعة أعيان العالم.
608 - 3 والمتبوعة قسمان: تامة الحيطة وهى أسماء الحق وصفاته. وغير تامة الحيطة وهى
أجناس العالم وأصوله وأركانه، وان شئت سمها الأسماء التالية التفصيلية. وفي التحقيق
الأوضح: الجميع شؤونه وأسمائه من حيث ذو شؤون، فلا تغلط.
609 - 3 الحادية عشرة: أمهات الشؤون هي الاعتبارات الأصلية.
3 فيسمى الحق باعتبار معقولية تعينه الأول بالحال الوجودي - لا باعتبار
ظهوراته التفصيلية - واحدا (1).
611 - 3 وباعتبار ظهوره في حالة تستلزم تبعية أحواله الأخرى الباقية ذاتا.
612 - 3 وباعتبار تعينه في شأنه الحاكم على شؤونه القابلة به منه آثاره واحكامه، الله (2).
613 - 3 وباعتبار انبساط وجوده المطلق على شؤونه - الظاهرة بظهوره - رحمانا.
614 - 3 وباعتبار كونه مخصصا بالرحمة العامة كل موجود، رحيما.
615 - 3 وباعتبار ظهوره من حيث الحالة المستلزمة للاطلاع على الاحكام المتصلة
من بعضها إلى البعض تأثيرا وتأثرا وتناسبا وتباينا وغيرها يسمى علما. فهو من تلك
الحيثية وباعتبار كونه مدركا نفسه وما انطوت عليه في كل حال وبحسبه يسمى نفسه عالما (3).



(1) - مفعول يسمى - ش (2) - والفرق بين اعتبار الذات واعتبار (الله) ان الأول مجرد استلزام
الأحوال دون العلية بخلاف الثاني، فان فيه علية بعض الشؤون لبعض - ق - آثاره الله - ل (3) - العليم
صيغة المبالغة بخلاف العالم، ومبالغته بالتعلق إلى غير نفس الواجب، بخلاف العالم فإنه منحصر في نفس
الواجب - ق - كل حال سمى نفسه عالما - ل
237
616 - 3 وباعتبار سريانه الذاتي الشرطي من حيث التنزه عن الغيبة ودوام الادراك
يسمى حيا.
617 - 3 وباعتبار الميل المتصل من بعض الشؤون بسر الارتباط والمناسبة المرجحة
اظهارا لتخصيص الثابت علما بشؤون اخر، مريدا.
618 - 3 وباعتبار ظهور اثره في أحواله بترتيب يقتضيه التخصيص المذكور يسمى قادرا.
فانتظم بهذه الشؤون أمر الوجود وارتبط وزهق الباطل وسقط.
619 - 3 ثم نقول: ولكن كل ذلك التجلي واقتران وجوده بالممكنات بالتدلي وتعينه
مقيدا بالصفات المظهرية وتعدده بالمشخصات الخلقية متى أحب وكيف شاء، ولكن بالمحبة
الأصلية السارية وبالمشيئة الذاتية الأزلية الجازمة، فلا بد من الكلام فيهما. اما المحبة الأصلية
فمجمله ما في قوله تعالى: فأحببت ان اعرف.
620 - 3 قال الشيخ قدس سره في الفكوك: متعلق حب الحق ايجاد العالم، انما موجبه حب
كمال رؤية الحق نفسه جملة من حيث مرتبة وحدته وتفصيلا من حيث ظهوره في شؤونه،
ولما كانت شؤونه ذاتية وكان الاستجلاء التام للذات لا يحصل الا بالظهور في كل شأن
منها بحسبه، ورؤيته نفسه من ذلك الشأن بمقدار ما يقبله من اطلاقه، توقف كمال الرؤية على
الظهور في جميع الشؤون، ولما كانت الشؤون مختلفة وغير منحصرة، وجب دوام تنوعات
ظهوره سبحانه لا إلى حد، فكان خلاقا إلى أبد الأبد. واما المشيئة الذاتية فهي الاختيار
الثابت للحق سبحانه.
621 - 3 قال الشيخ قدس سره في النفحات (1): اختيار الحق المشهود في الكشف ليس
على النحو المتصور من اختيار الخلق الذي هو تردد واقع بين أمرين كل منهما ممكن الوقوع
عنده، فيترجح عنده أحدهما لمزيد فائدة أو مصلحة تتوخاها، فمثل هذا يستنكر في حقه تعالى،



(1) - ص: 79 في الفرق بين الاختيارين - ش
238
لأنه إحدى الذات واحدى الصفات وأمره واحد وعلمه بنفسه وبالأشياء علم واحد
فلا يصح لديه تردد ولا امكان حكمين مختلفين، بل لا يمكن غير ما هو المعلوم المراد في نفسه،
وليس هذا من قبيل الجبر كما يتوهمه أهل العقول الضعيفة، إذ ليس ثمة سوى، فمن الجابر (1)؟
622 - 3 فان توهم متوهم ان العلم هو الجابر إذ لا يمكن وقوع خلاف متعلقه.
623 - 3 قلنا: العلم كاشف لا مؤثر، وتعلقه بالمعلوم انما هو بحسبه، فان توهم متوهم
جبرا فليتصوره من المعلوم على نفسه لا على الحق، إذ يستحيل ان يؤثر في ذات الحق شئ، بل
يستحيل في التحقيق ان يؤثر شئ فيما يغايره ويضاده من جهة ما يضاده. ولو قيل به (2)، لزم
ان يكون الحق مؤثرا في نفسه ومتأثرا وفاعلا وقابلا، وعلم الحق في مشرب التوحيد وعند
المحققين من أهل النظر عين ذاته فيكون جابرا ومجبورا، فلم يكن (3) واحدا من جميع الوجوه،
فالاختيار الإلهي انما هو بين الجبر والاختيار المفهومين للناس، وانما معلوماته - سواء قدر
وجوده أو لم يقدر - مرتسمة (4) في عرصة علمه أزلا وابدا، متعينة بصورة كل شئ على حده
مرتبة ترتيبا أزليا لا أكمل منه في نفس الامر - وان خفى ذلك على الأكثرين - فالأولوية
بين أمرين يتوهم امكان وجود كل منهما انما هي بالنسبة إلى المتوهم المتردد، واما في نفس الامر
فالواقع واجب وما عداه مستحيل الوجود - وان حكم المحجوب بامكانه - هذا ما قاله.
624 - 3 فان قلت: قولنا: متى أحب وكيف شاء مشعر بامكان ان يحب الواقع المعين،
ولا يحبه وان يشائه، ولا يشائه وان يشائه بكيفية أخرى، وقد استدل في شرح الفرغاني
للقصيدة بقوله تعالى: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل - أي ظل التكوين على المكونات - ولو
شاء لجعله ساكنا (45 - الفرقان) ولم يمده، على أن الحق لو لم يشأ ايجاد العالم لم يظهر، وكان له
ان لا يشاء، فلا يظهر، وتحقيق النفحات لا يناسبه.
625 - 3 قلت: (5) قولهم: ان لم يشأ لم يقع صحيح، وقد وقع في الحديث: ما لم يشأ لم



(1) - استفهام انكاري - ش (2) - أي يكون العلم هو الجابر - ش (3) - أي فلو كان كما قيل فلم يكن
واحدا... إلى اخره - ش (4) - خبر لقوله: انما معلوماته - ش (5) - قيل جدالا، واما الجواب التحقيقي
فهو ما سيأتي نقلا عن النفحات بان للحق نسبتين: نسبة الوحدة... إلى آخره - ش
239
يكن، ولكن صدق الشرطية لا يقتضى صدق المقدم أو امكانه، فلا ينافيه قاعدة الايجاب -
فضلا عن الاختيار الجازم المذكور - فقولهم في الايجاد الكلى للعالم: كان له ان لا يشاء
فلا يظهر، اما لنفى الجبر المتوهم للعقول الضعيفة واما لأنه سبحانه باعتبار ذاته الأحدية غنى
عن العالمين، ثم لو سلم مثل اختيار العباد في الجزئيات في حقه سبحانه، فذلك باعتبار تعلقه
سبحانه بالعالم وظهور آثاره في المظاهر الجزئية وإضافة أوصافهم إليه كما ذكر، ولا يبعد ان
يحمل كلامنا (1) ههنا على ذلك.
626 - 3 اما تحقيق النفحات، فيكون عدم الجبر بنسبة وحدته الصرفة وغناه التام عن
العالمين، ويكون جزم الاختيار لأحدية امره الكامل وجزم علمه الشامل.
627 - 3 وتحقيق الفرق بين الاعتبارين ما أشار الشيخ قدس سره فيها (2): ان للحق
نسبتين: نسبة الوحدة الصرفة ولبيانها (3): ان الله غنى عن العالمين (97 - آل عمران) ونسبة
التعلق بالعالم وتعلق العالم به من كونه الها - لا من حيث محض ذاته -
628 - 3 ولما كان التعلق والايجاد عبارة عن تجليه سبحانه في الماهيات الغير المجعولة التي
كانت مرايا لظهوره، ظهر الاختيار ذا حكمين، فلم يدرك المحجوبون غير ما قام بهم، فلما سمعوا
ان له (4) نسبة إلى الحق ولم يتحققوا بأي اعتبار يصح اضافته إليه، نسبوه على ما تعقلوه في
أنفسهم، وانما يمكن إضافة هذا النوع من الاختيار إلى الحق من وجهين آخرين:
629 - 3 أحدهما من حيث مرتبة أحدية جمعه القاضي بان له سبحانه كمالا يستوعب
كل وصف وتقبل من كل حاكم عليه في كل مرتبة كل حكم، لأنه المعنى المحيط بكل
كلمة وحرف ومظروف وظرف وكل ظاهر وباطن نسبى أو صرف.
630 - 3 والثاني ان نسبة الماهيات الغير المجعولة إلى نوره الوجودي نسبة المرايا إلى
ما ينطبع فيها، ومن شأن المتجلى ان يظهر بحسب المجلى لا بحسبه، فإذا تجلى الحق في أمر ما أو



(1) - أي قول المصنف: ولكن كل ذلك متى أحب وكيف شاء - ق (2) - ص: 81 أي في النفحات.
(3) - ولسانها - ن - ع - النفحات - ل - فبهذا الاعتبار صدر (صدق) الشرطية - ق (4) - أي الاختيار - ق
240
حضرة أو عالم لزمه احكامه وأمكن ان ينسب إليه سبحانه أوصافه، لكن لا مطلقا، بل من
حيث ذاته، بل من حيث تجليه في ما تجلى فيه. تم كلامه.
631 - 3 ثم نقول: لما تحقق في أمهات الأصول ان الحق سبحانه في كل متعين - مع أنه
قابل لاحكامه - مطلق وغير متعين في نفسه، بل قد مر ان جميع الموجودات كصورة واحدة
مفصلة لذلك المطلق الموجود بنفسه الغير المنحصر في شئ منه:
632 - 3 فمن لوازمه ان يكون الحق سبحانه في كل وقت وحال هو القابل لحكمي نسبتي
الاطلاق والتقييد أو نسبتي الوحدة الصرفة والكثرة المظهرية أو نسبتي حضرتي الوجوب
والامكان كيف قلت - لا غيره (1) - إذ هو الذي يظهر في صور شؤونه وأحواله - في حال
كونه مظهرا لغيب ذاته - بكمال وحدته واطلاقه، والحكمان كليان متضادان لان لازمهما
الغنى والافتقار، وتنافى اللازمين ملزوم تنافى الملزومين، لكن التضاد حكم الخصوصية
بالقيد أو بعدمه كما مر، فالمنزه عنهما قابل لهما وقبوله لهما بذاته بمعنى انه لا بأمر زائد، وإن كان
حصول أحدهما وهو حكم الاطلاق بأحديته، والاخر وهو حكم التقييد بواحديته (2)، أي
بواسطة الحقائق الكونية للتأثر والنسب الأسمائية الإلهية للتأثير، كما أن قابلية الانسان
لصنعة الكتابة ذاتية حصولها بدنية، فذاته سبحانه وهو الوجود المطلق هو الجامع بين كل
أمرين مختلفين جمعا بالفعل وشمولا متحققا، فهو الغائب الحاضر والوارد الصادر والأول
الاخر والباطن الظاهر، وعلى هذا فله من جهة جمعه بينهما احكام:
633 - 3 الأول: إذا شاء مشيئة ذاتية ظهر في كل صورة وان لم يشأ لم يظهر، وقد مر
تحقيق معناه بوجوهه.
634 - 3 الثاني تشخصه بصورة لا تنافى اتصافه بسائر الصفات من حيث كماله



(1) - أي هو القابل لا غيره - ق (2) - قوله: وإن كان حصول أحدهما... إلى آخره، بل الاطلاق والتقييد
والأولية والآخرية والظاهرية والباطنية والغائبية والحاضرية كلها بحيثية واحدة بحسب مقام الجمعية الإلهية
والبرزخية الكلية الذاتية واما مقام الأحدية فليس فيه الا اعتبار الأسماء الذاتية التي ليس الاطلاق المضاد
للتقييد والباطن المقابل للظاهر منها - خ
241
الأصلي وجوده الذاتي وعزته الأحدية وقدسه الاطلاقي.
635 - 3 الثالث: لا ينافي ظهوره بقيود الأشياء واظهار تعينه وتقيده بها وباحكامها،
علوه من حيث هو مرتبته واطلاقه عن كل القيود وغناه بذاته عن جميع أوصاف الموجود، بل
هو سبحانه المحيط بجميع الحقائق سواء تماثلت أو تخالفت، إذا تعينت أول تعينها في أنفسها،
أي لبعضها بعضا - لا بالنسبة إلى الحق فقط - حدثت النشأة الروحانية. قال عليه وآله
السلام: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها - أي تماثل أو تخالف فتناسب - ائتلف،
وما تناكر - أي تباين - اختلف، لان الأحدية الجمعية التي هي المصححة للوجود ثمرة
مناسبة المركبات، فعند عدم المناسبة وحصول المباينة لا يحصل تلك الأحدية، فلا يحصل
وجود المركب.
636 - 3 الرابع: ان تجليه الوجودي الذي هو التخليق سبب ظهور الآثار الحقيقية
للحقائق، وتدليه الأسمائي الذي هو التزريق سبب دور البركات على الحقائق، وكل ذلك
من حيث أسمائه الباسط والمبدئ ونحوهما كالخالق والبارئ والمصور مما يدل على انبساط
الوجود ودور كمالاته. اما رفع حكم تدليه فيثمر الخفاء وانعدام الموجودات كل ذلك باسميه
القابض إلى نفسه والمعيد إليه ونحوهما مما يدل على تقلصه وطلب منبعه الاحدى.
637 - 3 الخامس: ان تعالى (1) عن التقييد والتنزل بعزه وغناه الذاتي كان غفورا (2)
أي ساترا للحقائق لاستهلاك أعيان الأغيار في أحديته، وهذا منبع صفاته الجلالية،
وان أحب ان يعرف دنا وظهر فيما شاء كيف شاء كما مر تحقيقه باعتباراته - أعني بمشيئته
الذاتية أو الجمعية أو المظهرية - وكان ودودا بالود الأصلي والميل الأولى الالى ثم بالميل
الجمعي أو المظهري، وهذا منبع صفاته الجمالية.



(1) - فعل الشرط - ق (2) - جزاء الشرط - ق
242
638 - 3 اعلم أن المقصود هيهنا لا يتحقق حق تحققه الا بإشارة وجيزة إلى حقيقة المحبة
الإلهية والكونية وشمول حكم الإلهية وأقسامها.
639 - 3 اما المحبة الإلهية فما سيجئ (1) في مفتاح الغيب انها الطلب الأولى الالى من
حيث الاجتماع الأسمائي بالتوجه الذاتي، وهذا الطلب حال ذاتي للأسماء لا لموجب خارجي،
إذ لا خارج ثمة، وهو (2) الميل الإلهي المعنوي بحركة غيبية من إحدى الحقائق الأسمائية
الأصلية بقوة النسبة الجامعة (3) لظهور (4) حكم الاتصال بين سائرها (5) ليظهر صورة
جملتها، ويظهر الحق من حيث تعينه في المرتبة الجامعة لها من غيبه، وذلك الميل (6) هو
الإرادة، والتعلق الحاصل من النسبة الجامعة المظهر (7) حكم الميل من إحدى الحقائق في
الكل هو باعث المحبة المتعلقة بكمال الجلاء والاستجلاء المتوقف حصوله على الظهور في
الانسان الكامل، وهذا الميل هو المنبه عليه في سر الأولية ب‍ (أحببت ان اعرف) ومتعلق
ضميره النسبة الربية بصفة الطلب للمربوب بموجب تضايفهما، والصورة الظاهرة لنفسها
من ذلك الاجتماع الأول الأسمائي صورة الرحمن والتجلي من الله مسمى الأسماء ومرتبة التجلي
هو حقيقة الحقائق، وفي التحقيق هي الرتبة الانسانية الكاملة المسماة بحضرة أحدية الجمع،
هذا كلام الشيخ قدس سره.
640 - 3 واما مراتبها وأقسامها فما ذكره الفرغاني في شرح القصيدة من أن الحب بموجب
حكم فأحببت ان اعرف... الحديث، هو الأصل في كل توجه إلى كل أمر كان ما كان -
من أي متوجه (8) يكون - على أن الافعال كلها منسوبة إلى الحق ومخلوقة له على
الاعتقاد الصحيح المطابق لكشف الصريح.
641 - 3 ولما كانت المحبة حكم المناسبة وما به الاتحاد بين المحب والمحبوب والمناسبات



(1) - في الأصل السادس من الفصل الأول من الباب - ق (2) - أي الطلب الأول الالى من حضرة الجمع
والوجود - ش (3) - للحقائق، إذ القوة بحسب الجمعية - ش (4) - أي لظهور صورة جملة الحقائق التي هي
حكم الاتصال والاجتماع - ش (5) - أي بين جميع حقائقها - ش (6) - المذكور المنسوب إلى الأسماء الذاتية
المعبر عنه بالاقتضاء الاحدى - ق (7) - صفة التعلق - ش (8) - حق أو خلق - ق
243
منحصرة في خمسة أقسام، كانت أقسام المحبة أيضا خمسة، لكن مرجعها إلى القسمين المذكورين
في أبيات الصديقة الصغرى الرابعة العدوية:
أحبك حبين: حب الهوى * * وحبا لأنك أهل لذاكا
فاما الذي هو حب الهوى * * فذكرك في السر حتى اراكا
واما الذي أنت أهل له * * فشغلي بذكرك عمن سواكا
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
642 - 3 أقول - ان المحبة الذاتية التي هي حكم المناسبة الذاتية التي لا يعلم سببها
واصلها ذكرك إياي في عالم السر الذي هو عالم الحقائق وحضرة المعاني بالتوجه الحبى
لطلب الظهور والاظهار والدروج في مدارج الأنوار حتى ترتب عليه شهودك نفسك في
مظهري بعينك في مظهريتي.
643 - 3 والمحبة الصفاتية: انك أشغلتني بذكرك عمن سواك من الأغيار لطلب
وصول الأصول الأسمائية والعروج إلى معارج الاسرار لتكون أنت الذاكر والمذكور بكل
من فنون الاذكار، فلك الحمد أوله واخره وقله وجله.
644 - 3 ثم قال: (1) وجه الحصر في الأقسام الخمسة: ان هذه النسبة المسماة بالمحبة إن كانت
ناشئة من عين ذات المحب والمحبوب بلا اعتبار معنى أو صفة زائدة، فهي مناسبة
ومحبة ذاتية، وإن كانت ناشئة من الذات من حيث اعتبار معنى أو صفة:
645 - 3 فاما ان يتعدى اثر ذلك المعنى أو الصفة إلى الغير وهى الفعلية - كما بين الكاتب
ومكتوبه أولا -
646 - 3 فاما ان لا يكون لذلك المعنى ثبات ودوام فيما ظهر فيه، فهي الحالية - كما
يظهر في حال الوجد والسماع بين شخصين - ويخفى بانتهاء تلك الحالة، أو يكون له دوام.
647 - 3 فاما ان يكون حكم المرتبة ظاهرا وغالبا حال تحقق النسبة الحبية، فهي



(1) - أي: الفرغاني.
244
المرتبية، كما بين مؤمن ومؤمن من جهة الايمان، ومنهم المتحابون في الله، والا فهي المحبة
الصفاتية كسائر التعلقات الحبية.
648 - 3 ولما كان الحال والفعل والمرتبة راجعة إلى الصفات، كان أصلها صفاتية،
فانحصرت المحبة في قسمين: ذاتية وصفاتية، الا ان الفعل أشد خصوصية بالصفة لابتناء صفة (1)
التكوين عليه، لذا قد يفرز قسما ثالثا، ويكون تقسيم المحبة مثلثا كتقسيم التجلي. هذا كلامه.
649 - 3 فاعلم أن المذكورة في الأبيات هي القسمان:
650 - 3 الأول: الذاتية، أي التي في مرتبة الأحدية، وهى لا يوصف ولا يرسم، بل هي
عين الذات غير ممتازة عنها كسائر الحقائق الأصلية ومنها قيل:
تعالى العشق عن همم الرجال * * وعن وصف التفرق والوصال
متى ما جل شئ عن خيال * * يجل عن الإحاطة والمثال
651 - 3 وقد قال صلى الله عليه وآله: تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في ذات الله.
652 - 3 والثاني الصفاتية، أي الأسمائية في حضرة الواحدية وهى متميزة عن الذات
امتيازا نسبيا كسائر الصفات، ولكنها من الوجدانيات ليس ما ذكره القوم في تعريفاتهم
الا تنبيهات بلوازمها أو ببعض اعتباراتها، كقول بعض الحكماء: ابتهاج بتصور حضور ما هو
كمال للمدرك، فان الابتهاج لازمها - لا مطلقا - بل عند تصور المحبوب، وقول بعضهم:
عمى المحب عن عيوب المحبوب، وهو لازم يختص بالمحبة الكونية. وقال الحسين الحلاج: صفة
سرمدية وعناية أزلية. وقال عمر بن عثمان المكي: سر أو دعه الله في قلوب المخلصين.
653 - 3 والقولان للمحبة الإلهية ومع (2) ذلك فالأولى ان يقسم إلى الإلهية التي هي
الذاتية أو الصفاتية باقسامها الأربعة، وإلى الكونية التي تسمى الآثارية التي هي في الحقيقة
لمكونها كما قال:



(1) - واثر صفة الفعل أظهر وأبين في المفعولات من غيرها من الصفات، حتى أن أغلب الأسماء الإلهية ظهرت
بهذه الصور المثلثة: أسماء ذات وصفات وافعال، ولذا قد يفرز... إلى اخره - ش (2) - أي مع كون المحبة وجدانية - ق
245
كل الجهات لشمس حسنك * * مشرق ولكل ذي قلب إليك تشوق
يا واهب الحسن البديع لأهله * * كل لحسنك في الحقيقة يعشق
654 - 3 وقال ابن فارض:
وكل مليح حسنه من جمالها * * معار له بل حسن كل مليحة
655 - 3 فهذه الكونية ان تعلقت بذات الحق الذي هو منبع الكمالات، فالمحب هو
الكامل المكمل، وان تعلقت بالآثار من حيث إنها أسمائه وصفاته، فالمحب هو العارف
المشاهد لجمال الحق في المظاهر الخلقية، إذ النكاح الصوري مظهر للنكاح الروحاني الذي هو
مظهر النكاح الأسمائي. وان تعلقت بالآثار من حيث أعيانها - والأعيان اغيار - فالمحب
محجوب، ومن هذه الجهة يذم صاحبها ويترك في المراتب البهيمية - بخلاف قوله صلى الله
عليه وآله: حبب إلى من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء... الحديث -.
656 - 3 ثم اعلم أن أعلى مراتب المحبة الآثارية ما كانت بين الأرواح العالية وهم الملائكة
المقربون. ثم ما كانت بين النفوس السماوية والاملاك الطبيعية الغير العنصرية والعنصرية. ثم
ما كانت بين النفوس الناطقة بحكم المناسبات الروحانية. ثم ما بين ملكوت الموجودات
العنصرية مختفية كانت كما في الجمادات أو ظاهرة كما في الحيوانات، فما في الوجود شئ الا وله
عشق ومحبة، لان لكل كمالا هو محبوبه، ولان التجلي لا يتكرر، كأن كل كمال خالصا له،
وجميع الكمالات في الحقيقة لله تعالى.
657 - 3 واعلم أن من القواعد المفيدة معرفتها هيهنا ما ذكره الشيخ قدس سره في مفتاح الغيب:
انه لا يطلب شئ غيره دون مناسبة وهى أمر جامع بينهما يشتركان فيه اشتراكا يوجب رفع
الامتياز - لا مطلقا - بل من جهة ما يضاهى به كل منهما ذلك الامر الجامع ومن حيث يشتركان
فيه، ولكل مناسبة ثابتة بين طالب ومطلوب رقيقة (1) بينهما هي مجرى حكمها (2) وصورته (3)



(1) - مبتداء خبره قوله: ولكل مناسبة - ش (2) - وهذا أيضا من الجذبة الإلهية في الحضرة الأسمائية للعين
الثابتة للسالك الموجبة للجذبة الملكية، ما أصابك من حسنة فمن الله - خ (3) - قوله: وصورته بالجر عطف على
حكمها والضمير يرجع إلى الحكم، أي مجرى صورة الحكم، أو بالرفع عطف على المجرى والضمير يرجع -
246
ويحدث تارة من أحد الطرفين واخرى من كليهما، فمن طرف العبد مع الحق يسمى توجها
بالسير والسلوك نحو الحق في زعم السالك أو (1) نحو ما يكون منه (2)، ومن جهة الحق يسمى
تدليا وتنزلا بتحبب وإجابة.
658 - 3 فان اتحد زمان الانبعاثين كأن كل منهما محبا ومحبوبا، ويسمى هذا اللقاء
منازلة، فإن لم يكن في الوسط فإلى أي الجهتين كان أقرب حكم لصاحبه بالأولية في مرتبة
المحبوبية وبالآخرية في مرتبة المحبية، سواء كان هذا الامر بين المخلوقين أو بين حق وخلق.
659 - 3 فإن كان إلى (3) السالك أقرب يسمى بالتنزل.
660 - 3 وان حصل اللقاء بعد تجاوزه المرتبة الوسطية يسمى في حق العبد بالتداني (4)،
وفي حق الرب بالتدلي، والمقصود من الاجتماع هو ظهور الكمال المتوقف الحصول على ذلك،
ولا يتم (5) الا بحركة حبية معنوية لالحاق فرع بأصل (6) وتكميل (7) كل بجزء.
661 - 3 وقال أيضا: وللمحبة أسماء ونعوت أخرى: كالعشق والهوى والإرادة ونحو
ذلك وكلها يرجع إلى حقيقة واحد، والاختلاف راجع إلى اعتبارات نسبية هي رقائق
للمحبة تتعين بحسب أحوال المحبين واستعداداتهم. تم كلامه.
662 - 3 إذا تحققت هذا فنقول: كل من الابداء والإعادة مبنى على الميل، اما للبسط
والدروج واما للقبض والعروج، وقد يسمى كل منهما عروجا ويسميان معراج التركيب
ومعراج التحليل:
663 - 3 فالأول ميل الظهور والاظهار ليكمل مقتضى نورانية الأنوار.
664 - 3 والثاني ميل الجزئي إلى كله - أي الفرع إلى أصله والمقيد إلى مطلقه - لذلك



- أي الحكم أيضا، أي تلك الرابطة تكون مظهرا لحكم المناسبة، تدبر - ش
(1) - عطف على نحو الحق - ش (2) - أي من الحق وهو التجليات والقربات ونحو ذلك - ش (3) - أي
الالتقاء، فالتوجه بالسير والسلوك في رتبة العبد السالك يسمى بالمنزل ما لم يقع الالتقاء في الوسط، فالالتقاء في
المنزل هو تنزل من الحق إلى عبده، نظير العروج للعبد - ش (4) - أي التقرب - ق (5) - أي الاجتماع - ش
(6) - إذا كان من طرف العبد - ش (7) - أي تكميل حقيقة الحقائق الجامعة بظهور كل جزء منها - ش
247
قلنا: بالمحبة يبدئ الكائنات من جهة كونه محبا بالمحبة الجمالية المعبر عنها ب‍: أحببت ان
اعرف، و: ما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون (56 - الذاريات) أي: ليعرفوني، وتلك المحبة
بعينها تبديد للكائنات، أي تعرفه لهم بالكمالات الأسمائية المقتضية لمعرفة الذات بها، و
أيضا بالمحبة من جهة كونه سبحانه محبا بالمحبة الذاتية الجلالية ومحبوبا للمستكملين
المتوجهين إليه بنسب أسمائه وصفاته يعيد ما أبداه، فلاختصاص الحياة بالضرورة
وانقسام الموت إلى الضروري والاختياري على ما قال صلى الله عليه وآله: موتوا قبل ان
تموتوا، خص الابداء بمحبته وعلق الإعادة بكلا الامرين - أعني المحبية والمحبوبية -
ولكون الإعادة بالمحبة الجلالية شملت كل شئ كما قال تعالى: كل شئ هالك الا وجهه
(88 - القصص) قال:
الا كل شئ ما خلا الله باطل * * وكل نعيم لا محالة زائل
665 - 3 وذلك لان كل شئ مقهور تحت قوة بطشه لقوة فعله وضعف المنفعل،
666 - 3 ثم نقول: ومظهر قدرته العامة الايجادية وآلة حكمته التي في أفعاله العادية لا في
مطلق أفعاله كما في خلق العرش والأرواح العالية أو التي آليتها يجرى سنته تعالى على
الفعل بالمظاهر لا لعجزه عن التأثير بدونها، كما في العباد، ففي (1) على الأول لبيان محل الآلة
وعلى الثاني (2) لبيان سبب توسطها كما في قوله تعالى: ولكم في القصاص حياة (179 -
البقرة) ومحل ظهور سر القبض والبسط، كما جمع بينهما بعد قوله تعالى: تولج الليل في النهار
وتولج النهار في الليل - في قوله تعالى - تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي
(27 - آل عمران) وسر الابداع والاخفاء، وعليه بناء الايلاجين وسر الغيب والشهادة،
ولذلك يظهر غيب البعض وشهادة البعض بسره الدوري، وسر الكشف والحجاب الصوري



(1) - أي لفظة (في) في قوله: في فعله، على المعنى الأول، أي في أفعاله العادية لا في مطلق أفعاله كما في خلق العرش...
إلى اخره، لبيان محل الآلة، ويحتمل ان يكون لفظة (في) للسببية كما في قوله: ولكم في القصاص حياة، فمعناه
حينئذ: وآلة حكمته التي آليتها يجرى سنته على الفعل بالمظاهر لا لعجزه عن التأثير بدونها، وإلى هذا أشير بقوله:
وعلى الثاني، أي قوله: أو التي آليتها... إلى آخره، لبيان سبب توسطها، أي توسط الآلة، تدبر - ش (2) - أي
قوله: أو التي آليتها يجرى سنته - ش
248
النسبي، لذلك يترتب على الليل والنهار غلبة النوم واليقظة لا الحجاب المعنوي، لان الرؤيا
الصادقة حقه عقلا وشرعا وكشفا، وخلاف المعتزلة لا عبرة به، وذلك المظهر والآلة هو
الذي يفعل به الحق سبحانه ما ذكر لا مطلقا، كما في خلق العرش هو العرش المجيد، وانما
وصف بالمجيد لان المجد في صفات الله العظمة الفعلية، والعرش مظهر الافعال العادية حيث
قال تعالى: الرحمن على العرش استوى (5 - طه) والرحمانية كما مر صورة الوجود من حيث
ظهوره لنفسه الذي هو الايجاد، فيوصف بوصف الظاهر فيه.
667 - 3 ومن هنا يعلم أن أفعال الحق سبحانه قسمان: أحدهما سببية منوطة بالآلة، وهى
المختصة بما يسمى جرى العادة الداخلة من الكائنات تحت انتظام الأسباب والمسببات
ويبتنى عليه العلوم العادية ويزعم أنها قطعية لقوله تعالى: ولن تجد لسنة الله تبديلا
(62 - الأحزاب) وهو صحيح فيما إذا علم أنها سببية عادية وليست من القسم الثاني الغير
المنوطة بالأسباب والوسائط، وهى الافعال التي تحصل بالوجه الخاص لكل موجود إلى الحق
تعالى، الذي اطلع عليه المحققون، لذا لا تضبطه العقول.
668 - 3 ومنه ما يسمونه بالخاصية لعجزهم عن معرفة سببه، كجذب المغناطيس
للحديد وخواص الاحجار وغيرها، وهذا الفعل هو المختص بخلق نفوس الأسباب والآلات
وبالأمور الكشفية الخارقة للعادات المسماة بالمعجزات والكرامات، ولان الافعال السببية من
الابداء والإعادة وغير ذلك مما تريد منوطة بالعرش المجيد.
669 - 3 قال سبحانه مبديا سر هذا الامر: لمن كان له قلب - يعقل لا لمن لهم قلوب
لا يعقلون بها - أو لمن القى السمع - لسماع يقبل الحق لا لمن لهم اذان لا يسمعون بها - وهو
شهيد (37 - ق) - حاضر لما يسمعه غير غافل ولا مغفل - قال: إن بطش ربك لشديد (12 -
البروج) لما مر من قهره كل شئ لقوته سبحانه وضعف ذلك، انه هو يبدئ ويعيد وهو
الغفور الودود (13 - 14 - البروج) بالمعاني السابقة، ذو العرش المجيد (15 - البروج) الذي
هو آلة بطشه الشديد.

249
670 - 3 فان قلت: أي حاجة إلى الآلة؟ لما صح له ان يفعل بلا آلة - كما لنفس
الآلة - قال تعالى: فعال لما يريد (16 - البروج) أي في مرتبتي الاطلاق والتقييد؟
671 - 3 قلت: إذا ارادته تابع لعلمه وحكمته، ومقتضى حكمته ان يضع كل شئ في
موضعه ويعطى كلا من نسبتي الوحدة والكثرة ما يقتضيه، وكما يقتضى حكمته لوحدته
الاطلاقية الذاتية ان يكون ما يصدر عنه بلا واسطة واحدا، وما يصدر بواسطة ذلك الواحد
ان يغلب عليه جهة الوحدة متدرجا إلى أن يغلب عليه جهة الكثرة، كذلك يقتضى ان
لا يصدر عنه الكثرة الا بالآلات والوسائط، اما من حيث وحدة عينه الثابتة في مقام
الوحدة الحقيقية فيجوز، فقوله تعالى: فعال لما يريد جواب لسؤال مقدر، علم أنه يبدو من
معترض محجوب من معرفة هذا المهم المطلوب.
672 - 3 واعلم أن الموضع مناسب لنقل ما ذكره الشيخ قدس سره في النفحات من
فائدة خلق العرش في نفحة محتوية على بيان كيفية تلقى امداد الحق وبأي صفة يقبلها كل
موجود مركب أو بسيط، وسر البقاء والفناء والدوام والتناهي وغير ذلك،
673 - 3 قال: اعلم أن الحق سبحانه لا يصل منه أمر إلى العالم الا من حيث حضرة
الجمع والوجود، ولا يتقيد الامر منها إلى شئ ما الا بسر الأحدية ولا يؤثر شئ فيما يضاده
من الوجه المضاد، فلا يتأتى لشئ قبول الأثر من الحضرة الوحدانية الجمعية الا بوحدة يتصف
بها وبها يتم الاستعداد لقبول اثره وبها يثبت المناسبة بينه وبين الامر والحضرة.
674 - 3 ولما كان العالم ظاهرا بصورة الكثرة ومنصبغا بحكمها، جعل سبحانه الغالب
على كل شئ منه في كل آن حكم أحد الأشياء التي منها تركيب كثرته، وما سوى ذلك من
اجزائه إن كان مركبا أو قواه المعنوية إن كان بسيطا يكون تابعا لذلك الامر الغالب الذي
جعله محلا لنفوذ اقتداره وأمره.
675 - 3 ولما ذكرنا في الانسان شاهدان: ظاهر، وهو غلبة إحدى كيفياته وحكمها على
باقي ما منه وتركبت نشأته كالصفراء أو الحرارة أو غيرهما، وباطن، وهو توحد إرادة

250
القلب ومتعلقها في كل آن من كل مريد، فان القلب في الان الواحد لا يسع الا أمرا واحدا
وإن كان من قوته ان يسع كل شئ يمكن على سبيل التعاقب وبالتدريج، وبذلك امكنه
دون غيره ان يسع الحق سبحانه.
676 - 3 ولما كانت الصور السفلية تابعة في الفعل للصور العلوية بإذن الله تعالى وانه
عبارة عن التمكين من اظهار ذلك الفعل، وعلم الحق سبحانه أزلا ان لكل فلك وكوكب
وحضرة من الحضرات السماوية خواص مختلفة وقوى شتى، وكل حقيقة وقوة منها يطلب
لسان الافتقار من ربها كمالها واظهار ما به يتم، ولن يكون ذلك الا بايجاد الحق ولن يحصل
الايجاد الا بنفوذ الامر ولن ينفذ الامر حتى يتعين محل نفوذ الاقتدار ويستعد للتأثير الإلهي،
ولن يحصل الاستعداد لشئ الا بمواجهة الحق بوصف وحداني.
677 - 3 لا جرم خلق الله تعالى العرش المحيط وحداني النعت والصورة والحركة وأودع
فيه امره الاحدى وجعل من خواصه رد الصورة الوجودية العلوية والسفلية من صفة الكثرة
والاختلاف إلى صورة الوحدة والائتلاف، فما في نفس من الأنفاس ولا آن من الانات
الا والامر الواحد المشار إليه بقوله تعالى: وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر (50 - القمر)
واصل من الحق إلى جميع الموجودات بواسطة الحركة العرشية ليحصل الاستعداد لشئ
لقبول ذلك الامر الوارد من الحق، فقسط كل موجود من كل حركة من حركاته ان يبقى
عليه حكم صفة الوحدة التي تلبس بها من الحركة المتقدمة، هكذا ينتهى الامر متصاعدا
إلى شيئية ثبوته ووحدته التي في علم الحق أزلا وبها قبل الوجود أول بروزه من حضرة العلم.
678 - 3 ثم يتضمن ذلك الامداد الحاصل بواسطة الحركة العرشية فوائد جمة: منها دوام
التهيؤ بالصفة الوحدانية لقبول الامر الإلهي المفيد بقاء الصورة الوجودية، إذ العالم مفتقر
بالذات في كل نفس إلى الحق في أن يمده بالوجود الذي به بقاء عينه، والا فالعدم يطلبه في
كل زمان بحكم امكانيته العدمية، فيقبل كل موجود بهذا الاعداد الامرى الواصل بالحركة
العرشية نور التجلي الجمعي الاحدى الإلهي الوجودي إلى الاجل المسمى للبعض ولا إلى

251
أجل للبعض، ومتى قدر الحق فناء شئ ظهرت غلبة حكم الكثرة على الوصف الاحدى
المستولى على ذات المركب، فانعدم وتفرق تركيبه وتلاشت كثرته لعدم الحافظ الواحد،
وهذا هو السبب في أن الكافر وان عمل في الدنيا خيرا كثيرا لا يجد ثمرة ذلك في الآخرة، بل
غايته ان يجازى بها في الدنيا، فان الصور العملية ظهرت بواسطة الكثرة البدنية
والاختلاف الطبيعي، فمتى لم يصحبها من العامل روح قصد مستندا إلى توحيد الحق المعبود
تلاشت، لأنها نسب واعراض مفتقرة إلى أصل إحدى الهى يحفظها ويبقيها، وللاسم الحي
القيوم في هذا المقام سلطنة عظيمة - هكذا رأيته في الخلوة - تم كلامه.
وصل
في بيان ان مبدئية الحق سبحانه والاحكام التفصيلية التي يعرف ويقع فيها الكلام
بأي اعتبار ثبتت للحق من اعتباري حقيقته من حيث هو ومرتبته التي هي الألوهية
التي هي النسبة الجامعة للنسب الإلهية والعلمية التي هي حقائق الكائنات
679 - 3 فنقول: الحق سبحانه من حيث حقيقته في حجاب عزه، أعني هويته الغيبية
الاطلاقية اللا تعينية، لا نسبة بينه وبين غيره، لان كل نسبة يقتضى تعينا والمفروض فيه عدم
التعين أصلا، فلا يمكن الخوض فيه والتشوف في طلبه، لأنه طلب لما لا يمكن تحصيله الا
بوجه جملي، وهو ان وراء ما تعين أمرا به ظهر كل متعين، لذا قال تعالى بلسان الارشاد:
ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد (30 - آل عمران) وعليه نهى النبي صلى الله عليه وآله
عن التفكر في ذات الله، ومن رأفة الله ان اختار راحتهم وحذرهم عن السعي في طلب ما
لا يحصل.
680 - 3 اما بالاعتبار الثاني (1) وهو اعتبار مرتبته، فله ظهور في نسب علمه التي هي



(1) - والاعتبار الأول هو اعتبار حقيقته من حيث هو، وقد مر حكمه في قوله: لا نسبة بينه وبين غيره - ش
252
حقائق الممكنات، فان صور النسب الأسمائية الإلهية الحقائق التي هي النسب العلمية
وصور الحقائق التي هي النسب العلمية الأرواح وصور الأرواح الأشباح، وللوجود نسبة
إلى كل منها بالعروض، وهى الموجودية، وبالظهور، وهى المظهرية، وله باعتبارها احكام،
في معرفة تفصيلها معرفة حقائق الأشياء ولوازمها وتوابعها التي كلها شؤون الحق.
681 - 3 واما فيما وراء ذلك فالاعراب اعجام، لأنه تقييد لما لا قيد له، والافصاح ايهام،
لأنه تعيين وتنعيت لما لا تعين ولا نعت له،
682 - 3 ثم أقول: لا بد لتعيين المرتبة المبدئية من نقل عدة عبارات للشيخ قدس سره،
بها يتحصل ذلك،
683 - 3 قال في النصوص: غيب هوية الحق إشارة إلى اطلاقه باعتبار اللا تعيين
ووحدته الحقيقية الماحية جميع الاعتبارات، والإضافات عبارة عن تعقل الحق سبحانه
نفسه بنفسه وادراكها لها من حيث تعينه، وهذا التعين وإن كان يلي الاطلاق المشار
إليه فإنه بالنسبة إلى تعين الحق في تعقل كل متعقل مطلق وانه أوسع التعينات وهو مشهود
الكمل وهو التجلي الذاتي، ومبدئية الحق يلي هذا التعين والمبدئية هي محتد الاعتبارات ومنبع
النسب الظاهرة في الوجود والباطنة في عرصة التعقلات، والمقول فيه انه وجود مطلق
واحد واجب عبارة عن تعين الوجود في النسبة العلمية الذاتية الإلهية.
684 - 3 وقال في موضع اخر منه: التعين الأول بالذات مشتمل على الأسماء الذاتية
التي هي مفاتيح الغيب، ومسمى الذات لا يغاير أسمائها بوجه، واما الأسماء فيغاير
بعضها بعضا ويتحد من حيث الذات الشاملة، والأحدية وصف التعين لا المطلق المعين،
ومن حيثية هذه الأسماء باعتبار عدم مغايرة الذات لها نقول: إن الحق مؤثر بالذات
والوحدانية ثابتة للحق باعتبار لازمه الذي هو العلم ولا يغايره الا مغايرة نسبية وبه وفيه
يتعين مرتبة الألوهية وغيرها من المراتب والمعلومات، وهو محتد الكثرة المعنوية ومشرعها.

253
685 - 3 وقال في أول النصوص: نسبة الوحدة إلى الحق والمبدئية والتأثير ونحو ذلك
انما يصح وينضاف إلى الحق باعتبار التعين، وأول التعينات المتعقلة النسبة العلمية
الذاتية، لكن باعتبار تميزها عن الذات، الامتياز النسبي لا الحقيقي، وبواسطة النسبة العلمية
الذاتية يتعقل وحدة الحق ووجوب وجوده ومبدئيته، وسيما من حيث علمه نفسه بنفسه في
نفسه، وان عين علمه بنفسه سبب لعلمه بكل شئ.
686 - 3 وقال في رسالة الهادية: تعين الحق بالوحدة هو باعتبار تال للا تعين
والاطلاق، ويلي اعتبار الوحدة المذكورة اعتبار كون الحق يعلم نفسه بنفسه في نفسه، وهو
يتلو الاعتبار المتقدم المفيد تعقل الوحدة من كونها وحدة فحسب، فان الحاصل منه في
التعقل ليس غير نفس المتعين، لكنه بالفعل لا بالفرض التعقلي، واعتبار كونه يعلم نفسه
بنفسه في نفسه يفيد ويفتح باب الاعتبارات، وهذا عند المحققين مفتاح مفاتيح الغيب
المشار إليها في الكتاب العزيز، وهذا المفتاح عبارة عن التميز النسبي لا الحقيقي كما توهمه
من قال بزيادة الصفات، ولا باعتبار الأحدية، إذ لا نسبة للحق من تلك الحيثية ولا وصف
له، فللنسبة العلمية مقام الوحدانية التالية للأحدية التي تلى الاطلاق المجهول الغير المتعين،
ومن حيث هذه النسبة العلمية يتعلق مبدئية الواجب وكونه واهب الوجود ومنه
يتضاعف الاعتبارات.
687 - 3 فالحق متعقل في مرتبة هذا اللازم العلمي، سائر اللوازم الكلية التي أولها
الفيض الوجودي المنبسط على جميع الممكنات ولوازم تلك اللوازم، هكذا متنازلة إلى غير
النهاية، وإذا اعتبرت متصاعدة انتهت إلى اللازم الأول المعبر عنه بالنسبة العلمية، وهذا
التعقل الإلهي أزلي أبدى على وتيرة واحدة والماهيات صورها، ثم تعقل الكثرة الاعتبارية في
العرصة العلمية باعتبار امتيازها عن الذات لا يقدح في وحدة العلم، فإنها تعقلات متعينة

254
من العلم فيه وهى من حيث تعقل الحق مستهلكة الكثرة في وحدته وشأنها حالتئذ شأنها،
فالكثرة من حيث امتيازها بحقائقها، هذا نقل كلامه.
688 - 3 أقول: المفهوم من هذه الكلمات ان أول الاعتبارات العرفانية كما عنون به في
التفسير غيب هوية الحق واطلاقه اللا تعيني، ولا بحث عنه، إذ لا تعين له عقلا ولا وهما الا
بإشارة اجمالية سلبية، وقد مر في صدر الكتاب تحقيقه.
689 - 3 ثم أول المراتب المعلومة والمسماة المنعوتة مرتبة الجمع والوجود المعبر عنها
بحقيقة الحقائق وحضرة أحدية الجمع، كما عنون به في مفتاح الغيب وهو مقام التعين الأول
المعنونة بالأحدية الذاتية التي لا فرق بينه وبين ما قبله الا بالتعين الفعلي - لا الفرضي -
وعبر عنه في التفسير باعتبار علمه نفسه بنفسه وكونه هو لنفسه هو فحسب، من غير تعقل
تعلق واعتبار حكم أو تعين، ما عدا هذا الاعتبار الواحد المنفى حكمه عما سواه ومستندا لغنى
والكمال الوجودي الذاتي والوحدة الحقيقية الصرفة، وقوله صلى الله عليه وآله: كان الله
ولا شئ معه، هو هذا، على أنه سيجئ انه كثيرا ما يطلق حضرة أحدية الجمع وحقيقة
الحقائق على مطلق الوحدة الشاملة للأحدية والواحدية بطرفيها.
690 - 3 ثم أول التعينات المتعقلة كما عنون به في النصوص هو النسبة العلمية الذاتية،
لكن باعتبار تميزها عن الذات النسبي لا الحقيقي ولا المعتبرة في الأحدية كما مر، وهذا هو مقام
الواحدية والوحدانية والواجبية والواهبية والمبدئية للكائنات والمتعينات الظاهرة في الوجود
والباطنة في عرضة التعقلات والمحتدة بالاعتبارات والمفتاحية لمفاتيح الغيب، وعبر عن هذه
المرتبة في التفسير بمرتبة شهوده نفسه بنفسه في مرتبة ظاهريته الأولى وبأسمائه الأصلية،
وذلك أول مراتب الظهور بالنسبة إلى الغيب الذاتي المطلق، وكل هذه التعينات من تعينات
الظاهر بنفسه لنفسه قبل ان يظهر للغير عين أو يظهر لمرتبته حكم. هذا كلامه.
691 - 3 فبتقييده ههنا علم نفسه بنفسه بالشهود في مرتبة ظاهريته، وهو مجمل

255
ما في الرسالة حصل التوفيق بين قوليه، وهذا هو المسمى بالتعين الثاني وحضرة الارتسام
والمعانى كما سلف في كلام الفرغاني.
الفصل الثاني
من التمهيد الجملي في تصحيح النسبة التي بينه سبحانه باعتبار أقسام أسماء الصفات وبين
تكوين أعيان المكونات
692 - 3 لا خفاء ان تلك النسبة هي اقتران الوجود وعروضه للاعيان الثابتة المترتب
عليه ظهور وتعين عيني يحاكيه التعين العلمي، فيختلف احكامه بحسب المراتب
الوجودية، ثم يستند كل ظهور وحكم إلى مرتبة الهية وجمعية أسمائية هي ربه (1) وبها يستند
إلى الاسم الجامع، ثم مطلق الأسماء ذو ثلاث مراتب كلية، لان الأسماء الافعالية التكوينية
تستند إلى الصفاتية المستندة إلى الذاتية، ثم ينقسم الشهود الإلهي - المترتب على الاقتران
المذكور للاعيان الثابتة التي هي معلوماته فصورها مخلوقاته - إلى شهود علمي في ذاته
سبحانه جميع ما يلزم ذاته - شهود المفصل في المجمل (2) والنخلة وتوابعها في النواة - وإلى
شهود وجودي أعياني فيما ميز عنه بتعينه فحسب، (3) وإلى شهود علمي في الحضرة العلمية (4)
لكل قابل له صلاحية لقبول التعين الوجودي وتوقفه على سبب أو أسباب، وهو الشهود
في حضرة الامكان، فانضبط مقصود الفصل في أربع مقامات:



(1) - لان كل مرتبة خاصة ووجود عيني متعينة واقعة تحت تربية اسم من أسماء الله وقد تكون في تربية
اسمين من أسمائه أو أسماء، ولذا قال الشارح: وجمعية أسمائية هي ربه، وبسبب استناد الموجود العيني بهذا
الاسم الخاص يستند إلى الاسم الإلهي استناد هذا الاسم إليه - ق (2) - أي في المراتب المجمل أعني
الوجود الواجب، لا ان الاجمال حاصل في العلم، لان الاجمال في العلم عن نقصان العلم - بخلاف الوجود -
لان الاجمال فيه كماله وتماميته، لان الوجود كلما كان ابسط وأجمل كان أشد - ق (3) - أي شهود
المفصل مفصلا بتفصيله الوجودي العيني - ق (4) - أي شهود المفصل مفصلا بتفصيله العلمي لا
اثباتي - ق
256
المقام الأول
693 - 3 اعلم أن للوجود الإلهي من حيث اقترانه للاعيان الثابتة التي هي الحقائق العلمية
الكونية وتعينه بها ظهورا يستلزم احكاما شتى، ولتلك الاحكام التابعة للحقائق صلاحية
تعين وظهور (1) بالحق اما في بعض المراتب الوجودية كالأولية والقرب التام لمن
لا يتوقف قبوله الوجود على غير الحق سبحانه، واما في جميع المراتب الوجودية - كالامكان
الذاتي واحكامه - وهذا (2) معنى ما حكيناه من لفظ الشيخ قدس سره مرارا من قوله: أنت
مراته (3) وهو مرآة أحوالك.
694 - 3 وقال الشيخ الكبير رضي الله عنه في الفص الإدريسي: هو العين الواحدة وهو
العيون الكثيرة، والتعدد ليس الا من حكم المحل، والمحل عين العين الثابتة، فيها يتنوع الحق في
المجلى فيتفرع الاحكام عليه فيقبل كل حكم، وما يحكم عليه الا عين ما تجلى فيه.
695 - 3 قال الجندي في شرحه: يعنى ان علم العارف المحقق في المشهدين جميعا عائدا
إلى العين الثابتة التي ظهر فيها الوجود الواحد الحق بحسبها أو ظهرت الأعيان الثابتة فيه
بحسبها أيضا، إذ لا خصوصية للوجود الحق، فهو حق كل حقيقة وبه تحققت الأعيان في
حقائقها باحكامها وخصائصها واثارها.
696 - 3 أقول: يعلم منه ان احكام الأعيان تتعين بالوجود والأعيان تتحقق به.
697 - 3 اما ان الأعيان الثابتة تتعين بالوجود فلا دلة عليه في عبارتي الشيخين، وذلك لان
الوجود الحق يتعين بالأعيان، فلو تعين الأعيان به من حيث هو دار فيكون تعين أنفس الأعيان -
أعني تعينها العلمي العدمي - بذواتها، وإن كان تعين الوجود بها لا ظهوره، لأنها عدمية.



(1) - لان صلاحية هذا الظهور من أحوال المحكوم عليه - لا نفس المحكوم عليه - فهذه المراتبة الإلهية
كانت لأحوال العبد هو الظهور في المراتب ومراتبة العبد له، لأنه الظاهر في جميع المراتب المتعينة - ق
(2) - أي الظهور في المراتب - ق (3) - باعتبار الظهور في المراتب، كما أن الحق مظهر في جميع المراتب - ق
257
698 - 3 واما صلاحية تعين الاحكام به فليست من حيث هو هو، إذ ليس له الا
الاظهار، بل من حيث تعينه سبحانه في مراتبه الحاصلة من الحقائق المرتبة، ولذا قال الشيخ
الكبير رضي الله عنه: فيها يتنوع الحق في المجلى فتتنوع الاحكام عليه، وأوضح ذلك في الشرح
بقوله: أو ظهرت الأعيان فيه بحسبها، أي لا بحسبه، غير أن اسناد الشارح الظهور إلى الأعيان
انما هو من بعض الوجوه والاعتبارات، لما مر من نصوص الشيخ قدس سره: ان الأعيان لم
تظهر ولا تظهر ابدا، وهو الموافق للفظ مفتاح الغيب هنا انه لم يستند إلى الأعيان أو احكامها
الظهور، بل أسند إلى الاحكام صلاحية التعين بالوجود الحق، فالظهور ليس الا للحق واما
ما للحقائق أو المراتب، فالتعين ليس الا اما للوجود واما للأحكام بتوسط تعينه، لذا قال: أنت
مراته وهو مرة أحوالك، فان تعين المنتقش في المراة ليس الا بحسبها كما مر، وانما زدنا
الصلاحية في طرف الاحكام اشعارا بقابليتها بخلاف طرف الوجود الحق سبحانه، فإنه فاعل.
699 - 3 ثم نقول: والمراتب الوجودية أو الأعيان بحسبها تنقسم بنحو من القسمة
قسمين: قسم لا حكم للامكان فيه الا من وجه واحد، أي من جهة حقيقته الامكانية فلا يتوقف
قبوله الوجود من موجده على شرط غير الحق سبحانه، والا لتعدد حكم امكانه بالواسطة،
فمن احكام هذا القسم ان له الأولية الوجودية والقرب التام من الحق سبحانه في حضرة
الأحدية، والدوام بحسب دوامه سبحانه كما مر، ويختص به (1) من الأرواح الملكية اثنان
ومن الروحانيات البشرية طائفتان.
700 - 3 اما أول الملكية فالقلم الاعلى الذي هو العقل الأول - وقد مر تعريفه - لأنه
أول عالم التدوين والتسطير فلا واسطة بينه وبين الحق (2)، قال عليه وآله السلام: أول
ما خلق الله القلم، وفي رواية: العقل، وفي رواية: نوري، يعنى انه أول في نظام الكائنات، فإنه
منبع نقوشها وعاقل كمالات خالقه، واصل الظهور المقصود كمال الجلاء والاستجلاء
بظهور الكمال المحمدي.



(1) - أي بالقرب التام - ش (2) - في رتبة الايجاد (آقا محمد رضا)
258
701 - 3 واما ثانيتها: فالملائكة المهيمة، فإنهم من حيث عدم الواسطة بينهم وبين الحق
سبحانه (1) في مرتبة القلم الاعلى، وإن كان من حيث إن شأنهم علمهم بربهم فقط لا بأنفسهم
وبما تميز عن كل منه - بخلاف القلم - وما بعده ابسط منه، فكأنه أقرب إلى الوحدة،
ولهذين الاعتبارين حكم الشيخ قدس سره تارة بتقدمهم على القلم وتارة بمساواتهم معه في
الرتبة (2).
702 - 3 واعلم أن التهيم شدة الهيمان وعدم الانحياز الا إلى المحبوب في أي جهة كان -
لا على التعيين - والملائكة المهيمية ملائكة تجلى لهم الحق تعالى في جلال جماله فها جوا
فيه وغابوا عن أنفسهم، فلا يعرفون غير الحق، وغلب على خلقيتهم حقية التجلي
فاستغرقهم وأهلكهم. 703 - 3 ثم قد يتحقق ذلك ويظهر في الكمل كالخليل عليه السلام حتى تبرأ عن أبيه
وقومه وذبح ابنه في سبيل الله وخرج من جميع ماله مع كثرته المشهورة، لذا نسب في
الفصوص حكمة التهيم إليه، و (3) مظاهرهم الافراد الخارجون عن حكم القطب (4).
704 - 3 قال الشيخ قدس سره في الفكوك: التهيم يقتضى عدم امتياز صاحبه
بصفة تقيده وهو مقام الخلة الأولى الحاصلة مع عدم ارتفاع الحجب، فلهذه الخلة
الإبراهيمية أولية الظهور بالصفات الإلهية الثبوتية بمعنى انه كسى الذات بالصفات، لذا



(1) - وبينه سبحانه - ط - ن - ع - في نظر شهودهم ربهم - ش (2) - اعلم أن للمهيمين اعتبارين:
اعتبار غلبة الوحدة والهيمان في الجمال الإلهي، وبهذا الاعتبار يعد من الواجب وداخل في ناحية الحق،
واعتبار بان لا واسطة بينها وبين الحق، وبهذا الاعتبار كانت في مرتبة القلم الاعلى، وبهذين الاعتبارين
حكم الشيخ تارة بتقدمهم على القلم وتارة بمساواتهم معه في الرتبة والمقام، وبهذا يمكن التوفيق بين
الكلمات المختلفة للشيخ قدس سره - ق (3) - عطف على الكمل والضمير راجع إلى الملائكة
المهيمة، ونسبة تلك المظاهر إلى القطب كنسبة الملائكة المهيمة إلى القلم الاعلى حذوا بحذو (آقا محمد رضا)
(4) - وليس القطب واسطة في فيضهم بل هم عند الله بمكانة مثله الا انهم ليسوا متصرفين مثله في العالم بل
هم مظاهر التهيم من بعض الوجوه - ش
259
ورد في الصحيح: ان أول من يكسى من الخلق يوم القيامة إبراهيم عليه السلام، لأنه الجزاء
الوفاق، وله ظاهر البرزخية الأولى وهو (1) أول من كملت به كليات احكام الوجوب في
مرتبة الامكان تقابل كل حكم كلي منها مقابلة ظهر بها اثر ذلك الحكم الكلى في
الموجود وهى الكلمات التي أتمهن.
705 - 3 اما الخلة الكبرى الخصيصة بنبينا محمد صلى الله عليه وآله فلا حجاب معها،
لان مقتضى الأول مقابلة تعينات مخصوصة من تعينات الحق المسماة بالصفات بقابليات
ذاتية غيرية هي لوازم حقيقة القابل بخلاف خلة المصطفى صلى الله عليه وآله، فان المقابلة
فيها واقعة بين صفات ظاهرية الحق وبين صفات باطنيته مع أحدية العين التي هي الهوية
المتصفة بالظهور والبطون، ولذا كان صلى الله عليه وآله أشبه الخلق بإبراهيم عليه السلام
والمحيى لملته، لان بالتحقق بالهوية يحيى ويتعين الطرفان وهما الظاهر والباطن، والاسم
الباطن أول تعينات الهوية ولا ظهور الا عن بطون، فظهر استنادهما إليه. هذا كلامه
قدس سره.
706 - 3 والافراد هم مظاهر التهيم كما مر غير مرة، ان التمثيل بهاتين ليس من كل
الوجوه كالأولين، بل من بعض الوجوه، وهو جهة روحانيتهما الأحدية الجمعية أو التهيمية،
لا جهة جسمانيتهما التي يتوسط من حسها البسائط العلوية والسفلية والمولدات.
707 - 3 والقسم الاخر ممكن في ذاته يتوقف وجوده على أمر وجودي غير محض
الوجود الحق، فيكون تعلقه بالحق سبحانه من وجهين:



(1) - وهو البرزخية الثانية - ش - البرزخ الأول التعين الأول الفاصل بين غيب المطلق والتعين الثاني،
والبرزخ الثاني التعين الثاني الفاصل بين الحق والخلق، وللبرزخ الأول ظاهر وباطن، وظاهر البرزخ الأول
ظاهر التعين الثاني، فعلى هذا معنى ظاهر البرزخية الأولى ظاهر - ق
260
708 - 3 الأول: وجه الوسائط من الشروط والأسباب واحكامهما.
709 - 3 والثاني: هو المسمى بالوجه الخاص الذي اطلع عليه المحققون لأهل النظر،
فقد سبق الإشارة إلى أن لكل موجود جهة هي عينه الثابتة في الحضرة العلمية القابلة
للوجود، المظهر لذلك الموجود بحسبها (1)، فان نسبة ما بين كل مطلق ومقيده لا يتوسط
فيها غيرهما (2).
710 - 3 ثم هذا القسم الذي له جهتان بنسبتين ينقسم ثلاثة أقسام:
711 - 3 الأول: ما لا واسطة بينه وبين الحق سبحانه الا واحد كاللوح مع القلم كما
سيظهر.
712 - 3 والثاني: ماله عدة وسائط، والمراد ما فوق الواحد، لكن المتوقف عليها
وجوده، لم يظهر حكم الكثرة التركيبية في ذاته، بل بقى حكمها فيه معقولا، كالملائكة
التي تحت مرتبة الطبيعة بخلاف المهيمية والقلم الاعلى وكمظاهر تلك الملائكة المثالية لا
الجسمانية وكالعرش والكرسي وما اشتملا عليه من صور البسائط الفلكية والعنصريات،
فان حكم التركيب فيها ولو من الهيولي والصورة أو الجواهر الفردة معقول، ولذا
عدت من الاجزاء العقلية، لا المتميزة هي ولا تركيبها في مرتبة الحس، الا ترى إلى
ما سبق ان كل مخلوق في طور التحقيق مشتمل على المادة النفسية والصورة التعينية
المناسبة لرتبته؟
713 - 3 والثالث: الذي هو اخر الأقسام ماله عدة وبسائط يتوقف وجوده عليها، وقد



(1) - أي عينه الثابتة - ش (2) - بل التوسط في اعداد القابلية التي هي شرط الارتباط الخاص - ش
261
ظهرت الكثرة التركيبية في ذاته أيضا لتولده عن مركب وبسائط كالتركيب الأول (1) أو عن
مركبات وبسائط كالتركيب الثاني (2) وما بعده، ومنتهى هذا القسم الذي هو اخر الأقسام إذا
اعتبر متنازلا يتضاعف التركيب والكثرة الانسان لتوقفه على اجتماع جميع الحقائق
الأسمائية والأسباب وتوجهات جميع النسب الإلهية والكونية من كل المراتب المنحصر
كلياتها في الحضرات الخمس.
714 - 3 لهذا صار الانسان نموذج الكل واستحق خلافة الحق الجامع، فما أجدره
حالتئذ ان يكون كمولاه وهو الواضع الرافع؟ اما إذا اعتبر متصاعدا بتحليل التركيب
وتقليل الوسائط، فالمنتهى القلم الاعلى والمهيمون من كل وجه والكمل والافراد من
بعض الوجوه.
715 - 3 ويناسب المقام ذكر الحضرات الخمس التي هي المراتب الكلية للتعينات
وكيفية شمولها.
716 - 3 اما الحضرات فما قال الشيخ قدس سره في النفحات: ان الحق سبحانه اطلعني
في مشهد شريف عالي المنار شاسع المنزل والمزار على حقيقة العلم ومراتبه التفصيلية
واحكامه الجلية والخفية والدينية السنية واللدنية العلية، وانحصار مراتبه الأصلية في
الحضرات الخمس الإلهية الكلية وهى الغيب المشتمل على الأسماء والصفات والأعيان
الممكنة والمعانى المجردة والتجليات، وفي مقابلتها حضرة الشهادة والحس والظهور
والاعلان، وبينهما حضرة الوسط الجامع بين الطرفين ويختص بالانسان، وبين الغيب وهذا
الوسط حضرة الأرواح العلى والروح الأعظم وما سطره بالامر العلى من كونه مسمى بالقلم
الاعلى، وبين الشهادة والوسط أيضا مرتبة عالم المثال المقيد ومستوى الصحف الإلهية
والكتب المتفرعة عن الكتاب الرباني المختص بسماء الدنيا. هذا كلامه.



(1) - فالتركيب الأول يكون عن العناصر الأربعة كالاخلاط وكالمعادن - ش (2) - فان العضو مركب من
الاخلاط وهى من العناصر وقس على هذا تركيب الانسان من الأعضاء وهو في مرتبة ثالثة - ش
262
717 - 3 واما كيفية شمولها فما قال في تلك المنازلة والمشهد أيضا: انى رأيت أن لكل
موجود بموجب احكام الحضرات الخمس خمس مراتب:
718 - 3 الأولى: اعتباره من حيث عينه الثابتة التي هي عبارة عن صورة معلوميته في
علم الحق الذاتي أزلا وابدا على وتيرة واحدة، ولهذا الاعتبار احكام لازمة له من حيث هو
معلوم في نفس الحق ومعدوم بالنسبة إليه.
719 - 3 ثم اعتباره من حيث روحانيته، وما من شئ الا وله روحانية، اما ظاهرة
السلطنة والحكم، كالملك والجن والانس والحيوان، واما خفية كالنباتات والمعدن وغيرهما
من الصور العنصرية وغيرها، ثم اعتباره من حيث طبيعته وصورته.
720 - 3 ثم إن الصورة اللازمة لكل روحانية على ضروب: فإن كان الروح مما من
شأنه ان يتلبس بصور متعددة في وقت واحد - كالملائكة والجن والأكابر من الناس -
فله حكم. وإن كان شأن ذلك الروح تقيده بصورة معينة لا يتعداها كجمهور الناس
بالاتفاق والحيوانات عند من يقول إن لها أرواحا مفارقة، وعلى التقديرين فللروحانية
احكام كامنة يلازمها بحسب مظاهرها، إذ بتلك المظاهر وبحسبها يتعين الأرواح.
721 - 3 وثمة اعتبار اخر وهو اعتبار الشئ من حيث التجلي الوجودي الساري في
المراتب الثلاث المذكورة.
722 - 3 ثم الوصف والحكم الجامع بين هذه الأربعة المتوقف معرفته على تعقل الهيئة
المعنوية المتحصلة من اجتماع الأربعة وهو الحكم الأخير الكمالي والنفسي الرحماني، هذا كلامه.
723 - 3 فان قلت: إذا كانت هذه المراتب الخمس حاصلة لكل موجود كما قيل: كل
شئ فيه كل شئ، كان كل موجود جامعا، فما معنى جميعة الانسان دون غيره؟
724 - 3 قلت: فرق بين جمعية الحقائق على ظهورات احكامها اما بالاعتدال الحقيقي
الإلهي - كما في الانسان الكامل - أو بالانحراف عن ميزانه كما لغيره، وبين جميعتها لاعلى ذلك
الوجه، بل مع استهلاك احكام بعض الحقائق بل أكثرها.

263
725 - 3 فان قلت: لم لم يذكر الشيخ عند بيان شمولها المثال المقيد وذكر بدله التجلي
الوجودي الساري في المراتب الثلاثة؟
726 - 3 قلت: - والله أعلم - لأن هذه الحضرات حضرات التجلي الساري، والتجلي
الساري في المراتب الثلاثة لا يتصور الا ان يتقيد بكلها - لا بكل منها - فيكون صورته
المثال المقيد الجامع مثل جمع المثال المطلق - لولا الفرق بينهما بالاطلاق والتقييد - فأقيم
مقامه، وهكذا قال في التفسير في الموضعين، والا فالتجليات في ذاتها من حضرة المعاني كما
نص عليه في الحضرة الأولى، ولولا ذلك لكانت الحضرات ستا.
727 - 3 فان قلت: فهل القلم في المرتبة الجامعة كالانسان الكامل يحيط بجميع
التعينات المعدودة جمعا وفرادى واحكامها على الوجه التفصيلي؟
728 - 3 قلت: لا يحيط لما قال الشيخ قدس سره في النفحات: ان الجمعية حال
حصولها بعد ان لم يكن يوجب حدوث ما لم يكن له وجود، ويستجلب ذلك تعين تجل من
مطلق غيب الذات بحسب تلك الجمعية التي لها درجة المظهرية لم يسبق له تعين في مرتبة
من مراتب الأسماء والصفات، فلم يكن بتلك الجمعية (1) ولا بما استتبعته علم هذا (2)، لو
أمكن إحاطة العلم بما يقتضيه كل فرد من الاعتبارات والأعيان الثابتة جمعا وفرادى من
الاحكام والآثار والصفات واللوازم التي سيتلبس بها لا إلى نهاية، كيف (3) ويلزم منه أمر
محال، فان من جملة الأمور المحكوم عليها بالجمعية هو الوجود المطلق الذي لا تعين له على
الانفراد، تعينا يمكن معرفته أو شهوده أو ادراك الاحكام والصفات التي يشتمل عليها
عينه على الانفراد وحال اقترانه بشئ دفعة أو بالتدريج، وهكذا كل واحد من افراد كل
جميعة من هذا صورة تعلق العلم بالمعلومات المعدومة والموجودة على نحو كلي وعلى النحو



(1) - أي إذا لم يسبق له في درجة ومرتبة من مراتب الأسماء والصفات فلم يكن بتلك الجمعية ولا بما
استتبعته علم ولا عالم، لان حيثية العالمية حيثية الإحاطة سيما إذا كان العلم شهوديا - ق (2) - أي
عدم العلم بتلك الجمعية وبما استتبعته حيث أمكن العلم وإحاطته بما يقتضيه... إلى آخره، ولم يمكن - ق
(3) - يمكن إحاطته العلم - ق
264
التفصيلي على التعيين، والفرق في كل ذلك بين علم الحق وما سواه، فافهم، هذا ما قاله قدس
سره.
المقام الثاني
729 - 3 ان لكل ظهور من مراتب الظهورات روحاني أو مثالي أو جسماني، ولكل
حكم، أي اثر يتبع ظهورا ما لتلك المراتب، أي لكل تعين من تعينات الحق المتبوعة
والتابعة استنادا إلى مرتبة الهية فيها يحصل ارتباطه بالحق، بل هذا اثرها، فلنسبته إلى الحق
الجواد المطلق بدلالته عليه وكونه علامة له يسمى اسما من أسماء الله، وان سمى باعتبار القابل
المستفيض الطالب خلقا كما سيجئ.
730 - 3 لذا قال في التفسير: العالم بمجموعه مظهر الوجود البحت وكل موجود على
التعيين مظهر له أيضا، لكن من حيث اسم خاص وفي مرتبة مخصوصة.
731 - 3 وقال أيضا فيه: كل ما ظهر في الوجود وامتاز من الغيب الإلهي على
اختلاف أنواع الظهور والامتياز فهو اسم وفائدته من كونه تابعا لما تقدمه بالمرتبة أو
الوجود جمعا وفرادى الدلالة والتعريف، أعني دلالته على أصله، ومن هذا الوجه يكون الاسم
عين المسمى، وتعريفه بحقيقته وحقيقته ما امتاز عنه، وبهذا الاعتبار يكون غيره، تم
كلامه.
732 - 3 ثم نقول: وإلى تلك المراتب الإلهية والنسب الربانية بكل موجود ما هو أظهر
المراتب فيه حكما التي بحسبها، وبسببها يحصل النسبة التي لها حكم الأغلبية في وجوده
ولا يعرف ربه الا من حيثها، وذلك لان المرتبة هي المقتضية وجوده المتعين من الحقائق
المختلفة، فهي التي يحصل منها حكم الأغلبية لاحدى الحقائق بقهرها حكم باقيها في
ذلك الموجود، ولا بد في كل موجود من غلبة إحدى حقائق اجزائه - إن كان

265
مركبا - أو إحدى قواه المعنوية - إن كان بسيطا - ويكون الباقي تابعا، اما مستهلك الأثر
أو مغلوبه.
733 - 3 فان قلت: أي برهان ينتهض على لزوم غلبة إحدى الحقائق ولم لا يحصل
الاجتماع على وجه الاعتدال المحض المنفعل فيه تكافؤ القوى؟ ثم ما السبب في غلبة إحدى
الحقائق المعينة على باقيها بعد تحقق عدة مما من شأن كل (1) ان يؤثر؟
734 - 3 قلت: الجواب عن الأول ما ذكره الشيخ قدس سره في النفحات: ان الحق (2)
سبحانه متى قدر اجتماع جملة من حقائق ذات قوى مختلفة في مرتبة ما، فلا بد في الصورة
المتحصلة منها ان يكون الغلبة فيها حكما أو وصفا وقوة لاحداها، كما هو الامر في صورة
الأمزجة الطبيعية ولا يحصل بالاعتدال المحض تكوين، والحكم مطرد في جميع ضروب
الاجتماعات الواقعة في المرتبة الروحانية والحسية - والمثالية المتوسطة بينهما - سواء كانت
الحسية مختصة بالعالم العلوي أو بعالم العناصر التي مراتب اجتماعاتها عند علماء الطبيعة ثلاث:
المعدن والنبات والحيوان، وعندنا خمس هي اخر مراتب الاجتماعات (3) الكلية أظهرها الحق
نظائر للأسماء الذاتية الأول التي هي مفاتيح الغيب و (4) سبب كل تعين علمي أو وجودي
وهى (5) تلك الثلاثة ويليها مرتبة الأناسي الحيوانيين، الذين ليس لهم من الحقيقة الانسانية الا
الصورة الظاهرة، ثم مرتبة الكمل الظاهرين باحكام الحقيقة الانسانية عاما، الجامعين بين
احكام الوجوب والامكان الجمعية التامة الاحاطية وهى مظاهر الذات التي هي صاحبة
تلك الأسماء.
735 - 3 وذلك (6) لان (7) الحق لا تصل منه أمر إلى العالم الا من حيث حضرة الجمع



(1) - بالتنوين - ش (2) - هذا مقدمة الجواب، واصل الجواب قوله: وذلك لان الحق لا يصل... إلى اخره - ش
(3) - أي اجتماعات عالم العناصر - ش (4) - عطف على مفاتيح الغيب - ش (5) - أي الخمسة - ش
(6) - أي لزوم غلبة إحدى الحقائق وعدم حصول التكوين من الاعتدال المحض - ش (7) - هذا هو
الجواب المأخوذ من النفحات، قيل: إن هذا لا يشفى داء السؤال لان غاية ما ذكر لزوم التوحد في القابل
لتتناسب سر الأحدية في جانب الفاعل ومن المعلوم ان التوحد لو حصل بالاعتدال التام يحصل التناسب
أيضا فلا بد من وجه يدل على لزوم التوحيد بغير هذا الوجه ولم يحصل هذا كما ترى - انتهى - ش
266
والوجود ولا ينفذ الامر منه في شئ الا بسر الأحدية، إذ لا يؤثر شئ فيما ينافيه من حيث هو
المنافى فلا يتأتى لشئ قبول الأثر الإلهي الا بصفة وحدة بها يتم استعداده لقبول أمر الحق
وبها يثبت له مناسبة ما بينه وبين الامر والحضرة.
736 - 3 ولما كان العالم ظاهرا بصورة الكثرة جعل الحق سبحانه الغالب على كل شئ
منه في كل آن حكم أحد الأشياء التي منها تركبت كثرته، وما سوى ذلك من اجزائه - إن كان
مركبا - أو قواه المعنوية - إن كان بسيطا - يكون تابعا لذلك الواحد الغالب الذي
هو محل نفوذ اقتداره ومظهر حكم جمعه الاحدى ويشهد له في ظاهر الانسان غلبة إحدى
كيفياته كالحرارة والبرودة والصفراء والسوداء، و (1) في باطنه توحد إرادة القلب ومتعلقها
في كل آن من كل مريد، فان القلب في الوقت الواحد لا يسع الا أمرا واحدا وإن كان من
قوته ان يسع كل شئ - لا دفعة - بل على التدريج، ولولا غلبة الوصف الاحدى بالجمعية
التامة التي لم يحصل لغير الانسان على (2) القلب الإنساني وتحققه (3) بحكمه لم يمكن ان يسع
الحق ولا ان يكون مستوى تجليه.
737 - 3 وعن الثاني: ما في مفتاح الغيب هنا ان غلبة إحدى الحقائق تكون للمناسبة
وذكر منها وجوها أربعة:
738 - 3 الأول: المناسبة العينية (4) وهى بين العينين من احكام الظهور، المخصوص من
حيث الشروط والمعدات، المتوسطة بينه وبين الحق سبحانه، وإليها ينظر قوله صلى الله عليه
وآله: الولد سر أبيه.
739 - 3 الثاني: المناسبة الغيبية وهى كالمناسبة الروحانية أو المرتبية (5) أو التي من



(1) - عطف على في ظاهر الانسان - ش - (2) - متعلق على غلبة الوصف - ش (3) - أي القلب
الإنساني - ش (4) - أي بتحقق المناسبة بين هذا الموجود العيني الخارجي مع الأحدية الشأنية، لان
بالمناسبة تتحقق الأشياء وتوجد للمناسبة مدخلية تامة في أصل التحقق والوجود وبرهن في موضعه ان
المباين من حيث هو مباين لا يصدر من المباين، فتدبر - ق (5) - والمراد من المرتبية التي هي أيضا من
المراتب المرتبة الخاصة غير الروحانية كما يظهر من تفسير المرتبة - ق
267
احكام الوجه الخاص الذي لكل موجود بينه وبين الحق سبحانه، ومنها المناسبة في الخاصيات (1).
740 - 3 الثالث: المناسبة الحالية من احكام الحقائق التابعة لذلك الموجود، مثلا من
قدر الله تعالى تسلطه لا بد ان يتعين وجوده بغلبة صفة القدرة والقهر، وإليها يميل ما ذكره في
التفسير من ترجيح أولية الامر الباعث كما سلف، ومجمع هذه الوجوه الثلاثة الشأن
الإلهي فيما يقال بالحصر (2) بحسب الشأن والآن الإلهيين.
741 - 3 الرابع: المناسبة الوقتية، منها ما ذكره الشيخ قدس سره: ان طالع العلوق يقتضى
الأمور المخصوصة الباطنة وطالع الولادة الأمور المخصوصة الظاهرة في الانسان أو غيره.
742 - 3 ثم نقول: وفي تلك المرتبة المشار إليها بأنها التي اقتضت تعين وجوده يشهد
مبدأ ظهور ذلك الموجود، أي ابتدائه جمعا وتركيبا بين الأسماء المتعينة فيها، فان تعين الظهور
يستند إليها وهو معنى استناده إلى المرتبة - كما مر وسيجئ - وإليها ينتهى تحليلا اخر امره
ودورة سيره كما سيوضح إن شاء الله تعالى، ولا مندوحة هنا عن الإشارة إلى تحقيق المراتب ثم
بيان المناسبة وأنواعها ثم بيان كيفية اندراج تلك الأنواع في الأربعة المذكورة.
743 - 3 اما المراتب فقال الشيخ في النصوص: انها عبارة عن تعينات كلية
المشتمل عليها العلم الذاتي (3) الأزلي (4)، وهى كالمحال لما يمر عليها من مطلق فيض
الذات باعتبار عدم مغايرة الفيض للمفيض، ولها مدخل في حقيقة التأثير - لا مطلقا (5) -
بل من حيث ما قلت إنها كالمحال (6)، فكل مرتبة محل معنوي لجملة من احكام



(1) - لان المناسبة في الخاصية يكشف عن المناسبة في مقتضى الخاصية هو الحالة الكامنة
في الشئ الخارجي - ق (2) - أي يذكر في الكلام بطريق الحصر بذكر أدوات الحصر - ق
(3) - تشمل عليها اللازم الواحد الذاتي الذي هو العلم - ش (4) - لان بالعلم يعقل ويتحقق المرتبة،
والعلم أيضا من المرتبة كما مر في السابق، لان العلم من الأسماء وبه يتحقق الأسماء - ق (5) - أي لا في
حقيقة المنطبع بل في مثاله وظهوره فلها تأثير في كيفية المنطبع من الطول والاستدارة وغيرها لا في حقيقة
المنطبع، وتفصيل ذلك ما أشار إليه في النص الثامن المعنون بقول: نص شريف كلي يحتوى على اسرار جليلة
فارجع إليه - ش (6) - أي من حيث الظهور وبعبارة أخرى: مدخلية المراتب باعتبار وصف من
الأوصاف وهو الظهور لا باعتبار أصل ذات التأثير، فافهم - ق - كالمحل - ل
268
الوجوب والامكان، المتفرعة من الأسماء الذاتية وأمهات الأسماء الألوهية وما يليها من
الأسماء التالية (1)، وللمراتب أعيان ثابتة في عرصة العلم والتعقل ولا اثر لها على سبيل
الاستقلال - بل بالوجود - وهكذا شأن الوجود مع المراتب، والمراتب أيضا كالنهايات
النسبية لسير الفيض الذاتي والتجلي الوجودي في الدرجات المتعينة بين الأزل والابدالي غاية
وقرار.
744 - 3 فقد استبان ان المراتب مجتمع جمل الاحكام المستقرة لديها من حضرة الوجوب
والامكان وهى المظهرة لنتائج تلك الاجتماعات، لكن بحسبها (2) لا بحسب الاحكام
ولا بحسب مطلق الفيض، فحكمها حكم الاشكال والقوالب مع كل متشكل ومتقولب
يتصل بها (3) ويحل فيها، فهذه اثرها (4) فهي ثابتة العين وإليها يستند نتائج الاحكام
وتنضاف اخرا (5)، لأنها المشرع والمرجع، فافهم، هذا كلامه.
745 - 3 واما المناسبات: فقال الشيخ قدس سره: الاشتراك في الامر القاضي (6) برفع
احكام المغايرة من الوجه المثبت (7) للمناسبة، والمناسبة أعلاها ذاتية ثم مرتبية.
746 - 3 اما الذاتية فاما بين الحق والانسان واما بين الناس، وكل منهما يثبت من
جهتين:
747 - 3 فاللتان بين الحق والانسان:
748 - 3 إحداهما من جهة ضعف تأثير مراتيته في التجلي المتعين لديه (8)، بحيث



(1) - كالخالق والبارئ والمصور وأمثالها - ش (2) - أي بحسب المراتب فان الحكم والفيض مع قطع
النظر عن المراتب لا ظهور لهما - ش (3) - صفة لقوله: كل متشكل ومتقولب - ش (4) - أي المراتب - ش
(5) - أي ترجع إليها في اخر الامر - ش - امرها - ن - ع (6) - في الامر القاضي، كالوجود المشترك بين
الموجودات - آ (7) - من الوجه المثبت وهو جهة الاتحاد - آ (8) - لان ضعف المراة في التأثير في التجلي
يكشف عن عدم التقيد وعن اطلاق المرأة وسعتها، فحاصل المعنى: ان المراة لسعتها وعدم تقيدها ضعف تأثيرها في
المجلى ولم يؤثر في التجلي حتى يكون التجلي مقيدا باعتبار المجلى ويلون بلون المحل اللا قيد التعين الامكاني وغير
قادح كما ذكره الشارح فيما بعد - ق
269
لا يكسبه وصفا قادحا في تقديسه سوى قيد التعين الغير القادح في عظمة الحق وجلاله
ووحدانيته، وتفاوت درجات المقربين والافراد عند الحق من هذا الوجه.
749 - 3 وثانيتهما بحسب حظ العبد من صورة الحضرة الإلهية، وذلك الحظ يتفاوت
بحسب تفاوت الجمعية (1) فتضعف المناسبة وتقوى بحسب ضيق فلك جمعية الانسان من
حيث قابليته وسعتها، فينقص الحظوظ لذلك ويتوفر، والمستوعب (2) لما يشتمل عليه مقام
الوجوب والامكان من الصفات والاحكام وما يمكن ظهوره بالفعل في كل عصر وزمان
مع ثبوت المناسبة من الوجه الأول (3) أيضا له كمال، وهو (4) محبوب الحق وبرزخ البرازخ (5)
ومرآة الذات والألوهية (6) معا ولوازمها (7)، اما صاحب المناسبة الذاتية من الوجه الأول
فمحبوب مقرب لا غير (8).
750 - 3 واما اللتان بين الناس وهما المثالان للإلهيين المذكورين:
751 - 3 فاحداهما من حيث الاشتراك في المزاج، بمعنى وقوع مزاجيهما في درجة واحدة
من درجات الاعتدالات الانسانية، أو يكون مزاج أحدهما مجاورا لمزاج الاخر في الدرجة (9)،
وهذا أصل عظيم في مشرب التحقيق، لان تعينات أرواح الأناسي من العوالم الروحانية
وتفاوت درجاتها في الشرف وعلو المنزلة من حيث قلة الوسائط وكثرتها المقتضية لقلة
تضاعف وجوه الامكان (10) وكثرته، انما موجبه بعد قضاء الله وقدره المزاج المستلزم
لتعين الروح بحسبه، فالأقرب نسبة إلى الاعتدال الحقيقي التي تعين نفوس الكمل (11)



(1) - المراد بالجمعية اقتران الوجود بالماهية - آ (2) - مبتداء خبره: له الكمال - ش (3) - أي مع ثبوت
المناسبة الأولى وهى التجلية - آ (4) - أي المستوعب - ش (5) - لأنها بين التعين واللا تعين، لأنه المظهر
للتعين الأول الجامع للتعينات - ش - لأنه بين الوجوب والامكان بل بين الأحدية والواحدية بل بين التعين
واللا تعين - آ (6) - الألوهة - ط - مراة الذات من التنزيه اللازم للذات واستيعاب جميع الأسماء اللازم
للألوهية - آ (7) - لوازمهما - ن - ع - من الوحدة والتنزيه اللازمتين للذات واستيعاب جمع الأسماء اللازم
للألوهية - ش (8) أي لا يكون مقام المحبوبية والمقربية لغير صاحب المناسبة الذاتية من الوجه الأول - ش
(9) - تفصيل ذلك مذكور في النمط الثالث من كتاب الإشارات - ق (10) - كثرة الوسائط مقتضية لكثرة
وجوه الامكان وقلة الوسائط لقلة وجوه الامكان - ش (11) - نفوس الكمل في نقطة دائرته - صلى الله عليه
وآله - آ - أي دائرة الاعتدال الحقيقي، مركز هذه الدائرة روح محمدي (ص)
270
يستلزم قبول روح أشرف وأعلى نسبة من العقول والنفوس العالية وعلى هذا.
752 - 3 وثانيتهما: المناسبة الروحانية المشابهة (1) للمناسبة الذاتية الثابتة الخفية، وهى
التابعة للمناسبة المزاجية المذكورة، لما مر ان الروح يتعين بحسب المزاج.
753 - 3 وإذا عرفت هذا عن فهم محقق رأيت أن مبدأ تعين أعلى الأرواح درجة - أعني
أرواح الكمل - أم الكتاب (2)، ومبدأ تعين بعضها علما ووجودا متوحدا ذات القلم الاعلى
المسمى بالعقل الأول والروح الكلى، وبعضها اللوح المحفوظ وبعضها عرشية اسرافيلية
وبعضها ميكائيلية - من مقام الكرسي وروحانيته - وبعضها جبرئيلية - من مقام سدرة
المنتهى - هكذا إلى اخر أجناس هذه الأصول الروحانية المختص بإسماعيل صاحب سماء
الدنيا المعبر عند الحكماء المشائين بالعقل الفعال.
754 - 3 اما المرتبية فمن وجوه:
755 - 3 أحدها من جهة معادنها الأصلية التي هي مبدأ تعينات الأرواح المشار إليها
انفا (3)، والاخر من جهة مظاهرها المثالية، فان الأرواح على اختلاف مراتبها لا تخلو عند
جميع المحققين عن مظاهر التي تظهر بها. وأول مظاهر أرواح الأناسي ما عدا الكمل (4) عالم
المثال المطلق والصور الجنانية (5)، وإن كانت مواد انشائها لطائف قوى هذه النشأة



(1) - المشابهة صفة للوجه الاخر، يعنى ان المناسبة الروحانية لها وجهان: الوجه الأول مناسبتها إلى المزاج
والوجه الاخر مناسبتها بالحق من حيث ارتفاع الوسائط - ش (2) - أي الحضرة العلمية لأنها أصل تمام
الألواح والكتب، لان ما يكتب فيها يكون بحسب العلم وأم الكتاب الحقيقي الذي هو مبدأ تعين أكمل الكملين
خاتم الكل صلى الله عليه وآله أجمعين هو التعين الأول وهو مبدأ اصلى جملي جمعي. تدبر - ش (3) - المشار إليها في
قوله: يكون مبدأ مقامها في التعين اللوح المحفوظ - آ (4) - فان مظاهر أرواح الكمل فوق المثال: تدبر - ش
(5) - الخيالية - ن - النصوص - المراد بالصور الجنانية الملكات الحاصلة من الأفعال الحسنة في الصعود وهذه
الملكات ناشئة من القوى الطبيعية لكن لا مطلقا، بل إذا اكتست القوى صفات الروح وتصير محكوما لطبيعية
ما لم يكن الطبيعية بحكم الروح، لان القوى بحكم الروح ولم تزكى كانت في طور البهيمية الحيوانية ولم يصدر
عنها أفعال غير الحيوانية وافعال الحيوانية عن مقتضى الشهوة والغضب وعدم مناسبته مع الصور الجنانية واضح،
ولذا قال الشارح كانت مواد انتشائها لطائف قوى هذه النشأة، وذكر اللطائف للإشارة إلى ذلك، لان أمور
الجنانية توابع الأرواح وقواها وخواص مظاهرها المثالية، فكلما كان الروح وقواه وخواص مظاهره أقوى -
271
الطبيعية وجواهرها المزكاة المكتسبة صفات الأرواح، فهي أيضا انما تظهر بحسب
روحانيتها وقواها وخواص مظاهرها المثالية، ومنازل أهل الجنة مظاهر مراتب الأرواح من
حيث مكاناتها (1) عند الحق ومن حيث مظاهرها المثالية الأولى، وإليه الإشارة بقوله صلى
الله عليه وآله: يا علي قد ان قصرك في الجنة في مقابلة قصرى، (2) وقال (ص) في حق العباس
قريبا من ذلك.
756 - 3 واما سوق الجنة (3) المشتمل على الصور الانسانية المستحسنة التي يتخير أهل
الجنة التلبس بما شاؤوا منها، فمن بعض جداول عالم المثال المطلق، الذي هو معدن المظاهر
وينبوعها، وهو مجرى المدد الواصل من عالم المثال إلى مظاهر أرواح أهل الجنة، و (4) منشأ
مآكلهم ومشاربهم وملابسهم وكل ما يتنعمون به في أراضي مراتب أعمالهم واعتقاداتهم
واخلاقهم وصفاتهم ودرجات اعتدالاتهم.
757 - 3 واما الخلع والتحف التي تأتى بها الملائكة من عند الحق إلى جمهور أهل الجنة
حال حملهم إياهم إلى كثيب الرؤية لزيادة الحق ومجالسته، هي مظاهر احكام الأسماء
والصفات التي يستند إليها الزائرون في نفس الامر ولها درجة الربوبية عليهم - وان لم يعلموا
ذلك - ومتى ظهرت سلطنة الأسماء والصفات التي تقابل احكام تلك الأسماء المقتضية
للاجتماع، انتهى احكامها وظهرت الاحكام القاضية بالامتياز، فحصل البعد والحجاب،
فعند ذلك يقول الله تعالى للملائكة في أواخر مجلس الزيارة: ردوهم إلى قصورهم.
758 - 3 واما تفاوت مراتبهم حال المجالسة مع الحق فهو بحسب تفاوت مراتبهم في
نفس الحق وبحسب صحة عقائدهم في الله ومشاهداتهم الصحيحة وايثارهم فيما قبل (5) جناب



- وأشد، كان ظهور الصور بحسبه أشد وأقوى وحد التبعية ان الصور الجنانية حصلت من الملكات المستجنة
والملكات توابع الذوات، لان الذوات علتها وموجدها تحقيقا - ق
(1) - من حيث مكانتها ومن حيث مظاهرها المثالية جمع مكانة وهى المنزلة - ش (2) - الاستشهاد بأنه يدل
على المناسبة بينهما - آ (3) - وفي الخبر: ان في الجنة سوقا ما فيها شرى ولا بيع الا الصور من الرجال والنساء،
فإذا اشترى الرجل صورة دخل فيها - آ (4) - عطف على قوله: مجرى المدد - ش (5) - أي في الدنيا - ش
272
الحق على ما سواه، وعلى ذلك طول زمان المجالسة وقصره وتفاوت الشرف (1) فيما يخاطبون به.
759 - 3 واما حال الكمل - متعنا الله بهم - فبخلاف ما ذكر، فإنهم قد تجاوزوا
حضرات الأسماء والصفات (2) والتجليات الخصيصة بها إلى عرصة التجلي الذاتي، فهم كما
أخبر النبي صلى الله عليه وآله بقوله: صنف من أهل الجنة لا يستر الرب عنهم ولا يحتجب،
وذلك انهم غير محصورين في الجنة وغيرها من العوالم والحضرات، وان ظهروا في ما شاؤوا من
المظاهر منزهون عن جميع القيود كسيدهم (3)، بل هم معه أينما كان وحيث لا أين
ولا حيث ولا جرم ولا حجاب ولا انتقال لزيارة ولا انتهاء لحكم وقت أو اسم أو صفة،
فافهم وتمن ان تلحق بهم أو تشاركهم في بعض مراتبهم العالية.
760 - 3 واما المناسبات بين الناس من جهة المراتب البرزخية فانموذجها المنبه على
تفاصيلها لمن لم يكشفها هو ما ذكره النبي صلى الله عليه وآله في حديث الاسراء ورؤيته
آدم في السماء الدنيا وان على يمينه اسودة السعداء من ذريته وعلى يساره اسودة الأشقياء من
ذريته، وانه إذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن يساره بكى.
761 - 3 فهذا إشارة إلى مراتب عموم الأشقياء والسعداء، وأهل الشقاء هم الذين لم
يفتح لهم أبواب السماء حال الموت ولهم مراتب، أخبر النبي صلى الله عليه وآله عن أرواح
بعض الأشقياء انها تجمع في برهوت (4)، فمبدأ مراتبهم من مقعر سماء الدنيا الذي فيها آدم
وانزلها ما ذكره (ص) (5)، ومراتب عموم السعداء في برزخ السماء الدنيا على درجات
متفاوتة يجمعها مرتبة واحدة، ومراتب أهل الخصوص منهم ما أشار (ص) إليه في حديث
الاسراء بعد ذكره آدم من أن عيسى في الثانية ويوسف في الثالثة وإدريس في الرابعة



(1) - أي طلبهم من الحق حضوره عندهم على حسب استعداداتهم - ش (2) - عطف على قوله: وقت، أي الكمل
الواصلون إلى مقام الاطلاق ليسوا مقيدين بالأسماء والصفات وخصوصياتهم - ش (3) - أي الحق تعالى - ش
(4) - تتجمع ببرهوت والخامدين - ط - رهموت - ل - والحلتين (النصوص) في برهوت الخامدين - ن - ع -
قيل اسم بئر في بابل فيه هاروت وماروت وقيل هما (برهوت والحلتين) بران بحضر موت اسم بلد في الشام - ش
(5) - أي انها تتجمع ببرهوت - ش
273
وهارون في الخامسة وموسى في السادسة وإبراهيم في السابعة على جميعهم السلام، وكذا شأن
مشاركيهم والوارثين لهم.
762 - 3 فان هذه الأخبار من الرسول صلى الله عليه وآله هو باعتبار ما شاهد في
الأنبياء المذكورة في إحدى اسراءاته، فقد حصل له أربعة وثلاثون معراجا جمعها أبو نعيم
الحافظ الأصفهاني، وكيف ينحصر هذا الحال في الأنبياء السبعة المذكورة؟ ومن البين ان
الرسل والأنبياء كثيرون وفيهم الكمل بتعريف الله كداود عليه السلام المنصوص على
خلافته وغيره، فأين يتعين مراتبهم البرزخية؟ وما ثمة الا العالم الاعلى والأسفل، والأسفل
محل تعينات مراتب الأشقياء، فتعين ان يكون تعينات مراتب الأنبياء والكمل في الحضرات
السماوية، فهذه الرؤية الخاصة من النبي صلى الله عليه وآله لهؤلاء السبعة انما موجبها حالتئذ
مناسبات صفاتية أو فعلية أو حالية لا غير، كالأمر في شأن يحيى عليه السلام من أنه تارة
يكون مع عيسى عليه السلام وتارة يكون مع هارون عليه السلام، وليس ذلك الا لأمر
يقتضى مشاركته لهما، هذا كلامه.
763 - 3 فما قال الشيخ قدس سره في النصوص يشتمل من بيان المناسبة المرتبية على
وجوه من حيث معادنها الأصلية ومظاهرها المثالية المطلقة ومظاهرها المثالية الجنانية منزلا
وسوقا مع الخلع والتحف المتفاوتة ومظاهر الكثيبية على تفاوتها طولا وشرفا
وغيرهما، ثم المرتبة الكمالية ومن المناسبة بين الناس بحسب مراتب السعادة والشقاوة عموما
وخصوصا.
764 - 3 واما بيان كيفية اندراج تلك الأنواع في الأربعة المذكورة:
765 - 3 فاما العينية - بالمهملة -: فيندرج فيها المزاجية من حيث القرب والبعد عن
حد الاعتدال ومن حيث توابع المزاج من الشروط والأسباب المعدة له، وبالجملة جميع
الوسائط بين الحق وبينه إلى أن يتم استعداده لقبول ذلك.

274
766 - 3 واما الغيبية - بالمعجمة -: فيندرج فيها وجوه:
767 - 3 الأول: المناسبة الروحانية المتفاوت التعين حسب تفاوت المزاج المذكور.
768 - 3 الثاني: المناسبة من جهة ضعف تأثر مرآتية ماهيته في تعين التجلي.
769 - 3 الثالث: المناسبة الحاصلة بحسب حظ حقيقة العبد من حيث قابليتها لصورة
الجمعية الإلهية.
770 - 3 الرابع: المناسبة من جهة معادنها الأصلية التي هي مبدأ تعينات الأرواح.
771 - 3 الخامس: المناسبة من حيث مظاهر الأرواح المثالية المطلقة.
772 - 3 واما الحالية: فيندرج فيها الأحوال المتجددة كما قال تعالى: كل يوم هو في
شأن (29 - الرحمن) أي كل آن في خلق جديد، كما قال تعالى: أفعيينا بالخلق الأول بل هم
في لبس من خلق جديد (15 - ق) ومن جملتها المناسبات من حيث المظاهر المثالية لاعمالهم
واخلاقهم وصفاتهم المتحولة وقتا فوقتا.
773 - 3 واما الوقتية: فما للوقت مدخل في تعينها كما مر من الطالعين، وإن كان
الاعتقاد على أن تعلق الأثر بالوقت والحال على سبيل جرى العادة والتأثير للحق حقيقة.
وإلى الغلبة الوقتية بحسب المناسبة المخصوصة يشير قوله صلى الله عليه وآله: ان لله تعالى في
أيام دهركم نفحات الا فتعرضوا لها.
774 - 3 قال الشيخ قدس سره في النفحات: ان التعرض لها قسمان: عار عن التعمل
وممزوج به، فالعاري قسمان: التعرض بالاستعداد الذاتي الغير المجعول وهو أعلاها، ويليه
التعرض بصفاء الروحانية وسعة دائرة فلكها المعقول، ويتفاوت بحسب قوة الروح وشرف
جوهريته وعلو مرتبته والحال الغالب عليه حال التعرض. والفرق بينهما ان الثاني يكتسب
من حصته الوجودية التي قبلها من الحق باستعداده الكلى الأول، استعدادا جزئيا متجددا
يصدق الحكم بالجعل عليه، فإنه ثمرة الوجود الحاصل للروح، وإن كان من وجه حكما من
احكام الاستعداد الكلى.

275
775 - 3 واما الممزوج بالتعمل فقسمان كليان: التعرض بالمحبة والتعرض لا بها.
والأول يلازم الفقر لا محالة، فاما فقر مطلق واما فقر مقيد.
776 - 3 وأهل المحبة على درجات: فأهل الدرجة الأولى هم المتعرضون للحق بصفة
المحبة الخالصة المطلقة - لا من حيث علمهم به أو اخبار أحدهم لهم عنه - بل لا يعرفون
لم يحبونه ولا يتعين لهم مطلوب ما منه، وهذا تعرض يوجبه مناسبة أصلية ذاتية يشبه
ما لا تعمل فيه ولا يمتاز عنه الا بوجد ان ميل وانجذاب واشتياق لا يقدر على دفعه ولا يعرف
له سبب معين ولا يدرى لم ولا كيف، وهذه هي المناسبة الذاتية.
777 - 3 واما الفقر المقيد: فمنه التعرض بالمحبة لأمور معينة جمعا أو فرادى، كالعلم به
أو شهوده أو القرب منه، وهو أول درجات الفقر المقيد.
778 - 3 ويليه التعرض بالمحبة لا بما من الحق من الأمور المذكورة، بل لمطالب أخرى
مخصوصة جمعا أو فرادى، كالظفر بأسباب السعادة من حيث تشخصها في ذهنه بموجب
اخبار الصادق أو الاطلاع من بعض الوجوه، ولهذا القسم على تفاصيله الكثيرة حكم واحد
هو طلب جلب المنافع ودفع المضار عاجلا وآجلا، موقتا أو غير موقت، ويندرج فيه
أنواع المرغبات والمرهبات، ومتعلقه طلب استكمال متوقف على تحصيل مطلب أو مطالب،
والقسم الذي لا بالمحبة هو التعرض بصور الوسائل كالأعمال والتوجهات وصور الأدعية
وأمثال ذلك، وليس للتعرض مرتبة كلية غير ما ذكرنا. تم كلامه.
779 - 3 ثم نقول: وهذا الامر المشار إليه وهو التعين الحاصل لكل موجود من اقتران (1)
الوجود بماهية المسمى ذلك الاقتران بالموجودية والوجود الإضافي ذو وجهين، وإن كان
من حيث هو هو أمرا واحدا ممتازا عن أمثاله.
780 - 3 أحدهما وجه نسبته إلى الوجود الحق والاخر وجه نسبته التعينية الحاصلة من



(1) - أي بحسب العقل - ق
276
الامر الذي عرض له الوجود وهو الماهية المخصوصة المقيدة بخصوص الظهور، فحكم تلك
الحقائق المجتمعة فيه اذن ذو تعينين، وحصل ثمة أمور:
781 - 3 أحدها نفس الاقتران. وثانيها تعينه من حيث الوجود. وثالثها تعينه من حيث
معروض الوجود وهو الماهية. ورابعها مجموع المعنى المتعين بين الثلاثة. وخامسها المعنى الكلى
الجامع لنسب الوجود. وسادسها المعنى الكلى الجامع لنسب الماهية. ويلزم الأول النسبة
الجامعة للأحكام الفعلية التأثيرية، ويلزم الثاني النسبة الجامعة للأحكام القبولية التأثرية.
782 - 3 فنفس الاقتران اسم من أسماء الله تعالى لكونه علامة لما تعين (1) منه كما مر،
وتعينه من حيث نسبته إلى الوجود دلالة الاسم على الذات، ومن حيث نسبته إلى الماهية
المعروضة له هو المسمى خلقا، لأنه مقدر بالتقدير السابق عليه، إذ كل مخلوق بحسب
الوجود لا حق، وإن كان بحسب العلم سابقا، كما قال الشيخ قدس سره في التفسير: أولية
المرتبة في العلم للكون وفي الوجود للحق، وذلك لان العلم انما تعلق بالعالم على حسب ما
اقتضته حقيقته، غير أن الحق علم حقائق الأشياء من ذاته لارتسامها فيه، فلم يكن له علم
مستفاد من خارج، فهو تقدم وتأخر في المرتبة بالنسبة لا غير.
783 - 3 فلسان التقدم الوجودي: الله خالق كل شئ (16 - الرعد) هو الأول...
والباطن (4 - الحديد) وقوله صلى الله عليه وآله: كان الله ولم يكن معه شئ. ولسان التأخر.
ان تنصروا الله ينصركم (7 - محمد) وسيجزيهم وصفهم (139 - الانعام) وقوله عليه وآله
السلام: ان الله لا يمل حتى تملوا، ومن عرف نفسه فقد عرف ربه، ومن تقرب إلى شبرا...
الحديث.
784 - 3 واما مجموع المتعين بين الثلاثة فما به يمتاز الاسم عن سائر الأسماء من المعنى
المختص به، واما الامر الشامل لمعاني أسماء الله - أعني المعنى الكلى الجامع لنسب الوجود -
هو الألوهية المستجمعة لجميع النسب الأسمائية والصفاتية، والامر الشامل لنسب الماهية



(1) - تعين به - ن - ع - ل - لان بالاقتران حصل التعين - ق
277
هو العبودية، والنسبة الجامعة للأحكام الفعلية اللازمة للأول حضرة الوجوب، والنسبة
الجامعة للأحكام الانفعالية اللازمة للثاني حضرة الامكان.
785 - 3 فان قلت: المفهوم ههنا ان نفس الاقتران هو المسمى بالاسم وهو مخالف
لما ذكره في التفسير من قوله في موضع منه: كل تميز وتعدد يعقل بحيث يعلم منه حقيقة الامر
الأصلي المميز - وان له التقدم بالمرتبة على التعدد - فهو اسم، لأنه علامة على الأصل، والتميز
والتعدد حكمان له، واللفظ الدال على المعنى المميز الدال على الأصل هو اسم الاسم.
786 - 3 ومن قوله فيه أيضا: لكل ما ظهر في الوجود وامتاز عن الغيب على
اختلاف أنواع الظهور والامتياز فهو اسم، هذا كلامه.
787 - 3 فالمفهوم من أول قولي التفسير: ان الاسم نفس التميز والتعدد، ومن ثانيهما: كل
موجود ممتاز.
788 - 3 ثم ما قال في النفحات أعم من هذه الثلاثة وهو قوله: اعلم أن لمبدئية الحق
من حيث التعين الجامع للتعينات - أعني التعين الذي يلي اطلاق الحق - احكاما واوصافا
كانت مستهلكة في وحدة الحق وكامنة فيه لا تظهر الا من حيثية التعينات الاعتبارية
المتفرعة من التعين الجامع المشار إليه ومن حيثية التعينات الوجودية العارضة للموجود
الواحد من الماهيات الممكنة القابلة المعددة إياه، ويسمى تلك الأحكام والأوصاف عندنا
بالأسماء أيضا، فان الأسماء الإلهية على أقسام:
789 - 3 أحدها الماهيات خالية عن الوجود وهى الشؤون في التحقيق. وثانيها أسماء
التعينات الوجودية الحاصلة بالماهيات. وثالثها وهى الأولى في المرتبة هي التعينات المنتجة
اقتران الوجود بالماهيات، فإنها سابقة على الأولين. ورابعها النسب والإضافات المتشأنة
بين مطلق الحق ومطلق الامكان والممكنات وبين كل قسمين من هذه الأقسام أقسام غير
متناهية. هذا لفظه قدس سره.
790 - 3 قلت: خلاصة الكل: ان كل تعين وخصوصية وكل ما به التعين وكل مجموع

278
متعين، لدلالتها على مورده المطلق عقلا أو خارجا، السابق مرتبة اسم وعلامة له
وينحصر مراتبها الكلية في الأربعة المذكورة، أعني التعينات العلمية - وهى الحقائق -
والتعينات الوجودية - وهى الأعيان (1) - وتعينات الصفات الإلهية كالمفاتيح الأول
وتوابعها المنتجة اقتران الوجود بالماهية، وهى سابقة على الأولين، لأنها بالنكاح الأول
ينتج صور الحقائق المفيضة لتمام استعدادها للوجود اللائق والفيض الموافق من الله
تعالى.
791 - 3 وقد أشار الشيخ قدس سره هنا بقوله: وظهور حكم القسمين الآخرين
- أعني قسمي أسماء الصفات والافعال - بتعينات من اجتماع احكام القسم الأول - أعني
أسماء الذات - يعنى ان التعينات الوجودية التي هي احكام أسماء الافعال تابعة للتعينات
العلمية التي هي احكام النكاح الأول، أعني اجتماع أسماء الصفات التي هي سدنة أسماء
الذات وظلالها، الممتازة عنها بالامتياز النسبي الحاصل باعتبار التعلقات. والرابع (2)
تعينات النسب المطلقة بين الحق وصفاته وبين أفعاله ومخلوقاته إلى غير ذلك.
792 - 3 فنقول: نفس اقتران الوجود بالماهية تعين وجودي، بل معين اسم فاعل
وجودي فيكون اسما. اما التميز والتعدد فيمكن ان يراد بهما سببهما، وهو ما به التميز والتعدد أو
مسببهما ومحلهما وهو المتميز والمتعدد.
793 - 3 يدل على الأول قوله عقيبه: واللفظ الدال على المعنى المميز الدال على الأصل
هو اسم الاسم. وعلى الثاني قوله: وكل ما امتاز بنوع من الامتياز فهو اسم.
794 - 3 واما احكام التعين الجامع (3) وأوصافه فهي التعينات الجزئية وهى الأسماء
بالحقيقة، والألفاظ الدالة عليها أسماء الأسماء، وليس كما ذكر الإمام أبو حامد الغزالي في
المقصد الأقصى من أن المراد بأسماء الله الأسماء النحوية المقابلة للأفعال والحروف، فإنها
عين الألفاظ، ولا ما ذكره القاساني في تأويلاته من أن المراد بأسماء الله ما سماه الحكماء



(1) - أي الخارجية - ق (2) - من مراتبها الكلية المنحصرة في الأربعة. ق (3) - الذي يلي الاطلاق - ق
279
بالصورة النوعية وهى الجواهر الخاصة المنوعة، فان الأسماء أعم منها لتناولها المتعينات
المتبوعة والتابعة والذاتية والعرضية والذهنية والخارجية كما مر.
المقام الثالث
في تقسيم الأسماء إلى الثلاثة الكلية التي هي أسماء الذات والصفات والافعال
795 - 3 فالأسماء إن كانت عامة الحكم، أي قابلة للتعلقات المتقابلة والصفات
المتباينة، كالقدم والتحيز والتناهي واضدادها فهي أسماء الذات، وانما نسبت إلى الذات
لكونها حقائق لازمة وجود الحق سبحانه، أي من حيث هو وجود، إذ ذلك الاعتبار يستدعى
كونها عين الذات الأحدية، لأنه اعتبار اطلاقها وعدم تعلقها، فلو تمايزت عنه لتمايزت
بقيود فلم يبق على كمال اطلاقها، هذا خلف، ولذا كانت عامة الحكم، إذ خصوص الحكم
من خصوصيات التعلقات وليست، فليس. ومن هنا تعرف فائدة التقييد في أمثلتها بقولنا:
كالحياة من كونها حياة فقط، أي بلا اعتبار تعلقه بمظهر وتقيده بقيد - حتى بقيد عموم
التعلق والاطلاق - والا لم يبق على اطلاقه المراد، وكذا العلم والإرادة والقدرة
والموجودية والنورية، أي الظاهرية في نفسه، فإنها من حيث هي هي من أسماء الذات ومن
حيث تعلقاتها المتعددة المتعينة حسب تعدد المتعلقات وتعينها من أسماء الصفات، وكذا
الوحدة الذاتية للشئ - أعني كونه هو هو عينه كما مر - لا الوحدة التي تعتبر نعتا للواحد،
فإنها من أسماء الصفات، لاشعار الوصف بها، لكثرة النسب التي يتضمنها ويجمعها الاسم الله،
والاشعار بالكثرة من غير اشعار بالتأثير من خواص أسماء الصفات.
796 - 3 وذلك لما قال في الفكوك: ان اعتبار الوحدة من حيث هي هي لا يغاير
الأحدية، بل هي عينها، وهى الوحدة الذاتية، اما اعتبارها من كونها نعتا للواحد يسمى
بوحدة النسب والإضافات وينضاف إلى الحق من حيث الاسم الله الذي هو محتد الأسماء
والصفات ومشرع الوحدة والكثرة المعلومتين للجمهور. هذا كلامه.

280
797 - 3 ثم من ثمرات إحاطة هذه الأسماء كونها في القديم قديمة وفي الحادث حادثة
وفي المتناهى متناهية وفي المتحيز متحيزة وبالخلاف في مقابلاتها. وعلى هذا ولا يذهبن على
الأصحاب ما تكرر، فتقرر وفيما سلف تحرر وتصور ان هذه الأسماء كما هي قديمة بحقائقها،
قديمة بتعلقاتها الكلية والجزئية التي باعتبارها يدخل في أسماء الصفات، وقدم التعلق هو
الأصح أيضا من طريقي أهل النظر من علماء العقل والخبر، وان قدمها بتعلقاتها من حيث
اعتبارها من طرف الوجود لا ينافي اتصافها بأوصاف الحدوث من حيث تبعيتها للعلم
التابع للمعلوم، وان لكل من الاعتبارين لسانا في الكتاب والسنة:
798 - 3 فلسان الأول كثير، كيف والحق علم جميع الأشياء في الأزل من عين علمه
بذاته، واندرج فيه جميع النسب الأسمائية باقتضاءاتها.
799 - 3 اما لسان الثاني: ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين... الآية (31 - محمد) و:
ان الله لا يمل حتى تملوا. فالكل كذلك، لان القول والتكوين حسب القدرة المتعلقة بما عينته
الإرادة التابعة للعلم التابع للمعلوم، فانصياع تعينات التعلقات الأزلية للصفات بخواص
الحوادث بهذا السبب لا ينافي قدمها في ذاته ومن حيث محلها، وعلى هذا كلام الحق،
وقد عرفه الشيخ قدس سره في أول التفسير بأنه الصفة الحاصلة من مقارعة غيبية بين
صفتي القدرة والإرادة لا ينافي قدمه، وقدم تعلقه انصياع تعلقه بما يقتضيه أحوال
المخاطبين كالعبرانية والعربية واحكام اسم الدهر كالماضوية والحالية والمستقبلية، فإنها
انصياع ناشئة من الاعتبار الثاني، فيندفع به كثير من الشبه التي عجز عن حلها
فحول أهل النظر، ككون الألفاظ القرآنية حروفا وأصواتا مترتبة حادثة، مع أنه من
أنكر انها كلام الله أو انها أنزلت فقد كفر، وكاقتضاء كون: انا أرسلنا نوحا (1 - نوح)
قديما، قدم نوح (1).



(1) - يعنى قدم هذا الكلام يقتضى قدم نوح على تقدير كون كلام الله قديما ويندفع بأنه قديم بصورته
العقلية في العلم القديم وحادث بصورة الحسية في الألفاظ والحروف (آقا محمد رضا قمشهه أي)
281
800 - 3 وتحقيق اندفاعه: ان قدم كل حادث بالنسبة إلى حضوره بكلياته وجزئياته
مع الوجود الحق الذي لا تقيد له من حيث هو بزمان أو حال، وإلى اطلاعه على ذلك
الحضور اطلاعا لازما لا ينفك عن ذاته أصلا غير منكر.
801 - 3 تأنيسه عقلا: اما أولا: فلما مر من كلام المحقق الطوسي قدس سره: ان العالم
بجميع المعلومات الغير المقيد بزمان أو مكان يكون جميع المعلومات بجميع نسبها حاضرة
عنده وهو يكون مطلعا عليها.
802 - 3 واما ثانيا: فلما تقرر في حكمة الاشراق وغيره: ان الجهات النسبية - أي جهة
كانت - إذا جعلت جزء من المحمولات كانت القضايا بأسرها ضرورية أزلية، لان أعم
الجهات وهى الامكان لكل ممكن، والاطلاق لكل مطلق ضروري أزلي، والا انقلب
الحقائق وهو محال.
803 - 3 وقال قدس سره في موضع اخر من التفسير: ولما كان كل متعين من
الأسماء والصفات حجابا على أصله الذي لا يتعين، وكان الكلام من جملة الصفات صار
حجابا على المتكلم من حيث نسبة علمه الذاتي، فكلام الحق تجل من غيبه وحضرة علمه في
العماء الذي هو النفس الرحماني ومنزل تعين المراتب والحقائق وحضرة الأسماء، فيتعين حكم
هذا التجلي بالتوجه الإرادي للايجاد أو للخطاب من حيث مظهر المرتبة والاسم الذي
يقتضى ان ينسب إليه النفس، فيسرى حكمه إلى المخاطب بالتخصيص الإرادي والقبول
الاستعدادي الكوني، فيظهر سره (1) في كل سامع، مع انصباغه بحكم حال من ورد عليه
وما مر به من المراتب والاحكام الوقتية والموطنية وغيرها - ان اقتضى الامر الإلهي على
سلسلة الترتيب - وان وصل إليه من الوجه الخاص لا ينصبغ الا بحكم من ورد
عليه ووقته وموطنه ومقامه - لا غير - فالكلام في كل مرتبة لا يكون الا بتوسط



(1) - أي سر ذلك التجلي الكلامي - ش
282
حجاب بين المتخاطبين، كما أخبر سبحانه في كتابه العزيز أقلها حجاب واحد وهو نسبة
المخاطبة بينهما.
804 - 3 ثم نقول: وان لم تكن عامة الحكم بالمعنى المذكور فإن كانت مشعرة بنوع
تكثر معقول أو ملحوظ - أي محسوس - فهي أسماء الصفات والاشعار له وجوه:
805 - 3 الأول: الدلالة على جمعية النسب والتعلقات، كالوحدة الوصفية وهى التي
تعتبر نعتا للواحد، فإنها عبارة عن وحدة الصفات من حيث إنها للذات، وان امتازت عنها
فتعددت من حيث المتعلقات، كابصار الواحد عشر مرئيات دفعة، ولا شك ان هذه
الوحدة مشعرة بكثرة الصفات ولو باعتبار المتعلقات وبتعدد الحيثيات والتعلقات.
806 - 3 الثاني: الدلالة على تعلق الكثرة من حيث هي كثرة، نحو الكثير من حيث
الأسماء والنسب فقط، أو من حيث الآثار والصور والمظاهر أيضا، ونحو المحيط وجودا وعلما
وتعلقا وحكما وظهورا وبطونا ومعية ذاتية وقربا وغير ذلك، ولكن بالمعنى المعلوم عرفا، اما
في الحقيقة فلا تعدد، بل الكل صورة واحدة لحقيقة واحدة ومنه (المحصى) من وجه، وهو
الذي انكشف في علمه حد كل معلوم وعدده ومبلغه.
807 - 3 الثالث: الدلالة على التعلق بالمظاهر في الجملة، نحو القهار واللطيف
والسميع والبصير، ومنه الحي والعليم والمريد والقادر والمتكلم إذا أريد تعلقها، سواء كان
بالكل، نحو: ان الله بكل شئ عليم (20 - البقرة) والله على كل شئ قدير (284 - البقرة)
أو بالبعض، نحو: ان الله بما تعملون خبير (29 - لقمان) وهو على جمعهم إذا يشاء قدير (29 -
الشورى)
808 - 3 ثم نقول: وان فهم منها معنى التأثير والايجاد والاحياء والاذهاب والإماتة
والتجلي والحجاب والكشف والستر ونحو ذلك فهي أسماء الافعال.
809 - 3 فان قلت: ههنا أسئلة:

283
810 - 3 الأول: ان الشيخ الكبير رضي الله عنه ذكر في جدول الأقسام الثلاثة من انشاء
الدوائر: القهار والمحصى والقادر ونحوها من أسماء الصفات، وعد الأولين هيهنا من أسماء
الافعال، وحكم على الثالث في شرح الحديث انه الاسم الأعظم من أسماء الافعال، وأيضا عد
الحسيب في الجدول من أسماء الافعال والرقيب من أسماء الذات وفي شرح الحديث كليهما من
أسماء الصفات من سدنة الاسم العليم، فكيف التوفيق؟
811 - 3 الثاني: ذكر ههنا جملة من أسماء الافعال التجلي والحجاب والكشف والستر
والاذهاب ولم يذكر في الجدول ولا هي معدودة في أسماء الاحصاء كما ذكر في الجدول، نحو
الرب مما ليس من أسماء الاحصاء، فما سببه؟
812 - 3 الثالث: لم مثل الأسماء في مفتاح الغيب بمباديها التي هي الصفات، والأسماء
هي المحمولات التي يشتق منها؟
813 - 3 قلت: الشيخ الكبير رضي الله عنه بعد ما ضبطها بهذا الجدول (1) قال: وهذه
الأسماء الحسنى منها ما يدل على ذاته جل جلاله، وقد يدل مع ذلك على صفاته أو أفعاله أو
معا، فما كان دلالته على الذات أظهر، جعلناه من أسماء الذات وهكذا فعلناه في أسماء
الصفات وأسماء الافعال من جهة الاظهر، لا انه ليس له مدخل في غير جدولها - كالرب -
فان معناه الثابت فهو للذات، والمصلح فهو من أسماء الافعال، وبمعنى المالك فهو من أسماء
الصفات.



(1) - أسماء الذات: الله الرب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر العلي العظيم الظاهر
الباطن الكبير الجليل المجيد الحق المتين (المبين - النسخة البدل في انشاء الدوائر) الواحد الماجد الصمد الأول الاخر
المتعالى الغنى النور الوارث ذو الجلال الرقيب.
أمهات الأئمة السبعة الأسماء: الحياة الكلام القدرة الإرادة العلم السمع البصر.
أسماء الصفات: الحي الشكور القهار القاهر المقتدر القوى القادر الكريم الغفار الرحمن الرحيم الغفور
الودود الرؤف الحليم الصبور البر العليم الخبير المحصى الحكيم الشهيد السميع البصير.
أسماء الافعال: المبدئ الوكيل الباعث المجيب الواسع الحسيب المقيت الحافظ الخالق البارئ المصور
الوهاب الرزاق الفتاح القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل الحكم العدل اللطيف المعيد المميت الولي
التواب المنتقم المقسط الجامع المغنى المحيى المانع الضار النافع الهادي البديع الرشيد.
284
814 - 3 وقال فيه أيضا: واعلم انا ما قصدنا بها (1) حصر الأسماء ولا انه ليس ثمة غيرها،
بل سقنا هذا الترتيب تنبيها، فمتى رأيت اسما من أسمائه الحسنى فالحقة بالأظهر فيه.
815 - 3 فأقول: الجواب عن الأول: ان من الجائز ان تعتبر الأظهرية في المحتمل مختلفا،
ويختلف الايرادان بناء على ذلك، وعلى جواز اختلاف الايرادين نبه شيخنا رضي الله عنه
ههنا ان أمهات أسماء الألوهية كالحياة والعلم والقدرة وغيرها انما تعد من أسماء الذات، إذا
اعتبرت من حيث هي، أي ذاتية لا نعتا للواحد، اما إذا اعتبر تعلقاتها وكون الوحدة نعتا، فمن
أسماء الصفات.
816 - 3 فعليك بضبط الأصول وتفريع الفصول، فان الامر الكلى ما لم يعتبر فيه التعلق
أو الامتياز النسبي فهو اسم الذات، وان اعتبر فيه التعلق - فإن كان تعلقه تعلق التأثير - فهو
اسم الفعل والا فهو اسم الصفة، ولا يقدح كونه شرطا في التأثير - كالحي - فقد قال الشيخ رضي الله عنه
: انه الدراك الفعال وانه شرط الكل، وكالعليم والمريد والقادر فإنها شروط التأثير.
817 - 3 ثم أقول: فمثل القادر والقدير ومن سدنته القهار والقاهر، وكذا المحصى من
سدنة العليم كما مر معناه يجوز ان يكون باعتبار تعلقه بالأغيار من أسماء الصفات وباعتبار
ان قدرته محتد تفاصيل تأثيراته حين اعتبار التنوع في تعلقاتها المشتمل ذلك التنوع على
حرمان البعض عن بعض الكمالات وهو القهر، وعلى اعتبار إحاطته بحد كل مقدور
وعدده ومبلغه وهو الاحصاء في القدرة، يصح عد الكل من أسماء الافعال، وعليك بتأمل
الاعتبارين في كل من الرقيب والحسيب على ما سيظهر من شرحها إن شاء الله تعالى.
818 - 3 فان قلت: عد الشيخ الكبير رضي الله عنه القدوس والسلام من أسماء الذات
وقال الغزالي: السلام هو الذي يسلم ذاته عن العيب وصفاته عن النقص وافعاله عن الشر.
وقال بعض المشايخ: القدوس من تنزه عن الحاجات ذاته، والسبوح من تنزه عن الآفات



(1) - أي الأسماء الحسنى المذكورة في الحاشية والجدول - ش
285
صفاته، فهل يصح ان تعد أمثالها من السلبيات كالفردية والأزلية وغيرهما من أسماء
الصفات والافعال - ولو ببعض الاعتبارات -؟
819 - 3 قلت: لا حجر (1) في الاعتبار، ولكن الحق ما فعله، لان وصف الذات بهذه
الاعتبارات لا يقتضى نسبة شئ إليها تفيدها كثرة، ولان الذات هي التي لها الغنى المطلق عن
العالمين، فهي منبع النزاهات ومحتدها، فنسبتها إليها هي الحق الحقيق بالقبول واولى في العقول.
820 - 3 وعن الثاني (2): انهما (3) نبها بعد عد أسماء الاحصاء على أن كليات الأسماء غير
منحصرة فيها اجماعا.
821 - 3 اما التوقيفية - بتقديم القاف -: فقد روى الاحد بدل الواحد والقاهر بدل
القهار والشاكر بدل الشكور، وكالهادي والكافي والدائم والنصير - بالنون - والنور
والمبين والجميل والصادق والمحيط والقريب والقديم والوتر والفاطر والعلام والملك والأكرم
والمدبر والرفيع وذي الطول وذي المعارج وذي الفضل وذي القوة والخلاق، وكالمولى
والغالب والرب والناصر وشديد العقاب وقابل التوب وغافر الذنب
ومولج الليل في النهار ومولج النهار في الليل ومخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي.
822 - 3 وورد في الخبر أيضا انه (ص) قال: السيد هو الله تعالى، وكأنه قصد المنع من
المدح في الوجه، والا فقد قال: انا سيد ولد آدم ولا فخر، وورد: الديان والحنان والمنان،
وقوله (ص): لا تقولوا: جاء رمضان، فان رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا: شهر
رمضان.
823 - 3 ومما وقع الاتفاق بين العلماء من الأسامي: المريد والمتكلم والموجود والشئ
والذات والأزلي والأبدي.
824 - 3 ثم لو جوز اشتقاق الأسامي من الافعال نحو: ويكشف السوء (62 - النمل) و:



(1) - أي: لا منع. (2) - عطف على: فأقول: الجواب عن الأول... إلى آخره. (3) - أي الشيخ الكبير رضي الله عنه
والغزالي قدس سره
286
نقذف بالحق على الباطل (18 - الأنبياء) و: يفصل بينهم (17 - الحج) و: قضينا إلى بني إسرائيل
(4 - الاسراء) و: علم القرآن (2 - الرحمن) فيخرج عن الحصر، والمنبه الكلى على عدم
الحصر قوله (ص): أو استأثرت به في علم الغيب عندك.
825 - 3 واما التوفيقية - بتقديم الفاء -: كما ذكره الشيخ رضي الله عنه من التجلي
والستر والحجاب وغير ذلك مما يستعمله أهل التحقيق، فالحق عندهم ان الألفاظ أسماء الأسماء
والأسماء في الحقيقة كما مر هي التعينات أو المتعينات التي كلياتها الحضرات الخمس كما
سيشار إليها من أنها المفاتيح الأول، وكما أنها لا ينحصر جزئياتها، لا ينحصر الدوال عليها، إذ
لا حجر في العبارة ما لم يمنع مانع عقلي أو شرعي ولم يمنع كما عددناها.
826 - 3 فان قلت: فما فائدة التخصيص بتسعة وتسعين مائة الا واحدا، وقد قيل
بمفهوم العدد وانه لا يحتمل القلة والكثرة أصلا - كما علم في تخصيص ثلاثة قروء - وأيضا
ما فائدة الاحصاء على ما روى عن أبي هريرة عن النبي (ص)؟
827 - 3 قلت: اما تخصيصها بتسعة وتسعين - وان عينت - فلا ينافي جواز الزيادة
لجواز ان يكون قوله (ص) احصائها... إلى اخره، صفة لها ويكون تخصيصها بالعدد أو
بالتعيين باعتبار تلك الصفة، فلا ينافيه زيادة الأسماء في الوجود ولا ما في الحديث من
قوله (ص): أو استأثرت به في علم الغيب عندك.
828 - 3 واما تخصيصها بتلك الصفة فيكون بالوحي، كتخصيصها بذلك العدد لا
بالعقل، أو يكون لأشرفية هذه الأسماء - لا مطلقا - بل بالنسبة إلى الأسماء التي عند الجماهير
فلا ينافيه خروج الاسم الأعظم منها، مع أن أحاديث الاسم الأعظم يدل دخوله فيها، لكن
ستره الله الا على نبي أو ولى، وستسمع كلام الشيخ قدس سره في تحقيقه.
829 - 3 واما احصائها فردا فردا ففي روايتين مختلفتين عن أبي هريرة، وقد تكلم احمد
البيهقي انها من رواية من فيه ضعف، وأشار أبو عيسى الترمذي إلى شئ من ذلك - كذا ذكره
الغزالي -

287
830 - 3 واما عن الثالث: فان تمثيل الأسماء بالصفات بناء على انها أصول التعينات
الحاصلة بالتعلقات، ودلالة المتعينات على المطلق السابق بسبب دلالة التعينات فهي الأولى
بالتمثيل، وإن كان يصح بالمتعينات أيضا كما ذكرنا.
831 - 3 ويناسب المقام ان يحكى ما ذكره الشيخ قدس سره في شرح أحاديث الاسم
الأعظم، إذ فيه فوائد عزيزة وعوائد غريزة. قال قدس سره: الذي افاده الشهود الأتم هو ان
الحق باعتبار اطلاقه لا يتعين عليه حكم بسلب أو إثبات أو الحصر في ذلك الجمع أو غيره،
كتعقل اقتضاء ايجاد أو مبدئية، بل له التحقق بجميع الاحكام والأوصاف، وكل ذلك
من حيثية تعين مشتمل على جميع التعينات والاعتبارات، ونسبة الوحدة والكثرة تفرعتا
منه، فلا حصر فيه ولا تنزيه عن الحصر، فالكل ثمة، وما ثمة كل ولا جزء ولا ثمة، وقد نبه
بقوله تعالى: وهو معكم أينما كنتم (4 - الحديد) و: بكل شئ محيط (54 - فصلت) انه محيط
بظاهر كل ذرة - فما فوقها في الصغر - وبباطنها، مع أنه مع كل شئ بحسبه، ولا ريب ان
المصحوب متى كان مقيد الذات فان المصاحب يصحبه بالتقييد، ولذا قال: أينما كنتم، غير أنه
لا ينحصر فيه ولا في غيره.
832 - 3 ولهذا أقول: إن الحق مع كل متعين متعين ومطلق غير متعين، ولهذا تعذرت
معرفة كنهه تماما، فقال: ولا يحيطون به علما (110 - طه) فما نفى العلم من حيث تعينه، وانما نفى
الإحاطة به وتعذرها من حيث اطلاقه، وعليه قوله عليه وآله السلام: لا احصى ثناء
عليك ولا أبلغ كل ما فيك، فنفى الإحاطة لا المعرفة، فلا يخفى على المستبصر ان ذاتا هذا شأنها
يتعذر وضع اسم لها بحيث يدل على محض حقيقتها دلالة مطابقة تامة دون تضمنه معنى (1)
زائدا عليها، مع أن لا عبارة الا عن متعين، واطلاق الحق هو من حيث اللا تعين.
833 - 3 ثم إنه ينبغي لك ان تعلم أنه وان تعذر ان يكون لله مثل هذا الاسم، فان له
أسماء عظاما في مراتب الافعال والصفات والنسب واحكام الألوهية المعبر عنها بالاعتبارات.



(1) - من وصف أو حكم أو مرتبة أو اعتبار - ش
288
834 - 3 فأقول: الأسماء الإلهية تنقسم بنحو من القسمة إلى خمسة أقسام: قسم لا مدخل له
في اللفظ والكتابة، وسيجئ انه الانسان الكامل، وأول الأقسام من الأربعة المفاتيح المشار
إليها في قوله: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو (59 - الانعام) ولها خمس مراتب هي
الحضرات الخمس المشهورة، وقوله: لا يعلمها الا هو، مفسر بأنه لا يعلمها أحد بذاته ومن
ذاته، لكن قد يعلم بتعريف الله واعلامه، فان من عباد الله من يطلعه الله عليها، وقد وجدنا
ذلك لغير واحد من أهل الله يعلمون متى يموتون وما في الأرحام، بل والله وقبل الحمل، مع أن
النبي صلى الله عليه وآله قال في حديث الساعة حين سئل عنها في خمس لا يعلمهن الا الله
ثم تلا: ان الله عنده علم الساعة... الآية (34 - لقمان) فالتوفيق بما ذكرنا.
835 - 3 أو المراد ان يجهل مفتاحيتها وكيفية فتحها ولا يجهل حقيقتها من حيث
هي، وكيف لا؟ والفتح الأول قد وقع ومضى، فإنه عبارة عن الايجاد، فالشاهد الان
وان اطلعه الحق على المفاتح والفتح فإنما يشاهد فتحا مثل الفتح الأول لا عينه.
836 - 3 فاعلم أن المفاتح المشار إليها من أسماء الذات ولها الدلالة على الذات من
أكثر الوجوه، وان لم تدل مطابقة من كل وجه ما عدا القسم الخامس الذي لا يعرفه الا الكمل
ولا يذكرونه لاحد، ومن حيثية هذه الأسماء ظهر سر مبدئية الحق، ومنها تفرعت
الاعتبارات والإضافات والمراتب.
837 - 3 واولى مراتب الذات من حيثية هذه الأسماء هي الألوهة، فهي كالظل
لحضرة الذات وأمهات أسماء الألوهية التي هي الحي والعالم والمريد والقادر، كالظلالات
لأسماء الذات المشار إليها، فاعظم أسماء حقيقة الألوهية الاسم (الله) ومن أمهات الأسماء
(الحي) وسائر أسماء الألوهة تابعة لأسمائها الأربعة المذكورة والاسم (الله) الموضوع
لتعريف حقيقة الألوهية من حيث أحدية جمعها.

289
838 - 3 واعلم أن الاسم الأعظم في مرتبة الافعال الاسم القادر والقدير، لان الخالق
والبارئ والمصور والقابض والباسط وأمثالها كالسدنة للاسم القادر، وكذلك الثلاثة (1)
الباقية، فالاسم الرؤف والعطوف والودود وأمثالها تابعة للاسم المريد، والحسيب والرقيب
والشهيد وأمثالها تابعة للاسم العليم، وفي الحي يجتمع تلك الأحكام، بل منه يتفرع
لجميعته، فان الحي هو الدراك الفعال ولأنه شرط في الكل.
839 - 3 وذكر شيخنا: ان الحي القيوم في التحقيق اسم مركب من اسمين وانه من
بعض أجزء الاسم الأعظم العام الأثر، وكذلك الألف والدال والذال والراء والزاي والواو
من اجزاء الاسم الأعظم.
840 - 3 وانا أقول: ليعلم ان هذه الحروف مع الحي القيوم، وبقية اجزاء الاسم كالمرآة
الثابتة لمعنى القدرة وكالاسم الدال على الشئ على سبيل المطابقة، ولهذا يؤثر في كل شئ
يتوجه به إليه، فلذلك قيل فيه انه أعظم من غيره من الأسماء المؤثرة، لأنه عام الأثر في جميع
الأنواع والاشخاص، لا كالأسماء المؤثرة الأخرى المختص بكل نوع، فاعرف ان الاسم
الأعظم بالنسبة إلى كل موجود عبارة عن صورة الاسم المترجم عن معنى الحيثية التي من
جهتها يستند ذلك الموجود إلى الحق - كان من الأناسي والجن والملك أو غيرهم - تعرف
معنى ما قال عليه وآله السلام حين سمع الذين يذكرون الله ويسألونه: انهم سألوا الله بالاسم
الأعظم الذي إذا دعى به أجاب، مع اختلاف الأسماء، وليس الامر كما وقع في افهام الناس
ان الاسم الأعظم واحد، فكيف يمكن الجمع بين هذه المفهومات المختلفة؟
841 - 3 ثم اعلم أن لأعظمية الاسم مرتبة أخرى تختص بالتعريف، فأي اسم أتم تعريفا
من غيره فهو أعظم منه، كما قال عليه وآله السلام في قوله: والهكم اله واحد (163 - البقرة)
وفي فاتحة آل عمران وفي أول الحديد، فالأعظمية فيها من جهة التعريف لا التأثير، بل
الأعظمية في التأثير ما سبق.



(1) - من أمهات أسماء الألوهية من الأربعة وهى العالم والمريد والحي - ش
290
842 - 3 وأيضا ينبغي لك ان تعلم أن الأعظمية المختصة بالتعريف والدلالة تنقسم إلى
قسمين: قسم داخل في مرتبة اللفظ والكتابة وهو المشار إليه في الآيات السابقة، وقسم
خارج عنها وهو القسم الخامس ويختص بالانسان الكامل، فإنه من حيث كمال دلالته من
حيث جمعه وأحديته وبرزخيته كامل الدلالة على حضرة الحق ذاتا وصفة وفعلا ومرتبة،
غير أن هذه الدلالة لا تدخل في مرتبتي الفظ والكتابة. إلى هنا كلام الشيخ قدس سره في شرح
الحديث.
843 - 3 وقال الشيخ مؤيد الدين الجندي في شرح الفصوص: واعلم أن الاسم الأعظم
الذي اشتهر ذكره وطاب خبره ووجب طيه وحرم نشره من عالم الحقائق والمعانى حقيقة
ومعنى، ومن عالم الصور والألفاظ صورة ولفظا.
844 - 3 اما حقيقة: فهي أحدية جمع جميع الحقائق الجمعية الكمالية كلها. واما معنى:
فهو الانسان الكامل في كل عصر وهو قطب الأقطاب حامل الأمانة الإلهية، خليفة الله
ونائبه الظاهر بصورته.
845 - 3 واما صورته: فهو صورة كامل ذلك العصر، وعلمه كان محرما على سائر
الأمم لما لم يكن الحقيقة الانسانية ظهرت بعد في أكمل صورته، بل كانت في ظهورها
بحسب قابلية كامل ذلك العصر فحسب، فلما وجد معنى الاسم الأعظم وصورته بوجود
الرسول أباح الله العلم به كرامة له.
846 - 3 واما صورته اللفظية فمركبة من أسماء وحروف تركيبا خاصا على وضع
خصيص به ويعلمه من علمه الله بلا واسطة، بل رؤيا أو كشفا أو تجليا أو بواسطة
مظهره الكامل، وقد اختلفوا فيه. والصحيح ان الله اخفى علمه عن أكثر هذه الأمة لما فيه
من الحكم والمصالح ولم يأذن للكمل ان يعرفوا منه الا بعض أسمائه وحروفه التي يشتمل

291
عليها تركيبه الخاص المنتج أنواع التسخيرات والتأثيرات من الولاية والعزل والإماتة
والاحياء وغيرها.
847 - 3 فمن أسماء هذا الاسم هو الله المحيط والقدير والحي والقيوم، ومن حروفه:
ادذرزو ذكره الشيخ الكبير رضي الله عنه في سؤال الحكيم الترمذي.
848 - 3 وقال في موضع اخر: الألف هو النفس الرحماني الذي هو الوجود المنبسط،
والدال حقيقة الجسم الكلى، والذال المتغذى، والراء هو الحساس المتحرك، والزاي
الناطق، والواو لحقيقة المرتبة الانسانية، وانحصرت حقائق عالم الملك والشهادة المسمى
بعالم الكون والفساد في هذه الحروف. قال: وهى لا تتصل بغيرها، لأنها حقائق الأجناس
العالية ولكن الاشخاص تتصل به آخرا من عينها ومما قبلها، لان العلم بالملك والشهادة
بالنسبة إلى العالم متقدم على العلم بالملكوت وألواح الأرواح.
المقام الرابع
في أقسام شهود الحق سبحانه حسب انقسام تعيناته الاسمية
849 - 3 لما كانت التعينات الوجودية روحانية كانت أو مثالية أو خيالية أو حسية،
صور التعينات العلمية واحكامها، اختلفت حسب اختلاف مراتبها، وكانت التعينات
العلمية صور جميعة النسب الصفاتية واحكامها، كان ظهور احكام أسماء الافعال من
اجتماع احكام أسماء الصفات.
850 - 3 ولما كان احكام اجتماع أسماء الصفات - أعني الحقائق العلمية التي هي شؤون
الحق بالحقيقة - حاصلة من اجتماع التوجهات الذاتية التي هي المفاتيح الأول وسدنتها -
وذلك في النكاح الأول المعدود في أقسام النكاحات من وجه دون وجه - كان ظهور

292
أسماء الصفات من اجتماع احكام أسماء الذات، فكذا ظهور حكم أسماء الافعال، لان
الحاصل من الحاصل من الشئ حاصل منه.
851 - 3 إذا عرفت هذا فنقول: شهود الحق سبحانه ورؤيته هذا المفصل - أعني
التعينات الاسمية مطلقا - ثلاثة أقسام: لأنه اما شهود المفصل مجملا في الأحدية وهو
الشهود العلمي الذاتي الذي به قلنا إنه سبحانه علم جميع الأشياء من عين علمه بذاته. واما
شهود المفصل مفصلا، فلا يخلو اما ان يكون بالتفصيل الوجودي - وهو الشهود العياني
الوجودي - أو بالتفصيل العلمي - وهو شهود الحقائق التي في الحضرة العلمية من حيث
قابلياتها في حضرة الامكان - أو نقول: شهوده اما في ذاته سبحانه أو فيما تميز عنه في الوجود
بتعينه، أو فيما تميز عنه في العلم فقط.
852 - 3 والفرق بين التميز الوجودي والعلمي الذي مر الإشارة إليه من وجوه: منها ان
التميز الوجودي يصحح شهود المتميز نفسه وأمثاله من المتميزات، والتميز العلمي لا يصحح الا
شهود العالم، ولذا نقول: إنها معدومة لانفسها غير موجبة كثرة وجودية في الذات. أو
نقول: شهود المفصل اما في الوحدة من كل وجه أو في الكثرة من كل وجه أو في الكثرة من
وجه دون وجه، وهى الكثرة العلمية الامتيازية النسبية، فان العلم باعتبار ذات الحق سبحانه
إحدى مثله، وانما كثرته بالنسبة إلى المتعلقات.
853 - 3 فنقول: فشهود الحق في ذاته جميع الحقائق ولوازمها بوسط أو غير وسط إلى أن
ينتهى إلى أسماء الافعال وصور الأعيان الوجودية - أعني التعينات الحاصلة من الاقتران
الوجودي - وما يتبع تلك الحقائق واللوازم من إفادة تداخل احكام أسماء الصفات والافعال
التناسب أو التباين - على اختلاف ضروبها - ومن أي جهة ينحصر الارتباطات، وفي كم
ينحصر ومن أي جهة لا ينحصر شهود ذاتي علمي، شهود النخلة وثمرها وما يتبعها في النواة
الواحدة التي حصل الكل بغرسها لمن يقدر بالكشف، وغيره ان يرى ذلك لا في عين
الخارج ولا في صورة الحضرة العلمية بالتفصيل.

293
854 - 3 واما شهوده سبحانه الموجودات في الصور المتميزة عنه شهودا متعلقا بتعينها
أو تميزا حاصلا بتعينها أو بسبب تعين الحق بها فحسب، أي لا ان الشهود أو التميز بواسطة أمر
ليس بينه وبين الحق واسطة - كالقلم الاعلى على ما زعم أهل النظر - فان نسبة ما بين الحق
وكل موجود متعين المعبر (1) عنها بالقرب الوريدي والمعية الذاتية نسبة المطلق والتعين
الوارد عليه، ولا واسطة في تلك النسبة المسماة بالوجه الخاص عند المحققين، ولما لم يجده أهل
النظر زعموا ان علم الحق بالتعينات الجزئية الوجودية انما هو على الوجه الكلى، لأنه بواسطة
العقل الأول المرتسم فيه جميع صور الأشياء - لكن على وجه كلي -
855 - 3 والحق ان التوسط للوجود العام الذي هو ليس غير ذات الحق في الوجود - بل
في الاعتبار لاله - ثم ذلك التوسط في صدور الكثرة لا في شهودها، فقولنا: بتعينه فحسب،
احتراز عما زعموا ان التعين الجزئي غير مصحح لرؤية الحق، لولا توسط العقل الذي لا امكان
فيه الا بوجه واحد.
856 - 3 فهذا شهود وجودي عياني ونسبته في ذلك إلى القلم الاعلى وما بعده سواء، نعم قد
يشهد في ذات القلم الاعلى الذي هو المعنى الجامع للحقائق - كما مر من تعريف الشيخ
قدس سره - صورها من حيث إنها لوازمه (2)، وفي وجود اللوح المحفوظ وما نزل عنها -
كالعرش والكرسي وغيرهما - صورها مفصلة، كشهود ذرية آدم شهودا تفصيليا حين
أخرجهم من ظهره على ما قال تعالى: وإذ اخذ ربك من بني آدم... الآية (172 - الأعراف)
فذكر (الذات) في القلم الاعلى و (الوجود) في اللوح المحفوظ وما بعده تنبيه على ذلك.
857 - 3 والثالث من أقسام الشهود هو الشهود في حضرة الامكان وهو نوعان: جزئي



(1) - صفة نسبة - ش (2) - أي الشهود في مرتبة القلم الاعلى شهود كلي متعلق بصور الأشياء من
حيث إنها لوازمه، وفي مرتبة اللوح وما بعده شهود صورها مفصلة، فافهم. قيل: يفهم منه ان قول
المصنف: ونحوهما، عطف على اللوح، فيكون حينئذ صور الأشياء في هذه الثلاثة مفصلة، لكن الحق عندي
انه عطف على ذات القلم، لان العرش مظهر القلم ويؤيده تثنية الضمير، فالكلمة في العرش واحدة والأشياء
مصورة فيه بوجه اجمالي، واما الكرسي فمظهر اللوح والكلمة فيه منقسمة، ولهذا كان موضع تدلى القدمين
والأشياء فيه مصورة بوجه تفصيلي - ش
294
وكلي، فان الجزئي تعلق العلم بالشئ الجزئي في الحضرة العلمية من حيث صلاحيته لقبول التوجه
الإلهي والتعين الوجودي، سواء توقف على سبب واحد أو أسباب، وهذا شهود ذلك الشئ
في مرتبة امكانه، والكلى مطلق هذا التعين على النحو المنبه عليه، وهذا شهود الأشياء على
الاطلاق في حضرة الامكان، فالفرق بين الشهودات الثلاثة: ان هذا الشهود يتكثر بحسب
النسبة العلمية لا بحسب الأمور الوجودية - كالثاني -
858 - 3 اما شهوده وعلمه في حضرة أحدية ذاته - أعني القسم الأول - فليس بأمر زائد
على ذاته، إذ لا كثرة هناك بوجه أصلا، تعالى الله عما لا يليق به.
859 - 3 ثم نقول: هذه الموجودات المشهودة قسمان: أحدهما ما ليس له من مقام التركيب
والتقيد الزماني حكم امكاني أو وسط زماني، وهو عالم الامر وعالم الملكوت وعالم الغيب.
والثاني ماله ذلك، وهو عالم الخلق والملك والشهادة.
860 - 3 قال الشيخ قدس سره في تفسير الفاتحة: وظهور الاحكام في عالم الصور
التي هي مظاهر الحقائق والأرواح ان تقيد بالأمزجة والأحوال العنصرية واحكامها،
والزمان الموقت ذي الطرفين فهو عالم الدنيا، وما ليس كذلك وان تعين محل ظهور
حكمه فهو من عالم الآخرة، هذا كلامه وعلم منه ان التقسيم مثلث وما في التفسير قسما عالم
الخلق.
واما خاتمة التمهيد الكلى الجملي
ففي بيان متعلق طلبنا بالاجمال وبأي اعتبار لا يتناهى مراتب الاستكمال
861 - 3 اما الأول فهو ان متعلق معرفة كل عارف والذي يمكن ادراك حكمه من الحق
سبحانه انما هو مرتبته التي هي الألوهة واحديتها - لأكنه ذاته ولا إحاطة صفاته - وإلى ذلك
مر الإشارة بما أمر أكمل الخلق مرتبة واستعدادا بقوله سبحانه: فاعلم أنه لا إله إلا الله
(19 - محمد) ولا بد هنا من أمور:

295
862 - 3 الأول انه لا يمكن ادراك كنه ذاته. الثاني معنى الألوهية التي هي مرتبته. الثالث
بيان وحدانيته الإلهية.
863 - 3 فبيان الأول من وجوه:
864 - 3 الوجه الأول ان ذاته كما مر هو الوجود المطلق والهوية الذاتية المطلقة تقتضى
بحقيقتها الاطلاقية وذاتها الأحدية ان لا يعلم ولا ينحصر ولا يحد ولا يتناهى، وهو معنى
كبريائه، وكل معلوم محاط متميز عن غيره، وقد مر ان الشئ إذا اقتضى أمرا بذاته يدوم بدوامه.
865 - 3 الوجه الثاني ان العلم به إن كان بدلالة اللفظ فكل لفظ مقيد بتركيب خاص،
وليس في قوة المقيدان يعطى غير ما يقتضيه تقيده على أن للوضع مدخلا فيها، والوضع (1)
انما يحتاج إليه فيما يدرك بالحس أو يتخيل في الوهم أو يتصور في العقل، والعقل الذي هو
أكثر الثلاثة إحاطة عاقل لما يتعلق به، إذ لا عمل له الا بالتقيد والتميز، فقد علم حال العلم
به إن كان بدلالة العقل (2).
866 - 3 الوجه الثالث ان العلم سواء أضيف إلى الحق أو الخلق نسبة من نسب الذات
متميزة عن غيرها، وليس في قوة نسبة الذات ان يحيط بكنه الذات الغير المحاطة، والا لزم قلب
الحقائق وتخلف الذات عن مقتضاها.
867 - 3 فان قلت: مسلم في علم الخلق، اما علم الحق فعينه، فيمكنه الإحاطة بالذات.
868 - 3 قلت: فالإحاطة بذلك الاعتبار للذات لا لنسبته، ومن هنا يعلم أن ليس لذات
الحق من حيث هويته علم (3)، فللفظ الجلالة اشتقاق الأصل بالوجوه الآتية والعلمية



(1) - أي سواء كان الواضع هو الله أو بشرا يحتاج الانسان في فهم المعنى الموضوع له إلى المدارك المذكورة
وينساق الكلام (آقا محمد رضا) (2) - لان العقل عقال لا يتجاوز إلى عالم الاطلاق، ويحتمل الكلام ان
العلم به إن كان بدلالة اللفظ فكذا، وإن كان بالعقل فكذا - ش (3) - يدل عليه بالمطابقة - ش
296
الغالبة، لكن لا من حيث هو، بل من حيث مرتبة الألوهة، فلذلك فهم التوحيد من
كلمة الشهادة وصح القول بعلميته في الجملة من الخليل وسيبويه من أئمة العربية ومن أبي حنيفة
والشافعي والغزالي والامام الرازي وأبى زيد البلخي وغيرهم من علماء الشريعة
والنظار.
869 - 3 فان قلت: لم لا يجوز ان يسمى الحق نفسه باسم يدل على ذاته بالمطابقة ويعرفنا
بذلك، فنعرف ذلك الاسم وحكمه بتعريفه - وان عجزنا عن تصوره وتصويره -؟
870 - 3 قلنا: لا يجوز نقلا وعقلا. اما نقلا: فلان قول أكمل الخلائق ومن منح علم
الأولين والآخرين في دعائه: أو استأثرت به في علم غيبك مما (1) يستروح منه (2)، ان السؤال
من الحق عز أسمائه وأحقها نسبة إليه آكد في أسباب الإجابة ونيل المراد، وذا هو
ما كملت دلالته عليه، وحيث لم نجد ذلك دل على عدم ظهوره من الحق.
871 - 3 واما عقلا: فلان تعريف الحق إياه لا يمكن ان يكون بدون واسطة.
872 - 3 فشرعا: لقوله تعالى: وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا... الآية (51 -
الشورى).
873 - 3 وذوقا: لان أقل ما يتوقف عليه الخطاب حجاب واحد هو نسبة المخاطبة
والخطاب من لوازم التجلي، والتجلي لا يكون الا في مظهر ومنصبغا بأحوال المظاهر،
والمخاطب مقيد باستعداد خاص ومرتبة وروحانية وحال وصورة وموطن وغير ذلك،
ولكل منها اثر فيما يرد من الحق، فلا يصح ادراكنا له الا بحسبنا (3)، وهذا السؤال مع
جوابه مستنبط من تفسير الفاتحة.



(1) - أي علم بالاستقراء عدم الوجدان كما يدل عليه قول أكمل الخلق واعلمهم في دعائه: أو استأثرت به
في علم غيبك، فلو حصل له هذا الاسم مع ما تقرر ان مثل هذا يكون أشرف الأسماء لكمال مطابقته للذات لم
يحتج أن يقول (ص) في دعائه: أو استأثرت، لان من ظفر لأجل ما يتوسل به استغنى على غيره، فلما في
دعائه التقاسيم عملا بالأحوط علم أنه لم يكن عنده متعينا - ش (2) - في التهذيب: أروح الصيد واستراح
إذا وجد ريح الانسان، والاسترواح التشمم (لسان العرب) - استرواح بوبرداشتن (منتهى الإرب) نقل
من الحاشية للمطبوع (3) - لا بحسبه، فعلى هذا لا يكون اسم يطابق المطلق التام الاطلاق - ش
297
874 - 3 واما ما تمسك به القائلون بعلمية الأصل من أن سائر الأسماء نسبت إليه في
قوله تعالى: ولله الأسماء الحسنى (180 - الأعراف) وانه يوصف بالأسماء الاخر دون العكس،
فمع انهما معارضان بقوله: أو ادعوا الرحمن... الآية (110 - اسراء) وقوله تعالى: قل من رب
السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله (86 - 87 - المؤمنون) بالرفع، كما ترى
يجوز ان يكون لكون الألوهية صفة أحدية جمعية جامعة لحقائق مخصوصة بذات الموجد كما
سيجئ بيانه.
875 - 3 لا يقال: معنى لا إله إلا الله على هذا: لا اله في الوجود، ولا يفهم منه تمام
التوحيد، إذ لا ينافي ان يكون في الامكان اله غيره كالشمس، وتمام التوحيد بنفي ذلك أيضا.
876 - 3 لأنا نقول: بل نفى الوجود كاف، لأنه ورد شرعا لرد زعم التعدد الواقع من
منكري الوحدانية، ونفى الامكان لا يكفي، لان الثابت للمستثنى حينئذ امكان الألوهية
ولا يلزم منه وجودها، على انا ان أردنا ذلك قدرنا لا اله الا في الوجود أو الامكان الا الله، لما
تقرر في الأصول ان (أو) في حيز النفي بمعنى (ولا) فيندفع السؤالان (1) معا، وهذا بخلاف
(الواو) فإنه لجمعهما، فيرد عليه السؤالان معا.
877 - 3 البيان الثاني في بيان معنى الألوهة التي هي اسم المرتبة.
878 - 3 قيل: هي حقيقة أحدية جمع جميع الصفات الحسنى (2) والأسماء العلياء، وإليه
ميل الغزالي وكثير من أهل النظر، قالوا: ولجمعية هذه لا يتصور فيها مشاركة - لا حقيقة
ولا مجازا - ونسب (3) سائر الأسماء إلى الاسم الله، ولهذين الامرين (4) يشبه ان يكون هو
الاسم الأعظم.



(1) - لأنه من جهة نفى الامكان يفهم منه تمام التوحيد ومن جهة نفى الوجود يلزم منه وجود الألوهية - ش
(2) - لأنه من جهة نفى الامكان والوجود جمعا يستلزم نفى الامكان من غير أن يكون موجودا، فيحتمل ان
يكون ممكنا ولا يكون موجودا من جهة الخارج فلا يفهم منه تمام التوحيد، واما السؤال الثاني، أي امكان
الألوهية في المستثنى من غير لزوم الوجود فوروده محل تأمل وخفاء، لأنه حينئذ ثبت للمستثنى الامكان
والموجودية معا، فتأمل - ش (3) - مبتداء خبره: الاسم الله - ش (4) - أي للجمعية وعدم تصور المشاركة
ونسبة سائر الأسماء إليه - ش
298
879 - 3 وقيل: هي أحدية جمعية جميع المعاني المذكورة (1) في اشتقاق الاسم الله الذي
هو ذات هذه الأحدية، وانما يصح إذا اشتقت الألوهة من لفظ الجلالة لا من أصول معانيها (2).
880 - 3 ووجهه: ان الحق سبحانه لكونه مفيض الوجود على كل موجود ومبدأ
الكل، له الرفعة بالذات والمرتبة والشرف والوجود الذاتي، لا بالمكان، من لاه ارتفع،
وبكمال كبريائه محتجب عن العقول البشرية، من لاه احتجب، وهو ملجأ الكل ومفزعه،
من اله - بالكسر - إذا فزع. وهو المحب المحبوب والطالب المطلوب، فيوله فيه العالمون
والعالمون، من وله - بالفتح - بمعنى أحب، ويحار فيه العقول، من اله - بالكسر أيضا -
تحير، ويولع الكل بالتضرع إليه والسؤال منه، من وله - بالكسر - أولع، وهو المعبود في
كل مكان وهو المحمود في كل لسان في كل زمان وهو المسجود لكل عابد كان من
كان. من اله - بالكسر أيضا - بمعنى عبد، وله دوام أزلي وبقاء سرمدي وثبات ذاتي. من
الهت بالمكان - بالكسر - أقمت، وهو القادر بالذات على ابداع المبدعات، المقتدر على ايجاد
الذوات واختراع الصفات من الألهة - بمعنى القادر على ذلك - ولم يرد من هذا المعنى ماض
ومضارع وهى أحق هذه الوجوه بالحق.
881 - 3 وقيل: أصل هذا الاسم (هاء) الكتابة إشارة إلى هويته الغيبية الذاتية ثم زيد
(لام) الملك، لأنه مالك الكل في الحقيقة، لأنه خالقهم، فصارت (له) ثم زيدت حرف
التعريف تعظيما وفخموه تأكيدا لهذا المعنى.
882 - 3 وقال الشيخ الكبير رضي الله عنه في الفتوحات: افتقار الممكن للواجب
بالذات والاستغناء الذاتي للواجب دون الممكن يسمى الها. وقال فيه أيضا: الألوهة
مرتبة للذات لا يستحقها الا الله، فطلب مستحقها (3) ما هو (4) طلبها، والمألوه يطلبها وهى



(1) - من الرفعة والاحتجاب والملجأ والتحير والوله وغيرها، لا أحدية جمع جميع الصفات والأسماء كما في
القول الأول - ش (2) - لعدم الجمعية حينئذ - ش (3) - أي الألوهية - ش (4) - لفظة (ما) موصولة
بمعنى الذي مفعول لطلب، وهو المألوه والذي طلب الألوهية، قوله: والمألوه يطلبها بيان وتفسير له - ش
299
تطلبه، والذات غنية عن كل شئ، فلو ظهر هذا السر الرابط لما ذكرنا لبطلت الألوهة ولم
يبطل كمال الذات، وظهر هنا بمعنى زال، كما يقال: ظهروا عن البلد، أي ارتفعوا عنه، وهو
قول الإمام (1): للألوهة سر لو ظهر لبطلت الألوهية، هذا لفظه، فقد علم منه معنى
الألوهية وانها اسم المرتبة وانها مناط الايجاد بسر التضايف وان الأعمال بحسب المقتضى.
883 - 3 واعلم أن الألهة والألوهة والألوهية بمعنى واحد (2)، وان فرق بعضهم بان
الألهة العبادة بمعنى المعبودية، والألوهية التعزز بالمعبودية، والألوهية التحقق الذاتي
بالكمالات، كما فرق الامام القشيري في مقابلتها بين العبادة والعبودة والعبودية.
884 - 3 فقال: العبادة لعوام المؤمنين أو لمن له علم اليقين أو لأصحاب المجاهدات أو لمن
يدخر عنه نفسه، والعبودية للخواص أو لمن له عين اليقين أو لأرباب المكابدات أو لمن لم
يضن عليه بقلبه، والعبودة لخواص الخواص أو لمن له حق اليقين أو لأصحاب المشاهدات أو
لمن لم يبخل عليه بروحه، هذا كلامه مشتملا على الفرق بينها بأربعة وجوه.
885 - 3 البيان الثالث بيان وحدانيته الإلهية ماهية ووجودا، وهو ان جمعيتها المذكورة
لا يتصور الا فيما هو موجود لذاته ووجود غيره به، وذلك هو الوجود المطلق لا غير - كما أثبت
في صدر الكتاب بخمسة أوجه بل أكثر - والوحدة له ذاتية، إذ لا يتصور فيه التعدد - لا داخلا
ولا خارجا - والا لتميز وتقيد، هذا خلف، فكل ما يشاهد أو يتخيل أو يعقل من التعدد
فهو الموجود أو الوجود الإضافي - لا الوجود الحقيقي المطلق - نعم قد يقابله العدم وهو ليس
بشئ، هذا وقد مر في بيان التوحيد الوجودي بلسان أهل النظر ما يكفي للمنصف
المستكفى، اما إثبات توحيد الماهية على سوق النظر، الظاهر، ففيه بعض الاشكال.
886 - 3 ثم نقول: ومعلوم ان الألوهية مرتبطة بالمألوه وبالعكس بسر التضايف،



(1) - أي الامام القشيري. (2) - وهو أحدية جمع جميع الكمالات والأسماء - ش
300
كما مر ان هذا السر لو ارتفع ارتفعت الألوهية، وعلم أيضا انها واحدة، فتبين بذلك ان
متعلق طلبنا من حيث نحن عاجزون عن الإحاطة ليس كنه ذاته.
887 - 3 قال الشيخ قدس سره في أقسام حيرة الكمل من آخر التفسير: وعن كنه
ربك فلا تسأل، فقد منعت الخوض فيه وأويست فلا تطل، فسر بعد أو الق عصى التسيار
- فما بعد العشية من عرار - بل غاية ما نطلبه إذا وفقنا بعد معرفة نسبة مألوهيتنا من إلوهيته
الجامعة للأسماء ومعرفة حكمها فينا بنسبها المعبر عنها بالأسماء.
888 - 3 وقال قدس سره في آخر التفسير: من الأشياء ما يحصى علما من حيث
احكامه ومراتبه وصفاته ولا يشهد ولا يرى، ومنها يشهد ويرى من حيث هو قابل
للشهود، ومن حيث تعلقه وتقيده بشؤونه المسماة باعتبار صفات وباعتبار أسماء ومراتب
ونحو ذلك، هذا مع تعذر الإحاطة به والحكم بالحصر عليه، وحظنا من الحق سبحانه هذا
القسم، ولقد أحسن بعض التراجمة بقوله: وجد العيان سناك تحقيقا ولم * * تحط العقول بكنهه تصحيحا
889 - 3 هذا كلامه. فالمعرفة الأولى (1) معرفة كيفية ارتباط العالم المألوه بموجده
الاله، والثانية (2) معرفة ارتباط موجده به، الذين لم يحصل شئ منهما الا من نسبة تجليه
الوجودي المنبسط على أعيان المكونات، المسمى بالوجود العام والفيض الوجودي الإلهي،
فبنوره حصل للاعيان الانصياع المسمى (3) بالوجود الإضافي، وانما قلنا: لا يحصل
الارتباطان الا منها (4)، لاستحالة حصول غير ذلك (5) من الحق سبحانه، أي من حيث هو
وجوده كما مر غير مرة وكما سيجئ في مباحث الخاتمة عند الجواب عن سؤال القائل:
هل أستعين به (6) من حيث عينه أو مرتبته أو استعان هو من حيث هما، وهل



(1) - وهى معرفة نسبة مألوهيتنا من إلوهيته الجامعة للأسماء - ش (2) - أي معرفة حكمها فينا بنسبها المعبر
عنه بالأسماء - ش (3) - صفة الانصياع - ش (4) - أي من نسبة تجليه الوجودي - ش (5) - أي التجلي
الوجودي، والمراد من الغير هو خصوص التعين - ش (6) - أي بالانسان - ش
301
الاستقلال حاصل لاحد الطرفين (1) أو هو ممتنع مطلقا.
890 - 3 أو في بعض الأمور من (2) قول الشيخ قدس سره: ان الاستقلال في الوجود من
حيث عينه للحق سبحانه، لا وجود في الحقيقة لسواه (3) ولا موجد غيره، وليس للاعيان
الممكنة الا قبول الوجود على وجه مخصوص بحسب (4) استعداده وكونه (5) شرطا في ظهور
الوجود على ذلك الوجه، اما الأثر (6) فللمراتب والحقائق الغيبية ولا ينضاف إلى الحق من
حيث وجوده، بل من حيث أحدية جمع هويته الغائبة عن المدارك باعتبار تعذر معرفة كنهه
والإحاطة به ومن حيث مراتب أسمائه أيضا وصفاته باعتبار عدم مغايرتها له، واما ارتباط
الأثر بالوجود والوجود بالأثر من حيث كل موجود فمشترك هذا كلامه.
891 - 3 اما النسبة الواحدة في الحقيقة والمثناة في الاعتبار المسماة تارة نسبة المألوهية من
الألوهية التي هي ارتباط العالم بموجده واخرى حكم الألوهة فينا بالأسماء الذي هو ارتباط
موجد العالم به، فهي ما مر مرارا ان الشيخ قدس سره أشار إليه في التفسير بقوله: أنت
مرآته وهو مرآة أحوالك، فان قوله: أنت مرآته يشتمل على قواعد كلية حكمية ذكرها في
التفسير وغيره.
892 - 3 الأولى: ان الموجودات تعينات شؤونه سبحانه وهو ذو الشؤون.
893 - 3 الثانية: ان وجود كل شئ تعين الحق من جهته.
894 - 3 الثالثة: ان معقولية النسبة الجامعة لاحكام الكثرة من حيث وحدتها حقيقة
العالم وتعين الحق من حيثها وجود العالم، سواء غلب عليه طرف الوحدة كالأرواح أو
احكام الكثرة كالأجسام المركبة أو توسط بينهما، وهذا اما بغلبة حكم الروحانية ومجمل
الظهور كالعرش والكرسي، أو غلبة الظهور التفصيلي كالمولدات الثلاثة، أو بالتوسط



(1) - أي للحقي والإنساني - ش (2) - متعلق بقوله: كما سيجئ - ش (3) - فان موجودية الغير عبارة عن
تعين وجود الحق من حيثه كما مر مرارا - ش (4) - أي بحسب الاستعداد الخاص الذي للاعيان الممكنة المسماة
بالغير، فتذكير الضمير بملاحظة لفظة الغير - ش (5) - عطف على استعداده وضمير كونه راجع إلى الاستعداد أو
الأعيان الممكنة وامر التذكير كما ذكر - ش (6) - أي التعين الصوري - ش
302
بين الغلبتين، وان اشتمل على درجات كالسماوات السبع والاسطقسات الأربع.
895 - 3 الرابعة: انه لا يدرك من الحق سبحانه علما وشهودا الا ما تعين منه بحسب
الأعيان التي ظهر هو بها وبحسبها.
896 - 3 وقوله: وهو مرآة أحوالك الذي هو إشارة إلى ارتباطه بالعالم وحكمه فيه
بالأسماء يتضمن أيضا قواعد اخر:
897 - 3 الأولى: انه لا يتعين بنفسه، بل بالمراتب والأعيان القابلة المعينة له، فهو تابع
للمجلى ومرتبته وصفته.
898 - 3 الثانية: ان حقائق الأسماء والأعيان عين شؤونه التي لم يتميز عنه الا بمجرد
تعينها من حيث هو غير متعين.
899 - 3 الثالثة: ان الوجود المنسوب إليها عين تلبس شؤونه بوجوده.
900 - 3 الرابعة: تعددها واختلافها عبارة عن خصوصياتها المستجنة في غيب هويته
ولا موجب لتلك الخصوصيات - لأنها غير مجعولة - ولا يظهر تعددها الا بتنوعات ظهوره
المظهر لاعيانها لتعرف جهة اتحادها معه وتمايزها المقتضى تسميتها غيرا وسوى، نظيره
الواحد والعدد حيث أوجد الواحد العدد وفصل العدد الواحد.
901 - 3 الخامسة: كل ما يرى فهو حق ظاهر بحسب شأن من شؤونه المتعددة ظاهرا
من حيث احكام تلك الشؤون - مع كمال أحديته في نفسه - كأحدية الصورة الجسمية مع
فواصلها المعددة.
902 - 3 السادسة: كل برزخ بين أمرين مميز بينهما يرى حكمه ظاهرا وهو غيب لا يظهر،
الا وان الفواصل البرزخية هي الشؤون الإلهية، كانت متبوعة تامة - كأسماء الحق وصفاته -
أو غير تامة - كاجناس العالم وأصوله - وهى الأسماء التالية التفصيلية، أو تابعة كاعيان العالم،
ومبدأ تعين الجميع هو مقام أحدية الجمع الذي ليس ورائه اسم ولا رسم ولا صفة ولا حكم.
903 - 3 هذا كله منقول من ألفاظ الشيخ قدس سره في التفسير، وعلم من ذلك ان كل

303
ظهور لكل تعين فهو منه وله، وان كل تعين لكل ظاهر شأن له يتوارد حسب اقتضاء
القابل منتسبة إليه - مع أحديته في ذاته - وهذا معنى قوله: وأنت مرآته وهو مرآة
أحوالك، وان الأسماء الحاكمة فينا عين شؤونه التي هي تعينات مخلوقاته وصور تجلياته
الحاصلة من خصوصياته الغير المجعولة المستجنة في غيب هويته.
904 - 3 فان قلت: قال الشيخ الكبير رضي الله عنه في الفص الشيثى: العطايا الذاتية
لا تكون ابدا الا عن تجل الهى، والتجلي من الذات لا يكون ابدا الا بصورة استعداد المتجلى له،
فاذن المتجلى له ما رأى سوى صورته، أي عينه الثابتة في مرآة الحق، وما رأى الحق كما
لا ترى المرآة مع علمك انك ما رأيت صورتك الا فيها، فأبرز الله تعالى ذلك مثالا نصبه
لتجليه الذاتي، وإذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوقات، فلا تتعب
نفسك في أن ترقى مما بعده الا العدم المحض، فهو مرآتك في رؤيتك نفسك وأنت مرآته في
رؤيته أسمائه وظهور احكامها، وليست سوى عينه، فاختلط الامر، فمنا من تحير وقال:
العجز عن درك الادراك ادراك، ومنا من علم وأعطاه العلم السكوت - لا العجز - وهو أعلى
عالم بالله.
905 - 3 وقال الشيخ مؤيد الدين الجندي في شرحه: حاصل الذوق المذكور ان
لا ترى الحق في تجليه الذاتي الا بحسب خصوصية عينك الثابتة وبصورتها، ولكن في مرآة
وجود الحق، وهذا أعلى درجات الكشوف بالنسبة إلى مثلك، الا ان يكون عينك عين
الأعيان الثابتة كلها لا خصوصية لها يوجب الحصر، بل خصوصية أحدية جمعية برزخية

304
كمالية، فتعين لك الحق حينئذ مثل تعينه في عينه، بل عين تعينه لنفسه، بل أنت عينه.
906 - 3 ودون هذين الشهودين شهودك للحق في ملابس الصور الوجودية، نوريها
ومثاليها وروحانيها وعقليها ونفسيها وحسيها وعنصريها وطبيعيها وخياليها وذهنيها
وبرزخيها وحشريها وجنانيها وغير ذلك، وكل ذلك بحسب تجليها من عينك لا من غيرك،
ثم اختلاط الامر عبارة عن أن يصدق على كل واحد من الحق والخلق انه مظهر وظاهر
وغيب وشهادة، فلاشتباهه على الناظر خفى عن الشهود وعن التجلي فاقتضى الحيرة، اما
حيرة الكمل فحقيقتها عدم الانحياز إلى جهة معينة فيما لا ينحصر في الجهة، واللا علم بما
لا يعلم، وهو الجهل بما من شأنه ان لا يحيط العلم به، وهو غاية العلم به، لأنه يعلم أنه لا يعلم،
وهو معنى قوله: العجز عن درك الادراك ادراك.
907 - 3 هذا هو المستفاد من كلام الشارح فنقول: كلام الشيخ الكبير رضي الله عنه
يشعر في الارتباطين بان الحق مرآة نفس الخلق والخلق مرآة أسماء الحق واحكامها على
عكس ما يفهم من قول شيخنا قدس سره، فكيف الامر؟
908 - 3 قلت - والله أعلم -: يفهم مما قال الشارح من أنه يصدق على كل واحد من
الحق والخلق انه ظاهر ومظهر وغيب وشهادة ان كلا منهما مرآة للاخر، ومن قول الشيخ
الكبير: أنت مرآته في رؤيته أسمائه وظهور احكامها، وليست سوى عينه ان مظهر أسمائه
عين مظهر عينه ويلزم عكسه، لان عين العين عين، وذلك لما ثبت في قواعدهم ان كل
موجود كان ما كان مظهر تجليه الذاتي لوجوده ومظهر أسمائه المخصوصة لخصوصيته، لكن
عموم المظهرية باعتبار التعلق - اما من طرف الخلق - فلما كانت تعينات الأعيان الثابتة
للخلق عين تعينات أسماء الحق كان ظهور نفس الخلق في الحق عين ظهور أحوالهم، لان
ذواتهم أعيانهم الثابتة التي هي نسب علم الحق فهي شؤونه وصفاته، فلا فرق بين كون الحق
مرآة نفس الخلق أو مرآة أحوالهم الا باعتبار متبوعية بعض أحوالهم، كحقائقهم وتبعية
بعضها، إذ لا ذات في الحقيقة الا للحق، فالمرآتية وإن كانت صادقة من الطرفين بكل من

305
الاعتبارين، لكن الفرق بين الاعتبارين ان المرآتية من طرف الخلق اعتباري، كما أن
الشؤون المتعددة المسماة بالأسماء في طرف الحق اعتبارات، فللتنبيه على هذين السرين غير
شيخنا قدس سره العبارة قائلا: أنت مرآته وهو مرآة أحوالك.
909 - 3 ثم اعلم أن حكم الأسماء في العالم بأحد الوجوه الثلاثة:
910 - 3 اما بتعلقها، وذلك بالكل، إذ كل موجود ذاتا كان أو صفة أو فعلا، مقدور
قدرته، خلافا لمن هو ممحو عن دفتر المخاطبين، وكذا معلوم علمه، خلافا لبعض أهل
النظر في الجزئيات بوجه جزئي، وقد مر تقرير بطلانه، وكذا مراد ارادته التي تنفك عن
امره، إذ المراد ارادته الذاتية وهى غير ارادته الامرية التكليفية، وكذا تكون تكوينه،
ولا يعبأ بالخلاف في إرادة الشرور وتكوين اختيارات العباد لجره إلى الثنوية وكذا
غيرها.
911 - 3 واما بالتخلق بها: كما قال عليه وآله السلام: تخلقوا باخلاق الله، وذلك بان
يكون كونها مظاهر حكمته ومرايا صفاته ومجالي قدرته وآيات ملكه، كما كان
يظهر الجود منا وهو البذل في محله بلا عوض ولا غرض بلا تكلف - وإن كان باختيار
وشعور -
912 - 3 ومن جملة احكام معرفة مألوهيتنا من إلوهيته في هذه المرتبة معرفة ما يخص
بحضرة الألوهية من جهات كماله الوجودي وما يخص بنا من حيثيات النقصان الامكاني،
ومعرفة نسبة ما يشترك بين الحضرتين إلى كل منهما بجهة ما يليق بها، كما علم في الفصوص من
جعل نفسه وقاية للحق في اسناد ما لا يليق بجنابه إلى نفسه ويجعل الحق وقاية لنفسه في
اسناد المحامد إليه.
913 - 3 وحاصله ما ذكره الشيخ قدس سره فيما سيشير إلى قاعدته في فصل متضمن
ضابطا عزيزا، من أن لكل أحد رتبة الهية له إليها نسبة ذاتية، ورتبة من حيث إنه سوى،

306
فكل أمر يصدر منه أو يرد عليه لا بد ان يكون له نسبة إلى كلتا المرتبتين - لعدم
انفكاكهما (1) - فعليه ان يحضر ويخلص نسبة كل إليها ويحذر من التعمل في الاسناد (2) إلى
نفسه، بل التعمل مطلقا في كل خير وشر، اللهم الا من حيث مرتبتي الشرع والطبع
وبلسانهما، مع عدم الغيبة عن النسبة الأصلية إلى مرتبة الإلهية الأحدية، والمستخلص (3) من
كل جمعية كانت ما كانت، ما (4) يختص من الحكم بكل حقيقة من الحقائق الكونية
والإلهية ليلحق الفرع بالأصل بتمييز تام برئ (5) من التخليط، (6) فهو المتحقق بمقام
الاخلاص الذي ليس عليه للشيطان سبيل. هذا كلامه.
914 - 3 أقول: فإلى قوله: إلى مرتبة الإلهية الأحدية، بيان للتخلق بمقام الاخلاص
ومن قوله: والمستخلص... إلى آخر قوله بيان للتحقق به.
915 - 3 واما بالتحقق بها: وذلك عند تمكن ذلك (7) إلى حد يكون اختياره مستهلكا في
اختيار الحق، وأول مراتب الكمال فيه ما أشار إليه الشيخ قدس سره في التفسير: ان كل
انسان فقير بالذات وطالب دائما ومتوجه إلى ربه من حيث يدرى ومن حيث لا يدرى.
916 - 3 اما أهل الله فطالبون بالذات والفعل والحال، فمن تعينت له وجهة مقيدة (8)



(1) - أي عدم انفكاك مرتبة الألوهية واحكامها عن المراتب المألوهين، فينبغي لكل أحد ان يحصل مع ما يخص
بكل من المرتبتين في نفسه وفيما يصدر عنه وفيما يرد عليه ويخلص نسبته إلى تلك المرتبة، اما تخليص النسبتين إلى
المرتبتين، أي الإلهية والكونية في نفسه فبأن يستند في ذاته الوجود والكمالات المترتبة على الوجود من العلم
والقدرة وغيرهما وكل ما يتعلق بالتأثير والنزاهة من النقائص والرذائل إلى الألوهية فيحفظ نفسه من ادعاء نوع من
الربوبية ويستند الامكان العدمي والنقائص والرذائل، وكلما يتعلق بمرتبة الامكان فبالانقياد والعبودية
والعجز والانكسار والضعف والجهل إلى الكونية، فيحفظ جناب الحق بنفسه من نسبة وجه من وجوه العبودية
والشين إليه تعالى، واما تخليص النسبتين إلى المرتبتين في الأمور الصادرة كضرب اليتيم للتأديب الإلهي فيثاب
عليه وللتعذيب الكوني فيعاقب عليه - ش (2) - أي التعمل والتحكم في اسناد حكم إلى مرتبة بحيث يسرى اثره
في الخارج ويعمل بموجب اسناده التعملي مثاله، أي التعمل في أمر والعمل بموجبه ان يعتقدان وجوه الخيرات ولو
بانفاق المال الحرام يفيد الثواب فيحج به - ش (3) - مبتداء خبره: برئ - ش (4) - مفعول للمستخلص - ش
(5) - أي جمعية كانت ذاتية أو صفاتية أو فعلية روحانية أو طبيعية شرعية أو عادية - ش (6) - وهو الحاق
الفرع بغير أصله، وإضافة الجزء إلى كل غير كله - ش (7) - أي التحقق - ش (8) - أي بجهة من الجهات - ش
307
ظاهرة أو باطنة (1) بحسب اعتقاد معتقد أو شهود شاهد فهو ممن استشعرت نفسه بغايته،
ومن لم يبق له في العالم من كونه عالما رغبة ولا في حضرة الحق لأجل انها مصدر للخيرات
وسبب لحصول المرادات وتعدى مراتب الأسماء والصفات لشعوره باطلاق الحق وعدم
انحصاره في شئ منه أو في كل بل أدرك بالفطرة الأصلية الذاتية دون تردد ان له
مستندا في وجوده واقبل بقلبه وقالبه عليه مواجهة تامة وجعل حضوره معه على نحو
ما يعلم سبحانه نفسه بنفسه في نفسه، لا على نحو ما يعلم نفسه في غيره أو يعلمه غيره، فإنه
يصير حاله حينئذ جامعا بين السفر إلى الله ومنه وفيه (2)، فهذه الحالة أول أحوال الحيرة
الأخيرة التي يتمناها الأكابر، بل يرتقون فيها أبد الآباد - دنيا وبرزخا وآخرة - هذا
كلامه.
917 - 3 وفي (3) مناجاته التي في آخر مفتاح الغيب بقوله: اللهم ان المحامد وغيرها من
نعوت الجلال... إلى آخره، إذ كل ما أسنده فيها إلى الحق سبحانه فهو جهة ارتباطه بالعالم،
وكل ما أثبته للحقائق فهو جهة ارتباط العالم ثم ختمها (4) بمعرفة الكمل منه وتفويض
الامر كله إليه بالاستخلاف كما قال عليه وآله السلام: اللهم أنت الصاحب في السفر
والخليفة في الأهل، لما أنه قال في التفسير (5): وما (6) بعد استخلاف الحق والاستهلاك فيه
عينا والبقاء به حكما مرمى لرام.
918 - 3 ثم نقول: ولهذا السر الذي قلنا وهو ان متعلق المعرفة منا انما هو مرتبة الحق
التي هي الألوهة المستجمعة للنسب الأسمائية التفصيلية، أمر الحق سبحانه نبيه (ص) بطلب



(1) - أي في أمر ما من المعقولات - ش (2) - لأنه غير مسافر لنفسه ولا بنفسه ولا في نفسه ولا بحسب علومه
الموهوبة والمكتسبة - ش (3) - عطف على قوله في التفسير، أي أول مراتب الكمال فيه ما أشار إليه الشيخ في
مناجاته التي... إلى آخره - ش (4) - أي مراتب الكمال - ش (5) - ص: 429 تعليل لقوله: ثم ختمها بمعرفة
الكمل... إلى آخره، أي جعل مقام الاستخلاف آخر مراتب الكمال في التحقق لقوله في التفسير: وما بعد
استخلاف... إلى آخره - ش - لما انه قدس سره قال في التفسير - ل (6) - لفظه (ما) نافية مشبهة بليس، ولفظة
(مرمى) اسمه - ش
308
يادة العلم بقوله: وقل رب زدني علما (144 - طه) فان الزيادة لا تتصور في العلم بذات الحق
الاحدى الذات، بل انما يتحقق فيما ليس له وحدة حقيقية بل كثرة تفصيلية، واختلاف
الاعتبارات من النسب والإضافات حتى لو أضيفت الزيادة إلى ماله وحدة حقيقية لا يضاف
الا بحسب النسب وأنحاء تعلقات الأسماء.
919 - 3 وقد أفادنا الشيخ قدس سره في آخر التفسير قاعدة كلية لذلك وهى قوله:
كل ما له عدة وجوه باعتبار شؤونه المختلفة وأحواله فان التفاضل في معرفته انما يكون
بحسب شرف الوجوه وعلوها وضدهما أو بكثرة الوجوه والنسب والاحكام التفصيلية، بمعنى
ان علم زيد يتعلق بخمسة أوجه وعلم بكر بعشرة، واما في معرفة الحقيقة في نفس الامر
فلا يقع فيها تفاوت ولا تفاضل بين العارفين بها أصلا الا ما كان (1) من معرفة الحق، فإنه
ليس كذلك، إذا المدرك من الحق علما وشهودا ليس الا ما تعين منه وتقيد بحسب الأعيان
الظاهرة بعضها للبعض أو التي ظهر هو بها وبحسبها.
920 - 3 وهذا القدر هو المتعين من غيب الذات الذي لا يتعين نفسه ولا يتعين فيه
لنفسه شئ، والتعين دائم البروز من الغيب الغير المتعين، لأنه لا نهاية للمكنات القابلة
لتجليه والمعينة له، أو قل: لا نهاية لشؤونه التي يتعين ويتنوع ظهوره فيها، والحق تابع
للمجلى وصفته ومرتبته. تم كلامه.
921 - 3 وقريب منه (2) ما قال في ديباجه الكشاف بعد اما بعد: (3) من (4) ان الذي



(1) - الغرض من الاستثناء ان في غير الحق ينفك معرفة الحقيقة عن معرفة الوجوه والنسب ويكون
التفاضل والتفاوت في معرفة الوجوه دون الحقيقة، واما في الحق تعالى لا يتحقق كلتا المعرفتين، بل معرفة
الحقيقة فيه هي معرفة ما تعين وتقيد به بحسب الأعيان أو معرفة الأعيان التي ظهر الحق بها وبحسبها على
اختلاف النظر ومرتبة العارف، وبالجملة المدرك من الحق هو الوجوه والنسب لا ذات الحق الاحدى، فإذا
كان معرفة الحقيقة في الحق هي بالوجوه والنسب والتعلقات، فيصح ان يقال في معرفة الحقيقة ان يكون
بين العارفين بها تفاوتا وتفاضلا - ش (2) - حيث يستفاد منه ان التفاوت والتفاضل في دقائق العلوم
ومحاسن النكت ولطائف المعاني التي هي الوجوه والنسب ولا في أصل طبيعة العلم والصنعة التي هي مناط
الوحدة - ش (3) - أي بعد لفظ اما بعد - ش (4) - بيان لما قال - ش
309
تباينت فيه رتب العلماء وتحاكت فيه ركب الحكماء حتى انتهى الامر إلى أمد من
الوهم متباعد وترقى إلى أن عد الف بواحد هو لطائف العلوم والصنائع ودقائقهما
- لا متنهما وحقائقهما - إذا قدام الصناع فيه متقاربة وطبقات العلماء متدانية.
922 - 3 ثم أقول: ومن تمام بحث الارتباطين ما مر ان ارتباط الحق بالعالم والعالم
بالحق، فلكثرته الامكانية انما هو من جهتين: جهة سلسلة الترتيب والوسائط التي هي
منشأ جهات الكثرة والامكان، وجهة الوحدة والوجوب التي هي الوجه الخاص لكل
موجود إلى موجده لا يتوسط فيها شئ ممكن، وسيجئ ان هذه الجهة مستهلك الاحكام في
أكثر الموجودات بغلبة الجهة الأخرى، الا المؤيد من عند الحق بتعين نقطة حقيقته
بقرب النقطة الوسطية الإلهية الاعتدالية الجامعة بين الاعتدالات المعنوية والروحانية
والمثالية والحسية، تعينا لا بالجعل بل بحكم قبل من قبل لا لعلة، ورد من رد لا لعلة،
وسيستوفى شرح حاله متفرقا - إن شاء الله -.

310
(4)
باب كشف السر الكلى وايضاح الامر الأصلي
الباب الذي في تعيين كليات جهات الارتباطات بينه سبحانه وبين العلويات
والسفليات هو المسمى بباب كشف السر الكلى وايضاح الامر الأصلي
1 - 4 لأنه لما كان اقصى ما خفى عن الدرك ذات المؤثر في وجود الكل - سبحانه - وأنهى
ما يمكن من دركه كما مر، درك مرتبته على الوحدة وايضاح (1) أمر تأثيره في الكثرة، عنونا الباب
بكشف السر الكلى إشارة إلى الأول (2)، لان مجموع الباب بيان كليته ووحدته الحقيقية، وايضاح
الامر الأصلي إشارة إلى الثاني وهو تأثيره، لان أصل تأثير الشئ بحسب (3) اقتضائه، بناء على أن
وجود أحد المتضايفين - من حيث هو مضاف - يقتضى وجود الاخر، كالآلة للمألوه والرب
للمربوب (4). لما تقرر في النظريات ان المتضايفين متكافئان ذهنا وخارجا، واقتضائه مثله



(1) - عطف على درك مرتبته - ش (2) - أي درك مرتبته على الوحدة - ش (3) - خبر لان - ش
(4) - قوله: بناء على أن وجود واحد... إلى آخره، هذا بناء فاسد ومبنى باطل، فان التأثير والتأثر بين الحق
والخلق والعلة والمعلول ليس من باب التضايف، بل هو إضافة اشراقية ونور منبسط وفيض محيط يتقدم
311
بحسب نسبة الإضافة، لما مر ان لا تأثير الا بالمناسبة، فالمؤثر في ظهور الكل ماله نسبة محيطة
بالكل ولا أشد إحاطة بالموجودات من الوجود، فتأثيره الجامع أصل كل تأثير من تأثيراته المنتشئة
منه وشئونه الجزئية المتفرقة عن هذا الشأن الكلى، وفي هذا الباب فصول وفي كل منها أصول:
الفصل الأول
في كشف المرتبة الجامعة لجميع التعينات وأصول ترتيب تأثيرها إلى آخر الموجودات
2 - 4 لما علم فيما تقدم ان لا تأثير في التعين الا للمراتب والحقائق - كما لا يؤثر في الظهور
الا الحق سبحانه - وكان المؤثر في تعينات الكل مرتبة الحق سبحانه التي هي جامعة للتعينات
الأصلية والفرعية إلى انهى دركات الجزئية دنيا وآخرة.
3 - 4 شرعنا (1) أول كل شئ في أول المراتب المعلومة والمسماة المنعوتة (2)، وقيدنا بذلك
احترازا عما سماه الشيخ قدس سره في التفسير بأول المراتب العرفانية المحققة لغيب الهوية، وهو
الاطلاق الصرف عن القيد والاطلاق والحصر في أمر ثبوتي أو سلبى، وهو المكنى عنه بالكنز المخفى،
لكونه ابطن البطون ومشتملا على نفائس جواهر الأسماء التي منها ما يستأثر في مكنون الغيب
فلا يعلمها الا هو (3) ومن (4) ارتفعت بينونته لرفعة كينونته ممن هو أكمل الكمل في عرض



- الإضافة على المضاف والفيض على المستفيض، تقدما بالحقيقة، نعم قد التضايف بين المفاهيم ككون العلة
مبدء للتأثير وكون المعلول متأثرا إلى غير ذلك، واما التناسب بين الظاهر والمظهر فهو أمر غير ما فهمه
الجمهور وما أدركه العقول، بل ادراكه كادراك الظاهر والمظهر ذوقي شهودي برهاني عند أهله وفي محله - خ
(1) - جواب لما - ش (2) - من النعت بمعنى الصفة، أي الموصوفة، لان قبله لا نعت ولا صفة
ولا اسم ولا رسم - ش (3) - قوله: وهو المكنى عنه بالكنز المخفى: الكنز المخفى هو مقام الواحدية والأسماء والصفات
ومقام جمع الكنوز والكثرات والعلم الذاتي بالأسماء والصفات ومقام الجمعية، واما مقام الاطلاق الصرف عن
جميع القيود والحصر في أمر ثبوتي أو سلبى فهو غير ذلك، بل غير مقام الأحدية أيضا، بل هو كينونيته مطلقة عن
الاختفاء والكنزية وغير ذلك من النعوت الجلالية الراجعة إلى الخفاء والجمالية الراجعة إلى الكنزية، ولا يتصف
بالبطون ولا ابطن البطون ولا يشار إليه بأنه مشتمل على نفائس جواهر الأسماء، لا الأسماء الذاتية في مقام
الأحدية ولا الأسماء الصفتية في مقام الواحدية، والاسم المستأثر راجع إلى غيب الهوية وأعلى مقام الأحدية - خ
(4) - عطف على هو، أي التي زالت مباينته وغيريته وظهرت عينيته ووحدته - ش
312
التجلي الأول لا في الغيب الأقدس الاجل، ولنذكر ان ترتب المراتب الإلهية ليس بزماني، إذ
ليس عند الله صباح ولا مساء.
فالأصل الأول
في أول المراتب المنعوتة وهى مرتبة الجمع والوجود
4 - 4 وانما سميت بها لأنها مرتبة للوجود جامعة، كما عبر بحقيقة الحقائق وبحضرة
أحدية الجمع ومقام الجمع لجمعها إياها، لكن مستهلكة الكثرة ومعتبرة الأحدية، كذا
ذكره الشيخ قدس سره في التفسير وفسرها فيه باعتبار علمه نفسه بنفسه وكونه هو لنفسه
هو فحسب من غير تعقل تعلق أو تعين أمر ما عدا هذا الاعتبار الواحد المنفى حكمه عما سواه،
و (1) مستند الغنى الذاتي والكمال الوجودي الذاتية والوحدة الصرفة - وقوله: كان الله ولا شئ
معه - هو هذا، وقد أشار الشيخ قدس سره في التفسير إلى جواز تسميتها بأسماء تنبئ عن
خاصيتها.
5 - 4 الأول: برزخ الحضرتين الإلهية والكونية، لكونها مشتملة على جميع احكامهما،
مع أنها ليست بشئ زائد على معقولية أحدية جمعهما - كسائر البرازخ -
6 - 4 الثاني - مرآة الحضرتين، لكونها مرآة لغيب الذات (2) ولما تعين بها وفيها.
7 - 4 الثالث: الحقيقة الانسانية الكمالية، لان كل انسان كامل من حيث صورته
الظاهرة مظهر لها وللوازمها الآتية.
8 - 4 الرابع: مرتبة صورة الحق والانسان الكامل من غير تعديد، وصورة الحق صورة
علمه بذاته وشئونها، كما أن صورة العالم عبارة عن صور نسب علمه، وصور (3) نسب



(1) - مبتداء خبره: هو هذا - ش (2) - قوله: مرآة الحضرتين: أي المشهود المعلوم عن الغيب المجهول،
لأنه غاية معرفة العارفين ومقام وصول الانسان الكامل. (آقا محمد رضا قمشه أي) (3) - مبتداء خبره
قوله: عبارة - ش
313
علمه في ذوق مقام المتكلم (1) منه عبارة عن تعينات وجوده التي قلنا إنها من حيث تعددها
أحواله ومن حيث توحدها عينه.
9 - 4 الخامس: هو الحد الفاصل بين ما تعين من الحق وبين ما كان مجلي لما لم يتعين منه، ولا بد
من هذا الحد ليبقى الاسم الظاهر واحكامه على الدوام، إذ لولاه (2) لطلب المنفصل الغيب الأول،
لان الأشياء تحن إلى أصولها والجزئيات إلى كلياتها، فكانت الأحدية نعته (3)، فهو معقول غيبي (4)،
والحافظ لهذا الحد هو الحق، ولكن من حيث النسبة الجامعة بين الظاهر والباطن المطلق والفعل
والانفعال، فله وجه يلي الظاهر والتعدد، ووجه يلي الاطلاق الغيبي. وهى مرتبة الانسان الكامل
الذي هو برزخ بين الغيب والشهادة ومرآة يظهر فيها حقيقة العبودة والسيادة واسمها بلسان
الشرع العماء ونعتها الأحدية، والصفات (5) المتعينة فيها الأسماء الذاتية (6)، والصورة (7) المعقولة
الحاصلة من مجموع تلك الأسماء المتقابلة واحكامها من حيث البطون هي صورة الألوهية.
10 - 4 السادس: مبدأ تعينه سبحانه بنفسه لنفسه بصفتي مظهريته وظاهريته وجمعه
ببرزخيته المذكورة بين الطرفين من حيث الانسان الكامل.
11 - 4 السابع: أصل كل تعين والمنبع بكل ما يسمى شيئا، سواء نسب ذلك التعين إلى الحق
بمعنى انه اسم له أو صفة أو مرتبة أو إلى الكون كذلك أو اعتبر أمر ثالث وهو ظهور الحق من حيث
غيبه ثانيا إلى ما قام منه مجلي لجميع تعيناته وثالثا ورابعا وهلم جرا (8).



(1) - بصيغة المجهول - ش (2) - أي لو لم يكن حافظ يمنع المنفصل الممتاز عن الامتزاج والاتحاد بما انفصل
عنه بعد التعين والاعتبار لطلب ذلك الممتاز المنفصل طلبا ذاتيا الغيب الأول، لأنه معدن الجميع، هكذا في
التفسير - ش (3) - أي نعت ذلك الحد الفاصل - ش (4) - لا يظهر عينه أصلا وهكذا كلي فاصل يحجز بين
أمرين انما يظهر حكمه لا عينه، كذا في التفسير - ش (5) - مبتداء خبره قوله: الأسماء الذاتية - ش (6) - قوله:
الأسماء الذاتية: الأسماء الذاتية ههنا بمعنى الأسماء الإلهية في مقابلة الأسماء الكونية لا الذاتية المقابلة للأسماء
الصفاتية والافعالية. (آقا محمد رضا قمشه أي)
وقوله قبيل هذا: الباطن المطلق والفعل والانفعال: فإنه منفعل عن الأسماء والحقائق لقبول سؤالاتهم
ويفعل فيها بإجابتها. (آقا محمد رضا قمشه أي) (7) - مبتداء خبره قوله: هي صورة الألوهية - ش (8) - إذا
اعتبر التجليات الظهورية والبطونية والبسطية والقبضية في كل آن فإنه تعالى كل يوم في شأن فما هو مجلي لجميع
تعيناته الظاهرة يختفى تحت نور كبريائه ويقبض بتجليات الأسماء الباطنة ثم يصير ثانيا مجلي للتجلي الظاهري ثم
الباطني ثم الظاهري وهكذا - خ
314
12 - 4 الثامن: محل نفوذ الاقدار وهدف أسهم التوجهات الغيبية.
13 - 4 هذا كله منقول من ألفاظ الشيخ قدس سره لكن فيه شبه:
14 - 4 الأولى: ان الشيخ قدس سره ذكر في الرسائل والنصوص: ان المبدئية صفة
النسبة العلمية التي تلى هذه المرتبة، وهنا جعل المبدئية لهذه المرتبة.
15 - 4 وجوابها: ان المراد بالمبدئية هنا المبدئية الأصلية الجملية لا الفعلية التفصيلية،
بدليل ما قال في فك ختم الفص النوحي: أول المراتب الإلهية التي بها يثبت أولية الحق
ومبدئيته مرتبة أحدية الجمع وصفة المصدرية والفياضية تليه.
16 - 4 الثانية: أنه قال في فك ختم الفص الآدمي -: ان اختصاصه بالألوهية بسبب
الاشتراك في أحدية الجمع، لان الألوهة المعبر عنها بالاسم (الله) الجامع مشتمل على
خصائص الأسماء كلها ولا واسطة بينها وبين الذات، وكذلك حقيقة الانسان عبارة عن
البرزخية الجامعية بين احكام الوجوب واحكام الامكان، فله الإحاطة بها، والأولية
من هذا الوجه والاخرية من حيث انتهاء الاحكام إليه كانتشائها منه. ثم قال: فمن
انتهى حين العود إلى تلك البرزخية التي لها الوحدانية التالية للأحدية، فهو المخلوق في أحسن
تقويم واجره غير ممنون.
17 - 4 فهذا موافق لما نقلنا ههنا ان الصورة المعقولة من الأسماء الذاتية التي في هذه المرتبة
هي صورة الألوهية ومخالف لما في مفتاح الغيب: ان مرتبة أحدية الجمع يليها حضرة
الألوهة، وقوله: لها الوحدانية التالية للأحدية، مخالف لما قلنا: إن نعتها الأحدية لا الوحدانية.
18 - 4 وجوابها: ان حضرة أحدية (1) الجمع والحقيقة البرزخية الكمالية الانسانية قد
تطلق على المرتبة المعتبر فيها التعدد النسبي لا الحقيقي للأسماء والصفات المسماة بالوحدانية



(1) - قوله: ان حضرة الأحدية... إلى آخره: وانما سماه الشيخ بتعين الثاني لأنه تعين العلمي الأسمائي وهو
بعد التعين العيني الذاتي، سواء كان التعين العيني الذاتي في الأحدية الذاتية أو كان في أحدية الجمع. (آقا
محمد رضا قمشه أي)
315
والألوهية، وهى التي سماها الشيخ قدس سره في الرسائل بالتعين الثاني وجعله الفرغاني
اصطلاحا مستمرا، فخص التعين الأول بالحقيقية المحمدية الأكملية، فهي (1) المرادة في
الفكوك لاهنا - والله أعلم - وان (2) الصورة المعقولة من الأسماء الذاتية يجوز ان تليها مرتبة
لما سيجئ في المفتاح: ان النفس الرحماني هو العماء الذي هو الحقيقة الجامعة وانه الصورة
الوجودية وانه أول مولود ظهر عن اجتماع الأسماء الذاتية.
19 - 4 الثالثة: ان ما نقلنا هنا ان مرتبة أحدية الجمع والوجود هو المسمى بالعماء، موافق
لما في أول التفسير من أن المراد بحقيقة الحقائق والنفس الرحماني وأول مراتب الظهور والعماء
هذه المرتبة ولما سيجئ في المفتاح: ان الانسان إلى مرتبة كماله يستند العماء الذي هو أم
الكتاب والحضرة الجامعة للأسماء الإلهية والأعيان الكونية ومنزل تدلى الحق وحقيقة الحقائق
ومحل نفوذ الاقدار، ومخالف لما في آخر التفسير ان أحدية الجمع مقدمة على العماء، ولما
سيذكره في المفتاح: ان الامر ينزل من حقيقة الحقائق المسماة بحضرة الجمع والوجود بحركة
غيبية من مرتبة مركزية إلى النفس الرحماني المنعوت بالعماء، ولما في شرح الفرغاني: من أن
العماء هو التعين الثاني وهو النفس الرحماني وعالم الارتسام والمعانى باعتبارات، وكان النفس
الرحماني الذي هو العماء هو مراد الشيخ قدس سره في التفسير مما قال بعد اعتبار علمه نفسه
بنفسه، ويليه مرتبة شهوده سبحانه نفسه بنفسه في مرتبة ظاهريته الأولى بأسمائه الأصلية،



(1) - أي المرتبة المعتبرة فيها التعدد النسبي وسماها الشيخ قدس سره في الرسائل بالتعين الثاني - ش (2) - واعلم أن
- ن - ع - على أن - ل - عطف على قوله: ان حضرة أحدية الجمع وجواب لشبهة التخالف في كلمات الشيخ
وتتميم لرفعها، لأنه لما كان مفاد تلك العبارة المنقولة عن التفسير: ان الصورة المعقولة التي هي حضرة الألوهية
تكون في مرتبة الأسماء الذاتية التي هي في مرتبة أحدية الجمع المصطلحة المسماة بالتعين الأول فيخالف لما في
المفتاح: ان مرتبة أحدية الجمع تليها حضرة الألوهية، ولا يرتفع تلك المخالفة المتوهمة بما أجاب أولا من اطلاق
أحدية الجمع على الواحدية والألوهية المسماة بالتعين الثاني، فأزال ذلك التوهم بقوله: وان الصورة المعقولة... إلى
آخره، وملخصه ان الصورة المعقولة من الأسماء الذاتية حتى تدل على ما ذكرت وتوهمت، بل يجوز أن تكون تلك
الصورة المعقولة من الأسماء الذاتية تالية لها، أي للأسماء الذاتية من حيث المرتبة، فتدل تلك العبارة المنقولة ان
مرتبة الألوهية المسماة بالتعين الثاني حاصلة وظاهرة من أحدية الجمع بمعنى التعين الأول، فتكون مطابقة لما في
مفتاح الغيب: ان مرتبة أحدية الجمع تليها حضرة الألوهية، فالضمير المنصوب البارز في قوله: ان تليها، راجع إلى
الأسماء الذاتية والضمير المستتر راجع إلى الصورة المعقولة، وقوله: مرتبة، منصوب على التميز، فافهم واغتنم - ش
316
وذلك أول مراتب الظهور بالنسبة إلى الغيب الذاتي المطلق بحكم المقام الاحدى الذاتي
والتعين الأول الذي هو الحد الفاصل، وذلك (1) في حضرة أحدية الجمع الذي هو العماء.
20 - 4 وجوابها - والله أعلم - بعد ما سبق الإشارة إلى تحقيقه بنوع يقتضيه ذلك الوقت
والحال: ان هذه المرتبة البرزخية الكمالية الانسانية التي هي حقيقة الحقائق وحضرة أحدية
الجمع - لما سبق في كلام الشيخ قدس سره - ان له وجها إلى غيب الهوية ووجها إلى
الكثرة وهى برزخ جامع بينهما صار نفسها عين الوحدة الحقيقية التي انتشأت منها أحدية
الوجه الأول وواحدية الوجه الثاني - كما قال الشارح الفرغاني وقرر الشيخ قدس سره في
فصل الحقه بكتابه - ولجمعها بينهما يطلق عليها تارة خواص الوجه الأول، كالأحدية
المنافية للتعدد الوجودي والنسبي وكالعينية للأسماء الذاتية وككونها اعتبارا ثانيا لغيب
الاطلاق بحيث لا فرق بينهما الا بالتعين الذي هو كونه هو فحسب وغير ذلك.
21 - 4 واخرى خواص الوجه الثاني كالواحدية المعتبر فيها التعدد والامتياز النسبي
للأسماء الذاتية واحكامها، وكالعمائية من حيث محلية التعين العيني للأسماء الإلهية
والأعيان الكونية، ولذا سماها مؤيد الدين الجندي مرة بالاعتبار الأول (2) عماء - بالمهملة -
وبالاعتبار الثاني (3) غماء - بالمعجمة - مع (4) انه ليس لكون ما ظهر في العماء، والا لما صح
جواب الرسول عليه وآله السلام، وانه (5) عين النفس الرحماني المفسر بالصورة الوجودية



(1) - أي شهوده سبحانه نفسه بنفسه في مرتبة ظاهريته الأولى فيظهر منه اطلاق أحدية الجمع على التعين الثاني،
وملخص الكلام في المقام انه يستفاد من كلام الشيخ في آخر التفسير وفيما سيأتي في مفتاح الغيب في قوله: ان
الامر يتنزل... إلى آخره، وفي هذا الموضع من التفسير وفي شرح الفرغاني اطلاق العماء للنفس الرحماني على التعين
الثاني ومقام الواحدية وهو مخالف لما نقلنا هنا في الوجه الخامس، ولما في أول التفسير لما سيجئ في المفتاح في
موضع ان الانسان إلى مرتبة كماله... إلى آخره من اطلاق العماء والنفس الرحماني على التعين الأول ومقام
الأحدية، فتدبر - ش (2) - أي الأسماء الإلهية - ش (3) - أي الأعيان الكونية - ش (4) - أي ان الحق
تعالى لا يكون ظاهر الكون وخلق في مرتبة العماء، أي لا يكون هناك خلق والا لما صح الجواب ولما طابق السؤال،
فالضمير في أنه راجع إلى الحق تعالى وكذلك المستتر في ليس، وجملة ظهر خبر لليس، وقوله: لكون متعلق بظهر
ولفظة ما زائدة لتأكيد التنوين الذي للتنكير في لكون - ش - مع أن - ل (5) - عطف على العمائية وبيان
لخواص الوجه الثاني وكذلك قوله: وانه أول مولود، فتدبر - ش
317
من حيث انبساطها، وانه أول مولود بأول نكاح للأسماء الذاتية، فأينما اعتبر الترتيب بين
الوجهين حكم بتقدم الأول وتفرع الثاني، وبأصل الجامع بينهما، يدل عليه (1) ما سيجئ في
مفتاح الغيب: ان العماء بالمادة الامكانية المنطوية فيه كمرآة غيبية، وانبساط الصورة
الوجودية في تلك المادة هو كون ظاهر الحق كالمرآة والمجلى لباطنه - هذا ما عندي في المقام -
22 - 4 ويناسب هذا التحقيق نقل ما ذكره الشارح الفرغاني في تعيين التعين الأول
والثاني، فلنذكره في فصلين لتبيين ما لهما من الحكمين، ولا نبالي بتكرار بعض المذكور
استطرادا، لان أليق مواضعه هذا الفصل.
الفصل الأول
في التعين الأول
23 - 4 قال: للوحدة الحقيقية التي هي عين التعين الأول التي انتشأت منها الأحدية
والواحدية اعتباران:
24 - 4 أحدهما: سقوط الاعتبارات كلها وبه يسمى الذات أحدا ومتعلقه بطون الذات
وأزليته، ونسبته إلى السلب أحق.
25 - 4 وثانيهما: ثبوت الاعتبارات الغير المتناهية لها - مع اندراجها في أول مراتب
الذات اندراجا حقيقا أصليا - وتحقق تفصيل أكثر تعيناتها في ثاني المراتب وبه يسمى
الذات واحدا - اسما ثبوتيا لا سلبيا - ومتعلقه ظهور الذات ووجودها وأبديتها، ولا مغايرة
بين الاعتبارات في أول رتب الذات، إذ لا كثرة ثمة أصلا.
26 - 4 ثم الاعتبارات المندرجة في أول رتب الذات بعضها كليات وأصول كالأجناس
العالية تسمى أسماء الذات، منها مفاتيح الغيب، والواحد الاحد اسم مركب كبعلبك،



(1) - أي على تقدم الأول وتفرع الثاني واصل الجامع، والدال عليه قوله: هو كون ظاهر الحق كالمرآة والمجلى
لباطنه - ش
318
وباطن الاسم (الله) وهو الوجود والمرتبة، وباطن الاسم الرحمن الرحيم وهو الوجود،
ومفهوم جميع أسماء الضمائر وبعضها أجناس تالية وأنواع، وهلم جرا إلى اشخاص هاوية
إلى الدركات الجزئية التي بها الحكم بالابدية واللا تناهي.
27 - 4 ثم الكل ثابتة بصورها المعنوية في المرتبة الثانية، ثم تعينت جملة منها في اللوح
المحفوظ بصور وجودية روحانية ثم تفصلت في المراتب الوجودية مجملا في العرش ومفصلا
في الكرسي دفعة ثم في الأركان والسماوات على التدرج والتعاقب إلى انهى مراتب الكون -
دنيا وبرزخا وآخرة - وإلى هنا ينتهى الشهودات والمكاشفات للكمل والأولياء.
28 - 4 فربما يكون في الحضرة الغيبية الأزلية أمور باطنة كلية أو جزئية لم يتعين بعد -
لا في المرتبة الثانية ولا في اللوح المحفوظ - فلا يعلم شئ الا بعد تعينها ووقوعها في
الخارج، وهى ابطن بطون الغيب وإليها ينظر قوله تعالى: قل ما كنت بدعا من الرسل وما
أدرى ما يفعل بي ولا بكم (9 - الأحقاف)
29 - 4 وقوله عليه وآله الصلاة والسلام: ليت رب محمد لم يخلق محمدا، من هذا الوجه،
مع أنه حسب ما تعين من حاله في الحضرة العلمية واللوح المحفوظ على بصيرة من ربه
وكان يقول اعتمادا عليها: آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر، وأمثال ذلك. وأكثر
ما يجره الدعاء من الأمور الغيبية انما يكون من هذا القبيل، فان ما عداها ليس الا المكتوب
الثابت المقسوم في الحضرة العلمية (1).



(1) - قوله: وأكثر ما يجره الدعاء، أي أكثر ما يجره الدعاء يكون من الأمور التي لم يتعين في الحضرة الغيبية الأزلية لا
المرتبة الثانية فإنها هي المكتوبة الثابتة المقسومة، وهذا هو الدعاء على سبيل الاحتمال الذي هو أحد الأقسام الثلاثة
للدعاء، فان له على ما ذكر الشيخ رضي الله عنه في الفصوص ثلاثة أقسام: أحدها الدعاء على سبيل الاستعجال،
وهذا دعاء العامة، والثاني الدعاء على سبيل الاحتمال وهو دعاء الحكماء القائلين بان من الممكن ان يكون الدعاء
شرطا في تحقق بعض الأمور، كما فصله الشيخ الرئيس وأمثاله في كتبهم، وهذا مطابق لما ذكره الفرغاني، والثالث
الدعاء على سبيل الامتثال وهو دعاء العرفاء والأولياء الذين يشهدون جفاف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة،
وقد ورد عن أهل بيت الوحي: ان الدعاء عبادة - في جواب القائل بأنك تقول جف القلم فما معنى الدعاء؟ - خ
319
30 - 4 أقول: وإلى هنا ينظر ما نقلناه فيما مر من النفحات: ان معرفة كثير من
الموجودات يتوقف على وجود الجمعية في الوجود، وسيجئ الإشارة إليه في المفتاح أيضا
وكان الحديث الصحيح الفارق بين دعاء ودعاء، وهو قوله عليه وآله السلام لام حبيبة:
سألت بارزاق مقسومة... الحديث، بناء على هذا الفرق.
31 - 4 ثم قال: وهذه الوحدة التي انتشأت منها الأحدية والواحدية التي هي التعين الأول
عين الذات وعين قابليته للبطون وانتفاء الاعتبارات، ولظهوره وظهور اعتبارات أبديته
اجمالا ثم تفصيلا ولكونها عينه، كان أصل قابليته من حيث المرتبة وفاعليته من حيث التجلي
الأول الذي فيها كالمتحدثة مع نفسها باقتضاء ظهورها وكمالاتها الذاتية والأسمائية حديثا
نزيها بحرف وصوت نزيه هو عين الذات، كما يتحدث أحدنا بنفسه، وفيها قابلية ميل
الذات بالسماع إلى الحديث وقابلية ملاحظة نور جماله وقابلية التأثر بذلك الحديث.
32 - 4 فهذا التجلي الأول من حيث هذا الحديث يتضمن كمالا واحساسا جمليا به هو
باطن الحياة، واحساسا بسريان الكمال في تفصيل اعتبارات الوحدانية هو باطن العلم،
واصل ميله إلى ذلك هو باطن الإرادة، واصل طلب تعينه الخارجي هو باطن القول،
والتأثر يقتضى توجها بصورة التأثير إلى تحقيق الكمال الأسمائي الذي هو باطن القدرة، وحكم
تفصيل الكمال وتحصيل شرائطه يقتضى الجود، وحكم برزخية التعين الأول العدل
والاقساط، فكان سابع ابطن الكل من حيث إن كلا فيه عين الذات وعين الاخر.
33 - 4 وهذه هي الأسماء الذاتية المندمجة المتحدة في هذه المرتبة، وبذا صار باطن كل
حقيقة الهية وكونية فيسمى حقيقة الحقائق وبرزخ البرازخ الأكبر وكنى عنه الشرع بمقام
أو أدنى، لأنه باطن مقام قاب قوسين الوحدة والكثرة أو القابلية والفاعلية أو الوجوب
والامكان وكنى بعضهم بالحقيقة الأحمدية، لأنه نوره المظهر لرتبته، وقلبه التقى

320
النقي صورته الجمعية المعنوية، كما أن مزاجه الأشرف الأعدل صورته الجسمانية وإليه أشار
بقوله عليه وآله السلام: أول ما خلق نوري.
34 - 4 ثم قال: وهذا التجلي الأول يتضمن الكمال الذي حقيقة حصول ما ينبغي على
ما ينبغي وهو قسمان: كمال ذاتي هنا يكون في مبدأ الرتبة الثانية حياة (1) يلازمه الغنى الذاتي،
وهو شهود الذات نفسه من حيث وحدته بجميع شؤونها - نزولا وعروجا دنيا وآخرة -
شهود مفصل في مجمل دفعة واحدة، كشهود المكاشف في النواة نخلا وثمارا لا يحصى. ثم كمال
أسمائي، هو ظهور الذات لنفسها من حيث تفصيل اعتباراتها، اما ظهورا مفصلا أو مجملا
بعد التفصيل من حيث مظهر شأن كلي جامع هو الانسان الكامل الحقيقي، والفرق بينهما
ان هذا بشرط شئ - بل أشياء - وتحقق الكمال الذاتي بلا شرط أصلا.
35 - 4 ومن احكام التجلي المتخذ فيه من حيث الكمال الذاتي اعتبار الوجود الذي
حققته ما به وجدان العين نفسه في نفسه أو في غيره أو غيره في غيره، واعتبار النور الذي هو
الكاشف للمستور، والعلم الذي هو ظهور عين لعين، والشهود الذي هو الحضور مع
المشهود، اما من حيث الكمال الأسمائي المتعلق بها وسائر الأسماء أصلا وفرعا، فمن شرطه
التميز والمظهر والمرتبة والغيرية بالنسبة أو بالحقيقة بحكم المحل صوريا كان - كالظروف -
أو معنويا - كالمراتب - فان لون الماء لون انائه، وكمراتب الحس والروح والمثال، تأمل
تعرف اسرارا جمة:
36 - 4 منها: ان العلم بحسب التعين الأول ظهور عين الذات لنفسه باندراج اعتبارات
الواحدية - مع تحققها - ويتعدى إلى مفعول واحد هو ذاته، وبحسب المرتبة الثانية ظهور
الذات لنفسها بشئونها مع مظاهر الشؤون المسماة صفات وحقائق ويتعدى إلى مفعولين، إذ
ظهر نفسه لنفسه ذا حياة وعلم وغيرهما، فحصل في انتهاء المرتبة الثانية كثرة حقيقية



(1) - قوله: كمال ذاتي إلى الحياة، أي الكمال الذاتي باطن الحياة التي تكون مبدأ الرتبة الثانية، فإذا تنزل الكمال
الذاتي إلى الرتبة الثانية يتعين أولا بالحياة وبعدها بسائر الصفات والأسماء - خ
321
ووحدة نسبية مجموعية، وكذا الوجود من حيث المرتبة الأولى ما به وجدان الذات نفسها في
نفسها باندراج اعتبارات الواحدية فيها - وجدان مجمل مندرج فيه تفصيله - منفى الكثرة
والغيرية.
37 - 4 ومن حيث المرتبة الثانية نوعان: من حيث ما هو مجلي الظهور للحق أو مجلي
الظهور للكون، فالوجود الأول ما به وجدان الذات عينها من حيث ظهوره بصورته المسماة
بظاهر الاسم الرحمن وبصور تعيناته المسماة أسماء الهية مع وحدة غيبية وإضافة كثرة نسبية
إليه، فان كل اسم الهى هو ظاهر الوجود الذي هو عين الذات، لكن من جهة تقيده بمعنى،
فبالنظر إلى ذات الوجود ونفس التعين عينه، وبالنظر إلى التقيد بالمعنى المتميز غيره، فله
وحدة حقيقية وكثرة نسبية، والوجود الثاني ما به وجدان صورة كل تعين من الكون
نفسها، ومثلها موجودا روحانيا أو مثاليا أو جسمانيا ظاهرا في كل مرتبة بحسبها وحكمها،
فالايجاد والخلق ليس الا اعطاء الموجد تعالى للحقائق الكونية ما به وجدانها بإضافة تعين منه
إليها واظهار احكامها في كل مرتبة بحسبها، فكان التأثير في تنوعات التعينات لاحكام
الحقائق، وفي تسميتها عينا أو غيرا للمراتب التي هي المحال المعنوية وهى نسب معنوية
لا وجود لها في الخارج ولا في نفسها، فانظر اثر المعدوم في عين الموجود وفيما هو موجود من
كل وجه، ترى العجب العجاب ومحار العقول والالباب.
الفصل الثاني
في التعين الثاني
38 - 4 قال: لما كانت الوحدة التي انتشت منه الأحدية أول تعين للذات الأقدس
بلا شرط وأول مرتبتها ونفس القابلية التي نسبة البطون والظهور إليها على السواء، صار
صرافة الأحدية مركوزة فيها لذاتها ولحكم قابليتها للظهور، فلا جرم لم يقبل الا التجلي
الأول واجمال الكمال الذاتي ووحدته باندراج نسب الواحدية، فلم تكن قابلة للكثرة

322
- وإن كانت نسبية - ولا للكمال الأسمائي - لتوقف تحققه على حكم التكثر -
39 - 4 ولما كانت المحبة الأصلية المعبر عنها ب‍ (أحببت) حاملة لهذا التجلي الأول
وباعثة له على التوجه لتحقيق الكمال الأسمائي التفصيلي، ولم يصادف لتوجهه محلا قابلا
رجع بقوة الميل العشقي إلى أصله، الا انه غلب بتلك القوة العشقية حكم الظهور المعبر عنه
بالرحمة الذاتية على حكم البطون المعبر عنه بانهى باطن الغضب المسبوق، فعاد التجلي متعينا
بقوة المحبة الأصلية من عين يشبه الواحدية تعينا قابلا لتحقق مطلبه الغائي الذي هو
الكمال الأسمائي.
40 - 4 وذلك التعين هو القابل الثاني الجامع بين طرفي حكم الاجمال والوحدة وبين
مقابليهما التفصيل والكثرة، فظهر في هذا القابل الذي هو صورة التعين الأول وظله، صورة
التجلي الأول وظله، كما ظهر الأول من كنه الغيب مستصحبا معه اثر من ظلمة الغيب
والاطلاق، منفصل عن اجمال حقائق الكون القابلة، مضافة إلى نسبة التعين الثاني
وقابليته، وجميع الأسماء الإلهية المؤثرة مضافة إلى عين التجلي الثاني وفاعليته، وصار القسمان
ظلالا وصورا للشئون المندرجة في الوحدة، مجملة فيها، مفصلة في التعين الثاني، متعينة كل
بحسب ما هو عليه - بحسب العلم - وكان كليات ما اشتمل عليه مسماة بالمراتب، ولكن
من جهة محليتها لثبوت باقي الحقائق وظهور ما يقبل الظهور منها، ومن جهة مؤثرية الذات
بها وفيها، مثل مرتبة الأرواح والمثال والحس ومراتب اعتدالات المركبات المسماة بالمولدات
التي ميزانها المرتبة الانسانية، كما أن كليات تعينات هذا التجلي الثاني من الأسماء الإلهية التي
هي الأمهات السبعة والبرزخ الذي هو منتشئ طرفي الأحدية والواحدية، والجامع بينهما
ثانيا هي الحقيقة الانسانية التي هي باعتبار غلبة حكم الوحدة تسمى بالحقيقة المحمدية
وباعتبار غلبة حكم التفصيل والكثرة هي الحضرة العمائية (1) المشتملة على الحقائق



(1) - قوله: باعتبار غلبة حكم الوحدة: وعندي ان الحقيقة المحمدية صورة الاسم الله ذ الجامع لأحدية جمع -
323
السبعة الكلية، فاشملها حكما حقيقة الحياة وهى قبول الكمال المستوعب لكل كمال لايق،
والاحساس به من جهة كلية.
41 - 4 ولما لم تخل حقيقة كلية أو جزئية من كمال يناسبها وللحق الشعور بها جملة، كان
اسم الحي شاملا لجميع الاجزاء، والحيوة مستوعبة جملة الحقائق.
42 - 4 ولما كان العلم في الرتبة الثانية متعلقا بمعلومات مفصلة، والحيوة لها الاحساس
بها جملة، والتفصيل داخل في الجملة، كان العلم من هذا الوجه داخلا في الحياة.
43 - 4 ولما كان الإرادة الميل إلى المراد تخصيصا أو ترتيبا أو اظهارا أو اخفاء، وغاية
طلبه ظهور الكمال الأسمائي بذلك الترتيب وبحكم ذلك الظهور الذي من خصائص
العلم، كان الإرادة داخلة في العلم ومنتشئة منه.
44 - 4 ولما كان حقيقة القول نفسا منبعثا من باطن المتنفس متضمنا معنى يطلب ظهوره
ومتعينا بحسب مرتبة أو مراتب يسمى في الخارج مخارج، كان من حيث ذلك الطلب
داخلا في الإرادة.
45 - 4 ولما كانت القدرة تمكنا من التأثير في اظهار ما يطلب ظهوره، كان لذلك داخلا
في القول ومنبعثا منه.
46 - 4 ولما كانت الجود هو التمكن من قبول اقتضاء الايثار ذاتا وصفة بما فيه كمال
ونفع لكل ما يستحقه حالا أو سؤالا، كان من جهة التمكن داخلا في القدرة ومتفرعا منه.
47 - 4 ولما كان الأقساط ايثار قسط كل ماله قسط استعدادي به يقبل من الجواد
ما يؤثره به، دخل في الجود وانتشاء منه.
48 - 4 فهذه كيفية ترتب الأئمة السبعة على التفصيل، ومجمع جميعها ظاهر كلمة
الاسم (الله) من جهتين: جهة الوجود وجهة حقائقها المعينة، فان الحقيقة التي هي عين



- الأسماء كما انها جامعة لأحدية جمع الأعيان وانما العماء فهي الوجهة الغيبية القدسية للاسم الله المنزهة عن
كل كثرة وتفصيل - خ
324
التعين الثاني لظاهر كلمة الاسم (الله) مجمع جميع الحقائق الأصلية والفرعية والكونية
والإلهية.
49 - 4 وظاهر الاسم (الرحمن) مجمعها من جهة واحدة هي الوجود، لان الرحمة الشاملة
عين الوجود.
50 - 4 والاسم (الحي) جامعها من حيث الكمال المستوعب.
51 - 4 و (العليم) من حيث عموم التعلق.
52 - 4 و (المريد) من حيث طلب الكمال.
53 - 4 و (القائل) من حيث إن كل واحد تعين النفس الرحماني.
54 - 4 و (القادر) من حيث صحة إضافة إفاضة تمكن التأثير إلى كل تأثر مناسب
لحقيقته.
55 - 4 و (الجواد) من حيث صحة إضافة إفاضة الوجود إلى كل.
56 - 4 و (المقسط) من جهة رعاية كل حكم التوسط بين قيام الوحدة الحقيقية
والنسبية إليه.
57 - 4 ثم اعلم أن لكل من هذه الأسماء الأصلية جهتين (1):
58 - 4 إحداهما اشتمال كل منها على الباقي، مع تحقق اثر خفى من التمايز، فاشتماله من اثر
الجمعية البرزخية الانسانية وجمعيتها الحقيقية بين حكم التجلي ووحدته الحقيقية وكثرته



(1) - قوله: ثم اعلم أن لكل... إلى آخره: إذا كان شيئان يشتمل واحد منهما على الاخر خفى تمايزهما، وإذا
كان اثر مختصا بأحدهما واثر آخر مختصا بالآخر خفى اشتمالهما، فإذا ظهر الاشتمال خفى الامتياز وإذا ظهر
الامتياز خفى الاشتمال، فكل من الأسماء السبعة نزلت إلى كونه للبرزخ الجامع، أي حقيقة الانسان الكامل
وهو الأحدية الجمع يكون شاملا للبواقي الستة وخفى تمايزه عنها بحكم اشتماله عليها ونظرا إلى اثر المختص به
يكون ممتازا عن البواقي الستة وخفى اشتماله عليها، وذلك لوقوع البرزخ الجامع في المرتبة الثانية من التعين
الثاني بتوجههما إلى الأبدية، فإنه لو لم تقع في التعين الثاني لم يكن له وجه إلى الأبدية ولم يؤثر ولم يظهر
تمايزيه وكان أزليا صرفا غير متوجه إلى الأبدية، وإن كانت أزليته عين الأبدية كما قال: أحببت ان اعرف
فخلقت الخلق لكي اعرف، فالنزول لصور الملائكة وللروح في ليلة ويعرج إليه الملائكة والروح في يوم
كان مقداره خمسين الف سنة. (آقا محمد رضا قمشه أي)
325
النسبية وبين حكم التعين وكثرته الحقيقية ووحدته النسبية (1) وتوحيد احكام الطرفين
المذكورين، اما ظهور الأثر الخفى من التمايز فمن كون هذه البرزخية الثانية واقعة في التعين
الثاني، ووجوه نسبته إلى الأبدية التي من أخص احكامها التميز إلى ما لا يتناهى.
59 - 4 وثانيتهما عكس الجهة الأولى، أعني ظهور اثر مختص بكل منهما، مع اثر خفى
من الاشتمال المذكور، فتميزها بحكم تفصيل البرزخية الثانية التي هي عين الحضرة العمائية،
واما الأثر الخفى للاشتمال، فمن جمعية هذه البرزخية واشتمالها بحكم وحدتها.
60 - 4 واعلم أيضا ان حقائق كمل الأنبياء وهم أولوا العزم من الرسل ثابتة في هذه
البرزخية الثانية وظاهرة على سبيل البدل بحكم إحدى هذه الحقائق السبعة الأصلية من
حيث الاشتمال والأثر الخفى من تميزها وميلها إلى النزول، وحقائق أرباب الكمال من
المحمديين ثابتة فيها وظاهرة بصورة القطبية من مقام البدلية بحكم تلك الحقائق الأصلية
من حيث الاشتمال، واخفى اثرها من تميزها، لكن من حيث ميلها إلى الرجوع إلى
أصلها الذي هو عين المفاتيح والتجلي الأول، وحقائق البقية من الابدال السبعة مندرجة
في حقيقة القطب ومنتشأة منها ومنبعثة في العماء من غلبة حكم تميزها وخفاء حكم
الاشتمال.
61 - 4 ثم انتشت من هذه السبعة الأصلية اثنان وتسعون، ثم منها تسع وتسعون،
بها تعينت حقائق أسماء الاحصاء، ومنها ثلاث مائة حقيقة الهية يلازم كل حقيقة خلق
الهى كما ورد في الخبر: ان لله ثلاث مائة خلق من تخلق بواحد منها دخل الجنة، فقال



(1) - بل الجمعية البرزخية الانسانية وجمعها بين الوحدة والكثرة من اثر الجمعية البرزخية الكبرى التي هي
ثابتة أولا للاسم الله الجامع الأعظم بحسب أحد اعتباريه وثانيا لصورته التي هي العين الثابتة الجامعة لجميع
الأعيان بنحو البرزخية الحقيقية، أي عدم غلبة حكم عين على الأخرى، واما اشتمال كل من الأسماء الأصلية
على الباقي فهو من جهة أخرى هي وحدتها مع الذات واستغراقها في بحر الوجود، فان اعتبر فنائها
واضمحلالها مع عدم الحكم والأثر لم يبق للتمايز عين ولا اثر ولا يبقى اثر خفى له، تأمل تعرف وكن من
الشاكرين لا نعمه تعالى - خ
326
أبو بكر: هل في منها شئ يا رسول الله؟ قال (ص): كلها فيك (1).
62 - 4 وانتشأ من كل حقيقة اسم الهى، ثم انتشأ في الحضرة العمائية من هذه الحقائق
حقائق الرسل وتفرعت الف حقيقة وحقيقة واحدة، من انتشاء كل حقيقة انساني نبي، ثم
تمام عدد مائة الف وأربعة وعشرون ألفا من الحقائق الانسانية النبوية - ومن المحمديين
اضعاف ذلك - وكلها تفصيل الحقيقة المحمدية الشاملة المسماة بحقيقة الحقائق السارية في
الكل - سريان الكلى في جزئياته -
63 - 4 واما سائر الحقائق الانسانية: فما بين مائل إلى طرف الامكان - مثل حقائق
الكفار - وما بين مائل إلى التوسط أو الوجوب، فكانت حقائق المؤمنين والأولياء الداخلة في
دائرة الهداية، وبحسب ذلك الميل تفاوت استعداداتهم في قبول نور الهداية، فجميع هذه الحقائق
الإلهية والكونية شؤون ذاتية من اعتبارات الواحدية.
64 - 4 واعلم أيضا ان هذه الحضرة العمائية هي التي يظهر فيها الحق بصفات الخلق
متنزلا من رتبته المختصة وهى حضرة الوجوب، فيضاف إليه تعالى كل ما يضاف إلى
الخلق من الضحك والبشاشة والتعجب والتردد وغيرها، ويظهر الخلق فيها بصفات ربه
عند تخلصه من قيود الكثرة، كابراء الأكمه والأبرص واحياء الميت والاتصاف بصفات
الحقية والسبحانية وغيرهما، وهذا التجلي الثاني الوجودي الظاهري سار في هذه الحضرة
العمائية، ظاهر بصورة التربية والاصلاح، اما للحقائق الأسمائية: فباظهارها في الكائنات،
واما للحقائق الكونية: فباظهار احكامها بإضافة الوجود العيني إليها، وهذا البرزخ
باعتباره الاجمالي عين الحقيقة الانسانية الكمالية التي هي ميزان حقيقة الكمال وحاق
الاعتدال المندرجة فيها من حيث هذا الاجمال الحقائق السبعة الأصلية وحقائق الكمل من



(1) - قوله: قال (ص) كلها فيك: بحكم اضمحلال الكثرات واندكاكها في الحضرة الأحدية وفنائها فيها
لدى شهود القيامة الكبرى، وبهذا الاعتبار يكون كل الصفات في كل موجود، ولهذا ورد انه تعالى اوحى
إلى موسى (ع): ان جئى بموجود اخس منك، فاخذ برجل ميتة كلب ثم تنبه على خطائه فتركها، فاوحى الله
تعالى إليه: ان لو جئت بها لسقطت من مقامك، فافهم ولا تغفل - لمحرره السيد روح الله، حررته في قصبة
خمين في السادس والعشرين من الجمادى الثانية 1355 (ه - ق)
327
الأنبياء والأولياء غير نبينا عليهم السلام، فان له التعين الأول المختص بالأكملية.
تتمة
في تقسيم المراتب الكلية المتميزة في هذه الرتبة الثانية
65 - 4 الحقائق المعنوية اما مختصة بالحق - كالالوهية والرحمة الذاتية - وهى الوجود
الفياض والوجوب والقيومية والغنى الذاتي، أو بالكون - كالفقر والعدمية الذاتية والذلة
والامكان والكثرة الحقيقية - واما منسوبة إلى الحق أصالة وإلى الكون تبعية، مثل العلم
والإرادة ونحوهما، فتكون قديمة في القديم وحادثة في الحادث، وكلاهما متبوعة وتابعة كلية
كل منهما أو جزئية.
66 - 4 فالكليات والمتبوعات محصورة في مبدأ الحضرة العلمية والرتبة الثانية
ولوازمها في وسطها ومنتهاها.
67 - 4 فمنها ما يلازمها في تلك الحضرة، كالقابليات الغير المجعولة والهيئات المعنوية.
68 - 4 ومنها ما تحت حيطة عالم الأرواح، كحياتها وعلمها وهيئاتها الروحانية
وظهورها الروحاني وبطونها بالنسبة إلى عالم المثال والحس.
69 - 4 ومنها ما تحت حيطة عالم المثال كذلك.
70 - 4 ومنها ما تحت حيطة عالم الحس، كالوجودات والهيئات الحسية والقابليات
الوجودية المجعولة للعلوم والأعمال وكاضافة المقولات العشر إليها من الكم والكيف
وغيرهما.
71 - 4 ثم هذا الجميع منحصر في خمس مراتب سادسها الجامع لها، لأنها لما كانت
مظاهر ومجالي فما منها اما ان يظهر للحق وحده واما له وللكون.
72 - 4 فالأول مرتبة الغيب، لغيبة كل شئ كوني فيها عن نفسه ومثله، إذ لا ظهور فيها
الا للحق، وانتفاء الظهور لغيره بأحد وجهين: أحدهما بانتفاء أعيانها بالكلية حيث كان الله

328
ولا شئ معه، وذلك المجلى هو التعين الأول. وثانيهما بانتفاء وجودها، وذلك المجلى هو
التعين الثاني وعالم المعاني والغيب الثاني.
73 - 4 والثاني - أعني الذي يظهر ما فيها للكون - أيضا علما ووجدانا ثلاثة أقسام:
74 - 4 لان الظهور اما للموجودات البسيطة في ذاتها ويسمى مرتبة الأرواح.
75 - 4 أو للمركبة فاما للطيفة، بحيث لا تقبل التجزئة والخرق والالتيام ويسمى مرتبة
المثال.
76 - 4 أو للكثيفة بالنسبة إليها أو على الحقيقة بحيث تقبلها ويسمى مرتبة الحس وعالم
الشهادة، والأجسام.
77 - 4 والسادس الجامع هو الانسان الحقيقي الكامل والأكمل بحكم المظهرية
للبرزخية الثانية والأولى - والله أعلم -
78 - 4 ثم نقول: نسبة اثر أول المراتب المسماة بمرتبة الجمع والوجود إلى ما يليها جمعية من
أصول الحقائق الإلهية والكونية وكلياتها، كالوجود العام المتلو آياته فيما سبق مرارا، وكأم
الكتاب، أي أصل كتاب الوجود المسمى بالنون، وهو الدواة لغة لكونه مجتمع مدات مواد
نقوش العالم، نسبة الذكورة إلى الأنوثة، من حيث إن التأثير في التعينات والتعددات كلية
كانت أو جزئية لما كان للمرتبة، كان هذه المرتبة الأحدية الجمعية محصلة للآثار
والتعينات الكيانية الامكانية في الوجود، العام النسبة إلى كل موجود - أعني الصورة
الوجودية مطلقا - وفي أم الكتاب - أعني النفس الرحماني - حيث سمى الشيخ قدس سره في
التفسير بالخزانة الجامعة وأم الكتاب، لأنه لكونه وجودا منبسطا وتجليا ساريا ورقا
منشورا صار كالمادة، لانبساط الصورة الوجودية فيها انبساطا هو كون ظاهر الحق مرآة
لباطنه، وسيجئ ان للمؤثر درجة الذكورة وللهيئة القابلة درجة الأنوثة وللمرتبة درجة
المحلية والنتائج الآثار والتعينات.
79 - 4 قال مؤيد الدين الجندي في شرح الفصوص: للنون الذي هو مجتمع مداد

329
المواد الحرفية النفسية الرحمانية من كونه أم الكتاب خمس مراتب: الأولى التعين الأول، وهو
جمع جميع الحقائق الكيانية الربانية والحروف المؤثرة الوجوبية والمتأثرة الامكانية، وهو
أم الكتاب الأكبر.
80 - 4 أقول: وذلك لاشتماله على النونات الأربع الباقية، ولذا كان صورته عالم الانسان
الكامل، حيث قال في التفسير: انه الكتاب الوسط الجامع بين حضرة الأسماء وحضرة
المسمى.
81 - 4 قال الجندي في موضع آخر: كما أن التعين الأول في أول جامع بين حقائق
الوجوب الحقية وبين حقائق الامكان الخلقية جمعا احديا قبل التفصيل، فكذلك بعد تفصيل
ارتباط حقائق الوجوب بحقائق الكتاب في مرتبة الامكان، فلا بد من جمع إحدى يجمع
جميع الجميعات الوجوبية والامكانية وصورتها، وهو الانسان الكامل بالفعل.
82 - 4 الثانية دواة مادة الحروف الإلهية النورية وهيولي الصور الفعلية الوجودية
وعماء الربوبية - بالعين المهملة - الذي كان ربنا فيه قبل ان يخلق الخلق.
83 - 4 قال الشارح في موضع آخر: وهو أم الكتاب. وأقول: هي ربع دائرة الهوية
الكبرى التي نصفها باق على اطلاقها ونصفها منقسم إلى نوني قوسي الوجوب الامكان.
84 - 4 الثالثة أم الحقائق الكونية التي هي أحدية جمع جميع الكائنات وإليه الإشارة
بقوله: أول ما خلق الله الدرة وهو أم الكتاب المسطور في الرق الوجودي المنشور وهى غماء
العبودية - بالغين المعجمة -
85 - 4 قال الشيخ قدس سره في التفسير: الوجود المنبسط هو النور وهو الرق المنشور
والانبساط المعبر عنه بالنشر وقع على حقائق الممكنات.
86 - 4 الرابعة أم الكتاب المبين، وهو اللوح المحفوظ المسمى عند أهل النظر بالنفس
الكلية، ومحل تعينه من الأجسام الفلك الثامن - فلك الكرسي، الكرسي الكريم - وفيه

330
تفاصيل تعينات المظاهر الكاملات من الكتب والسور كلها والكمالات وفيه الآيات.
87 - 4 وقال الشارح في موضع آخر: الكتاب المبين هو القلم الاعلى وهو كتاب الاسم
المدبر، كما أن اللوح المحفوظ أم الكتاب المفصل وأم الكتاب المبين، وهو حقيقة الحقائق وهو
عماء العالم.
88 - 4 الخامسة نون الاقدار وهو أم الكتاب الموضوع في روحانية روح القمر
وروحانية فلكه، وهو سماء الاسم الخالق وهو مجتمع الأضواء العالية والأنوار المختلفة
والاتصالات والانفصالات.
89 - 4 وأقول: منها ينتقش كتاب المحو والاثبات بين الجزئيات.
90 - 4 فان قلت: كيف يتصور التعدد في المراتب الإلهية الحقية فاعلا وقابلا
بحيث يحصل بينها نسبة الذكورة والأنوثة، والوحدة قبل ظهور المظاهر الخلقية أخص
صفاته؟
91 - 4 قلت: وحدة الحق حقيقية وهذه المراتب أمور اعتبارية نسبية، كما أن الترتيب
بينها نسبى مرتبي لا وجودي، فالمجموع في الحقيقة أمر واحد بالذات واحدة هي ذات
الحق وتجليه الاحدى يدل عليه وجوه:
92 - 4 الأول: ما مر من أن حضرة الجمع والوجود، مع أنها الوحدة الصرفة الحقيقية
متصفة بالأحدية من وجه، والواحدية من آخر.
93 - 4 الثاني: كون الواحد الاحد عند المحققين اسما واحدا مركبا - كبعلبك.
94 - 4 الثالث: ما مر ان اعتبار الفاعلية للتجلي والقابلية للتعين، مع أنهما شئ
واحد، انما حصل باعتبار كون الذات كالمتحدثة (1) لنفسها بكمالاتها التي من جملة



(1) - أي المتكلمة مع نفسها - ش
331
احكامها الميل إلى الظهور وكمال الجلاء والاستجلاء.
95 - 4 الرابع: ما قاله الشيخ قدس سره في تفسير إياك نعبد: من أن الانسان
الكامل في كل عصر من حيث أحد وجهي هذه المرتبة - أعني الذي يلي غيب ذات
الحق ولا يغايره ولا يمتاز عنه - يترجم عن غيب الذات وشئونها التي هي حقائق الأسماء،
ب‍ (نحن) و (انا) و (لدينا) ونحوها، ومن حيث الوجه الاخر الذي ينطبع فيه الأعيان
وأحوالها يترجم عنها وعنه من حيث هي وبلسانها ومن حيث هو أيضا بلسان جميعة
خصوصية، وما حوته ذاته من الاجزاء والصفات والقوى الروحانية والجسمانية الطبيعية
ب‍ (نعبد ونستعين واهدنا) لاحاطة مرتبته الكمالية بالطرفين وما اشتملا عليه غيبا
وشهادة روحا وجسما، عموما وخصوصا، قوة وفعلا اجمالا وتفصيلا، فافهم وارجع
إلى ربك بالتضرع والافتقار، ان فك لك ختم هذا الكلام عرفت سر الربوبية والعبودية
في كل شئ وتحققت ان كل عابد من حيث خلقيته متوجه إلى أصله الإلهي المتعين به
من مطلق غيب الذات في المرآة الكمالية الانسانية الإلهية بانعكاس حكمي راجع من
عرصة الامكان إلى المرآة المذكورة، فإياه نعبد - مع أنه ما عبد أحد الا الله - من حيث إن
تلك المرآة الكمالية قبلة كل موجود ووجه كل شئ من هذه المرآة، وفيها أصله
المحاذى والمتعين له به من غيب الذات، فكل أحد له قسط من الحق اخذه من مشكاة
صورة ذلك الشأن.
96 - 4 ثم نقول: وللذات المشار إليه وهو حضرة الوجود الحق من حيث هذه المرتبة
الأحدية الكلية اعتباران هما نسبتان: أحدهما اعتبار جمعه الاحدى الغيبي الأحاطي،
فبذا سمى حضرة الجمع ومرتبة أحدية الجمع، وثانيهما اعتبار انه عين الحقائق المذكورة
لا غيرها وانه انبسط عليها فصار صورة جمعيتها، فبذا سمى الوجود العام والتجلي الساري
والنفس الرحماني والخزانة الجامعة ونحوها تسمية له بأعم أوصافه وأولها تعينا وظهورا

332
للمدارك، فان الوصف الأعم لكونه قيدا للموصوف صار به انزل من المطلق، ولكنه
لعمومه صار أقرب إلى الفهم فسمى به.
97 - 4 فان قلت: قد مر ان ذات الحق هو الوجود المطلق، ولتعينه الأول بأنه هو هو
ومحلية الاعتبارات اطلق عليه الذات، فيكون الوجود العام - أعني المطلق - اسمه المطابق،
وقد قال الشيخ قدس سره: لا ان ذلك اسم مطابق للامر نفسه.
98 - 4 قلت: المقيد بالاطلاق غير المطلق عن الاطلاق والتقييد، فالمراد بالوجود العام
هو الأول المقيد بالعموم وذات الحق هو الثاني فلم يطابقه، على أن الاسم انما يطابق (1) حقيقة
المسمى، وقد مر ان كل متصور متعين لا مطلق، وان تصور كل بحسب نفسه، لا كما عليه
المتصور، فكيف يطابقه؟
99 - 4 فان قلت: ذات الحق سبحانه هو النور لقوله تعالى: الله نور السماوات والأرض
(35 - النور) والنور هو الظاهر لنفسه والمظهر لغيره، وهو (2) الظاهر أيضا لقوله تعالى:
والظاهر والباطن (3 - الحديد) أي الجامع بينهما، وكل ما ظهر فلا عموم له، فكيف سمى
الحقيقة الجامعة بالنور والظاهر؟
100 - 4 قلت: النور والظاهر وأمثالهما من الأول والاخر والقابض والباسط وغير
ذلك من المتقابلات صور الأحوال النسبية لهذه الذات ومراتب تعينات وتعددات لها،
يتفاوت حسب تفاوت القابليات المظهرية، وقد مر في الفصول ان تعدد النسب لا يؤثر في
تعدد الأصول، لا أسماء (3) الذات من حيث هي، كالأسماء العامة النسبة إلى المتباينات على
ما مر مما هي إذا نسبت إلى الذات تكون عينها، واطلاقها كاطلاقها - كالأمهات من
حيث هي - فافهم الفرق بين القسمين يرتفع الاشتباه بين الاسمين.



(1) - أي المطابقة انما يتصور إذا تصور المسمى كنه حقيقة المسمى - ش (2) - عطف على قوله: وهو
النور - ش (3) - مرتبط بقوله: صور الأحوال النسبية... إلى آخره، أي ليس النور والظاهر وأمثالهما
أسماء الذات من حيث هي هي، بل، أي صور الأحوال النسبية لهذه الذات... إلى آخر، فلا يرد الاشكال
لعدم المطابقة - ش
333
الأصل الثاني
في سبب الارتباط بين الحقيقة وصورها وتستدعى مقدمة وهى:
101 - 4 انه لما علم أن سبب التأثير: الطلب والاقتضاء المعبر عنه ب‍ (أحببت ان اعرف) وان
علته الغائية تحقق الكمال الأسمائي - بل كمال الجلاء والاستجلاء - ولا خفاء ان المحبة وصلة
اقتضت أول كل شئ بدوا هو منشأ لتعين مفاتيح الغيب ثم لجميع التعينات الأسمائية، علم أن
كل حقيقة الهية أو كونية تعينت في مرتبة ما، فباقتضاء هذه المحبة تعينت، وانها سارية فيها،
وبحكم تلك السراية تضاف إليه اثارها، لان متعلق كمال الجلاء، ظهور تفصيل الأسماء والصفات
الإلهية الإلهية والكونية والوجودية والعلمية، فلم يخل شئ من المحبة والطلب حتى بدا اثرها بصور
متنوعة حسب تنوع القابل من حيث حقيقته والصفة الغالبة فيه والمرتبة الحاكمة عليه، وتلك
الصور كالآمال والتعشقات والاعراض والخواطر، ولما سرت في الكل ظهرت المفاتيح بحكم
ذلك السريان من باطن كل حقيقة الهية بحكم التأثير المراد ومن باطن كل حقيقة كونية بوصف
القبول والاستعداد، فامتلأ الوجود والعالم طلبا وشوقا وتوجها إلى الكمال من الطرفين، فمن
الأسماء إلى ظهور متعلقاتها كمعلومات العلم ومقدورات القدرة وغيرهما، ومن الحقائق الكونية
إلى الفيض الوجودي، ليظهر احكامها والكمالات المستجنة في باطنها.
102 - 4 إذا عرفت هذا فنقول: لكل حقيقة من الحقائق الكونية والأسماء الإلهية اعتباران
كليات:
103 - 4 أحدهما نسبة الافتقار والطلب من حيث التوقف في الظهور على الغير، فان كلا
من الحقائق الأسمائية كما مر يتوقف في ظهور متعلقاتها على القوابل الامكانية، فان كلا منها
يحب ظهور عينها وكمالها، كما أن الحقائق الكونية تتوقف في ظهور كمالاتها المستجنة على
التجليات الأسمائية، أي على التجلي النفسي الساري والوجود الواحد الفائض على تلك الحقائق
بحسبها.

334
104 - 4 قال الشارح الجندي: المواد الامدادية للنفس الرحماني من المراتب النورية
المذكورة انما تتعين في الحضرات وتجلياتها وهيئاتها، ليست الا من الحقائق المرتبة التي هي
حقائق الحروف الامكانية والكلمات الكيانية، إذ المخلوق بمخلوقيته يعين خالقية الخالق،
والمنفعل بانفعاله يعين فاعلية الفاعل، فكل واحدة من الفاعلية والمنفعلية متوقفة
التحقق على الأخرى، فافهم. هذا كلامه.
105 - 4 وثانيهما نسبة حكم التعين والقبول للأثر، فان كل تجل من التجليات الأسمائية
بالنسبة إلى أصلها الاحدى عينه، لكنه يقبل التعين حسب اقتضاء استعداد القابل وغيره،
وكل ماهية كونية قابلة للتجلي الإلهي الذي به ظهر مستجناتها وتعيناتها، أو قابلة لتعين
التجلي الساري فيها حسب اقتضاء استعداداتها ومرتبتها وموطنها وحالها ووقتها وغير
ذلك.
106 - 4 وتأنيس هذا الأصل من الحكمة النظرية في موضعين: أحدهما في الوجود العلمي
بين الجنس والفصل، فان الفصل يتوقف على الجنس في التقوم والجنس على الفصل في
التخصص. وثانيهما في الوجود العيني بين الهيولي والصورة، إذ الهيولي تتوقف على الصورة في
التقوم والفعل، إذ لا تستند إلى الهيولي الا القبول، والصورة تتوقف عليها في التشخص
والتعين، لان تعين الصورة بالانفعال والانفصال - وهما من لواحق الهيولي -
107 - 4 والتحقيق: ان هذه النسبة الدورية من جهتين متحققة بين كل مطلق ومقيده
من حيث هو مقيد، فان المقيد مرآة المطلق والمطلق مرآة أحوال المقيد وقيوده.
108 - 4 ثم نقول: فقد تحقق الطلب من الطرفين، والطلب حيث كان يستلزم الفقر
والحاجة وينافيه الغنى المطلق، كالحضرة الهوية الغيبية وكمال الاطلاق الذاتي.
109 - 4 فان قلت: ا ليس مما تقرر فيها تقدم ان حضرة أحدية الجمع والتعين الأول

335
مستند الغنى الذاتي كما صرح به في التفسير وقد نسب إليه بقوله: فأحببت ان اعرف، المحبة
والطلب للكمال الأسمائي فكيف قلتم بان الطلب حيث كان يستلزم الفقر والحاجة، وما
بالذات لا يزول؟
110 - 4 قلنا: المراد بالغنى الذاتي ثمة عدم التعلق بغير الذات، والفقر قد يكون ظاهر
الحكم مع عدم التعلق بالغير، كافتقار الشئ إلى نفسه، ولا ينافي ذلك غناه عما سواه، وان لم
يعر عن حكم الحاجة، وإذ لا خارج عن مفاتيح الغيب التي هي الأسماء الذاتية وشئونها
الأصلية الاطلاقية المتحدة فيها، فحكم الحاجة فيما بينها لا يتعدى إلى غيرها، والافتقار بين
شؤون الذات لا يقتضى الافتقار بالذات من حيث هي، بخلاف المراتب النازلة المتقابلة
اجمالا وتفصيلا أو بطونا وظهورا.
111 - 4 لا يقال: الوحدة والاجمال معتبر فيها أيضا فيتحقق التقابل مع الكثرة
والتفصيل.
112 - 4 لأنا نقول: الوحدة المعتبرة فيها منشأ الوحدة والكثرة المتقابلتين، كما انها منشأ
لكل من المتقابلين، فلا تقابل شيئا منها، إذ عدم اعتبار التفصيل ليس باعتبار عدم
التفصيل، فافهم تمشيه وسريانه في كل حقيقة من حيث هي.
113 - 4 ثم نقول: بين الطلبين الذين قال في التفسير: أحدهما الطلب الذاتي تضمنه
التجلي الحبى الذي هو منبع الفعل، والاخر الطلب الاستعدادي الكوني بصفة القبول
الذي هو مظهر الفعل فروق:
114 - 4 منها ما مر ان الافتقار من الحضرة الجامعة الإلهية إلى نفسها في الحقيقة ولبعض
شؤونها إلى بعض، ومن الحضرات الكونية إلى حضرة الجمع الاحدى.
115 - 4 ومنها ان قبلة الطلب من الحضرة الإلهية ليس شيئا معينا، بل ماله استعداد
القبول في الجملة للاعطية الذاتية والأسمائية، وقبلة الكون معين وهو حضرة أحدية الجمع

336
والوجود لا محالة، عرف الطالب انها قبلته أو لم يعرف، وربما لم يعرف الطلب أيضا مع
تحققه، فضلا عن معرفة المطلوب.
116 - 4 ومنها ان المطلوب للحضرة الإلهية مراتب نسبية لا وجود لها في نفسها،
فضلا عن أن يظهر بها غيرها، بل لظهور شروق نور شمس الحقيقة الجامعة، اما للحضرة
الكونية (1)، فظهور الحكم الجمعي الاحدى المسمى وجودا عينيا به موجودية كل حقيقة
كونية وهى (2) عين صورة نسبتها الاجتماعية لا أمر زائد عليها (3) المناسبة (4) لتلك
الجمعية عامة كانت أو خاصة، كلية كانت أو جزئية.
117 - 4 فمن ههنا يعلم أن الوجود الإضافي المنسوب إلى الكون هو الظهور وهو نسبة
من نسب وجود الحق كالبطون، فليس ببديع ولا بعيد ان يكون صورة النسبة الاجتماعية
التي هي ليست بموجود محقق موجودا محققا، لما مر نقلا عن الشيخ قدس سره: ان البساطة
حجاب، والتركيب مع أنه ستر على الحقائق وامر نسبى اعتباري لا محقق يرفع ذلك
الحجاب، وهذا هو العجب العجاب ولا يبعد.
118 - 4 تأنيسه بنوع من المركبات العينية من نحو الكرسي والبيت: ان وجودها
صورة اجتماع اجزائها، لا أمر زائد عليها - كما تقرر في موضعه -.
119 - 4 فان قلت: أ ليس ان الافتقار إلى ما ليس بموجود وليس من شأنه ان يفيد
الوجود ليس بافتقار، وهو المناسب للحضرة الإلهية، وإذ لا افتقار من الحضرة الإلهية
فلا توقف؟
120 - 4 قلنا: حكم التوقف يشتمل الحضرتين كما ذكر، لكن من الحضرة الإلهية إلى
نفسها ولبعض اعتباراتها وشئونها إلى بعض، كما في توقف سائر الصفات على الحياة.
121 - 4 ومنها ما ذكره الشيخ قدس سره في النفحات: ان التوقف من الحضرة الإلهية
على القابلية الحاصلة بالجمعية شرطي (5)، ومن الكونية عليها على موجدي.



(1) - أي ان المطلوب للحضرة الكونية - ش (2) - أي الموجودية - ش (3) - أي الصورة - ش
(4) - صفة الصورة - ش (5) - خبر لان - ش
337
122 - 4 ومنها ما مر ان الطلب من الحضرة الإلهية للفعل والتأثير ومن الكونية القبول
والتأثر.
الأصل الثالث
في نسبة ما بين الحقيقة الجامعة الأصلية والحقائق المندرجة الفرعية
123 - 4 لما كانت الحقائق العينية صور النسب العلمية، وتعين الأسماء الإلهية بحسب
تعين الحقائق الكونية كليتين كانتا أو جزئيتين، كانت الأسماء الجزئية المندرجة في مرتبة
الجمع بحسب الحقائق المندمجة فيها، فإذا اعتبر كل من تلك الحقائق من حيث أحديتها لا من
حيث جميعتها كانت حقيقة غيبية مشمولة من حقائقها، والذات باعتبارها مسماة باسم ذاتي
من أساميها، ولا يكون عينها ولا محمولة عليها، لان المشمول يكون عين الشامل والا لكان
أحد المشمولين عين الاخر، لان عين العين عين.
124 - 4 واما إذا اعتبر إضافة النسبة الجامعة إلى ما يليها من الأسماء الذاتية مجموعة في
العلم لا في الخارج، أي إلى الحقائق الغيبية المندرجة في الحضرة العلمية لا إلى الأعيان
الوجودية الخارجية، يسمى حضرة الهوية وحضرة الذات ونحوهما، مما يدل على أن الاعتبارات
الأسمائية بالنسبة إليها عينها ونسب معتبرة فيها، فمعرفتها عين معرفته، وانما قلنا لا في الخارج
لان الأعيان الخارجية صورة الحقائق لا نفسها، فضلا عن أن يكون نفس الحقيقة الجامعة، و
ههنا قواعد حقة:
125 - 4 الأولى: ان الكلى ذات الجزئي من حيث هو جزئية لا بالعكس، كما في زعم
أهل النظر وكأنهم زعموا ان الجزئية من الذات لا من العوارض المشخصة فناقضوا أنفسهم.
126 - 4 الثانية: ان هوية الموجود من (1) الحقائق المجتمعة فهي التي تفيد الهوية للجزئي
لا بالعكس كما زعموا، وفي التحقيق تلك الجمعية تفيد الموجودية، أعني انتساب الوجود



(1) - خبر لان - ش
338
الحقيقي الذي هويته عينه إليه وبانتسابه يحصل انتساب الهوية، فهوية كل شئ في الحقيقة
شعاع هويته.
127 - 4 الثالثة: ان الكلى يحمل على الجزئي، لان طبيعة المحمول بما هو محمول أعم لا
بالعكس، فيكون الكلى عين الجزئي بلا عكس، وبه يفرق بين ان يقال: إن الله هو المسيح
بن مريم (17 - المائدة) وبين ان يقال: المسيح هو الله - كما عرف في الفصوص - إذ معنى
الأول حصر الألوهية في المسيح وهو كفر، ومعنى الثاني حصر المسيحية في قدرة الألوهية
ووجوده.
128 - 4 فان قلت: إذا كان حضرة الذات عبارة عن الحضرة الجامعة للحقائق العلمية
والحقائق تعلم، فكيف يجهل الذات؟
129 - 4 قلنا: معنى الجهل بالذات وجوه:
130 - 4 الأول: الجهل مجردة عن المظاهر والمراتب المعينة الكلية أو الجزئية، وهى
حينئذ عين الهوية الغيبية الاطلاقية الكمالية، وقد تحقق ان لا إشارة إليها أصلا، وكل معلوم
مشار إليه بالإشارة العقلية ومتعين عقلا تعينا يقتضيه حال العاقل، بل كل واحد في
وحدته الحقيقية كذلك، إذ التعين تعدده - لأنه تميزه -.
131 - 4 الثاني: عدم العلم بجميع ما انطوت عليه من الأمور الكامنة في غيب كنهها
التي لا يمكن تعينها وتطورها دفعة - بل بالتدريج - فان للوجود الإلهي والحكم الجمعي
الذاتي في كل عين ومرتبة تجليا خاصا وسرا لا يمكن معرفته الا بعد الوقوع، ولا يكفي معرفته
حال عينه الثابتة قبل انصباغها بالنور الوجودي ودون حصول الاجتماع التوجهي الأسمائي
والقبول الكوني بالفعل وادراكه ظاهرا.
132 - 4 يؤيده ما نقلناه من النفحات فيما مر من أن الجمعية الحادثة توجب تعين تجل
من مطلق غيب الذات بحسبها، تعينا لم يسبق إليه تعين في مراتب الأسماء والصفات، فلم

339
يتعلق بتلك الجمعية ولا بما استتبعه علم هذا - لو أمكن إحاطة العلم بما يقتضيه كل فرد
من الاعتبارات والأعيان الثابتة جمعا وفرادى من الآثار واللوازم التي ستتلبس بها لا إلى
نهاية - وذلك محال، إذ من جملة الأمور التي يحكم عليها بالجمعية هو الوجود المطلق الذي
لا تعين له على الانفراد، تعينا يمكن معرفته أو شهوده أو ادراك صفاته التي يشمل عليها غيب
عينه - وهكذا كل جمعية -
133 - 4 وتوضيحه ما نقلناه من شرح الفرغاني: انه ربما يكون في الحضرة الغيبية أمور لم
يتعين بعد، لا في الحضرة العلمية ولا في اللوح المحفوظ، فلا يعلم الا بعد وقوعها في الخارج.
134 - 4 فان قلت: ذكر الشيخ قدس سره في أواخر التفسير عند بيان سر حيرة المتوسطين:
ان الأكابر لهم الجمع والإحاطة بالتجلي الذاتي وحكم حضرة أحدية الجمع، فلا يتقيدون
بذوق ولا معتقد ويقررون ذوق كل ذائق واعتقاد كل معتقد ويعرفون وجه الصواب في
الجميع والخطاء النسبي، وذلك من حيث التجلي الذاتي وهو عين كل معتقد والظاهر بحكم
كل مستعد، فحكم علمهم وشهودهم يسرى في كل حال ومقام ولهم أصل الامر
المشترك بين الأنام (1). فهذا يدل على شمول علم الكمل لكل شئ.
135 - 4 قلت - والله أعلم -: على أنه شمول بحسب حضرة أحدية الجمع الذي بجهة وأحديته
يتضمن الحضرة العلمية، لا بحسب كنه الغيب الاطلاقي، كأن مراده شمول نسبى بالنسبة إلى
حال غيرهم، والا فقد قال فيه أيضا عند بيان سر حيرة الكمل: لما كانت الإحاطة بالحق
متعذرة كان منتهى حكم كل حاكم فيه بحسبه، لا بحسب الحق من حيث هو لنفسه
وما لم يتعين منه أعظم وأجل مما تعين عند الحاكم، لان نسبة المطلق إلى المقيد نسبة
ما لا يتناهى إلى المتناهى، بل لا نسبة لما تعين في مداركنا منه سبحانه وبين ما هو عليه من



(1) - إلى هنا تم كلامه قدس سره.
340
السعة والاطلاق والعظمة، وقد قال أكمل الخلق عليه وآله السلام - لما سئل عن رؤيته -:
نوراني أراه؟ وقال: لا احصى ثناء عليك، لا أبلغ كل ما فيك. وقال تعالى منبها على ذلك:
ويحذركم الله نفسه (28 - آل عمران) وما أوتيتم من العلم الا قليلا (85 - الاسراء) فما ظنك
بما ليس يعلم؟ وقال عيسى عليه السلام: ولا اعلم ما في نفسك (116 - المائدة) وهو
روح الله ومن المقربين باخبار الله وأقرب الأشياء إليه لنسبة روحه إليه.
136 - 4 ولهذا نهى الناس عن الخوض في ذات الله تعالى، وقد سلف قوله قدس سره:
وعن كنه ربك فلا تسأل... إلى قوله: فما بعد العشية من عرار. هذا ما في التفسير.
137 - 4 اما الذي يفهم من النفحات فهو ان الفرق بنفس الإحاطة وعدمها في غير
الكمل، اما فيهم: فالفرق بدوام الإحاطة وبالتقدم وكمال الانبساط لا غير، وهو الوجه
الثالث لمعنى الجهل، أعني عدم دوام الإحاطة وعدم كمال الانبساط، حيث قال فيه: اعلم أن
أكمل العلوم وأتمها مضاهاة لعلم الحق لا يحصل الا لمن خلت ذاته عن كل صفة
ونقش، واستقر في حاق النقطة العظمى الجامعة للمراتب كلها والوجودات والاعتدال
الحقيقي المحيط بالاعتدالات المعنوية والروحانية والمثالية والحسية، فتحقق بالاطلاق الكمالي
الإلهي والتعين الأول الذي قلنا إنه محتد التعينات حتى صارت ذاته كالمرآة لكل شئ من
حق وخلق ينطبع فيه كل معلوم كان ما كان، ويتعين في مراتيته بعين تعينه في نفسه
وفي علم الحق، لا يتجدد له تعين آخر مطابق لتعينه الأول أو غير مطابق، وهذا العلم هو
أشرف العلوم وأكملها، ولا يمتاز علم الحق عن هذا العلم الا بالتقدم ودوام الإحاطة وكمال
الانبساط مع الانسحاب - لا غير -.
138 - 4 ويلي هذه المرتبة العلمية العلم بان يستجلى المعلوم في نفسه ويتعين لديه
صورة تامة المضاهاة لتعينه الأول الثابت لذلك المعلوم في علم الحق أزلا دون انصياع
المعلوم بخاصية واسطة ما، وهذا هي صورة علم العقل الأول بالحق وبنفسه وبما أودع ربه
فيه من علمه سبحانه بالعالم المقدر الوجود إلى يوم القيامة.

341
139 - 4 ويليها علم اللوح المحفوظ المسمى عند قوم بالنفس الكلية، وعلم انسان كانت
غاية مرتبة نفسه هناك، وهو علم ينزل عن العلم الأكمل بدرجتين: الأولى بسبب التعين
الثاني، فإنه وإن كان مطابقا للتعين الأول الثابت في علم الحق أزلا، فإنه محاك له ليس عينه،
ومحاكى الحقيقة لا يكون عينها، وفي الدرجة الثالثة النفسية له صورة محاكية يحاكى
الأول، فهي في المحاكى الأول ذات قيد وانفعال وهنا ذات قيدين وانفعالين، بل في نفس
الارتسام في اللوح يحصل انفعال ثالث، إذ لا يبقى لديه نحو ما وصل الامر إليه - هذا محال -.
140 - 4 ثم ينحط مراتب العلم ودرجاته بمقدار الخروج الانحرافي عن حاق النقطة
الوسطية الاعتدالية الثابتة في مسامتة الحضرة الإلهية الذاتية الكمالية ويتضاعف صور
المطابقات والمحاكيات على مقدار كثرة الوسائط وكثرة صور المحاكاة وتضاعف الانفعالات،
فكل صورة محاكية نازلة عن درجة الصورة السابقة لكثرة احكامها الامكانية، ولا امكان
حيث العلم التام، انما هو إثبات محض أو نفى محض.
141 - 4 ولهذا نقول: سبب الجهل بالحق وبكل شئ حكم ما يقتضى الامتياز والمباينة
بين الانسان وما يريد معرفته من نفس الامكان وأحواله المقتضية للتميز، والا فالوجود
الشامل موجد الكثرة، فبه عرف بعضها بعضا (1)، فالعلم حسب الوجود، فيتفاوت
حسب تفاوت ظهور الوجود بالنقص والتمام، وذلك بما ذكرنا من غلبة احكام الوجوب
على احكام الامكان وبالعكس وبامرين تابعين له: أحدهما غلبة احكام الوسائط بحسب
تضاعف وجوه امكاناتها، والاخر بحسب القرب والبعد من النقطة الاعتدالية العظمى
الجامعة بين احكام الوجوب والامكان، وكل ذلك تابع للاستعدادات المتفاوتة الموصوف
بها القوابل، لكن ينبغي ان يعرف كما مر انه ما من شئ الا وارتباطه بجناب الحق من
حيثيتين:



(1) - عبارة النفحات هكذا: وإن كان المراد معرفة شئ من الممكنات فليس الموجب لجهله الا الاحكام
الامكانية اللازمة للماهيات الممكنة المقتضية لتميز كل ماهية عن غيرها من الماهيات، والا فلا ريب انها من حيث
الوجود الشامل لها والموجد كثرتها متوحدة وبه عرف بعضها بعضا إلى آخره - ش
342
142 - 4 إحداهما من حيث سلسلة الترتيب والوسائط، وما عرفتك من سبب نقص
العلوم وكمالها وقلتها وكثرتها من ذلك الوجه.
143 - 4 والاخرى مقتضاه الارتباط بالحق والاخذ عنه بدون واسطة ممكن، غير أن
هذا الوجه بالنسبة إلى أكثر الممكنات مستهلك الاحكام لغلبة احكام الوجه الاخر، فأي
موجود قدر له ان يكون نقطة مرتبته قريبة من النقطة الإلهية العظمى، فان هذا الوجه منه
لا يستهلك احكامه بالكلية، فيرى بعد التحلي (1) بالصفات السنية والأحوال المرضية ينمو
احكامه ويقوى حتى ينتهى إلى غاية يظهر فيه غلبة حكم وحدته على احكام الوجه الاخر
المختص بسلسلة الترتيب والوسائط، فيستهلك كل كثرة في وحدته ويستهلك وحدته في
وحدة الحق، وهو صفة التعين الأول الذي هو محتد جميع التعينات ومنبع الأسماء
والصفات ومشرع النسب كلها والإضافات، فيتحقق بالنقطة العظمى المذكورة ويصح
له المسامتة الغيبية المستورة، فيحصل له العلم على نحو ما أشرت إليه.
144 - 4 ثم قال: فافهم فان حل لك معماه وفصلت مجمله عرفت سر الصورة الإلهية (2)
مع تنزيهك الحق عن التقييد بصورة معقولة أو محسوسة، وعرفت سر خلافة الحق وسر علم
الأسماء والإحاطة بها وسبب سجود الملائكة لادم وان هذا السجود مستمر ما دام في الوجود
خليفة والخلافة باقية إلى يوم القيامة، وعرفت صورة ارتباط الحق بالعالم - وذلك من جهة
واحدة لكونه واحدا من جميع الوجوه - وارتباط العالم بالحق - وذلك من وجهين لان
الكثرة من لوازم الامكان - وعرفت ان الحق من أي وجه تتعذر الإحاطة بكنهه - مع
سوغان العلم بحقيقته -.
145 - 4 وقال في النفحات في موضع آخر: والقليل من خواص أهل الله يستجلون
صورة علمه سبحانه بنفسه في نفسه وبنفسه في شؤونه واحكامها التي تتعين فيهم ربهم في
مراتب ظهوره بهم، ومراتب ظهوراتهم في جنابه من حيث هو مرآة لهم ولا حوالهم،



(1) - بالهاء المهملة - ش (2) - التي أضافها الحق إلى نفسه - ش
343
ويستجلون أيضا صورة علمه سبحانه بهم وبأحوالهم التي يتلبسون بها على سبيل التعاقب
شيئا بعد شئ، واخذوا العلم بربهم وحقائقهم وأحوالهم من حيث تعلق علم موجدهم به
وبهم، فلذلك لم يغاير علمهم علم ربهم الا من حيث القدم والإحاطة وكمال الانبساط
ودوامه وعدم الانفعال، إذ الذي لهم مقدار ما يستدعيه سعة دائرة مقامهم ومحاذاتهم المعنوية،
مع أنه قال: نفحة كلية تتضمن سر قبول الأكابر المحن، فمحن الكمل والأنبياء والأولياء
لها سببان غير ما ذهب إليه علماء الرسوم:
146 - 4 أحدهما سعة دائرة مرتبتهم مع صحة محاذاتهم حضرة الحق من حيث العبودية
المشار إليها بالخلافة والظلية، فليس في الحضرة الإلهية والامكانية أمر لا يقبله سعتهم
ولا ما ينافيه استعدادهم، مع قوتهم قبول الجميع نعم وقبول كل ما تضمنه غيب الحق،
لكن شيئا بعد شئ، لعدم مساعدة الآلة كما قيل:
فان اتى دهره بأزمنة * * أوسع من ذا الزمان ما ابتدعا
147 - 4 فكما تقتضى قابليتهم التامة كل خير، كذلك تقتضى قبول ضد الشئ ما داموا
مرتبطين بهذه النشأة الاحاطية، وهذا السر هو سبب خوف الكمل، وقوله صلى الله عليه
وآله: انى لأتقاكم لله، وقوله: ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم (9 - الأحقاف) بخلاف حاله
المتقدم، فإنه ما دام في حضرات الأسماء يعرف ما يفعل به وبغيره - إن شاء الله - ولهذا عرف
أسماء الفوارس العشرة الطلائع وأسماء عشائرهم وقبائلهم وألوان خيولهم قبل وجودهم
بنحو ست مائة سنة، وكثيرا ما في هذا المشهد لا يعرف، بل يقول في الريح: ولعله كما
قال قوم عاد، وقال في بدر: اللهم ان تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض، مع سابق قوله:
زويت لي الأرض... الحديث.
148 - 4 والسبب الاخر المقتضى للمحنة كمال العدل الذي به قامت السماوات والأرض،

344
فإنه ليس من العدل الأتم ان تخص بالسعادة الباطنة الأخروية طائفة يصفو لهم الدنيا
دون كدر ولا تبعة ويحرم آخرون كل ذلك من كل وجه، مع صحة ان هذه الدار دار
الجمع الأتم، ومع صحة ان كل شئ فيه كل شئ لا محالة فأين الجمع حينئذ؟ واما التعطيل
فمحال، فلا بد من ضرب ما من المزج من كل شئ بالفعل لا بالقوة وبالوجوب لا
بالامكان، وكل شئ بالفعل هو الانسان الكامل من حيث بعض مراتبه، فيظهر فيه كل
شئ ولو من جهة احكامه الكلية، فإنه الأنموذج الجامع، ومن المقام الذي هذا لسانه يعرف
سر مآل الخلق إلى الرحمة دون تخصيص واستثناء - فهذا برهانه -.
149 - 4 وحديث: ان المحن انما كانت لمزيد الترقيات ورفع الدرجات ونيل ما قدر ان
لا ينال الا بعوض هو المرض أو غيره من المحن، فهذا وإن كان داخلا في دائرة الجمع لكن
ليس هو السبب الحقيقي ولا الغاية المقصودة، ومن اقتصر على هذا فهو من القاصرين
والجاهلين بكنه الامر وجلية الحال. تم كلامه - والله أعلم -.
الأصل الرابع
فيما يتوقف عليه ويتسبب عنه ظهور الحكم الجمعي الذي هو الوجود العيني وهو
النسبة المسماة بالاجتماع
150 - 4 لان الوجود العيني كما مر صورة النسبة الاجتماعية، فالموجودات بأسرها صور
التجليات الإلهية المتعينة بالأسماء الربانية حسب المراتب العبدانية، ثم الاجتماع وحكمه انما
يظهر ويتعين من أمرين وبهما:
151 - 4 أحدهما اجمالي عام، أي كلي شامل لجميع وجوهه وهو ما مر من الطلب الكامن في
الحضرة الإلهية الفاعلية والكونية القابلية بالفروق السالفة، وهذا هو ما قال في التفسير،
فعموما بين الإرادة الكلية الإلهية وبين الطلب والقبول الاستعدادي من الأعيان الممكنة،

345
فطلب (1) الحقائق الإلهية للتنزل والتعين المفضى إلى كمال الجلاء والاستجلاء وطلب الحقائق
الكونية للظهور بكمالاتها المستجنة والوجود الإضافي.
152 - 4 وثانيهما تفصيلي خاص وهو التعينات المستجنة في غيب ذات الحق سبحانه
والمستهلكة الكثرة بأحدية التعين الأول وهى الخاصة خصوصا جنسيا أو نوعيا أو صنفيا أو
شخصيا، وهذا هو ما قال في التفسير، وخصوصا بين نسب الإرادة المطلقة من حيث مرتبة
كل فرد فرد من الأسماء والصفات وكل عين عين من الممكنات الكامن قبل ظهور حكم
الجمع والتركيب الظاهر بعده - أعني البعض للبعض - أي تلك التعينات كامنة عن
بعض الأعيان وظاهرة لبعضها بحسب استعداداتها الغير المجعولة المشار إليها بقوله: قبل من
قبل لا لعلة، ورد من رد لا لعلة، أو المجعولة لكن بحكم اقتضاء الاستعداد الأول بحسب
المراتب والمواطن والأوقات والشؤون وغيرها، والمتعين بذلك التعين أمر جزئي حقيقي أو
إضافي حسب الخصوصيات المذكورة. قال في التفسير: هو ما حدث ظهوره في الوجود
الخارجي من الجزئيات والصور.
153 - 4 فان قلت: تسبب الاجتماع النسبي العدمي للوجود العيني كما مر أمر عجاب
يتحير فيه الألباب، فهل له مثال حسي أو عقلي تستأنس بذلك الأوهام وتنقاد العقول له
والافهام؟
154 - 4 قلت: نعم قد فقد مثله الشيخ قدس سره بوجود الجسم الحسى من اجتماع الهيولي
والصورة الغير المحسوستين وبوجود السواد من اجتماع العفص والزاج، ومنه وجود الضوء من
محاذاة النير والجدار حتى بذلك تقرر في العقليات: ان المركب قد يفعل ما لا يفعله المفردات.
155 - 4 ثم نقول: والامر الجامع في سبب الظهور الذي هو الوجود العيني عبارة عن
جمعية وتألف، وتقسيمه انه اما تألف معنوي كاجتماع الحقائق المفردة والمعانى المجردة
عن المادة وشبهها، لظهور الصور الروحانية. قال في التفسير: وهو (2) الاجتماع الحاصل



(1) - مبتداء خبره - للتنزل - ش (2) - أي التركيب المعنوي - ش
346
للأسماء حال التوجه لإيجاد الكون، وهو (1) مبدأ التأليف الرباني للحروف العلمية طلبا
لابراز الكلمات الأسمائية والحقائق الكونية، ومادته النفس الرحماني الذي هو الخزانة الجامعة
وأم الكتاب. واما صوري، وذلك نوعان: اما شبيه بالمادي أو مادي:
156 - 4 فالشبيه بالمادي قسمان: الأول اجتماع الأرواح النورية من حيث قواها المؤثرة
وهى السارية فيها من خواص الأسماء وتوجهاتها لظهور عالم المثال. والثاني اجتماع الصور
المثالية التي من جملتها مظاهر الأرواح - أعني صورها التي (2) تترا أي بها (3) - كصورة
دحية الكلبي وغيرها، وتوجهات الأرواح من حيث تلك المظاهر، أي من حيث تقيدها
بالمظاهر المثالية بحسب صفاتها ومراتبها، والخواص الأسمائية الحاصلة لها لتوليد الصور
العلوية الجسيمة، كالافلاك والكواكب وسائر الأجسام البسيطة.
157 - 4 وهذان القسمان يعدان في أقسام النكاح واحدا - كما يتضح من تفسير الفاتحة -
وذلك لان المؤثر في توليدهما اجتماع الأرواح اما بصورها النورية أو بصورها المثالية.
158 - 4 اما التأليف المادي فما بعد ذلك، وهو (4) تألف الأجسام البسيطة لتوليد صور
المولدات الثلاث: أعني المعدن والنبات والحيوان.
159 - 4 وقال في التفسير: المبادى اجتماع الأسماء ثم الأرواح النورية ثم المثالية ثم الصور
والاجرام البسيطة لا نتاج الصور الطبيعية المركبة (5) ثم اجتماع الصور المركبة الطبيعية
لاحداث صورة الانسان، فكليات التأليف ثلاثة أقسام: معنوي وصوري مادي وشبيه به.
160 - 4 وانما لم يذكر التأليف الأسمائي الذاتي مع ما سيجئ انه النكاح الأول وأول
مولود يظهر منه الصورة الوجودية الكلية المسماة بالنفس الرحماني و حقيقة العماء، لان
كلامنا في التأليف الذي هو سبب الوجود العيني والظهور الكوني، وذلك التأليف
والمولود منه من المراتب الغيبية الإلهية، لهذا عده الشيخ قدس سره في التفسير من مراتب



(1) - أي ذلك الاجتماع - ش (2) - أي الأرواح - ش (3) - أي بالصور المثالية - ش (4) - أي بعد
النكاحين - ش (5) - من المولدات الثلاث - ش
347
النكاح في موضع ولم يعده في آخر. وروى أنه كتب عليه حاشية مشعرة بان عدم عده
في الموضع الاخر لما ذكرنا.
161 - 4 ثم نقول: وكل هذه التأليفات الثلاثة في الأصل والتحقيق تابع لاجتماع غيبي
واقع في عالم المعاني والحقائق وهو الأصل المتبوع المستلزم لها، وهو شبيه من وجه بالتركيب،
لكون اعتبار اجتماعها زائدا على اعتبار حقائقها البسيطة دون وجه، لكونها حقائق غير
مجعولة، والتركيب الحقيقي مشعر بالجعل.
162 - 4 قال الشيخ قدس سره في التفسير: كل اثر وحداني واصل من حضرة الجمع
والوجود بحركة غيبية سارية بأحدية الجمع، فإنه يوجب للحقائق الظاهرة تخصصها
بالتوجه الإرادي اجتماعا لم يكن قبل، فكل اجتماع على هذا الوجه تركيب.
163 - 4 وكتب في حواشيه: ان في قوله: على هذا الوجه، نفى ان يسمى كل اجتماع
تركيبا، فان اجتماع الأسماء بحركة الغيبية ليس فيه تركيب الا إذا وقع بين المعاني، لان
كل ولدين مختلفين يتبع المحل، وفيه اسرار غامضة. تم كلامه.
164 - 4 فعلم أن كل اجتماع من الاجتماعات الثلاثة عند المحقق تركيب ولكل تركيب
صورة هي ثمرة ذلك التركيب، ولتلك الصورة حكم لازم يتفرد به، وان شاركها غيرها في
بعض الأحكام التي هي نسب مطلق الحكم، فان لكل صورة خصوصية من الفصل
والخاصة والتشخص، وعمومية من الجنس والعرض العام والأمور السلبية، حتى قيل يجوز
اشتراك بسيطين أيضا في عارض ثبوتي كمطلق الظهور، أو سلبى يسلب ما عداهما
عنهما.
165 - 4 وههنا يعلم قواعد حقه:
166 - 4 الأولى ان الموجودات تعينات شؤون الحق سبحانه، وحقائق الأسماء والأعيان
عين شؤونه التي لم تتميز عنه الا بمجرد تعينها منه، وهو غير متعين، والوجود العيني

348
المنسوب إليها هو تلبس شؤونه بوجوده، ومعقولية النسبة الجامعة لاحكام الكثرة من حيث
وحدتها حقيقة العالم، كما أن تعين الحق من حيثها وجود العالم، فتعين الحق من حيث كل
وجود.
167 - 4 الثانية ان العالم من حيث التعين ثلاثة أقسام:
168 - 4 ما غلب عليه طرف الوحدة والبطون - كالأرواح - وما غلب عليه طرف
الكثرة - كالأجسام المركبة - وما توسط بينهما، وهو ثلاثة أقسام: ما غلب عليه حكم
الروحانية ومجمل الظهور - كالعرش والكرسي - أو غلب عليه نسبة الجمع لكمال الظهور
التفصيلي - كالمولدات - أو الوسط المشتمل على درجات - كالسماوات السبع وكالاسطقسات
الأربع - والكل مذكور في التفسير ومنقول فيما سبق، أعيد تذكيرا.
169 - 4 فان قلت: لم لم يذكر عالم المثال في هذا التقسيم؟
170 - 4 قلت: كأنه لما قال الشيخ قدس سره في الفكوك: ان المتعين بين طرفي الوجود
والعدم هو حقيقة عالم المثال وانه عبارة عن وجود العالم وهو ظاهرية الحق، ثم هذا المتوسط
يوصف بوصف الطرف الغالب كما هو شأن كل متوسط بين شيئين، كوصف عالم الأرواح
وما فوقه من الأسماء بالنورية والوجود الا بدى، ووصف صور عالم الكون والفساد
بالكدورة والظلمة، هذا كلامه.
171 - 4 فعلم أن عالم المثال أمر شامل هو صور جميع التعينات كما قال الشيخ قدس
سره في التفسير: ومجالي التعينات هي الحضرات الخمس المشهورة، والمتوسط باعتبار
الدائرة الوجودية بين مطلق الغيب والشهادة من حيث الإحاطة والجمع هو عالم المثال
المطلق المختص بام الكتاب الذي هو صورة العماء، ولذا قال في موضع آخر: انه مرتبة
الانسان الكامل، فمثله لا يعد في الأقسام المتعينة من الكائنات، بل من المراتب الكلية.
172 - 4 الثالثة ان كل ماله وجود عيني مركب وكل مركب له مادة وصورة
تناسبان مرتبته، فالارواح والصور المثالية في ذوق التحقيق مركبان من مادة وصورة كما

349
مر، لكن غير المادة الجسمانية والطف منها، فالتركيب المسمى بالمادي هنا يراد بالمادة فيه
المادة الجسمية، فلذا اختص بالاجسام.
173 - 4 الرابعة ما ذكره في التفسير: ان كل مدرك من الصور كان (1) ما كان ليس
الا نسبة اجتماعية في مرتبة أو مراتب، فالتركيب محدث عين صورة المركب وهو شرط في
ظهور عينها، فمتعلق الحدوث وهو التركيب والجمع و الظهور، لا الأعيان المجردة والحقائق (2)
الكلية، وكذا متعلق الشهود هو المركب مع أنه ليس بشئ زائد على بسائطه الا نسبة
جمعها، وهى نسبة معقولة، وكذا متعلق التبديل الواقع في الوجود بالاجتماع والافتراق
والتحليل والتركيب والتشكيل، هو الصور والاشكال الجزئية التي هي احكام الحقائق،
والاشكال المعقولة والحقائق مشتركة من حيث الوجود والسر الإلهي الذي لا تعدد فيه -
والاختلاف بالصور -
174 - 4 الخامسة ما ذكره فيه أيضا: ان المسماة حدودا ذاتية، انما هي ذاتية للصور
والاشكال لا للمتصور والمتشكل، فهذه المعرفة متعلقها النسب لا الحقائق، فاجزاء حد
كل شئ بسيط ليس اجزاء لحقيقته - بل لحده فحسب - وهو شئ يفرضه العقل في المرتبة
الذهنية، اما في ذاته فغير معلوم.
175 - 4 هذا كلامه ومنه يفهم جواز تحديد البسيط، وان تركب الحد لا يقتضى تركب
المحدود، وعكس نقيضه: ان بساطة المحدود لا يقتضى بساطة الحد على خلاف ما يقوله أهل
النظر في المطالب الثلاثة، والحق معنا كما لا يخفى، إذ لا ملازمة بين الاجزاء الذهنية والخارجية.
176 - 4 ثم نقول: والتركيبات في كل حضرة من الحضرات الخمس التي هي مجالي



(1) - أي التركيب الجمعي يحدث عين الصورة التي قصد المركب اظهارها بالجمع أو التركيب الذي هو
شرط في ظهور عين ذلك المركب - كذا في التفسير - ش (2) - أي والحقائق التي هي أصول المركبات
والمجتمعات في سائر مراتب الجمع والتركيب ومواد عين الجمع والمركب ولمسير (ليس) الجمع والتركيب
إذا تدبرت ما نبهت عليه غير نسبة انضمام الحقائق المجردة بعضها إلى بعض بحركة منبعثة عن قصد خاص
من الجامع المركب فيحرك أو يتحرك لابراز عين الصورة الوجودية والكلمة المراد ظهورها في النفس
فيصير الكلمة مشهودة بواسطة النسبة الانضمامية بعد إن كانت غيبا - كذا في تفسير الفاتحة - ش
350
التعينات وفي كل مقام من المقامات الكلية لا نهاية لها. وفي التفسير: التركيبات الجزئية من
الحروف الإلهية والانسانية لا تتناهى، وانما يتناهى أصولها وكلياتها، فنتائجها - أعني الصور
والكلمات واحكامها اللازمة - لا نهاية لهما، وإن كانت راجعة إلى أصول حاصرة، كالأسماء
الذاتية التي هي مفاتيح الغيب التي كلياتها الحضرات الخمس كما مر، وإلى أمهات متناهية،
كالأمهات السبعة لأسماء الألوهية التي هي سدنة الأسماء الذاتية وظلالاتها.
177 - 4 فحاصل الكلام: ان الامر الذي يدور عليه ظهور التجلي الذاتي الاحدى في صور
التعينات اما اجتماع عدة معان - وهو في التركيب المعنوي - واما اجتماع اجزاء جسمانية -
وهو في التركيب المادي - أو حقائق وقوى روحانية نورانية أو مثالية هو في الشبيه بالمادي، كل
من ذلك على نحو خاص لم يكن من قبل ليحدث الظهور بحدوث التركيب كما مر.
178 - 4 فان قلت: قول الشيخ قدس سره في المفتاح والتفسير لم يكن قبل مشعر بان لكل
تركيب عدما سابقا وأن يكون كل تركيب حادثا مسبوقا بالعدم، سواء قيل بأنه سبق زماني
ويفسر الزمان بصورة النسبة الامتدادية المعتبرة صفة للوجود الحق المسماة دهرا أو بمتجدد
بقدرته، أو لم يقل بأنه زماني بل ذاتي، كتقدم بعض اجزاء الزمان على بعض، وفي ذلك شبه:
179 - 4 الأولى لزوم تعطيل الصفات وهو عدم تعلقها بالفعل لعدم متعلقها، وقد
أسلفنا فيما مر عن قريب من كلام النفحات ان التعطيل محال.
180 - 4 الثانية ما مر في الأصول ان التأثير إذا لم يتوقف على شرط يدوم الأثر بدوام
المؤثر، وان توقف فيدوم بحسب دوام الشرط، فالقلم الاعلى لكونه اثرا للحق بلا واسطة
كوني يدوم بدوام الحق، وكذا ما يكون شرط وجوده هذا الدائم أو لازمه الدائم وهلم جرا إلى أن
تتوسط الحركة الدائمة بنوعها الحادثة باجزائها، وقد مر.
181 - 4 الثالثة ما مر ان المتضايفين كالرب والمربوب والاله والمألوه متكافئان من
حيث الإضافة تعقلا ووجودا، فكيف التوفيق بين هذه الأصول وكيف يتطابق ما هنا وما
سبق في الفصول؟

351
182 - 4 قلت: استدعاء العدم السابق بالذات الذي هو لازم الامكان المقتضى في نفسه
العدم وقابلية الوجود عند وجود المؤثر عين الحدوث الذاتي المفسر بالاحتياج إلى المؤثر في الوجود
الذي لا ينافيه المعية في الوجود، كحركة الإصبع مع حركة الخاتم، فلا تنافيه القواعد السالفة،
فالحدوث الذاتي لازم لتركيب كل ممكن موجود، اما الاقتصار عليه أو الانضياف إلى الحدوث
الزماني، فباعتبار المرتبة التي فيها يقع التركيب، وإليه الإشارة بقول الشيخ قدس سره: يظهر
- أي التركيب - بحسب الحضرة والمقام الذي به وفيه يقع ذلك الاجتماع ويتم.
183 - 4 والتحقيق: ان الزمان هو صورة الترتب المعقول لتمام الاستعدادات الوجودية
الحاصل من التوقف على عدم واسطة أقل أو أكثر بعد وجودها، ولذا قيل: بأنه مقدار حركة
الفلك الأول المعقولة الترتب المذكور فيما بين المفروضة من اجزاء الحركات، وقد يطلق على
نفس الترتب المعقول بين عدم اعتبار القيود المتنزلة كثرة، واعتبارها قلة وكثرة - بدون
اعتبار عدمها تنزيلا - لاستهلاك الكثرة التفصيلية في الاطلاق بمنزلة استهلاكها في الوجود،
وهو المراد في قوله عليه وآله السلام: كان الله ولا شئ معه، حتى قيل: والآن كما كان عليه.
184 - 4 اما القول بالتعلقات الأزلية للأسماء والصفات بالحوادث الجزئية فيما لا يزال،
مع القول بان ذات الحق مباين لها، فنازل عن طور التحقيق، إذ لو أريد بتلك التعلقات،
التعلقات الجزئية، فجزئية التعلقات قبل وجود المتعلقات حسا غير معقولة، والوجود العقلي
لا يفيد الجزئية، ولو أريد التعلقات الكلية فلا يطابق تعينها تعين الجزئيات فلا اقتضاء بينهما.
185 - 4 كيف والقول بأزلية الجزئيات لا محصل له، وهذا بخلاف المطلق المستغنى في
نفسه عن قيد وزمان، فإنه مع أنه كذلك، مع كل جزئي في كل زمان، كما مر انه على هذا
الأصل يتفرع شهوده سبحانه بالجزئيات، كما قال تعالى: ولا أدنى من ذلك ولا أكثر الا هو
معهم أينما كانوا (7 - المجادلة) إذ لا يمكن توسط شئ من زمان أو مكان بين المطلق ومقيده،
وعليه يتفرع أيضا ما مر في قول الشيخ قدس سره: ان كل جزئي يتعين في حضرة العماء
والحادث ظهوره، يعنى بالنسبة إلى من يختلف عنده القديم والحادث، والا فالوجود الاطلاقي

352
لكل موجود أزلي، كما علم مما قال عليه وآله السلام: جف القلم بما أنت لاق، وعليه يبتنى
أيضا ان تعلق علمه بالجزئيات على وجه جزئي - لكن من حيث الظاهر - كما قال تعالى:
ولنبلونكم حتى نعلم (31 - محمد) وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم (143 - البقرة)
ومع الفرق بين نسبة علم الشئ إليه من حيث إنه علمه بنفسه، وإن كان من حيث المظهر
وبين نسبته إليه من حيث علمه المتحقق بتحقق علم المظهرية، إذ قد لا يطابق الثاني الأول،
لانصياع كل ظاهر بحال المظهر من حيث ظهوره به، وبقاء الأول على قدسه الأصلي.
186 - 4 فان قلت: قد عرفت مما أشير إليه فيما سلف سوغان العلم بحقيقة الحق بمعرفة حقائق
الحقيقة الجامعة التي هي إذا نسبت إليها مجموعة في العلم عينها كما مر، وقد قيل هنا بان المركبات في
كل حضرة حتى في حضرة الحقائق غير متناهية، فكيف يعلم حقائق الأشياء وهى تتناهى؟
187 - 4 قلت: معرفة الشئ من جهة كونه لا يتناهى أو لا ينضبط، انما يكون بمعرفة انه غير
متناه وغير منضبط، والا كان جهلا لا علما، فمعرفة الحق من حيث أمهات شؤونه وكليات
حضراته وأصولها الحاصرة واقعة كشفا وشهودا لمن وفق لها، اما معرفته من حيث ظهوراته
الجزئية في التراكيب اللامتناهية لحضراته، فمعرفة انه من حيثها لا متناهية ولا محاطة فذلك
أيضا واقع.
الأصل الخامس
في كشف الاسرار الإلهية المتعينة من الأسماء الذاتية بحسب جمعيات المراتب والحقائق
الكونية والحضرات الكلية أو الجزئية وهى النشآت المعنوية التي لتعينها بحسب المجالي
والمظاهر يسمى بنسبتها إليها في كل مرتبة بأسماء وبالنسبة إلى الحضرات الربانية
الظاهرة بها بأسماء
188 - 4 فنقول: ان للحق سبحانه لا من حيث اطلاقه وذاته الغنية عن العالمين، بل من
حيث أسمائه الذاتية العامة النسبة إلى المتقابلات لكليتها واطلاقها التي إذا نسبت مجموعة إلى

353
الذات يكون عينها وإذا اعتبر امتيازها النسبي يستند كل تأثير من التأثيرات المتعينة في
كل مجلي إليها، اجتماعا (1) خاصا ونشأة معنوية هو شرط التأثير وسبب تعينه المعنوي أو
الروحاني أو المثالي أو الحسى، وحدانيا كل في الظاهر بسران الجمعية الوحدانية الأصلية إلى
كل منها - لا في الباطن - لاستدعاء جمعية الحقائق تعددها مظهرا، ذلك (2) من كان من سر
الأسماء وهو الحقيقة الأحدية الجامعة لها (3) المجهول من حيث هو هو تعين الحكم عليه
والحصر والإحاطة لا المجهول مطلقا، لما مر من سوغان العلم به نتيجة خاصة في ذلك السر،
ونشأة أخرى تسمى باعتبار كونها اثرا حكما وباعتبار ان تعينها بحسب المظهر القابل لا
الظاهر الفاعل كما مر يضاف إلى الممكن ويسمى وجودا كونيا ونشأة كونية روحانية أو
مثالية أو جسمانية طبيعية علوية أو عنصرية سماوية أو كوكبية أو أرضية نارية أو غيرها من
البسائط أو معدنية أو نباتية أو حيوانية أو جامعة للكل انسانية.
189 - 4 وكما يسمى حكما يسمى باعتبار مظهريته صورة، حتى تسمى الصورة الجامعة صورة الإلهية
الجامعة للأسماء، وباعتبار كونه نشأة جامعة للقوى والحقائق
المؤثرة جمعا احديا مجردا عن التدبير - لا عن الفيض - روحا، وباعتبار كونه كذلك -
لكن مشغولا بالتدبير - نفسا، وباعتبار كونه مفصلا ساريا في الجسم روحانيا ونفسا
منطبعة، وباعتبار كونه نشأة جسمانية أحدية بالامتزاج المناسب لمرتبته مزاجا معدنيا - ان
لم يظهر قبول الاغتذاء والنمو - أو نباتيا - ان ظهر ذلك بلا قبول الحس - أو حيوانيا - ان
ظهر ما سبق بلا قبول الادراك الكلى - أو انسانيا - ان جمع قبول الكل، كل هذا إذا
أضيفت النشأة إلى الممكن القابل بسبب ان تعينها بحسبه، وإذا أضيفت إلى الظاهر الفاعل (4)
والحضرات الربانية فيسمى وجها خاصا، أي تعينا مخصوصا للحق، ومنه تسمية أقسام
الشئ بوجوهه.



(1) - اسم ان - ش (2) - فاعل مظهرا - ش - ذلك: أي الاجتماع - ش (3) - مفعول مظهرا - ش -
الجامعة الوحدانية الأصلية، ذلك لها - ل (4) - واعتبر وقوعها في الحضرات... ق
354
190 - 4 ويسمى أيضا تجليا خاصا لأنه ظهور لنفسه خاص، وظهورا اسمائيا لأنه
ظهور من حيثها كما مر ونحو ذلك، كما يسمى سرا إلهيا ونشأة أسمائية وغيرهما، واصله ان
كل صورة مدركة بالادراك الحسى أو العقلي فيك أو فيما حصل من علمك فليس الا نسبة
اجتماعية في مرتبة أو مراتب يختلف أمر الموجودية بحسبها، اللهم الا الانسان الكامل، إذ له
جمعية يستوعب كل جميعة وحكم يستوعب كل حكم، ولا تعدد في المجموع من حيث هو
مجموع فيختص به، ولا يشارك فيه، فلمجموع الكمل نشأة واحدة هي الجامعة، قيل: لذا
قال سليمان عليه السلام: رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي (35 - ص) أي
لا يتصور فيه شركة الغير الكامل، وسيظهر لك بعد ما مر ما يرتفع به الاشتباه عن حال
الكمل إن شاء الله، تدبر هذا الفصل مستعينا بنور الحق تكن ممن يعلم أن كل شئ يدرك بحس
أو عقل تجل للحق وظهور له بحسب ذلك القابل، فترى الحق في كل شئ جهارا، ولا ينافيه
نسبته إلى الممكن القابل أو تسميته باسمه، بناء على شرطيته في ذلك الظهور - والله أعلم -
الأصل السادس
في كشف سر الطلب الإلهي الذي هو ما يتعين به الظهور العيني
191 - 4 قد عرفت من قبل ان الطلب الإلهي للظهور أول الطلبين، اما نقلا: فلقوله تعالى:
يحبهم ويحبونه (54 - المائدة) وقوله تعالى: فأحببت ان اعرف. واما عقلا: فلما مر ان الطلب
الالى انما هو من الأسماء الذاتية التي هي من وجه عين المسمى الموجود الحي العالم، والكوني
لا يتصور حينئذ، إذ الطلب يستدعى العلم بالمطلوب ولا علم بدون شرطه، وهو الوجود
والحيوة.
192 - 4 وعرفت أيضا ان ذلك الطلب للأسماء الذاتية حال ذاتي لها. اما أولا: فإذ
لا خارجي ثمة. واما ثانيا: فلان الأسماء نسب وإضافات، وطلب الإضافة للمتضايفين ذاتي لها
كما سلف. واما ثالثا: فلما مر ان منشأ الرقيقة العشقية الطلبية شهود الحق بنظره العلمي

355
الأزلي - نظر تنزه - كماله الذاتي الوجودي المستتبع لانبعاث تجل غيبي لكمال آخر هو
كمال الجلاء والاستجلاء، وذلك الشهود أول الأوائل.
193 - 4 ثم نقول: وذلك الطلب الأول الالى من حضرة الجمع والوجود ميل معنوي
بحركة غيبية اقتضائية من إحدى حقائقها الأسمائية الذاتية الأصلية، أي التي بلا واسطة بقوة
حقيقتها الجامعة للحقائق، إذ القوة حيث الجمعية لان يظهر صورة جملة الحقائق التي هي
حكم الاجتماع بين جميع حقائقها مع ما بينها من التباين والاختلاف، فيظهر بصور تلك
الجملة مسمى الحقائق الأسمائية من حيث تعينه في المرتبة الجامعة لها، أي من حيث عز غيبه
واطلاقه وحماه الأعز، فلذا اشتمل على ما هو الذوق المحمدي كل شئ على كل شئ، لاشتماله
على الغيب المطلق الجامع، وإن كانت الغلبة لبعضها، كذلك الحقيقة المائلة المتحركة أولا،
فان الغلبة تتحقق لاولية الطلب كما يتحقق لظهور اثار الجمعية وللصفة الغالبة.
194 - 4 وذلك - أعني اشتمال الكل على الكل - ثلاثة أنواع: لأن الظاهر من الآثار اما
اثار بعض الحقائق واثار الاخر مستهلكة - وهو في غير الانسان - واما اثار جميع الحقائق -
كما في الانسان - فاما بغلبة بعض الآثار ومغلوبية الآثار الباقية - كما في غير الكامل - أو
بالاعتدال - كما في الانسان الكامل -.
195 - 4 فان قلت: كيف يتصور في المرتبة الجامعة الاطلاقية الأحدية ان يبتدأ الميل
والحركة من إحدى حقائقها ويقع بسببها ظهور صورة الاجتماع فيما بين سائرها
وينتهى الامر إلى أن يظهر المسمى بظهور صورة الجملة، والأحدية الاطلاقية تنافى هذه
الأحوال؟
196 - 4 قلنا: ليس هناك (من) ولا غيره ك‍ (في) و (إلى) ونحوهما، ولكن المراد
توصيل الأمور المقصودة إلى الأذهان المحجوبة المقيدة بالأزمنة والنسب المكانية
بأقصى ما يمكن من وفاء العبارة.

356
197 - 4 فان قلت: علم المتكلم المحيط بحقيقة المقصود ينبغي ان يكون مهيأ لعبارة
وافية بالكشف عنها، لما قيل: إن العبارة لا تقصر عن المعاني.
198 - 4 قلت: حال المخاطب أيضا معتبر في تعيين العبارة - وإن كان المتكلم ذائقا
ومكاشفا - فبالقدر المشترك بين المتخاطبين من الفهم يقع العبارة على اختلاف
صورها في المحجوب والذائق.
199 - 4 لا يقال: فالمتخاطبان ان كانا ذائقين ينبغي ان يفي العبارة بحقيقة المقصود.
200 - 4 لأنا نقول: دائرة المعاني أوسع من دائرة العبارة، لتوقف الثانية على الوضع
والاصطلاح والعلم بهما وغيرهما من القيود دون الأولى.
201 - 4 وبيانه بلسان النظر: ان المعاني غير متناهية بدليل ان الاعداد التي هي من جملتها غير
متناهية، وكل ما دخل تحت الوضع وتصور الواضع أو الموضوع له أو المتكلم به متناه، وكل
غير متناه أفرز منه جملة متناهية، فالباقي بحسب نسبته إلى المفرز نسبة غير المتناهى إلى المتناهى.
202 - 4 قال قدس سره في التفسير: ولا يخلو أحد هذه الأسماء من حكم البواقي، مع أن
الغلبة في كل آن لا يكون الا لواحد منها في كل مظهر، ويكون احكام البواقي مقهورة
تحت حكمه، ومن جهته يصل الامر الذاتي الإلهي إلى ذلك المظهر فينسب إلى الحق من حيث
ذلك الاسم وتلك المرتبة من حيث وجوده وعبوديته، فيقال مثلا: عبد القادر وعبد الحي إلى
غير ذلك، ومن لم يكن نسبته إلى أحد الأسماء أقوى ولم ينجذب من الوسط مع قبول اثار
جميعها والظهور بجميع احكامها دون تخصيص غير ما يخصصه الحق من حيث الوقت أو
الحال والموطن - مع عدم استمرار حكم التخصيص - فهو عبد الجامع والمستوعب لما
ذكرنا بالفعل دون تقيده بالجمع والظهور مع التمكن مما شاء متى شاء، مع كونه مظهرا
للمرتبة والصورة بحقيقة العبودة والسيادة التي هما نسبتا مرتبتي الحق والخلق، هو
الانسان الكامل، ومن أسمائه القريبة النسبة إلى مرتبته (عبد الله) تم كلامه.

357
203 - 4 ثم نقول: فالميل الأول المذكور للأسماء الذاتية المعبر عنه بالاقتضاء الاحدى
في ذاته المتعدد بحسب مراتبه وقوابله هو الإرادة، والتعلق الحاصل من النسبة الجامعة التي هي
حضرة أحدية الجمع وحقيقة الحقائق الذي بها وبقوتها يظهر حكم الميل من إحداها في
كلها - أعني حكم الاجتماع بين سائرها - هو المحبة الباعثة على الظهور، المتعلقة بكمال
الجلاء والاستجلاء، المتوقف حصول هذا الكمال على العالم تفصيلا، وظهور الانسان الكامل -
المبين حاله في آخر الكتاب - مجملا بعد التفصيل.
204 - 4 والحاصل: ان اقتضاء الظهور باعتبار نسبته إلى إحدى الحقائق الأسمائية
يسمى إرادة، وباعتبار نسبته إلى الحقيقة الجامعة التي بقوتها يحصل ذلك ويتعلق بكمال الجلاء
والاستجلاء، يسمى محبة أزلية، والاقتضاء في ذاته أمر واحد هو الوصلة الرابطة بين التجلي
الأول الكمالي الذاتي وبين التجلي الثاني الكمالي الأسمائي المنبعث منه على ما مر وعلى هذا.
205 - 4 وهذا الاقتضاء والطلب والميل هو المنبه عليه في سر الأولية ب‍ (أحببت ان
اعرف فخلقت الخلق لأعرف) لان المحبة لا تتعلق بموجود أصلا، لاستحالة طلب الحاصل،
بل بكمال لم يظهر قبل الخلق - كظهوره بعده - وهذه المعرفة الذاتية أو الأسمائية هي
الظهور المعبر عنه بالعبادة في قوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون (56 -
الذاريات) أي ليعرفوني، أي ليوحدوني.
206 - 4 والتحقيق فيه ما أشار إليه الشيخ قدس سره في تفسير إياك نعبد من أن
للانسان عبادتين: إحداهما ذاتية مطلقة هي قبول شيئيته الثابتة المتميزة في علم الحق للوجود
الأول من موجده وامتثاله للامر التكويني المتعين ب‍ (كن)، وهذه العبادة مستمر الحكم
من حال القبول الأول لا إلى أمد متناه، فإنه من حيث عينه ومن حيث كل حال مفتقر إلى
الوجود دائما، لانتهاء مدة الوجود المقبول في النفس الثاني من زمان تعينه والحق ممده
بوجوده المطلق كما أشار إليه بقوله تعالى: بل هم في لبس من خلق جديد (15 - ق)
والانفاس من لوازم هذا القبول.

358
207 - 4 وثانيتهما عبادة صفاتية تختص بكل ما يظهر عن ذات العابد من حيث
حكم صفاته أو خواصه أو لوازمه من حال أو زمان معين ذي بداية أو نهاية، ويختص بهذه
العبادة عبودية (1) الأسباب الكونية المؤثرة في الانسان، إذا القهر استعباد، لأنك عبد ما
انفعلت له، لهذا قال صلى الله عليه وآله: تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم... الحديث (2).
208 - 4 فكل عبد في كل ما يفعله مقهور عابد بالعبادتين في الجملة، والفرق بين
العبادتين من وجوه:
209 - 4 منها: ان لا تكليف في العبادة الذاتية وليست من نتائج الامر، انما متعلقه الصفاتية
رأفة من الله واحتياطا من ميله بجاذب إحدى صفاته من الاعتدال الموقوف عليه الاستكمال، إذ
القلوب وإن كان مفطورة على معرفته والعبادة له واللجاء إليه، فان الشواغل والغفلات التي هي
من خواص هذه النشأة تشغله عن ذكر ما يجب استحضاره، فاحتاج إلى التذكير، لا جرم امره بها
وإليه الإشارة بقوله عليه وآله السلام: كل مولود يولد على الفطرة... الحديث.
210 - 4 ومنها: ان العبادة الذاتية في مقابلة رحمة الامتنان، لأنها مطلقة مثلها لا ايجاب
فيها، والعبادة الصفاتية في مقابلة رحمة الوجوب التي فيها رائحة التكليف، فالرحمة الذاتية
الامتنانية هي المطلقة التي وسعت كل شئ، ومن حيثها وصف الحق نفسه بالمحبة وشدة
الشوق إلى لقاء من أحبه، وبهذه الرحمة كل عطاء يقع لا عن سؤال أو حاجة ولا لسابقة
حق أو استحقاق، ومن اثاره درجات قوم في الجنة بالسر المسمى عناية، لا بعمل عملوه
ولا بخير قدموه، ذلك في الكتاب والسنة.
211 - 4 واما الرحمة الصفاتية فهي الفائضة عن الذاتية بالقيود التي من جملتها الكتابة
المشار إليها بقوله تعالى: كتب ربكم على نفسه الرحمة (54 - الانعام) فهي مقيدة بشروط من



(1) - الإضافة إلى المفعول - ش (2) - إلى هنا تم كلامه قدس سره. وفي نهج الفصاحة: لعن عبد الدينار...
الحديث. العسوس: الرجل القليل الخير.
359
اعمال وأحوال، ومتعلق طمع إبليس الرحمة الامتنانية التي لا يتوقف على شرط ولا قيد حكمي
ولا زماني، فالحكمي قيد القضاء والقدر اللذين أول مظاهرهما من الموجودات القلم واللوح،
والزماني إلى يوم الدين والقيامة، وخالدين فيها ما دامت السماوات والأرض.
212 - 4 فان قلت: قبول الوجود كيف يكون عبادة من العباد، وهم من حيث هم
لا وجود لهم حينئذ؟
213 - 4 قلت: قال الشيخ قدس سره: القبول منهم لوجوده حالة الايجاد معونة لاقتداره
سبحانه، فإنه لولا مناسبة ذاتية غيبية أزلية يشهدها الكمل المقربون ما صح ارتباط بين
الرب والمربوب، لما مر ان المؤثر لا يؤثر الا فيما يناسبه من وجه، فالايجاد خدمة وعبادة من
الخلق بصورة احسان من الحق، والعبادة ايجاد لصور اعمال منهم واحياء نشآت العبادات
من الحق ليرجع إليه مما ظهر به كمال لم يكن ظاهرا من قبل - كظهوره بعد الانشاء - وقد
مر انه لا يلزم منه استكمال، لكون ذلك الكمال مقتضى ذاته من حيث المظاهر، فكذلك
الامر في الطرف الآخر - أعني الكمال الأسمائي - فإنه لولا ظهور اثار الأسماء ما عرف
كمالها، ولولا المرائي المتعينة في المرآة الجامعة التي هي مجلي جميع ما امتاز من غيب الذات
ما ظهرت أسماء الأعيان، ف‍ (لام) العلة المنبه على أحد حكميها بقوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس
الا ليعبدون (56 - الذاريات) ذاتية في الجانبين، أي في جانبي العبادتين الذاتية
والأسمائية. هذا كله مستفاد من كلمات الشيخ قدس سره في التفسير.
214 - 4 فان قلت: إذا كانت المحبة عبارة عن الاقتضاء والميل الذي هو الرقيقة الواصلة
بين الكمالين الذاتي والاسمائي، منسوبا إلى الحقيقة الجامعة، كان التاء - في أحببت - إشارة
إليها، وهكذا صرح الفرغاني في شرح القصيدة، وكيف يصح ذلك؟ وتلك الحقيقة كما هي
جامعة للحقائق الأسمائية الإلهية والنسب الربانية، كذلك جامعة للحقائق الكونية،
ولا يترتب بالاعتبار الثاني - قوله: فخلقت الخلق - على ذلك.
215 - 4 قلنا: متعلق الضمير في التاء من (أحببت) النسب الربانية منها، لا كل من

360
نسبها، أي من الحقائق التي هي النسب العلمية، لأنها المتصفة بالطلب للمربوب، لما علم مرارا
من حكم كل ما يقتضى التضايف من الحقائق والنسب والمراتب والنعوت وغيرها، ونسبة (1)
الحكم إلى شئ صادقة ولو صدقت ببعض اعتباراته، فهذا مثل قول العرب بنو تميم: تقرى
الضيف وتحمى الحريم، إذا كان فيهم من يفعل ذلك.
216 - 4 ويمكن (2) ان يقال: الأحكام المشتركة كما مر يمكن (3) نسبتها إلى الحق والخلق
بالاعتبارين، كما أن ايجاد الأعمال الاختيارية مما ينسب إلى الخلق صورة وإلى الحق حقيقة،
لكن من حيث المظاهر، كما سلف آنفا في العبادة، فصح نسبة الخلق إلى الكل باعتبار نسبة
بعض إلى بعض.
217 - 4 منه قولهم: القوم بنوا مدينة، وقد مر ان المعنوية مشتركة بين الطرفين، وهذا
وجه ثالث، وفي قوله تعالى: فتبارك الله أحسن الخالقين (14 - المؤمنون) إشارة إلى الشركة
بنوع جامع بين التشبيه والتنزيه كما سلف.
الأصل السابع
في كشف سر المطلوب الاجمالي
218 - 4 وهو الصورة الوجودية المسماة بالوجود العام باعتبار - لعمومها - والنفس (4)
الرحماني - لأول ظهورها البخاري - والخزانة الجامعة وأم الكتاب المسطور - لكونها مادة
الموجودات - والتجلي الساري لسريانها فيها والرق المنشور لنشرها - أعني انبساطها عليها -
والرحمة العامة والرحمة الذاتية الامتنانية - لاطلاقها وعدم توقفها على قيد - وصورة
العماء، لان حقيقتها ومعناها الحقائق المتعينة بالتعين العلمي، أسمائية فاعلة كانت ليظهر بها



(1) - هذا هو الوجه الأول لصحة نسبة الحكم، أي الخلقية إلى الحقيقة الجامعة للحقائق الإلهية والكونية - ش
(2) - هذا هو الوجه الثاني - ش (3) - خبر لقوله: الأحكام المشتركة - ش (4) - عطف على الوجود العام،
أي المسماة بالنفس الرحماني وكذلك قوله: والخزانة الجامعة والتجلي الساري والرق المنشور ونظائرها - ش
361
تعينها الصوري، أو كونية قابلة ليقبلها كل ما تم استعداده منها.
219 - 4 ثم نقول: الصورة الوجودية الإلهية الحاصلة من الاجتماع الأول للأسماء الذاتية
من حيث ظهورها لنفسها صورة الرحمن ومسماة به (1)، لان مدلول الرحمن من له الرحمة
العامة وهى الرحمة التي وسعت كل شئ، ولا شئ كذلك الا الوجود الذي يلزمه العلم
الحضوري.
220 - 4 فان قلت: سيجئ ان النفس الرحماني عين الصورة الوجودية، وإذا كانت
مسمى الرحمن كيف نسب النفس إلى نفسه؟
221 - 4 قلت: كما (2) نسب المسمى إلى اسمه في قولهم الحقيقة الانسانية والوجود الإلهي،
ولما كانت هذه الصورة عين التجلي الساري لم يكن عين المتجلى، فالمتجلى مسمى الله
ومرتبة التجلي هي حقيقة الحقائق التي هي حضرة أحدية الجمع - أعني التعين الجامع
القابل للتجلي الفاعل - فهي في الظاهر مرتبة التجلي الجمعي الإلهي، وفي التحقيق الرتبة
الانسانية الكمالية الإلهية، أي الجامعة للحقائق الإلهية والكونية، لكونها برزخا بين غيب
الحق وشهادته.
222 - 4 فالفرق بين الاسمين الجامعين: ان الرحمن اسم الوجود الجامع من حيث ظهوره
لنفسه، واسم الجلالة للحقيقة الجامعة الوجودية مع مرتبة التعين الجامع للتعينات كلها،
ويظهر ذلك من قول الشيخ قدس سره هنا: ان الألوهية مندرجة في حضرة أحدية الجمع،
مع قوله فيما سبق: ان الألوهية تليها.
223 - 4 فالقولان باعتباري جهتي تلك الحضرة كما سبق تحقيقه، وان الكامل تارة
باعتبار جهة أحديتها والأسماء الذاتية التي يتضمنها يقول: انا نحن نزلنا الذكر (9 - الحجر)
و: نحن قسمنا (32 - الزخرف) واخرى باعتبار جهة واحديتها وكثرة حقائقها الكونية
يقول: إياك نعبد وإياك نستعين (5 - الفاتحة) و: اهدنا (6 - الفاتحة) فلجمعية هذين الاسمين



(1) - أي بهذا الاسم - ق (2) - أي يجوز نسبة المسمى إلى نفسه كما نسب... إلى آخره - ش
362
الأصلين لسائر الأسماء يتوجه إليهما توجه كل متوجه، أي دعاء كل داع وذكر كل ذاكر بأي
اسم كان.
224 - 4 ولذا قال فخر الاسلام في أصوله: كل ذكر دعاء، وإلى هذا أشار قوله تعالى:
قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى (110 - الاسراء) لان الامر
دائر بين الظهور والتعين، فالظهور مطلقا إلى الوجود والتعين إلى المرتبة الجامعة، اما الصفة
الربية والنسبة الربانية فخفية الصورة ظاهر الحكم، لان التربية من الباطن إلى الظاهر كما
قال الشيخ قدس سره: لا تأثير الا لباطن في ظاهر، فيبتدئ التربية من الباطن وينتهى
اثرها إلى الظاهر، وأول ظهورها لصورة الوجود الإلهي المتعين هو بالربية والربية به،
وبتعينها به ظهر نفسه لنفسه فصار مسمى الاسم الرحمن، فباطن مسمى الرحمن وهو
الوجود الإلهي من حيث بطونه هو صفة الربية، وكما ظهر الاسم الرحمن الدال على الوجود
بالربية، كذلك ظهر الاسم الله الدال على الوجود والمرتبة أيضا بالتربية.
225 - 4 قال الفرغاني: استفادة من أصول الحقائق التي ذكرها الشيخ قدس سره في
التفسير: ان الرب مشتمل على معان المالك والسيد والمصلح والقريب اللازم والمربى
بالنعمة والمدد والقيام بما فيه صلاح المربوب وهو أكثر استعمالا، فهو اسم كلي سار
بجميع معانيه في جميع الأسماء الكلية والجزئية وظاهر في كل اسم بحسبه، فكل موجود
حقيقته منتشأة من حقيقة الهية أصلية أو فرعية إلى ما لا يتناهى، كأن الوجود المضاف
إليه الظاهر في المراتب الكونية روحا ومثالا وحسا متعينا من حضرة اسم متعين بتلك
الحقيقة الإلهية، فكان ذلك الاسم، ربه المتولى لتربيته واصلاح أموره وكان مليكه وسيده
والقريب الملازم وممده بالوجود مع الانات بالخلق الجديد دائما، ويكون هو مرجع جميع
تجلياته في النشأة الدنيوية ورؤيته في الآخرة مختصة به.
226 - 4 ثم الربوبية لها حكمان: عام وخاص: فالعام للاسم (الله) لعموم تعلقه من

363
جهة التربية والوجود الظاهر فيها كما قال: الحمد لله رب العالمين (1 - الفاتحة) و: ان
ربكم الله (54 - الأعراف)، والاسم (الرحمن) لعموم تعلقه من جهة الوجود فحسب، كما
قال تعالى: وان ربكم الرحمن (90 - طه)
227 - 4 والخاص هو ما ذكرنا: ان ما تعين وجوده من حضرة اسم كان ربه الخاص،
فلا جرم كان مشرع وجود الكمل من الأنبياء والرسل والأولياء من بحر التجلي الثاني
المشتمل حقيقة كل منها على حقائق الكل، ولكن مع اثر خفى من حكم تميزه واختصاصه،
فالتجلي الثاني من حيث ذلك الأثر ربه، ومن قارب الكمل حيطة وذوقا منهم يكون منبع
الوجود المضاف إليه من عين هذه الأصول، لكن من حيث احكام كثرتها ولكن مع اثر خفى
من حكم الحيطة على عكس الكمل، فذلك الاسم يكون ربه.
228 - 4 واما من دون هذه الطبقة يكون مورد وجودهم من ابحر هذه الأصول أو
أنهر فروعها أو جداول تلك الانهر أو السواقي أو الحياض أو الجرار أو الكيزان إلى قطرات غير
متناهية، فبحسب الاستعداد يكون تعينهم أولا ومرجعهم اخرا.
229 - 4 واما نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فله المنهل الاعلى وهو التجلي الأول
الذي هو نوره أولا وربه ثانيا، وهو أصل جميع الأسماء والتعينات العلمية والوجودية
ومنتهاها، كما قال تعالى: وان إلى ربك المنتهى (42 - النجم) وقال تعالى: قل لو كان البحر
مدادا لكلمات ربى... الآية (109 - الكهف) فان ربه هو التجلي الأول الذي هو مسمى
(هو) وباطن الاسم (الله) ومنتهى جميع التعينات وإليه يرجع الامر كله، وكلماته الأسماء
الذاتية المسماة بمفاتيح الغيب وهو أصول الأسماء السبعة الأئمة وحقيقة البحر الذي ينفد دون
نفادها، وباطنه انما هو بحر التجلي الثاني المنتشأة منها الأبحر السبعة، المنتشأة لانهار
وجداول لا تتناهى، وهى كلماتها التي هي تعيناتها المتنازلة. هذا كلامه.
230 - 4 ثم نقول: ثم الاسم (الرحمن) - أعني صورة الوجود الإلهي من حيث ظهوره
لنفسه - ينبسط نوره، فان النورية حالة خاصة لازمة للوجود، على الممكنات المعلومة، أي

364
الماهيات الممكنة، انبساطا واقعا في الخلاء، إذ لا ملاء، بل لا موجود من الممكنات قبل
انبساطه، ويظهر تلك الممكنات بانبساطه ويتعين هو ويتعدد بحسبها مع وحدته الحقيقية
الذاتية، إذ ما بالذات لا يزول، فالمتعدد في الحقيقة اعتباراته ونسبه التعينية، لذا قلنا بان
التجلي الاحدى الساري ووجود الحق مع قبوله احكام المظاهر المتعينة ونعته بها، غير
متعين في نفسه، أي متعين ومتعدد بنسبه لا في نفسه.
231 - 4 قال الشيخ قدس سره في التفسير: امداد الحق وتجلياته الواصلة إلى العالم في
كل نفس ليس الا تجل واحد يظهر له بحسب مراتب القوابل، واستعداداتها تعينات فيلحقه
لذلك التعدد والنعوت المختلفة، لا ان الامر في نفسه متعدد أو وروده متجدد، فالتقدم
والتأخر كالتعدد والتغير من أحوال الممكنات، وهذا التجلي الاحدى ليس غير النور
الوجودي ولا يصل من الحق إلى الممكنات قبل الوجود وبعده غير ذلك، وما سواه احكام
الممكنات، ولما لم يكن الوجود ذاتيا لسوى الحق افتقر العالم في بقائه إلى هذا الامداد
الوجودي الاحدى دون فترة، إذ لو انقطع طرفة عين لفنى العالم دفعة واحدة، لان الحكم
العدمي لازم له والوجود عارض له من موجده. تم كلامه.
232 - 4 فتلك الصورة الوجودية باعتبار ذلك الانبساط كما يسمى الوجود العام
والتجلي الساري والرق المنشور تسمى نفسا كما نطقت به النبوة، فقال عليه وآله السلام: انى
لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن، أي التجلي الاحدى الساري الباقي على أحديته، فتلك
التسمية للتفهيم تشبيها للمتوجه المتعين تعينا كليا به يخرجه عن لطافته من غيب الهوية
وكمال الاطلاق إلى نقص التكاثف المعقول النزيه بالنفس الحاصل بحكم الطبيعة في نشأتنا
واعتبارا به، أي قياسا عليه وهو الهواء المنبسط الممتد المتكاثف من وجه بالتوجه الحسى
والحركة الطبيعية، حتى لو اصابه اذى برد يدركه حس البصر.
233 - 4 قال الشيخ الجندي: الحقيقة المطلقة التي هي حقيقة الحقائق الكبرى التي

365
نظيرها النقطة في مطلق البياض إذا جاش بنفسها في نفسها، أي من حيث يطلب الامتداد
والاتساع والتنزل، فامتد للتفصيل بحقيقة النفس، كان في مبدأ الامتداد وحدانيا جمعيا
مشتملا على حقيقتي الظاهرية والباطنية والفعل والانفعال، ولان القابل غير خارج عنه
يتعطف الفيض النفسي على نفسه، فيحصل بالعروج والرجوع صورة الإحاطة بحقيقة
فلك الإشارة، فالنصف الاعلى من هذا الفلك وفسره بأحدية جمع النفس الرحماني والحقائق
الوجوبية الربانية الفعلية محيط بعماء الرب وفيه صورة الربوبية واشخاص الحقائق
الإلهية النورية الوجوبية، كما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وآله عند سؤال أبى رزين
العقيلي منه: أين كان ربنا قبل ان يخلق الخلق؟... الحديث. والنصف الأسفل عماء الكون
واسمه غماء - بالمعجمة - ومشتمل على الصور الكيانية وموجودات الحقيقة الامكانية
ما بين معنويتها الشأنية ومجرداتها العقلية والنفسية الروحانية وطبيعتها الجسمانية وعنصريها
الأركانية، سماويها وارضيها، وروحانيها الملكية والجنية وغير ذلك من الصور المثالية
المطلقة والخيالية المقيدة والصور الذهنية واللفظية والرقمية، فافهم. هذا كلامه.
234 - 4 ويعلم منه ان الهوية الكبرى التي هي أول الأوائل كالنقطة والتعين الأول
كالهمزة والنفس الرحماني كالالف في أنه أول الامتداد الاحدى وبتمام الامتداد الاحدى
يحصل مرتبة العماء الجمعي، لذا أشار بالفهم.
235 - 4 وانما عبر الوجود المنبسط بالنفس.
236 - 4 اما أولا: فلاشتراك الوجود المنبسط مع النفس المختص بالطبيعة في نشأتنا
الميزانية المشار إليها بقوله تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم (53 - فصلت) إذ
كما يدل النفس الرحماني الذي هو الوجود المنبسط على الأكوان على وجود موجده
بكمالاته، كذلك النفس الإنساني يدل على على كون محله مظهر جمعية تلك الكمالات

366
في الجملة كالحياة وما يتبعها، وإن كان البعض مغلوب الأثر.
237 - 4 واما ثانيا: فلان الصورة الوجودية العامة كما مر أول صادر من الحق
تعالى، لأنها أول ما يظهر حالة التكوين الذي هو الاجتماع الواقع بين الأسماء الذاتية
والنكاح الأول بالتوجه الإلهي الغيبي الحبى الإرادي الذي كان ذلك الاجتماع والتوجه في
أصل مرتبة حضرة أحدية الجمع صدر، لان يكون مادة وافية وخزانة جامعة لمواد
وجودات الممكنات، إذ كان نسبة حضرة أحدية الجمع إليه نسبة الذكورة إلى الأنوثة،
فهي (1) كالظاهر بالتولد الأول عندنا من التوجه الباطني الغيبي والتحرك الهوائي القلبي
وهو البخار.
238 - 4 وأقول: كان المراد بالأصل هيهنا جهة واحدية الحضرة الجامعة - لا أحديتها -
لما قال الشيخ قدس سره في الفكوك: الايجاد هو أول الفتح الظاهر وأول مفاتيح الغيب
الجمع الاحدى الذي هو البرزخ الجامع بين احكام الوجوب والامكان، إذ لا يضاف إلى
الوحدة الذاتية والتجلي الوجودي الاطلاقي اعتبار من الاعتبارات الثبوتية أو السلبية،
كالاقتضاء الايجادي أو نفيه وكالاثر، لان كل تأثير موقوف على المناسبة ولا ارتباط
بين الأحدية الذاتية من حيث تجردها عن الاعتبارات وبين شئ أصلا، فوضح ان مبدئية
الحق انما يصح من حيث الواحدية التي تلى الأحدية، وهى مشرع الصفات والأسماء التي لها
الكثرة النسبية اللاحقة التي هي احكام الوجوب الفاعلية واحكام الامكان القابلية.
239 - 4 واعلم أن أول المفاتيح بعد الجمع الاحدى الأسماء الذاتية التي لا يعلمها الا هو،
وهى من أعظم اسرار الحق المحرم افشائها، وأمهات الأسماء الألوهية التي هي الحياة والعلم
والإرادة والقدرة، كالظلالات والسدنة للأسماء الذاتية، وللأسماء الذاتية الغيب الحقيقي وهى
السارية بالذات، واما المفاتيح المختصة بالغيب الإضافي فهي التي كنى الحق عنها بالفطر



(1) - أي الصورة الوجودية - ش
367
والفتق والفلق والزرع والخلق والجعل والاخراج، هذا كلامه وفروقها (1) يعرف في الفكوك.
240 - 4 فان قلت: فكيف مثل الشيخ قدس سره الأسماء الذاتية فيما سبق بالحياة من
حيث هي والعلم من حيث هو وغيرهما وعرفها بما هو عام النسبة إلى المتقابلات، وقد قيل إنها
من الاسرار المحرم افشائها؟
241 - 4 قلت: هي أسماء الذات وهذه الأسماء الذاتية، وان اطلق إحداها على الأخرى
بنوع اعتبار، إذ الاسرار حقائق المذكورات المتحدة في التعين الأول ولا يعرفها الا
المحمديون.
242 - 4 واما ثالثا: فلان الموجودات كلمات الحق لظهورها بالقول الإلهي المعبر عنه ب‍
(كن) لكل مراد تكوينه، والقول الذي هو التكوين عين الاجتماع المخصوص الأسمائي كما مر،
والاجتماع ليس أمرا زائدا على الأسماء المجتمعة فهو عين المكون - اسم مفعول - فالمكون
عين كلمة المكون - اسم فاعل -.
243 - 4 فان قلت: فكلمته عينه فيكون المكون عين المكون؟
244 - 4 قلت: كلمته عينه إذا نسبت إليه كسائر الصفات، اما باعتبار امتيازها النسبي
ونسبتها إلى الحقيقة الكونية القابلة من حيث إنها قابلة - فلا - لما سبق من قول الشيخ في
الورق السابق: ان الوجود ليس ذاتيا لسوى الحق، فعلم أن الوجود لسوى الحق ثابت، لكن
نسبى أو إضافي، فكل وجود له بالحقيقة والذات ويكون لغيره بالنسب والإضافات.
245 - 4 ثم أصل كلمات الحق ومادتها هذا الوجود الساري المسمى بالنفس الرحماني، كما أن
أصل الكلمات الانسانية هو النفس الساري بحكم الطبيعة فشبه به، ولذلك كما تعددت
الحروف العلمية والوجودية - أعني الحقائق البسيطة - وكذا الكلمات العلمية والوجودية -
أعني الحقائق المركبة - بحسب فنون تقاطع النفس الرحماني واستقرار الوجود المنبسط في
مراتب المخارج التي هي الحقائق الكلية البسيطة أولا وبحسب التركيب العلمي ثم الحسى



(1) - أي الفروق بين الأسماء المذكورة من الفطر والفتق والخلق... إلى آخره - ش
368
اخرا في أصل الوجود بحسب ما يليق به من الاستقرار المعلوم بالكشف المشار إليه بقوله
تعالى: فمستقر ومستودع (98 - الانعام) كذلك تعددت الحروف والكلمات اللفظية فينا حسا
وذهنا من جهة كوننا مخلوقين على الصورة الإلهية، وذلك معلوم لأهل الكشف والحجاب،
ولذلك أيضا كما اشتمل النفس الإنساني على الحروف والكلمات والآيات والسور والقرآن
والفرقان، كذلك اشتمل النفس الرحماني في الموجودات على الحروف والكلمات والآيات
الدالة على كمالات موجدها وأحواله عندهم وأحوالهم عنده وفيما بينهم والسور التي هي طائفة
من تلك الآيات والقرآن الذي هو مجموعها مجملا والفرقان مفصلا، فافهم.
246 - 4 قال الشيخ الجندي: فعلم أن الله أحاط بكل شئ علما، واحصى كل شئ عددا
(28 - الجن) فان التجلي الحبى الإلهي في بدء التجلي الايجادي خرج من باطن قلب التعين
الأول ودرج في الألف النفسي ومر على حضرة أحدية الجمع - يعنى جهة وأحديته - في
العلم الذاتي على جميع حقائق الشؤون الذاتية والحقائق الفعلية الإلهية إلى أن بلغ غاية
حضرة الامكان، فلم يجد محل تعين التجلي تماما فرجع قهقري إلى باطن القلب فتم دورة
التجلي فتنفس بألف النفس المحيط - كإحاطة التجلي الحبى -
247 - 4 فلما كان ما كان وبان ما بان بسر هذا الشأن عاد الامر دوريا - كما كان - فما
في الوجود الا الله العظيم الشأن، كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام (26
و 27 - الرحمن) تم كلامه.
248 - 4 وقيل: انما سمى الوجود المتنفس نفسا لان تعينه بنفس المتعين عن مضيق
الاطلاق والاستهلاك في الأحدية.
249 - 4 ثم نقول: فالحاصل ان النفس المذكور الرحماني الذي هو التجلي الساري بالنسبة
إلى النشأة الوجودية كلياتها وجزئياتها التي هي كلمات نفس الرب سبحانه وحروفه بخار
عام لاعتباره به، هو نتيجة الاجتماع العام بين الأسماء الذاتية الواقعة في مرتبة الوحدة
بالتوجه الإلهي الغيبي، لأنه قبل وجود المظاهر الحبى، لان اسم الميل بالنسبة إلى الحقيقة

369
الجامعة محبة الإرادي، لأنه بالنسبة إلى إحدى حقائقها الطالبة أولا للظهور إرادة ويسمى
هذا الاجتماع الواقع بين الأسماء الذاتية لتوليد الصور الوجودية العامة السارية النكاح الأول،
إذ لا اجتماع قبله - وان لم يعده الشيخ قدس سره في بعض الأحيان من مراتب النكاح،
لكونه غيبيا غير مثمر وجودا عينيا ويسمى أيضا منزل التدلي، لأنه محل ابتداء التنزل
بالصدور الأول ومرتبة العماء لكونه مادة تعينات الحقائق وحضرة نفوذ الاقدار، لأنه
مبدع كل اجتماع واصدار ومتوزع وجودات الآثار ودقائق الاقدار.
250 - 4 فان قلت: كيف سمى الوجود العام والتجلي الساري بالمرتبة، والتجلي صاحب
المرتبة لا عينها كما مر مرارا؟
251 - 4 قلنا: لما لا غير ثمة، لا فرق بين القابل والمقبول وبين التجلي الظاهر وتعينه الا
بالنسبة، والكل اعتبارات لنفس واحدة، فيصدق على ذلك التجلي الوجودي الذي
وجوده ذاتي ان يسمى باعتبار ذاته وجودا وباعتبار ذاته ومرتبته البرزخية الجامعة (الله)
وباعتبار ظهوره لنفسه وكليته (رحمانا) وباعتبار انبساطه نفسا وباعتبار ماديته الشاملة
مرتبة العماء.
252 - 4 قال الشيخ مؤيد الدين الجندي: التعين صورة المتعين فماله وجود بدون
المتعين، وهو النفس الرحماني الذي هو مادة لصور الموجودات الكونية، كما أن نفس الانسان
ينبعث من القلب وله تعين في القلب غير متميز عن المتعين، فللألف الذي هو الواحد أو
النفس الإنساني أو النفس الرحماني أو الوجود الساري ثلاث مراتب:
253 - 4 إحداها قبل امتداده وهو مرتبة اجماله وأحديته واستهلاك اعداده بحيث لا يظهر
أعيانها ولا يتميز، وهو اعتبار النفس الإنساني في غيب قلبه، والنفس الرحماني في غيب عين التعين
الأول وهو مقام كان الله ولا شئ معه ومقام كون النفس في قبضة المتنفس واستهلاك الكثرة
الأسمائية في الأحدية الذاتية، وبه يندرج الألف في النقطة اندراج سائر الحروف في الألف.

370
254 - 4 وثانيتها اعتبار امتداد النفس إلى أعيان الحروف بالايجاد حال تعيناتها في م
خارجها ورجوعها إلى الباطن في مراجع معارجها، وبه تحقق وجود عين الألف من حيث
امتداده اما عارجا من أسفل سافلين إلى أعلى عليين، فهو أخت الفتحة، فالفتح معها، واما
هابطا فهو أخت الكسرة، واما جامعا بين النزول والعروج وهو أخت الضمة. فالألف
والواو والياء صور الألف الذاتي الوجودي النفسي في مراتبها، وفي التحقيق لا مخرج لهذه
الحروف، وهذا الاعتبار واحدية الواحد كما قال تعالى: والهكم اله واحد (163 - البقرة) وبه
يكون الواحد مبدء للعدد، ولا يتنزه عن الكثرة النسبية ويستلزم الرب المربوب والاله المألوه،
وينشئ الواحد من نسب ذاته تعينات تجلياته، فهذه المرتبة سابقة على مرتبة التعين العددي
مسبوق بالاطلاق الذاتي الاحدى وهو اعتبار الألوهية.
255 - 4 وثالثتها اعتبار التعين النفس في المخارج بصور الحروف وتجليات الواحد في
أعيان الآحاد وتسميتها بأسماء لا تحصى، وهى أيضا مراتب تعينات التجلي النفس الرحماني
الإلهي الوجودي والفيض الذاتي الجودي المنبعث من غيب باطن القلب الذي هو التعين
الأول إلى حضرة أحدية جمع الجمع على ظاهرية اسم الظاهر المشهود المعهود، فما ثمة الا هو
الأول الاحد والاخر الأبد والظاهر بالعدد والباطن عما تعدد، والجامع بين ما تأحد وتوحد
وتجدد وتحدد وتقيد وتعدد، فالوجود الواحد الحق يظهر بأوصاف المحدثات المتجددة، إذ في
كل ماهية ماهية بحسبها لا بحسبه، وخارج عنها في حقيقته المطلقة كاللون في أنواعها - مع
اطلاقه في عينه لا في أينه - فافهم، هذا كلامه.
256 - 4 والمفهوم منه: ان النفس الرحماني مطلق الوجود من حيث هو متعين بتعين
ما كان، فكان مادة جميع التعينات وهى العماء.
257 - 4 فبهذا التحقيق صدق عليه التعين الأول - كما وقع في التفسير - ومرتبة
العماء وحضرة أحدية الجمع والصورة الوجودية من حيث ظهورها لتعينه، وانه انبعث
من التعين الأول مارا على حضرة أحدية الجمع إلى ظاهرية الاسم الظاهر إلى غير ذلك من

371
العبارات المختلفة بحسب الاعتبارات، فلا تتهم في عدم التوفيق الا فهمك.
258 - 4 ثم نقول: وهذا البخار النفسي الكلى الرحماني - أعني الوجود العام والتجلي
الساري - ليس مما يدرك ظاهرا بصورة مشخصة للطفه الإلهي وكليته وعمومه الجمعي
الاحدى، مع أنه سار بالحقيقة في كل ما يوجد، كما قال تعالى: الا يعلم من خلق وهو اللطيف -
لسريانه فيما خلق دون حلول ومزج وانقسام - الخبير (14 - الملك) بكيفية السريان
وحكمه الحاصل بالسريان واثاره، فإنه وان لم يتعين له صورة تدرك في الظاهر فإنه لا يشك
في اثره، لما مر ان نسبة الربية خفية الصورة ظاهرة الحكم، ولا بد للرب من المربوب. وقد
يتحقق فيه من يعرفه من أهل الشهود، فهو كالهواء عندنا في أنه لا يبصر صورته ويحس اثره،
ولله المثل الاعلى وهو العزيز الحكيم (60 - النحل)
259 - 4 فان قلت: هل يعهد في النشأة الانسانية الجامعة نظيره مما لا ترى صورته
وتدرك اثاره قطعا؟
260 - 4 قلت: ان شئت ذلك فتأمل نسخة وجودك واعتبر هذا البخار المسمى
بالنفس الرحماني بالبخار الحاصل في التجويف القلبي الصنوبري في الجانب الأيسر المنبسط (1)
من طرف الشرائين إلى جميع البدن المسمى بالروح الحيواني عند الأطباء وحامل ومظهر له
عند المحققين، فإنه لا يرى مع أن له آثارا عديدة وافعالا بديعة.
261 - 4 منها انه يرتقى إلى تجويف الدماع معمورا به ومنبعا لخواص قواه النفسية
من الحس بأنواعه العشرة والحركة باقسامها ما دامت الحياة باقية لصاحبه.
262 - 4 ومنها حيلولته في تجويف الرأس إذا امتلأ بطونه منه وغلب النوم بين
الالتفات النفساني إلى عالم النفوس والروحاني إلى عالم الأرواح، وبين العالم الظاهر حيث
لا يشغله الحواس الظاهرة عن الالتفاتين لانسدادها بذلك الامتلاء، فينفتح في مستقر القوى
الدماغية باب الصور الخيالية بتصويره القوة المصورة لمخزونات الروح الحسى في الخيال



(1) - صفة البخار - ق
372
ومخزونات الروح العقلي في الروح الفكري بصور (1) تناسب وتحاكى ما انتقش في ذات ا
لنفس بواسطة الروحين المذكورين (2) مما اكتسبه بالمقابلة بالعالم الاعلى تارة، لارتفاع
المانع وهو الاشتغال الحسى - كما في المنام الصادق - وبالعالم الأسفل أخرى - كما في
أضغاث الأحلام - وبالمجموع أخرى فيتركب منهما.
263 - 4 كل ذلك في المنام مرة - كما قلناه - وباليقظة أخرى - كما في الالهامات
والوساوس - مع أن الحضرات الخمس الثابتة الواقعة في نفس الامر من التعينات المعنوية أو
الروحانية أو المثالية المطلقة أو المقيدة الصحيحة أو الحسية لا تتغير، وكيف يتغير الحضرات و
الحال انها منها يستنزع المواد العلمية، كما سيظهر ان عالم المعاني واللوح المحفوظ وعالم
المثال، منها ينكشف الحقائق لأهل الكشف ومنها ترد الكتب الإلهية.
264 - 4 ومنها يستنزع الخمائر الكونية، فان خمائر المولدات الأجسام البسيطة وخمائرها
الصور المثالية أو الروحانية وخمائرها الصور المعنوية - كما سيتضح لك في أصل النكاحات - ثم
إليها يستند البراهين الشهودية بالكشف والالهام والنظرية بالعقل فيما يبلغ طور الافهام.
265 - 4 ومنها ظهور غرائب التركيبات الصناعية المتصورة بالصور المحسوسة تارة
والذهنية أخرى وكل منها بالآلات المخصوصة تارة وبغيرها أخرى، وذلك بالانتقال فيما
تصرف فيه قوة المفكرة من النقوش الذهنية الدماغية المعمورة بذلك البخار إلى الصور
الحسية المحققة أو المفروضة، على أن تلك التركيبات الغير المتناهية الاشخاص ترجع إلى
قواعد كلية محصورة ضبطها أهل كل صناعة، فهي لكليتها لا ترى وترى اثارها الجزئية،
فكذا ما نحن فيه من امتلاء الخلأ المتوهم - لا المحقق - إذ لا تعطيل في الوجود واجزاء العالم
مفروع عنها، وذلك الامتلاء بالنفس الرحماني الكلى الذي لغاية لطافته لا ترى، ومن الأمثلة
ظهور تعين وجود المكونات بالقول الرباني الذي هو التوجه الايجادي النسبي الذي هو عين
نسبة الاجتماع - مع أنه هو المكون كما مر -.



(1) - متعلق بالتصوير - ش (2) - أي الحسى والعقلي - ش
373
266 - 4 ومنها تعين كل شخص من اجتماع الحقائق الكلية التي هي النسب العلمية
والاجتماع أيضا نسبة.
267 - 4 ومنها تعين كل جسم من اجتماع الهيولي والصورة الغير المرئيتين. فتدبر.
268 - 4 منها عموم سر هذا الحكم وحيطته جميع الكون وخاصة في نسخة نشأتك
الجامعة التي هي الأنموذج الأتم والمثال الشامل الأعم.
269 - 4 ثم نقول: لما سلف ان صورة الوجود الإلهي من حيث ظهوره لنفسه مسمى
الرحمن، وان مسمى الرحمن باعتبار انبساطه يسمى نفسا، وان النفس بخار عام هو نتيجة
الاجتماع العام بين الأسماء الذاتية الأصلية والاجتماع العام الجامع للغيب والشهادة، ونسبتي
الظهور والبطون ليس الا في حضرة أحدية الجمع والوجود التي لها وجهان: وجه غيبها
واحدية شأنها سلب الاعتبارات، ووجه شهادتها وواحدية شأنها ثبوت الاعتبارات.
270 - 4 ثم للأحدية أيضا جهتان: فبجهة نسبة اطلاق الغيب ليس فيها كثرة -
لا حقيقية ولا نسبية - وبجهة نسبة الواحدية لها مع الوحدة الحقيقية كثرة نسبية حاصلة
من سريان الواحدية فيها.
271 - 4 وللواحدية أيضا جهتان: فبجهة نسبة الأحدية مع كثرتها النسبية لها وحدة
حقيقية سارية من الأحدية، وبجهة نسبة الكثرة مع وحدتها النسبية لها كثرة حقيقة حاصلة
في نفس نسبتها إلى الكثرة مع وحدة أصلها.
272 - 4 ظهر من هذه الاعتبارات ان النفس الرحماني من حيث الصورة الوجودية في
أول الامتداد والانبساط أول مولود ظهر من اجتماع الأسماء الذاتية - كما ذكر - من حضرة
باطن النفس وروحه، وهو حضرة أحدية الجمع والوجود الشاملة للصور المعنوية والوجودية
وللظهور والبطون، لأن المطلق روح المقيد.
273 - 4 ثم نقول: من اطلع على هذه الحضرة الجامعة بالكشف الواصل إلى درجة
الكمال في التعين الثاني أو إلى رتبة الأكملية في التعين الأول، علم المفردات الأصلية

374
والحقائق الإلهية المطلقة البسيطة الأول التي هي المادة الأولى لتركيب جميع المقدمات
المنتجة صور الكون بحسب مراتبه الأربع أو الخمس - كما سيجئ تعدادها - وهى
الأسماء الذاتية التي إذا اعتبرت على أحديتها في التعين الأول لا ينكشف الا لأهل الأكملية
الأحمدية، وإذا اعتبرت في التعين الثاني تكون عبارة عن أمهات أسماء الألوهية وهى
الأربعة الأول من الحياة والعلم والإرادة والقدرة.
274 - 4 ويعلم أيضا ان حدود تلك المقدمات المنتجة احكام هذه الأسماء الأربعة
الذاتية، بمعنى ان حقائقها من حيث هي عين الذات، والمنتج تركيب احكامها ونسبتها،
ولكل تركيب منتج حدود أربعة يتكرر أحدها، أي يتردد بين المقدمتين، فبقى حدودها
ثلاثة بالصورة وأربعة بالمعنى، وبذلك تحصل الفردية الصورية التي هي شرط في كل
انتاج، لان كل نتيجة تحصل من ظاهر ومظهر ورابطة، وإن كان للرابطة نسبة خفية إلى
الطرفين، فالحد الأوسط فيما نحن فيه النسبة الجامعة بين الحقائق الإلهية الفاعلة والكونية
القابلة - أعني سر أحدية الجمع - لكن من حيث سريانها بالتوجه الإرادي في باقي الأسماء
الكلية الأصلية المذكورة - أعني الإرادة الصابغة بحكمها الثلاثة الباقية - والتكرار
المشروط في الانتاج هو الترداد النكاحي المنبه عليه، أي السريان الاجتماعي مع كل واحد
من الثلاثة، وبالترداد يتثلث صورة المربع معنى، لان الترداد هو سريان أحدها في الثلاثة الأخر
وخفائه فيها ليصح حصول النتيجة بخفاء السر الجمعي الناكح الجامع، وإن كان
بنسبة الإرادة، فإنه لا اثر لظاهر من حيث صورته، بل من حيث غيبه ومعناه بسريان سر
الجمع الاحدى.
275 - 4 ولا بد لتوضيح هذا المقام من تكرار نقل ما ذكر الشيخ قدس سره في التفسير
ببعض الانتخاب وهو: ان الحق سبحانه نظر بعلمه الذي هو نوره في غيب ذاته في
الكمال الذاتي المطلق، فشاهد به كمالا اخر مستجنا في غيب هويته - وهو كمال الجلاء
والاستجلاء - وإذا رقيقة بين الكمالين متصلة - اتصال تعشق تام - فاستتبعت تلك

375
النظرة المقدسة عن احكام الحدوث انبعاث تجل غيبي اخر منصبغ بصفة حبية متعلقة بما
شاهده العلم لطلب ظهوره.
276 - 4 فنظر الحكم في ذلك من نسبتي حكمه وحكمته اللذين كانت الرؤيتان منا -
البصرية والعقلية - مظهرين لهما. فعلم أن حصول المطلوب يتوقف على تركيب مقدمتين، إذ
الواحد لا ينتج ولا يظهر عنه كثرة، والمطلوب - أعني كمال الجلاء والاستجلاء - لا يظهر بدون
الكثرة ولم يتعين من مطلق التجلي الذاتي الغيبي حينئذ الا مقدمة واحدة هي التجلي بالباعث
الحبى، فلم ينفذ الحكم بسلطنة الوحدة والغنى حينئذ، فلم ينفذ اتصال احكام التجليات
دون أمر اخر يكون مظهرا لحكمه المسمى فعلا، فعاد حكم التجلي يطلب مستقره من الغيب
المطلق، فإنه يشبه التجلي الاحدى عند انقضاء حكمه المظهري لعدم مناسبة الكثرة.
277 - 4 فحصل بهذا العود حركة غيبية مقدسة ودورة شوقية سرى حكمها فيما
حواه الغيب من الحقائق الأسمائية والكونية، فانتشت منها البواعث العشقية تطلب من الحق
بحكم ما سرى فيها ظهور أعيانها وما فيه كمالها، فصار ذلك مفتاح سائر الحركات الدورية
الاحاطية المخرجة ما في قوة الامكان والغيب إلى الفعل من أعيان الكائنات، وكانت النسبة
الجودية من جملة تلك الحقائق المستهلكة تحت قهر الأحدية، فانبعث لسان مرتبتها بحب
ظهور عينها وكمالها لطلب اسعاف السائلين، فحصلت المقدمتان: إحداهما الطلب الإلهي
الذي تضمنه التجلي الحبى بصفة الفعل. والاخرى الطلب الاستعدادي الكوني بصفة القبول،
فتعينت النسبة المسماة عندنا قدرة تطلب متعلقا تعينه الإرادة فتمت الأركان، لان
التجلي الذاتي الذي أوجب للعلم شهود كمال الجلاء والاستجلاء هو تجلى الهوية منصبغا بحكم
نسبة الحياة، المظهر عين النور الوجودي الغيبي.
278 - 4 ثم أظهر التجلي الحبى المنبعث عنه بالعلم نسبة الإرادة التي هي عنوان السر

376
الحبى، ثم تعينت القدرة بحالها المذكورة فتمت أصول ظهور النتيجة وهى المقدمتان، كل
مقدمة مركبة من مفردين، فصارت أربعة، وتردد الواحد منها وهو سر أحدية الجمع من
حيث نسبة الإرادة الصابغة بحكمها الثلاثة الباقية حين خفائها في الثلاثة لحصول الأثر
وكماله، فحصلت الفردية.
279 - 4 ثم ظهر بتلك الحركة الغيبية التي هي الترداد سر النكاح فتبعتها النتيجة - تبعية
استلزام لا تبعية ظهور - وبقى تعيين المرتبة التي هي محل نفوذ الاقتدار بالحركة الحبية ليظهر
عين المراد بحسب احكام الأصول المذكورة التي هي الأسماء الذاتية اللازمة حضرة الوحدانية
الغيبية حاملا خواصها ومظهرا اسرارها، وما عدا هذه الأسماء من الأسماء فهي التالية لها إن كانت
كلية، والا فهي الأسماء التفصيلية المتعلقة بعالم التدوين والتسطير والمتعينة فيه.
280 - 4 وأقول: كلام الشيخ قدس سره في التفسير واضح لما في المفتاح، لكن فيه من
بقايا خفايا الاسرار المحتاجة إلى الايضاح ما لا ينكشف الا بتوفيق الحق سبحانه لمن ساعدته
عناية الفتاح، فالذي أدركه مبلغ علمي وطوق فهمي ان التجلي الحبى لانبعاثه من التجلي
الذاتي الكمالي الموجب للعلم بشهود كمال الجلاء والاستجلاء، انصبغ بحكم الحياة فكان
حيا، أي دراكا فعالا، لأنه معنى الحي - أي نورا - شأنه ان يظهر عين النور الوجودي وهو
الحي القيوم، وبحكم العلم فكان عالما، وتضمن بسبب اقتضائهما طلبا للمفعول المعلوم،
لكن طلبه مقدمة واحدة، إذ لا غير بعد، فحين انتشت بطلبه ذلك ودورته على الحقائق
البواعث العشقية من القوابل الكونية وجد مطلوبا يطلبه (1) ويتعين متعلقا له، فتعين حين
تعين الطلب الكوني نسبة الإرادة لتعين المراد.
281 - 4 ثم نسبة القدرة بحسبها بتمام ما يتوقف عليه وهو الثلاثة السابقة، فتعين
الظهور المطلوب لتعين مقدمتيه المركبة كل منهما من المفردين، كل هذا للظهور الوجودي
العيني، وسرى هذا السر إلى البرهان اللمى للظهور العلمي كأن يقال: التجلي الحبى الاحدى



(1) - وطلب من الحق بحكم ما سرى فيه من اثر التجلي الحبى ظهور عينه وما فيه كماله (الحاشية)
377
حي عالم يطلب الظهور، وكل ما هو كذلك يظهر إذا تعين القابل، الطالب بلسان استعداده
لظهوره، وقد تعين، وهو سر كل انتاج بحسب الوجود والعلم، فالطلب (1) لتردده بين التجلي
الفاعلي الذي بمثابة الأصغر وتعين القابل الذي بمثابة الأكبر، بمنزلة الأوسط المشترك، هذا هو
الأصل المعبر عنه بالبرهان اللمى لكون الطلب الالى مقدما على الطلب الكوني ومقتضيا
له، كما تحقق في قول الشيخ قدس سره وإليه الإشارة بقول الصديقة الصغرى بعد ذكرها
الحب الذاتي والصفاتي:
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي * * ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
282 - 4 وهذا يناسب مظهرية العبد وقرب الفرائض، ولك ان تعكس اعتبار
الصغرى والكبرى بجعل: كل ماهية كونية قابلة تاما لاستعداد طالبة للظهور ممن طلبه
من الحق الحي العالم الجواد بالذات، وكل ما كان كذلك يظهر لتعين ارادته وقدرته سبحانه،
فهذا يناسب برهان الان ومرآتية الوجود لأحوال الخلق وقرب النوافل.
283 - 4 هذا ما عندي فيه، والله أعلم بمراده ومراد الكمل، والعقيدة معقودة بذلك لا بما
في فهمي.
الأصل الثامن
في مراتب النكاح
284 - 4 ولبيانها أصول ذكرها الشيخ قدس سره في التفسير وشرح الحديث، نكرر نقل
أكثرها لاستدعاء المقام.
285 - 4 الأصل الأول: ان توجه الحق للايجاد ليس من أحدية ذاته، إذ لا ارتباط له
بشئ، بل من حكم العلم الذاتي الأزلي لحيطة تعلقه بذات الحق وأسمائه وصفاته ومعلوماته.
286 - 4 الأصل الثاني: أسباب الايجاد بموجب حكم العلم هي الأسماء الذاتية المعبر عنها



(1) - هو مبتداء خبره: بمنزلة الأوسط المشترك - ش
378
بمفاتيح الغيب، فإنها الفاتحة لغيب الذات وغيب المعلومات، وأمهات صفات الألوهية المسماة
بالحياة والإرادة والقدرة كالظلالات لمفاتيح الغيب، كما أن الألوهة كالظل للذات.
287 - 4 الأصل الثالث: توجه الحق بالتأثير الذاتي - وإن كان واحدا في الأصل - فان
الحيثيات المعبر عنها بالمفاتيح المذكورة ومتعلقاتها من أمهات حقائق العالم المعينة لأمهات
صفات الألوهية متعددة، وهذه المفاتيح وان جمعتها واحدة متفاوتة الدرجات، وهذا
التفاوت وان لم يكشفه الا الكمل، فإنه متعقل في صفات الألوهية التي هي في مرتبة الظلية
لأسماء الذات، كشرف العلم على القدرة بالتقدم ومزيد الحيطة، فوجب تفاوت توجهاتها
واثارها.
288 - 4 الأصل الرابع: انه لا يظهر من الغيب إلى الشهادة أمر ما من الحقائق الأسمائية
والأعيان الكونية الا بنسبة الاجتماع التابع لحكم حضرة الجمع المختص بالحد الفاصل.
289 - 4 الأصل الخامس: حكم حضرة الجمع سائر الأحدية من الغيب في الأشياء
كلها - معقولها ومحسوسها -.
290 - 4 الأصل السادس: تعين ذلك الاجتماع عموما بين الإرادة الذاتية الكلية أولا، ثم
الطلب والقبول الاستعدادي الكوني ثانيا، وخصوصا بين نسب تلك الإرادة الإلهية وعين
عين من الأعيان الممكنة الكامنة قبل ظهور حكم الجمع والظاهرة بعده، والمتعين والمراد
من حيث بعض المراتب بكل اجتماع هو ما حدث ظهوره في الوجود الخارجي من الجزئيات
والتشكلات. وانما قلنا من حيث بعض المراتب ايماء إلى أنه ليس الغاية القصوى التي هي
متعلق الإرادة، بل انما أومأت بذلك إلى سر التسوية الإلهية الساري الحكم في كل صورة أو
مرتبط به الصورة ليحصل الاستعداد الجزئي بالتسوية المعبر عنها بالاستقرار الحاصل
للجملة من حيث الكيفية المزاجية عقيب الحركات في مراتب النكاحات الثلاثة والحركات
الثلاثة، وتلك الكيفية المزاجية اما معنوية. أو روحانية أو صورية بسيطة أو

379
مركبة. ثم إن كانت المادة انسانية استعدت لقبول النفخ الإلهي ولسر قوله تعالى: ثم أنشأناه
خلقا اخر (14 - المؤمنون)
291 - 4 الأصل السابع: ان النكاح هو الاجتماع الحاصل للأسماء بالتوجه الإلهي الذاتي
لابراز الكون، وهو سبب التصنيف والتأليف الإلهي بالتركيب والجمع والاستحالة التي
هي سريان احكام اجزاء المركب بعضها في بعض، ولا فرق بين هذه المفهومات الثلاثة الا
في مراتب (1) الصور، فحكم الاجتماع فحسب، كما بين الاشخاص في نحو العسكر والصف
وبين الدور في البلد وحكم الاجتماع والتركيب معا - كالخشب واللبن للبيت المبنى -
وحكم الاجتماع والتركيب والاستحالة - كما للاسطقسات المنفعل بعضها عن بعض -
بحيث يستقر للجملة كيفية متشابهة هي كمال تلك الحركات الفعلية والانفعالية وهى المزاج
المعد للصورة النوعية.
292 - 4 الأصل الثامن: ان كل اثر وحداني واصل من حضرة الجمع والوجود بحركة
غيبية سار بأحدية الجمع، فإنه يوجب للحقائق الظاهر تخصصها بالتوجه الإرادي اجتماعا
عالم يكن قبل، فكل اجتماع على هذا الوجه تركيب - لا كل اجتماع - فان اجتماع الأسماء
لا يوجب تركيبا الا إذا كانت المرتبة التي يقع فيها الاجتماع بين المعاني تقتضى بذلك، لان
كل ولد بين المختلفين يتبع المحل في الصورة.
293 - 4 فنقول: مراتب النكاح أربع، يعنى ان مراتبه الكلية منحصرة في أربع لا خامس
لها الا ما يختص بالانسان، وهو نوع من نكاح يولد الأجسام المركبة، اما جزئياتها فلا نهاية
لها، لما مر ان جزئيات التركيب غير متناهية، ولما قال الشيخ قدس سره في شرح الحديث: ان
الحق تعالى ربط العوالم والموجودات بعضها ببعض وأودع في الجميع صفة التأثير والتأثر،
فليس في الوجود ما يوصف بالتأثير دون التأثر الا الحق سبحانه في مرتبة عزه وغناه.
294 - 4 فالنكاح الأول: اجتماع الأسماء الأول التي هي مفاتيح غيب الهوية والحضرة



(1) - لا في مراتب الأرواح والمعانى - ش
380
الكونية بالتوجه الذاتي الإلهي من حيثها لجمع الأسماء الأصلية نسب الظهور والبطون
والوجوب والامكان، والنتيجة فيه مطلق الصور الوجودية كما قال الشيخ قدس سره: ان
مسمى الرحمن وهو البخار العام والوجود العام، والنفس الرحماني أول مولود ظهر عن
الاجتماع الأسمائي الأصلي من حضرة باطن النفس وروحه، ولم يذكر في التفسير هذا
الاجتماع في مراتب النكاح.
295 - 4 فقال في الحواشي: انما لم أذكره، بل ذكرت ان النكاحات ثلاثة، لان هذا الاجتماع
تركيب غيبي بحركة غيبية معنوية، فادخالها في أقسام التركيب غير لايق.
296 - 4 وقال قدس سره في شرح الحديث: نتيجة أول الهيئات الاجتماعية المتحصلة من
توجهات مفاتيح الغيب الذاتي واحكام أمهات صفات الألوهية وأصول الحقائق المتعينة
أزلا في علم الحق التابعة لتوجه الحق الذاتي في مرتبة الغيب الإضافي هو عالم المعاني باعتبار تعقل
غير الحق لها، لأنها بارزة عن البطون إلى الظهور بالنسبة إليها وإلى كل متعقل لها غير الحق، والا
فهي لم تزل بالنسبة إلى الحق مشهودة له. هذا كلامه وحصل منه فائدتان دقيقتان:
297 - 4 الأولى: معرفة ان المراد بالصورة الوجودية المسماة بالأسماء المذكورة باعتبارات
هي الصورة التي حقيقتها عالم المعاني - كما سلف في تحقيق الفرغاني -
298 - 4 الثانية: ان عده نتيجة انما هو باعتبار تعقل غير الحق وبه يتصف بالظهور
ويسمى بالصورة الوجودية وبه يصدق على تركيبه اجتماع لم يكن قبل، فعد في مراتب
النكاحات على ما اعتبره في التفسير.
299 - 4 النكاح الثاني: الروحاني، وكان المراد به الاجتماع الواقع في عالم المعاني لتوليد
الأرواح، وان عده في التفسير أولا حيث قال في شرح الحديث، ثم ظهر عن الحق من هيئات
اجتماعية متحصلة من اجتماع عدة معان وجملة من احكام الوجوب والامكان من حيثية
الأصول المذكورة في المرتبة الروحية عالم الأرواح - متفاوتة الدرجات - فإنها صور
هيئات اجتماعية متحصلة من اجتماع عدة معان هي الأسماء والحقائق، فيعبر عن حيثيات

381
التأثيرات الإلهية باحكام الوجوب، كما يعبر عن التأثيرات المتعقلة في القوابل باحكام
الامكان، فكل اثر نتيجة هيئة اجتماعية معنوية واقعة بين مفاتيح الغيب وما يليها من
الاحكام الوجوبية، وكل وجود متعين بعين عين من الممكنات فهو نتيجة النتيجة
المعنوية، فالاجتماع الأول لتلك الحيثيات الوجوبية يسمى بالنكاح الغيبي، فللمفاتيح فيه
بالتوجه الإلهي درجة الذكورة وللهيئات الاجتماعية المنفعلة من احكام القوابل درجة
الأنوثة، وللمرتبة درجة المحلية وللتعين الوجودي في تلك المرتبة - أي مرتبة كانت -
درجة المولود. هذا كلامه.
300 - 4 وأقول: حصل منه أصول:
301 - 4 الأصل الأول: معرفة النكاح - وهو الاجتماع - والناكح - وهو السر
الجمعي الاحدى والتوجه الإلهي بالمفاتيح - والمنكوح - وهو الهيئة الاجتماعية القابلة -
ومرتبة النكاح من الروحية والنفسية والطبيعية باقسامها، والمولود - وهو الثمرة من التعين
الوجودي، وهذه معرفة كلية شاملة لاقسامها.
302 - 4 الأصل الثاني: ان التفاوت في المولود قد يحصل من تفاوت مرتبة الاجتماع،
وإن كان الناكح والمنكوح واحدا كما سيجئ.
303 - 4 الأصل الثالث: ان النكاح وان نسب إلى المعاني أو الأرواح أو الأجسام فهو
في الحقيقة للمفاتيح والأسماء التالية.
304 - 4 النكاح الثالث: الطبيعي الملكوتي، أعني الاجتماع الواقع لتوجهات الأرواح
في المرتبة الطبيعية لما قال في شرح الحديث: ثم الاجتماع المتعقل من توجهات الأرواح العالية
بموجب الآثار المتصلة من الأصول السابقة على ضربين:
305 - 4 الضرب الأول: توجهاتها بذواتها منصبغة باثار السوابق دون احكام مظاهرها،
لكن في المرتبة الطبيعية أوجب تعين عالم المثال، لان تعين كل اثر في حقيقة

382
كل مؤثر فيه انما يظهر بحسب محل الأثر معنويا كان - كالمراتب - أو أمرا وجوديا، وهذا
أصل لا ينخرم ولن تجد لسنة الله تبديلا (23 - الفتح) فالارواح التالية للأرواح العالية
وعمار السماوات من الملائكة من حيث أرواحهم دون مظاهرهم من ثمرات هذا التوجه،
فهذا الضرب من توجهات الأرواح العالية واقع في المرتبة النفسية والمولودون هم عمار
السماوات من الصافات والذاريات والنازعات وغيرها، وللطبيعة هنا درجة المحلية ولعالم
المثال درجة المولود.
306 - 4 والضرب الاخر: توجه الأرواح العالية من حيثيات مظاهرها المتعينة في عالم
المثال والمنصبغة بحكمه وصفته يثمر في مرتبة الجسم الكل المعقول عالم الأجسام المحسوسة
التي أولها العرش المحيط والجسم البسيط، وهذه هي الولادة الظاهرة من النكاح الروحاني،
فللأرواح درجة الذكورة مع السوابق وللطبيعة هنا درجة الأنوثة ولمعقولية الجسم الكل
مرتبة المحلية وللصورة العرشية درجة المولود، فالضربان راجعان إلى قسم واحد، لأنهما ليسا
بخارجين عن حكم النكاح الروحاني، هذا كلامه.
307 - 4 وأقول: علم منه أصول:
308 - 4 الأصل الأول: ان النفوس نتيجة توجهات العقول من حيث هي، اما الأجسام
البسيطة فنتائج توجهاتها من حيث مظاهرها النفسية المثالية الملكوتية.
309 - 4 الأصل الثاني: ان تولد النفوس لكونه في مرتبة الطبيعة تعلقت بها للتدبير.
310 - 4 الأصل الثالث: ما قال الشيخ قدس سره في موضع اخر: ان لعالم المثال في
كل سماء حصة معينة يتعين فيها ما يتنزل من احكام حضرة الحق وعالم المعاني والأرواح
إلى حضيض السماوات والأرض، كما يتعين فيها ما يترقى من صور الأعمال والأحوال
ما يستقر هناك.
311 - 4 النكاح الرابع: العنصري السفلى، وهو الثالث في التفسير وهو الاجتماع الواقع
للأجسام البسيطة بموجب ما وصل إليها من احكام الأصول الأسمائية والمعنوية

383
والروحانية لاظهار صور المركبات والمولدات.
312 - 4 قال في شرح الحديث: ثم ظهر من اثار جميع الهيئات والاحكام المضافة إلى
الحق من الحيثيات السابقة عالم السماوات التي دون العرش والكرسي وعالم الكون والفساد
على اختلاف طبقاته واجناسه وأنواعه، فافهم هذا كلامه.
313 - 4 وأقول: علم منه أصلان:
314 - 4 الأصل الأول: ان السماوات السبع وما تحتها طبيعة مركبة عنصرية قابلة
للكون والفساد، إذ التركيب من الأجسام يقتضى الحركة المستقيمة - بخلاف العرش
والكرسي - فان تولدهما من توجه الأرواح والنفوس - لا غير -.
315 - 4 الأصل الثاني: ان لبعض الأجسام هنا بموجب ما وصل إليها من احكام
الأصول الأسمائية درجة الذكورة ولبعضها باعتبار الهيئة الجمعية الحاصلة فيها من احكام
القوابل الامكانية درجة الأنوثة وللتركيب مرتبة المحلية وللصورة المولدة درجة المولود.
316 - 4 ثم نقول: وكل من هذه النكاحات الأربعة أخص مما قبله وأضيق دائرة، لان
قاعدة الايجاد وسنة الحق سبحانه فيه تعيين المطلق وتفصيل المجمل وتخصيص العام
وتضييق الواسع، وليس للنكاح مرتبة خامسة غير معقولية جمعها ويختص بالانسان الذي
هو مجمع بحري الغيب والشهاد، وهذا هو ما قال في التفسير بعد ما ذكر توليد الصور
الطبيعية المركبة: ثم اجتماع الصور المركبة الطبيعية بقواها وسائر ما مر حديثه لاظهار
صورة الانسان. تم كلامه.
317 - 4 فالنتيجة في الأصل والنكاح الأول مطلق الصورة الوجودية كما مر - أعني عالم
المعاني والنفس الرحماني ومرتبة العماء بما مر من الوجوه - وفيما نزل من النكاح الأول
الوجودات المتعينة - روحانية أو مثالية أو جسمانية بسيطة أو مركبة - والاختلاف في
الوجودات المتعينة يكون بحسب الناكح وبحسب النكاح وبحسب المنكوح وبحسب المرتبة.
318 - 4 اما بحسب الناكح وهو التوجه الإلهي بسر الجمع الاحدى الذاتي للأسماء

384
الذاتية وما يتلوها، ان أسباب الايجاد بموجب حكم العلم هي الأسماء الذاتية وما يتلوها، وان
كل اثر يصل من حضرة الجمع والوجود بحركة غيبية هي سريان الجمع بالأحدية من
الغيب في الأشياء كلها، محسوسها ومعقولها، فإنه وإن كان احديا فان المفاتيح وما يتلوها
تعدده فللكثرة الأسمائية المجتمعة في التوجه الإلهي لإيجاد كون ما وقلتها - إن كانت متحدة
النسبة إلى المسمى أصالة وفرعية - وبحسب قوة الأسمائية لأصليتها وضعفها لفرعيتها - إن كانت
متفاوتة النسبة -.
319 - 4 مثلا روح ظهر عن توجه الهى بحسب مائة مرتبة أسمائية متحدة النسبة، فإنه
أقوى من روح ظهر بحسب عشرة كذلك، اما إن كان الأسماء في أحدهما من الأمهات وفي
الاخر من الفروع التفصيلية، فان الأمهات وان قلت عددا كانت أقوى اثرا وأعظم حكما،
وكذا الحكم في الصورة الجسمية المؤلفة من جواهر متفاوتة أو متناسبة قوة أو ضعفا.
320 - 4 واما بحسب النكاح فكان يكون أحدية الجمعية قوية أو ضعيفة كالاعتدالية
بحسب كل مرتبة والمنحرفة عنها بحسبها انحرافا بوجوه لا تحصى، سواء كان الاجتماع مزاجيا
مفيدا للكيفية الوحدانية المتشابهة فيسمى استحالة، أو بمجرد الهيئة الزائدة المخصوصة
ويسمى تركيبا وجمعا كالبيت، أو لا بالهيئة الزائدة فيسمى جمعا فقط كالعسكر، حتى لو
حصل تناسب اعتدالي جامع بين احكام المراتب الاعتدالية كلها المعنوي والروحاني
والمثالي الملكوتي والحسى الطبيعي والعنصري، ولم يظهر غلبة فاحشة لاحدى المراتب
بحيث يستهلك احكام الباقية واجتمعت الاحكام في نكاح انسان طاهر عن الانحراف - أعني
غير منحرف - أو طاهر عن النجاسات الصورية والمعنوية - كأنواع المحرمات - وقد مر في
صدر الكتاب أقسام الطهارة. ومنكوحة طاهرة المحل في موضع مناسب وعقيب غذاء
طاهر معتدل حلال ظهرت صورة انسان كامل واستهلك احكام الوسائط في ضمن توجه
الحق إلى ايجادها، بل قبلت تلك الهيئة الاجتماعية المتعقلة من الكليات الأصليات
والمتخيلة من الجزئيات الفرعيات من الحق فيضا مطلقا طاهرا وظاهرا باحكام الجميع،

385
فكانت مرآة للجميع ومنصبغا بخواص الجملة مع عدم تغير طار على التجلي الإلهي الصادر
من المرتبة الانسانية الكمالية وهى حضرة أحدية الجمع.
321 - 4 وقد وقع في بعض نسخ المفتاح تقدم ذكر النكاح على الناكح، فاشعر بان
الأول مثال للتفاوت بحسب النكاح والثاني بحسب الناكح، ولكل من النسختين جهة، لان
الشيخ قدس سره مثل الأولى بالتوجه الإلهي بحسب الأسماء المتفاوتة - قلة وكثرة أو قوة
للأصالة وضعفا للتبيعة - فباعتبار التوجه يصح مثالا للناكح وباعتبار اجتماع الأسماء
للنكاح، وكذا الأحدية الجمعية الاعتدالية أو الانحرافية كما يصح مثالا للاجتماع يصح
مثالا للجامع، وهو سراية الأحدية الجمعية من حضرة أحدية الجمع.
322 - 4 واما بحسب المنكوح وهو الهيئة المجتمعة من احكام الامكان والقوابل، فلان
القوابل المجتمعة اما النسب والحقائق - فالارواح المولودة بحسبها - واما الاجزاء البسيطة
المؤلفة جمعا - فالمولود يناسبها - لان الولد سر أصله.
323 - 4 واما بحسب المرتبة فظاهر، كالمعنوية والروحانية والمثالية والحسية بأنواعها
وأصنافها واشخاصها التي لا تحصى، وقد مر ان لكل مرتبة كلية أو جزئية اثرا في تعين
الظاهر منها وفيها موافقا لها، ومن التفاوت المرتبي ما ذكره الشيخ قدس سره هنا من
التفاوت بقلة الوسائط بين الشئ وموجده وكثرتها، فبقلتها يقل الانصياع باحكام الوسائط
ويضعف حكم الامكان فيه، فيظهر قوة حكم الجمع الذاتي الاحدى الذي هو ينبوع
الأسماء والمراتب، وبكثرتها يقوى حكم الامكان وينعكس الامر.
324 - 4 فحصل من هذه القواعد ان نتيجة النكاح الأصلي هو الاجتماع الكلى ونتيجة
النكاحات الجزئية الوجوديات المتعينة، إذ كل يعمل على شاكلته ولا ينتج شئ الا ما
يناسبه.
325 - 4 ويتفرع على هذه القواعد معرفة النكاح المنتج بالنسبة إلى نتيجة مخصوصة
روحانية أو مثالية أو جسمانية أو غيرها، وغير المنتج لها، بناء على التناسب والتنافر الذين

386
سنذكر سرهما، وكذا معرفة الانتاج والتوليد الدائم لدوام استعداد القابل وتناسبه المبقى
صورة الاجتماع المستلزم ظهور حكم الجمع الاحدى بموجب حكم المرتبة التي فيها
الاجتماع، وذلك بقوة نسبته إلى الدوام وعدم توسط ما يقتضى بذاته عدم القرار وسرعة
الانفعال كالحركة - وذا - كما في العرش والكرسي وما فوقهما من العوالم - والمنقطع -
بعكس ذلك، وكذا معرفة الاجتماع العقيم لعدم قابلية المجتمع، فلا يسرى إليه سر الجمعية
الأحدية، كالطين وكاجتماع الانسان مع الحجر الموضوع بجنبه.
الأصل التاسع
في أن النفس الرحماني بأي اعتبار يسمى عماء وفي خواص العماء
326 - 4 النفس المذكور ان اعتبر من حيث ظهور صورته، لا من حيث روحه وحقيقته
التي هي الجمع الاحدى الذاتي في التعين الأول وحقيقة الحقائق، ومن حيث روعي فيه
التشبيه وتسميته باسم ما يشبه به حتى يستحضر النفس ضبابا لاعتبار حصول أول مرتبة
من الكثافة التعينية فيه، فإنه يصدق عليه، إذ ذاك التشبيه مراعى اسم العماء، ومن خواصه
ان حكم النسبة الربية الاجمالية الكلية التي قد مر ان الإشارة في كنت كنزا مخفيا فأحببت
ان اعرف فخلقت الخلق إليها، وانها في نفسها غير مدركة لكليتها وخفائها، منطوية في
العماء، والتجلي الساري وإن كان تعينها بحسب ربوبية كل اسم من الأسماء الإلهية من العماء
كتعين الأسماء منه، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وآله - حين سأله أبو رزين العقيلي أين
كان ربنا قبل ان يخلق خلقه بقوله: - كان في عماء ما فوقه هواء ولا تحته هواء، أي في مرتبة
كلية منها، وفيها يبتدئ تعينات المراتب والأسماء التي يتوقف التعينات الخلقية عليها،
ومرتبتها المقتضى للأولية والاخرية والفوقية والتحتية، فالعماء في لسان العرب السحاب
الرقيق وهو بخار متكاثف، فأخبر صلى الله عليه وآله انه لتكاثفه التعينية الغيبية عماء،
لكن لا كالعماء المعلوم عندنا بتوسط الهواء إذ لا خلق بعد هناك، والا لما صح

387
الجواب ولما طابق السؤال، وهو تام مطابق لما شهده المحققون.
327 - 4 لا يقال: قد سبق فيما نقل من الشيخ الجندي ان عماء العبودية يشتمل على
جميع صور الموجودات من الأرواح والاجساد والاعراض، فكيف لا يكون في مرتبة العماء
خلق؟
328 - 4 لأنا نقول: ذلك اشتمال الكلى على جزئياته أو اشتمال الصور العلمية، لما سبق
في مقدمة قوله ذاك: ان الحقيقة المطلقة الكبرى حين جاش من حيث يطلب الامتداد
والتنزل، فامتد للتفصيل بحقيقة النفس كان في مبدأ الامتداد وحدانيا جميعا مشتملا على
حقيقتي الظاهرية والباطنية والفعل والانفعال، ولان القابل غير خارج عنه انعطف
الفيض النفسي على نفسه، فحصل بالرجوع صورة الإحاطة بحقيقة فلك الإشارة، فهو
فلك العماء مطلقا.
329 - 4 فان قلت: كيف يتحقق الظرفية العمائية قبل الخلق، والحق سبحانه منزه عن
المظروفية؟
330 - 4 قلت: سرها شبيه بالتجلي الموسوي الذي قال سبحانه فيه: ان بورك من في
النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين (8 - النمل) فهو سبحانه ثمة مع أنه متجل في النار
وحول النار، منزه عن الجهة والمكان والحصر حال تقيده بالمظاهر، لما مر في الأصول انه مع
الحكم عليه باحكام التعين غير متعين في نفسه، فافهم واستحضر ما أخبرك في نحو قوله تعالى:
وهو معهم (7 - المجادلة) ان الله معنا (4 - التوبة) من أنه مع كل شئ ولا تتحكم فيما أخبرك
عن نفسه بعقلك، فان عدم المعرفة لا يقتضى عدم الصحة وعدم الوجدان لا يفيد عدم الوجود،
فقد شهد المحققون المكاشفون - بل استمر شهودهم - وساعدهم فيما وجدوا شرعة شرعهم
وعقلهم وشهودهم.
331 - 4 فان قلت: كيف يتصور في الذات الواحدة ان يكون هي هي في المظاهر
المتضادة ويصدق عليها احكامها المتضادة وهى هي؟

388
332 - 4 قلت: بناء على أن ذات المتجلى سار في الحقيقة الجامعة الغير المقيدة بقيد، مع أنها
قابلة بالذات لكل قيد عند اقتضاء الحضرات الأسمائية والاحكام الموطنية - مع أحديته
في نفسه من كل وجه - فمعنى قبوله بالذات، القيود المتضادة.
333 - 4 وقد تقرر ان مقتضى الذات لا يختلف ولا يتخلف، ان مقتضى ذاته لغاية كماله
ان يظهر ذاته الأحدية في كل مظهر بنسبة واعتباراته اللاحقة من حيث ذلك المظهر،
فالتباين في النسب لا في الذات.
334 - 4 وما يقال من أن الحقيقة لا تقتضى من حيث هي شيئا من المتقابلات صحيح،
بمعنى انها لا تقتضى من حيث هي معينا منها، لا بمعنى انها لا تقتضى ولو بشرط أو شروط شيئا
منها أصلا، والا لاقتضى عدمها وعدم اقتضاء شئ ليس اقتضاء لعدمه.
335 - 4 ثم نقول: ومن خواص العماء انه كما مر مطلق الصورة الوجودية ومشتمل على
الحقائق الوجوبية والقوابل الامكانية، فهو بالمادة الامكانية المنطوية فيه كمرآة غيبية من
جهة قابليته لانتقاش التعينات الوجودية لا حسية، إذ لا خلق ثمة فلا حس، وانبساط
الصورة الوجودية الكونية بتلك المادة في تلك المرآة هو كون ظاهر الحق سبحانه كالمرآة
والمجلى لباطنه، فان اختلج في وهمك ان كون الشئ مجلي ومظهرا لاخر يقتضى التعدد
والتغير بينهما - فلا تستنكر - لان التغاير الاعتباري كاف في ذلك وذلك متحقق، فان
صورة النفس من حيث تسميتها مادة امكانية هي غير الحق بنسبتي الظهور والشهادة فيها
والبطون والغيب في الحق، فيتعدد نسبة الذات الواحدة بتعدد اعتبارك - لا مطلقا -.
336 - 4 فإذا كان مشهودك الحق الواحد الاحد - لا القيد والعدد - قلت: هو الظاهر
والباطن، وإذا لحظت التعدد الكوني وحجبتك الكثرة لا لفك بالحس عن الوحدة وتعذر
عليك مشاهدة الوحدة من حيث ذاته في الكثرة ومشاهدة الكثرة في الوحدة من حيث
نسبها واعتباراتها لعدم تمكنك في الشهود قلت: الصورة من عالم الشهادة والمعنى من عالم
الغيب، وجعلت الوجود الواحد شيئين - مع أن العين واحدة - والمرجع إلى أمر واحد

389
هو التجلي الاحدى الذاتي والنفس الرحماني الساري بأحديته.
337 - 4 ومن خواصه أيضا ان تلك الصورة الوجودية المطلقة مرآة قابلة لظهور احكام
التعينات الامكانية والاختلافات العينية التي يشتمل على صورها العلمية، ولظهور
مقتضيات التفاضل والتفاصيل الاستعدادية التي جملها وكلياتها غيب وتفاصيلها
وجزئياتها شهادة.
338 - 4 فالحاصل ان العماء بواسطة ما يشتمل عليها من المادة الامكانية كالمرآة القابلة
للصور الوجودية الكونية المنبسطة، ومطلق الصورة الوجودية مرآة أيضا لظهور التعينات
الامكانية والصور استعدادية، وإلى هاتين المرآتين الإشارة بما نقلناه مرارا عن التفسير من
قول الشيخ قدس سره: أنت مرآته وهو مرآة أحوالك.
339 - 4 فالحق سبحانه مع أحديته الذاتية وتعدد نسبتي ظهوره وبطونه من حيث
تجليه - كما يعلم في باطنية ظاهره - مرتبة الوجوب بما يحويه من الحقائق الأسمائية
والصفات الربوبية يشاهد في ظاهرية باطنه من جهة انها مجلاه ومنزل نفوذ اقداره
المتوجهة من باطنه إليها مرتبة الامكان بما تحويه من الأعيان التي كانت متميزة بالتميز
العلمي الأزلي، وأحوال تلك الأعيان أيضا، لأنها حقائق ممكنة كنفس الأعيان العلمية
لازمة لها، لانسحاب حكم كل عين على أحوالها ودخولها تحت حيطتها، ومن جملة تلك
الأحوال حقيقة الترتيب المستلزم لحقيقة التقدم والتأخر والتوسط الثابتة لكل بالنسبة إلى
أخرى، اما التقدم الحقيقي فهو للحق تعالى ليس الا.
340 - 4 وهذا الأصل، وهو شهود الحق سبحانه في ظاهرية باطنه - من جهة انها
مجلاه - مرتبة الامكان بجميع ما تحويه من الأعيان ولوازمها المتعاقبة - دنيا وآخرة - من
اخفى اسرار مسألة النفس الرحماني وخواص العماء، لأنه محتد سر القدر المخفى الخبر، لتوقف
انفتاح قفله بالتحقيق على انكشاف مفاتيح الغيب التي في الحضرة العلمية - كما لأهل
الكمال والتوقف التام - ولذا لا يعرف الا ببحث تفصيلي، تقليدا ونوراني تحقيقا.

390
341 - 4 وقد تقدم منها تلويح في بحث الشهودات الثلاثة الإلهية فقد قلنا فيها: ان تعلق
العلم بالشئ في الحضرة العلمية المجردة من حيث صلاحيته لقبول التعين الوجودي
والتوجه الإلهي وتوقفه على سبب أو أسباب هو شهود الحق ذلك في مرتبة امكانه،
ومعقولية مطلق هذا التعلق المذكور على النحو المنبه عليه هو شهود الأشياء على الاطلاق
في حضرة الامكان.
الأصل العاشر
في بيان أول كون تعين من العماء بوجه المرآتية من الطرفين المرتبة على الحضرتين
342 - 4 لما علم الحق سبحانه من مرتبة الامكان بما حوته ما يقتضى البروز في الرتبة
الأولى الايجادية كالقلم الاعلى المسمى بالعقل الأول والعقل الكل والروح الأعظم أبرزه،
وكالملائكة المهيمين الذين تجلى لهم الحق في جلال جماله فهاموا فيه وغابوا عن أنفسهم،
فلا يعرفونها ولا غير الحق - وقد مر تعرفهم - فهم في رتبة العقل الأول، الا ان نسبته إلى
مظهرية الأسماء الذاتية الثبوتية من التعين والتجلي الأول نحو الواحد أقوى، ونسبة المهيمية
إلى الأسماء الذاتية السلبية منهما نحو الفرد أولي.
343 - 4 اما القلم الا على فقد مر ان الشيخ قدس سره عرفه في النفحات فقال: حقيقة
القلم الاعلى عبارة عن المعنى الجامع لمعاني التعينات الامكانية التي قصد الحق افرازها من
بين الممكنات الغير المتناهية ونقشها في ظاهر صفحة النور الوجودي بالحركة الغيبية
الإرادية بموجب الحكم العلمي الذاتي. فالألواح والأوراق مثل لصفحة النور الوجودي.
344 - 4 والمدة المدادية المتصلة بالقلم نظير الوجود المتصل بما قصد الحق تعالى افرازه
من مطلق الممكنات الغير المتناهية، والكتابة عبارة عن اظهار احكام التعينات المرتسمة
في نفس الحق المعبر عنها تارة بالشئون وتارة بالممكنات وتارة بحقائق الموجودات، فالكتب
المقروة والصور المشهودة حسا وخيالا وروحا ومثالا ليست غير التعينات الشئونية المعبر

391
عنها بالممكنات يسطرها القلم من الجمع المتحصل من اجتماع العلم والإرادة والقدرة والحيوة
والوجود، وهو (1) بعض ما اتصل بذلك الجمع من مطلق الغيب الذاتي.
345 - 4 فالممكنات هي الحروف الأول من حيث نقوشها العلمية وهى الكلمات من
حيث ظهور تعيناتها في ظاهر الحق وهو صفحة النور الوجودي، والآيات منها ما يتضمن
معنى الدلالة بصورة هيئة من الهيئات الاجتماعية، والسور منها ما يشتمل على جملة من
الشواهد المتعلقة بمرتبة من المراتب الأسمائية والكونية، والكتب المنزلة عبارة عن صور
الاحكام العلمية الوجوبية والامكانية المختصة بمرتبة من المراتب الكلية وأهلها، والقرآن
صورة حكم العلم المحيط بالأشياء على اختلاف طبقات الموجودات ولوازمها من الأحوال
والافعال والنسب والإضافات في كل عالم، فافهم، تم كلامه.
346 - 4 إذا عرفت هذا فاعلم: ان أمر الحق سبحانه في القلم الاعلى عبارة عن استجلائه
وشهوده في عمائه المذكور والنفس الرحماني من جهة كون العماء مجلي لباطن الحق أول
تعينات وجوده في أول مجاليه الممكنة لعدم توقف كمال استعداده على شرط أو شروط
وواسطة، فشهد فيه ما سيظهر في العماء من التعينات العلمية بالصور الوجودية في عالمي
الأرواح والأجسام مما يستوجب الظهور بالايجاب العلمي والعدم الأصلي، أي الحكم
الأزلي، سواء كان مقدرا على التعين - كالمستعد بالاستعداد آت الغير المجعولة - أو غير مقدر
الا بأصوله ومتبوعاته - كالمستعد بالاستعدادات المجعولة -
347 - 4 فان قلت: كيف قال في حق القلم الاعلى انه أول تعينات وجود الحق في أول
مجاليه الممكنة؟ وقد ذكر في التفسير في موضع: ان أول العوالم المتعينة من العماء
عالم المثال ثم عالم التهيم ثم القلم، وفي موضع قدم المهيمين فقط على القلم، بناء على ما قال: والذي يلي شهوده
نفسه سبحانه في مرتبة ظاهريته الأولى بأسمائه الأصلية وهى العماء، مرتبة شهود الظاهر
نفسه في مرتبة الغير من غير أن يدرك ذلك الغير نفسه وما ظهر به، لقرب نسبته وعهده مما



(1) - أي القلم - ق
392
امتاز عنه وغلبة حكم غيب الحق واحدية التجلي، وذلك صفة المهيمين في جلال الحق، ثم
يليه مرتبة شهود الظاهر نفسه في مرتبة الغير الممتاز عنه في الشهادة ليظهر حكم الغيب في
كل نسبة ظهر تعينها عنه بحسب ثبوتها في العلم، فيدرك بهذا التجلي عينه وما
امتاز عنه وما امتاز به عن غيره - تم كلامه - فكيف التوفيق؟
348 - 4 قلت: قد مر غير مرة ان أولية القلم في ايجاد عالم التدوين والتسطير لا مطلقا
فلا ينافيه أولية المهيمين لعدم توسطهم في التسطير، ولا أولية عالم المثال من حيث إنه
تفصيل جميع صور العماء، مع توسطه في التسطير بين عالم الأجسام والأرواح - كما سيظهر -.
349 - 4 فان قلت: فلم قيل في المشهور: ان المهيمة في مرتبة القلم الاعلى؟
350 - 4 قلت: بناء على أن لا واسطة بين الحق وبينهما، والتحقيق ما ذكره الشيخ قدس
سره، لان جلال الحق مقدم على جماله فكذا اثراهما.
351 - 4 فان قلت: الا ينافيه سبق الرحمة الغضب؟
352 - 4 قلت: نعم قد لان هذا السبق في مرتبة الصفات وما قلنا من سبق الجلال فهو من
حيث الذات الغنى عن العالمين.
353 - 4 قال في التفسير: انسحب حكم التوجه الإلهي الاحدى لإيجاد عالم التدوين
والتسطير على الأعيان الثابتة بعد ظهور الأرواح المهيمة منصبغا بحكم كل ما حواه من
الغيب مما تعين به وامتاز عنه من وجه، فكان توجها جمعيا وحداني الصفة.
354 - 4 اما جمعيته: فلما حواه الغيب مما تعلق العلم بابرازه.
355 - 4 واما أحديته: فلان المريد الحق سبحانه واحد وارادته واحدة ومنزل التوجه
ليس الا أمرا واحدا هو العماء، فتعلقها في كل شأن لا يكون الا أمرا واحدا هو نتيجة ذلك
التوجه، فانتج في عالم التدوين والتسطير نتيجة وجودية متوحدة حاملة كثرة غيبية نسبية
سماها الحق عقلا وقلما.
356 - 4 اما عقلا: فمن حيث الوجه الذي يلي ربه ويقبل به ما يهبه، ومن حيث إنه أول

393
موجود متعين عقل نفسه ومن تميز عنه وما تميز به عن غيره، بخلاف من تقدمه بالمرتبة - وهم
المهيمون -.
357 - 4 اما قلما: فمن حيث الوجه الذي يلي الكون فيؤثر ويمد، ومن حيث إنه حامل
للكثرة الغيبية الاجمالية المودعة في ذاتها ليفصلها فيما يظهر منه بتوسط مرتبة وبدونها،
فكان مشتملا على خاصيتي الجمع والأحدية، وظهر به سر التربيع من حيث التثنية
الظاهرة في وجوده المنبهة على التثنية المعقولة في التوجه المنبه عليه المنتج له، لكن لما كان
الواحد من هذه الأربعة هو السر الذاتي الجمعي وهو ساري الحكم في كل شئ، فلا يتعين له
نسبة ولا رتبة مخصوصة، كأن الامر في التحقيق مثلثا، وذلك سر الفردية الأولى المشار
إليه في الأسماء الأصلية والأركان الأربعة. تم كلامه.
358 - 4 وأقول - والله أعلم -: كأنه أراد بالتثنية الظاهرة في وجوده الظاهر والمظهر
أو الحق حقيقة والخلق نسبة، أو الوجود الحق من حيث ما هو غير متعين في نفسه ومن حيث
ما هو متعين بنسبه، وبالتثنية المعقولة في التوجه الفاعل والقابل أو طلبهما، أو الوحدة
الحقيقية والكثرة النسبية من حيث أحدية وجه الغيب وواحدية وجه الشهادة، أو اجمال
التعين الأول وتفصيل التعين الثاني.
عباراتنا شتى وحسنك واحد * * وكل إلى ذاك الجمال يشير
359 - 4 ثم نقول: فلما ظهر القلم الاعلى على النحو المنبه عليه بالتوجه الإلهي المشار
إليه - أعني لإيجاد عالم التدوين والتسطير - تبعه في الظهور وانبعث انبعاثا منضافا إلى
التوجه السابق صورة عين الحقيقة اللوحية النفسية المسماة باللوح المحفوظ والنفس الكلية،
وذلك مع سريان احكام الأسماء والمراتب المذكورة المستندة إلى الغيب الجمعي الوجودي
الإلهي المجهول من حيث اطلاق غيبه وإحاطة اثاره والمعلوم من حيث مظاهره ومن
حيث إلوهيته ووحدته، فإنه ينبوع الآثار كلها - كما مر كل ذلك -.
360 - 4 وقال في التفسير: ثم تعينت نسبة أخرى من حيث التعين لا من حيث الحق

394
فان امره واحد، وظهر من الغيب تجل ذو حكمين: أحدهما الحكم الاحدى الجمعي والاخر
انصباغه بما مر عليه وامتاز عنه، وهو القلم، فتعين وجود اللوح المحفوظ حاملا سر التربيع،
وانه انضاف إلى حكم التثليث المشار إليه، فحصل تربيع تابع للتثليث وتعينت المرتبة
الجامعة لمراتب الصور والاشكال - أعني التربيع والتثليث - وظهر في اللوح تفصيل الكثرة
التي حواها العماء، فكملت مظهريته للاسم المفصل، كما كملت بالقلم مظهرية الاسم المدبر
من حيث اشتماله على خاصيتي الجمع والأحدية المنبه عليهما.
361 - 4 وأقول: من المناسب ان ننقل هيهنا في بيان كيفية تعين القلم واللوح ووجه
ارتباطهما بالتعاقب وذكر أركان اللوح وأقسام ما يشتمل عليه من الأرواح والصور المثالية
ما ذكره الشارح الفرغاني مع نوع انتخاب واختصار، ففيه وصول:
الوصل الأول
في كيفية تعينهما
362 - 4 قال: لما سرت المحبة الأصلية بحكم المفاتيح في سائر الأسماء الإلهية والكونية،
فظهرت الحقائق الإلهية بالتأثير والكونية بالتأثر والقبول، فامتلأ الوجود والعالم والحقائق
طلبا وعشقا إلى ظهور مقتضياتها وكمالاتها، رجع كل من الحقائق بحكم هذا الطلب
والسؤال الاستعدادي إلى أصله الذي انتشأ تعينه منه، مستمدا منه إلى أن انتهى التوسل إلى
الأصول السبعة ورجعت الأصول بحكم هذا الطلب من الحضرة العمائية، متوسلة إلى باطنها
في حاق البرزخية الثانية، وهى إلى أصولها التي هي المفاتيح، وهى إلى حضرة الهوية وباطن
الاسم (الله) وهى إلى غيب الغيوب.
363 - 4 وهذه ثاني دورة معنوية للمحبة الأصلية، فعادت ما دونه مسارعة إلى النزول
سارية في المفاتيح، وبها في باطن الأصول وبها في ظاهرها وبها في كلتا جنبتي البرزخية ا
لثانية وما اشتملتا عليه من الحقائق الإلهية الفعلية والكونية الانفعالية، فقامت حينئذ

395
قيامتها وتضاعفت اشواقها وامتدت إلى ظهور كمالاتها أعناقها، فانتهض الاسم (الحي) لما
يخصه من التدبير الكلى في لابدية الحكم الايجادي الأصلي، وتقدم العليم لتفصيل ذلك التدبير
الكريم، وتوجه المريد لترتيب ما فصله الاسم العليم في حضرة العلم القديم، وتخصيص
حقيقة القلم الاعلى وحقائق الأرواح المهيمة بالقدم الصدق في السبق على قبول الايجاد
والظهور في عالم الأرواح بلا واسطة، وتنصيص حقيقة اللوح المحفوظ على قبول الوجود
بواسطة القلم لقوة الرابطة، وانتدب القائل للمبادرة إلى الحكم بكلمة (كن) بحكم اشتمال
الباقي عليه، وتشمر القدير لاظهار حكم القائل بالتأثير، وإضافة إفاضة الاسم الجواد التي
هي عين الرحمة والجود إلى حقيقة القلم والمهيمة بلا واسطة، وإلى اللوح وما حواه من الأرواح
والروحانيات بواسطة القلم، وذلك بجعل عين القابل مقابلا لشعاع شمس الوجود، فسارع
الجواد إلى إفاضة الوجود ليحصل بذلك المقصود واستبق المقسط إلى تعيين المحل والمرتبة.
364 - 4 وحيث كان حكم سراية المحبة الأصلية شاملا كلتي جهتي الوجوب وما تعين
منه من الأسماء المؤثرة الإلهية وجهة العلم وما يتعلق به من المعلومات الممكنة المتأثرة، لا جرم
كان صدور أمر (كن) وقبول (فيكون) لا يضاف الا إلى المفاتيح، ولكن وراء ستارة (1)
الاسم القائل وتعيين حقيقة القابل في الرتبة الثانية، فالامر منه بدأ وإليه يعود.
365 - 4 فأول ما قبل أمر التكوين حقيقة القلم الا على الذي نسبته إلى البرزخية الأولى
والأسماء الذاتية الثبوتية - كالواحد - أقوى وفي رتبته المهيمة الذين نسبتهم إلى السلبية
- كالفرد - أولي، ثم بواسطة القلم حقيقة اللوح المحفوظ الذي انتساب مظهريته إلى البرزخية
الثانية أشد، فكان تعينهم في مرتبة الأرواح وتعين ما اشتمل عليه اللوح من تفاصيل الصور
الروحانية واتصافهم بوصف الخلقية بحكم مقابلتها المذكورة في الحضرة العمائية عند
التوجهات والاجتماعات الأسمائية وبحكم انعكاس الأشعة من الحضرة الوجودية المفاضة



(1) - الستارة: ج: ستر: ما يستر به.
396
على احكام هذه الحقائق المتبوعة نحو هيئاتها الروحانية وبساطتها وقدسها إلى مثل ذلك مما
هي مضافة إلى الخلق، وكانت الهيئة الاجتماعية من بين هذه الأشعة المفاضة.
366 - 4 وهذه الأحكام مسماة بالقلم الاعلى والأرواح المهيمة واللوح المحفوظ، ثم
ظهورها بما حواها وتكونها كتكون صورة الشعاع الواقع على الماء الصافي المنعكس عنه
على الجدار الصقيل، فالماء مثل الحقيقة القابلة والجدار مثل المرتبة، فهذا تمثيل مطابق من
بعض الوجوه، والا فحقيقة الامر مما لا يدركه الا الندر من الأكابر وإليه يومئ بنوع
قوله تعالى: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل (45 - الفرقان) يعنى مد ظل الأسماء الذاتية في
التجلي الأول الذي هو رب محمد صلى الله عليه وآله.
367 - 4 ثم ظل التجلي الثاني بما اشتمل عليه من الحقائق الإلهية والكونية - أصولا
وفروعا -.
368 - 4 ثم ظل تعينات الوجود على الكائنات في مرتبة الأرواح والمثال والحس من
عين ظاهر الوجود الروحاني، لتحقق تمام الكمال الأسمائي. ولو شاء لجعله ساكنا
(45 - الفرقان) يعنى الظل الأول والثاني، والأول تعالى بحيث لو لم يمدها في المراتب
الكونية كان الامر تاما وكاملا بالنسبة إليه، لكونه غنيا عن العالمين، فهذا المد منه على
سبيل الاختيار لا بالذات - كما زعمت الملاحدة لعنهم الله - ثم جعلنا الشمس عليه دليلا
(45 - الفرقان) أي على امداد الاظلال كما قال تعالى: - ولله المثل الاعلى (60 - النحل) - ثم
قبضناه إلينا قبضا يسيرا (45 - الفرقان) أي خفيا لا يدرك كيفيته، مثل رجوع الوجود كل
آن إلى أصله، لكونه عرضا على الحقيقة وقيام بدل مثله مكانه في الخلق الجديد المشار إليه في
قوله تعالى: بل هم في لبس من خلق جديد (15 - ق) نحو رجوع الغذاء والدهن بالتحليل
من البدن والسراج إلى ما بدأ منه من الأركان وقيام بدل ما يتحلل مكانه بتقدير العزيز
العليم.

397
369 - 4 وأقول: هنا استفادة من قول الشيخ الجندي: اعلم أن العالم في تركبه
كالانسان، لذا قيل له انسان كبير، وللانسان: عالم صغير عند الجمهور وبالعكس عند
المحققين، فان الانسان مركب من جوهرين هما جسمه وروحه، أحدهما - وهو الجسم -
متحيز مظلم ثقيل منفعل متغير، والاخر - وهو الروح - متصف بأضدادها، نور من
الحق يروح الأول عن ظلمته وكثافته وموته بحيوته الحقيقية وبساطته الوحدانية،
وبالجملة عن خصائصه العدمية، ولا جامع بين هذين الجوهرين المتباينين غير الوجود
الجوهري، فاوجد الله تعالى من جوهر الروح جوهرا ثالثا هو في نفسه كالروح وله
تعلق التعمير والتسخير بالجسم يسمى نفسا ناطقة، وذلك لاشتماله على قوى وحقائق كثيرة
ظهورها متوقف على ذلك التعلق، فجعله الله تعالى واسطة رابطة بين الجوهرين لمناسبته
إياهما بجهتي وحدته الاطلاقية الذاتية وكثرته النسبية، فاوصل الفضائل الروحية
القدسية الكمالية إلى الاخر.
370 - 4 فتعين روح الانسان من تجلى نفس الرحمان بحسب ماهيته القابلة وتعين نفسه
من الروح النوراني بحسب مزاجه الجسماني، وتدبيرها بحسب قوتيها العلمية والعملية اللتين
هما ذاتيتان له، فالأولى للعلم بمصالحه ومصالح بدنه، والثانية للأعمال والصور، فبعد تعينه
في المزاج بحسبه وامتزاج القوى المزاجية البدنية بالقوى والحقائق النفسانية والتفاعل بينهما
يحصل هيئة اجتماعية هي أحدية جمع حقائق الجوهرين وهى القلب، ولا يحجبنك ما في زعم
الفلاسفة ان الكمالات الروحانية والعقلية تفيض عليها في أول ابداعها بالفعل دفعة، فإنه
وهم، فإنها لم تخرج عن حقائقها الامكانية ونسبها العدمية الطالبة بذاتها، فدوامها لدوام
التجلي الإلهي بالوجود بواسطة الروح الذي لا واسطة له، فالقلب حقيقة جامعة بين الحقائق
الجسمانية والروحانية والاحكام النفسانية، فلذا استعد لقبول تجل الهى كمالي احاطي ثالث
لا يمكن تعينه في التجلي الروحاني والجسماني على الانفراد، فتجليه من الحضرة الإلهية الجمعية
والتعين الأول، ولذا اختص بالانسان.

398
371 - 4 اما أصل الحقيقة الروحانية فمن باطن التعين الأول وهو المتعين به في الحقيقة
الاطلاقية، فلذا غلب على الروح نسبته الأحدية والنزاهة وغيرهما، واصل الحقيقة
الجسمية من حقيقة الحقائق الامكانية المظهرية، ولذا غلب عليه التركيب والظلمة، والقلبية
الكمالية لها الجمع بينهما، وهما إصبعا الرحمن، لان المراد بالإصبع النعمة، فهما نعمتا التجلي
المتعين من حضرة الجلال والقهر بظلمة الحجاب الجسمانية، والمتعين من حضرة الجمال
واللطف المختص بروحانية الانسان، والتجلي الجامع بينهما عرشه، أحدية الجمع القلبي
الذي وسعه حين لم يسعه الأجسام منفردة ولا الروحانيات منفردة.
372 - 4 والتجلي من حيث تعينه بالقلب يسمى سرا إلهيا وخفيا مستجنا في مظهرية
الانسان الكامل - وإليه يشير الحديث - فقد عرف حقيقة الروح والنفس والقلب والسر
ومبادئ تعيناتها والفرق بين تجلياتها.
373 - 4 وقيل: الروح أعم من الكل، لأنه نور من الحق ينفر ظلمة عدم الكون وهو
نور التجلي الفائض مطلقا، المتعين في القابل، وينقسم إلى الروح المهيم والعقل والنفس
والجسم. لان تجلى النفس الرحماني مطلقا اما ان يغلب على عين القابل فيستهلكه فيهيم في جلال
جماله وهو المهيم، واما ان لم يستهلكه، فاما ان يغلب حكم المحل القابل على التجلي، فان غلب
حكم وحدته على كثرته لكمال مناسبة القابل، فهو العقل - كالقلم الاعلى - وان غلب حكم
الكثرة، فتعين النور فيه مفصلا، فان غلب حكم أصل نوريته على ظلمة عدميته الامكانية
فهو النفس، وإن كان بالعكس فهو الجسم، واما ان لم يغلب حكم أحدهما على الاخر فهو
القلب، فان تمكن حكم برزخيته من كل وجه فهو القلب الكامل وتجليه هو السر والخفى
المستجن. هذا كلامه.
374 - 4 فيؤل الفروق المذكورة في العالم الكبير أيضا، لان تعين الأرواح الجزئية من
الأرواح الكلية والنفوس من النفوس والأجسام من الأجسام والقلب من حضرة الجمع،
لذا اختص بالانسان المخلوق على الصورة الإلهية، وصار الانسان بذلك روح العالم وقلبه وسره.

399
الوصل الثاني
في ارتباطهما
375 - 4 قال الفرغاني: لما كان نسبة ماهية القلم إلى التعين الأول أتم، ظهر الوجود
المفاض عليه وحدانيا مجملا، وحيث كان انتساب حقيقة اللوح إلى التعين الثاني أظهر،
ظهر وجوده بواسطة القلم وبحكم أمر: اكتب علمي في خلقي إلى يوم القيامة مفصلا في
صنفين: صنف ظهر بصور الكلم الفعلية كصور الأرواح والملائكة أجمع، بل روحانية
كل شئ كان ما كان. وصنف ظهر بصور الكلم القولية كالكتب والصحف الإلهية
المنتقشة فيه جملة دفعة واحدة والمنزلة على الأنبياء متعاقبة مفصلة هي على الحقيقة بيان
أحوالهم وموازين احكامهم خلقا وقولا وفعلا.
الوصل الثالث
في ذكر وجوههما
376 - 4 القلم الاعلى له ثلاثة جوه معنوية كلية:
377 - 4 الأول: اخذه الوجود والعلم مجملا بلا واسطة وبه يسمى العقل الأول.
378 - 4 الثاني: تفصيل ما اخذه مجملا في اللوح بحكم: اكتب علمي في خلقي، وبه
يسمى القلم الاعلى، وهذا الوجه منه هو النفس المحمدية المشار إليه بقوله عليه السلام: والذي
نفس محمد بيده.
379 - 4 الثالث: كونه حاملا حكم التجلي الأول ومنسوبا إلى مظهريته في نفسه، وبه
هو حقيقة الروح الأعظم المحمدي صلى الله عليه وآله ونوره باعتبار.
380 - 4 واما اللوح المحفوظ فله ستة وجوه معنوية كلية:
381 - 4 الأول: كونه هيئة اجتماعية من شعاع النور المفاض المضاف ومن احكام

400
الماهيات المتعلقة تلك الأحكام بعالم الأرواح، متضمنة تلك الهيئة صنفي الكلم الفعلية
والقولية المذكورة مفصلة بحيث لا يفوته شئ مما يدخل في الوجود إلى انتهاء يوم القيامة،
وبهذا الاعتبار يسمى كل شئ المعنى بقوله: وكتبنا له في الألواح من كل شئ (145 -
الأعراف).
382 - 4 الثاني: توجهه إلى موجده واخذه المدد منه اما بلا واسطة، وبه يسمى روحا
مضافا إلى الحضرة الإلهية، وهى التي منها ينتج الأرواح المضافة إلى الكمل بلا واسطة وإلى
غيرهم بواسطة روح منه جزئي مسمى بالملك.
383 - 4 واما بواسطة القلم الاعلى وهو الوجه. الثالث وبه يسمى لوحا محفوظا.
384 - 4 الرابع: تنزله وظهوره من حيث بعض ما اشتملت عليه حقيقته مفصلا
متصورا بصور مثالية وحسية بسيطة ومركبة عرشا أو كرسيا وسموات وارضين
وما بينهما من الأفلاك والاملاك والكواكب والعناصر والمولدات إلى الانسان، وذلك
لتحقيق كمال الجلاء والاستجلاء وبه يسمى بالكتاب المبين الفعلي وهو المراد به في
القرآن.
385 - 4 الخامس والسادس: توجهه بوصف التدبير والتكميل لما يفصل منه ويظهر (1)،
وبه يسمى النفس الكلية. وتوجهه إلى التدبير بصورتين: إحداهما كلية، وهو بهذا الاعتبار
نفس الكمل من الأنبياء والأولياء - غير نبينا محمد صلى الله عليه وآله - فان نفسه
الناطقة المدبرة بصورته المطهرة هي وجه تفصيل القلم الاعلى ما اخذه مجملا في اللوح
المحفوظ بأمر: اكتب ما هو كائن. وثانيتهما النفوس الجزئية المدبرة للاشخاص العنصرية
الجزئية، ولوجوهه الستة هذه صارت جهات العالم ستا. وسابع الوجوه جمعها لهذه
الوجوه.



(1) - بصور الموجودات المثالية والحسية المذكورة فيدبر ويحفظ ويكمل الكلى بصفة كلية والجزئي بوجه
جزئي (الحاشية) - يظهر - ل
401
الوصل الرابع
في بيان أركان اللوح
386 - 4 قال الفرغاني: ولكون نسبة اللوح إلى التعين الثاني المسمى بالألوهية أشد،
وكان لها أربع أمهات وثلاث شرائط ومتممات في ظهور تمام احكامها، وهى الأصول
السبعة - كما مر - عين الاسم البارئ في اللوح لكل واحد من هذه الأركان الأربعة مظهرا
خاصا وصورة روحانية - مع اشتمال كل منها على اثار الباقي -
387 - 4 فكان إسرافيل عليه السلام مظهرا لركن الحياة الكلية، ولهذا كانت الحياة
الأبدية الأخروية متعلقة بنفخته الثانية في الصور الذي هو مجمل الصور الطبيعية
والعنصرية. واما النفخة الأولى منه فإنما يكون باصعاد النفخ وارجاعه من الظاهر إلى
الباطن لينتهى حكم الحياة الدنيوية بالكلية وترجع إلى أصلها، ثم يبتدأ حكم ظهورها في
النشأة الأخروية، والاقساط مندرج في الحياة بحكم جميعتها للجميع.
388 - 4 واما جبرئيل عليه السلام فمظهر ركن العلم، ولهذا يحمل الوحي المشتمل على
أنواع العلوم ونسب التعليم إليه في قوله: علمه شديد القوى (5 - النجم) على قول، فصار
واسطة على تكون عيسى عليه السلام من حيث إنه كلمة للحق وعلم للساعة، فكان
مظهرا للقول والفعل، فباعتبار الأول يسمى بروح القدس وباعتبار الثاني بالروح
الأمين، فله جهتان وحكمان كإسرافيل عليه السلام، فجبرئيل من حيث ظاهره الغالب
عليه حكم الوجود مظهر القول، فان القول صورة النفس الذي هو عين الوجود، ومن
حيث باطنه الغالب عليه حكم العلم صار مظهرا للفعل.
389 - 4 واما ميكائيل عليه السلام فمظهر الإرادة، لأنه مرتب لما فيه بقاء الخلق من
الرزق المعنوي والصوري - علما وفهما وغذاء وهميا كالجاه والحشمة وحسيا كالمال
والنعمة - فكان الجود مندرجا في الإرادة.

402
390 - 4 واما عزرائيل عليه السلام فمظهر لركن القدرة، فإنه يقهر الجبابرة بالفناء غير
مدافع، وكما أن جميع الحقائق الإلهية والكونية من توابع هذه الأركان الأربعة، كذلك
جميع الأرواح والملائكة من توابع هذه الملائكة الأربع بعد القلم والمهيمة، الذين لم
يدخلوا في حكم الامر بالسجود لآدم، لانهم من العالين الكاملين في الهيمان في جلال جمال
الحق جل جلاله، والتفرعات الحاصلة منهم كالتفرعات الحاصلة في الحقائق المعنوية في
الحضرة العلمية.
الوصل الخامس
في ذكر ما يشتمل اللوح عليه من الأرواح
391 - 4 قال (1): جميع ما اشتمل عليه اللوح المحفوظ من الأرواح وما فوقهم من
المهيمة ثلاثة أقسام:
392 - 4 قسم مقيد بعدم مظهر طبيعي مثالي أو عنصري حسي، منهم الأرواح المهيمة.
393 - 4 وقسم مقيد بالمظهر وهو صنفان:
394 - 4 الصنف الأول يضاف إليهم المظاهر وهم ملائكة السماوات والأرض الذين
يضاف الآثار إليهم وهو قواهم، كالواهبات للملائكة الحافين بالعرش وحملته الأربعة اليوم
وإن كانت ثمانية يوم القيامة وفيه مقام إسرافيل عليه السلام، وكالمدبرات للكرسي وفيه
مقام ميكائيل عليه السلام، وكالمقسمات لفلك البروج ورئيسهم اثنا عشر ملكا وفيه
مقام جبرائيل عليه السلام، وكالتاليات لفلك الكواكب وفيه مسكن رضوان خازن
الجنان، لان سطحه ارض الجنة ومقعره سقف النار، وكالناشرات للأرض التي تنشر
أجنحتها لطالب العلم ومقدمهم ملك اسمه قاف، وإليه ينسب الجبل المحيط بالأرض،
وكالساريات لكرة الماء ومقدمهم الزاخر، والزاجرات لكرة الهواء ومقدمهم الرعد،



(1) - الشيخ رضي الله عنه في عقلة المستوفر: ص: 76
403
والسابقات لكرة النار، والسابحات لسماء الدنيا وفيه ادم عليه السلام، والناشطات لفلك
عطارد وفيه ملك يسمى الروح، والقارعات لفلك الزهرة وفيه ملك يسمى الجميل،
والصافات لفلك الشمس، والفارقات لفلك الأحمر وعليهم ملك يسمى الخاشع، والملقيات
لفلك المشترى وعليه ملك يسمى المقرب، والنازعات لفلك كيوان، وفي مقعر فلك
الكواكب الثابتة مسكن خازن النار وعزرائيل. كذا في عقلة المستوفز للشيخ الكبير رضي الله عنه
.
395 - 4 والصنف الثاني يضافون إلى المظاهر كالأرواح الانسانية المضافة إلى صورها،
فإنها متعينة من اللوح المحفوظ بأحد الوجوه الثلاثة، اما من حيث عينها واما من حيث
تعيناتها التي هي الأصول، واما من حيث ما هو متفرع من هذه الأصول أو من فروعها أو
فروع فروعها وهلم جرا، وهذه التعينات سابقة على تعين المزاج العنصري، وانما يتعين بعد
تعين المزاج نسبة ظهور هذا الروح بصورة التدبير المسماة بهذه النسبة بالنفس المطمئنة
المفتوحة بما تعين منه من هذا الروح المنسوب إلى مظهرية الحضرة الإلهية، فافهم. وكذلك
روحانية كل شخص كان ما كان من جماد ونبات وحيوان، ومنها الصور الجنية المقيدة
بمظاهر نارية.
396 - 4 واما القسم الثالث فهم الذين لا يتقيدون بالمظاهر وعدمها، ولهم ان يظهروا
حيث شاؤوا، وهم الرسل والسفراء بين الحق تعالى والخلق، المعينون بقوله تعالى: رسلا
أولي أجنحة... الآية (1 - الفاطر) فان كل واحد منهم له قوتان يطير بهما في فضاء أمر
الحق وقربه سبحانه: إحداهما قوة علمية اخذه من موجده تعالى، والثانية قوة عملية عاملة
بموجب ذلك العلم - تخلقا لنفسه - فعبر عن هاتين القوتين بالجناحين، وربما يزيد الله تعالى
لبعضهم جناحا ثالثا هو تعليم غيره ما علمه، كما قال تعالى: علمه شديد القوى (5 -
النجم) ولبعضهم رابعا هو العمل لغيره بإذن ربه، كما قال: ويستغفرون لمن في الأرض

404
(5 - الشورى) فهذه الأربعة كليات قواهم وأجنحتهم، واما جزئياتها المرادة بقوله: يزيد في
الخلق ما يشاء (1 - الفاطر) فغير محصورة. وما ورد في بعض الأخبار ان النبي صلى الله عليه
وآله رأى جبرئيل وله ست مائة جناح، فذلك مما زاد الله في خلقه إلى ما لا يتناهى - والله أعلم
- هذا كلامه.
397 - 4 فان قلت: قال الشيخ الكبير رضي الله عنه في عقلة المستوفز: تجلى الحق بنفسه
لنفسه بأنوار السبحات العالية من كونه عالما ومريدا، فظهرت الأرواح المهيمة من
الجلال والجمال، وخلق في غيب الغيب المستور الذي لا يمكن كشفه لمخلوق العنصر الأعظم
دفعة من غير ترتيب سببي أو على، وما منهم روح يعرف ان ثمة سواه، لاستيلاء سلطان
الجلال عليه، ثم إنه سبحانه أوجد دون هؤلاء الأرواح بتجل اخر أرواحا متحيزة في
ارض بيضاء وهيمهم فيها بالتسبيح والتقديس لا يعرفون ان الله خلق سواهم، ولاشتراكهم
مع الأول في نعت الهيمان لم نفصل وقلنا: الأرواح المهيمة على الاطلاق، وهذه الأرض
خارجة عن عالم الطبيعة، وسميت أرضا لنسبة مكانته، ولا يجوز عليها الانحلال والتبدل
أبد الآباد، وللانسان في هذه الأرض مثال وله في الأرواح مثال اخر، وهو في كل عالم
على مثال ذلك العالم.
398 - 4 ولذلك العنصر الأعظم المخزون في غيب الغيب الذي هو أكمل موجود في
العالم التفاتة إلى عالم التسطير، فاوجد الله سبحانه عند تلك الالتفاتة العقل الأول، فهو
من حيث إنه علم نفسه وموجده - والعالم من عين علمه بموجده - عقل، ومن حيث التسطير
قلم، ومن حيث التصرف روح، ومن حيث الاستواء عرش، ومن حيث الاحصاء امام مبين.
399 - 4 فامره الحق ان يجرى على اللوح بما قدره وقضاه مما كان من ايجاده وما فوق
اللوح إلى أول موجود وإيجاد الأرواح المهيمة في جلال الله، الذين لا يعرفون العقل ولا غيره

405
- سوى من هاموا في جلاله ليس لهم لحظة إلى ذواتهم - فنائهم افناء الأبد، عبدوا الله بحقه
لا من حيث امره، وعلى قلوب هؤلاء الأرواح هم الافراد منا الخارجون عن دائرة القطب
ومما يكون، إلى أن يقال: فريق في الجنة وفريق في السعير (7 - الشورى) ويذبح الموت.
400 - 4 وهذا اللوح محل إلقاء العقل بمنزلة حواء لادم عليهما السلام، وسميت نفسا لان
الله تعالى نفس بها من نفس الرحمة عن العقل، إذ جعلها لوحا لما يسطره فيها وهو محل
التجميل والنفس محل التفصيل، وهذا الملك الكريم الذي هو اللوح قلم لما دونه أيضا،
وهكذا كل فاعل ومنفعل، وجعل الله أمر التركيب وعالم الأجسام بيده، فإذا اعتدلت المباني
واستوت نشأتها - نورية كانت أو نارية أو ظلمانية أو شفافة - كان القلم الاعلى واهب
الأرواح فيها، وهو فيض ذاتي له وإرادي لله تعالى، وله مما يلي العقل نسبة نورانية ومما يلي
الهباء - بحر الطبيعة - نسبة ظلمانية، وهى في نفسها خضراء لهذا الامتزاج العجيب.
401 - 4 هذا كلامه رضي الله عنه ويفهم منه أولا: ان انتشاء المهيمة من تجلى الحق
سبحانه بنفسه لنفسه، وقد مر ان هذا التجلي انما يتحقق في المراتب الإلهية دون الكونية.
402 - 4 وثانيا ان العنصر الأعظم أقدم من القلم - كالأرواح المهيمة - مع أن له مدخلا
في عالم التسطير، فلم يكن القلم - على ما عرفت قبل - أول موجود في عالم التسطير.
403 - 4 وثالثا ان للأرواح المهيمة مظاهر هي الافراد الخارجة عن حكم القطب، وقد
قلتم انها من القسم المقيد بعدم المظهر.
404 - 4 ورابعا ان اللوح والقلم ان لم يكونا من المهيمة فكيف قال الشيخ الكبير رضي الله عنه
في الفتوحات انهما من المهيمة، وان كانا منها فكيف أخرجهما الشيخ قدس سره هيهنا
وفي التفسير وسائر تصانيفه؟
405 - 4 قلت - والله أعلم - جوابا عن الأول: ان انتشاء المهيمة من تجلى الحق سبحانه
بنفسه لنفسه لكن لا في نفسه، بل فيما يسمى غيرا، لا يعرف ذلك الغير نفسه، وعن الثاني: بان
العنصر الأعظم فسره الشيخ رضي الله عنه في عقلة المستوفز بالحياة المعبر عنها بالماء في قوله

406
تعالى: وجعلنا من الماء كل شئ حي (30 - الأنبياء) وقوله تعالى: وكان عرشه على الماء
ليبلوكم (7 - هود) كما قال: خلق الموت والحيوة ليبلوكم (2 - الملك) إذ جعل قوله: ليبلوكم،
منصرفا إلى الحياة، فان الميت لا يختبر، وهو عرش الهوية واسم الأسماء ومقدمها.
406 - 4 وأقول: كأنه هو المراد بالهباء الذي قال في الفتوحات (1): بدأ الخلق الهباء وأول
موجود فيه الحقيقة المحمدية.
407 - 4 وقال أيضا فيه: لما أراد بدأ العالم على حد ما علمه، انفعل عن تلك الإرادة
المقدسة بضرب تجل من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية وانفعل عنها حقيقة تسمى الهباء،
وهو أول موجود في العالم، وقد ذكره علي بن أبي طالب عليه السلام وسهل بن عبد الله
وغيرهما من أهل التحقيق، ثم تجلى الحق سبحانه بنوره إلى ذلك الهباء فقبل منه كل شئ على
حسب استعداده، فلم يكن أقرب إليه قبولا الا حقيقة محمد صلى الله عليه وآله المسماة
بالعقل، وكان سيد العالم باسره وأول ظاهر في الوجود وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب
عليه السلام ثم سائر الأنبياء. تم كلامه.
408 - 4 وأقول: هذا غير الهباء الذي قال في الفتوحات بعد وريقات (2): لما خلق القلم
واللوح سما هما العقل والروح، واعطى الروح صفتين: علمية وعملية وجعل العقل لها
معلما، ثم خلق جوهرا دون النفس الذي هو الروح المذكور وسماه الهباء، قال تعالى:
فكانت هباء منبثا (6 - الواقعة) سماه به علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لما رأى هذه الجوهرة
منبثة في جميع الصور الطبيعية.
409 - 4 وعن الثالث ان المهيمة لما كانت قسمين جاز ان يكون المقيد بعدم المظاهر
القسم الأول منهما، والتي مظاهرها الافراد هي القسم الثاني، بل التحقيق انها ثلاثة أقسام، القسم
الثالث منها ماله مدخل في التسطير، كالقلم واللوح على ما قاله الشيخ رضي الله عنه.



(1) - الباب السادس. ص: 151 (2) - الباب السابع - ص: 157 - وأقرب الناس إليه علي بن أبي
طالب رضي الله عنه امام العالم وسر الأنبياء أجمعين (الفتوحات)
407
410 - 4 وعن الرابع ان مراد الشيخ رضي الله عنه في تصانيفه بالمهيمة من لم يكن له
مدخل في التسطير، لا مطلق الأرواح النورية العالية من حيث خلوها عن المظاهر المثالية
أو الحسية.
411 - 4 ثم أقول: وانما قال الشيخ الكبير رضي الله عنه في الحقيقة المحمدية المسمى بالعقل
الأول، إذ كان مراده بالحقيقة - والله أعلم - روحه ونفسه الشريفة المقدسة كما مر، فان
حقيقته باتفاق المحققين حقيقة الحقائق.
الأصل الحادي عشر
في التنبيه على مرجع ظهورات الوجودات المتفرعة عن الأثر الأول الذي هو
الوجود العام وبقائها وفنائها حتى صار أول ما تعين في عالم التسطير قلما ثم لوحا ثم ما
انبعث بعد انبعاثهما
412 - 4 فنقول: صورة الأثر الأول هو الوجود من حيث ظهوره لنفسه وانبساطه على
الحقائق الكونية، مع أنه حقيقة الهية متعينة في حضرة أحدية الجمع كما مر، إذ المعتبر في
تعينه جمعية الأسماء الذاتية الإلهية الوجوبية - أعني عماء الربوبية - وان تضمنت اعتبار
عماء العبودية من حيث الحضرة الامكانية لتقابلها، فإنها جمعية أحدية الذات - وان لحقتها
الكثرة النسبية بتلك المقابلة - فاختلاف الوجودات المتفرعة بالتعينات المتعددة عنه مع
أحديته في ذاته راجع إلى اختلاف القوابل - لا لاختلافه أو تعدده في نفسه - كما مر
وسيجئ.
413 - 4 ثم إن هذا التجلي الساري في حقائق العالم علوا وسفلا وهو المعبر عنه بالفيض
والامداد الإلهي المقتضى قوام العالم وبقائه دائم الظهور من غيب ذات الحق وحضرة أحدية
الجمع على حسب الترتيب الواقع في الفيض بحسب ترتيب القوابل في تمام استعداد القبول
من حيث عدم توقفه على شرط أو توقفه على شرط أو أكثر كما مر.

408
414 - 4 وذلك لما قال الشيخ قدس سره (1): ان التجلي الاحدى ليس غير النور
الوجودي ولا يصل من الحق إلى الممكنات قبل الوجود وبعده غير ذلك وما سواه احكام
الممكنات، ولما لم يكن الوجود ذاتيا لسوى الحق افتقر العالم في بقائه إلى هذا الامداد
الوجودي الاحدى دون فترة، إذ لو انقطع طرفة عين لفنى العالم دفعة واحدة، لان الحكم
العدمي لازم له والوجود عارض. تم كلامه. وقد مر أيضا ان معقولية الزمان هو هذا الترتيب
المنبه عليه.
415 - 4 ثم نقول في بيان سبب اختلاف القوابل فيما يقبله وجودا وبقاء: ان للحقائق
الكونية والأسمائية الإلهية المتعينة بحسبها تناسبا بحكم ما به الاشتراك المقتضى للتوحد
وتنافرا بحكم ما به الامتياز المقتضى للتعدد، ذاتيا كل منهما لها غير مجعول، هما محتد سر
القدر.
416 - 4 ولكون التوحد الاجماعي مستلزما لظهور حكم الجمع الاحدى المسمى
وجودا عينيا، استدعى التناسب المقتضى للتوحد ظهور ذلك في مرتبة أي حقيقة كونية
كانت، لكن بحسب تلك المرتبة التي حصل فيها الاجتماع وبموجب حكمها، سواء كان
اجتماع الاجزاء كما في الأجسام أو الحقائق كما في الأرواح، فيظهر بواسطة ذلك الاجتماع سر
التجلي الجمعي الاحدى ويبقى بحسب قوة التناسب المبقى صورة اجتماعها.
417 - 4 فالتفاوت في التقدم والتأخر والبطؤ والسرعة والبقاء والنفاد ليس الا بحسب
التفاوت في المناسبة وظهور حكمها وارتفاعه معبرا فيه حال المرتبة وبقوة ما به المناسبة
المبقية، وهو الامر الذي يشترك فيه المجتمعات اشتراكا يقتضى التوحد وعدم الامتياز، ودوام
الجمع يتعين صور زمان الاجتماع التي هي حكم الاسم، (الدهر)، فيتعين الآجال بحسبها.
418 - 4 فالمتعين بالمراتب الكلية وبقوة المناسبة الكلية التي فيها هما الشأن والدهر
الإلهيان والمتعين بجزئياتها، كلما تنزلت صور الاجتماعات في المراتب الجزئية وبرزت (*)



(1) - قال في النفحات - ل
409
احكام الكثرة المتفرعة عن الحكم الاحدى الموجبة لانتشاء الأسماء والأحوال هو نسب
الشأن والدهر المذكورين ورقائقهما، مثاله ظهور السواد من اجتماع الزاج والعفص والماء
وظهور العناصر الأربعة من اجتماع الكيفيات الأربع التي هي حقائق الحرارة والبرودة
والرطوبة واليبوسة. فأولا ليظهر سر التجلي الوجودي بصورة الماء والنار والهواء
والأرض، وثانيا ليظهر ذلك السر في المرتبة التالية بصورة المعدن والنبات والحيوان وهلم
جرا.
419 - 4 هذا حكم التناسب واما التنافر فيقتضى عكس حكم التناسب، كالموت وهو
الافتراق بين الأرواح والابدان والفناء والعدم، وهو افتراق الصور المنتشئة من اجتماعات
اجزاء جسمانية أو حقائق وقوى روحانية كما مر.
420 - 4 ثم نقول: وكل جمعية من تلك الجمعيات الكلية أو الجزئية المظهرة للصورة
الوجودية لها نوعان من الحكم والأثر.
421 - 4 أحدهما حكم يشعر بالمناسبة بينه وبين الاجزاء أو الحقائق التي ظهرت تلك
الصورة الوجودية من اجتماعها، كآثار الأدوية من حيث كيفياتها بحسب درجاتها الأربع
وكالاخلاق الظاهرة في كل ولد مما يتصف به والديه، وهذا لكونه مشعورا به لكل أحد لم ينكره
أحد من أهل النظر والكشف.
422 - 4 وثانيهما ما لا يعلم كل أحد نسبته وسببه أو لا يشعر بها على التعيين - وان تفرس
بها على الاجمال - وذلك كالأثر الذي يسميه الأطباء الحاصل بالخاصية لا بالكيفية
وكالأحوال الظاهرة في الولد مما هي خلاف حال والديه، فإنه حكم التجلي الخاص
المتعين بتلك الجمعية الخاصة وهو المعبر عنه بالوجه الخاص الذي للحق سبحانه في كل
موجود ويعرفه المحققون لا غير - لخفاء في نسبته -
423 - 4 وتحقيقه: ان لكل موجود حقيقة هي كيفية ثبوته في علم الله التي لا واسطة
بينها وبين الحق، لان الحضرة العلمية أقدم الحضرات وهى المنبع لأصل التأثيرات وهى

410
التي تقابل التجلي الاحدى بتعيناتها ويفيض عليها بحسب استعداداتها، وفيه تثبت المعية
الإلهية والقرب الأتم المرجح على القرب الوريدي، لان القرب الوريدي مجاورة حقيقة
جسمانية بين متباينين وجودا، وذلك مجاورة معنوية اعتبارية بين الشئ وتعينه العلمي على
اتحادهما الأصلي، وبه تثبت العلم بالجزئيات، لان حضوره مع كل جزئي كحضوره مع
كل كلي من حيث تلك النسبة، وبه تثبت الحيطة بكل شئ والشهادة والحضور مع كل
شئ، فإنه سبحانه بكل شئ عليم ومحيط وعلى كل شئ شهيد.
424 - 4 قال في حكمة الاشراق: علمه بذاته كونه نورا لذاته وظاهرا لذاته، وعلمه
بالأشياء كونها ظاهرة له، فلا واسطة في تلك المناسبة الرابطة أصلا، بل القلم الاعلى وما بعده
سواسية في تلك النسبة بحكم الطلبين الفيضي والقبولي من الطرفين، وانما سمى بالوجه
الخاص، لان غيره من الوجوه كالوجه الروحاني والمثالي والخيالي والحسى انما يحصل بتوسط
هذه المراتب الكونية، ولخفائه لم يعرفه الا المحققون من أهل الكشف، والاشراقيون قائلون به
فيما بين الأنوار القاهرة والأرواح العالية.
425 - 4 قال في حكمة الاشراق: وكل واحد من الأنوار القاهرة وهى المجردة عن
البرزخ وعلائقها يشاهد نور الأنوار ويقع عليه شعاعه وينعكس النور من بعضها على
بعض، فكل عال مشرق على ما تحته من المرتبة وكل سافل يقبل الشعاع من نور
الأنوار بتوسط ما فوقه - رتبة رتبة - حتى أن القاهر الثاني يقبل من النور الشامخ من
نور الأنوار مرتين: بواسطة النور الأقرب وبغيرها، والثالث أربع مرات: مرتين
بانعكاس صاحبه ومرتين بواسطة النور الأقرب وبغير واسطة، والرابع ثماني مرات: أربع
مرات بانعكاس صاحبه ومرتين بما فوقه ومرة بالنور الأقرب ومرة بلا واسطة، وهذا
كالأشعة البرزخية إذا وقعت على برزخ يشتد النور فيه كأشعة سرج، لكن لا علم للبرزخ
بزيادة من كل اشراق، بخلاف الاشراقات على حي لا يغيب عنه ذاته.

411
426 - 4 ثم نقول: والضابط في معرفة الفارق بين الامر بالواسطة وبينه بالوجه الخاص،
ان كل ما يشارك فيه النتيجة المقدمتين والولد الوالدين من المواد الكلية والحقائق
الأصلية، فهو الذي يشعر بسره ويدرك فيه وجه المناسبة، وكل ما يتفرد به الولد والنتيجة
والثمرة عن أصولها فهو سر الوجه الخاص الإلهي الذي قبله الممكن بخصوصية من بين
الممكنات.
427 - 4 فان قلت: حكم الوجه الخاص أحد اثرى الجمعية المظهرية للصورة الوجودية
ومتوقف عليها كما قلتم، فكيف لا يكون للوسائط المجتمعة مدخل في ذلك؟
428 - 4 قلت: مسلم ان سر الوجه الخاص أيضا من وجه ثمرة الاجتماع المعين، لان
سبب ظهور احكام الوجه الخاص المراتب وهذه الوجودات المتعينة بحسبها وفيها وبسببها
مظاهرها، ولا يعمل حقيقة ما ولا مرتبة ولا اسم الهى متعين بحسبهما الا من حيث
المظاهر، وظهور الاحكام موقوف على الاجتماع المعين وحاصل بسببه، لكن كونه ثمرة
الاجتماع من جهة توقف ظهور الوجود المتعين عليه لا ينافي كونه ثمرة النسبة الخاصة من
حيث اقتضاء مرتبة تلك النسبة ذلك، وعند اختلاف الجهتين يرتفع تناقض الحكمين وإليه
تنظر القاعدة القائلة: قد يفعل المركب ما لا تفعله المفردات، ويعبر هذا في الكمالات المحمدية
والنقائص الكيانية.
429 - 4 ومما يدل على أن ظهور الوجودات وكمالاتها بحسب الجمعية - لا عن محض
الأحدية -: اما عقلا: فتفاوته بحسب تفاوتها، فان أعظم الجمعيات صورة في البسائط هو
العرش المحيط بالصور المجيد بافعاله المتعلقة بالرحمانية العامة الفيض وأصغرها صورة
الجزء الذي لا يتجزى من المحيط البسيط، إذ لا يعرف له مثل اثره من حيث هو، وأعظمها
في المركبات التامة التركيب النشأة الانسانية الموقوفة على اجتماع جميع الحقائق واحكام
المراتب في الجملة، سواء كانت معتدلة كما في الكامل أو منحرفة كما في غيره، وأصغرها
أصغر ما يولد من الحيوان الذي هو اخر المولدات المركبة، لكن لصغره وحقارته لم يظهر

412
فيه احكام المرتبة الروحية وغيرها.
430 - 4 واما نقلا: فما أشار إليه قوله تعالى: سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت
الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون (36 - يس) وقوله تعالى: ومن كل شئ خلقنا زوجين
(49 - الذاريات) رتب الخلق على الازدواج والضم والجمع، وترتب الحكم على
الموصوف أية علية الوصف، وسيتضح في بحث الأفلاك بعض اسراره - إن شاء الله -.
الأصل الثاني عشر
في ترتيب ظهور الموجودات بعد انبعاث القلم واللوح كتعين عالم المثال بعد تعين عالم
الملكوت من عالم الجبروت
431 - 4 فنقول: تعين بعد انبعاثهما في مرآة النفس الرحماني مرتبة الطبيعة من حيث
ارتباطها بالاجسام وظهور حكمها فيها وبها، وذلك في الهباء الأول المسمى عند بعضهم
بالهيولي الكل.
432 - 4 وتقريره ما ذكره الفرغاني وهو: النفس الرحماني الذي هو الرحمة الشاملة لكل
ظاهر وباطن لما بدا بحكم (أحببت) من باطن الغيب الحقيقي كان عين التعين والتجلي الأول
وحدانيا مجملا، وكان مفاتيح الغيب واعتبارات الواحدية كتفصيل نسبى له بلا غيرية بينهما
وظهر بصورة تفصيل حقيقي علمي ووجودي نسبى أسمائي، وبصورة اجمال حقيقي وجودي
ونسبي علمي في التعين الثاني، وصار نفس هذا النفس من حيثية جملة التفصيل النسبي
الذي في التعين الأول، وكان أركان التعين الثاني التي هي الأصول السبعة الأسمائية الواقعة
في حاقه بما تفرعت منها في الحضرة العمائية وفي طرفها إلى ما لا يتناهى كثرة أجناسا
وأنواعا وفصولا تفصيلا حقيقيا لهذا الاجمال - لا نسبيا -.
433 - 4 وهذا الاجمال والتفصيل علمي ووجودي بالنسبة إلى الموجد العالم وعلمي غير
وجودي بالنسبة إلى فهم الممكنات وشهودهم، وهذا التعين الثاني بكل ما يتضمنه اجمالا

413
وتفصيلا، غيب وباطن بالنسبة إلى المراتب الكونية واهليها، وصورة للتعين الأول،
وأركانه مظاهر مفاتيح الغيب وتفصيله الحقيقي مظهر تفصيلها النسبي.
434 - 4 ثم للنفس الرحماني من حيث كونه نورا، في التعين الثاني حكمان: كونه مفيضا
بالاختيار وكون اثره مفاضا بحكم مشيئته: ولو شاء لجعله ساكنا (45 - الفرقان) وحيث
شاء مد ظل نوره بحكم الحب الأصلي والتوجهات والاجتماعات الأسمائية، فظهر منه اثر في
مرتبة الأرواح التي نسبتها إلى الغيب من حيث حضرة الوجوب أشد، كما أن مرتبة الأجسام
نسبتها إلى الشهادة من حيث الحضرة العلمية أو قل: الامكانية أشد، ذلك الأثر عين القلم
الاعلى، فوجوده جملة للتفصيل النسبي الوجودي الذي في التعين الثاني.
435 - 4 ثم ظهر من غيب اجمال القلم اثر بصورة اللوح المحفوظ وتفصيل بوجوهه وأركانه
وما يتضمنه من الكلم الفعلية والقولية والصور الروحانية الملكية وغيرها من ملكوت كل
شئ.
436 - 4 ثم إن اثرا من هذا النفس المفاض ظهر من باطن اللوح من حيث الوجه الرابع
الذي هو وجه تنزله ظهورا اخر بصورة الهباء الذي هو مادة قابلة لجميع الصور الطبيعية
والعنصرية ومعدن مشتمل على كل جوهر فرد، وهو باعتبار جمعيته واشتماله على الأركان
الأربعة التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة - بسيطة لا مركبة - فصار أول
مظهر مجمل لهذا الوجه الرابع اللوحي، وأركانه البسائط مظاهر أركانه المعنوية المضافة إلى
التعين الثاني، وهى الحياة والعلم والإرادة والقدرة.
437 - 4 فان الحرارة الغريزية أخص لوازم الحيوان، ولا يوصف كمال اثر العلم الا ببرد
اليقين، والميلان الذي صورته السيلان من لوازم الإرادة، والقهر الذي له يبوسة الجفوة
من لوازم القدرة، فغلب اثر كل ركن من الأركان المعنوية في كل ركن منها، فكان الهباء
جملة تفصيل ملكوت كل شئ وأركانه تفصيل اجماله، ولجمعية هذا الهباء بين حكم وحدة

414
الحضرة الوجوبية لانتسابه إلى مظهرية اللوح الغالب عليه حكم تلك الحضرة، وبين حكم
الكثرة الامكانية أو قل: العلمية، لتضاعف احكام التنزل والتلبس بقابلية الظهور بأكثف
صور التركيب والطفها، كان له مناسبة بالحضرة العمائية، فكان محل كينونته حضرة من
الحضرات العلمية التي نسبتها إلى طرف الوجوب والامكان على السواء.
438 - 4 وتلك الحضرة مسماة بعالم المثال والخيال المنفصل الذي نسبته إلى غيب عالم
الأرواح ومحلية بساطة صورها وإلى شهادة عالم الحس ومحلية تركيب صورها على
السواء، ولان الغالب على الحياة والعلم حكم الوحدة والاجمال، لعدم توقف تحققها على
الكثرة والتفصيل، وعلى الإرادة والقدرة اثر الكثرة والتفصيل، لتوقف تعينهما على حكم
التميز، كان الفعل منسوبا إلى مظهري الحياة والعلم من أركان الهباء، وهما الحرارة والبرودة،
والانفعال منسوبا إلى مظهري الإرادة والقدرة وهما الرطوبة واليبوسة، فلما حصل بينهما
امتزاج لطيف خفيف كان اسم الطبيعة نتيجة ذلك الامتزاج، ثم انبسطت الطبيعة بحكم محلها
الذي هو عالم المثال انبساطا تاما وحدانيا وتصورت بأقرب صورة إلى الوحدة والبساطة
التي هي الاستدارة، فتعين اسم البارئ صورة العرش محيطا بجميع عالم الصور والملك.
وسيجئ تمام تقريره - إن شاء الله -.
439 - 4 اعلم انك تحتاج لتصور عالم المثال إلى نقل ما ذكره الشيخ قدس سره في تحقيق عالم
المثال المطلق وتعينه ونسبة المثال المقيد إليه، ففيه فوائد، إذ يتفرع عليها ضابطة صدق
الرؤيا وضابطة احتياجها إلى التعبير وعدمه وضابطة سرعة وقوع حكمها وبطئه،
فالشيخ قدس سره لما أراد بيان ذلك في فك الفص اليوسفي قدم له مقدمات:
440 - 4 المقدمة الأولى: ان النور المحض لا يغاير الوجود الحق المحض الذي يتعقل في
مقابلته العدم وله الظلمة، كما أن الوجود له النورية.
441 - 4 المقدمة الثانية: ان الممكن يوصف بالظلمة من أحد وجهيه الذي يلي العدم

415
وانه يتنور بالوجود فيظهر، وكل نقص انما ذلك من احكام نسبته العدمية وإليه الإشارة
بقوله صلى الله عليه وآله: ان الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره، فالخلق بمعنى
التقدير السابق على الايجاد، ورش النور كناية عن إفاضة الوجود.
442 - 4 المقدمة الثالثة: ان النور يدرك به ولا يدرك وشرفه الأولية، إذ هو سبب كل
انكشاف، والظلمة تدرك ولا يدرك بها وشرفها ان ادراك النور الحقيقي يتعذر ولا يتأتى الا
باتصاله إليها، والضياء يدرك ويدرك به وشرفه الجمع بين الامرين واستلزامه حيازة
الشرفين.
443 - 4 المقدمة الرابعة: ان للنور الحقيقي ثلاث مراتب مشتركة في كشف المستور:
المرتبة الأولى مشاركته للوجود المطلق من حيث إنه لما كان واحدا في الأصل وعرض له
تعددات، علم ثمة معددات مختلفة القبول صار سببا لمعرفة الماهيات المعدومة. المرتبة
الثانية مشاركته للعلم المطلق، إذ يكشف الماهيات المعدومة قبل الكشف الوجودي، اما
كشف النور فمتأخر عن كشف الوجود. المرتبة الثالثة اختصاصه بالجمع الذي له الظهور
والاظهار.
444 - 4 المقدمة الخامسة: فرق بينهما بان العلم يعدد المعلومات بالتعلق في التعقل،
والوجود يعددها في المدارك وتظهر به، والوجود يظهر بحسب قابلية المعدوم، والنور
لا يدرك الا في مظهر موجود.
445 - 4 إذا تقررت فنقول: العدم المتعقل في مقابلة الوجود لا تحقق له بدون التعقل،
والوجود المحض لا يمكن ادراكه، فمرتبة العدم من حيث تعقل مقابلته للوجود كالمرآة له،
والمتعين بين الطرفين هو حقيقة عالم المثال، والضياء صفة الذاتية وانه عبارة عن وجود
العالم وهو ظاهرية الحق وهو ككل متوسط بين شيئين، إذا كانت نسبته إلى أحد الطرفين
أقوى يوصف بوصف الطرف الغالب، كوصف عالم الأرواح وما فوقه من الأسماء
بالنورية والوجود الأبدي، ووصف صور عالم الكون والفساد بالكدورة والظلمة.

416
446 - 4 وقال في فلك الفص الأسحقي: عالم المثال المطلق أمر بين عالم الأرواح وعالم الحس،
فهو المنزل الثالث من غيب الهوية وظهور الوجود فيه أتم منه في عالم الأرواح، وفي عالم
الحس تم ظهور الوجود، ولذا كان العرش المحيط الذي هو أول الصور المحسوسة مقام
الاستواء الرحماني.
447 - 4 وقال فيه: وكلما يتجسد فيه يكون مطابقا لما في العلم، ونسبة عالم المثال إلى
صورة العالم الذي هو مظهر للاسم (الظاهر) نسبة ذهن الانسان وخياله إلى صورته،
وروح صورة العالم من وجه مظهر الاسم (الباطن) فالتجسد ثمة لما لا صورة له من الأمور
المعقولة هو الاسم (الباطن) ولا نقص في العلم هناك ولا في القوة التي القوة المصورة من
الانسان نسخة منها، فان الحق ذو القوة المتين فلا يتجسد هناك شئ الا بحسب ما علم،
فوجبت المطابقة، وكذا الامر في العقول العالية والنفوس.
448 - 4 اما المتوسط بين نشأة الانسان العنصرية وبين روحانيته (1) ومعناه، فهو عالم
الخيال المقيد، والصورة الظاهرة فيه يكون بحسب نسبة ذي الخيال من الطرفين، فان قويت
نسبته إلى عالم الأرواح وما فوقها، كانت تخيلاته واعتقاداته حقة، أو إلى عالم الحس بغلبة
احكام الصور كانت تخيلاته يقظة ومناما فاسدة وآرائه غير صائبة فسميت أضغاث أحلام.
449 - 4 وذلك (2) لان كل من غلب عليه الصفات التقييدية واحكام الانحرافات الخلقية
والمزاجية لا يدرك مشرع خياله من عالم المثال، وإن كانت الوصلة غير منقطعة، ومن انتهى
في سير خياله إلى طرفه المتصل بعالم المثال المطلق حتى يتأتى له التجاوز إليه، فإنه يدرك منه
ما شاء الحق ان يريه منه، بل قد يخرج إلى عالم الأرواح ثم إلى فسيح حضرة العلم فيستشرف
على جملة من الكوائن المقدر ظهورها في عالم اخر، لذلك قال عليه وآله السلام: أصدقكم
رؤيا أصدقكم حديثا.



(1) - الروحانية - ط - هذه الفقرة في الفك اليوسفي. ص: 229 (2) - هذه الفقرة أيضا في الفك
اليوسفي. ص: 230
417
450 - 4 وقال: الرؤيا ثلاث: رؤيا من الله ورؤيا تجرى من الشيطان ورؤيا مما حدث
المرء نفسه، فالأولى تتوقف على تهيئة واستعداد يفيدان صفاء محل وطهارة نفس. والثانية
نتيجة الانحرافات المزاجية والكدورات النفسانية. والثالثة من اثار الصفات الغالبة الحكم،
وانزل الحال القاهرة حال رؤيته.
451 - 4 وقال في فك الفص الأسحقي: اما الانسان فقوته المصورة تابعة لنورية روحه
وما سبق اطلاعه عليه، فاملاه بذاته عليها، فيأخذ في محاكاته لكن بحسب صحة شكل الدماع
واختلاله وانحراف المزاج واعتداله وقوة المصورة وضعفها وخاصية الزمان والمكان.
452 - 4 واعلم أن نسبة خيال الانسان المقيد إلى عالم المثال نسبة الجداول إلى النهر العظيم
الذي منه تفرعت، فصحة خيال الانسان ورؤياه لها موجبات بعضها مزاجية كما مر
وبعضها خارجة عن المزاج وهو بقاء حكم الاتصال بين خياله وعالم المثال، والناس في
ذلك على ثلاثة أقسام:
453 - 4 قسم قد طبع على قلوبهم فلا يتصل من نفوسهم إليها شئ الا في النادر، كحال
عارض سريع الزوال بطئ العود.
454 - 4 وقسم يحصل لقلوبهم أحيانا صفاء وفراغ من الشواغل واتصال من خياله بعالم
المثال المطلق، فكل ما يدركه نفوسهم في ذلك الوقت فإنه ينعكس انعكاسا شعاعيا إلى القلب
وينعكس من القلب إلى الدماع فينطبع فيه، فان وجد فيما يرى اثر حديث نفس من
الوجوه المذكورة والآلة والمزاج وغيرها المانع من حكم الاتصال، فتصوير القوة بحسب
ذلك، وان خلت الرؤيا عن حديث النفس وكانت هيئة الدماع صحيحة والمزاج مستقيم،
كانت من الله وكان الغالب لا تعبير لها، لان عكس العكس ظاهر بصورة الأصل وهو
السبب في عدم تأويل الخليل عليه السلام رؤياه - وإن كانت واجب التأويل بما ظهر -

418
455 - 4 والقسم الثالث من صار قلبه مستوى الحق لا ينطبع في قلبه غالبا أمر من خارج،
بل من قلبه يكون المنبع، والانطباع الأول في الدماع فيحكيه الخيال بصورة تناسبه
فيحتاج إلى التعبير البتة. ولما اعتاد الخليل عليه السلام الحالة الأولى وشاء الحق ان ينقله إلى
مقام من وسع قلبه الحق، كان انطباع ما انبعث من قلبه الإلهي إلى دماغه انطباعا واحدا فلم
يظهر بصورة الأصل، فاحتاج إلى التأويل المعرب عن الامر المراد بذلك التصوير على نحو
تعينه في المقام العلوي وذوات العقول والنفوس تعينا روحانيا أو على نحو انبعاثه من
القلب المتوحد الكثرة بصفة أحدية الجمع، فعلم أن كل خيال مقيد حكم من احكام الاسم
الباطن تجسد في عالم المثال تجسدا صحيحا لصحة العلم والقوى المحاكية، ثم تجسد في كل خيال
مقيد بحسب القوة المصورة والمحل وأحوال المدرك والصفات الغالبة عليه زمان الادراك.
456 - 4 واعلم أن الرؤيا التي يحتاج إلى التأويل يكون لأنزل الطوائف ويكون لأكمل
الخلق، والتي لا تأويل لها حال المتوسطين.
457 - 4 اما تأخر ظهور حكم المنام فدليل على علو مرتبة النفس، لأنها أدركت
ما سيكون في العوالم العالية القريبة من حضرة العلم، إذ لا بد من مكثه في كل سماء إلى أن
ينصبغ بحكمه ويأخذ حصته من ذلك الفلك وما فيه، فان لكل كائنة تظهر من حيث
انفصاله المعنوي من مقام القلم واللوح والعرش والكرسي في كل سماء مقاما. وقد ورد في
الحديث: ان الامر الإلهي يبقى في الجو بعد مفارقة السماء الدنيا ثلاث سنين حتى يصل إلى
الأرض، وهذا من المكاشفات المجربة، فسرعة ظهور حكمها دليل ضعف نفس الرائي - وان
صعدت - فإنها لا تقوى على الترقي، بل كان غاية عروجها حال الاعراض عن التعلقات
الجو الذي بين الأرض والفلك الأول. هذا ما تيسر نقله من كلام الشيخ قدس سره.
458 - 4 وانا أقول: قال بعض المتفكرين: ان القوة الخيالية التي للنفس الكلية هي محل
عالم المثال، وكأنه قاله، لكون اللوح المحفوظ جملة تفصيل ما يكتبه القلم مما كان وما يكون

419
من الكلم القولية والفعلية وصور الأرواح والروحانيات وملكوت كل شئ - وفيه تأمل -
فان الشكل الثاني لا ينتج من موجبتين.
459 - 4 كيف وعالم المثال كما قال الشيخ قدس سره: صورة العماء المختص بام الكتاب
وعالم الانسان الكامل الشامل لحضرتي الوجوب والامكان والأرواح والأجسام وهو
مبسوط الهباء الذي هو محل الطبيعة المتعينة بعد اللوح والقلم، وانه كما سيظهر شامل للمثل
العقلية النوعية الأفلاطونية والاشراقية الأعم منها وللمثل المعلقة الخيالية، وانه كما ذكر
الشيخ الكبير رضي الله عنه في الفتوحات في باب معرفة الأرض التي خلقت من بقية طينة
آدم (1) وسماه ارض الحقيقة، وهى ارض عالم المثال مشتمل على صورة كل ما يخيله
العقل ويجوزه ويبعده من الوقوع من مدلولات النصوص والأحاديث ومواعيد النبوة
والآخرة والمدن الذهبية والياقوتية والأراضي المسكية والزعفرانية وغيرها من العجائب التي
لا يبلغها الوهم والفهم وفيه السماوات والأرض والجنة والنار والعرش والكرسي مثل ما في
عالمنا، وان مجموع هذه الأشياء التي في عالمنا لو كان فيه كان كحلقة ملقاة في مفازة لا يترا
أي اطرافها وغير ذلك من العجائب المذكورة في ذلك الباب، وكأنه عالم برأسه، منه إلى
عالم الأرواح والحس طريق يدخل منهما فيه، ولكل منهما طرف من ارضه فيها صورة، بل
لكل سماء وارض وجبال حصة من عالم المثال كما مر هذا.
460 - 4 وقد ناسب المقام ان نتعرض لاثباته عقلا تأنيسا - كما سلكناه مرارا - وتأسيسا
لاثبات ان الحق هو الوجود المطلق كما مر براهينه، وذلك لان أهل النظر اختلفوا في ثبوت
المثل على التفصيل الآتي، والقول به يرشد إلى القول بالوجود المطلق.
461 - 4 فأقول: كل ماهية يؤخذ مطلقا: يتعلق بها البحث الإلهي، اما إذا أخذت متعلقة
بمادة: فالمأخوذة متعلقة بمادة ما مبحوث الرياضي والتعليمي، والمأخوذة متعلقة بمادة معينة
مبحوث الطبيعي.



(1) - الباب الثامن من الفتوحات المكية - ص: 161
420
462 - 4 فقيل: القول بوجود المثل هو القول بكون الماهية المادية أو المتكثرة الافراد بتكثر
المواد مجردة في نفسها عن جميعها، فيكون للموجودات التعليمية أو الطبيعية - لا الإلهية -
ومنهم من يثبته لكلاهما، ومنهم من يخصه بالطبيعيات ويقسمها إلى قسمين: أحدهما
معقول أبدى، والاخر محسوس فاسد، والعقل انما يتعقل لابدي - دون الفاسد - وسمى
المعقول المفارق مثالا وإليه ميل أفلاطون على ما حكاه ابن سينا، ومنهم من يعكسه، بناء على أن
الطبيعيات لو جردت عن المادة صارت تعليميات، فلا معقول الا للتعليمي، ومنهم من
ينفيهما، كالمعلم الأول واتباعه المشائين وسيندفع شبههم.
463 - 4 واحدث صاحب الاشراق ومن تبعه من متألهة المتأخرين ان المثل انما تكون
للأجسام، فإن كان الجسم نوعا فمثاله المفارق معقول يسمى رب الصنم وهو المثال الإفلاطوني
وهو عقل من طبقة العقول العرضية الواقعة في الشرف والتجرد عن المواد فوق طبقة النفوس
وتحت طبقة العقول الطولية وهو فاعل وجود النوع المعتنى بشأنه - الحافظ له - والنوع
كالظل والرسم والعكس له، وإن كان شخصا فمثاله المفارق متخيل هو المثال المعلق والشبح
الخيالي الواقع في الشرف والتجرد تحت عالم النفس وفوق عالم الحس (1).
464 - 4 والمحققون على: ان المثال لا يختص بطبيعة دون أخرى، بل طبيعة كل موجود مجرد
عن المادة هي مثال نوري مطابق لافرادها، فالحقيقة التي لا توجد الا مجردة يكون مثالها عين
الممثل، والتي توجد مجردة ومقارنة للمادة يكون المثال فيها أول ما يوجد ويتحقق الحقيقة فيه
من الافراد وسيظهر في أزلية الوجود المطلق، ثم صفات المظاهر الخارجية تكون صفات
المثال ومن الحقائق التابعة في العالم العقلي كما هي صفات أعيانها في العالم الحسى.



(1) - ولقد جاد وأفاد علامة المحقق والحبر المدقق - صدر الدين الشيرازي المشتهر بملا صدرا قدس الله سره -
في كتابه القيم المسمى بالاسفار الأربعة في المرحلة الرابعة من السفر الأول في الفصل التاسع في تحقيق
الصور والمثل الأفلاطونية وبرهن ببراهين كثيرة واستدلالات متينة هذا المطلب الغامض الشريف بأحسن
الوجوه الممكنة، والقارئ العزيز لمزيد الاطلاع لا بد ان يراجع إلى ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه ص:
42 في المجلد الثاني - آ
421
465 - 4 وقيل: قيام الصفات بالمثال المعلق تخييلي لا تحقيقي ويحتمل معنيين: ان لا يكون
مثال الصفة موجودا الا ويتخيل وجوده للغير. وأن يكون موجودا في نفسه قائما بذاته
ويتخيل قيامه بغيره، فمثال صفة المعلق قد يكون ذاتا ويتخيل انه صفة، وقد لا يتخيل انه
صفة، بل هو كما في نفسه، ومنه تجسد الأعمال والأخلاق.
466 - 4 فان قلت: الاشتراك بين المثالين معنوي أم لفظي؟
467 - 4 قلت: بل معنوي، لان المثال مطلقا ما يوجد في الخارج من نوع أو شخص هو جسم
أو جسماني قائما بذاته، عديم الوضع الحسى، مجردا عن المواد الحسية، وهذا مشترك بين العقلي
والخيالي والمثال القائم بنفسه وبغيره، بالصور الحاصلة في الخيال والمرايا مطابقة للمثال المعلق،
لذا يقال إنه زيد، والحاصلة في العقل من النوع مطابقة لمثالها الإفلاطوني هي السبب في
اشتراك مثال النوع بين اشخاصه، وذلك المثال هو ماهية النوع على الرأي المشهور أو مشابهه
على رأى صاحب الاشراق. وزعم أن اجماع الأنبياء وأساطين الحكماء ومشايخ الصوفية منعقد
على وجود المثالين وشهودهما، غير أنه أول قولهم: ان رب النوع كلي ذلك النوع، بان المراد ان
نسبة رب النوع إلى جميع اشخاصه على السواء في اعتنائه بها ودوام فيضه عليها، لا انه مشترك
بينها، فان العاقل كيف يقول بوجود المجرد في مواد كثيرة واشخاص مادية لا تحصى؟ فكأنه
بالحقيقة هو الأصل والنوع المادي فرعه وقالبه، والأنواع في اختلاف أعضائها وتخاطيطها
وتنوع نقوشها تحذو حذو أمثلتها النورية - وأمثلة الذوات عالمة بالصفات -
468 - 4 فان قلت: العضو والوضع والتخطيط والنقش للشخص لا للنوع.
469 - 4 قلت: اشخاصها لاشخاصه، واما ماهياتها فللنوع، وقيام النوع بالمادة لنقصه في
ذاته، وقيام مثاله النوري بذاته لكماله في جوهره.
470 - 4 قال بعض المتحذلقين: وهذا القول يرجع بالحقيقة إلى نفى المثل، فإنه تأويل لقول
مثبتيها بما يطابق أصول لفاتها، فان النفاة قائلون بان مجردا يدبر أمورا متكثرة وانما ينفون
بمعنى ان معنى متكثرا يوجد بدون الكثرة وبدون التصور العقلي.

422
471 - 4 ثم قال: وأقول القول بوجود المثل - كما سيظهر في ضمن أدلته - يقتضى ان
لا يكون كل كلي مجرد في نفسه عن المادة وعن علائقها بحيث لا يوجد الا في ضمن الجزئيات
حتى يكون وجوده بالعرض ووجودها بالذات، بل الامر بالعكس، هذا ما قالوا في تحرير
المبحث.
472 - 4 وأقول: أهل الاشراق وكل من تبعهم من أهل النظر في إثبات المثل العقلية التام
التجريد التي لا وضع ولا تخطيط لها أصلا والمثل الخيالية الناقص التجريد التي لها وضع
وتخطيط وتشكيل ما - لكن خيالي لا حسي - مصيبون في المدعى على هذا التوجيه
الأخير، لكن لا بد من صرفه إلى ما حقق محققوا المشايخ بما مر من الأصول السابقة
واللاحقة: فمنها ان ماهية كل شئ كيفية ثبوته في علم الله تعالى وانها ثمة غير موجودة في
نفسها، حيث لا يعرف نفسها وغيرها، بل بالوجود العلمي الأزلي - وإن كانت حادثة
بالنسبة إلى العلم الكوني -
473 - 4 ثم إن النسب الأسمائية الإلهية بحسبها تركبها بتركبها، فيستعد المركب لان يجد
النفس الرحماني به نشأة روحانية، فيتعين بها أسماء اخر تركب الأرواح والروحانيات
لتوليد الصور المثالية، وذلك إذا كان توجهها من حيث مظاهرها المثالية، فكل موجود
حسي له في ذوق تحقيق المشايخ روحانية، وكل موجود مثالي أو روحاني له مادة وصورة
تليقان بمرتبته، لان الموجودات في الحقيقة صور التجليات الإلهية النفسية الرحمانية، فيكون
تجرد الروح أو المثال عن المادة الجسمية لا عن المادة مطلقا، ويكون التفاوت بين المراتب
الكلية أو الجزئية لتفاوت النسب التعينية المسماة - باعتبار امتيازها النسبي عن ذات الوجود
وانتسابها إلى القوابل - خلقا، وموجوديتها انتسابها إليه وكونها صفاته وصور نسبه، وكذا
تباينها لتباين التعينات.
474 - 4 اما التعينات الجزئية لماهية متعينة كلية: فنسب وصفات لتعينها الكلى،
ولا مباينة بين الصفة والموصوف فيجوز اجتماعهما - ولو في الصدق الخارجي -

423
475 - 4 يقرره ما مر مرارا ان كل غير متعين بتعين ما في نفسه إذا لحقه ذلك التعين
واحكامه يكون ذا وجهين واعتبارين:
476 - 4 أحدهما انه حال لحوق ذلك التعين واحكامه غير متعين في نفسه ومنزه عنها في
نفسه.
477 - 4 وثانيهما انه متصف بذلك التعين واحكامه، لكن لا في نفسه بل من حيث ذلك
المظهر ويسمى الجمع بين التشبيه والتنزيه وفيه الجمع بين التوحيد الذاتي والوصفي والفعلي
حقيقة، بذا يسند جميع الأفعال حتى الاختيارية إلى الحق - خلقا لا جبرا - لتوقفهما على
التوجه من حيث المظاهر، والا لزم بطلان الشرائع. ولثبوت الفرق الضروري في حركتي
السقوط والصعود وبين التعدد والتكثر الوجودي النسبي صورة، بذا يسند الافعال - إذا
كانت اختيارية - إلى الخلق - كسبا لا قدرا - والا لزم الشرك خلقا. فبهذه الأصول يتحقق
الجمع بين الموجود الكلى الروحاني أو المثالي وبين جزئياتهما المادية الموجودة حسا.
478 - 4 ولا يرد اقصى ما تمسك به نفاة المثل العقلية من أن الحقيقة الواحدة لو اشتركت في
الخارج لزم اتصاف الذات الواحدة بالأوصاف المتباينة.
479 - 4 لان ذلك الامتناع في الواحدة الخارجية الحسية لا في الواحدة المثالية أو الروحانية،
ولان اتصافها بالأوصاف المتباينة باعتبار مظاهرها وافرادها ووحدتها في نفسها، ومن
الجائز اجتماع المتنافيين باعتبارين، ولأنه يقتضى الاتصاف بها لكن على وجه كلي، والممتنع
الاتصاف بها على وجه جزئي، ولان الاشتراك في الخارج للامر الروحاني أو المثالي، كاشتراك
الماهية في العقل الذي يقول النفاة به، فكما ان الاشتراك في المعقول لا يقتضى اتصاف الماهية
بالمتباينات مع حملها عليها ب‍ (هو هو) كذلك الاشتراك في الخارج، ولا استبعاد في مقارنة
المجرد للمادي ولا يقتضى ماديته كمقارنة النفس الناطقة الانسانية لبدنه - على ما اعترفوا به -
لأنها ليست كالمقارنة الجسمانية - وان تحصلت منها النشأة الأحدية المخصوصة.

424
480 - 4 ولا يرد أيضا اقصى ما تمسك به نفاة المثل الخيالية بان الأوضاع الخيالية غير
الأوضاع الحسية، فإنها لقربها من الغيب والعالم الروحاني - لكون كل خيال جدولا من
بحر المثال المطلق - تمثل احكامها إلى احكامه.
481 - 4 ثم أقول: فهذه الأصول الثابت كل في موضعه تكفى في إثبات قسمي المثل. قال
صاحب الاشراق: وأكثر إشارات الأنبياء وأساطين الحكمة إلى هذا، وأفلاطون ومن قبله
مثل سقراط ومن سبقه مثل هرمس واغاثاذيمون وانباذ قلس كلهم يرون هذا الرأي
وأكثرهم صرحوا بأنهم شاهدوها في عالم النور، وكذا حكماء الفرس والهند قاطبة. وإذا اعتبر
رصد شخص أو شخصين في أمور فلكية، فكيف لا يعتبر قول أساطين الحكمة والنبوة على شئ
شاهدوه في ارصادهم الروحانية؟
482 - 4 هذا في المثل المعقولة التي هي الذوات الكلية الموجودة المجردة عن المادة الجسمية
والوضع وعن التصور العقلي.
483 - 4 اما الكلام في المثل الخيالية، فهي صور جسم أو جسماني موجودة خارج جميع
القوى الادراكية مجردة عن المادة تجريدا ناقصا كتجريد الصور الخيالية،
ومثال الجسم جوهر ومثال الجسماني عرض قائم بمثال الجسم، ويمكن ان يكون جوهرا قائما بنفسه كصور الأعمال
والأخلاق وعرضه من أدنى طبقات النفوس إلى أعلى طبقات الأجسام ويسمى في الشرع
بالبرزخ، وله طبقات متناهية مختلفة متصاعدة إلى الألطف فالألطف، لكل طبقة اشخاص
لا يتناهى مع تناهى المترتبات العقلية لاحتياجها إلى علل عقلية، وإن كان اثارها الحاصلة
بالفيض الثاني على حسب الاستعدادات في الأدوار الغير المتناهية دنيا وآخرة لا يتناهى،
لكن لعدم ترتب تلك الأشباح وعدم تركب بعد غير متناه منها، جاز كونها غير متناهية.
484 - 4 وعجائب هذا العالم لا تحصى، وفيه تظهر أبدان المتألهة المتروحنة في مواضع

425
مختلفة في وقت واحد أو أوقات، واظهار ما يريدون من المطاعم والمشارب والملابس، وكذا
المبرزون من السحرة والكهنة، وبه يتحقق بعث الأجساد وفيه يظهر الحق سبحانه والعقل
الأول وأمثاله بمظاهر مناسبة، كما أدرك موسى بن عمران عليه السلام البارئ تعالى لما ظهر
في الطور على ما هو المذكور في التوراة، وفيه أدرك النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه جبرئيل
عليه السلام في صورة دحية الكلبي وغيرها، وفيه تنعيم أهل الجنان وتعذيب أهل النيران،
فان الصورة المثالية عين الصورة الحسية والمدرك فيهما النفس الناطقة، الا انها تدرك هنا
بآلات الحس وهناك بآلات شبحية، وأهل الاشراق وان ثبتوها بحجج حقة مختلفة، لكن
الحجة الواضحة كثرة مشاهدة الأنبياء والأولياء ومتألهة الحكماء إياه، بحيث قطعنا بان
وجوده بالنسبة إليهم من المشاهدات وبالنسبة إلينا من المتواترات.
485 - 4 اما الأنبياء: فكاخبار النبي صلى الله عليه وآله عن البرزخ وتجسد الأعمال فيه وغير
ذلك.
486 - 4 واما الأولياء: فكقول شيخنا قدس سره في مواضع من كتبه وكالشيخ الكبير
رضي الله عنه، فإنه بعد ما بين في الباب الثامن ما في ارض الحقيقة، ذكر في الباب الثالث
والستين من الفتوحات في معرفة بقاء النفس في البرزخ بين الدنيا والبعث: ان حقيقة
البرزخ حاجز معقول بين المتجاورين - ليس عين أحدهما - وفيه قوة كل منهما، كالخط
الفاصل بين الظل والشمس، وليس الا الخيال، كما يدرك الانسان صورته في المرآة، فما تلك
الصورة المرئية وأين محلها وما شأنها؟ فهي ثابتة منفية موجودة معدومة أظهرها الله
سبحانه لعبده ضرب مثال ليتحقق انه إذا عجز عن درك هذا وهو من العالم ولم يحصل
عنده علم بحقيقته، فهو بخالقها أعجز وأجهل وأشد حيرة، ونبهه بذلك على أن تجليات الحق
ارق والطف بكثير، وإلى مثل هذه الحقيقة يصير الانسان في نومه وبعد موته فيرى
الاعراض صورا قائمة بأنفسها تخاطبه ويخاطبها أجسادا حاملة أرواحا لا يشك، والمكاشف
يرى في يقظته ما يراه النائم في نومه والميت بعد موته، كما يرى في الآخرة صور الأعمال يوزن

426
مع أنها اعراض ويرى الموت كبشا أملح - مع أن الموت نسبة مفارقة عن اجتماع - ومن
الناس من يدركه بعين الحس ومنهم من يدركه بعين الخيال - أعني في حال اليقظة - واما في
حال النوم والموت فبعين الخيال إلى أن يبعث يوم القيامة في النشأة الآخرة. تم كلامه.
487 - 4 واما الحكماء: فلان أفلاطون وسقراط وفيثاغورس وانباذ قلس وغيرهم من
الأقدمين كانوا يقولون بالمثل المعلقة بلا محل المستنيرة والمظلمة، وهى جواهر مجردة مفارقة
للمواد ثابتة في الفكر والتخيل النفسي، بمعنى انهما مظهر لهذه المثل الموجودة لا في محل، وإلى
ان العالم عالمان: عالم المعنى المنقسم إلى عالم الربوبية وإلى عالم العقول والنفوس، وعالم الصور
المنقسم إلى الصور الحسية وهو عالم الأفلاك والعناصر بما فيهما، وإلى الصور الشبحية وهو
عالم المثال المعلق،
488 - 4 فان قلت: تلك المشاهدات لارتسام الأشباح في الخيال لا لوجودها في الخارج،
والا لرآها كل سليم الحس.
489 - 4 قلت: كما أن لتخيلها شرطا يختص ببعض الحاضرين دون البعض عند المشائين،
كذلك للاحساس بها شرط يختص ببعضهم، هذا هو المناسب لاعتمادنا عليه في إثبات المثلين،
وهو أولي مما اعتمد عليه أهل النظر.
490 - 4 اما لاثبات المثل العقلية: فمثل ان الماهية الكلية كالانسانية موجودة في الخارج،
لان زيدا الموجود مركب منها ومن التشخص، وعدم الجزء ملزوم عدم الكل، ومثل ان
الحقيقة شئ به يتحقق فردها الموجود، وسبب التحقق متحقق، ومثل انها محدودة
ومبرهنة الاحكام من حيث إنها موجودة، والا فلا فائدة، فوجودها ليس عين وجود
الشخص، لأنه متغير دونها - ولا في الذهن - لما قال الإمام الرازي: ان المشترك بين الناس
الموجودين في الخارج هو الانسان الخارجي لا العقلي، لامتناع ان يكون الصورة الحالة في
نفسي حلول العرض في الموضوع جزء من جميع الأعيان الموجودة في الخارج، بعضهم قبلي
وبعضهم بعدي وبعضهم معي، فالمشترك الكلى الانسان العيني لا الذهني، وتسمية الذهني

427
كليا مجاز، لكون المعلوم بها كليا. قال: وهذا هو التحقيق.
491 - 4 واما لاثبات المثل المعلقة فمثل ان صورة زيد الخيالية المجردة تجريدا ناقصا يستلزم
امكان وجودها في الخارج لخيريته واشتمال العناية عليها، وهذا الامكان ذاتي، لان مفهوم
صورة زيد كلي، لصدقه على الخارجية والخيالية والمثلية لو كانت وما يتصف به الماهية في
ضمن فرد يكون ممكنا لذاتها من حيث هي، واما حيزية المعلق فلجوهريته ومرتبته من
الوجود مع اشتراكها في مطابقة زيد، وإذا ثبت امكانه الذاتي وقد أخبر به الصادق ثبت
قطعا.
492 - 4 ومثل ان الابصار ليس بانطباع صورة المرئي في العين، لامتناع انطباع الكبير في
الصغير، ولا بخروج شعاع العين إلى المرئي، لان الشعاع إن كان عرضا استحال حركته وإن كان
جوهرا فليس غير جسم، لاستحالة النقلة الا على الجسم، وكل جسم فحركته اما طبيعية
- وليست هي لعدم كونها إلى جهة واحدة - واما قسرية - وليست هي إذ لا قسر حيث
لا طبع - واما إرادية لا لإرادة الرائي، والا امكنه عدم الرؤية عند التحديق، ولا لإرادة
المرئي، والا لكان حيوانا لا غيره، بل الابصار بمقابلة العين السليمة للمستنير بحيث يقع
للنفس اشراق حضوري عليه فيراه.
493 - 4 إذا عرفت هذا فالصورة التي ترى في المرآة - كصورة السماء - ليست فيها،
لاختلاف مناظرها باختلاف مقامات الناظرين. ولا في الهواء، لأنا نراها خلف المرآة فكان
في الهواء الذي خلفها، فاستحال رؤيتها لكثافة المرآة. ولا في البصر أو الدماع، لامتناع
الانطباع. ولا صورة السماء بعينها بان ينعكس شعاع العين منها إلى السماء، لبطلان خروج
الشعاع - فضلا عن انعكاسه - فهي ليست في جسم وهو المطلوب.
494 - 4 والطبقة الجليدية أيضا مرآة للنفس ترى بها صور المبصرات، فكما ان صورة
المرآة ليست فيها، كذلك صور الجليدية ليست فيها، بل تحدث عند المقابلة فيقع من النفس
اشراق حضوري على المستنير - إن كان حسا - وإن كان شبحا محضا يحتاج إلى مظهر اخر

428
كالمرآة، فإذا وقعت الجليدية في مقابلة المرآة وقع من النفس اشراق حضوري عليه، فرأت
المرآة بواسطة المرآة الجليدية والشبح بواسطة المرآة الخارجية.
495 - 4 فصورة المرآة - بل جميع الصور الابصارية والخيالية - ليست موجودة في
الأذهان، لامتناع ارتسام الكبير في الصغير، ولا في الأعيان الحسية، والا لرآها كل سليم
الحس، ولا في عالم المجردات التام التجريد - من البارئ والعقول والنفوس - لكونها صورا
جسمانية، وليست معدومة مطلقا، والا لما كانت متصورة ومتمايزة ومحكوما عليها بالأحكام
المختلفة، فتكون موجودة في عالم اخر وهو المعنى بعالم المثال المعلق.
496 - 4 واعترض المشائين أولا بان ما يرتسم فيه صورة العالم من العين أو الدماع يجوز
ان ينقسم اقساما تساوى أقسام العالم عددا وشكلا - لا مقدارا - ويكون مقادير الصور
الخيالية بحسب مقادير اجزاء المحل واوضاع بعضها من بعض كاوضاع متعلقاتها
الخارجية، ولذا نسب مقاديرها كنسب مقاديرها الخارجية، وبذا يفرق بين الصغير
والكبير وغيرهما.
497 - 4 وثانيا بان الصورة التي ابصرنا بها السماء ليست بأصغر منها، لأنا رأيناها بها كما
هي، وتلك الصورة عرض وقابلها هيولى وهى تقبل المقدار الصغير والكبير ليس بشئ، لأنه
لا يتم الا ببيان سبب تفاوت مقداري الصورة الذهنية والعينية، وذلك فيما ذكرناه، ولان
انكار أصغرية الصورة الخيالية من صورة السماء العينية عناد، والكلام في سبب محاكاتها كما
هي، وانما قلنا ما ذكرنا قبل أولي، لان امكان المناقشة في بعض المقدمات ربما يوهن الاعتقاد
عياذا بالله عن العقيدة المخالفة للديانة الثابتة.
498 - 4 قال السلميني: وإذا ثبت المثل العقلية يكون الوجود المطلق موجودا في الخارج
مجردا عن جميع المحال ومفارقا لجميع الوجودات الخاصة، ويكون الوجودات الخاصة
الإضافية عارضة للماهيات.
499 - 4 واما الوجود المطلق فلا يكون عارضا لماهية أصلا - بل مجردا عن جميع

429
الماهيات - فيكون موجودا غير ممكن، فيكون واجبا. وقد سبق منا في ذلك ما فيه كفاية،
ولا علينا ان نزيد هيهنا وجوها للاثبات ووجوها لدفع الشبهات. اما الأولى فستة:
500 - 4 منها ان الوجود المطلق لا يقبل العدم لأنه ضده، والذي يظن قبوله العدم اضافته
ونسبته.
501 - 4 ومنها انه واحد الحقيقة من كل وجه وكل ما يقبل العدم فيه جهتان.
502 - 4 ومنها ان وجود الوجود ليس بممتنع، لأنه ثبوت الشئ لنفسه ولا بممكن، والا
لكان له علة موجدة، فهي اما ماهية أو أحد افراده أو خارج عنهما، والأول يستلزم كون
المعدوم لا من حيث هو موجود، مؤثرا في الموجود، واللوازم ظاهر البطلان.
503 - 4 ومنها لو كان وجود الوجود المطلق من غيره لكان ذلك الغير قبل الوجود
بالوجود وهو محال.
504 - 4 ومنها ان المثل المعقولة ان ثبتت لجميع الماهيات الكلية فذلك ما أشرنا إليه، وان
ثبتت للأنواع فقط - وهى الأفلاطونية - فيجوز ان يكون الوجود المطلق نوعا للوجودات
المقيدة.
505 - 4 وأورد ان الوجود يحتمل الشدة والضعف، والذاتي لا يحتملهما، لان القدر المعتبر
منه في تقويم الذات ان زال عند الضعف بطل الذات، فيكون الضعف بطلانا، هذا خلف،
وان لم يزل كان الزائل من عوارض الذات فيكون الضعف في بعض عرضياتها دون
ذاتياتها وهو المطلوب.
506 - 4 قلنا: فليكن الوجود كذلك، يعنى ان الوجودات الخاصة الإضافية نسب الوجود
المطلق الناشئة من نسب التعينات الأسمائية الجنسية أو النوعية أو الصنفية أو الشخصية أو
المرتبية الروحانية أو المثالية أو الحسية، لما قلنا إنه في كل متعين غير متعين في ذاته وكل تعين
نسبة من نسبه، فالشدة والضعف في ظهور اثاره بحسب نسبه المختلفة حسب اختلاف

430
القابليات، اما بحسب ذاته: فكل شئ فيه كل شئ، وهو التحقيق عندي في كل حقيقة.
507 - 4 ومنها ان محققهم الطوسي ذكر في شرح الإشارات: ان الصادر عن الفاعل هو
الوجود، واما الماهية فلازمة للوجود الصادر تابعة له في الخارج، متبوعة له في العقل. وهو
صريح في أن الوجود أمر حقيقي والماهية اعتبار عقلي، فالموجودات الخارجية عند التحقيق
شئ واحد هو مطلق الوجود والماهيات هيئات له تختلف بها عند العقل وجودات خاصة
هي الأعيان الخارجية.
508 - 4 واما الشبهات فأحدى عشر:
509 - 4 منها ما مر انه طبيعة مشككة فتكون عرضية ومعلولة للمعروضات.
510 - 4 وقد مر جوابه أيضا: ان التشكيك في نسبه.
511 - 4 ومنها انه صفة للماهية والصفة محتاجة إلى الموصوف، والمحتاج إلى الغير ممكن.
512 - 4 وجوابه: ان الصفة الموجودية التي هي نسبته إلى الماهية، والنسبة تصح صفة
للمنتسبين باعتبارين، والا ففي الحقيقة الماهية صفته كما مر.
513 - 4 ومنه يظهر الجواب عما قالوا هذيانا: ان الوجود أمر اعتباري، إذ لو كان محققا
ثابتا للموجود لتأخر عن وجود الموصوف فيتأخر عن نفسه. على أن المقتضى لوجود
الموصوف سابقا صفة غير الوجود، واما هو، فمعه. وعما (1) قالوا أيضا: ان وجوب الوجود
يقتضى وجوب الماهية الموصوفة بالطريق الأولى.
514 - 4 ومنها ان وجوب الوجود المطلق ان لم يكن لكونه وجودا كان لغيره، فيكون
ممكنا، وإن كان لكونه وجودا يكون كل وجود ولو ممكن واجبا، هذا خلف.
515 - 4 وجوابه: ان وجوبه لذاته لا لغيره ولا لكونه وجودا، لما مر ان الوجود ليس
مطابقا لكنه حقيقته، كيف وقد يخطر ببالنا الاله مع الغفلة عن الوجود المطلق
وبالعكس، أو نقول: الماهية قد يلزمها ما لا يلزم شيئا من مفرداتها كالكلية والأحدية



(1) - أي يظهر الجواب عما قالوا - ق.
431
الذاتية والأزلية وعدم الجعل إلى غير ذلك، ومبناه عقم الشكل الأول والكبرى مهملة، وهذا
جواب تفرد به السلميني.
516 - 4 ومنها ان حقيقة الواجب لو كانت هو الوجود المطلق وهو أولي التصور بالكنه
كان تصوره سبحانه بكنه بديهيا وهو خلاف الاجماع.
517 - 4 وجوابه: منع ان البديهي تصوره بالكنه، وما ذكروا فيه ليس بتام، بل الذي هو
أظهر الأشياء تصديقه للموجودات وهو لا يستدعى تصور كنه الأطراف، كيف وكل
صورة عقلية أو ذهنية أو حسية مقيدة وغير لازم من تصور المقيد تصور المطلق بكنهه، الا
إذا كان ذاتيا، وذاتي الموجودات بالاصطلاح المنطقي معروض الوجود الذي هو في الحقيقة
نسبه وجهاته لا غير.
518 - 4 واما على ذوق التحقيق: فالذات الموجودة هو والخلق نسبه، والعيون البشرية
لا يميزه عن نسبه لقصورها، بل لا يدرك الا النسبة الجامعة بين النور والظلمة، على أن الاجماع
ممنوع. فقد قال غوث الأقطاب الشيخ الكبير رضي الله عنه في الفصوص: فالخلق معقول
والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود، وما عدا هذين الصنفين فالحق
عندهم معقول والخلق محسوس مشهود.
519 - 4 ومنها ان الوجود للجزئيات بالذات وللكليات بواسطتها، فالجزئيات أولي
بالوجود.
520 - 4 وجوابه: منع تلك الأولوية، بل الامر بالعكس لاستمرار وجود النوع دون
الشخص، بل قد يوجد النوع في الخارج بدون جميع اشخاصه عند القائلين بالمثل، على أن
التشخص تعينه النسبي التابع له، فكيف يكون أولي بالتحقق؟
521 - 4 ومنها ان الوجود المطلق لو كان واجبا لكان الواجب متعدد الجزئيات وهو شرك.
522 - 4 وجوابه: انه لا يلزم من صدق واجب الوجود بذاته على الوجود صدقه على
جزئياته، لعقم الشكل الأول، والكبرى جزئية.

432
523 - 4 ومنها ان الوجود المطلق ليس بمنحصر في شخص واحد، وواجب الوجود بذاته
منحصر.
524 - 4 وجوابه: منع كلية الكبرى عندنا فلا ينتج لعقم الشكل الثاني والكبرى جزئية.
525 - 4 ومنها ان الوجود المطلق لو كان واجبا لكان ذاتيا لجميع ما عداه من الموجودات،
إذ لو كان عرضيا لها لاحتاج إليها، فكان ممكنا، هذا خلف، وإذا كان ذاتيا كان جنسا،
لأنه أعم الذاتيات حينئذ وكان جنسا عاليا، فكان الجنس العالي واحدا وهو محال، لأنه إن كان
جوهرا لم يكن جنس الاعراض، بل كان الجوهر جنسا له وبالعكس، فلا يكون الوجود
المطلق واجبا.
526 - 4 وجوابه: منع انه إن كان جوهرا لم يكن جنس الاعراض بل يكون الجوهر جنسا
له، لاحتمال كون الجوهرية من لوازمه الخاصة بماهيته - دون افراده - لا سيما إذا كان الأعيان
المتوهمة افرادا له نسبه واعتباراته، على أن الجوهر ليس جنسا لكل جوهر حتى لنفسه
ولفصول أنواعه، بل للجواهر الخمسة فقط.
527 - 4 ومنها انه لو كان واجبا لم يكن موجدا لشئ من الممكنات، لان موجد الشئ
لا يحمل عليه والمطلق يحمل على المقيد.
528 - 4 وجوابه: منع عدم اجتماع الحمل وعدم الحمل في المطلق باعتبارين، فان الحيوان
باعتبار انه جزء مادة مقومة بالذات ممتنع الحمل على الانسان وباعتبار اخر يحمل عليه،
فلم لا يجوز ان يكون الوجود المطلق باعتبار كونه فاعلا للوجود المقيد ممتنع الحمل عليه
وباعتبار اطلاقه صحيح الحمل عليه؟
529 - 4 وانما أطنبنا في إثبات المثلين وما أردفناه من العقليات بالوجهين، لأنه أصل علم
التحقيق وامر به، يحصل بين الشرع والعقل التوفيق، فاشتد لذلك مساس الحاجة إلى تأنيس
عقول المحجوبين - دفعا عن اوهام اللجاجة.
530 - 4 ثم نقول: وإلى مرتبة الهيولي الكل ومعقولية مرتبة الهباء وهى محل مرتبة

433
الطبيعة ينتهى إحدى مراتب النكاح من وجه وباعتبار، وهى المرتبة التي فيها تتولد الأرواح
النورية من حيث إنها نورية، فان المتعين في مرتبة الطبيعة وبعد حصولها الصور - مثالية
كانت أو حسية - وذلك بتوجه الأرواح النورية:
531 - 4 وانما قلنا من وجه، لان أولية النكاح المولد للأرواح انما هي باعتبار توليد
الكون، اما باعتبار مطلق التوليد فشأن النكاح للأسماء الذاتية المولد للوجود العام
والنفس الرحماني الذي هو أم الكتاب والخزانة الجامعة للأسماء والأكوان.
532 - 4 ثم نقول: وينتهى النكاح الثاني إلى مقعر الفلك المكوكب الذي هو أحد وجهي
الأعراف، أعني الذي يلي جهنم، وهو الكرسي على القول المشهور وفلك الكواكب الذي هو
الرابع من الأفلاك الثابتة على قول الشيخ الكبير رضي الله عنه حيث قال: محدبة ارض
الجنة ومقعره سقف النار، وعالم الرضوان بينه وبين فلك البروج الذي فوقه، وفيه أسكن
رضوان خازن الجنان، وذلك أيضا من وجه وباعتبار، لان اجتماع الأرواح النورية في
النكاح الثاني من جهة توليد الكون لا مطلقا، فإنها تولد بتوجهاتها النورية عالم المثال
وبتوجهاتها من حيث الصور المثالية عالم الأجسام البسيطة، والتوليد ان انتهيا ثمة.
533 - 4 اما توليد بحر عالم المثال المطلق: فلانه بين عالم الأرواح والأجسام ومعظمه يظهر
فيما بين الأفلاك الثابتة المذكورة، وان لم يخل مرتبة طبيعية من حصصه وجداوله.
534 - 4 واما توليد الأجسام البسيطة: فلان الأجسام التي يكون الغالب عليها حكم
الوحدة والبساطة حتى صارت دائمة ثابتة، غير قابلة لغاية لطافتها الجسمية للخرق والالتيام،
بناء على جواز التداخل بين تلك الأجسام هذه الأربعة المذكورة، والأفلاك الاخر عندنا
مركبة من العناصر الأربعة، لذا جاء الشرع بطيها وانفطارها على خلاف ما يزعمه أهل
النظر بدليلين قد علم فسادهما قبل.
535 - 4 ثم يتنزل أمر الايجاد على الترتيب إلى اجتماع العناصر لتوليد المركبات العنصرية الذي
هو النكاح الثالث من جهة توليد الكون والرابع لمطلق النكاح، حتى ينتهى إلى

434
المرتبة الخامسة الجامعة لوجوهه الأربعة المختصة بالانسان، ليظهر بصورة الكل اخرا في
مقام الجمع الاحدى الذي لا تتعين قبله أولية ولا غيرها وله العماء - وقد مر -
536 - 4 ويمكن ان يقال في توجيه هذا المقام: النكاح الأول الذي هو اجتماع الحقائق في
المرتبة الروحية لتوليد الأرواح النورية ينتهى عند مرتبة الهباء والطبيعة من حيث
ذواتها الكلية، وان لم ينته من حيث جزئياتها التي هي نسبها وأشعتها المنتشئة منها عند
حدوث كل قابل واستعداده الجزئي المجعول، وكذا النكاح الثاني الذي هو اجتماع الأرواح
النورية لتوليد الصور المثالية والأجسام البسيطة ينتهى عند تعين فلك الكواكب من وجه
دون وجه، لان ما بعده من السماويات والأركان مركب من وجه - وإن كان بسيطا من
وجه - بدليل ما ذكر الشيخ قدس سره في التفسير كما نقلناه قبل من تقسيم العالم، حيث
جعل السماوات السبع والاسطقسات الأربع مما توسط بين ما غلب عليه حكم الروحانية
كالعرش والكرسي وبين ما غلب عليه نسبة الجمع لكمال الظهور التفصيلي كالمولدات
الثلاث بعد ما جعل هذه الثلاثة أقسام المتوسط بين ما غلب عليه طرف الوحدة والبطون
- كالأرواح - وبين ما غلب عليه طرف الكثرة والظهور - كتفاصيل الأجسام المركبة -
فعلى هذا قولنا: بوجه دون وجه، يكون قيد الانتهاء لا قيد الأولية والثانوية، غير أن ذكر
القسم الثالث بلفظ الرابع ايماء إلى اعتبار نكاح الأسماء الذاتية في الغيب لتوليد
الصورة الوجودية وحضرة العماء.
537 - 4 واعلم أيضا ان الشيخ قدس سره ذكر في تفسير البسملة: انه لما تعينت مراتب
الأسماء في الحضرة الجامعة وتوجهت لاظهار مظاهرها وما به يتم كمالها، اعقب ذلك ظهور
صورة الوجود العام بالرحمن وجاء بصيغة المبالغة - لعدم توقف عمومه على شرط عملي
أو سعى تعملي - بخلاف غيره من الأسماء، وظهور مثاله ومستواه الذي هو العرش المحيط
وأول الصور الظاهرة مناسبا للمستوى عليه في الإحاطة وعدم التحيز، تنبيها على أن المظهر
مع كونه صورة مجسدة مركبة، ليس له مكان، فلان يكون المستوى الذي جعله

435
مكانا لما أحاط به غنيا عن المكان بالطريق الأولى، ثم ميزت القبضتان بحكم النسبتين
المعبر عنهما بالرحمة والغضب، ما انسحب عليه حكم الرحمة بحسب سرعة إجابة بعض
الحقائق لنداء الامر التكويني وقبول ذلك على وجه لا ينضاف إليه ما يشين جماله، وبحسب
تثبط (1) بعض الحقائق عن هذه الإجابة، والباسها ذلك التجلي لسوء قبولها له احكاما
وصفات لا يرتضيها جماله، وان وسعها كماله إلى سعيد معتنى به وإلى شقى غير معتنى به في
أي مرتبة كانت غايته، فظهر سر التفصيل الغيبي في مقام الكرسي المختص بالاسم الرحيم،
فانقسم الحكم إلى أمر مؤد بالمتمثل له إلى الانتظام في سلك السعداء أهل النعيم الدائم في
ذلك المقام بعينه، فإنه مقام أهل اليمين، وإلى نهى وتحذير عن الوقوع فيما يؤدى إلى الانخراط في
سلك الأشقياء.
538 - 4 وقال قدس سره في تفسير أنعمت عليهم: ما من مرتبة من المراتب الوجودية الا
والانسان من حيث الخلق التقديري المنبه عليه بقوله عليه وآله السلام: خلق الله الأرواح
قبل الأجساد بألفي عام، وبقوله عليه وآله السلام: ان الله مسح على ظهر آدم فاخرج
ذريته كأمثال الذر... الحديث، وبما أخبرنا: ان تعين صور الأشياء في اللوح المحفوظ بالكتابة
الإلهية العلمية سابق على التعينات الروحانية والجسمانية معرض لآفات كل مرتبة. هذا
كلامه.
539 - 4 فمن قال: اعقب تعين الحضرة الجامعة صورة الوجود العام بالرحمن - وبصيغة
المبالغة - لعدم توقف عمومه على شرط علمي أوسعي تعملي - بخلاف غيره من الأسماء -؟
فظهر مثاله ومستواه الذي هو العرش المحيط وأول الصورة الظاهرة.
540 - 4 لا يبعد ان يريد بالنكاح المنتهى إلى الهباء والطبيعة الكليتين نكاح الأسماء



(1) - تثبط عن الامر: تعوق، ثبط عن الامر: عوقه وشغله عنه
436
الذاتية المولد للصورة الوجودية، حيث جعل أول انتهاء حكمه إلى ما فيه، ظهر أول الصورة
الظاهرة العرشية وهو الهباء - لكن من حيث الظهور - كما انتهى إلى تعين أول الصورة
الباطنة وهو القلم من حيث البطون.
541 - 4 وكذا قوله: بان تعين صورة الأشياء في اللوح قبل تعين الأرواح. وقد قال:
بان تعين الهباء عقيب تعين اللوح يشعر بان النكاح المولد للأرواح انما يعمل بعد تعين
الهباء فكذلك لا يبعد ان يريد بالنكاح الثاني المنتهى إلى فلك الكرسي، النكاح المولد
للأرواح النورية المنتهية إلى المثالية، فان عالم المثال من الصور، فانتهاء التركيب المعنوي
لتوليد الأرواح ينتهى إلى تعين الكرسي الذي في مقامه ظهر سر التفصيل الغيبي أو تعين
الأفلاك الأربعة - لكن من حيث الظهور - وان انتهى عند تعين الأرواح العالية النورية
من حيث البطون.
542 - 4 ويؤيد هذا الوجه الثالث قول الشيخ قدس سره في التفسير: وللطبيعة ظاهرية
الأسماء الأول الأصلية، فهذا إشارة إلى انتهاء نكاح الأسماء عندها، لكن من حيث الظهور.
وقوله قدس سره: وبتعين مرتبة الهيولي، المنبهة على الامكان الذي هو مرتبة العالم، وبالجسم
الكل الذي تعينت مرتبته بعد هذه المرتبة الهيولانية ظهر سر التركيب المعنوي المتوهم
الحصول من ارتباط الممكنات بالحق وارتباطه من حيث إلوهيته بها، فإنه إشارة إلى انتهاء
النكاح الثاني الذي هو تركيب المعاني بالعرش وما يتبعه من الأفلاك الدائمة الكلية البسيطة
- لكن من جهة الظهور - وانما أطنبنا هنا لأنه مقام بعيد المنال عتيد الاشكال.
543 - 4 ثم نقول: وللنكاحات المتنازلة إلى أن ينتهى إلى انهى دركات الجزئية تراكيب
ومزج من هذه الأصول الخمسة ونتائج بحسبها، والظاهر اثره في المولود كان ما كان من
مواليد كل نكاح انما هو لا غلب هذه النكاحات حكما فيه وأقواها نسبة به واقتضاء له،
وذلك كما مر يتفاوت من حيث الناكح: وهو التوجه الإلهي وسر الجمع الاحدى، ومن
حيث النكاح: وهو قوة الجمعية الاعتدالية وضعفها، ومن حيث المنكوح: وهو المجتمع

437
من الحقائق أو الاجزاء المؤلفة ومن حيث المرتبة المعنوية الأسمائية أو الروحانية أو الطبيعية
المثالية أو الحسية أو الجامعة، وقد مر تقرير الغلبة بأمثلتها.
544 - 4 والأصل الكلى فيها ما قال قدس سره في التفسير: ان للموجودات التي هي
حروف النفس الرحماني بحسب المراتب الخمس الكلية تداخل ومزج، والغلبة والظهور في
كل حال تركيبي انما يكون لاحدها: اما من حيث المرتبة: فللحكم الوجودي الجمعي، واما
من حيث الظهور الوجودي: فللأولية والإحاطة. ولا يخلو ظهور غلبة إحدى الحروف
بحسب هذه النكاحات الخمسة الواقعة في الحضرات الخمسة من إحدى الحيثيتين الواقعتين في
المراتب الثلاثة الكلية، فالحيثيتان: حيثية القوى الروحانية وحيثية القوى الطبيعية،
والمراتب الثلاث: مرتبة الفعل ومرتبة الانفعال ومرتبة الاعتدال والمقاومة الجامعة. وذلك
لان اختلاف استعدادات الأعيان اقتضى ان يتعين بعض توجهات الأسماء لايجادها في
مراتب الأرواح وبعضها في مراتب الطبيعة، فالظهور في إحداهما أو فيهما نوعا باعتبار
الأولية والحكم الجمعي يستلزم الانصياع بحكم إحدى النسبتين: الفعل أو الانفعال أو الامر
الجامع بينهما. هذا هو المستفاد من قول الشيخ قدس سره.
545 - 4 ثم نقول: وتلك الغلبة كما لوح النبي صلى الله عليه وآله إليه في غلبة التذكير
للمولود والتأنيث، اما الأول: فبحسب غلبة ماء الرجل بالكثرة وبحسب سبقه بالقوة لا
بالزمان، لما تقرر في الطب ان توافق الانزالين شرط العلوق. وبحسب علوه بالجمعية
الأحدية المرتبية. واما الثاني: وهو علة التأنيث وسببه بالعكس من ذلك في الوجوه الثلاثة.
وهيهنا اسرار يطول ذكرها ويحرم كشفها.
546 - 4 من جملتها - والله أعلم -: ما ذكره الأطباء: ان تعين حلية المولود من شكله واخلاقه
تابع لتخيل الوالدين حال الانعلاق بحسب المقاومة بين تخيليهما، ولهم في ذلك حكايات
وتجارب، فيرتبون عليه قاعدة هي: ان من أراد ان يكون ولده على شكل مخصوص
فليصوره على صحيفة وليضعها بمقابلته حين مواقعته ليكون ناظرا إليها وقت

438
الانعلاق، ومن أراد ان يكون ولده على خلق مخصوص أو صفة مخصوصة من علم أو عمل أو
غيرهما، فليتخيله وقت الانعلاق وليتخيل أيضا التذكير والتأنيث حينئذ من يريدهما.
547 - 4 وكل هذا مبنى على أن كل ما ظهر في الوجود العيني فإنما هو ظل حاك ومثال محاك
لما سبق تعينه في الحضرات الروحانية والمثالية والعلمية المعنوية، فان المنبعث من التجلي
الذاتي - وهو التجلي الحبى الكمالي الأسمائي لما سبق بذاته القدسية الطالبة للظهور طلبا
فعليا وجوبيا - الحقائق الكونية الذاتية الطالبة بلسان الاستعداد القبول والانفعال، وتعين
من الحضرتين - بموجب الطلبين - النفس الرحماني الذي هو العماء، وتحقق بذلك الفردية
الأولى بين الغيب والشهادة والجمع بينهما، وسرى ذلك في جميع المواليد روحا بالقلم
واللوح، وجسما كليا بالعرش والكرسي، وحضرة جامعة بينهما بآدم وحوا، كما قال تعالى:
سبحان الذي خلق الأزواج كلها (36 - يس) ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون
(49 - الذاريات).
الأصل الثالث عشر
في تعين معقولية مرتبة الجسم الكل وصورة العرش
548 - 4 فنقول: بعد تعين معقولية مرتبة الطبيعة في معقولية مرتبة الهباء تعين معقولية
مرتبة الجسم الكل، أي الكلى الذي أول صورة ظهر تعينها في ذلك الجسم هو العرش، وانما
ذكرنا تعين المعقولية في الأمور الثلاثة التي هي الطبيعة والهباء والجسم الكلى، ولم نقل ظهر
وجودها، لأنها كليات، فوجودها عقلي غيبي - لا خارجي مثالي أو حسي - لعدم تعين
الصور في مرتبة الحقائق الكلية، وكل معلوم لله تعالى كذلك، وجوده في علم موجده لا في
نفسه، فهو أزلي لا يتعلق به القدرة الايجادية، لان اثرها في اخراج الوجود العلمي إلى الوجود
العيني حتى يظهر لنفسه وهو الجلاء - وان لم يلاحظ بالفعل - كما في المهيمة، ويظهر لغيره
وهو الاستجلاء، فالحقائق الكلية من حيث هي كلية لا يتعلق بها الايجاد، فلا يتعين لناظر

439
في منظور ولا في مظهر منظور - كما مر في أمهات الأصول.
549 - 4 فان قلت: فأي شئ يتجدد لهذه الحقائق الثلاث حتى قلتم بترتبها في التعين
المعقولي؟
550 - 4 قلنا: المتجدد لها ولا مثالها من الأسماء الغيبية، كون الحق سبحانه أظهر بعض
معلوماته بتجليه الوجودي الواقع في عمائه بواسطتها وجعلها شرطا في المعنى الايجادي
المكنى عنه بالانتقال المعنوي من العلم إلى العين، مع أنه لا نقل هناك، ثم جعل ما أظهر
بهذه الحقائق كمظاهر الطبيعة مجالي لظهور اثره سبحانه بها فيما سواها، فهي مجال له
سبحانه ومراتب تجليه ومنازل تدليه ومرايا ظهوره، وهذا معنى ما روى عن الشيخ رضي الله عنه
حين سئل عنه الشيخ ابن السبعين بقوله: من أين إلى أين وما الحاصل في البين؟
انه أجابه بقوله: من العلم إلى العين والحاصل من البين تجدد النسبة الجامعة بين الطرفين
ظاهرة بالحكمين.
551 - 4 ثم نقول: لما ثبت ان صور هذه الحقائق مراتب تجلى الحق فهو الظاهر فيها من
حيث هذه الحقائق، فأهل العالم في رؤية الحق من هذه المجالي والمظاهر على ثلاثة أقسام:
552 - 4 القسم الأول محجوبون، انما يرون الحق من وراء حجابية هذه الحقائق وأمثالها،
لكن بحسب هذه الحجب لا بحسب الحق، فيظنون ان معلومهم هذه الحقائق ومرئيهم
صورها، وان الحق غير مرئي ولا معلوم الا علما جمليا من كونه مستندهم في وجودهم وانه
واحد - ونحو ذلك من احكام التنزيه - لئلا يلزم المفاسد في توحيدهم، فهم وان لم يسندوا
الأفعال الاختيارية إلى الله تعالى الا باعتبار خلقه الوسائط واقداره إياهم عليها فلا كلام
معهم، لانهم في حكم المشركين القائلين: مطرنا بنوء كذا.
553 - 4 قال الشيخ الكبير رضي الله عنه في عقلة المستوفز: هذه أسباب نصبها سبحانه
لما سبق في علمه وليبتلى الله بها عباده، فمن أضاف الفعل إليها فهو مؤمن بها كافر بالله،
ومن أضاف الفعل إلى الله فهو مؤمن بالله كافر بها، إذا الشرع والعقل يدلان على أن

440
لا فاعل الا الله وعليه يدل حديث المطر حيث قال: أتدرون ما ذا قال ربكم... الحديث (1).
554 - 4 وان أسندوا الافعال كلها إلى الله تعالى خلقا وإلى الواسطة كسبا بإضافة الفعل إلى
الله بحكم الايجاد والابداع وإلى المخلوق بحكم التوجه والانبعاث والكسب، فيفهم من ذلك
الحديث انه هو المؤمن بالله والكواكب، لموافقته الحق سبحانه في إضافة الفعل إلينا - مع أنه
خالقه -
555 - 4 القسم الثاني طائفة في مقابلة هؤلاء غلب عليهم ادراك الحق تعالى في كل حقيقة،
لان الحق غلب على امره فيهم فذهلوا عن كون الأشياء مجاليه وانه الظاهر فيها وحده، فنفوا
الغير أصلا ولم يقروا بسوى الحق الظاهر، وإذا سئلوا عن التعددات وسببها لم يعرفوا ما هو
وكيف هو.
556 - 4 وأقول: كأنهم الافراد الذين هم مظاهر الملائكة المهيمة في شهود جمال جلال
الحق سبحانه.
557 - 4 القسم الثالث هم الكمل والمتمكنون المزاحمون للكمل في الشهود وشأنهم الجمع
بين المشاهدتين:
558 - 4 المشاهدة الأولى مشاهدة الحق ظاهرا من حيث الوجود، وان أمهات الحقائق
كهذه الثلاثة وغيرها مظاهر واثار، اماله سبحانه ابتداء - كهذه الثلاثة ونحوها من الأسماء
الذاتية - واما مجال له ولمجاليه المذكورة، والحق يستجلى ويرى من وراء تعينات جميع
الحقائق الكلية والجزئية المضافة إليه بمعنى الاسمية الوصفية وإلى غيره بمعنى الخلقية
والكونية، وكل التعينات ليس الا شؤون ذاته، مع تفاوت ما بينها حكما من المحيطية والمحاطية
ومن الكمال والنقص المتوهم لا المحقق بالنسبة إلى الوجود، إذ بالنسبة إليه كل شئ فيه
كل شئ.
559 - 4 المشاهدة الثانية مشاهدتهم في عين الشهود الأول ومعه جمعا دون مناوبة،



(1) - إلى هنا تم كلام الشيخ رضي الله عنه
441
فضلا عن انفراد، ان الحق مظهر لاحكام هذه الحقائق من حيث تعيناتها التي بها امتيازها
عن الحق سبحانه من حيث وجوده الواحد المطلق، وليس مظهرا لها من حيث اجتماعها في
حضرة الجمع الاحدى وحقيقة الحقائق، إذ جميع الحقائق الأسمائية والأعيان الكونية أحوال
نسب الذات من شأنها إذا اعتبرت مجموعة في العلم ان يسمى حضرة الذات كما مر،
فكيف يمتاز عنها امتيازا يصح به الحكم بظاهريتها ومظهريته سبحانه؟ اما غيب الذات
الذي هو الوجود المطلق فمعتل حكمه على كل اسم وصفة وتعين وتعدد وظهور وتجل
ومجلى وحجاب وغير ذلك، فهؤلاء الجامعون بين الشهودين والملاحظون للمرآتين
من الطرفين معا، هم الذين شهدوا الحق حق الشهود وعرفوه حق المعرفة - اما بحسبهم
لا بحسبه -.
560 - 4 وذلك لتحققهم بالشهود الثابت به سبحانه لهم من جهة كونهم يدركون به - بكسر
الراء - وهى مظهريته سبحانه للحقائق واحكامها، وهو مرتبة قرب النوافل المعتبر فيها
ان الحق المتجلى آلة لادراك العبد المتجلى له، ولتحققهم أيضا بالشهود الثابت له
سبحانه بهم من جهة كونه سبحانه يدرك بهم - بكسر الراء - وهى مظهريتهم
للوجود الحق وهى مرتبة قرب الفرائض المعتبر فيها ان العبد المتجلى له آلة لادراك الحق
المتجلى، فهذا ما أشار إليه الشيخ قدس سره بقوله - أنت مرآته وهو مرآة أحوالك.
561 - 4 والحاصل ان مظهريته سبحانه للحقائق وتعيناتها انما هي باعتبار وجوده
المطلق الذي يمتاز عنها بغيبه الذاتي ووحدته الاطلاقية وتعدداتها، وان مظهريتها له
سبحانه باعتبار انها شؤونه الكلية أو الجزئية وأحواله الذاتية التي هو عينها بأحد
الاعتبارين: اما باعتبار أحدية جمعه لها أو باعتبار تنزله في مراتب أسمائه وصفاته، هذا هو

442
المفهوم من متفرقات كلام الشيخ قدس سره.
562 - 4 قال قدس سره في التفسير أيضا: فالمحجوبون من أهل العقائد غلب عليهم الوجه
الذي به يغاير الاسم المسمى، وأهل الأذواق المقيدة غلب عليهم حكم الوجه الذي يتحد به
الاسم والمسمى - وإن كان في بعض مع بقاء التميز والتخصيص - والأكابر لهم الجمع
والإحاطة بالتجلي الذاتي وحكم حضرة أحدية الجمع، فلا يتقيدون بذوق ولا معتقد،
ويقررون ذوق كل ذائق ويعرفون فيه وجه الصواب والخطاء النسبي، لان التجلي الذاتي من
وجه عين كل معتقد والظاهر بحكم كل مستعد.
563 - 4 وقال الشيخ مؤيد الدين الجندي عند شرح قول الشيخ الكبير رضي الله عنه في
الفص الشيثى: فما في أحد من الله شئ ولا في أحد من سوى نفسه شئ - وان تنوعت عليه
الصورة - وما كل أحد يعرف هذا - وان الامر على ذلك - الا آحاد من أهل الله، فإذا
رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم
أهل الله تعالى:
564 - 4 المراد بالآحاد من أهل الله هم الكمل وهم على طبقات وكلهم يرون المواهب من
الله بسريان سر: وما بكم من نعمة فمن الله (53 - النحل) وهذا المشهد في ظاهر المفهوم
يوهم خلاف هذا وليس ذلك كذلك، لان هؤلاء الطبقات منهم من يرى النعم كلها من الله
ولكن بالأسباب التي هي غير الله، ومنهم من لا يرى الأثر للأسباب والوسائط، ومنهم من
يراها شروطا لا أسبابا وعللا، ومنهم من يرى النعم من الله بلا واسطة، ومنهم من يرى
الأسباب والوسائط أيضا من نعم الله.
565 - 4 وجميع هؤلاء الأصناف محجوبون في عين الكشف ومشركون في عين التوحيد،
لانهم وان وحدوا الله في رؤية النعم كلها منه تعالى، لكنهم أثبتوا الوسائط، والنعم والمنعم
عليه والمنعم اعتبارا والحقيقة تأبى الا ان يكون هو الواحد الاحد الظاهر الباطن الواحد

443
الكثير، وهو الوجود الواحد الحق، والأوصاف نسب.
566 - 4 فمن يرى النعم الواصلة من مدرجة عينه الثابتة من حيث إن تلك العين الثابتة عين
الحق، فقد شهد أحدية الوجود على ما هي عليه الامر في نفسه، وان النعم كلها من الله تعالى،
وان الكل واحد، فكان هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة، فان العامة يرون التوحيد
وهو ستة وثلاثون مقاما كليا، كما نطق به القرآن في مواضع فيها ذكر: لا إله إلا الله.
567 - 4 واما الخاصة فيرون الوحدة وليس فيها كثرة الموحد والموحد والتوحيد الا
عقلا.
568 - 4 واما خاصة الخاصة فيرون الوحدة في الكثرة ولا غيرية بينهما.
569 - 4 وخلاصة خاصة الخاصة يرون الكثرة في الوحدة.
570 - 4 وصفاء خلاصة خاصة الخاصة يجمعون بين الشهودين وهم في هذا الشهود
الجمعي على طبقات:
571 - 4 فكامل له الجمع، وأكمل منه شهودا ان يرى الكثرة في الوحدة عينها ويرى
الوحدة في الكثرة عينها - شهودا جميعا احديا - ويشهدون ان العين الأحدية جامعة بين
الشهودين في الشاهد والمشهود.
572 - 4 وأكمل وأعلى ان يشهد العين الجامعة مطلقة عن الوحدة، والكثرة والجمع بينهما،
وهؤلاء هم صفوة صفاء خلاصة خاصة الخاصة. جعلنا الله وإياك منهم، انه عليم خبير.
573 - 4 هذا كله بحسب الشهود. اما بحسب العمل الذي يعمله العبد فقال قدس سره
لبيان مراتبه في التفسير: ان قصد بعمله أمرا غير الحق فهو من الاجراء - لا من العبيد -
وان فعله لكونه خيرا فقد أو مأمورا به - لا مطلقا - بل من حيث الحضور فيه مع الامر،
فهو الرجل وان ارتقى بحيث لا يقصد بعمله غير الحق كان تاما في الرجولية. وان تعدى
بحيث لا يفعل شيئا الا بالحق - كما في قرب النوافل - صار تاما في المعرفة والرجولية. وان

444
انضم إلى ما سبق حضوره مع الحق في فعله، بحيث يضيف الشهود والعمل والإضافة إلى
الحق لا إلى نفسه، فهو العبد المخلص. وان ظهرت عليه احكام هذا المقام والذي قبله
- وهو مقام فبي يسمع - غير مقيد بشئ منها ولا بمجموعها، مع سريان حكم شهوده
الاحدى في كل مرتبة ونسبة دون الثبات على أمر يعينه بل ثابتا في سعته في كل وصف
وحكم عن علم صحيح بما اتصف به وبما انسلخ عنه في كل وقت وحال دون غفلة
وحجاب، فهو الكامل في العبودية والخلافة والإحاطة والاطلاق، حققنا الله تعالى وسائر
الاخوان بهذا، تم كلامه.
574 - 4 لذا قال في التفسير في موضع آخر: مرتبة كنت سمعه وبصره أول مقام الولاية
وبعده خصوصيات الولاية التي لا نهاية لها، بل بين مرتبة كنت سمعه وبصره وبين مرتبة
الكمال المختص بأحدية الجمع مراتب كثيرة من مراتب الولايات العامة والخاصة والنبوات
العامة والخاصة، والخلافات كذلك، ومرتبة الكمال فوق الكل، فما ظنك بدرجات الأكملية
التي هي وراء الكمال؟ وما بعد استخلاف الحق والاستهلاك فيه عينا والبقاء حكما - مع
الجمع بين صفتي التمحض والتشكيك - مرمى لرام، وكل من تحقق بالكمال علا على جميع
المقامات والأحوال. والسلام.
575 - 4 وقال في وضع اخر منه: ومنتهى كل ذلك بعد التحقق بهذا الكمال التوغل في
درجات الأكملية، توغلا يستلزم الاستهلاك في الله، استهلاكا يوجب غيبوبة العبد في
غيب ذات ربه وظهور الحق عنه في كل مرتبة من المراتب الإلهية والكونية في كل حال
وفعل مما ينسب إليه من حيث كماله الإلهي أو ينسب إلى ربه من حيث هذا العبد، ومن
حصلت له هذه الحالة وانتهى إلى أن علم أن نسبة الكون كلية إليه نسبة الأعضاء إليه
والقوى إلى صورته، وتعدى مقام السفر إلى الله ومنه إلى خلقه، وبقى سفره في الله لا إلى

445
غاية ثم اتخذ الحق وكيلا مطلقا، يقول حالتئذ: اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في
الأهل وأنت حسبي في سفري فيك والعوض عنى وعن كل شئ ونعم الوكيل... والحمد لله
رب العالمين. تم كلامه.
576 - 4 وأهل هذا المقام الجامع - وهم الكمل ومن يحذو حذوهم من المتمكنين - انما
هم بين الطائفتين الأوليين، لانهم لا ينفون العالم على نحو ما ينفيه أهل الشهود الحالي، وهم
الطائفة الثانية الذين لا يعرفون وجه التعددات وأسبابها، ولا يثبتون العالم أيضا على نوع
إثبات أهل الحجاب، وهم الطائفة الأولى الذين مطرح نظرهم أولا وبالذات حجابية الحقائق
وثانيا وبواسطتها ومن ورائها هو الحق سبحانه بحسبها، فهم المرئيون لهم في الحقيقة لا هو
- بحسب زعمهم تنزيها له عن الاحكام المنافية لتوحيدهم - ثم توسط الكل بينهما، انما هو
مع اعترافهم بالحق سبحانه بالإلهية واستناد التأثير وحقيقة الوجوب إليه، وبالعالم
بالمألوهية واستناد التأثر وعدمية الامكان إليه، ثم الارتباط بينهما بالمرآتين من الطرفين
ومع تمييزهم بين الحق بأحدية ذاته المطلقة وبين ما سواه بكثرة مظهريات أسمائه وصفاته
تفصيلا واجمالا، أو بين الحق بأحدية الجمع والوجود وبين ما سواه بتفصيل أحواله الذاتية
وتحصيل شؤونه الصفاتية وثبوت التميز من حيثية ما كاف في صدق أصل التميز، فوحدة
الوجود في الجميع من حيث حقيقته الحقة الأحدية لا تنافى تعدده من حيث مظاهر نسبه
ومجالي اعتباراته المسماة بأسمائه، وبذلك يسمى العالم غيرا وسوى.
577 - 4 فتدبر لتعرف ان الحقائق المنسوبة إلى الحق من حيث الاسمية وإلى التعين من
حيث الكون كلها من وجه أسماء ذاتية للحق، لأنها تعيناته العلمية التي هي بالنسبة إلى
ذات الحق عينه ومن وجه مجال لذاته، لأنها مظاهر وجوده وصور تجليه الاحدى، ومن وجه
ثالث أتم من الوجهين السابقين، مجال لذاته لا مطلقا ومن حيث هو، لأنه من تلك الحيثية غنى
عن العالمين وله مقام كان الله ولا شئ معه، بل مجال له من حيث مجاليه
الكلية وأسمائه الذاتية الكلية، كالمفاتيح الأول وسدنتها التي هي أمهات صفات الألوهية.

446
578 - 4 وانما كان أتم لاشتماله على جهة ربط الوحدة بالكثرة وعلى اعتباري الوجوب
والامكان والبطون والظهور.
579 - 4 ومن وجه رابع أدق من الوجوه الثلاثة السالفة وأحق باعتبار جلاله، انها احكام
وحدته التي هي عين التعين الأول وأحواله مستجنة في غيب ذاته المعتلى حكمها على الأسماء
والصفات وعلى كل كثرة وتعين وظهور وتجل، وانما كان أدق لأنه اعتبار الكثرة في محل
استهلاكه واستجنانه، فهو أحق أيضا باعتبار جلاله، لكن ظهرت تلك الحقائق من باطنه
سبحانه لظاهره، لان ترى أعيان الحق أنفسها كلا ويرى بعضها بعضا، إذ لا يرى كل أحد
كلها، بل الحاصل من الوجود العيني ظهور كل حقيقة لنفسه وبعض الحقائق لبعضها.
580 - 4 فاما ظهورها للحق بدون ظهورها لشئ من أنفسها، فحاصل في الحضرة العلمية
قبل الوجود العيني، وذلك الظهور مشتمل على نفس الظهور وعلى خصوصيته، فنفس
الظهور بحسب حكم الحق من حيث استعداداتها، وخصوصيات الظهور بحسب احكام
تعيناتها، ففي كل وجود عيني خلق تعينه العيني الوجودي صورة تعينه العلمي النسبي، بل
صورة التجلي الاحدى حسب استعداد التعين العلمي، وحق بلا حلول واتحاد وانقسام، بل
بأحدية حقيقية دائمة ثابتة - ولو حال لحوق الاحكام - وفيه تميز غير ما عقل من التميز
الحسى أو الخيالي أو المثالي لثبوته، ولو فرضنا عدم حس أو ذهن أو خيال وهو التمييز بين
الشئ من حيث نفس ذاته وبينه من حيث صور نسبه وصفاته.
581 - 4 وفيه وحدة غير ما فهم من الوحدة العددية الجنسية أو النوعية أو الشخصية أو
الوصفية أو الذاتية المنطقية أو العرضية أو غيرها، وفيه كثرة غير الكثرة المقابلة لها، فوحدته
الاطلاقية التي هي انها هي التي ليست هي بمقتضية للوحدة العددية ولا بمنافية للكثرة
المقابلة لها، بل باقية على حالها مع كل تعين وتميز وكثرة ووحدة، فافهم نسبة ما بين المطلق
ومقيداته والباطن وصوره الظاهرة، ولا تحصر أمر الحق فيما بلغك انه مباين للخلق،

447
ولا فيما يرى أنه منحصر في البعض، كحصر النصارى في المسيح القائلين: ان الله هو المسيح
بن مريم، فهذا البيان غريب، بعيد لمن تعدى حدا من حدود اطلاق الحق أو اتخذ عند
الرحمن وجها معهودا محصورا، قريب لمن لم يتعد حدا ولم يتخذ عند الرحمن عهدا، بل
كان بالذات والحقيقة سيدا، وبالفعل والشريعة والحال والطريقة عبدا.
الأصل الرابع عشر
في تعين صورة الكرسي بعد تعين صورة العرش
582 - 4 فنقول: ثم ظهر عن الحق لأنه مبدأ كل ظهور وبه، أي بتجليه الاحدى الساري
في المراتب وبواسطة ما ذكر سابقا من المراتب الإلهية والمظاهر الكونية، مضافا إلى المجموع
تأثير حركة العرش الظاهرة، لأنها صورة حركة التجلي الحبى دورية نزيهة طالبة لقوابل
سائلة بالسنة استعداداتها ما به يظهر كمالاتها الممكنة، فظهر في صورتها خاصيتها ثم اثر
صورته في صورة الكرسي، وكذا ظهر من روحه - وهو القلم - روح الكرسي وهو النفس
الكل التي هي اللوح المحفوظ، وكذا من حركته، حركته الدورية لبساطته مثله.
583 - 4 قال في التفسير: ظهر العرش الذي هو مظهر الوجود المطلق ونظير القلم
وصورة الاسم المحيط ومستقر الاسم الرحمن وكامل مظهر المدبر، ثم الكرسي الذي هو مظهر
الوجودات المتعينة من حيث ما هي متعينة ونظير اللوح المحفوظ ومستقر الاسم الرحيم
وكامل مظهر المفصل.
584 - 4 وقال الشيخ الكبير رضي الله عنه في عقلة المستوفز: أول صورة قبل الهباء
صورة الجسم المطلق وهو الطول والعرض والعمق، طوله من العقل وعرضه من النفس
وعمقه الخلاء إلى المركز وهو الجسم الكل، وأول شكل قبله الشكل الكرى وكان الفلك
فسماه العرش واستوى عليه بالاسم الرحمن، الاستواء الذي يليق به من غير تشبيه

448
وتكيف، وهو أول عالم التركيب وكان استوائه عليه من العماء وهو عرش الحياة وهو عرش
نسبى ليس له وجود الا بالنسبة وجعل له سبحانه حملة ثمانية يحملونه يوم القيامة - واما
اليوم فيحمله منهم أربعة -
585 - 4 الأول على صورة إسرافيل والثاني على صورة جبرائيل والثالث على صورة
ميكائيل والرابع على صورة رضوان والخامس على صورة مالك والسادس على صورة آدم
والسابع على صورة إبراهيم والثامن على صورة محمد عليه وآله وعليهم السلام، وهذه صور
مقاماتهم لا صور نشئاتهم.
586 - 4 قال ابن مسرة الجيلي: فإسرافيل وآدم للصور وجبرئيل ومحمد للأرواح
وميكائيل وإبراهيم للارزاق ورضوان ومالك للوعد والوعيد، وعمر سبحانه هذا الفلك
بالملائكة الحافين وهم الواهبات، وهنا مقام إسرافيل وهم فم القرن ومن هنا سمع
الرسول صلى الله عليه وآله صريف الأقلام وهنا نزل الوقوف، ومن هنا غلبت عليه
حال الفناء وتجرد عن عالم التركيب ونودي بصوت علي بن أبي طالب عليه السلام:
قف قد ان ربك يصلى، ثم تلا عليه: هو الذي يصلى عليك (عليكم) وملائكته (43 - الأحزاب)
وهو أحد الحجب الثلاثة تلقى بين أهل الجنة وبين الحق إذا جمعوا للرؤية، والفلكان بعده.
587 - 4 قال: ثم أدار الفلك الاخر وسماه الكرسي وهو في جو العرش كحلقة ملقاة في
فلاة، وخلق بين هذين الفلكين عالم الهباء وعمر الكرسي بالملائكة والمدبرات وأسكنه
ميكائيل، وتدلت عليه القدمان، فالكلمة واحدة في العرش، لأنه أول عالم التركيب
وظهر لها في الكرسي نسبتان، لأنه الفلك الثاني، فعبر عنهما في الوجود بالقدمين، وعن
هذين الفلكين تحدث الاشكال الغريبة في عالم الأركان، وعنهما يكون خرق العادات

449
ويظهر في عالمين: عالم الخيال كقوله تعالى: يخيل إليه من سحرهم انها تسعى (66 - طه) وفي
عالم الحقيقة: مثل المعجزات والكرامات، ومنهما كانت الخواص للأشياء التي تفعل بالخاصية.
588 - 4 قال: ثم أدار سبحانه في جوف الكرسي الفلك الأطلس، ونسبته إلى الكرسي نسبة
الكرسي إلى العرش كحلقة في فلاة، وبينهما عالم الرفرف، وهى المعارج العلى، وفيه خلق
عالم المثل الانسانية وتسبيحهم: سبحان من أظهر الجميل وستر القبيح. وهم عالم الحجب
وفيه مقام جبرائيل وفيه الملائكة المقسمات وإليه ينتهى علم علماء الرصد ولا كوكب فيه
والبروج فيه تقديرات، فهو يقسم على اثنى عشر قسما جعل في كل قسم ملكا من الملائكة
وهو رئيس ذلك القسم تحف به ملائكة من المقسمات وسموا بأسماء صورهم في عالمنا.
589 - 4 فالملك الأول على صورة الميزان وطبيعة قسمه حار رطب، وولاه الحكم في عالم
التكوين ستة آلاف سنة، وهو أول فلك دار بالزمان وفيه حدثت الأيام دون الليل والنهار،
وكانت أول حركته بالزمان بهذا الملك، وقد استدار في زمان رسول الله صلى الله عليه
وآله، قال عليه وآله السلام: ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق، وجعل بيد هذا
الملك مفتاح خلق الأحوال والتغيرات والزمان الذي خلق الله فيه السماوات والأرض وهو
متحرك.
590 - 4 والملك الثاني على صورة العقرب وطبيعة بيته بارد رطب، وولاه خمسة آلاف
سنة، وبيده مفتاح خلق البارد وهو ساكن.
591 - 4 والثالث على صورة القوس وطبيعة بيته حار يابس، وولاه أربعة آلاف سنة،
بيده أزمة الأجساد النورية والظلمانية ومفتاح خلق النبات.
592 - 4 والرابع على صورة الجدي وطبيعة بيته بارد يابس، وولاه ثلاثة آلاف سنة،
وهو متحرك، وبيده مفتاح الليل والنهار.

450
593 - 4 والخامس على صورة الدلو وطبيعة بيته حار رطب، وولاه الفى سنة، عليه
سكون ووقار وبيده مفتاح الأرواح.
594 - 4 والسادس على صورة الحوت وقسمه بارد يابس، ودولته الف سنة، وله اشتراك
مع تلك الأجسام النورية والظلمانية، وبيده مفتاح خلق الحيوان.
595 - 4 والسابع على صورة الكبش وقسمه حار يابس، وجعل دولته اثنى عشر الف
سنة، وهو متحرك بيده مفتاح خلق الاعراض والصفات.
596 - 4 والثامن على صورة الثور وقسمه بارد يابس، ودولته إحدى عشر الف سنة، ملك
عليه وقار وتنبه، وعليه عمل السامري العجل، وبيده مفتاح خلق الجنة.
597 - 4 التاسع على صورة التوأمين، قسمه حار رطب ودولته عشرة آلاف سنة، وله
اشتراك مع فلك الأجسام وبيده مفتاح خلق المعادن.
598 - 4 العاشر على صورة السرطان، قسمه بارد رطب ودولته تسعة آلاف سنة، ملك
متحرك بيده مفتاح خلق الدنيا.
599 - 4 الحادي عشر على صورة أسد، قسمه حار يابس ودولته ثمانية آلاف سنة، ملك
يعلوه مهابة، بيده مفتاح خلق الآخرة.
600 - 4 الثاني عشر على صورة سنبلة، قسمه بارد يابس ودولته سبعة آلاف سنة، وله
اختصاص معين بالاجسام الانسانية.
601 - 4 فمن الأسد والقوس والحمل وجدت كرة الأثير، وبالجوزاء والميزان والدلو
وجدت كرة الهواء، وبالسرطان والعقرب والحوت وجدت كرة الماء، وبالثور والسنبلة
والجدى وجدت كرة الأرض، فالله هو الفاعل سبحانه لكل شئ وهذه أسباب تعينها ليبتلى
بها عباده - كما مر -.
602 - 4 قال: ثم أحدث الله سبحانه الفلك الرابع وخلق عالم الرضوان بينه وبين

451
فلك البروج وسطحه ارض الجنة ومقعره سقف النار وفيه أسكن رضوان خازن الجنان،
وملائكة هذا الفلك تسمى التاليات، وهذا الترتيب لا يمكن ادراكه الا بالكشف أو بخبر
الصادق، والله تعالى لما خلق هذا الفلك رتب في مقعره الف مرتبة واحدى وعشرين
مرتبة، قسم الفلك عليها اقساما - كما قسم فلك البروج على اثنى عشر قسما - فظهر لكل
قسم كرة فظهرت اثنتا عشرة كرة هي فلك الثوابت والسبعة الأفلاك التي تحته
والأربعة الأركان، فكذلك قسم هذا الفلك الرابع الأقسام التي ذكرناها وجعل في كل
قسم ملكا على صورة عالم من عوالم الأركان، فدار هذا الفلك دورة أبرز فيها عالم الجنان
كحركة الأرض في اخراج النباتات، كما قال تعالى: اهتزت وربت وأنبتت من كل
زوج بهيج (5 - الحج) وهذا الفلك هو فلك الحروف، ومن هنا انتشأت على الثمانية
والعشرين منزلة ثمانية وعشرون حرفا.
603 - 4 اما الحروف الخارجة عن حد الاستقامة في الانسان وغيره من الحيوانات فهي
بعدد ما بقى من الأقسام، مقدرا بمقدار لا يزيد ولا ينقص، وذلك في الانسان كالحروف بين
الباء والفاء وبين الجيم والشين، وكحروف الخيشوم - وكذا في الحيوانات -
604 - 4 وأخبرني بعض العلماء عن تلميذ جعفر الصادق عليه السلام: انه اوصلها إلى بضع
وسبعين حرفا، والحروف لا تعطى خواصها الا ما يعطيه حكم المنازل، غير أن لها روحانية
لطيفة في الفلك الأطلس الذي هو سقف الجنة بها يبقى الكلام على أهل الجنة - أعني الحروف
الفعلية -
605 - 4 واما اللفظية فهي لهم من نفس هذا الفلك الذي هم فيه، ولكن أعذب والطف
من هذا الكلام المعتاد، لأنها تفعل هناك بالروحانية الخالصة - كشكلنا في الجنان على اعدل
نشأة - فانتج الاستعداد الحسن والفيض الروحاني نتيجة تناسبها، ومن هذا الفلك

452
كان في الجنة الأنهار والرياح والشجر والحور والقصور والولدان والأكل والشرب
والنكاح والانتقالات من حال إلى حال على أهل الطبيعة، الا ان الامر ثابت في عين الحوامل
والقوابل - لحفظ الاعتدال - فلا يستحيلون ابدا ولكن يختلف عليهم الصور والحالات
والاشكال والمطاعم والملابس والمناكح والاعراض.
606 - 4 هذا ما نقلناه عن لفظ الشيخ الكبير رضي الله عنه في صفة الأفلاك الأربعة
الدائمة.
607 - 4 فان قلت: عبارات شيخنا قدس سره في مفتاح الغيب والتفسير والفكوك
وشرح الحديث وغيرها يشعر بان الفلك الثابت الدائم هو العرش والكرسي ليس الا وان
الجنة بينهما موافقا لما جاء في الحديث: سقف الجنة عرش الرحمن وان مقعر الكرسي وما تحته
طبقات جهنم، وان جرم الكرسي هو الأعراف، فكيف التوفيق بينه وبين ما ذكره الشيخ
الكبير رضي الله عنه هنا وفي الفصوص وغيره من أن الأفلاك الأولية الثابتة الدائمة الأربعة؟
608 - 4 قلت: كما أن ظاهر لفظ شيخنا انها فلكان لا غير، كذلك ظاهر لفظ الشيخ
الكبير رضي الله عنه انها أفلاك أربعة متباينة وأجسام متناضدة، لهذا قال: لا يمكن معرفتها الا
بالكشف أو خبر الصادق، ولا يطلع عليها بالرصد، وكذا ما يشعر به كلام الشارح الجندي
في تعيين العرش والكرسي: انها أربعة متباينة وأجسام متناضدة، لكن الشارح الفرغاني ذكر
في ديباجة شرح القصيدة: ان كلا من العرش والكرسي اعتبر صورتهما المثالية تارة بحكم
المرتبة التي ظهرت الهيئة فيها فسميتا العرش والكرسي، واعتبر صورتهما الجسمانية المركبة
من الطول والعرض والعمق أخرى، فسمى العرش باعتبارها فلك الأفلاك والفلك
الأطلس والمحدد، وسمى الكرسي باعتبارها فلك الكواكب والمنازل.
609 - 4 وهذا مما يوفق بين كلامي الشيخين ويبين ان شيخنا قدس سره كما هو عادته
نص على حقيقة الحال ولم يفصل حسب اعتباري الشئ الواحد في الأقوال، وأشار بذلك ان
كلام الشيخ الكبير رضي الله عنه راجع إلى هذا في المآل، وذلك لما حكى ان شيخنا قدس سره

453
بعد ما عرض عليه الفرغاني ديباجة شرحه قررها والحق بها فصلا ناطقا باستحسانه، فذلك
مما يصح متمسكا في هذا التوفيق. والله أعلم بمراده ومراد أهل التحقيق.
610 - 4 ثم لاشتمال كلام كل من الشارحين في تعينهما على علوم جمة واسرار مهمة، رأينا
ان ننقلهما بنوع من الانتخاب.
611 - 4 اما كلام الشيخ الجندي: فهو ان الطبيعة التي هي القوة الفعالة للصورة
الطبيعية، ظاهرية الإلهية والإلهية باطنيتها وهويتها، وهى أحدية الجمع الحقائق الفعلية
الوجوبية، والله هو الفاعل للأفعال كلها، فأول صورة وجدت في المادة العمائية الكونية
كانت طبيعة واحدة جامعة للقوى الفعالة والمواد المنفعلة في أحدية جمعها الذاتية، وإليه
الإشارة بقوله: أول ما خلق الله الدرة وهى حقيقة الجسم الكلى على أحد معنييها، فطرحت
التجليات الأسمائية والأنوار الربانية أشعتها عليها فحللتها فذابت حياء وانحلت ماء،
فاستوى عليه عرش الحياة، فألحت (1) عليه حرارة التجليات المتوالية فتبخر جوهر الماء
على صورة الهواء، فصعد بخار عمائي احاطي إحدى جمعي، فاتصل بنور التجلي البسيط
والمتجلى المحيط، فصار فلكا محيطا وحدانيا بسيطا وجذب نور الرحمن المستوى عليه
بالرحمة والجود، فتكون منه الفلك الأعظم وفيه فلك العرش في أعاليه ويسمى فلك الأفلاك
وهو اطلس وحداني وجوهر أبدى ومستوى رحماني على طبيعة أحدية جمعية بين
حقائق أربع هي خامستها، وذلك قبل وجود التنافر والتنافي، وإحاطته من إحاطة المستوى
عليه وهو نفس الرحمان، فالكلمة في العرش من نفس الرحمن واحدة هي الامر الإلهي
لإيجاد الكائنات.
612 - 4 ثم قال: وفي جوف فلك العرش فلك الكرسي كحلقة ملقاة في ارض فلاة،



(1) - أي: آدام.
454
ومن هذا الكرسي ينقسم الكلمة إلى حكم وخبر، وهو للقدمين الواردين في الخبر، كالعرش
لاستواء الرحمن. وله ملائكة قائمون به لا يعرفون الا الرب تعالى، وبعد الرب قصد توجه
الاسم الغنى بتجليه فوجد فلك الأفلاك وهو الأطلس، ومحدبه تحت مقعر فلك الكرسي
والطبيعة، ولتماثل اجزائه لا يعرف لحركته بداية ولا نهاية - ولوجوده حدثت الأزمان -
613 - 4 ثم توجه الاسم المقدر لإيجاد فلك البروج، وذلك أنه لما دار فلك العرش بما في
جوفه من الكرسي وفلك الأفلاك جوهرا وحدانيا نورانيا، الحت (1) التجليات على باقي
الجوهر المستحيل المائي، فصعدته خالصا نوريا كالأول، فصعد من ذلك فلك كلي محيط
وحداني وفيه كل شئ وحقيقة من الحقائق الكونية المندمجة في الجوهر الأصلي الذي هو الجسم
الكل من المناسبات وغيرها.
614 - 4 فلما اخذ الصاعد الرابع مكانه تحت مقعر فلك الأفلاك تكون فلكا محاطا بما
فوقه، محيطا بما في جوفه حول المركز المنحل، وكانت التجليات المفصلة لهذا الجوهر المجمل
الذي هو مفتاح الباب المقفل، مقتضية لتفصيل ما فيها من الحقائق، فتقدرت
بالمقدر منازل النازل من الأنوار التي هي منازل اسرار الأسماء الإلهية، فتعينت البروج
بحقائقها ومنازل الأنوار بدقائقها، وخرجت أصول جواهر الأنوار العلوية الكلية الجسمية
لطبيعتها العلية الفعلية - خروجا طبيعيا وحدانيا نوريا - فأخذت الأرواح والانفاس
المشرقة من هذا الفلك مظاهرها وتعينت الوجوه التي للعقل الأول - وهى ثلاث مائة
وستون وجها - من مقعر المحيط الأطلس في هذا الفلك، والأطلس واحد وحدة كلية
وبسيط بساطة نسبية شاكلة لجوهر روحه وهو العقل الأول، وتجلت أنوار الرحمة من
سبحات وجه الرحمن من عين العقل الأول من حضرة الاسم المدبر.
.



(1) - ألح السحاب بالمطر، أي: دام، وألح السحاب بالمكان: أقام به
455
615 - 4 ولما انقسمت الكلمة الواحدة العرشية في الكرسي بتدلي القدمين إلى كلمتين:
وهما الخبر والحكم الذي هو خمسة أقسام، لأنه ينقسم إلى أمر ونهى، وهما إلى خمسة: وجوب
وحظر وإباحة وندب وكراهة، فإذا ضربت الاثنين اللذين للقدمين في الستة كان المجموع
اثنى عشر، ستة الهية وستة كونية، فانقسم هذا الفلك على اثنى عشر برجا، كالكلمة الإلهية في
قلب العرش وهو الشرع.
616 - 4 ولما كان الكرسي موضع القدمين لم يعط في الآخرة الا دارين: وهما الجنة
والنار، فإنه اعطى للعباد بالقدمين مطلقا دارين: وهما الدنيا والآخرة، واعطى فلكين: فلك
البروج وفلك المنازل الذي هو ارض الجنة، والمنازل مقادير التقاسيم التي في فلك البروج
وهى ثمانية وعشرون من أجل حروف النفس الرحماني، وهى مقسومة على اثنى عشر برجا
ليكون لكل برج في العدد الصحيح، والكسر حظ حتى يعم حكمه في العالم، فكان لكل برج
منزلتان وثلث، وهذه الأفلاك الأربعة وان وجدت من طبيعة أحدية جميعة، لكن ظهر حكم
الطبيعة فيها ظهورا تركيبيا وحدانيا منقسما إلى أربع - كما يفصل في العناصر - فجعلت
اقساما ثلاثة لكل ثلاث تلك الأربع، وفي ذلك ظهور التثليث والتربيع الأصلي، وإذا
ضربت الثلاثة في الأربعة كان المجموع اثنى عشر.
617 - 4 وظهرت في هذا الفلك الأنفاس الرحمانية أرواحا للكواكب الثابتة لما حصلت
فيه أمزجة شريفة جوهرية قابلة للاشتعال بنور التجلي النفسي الرحماني، وتعينت فيها
أرواح الكواكب اجراما نورية جامعة لغرائب الطبائع، وتكونت الكوائن فيه على وجه
لا يقبل الفساد. إلى هنا كلام الشيخ الجندي.
618 - 4 واما كلام الشارح الفرغاني فهو: ان الطبيعة بحكم محلها الذي هو عالم المثال
لما انبسطت انبساطا تاما وحدانيا وتصورت بأقرب صورة إلى الوحدة والبساطة - وهو
هيئة الاستدارة - عين البارئ لها صورة مستديرة هي العرش المحيط بجميع عالم الصور،
ولان هذا الكون الهبائي مظهر للوجه الرابع من اللوح، وكان لهذا الوجه ثلاثة احكام:

456
619 - 4 الأول حكم النزول إلى انهى مرتبة الحس ثبت به الطول في الجسم.
620 - 4 والثاني حكم التفصيل والتركيب الصوري ظهر العرض به فيه.
621 - 4 والثالث حكم التدبير لبقاء هذه الصور المفصلة ودوامها، به تحقق العمق في
الجسم.
622 - 4 رأى بعض المكاشفين صورة العرش على هيئة مثلث، ولأجل تعينه من
عين الأركان الطبيعية رآه بعضهم على هيئة مربع. ولأجل تحققه من بين هذه الأركان
الأربعة في هذه المعاني الثلاثة انقسمت صورة العرش على اثنى عشر قسما مفروضة -
لا محسوسة -
623 - 4 وكانت حقيقة هذه النسبة العرشية بحكم المرتبة التي ظهرت فيها مثالية، ثم
عين الاسم لها هيئة أخرى دورية بحسب الحكم النزولي، وتلك الهيئة الجسمانية تسمى العرش
باعتبارها فلك الأفلاك والأطلس وفلك البروج والمحدد، وهذه الهيئة الثابتة هي حقيقة
الجسم الكل، ولان تعين هذا العرش في حصة من الحضرة العمائية التي هي مستوى الرب،
الشامل حكمه جميع الخلق، وذلك مختص بالاسم الرحمن كان هذا العرش مستوى الاسم
الرحمن على جميع معاني الاستواء، وهى الاستقرار والتمكن أو الاستيلاء أو التمام والبلوع
إلى الغاية، نحو: استوى الرجل، انتهى شبابه، أو القصد والتوجه، نحو: استوى إلى السماء،
أي قصد خلقها أو الاعتدال.
624 - 4 وذلك لان أمر الوجود استقر بالتمكن من ايجاد أجناس صور العالم وأنواعها،
فاستولى به على جميع مراتب مملكته بحسب تركيب جواهره، كيف ويعطى مادته
أي صورة شاء ومتى شاء، فان هذا العرش هو أصل صور الزمان بحركته الدورية، فتم
ظهور أمر الوجود من حيث أصول مراتب ظهوره التي هي المعنى والروح والصورة

457
واصل الزمان والمكان، فبلغ الغاية وقصد وتوجه إلى تركيب الجواهر وتفصيل الصور،
فاعتدل بين كمال الظهور وكمال البطون وبين الاجمال والتفصيل، وكما أن نسبة القلم إلى
التجلي الأول بالظهور المعنوي الإلهي الاجمالي للنفس الرحماني ونسبة اللوح إليه بالظهور
الروحاني التفصيلي له كانت أتم، فكذلك عند تعين هذا الكون الهبائي تعينت منه
الصورة العرشية الاجمالية المثالية وفي ضمنها صورتها الجسمانية، فكانت نسبته إلى
مظهرية القلم أشد.
625 - 4 ثم اقتضت الحقيقة الحبية بالتوجهات والاجتماعات الأسمائية ومظاهرها
الروحانية ان يتعين من هذا الكون الهبائي صورة طبيعية قابلة للتفصيل، تكون مظهرا للوح
المحفوظ وتفصيله وتكون نسبته إليه أتم.
626 - 4 ثم عين الاسم البارئ لها صورة مستديرة تكون قابلة لظهور تفصيل الصور
المعنوية والروحانية والحسية اللطيفة والكثيفة المسماة بالكرسي الكريم، فباعتبار حكم
تثليث وساطته له ثلاثة أوجه:
627 - 4 الأول ما له بحكم الاجمال والوحدة والبساطة مما يلي حضرة الوجوب التي هي
أحد وجهي الحضرة العمائية وهى مرتبة الأرواح، وهذا الوجه صار مرآة لظهور كل
صورة روحانية فيها وتصورها بصور مثالية أكثف من الروحانية والطف من العنصرية
الجسمانية.
628 - 4 الثاني ماله بحكم ظهور التفصيل والتركيب من الأعيان الطبيعية مما يلي
حضرة الامكان التي هي الوجه الاخر من الحضرة العمائية، وهذه الحضرة هي المسماة
بمرتبة الحس والشهادة وهذا الوجه صار مرآة قابلة لظهور كل صورة عنصرية مركبة
وما ينتشئ منها من الافعال والأقوال والأحوال، وهى صورة الطف من الصور التي في عالم
الشهادة. وانما يتعين هذه الصور في هذا الوجه بعد تعين تلك الصور في عالم الشهادة، ولان في

458
ضمن صورة الكرسي المثالية من حيث هذا الوجه كانت له صورة جسمانية على نحو
ما ذكرناه في الصورة العرشية سمى الكرسي من حيثها بفلك الكواكب والمنازل، وبالحركة
المضافة إلى الهيئة العرشية بحسب نقطة ومركز، ومن هيئته الكرسي مضافا إليها تعين
المقدار اليومي من الزمان، وبنفس الحركة تعين نفس الزمان.
629 - 4 الثالث وجه جمعيته بين الوجهين مما يلي عالمه الذي هو عين البرزخية العمائية بين
حضرتي الوجوب والامكان، ولكن من حيث تفصيلها لا من حيث اجمالها.
630 - 4 واعلم أن هذا الكرسي أصل لخبان ووجوهه أصول أصول مراتبها التي هي
جنة الأعمال وجنة الميراث وجنة الامتنان، ودرجاتها مظاهر أسماء الاحصاء التي يكمل
عددها مائة بالاسم (الله) الجامع كما ورد في الخبر الصحيح: ان في الجنة مائة درجة ما بين
درجة إلى درجة كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة ومنها تفجر الأنهار
الأربعة ومن فوقها يكون العرش، فإذا سألتموا الله فاسألوا الفردوس، فقوله: الأنهار الأربعة،
إشارة إلى الأركان الطبيعية، فمن ركن الحرارة تفجر نهر الخمر ومن البرودة نهر الماء ومن
الرطوبة نهر اللبن ومن اليبوسة نهر العسل - بعد تركب بعضها ببعض - فمشرب المقربين
منها صرفا ومشرب الأبرار المؤمنين مزجا مركبا.
631 - 4 ولظهور كل ما قدر ظهوره في عالم الحس بصورة مثالية كان الكافر والمسلم -
بل الانسان وغيره في تصور روحانيته في هذا الوجه - سواء، فللمسلم والكافر عند
نزول مادة وجودهما وتصور روحانيتهما منزل فيه وحيث كان تعين جهنم من تحت مقعر
الكرسي، ولا بد من تنزل وجودهما منه إلى أن يظهر بصورتهما الحسية كان لمادة وجودهما
وتصور روحانيتهما في كل عالم منزل بحسبه، فلكل منهما منزل في الجنة ومنزل في جهنم،
فإذا مات الكافر لم يعرج بروحه من جهنم إلى الجنة - لكثافة صورة تركيبه وغلبة جسمانيته
على روحانيته - فكان منزله في الجنة معطلا فيرثه كل من عرج بروحه إليها - لغلبة حكم

459
روحانيته على حكم طبيعته - وكان بينه وبينه نسبة وقرب ما من حيث صفة محمودة أو
حكم دخول تحت حيطة حكم اسم الهى في الأصل، وكان ذلك الوجه هو المسمى بالفردوس
وهو جنة الميراث. واما الوجه الجامع فهو جنة الامتنان وفيها كثيب الرؤية وهو محل الرؤية
والمشاهدة، وهو المسمى أيضا بجنة عدن. واما جنة الأعمال فهي طرفه الذي يلي عالم الشهادة.
632 - 4 فحصل من هذا ان الامر الوحداني الإلهي المعبر عنه بقوله تعالى: وما امرنا الا
واحدة (50 - القمر) في تنزله بموجب: وأوحى في كل سماء امرها (12 - فصلت) لاثبات
حكم الوحدة وحفظ صورتها ظهر في العرش بحسبه وحدانيا وفي الكرسي بحكم التفصيل
والكثرة انقسم إلى أمر ونهى، فالامر حافظ اثر الوحدة في التنزل إلى الكثرة، والنهى حامل
على رعايتها بالرجوع والعروج من عين الكثرة إلى عين الوحدة، ولما كان مبنى أمر الكونين
على هذين الحكمين - أعني النزول والعروج - ومرجع هذين الحكمين هذان الأصلان - وهما
الوحدة والكثرة - وقيام المقصود منهما بهذين القسمين - وهما الامر والنهى - كنوا عن هذا
المعنى بالقدمين، فكان هذا الكرسي الكريم مستوى الاسم الرحيم، كما كان العرش
المعين لعين الزمان مظهر الاسم الدهر ومستوى الاسم الرحمن - تم كلامه -
633 - 4 إذا تحققت هذه الاسرار ولمعت أنوارها ظهر ما قلنا: إن صورة الكرسي
وروحه وحركته ظهر عن الحق وبه، لان الظهور ليس الا بتجليه الاحدى المتفاوت
حسب تفاوت القوابل ومراتبها كما مر مرارا.
634 - 4 قال الشيخ قدس سره في النفحات: أسباب التأثير وشروط التسخير من كل
مؤثر ومسخر هي باحكام سر الجمع، وسر الجمع في هذا المقام هو حكم القدر المشترك بين
اعداد الأشياء المسخرة. والتعين الأول هو الأصل والمحتد لكل تعين، ولا حكم للجعل في
امتياز تلك التعينات والأعيان ولا في احكامها التي يقتضيها خصوصية كل عين عين
منها، فالتعينات المعبر عنها تارة بالشئون والأعيان الذاتية وتارة بالأعيان الممكنة

460
التي هي مفاتيح الغيب الوجودي والكنز الجودي والمعينة بذواتها واحكامها خصوصية
كل ما ينسب إلى الجناب الرباني والمقام الامكاني، إذ ليس أمر ثالث غير حضرة الوجوب
والامكان ينسب إليه ما ذكرنا - تم كلامه -
635 - 4 وانما قلنا: بواسطة ما ذكر من المراتب الأسمائية والمظاهر الامكانية، فاما
لانتساب التأثير ظاهرا إلى المظاهر الروحانية أو الطبيعية من حيث السبب العادي أو من
حيث الشرطية في الاعداد، ومن حيث خصوصية مظهرية الحق بعد تأثيرها حقيقة في
الظهور، واما لانتساب خصوصية الأثر وتعينه إليها دون ظهوره، واما لانتساب ظهور
الأثر إلى التجلي الاحدى الظاهر في مظهريته - وهذا هو الحق كما مر -
636 - 4 وانما قلنا: مضافا إلى ذلك المذكور تأثير حركة العرش الظاهرة، أي الحسية - لما
سيجئ - وروحه، وهو العقل الأول - كما مر في كلام الجندي - وصورته المثالية المظهرية، لما
مر ان الأرواح العالية تؤثر من حيث مظاهرها المثالية في تعين الأجسام البسيطة، فللمظاهر
مدخل في ذلك أو صورته الجسمية، وكل ذلك لما مر في مفتاح الغيب: ان مظهر قدرة الحق
وآلة حكمته في فعله نسبته، ومحل ظهور سر القبض والبسط والابداء والاخفاء والكشف
والحجاب الصوري النسبي الذي به يفعل ما ذكر - لا مطلقا - هو العرش المجيد. هذا كلامه.
637 - 4 ولا علينا ان نذكر لايضاح اسراره من القواعد الاشراقية عدة تصلح عدة
لا نفاس محجوبة، عسى ان تذكر اذواقها مدة.
638 - 4 القاعدة الأولى: ما مر ان الحق سبحانه من حيث حبه الأصلي لتجليه الكمالي
الأسمائي لا سيما من حيث جوده الذاتي أيضا يقتضى ظهور الأثر عنه، ولا ينتج هذه المقدمة
الواحدة الا إذا انضم إليه الطلب القابلي بلسان الاستعداد الحالي، وهذا ما يقال: إن الاشراق
للنور ذاتي دائم الحصول منه على كل قابل حسب قابليته، وامر الكون انما ينتظم بان
يكون لكل علة نورية بالنسبة إلى المعلول محبة وقهرا وللمعلول بالنسبة إليها محبة وذلا.

461
639 - 4 وحاصله: ان الذي منه سبحانه هو الظهور لا غير، فاختلاف الظهور تقدما
وتأخرا وشرفا وخساسة وقربا وبعدا بحسب مراتب القوابل.
640 - 4 فالكائن الأول لا بد ان يكون عقلا، إذ لا خسة فيه الا جهة ظلمته الامكانية
المشتركة بين جميع الكائنات، بخلاف ما يليه حسب تثنى جهة امكانه بجهة افتقار تمام
استعداده إلى الواسطة، وكذا يتضاعف جهات الفقر حسب تضاعف الوسائط، فلذا قالوا:
لما اشتمل نسبة النور الأقرب إلى نور الأنوار على أنه عاشق له وذاك قاهر له، بحيث يعجز
عن اكتناهه والإحاطة به، سرت في جميع الوجودات، فصار العز اللازم لقهر العالي والذل
اللازم لمحبة السافل من حيث انتساب كل إلى الاخر واقعا على كل أزواج، كما قال تعالى:
ومن كل شئ خلقنا زوجين (49 - الذاريات)
641 - 4 فلذلك انقسمت الجواهر إلى الأنوار والأجسام، وهى إلى الفلكي والعنصري،
والفلكي إلى السعد والنحس والعرش والكرسي والنيرين - الشمس والقمر - والعنصري إلى
أقسام ينتهى إلى الذكر والأنثى، انقسام الأنوار إلى عال قاهر وسافل مقهور، فان الأنوار تنقسم
إلى القاهرة - وهى التي لا علاقة لها بالبرازخ لا بالانطباع ولا بالتصرف - وإلى مدبرة للبرازخ -
وان لم يكن منطبعة فيها - وهى النفوس الناطقة مع هيئاتها النورية التي يحصل من كل
صاحب صنم في ظله البرزخي باعتبار جهة نورية، ويحصل البرزخ وهيئته الظلمانية مما يحصل
منه المدبر، لكن بجهة فقرية إذا كان البرزخ قابلا لتصرف نور مدبر، وذلك بتمام استعداده.
642 - 4 ثم الأنوار القاهرة تنقسم إلى الأعلين - وهى الطبقة الطولية المترتبة في النزول
العلى، غير حاصل منها شئ من الأجسام لشدة نوريتها وقربها من الوحدة وقلة الجهة
الظلمانية فيها - وإلى أنوار قاهرة صورية أرباب الأصنام النوعية الجسمانية - وهى الطبقة
العرضية المتكافئة الغير المترتبة في النزول - فهي المتوسط في نعت الصور - مثالية كانت
أو حسية - لان تضاعف التنزل أورث كثافة اعتدلت بها النورانية مع الجسمانية الظلمانية،
فاثرت في تصوير الأرواح والأجسام.

462
643 - 4 ثم هذه الطبقة العرضية قسمان: أحدهما يحصل من جهة المشاهدات وثانيهما من
جهة الاشراقات الحاصلتين من الطبقة الطولية، ولان الأنوار الحاصلة من المشاهدات أشرف
من الحاصلة من الاشراقات، وكان العالم المثالي أشرف من العالم الحسى، وجب صدور عالم
المثال عن الأنوار المشاهدية وعالم الحس عن الاشراقية، إذ الأشرف علة للأشرف والأخس
للأخس - على ما في كل واحد من العالمين من التكافؤ - فان كل ما في عالم الحس من
الأفلاك والكواكب والعناصر ومركباتها والنفوس المتعلقة بها يوجد مثله في عالم المثال،
وكما أنه لا بد في الأنوار الاشراقية من نور هو اعظمها نورية وعشقا وهو علة الفلك الاعلى
الحسى، كذلك لا بد ان يكون في الأنوار المشاهدية نور هو اعظمها وهو علة الفلك الاعلى
المثالي، وكما أن الفلك المحيط بكل واحد من العالمين لا يكافئه شئ مما تحته ولا يدانيه - بل هو
أكمل الأجسام وقاهرها - فكذا يكون حكم علية العقلية بالنسبة إلى أرباب الأصنام التي
في الطبقة العرضية.
644 - 4 وأقول: قد اتضح من هذا المنقول عدة اسرار كلمات الشيخ قدس سره:
645 - 4 الأول ما قال: إن اجتماع الأرواح النورية ينتج الأجسام البسيطة.
646 - 4 الثاني: ان تعين العرش من مجموع القلم واللوح لا من القلم فقط، لقوة نوريته
ووحدته، كما مر: ان تثليث ابعاده لتثليث مرتبته، مع أن نسبته إلى القلم أظهر.
647 - 4 الثالث: ان كون العرش مظهر قدرته وقهره وآلة حكمته ومحل ظهور
احكامه المذكورة انما هو لان روحه وعلته أشرف الأرواح والعلل قاهر لسائرهما، فالقاعدة
الاشراقية ان ما في العالم العقلي يسرى إلى العالم الحسى والمثالي على مناسبات محفوظة،
فالمشتركات بإزاء المشتركات والمفترقات بإزاء المفترقات، كما أشار إليه الحديث النبوي
(ص) بقوله: الأرواح جنود مجندة... الحديث.
648 - 4 وذلك لان الذوات العقلية وهيئاتها كلها متناسبة مترتبة محفوظة، وتلك
الذوات بهيئاتها ومناسباتها علة للجسمانيات وهيئاتها، لان العالم الجسماني ظل العقلي،

463
والظل تبع للمظل، فكل حادث لا بد له من علة حتى ينتهى الامر في الأخير إلى أنه اثر
مناسبة من المناسبات العقلية التي تستخرجها الأفلاك باستخراج الأوضاع بالحركات،
فإذا تحركت حركة وطلبت بها نسبة عقلية معينة، فلا بد ان يفيض العقل المفارق الهيئة
النورية الروحانية أو الظلمانية الجسمانية المناسبة لما يقتضيه الحركة على كل قابل مستعد
لتلك النسبة من النفوس والأجسام، فتحدث تلك النسبة على ما يقتضيه الفاعل والقابل،
وهو انما يستعد لقبول الفيض بنفوذ أنوار الكواكب في الاجرام لدى الأوضاع المختلفة،
وهو المراد بتأثير الاجرام الفلكية - ذكرها الشيرازي في شرح الاشراق - ومنه يعلم أن لروح
العرش وحركته وصورته لا سيما باعتبار انه محدد الجهات اثرا في تعين روح الكرسي
وحركته وصورته في جميع ما يحويه.
649 - 4 القاعدة الثانية: ان قوة التأثير بحسب كمال المؤثر وجودا أو ذاتا أو بالوجوب أو
نورية أو صفة أزلية على الاصطلاحات، فالتأثيرات الإلهية ومقدوراته لا تتناهى من كل
وجه ولا يتسلط عليها بالإحاطة شئ، اما تأثيرات العقول التي هي الأنوار القاهرة فمتناهية،
بمعنى ان ورائه ما هو أتم منه، وان من جملة التأثيرات ما لا يسعها وسعهم كأنفسهم، وغير
متناهية، بمعنى انقطاع اثارهم بالكلية، فان لها صلوح ان يحصل منها اثار غير متناهية، لقيام
البرهان على دوام العقول والنفوس والأفلاك الأربعة بما يلزمها من الحركات الدورية والمدد
الزمانية بما مر في الأصول: ان الأثر إذا لم يتوقف على غير المؤثر يدوم بدوامه، وإذا توقف على
شرط يدوم حسب دوام الشرط.
650 - 4 فالعقل الأول لا يتوقف على غير الحق، إذ لا غير عند عدم جميع ما سوى الحق من
وقت وغيره، ولا ترجح لوجود الممكن في العدم المحض، لان الفاعل بدون القابل مقدمة
واحدة لا تنتج، فلا يمكن ان يقال للمختار ان يختار الفعل في أي وقت شاء، ولو ترجح بشئ
ننقل الكلام إليه ويتسلسل، اما تسلسل الدوائم وهو محال، واما تسلسل الحوادث المتعاقبة
فذاك، وكذا كل عقل لعدم توقف وجود العقول الا على وجود العقل، وكذا النفس

464
الكل لدوام العرش والكرسي، إذ الحادث لا بد ان يتوقف وجوده على حدوث شئ من
شروط وجوده، والا كان أزليا لما مر، فلا بد من تخلل هيئة لا يتصور دوامها، وكل هيئة
لا يتصور دوامها هي الحركة أو ما محله الحركة وهو الزمان الذي هو مقدار الحركة من
حيث لا يجتمع اجزائه الفرضية معا، وقيد الحيثية احتراز عن المسافة، فإنها مقدار الحركة
لكن من حيث يجتمع اجزائها، وإذا دامت الحركة دام المتحرك.
651 - 4 وانما يتصور في الحركة المستديرة لحكايتها أحدية موجدها، ولان المستقيمة
تنقطع لتناهى الابعاد أو عند حصول مقصودها، وكذا كليات العناصر، لان دوام التأثير
يستدعى دوام قابل الأثر، لذا قال الاشراقيون: نور الأنوار والأنوار القاهرة وظلالها
وأضوائها المجردة دائمة أزلية، فمرادهم بالظلال الأفلاك وكليات العناصر وبالأضواء المجردة
النفوس، وعندنا الدوائم العقول والنفوس الكلية لا الجزئية التي هي نسبها وأشعتها كما مر
والهباء والعرش والكرسي وكليات العناصر، اما الأفلاك الاخر فلها طبيعة عنصرية من
شأنها ان تتبدل صفاتها أو آخر ان معها لا أصلها - قاله الجندي في شرحه (1) -
652 - 4 قال المتكلمون: دوام الشئ مع الشئ يقتضى مساواتهما وعدم أولوية أحدهما
بالعلية.
653 - 4 قلنا: ليس كذلك، فان الشعاع المحسوس من النير لا النير منه، وهو معه ويدوم
بدوامه، وكذا حركة الخاتم مع حركة الإصبع، فلان يدوم اثر أقوى المؤثرات وماله كل
التأثير في الحقيقة كان أولي، والخلو عن التأثير يسمى تعطيلا.
654 - 4 فان قلت: لو كانت الحركات الفلكية دائمة أزلية لزم ان يكون كل حادث
منها متوقفا على حصول ما لا يتناهى، فلا يحصل.
655 - 4 قلت: الممتنع هو المتوقف على غير المتناهى الذي سيحصل، اما إذا كان ماضيا
ويكون الحادث واقعا بعده، فهو المتنازع فيه.



(1) - ما وجدنا هذا المطلب في شرح فصوصه، يمكن ان يكون في تأليفه الأخرى أو قاله الشارح على مضمونه ومفهومه.
465
656 - 4 القاعدة الثالثة: ان قوة التأثير في غير الحق بسبب ابتهاجه به وبحسب قربه منه
- لعدم الواسطة أو لقلتها - وذلك مراعى في كل من المرتبة العقلية والنفسية والمثالية
والجسمية، وكما أن القلم الاعلى واسطة للكل، فالنفس الكلية واسطة لما تحتها، وكذا العرش
بالنسبة إلى عالم الأجسام وحركته لحركتها. لذا قال في الاشراق: فالبرازخ السافلة خاضعة
للبرازخ العالية متأثرة عنها طبعا.
657 - 4 فان قلت: فينبغي ان يكون الابعد أقوى تأثيرا من الأقرب لتضاعف آثار
التجليات فيه تارة من الحق بالوجه الخاص واخرى من كل واسطة من الوسائط؟
658 - 4 قلنا: أجاب عنه في الاشراق بان كثرة الأنوار الفائضة والاشراقات العارضة
لا تعادل قوة كمال الجوهر، فهي مع قلة الأنوار العارضة أشرف وأقوى من نقصانه مع
كثرتها، فالنور الأخس ما عنده الظلمات، فالأقرب إلى الظلمات أبعد عن الكمالات النورية.
659 - 4 القاعدة الرابعة: في كيفية انبعاث حركة الأفلاك عما ينال نفوسها بالاشراقات
والأشعة القدسية المدبرة، أعني التجليات الإلهية الأسمائية كانت بلا واسطة أو بواسطة
المظاهر المتسلسلة.
660 - 4 قال في الاشراق وشرحه: كحال الانسان في انفعال بدنه بالحركة عما يحصل
في نفسه من الهيئات، كالمناجى مع نفسه بأمور عقلية تحرك لشئ من أعضائه بحسب
ما يتفكر فيه، دلت التجربة عليه، ولهذا ما يؤدى طرب النفس إلى تصفيق ورقص
وحركات متناسبة، فكذا نفس الفلك إذا انفعلت باللذات القدسية ينفعل بدنها
بالحركات الدورية المناسبة للاشراقات النورية، كما يدوم اضطراب البدن لأهل المواجيد
بدوام البارقات الإلهية الواردة على نفوسهم، كذلك يدوم مواجيد نفوس الأفلاك بدوام
الاشراقات النورية على نفوسهم، فالتحريكات معدة للاشراقات والاشراقات موجبة
للحركات الاخر - فلا دور - وجميع اعداد الحركات والاشراقات مضبوطة بعشق

466
مستمر وشوق دائم وحركات متوالية توالى الأنوار السانحة على نسق واحد (1).
661 - 4 لان فاعلها الحقيقي إحدى مستحيل التغير والوسائط متشابهة الافعال لغلبة
نوريتها. والقابل بسيط، أي ليس فيه اختلاف القوى والطبائع - عكس المركب من
العناصر -
662 - 4 وأقول: التحقيق في ذلك ما سيتضح ان الحرارة في العنصريات كالافلاك
السبعة السيارة تحدث الحركة ثم الحركة تحدث الحرارة، فالمقتضى للحركة القدسية الأصلية
حرارة التجلي الحبى المنتشئ من التجلي الكمالي الذاتي، لان التجلي الحبى منبع الكمال الأسمائي
الذي أصله وأوله الحياة التي لها الحرارة كما مر.
663 - 4 فطلب الظهور الأسمائي مبنى على حياة التجلي للحرارة النورية السارية في
كل مظهر قابل حسب قابليته لحرارته.
664 - 4 فكلما الحت التجليات الأسمائية بأشعتها القدسية أحدثت بحرارتها الحركات
والتوجهات الأسمائية ثم الروحانية ثم المثالية حتى ظهرت في الحس في أول الأجسام المحسوسة
بخاصية الحركات القدسية من حيث الانتظام والتناسب والدوام - كالعرش - ثم أحدثت
حركاتها من حيث هي حركات وبما تضمن من الحاح التجليات السابقة حرارات تجليات
أخرى أحدثت حركات اخر متنازلة متناسبة بحسب سراياتها وحال قوابلها مستديرة
تارة ومستقيمة أخرى، إلى أن يتعين أنواع العناصر بكلياتها ثم بحسب المعدات بجزئياتها،
فالمؤثر في الكل حقيقة التجلي الحبى - وان اختلفت بحسب المراتب والمظاهر -
665 - 4 وبما مر من المقدمات يتضح ان المؤثر في حركة الكرسي حركة العرش
الظاهرة - لا مطلق الحركة - لان اسناد الأثر إلى ما يناسبه والحركة فيما تقدم على تعين
العرش كانت غيبية أسمائية أو روحانية عقلية أو مثالية ذهنية، وتمت مراتبها بالحركة



(1) - إلى هنا تم كلام صاحب الاشراق
467
الحسية في العرش، فتربعت وتمت مراتب الظهور وأصول الاشكال، فبذلك حصل الاستواء
الرحماني الذي لا يخفى سره. ثم إن تمام الظهور واستيلاء جميع مراتب الوجود واستقرار
حركة سر الوجود انما هو باستيفاء مرتبة الحس التي هي آخر المراتب وفيها يحصل كمال
الجلاء والاستجلاء، ومبنى كل ذلك على أن الموجودات الممكنة كلها صورة التجليات
الإلهية والنسب الأسمائية.
666 - 4 فان قلت: في المسألة وجوه من الاشكال:
667 - 4 الأول ان الدوائم من الأسماء والعقول والمثل كيف اثرت في الحركات الحادثة،
وقد سبق في الأصول ان الشئ لا يؤثر في ضده؟
668 - 4 الثاني كيف تؤثر الحركة المستديرة العرشية الدائمة في الحركات العنصرية
المستقيمة المنقطعة وبينهما تضاد من وجوه؟
669 - 4 الثالث كيف اثرت الحركات في سكون العناصر لا سيما الأرض حين كانت في
مراكزها الطبيعية، وهل لهذه المسائل المستبعدة أصول تحررها وأمثلة تنورها؟
670 - 4 قلنا: نعم قد اما أصولها: فمنها ان تناسب الأسماء المؤثرة كما هو معتبر في جمعية
التجلي الساري، كذلك تناسب القوابل الممكنة معتبر في أحدية جمعية القوابل، والجمعية
شرط كل تأثير وظهور، وحكم التنافر بالعكس من ذلك.
671 - 4 ومنها ان جمعية التركيب كلما كان أقرب إلى الاعتدال كان حكمه ابسط
وللمتنافرات اضبط وإلى الأحدية انسب وحكم البساطة فيه أغلب.
672 - 4 ومنها ان حكم البساطة والاعتدال المبنى على التناسب الأصلي أو العارضي،
الجمع والتوفيق، وعكسه الفرق والتفريق.
673 - 4 ومنها ان الميل الإرادي الذاتي لاحدى الحقائق إلى الظهور جامع بقوة
الحقيقة الجامعة لسائرها، ليظهر التجلي الإلهي الاحدى بصورة الكل.
674 - 4 واما أمثلتها:

468
675 - 4 فمنها ان المركب العنصري الشديد الالتحام القريب من الاعتدال بين اللطافة
والكثافة، شأنه عدم التفرق وحفظ الأحدية، حتى إذا اثرت الحرارة فيه تأثيرا قويا أحدثت حركة
دورية كالذهب، فالجمعية القابلية فيه لا تقبل الا ذلك، فلا يظهر اثر الفاعل الاحدى فيه الا
حسب ما يقبله، فهذا مثال العرش والكرسي لالتحامهما الاحدى الدائمي الذي هو في ذلك أعلى
من الياقوت الأحمر، وذلك لتجاذب الجوهر النوري اللطيف الوجوبي والظلمة العدمية
الامكانية الكثيفة، كتجاذب جزئي الذهب اللطيف والكثيف، ومقتضى التجاذب في
المركب ان يدور وانما لا يدور الياقوت الأحمر عند الالقاء في النار لعدم تأثير الحرارة في اجزائه
تأثيرا يبلغ ذلك الحد، والأفلاك الاخر مثلهما، لكن ليس الالتحام بين اجزائها في قوة التحام
اجزائهما لطبائعها العنصرية التي ليست في الأحدية الجمعية مثلهما، مع أنها أعلى مرتبة وأقوى
أحدية من تركيب المولدات، ففارقتها بدوامها وعدمه فيها على ما نطق به النص من
انشقاقها واندكاكها وكونها وردة كالدهان حين يغلب طوفان النار على سائر العناصر.
676 - 4 ومنها ان لا يكون اللطيف والكثيف في المركب قريبين من الاعتدال، لكن
غلب اللطيف فيصعد ويستصحب الكثيف معه، كالزيبق والكبريت والنوشادر وغيرها مما
يسميه أهل الكيميا أرواحا، فهذا مثال الدخان والعنصري الناري الذي يحدث فيه
الشهب والنيازك وأمثالهما، ومثله العنصر الهوائي المتصاعد من الهباء المستصحب للبخار
والغبار معه إلى سمك سبعة عشر فرسخا على ما قالوا.
677 - 4 ومنها ان لا يغلب اللطيف فيما لا يقرب من الاعتدال ولم يكن الكثيف أيضا
غالبا جدا فيؤثر في تسييله القوى، كالفضة والرصاص والأسرب وغيرها، أو في تسييله
الضعيف كتليين الحديد، فهذا مثال العنصر المائي حيث اثر حرارة التجليات في تسييله من
الهباء لا في تصعيده بغلبة البرودة - لكن مع الرطوبة -
678 - 4 ومنها ان يغلب الكثيف جدا فضلا عن الاعتدال، كما في الاحجار القوية،

469
فلم يقو النار على تليينه فضلا عن تسييله، وهذا مثال العنصر الأرضي الباقي في المركب
- لعدم قابلية الصعود - لا لان حرارة التجلي تقتضى ذلك.
679 - 4 فان قلت: كيف يعمل النار في الماء ويؤثر في تسييله، وفي الأرض بلا اثر
ظاهر وليس فيهما الا البرودة؟
680 - 4 قلت: ذلك ممنوع لما ثبت: ان كل شئ فيه كل شئ، لكن قد يظهر اثره وقد
لا يظهر، ومما يدل على أن كل عنصر فيه كل كيفية، دلالة لمية ان الطبيعة الملزومة لكل
منها قائمة، ودلالة انية جريان الكون والفساد بالتلطيف والتكثيف بين العناصر كلها بوسط
أو غير وسط، وكذا الاستحالة، إذ لولا القابلية لما تحققتا، والقابلية الوجودية اثر قابلية
الماهيات وذلك أزلي غير مجعول، فبالنظر إلى الحقيقة الغيبية الالية الأصلية، كل منهما جامع
للاضداد وفيه قول الخراز انه عرف الله بجمعه بين الضدين.
681 - 4 فنقول: من المقام الذي هذا لسانه تطلع على أشياء:
682 - 4 الأول: على علة دوران الأفلاك، وهى الحاح التجليات الأسمائية واشراقات
العقول العالية على نفوسها الكلية بأشعتها القدسية في القابل البسيط الجمعي الاحدى في
أعلى مراتب الالتحام واللطافة في الأفلاك الأربعة أو الاثنين وفي أقرب مرتبة منه في الأفلاك
السبعة التي تحتها، لان طبيعتها عنصرية تفصيلية - بخلاف الأربعة - غير أنها من أخلص
العناصر واصفاها واعدلها وأقواها، لا ان كلا من عنصر واحد، فذلك لا يمكن، لان تخلل
الهباء إحدى جمعي، لكن الغالب واحد منها والثلاثة بحسبه والتركيب وحداني جمعي، ولذا
لا يتسلط عليها الحقائق المتباينة والمتضادة بالافساد بحسب دوامها بالانخرام، بل سيطرأ
الفساد من حيث اعراضها الصورية وكيفياتها النورية العرضية إذا قامت القيامة وطاف
طوفان العنصر الناري فكانت السماء وردة كالدهان، وتغيرت بالطي صور نضد طبقاتها
وأنوارها، لأنها لا يقوى قوة الأفلاك الأربعة، ثم دوام ذلك الدوران لدوام الالحاح المبنى على
دوام الالتحام، ثم هذا الدوران إرادي بالنظر إلى نفوسها وقسري بالنظر إلى أنه حكم الجمع

470
الاحدى الإلهي أو إرادي وقسري بالنظر الثاني، لكن إرادي إرادة ذاتية من حيث إنه حكم
الجمع الإلهي، وقسري من حيث إنه اثره اللازم، وذلك لان القوة المحركة وقابلها في كل
إحدى لا يتخلف - كما لا يختلف - بخلاف نفوس الحيوانات وطبائع العنصريات المفصلة.
683 - 4 الثاني: على علة تأثير الكواكب باتصالاها وحركاتها المختلفة وتلاقى أشعتها،
لأن هذه الحالات أسباب تركيب القوى السماوية الطبيعية عنصرية كانت - كما في السبع -
أو غيرها - كما في الأربع الفوقانية - فمن السبع ما طبيعته بارد يابس والمستولى عليه الجواد
كزحل. ومنها ما طبيعته حار رطب والمستولى عليه العلام كالمشتري وستستوفى، فعند
الاتصالات يختلط هذه الأسباب ويمتزج امتزاجا روحانيا للقوى، مؤثرا في الامتزاج الجسماني.
684 - 4 الثالث: على سبب اختلاف تأثيرها، وذلك لاختلاف الامتزاجات بينها بسبب
الاجتماع والافتراق وتناسب المتصلات وتنافرها، وبالجملة يندرج تحت اختلاف
التركيبات والنكاحات المقتضى لاختلاف النتائج والثمرات.
685 - 4 الرابع: على علة تأثير الحركة في الحركة والحرارة في الحرارة، وهى ان الحركة
تحدث الحرارة والحرارة تحدث حركة أخرى، وكذا تلك الحركة حرارة أخرى أعم من
حرارة التجلي الذي تلك الحركة شرط لها، أو من حرارة جرم الفلك بالحركة، فبذلك
تترادف الحركات وتتضاعف التجليات وتدوم إلى ما شاء الله.
686 - 4 الخامس: على سر ابراز الأفلاك والكواكب بالحركات والقوى والأرواح
والأحوال والأشعة والنسب والمراتب والخواص اخرا صورة ما كان سببا في وجودها
وظهورها أولا.
687 - 4 وذلك لما مر في الأصول ان لا تأثير الا لباطن في ظاهر، بل لا تأثير لشئ الا في
نفسه، فاثره عين صورته - وان ظهر صورته - لكن لكونه عين ظهور حقائقه المستجنة
وكمالاتها الغيبية غاية توجهه ومقصد تجليه، وان كل تأثير مسبوق بالتأثر، فالسر يحتمل
إرادة ان الأفلاك انما تعينت بالطبيعة والجسمية الهبائية ثم اثرت في تعين طبائع العناصر

471
وأجسام المولدات، ومبناها تأثير الحرارة في الحركة ثم الحركة في الحرارة، ويحتمل إرادة ان
العقول العالية اثرت في تعين الطبيعة الهبائية ثم هي اثرت في تعين النفوس المطمئنة، لو
ساعدتها العناية الإلهية فصارت عقولا، ويحتمل إرادة ان حقيقة الحقائق التي هي حضرة
أحدية الجمع أظهرت على قضية الحب الأصلي بالتجلي الاجمالي الكمالي الأسمائي صور
حقائقها المفصلة بظهور الفرق والتفصيل وبطون الجمع والاجمال في العالم الكبير، ثم بظهور
الجمع بين الاجمال والتفصيل في الانسان من حيث ظهور آثار الكل في كل انسان وظهور
كل آثار في الانسان الكامل، فحصل به كمال الجلاء والاستجلاء الذي هو كل المراد
والمراد من الكل، فصار الانسان الكامل كامل سورة حضرة أحدية الجمع واستحق بذلك
خلافته، فالانسان الكامل اثر ونتيجة بصورته ومؤثر ومنتج بحقيقته ومعناه ومرتبته.
688 - 4 فتحقق ان كل مؤثر في الشئ تأثيرا ظاهرا حال كونه مشاهدا بنفس
تأثيره في ذلك الشئ لمن كشف له الغطاء عن بصيرته، فتأثيره ذلك في صورة غايته وثمرته
مسبوق بتأثره عن معناه وحقيقته، سواء درى ذلك أو لم يدر، لكن من جهتي الصورة والمعنى
فلا دور، ويتحقق سر قوله تعالى: وسخر لكم ما في السماوات والأرض جميعا (13 - الجاثية)
وفهم منه ان ذلك لكون الانسان الكامل غاية الكل ويتحقق جهة ظهور آدم بالصورة
الإلهية، لأنه صورة الحقيقة الجامعة التي هي حضرة أحدية الجمع، والإلهية صفتها وجهة
الخلافة التي ظهر آدم ومن بعده من الكمل بها، لان الخليفة يقوم مقام المستخلف، فلا بد من
الاتصاف بجمعيته، ويتحقق أيضا حقيقة قول الحلاج:
ولدت أمي أباها ان ذا من اعجبات وانا طفل صغير في حجور المرضعات
689 - 4 كيف يصير بعد توهم استحالته عندك بديهيا أوليا؟ فيحتمل ان مراده بالام
الطبيعة، لما ان لها مرتبة الأنوثة في نكاح اجتماع الأرواح من حيث مظاهرها المثالية
لتوليد الأجسام البسيطة، وللأرواح مرتبة الذكورة، مع أن تعين الطبيعة الهبائية من

472
الأرواح النورية - كالقلم واللوح كما مر -
690 - 4 فأولا لما مر انها تعينت من الوجه الرابع من اللوح المحفوظ.
691 - 4 وثانيا لان الطبيعة أول صورة وجدت في المادة العمائية الكونية كما سلف.
692 - 4 وثالثا لأنها صورة الإلهية في مرتبة الجسمية الكلية والإلهية باطنها، وحين
اثرت الطبيعة في تسوية المحل الاعتدالي القابل لأكمل الأرواح والنفوس فقد ولدت أباها،
ثم إن حصة من التجلي الاحدى الإلهي إذا شرعت في التدلي انصبغ بحكم كل قوة من القوى
السماوية الروحانية والأرضية الطبيعية إلى أن يصير انسانا، فما دام متنزلا كان في حجور
مرضعات تلك القوى، إذ هي المربيات إلى أن يتم الدائرة.
693 - 4 ويحتمل ان يريد بأمه أم الكتاب الأكبر والخزانة الجامعة لمواد الأسماء الإلهية
والحقائق الكونية، وهى العماء الشامل لها، وهو مع ذلك منزل تدلى الحق من حضرة غيبه
وأول تعينه إليه ومحل نفوذ اقتداره فيه، لأنه حقيقة الحقائق ومادة المواد والنون الأكبر
الذي هو مجتمع مواد مدات الحضرات الإلهية والكونية.
694 - 4 قال الشيخ قدس سره في تفسير ولا الضالين: والسر في تقدم حكم ضلالة
الانسان على هدايته هو تقدم الشأن المطلق الإلهي من حيث هويته على نفس التعين،
كتقدم الوحدة والاجمال والعجمة على الكثرة والتفصيل والاعراب، وتذكر تقدم مقام:
كان الله ولا شئ معه، ولا اسم ولا حكم على التعين الأول المختص بحضرة أحدية الجمع
وهو المعبر بمفاتيح الغيب، وكذا تقدم حضرة أحدية الجمع على الكونية العمائية النفسية
الرحمانية الثابتة في الشرع، والتحقيق المقول بلسانها: كنت كنزا مخفيا... الحديث، وتقدم
السر النوني على الامر القلمي، هذا كلامه.
695 - 4 فالكونية العمائية مع أنها من جملة المراتب والمفاتيح، تعينها التعين الأول
والتجلي الأول الذاتي الذي فيه، فمع انها أم الكتاب الأكبر، حصلت من حضرة أحدية الجمع

473
وانتشأت منه، وتعين منها الانسان الذي هو اخر مولود منه، فإنه صورة حضرة أحدية الجمع لما
سيجئ: ان الامر النازل ينعطف من صورة الانسان إلى الحقيقة الكمالية المختصة المسماة بحقيقة
الحقائق دائرة تامة، والمرضعات مراتب استيداعه من حين افراز الإرادة له من عرصة العلم
باعتبار نسبة ظاهريته - لا نسبة ثبوتيته - وتسليمها إياه إلى القدرة، ثم تعينه في القلم الاعلى
ثم في المقام اللوحي ثم في مرتبة الطبيعة ثم في العرش ثم في الكرسي ثم في السماوات السبع ثم في
العناصر ثم في المولدات إلى حين استقراره بصفة صورة الجمع كما سيجئ.
696 - 4 ثم نقول: وههنا اسرار كثيرة، منها ما لا يمكن التصريح به أصلا، لضيق نطاق العبارة
والإشارة عنه، أو لا يمكن شرعا، لافضائه إلى التساهل به وعدم تعظيم المراتب والتقيد
بوظائف العبادات - كافشاء سر القدر - ومنها ما إن شاء الله تعالى فتح عليك مقفله ان
فهمت ما ضمن في هذه الالماعات، كما أنه لما تحقق ان الحضرات والموجودات كلها صور
التجليات التي هي في ذاتها تجل واحد ينسب بالظهور والبطون إلى كل قابل بحسب
قابليته، فهو الذي يقبل جميع الأحكام في المراتب مع تنزهه عنها في ذاته، كالوالدية
والمولودية والأبوة والأمومة والمرضعية والمرضعية، ولا يقدح في نزاهته على ما مر انه
مع قبوله حكم كل متعين غير متعين في ذاته، فمن لوازمه ان تصدق عليه المتقابلات
والمتضادات وكل نفى وإثبات - لكن بالاعتبارات -.
الأصل الخامس عشر
في ظهور صور العناصر الأربعة ثم السماوات السبع
697 - 4 قال الشيخ الكبير رضي الله عنه: فلما أكمل سبحانه أفلاك الثبات والبقاء
وصارت الكلمة أربعة بوجود هذا الرابع، أراد سبحانه ايجاد عالم الدنيا من الأركان

474
والسماوات والمولدات التي مآل تراكيبها إلى فساد وانتقال، وما من فلك أوجده الحق تعالى الا
وقد جعل سبحانه للملكين الكريمين: القلم واللوح توجها إليه يخلق عند التوجه ما شاء ان
يخلقه مما شاء ان يتوجه إليه - لا بالتوجه - لأنه يتعالى عن المعين والاحكام والأسباب،
إذ هو الناصب والخالق لها، وهو كخلق الله تعالى أعمالنا المرادة لنا بخلق الإرادة فينا ثم بخلق
التوجه والعمل عند ارادتنا، فلا خالق الا هو، هو الذي أعطاه دليلي وكشفي، وعليه
اعتقادي واسأل الله تعالى الثبات عليه ولا قديم الا هو.
698 - 4 فجعل للنفس الكلية توجها من حيث ايجاد الاجرام النورية وغيرها، حتى إذا
حصل الاستعدادات بحسب مراتبهم المقدرة توجه العقل الذي هو القلم عن إدارة الواحد بوجه
النفخ، فاوجد الله تعالى الأرواح الفلكية في الاشخاص الفلكية، فقامت حية ناطقة بالثناء.
699 - 4 وفرق بين النفخ والدعاء، فان النفخ ايجاد مخصوص يجرى في البدء والإعادة، كما قال
تعالى في عيسى: فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني (110 - المائدة) وليس الدعاء الا إعادة فساد
التركيب مع بقاء الاجزاء، كما قال تعالى في إبراهيم: ثم ادعهن يأتينك سعيا (260 - البقرة)
700 - 4 ثم انصرف التوجه الإلهي فاوحى إلى النفس الذي هو اللوح ان ينحدر بالتدبير في عمق
الجسم إلى أقصاه وهو المركز، وهو محل نظر العنصر الأعظم الذي خلق العقل من التفاتته وانحدر
إليه فوجد نظر العنصر الأعظم إليه، وان أمر الكون المدبر كله منه صدر وإليه يعود حكمة بالغة.
701 - 4 وأدار كرة الأرض وكانت هذه الحركة من هذا الملك بطالع السرطان وجعل
مما يلي المركز صخرة عظيمة كرية، وفي نقطة تلك الصخرة الصماء حيوانا في فمه ورقة خضراء يسبح
الله ويمجده - وهو الحيوان الأشرف - وعمر هذه الأرض بالناشرات، ومقدمهم ملك اسمه
قاف وإليه ينسب الجبل المحيط، فان ذلك الجبل مقعده وبيده حكم الأرض والزلازل والخسف
وكل ما يحدث في الأرض فزمامه بيده.

475
702 - 4 ثم الكشف يعطى انها المخلوقة قبل سائر الأركان والسماوات وفيها تكون ما في
الجنة وعليها يحشر الناس - غير أن نعوتها تتبدل - فيكون في الحشر الساهرة، أي لا ينام
عليها لهذه الخاصية، والجنة كلها مبنية من نفائس معادنها من اللؤلؤ والياقوت والمرجان
والفضة والذهب والعنبر والمسك والكافور وغيرها، فخلق ما في الجنة منها - كخلق آدم من
تراب ومن حمأ مسنون ومن ماء مهين - فهو منبه على الأصل.
703 - 4 وكما كانت الأرض للجنة من حيث ما ذكرنا وكذا للنار كل معدن خسيس
منها كالكبريت والحديد والقير والقطران والانك (1) وغيرها - وقد نبه بوادي جهنم
وبالبيت المقدس وبطن محشر وبالأرض المعلونة وبشجرة الغرقد - فللنار من هذه
الأرض جزء وللجنة منها جزء آخر، ما بين قبري ومنبرى روضة من رياض الجنة، الا انها
تتبدل بالصفات، وقد ذكرنا في كتاب الجنة والنار ما يشفى في ذلك.
704 - 4 فالأصل الأرض، فخلقها بما فيها في أربعة أيام وهى أربعة آلاف سنة، كل يوم
من الف سنة عنده، فعين أماكن الخير والشر مقدرة.
705 - 4 ثم أدار الأفلاك الثابتة فاوجد عند دورانها دائرة.
706 - 4 وحلل في جوف كرة الأرض ماء نتنا هو البحر العظيم الذي يعذب به أهل الشقاء
وهو ماء اسود كثيرا ما يظهر في الأماكن المخسوفة لانفتاح منفسه، ومنه منبع المياه الرديئة
كلها، الغير الملائمة لمزاج الانسان والحيوانات، فدار هذا الماء بالصخرة وصارت الأرض.
707 - 4 ثم حلل سبحانه مما يلي المركز فصار الهواء المظلم وهو اليحموم، فدار ذلك الريح
بالمركز فاشتد حركته وتموج الماء به، فرأت الملائكة ميد الأرض، وقد جعل لهم
التعريف من الله بأنها محل لخلق لا يمكن التصرف لهم الا على ساكن فقالوا كيف



(1) - أي: سرب
476
الاستقرار عليها يا ربنا؟ فأبدى لهم تجليا اصعقهم به.
708 - 4 وخلق من الأبخرة الغليظة الكثيفة الصاعدة الجبال فقال بها عليها، فسكن ميد
الأرض.
709 - 4 وطوق هذه الأرض بجبل محيط بها من صخرة خضراء وطوق به حية عظيمة
اجتمع رأسها بذنبها، ورأيت من صعد هذا الجبل وعاين الحية وكلمها من الابدال، ثم
افاق الملاء الاعلى من صعقهم فرأوا من قدرة الله تعالى ما هالهم فقالوا ربنا هل خلقت شيئا
أشد من هذه الجبال؟... إلى آخر الحديث (1).
710 - 4 وقد تخيل قدماء الفلاسفة ان الأفلاك السماوية مخلوقة قبل الأرض وأخطأوا غاية
الخطاء، لان العلم بصنعة الحكيم يحتاج إلى اخبار الصادق أو العلم الضروري أو إقامة الدليل
بكيفية الامر، وليس للقدماء في هذه كلها مدخل، وقال الجندي: ثم دارت الأفلاك
الأربعة بما فيها من الأرواح والاجرام النورية والحت بتجلياتها ومطارح أشعتها وبما فوقها
من العقل والنفس الكليين والأسماء الإلهية على الباقي من العنصر، فحللته وأظهرت كوامنها
بالتحصيل للتفصيل تحليلا كليا وتفصيلا اجماليا، فتميزت العناصر الأربعة وفي كل
منها، إذ التحليل إحدى كلي، ولما مر من اللمية والآنية.
711 - 4 ثم توالت التجليات وتجلت التحليلات والحت على هذه العناصر، فصعدتها مرة
بعد أخرى حتى اطلعت ما فيها من الجواهر والزواهر، فارتفع أولا دخان كلي إحدى جمعي
من حاق المركز يكتنفه ستة أخرى، ثلاثة فوقه وثلاثة تحته - وهو الرابع - فسواهن سبع
سماوات (27 - البقرة)
712 - 4 فخلق على طبيعة الركن البارد اليابس سماء كيوان واشتعلت زبدته من



(1) - إلى هنا تم كلام الشيخ رضي الله عنه
477
خلاصته بنور النفس الرحماني من حضرة الاسم الرب، فكانت نفس كيوان، وظهرت في
هذه السماء حقائق الربوبية من التربية والاصلاح والحفظ والبقاء والثبات، فان هذه السماء
بحفظ ما تحتها كالقشر الصائن لما في جوفه.
713 - 4 ثم تجلى الاسم العلام الكشاف القاضي للحاجات بحقائق الكشف والحيوة
العلمية الطيبة والسعادة والصلاح والإنابة والطاعات والمبرات في روح المشترى
واشتعلت صفاوة جوهره السماوي جرما نوريا أو نورا جسميا، فهو مظهر الاسم العلام
وسمائه خلاصة العنصر الحار الرطب.
714 - 4 ثم تجلى القاهر القوى الشديد من أعوان القادر لإيجاد سماء الأحمر الحار اليابس
واشتعلت خلاصتها بنور النفس الرحماني من تلك الحضرة.
715 - 4 وقد تكون في الوسط سماء الشمس وهى اعدل السماوات وأخلص الصفاوات،
واشتعل أخلص الزبد بنور النفس الرحماني من حضرة اللاهوت، والحيوة والنور بحقائق
الملك والسلطان من سدنة الاسم (الله).
716 - 4 ثم تكون سماء الزهرة من خلاصة العنصر البارد الرطب واشتعلت زبدة السماء بنور
النفس الرحماني من حضرة الاسم الجميل والمصور واللطيف والودود والمنعم والعطوف وأخواتها.
717 - 4 ثم تكون سماء الكاتب من تجلى نور الاسم البارئ والمحصى والحكيم والسريع الحساب
وأخواتها.
718 - 4 ثم تكون سماء القمر واشتعلت زبدة خلاصتها بنور تجلى الخالق والمدرك
والسريع والموحى والقائل والمحسن والظاهر وأخواتها بأنواع البشرى والكرامات،
فتكونت كل من هذه السماوات السبع بأنوارها الكوكبية من أخلص العناصر على
وجه اعدل وانقى - تكونا كليا وحدانيا جمعيا - فيبقى كما مر إلى أن تقوم القيامة

478
فيتغير صور طبقاتها وأنوارها دون جواهرها وذواتها، إذ لا يقوى قوة الأفلاك الأربعة، لهذا
بقيت هذه الأربعة ثابتة يوم القيامة بصورها مع ما هي متشبثة بها من أنوار الأفلاك
والاجرام التي فيما فوقها.
719 - 4 ثم تعينت العناصر السافلة الثابتة، كاثقال الصاعدات، فانحازت إلى
احيازها الطبيعية وأحاطت بعضها على بعض، فثبت الأرض في المركز وأحاطت بها كرة
الماء ثم الهواء ثم الأثير. ثم كلامه.
7720 - 4 وقال الفرغاني: لما ظهر اثر النفس الرحماني بصورة هذا الكون الهبائي
القابل للظهور بكل صورة محسوسة، سواء كانت بسيطة لطيفة لا تقبل التجزئ والخرق
والالتيام أو مركبة كثيفة بالنسبة بحيث تقبلها الكون والفساد، وكان محل الصور الغير
المتجزئة مجملا ومفصلا حصة من العماء مسماة بعالم المثال، فمجملها ظهر بصورة العرش
وفلك الأفلاك والبروج، ومفصلها بصورة الكرسي والمنازل، فمجمله اجمال التفصيل
اللوحي ومفصله تفصيل هذا الاجمال، وانعمر بهذه الصور عالم المثال، وبقى ما يقبل
الصورة الكثيفة التي يمكن تجزئتها بحكم تركيب هذه الأركان، فحصل تركيبها
وامتزاجها بحكم الاقتضاء الحبى والتوجهات الأسمائية من حيث صورها المعنوية ومظاهر
الروحانية والمثالية من هذا الهباء في جهة من حضرة الامكان مسماة بمرتبة الحس، بحيث
ارتفع التميز بين هذه الأركان حتى صار الكل شيئا واحدا مجملا بعد في جهة العمائية التي
هي المرتبة الثالثة. فكان هذا جملة ذلك التفصيل وإليه الإشارة بلفظ الرتق في قوله:
كانتا رتقا ففتقناهما (30 - الأنبياء) وسميت تلك المادة المرتوقة عند بعض بالعنصر
الأعظم وعنصر العناصر.
721 - 4 وللعنصر الأعظم أربعة أركان هي العناصر المشهورة، كما لاصله الذي هو
الهباء أربعة أركان هي أركان الطبيعة، فتحرك هذا العنصر بأركانه بحكم سريان الحب
الأصلي ومال ميلا شوقيا إلى كمالها المتعلق بصور تفصيلها، فأوجب تلك الحركة بحسب قوة

479
مظهرها فيها اثرا خفيا من الحرارة فارتفع بحكم ذلك الأثر ما كان منها الطف على هيئة
بخار أو دخان مجمل وحداني، فكان ذلك رتق السماوات.
722 - 4 ثم تميزت الأقسام في القسم الذي هو فتق الأركان بحكم سريان السر الرباعي
على أربعة أقسام غلب على كل قسم منها ركنان، مع اشتماله على الباقي وترتب رتق
الأرض ثم الماء ثم الهواء ثم النار كما مر.
723 - 4 ثم إن الاسم الله والرحمن لما كانا متوجهين إلى تحقيق الكمال المضاف إلى
توابعهما التي هي الأسماء الإلهية وإلى اظهاره المتوقف على ظهور احكام الحقائق الكونية التي
هي مظاهر تلك الأسماء، وكان مبنى مطلبهما على الامر الايجادي الذي مبنى قاعدته على
اجتماع الأصول الأسمائية أولا من حيث مظاهرها المعنوية التي عينها الاسم المريد، وثانيا
من حيث مظاهرها الروحانية التي يعينها الاسم البارئ، وثالثا من حيث مظاهرها المثالية
التي هي الأركان الطبيعية والاحكام الثلاثة الجسمية مجملا ومفصلا، المتعينة بحكم الاسم
البارئ أيضا، ورابعا من حيث الجسمانية الحسية.
724 - 4 وكان اظهار تفصيل ذلك المطلب الذي هو الكمال الأسمائي في كل مرتبة
متوقفا على تعين مظاهر أركانها وأصولها، حتى يتم اثر توجهاتها واجتماعاتها بتلك المظاهر،
وقد تميز في الكون الهبائي ما كان قابلا للصور الجسمانية اللطيفة الفلكية متصاعدا بخارا أو
دخانا مرتوقا عما كان للصور الأرضية وغيرها من الأركان، برز المرسوم من اسمى الله
والرحمن إلى الاسم المصور ان تعين لحقائق الأئمة السبعة المعينة لأسمائها مظاهر جسمانية لطيفة
علوية فلكية.
725 - 4 ولنفس الأسماء السبعة مظاهر نورانية كوكبية تؤثر بتوجهاتها واتصالات
بعضها ببعض فيما تحتها من عالم الكون والفساد، فتحدث الصور الكثيفة المركبة أجناسا
وانواعا واشخاصا من المولدات، فعين الاسم المصور لاعطاء المادة المرتوقة التي لكل من
السماوات والأرض صورة مناسبة له خوطبت مادتهما بقوله تعالى: ائتيا طوعا أو كرها

480
(11 - فصلت) أي أقبلا على قبول صورة أعطاها المصور لكل منكما طوعا من حيث
كمالكما الجزئي المتضمن للعلم بخيرية قبول ما يصدر عن الحق بالاختيار والميل إليه بالذات،
وكرها من حيث عدميتكما الامكانية المقتضية للجهل بذلك، فتلزمان بالقسر والقهر
لاظهار الكمال، فقالتا آتينا طائعين (11 - فصلت) لقربهما من الفطرة وغلبة حكم الوحدة
والاجمال على حكم الكثرة والتفصيل، اللذين هما من خواص الامكان.
726 - 4 فلما سرى حكم الحركة الحبية الأصلية والاجتماعات الأسمائية بحكم الاسم
المصور في تلك المادة المرتوقة الدخانية في مرتبة الحس تحركت من حيث نقطة مركزها
حركة دورية، وتصورت بصورة سماء أولي من وجه ورابعة من وجه، فصارت مظهرا
لصفة الحياة وغلبة الحرارة.
727 - 4 وعين الاسم المصور بموجب المرسوم الكريم للاسم المتعين بها، وهو الاسم الحي
مظهرا نورانيا هو الشمس، فكانت كالنفس المدبرة لهذه الصورة السمائية، ثم عين
فوقها ثلاث سماوات وتحتها ثلاثا، وعين لكل نفسا مدبرة هي كوكب يختص بكل
سماء.
728 - 4 فالسماء الرابعة التي هي وسط السماوات مظهر صفة الحياة والشمس مظهر
الاسم الحي الجامع وظهور سلطنة سادنه الذي هو المحيى فيه أتم، والثالثة مظهر الإرادة
والزهرة مظهر الاسم المريد وظهور حكم سادنه الذي هو المصور من وجه فيه أكثر، والثانية
مظهر الأقساط والعدل والعطارد مظهر الاسم المقسط وحكم تابعه الذي هو البارئ من
وجه فيه أظهر، والأولى مظهر القول، ولهذا كان بيت العزة الذي هو منزل القرآن في تنزله
جملة مختصا بها، والقمر مظهر الاسم القائل، وسلطنة تبعه الذي هو الخالق من وجه فيه
أقوى، والخامسة مظهر القدرة والمريخ مظهر الاسم القادر وقوة سادنه الذي هو القاهر فيه
أقوى، والسادسة مظهر العلم والمشترى مظهر الاسم العالم وسلطنة تابعه الذي هو الحكيم فيه
أظهر، والسابعة مظهر الجود، ولهذا كان إبراهيم عليه السلام موصوفا به وبالقيام بحقوق

481
الضيافة نفسا ومالا، ولذا روئي في السابعة، وزحل مظهر الاسم الجواد وسلطنة الاسم
الرب - الذي نسبته إليه أكمل - فيه أقوى.
729 - 4 انما صور انظار هذه الكواكب واتصالاتها بسيرها وسياحتها بحكم ظاهر قوله
تعالى: وكل في فلك يسبحون (40 - يس) فهي مظاهر احكام هذه الأسماء ونسبها وآثار
توابعها وفروع فروعها وهلم جرا.
730 - 4 وهذه المظاهر والأسباب معدات لقبول آثار الأسماء والفعل والتأثير لأعيان
الأسماء، وذلك على مقتضى عالم الحكمة واندراج القدرة فيها، كما يرى في الأسباب المحسوسة،
والذي يفعل هذه الأسماء تارة بأعيانها لا بواسطة هذه المظاهر بل على خلاف ما يقتضيها
ظواهر احكامها، فعلى مقتضى عالم القدرة واندراج الحكمة فيها.
731 - 4 فيظهر في النشأة الدنياوية تارة بواسطة هذه الأسباب غالبا واخرى لا بها أحيانا
صور المولدات وأنواعها واشخاصها، الكليات بكلياتها والجزئيات بجزئياتها بموجب قوله تعالى:
قل كل يعمل على شاكلته (84 - الاسراء) وكل ذلك بحكم الامر الإلهي الوحداني الساري في
المظاهر الفلكية والكوكبية، كما قال تعالى: وأوحى في كل سماء امرها (12 - فصلت) أي الامر
المختص المنصبغ بحكمه، وبحسب تفاوتها حيطة وكلية وجزئية يظهر التفاوت فيما تفرع عنها.
732 - 4 ثم اعلم أن بعد فتق السماوات والأركان، انفتقت بحكم الحركة الحبية
واقتضاء الاجتماعات من حيث مظاهرها الروحانية والمثالية والحسية المادة الترابية المرتوقة،
فكانت أرضا وصورها الاسم المصور كرية عقلا ومسطحا ظاهرا، كما قال تعالى: والأرض
بعد ذلك دحاها (30 - النازعات)
733 - 4 وكما تعين بالحركة العرشية مقدار اليوم المتعارف، تعين بباقي الأفلاك
والعناصر والأرض المدحوة انقسام اليوم العرشي إلى الليل والنهار ودوره إلى الأسابيع
والشهور والأعوام بتقدير العزيز العليم.
734 - 4 وباعتبار ان الزمان مقدار الحركة اليومية المحددية صار محلا لظهور كل

482
ما يبدو من الأجسام والاعراض التي يحتوى المحدد عليهما حتى صارت محكومة للزمان، لما
تقرر في القواعد: ان كل صورة ما يحل في محل صوري أو معنوي يكون تحت حكمه
ولا يظهر الا بحسبه، والله أعلم واحكم. إلى هنا كلامه.
735 - 4 قال الشيخ الكبير قدس سره: ومعنى قولنا: خلق الله في هذه الأكر (1) عالم كذا
وعمرها بكذا، انه هيأ فيها مراتب خلقها وكون فيها أجسامها النورية واعدها لقبول
الأرواح والحيوة، واسرار هذا الاستعداد في الأفلاك الأربعة الثابتة. ولكل من الأفلاك دورة
قسرية فصل مكانه من الجسم الكل وظهر الهواء بينه وبين فلك فوقه.
736 - 4 ثم توجه الحق سبحانه على هذه السماوات والأرض وما بينهما بخلق الأرواح في
صورها المعبر عنه بالنفخ، فقبلت الأرواح على قدر استعدادها، فإذا وفت الطبيعة ما في
قوتها مما جبلها الله عليه وحصل المنع في الأركان عن القبول، عادت آثارها حركات
الأفلاك عليها لما لم تجد ما ينفذ، فتصادمت تصادم الاشخاص فانفظرت ورجعت إلى أصل
المبدأ، وجعل الله حركات هذه الأفلاك كلها على طريقة واحدة من الشرق إلى الغرب -
كحركات الأفلاك الثابتة - بخلاف ما يقوله أصحاب علم الهيئة، فيجعلون حركاتها (2) من
الغرب إلى الشرق لما يرون من تأخرها وليس الامر كذلك، ولكن حركة فلك الكواكب
على مقدار يعطيه تركيبه وطبعه من السرعة وبقدر قوته من الوزن المعلوم الذي قدره
خالقه، فيظهر تأخر صحيح - كما للقمر - وليس بتأخر حركة ضدية تقابله، ومن قال به
فما عنده علم ولم يقع من الحق في شئ.
737 - 4 وقد جعل سبحانه لتوجهات الملكين الكريمين المعبر عنهما بالقلم واللوح مدخلا
فيه وسكتنا فيه عن تحقيق الأسباب لئلا يتخيل انا نجعل الفعل لغير الله تعالى أو نجعله لله
بمشاركته السبب، فلسنا من أهل هذين المذهبين، بل لأسباب عادية ان شاء جعلها أسبابا



(1) - أي: عالم العناصر الأربعة - ق (2) - أي أفلاك السيارات - ق
483
وان شاء لا، لكن قد شاء وسبق في علمه ان لا يخلقها الا هكذا كما ذكرناه، هذا كلامه.



ويسمى الشيخ الكبير قدس سره الأفلاك الأحد عشر الاباء العلويات والأركان الأربعة القوابل والحوامل والأمهات السفليات
الأفلاك الأربعة الثابتة الدائمة، إذ فيه الجنة.
السماوات السبع المتغيرة بصفاتها من الانشقاق والاندكاك والخرق والالتيام وطبائعها عنصرية.
العناصر الأربعة.
484
الأصل السادس عشر
في ظهور المولدات بالاستحالات إلى أن ينتهى نزول الامر الإلهي إلى الانسان الكامل
فينعطف به إلى الأصل الشامل
738 - 4 قال الشيخ الكبير رضي الله عنه في عقلة المستوفز: لما كملت الأفلاك
والأركان ودارت الأحد عشر فلكا وهى الاباء العلويات، أعطت الحركات في الأركان
القوابل الحوامل وهى الأمهات السفليات الحرارة، فسخن العالم وتوجه العقل والنفس
اللذان هما القلم واللوح، وتوجه العنصر الأعظم الشريف الذي هو لكرة العالم كالنقطة
والقلم كالمحيط - واللوح ما بينهما - وكما أن النقطة تقابل المحيط بذاتها على وحدتها، كذلك
هذا العنصر مقابل بذاته جميع وجوه العقل وهى رقائقه، فللعنصر وجه واحد وله التفاتة
واحدة، ولهذا كان أشد تحققا بتوحيد خالقه من العقل وأقوى نسبة، وإلى العنصر والعقل
الإشارة قوله تعالى: لا كلوا من فوقهم - أي: المواهب والاسرار التي بيد القلم - ومن تحت
أرجلهم (66 - المائدة) أي: لطائف العنصر الأعظم المستمدة منه وهو من الله تعالى بذاته.
739 - 4 ولما تسخن العالم ابتدأت الاستحالات في الأركان التي يقع بها التناسل
وجعل الاستحالة على حسب ما نظمها العزيز العليم، ومن أعجب صنعه ان جعل أول
الأكر - وهى الأرض - وآخر الدوائر السماوية - وهى السابعة - على طبيعة واحدة هي
البرودة واليبوسة، وجعل بين الأركان منافرة، اما من كل وجه فلم يتجاورا، كالنار
والماء، بل جعل بينهما واسطة تناسب كل منهما من وجه، فاجرى الاستحالة بينهما (1) على
ما هو المشهور، وكل ما جوز حده (2) انتقل إلى ضده، والاستحالة بين المنافرين من كل
وجه لم يذكروها وهى واقعة نادرة.



(1) - بينها: أي الأركان - ق - ل (2) - مثلا إذا جاوزت اليبوسة حدها في النار كانت رطوبة فحينئذ
يكون النار ماء لان الضدية مما تعد مناسبة أحيانا - ق
485
740 - 4 وبهذه الاستحالات حدثت دائرة الزمهرير والجمد في الهواء وجبال البرد
والبحر المسجور والماء الذي في جوف كرة الأرض والهواء المظلم الدائر بالصخرة والهواء
الذي يلي النار فوق دائرة الزمهرير، فصورتها اليوم صخرة في المركز دار بها - هواء على
الهواء ماء على الماء ارض على الأرض ماء على الماء هواء على الهواء جمد على الجمد بحر على البحر
هواء على الهواء نار على النار - السماء الدنيا، وهذه الاستحالات أعطاها ما أودعه الله تعالى
في الأدوار كلها.
741 - 4 وبأدوار الأفلاك الثابتة خاصة (1) كانت الجنات وعوالمها المخلوقون فيها التي
هي أرواح محمولة في أنوار وأجسام شفافة شريفة معدنية تناسب فلكها، وعنها انتشأت
الخزنة، والخازن الأكبر رضوان، إذ حالة الرضاء الحالة الكبرى في الجنة كما ذكر في آخر
حديث الجنة: بقى ان أعلمكم برضائي عنكم، فلا أسخط عليكم ابدا... الحديث، والمخاطبون به
العاملون للجنة.
742 - 4 واما العارفون فليس لهم في هذا الخطاب مدخل، إذ قد نالوه في الدنيا حال
سلوكهم لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فالعارفون مع الله تعالى بالذات وفي
الجنة بالعرض، فهم أهل الله وخاصته لا ينسبون إلى الجنة، لكن الجنة ينسب إليهم،
وأهل الجنة مع الجنة بالذات ومع الله بالعرض، ولهذا كانت رؤيتهم لله تعالى في أوقات
مخصوصة، وكليتهم في الجنان مع الحور والولدان.
743 - 4 وكما انتشأ منها عالم الرضوان، كذلك لما سرى النور ظهر مالك وخزنة النار
ويسمى رئيسهم مالكا لقهر الظاهر في عالم الشقاء، فان الأرواح من عالم السعة
والانفساح بالأصل، فإذا انحصرت في هذا الضيق بما اكتسبته كان الضيق عليها أشد



(1) - الأفلاك خاصة - ط - أي: الأربعة: العرش والكرسي ظاهريتهما وباطنيتهما - ق
486
عذابا، وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا... الآية (13 - الفرقان) فالثبور الكثير العذاب الغير
المتناهى ولا شئ أشد عليهم من السخط السرمدي. قال فيه تعالى: اخسئوا فيها ولا تكلمون
(108 - المؤمنون) وجميع هذا الشكل من المركز إلى المحيط شكل القرن أسفله ضيق
وأعلاه واسع وهو الصور، أي جامع الصور. فأهل الجنة في سعة المحيط وهو عليون وأهل
النار في ضيق السفل وهو السجين، فالنعيم والسرور بقدر السعة والعقاب والهموم
والثبور بقدر الضيق، فنسأل الله تعالى ان يجعلنا من أهل الله بعقولنا ومن أهل السعة
بنفوسنا. آمين.
744 - 4 ثم (1) أول ما دارت الأفلاك وأعطت الاستحالات في الأركان وسخن العالم،
فأول ركن قبل الأثر ركن النار وهو الأثير، فظهرت الكواكب ذوات الأذناب وهى
احتراقات وتكوينات سريعة الاستحالة ونجوم سريعة الفساد، وكانت رجوما عند بعث
محمد صلى الله عليه وآله، فما يلي منها العلو أطفأه برد السماء وما يلي السفل اطفأه الزمهرير
والبحر المسجور، فانتشأ في هذا الركن عالم الجن بين سعيد وشقى، فمن غلب نور
روحانيته على نار طبيعته سعيد ومن بالعكس شيطان ولما فيه من البرودة والرطوبة،
لأنه ممتزج الأصل يقبل العذاب بالنار، وانما نسب إلى النار لأنه العنصر الغالب فيه كعنصر
التراب فينا، وكان للجن قبل مبعث محمد صلى الله عليه وآله مسالك في كرتهم نحو السماء
يسلكون ليستمعوا حديث الملأ الاعلى الفلكي، وكان الحكم من آدم إلى محمد صلى الله
عليه وآله على ما رتبه الحق للملك الكريم المخلوق على صورة السنبلة، إذ كانت النشأة
الانسانية ترابية، فلم يكن النجوم ذوات الأذناب بتلك الكثرة لغلبة الجمود والسكون الذي
يقتضيه البرودة واليبس.



(1) - باب في النكاح والتوالد - ط - ص: 87 عقلة المستوفز
487
745 - 4 فلما جاء محمد صلى الله عليه وآله ودار الزمان انتقل الحكم إلى الملك الكريم
الذي على صورة الميزان وهو العدل واعطى كل ذي حق حقه، وهو ريحي اشتعل الفلك
الأثير اشتعالا عظيما، فكثرت النجوم ذوات الأذناب في الأثير فعمرت كل مسلك فيه
فضاقت المسالك على الجن الذين يسترقون السمع ولم يعرفوا ما علة ذلك، فقالوا انا لمسنا
السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا (8 - الجن) فالحرس الملائكة وهم الرصد في
الآية الأخرى، والشهب النجوم ذوات الأذناب، ومع هذا كله يسلكون بحكم البخت،
فان صادفهم شهاب احرقهم، وجعل بأيديهم عالم الخيال ونصب لرئيسهم عرشا على
البحر في مقابلة: وكان عرشه على الماء (7 - هود) وهو عرش التلبيس، وجعل بيده قوة
مثال كل شئ في العالم الحقيقي يأتي به في عالم الخيال على صورته في العالم الحقيقي ليضل به
أهل الكشف في كشفهم وأهل الفكر في أدلتهم، فبيده مفاتيح الشبه والشكوك.
746 - 4 ثم أقول: وأوجد الله تعالى هذه الدورة المحمدية في هذا الوقت ونصب فيه
هذا الوالي ليكون اسراره مكتومة ومقاماته مستورة، ويكون الطمس على الأفكار بقوة
ناريتها وعدم ثبوتها، فلا يستقر كما استقر أفكار القدماء قبل استدارة الزمان، فكانت الحيرة
في أهل الأذواق منا أكثر من غيرنا من الأمم، ومن تعب في الفكر منا وقف حيث تعب،
فكثر الاختلاف في الإلهيات لاشتغال الخواطر وغلبة الحرارة عليها.
747 - 4 فأكثر الخلق في هذه الأمة مجبولون على الأمور التي لم يكن أحد من غابر الأمم
يصل إليها الا بعد الرياضات والخلوات والأفكار الرائضة بنفوسهم، واشتعلت أيضا
قلوب أهل الاذكار والاجتهادات في العبادات وهم الصادقون من الصوفية، فنالوا
المراتب العلية في العلوم الإلهية وكان علماء هذه الأمة كأنبياء سائر الأمم، وفتح في بواطنهم
ما كان يظهر في بني إسرائيل من العجائب وهم لا يعرفون قدره، فانكتمت سرائرهم

488
لتحققها بالحق سبحانه، فليس لهم ظهور الا حيث يظهر الحق، وذلك في الدار الآخرة،
ولذلك أيضا كثر نطق الجمادات والنباتات وحياتها في هذه الأمة، كسلام الحجر عليه صلى
الله عليه وآله وتسبيح الحصى في كفه وحب الجبل له وحنين الجذع وكلمه الذراع
المسمومة حتى قال عليه وآله السلام: لا تقوم الساعة حتى تكلم الرجل عذبة (1) سوطه
وتحدثه فخذه بما عمل أهله وتقول الشجرة: يا مسلم هذا يهودي خلفي فاقتله، ويخرج الدابة
التي تكلم الناس، ولهذا جعل شهورهم قمرية لا شمسية، لان آية القمر ممحوة، قال تعالى:
فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة (12 - الاسراء) فكان ذلك تقوية لكتم ايمانهم (2).
748 - 4 ثم إن الله خلق الدواب التي تعمر البحر الذي بين السماء والأرض ثم جبال
الثلج والبرد الذي دون البحر مما يلي الأرض، كون فيها حيتان بيضاء صغار قد يصل إليها (3)
بعض الطيور فيصيد منها، ثم ما زال التكوين يتنزل إلى أن نزل إلى الأرض فتكونت المعادن
ثم النباتات ثم الحيوانات ثم الانسان، وجعل اخر هذه أول التي يليها، وكان آخر المعادن
وأول النبات الكماة (4) وآخر النبات وأول الحيوانات النخلة وآخر الحيوان وأول
الانسان القردة، فلنذكر نشأة الانسان، هذا كلامه.
749 - 4 وقال الفرغاني: لما ظهر بما تكرر ان أول ما تعين من غيب الغيب النفس
الرحماني وحدانيا مندرجا فيه الفعل والانفعال، بل الأسماء والصفات والافعال، حتى كان
العالم والعلم والمعلوم والفاعل والقابل واحدا في المرتبة الأولى التي هي الوحدة الحقيقية
الجامعة بين الأحدية والواحدية بالنسبة السوية.
750 - 4 ثم عين من عينها عين النفس الرحماني في المرتبة الثانية التي هي اعتباره المشتمل
بحكم وأحديته على تفاصيل غير متناهية متعلقة بأبديته.



(1) - عذبة السوط، طرفه وعلاقته (2) - آياتهم - ن - ط - ع - ل - أي: التي أعطاهم الله - ق
(3) - أي إلى هذه الجبال - ق (4) - كمأة: جدري الأرض، بالفارسية: دنبلان كوهى.
489
751 - 4 ثم تعين منه في هذه الرتبة الثانية من حقائقه حضرة الوجود المسمى حضرة
الوجوب - تسمية الشئ باسم لازمه - ومن شأنها الوحدة الحقيقة والكثرة النسبية،
فلانتساب الوحدة الحقيقية إليها اختص بما ينسب إليه الفعل والتأثير، فانتسب جميع
الأسماء الإلهية إليها.
752 - 4 ثم تميز في مقابلتها في هذه المرتبة الثانية حضرة العلم المسماة حضرة الامكان -
تسمية بوصف ما فيها - ومن شأنها من حيث احتوائها على الحقائق، الكثرة الحقيقية
والوحدة النسبية المجموعية، ولشدة نسبة الكثرة إليها كان متعلقاتها مختصة بالقبول
والانفعال، ولما في حضرة الوجوب من الكثرة النسبية وفي حضرة المعلومات من الوحدة
النسبية، كان للأولى ضرب من القبول والانفعال، وللثانية نوع من التأثير والفعل، وذلك
من حيث الطلب الاستعدادي والسؤال والإسعاف بما سأل.
753 - 4 واما الحضرة البرزخية الاجمالية الانسانية والتفصيلية العمائية، فهي جامعة
بينهما من وجه، حاملة لهذا التجلي النفسي الجامع بين الصفات الإلهية والحقائق الكونية،
فحضرة الوجوب إحدى يديه الباسطة بالرحمة، ولاختصاصها بالذين ينفقون ويؤتون
الزكاة كانت اليمنى، فحضرة المعلومات والامكان يده الأخرى، ومن جهة ان بركة جميع
الكمالات الأسمائية متعلقة بهما جميعا، كانت كلتا يديه يمينا مباركة - نظرا إلى الكمال
الحقيقي لا النسبي -
754 - 4 فكل ما كان من المظاهر الروحانية والجسمانية حكم الوحدة والبساطة فيه
أظهر - كالسماوات كانت نسبته إلى مظهرية حضرة الوجوب - وتأثيرها أقوى واضافته إلى
اليمين أولي، وكل ما كان حكم الكثرة والكثافة أبين - كالأرض - كانت نسبته إلى مظهرية
حضرة الامكان وحكم الانفعال أولي، وإضافة مطلق اليد تأدبا إليه انسب، كما قال تعالى:
والأرض جميعا قبضته... الآية (67 - الزمر) فمعنى الأصابع العالمية والمريدية والقادرية،
والجوادية بمعنى الإجادة في الصنع والمقسطية، واما الحي فهو بمنزلة القبضة واليد.

490
755 - 4 إذا عرفت هذا فاعلم أنه لما ظهر اثر النفس الرحماني بصورة العنصر الأعظم
وفتق رتق الطبيعة البسيطة من وجه على سبعة أقسام - كما قرر - انقسم كثيفة
المركب أيضا على سبعة: أربعة هي الأركان وثلاثة مركبة، منها هي المولدات، وحيث لم
يظهر شئ أصلا الا في محل قابل، تعين من حضرة الاسم المقسط للمولدات ثلاث مراتب
اعتد إليه من حضرة البرزخية العمائية يكون ظهور كل مزاج حاصلا في مرتبة منها وبحسبها
وحكمها، واصل كل مزاج ركن معين وبقية الأركان واردة عليه بحسب سراية اثر المحبة
الأصلية في العنصر.
756 - 4 فأول ما تعين الاعتدال المعدني. لأنه أتم مشاكلة لأمهاته من البقاء وقلة القوى
وقلة احتياجه إلى الحفظ وبعده عن التغير والفساد، والجزء الأصلي في مزاجه الجزء الناري
لمناسبة القرب من البسائط وقوة حكم البساطة فيها، فإذا وردت الأركان الاخر عليه
فحصل المزاج، قبل من حضرة الاسم المصور صورة معدنية، ومن الاسم الحي اثر يحفظ
تركيبه من الانحلال ويوصله إلى الكمال، اما في مبدأ تمام الصورة فاحتاج في ظهور تمام
صورته إلى عمل وعلاج كثير - كالفضة والحديد ونحوهما - واما في وسطه فلم يحتج الا إلى
قليل معالجة كالذهب، واما في انتهائه فلم يحتج إلى شئ من المعالجة والعمل - كالياقوت
واللعل والمرجان - اما قبل ورود باقي الأركان على الجزء الناري تركبت معه اجزاء اخر
نارية فصارت صورا وأمزجة نارية في هذه المرتبة وتعلقت بها أرواح جنية مستورة من
غير نوع صورتهم وإبليس مبدئهم وهم صنفان: صنف غلب على مادتهم الاجزاء المظلمة
الدخانية فكانت مردة، وصنف غلب عليهم نورية النار فقبلوا به نور الايمان.
757 - 4 ثم اعلم أنه يحصل في المركب المعدني خواص ومنافع لم يكن ذلك في أمهاته التي
هي الأركان، كاللون والطعم والتفريح والتقوية والتغذية والزينة وكونه آلة القضاء
الحوائج بالذات أو بالعرض ونحو ذلك، وكل ما غلب عليه الجزء الترابي صار مطرحا كالتراب.

491
758 - 4 الثاني مما تعين رتبة الاعتدال النباتي والجزء الأصلي في تركبه الجزء الهوائي
فيرد باقي الأركان عليه ويقبل الممتزج صورة نباتية ويستدعى من الاسم الحي روحا نباتيا
يحفظها حتى يصل إلى كمالها المناسب، فيظهر بحكم روحها ما لم يكن في أمهاتها ولا في
المعادن، كالقوة الغاذية والمنمية والمولدة والجاذبة والدافعة والماسكة والهاضمة، ولها ثلاث
درجات: أدناها ما يقل نفعها، ووسطها ما يعم نفعها ذوقا وشما ودواء ونحو ذلك،
وأعلاها ما كان مع ما فيه من فوائد النباتات والمعدنيات مشابها للحيوان - كالنخلة مثلا -
759 - 4 الثالث ما ينزل الامر الإلهي بحكم الحركة الحبية الأصلية بعدهما إلى مرتبة
التركيب الاعتدالي الحيواني، والجزء الأصلي فيه الجزء المائي، قال تعالى: وجعلنا من الماء كل
شئ حي (30 - الأنبياء) ويرد باقي الأركان عليه فيقبل الممتزج من الاسم المصور صورة
حيوانية أفقية واستدعى من الاسم الحي القيوم روحا حيوانيا يدبره ويحفظه بقواها التي
أصلها الشهوية والغضبية، وزاد على ما في النباتات بالحواس الظاهر والحركة الإرادية
حركة أفقية، فمنه ما يستدعى في مزاجه حكمي جزئين من أركانه: حكم الترابي بجذبه إلى
الأرض والتصاقه بها، وحكم المائي يحمله على الحركة من مكان إلى مكان فيمشى على بطنه،
ومنه ما يقتضى غلبة حكمي جزئي المائي والترابي فيتحرك برجلين، كالانسان، أو غلبة حكمي
جزئي المائي والهوائي فيطير بجناحيه كالطير، ومنه من يكون فيه اقتضاء جميع الأربعة
الأركان فيقوم ويمشى على أربع، ومنه ما يكون اقتضاء الحركة فيه بقوى كثيرة من الأركان
والمولدات فيقوم على قوائم أكثر، لذا قال تعالى بعد عد الأصناف الثلاثة بقوله: فمنهم من يمشى
على بطنه ومنهم من يمشى على رجلين ومنهم من يمشى على أربع يخلق الله ما يشاء (45 - النور)
هذا كلامه.
760 - 4 ثم نقول: والانسان منتهى تلك الآثار ومجتمعها، أي منتهى نزول الامر الإلهي
واثار النفس الرحماني من كونه مفاضا.

492
761 - 4 قال الفرغاني: لان الركن الترابي والمزاج الذي أصل اجزائه منه والباقي (1) وارد عليه
يكون جامعا جميع مراتب الأمزجة السابقة عليه، لمرور الامر عليه وانصباغه باحكامها، ولان
الامر دوري فآخره عين أوله، لا جرم تعين في عين هذا المنتهى الترابي بظهور التركيب المتمم للدور
رتبة اعتدال شاملة لجميع الرتب الاعتدالية الثلاثة المذكورة، بل جميع المراتب البرزخية العلوية
والسفلية، وهذه الرتبة الشاملة صورة البرزخ الأول والثاني اللذين هما ابطن بواطن الحقيقة
الانسانية وميزان جميع المراتب الاعتدالية، ولكن صورة معقولة، والمزاج التام الاعتدال صورة لهما
محسوسة، والروح الإلهي المنفوخ فيه صورة التجلي النفسي الرحماني (2) الظاهري.
762 - 4 فكما ان البرزخ الثاني الجامع بين الوجود والعلم المتعلق بجميع المعلومات صورة
وظل للبرزخ الأول الجامع بين الأحدية والواحدية والتجلي (3) الثاني الظاهري النفسي وللتجلي
الأول الغيبي الباطني، كذلك هذه الرتبة الاعتدالية والمزاج الإنساني بعد حصول النفخ صورة ذلك
التجلي والبرزخ بما اشتملا عليه من الأسماء والحقائق الظاهرة والباطنة، لذا قال صلى الله عليه وآله: ان
الله خلق آدم على صورته - أو على صورة الرحمن - فكان آدم عليه السلام بحقيقته جامعا كل ما جمعه
البرزخ والتجلي الثاني، كما أن محمدا صلى الله عليه وآله جامع بحقيقته وصورته كل ما جمعه البرزخ
الأول من مفاتيح الغيب والأحدية، والواحدية جمعية أحدية بحيث لا يغلب حكم شئ شيئا أصلا.
إشارة شريفة خفية
إلى سر المطارحة الملكوتية من الملائكة تارة ومن إبليس أخرى ففيها تنبيه على كمال آدم
الذي به كان بالخلافة أحرى ولها مقدمات:
763 - 4 الأولى: ان الملائكة من جملة قوى اليد المضافة إلى الصورة الرحمانية التي حذى



(1) - أي: من الأركان - ق (2) - النفسي الرحماني الباطني هو الذي في الأحدية والواحدية - ق
(3) - عطف على البرزخ الثاني فهو اسم ان وخبره مقدر وهو صورة وظل، أي كما أن التجلي الثاني
الظاهري صورة وظل للتجلي الأول الغيبي الباطني والصحيح ان يكون للتجلي الأول بدون واو العطف - ش
493
آدم عليها، بل هي عين صورة تلك الصورة، فلذلك كانت الملائكة مظاهر أوصاف حقيقته
واجزاء صورة جمعيته.
764 - 4 الثانية: ان كمال كل كل انما يظهر من جهتين: إحداهما من جهة كليته
وجمعية اجزائه - وإن كان كل جزء منه بمفرده ناقصا - وثانيهما من جهة إضافة الكمال إلى
كل جزء جزء من اجزائه بإزالة النقصان عنه.
765 - 4 الثالثة: ان للملائكة جمعيات ثلاث وإن كانت لا تكفى لصلوح الخلافة. اما
الجمعيات: فمن جهة حقيقة الحقائق السارية في كل جزئي وبكليتها، ومن جهة سريان
الوجود المطلق المشتمل على كمالاته، ومن جهة الامكان القابل كل صورة وحكم، واما
عدم الكفاية: فلان للخلافة شروطا أخرى عدمتها الملائكة:
766 - 4 الأول ظهور هذه الجمعيات الثلاث بالفعل على سبيل العدل بلا غلبة بينها،
ونشأتهم تعطى غلبة احكام الوجوب والبساطة.
767 - 4 الثاني التلبس باحكام جميع المراتب الروحية والمثالية والحسية لاعطاء كل
ذي حق حقه، وهم محصورون في مرتبة واحدة حتى قالوا: وما منا الا له مقام معلوم
(164 - الصافات)
768 - 4 الثالث: الارتباط بجميع احكام الأسماء - تعلقا أو تخلقا - وليس لهم من
التعلق بالتواب والعفو والغفور وأمثال ذلك نصيب.
769 - 4 الرابع أعظم شروط الخلافة هو العلم بجميع المراتب وباهليها وحقوقهم
واحكامهم، لان الخلافة توسط يقتضى الاخذ من المستخلف واعطاء المستخلف عليهم، فمهما
لم يعلمهم لم يعط الخلافة حقها، وليس للملائكة ذلك بالفعل - كما سنبين -
770 - 4 إذا تقررت هذه فنقول: لما أراد الحق تعالى تكميل ادم ومن شاء من خواص نبيه
من كلتي الجهتين المذكورتين، بدأ بتكميل اجزائه، فخاطب الملائكة الذين هم أشرف
اجزائه الكونية على سبيل المشورة بقوله تعالى: انى جاعل في الأرض خليفة (30 - البقرة)

494
حتى يظهر فيهم ما كان كامنا من النقصان الحاصل من وجوه الامكان، وذلك ثماني عشرة
خصلة ذميمية كامنة فيهم وهم غافلون عنها:
771 - 4 الأولى طعنهم في آدم عليه السلام. الثانية رميهم ببهتان الهتك والسفك بدون
مشاهدة. الثالثة قذف المحصن. الرابعة الشهادة عند الحاكم قبل الاستشهاد. الخامسة سوء ظن
فيه. السادسة التفحص عن معايبه. السابعة اظهار ذلك بالقول. الثامنة كون ذلك (1) عن
استدلال عقلي بآلة الفعل، وهى الشهوة والغضب على فعل الفساد وسفك الدم. التاسعة
الاعراض في ذلك عن الاستبصار في طلب اليقين. العاشرة اغتيابهم لآدم في حضرة الحق.
الحادية عشرة حسدهم على فضيلته وصلاحيته للخلافة. الثانية عشرة حرصهم على جاه
الخلافة. الثالثة عشرة ظنهم الغير المطابق انهم يصلحون للخلافة، نظرا إلى الجمعيات الثلاث،
فما أحقهم بان يقال: حفظت شيئا وغابت عنك أشياء. الرابعة عشرة الاعجاب بنفوسهم.
الخامسة عشرة رؤية عملهم وطاعتهم. السادسة عشرة إضافة فعل التقديس إلى أنفسهم لا
إلى حول ربهم وقوته وتوفيقه وعصمته. السابعة عشرة تعرضهم للاعتراض على ربهم.
الثامنة عشرة تزكية أنفسهم بالنزاهة عن النقائص.
772 - 4 ولما ظهرت منهم هذه الخصال الذميمة الكامنة فيهم وكان إبليس حاملهم
على ظهورها، أراد الحق تعالى تطهيرهم وتكميلهم بإزالة هذه النقائص عنهم، لكونهم اجزاء
من أراد تكميله ليتوجهوا إلى ابراز صورته التي هي أتم مظاهر الكمال عن بينة وتعرض
لقبول الطهارة عن كل النقائص، وكان توجههم إلى ايجاد سائر صور العالم من العرش
إلى الفرش ومن المولدات في ضمن التوجهات الأسمائية قبل انشاء صورة آدم منصبغا
بانصياع تلك الأحكام الكامنة فيهم، فلما حصل لهم قابلية الطهارة عن الواثها من هذا
التنبيه، ظهر اثر حركة المحبة الأصلية لتحقيق كمال الاستجلاء، فتوجهوا في ضمن



(1) - أي: الاظهار - ق
495
التوجهات الأسمائية من حيث أعيانهم ومن حيث مظاهرها المثالية والحسية الفلكية والكوكبية
باتصالاتها وتشكلاتها المسعودة بعد تحققها في سلطنتها الدورية، إلى تسوية هذا المزاج الإنساني
والصورة العنصرية الآدمية وبعد التطورات بالأطوار الأربعة الترابية ثم الطينية بورود الماء
وظهور خصائصه فيه، ثم الحمأ المسنون باتصال الهواء ثم الصلصالية بظهور اثر النار.
773 - 4 فإذا تمت التسوية باستعمال إحدى يديه المقدسة المتعلقة بها ظهور حكمته، أنشأ
النشأة الأخرى بيمينه المقدسة التي يتعلق بها ظهور آثار قدرته، فنفخ فيه من روحه
الأعظم وهو توجه وجه ظهوره الكلى لتدبير هذا المزاج المسوى الكلى واستعمال الملائكة
الذين هم كالقوى والاجزاء لهذه اليد اليمنى من غير قصد وحضور معين منهم وتوجه خاص
مضاف إليهم، لذا قال: ونفخت فيه من روحي (29 - الحجر) لا كما قال: فنفخنا فيها من
روحنا (91 - الأنبياء)
774 - 4 ولما تمت صورة آدم ومعناه وصار روحا لنشأة جميع العالم ومجلى كاملا
لظهور صورة الحق وجميع أسمائه الحسنى، اخذ الحق جل جلاله في تكميله وقدم على اجزائه
تكميل صورة جمعيته بعلم الأسماء، لان علم كنه الذات ممتنع كما قال: وعلم آدم الأسماء كلها
(31 - البقرة) والأسماء على الحقيقة انما هي تعينات نور الوجود، المتحققة بحكم المعاني
والحقائق - مفيضا كان أو مفاضا - والألفاظ أسماء الأسماء، فيتأكد قوله تعالى (كلها)
دخلت الأسماء اللفظية والرقمية في الأسماء المراد بها التعينات الوجودية مطلقا، ولذا ذكرت
بصيغة مختصة بالذوات العاقلة، كلفظة (هم) و (هؤلاء) كأنه تعالى علم آدم حقيقة ذات
آدم وما اشتملت عليه حقيقته ووجوده من الأسماء والصفات والحقائق الحقية والخلقية
الثابتة في المرتبة الثانية متمايزة - لا الأسماء الذاتية الثابتة في الرتبة الأولى - فإنها مسميات تلك
الأسماء المتعلق بها وجود العالم، فعرف به نفسه وبها (1) ربه وكملت ذاته من جهة جمعيته.



(1) - أي: بنفسه
496
775 - 4 ثم شرع في تكميله من جهة أخص اجزائه الذين هم الملائكة، فعرض كل ما
علم آدم مما اشتمل عليه ذاته حقا وخلقا على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم
صادقين (31 - البقرة) أي في ظن اهليتكم للخلافة، فاخبروني بأسماء ما في بواطنكم من
الاحكام الامكانية التي اقتضت فيكم ما أبديتم من العصبية والقدح وسائر النقائص
السابقة، وبأسماء ما في ظواهركم من الوجود وما أفيضت منه في عوالمكم من ملكوت
كل شئ، وبأسماء ما اشتملت عليه ذات آدم من خصائص حقية وخواص خلقية.
776 - 4 وذلك لان هذا العلم من خصائص الخليفة الذي شرطه ان يكون على صورة
مستخلفه، فحيث كانت الملائكة محصورين بحكم عالمهم ونشأتهم لم يهتدوا إلى ما خرج عنها،
فاعترفوا بالعجز قائلين بلسان نشأتهم. سبحانك من أن يعلم أحد الا ما علمته، اما بالفطرة أو
بالتعليم الكسبي، ومن أن يعارض حكمك وحكمتك، فلما بان عجزهم عاد إلى تكميلهم
بوساطة أصلهم وكلهم فقال لادم: أنبئهم بأسماء المسميات الذين هم عين أسمائنا الذاتية
والصفاتية والفعلية والحالية والمرتبية المفيضية والمفاضية، فلما أنبأهم آدم بذلك علموا
وكلموا به من جهة كلهم وكمل كلهم بكمالهم كمالا آخر من جهة اجزائه.
777 - 4 وهذا دليل واضح على أن الملائكة لهم الزيادة والترقي، على خلاف ما زعمت
الفلاسفة، ثم حقق قوله تعالى: انى اعلم ما لا تعلمون (30 - البقرة) بتكرار قوله تعالى: ألم أقل
لكم انى اعلم غيب السماوات والأرض (33 - البقرة) من الأسماء السارية آثارها فيهما
بالايجاد بحسب الانات، وهى التي تخلق وتحقق بها آدم عليه السلام، و (اعلم
ما تبدون) من احكام وجودكم، و (ما تكتمون) (33 - البقرة) من احكام امكانكم،
فعلمتها جميعا آدم وأودعتها في ظاهره وباطنه وقلبه وسره وسر سره بكمال قابليته وجمعه،
فجعلته خليفتي في كمال معرفتي إياي وظهوري لنفسي بالكمال الذاتي والاسمائي جمعا

497
وتفصيلا وتصرفي في ملكي وملكي، فانقادوا له وخضعوا خضوع الجزء للكل والفرع
للأصل - ما عدا إبليس الذي لم يفهم ما قيل بحكم انحرافه وبعده عن قبول الحق -
778 - 4 فان نشأته نارية مقتضية لغاية الاستكبار ونهاية الترفع، فبين نشأتها ونشأة
آدم التي في غاية التنزل والضعة بون بين، فلذلك لم يؤثر فيه الحكمة ونور الهداية فلم ينقد لادم،
فاخرج عن دائرته وبعد عن الكمال إلى الخذلان، إذ لم يقتصر على عدم الانقياد حتى بدأ
بوصف اللجاج والاحتجاج بحجج وهمية لايقة بنشأته فقال: نشأتي مع جمعها بين الروح
والجسد أقدم وارفع والطف، ولا حكمة في خضوع الاعلى للأدنى، فأبعد بحجته ولجاجته في
مقابلة الامر المطاع، وكان من الكافرين (34 - البقرة) أي الساترين الامر والمتلبسين الحال
على الملائكة قبل ان يؤمروا بسجود آدم حتى وافقوه ورضوا بالاستبعاد، فان ملقى الشبهة
بينهم والحامل لهم على ما قالوا كان إبليس، بدليل اعطاء نشأته ذلك دون نشأة الملائكة، لان
أحدا لا يظهر شيئا الا بما فيه من ذلك بالقوة أو الفعل، وليس في نشأتهم ما يقتضى الفساد
والسفك حتى ينبعث منهم اثر ذلك ويغلب عليه خلافه فينكر. أعاذنا الله من الجهل المبعد
والحسبان المشتت، ونفعنا بالعلم والتقوى انه يسمع ويجيب، هذا كله مقتبس من كلام
الفرغاني.
779 - 4 ثم نقول: فالامر الوجودي الإلهي التكويني المشار إليه في قوله تعالى: يدبر الامر
من السماء إلى الأرض... الآية (5 - السجدة) وفي قوله تعالى: يتنزل الامر بينهن
(12 - الطلاق) يتنزل في مراتب الاستيداع من حضرة حقيقة الحقائق، أي حضرة الوحدة
الجامعة بين الأحدية والواحدية جمعا احديا وهى حضرة الجمع والوجود نزولا غيبيا لا حسيا،
إذ لا احساس حيث لا تعدد من مرتبة وسطية قطعية مركزية لوحدتها الحقيقية المستوية
النسبة إلى حدود القيود ونهايات اللا نهايات، كنسبة مركز الدائرة إلى محيطها بحركة غيبية
معنوية استيداعية لا وجودية انتقالية، إذ لا وجود للغير، أسمائية، لوقوعها في التعينات
النورية، ذاتية، إذ لا اتصاف بالتعينات الأسمائية الا للذوات.

498
780 - 4 ولا يتوهم منافاة بين هذين الوصفين، لان نسبة الحركة إلى الأسماء باعتبار
محلها المعنوي وهو الصفات والمراتب، ونسبتها إلى الذات باعتبار المتصف وصاحب المرتبة
وهو التجلي الاحدى، وينكشف حق الانكشاف بتصور ما سلف مرارا ان الحق سبحانه
حين الحكم عليه باحكام التعين إحدى غير متعين في نفسه، وذاته احاطية، لان جميع المراتب
والاعتبارات والتعينات الأسمائية نسب ذاته الواحد الاحد، فيكون جامعا لها، إلى المرتبة
الثانية الإلهية التي النفس الرحماني فيها منعوت بالعماء، لكن من حيث التفصيل، كما هي
المرتبة الانسانية الكمالية من حيث الاجمال، والعماء قد ينعت به المرتبة وقد ينعت به النفس
الرحماني من حيثها، والأول هو الموافق للفظ الحديث.
781 - 4 ثم إلى مرتبة القلمية العقلية، وفيه جمع بين الاسمين في الاصطلاحين لمسمى
واحد، ولم يذكر عالم التهيم هنا لعدم توسطه في نزول الامر، إذ ليس هو من عالم التدوين
والتسطير، أو لأنه من حيث عدم الواسطة بينه وبين موجده يكون في المرتبة القلمية، وان
حكم في التفسير بتقدمه باعتبار بساطة العلم فيهم، وهو العلم بموجدهم فقط.
782 - 4 ثم إلى مرتبة اللوحية النفسية لكونها تفصيل المرتبة القلمية.
783 - 4 وهكذا ينزل بالحركة الغيبية إلى مرتبة الطبيعة ثم إلى الجسم الكل الظاهر في
العرش ثم إلى الكرسي ثم إلى السماوات إلى العناصر إلى المولدات حتى يصل بالانسان.
784 - 4 فان قلت: كان العناصر في ترتيب الايجاد متقدمة على السماوات فكيف
تأخرت في ترتيب نزول الامر عنها؟
785 - 4 قلنا: لان ترتيب نزول الامر بعد استواء الوجود واستقراره وكون اجزاء العالم
مفروغا عنها، ليس بعينه ترتيب الايجاد، فقد قال تعالى: هو الذي خلق لكم ما في الأرض
جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات (29 - البقرة) وقال: ثم استوى إلى السماء
وهى دخان... الآية (11 - فصلت) نعم قد دحو الأرض بعد تسوية السماوات كما قال تعالى:
رفع سمكها فسواها... إلى أن قال: والأرض بعد ذلك دحاها (28 - 30 - النازعات)

499
فالحاصل - والله أعلم - ان العناصر مرتوقة، ولو متمايزة متناضدة في العنصر الأعظم مقدمة
على المادة المرتوقة للسموات، لان الثانية دخان مرتفع من الأولى، والسماوات مقدمة على
الأرض في حال فتق الرتق وبعده في نزول الامر.
786 - 4 ثم نقول: فإذا انتهى الامر إلى صورة الانسان انعطف من صورته لأهل الكمال
في حال الحياة بالعروج التحليلي والانسلاخ عن انصياع المراتب الاستيداعية أو
التطورات، إلى الحقيقة الكمالية المختصة به المسماة بحقيقة الحقائق، هكذا عروجا على
عكس الدروج دائرة تامة كاملة دائم الحكم إلى حين انتهاء ما كتبه القلم من علم ربه في
خلقه، ويقضى الله بعد ذلك وقبله ما شاء، ويحدث من شأنه ما يريد للكل بعد الموت إلى
مراكز تعيناتها الأصلية ومباديها الأولية وهى الحقيقة الجامعة والحضرة العلمية، فان
الخاتمة عين السابقة مطلقا.
787 - 4 وقد أشار الشيخ قدس سره في التفسير إلى النزول في مراتب الاستيداع المسمى
معراج التركيب الأول وارتقاء الانحدار بقوله: لا يزال الانسان مباشرا في مراتب
الاستيداع من حين افراز الإرادة له من عرصة العلم - باعتبار نسبة ظاهريته لا نسبة ثبوته -
وتسليمها إياه إلى القدرة، ثم تعينه في القلم الاعلى ثم في المقام اللوحي ثم في مرتبة الطبيعة ثم
في العرش ثم في الكرسي ثم في السماوات السبع ثم في العناصر ثم في المولدات الثلاث إلى حين
استقراره بصفة صورة الجمع، مباشرة تابعة للمشيئة والعناية - التابعتين للمحبة الذاتية
بالايجاب العلمي - فمهتم به ومتساهل في حقه، كما نبه على الامرين بقوله (ص) في جنازة
سعد: اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ. وقال في حق طائفة أخرى: لا يبالي الله بهم. فأين
من يهتز لموته عرش الرحمن ممن لا يبالي الله بهم؟ فكما هو الامر اخرا، كذا هو أولا، لان
الخاتمة عين السابقة. هذا لفظه.
788 - 4 وكما قال قدس سره أيضا: وكم بين من باشر الحق تسويته وجمع له بين

500
يديه المقدستين ثم نفخ فيه بنفسه من روحه نفخا استلزم معرفة الأسماء كلها وسجود
الملائكة واجلاسه على مرتبة النيابة عنه في الكون، وبين من خلقه بيده الواحدة أو بواسطة
ما شاء والذي ينفخ الملك فيه الروح بالاذن؟ كما ورد عنه عليه وآله السلام أنه قال: يجمع
الله أحدكم في بطن امه... الحديث؟ لذلك قرع (1) المستكبر المتأبي عن السجود ولعنه.
وسيجئ توضح أقسام من لم يؤهل للسلوك من المتمكنين في أسفل سافلين ومن أهل له ولم
يتم الدائرة ومن أتمها - إن شاء الله تعالى -
789 - 4 واما معراج التحليل لأهل الكمال في اتمام الدائرة فأشار الشيخ قدس سره إلى
طريقه مجملا في تفسير الصراط المستقيم، رأينا ان ننقله شفقة على المطالعين المطلعين. قال
قدس سره: لا شك ان لك مستندا في وجودك وانه أشرف منك، لان له رتبة الفعل والغنى،
فأشرف توجهاتك نحو مستندك من حيث الاحتظاء منه - ان تقصده بقلبك الذي هو أشرف
ما فيك - لأنه المتبوع لجملتك بتوجه مطلق جملي لا من حيث نسبه أو اعتبار معين علمي أو
شهودي أو اعتقادي بصورة جمع أو فرق بنفي أو إثبات، كالتنزيه والتشبيه أو غيرهما، ما عدا
النسبة الواحدة التي لا يصح توجه بدونها - ولو في حق العارف المشاهد البالغ اقصى
درجات المعرفة - وهى نسبة تعلقك به وتعلقه بك، أو قل: تعقلك له أو تعقله لك من حيث
تعينه في علمك، إذ لا بد من اعتبار مبق للتعدد، والا فلا لسان ولا هداية.
790 - 4 ثم إن العارف قد يرى هذه النسبة بعين الحق لا من حيث نفسه وتعينه -
فلا يقدح في تجريد التوحيد - وربما ذهل عنها لقوة سلطنة الشهود أو سطوة التجلي، لكنها
باقية في نفس الامر، فاجمع همك وأخلص توجهك إليه من اصباع الظنون والعلوم
والمشاهدات وقابل حضرته بالاعراض في باطنك عن تعقل سائر الاعتبارات الوجودية
والمرتبة الإلهية والكونية - اعراض حر عن الانقهار بحكم شئ منها والتعشق به - ما عدا



(1) - أي: لم يقبل واختار اللعنة
501
تلك النسبة المتعينة من حيث عينك لا من حيث عينه، فيكون متوجها إليه من حيث شرفه
عليك وإحاطته بك - توجها هيولاني الوصف - وهو أكمل مراتب علمه بنفسه وأولها، دون
حصر في قيد أو اطلاق أو جمع بينهما بقلب ظاهر قابل لأعظم التجليات لتنفى وحدة توجهك
سائر متعلقات علمك وارادتك، فلا يتعين لك مراد الا هذا التوجه الكلى، وإذا تعين لك أمر
الهى أو كوني كنت بحسبه من حيث هو - لا من حيث أنت - بحيث متى أعرضت عنه عدت إلى
حالك الأول من الفراع التام بالصفة الهيولانية كما هو الحق سبحانه، لأنه من حيث ما عدا ما
استدعته استعدادات الأعيان وتعين بحسبها، باق على طلبيته الغيبية الذاتية، منزه عن
التقيد باسم ورسم، وسل ربك ان تتحقق بذلك لتكون على صورته وظاهرا بصورته، فالمح ما
أشرت إليه تعرف غاية الغايات وكيفية المشي على الصراط المستقيم الخصوصي المتصل بأعلى رتب
النهايات حيث منبع السعادات ومشرع الأسماء الإلهية والصفات. تم كلامه.
الفصل الثاني
من باب كشف السر الكلى هو المسمى وصلا وهو في تعين المظاهر الكلية
للحقائق الأصلية والأسماء الالية وينجر إلى بيان ما بين نور الشمس ونور القمر
وسائر الكواكب وإلى ما بين حركة الشمس وغيرها من حركات الكواكب من
المناسبات المظهرية وفيه أصول:
791 - 4 الأصل الأول. في أن جميع الصور المدركة في العالم عقلية روحانية كانت أو
مثالية وخيالية أو حسية، هي صور الحقائق الأسمائية والمراتب الإلهية والكونية وصور
لوازم الحقائق والمراتب من النسب المتفصلة إلى الصفات - ان لم ينفك عنها ما دامت هي -

502
وإلى العوارض - ان لزمتها بشرط أو شروط فيتوقف على ذلك - وهذه كالأحوال المتحولة
وغيرها من الاحكام التي هي الآثار المترتبة، ولكون المراتب هي الحقائق الكلية المعتبر فيها
لحوق لواحقها اللازمة أو العارضة كانت أخص من الحقائق. ولوضوح هذا الأصل
مقدمات تنبيهية:
792 - 4 المقدمة الأولى: ان أصول أصول العوالم واعم عمومها في العقلية اللوح
والقلم، وفي المثالية الطبيعة الكلية التي هي محل عالم المثال معتبرة في الهباء الذي هو محل كيفياتها،
وفي الحسية الطبيعة الجزئية العنصرية، ففي الجوهرية العرش والكرسي والأفلاك والكواكب
والشمس والقمر والعناصر المطلقة، وفي العرضية أنوار الكواكب وحركات الأفلاك.
793 - 4 قال الشيخ قدس سره في الفلك السليماني: وبعالم الحس الذي أوله صورة
العرش المحيط بجميع المحسوسات المحدد للجهات انتهى السير المعنوي الوجودي الصادر من
غيب الهوية في مراتبه الكلية للظهور، لان ما بعد العرش انما هو تفصيل وتركيب، لهذا
صدق سر الاستواء الرحماني عليه بمعنى التمامية في درجات السير المعنوي لتكميل مراتب
ظهورات الوجود وبمعنى الاستيلاء الحكمي المنبث من العرش ومما فوقه في السماوات
والأرض وما بينهما، ولم يزل الامر يتدرج في السير حتى انتهى إلى النوع الإنساني فكان هدفا
لجميع القوى الطبيعية والسماوية والتوجهات الملكية والآثار الفلكية. تم كلامه.
794 - 4 المقدمة الثانية: ان المظهر كما يكون للأسماء مطلقا، فقد يترتب المظهرية
بحسب المراتب وينتهى إلى الانسان وإلى انهى دركات الجزئية الحسية ويبتدئ من التعين
الأول، فالمحسوسات مظاهر المثاليات والروحانيات، والأشباح مظاهر الأرواح ثم الأرواح
مظاهر المعاني والحقاق وهى مظاهر النسب الأسمائية والعلمية المشتمل على كلها تفصيل
التعين الثاني ورتبة الواحدية، وهى مظهر التعين الأول والوحدة الحقيقية المطلقة الجامعة
للواحدية والأحدية، وهو أول مظهر للغيب الإلهي المطلق، لذا سماه الشيخ قدس سره في
التفسير. أول مراتب الشهادة نزولا وتركيبا وآخرها عروجا وتحليلا.

503
795 - 4 المقدمة الثالثة: ان المظاهر الكلية للحقائق الكلية الأصلية والجزئية للجزئية،
وبالجملة فالمظاهر حاكية للظواهر بما هي عليه حتى قلنا: هي عينها ذاتا وحقيقة وغيرها
بنسبة الظهور والتعين الرتبي.
796 - 4 قال الشيخ قدس سره في فك الفص المحمدي: اعلم أن كل نبي مظهر من
مظاهر الحق تعالى، لكن من حيثية مخصوصة يتعين للحق من حيثها اسم من شأنه لا يستند
ذلك الموجود إلى الحق الا من تلك الحيثية، وهكذا شأن كل موجود، غير أن الأنبياء
والأكابر مظاهر الأسماء الكلية التي نسبتها إلى أسماء بقية الموجودات وعموم الناس نسبة
الأجناس والأنواع إلى الاشخاص، بهذا حصل بين الأنبياء والأولياء تفاوت في الحيطة وإليه
أشار صلى الله عليه وآله في حديث القيامة: انه يجيئ النبي ومعه الرهط والنبي ومعه رجلان
والنبي ومعه الواحد والنبي وحده وليس معه أحد، وقصارى أمر الأكابر من أهل الله ان
ينتهى ارتباطهم بالحق صعدا إلى التعين الأول التالي للأحدية الذاتية الجامع للتعينات كلها،
غير أن شأن نبينا صلى الله عليه وآله والكمل من ورثته مع التعين الأول مخالف لشأن غيرهم
من الأنبياء والأولياء وغيرهم، بان هذا التعين ليس غايتهم من كل وجه في معرفة الحق
واستنادهم إليه، بل هم متفردون بحال يخصهم لا يعرفه بعد الحق سواهم، ولا يذكره الكامل
المكمل الا لمن اطلع على أنه لا بد ان يصير كاملا تربية له. تم كلامه.
797 - 4 إذا عرفت هذه المقدمات فنقول: صورة الوجود المطلق وحكمه من حيث هو
محال ان يوجد، إذ لا تعلق ولا نسبة له من تلك الحيثية بشئ أصلا ولا عمل الا بحسب المقتضى،
وكذا من حيث أحديته الذاتية، لأنها سلب الاعتبارات، فعدم التأثير من حيثها أولي.
798 - 4 فان قلت: قد وصف الشيخ قدس سره في النفحات الحقيقة المطلقة للوجود، بما
أنشده بقوله:
ووراء ذلك لا أشير لأنه * * سر لسان النطق عنه أخرس
أمر به وله ومنه تعينت * * أعيناننا ووجوده المتلبس

504
799 - 4 ففيه ان تعين الأعيان من المطلق، فالأعيان صوره وكذا وجوده المتلبس
بأعياننا تعين منه.
800 - 4 قلت: نعم قد لكن لا من حيث هو هو وما نفينا الا ذلك، بل من الحيثية الثانية
الآتية الاقترانية وهى قولنا: اما من حيث عروضه، أي اقترانه النزيه المقدس بما ظهر من
الحقائق المستجنة فيه أزلا والمستهلكة في رتبة الأحدية، فصورته وحكمه واثره مطلق ظاهر
النور الذي به الادراك الحسى، والمناسبة ظاهرة، فكما يوجد الأشياء بالوجود وتعلقه وبه
وجدان الشئ نفسه وغيره، كذلك يدرك بالنور وتعلقه وبه ظهور الشئ، وإلى هذه المناسبة
الإشارة بوصف النور بما به الادراك الحسى، وانما وصفناه بالحسي دلالة على أن سببية النور
للظهور بالغة حد النهاية حتى إلى انهى مراتب الادراك، والا فنورية الأرواح التي هي مظاهر
الأسماء الإلهية - كما سيجئ - مندرجة تحت هذا الأصل، فقولنا (وحكمه) بعد قولنا
(صورة الوجود المطلق) يحتمل ان يكون مرفوعا بيانا، لان صورة الشئ اثره وحكمه الثابت
به، وأن يكون مجرورا بيانا، لان النور كما هو صورة الوجود المقترن، فتنويره صورة اقترانه
المسمى بالموجودية التي هي حكم الوجود، أي حاله ونسبته، والتوجيه الأول هو هو.
801 - 4 واما صورة نسبه المسماة بالأسماء الإلهية والصفات الربوبية: فالقلم الاعلى
صورة صفة القدرة، لان له مدخلا في تعيين كل من بعده من عالم التسطير بإذن الخالق القدير
وإجراء سنته عليه بدلالة حديث: اكتب ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة، وعلى ما نفهم
مما قال الشيخ قدس سره في التفسير وغيره في كتبهم: ان الكتابة كناية عن الايجاد، فالكاتب
هو الحق، والقلم السبب العادي، والرق المنشور هو التجلي الساري، والكتاب المسطور
نقوش الكائنات، والحروف هي الحقائق المتبوعة - إذا اعتبرت منفردة عن توابعها - فإذا
اعتبرت معها فكلمات، فمن حيث استعدادها الأصلي لقبول الوجود اسم، ومن حيث قبولها
ذلك اثر الطلب الاستعدادي فعل، وجملة منها دالة على كمال كاتبها - كإضافة الحياة أو
العلم أو القدرة إليه - آية، وجملة من الآيات اعتبر اجتماعها في مرتبة كلية أو جزئية من

505
المراتب الأسمائية أو الكونية سورة، وجملة من السور المعتبر احاطتها بجميع المراتب السابقة -
لكن مندرجة في الرتبة الثانية والبرزخية المضافة إليها - كان كتابا مبينا، فمفصله العالم
ومجمل صورته بالفعل آدم وجميع الخلفاء الكاملين وأولوا العزم من الرسل قبل بعث
محمد صلى الله عليه وآله.
802 - 4 اما إذا أفاد ذلك الاجتماع المحيط أحدية جمع مضافة إلى حقيقة الحقائق داخلة
فيها الرتبة الأولى والبرزخية الكبرى بحكم سرايتها في جميع المراتب بحيث لم يكن مشهودا الا
لشاهد واحد ووارثه الحقيقي، كان ذلك قرآنا ومجمل صورته الا جمع صورة محمد صلى الله
عليه وآله.
803 - 4 فالكتاب كتابان: فعلى وقولي، فالفعلي هذا الكتاب المبين، وقد ذكروا لقولي
هو الكتاب الحكيم، أي المحكم ببيان ذلك الكتاب الفعلي المختصر.
804 - 4 واعلم أن ذلك الكتاب الحكيم متنوع حسب تنوع الحقائق المشتمل عليها
البرزخية الثانية، فللتجلي الثاني من حيث كل واحد منها نزول وله في نزوله مظهر كلي
ومن حيث مظهره ذلك دور سلطنة، وله أيضا عروج من نزوله وفي عروجه ذلك مظهر
كلي جمعي انساني هو عين كل خليفة كامل ما عدا محمد صلى الله عليه وآله، وله فيه كتاب
محكم ببيان كماله مبين له نقطة اعتداله في جميع أحواله وأحوال متابعيه وقومه وآله،
كصحف الأنبياء غير نبينا محمد صلى الله عليه وآله.
805 - 4 واما القرآن الحكيم فهو الجامع لاحكام تلك الحقائق والأسماء الكلية
الأصلية وهى الأئمة السبعة أحدية جمع اعتدالي، النازل ذلك الكتاب على مظهر إحدى جمعي
لتلك الأحدية الجمعية، وهو نبينا محمد صلى الله عليه وآله وهو القرآن المحكم ببيان
أكمليته والمترجم عن حاق برزخيته واعتداله في جميع أقواله وافعاله وأحواله من صورته
الاجمالية لنفسه والتفصلية لمتابعيه وقومه، وإليه الإشارة بقول عائشة: كان خلقه القرآن،
إشارة عليم خبير مقتبسة من مشكاة ذلك البشير النذير.

506
806 - 4 فان قلت: إذا أريد بكتابة القلم توسطه في الايجاد، فما معنى قوله: اكتب ما كان،
ولم يتقدم عليه كون في قول أو لم يتوسط المهيمة بحسب قول آخر؟
807 - 4 قلت: معناه - والله أعلم - ما في رواية أخرى وهو: اكتب علمي في خلقي
ما هو كائن إلى يوم القيام، فالمراد بما كان ما في الحضرة العلمية مما سيشم رائحة الوجود، فعطف
وما سيكون اما من قبيل: أعجبني زيد وكرمه (1)، أو من قبيل: إلى الملك القرم وابن الهمام.
808 - 4 هذا بيان كون القلم صورة النسب الأسمائية، واما كونه مظهرا للاسم المدبر،
فذلك كما مر من وجهه الثاني الناظر إلى تفصيل ما يأخذه مجملا إلى اللوح المحفوظ، فان
التدبير اجماله التأثير بحيث يفيض منه تفصيله، وقد مر أيضا انه بهذا الوجه هو المراد بنفس
محمد صلى الله عليه وآله في قوله: والذي نفس محمد بيده، كما أنه بالوجه الأول - وهو الوجه
الاخذ عن الحق تعالى بلا واسطة - عقله عليه وآله السلام، وبالوجه الثالث - وهو وجه
كونه منسوبا إلى مظهرية التجلي الأول في نفسه - هو حقيقة الروح الأعظم المحمدي.
809 - 4 ويناسبه ما ذكره في قوله تعالى: يدبر الامر من السماء إلى الأرض - ان معناه:
يدبر الامر باظهاره في اللوح فينزل به الملك - ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره الف سنة مما
تعدون (5 - السجدة) أي في زمان متطاول، إذ الزمان المذكور مدة كلا النزول والعروج على
ما قيل: بين السماء والأرض مسيرة خمس مائة عام، أو المراد يوم القيامة كما قال تعالى: وان
يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون (47 - الحج) فالتدبير إلى آخر الدنيا والمراد بالعروج
إليه العرض عليه، أو معناه: يدبر المأمور به من السماء بالوحي ثم لا يعرج إليه كما يرتضيه الا
في مدة متطاولة لقلة المخلص والعمل الخالص.
810 - 4 ثم نقول: واللوح المحفوظ مظهر الاسم المفصل، لأنه النفس الكل وكل نفس
تحته رشح منه وشعاع من أشعته، فله تفصيل، كالتدبير برقائق تلك الجزئيات، فالعالم



(1) - من باب عطف المقصود من الشئ عليه تفسيرا له أو من باب عطف بعض الصفة على البعض إرادة
الجمع بينهما - ش
507
مملو بتفاصيل تدبيرها، اما بصورته الكلية: وهى نفوس الكمل غير نبينا محمد صلى الله
عليه وآله، فان نفسه الشريفة وجه تفصيل القلم كما مر، واما بصورته الجزئية:
كسائر النفوس المدبرة للجزئيات، إذ شأنه ان يكمل الكلى بصفة كليته والجزئي بصفة
جزئيته، ومظهريته هذه كما مر انما هي باعتبار الوجه الرابع من وجوه الستة السالفة
التي انتشأت منه الجهات الست للعالم - وسابعها جمعها (1) - وهو وجه تنزله وظهوره
بصور الموجودات المفصلة المثالية والحسية إلى انهى دركات الجزئية لتحقيق كمال الجلاء
والاستجلاء، وبهذا الاعتبار هو الكتاب المبين الفعلي السالف آنفا، المراد بقوله تعالى:
ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين (59 - الانعام) وتلك آيات القرآن وكتاب مبين
(1 - النمل)
811 - 4 ثم نقول: وحقائق الطبيعة التي هي الحقيقة الحاكمة بالكيفيات الأربع لها
اعتباران:
812 - 4 الأول اعتبار انها اثار توجهات الأرواح العالية بموجب احكام السوابق من
الأئمة الأربعة التي هي الحياة والعلم والإرادة والقدرة كما مر، وهى بهذا الاعتبار مجتمع
الأرواح المتمثلة بالصور المثالية ومحل لتعين عالم المثال بموجب تلك التوجهات التي من
ثمراتها عمار السماوات من الملائكة من حيث أرواحهم - لا من حيث مظاهرهم -
813 - 4 الثاني اعتبار ارتباطها بالاجسام من حيث توجهات الأرواح بمظاهرها
المتعينة في عالم المثال والمنصبغة بحكمه والمثمرة في مرتبة الجسم الكل عالم الأجسام الحسية
البسيطة كالعرش، فللطبيعة هنا درجة اللانوثة، ومرتبة المحلية انما هي للجسم الكل، وفيما (2)
مر للطبيعة درجة المحلية ودرجة الأنوثة (3) للنفس الكلية، والثمرة عالم المثال، وهى (4) بهذا
الاعتبار إذ أنسبناها إلى الهباء المسمى بالهيولي الكل الذي جاورها في الحضرة العلمية،



(1) - جميعها - ن - ط - أي جامعها (2) - أي في الاعتبار الأول وفي التقييد بقوله من حيث ارتباطها
بالاجسام احتراز عن الاعتبار الأول - ش (3) - ودرجة الذكورة للأرواح العالية النورية - ش
(4) - مبتداء خبره قوله: مظاهر حقائق - ش
508
لأنه (1) محل الكيفيات، مظاهر حقائق حضرة الألوهة وهى الأئمة الأربعة الجامعة التي
تستند إليها تأثيرات الأسماء الإلهية في الأعيان الكونية، وإذا نسبناها إلى فتح حضرة الامكان
الجامعة لقابليات ماهيات الأعيان لاستناد الآثار الحاصلة في الأجسام إلى هذه الكيفيات
صورة - وان استندت إلى الأسماء الظاهرة فيها حقيقة - ومطلق الصورة الجسمية
المتعينة بالعرش، أول المظاهر الشهادية للعماء الذي هو النفس الرحماني المتوقف ظهوره
على اجتماع الحقائق الأسمائية الأصلية، وذلك بتوجه بعضها إلى بعض - لسر الامر الجامع
بينهما - وهو التجلي الاحدى المتوجه وبسر حال اقتضائه الاحدى في ذاته التي لا يتعدد
الا بحسب متعلقاته، وذلك الاقتضاء هو المكنى عنه بالحركة الغيبية الإرادية الذاتية الحبية.
814 - 4 ولسريان (2) لطافة الأحدية الكاملة من التجلي واقتضائه بلا انصياع
بحكم واسطة غالب الكثرة والتركيب، ظهر ذاته احديا اطلس لا انقسام فيه بالفعل وشكله
دوريا، لأنه ابسط الاشكال وصورته من اللطافة بحيث لا يقبل الخرق والالتيام، ومن
الاعتدال بحيث يستحق الدوام، وصار (3) مجموع المظاهر الروحانية لأمهات صفات
الألوهة التي هي أصول أركان العماء، ومظهر الحياة إسرافيل ومظهر العلم جبرائيل
ومظهر الإرادة ميكائيل ومظهر القدرة عزرائيل كما مر حاملة لها اليوم وموكلة
لظهور احكامها.
815 - 4 ويفهم منه ان كلا من حقائق الطبيعة وكيفياتها مؤثرة، لا كما زعمت
الفلاسفة ان المؤثرة هي الحرارة والبرودة فقط، اما الرطوبة واليبوسة فمتأثرتان (4)، وذلك



(1) - أي الهباء - ش (2) - متعلق بقوله: ظهر، فالتعليل قبل المعلل - ش (3) - عطف على ظهر - ش
(4) - الفلاسفة لم ينفوا عن الرطوبة واليبوسة الفعل، بل لما رأوا ان الفعل في الحرارة والبرودة أظهر من
الانفعال، والانفعال فيهما أظهر، سموا الأولين فعليتين والآخرين انفعاليتين، مع ثبوت الفعل والانفعال في
الكل، ويدل عليه اعترافهم بتفاعل الأجسام العنصرية وانكسار الكيفيات الأربع عن سورتها في حدوث
المزاج وتولد المركبات منها.
509
لأنهما مظهر ان للإرادة والقدرة، وهما بحيث لا يتعين صفة القول والكلام الذي به التأثير الا
بمقارعتهما - كما علم - لكن قد سبق وجه ذلك - في الجملة ان غلبة حكم الوحدة والاجمال
على الحياة والعلم وغلبة اثر الكثرة والتفصيل على الإرادة والقدرة - لتوقف تعينهما على التميز -
كان الفعل منسوبا إلى مظهري الأولين من أركان الهباء، وجعل الانفعال منسوبا إلى
مظهري القدرة والإرادة منها - وان لم ينفصل كل عن كل في الطبيعة التي هي نتيجة
امتزاجها -
816 - 4 ثم نقول: ولما كانت المظهرية تارة بالواسطة واخرى لا بها، جاز ان يعتبر الأجسام
مظاهر للأرواح والأسماء، لكن الأسماء إذا نسبت إلى مظاهر الأرواح يسمى اسرارها، لذا
قلنا: روح العرش القلم الاعلى، لأنه مظهر القلم بتأثيره العام كما مر، ولوازمه من الإحاطة
حسب الاقتضاء، ومن الوحدة والوجوب بالغير والدوام، وسر روح العرش الاسم الرحمن
المستوى عليه بمعانيه السابقة، وذلك لأنه اسم الحق تعالى باعتبار الوجود العام المفاض
منه وهو المراد بقول الشيخ قدس سره: انه اسم لصورة الوجود الإلهي من حيث ظهوره
لنفسه، وهو الرحمة العامة المحيطة التي لا يفوتها موجود، ونسبته إلى العرش وروحه
بمظهريته من حيث الإحاطة بالتأثير وغير ذلك مما عددنا، لا من حيث نسبة الوجود إليه فقط.
817 - 4 ثم نقول: وروح الكرسي الكريم النفس الكلية المسماة باللوح، لان تعلق النفس
انما هو بالتدبير التفصيلي، وذلك لا يتصور الا لماله تفصيل وكثرة من الأجسام، كالكرسي
المشتمل بكواكبه التي لا تحصى جزئياتها والف ومائة واحد وعشرون كلياتها المرصودة على
مظهريات الأسماء بحسبها والمشتمل ببروجه، ان اعتبرت أجناس صورها المتوهمة فيه على
مظهريات الكلمتين، المعتبرة كل منهما في الخبر والاحكام الخمسة التكليفية.
818 - 4 فان قلت: قد مر ان البروج تعتبر في العرش أيضا، اما باعتبار ان رتبة

510
الأجسام البسيطة ثالثة نتائج النكاحات الخمسة: نكاح الأسماء ونكاح الحقائق ونكاح
الأرواح، واما باعتبار ان العرش أول مظهر لمجموع العوالم الثلاث التي هي عالم المعاني
وعالم الأرواح وعالم المثال، إذ عند اعتبار التثليث في حقائق الطبيعة الأربعة يتعين اثنى عشر
قسما في العرش، فهلا صح لذلك الاعتبار ان يكون العرش مظهرا للنفس (1)؟
819 - 4 قلت: لأنها كثرة (2) اعتبارية وهذه كثرة محققة الصور، فشتان ما بينهما، وسر روح
الكرسي الاسم الرحيم لاشعاره بخصوصية الوجود في كل موجود، فالمعتبر فيه جهة تفصيل
الرحمة وكثرتها - كما في الكرسي -
820 - 4 واعلم أن الرحمن الرحيم كما يعتبر ان اجمالا وتفصيلا - أعني عموما وخصوصا - في
ذات الوجود، يعتبر ان في الصفات والكمالات، لهذا حمل الشيخ قدس سره ما في البسملة على الأول
وما في الفاتحة على الثاني ليتحقق الإفادة ويمحق الإعادة ويستوفى وجوه الإرادة، وهيهنا
أيضا يمكن حملها على الاعتبارين، لكن الأول أولي كما أخبرنا لأنه أشار الشيخ قدس سره هيهنا.
821 - 4 ثم نقول: وجميع الأفلاك صور المراتب والحضرات وكواكبها صور الأسماء
الإلهية، لان الأسماء مؤثرة حسب محلية المراتب، فبذلك ظهر في الكواكب بحسب محلية
الأفلاك نضدا علوا وسفلا وحركتها سرعة وبطوء، وفي الجملة بحسب الأوضاع الفلكية
المشتملة على أنواع الاتصالات الكوكبية.
822 - 4 فان قلت: المفهوم من هذا التقسيم ان ليس الأفلاك مظاهر الأسماء، وقد مر ان
كل موجود يستند إلى الحق باسم معين من حيث خصوصية توجه الحق إليه بحسبه، فهو مظهر ذلك الاسم.
823 - 4 قلت: الأفلاك كذلك لما قال الشيخ قدس سره في الفك السليماني: ان كل



(1) - حاصلة: انه قد اعتبر البروج الاثني عشر فيه فلم لم يصح بذلك الاعتبار ان يكون مظهرا للنفس؟ - ش
(2) - أي في العرش تكون الكثرة اعتبارية بخلاف الكثرة في الكرسي، فإنها محققة وسر روحه في الأسماء الرحيم
لاشعاره... إلى آخره - ش
511
سماء محل حكم اسم من أسماء الحق واستناد تلك الأسماء إلى الحق تعالى من حيثية ذلك الاسم
ومن مقام تعين الامر الموحى به، كما قال تعالى: وأوحى في كل سماء امرها (12 - فصلت)
لكن قول الشيخ قدس سره في المفتاح مشعر بان ذلك الاسم المدبر للفلك بعينه هو الاسم
الذي مظهره الكوكب، والفلك كالعضو له مدخل في تعين الاسم الكوكب، كالجسم
للانسان، والمسألة بين الفلاسفة أيضا مختلف فيها: ان لكل فلك وكوكب نفسا أو النفس
للكواكب والفلك كالعضو لها؟
824 - 4 ثم نقول: الملائكة التي هي عمار السماوات - أعني القوى الفلكية مما سبق في البروج
والمنازل وتوابعهما - صور احكام الأسماء، لانهم سدنة الكواكب ويتبعهم تبعية احكام
الأسماء للأسماء، ثم العناصر صور الأسماء المختصة بالعماء وهى أمهات أسماء الألوهة
- كالأربعة المذكورة - لان كيفياتها صور تلك الصفات كما مر، فمحل تلك الكيفيات
- وهى العناصر - صورة الاسم المتعين من كل منها (1)، كالعالم والحي والمريد والقادر.
825 - 4 فان قلت: كيف يكون النار حيا وقادرا والماء عالما مريدا والهواء مريدا حيا
والأرض قادرا عالما؟
826 - 4 قلت: لان كل شئ فيه كل شئ، لكن المغلوب خفى الحكم أو مستهلكه، وقد علم
لذلك ان مختارنا مذهب الكمون والبروز، فالغالب في الحرارة التي هي أصل الحياة
كالحرارة الغريزية والحرارات الاخر ممدها إذا لم يفرط، كما قيل: النار فاكهة الشتاء، ولذا
بها كان التوسل القريب إلى التغذى في نضج الغذاء وطبخ الأشياء، اما دليل قدرتها:
فقهرها وعلوها.
827 - 4 ثم الماء لبرودته تناسب برد اليقين الدافع لحرارات الشبه واضطرابات
الشكوك، لذا عبر الماء بالعلم وصار الأنهار الأربعة في الجنة مظاهر علوم الوهب التي



(1) - أي الأربعة المذكورة - ش
512
أصفاها ومقدمها نهر الماء الغير الاسن، وتمثل العلم المختص بالفطرة والملة التي هي أصل
الغذائية الروحانية باللبن بدليل قوله صلى الله عليه وآله: أصبت الفطرة، وبحديث رؤيا
النبي صلى الله عليه وآله قدحا من اللبن وتأويله بالعلم. واما إرادة الماء فميله إلى أن يصير جزء
كل شئ حي بالفعل ويمد بتلك الجزئية حياته، كما قال تعالى: وجعلنا من الماء كل شئ
حي أفلا يؤمنون (30 - الأنبياء)
828 - 4 ثم الهواء أكثر ميلا من الماء وامدادا للحيوة من النار، لكونه انسب للحرارة اللطيفية
الغريزية، حتى لو انقطع الهواء النفسي أدنى ساعة افضى إلى هلاك الحيوان - بخلاف الماء
والنار -.
829 - 4 ثم الأرض لا شك في قهرها بثقلها ويبوستها الذي هو دليل قدرتها، ولا ريب في أن
تعيين المحسوس للعلوم الاحساسية بها.
830 - 4 ثم نقول: الشمس مظهر الألوهية، لأنها ممدة بالاسم المحيى كما مر لمظاهر سائر
الأسماء التي هي الكواكب في أنوارها وأوضاعها كما سيجئ ولجميع الموجودات الحسية
كامداد الألوهية لأسمائها ورقائقها. والقمر له اعتباران: اعتبار صورته الحقيقية الكدرة
المظلمة في ذاته واعتبار استنارته بنور الشمس، فبالاعتبار الأول هو مظهر حقيقة العالم من
حيث امكانه المقتضى لظلمة عدميته في ذاته وقابليته للوجود، وبالاعتبار الثاني مظهر نفس
العالم من حيث ظهوره بالوجود الفائض من الله تعالى، فالقمر جعله الله آية على حال الوجود
من جهة انه اشتمل على هذين السرين: أحدهما انه في ذاته ومن حيث هو هو غنى عن النور
- لكنه قابل - وثانيهما انه من حيث تقابله بالشمس يستنير بحكمها، فهو نظير الوجود في
غناه من حيث هو هو وعروضه لأعيان الممكنات بحكم الألوهة.
831 - 4 ويمكن ان يقال: المراد ان النور المستفاد من الشمس للقمر كالوجود من حيث
غناه عن القمر من حيث هو هو وعروضه له من حيث المقابلة والمسامتة بينهما بحكم
الامداد الأسمائي والتنوير الاحيائي. ولما نبهنا عليه من أن الحق سبحانه جعل القمر آية على

513
سر الوجود باعتباري الغنى والتعلق، صح للقمر وثبت له عدة أحوال ظهر بها سر ارتباط
الخليفة الكامل به، وذلك من وجوه: 832 - 4 الأول: جمعه بين الامرين المتغايرين:
833 - 4 اما أولا فبين الظلمة الذاتية والنور العارض، حتى صار نورا لعدم مخالطته
الجسم لاضياء - كما في الشمس - أو بين ظلمة النصف الغير المقابل ونور النصف المقابل لها.
834 - 4 واما ثانيا: فبين اللطف الحاصل بالاستنارة العارضة والكثافة الحاصلة بالظلمة
الذاتية.
835 - 4 واما ثالثا: فبقبول النقص في الاستنارة والزيادة فيها في المرآتين المثبتتين على
البعد والقرب من الشمس كما علم، فذلك نظير ما للكامل من قوله تارة: انا بشر مثلكم
وأنتم اعلم بأمور دنياكم، وقوله: ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم (9 - الأحقاف) مع أنه كان
على بصيرة من ربه وقال: أيكم مثلي؟ أبيت عند ربى يطعمني ويسقيني، ولا ينام قلبي، وأخبر
عن طلائع المهدي عليه السلام وغير ذلك، وذلك لتردده بين ملاحظة رجوع التعددات إلى
أحدية الذات وملاحظة ظهوره في تلك التعينات.
836 - 4 وسيجئ من كلام النفحات: ان كل شئ لا يخلو جمعا وتفصيلا عن التلبس
بهذين الحكمين، فلا ينحصر الامر في تعظيم ولا تحقير ولا ترك ولا تخيير ولا تعريف ولا تنكير،
بل الكل ثمة وما ثمة كل. هذا كلامه.
837 - 4 وأيضا نظير ما للكامل المتروحن ان يظهر بصور مختلفة في آن واحد وآنات
متعددة، كما يروى عن أبي الفتح الموصلي المشهور بقضيب البان من أنه يرى في وقت واحد
في أطراف الميدان مشغولا في كل موضع بشغل آخر.
838 - 4 الثاني: ما صح له ان ينصبغ بسرعة الحركة، لما مر ان تنوره وتنويره نظير قبول
فيض الألوهية واظهار احكامها، وشأن ذلك ان يكون على أسرع ما يتصور من وجوه
الوسع والامكان، فكان حركته أسرع الحركات، فذلك نظير ما للكامل المتروحن ان

514
يقطع المسافة الطويلة في زمان قصير ظاهرا بخاصية الروح والسر واستتباعهما للجسد.
839 - 4 الثالث: إحاطته لذلك بقوى سائر الكواكب وحركاتها وخواصها وايصاله الجميع
المجتمع في روحانيته المسمى عندنا بإسماعيل وعند الفلاسفة بالعقل الفعال إلى ما تحته بالصورة من عالم العناصر والمولدات.
840 - 4 قال الشيخ قدس سره في الفلك المحمدي: واما سر انشقاق القمر وظهوره
بصورة تصرفه عليه وآله السلام فيه فهو ان فلك القمر وإن كان أصغر الأفلاك من حيث
الجرم فإنه أجمعها من حيث الحكم، لان فيه يجتمع قوى سائر السماوات وتوجهات
الملائكة، ثم يتوزع منه على هذا العالم وأهله، لذا كانت سماء الخلافة، فظهر منه سر جمعية
نبينا محمد صلى الله عليه وآله وختميته، لأنه لما كان اخر الرسل وأجمعهم تصرف في آخر
الأفلاك وأجمعها للقوى. تم كلامه. وهذا نظير ما للكامل ان يتحقق بالأسماء الإلهية ويظهر
منه آثار الجميع سوى ما هو من خصائص الحق جل جلاله.
841 - 4 الرابع: انه لما علم أن نوره مستفاد من الشمس بالوجه المذكور، تحقق ان نوره من
حيث إنه نور عين الشمس لا يتغير ولا يغايرها - بمعنى صدقها عليه - لصدق الحقيقة الجامعة
على افرادها من كل وجه، وان لم يصدق الفرد عليها الا من بعض الوجوه، فالقمر خليفة
الشمس في ظلمة الليل، كما أن الشمس ونوره خليفة الحق في الليل الكوني والظلمة
الامكانية من جهة ما مر ان الشمس مظهر الألوهية من حيث امدادها بالاسم المحيى لمظاهر
الأسماء التي هي الكواكب أو جميع الموجودات المحسوسة، وهذا نظير ان الكامل خليفة الحق في
تنوير العالمين بنور الهداية إلى مصالح الدارين في ليل الجهل وظلمة الغواية.
842 - 4 الخامس: ان كلا من الشمس والقمر خليفة الاخر في وقت ما من جهته الخاصة
كما قال تعالى: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة (62 - الفرقان) فهو نظير ما ورد في
الشرع من استخلاف الخليفة الكامل مستخلفه - أي الحق سبحانه - اما كناية عنه بعبارة
الوكالة كما قال تعالى: وكفى بالله وكيلا (81 - النساء) وقوله: وأصلح لي شأني كله، واما

515
تصريحا بعبارة الاستخلاف كما قال عليه وآله السلام: اللهم أنت الصاحب في السفر
والخليفة في الأهل والمال والولد، ثم لليوم الجمع بين حكمي الليل والنهار من الخلافة
والاستخلاف من الطرفين، فكذا للكامل الجامع بين مرتبة الخلافة بكماله ومرتبة
الاستخلاف لغيبته في ذات ربه من غير انحصار فيهما.
843 - 4 السادس: ان بالنور الشمسي ظهرت الكيفيات الخفية في الجرم المظلم القمري،
فكانت الشمس مظهرة للقمر من هذه الحيثية، اما من حيث إنه لولا الاقتران بين نورها
وجرمه ما وصف النور الشمسي بالاختلاف والتغير، ولا اثر المد والجزر من الزيادة
والنقصان ولا بالنماء والذبول وغير ذلك من آثار القمر، أي الظاهرة من الحق بسببية
عادة الهية، فهذا نظير ما للكامل وغيره من الوجود وتوابعه المظهر لهم والمنور
لاوصافهم، وما للحق بسببهم من الاحكام المظهرية في قوله: حتى نعلم (31 - محمد)
وان الله لا يمل حتى تملوا، وقوله: مرضت فلم تعدني، وقوله: ان الله قال على لسان عبده:
سمع الله لمن حمده، ومن الجمع بين الاعتبارين في قوله: وما رميت إذ رميت ولكن الله
رمى (17 - الأنفال).
844 - 4 السابع: ان نور الشمس جامع بين أمرين مختلفين، كتبريد شئ بواسطة
مظهرية القمر الليلي البارد وتسخين شئ آخر بذاته أو بواسطة ما يزيد تسخينه،
كإضائة موضع بمقابلة صورتها وانعكاس نورها إليه وظلمة موضع آخر بواسطة انطباعه
في القمر مع غيبة صورتها عنه، فهذا كهداية محمد صلى الله عليه وآله بلطف الحق تعالى
وضلالة أبى جهل بخذلانه، كل منهما بواسطة الاستعداد الخاص المظهري، من كمال استعداد
ذاك وقصور هذا، كما قال تعالى: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت (286 - البقرة) فان
الكسب للقابل كما أن الخلق للفاعل، وقال عليه وآله السلام: الناس مجزيون بأعمالهم...
الحديث، وقال: الخير كله بيديك والشر ليس إليك، وقولهم: كل نعمة منه فضل وكل نقمة
منه عدل. اما قوله تعالى: قل كل من عند الله (78 - النساء) أي خلقا لا كسبا أو من حديث

516
الفيض الأقدس النزيه القائل بلسان حاله: قبل من قبل لا لعلة ورد من رد لا لعلة.
845 - 4 فعلم من هذه الاسرار ان القمر مظهر الشمس ومفصل جمل لاحكامه وخواصه
المنطوية المندرجة في ذات الشمس، المتوقف ظهورها وتعددها على القوابل المختلف
الاستعداد، كالوجود الإلهي الممثل به بعينه، فإنه من حيث إنه وجود محض لا يحاط به
رؤية وعلما - كذات القمر - ومن حيث إنه وجود ظاهر في الممكنات بحسبها يعرف الحق
بما يعرف من الوجوه المذكورة ويعرف أيضا صورة تعلق علمه بكل شئ على النحو الذي هو
عليه لا يتغير أصلا بتغير الزمان وغيره، أي من حيث هو علمه، وسر تعلق علمه بكل جزء
وجزئي من الوجه التفصيلي وسر قوله: حتى نعلم (31 - محمد) أي من حيث المظاهر وغير
ذلك من احكام مرتبة المظهرية.
846 - 4 ثم نقول: واما العناصر: فكما كانت من وجه مظاهر الأسماء المختصة بالعماء، من
الأمهات الأربع لصفات الألوهية، كذلك هي مظاهر الطبيعة من وجه اخر - لكن لا مطلقا -
إذ الطبيعة من حيث هي آثار توجهات الأرواح العالية النورانية محل تعين عالم المثال كما
مر، بل من حيث ظهور حكمها في الأجسام، فان ظهور حكم الطبيعة في الأجسام في العرش
بنوع وفيما تحت اللوح المحفوظ الذي هو روح الكرسي بنوع آخر، وذلك لان الطبيعة
كما مر في كلام الشيخ الجندي هي القوة الفعالة للصورة الطبيعية، والطبيعة الكلية هي
الحقيقة المؤثرة الفعالة للصور كلها في المادة العمائية وهى منها وفيها، والطبيعة ظاهرة
الإلهية، والإلهية التي هي أحدية جمع الحقائق الفعلية الوجوبية باطنها وهويتها، والله هو الفاعل
للأفعال كلها، فأول صورة وجدت في المادة العمائية الكونية طبيعة واحدة جامعة للقوى
الفعالة والمواد المنفعلة في أحدية جمعها الذاتية وهى حقيقة الجسم الكلى المسمى بالدرة في
الحديث على وجه. هذا كلامه.
847 - 4 فالطبيعة من حيث ظهور حكمها في الأجسام إذا اقتضت ظهور الحكم من
حيث اجتماع الأرواح النورية، لا يولد الا عالم المثال كما مر، واما إذا اقتضت

517
الظهور (1) من حيث اجتماع الأرواح المثالية، كانت صورها كالعرش والكرسي أو مع
فلكين آخرين (2) لغاية قربها من مرتبة الأرواح ثابتة على الدوام وللطافة كليتها لا يقبل الخرق
والالتيام، وان اقتضت ظهور حكمها من حيث اجتماع هذه البسائط كانت الصورة الحاصلة
انزل وأكثف منها وادخل في الجزئية، وهى المرتبة العنصرية، إذ لا مرتبة بعدها الا هي،
وكان ظهور حكم الطبيعة في العرش ونحوه باعتبار وفيما تحت الكرسي باعتبار آخر.
848 - 4 فإلى النوعين الأولين الإشارة بما قال في بحث النكاحات وبمرتبة الطبيعة من
حيث ارتباطها وظهور حكمها في الأجسام، وذلك في الهباء الأول المسمى بالهيولي الكل
تنتهى إحدى مراتب النكاح من وجه، ومن العرش إلى مقعر الفلك المكوكب الذي هو
إحدى وجهي الأعراف الذي ينتهى جهنم ينتهى حكم النكاح الثاني من وجه، وذلك لان
مراده بالنكاح الأول اجتماع الحقائق المولد لصور الأرواح نورية أو مثالية، وبالنكاح
الثاني اجتماع الأرواح المولد لصور الأجسام البسيطة وهى العرش والكرسي، وانما قال من
وجه لان هذين النكاحين ثان وثالث، ان اعتبر اجتماع الأسماء الذاتية لتوليد مطلق الصور
الوجودية كما مر.
849 - 4 وإلى النوعين الأخيرين الإشارة بما قال الشيخ قدس سره أيضا في الفك العيسوي:
لما كان مقام جبرئيل بالسدرة المنتهى وهى مقام برزخي متوسط بين عالم الطبيعة
العنصرية وبين عالم الطبيعة الكلية الثابتة المختصة بعالم المثال، والعرش والكرسي وما
اشتملوا عليه كانت صورة جبرئيل التي جاء بها مشتملة على خواص ما فوق السدرة
وما تحتها، فاحياء عيسى عليه السلام بغلبة السر الروحي المتعجن فيه، وخلقه صورته
من النسبة الحاصلة من الصورة الجبرئيلية، ومن علم أن جبرئيل عليه السلام هو روح
طبيعة عالم العناصر وما ظهر عنها من السماوات السبعة والمولدات، علم أن عيسى عليه السلام



(1) - أي ظهور الحكم - ش (2) - على قول الشيخ الأكبر فلك البروج وفلك الكواكب - ش
518
من وجه هو صورة روحانية جبرئيل ومظهر مقامه البرزخي، كما أن مريم صورة الطبيعة
العنصرية الكبرى. هذا كلامه.
850 - 4 فقولنا: وتحت مرتبة اللوح المحفوظ باعتبار، أي ما تحت مرتبة العرش والكرسي أو
الفلكين الآخرين معهما، فان ذكرهما كذكر هذين.
851 - 4 ثم نقول: وكما أن ما تحت العناصر يشتمل في عالم الشهادة والأجسام من حيث
صورتها الحاصلة بالتركيب على أربع مراتب: مرتبة المعدن ثم النبات ثم الحيوان ثم الانسان،
كذلك أمر الوجود من حيث المعنى فوق العناصر من حيث حقائقها الأربع المعلومة
المذكورة فيما سبق يشتمل على أربع مراتب على عدد تلك الحقائق: مرتبة اللوح المحفوظ
والقلم الاعلى والنفس الرحماني - أعني العماء - وغيب الذات المنعوت بحضرة أحدية الجمع
والوجود وبمقام الجمع الاحدى الذي إليه يستند الألوهة ويعرف ذاتا للألوهة، وإلى
اسمه يعزى وينسب النفس فيما يسمى رحمانيا، كان معنى الرحمن ذو الرحمة العامة وهى
الوجود العام، ولا شك ان حقيقة الحقائق السابقة على كلها المشار إليها بمقام الجمع
الاحدى مترددة، أي سارية بالحركة الغيبية العلمية الإرادية المنبه على سرايتها من قبل في
مراتبها الأربع الأسمائية الذاتية.
852 - 4 اما سرايتها: فلما ذكر ان الحقيقة الجامعة كالوجود المطلق وحضرة الامكان كل
منهما سار إلى كل موجود ممكن.
853 - 4 واما المراتب الأربع الأسمائية الذاتية، فالمراد بها (1) - والله أعلم - مراتب
نكاحاتها بعد تفصيلها، فمعناه (2) حينئذ انها (3) مع جمعها للأسماء الذاتية الأربعة على
أحديتها سارية أولا في التعين الثاني، ومحصلة في مادة النفس الرحماني المسمى بالعماء



(1) - أي فيحتمل ان يكون المراد بها مراتب نكاحاتها... إلى آخره ويحتمل ان يكون المراد بها مقام الجمع
الاحدى المتضمن... إلى آخره أقرب واولى كما سيظهر من كلام الشارح - ش (2) - أي وتوجيه الكلام
كذا - ش (3) - أي حقيقة الحقائق - ش
519
بالتفصيل والتركيب للأسماء الإلهية الأصلية الأربعة التي هي أمهات أسماء الألوهة
وظلالات الأسماء الذاتية.
854 - 4 الأول (1) عالم الأرواح الذي هو نتيجة النكاح الأول الكوني.
855 - 4 وثانيا سارية في عالم الأرواح ومحصلة في المادة الهبائية بالتفصيل والتركيب
للحقائق الأربعة الطبيعية الكلية عالم المثال والعرش والكرسي الذي هو نتيجة النكاح
الثاني الكوني.
856 - 4 وثالثا سارية في الأجسام البسيطة ومحصلة فيها بالتفصيل والتركيب للعناصر
الأربعة عالم الأجسام المركبة، كالسماوات والمولدات التي هي نتيجة النكاح الثالث الكوني.
857 - 4 ورابعا سارية في الأجسام المركبة ومحصلة فيها بالتفصيل والتركيب للاخلاط
الأربعة عالم الانسان، المقصود الذي هو نتيجة النكاح الرابع الكوني، فمعنى سرايتها جمعها في
كل مرتبة من المراتب الأربع مظاهر أسمائها الأربعة.
858 - 4 أو نقول: معناه: ان مقام الجمع الاحدى المتضمن للأسماء الذاتية الأربعة على
أحديتها فيه لما سرى في التعين الثاني، ظهرت الأمهات الأربع لأسماء الألوهة التي هي
أصول عالم الأرواح، وسرى في عالم الأرواح فظهر الحقائق الأربعة للطبيعة الكلية وهى
صور الأسماء الإلهية وأصول عالم المثال والبسائط، وسرى في عالم البسائط من العرش
والكرسي فظهرت العناصر الأربعة التي هي أصول عالم الأجسام المركبة العنصرية من
السماوات والمولدات، وسرى في الأجسام المركبة من السماوات والمولدات فظهرت الاخلاط
الأربعة التي هي أصول الانسان.
859 - 4 والحاصل من سراية الجمع الجامع بين الأربعة في أربعة مظاهر وعوالم ست
عشر مرتبة بضرب الأربعة في الأربعة.



(1) - مفعول محصلة - ش
520
860 - 4 ثم إن الفردية لما كانت شرطا في صحة الانتاج وتمامية صورته، غاب الحقائق
الأسمائية الأصلية المفصلة في التعين الثاني في صور مراتب أنفسها، لتحصل الفردية في تمام
الصور، فكأنها لم تحصل في التعين الثاني ولم يسر في الوجود، فبقى من الستة عشر اثنا عشر،
كأنها هي الساري الحكم في الوجود، فتقدرت في العرش المحيط صورتها، وكان اثنى
عشر برجا اقساما معقولة يحملها اليوم أربعة املاك ينظر إليهم الحقائق الأربعة الأسمائية
الإلهية المذكورة وينفذ بتلك الحملة اثار تلك الحقائق فيمن هو محل لها.
861 - 4 فظهر سر الستة عشر الساري الحكم في الوجود الخافية عن أكثر المدارك
المحجوبة عن ادراك الحقائق - لا سيما الإلهية - فيظنون ان ليس كل ما يحويه العرش بحيث فيه
كل شئ، فإذا جاء الموطن المجسد للمعاني المجردة في القوالب التناسبية وهو عالم المثال
الذي فيه الحشر وسائر مواعيد النبوة، وقامت الحقائق الأسمائية الإلهية الحاملة للحملة
صورا كارواحها ومظاهرها، ظهر حينئذ سر العرش الشامل وحكمه العالم الكامل، وحملته
الثمانية التي بهم تنفذ اثارها المنبه لك السر على مرتبة خالقها الذي له الحكم في
الموجودات والعوالم كلها، لأنه إذا ظهر ان العرش بتلك الحيثية من نسبته العامة إلى كل
ما يحويه بالحكم، فخالقه بالطريق الأولى تبارك الله رب العالمين.
862 - 4 واما حملته الأربعة اليوم: فقد مر ان الشيخ الكبير رضي الله عنه قال: إن
الواحد على صورة إسرافيل والثاني على صورة ميكائيل والثالث على صورة جبرائيل
والرابع على صورة رضوان، وانها صور مقاماتهم لانشاءاتهم. وفي شرح الفرغاني ان
الرابع عزرائيل.
863 - 4 واما الأربعة المضافة إليها يوم القيامة: فإلى إسرافيل آدم عليه السلام للصور،
وإلى ميكائيل إبراهيم عليه السلام للارزاق، وإلى جبرائيل محمد صلى الله عليه وآله
للأرواح، وإلى رضوان مالك للوعد والوعيد، كذا نقله الشيخ الكبير رضي الله عنه عن
ابن مسرة الجبلي وقد مر غير مرة.

521
864 - 4 فتعرف بهذه الأصول عند التدبر نسبة كل صورة كلية إلى روحها والاسم الرباني
الذي هو له مظهر وهو سرها، وان نسبة حقيقة الحقائق إلى الانسان الكامل نسبة حقيقة كل
موجود - وهى كيفية تعينه في علم الله تعالى - إلى صورته، وانما وقع الاختصار على ذكر
الشمس والقمر دون سائر الكواكب، لكلية سرهما وجلالة احكام مظهريتهما.
الفصل الثالث
من فصول الباب هو تتمة شريفة لبيان بقية أنواع المظاهر ولها مقدمات
ومقصود:
865 - 4 فالمقدمات: منها: ما سلف ان استناد العالم إلى الحق سبحانه من حيث المرتبة
المسماة ألوهة، وان لها حقائق كلية هي جامعتها مسماة في اصطلاح أهل الظاهر حياة
وعلما وإرادة وقدرة، وعندنا هي مكنى بها عن الأسماء الذاتية الإلهية، فالألوهة مرتبة
للذات المقدسة نسبتها إليها نسبة السلطنة إلى السلطان وغيرها، فالتميز بين المرتبة وصاحبها
ظاهر لكن معقول، إذ المرتبة ليس لها في الخارج صورة زائدة على صورة صاحبها، ولكن
يشهد اثرها ممن ظهر بها ما دام لها الحكم بسببه وله بالمرتبة، ومتى انتهى حكمها بقى
صاحبها كمن ليست له هي.
866 - 4 ومنها: ان الحق سبحانه من جهة انه مسمى بالرحمن هو الوجود الواحد البحت.
867 - 4 ومنها: ان كونه نورا صورة مطلق الوجود، وصور الموجودات كلها مظاهر
الاعتبارات التي هي حقائق الأسماء الإلهية، وان الذات من حيث هي جامعة للأسماء لا نسبة
بينها وبين شئ ولا حكم أصلا.
868 - 4 إذا عرفت هذه فاعلم أن أتم مظاهر النور في الموجودات الحسية الشمس،
فحقيقة الصورة الشمسية النور لا حقيقة روحها أو سرها، إذ هي (1) كما مر مظهر



(1) - أي الشمس - ش
522
الألوهية ممدة لمظاهر الأسماء التي تحت حيطتها من حيثية النسبة المسماة بالمحيي.
869 - 4 فان قلت: النور من حيث هو لا يقتضى الشكل - كما في الأرواح النورية
وغيرها (1) -.
870 - 4 قلنا: الشكل أمر عارض للنور لحقه لموجبات لا تخفى مما سبق، فكون نورها مما
يدرك كما يدرك به، لانقلابه ضياء باختلاطه ظلمة الجسمية كما قال تعالى: هو الذي
جعل الشمس ضياء (5 - يونس) واستدارة شكله بتبعية شكل محله، لأنه شكل إحدى
لا يعرض لما غلب فيه الوحدة وجهة البساطة الا هو، كما قلنا في الأفلاك، وقوة ضيائه
بحسب صفاء جوهره وقابليته للتنور بنور التجليات الأسمائية الملحة، ثم لنورها أنواع من
الحركة كل منها مظهر لنوع من التوجه الإلهي الأسمائي وهى ستة: ثلاثة مختصة بها و
ثلاثة عامة، فالمختصة بصورتها: على انها اما سريعة أو بطيئة، في الجملة اما مستمرة أو لا،
والمستمرة اما تامة أو غير تامة، فالسريعة المستمرة التامة الحركة اليومية التابعة للدورة
الكبرى العرشية، والبطيئة المستمرة الغير التامة قطعها في كل يوم جزء واحدا الا دقيقة من
ثلاثين جزء من برج وهى غير تامة، والمراد (2) قطعها بالتخلف عن السريعة لا بالقهقري،
ولذا لم يصفها بالقهقري كما وصفها في غير المستمرة.
871 - 4 ولما مر ان حركات الكواكب المستمرة كلها من المشرق إلى المغرب و
يستروح ذلك من قولنا وهى غير تامة، والا فلا حاجة إلى ذلك، والحركة الثالثة الغير
المستمرة حركتها بالقهقري كطلوعها من مغربها - على ما في التعريف الصحيح الإلهي
النبوي -
872 - 4 واما الحركات العامة الغير المختصة بصورتها: فهي أيضا على انها لا تخلو من
السريعة أو البطيئة ثلاثة أقسام: لأنها اما يدوم حكمها، فهي خاصة الإضافة إليها وعامة، أو
لا يدوم حكمها، فالسريعة الخاصة الإضافة والدائم الحكم هي المضافة إلى نورها المنطبع



(1) - فما وجه الشكل؟ - ش (2) - والمراد من كونها غير تامة: قطعها... إلى آخره - ش
523
في جرم القمر، اما الثانية العامة الإضافة الدائم الحكم. فمنها سريعة وهى الحركة العرشية
الشاملة سائر الأفلاك والكواكب. ومنها مختلفة في البطؤ، وهى ما يضاف إلى سائر
الكواكب، والثالثة ما لا يدوم حكمها وهى حركة رجوع الكواكب الخمسة الخنس المتحيرة،
فإنها من بعض أحوال النور من حيث ظهوره في اجرامها، وهذا من قبيل انقسام العرض
بانقسام محله.
873 - 4 فان قلت: أنوار سائر الكواكب غير القمر ليست من نور الشمس فكيف عد
حركاتها من أقسامها (1)؟
874 - 4 قلنا: في ذلك قولان: أحدهما ان الكواكب بأسرها لا نور لها وانما تستفيد النور من
الشمس، وثانيهما ان الكواكب لها نوعان من النور: مستفاد من الشمس وغير مستفاد منها، فبأن
ان النور الشمسي يضاف إليه أنواع من الحركة من وجوه سائر الكواكب.
875 - 4 إذا عرفت أقسام حركة نور الشمس فاعلم أن الحركة المختصة بصورة الشمس
الغير المستمرة كطلوعها من مغربها نظير احتجاب نور التجلي الرباني الذي به بقاء العالم،
وحياته بعوده معنى إلى المقام الجمع الاحدى الذاتي الغيبي، وبذلك الاحتجاب فناء
هذا العالم الذي يأتي بعده الحشر، ويسميه بعض الفضلاء: دولة الستر والفترة المقابلة لدولة
العز والكشف، ولم يعلم سر ذلك، لأنه مبنى على القول بجمع اصباع الكمالات
الأسمائية، لا كالخفاء الاطلاقي الأول الذي كانت تلك الكمالات مستهلكة في أحديته. هذا ما
عندي والله أعلم بمراد الكمل.
876 - 4 واما حركة رجوع الخمسة الخنس فنظير رجوع احكام أمهات أسماء الألوهية
الأربعة المكنى عنها عند أهل الحجاب بالحياة والعلم والإرادة والقدرة مع خامس الأربعة
الذي هو حكم المرتبة الجامعة لها إلى الذات المقدسة بستر، وإليه يرجع الامر كله (123 -
هود) فيظهر حكم الحالة الحجابية بعود التجلي نحو العالم الذي يلحقه الفناء



(1) - أي من أقسام حركتها - ش - أقسامه - ط - ن - ع - ل
524
إلى حضرة غيب الذات، فان تلك الحقائق الأربعة فروع لمقام الجمع الاحدى المكنى عنه
أحيانا بحضرة الذات وتبع لها.
877 - 4 واعلم انا انما لم نتعرض لمظهرية الأقسام الأخر للحركات لظهور ذلك، مما مر
ان الحركة المستمرة أو الدائم الحكم انما هي صورة التوجه الإلهي الأسمائي لإيجاد ما به
ظهور كمالات الأسماء والحقائق، وتفاوتها مما سيلوح به انه مبنى على تفاوت قوة الأسماء
التي مظاهرها تلك الكواكب وحيطتها وكثرة عدد رقائقها وتناسبها، معتبرا فيها تفاوت
المراتب التي صورها ومظاهرها أفلاكها، فيفهم ان العرش والطبيعة الكلية لما كانتا
مظهرين للإلهية الدائم الحكم، داما بدوامها وقويا بقوتها، بخلاف العنصريات من
الفلكيات والمولدات.
878 - 4 وقد قلنا: لما كان العرش محل الاستواء الرحماني ومستقر احتواء الوجود العام
والمظهر الأول لتمامية الظهور، كانت صورته مثال مطلق حقيقة الألوهة، فاما قواها الأربعة
الطبيعية الكلية التي لبروجه الاثني عشر وهى الكيفيات المنسوبة إليها، وأرواح بروجه من
الملائكة السالفة، مثل ونظائر لحقائق الألوهة وهى الأسماء الأربعة التي بها يتمكن الملائكة
الحملة من الحمل. بل تلك الأسماء الأربعة التي هي الحياة والعلم والقدرة والإرادة حملة
للحملة الأربعة التي هي إسرافيل وميكائيل وجبرائيل وعزرائيل أو رضوان.
879 - 4 ثم نقول: واما رقيقة امداد الحق للعالم التي من حيثها وبها يصل من الحق سبحانه
إلى الصورة العرشية المحيطة وما تحويه تلك الصورة، ما به بقاء الجميع وبقاء احكام قوى
الصورة العرشية وقوى محوياتها، فمثال لنسبة التعلق الذاتي للحق بمرتبة الألوهة الذي قد
يعبر عن ذلك التعلق بالتوجه الذاتي الامرى الاحدى، وذلك التعلق الذاتي لما عم حكمه
حقائق الأسماء الأول الأربعة المذكورة، ظهر للحركة القدسية بعدد حقائق تلك الأسماء
أربع مراتب، لكل حقيقة مرتبة - وان لم يخل كل عن كل -.
880 - 4 أو لها الحركة الغيبية التي بها حصل السريان الوجودي، أي التجلي الساري الذي

525
هو النفس الرحماني والوجود العام، وذلك بالباعث الحبى من الحضرة الناطقة ب‍ (أحببت ان
اعرف) وهو مقام الجمع الاحدى المسمى بالتعين الأول.
881 - 4 وثانيها حركة الأسماء والحقائق التي بها حصل القلم وسائر الأرواح العالية،
وذلك من الحضرة العلمية الألوهية الفياضية.
882 - 4 وثالثها حركة الأرواح النورية التي بها حصل عمار السماوات ونفوسها
وملائكتها في المرتبة اللوحية النفسية بالصورة المثالية، وكلتا هاتين الحركتين من حضرة
الجبروت إلى عالم الملكوت الاعلى والأسفل.
883 - 4 ورابعها حركة الملكوت من حيث مظاهرها المثالية التي بها حصل عالم الحس
والأجسام البسيطة التي أولها العرش، ففي العرش انتهت رتب الحركة القدسية الأسمائية
التي للتوجه الذاتي الامرى الاحدى وتمت، ثم ظهر حكم الحركات الأربع وخفيت
أصولها الأسمائية، وانما خفيت لتحقيق سر الفردية التي يتوقف ظهور النتيجة على ذلك
السر.
884 - 4 وعن هذا قلنا: إن لا اثر في ظاهر الا لباطن فيه، ومنه يفهم أصل التربيع المتضمن
للتثليث في البروج، حيث اشتملت على أربعة أقسام لأربع طبائع كل منها ثلاثة:
منقلب وثابت وذو جسدين - أي جهتين - كالحدود الثلاثة للقياس، واشتمل احكامها
على أربعة فصول لكل منها بداية ونهاية ووسط، وحقائقها على أربع كالعناصر الأربعة.
ويفهم سر استواء حقائق الألوهة في العرش بتمام ظهور احكامها من العرش، وسر
خفاء الحقائق وظهور حكمها في صورة العرش وما حواه، ليتحقق الفردية الحاكية والمماثلة
لأصل التوجه إلى ظهور الكمال الأسمائي، وان الأثر لباطن الأسماء العلمية في ظاهر
الأعيان الصورية الكونية، وسر الحمل العرشي والحملة، ان الحمل هو التوجه الأسمائي
الإلهي الذي تم (1) ظاهره في العرش، والحملة في المطلع (2) نفس الأسماء الأربعة الإلهية



(1) - أي تمت حركته الغيبية في العرش - ش - تمت - ل (2) - أي في الحقيقة والسر - ش
526
وفي الباطن صورها النورانية الملكية وفي الظاهر القوى الطبيعية الكلية وليعمم هذا
الاعتبار فيما يحويه العرش.
الفصل الرابع
من فصول الباب خاتمة التتمة السابقة
885 - 4 وهى نكتة شريفة في أمر الدور، ولبيانه مقدمات ذكرها الشيخ قدس سره في
تفسير قوله تعالى: مالك يوم الدين:
886 - 4 الأولى أصل الزمان الاسم الدهر وهو نسبة معقولة كسائر النسب الأسمائية وهو
من أمهات الأسماء وروحها - أي كلياتها -
887 - 4 الثانية ان احكامه (1) في كل عالم بحسب التقديرات المفروضة المتعينة بأحوال
الأعيان الممكنة في ذلك العالم وباحكامها وبحسب آثار الأسماء ومظاهرها السماوية
والكوكبية، فاقتضى ان يكون محل (2) نفوذ احكام كل اسم ومعينات احكامه أعيانا مخصوصة
من الممكنات هي محل ربوبيته، فإذا انتهت احكامه المختصة به من الوجه الذي يقتضى الانتهاء
كانت السلطنة (3) لاسم آخر في أعيان اخر، ويبقى احكام الاسم الأول اما خفية في حكم
التبعية لمن له السلطنة، واما ان يرتفع احكامه بالكلية ويندرج هو في الغيب أو في اسم اخر أتم
حيطة منه، هكذا الامر على الدوام في كل عالم ودار وموطن، ولهذا اختلفت الشرائع
والالقاءات والتجليات، ونسخ وقهر بعضها بعضا مع صحة الجميع واحدية الأصل.
888 - 4 الثالثة لا يكون السلطنة في كل مرتبة وموطن وجنس ونوع وعالم الا لاسم
واحد في مظهر واحد، والباقي في حكم التبعية، لان السلطان لله وحده، والألوهة واحدة
وأمرها واحد، وإلى هذا يستند القائلون بالطوالع فيجعلون الحكم مضافا إلى أول ظاهر



(1) - أي يتعين احكام الدهر في كل عالم بحسب... ش (2) - في الأعيان القابلة لتلك الأحكام - ش
(3) - من الأسماء - ش
527
من الأفق حين الولادة أو الشروع في أمر ما أو الانتهاء إليه. وقد عرفت ان الحق سبحانه
هو الأول والظاهر.
889 - 4 الرابعة ما مر ان العرش والكرسي والأفلاك والكواكب مظاهر الحقائق والمراتب
والأسماء الحاكمة ومعينات لأحكامها.
890 - 4 إذا عرفت هذا فنقول: عدد ادوار الكواكب والأفلاك وأنواعها التفصيلية من
الكبرى والوسطى والعظمى والصغرى المعلومات المقادير في مداخل النجوم، هي على
عدد رقائق الأسماء التي تلك الكواكب والأفلاك صورها (1) ومظاهر مراتبها وعلى عدد
احكامها ونسب احكامها وحيطتها وتوافقها وتناسبها فيما بينها وتباينها، فما هو الأتم حيطة
يكون أكثر حكما وأطول مدة.
891 - 4 قال في التفسير: فبالادوار يظهر احكامها (2) الكلية المحيطة الشاملة وبالآنات
يظهر احكامها الذاتية من حيث دلالتها - أعني الأسماء على المسمى - وعدم مغايرتها له،
وما بينهما (3) من الأيام والساعات والشهور والسنين يتعين باعتبار ما بينهما (4) من الاحكام
المتداخلة، وهذا كالأمر في الوحدة التي هي نعت الوجود البحت وفي الكثرة التي هي من
لوازم الامكان وفيما بينهما من الموجودات الناتجة عنهما، فانظر اندراج جميع الصور الفلكية في
العرش (5) الذي روحه القلم وسره الألوهية كما مر وانه كيف يتقدر بحركته السريعة الشاملة
الأيام؟ وأرق منه إلى الاسم الدهر من حيث دلالته على الذات وعدم المغايرة، حتى تعلم أن
الزمان المتعين بالعرش صورته.
892 - 4 لذا روى قوله عليه وآله السلام: يا دهر يا ديهور يا ديهار، وقال (ص): لا تسبوا
الدهر فان الدهر هو الله، فاعتبر الان الذي هو الزمن (6) الغير المنقسم فإنه الموجود الحقيقي



(1) - الضمائر المؤنثة كلها راجعة إلى الأسماء - ش (2) - أي الأسماء والحقائق - ش (3) - أي الأدوار
والانات - ش (4) - أي باعتبار ما يحصل من هذين الأصلين أي الأدوار والإناث - ش (5) - مع أنه أسرع
حركة - ش (6) - الفرد - ش
528
لاعتبار الصفة عين الموصوف، وما سواه معدوم فرض - ماضيا أو مستقبلا - والموجود
الان، وللدور حكم الكثرة والامكان، ولمعقولية الحركة التعلق الذي بين الوجود الحق
وبين الأعيان، فبين الان (1) والدوران وبين الوجود (2) والامكان تظهر الألوان والأكوان
ويتفصل احكام الدهر والزمان، فمستند الأدوار: اكتب علمي في خلقي إلى يوم القيامة،
ومستند الان: كان الله ولا شئ معه، و: هو معكم أينما كنتم (4 - الحديد) هذا كلامه.
893 - 4 ثم نقول: إذا عرفت ما ذكر تعرف سر العدد اليومي (3) انه بتبعية عدد رقائق
الاسم المستوى على العرش، كالرحمن والمحيط والمدبر، وسر الأسبوع: انه بتبعية الهيئة
الجمعية الحاصلة من اندراج رقائق الأسماء المستوية على أفلاك الكواكب المتحيرة في
رقائق الاسم المستوى على العرش، وسر الشهر: انه بتبعية الهيئة الجمعية الأسمائية الحاصلة
من اندراج رقيقة الدور الواحد القمري في الهيئة السابقة، فان روحانية القمر كما مر محل
اجتماع اثار تلك الأسماء ثم محل افتراقها إلى عالم العناصر والمولدات، وسر العام المضاف إلى
ذلك كله: انه بتبعية الهيئة الاجتماعية الاسمية الحاصلة من اندراج رقيقة الدور الواحد
الشمسي أو رقائق الأدوار القمرية بعدد البروج الاثني عشر في الهيئة التي قبيل هذا، وعلى
هذا قياس أعوام سائر الكواكب والأدوار الأربعة المشار إليها، ويعرف أيضا سر إحاطة
العرش بصورته وحركته وروحه (4) وسره (5) واندراج (6) سائر الصور في صورته
والحركات في حركته والاحكام في احكام صورته، وان الاسم الدهر روح الزمان وان الدور
العرشي مظهر الزمان، لذلك (7) اشتمل كأسمائه الأصلية (8) والملائكة الحملة (9) وحقائق



(1) - المدرك مظهره في الأعيان - ش (2) - المدرك بالكشف والعقول في الأذهان - ش (3) - اعلم أن
كون ما سبق سببا لعرفان اسرار مذكورة يظهر لمن تأمل كون ادوار الأفلاك والكواكب وأنواعها على
عدد رقائق الأسماء وكون الأفلاك والكواكب ظاهر الأسماء - ش (4) - هو القلم - ش (5) - هو الاسم
الرحمن - ش (6) - أي وسر اندراج - ش (7) - أي لما كان العرش سره الأسماء الأصلية
الأربعة وحملته اليوم أربعة وكان مشتملا على أربع طبائع كان اشتماله على أربع مراتب كلية انسب - ش
(8) - الأصلية التي هي سر العرش - ش (9) - للعرش وهى اليوم أربعة - ش
529
طبيعته (1) الكلية على أربع مراتب كلية: أيام وساعات ودرج ودقائق، اما اليوم فهو مدة
واحدة من حيث إنها مستكملة للجمع بين مظهر الظهور والبطون.
894 - 4 وقال في التفسير: الليل مظهر الغيب المطلق الممحوة آيته والنهار مظهر
الشهادة المبصرة علاماته، وانما نسب إلى الحق اليوم الشامل، لان الامرين له سبحانه، وفي
العالم ما هو يقتضى قبول الحكمين.
895 - 4 وما عدا اليوم ان اعتبر متزائدا فهو تكرار في الأسبوع سبعة أيام، وعلى هذا وان
اعتبر متنازلا فتجزئة وتفصيل حتى ينتهى القسمة إلى الان الذي لا ينقسم، مع أنه أصل كل ما
انقسم من الصور الزمانية، إذ بالان يتقدر الدقائق وبالدقائق يتقدر الدرج وبالدرج يتقدر
الساعات وبالساعات يتقدر اليوم وتم الامر - أي أمر الوجود - تقديرا بهذا الحكم الرباعي
وبالسر الجامع (2) بينها الذي هو الدهر، وكلما تمت هذه المراتب الأربعة الزمانية عاد
التكرار المثلى - لا العيني - إذ المعدوم لا يعاد بعينه، والا لكان للزمان زمان فتداخلا،
وكذا الحركتان والمسافتان أو انقطع الحركة العرشية، والكل محال.
896 - 4 قال في الباب التاسع والخمسين من الفتوحات: اعلم أن نسبة الأزل إلى الله تعالى
نسبة الزمان إلينا، ونسبة الأزل نعت سلبى لا عين له، فكذا الزمان نسبة متوهم الوجود، إذ
لو كان موجودا وكل موجود صح السؤال عنه بمتى فيكون للزمان زمان، ولذا اطلقه الحق
تعالى على نفسه بقوله: وكان الله بكل شئ عليما (40 - الأحزاب) و: لله الامر من قبل ومن
بعد (5 - الروم) فلو كان وجوديا لكان قيدا له، فما صح اطلاقه عن التقييد به.
897 - 4 ثم إن الناس اختلفوا في معقوليته (3)، فقال بعض الحكماء: مدة متوهمة يقطعها
حركات الأفلاك. وقال المتكلمون: هو مقارنة حادث بحادث يسأل عنه بمتى، والعرب يريد
به الليل والنهار وهو مطلوبنا هيهنا، وقد أظهره وجود الحركة الكبرى، وما في



(1) - أي العرش مشتمل على أربع طبائع كلية - ش (2) - فعلى كون المراد من السر الجامع هو الان
أولي وأنسب - ش (3) - أي مدلوله وهو الزمان - ش
530
الوجود العيني الا وجود المتحرك، فالزمان أمر متوهم لا حقيقة له، وبهذا اليوم (1) يقدر سائر
الأيام (2) من الف سنة وخمسين الف سنة وفي أيام الدجال يوم كسنة ويوم كشهر ويوم
كأسبوع، فقد يكون هذا لشدة الهول لكن رفع الاشكال تمام الحديث في قول عائشة:
فكيف يفعل في الصلاة في ذلك اليوم؟ فقال صلى الله عليه وآله: يقدر لها، فلو لا ان الامر في
حركات الأفلاك (3) على ما هو عليه باق ما صح ان يقدر بالساعات المعلومة (4) بآلاتها، بل
يكون في أول خروج الدجال يكثر الغيوم وتتوالى بحيث يستوى في المرائي وجود الليل
والنهار، وهو من الحوادث الغريبة في آخر الزمان، فالأيام كثيرة، أصغرها الزمن الفرد (5)
وعليه يخرج كل يوم هو في شأن (29 - الرحمن) لان الشأن يحدث فيه ولا حد لأكبرها،
وبينهما أيام متوسطة أولها اليوم المعلوم باقسامه والباقي يتقدر به، هذا كلامه.
898 - 4 ثم نقول: ومن هذا الذوق وهو ان عدد الأدوار بعدد رقائق الأسماء، يعرف ان
اختلاف الأيام وتفاوتها كاليوم الذي نعده وهو الدورة الواحدة العرشية والأيام الإلهية
التي هي كالف سنة مما نعده كما قال: وان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون (47 - الحج)
ومن خمسين الف سنة وهى أيام ذي المعارج المذكورة في سورة المعارج (6)، انما هو من
اختلاف حيطة حكم الاسم أو المرتبة التي ينضاف إليه اليوم أو الحركة المعينة لذلك
اليوم، فكل اسم من الأسماء الإلهية يستند إلى حكمه أو حكم مرتبته كوكب وفلك له دور
مخصوص، فمدة الدورة الواحدة يوم واحد لذلك الاسم مثلا ثمانية وعشرون يوما مما نعده
يوم واحد للاسم الذي يستند إليه روحانية القمر وعلى هذا القياس.
899 - 4 ولايضاح هذا الموضع بتمامه نقلنا ما قال الشيخ الكبير رضي الله عنه في الفتوحات



(1) - الأصغر المعتاد - ش (2) - الكبار - ش (3) - أي حركات الأفلاك لم يختل نظامها - ش
(4) - التي يعمل صورتها لأهل ذلك العالم فيتعلمون بها الأوقات في أيام الغيم - ش (5) - فسمى الزمن
الفرد يوما فهو أصغر الأيام والأزمان - ش (6) - قال الله تعالى في سورة المعارج: تعرج الملائكة
والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة (4 - المعارج)
531
في الباب السابع في بدء الجسوم الانسانية وهو قوله: اعلم أيدك الله سبحانه انه لما مضى من
عمر العالم الطبيعي المقيد بالزمان المحصور بالمكان إحدى وسبعون الف سنة من السنين
المعروفة في الدنيا، وهذه المدة أحد عشر يوما من أيام غير هذا الاسم ومن أيام ذي المعارج
يوما وخمسا يوم، وفي هذه الأيام يقع التفاصيل بخمسين الف سنة وبألف سنة،
فأصغر الأيام هي التي يعدها حركة الفلك المحيط، وذلك لحكمه على ما في جوفه من الأفلاك،
إذ حركتها (1) قسرية ولكل فلك حركة طبيعية مع تلك القسرية (2) في وقت واحد، ولكل
حركة طبيعية في كل فلك يوم مخصوص نعد مقداره بأيام الفلك المحيط، فأصغر أيام
الكواكب هو ثمانية وعشرون يوما مما تعدون مقدار قطع حركة القمر، وكذا لكل
كوكب يوم مقدر يتفاوت على قدر سرعة حركاتها (3) أو أصغر أفلاكها، وانتهى (4) أمر
الايجاد (5) إلى خلق المولدات من الجماد والنبات والحيوان بانتهاء إحدى وسبعين الف سنة
مما نعد، لم يجعل (6) سبحانه لشئ مما خلقه من أول موجود إلى آخر مولود - وهو الحيوان -
بين يديه الا للانسان، وهو هذه النشأة البدنية، بل خلق كل ما سواه اما عن أمر الهى
وهو أمر كن، واما عن يد واحدة، وهو ما روى في الخبر: ان الله سبحانه خلق جنة عدن بيده
وكتب التوراة بيده وغرس شجرة طوبى بيده وخلق آدم بيديه.
900 - 4 ولما انتهى من حركات الفلك الأول ومدته أربع وخمسون الف سنة مما تعدون،
خلق الله تعالى الدار الدنيا وجعل لها أمدا معلوما ينتهى إليه وينقضى صورتها إلى أن تبدل
الأرض غير الأرض والسماوات.



(1) - أي الأفلاك التي في جوفه - ش (2) - فتعين ان لكل حركتين في وقت واحد طبيعية وقسرية ولعل
تلك الأيام باعتبار حكم ملك مسلط على كل برج من أول الميزان إلى تمام الأسد - ش (3) - ليعلم عدد
السنين والحساب - ش (4) - عطف على قوله: مضى - ش (5) - بعد خلق القلم واللوح والهباء
والطبيعة والجسم الكل والأرواح العالية وعالم المثال والأفلاك الثابتة وعمار السماوات - ش (6) - جواب
لما مضى - ش - لم يجمع - ن - ع - ل - الفتوحات
532
901 - 4 ولما انقضى من مدة حركة هذا الفلك (1) ثلاث وستون الف سنة مما تعدون،
خلق الله تعالى الدار الآخرة الجنة والنار اللتين أعدهما لعباده السعداء والأشقياء، وكان بين
خلق الدنيا وخلق الآخرة تسعة آلاف سنة مما تعدون، ولتأخر خلقها (2) سميت آخرة
والأولى دنيا (3)، ولم يجعل للآخرة منتهى، فلها البقاء الدائم، وجعل سقف الجنة هذا الفلك
وهو العرش، والقصد الثاني من الكل وجود الانسان والقصد الأول معرفة الحق وعبادته
التي لها خلق العالم كلها، فما من شئ الا وهو يسبح بحمده. ولما وصل الوقت المعين في
علمه لإيجاد هذه الخليفة بعد ان مضى من عمر الدنيا سبع عشر الف سنة ومن عمر
الآخرة الذي لا نهاية له في الدوام ثمان آلاف سنة، أمر الله تعالى بعض ملائكته ان يأتيه
بقبضة من كل أجناس تربة الأرض - كما علم في الحديث - فاتاه بها وخمرها الله بيديه
وجمع فيه الأضداد، وذلك في دولة السنبلة.
902 - 4 ثم الجسوم الانسانية التي هي أربعة أنواع: جسم آدم وجسم حواء وجسم عيسى
وأجسام بني آدم، اختلفت في المبدأ مع الاجتماع في الصورة الانسانية والروحانية،
لئلا يتوهم الضعيف العقل ان القدرة الإلهية أو الحقائق لا تعطى هذه النشأة الانسانية الا
عن سبب واحد، ليعلم ان الله على كل شئ قدير، وقد جمع الله تعالى الأربعة في قوله: يا أيها
الناس انا خلقناكم من ذكر - يريد حواء - وأنثى (13 - الحجرات) يريد عيسى، ومن
مجموع الذكر والأنثى يريد بني آدم بطريق النكاح والتوالد، فهذه الآية من جوامع الكلم.
فليس ذلك لذات السبب، بل راجع إلى فاعل مختار يفعل ما يشاء كيف يشاء من غير
تحجير، فتبارك الله أحسن الخالقين (14 - المؤمنون).



(1) - فحينئذ يكون الحكم في يد ملك برج الأسد - ش (2) - عن الدنيا - ش (3) - لأنها خلقت قبلها - ش
533
903 - 4 وقال رضي الله عنه في الباب الستين من الفتوحات: لما انتهى الحكم إلى السنبلة
ظهرت النشأة الانسانية بتقدير العزيز العليم، فأنشأ الله الانسان من حيث جسمه خلقا
سويا وجعل له من الولاية في العالم العنصري سبعة آلاف سنة، وينتقل الحكم إلى الميزان
وهو زمان القيامة وفيه يضع الله الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا، لان
القيامة محل سلطان الميزان.
904 - 4 ولما كان للعذراء السبعة من الاعداد كانت له السبعة والسبعون والسبع مائة في
تضاعيف الأجور وضرب الأمثال في الصدقات، فقال تعالى: كمثل حبة أنبتت سبع
سنابل... الآية (261 - البقرة) ويدخل الناس الجنة والنار في أول الحادية عشرة درجة
من الجوزاء ويستقر كل طائفة في دارها، ولا يبقى في النار من يخرج بشفاعة أو عناية الهية،
ويذبح الموت بين الجنة والنار وبالأمر الإلهي الذي أودع الله في حركات الفلك الأقصى
يقع التكوين في الجنة بحسب ما تعطيه نشأة الدار الآخرة، فان الحكم ابدا في القوابل، فان
الحركة واحدة وآثارها تختلف بحسب القوابل، وكذا حكم أهل النار بحسب ما أودع الله في
حركات الفلك الأقصى وفي الكواكب الثابتة وفي سباحة الدراري السبعة المطموسة الأنوار،
فهي كواكب ليست بثواقب، والحكم في النار خلاف الحكم في الجنة، بل يقرب من حكم
الدنيا، فليس بعذاب خالص ولا بنعيم خالص، لذا قال تعالى: ثم لا يموت فيها ولا يحيى
(13 - الاعلى) هذا كلامه.
905 - 4 فأقول: المفهوم منه انا لما أسلفنا فيما نقلنا عن عقلة المستوفز: ان أول حركة
العرش بالزمان بملك الميزان وبيده مفتاح خلق التغيرات والزمان الذي خلق الله في
السماوات والأرض، علم أن ابتداء عمر العالم منه، وحين عين في ذلك النقل مدة تولية كل
ملك من ملائكة البروج، فإذا حاسبنا تلك المدد من أول برج الميزان إلى أول برج السرطان
الذي حكم فيه ان مفتاح خلق الدنيا بيده، بلغت أربعا وخمسين الف سنة كما عينه الشيخ
قدس سره هنا، وإذا ضم إليها مدة السرطان التي فيها خلق الدنيا وهى تسعة آلاف سنة،

534
بلغت إلى أول الأسد الذي حكم فيه ان مفتاح خلق الآخرة بيده ثلاثا وستين الف سنة كما
عينه، وإذا ضم إليها مدة التي خلق فيها الآخرة وهى ثمانية آلاف إلى أول السنبلة التي حكم
فيها بان لها اختصاصا بالاجسام الانسانية.
906 - 4 فان قال هيهنا ان النشأة الانسانية وقعت فيها بلغت المدد السالفة إحدى
وسبعين الف سنة كما عينه، وبلغ من عمر الدنيا إلى بدء الانسان سبع عشرة الف سنة كما
عينه، وحين تم ولاية الانسان بتمام مدة حكم ملك السنبلة وهى سبعة آلاف سنة وابتدأ من
الميزان حكم القيامة وانتهى أمر الحشر والنشر حتى استقر أهل الدارين في منزلهما إلى بعض
برج الجوزاء، كان مدة ما بينهما بذلك الحساب (1) خمسين الف سنة وهو يوم ذي المعارج.
907 - 4 وسره - والله أعلم - ان يوم القيامة يوم تجسد النسب والأعمال والأحوال،
ولا شك ان في كل الف سنة من مدة خلق الانسان في الدنيا التي هي سبعة آلاف سنة،
حكما لكل من الأئمة السبعة الأسمائية التي بسران حكمها وفنون تجليها يؤثر الأرواح
والطبائع التي في الكواكب السبعة وغيرها، فرقائق السبعة الأسماء في كل من السبعة الآلاف
تصورت بألف سنة، فبلغت من ضرب السبع في السبع تسعة وأربعين على عدد أولي العزم
السبعة من الرسل والخلفاء السبعة لكل منهم كما سيجئ، وإذا تصورت جميعة الكل بيوم
خاتم بلغت خمسين الف سنة، ولما كان عده مدة جمعية الاحكام المنسوبة إلى كل اسم من
الأسماء الإلهية يوما كان كل الف سنة باعتبار نسبتها إلى كل اسم مرب يوما، لأنه مجموع
مدة تربيته بتلك الرقيقة، لذا صار يوم الرب الف سنة كما قال تعالى: وان يوما عند ربك
كالف سنة مما تعدون (47 - الحج) هذا مبلغ فهمي - والله أعلم -.
908 - 4 وحين تم هنا ذكر المظاهر الكلية التي ذكرها الشيخ قدس سره في المفتاح رأينا
ان نذكر من بعض المظاهر التي ذكرها في سائر كتبه - لإفادتها قواعد منهمة وازاحتها
معاقد مدلهمة -



(1) - وذلك بزيادة الف سنة - ش
535
909 - 4 قال قدس سره في أول الفكوك: كل مسمى بكلمة مظهر وحصة من الحقيقة
الانسانية الكمالية، وللجامعين لحصصها ثلاث مراتب:
910 - 4 الأولى جامع الغالب في جمعيته احكام ظاهر الانسانية وهو مظهر احكام
الوجوب في مرتبة الامكان - لكن بحسب الامكان -
911 - 4 الثانية جامع الغالب على جمعيته احكام باطنها وهو مظهر احكام الامكان في
حضرة الوجوب - لكن بحسب الوجوب -
912 - 4 الثالثة جامع بين الظهور والبطون في درجة اعتدالهما، وله المقام البرزخي
والنقطة الوسطية التي بها يتعين الطرفان والظهور بكل منهما، وثمة من لا رتبة له على
التعيين، كالذات من حيث اطلاقها منه وبه يتعين الطرفان والوسط الجامع ولا يتقيد
بمرتبة ونسبة واسم ووصف، ولا ينتفى عنه شئ منها أيضا، وفيه يستهلك المراتب وأربابها
- كما به يظهر -
913 - 4 وقال (1): الأفلاك مظهر العقول والنفوس من حيث الإحاطة ودورها مظهر
توجهما، ولذا تفاوتهما بكثرة الوسائط وقلتها الموجبة لكثرة احكام الامكان، وقلتها اثر في
تفاوت الأفلاك شرفا وإحاطة، فأقربها نسبة إلى أشرف العقول أتمها إحاطة وبالعكس.
914 - 4 وقال: الخليل عليه السلام أول مظهر للتخلق (2) بالصفات الألوهية الثبوتية،
لذا كان أول من يكسى يوم القيامة، وهو مظهر ظاهر البرزخية الأولى الذي هو البرزخية
الثانية، وكلماته التي أتمهن مظاهر احكام الوجوب في مرتبة امكانه، لذا أعقبت بالإمامة
على الناس.
915 - 4 وقال قدس سره: صورة العالم - بل صورة كل شئ - مظهر الاسم الظاهر



(1) - أي في الفكوك في فك ختم الفص الآدمي، ص: 186 (2) - والفرق بين التخلق والتحق: ان التخلق
يحصل بالكسب والعمل، واما التحقق فيكون بمناسبة ذاتية تقتضى أن تكون مرآت للذات والمرتبة
الجامعة للصفات، فافهم - ش
536
وروحه مظهر الاسم الباطن من وجه، ونسبة عالم المثال إلى صورة العالم نسبة خيال الانسان
وذهنه إلى صورته.
916 - 4 وقال (1): الخليل عليه السلام من وجه مظهر العقل الأول الذي هو أول
الأسباب الوجودية والشرط في إقامة بيت الوجود المتأسس على مرتبة الامكان.
917 - 4 وإسماعيل عليه السلام مظهر النفس الكلية التي هي اللوح من حيث إنه محل
الكتابة الايجادية، ولذا كان معاونا له في إقامة البيت.
918 - 4 ويعقوب نظير الفلك الأول المسمى بالعرش، لذا تعين له المعقولية البروج الاثني
عشر ولدا.
919 - 4 وهاجر مظهر اللوح القابل من وجه ومملوكة، لان اللوح محكوم للقلم بتمليك
الحق إياه ومحل تصرفه بالتأثير.
920 - 4 وماء زمزم الذي هو أول ماء تعين عند محل الكعبة مظهر العلم الذي هو أول لازم
لذات الحق من حيث امتيازه النسبي، لذا قال صلى الله عليه وآله: ماء زمزم لما شرب له، لان
أكثر علوم الناس ظنون ليست علوما محققة، وقد قال تعالى: انا عند ظن عبدي بي، فليظن
بي ما شاء. واما قوله عليه وآله السلام: هو طعام طعم وشفاء سقم، فهو في حق من اطلع على
سر القدر وتحقق بمعرفة تبعية العلم للمعلوم وانه واجب الوقوع، فيفرج بوقوع الملائم
ويريح نفسه من انتظار ما يعلم أنه لم يقدر وقوعه ولا يحزن من الواقع.
921 - 4 والكعبة التي هي أول بيت وضع للناس مظهر لحقيقة العالم، القابلة للايجاد
الأول من حيث صفة الاقتدار التي العقل الأول صورتها.
922 - 4 والأرض (2) صورة حضرة الجمع ومحل الخلافة والكعبة مركزه، لذا جاء: ان
الأرض دحيت من تحت الكعبة.



(1) - أي في الفكوك في فك ختم الفص الإسماعيلي، ص: 211 (2) - فك ختم الفص المحمدي، ص: 315
537
923 - 4 هذا بلسان الباطن، واما بلسان المطلع (1): فالكعبة بيت صفة الربوبية وإليه
الإشارة بقوله تعالى: فليعبدوا رب هذا البيت (3 - قريش) لذا صار مقام نفس بانيه
الخليل عليه السلام السماء السابعة وأخبر النبي انه مسند ظهره إلى البيت المعمور وانه
للبيت بابان وانه يدخله كل يوم سبعون الف ملك من باب ويخرجون من باب آخر لا
يعودون إليه ابدا.
924 - 4 فنظير البيت المعمور من الانسان قلبه والملائكة أنفاسه يدخلونه لعبودية القلب ا
لحقيقي وترويح مظهره الذي هو القلب الصنوبري، فالبيت المعمور محل نظر الحق
ومستوى الاسم الرب.
925 - 4 وقال قدس سره (2): نوح عليه السلام مظهر صفة التنزيه، لأنه عليه السلام أول
المرسلين وأول احكام الرسالة مطالبة الرسول للأمة بتوحيد الحق وتنزيهه عن الشريك
والمثل والمنازع، ونوح أول مطالب للخلق بذلك، لذا غلب عليه حال الغيرة والغضب
على قومة حتى دعا عليهم بالهلاك، كغيرة الملائكة المسبحة في حق آدم حيث ذموه ووصفوه
بالنقائص.
926 - 4 وقال قدس سره (3): كل نبي وولى ما عدا الكمل فإنه مظهر حقيقة كلية من
حقائق العالم والأسماء الإلهية الخصيصة بها وارواحها الذين هم الملأ الاعلى على اختلاف
مراتبهم، ولذا نسب عليه وآله السلام رؤية الأنبياء ليلة المعراج إلى السماء مع عدم تحيز
أرواحهم، تنبيها على قوة نسبهم من حيث مراتبهم ومراتب أممهم وعلومهم وأحوالهم إلى
تلك السماء، لما كانت أحوالهم هنا صور احكام مراتب تلك السماوات.
927 - 4 وقال قدس سره في شرح حديث ابن عباس أنه قال صلى الله عليه وآله:



(1) - فك ختم الفص الإسماعيلي، ص: 215 (2) - أي في الفكوك في فك ختم الفص النوحي، ص: 196
(3) - أي في الفكوك في فك ختم الفص اليونسي، ص: 284
538
اتانى الليلة آت... الحديث. هذا التجلي من حضرة الاسم الرب وعنها يصدر التشريع
والتكليف، ومقامه برزخي بين السماء السابعة والكرسي، متوسط بين المقام الجبرئيلي
والميكائيلي، فمعقولية مرتبة الاسم الرب في الوسط، بين ما يقبل الكون والفساد من الصور
الطبيعية - كالسماوات وما تحتها - وبين ما ليس كذلك، وان لم يخل عن الطبيعة الكلية.
928 - 4 والأعراف المسمى بالسور وهو نفس الكرسي مظهر هذا البرزخ الذي هو
مقام الاسم الرب وتعينه وعالم النوم وعالم البرزخ، والصور المرئية فيه مظاهر للحقائق
المجردة وحجب عليها، والصورة الانسانية نسخة متحصلة من الحضرة الإلهية المشتملة على
جميع الأسماء والصفات ومن مرتبة الامكان المشتملة على جميع الممكنات، وشريعة محمد
صلى الله عليه وآله صورة جميع الشرائع، فتناسب صورة الربوبية المسرعة تماما.
929 - 4 والسرير مثال مظهر الحضرة ومرتبتها.
930 - 4 والتاج مظهر شرف سلطنة هذه الربوبية.
931 - 4 والنعلان مظهر أوامره ونواهيه.
932 - 4 والظهر بين الكتفين مظهر عالم الغيب والتأثير من قبله.
933 - 4 والا نأمل مظاهر حقائق أمهات الأسماء التي هي المفاتيح الغيبية للأحكام
المشروعة، وهى الحضرات الخمس المبتنى عليها أركان الاسلام والايمان والاحكام التكليفية
والصلوات الخمس، وفوقها المفاتيح الثواني التي يتوقف عليها الايجاد، وهى الأسماء الألوهية
الخمسة التي هي الحياة والعلم والإرادة والقدرة والقول. والمفاتيح الأول هي مفاتيح غيب
الذات، وهى أسماء الحق من حيث ذاته التي لا يعرفها الا الكمل.
934 - 4 واليد مظهر القدرة، فالمقبوض بالقبضة المسماة بالشمال عالم العناصر، ونشأة
الانسان العنصرية وما هو خارج عنها - أعني روحانيته ومظاهره في باقي العالم - مضافة

539
إلى عين الحق، وما ورد: كلتا يديه يمين مباركة، فصحيح أدبا وتحقيقا من حيث اضافتهما
إليه - لا من حيث اثرهما -
935 - 4 والسجين العالم السفلى، والعليون العالم العلوي، ولهاتين اليدين فصول وأصول.
كذا قال، وسنستوفي نقل تمامها إن شاء الله تعالى
936 - 4 ثم نقول: اعلم أن لهذه الأصول السابقة تتمات يتعذر افشائها الا لمن رسخ قدمه
في مقامات التحقيق، خوفا من أمور مضرة كالفتور عن التعبد وتعظيم المراتب الوجودية أو
الانقطاع عنهما بالكلية، للنظر إلى الوجود بعين الأحدية والجهة الخاصة، قولا بان لا تعدد في
الذات فلا عبادة، لاستدعائها العابد والمعبود، فمن المكلف؟ والعدم لا يؤمر ولا يتعبد
ولا يصدر منه شئ، فكل فعل من حركة وسكون فللحق بوجهه الخاص الشامل، فيزول
عنه احكام الحدود والرسوم والأجناس والفصول، لكونها نسبا اعتبارية يختلف باختلاف
الاعتبار، لا أمورا ذاتية لا تختلف، كما ذكر المنطقيون ان اللون يحتمل ان يكون كل
واحد من الكليات الخمس بالنسب والاعتبارات، وان الجنس الواحد طبيعي ومنطقي
وعقلي باعتبارات، وان العالي سافل باعتبار، مثلا كون التجلي الاحدى انسانا انما هو
بالنسبة إلى مرتبته التي هي نسبة معقولة، وكل ما كان مترتبا على أمر نسى اعتباري يتبدل
بتبدل الاعتبار، فجاز ان لا يعتبر انسانا، فلا يلزم خواص احكامه الشرعية أو
العقلية، وكذا النبوة والإمامة والامارة وسائر المراتب الشرعية والعقلية.
937 - 4 ولنشر إلى بعض ما ينتجه هذه الأصول المقتضية لأحدية الذات الفاعلة للكل
باختياره الجازم بعد الإشارة إلى أصولها إشارة خفية، ليستدل به المستبصر على عموم
حكمها وغرائب ثمراتها بحسب الأحوال والمراتب والمواطن.
938 - 4 اما الأصول: فمنها ما مر ان لا وجود في الحقيقة للصور، لأنها صور النسب العدمية،
ومعنى موجوديتها انتساب الوجود إليها، فلا وجود الا للذات الأحدية والباقي نسبه وأحواله.

540
939 - 4 ومنها ان كلا من التجلي الاحدى وحقائق الممكنات التي هي كيفيات ثبوتها في
علم الحق قديمة، ولاقتران نسبة معقولة فلا وجود يحدث.
940 - 4 ومنها ان كل شئ متعين في العماء ولا حادث الا ظهوره كما مر، والظهور نسبة
للوجود لا أمر محقق.
941 - 4 فان قلت: فوجود ما سوى الحق إذا لم يكن بطريق الحقيقة، كما هو مقتضى هذه
الأصول، كان مجازا وكل مجاز صح نفى الحقيقة عنه، وكل ما صح نفى الحقيقة عنه كان
باطلا - كما في قول لبيد: الا كل شئ ما خلا الله باطل. وصدقه الرسول صلى الله عليه وآله
وارتضاه، فكيف قالوا: لا باطل في الوجود؟ على أنهم صرحوا أيضا بان لا مجاز في الوجود
ذكره الشيخ قدس سره في النفحات.
942 - 4 قلت: هذا هو مطرح العقول ومتصادم الأصول، وتحقيق حقيقته ليس الا بمحض
لطف الحق وسعة عطيته، فالذي هو وسع فهمي ان القول ببطلان وجودات الممكنات
مبنى على أن حقائقها لولا توجه التجلي الإلهي إليها تقتضى العدم كما مر تحقيقه، والحاصل
لها من التجلي الإلهي الاحدى توجهه لمكنى عنه بالاقتران، وهو نسبة عدمية غير محققة،
والقول بان لا باطل في الوجود بل ولا مجاز، مبنى على أن كل تعين حصل (1) فهو حال من
أحوال ذات الحق وحكم من احكام اسمه الظاهر انتسب (2) إلى الوجود والوجود إليه في كل
محل بحسب قابلية ذلك المحل، والموجودية بمعنى هذا الانتساب صادقة (3) حقيقة لا مجازا
وليست بباطلة - وإن كانت في نفسها نسبة غير محققة في الخارج -
943 - 4 وقد تقرر في القواعد العقلية: ان صدق الحمل الخارجي وتحققه لا يقتضى تحقق
مبدأ المحمول في الخارج، فالموجودية بهذا المعنى ونسبتها إلى كل حقيقة تعينت وظهرت في
الخارج حقيقتان، وكون الشئ حقيقة غير كونه محققة، فقد حصل بينهما التوفيق ووصل
التحقيق، غير أن الشيخ قدس سره قال في النفحات - بعد الإشارة إلى ما ذكرنا -: وان



(1) - صفة تعين - ش (2) - صفة حكم - ش (3) - خبر لقوله: والموجودية - ش
541
كان مشهد هذا الضعيف ومشربه في هذا الوقت هو ان لا حقيقة في الوجود حتى يعقل في
مقابلتها مجاز أصلا، فهذا الحكم شامل جزء وكلا، فليس الا نسبة وإضافة، متى أدركتها
حق الادراك وجدتها أحوال ذات الامر وأوصافه، والتفاصيل في العلم عقلا وكشفا
بموجب الاسم والرسم ذاتا ووصفا لا غير.
ووراء ذلك ولا أشير لأنه * * سر لسان النطق عنه أخرس
أمر به وله ومنه تعينت * * أعياننا ووجوده المتلبس
944 - 4 ثم قال: مع أن أعياننا ليست بشئ زائد على أحوال ذات عرية عن الأوصاف
يتعين في كل حال منها بحسبه من حيث تعين ذلك الحال أو امتيازه بتعينه وتعيينه لذي
الحال من اطلاقه، هذا كلامه.
945 - 4 ومن تلك الأصول: ان كل تعين وكل لازم له، وان سفل هو مقتضى اسم من
أسماء الحق متعين بالحقيقة الغير المجعولة بحسب المرتبة المعقولة، فأي اختيار في الوجود
الممكن في حاله اللازم للحقيقة الأزلية - وإن كان بحسب مراتبها الصورية؟ - وذلك لان
كل ما يقتضيه حقيقة أو مرتبة ما، سواء كان للأرواح العالية أو النفوس السماوية أو
الأرضية أو الطبائع الكلية أو الجزئية أو العنصرية أو المولدات، فهو في الحقيقة مضافة إلى
الحقيقة الجامعة السارية بأحديتها في الكل، والكل آثارها اللازمة بحسب توجهاتها
الأسمائية وتنزلاتها الصفاتية وسريانها المعنوي الاحدى في مراتبها الكلية أو الجزئية.
946 - 4 ومن تلك الأصول: ان كل ما يعد حسنا باعتبار يمكن ان يعد قبيحا باعتبار آخر
وبالعكس، لما ان كل شئ صورة نسبة، وتعين النسبة لا يكون الا بتعين المنتسبين، فلذا
نقول: لا قبح في نسبة ايجاد موجود ما إلى الله تعالى من حيث ايجاده، بخلاف ما تهذى به
المعتزلة، حتى قال في الفتوحات: والشيخ الأشعري يوافقنا في أصولنا.
947 - 4 أقول: وذلك كقوله: بان وجود كل موجود عين ذاته، فإنه كما عندنا: ان

542
لا ذات لشئ الا ذات الحق والباقي أحواله، وكقوله: كل فعل وإن كان اختياريا فمسند إلى
الحق بلا واسطة، فيكون واقعا بايجاده وقدرته واراداته المخصصة لاحد المقدورين، ولا شك انه
كقولنا: كل حكم مظهري يلحق الحق، مع أنه حال ما لحقه حكم التعين غير معين في نفسه،
وكقوله: بعدم تأثير قدرة العبد أصلا في أفعاله الاختيارية، فإنه كقولنا: احكام الامكان آثار
احكام الوجوب وهو معنى قولنا: لا حول ولا قوة الا بالله، غير أن المحقق لا يقطع نسبة الأفعال الاختيارية
عن المظاهر بالكلية - كما سيتضح عن قريب إن شاء الله تعالى -
948 - 4 واما النتائج والثمرات: فمجملها ما أشار إليه الشيخ الكبير رضي الله عنه في ديباجة
الفتوحات حيث قال: احمده حمد من علم أنه سبحانه علا في صفاته وعلى، وجل في ذاته
وجلى، وان حجاب العزة دون سبحانه مسدل، وباب الوقوف على معرفة ذاته مقفل، ان
خاطب عبده فهو المستمع السميع، وان فعل ما أمر بفعله فهو المطاع المطيع، ولما حيرتني
هذه الحقيقة أنشدت على حكم الطريقة للخليقة:
الرب حق والعبد حق * * يا ليت شعري من المكلف؟
ان قلت عبد، فذاك ميت * * أو قلت رب انى يكلف؟
949 - 4 فهو سبحانه يطبع نفسه إذا شاء بخلقه ويتصف نفسه مما تعين عليه من واجب
حقه، فليس الا أشباح خالية على عروشها خاوية، وفي ترجيح الصدى سر ما أشرنا إليه
لمن اهتدى.
950 - 4 هذا كلامه، غير أنه مبنى على النظر في الوجود (1) بعين الأحدية وإلى الوجه
الخاص والحقيقة الجامعة الواحدة بالوحدة الحقيقية التي هي عين كل كثرة ووحدة تقابلها،
كما يقتضى بواحديتها اعتبار وجه الوسائط من المظاهر الأسمائية والمراتب الوجودية
باحكامها.



(1) - واعلم أن بناء هذه الأصول على هذا النظر - ش
543
951 - 4 قال في النفحات: ليس في المقام توحيد ينافيه شرك جلى أو خفى، ولا وحدة
تقابلها كثرة، بل الشأن عبارة عن أمر تنبعث منه الوحدة والكثرة المعقولتان - بل
والمشروعتان أيضا والمشهودتان - فوحدة الامر نفس كثرته وبساطته عين تركيبه،
والظهور والبطون حالتان للامر يتعينان لمداركنا بحسب الأحوال والتنوع على اختلاف
ضروبه ذاتي لا ينفصل عنه، والثبات صفة الأحوال من حيث حقائقها - لا من حيث من
ظهر بها وتعين بها - هذا كلامه.
952 - 4 ولما كان كل من الاعتبارين مقتضاها (1)، وجب على المحقق المتحقق بخلافته
تعالى ان يوفى كل ذي حقه حقه (2)، ويقول مصلحة التكليف من جانب الحق والحقيقة
ليظهر مرتبة معبوديته، ومن جانب المظهر والخليقة ليظهر لهم عند العلم باختيارهم
الضروري وعجزهم الحقيقي: ان (3) عملهم الصوري وكما لهم النسبي وجزائهم الأخروي
من محض حقيقة الجود الإلهي.
953 - 4 وكان الشيخ الكبير رضي الله عنه إلى هذا أشار في تلك الديباجة بقوله بعد ذلك (4):
واشكره شكر من تحقق ان بالتكليف ظهر الاسم المعبود بوجود حقيقة لا حول ولا قوة الا
بالله ظهرت صفة الجود، والا فإذا جعلت الجنة جزاء لما عملت فأين الجود الإلهي الذي
عقلت؟ فأنت عن العلم بأنك لذاتك موهوب وعن العلم بأصل نفسك محجوب، فإذا كان
ما تطلب به الجزاء ليس لك فكيف ترى عملك؟ فاترك الأشياء وخالقها والمرزوقات
ورازقها. هذا كلامه.
954 - 4 وأقول: وإلى الجمع بين الاعتبارين ينظر قول من أسند العمل إلى الحق خلقا،
وإلى الخلق كسبا، وفسر الكسب بنسبته إلى قابله باختيار وإن كان ضروريا، كاهل السنة



(1) - أي مقتضى الذات - ش (2) - ولا يقطع نسبة الأفعال الاختيارية عن المظاهر بالكلية ويقول... إلى
آخره - ش (3) - فاعل ليظهر - ش (4) - أي في ديباجة الفتوحات: ص: 3
544
لا سيما الحنفية الماتريدية (1) - كثر الله أمثالهم - فذلك مطابق ظاهر عرف العرب من جعل
اسناد الافعال إلى القوابل حقيقة (2)، فيصح التكليف ويترتب الأجزئة الظاهرة عليها
- كالقصاص - مع أن الميت (3) مقتول بأجله، ويوافق باطن عرف الحقيقة بان اختياره
ذلك شعاع أو اثر لازم للاختيار الكلى الاحدى الذي للحق، بل رقيقة من رقائقه وهو
معنى ضروريته المعنوية لا الصورية ومعنى انه مقتول بأجله، لكن ظهور حكم كل حقيقة في
محل على حسب استعداده وحاله المعينة له، وكذا الأجزئة الأخروية للأعمال لاختيارية
المظهرية ظاهرا ومن محض لطف الحق وجوده باطنا، إن كانت الأجزئة ملائمة ومن عدله
المبنى على قصور قابليته المظهر لخير منه إن كانت الأجزئة غير ملائمة، وهذا معنى قوله
صلى الله عليه وآله: الناس مجزيون بأعمالهم... الحديث، وقوله: فمن وجد خيرا فليحمد الله
ومن لا، فلا يلومن الا نفسه، وقوله: الخير كله بيديك والشر ليس إليك وأمثالها.
955 - 4 واما القول بالجبر: فليس فيه اعتبار المظهرية (4) الامكانية الانسانية أصلا ويبطله
ضرورة الفرق بين نحو السقوط والهبوط.
956 - 4 واما القول بالقدرة المستقلة فليس فيه اعتبار جهة الأحدية الحقيقية والوجه
الخاص، هذا ما عندي، والله أعلم.
957 - 4 ثم نقول: فمن علامات من عرف هذه الأصول المحققة لأحدية الذات والفعل في
الكل كشفا لا عن فطنة، انه يجد حيرة لا يتوقع رفعها ولا يشك فيها ولا يمكنه دفعها، لان
الكشف يفيد شهود الأحدية والوجه الخاص، فإذا صار ذلك الشهود ملكة راسخة وذلك
هو المراد، لا يمكن رفع الحيرة من احكام التعدد، كالتكليف بالتعبد كما مر في نظم الشيخ



(1) - ما تريد بالضم بلدة ببخار أو قيل قرية أو محلة بسمرقند والذي ذكره ابن السمعاني - وهو اعرف بها - انها
محلة بسمرقند، منها الإمام أبو منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي، ويقال الماتريتي امام الهدى الحنفي المفسر
المتكلم رأس الطائفة الماتريدية نظير الأشعرية مات سنة 333 بعد موت ابن الحسن الأشعري بقليل (تاج
العروس) (2) - سواء صدر عن القابل الفعل بالاختيار أو الاضطرار - كمرض وموت - ش (3) - إلى
المقتول ميت بأجله - ش (4) - والحال انها معتبرة عقلا وشرعا، اما عقلا فكما قال ويبطله، واما شرعا فكما أشار
إليه سابقا بقوله: الناس مجزيون... إلى آخره - ش
545
الكبير قدس سره (1). ومتى لم يجد ذلك المذكور من الحيرة فليس علم هذه الأصول ذوقيا
- بل من وراء الحجاب المظهري - ومن علاماته أيضا تحقيق ان ليس لشئ في نفس الامر
صورة معقولة أو محسوسة محققة، بل بالنسبة إلى مرتبة ما أو حال أو مدرك بحسب قوة
أو صفة أو آلة، يدلك على ذلك ان الصور المعقولة يتفاوت بتفاوت العقول قوة وحدة ودقة
واستقامة.
958 - 4 فمنها ما لا يقدر الأوهام على معارضتها، ومنها ما تعارضه، وهذا التفاوت هو منشأ
الاختلاف في المعقولات، واما المحسوسات فلان الجواهر لا يدركها الحس الا بواسطة
احساس الاعراض والحكم العقلي بان لها محلا، فربما يكون الجوهرية نسبة جمعية الاعراض
كما ذهب إليه الاشراقية، ومن المتكلمين من قال بتجانس الجواهر الفردة، إذ اختلاف
حقائق الأجسام حينئذ يكون باختلاف الاعراض، واما الاعراض فلانا لا تبقى زمانين،
فلا يتناولها الإشارة الحسية لا سيما غير القارة، وذلك لان الاعراض على قاعدة التحقيق صور
النسب المتعينة التابعة للنسب الجوهرية، ولا شك ان لكل آن مدخلا في تعينها كما قال
تعالى: كل يوم هو في شأن (29 - الرحمن) أي كل آن كما مر، والنسبة تتجدد الانات فكذا
صورتها بل وكذلك نسبة الجوهرية لا سيما إذا تقومت بالنسبة العرضية، وإلى ذلك الإشارة
بقوله تعالى: بل هم في لبس من خلق جديد (15 - ق) وإذا تجددت كل آن لا يضبطها
الإشارة الحسية فلا يدركها الحواس.
959 - 4 ثم نقول: فان قيل: فيما يتعلق نفس الامر وما الواقع المحقق فيه؟
960 - 4 قلت: مجموع الأمور والاحكام التي شأنها الاختلاف بحسب اختلاف الادراكات
العقلية إن كانت معنوية، وبحسب اختلاف الادراكات المشهودة إن كانت حسية، سواء
كانت واقعة بالنسبة أو غير واقعة بالنسبة، وذاك هو مراد العارف بالله إذا سأل ما مراد



(1) - أي قال في المتن: ما في الديار مجاوب الا صدى المتصوت ناديت أين أحبتي؟ فأجاب: أين أحبتي؟
546
الحق من الخلق فيما قال ما هم عليه، وهذا يظنه أكثر العالم انه واضح وليس كذلك،
لاستيناسهم بعد المثل المتجددة بقاء للأول ولا سيما في الأجسام، فتأنيس العقل لذلك بما مر
بيانه في الجوهر والعرض.
961 - 4 ويؤيد هذا المذهب شبه السوفسطائية المنكرة لحقائق الأشياء مما هي مذكورة
في العلوم النظرية، غير أن غلطهم في انكار الذات، فان هذه النسب من الجوهرية والعرضية
والفلكية والعنصرية وغيرها صفات ذات التجلي الاحدى الوجودي الأزلي الأبدي المتجدد
نسبها مع كل قابل كما تحقق، وتلك النسب هي الحقائق الأسمائية باعتبار والكونية بآخر.
962 - 4 ثم نقول: ومن علامات هذا الذوق - أي ذوق النظر إلى أحدية ذات الوجود
والوجه الخاص - أمور:
963 - 4 أحدها: ان لا يتأسف صاحبها على فوات أمر، وإن كان الواقع مرجوح
الامرين بحسب نظره أو مزاجه أو حاله أو موطنه أو مرتبته، علما (1) منه بان سببه اللائح أمر
اعتباري، فلعل المرجوح هو الراجح باعتبار آخر أو اعتبارات أخرى كما قال تعالى: فعسى
ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم... الآية (216 - البقرة). وقال:
خف إذا أصبحت ترجو، وارج ان أصبحت خائف * * رب مكروه مخوف فيه خير ولطائف
964 - 4 أو لأنه محض فعل الحق الذي هو مبدأ كل خير، ولخير ما اختاره، أو لان
خلاف الواقع ممتنع ولا تأسف على فوات الممتنع، بل نقول كما قال النبي صلى الله عليه
وآله: لو قدر لكان.
965 - 4 الثاني: ان لا يندم ولا يقول على شئ بعينه كما قال تعالى: ولا تقولن لشئ انى
فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله (23 - 24 - الكهف) لان الامر بيد الله فيحتمل ان يكون
المقدر بخلافه ويمتنع هو.



(1) - مفعول لقوله: لا يتأسف - ش
547
966 - 4 الثالث: ان لا يتشوق لتحصيل مطلب معين شريف بالنسبة أو غير شريف
بالنسبة ولا يتعمل لحصوله، ففي التعمل دعوى المكنة لنفسه وينافيه رؤية الأحدية والوجه
الخاص، الا ان عينه الوقت، أي عينه الوارد الإلهي بحسب الأمور المذكورة بعد، والاستثناء
منقطع، بمعنى لكن، لو عين ذلك المطلب وقته كوقت النوم لطلب مبيت ما أو حاله كارادة
التوضئ لطلب ماء ليصلح له أو الجوع لما يسد به جوعته أو مزاجه كمعالجة ما ولو بأكل
وشرب أو استراحة أو موطنه، فان شأن المساجد ان يطلب فيها العبادات لا المبايعات، أو
مرتبته التي أقيم فيها، كطلب رتبة المرشدية ما به اصلاح حال المريدين، وبهذا المعنى يكون
الصوفي ابن وقته - وإن كان الكامل أبا وقته - وهذا - أعني العمل بما عينه الوارد الإلهي -
مرتبة قرب النوافل على ما قال: فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش، وإن كان عند أهل
الظاهر محمولا على أن يكون الملحوظ في كل فعل من أفعاله جنب الله تعالى، كما ذكره
القاضي عياض في الشفاء: أي جهة من جهات العبادة وإن كان في المباحات كالاكل بنية
القوة على الطاعة، والنكاح بنية غض البصر وتكثير العابدين، والخروج عن البيت بنية نظر
العبرة أو بنية الامر بالمعروف والنهى عن المنكر أو بنية طلب ما به يتمكن من الطاعة
والعود إلى البيت بنية صلة الرحم أو الانزواء للطاعة ونحوها.
967 - 4 الرابع: ان لا ينفعل بكليته لأمر معين، بل لو انفعل فببعض الوجوه لبعض
الوقائع، إذ لعل ذلك الامر لا يتسبب لذلك أو يعرض ما يدفعه، أو لان نظر الأحدية يجعله
من نفسه لنفسه لا من غيره، وهذا أولي وأليق.
968 - 4 الخامس: ان لا يرى في الكون تفاوتا لا في نفسه ولا فيما خرج عنه، إذ لا تفاوت في
مقتضى الحقيقة الواحدة من حيث هو مقتضاها، أو لان التفاوت من التعددات المستهلكة في
نظره، بل يرى نسبة جميع الصور الواقعة إلى الذات الأحدية كنسبة أعضاء زيد إلى حقيقته المعينة.
969 - 4 السادس: ان لا يحكم على المراتب بأنها موجودة محققة، بل نسبية لا عبرة بها،
لذا قلنا: نخاف من صاحب هذا الذوق ترك تعظيم المراتب ولا يحكم على الوجود بان مرتبته

548
كذا، فان ذلك في نظره فربما يكون أعلى أو أدنى، ومنه ما ورد في الشرع انه لا ينبغي ان يحكم
على أحد بأنه من أهل الجنة أو أهل النار، الا على من نص عليه الرسول صلى الله عليه وآله
- كالعشرة المبشرة - أو وارثوه (1).
970 - 4 السابع: ان يتحقق ان حكم الحق وتجلياته في وجوده واختياراته في كل
زمان وحال يختص بهما، والحكم بالاستمرار بحجاب المثل، أي نظر المحجوب ان
الثابت عين الزائل، والحال انه مثله لا عينه، لذا قلنا: التجلي لا يتكرر، ثم إن السنة الإلهية
وقعت برعاية الحجاب وأهله، تهمما بالأعم الأغلب، فاستأنسوا به وحكموا بموجبه وسرى
حكم الان والشأن الإلهيين في المقيدين بحكمهما قهرا لا اختيارا، وصاحب هذا الذوق
لا يحكم بشئ من ماض أو حال أو مستقبل على الآخرين، بل يقول:
ما مضى فات والمؤمل غيب * * فلك الساعة التي أنت فيها
971 - 4 ويكون كما مر ابن وقته الذي هو نفسه - بفتح الفاء - وهذا قبل التحقق بمقام
الكمال، والا فيصير أبا للانفاس والأحوال والأوقات والأرواح والصور والمواطن وغيرها،
منه ينتشئ كل ذلك وبه يتعين ويظهر.
972 - 4 الثامن: ان لا يمزج حكم مرتبة بأخرى، كأن يكون المريد مطيعا والمراد مطاعا
لا بالعكس، وحاصله ان يسند حكم كل حقيقة إليها لا إلى غيرها، وكل جزئي إلى كلية على
موجب التمايز العلمي الذي يشهدها هذا الذائق في الحضرة العلمية، وذلك لان الوجود
الواحد إذا انسحب على الحقائق والمراتب بأحديته وبالتوجه والاقتضاء الاحدى الشامل
- لكن بحسب كل شأن من تلك الشؤون والأسماء المتعينة بها - لا يترتب عليه الاحكام الا
بموجب التمايز العلمي الذي بينها ولوازمه.
973 - 4 فمن شهد ذلك على ما هي عليه لا يحجبه حكم الوجود الواحد عن شهود التميز
الأصلي ولم يخلط بين احكام المراتب، بل كان عارفا بها وبلوازمها التفصيلية، فكان



(1) - عطف على الرسول. في هذه المرتبة يتخلق المرء بقوله: لن يكمل ايمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه - ش
549
مصيبا في حكمه، ولهذا يفتقر إلى الحضور الذي هو ملاك الامر بعد معرفة ما يحضر معه من
المعلومات والمشهودات، متيقنا ان الحضور مع المجموع، وكذا الغفلة عن المجموع غير
ممكن، فيتعين حكمها بحسب ما يعينه العلم الوقتي و الحالي والموطني والمزاجي
والمرتبي، إذا ترجح شئ منها على موجب الغفلة، ففي كل حال حضور من وجه وغفلة
من آخر، فكل حاضر غائب وبالعكس.
974 - 4 ثم الحضور عبارة عن استجلاء المعقولات والاشتمال على المحسوسات بجمعية
الآثار الحاصلة من العلم والشهود في صاحبها بحسب الرابطة التي بينه وبينها، ومن ثمراته تميز
احكام ظاهر الشريعة عن احكام باطن الطريقة واحكام مطلع الحقيقة واحكام الأحدية التي
هي ما بعد المطلع، كل في مرتبته ولأهله لمن ساعده فضل الله العظيم.
الفصل الخامس
من فصول الباب يتضمن ضابطا عزيزا عام الفائدة للمبتدى والمنتهى
975 - 4 في بيان البراءة عن التخليط المذكور والتنبيه على الحضور في الحقائق، مع
ما يختص بالرتبة الإلهية وما ينضاف إلى الرتبة الكونية، محصلة مع ما سبق نقله غير مرة:
ان لكل أحد بل كل موجود نسبة ذاتية إلى الرتبة الإلهية ونسبة كونية من حيث إنه سوى
وعالم، وكذا لكل أمر يصدر منه بكسبه أو يرد عليه بلا كسبه تلك النسبتان، فينبغي لكل
أحد ان يحضر مع ما يختص بكل من المرتبتين في نفسه وفيما يصدر منه أو يرد عليه ويخلص
نسبته إلى تلك المرتبة، ولا يعمل اسناد حكم إلى مرتبة بتحكمه بحيث يسرى اثره في
الخارج ويعمل بموجب اسناده التعملي، بل لا بد ان يحذر من التعمل مطلقا في كل أمر وحال
وشر وخير، اللهم الا من حيث مرتبتي الشرع والطبع وبلسانهما ويديهما، فله التعمل من
حيثيتهما، لكن مع عدم غيبته عما تحققه من نسبة الأصلية إلى المرتبة الإلهية الأحدية، والا
فلا فرق بين هذا السالك أو العارف وبين العالم بظاهر الشريعة في زعمه.

550
976 - 4 مثال تخليص النسبتين إلى المرتبتين (1) في نفسه ان يسند في ذاته الوجود
والكمالات المترتبة عليه من أصل العلم والقدرة وكل ما يتعلق بالتأثير والنزاهة من النقائص
والرذائل إلى الألوهة، فيقي نفسه بالله من ادعاء نوع من الربوبية، ومن ثمراته التحقق
بقولنا: لا حول عن معصية الله ولا قوة على طاعة الله، بل على كل ما يتعلق بتأثير ما وخير
ما الا بتوفيق الله، ويستند الامكان العدمي ووجوه الامكان عن النقائص والرذائل وكلما
يتعلق بمرتبة الامكان من الطاعة والعبودية والعجز والجهل إلى كونيته، فيقي جناب الحق
بنفسه من نسبة وجه من وجوه العبودية والشين إليه، فالمتقى الحقيقي هو الجامع بين النسبتين.
977 - 4 ومثال تخليص النسبتين إلى المرتبتين في الأمور الصادرة ضرب اليتيم للتأديب
الإلهي فيثاب عليه وللتعذيب الكوني فيعاقب عليه، والطاعات المشروعة والخيرات المعروفة
لحسبة الهية يثاب عليها، وللرياء ولان يقال: جواد وقارئ وزاهد وعالم ومجاهد وعابد
لا يثاب، بل يعاقب - كما ورد في الحديث -
978 - 4 ومنه الفرق بين المهاجر لله ورسوله ومهاجر أم قيس، ومثال التعمل في أمر
والعمل بموجبه ان يعتقدان وجوه الخيرات ولو بانفاق المال الحرام يفيد الثواب فيحج به، فقد
روى أن مثله إذا قال لبيك لبيك، يجاب بلا لبيك ولا سعديك، وقد قيل:
سمعتك تبنى مسجدا عن جباية * * وأنت بحمد الله غير موفق
كمطعمة الجيعان من كسب فرجها * * جرت مثلا للخائن المتصدق
فقال لها أهل الدراية والتقى * * لك الويل لا تزني ولا تتصدق
979 - 4 واما التعمل مطلقا فيتضمن دعوى القدرة وهى ربوبية، فينبغي ان يحترز
عنها بالكلية لأنها مما يختص بالألوهية، وقد قال تعالى: ويحذركم الله نفسه (28 - آل عمران)



(1) - أي الإلهية والكونية - ش
551
لكن إذا كان من حيث مرتبة الشرع كالسعي في امتثال الأوامر والامر بها واجتناب
المناهي والنهى عنها بالحكمة الحسنة ثم بالمجادلة حسب الطاعة يدا ولسانا وقلبا، أو من حيث
مرتبة الطبع كالسعي في تحصيل الكفاية لنفسه ولمن يعوله، فذلك لا بأس به لكن مع عدم
الغيبة عن انه لأمر الله بذلك أو ندبه أو اباحته، فعند اعتبار ذلك ولو في الأكل والشرب أو
الجماع يثاب عليها كما نطق به الحديث الصحيح أشار إليه الشيخ قدس سره في التفسير.
980 - 4 ثم نقول: ومثل هذا المستخلص من كل جميعة ذاتية أو صفاتية أو فعلية
روحانية أو طبيعية شرعية أو عادية، ما يختص بكل من الحقائق الكونية والإلهية التي ظهر
حكم الجمعية وروحها وصورتها منها ليلحق كل فرع بأصله، برئ من التخليط
المذكور، فهو المتحقق بمقام الاخلاص الذي ليس للشيطان عليه سلطان، واصلها تحرير
حكم الأحدية التي هي مرتبة ربك الاعلى الذي امرت بتسبيح اسمه عن حكم الكثرة التي
انصبغ كل كون به عابدا كان أو عبادة، ولذلك السر شرع التكبير حال الانتقال في
أحوال العبادة الصلواتية الجامعة لاختلاف الشؤون المشتملة على التوجه الروحاني الباطني
والبدني الظاهري القولي والفعلي في المرتبة الانسانية (1) ثم الحيوانية (2) ثم النباتية (3) إلى أن
يفضى إلى الشهود مع الله حالة التشهد، لذلك صارت معراج المؤمن، وذلك لان معنى
التكبير تنزيهه عن قيد الجهات المختلفة والتحولات وعن قيد التعينات العلمية والاعتقادية
المتنوعة بحسب المراتب وسائر احكام الحصر الظاهرة والباطنة، فمعنى كل تكبير صلواتي:
الله أكبر من أن يتقيد بهذه التحولات العبودية والمراتب الكونية.
981 - 4 ثم نقول: في سر اشتراط أحدية التوجه وعدم التخليط في كل قصد يترتب
عليه المقصود حتى في الدعاء، الذي ذكره الشيخ قدس سره في شرح الحديث: ان معنى
استجابته أحدية التوجه بظاهره وباطنه وباستحضار الامر المطلوب، وسيجئ إن شاء الله
تعالى.



(1) - حين القيام - ش (2) - حين الركوع - ش (3) - حين السجود - ش
552
982 - 4 اعلم أن كل فرد من الموجودات الظاهرة والباطنة من حيث هو ليس الا واحدا،
والواحد لا يقابل الا بالواحد مثله ولا يلحق الا بأصله الاحدى، مع لحوق مشاكله في
الواحدية والتفرع على ذلك الأصل بأصله ذلك، وهذا الأصل شامل لرجوع كل من
الافراد إلى النوع الواحد ولرجوع كل من الأنواع إلى الجنس الواحد.
983 - 4 اما النوع: فلانه تمام حقيقة كل فرد، واما الجنس: فلانه تمام حصة كل نوع،
والرجوع إلى الجنس لتلك الحصة، وإذا كان المقابلة والمحاذاة واللحوق انما هما بين المتماثلين في
الوحدة، فمتى توجهت بقصد واحد كالدعاء إلى أمرين والمتشاكلين في التفرع عن أصل
واحد أو بعمل واحد كالصلاة إلى أمرين كالعبادة والمراياة أو طلبت ان يحصل بذلك
القصد أو العمل من حيث أحديته غرضين كالدنيوي والأخروي وقد مر أمثلته، أو أضفت
فرعا إلى أصلين، كما أضفت إلى غير أصله، وذلك كان تتوجه بأحد الوجوه الخمسة السالفة
إلى وجهين منها أو إلى غير أصله، كان تقصد العمل بمقتضى روحانيتك وجسمانيتك في حال
واحد، كالوضوء بنية التقرب والتبرد، أو أضفت جزء واحدا إلى كلين، كان تضيف
مرتبتك إلى حضرة الوجوب وحضرة الامكان دفعة من حيث هما اثنان، بل من حيث العماء
أو مقام الجمع الاحدى الجامع بينهما.
984 - 4 دخل عليك الحكم الشيطاني وارتفع الاخلاص الرحماني بتشتت الهمة وتفريق
الجمعية والتخليط بين متنافي الاحكام وتغير التوجه الطلبي الكلى للانحراف عن المقابلة
من بعض الوجوه، حرمت العلم الصحيح المميز لكل حقيقة مع احكامها، فحرمت اجتناء
ثمرة علمك الذي هو التوجه التام وهى الفوز بالمطلوب.
985 - 4 وذلك كما قال الشيخ قدس سره في شرح الحديث: ان الإجابة بعد أحدية

553
التوجه المذكور تابعة للتصور، فالأصح تصورا للحق يكون ادعيته مستجابة، وصحة
التصور تابعة للعلم المحقق والشهود الصحيح كما قال عليه وآله السلام: لو عرفتم الله حق
معرفته لزالت بدعائكم الجبال، وهؤلاء هم الموعودون بالإجابة في قوله تعالى: ادعوني
استجب لكم (60 - غافر) إذ من لم يعرف لم يدع الحق، فلا يستجيب له، تم كلامه.
986 - 4 ومتى أيدك الله سبحانه بالهام الاحتراز مما ذكر ليتحقق أحدية التوجه
المذكور مع اتقان الأصول السالفة المحققة لأحدية المتوجه إليه علما ذوقيا محققا، لا نظريا من
وراء حجاب النظر أو تقليديا مشتبها، سلمت من التخليط والتشتيت واسلم الشيطان على
يدك بعجزه عن صرفك عن جهة الواحد الاحد، وأفضى بك الحال والامر إلى أن تأخذ
جميع ما يرد عليك من معدنه وعلى وجه وروده من أي مرتبة يرد وعلى يد من يرد من
المظاهر المتوسطة أو تجلى الوجه الخاص الذي لا واسطة فيه ولا تعين له.
987 - 4 اما المظاهر سواء كانت شروطا لتمام استعداد القابل لقبول اثر الحق سبحانه كما
هو عندنا، أو واسطة في ايصال اثره كما عند أهل النظر، ولذلك لم يعرفوا اثر الوجه الخاص،
فاما من نفس التوجه - وذلك هو الامر المنبعث منه العائد اثره عليه على غير وجه الانبعاث
وإليه ينظر قوله تعالى: ولا يحيق المكر السيئ الا باهله (43 - فاطر) - واما من غيره، وذلك
الغير إن كان من حضرة المعاني فهو الاسم الملحوظ المتعين من أسماء الله تعالى، وإن كان من
حضرة الأرواح فهو الحقيقية الملكوتية، فالخير المحض الملك والشرير المحض الشيطان،
والمتردد بينهما الجن، وإن كان من حضرة المثال فالحقيقة الممثلة وإن كان من الخيال المقيد
فالحقيقة المتمثلة فقد يؤثر التخيل ما لا يؤثر التعقل، علم ذلك في إشارات ابن سينا.
988 - 4 وإن كان من عالم الحس: فاما البشر أو غيره، والبشر اما نفسه - سواء كان
متروحنا كالخضر وعيسى عليهما السلام أو غير متروحن - واما قوة توجهه، وهى الهمة
المرسلة على ما قيل: همة الرجال تقلع الجبال، والهمة لغة نوع من القصد، واصطلاحا

554
الباعث الطلبي المنبعث من النفوس والأرواح لمطالب كمالية ومقاصد غائية، ويتنوع
بحسب تنوع أهلها واختلاف مداركهم ومراتبهم.
989 - 4 فمنهم من يهتم بأمور الدنيا المذكورة أصولها في قوله تعالى: زين للناس حب
الشهوات من النساء... الآية (14 - آل عمران).
990 - 4 ومنهم من يهتم بأمور الآخرة والكمالات الروحانية، وللآخرة أكبر درجات
وأكبر تفضيلا (21 - الاسراء)
991 - 4 ومنهم من يتعلق همته بما عند الله وفي الله، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون
(26 - المطففين) ويتفاوت بحسب حظوظهم من الله تعالى وبحسب مقاماتهم ومراتبهم
الكمالية والأكملية.
992 - 4 ومن تعلق همته بأمر منها فهو مطلبه الغائي وإليه غاية وصوله ان قدر له،
والأكمل منهم لا تعلق لهمته غير الحق الخالص من غير التفات عشقي إلى ما ذكر، كذا قال
الجندي.
993 - 4 واما غير البشر فقوة سماوية علوية منجذبة إلى من ورد عليه بنسبة روحانية
ومناسبة لذلك الفلك يقتضيها تعين روحه، أو بنسبة مولدية يقتضيها طالع مسقط نطفته
بحسب باطنه أو طالع ولادته بحسب ظاهره. هذا كله في مفاريدها.
994 - 4 واما مركباتها: فاما مركب من كلها أو بعضها - مع انضمام حكم تجلى
الوجه الخاص إلى الكل - فهذه حاصرة لطرق التنزلات الإلهية والواردات الربانية
والتلقيات المتنوعة والالقاءات المتفرقة لا خارج عن هذا الضابط.
995 - 4 واعلم أن صورة الدعاء المشروعة دليل أحدية التوجه بالمعنى المذكور، فقد قال
الشيخ قدس سره في شرح الحديث: اليد الواحدة تترجم عن ظاهر الداعي والاخرى عن
باطنه واللسان عن جملته، ومسح الوجه تنبيه على الرجوع إلى الحقيقة الجامعة بين الروح
والبدن، وهى كناية عن عينه الثابتة في علم الحق أزلا، فان وجه الشئ حقيقته وهذا الوجه

555
مظهر تلك الحقيقة، وبهذا عرف معنى: كل شئ هالك الا وجهه (88 - قصص) وعرف سر
آخر يتعذر إفشائه. تم كلامه.
الفصل السادس
من فصول الباب في بيان التوجه الحبى
996 - 4 الذي هو أول وصلة بين النسبة الربية من حقيقة الحقائق - كما سبق في معنى:
أحببت ان اعرف - وبين القوابل الكونية، باعثة على الظهور المذكور متعلقة بكمال الجلاء
والاستجلاء الحاصل بالانسان الكامل بعد ظهور اجزائه الوجودية المتوقف عليه ظهور الكل،
وتلك الوصلة لاشتراك المرآتية بين الطرفين سارية إلى كل موجود، فمن جانب الحق طلب ظهور
الذات والكمالات الأسمائية فعلا وتأثيرا، ومن جانب الكون طلب ظهور الاحكام والأحوال
تأثرا وقبولا، وسيتحقق عند كلام النفحات إن شاء الله تعالى، ولبيان ما لم يتعرض له من
اسرار هذا الباب عند تحقيق قوله تعالى: وهو الغفور الودود (14 - البروج) مقدمات:
997 - 4 الأولى: ان التوجه والتشوف (1)، أعني التزين للطلب والتهيؤ له، وكذا الطلب
ونحوها من الميل والعشق والهوى والاقتضاء والإرادة، كلها بواعث المحبة والقائها، أي
القائها باعتبار بعثها على مقصود المحبة الذي هو الاتحاد ورفع ما به المباينة المقتضية
للمنافرة، واختلاف العبارات لامتناع الترادف في مذهب التحقيق لاختلاف مراتبها
واحكامها المعينة حسب اختلاف من يظهر عليه حكمها، فان الأوقات بالأحوال - أي الان
والشأن الإلهيين - تعين صور الاستعدادات الجزئية في الوجود العيني وتنبه على مرتبة
صاحبها تارة من حيث الحال الجزئي المعين واخرى من حيث الذات بحكم الاستعداد الكلى،
فمدار اختلاف هذه العبارات على الاعتبارات النسبية التي هي رقائق المحبة وتعينها بحسب
أحوال المحبين واستعداداتهم.



(1) - التشوق - ن - ع - ل - هذا التفسير مبنى على أنه بالفاء، ولعله بالقاف، لان الشوق من أسماء المحبة في مرتبة
بلا خلاف، بخلاف التشوف - ش
556
998 - 4 الثانية: ان المحبة مطلقا لا تتعلق بموجود، لاستحالة طلب الحاصل، بل
بمعدوم عند الطالب حال الطلب في زعمه، وإن كان موجودا في نفسه وبالنسبة إلى غيره،
فلا يصح ان يكون ذات الحق مطلوبا ولا محبوبا الا للانسان الكامل أو الندر من الافراد
المشاركين للكمل في هذا الذوق، وذلك لان مطلق الوجود حاصل لكل موجود في
زعمه بديهي علمه بذلك الحصول فلا يطلبه، اما الانسان الكامل أو المشارك له في ذلك
الذوق انما يطلبه بملاحظة مرتبته الاطلاقية الكمالية أو الأكملية، وذلك غير حاصل، وإن كان
مطلق الوجود حاصلا، فمطلق الشئ غير ذلك الشئ من حيث ملاحظة اطلاقه
وملاحظة الاطلاق، وطلبه لا يتصور الا من المؤهل له، فاما من سوى الكامل ومشاركيه
فمتعلق محبته ليس ذات الحق بل ما من الحق وهو غير حاصل، كشهوده أو دوام شهوده
أو القرب منه أو المعرفة أو ما فيه سعادة دينية أو دنيوية من الأحوال والمقامات والاغراض
والمراتب المقيدة، وحاصله نيل ما يلائم الروح، كالمعرفة والشهود أو المزاج أو المجموع
حصولا أو تماما أو دواما، أو إزالة ما لا يلائم على ذلك التفصيل وهو موجود، فازالته غير
حاصلة، ويسمى هذه المقاصد الكمالات النسبية.
999 - 4 وقال قدس سره في النفحات: من المحال في مشرب التحقيق ان يحب شئ
ما سواه من حيث ما يغايره، كما يتوهمه المحجوبون من أن الحق يحب عباده أو ان فيهم من يحبه من
حيث مغايرتهم إياه بما يفهمونه من قوله: يحبهم ويحبونه (54 - المائدة) و: يحب الصابرين
(146 - آل عمران) و: يحب المحسنين (195 - البقرة) لكن ذلك بموجب حكم معنى مشترك
بينهما من حيث ذلك المعنى تثبت مناسبة تقضى بغلبة حكم ما به الاتحاد على حكم ما به
الامتياز والمباينة، فبحكم العلم أو الشعور بتلك المناسبة يطلب العالم أو الشاعر رفع احكام
المباينة بالكلية وظهور سلطنة ما به الاتحاد، ليصح الوصلة التامة ويظهر سلطنة الواحد
الاحد، فلا جائز ان يحب الحق الخلق أو بالعكس. وانما ثمة اسرار اخر ذاتية وصفاتية وفعلية
وحالية ومرتبية من حيث هي تثبت المناسبة فيحصل المحبة، غير ذلك لا يجوز. هذا كلامه.

557
1000 - 4 والمفهوم منه ليس ان لا يكون بين الحق والخلق محبة أصلا، ولا محبة ذاتية
أصلا، بل لا يكون ذلك من حيث مغايرتهما، اما من حيث مناسبتهما بأحد الوجوه الخمسة
فيتحقق الأقسام الخمسة السابقة للمحبة، وسيجئ تحقيق المحبة من الطرفين إن شاء الله.
1001 - 4 الثالثة ان المطالب أصلان: كوني ورباني، فالكوني - أعني الذي يطلبه
الحقائق الكونية - ضروب: منها طبيعية غير عنصرية، ومنها عنصرية، ومنها روحانية متلبسة
بصورة وغير متلبسة، بل معان مجردة داخلة في مرتبة الامكان (1)، واما الرباني: أي
الذي يتوجه له الحقيقة الجامعة الإلهية، فاما تعينات وجودية مظهرية أو تعينات أسمائية
غيبية كلية.
1002 - 4 الرابعة: انه لا يطلب شئ غيره دون مناسبة جامعة بينهما، وهى كل أمر جامع
يتماثلان في الاتصاف بحكمه وقبول اثره ويشتركان فيه اشتراكا يرفع التعدد بينهما لا مطلقا،
بل من جهة ما به يضاهى كل منهما ذلك الجامع مضاهاة لا تبقى تغايرا، ومن حيث تماثلهما
فيما لهما من ذلك الجامع واثره، والامر الجامع حكمه من جهة اتحاد تلك الأشياء به حكم
تلك الأشياء في أن يثبت له ما يثبت لها، وينتفى عنه ما ينتفى عنها، اما المباينة بين الأشياء فمن
حيث خصوصياتها المتمايزة بها.
1003 - 4 الخامسة: ما مر نقله في شرح الحديث قوله تعالى: وهو الغفور الودود
(14 - البروج) ان الرقيقة الرابطة التي هي مجرى حكم المناسبة يحدث تارة من إحدى
الطرفين واخرى من كليهما، فينقسم إلى التوجه بالسلوك من العبد وإلى التدلي من الرب، ثم
تنقسم الالتقاء إلى منازلة - إن كان في الوسط - وإلى التدلي - بعد تجاوزه الرباني - وإلى
التداني، بعد التجاوز من السالك، والثمرة من الكل ظهور الكمال المتوقف على ذلك
الاجتماع بالحاق الفرع بالأصل وتكميل الكل بالجزء.
1004 - 4 إذا عرفت هذه المقدمات فاعلم: ان الشيخ قدس سره ذكر في النفحات:



(1) - كالسعادة والأحوال والمقامات المعنوية والمعرفة والقربة وغير ذلك - ش
558
ان المحبة التي هي حقيقة طلبية وحدانية يشترك حكمها بين الرتبة الإلهية والكونية لمناسبة
ثابتة بين الحق والخلق، فيصح نسبتها إلى الحق من وجه وإلى الخلق كذلك بموجب تلك
المناسبة التي سنزيد في بيانها إن شاء الله تعالى، وأسبابها متعددة:
1005 - 4 منها: صفات المتحابين واتحادهما من جهتها - وان تفاوت حظوظهما -. منها:
لاستحالة ظهور حكم صفة ما في محلين على وجه واحد، بل لا بد من التفاوت، لتفاوت
استعدادات الماهيات الغير المجعولة المقتضية لقبول الوجود الواحد على الأنحاء المختلفة بصور
حصص متنوعة، ولهذا تعذر وجدان المثلية بين أمرين من جميع الوجوه ولم يتكرر التجلي.
1006 - 4 فان قلت: الوحدة صفة ذاتية للحق والكثرة صفة ذاتية للعالم، فهو متقابلان
صفة - لا متناسبان -
1007 - 4 قلت: لكن قد مر ان الحق: ان للوحدة كثرة نسبية من حيث ما يتعقل ان
الواحد نصف الاثنين وثلث الثلاثة وهلم جرا، وانها أمور اعتبارية لا توجب كثرة في الذات،
وهكذا يجب ان يتعقل جميع الصفات الإلهية، وللكثرة وحدة تخصها وهى وحدة معقولية
الجملة من حيث هي جملة وكلية، فمتى علم أحدهما بالآخر أو تعقل بينهما ارتباط فبموجب
حكم القدر المشترك، فما علم هذا بذاك الا بما فيه منه، كذا قال الشيخ قدس سره.
1008 - 4 وقال فيه أيضا: وقد يكون المحبة بين اثنين نتيجة اشتراك ومناسبة في بعض
الأحوال أو الافعال أو في المرتبة، كالاشتراك في النبوة والولاية والخلافة وفي العلم الذاتي بالله
أو بشئ آخر، والعلم عندنا قد يكون ذاتيا فلا يعد صفة.
1009 - 4 وقال فيه: التحقيق في كشف سر محبة المحبوب المحب ومحبة المحب
المحبوب: ان المحبوب انما أحب المحب لكونه سببا لاستجلاء كماله فيه ومحلا (1) لنفوذ سلطنة
جماله، فالمحب مرآة المحبوب يستجلى فيها محاسن نفسه المستجنة في وحدته (2)، لان
القرب المفرط والتوحد كانا يحجبانه عن ذلك، فإذا استجلاها (3) في الاخر لحصول ضرب



(1) - عطف على سببا - ش (2) - قبل تعين المجلى - ش (3) - نفسه في المجلى - ش
559
من التعدد والامتياز، أحبها حبا لا يتأنى له بدون ذلك المجلى.
1010 - 4 وأيضا: نسخة الحقيقة الانسانية يشتمل على ما يستحق ان يحب كل الحب
وعلى ما يقتضى النفرة بالنسبة إلى ما يضاده من الحقائق، فإذا تعين مجلي يتميز فيه ما يستوجب
المحبة صفة كان أو فعلا أو حالا أو أمرا مشتملا على الكل أو البعض وارتفع حجاب
القرب المفرط، ظهر سلطان الحب طالبا رفع احكام الكثرة والمغايرة بتغليب حكم ما به
الاتحاد على حكم ما به الامتياز، فأحب نفسه فيما يغايره من وجه بالصفة الذاتية التي فيه
الطالبة كمال الجلاء والاستجلاء، فان هذه الصفة هي المستدعية لإيجاد العالم والمقصود من
الايجاد ليس غير ذلك، وكل ما ذكر من المقاصد (1) للايجاد فرع وتبع لكمال الجلاء
والاستجلاء، فهذا الحكم سار في كل محب وان اختلفت الوجوه والاعتبارات، غير أن بين
استجلاء المحب واستجلاء المحبوب فروقا متعددة:
1011 - 4 منها: ان المحبوب مرآة ذات المحب من حيث كونه محبا، فهو يستجلى فيها
نفسه ويستجلى أيضا بعض محاسنها بالتبعية، والمحب مرآة كمال جمال المحبوب ومحل نفوذ
احكام سلطنته، وهذا الحكم سار في كل محب ومحبوب دون استثناء، وان شأن الحق مع
خلقه بهذه المثابة.
1012 - 4 فنحن من حيث حقائقنا - أعني صور معلوميتنا الثابتة في علمه سبحانه -
مرايا لوجوده المطلق الذاتي الوحداني، لأنه تعالى عين الوجود لا وجود لسواه فهو يستجلى
فينا نفسه، اما حضرته فمرآة لأحوالنا المتكثرة وتعدداتنا، فنحن لا ندرك الا بعضنا
بعضا - لكن في الحق - فيحب منا ما نستجليه فيه وليس غير الصفات والأحوال، وهو
يحب فينا نفسه من حيث إن رؤيته نفسه في مرآة مغايرة له من وجه، مخالف لرؤيته نفسه
في نفسه لنفسه، بل لا رؤية هناك ولا عدد، لان المرآة المغايرة من حيث إنها محل



(1) - من موجب الايجاد - ش - مقاصد الايجاد - ل
560
التجلي المتقيد بها تعين (1) فيما ينطبع فيها حكما لم يكن متعينا حال رؤيته نفسه، وهذا سر
من اطلع عليه عرف سر الذات والصفات والأحوال والمرايا والمجالي، وان العالم بحقائقه
وصوره مرآة للحق من وجه والحق من وجه آخر مرآة للعالم.
1013 - 4 هذا كلامه موافقا لما مر مرارا من قوله: أنت مرآته وهو مرآة أحوالك،
وان صح قولنا وهو مرآتك أيضا باعتبار ان حقيقتك حال من أحواله، وصح أيضا أنت
مرآة شؤونه وصفاته وأسمائه باعتبار ان اللواحق لواحق الذات.
1014 - 4 ثم نقول: والطالبون من العباد على قسمين: عالم وجاهل، والجاهل شفيعه
المناسبة والارتباط بالرقيقة الذاتية، والعالم بما ذكرنا من الاسرار السالفة له الاعتضاد
بالمناسبة والعلم المقرب للمسافة القاطع للعلائق و العوائق العائقة عن تكميل صورة المناسبة
وتقوية حكم المناسبة، ثم الإعانة و الامداد انما يتأيد به القدر المشترك من حيث كل فرد فرد
من الحقائق التي اشتملت عليها ذات الطالب والمطلوب ولوازمها، وإليه يشير قوله عليه
وآله السلام: تخلقوا باخلاق الله، ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وآله للصحابي - وقد
سأله ان يكون رفيقه في الجنة -: أعني (2) على نفسك بكثرة السجود، فذلك لتحصيل مناسبته
ومشاركته بملازمة حقائق العبادة، وهذا ذوق عزيز جدا من اطلع على سره عرف سر
الأعمال على الاطلاق، وان سبب تنوعها اختلاف حقائق من يظهر بهم اعمال الأعيان، وانه
روعي فيها بأجمعها سر المناسبة ليصح الثمرة ويكمل المقصود.
الفصل السابع
من فصول الباب في سر التوجه المسمى بالدعاء واحكامه وأصول لوازمه
1015 - 4 اعلم أن الدعاء والسؤال يستدعى باعثا وهو الفقر والحاجة، وغرضا وهو
حصول ما يحتاج إليه، وما ينشئ منه الحاجة، وتوجها به الطلب والاستدعاء، ولسانا



(1) - تبدى - ن - ع - أي تظهر - ش - يعنى - ط (2) - مفعول قوله - صلى الله عليه وآله - ش
561
للاستدعاء والطلب، وإجابة من الحق سبحانه بها حصول المطلوب المحتاج إليه، فهذه ستة
أشياء لا بد من تحقيق كل باقسامه.
1016 - 4 اما الأول وهو الحاجة، فقد تكون ذاتية وقد تكون صفاتية، ومن شأنهما ان
يكون الامر المحتاج إليه مناسبا له، فمطلوب الحاجة الذاتية العطايا الذاتية، أي المنسوبة إلى ذات
الألوهية، كالتجليات الاختصاصية من الله تعالى أحدية جمع جميع الأسماء الإلهية الخصيصة
تلك الأحدية الجمعية بأكمل المقربين وندر الافراد الكاملين، إذ الذات من حيث هي
لا يعطى ولا يتجلى تجليا ما، ومطلوب الحاجة الصفاتية الأعطية الأسمائية، أي من حيث
حضرة حضرة من الأسماء بحسب قبول المتجلى له وخصوص حاله من توجهه التابع لعلمه
واعتقاده ومزاجه وحاله النفساني والطبيعي الجسمي، والغالب حكمه (1) مما يركب من
ذلك ويولد عنه حال الطلب، وكل من السؤالين - أعني ما للحاجة الذاتية أو الصفاتية - قد
يكون لفظيا، واللفظي اما معين - بكسر الياء - كأن تقول: يا رب أعطني كذا، أو غير معين،
كأن تقول: يا رب أعطني ما فيه مصلحتي، سواء كان كل منها طلب الوجود أو طلب
الكمالات الملائمة.
1017 - 4 الثاني الغرض، وهو كما مر اما معين أو غير معين - بفتح الياء - وهو مطلق
حصول ما يحتاج إليه الطالب في وجوده - إن كانت العطية ذاتية - وأسباب بقاء وجوده
- إن كانت صفاتية - وكل منهما انما يكون لتحصيل الكمال الذي يمكنه تحصيله كان ما
كان، أي مشعورا به أولا، وطبيعيا أو نفسانيا أو روحانيا أو عقليا أو ربانيا مما سيجئ من
أقسام الاستدعاءات.
1018 - 4 الثالث ما ينتشئ منه الطلب، فإن كان المطلوب غير معين فطلبه حكم
الحقيقة الجامعة السارية بأحديته فيه، وإن كان معينا فتعيينه بغالب حكم بعض الحقائق
والاجزاء الانسانية التي اشتملت عليه ذات الانسان، فضروب الاستدعاء على قدر



(1) - عطف على علمه - ش
562
ما تحوى ذات الطالب ونشأته من القوى والحقائق واحكام المراتب، إذ بتلك النشأة
المخصوصة صح له ان يكون مظهرا لتلك المراتب ومجمعا لتلك القوى والحقائق حالة طلبه
وجمعه ومظهريته الجمعية والتفصيلية.
1019 - 4 ولما كان الانسان نسخة جامعة كل أمر وصورة محيطة من حيث المعنى و
الصورة والمرتبة بكل شئ، اقتضى أمر التوجه الايجادي الإلهي ان يكون له بحسب كل مرتبة
طلب، فاستدعائه (1) على ضروب: طبيعية ونفسانية وروحانية وعقلية وربانية صرفة مجردة
عن سائر المواد، فالواردات الإلهية والأوامر والنواهي والتجليات وسائر المطالب انما تكون
بحسبها، وكل شئ فيه كل شئ، لكنه قد لا نعلم والمنافي لا يقبل ما لا يناسبه ولا يعرفه من
الوجه المجهول والمنافي لعدم الجامع، قد يكون من الحال النفساني، فذو الحال الطبيعي
مثلا إذا جائه أمر روحاني فباستدعاء رقيقة خفية روحانية كامنة فيه من حيث لا يدرى،
فنفاه عنه ورده وانكره، وهكذا ذو الحال الروحاني والعقلي.
1020 - 4 ثم في مقابلة كل انسان مما ذكرنا نسبة خاصة يتعين حكمها بالقبول الخاص
العبدي واستعداده الحالي العيني، وتلك النسبة المتعينة من الحق تعالى هي المعبر عنها
بالاسم الخاص بذلك الامر من الواردات والتجليات.
1021 - 4 ومنها تجلى التنزيه والتشبيه والرد والانكار الواقع في العالم، ومنه يعلم كون
التجليات عامة وخاصة بالنسبة كل ذلك بحسب مراتب المستدعين وأحوال الطالبين
واستعداداتهم، وهذا هو ما قال قدس سره في التفسير: ان كل دعاء يصدر من
الداعي بلسان من الألسنة ففي مقابلته من أصل المرتبة التي يستند إليها حسب علم
الداعي أو اعتقاده إجابة يستدعيها الداعي من حيث ذلك اللسان ويتعين بالحال



(1) - هذا المتن في صفحة 571 وقدمه الشارح
563
والوصف الغالبين عليه وقت الدعاء. تم كلامه.
1022 - 4 ثم نقول: فالطالب لا يخلوا ما ان يطلبه من حيث يعلمه ويحضر معه أولا من
تلك الحيثية، فإن كان الأول فالامر لا يخلو عن قسمين: فان قدر له شهود حقيقته في وقت مع
شهود الأعيان اللازمة لها على نحو ما كان الجميع في علم الله أزلا وابدا، عرف حالتئذ
ما يتعين له منها في هذه النشأة وما شاء الله من العوالم واستشرف على ما يحوى عليه ذاته
بوجه جملي مع طرف من التفصيل، على أن هذا الاطلاع مع عزته وقلة واجديه يقل زمانه و
يستحيل دوامه - لسر يتعذر بيانه وربما يشار إليه فيما بعد.
1023 - 4 أقول: ولعل ذلك لاختصاص دوام الإحاطة وبقائها بالحق سبحانه، وقد مر
لك أو لعله ايماء إلى ما سيأتي في آخر الكتاب ان من علامات السائر في درجات الأكملية انه
يعلم الشئ وكأنه لا يعلمه، بل يكون عينه وكأنه لم يكنه.
1024 - 4 ومما يوجب ذلك سر جمعيته ووحدته وعدم ثبات ما ينطبع في مرآته، لان
الأشياء طائفة حول حقيقته التي هي مركز دائرتها وكل منها يحاذيه نفسا واحدا ويعبر
عنه في النفس الثاني من المسامتة والمحاذاة، فما يلحق نقطة نسبة أو حقيقة من الحقائق الكونية
ان يقف في مقام المسامتة الا ويليها نقطة أخرى بحال غير الأولى، وهكذا على الدوام،
وسيأتى تحقيقه ثمة بدفع ما يرد عليه.
1025 - 4 فصاحب هذا اللسان يكون في غالب الامر على بصيرة من أحواله يتلقاها
عن شهود محقق بعلم سابق، سواء لائمته أو لم تلائمه وسواء كانت حسنة أو قبيحة عند الناس
أو في نفس الامر، فلعلمه انه لا محيص عنها لا يدعو الا إياها - اقترنت الإجابة أو تأخرت -
فان أكثر ادعيته على اختلاف ضروبها المذكورة مستجابة، إذ يمنعه كشفه ان يسأل الا فيما
يجب وقوعه بشرط السؤال أو يمكن، وذلك في موضعين: أحدهما فيما لم ينفصل عنه بعد،
بل أجمل له علمه. وثانيهما فيما أبقي عليه من أسباب الرد والمنع، فيرى فيما

564
رأى في أحواله صورة الدعاء مع المنع ولا يقدر على التوقف والدفع، لما مر انه يعلم أنه
لا محيص له عنه وان الكشف يمنعه ان لا يسأل.
1026 - 4 ثم إبقاء أسباب الرد عليه لامرين: أحدهما سر الاقتداء بربه من حيث
لا يظهر بكل وجه في كل محل، كما لا يظهر بوجه الا في محله القابل وهو سر جمع
الحقيقة الجامعة للقبول والمنع بحسب المظاهر، كما حقق في التفسير: ان لحوق الآلام
وغيرها مما لا يلائم للكمل لظهورهم بمقام الجمع، وثانيهما سر خفض العبودية ورفع
الربوبية، فان ذلك مقتضى جهة الامكان الثابتة ولا بد ان يظهر في الكامل لكل من
الجهتين حكم واثر.
1027 - 4 الا ترى في المقام المحمدي الأكمل وميزانه الأتم الأعدل سر ما أشير إليه
وعنوانه حيث قال: ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم (9 - الأحقاف) مع أنه كان على بصيرة من
ربه؟ وقال: أنتم اعلم بأمور دنياكم، مع أنه أخبر عن طلائع المهدى الآتية بعد ست مائة
ونيف وقد مر أمثاله، هذا كله إذا قدر للداعي شهود حقيقته.
1028 - 4 اما إن كان وقت الداعي يقتضى التعبد بحكم مقام خاص ومرتبة معينة
وذلك هو الأغلب حكما، فان طلبه ذلك يكون بحسب تلك المرتبة أو الحال أو النشأة
أو غيرها من المقيدات التي هي شروط بحسب كلها أو بعضها، ثم هذا كله إذا كان طلبه ذاك
من حيث يعلمه ويشعر به، اما من حيث ذاته ونشأته الجامعة فإنه في كل نفس من أنفاسه طالب
لكل ما حوته نشأته من الحقائق حال الطلب من الحق سبحانه ما به بقاء ظهور احكام تلك
الحقائق وما به ظهور الحق سبحانه من حيثها وما به وفيه حصول كمال تلك الحقائق من لوازم
ما مر من المقيدات.
1029 - 4 الرابع التوجه الذي به الطلب، فاما ان يكون احديا مشتملا على صحة
التصور وكمال المتابعة أولا، فكما قال في النصوص: الأصح معرفة بالحق وتصورا له

565
يكون الإجابة إليه في عين ما سأل أسرع، والأتم مراقبة لأوامر الحق تعالى ومبادرة إليها
بكمال المطاوعة يكون مطاوعة الحق له أتم، ولهذا كان أكثر أدعية الأكابر مستجابة وإليه
الإشارة بقوله: ادعوني استجب لكم (60 - غافر)
1030 - 4 اما عديم المعرفة، السيئ التصور، فليس بداع للحق الذي ضمن له الإجابة،
وانما هو متوجه إلى الصورة المتشخصة في ذهنه الناتجة من نظره أو خياله أو حال غيره
ونظره أو متحصلة من المجموع، فلهذا يحرم أو يتأخر عنه، ومتى أجيب مثل هذا فإنما سبب
ذلك سر المعية الإلهية أو الجمعية التامة الحاصلة للمضطرين، الموعود لهم بالإجابة
للاستعداد الحاصل بالاضطرار، وذو التصور الصحيح يستحضر الحق فيتوجه إليه
استحضارا وتوجها محققا - وان لم يكن ذلك من جميع الوجوه - بل يكفي كونه مستحضرا
له في بعض المراتب ومن حيثية بعض الأسماء والصفات، وهذا حال المتوسطين من أهل الله،
وذلك حال المحجوبين. هذا كلامه وسننقل حال توجه الكاملين في موضعه.
1031 - 4 وقال قدس سره في التفسير: ولصحة التصور وجودة الاستحضار اثر
عظيم في الإجابة، اعتبره النبي صلى الله عليه وآله وحرض عليه عليا عليه السلام لما علمه
الدعاء، وفيه: اللهم اهدني وسددني، فقال له: واذكر بهدايتك هداية الطريق وبالسداد سداد
السهم، فامره باستحضار هذين الامرين حال الدعاء.
1032 - 4 فمن تصور المنادى المسؤول منه تصورا صحيحا عن روية وعلم سابقين أو
حاضرين حال الدعاء ودعاه - سيما بعد امره له بالدعاء والتزامه الإجابة - فإنه يجيبه
لا محالة، ومن زعم أنه يقصد مناداة زيد وهو يستحضر غيره ثم لم يجد الإجابة لا يلومن الا
نفسه، لكن سؤاله قد يثمر بشفاعة حسن ظنه بربه وشفاعة المعية الإلهية وحيطته،
فالمتوجه بالخطأ مصيب من وجه، فهو كالمجتهد المخطئ مأجور غير محروم بالكلية. تم
كلامه.

566
1033 - 4 الخامس السنة الدعاء والطلب وهى اما لسان الظاهر، قال في التفسير: أعني
الصورة، فهي لسان القال، واما لسان الباطن وهو غيره، فالطلب اما بهما أو بأحدهما، لكن
لسان الظاهر لا يخلو عن بعض رقائق الباطن ولسان الباطن ليس له تقيد الظاهر، وان لم يعر
عن ارتباطه وعن حيثية ترجمة الظاهر عنه وعن حكم المقام والحال الذي هو تحت حكمه، ثم
لسان الباطن.
1034 - 4 قال في التفسير: انه قد يكون لسان الروح ولسان الحال ولسان المقام
ولسان الاستعداد الكلى الذاتي الغيبي الساري الحكم من حيث الاستعدادات الجزئية
الوجودية. تم كلامه.
1035 - 4 وعلى الجملة فليعلم ان الانسان له من حيث حاله الكلى وكونه انسانا لسان
وهو اللسان الجامع - بل السنة - لأنه مجموعها، وهكذا من حيث استعداده الجملي الأصلي
وكذا من حيث كل نشأة يكون فيها ومن كل صورة يظهر بها نفسه، وكذا لكل استعداد من
استعداداته الجزئية الوجودية لسان وهو في كل نفس من أنفاسه طالب، فتارة بالبعض واخرى
بالمجموع وتارة عن علم وشهود وشعور وحضور واخرى بدون أكثر ذلك أو بعضه،
وتارة يجمع بين طلبين من جهتين: أحدهما عالما واخرى جاهلا، ثم قد يكون الطلب في
هذا الجمع على وجه يقتضى سرعة الإجابة أو بطؤها من الوجه المجهول ويقتضي عدم الإجابة
أو تأخرها من الوجه المعلوم المقصود.
1036 - 4 والسادس الإجابة من الحق تعالى وهى تعين علم الحق سبحانه واثر ذلك
التعين في حق الطالب باعتبار ما منه من التوجه المذكور بتفاصيله، إذ ما منه سبحانه متعين
بحسب ما من الطالب.
1037 - 4 قال في التفسير: الإجابة على ضروب: الأول إجابة في عين المسؤول وبذله
على التعيين دون تأخر أو بعد مدة. الثاني اجابته بمعاوضته في الوقت أو بعد مدة.

567
الثالث إجابة ثمرتها تكفير السيئات، وقد نبهت الشريعة على ذلك. الرابع إجابة ب‍ (لبيك)
أو ما يقوم مقامه. تم كلامه.
1038 - 4 فنقول: لسرعة الإجابة وبطؤها بعد ما مر قواعد:
1039 - 4 الأولى ان الطلب بغير لسان الاستعداد يتبع لسان الاستعداد وما يؤيده
واقترن به بحكم الأغلبية، إذ تأخر ظهور حكم هذه الشروط يوجب تأخر الإجابة عن زمان
الطلب أو حرمانه عن الإجابة، وحاصله توقف الإجابة على تمام الاستعداد.
1040 - 4 الثانية ان التقيد ببعض المطالب والمقامات على التعيين مع الحجاب يوجب
غالبا طلب ما لا يحصل أو يتأخر حصوله، اما مع الكشف فلا، إذ يمنع الكشف عن طلب ما
لا يحصل الا بالوجه السالف، وكذلك المعرفة والسراح، أي عدم التقيد يقتضيان ان لا يطلب
الا ما يحصل ولا بد غالبا - وان تأخر حكم الان أو الشأن المقتضيين لتأخر تمام استعداده -
1041 - 4 فان قلت: أ ليس عدم الإجابة وحرمانها المذكور في هذه الأقسام مما ينافي قول
الشيخ الكبير رضي الله عنه في الفص الشيثى: لولا ما أعطاه الاستعداد للسؤال ما سأل،
وقوله: والتعجيل بالمسؤول فيه والابطاء للقدر المعين عند الله تعالى، فإذا وافق السؤال الوقت
أسرع بالإجابة، وإذا تأخر الوقت اما في الدنيا واما في الآخرة تأخر المسؤول فيه لا الإجابة التي
هي لبيك من الله تعالى. فشرحه الشيخ الجندي بقوله: لان الله تعالى أوجب على نفسه الإجابة
بقوله: ادعوني استجب لكم (60 - غافر) وانه لا اوفى من الله بعهده ووعده، فإذا دعاه العبد
أجابه في الحال ب‍ (لبيك) وذلك في مقابلة ما يلبى العبد إذا دعاه، ولكن الله إذا علم من العبد
تأخر ظهور الاستعداد الحالي لحصول المسؤول، هيأه في الحال بما يعينه على كمال القابلية
والاستعداد ويعده لقبول تجلى الإجابة في عين المسؤول، فكل دعاء من كل داع يدعو الله مجاب
ويتوقف على تمام الاستعداد، فإذا جاء أمر الله قضى بالحق وخسر هنالك المبطلون (78 - غافر)

568
1042 - 4 قلت: نعم قد لا ينافيه، اما لان المراد بالحرمان هنا الحرمان عن عين المسؤول
فلا ينافيه الإجابة في الجملة بما مر من سائر الأقسام الإجابة، من الإجابة ببدله الذي هو خير
له في الوقت أو بمعاوضة بعد الوقت أو بتكفير السيئات أو الحرمان في الدنيا، فلا ينافيه
الإجابة ب‍ (لبيك) ونحوه و تأخيره إلى الآخرة، إذ قد ذكره الشيخ الكبير قدس سره في أقسام
الإجابة.
1043 - 4 الثالثة من قواعد سرعة الإجابة بعد ما مر من التوجه الاحدى وصحة
التصور ودوام المطاوعة ان يكون المطلوب بلسان تمام الاستعداد لتوقف الفيض المقدس
عليه.
1044 - 4 الرابعة ان لسان الحال يلي لسان الاستعداد في المرتبة، لان هذا قسم من
أقسام ذلك كما قلنا: إن للشأن والآن الإلهيين مدخلا في تمام الاستعداد.
1045 - 4 فنقول في تفصيل حكم المطلوب بلسان الحال: إذا ورد على العبد من شؤون
الحق أمر ما من تجل أو خطاب أو كلام بأمر أو نهى أو غيرهما، فهذا الحال لا يخلو اما يرد
على غير تام التحقيق بمعرفة الحق وشهوده، أو على المحقق لذلك، فان ورد على غير المحقق فاما
ان يكون الوارد مناسبا لما استدعاه لسان طلبه وعلمه أولا، فان ظهر المطابقة قبل ما ورد
وانتفع به وتحقق الإجابة والانعام - وان لم يظهر المناسبة - ظن أنه محروم، وربما لم يقبل
وتحير وارتاب وحزن.
1046 - 4 وان ورد على المحقق المتمكن ولا شك انه عالم بمناسبات الحقائق وألسنتها
واستدعاءاتها ومضاداتها، فان حصل التناسب علم أن لسان الطلب الظاهر ناسب الطلب
الحالي الاستعدادي الذاتي، فلذا وقعت الإجابة على الوجه المعلوم المقصود، وان لم يجد
تناسبا تثبت ناظرا في أحوال ذاته مفتقدا حقائقه التي تحوى عليها نشأته من عوارض ولوازم
تلزمه بحسب الان والشأن الإلهيين، عالما بان الحق حكيم لا يعطى أحدا ما لا يستحق

569
ولا يستدعيه لسان نوع من أنواع طلبه، فان امكنه ان يعرف الحقيقة الطالبة لذلك الامر الوارد
أو التجلي أو غيرهما أعدها لقبوله وجردها عن احكام منافراتها وأقامها في عبودية الحق
سبحانه وتعالى من حيث الحضرة التي ورد منها الوارد، عاملا ما ينبغي لما ينبغي كما ينبغي
بمقتضى الحكمة الإلهية والأدب مع الله.
1047 - 4 وان عسر ادراك الطالب الجزئي منه على التعيين، استدل بالوارد وحكمه
وخاصيته على المورود عليه، مهتديا بالحق وبما ورد منه، فإذا تحققه معتبرا بالميزان
الكمالي الإلهي، فان اقتضى ذلك الامر مساعدة الحقيقة الطالبة ورفع ما يعوقها عن الوصول
إلى كمالها، ساعد وأعان وطلب بباقي الحقائق المناسبة لها في المرتبة من الحق تكميل
تلك الحقيقة على الوجه الأليق الذي يقتضيه الحكمة الإلهية الكمالية، وكان ذلك الوجه من
التكميل شفيعا مشفعا لتلك الحقيقة عند ربه، وان لم يقتض حكم الميزان مساعدة تلك الحقيقة
الطالبة، كان وروده بحسب الوقت والحال والمعرفة والمقام الذي هو فيه والموطن.
1048 - 4 ولا اعتراض على الاستعدادات الكلية وألسنتها ومطالبتها جملة واحدة،
لأنها غير مجعولة فغير معللة، ولذلك: لا يكلف الله نفسا الا وسعها (286 - البقرة) ولكن
على الانسان ان يعتبر الاستعدادات الجزئية الوجودية فيتوجه إلى الحق بحكمها وطلب
صلاح شؤونه ورعاية مصالحه كلها ما علم منها وما لم يعلم مما يحتاج إليه كل جزء وحقيقة من
اجزاء نشأته وحقائق ذاته. وعلى ذلك ورد قوله عليه وآله السلام لام حبيبة - حين قالت
في دعائها: اللهم متعني بزوجي رسول الله وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية -: سألت الله
بارزاق مقسومة واجال مضروبة، فلو سألت الله ان يجيرك من عذاب النار وعذاب القبر.
وقد قال عليه وآله السلام: كل شئ بقضاء وقدر حتى العجز والكيس.
1049 - 4 فقال الشيخ قدس سره في شرحه: المقدرات على ضربين: ضرب يختص
بالكليات فأخبر النبي صلى الله عليه وآله انها محصورة في أربعة أشياء: هي العمر والرزق
والأجل والسعادة والشقاوة، وضرب يختص بالجزئيات اللازمة التفصيلية، وظهور بعضها

570
قد يتوقف على أسباب وشروط، وربما كان الدعاء أو السعي والكسب من جملتها بحيث لم
يقدر حصوله الا بها، بخلاف تلك الأربعة الأولى، فإنه ليس للانسان في ذلك قصد
ولا تعمل، بل نتيجة قضاء الله وقدره بموجب علمه السابق الثابت أزلا وابدا بمقتضى تعلقه
بالمعلوم، فهذا هو الفرق بين حكمي الاستعداد الكلى والجزني.
1050 - 4 ثم نقول: هذا كله ما لم يكمل الانسان، فإذا كمل فله في الدعاء وغيره ميزان
يختص به وأمور ينفرد بها دون مشارك، وذلك ما أشار إليه الشيخ قدس سره في النصوص
بقوله: واما الكمل والافراد فان توجههم إلى الحق تابع للتجلي الذاتي الحاصل لهم
والموقوف تحققهم بمقام الكمال على الفوز به، وانه يثمر لهم معرفة تامة جامعة لحيثيات
جميع الأسماء والصفات والمراتب والاعتبارات مع صحة تصور الحق من حيث التجلي
الذاتي الحاصل لهم بالشهود الأتم، فلهذا لا تتأخر عنهم الإجابة، وأيضا فإنهم أهل الاطلاع
على اللوح المحفوظ بل وعلى المقام القلمي بل وعلى الحضرة العلم الإلهي، فيشعرون بالمقدر
كونه لسبق العلم بوقوعه ولا بد، فلا يسألون في مستحيل غير مقدر الوجود ولا ينبعث
هممهم إلى طلب ذلك ولا الإرادة له، وانما قلت ولا الإرادة له، من أجل ان ثمة من يتوقف
وقوع الأشياء على ارادته وان لم يدع في حصوله.
1051 - 4 وقد عاينت ذلك من شيخنا رضي الله عنه سنين كثيرة في أمور لا أحصيها
وأخبرني رضي الله عنه انه رأى النبي صلى الله عليه وآله في بعض وقائعه وانه بشره وقال:
الله أسرع إليك بالإجابة منك إليه بالدعاء، وهذا المقام فوق مقام المطاوعة، فان المطاوعة
المبادرة إلى امتثال الأوامر وتتبع مراضي الحق والقيام بحقوقه بقدر الاستطاعة كما أشار
إليه صلى الله عليه وآله في جواب عمه أبى طالب - حين قال له: ما أسرع ربك إلى هواك
يا محمد - فقال: وأنت يا عم ان أطعته أطاعك.
1052 - 4 اما مقام كمال المطاوعة فراجع إلى كمال مواتاة العبد من حيث حقيقته لما

571
يريد الحق منه بالإرادة الأولى الكلية (1) المتعلقة (1) بحصول كمال الجلاء والاستجلاء، فإنه
الموجب لإيجاد العالم والانسان الكامل الذي هي العين المقصودة لله على التعيين، وكل
ما سواه فمقصود بطريق التبعية له وبسببه، من جهة ان ما لا يحصل المطلوب الا به فهو
المطلوب.
1053 - 4 اما الانسان الكامل فهو المراد لعينه، لأنه المجلى التام للحق يظهر الحق به من
حيث ذاته وجميع أسمائه وصفاته واحكامه واعتباراته على نحو ما يعلم نفسه بنفسه و (2)
ما ينطوى عليه من أسمائه وسائر ما ذكر و (3) حقائق معلوماته و (4) أعيان مكوناته، دون (5)
تغيير يوجبه نقص القبول وخلل في مرآتيته، ومن هذا شأنه لا يكون له إرادة ممتازة عن
إرادة الحق، بل هو مرآة إرادة ربه وغيرها من الصفات، وحينئذ يستهلك دعائه في ارادته التي
لا تغاير إرادة ربه، فيقع ما يريد كما قال تعالى: فعال لما يريد (6) (16 - البروج)
1054 - 4 ومن تحقق بما ذكرنا فإنه ان دعا فإنما يدعو بالسنة العالمين ومراتبهم من كونه
مرآة لجميعهم، كما أنه إذا ترك الدعاء انما يتركه من حيث كونه مجلي للحق باعتبار أحد
وجهيه الذي يلي الجناب الإلهي ولا يغايره (7) من كونه فعالا لما يريد، وليس وراء هذا المقام
مرمى لرام، ودونه المتوجه إلى الحق بمعرفة تامة وتصور صحيح للمقصود بخطاب: ادعوني



(1) - والمراد بالإرادة الكلية هو اقتضاء الظهور باعتبار نسبته إلى الحقيقة الجامعة التي هي حضرة أحدية
الجمع وحقيقة الحقائق المسمى بالمحبة الأزلية الباعثة على الظهور المتعلقة بكمال الجلاء والاستجلاء
المتوقف حصول هذا الكمال على ظهور العالم تفصيلا وظهور الانسان الكامل مجملا بعد التفصيل،
فالإرادة الأولى الكلية عبارة عن اقتضاء الباطن الحقيقي المكنى عنه ب‍ (كنت كنزا مخفيا) والظهور المعبر
عنه ب‍ (ان اعرف) والميل الحبى والطلب الالى هو صورة ذلك الاقتضاء، وذلك الاقتضاء والطلب والميل
هو المنبه عليه ب‍ (أحببت ان اعرف) - ش (2) - عطف على نفسه - ش (3) - عطف على أسمائه
ويمكن ان يكون بيانا لسائر ما ذكر - ش (4) - التي هي (النصوص) عطف تفسير وبيان لحقائق
معلوماته - ش (5) - متعلق بقوله: يظهر الحق - ش - أي ذلك العبد الكامل فعال لما يريده أو الحق
تعالى فعال لما يريده ذلك المذكور - ش (7) - أي ولا يغاير الجناب الإلهي من كونه فعالا لما يريد، أو انه
إذا ترك الدعاء وتنظر إلى جانب الوحدة لا يغاير النظر الواقع إلى جانب العلم المستدعى لكونه فعالا لما
يريد، فافهم - ش
572
استجب لكم (60 - غافر) وخبر الحق صدق وقد تحقق بهذا التوجه (1) فلزمت النتيجة التي
هي الإجابة، فافهم والله المرشد. هذا كلامه قدس سره.
الفصل الثامن
من فصول الباب ضابط يحتوى على عدة اسرار وأصول:
1055 - 4 الأصل الأول: ان كل مدرك إذا لم ينته النظر فيه إلى ادراك ما ورائه فليس
بمدرك تام حق الادراك، وإذا انتهى إليه صح وصف ذلك الادراك بالتمام، فإن كان عقليا،
وفي الأمور الباطنة فبالتمام من حيث الحقيقة، وإن كان حسيا، وفي الأمور الظاهرة فبالتمام
من حيث الإحاطة، وهذا شامل لما كان المدرك مغايرا لما ورائه مغايرة الصورة لمعناها أو
الجسم لروحه أو الوجود للحقيقة المتصفة به، أوليس مغايرا له بهذه المغايرات الثابتة من كل
وجه - كالمقيد للمطلق - فقد تحقق ان الثاني عين الأول من كل وجه، والأول عين الثاني
من وجه دون وجه، وذلك لان كل مدرك ظاهر حسي أو باطن عقلي فهو من حيث هو
مدرك بهما متناه، وتمام كل ما هو متناه انما هو باتصال حده ونهايته باخر، أي بما ليس
إياه، حتى أن النظر في الحق تعالى وفي أوصافه كذلك إذا كان الناظر تام النظر أو تام الكشف،
فان نظرك في الوجود المحض الذي هو الخير إذا لم يتعد إلى الشر، أي ليس ما ورائه الا
العدم الذي يتوهم في مقابلته ويحكم عليه بأنه الشر والضد للوجود، لم يتحقق سر ليس وراء
الله مرمى لرام، إذا لعدم المحض لا يكون مقصدا لإشارة حسية ولا لإشارة عقلية الا من
حيث تعينه بوصف كالمجهول المطلق.
1056 - 4 وأيضا لم يعلم أن (2) الحق لا يحاط به علما، فان كون انتهائه بالعبور إلى العدم
المحض دليل كون الوجوديات اللامتناهية تحت حيطته، واللا متناهي لا يحاط به، وأيضا لم



(1) - أي تحقق بهذا التوجه ودعوة الحق لذلك العبد المشار إليه، إلى المتوجه إلى الحق بمعرفة تامة وتصور
صحيح - ش - لهذا المتوجه - ن - ع - ل (2) - عطف على لم يتحقق - ش
573
يعلم (1) ان نسبة ما تعين لك من أمر الحق علما - ان كنت ناظرا تام النظر - وشهودا - ان
كنت مكاشفا تام الكشف - إلى ما لم يتعين لك أو لغيرك نسبة المتناهى إلى غير المتناهى
ونسبة المقيد المنضبط إلى المطلق الغير المنضبط - لما مر انفا - بعينه
1057 - 4 وهذا أصل كبير من سر المطلع الذي لم يخرج شئ عن حكمه، لان حكم
المطلع من حيث هو مطلع حكم الحقيقة العمائية الشاملة لجميع الأعيان الثابتة الأسمائية
والكونية من الروحانيات والجسمانيات، كما أن من جملة احكامها ان كل متعين من حيث
هو متعين متناه، وكل تعين نسبة، وان كل متعين معه مطلق، وانه من حيث هو غير متعين
حال تعينه من حيثية أخرى، وان التعين صورته المتعينة بحسب مرتبته إلى غير ذلك.
1058 - 4 الأصل الثاني: ذوق يعلم من الأول وهو ان حقق النظر كشفا أو عقلا في كل
موجود مقيد انتهى به أمر تام ادراكه إلى أن يعلم من قيده اطلاق الحق سبحانه حال كشفه انه
مجلي من مجاليه ومظهر له وهو ظاهر (2) بهذا، إذ لو كان المتعين بهذا التعين متعينا بتعين
اخر البتة كان هو أيضا مسبوقا (3) فلا يكون الحق معتبرا من حيث هو - بل محتاجا إليه - (4)
1059 - 4 الأصل الثالث: ان يعرف ان كل ما هو حجاب على الحق وعنه سبحانه فهو
كاشف ومظهر له، وذلك لما مر مرارا: ان التركيب مع أنه ستر على البساطة التي هي حجاب
بالنسبة إلينا، رفع (5) لذلك الحجاب وكشف له مظهر البسائط - مع كونه نسبة عدمية -



(1) - عطف على لم يتحقق - ش (2) - أي الحق ظاهر بهذا الوجود المقيد - ش (3) - فلا يكون
الامكان تحصيل الفهم بعد الغفلة مع غيبة المتكلم فبذلك تلا حقت الآراء وتصادمت الأهواء وانتشر العلوم
واجتمع الفهوم ومنها ان الضبطية أكثر منه بالحفظ حتى قيل ما حفظ فر وما كتب قر، إلى غير ذلك، ثم
نقول: إذا عرف عدة من المقدمات ان مرتبة الامكان المقابل في التعين الثاني لحضرة الوجوب بما حوته من
الحقائق الممكنة هي الغيب الإضافي بالنسبة إلى غيب الهوية وغيب الذات المطلق وان تعين بالتعين الأول،
واما بالنسبة إلى عالم الأرواح فيسمى غيبا مطلقا، لأنه غيب الهى بخلاف عالم الأرواح فإنه كوني، لان
لمرتبة الامكان الظلمة العدمية من حيث هي هي فإنها يقتضى العدم لكن لا مطلقا بل بشرط ان لا يشرق
عليها نور الوجود كما مر ان مظهرها في ذلك الحال القمر. (الحاشية - ل) (4) - أي إلى التعين الاخر - ش
(5) - خبر ان - ش
574
وهذا من العجب العجاب، ووجه على ما يفهم من كلام الشيخ قدس سره في الفكوك
وغيره: ان كون التركيب حجابا على الحق بالنسبة إلى كمال ظهوره الاطلاقي وقربه التام
وكونه كاشفا بالنسبة إلينا وذلك، لا لان التركيب الامكاني شأنه الاظهار، إذ ذلك شأن
الوجود، بل لان النسب العدمية الامكانية الظلمانية إذا تراكمت وانتسبت إلى الوجود المحض
بحيث كانت عينه في الأعيان، اختلط الظلمة بالنور، فحصل المرتبة الضيائية التي شأنها
ان تدرك ويدرك به، فبذا حصل الامر في مرتبة الانكشاف والظهور بالنسبة إلينا.
1060 - 4 الأصل الرابع: ان حجاب الشئ إذا كان مظهرا له وهو ظاهر به، وظاهر انه
لم يكن عينه باعتبار انه صورته ومظهره - بل كان غيره - لا يكون بينه وبين المحجوب
واسطة، ولنقدر ذلك توضيحا في الحجاب الأقرب إذا قيل بكثرة الحجب أو فيما لا حجاب
له غير واحد، ففي مثله متى عرف الحجاب نفسه عرف انه لا واسطة بينه وبين المحجوب، فمن
عرف نفسه فقد عرف ربه.
1061 - 4 وذلك لان كل ما يقال إنه حجاب على الحق فحجابيته حكم حاصل له من
بعض الممكنات اقتضته خصوصيته وظاهر في البعض الاخر منها - لكن بالحق لا فيه -
فلا يكون بينه وبين الحق من تلك الحيثية واسطة، وان تحققت من حيثية أخرى وهى حيثية
تمام الاستعداد الوجودي.
1062 - 4 فبهذا ثبت الوجه الخاص لكل موجود متعين، اما انه حاصل من الممكنات
لا من الوجود، فلانه معدن الظهور فكيف يكون معدن الحجاب؟ وما مر من أن البساطة
حجاب فذلك بالنسبة إلينا من كمال القرب أو الظهور كما مر، واما انه في الممكن، فلان
تأثير الممكن في الواجب محال. فما يسمى تعين الوجود بالماهية الممكنة فذلك نسبة ممكنة
لا واجبة، واما انه بالحق، فلان الخصوصية الحاجبة انما يحجب بظهورها، ولا ظهور الا
بالوجود، وسيظهر ذلك.

575
1063 - 4 ثم نقول على سياق قول الشيخ بيان: ان كل حجاب فهو حكم حاصل
من بعض الممكنات، ان الحجاب على الحق اما نفسه أو غيره وهو الممكنات، إذ لا ثالث في
الوجود، والممكنات اما بعضها أو كلها، الثالث محال، إذ الحجاب عماذا؟ ولا ثالث للحق
والممكنات، وكذا بعضها، لأنه اما لامكان ذلك البعض - ولا يصح - والا كان الحجاب
كلها - لاشتراكها في الامكان - وقد بين فساده، واما لخصوصية زائدة، فإن كانت أمرا
سلبيا كان المعدوم مؤثرا في الموجود بل في الواجب، وإن كان أمرا وجوديا فليس هذا
الامر المنضم إلى الممكن الأول ممكنا، والا لكان الممكنات أو بعضها، فننقل الكلام اما ان
يشتمل كل حجاب على الخصوصيات الممكنة الغير المتناهية وهو محال، أو ينتهى إلى أن
يكون الحجاب نفس الحق ولا يصح ذلك، لان حجابيته على نفسه اما باقتضاء ذاته - ويلزم
منه محالان: أحدهما كونه غير عالم بنفسه من كل وجه، وثانيهما تركبه من الحجاب
والمحجوب - أولا باقتضاء ذاته، بل به، لكن ظهور الحكم يتوقف على الممكنات.
1064 - 4 وعلى هذا التقدير فاما ان يرجع حكم الحجابية وهو الخفاء المعلوم المشهود
إلى الحق أو إلى الممكن، أي الخفاء الحاصل من الحجاب، اما ان يكون المحجوب مختفيا من
الحق أو مختفيا من الممكن، والأول محال، والا لاثر الممكن في الحق مستقلا كان أو غيره
ويكون الحق سبحانه محلا للحوادث، فتعين ان يكون المحجوب مختفيا من بعض الممكنات،
والحاجبية من بعض اقتضتها خصوصيته لكن بالحق، إذ لا ظهور لحكم ما الا به - لا فيه -
سبحانه ان يكون محلا لما لا يقتضيه ذاته بسبب الممكن كالحدوث وسائر الأحوال
المتبدلة.
1065 - 4 فالقاعدة الكلية ان كل ما ينسب إلى الحق من اسم أو صفة ينظر فيه، فان
جازت اضافته إليه فهو مقتضى ذاته أزلا، لكن ما ظهر حكمه للممكن الا فيما لا يزال، وإن كان
مما لا يجوز اضافته إليه من حيث ذاته فهو أمر اقتضاه بعض الممكنات في بعضها لكنه ظهر
بالحق، فحدث ظهوره وتحققه لنفسه ولمثله وحدث علم الممكنات.

576
1066 - 4 اما ثبوت ما ثبت للحق أو للممكن أو انتفاء ما انتفى عنهما أزلي، فنسبة
الثبوت للأسماء والصفات والمراتب وانتفائها لمن هي ثابتة له أو منتفية عنه أزلية، والحادث
ظهورها للممكنات والمعرفة بها، وهذا هو الذي قال في التفسير، لان ثبوت الاحكام
وتعينها لا يظهر الا في العماء المذكور الفاصل بين الغيب والشهادة، فالثابت للحق ولغيره
كان من كان هو ما اقتضته ذات من ثبت له أزلا وكذا الثابت نفيه، فالمتجدد انما هو
الظهور والمعرفة لا الثبوت والنفي لمن هما له.
الفصل التاسع
من فصول الباب تتمة لهذا السر الكلى الذي هو لمية المظهرية ومبناها مع اقتضائها
الحجابية من وجه والكاشفية من اخر مع اسرار اخر جليلة تذكر في هذا الفصل
ولضبطه مقدمات:
1067 - 4 الأولى: ان الأجسام تبع للأرواح التابعة للمعاني، فكل متأخر منها كاشف
عن المتقدم وصورة حاكية له حكاية يلائم مرتبته.
1068 - 4 الثانية: ان سراية الأحدية شرط لكل قابلية لظهور الوجود، لكن أحدية
تناسب مرتبته وظهورا كذلك، فالاختلاف مانع الظهور بحسب تلك المرتبة، فالتهيؤ
للقبول بإزالة ذلك الاختلاف المانع.
1069 - 4 الثالثة: انطباع الظاهر في المظهر موقوف على المقابلة بينهما بعد الأحدية
كلاهما بحسب المرتبة، فالانطباع الحسى موقوف على المقابلة الحسية، والروحانية والمعنوية،
ويسميهما غير المتحيز موقوفتان على القصد والتوجه وعلى المحاذاة بواسطة المناسبة
الغيبية المعنوية.
1070 - 4 فنقول: كما أن انطباع الصورة في الجسم موقوف على صقالته المحصلة

577
لأحديته، لأنها تساوى اجزاء سطوحه وتوحد كثرته، إذ التساوي عدم الاختلاف الذي هو
كون بعض الاجزاء السطحية ناتية (1) وبعضها منقعرة منحفرة، والصيقل بعدمه وتهيؤ
المقبول باظهار حكم الأحدية، كذلك حال النفوس والأرواح التي يحاكيها الأجسام
التابعة لها بحسب مرتبتها، فانطباع الصورة الكونية في القلب وذلك لانطباعها في
النفوس والأرواح هو اختلافهما، كالنتو والتقعير والتشفير (2) في المرآة، فيمنع من
انطباع ما يراد تجليه في القلب، وازالتها عن القلب وتفريغه عنها هو التهيؤ للإنطباع،
كالصقل في الأجسام، وقصده بالتوجه والمحاذاة برابطة المناسبة الغيبية المعنوية
بمنزلة المقابلة الحسية في المرآة، واختلافات تلك الصور الكونية بمنزلة الصدء، فبقدر قلة
تلك الصور وقلة هموم القلب بحسبها يقوى حكم الصقالة وثمرته التي هي انطباع ما يراد
تجليه
1071 - 4 اعلم أن الأحدية الحاصلة بالصقل في المرآة نورانية محضة، فلو لم يختلط
بظلمانية الجسمانية الذاتية أو العارضية من خلف الزجاج الغالب جهة نوريته لم ينطبع
فيها الصورة، وذلك لان محض الأحدية يستهلك فيه الكثرة اللازمة للادراك الذي هو
نسبة بين المدرك والمدرك، وكذا الانطباع الذي هو نسبة بين القابل والمقبول، لكن لكون
المنطبع في المرآة صورة مثالية اشترط في المرآة هذه الأحدية الحاصلة بالصقل زيادة على
أحدية الصورة الجسمية الحاصلة في كثرتها الغالبة ليناسب عالم المثال في اعتدال الصفاء
والقرب من الوحدة بالنسبة إلى عالم الأجسام، بخلاف انطباع الصور الجسمية في قوابلها
والعرضية في الجواهر، وانما لم نمثل بالصور المرآتية الصور الخيالية، بل مثلنا بها الصور



(1) - نتو نيتو نتوا، أي: ورم فهونات - ثابتة - ط (2) - شفر شفارة: نقص وقل - التسعير - ط
578
الروحية والنفسية والقلبية، لان الصور الخيالية من نفس نوع الصور المرآتية وهى
المثالية - كالصور المنطبعة في الحدقة والرطوبة الجليدية - فان خيال الحيوان جدول من
عالم المثال، فكل ما يحصل في الخيال بواسطة الحواس الخمس الظاهرة شعاع من أشعة
الصور المثالية، فافهم ليتصور الأحوال الملكوتية من الأرواح العبقة (1) والنسائم الطيبة
والألحان المطبوعة والأنكحة المرغوبة وغير ذلك.
1072 - 4 ثم نقول: والصور الكونية المختلفة التي تغمر المحل القلبي المراد صقله
لا تخلو عن أربعة أقسام: ان استوعبت جميع المحل ورسخ حكمها فيه فهو الرين والحجاب
المذكور في قوله تعالى: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا انهم عن ربهم
يومئذ لمحجوبون... الآيات (14 و 15 - المطففين) وذلك لأهل الشرك والتكذيب - كما
يدل عليه اخر الآيات وان لم يجتمع الأمران - فان حصل العموم دون الرسوخ فهو الغشاء
والصدء والأكنة - كما لأهل الفسق المستولى عليهم ويخاف منه الكفر - لان
الاستيعاب مظنة الرسوخ. وان لم يحصل لا الاستيعاب ولا الرسوخ كان حال صاحبه
المزج بين حكم الغين والصدء وبين الصقالة. واما القسم الرابع وهو الرسوخ في بعض
وجوه القلب بدون الاستيعاب فهو، حال أهل العقائد النظرية وأهل الأذواق المقيدة من ذوي
الأحوال والمقامات المخصوصة، الذين لا يعرفون ما عدا ما ذاقوا ولا يتشوقون إلى غير ما هم
فيه، فهم - أعني أهل الأذواق المخصوصة - بما حصل لهم من الطهارة والصقال، لا حظوا
الحق وصار لهم حظ من الشهود والمعرفة، لكن لما لم تعم الطهارة كل القلب حجبهم ما بقى
فيهم من الصدء عن كمال الشهود والمعرفة الصحيحة التامة، فقنعوا بما حصل لهم وظنوا ان
ليس وراء ذلك مرمى، فالصدء الباقي فيهم ما بقى من الاحكام الامكانية وآثار الصور
الكونية.



(1) - عبق عبقا وعباقة: انتشرت رائحة الطيب.
579
1073 - 4 فافهم فإنها قاعدة متى كشفت سرها عرفت ما الانطباع وما التجلي؟ وهو
الظهور في القابل المناسب بحسب مرتبة ذلك القابل، سواء كان روحانيا أو مثاليا أو
حسيا، والفرق بينهما ان الملحوظ في الانطباع هو المحل فقط، وفي التجلي حال المدرك في
ذلك المحل وهو المتجلى له - وما (1) القبول؟ وهو الاشتمال على المناسبة المظهرية التي
يقتضيها المرتبة، وما التلقي؟ وهو المقابلة فيما يتحيز، والقصد والمحاذاة فيما لا يتحيز، وما
الحجب الحائلة؟ وهى الصور الكونية المنحصرة في الجسمانية والروحانية، لاشتمالها على
اختلاف المعدد المشتت على الكثرة المظلمة، وعلمت سر قوله تعالى: وإليه يرجع الامر
كله (123 - هود) أي من الكثرة إلى الوحدة، وما الحجب الظلمانية والنورانية المذكورة
في الحديث؟ فالظلمانية الصور الجسمانية والنورانية الصور الروحانية. وفي النفحات: ان
الظلمانية هي الأسماء السلبية والنورانية هي الأسماء الثبوتية.
1074 - 4 قلت: هذا (2) بحسب الظاهر أو الباطن، وذلك (3) في مرتبة المطلع،
وما رفعها (4)؟ هو الصقل في الأجسام وتفريغ القلب عن الصور في الأرواح، وتعرفت
منها ان ليس بين الحجاب والمحجوب واسطة الا نسبة اختلاف المدرك وحكمه، فإنها إذا
ارتفعت يعرف الحجاب نفسه فيعرف ربه، فيعلم ما فائدة الحضور والمراقبة للقلب في
أهل الله ان لا يحل فيه المختلفات ولا يكدره بعد كشفه جلية الامر ويتحقق بصفة الوحدة
المستلزمة للشهود والاطلاع وغير ذلك مما يطول ذكره، من أن التجلي الإلهي الفتحي
لا يتوقف الا على رفع المانع، حتى قيل: من داوم على تخلية قلبه أربع ساعات نجومية
أو ثلاثا لا بد ان يحصل له اما الفتح أو الجنون أو الموت، وما لا يمكن ايضاحه سر ما بين
المتجلى والمتجلى له، لا سيما بعد التجلي الذاتي وبعد غيبوبة المتجلى له في ذات المتجلى. والله أعلم
.



(1) - عطف على متى كشفت سرها عرفت، وكذا بعدها - ش (2) - أي المذكور في النقل - ش
(3) - أي المذكور في النفحات - ش (4) - أي رفع الحجب - ش
580
الفصل العاشر
من فصول الباب ضابط في أن كل علم من العلوم المتعلقة بالمظاهر أو الظواهر يستلزم
عملا وينجر الكلام فيه إلى تقسيم العلم بما غايته ذلك العمل وما ليس كذلك
1075 - 4 فنقول: العلم اما متعلقه الحق أو ما سواه، والمتعلق بالحق اما ان يكون علما به
من حيث الارتباطات، أي ارتباط العالم به، وارتباطه بالعالم ارتباط مألوه باله واله بمألوه،
وهو العلم به من حيث الاسم الظاهر، ويسمى عند أهل الله بمعرفة التجلي (الظاهر) في أعيان
الممكنات، واما ان يكون علما بالحق من حيث هو مع قطع النظر عن العالم وتعلقه به، وهو
من علم الهوية الباطنة، أي ذات الحق سبحانه، ثم العلم بالهوية الباطنة وذات الحق، اما من
العارف بمرتبة الاسم الظاهر على مذهب أهل البصائر من أن يعرف الحق من تجليه في
حقائق العالم وكشف له ان ما وراء ما أدرك من التجليات أمرا اخرا احديا يرجع إليه احكام
هذه التجليات والصور، واما علمه بباطن الحق بحسب ما يعطيه القوة النظرية، فهذه ثلاثة أقسام
والمتعلق بما سوى الحق رابعها:
1076 - 4 فالأول: أعني العلم المتعلق بالحق من حيث الاسم الظاهر، سواء كان العالم
معتقدا أو عارفا مشاهدا أو مكاشفا لاحكامه وفوائده، لا بد ان يحكم على من قام به
ويستدعى منه ان يكون ملاحظته ومعاملته كل موجود مخالفتين، لما كان لهما قبل
حصول هذا العلم الشهودي أو الاعتقادي أو الكشف لثمراته، فالامر المتجدد هو العمل
المختص بذلك العلم، إذ العمل قد يكون بالباطن وقد يكون بالظاهر وقد يكون بهما معا، مع أن
الظاهر تبع الباطن، فان الأعمال بالنيات والنية حكم من احكام الحضور أو الاستحضار
التابعين للعلم، لان الحضور ليس الا استجلاء المعلوم وملاحظته بالفعل، فما انصبغ به
العلم من الاحكام سرى فيما هو تابع له وهو العمل.
1077 - 4 والثاني: وهو العلم بالهوية الباطنة لله تعالى بالتفسير السابق، وهو ذات

581
الحق سبحانه، وإن كان من العارف المذكور فلا بد له عند شهوده كل ما يشهده من صور
الموجودات، لتيقنه بالكشف، ان جميعها مظاهر ومجال للحق سبحانه ان يصير حاضرا في
ذلك الحال ومستحضرا للحقيقة الإلهية الغيبية التي يستند إليها جميع ما ظهر - مع
استصحاب هذا القيد المتجدد - فهذا أيضا عمل لازم لعلمه ذلك.
1078 - 4 والثالث: وهو العلم بذات الله سبحانه، لكن بحيث ما تعطيه القوة النظرية،
فلا يخلو هذا العلم من أن يفيد للعالم حكما سلبيا كالصفات الجلالية، أو ايجابيا كالجمالية،
وأيا ما كان فلا بد له من توجه نحو الحق أو عبادة له أو حضور معه أو استحضار توجها مخالفا لما
كان له قبل تجليه بهذا العلم. وكذا حضوره وغيره مما ذكر، وذلك لان إفادة العلم إياه
سلب ما كان يعتقد ثبوته قبله أو بالعكس، فينصبغ توجهه بحكم هذين القيدين السلب
والايجاب، وهكذا الامر في كل مسألة تحصل له من العلم بالله لا يخلو فيها عن سلب أو
ايجاب لم يكن قبله.
1079 - 4 والرابع: وهو العلم المستفاد جديدا بما سوى الحق، سواء لم يتعلق ذلك العلم
بالمستفيد أصلا أو تعلق به ولم يتعده أو تعدى، فإنه لا بد له من مباشرته أو النظر فيه بالفكر وفي
اعتباره صريحا معينا أو ضمنا مجملا من أن يصحبه حكم متجدد من سلب لما ظن ثبوته أو
ايجاب لما لم يعلم ثبوته من قبل أو ايضاح في ثبوت الثابت، كتكثير الأدلة في ثبوته حيث
يجعل الثقة به أكثر للعلم بثبوته بالدليل الثاني، ولو لم يثبت بالأول وهكذا بالثالث و
الرابع وغيرهما، وكل ما ذكر حكم طار ينصبغ به توجهه واعتقاده ومعاملته بمباشرة ظاهرة
وبدونها.
1080 - 4 ثم نقول: ولما تقرر ان كل علم يستلزم عملا أعم ان يكون ذلك العمل
اللازم غايته ومطلوبا منه أو لا يكون.
1081 - 4 ناسب لتحقيق المقام ان توضح سر العلم الذي غايته العمل، والذي ليس
كذلك ويستدعى ذلك مقدمة للتنبيه على مسمى الغاية: فغاية كل شئ منتهاه من

582
حيث إن ذلك المنتهى هو المطلوب بذلك الشئ وفي الوصول إليه كماله، سواء كان مطلوبا له
لذاته وعلى التعيين أو مطلوبا لأمر آخر يكون الأول مطلوبا بتبعيته، لكونه آلة أو شرطا أو
سببا للثاني، ويسمى عند أهل النظر العلم المطلوب لذاته نظريا والعلم المطلوب لغيره آليا
وعمليا، وان اطلق العملي أيضا على ما مطلوبه المباشرة بعد العلم والنظري على ما مطلوبه
الاعتقاد فحسب كما سيجئ.
1082 - 4 ثم الغايات اعلام الكمالات، فكل غاية أية على كمال يختص بها ويدل عليها،
لان الكمال عبارة عما ينبغي ويكون حصوله أولي من لا حصوله، فلو لا تصور ذلك في
الغايات ما كانت مطلوبة، لكن يكون ذلك بالنسبة إلى مرتبة خاصة ينسب إليها بداية هذه
غايتها، والا كل غاية بداية لغاية أخرى وليست مطلوبة بالنسبة إلى تلك الأخرى - لامتناع
طلب الحاصل - فإنما يتعين ذلك بالنسبة والغرض وغاية للمراتب واحكامها النسبية
التقديرية.
1083 - 4 إذا تقررت هذه فنقول: للعلوم غايات منها ما غايته العمل ومنها ما غايته
الاعتقاد فحسب بمتعلقه واحكامه، لكن لسريان اثره يستلزم عملا، فانضياف العمل إلى
مثله من باب شمول الحكم والاستلزام، لا ان للعمل موجبا اخر غيره، ومثل هذا يكون
حكم أكملية ذاتية لا كمالية غائية مطلوبة، والفرق بينهما كما مر مرارا ان مقتضى الذات
وان توقف على شرط أو شروط يكون من باب الأكملية فوق الكمال، وجميع الخيرات
بالنسبة إلى الحق كذلك، اما بالنسبة إلى الخلق، فما كان موقوفا على التوجه الطلبي مقصودا
بذلك التوجه، فغاية وغرض يفيد الاستكمال بذلك، فمن هذه القاعدة التحقيقية يعرف
المذهب الحق ان أفعال الله تعالى بالنسبة إليه سبحانه ليست معللة بالاغراض، بل جميع ما
صورته الأغراض المقصودة أو المفهوم من ظاهر الكتاب أو الحديث حكم ومصالح
مترتبة ولازمة للكمالات الأسمائية التي قد مر انها أيضا ذاتية من وجه، فافهم.

583
1084 - 4 ثم نقول في بسط تقسيم العلم: ان العلم لا بد له من متعلق، فمتعلقه اما ما ليس لنا
فيه اثر وجودي، وهو الذي ليس غايته العمل، ولكن يستلزم عملا كعلمنا بالوجود ووحدته
وامكان العالم والكلية والجزئية وغير ذلك من المعقولات الثانية، واما ما لنا فيه اثر
وجودي، وهو الذي غايته العمل، وهذا اما ان يراد لا لنفسه، كالاحكام الإلهية والتكاليف
الشرعية أمرا ونهيا وعلم الأخلاق على اختلاف صورها، فإنه ليرتكب منها ما يجب أو ينبغي
ارتكابه ويجتنب ما ينبغي أو يجب اجتنابه، فهذا يراد لكونه وسيلة إلى ما هو أشرف منه،
والأول يراد لذاته ولمتعلقه وهو الحق سبحانه وحقائق أسمائه وصفاته العزيزة.
1085 - 4 ثم نقول في تتميم تقسيم العلم بحيث لا يخرج عنه علم ما على كل تقدير: ان
متعلق العالم اما أمر واجب حصوله في المادة - أي الجسمانية - أو ممتنع ذلك فيه، أو جائز
فيه الأمران، والأول اما واجب الحصول في أي مادة كانت من غير تعيين أو في مادة معينة،
فالمختص بمطلق المادة العلم المتعلق بالمقادير وهو المسمى عند علماء الرسوم بالرياضي
والمشترط فيه تعين المادة بعلم الطبيعي، والممتنع حصوله في المادة هو متعلق الإلهي،
والذي يدرك تارة في المادة وتارة مجردا عنها هو علم الأسماء الإلهية والحقائق الكلية،
كالعلم والقدرة والوحدة والكثرة وغيرها، فإنها توجد تارة في المجردات واخرى في المواد
الجسمانية، وهى بما هي غنية عن كل منهما والا لما وجد مع الأخرى.
1086 - 4 فان قلت: هذه الثلاثة أقسام العلم النظري، أي الذي ليس غايته العمل كما
ذكره أهل النظر، فكيف لا يخرج عن هذا التقسيم علم ما؟
1087 - 4 قلت: لما انحصر المعلوم في المادي والمجرد، كان كل علم متعلقا بهما و
باحكامهما، سواء كان غايته العمل أولا، فالعبادات لكونها تعظيم الحق، والأخلاق لكونها
تهذيب النفس من الإلهيات الباحثة عن أحوال المجردات، والمعاملات والمزاجر لتعلقهما
بالمعاشرة الجسمانية من فروع الطبيعيات.

584
الفصل الحادي عشر
من فصول الباب تتمة في ضابط يبين بعض اسرار النهايات لا سيما للمرتبة الانسانية
الشاملة التي هي حقيقة الحقائق المعبر عنها بحضرة أحدية الجمع
1088 - 4 وهو: ان كل ما يحصل لكل موجود آخرا أو ينتهى إليه فهو ثمرة ما ظهر
فيه حكمه من الأسماء الإلهية والحقائق الكونية، والمعيار في ذلك حقيقة الانسان الكامل، فان
جمعيته الظاهرة الشخصية صورة الجمعية الأصلية الكبرى المسماة حقيقة الحقائق، وأحواله
صور رقائقها واحكامها التفصيلية، لذا اشتملت على الأشياء كلها على التمام فعلا وانفعالا
وتفصيلا واجمالا على ما سيظهر في الخاتمة، فان الانسان الكامل هو مظهر هذه الحقيقة
والظاهر بها.
1089 - 4 ثم لكل انسان من حيث هو انسان جمعية تخصه بالقوة والفعل مصحح
الحكم بالجمعية الأصلية المذكورة وإن كانت مرتبتها دون الكمال، لكن يتفاوت أمر الجمعية
كلية وشمولا لرقائق الجمعية الأصلية بحسب قرب نسبته من الكمال وبعدها عنه، والحكم في
تفاوت ذلك لا غلب ما يظهر حكمه من الأسماء والحقائق، فيثمر ولا يجنى آخرا الا ثمرة
ما كان مظهرا له منهما.
1090 - 4 ومبنى الغلبة هي الأولية والتوجه الإلهي التي يشير إليها قوله عليه وآله
السلام: كل ميسر لما خلق له، وهكذا الامر فيما عدا الانسان، فان حكم هذا السر مطرد و
شامل، والمعيار حقيقة الانسان الكامل ومرتبته التي لها الاسم (الله) يدبره ويظهر فيه
احكام حقائقه الجامعة للأسمائية والكونية، ولما عدا الانسان الكامل من الجمعيات
ما يناسبها من الأسماء، إذ كل فرد فرد من الموجودات ما عدا الانسان انما يصدر عن الحق
أولا ويستند إليه ثانيا ووسطا ويرجع إليه ثالثا وآخرا من حيث اسم ما من أسماء الله
يختص ويتعين به وينضاف ذلك الفرد إليه فيقال عبد القادر وغيره، وينسحب حكم الله

585
من حيث ذلك الاسم إليه وبما بين الأسماء من التفاوت والحيطة والتعلق والحكم يظهر
تفاوت صور اثارها التي هي مظاهرها.
الفصل الثاني عشر
من فصول الباب في اسرار الكلام الذي هو نسبة بين الظاهر والمظاهر
1091 - 4 لأنه عبارة عن اجتماع الحقائق البسيطة منفردة أو معتبرة مع توابعها ليفيد
صورة جمعية يفهم منها وبها احكام تلك الحقائق، وذلك الاجتماع كما أنه نكاح باعتبار
انتاج نشأة، فهو ايجاد باعتبار تحصيل الوجود الإضافي، وكتابة باعتبار تحصيل نقش
التعين، وكلام باعتبار الافهام اللائق بكل مرتبة على التفصيل الآتي.
1092 - 4 فنقول: لتحقيقه مقدمات:
1093 - 4 الأولى: ان الكلام باطلاقه الشامل للمعنوي والروحاني والحسى صورة علم
المتكلم آليا كان أو كونيا بنفسه أو بغيره، فالحقائق المعلومة إذا اعتبرت منفردة عن
لواحقها حروفه، وإذا اعتبرت مع توابعها اللازمة أو العارضة كلماته.
1094 - 4 الثانية: ان لكل من الحقائق باعتبار مادتها مرتبة معنوية علمية، وشأن
المعاني المعلومة مرتبة كانت أو ذات مرتبة ان لا يظهر من الوجود العلمي إلى الوجود العيني
الا في مادة حاملة وصورة بها وفيها يتحقق المادة، واعنى بالمادة ما به يبتدئ ظهور تلك
الحقائق ليتشخص صورة اجتماعها الذي هو الكلام في الخارج، سواء كانت الصورة
المتشخصة المظهرية جسمانية - وذلك إذا كان حروفه أرواحا - أو روحانية - وذلك إذا
كان حروفه معاني وحقائق - والمادة في الصورتين النفس الرحماني الذي صورته في
الانسان الصوت، واعنى بالصورة ما به يتم ظهور الحقيقة المعلومة من التعين الاحدى
الحاصل من تلك الجمعية كانت تلك الحقيقة ما كانت، أي معنوية أو روحانية أو

586
جسمانية، وتمام الظهور عبارة عن كون الحقيقة بحيث يتأتى لكل مدرك يجمعه، وتلك
الحقيقة موطن ما من المواطن المنسوبة إلى مرتبة ادراكها.
1095 - 4 الثالثة: إذا اعتبرت الحقائق المعلومة من حيث ارتسامها في نفس العالم بها
فقط، أي لا مع انضمام توابعها ولا مع تعين ظهورها، كانت حروفا باطنة غيبية،
وان اعتبرت مع انضمام ما يتبعها من الصفات واللوازم، كانت الحقيقة المعلومة، كلمة باطنة
غيبية، وان اعتبر تعين ظهور مجرد كل حقيقة معلومة في الوجود العيني بنفس المتكلم في
مخرج متعين صورته الوجودية الحاكية للتعين العلمي لكن معراة عن حكم تركيب بعضها مع
بعض، كانت حروفا وجودية ظاهرة، وإذا وقع بينها التأليف الذي هو ظهور اتصال اللوازم
بالملزومات والصفات التابعة للحقائق المتبوعة ووقوعه ذلك لكمال إبانة المتكلم ما في باطنه
وكمال تفهيمه إلى السامع المخاطب، سميت الحقائق المؤلفة كلمة أو كلمات.
1096 - 4 إذا تقررت هذه فنقول: الكلام مع انحصاره في قسمين: الهى وكوني، وعلى
اختلافه إلى مراتب: معنوي وروحاني ومثالي وحسي لفظي ورقمي، فهو من حيث اطلاقه
كسائر الحقائق الإلهية غيب لا يتعين ولا يسمى ولا يشهد ولا يوصف، ويتعين من باطن
المتكلم في تلك المراتب أولا بالحروف المتعقلة العلمية ثم بالمتخيلة الروحانية ثم
بالحسية الظاهرة في عالم الشهادة، اما تعين الحروف وظهورها فبغاياتها وهيئات تقاطعهما
المسماة مخارج.
1097 - 4 ففي الكلام الإلهي المادة هي النفس الرحماني المطلق الغيبي الذي صورته
المطلقة في النطق الإنساني الصوت المطلق، والفاصل المعين المميز في الكلام الإلهي
الحروف المذكورة، وصورته الظاهرة المظهرة لتميز الباطن العلمي في النطق الإنساني
اللسان، والمخارج في الكلام الإلهي مراتب معقولة يتعين النفس الرحماني بحسبها، وصورها
في النسخة الانسانية المخارج المشهورة، فالقوة النطقية الانسانية تنبعث بالإرادة من

587
باطن القلب بواسطة النفس الإنساني والصوت، فيمر على المخارج المشهورة ويتعين
باللسان والتقاطع في كل منها، فيصحب ذلك خصوص حكم الإرادة المتعلقة باظهار بعض
الحروف مفردة ومركبة لتوصل بعض ما في نفس المتكلم إلى المخاطب مما تعذر على
المخاطب معرفته لولا تعريفه بهذا النوع من الكلام أو ما يقوم مقامه من الرقوم والحركات
والإشارات، وذلك لان الانسان المتكلم يتنفس مصوتا، وقد هيأ اللسان للفصل والتميز
بموجب الاستحضار الذهني التابع للتصور العلمي.
1098 - 4 فحيث انتهى قوة كل رفع وامتداد من امتدادات نفسه، وذلك لا يكون الا
عند مخرج من المخارج، ظهر للنفس حين الانتهاء تعين خاص بالقصد والفاصل فيسمى
ذلك النفس المتعين حرفا، فذلك التعين مظهر التعين العلمي الذي لا يعلم حد كل معلوم الا
بمستقره، ومستقره حيث يحصل له الاستغناء في تعين وجوده المطلوب، فحيث أمكن ذلك
من المراتب اكتفى به عن سواه واستقر النفس الرحماني من حيث تعين ظهوره فيه، فظهر وتعين
ويسمى حرفا وجوديا، ولتحدد التلفظ - أي ظهور حده بالحرف حال استقراره - سمى
حرفا، أي طرفا.
1099 - 4 إذا عرفت حقيقة الكلام المطلق فلنعرف حقائق أنواعه المرتبة حسب
مراتبه ولذلك مقدمات:
1100 - 4 الأولى: ما مر في النكاحات ان اجتماع الحقائق في مرتبة يثمر الصورة فيما يليه
المراتب.
1101 - 4 الثانية: ان الاجتماع بين الحقائق حسب مناسباتها وعدمه حسب مبايناتها،
فكذا اجتماع الأرواح بل الأشباح التابعين للحقائق.
1102 - 4 الثالثة ان تعين الاجتماع بحسب المرتبة والغلبة المعتبرة فيه بحسب أولية الامر
الباعث واستتباعه البواقي بقوة الحقيقة الجامعة.
1103 - 4 فنقول: الكلام المعنوي اجتماع واقع بين الأسماء، أي الحقائق مطلقا،

588
بموجب احكام بعضها مع بعض، هذا ان عد الحقائق الكونية أسماء، وان لم تعد فاجتماع واقع
بين الأسماء وبين الحقائق الكونية، ويظهر نتيجة هذا الاجتماع بحسب المرتبة آلة يقع فيها
الاجتماع، وبحسب الامر المقتضى للكلام من الإرادة الخاصة السابقة يعقبه القدرة
اللاحقة، فيتولد الكلام من مقارعتهما، فيضاف الكلام إلى المرتبة، فيسمى في الرتبة الأولى
معنويا، والكتاب المرتقم من هذا الكلام الأول الالى الغيبي عبارة عن الأرواح، ومفهومات
خطاب الحق لها حاصلة على ما بينها من التفاوت الذي أوجبه المراتب والوسائط، وحكم
الحال الجمعي وغير ذلك مما مر في مقدمة بحث النكاحات.
1104 - 4 ويلي هذا الكلام الالى المعنوي الكلام الروحاني، وهو تصادم القوى
الروحانية من حيث قيامها بالأرواح - لا من حيث هي قوى مجردة - فإنها بذلك الاعتبار
معان معقولة، وهذه المصادمة ملاقاة الأرواح في مرتبة جزئية من المراتب المتفرعة عن
حضرة الجمع والوجود بحسب مقام الروح المتكلم، وهو الذي له الميل الأول المستتبع
بقوة الحقيقة الجامعة للبواقي، وبحسب مقام الأرواح الاخر التي تقع بينها المخاطبة وبين
الأرواح الباقية، ويفهم بعضها من البعض بمعاينة كل منها بعض ما في نفس الاخر بموجب
ما بينها من المناسبة الرافعة حكم التعدد المستلزم للستر والامتياز.
1105 - 4 وذلك لان المحوج للمخاطبة غلبة حكم المباينة التي بين المتخاطبين،
الحاجبة كلا عن شهود ما انطوى عليه الاخر، فاحتيج في توصيل ما في نفس المتكلم إلى
المخاطب مما خفى ادراكه عليه من نفس المتكلم إلى استعمال أدوات يقع بسببها التفهيم
ويقوى حكم ما به الاشتراك فيرفع الحجاب الذي أوجبه حكم ما به المباينة والامتياز،
فبموجب قوة المناسبة أو المباينة تقل الأدوات المستعملة في التوصيل أو تكثر، وقد سبق ان
الأدوات الالى الحروف التي بها يتعين النفس الرحماني، وفي الكلام الإنساني اللسان الذي
هو مظهر لها.
1106 - 4 فان قلت: فقد علم أن مراتب تعين الكلام بالنسبة إلى الانسان ثلاث:

589
المعنوي ثم الروحاني الخيالي ثم الحسى الظاهري، فما الكلام الرقمي على ما قيل: إن
الوجودات أربعة: في الأذهان والأعيان والعبارة والكتابة؟
1107 - 4 قلت: كما أن الحروف والكلمات الذهنية، أي الخيالية، صور الحروف
العلمية الغيبية ومظاهرها، ثم الحسية النطقية مظاهر الذهنية، كذلك الرقمية وما يقوم
مقامها مظاهر للألفاظ النطقية الحسية - وان لم يخرج عن الحسية المطلقة - لأنها من
المبصرات أقامها مقام النطقية تعميما للفوائد وتتميما للعوائد.
1108 - 4 منها تفهيم الغائب، فان الكتاب للغائب كالخطاب للحاضر. ومنها امكان
تحصيل الفهم بعد الغفلة مع غيبة المتكلم، فبذلك تلاحقت الآراء وتصادمت الأهواء
وانتشر العلوم واجتمع الفهوم. ومنها ان الضبط به أكثر
منه بالحفظ، حتى قيل: ما حفظ فر
وما كتب قر، إلى غير ذلك.
1109 - 4 ثم نقول: إذا عرفت عدة من المقدمات:
1110 - 4 الأولى: ان مرتبة الامكان المقابل في التعين الثاني لحضرة الوجوب بما حوته
من الحقائق الممكنة هي الغيب الإضافي بالنسبة إلى غيب الهوية وغيب الذات المطلق، وان
تعين بالتعين الأول اما بالنسبة إلى عالم الأرواح فيسمى غيبا مطلقا، لأنه غيب الهى، بخلاف
عالم الأشباح فإنه كوني.
1111 - 4 الثانية: ان مرتبة الامكان الظلمة العدمية من حيث هي هي، فإنها تقتضى
العدم لكن لا مطلقا، بل بشرط ان لا يشرق عليها نور الوجود كما مر ان مظهرها في تلك الحال
القمر، ويمكن ان يقال ظلمتها ظلمة القابلية للاشراق، فان القابلية ظلمة كما أن الفاعلية نور.
1112 - 4 الثالثة: ان الممكنات تتعين وتظهر في نور الوجود العام الذي هو صورة
غيب الذات وأول حاصل منه، وان قلنا انفا أيضا بان النفس الرحماني يتعين بالحروف
والحقائق، فذلك أيضا صادق كما مر مرارا في تحقيق قول الشيخ قدس سره: أنت مرآته وهو
مرآة أحوالك.

590
1113 - 4 الرابعة: ان احكام الممكنات وهى الاحكام التي لا يصح اضافتها إلى الحق من
حيث هو هو يتصل من بعضها ببعضها، لكن يظهر بالحق وفيه من حيث كونه نورا ووجودا،
ولا ظهور الا بنور الوجود، وهو من حيث هو لا يتقيد ولا يتعدد ولا ينعدم ولا يحدث
ولا يتغير، فكل ذلك احكام يلحق بممكن ممكن، لكن ظهورها بالحق، فالأحوال لا تتقلب في
الحق، بل الحق يتقلب في أحواله بموجب: كل يوم هو في شأن (29 - الرحمن).
1114 - 4 لخامسة: ان صور الموجودات مظاهر نسب علمه، أي صور الكيفيات
العلمية المعبر عنها بالحقائق، ولا يظهر الحقائق في الوجود الا بعد تأليفها بشرائط،
فيكون صور كلماته النفسية الرحمانية أيضا، وهذا بحسب كل موجود موجود.
1115 - 4 اما جملة الموجودات، فصور لحضرة علمه مطلقا ومظهر واحد مشتمل على
تعينات متعددة نسبية، لكن لحقيقة نفسه الأحدية، عرف ان المثال الواقع في الوجود موافق
للأصل الإلهي، يعنى ان الكتابة الخارجة والنطق الإنساني صورة الكتابة الإلهية التي هي
ايجاد، وان الكتاب القولي مطابق للكتاب الإلهي الفعلي ومحكم بنيانه، لذا سمى حكيما كما
سمى الكتاب الفعلي مبينا، ففي الكتابة دواة ومداد ثم حروف كامنة فيه ثم ورق ثم
كتابة ثم قصد إليها ثم استحضار لما يراد كتابته، وكذا في النطق علم الناطق وذهنه ثم
حروف وكلمات كامنة مجملة فيه ثم نفس، فصوت ثم قول ثم قصد إلى النطق ثم استحضار
ما يراد به.
1116 - 4 فالمداد مع الدواة نظير مرتبة الامكان بما حوته من الممكنات، يعنى ان
الدواة نظير المرتبة والمداد نظير النفس الرحماني فيها، وذهن المتكلم وعلمه في النطق أيضا
نظير مرتبة الامكان، وذلك لاحاطة الحق بما في مرتبة الامكان وجودا وعلما، فكذا
الانسان محيط بما في الدواة والذهن اظهارا، ثم حقائق الممكنات التي في مرتبة النفس
الرحماني والتجلي الاحدى كالحروف الكامنة في الدواة، وعلم المتكلم وذهنه اندراج الكثرة
التي يحصل من نواة التمر فيها، وإليه الإشارة بقوله عليه وآله السلام: كان الله ولا شئ معه، أي

591
بالفعل، ثم الورق والنفس والصوت نظائر انبساط النور الوجودي العام المسمى بالرق
المنشور والنور المرشوش، وانبساط ذلك النور نشر الورق ورش النور، وما يكتب في
الورق ويتعين في المخارج من الصوت، كصور المعلومات المتعينة في الوجود الخارجي، أي
الداخلة تحت الوجود، لا ما لم يشم رائحة الوجود.
1117 - 4 ثم الكتابة والقول نظير الايجاد والاظهار، وذلك اما بالنفس الرحماني
الاحدى الظاهرة تعيناته ب‍ (كن) لما علم أن لا ظهور الا بنور الوجود العام الاحدى بذاته
والمتعين بتعلقاته الايجادية المعبر عنها في الشرع ب‍ (كن) وهذا هو السبب الحقيقي للظهور
الشامل للكتاب المسطور، اما بالقلم الاعلى، المتوسط بين الحق وبين الكون، لكن بوجه
شرطية للاعداد والفيض لا بالعلية كما زعمت الفلاسفة، لهذا لم يفد الا ثبوت حكم النفس
الرحماني وسريانه في المراتب وشمول حكمه، وهذا هو السبب العادي وعليه الاعتقاد
الصحيح الشرعي، وانما كانت الكتابة والقول نظير الايجاد من جهة كون الحق تعالى
وتقدس كالكاتب في كونه خالقا وبارئا ومصورا ومدبرا للامر الوجودي ومفصلا لايات
ذاته المتعينة بحسب أسمائه وصفاته، ثم القصد الإنساني إلى الكتابة والنطق نظير الإرادة
الأولى الإلهية - أعني الميل الكلى إلى كمال الجلاء والاستجلاء - واستحضار ما يراد كتابته أو
النطق به نظير تخصيص ارادته واستجلائه ما يريد ابرازه من حضرة العلم إلى حضرة العين
بأولية ميل ما هو غالب الحكم من الحقائق الأسمائية، وكما أن استمداد العالم الناطق أو
الكاتب ما يريد كتابته أو النطق به يتوقف على شيئين ويحصل من أصلين: أحدهما العلم
الفطري الأولى لما يريد كتابته. والثاني العلم الجزئي المستفاد من المحسوسات الباعث على
القصد الجزئي، كذلك الامر في الأصل الإلهي يتوقف على أصلين نظيرين لهذين.
1118 - 4 فنظير الأولى الفطري علم الحق بذاته وعلمه بكل شئ من عين علمه بذاته،
ونظير العلم المستفاد من الحس تعلق علمه بالممكنات أزلا عن شهود منه لها في نفسه وابرازه

592
على حد ما علمها بحسب ما كانت عليه بنوعين في موطنين: ففي غيبه الذاتي مجملة مستهلكة
التعينات، المسمى شهود المفصل في المجمل، وفي حضرة علمه مفصلة متعينات الصور
حاضرة كل عنده بصورته الواقعة في الواقع، المسمى شهود المجمل في المفصل.
1119 - 4 ومن تحقق هذا بما يلاحظه في نفسه كشفا أو بقوة نظره الحاكم، ان
ما لا يتقيد بالزمان والمكان وكان عالما بجميع المعلومات وكان جميع المعلومات بنسبه
المخصوصة وأحواله المعينة حاضرة عنده، لم يستبعد وقوع تعلقات الصفات من الأزل إلى
الأبد بالفعل إلى جميع الموجودات.
1120 - 4 فان قلت: كون القول والكلام نظير الايجاد من حيث إنه تركيب الحقائق
التي هي الحروف الغيبية أو الوجودية، وتركيب الكلمات المركبة عنهما يشعر بان يكون
أقسام الكلام كاقسام الايجاد والنكاح خمسة بحسب التركيبات الواقعة في الحضرات الخمس،
وليس كذلك، بل انحصر الكلام في الإلهي والروحاني والإنساني، فما الفرق بينه وبينهما؟
1121 - 4 قلت: الفرق ان مقصود النكاح والايجاد تحصيل الصور الوجودية، اما
مطلقة - كالنكاح الأول الغيبي - أو معينة - كالبواقي - وانما تميز الصور الوجودية
يتحقق في الأرواح والأجسام من حيث هي أجسام، اما مقصود الكلام فالافهام، فلا يتحقق
الا فيما ينتج الفهم، فيتصور في الحقائق الإلهية لانتاج المخاطبات والتفاهم الروحاني في عالم
الأرواح والقوى من حيث صورها المثالية، ثم يتصور التركيب الروحاني الخيالي بين تلك
الصور لانتاج المخاطبات والتفاهم النطقي في الانسان، وان قام الرقم والكتابة مقام النطق لما
سبق من الفوائد، فهذا المقصود لا يتصور فيما ينتج صور الأجسام البسيطة أو المعدنية أو
النباتية أو الحيوانية مما ليس فيها قابلية فهم الحقائق - والله أعلم -
1122 - 4 وإلى ان مراتب ادراك الحقائق المركبة ومراتب تركيبها بحسب الفهم ثلاثة

593
يمكن ان ينساق بما ذكره الشيخ قدس سره في النفحات: ان الادراك المختص بالخلق أنواع:
منها التصور المطلق البسيط، كتصورك مسألة أو فنا من الفنون بدون تخيل الحروف
المعربة عنه وبدون تفصيل أقسامه - إن كانت له أقسام - حتى لو سألت هل تعرفها؟
قلت: نعم قد من غير توقف، وهو المسمى عند القوم بالتصور الساذج والبسيط والمطلق،
ودونه الادراك الفكري الترتيبي ثم الذهني الخيالي ثم الوضوح والايضاح الظاهر لفظا أو
كتابة أو ما يقوم مقامهما من نقرات أو إشارات يصطلح عليها بين المتخاطبين.
1123 - 4 هذا كلامه وهو يشعر بان الأقسام للأفهام بعد البسيط ثلاثة، وهذا أصل
جامع من عرفه معرفة ذوق وشهودا واستحضره استحضار واقف على حقيقته عرف الوجود
المفاض المضاف إلى كل مرتبة انه تعين الحق، إلى النفس الرحماني من حيث تلك المرتبة
مطابقا للتعين العلمي، فوجود كل شئ تعين النفس الرحماني من حيثية، وعرف الايجاد
وهو انبساط النفس الرحماني من تلك الحيثية الموجب لكون التعين العلمي تعينا خارجيا،
وعرف سر تبعية العلم للمعلوم انه يتعلق به على ما هو عليه، والا كان جهلا، وعرف سر
المراتب انها نظائر المخارج في أنها محال التعينات الحاصلة بخصوصيات الحقائق وأولية
التوجه الاحدى، وعرف سر المضاهاة الانسانية للحضرة الإلهية في الصفات والافعال
حتى في الكلام والكتابة، وعرف السر الجامع بين العلم الذاتي الإلهي والأولى الفطري
الإنساني، وكذا بين العلم الإلهي المتعين من المعلومات وبها - قبل الايجاد وبعده - وبين
العلم الإنساني المستفاد من الحس، وعرف مرتبة الصوت انه صورة النفس المتوجه ومرتبة
اللسان انه آلة تعين الصوت ومرتبة النفس الإنساني انه المتعين باللسان والظاهر
بالصوت، وعرف غير ذلك من الاسرار مما لا يحصى تفصيله، كما عرف ما الكتاب
المسطور والرق المنشور والكتاب المبين والكتاب الحكيم وأم الكتاب، وهو النون الذي هو
الدواة على مراتبها الخمسة السالفة، ولم سمى القلم قلما واللوح لوحا، إلى غير ذلك.

594
1124 - 4 ثم نقول في مقصود المخاطبات الربانية والانسانية والفرق بين مقصوديهما: ان
جميع المخاطبات الربانية والكتب الإلهية السنة وعبارات تخبر عن أمرين: أحدهما أحوال
العباد المخاطبين. الثانية عند الحق من حيث كينونتهم معه كما قال تعالى: وهو معكم أينما
كنتم (4 - الحديد) و: نحن أقرب إليكم إليه من حبل الوريد (16 - ق) و: ما يكون من
نجوى ثلاثة الا هو رابعهم (7 - المجادلة) ومن حيث تعينهم لديه بصور يقتضيها استعداداتهم
الأزلية الغير المجعولة التي بها أخذوا الوجود من الحق سبحانه ومن حيث لوازم تلك
الاستعدادات التابعة لها، وهى أحوالهم الثابتة في علم الحق الذاتي الأزلي، وكليات تلك
الأحوال الأمور الأربعة المذكورة في الحديث الناطق بأنه يجمع خلق أحدكم في بطن امه...
الحديث، وهى العمر والرزق والأجل والسعادة والشقاوة.
1125 - 4 وإلى هذا ينظر من كتاب الله آيات التقدير والإثابة والعقاب ومجملها قوله
تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (7 و 8 - الزلزال)
ومجمعها من المدارات الخمسة الدينية، غير الاعتقادات، أعني الحكمة العملية المنقسمة إلى
العبادات والمعاملات والمزاجر ويذكر في أبواب الفقه وإلى الآداب المذكورة في علم
الأخلاق، وذلك لأن مرتبة العيدانية مقتضاها حسن حال العبد وملائمتها بالطاعة الذاتية
التي كمالها محو الذات، والصفاتية التي كمالها محو الصفات، والافعالية التكليفية التي كمالها
التسليم والرضاء، وقبح حاله وعدم ملائمتها بالمعصية والمخالفة، إذ المخالفة اثر البعد والمباينة،
كما أن الموافقة اثر القرب والمناسبة الداعية إلى عدالة الاستقامة الأحدية التي هي رأس كل
كمال، فمبنى هذه الأحوال سر المجازاة الأولى الكبرى بين الحق والماهيات القابلة التي هي
شؤونه بأخذ التعين واعطاء الوجود الإضافي، لان تكليف العباد مبنى عليها.
1126 - 4 وبيانها ما ذكر الشيخ قدس سره في تفسير إياك نعبد: (1) من أن كل أمر يظهر في
مراتب التفصيل لا بد ان يكون ظاهرا بين أصلين في إحدى حضرات النكاحات الخمس،



(1) - كذا في جميع النسخ والظاهر في تفسير مالك يوم الدين. ص: 362
595
والأصلان: حضرة الوجوب والامكان، أو قل: حضرة الأسماء والأعيان، ومعلوم ان أحدية
الحق لا تقتضى ايجاد شئ، بل الحق من حيثها غنى عن العالمين لا يناسب شيئا، ومعلوم
أيضا ان لا ايجاد ولا اثر بدون الارتباط، ولا ارتباط الا بالمناسبة، والمناسبة انما تنشأ من
جهة التضايف الثابت بين الاله والمألوه.
1127 - 4 إذا ثبت هذا فالأصلان للتكليف: أحدهما ايجاب ذاتي الهى منه عليه قبل
ان يظهر للغير عين، ولسانه: كتب على نفسه الرحمة (12 - الانعام) و: حقت كلمة ربك (6 -
غافر) ونحوهما. والاخر: ان التجلي الوجودي له الاطلاق التام عن القيود الامكانية،
ومن حيث انطباعه فيها أضيفت إليه الأوصاف المختلفة وتقيدت بالقيود اللازمة باستحالة
تعقله مجردا عنها، غاية الأمر الانتهاء إلى قيد واحد هو الامكان، فلا جرم اقتضت الحكمة
العادلة وحكم الحضرة الجامعة الكاملة ظهور سر المجازاة بسر المناسبة المذكورة، فظهر
التكليف الإلهي للعباد كلهم، وكل ما سواه عبد فتعينت القيود الامرية والأحكام الشرعية
في مقابلة ما عرض للوجود من التقيدات العينية الامكانية التي بحسب ما يقتضيه
الموطن والزمان والنشأة والأحوال، وبذلك التعين الامكاني لغيب الذات يظهر سر ارتباط
الحق بالانسان وبالعكس.
1128 - 4 واحكام التكليف تتفاوت بالقلة والكثرة وبالدوام وعدمه بحسب القيود
المضافة إلى الوجود، فمن كانت مرآة عينه الثابتة أقرب إلى الاعتدال، متناسبة الصفات
والاحكام، وعلامته ان لا يظهر في المظهر حكم مخالف لما يقتضيه الامر في نفسه لذاته،
كان أقل المجالي تكليفا وأتمها استحقاقا للمغفرة الكبرى التي لا يعرفها أكثر المحققين
وأسرعها انسلاخا عن الاحكام التقييدية ما عدا قيد الامكان، كنبينا محمد صلى الله عليه
وآله ثم الكمل من ورثته، لذا قيل: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر (2 - الفتح)
وأبيح له ولمن شاء الله ما حجر عن الغير.

596
1129 - 4 وصاحب هذه المرأة يقابل كل شئ بالطهارة الصرفة ليظهر كل من شاء
بما هو عليه في نفسه، وشأنه ان يحفظ على كل شئ صورته الذاتية الأصلية على ما كانت في
ذات الحق أزلا، وذلك ما دام محاذيا له، فان انحرف عن كمال مسامته لاقتضاء حكم
حقيقته الانحراف، فلا يلومن الا نفسه.
1130 - 4 واما حكم من نزل عن هذه الدرجة فبحسب قربه وبعده من هذا المقام وزنا
بوزن لا يتخرم ولا يختل، فان ذلك من سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلا (23 - الفتح) تم
كلامه.
1131 - 4 وثانيهما انه السنة وعبارات تخبر عن أحوال الحق عندهم ومعهم وعن النسب
والإضافات الناشئة في البين من حيث إنهم بحقائقهم المتبوعة وأحوالهم التابعة من مظاهر
شؤونه ومجالي أسمائه، وهو سبحانه مرآة لأحوالهم، بحيث لولا ذاته سبحانه لكانوا عدما
محضا، إذ لا ظهور الا بنور الوجود وهو متقلب في تلك الأحوال، أي ظاهر فيها شيئا فشيئا،
كما هو مؤثر في ظهورها كما قال الله تعالى: الله نور السماوات والأرض (35 - النور) وقال:
كل يوم هو في شأن (29 - الرحمن) ونحوهما، وإلى هذا القسم ينظر الآيات الدالة على الحكمة
النظرية التي هي الاعتقادات.
1132 - 4 قال الشيخ قدس سره في النفحات: وهنا موضع تنبيه وهو ان الشؤون الكلية
الإلهية التي صرحنا انها كيفيات كالأجناس لما تحتها، فيسمى من حيث رتبة جنسيتها
أسماء أول ومفاتيح الغيب وأمهات الصفات وغير ذلك من الألقاب، ويسمى الصور
الوجودية الظاهرة باحكام تلك الشؤون ملائكة وأنبياء ورسلا وأولياء وغير ذلك، ويتدرج
الامر متنازلا - تنازل الأنواع والأجناس النسبية - حتى ينتهى الامر إلى الاشخاص وأحوال
الاشخاص. تم كلامه.
1133 - 4 قال الفرغاني: ولما كان الكتاب القرآني المحمدي أجمع الكتب لمعاني جميعها،

597
لكونه ترجمة معاني حقيقة الحقائق الإلهية والكونية وترجمة أحوالها واحكام تفاصيلها في
تنزلها، أولا لتحقيق الكمال الأسمائي وثانيا لاستجلاء كمالها الذاتي من حيث مظهر جامع
اجمالي ومن حيث المظاهر التفصيلية التابعة لذلك الجامع الذي هو الصورة المحمدية،
ومتضمنا ترجمة أحوال ذلك المظهر المحمدي وترجمة أحواله واخلاقه وبيان طرق ظهوره
بوصف الكمال وترجمة أحوال متابعيه واخلاقهم وطرق وصول كل منهم إلى كماله
المختص به، ومتضمنا أيضا بيان وضع شريعته كاملة جامعة حافظة اعتدال جميع ما ذكرنا
من المظاهر والحقائق ووحدة التجلي الأول وأسمائه في تنزله. لا جرم كان هذا الكتاب
والشريعة مغنيين بحكم جمعيتهما التامة وبيانهما الوافي عن وضع كتاب آخر أو شرع
بالنسبة إلى مظهر كل اسم كلي من الأسماء الكلية المتبوعة، فإنه بموجب: ما فرطنا في
الكتاب من شئ (38 - الانعام) مشتمل على كل أمر كلي أو جزئي يقع في الوجود من
الأزل إلى الأبد، لكونه متعينا من التجلي الأول الجامع جميع احكام الأزلية والأبدية،
فيفهم ويستنبط من عباراته واشاراته ودلالاته ومفهوماته كل امام ومرشد منور عقله
وقلبه أو روحه أو سره بنور الايمان والشرع ونور الهداية الخاصة أو نور الشهود،
دقائق علوم الشريعة وعلوم الطريقة وعلوم الحقيقة، ويهدى بذلك من يكون تابعا
خصوصا ولكله عموما. تم كلامه.
1134 - 4 هذا كله مقصود الكلام الإلهي الرباني، اما مقصود كلام الخلق بعضهم
مع بعض فهو ترجمة ما خفى من أحوال بعضهم عن البعض وذلك ظاهر، واما مقصود كلام
الخلق مع الحق في توجهاتهم ومناجاتهم وأدعيتهم فهو ترجمة ما تعين من حكم الحق فيهم،

598
لكن بحسبهم كما ورد في الدعاء المأثور: أنت الغنى ونحن الفقراء إليك، وأمثاله، وكذا ترجمة
ما تعين من الحق من شأنه الذاتي الذي يطلب به الاستكمال ويقصد به ظهور الكمال
المستجن في حقائق الأحوال، البارزة بصورها راجعة إلى الأصل الكلى الجامع بعد الظهور بما
انطوى واشتمل عليه كل شئ من شأن ربه ومن أحوال ذاته في نفسه ومن الأحوال المودعة
فيه المتعدى حكمها إلى الغير وبسبب ذلك الغير.
1135 - 4 قال قدس سره في النفحات: فكل شأن اشتمل على شؤون شتى تابعة له في
الظهور الوجودي والحكم والمرتبة، فان المتبوعة يسمى تارة باعتبار تعينها في علم الحق
فحسب أزلا وابدا حقائق واعيانا ونحو ذلك، وباعتبار ظهور مطلق الحق في حقيقة ما
متبوعة منها يسمى تلك الحقيقة باعتبار تلبسها بالوجود عرشا وكرسيا وشمسا وقمرا
وحيوانا ونباتا ومعدنا، ثم يتنازل فيقال: هذا الشخص وهذا الفرس وهذا التفاح وهذا
الياقوت وهلم جرا، يختلف الأسماء باختلاف الأجناس والأنواع ثم الاشخاص، هذا شأن
المتبوعة.
1136 - 4 واما الكيفيات الجزئية التابعة فيسمى صفات وأحوالا للمتبوعة وينحصر
أمهات الحقائق المتبوعة التي هي أصول الشؤون في اعداد مخصوصة، كانحصار الأجناس
والأنواع المعروفة عند الجمهور، فأجناس تلك الشؤون وأنواعها الملائكة والجن والسماوات
وكواكبها والعناصر ومولداتها والأنبياء والرسول والخلفاء والكمل ورجال العدد من الأولياء
الذين نسبتهم من الصور الوجودية نسبة الأعضاء الرئيسة ونسبة المفاصل إلى الصورة
الانسانية الظاهرة، وللأجناس مراتب مختلفة لكل مرتبة أهل وأحوال والسنة وتراجم
واحكام، والأنبياء بعدد قسم واحد من هذه الأجناس وكذلك الرسل وبقية الأولياء، وعدد
الكتب والصحف المنزلة على عدد قسم اخر من أقسام الأجناس.
1137 - 4 فصور المفاتيح الأول التي هي صور الأصول آدم وشيث وإدريس ونوح
عليهم السلام ويجمع هؤلاء الخضر عليه السلام.

599
1138 - 4 واما صور حقائق الأصول فإبراهيم وموسى وداود وعيسى عليهم السلام
والجامع للكل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وعليهم، وينقسم الأمم وأحوالهم ودرجاتهم
وشرائعهم بحسب ما ذكرنا، وهكذا سائر الأنبياء.
1139 - 4 وأخبرت بالديار المصرية في مشهد غيبي كمالي امامى بخطاب صريح الهى حال
شهود حقيقة الخلافة بأمور: من جملتها انه ظهر إلى الان من الغيب نحو الفى خليفة، وكذلك
عدد صفوف أهل المحشر وانحصارهم في مائة وعشرين صفا، الثمانون منها لهذه الأمة والأربعون
لباقي الأمم، فهو عدد يختص بقسم من الأقسام التي أشرنا إليها، ولولا أن شرح كل قسم وذكر
صورة المطابقة يحتاج إلى زيادة بسط لذكرنا وأيضا يخرجنا عن بيان المقصود، وانما هذا تنبيه
ليعلم ان خطاب الحق لكل رسول بكل كتاب هو ترجمة عن حال الرسول مع الحق من حيث
ارتباطه بأمته ومن حيث ما يشاركه فيه الأمة، ويظهر من بين هذين صورة حالة الخصوصي
من حيث ما يمتاز به عن الأمة وبحسب ما يمتاز به عن الحق، ومن حيث ما يتحد به مع ربه
فلا يمتاز عنه ومن حيث ما يضاهى الحق ويشاركه - وهذا هو القسم الخصوصي المذكور -
1140 - 4 فكل كتاب مخصوص فمحتده اسم من الأسماء الربانية، ولسان ذلك الاسم
يترجم عن شأن كلي من شؤون الحق وعن الحق، لكن من حيث تعينه بذلك الشأن وبحسبه،
فالأسماء للأحوال والاحكام يتبع الأحوال والأحوال يتعين بحسب استعدادات الحقائق
المتبوعة والاستعدادات لا يتبع شيئا ولا يتوقف على شئ ولا يعلل بشئ سواها، لكن
الوجودية الجزئية تابعة للكلية السابقة على الوجود العيني.
1141 - 4 واما اللغات فهي ملابس المعاني التي اشتملت عليها، كل كيفية كلية وعلة
اختلافها اختلاف الكيفيات التي تتعين بالاستعدادات المختلفة في المراتب المختلفة، وسبب
فهم أهلها هو حكم القدر المشترك في البين القابل بالاستعدادات المختلفة تلك الكيفيات
المختلفة كما بينا. تم كلامه.

600
(5)
واما
خاتمة الكتاب الجامعة لمقاصد الباب
ففي بيان خواص الانسان الكامل لأنه مع آخريته الشهودية أول الأوائل في التوجه
الإلهي الشامل
1 - 5 فاعلم أن كثيرا مما يختص به من مراتبه واطواره وأحواله وكيفية رجوعه إلى
مرجعه ومآله قد سلف تفاريقه في تضاعيف الكتاب، ويستدعى توضيح المذكور في هذا
الباب نقل المذكر لعدة مما سبق تحقيقه عن محقق الأصحاب الشيخ السعيد الفرغاني:
2 - 5 الأول: ان أول متعين من غيب الهوية الوحدة الحقيقية الذاتية التي نسبة الأحدية
المسقطة للاعتبارات ونسبة الواحدية المثبتة لجميعها إليها على السواء.
3 - 5 الثاني: ان هذه النسبة السوائية هي عين التعين الأول والبرزخية الأولى التي هي
الحقيقة الأحدية وحقيقة الحقائق القابلة لتجلى الواحد الاحد على نفسه الذي له أحدية

601
الجمعية بين النسبتين وهو عين النور الأحمدي الذي قال فيه: أول ما خلق الله نوري - ان أراد
بخلق معنى قدر - كما في: ان الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره، وهذا التجلي
أصل الأسماء الإلهية المضاف إليها الربوبية بجميع معانيها ومنشأها ومنتهاها لقوله: وان إلى
ربك المنتهى (42 - النجم)
4 - 5 الثالث: ان هذا التجلي يتضمن كمالا ذاتيا محققا عند حقيقة السوائية بلا شرط
شئ، وكمالا اسمائيا متعلقا ظهوره عند غلبة اثر الواحدية بتحقق البرزخية الثانية التي هي
صورة البرزخية الأولى وظلها القابلة للتجلي الثاني الذي هو صورة التجلي الأول وظله.
5 - 5 الرابع: ان الكمال الذاتي مقتضاه الأول كمال جلاء الذات، أي ظهوره لنفسه
بجميع اعتبارات الواحدية مندرجة في عين الواحدية على ما يظهر صورها مفصلة في
المراتب إلى الأبد، فكان الذات الأقدس بهذا الشهود في مجلي البرزخية الأولى غنية عن
العالمين بشهوده إياهم - شهود مفصل في مجمل - ومقتضاه الثاني كمال استجلاء الذات،
وهو ظهوره لنفسه بأحدية جمع جميع اعتبارات وأحديته برجوع الكل إليه على نحو ما
كان عند كمال الجلاء المذكور، لكن من حيث الكمال الإنساني المضاهى لعين البرزخية الأولى
بحكم عدالته واحدية جمعيته.
6 - 5 فمظهره الحقيقي الصوري: عين المزاج الأعدل العنصري المحمدي، والمعنوي: قلبه
التقى النقي الذي وسع الحق من حيث تجليه الأول وحقيقته التي هي عين البرزخية الأولى -
وهى الحقيقة الأحمدية - ولتحقيق حكم الوترية المحبوبة يكون صورة وارث ذوق ولايته -
لا حقيقة نبوته صلى الله عليه وآله الذي هو الخاتم أيضا - عين ذلك المظهر.
7 - 5 واما الكمال الأسمائي فيقتضى أيضا كمال الجلاء والاستجلاء. اما كمال الجلاء
فقسمان:
8 - 5 أحدهما ظهور التجلي الثاني الغالب عليه حكم الواحدية الذي مجلاه عين البرزخية
الثانية المشتملة على أصول الصفات السبع المعينة من التجلي الأول للأئمة السبعة

602
الأسمائية التي تعين سبع حقائق انسانية ظاهرا في كل منها اثر خفى من هذه الصفات
والأسماء، مع اشتمال كل على الكل حقيقة لقوة انتسابه إلى حكم البرزخية الأولى، ثم
انتشت منها سبع حقائق انسانية أخرى وظهرت في تفصيل البرزخية الثانية التي هي
الحضرة العمائية، وحكم هذه السبعة الثواني على عكس حكم السبعة الأولى كما سيظهر، ثم
تفرعت منها في الحضرة العمائية وفي طرفيها اللذين هما حضرة الوجوب والامكان، حقائق
أسماء الهية للتأثير وحقائق كونية للقبول، وفي عينها حقائق الانسانية منتشئة بعضها عن
بعض أجناسا وانواعا واشخاصا، وكلها صور معنوية ظاهرة بالنسبة إلى الحق من كونها
نسبة لا بالنسبة إلى أنفسها من كونها خلقا.
9 - 5 ثانيهما ظهور صور اعتبارات الواحدية بصور آثار الأسماء الإلهية والقوابل
الكونية، ويسمى الهيئات الاجتماعية المتحصلة منها خلقا، والمظاهر الكلية الروحانية أو
المثالية أو الحسية الفلكية أو الكوكبية للأسماء الكلية و الجزئيات للجزئية كما مر، فاقتضى
الحكمة الإلهية تأثير الأسماء والصفات الكلية بواسطة مظاهرها الفلكية والكوكبية من جهة
التشكلات والاتصالات، وأن يكون السلطنة في كل مدة لفلك وكوكب هو بمنزلة نفسه
المدبرة لصورته إلى أن انتهى حكم الجلاء والاستجلاء بتركيب المولدات وأنواعها
واشخاصها.
10 - 5 ثم ابتدأ لكل من مظاهر الأئمة السبعة الأسمائية والصفاتية - وهى الأفلاك
والكواكب - دورة سلطنة أخرى لتحقيق كمال الاستجلاء الذي هو شهود التجلي الثاني
المشتمل على جميع أسمائه بالفعل من حيث القلب المضاف إلى المظهر والصورة الانسانية
قلبا وصورة مضاهين معنى وصورة للبرزخية الثانية للجمع التفصيلي، ثم ظهور التجلي
الثاني لنفسه من حيث ذلك المظهر وقلبه، اما به وبسمعه وبصره فيه فشهود مفصل في

603
مجمل واما به وبسمعه وبصره فيما خرج عنه فشهود مجمل في مفصل، وذلك ليتحقق به
رجوع كل اسم من الأئمة السبعة بعد تحققه بكماله الاختصاصي وتفصيله إلى أصله المقتضى
اجماله وجمعيته ليكون جامعا بين الكمالين الاختصاصي والجمعي، و يعود التجلي الثاني بهذه
الكمالات إلى أصله الذي هو التجلي الأول.
11 - 5 الخامس: لما كان أخص خواص الصورة الانسانية القول والنطق الظاهري
والباطني حيث لا يوجد في سائر الصور، كان مبدأ سلطنة ادوار مظاهر الأسماء - لتحقيق
كمال الاستجلاء - مظهر القول، فاقتضى التجلي الثاني من حيث الاسم القائل بحكم المحبة
الأصلية وتحريكها للمفاتيح بحكم السراية فيها بعد تحققها بكمالاتها الاختصاصية تخمير
طينة ادم عليه السلام، لأن هذه المظاهر كلها اجزاء اليد المضاف إليها تسويته، ثم نفخ فيه
بلا واسطة من روحه الأعظم، أو كان اثر الاسم القائل فيه أقوى، لذلك اختص بأنباء
الأسماء للملائكة وكان موقفه برزخية السماء الدنيا بمجاورة الكوكب المختص بمظهرية
القائل، وكان فيها بيت العزة التي هو محل نزول القرآن جملة وغير ذلك، وكان صورة
آدم الجامعة بين جميع الكمالات أصلا ومنشئا لجميع الصور الانسانية التخطيطية، كما كان
معنى محمد صلى الله عليه وآله وحقيقته التي هي حقيقة الحقائق منشئا واصلا لجميع الحقائق
والأرواح الانسانية وغير الانسانية.
12 - 5 السادس: انه تعين بعدد الحقائق السبعة الأصول من جهة اجمالها مظاهر انسانية
قابلة لاجتلاء التجلي الثاني بجمعيته، مع اثر خفى من الاختصاص بوصف منها، وظهر
حكم ذلك الأثر الخفى في اذواقه المتعلقة بطرف ولايته وانباءاته المتعلقة بطرف نبوته،
ويسمى كل منها خليفة وكاملا واولى عزم، من شأنه الصبر والثبات في حاق الوسطية بين
الحق والخلق ليأخذ المدد من الحق بحقيته الظاهر الحكم ويعطى الخلق بخلقيته، فلا يميل
إلى طرف، ولا بد لكل خليفة كامل من ميزان كلي من طرف الحق لحفظ كلمة الوحدة
والعدالة على طرف خلقيته في نفسه وفي من يأخذ المدد الوجودي الوحداني بواسطته،

604
لان لا تعتوره الاحكام الامكانية والآثار النفسانية والشيطانية، فيسمى ذلك الميزان
شريعة.
13 - 5 فإن كان قانونا كليا مشتملا على جميع ما اشتمل عليه حقيقة هذا الكامل
ژو وجوده من الأذواق والأخلاق الموصلة إلى جناب الجليل الجميل من حيث اجمال حقيقته
في صورته وتفصيلها بصور من تحت حيطته حقيقة ووجودا، فذلك الميزان هو الكتاب
العزيز المنزل عليه.
14 - 5 وإن كان الميزان جزئيا بالنسبة فهو شرع مضاف إلى كل نبي ورسول أصله
ذلك الميزان القولي الكلى، لان ما عدا الكاملين من الأنبياء والرسل فحقائقهم ووجودهم
متفرعة من حقائق الكاملين ووجودهم، فنسبة الكاملين إليهم حقيقة ووجودا كنسبة
الأجناس إلى الأنواع، كما أن نسبة الكاملين إلى حقيقة الحقائق التي هي البرزخية الأولى وإلى
التجلي الأول الذي هو باطن الوجود والنور الأحمدي نسبة الأنواع والأجناس إلى الجنس
العالي، ففي كل مدة سلطنة دورة من ادوار هذه المظاهر الكوكبية ظهر خليفة من الكمل،
ولا بد ان يظهر في مدة سلطنة دورة كل خليفة واولى عزم سبع مظاهر لهذه الحقائق السبعة
الأصول من حيث غلبة حكمها الاختصاصي على مثال الابدال السبعة في هذه الأمة المحمدية،
لكن كل من السبعة الكاملين لكونه مظهرا لحكم كلي مشتمل حكم كل أمر من السبع
على الجميع مع اثر خفى اختصاصي من أحدها، كان أولي عزم كاملا وخليفة للحق بلا
واسطة وتجلياته ذاتية، وكل من السبعة التابعين لكونه مظهر أحد الأصول السبعة من حيث
ظهور حكم تميزه واختصاصه كان خليفة بواسطته وتجلياته أسمائية وصفاتية لا ذاتية، فكان
لكل خليفة كامل سبع خلفاء غير كاملين، وهكذا الحكم في الأقطاب المحمديين (1).



(1) - الا ان ههنا نكتة وهى ان كل من كان مظهرا للتجلي الثاني من حيث ظهور حكم تميزه واختصاصه
الثابت في الحضرة العمائية كان خليفة بواسطة ذلك الكامل الذي هو تبع له وتجلياته صفاتية وأسمائية لا ذاتية،
فكان لكل خليفة كامل سبع خلفاء غير كاملين، وهذا الحكم في الأقطاب المحمديين، فإذا كل كامل -
605
15 - 5 السابع: انه لما تم كمال الجلاء والاستجلاء التفصيليين المختصين بالتجلي الثاني
وانتهت سلطنة ادوار مظاهره برجوعها إليه ورجوعه بتلك الكمالات إلى أصله الذي هو
التجلي الأول، انبعث منه بحكم الانصياع بتلك الكمالات حقيقة المحبة الأصلية إلى كمال
استجلاء هذا التجلي الأول، وتوجهت المفاتيح بحكم ذلك الانصياع إلى تحقيق هذا الكمال
وتوجهت الأصول والفروع المذكورة بكمالاتها الاختصاصية والاشتمالية بتبعيتها واجتمعت
متوجهة، فعادت سلطنة الأدوار الجزئية لأدوار السماوات السبع إلى سلطنة الدورة العرشية
المحددية الكلية الوحدانية بحكم اقتضائها للمظهر الحقيقي الأكملي لحقيقة البرزخية الأولى.
16 - 5 فاستدار الزمان كهيئة يوم خلق السماوات والأرض، ولان دورتها وحدانية
اعتدالية كان مقتضاها أمرا وحدانيا اعتداليا هو العنصر الأعظم المجمل المرتوق الذي كان
مادة السماوات والأرض، لكن لاختلاف احكامها - لتفاوت قابليتها - ظهر التفاوت
بالكبائس ونحوها في مقدار الزمان، وعند انتهاء ادوارها وعود سلطنة الأدوار إلى أصل
الزمان الذي هو الدور العرشي بطلت الكبائس والنسئ وعاد حكم الزمان إلى الوحدة
والاعتدال، فلا جرم حان زمان استجلاء التجلي الأول الجامع بين الأحدية والواحدية بتعين
مزاج عنصري إنساني وحداني يكون مظهرا صوريا للبرزخية الأولى، وبتعين قلب تقى
نقى من عين ذلك المزاج يكون مظهرا معنويا لها.
17 - 5 فتسارعت المفاتيح بسراية الحب الأصلي فيها من حيث مظاهرها السبعة
وفروعها بعد تحققها بكمالاتها الاختصاصية الروحانية والمثالية، فتوجهت إلى تعيين المزاج
الأعدل المحمدي المذكور فيه، فتعين وجوده من حضرة التجلي الأول متنازلا مارا على
جميع المراتب وآثارها المعتدلة الكاملة بلا توقف ولا تعويق.
18 - 5 فظهر ذلك التجلي بصورة غذاء معتدل صورة وحكما، وتناوله عبد الله وآمنة



- خليفة ولا ينعكس، واما كل من الكاملين لكونه مظهر الحكم كل مشتمل على الجميع مع اثر خفى
اختصاصي من أحدها كان أولي عزم وخليفة للحق بلا واسطة و تجلياته ذاتية وأسمائه وصفاته لا ذاتية، فكان
لكل خليفة كامل سبع خلفاء غير كاملين، وهذا الحكم في الأقطاب المحمديين (الحاشية - ط)
606
بأحسن وجه في أسعد وقت واستحال إلى النطفة في اعدل زمان وظهر اثر المحبة الأصلية فيهما
بصورة الشهوة في أكمل حال، وصح الاجتماع واستقر النطفة الميمونة في الرحم في أيمن
ساعة واسعد طالع بحكم اقتضاء الدورة العرشية الوحدانية وسلطنتها وسراية حكمها في
جميع الأدوار، وقام كل واحد من الأسماء من حيث مظاهرها الروحانية والمثالية والفلكية
والكوكبية من حيث كمالاتها برعاية ذلك المزاج الأكمل وتربيته في أطواره، وبعد تمام
تسوية تعلق الروح الأعظم الأوحد الأقدم الذي هو القلم الاعلى من حيث نسبة ظهوره
بصورة التفصيل في اللوح وبالتدبير والتربية بوصفه الكلى الجملي، بهذا المزاج الأعدل المسوى
في أكمل وقت واعدل ساعة.
19 - 5 ثم ظهر في أيمن الساعات في عالم الحس وأضاء بنوره العالم عند ظهوره شرقا
وغربا - كما أخبرت امه آمنة - ثم تصدى لتربيته من المهد إلى أو ان البلوغ ذلك التجلي
الأول ومفاتيح الغيب بسرايتها في الأسماء ومظاهرها إلى أن حملته حرارة مطلوبيته على
التجلي في غار حراء وأمرته إنارة محبوبيته بان يتحقق بسر اسراء: سبحان الذي اسرى
(1 - الاسراء) حتى انتهى من الكمال والأكملية إلى ما انتهى الذي ما فوقها رتبة ولا غاية،
والحمد لله على تلك العناية. تم كلامه.
520 - 5 إذا عرفت هذه المقدمات على الكمال فلنتعرض لما يقتضيه الحال. اعلم: ان الواجب
تحصيله من العلوم الحقيقية الإلهية والانسانية على من اتصف بأشياء وجمع حاله لها:
521 - 5 الأول: ان يكون مستعمل البصيرة حق استعمالها لطلب الكمال الإنساني في
الطور الإلهي، وهو كما سيجئ كمال الولي العارف الذي له الجمع المتضمن للتمحض
والتشكيك، وسرت ذاته وحكم مرتبته وشهوده في جميع المراتب والأسماء والمواطن
والنشآت والأحوال، وكان مع الحق حيثما كان، ككينونة ربه معه دون حيث ولا مع،
وهو اخر درجات الكمال. أو يستعملها لطلب الكمال الإلهي في الطور الإنساني، وهو كمال

607
شهود الوجود الواحد ورؤية الأشياء بالله من مرتبة فبي يسمع وبي يبصر، وهو أول
درجات الولاية والكمال.
22 - 5 الثاني: ان يكون متشوقا إلى تحصيل ذلك الكمال، أي متهيئا لقبوله.
23 - 5 الثالث: ان يكون راقيا مترقيا في درج تحقيق ذلك الكمال، سواء كانت ترقيه
ذلك بتعمل وتطلب لمعرفة حقائق الأسماء الإلهية والقوابل الامكانية بالنظر أو السلوك أولا
بتعمل، بل بفيض الهى ولطف الهامي أو ذوق كشفي بجذبة ربانية.
24 - 5 هو ان يعرف حقيقة نفسه ليعرف ربه فيعرف ما حقيقة الانسان التي هي
الغيب المطلق لصورته الحقية - أعني كيفية تعينه في علم الله -؟
25 - 5 ومم وجد، أي من أي حضرة من حضرات الوجود والتجلي الرباني تعين وظهر؟
26 - 5 وفيم وجد، أي في أي مرتبة من المراتب الجامعة الإلهية والخاصة به الكونية التي
هي المحال المعنوية وجد هذا المجموع؟
27 - 5 وكيف وجد، يحتمل معنيين: السؤال عن كيفية وجوده من حيث هو صادر
عن الحق، والحق موجد له، وعن كيفيته من حيث هو موجود عليها.؟
28 - 5 ومن أوجده وخلقه؟
29 - 5 ولم وجد، أي فائدة وحكمة تحصل من وجوده؟
30 - 5 وما غايته، أي منتهاه الرتبي الكلى أو منتهى علمه وعمله من حيث التفصيل؟
31 - 5 وهل رجوعه إلى عين ما صدر عنه أو مثله مرتبة أو وجودا - ان صحت المثلية -؟
32 - 5 وما المراد منه مطلقا بالإرادة الكلية الذاتية من حيث انسانيته المطلقة ومن
حيث استعداده الخاص؟
33 - 5 وما المراد الخاص منه في كل وقت؟
34 - 5 وهل أستعين بالانسان في المرادات المذكورة كلها أو بعضها من حيث عينه
ومرتبته أو استعان هو من حيثهما؟

608
35 - 5 وهل الاستقلال حاصل لاحد الطرفين الإلهي والإنساني من حيث الوجود أو
التعين أو الارتباط، أو الاستقلال ممتنع مطلقا لكل من الطرفين أو ممتنع في بعض الأمور
الثلاثة المذكورة دون بعض، وأي شئ من العالم هو في الانسان معنى يقوم بنفسه وفيما خرج
عنه صورة قائمة بنفسها أو بالعكس، أي شئ هو في الخارج عنه معنى وفيه صورة؟
36 - 5 وفي كم ينحصر أجناس العالم علوا وسفلا بعد معرفتها، وهل هي المقولات
العشر التي يقول بها أهل النظر أم لا؟
37 - 5 وكيف يؤثر أجناس العالم بعضها في بعض؟
38 - 5 وكيف اثر كل الأجناس في الانسان حال كون الانسان مؤثرا فيها بالحال
والمرتبة؟
39 - 5 وكيف اثر الانسان بعد ذلك في أجناس العالم بالذات والفعل الإرادي والحالي؟
وكيف يعرف تقابل نسختي الانسان والعالم بالذوق وما أولية المراتب في العالم صورة
ومعنى - أو قل وجودا ورتبة وروحا وجسما - وما أولية المرتبة بالايجاد في الانسان وفي
العالم - وكذلك الاخرية فيهما - وما الفرق بين الحقائق المؤثرة والمتأثرة من حيث الأثر؟
40 - 5 ثم نقول: وإذا علم الطالب ان الانسان مجموع حقائق العالم التفصيلية - أعلاه
وأسفله - بناء على أن الانسان صورة جمعية قرآنية والعالم صورته التفصيلية الفرقانية، وهو
الحقيقة الجمعية المحمدية - أعني الكمالية الانسانية - يعرف تقابل النسختين بالذوق الأول
المذكور، لان مجموع الأشياء عينها لولا اعتبار الأمر الزائد الذي هو الاجتماع وهو نسبة
عدمية، ويعرف مرتبة الأجناس في العالم والأنواع الكلية، لان أجناس العالم أجناس حقيقية
حينئذ وأنواعه أنواعها لذلك.
41 - 5 قال الجندي في شرح الفصوص: ان الأجناس العالية في العالم: الجوهر والنامي
والحساس والناطق والانسان كما مر.

609
42 - 5 وإذا عرف أو شهد ما قدر له، وذلك بان يطلع على الحضرة العلمية العمائية
المتضمنة كل حقيقة تشم رائحة الوجود بآثارها ولوازمها، عرف مضاهاة حقيقته للحقيقة
الجامعة التي ظهر بها وفيها ومنها هذه الحقائق كلها وصورها، إذ الحقيقة الجامعة باعتبار
الاسم الجامع المتعين بها والأسماء التفصيلية المندرجة تحته سبب الظهور، وباعتبار
الكيفيات القابلية التي فيها محل الظهور، وباعتبار ان الظهور صفتها وابتدأ منها مبدأ
الظهور، فان ما قبلها غيب مطلق نسبة البطون والظهور إليه سواسية، لأنهما يتصور ان
بالنسبة ولا نسبة ثمة. وعرف صورة الارتباط الكلى الأصلي بين الجميع وبين كيفية
الارتباط الذي يقتضيه حقيقته جمعا وتفصيلا. وعرف أولية المراتب صورة انه للعرش ثم
الكرسي ثم المركبات إلى آخر المولدات، ومعنى انه للمرتبة الانسانية ثم لأجناسها العالية
متنازلة، وايجادا انه للقلم ثم اللوح ثم الهباء ثم الجسم الكل ثم العرش إلى آخره وآخريتها
كذلك.
43 - 5 ثم يعلم تقابل النسختين بالذوق الثاني الأتم الذي هو معرفة الأشياء بالله ومن
كونها عين الحق، اما باعتبار أحديتها الوجودية في حضرتي الألوهية بطونا والكونية ظهورا،
وهو نظر العارف، واما باعتبار ان كثرتها - وان اعتبرت - فهي نسب أسمائية فلا موجود
فيها الا الحق، والتعدد في أسمائه، وهو نظر المحقق المعتلى على العارف.
44 - 5 فإذا شهد بأحد هذين الوجهين ان الأشياء أسماء الله تعالى وهى في الحقيقة عين
الحق، شهد ان نفسه والمسمى غيرا وهو العالم نفس الحق - لبقاء ما يبقى وفناء ما يفنى -
فشهد ان الظاهر بكلا الظهورين التفصيلي والاجمالي الاحدى هو الحقيقة الجامعة المحمدية،
وهذا هو سر المماثلة والمضاهاة ومقابلة النسختين، ويعلم اسرار اخر سيتضح عند شرح
الأجوبة - إن شاء الله تعالى -
45 - 5 ثم نقول: فمتى حصل للانسان المستبصر المتشوق المذكور ذلك الاطلاع على
حقيقته وعلمه بذوق صحيح وكشف صريح، لا يشوبه امكان شبهة كما في الحاصل بالنظر،

610
وتحقق قدر ما اقتضاه استعداده من الكمال الذي أهل له بان يسر هو لتحصيله بحكم: وكل
ميسر لما خلق له، سواء كان تحصيله بوجه كلي أو بوجه تفصيلي لكن موقت، لان التفصيل
المؤبد مستحيل في الممكن، وهذا كماله العلمي - ولو كان نسبيا - ومن كماله العلمي ان
يغلب عليه حضوره في أحواله كلها أو أكثرها، سيما أوائلها وأواخرها على الوجه الذي سلف
ذكره في سر الحضور، وهو استجلاء المعلوم وما انصبغ به العلم من الاحكام والأوصاف،
ومع ذلك صار مراعيا للخواطر الأول، ولكل أول في اخر واخر في أول مستلحقا لكل منهما
بالآخر وضابطا لما بينهما، عارفا باحكام الخواطر انها ربانية أو ملكية أو نفسانية أو شيطانية
لميزان صحيح، عاملا بمقتضى كل منهما من الاقبال والاعراض، موفيا كل ذي حق حقه،
موصلا بالميزان الإلهي القرآني ظاهرا وشريعة، والايماني والاحساني باطنا وحقيقة وكشفا،
كان انسانا كاملا بصيرا بنفسه، ومن عرف نفسه فقد عرف ربه.
46 - 5 وهذه مرتبة الكمال المشتملة على مراتب الاسلام والايمان والاحسان، فان ازداد
معرفة تفصيلية واستيعابا للأسماء الإلهية كلها والصفات، وتحقق بالجميع فعلا وانفعالا أي
تأثيرا بجهة وجوبه وتأثرا بجهة امكانه، وصار ذلك التحقق ملكة بحيث لا يحجبه نشأة
ولا موطن من ذلك التحقق ولا يحجر عليه مرتبة ولا يقيده حال ولا مقام ولا غيرهما، صار
حينئذ مرتقيا في درجات الأكملية، كالمنصب على الظرف بعد امتلائه، وهذه مرتبة
الأكملية المشتملة على قوة استتباع الأسماء الجزئية ومظاهرها.
47 - 5 فإذا انتهى الامر به إلى التمكن من تكميل من شاء من عباد الله، وذلك إذا اتحدت
ارادته بالإرادة الأولى الأصلية التي عليها مدار حال الصورة الكلية الوجودية الظاهرة
ومعناها القائم بها، بحيث لا يقع في الوجود الا ما يريد عقله، وان كره بعض ذلك طبعا أو
شرعا، وذلك لما يقتضيه مقام معرفته التفصيلية وحقائق الأسماء الذاتية وفروع فروع
الأسماء الإلهية والربوبية الفاعلة والكونية القابلة على استعداداتها المتفاوتة، كان السيد
الأفضل والامام الأعظم الأكمل، الحائز بمرتبة الخلافة والاستخلاف والجمع بينهما والجمع

611
بين صفتي التمحض والتشكيك كما سيجئ. والواصلون إلى هذه المرتبة المكينة، أي الثابتة،
لما صارت ملكة راسخة هم المنتفعون بانسانيتهم، ونشأتهم الانتفاء التام المحمود، واما
من سواهم فبحسب قرب نسبتهم من هؤلاء وبعدهم. جعلنا الله ممن أنعم عليهم بالكمال
الإلهي والإنساني معنى، كما أنهم صورة، وحققنا وسائر الاخوان بهذا الحال السنى والمقام
العلى. آمين.
48 - 5 فالحاصل ان لكمال الانسان ثلاث مراتب كلية:
49 - 5 الأولى للأصل الكمال وهى بالاطلاع على حقائق الأشياء على ما هي عليه في
علم الحق سبحانه، وذلك بشهودها وكشفها اما في اللوح مع ارتباط البعض بالبعض، أو في
الحضرة العلمية العمائية بطرفيها ووسطها، ثم مراقبتها والحضور معها والعمل بموجب
الخواطر المرتبة عليه بميزان شرعي وشهودي.
50 - 5 الثانية للأكملية وهى باستيعاب المعرفة التفصيلية بجميع الأسماء الإلهية وملكة
التحقق بها فعلا وانفعالا بحيث لا يمنعه عن ذلك مانع.
51 - 5 الثالثة للتمكن من التكميل لكل من شاء، وذلك باتحاد ارادته بالإرادة الأولى
الأصلية التي عليها مدار حال الصور الوجودية كلها ومعانيها القائمة بها.
52 - 5 فالمرتبة الأولى الكمالية هي التي أشار إليها وإلى سرها في التفسير بالتجلي الجمعي
بين التجلي الأسمائي باقسامها الثلاثة التي هي بحسب الاسم الظاهر أو الاسم الباطن أو الاسم
الجامع بينهما وبين التجلي الذاتي باقسامه الثلاثة التي هي قرب الفرائض والجمع بين القربين
والفناء عنهما، وذلك فيما قسم قدس سره التجلي الاحدى المتعدد ظهوره وتعيناته وترتباته
بحسب مراتب القوابل واستعداداتها قسمة بحسب حال السالك فقال: إن كان الغالب عليه
حكم التفرقة - أعني عدم خلو الباطن عن شوائب التعلقات - فالتجلي يتلبس فيه بحكم
الصفة الغالبة الحاكمة على القلب وينصبغ بحكم الكثرة المستولية عليه، ثم يسرى إلى

612
سائر صفاته النفسانية وقواه البدنية وفيما يصدر عنه حتى في اوراده وعباداته التابعة لنيته
وحضوره، كانصباع النور العديم اللون بألوان ما يشرق عليه من الزجاج.
53 - 5 فإذا انتهى أمر الحق إلى الغاية التي حدها، انسلخ عن التجلي حكم تلك الصفات
وعاد عودا معنويا إلى حضرة الغيب، وإن كان المتجلى له في حال الجمع الاحدى - أي
الخلو المذكور - فان أول ما يشرق نور التجلي على قلبه التام التخلي عن صدء الأكوان
بتوحد احكام الأحديات الكلية الثلاث: أحدية عينه الثابتة، واحدية التجلي الذي به ظهر
عينه له، واحدية الصفة الغالبة عند التجلي الثاني لدى الفتح - بل المنتج له -
54 - 5 فإذا حصل التوحد المذكور اندرجت تلك الأحكام المتعددة المنسوبة إلى
الأحديات في الأصل الجامع لها، فانصبغ المحل بحكم التجلي الجمعي، ثم أشرق ذلك النور على
الصفات والقوى وسرى حكمه في سائر الصفات والقوى، فأوجب اخفاء الكثرة دون
زوالها بالكلية، فلا يخلو اما ان يتعين التجلي بحسب الاسم الظاهر والاسم الباطن أو الاسم
الجامع بينهما:
55 - 5 فالأول أفاد رؤية الحق في كل شئ رؤية حال، وظهر التوحيد في حسه وخياله
ولم يزهد في شئ من الموجودات.
56 - 5 والثاني أفاد معرفة أحدية الوجود نفيه عما سوى الحق وظهر التوحيد في مرتبة
عقله، وزهد في الموجودات الظاهرة.
57 - 5 الثالث المستشرف من حيث مرتبة الوسطى الجامعة على طرف الغيب
والشهادة أفاد الفوز بالجمع بين الحسنيين.
58 - 5 ثم قال: وهذه التجليات تجليات الأسماء، فان تطهر قلب المتجلى له عن العلائق
بالكلية حتى عن التوجه إلى الحق باعتقاد خاص أو الالتجاء إليه باسم مخصوص، فان التجلي

613
حينئذ يظهر بحسب أحدية الجمع الذاتي ويشرق شمس الذات على مرآة حقيقة القلب من
حيث أحدية جمع القلب أيضا، وهى الصفة التي بها صح للقلب الإنساني مقام المضاهاة، وان
يتسع لانطباع التجلي الذاتي الذي ضاق عنه العالم الاعلى والأسفل، ثم يبحر (1) ساحة
القلب وشرع جداوله بحسب نسب الأسماء علوا في مراتب قواه الطبيعية ويحرق حينئذ
أشعة شمس الذات المسماة بالسبحات متعلقات مدارك البصر ويقوم القيامة المختصة به فيقول
لسان الاسم (الحق): لمن الملك اليوم لله الواحد القهار - غافر) وحينئذ يظهر قرب
الفرائض المقابل لقرب النوافل، فيبقى العبد مستورا خلف حجاب غيب ربه، فينشد لسان
حاله حقيقة لا مجازا:
تسترت عن دهري بظل جناحه * * فعيني ترى دهري وليس يراني
فلو تسأل الأيام ما اسمى ما درت وأين مكاني مادرين مكان
59 - 5 فإذا انتهى السالك إلى هذا المقام المستور ورأى بعين ربه ربه وتحقق بعكس
ذلك أيضا، أضيف العلم إليه من حيث ربه لا من حيث هو - وكذا سائر الصفات - ثم يعلم
على هذا الوجه نفسه التي هي أقرب الأشياء الكونية إليه - ولكن بعد التحقيق بمعرفة الرب -
ثم يعلم ما شاء الحق ان يعلمه به من الأسماء والحقائق المجردة الكلية بصفة وحدانية جامعة
الهية، ثم يدرك احكامها وخواصها واعراضها ولوازمها.



(1) - يتبحر - ن - ع - استبحر، أي: ينبسط ويتسع. بحر، أي: شق.
614
60 - 5 ثم قال قدس سره: وسر ذلك ان الانسان برزخ بين الحضرة الإلهية والكونية
ونسخة جامعة لهما، ولما اشتملتا عليه فليس شئ من الأشياء الا وهو مرسم في مرتبته التي
هي عبارة عن جمعيته، والمتعين بما اشتملت عليه نسخة وجوده في كل وقت وحال ونشأة و
موطن انما هو ما يستدعيه حكم المناسبة التي بينه وبنى هذه الأشياء، كما هو سنة الحق من
حيث تعلقه بالعالم وتعلق العالم به، فما لم يتخلص الانسان من رتبة قيود الاحكام الكونية
يكون ادراكه مقيدا بحسب الصفة الجزئية الحاكمة عليه فلا يدرك الا ما يقابلها، وإذا تحرر
من احكام القيود والمجاذبات الانحرافية الاطرافية الجزئية وانتهى إلى هذا المقام الجمعي
الوسطى الذي هو نقطة المسامتة الكلية ومركز الدائرة الكبرى الجامعة لمراتب الاعتدالات
كلها: المعنوية والروحانية والمثالية والحسية، قام للحضرتين في مقام محاذاته المعنوية البرزخية
فواجههما بذاته، كحال النقطة مع كل جزء من اجزاء المحيط، وقابل كل حقيقة من الحقائق
الإلهية والكونية بما فيه منها، من كونه نسخة من جملتها، فأدرك فرد من افراد نسخة وجوده
ما يقابلها من الحقائق في الحضرتين، فحصل له العلم بحقائق الأشياء وأصولها ومباديها،
لأدركه لها في مقام تجريدها، ثم يدركها من حيث جملتها وجمعيتها بجملته وجمعيته، فلم
يختلف عليه أمر ولم ينتقض عليه حال ولا حكم، ولولا القيود الآتي ذكرها لاستمر حكم
هذا الشهود، ولكن الجمعية الكمالية تمنع من ذلك، لأنها تقتضى الاستيعاب المستلزم
للظهور بكل وصف والتلبس بكل حال وحكم.

615
61 - 5 ومن نتائج هذا الكشف الكامل معرفة صاحبه غاية ما أدرك كل مفكر بفكره
ومعرفة سبب تخطئة الناظرين بعضهم بعضا، ومن أي وجه أصابوا وأخطأوا، ومعرفة
مراتب الذائقين والمقلدة ومن له الحكم عليهم والمقامات التي أوجب تعشقهم وتقيدهم،
ومعرفة من له أهلية الترقي ومن ليس له، فيفهم اعذار الخلائق أجمعين وهم له منكرون
وبمكانته جاهلون. فهذا يا اخوانى حال المتمكنين من أهل الله في كشفهم التام ولا تظنوها
الغاية التامة، فما من طامة الا وفوقها طامة.
62 - 5 هذا كلامه قدس سره. وانما قلنا إنه بيان لحال أهل المرتبة الأولى الكمالية لا لمرتبة
الأكملية ولا لمرتبة التكميل لما قال الشيخ قدس سره في تفسير الصراط المستقيم: ان أول
مقام الولاية والكمال مرتبة كنت سمعه وبصره، وبينها وبين الكمال المختص لصاحب أحدية
الجمع مرتبة النبوة ثم الرسالة ثم الخلافة المقيدتين بالنسبة إلى أمة خاصة، ثم الخلافة العامة
ثم الكمال المتضمن للاستخلاف والتوكيل من الخليفة الكامل لربه، وكل من تحقق
بالكمال علا على جميع المقامات والأحوال، ثم هذه مراتب الكمال فما ظنك بدرجات
الأكملية التي هي وراء الكمال؟ تم كلامه.
63 - 5 واللائح من هذا ان مراتب الولاية مطلق الكمال ومنتهاها مرتبة الكمال
المختص بصاحب أحدية الجمع، ومراتب الأكملية بعدها ومن جملتها مرتبة التكميل،
فالمناسب لذلك ان يحمل ما ذكر من درجات التجلي الذاتي إلى اخره على منتهى درجات
الكمال والغاية التامة التي بعده على درجات الأكملية والتكميل كما قال قدس سره:
وما بعد استخلاف الحق والاستهلاك فيه عينا والبقاء حكما مع الجمع بين صفتي التمحض
والتشكيك مرمى لرام.
64 - 5 ثم نقول: هذا الذي ذكرنا انه الواجب تحصيله على الطالب المذكور سر فتح به

616
على الشيخ قدس سره سنة ثلاثين وست مائة أو إحدى وثلاثين - كما ذكره مقفلا ومجملا -
وكل ما سبق ذكره كالمقدمات لفتح هذا المقفل وتفصيل هذا المجمل من حيث إن الانسان
هو العلة الغائية المقصودة من الكون، وفتحه عبارة عن تحصيل علومه التي يتضمنها، و
تفصيله استجلاء الانسان وكشفه وشهوده لهذا الامر في ذاته على التعيين دون مزج بغيره
وشبهة، والله هو المسؤول ان يمن بتيسير كل عسير.
65 - 5 فنقول: الشرح لهذا الوارد بلسان الوقت والحال والمرتبة لا بلسان حقيقة كما
ورد، إذ لا يسعه نطاق العبارة وفضاء الإشارة.
السؤال الأول
ما حقيقة الانسان؟
66 - 5 جوابه: انها كحقيقة كل موجود عبارة عن نسبة متميزة وكيفية متعينة في علم
الحق سبحانه من حيث إن علمه عين ذاته، لا من حيث امتيازه النسبي عنها، وهذا يوافق
ما يقوله أهل النظر: ان حقيقة كل شئ ما به يتحقق ذلك الشئ، لان مرادهم ما بتحققه
يتحقق ذلك المعين، فهو التعين العلمي الذي يتبعه الإرادة التي يتبعها من وجه القدرة
والقول التكويني، ومعنى التعين العلمي تعين يحكيه العلم، لا ان العلم يحصله، وكما أن
تحققها سبب تحقق التعين في العقل، فتحققها عين تحققه في الخارج، والا فالحقيقة في
نفسها لا تحقق لها، بل هي عين العالم في الوجود، غير أن تعريفهم لا يتناول الحقائق
الممتنعة بل والممكنة المعدومة أيضا، الا ان يراد ما بتحققه يتحقق - لو تحقق - ولان
أهل النظر لما قالوا بان الحقائق غير مجعولة تعين انها التعين العلمي، إذ لا تعين قبل جميع
المجعولات الا هو.
67 - 5 وانما قلنا: من حيث إن علمه عين ذاته، لأنا نعرف الحقيقة من حيث هي،
وهى المسماة بالمطلقة، ولا امتياز بين المطلقات الكاملة كما مر، فهي عين الذات المطلقة.

617
68 - 5 فالحاصل: ان الحقيقة تعين أزلي في باطن الحق سبحانه وتشخص معنوي كلي،
ولا شك ان لكل مطلق كلي ارتباطا ذاتيا بكل مقيد من مراتبه الجزئية الإضافية والأعيان
الجزئية الحقيقية، وكونه ذاتيا اما لان ذاته أحدية جمع جميعها، كما بين في حال التعين الأول
وإن كان نسبيا عارضيا من حيث إنه متبوع وتابع، واما لان الارتباط بالقيود مقتضى ذات
المطلق لكن لا من حيث هو، بل باعتبار نسبه وإضافاته، وقد مر ان الشروط الخارجية لا تنافى
ذاتية الاقتضاء، كاقتضاء العنصر الحركة إلى مركزه بشرط خروجه عنه، فاشتمل ارتباطه
على الذاتية من وجه والنسبة العارضية من وجه، لا سيما من حيث الإحاطة الاطلاقية،
كالإحاطة المطلقة المختصة بالعلم المطلق للمعلومات وبالوجود الشامل المحقق لجميع
الموجودات، المحققة من حيث إنه وجود، أي مشتمل على وجدان الشئ نفسه ومن حيث إنها
داخلة تحت كمال الدائرة الانسانية ومرتبته، فان كل مرتبة وحقيقة فهو بعض مشمولات
مرتبته وحقيقته الجامعة، فالحيثيتان اعتباران للوجود العام وما يحويه من الحقائق.
69 - 5 ثم نقول: ذلك الارتباط الذاتي والنسبي من وجهين على نوعين: لأنه اما ان يقع في
حيز الاسم الباطن وفي المراتب الأول الأصلية الكلية التي هي أمهات الحضرات الأسمائية
كالاسم المدبر الذي مظهره القلم الاعلى وأم الكتاب التي هي النفس الرحماني ونحوهما من
حضرة الوجوب أو حضرة الامكان - أعني عماء الربوبية وعماء العبودية وغيرهما من
الحضرات الخمس الكلية - وحينئذ كان ذلك الارتباط مسمى ومنعوتا ومعبرا عنه
بالمناسبات والائتلافات المعنوية والروحانية ويكون أيضا مسمى بالشئون الذاتية. اما
المناسبات والائتلافات فلاشتراك توابع تلك المرتبة الأصلية في اشتمال المرتبة عليها
واندراجها في المرتبة. واما ذاتية - الشؤون - فلانها التعينات الأصلية السابقة في الاعتبار
المتوسطة بين الحق وما يسمى بالأغيار.
70 - 5 واما ان يقع في حيز الاسم الظاهر وفي المراتب الجزئية الحقيقية والأعيان
الخارجية، لتضاعف حكم الجمع والتركيب تضاعفا يوجب بحكم نسبة التفصيل التي

618
يسمى الحق من حيثها بالمفصل، وحينئذ سميت الارتباطات إن كانت متبوعة بالمناسبات
الصورية الجسمانية الطبيعية، وإن كانت تابعة سميت أحوالا باعتبار تحول الذات فيها،
وصفات باعتبار قيامها، واعراضا باعتبار عروضها الغير الدائم، ولوازم باعتبار
عروضها الدائم ونحو ذلك، فإلى هذين الاسمين - أعني الظاهر والمفصل - يستند صور عالم
الشهادة والحس، كاستناد ما خفى من العالم المعنوي والعقلي والمثالي والحسى إلى الاسم الباطن
والمدبر، وهذه الأسماء الأربعة من أمهات حجبة حضرة الجمع، أي من أصول التعينات
النسبية الكلية يندرج جميع النسب تحتها، وكل تعين حجاب على ما تعين به.
71 - 5 فان قلت: إذا كانت كل حقيقة مطلقة اسمية في مرتبة كمال اطلاقها عين
الحضرة الجامعة، كان ظهورها عين ظهور الحقيقة الجامعة، فمن أين يختلف احكام المظاهر
وصورها؟
72 - 5 قلنا: لان الحكم في كل مرتبة لأول ما يظهر حكمه من النسب في المراتب، وهو
الحقيقة الاسمية التي صدر أول ميل الظهور عنها، فاستتبعت الباقية بقوة الحقيقة الجامعة على
ما مر، وان لم يخل كل عن كل، لكن تعين ذلك الميل الأول، - والله أعلم - لخصوصية قابلية
الجمعية المركبة في كل مرتبة لما قال قدس سره في التفسير: والأثر يحصل من المراتب
باعتبارين: حكم الجمع الإلهي الاحدى الساري واعتبار الأغلبية التابعة للأولية، إذ
الغلبة بسبب الإحاطة ويظهر بالأولية والخاتمة عين السابقة. فللموجودات التي هي حروف
النفس الرحماني بحسب المراتب الخمس الكلية من حيث الحكم التركيبي والسر الجمعي الذي
ينصبغ به ويسرى اثره تداخل ومزج، والغلبة والظهور في كل حال تركيبي انما يكون
لاحدها، اما من حيث المرتبة فللحكم الجمعي واما من حيث الظهور الوجودي فللأولية
والإحاطة. تم كلامه.
73 - 5 ثم الحكم في الاخر لا غلب ما يستقر حكمه من الأسماء وهو ليس الأعين ما ثبت
له حكم الأولية أولا في أي مرتبة كان، لما مر ان الخاتمة عين السابقة، وفيما بين المبدأ والغاية

619
يكتسب ما هو الأول صفة الأغلبية على ما هو المشارك له في الظهور من الأسماء، وذلك
الاكتساب من حيث تأثير بعض الحقائق وتأثر بعضها فيما بين الطرفين مثلا، كظهور
الحرارة في الماء من تأثير النار المجاورة وفي بدن المبرود من ملازمة تناول الأغذية والأدوية
الحارة.
74 - 5 فمن هذا يعرف كثير من سر الارتباط بين الحق والعالم باعتبار البطون لبعض
الحقائق والأسماء والظهور لبعضها، والنقص والكمال كذلك، ويعرف أيضا سر قوله تعالى:
لمن الملك اليوم لله الواحد القهار (16 - غافر) فان نسبة الابطان والاظهار كالليل والنهار
بقوة أحدهما يضعف الاخر في الاحكام والآثار، فعند سلطنة البطون مطلقا لا يبقى الدار
الظاهرة على حالها ولا الديار، أو نقول: وعند العلم باستناد العالمين إلى الحجبة الأربعة لحضرة
الجمع التي هي حضرة الألوهية تعرف ان لا حكم الا لله الواحد القهار.
السؤال الثاني
مم وجد الانسان أي من أي حضرة من حضرات الوجود والتجلي الرباني تعين
وجوده؟
75 - 5 جوابه: انه من الشطر الوجودي المتميز بالتعين الجامع للتعينات التي ستشم
رائحة الوجود، وذلك الشطر هو المفرز من الغيب المطلق الإلهي الذي لا تعين فيه أصلا،
والمحل الكلى لوجوده هو دائر الحضرة العمائية التي هي محل نفوذ الاقتدار والعرصة
الجامعة للمكنات، وذلك الوجود في تلك الدائرة بحكم أحدية جمع الجمع، وهو اطلاق الوجود
الاحدى الشامل، فان كماله الذاتي الاطلاقي لاستتباعه التجلي الذاتي المنبعث عنه التجلي
الكمالي الأسمائي، ظهر حكمه في كل شئ حكما واردا بحسب سابق تعينه الجملي بالأسماء
الذاتية التي لا يعلمها الا الكمل في الحضرة الذاتية الجامعة المذكورة - لا في الحضرة المرتبية -
فان المراتب محال تفصيل الاحكام وتعيينها والحكم في الوجود والظهور ليس لها.

620
76 - 5 وتوضيحه بما مر نقله من التفسير مرة: ان سر أحدية الجمع من حيث نسبة
الإرادة - وهو السر الحبى - له السلطنة في أمر الظهور، فلم يخل من حكم قهري هو من
لوازم المحبة والغيرة التابعة للأحدية، فتعلق الحكم الاحدى القهري بالكثرة من حيث ما
ينافيها عزا وأنفة من مجاورة الكثرة لها - لكن بعد ظهور تعيناتها - فاقتضى الامر تميز مقام
الوحدة عن الكثرة التي دونها في المرتبة، لان تأثير الشئ في نفسه من حيث وحدته وبساطته
غير ممكن.
77 - 5 ولما لم تكن في الغيب الإلهي تعدد وجودي، كان هذا التعدد معنويا من حيث
النسب، فسرى الحكم الاحدى في النسبة العلمية بالشروع في تحصيل المقصود الذي هو
اظهار عينه، فانقسم الغيب الإلهي شطرين وانفصلت في أحد الشطرين نسبة الوحدة التي
يستند إليها الكثرة من حيث احكامها المتعددة، فتعينت مرتبة الاسم الظاهر بالانفصال من
حضرة الغيب، فتعين التعين لنفسه وللمتعين به قبل ان يظهر التعدد للمعدود. وبقى الشطر
الاخر في مقام عزه الاحمى وكماله المنزه عن القيود ما عدا التعلق الاجمالي المشار إليه، وتسميته
شطرا ليس لتعينه في نفسه بل لما تعين منه شطر صار دليلا عليه.
78 - 5 ثم إنه لا بد من حافظ يحفظ الحد الفاصل بين الشطرين ويمنع المنفصل من
الاتحاد بأصله ليبقى الاسم الظاهر واحكامه على الدوام، فان الأشياء تحن إلى أصولها، فكانت
الأحدية نعت ذلك الحد المشار إليه، فهو معقول غيبي لا يظهر أصلا، ثم الحافظ لهذا الحد هو
الحق لكن من حيث باطن الاسم الظاهر والنسبة الجامعة بين الظاهر والباطن، وتلك الحقيقة
الحافظة - أي التي يحفظ الحق الحد من حيثها - مرتبة الانسان الكامل الذي هو برزخ بين
الغيب والشهادة ومرآة يظهر فيها حقيقة العبودية والسيادة، واسم المرتبة بلسان الشرع
العماء ونعتها الأحدية، والصفات المتعينة فيها بمجموعها الأسماء الذاتية، والصورة المعقولة

621
الحاصلة من مجموع تلك الأسماء المتقابلة واحكامها من حيث بطونها، هي صورة الإلهية.
تم كلامه.
السؤال الثالث
فيم وجد الانسان أي في أي مرتبة من المراتب الكلية الإلهية الشاملة لافرادها ومن
المراتب المختصة بكل كل؟
79 - 5 جوابه: انه من جهة الحق بالوجه الكلى وجد في دائرة الحضرة العمائية المشروحة
مرارا وأنفا، واما من جهة خصوصية كل موجود ففي مرتبة الخاصة المنسوبة إلى العماء
المحيط بنسبها بجميع المراتب الكونية والإلهية الأسمائية، والايجاد المذكور كالايجاد
مطلقا يحصل من الحق من حيثية الاسم الظاهر والنور والخالق وأخواتهم من الأسماء الكلية،
لكن بحسب الشأن الذاتي الإلهي تعينت في ذلك الشأن صورة معلومية ما قصد الحق
ايجاده انسانا كان أو غيره، وذلك الشأن هو الاسم الذي يستند إليه من وجد بحكم تعينه، يعنى
ان تعين الشأن بحسب تعين صورته المعلومة - أعني حقيقة ما قصد الحق ايجاده - ثم تعينه
الوجودي واحكامه بحسب تعين ذلك الشأن الذي هو الاسم.
80 - 5 فان قلت: فالمتماثلات المتحدة في صورة المعلومية التي هي الحقيقة المشتركة،
كيف يختلف احكامها وصورها ومدبر الكل الاسم المتعين بتلك الحقيقة؟ فيكون الأسماء
أيضا متماثلة؟
81 - 5 قلت: بين كل اسم واسم فروق شتى - وان توهم المثلية - وذلك لان الشيئين
يمتنع اتحادهما من كل وجه، ولا اختلاف الا باختلاف بعض الحقائق التي تعين المجموع
منها، فبذلك تعين لكل مجموع اسم برأسه وامتنع التكرار في التجلي - لما مر انه عبث
وتحصيل للحاصل -

622
السؤال الرابع
كيف وجد الانسان؟ يحتمل السؤال عن كيفية وجوده من حيث هو صادر عن الحق
سبحانه والحق موجد له وعن كيفيته الحاصلة بحسب مراتب سيره واطواره الاستيداعية
والاستقرارية؟
82 - 5 جوابه: ان كيفية الوجود من حيث نفس الايجاد لا تنجلى ولا تنكشف، لأنه
مقام حيرة الكمل، واما كيفية الحاصلة بتعلق الايجاد بحسب الأطوار المذكورة فيستجلى،
لكن لا كما هو في علم الحق سبحانه البتة، بل استجلاء متفاوتا كمالا ونقصانا بحسب نسبة
الناظر في المرتبة والمتأمل فيها، أي مناسبة معها الحاصلة حال النظر فيها وشهود ما فيها
وبحسب حظه الحاصل من تلك المرتبة ومقتضى حكمها فيه، أي بحسب علمه الحاصل
بالفعل بالمرتبة وما فيها علما نظريا أو شهوديا وبحسب تأثير المرتبة فيه.
83 - 5 فهيهنا امران: الأول ان كيفية وجود الانسان من حيث إن الحق موجد له
وكأنها هي المرادة بمفتاحية المفاتيح الأول التي لا يعلمها الا الله - كما ذكر قدس سره في
التفسير -: لا يستجلى ولا يعلم تعينها نظريا أو شهوديا، وذلك لأنه محل حيرة أكابر أهل الله
الكمل - فضلا عن غيرهم - فان للكمل أيضا حيرة في العلم بالله وبايجاده بدرجات بعضها
أو غل من بعض - وإن كانت حيرتهم محمودة -
84 - 5 وتوضيح ذلك بالاستنباط عما ذكره الشيخ قدس سره في تفسير ولا الضالين
- بعد ما ذكر ان الضلالة هي الحيرة -: ان نقول: الحيرة في الله اما مذمومة أو محمودة،
فالمذمومة حيرة العامة أو المتوسطين، والمحمودة حيرة يتمناها الأكابر ويترقون فيها أبد الآباد.
85 - 5 اما حيرة العامة في الله - ففي المطلب وطلبه وسرها -: ان الانسان فقير وطالب
بالذات كل نفس، ومطلوبه الكمال المتعين بحسب همته ومناسبته الباعثة على الطلب، فما لم
يتعين له غاية يتوخاها أو اعتقاد يعتقد به بقى حائرا، إذ لا غنى لنشأته المقيدة عن أمر يربط

623
به نفسه واعتقاد يعول عليه، وكذا في اشغاله وحرفه، فإذا جذبته المناسبة المرتبية رؤية أو
سماعا انجذب إلى ما يناسبه، فاختلاف البواعث هو السبب في انتشار الملل والنحل على
ما عينه الحق بالرسل والأنبياء وكل مقتدى محق.
86 - 5 فهذه الحيرة شامل الحكم، وأول مزيل لها ترجيح المطلب ثم معرفة طريقه
الموصل ثم السبب المحصل ثم المعين في التحصيل ثم معرفة العوائق وكيفية ازالتها، ثم إذا
تعينت وزال عنه هذه الحيرة وشرع في الطلب لا يخلو حاله عن أمرين: اما ان يحيط به
المطلب المتعين بحيث لا يبقى فضلة يطلب بها المزيد، كما هو حال أهل النحل غالبا، أو مع
ركونه يفحص أحيانا عما هو أكثر جدوى مما حصله.
87 - 5 فان وجد ما أقلقه انتقل إلى دائرة المقام الثاني، والكلام فيه كالأول من حيث إنه
لا يخلو حاله عن الامرين لا سيما إذا رأى تحزب المتوسطين احزابا وكل منهم يرى أنه
المصيب لا غيره، وانه يرى الاحتمال في كل متطرقا والنقوض واردة، فلا يزال حائرا حتى
يغلب عليه حكم مقام فيطمئن إليه أو يفتق له الحجاب فيصير من أهل الكشف، وحاله في
أول الكشف كحاله فيما تقدم من احتمال الاطمئنان بما حصل أو بقاء علة الطلب، لا سيما إذا
نظر إلى قوله تعالى: وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا... الآية (51 - الشورى) فيتنبه ان
كل ما اتصل بالحجاب والواسطة فلها فيه حكم فلا يبقى على طهارته أصلية، ويتطرق إليه
الاحتمال ولا سيما إذا عرف سر الوقت والموطن والمقام والحال والوصف الغالب وغيرها،
وخصوصا إذا تأمل قوله تعالى: قل ما كنت بدعا من الرسل... الآية (9 - الأحقاف) انه
عليه السلام لم يجزم لعلمه بان الله يمحو ما يشاء ويثبت، وان حكم حضرة الذات التي لا يعلم
ما يقتضيه ولا ما الذي يتعين من كنه غيبها فيبديه، فيقضى على اخباراته تعالى ولا سيما إذا
عرف سر الوقت الواصلة بواسطة مظاهر رسالاته والحاملة اصباع احكام حضرات
أسمائه وصفاته.

624
88 - 5 واما حيرة المتوسطين: فمن انه قدس سره بعد ما ذكر سره ومع كشفه يرى من
فوقه فيقول: لما لم يقتض حال الا على الطمأنينة لذاته ولذا يرد بعضهم على بعض كحال
موسى وخضر عليهما السلام وكل يحتج بالله وبما علم الله، والحق صدوق ولكل منه
سبحانه قسط لكن: فوق كل ذي علم عليم (76 - يوسف) وما من طامة الا وفوقها طامة،
فحالي مع أن الحاصل لي فضلات تلك العطايا الأقدسية التي للكمل أحق بعدم الطمأنينة،
وسببه: ان تعينات التجليات الأسمائية تابعة للخلق تبعية الخلق في الحكم والحال لها (1)،
ولما كان كل اسم عين المسمى من وجه دون وجه غلب على المحجوبين من أهل العقائد حكم
وجه المغايرة وعلى أهل الأذواق المقيدة حكم وجه الاتحاد، والأكابر لهم الجمع والإحاطة
بالتجلي الذاتي وحكم حضرة أحدية الجمع، فلا يتقيدون بمعتقد لكن يقررون كل اعتقاد
ويعرفون وجه الصواب والخطاء النسبي في كل، لان حكم علمهم وشهودهم يسرى في كل
حال ومقام، ولهم أصل التجلي الذاتي المشترك بين الأنام.
89 - 5 واما سر حيرة الكمل فمن وجوه: الأول انهم يشاهدون الكمال الإلهي وان جميع
الصفات الظاهر الحسن والخفى حسنها كلها له وإليه مرجعها وانها من حيث هي له
حسنة كلها، ثم إن الحيرة من جملة صفاته، لذا قال عليه وآله السلام - حكاية عنه تعالى -:
ما ترددت في شئ انا فاعله ترددي في قبض نسمة عبدي... الحديث، ولذا نسب إليه
سبحانه الاضلال ويسمى به، ومبناه على أمور:
90 - 5 الأول ان الهداية والضلالة وأمثالهما من الصفات المتقابلة أمور نسبية، فكل فرقة
ضالة بالنسبة إلى المخالفة لهم.
91 - 5 الثاني ان ترتب حكم الناس انما هو بسبب ظنونهم - والظن لا يغنى من الحق
شيئا - وسيما في الله، لان نسبة كماله المطلق إلى ما تعين عنده نسبة غير المتناهى إلى المتناهى.
92 - 5 الثالث ان القدر الذي عرف من سره لم يعلم على ما هو عليه، بل بحسب استعداده



(1) - أي التجليات الأسمائية - ش
625
وحاله ومرتبته، وحيث لا استعداد يفي بالعرض فلا علم ولا هداية، وقصارى الامر ان
يكون الحق سمعنا وبصرنا وعقلنا، فان كينونته بحسبنا لا بحسبه، والا فيرى العبد كل
مبصر ويسمع كل مسموع سمعه الحق وابصره ويعقل كل ما عقله الحق وعلى نحو ما
عقله ومن جملته، بل الاجل من كله عقله ذاته على ما هو عليه ورؤيته لها وسماعه كلامها
وكلام غيرها، وهذا غير واقع لمن تحقق بأعلى المراتب، فما الظن بمن دونه؟ فاذن لكل نصيب
من الحيرة في الله، ودليله الآيات والأحاديث الدالة مما لا يعلمه الا الله.
93 - 5 الثاني ان الانسان فقير وطالب بالذات ومتوجه إلى ربه من حيث يدرى ومن
حيث لا يدرى، فالمتقيد بجهة اعتقادية أو شهودية مستشعر بعنايته ويكون له الرأي
عند الفتح، فيضعف هذه الحيرة أو يزول. واما الذي ليس في العالم من كونه عالما رغبة ولا في
حضرة الحق مراد معين بل تعدى مراتب الأسماء، فإنه لم يتعين في جهة معنوية أو محسوسة،
لشعوره بعدم حصر الحق في شئ ولعدم وقوف همته في غاية من الغايات التي وقف بها
المذكورون انفا - وان كانوا على حق - إذ وقفوا بالحق له وفيه، بل أدرك بالفطرة
الأصلية بدون تردد ان له مستندا في وجوده، واقبل بقلبه وقالبه بالمواجهة التامة عليه،
وجعل حضوره في توجهه إلى ربه على نحو ما يعلم سبحانه نفسه بنفسه في نفسه، لا على نحو ما
تعلم نفسه في غيره أو يعلمه غيره، فإنه يصير حاله جامعا بين السفر إلى الله وفيه ومنه، لأنه غير
مسافر لنفسه ولا بنفسه ولا في نفسه ولا بحسب علومه الموهوبة أو المكتسبة.
94 - 5 وهذه أول أحوال الحيرة التي يتمناها الأكابر ويرتقون فيها أبد الآباد - دنيا
وبرزخا وآخرة - وقد اشهدهم الحق إحاطته بهم من جميع جهاتهم الجلية والخفية، فحصلوا
من شهوده في بيداء التيه فكانت حيرتهم منه وبه وفيه.
95 - 5 الثالث ان الوجود المحض ليس مرئيا واعيان الممكنات لا يدرك الا من حيث التصور
الذهني، وانه بحسب محاكاة ذهن المتصور لا كما هو عليه في نفس الحق، فما المدرك وما المدرك؟

626
96 - 5 الرابع إن كان متعلق الادراك النسب كان المدرك مثلها، إذ الشئ لا يدرك
بغيره من حيث ما يغايره، وما ثمة الا وجود واحد تفرع منه النسب العدمية التي لا وجود لها
الا به، والوجود شرط في التعين لا مؤثر فيه - بل في الظهور فقط -
97 - 5 الخامس ان الوجود غير متعين بنفسه، بل لا بد من أمر يطهر به ويكون مراته،
فكيف يفيد التعين الخلقي؟
98 - 5 السادس وظيفة الوجود الاظهار لا غير كما مر، وذلك له من كونه نورا، والنور
يدرك به ولا يدرك، فلا يستقل بالظهور، فكيف بالاظهار؟
99 - 5 السابع الاظهار موقوف على اجتماع واقع بين النور وما يقبله ويظهر بظهوره،
اما بالاشتغال أو المحاذاة، فهو موقوف على نسبة الجمع، والجمع نسبة أو حال، فكيف
يتحصل من مجموع ما لا يقوم بنفسه ما يقوم بنفسه، وكيف ينقسم ما لا يقوم بنفسه لذاته أولا،
في ثاني حال إلى ما يقوم بنفسه ويكون مرئيا، وإلى ما يقوم بنفسه وغيره فيكون رائيا، وإلى
ما لا يقوم بنفسه؟
100 - 5 الثامن الظهور موقوف على الكثرة وجمعها، ولا كثرة - إذ ليس ثمة الا أمر
واحد متنوع - فأين الجمع؟
101 - 5 التاسع العالم ليس مظروفا للحق ولا ظرفا، لأنه كان ولا شئ معه، ولا كان
عدما محضا فصار وجودا، لأنه انقلاب الحقائق، فمن العالم ومن الحق؟ فكينونة الجميع إن كانت
من النسب فقد ظهر الموجود من المعدوم، وإن كانت عن الوجود فالوجود لا يظهر
عنه ما لا وجود له؟
102 - 5 العاشر الوجود البحت واحد صرف فلا ينتج شيئا ولا يناسب ضده فيرتبط به
ولا يظهر عنه الوجود، لأنه تحصيل الحاصل، وما لا وجود له مضاد للوجود، فكيف الامر؟
103 - 5 الحادي عشر الحاصل عن الوجود اما نفسه على ما هو عليه وهو تحصيل
الحاصل واما لا على النحو الحاصل، فموجبه إن كان نفس الوجود لزم مساوقته، اما نفسه على

627
ما هو عليه أزلا وابدا أو غيره، وغيره نسبة عدمية، فيلزم تأثير المعدوم في الموجود؟
104 - 5 ثم قال قدس سره: ولا تظنن ان هذه حيرة سببها قصور الادراك، بل يظهر
حكمها بعد كمال التحقق بالمعرفة والشهود ومعاينة سر كل موجود والاطلاع التام على
أحدية الوجود، لان من اتسع جمع فأحاط فدار وحار، وما حار بل انطلق فمار، وما جار
واستوطن غيب ربه متنوعا بشؤونه سبحانه وبحسبه بعد كمال الاستهلاك به فيه، فنعم
عقبى الدار هذا المقام للسار.
105 - 5 ثم قال قدس سره: لعل فهمك ينبو عن درك سر الحيرة وأنت معذور وانا في
ذكره محل لتصرف ربى غير مختار ولا مجبور، وها انا أتنزل من ذلك المرقى الجليل للتفهيم
بالتمثيل وهدى السبيل.
106 - 5 اعلم: انه سواء كان المرجح عندك مذهب المتكلمين أو النظار المتفلسفين،
لا شك ان المدرك من الأجسام مركب من جوهر وعرض أو هيولى وصورة، والجوهر
لا يظهر الا بالعرض والعرض لا يكون الا بالجوهر، كما أن الهيولي لا توجد الا بالصورة
والصورة لا تظهر الا بالهيولي، ومعقولية الجسم المتعين في البين عبارة عن معنى ما يمكن ان
يفرض فيه الابعاد الثلاثة.
107 - 5 ثم إن الهيولي المجردة عند أهل النظر لا تقبل القسمة عقلا، وكذلك الصورة مع أنه
بحلول الصورة في الهيولي صارتا جسما وقبلتا القسمة، فانقسم ما كان لذاته غير قابل
للقسمة، مع أنه لم يحدث الا الاجتماع وهو نسبة كسائر النسب، فافهم.
108 - 5 ثم إن الطبيعة معنى مجرد يشتمل على أربع حقائق ويناسب كلا بذاته، بل هو
عين كل واحد منها مع تضادها، ومع كون الطبيعة جامعة لها ولا يمكن ظهور شئ بمفرده
ولا بدون الوجود، فاذن اجتماعها هو المستلزم لظهورها وادراكها، والاجتماع نسبة أو حالة
لا وجود لها في عينها، فكيف الامر وصورتك ناتجة عنها وأجلها الطبيعة؟ فإذا أمعنت

628
النظر في الصورة لم تلقها شيئا زائدا عليها، ومع ذلك ليست الطبيعة عين ما ظهر ولم تزدد
بما ظهر عنها ولم تنتقص.
109 - 5 واما روحك الذي تزعم أنه مدبر لصورتك فالحديث فيه ابسط وسره أشكل
وعن كنه ربك لا تسأل، فان جعلت بالك مما نبهتك عليه رأيت العجب العجاب وعرفت
السر الذي حير أولي الألباب وهو ان الكيفية الحاصلة بالايجاد تستجلى في المراتب لكن كما
هو في علم الحق سبحانه البتة، بل استجلاء متفاوتا بحسب تفاوت علم الناظر في المرتبة بما
فيها بالفعل علما نظريا أو شهوديا وبحسب تأثير المرتبة في الناظر (1).
110 - 5 فنقول فيه: إن كان مشهد الناظر، أي مدركة في مرتبة ما من المراتب ومقام من
المقامات تنوع الحاصل فيها، فان تعدد الوجود وتكثرة بحسب تعدد المراتب والمقامات،
فالناظر منتقل في احكام نسب المرتبة ووجوهها ورقائقها، لا في ذات صاحب المرتبة
وحقيقته الحاصل فيها، وان انضاف إلى مشاهدة تنوعه، ادراكه للأحدية التي ترجع إليها
احكام تلك الكثرة النسبية، إذ لا كثرة حقيقة في الذات بحيث يرى الأحدية منبعا لاحكام
المرتبة والمقام والكيفية الحاصلة من الايجاد من حيثها، لادراكه أحدية الذات الظاهرة فيها
وانها مجلاه ومرآته وهو مرآة نسبها ووجوهها ورقائقها، والذات مع أنه مرآة الأحوال
إحدى غير متعين في ذاته حال لحوق الأحوال والاحكام، وقد مر في نص الفكوك: ان هذا
صورة علم الحق بنفسه، فذلك ادراك تام لكيفية الوجود من حيث انتسابه إلى المظاهر والمراتب.
111 - 5 ثم نقول: مراتب الاستجلاء المشار إليه - أعني استجلاء الوجود الإنساني المتعين
بحسب المراتب - مبتدئة من حضرة الجمع والوجود التي هي أول المراتب المنعوتة كما مر إلى
القلم واللوح والعرش وما بعده إلى المولدات الثلاثة إلى حين تكون النطفة ووقوعها في
الرحم، هكذا على التريب المعلوم شرعا وعقلا مما يدل عليه قوله تعالى: ثم خلقنا النطفة
علقة... الآية (14 - المؤمنون)



(1) - إلى هنا تم كلام الشيخ قدس سره في التفسير.
629
112 - 5 واعلم أن مراتب الاستجلاء أعم من مراتب الاستيداع التي ذكرها في التفسير
قائلا: ان الانسان لا يزال مباشرا في مراتب الاستيداع، من حين افراز الإرادة له من عرصة
العلم - باعتبار نسبة ظاهريته لا نسبة ثبوته - وتسليمها إياه إلى القدرة ثم تعينه في القلم
الا على ثم المقام اللوحي النفسي ثم في مرتبة الطبيعة ثم في العرش إلى اخره إلى حين استقراره
بصفة صورة الجمع - أي في الرحم - لأنها ينتهى في المولدات والرحم مرتبة الاستقرار كما
أشار إليه وسيجئ التصريح به.
113 - 5 ثم نقول: فللانسان تقلبات في صور الموجودات طورا بعد طور وانتقالات من
صورة إلى صورة، وذلك من حين قبوله لأول صورة وجودية حيث لا حيث ولا حين، أي
لامكان ولا زمان، بل حين مفارقته النسبية مرتبة تعينه بالحضرة العلمية الإلهية، إذ ليس
لغير الحق ثمة شيئية الوجود وتلك المفارقة نسبية لا حقيقية، لأنها تنقل معنوي مخرج من
الوجود العلمي بشيئية الثبوت إلى الوجود العيني وشيئية الوجود، والسير المعنوي للانسان
مفسر في تفسير الفاتحة بتلبسه بأحوال مرتبة بعد مرتبة وانصباغه باحكامها، وهذا التلبس
هو المراد بالتقلب و الانتقال المذكورين، وظهور صورة الانسان العلمية على وحدتها في
المظاهر الوجودية شيئا بعد شئ بحسب تمام القابلية في كل مظهر، بحكم الحب الأصلي
و الاقتضاء الاحدى المتعدد نسبه بحسب المظاهر وهو المسمى بالتقلب والانتقال.
114 - 5 قال قدس سره في التفسير: اعلم أن السير الذاتي الأصلي بالنسبة إلى الحقائق
الكونية والأسماء الإلهية والأرواح والاجرام وجميع التطورات الوجودية دورية، فسير
الأسماء بظهور اثارها وسير الحقائق بتنوعات ظهوراتها وسير الأرواح بلفتتها استمدادا
من الحق بلفتة وامدادا بلفتة أخرى وبالمواظبة على ما يخصها من العبادة الذاتية مع دوام
التعظيم والشوق، وسير الطبيعة باكتساب كل ما يظهر عنها صفة الجملة وحكمه. فافهم.
واما السير الخصوصي من الوسط وإليه فخطى، والخط المستقيم اقصر الخطوط فهو اقربها،
وأقرب الطرق إلى الحق المعرف بالشريعة الذي قرنت السعادة بالتوجه إليه هو الصراط

630
المستقيم الذي نبه عليه في الشريعة المحمدية. هذا كلامه.
115 - 5 ويفهم منه ان السير عبارة عن تلبس الأحوال المتعاقبة، وانه كما ينسب إلى
الوجود والتجلي الذاتي، ينسب إلى الأسماء والحقائق والأرواح والطبيعة والاجرام الكلية
المشتملة عليها، لان كل كلي لتلبسه بالرقائق واحكامها الجزئية النازلة، له السير
المعنوي، كتلبس الحقيقة الأحدية الجمعية الانسانية دروجا وعروجا، وإن كان كل
منهما عروجا في الحقيقة، فلذلك يعتبر السير تارة كما سيجئ للتجلي الوجودي النفسي الرحماني
المسمى بالامر الوجودي والامر الإلهي وبرزة التجلي، وذلك في المراتب الاستيداعية إلى
مستقرة الرحمى الذي هو أول مراتب مظاهر الجمعية، واخرى للحقيقة الجامعة العلمية
الإلهية المسماة بالسير الإلهي أحيانا، وذلك في حقائق تلك المراتب الكلية متنازلة إلى انهى
دركات الجزئية، ثم سير الامر الإلهي المذكور إذا وقع في مراتب الاستيداع يسمى معراج
التركيب وإذا وقع في العروج الانسلاخي للتركيب المعنوي الثاني الحاصل للعارفين بعد
الفتح يسمى معراج التحليل، وإذا وقع في العروج بعد هذا المعراج إلى عالم الشهادة لتكميل
غيره أو نفسه أو الامرين معا يسمى معراج العود.
116 - 5 ثم نقول: لبيان هذه الأقسام وهذه التنقلات أقسام: الأول عروج الانسان من
حضرة الغيب الإلهي الذي هو مقام حضرة أحدية الجمع الذي هو مرتبة الانسان الكامل إلى
المرتبة العمائية التي هي النفس الرحماني، ومن حضرة الامكان والمقام العلمي الذي هو
الحقيقة الجامعة الإلهية الانسانية في تحصيل الكمال الذي أهل له. قال في التفسير: وذلك
بالمشيئة والعناية التابعتين للمحبة الذاتية بالايجاب العلمي وعبرنا عنه هنا بأنه الذي اقتضته
مرتبة عينه الثابتة باستعداده الكلى، فان الأحوال المتواردة والاحكام المتعاقبة من حيث إن
بعضها مهتم بها وبعضها متساهل في حقها مبتنية عليها ومنتشئة منها، والموجودات
كلها في الحضرة العلمية لها شيئية الثبوت لا الوجود وغير متعينة لانفسها - حيث لا يعرف

631
نفسها ولا غيرها - بل متعينة عند الحق ولا مطلقا، إذ التعين الوجودي أيضا تعين عنده وليس
فيها، بل المرتبة العلمية فقط بدون الوجودية.
117 - 5 فأول تعين كل شئ يبتدأ منها حال تعلق الإرادة الإلهية وهو الاقتضاء الاحدى
لحقيقة الحقائق المعبر عن ذلك الاقتضاء بنسبة التوجه الامرى إلى ذلك الشئ للايجاد الذي هو
عبارة عن ظهور التعين العلمي بسبب تعلق القدرة صورة ظاهرة لنفسها، أي انقلاب التعين
العلمي إلى التعين العيني الصوري الذي يقتضيه المرتبة، وهو انصباع الامر الإلهي
الوجودي بالتعين العلمي الإرادي الموافق لذلك الشئ المراد وبحسبه صبغا نوريا ظهوريا.
وذلك لما مر نقله من التفسير مرارا: ان وجود كل شئ هو تعين الحق سبحانه بحسبه، فوجود
الانسان هو تعين الحق سبحانه بحسبه أولا في حضرة أحدية الجمع ثم في الحضرة العمائية ثم
في الحضرة القلمية ثم في الرتبة اللوحية، فمتنازلا بكل حضرة مكتسبا وصفها منصبغا
بحكمها، مع ما هو عليه في الأصل من صفاته الغيبية في عينه الثابتة والحاصلة من المراتب
الوجودية السابقة، هكذا منحدرا من حيث الشرف ومرتقيا من حيث الكمال إلى أن يتعين
صورة مادته في الرحم على نحو الاشتمال المذكور آنفا، ثم لا يزال دائم التنقل في الأحوال إلى أن
يتكامل نشأته ويتم استوائه.
118 - 5 الثاني عود عروج الانسان بالانسلاخ عن احكام الاصباع الوجودية للتركيب
المعنوي الثاني - لا الصوري الأول - وذلك انما يكون للعارفين في سيرهم وسفرهم إلى
الله بعد الفتح، وهو معراج أكابر أهل الله - ليس لكل أهل الفتح - ويسمى معراج التحليل،
لأنه تحليل احكام التركيب الصوري ليحصل الجمع المعنوي بين الحقائق على أحديتها،
وذلك لان الوجود الإنساني إذا سار نحو العالم العلوي الاطلاقي لا يمر من حيث مفارقته
الأرض باسطقس ولا حضرة ولا فلك الا ويترك عنده الجزء المناسب الذي اخذه حال مجيئه
الأول كما قال تعالى: ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها (58 - النساء) وهذا الترك
عبارة عن عراض روحه عن ذلك الجزء والتعشق بتدبيره وضعف حكم المناسبة التي بينه

632
وبين ذلك الشئ بغلبة حكم الارتباط الذي بينه وبين الحق من حيث ما يعرج إليه ومن
حيث يقبل، إذ ذاك بوجه قلبه عليه.
119 - 5 وذلك لما يشير إليه قوله عليه وآله السلام - حكاية عن الحق تعالى: - الصوم
لي وانا اجزئ به، فان في الكف عن المشتهيات المفطرة الاعراض عن اقتضاءات القوى
النباتية من الغاذية والنامية والمولدة والمصورة وغيرها، وكذا عن تعشقات القوى الحيوانية،
لان الاعراض عن الجزء المقوم اعراض عن كله المتقوم، ولذلك يؤثر ضعف البدن في ضعف
الادراكات الحسية - وان أوجب قوة الادراكات العقلية بقدر ضعف شواغلها وموانعها -
120 - 5 الثالث السفر من الله، وذلك إذا انتهى حكم هذا المعراج فيه وبلغ الغاية التي
قدر الوصول إليها وأهل لنيلها بحسب هذا السير، وذلك كما سيجئ بحسب رتبة أوليته
الوجودية والمرتبة المتعينة له في علم الحق التي رجحتها الإرادة حسب استدعاء الأسماء، فإذا
شاء الحق سبحانه رجوعه إلى عالم الشهادة لتكميل غيره من المتبعين له، كأمة الأنبياء وزمرة
الأولياء أو لتكميل نفسه كما جاء في حديث القيامة: ويجئ النبي ولا معه أحد، أو للامرين معا
من تكميل نفسه وغيره، عاد بعد الفتح يتركب تركبا معنويا يناسب تحليله بالعثور على
المراتب التي تركت الاجزاء عندها، واخذ تلك الأجزاء، لكن لا على النوع الذي كان
أولا من التعشقات المانعة والانصباغات باحكامها الحاجبة. نعوذ بالله من الحور بعد
الكور (1) ثم انحلال جملة التركيب انما يكون بالموت المعلوم للنشأة الأخروية.
121 - 5 ثم نقول: فالانسان الكامل نشأة لا الكامل حقيقة ينقسم إلى إحدى السير وغير
إحدى السير، لان الكامل نشأته عند كمال سن به النمو والوقوف، لان سن الوقوف يؤكده
نموه ويحكمه، وتمامها في أول يوم أو ساعة من سنة أربعين أو إحدى وأربعين من عمره، والحاصل



(1) - الحور الرجوع، يقال حار بعد ما كار، والحور النقصان بعد الزيادة لأنه رجوع من حال إلى حال، وفي
الحديث: نعوذ بالله من الحور بعد الكور، معناه من النقصان بعد الزيادة (اللسان)
633
قبل ذلك كمال نسبى لنشأة من نشأته كالسبع والعشر وحد البلوغ وخمسة عشر،
حيث جاء اعتبار كل في الشرع لأمر شرعي، ومنه يستروح معرفة سر الأربعينات في
اخلاص أربعين صباحا وميقات موسى عليه السلام وسائر الرياضات، فسيره روحاني، أي
لا جسماني ليتناول السير المعنوي والروحاني المشهور بحسب النكاحين، وذلك من كونه
مدرجا في التجلي الأول الوارد من حضرة غيب الذات وهو حضرة أحدية الجمع إلى التجلي
الثاني والنفس الرحماني إلى القلم إلى اللوح إلى الطبيعة من حيث ظهور حكمها في الأجسام،
فيصل إلى عالم المثال ثم إلى الهيولي الكل ثم إلى مرتبة الجسم الكل الذي تعين فيه العرش
المحيط، فالانسان إلى هنا مولود عن النكاحين: فعن النكاح الأول من عالم المعاني إلى عالم
الأرواح، وعن النكاح الثاني من عالم الأرواح إلى عالم المثال وعالم الأجسام البسيطة من
الجن.
122 - 5 ثم بعد العرش يندرج الانسان في الامر الإلهي والتجلي الوجودي الاحدى
المنبسط - اندراج الجزء في الكل - فيسير بسيره من العرش إلى الكرسي إلى السماوات كلها،
ثم إلى العناصر إلى أن يدخل عالم المولدات، وذلك بالنكاح الثالث.
123 - 5 اما تحقيق جزئيته للامر الإلهي الاحدى: فاما باعتبار الحقيقة، فان الحصص
الحقيقة إذا اعتبر عمومها الشمولي للكل يكون اجزائها، والحقيقة الجامعة الإلهية بالنسبة إلى
سائر الحقائق كذلك، فهو الاسم المستجمع لسائر الأسماء كلها وكل منها مشمولها، واما
باعتبار الوجود، فلان وجود كل شئ لما كان عبارة عن تعين الحق من حيثيتاه، كان كل
تعين ووجوده له سبحانه وصار الكل صورة واحدة للحق، فكل منهما بعض الكل، فكل
تعين ووجود بعض تعينه ووجوده المتعدد بتعدد النسب - وإن كان احديا في ذاته سبحانه -.
124 - 5 واما تحقيق مكثه وصحبته للامر النازل في كل سماء وعنصر فبحسب رتبة
أوليته الوجودية والمرتبة المتعينة له في علم الحق الذي منها أحدية الإرادة، ورجحته على
غيره فعينته وأظهرت بالقدرة ارتباطه بحكم ما يناسبه ويستدعيه من الأسماء، وهذا لما مر

634
مرارا من قوله في التفسير وغيره: ان الحكم في الأشياء للمراتب لا للاعيان الوجودية من
حيث وجودها، وكل ما يضاف إليها فباعتبار ظهور حكم مرتبتها، وانما يحصل الأثر من
المراتب باعتبارين: اعتبار الحكم الجمعي الاحدى الساري واعتبار الأغلبية التابعة للأولية،
إذ الغلبة بسبب الإحاطة ويظهر بسبب الأولية، والخاتمة عين السابقة.
125 - 5 ثم نقول: فإذا اتصل الامر الإلهي الوجودي الإنساني بعالم المولدات، فإن كان
من الكمل يكون إحدى السير، بمعنى عدم تعوقه عن السير إلى أن يبرز في عالم الشهادة ويترقى
حتى يبلغ إلى درجة الكمال، فكونه إحدى السير انما يعرف بمعرفة أمرين: الأول كيفية
سيره والثاني كمية عوائقه.
126 - 5 اما الأول ففي مرتبة النبات بوجوه:
127 - 5 الأول ان يسلم النبات من مفسدات صورته حتى يتم نموه، بل يظهر في صورة
أكمل نبات.
128 - 5 الثاني ان ينبت في الموضع المناسب لروحانيته في المسكن لأبويه.
129 - 5 الثالث ان يفيض الحق ويقدر ان يصل إلى الأبوين أو أحدهما فيتناوله في
الوقت المناسب لمرتبة الامر المدرج فيه وبموجب حكم الاسم الدهر في العوالم التي مر بها
حال المرور.
130 - 5 الرابع ان يتطور ذلك النبات في جسد الأبوين كيلوسا ودما ومنيا وينتقل من
النباتية إلى الحيوانية منتقلا مادة صورته من الصلب إلى الرحم، وذلك أول ظهور التعين
الجمعي وظهور حكم الاسم الجامع فيه بطريق أغلبية.
131 - 5 الخامس ان يكون انتقاله من المرتبة المعدنية إلى النباتية مشتملا على وجوه
السلامة المذكورة في هذا الانتقال من النباتية إلى الحيوانية.
132 - 5 السادس ان ينتشئ في الرحم الذي هو مبدأ الاستقرار، إذ ما قبله مراتب
الاستيداع كما قال تعالى: فمستقر ومستودع (99 - الانعام) ونقر في الأرحام (5 - الحج) على

635
الوجه المعلوم في علم الرسوم إلى أن يبرز في عالم الشهادة ويبلغ درجة الكمال.
133 - 5 واما العوائق المقدرة فكالافات المفسدة للنبات قبل التمام وكموانع التناول،
فينفصل منه ثم يعود في زمان اخر، وكاتصاله بنبات ردئ بعيد عن الاعتدال لا يتأتى لحيوان
تناوله أو يتناول فيفسد ذلك الحيوان، أو يأكله حيوان لا يأكله انسان، أو يفسد ويموت
قبل اكله، أو يموت الانسان المتناول له قبل ان يتعين فيه مادة فيتحلل أو يخرج، أو لا يتعين
الاجتماع مع الام، أو يموت الام بعد الاجتماع أو لا يقدر لها الولادة، أو يموت الوالد أو غير
ذلك من ممكنات العوائق.
134 - 5 ثم يعود ثم وثم وبمقدار ما يكثر ولوجه وخروجه ويتصادم القوى والخواص
المودعة في المراتب التي يمر عليها ويتلبس بها للفساد والتكرار يكتسب الكيفيات المعنوية
المودعة فيها، فإن كان الغالب منها حكم المحمود انتفع بها، ولكن بعد كلفة ومجاهدة، وإن كان
الأغلبية لغير المحمود والمناسب، قل علمه وتذكره لمراتب تنقلاته، وربما خفى
عليه بالكلية، وبمقدار ما يقل التكرار والكيفيات المخالفة يسرع إليه التذكر ويسهل
عليه الفتح والطريق.
135 - 5 ثم نقول في بيان ما يبتنى عليه كون الانسان إحدى السير: الأصل في ذلك
هو السير الإلهي - أعني التجلي النفسي الرحماني الساري باقتضائه الاحدى القابل - لان يتفاوت
نسبه الأسمائية بتفاوت قابليات مظاهرها، فيؤثر في تفاوت الظهورات وهو المكنى عنه
بقدم الصدق في قوله تعالى: وبشر الذين آمنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم (2 - يونس)
وبالعناية الأزلية وبرزة التجلي ونحو ذلك كما سبق في عرف التحقيق، فمتى لم ينصبغ
باحكام المراتب الأسمائية ووجوه الامكان انصباغا يوجب خفاء حكم أحدية البرزة
المذكورة، كانت الغلبة لها، كما قال تعالى: والله غالب على امره (21 - يوسف) ومتى
حجب انصياع احكام المراتب والحضرات ذلك السر الإلهي وحكمه، كان الأثر لا غلبها حكما.

636
136 - 5 فان الانسان مركب من اجزاء مختلفة وحقائق متنوعة وقوى مؤتلفة، وأفضل
ما فيه السر الإلهي، وهو تجلى الوجه الخاص الذي شأنه ان يظهر بحسب المتجلى له ومرتبته
وقت التجلي وحاله وموطنه ونحو ذلك، فلكل منها اثر في خصوصية المظهر، لان النسب
الأسمائية المؤثرة تتعين بحسبها فيؤثر في كيفية ظهوراتها، والا فالوجود الحق واحد والعلم -
إذا نسب إليه من حيث هو - عينه، وليس المتعين بالإرادة غير الوجود المطلق الذي
لا يتجزئ ولا يتبعض، وانما يظهر متعينا ومتخصصا بحكم العين الثابتة وفي مرتبتها، فمتى
لم يغلب عليه احكام العينية ولم ينصبغ باحكام المرتبة صبغا، يختفى بسببه سر أحدية الوجود
وحكمه الاطلاقي، بقى حكم الإلهي الأزلي على أصالته ولم يتجدد له غير اضافته إلى المظهر
وتعينه بحسبها.
137 - 5 فهذا هو البقاء على أصل الحال الأزلي ومظهره، له التقرب التام و العبودية
المحققة - إذا لم يظهر منه حكم يوهم تغير أو يحدث أمرا لم يكن ثابتا أزلا - فبمقدار قلة
احكام عين الممكن في الصفات والتجليات التي تلك العين مظهرها ولو بالنسبة إلى من
يدرك الامر في المتجلى، يتحقق العبودية والتقرب لتلك العين، وبعكسه يظهر ربوبيته
العرضية المستلزمة لتغير المنطبع في مراة العبد بسبب حكم المجلى في المتجلى، لا مطلقا
بل من حيث هو مدرك في ذلك المجلى مع بقائه من حيث الحقيقة على حالها الأزلي، فافهم
هذا تعرف حكم كلي من المجلى والمتجلى الحاصل بالذات وبالعرض وسر العبودية
والربوبية الذاتيتين والعرضيتين في الطرفين.
138 - 5 ومن خواص علم هذا المظهر الذي له درجة التقرب التام والعبودية المحققة
معرفته بالله في حال افتراق اجزاء جسده أمورا يثبت بها شرفه وتقربه وتمكنه من تدبير اجزائه
الجسمانية قبل اجتماعها وقبل تعين الروح بهذا المزاج وبحسبه على ما هو مذهب المحققين.
139 - 5 فان قلت: كيف يتصف بالعلم من لم يتعين بعد؟

637
140 - 5 قلنا: عدم تعينه الجزئي بهذا المزاج العنصري لا ينافي التعين الروحي الكلى
المصحح للعلم وغيره من الصفات، فان أرواح الكمل وان سميت جزئية بالاعتبار العام
المشترك، فان منها ما هو كلي الوصف والذات من حيث تعينه بنفس الروح الإلهي الأصلي
المسمى بالروح الأعظم وبالقلم الاعلى، وقد يتعين في مرتبة النفس الكلية ويصير لوحا
محفوظا مضاهيا لها، فيكون نفس تعين الروح الإلهي بمظهره القدسي تعينا له، فيشارك
الروح الإلهي في معرفة ما شاء الله ان يعرفه من علومه على مقدار سعة دائرة مرتبته التي يظهر
تحققه بها في اخر امره، ثم يتعين هو في كل مرتبة وعالم يمر عليها إلى حين اتصاله بهذه
العنصرية تعينا يقتضيه حكم الروح الأصلي الإلهي في ذلك العالم وتلك المرتبة، فيعلم
حالتئذ مما يعلمه الروح الإلهي ما شاء الله، فافهم هذا فإنه من أجل الاسرار وبه يعرف سر قوله
صلى الله عليه وآله: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين، وسر قول ذي النون - وقد سئل عن
ميثاق (الست) هل تذكره؟ فقال -: كأنه الان في اذنى، وقول السيد الاخر: ميثاق (الست)
بالأمس كان، وأشار إلى مواثيق قبله.
141 - 5 قال الشيخ قدس سره: رأيت من يستحضر قبل ميثاق (الست) ستة مواطن
أخرى ميثاقية، فذكرت ذلك لشيخنا رضي الله عنه فقال: ان قصد الكليات فمسلم، وان أراد
جملة الحضرات الميثاقية التي قبل (الست) فهي أكثر، وأشار إلى أنه مستحضر قبله مواطن
جمة.
142 - 5 فأقول: كان المفهوم من هذا ان للكامل الاحدى السير في كل مقام ومرتبة يمر
عليهما مع الحق ميثاقا يقتضيه حاله في ذلك المقام أو المرتبة، فان اعتبر ان مواطن ميثاق
(الست) هو ما فيه حكم سماء القمر - موافقا لما رأى النبي صلى الله عليه وآله ليلة المعراج
آدم في السماء الدنيا - فالمواطن الستة الكلية التي قبله اما بحسب العنصريات، فيحتمل
السماوات الستة التي فوقها، واما بحسب المراتب الكونية الدائمة، فالقلم واللوح والعرش
والكرسي وفلك البروج وفلك المنازل، واما بحسب المراتب التي فوق الأجسام المتعينة،

638
فالقلم واللوح والطبيعة والهباء والمثال والجسم الكل، والله أعلم بحقيقة الحال.
143 - 5 ثم نقول: كما أن التجلي الاحدى الإلهي والامر الوجودي الرباني الذي يصير
روحا انسانيا يسرى من حضرة غيب الذات إلى كل شخص إنساني بسريان الوجود
المطلق والحقيقة الجامعة في كل موجود إلى اقصى دركات الجزئية ويتكيف في كل مرتبة
بصبغ حكمها، كذلك الحقيقة العلمية التي هي حضرة الامكان يسرى منه إليه وينصبغ في
كل مرتبة بحسبها وبحكم الامر الأصلي المودع فيها.
144 - 5 اعلم أن الروح الإنساني كما يكتسب بواسطة تعلق البدن هيئات واخلاقا ثابتة
باقية معه بعد مفارقة البدن العنصري، وان لم يخل عن مظهر ونشأة يناسب العالم الذي ظهر فيه
عند المحققين - خلافا لمتأخري الفلاسفة - كذلك الحقيقة العلمية الأصلية المسماة في بعض
المواضع من هذا الكتاب بالسر الإلهي أيضا، وهى حضرة الامكان إذا اعتبر من حيث التعين
الإرادي والتوجه الامرى صادرا من حضرة الجمع، فإنه يتكيف في كل مرتبة بحسب مقتضاها
وينصبغ في كل فلك بحكم الامر الثابت الأصلي الموحى به حال ايجاده وبالحكم المتعين
في ذلك الوقت الخاص والحال، فيدخل هذا العالم مكتسبا بوصف كل ما مر عليه وحكمه،
مع أنه في مرتبة أوليته هيولاني الوصف لا يتعين بصفة وحكم ومرتبة، وهذا الحال من وجه
يشبه الحال الكلى الذي ينتهى إليه الانسان الكامل في منتهى امره وكماله.
145 - 5 وانما قلنا من وجه، للفرق بينه وبين السر الإلهي الاحدى بالامكان وعدمه أو
بالإحاطة وعدمها أو بدوام الإحاطة وعدمه كما مر، فمن كشف له عن سر هذا السر الإلهي
وانه في الأصل هيولاني الوصف، عرف سر الفطرة الإلهية المذكورة في قوله عليه وآله
السلام: كل مولود يولد على الفطرة... الحديث، وعرف سر تحريم بعض الأغذية وتحليل
بعضها، ان ذلك لمصلحة كون الانصياع مذموما أو محمودا غير مذموم، وان للمولدات
الثلاث خواص في بدن المغتذى ونفسه بحسب ما أودع فيه خالقه تعالى.
146 - 5 ثم نقول: وإذا انصبغ السر الإلهي سواء فسر بالامر الوجودي أو بالحضرة

639
العلمية - أي بحضرة الوجوب أو بحضرة الامكان - باحكام ما يمر عليه من المراتب ينقسم
ثلاثة أقسام:
147 - 5 الأول ما يكون نسبة الكيفيات إليه نسبة الاعراض إلى معروضها غير ثابتة
ومستحكمة، وذلك لشرف مرتبة أوليته في حضرة الحق وقوتها المعبر عنها بقدم الصدق
والعناية ونحوهما، فان تناسب بموجب تلك العناية أحوال ما يمر عليه من الحضرات
الروحانية والمقامات الفلكية بحيث يكون توجهات الأرواح والقوى السماوية إلى ذلك
السر معتدلا سالما من حكمي الافراط والتفريط، كان مظهر ذلك السر من المجذوبين
وممن لا يحوج إلى كثير من الرياضات الشاقة - كالنبي وعلى صلوات الله عليهما وآلهما
ومن شاء الله من العترة والأولياء -
148 - 5 الثاني ما يكون نسبتها نسبة الاعراض الثابتة والصفات الذاتية المستحكمة، وذلك
لغلبة الاسم الرب على ذلك الامر حين السريان - بخلاف الأول - لكن يكون لمرتبة أوليته
في حضرة الحق شرف وسلطان (1) قوى وفي الأحوال والاحكام تناسب ما، وهذا القسم إذا
ساعده العناية والتقدير صار صاحبه من الكمل، والا فمن المتوسطين - لكن بعد رياضات
متعبة -
149 - 5 الثالث ما يرسخ فيه احكام الكيفيات ويكون في أول تعين مرتبته في حضرة
الحق غير منصبغ بحكم العناية المذكورة، فلكون تلقيه وانصباغه باحكام ما يمر عليه من
الحضرات غير تام وورود احكام الأرواح والأفلاك عليه غير مناسب ووقته لا يساعد
السلوك، فيضعف سعيه في التطهير من تلك الصفات الحاجبة، فيصير من المحجوبين
والأشقياء الخارجين عن دائرة أهل العناية.
150 - 5 لكن أحد القسمين الأولين إذا بلغ أشده واستوى عاد عروجه بالانسلاخ في
معراج التحليل لاستيناف التركيب الثاني الحاصل للعارفين هنا بعد الفتح، فينتقل حينئذ



(1) - شرف باذخ وسلطان - ل - أي شرف عال.
640
من أحد العروجين المتوهم ظاهره بانحطاط، كما يفهم من قوله تعالى: لقد خلقنا الانسان
في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين (4 و 5 - التين) إلى العروج الاخر التحليلي، فينشئ
لنفسه لنفسه بربه نشآت اخر، أولاها من الكليات نشأة البرزخ ثم يعقبها نشأة حشرية ثم
جنانية أبدية، وكل نشأة من هذه الأربعة من وجه نتيجة عن التي قبلها، كما أشار إليه قوله تعالى:
لتركبن طبقا عن طبق (19 - الانشقاق) أي حالا متولدا عن حال قبله.
151 - 5 وانما قلنا: كل نشأة من وجه نتيجة عما قبلها من أجل ان مجموع النشآت من
وجه آخر نشأة واحدة كالأحوال المتعاقبة في النشأة الدنياوية، وذلك لان في مجموع
النشآت أمرا ثابتا لا يتغير، هو مورد هذه التبدلات وهو حقيقة الانسان، أي كيفية تعينه في
علم الله، وهى مادة لنشأته وخميره يتعاقب أطوار نشأته عليها ومظهر للوجود الحق الثابت
والسر الإلهي المشار إليه، أعني التجلي النفسي الرحماني أو حقيقته الأحدية العلمية الجامعة.
152 - 5 ثم نقول في تقسيم حال الخلق في سيرهم وعروجهم بأحد الوجهين: فان السير
تارة يكون بالنشآت التي يتطورون فيها، سواء كان للعارفين باحكامها وبما ينشئ الحق له
وبه في العوالم من النشآت أولا، واخرى يكون في النشآت بما يحصل لهم حال ارتباطهم بتلك
النشآت ارتباطا موهوبا أو مكتسبا، فالسير الأول بالانتقال من نشأة إلى أخرى والسير الثاني
بالانتقال في الأحوال المتعاقبة في نشأة واحدة، فسيرهم ذلك على أقسام أربعة: منهم من
قطع به دون اتمام الدائرة الوجودية لقصور استعداده، سواء سار نصف الدائرة وهو من اجره
غير ممنوع ولا مقطوع، لاتصال اخر عروجه المعنوي الموهم ظاهره بالانحطاط
بالعروج التحليلي الثاني لتركيب النشأة الثانية من هذه الدار وفيها، إذ النشأة البرزخية
نتيجة الأحوال الدنيوية، سواء عرف المنشئ صورة الامر أو لم يعرف.
153 - 5 فالعارف المحقق إذا رزق الحضور التام كان عالما بمواطن الانتقال في

641
احكامها والنشآت الحاصلة فيها، والمرتبطة نفسه ببدنه ارتباطا ينصرف بسببه عن الوصول
إلى الكمال الذي يستعد له الانسان من حيث هو انسان، ولم يحصل له بوهب أو كسب فيما
أمكن التكسب فيه، بقى في أسفل سافلين ويكون سيره فيما قدر له المرور عليه من المواطن
والعوالم والصفات بحسب ما أودع الله في تلك الأشياء من الخواص وبحسب خواص
نشأته، وهو في كل ذلك لا يعلم فيما ذا ينقلب ولا ما يؤل إليه امره، ويكون كماله المختص به
في هذا الموطن الدنياوي ما انتهى إليه في اخر نفسه.
154 - 5 فامر الموجود دائرة وسيره دوري، فان تم له السلوك ينشئ بسيره دورة الهية
أخرى مبدئها من حين رؤيته الأشياء بالله ومعرفته بالوجود الواحد الحق بعد الشهود، وهذا
أول درجات الولاية وأول مقام المعرفة الثانية بتقابل النسختين: أي نسخة الإلهية والكونية،
فان الثانية صورة الأولى، وكل من الثانية اثر لكل من النسب الأسمائية للذات الأحدية
الجامعة، أو المراد ما سيجئ من تقابل نسختي العالم والانسان، فان كلا منهما صورة الحقيقة
الأحدية الجامعة، وان اختلفتا تفصيلا وجمعا بين الاجمال والتفصيل.
155 - 5 ثم نقول في تقسيم الطبقات الكلية لأصحاب السلوك: انهم على طبقات
ومراتب منحصرة على ما ذكر في دائرة السلوك والغاية ودائرة الوصول والهداية ودائرة
الكمال والولاية، ولكل منها أول وسط وآخر، فمراتب السلوك يشتمل على الوظائف
الاسلامية ومراتب الوصول على الوظائف الايمانية ومراتب الكمال على الوظائف
الاحسانية، وكل من الأنواع الثلاثة يشتمل على ثلاث درجات: اشتمال الاسلام على البدء
من وجوه الفرار عن الشواغل البدنية، والعثور على وجه التوجه إلى المطلوب كالأبواب،
والانتهاء إلى وجوه التمكن في ذلك كالمعاملات، واشتمال الايمان على البدء من وجوه اعراض
الروح عن الشواغل النفسانية كالأخلاق، والعثور على وجوه التوجه إلى السر كالأصول،
والانتهاء إلى وجوه الحضور معه كالأودية، فمنه من يبتدئ مراتب الاحسان والولاية
والكمال، وهى وجوه أحدية التوجه وسلب ثبوت الغير، كما في مرتبة فبي يسمع وبي يبصر،

642
ويعثر على وجوه استثباته كالأحوال بحد يجعل الغائب كالحاضر والحاضر كالغائب، كما
مر في مرتبة كأنك تراه، وينتهى إلى وجوه الاستغراق فيه كالولايات وما بعدها، وفيه
رفع الحجاب.
156 - 5 والذي يفهم هيهنا من كلام الشيخ قدس سره دائرتان: دائرة السلوك والهداية
ودائرة الكمال والولاية، ولكل منهما أول وأوسط وآخر، فمراتب السلوك مشهورة، ولكون
المقصود هنا ذكر مراتب الكمال لم يصر مراتب السلوك مذكورة، فآخر مقامات السلوك
متصل بأول مقام الكمال، المقصود هنا ايضاح احكامه وآياته وأربابه، وكان مقامات السلوك
تنتهى عند الشيخ قدس سره إلى أول مراتب الاحسان لما ذكر في الفكوك: ان مرتبة فبي
يسمع وبي يبصر أوسط مراتب الاحسان وفي التفسير أول مراتب الولاية، وذكر هنا
انه أول درجات الكمال وهو قرب النوافل وأوسط درجاته مقام ان الله قال على لسان عبده -
سمع الله لمن حمده، وهو قرب الفرائض.
157 - 5 وآخر درجاته الممكن الذكر بالتنبيه، إذ ما بعده من المراتب الأكملية لا نهاية له -
لعدم نهاية المعلومات والمقدورات - هي مرتبة التمحض والتشكيك. فالتمحض هو الخروج
عن حكم التعينات واصباع احكام الامكان، ولسانه: ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله، يد
الله فوق أيديهم (10 - الفتح) ومثله: وهذه يد الله وهذه يد عثمان، والتشكيك والتردد بين
الطرفين بسر الاعتدال الوسطى الجمعي بين المقامين والقربين، ولسانه - أي لسان التشكيك بين
طرفي الحقية والخلقية وهو لسان الجمع المقدس عن الميل عن الوسط المقتضى غلبة احكام
كلا الطرفين قوله تعالى -: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى (17 - الأنفال)
158 - 5 ثم نقول: العارف ان كمل دائرة التمامية من حصة الكمال الإنساني بسر:
اعطى كل شئ خلقه (50 - طه) وذلك بان يعم حكم شهوده جميع المقامات والأطوار التي
مر عليها في الرتبة الامرية والحال الحجابي وسرى حكم شهوده في جميع المراتب

643
الوجودية علوا وسفلا والمقامات الأسمائية - بعد الانتظام في سلك الكمل - كان من
المتحققين بالرتبة الكمالية، وحينئذ حصل له التمحض والتشكيك وسرت ذاته وحكم
مرتبته في جميع المراتب والأسماء والمواطن والنشآت والأحوال، وكان مع الحق حيثما
كان، ككينونة ربه معه دون حيث مقيد ولا مع، فحصل له الكمال الإنساني في طور الحضرة
الألوهية. وان لم يكمل الدائرة وانقطع في بعضها كان حظه من الكمالات المذكور بمقدار
نسبة مقطوعة من مسافة السير إلى نسبة ما بقى منها، وهذا انما يبتدئ من شهوده الوجود
الواحد ورؤيته الأشياء بالله، وهى مرتبة الكمال الإلهي في الطور الإنساني. هذا في عدم اتمام
دائرة الكمال.
159 - 5 ثم نقول: في عدم اتمام دائرة السلوك ان نقص السير قسمان: نقص قبل
استيفاء السير وكماله في الدائرة الأولى السيرية، وأهله الانسان الحيواني، قيل في بعض
الحواشي، معناه قبل الشروع في السير، ونقص يختص بالمتوسطين الذين حصل لهم قسط
ما من الكمال، ولكن لم يتم لهم الامر، أي حصل لهم نقص مما يكمل به المرء من مراتب
السير ولم يحصل لهم الكمال، والا لم يكن في الدائرة الأولى السيرية، بل في الثانية الكمالية،
وبين النقصين درجات متفاوتة يعرف الكامل احكامها واحكام أصحابها، ونسبتهم من
فلك الإلهية وفلك الانسانية، وذلك بوجهين:
160 - 5 الأول ان الكامل لاتصافه بأوصاف الطرفين يعرف نسبتهم من الأول بالصفة
الشمسية المنيرية المفيدية، ومن الثاني بالصفة القمرية المستنيرية المستفيدية.
161 - 5 والثاني ان ذلك لمعرفة الاسمين الربانيين الخصيصين بتربيتهما ولتحققه بالسر
الجامع بينهما وبين غيرهما، فان لكل موجود اسما خصيصا بتربيته، وجميع أحواله
احكام ذلك الاسم ولوازمه.
162 - 5 ومن لطائف اسرار ما ذكرنا من أن الكامل لاتصافه بأوصاف الطرفين: حضرة

644
الوجوب وحضرة الامكان ومعرفته بالاسم المؤثر المربى لكل موجود وتحققه بالسر
الجامع بين المؤثر والمتأثر يعرف احكام الدرجات المتفاوتة واحكام أصحابهما ونسبتهم في
التأثير والتأثر، معرفة سبب كون دور القمر صغيرا وكون دور الثوابت كبيرا - مع انحفاظ
النسبية بينهما دائما - فان تمام دور القمر في ثمانية وعشرين يوما وكسر، وتمام دور
الثوابت في ثمانية وعشرين الف سنة وكسر، نسبته إلى الكسر الأول كنسبة العدد الثاني إلى
العدد الأول - وان لم يعلم تحقيقه الا الله ومن شاء من عباده -
163 - 5 وذلك لان فلك القمر سماء الأجسام المركبة المتناهى في الكثرة والكثافة -
كالمولدات - وسماء صور كلية روحانية بلغت إلى انهى دركات الجزئية، وتلك
الأجسام والصور من شأنها سرعة تغيرها وتبدلها اشخاصا وأحوالا بحسب التركيب
والتحليل و التشكيل والتفصيل. وبالجملة الان والشأن الإلهيين كما قال تعالى: بل هم في
لبس من خلق جديد (15 - ق) و: كل يوم هو في شأن (29 - الرحمن) أي كل آن،
فالحكمة ان يتكفل لتدبيره اسم فلكه أسرع الأفلاك حركة ودورا وأجمع لاثار أسماء
الأفلاك العلوية، ليفعل من اشراقاتها الفائت الحصر المجتمعة عنده كل لمحة جزئيات
الصور الغير المحصورة في كل قابل بحسب قابليته وما دام قابلا، ويتبدل الشؤون الجزئية
بحسب آنات حركته وأدوار الشؤون بحسب ادوار حركته أياما وشهورا وأعواما.
164 - 5 فكما اقتضت الحكمة ان يكون دور الأقرب والأصغر من الأفلاك المخلوقة
- لان يؤثر أسمائها في التفصيل والتكثير للأجسام وأحوالها - أسرع بحسب الدور الذي
يقدر به سائر الأدوار المضبوطة المنسوبة إلى مدبر واحد وهو الدور اليومي المتعين بحركة
العرش، كذلك اقتضت الحكمة الإلهية ان يكون دور الابعد والأكبر من تلك الأفلاك ابطأ
بحسب ذلك الدور ويقدر بأكثر مقاديره المضبوطة، وهى الأعوام التي هي أكثر من
الشهور والأيام بعدد هو أكثر أصول مراتب العدد - وهو الألف - مع حفظ النسبة بين

645
الأقرب والابعد على مقتضى حكمة الصانع الفرد الاحد، فقدره سبحانه بثمانية وعشرين
الف سنة.
165 - 5 ثم نقول: ونظيره هنا الفلك البدني بالعمر الإنساني المزاجي العنصري، وهذا
التنظير يحتمل ان يكون إشارة إلى أن أقل ظهور البدن ستة أشهر وأقل عمر الانسان
الغالب ستون سنة على ما قال عليه وآله السلام: أكثر اعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، أو
ان عمر الانسان في دور القمر غالبا سبعون سنة وفي ادوار الأفلاك العالية الف أو أكثر،
فالتمثيل بمجرد التفاوت الكثير بينهما. ويحتمل ان يكون تمثيلا به للأدنى وإشارة إلى أن عمر
بدن الانسان ومزاجه لجزئيته غالبا سبعون سنة وعمر العالم قبل خلق آدم إحدى
وسبعون الف سنة - كما ذكر في الفتوحات - أو إشارة إلى أن دور بدن آدم سبع
سنين، كما علم في الطب ان بدن آدم في كل سبع سنين ينتقل من طور إلى طور،
كالترعرع والبلوع والشباب، وعمر نوع آدم سبعة آلاف سنة كما ذكر في الفتوحات -
والله أعلم -
166 - 5 ثم نقول: وفي الفلك الثامن ينتهى الكبر في صورة البطؤ، وذلك لان الفلك
الحاكم اسمه على التفصيل والتكثير ينتهى بحسب الكبر فيه، فان ما فوقه - وهو العرش -
صورة الأحدية المحيطة الجامعة في أول ما ظهر من عالم الحس، وهو الذي به تم ظهور
الوجود الاحدى والرحمة الرحمانية العامة المحيطة، لذلك قال تعالى: الرحمن على العرش
استوى (5 - طه) لكن ينتهى فيه حكم الدوام في نشأة واحدة من النشآت الجسمانية الطبيعية
الغير العنصرية، إذ لا دوام في العنصرية، فان باقي الأفلاك الأربعة الدائمة انما هي تحت
العرش، وأيضا ظهر فيه سر السرعة مع عظمة الفلك وإحاطته، لان البطئ لكثرة
المعاوقة الطبيعية بالكثافة أو الإرادية بالتفصيل، وذلك في العرش أقل ما يتصور في
الأجسام، لأنه ألطفها وابسطها، فلظهور سر السرعة مع عظم الفلك وإحاطته فيه
بحيث لا نسبة بينها وبين سرعة القمر، كما لا نسبة بين مسافتي سيريهما، قبل أهل الجنة التي

646
هو سقفها سرعة التكيف والتغير والكون بحيث لا نسبة بينه وبينه كمية وكيفية
وحصولا ووصولا
167 - 5 ثم نقول: ومن هنا يرتقى الانسان إلى شهود ما من ذاته ونفسه خارج عالم
الأجسام وإلى معرفة ذلك، كمعرفة خياله المقيد والمثال المطلق لمن أهل لها بتصفية خياله
عن شوب الحس بتوفيق الله تعالى ومعرفة عقله وروحه وسره وحقيقته وغير ذلك،
ويعرف ما يقبل منها التغير والتنوع حال التطور والتنقل في العوالم والأحوال والنشآت،
وهو نسبها وصورها، وما لا يتغير وهو ذاته وحقيقته، فافهم ذلك، والحمد لله رب
العالمين.
السؤال الخامس
من أوجد الانسان؟ أ أوجده الوجود الحق الواجب أو الحقيقة الجامعة أو محبته
واقتضائه؟
168 - 5 جوابه: انه أوجده الوجود الحق الواجب الوجود سبحانه بان تجلى باطنه
لظاهره، أي حصل نسبة الجمع والحضور بين نسبة البطون والظهور حتى حضر كل
للاخر والباطن غير غافل عن الظاهر - حتى النائم في نومه والسكران في سكره - ولذا يتنبه
بأدنى ما يصيبه، لكن الظاهر قد يغفل عن الباطن مع حضوره بالاشتغال بغيره.
169 - 5 فان قلت: بأي وجه تجلى والتجلي له وجوه؟
170 - 5 قلت: بموجب تعينات شؤون ذاته ومقتضيات نسب علمه وحضوره لنفسه
المسماة تلك النسب بالشئون الذاتية، فان شأنها ان يظهر بموجب ما يقتضيه، لكن بالوجود
الواحد في ذاته واصله، والمتكثر بتلك النسب والشؤون.

647
171 - 5 فان قلت: فما ذا شأن المحبة الأزلية والحقيقة الجامعة؟
172 - 5 قلنا: المحبة الأزلية الإرادية داعية له إلى ذلك الجمع والحضور بينهما، والحقيقة
الجامعة - أعني النسبة الأصلية الجامعة - حاكمة بذلك الجمع.
173 - 5 وحاصله ما في فص آدم عليه السلام: ان الحق سبحانه لما شاء من حيث
أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الاحصاء ان يرى عينها أو أعيانها في كون جامع (1).
174 - 5 فالحق الموجد ومشيئته ان يراه محبته الأزلية ان يحضر لباطنه ظاهره و
يجمع بينهما، وأسمائه الحسنى تعينات شؤونه وخصوصيات نسبه العلمية والصور
العينية، كما يضاف إليه من حيثها يضاف إليها أيضا، والعين ظاهر والشأن باطنه
والكون هو الجمع بينهما، اما الانسان فجامع لاثار كل الأسماء وهو المراد بالكون في
الفصوص.
السؤال السادس
لم وجد الانسان؟ وأي غرض أو حكمة للحق في ذلك، وهو منزه عن الاستكمال
بالمصالح والاغراض؟
175 - 5 جوابه: لان يتجلى الحق المتحقق بكمال ذاته أزلا وابدا بالكمال الأسمائي
أيضا المتوقف على الظهور، أي الحضور المذكور بين الباطن والظاهر والمعنى والصورة
والغيب والشهادة. وعلى سريان التجلي الجمعي بموجب حقيقة اسمية طالبة للظهور
مستتبعة لسائر الحقائق الأسمائية، بحكم الحقيقة الجامعة وقوتها المفضى ذلك السريان إلى
انصياع كل فرد من افراد مجموع الامر كله بحكم الجميع صورته، سواء ظهر اثر الكل
في الجملة - كما في مطلق الانسان - أو على الاعتدال الوسطى الكمالي - كما في الانسان



(1) - إلى هنا تم مطلب الفصوص
648
الكامل - أو لم يظهر الا اثر البعض - كما في غير الانسان - اما انه ينصبغ كل فرد بحكم
الجمع فلتوسط بعضه بعضا في ذلك، وليرتبط جميع النسب الأسمائية بالحكم الظاهري
كارتباطها الباطني. واما انه يحصل الكمال بذلك الجمع بين الغيب والشهادة وما اشتملا
عليه، ففي ذلك تمام الاعتبارات العلمية وظهور الأحوال والكيفيات الوجودية تماما وظهورا
فعليا شهوديا من حيث الباطن، وانفعاليا مشهوديا من حيث الظاهر، إذ لا اثر الا لباطن في
ظاهر كما مر مرارا.
176 - 5 مثلا: الوجود يحضره صحة كونه انسانا، فالحضور علمه والصحة المعينة
خصوصية نسبة علمه وهى حقيقة الانسان، وكونه انسانا بالفعل تعين الوجود من حيث
تلك الصحة، فهو وجود الانسان الجامع بين الخصوصية الباطنة والحضور الظاهر والجمع
الملفق بينهما، ولولا ذلك الجمع لما حصل النشأة الجامعة بين احكامي نسبتي الظهور
والبطون، ثم ليس هذا استكمالا بالغير كما توهم - وهو المحذور - بل استكمال لا لنفسه، بل
لنسب أسمائه بالجمع بين نسبتي ظهورها وبطونها ليتم الأمور المذكورة ويظهر النسبة
الجامعة بينها، وكل ذلك من نفسه لا من غيره، وأيضا بمقتضى نسب علمه التي هي في حقه
وبالنسبة إليه عين ذاته.
177 - 5 ثم نقول: وهذا سر مطلق الايجاد وليس سرا مخصوصا بايجاد الانسان، فان كل
شئ فيه الوجود، ففيه الوجود مع لوازمه، فكل شئ فيه كل شئ ظهر اثره أم لا. وأيضا
هذا حكم الجمعية الكبرى وهى الجميعية الإلهية الظاهرة أولا بحسب المراتب الإلهية في
الصورة الكلية الوجودية والعلمية المرتبية الأولى، فشأن تلك الجمعية ان من عرفها وعرف
ما ذكر هنا من سر سرايتها إلى كل موجود عرف نسبة جمعيته من تلك الجمعية، وان
الحكم والحال في نسخة وجوده ودائرة مرتبته واجزاء ما تقبل التجزئة والقسمة منه هو

649
على نحو ما هو الامر في مطلق الصورة الكلية الوجودية والعلمية، فلينظر حظه وحصته من
أصل الامر يعرف قدره وغاية طوره ويعرف سر الايجاد وحكمه وسببه.
السؤال السابع
ما غاية الانسان في اتيانه ولا بد قسط في تبيانه؟
178 - 5 جوابه: ان لكل انسان غاية بالحكم الكلى وغاية بالحكم التفصيلي، وأيضا له
غاية من حيث علمه المستمر المتعدى الحكم وغاية من حيث علمه فقط، فغايته من
الوجه الكلى وبحسب العمل المثمر هو ما ينتهى إليه اخر عمره من الكمالات المتحصلة
بهذه النشأة العنصرية، واما من حيث التفصيل وبحسب العلم فقط: فلا غاية له ولا استقرار، إذ
لا نهاية للمعلومات والمقدورات، فما دام معلوم أو مقدور فالشوق لا يسكن والنقص
لا يزول.
السؤال الثامن
هل ذهاب الانسان إلى عين ما صدر منه أو إلى مثله - ان صحت المثلية - فان الشئ
المعدوم لا يعاد بعينه وبمثله من كل وجه ولذا لا يتكرر التجلي؟
179 - 5 جوابه: ان ذهابه إلى ما صدر وتعين منه من حيث المرتبة فقط، فان تمايز
المراتب في العماء ولا يلزم إعادة المعدوم ولا تكرر التجلي، لان المرتبة محل التجلي لا عينه،
وإلى مثله لا عينه من حيث المرتبة والوجود معا، أي باعتبار المجموع.
180 - 5 اما انه إلى ما صدر منه من حيث المرتبة: فلان الوجود دائرة وحال تجليه
دوري، ومنتهى كل دائرة معنوية أو محسوسة النقطة التي منها بدايتها بحركة حبية باعثة
على الطلب، سواء تعقلت الحركة معنوية عقلية أو روحانية مجردة أو روحانية مثالية،

650
أي في مظهر مثالي أو صورة جامعة لخواص هذه الحركات الثلاث كحركات الأفلاك، ومنه
سماء أهل الله لمن كان قلبه حيا ونفسه ميتا.
181 - 5 واما ان ذهابه إلى مثله من حيث مجموع الوجود والمرتبة: فلاختلاف الحال
والحكم والاسم في كل وقت وبحسب كل كيفية - وان اتحد الذات - فكل وجود في الأول
متميز علما أو روحا، غير منصبغ باحكام الصورة وفي الاخر متميز ومنصبغ بها، ففي
الأول ليس الموجودات العلمية أو الروحانية الا نقطا متجاورة، وفي الثاني ظهر بينها حكم
الاتصال بالوجود الساري، فسمى محيطا ودائرة، ولزمته القسمة والجهات المفروضة مما لم
يكن ظاهرا قبل الجمع والتركيب الذي هو صورة حكم الجمع وحكم سريان الوجود
المنبسط على حقائق الممكنات.
السؤال التاسع
ما المراد من الانسان مطلقا من حيث الإرادة الإلهية الأصلية وباعتبار مطلق المرتبة
الانسانية وما المراد من خصوصيته بحكم استعداده الخاص وفي كل وقت؟
182 - 5 جوابه: ان المراد من مطلق الانسان من حيث الإرادة الإلهية كمال الجلاء
والاستجلاء المشار إليه مرارا، لكن بشروطه وحقوقه العامة والخاصة الثابتة له وعليه في
كل مقام ونشأة وموطن - وفاء واستيفاء وروحا وجسما موقتا وغير موقت - وذلك في
الأنبياء مثل ما يتضمنه شرائعهم العامة وأحوالهم الخاصة.
183 - 5 واما المراد من كل انسان باعتبار استعداده الخاص فهو ما يأول إليه امره
بعد استقرار أهل الدارين فيهما من حكم كل ما يتقلبون فيها.
184 - 5 واما المراد منه في كل وقت فهو ما يظهر به وعليه من الافعال والأحوال، وذلك
حكم كماله المخصوص من مطلق مرتبة الكمال وحكم حاله بحسب نسبة الاسم الذي صار
هذا الانسان مظهره ومظهره بتعيينه إياه، إذ بالأعيان وخصوصية استعداداتها تتعين

651
الأسماء، والا فالحق من حيث انقطاع نسبه علما ووجودا ومرتبة لا اسم ولا وصف له كما
مر، وذلك لا ينافي تأثيرها في الأعيان باظهار صورها بعد التعين، فان كل باعث يعين بوجه
الفاعل المؤثر في حصول صورة الباعث، وهذا مع اشكاله عند القوم - حتى تسمى مسألة
الدورية - واضح لمن وفق له، وقول المحقق: ما هم عليه، في جواب السؤال: بما مراد الحق من
الخلق؟ يحتمل الأقسام الثلاثة.
السؤال العاشر
هل أستعين بالانسان عينه أو مرتبته في بعض ما ذكر من المرادات أو كلها أو استعان
هو من حيث عينه أو مرتبته في بعض ما ذكر من المرادات أو كلها وهل الاستقلال
حاصل لاحد الطرفين الحقي أو الإنساني أو هو ممتنع مطلقا أو في بعض الأمور؟
185 - 5 جوابه: ان الاستقلال حاصل للحق سبحانه في الوجود عينه، إذ لا وجود في
الحقيقة لسواه، فان وجود الغير عبارة عن تعين الحق من حيث هو كما مر ولا موجد غيره،
وليس للغير الا قبول الوجود على حسب استعداده الخاص الذي هو شرط في الظهور المخصوص
للوجودية أي ليس للغير الا ان لاستعداده الخاص مدخلا في بعض وجود الحق وظهوره،
وهذه المدخلية هي المسماة بالقبول، وبذلك تحقق سر الافتقار من الطرفين على الفروق التي
أسلفناها.
186 - 5 فان قلت: إذا توقف ظهور الوجود على خصوصيته وتعينه الموقوف على الغير،
توقف الوجود على الغير، فلم يستقل في الوجود، لان الموقوف على الموقوف موقوف.
187 - 5 قلت: أولا توقف ظهور الوجود، والظهور نسبية لا يقتضى توقف الوجود،
وثانيا توقفه على تعينه الموقوف على الغير، توقف نسبة المتعين على شؤون نفسه، وتوقف
بعض الاسم على بعض ليس بمحذور، وثالثا خصوص الوجود مقتضى نفسه لكن بشرط
استعداد القابل، وليس مقتضى القابل، والا لكان فاعلا في فاعله، والموقوف على الموقوف

652
موقوف في الجملة - لا بالجهة المخصوصة البتة - الا إذا اتحدت جهتا التوقفين، وليس كذلك
هنا.
188 - 5 واما الأثر وهو التعين الصوري، فللمراتب والحقائق الغيبية، ولا ينضاف إلى
الحق من حيث وجوده كما مر انه لا يصدر من الشئ نفسه، ولا من حيث أحديته المسقطة
للاعتبارات، بل ينضاف إليه من حيث أحدية جمع هويته الغائبة عن المدارك، من حيث
تعذر معرفة كنهه والإحاطة به، فان من تلك الحيثية يندمج فيه جميع التعينات المسماة
بالأسماء الذاتية التي هي مفتاح مفاتيح الغيب، وأيضا ينضاف الأثر إليه من حيث مراتب
أسمائه وصفاته باعتبار عدم مغايرتها له، واما ارتباط الأثر بالوجود والوجود به من حيث كل
موجود فمشترك، لأنه نسبة بينهما مشتركة ناشئة من محبة الطرفين، سابقة من الفاعل الكامل
بذاته ولا حقة من القابل المستكمل به، وإليه الإشارة بقوله تعالى: يحبهم ويحبونه (54 - المائدة)
السؤال الحادي عشر
أي شئ من العالم هو في الانسان معنى وفيما خرج عنه صورة وبالعكس؟
189 - 5 جوابه: ان الأول هو الملائكة، فإنها قوى العالم، ولا يخلو في مذهب التحقيق
عن صورة ما - وان لم يكن لها صورة معينة - لكنها في الانسان قوى نشأته ولا صورة فيه لكل
القوى، بل يعطى بآثارها كالغاذية والجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والمولدة
والمصورة. اما الثاني - وهو عكسه - فالألوهية ورقائقها، فإنها نسب معقولة في الخارج،
والانسان صورة لجميعها ولسائر الحقائق الكونية، فالألوهية وغيرها من الحقائق مبثوثة في
نشأة الانسان ومجموعة في نسخة وجوده - كما سيظهر في وجه تقابل النسختين -
190 - 5 ومن أمثلته: العلم، فإنه معنى مجرد وله صورة في نسخة وجود الانسان بحسب
بعض العوالم كعالم المثال، كصورة الماء واللبن كما ورد في الحديث: فأولته - أي اللبن -
بالعلم. وفي الحديث: فأصبت الفطرة، وذلك كما أن الأنهار الأربعة المذكورة في قوله تعالى:

653
فيها انهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه... الآية (15 - محمد) مظاهر علوم
الوهب وصورها - ذكره في الفكوك - وكذا غير العلم من المعاني المجردة التي تتصور بصورة
مثالية - والله أعلم -.
السؤال الثاني عشر
في كم تنحصر أجناس العالم وقد قالت الفلاسفة ان أعاليها المقولات العشر المجموعة في
قوله:
قمر عزيز الحسن الطف مصره * * قد قام يكشف غمتي لما انثنى (1)
وهل هي كذلك؟
191 - 5 جوابه: انها منحصرة فيما مر ذكره في ترتيب ايجاد الموجودات إلى منتهى
كمال السلسلة والدائرة، كالمهيم والقلم واللوح والهباء والطبيعة والمثال والجسم والعرش
والكرسي والسماوات السبع والعناصر الأربعة و المولدات الثلاث والانسان الكامل.
192 - 5 قال الجندي في شرح الفصوص: الأجناس العالية للعالم: الجوهر والجسم
والنامي والحساس والناطق والانسان، وحروفها: ا - د - ذ - ر - ز - و. تم كلامه.
193 - 5 اما المقولات العشر التي قال بها أهل النظر فهي منها ومندرجة تحتها، لكن
على نحو ما يتعين حكمها في الحضرة الإلهية الوجوبية ومن حيث إنها أسمائها، وذلك ليعد
من الأسماء الإلهية المؤثرة التي هي المبادئ العالية، إذ الإحاطة مدار التأثير قوة وضعفا،
فالاجناس العالية ما هي المؤثرة في السافلة ولا تأثير الا للأسماء الإلهية، وإن كان تأثيرها
من حيث المظاهر، اما على الحكم المعهود بينهم، فتعيينها باعتبار الحقائق الكونية



(1) - قمر جوهر - عزيز كم - الحسن كيف - الطف - نسبة - مصره أين - قام وضع -
يكشف ان يفعل - غمتي ملك - لما متى - انثنى ان ينفعل. قيل بالفارسية:
بدورت بسى عاشق دل شكسته سيه كرده جامه بكنجى نشسته - ط
قمر (جوهر) عزيز (كم) الحسن (كيف) الطف (إضافة) مصره (أين) قد قام (وضع) يكشف (ان يفعل)
غمتى (ملك) لما (متى) انثنى (ان ينفعل) - ل
654
المتأثرة، وذلك لا يناسب العلو والغلبة.
194 - 5 ثم نقول: وان شئت ان تعرف عدد الأجناس العالية من الأسماء الإلهية حسا
ومثالا فهي تسعة وأربعون مظهرا لتسعة وأربعين حقيقة اسمية الهية، وذلك لان المفاتيح
الثواني التي هي أمهات الألوهة مفاتيح أول - كما وقع في بعض عبارات الشيخ قدس
سره - باعتبار ان النكاح الأول للحروف الغيبية البسيطة لانتاج الأكوان الروحانية
يبتدئ منها وهى سبع، فإذا اعتبر في كل منها طلبها للظهور مستتبعة لسائر الأسماء بقوة
الحقيقة الجامعة ليفضى سريان التجلي الجمعي بحسبها إلى انصباع كل فرد من افراد مجموع
الامر كله بحكم الجميع - كما مر انه سر الايجاد المطلق - بلغ وجوه التراكيب باعتبار
كل اسم طالب أولي غالب من الأسماء السبعة، سبعة كل منها مشتمل على جميع السبعة.
195 - 5 وقد سلف نقلا من شرح الفرغاني: ان التراكيب السبعة قد تكون اعتدالية
بحيث يكون اثر الغالب خفيا، فيكون مظاهرها من الأناسي أنبياء ورسلا واولى عزم، وقد
يكون اثر الغالب من السبع ظاهرا، ويتصور هذا الكل من السبع الكمل الأول، فيكون
لكل منها سبع حقائق أخرى مركبة، وكانت مظاهر هذه السبع خلائف لكل من
السبع الأول على مثال الأقطاب السبعة في هذه الأمة، والسبعة في السبعة تسعة وأربعون
حقيقة غيبية، وكذا مظاهرها والجملة ثمانية وتسعون، نصفها غيبية ظاهرية ونصفها
عينية مظهرية، ثم التاسعة والتسعون الحقيقة المشتملة على الجملة، أعني العماء الذي هو
برزخ الوجوب والامكان والربوبية والمربوبية ولا يشهده الا الانسان الكامل - لأنه مرتبته -
أو بعض الافراد الندر من غير الكامل لقوة قربه منه، ثم تمام المائة بحضرة أحدية جمع الهوية
والوجود الذي هو التعين الأول ومقام أو أدنى والمرتبة الأحمدية، وليس لما فوق هذه الحضرة
وصف ولا اسم ولا رسم ولا حكم، فافهم.
196 - 5 واعلم أن هذه الحقائق الغيبية التسعة والأربعين هي من حضرة المعاني، اما
مظاهرها: فإن كانت من نوع الأناسي الذي هو مقصود الايجاد، فقد ذكرت من أولي العزم

655
السبعة والخلفاء السبعة لكل منهم، وذلك صحيح باعتبار انه نسخة جامعة - وإن كان ذاته نوعا -
197 - 5 وإن كانت من العالم الروحاني، فيمكن ان يمثل بالقلم واللوح وملائكة البروج
الاثني عشر وملائكة المنازل الثمانية والعشرين وملائكة الكواكب السبعة على ما سلف.
198 - 5 وإن كانت من عالم المثال، فبالصور المثالية لتلك الملائكة.
199 - 5 اما إن كانت من عالم الأجسام، فالعالية - والله أعلم - هي الكواكب السبعة
باعتبار تركب حكم كل منها من الاحكام السبعة التي للكل، حتى قيل: إذا تم تدبيرها ودار فعاد
الحكم المجموع من احكامها إلى الحق تم به يوم ذي المعارج الذي هو خمسون الف سنة، إذ لكل من
الكواكب السبعة سلطنة الف سنة، وباعتبار ان الكل مع الكل يكون لكل كوكب منها سبعة
آلاف سنة، وسبعة إلى سبع تسعة وأربعين، يكمل ذلك باعتبار المجموع الحاصل خمسين ألفا،
وهذا تأويل ذكره القاشاني في يوم ذي المعارج (1)، فيحمل على أن يتعين يوم الفصل والجزاء
والقضاء بعدد هذه الأقسام صورة يوم وسنة، لأنه يوم تبلى السرائر ويتعين للمعاني المظاهر،
والأصح عدم تأويله وحمله على حقيقته المستفادة من مدد احكام ملائكة البروج كما مر.
السؤال الثالث عشر
كيف يؤثر كل من أجناس العالم علوا وسفلا في الاخر وكيف اثرت هي في الانسان
حال كونه مؤثرا فيها كلها بالحال والرتبة وكيف يؤثر الانسان فيها بالذات والفعل
الإرادي والحال بعد تأثره منها؟
200 - 5 جوابه: انه قد سلف في ذلك ما يغنى اللبيب لا سيما ذا الكشف المشارك في
المشرب القريب، من قواعد التأثير والتأثر، مثل ان الآثار للهيئات الاجتماعية ولا اثر لاحد
من حيث أحديته - بل لواحد متكثر - وعلى الحقيقة لا يؤثر شئ فيما يغايره من حيث ما



(1) - قال القاشاني في تأويلاته: ذي المعارج، إلى المصاعد، وهى مراتب الترقي من مقام الطبائع إلى مقام
المعادن بالاعتدال ثم إلى مقام النبات ثم إلى الحيوان ثم إلى الانسان في مدارج الانتقالات المترتبة بعضها فوق
بعض ثم في منازل السلوك كالانتباه واليقظة والتوبة والإنابة إلى اخر ما أشار إليه أهل السلوك من منازل -
656
يمتاز به عن المؤثر فيه، ولا يؤثر الواحد من حيث كونه واحدا في الكثير ولا بالعكس، بل
للواحد كثرة نسبية وللكثرة أحدية جمعها، فإذا حكم بالتأثير بينهما فمن حيث هما لا يتغايران،
وإذا اثر الشئ فيما له جزء أو نسبة جامعة، فتلك النسبة هي محل الأثر ومستدعيه، فالشئ اذن
هو المؤثر في نفسه لكن باعتبار ما منه فيما يسمى غيرا من وجه، أو فيما لا يغايره الا من كونه
ظهورا منه في مرتبة أخرى، أوجب اختلافا مع بقاء العين على أحديتها في نفسها على
ما كانت عليه، ومن وضح له هذا السر عرف ان لا امداد لشئ من سواه ولا استفادة
ولا تأثر. وكل هذه القواعد مذكورة في النفحات.
201 - 5 ثم إن المؤثر الحقيقي في الكل هو الحق لكن لا من حيث هويته الاطلاقية الأحدية،
بل يؤثر في الظهور بمجرد ذاته الاحدى وفي تعينه بنسبه الأسمائية وشئونه الذاتية المتعينة
باستعدادات القوابل والمعينة لصورها، والصور في الحقيقة صور لا نفس الأسماء التي هي
أحوال الذات، وقد مر ان الشئ لا يؤثر الا في نفسه باعتبار ما منه فيما يسمى غيرا من وجه أو فيما
لا يغايره الا من كونه ظهورا منه - إلى اخره. فالمؤثر ذات الحق من حيث الظهور بشؤونه
وأحواله التي هي تعقلات التعينات، والأشياء التي هي تعينات التعقلات صور أحواله.
202 - 5 ولكون (1) التعقلات باطن التعينات والتعينات صورها: قلنا تارة: لا اثر في
ظاهر الا لباطن، واخرى: هذا الشئ مؤثر في ذلك، والتحقيق ما قلنا: إن المؤثر في الكل
ذاته والآثار صور أحواله، وتأثير كل شئ في شئ منه وبه وفي أحواله، وان الانسان
لبرزخيته بين حضرتي الأسماء الإلهية والقوابل الكونية يؤثر في كل شئ بما فيه منه، أي يؤثر
الحق بمرتبته الانسانية المحيطة في كل منها بما منه فيه أولا، وبمظهرية الانسان الجامعة



- النفس ومناهل القلب، ثم في مراتب الفناء في الافعال والصفات إلى الفناء في الذات مما لا يحصى كثرة،
فان له تعالى بإزاء كل صفة مصعدا بعد المصاعد الأرضية والسمائية في وجود الانسان (والروح) الإنساني
إلى حضرته الذاتية الجامعة في القيامة الكبرى (في يوم كان مقداره خمسين الف سنة) أي في الأدوار
المتطاولة والدهور المتمادية من الأزل إلى الأبد - لا المقدار المعين - الا ترى إلى قوله في مثل هذا المقام في
عروج الامر: ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون (5 - السجدة)؟
(1) - متعلق بقوله: قلنا - ش
657
لكل اسم منه في مظهره المخصوص ثانيا، وإن كان تعين مادته الجمعية من انصباع المراتب
واحكامها التفصيلية.
203 - 5 فختم تلك الإشارات بما أعطاه الكشف الصرف ان الشهود الأتم قضى ان كل
ما يسمى مجلي ومظهرا ومرآة وعينا هو تعين مجلي ذات الحق سبحانه، والحق بباطنه متجل
في عين كل فرد من أحواله المتميزة بتعينها وللبعض بعضها، لكن به ومنه من حيث نسبة
ظهوره، فالذات الاحدى سبحانه هو الظاهر المظهر - وان ظن تعدده بتعدد المظاهر التي هي
أحواله ونسبه - وهو الباطن المتجلى في كل المظاهر - وان ظن توحده - والآثار أحواله
ونسبة الآثار لكل ظاهر إلى باطنه، ونسبتا البطون والظهور يتعينان بمداركنا وبالنسبة إلى
أحوالنا.
204 - 5 ثم المدرك قسمان: مدرك بذاته ومدرك بواسطة صفة أو حالة متعينة أو آلة،
فللقسم الثاني مما يدركه الانسان ضرب من التعين والظهور لا محالة، فهو مظهر من وجه
- وان نسب الادراك إلى الظاهر فيه - والقسم الأول مما يدركه الانسان بمحض حقيقته وبلا
واسطة، قد يكون متعينا وقد يكون مطلقا عن حصر التعين لكمال بساطته وتنزهه عن حيطة
التناهى، وانما يمكن للانسان هذا النوع من الادراك، لان حقيقته مرآة حضرتي الإلهية
والمسماة كونية، فبأحد وجهي حقيقته يدرك هذا الحكم المطلق عند المحاذاة الصحيحة،
وزوال الحجب الحائلة بينه وبين ما شأنه الاطلاق بالمحاذاة الممكنة لاحد وجهي حقيقته.
205 - 5 فان قلت: ففي تفسير الفاتحة: ان الانسان لا يدرك البسيط الصرف والحقيقة على
ما هي عليه، إذ لا يتصور ادراكه الا باعتبار الحيثيات العديدة.
206 - 5 قلت: ذلك في غير المؤهل للمحاذاة الصحيحة، وإذا علمت أن الأثر لما بطن فيما
ظهر منه وفيه، فاعلم أن كل ما تعدد فهو تفصيل حكم أحوال الباطن ظهرت في الوجود، مع أن
الباطن أيضا من حيث وحدته عين الوجود - لكن دون تعين المظهر -
207 - 5 فقد عرفت ان الأثر هو صورة شأن من شؤون الحق وحال من أحواله، وسره

658
ذلك الحال والمؤثر في الاعتبار باطنه والمتأثر ظاهره، وفي الحقيقة كلاهما ذاته لكن بنسبتي
الظهور والبطون المتحققين بالنسبة إلى مداركنا لا في الواقع، وعرفت لمن يصح نسبة الأثر
إليه ومتى يصح ومن أي وجه يمكن ومن ايه لا، فللمظاهر يصح من حيث بواطنها، وللبواطن
من حيث إنها أحوال بالذات وللذات من حيث الظهور، وعرفت سر قول من قال: إن الحق
قادر بالذات لأنه المؤثر في الحقيقة، وان قدرته عين ذاته، لأنها نسبة لا وجود لها، وسر قول من
زعم أن القدرة غير وصفة زائدة في الوجود، زعما ان التميز في الحقيقة هو التميز في الوجود
للجمود على الظاهر، وسر قول من أثبت الافعال للعباد، فذلك من حيث الصورة ولتعينها
بحسبهم، ومن نفاها عنهم وذلك من حيث الحقيقة.
208 - 5 فترى حينئذ إصابة كل طائفة من وجه مع رؤيتك انه قد فاتها جلية الامر
ومعرفة سببه، وتعرف عذر أصحاب الشهود الحالي النافين للتعدد، لان نظرهم انه هو
الوجود في الحقيقة ليس الا وعذر المحجوبين المثبتين للتعدد، إذ ليس في وسع مداركهم الا
ضبط الكثرة الوجودية بالوجه الاخر من حقيقتهم، وتشعر ما خص الله تعالى به المتمكنين
الموافقين لكل فرقة فيما أصابت فيه، لجمعهم بين وجهي الحقيقة، مع امتيازهم عنها بنيل
ما ذات الجميع - وان ثبتت الحجة البالغة لله تعالى في كل من الطوائف الثلاث وغيرهم -
وذلك لان الحاصل لكل فريق ما وسعه استعدادهم ومعرفة اعذارهم من أن التفاوت في
استعداداتهم انما هو من القسمة الإلهية الأزلية بالفيض الا قدس الذي قبل من قبل لا لعلة، ورد
من رد لا لعلة، كما قال تعالى: نحن قسمنا بينهم معيشتهم... الآية (32 - الزخرف).
السؤال الرابع عشر
كيف يعرف تقابل النسختين بالذوقين؟
209 - 5 أي تقابل نسخة آدم ونسخة العالم حتى صار الأولى نموذج ما في الثانية التي
هي تفصيل النسخة الإلهية، أي الصور المفصلة لجميع الأسماء الإلهية الذاتية والوصفية

659
والفعلية واثار أنوارها، هذا، ويمكن ان يحمل على تقابل نسختي الإلهية والانسانية حتى
صارت الثانية صورة الأولى، على ما نطق به الأحاديث بان آدم مخلوق على صورة الله أو
صورة الرحمن، ولا شك ان بين الظاهر والمظهر تقابلا يقتضى المحاذاة والمحاكاة بينهما، لكن
ظاهر الشؤون للأول - وإن كان أصل المقصود هو الثاني - والمعنيان يحتملهما الجوابان
بالذوقين:
210 - 5 اما بالذوق الأول: فلان معرفة كون الانسان مجموع ما في العالم الذي هو
تفصيل صورة الحضرة الامكانية المقابلة للحضرة الوجوبية الإلهية تتضمن معرفة كون
النسخة الانسانية مقابلة للحضرة الإلهية، كما يقتضى كونها محاكية لنسخة العالم.
211 - 5 واما بالذوق الثاني: فلان معرفة ان الوجود للعالم والانسان هو تعين التجلي
الاحدى الجمعي الإلهي بحسبها يقتضى شهود هذا الذائق ان العالم ونفسه عين الحق،
كشهود الحق نفسه من مرتبة الانسان الكامل بعد تحققه بالكمال، فكيف لا يتضمن المحاكاة
المعتبرة في الموضعين؟
212 - 5 جوابه: ان المقابلة المعتبرة بين نسختي آدم والعالم أو بين نسختي الانسانية
والإلهية التي يستدعيها بالوجهين، وجمع الانسان (1) بين الحضرتين الإلهية والكونية وانه
برزخ بين الحضرتين وكذلك العماء الذي هو المرتبة الانسانية، كلام مجمل ما لم تعرف
المراد منه اشتبه الامر عليك وتظنون بالله الظنون الفاسدة الموجبة للكفر أو البدعة من
الحلول والاتحاد والتجسم وغيرها، وكذلك تظنون باهل هذا القول وباسراره من
الباطلات المذكورة ومن مثل ما قالوا المسيح أو العزيز ابن الله والملائكة بنات الله، تعالى
عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
213 - 5 بل ينبغي ان تعرف معنى المقابلة بين النسختين الإلهية والكونية، كون ظاهر



(1) - بالنصب عطف على المقابلة وقوله: كلام مجمل، خبر لقوله: ان المقابلة... - ش
660
الحق مجلي واحدا لباطنه وهو متجل بباطنه لظاهره وجامع بالحضور بين الحضرتين، فان
غيب هوية الحق من حيث اطلاقها مسمى بالباطن، وحضرة الامكان بصبغته القديمة ممن
امتاز عنها بمعنى الظلية لاستعداداتها الأزلية الغير المجعولة للامتيازات الواقعة متصفة
بالظهور، فالمجالي صور الاصباع القديمة التي هي الشؤون الأصلية للمتجلى، كما أن تعدد هذا
المجلى الواحد لتعدد تلك الشؤون بسبب ترتيب وتوقيت ينشئان من خصوصيات الاصباع
الاستعدادية، فهما أيضا من جملة الأحوال المضاف إليها الآثار، كنفس الشؤون ونفس المجلى
الواحد المتعدد بحسبها.
214 - 5 ثم الانسان مجمع مظهريات المجالي الحاكية لباطنها فيشمل على المحاكاتين،
والاقتصار على هذا المقدار يحقق الذوق الأول من معرفة التقابل، وان أريد تحقيق ان
البطون والظهور كل منهما نسبة لا تحقق لهما ولا معتبر لهما الا بالنسبة إلى مداركنا كما مر
مرارا، فالمتحقق ليس الا هو الحق الواحد الاحد، فالكل عينه، حصل الذوق الثاني الأتم من
معرفة التقابل الاعلى الأتم.
215 - 5 ثم نقول: ولتحقيق هذا مقدمات:
216 - 5 الأولى ان حضرة الامكان المسمى بالبحر الكوني وحضرة الكون هي في
الحقيقة ظل الوجود الحق، لان الحق هو الظاهر بنوره الذاتي وهذه الحضرة ظاهرة باشراقه
عليها وتوجهه إليها، وذلك كون ظهوره بحسبها الذي هو معنى الظلية المذكورة في قوله
تعالى: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل (45 - الفرقان) أي ظل التكوين على الحقاق القابلة، أي
كيف أظهرها بحسبها لا بحسبه - والا لم يتفاوت -
217 - 5 الثانية ان سبب امتداد هذا الظل توجه خاص من حضرة الهوية خصوصية
ناشئة يبعث عليها طلب كمال الجلاء والاستجلاء في صورة الانسان الكامل، وذلك التوجه
نحو العماء المفسر بالنفس الرحماني الاحدى والصورة الوجودية المطلقة الذي هو - أي ذلك
العماء - مرتبة ذلك الانسان الكامل - كما قلنا إنه لا يشهده الا هو - ونحو المركز الذي

661
يتعين به الدائرة الكونية ويستقر فيه الصورة الآدمية الجامعة، وهو مركز دائرة العماء
- بالمهملة - لا الغماء - بالمعجمة - وإن كان الثاني انسب لقولنا: يتعين به الدائرة الكونية،
وذلك لأنا ما اقتصرنا عليه، بل ضمنا إليه قولنا: ويستقر فيه الصورة الآدمية الجامعة،
فالمراد إذا المركز الموصوف بالصفتين، وذلك هو المركز الواقع بين الظل الامكاني والبحر
الكوني المذكور وبين من امتد عنه وتعين منه، وهو الوجود الحق والوجوب الإلهي الظاهر
بنوره الذاتي، وبذلك صار المرتبة العمائية الانسانية الكاملة برزخا بين الحضرتين.
218 - 5 الثالثة ان شأن هذا الظل المسمى بالامكان التي هي من حيث اعتبار وحدتها
حقيقة العالم الاتصاف بالظهور، وذلك بسبب صبغته القديمة باصباع الشؤون الأزلية التي
هي الحقائق الغير المجعولة، وبسبب الحكم المصاحب لذلك الظل، كاستعدادات اصباغه الغير
المجعولة الحاصل ذلك الحكم من ذات من امتاز عنه بطريق الظلية فقط، أي بلا توسط
ومدخل لغيره، إذ لا غير ثمة، ولذا تسمى تلك الاصباع الشؤون الذاتية ويسمى حصولها من
ذاته سبحانه الفيض الأقدس، وعبر أكمل الخلق عن فيضه بقوله: قبل من قبل لا لعلة ورد
من رد لا لعلة، أو المراد امتياز الظل عن الذات بمعنى الظلية فقط، لا بمعنى ان له وجودا
محققا غير وجوده، فان وجود الظل عين وجود النور بحال يقتضيه مرتبته، إذ كل ما ليس
بنور فهو ظلمة وهى عدم لا وجود لها.
219 - 5 فهذا الظل المتصف بالظهور هو المجلى لغيب الهوية المطلقة التي من حيث
اطلاقها يسمى بالاسم الباطن، فكان ظاهر الحق على ما يقتضيه الظهور المطلق مجلي واحدا
لباطنه، ولا يتعدد هذا المجلى الواحد الا لتعدد شؤون المتجلى التي هي الحقائق الغير المجعولة
وأحواله على ترتيبها الحاصل من تفاوت الاستعدادات وتوقيتها الحاصل من ترتب تمام
الاستعداد، فالترتيب أعم من التوقيت، فكل منهما من جملة الأحوال المضاف إليها الآثار، كما أن
المجلى نفسه من جملة تلك الشؤون والأحوال، فالكلمة الجامعة ان تعدد المجلى ليس الا
بالشأن والآن الإلهيين كما مر مرات.

662
220 - 5 إذا تقررت هذه المقدمات فنقول: بعد ما تقرر ان ظاهر الحق المسمى بالخلق
مجلي لباطنه، وفي تميزها بينهما من الاعتبارات بحسب الأذواق المختلفة والادراكات المتفاوتة
ان تلك الاعتبارات من وجوه:
221 - 5 الأول: ان اعتبرت أو شوهدت الأحدية الوجودية في الحضرة الإلهية وأسمائها
الفاعلة وفي الحضرة الكونية وحقائقها القابلة، اما في الأولى
فبنسبة البطون، واما في الثانية فبنسبة الظهور، قيل: الكل حق، لأنه الموجود المحقق لذاته الواحد الاحد، والأسماء نسب
فاعليته من حيث بطونه، والحقائق الكونية نسب قابليته من حيث ظهوره.
222 - 5 الثاني: إذا اعتبرت نفس الكثرة وجودية، سواء اعتبرت في الحضرة الأسمائية
الإلهية - أي في تعينات الأشياء من حيث الفاعل - أو في حضرة الحقائق الممكنة - أي في
تعيناتها من يحث القابل - أو فيهما معا، قيل: إنها خلق وسوى وحقيقة ممكنة وظاهرة، و
هي مظاهر وشئون وأسماء، لان الكثرة الوجودية ليست شأن الحق الواحد، بل مضافة إليه
بنوع.
223 - 5 الثالث: متى لم يعتبر الكثرة وجودية، بل نسبة راجعة إلى عين واحدة، اما لان
الكثرة انما هي بالتعينات التي هي نسب الذات المتعين واما لأنها ناشئة من نسبة الظهور،
وهذا ذوق المحقق المعتلى على العارف وذوقه، قيل: الكثرة أسماء الحق وأحواله ونسبه
ونحو ذلك. وكون هذا الذوق أعلى من ذوق العارف يعرف مما قال قدس سره في تفسير إياك
نعبد: ان قبلة العارفين وجود مطلق الصورة الربانية وظاهر الحق، وقبلة المحققين وجود
الحق ومرتبته الجامعة بين الوجود والمراتب من غير تفرقة وتعديد، وذلك لان البون بين
شهود ظاهر الوجود وبين شهود مطلقه ذاتا ومرتبة بين، كما أن قبلة الراسخين مرتبة الحق من
حيث عدم مغايرتها ولها حضرة أحدية الجمع، وقبلة الانسان الحقيقي الكامل الأكمل
حضرة الهوية التي لها أحدية جمع الجمع المنسوبة لجميع المتقابلات من الظهور والبطون
والجمع والتفصيل وغيرهما.

663
224 - 5 الرابع: إذا اعتبرت الكثرة من حيث الامر الجامع لها وعقلت متوحدة مجردة
عن الصبغة الوجودية، فهي الظل المشار إليه المسمى بالامكان، وهو حقيقة العالم وعينه
الثابتة من جهة كونه عالما لا من جهة كونه أسماء للحق، إذ المعتبر حينئذ كثرته النسبية لا
وحدته، ولا من جهة كونه خلقا، إذ المتعقل حينئذ كثرته الوجودية لا وحدته، ولا من جهة
كونه حقا، إذ المتعقل حينئذ وحدته الوجودية لا المجردة عن صبغة الوجود.
225 - 5 الخامس: متى نظرت إلى العالم بعين الجمع في الوجود بين الحق والخلق، رأيت حقا
في خلق، لان الوجود الواحد في ذاته ظهر في صور أعيان كثيرة كما قال تعالى: كل يوم هو في
شأن (29 - الرحمن) فالكثرة في شؤونه وأحواله وظهرت في مرايا أعيان العالم. أو رأيت خلقا في
حق ظاهرا به، إذ لولا الوجود لما ظهرت أعيان العالم. أو رأيت الامرين معا وقلت: الوجود يلحقه
كل تسمية بحسب مرتبة حالية، فبنسبة البطون والمتجلى حق وبنسبة الظهور والمجلى خلق،
فالوجود الحق في ذوق هذا المقام مرآة أحوال الأعيان واعيان العالم مرآة لوجوده.
226 - 5 قال قدس سره في النفحات: فنحن من حيث حقائقنا التي هي صورة معلوميتنا
الثابتة في علم الحق أزلا، مرايا للوجود المطلق الذاتي، فإنه سبحانه عين الوجود لا وجود لسواه،
فهو يستجلى فينا نفسه، وحضرته مرآة لأحوالنا المتكثرة وتعدداتنا، فنحن لا ندرك الا بعضنا
بعضا - لكن في الحق - فيحب منا ما نستجليه فيه وليس غير الصفات والأحوال، وهو
يحب فينا نفسه من حيث إن رؤيته لنفسه في مرآة مغايرة له من وجه مخاف لرؤيته نفسه في
نفسه لنفسه، بل لا رؤية هناك ولا تعدد، لان المرآة المغايرة تبدى حكما لم يكن متعينا
بدونها، وهذا سر من اطلع عليه عرف سر الذات والصفات والأحوال والمرايا والمحال، وان
العالم بحقائقه وصوره مرآة للحق من وجه والحق من وجه اخر مرآة للعالم. وذكر لي شيخنا
رضي الله عنه باخبار من الحق له ونص صريح انه لا أعلى من ذوق الجمع بين الامرين

664
ولا أكمل منه في نفس الامر، فاعمل الهمة، فعلى مثل ليلى يقتل المرء نفسه. تم كلامه.
227 - 5 ثم نقول: ولما توقف ظهور صورة الانسان - كما قال في التفسير - على توجه
الحق بالكلية إليه حال ايجاده وباليدين - كما أخبر سبحانه - واحدى يديه الغيب
والاخرى الشهادة، فعن الواحدة ظهرت الأرواح القدسية وعن الأخرى الطبيعة
والأجسام والصور، ولهذا كان جامعا لعلم الأسماء ومنصبغا بحكم الحضرات أجمع، فلم يتقيد
بمقام يحصره حصر الملائكة كما قال: وما منا الا له مقام معلوم (164 - الصافات) ولا حصر
الأجسام الطبيعية، كان لمرتبة الانسان المتعينة في العماء الجمع بين حكمي الحضرتين
الحقية والخلقية أو الوجوب والامكان جمعا احاطيا لا جمعا احديا، فهو المرآة لهما ولما
ينضاف إليهما ولكل ما اشتملا عليه، إذ لا خارج عن العماء من المتعينات فهي مرتبته، فلذلك
صار بتفصيله الظاهري والباطني نسخة للعالم وحقائقه - كما ذكره الشيخ الكبير رضي الله عنه
في التدبيرات الإلهية في المملكة الانسانية - وصار لجمعيته الأحدية بينهما مظهر الحضرة
الجمع الاحدى الإلهي ونسخة لها.
228 - 5 فهذا معنى تقابل النسختين على التفسيرين لهما - لكن بالذوق الأول - وهذه
الجمع الاحاطي لا يشهده الا الكمل كما مر، لان الانسان إذا تحرر من رق المقامات وخلص
بالاعتدال الوسطى عن احكام جذبات الأطراف فقبلته وتوجهه إلى حضرة أحدية جمع
الجمع كما قلنا، اما ان مال إلى طرف لمناسبة جاذبة قاهرة غلب عليه حكم بعض الأسماء
والمراتب وانحرف واستقر في دائرة ذلك الاسم الغالب وارتبط به وبالحق من حيث مرتبته
وصار مستمده وغاية مبتغاه، كذا في التفسير.
229 - 5 فنقول: فمن غلب على حاله مشاهدة أحد الطرفين رأى خلقا فحسب، كجمهور
الخلق، أو حقا فقط، كأصحاب الشهود الحالي التوحيدي، والأول حكم الظاهر وهذا حكم
الباطن ولهما احكام:

665
230 - 5 منها: ان الظاهر أقوى حكما من الباطن واعم، لان نسبته لمرتبة الجمع الذي له
الحكم المطلق بنفسه ولا حكم لغيره الا به أتم، والباطن ليس له جميعة الظاهر، فله الحق
وللظاهر الجمع بين الحق والخلق.
231 - 5 ومنها: انه لما صح ان الحق لا يبطن عن نفسه لم يكن ظهوره له عن بطون متقدم،
فهما نسبتان لواحد يتعينان ثم يتجدد ادراكه وإليه ينظر قوله: كنت كنزا مخفيا فأحببت ان
اعرف، لا بالنسبة إلى الحق.
232 - 5 ومنها: ان ما يفيض من الباطن اخذه الظاهر، كما أن ما غاب مما ظهر فهو
راجع لما بطن، ومن مظهر هما الليل والنهار.
233 - 5 ومنها: ان كل ما تفرق مما قد اجتمع فقد استهلك في دائرة جمع أكثر من
ذلك، وما فنى مما تعدد فقد اندرج في واحد يتقلب كما قال تعالى: وان إلى ربك المنتهى
(42 - النجم) وإلى الله عاقبة الأمور (22 - لقمان)
234 - 5 فان قلت: فاجزاء العالم مفروع عنها والاختلاف في أحوالها فما معنى قوله:
ولدينا مزيد (35 - ق)؟
235 - 5 قلنا: يعنى به ما أفاد به الصبغة والسريان في كل ما مر عليه اتيانا بالبسط
الوجودي وعودا بالإجابة لداعى الحق عند حصول الكمال الذي أهل له المدعو، كما ورد به
الامر الحق الإلهي لأكمل الكمل في قوله تعالى: إذا جاء نصر الله والفتح (1 - النصر) حيث
ذكر في معناه: إذا جاء المدد الملكوتي والتأييد القدسي والفتح المطلق الذي لا فتح ورائه وهو
فتح باب الحضرة الأحدية والكشف الذاتي بعد الفتح المبين في مقام الروح للمشاهدة،
ورأيت الناس المستعدين بالمناسبة التامة لقبول فيضك يدخلون في التوحيد والسلوك على
الصراط المستقيم مجتمعة كأنهم نفس واحدة، فنزه ذاتك من الاحتجاب بمقام القلب الذي
هو معدن النبوة بقطع علاقة البدن والترقي إلى مقام حق اليقين الذي هو معدن الولاية الذي
لا يستمر الا بعد الموت، ولذلك لما نزلت، استبشر الأصحاب وبكى ابن عباس، فقال صلى الله

666
عليه وآله: ما يبكيك؟ قال: نعيت إليك نفسك، فقال عليه وآله السلام: لقد أوتي هذا
الغلام علما كثيرا، وسميت سورة التوديع، وعاش بعدها سنتين.
236 - 5 واعلم أن تقابل نسخة العالم ونسخة آدم باشتمال الانسان على مجموع ما في العالم -
بناء على ما قلنا - انه صار بتفصيله الظاهر والباطني نسخة العالم وحقائقه، على ما هو خلاصة
الذوق الأول يستدعى بيانه بسطا، فلنذكر ما ذكره الشيخ الجندي في رسالته ضبطا لمزيد
التنبيه على الكمالات الانسانية التي نحن بصدد تعدادها وتردادها. قال: النشأة الأحدية القرآنية
للشخص الإنساني مثل النشأة التفصيلية الفرقانية التي للانسان الكبير بالصورة لا بالمعنى.
237 - 5 فنظير الأفلاك التسعة طبقات أعضائه التسعة المتناضدة المصلح كل عال
لسافله من المخ والعظم والعصب واللحم والدم والأوردة والشرائين والجلد والشعر والظفر.
238 - 5 ونظير الأقسام الاثني عشر المسماة بالبروج الثقب الاثني عشر التي نصفها في
اليمين الجنوبي ونصفها في الشمال الشمالي، وهى ثقبتان في كل من العين والاذن والأنف
والثدي والفرج مع الفم والسرة.
239 - 5 ونظير السيارات الأعضاء الرئيسية السبعة، وهى الدماع والقلب والكبد
والطحال والرئة والكلية والأنثيان. أو الأعضاء الالية، وهى اليد والرجل والعين والاذن
واللسان والبطن والفرج.
240 - 5 ونظائر روحانيات الكواكب السبعة الفعالة القوى السبعة المدركة، فالحواس
الظاهرة كالمتحيرة والعاقلة كالشمس والناطقة كالقمر، إذ الناطقة مستفيدة للنور عن
العاقلة ولذلك عدد حروف النطق كعدد منازل القمر.
241 - 5 وكما أن لكل من الخمسة المتحيرة بيتين، لكل من الحواس الخمسة مجريان،
فللذوق الفم والفرج وللمس اليدان والباقي ظاهر.
242 - 5 وكما لكل من الشمس والقمر بيت واحد، فللعاقلة بيت واحد هو وسط
الدماع كوسط الأفلاك للشمس وللناطقة اللسان.

667
243 - 5 ونظير الجوزهرين (1) الصحة والسقم، حيث لا يدرك ذاتهما بل اثرهما، ولذلك
أغلب آثارهما في الدماع والقلب كآثار الجوزهرين في الشمس والقمر بالخسوف
والكسوف، ولذلك يسرى صحتهما وسقمهما في سائر الأعضاء - سريان حال الشمس والقمر
في سائر الكواكب -
244 - 5 ونظائر الحدود والوجوه والدريجان والبهرات والأثنى عشريات والدرج
والدقائق، سائر الأعضاء من الأعصاب والعروق والمفاصل والأمعاء وغيرها.
245 - 5 ونظير الأركان الاخلاط. وفي الأعضاء: الرأس كالنار والصدر كالهواء البطن
كالماء والأسفل كالأرض، ثم البدن كالأرض والعظام كالجبال والبطن كالبحر
والعروق كالأنهار والمخ كالمعدن والشعر كالنبات والقدام كالمشرق والخلف كالمغرب
واليمين كالجنوب والشمال كالشمال، والانفاس كالرياح والصوت كالرعد والقهقهة
كالصواعق والبكاء كالمطر والغم كظلمة الليل والنوم كالموت واليقظة كالحياة والصبا
كالربيع والشباب كالصيف والكهولة كالخريف والشيخوخة كالشتاء، والحركة
كدوران الكواكب والحضور كالطلوع والغيبة كالغروب واستقامة أموره كاستقامة
الكواكب والتوقف كالرجوع والجاه والرفعة كالشرف والأوج وعكسه كالهبوط،
والغربة كالوبال والاجتماعات والافتراقات كالاتصالات والانفصالات، والأمير كالشمس
والوزير كالقمر والكاتب كعطارد واللاهي كزهرة والجندي كالمريخ والقاضي
كالمشتري والدهقان كزحل، هذا كله وأمثاله للجسد.
246 - 5 واما باعتبار النفس: فالنفس الانسانية كالملك والجسد كالمدينة والقوى
كالعسكر والأعضاء كالرعايا والخدم والحواس الظاهرة كأصحاب الاخبار المنصوبة في



(1) - تلك الاصطلاحات ومعانيها كلها مذكور في رسالة سى فصل لخواجه نصير الدين الطوسي قدس سره
وسائر كتب معرفة التقويم فليراجع إليها.
668
كل ناحية معينة من المملكة لايصال خبر مخصوص لا مشارك له فيه.
247 - 5 ثم القوى الخمس الباطنة للنفس الناطقة، ثلاثة منها كالندماء والحجاب
والخواص المطلعة على اسرار الملك، وهى المتخيلة في مقدم الدماع والمفكرة في وسطه والحافظة
في اخره، والرابعة وهى الناطقة كالترجمان المعبر عما في ضمير الملك، والخامسة وهى العاقلة
كالوزير المدبر لضبط المملكة وسياسة الرعية، وهذه القوى متفاوتة في اتمام أمر الملك،
فالمتخيلة تأخذ صور المحسوسات من الحواس الظاهرة ويسلمها إلى المفكرة، فيميز المفكرة
بين الحق والباطل وهى يسلمها إلى الحافظة ليأخذ منها الذاكرة وتعبرها الناطقة بعبارة
يوافق إرادة النفس ليستعملها العاقلة في أعمالها المذكورة.
248 - 5 وهذا أدل دليل على أن للنفس الكلية قوى مبثوثة في السماوات والأركان
والمولدات لمحافظة المخلوقات واصلاحها، وهى الملائكة وخواص الحق سبحانه كما قال
تعالى: لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون (6 - التحريم) ويظهر ان الله سبحانه:
لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض (3 - سبأ) فان شأن النفس الجزئية
في مملكته التي هي البدن مع فقرها وعجزها ذلك، فخالق الكل والقادر عليه بالأولى كما
قال تعالى: الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14 - الملك)
249 - 5 ويعلم من ذلك ان كل موجود حتى الذرة في طاعته الذاتية ولا يصدر عن
موجود ما حركة أو سكون الا بأمره وارادته، وعن هذا قال عليه وآله السلام: من عرف
نفسه فقد عرف ربه.
250 - 5 واعلم أن في الانسان خاصية المعادن وهى (1) الكون والفساد، وخاصية
النبات من الغذاء والنمو، وخاصية الحيوان من الحس والحركة، وخاصية الانسان من النطق
والفكر واستخراج العلوم والصنائع، وخاصية الملائكة من الطاعة والحيوة، بل له الخاصية
الكلية لجميع الحيوانات من جلب المنفعة ودفع المضرة اما قهرا وغلبة - كالسباع - وهم



(1) - وهى: أي: حفظا للصورة حفظ الصورة (كذا في المطبوع)
669
الملوك، أو تملقا - كالكلب والهرة - أو حيلة - كالعنكبوت - فالانسان المسلح كالقنفذ
والسلحفاة، والهارب كالطير والأرنب، والمتحصن كالحشرات، والمحيل كالغراب،
والشجاع كالأسد، والجبان كالأرنب، والسخي كالخروس، والبخيل كالكلب،
والفخور كالعقاب، والوحشي كالنمر، والأنيس كالحمام، والخبيث كالثعلب، والسليم
كالغنم، وقوى العدو كالغزال، وبطئ الحركة كالدب، والعزيز كالفيل، والحقير كالحمار،
والسارق كالفأرة، والمفخر كالطاووس، والمسافر كالقطا، والأستاذ كالنحل،
ومستقيم السير كالتيس، والضعيف كالعنكبوت، والقوى كالسمندر، والحليم كالحمل،
والحقود كالجمل، والحمول كالبقر، والشموس كالبغل، والأبكم كالحوت، والناطق
كالجراد، والحريص كالخنزير، والصبور كالحمار، والمبارك كالطوطي، والشؤم كالبوم،
والنافع كالنحل، والضار كالبازي.
251 - 5 وفي الجملة كل موجود له نظير ومشارك الخاصية مع الانسان، غير أن
المحققين على ثلاثة مشاهد فيه:
252 - 5 الأول مشهد عموم الحكماء وعلماء الرسوم ان الانسان نسخة مختصرة من
مجموع العالم.
253 - 5 الثاني مشهد المحققين من أهل الكشف انه آخر بالصورة وأول بالمرتبة، لان
الله خلقه على صورة ذاته بالحديث وخلق العالم على صورته، كما قال عليه وآله السلام:
أول ما خلق الله نوري.
254 - 5 الثالث ذوق أهل الكمال المتعلق بمشرب خاتم الولاية ان مراد الايجاد كمال
الجلاء والاستجلاء، أي كمال ظهور الحق وشهوده، أي بالذات والأسماء والصفات،
والمظهر الأكمل والمرآة لظهور أحدية جمع جميع الكمالات ليس الا الانسان، لكن له
صورتان: تفصيلي فرقاني - هو مجموع العالم من العقل الأول إلى آخر موجود معه - واحدى

670
قرآني - وهو الانسان الكامل المقصود بالقصد الأول المسبوق ظهوره بتفصيل اجزائه -
وهذا مشهد الكمل.
255 - 5 واعلم أن الظاهر بكلا الظهورين التفصيلي والأحدي هو الحقيقة المحمدية
صلى الله عليه وآله وهذا هو سر المماثلة والمضاهاة والمقابلة بين النسختين، والله أعلم، هذا
كلام الجندي.
256 - 5 وأقول: كما أن في المشهدين الآخرين إشارة إلى ذوق مقابلة نسختي العالم
وآدم، كذلك فيهما إشارة إلى ذوق مقابلة نسختي الانسانية والإلهية التي من جملة اسرارها
ما ذكره الشيخ قدس سره في شرح حديث: رأيت ربى في أحسن صورة: من أنه سبحانه انما
تجلى في الصورة الانسانية، لان الحقيقة الانسانية أجمع الحقائق وأتمها حيطة، وصورتها نسخة
متحصلة من الحضرة الإلهية المشتملة على جميع الأسماء والصفات، ومرتبة الامكان المشتملة
على جميع الممكنات.
257 - 5 فظهر ان الانسان مظهر عالم الغيب وأنامله مظاهر حقائق أمهات الأسماء
الخمسة التي بنيت عليها أركان الاسلام والايمان والاحكام الخمسة التكليفية والصلوات
الخمس، فمحتدها الحضرات الخمس وفوقها تلك الأمهات الخمس الأسمائية. واليد اليمنى
مظهر عالم الأرواح والشمال مظهر عالم العناصر، ولكل من اليدين فصول وأصول:
258 - 5 ففصول كل أربعة عشر فلهما ثمانية وعشرون، باطنها حقائق الحروف الثمانية
والعشرين: أربعة عشر منقوطة وأربعة عشر خالية عن النقط، كما أن مظاهرها من أمهات
صور العالم ثمانية وعشرون منزلة: أربعة عشر ظاهرة وأربعة عشر باطنة.
259 - 5 واما الأصول التي مظاهرها الأنامل: فخمسة متفاضلة الدرجات وأعلاها
وأعمها حيطة العلم، وهو الأصل المتوسط وعن يمينها أصلان: الحياة بالمسبحة (1) والقدرة



(1) - بالسجة - ط - في المعجم اللغة: السباحة: الإصبع السبابة.
671
بالابهام، وعن يسارها الإرادة والقول، وكل أصل له ثلاثة فصول الا أصل القدرة، فان
له فصلين لسرين عظيمين: أحدهما: ان كلا من الأربعة عام التعلق، بخلاف القدرة، فإنه
محجور الحكم عن أن يتعلق الا بالممكن. والاخر: ان كيفية تعلق القدرة بالمقدور غير
واضح، فان امره في مبدأ الايجاد في غاية الغموض، لان التجلي الوجودي المنبسط النور
على الممكنات المستجنة في أنفسها في ظلم امكاناتها غير مجعول، والممكنات من حيث
حقائقها المتعينة في علم الحق لا يوصف بالجعل كما قرر.
260 - 5 فلا يعقل من اثر القدرة الا اقتران الوجود المفاض بالعين الممكنة، والمتصور
للكمل من الاقتران حركة معقولة توجب الاتصال، ولا حركة يتصور في المعاني والحقائق
المجردة البسيطة، مع أن هذا مقام ابهام لا جرم كان ابهام الذي مظهر القدرة ذا مفصلين،
هذا مع تعذر النطق بان اثر القدرة ليس بأمر وجودي، بل الحاصل من تأثيرها نسبة ما -
لا غير - هذا كلام الشيخ قدس سره في شرح الحديث.
261 - 5 ثم نقول في أصل تلقى الوجود: اعلم أن التلقيات الواقعة في التنزل هي حكم خفاء
وظهور كما قلنا، فاما ظهور من خفاء بصورة افتراق وبسط أو خفاء من ظهور بصورة جمع و
قبض.
262 - 5 قال الفرغاني: كما أن التعين والتجلي الأول له الوحدة والجمع والاجمال الحقيقي،
وتفصيله النسبي اعتبارات الواحدية المندرجة فيها، وجمع ذلك التفصيل النسبي هو التعين
والتجلي الثاني الواحدي، وتفصيله كثرة المعلومات والكثرة النسبية الظاهرة بالأسماء، وجمع
هذه التفرقة حقيقة القلم الاعلى ووجوده، وتفرقته حقيقة اللوح المحفوظ بما اشتمل عليه من
الأرواح والروحانيات، وجمع هذه العين الهبائي وتفرقته العرش والكرسي وجميع الصور
المثالية، وجمع ذلك العنصر الأعظم وتفرقته الأركان والسماوات والمولدات بجميع صور
أجناسه وأنواعها وبعض اشخاصها، والجمع الحقيقي والاجمال الغائي لهذه التفرقة صورة

672
آدم، وتفصيله من حيث كليات ما كان معناه وصورته جامعا له انما كان حقائق الخلفاء
والكمل، بل كل منهم جمع واجمال لتفرقة من هو تحت حيطته من قومه قابلا كان أو آبيا،
وصورة جمعية الجميع تابعهم ومتبعوهم انما كان الصورة المحمدية الأكمل ومعناه وحقيقته
الا جمع، وتفرقة هذه الأحدية الجمعية حقائق الكمل والخلفاء والأقطاب والابدال ومن كان
تحت حيطة كل واحد من الأمة المحمدية. هذا كلامه.
263 - 5 ثم نقول: في اختلاف تلك التلقيات وأسبابه واصله ما قال في التفسير: ان
مراتب الأسماء لما كانت مرتبطة واحكامها مشتبكة متداخلة بالتوافق والتباين، الموضحين
حكمي الابرام والنقض، صارت أحوال الخلق متفاوتة مختلفة، لان اجتماعات الاحكام
الأسمائية على ضروب، فيحصل بينها كيفيات معنوية مقرونة بتقابلات روحية، فيحدث
في البين ما يشبه المزاج، فكما يقال هذا مزاج صفراوي وذاك بلغمي، يقال هذا عبد العزيز
وذلك عبد الظاهر وذلك عبد الباطن أو عبد الجامع وآدم في السماء الأولى وعيسى في الثانية
إلى غير ذلك.
264 - 5 ثم إنه يحصل بين تلك الأمزجة المعنوية والروحانية وبين هذه الأمزجة الطبيعية
اجتماع اخر تظهر له احكام مختلفة تنحصر في ثلاثة أقسام: باعتبار غلبة الاحكام الروحانية
حتى صارت الطبيعية تابعة لها كالمستهلكة فيها، أو بالعكس - كجمهور الخلق - وقسم ثالث
يختص بالكمل ومن شاء الله تعالى من الافراد وآيتهم: اعطى كل شئ خلقه ثم هدى
(50 - طه) فيظهر بحسب هذه الأقسام سلطنة الغالب منزه ومشبه وجامع ومشرك
وموحد وغير ذلك. هذا كلامه.
265 - 5 إذا علم ذلك فليعلم ان كل ما يجرى في حضرة الوجوب والامكان من
الارتباطات الثابتة الأصلية بحكم الجمع الاحدى الأصلي. والمناسبة الأصلية الناشئة من
الأسماء الأصلية ومن الارتباطات الموقتة لتوقيت تمام الاستعداد ومن المحاذاة المحدودة
بوجوه:

673
266 - 5 الأول بالمناسبات المحدودة الموهوبة أو المكتسبة مع سريان حكم الجمع
الاحدى، إذ لا محيص عنه. الثاني بالتساوي والموازنة في الاحكام. الثالث بالاشتراك فيما
حصل فيه الجمع والتركيب من الأسماء والحقائق، وبحسب ذلك الحاصل من جمعها الروحاني
أو الصوري كل منها هي المسماة بالمضاهاة ونحوها من الاتحاد والقرب والمحبة ونحوها، كما
يسمى التقابل بنسبة التضاد والتخالف في بعض ما ذكرناه في الجمع والمناسبة من الأقسام
مباينة وبعدا ومعاداة معنوية أو صورية.
267 - 5 وكل ذلك من احكام الاجتماعات الأسمائية المذكورة في التفسير يظهر أولا في
عالم الأرواح كما ذكره ثم في عالم الطبيعة ثم فيما بين العالمين، حتى يعتبر الاعتدالات الثلاثة
في الامتزاجات الثلاثة في الانسان الكامل، كما قال: ثم الارتباط الظاهر بين الأشياء هو
حكم ذلك الجمع والمناسبة، كما أن الانفصال والافتراق هو حكم المباينة بغلبة ما به الامتياز
على حكم ما به الاتحاد والاشتراك، إذا ظهر يسمى صداقة أو عداوة أو محبة أو بغضا أو
نحوهما، وإذا عقل من حيث بطونه يسمى جنسية أو نوعية أو تضادا أو تناقضا أو مداخلة أو
مباينة أو نحوهما.
268 - 5 ثم كل من الظهور والبطون والارتباط والانفصال ذاتي للحضرتين الإلهية
والكونية وما فيهما وما بينهما أبديا كان أو مؤجلا مشروطا، وبالوجود يظهر التميز الكامن فيه
وفي الحضرتين، وكونه مشروطا لا ينافي الذاتية، لجواز اقتضاء الذات الواحدة الأحوال المختلفة
بالشروط المختلفة، كاقتضاء الطبيعة الواحدة السكون بشرط الحصول في المكان الطبيعي
والحركة بشرط الخروج عنه.
269 - 5 ثم نقول: وعدد الموجودات بمقدار عدد رقائق الأسماء والصفات و احكامهما،
لان لكل موجود كما مر اسما يدبره ويتعلق به، وتعلقه هو الرقيقة ويتضمن صفة يتعلق
به، وصورة ذلك الموجود حكم ذلك الاسم، وذلك لان كل نسبة وتعلق لاسم حكم له، لأنه
حاصل به، وكل حكم صورة يعرف بها صاحبه، وكل صورة مجلي لذلك الاسم ذي الصورة

674
متخصص من مجلي جامع للمجالي، وهو محتد المجالي لمطلق حقيقة الحقائق الامكانية،
والمتجلى هو الحق بأحواله الذاتية المتميزة بذات الحق، اما الأول فلان علمه بأسمائه من
عين علمه بنفسه كما تقدم، واما الثاني فلان أسمائه بالنسبة إلى ذاته عين ذاته سبحانه، والحق
هو المميز للمجلى الكلى أيضا.
270 - 5 لما مر ان التجلي الاحدى الكمالي الذاتي هو المستتبع للتجلي الكمالي الأسمائي
برقيقة غيبية عشقية بينهما، الذي به تعين القوابل برش محبته عليها، ونفس الوجود الإضافي -
أعني الموجودية - تجل من تجليات غيب الهوية والحقيقة المطلقة الكبرى وتعين حالي له
كباقي الأحوال الذاتية، لما قلنا مرارا نقلا من الشيخ قدس سره: ان وجود كل شئ تعين
للحق من حيثيته، فالحق له أحدية الجمع الذاتي في ذاته وتجليات متعددة نسبية بحسب
القوابل، فمتى لحظ توحد تلك التجليات بأحدية الجمع الذاتي كانت تلك التجليات عين
الجمع، ومتى اعتبر تعددها بحكم الامتياز والظهور لتعدد القوابل كان التجلي الجمعي
الاحدى الذاتي عينها وكان ظاهرا من حيث تلك التجليات القابلة المتعددة بحسبها، وإذا
كان كل موجود صورة حال من الأحوال الذاتية للحق كان كل موجود كلي - كالقلم
واللوح - صورة حال كلي، كالمعنى الجامع لجميع المعاني الأسمائية والكونية جمعا احديا أو
احاطيا، وكذا الموجودات الشخصية صور الأحوال الجزئية والرقائق الأسمائية المتفرعة
المتعينة.
271 - 5 وقد نبهتك ان الأحوال وإن كانت ذاتية ومقتضاة للذات، فهي متفاوتة
بالكلية والجزئية والموافقة والمباينة والمناسبة والتضاد وغيرها، فان التفاوت لا ينافي الذاتية.
272 - 5 والتحقيق ان مقتضى الذات بالاقتضاء الواحد هو التجلي المطلق الاحدى الذي
من شأنه ان يظهر بحسب القوابل، لا بحسب نفسه، إذ مقتضاه ظهور تجليه كذلك،
فالتفاوت نشأ من شأنه ذلك لا من نفسه، ولا ريب ان نسبة المطلق إلى المتقابلات سواسية، وان

675
نبا فهمك عن هذا فأونسه بمثال يعرفه الخاصة وهو تقابل أسماء الله وصفاته مع أحدية ذاته.
273 - 5 فتحقق هذا تعرف معظم ما يدندن (1) عليه العارفون وما يضن بكشفه
الرامزون، وتحقيقه يظهر عند فهم ما قال الشيخ قدس سره في النفحات: ان النبأ العظيم أو
الصراط المستقيم الذي يسلك عليه المسافرون بالله من الكمل بعد تعدى (من) و (إلى)
وبعد شهود وحدته فيما سفل وعلا ان يرى كل ما ذكر مع إثبات غيرية يقضى برفع شئ
أو ترجيح نور على فئى، فليس الا دورة أبدية على نقطة أزلية يتعين بينهما الشئ وشئونه التي
متى لحظ ظهور تعينه في كل منها بحسب ذلك الشأن قيل: هو هي، وظهور التعدد
والاختلاف من الشئ بين شؤونه وبينه، وان لحظ رجوعها إليه واجتماعها من حيث
توحدها أو عدم مغايرة بعضها بعضا لديه قيل: هي هو، وشأن الشئ علما ووجودا
وكشفا وشهودا لا يخلو عن الامرين المذكورين ولا ينفك جمعا وتفصيلا عن التلبس
بالحكمين، فلا ينحصر الامر في تعظيم ولا تحقير ولا ترك ولا تخيير ولا تعريف ولا تنكير، والكل
ثمة وما ثمة كل، ولا ثمة الا من حيث ثمة، إذا استولى على أمر ما ظهر سلطانه حال غلبة حكمه
واستيلائه فإنه أو انه، ورب انسان يقصد التلبس بحالة كونية لحكمة موطنية، فيأبى
الغالب عليه الا الظهور بما فيه ولديه، عكس الذي أشار بعض العارفين بقوله:
أبت غلبات الشوق الا تقربا * * إليك ويأبى الحال الا تجنبا
274 - 5 نعم قد قد علم كل أناس من الشاربين مشربهم المورود، كما تحقق آخرون
بالاستهلاك في حضرة أحدية الجمع والشهود، فانضاف إليهم كل حال ووصف، فكانوا
المعنى المحيط بكل حرف، فهم كائنون بائنون كامنون بارزون راحلون قاطنون ثابتون
منتفون لا يحصرهم رسم ولا اسم ولا فهم ولا يعرفهم نعت ولا حكم، يصدق في



(1) - الدندنة: ان تسمع من الرجل نغمة ولا تفهم ما يقول.
676
حقهم كل حكم يحكم به عليهم ويقال، وهم من وجه بمعزل عن الجميع هنا وفي المآل:
أولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون (22 - المجادلة).
السؤال الخامس عشر
ما أولية المراتب وجودا أو مرتبة معنوية؟
275 - 5 جوابه: ان الأولية من حيث الوجود يختص بصورة العماء وهى الصورة
الوجودية المطلقة التي هي مشرع الوجود ومنبعه، وهى مرتبة وجودية جامعة للوجودات
الأسمائية والكونية كلها، كما أن روحه وهو أحدية جمع الهوية والوجود - أعني التعين الأول -
جامع للتعينات كلها، والجمع منها جمع إحدى لا احاطي، فلا يشوبه التعدد الوجودي،
واما من حيث المعنى فلروح العماء وحقيقته وهو التعين الأول، إذ ليس فوق العماء الا أحدية
جمع الهوية، فيكون روحه ومعناه، واما المختص بالانسان من حيث إنه انسان من المرتبة
الوجودية، وإن كان من الكمل فله أحدية الجمع والوجود وله الأزل النافي للأولية الوجودية،
لان لاحد وجهي حقيقته التي هي أحدية جمع الهوية - الاطلاق من كل وصف - فلا تعين ولا
إشارة ولا حكم له، والوجه الاخر يسرى في حضرة الجمع العمائي فيقضى ويحكم بانبعاث
ما انبعث من الجمع العمائي من الأسماء والصفات والإضافات واعيان الموجودات، وان لم
يكن الانسان من الكمل فأول مراتبه الوجودية ما يتحصص، أي يصير حصة له من صورة
العماء من حيث التعين النسبي الذي ينتهى إليه امره وحاله بعد استقرار أهل الدارين في
منازلهم.
276 - 5 والاخرية يعلم من الأولية، فان الخاتمة عين السابقة وكل آخر في الحقيقة عين
أوله، فالاخر من حيث الوجود مطلقا العماء الذي هو مطلق الصورة الوجودية وإليه الإشارة
بقوله تعالى: هل ينظرون الا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة... الآية (210 -
البقرة) والانسان الكامل كالمرتبة الأزل فلها الأبد، فكما لا أولية لها لا اخرية لها،

677
وغير الكامل اخريته الوجودية تلك الحصة العمائية.
277 - 5 ولذا نقول: الدرجات التي يستقر فيها الخلق في دار الثواب والعقاب بعد
التميز الأخير يوم الفصل والقضاء، ليست غير مراتب أولياتهم التي عينها التوجه
الإرادي، ودخول كل منهم تحت حكم الاسم الإلهي الذي تعين بهم فتولاهم، إذ
بالموجودات حسب قابلياتهم تتعين الأسماء الإلهية، كما أن بالأسماء الإلهية حسب
فاعليتها تتعين لكل موجود نسبة مربوبية وما يخصه من مطلق الربوبية، فيكون عبد الخالق
أو الرازق أو الله الجامع كما مر، فدرجة كل انسان في النار أو الجنة عين نسبة مربوبيته
المرتبطة بأحد احكام النسبة الربية - والله أعلم -
278 - 5 ثم نقول: هنا دقيقة في الفرق بين الكامل وغيره هي: ان الجنة وغيرها من
العوالم لا تسع انسانا كاملا، بل المقيم من الكامل في الجنان ما يناسب المراتب الجنانية،
إذ الكامل من سنخ الحضرة واصلها ومثلها - لولا جهة امكانه - ولا عجب ان يكون العبد
على خلق مولاه، فان المولى غير متحيز ولا مقيد بمكان دون غيره، بل مع كل شئ ووسع
كل شئ رحمة وعلما، ورحمته ووجوده وعلمه وحيطته لا تتعدد في حضرة أحديته،
فللكامل حقائق لا تناسب الجنة وله ما لا يناسب النار ولا موطنا بعينه، مع ارتباطه بكل
شئ في نفس اعتلائه ونزاهته واطلاقه عن كل صورة ونشأة وموطن ومقام وحضرة، وان لم
يخل عالم ولا موطن من مظهر يختص به، وبذلك المظهر الكمالي يبقى حكم تصرف
الكامل بمرتبته الجامعة في ذلك العالم، ويسرى اثر الحق ومدده بالكامل من حيث ذلك
المظهر ويصح له به كونه على الصورة.
279 - 5 فان تشككت ان سريان مدد الحق في كل موطن بالمظاهر فتذكر تجلى
الاستواء العرشي الرحماني المذكور في قوله تعالى: الرحمن على العرش استوى (5 - طه)

678
حيث يفهم ان العرش مظهر رحمانيته وايجاده بالوجود العام، وتذكر قوله عليه وآله السلام -
ما ورد في الحديث المشهور -: انه يدخل عليه سبحانه في جنة عدن في داره التي يسكن،
وأشار به إلى أن جنة عدن مسكنه وهو المشهود في الزور الأعظم، وتذكر حال الفصل
القضاء والاتيان لهما في ظلل من الغمام مع ملائكة السماء السابعة، وتذكر تحوله في الصور
للأمم حال الاستواء على عرش الفصل والقضاء، وتذكر قوله صلى الله عليه وآله في حديث
النار: فيضع الجبار فيها قدمه، وتذكر نزوله إلى السماء الدنيا كل ليلة - مع تقدسه بذاته من
الزمان والمكان والحلول والتغير والحدثان - فكل ذلك بمظاهره المناسبة لكل مقام، وافهم
من هذا سر المعية الذاتية الإلهية العامرة كل موطن ومرتبة وعالم ومكان - مع البينونة التامة -
فان المعية بالظهور التعيني النسبي لا ينافي البينونة في ذاته الاحدى الاطلاقي كما مر مرارا،
هذا شأن الكمل.
280 - 5 واما ما عدا الكمل فهم في الجنة مستقرون لا يفصل شئ منهم خارج الجنة،
وإن كان فبنسبة عرضية لا ذاتية، أو باعتبار عدم تحيز أرواحهم دون ان يعلموا ذلك أو يشعروا
به، والكمل يعلمون ما منهم خارج الجنة وما فيها منهم، وهم كائنون في كل شئ ومرتبة
وعالم بحقائقهم كينونة ذاتية لا عرضية، لا يقدح ذلك في كمال تنزههم وتقدسهم واطلاقهم
وامتيازهم الذاتي عن كل شئ - كسيدهم هذا - وان حصل لهم الغفلة عن بعض ما فيهم من
العالم أو ما في العالم منهم أو بعض ما يخصهم من الكمالات، فذلك لا يقدح في كمالهم، لان
ذهولهم مع كونه من حكم النشأة والموطن والموقف والحال.
281 - 5 ففيه اسرار اخر غامضة جدا، من جملتها: ان الكامل لو استحضر دائما كل شئ
لما عدم شئ ولا اختل حال، إذ علمه وحضوره يقضيان بدوام الملحوظات وبقاء نظامها
محفوظا، فينسيهم الله استحضار ما يريد ذهابه، فينقطع المدد الإلهي فيزول صورته، كما أن
بحضوره في حضرة جامعة بحكم ذوق: كل شئ فيه كل شئ، ينحفظ العالم ويدوم نظامه،
فافهم فقد ألمعت لك بالعلم المكنون فاشكر ربك حيث لم يكن بالغيب عليك بضنين.

679
282 - 5 ثم نقول: الجواب عن معرفة تقابل النسختين بالذوق الثاني الأتم انها معرفة
الأشياء بالله ومن كون تلك الأشياء حقا، فإنه يفيد معرفة ان كلا من العالم والانسان
صورة الحق وان لا فرق بينهما في ذلك الا بالجمع والتفصيل كما مر في المشهد الثالث من
المشاهد الثلاثة التي ذكرها الشيخ الجندي في رسالته:
283 - 5 لما مر ان جميع الأشياء باعتبار أحديتها الوجودية في حضرتي الألوهية
بطونا والكونية ظهورا عين الحق - وهذا في نظر العارفين - أو ان كثرتها وإن كانت
معتبرة فهي نسب أسمائية، فلا وجود فيها الا للحق والتعدد في أسمائه - وهذا في نظر
المحقق المعتلى على العارف - فإذا عرف بأحد هذين الوجهين ان الأشياء أسماء الله وهى في
الحقيقة والتحقيق عين المسمى، يشهد صاحب هذا الذوق نفسه والمسمى غيرا عين الحق،
لانمحاء جميع التعينات والأحوال الكونية عنده، اما لعدم اعتبارها أصلا أو لكونها نسبا
عدمية، كما قال الشيخ قدس سره فيما مر، ففنى من ليس وجوده الا اعتباريا وبقى من له
الوجود الحق، فإذا شهد هذا الذائق نفسه والعالم عين الحق كيف لا يحصل عنده تطابق
نسخته مع نسخة العالم أو مع النسخة الإلهية؟ فمبنى هذا التطابق والتقابل ملاحظة التغاير
النسبي الاعتباري مع العينية الحقيقية، إذ لولا أحد الملاحظتين فلا تطابق.
284 - 5 فان قلت: هذا يفيد التطابق والتقابل عند الملاحظتين، والمقصود التطابق
في نفس الامر وذلك يستدعى التعدد بين المتطابقين في نفس الامر، والعينية ينافي التعدد،
وتنافى اللازمين ملزوم تنافى الملزومين؟
285 - 5 قلت: قد مر ان جهة الامكان لا تفارق الكامل ولو في أعلى مراتب الكمال،
فلتقرر ذلك فيما سلف كان كالمفروع عنه فلم يذكر هيهنا، فحاصل الجواب تحقق جهتي
العينية والتعدد في نفس الامر - كما هو مشهد المحقق -

680
286 - 5 ثم نقول: وحكم شهود هذا الذائق إذا كان في أول درجات هذا الذوق حكم
شهود الحق نفسه موجودا من مرتبة الانسان الكامل بعد ما خلقه واستوى رحمانيته على عرش
قلبه حين تحقق بالكمال، حيث يكون الشاهد والمشهود والشهود واحدا كما قال:
فلما أضاء الليل أصبحت شاهدا * * بأنك مذكور وذكر وذاكر
287 - 5 وكيف لا؟ وهذان الشهودان شهود واحد لكن لاعتبار تغايرهما بنسبتي
الحق والانسان الكامل شبه حكم أحدهما بحكم الاخر، وانما قلنا في أول درجاته، لان
الكامل بعد عودة الاستهلاك من الحق إلى الخلق للارشاد والتكميل أو الترقي في مراتب
الأكملية، لا يبقى له هذا الشهود على صفة الاستهلاك.
288 - 5 ثم نقول: وبين هذه المعرفة بتقابل النسختين والمعرفة الأولى بان الانسان
مجموع ما في العالم الذي هو تفصيل صور أسماء الحق كصورة واحدة له، وان العالم مرآة
وجوده كما أنه مرآة أحوال العالم، فرقان عظيم، لأن هذه المعرفة مبتنية على ذوق التوحيد
الذاتي وقرب الفرائض وعدم تميز المظهر من الظاهر، والمعرفة الأولى كانت مبتنية على
التوحيد الوصفي وقرب النوافل وملاحظة المظهرية، سواء اعتبر المحاكاة والمضاهاة بين
المظهرين أو بين المظهر والظاهر، وكم بينهما؟
289 - 5 وهذان الفرقان لا يعرفه ذوقا الا من عرف نفسه أولا بان وجوده إضافي
وحقيقته النسبة العلمية وحاله الامكان العدمي، وعرف ربه بان له الوجود في الحقيقة
وعرف ما أدرك قبل معراج التحليل والوصول إلى الله حال سلوكه وقبل سلوكه فيترك في كل
منزل ما اخذه منه، ثم يعرف ثانيا نفسه وربه وكل شئ بعد عودة الاستهلاك من الحق إلى
الخلق، اما للارشاد والتكميل بتنبيه الطالب السالك على ما شاهده في الطريق ذاهبا وعائدا،
أو للترقي في مراتب الأكملية - ان انفرد بنفسه ولم يلزم الارشاد - فان شأن مثله ان يفرق
ذوقا بين حالة الاستهلاك في جلال الله وبين ما قبله وما بعده.

681
290 - 5 اما ما قبله: فلما لا معرفة له بذوق الاستهلاك، واما حالة الاستهلاك: فلا
ملاحظة للجانبين.
291 - 5 وانما اخرنا هذا الجواب عن بيان أولية المراتب، لان مبنى هذا الذوق على
الإشارة إلى كون العبد الكامل من سنخ الحضرة وكونه على خلق مولاه، وإذ كان مبينا
في أثناء بيان أولية المراتب فاخرنا عنه (1).
292 - 5 ثم أقول: وانما يتضح المضاهاة بين النسخة الإلهية والانسانية وما ذكرنا من
حال الانسان الكامل في أولية المراتب بنقل ما ذكر الشيخ قدس سره في النفحات بقوله:
اعلم أن الحق لا يضاف إليه أمر ما من تنزيه وتعظيم وإيجاد وتصريف وعلم وإرادة وقدرة
وحياة وكلام حتى الوجود المطلق، الا من حيث الحقيقة الانسانية الكمالية الذاتية وهى
الألوهة من بعض مراتبها، والموجودات مظاهر كيفياتها واحكامها بالترتيب المشار إليه
في تفاوت درجات أجناس تلك الكيفيات وأنواعها واشخاصها، فالتفاوت بمقدار تفاوت
حيطة الشؤون المتنوعة، والحيطة بحسب المراتب واستيعاب احكامها، وبذا امتازت الملائكة
بعضها عن بعض، وانحصر علم بعضها في أمور ومقام خاص كما قال تعالى: وما منا الا له
مقام معلوم (164 - الصافات) و: لا علم لنا الا ما علمتنا (32 - البقرة) وكذا الامر في
المسمى قلما ولوحا وعرشا وكرسيا وسموات وسكانها وشيطانا وجنا وعناصر ومولدات
وأناسي حيوانيين وأناسي حقيقة من بعض الوجوه وأناسي حقيقة من كل وجه.
293 - 5 فالأناسى الحيوانيون صور احكام تلك الحقيقة الانسانية الإلهية من حيث
ظاهريتها، والملائكة على اختلاف طبقاتهم صور احكام شؤونها وقواها الباطنة، فنسبة
العالمين وحملة العرش نسبة الأعضاء الرئيسة من حيث القوى المودعة في كل عضو،
والكواكب للأعضاء والملائكة العرشية فما دونها لبقية القوى، وخواص القوى والشؤون



(1) - بصيغة المجهول في البيان، أي لما كان تبيين معنى هذا الذوق، أي كون العبد من سنخ الحضرة وعلى خلق
مولاه في أثناء بيان أولية المراتب أخرناه عن بيان أولية المراتب، فتدبر - ش
682
من حيث اطلاقها ونسبتها إلى الحق ولمطلق الصورة الوجود المطلق ولمطلق الروح الكلى
القوة الجامعة للقوى المضافة إلى الباطن - انضياف الوجود إلى الرحمن - وللاسم الله المرتبة
الجامعة بين المراتب الغيبية والوجودات العينية. تم كلامه.
السؤال السادس عشر
كيف يعرف الفرق بين الحقائق المؤثرة والمتأثرة الانسانية من حيث الأثر؟
294 - 5 جوابه: بعد استحضار ما سلف في سر الأثر من القواعد التي من جملتها ما ذكر
فيما مر، وفي النفحات في موضع بهذه العبارة: ان الشئ لا يؤثر فيما يغايره من حيث ما يمتاز
عنه، فضلا عما يضاده، بل من حيث ما لا يتغايران، بل يتناسبان، بل يتحدان ذاتا - وان
اختلفا وصفا - إلى آخر ما مر في جواب السؤال الثالث عشر ان نقول: الشرط في
المعرفة المشار إليها ان يعرف الانسان من نفسه نسبة كل حقيقة إليه من الاباء العلويات
المؤثرة كالأصول الأولية ومراتبها، روحانية - كالقلم واللوح وغيرهما من النفوس
الفلكية - أو جسمانية - كالكواكب والأفلاك - ومن الأمهات السفلية، كالعناصر الأربعة
التي ظهرت منها أركان نشأته وقواه الكلية وأعضائه الرئيسة وقواعد نشأته من الجلد
واللحم والعرق والعصب والعظم والعضل والغضروف والشحم والمفاصل، ما تحرك منها
دائما أو هو ساكن أو وصف بالحركة والسكون تارة وتارة.
295 - 5 فإذا علم أصل كل شئ مما ذكر منه وان هذا العضو المتأثر أو القوة المتأثرة فرع
ومظهر لأمر هو أصله من حيث نسبته وتوسطه لتعين مزاجه أو روحه، بل من حيث إنه في
العالم يظهر هذا في الانسان، وإن كان من حيث إن الانسان علة غائية وكل علة غائية
مؤثرة في مؤثرية الفاعل، أو ان حقيقته وهى حقيقة الحقائق ومرتبته وهى حضرة أحدية
الجمع أو العماء ممده أصولها كلها وما جمعتها تلك الأصول من الأسماء والحقائق والقوى

683
كما مر، ان استمداد الكل بسراية الجمع الاحدى، وقد تحقق ذلك مع علمه بما مر من
استحالة تأثير الشئ في سواه راقب (1) نفسه ولا حظها، فمتى ظهر اثر كألم ما في حقيقة
ما من حقائق نسخة وجوده وقواه وأعضائه نسبه (2) إلى أصله لمعرفته بمنبعه ومحتده، هذا من
حيث تأثره وكذا حكمه من تأثيره في شئ اخر ينظر إلى محل انطباعه ومرتبته من نسخة
وجوده، فيقصده بالتوجه الاحدى من حيث الرقيقة الرابطة بينهما على نمط خاص بجمعية
تستدعيها ربوبية ذلك الشئ المراد بالتأثير، فينفعل بموجب حكم ما انصبغ به التوجه من
المؤثر بحسب مرتبته.
296 - 5 وهيهنا قواعد تتعلق بتحقيق المقام:
297 - 5 الأولى: ما ذكره الشيخ قدس سره في النفحات: ان أسباب التأثير وشروط
التسخير من كل مؤثر ومسخر هي باحكام سر الجمع، وسر الجمع في هذا المقام هو حكم
القدر المشترك بين اعداد الأشياء المسخرة كانت ما كانت، فبين مجموع الكواكب قدر مشترك
هو صورة الاسم الذي توجه الحق سبحانه من حيث هو، أي من حيث ذلك الاسم إلى ايجاد
الكواكب، فحكم ذلك الاسم يفعل في جميع الكواكب، ولكل سماء اسم هذا حكمه - وقد
ذكر ذلك - ولكل صنف من الملائكة رئيس يرجع إليه أمر ذلك الصنف من نوعه،
والرئيس مرجعه إلى الاسم وهو ظاهر بحكمه وتبع له، وهكذا أصناف الجن في الرئاسة
والحكم الأسمى بل وسائر الموجودات، فكل صنف من الحيوانات مثلا يستند إلى أصل
يشترك فيه اشخاص ذلك الصنف من نوعه، وذلك الحيوان المخصوص يؤثر في أمثاله بما فيه من
حكم الأصل الذي يستند إليه وهو سبب وجوده، وهذا بمقتضى سلسلة الترتيب المعلوم عند
المحققين، ويستند إلى الحق من حيث حكم خصوصية توجه الحق بذاته إلى ذلك الموجود
والاسم الإلهي المتعين بسبب ذلك الموجود المتصل بذات الحق من حيث إن الاسم من وجه
عين المسمى، وكل أصل هو كلي من الكليات، فمن عرف اسمه المطابق لحقيقته على التعيين



(1) - جزاء لقوله: فإذا علم - ش (2) - جواب متى ظهر - ش - نسبة - ط - ل
684
أو النسبة الخصيصة به من مطلق حضرة الجمع، تصرف فيه واثر وانقاد له وانفعل موقتا
أو غير موقت، فعلة الموقت معرفته من حيث أوصافه التقييدية وعلة غير الموقت اخذه
الامر من الحق الجامع بالاستعداد التام الإنساني الكمالي الحقيقي، فافهم. هذا كلامه.
298 - 5 الثانية: ان اثر الأسماء والحقائق غير صورها ومظاهرها وروح الصورة
الحسية والمثالية هي تلك الحقائق، يعنى من حيث تعين تلك الحقائق في عالم الأرواح، اما
من حيث تعينها في عالم المعاني والحضرة العلمية فهي سرها لا روحها وقد يسمى روح
الروح، ثم يعرف كل حقيقة وحكمها من صورتها الحاصلة بمشيئة الحق ويذهب حكم كل
واحد من الأسماء والحقائق بذهاب الأثر الذي هو الصورة، فافهم واحمد الله، ففيه سر وتحته
اسرار.
299 - 5 الثالثة: الفرق بين الأثر الواصل من مقام الجمع وبين الواصل مما دونه: ان
تأثرك وانفعالك ان اختص بالظاهر أو الباطن ولم يعمهما ولم يحصل الفناء التام، فالتأثر من
وارد أو غيره مما دونه، فان حصل الانفعال للصورة الظاهرة فحسب، فمحتد الوارد أو الأثر
مرتبة الاسم الظاهر وأخواته، وان انفعل الباطن فحسب أو كلاهما لكن تقدم
انفعال أحدهما ثم تبع الاخر، فالحكم لمن ظهرت أوليته على اختلاف مراتبها الجزئية أو
الكلية ومظاهرها الروحانية والمثالية والحسية الطبيعية، ثم إذا اختص الانفعال بالباطن
وعم حكمه الدائرة الروحانية وقع الصعق لا محالة، فحرور الظاهر حينئذ اما لخاصية
الارتباط أو سريان حال الروح لقوته في البدن بشدة الملائمة لتجوهر الصورة وتنورها
ولاعراض الروح عن تدبير الباطن، لكن إذا كان مع أحد هذين الامرين السابقين - لا
مطلقا -
300 - 5 اما الأول فلان الصعق عبارة عن غيبة الروح وذهوله عن نفسه وذلك يوجب

685
تعطل منصب تدبيره، واما عدم اطلاقه فلان مجرد اعراض الروح لا يوجب ذلك التعطل، إذ
قد يكون ذلك لا للذهول، بل لالتفاته إلى غير ما كان مقيدا عليه بالتدبير، وان حصل
الانفعال للظاهر والباطن وحصل الفناء التام، فالتأثير من حضرة الجمع، إذ مجموع
الانسان لا ينفعل الا لهذه المرتبة أو مظهرها من أمثاله لتحقق المضاهاة أو المحاذاة
القاضيتين بكمال الأثر وشموله، وقد بينا ان شيئا ما لا ينفعل لسواه من حيث مضادته، فاذكر.
301 - 5 الرابعة: ان ما عدا هذا المذكور فهو تأثير جزئي، والانسان غير الكامل ان وصف
بالكلية فمن حيث ظاهر مرتبة صورته - كالأمراء والحكام - والا فهو جزئي من حيث مرتبة
معناه، فان انفعل لجزئي منه فغير مستنكر.
302 - 5 الخامسة: إذا اجتمع اثر الظاهر والباطن فإنه يعرف بالغاية والأغلبية،
والاعتبار في ذلك لأول ما يؤثر وأول ما يتأثر فيتبعه الباقي بالتدريج بموجب الارتباط
وحكم ما فيه من الأصل الجامع الساري في الأشياء، أو من حيث هو يتحد فلا يتعدد وقد مر
حديثه.
303 - 5 ثم نقول: ولما كان وصول الأثر من كل مؤثر إلى كل مؤثر فيه - سواء وصل
من مقام الجمع أو ما دونه - انما هو بحسب استعداده الكلى الغير المجعول، والجزئي المجعول
ناسب بيان سر الاستعدادين، فالكلي ما به قبلت الماهية الوجود من الحق حال تعيين الإرادة
لها من بين الممكنات وتوجه نحوه للايجاد ثم ما يتلبس به يعد من الأحوال، فكل منها
معد لما يليه كما قال تعالى: لتركبن طبقا عن طبق (19 - الانشقاق) أي حالا هو متولد عن حال
سابق، فهذه استعدادات جزئية وجودية، اما الكلى الذي به قبول الوجود الأول فليس
وجوديا، بل هي حالة غيبية للعين الثابتة التي هي صورة علمية ونسبة تعينية في علم الحق
لا وجود لها في نفسها، فكيف لحالها؟
304 - 5 وبيان معرفة الفرق بين الحاصلين بالاستعدادين بطريق الاستدلال من الأثر

686
الحاصل: ان تنظر إلى كل حاصل لك، فان تعلق حكمه بوجه يمكن زواله في وقت أو حال أو
موطن أو نشأة معينة، فمتعلقه الاستعداد الجزئي المجعول، والا فمتعلقه الاستعداد الكلى
الغيبي.
ضابطة أخرى
305 - 5 كل ما توقف حصوله لك على أمر وجودي جزئي غير الوجود المطلق، فهو
مجعول وبالاستعداد الجزئي مقبول - وما لا فلا - فاعتبرها في نفسك وفيما خرج عنك وفيما
لك أو لغيرك فيه اثر ظاهر أو باطن.
306 - 5 ثم نقول: والتنوع والاختلاف في ذلك للتناسب أو التنافر بين الأشياء الناشئين
من غلبة حكم ما به الاتحاد أو حكم ما به الامتياز.
307 - 5 قال في النفحات: وغبة احكام ما به الامتياز على احكام ما به الاتحاد اما من
حيث الكثرة العددية ورجحانها على كثرة ما به الاتحاد، واما من حيث أصالة الاحكام
وكليتها، فيظهر سر التضاد والجهل والافتراق والمباينة، وقد يكون الامر بالعكس فيقوى
حكم المناسبة ويقع المحبة ويظهر سلطنة العلم والوصلة والاجتماع ونحو ذلك. هذا كلامه.
308 - 5 ثم نقول: والاتحاد والامتياز ثابتان لما ثبتا له، لا بجعل، بل الله تعالى بمشيئته
يقبض فيظهر حكم الجمع وسلطنة الوحدة ويبسط فيظهر حكم التميز الذاتي والتفصيل
الكامن من قبل في أحدية الجمع، وذلك لان القبض في صفات الحق ميله إلى اخذ ما به
كلية قوام الامر ومنعه عن الاسترسال والانبساط، كاخذ الماء والهواء القائمين بالشجر عن
الاسترسال في اجزائه وامساك النفس عن الاسترسال بقواها في شهواتها ومنع المال عن
قضاء الحوائج بخلا، والبسط ميله إلى ارسال ما به قوام الامر في جميع ذلك.
309 - 5 قال في النفحات: وينبغي ان يعلم أن بيان غلبة المناسبة في المواد المثالية

687
ممكن، واما في الاستعدادات مع الفيض المقبول الصادر من الحق تعالى فمتعذر، فإنه من
الاسرار الإلهية التي لا يمكن ان يطلع عليها الا الكمل، ومع اطلاعهم لا يجوز كشفه على
الناس أصلا.
310 - 5 وقال في موضع آخر: الأسماء للأحوال والاحكام تتبع الأحوال والأحوال
تتعين بحسب استعدادات الحقائق المتبوعة والاستعدادات لا تتبع شيئا ولا تتوقف على
شئ ولا تعلل بشئ سواها، لكن الجزئية منها تابعة للكلية السابقة على الوجود العيني. تم
كلامه.
311 - 5 ثم نقول: وسلطنة الوحدة المشار إليها انما هي بحسب كبر الجمعية، وذا بحسب
الحيطة وسعة دائرة الحكم واستيعاب التعلق، فكل جميعة كانت أتم اندماجا مع الحيطة
وأقوى توحدا، أي متصفا بالأحدية الشاملة، كانت سلطنتها أقوى وحكمها أسرع نفوذا،
وكل جميعة كانت أقل اندماجا وتوحدا أو أشبه بالتفصيل كانت أضعف سلطنة وأبطأ
اثرا.
312 - 5 واما الأدب اللازم للعارف الشاهد في التوجه إلى الحق والعبادة له ان يعرف رب
حاله ووقته من الأسماء الإلهية والحقائق الكونية المستتبعة له ويعرف من له السلطنة والغلبة
عليه من حيث الحال والوقت فتوفيه حق ذلك الغالب بجعله صورة توجهه إلى الحق المطلق،
فيعبد الحق المطلق من تلك الحيثية التي تعين سبحانه منها، كان يقول المريض: يا شافى
والضال: يا هادي إلى غير ذلك مقبلا بسره نحو أحدية جمع الهوية التي لها مقام الجمع والوجود
الذي هو منبع جميع الأحكام والمراتب والأسماء والمسميات والصفات والإضافات، غير أن
حال الكامل فيما ذكرنا مخالف لحال غيره من أهل المعرفة والشهود، لما مر ولما سيجئ من أنه
لا يكون له تشوق إلى مطلب مخصوص الا ان يشاهد ان من أحواله التي سيتلبس بها
التشوق والحرص إليه فيتشوق، وكأنه عن ذلك بمعزل.

688
السؤال السابع عشر
متى يكون عدم الشهود موجبا لحرص الطالب ولزيادة التشوق والتهيؤ للطلب في
المؤهل للكمال ومتى لا يكون؟
313 - 5 جوابه: ان ذلك - أعني كون عدم الشهود موجبا لزيادة التشوق والطلب - في
حالين:
314 - 5 الأولى ان لا يعرف الانسان مقتضى حقيقته ومآل امره في إرادة الله معرفة
شهودية، أو لا يعرف حصته من الوجود المطلق ومرتبته في نفس الحق وانه الظل التام
لكونه ممن حذى على صورة الحضرة، أو نصيبه شئ منها ثلثا أو ربعا أو نصفا أو غيرها،
والمراد بمعرفة تلك الحصة ليس معرفتها بحسب الحالة الذاهبة فقط، بل وبحسب ما يستقر
ويصح له آخر امره بعد تميز الدارين واهليهما، فان مثله يحرص ويتشوق ويحكم عليه الآمال
والأماني.
315 - 5 الثانية ان يتحقق نصيبه من صورة الحضرة لكن بحسب الحالة الحاضرة
ولا يطلع على منتهى مقامه فإنه يتشوق أيضا، بخلاف ما إذا علم علما محققا شهوديا انه المرآة
التامة وعلى صورة الحضرة واستوعب احكامها، أو اطلع على عينه الثابتة وشاهد جميع
لوازمه الوجودية إلى منتهى امره، أي ما يستقر عليه من حيث النسبة الكلية، إذ لا استقرار الا
بهذه الحيثية، فان الجزئيات لا نهاية لها كما مر، فيحنئذ لا يبقى له تشوق إلى مطلب مخصوص
أصلا الا ان يشاهد ان من أحواله التي سيتلبس بها التشوق والحرص إلى مطلب عن علم
وشهود به وبثمرته، أو يعرفه محققا باخبار الهى بواسطة أو بدونها فيتشوق، فكأنه عن
ذلك بمعزل - بخلاف سائر المتشوقين - وانما قلنا لا يبقى له تشوق إلى مطلب مخصوص -
فقيدنا بالمخصوص - إذ لمثله وللكمل ان يتشوق تشوقا مجملا لفقر ذاتي لا يتعلق

689
بمطلب مخصوص، كما قال عليه وآله السلام: أفلا أكون عبدا شكورا؟
316 - 5 ثم اعلم أن معرفة العارف بهذا السر الذي هو منتهى امره ومقدار حصته من
الوجود ومرتبته عند الحق قد يكون بلا واسطة، بل شهوديا، أو باخبار الهى بلا واسطة، وقد
يكون بواسطة، وذلك اما موهوب - كاخبار الملك أو من يثق عليه - واما مكتسب
بالسلوك والرياضة.
317 - 5 فان قلت: فالذي بلا واسطة هل يكون للكسب فيه مدخل أو نفى الواسطة
ينافي الكسب؟
318 - 5 قلنا: قد يكون للكسب فيه مدخل ولا ينافيه نفى الواسطة، وذلك بالنسبة إلى
بعض الناس من الطالبين السالكين إلى الباب حيث يكون مدخل كسبهم في الوصول إلى
الباب المعد لفيض الحق بلا واسطة لا في الدخول والفتح والشهود على عينه الثابتة، لعدمها
بعد هذا كله في معرفة العارف.
319 - 5 واما تحقق المتحقق بهذا السر، بل وبمعرفة الحق وشهوده بالفتح الشهود
الأتم، وبما ذا يفتح الحق سبحانه بابا حضرته على المتوجه إليه الطالب، فلا مدخل للكسب فيه
أصلا، فالحكم الجملي والأصل الكلى ان المتحقق مراد ظهوره بالصورة، وهو الذي
اصطفاه لنفسه لا بسواه، لا حكم عليه يتعين ولا نعت له بذلك، بل هو مع الصورة ومن له
الصورة كما يريد سبحانه من حيث تلك الصورة، ومتى غلب عليه حكم أمر ما من الصورة
أضيف إليه ونعت به، لا مطلقا بل في ذلك الوقت فحسب، حتى أن دام على أمر بعينه إلى آخر
العمر وغلب عليه كان ما كان لم يصح كونه على الصورة.
320 - 5 وأقول: كأن المراد - والله أعلم - بهذه الحالة منتهى مراتب التسليم، فقد قيل له
ثلاث مراتب مسبوقة بمراتب التوحيد وحصر القدرة والجود والحكمة في الحق.
321 - 5 فاما التوحيد أربع مراتب: قشر قشر، وهو باللسان مع غفلة القلب. وقشر،
وهو بتصديق القلب ولو بالتقليد أو النظر. ولب، وهو بمشاهدته كشفا ان الكل صادر من

690
الحق الواحد. ولب لب، بان لا يرى في الوجود الا واحدا وهو الفناء في التوحيد.
322 - 5 واما مراتب هذه الحال التابعة لهذا التوحيد فثلاث:
323 - 5 الأولى الثقة بالتوكل معتقدا بكمال قدرته ومنتهى هدايته وشفقته، إذ عدم
وجدان هذا الاعتقاد من ضعف اليقين أو مرض القلب لاستيلاء الجبن بالأوهام.
324 - 5 الثانية كثقة الصبى بأمه وفزعه إليها فيما يصيبه وهو فان في توكله عن توكله.
325 - 5 الثالثة ان يكون بين يدي الحق كالميت بين يدي الغسال - لا كالصبي - فإنه
يفزع بأمه.
326 - 5 وانما قلت كأن المراد بها منتهى هذه المراتب لان كون الانسان على الصورة -
كما سيجئ - موقوف على انتفاء الميول الطبيعية والحيوانية، أي عدم الانجذاب إليها أصلا،
وترك التعشقات مطلقا والتعملات بالكلية الا بحسب الشرع أو الطبع، وذا أيضا من حيث
يراعى فيهما الانتساب إلى الحق لا إلى الخلق من نفسه أو غيره، فيكون حال مثل هذا انه
لا يزال سامعا كل لحظة بسامعة كله قوله:
تفكر جميلي مذ خلقتك نطفة * * ولا تنس تصويري إذا أنت في الحشا
وسلم لي التدبير واعلم بأنني * * اصرف احكامي وافعل ما اشا
327 - 5 ومجيبا كل لمحة بناطقة قلة وجله بقوله:
هو أي له فرض تلطف أو جفا * * ومنهله عذب تكدر أو صفا
وكلت إلى المحبوب امرى كله * * فان شاء احياني وان شاء اتلفا
ختام الكلام
328 - 5 ثم نقول: ختام الكلام بكشف سرائر خواص الانسان الكامل الذي به
الانختام، فإنه اخر المظاهر وأتمها وأجمعها للكمالات الوجودية وأعمها، وبتعريف علامات
له بها يظهر تزوير قول المدعين المبطلين وتنوير حال الكاملين المكملين.

691
329 - 5 اما الأول: فاعلم أيها المتشوق الطالب لان تكون انسانا حقيقيا إلهيا، أي
مطابقا احكام مظهريتك لاحكام حقيقتك الجامعة للأحدية الاعتدالية التي يكون الإلهية
من بعض مراتبها كما مر في كلام النفحات، وحينئذ تكون عبدا تاما لفناء حرية أنانيتك
بالكلية وأزليا أبديا، لان من فنى عن تعين أنانيته بالكلية، بقى منه الحقيقة الأحدية الجمعية
المطلقة التي لا أول لها ولا آخر.
330 - 5 فاعلم أنه متى غلب عليك أمر ما زمانين على نسق واحد ثابت، أي: أحببته
وتعشقت به، سواء كان ذلك الامر منك أو حاصلا من خارج في منبع علمك لا في
الحقيقة، إذ كل أمر حاصل لكل أحد في الحقيقة من نفسه بشرط أو شروط، وسواء كان
ذلك الامر طبيعيا، كاستيفاء اللذات الجسمانية في طلب المنافع أو الاحتماء عن أسباب
الآلام البدنية لدفع المضار، أو روحانيا كالاهتمام باكتساب العلوم النافعة فضلا عن
الضارة وتحصيل الأخلاق المحمودة وباجتناب الجهالات والأخلاق المذمومة، أو نفسانيا
كالتقيد بالجاه والمناصب الشرعية وبدفع ما ينافي أغراضها.
331 - 5 فان النفس خميرة الآمال والأماني والتشوقات، والكلام الجامع في ذلك
ما نقلناه من شرح الحديث للشيخ قدس سره في أول الكتاب من أقسام الطهارة المعتبرة في
كل من الأعضاء الظاهرة والقوى الباطنة كالخيال والذهن والعقل والقلب والنفس
والروح والحقيقة الانسانية والتنزه عن النجاسات المخصوصة بكل مرتبة، فليطلب ثمة. فعند
اجتماع تلك الطهارات تحصل الانسانية الحقيقية المطلوبة، وانما قلنا زمانين على نسق واحد
ثابت، إشارة إلى رسوخ التقيد والتعشق به - كما فسرنا - إذ الحاصل بلا تقيد النفس به
ولا تعمل في تحصيله غير مذموم ولا قادح فيه، بل الوارد حينئذ خير كله مشتمل على حكمة
بالغة قلة وجله.
332 - 5 فإذا حكمت على ذلك الحاصل بما حكم به الناس بزعم النسبة إلى اختيار الخلق

692
- كما للبعض - أو المطلوبية المرغوبية عقلا أو عرفا أو شرعا، ولم يتعين نسبته إليك
وارتباطك به على نحو ما مر في سر ارتباط الحق بالأشياء بان الأشياء تعينات تعقلاته
ومظاهر نسب أسمائه وصور شؤونه وأحواله والوجود الحقيقي له، وفي سر امتياز الحق عن
الأشياء بالذات حال ارتباطه بها كما مر مرات: انه سبحانه حال ما تلحقه احكام
التعينات مطلق مستغنى الذات، فأنت مغلوب العالم ومحكومه من جهة كونه عالما لا من
جهة كونه حقا ظهر بصورة العالم ومحجوب بالمظاهر عن الظواهر ومنحرف عن حاق
الوسطية الاعتدالية المطلوبة.
333 - 5 فان قلت: اعتقادي على أن وجود كل موجود للحق في الحقيقة والمنسوب إلى
الخلق تعين الحق من حيثهم كما مر، وحينئذ ارى الحق في نفسي وفي كل شئ وارى كل
ما يصدر انما يصدر من الحق، وهذا هو لب التوحيد كما مر فهو أشرف نسبة الحق والعبد.
334 - 5 قلت: إذا زعمت أنك ترى الحق في نفسك وفي كل شئ، فربما يكون زعما
غير مطابق ولا ترى كذلك، ولئن كان مطابقا وترى ذلك كذلك، فغايتك ان يكون الغالب
عليك حكم الحق، لكن لا من حيث هو هو ولا من حيث مقام جمعه الاحدى المتكرر ذكره
وهو المرتبة الجامعة والحقيقة الانسانية الإلهية، بل من حيث نسبة اسم خاص للحق ظهر حكمه
بك وفيك وبحسبك، إذ ما دمت أنت أو غيرك عندك ولو بظهور احكامه في مظهريتك
أو مظهرية غيرك فقد لا حظت نسبته الخاصة بك، وكنت معينه بتلك النسبة من بحر غيب
الهوية الاطلاقية الذي لا يتعين ذلك البحر لا لنفسه ولا الغير فيه، فكنت إذا في الحقيقة
مقهورا بحسب أنانية نفسك وتميزك وتميز غيرك عنه سبحانه فقد غلبتك نفسك، وإن كانت
من حيث أشرف نسبها وهى النسبة التوحيدية لكن بمرتبتها الوسطانية كما مر،
وليس هذا حال فحول الرجال ولا مطمح نظرهم حيث قالوا: وجودك ذنب لا يقاس به ذنب.

693
335 - 5 فان قلت: أي فرق بين رؤية الحق في كل شئ حتى يرى كل اثر منه و بين
رؤية ان الأشياء مظاهره وصور أسمائه ومرايا أحواله ومجالي شؤونه كما هو مظهر لأحوال
الأشياء، حتى يحكم بان الثاني حال الكمل والأول حال المحجوبين برؤية أنفسهم؟
336 - 5 قلت: رؤية اثر كل شئ من الحق تعشق وتقيد بذلك الأثر وطلب له - وإن كان
من الحق سبحانه - اما رؤية الأشياء مرايا الحق ونفس أسمائه، وقد مر ان التعينات
لا يسمى أسماء الا بنسبتها إلى ذات الحق فقط، وبذلك الاعتبار يكون الاسم عين المسمى،
فهذا التوجه ليس الا إلى ذات الحق، وإن كان من نسبة مخصوصة يلتفت إليها، لكونها من
النسب الكمالية ايفاء لحقها واجتيازا إلى غيرها، وحين لم يتوجه سهم الطلب إلى هدف
الخصوصية بالذات لم يتعلق التعشق بها - بل بمن له الخصوصية - فشأنها ان لا يتوقف
بالتقيد عليها، بل يجتاز منها ومن أمثالها بلا توقف تعشق، وهذا هو الفارق الواضح،
ولذلك فسرنا غلبة الحكم بالمحبة والتقيد التعشقي فليفهم.
337 - 5 أو نقول: المراد بما حكمنا عليه انه حال الكمل مما لا تعشق فيه ولا طلب له
بخصوصيته، لما مر في علامات هذا الذائق انه لا يتأسف على فوات شئ وإن كان الواقع
مرجوح الامرين، ولا يتشوق لتحصيل مطلب معين وإن كان شريفا، الا ان عينه الوقت أو
الحال فيتعرض له ولما سيأتي أيضا من مثله.
338 - 5 وبهذا الفرق يندفع الشبه بتلبس الأمور الطبيعية والشرعية الملازم عليهما
ولو بالتعمل زمانين بل وأزمنة بل إلى الموت، فقد سلف ان التعمل فيهما من حيث انتسابهما
إلى الأمور الإلهية ومن حيث عينه الوقت والحال غير قادح، وذلك كالتغذي على حده
بنية التقوى للعبادة، كما قال تعالى: كلوا واشربوا ولا تسرفوا (31 - الأعراف) حتى قال
بعض الأصوليين: بان الامر فيها للوجوب وفي: كلوا من الطيبات (51 - المؤمنون) للندب أو
لتوقى بنيان الرب عن الانهدام، كما قال تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (195 - البقرة)
وقال عليه وآله السلام: نفسك مطيتك فارفق بها، وكذلك حكم الملابس والمناكح بنية

694
تكثير العباد والعباد ودفع دغدغة الطبيعة بالوجه المعتاد، وأمثال ذلك مما استوفى تفصيله في
علم الأخلاق.
339 - 5 فالعمدة ما قال قدس سره في تفسير ولا الضالين: ان من تقيد بوقت لضيقه
وما سار وانقهر بحكم ما عاين فانحرف ومار، ومن اتسع جمع وكشف فأحاط فدار، بل
حوى وانطلق فمار وما جار واستوطن غيب ذات ربه متنوعا بشؤونه سبحانه وبحسبه
بعد كمال الاستهلاك به فيه، فنعم عقبى الدار هذا المقام للسيار.
340 - 5 ثم نقول: ومتى لم يستمر عليك حكم شئ زمانين بصورة واحدة، أي لم يغلب
عليك محبته وتعشقه والتشوق إليه بخصوصه ليكون التشوق مستديما لتقيدك به، كان
ما كان ذلك الامر من طبيعي أو روحاني أو عادى أو نفساني أو سبعي أو بهيمي أو ملكي الا
من حيث عينها الوقت من غير تشوف سابق، بل يكون وروده في كل وقت ونفس بصورة
غير الأولى والثانية، بان يكون لكل ورود باعث جديد وسبب جديد من الشأن والآن
الإلهيين بلا تشوق منك، وأنت تشعر في باطنك بالفرقان بين الصورتين وسببيهما، مثل
الشبعين بالجوعين والريين بالعطشين، وان عسر التميز بين الاثنين في الخارج لحجاب مثلية
الثاني للأول مع تحقق الفرق:
341 - 5 اما كشفا: لان كل ممكن مستمد للوجود كل لحظة من الحق سبحانه، والا
لا نعدم بالعدمية التي يقتضيها ذاته الممكنة - لولا الموجد -
342 - 5 واما نظرا: في أن كل لمحة لا بد من تحلل، ومحال ان يكون الشئ من تحلل كهو -
لا معه -
343 - 5 فإذا لم يستمر عليك ذاك وقد تحققت أحدية أمر التجلي الاحدى الذي يرجع
هذه الكثرة المقسمة بالأنفاس والانات والأحوال والمواطن وغيرها إليها، لأنها نسبه واحكام
هذه الكثرة صور نسبه، ثم رزقت الحضور مع الحق في نفسك وفي كل شئ على نحو ما

695
مر من انك مرآة ذاته وصورك صور أسمائه وهو مرآة أحوالك وكذا كل شئ، فحينئذ (1)
كنت مع الحق كل لحظة وكانت له السلطنة بمفرده عليك، لجزمك بان صورك احكامه ولم
يغلب عليك حكم غيره بتشوقك له على ما هو المفروض، وآية ذلك أحد التنوعين أو الجمع
بينهما، وهما تنوعك بحسبه، لأنك في حكمه كالميت في حكم الغسال.
344 - 5 إذ شأن المنطبع في المرآة لا سيما إذا كان مطلقا عن الصور كلها ان لا يظهر
الا بحسب المرآة وقابليتها أو يكمل فيشرف على المقصود بالجمع بين الامرين في آن واحد،
وهما تنوعك بحسبه ومشاهدة تنوع ظهوره بحسبك ولكن بالتوجهين المنبه عليهما من قبل
في الحق والعالم، وهما توجه الحق تعالى إلى العالم بالتأثير والايجاد وتوجه العالم إلى الحق
بالقبول، أو توجه الحق بالاظهار وتوجه العالم بظهور أحواله في الحق، أو توجه الارتباطين:
أي توجه الحق بظهور ذاته في العالم وتوجه العالم بظهور أحواله في الحق، وإلى الأخير الإشارة
بقولنا: وان كلا منهما من وجه مجلي للاخر.
345 - 5 ثم نقول: ولن تعود أنت كما قلت، أي لا تصير بحيث لا يغلب عليك حكم أمر
بالمعنى السابق حتى تخلص عن ربقة الميول الروحانية والطبيعية، وهذان يشملان
النفسانية والعقلية والعادية وغيرها، لان أصل القوى المودعة في الانسان والعالم ذانك
القسمان، فان التأثير المظهري ليس الا منهما والبواقي فروعهما، وحتى لا يحيد بك
الأشياء والتعينات من الوسط الاعتدالي إلى الأطراف، أي طرف الروحانية والطبيعية، لا
آحادها كالعوائد والمنافع التفصيلية من الطبيعة والعقائد الصحيحة والعلوم النافعة من
تفاصيل الروحانية وكالأحوال والمراتب السنية التفصيلية المحتملة للطبيعة والروحانية،
ولا جملتها، وسواء في ذلك الامر الخسيس والنفيس كما مثلنا، فان التعشق بها قادح في



(1) - جواب ومتى لم يستمر - م
696
حصول الكمال الاطلاقي، اما بعد حصوله فلا ضرر كما ذكره الشيخ الكبير قدس سره في معنى
قولهم: آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الجاه، ان معناه: آخر ما يظهر عنها وفيها
حب الجاه، لأنه من لوازم الكمال وضروراته حينئذ.
346 - 5 ثم نقول: ولن تتحقق بما ذكر من الخلاص عن ربقة الميول الروحانية والطبيعية
إلى أن لا تحدث نفسك بالتعشق بأمر ما فتتقيد بذلك التحدث فضلا عن نفس التعشق،
وإن كان ما شهدته أو علمته واردا من الحق سبحانه حتى التعشق بالكرامات قادح في
الوصول، إذ ما بين يديك مما لم يتعين لك أعظم وأكمل.
347 - 5 فان قلت: فالتقيد بالأشياء المأمورة والمراتب الإلهية وبالكونية المشروعة
والمعقولة من اللوازم الضرورية لا يمكن التخلص عنها بالكلية.
348 - 5 قلت: ليكن تقيدك بشئ من تلك الأشياء من جهة كون ذلك الملتفت إليه
اسما إلهيا، والاسم عين المسمى معبرا به، أي من جهة كونه تعينا خاصا من مطلوب الذات
ظهر ظهورا حكميا لنسبة ما، أي ليكون ظهور ذلك حكم نسبة من النسب الكمالية الواجب
تصحيح حكمها وقبول اثرها بمقابلتك بها بما يناسبها ويستدعيه من نسخة وجودك من
الشكر للانعام والصبر للانتقام، ومن ايفائها حقها المودع لديك.
349 - 5 وقد قيل: حق كل نسبة الهية، وهى اسم الهى ان يقام بالحق من حيثه في مقام
النفي الأكمل بان يصير كل ما في عالم الكون هدفا لسهام النقائص المتوهمة في الصفات
والأسماء والافعال، فيقي الحضرة من أن يضاف إليها شئ ينافيه جلاله - وان اقتضته
الحقيقة لذاتها من حيث مقام جمع أحديته ومن حيث كماله -
350 - 5 ومن اخذك حقك المخزون في تلك النسبة من الحظ الذي يتوسل به إلى
الكمال والاستكمال بيد المرتبة، أي بنوع من القيام بأمور يقتضيه المرتبة وبيد الحكمة
الإلهية الكمالية، أي بوجه التوسل والصرف إلى ما هي له في الحكمة، لا بيد الطلب

697
المعين والميل التعشقي من غير توقف عليه حال الاخذ وبعده، بل على سبيل الاجتياز والعبور
عنه إلى غيره حاضرا في كل ذلك مع التنوعين المذكورين من قبل ومشاهدا لهما، وهما تنوعك
بحسبه وتنوعه بحسبك، وعليه يحمل قول من قال من الصحابة:
ما أنت يا مكة الا واد * * شرفك الله على البلاد
351 - 5 وكذا قولهم في الحجر الأسود على ما هو المشهور، ويصحب ما ذكر من الأمور
التي هي التحقق بالخلاص عن الميول الطبيعية والروحانية وعدم تحدث النفس بأمر
وعدم الالتفات إلى أمر الا من الحيثية المذكورة امران: أحدهما تجلى الاسم الدهر الذي هو
روح الزمان بنسبة التابعة. والثاني تجلى الشأن الكلى الإلهي بجزئيات شؤونه الواقعة في كل
حال.
352 - 5 فإذا صرت كما ذكرنا وصحبك هذان التجليات لن تبقى لا حينئذ ولا بعد ذلك
تحت حكم حالة خاصة ولا مقام معين متقيدا بهما تقيد تعشق، بل أنت حالتئذ مع مطلق الحال
الكلى المندرج فيه الأحوال كلها اندراج الألوان المختلفة تحت اللون الكلى، فحكم هذا
الحال المطلق فيك - إذا تحققت به - استجلاء صور الموجودات كلها، أي شهودها، و
استجلاء المعلومات جميعها التي صرت مرآة لها، أي استحضارهما كلاهما فيك باعتبار
شمول نسختك على صور الموجودات بظاهرها وصور المعلومات بباطنها، ثم استجلاء ما فيك
فيما خرج عنك باعتبار ان ما في الخارج تفصيل صورة ما فيك.
353 - 5 ثم نقول: فان تحققت مع ذلك الاستجلاء للموجودات أو الاستحضار
للمعلومات بالتجلي الذاتي المعتلى على تجلى الأسماء والصفات والمراتب والنسب
وإضافات، ظهر حكمك واثرك من حيث مقامك المطلق في غيب ذات ربك، ولم يظهر
عينك لفنائك واستهلاكك في الله، فكنت تبعا لما أنت مرآة له، وهو الحقيقة الجامعة بين
الحضرتين: الأسماء الإلهية والحقائق الكونية، أعني حضرة الوجوب وحضرة الامكان،
يحكم تلك الحقيقة الجامعة بك في كل شئ، لأنك صورتها الجامعة لجميع ما في العالم.

698
354 - 5 ويظهر أيضا حكمك فيه، اما به فمطلقا، واما بك فمن حيث هو وبحسبه
لا بحسبك أنت ومن حيث أنت، إذ لا حيثية لك تتخصص بها حينئذ ولا لك أمر يخصك
تتحدد به أنت، إذ لا حد لك مع قبولك كل أمر ووصف وظهورك بكل نعت ورسم وحال
وحكم، وظهور سلطنتك في كل معلوم وعلم وحادث أو قديم، موجود أو معدوم، قابل
للظهور بالوجود في بعض مراتبه أو كلها أو غير قابل، فمتى صرت كذلك مطلقا حصل لك
أمور:
355 - 5 الأول انك صرت احديا جامعا للمتناهيات، لكونك عين كل منها بدون
العكس، لأنها نسب تعيناتك وأنت أنت فيها لا بالعكس، فالتقابل في نسبك لا فيك، فأنت
في ذاتك الخفى بنفسه والجلى بنسبه، وكذا أنت المتسفل العلى والحادث الأزلي والغالب
الخفى والعزيز الغنى، وحينئذ تكون للصورة الإلهية المقدسة الغيبية التي هي حضرة أحدية
الجمع والوجود عبد الله في دائرة عرصة الكون حسب السيادة الظاهرة، كما كنت عبد الله
في القلم الاعلى حسب السيادة الباطنة.
356 - 5 الثاني أن تكون حينئذ محتجبا بربه بعد استخلافه الذاتي به، كما قال عليه
وآله السلام: اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد، ومعنى ذاتيته
ان الاستخلاف مقتضى الذات في هذه المرتبة، فان مرتبة الكمال فوق مرتبة الاستخلاف
ومتضمنة لها كما مر، أو المراد استخلاف الرب إياه كما نطق به الكتاب، فان استخلاف
العبد مسبوق به وإن كان سابقا على الكمال، واحتجابه ذلك انما هو وراء سبحات العزة
وأشعتها، فان قوله عليه وآله السلام: ان لله تعالى سبعين الف حجاب من نور وظلمة لو
كشفها لا حرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره - في حق المحجوبين بالحجب الظلمانية
أو النورانية - أعني التعينات الطبيعية أو الروحانية.
357 - 5 وفي النفحات: ان الحجب النورانية هي الأسماء والصفات الوجودية

699
الثبوتية، والحجب الظلمانية هي السلبية.
358 - 5 اما من كشف له عن جميع الحجب بالتجلي الذاتي فلم يبق في حقه حجاب
- لاحتراق الكل بعد فناء الاسم والرسم بالكلية - فلا احتراق بعده، إذ ليس على الخراب
خراج، ولذا لا يكون ذلك الا في عرصة الغيب المطلق المجهول الوصف والعين حيث
لا حيث ولا مكان، ولا سبحات محرقة للأكوان باهرة على ذلك الانسان، لأنه صار على
خلق مولاه واجتمع أخراه بأولاه.
359 - 5 الثالث انك تصير في هذه المرتبة الكمالية سيدا للكونين وقبلة لأهل القبلتين، و
لنفس القبلتين يشرف بك كل كمال ويهابك كل صاحب جمال وجلال ويكمل بك كل
مقام وحال.
360 - 5 الرابع انك تحصل ما شئت حصوله لشئ كان من كان وما كان بكل ما كان
وتزيل عمن شئت.
361 - 5 الخامس انه يتوجه كل موجود إليك في كل ما تريده بموجب حكم ارتباطه بك
وانفعاله الفقرى ويتوسل بك في كل حاجة دون خبرة منه ولا فهم، وتعطى وتنعم على كل
شئ بكل شئ دون من ولا قطع عن شهود احاطي، تفصيلا تارة واجمالا أخرى، وحسا
وروحا ومثالا ذاتا وفعلا وحالا أخرى، في وقتي كشفك وحجابيتك وقهرك ورحمانيتك.
362 - 5 السادس انه يعرض عنك المحجوب في زعمه حال طلبه إياك، ويقصدك
بالتوجه حال توجهه إلى سواك حيران عندك وهو بزعمه خبير.
363 - 5 السابع انك تقرر غلطه فيما شئت وفيك أيضا قولا أو حالا أو فعلا بانصباغك
بحكم المراتب والأحوال التي لا تناسبه، فيظن انه قد ازداد معرفة بما غلطته فيه وازداد بك
بصيرة.
364 - 5 الثامن انك تعترف له أحيانا بأنك كما اعتقد، وذلك عندما ينفعل لنسبة

700
جزئية من نسب كمالك التي لا تحصى، فلا يشك انه قد أحاط بك معرفة واتخذك ذخيرة
وانه قد أحبك عن علم يقيني وبرهان رباني، سيما وقد أخبرته وقررت حكمه فيك
وأمضيته، ولو برقت وظهرت لذلك المسكين بارقة من سنا أوج حالك مع ربك وشعاع
نور لقائك عنده وقدر مرتبتك في نفسه وراء حضرات قدسه، طاش عقله ودهش لبه، بل
ذهب كله وسقط في يديه وهلك ولم ينتفع بش مما في دائرة وجوده، وعجز عن أن يؤمن
بك فيألهك ويشكرك أو يعرض عنك فيكفر بك ويكفرك، أي ينسبك إلى الكفر، لأن هذه
الأعمال مسبوقة ببقاء العقل واللب وأعمالهما وقد ذهبا عنه.
365 - 5 التاسع انه يستعمل سلطنتك ولا يدرى كيف، وينكر ما يزعم أنه يعرفه ويحبه
ولا يدرى لم ذلك؟
366 - 5 العاشر انه ينطبع في مرآة وجوده لامعة من بوارق أنوارك أنعاما منك عليه،
بشفاعة مرتبة الانسانية المشتركة ظاهرا التي هي لك في الحقيقة، وبشفاعة النسب المجهول
القديم الذي بينك وبين كل انسان، بل كل موجود به بما مر توجيهه من الجزئية المخاطبة
وجودا أو حقيقة، وقد قبل تلك البارقة برابطة رقيقتك المتصلة به التي هي سبب حياته
وهى الاقتضاء الخاص والنسبة المخصوصة من المربوبية، فيغدو شاطحا، أي مسيئا للأدب
بتلك البارقة عليك، مستبعدا من استعدادك قبول ذلك أو بعضه من الحق، بناء على
كماله في زعمه ونقصك، ويستحقر بالنزر القليل من عطاياك له، عظيم ما يحوى عليه
خزائن ملكك ويد قدرتك لفرط بعدك عن ذلك المسكين في عليا مجدك، مع غاية قربك
منه في ذاتك، إذ لا أقرب من المطلق إلى المقيد.
367 - 5 الحادي عشر انه يستكثر في حقك اليسير من قليل ما خولته وأعطيته ورشحت
به من نوالك ومنحته استقلالا لمكنتك.

701
368 - 5 الثاني عشر انك تبكى له وقتا شفقة عليه باطنا وهو يسخر منك ويستهزئ
بك ظاهرا وأنت تسعى في نجاح مقاصده ومحابة فيما بينك وبين ربك ويتخذك
عدوا ولا يشعر، وتسوق إليه حتفه في وقت من حيث لا يحتسب أو تحول بينه وبين مراده
فلا يدرى وقد يشكر.
369 - 5 الثالث عشر انه يؤمن بك وهما فيودك ويثنيك ويكفرك عينا ووجودا
فيبغضك ويشينك، فأنت - أي وجودك أو تحققك بهذه المرتبة - واجب عنده من
حيث الحكاية القلبية والوهم الحاكم، ومستحيل من حيث المشاهدة والحكم الظاهر.
370 - 5 الرابع عشر انه ينازعك بتسليطك إياه ولتبعيد مرادك وهو يزعم أنه قد انتصر
عليك.
371 - 5 الخامس عشر انه ينصر نفسه بك من حيث كينونته في دائرتك التي لا يقع فيها
الا ما شئت، فيظن انه قد جاء بالنصر إليك وانه قد أعانك ونصرك وتفضل عليك وجاد وما
قصر فيك، وأنت في كل هذا المذكور من الأحوال ثابت مكين وخازن امين، قد تدرعت
من العامة بدرع الستر والتقوى، وتسربلت بسربال الأدب مع ربك والحياء منه، متحققا
بربك متنزها عن التقيد والتعشق بوصفه أو وصفك، راسخ القدم في مقام التمكين، متبع
ربك في شؤونه بالتنوع والتلوين وفي ان لا طلب منك ولا اخذ ولا رد ولا غيبة ولا حضور
ولا حزن ولا سرور، بل مجرد التسليم والتسلم والرضاء التام بمراد الرب الكريم، فان امره حتم
وحكمه جزم وهو على بصيرة من ربه.
372 - 5 السادس عشر انك تبكى على المحجوب مرة أسفا على نقصانه وقصوره
وتضحك أخرى تعجبا من انهماكه في جهله وفتوره وتنزه عن ذينك الامرين أخرى، بل عن
كل متقابلين بحكم منزلتك الكبرى.

702
373 - 5 السابع عشر انك تستحضر قوله عليه وآله السلام: ليس شخص اصبر على اذى
من الله، فتراك مظهر هذا الشخص العلى المفضل السليم من النقائص، كما أنه ليس شخص
أتم لذة منك لما تشهده في حضرة ربك من عز سلطانك ومقامك الكريم.
374 - 5 فهذا المجموع أيها الانسان احكام كمالات ربك جلوت لها في مرآة لبك
فلا تغلط في نفسك فتضيف إليك ما ليس لك ولا لأبناء جنسك، إذ المتشبع بما لا يملك
كلابس ثوبي زور... الحديث، وإلى الله عاقبة الأمور (41 - الحج) وهذا الكلام يحتمل
المنع عن الغلط في دعوى المرتبة الكمالية مع عدم هذه العلامات، ويحتمل المنع عن الغلط
في إضافة ما فوق هذه الكمالات إلى الانسان، كالوجوب الذاتي وعدم الامكان الذاتي
والإحاطة بالكليات والجزئيات دفعة أو مطلقا، أو دوام الإحاطة على ما مر من خواص الحق
سبحانه.
375 - 5 فان قلت: هذه الكمالات ومثل ما مر من أن الإلهية من بعض مراتب
الانسانية الكمالية يفهم منها ان الانسان الكامل يكون مظهرا للألوهية ومتحققا بها، فهل
يصح ذلك؟ أو الألوهية كالوجوب الذاتي والإحاطة أو دوامها من خواص الحق سبحانه؟
376 - 5 قلت: قال الجندي في رسالته: قد اختلف في أن الانسان هل يكون مظهرا
للألوهية التي هي الصفة الجامعة للكمالات الأسمائية؟ فمحققوا المتصوفة على أن التخلق
والتحقق بالاسم الله لا يمكن لاختصاصهما بالحق ولأنه قائم مقام المسمى، وهذا من مقام
الأدب مع الله، فاما مقتضى الكشف والشهود ان الاسم الله ليس عين المسمى من جميع
الوجوه، بل من وجه كسائر الأسماء، ولما اتصف الانسان الكامل بأحدية جمع جميع
الأخلاق الإلهية وبسر: وسعني قلب عبدي التقى النقي، صار قلبه عرش ذات الحق
والأسماء الإلهية ويكون الاسم العلم الأعظم، لدلالته على حقيقة الحق بالحقيقة لا المجاز. هذا
كلامه.

703
377 - 5 ثم نقول: واما الثاني من الامرين اللذين بهما ختام الكلام (1) وهو ذكر
علامات يظهر بها تزوير قول المبطلين وتنوير حال الكاملين:
378 - 5 فمنها معرفة قدر كل موجود، لأنه يدركه حق الادراك ومرتبته عند الله
فيوفيه حقه الذي استحقه من حيث نسبته إلى الله ويعامله بما لو تجلى الحق سبحانه بذاته
ظاهرا على العموم لكافة الموجودات لعامله الحق بعين تلك المعاملة وانزله تلك المنزلة
التي أنزله فيها هذا الكامل.
379 - 5 وأقول: فمن هذا يتسلق إلى معرفة مرتبة كل موجود عند الله، فان مرتبته عنده
هو مرتبته عند هذا الكامل استدلالا بالأثر على المؤثر وبالصورة على الحقيقة، فالعبرة
لاعتبار الكامل والتفاته - لا لما يتوهمه الناس انه محمود أو مذموم أو متشرع أو غيره -
فان الشريعة طريق الوصول، والحال بعد الوصول هو اللائح للواصل كما قال عليه وآله
السلام: أيكم مثلي؟ أبيت عند ربى يطعمني ويسقيني.
380 - 5 ومنها ان يصيب فيما يحكم به، وهذا كالفرع لما قبله، لان الحكم على كل
موجود معاملة معه، وقد قلنا معاملته مع كل موجود عين معاملة الحق سبحانه معه - لو
تجلى ظاهرا -
381 - 5 ومنها ان لا يضيف إلى نفسه شيئا ابتداء، بل بعد إضافة الحق إياه إليه، وإذا
أضاف الحق إليه أمرا ما اضافه إلى نفسه بالوجه الذي قد اضافه ربه إليه، لا متأخرا متنزها
عن أصل الإضافة إلى نفسه ولا مبادرا معتديا عن حد الإضافة.
382 - 5 فمن فروع هذا الأصل: ان الحق سبحانه أضاف الأعمال إلى كسب العباد
اختيارهم الجزئي الظاهر، فالتنزه عنه بالقول بالجبر كالجمادات تفريط، والاعتداء عن
الكسب الذي هو التوجه الجازم - وهو الامر النسبي إلى خلق الأفعال الاختيارية بالقدرة
المستقلة كما فعله المعتزلة - افراط.



(1) - عطف على ما قال الشارح قدس سره: اما الأول... ص 692
704
383 - 5 ومن فروعه: ان الحق سبحانه قال: وهو معكم أينما كنتم (4 - الحديد) و: أقرب
إليه من حبل الوريد (16 - ق) ونحوه، والمفهوم منه المعية الذاتية حقيقة لا مجازا المفسرة
بالنسبة الارتباطية التي بين الوصف والموصوف وبين التعين والمتعين وبين الحال وذيها،
وبالجملة بين المطلق وقيده، فالقول بالحلول والاتحاد بين الذاتين افراط، والقول بالمباينة
والتعدد الوجودي حقيقة تفريط.
384 - 5 ومنها ان يتصرف فيما مكنه الحق تعالى التصرف فيه بيد الاستخلاف والأدب
ورؤية نفسه خليفة عن الحق ونائبا عنه وفاعلا بأمره واقداره، لا بيد الملك - بضم الميم -
أي القوة والقدرة، ولا بيد الاستحقاق بنفسه لتلك المرتبة، وان من شأنه ذلك كما قال عليه
وآله السلام: انا بشر مثلكم (6 - فصلت) و: ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم (9 - الأحقاف)
على أحد الوجوه، مع أنه على بصيرة من ربه، و: أفلا أكون عبدا شكورا؟ وغير ذلك.
385 - 5 ومنها ان يكون مجموع الهم والقصد على الحق سبحانه، أي إحدى التوجه
إليه، لا بتعمل بل بلا تكلف فارع البال ومعرضا عن السوى من حيث إنه غير، بحيث لو أراد
التوجه إلى الغير لتكلف في ذلك، كما يفعله الانسان الحيوان على عكسه حيث لو أراد التوجه
إلى الله تعالى لتكلف فيه، كما مر عما قريب في قوله:
أبت غلبات الشوق الا تقربا * * إليك ويأبى الحال الا تجنبا
386 - 5 ولا يكون اعراضه عن السوى للنزاهة والتجمل، والا لكان التكلف
والتعمل في التوجه إلى الحق لا في التوجه إلى السوى، بل لأنه شأنه وديدنه، ومن آثر
العرفان للعرفان فقد قال بالثاني.
387 - 5 ومنها ان يكون ساكنا تحت مجارى الاقدار والاحكام الإلهية، لا بصفة
التجمل، لان التجمل بالشئ اظهار الرضاء به وحمل النفس عليه لا بملكة الرضاء،
والواجب على الكامل ووظيفته ملكة الرضاء بالقدر، ويكون تاركا كل مطلب معين، أي

705
طلبه والتشوق إليه لا للتوكل، أي لا لان يتوكل على الله تعالى في حصوله مع ميل قلبه إليه
بخصوصه، والا لم يرض قلبه بضده، بل كان موطنا نفسه على الرضاء بما يبدو من الغيب
من صور الوقائع أو يرد عليه من الأحوال، وذلك لجزمه بان الخير ما اختاره والحكمة فيما يفعله
الحكيم المطلق، ويكون رضاه ذلك من غير تشجع وتجلد يقتضيان التصدي للمقاومة مع
الواقع الغير الملائم لطبعه، أو يقتضيان عدم الاكتراث لذلك الواقع من غير اضطراب
بوقوعه وتزلزل، ومن غير تعشق ووثوق بكل محصول ومؤمل، يعنى كمال المرء ان يشتمل
رضاه بالقدر على أمور:
388 - 5 الأول ان لا يرى رضاه كمالا له كما قال الشيخ قدس سره في عدم رؤية الاخلاص
من رزق الظهارة: حتى عن الاخلاص فقد منح الخلاص.
389 - 5 الثاني ان لا يكون فيه توقع مطلب معين، بل يكون مطلوبه ما شاء الحق تعالى
احداثه في نفسه أو في غيره.
390 - 5 الثالث ان لا يكون رضاه بتفويض مطالبه إلى الحق، والا لاشتمل قلبه على ميل
معين، ولا للتشجع في مقاومته لغير الملائم أو عدم الاكتراث له أو الاضطراب والتزلزل في غير
الملائم لطبعه أو التعشق والوثوق به في الملائم.
391 - 5 وجملة القول في الرضاء بالقضاء ما ذكره الشيخ قدس سره في التفسير: ان مراتب
الرضاء في عرصة الانسان ثلاث:
392 - 5 الأولى ان يرضى من حيث الباطن عن عقله وما زين له من الأحوال والافعال
عموما، ومن فروعه ما ورد: رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا،
ومن حيث الظاهر عن ربه بما يتعين له منه من أحوال واعمال يتقلب فيها في حياته الدنيا
دون قلق مزعج يتمر ربه العيش، كما ورد: الحمد لله على ما أعطاني ربى ولا أشرك به شيئا.

706
393 - 5 الثانية قوة الايمان وارتفاع التهمة فيما ورد في أمر الرزق وباقي المقدرات
كما قال تعالى: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم الا في كتاب... إلى آخر
الآيتين (22 - 23 - الحديد) فان من عرف ان الله أرأف به من نفسه واعرف بمصالحه ويرى
من دقائق الطافه وما له عليه من النعم التي لا تحصى مما حرمها غيره، فإنه يرضى عنه وعما
يفعله فيه، وان تألم طبعه فذلك لا يقدح، وانما المعتبر في هذا نفسه القدسية والرضاء من
صفاتها لا من صفات الطبع، وأتم حال من في هذه المرتبة ان يجعل ارادته تبعا لحكم الشرع
في نفسه لا في غيره، دون غرض له غير ما عينه الشرع.
394 - 5 الثالثة هي أعلى مراتب الرضاء ان يصحب العبد الحق لا لغرض ولا توقع
مطلب معين ولا ان يكون علة صحبته له ما يعلمه من كماله أو بلغه عنه أو عاينه، بل صحبة
ذاتية لا يتعين لها سبب، وكل أمر وقع في العالم أو في نفسه يراه كالمراد له فيلتذ به، ولا
يزال من هذا حاله في نعمة دائمة لا يتصف بالذلة والألم، وعزيز صاحب هذا المقام قل ان
يوجد، وسبب قلة ذائقية امران: عزة المقام في نفسه، لأنه شأن من يناسب الحق في شؤونه
بحيث يسره كل ما يفعله الحق وكأنه المختار له، والاخر كون الطريق إلى تحصيله مجهولا.
395 - 5 ولما كان الانسان لا يخلو نفسا واحدا عن طلب يقوم به لأمر ما، لان الطلب
وصف لازم لحقيقته، فليجعل متعلق طلبه مجهولا الا من جهة واحدة، هو ان يكون
متعلق طلبه ما شاء الحق احداثه في نفسه أو في غيره، فيحصل له اللذة بكل واقع منه أو فيه أو
في غيره، فان اقتضى الواقع التغير، تغير ملتذا به - لطلب الحق منه التغير -
396 - 5 وما رأيت بعد الشيخ رضي الله عنه من قارف هذا الا شخصا واحدا
اجتمعت به في المسجد الأقصى، هو أكبر من لقيت، اعرف له من العجائب ما لا يقبله أكثر
العقول. تم كلامه.

707
397 - 5 ومنه يعلم أن المذكور من الرضاء هيهنا أعلى مراتبه وهى المرتبة الثالثة.
398 - 5 ومنها ان يترك التحكم بالتحسين والتقبيح العقليين في مدركاته، إذ الجميع
من حيث إنه فعل الحق - ولم يقع بلا مصلحة - حسن، بل يخلع من ملابس الأحوال كلها
ويبدلها لغيره، وذلك لعدم تعشقه وتقيده بحال معين، كل ذلك لا لخدر معنوي وغفلة
قلبية مانعة عن كمال الاحساس بما دق وجل من المعلومات اللائحة له بعد كمال ادراكها.
399 - 5 ومنها إحاطة علمية الهية بجميع الحضرات الخمس الأصلية والأسماء الذاتية
الكلية بحيث يعرف أصل كل مأخذ كل آخذ عن الله بواسطة ظاهره أو باطنه، ويعرف
صورة استناد ذلك الاخذ إلى ذلك الأصل الإلهي وما حصل له منه وما بقى عليه مما سيأخذه
بشروطه، هذه علامات الكمال، فان ارتقى بعد التحقق بالكمال في درجات الأكملية وجاوز
مقام الكمال من حيث تعينه المخصوص بصاحب أحدية الجمع، أي من أول درجاته إلى
اخرها، فان أول درجات الكمال كما مر قرب النوافل وأوسطها قرب الفرائض واخرها
الممكن الذكر مرتبة التمحض عما سوى الله تعالى، والتشكيك بتردد الجمع بين الطرفين.
400 - 5 وفي التفسير: ان ما بين مرتبة كنت سمعه وبصره وبين مرتبة الكمال المتضمن
للاستخلاف والتوكيل الأتم من الخليفة الكامل لربه سبحانه في كل ما قد استخلفه الحق فيه
مع زيادة ما يختص بذات العبد مراتب كمرتبة النبوة ثم الرسالة ثم الخلافة، خاصة كل من
الثلاث ثم عامة، ثم قال: فما ظنك بدرجات الأكملية التي هي وراء الكمال. هذا كلامه.
401 - 5 وحينئذ (1) حجبه الحق بذاته عن خلقه وقام الحق عنه بسائر وظائفه وجميع
لوازمه، وانضاف إلى الحق سبحانه ما كان ينضاف إليه قبله من الأوصاف والآثار، واستقر هو
في غيب ربه لا يدرك له اثر ولا يعرف له عين ولا خبر، يدرك تجلى ربه في ذاته فيظن ان
الكامل قد رأى، ويشهد الآثار تصدر عنه ظاهرا من حيث الصورة التي كانت تضاف



(1) - عطف على: فان ارتقى بعد التحقق...
708
إليه من قبل، فيظن ان الصورة هو ذلك الانسان، فيحسب ان قد درى وما درى وانى يتصور
لمن احتجب في الغيب تعينه وذاته ان يدركه كون؟ ففيه قال من قال رضي الله عنه: تسترت
عن دهري بظل جناحه: أي بصورة جزئية ليس وسعه الا ادراكها ولا يدرك عيني الكلى،
وحين ادركها يحسب أنه ادركني وليس كذلك. فعيني ترى دهري وليس يراني: فان النور
الكلى شأنه ان يرى ولا يرى.
فلو تسأل الأيام ما اسمى ما درت * * وأين مكاني مادرين مكاني
402 - 5 إذ لا اسم ولا مكان لمن احتجب في الغيب بعينه، وهذا هو ما قال في التفسير:
ومنتهى كل ذلك بعد التحقق بهذا الكمال التوغل في درجات الأكملية توغلا يستلزم
الاستهلاك في الله، استهلاكا يوجب غيبوبة العبد في غيب ذات ربه وظهور الحق عنه في
كل مرتبة من المراتب الإلهية والكونية في كل حال وفعل مما كان ينسب إلى هذا الانسان
من حيث انسانيته وكماله الإلهي، أو ينسب إلى ربه من حيث هذا العبد ظهورا يوهم عند
أهل الاستبصار انه عنوان الخلافة وحكمها، والامر بعكس ذلك عند الله وعند أهل هذا
الشهود العزيز المنال.
403 - 5 ومن حصلت له هذه الحال وشاهد اللحمة النسبية بينه وبين كل شئ
وانتهى إلى أن علم أن نسبة الكون كله نسبة الأعضاء الالية والقوى إلى صورته وتعدى
مقام السفر إلى الله ومنه إلى خلقه وبقى سفره في الله لا إلى غاية ثم اتخذ الله وكيلا مطلقا، يقول
حالتئذ: اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والولد، وأنت حسبي في سفري
فيك والعوض عنى وعن كل شئ ونعم الوكيل أنت على ما خلقت مما كان مضافا إلى علي
سبيل الخصوص من ذات أو صفة أو فعل ولوازم كل ذلك وما أضفته إلى أيضا من حيث
استخلافك لي على الكون إضافة شاملة، فقم عنا بما شئته منا كيفما شئت وفي كل ما شئت،
فكفانا أنت عوضا عنا وعن سوانا، والحمد لله رب العالمين. هذا كلامه.

709
404 - 5 ثم نقول: ومن العلامات المشار إليها انك تعلم الشئ فكأنك ما علمته، وتسمع
به وكأنك ما سمعته، وتكونه وكأنك لست هو، وتراه وكأنك ما رأيته، وتملكه وكأنك
محتاج إليه، ويحكم عليه يد قدرتك وكأنك طالب له وفقير إليه كما قال الترجمان:
كثر العيان إلى حتى أنه * * صار اليقين من العيان توهما
405 - 5 وقال الترجمان الاخر:
أنكرتهم نفسي وما ذلك * الانكار الا لشدة العرفان
406 - 5 وسبب ذلك سر جمعيتك وكمال كليتك ووحدة ذلك السر وعدم ثبات
ما ينطبع في مرآتك الكلية من حيث إن الأشياء والتعينات طائفة حول حقيقتك التي هي
مركز دائرة الأشياء، إذ حقيقتك كمرآة كرية مستديرة على رق محيط منشور دائر مشتمل
على جميع النقوش، ونسبة الأشياء إلى تلك المرآة المستديرة نسبة نقط محيط الدائرة إلى
النقطة التي منها انتشت، فكل منها يحاذيك في مجرد النفس الواحد، وهو يمر عنك
في النفس الثاني من زمان المحاذاة والمسامتة، فما يلحقه نسبة أو حقيقة ما من حقائق
الكون أو يقف تلك النقطة في مقام المسامتة والمحاذاة منك ومن مرتبتك الا وتلتها
نقطة أخرى يخال غير الأولى وهكذا على الدوام.
407 - 5 فان قلت: إذا كان محاذاة كل نقطة في نفس واحد ويمر في النفس الثاني لم يمكن
ان يكون للكامل المذكور حسبما يبين معنى جزئيا أو يظهر في صورة جزئية ولا ارتباط
بشئ معين والثبات معه، وكل ذلك خلاف الوجود.
408 - 5 قلنا: لولا أن كل شئ فيه كل شئ مع سريان الكامل الغائب في ذات الحق
في الصور والعوالم والمراتب جميعها ومع حيطته لها، لم يتمكن من بيان أمر جزئي، لان
الجزئية لا تحصل بالمرور على حقيقة واحدة، بل بالثبات على عدة من الحقائق إلى أن يتعين

710
العين الجزئية، ولم يتمكن أيضا من الثبات مع أمر بصورة مخصوصة أو الارتباط بشئ معين،
لما مر ان الخصوصية والتعين يقتضيان اجتماع الحقائق وثباتها، بل مركزيته واجتماع نسب
الحقائق فيها كاجتماع نسب نقطة المحيط في المركز بنسبه، فاجتمع صور تلك النسب
وحصل به بيان الجزئية وظهور الصورة المخصوصة والارتباط بها - وكذا مرتبته - تلك
لشمول حكمها وعموم اثرها للكل صارت مقتضية للتمكن، فمكنته كما من شأنه ان
يقتضى المرور والتحول فحولته، فله ان يقيم متى شاء وان يظعن متى شاء وأحب كما قال:
كل شئ أنت فيه حسن * * لا يبالي حسن ما لبسا
409 - 5 فكل من الظعن والإقامة والثبات والمرور في مقامه وبشرط يقتضيه حسن
ومشتمل على حكمة بالغة كسائر المتقابلات.
410 - 5 ثم نقول: في مركزية الكامل الموصوفة بالثبات وفلكية الحقائق الموصوفة
بالجمع والإحاطة والدوران اسرار يجب التنبيه عليها - وإن كانت مما لا يذاع - إذ حقت
الكلمة الإلهية ووجب القول الرباني ولا تبديل لكلمات الله.
411 - 5 وتلك الاسرار: ان لظاهر الانسان الثبات النسبي صورة، أي بالنسبة إلى باطنه،
وإن كان كل كون خيالا في الحقيقة، ولباطن الانسان التنوع، اما لروحه وقواه: فإذ لا يزال
يتبدل تصوراته وتخيلاته وعزماته وتوجهاته بالأسباب والبواعث، واما لبدنه، فإذ لا يزال
يتحلل ويتبدل ما يتحلل، ولظاهر الحق التنوع لأنه: كل يوم هو في شأن (29 - الرحمن)
ولباطنه الثبات، لان حقيقته عين الوجود الحق، فالباطن الحق وهو الوجود الاحدى النفسي
الرحماني الجامع عين ظاهر الانسان الكامل، والظاهر الحق وهو المتعين من حيث هو متعين
عين باطن الانسان المتبدل نسب تعيناته حسب تبدل أسبابها آنا وشأنا.
412 - 5 فالحاصل ان الثابت المحسوس هو الوجود الحق الواجب الوجود والمتبدل هو
نسبه الكلية والجزئية المسماة بالماهيات والهويات المتعاقبة على الوجود الاحدى الصوري،
فهذا السر هو ما يروى عن المشايخ: ان الحق محسوس والخلق معقول عند الخواص، وعند

711
العوام بالعكس، والدليل على أن ظاهر الحق يتبدل لمية ما مر انه كل آن في شأن وانية،
تحول الحق بحسب اعتقاد الانسان وباطنه في الصور يوم القيامة وفي التصورات الاعتقادية
هيهنا وبالاعتبارين في التجليات المظهرية عند أهلها، مع العلم المحقق بان حقيقته الغيبية
الاطلاقية لا تتبدل ولا تتحول لوجوبه الذاتي المقتضى لأزليته وأبديته، فهذا التحول دنيا
وآخرة انما هو لنسبها و بحسبنا.
413 - 5 ومن تلك الاسرار: ان المحكوم به على كونية الانسان الكامل ووجوده جمعا
واجمالا من حيث جمعه بين مظهريات الجميع - كما مر شرحه - محكوم به على العالم
باسره تعديدا وتفصيلا، وذلك لان كلا منها صورة الحقيقة الجامعة وتعينها، لكن بالوجهين
المذكورين، لما مر مرارا من قول الشيخ: ان وجود كل شئ تعين الحق من حيثه، كما أن
المحكوم به على حقيقة الكامل من حيث جمعها الاحدى للحقائق بمركزيته لفلكها،
محكوم به على الحضرة الإلهية التي هي مرتبة الجمعية الانسانية والفياضية للحق سبحانه،
فافهم ذلك تفهم سر الثبات والحركة حيث ذكرا.
414 - 5 فالثبات لذات الحق حقيقة إلى أي شئ نسب والحركة لأحواله ونسبه،
وتعرف أيضا من أي وجه أنت نقطة، أي من حيث جمعك الوجودي الاحدى الاعتدالي، وبأي
اعتبار أنت عرش محيط دائم الدوران، أي باعتبار اشتمال حقيقتك على حقائق عرش عالم
الحقيقة وباعتبار اشتمال مظهريتك على سائر المظهريات عرش عالم الصور التي تحت
صورتك.
415 - 5 يدل عليه ما كتب الشيخ قدس سره في بعض نسخ النفحات: ان القلب
الصنوبري عرش للبخار الذي في تجويفه وحارس له، والبخار عرش للروح الحيواني
وحافظ له وآلة يتوقف تصريفه عليه، والروح الحيواني بمظهره البخاري عرش للروح
الإلهي الذي هو النفس القدسية الناطقة وحافظ لتدبيره، به يصل تدبيره إلى البدن.

712
416 - 5 والنفس القدسية باعتبار ما مر من مظاهرها مضافا إليها حال الايجاد الذي
هو عبارة عن انصياع كل مظهر بوصف الظاهرية والتحق بأحدية الجمع عرش الاسم
الله كما قال: وسعني قلب عبدي التقى النقي، لكن اللام للعهد لا للاستغراق، فان هذه السعة
تختص بالكمل المسمين بالأقطاب، والعرش المحيط لهذه العروش الظاهرة المذكورة ما خلا
النفس القدسية النشأة الإنساني الطبيعي العنصري من حيث رتبة جسمه الشامل الحكم
لهذه العروش، اما من حيث الباطن، فالعرش الشامل نفس الكامل. هذا كلامه.
417 - 5 ثم نقول: ومن علامات الانسان الكامل تمكنه من الاجتماع بمن شاء من الخلق
الاحياء والأموات متى عين الحق له الاجتماع ويكون الاجتماع على ضربين:
418 - 5 أحدهما ان ينظر إلى مستقر من يريد الاجتماع به فيتلبس بالصورة التي له في
ذلك المقام والعالم، لان للكامل صورة في كل موطن ومقام يناسبها ثم يجتمع به، فإذا انتهى
حكم قصده من ذلك الاجتماع نزل على الرقيقة الرابطة بين تلك الصورة وبين صورته
الجامعة إلى صورته.
419 - 5 وثانيهما وهو الاعلى، انه إذا أراد الاجتماع بأحد ولو كان في الأموات، نظر إلى
المقام الذي قبض فيه وإلى مستقره من البرازخ، فأنشأ من باطنه صورة روحانية مثالية وأسراها
على الرقيقة المثبتة للمناسبة الرابطة بينه وبين ذلك المقام والمحل واستدعى المطلوب
حضوره، فينزل إليه طوعا - إن كان عارفا بكماله وكان للمطلوب السراح في حبوس
البرازخ - ويأتيه في صورة روحانية مثالية تقتضيها حاله، وإن كان من محابيس البرازخ
نزل قهرا بصفة المستدعى وقهره. وإن كان الامر واقعا بين كاملين فالشأن بحسب الأقوى
منهما
حالا واكملهما وبحسب التأدب المرعى بينهما. اما لمن هو كامل الوقت، الدولة من
حيث سلطنته الحاضرة، فإنه صاحب المنصب والمتمكن مطلقا في الحالة الذاهبة
والثابتة، ومن هذا قيل لنبينا صلى الله عليه وآله: واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا

713
(45 - الزخرف) فإنه لو لم يتمكن من الاجتماع بمن أمر بالسؤال عنه ما أمر، ولا تتأول بان
المراد: واسأل أممهم وعلماء دينهم، هل حكمنا بعبادة الأوثان في ملة من مللهم؟ فان الامر على
ظاهره - أي والله - وعن رؤية ويقين أخبرت بذلك، كذا ذكره الشيخ ولا ينبئك مثل
خبير.
420 - 5 ثم نقول: والغالب وقوعا في أمر المقيدين بالبرازخ رعاية العالي منا الأدب
معهم، لكونهم معذورين ومحبوسين، فيختار العالي منا الاجتماع به في حبسه تنزلا لا عجزا،
فان الكامل لا يخلو منه محل ولا مقام ولا يعتاص، أي ولا يشكل عليه أمر من التنزيل والتنزل،
لتحققه بالحق الذي له الخلق والامر، اللهم الا لموجب خفى يحتاج ذكره إلى مزيد بسط.
421 - 5 هذا كله علامات للكامل الذي ظهر بجميع أحوال الصورة وذي الصورة،
ومتى لم يكن كما ذكر فليس بكامل، بل ولا تائب ظاهر بجميع أحوال الصورة المتعلقة
بالخلقية وأحوال ذي الصورة المتعلقة بالحقية، وكل من كان كما ذكر أو لم يكن كما ذكر
أدرى من غيره.
422 - 5 ثم نقول: هذه خاتمة الخاتمة لا خاتمة الكتاب، لأنها تتضمن شيئين يتعلقان
بالانسان الكامل:
423 - 5 الأول وصية لا يراد بها ان يعمل عليها السامع، بل المراد ان الانسان الكامل
يعمل عليها، لما انه قد تعدى الأطوار والنصائح والتعملات، ويراد بها تعريف حاله بهذه
العلامة أيضا، وان يعلم بها المؤهل للكمال ما حصل له منه وما بقى عليه، فلا يغلط بظن
حصول الجميع وبذل المجهود في السلوك حتى ينال المقصود أو يموت في الطريق، قال الله
تعالى: ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله
(100 - النساء).
424 - 5 والثاني مناجاة بلسان من السنة الكمال.

714
425 - 5 اما الأول: فنقول: على الانسان - أي شأن الانسان الكامل على ما مر - ان
يراقب الخواطر الأول ويجتمع عليها وعلى كل ظاهر أول، وهو الخاطر الحاضر من غير
تعمل في احضاره وطلب وتشوق لحضوره - وإن كان محدث الاتيان والبروز من
الغيب - فتلك المراقبة للخواطر الأول التي هي شأن الانسان الكامل هي مراقبتك ربك
التي متى لزمتها لن يمر عليك وقت لا تكون فيه مراقبا له، وتعلم حينئذ شؤون ربك فيك
وفيما خرج عنك باعتبار - وان دخل باعتبار - وتلك الشؤون مما يدركه من الكون
بصرك وما يصل إليه فكرك وعقلك وما يشهده سبحانه في مشاهدك وما تطلع عليه من
الغيوب في كونك أو حيت كان، سواء كان كونه بك أو بربك أو بصفة جمعك.
426 - 5 فمن هذه القاعدة الحقيقية والميزان الحق تعرف حقيقة خواطرك حقيتها وهى
الأول وكونيتها، وهذا مع عدم الوقوف بالباطن مع شئ مما حصل لك كان ما كان وقوف
تعشق وتصمم يوجب استصحاب حكمه زمانين على نسق واحد في زعمك، وقابل من
العالم الجملة الوجودية المشهودة، والمرتبية والمعقولة، علوا وسفلا، حقا وخلقا، بكل من
اعتباري المحجوبين والمحققين بجملتك الوجودية والمرتبية وحازها بمعانيك وقواك
الباطنة ومغانيك، أي منازلك أو مراتبك محاذاة مثلك وزنا بوزن حرفا بحرف، فقابل
المتعين معرفته لك بالمتعين، فإن كان تعينه مفصلا بمفصل وإن كان مجملا بمجمل
وقابل المبهم عندك بمثله، فإن كان المبهم كليا فبكلي أو جزئيا فبجزئي.
427 - 5 ولتكن هذه المسامتة جامعة لكل ما عدد صريحا ومطابقة من الأقسام وما أشير
إليه ضمنا والتزاما، ومن جملة الأمور التي ينبغي المسامته فيها الإحاطة والاطلاق عن حكم
الحصر والتناهي، فسامت حضرة الهوية الإلهية الذاتية الغيبية المجهول النعت من حيث
اطلاقها عن حصر النعوت والأسماء بحقيقتك التي شأنها المماثلة للهوية وفي كل احكامها

715
مع فنائك عنك، وملاحظة عدمية مراتيتك فناء يحكم به عليك مرتبة الكمال، وذلك
ما يقتضيه ملكة دوام الانس مع الله تعالى، لا انك تقصده وتتوخاه، فان ذلك لا يصلح
للكامل الناطق حاله بقوله:
الله يعلم انى لست أذكره * * وكيف أذكره إذ لست أنساه
428 - 5 لكن في مقابلة المطلق والمجهول الغير المتعين نكتة يعرف بها المقابلة، وهى
ان يكون المقابلة لها في ضمن المقابلة للحضرة الذاتية، إذ يحصل المقابلة للمطلق حينئذ
مع السلامة عن الغلط والانحراف عن الوسط محاذيا لكل جزء من اجزاء المحيط بذاته، إذ لا
شئ خارج عن دائرة الحضرة الذاتية، فإذا صرت نقطتها وقد حاذيت كل شئ بذاتك
وحكمت عليه بما يستدعيه مرتبته وحاله من صفاتك وسلمت من كل انحراف ولم يفتك
شئ من الشرائط الواجبة الرعاية على الكمل دون تعمل، كنت صاحب الحال المذكور للكمل
والمقام المنبه عليه أو مؤهلا له سالكا إليه، فتدبر ما سمعت واعرف نسبة حالك من هذا الحال
والمقام المذكورين ومن صاحبهما وأثبت حكم الوقت والحال.
429 - 5 اما الثاني: (1) وهو المناجاة بلسان من السنة الكمال المشتملة بما يتضمنه من
ترتيب مناجاة الفاتحة على حسن الامتثال وتوضيح المراد الحقيقي الكمالي بما في مبانيه. أولا
من مباني الجمال والجلال والافعال. وثانيا من الاعتراف بالعجز والقصور والاحتياج الدائم
الذي يتضمنها الاستقامة والاستكمال. وثالثا من استدعاء الهداية إلى الانس مع حضرة
القدس والاستعاذة من غضب الجلال وضلال التعويل على النفس في حال من الأحوال.
وانما اخرنا في خاتمة الكتاب استدعاء هداية الانس عن الاستعاذة من الغضب والضلال
- على عكس ما في الفاتحة - لان شأن ختم الخاتمة ان يكون عين فتح الفاتحة.
430 - 5 فنقول فيها متوجها إلى الحضرة الأحدية الجامعة التي هي أول المراتب المنعوتة،
إذ لا عبارة عما فوقها بالاسم الجامع الدال على ذات الحق معتبرا في المرتبة الجامعة: اللهم حامدا



(1) - عطف على ما قال الشارح في صفحة 714 والثاني مناجاة...
716
له حمدا جامعا للأسماء والصفات بقولنا: ان المحامد وغيرها من صفات الكمال ونعوت
الجلال والجمال، فمرادنا بغير المحامد يحتمل ان يكون التسبيح والتهليل.
431 - 5 فقد قيل: التحميد إثبات ما يليق بجماله والتسبيح تنزيهه عما لا يليق بجلاله،
والتهليل هو التوحيد ولشموله التوحيد الذاتي والوصفي والفعلي يكون من صفات كماله،
ويشمل الأقسام الخمسة قولنا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول
ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
432 - 5 ويحتمل ان يراد بالمحامد ما في مرتبة الافعال وبغيرها غيره، بناء على ما قال قدس
سره في النفحات: أظهر مراتب الحمد مرتبة الافعال والأسماء التي متعلقها مرتبة الافعال
- وهو مرتبة الصفات والأسماء - تكون مدحا لا حمدا، والحمد المتعلق بالذات هو حمد
الحمد وهو ثناء الصفة بنفسها لمن هي ذاتية له غير مفارقة ولنفسها أيضا. هذا كلامه.
433 - 5 أو نقول: المراد كل الأسماء وآثارها لك، وبالنسبة إليك كمالات راجعة إليك،
وان انقسمت بالنسبة إلينا وفي زعمنا القاصر ونظرنا الفاتر من حيث الظهور في المظاهر إلى
المحامد وغيرها.
434 - 5 وانما ذكرنا الجلال - أعني السلبي - بعد ذكر الكمال الشامل له، وللجمال
الثبوتي تخصيصا بعد التعميم، للتنبيه على الاهتمام والتفخيم، كما قدم لذلك الاستعاذة من
نعوت جلاله الوصفي والفعلي والذاتي في قوله عليه وآله السلام: أعوذ برضاك من سخطك
وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك - على قوله: - لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت
على نفسك، كلها راجعة إليك بالثناء بكمالك والتنبيه على جلالك، لان اللطف ثمرة الواحدية
والقهر مقتضى الأحدية وكلاهما متضمن للوحدة الذاتية، فكل منها أينما ظهر فلك
ومنك، وإن كان القصور من خصوصيات المظهرية بحسب طلبها بلسان الاستعداد لكمال،
وعدم طلبها به لكمال آخر.

717
435 - 5 وذلك لان لسان الاستعداد الغير المجعول أيضا من فيضك الأقدس الذي خارج
عنه وهو الفيض الغير المعلل الذي بنى عليه التقدير والعلم والإرادة والقدرة والقهر والامر
الذاتيات، وكل ما بالاستعدادات المجعولة فمن ثمراته، فلذلك قلنا بيانا له: والسنة حقائق
العالمين، ذاتية كانت الألسنة أو حالية، لازمة لها أو مرتبية أو حكمية، وسواء كانت
للروحانيات أو الجسمانيات العلوية أو السفلية البسيطة أو المركبة المفصلة، تلك الحقائق
ما بين طلوع الحقيقة السعيدة المقبلة إليك بذاتها وبزعمها، لشعورها بك بتوفيقك وتيسيرك
وبين كره الشقية المعرضة في زعمها عنك، فإنها مقبلة إليك كرها ناطقة بالثناء عليك لذاتها
تسبيحا لك عما فيه من النقائص والرذائل وتحميدا لك بأعلى وأكمل مما فيه من الكمالات
والمحامد كما قال تعالى: وان من شئ الا يسبح بحمده (44 - الاسراء)
436 - 5 وذلك لأنك رب العالمين، فكل ما لهم منك واليك، وإن كانت في زعمها
معرضة لمحجوبيته بخصوصية حجاب المظهرية وعمى قلبه عن أحدية الظاهر، ذكرتها أنت
في نفسك، أي لاحظتها أولا برابطة رقيقة عشقية بين كمالك الذاتي وكمالاتك الأسمائية
الذاتية المندمجة في حضرة الواحدة الحقيقية الذاتية وثانيا بتوجه تجليك الاحدى الساري إليها
الذي ذلك التوجه نفس الايجاد القديم.
437 - 5 فظهرت قائمة بذكرك، أي تفصلت في الحضرة العلمية الواحدية التي هي ظل
الأحدية متميزة حاصلة فيها بفيضك الأقدس لاستعداداتها المختلفة طالبة كل بلسان ذلك
الاستعداد ما يليق به من الكمال أو المراد، فظهرت عقيب الايجاد بتوجه التجلي الاحدى قائمة
بامرك الذي هو التجلي الاحدى التكويني، قال تعالى: وما امرنا الا واحدة (50 - القمر) ومن
آياته ان تقوم السماء والأرض بأمره (25 - الروم) فلذلك قلنا وأمرتها أنت بنفس اشعارها
بما تريده منها من الظهور المخصوص.
438 - 5 وذلك الاشعار هو الفيض الأقدس المفيد لكل منها قابلية ما هو المراد منها
والامر به هو التجلي بحسبه، والا فلا وجود لها حينئذ في نفسها، ومن لا شعور له بنفسه لا

718
شعور له بغيره، ولذلك كان طلبها بلسان الاستعداد الغير المجعول، فأذعنت خاضعة لأمرك
وقبلت ذلك المراد من التجلي المخصوص المقتضى للآثار المخصوصة، وقهرتها أنت بالقهر الذاتي
بحيطتي علمك الذاتي الذي هو الذكر والمذكور، وقدرتك الذاتية التي هي امرك المطاع
المزبور لها، أي لتلك الماهيات الممكنة، فلعلمك بها على ما هي عليه وعدم استعدادها لما فوق
ما قبلته من الكمال، انقهرت انقهارا ذاتيا بالعجز والنقصان، فانقادت لحكمك على
اختلاف قابلياتها انقيادا ذاتيا لا يشوبه اضطراب - لعلمه الذاتي بعدم
قابليتها لما فوقه -
439 - 5 وهذا في الوجود كانقياد الاتوني لما هو فيه وعدم تشوقه لمرتبة السلطان، فإذا
ظهر الضمائر يوم تبلى السرائر يظهر ان: كل حزب بما لديهم فرحون (32 - الروم) وأريت
- أي أعلمت أو أبصرت - ما شئت منها مشيئتك منها ترتب حكمك عليها بالوجود الإلهي
ولوازمه المناسبة بحسب ما يستدعيه استعدادها وعلى قدر ذلك. فاعترفت بعد لك لوجدان
كل منها ما يقبله ويطلبه بلسان استعداده، والعدل وضع كل شئ في محله واعطائه ما يليق به
من العدل في القسمة، لا من التعادل - أي التساوي - ان الله لا يظلم مثقال ذرة (40 - النساء).
440 - 5 ف‍ (ما) (1) على هذا مصدرية والحكم عام للحقائق، ويجوز ان يراد بما شئت حقيقة
الانسان الكامل قصدا بما إلى الوصف، أي أريت الحقيقة الكاملة منها، أو إلى معنى (من) كما وجه
بهما قوله تعالى: والسماء وما بناها (5 - الشمس) وذلك تنزيلا للعبد الكامل منزلة من لا اختيار له،
وشأن الكامل تلاشى اختياره في اختيار الحق سبحانه ويترتب عليه بالتوجيهين.
441 - 5 وغمرتها، أي سترت وعممت الحقائق مطلقا، أو الحقيقة الكاملة الانسانية
ظاهرها وباطنها بالرحمة والاحسان الذاتيين، لان كلا من الرحمة الوجودية العامة
والاحسان الخاص الكمالي مقتضى ذات التجلي الاحدى النفسي باقتضاء واحد تتفاوت
لتفاوت القابليات الحاصلة بالفيض الأقدس، اللذين لا تعرف لهما موجبا من جهتهما. فان
الحقائق مطلقا أو الحقيقة الكاملة انما قبلهما بما حصل من الفيض الأقدس الذي لا يعلل



(1) - أي في قوله قدس سره: وأريت ما شئت.
719
لأزلية بغير الحق، إذ لا غير ثمة، بل قبل ثمة من قبل لا لعلة ورد من رد لا لعلة، فان الرحمة
والاحسان خير، وقد قال عليه وآله السلام: الخير كله بيديك والشر ليس إليك.
442 - 5 فان قلت: أ ليس قوله: والشر ليس إليك منافيا لقوله: ورد من رد لا لعلة؟
443 - 5 قلت: نعم قد لان الرد والشر لعدم قابلية وذلك أزلي لا يعلل، وعدم القابلية
ليس بعلة لوجهين: انه عدم وانه من جانب القابل، فعجزت عن نشر برك وفضلك اللا متناهي،
وعاينت قصورها عن القيام بحق حمدك وشكرك. اما لامتناع استيفاء المتناهى حق
اللا متناهي، فان القوى الظاهرة والباطنة متناهي، واما لامتناع استيفاء الحادث حق
الفضل القديم، واما لامتناع ادراك كنه الفضل، فضلا عن استيفاء حقه.
444 - 5 والمناجاة إلى هنا تحكى اسرار الرحمانية والرحيمية من حيث خصوص العموم
في الأول وعموم الخصوص في الثاني.
445 - 5 فان قلت: لا يستوفى ذلك بقولنا: الحمد لله حق حمده وحمدا لا منتهى له دون
علمه وحمدا يليق بجلال وجهه وكمال ذاته، وكما اثنى على نفسه وغير ذلك مما ورد من أمثالها؟
446 - 5 قلنا: هذا الاجمال دليل العجز عن الاستيفاء، لا عين الاستيفاء، لذلك قلنا:
فكمال افصاحها عن واجب ثنائك بهذه العبارات اعجام وستر واخفاء، وتمام اعرابها، أي
بيانها - من اعرب الرجل عن حجته - عن كنه سرك كقوله صلى الله عليه وآله: أنت كما
أثنيت على نفسك، ابهام ومنتهى علمها بك هو منتهى علم الكمل وهو الحيرة الكبرى
المذكورة فيما سلف في كل مشهد ومقام، أي في كل ما تعلق به الشهود بالوجود.
447 - 5 إذ الحيرة الكبرى متحققة في ايجاد كل موجود كما مر، وذلك الاعجام والابهام
والحيرة الكبرى لاستيلاء العجز والنقص الامكاني عليها لامكانها و حدوثها وقصورها
بسببهما عن نحو الوجوب والإحاطة ودوام الإحاطة ونحوها مما مر. وضعف قوتي ابصارها
وبصائرها، أي ادراكاتها الظاهرة والباطنة عن خرق حجاب العزة الاطلاقية وحجاب
الصون الذي بين يديها أي بين يدي تلك العزة أو بين يدي الحقائق وهى كما مر من سبعين

720
الف حجاب من نور وظلمة، أي من الروحانيات والجسمانيات أو من الصفات الثبوتية
والسلبية كما مر، وذلك لما مر ان كل ادراك بشرى، ظاهري أو باطني بلازمه تقيد وتعين
يناسبه ويتناهى بذلك قوة ومدة وعدة، فنسبته إلى الحق المطلق الغير المتناهى نسبة المتناهى
إلى اللا متناهي، فأين التراب ورب الأرباب؟.
448 - 5 فمن أصاب في فعل أو قول كاملا كان أو غيره، فأنت الذي وفقته وسددته، لأنه
اثر قبولك الأزلي الغير المعلل، ومن أخطأ طرق مراضيك على مراتبها شريعة أو طريقة أو
حقيقة، فأنت الذي حرمته وطردته، لأنه اثر ردك الأزلي الغير المعلل، ان رغب أحد فيك
وطلبك لا لمقصد معين أو فيما لديك من بعض الكمالات النسبية، فبما ألهمت وزينت
أحدهما، وان وافقك من بعض الوجوه - إذ لا يمكن ذلك من كل الوجوه في علمك بنفسك
وبالأشياء حقائقها وخواصها - فبما أوضحت له وبينت.
449 - 5 وانما قدمنا ذكر العمل على العلم اما لأنه المقصود منه وهذا بالنسبة إلى المبتدى،
أو لان العمل هو المفضى له بعد فضل الله إلى العلم الشهودي اليقيني بالنسبة إلى المنتهى.
450 - 5 والمناجاة إلى هنا حاكية لأسرار قوله تعالى: مالك يوم الدين (4 - الفاتحة) لان
النشآت كلها ثمرات وإذا كان الكل بك ومنك واليك. فنقول: استغاثة واستعانة
واستدعاء، سبحانك سبحانك، تكريره تقرير لوحدته الذاتية الكمالية الاطلاقية عن كل
تقيد من التنزيه والتشبيه، ثم لوحدته الأسمائية والافعالية اللازمة كل منهما لما تقدمها، نفر
منك إليك، إذ لا ملجأ ولا منجي منك الا إليك، ونعوذ بك منك، كما جاء في الحديث،
ونعول في كل حال عليك، كما قيل:
على الله في كل الأمور توكلي * * وبالخمس أصحاب الكساء توسلي
451 - 5 فان قلت: إذا كان الكل منه وإليه، فأي فائدة في هذه الاستعاذة والاستدعاء؟
452 - 5 قلت: لأنهما أيضا منه، فلعلهما سببان مفضيان إلى حصول المطلوب في علم
الله تعالى وقدره، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله: اعملوا فكل ميسر لما خلق له

721
- بعد قولهم: - ففيم العمل؟
453 - 5 وهذه إلى هنا محاكاة اسرار قوله تعالى: إياك نعبد وإياك نستعين (5 - الفاتحة)
وما بعد هذا لما بعده وهو قولنا: فلا تجعلنا من المجيبين لكل صائت، كاليهود، المغضوب
عليهم (7 - الفاتحة) المقول في عذر اتباعهم الباطل: فاخرج لهم عجلا جسدا له خوار
(88 - طه) وكالنصارى الضالين بكلام المسيح في المهد صبيا وبقوله حكاية عنه: وأبرئ
الأكمه والأبرص وأحيى الموتى (49 - آل عمران) وغير ذلك، وكن لنا عوضا عن كل فائت،
ففيك الجبر عن كله وبيديك الخير كله كما كنت عوضا قبلنا للذين أنعمت عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين الكاملين المكملين. قال الجندي:
ولست تبالي ان وجدت لكل ما * * فقدت، فقد حصلت كل المقاصد
454 - 5 وتول كل أمر تضيفه إلينا بنفسك، وقد قلت: فاتخذه وكيلا (9 - المزمل)
فلا تكلنا إلى نفوسنا في أمر من أمورنا طرفة عين ولا إلى أحد غيرك، أصلح لنا شأننا كله
ولا تحجبنا في كل ما تقيمنا فيه من المقامات والأحوال والنشآت عن حضرات قدسك وحلاوة
شهودك وانسك، وفي ذلك الانس الدائم مع الله: فليتنافس المتنافسون (26 - المطففين)
آمنين عن كل ما لا يرضيك، في كل من المراتب مما ينافي هذه المراتب. آمين، فاستجب
دعانا يا ارحم الراحمين.
455 - 5 الحمد لله وسلامه على عباده الذين اصطفى كافة وعلى سيدنا محمد وآله
والكمل من اخوانه وورثته خاصة، وعلى امامنا ومفتاح قفل لساننا ورحمة الله وبركاته،
وحسبنا الله ونعم الوكيل (173 - آل عمران) ثم الحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا (1).



(1) - قد وقع الفراع عن تصحيح هذا الكتاب المستطاب متنا وشرحا في خامس والعشرين من شهر جمادى
الثاني سنة الحادي عشر وأربع مائة بعد الألف من الهجرة النبوية على هاجرها آلاف الثناء والتحية، (المطابق
ل‍ (ديماه) 1369) يوم ميلاد كلمة الله المسيح، عيسى بن مريم سلام الله عليه وعلى امه وعلى من اقتدى به بعد
نزوله من السماء - حجة بن الحسن العسكري - أفقر الخلق إلى الله العلى، العبد المفتقر الولوي، محمد بن أحمد
الخواجوي، عامله الله بلطفه الخفى.
722
/ 1