حكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة (جزء 7) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة (جزء 7) - نسخه متنی

صدر الدین محمد شیرازی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة
المؤلف: صدر الدين محمد الشيرازي
الجزء: 7
الوفاة: 1050
المجموعة: فلسفة ، منطق ، عرفان
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: مهر استوار - قم
الناشر: مكتبة المصطفى - قم - ايران
ردمك:
ملاحظات:
الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة
لمؤلفه
الحكيم الإلهي و الفيلسوف الرباني صدر الدين محمد الشيرازي
مجدد الفلسفة الاسلامية
المتوفى 1050 هج
الجزء الثاني
من السفر الأول
على نفقة
شركة دار المعارف الاسلامية
في مطبعة قم

1
بسم الله الرحمن الرحيم
المرحلة الرابعة في الماهية ولواحقها
وفيه فصول
فصل [1]
في الماهية
ان الأمور التي تلينا لكل منها ماهية وانية والماهية (1) ما به يجاب



(1) تعريف ذكره القوم للماهية المبحوث عنها وليس بحد بل هو تعريف لفظي لان
مفهوم الماهية ليس من الماهيات الخارجية التي حصروها في المقولات العشر بل هو من الاعراض
العامة المحمولة على جميع المقولات وأنواعها والفرق بين هذا التعريف وبين التعريف
المذكور في قوله وقد يفسر بما به الشئ هو هو الخ ان اخذ الجواب عن السؤال في هذا التعريف
يدل على كون المعرف بالفتح امرا معقولا جائز الحلول في الذهن ولا ينطبق هذا من الأمور
الخارجية الا على حيثية ماهيتها دون حيثية وجودها وخارجيتها المقابلة للذهن واما قولهم
ما به الشئ هو هو فكما يجوز انطباقه على حيثية ماهية الأشياء كذلك يجوز صدقه على حيثية
وجودها فيكون التعريف الثاني أعم مطلقا كما ذكره رحمه الله واما المراد من تعريف الماهية
بما يجاب به عن السؤال بما هو فبيانه ان الذي عرفناه من الماهية في مباحث الوجود بمعونة البراهين
التي سيقت فيها ان الحقائق الخارجية أو أكثرها مؤلفه من حيثيتين مزدوجتين حيثية الوجود
الابية عن الورود في الذهن وحيثية الماهية التي تتحد مع الوجود الخارجي في الخارج
ومع الوجود الذهني في الذهن وبعبارة أخرى تحل الذهن معقوله وربما توجد في الخارج
ولا حيثية ثالثه لهما ومن هنا قضينا ان جميع المفاهيم المعقولة التي تحكى عن الوجودات الخارجية
بما هي وجودات أولا تنطبق على الأعيان بوجه ليست بمفاهيم ماهويه وانما هي من تعملات العقل
وعناوين ذهنية لا موطن لها الا الذهن فليس بحسب الحقيقة في وعاء العين الا الوجود والماهيات الموجودة به واما سائر المفاهيم المعمولة في الذهن فهي مسلوبة عنه لا خبر عنها في الأعيان
فالذي نشير اليه بقولنا هو بالحقيقة من غير اي مجاز مفروض هو ما وقع من الشئ في العين
وليس الا وجوده الحقيقي وماهيته التي يعبر عنه بالذات واما سائر المفاهيم غير الماهوية
حتى لوازم الماهيات كزوجية الأربعة وفردية الثلاثة فإنها لكونها من تعمل الذهن مسلوبة
عن العين مفهوما وان كانت ربما تحققت فيها مصداقا كما عرفت فقد تبين ان الذات المعبر عنها
بالماهية هي المنطبقة على هويه الشئ في العين لا غير فالسؤال عن هويه الشئ المعقولة الذي
معناه طلب المفهوم المعقول الذي هو عين هويه الشئ في الخارج باتحاده بها بحيث يمتنع سلبه
عنها كيفما فرض لا يقع في جوابه الا الماهية فالماهية هي ما يجاب به عن السؤال بما هو
فافهم ط مد.
2
عن السؤال بما هو كما أن الكمية ما به يجاب عن السؤال بكم هو فلا يكون
الا مفهوما (1) كليا ولا يصدق على ما لا يمكن معرفته الا بالمشاهدة وقد يفسر بما به
الشئ هو هو فيعم الجميع والتفسير (2) لفظي فلا دور والماهية بما هي (3) ماهية اي



(1) وذلك أن الجزئية انما تعرض الشئ بانضمام أمور غريبه عن ماهية إليها فاتصاف
الماهية بها بالعرض فهي في نفسها كليه واما الجزئية بمعنى الشخصية فهي من خواص الوجود
العيني ثم إن الماهية وان كانت في نفسها ومن حيث وقوعها في جواب ما هو كليه غير أنها
صفه خارجه عنها لازمه لها فهي في حد ذاتها ليست بكليه كما انها ليست بجزئيه فلا تنافى
بين قوله ره فلا يكون الا مفهوما كليا وقوله أخيرا انه ليس من شرطها في نفسها أن تكون
كليه أو شخصية الخ ط مد.
(2) اي في كلا التفسيرين بيان ورود الدور ان الماهية منسوبة إلى ما هو فالياء
للنسبة والتاء علامه النقل فاخذ ما هو في تعريف الماهية مستلزم بالدور كاخذ كم هو
في تعريف الكمية وكيف هو في تعريف الكيفية س ره.
(3) فالسلوب التي في قولهم الماهية من حيث هي لا موجودة ولا معدومة ولا
واحده ولا كثيره الخ انما هي سلوب بحسب الحمل الأولى اي ان مفهوم الانسان مثلا هو
مفهوم الانسان وليس بمفهوم الموجود ولا مفهوم المعدوم وهكذا ولذا كانت القضية
بديهية واما الاشكال عليه بان الحمل الأولى وسلبه المذكورين يوجدان في المفاهيم غير
الماهوية أيضا كقولنا مفهوم الواحد من حيث هو هو ليس بمفهوم الموجود ولا مفهوم
المعدوم مع أن الحكم من عوارض الماهية الذاتية ذكرها القوم في البحث عنها فجوابه ان
الحكم من خواص الماهية كما ذكر وانما ينسب إلى غيرها من المفاهيم بالعرض لما بينهما
من الاتحاد من جهة انتزاعها من الماهيات في الذهن كما أشير اليه في الحاشية السابقة
وبهذا يظهر الجواب عن اشكال عويص آخر نظير هذا الاشكال وهو ان الكلية والجزئية
كما تعرضان الماهية تعرضان سائر المفاهيم غير الماهوية فهي أعم فليست من العوارض
الذاتية للماهية حتى يبحث عنها في بحث الماهية وتقرير الجواب ظاهر مما ذكر كما مر ط مد.
3
باعتبار نفسها لا واحده ولا كثيره ولا كليه ولا جزئيه والماهية الانسانية مثلا لما
وجدت شخصية وعقلت كليه علم أنه ليس من شرطها في نفسها أن تكون كليه أو شخصية
وليس (1) ان الانسانية إذا لم تخل من وحده أو كثره أو عموم أو خصوص يكون من حيث إنها
انسانية اما واحده أو كثيره أو عامه أو خاصه وهكذا الحكم في سائر
المتقابلات التي ليس شئ منها ذاتها أو ذاتيها وسلب الاتصاف من حيثية لا تنافى
الاتصاف من حيثية أخرى وليس نقيض اقتضاء الشئ الا لا اقتضاؤه لا اقتضاء مقابله
ليلزم من عدم اقتضاء أحد المتقابلين لزوم المقابل الاخر وليس (2) إذا لم يكن
للممكن في مرتبه ماهية وجود كان له فيها العدم لكونه نقيض الوجود لان خلو
الشئ عن النقيضين في بعض مراتب الواقع غير مستحيل بل انما (3) المستحيل خلوه
في الواقع لان الواقع أوسع من تلك المرتبة ا لا ترى (4) ان الأشياء التي ليست بينها علاقة
ذاتية ليس وجود بعضها ولا عدمها في مرتبه وجود الاخر أو عدمه على أن نقيض



(1) إذ فرق بين ان يكون الشئ مع الشئ وأن يكون الشئ نفس الشئ فكما ان
ليس كل من الوجود والعدم أو الوحدة والكثرة أو العموم والخصوص أو غير ذلك في حد
ذات الاخر كذلك ليست في حد ذات ايه ماهية كانت بمعنى انها ليست عينها ولا جزء ها وان لم تخل
منها س ره.
(2) والفرق بينه وبين سابقه ان في الأول منع النقاضة لوضوح ان اقتضاء الشئ واقتضاء
مقابله ثبوتيان وهنا التزم النقاضة بدليل قوله لان خلو الشئ عن النقيضين الخ ومنع المحالية
لأنه خلو في المرتبة نقل عن حاشية الشواهد الربوبية ه‍ ره.
(3) ان قلت مرتبه من الواقع هي الواقع فالرفع في الواقع قلت رفع الطبيعة انما
هو بارتفاع جميع الافراد فيصدق الرفع المذكور إذا كان عن جميع مراتب الواقع كما يأتي
في بيان ان امكان المفارق المحض ليس في نفس الامر س ره.
(4) قد اخرج بهذا القيد أمرين أحدهما العلاقة التي بين الماهية وذاتها وثانيهما
العلاقة التي بين وجود العلة ووجود المعلول فان وجود العلة جامع لوجود المعلول بنحو
أعلى ووجود المعلول حاك وواجد لوجود العلة بنحو أضعف س ره.
4
وجود الشئ في مرتبه من المراتب دفع وجوده فيها بان تكون المرتبة ظرفا للمنفى
لا للنفي أعني (1) رفع المقيد لا الرفع المقيد ولهذا (2) قالوا لو سئل بطرفي
النقيض كان الجواب الصحيح سلب كل شئ بتقديم السلب على الحيثية فلو سئل
ان الانسان من حيث هو موجود أو معدوم يجاب (3) بأنه ليس من حيث هو
موجودا ولا معدوما ولا غيرهما من العوارض (4) بمعنى ان شيئا منها ليست نفسه



(1) لان نقيض كل شئ رفعه لا الرفع المقيد لان المقيد ليس نقيض المقيد كما أن الجزئية
ليست نقيض الجزئية بل المطلق نقيض المقيد كما أن الكلية نقيض الجزئية بعد الاختلاف
في الكيف والحاصل انه إذا كذب ثبوت صفه في تلك المرتبة صدق سلب الصفة التي في
المرتبة لأنه نقيضه وكيف لا يصدق وكذب تلك الصفة في المرتبة بعينه سلب تلك الصفة
الصادق فيها وان كذب أيضا سلب الصفة الذي في المرتبة إذ ليس نقيضه فما ارتفعا ليسا
نقيضين وما هما نقيضان لم يرتفعا والاتصاف أعم من العينية س ره.
(2) اي ولان الواقع أوسع من تلك المرتبة والرفع هنا عن المرتبة فقط ورفع
الطبيعة برفع جميع افرادها والماهية لم يخل عما هي من عوارض المفهوم كالوجود والوحدة
والتشخص أو مقابلها حكموا بتقديم السلب س ره.
(3) فيتوجه السلب إلى الوجود المقيد لا المطلق فيستقيم في العوارض للماهية الغير
المشترط عروضها بوجود للماهية بل يكفي نفس تشيئها ولم تخل عنها أصلا وقد اختصر قده هنا اكتفاءا
بما ذكر من هذا المطلب في أوائل هذا السفر في البحث المعنون بقوله ازاله ريب مع أن
البسط بهذا الموضع أليق س ره.
(4) ان للماهية بالقياس إلى عوارضها حالتين إحداهما عدم الاتصاف بها حين اخذت
من حيث هي وتلك الحالة بالقياس إلى العوارض التي تعرضها بشرط الوجود على أن يكون
القضية وصفيه والأخرى الاتصاف بها حين اخذت كذلك لكن لا من حيث هي بمعنى ان
حيثيتها غير حيثية الذات وهي بالقياس إلى العوارض التي تعرضها مع الوجود لا بشرط الوجود كلوازم
الماهية وغيرها فقوله لان خلو الشئ عن النقيضين إلى آخره إشارة إلى حالها بالقياس
إلى عوارضها الوجودية وقوله ولهذا قالوا لو سئل بطرفي النقيض الخ إشارة إلى حالها
بالقياس إلى عوارضها العارضة لذاتها سواء ا كانت لوازم بالمعنى المصطلح كالزوجية للأربعة
والزوايا للمثلث أو لا كالامكان والشيئية واما قوله على أن نقيض وجود الشئ إلى آخره
فهو وجه آخر لخلو الماهية عن النقيضين الذين هما من العوارض الوجودية بجعل المرتبة
قيد اللوجود لا ظرفا له واما إذا جعل ظرفا للوجود والعدم فهذا الوجه لا يفيد فالأولى
التعويل على الوجه الأول منه طاب ثراه.
5
ولا داخلا فيه وان لم يكن خاليا عن شئ منها أو نقيضها في نفس الامر ولا يراد
من تقديم السلب على الحيثية ان ذلك العارض ليس من مقتضيات الماهية حتى
يصح الجواب بالايجاب في لوازم الماهية كما فهمه بعض (1) لظهور فساده ولا الغرض
من تقديمه عليها ان لا يكون الجواب بالايجاب (2) العدولي لان مناط الفرق بين
العدول والتحصيل في السلب تقديم الرابطة عليه وتأخيرها عنه لا غير فلو سئلنا (3)
بموجبتين هما في قوه النقيضين أو بموجبه ومعدولة كقولنا الانسان اما واحد
أو كثير واما الف واما لا الف لم يلزمنا ان نجيب البتة وان أجبنا أجبنا بلا
هذا ولا ذاك بخلاف ما إذا سئلنا بطرفي النقيضين لان (4) معنى السؤال بالموجبتين



(1) وهو صاحب المواقف حيث قال تقديم الحيثية على السلب معناه اقتضاء السلب
ولا يخفى فساده منه طاب ثراه.
(2) المفتقر إلى وجود الموضوع مع أن الموضوع هنا مرتبه الماهية الخالية عن الوجود س ره.
(3) اي عن الماهية محيثة بحيثية الذات لم يلزمنا ان نجيب اي بأحد الطرفين
وان لم تخل الماهية عن أحدهما إذ المفروض انهما في قوه النقيضين لأنا لو أجبنا به مع أن
الماهية مأخوذة بحيثية الذات توهم العينية أو الجزئية بخلاف ما إذا سئلنا بطرفي النقيض
فانا نجيب حينئذ بأحدهما وهو السلب وانما لم يتوهم ذلك هاهنا إذ هناك اتصاف مع
التحيث بحيثية الذات وهاهنا سلب الاتصاف.
ان قلت لما كان الكلام في الماهية مع التحيث المذكور توهم العينية أو الجزئية
هاهنا أيضا فكان السلب في مرتبه ذاتها.
قلنا انا لا نجيب ان الماهية من حيث هي ليست كذا بل نجيب انها ليست من حيث
هي كذا وهذا فائدة أخرى لتقديم السلب على الحيثية فالمرتبة ظرف المسلوب لا ظرف
السلب وفرق بين سلب الثبوت وثبوت السلب وسلب المقيد والسلب المقيد والحمل
الشائع والحمل الذاتي الأولى وجه أخرى في لزوم الجواب للسؤال بموجبه وسالبه وعدم
لزومه للسؤال بموجبتين ان الأول منفصلة حقيقية دائرة بين النفي والاثبات فلا يمكن الخروج
عنهما كما ترى في المحاورات فليختر أحدهما بخلاف الثاني س ره.
(4) بضميمة ان الموجبتين في قوه النقيضين لا يجوز الخلو عنهما فإذا لم يتصف
بهذا اتصف بذاك بنحو الاتحاد لمكان التحيث بحيثية الذات وقوله والاتصاف الخ إشارة
إلى عدم امكان الجواب بأحدهما مع التحيث المذكور اي والحال ان الاتصاف في الواقع
وعدم الخلو عن أحدهما من حيثية الواقع الحامل للسائل على الحصر لا يستلزم الاتحاد إذ فرق
بين ان يكون الشئ لا يخلو عنه الشئ وبين ان يكون عينه أو جزء ه فكيف يمكن ان
يختار أحدهما ويجاب به حتى يتوهم الاتحاد للتحيث المذكور بل لو أجيب أجيب بلا هذا
ولا ذاك ثم إن بناء هذه التعليقة وإن كان على الاختصار لكن لا باس بذكر كلام الشيخ
وما ذكره المصنف قده في شرحه لزيادة الايضاح قال الشيخ في المقالة الخامسة من الهيات
الشفا في هذا المقام وبهذا يفترق حكم الموجب والسالب والموجبتين اللتين في قوه
النقيضين وذلك أن الموجب منهما الذي هو لازم للسالب معناه انه إذا لم يكن الشئ موصوفا بذلك
الموجب الاخر كان موصوفا بهذا الموجب وليس إذا كان موصوفا به كان ماهيته هو قال المصنف قده
في شرحه يعنى بوقوع الجواب بأحد الطرفين وبعدم لزوم الجواب بأحدهما يحصل الفرق بين ما إذا كان
السؤال واقعا عن طرفين أحدهما موجب والاخر سالب وبين ما إذا كان عن طرفين هما موجبتان في قوه
الموجبة والسالبة ثم قال فإنما يتحقق الفرق بين ذين وذين بأنك تجيب عن السؤال الأول بطريق السلب
بشرط تقديمه على الحيثية ولا يلزمك الجواب عن السؤال الثاني بأحد الطرفين لجواز خلو المرتبة
عنهما جميعا وذلك لان السؤال الثاني يقتضى ان الموجب منهما الذي هو مساوق للسالب إذا لم
يكن مقابله وهو الموجب الاخر صادقا كان هذا الموجب صادقا ولكن معنى صدقه هاهنا
مع هذه الحيثية يقتضى ان معنى الانسانية بعينه معنى الموجود وهو فاسد فلو أجيب به كان
جوابا فاسدا وكذا الجواب بالموجب الاخر وهو أفسد وأكذب وذلك لأنه ليس إذا كان
الانسان موجودا في الواقع أو واحدا أو ابيض كان معناه بعينه معنى الوحدة والوحدة
ماهية بعينها ماهية شئ ما اتصف به فظهر الفرق بين السؤال المردد بين الموجب والسالب
وبين السؤال المردد بين الموجبين إذا قيد الموضوع بحيثية ذاته في استحقاق الجواب وعدمه
لكن بالشرط المذكور انتهى س ره.
6
بحسب العرف انه إذا لم يتصف بهذا اتصف بذاك والاتصاف (1) لا يستلزم الاتحاد
وليس (2) ان الانسانية الكلية انسانية واحده بالعدد موجوده في كثيرين كما



(1) أي اتصاف الكثيرين بالطبيعة الكلية المشتركة بينها لا يستلزم كون تلك الطبيعة
المشتركة فيها واحده في نفسها أو من جهة نفسها فافهم ن ره.
(2) بحث آخر من أبحاث الماهية ينحل إلى عده مسائل كلها قريبه من البداهة.
منها ان الماهية التي تعرضها الكلية في الذهن والشخصية في الخارج هل هي
بعينها موجوده في الخارج.
والجواب بالاثبات لا بمعنى ان الماهية عين حيثية الموجودية الخارجية بل بمعنى نحو
من الاتحاد مع الوجود الخارجي على ما تقدم في بحث أصالة الوجود واعتبارية الماهية.
ومنها ان الماهية هل هي موجوده بوجود منحاز عن وجود الافراد أو لا والجواب بالنفي.
ومنها ان الماهية الموجودة في افرادها هل هي متكثرة بتكثر الافراد بمعنى ان
في كل فرد ماهية غير ما في غيره بالعدد أو انها واحده في الجميع بانطباقها عليها جميعا
باختيار الشق الأول لان التحقق الخارجي يمنع الاشتراك والعموم فالماهية موجوده
في كل فرد بوجود على حدة وانما توصف بالكلية في الذهن ط مد.
7
أسلفنا ذكره فان الواحد العددي لا يتصور ان يكون في أمكنه كثيره ولو
كانت انسانية افراد الناس امرا واحدا بالعدد لزم كونه عالما جاهلا ابيض اسود
متحركا ساكنا إلى غير ذلك من المتقابلات وليس نسبه المعنى الطبيعي إلى
جزئياته نسبه أب واحد إلى أولاد كثيرين كلهم ينسبون اليه بل كنسبة آباء إلى
أبناء نعم المعنى الذي يعرض له انه كلى في الذهن يوجد في كل واحد وليس
كل واحد انسانا بمجرد نسبته إلى انسانية تفرض منحازة عن الكل بل لكل
واحد منها انسانية أخرى هي بالعدد غير ما للاخر واما المعنى المشترك فهو في
الذهن لا غير
فصل [2]
في الكلى والجزئي
الكلى على الاصطلاح الذي معناه بحسب ذلك أنه يحتمل الشركة أو لا يمنع
الشركة يمتنع وقوعه في الأعيان فإنه لو وقع في الأعيان حصلت له هويه متشخصة غير
مثالية فلا يصح فيها الشركة.
فان استشكل أحد بان الطبيعة الموجودة في الذهن لها أيضا هويه موجوده
متخصصة بأمور كقيامها بالنفس وتجردها عن المقدار والوضع وكونها غير
مشار اليه بل كل واحده من الصور العقلية صوره جزئيه في نفس جزئيه فامتنع اشتراكها
أولا ترى ان الصورة الموجودة في ذهن زيد يمتنع ان يكون بعينها موجوده في
أذهان متعددة (1) فان كانت الصورة العقلية كليتها باعتبار المطابقة فالجزئيات أيضا



(1) لما كانت الكلية مفسرة بشركة الماهية بين كثيرين وتوهم منها انها موجوده
بعينها فيها واحده بالعدد وهو باطل لما مر ولأنه يكون وجود الكلى مغايرا لوجود جزئياته
حينئذ وهو محال ولان الكلى العقلي موجود في العقل والوجود عين التشخص والموضوع
من جمله المشخصات فكيف يكون مشتركا فيه فسر الاشتراك بالمطابقة ثم قيد المطابقة بما
ترى في كلام القيل س ره.
8
يطابق بعضها بعضا فيلزم ان يكون الجزئيات كليه.
قيل إن الكلية هي مطابقه الصورة العقلية لأمور كثيره لا من حيث كونها
ذات هويه قائمه بالذهن بل (1) محصل العبارة على ما فيها من الاغلاق من حيث (2) كونها ذاتا مثالية ادراكية غير متأصلة
في الوجود فهي وجودها كوجود الاظلال المقتضية للارتباط بغيرها من الأمور
سواء ا كانت ذهنية أو خارجية وسواء ا تقدمت هي عليها أو تأخرت فمن الكلى ما يتقدم
على الجزئيات الواقعة في الأعيان كتصورات المبادي لمعلولاتها فيسمى ما قبل الكثرة.
ومنها ما يستفاد من الخارج كعلومنا الكلية المنتزعة من الجزئيات الخارجية
فيسمى ما بعد الكثرة ومما يحقق معنى المطابقة انك إذا رأيت شخصا
انسانيا حصل في ذهنك صوره الانسان المبراة عن العوارض ثم إذا أبصرت شخصا
آخر منه لا يقع فيه صوره أخرى ولا يحتاج إلى صوره أخرى الا إذا غابت الأولى
عن ذهنك كقابل رشم من طوابع جسمانية متماثلة يقبل رشما من الأول ولا يختلف
بورود أشباهه عليه وإذا قيل في الكتب ان الكلى واقع في الأعيان أو يشار اليه
فإنما يعنون به الطبيعة التي يعرض لها إذا وجدت في الذهن أن تكون
كليه والأشياء المشتركة في معنى كلى يفترق بأحد أمور أربعة كما أشرنا اليه
لان الاشتراك إن كان في عرضي لا غير فالافتراق بنفس الماهية كالسواد والسطح وان
لم يكن الاشتراك في عرضي خارج فقط فقد يفترقان بفصل ان كانت الشركة في



(1) لا يقال الصورة الخيالية أيضا مثالية ادراكية وموجود ظلي غير أصيل فيلزم
ان يكون كليه لمطابقها لجزئيات أحد من نوعها لأنا نقول المراد بالمثالية وغير
الأصالة والظلية ان يكون موجوده بوجود الغير كالكلي الموجود بوجود فرده فالصورة
الخيالية من فرد نوع هو أيضا الغير الذي هو المرتبط اليه للاظلال كما قال قده سواءا كانت
خارجية أو ذهنية س ره.
(2) محصل العبارة على ما فيها من الاغلاق ان حيثية الوجود الذهني حيثية انسلاب
آثار الوجود الخارجي عن الماهية كالشخصية والوضع والزمان وسائر الآثار والمفهوم الذهني
بهذا الاعتبار لا حكم له أصلا وهو يقبل الانطباق على كثيرين بمعنى ان كل فرد عرضناه عليه
وجدناه هو هو واما كونه في ذهن كذا ومجردا عن الوضع والمقدار مثلا فليس وجوده من
هذه الجهة وجودا ذهنيا لمصداقه الخارجي وقد تقدم في بحث الوجود الذهني ط مد.
9
معنى جنسي أو بعرضي غير لازم ان كانت الشركة في امر نوعي إذا اللازم للنوع
لازم للفرد فيتفق في الجميع وإن كان يجوز ان يكون المميز لها لازم الشخص
لا لازم النوع أو بتماميه ونقص في نفس الطبيعة المشتركة لما عرفت من وهن قاعدة
المتأخرين في وجوب اختلاف حقيقة التام والناقص مما سبق.
والحق (1) ان تشخص الشئ بمعنى كونه ممتنع الشركة فيه بحسب نفس تصوره
انما يكون بأمر زائد على الماهية مانع بحسب ذاته من تصور الاشتراك فيه فالمشخص
للشئ بمعنى ما به يصير ممتنع الاشتراك فيه لا يكون بالحقيقة الا نفس وجود ذلك
الشئ كما ذهب اليه المعلم الثاني فان كل وجود متشخص بنفس ذاته وإذا
قطع النظر عن نحو الوجود الخاص للشئ فالعقل لا يأبى عن تجويز الاشتراك فيه
وان ضم اليه الف مخصص فان الامتياز في الواقع غير التشخص إذ الأول للشئ
بالقياس إلى المشاركات في امر عام والثاني باعتباره في نفسه حتى أنه لو لم يكن له
مشارك لا يحتاج إلى مميز زائد مع أن له تشخصا في نفسه ولا يبعد ان يكون التميز
يوجب للشئ استعداد التشخص فان النوع المادي المنتشر ما لم يكن المادة متخصصة
الاستعداد لواحد منه لا يفيض وجوده عن المبدأ الاعلى.
فما نقل (2) عن الحكماء ان تشخص الشئ بنحو العلم الاحساسي أو المشاهدة
الحضورية يمكن ارجاعه إلى ما قلناه فان كل (3) وجود خاص لا يمكن معرفته بذاته
الا بنحو المشاهدة.



(1) لما ذكر قده شطرا من أبحاث الكلى شرع في بيان الجزئي إذ عقد الفصل
لهما وتقيد التشخص في الموضعين بقوله بمعنى الخ احتراز عن التشخص بمعنى الامتياز فإنه
يحصل بالكليات وعن امارات التشخص بمعنى نحو الوجود س ره.
(2) هم الذين يقولون إن الكلية والجزئية بنحو الادراك اي الاحساس والتعقل
لا بتفاوت في المدرك فلا يرجع مذهبهم إلى أن الجزئية بالوجود إذ الاحساس لا يتعقل
بالوجود نعم يستقيم في المشاهدة الحضورية ويمكن الجواب بان مرادهم ان الاحساس واسطه
في الاثبات للجزئية والتشخص الحقيقي واما الواسطة في الثبوت للتشخص فهي الوجود أو مرادهم
بالتشخص امارته فكلامهم لا يأبى عن الارجاع المذكور ولعله قده لهذا استعمل لفظ الامكان س ره.
(3) وذلك أن حيثية الوجود الخارجي حيثية ترتب الآثار فيمتنع دخوله في الذهن الذي حيثيته حيثية.
انسلاب الآثار وهو العلم الحصولي واما العلم الحضوري الذي حقيقته نحو حصول المعلوم بوجوده
الخارجي للعالم فلا مانع من تعلقه بالوجود وهو الذي يريده ره بالمشاهدة وبهذا البيان
يتم جواز حصول التشخص بالمشاهدة واما حصول التشخص بالعلم الاحساسي فلا يخلو عن
خفاء فان الصورة العلمية الحاصلة لنا عند العلم بالجزئيات سواء كانت صوره احساسية أو
خيالية لا يأبى العقل بالنظر إلى نفسها مع الغض عن الخارج عن تجويز تحقق أكثر من مصداق
واحد لها وانما يمنع عن تحقق أكثر من واحد تنطبق عليه الصورة من جهة حكم نظري
آخر كحكمه بامتناع اجتماع الأمثال أو كون الوجود مساوقا للتشخص ونحو ذلك
واما نفس الصورة العلمية فلا تأبى عن الانطباق على كثيرين وان كانت السعة في الصورة
الحسية أو الخيالية كصورة زيد مثلا أقل مما في الصورة العقلية كصورة الانسان مثلا هذا
ولا يبقى الا ان يقال إن العلم الحسى انما يحصل بنوع من وجود الاعراض المحسوسة في
العضو الحاس مماثلا لما في الخارج ثم النفس باتحادها مع البدن تتحد بها كما تتحد بالبدن
ثم يحصل لها علم حصولي في الحس المشترك يطابق هذا الذي اتحدت به نوع
مطابقه وهذا النوع من الاتصال هو السبب في آبائه عن تجويز وقوع الشركة في
العلم الاحساسي الحاصل بالحواس الظاهرية واما الحاصلة بالحواس الباطنية كالعلم
بالحب والبغض النفسانيين فتحقق العلم الحضوري فيها أوضح لان لها نوعا من القيام
بالنفس واتحادا معها واما الصور الخيالية فإنما يمنع الشركة فيه حكم العقل
بأنه صوره شخص خارجي يمتنع وقوع الشركة فيه لا ان المانع عن الشركة نفس الصورة الخيالية.
مع الغض عما عداها ط مد.
10
وكذا ما ذهب اليه شيخ الاشراق في المطارحات من أن المانع للشركة كون
الشئ هويه عينيه لما مر من أن الشركة في الحقيقة لا معنى لها الا المطابقة ولا كل
مطابقه بل مطابقه امر لا يكون له هويه عينيه متأصلة فان الهوية العينية في الحقيقة
ليست الا الوجود الخاص للشئ لكن هذا الشيخ العظيم القدر قد اكد القول
في أن الوجود امر ذهني لا هويه له في الأعيان والعجب أن التشخص عنده إذا كان
بنفس الشئ الذي هو غير الوجود وغير الوجود اما نفس الماهية المشتركة أو هي
مع مادة وعوارض أخرى من كم أو وضع أو زمان وهو معترف بان كل واحد
من هذه الأشياء نفس تصورها لا يمنع الشركة وان مجموع الكليات كلى فهذه

11
الهوية العينية إذا كانت امرا خارجا عن الوجود الخاص الذي خصوصيته بنفس ذاته
كما مر فأي شئ فيه موجب لمنع الشركة
وكذا ما اختاره بعض المدققين من أن تشخص كل شخص بجزء تحليلي له يمكن
حمله على الوجود فان الوجود لا يمتاز عن الماهية في الأعيان وما قيل من أن تشخص
الشئ بالفاعل فهو أيضا صحيح فان الفاعل مفيد الوجود والوجود عين التشخص
فمفيد الوجود هو مفيد التشخص وقد علمت أيضا ان كل وجود يتقوم بفاعله فكل تشخص
يتقوم بفاعل ذلك التشخص لكن كلامنا في السببية القريبة لتشخص الشئ المتشخص.
وكذا ما هو مختار لبعض وهو ان (1) تشخص الشئ بارتباطه إلى الوجود
الحقيقي الذي هو مبدء جميع الأشياء لأنك قد علمت أن الماهيات انما ترتبط بالجاعل
الحق لأجل وجوداتها لا لأجل مفهوماتها في نفسها فبالوجود يرتبط كل شئ إلى
علته وهكذا إلى ما هو عله الجميع فالوجودات في الحقيقة ظلال واشراقات له تعالى.
واما ما قال بعض أهل العلم من أن الشخص نفس تصوره يمنع الشركة
وليس ذلك بسبب مقوماته فان المقومات لذاتها لا تمنع الشركة ولا بسبب لازم فإنه
متفق فلا يمنع الشركة ولا بسبب عارض مفارق فإنه أيضا لا يمنع الشركة فتعين ان
يكون بسبب المادة.
فيجب حمله على التميز الذي هو شرط للتشخص فان الهيولى حالها في
التشخص ومنع الشركة بحسب التصور حال غيرها بل النوع المتكثر الافراد ما لم
يتخصص المادة الحاملة لافراده بوضع خاص وزمان خاص لا يوجد فرد منه دون غيره



(1) إشارة إلى ذوق المتألهين والفرق بينه وبين سابقه ان القول بان التشخص
بالفاعل يمكن ان يقول به من يرى أن الواجب ماهية وجوبية مجهوله الكنه واما في هذا
القول فهو تعالى حضره الوجود الحقيقي القائم بذاته المتشخص بنفسه واما الفرق بان القول بان
التشخص بالفاعل يشمل ما إذا كان بشئ آت من جانب الفاعل بخلاف الثاني فهو أيضا صحيح س ره.
12
فعلم (1) ان المادة أيضا غير كافيه لتميزه فان كثيرا من الصور والهيئات مما يقع
شخصان منه في مادة واحده في زمانين وامتياز أحدهما عن الاخر لا بالمادة
بل بالزمان.
وهكذا القول في حمل ما ذهب اليه بهمنيار من أن التشخص بسبب أحوال
المادة من الوضع والحيز مع اتحاد الزمان فان المقصود منه المميز المفارق بين
الشيئين لا ما يجعل الطبيعة شخصية ولهذا حكم حيث رأى الوضع مع الزمان متبدلا مع بقاء
الشخص بان المشخص هو (2) وضع ما من الأوضاع الواردة على الشخص في زمان
وجوده ولولا أن مراده من المشخص علامه الشخص ولازم وجوده كيف يصح منه
هذا الحكم فان الشخص المادي كزيد مانع من فرض الشركة فيه بدون اعتبار وضعه.
وكذا المراد من قولهم يجوز ان يمتاز كل واحد من الشيئين بصاحبه فان
توقف امتياز الطائر على الولود وامتياز الولود على الطائر ليس بدور إذ الممتنع توقف
ذات كل منهما على ذات الاخر أو توقف امتياز كل منهما على امتياز الاخر واما توقف
امتياز كل منهما على نفس الاخر فلا يلزم منه محذور كما سيجئ (3) في حال المتضايفين.



(1) بل المادة الثانية المصورة بالصور الملحوقة للواحق مميز ومخصص للحدوث
حتى لا يلزم التخصيص بلا مخصص فإذا لم يكف المادة للتميز بمجردها فكيف يكفي
للتشخص س ره.
(2) ليس المراد بوضع ما أو أين ما وغيرهما مما جعلوها مشخصه المفهوم الكلى أو
الفرد المنتشر من الوضع مثلا إذ معلوم ان ضم الكلى إلى الكلى لا يفيد الجزئية والمفهوم المنضم
حاله حال المنضم اليه في أن كلا منهما من حيث هو لا كلى ولا جزئي بل مفهوم الوضع من حيث التحقق
والوجود لكن لا من حيث التحقق في ضمن فرد معين منه لتبدله مع بقاء الشخص بل من حيث
الوجود والتحقق في ضمن الأوضاع الواردة على الشخص في جميع زمان وجوده كعرض
المزاج الشخصي كما سيأتي ثم هذا الوضع الكذائي المأخوذ من حيث الوجود ليس مشخصا
حقيقيا بمعنى ما به يمتنع صدق الماهية على كثيرين لان وجود الوضع مثلا مشخص لنفسه لا
لذي الوضع بل مشخص بمعنى امارة التشخص ولازمه وكاشفه س ره.
(3) فان معرفه كل منهما مع معرفه الاخر وليست متوقفة عليها بل متوقفة على ذات
الاخر بل على السبب الموقع للارتباط بينهما ولو توهم دور بين الامتيازين أو بين المعرفتين
كان دورا معيا س ره
13
بحث وتعقيب
قد أورد على قولهم ان الشيئين من نوع واحد يمتاز أحدهما
عن الاخر ان اتحد المحل بالزمان بان الزمان نفسه إذا كان
مقدار حركه الفلك فمحله جسم واحد فبما ذا يمتاز مع وحده المحل جزء منه من جزء آخر.
والجواب ان التميز بين اجزاء الزمان بنفس ذاتها فان المسمى بالزمان حقيقة
متجددة متصرمة وليست له ماهية غير اتصال الانقضاء والتجدد فالسؤال بأنه لم
اختص يوم كذا بالتقدم على يوم كذا وبم امتاز أحدهما عن الاخر مع تشابههما
وتساويهما في الحقيقة يرجع إلى مثل ان يقال لم صار الفلك فلكا فان يوم كذا لا
هويه له سوى كونه متقدما على يوم كذا ومتميزا عنه كما أن تقدم الاثنين على
الثلاثة طبعا وامتيازه عنها ليس الا بنفس كونه اثنين ويتضح ذلك اتضاحا شديدا
بان امتياز ذراع من الخط عن نصفه ليس بشئ خارج عن نفس هويته لأنها مع قطع
النظر عن الأمور الخارجة من المحل والزمان يمتاز عنه فقد علم أن التميز عن المشاركات
النوعية قد يحصل بنفس الحقيقة وما وجد في كلام الشيخ من أنه ليس شئ من
المقولات يتشخص (1) بذاته الا الوضع فمراده الامتياز عن الغير مطلقا مع وحده
الزمان فإنه لا يحصل الامتياز مع وحده الزمان الا بالوضع كما أنه لا يحصل الامتياز
مع وحده الوضع الا بالزمان واما امتياز كل وضع عن وضع كالقعود (2) عن القيام



(1) لما وجب ان يكون المشخص متشخصا بذاته بمقتضى قولهم الشئ ما لم يتشخص
لم يشخص قال الشيخ يتشخص بذاته ولما كان التشخص بالوجود الحقيقي قال المصنف قدس
سره مراده الامتياز ولما كان حصره مقدوحا بالزمان فإنه أيضا متميز بذاته قال المصنف قده هذا مع
وحده الزمان ومع تعدد الزمان ووحده الوضع انعكس الامر س ره.
(2) وكذا قعود عن قعود إذا المراد هو الوضع المقولي وهو الهياة المعلولة للنسبتين
أعني نسبه اجزاء الجسم بعضها إلى بعض ونسبه المجموع إلى الخارج فان لكل موجود من
موجودات هذا العالم مرتبه في الترتيب الذي لاجسامها ليست للاخر وله نسبه إلى الخارج ليست
لغيره كما في ذوات الأوضاع اللازمة والمفارقة من الأفلاك والفلكيات والعناصر والعنصريات
من اشخاص الأوضاع وأنواعها س ره..
14
فحاله كحال امتياز زمان عن زمان ومقدار عن مقدار من أنه مما يحصل بنفس حقائقها
والتشخص بالمعنى المذكور قد يكون بنفس الذات كما في واجب الوجود وقد
يكون بلوازم الذات كالشمس فان الوضع هناك من لوازمها وقد يكون بعارض لاحق
في أول الوجود وقد بين انه من باب الوضع والزمان لا غير واما تشخص النفس
فبالعلاقة التي بينها وبين البدن وتشخص القوى البدنية فبالبدن الذي هي فيه
فصل [3]
في انحاء التعين (1)
قد مضى ان تعين الشئ غير تشخصه إذ الأول امر نسبي دون الثاني لأنه نحو
وجود الشئ وهويته لا غير فالتعين ما به امتياز الشئ عن غيره بحيث لا يشاركه فيه
وهو قد يكون عين الذات كتعين الواجب الوجود الممتاز بذاته عن غيره وكتعينات
الماهيات الامكانية والمفهومات العقلية في الذهن فإنها أيضا عين ذواتها وقد يكون
امرا زائدا على ذاته حاصلا له دون غيره كامتياز الكاتب من الأمي بالكتابة
وقد يكون لعدم حصول ذلك الامر له كامتياز الأمي من الكاتب بعدم الكتابة والأول
لا يخلو من أن يعتبر حصول هذا الامر له مع قطع النظر عن عدم حصول غير ذلك
الامر له كاعتبارنا حصول الكتابة لزيد مع قطع النظر عن عدم حصول الخياطة
له أو يعتبر حصوله مع عدم حصول غيره له فالتعين الزائد قد يكون وجوديا
وقد يكون عدميا وقد يكون مركبا منهما والنوع الواحد قد يجمع لجميع أنواع
التعين فالانسان مثلا ممتاز بذاته عن الفرس وبحصول صفه وجوديه في فرد من افراده
يمتاز عن المتصف بصفة أخرى وجوديه كزيد الرحيم الممتاز عن عمرو القهار وعن
المتصف بصفة عدمية كالعليم عن الجهول ويمتاز الكاتب الغير الخياط عن الخياط الغير
الكاتب بصفى وجوديه مع عدم صفه أخرى وبالعكس والتعينات الزائدة كلها من لوازم (2)



(1) كما أن التشخص الحقيقي عين الوجود مصداقا ومساوقة مفهوما كذلك التعين
عين الامتياز والتميز مصداقا ومساوق مفهوما س ره.
(2) اي التميز من احكام الوجود ومستدعية ولا ميز في الاعدام بما هي اعدام س ره.
15
الوجودات حتى أن الاعدام المتمايزة بعضها عن بعض تمايزها أيضا باعتبار وجوداتها
في أذهان المعتبرين لها أو باعتبار وجودات ملكاتها لا ان لها ذوات متمايزة
بذواتها أو بصفاتها والحق (1) ان التميز بالصفات الزائدة يرجع في الحقيقة إلى تميز
تلك الصفات وتميزها يكون بنسها لا بصفة أخرى والا لزم التسلسل المستحيل
فالتميز بالذات منحصر فيما يكون بحسب نفس الذوات لا بأمر زايد على المتميز
الا بالعرض
فصل [4]
في الفرق بين الجنس والمادة وبين النوع والموضوع
ان الماهية (2) قد تؤخذ بشرط لا شئ بان يتصور معناها بشرط ان يكون



(1) اي في كل موضع حصل تميز بمميزات وتكثر بمكثرات ففي الحقيقة تلك المميزات
متميزة وتلك المكثرات متكثرة لا ذلك الموضع لا بالعرض وما بالعرض فيه صحه السلب
فإذا تكثر وتميز البياض مثلا بالموضوعات والأزمنة والجهات فهذه هي المتكثرات المتميزات
لا البياض الا بالعرض ولا ميز ولا كثره في صرف ذات ذلك البياض س ره.
(2) يجب ان يتنبه على أن الحمل المتحقق بين النوع وبين الجنس والفصل باخذ
الماهية لا بشرط أو بشرط شئ انما هو في مرتبه الذات وهي الماهية من حيث هي المرفوع
عنها جميع المحمولات الخارجة عن الذات حتى الوجود وسائر لوازم الماهية فليس الحمل
الا أوليا كقولنا الانسان انسان والانسان حيوان والانسان ناطق إذ لا تحقق للوجود
الخارجي في هذه المرتبة حتى يستقيم الحمل الشائع ولا يستلزم ذلك كون الحمل بين الجنس
والفصل حملا أوليا لان دخولهما في ذات النوع غير دخول أحدهما في ذات الاخر فلو دخل
الفصل في حد الجنس انقلب المقسم مقوما هذا خلف ولو دخل الجنس في حد الفصل أدى ذلك إلى تكرر
الجنس في حد الفصل إلى غير النهاية لأنه يحتاج فيه إلى فصل يقسمه ويحصله وهو داخل في
حده أعني حد فصل الفصل وهلم جرا فكل من الجنس والفصل خارج عن حد الاخر زائد
عليه والحمل بينهما شائع ولذا ذكر القوم ان الجنس عرض عام للفصل والفصل خاصه
بالنسبة إلى الجنس ومن هنا يظهر ان الجنس مرتبه ابهام النوع والفصل مرتبه تحصله
والنوع هو النوع وحده مرتبه تفصيله ويتفرع عليه ان كلا من الجنس والفصل بالنسبة
إلى النوع عينه وانما يسميان جزئين منه لوقوعهما جزئين في الحد وقد بينه المصنف ره
في ذيل كلامه بقوله وانما يقال للجنس والفصل جزء ا الخ ومنه يظهر أيضا ان الماهية
الجنسية من حيث هي جنس لا حكم لها وانما الحكم للفصل لان الحكم يستتبع تعينا
في موضوعه ولا تعين للجنس لابهامه نعم يمكن ان يكون له بعض الأحكام من جهة
كونه نوعا متوسطا وسيتعرض ره لهذا المعنى تفصيلا ط مد.
16
ذلك المعنى وحده بحيث يكون كل ما يقارنه زائدا عليه فيكون جزءا لذلك
المجموع مادة له (1) متقدما عليه في الوجودين فيمتنع حمله على المجموع لانتفاء
شرط الحمل وهو الاتحاد في الوجود وقد يؤخذ لا بشرط شئ بان يتصور معناها
مع تجويز كونه وحده وكونه لا وحده بان يقترن مع شئ آخر فيحمل على المجموع
وعلى نفسه وحده والماهية المأخوذة كذلك قد تكون غير متحصله بنفسها في الواقع
بل يكون (2) امرا محتملا للمقولية على أشياء مختلفه الماهيات وانما يتحصل



(1) لا يخلو عن مسامحة فإنما هو مادة بالنسبة إلى الجزء الآخر الذي هو الصورة
واما بالنسبة إلى المجموع من المادة والصورة فإنما هو عله مادية وكان من حق
العبارة ان يقال مادة فيه ط مد.
(2) فالجنس بما هو جنس لا يمكن للعقل الإشارة اليه بنحو الاستقلال الا على أنه
كان الامر الدائر المردد بين الماهيات التامة التي هي الأنواع ولو أخذنا ما في العقل كان
مادة عقلية والفصل صوره عقلية فلم يكونا جنسا وفصلا والى هذا أشار الشيخ في الشفا
بقوله فبين من هذا ان الجسم إذا اخذ على الجهة التي يكون جنسا يكون كالمجهول بعد
لا يدرى انه على اي صوره وكم صوره يشمل ويطلب النفس تحصيل ذلك لأنه لم يتقرر
بعد بالفعل شئ هو جسم محصل إلى آخر ما افاده فلكون الجنس فانيا في الفصول متحدا بها
يحمل على الكثرة المختلفة الحقائق بخلاف النوع فإنه لكونه طبيعة محصله يحمل على
الكثرة المتفقه الحقائق اعلم أن المراد بعدم تحصل ذات الجنس عدم تحصله وجودا لان
وجوده في الحقيقة وجودات هي وجودات الفصول المقسمة وابهام ماهية من حيث التحقق
وليس المراد ابهام ماهية من حيث المفهوم لان مفهومها متعين وليس تعين مفهومها بما هو
مفهوم بالفصل والا لكان المقسم مقوما وليس المراد بالابهام عدم تمامية ماهية حيث إنه
بعض الماهية فان الفصل أيضا بعض الماهية وهذا لك اظهر في أجناس البسائط كالكم
والكيف فان في المركبات الخارجية يختلط عليك لحاظ مادية أجناسها ولحاظ جنسيتها
ولا اختصاص لابهامها الوجودي بالعين فإنها في العقل الداخلي والخارجي هكذا وإذا
اخذها العقل فقط فهو حكمها بما هي مفهومات أو بما هي مأخوذات موادا عقلية س ره.
17
بما ينضاف اليه فيتخصص به وتصير بعينها أحد تلك الأشياء فيكون جنسا والمنضاف
اليه الذي قومه وجعله أحد تلك الأشياء فصلا وقد تكون متحصله في ذاتها غير
متحصله (1) باعتبار انضياف أمور إليها يجعلها كل واحد منها احدى الحقائق
المتأصلة كالأنواع الداخلة تحت جنس فهي في نفسها نوع بل شخص (2) واحد من نوع
كهيولي عالم العناصر ومن هذا (3) نشا اختلافهم في كون وحدتها نوعيه أو
شخصية ولا معنى للتنازع لأنها في حد ذاتها نوع منحصر في شخص وإذا اخذت
لا بشرط شئ حصل لها ابهام جنسي بالقياس إلى الصور المنوعة المنضافة إليها
فالحيوان مثلا إذا اخذ بشرط ان لا يكون معه شئ وان اقترن به ناطق مثلا صار
المجموع شيئا مركبا من الحيوان والناطق ولا يقال له حيوان كان مادة وإذا اخذ بشرط
ان يكون مع الناطق متخصصا ومتحصلا به كان نوعا وإذا اخذ لا بشرط ان يكون معه شئ وان
لا يكون كان جنسا فالحيوان الأول جزء الانسان متقدم عليه في الوجود والثاني نفسه
والثالث جنسه وجنس الأول أيضا فيكون محمولا ولا يكون جزء ا وانما يقال للجنس أو الفصل
جزء من النوع لان كلا منهما يقع جزء ا من حده ضرورة انه لا بد للعقل من ملاحظتهما
في تحصيل صوره مطابقه للنوع الداخل تحت الجنس فبهذا الاعتبار يكون مقدما
على النوع في العقل بالطبع واما بحسب الخارج فيكون متأخرا عنه لأنه ما لم
يوجد الانسان مثلا في الخارج لم يعقل له شئ يعمه وغيره وشئ يخصه ويحصله
ويصيره هو هو بالفعل هذا خلاصه كلام الشيخ في الشفاء وفيه أبحاث



(1) اي لا انها متحصله بانضياف الفصول كما قبله س ره.
(2) كل نوع من الأنواع المتأصلة له فرد نوري عقلي له اعتناء بسائر افراد نوعه
المادية الا الهيولى والزمان وحركه لكونها خاصه العالم الجسماني الظلماني ن ره.
(3) بل من كون وحدتها وحده شخصية مبهمه لان لها مراتب كحصص الكلى
ولذلك بين ماء الكيزان الموزع عليها من الحبره وماء الحبره مناسبه ليست هي بينه وبين ماء البحر
ولذلك يقال هذه من ماء الحبره ولا يقال ماء البحر مع أن الهيولى واحده بالعدد وقد
قرروا هذا في مبحث الهيولى فالظلمة ذات وجوه كالنور لكن تلك من فرط الضعف والفقدان
وهذا من فرط القوة والوجدان وعنت الوجوه للحى القيوم س ره.
18
الأول ان مورد القسمة هو الماهية المطلقة وهي ليست الا المأخوذة لا بشرط
شئ فيلزم من تقسيمها إلى المأخوذة لا بشرط شئ والى غيرها تقسيم الشئ إلى
نفسه والى غيره.
والجواب (1) ان المقسم وان كانت الماهية المطلقة الا ان العقل ينظر إليها
لا من حيث كونها مطلقه ويقسمها (2) إلى نفسها معتبره بهذا الاعتبار واليها
معتبره بالنحوين الآخرين فالمقسم طبيعة الحيوان مثلا والقسم مفهوم الحيوان
المعتبر على وجه الاطلاق ولا شك ان الأول أعم من الثاني.
الثاني ان المفهوم من المأخوذ بشرط ان يكون وحده هو ان لا يقارنه شئ
أصلا زائدا كان أو غير زائد وحينئذ يكون القول بكونه جزء ا متضمنا لما هو زائد
عليه تناقضا لان المراد هو ان لا يدخل فيه غيره على ما صرح به الشيخ حيث قال
إذا أخذنا الجسم جوهرا ذا طول وعرض وعمق من جهة ما له هذا ويشترط انه ليس
داخلا فيه معنى غير هذا بل بحيث لو انضم اليه معنى غير هذا مثل حس أو تغذ أو غير
ذلك كان معنى خارجا عنه فالجسم مادة.
والجواب ان المراد من المأخوذ وحده كونه كذلك بحسب الذات والماهية
اي لا يحتاج في تتميم ذاته إلى شئ آخر حتى لو انضم اليه شئ صار ماهية أخرى
غير الأولى فهي في حد نفسها كامله تامه بخلاف المأخوذ لا بشرط فإنه ماهية
ناقصه يحتاج إلى تمام ولا ينافي ذلك كونه جزء ا له ولما يزيد عليه لان المجموع
ماهية أخرى.
الثالث انه جعل غير المبهم من اقسام المأخوذ بلا شرط شئ وصرح أخيرا



(1) فهذا نظير مطلق الوجود المنقسم إلى الوجود المطلق والمقيد في هذا العلم
ومطلق الماء المنقسم إلى المطلق والمضاف في الفقه ومطلق المفعول المنقسم إلى المطلق
وبه وله وفيه ومعه في النحو ونحو ذلك س ره.
(2) وفي نسخه وتقسيمها إلى نفسها معتبره بهذا الاعتبار واليهما.
19
بأنه مأخوذ بشرط شئ.
والجواب ان (1) مبناه على أن الأول أعم من الثاني فلا منافاة.
الرابع ان النوع هو مجموع الجنس والفصل وجعله عبارة عن المتحصل بما
انضاف اليه والمأخوذ بشرط شئ تسامح فالجسم مثلا ليس نفسه تصير بإضافة النفس
والحساسية والمتحركية نوعا بل الجسم مع مجموع هذه الأمور نوع حيواني.
والجواب انه مبنى على أن الجنس والفصل والنوع واحد بالذات وحقيقة
الكلام ان المأخوذ لا بشرط شئ إذا اعتبر بحسب التغاير بينه وبين ما يقارنه من
جهة والاتحاد من جهة كان (2) ذاتيا محمولا وإذا اعتبر بحسب محض الاتحاد كان
نوعا وهو المراد بالمأخوذ بشرط شئ.
الخامس ان المادة إذا كانت من الأجزاء الخارجية فمن أين يلزم تقدمها
في الوجود العقلي
والجواب (3) ان ذلك من جهة ان (4) تصور النوع كالانسان مثلا يتوقف على تصور
جنسه وفصله ومعروض الجنسية والجزئية شئ واحد هو ماهية الحيوان والتغاير انما هو



(1) ان قلت فيلزم جعل القسم قسيما وبالعكس قلت الأعمية بحسب الاعتبار
فان المأخوذ بشرط شئ باعتبار يؤخذ لا بشرط باعتبار آخر فالقسيمية باعتبار والقسمية
باعتبار فجعله عبارة الخ حيث جعل المشروط نوعا في قوله وإذا اخذ بشرط ان يكون مع الناطق الخ
وفي قوله والثاني نفسه س ره.
(2) اي يكون ذاتيا بحسب المغايرة ومحمولا من جهة الاتحاد فافهم اما إذا اعتبر
من جهة الاتحاد لا غير فلا يلاحظ حينئذ كونه ذاتيا فلا ضير في التعبير عنه حينئذ بما يعبر به عن
النوع فافهم ن ره
(3) الأولى ان يقال إن المادة بما هي مادة متقدمة في الوجود العقلي أيضا لان
تصور البيت مسبوق بتصور السقف والجدران وتصور الانسان مسبوق بتصور النفس والبدن
ولا سيما بناء ا على تجويز التحديد لاجزاء الخارجية كما جوز الشيخ س ره.
(4) وبعبارة أخرى الابهام الذي يعرض الجنس من حيث التحصلات النوعية التي هي
الفصول انما هو ابهام للجنس بالقياس إلى ما في الأنواع من المتحصل واما في نفسه فهو نوع
تحصل للجنس وبهذا النظر يعود الجنس مادة وجزء ا ط مد.
20
بحسب اعتباره في الأول لا بشرط شئ وفي الثاني بشرط لا شئ.
السادس ان ما هو الحيوان في الخارج فهو بعينه الجسم فكيف يكون الجسم
بشرط لا موجودا فيه مقدما عليه.
والجواب (1) ان الجسم الذي هو مادة النفس موجود آخر غير الجسم المحمول
على ما حصل من انضمام النفس إليها أعني المجموع فهاهنا جسمان موجودان
أحدهما جزء للاخر وهكذا في كل نوع مركب تركيبا طبيعيا.
السابع انه كما أن الجنس يحتمل ان يكون أحد الأنواع فكذلك النوع يحتمل
ان يكون أحد الاشخاص فكيف جعل الأول مبهما غير متحصل والثاني متحصلا غير
مبهم.
والجواب ان العبرة بحال الماهيات والحقائق الكلية من حيث كونها
معقوله فالابهام وعدمه بالقياس (2) إلى الإشارة العقلية فالجنس مبهم لأنه
ماهية ناقصه يحتاج إلى متمم بخلاف النوع فإنه ماهية كامله لم يبق له تحصل منتظر
لا باعتبار الوجود الخارجي وقبولها الإشارة الحسية وذلك انما يحصل بالاعراض
الخاصة اما إضافات فقط كشخصيات الأمور البسيطة من الصور والاعراض فان
تشخصها بحصولها في محالها أو أحوال زائده على الإضافات فمع التحفظ على هذا الفرق
لا ريب لاحد في عروض الابهام والتحصل للنوع بالقياس إلى العوارض التي هي لوازم
وعلامات للتشخص فيجرى فيها بل في كل كلى سواء كان ذاتيا أو عرضيا
الاعتبارات الثلاثة المذكورة فماهية الفصل إذا اخذت بشرط لا شئ فهي جزء



(1) فالاشتباه نشا من خلط الجسم بالمعنى الذي هو به مادة مع الجسم بالمعنى الذي
هو جنس س ره.
(2) هذا على مذهب المشائين واما على طريق الاشراقيين القائلين بالمثل النورية
فالتحصيل للنوع مجردا عن العوارض المادية هو في عالم أرباب الأنواع بخلاف الجنس إذ ليس
في عالم المفارقات أرباب الأجناس س ره
21
وصوره وإذا اخذت لا بشرط شئ فهي محمول (1) وفصل وإذا اخذت مع ما يتقوم بها
فهي عين النوع وماهية العرض أيضا عرض وعرضي ومجموع حاصل منهما جميعا
بالاعتبارات الثلاثة والفرق بين المجموعين ان الأول ماهية طبيعية لها وحده ذاتية
بخلاف الثاني فإنه ماهية اعتبارية والأولى ان يسمى ماهية النوع المأخوذة بالاعتبار
الأول موضوعا بدل المادة وكذا ماهية الجنس المأخوذة كذلك بالقياس إلى العوارض
دون الفصول لان المحل المتقوم بما يحل فيه مادة له والمستغنى عما يحل فيه
موضوع له فشئ واحد يجوز ان يكون مادة وموضوعا بالقياس إلى شيئين.
نكته
ولما علمت أن الطبيعة الجنسية ماهية مبهمه ناقصه تحتاج في حد حقيقتها
إلى فصل فلا يتصور ان يحتاج إلى الفصل في بعض المواضع ويستغنى عنه في
بعضها فلو تحصل دون فصل فتكون مستغنية بحسب الماهية وقد فرض الافتقار اليه بنفس
الماهية فالحقائق البسيطة يستحيل ان يزول فصلها عن طبيعة جنسها إلى بدل لأنه
إذا زال الافتقار إلى الفصل فبقيت الطبيعة محصله دونه فما كانت طبيعة جنسية فعلم أن
الافتقار إلى الفصل ليس (2) لمجرد التمييز لأنه يحصل بالعوارض أيضا بل لكون
الماهية في حد ذاتها ناقصه يحتاج إلى تمام فلا يجوز التقوم بالفصل في موضع وبعدمه



(1) فالفصل لا بشرط بالنسبة إلى الجزء الآخر الذي في الحد وهو الجنس كما أن
الجنس لا بشرط بالنسبة اليه وكلاهما يحملان على الحد التام وعلى نفسهما وان كانا يختلفان
بالابهام والتحصيل إذا قيس أحدهما إلى الاخر فإنما ذلك باقتضاء من نفسهما فحكم اللابشرطية
انما هو الاتحاد وصحة الحمل واما الابهام والتحصيل فهو لازم ذاتهما لا غير ط مد.
(2) المراد بالتمييز التمييز بحسب الوجود الخارجي ومعلوم انه يحصل بالاعراض
المفارقة أيضا وان الفصل انما يحتاج اليه الجنس في مقام تذوت الذات دون الوجود الخارجي
هذا واما ما ذكره أهل المنطق ان الفصل شانه تمييز الشئ عما عداه وانه يقع في جواب اي
شئ هو في ذاته فإنما يعنون به التمييز في مرتبه الماهية اي بتحصيل ماهية الجنس لا في مرحلة
الوجود الخارجي ط مد.
22
في موضع آخر الا بحسب الاعتبار العقلي فان المأخوذ بشرط لا من الماهية
الجنسية نوع عقلي
ومما يجب ان يعلم أنه فرق ما بين الجنس في المركبات الخارجية وبينه
في البسائط فان الجنس في المركبات الخارجية يمكن ان يجرد عن جنسيته ويؤخذ
بحيث يصير نوعا حقيقيا لا بفصل من الفصول بل بنفس طبيعته وذلك لان جنسية
الجسم مثلا ليست باعتبار انه مجرد جوهر متكمم غير داخل فيه شئ آخر كالانسانية
والفرسية وغير ذلك إذ هو بهذا المعنى متفق الحقيقة في الأجسام غير مختلف
بشئ داخل بل بأمور تنضاف اليه من خارج وهو بهذا المعنى لا يصدق على الانسان
والفرس وغيرهما من النظائر لأنها مركبه منه ومن شئ آخر بل تكون مادة لها
فيكون الجسم نوعا محصلا في الواقع لان حقيقته قد تمت وتحصلت بحسب الواقع
والا لما أمكن ان ينتقل الجسم من الجمادية إلى الحيوانية والنباتية بل انما يكون
جنسا بمعنى انه جوهر ذو طول وعرض وعمق بلا شرط ان لا يكون غير هذا أو يكون
وإذا اخذ هكذا فكونه ذا حس أو تغذ لا يلزم ان يكون خارجا عنه لاحقا به إذ يصدق
على الحساس والمتغذي وغيرهما من الحقائق المختلفة الجسمانية وانها جوهر ذو أقطار ثلاثة
وان لم يصدق عليها انها جوهر ذو أقطار ثلاثة فقط واما الجنس في البسائط كاللونية فلا يمكن
ان يقرر لها ذات الا ان ينوع بالفصول ولا يوجد في الخارج لونيه وشئ آخر غير اللونية يحصل
منهما البياض كما يوجد (1) في الخارج جسيمه وصوره أخرى غير الجسمية يكون الانسان
حاصلا منهما وما نقل (2) عنهم ان الجنس والفصل مطلقا جعلهما واحد وجعل الجسم



(1) اي موجودان مرتبان لا متكافئان إذ لا صوره جسمية بلا صوره نوعيه فالصورتان
مرتبتان كالهيولي والصورة بناء ا على التركيب الانضمامي واما اللونية والمفرقية فليس
لهما وجودان ولو مرتبين ولهذا كان العرض بسيطا خارجيا س ره.
(2) اي حتى في المركبات الخارجية ولو باعتبار أخذهما بشرط لا ولهذا قال لو كان
صحيحا س ره.
23
بعينه جعل الحيوان لو كان صحيحا يكون المراد منه ان الجنس باعتبار جنسيته
وابهامه ليس جعله غير جعل أحد من الفصول واما باعتبار طبيعته من حيث هي فوجوده
غير وجود الفصل.
وما قيل (1) من أن الحيوان إذا مات لم يبق جسميته بعينه بعد الموت بل
حدث جسمية أخرى غير صحيح كيف ولا بد من مادة باقيه يتوارد عليها الصور
والاعراض سواء ا كان جسما بسيطا أو هيولي وتلك المادة هي الجنس القاصي للمركبات
بل جسمية الحيوان من حيث جسميتها باقيه بعد موته كما كانت وان زالت عنها
حيثية كونها بدنه أو جسما حيوانيا واما ان هويتها قد بطلت وحصلت لها هويه أخرى
فهو قريب من مجازفات أصحاب الطفرة والتفكيك واستحالة بقاء الاعراض.
فائدة ربما يقرع سمعك في الكتب ما قد يحكم على الطبايع العامة انه ان وجب
تخصصها بأحد الجزئيات فلا يوجد بغيرها وان أمكن فلحوقها (2) به لعله.
فاعلم أن ذلك انما يستصح إذا كانت الطبيعة مما لها صوره في الأعيان اما مثل
اللونية للبياض والسواد فلا يقال إن اقتضت التخصص بالبياض لكان كل لون بياضا
وان لم يقتض فكون اللون بياضا يكون لعله لان اللونية بما هي لونيه ليست لها صوره
في الأعيان متميزة عن مفرقية البصر حتى يشار إليها بكونها كذا أو كذا بل إذا كانت طبيعة
كالجسمية أو الهيولى مما لها تحقق في الأعيان فتخصصها بالنارية أو الفلكية أو
بعض الهيئات كالحركة والتحيز والاستدارة وغيرها لو كان للجسمية لما صح وجود
جسم غير متخصص بتلك الصورة أو الهيئة والا فلا بد هناك من عله زائده على الجسمية
فلا مانع من بقاء مادة يتوارد الصور والاعراض عليها



(1) مغالطة نشات من الاشتباه بين معنيى الجسم المذكورين س ره.
(2) الأولى لحوقه بها كما يخفى س ره.
24
فصل [5]
في معرفه الفصل وفي الفرق بين الفصل وما ليس بفصل وفي كيفية
اتحاده مع الجنس
ان ما يذكر في التعاريف بإزاء الفصول فبالحقيقة هي ليست بفصول بل هي لوازم
وعلامات للفصول الحقيقية فالحساس والمتحرك ليس شئ منهما بحسب المفهوم
فصلا للحيوان (1) بل فصله كونه ذا نفس دراكة متحركة وليست الدراكية والمتحركية
عين هويه النفس الحيوانية بل من جمله لوازمه وشعبه لكن الانسان ربما يضطر
لعدم الاطلاع على الفصول الحقيقية أو لعدم وضع الأسامي لها إلى الانحراف عنها إلى
اللوازم والعلامات فالمراد من الحساس ليس نفس هذا المفهوم (2) المتقوم بالانفعال
الشعوري أو الإضافة الادراكية والا لزم تقوم الشئ من المقولات المتباينة وقد
تحقق عندهم ان الشئ الوحداني لا يندرج تحت مقولتين الا بالعرض بل الفصل
الحقيقة هو الذي له مبدأ هذه الأمور وهكذا في نظائره فكل معنى إذا اعتبر معه
معنى آخر فإن كان مما يغايره بحسب التحصل والوجود فذلك المعنى ليس فصلا له
بل عرضا خارجا عنه وان كانت المغايرة بينهما باعتبار الابهام والتحصل كان فصلا
قال الشيخ في الهيات الشفاء العقل قد يعقل معنى يجوز ان يكون ذلك المعنى



(1) بشرط ان لا يفهم الإضافة من كلمه ذا وتخللها لتصحيح الحمل ثم إذا لم يكونا
فصلين فلا يلزم فصلان في مرتبه واحده لواحد بل يلزم لازمان لفصل واحد هو النفس الحيوانية
والحاصل ان الفصل الحقيقي الذي هو مقوم للحقيقة العينية وعلة لتحصل الجنس في الخارج
ليس ذلك المفهوم ولا المصداق الذي هو الصورة المحسوسة الكيفية ولا الانفعال ولا الإضافة
بل هو النفس الملزومة لهذا الاعراض س ره.
(2) كيف وذاتي الشئ ما يثبت له مع قطع النظر عن جميع ما عداه والانفعال والإضافة
تنشئان للشئ بملاحظة الغير على أن الانفعال عرض والإضافة أضعف الاعراض والصورة المحسوسة
كيفية فالجوهر كيف يتقوم بالعرض ولو كان الاحساس بالانشاء كما هو رأى المصنف فان
يفعل أيضا عرض س ره.
25
نفسه أشياء كثيره كل واحده منها ذلك المعنى في الوجود فيضم اليه معنى آخر
يعين وجوده بان يكون ذلك المعنى مضمنا (1) فيه وانما يكون آخر من حيث التعين
والابهام لا في الوجود انتهى.
بحث وتحصيل
قد ذهب بعض الناس إلى نفى الاجزاء العقلية في البسائط
وارجعها إلى اللوازم بان يكون اللازم المشترك هو الجنس
واللازم المختص هو الفصل وحيث يلزم عليه كون البسائط المتباينة الذوات
مشتركة في امر عرضي بلا جهة جامعه فيها مصححه لعروضه وكان متحاشيا عن
تجويز انتزاع امر واحد من نفس حقائق متخالفة ارتكب القول بان الجنس والفصل
في الماهية البسيطة كلاهما مأخوذان من اللوازم الخاصة لها في الواقع لكن (2)
الامر المسمى بالجنس مأخوذ من اللازم المشكوك الاختصاص والمسمى بالفصل
من اللازم المتيقن الاختصاص.
وفيه من التكلف ما لا يخفى على أحد وبناء ما أوقعه في ذلك هو ما ربما يتوهم
ان السواد مثلا إذا فصلناه إلى اللون وقابض البصر فان طابق كل منهما نفس السواد
فلا فرق بينهما ثم إذا طابقت اللونية نفس السواد فهي تطابق بعينها نفس البياض
أيضا فيلزم كون السواد والبياض شيئا واحدا وان طابقها أحدهما وطابق الاخر شيئا
آخر فيكون السواد أحدهما فقط وان طابق كل منهما شيئا من السواد غير ما



(1) فالفصل يتضمن الجنس بالقوة لا ملتزم بالقوة فافهم ن ره.
(2) هؤلاء لم يتفطنوا بأنه إذا كان منشأ انتزاع اللون مشكوك الاختصاص كان اللون
أيضا مشكوكا مع أنه لا يحتمل الاختصاص بالسواد مثلا عند العقل الا ان يقال اللون له مراتب
كل منها لازم لعرض مخصوص غير متيقن الاختصاص به ويجوز انتزاع مفهوم واحد من
مختصات مشكوكه الاختصاص فيكون اللون كالحرارة على ما يقال إنها ليست لازما مشتركا
فان الحرارة الغريضية والاسطقسية وغيرهما متخالفة بالنوع وكالنور حيث إن نور الشمس
يوجب ابصار الأعشى بخلاف غيره وحينئذ التكلف ان الاختلاف في اللون ليس الا ما هو
بالفصول وانه على الحكيم ان يوقن بالاختصاص أو الاشتراك س ره.
26
طابقه الاخر فيتركب في الخارج وقد فرض بسيطا فيه هذا خلف فعلم أنه الأجناس
والفصول في البسائط أمور اعتبارية فالسواد مثلا وجوده في النفس كما هو في العين
فلا ذاتي له بوجه من الوجوه.
ووجه اندفاعه ما لوح اليه من أن المعاني التي كل منها ماهية كامله متحصله
إذا اخذت من نفس ماهية لوجب كون المأخوذ منها تلك المعاني من الحقائق المركبة
وكل متحصل يتحد مع متحصل آخر يكون متحدا مع متحصل ثالث يتحد الأول مع
الثالث أيضا واما إذا كانت المعاني المأخوذة عنها بعضها ناقصا في ذاته أو باعتبار
اخذه مبهما وبعضها بخلاف ذلك ويكون اقتران بعضها إلى بعض كاقتران قوه إلى
ضعف أو كمال إلى نقص إلى غير ذلك من العبارات فلا يستدعى كون المنتزع
منها حقيقة مركبه وكذا الماهية المبهمة إذا اتحدت مع كل واحد من الأشياء
وتحصلت بها لا يوجب اتحاد تلك الأشياء بعضها مع بعض كالحيوان المتحد مع
الانسان والفرس مع تباينهما.
توضيح الكلام ان الحيثيات والمعاني المنتزعة عن الحقائق منها ما ينتزع من حقيقة
بحسب حالها في الواقع ومنها ما ينتزع منها باعتبار ملاحظة العقل بان يتصور العقل
المعنى الذي هو مخلوط في نفس الامر بالأمور المحصلة ومتحد معها غير مخلوط ولا
متحدا بل امرا مبهما ويضم اليه المعاني المخصوصة وهذا الانضمام ليس كانضمام
شئ محصل بشئ محصل حتى يكونا شيئين متميزين في نفس الامر وقد حصل بانضمامهما
شئ ثالث كاتحاد المادة بالصورة بل كانضمام شئ إلى شئ لا تميز بينهما الا بحسب
التعين والابهام فالأول يقتضى التركيب في الواقع والثاني يقتضيه في اعتبار العقل
وإن كان ذلك الاعتبار اعتبارا صادقا بحسب مرتبه من الواقع.
فان قلت إذا اخذ كل واحد من معنيى الجنس والفصل من نفس ماهية بسيطة
ثم اعتبر باعتبار يكونان بها مادة وصوره فكان كل منهما متحصلا فيكون

27
الانضمام بينهما انضمام متحصل بمتحصل فيلزم من ذلك ان يكون المأخوذ منه مركبا
خارجيا بناء ا على أن الأمور المتباينة لا يطابق ذاتا أحدية.
قلت اخذ الجنس والفصل عن البسيط على وجه يكون كل منهما امرا متحصلا
حتى يكون الجنس مادة عقلية والفصل صوره عقلية وبالجملة صيرورة البسيط
بحيث يكون مركبا من مادة وصوره انما هو بمجرد (1) وضع العقل لا غير إذ لا
تركيب هناك بهذا الوجه أصلا بل ذلك امر يفرضه العقل بمجرد اعتبار غير مطابق
للواقع.
فان قلت الحد عين المحدود فكيف يتصور ان يكون المحدود نوعا بسيطا
لا تركيب فيه أصلا الا بمجرد فرض العقل والحد مركبا من معان متعددة كل منها
غير الاخر.
قلت مقام (2) الحد مقام تفصيل المعاني المأخوذة من نفس ذات وملاحظتها



(1) اي اعتباري ولكن من الاعتبارات النفس الامرية لا كأنياب الأغوال والا لكان
التركيب العقلي في البسائط العرضية جهلا مركبا فالتحقيق ان التركيب العقلي لها من
الأمور الواقعية لان الماهيات تحصل بأنفسها في العقل ولها أكوان وبرزات فالتركيب
في ذاتها في موطن الذهن وجودي بعينه فقوله غير مطابق للواقع اي للخارج وأيضا
التركيب بهذا الوجه اي من المتحصل والمتحصل غير مطابق لنفس الامر واما التركيب من
لا متحصل ومتحصل ومن مبهم ومعين فهو مطابق لنفس الامر فحصل التوفيق بينه وبين ما مر
انه صادق بحسب مرتبه من الواقع س ره.
(2) ان قلت هذا لا يجدى نفعا لان الكلام في أنه إذا كان الشئ امرا بسيطا كيف
يتحقق التركيب العقلي وتعدد المعاني انتزاعي صرف قلت سيأتي في تتمه الكلام في
العلة والمعلول قريبا من الخوض في ذكر أذواق العرفاء ان لهذه المعاني صورا متمايزة عند
العقل يحصله عن الشخص بحسب استعدادات يعرض للعقل بحسب التنبه لمشاركات أقل أو أكثر
ومبائنات له فانتظر وبالجملة في كيفية التركيب من الاجزاء العقلية أقوال كما نقلها
المحقق الشريف بعد اتفاقهم على تعددها في العقل أحدها انها متعددة في العين ذاتا ووجودا وهو
سخيف وثانيها انها متعددة ذاتا لا وجودا بناء ا على تقدم الماهية على الوجود بالتجوهر
والسؤال مدفوع على هذا القول وثالثها انها واحده في العين ذاتا ووجودا والسؤال به
أغلق والجواب كما علمت وستعلم من اخذها بالاعتبارات النفس الامرية فمحط فائدة
جوابه قدس سره قوله لما علمت الخ والتأدية بصيغة الماضي لأنه علم من مطاوي كلماته
السابقة أيضا والمصنف قدس سره لا يرتضى بشئ من هذه الأقوال بل اختار قولا رابعا
هو أيضا مفهوم من كلام المحقق الشريف وهو انه ليس في الخارج الا نحو من الوجود ينتزع
من العقل لأجل مشاركات أقل أو أكثر مفاهيم ذاتية أو عرضية كما سيأتي وعليه ينزل قوله
قدس سره ان الفصل نحو من الوجود وانما خصص ذلك بالفصل لان الجنس مستهلك في
الفصل وشيئية النوع به س ره.
28
فردا فردا ومقام المحدود اجمال تلك المعاني فالتركيب في الحد لا يوجب
التركيب في المحدود وإن كان الحد والمحدود شيئا واحدا بالذات لما علمت
من كيفية اخذ المعاني من ذات بسيطة
فصل [6]
في كيفية تقوم الجنس بالفصل
هذا التقويم ليس بحسب الخارج لاتحادهما في الوجود والمتحدان في ظرف
لا يمكن تقوم أحدهما بالاخر وجودا بل بحسب (1) تحليل العقل الماهية النوعية إلى



(1) ان قلت إن لم يحللها العقل كان محض الاتحاد فلا عليه وان حللها كانا مادة وصوره
فالصورة كانت عله لا الفصل قلت قد أشار إلى جوابه بقوله جزئين عقليين فهاهنا شق
ثالث هو ان لا يكون محض التغاير كما في المادة والصورة ولا محض الاتحاد كما في الخارج
بل يكون ذا حظ من الجانبين كما قال قدس سره عند ذكر الابحات على الشيخ وحقيقة
الكلام ان المأخوذ لا بشرط شئ إذا اعتبر بحسب التغاير الخ فارجع وهذا نظير الشبهة
المشهورة في اكتساب المجهولات حيث يجاب عنها بان المطلوب ليس مجهولا مطلقا بل
مجهول من وجه ومعلوم من وجه فيكر المشكك راجعا ان الوجه المجهول لا يمكن طلبه
لمحالية طلب المجهول المطلوب وكذا الوجه المعلوم لمحالية تحصيل الحاصل والتحقيق
انهما ليسا مطلوبين اثنين بل شئ واحد ذو وجهين والمغالطة نشات من تنزيل الاعتبارين لواحد
منزله شيئين متأصلين ولنا ان نعكس الامر ونقول العلية بحسب الخارج كما هو وظيفة
الحكيم الباحث عما في الأعيان فان الفصل الطبيعي هو الصورة والجنس الطبيعي هو المادة
والسؤال مدفوع على هذا القول وثالثها انها واحده في العين ذاتا ووجودا والسؤال به
أغلق والجواب كما علمت وستعلم من اخذها بالاعتبارات النفس الامرية فمحط فائدة
جوابه قدس سره قوله لما علمت الخ والتأدية بصيغة الماضي لأنه علم من مطاوي كلماته
السابقة أيضا والمصنف قدس سره لا يرتضى بشئ من هذه الأقوال بل اختار قولا رابعا
هو أيضا مفهوم من كلام المحقق الشريف وهو انه ليس في الخارج الا نحو من الوجود ينتزع
من العقل لأجل مشاركات أقل أو أكثر مفاهيم ذاتية أو عرضية كما سيأتي وعليه ينزل قوله
قدس سره ان الفصل نحو من الوجود وانما خصص ذلك بالفصل لان الجنس مستهلك في
الفصل وشيئية النوع به س ره.
29
جزئين عقليين وحكمه بعلية أحدهما للاخر ضرورة احتياج اجزاء ماهية
واحده بعضها إلى بعض والمحتاج اليه والعلة (1) لا يكون الا الجزء الفصلي
لاستحالة ان يكون الجزء الجنسي عله لوجود الجزء الفصلي والا لكانت الفصول
المتقابلة لازمه له فيكون الشئ الواحد مختلفا متقابلا هذا ممتنع فبقي ان يكون
الجزء الفصلي عله لوجود الجزء الجنسي ويكون مقسما للطبيعة الجنسية المطلقة
وعلة للقدر الذي هو حصه النوع وجزء للمجموع الحاصل منه ومما يتميز به
عن غيره.
وهم وتنبيه
ربما يتوهم أحد ان الناطق مثلا إن كان عله للحيوان
المطلق لم يكن مقسما له وإن كان عله للحيوان
المخصوص فلا بد وان يفرض تخصصه أولا حتى يكون الناطق
عله له لكن ذلك الحيوان متى تخصص فقد دخل في الوجود واستغنى عن العلة
بوجوده والحل في ذلك ان الفصل لكونه عله لطبيعة الجنس متقدم عليها فسببية
السبب (2) ليس لان المعلول اقتضاه لكونه ما وجد بعد في مرتبه السبب بل



(1) وفي المركبات الخارجية إذا اعتبر اتحاد الجنس والمادة والفصل والصورة
فالبيان أوسع إذ الصورة شريكه العلة للمادة ويمكن اجراؤه في البسائط الخارجية بتعميم
المادة والصورة ليشمل المادة والصورة العقليتين س ره.
(2) الأوضح ان يقال إنه عله للحيوان المخصوص بنفس الفصل لا بتخصيص آخر
قبله واما ما ذكره قدس سره فبيانه ناظر إلى قوله فلا بد وان يفرض تخصصه أولا حتى
يكون الناطق عله له فأفاد ان عليه الناطق ليست لان الحيوانية المعينة اقتضتها إذ لم توجد بعد
ولم تتعين بل عليته اي ما هي حقيقة العلية والخصوصية الخاصة اقتضتها وعينتها لأنها متقدمة
على معلوله وان كانت العلية الإضافية متأخرة عن الطرفين س ره.
30
لايجاب السبب وجوده فكذلك هاهنا ليس ان الحيوان بحيوانيته اقتضى ان يكون
له فصل وانما من قبله الحاجة المحضة من دون اقتضاء امر معين لكن الناطقية اقتضى
بحسب ذاتها ان يلزمها الحيوانية المعينة (1) المطلقة فالحاجة المطلقة انما جاءت
من قبل الحيوان وتعين (2) المحتاج اليه انما جاء من قبل الفصل وتعدد العلل
لمعلول واحد جنسي غير مستنكر لضعف الوحدة في الطبيعة الجنسية.
والعجب من صاحب المباحث المشرقية مع تفطنه بهذا الأصل حيث ذهل
عنه (3) حين أقام حجه على اثبات الهيولى وقد أهمل في اعماله واعجب من ذلك أنه قال
بعد ذكر تلك الحجة وقد أوردتها على كثير من الأذكياء فما قدحوا في شئ من
مقدماته وخلاصه حجته المذكورة في اثبات الهيولى لجسمية الفلك ان جسمية
الفلك يلزمها مقدار معين وشكل معين لعدم قبولها الكون والفساد وسبب اللزوم
اما نفس الجسمية أو امر حال فيها أو مبائن لها لكن الأول باطل والا لزم اشتراك
الأجسام معها في المقدار والشكل المعين وكذا الثاني لان الكلام في لزومه آت بعينه
والثالث أيضا لتساوى نسبه المباين إلى جميع الأجسام فبقي ان يكون لزوم
التشكل والتقدر لجسمية الفلك بواسطة محل تلك الجسمية وهو المطلوب انتهى.
ولا يخفى ان الصورة المنوعة للفلك التي هي مبدء فصله المقوم لجنسه الذي
هو الجسم المطلق متقدم في مرتبه الوجود على الجسمية فيكون عله للزوم
المقدار والشكل المختصين بالفلك ولا يلزم شئ من المفاسد التي ذكرها هناك فتفطن



(1) ان كانت النسخ جميعا هكذا فهو سهو من القلم والصواب المعينة س ره.
(2) الجار والمجرور ليس نائبا للفاعل بل المستتر العائد إلى اللام الموصولة س ره.
(3) اي عن أن الفصل عله للجنس وان خصوصية الجنس انما جاءت من قبل الفصل
حيث وضع الامام الجسم متحصلا وطالب عله تخصصه بالصورة المعينة والفصل المعين مع أن
الجنس منغمر في الفصل ولا تحصل له بدونه وكذا المادة في الصورة س ره.
31
فصل [7]
في تحقيق اقتران الصورة بالمادة
اعلم أن الصورة قد يقال على الماهية النوعية وعلى (1) كل ماهية لشئ
كيف كان وعلى الحقيقة التي يقوم المحل بها وعلى الحقيقة التي
يقوم المحل باعتبار حصول النوع الطبيعي منه وعلى كمال للشئ مفارقا عنه
ولو نظرت حق النظر في موارد استعمالاتها جميعا لوجدتها متفقه بالذات في معنى
واحد هو ما به يكون الشئ هو هو بالفعل ولاجل ذلك استتم قولهم صوره الشئ هي
ماهيته التي بها هو ما هو مع تعقيبه بقولهم ومادته هي حامل صورته وليس متناقضا (2)



(1) نوعا كانت تلك الماهية أو جنسا أو فصلا ولا سيما إذا صارت في الذهن صوره
عقلية بل حينئذ يجتمع اصطلاحان ومن اطلاقها على النوع الطبيعي والجنس الطبيعي ما مر قبيل
ذلك بورقه ان ما يحكم على الطبائع العامة انه ان وجب تخصيصها بأحد جزئيات فلا يوجد لغيرها
وان أمكن فلحوقه بها لعله فاعلم أنه فيما له صوره في الأعيان وهذا ما أشار اليه الشيخ
بقوله ويقال صوره لنوع الشئ ولجنسه ولفصله ولجميع ذلك والمراد بالحقيقة
التي تقوم المادة الصورة الجسمية المراد بالمادة مادة المواد وبالحقيقة التي تقوم المحل الصورة
النوعية وبالمحل الهيولى المجسمة ولم يستوف قدس سره جميع اطلاقات الصورة وان
ذكرها في أواخر مباحث الجسم الطبيعي من الاعراض والجواهر لارجاعها إلى معنى واحد
هو ما به يكون الشئ هو هو بالفعل ولا وجه له لاجزائه كذا في اقسام التقدم والقوة والامكان
ونحوها اللهم الا ان يقال منظوره قدس سره ان اطلاق الصورة عليها بالاشتراك المعنوي
لا اللفظي وقال الشيخ في الهيات الشفاء قد يقال صوره لكل معنى بالفعل يصلح ان يعقل
حتى يكون الجواهر المفارقة صورا بهذا المعنى وقد يقال صوره لكل هيئه وفعل يكون في
قابل وحداني أو بالتركيب حتى يكون الحركات والاعراض صورا ويقال صوره لما يتقوم به
المادة بالفعل فلا يكون حينئذ الجواهر العقلية والاعراض صورا ويقال صوره لما يكمل به المادة
وان لم تكن متقومه بها بالفعل مثل الصحة وما يتحرك إليها بالطبع ويقال صوره خاصه لما
يحدث في المواد بالصناعة من الاشكال وغيرها ويقال صوره لنوع الشئ ولجنسه ولفصله
ولجميع ذلك ويكون كليه الكل صوره في الاجزاء أيضا انتهى س ره.
(2) توهم التناقض من جهة قولهم مادته فإنه مشعر بأنها جزء ماهيته سيما انها معربه
ماية ودفعه من جهة قولهم حامله صورته التي هي ماهيته والحامل خارج س ره.
32
وتوضيح هذه الدعوى بتقديم مقدمه هي ان المادة في كل شئ امر مبهم
لا تحصل له أصلا الا باعتبار كونه قوه شئ ما والصورة امر محصل بالفعل به يصير
الشئ شيئا مثلا مادة السرير هي قطع الخشب لكن لا من حيث لها حقيقة
خشبية وصوره محصله فإنها من تلك الحيثية حقيقة من الحقائق وليست مادة لشئ
أصلا بل ماديتها انما هي من حيث كونها تصلح لان يكون سريرا أو بابا أو
كرسيا أو غير ذلك وتعصيها وامتناعها عن قبول أشياء اخر ليس لجهة قوتها
واستعدادها بل لأجل فعليتها واقترانها بصوره مخصوصة يمنعها عن التلبس بتلك
الأشياء لأجل التنافي الواقع بين طبيعتها وطبائع تلك الأشياء فالحقيقة الخشبية
مثلا لها جهة نقص وجهه كمال فمن جهة نقصها يستدعى كمالا آخر ومن جهة
كونها كمالا يمتنع عن قبول كمال آخر ومن هاتين الجهتين ينتظم كون السرير
ذا مادة وصوره وكذا نقول حقيقة الخشب صورتها الخشبية ومادتها
هي العناصر لا من حيث كونها أرضا أو ماء ا أو غيرهما بل من حيث كونها مستعدة
بالامتزاج لان يصير جمادا أو نباتا أو حيوانا إلى غير ذلك من الأشياء المخصوصة
دون غيرها لأجل العلة التي ذكرناها وهكذا إلى أن ينتهى إلى مادة لا مادة لها
أصلا إذ لا تحصل لها ولا فعليه الا كونها جوهرا مستعدا لان يصير كل شئ بلا تخصص
في ذاتها بواحد دون واحد لعدم كونها الا قابلا محضا وقوه صرفه (1) والا يلزم
الدور أو التسلسل فهي مادة المواد وهيولي الهيوليات وكونها جوهرا لا يوجب
تحصلها الا تحصل الابهام وكونها مستعدة لا يقتضى فعليتها الا فعليه القوة وانما
الفرق بينها وبين العدم ان العدم بما هو عدم لا تحصل له أصلا حتى تحصل الابهام



(1) تكون متجوهرة كالعلم المتجوهر مثل علم النفس والعقل بذاتهما والا اي وان لم
تكن الهيولى قابلا محضا وقوه صرفه بل مقبولا أيضا ولها فعليه مقابل القوة أيضا يلزم الدور إن كان
قابلها بعض مقبولاتها وقوتها بعض ما تقوى هي عليه ويلزم التسلسل إن كان غير ذلك مقدما
عليها وهلم جرا س ره.
33
ولا فعليه حتى فعليه القوة لشئ بخلاف الهيولى الأولى إذ لها من جمله الأشياء
هذا النحو من التحصل والفعلية لا غير دون غيرها الا من جهتها فهي أخس الأشياء
حقيقة وأضعفها وجودا لوقوعها على حاشية الوجود ونزولها في صف نعال محفل
الإفاضة والجود.
فبعد تمهيد هذه المقدمة يتفطن اللبيب منها بان كل حقيقة تركيبية
فإنها انما تكون تلك الحقيقة بحسب ما هو منها بمنزله الصورة لا ما (1) هو منها
بمنزله المادة فان المادة من حيث إنها مادة مستهلكه في الصورة استهلاك الجنس
في الفصل إذ نسبتها إليها نسبه النقص إلى التمام والضعف إلى القوة وتقوم الحقيقة
ليس الا بالصورة وانما الحاجة إليها لأجل قبول آثارها ولوازمها وانفعالاتها الغير
المنفكة عنها من الكم والكيف والأين وغيرها حتى لو أمكن وجود تلك الصورة
مجرده عن المادة لكانت هي تلك الحقيقة بعينها لما علمت أن المادة لا حقيقة لها
أصلا الا قوه حقيقة وقوه الحقيقة من حيث إنها قوه الحقيقة ليست
حقيقة فالعالم عالم بالصورة العالمية لا بمادتها والسرير سرير بهيئته المخصوصة
لا بخشبيته والانسان انسان بنفسه المدبرة لا ببدنه والموجود موجود بوجوده
لا بماهيته فصوره العالم لو كانت مجرده لكانت عالما والهيئة السريرة لو تحققت
بلا خشب لكانت سريرا وكذا نفس الانسان حين انقطاعها عن علاقة البدن
انسان والوجود المجرد عن الماهية موجود كالواجب تعالى وأشير إلى ذلك بما قالوا
الانسان إذا أحاط بكيفية وجود الأشياء على ما هي عليه يصير عالما معقولا مضاهيا للعالم
الموجود وقيل في الاشعار الحكمية.



(1) لان حقيقتها على ما علمت المبهم الدائر بين هذا وذاك وأيضا القوة والابهام
ليسا بشئ فعلى وزيادة لفظ المنزلة في الموضعين باعتبار ان المراد المادة الأولى والصورة
الجسمية فالمواد والصور الاخر بمنزلتهما حتى البدن والنفس المجردة والوجود والماهية ففي
العبارة تغليب س ره.
34
ده بود آن نه دل كه اندر وى
گاو وخر باشد وضياع وعقار
ومن هذا السبيل تحقق وجه لما صار (1) اليه قدماء المنطقيين من تجويز
التحديد بالفصل الأخير وحده مع أن الحد عندهم ليس لمجرد التنزيل لاكتناه
حقيقة الشئ وماهيته.
حكمه عرشيه
قد انكشف لك مما ذكرناه في هذا الفصل (2) ومن إشارات سابقه
في بعض الفصول الماضية ان ما يتقوم ويوجد به الشئ من
ذوات الماهيات سواءا كانت بسيطة أو مركبه ليس الا مبدء الفصل الأخير لها
وسائر الفصول والصور التي هي متحدة معها بمنزله القوى والشرائط والآلات
والأسباب المعدة لوجود الماهية التي هي عين الفصل الأخير (3) بدون دخولها في



(1) لكن الحق خلافه فان كون الفصل الأخير كمال ذات الشئ مضمنا فيه جميع كمالاته
الذاتية غير كونه تفضيلا لذاتياته وانما للحد مقام التفصيل لا مجرد التضمن والجامعية
ط ره.
(2) ليس المراد به ان طرو الفصل الأخير يوجب خروج الأجناس والفصول السابقة عن
كونها أجناسا وفصولا مقومه وانقلابها عن ذاتها فان ذلك من أفحش المحال بل المراد ان انتزاع
الأجناس والفصول من المواد والصور السابقة على الصورة الأخيرة لا يوجب بطلانها عن الشئ
لو فرض مفارقه الصورة الأخيرة سائر المواد والصور وبقاؤها بدونها وذلك لاشتمالها
على فعليه الذات وحدها وللبحث ابتناء على القول بالحركة الجوهرية وان الأنواع الجوهرية
المركبة خارجا انما تنتقل من نوع إلى نوع باللبس بعد اللبس بحركة جوهرية اشتدادية
وسيوافيك البحث مره بعد مره ط مد.
(3) لما فرغ من كون شيئية الشئ بالصورة لا بالمادة شرع في كون شيئية الشئ
بالصورة الأخيرة لا بالصور الاخر وبالفصل الأخير لا بالفصول الأخرى وانها شرائط خارجه
ومعدات خارجه لا شطور واجزاء الا لحقائق آخر متفرقة أو لحقائق مترتبة في وجود واحد كوجود
الانسان إذا اخذت بشرط لا أعني مواد وصورا وقد ذكر قدس سره في هذه الحكمة العرشية
مطالب عاليه أربعة أولها ان شيئية الشئ بالصورة الأخيرة فقط وثانيها وهو لازم
الأول ان لكل شئ صوره واحده والبواقي فروعها ولا يجوز صور متعددة لشئ واحد
وثالثها ان الفصل نحو من الوجود اختيارا الرابع الأقوال المذكورة سابقا في الحاشية
ورابعها وجود الكلى الطبيعي بنحو الاقتصاد والوسط س ره.
35
تقرر ذاته وقوام حقيقته وإن كان كل منها مقوما لحقيقة أخرى غير هذه الحقيقة
مثلا القوى والصور الموجودة في بدن الانسان بعضها مما يقوم المادة الأولى لأجل كونها
جسما فقط كالصورة الامتدادية وبعضها يقومها لأجل كونها جسما نباتيا كقوى التغذية
والتنمية والتوليد وبعضها لأجل كونها حيوانا كمبدء الحس وحركه الإرادية
وبعضها لأجل كونها انسانا كمبدأ النطق وكل من الصور السابقة معده لوجود الصورة
اللاحقة ثم بعد وجود اللاحقة ينبعث عنها ويتقوم بها في الوجود فما كانت (1) من الأسباب
والشرائط والمعدات أولا صارت أمثالها من القوى والتوابع والفروعات أخيرا وتكون
الصورة الأخيرة مبدء ا للجميع ورئيسها وهي الخوادم والشعب وسينكشف من تلك
الأصول ومما سيأتي ان حقيقة (2) الفصول وذواتها ليست الا الوجودات الخاصة
للماهيات التي هي اشخاص حقيقية فالموجود في الخارج هو الوجود لكن يحصل
في العقل بوسيلة الحس أو المشاهدة الحضورية من نفس ذاته مفهومات كليه عامه
أو خاصه ومن عوارضه أيضا كذلك ويحكم عليها بهذه الأحكام بحسب الخارج
فما يحصل في العقل من نفس ذاته يسمى بالذاتيات وما يحصل فيه لا من ذاته بل لأجل
جهة أخرى يسمى بالعرضيات فالذاتي موجود بالذات اي متحد مع ما هو الموجود
اتحادا ذاتيا والعرضي موجود بالعرض اي متحد معه اتحادا عرضيا وليس
هذا نفيا للكلى الطبيعي كما يظن (3) بل الوجود منسوب اليه بالذات إذا كان



(1) يعنى لها حصول تعاقبي قبل حصول مبدء الفصل الأخير وحصول معه وحصول فيه
فالأول بنحو الاعداد والثاني بنحو الفرعية والثالث بنحو الانطواء والاندماج من غير تكثر
فأشار قدس سره بفرعيتها وأصليته إلى سر كون شيئية الشئ بالفصل الأخير والصورة الأخيرة
وهو كونه جامعا وواجدا لها بنحو أعلى فلا باس بفقدانها بنحو التكثر والتشتت س ره.
(2) اي الحقائق التي يترتب عليها آثار الأشياء فهي الأشياء بالحمل الصناعي
وماهيات الأشياء بالحمل الأولى ن ره.
(3) نعم هذا نفى للكلى الطبيعي من حيث هو كلى طبيعي لا من حيث هو فافهم ن ره.
36
ذاتيا بمعنى ان ما هو الموجود الحقيقي متحد معه في الخارج لا ان ذلك شئ وهو شئ
آخر متميز عنه في الواقع
فصل [8]
في كيفية اخذ الجنس من المادة والفصل من الصورة
الجنس مأخوذ في المركبات الخارجية (1) من المادة والفصل من الصورة
وربما يتشكك فيقال الجسم بحسب التفصيل يشتمل على مادة وصوره كما سيجئ
وكلاهما جوهر عند أصحاب المعلم الأول واتباعه والمفهوم من ماهية النوعية
جوهر ممتد في الجهات فليس اخذ مفهوم الجوهر عن المادة أولى من اخذه من
الصورة لان نسبته (2) اليهما على السواء لان كلا منهما نوع من الجوهر
فنقول في تحقيق ذلك ان لكل واحده من الهيولى والصورة ماهية بسيطة نوعيه
تتركب في العقل من جنس مشترك بينهما وفصل يحصله ماهية نوعيه ويقومه
وجودا وذلك هو مفهوم الجوهر والفصلان هما الاستعداد لأحدهما وامتداد للأخرى
فكما (3) ان الهيولى هي الهيولى بالاستعداد كذلك الصورة هي تلك الصورة



(1) وان عمم المركب فليعمم المادة والصورة حتى يشملا العقليتين فمغايرة المأخوذ
والمأخوذ منه بالاعتبار حينئذ في المركبات الخارجية أيضا بالاعتبار فان الجنس الطبيعي
مثلا عين المادة الا ان المركبات الخارجية لما كان لها مواد وصور فالجنس العقلي مثلا مأخوذ
والمادة الخارجية مأخوذ منها فالمغايرة حقيقية بهذا النحو س ره.
(2) يمكن ان يقال نعم ولكن للصورة وراء الجوهرية شئ آخر فعلى وليس للهيولي
وراء ها شئ فيكون نظير القوى الطبيعية حيث يسمى نباتية مع وجودها في الحيوان مثلا أيضا
إذ ليس للنبات وراء ها شئ.
(3) ان قلت إذا كان كذلك لان شيئية الشئ بفصله وسيأتي ان الجنس منغمر في
الفصل فان فيه فجوهرية الهيولى فانية في الاستعداد فلا يجوز جعل الجوهر في المركبات
بإزاء الهيولى قلت الفصل هنا ليس شيئا فعليا يصلح لانغمار شئ وفنائه فيه بل القضية هنا
بالعكس فكأنه استثناء من القاعدة لا من باب التخصيص فيها بل من باب التخصص فإنه إذا
كان فصل وصوره هما من الفعليات كان الجنس فانيا في ذلك الفصل وشيئية الشئ كانت بتلك.
الصورة وفي الهيولى كأنه لا فصل ولا صوره فشيئيتها بالجنس كما أن شيئية العدد بالمادة إذ لا
صوره لكل مرتبه منه سوى المادة التي هي الوحدات س ره.
37
لأجل كونها ممتدة لكن كون الهيولى مستعدة ليس يجعلها شيئا من الأشياء
المتحصلة بل انما لها استعداد الأشياء المتحصلة وقوتها فإذا نظرت إليها لم يبق منها
عندك من التحصيل الا كونها جوهرا الذي لا يوجب الا نحوا ضعيفا من التحصل
غاية الضعف بخلاف الصورة فان الجوهر متحد مع مفهوم الممتد ومنغمر فيه كما
علمت من فناء الجنس في الفصل فالهيولي في الجسم ليس الا جوهرا محضا له في
الوجود قابلية التلبس باية صوره وصفه كانت كما أن الجنس ليس له الا مفهوم
الجوهر الممكن له في نفس ذاته الاتحاد بقيوده المنوعة والمشخصة والامكان
الاستعدادي في المادة بإزاء الامكان الذاتي في الجنس وكذلك الصورة فيه هي
الجسمية والاتصال كما أن الفصل له هو مفهوم قولنا الممتد وهو امر بسيط
لا يدخل فيه شئ لا عاما ولا خاصا على ما عليه المحققون حيث ذكروا ان ذكر الشئ
في تفسير المشتقات بيان لما رجع اليه الضمير الذي يبرز فيه لا غير ويؤكد ذلك
قول الشيخ في الشفاء وهو ان الفصل الذي يقال بالتواطؤ معناه شئ بصفة كذا
جوهرا أو كيفا مثاله ان الناطق هو شئ له نطق فليس في كونه شيئا (1) له
نطق هو انه جوهر أو عرض الا انه يعرف من خارج انه لا يمكن ان يكون
هذا الشئ الا جوهرا أو جسما انتهى.
فقد ظهر وجه كون الجنس في ماهية الجسم مأخوذا من الهيولى والفصل
من الصورة وهكذا الحكم في نظائره من الحقائق التركيبية باجزاء ما ذكرناه فيه



(1) يعنى ان الشئ العام لا يحاذيه شئ حتى يعتبر في الناطق وينافى بساطه الفصل
والشئ الخاص موجود ولكنه جوهر أو عرض خاص كالكيف مثلا ولا يدل عليه الناطق نعم
يعرف من خارج انه يصدق عليه الجوهر مثلا صدقا عرضيا والجوهر بالذات خارج منه جنس أو
مادة والجنس خارج من الفصل والمادة من الصورة س ره.
38
ولنا في هذا المقام زيادة تحقيق وتوضيح للكلام فاستمع لما.
(1) يتلى عليك
من الاسرار ملتزما (2) صونه عن الأغيار الأشرار وهو ان الحكماء
قد اطبقوا على أن الجنس بالقياس إلى فصله عرض لازم كما أن الفصل بالقياس
اليه خاصه ثم ذكروا ان الجنس في المركبات الخارجية متحد مع المادة والفصل
مع الصورة فيلزم (3) من هذين الحكمين عدم كون فصول الجواهر جواهر



(1) وفيه سر عظيم أشير اليه من أنه إذا تحققت ان الجنس لازم خارج عن حقيقة
الفصل والفصل الحقيقي حقيقة هو تمام الشئ والشئ انما صار شيئا به لا بغيره وغيره خارج عن حاق حقيقة
الشئ حقيقة وقد قالوا إن الحد الأخير في الحد هو بعينه الحد الوسط في البرهان فالفصل
الحقيقي هو حقيقة العلة والعلة الحقيقية فهو جل شانه تمام الأشياء بنحو أعلى فافهم ن ره.
(2) إذ بعد ما ثبت ان الفصول من الفصل الأول في التركيب الأول إلى الفصل الأخير
في اي تركيب كان والصور من الصورة الأولى إلى الصورة الأخيرة كلها وجود ولا ماهية لها
جوهرية ولا عرضية ثبت ان العالم كله وجود وهذا مطلب شامخ كما يعلمه الحكيم الراسخ
وإذ يترائى للاغيار مخالفه ما ذكره من أن الفصل هو الوجود للكثير من قواعدهم منها كونه
جزء الماهية ومن علل القوام ومنها كونه أحد الكليات الخمس ومنها اكتناه الماهيات
بأجناسها وفصولها ومنها كونه مقولا في جواب اي وغير ذلك ولا مخالفه بالحقيقة إذ
كلامه مبنى على ارتضاء القول الرابع الذي سبق ذكره في كيفية التركيب من الاجزاء
العقلية هذا إذا جعلنا الفصل نحوا من الوجود كما هو التحقيق عنده واما ان جعلناه
ماهية بسيطة كما هو مذهب غيره فالوصية بصونه عن الاغيار لمخافة انه لعلهم لم يصلوا
إلى أن الماهية الامكانية الفصلية كيف لا يكون جوهرا ولا عرضا مع أن الدليل ساق اليه
فان فصول الجواهر وان كانت ماهيات خاصه لا يصدق الجوهر عليها صدق الجوهر الجنسي
على نفسه وهو ظاهر ولا صدقه على نوعه والا لتركب الفصل وانما يصدق عليها صدقا عرضيا
وكذا فصول الكيفيات لا يصدق الكيف المطلق عليها صدقا ذاتيا بل عرضيا وكذا في سائر المقولات
وكون الماهية الامكانية اما جوهرا واما عرضا لا يقتضى الا حملها مطلقا لا الحمل بالذات
فقط س ره.
(3) فيه ان اتحاد الجنس والفصل مع المادة والصورة الخارجتين في الجوهر مع
حكم العقل بالعروض بين الجنس والفصل في ظرفه لا يستلزم سراية ما في ظرف العقل من
الحكم إلى الخارج فان الاحكام تختلف بحسب الظروف كما اختلف الحكم بصحة الحمل
وعدمها باختلاف الظرفين وكما صح استغناء الصورة الأخيرة عن المواد والصور السابقة
واكتفاء النوع عن مادته إذا تجردت صورته مع استحاله ذلك بالنظر إلى الاجزاء العقلية لان حمل
الجنس والفصل على الحد أولى إلى غير ذلك من الاحكام المختلفة فالحق ان الوجه غير تام
وإن كان المطلوب صحيحا بوجه ط مد.
39
بمعنى كونها مندرجة تحت معنى الجواهر اندراج الأنواع تحت جنسها بل كاندراج
الملزومات تحت لازمها الذي لا يدخل في ماهيتها ويلزم من هذا عدم كون الصور
الجسمية وغيرها جوهرا بالمعنى المذكور فيه وان صدق عليها معناه صدقا عرضيا
ولا يلزم (1) من عدم كونها تحت مقولة الجوهر بالذات اندراجها تحت احدى
المقولات التسع العرضية حتى يلزم تقوم نوع جوهري من العرض فان الماهيات (2)



(1) فهي وجودات وهاهنا وان لم يصرح بكونها وجودات لكن قد مر التصريح
بكون الفصول مطلقا وجودات وسيفرع على هذه القاعدة في النكتة المشرقية ان العالم كله
وجود ان قلت لا يلزم من عدم كونها جواهر ولا اعراضا أن تكون وجودات إذ رب
ممكن لا يكون تحت مقولة من المقولات عندهم ومع هذا ليس وجودا كالوحدة والنقطة
وحركه ونحوها فليكن الفصول من هذا القبيل.
قلت الشئ اما وجود واما ماهية فإذا لم يكن ماهية كان وجودا والوجود اما
غير محدود وغير متناه الشدة واما انحاء خاصه والأول هو الواجب تعالى والثاني هو الممكن فلا
يمكن ان لا يكون الشئ وجودا ولا ماهية والوحدة هي الوجود والنقطة عدمية وحركه
أيضا نحو وجود العالم الطبيعي كما حققه المصنف قدس سره بناء ا على حركه الجوهرية
هذا على مذاقه قدس سره ان الفصول وجودات وانه لا يمكن أن تكون ماهيات لاعتباريتها
وعدم تحصلها فضلا عن أن يكون محصله للأجناس كما هو شان الفصول واما على مذاق غيره
وهنا قد سلك كما يشير اليه قوله واما الماهيات البسيطة ويدل عليه قوله ان النفس
باعتبار وجودها في نفسها جوهر باعتبار كونها فصلا وصوره للبدن ليست جوهرا وقرينه المقابلة
للطريقة الأخرى الآتية فهي ماهيات بسيطه ليست جواهر ولا اعراضا بالذات الا بالعرض كما
ذكرنا سابقا س ره.
(2) كنفس الأجناس العالية التي هي ماهيات بسيطه غير مندرجة تحت نفسها لكن
ظاهر ذيل كلامه وخاصه قوله أخيرا بل الأشياء ما يتصور بنفسها لا بحدها الخ انه يريد
بالماهيات البسيطة أمثال الوجود والوحدة والكثرة والتقدم والتأخر وفساده ظاهر فان هذه
مفاهيم اعتبارية ذهنية غير ماهويه منتزعة من الماهيات في الأذهان والا كانت ماهيات معروضه
للوجودين فكان للوجود وجود كل ذلك ظاهر الفساد فالأولى حمل كلامه على ما ذكرناه
بنوع من التمحل وحمل آخر كلامه الذي يذكر فيه الوجود وكثيرا من الوجدانيات على
مجرد التنظير ط مد
40
البسيطة خارجا وعقلا ليست واقعه في ذاتها تحت شئ من الأجناس ولا يقدح ذلك
في حصر المقولات في العشر على ما أوضحه الشيخ في قاطيغورياس الشفاء فان
المراد من انحصار الأشياء فيها ان كل ما له من الأشياء حد نوعي فهو منحصر
في هذه المقولات بالذات ولا يجب ان يكون لكل شئ حد والا يلزم الدور
أو التسلسل بل من الأشياء ما يتصور بنفسها لا بحدها كالوجود (1) وكثير
من الوجدانيات.
فان قلت إن الانسان مركب من البدن الذي هو مادته ونفسه التي هي
صورته وقد برهن على جوهرية النفس وتجردها وبقائها بعد بوار البدن ببراهين
قطعيه كما ستقف عليها إن شاء الله تعالى وما ذكرت في امر الصور من عدم جوهريتها فهو
بعينه جار في النفس الناطقة لأنها صوره أيضا ومبدء للفصل في حد الانسان.
قلت إن للنفس الانسانية اعتبارين اعتبار كونها صوره ونفسا واعتبار
كونها ذاتا في نفسها ومناط الاعتبار الأول كون الشئ موجودا لغيره ومناط
الاعتبار الثاني كونه موجودا في نفسه أعم من أن يكون موجودا لنفسه أو لغيره
ولما كانت الصورة الحالة وجودها في نفسها بعينه وجودها للمادة فالاعتباران فيها
متحد بخلاف الصورة المجردة فان وجودها في نفسها لما كان هو وجودها لنفسها



(1) فالفصل الحقيقي الذي هو الوجود الحقيقي ليس بجوهر ولا عرض كما سبق
فالأشياء كلها هالكه مضمحلة فانية في الوجود والوجود هو الحقيقة الحقه الواحدة بالوحدة
الحقه وهو هو لا هو الا هو شهد الله انه لا إله إلا هو فالتعينات مرتبه عن حقيقة الوجود
وظهورها بضرب من المجاز والتبعية هو الأول والاخر والظاهر والباطن وهي مرآة ظهوره
والمرآة بما هي مرآة فانية في المتجلي فيها فلا حجاب بينه وبينك الا عينك فارفع بما هو همك
حتى يظهر لك ما هو المهم ن ره.
41
بناء ا على تجردها في ذاتها عن المادة فيختلف هناك الاعتباران ويتغاير بحسبهما
الوجودان ولهذا زوال الصورة الحالة عن المادة يوجب فسادها في نفسها بخلاف
الصورة المجردة فان وجودها للمادة وان استلزم وجودها في نفسها لكن زوالها
عن المادة لا يوجب فسادها في نفسها وذلك لتغاير الوجودين.
إذا تقرر هذا فنقول كون الشئ واقعا تحت مقولة بحسب اعتبار وجوده في
نفسه لا يوجب كونه واقعا باعتبار آخر تحت تلك المقولة بل ولا تحت مقولة من
المقولات فالنفس الانسانية وان كانت بحسب ذاتها جوهرا وبحسب نفسيتها مضافا
لكن بحسب كونها جزء ا للجسم باعتبار وصوره مقومه لوجوده باعتبار آخر لا يجب
ان يكون جوهرا كما في سائر صور المادية على ما علمت فكون النفس جوهرا
مجردا وإن كان حقا لكن كونها مقومه لوجود الجسم صادقا عليها وعلى الجسم
بالمعنى الذي هو باعتباره مادة الجسم بالمعنى الذي هو باعتباره جنس ليس
باعتبار كونها ذاتا جوهرية منفردة فان كونها حقيقة أحدية شئ وكونها حالا من
أحوال البدن شئ آخر نظير ذلك ما يقال في دفع ما يرد على قاعدة الحكماء ان
كل حادث يسبقه استعداد مادة من الانتقاض (1) بالنفوس المجردة الحادثة كما
هو رأى المعلم الأول وهو ان البدن الانساني لما استدعى باستعداده الخاص
صوره مدبره له متصرفة فيه اي امرا موصوفا بهذه الصفة من حيث هو كذلك فوجب
على مقتضى جود الواهب الفياض وجود شئ يكون مصدرا للتدابير الانسية والأفاعيل
البشرية وهذا لا يمكن الا ان يكون ذاتا مجرده في ذاتها فلا محاله قد فاض عليه



(1) فإنه كيف يكون وجود جوهر مفارق مرهونا باستعداد خاص ووقت خاص مع تساوى
نسبته إلى كل الأوقات وتجرده عن المواد وأيضا المستعد له لا بد ان يكون حالا من أحوال المستعد
متصلا به والمستعد مستكملا بذلك المستعد له والمفارق مبائن الذات عن المواد والأجسام فكيف
يكون حالا لها وهذا يرد على كل من قال بتجرد النفس مع حدوثها حتى على المصنف قدس سره
القائل بروحانيتها في البقاء نعم لا يرد على الافلاطونيين القائلين بقدم النفس وسيأتي التفصيل
في سفر النفس إن شاء الله تعالى س ره.
42
حقيقة النفس لا من حيث (1) ان البدن استدعاها بل من حيث عدم انفكاكها
عما استدعاه البدن فالبدن استدعى بمزاجه الخاص امرا ماديا لكن جود المبدء
الفياض اقتضى ذاتا قدسية وكما أن الشئ الواحد يكون جوهرا وعرضا باعتبارين
كما مر فكذلك قد يكون امر واحد مجردا وماديا باعتبارين فالنفس الانسانية
مجرده ذاتا مادية فعلا فهي من حيث الفعل من التدبير والتحريك مسبوقة
باستعداد البدن مقترنة به واما من حيث الذات والحقيقة فمنشأ (2) وجودها
جود المبدأ الواهب لا غير فلا يسبقها من تلك الحيثية استعداد البدن ولا يلزمها
الاقتران في وجودها به ولا يلحقها شئ من مثالب الماديات الا بالعرض فهذا
ما ذكرته في دفع ذلك الايراد على تلك القاعدة فانظر اليه بنظر الاعتبار إذ مع
وضوحه لا يخلو عن غموض ويمكن تأويل ما نقل عن أفلاطون الإلهي في باب قدم النفس
اليه بوجه لطيف.



(1) اي بالذات وان استدعاها بالعرض وبهذا يتصحح حدوث ذاتها المجردة واستعداد
المادة لها والا فإن كان حصول ذاتها بذاتها يكفي فيه وجود المبدء وامكانها الذاتي يلزم
القدم س ره.
(2) ليس المراد ان منشأ وجودها هاهنا وفي الزمان هو الوجود اما أولا فلان وجودها
هاهنا ليس الا هذا الوجود المادي الفعل ومقام الطبع منها لا الذات القدسية.
تو بزرگى ودر آئينه كوچك ننمائى.
واما ثانيا فلانه لو لم يشترط استعداد المادة هنا وجاز الوجود بمجرد الجود لأعطى
النفس الناطقة للنملة فالمراد ان البدن استدعى شيئا مادي الفعل وانه متصل بالمنبع الذي هو
ذاته وباطن ذاته وهو العقل الفعال الذي وجوده بمجرد الجود والامكان الذاتي الذي في
ماهيته فان العقول بمجرد امكانها الذاتي توجد من غير حاجه إلى امكان استعدادي أو شرط آخر
وقوله ويمكن تأويل ما نقل عن أفلاطون يرشدك اليه لأنه يصرح في سفر النفس ان مراده
بقدم النفس قدم العقل الكلى الذي هو باطن ذات النفس كما قال لا يلحقها شئ من مثالب
الماديات وفي قوله الا بالعرض إشارة إلى أنه لما كان حقيقة النفس وهي رقيقه المتصلة به وهي شرق
وبرق منه فحدوث هذه المرتبة كأنه حدوث ذاتها ومسبوقية هذه بالاستعداد كأنه مسبوقية الأصل
وهذا هو الغموض الذي أشار اليه س ره.
43
طريقه أخرى ثم (1) انك (2) لو تأملت في أصولنا السابقة وتذكرت
ما بينه الشيخ المتأله السهروردي في كتابيه من كون النفس ذات حقيقة بسيطه
نورية وذلك في حكمه الاشراق وانية صرفه وذلك في التلويحات والمال واحد
إذ الظهور عين الفعلية والوجود وقد بين بالأصول الاشراقية كون النور حقيقة
بسيطه لا جنس لها ولا فصل وليس الاختلاف بين افرادها بأمر ذاتي بل انما هو
بمجرد الكمال والنقص في أصل الحقيقة النورية الوجودية لعلمت ان الذوات
المجردة النورية غير واقعه تحت مقولة الجوهر وان كانت وجوداتها لا في موضوع
فعليك يا حبيبي بهذه القاعدة فان لها عمقا عظيما ذهل عنه جمهور القوم وبمراجعة
كتبه وقواعده في دفع شكوك تستعرض لك فيها
نكته مشرقية
لعلك قد تفطنت مما تلوناه عليك سابقا ولاحقا بان العالم
كله وجود والوجود كله نور والنور العارض (3)
نور على نور فانظر إلى البدن الانساني كيف يكون من حيث اشتماله على الصور والقوى



(1) لما كان مناط الجواب السابق التزام جوهرية النفس بحسب وجودها الذاتي وهو على
مذاق القوم القائلين بان للنفس ماهية بل العقول أيضا عندهم ذوات ماهيات جوهرية مخالفه
بالنوع أشار إلى طريقه أخرى هي مذاق نفسه ونظرائه كالشيخ المتأله صاحب الاشراق من أن
العقول والنفوس أنوار ساذجة بلا ظلمه ووجودات بلا ماهية فليست جواهر لا لأنها
دون الجوهرية بل لأنها فوق الجوهرية س ره.
(2) سيأتي إن شاء الله تعالى ان الوجود الامكاني الجاري فيه حكم العلية والمعلولية
لا يخلو عن ماهية عقلية كما قيل كل ممكن فهو زوج تركيبي وكيف يمكن للعقل ان يحكم
بالامكان على ما لا ماهية له والامكان بمعنى استواء النسبة إلى الوجود والعدم من لوازم
الماهية وإن كان الامكان بمعنى الفقر من لوازم الوجود الامكاني ط مد.
(3) ليس المراد بالنور العارض ما هو مصطلح الاشراقيين حيث أطلقوا الأنوار
العرضية وأرادوا بها الأنوار الحسية كأشعة الكواكب والسرج ونحوها وان كانت هي أيضا
متحدة عندهم مع الأنوار الحقيقية كالأنوار القاهرة والأنوار الاسفهبدية الفلكية والأرضية
إذ لا يليق ان يقال إنه نور على نور بل المراد به الصفات الوجودية التي هي عوارضه مفهوما
لا وجودا أو المراد بالعالم هو العالم الطبيعي حيث أثبت هو قدس سره نورية الصور النوعية بل
الجسمية قبيل ذلك وبالنور العارض الأنوار الاسفهبدية والأنوار القاهرة السعودية على ما
هو مذهبه قدس سره من اتحاد النفس بالعقل الفعال موافقا لبعض القدماء س ره.
44
التي هي مبادي الأفاعيل معسكر الجنود النفس النورية الاسفهبدية في عالم
الأضداد ومحلا لأنوارها وآثارها وتلك القوى والآلات مع أمير جيشها جميعا
وجودات صرفه وأنوار محضه كسرج متفاوتة في النور مترتبة بحسب النضد والترتيب
بعضها فوق بعض مشتعلة من نور واحد بل مقهورة تحت استقلاله كما يشاهد من
عدم استقلال (1) الأنوار الضعيفة في مشهد النور القوى في التأثير والإنارة فهكذا
حكم عالم الوجود جميعا في كونها أشعة وأنوارا وأضواء ا للذات الأحدية الواجبية
إذ الوجود كله من شروق نوره ولمعان ظهوره كما هو مشاهد من الشمس
المحسوس الذي هو المثل الاعلى له في السماوات والأرض الا ان بين الأشعتين
فرقا وهو ان أشعة شمس العقل احياء عاقله ناطقه فعاله وأشعة شمس الحس اعراض
وأنوار لغيرها لا لذاتها غير احياء عاقله فاعله وسيأتيك تفصيل هذه الأحكام في
مواضعها إن شاء الله تعالى.
ذكر اجمالي
كلما كانت الصورة أشد فعليه وشرفا ونورية كانت (2) المادة
القابلة لها أشد انفعالا وخسة وظلمه.
ذكر تفصيلي
الهيولى الأولى كما سيتضح منبع الخسة ومركز دائرة الشر
والوحشة تلك عجوزه شوهاء لم يصادفها نفس نورية الا
بعد تحليتها بحلل الصور الجسمية والنوعية وتنورها بنور القوى والكيفيات وخروجها



(1) كعدم استقلال الكواكب بالإنارة في مشهد نور الشمس في النهار س ره.
(2) وذلك لان القابل لا بد ان يكون خاليا عن المقبول وإذا كان المقبول فيه كل
الفعليات كان القابل عن الجميع خاليا وفيه بإزائها اعدام وقوى ولهذا خلق الانسان من ضعف
ومادته أضعف شئ وأخسه س ره.
45
عن صرافة قوتها وسذاجة وحشتها وظلمتها وحيث تحقق ان مبدء تلك الصور
والقوى والكيفيات بعد تعلق النفس هي النفس بتأييد المبدأ الاعلى فإذا انقطع
تعلق النفس عنها وأنبت فيضان ما يفيض عليها من القوى والكيفيات التي كانت
ألبستها وحللها صارت كأنها راجعه إلى صرافة هيوليتها المعراة عن كل حليه
وصفه في نفسها فأصبحت معرضا للانمحاق والتلاشي موحشة للطبع مستكرهة عليه
كما يشاهد من استيحاش الانسان عن رؤية أجساد الأموات الانسانية وانقباضه
عن الانفراد بميت سيما في الليل المظلم.
فصل [9]
في تحقيق الصور والمثل الإفلاطونية
قد نسب إلى أفلاطون الإلهي أنه قال في كثير من أقاويله موافقا لاستاده
سقراط ان للموجودات صور مجرده في عالم الاله (1) وربما يسميها المثل
الإلهية وانها لا تدثر ولا تفسد ولكنها باقيه وان الذي يدثر ويفسد انما هي
الموجودات التي هي كائنة.
قال الشيخ في الهيات الشفاء ظن قوم ان القسمة (2) توجب وجود شيئين
في كل شئ كانسانين (3) في معنى الانسانية انسان فاسد محسوس انسان معقول



(1) عبر عن عالم الجبروت بعالم الاله لأنها من صقع الربوبية واحكام الوجود عليها غالبه
واحكام الامكان فيها مستهلكه س ره.
(2) القسمة العقلية توجب وجود شيئين في كل شئ مستقل جوهري إذ سيأتي ان لا رب
نوع عندهم للعرض ولا رب جنس ولا لجزء الشئ مطلقا كالرجل والجناه ونحوهما س ره.
(3) وقولهم هذا كقولهم الانسان منه قار ومنه سيال والأين منه قار ومنه سيال وكذا
في الكيف والوضع وغيرهما والمراد بمعنى الانسانية هو الكلى الطبيعي الصادق على الانسان
والسيال والانسان الثابت المعبر عنه بادم الأول في كلام مولانا وسيدنا على ع س ره.
46
مفارق ابدى لا يتغير وجعلوا لكل واحد منهما وجودا فسموا (1) الوجود
المفارق وجودا مثاليا وجعلوا لكل واحد من الأمور الطبيعية صوره مفارقه
وإياها (2) يتلقى العقل إذ كان المعقول شيئا لا يفسد وكل محسوس من هذه فهو فاسد
وجعلها (3) العلوم والبراهين تنحو نحو هذه وإياها تتناول وكان المعروف
بإفلاطون ومعلمه سقراط يفرطان في هذا الرأي ويقولان ان للانسانية معنى
واحدا موجودا يشترك فيها الاشخاص ويبقى مع بطلانها وليس هو المعنى
المحسوس المتكثر الفاسد فهو اذن المعنى المعقول المفارق انتهى ونحن بعون الله
وتوفيقه نذكر أولا وجوه ما قيل في تأويل كلامه وما يقدح به في كل من
وجوه التأويل ثم ما هو الحق عندي في تحقيق الصور المفارقة والمثل.
فنقول قد أول الشيخ الرئيس كلامه بوجود الماهية (4) المجردة عن
اللواحق لكل شئ القابلة للمتقابلات ولا شك ان أفلاطون الذي أحد تلاميذه
المعلم الأول مع جلاله شانه اجل من أن ينسب اليه عدم التفرقة بين التجريد
بحسب اعتبار العقل وبين التجريد بحسب الوجود أو بين اعتبار الماهية لا بشرط



(1) وجه التسمية أمران أحدهما ان أرباب الأنواع مثالات لما فوقها كأسمائه تعالى
وصور أسمائه كالانسان اللاهوتي مثلا والاخر انها أمثلة لما دونها من افراد الأنواع الطبيعة س ره.
(2) هذه المثل الإلهية ينال العقل حين ادراكه للكليات كما مر في مبحث الوجود
الذهني ان ادراك الكليات مشاهده النفس المثل النورية ولكن عن بعيد س ره.
(3) اعتقدوا ان العلوم الكلية والبراهين اليقينية تؤم نحو هذه وتنالها إذ المقدمات
الكلية تقام على الكلى والجزئي لا يكون مكتسبا وعلى الامر الدائم لا الداثر والزائل وهذه
المثل وأحوالها هي الكليات الوجودية الدائمة التي تنال بالحدود والرسوم والبراهين ذواتها
وصفاتها ولكن مراتب النيل متفاوتة س ره.
(4) ليس المراد الماهية المجردة المصطلحة إذ لا وجود لها ولو في الذهن بل المجرد
في مرتبه ذاتها يعنى ماهية المطلقة س ره.
47
اقتران شئ معها وبين اعتبارها بشرط عدم الاقتران أو الخلط (1) بين الواحد
بالمعنى والواحد بالعدد والوجود حتى يلزم من كون الانسانية واحدا بالمعنى
كونها واحدا بالعدد والوجود وهو بعينه يوجد في كثيرين والجهل بان الانسان
إذا لم يكن في حد ذاته شيئا من العوارض كالوحدة والكثرة لزم ان يكون القول
بان الانسان من حيث هو انسان واحد أو ابدى أو غير ذلك مما هو معاين لحده
قولا مناقضا أو الظن (2) بان قولنا الانسان يوجد دائما معناه ان انسانية واحده
بعينها باقيه كيف والتفرقة بين هذه الأمور والتمييز بين معانيها مما لا يخفى على
المتوسطين من أولى ارتياض النفس بالعلوم العقلية فضلا عن أولئك العظماء.
وقال المعلم الثاني في كتاب الجمع بين رأيي أفلاطون وأرسطو انه إشارة
إلى أن للموجودات صورا في علم الله تعالى باقيه لا تتبدل ولا تتغير وبين ذلك
بعض (3) المتأخرين حيث قال إن في عالم الحس شيئا محسوسا مثل الانسان
مع مادته وعوارضه المخصوصة وهذا هو الانسان الطبيعي ولا شك في أن يتحقق
شئ هو الانسان منظورا إلى ذاته من حيث هو هو غير مأخوذ معه ما خالطه من الوحدة



(1) هذا على سبيل ارخاء العنان والتنزل فان بناء كلامه الأول على مجرد الماهية في
المرتبة عن جميع الأشياء التي منها الوحدة ولو بالمعنى وبالعموم وبناء كلامه هذا على اتصافها
بالوحدة ولكن الوحدة بالعموم لا بالعدد س ره.
(2) يلزم ان يظن أفلاطون ان معنى قولهم الماهية المطلقة من الانسان مثلا موجوده دائما
انها واحده بالعدد باقيه دائما حيث يقول إن الانسان العقلي ابدى غير داثر ويريد به الماهية
المطلقة على زعم الشيخ مع أن معناه انها باقيه بتعاقب
الاشخاص لان نسبه الكلى الطبيعي إلى اشخاصه نسبه الاباء إلى الأولاد لا نسبه أب واحد إليهم فهو متحد بأشخاصه
وجودا فوجوده وجودات بالحقيقة س ره.
(3) ولا يخفى ان في كلام ذلك البعض اضطرابا حيث خلط بين الكلى الطبيعي
والكلى العقلي لان بعض الأحكام التي ذكرها يناسب الطبيعي كقوله منظورا إلى ذاته وكالحمل
لأنه وظيفة نفس الطبيعة والمفهوم كالتجرد عن التجرد والاطلاق وكقوله يلزم ان يكون
التشخص عارضا خارجيا فان قولهم بان التشخص هذية الماهية وتعينها ليس امرا ينضم
إلى الماهية فهو عارض تحليلي لا خارجي انما هو في الطبيعي ولو أراد العقلي لقال لزم ان لا يكون
الكلى كليا بل شخصيا وحينئذ يكون بيان ذلك البعض كبيان الشيخ وبعضها يناسب الكلى العقلي كقوله
متشخص بالتشخصات العقلية وقوله بأنه موجود في العقل وهذا هو الأظهر فيحمل قوله منظورا
إلى ذاته على ذاته الموجودة بالوجود العقلي ويصح الحمل بان الكلى العقلي حقيقة والافراد
رقائقه والحقيقة هي الرقائق بنحو أعلى والتجرد عن التجرد والاطلاق باعتبار انهما
وصف له ليسا في مقام ذاته البحتة واما لزوم العروض الخارجي في التشخص للعقلي حينئذ فلا ينافي
لزوم شئ آخر فهو أيضا واقع من فرض وقوع الكلى العقلي بما هو كلى في الأعيان يعنى الخارج
وعلى هذا كان هذا البيان بيانا آخر غير بيان الشيخ بل يؤول إلى ما ذكره المصنف قدس سره من أن
ادراك الكليات مشاهده المثل عن بعيد ولكن تزييف المصنف قدس سره إياه ناظر إلى أنه
رميه من غير رام فإنه جرى على لسان القائل من غير استشعار والى انه يستقيم في وجود المثل
لنا ولم يصحح وجودها في أنفسها لعدم قيام الكليات العقلية بذواتها بل بالنفوس س ره.
48
والكثرة وغيرهما من الاعراض الزائدة على الانسانية وهو المعنى الذي يحمل
على كثيرين من زيد وعمرو والانسان المجرد عن العوارض الخارجية المتشخصة
بالتشخصات العقلية فحين يحمل العقل الانسان على زيد وعمرو الفت لا محاله
إلى معنى مجرد من العوارض الغريبة حتى أنه مجرد عن التجرد والاطلاق
فهذا المعنى له وجود لا محاله فاما ان يكون ذلك الوجود في الخارج أو في العقل
وعلى الأول لزم ان يكون المشخص عارضا خارجيا مؤخرا عن الماهية في الوجود
فتعين الثاني وهو كونه موجودا في العقل متشخصا بتشخص عقلي بحيث يمكن ان
يلتفت اليه بدون الالتفات إلى تشخصه وهذا المعنى جوهر لحمله على الجواهر
حملا اتحاديا فيثبت بذلك وجود جواهر عقلية في العقول يكون تلك الجواهر
ماهيات الموجودات الخارجية وهذا هو بعينه مذهب أفلاطون
فان قيل المشهور ان أفلاطون أثبت الجواهر العقلية في الأعيان بحيث
هي ماهيات كليات للافراد الخارجية.
قلت لعل مراده بالأعيان العقول (1) فإنها أعيان العالم الحسى والعالم



(1) اي عقولنا وهذا ليس فيه استبعاد لان ما في عقولنا موجودات مجرده جمعية دائمة وهي أطوار لعقولنا فهي بان يكون موجوده أصيلة ذوات أظلة والافراد الطبيعية ظلالا
لها أولى س ره.
49
الحسى انما هو ظل لها عنده انتهى كلامه وهذا التأويل مستبعد جدا إذ المنقول
عن أفلاطون والأقدمين وتشنيعات اللاحقين من اتباع أرسطو على مذهبهم يدل
على أن تلك الصور موجوده في الخارج قائمه بذواتها لا في موضوع ومحل وقد نقل
عنه أنه قال إني رأيت عند التجرد أفلاكا نورية وعن هرمس انه كان يقول إن
ذاتا روحانية القت إلى المعارف فقلت من أنت قال انا طباعك التام ولو لم يكن
لكلماتهم دلالة صريحه على أن لكل نوع موجودا مجردا شخصيا في العالم الابداع
لما شنعوا عليهم بما نقله الفارابي من أنه يجب من أقوالهم ان يكون في العقول (1)
خطوط وسطوح وأفلاك ثم توجد حركات تلك الأفلاك والأدوار وان يوجد
هناك علوم مثل علم النجوم وعلم اللحون وأصوات مؤتلفة وطب وهندسة ومقادير
مستقيمة وآخر معوجه وأشياء باردة وأشياء حاره وبالجملة كيفية فاعله ومنفعلة
وكليات وجزويات ومواد وصور في شناعات اخر
وقال شيخنا وسيدنا ومن اليه سندنا في العلوم ادام الله علوه ومجده
في بعض كتبه (2) العقلية ان القضاء على ضربين مختلفين علمي وعيني وكما
يصح ان يعنى به ظهور في العلم وتمثل في العالم العقلي فكذلك يصح ان يعنى به
وجود في الأعيان وعلمناك انه يمتنع اللانهاية بالفعل في القدر لان القضاء قرب
القضاء والقدر وراء ما لا يتناهى ولا يضيق عن الإحاطة بجمله ما لا نهاية له مجمله
ومفصله وهو واسع عليم وان ما يوجد في وعاء الدهر ويتم وجوده التدريجي
بالفعل في أفق التغير ويبقى تحققه بتمامه في وعاء الدهر بقاء دهريا لا زمانيا فإنه
يجب ان يكون متناهي الكمية سواء ا كان في الازال أو في الاباد وان الماديات



(1) فيه نظر لأنهم لا يثبتون للاعراض أرباب أنواع س ره.
(2) هو الأفق المبين س ره.
50
ليست في القضاء أعني بحسب الوجود العيني في وعاء الدهر الوجودي عند رب القضاء
والقدر متأخرة عن حصول موادها بل هي وموادها بحسب ذلك في درجه واحده
فلو سمعتنا نقول إن الماديات انما هي مادية في القدر وفي أفق الزمان لا في القضاء
الوجودي في وعاء الدهر وفي الحصول الحضوري عند العليم الحق فافقه انا نعنى
بذلك سلب سبق المادة في ذلك النحو من الوجود لا مفارقه المادة والانسلاخ عنها
هناك حتى يصير المادي مجردا باعتبار آخر وأحق ما يسمى به الموجودات
الزمانيي بحسب وقوعها في القضاء العيني اي تحققها في وعاء الدهر المثل العينية
أو القضائية والصور الوجودية أو الدهرية وبحسب وقوعها في القدر اي حصولها
في أفق الزمان الأعيان الكونية أو الكائنات القدرية فهذا سر مرموز الحكماء من
أهل التحصيل وانى لست أظن بامام اليونانيين غير هذا السر الا ان اتباع
المعلم المشائية أساءوا به الظن واستناموا إلى ما سولته لهم أوهامهم وقصروا في
الفحص ووقروا على وقيعتهم في المثل الإفلاطونية وعد مساويها
فلم يكن اعتمالهم الا لانطفاء نور الحكمة وتفاشى ديجور الظلمة انتهت عبارته.
وحاصلها ان جميع الماديات والزمانيات وان كانت في أنفسها وبقياس بعضها
إلى بعض مفتقرة إلى الأمكنة والأزمنة والأوضاع الموجبة لحجاب بعضها عن
بعض لكنها بالقياس إلى إحاطة علم الله تعالى إليها علما اشراقيا شهوديا وانكشافا
تاما وجوديا في درجه واحده من الشهود والوجود لا سبق لبعضها على بعض من
هذه الحيثية فلا تجدد ولا زوال ولا حدوث لها في حضورها لدى الحق الأول
فلا افتقار لها في هذا الشهود إلى استعدادت الهيولانية وأوضاع جسمانية
فحكمها من هذه الجهة حكم المجردات عن الأمكنة والأزمنة فالأقدمون من
الحكماء ما راموا بالمثل المفارقة الا هذا المعنى دون غيره لئلا يرد عليهم المحذورات

51
الشنيعة المشهورة ولك (1) ان تقول بعد تسليم ان الاشخاص الكائنة التي
وجودها ليس الا وجودا ماديا صح كونها مجرده باعتبار آخر لكن لا ريب في أنها
متعددة في وجوداتها والمنقول عن إفلاطونيين من أن لكل نوع جسماني
فردا مجردا أبديا دال على وحدتها كما يدل على تجردها كيف والتجرد أيضا
مستلزم للوحدة كما برهن عليه فحمل كلامهم على ذلك المعنى في غاية البعد.
وأول بعضهم المثل الإفلاطونية إلى الموجودات المعلقة التي هي في عالم
المثال وهو أيضا غير صحيح لما سبق
اما أولا فلان هؤلاء العظماء القائلين بالمثل والأشباح المعلقة قائلون أيضا
بالمثل الإفلاطونية. واما ثانيا فلان تلك المثل نورية عظيمه ثابته في عالم الأنوار العقلية
وهذه الأشباح المعلقة ذوات أوضاع جسمانية منها ظلمانية يتعذب بها الأشقياء
وهي صور سود زرق مكروهه يتألم النفوس بمشاهدتها ومنها مستنيرة يتنعم بها
السعداء وهي صور حسنه بهية بيض مرد كأمثال اللؤلؤ المكنون.



(1) الأولى ان يدفع هذا التأويل بان كلا من الأنواع الطبيعية مأخوذة هكذا اي
متدلية بالمبادئ العالية ومتعلقه جميعا بالحق المتعال انما هي مقام ظهور تلك المثل النورية لا
مقام خفائها وقاعدة مخروط نورها لا رأسه الجامع لما في القاعدة بنحو ابسط وأعلى فكلما
افاده السيد قدس سره من أن الموجودات العينية بما هي واقعه في وعاء الدهر لها البقاء الدهري
والوحدة الحقيقية وانها المسلوب عنها احكام المادة وأمثال ذلك مقبوله ولكنها بهذا الاعتبار
يصح ان يقال لها انها قاعدة مخروط نورها وانها مقام ظهورها ومقام وحدتها في الكثرة لا غير
مع أن لها مقام تنزه ومرتبه جمع جمع ومقام كثره في وحده أيضا وهي في ذلك المقام الشامخ
مجرده بلا تجريد مجرد ومعراة بلا تعريه معر فلم يثبت ذواتها وهذه الماديات مأخوذة بنحو التدلي
بالحق وان كانت دهرية ولكن وعاؤها اداني الدهر بخلاف ذوات تلك المثل النورية فان
أوعية وجودها أعالي الدهر واما ما ذكره المصنف قدس سره في الدفع من أنه لا ريب في أنها
متعددة في وجوداتها فالسيد قدس سره ينادى بأنها بما هي مضافة إلى المبدء الواحد واحده ومن
الكلمات المأثورة عن الحكماء ان الأزمنة والزمانيات كالان والأمكنة والمكانيات كالنقطة
بالنسبة إلى المبادي العالية س ره.
52
وذهب الشيخ المتأله المتعصب لإفلاطون ومعلميه وحكماء الفرس موافقا لهم
إلى أنه يجب ان يكون لكل نوع من الأنواع البسيطة الفلكية والعنصرية
ومركباتها النباتية والحيوانية عقل واحد مجرد عن المادة معتن في حق ذلك النوع
وهو صاحب ذلك النوع وربه وقد استدل على اثباتها بوجوه.
الأول (1) ما ذكره في المطارحات وهو ان القوى النباتية من الغاذية
والنامية والمولدة اعراض اما على رأى الأوائل فلحلولها في محل كيف كان (2)
واما على رأى (3) المتأخرين فلحلولها في محل يستغنى عنها لان صور العناصر
كافيه في تقويم وجود الهيولى والا لما صح وجود العناصر والممتزجات العنصرية
وإذا كانت الصور كافيه في تقويم الهيولى لزم ان يكون القوى الثلاثة المذكورة
اعراضا وإذا كانت هذه القوى اعراضا فالحامل لها اما الروح البخاري أو الأعضاء
فإن كان هو الروح الذي هو دائم التحلل والتبدل فيتبدل القوى الحالة بتبدل
محالها وإن كان الأعضاء وما من عضو منها الا وللحرارة سواء ا كانت غريزية أو



(1) يرد على الوجه الأول والثاني من الوجوه الثلاثة ان المشاء لا يأبون عن نسبه الحوادث
التي في عالم المادة إلى الجوهر العقلي المفارق غير أن الجوهر المفارقة متساوي النسبة
إلى الجميع فلا بد في وجود كل خصوصية من وجود مخصص تتم به العلية وتصدر به الخصوصية
ولو كان المخصص أيضا مفارقا عاد المحذور فثبت لزوم وجود مخصص مادي يلزمه وجود
الحادث بالضرورة وهذا هو المخصص المادي الذي تنسب الحوادث المادية اليه مع مشاركه
الجواهر المفارق ولا دليل على أزيد من ذلك ط مد.
(2) لان الحال والعرض عندهم متساويان ولذا قالوا بعرضية الصور النوعية س ره.
(3) فيه نظر لان تقومها في الوجود بدون القوى لا يوجب العرضية لجواز الاحتياج في
التنوع والعرض هو الحال في المحل المستغنى في الوجود والنوعية جميعا عن ذلك الحال ولذا
قال المشاؤن بجوهرية الصور النوعية يرشدك إلى ما ذكرناه قول الشيخ في الهيات الشفاء
الموجود على القسمين أحدهما الموجود في شئ آخر ذلك الشئ الآخر متحصل القوام والتنوع
وجودا لا كوجود جزء منه من غير أن يصح مفارقته لذلك الشئ وهو
الموجود في موضوع والثاني الموجود من غير أن يكون في شئ من الأشياء بهذه الصفة فلا يكون في موضوع البتة وهو
الجوهر انتهى س ره.
53
غريبه عنها عليها سلطنة فالأجسام النباتية لاشتمالها على رطوبة وحرارة
شانها تحليل الرطوبة فيتبدل اجزاؤها ويتحلل دائما فإذا بطل جزء من المحل
بطل ما فيه من القوة ويتبدل الباقي بورود الوارد من الغذاء فالحافظ (1)
للمزاج بالبدل والمستبقى زمانا يمتنع ان يكون هو القوة والأجزاء الباطلة لامتناع
تأثير المعدوم وكذا الحافظ والمستبقى له لا يجوز ان يكون القوة والاجزاء التي
ستحدث بعد ذلك لان وجودها بسبب المزاج فهي فرع عليه والفرع لا يحفظ
الأصل ولان (2) القوة النامية تحدث بسبب ايراد الوارد من الغذاء في المورد
عليه خللا تستلزم (3) تحريك الوارد وتحريك المورد عليه إلى جهات
مختلفه ويسد بالغذاء ما يحلل منه ويلصقه بالاجزاء المختلفة الماهيات والجهات
فهذه الأفاعيل المختلفة مع ما فيها من التركيب العجيب والنظام المتقن الغريب
والهيات الحسنة والتخاطيط المستحسنة لا يمكن صدورها عن طبيعة قوه لا ادراك لها
ولا ثبات في النبات والحيوان وما ظن أن للنبات نفسا مجرده مدبره فليس بحق
والا لكانت ضائعة معطلة ممنوعة عن الكمال ابدا وذلك محال ثم القوة المسماة
عندهم بالمصورة قوه بسيطه فكيف صدر عنها تصوير الأعضاء مع المنافع الكثيرة
في حفظ الاشخاص والأنواع وغير ذلك مما هو مذكور في كتب التشريح



(1) أقول الحافظ والمستبقى له انما هو القوة الباقية بقاءا تدريجيا اتصاليا لأنها
زمانية لا يمكن لها البقاء الدفعي واثرها أيضا له البقاء بهذا النحو س ره.
(2) اما عطف على مضمون الكلام السابق واما عله قبل المعلل ومعللة قوله فهذه الأفاعيل
المختلفة الخ فهذا التعليل بمنزله لما الرابطة س ره.
(3) أقول لو أحدثت القوة خللا فكانت مؤلمة لان تفرق الاتصال سبب الألم بل
تحدث مقدارا تعليميا ثم آخر وهكذا على نحو الاتصال التدريجي وعلى سبيل التزائد الكمي
وكما أن المقادير المتزائدة متصله واحده كذلك كل تمادى في الافطار واجد لاتصاله
فليس فيه تحريكات إلى جهات س ره.
54
والعاقل الفطن إذا تأمل ذلك وما انضم اليه من الحكم وعجائب الصنع التي في كتاب
الحيوان والنبات علم أن هذه الأفاعيل العجيبة والاعمال الغريبة لا يمكن صدورها
عن قوه لا تصرف لها ولا ادراك بل لا بد وأن تكون صادره عن قوه مجرده عن
المادة مدركه لذاتها ولغيرها ويسمى (1) تلك القوة المدبرة للأجسام النباتية
عقلا وهو من الطبقة العرضية التي هي أرباب الأصنام والطلسمات.
فان قلت يجوز ان يكون تلك القوة الفاعلة لأبداننا والمدبرة لها هي
نفوسنا الناطقة.
قلنا نحن (2) نعلم بالضرورة غفلتنا عن هذه التدابير العجيبة ونجدها لا خبر
عندنا بأنها متى صارت الأغذية في الأعضاء المختلفة المتباينة ولا شعور لنا حين
كمال عقلنا بأوان تميزها بالأخلاط وذهابها إلى الأعضاء المختلفة والأوضاع
والجهات وصيرورتها مشكله بالاشكال المختلفة والتخاطيط العجيبة فضلا عن بدو
فطرتنا وزمان جهلنا ونقصنا فالفاعل لهذه الأفعال غير نفوسنا وليست (3)



(1) لا حاجه في اثبات القوى المفارقة التي من الطبقة العرضية من العقول إلى ابطال
القوى المقارنة والطبائع بل هي وسائط فيض المفارقات فإنها اجل وأعلى من مباشره الافعال
المحدودة الجزئية الجرمية فالمقارنات مسخرات بأيدي قدره المفارقات والكل المسخرة بيد
خالق القوى والقدر على أن الأفعال العجيبة لا تستلزم العلم والرؤية لمباديها ألم تر إلى
النحل ومسدساته والى العنكبوت ومثلثاته والى الطبيعة وصنعها الشكل الصنوبري في النار
والشكل الكروي في القطرات وفي اجزاء اللاهوية التي في زبد الماء وفي الرغوة تأسيا بأصله
وغير ذلك س ره.
(2) ان أراد عدم علمنا علما تركيبيا فمسلم ولكن ليس بواجب وان أراد عدم
علمنا ولو علما بسيطا فممنوع كيف وهو نفسه أثبت العلم البسيط الحضوري للنفس بالقوى وأفاعيلها
في مسألة العلم الإلهي س ره.
(3) بلى ليست مركبه لكن لم لا يجوز أن تكون ذات مراتب متفاضلة كالنور الذي عنده
حقيقة بسيطه الا انها متفاوتة بالتمام والنقصان مرتبه منه كالنور الاقهر ومرتبه كنور الشمس
والقمر فالنور الاسفهبد له مرتبه فيها فاعل بالرضا ومرتبه فيها فاعل بالقصد ومرتبه فيها فاعل
بالطبع ومع ذلك بسيط واحد وحده حقه ظليه
كيف مد الظل نقش أولياء است * كو دليل نور خورشيد خدا است
س ره.
55
مركبه لتفعل بجزء وتدرك بجزء آخر
الوجه الثاني انك إذا تأملت الأنواع الواقعة في عالمنا هذا وجدتها غير
واقعه بمجرد الاتفاقات والا لما كانت (1) أنواعها محفوظه عندنا وأمكن حينئذ
ان يحصل من الانسان غير الانسان ومن الفرس غير الفرس ومن النخل غير
النخل ومن البر غير البر وليس كذلك بل هي مستمرة الثبات على نمط واحد
من غير تبدل وتغير فالأمور الثابتة على نهج واحد لا يبتنى على الاتفاقات الصرفة ثم
الألوان الكثيرة العجيبة في رياش الطواويس ليس كما يقول المشاؤن من أن
سببها أمزجة تلك الريشة مع أنهم لا برهان لهم على ذلك ولا يمكنهم (2) تعيين



(1) اي كانت منقطعه وأمكن حينئذ ان يحصل الخ اي كانت مختلفه متبدلة وإذ
لا انقطاع ولا تبدل فلها أرباب ومثل هي مباديها وغاياتها فلا اتفاق بمعنى انه لا مبدء لها ولا
بمعنى لا غاية لها وهنا مقدمه أخرى مطوية هي ان هذه الأنواع كثيره متبائنة والباري تعالى واحد
من جميع الجهات فلا يمكن ان يكون عدم الاتفاق لأجل استنادها إلى الباري تعالى بلا وسائط وفيه
نظر لأنها إذا استندت إلى الجهات التي في العقل الفعال كما يقوله المشاؤن لم يلزم اتفاق
فالصواب في تقرير كلامه ان مراده ليس محض اثبات الفاعل والغاية لها بل المساواة في النوعية
أيضا منظوره فنقول انحفاظ الصورة النوعية لافراد نوع لو لم يكن بمثال نوري لكان
كالصورة الشخصية الواقعة بالاتفاق بالمادة وعوارضها ولا نظام لها ولا انحفاظ بل لا يقع بالمرة
في دار الحركات والاتفاقات فإذا كان صوره نوع الانسان مثلا محفوظه فلها في عالم الابداع
مثال أزلي ابدى هذه ظله انحفاظها به وهي وهو متماثلان كما يرشدك وجه التسمية بالمثل بخلاف
ما إذا استندت إلى الجهات التي في العقل الفعال فإنها مثل الوجوب والامكان وعلمه
بذاته وعلمه بمباديه القريبة والبعيدة ومعلوم انه لا مساواة ولا مماثله بينها وبين السوادر س ره.
(2) لا باس بعدم التعيين إذ لا ضبط للجزئيات ولا كمال للنفس في معرفه تلك الجزئيات
فيكفي ان الكل قابل مزاجا خاصا واستعدادا مخصوصا لقبول لون مخصوص مضافا إلى نفوذ
الأشعة واختلاطها س ره.
56
تلك الأسباب للألوان فكيف يحكمون بمثل هذه الأحكام المختلفة من غير
مراعاة قانون مضبوط في ذلك النوع فالحق عند ذلك ما قاله القدماء انه يجب ان
يكون لكل نوع من الأنواع الجسمية جوهر مجرد نوري قائم بنفسه هو مدبر له
ومعتن به وحافظ له وهو كلى ذلك النوع ولا يعنون بالكلى ما نفس تصور معناه
لا يمنع وقوع الشركة فيه وكيف يمكن لهم ان يريدوا به ذلك المعنى مع اعترافهم بأنه قائم
بنفسه وهو يعقل ذاته وغيره وله ذات متخصصة لا يشاركها فيه غيره ولا يعتقدون بان
رب النوع الانساني أو الفرسي أو غيرهما من الأنواع انما أوجد لأجل ما تحته من النوع
بحيث يكون ذلك النوع قالبا ومثالا لذلك العقل المجرد فإنهم أشد مبالغة في أن
العالي لا يحصل لأجل السافل الذي تحته بالمرتبة ولو كان (1) مذهبهم هذا للزم ان
يكون للمثال مثال آخر وهكذا إلى غير النهاية وذلك محال بل (2) الذي
يعنون به ان رب النوع لتجرده نسبته إلى جميع اشخاص النوع على السواء في
اعتنائه بها ودوام فيضه عليها وكأنه بالحقيقة هو الكل والأصل وهي الفروع (3)



(1) اعلم أن كلا من الصنم وربه مثال للاخر وان اطلق في الأكثر على ربه فالمثال
في قوله قالبا ومثالا تعبير عن الصنم وهاهنا تعبير عن ربه.
ان قلت اي ملازمه بين اعتقادهم هذا وبين عدم انتهاء المثل إلى حد.
قلت هذا مذكور في حكمه الاشراق وبيانه كما في شرحها للعلامة انه بناء ا على استحاله
ان يكون صوره بلا معنى وإذا كان كذلك لزم ان يكون للمثال الذي هو رب الصنم مثال آخر لأنه أيضا
صوره شخصية لا بد ان يكون له معنى وهكذا ثم مراد الشيخ بالقالب هنا مثل الجسد للروح
ومراد المصنف قدس سره به فيما بعد حيث يقول لم يوجد أصحاب الأنواع من المبدع الأول لتكون
مثلا وقوالب لما تحتها مثل الهندسة والبرنامج فتفطن س ره.
(2) اي بالكلى فهذا القول متعلق بقوله ولا يعنون بالكلى الخ قال في حكمه الاشراق
وهو كلى لا بمعنى انه محمول بل بمعنى انه متساوي نسبه الفيض إلى هذه الاعداد وكأنه الكلى
والأصل وليس هذا الكلى ما نفس تصور معناه لا يمنع وقوع الشركة س ره.
(3) فيه ان هذه القاعدة على ما ينتجه ما أقيم عليه من البرهان لا تقتضي أزيد من لزوم تحقق
المرتبة الشريفة من الوجود على فرض تحقق المرتبة الخسيسة منه واما كون كلتا المرتبتين
داخلتين تحت ماهية واحده نوعيه فلا فالوجودات النوعية المادية تستدعى أو تكشف عن وجودات
مجرده سابقه عليها مسانخة لها في الكمال واما كون كل وجود مجرد منها مثلا لمسانخة المادي
داخلا تحت ماهية النوعية فلا هذا ولقد أحس المصنف ره بهذا الاشكال إذ ذكر بعد ايراد
الوجوه الثلاثة انها لا تكفى لبيان كون المثال العقلي من نوع أصنافه مشاركا معها في الماهية النوعية
ومجرد تحقق كمال موجود ماهوي في موجود آخر لا يوجب اندراج ذلك الموجود الاخر تحت الماهية
النوعية للأول كما أن العقول العالية تشتمل على كمالات الأنواع المادية مع أنها تغايرها ماهية
والواجب تعالى يتحقق فيه كمال الجميع ولا ماهية له وقد ذكر المصنف ره في مواضع من كلامه
ان من الجائز ان يختلف حال مفهوم واحد بعينه بالنسبة إلى مصاديقه في ذلك كالعلم فان علم
الانسان الحصولي كيفية نفسانية وعلم النفس بذاتها جوهر نفساني وعلم العقل بذاته جوهر عقلي
وعلم الواجب بذاته المتعالية عين وجوده الذي لا ماهية له والمفهوم في الجميع واحد ط مد.
57
الوجه الثالث استدلالهم عليها من جهة قاعدة امكان الأشرف والأخس
فان الممكن الأخس إذا وجد فيجب ان يكون الممكن الأشرف قد وجد قبله
وبرهانه (1) مذكور في كتبه ولما كان عجائب الترتيبات ولطائف النسب واقعه
في العالم الجسماني من الأفلاك والكواكب والعناصر ومركباتها وكذلك في
عالم النفوس من العجائب الروحانية والغرائب الجسمانية من أحوال قواها وكيفية
تعلقها بالأبدان ولا شك ان عجائب الترتيب ولطائف النسب والنظام الواقع (2)
في العالم العقلي النوري اشرف وأفضل من الواقع في هذين العالمين الأخيرين في
الوجود فيجب مثلها في ذلك العالم كيف وغرائب الترتيب وعجائب النسب في العالم
الجسماني اظلال ورسوم لما في العالم العقلي فهي الحقائق والأصول والأنواع نوع
الجسمانية فروع لها حاصله منها ثم القائلون بالمثل الإفلاطونية لا يقولون
للحيوانية مثال ولكون الشئ ذا رجلين مثال آخر ولكونه ذا جناحين مثال آخر



(1) وكذا مذكور في الهيات هذه الاسفار س ره.
(2) اي لو وقع بعد ما كان ممكنا بالذات وهكذا معنى قوله كيف وغريب الترتيب الخ
فلا يتوهم مصادره في كلامه س ره.
58
وكذا لا يقولون (1) لرائحة المسك مثال وللمسك مثال آخر ولا لحلاوة
السكر مثال وللسكر مثال آخر بل يقولون إن كل ما يستقل من الأنواع
الجسمانية له امر يناسبه في عالم القدس حتى يكون كل نور مجرد من أرباب
الأصنام في عالم النور المحض له هيات نورانية من الأشعة العقلية
وهيات اللذة والمحبة والعز والذل والقهر وغير ذلك من المعاني والهيات فإذا
وقع ظله في العالم الجسماني يكون صنمه المسك مع ريحه الطيبة والسكر مع
الطعم الحلو أو الصورة الانسانية أو الفرسية أو غيرهما من الصور النوعية على
اختلاف أعضائها وتباين تخاطيطها وأوضاعها على التناسب الموجود في الأنوار
المجردة هذه أقوال هذا الشيخ المتأله في هذا الباب ولا شك انها في غاية الجودة
واللطافة لكن فيها أشياء
منها عدم بلوغها حد الاجداء حيث (2) لم يعلم من تلك الأقوال ان هذه
الأنوار العقلية أهي من حقيقة أصنامها الحسية حتى أن فردا واحدا من جمله افراد



(1) اي لا يقولون برب النوع للعرض مطلقا إذ لو كان هناك عرض لم يكن في مقام
موضوعه وكان للموضوع استعداد ذلك العرض وقوته فكان في عالم الابداع قوه ومادة فالعرض
متجوهر وقائم بذاته يعنى ان المسلك هناك كان رائحة قائمه بذاتها هذا على التحقيق من المثلية
واما على مجرد المثالية بمعنى المناسبة فكما ذكره الشيخ الإلهي من أن هناك بإزاء هذه الاعراض
وهيئات عقلية نورية وهيئات المحبة واللذة وغير ذلك س ره.
(2) أقول كان وجه الثالث من متمسكات الشيخ المتأله قال امكان الأشرف
فيستنبط منه اتحاد المثل مع أصنامها في الماهية لان المشهور عند المعتبرين لهذه القاعدة اشتراط
اتحاد ماهية الشريف والخسيس حتى يلزم من امكان الخسيس امكان الشريف إذ المواد الثلاث
من لوازم الماهيات فيجب ان يكون جميع افراد الماهية ممكنه لو أمكن فرد منها وواجبه لو
وجب وممتنعه لو امتنع فلو كانا من نوعين لم يجر القاعدة فيه إذ يقال حينئذ لم لا يجوز ان يكون
عدم صدور الأشرف قبل الأخس لامتناعه وقد نقل المصنف قدس سره عنهم هذا الشرط في الهيات
هذا الكتاب وأيضا قد قررنا بالمساواة في النوعية دليله المذكورة من نفى الاتفاق وانه لا يحصل
البر من الشعير س ره.
59
كل نوع جسماني يكون مجردا والبا ماديا أم ليس كذلك بل يكون كل من
تلك الأنوار المجردة مثالا لنوع مادي لا مثلا لافراده والمروى عن أفلاطون
وتشنيعات المشائين عليه يدل دلاله صريحه على أن تلك الأرباب العقلية من نوع
أصنامه المادية ويؤيد ذلك تسميه حكماء الفرس رب كل نوع باسم ذلك النوع
حتى أن النبتة التي يسمونها هوم التي تدخل في أوضاع نواميسهم يقدسون لصاحب
نوعها ويسمونها هوم ايزد (1) وكذا لجميع الأنواع فإنهم يقولون لصاحب
صنم الماء من الملكوت خرداد وما للأشجار سموه مرداد وما للنار سموه ارديبهشت
وصاحب الاشراق حمل كلام المتقدمين في تلك الأرباب وتسميتهم كل رب باسم
صنمه على مجرد المناسبة والعلية لا على المماثلة النوعية كما يدل عليه قوله في
المطارحات وإذا سمعت انباذقلس واغاثاذيمون وغيرهما يشيرون إلى أصحاب
الأنواع فافهم غرضهم ولا تظنن (2) انهم يقولون إن صاحب النوع جسم أو
جسماني أو له رأس ورجلان وإذا وجدت هرمس يقول إن ذاتا روحانية القت إلى
المعارف فقلت لها من أنت فقال انا طباعك التام فلا تحمله على أنه مثلنا انتهى.
ومنها ان الرجلين والجناحين وغير ذلك من الأعضاء إذا كانت من اجزاء
ذات الحيوان كيف يكون (3) ذات بسيطه نورية مثالا له سواء ا اخذت وحدها
أو مع هيئاتها النورية والمماثلة بين المثال والممثل له وان لم يشترط من جميع
الوجوه لكن يلزم ان يقع الجوهري من كل منهما بإزاء الجوهري من الاخر
والعرضي بإزاء العرضي.



(1) اي يسمون صاحب النوع به بناء اعلى كون ايزد بدلا أو بيانا لهوم لا ان يكون فيه
اضافه معنوية لامية كما لا يخفى س ره.
(2) أقول مراد الشيخ قدس سره نفى المادية ولواحقها لا نفى المماثلة س ره.
(3) فهذا ترق من الأول بأنه كيف يصح على قواعد الشيخ قدس سره المثالية فضلا
عن المثلية وانما يصحان على قواعدنا من اصالة الوجود وتشكيكه وجواز حركه الجوهرية
ونحو ذلك س ره.
60
ومنها ان تلك الأرباب عنده من حقيقة النور والظهور وأصنامها اما
برازخ (1) أو هيات ظلمانية واي مناسبه بين الأنوار وهياتها النورية وبين
البرازخ وهياتها الظلمانية كيف وجميع الأنوار المجردة العقلية والنفسية
والمحسوسة الكوكبية والعنصرية عندهم حقيقة واحده بسيطه لا اختلاف بينها الا
بالشدة والضعف أو بأمور الخارجة والأنوار العقلية العرضية (2) التي هي
أصحاب الأصنام آثارها ماهيات متخالفة الذوات كما هو رأيه في أن اثر الجاعل
الماهية دون الوجود لأنه من الاعتبارات الذهنية ولا شك ان اختلاف الآثار
اما لاختلاف في القابل أو لاختلاف في الفاعل وإذا كان الأثر لا قابل له فهو لاختلاف
الفاعل لا محاله وإذا كان آثار العقول مختلفه وليس الاختلاف بين الآثار بمجرد
اختلاف القابل إذ القوابل واستعداداتها من جمله معلولاتها المختلفة مع أنه لا قابل
للقوابل ولا لاختلاف تلك الفعالة إذ لا اختلاف بينها الا بالكمال والنقص فيجب ان
يكون اختلاف آثارها أيضا على هذا المنوال وهذا أيضا مما يوقع الطمأنينة في أن
آثار العقول والمبادي الرفيعة التي هي أنيات وجودية نورية يجب ان يكون
وجودات الماهيات دون معانيها الكلية وان اختلاف الماهيات المنتزعة عن انحاء



(1) اي أجسام أو هيات ظلمانية كلمه أو لمنع الخلو أو التقسيم من قبيل تقسيم الكل
إلى اجزائه لا الكلى إلى جزئياته س ره.
(2) لأنها طبقه متكافئة لا ترتيب على ومعلولي فيها كما في الطبقة الطولية من
العقول ثم إن حاصل هذا الاعتراض ابداء تهافت بين مذهبي الشيخ الإلهي قدس سره من
القول بأرباب الأنواع والقول بأصالة الماهية إذ بمقتضى تطابق العوالم والأظلة وذوات
الأظلة ينبغي ان يكون اختلاف الأصناف كاختلاف أربابها بالشدة والضعف لا التباين
وذلك انما يستقيم إذا كان الوجود أصلا حتى يكون هو حقيقة تلك الأصنام ويكون اختلافها
أيضا بالشدة والضعف لا الماهية التي هي مثار الاختلاف النوعي وحينئذ لا يتأتى التطابق
المذكور أو يطرح مذهبه ان الأنوار مراتب حقيقة واحده بل يقول بتخالفها النوعي وهذا ما
قال في الشواهد على أن العقول كلها عنده من نوع واحد وافراد نوع واحد بالذات لا يجوز
ان يكون افرادا ذاتية لأنواع كثره مختلفه الحقائق س ره.
61
الوجودات انما هو لأجل اختلاف مراتب الوجودات شده وضعفا وتقديما وتأخيرا
وتركيبا ووحدانا فللوجودات باعتبار مراتبها ونسبها الواقعة بينها لوازم
متخالفة
أما تنظر إلى العدد ومراتبه المتخالفة الخواص والآثار مع أنها حصلت
من الآحاد والواحد متشابه فيها فان للمراتب والنسب خواص عجيبة وآثار
غريبه يعلمه أصحاب العلوم العددية والصنائع النجومية
تنبيه
فالحري ان يحمل كلام الأوائل على أن لكل نوع من
الأنواع الجسمانية فردا كاملا تاما في عالم الابداع هو الأصل
والمبدء وسائر افراد النوع فروع ومعاليل وآثار له وذلك لتمامه وكماله لا يفتقر
إلى مادة ولا إلى محل متعلق به بخلاف هذه فإنها لضعفها ونقصها مفتقرة إلى مادة
في ذاتها أو في فعلها وقد علمت جواز اختلاف افراد نوع واحد كمالا ونقصا
وقول بعضهم ان الحقيقة الواحدة كيف يقوم بعضها بنفسه وبعضها بغيره ولو
استغنى بعضها عن المحل لاستغنى الجميع ليس بصحيح مطلقا بل في المتواطئة
فان استغناء بعض الوجودات عن المحل انما هو بكماله وكماله بجوهريته
وقوته وغاية نقصه بعرضيته وضعفه واضافته إلى محل فلا يلزم من حلول شئ حلول
ما يشاركه في الحقيقة المشتركة بعد التفاوت بينهما بالكمال والنقص والشدة
والضعف وعلمت (1) أيضا ان كلا من الأنواع الجسمانية يتنوع ويتحقق ويتقوم
بمحض الصورة النوعية التي هي متحدة مع الفصل الأخير والمادة في الجميع امر
مبهم وجودها قوه شئ آخر كما أن الجنس المأخوذ منها ماهية ناقصه متحدة



(1) هذا ترق مما قبله إذ هناك كأنه التزم ان ما عدا الفصل الأخير من الفصول
والأجناس مقومات بالحقيقة للنوع الأخير وهاهنا أشار إلى ما حققه سابقا من أن شيئية النوع
الأخير بالحقيقة بالفصل الأخير ومبدئه وما عداه بمنزله الشرائط والآلات ففي الحقيقة هذه
الأنواع التي هي أصنام لأربابها حقائقها الفصول الأخيرة والصور البسيطة ففي هذا الانسان
الطبيعي أيضا لا عبره بالهيولوية والجسمية والنمو والاحساس بالآلات المتشتة ونحوها س ره.
62
مع الفصل وباقي الصور والقول والكيفيات ومبادي الفصول في المركب بمنزله
الشرائط والآلات والفروع لذات واحده هي بعينها صنم لصاحب نوعه كما انها
أصنام لأصحاب أنواعها نسبتها اليه نسبه الفروع إلى أصل واحد وكذا الهيات
والنسب والاشكال التي فيها اظلال لهيات عقلية ونسب معنوية في أربابها النورية
ونسبه صاحب النوع الانساني المسمى بروح القدس وهو عقله الفياض عليه إلى
أصحاب سائر الأنواع الحيوانية والنباتية كنسبة الأصنام إلى الأصنام فهذه الصور
النوعية المادية كالانسانية والفرسية والثورية وغيرها من الأنواع وان كانت
مفتقرة في عالمنا هذا إلى أن تقوم بمادة حسية فهي غير مفتقرة في العالم العلوي
إلى قيامها بذلك بل هي في ذلك العالم العقلي مجرده عن المادة قائمه بذاتها
مستغنية عما تحل فيه كما أن الصور الذهنية وهي المأخوذة من الأمور الخارجة
اعراض قائمه في الذهن لا تقوم بذاتها وان كانت مأخوذة من الجواهر القائمة
بذواتها فكذلك يكون حكم صور الأنواع الجسمانية الحاصلة في المادة من تلك
المثل المجردة العقلية الإفلاطونية فان للصور المجردة العقلية كمالية في حد
ذاتها وتمامية في ماهياتها به تستغنى عن القيام في المحل واما الصور الجسمانية
التي هي أصنامها فان لها نقصا يحوج إلى القيام بالمحل لكونها كمالا لغيرها
فلا يمكن ان يقوم بذاتها كالجواهر (1) الصورية الموجودة في الذهن المأخوذة
من الأمور العينية المادية فإنها وان كانت مجرده عن المادة في العقل فهي غير
مجرده عن المادة في الخارج فكذلك يكون حكم الصور العقلية التي هي أرباب الأنواع
فإنها وان كانت مجرده في عالم العقل فأصنامها وأظلالها الجسمانية أعني الصور النوعية غير
مجرده عن المادة ولا يتوهمن من اطلاقهم المثل على الصور العقلية القائمة بذواتها في عالم



(1) الصور الذهنية في الموضعين متعاكسة الحكم فإنها باعتبار عرضيتها وقيامها بالذهن
كانت في الأول مشبها بها للصور القائمة بالمادة وباعتبار تجردها في العقل كانت في الثاني
مشبها بها للصور المجردة التي في عالم الابداع س ره.
63
الاله ان هؤلاء العظماء من الفلاسفة يرون ان أصحاب الأنواع انما وجدت من المبدع الحق
لتكون مثلا وقوالب لما تحتها لان ما يتخذ له المثال والقالب يجب ان يكون اشرف
وأعلى لأنه الغاية ولا يصح في العقول هذا فإنهم أشد مبالغه من المشائين في أن
العالي لا يكون لأجل السافل بل عندهم ان صور الأنواع الجسمانية أصنام وأظلال
لتلك الأرباب النورية العقلية ولا نسبه بينها في الشرف والكمال ثم كيف يحتاج
الواجب تعالى في ايجاد الأشياء إلى مثل ليكون دستورات لصنعه وبرنامجات لخلقه
ولو احتاج لاحتاج في ايجاد المثل إلى مثل أخرى إلى غير النهاية.
فان قلت قد خالفت المعلم الأول حيث يرد على هذا المذهب.
قلت الحق أحق بالاتباع مع أن رده اما على ما يفهمه الجمهور من ظاهر
كلام أفلاطون والأقدمين فان من عادتهم بناء الكلام على الرموز والتجوزات
خصوصا في هذا المبحث الذي يخرس فيه الفصحاء وتكل منه الافهام فضلا وشرفا
واما لشوب (1) حبه للرياسة اللازم عن معاشرة الخلق وخلطه الملوك
والسلاطين والا فكتابه المعروف باثولوجيا يشهد بان مذهبه وافق مذهب أستاذه
في باب وجود المثل العقلية للأنواع والصور المجردة النورية القائمة بذواتها في
عالم الابداع حيث قال في الميمر الرابع منه
ان من وراء هذا العالم سماء وأرضا وبحرا وحيوانا ونباتا وناسا سماويين
وكل من في هذا العالم سماوي وليس هناك شئ ارضى البتة وقال فيه أيضا ان
الانسان الحسى انما هو صنم للانسان العقلي والانسان العقلي روحاني وجميع
أعضائه روحانية ليس موضع العين غير موضع اليد ولا مواضع الأعضاء كلها



(1) هذا بعيد عن ساحة المعلم الأول الذي أنوار العلوم الحقيقية منتشرة في العالم به
وبأمثاله من العلماء بالله والحكماء الأفاضل وبكدهم وبجهدهم وقد ورد فيه انه كان نبيا
جهله أهل زمانه والذي خالطه من الملوك كإسكندر كان من الملوك الأفاضل أولى
الرئاستين س ره.
64
مختلفه لكنها في موضع واحد.
وقال في الميمر الثامن منه ان الشئ الذي يفعل بها النار هاهنا انما هي
حياه نارية وهي النار الحقه فالنار اذن التي فوق هذه النار في العالم الاعلى هي
أحرى أن تكون نارا فان كانت نارا حقا فلا محاله انها حياه وحياتها ارفع وأشرف
من حياه (1) هذه النار لأن هذه النار انما هي صنم لتلك النار فقد بان وصح ان النار التي
في العالم الاعلى هي حيه وان تلك الحياة هي المفيضة القيمة بالحياة على هذه النار
وعلى هذه الصفة يكون الماء والهواء هناك أقوى فإنهما هناك حيان كما هما في هذا
العالم الا انهما في ذلك العالم أكثر حياه لان تلك هي التي تفيض على هذين
اللذين هاهنا الحياة.
وقال فيه أيضا ان هذا العالم الحسى كله انما هو مثال وصنم لذلك العالم
فإن كان هذا العالم حيا فبالحري ان يكون ذلك
العالم الأول حيا وإن كان هذا العالم تاما كاملا فبالحري ان يكون ذلك العالم أتم تماما وأكمل كمالا لأنه هو
المفيض على هذا العالم الحياة والقوة والكمال والدوام فإن كان العالم الاعلى
تاما في غاية التمام فلا محاله ان هناك الأشياء كلها التي هاهنا الا انها فيه نوع
أعلى وأشرف كما قلنا مرارا فثم سماء ذات حياه وفيها كواكب مثل هذه الكواكب
التي في هذه السماء غير أنها (2) أنور وأكمل وليس بينها افتراق كما يرى
هاهنا وذلك انها ليست جسمانية وهناك ارض ليست ذات سباخ لكنها كلها
عامره وفيها الحيوان كلها والطبيعة الأرضية التي هاهنا وفيها نبات مغروس
في الحياة وفيها بحار وانهار جاريه جريا حيوانيا وفيها الحيوان المائية كلها



(1) هذه الحياة هي حياه الوجود السارية في كل شئ لا الحياة التي هي مبدء الدرك والفعل كما يقال الحي هو الدراك الفعال س ره.
(2) هذا من قبيل الاستثناء من المدح بما يشبه الذم لقوله ع انا افصح الناس بيد انى من قريش
س ره.
65
وهناك هواء وفيه حيوان هوائية حيه شبيهه بذلك الهواء والأشياء التي هناك كلها
حيه وكيف لا تكون حيه وهي في عالم الحياة المحض لا يشوبها الموت البتة
وطبائع الحيوان التي هناك مثل طبائع هذه الحيوانات الا ان الطبيعة هناك أعلى
وأشرف من هذه الطبيعة لأنها عقلية ليست حيوانية.
فمن انكر قولنا وقال من أين يكون في العالم الاعلى حيوان وسماء وسائر
الأشياء التي ذكرناها قلنا إن العالم الاعلى هو الحي التام الذي فيه جميع الأشياء
لأنه أبدع (1) من المبدع الأول التام ففيه كل نفس وكل عقل وليس هناك فقر ولا حاجه
البتة لان الأشياء التي هناك كلها مملوءة غنى وحياه كأنها حياه تغلى وتفور وجرى
حياه تلك الأشياء انما تنبع من عين واحده لا كأنها حراره واحده فقط أو ريح واحده
فقط بل كلها كيفية واحده فيها كل كيفية يوجد فيها كل طعم ونقول انك
تجد في تلك الكيفية الواحدة طعم الحلاوة والشراب وسائر الأشياء ذوات الطعوم
وقواها وسائر الأشياء الطيبة الروائح وجميع الألوان الواقعة تحت البصر وجميع
الأشياء الواقعة تحت اللمس وجميع الأشياء الواقعة تحت السمع اي اللحون كلها
وأصناف الايقاع وجميع الأشياء الواقعة تحت الحس وهذه كلها موجوده في كيفية
واحده مبسوطه على ما وصفناه لان تلك الكيفية حيوانية عقلية تسع جميع
الكيفيات التي وصفناه ولا يضيق عن شئ منها من غير أن يختلط بعضها ببعض
وينفسد بعضها ببعض بل كلها فيها محفوظه كان كلا منها قائم على حده
وقال في الميمر العاشر من كتابه ان كل صوره طبيعية في هذا العالم
هي في ذلك العالم الا انها هناك بنوع أفضل وأعلى وذلك انها هاهنا متعلقه بالهيولى



(1) هذا مناط الجواب اي المبدع الأول بسيط الحقيقة ففيه كل أشياء بنحو أعلى وله
الوحدة الحقه الحقيقية والعالم الاعلى منبعث عن ذاته بذاته ففيه أيضا كل الأشياء بنحو الظلية
وله الوحدة الحقه ولكن ظلية س ره.
66
وهي هناك بلا هيولي وكل صوره طبيعية فهي صنم للصورة التي هناك الشبيهة
بها فهناك سماء وارض وحيوان وهواء وماء ونار فإن كان هناك هذه الصور فلا محاله
ان هناك نباتا أيضا.
فان قال قائل إن كان في العالم الاعلى نبات فكيف هي هناك وإن كان ثم نار
وارض فكيف هما هناك فإنه لا يخلو من أن يكونا هناك اما حيين واما ميتين فان
كانا ميتين مثل ما هاهنا فما الحاجة إليها هناك فان كانا حيين فكيف يحييان هناك.
قلنا اما النبات فنقدر ان نقول إنه هناك حي أيضا وذلك (1) ان في النبات
كلمه فاعله محموله على حياه وان كانت كلمه النبات الهيولاني حيه فهو
اذن لا محاله نفس ما أيضا وأحرى أن تكون هذه الكلمة في النبات الذي
في العالم الاعلى وهو النبات الأول الا انها فيه بنوع أعلى وأشرف لأن هذه الكلمة
التي هي في هذا النبات انما هي من تلك الكلمة الا ان تلك الكلمة واحده
كليه (2) وجميع الكلمات النباتية التي هاهنا متعلقات فاما كلمات النبات التي



(1) المراد بالكلمات في كلمات المعلم المبادي الفاعلة مفارقه كانت أو مقارنه فيشمل
مثل الصور النوعية واطلاق الكلمات على الوجودات ليس بعزيز في كتب المصنف قدس سره
ويوافقه ما في الكتب الإلهية وأحاديث الأئمة ع مثل اطلاق الكلمة على عيسى ع ومثل
قوله تعالى قل لو كان البحر مدادا لكمات ربى الآية ومثل نحن الكلمات التامات لان الكلمة هي
المعربة عما في الضمير والوجودات هي المعربة عما في غيب الغيوب والقوى الفاعلة هي
المعربة عن القدرة الشاملة س ره.
(2) وكمال النفس في سياحة ديار الكليات وسباحة بحارها والكلى وجود محيط
بجميع جزئياته الغير المتناهية والنفس محيطه بالكلى واما الجزئي فهو شرق وبرق منه
ولا كمال للنفس في معرفته ولا يكون كاسبا ولا مكتسبا وانما يكون مرغوبا للنفس الهاجسة
بمدخلية البدن فالنبات الجزئي كفاكهة جزئيه تستحسنه بمدخلية حراره كبدك ولولاها
لا تطلبه ولا جلوه له عليك فإياك والتعلق بجميع ما يكون حسنه بمدخلية بدنك وقواه ثم إن
قوله الا انها جزئيه من الاستثناء من الذم بما يشبه المدح س ره
67
هاهنا فكثيره الا انها جزئيه فجميع نبات هذا العالم جزئي وهو من ذلك
النبات الكلى وكلما طلب الطالب من النبات وجده في ذلك النبات الكلى.
فإن كان هذا هكذا قلنا إنه إن كان هذا النبات حيا فبالحري ان يكون ذلك
النبات حيا أيضا لان ذلك النبات هو النبات الأول الحق فاما هذا النبات فإنه نبات
ثان وثالث (1) لأنه صنم لذلك النبات وانما يحيى هذا النبات بما يفيض عليه ذلك
النبات من حياته واما الأرض التي هناك ان كانت حيه أو ميته فانا سنعلم ذلك ان
نحن علمنا ما هذه الأرض لأنه صنم لتلك فنقول ان لهذه الأرض حياه ما وكلمه
فاعله فان كانت هذه الأرض الحسية التي هي صنم حيه فالحري أن تكون تلك الأرض
العقلية حيه وأن تكون هي الأرض الأولى وأن تكون هذه الأرض أرضا ثانيه لتلك
الأرض شبيهه بها والأشياء التي في العالم الاعلى كلها ضياء لأنها في الضوء الاعلى ولذلك
كان كل واحد منها يرى الأشياء (2) كلها في ذات صاحبه فصار لذلك كلها في كلها والكل
في الواحد منها والواحد منها هو الكل والنور الذي يسنح عليها لا نهاية له فلذلك صار كل
واحد واحد منها عظيما انتهت عباراته النورية وكلماته الشريفة بنقل عبد المسيح
بن عبد الله الحمصي واصلاح يعقوب بن إسحاق الكندي وفيها تصريحات واضحه
بوجود المثل الإفلاطونية وان للأشياء الكونية صوره نورية عقلية في عالم العقل
وإياها يتلقى الانسان حين ادراكه للمعقولات الكلية وإن كان ادراكه لها لأجل
تعلقه بالبدن والكدورات والظلمات ادراكا ناقصا كادراك البصر شيئا بعيدا في هواء
مغبر مغيم ولذلك السبب يرى الانسان الأمور العقلية التي هي أنيات محضه



(1) ان عد النبات الذي في عالم المثال المقداري س ره.
(2) ونظيره بوجه هاهنا العقول الصاعدة وقلوب أرباب العلم والعرفان فان عقائدهم
واحده وقبلتهم واحده بل عقائد جميع الكمل من آدم ع إلى الخاتم ص واحده
متحد جانهاي شيران خداست
والمؤمن مرآة المؤمن فيرى كل من هؤلاء ذاته في ذات صاحبه وكذا الأشياء فيه س ره.
68
متشخصة بذواتها وأنوار صرفه واضحه بأنفسها مبهمه كليه محتمله الصدق عنده على
كثيرين كرؤية شبح يراه من بعيد فيجوز كونه انسانا أو فرسا أو شجرا الا ان
هاهنا من جهة تعين الوضع لذلك الشبح لم يجوز الا كونه واحدا من المختلفات
أيها كان وهناك يحتمل عنده كون المدرك العقلي كثيره بالعدد صادقا عليها لعدم
الوضع وبالجملة مناط الكلية والعموم ضعف الوجود ووهنه وكون الشئ شبحي
الوجود سواء ا كان بحسب ذاته وماهيته أو بحسب قله تحصله عند المدرك بعد ان
لا يكون ماديا محسوسا وذلك لكلال القوة المدركة وقصورها عن ادراك الأمور
الوجودية النورية والمعقولات الشعشعانية بلا حجاب وامتراء غشاوة وعماء لأجل
التعلق بعالم الهيولى والظلمات.
اجمال فيه اكمال
قد ورد في كلام القدماء وشيعتهم الحكم بوجود عالم عقلي
مثالي يحذو حذو العالم الحسى في جميع أنواعه الجوهرية
والعرضية.
فمنهم من حمله على العالم المثالي الشبحي المقداري
ومنهم من قال إنه إشارة إلى الصور التي في علم الله القائمة بذاته تعالى
كما اشتهر عن المشائين وان قيام الصور بنفسها على ما نقل عن القدماء عبارة
عن قيامها بذات باريها عز اسمه الذي هو أقرب إليها وأقوم في تحصلها عن نفسها
لان نسبتها إلى ذاتها بالامكان ونسبتها إلى قيومها بالوجوب.
ومنهم من قال إنه شاره إلى رب النوع وصاحب الطلسم فان لكل نوع
جرمي وطلسم برزخي عقلا يقومه ونورا يدبره وليس كليتها كما وقع في كلامهم
باعتبار صدقها على كثيرين فإنها غير صادقه على جزئيات الاجرام واشخاص
البرازخ لكونها مفارقات نورية وعقولا قادسه وانما كليتها باعتبار استواء نسبه
فيضها إلى جميع اشخاص طلسمها النوعي.

69
ومنهم من ذهب إلى أنه إشارة إلى هذه الصور الهيولانية في هذا العالم باعتبار
حضورها وظهورها عند المبدء الأول ومثولها بين يديه وعدم خفائها وغيبوبتها
بذواتها عن علمه إذ هي بهذا الاعتبار كأنها مجرده من المواد والأزمنة والهيئات
الحسية والغشاوات المادية لعدم كونها حجابا عن شهودها ووجودها لدى الباري
فهي بذواتها معقوله له تعالى كسائر الكليات والمجردات متمثلة بين يديه.
أقول (1) والأظهر ان أولئك الأكابر من الحكماء والأعاظم من الأولياء
المتجردين عن غشاوات الطبيعة الواصلين إلى غايات الخليقة حكموا بأن الصور
المعقولة من الأشياء مجرده قائمه بذواتها وإياها يتلقى العقلاء والعرفاء في
معقولاتهم ومعارفهم إذ لها وجود (2) لا محاله فهي اما قائمه بذواتها أو حاله في



(1) انما لم يتعرض في هذا الاجمال بعد التفصيل لتأويل الشيخ للمثل لغاية بعده عند
المصنف قدس سره ولا لما ذكره بعض المتأخرين لأنه كما مر ان أراد الماهية المطلقة رجع إلى
تأويل الشيخ فكان مثله في البعد وان أراد الكلى العقلي رجع إلى ما ذكره المصنف قدس سره
هنا في المال س ره.
(2) وهذه حجه أخرى أقامها المصنف ره على وجود المثل العقلية غير الحجج الثلاث
التي أقامها في أول الفصل نقلا عن صاحب الاشراق وخلاصتها ان الصور المعقولة الكلية
التي يدركها الانسان موجوده بالضرورة ولا يخلو اما أن تكون قائمه بذاتها أو
بغيرها وعلى الثاني اما ان تقوم بجزء مادي منا أو بنفوسنا أو بجوهر مجرد خارج من ذواتنا
وجميع الشقوق باطله الا الأول منها فهي قائمه بذواتها وحيث كانت موجوده في ذواتها فهي
متشخصة خارجا وإذ تصدق عليها حدود الأنواع المادية فكل واحد منها فرد مجرد من نوع
تصدق عليه ماهيته هذا.
وفيه ان هناك شقا آخر غير الشقوق الأربعة المذكورة وهو أن تكون هذه الصور
الكلية موجودا مجردا واحدا قائما بذاته ويكون الاختلاف والكثرة ناشئا من ناحية ادراكنا
لا من ناحية المدرك وذلك بان ندرك جزئيات الأنواع المادية ويحصل لنا بسببه استعداد
الاتصال بجوهر عقلي فيه جميع الكمالات الوجودية التي في عالم المادة فندركه بعلم حضوري
لكن مع اختلاف ما في الادراك من جهة اختلاف الاستعدادات الحاصلة من ادراك الجزئيات
المادية المختلفة نظير انتزاع المفاهيم المختلفة من ذات الواجب جل ذكره على وحدتها الحقه
فذاته تعالى بحت الكمال ومحض الوجود غير انا نجد فيما عندنا صفه وجوديه كمالية نسميها علما
مثلا ونرجع اليه تعالى فنجده عنده فننتزعه منه ثم نجد فيما عندنا الكمال الذي هو القدرة
ونستعد بذلك استعدادا جديدا فنعود اليه تعالى فننتزع منه مفهوم القدرة وهكذا في الحياة
والسمع والبصر وغير ذلك فيتحصل من ذلك اختلاف مفاهيم الصفات مع كون الذات المتعالية
بحت الكمال الذي لا ميز فيه لصفه كمالية من أخرى وانما نشا الاختلاف من ناحية اختلاف ادراكنا
لاختلاف الاستعدادات المكتسبة فليجز مثل ذلك في ادراكنا الصور النوعية المختلفة
من الانسان والفرس والغنم وغير ذلك بالاتصال بالعالم العقلي المجرد ولا يوجب هذا الانتزاع كون
المفهوم المنتزع ماهية للمنتزع منه حتى يلزم اجتماع ماهيات متبائنة في واحد حقيقي بل انما
تنشأ الماهية من نسبه هذا المدرك الموجود في ظرف الادراك إلى الفرد المادي الخارجي
ومشاهده انها خاليه عن آثار الافراد فتصير على هذه النسبة مفاهيم لا تترتب عليها آثار الخارج
اي ماهية متساوية النسبة إلى الوجود والعدم ثم تحمل بعنوان الذاتية على الافراد المادية فتصير
ماهيات نوعية أو جنسية جوهرية أو عرضية ط مد.
70
محل ادراكي منا والثاني باطل والا لما غاب عن محله الذي هو النفس ولا سيما
إذا كانت من النفوس المشرفة الزكية ولا كيفية حلولها فيه.
فان قيل إنها حين غيبوبتها عن النفس ليست قائمه بها موجوده فيها بل
يكون قيامها دائما بجوهر عقلي مفارق وهو خزانه المعقولات فيدركها حين
اتصالها به وتوجهها اليه واستحقاقها لفيضان تلك الصور منه عليها.
قلنا مع الاغماض عما مر (1) من مفاسد ارتسام صور الحقائق في النفس
يلزم انتقاش جوهر عقلي بصور الحقائق والأنواع المتكثرة المتكافئة الوجود في
مرتبه واحده على سبيل الابداع وذلك باطل لان انتقاش المبادي العقلية بصور
ما تحتها لا يجوز ان يستفاد مما تحتها والا لزم انفعال العالي عن السافل واستكماله
به والقدماء أشد مبالغه في استحاله هذا من المشائين اتباع المعلم الأول فبقي
ان يفيض عليها مما فوقها وذلك يؤدى إلى صدور الكثير عن الواحد الحق المحض



(1) في مبحث الوجود الذهني من كون صوره واحده جوهرا وعرضا بل جوهرا وكيفا
أو كما وكيفا إلى غير ذلك من المفاسد وبالجملة مفاسد الارتسام في النفس يلزم على الارتسام
في العقل س ره.
71
أو حصول صور الأشياء في ذاته تعالى علوا كبيرا وجميع (1) هذه الأمور مستقبح
عند حكماء الاشراق.
وأيضا يجب على ذلك التقدير ان لا يغيب عن النفس حين ادراكها لذواتها
والتفطن لحقائقها محلها وكيفية حلولها فيه فان العلم ليس الا عدم الغيبة عن الذات
المجردة ومحل الأمور الغير الغائبة غير غائب اتفاقا بل ضرورة وكذا كيفية
حلولها في محلها التي هي نحو وجودها فرضا فظهر وجود أمور كليه قائمه بذواتها
لا في محل منطبقه على جزئياتها المادية وكلياتها إذا اخذت لا بشرط التجرد واللاتجرد
وإذا جرد الجزئيات عن المواد وقيودها الشخصية وصفاتها الكونية الحسية وبالجملة
اشتراكها كاشتراك الصور (2) القائمة بالعقل وكليتها ككليتها بلا استلزام شئ
من المفاسد وما ذكر في الكتب لامتناع وجود الكلى بما هو كلى في الخارج فجميع
ذلك بعينه قائم في امتناع وجوده في العقل أيضا



(1) أقول لا تفاوت في ورود هذه الأمور بين قيام هذه الصور المتكافئة بجوهر عقلي
وبين قيامها بذواتها الذي يقول به المصنف قدس سره فإنه أيضا يؤدى إلى صدور الكثير
عن الواحد المحض إن كان صدورها عنه بجهة واحده هي محض ذاته البسيطة أو إلى حصول صور
هذه الأشياء في ذاته وان تمسك بالجهات العديدة التي في العقول الطولية من جهات الاشراقات
والمشاهدات وجهات العز والذل والقهر والحب لكل بالنسبة إلى الاخر نتمسك نحن أيضا بها.
والجواب ان تلك الصور علوم تلك المبادي فهي متكافئة مع الجهات التي هي
الاشراقات والشهودات وغيرها والجهات الفاعلية لا بد أن تكون متقدمة فاذن لا تكون
جهات مكثرة لصور في ذاتها.
وان قيل إن تلك الصور مرتسمة فيها بترتيب سببي ومسببي كما يقول المشاؤن
لا يسلمه الاشراقيون لتكافؤ كثير من الصور كما أشار اليه المصنف قدس سره ان صور الحقائق
والأنواع متكافئة الوجود س ره.
(2) اي اشتراك الصور القائمة بذواتها عند المصنف قدس سره كاشتراك هذه الصور
القائمة بالعقل عندهم لا ان هناك طائفتين من الصور نظير ما يقول بعض أهل الكلام الفارق
بين الحصول في العقل والقيام به كما مر س ره.
72
عقده وفك
قد ذكر الشيخ في الهيات الشفاء لابطال وجود المثل
والتعليميات هذا القول انه إذا كان في التعليميات تعليمي
مفارق للتعليمي المحسوس فاما ان لا يكون في المحسوس تعليمي البتة أو يكون
فإن لم يكن في المحسوس تعليمي وجب ان لا يكون مربع ولا مدور محسوس وإذا
لم يكن شئ من هذا محسوسا فكيف السبيل إلى اثبات وجودها بل إلى مبدء
تخيلها فان مبدأ تخيلها كذلك من الموجود المحسوس حتى لو توهمنا واحدا لم يحس
شيئا منها لحكمنا (1) انه لا يتخيل بل لا يعقل شيئا منها على انا (2) أثبتنا وجود كثير
منها في المحسوس وان كانت طبيعة التعليميات قد توجد أيضا في المحسوسات
فيكون لتلك الطبيعة بذاتها اعتبار فيكون ذاتها اما مطابقه بالحد والمعنى للمفارق
أو مباينة له فان كانت مفارقه له فيكون التعليميات المعقولة أمورا غير التي
نتخيلها أو نتعقلها ونحتاج في اثباتها إلى دليل مستأنف ثم نشتغل بالنظر في حال
مفارقتها ولا يكون ما عملوا عليه من الاخلاد إلى الاستغناء عن اثباتها والاشتغال
بتقديم الشغل في بيان مفارقتها عملا يستنام اليه وان كانت مطابقه مشاركه له
في الحد فلا يخلو اما ان يكون هذه التي في المحسوسات انما صارت فيها لطبيعتها
وحدها فكيف يفارق ما له حدها واما ان يكون ذلك امرا يعرض لها بسبب من الأسباب
وتكون هي معروضه لذلك وحدودها غير مانعه عن لحوق ذلك إياها فيكون من
شان تلك المفارقات ان تصير مادية ومن شان هذه المادية ان يفارق وهذا هو خلاف
ما عقدوه وبنوا عليه أصل رأيهم وأيضا فان هذه المادية التي مع العوارض اما
ان تحتاج إلى مفارقات غيرها لطبائعها فيحتاج المفارقات أيضا إلى أخرى وان كانت



(1) كما قيل إنه من فقد حسا فقد علما س ره.
(2) فانا إذا فرضنا خطا مستقيما محدودا وأثبتنا أحد طرفيه وأدرنا الطرف الآخر
حتى عاد إلى موضعه الأول فلا محاله يحصل هنا دائرة حقيقية وأثبتوا كثيرا من الاشكال
بالدائرة س ره.
73
هذه انما يحتاج إلى المفارقات لما عرض لها حتى لولا ذلك العارض لكانت لا تحتاج
إلى المفارقات البتة ولما كان (1) يجب ان يكون للمفارقات وجود فيكون العارض
للشئ يوجب وجود امر اقدم منه وغنى عنه ويجعل المفارقات محتاجة إليها حتى
يجب لها وجود فإن لم يكن الامر كذلك بل كان وجود المفارقات يوجب وجودها
مع هذا العارض فلم يوجب العارض في غيرها ولا يوجب في أنفسها والطبيعة متفقه
وان كانت غير محتاجة إلى المفارقات فلا يكون المفارقات عللا لها بوجه من
الوجوه ولا مبادي أولى ويلزم ان يكون هذه المفارقات ناقصه فان هذا المقارن
يلحقه من القوى والأفاعيل ما لا يوجد للمفارق وكم الفرق (2) بين شكل انساني
ساذج وبين شكل انساني حي فاعل انتهى كلامه بألفاظه.
أقول وخلاصه حجته الأولى ان الحقيقة الواحدة التي هي ذات حد واحد
وماهية واحده لا يختلف افرادها في التجرد والتجسم والغناء والحاجة إلى المادة والمعقولية
والمحسوسية ولا شك ان كلامه انما يكون تماما في المتواطئة من الماهيات
دون المشككة.



(1) وذلك لأن المفروض ان المقارنات والمفارقات طبائعها متفقه فكما لولا العارض
لما كان للمقارنات وجود فكذلك لولاه لما كان للمفارقات وجود لان احتياج تلك في الوجود إلى
العارض احتياج هذه أو المراد ان يكون العارض مستدعيا لوجوب تحقق العلة والحال انه
يجب تحققها في المرتبة المتقدمة يعنى في مرتبه قبل مرتبه ذات المعروض إذ المعلول بذاته محتاج
إلى العلة س ره.
(2) أقول الامر بالعكس فكم من فرق بين ماهية انسانية موجوده بوجود جبروتي
بل لاهوتي علم وعالم ومعلوم وبين ماهية انسانية موجوده بوجود طبيعي وقس عليه ثم كم
من فرق بين جهات فاعليه للأنواع هي مثل الوجوب والامكان والماهية وغيرها مفرده أو
مشفوعه بالأوضاع كما قالوا في العقل الفعال وبين جهات فاعليه هي أمثلة الأنواع بنحو أتم
وأكمل فالماهيات تلحظ هناك بوجود يليق بعالم الجمع لا بما هي محض مفاهيم حتى تكون
كاشكال ساذجة س ره.
74
وأيضا (1) يتوقف على أن الذات أو الذاتي بما هي ذات أو ذاتي يتفاوت
في حقيقتها وماهياتها وقد مر حال ذلك كيف وهو أول المسالة في هذا المقام
وبناء البحوث عليه وكثير من قواعد المتقدمين مبنية على تجويز كون حقيقة
واحده بنفس ذاتها كامله غنية وناقصه فقيره لا بجعل جاعل يتخلل بين ذاتها وفقرها
أو غنائها بل الغنى منها يكون غنيا لذاته والفقير فقيرا لذاته فمن جعل ذات الفقير
جعلها بنفس ذلك الجعل فقيرا لا بجعل مستأنف فالفقير منها فقير بذاته محتاج بنفسه
إلى جاعل لا لأجل كونه فقيرا ومحتاجا اي من جهة حمل هذا المعنى عليه ونقاوة
حجته الثانية ان افراد حقيقة واحده لا يكون بعضها سببا وبعضها مسببا لذاتها
وان المعلول إذا كان لذاته معلولا لفرد آخر من نوعه يلزم ان يكون ذلك الاخر أيضا
معلولا لفرد آخر وهكذا يعود الكلام إلى أن ينتهى إلى الدور أو التسلسل المستحيلين
وهذا أيضا يبتنى على استحاله كون الطبيعة المتفقه متفاوتة في التقدم والتأخر
والأولية وعدمها والغنى والافتقار.
واعلم أن المنقول عن أفلاطون وحكماء الفرس والقدماء من اليونانيين القول
بمفارقة النوعيات وتجرد الصور الجوهرية لحقائق الأجسام الطبيعية واما التعليميات
فإنها عندهم ماديات في وجودها البتة وان فارقت المادة في الحد فليس يجوز عندهم
وجود بعد قائم لا في مادة وبرهانه على ما سيجئ انه لو كان (2) مجردا لكان اما



(1) الفرق بينه وبين ما قبله ان في ما قبله يدفع الحجة بعدم تماميتها في المشكك الذي يقول به
الكل إذ الكل متفقه على أن الكلى اما متواط أو مشكك اي يقع فيه التفاوت وان لم يقع به التفاوت
كما مر وهنا يدفع بالتشكيك الذي يقول به الاشراقية اي الذات والذاتي يكون ما فيه التفاوت
وما به التفاوت وبعبارة أوضح يتم الحجة لو كان للطبيعة مثل البياض درجه واحده متواطئة في
افراده واما إذا كان مثل بياض العاج والتبن فلا يتم س ره.
(2) فيه أولا ان التناهي واللاتناهي من خواص الكم وهاهنا قد فرض تجرد المثالي كتجرد
العقول لان الكلام في المفارقات التي في عالم المثل النورية الا ان يقال إنه وان فرض مجردا
الا انه كم وبعد مجرد فبلحاظ انه بعد يصح ان يصف بالتناهي واللاتناهي وان لم يصح وصفه
بهما بالذات من حيث التجرد وثانيا انه لو تم هذا الدليل لدل على امتناع وجود بعد شبحي في
عالم المثال أيضا بل التناهي واللاتناهي أليق به كما لا يخفى مع أن الاشراقيين قائلون
بوجود بعد قائم لا في مادة في عالم المثال المجرد تجردا برزخيا وقائلون بعدم تناهى الموجودات
المثالية الشبحية ولا يجرى فيها بيان استحاله لا تناهى الكميات لعدم كونها من المتحركات
وذوات الأوضاع ولا ترتيب على ومعلولي بينها على أنها غير متناهية عددا لا انه
فيها بعد متصل واحد غير متناه مساحة وفي حكمه الاشراق وشرحها ان الأشباح المجردة
اي الموجودة في عالم المثال يتصور فيها اللانهاية لا كما اي كاللانهاية التي يمنعها البرهان
إذ لا يمكن منها اي من تلك الأشباح التي هي الصور المعلقة ايتلاف بعد واحد لا يتناهى ممتد لان
تلك الأشباح وان كانت غير متناهية لكن لا ترتب لها ولا تركب بعد غير متناه منها انتهى س ره.
75
متناهيا أو غير متناه والثاني باطل لما سيأتي من بيان استحاله عدم تناهى الكميات
القارة (1) وغير القارة لا لما في الشفاء من أن عدم تناهيه عند التجرد اما لأنه
مجرد طبيعة فيلزم ان يكون كل بعد غير متناه وان لحقه لتجرده عن المادة كانت
المادة مفيدة الحصر والصورة وكلا الوجهين محال لما علمت من عدم جريانه فيما
يتفاوت كمالا ونقصانا والكميات من هذا القبيل والأول أيضا مستحيل لان انحصار
البعد حين تجرده في حد محدود وشكل مقدر لا يكون الا لانفعال عرض له من
خارج طبيعته والانفعال كما ستعلم من عوارض المادة بالذات فيكون غير مفارق
وقد فرضناه مفارقا هذا خلف والحجتان المذكورتان وان أوردهما الشيخ على القائلين
بمفارقة التعليميات لكنهما بعينهما جاريتان من قبله في ابطال الصور المفارقة
واردتان بحسب أسلوبه على هذا المذهب ولذلك نقلناهما واجبنا عنهما بما يوافق
رأى القائلين بالمثل الإفلاطونية والصور المفارقة



(1) فيه ان هذا خلاف ما قاله القوم وما قال هو نفسه في مواضع أخرى من أنه لا يتقدم
على الزمان عدم سابق الا الباري تعالى وكلماته التامات اللهم الا ان يكون مراده التجدد الذاتي
وان كل جزء من الزمان محفوف بالعدمين السابق واللاحق وإن كان فيضه تعالى وجوده
غير منقطع س ره.
76
تلويح استناري
لعلك ان كنت اهلا لتلقى الاسرار الإلهية والمعارف الحقه
لتيقنت وتحققت ان كل قوه وكمال وهياه وجمال توجد في
هذا العالم الأدنى فإنها بالحقيقة ظلال وتمثالات لما في العالم الاعلى انما تنزلت
وتكدرت وتجرمت بعد ما كانت نقيه صافيه مقدسة عن النقص والشين مجرده عن
الكدورة والرين متعالية عن الآفة والقصور والخلل والفتور والهلاك والدثور بل
جميع صور الكائنات وذوات المبدعات آثار وأنوار للوجود الحقيقي والنور القيومي
وهو منبع الجمال المطلق والجلال الأتم الأليق الذي صور المعاشيق وحسن الموجودات
الروحانية والجسمانية قطره بالنسبة إلى بحر ذلك الجمال وذره بالقياس إلى شمس
تلك العظمة والجلال ولولا أنواره وأضواؤه في صور الموجودات الظاهرية لم يكن
الوصول إلى نور الأنوار الذي هو الوجود المطلق الإلهي فان النفس عند افتنانها
بالمحبوب المجازي الذي هو من وجه (1) حقيقي تتوجه إلى المحبوب الحقيقي
المطلق الذي هو الصمد لكل شئ والملجأ لكل حي وتتولى جنابه الكريم منبع
الأنوار ومعدن الآثار فيحصل لها الوصول إلى الحضرة الإلهية ويتنور باطنها بنوره
فتدرك الأمور الكلية والصور المفارقة العقلية لصيرورتها حينئذ عقلا مدركا للكليات
ا لا ترى ان آثار أنواره التي ظهرت في عالم الملك وتنزلت عن مراتبها الروحانية
العقلية ولاحت في صور الجزئيات واتسمت بالحسن واللطافة والغنج والدلال
مع أنها ضعفت بصحبة الظلمة الجسمية وتكثفت بالكثافة المادية بعد نقائها وصفائها
وتجردها كيف تدهش العقول وتحير الألباب وأصحابها وتوقع في الفتن والمحن



(1) ولا سيما المحبوب المجازي الذي هو الانسان الكامل المكمل وذلك الوجه الذي
هو به حقيقي هو عدم رؤية المظهر الا فانيا في الظاهر فكأنما خمر ولا قدح ومن هنا قال ص
اخترت من دنياكم ثلاثا الحديث أو ما ذكر من التوجه إلى المحبوب الحقيقي انما هو في الحقيقة
واما في الظاهر وبحسب استشعاره فهو متوجه إلى الصورة ويندر من يرى الشمس في الماء
فضلا عن أن يرى الشمس خاصه ولا خبر له عن الماء س ره.
77
طلابها فما ظنك في الجمال المطلق الذاتي والنور الساطع الإلهي الذي في غاية
العظمة ونهاية الكبرياء والكمال المدهش للعقول والقلوب من وراء سبعين الف حجاب
نوراني وظلماني كما روى عن رسوله ص ان لله سبعين الف حجاب من نور (1)
وظلمه لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه وتفطن
مما قاله ع ان هذه النار من نار جهنم غسلت بسبعين ماء ثم أنزلت وقس (2)
النور عليها في استنارته واحتجابه إذ لولاه لما كان للعالم وجود ولا ذوق ولا شهود
لاحتراقه واضمحلاله من سطوعه فكما ان حراره هذه النار الجسمانية التابعة
لصورتها النوعية شرر من نار قهر الله المعنوية بعد تنزلها في مراتب كثيره كتنزلها
في مرتبه النفس بصوره الغضب إذ ربما يؤثر شده الغضب في احراق الاخلاط مع رطوبتها
ما لا يؤثر النار في الحطب مع سوره اللهب ومن هذا يعلم أن كل مسخن لا يجب
ان يكون حارا فكذلك الأنوار المحسوسة من النيران والكواكب أظلال وأشباح
لأنوار لطف الله المعنوية وآثار لأضواء ملكوته وأشعة جماله بعد حبوطها في منازل
امره وخلقه.
ايقاظ عقلي
لا يخفى على من تنور قلبه واستضاء عقله بعد التأمل فيما مر
من القواعد والأصول ان الغرض الأقصى في وجود العشق في
جبله النفوس ومحبتها لشمائل الأبدان ومحاسن الأجسام واستحسانها زينه المواد
والاجرام انما هو تنبيه لها من نوم الغفلة ورقدة الجهالة ورياضة لها من تخريج
الأمور الجسمانية والأصنام الهيولانية إلى المحاسن الروحانية والفضائل العقلانية



(1) الحجب النورية هي المفارقات العقلية والنفسية والحجب الظلمانية هي المقارنات
الجسمية والنكتة للعدد قد ذكرتها في موضع آخر س ره.
(2) ولنعم ما قال المولوي
نار تو اينست نورت چون بود * ما تمت اينست سورت چون بود
س ره.
78
والأنوار الإلهية ودلالة على معرفه جواهرها وشرف عنصرها ومحاسن عالمها وصلاح
معادها وذلك لان جميع المحاسن والفضائل وكل الزينة والمشتهيات المرغوب
فيها اللواتي ترى على ظواهر الاجرام وجلود الأبدان انما هي اصباغ ونقوش ورسوم
صورتها أرباب أنواعها وملائكة تدابيرها في المواد والاسطقسات قد زينت بها كيما
نظرت النفوس إليها حنت إليها وتشوقت نحوها وقصدت لطلبها بالنظر إليها
والتأمل لها واستنبطت خالصها المجرد عن مغشوشها المحسوس وتعرفت لبها
المصفى عن قشرها المكدر بانتزاعها الكليات من الجزئيات وتفطنها بالعقليات من
الحسيات ورفضها الدنيا لأجل الآخرة كل ذلك كيما يتصور تلك الرسوم والمحاسن
في ذاتها واتصلت بها وتمثلت لديها حتى إذا غابت تلك الاشخاص الجرمانية عن
مشاهده الحواس بقيت تلك الصور المعشوقة المحبوبة مشاهده لها مصورة فيها لها
صوره روحانية نقيه صافيه باقيه معها معشوقاتها متصله بها اتصالا معنويا لا يخاف
فراقها ولا تغييرها فيستغنى حينئذ بالعيان عن الخبر والبيان ويزهد عن ملاقاة
الألوان ويتخلص عن الرق والحدثان والدليل على صحه ما قلناه يعرفه من عشق
يوما لشخص من الاشخاص ثم تسلى عنه أو فقده مده ثم إنه وجده من بعد ذلك
وقد تغير هو عما كان عهده عليه من الحسن والجمال وتلك الزينة والمحاسن
التي كان يراها على ظاهر جسمه وسطوح بدنه فإنه متى رجع عن ذلك فنظر إلى
تلك الرسوم والصور التي هي باقيه في نفسه منذ العهد القديم (1) وجدها بحالها
لم يتغير ولم يتبدل ورآها برمتها فشاهدها في ذاتها حينئذ ما كانت تراها من قبل
لم تدثر ولم يفسد بل باقيه ببقاء علتها الجاعلة ودوام فاعلها القائم ورب صنمها الدائم
وحينئذ يجد من نفسها وفي جوهرها ما كانت تطلب قبل ذلك خارجا عنها فعند ذلك



(1) هذا حال الجزئي الخيالي فما ظنك بمن كل تعلقه أو جله بالكلى وهمته ارفع
من التعلق بالجزئيات الداثرة فإنه أين التجرد العقلي من التجرد الخيالي وأين الديمومة العقلية
من الديمومة الخيالية س ره.
79
يرفضه ويعلم ويقر بان تلك الصور الحسان والشمائل والفضائل التي كانت تراها على
ذلك الشخص ليست محبوسة فيه ثابته له محصوره عنده بل مرسومه في جوهرها
متصورة في ذاتها باقيه ثابته على حاله واحده لم تتغير وانما ذلك الشخص كان دليلا
عليها كغيره من الاشخاص الصنمية التي تكون دلائل على الأنوار العقلية ومظاهر
للمعاني النورية فإذا فكر العاقل اللبيب فيما وصفناه استيقظت نفسه من نوم
غفلتها واستفلت بذاتها وفازت بجوهرها واستغنت عن غيرها واستراحت عند ذلك
من تعبها وعنائها ومقاساتها محبه غيرها وتخلصت من الشقاوة التي تعرض لعاشقي
الأجسام ومحبي الاجرام من الأبدان الانسانية والدراهم والدنانير واليواقيت والدرر
والضياء والعقار والبساتين والأشجار والثمار وغيرها من الداثرات البايدات وقد قال
الله تعالى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير املا فإذا انتبهت
النفس من نوم الغفلة واستيقظت من رقدة الجهالة وفتحت عين بصيرتها وعاينت
عالمها وعرفت مبداها ومعادها لتيقنت ان المستلذات الجسمية والمحاسن المادية
كلها كعكوس الفضائل العقلية وخيالات الأنوار الروحانية ليست لها حقيقة
متأصلة وذات مستقلة بل كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاء ه لم يجده
شيئا ووجد الله عنده فوفاه.
تنوير رحماني
ان الباري جل ثناؤه بمقتضى رحمته ولطفه جعل الأمور
الجسمانية المحسوسة كلها مثالات دالات على الأمور
الروحانية العقلية وجعل طريق الحواس درجا ومراقى يرتقى بها إلى معرفه الأمور
العقلية التي هي الغرض الأقصى في وقوع النفس في دار المحسوسات وطلوعها عن أفق
الماديات وكما أن المحسوسات فقراء الذوات إلى العقليات لكونها رشحات
لأنوارها وأظلالا لأضوائها فكذلك معرفه الجسمانيات المحسوسة هي فقر النفس
وشده حاجتها ومعرفة الأمور العقلية هي غنائها ونعيمها وذلك (1) ان النفس



(1) وأيضا ولا وفاء ولا بقاء بخلاف العقليات فإنها ثابته بلا تغيير وتبدل فإنها كمعنى صور
العالم وكأصل محفوظ في فروعه فان تغيرها كتغير صور بدن الانسان الصغير ومحفوظية
أصلها ومعناها كمحفوظية هويه ذلك الانسان فإذا صار ذلك الثابت المحفوظ الدائم صوره
للنفس والنفس مادة له والمادة فانية في الصورة اتصفت بصفة من الغنى والدوام والثبات س ره.
80
في معرفه الأمور الجسمانية محتاجة إلى الجسد وآلاته ليدرك بتوسطها الجسمانيات
واما ادراكها للأمور الروحانية فيكفيها ذاتها وجوهرها بعد ما يأخذها من طرق
الحواس بتوسط الجسد فإذا حصل لها ذلك وصارت عقلا وعاقلا بالفعل فقد استغنت
عن الحواس وعن التعلق بالجسد فاجتهد يا حبيبي في طلب الغنى الأبدي بتوسط
هذا الهيكل وآلاته ما دام يمكنك قبل فناء المدة وتصرم العمر وفساد الهيكل وبطلان
وجوده واحذر كل الحذر ان تبقى نفسك فقيره محتاجة إلى هيكل لتنعم به وتكمل
فتكون ممن يقول يا ليتنا نرد فنعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو تبقى في البرزخ إلى
يوم يبعثون ومن أين لهم ان يشعر وايان يبعثون ما دامت هي ساهية لاهية غافله مقبله على
الشهوات والزينة الطبيعية والغرور بالأماني في هذه الحياة الحسية المذمومة التي ذمها
رب الأرباب في مواضع كثيره من كتابه العزيز ثم ذم الذين لا يعرفون هذه الأمور
المعقولة وأرباب الأصنام وأصحاب البرازخ العلوية والسفلية ولم يرتق نظرهم
من الأمور المحسوسة ولم يعرفوا الا إياها حسب فقال رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا
بها والذين هم عن آياتنا غافلون يعنى عن أمور الآخرة ودار النعيم التي
ترتقى إليها نفوس الأخيار بعد مفارقتها الأبدان كما ذكر في القرآن المجيد
اليه يصعد الكلم الطيب يعنى روح المؤمن والعمل الصالح يرفعه يعنى معارف
العقلية ترغبه فيها وترقيه إلى هناك
المرحلة الخامسة
في الوحدة والكثرة ولواحقهما من الهوهوية (1) وأقسامها والغيرية وأصناف
التقابل المعروفة



(1) المراد بالهوهوية مطلق الاتحاد وبأقسامها الحمل والتجانس ونحوه أو المراد.
بالهوهوية الحمل وبأقسامها الحمل بالذات والحمل بالعرض لا الحمل الذاتي الأولى والحمل
الشائع والمواطاه والاشتقاق إذ لا يبحث عنها بتحقيقةا ولكل من الاحتمالين مرجح اما مرجح
الأول فذكر التجانس وأشباحه فيما بعد بالتفصيل وعدم ذكر اقسام الحمل بالتفصيل ومقابلتها
للغيرية واما مرجح الثاني فجعل التجانس ونحوه قسيما للهوهوية في قوله وأحوالها المختصة
مثل الهوهوية والتجانس س ره.
81
فصل [1]
في الواحد والكثير
اعلم أن الوحدة رفيق الوجود يدور معه حيثما دار إذ هما متساويان في الصدق
على الأشياء فكل ما يقال عليه انه موجود يقال عليه انه واحد ويوافقه أيضا
في القوة والضعف فكل ما وجوده أقوى كانت وحدانيته أتم بل هما متوافقان
في أكثر الاحكام والأحوال ولذلك ربما ظن أن المفهوم من كل منهما واحد
وليس كذلك بل هما واحد بحسب الذات لا بحسب المفهوم فبالحري ان نتكلم
في الوحدة وأحوالها المختصة مثل الهوهوية والتجانس والتماثل والتوافق والتساوي
والتشابه ونتكلم في مقابلتها من الكثرة واحكامها من الغيرية (1) والخلاف
بل الكلام في الجانب المقابل للوحدة أكثر لتشابه الوحدة وتفنن الكثرة وتشعبها.
فنقول ان للوحدة كما أشرناه أسوة بالوجود في أكثر الاحكام.
فمنها انه لا يمكن تعريفها كسائر الأمور المساوية للوجود في العموم الا
مع الدور أو تعريف الشئ بنفسه فقد قيل الواحد هو الذي لا ينقسم من الجهة التي
يقال إنه واحد وهذا يشتمل على تعريف الشئ بنفسه وعلى الدور أيضا لان الانقسام
المأخوذ فيه معناه معنى الكثرة ويقال في تعريف الكثرة انها المجتمعة من
الوحدات وهذا أيضا تعريف للكثرة بالاجتماع الذي هو نفس مفهوم الكثرة وهو



(1) هذا من باب ذكر الخاص بعد العام إذ الغيران اما ان يتحدا في الماهية فهما
المثلان أو لا فاما ان يمكن اجتماعهما في محل واحد فهما الخلافان واما ان لا يمكن فهما
المتقابلان س ره.
82
مأخوذ (1) صريحا وضمنا في لفظ جمع الوحدات الذي لا يفهم معناه بالكثرة
وتعريف لها بالوحدة التي لا تعرف الا بالكثرة فيشتمل على الفسادين المذكورين
في مقابلتها وقس على ما ذكرناه سائر ما قيل في تعريفهما في الفساد بل الحق ان
تصورهما أولى مستغن عن التعريف.
لكن هاهنا شئ يجب التنبيه عليه وهو ان الكثرة اعرف عند الخيال والوحدة
عند العقل فكل منهما وان كانت من الأشياء المرتسمة في الذهن بديا لكن
الكثرة مرتسمة في الخيال أولا لان ما يرتسم في الخيال محسوس والمحسوس
كثير والوحدة امر عقلي لان المعقولات أمور عامه أول ما يتصرف العقل فيها بالتقسيم
يتصور كلا منها واحدا ثم يقسمه إلى كذا وكذا والى ما لا يكون كذا فلنا ان نعرف
الكثرة بالوحدة تعريفا عقليا بان نأخذ الوحدة أولية التصور بذاتها وان نعرف الوحدة
بالكثرة تعريفا تنبيهيا ودلالة على أن المراد بهذه اللفظة الشئ المعقول عندنا
عقلا أوليا واشعارا عليه بسلب هذا منه ففي الأول تعريف لمعنى خيالي بمعنى
عقلي وفي الثاني (2) تنبيه على معنى عقلي بمعنى خيالي فلا يلزم دور على
هذه الطريقة.
فنقول الواحد ما لا ينقسم من حيث إنه لا ينقسم والتقييد بالحيثية ليندرج
فيه الواحد الغير الحقيقي لانقسامه في بعض الوجوه فلا يصدق عليه انه لا ينقسم
فلا يندرج في التعريف بدون التقييد وعند التقييد يندرج لأنه لا ينقسم من بعض



(1) اي الاجتماع مدلول صريحا لصيغه الجمع المخصوص أعني لفظ الوحدات
ومدلول التزاما للفظ الوحدات لدلالته على الجمع ودلالة المصداق على المفهوم الكلى اللازم
الصادق عليه والجمع هو الكثرة س ره.
(2) انما كان تنبيها لا تعريفا لان التعريف انما هو بالمعقول الكلى لا بالمحسوس الجزئي
والخيالي محسوس جزئي فلا يكون كاسبا وفي سلبه أيضا بما هو سلب ليس تعريف إذ معلوم
ان كل شئ ليس غيره مثال ذلك ان نعرف الانسان بالمعقول الكلى من الحيوان الناطق
وفرضنا انه بديهي ولكن تنبه عليه بالجزئي ونقول الحيوان الناطق المعقول بديهيا كزيد س ره.
83
الحيثيات فالتقييد بالحيثية يفيد اندراج الغير الحقيقي في التعريف المذكور فالواحد
اذن قد يكون عين الوحدة وهو الواحد بما هو واحد على قياس الموجود بما هو
موجود وذلك أحق الأشياء بالوحدة وقد يكون غيرها.
وهذا (1) على ضربين حقيقي وغير حقيقي وهو ما يكون أشياء متعددة
مشتركة في امر واحد هو جهة وحدتها وهي اما مقومه لتلك الأشياء أو عارضه
لها أو لا مقومه ولا عارضه (2) لها بل اضافه محضه فيها كما يقال حال النفس
عند البدن كحال الملك عند المدينة.
والأول قد يكون جنسا لها وهو (3) الواحد بالجنس كالانسان والفرس المتحدين
في الحيوان وقد يكون نوعا لها وهو الواحد بالنوع ويساوقه الاتحاد في الفصل
أيضا كزيد وعمرو المتحدين في الانسانية والناطقية.
والثاني قد يكون محمولا لها وهو الواحد بالمحمول كالقطن والثلج المتحدين
في الأبيض المحمول عليهما وقد يكون موضوعا لها وهو الواحد بالموضوع كالكاتب
والضاحك المتحدين في الانسان (4) المحمولين عليه.
والثالث وهو الواحد بالإضافة ثم إن الاتحاد في الأوصاف العرضية والذاتية يتغاير



(1) هذا من باب تقسيم الشئ إلى الأخص من وجه لان الواحد بما هو واحد الذي هو عين
الوحدة حقيقي أيضا وقد اطلق الواحد الحقيقي على المعنى الأعم فيما بعد س ره.
(2) اي ولا عرضا متقررا في المحل وإن كان عرضا غير قار اي غير متقرر في المحل
كالمحاذاة والمماسة كما قالوا في القسمة باختلاف عرضين قارين أو غير قارين س ره.
(3) اي ما هو أشياء متعددة هو الواحد بالجنس لا الجنس الذي هو جهة الوحدة كما صرح
به بقوله كالانسان والفرس فان الجنس واحد جنسي وهما واحد بالجنس وهكذا في الباقي س ره.
(4) فان الانسان وهو جهة الوحدة بينهما عارض لهما اي خارج عنهما ومحمول عليهما لان
العارض يطلق في الاصطلاح على ما هو محمول على الشئ وخارج عنه والانسان بالنسبة إلى
الكاتب والضاحك كذلك وعبارة الشوارق هكذا كما في وحده الكاتب والضاحك العارضين
للانسان الموضوع لهما وهو خارج عنهما ومحمول عليهما وهذا هو معنى العارض س ره.
84
أسماؤه بتغاير ما نسب اليه فالمشاركة في المحمول إذا كانت في النوع يسمى مماثله وفي
الجنس مجانسه وفي الكيف مشابهه وفي الكم مساواة وفي الوضع مطابقه وفي الإضافة
مناسبه وظاهر ان جهة الوحدة في الواحد الغير الحقيقي هي الواحد الحقيقي وهو
في هذا المقام ما يكون جهة الوحدة فيه ذاته بذاته وإن كان الأحرى به ان لا يطلق الا على ما لا
ينقسم أصلا كالواجب تعالى وذلك الواحد الحقيقي بالمعنى الأعم قد يكون واحدا جنسيا
وقد يكون واحدا نوعيا وقد يكون واحدا عدديا اي شخصيا وهو اما ان لا ينقسم
بحسب الخارج أصلا أو ينقسم والثاني قد يكون واحدا بالاتصال وهو الذي ينقسم
بالقوة إلى اجزاء متحدة في تمام الحقيقة انقساما لذاته كالمقدار أو لغيره كالجسم
الواحد البسيط من الماء والهواء فان قبوله الانقسام بواسطة المقدار القائم به وان
اعداد القسمة وتصحيحها من اجل المادة وقد يكون واحدا بالتركيب وهو الذي
له كثره بالفعل وهو الواحد بالاجتماع وذلك اما ان يكون حاصلا فيه جميع ما يمكن
حصوله فيه فهو واحد بالتمام وان لم يكن فهو كثير (1) ويسمونه الناس غير
واحد والتمامية اما بحسب الوضع كالدرهم الواحد أو الصناعة كالبيت التام أو الطبيعة
كالانسان إذا كان تام الأعضاء والخط المستقيم لقبوله الزيادة في استقامته ايا ما كان
فليس بواحد من جهة التمام بخلاف المستدير إذا أحاط بالمركز من كل جهة فإنه
واحد بالتمام واما الأول وهو الذي لا ينقسم بحسب الخارج أصلا اي لا بالقوة كالمتصل
ولا بالفعل كالمجتمع فهو اما ان يكون ذا وضع وهو النقطة الواحدة أو غير ذي وضع
وهو المفارق كالعقل والنفس الشخصيتين وانما شرف كل موجود بغلبه الوحدة فيه
وان لم يخل موجود ما عن وحده حتى أن العشرة في عشريته واحده فكل ما هو ابعد
عن الكثرة فهو اشرف وأكمل وحيثما ارتقى العدد إلى أكثر نزلت نسبه الوحدة
اليه إلى أقل فالأحق بالوحدة هو الواحد الحقيقي وأحق اقسامه بها ما لا ينقسم



(1) وفي بعض نسخ الهيات الشفاء وهو كسير بالسين المهملة س ره.
85
أصلا لا في الكم ولا في الحد ولا بالقوة ولا بالفعل ولا ينفصل وجوده عن ماهيته.
ثم ما لا ينقسم في الكم أصلا قوه وفعلا وان تصور انقسامه إلى اجزاء الحد
ذهنيا كالعقل والنفوس عند المشائين وما لا ينقسم منه إلى الجزئيات أحق بالوحدة
كالعقل مما ينقسم إليها كالنفس الانسانية.
ثم الواحد بالاتصال كالواحد من الخط والماء وهو قابل القسمة إلى اجزاء متشاركة
في الحد ومن هذا القسم ما لا ينقسم بحسب الفك والقطع كالفلك فهو أحق باسم
الوحدة مما ينقسم بحسبه كالمتصلات العنصرية أجساما أو مقادير ومنه أيضا ما لا ينقسم
قسمه الكلى إلى الجزئيات وان انقسم إلى مادة وصوره كالفلكيات أحق بالوحدة مما ينقسم
بوجهين (1) كالعنصريات المركبة مطلقا ومما هو بالعكس (2) كالمقادير من وجه.
ثم الواحد بالاجتماع واحق اقسامه بالوحدة ما يكون اجتماعه طبيعيا كالانسان
الواحد المجتمع من نفس ذات قوى وبدن مركب من أمشاج وأعضاء وجلد وعظام
وغيرها ووحدته ظل لوحده النفس كما أن وجوده كذلك على ما مر في مباحث
الماهية.
ثم الواحد العددي أحق بالوحدة من الواحد النوعي لكون وحدته ذهنية وهو
من الواحد الجنسي لشدة ابهامه وكونه ذهنية وكذا الأجناس بحسب مراتب بعدها
عن الواحد الشخصي تضعف نسبه الوحدة إليها فقد علم أن الواحد مقول على ما تحته
بالتشكيك كما أن الوجود كذلك واما الكثير فهو ما يقابل الواحد في
جميع معانيه واعلم أن الوحدة كالوجود غير مقومه لماهية شئ من الأشياء لست



(1) الاطلاق متعلق بالحق وانقسامها بوجهين انقسامها قسمه الكلى إلى الجزئيات
وانقسامها إلى المادة والصورة س ره.
(2) اي بالعكس من الفلكيات فان المقادير تنقسم إلى الجزئيات ولا تنقسم إلى المادة
والصورة فان الاعراض بسائط خارجية س ره.
86
أقول لانيته لان الوحدة عندنا غير زائده على الوجود وذلك أنه ليس إذا فهمت
الانسان وفهمت الواحد يجب ان يسنح لك ان الانسان واحد فبين ان الواحدية
ليست مقومه للانسان بل من اللوازم فيكون الوحدة عارضه له لكن يجب عليك
ان تتأمل فيما أسلفناه من أن كيفية عروض الوجود للماهيات على اي وجه حتى
يتبين لك ان كون الوحدة زائده على الماهيات سبيله ما ذا فتفطن ولا تكن من الغافلين
تلويح
ومن جمله المضاهات الواقعة بين الوحدة والوجود افاده الواحد
بتكراره العدد مثالا (1) لايجاد الحق الخلق بظهوره في
صور الأشياء وتفصيل العدد مراتب الواحد مثال لاظهار الموجودات وجود الحق
ونعوته الجمالية وصفاته الكمالية وكون الواحد نصف الاثنين وثلث الثلاثة وربع
الأربعة إلى غير ذلك مثال للنسب والإضافات اللازمة للواجب بالقياس إلى الممكنات
وظهور العدد بالمعدود مثال لظهور الوجودات الامكانية بالماهيات وهي بعضها
حسية وبعضها عقلية كما أن بعض المعدود في الحس وبعضها في العقل ومن اللطائف
ان العدد مع غاية تباينه عن الوحدة وكون كل مرتبه منه حقيقة برأسها موصوفه
بخواص لا يوجد في غيرها إذا فتشت حاله لا يوجد (2) فيه ولا في حقائق مراتبه



(1) وعادية الواحد كل عدد مثال لافناء الحق الخلق في القيامة الكبرى س ره.
(2) لان الاعداد تكرار الوحدة وتكرار الشئ ظهوراته وظهور الشئ ليس بائنا
عنه والا لما كان ظهورا له بل شيئا على حياله ولما لم يكن كل مرتبه من العدد سوى الوحدة
المكررة فان شيئية العدد بالمادة ولا صوره له سوى صور الوحدات فالاثنان واحد وواحد
والثلاثة واحد وواحد وواحد وهكذا وهذا حكم الاعداد بنحو الآية وحكم الوجودات بنحو
الحقيقة واما الماهية الامكانية فلها الأجزاء الخارجية المتخالفة فالبيت
من سقف وجدران لا من سقف وسقف مثلا ومع كون المقوم لكل الاعداد ليس الا الواحد كانت ذواتها مختلفه
وصفاتها وآثارها كذلك وبينها من النسب الأربع التباين الكلى مثلا لا شئ من الاثنين بثلاثة
ولا شئ من الثلاثة باثنين وهذا من العجائب وبالجملة لا مثال للتوحيد في الأمثال التي كالبحر والموج
والشعلة الجوالة والدائرة وحركه التوسطية والقطعية ونحوها أعلى من الواحد والعدد
ولعل للإشارة إلى هذا قال سيد الساجدين علي بن الحسين عليهما وعلى أجدادهما وأولادهما
الذين هم بالحقيقة الأمثال العليا والأسماء الحسنى والمظاهر الأعظم والمجالي الأتم من الصلوات
أزكيها ومن التسليمات أنماها الهي لك وحدانية العدد س ره.
87
المختلفة غير الوحدة وانك لا تزال تثبت في كل مرتبه من المراتب عين ما تنفيه
في مرتبه اخر مثلا تقول ان الواحد ليس من العدد باتفاق المحققين وأهل
الحساب مع أنه عين العدد إذ هو الذي بتكرره يوجد الاعداد ويلزمه في كل مرتبه
لوازم وخصوصيات وكذلك يصح لك ان تقول لكل مرتبه انها مجموع الآحاد لا غير
ويصح لك ان تقول انها ليست مجموع الآحاد فقط لان مجموع الآحاد جنس كل
مرتبه من المراتب لان كل مرتبه حقيقة برأسها موصوفه بخواص لا يوجد في غيرها
فلا بد لها من امر آخر غير جميع الآحاد فلا تزال تثبت عين ما تنفى وتنفى عين
ما تثبت وهذا الامر العجيب بعينه حال العرفاء في باب ما يقولون إن الحق المنزه
عن نقائص الامكان بل عن كمالات الأكوان هو الخلق (1) المشبه وإن كان
قد تميز الخلق بامكانه ونقصه عن الخالق بوجوبه وشرفه.
وهم وتنبيه
لا تصغ إلى من يقول الوحدة من الاعتباريات وثواني المعقولات
متشبثا بما يعتمد عليه من أنه لو كانت الوحدة موجوده لكانت
له وحده أخرى وهكذا حتى يتسلسل إلى غير النهاية وادفعه بتذكر ما سلف من أن
حقيقة الوحدة في واحديته مستغنية عن وحده أخرى يعرضها اللهم الا بمحض
اعتبار العقل في مرتبه متأخرة عنها إذ للعقل ان يعتبر للوحدة وحده ولوحده الوحدة
وحده أخرى وهكذا وخطرات العقل لا ينتهى إلى حد لا انه يذهب إلى لا نهاية
وبينهما فرق والأول غير مستحيل دون الثاني وخلاصه القول إن لفظ الوحدة
يطلق بالاشتراك الصناعي على معنيين أحدهما المعنى الانتزاعي المصدري اي كون
الشئ واحدا ولا شبهه في أنه من الأمور العقلية التي لا تحقق لها خارجا والاخر



(1) في الكافي لنا حالات مع الله نحن هو وهو نحن وقال ع داخل في الأشياء
لا بالممازجة ن ره.
88
ما به يكون الشئ واحدا بالذات ويمنع وقوع الكثرة فيها وهذا المعنى من لوازمه
نفى الكثرة بخلاف المعنى الأول فإنه من لوازم نفى الكثرة والوحدة بالمعنى
الانتزاعي ظل للوحدة الحقيقية الأصلية ينتزع فيها من نفس ذاتها وفي غيرها لأجل
ارتباطه وتعلقه بها فقد علم (1) ان الوحدة الحقيقية والهوية الشخصية
والوجود الحقيقي لا الانتزاعي كلها واحده بالذات متغايرة بحسب الاعتبار كما
مر مرارا.
شك وتحقيق
ليس لك ان تقول الوحدة مغايره للهوية لان الجسم المتصل
إذا لم يطرء عليه شئ من أسباب القسمة كان شخصا واحدا
فإذا ورد عليه التفريق حتى يكثر فهوية ذلك الجسم باقيه ووحدته زائلة والباقي
غير الزائل فالهوية غير الوحدة لأنا نجيبك عنه بان وحده الاتصال الذي هو عين
هويه الجوهر الاتصالي كلما زالت عن اتصال ذلك الجسم بطلت هويه ذلك الاتصال ووجد
اتصالان آخران بل زوال الوحدة الاتصالية عين بطلان هويه المتصل بذاته.
فان رجعت وقلت هب ان تلك الصورة الاتصالية عدمت لكن الكلام في
الجسمانية الباقية حاله الفصل والوصل فيقبل الوحدة تارة والكثرة أخرى وهي
باقيه الوجود في الحالين.
قلنا الهيولى الجسمانية جوهر قابل ليس لها الا هويه القبول والاستعداد
فيطرء عليها الوحدة الاتصالية والكثرة المقابلة لها وهي بحسب ذاتها ليست متصفة
بالوجود الاتصالي والوحدة الاتصالية ولا بالمعنى المقابل لها حتى ينعدم بزوال أحدهما
كما في الجوهر الامتدادي وهي انما تتصف بحسب ذاتها بوجود استعدادي ووحده



(1) عينيه الوحدة للهوية معلومه من عينيه الوحدة للوجود الحقيقي إذ قد علم سابقا
ان التشخص هو الوجود الحقيقي ولما انجر الكلام إلى عينيه الوحدة للهوية أيضا استطرادا
أورد الشك والتحقيق بقوله فليس لك ان تقول الوحدة مغايره للهوية الخ كما أن الشك
الثاني انما أورد على عينيه الوحدة للوجود س ره.
89
قابلية لا يزولان عنها في جميع الأحوال بل هي في جميع المراتب والأوضاع مستحفظة
لوحدتها التي هي هويتها اللازمة وكل واحده من وحده الجسم وكثرته يطرآن
عليها لان (1) اتصافها بهما انما هو بالعرض لا بالذات وظني ان سليم الفطرة
لا يريب في أن الشئ لا يكون في ذاته محلا لوحدته وكثرته فان هويه شئ لا يقبل التعدد.
إنارة
ولعلك تقول حسبما وجدت في كتب الفن كالشفاء وغيره
ان الوحدة (2) مغايره للوجود لان الكثير من حيث هو كثير
موجود ولا شئ من الكثير من حيث هو كثير بواحد ينتج فليس كل موجود



(1) فالمغالطة في هذا الشك اما من باب اخذ ما بالعرض مكان ما بالذات فان الهوية
الباقية هي هويه الهيولى وكما أن هويتها المبهمة باقيه فكذلك وحدتها وكما أن وحده
الاتصال زائلة فكذلك هويته كيف والوحدة الاتصالية مساوقة عندهم للوحدة الشخصية واما
من باب اشتراك لفظ الجسم بين الصورة الاتصالية لأنها الجسم في بادي النظر وبين الجسم
بمعنى مجموع الهيولى والصورة فهوية الأول زائلة وهوية الثاني باقيه س ره.
(2) حق الكلام الذي تعطيه الأصول السابقة ان الموجود المطلق ينقسم إلى الواحد
والكثير فالكثير موجود كما أن الواحد موجود ثم انا نجد كل موجود من جهة انه موجود
واحدا ينتج ذلك ان الموجود في نفسه مساوق للواحد وهو بقياس بعض مصاديقه إلى بعض
ينقسم إلى الواحد والكثير فهناك وحده عامه تساوق الوجود العام ولا مقابل له كالوجود
ووحده خاصه تقابل الكثرة وهي التي يغاير لها الوجود ويفارقها ويبحث عنها في هذه المرحلة
لان الكثرة التي تقابلها موجوده وليست بوحده إذ الكثير من اقسام الموجود وهذا بعينه نظير
سائر تقسيمات الوجود العام المطلق كتقسيم الموجود إلى ما بالفعل وما بالقوة ثم مساوقة الفعلية
الموجود وتقسيم الموجود إلى خارجي يترتب عليه الآثار وذهني بخلافه ثم مساوقة الوجود
لحيثية ترتب الآثار إلى غير ذلك والسر في جميع ذلك كون الوجود حقيقة مشككة ذات
مراتب قوية وضعيفه وخالصه ومشوبة فللحقيقة في نفسها أوصاف كالوحدة والفعلية ونحوهما
تجرى في جميع مصاديقها ثم مقايسة بعض المصاديق إلى بعض توجب فقدان الضعيف لما
يجده القوى من وصف الحقيقة فافهم ذلك ومن هنا يظهر ان ما أورده الشيخ من البرهان
على مغايره الوحدة الوجود حق لكنه انما يتم في الوحدة الخاصة المقابلة للكثرة واما
الوحدة العامة فهي بحالها تساوق الوجود وتعرض الكثير بما هو كثير كما تعرض الواحد والى
هذا يرجع آخر كلام المصنف ط مد.
90
بما هو موجود بواحد فاذن الوحدة مغايره للوجود نعم يعرض لذلك الكثير وحده
وخصوصية لا انه يعرض الكثرة لما عرضت له الوحدة فيقال لك ان أردت بالموصوف
بالحيثية المذكورة في المقدمتين ما يراد منه في مباحث الماهية لأجل التميز بين
الذاتي والعرضي فالصغرى ممنوعة لان الكثير بهذا المعنى لا موجود ولا معدوم
وان أردت ان الموصوف بالكثرة موجود في الواقع فالكبرى ممنوعة إذ كما أنه
موجود فهو واحد أيضا إذ ما من شئ الا وله وحده لكن لقائل ان يقول بعد
اختيار الشق الأخير ان الوحدة عرضت للكثرة لا لما يعرض له الكثرة فموضوعاهما
متغايران مثلا العشرة عارضه للجسم والوحدة عارضه للعشرة من حيث إنها عشره
فهاهنا شيئان الكثرة وموضوعها فالكثرة للموضوع والوحدة لتلك الكثرة فوحده
الكثرة لا تناقض تلك الكثرة لعدم اتحاد الموضوع بخلاف وحده موضوع الكثرة
فإنها تنافى كثرته مع اتحاد الزمان ولا ينافي وجوده فثبت المغايرة بين الوجود
والوحدة (1) فيمكن ان يقال الوحدة كالوجود على انحاء شتى وكل وحده خاصه يقابلها
كثره خاصه والوحدة المطلقة يقابلها الكثرة المطلقة كما أن الوجود الخاص
الذهني أو الخارجي يقابله العدم الذي بإزائه والعدم المطلق بإزاء الوجود المطلق
والدعوى ان وحده ما لا ينفك عن وجود ما باي اعتبار اخذ فإذا ظهر ذلك فنقول
ما ذكرتم لا يدل على مغايره الوحدة المطلقة للوجود إذ الكثير المقابل له لا وجود
له إذ كل موجود فله وحده ولو بالاعتبار وتحقيق المقام ان موضوع الكثرة
كالرجال العشرة مثلا من حيث كونهم عشره ليس لهم وجود غير وجودات الآحاد
الا بمجرد اعتبار العقل كما هو التحقيق لان كل موجود خارجي لا بد له من وحده
خارجية كيف ولو كان الحجر الموضوع بجنب الانسان موجودا في الخارج لا ينضبط
شئ من التقاسيم ولو لم يكن الوحدة الخارجية معتبره لم ينحصر المقولات عندهم



(1) هذا منع للصغرى س ره.
91
في العشر إذ المركب من الجوهر والكيف لا جوهر ولا كيف فيكون مقولة أخرى
وكذا المركب من الكيف والأين ليس شيئا منهما فيكون مقولة أخرى وهكذا
يرتقى عدد المقولات في التراكيب الثنائية والثلاثية والرباعية إلى العشارية إلى
مبلغ كثير وكذا الكلام فيما يندرج تحت مقسم كلى من الأجناس والأنواع فقد
علم (1) ان الكثير من حيث الكثرة لا وجود له الا بالاعتبار كما أن للعقل ان يعتبرها
موجوده فله ان يعتبرها شيئا واحدا لا يقال (2) المراد مما ذكرناه مفاد القضية
الوصفية وهو ان الكثير بشرط الكثرة موجود بنحو من الانحاء ولا يمكن اتصافه
بالوحدة المقابلة لها للمنافاة بينهما فالكثير لا يكون واحدا ومحصل ذلك ان صفه
الوحدة ينافي الكثرة والوجود لا ينافيها.
قلنا إن أردتم بالكثرة الكثرة المطلقة المقابلة للوحدة المطلقة منعنا الصغرى
وان أردتم الكثرة الخاصة فالنتيجة تكون حكما بالمنافاة بين الكثرة والوحدة
المقابلة لها لا بين الكثرة الخاصة والوحدة بوجه آخر فلا يلزم منه الا المغايرة
بين نحو من الوجود ونحو من الوحدة وهذا ليس بضائر وكذا الحكم إذا قرر الكلام
بان وصف الكثرة لا يأبى عن اتصافه بالوجود فتفطن ولا تزل قدمك بعد توكيدها
[فصل 2]
في الهوهو وما يقابلها
قد علمت أن بعض اقسام الوحدة هو ما يعرض الكثير من جهة اشتراكها في



(1) اي بشرط عدم صدق الوحدة المطلقة واما من حيث إنه كثير مقابل للواحد بالوحدة
الخاصة فهو موجود وناهيك في ذلك أنه أحد قسمي الموجود المطلق المنقسم إلى الواحد
والكثير ط مد.
(2) هذا ليس اختيارا للشق الثالث إذ لا ثالث للشقين المذكورين بل هو اختيار
للشق الأخير وهو ان الكثير موجود في الواقع لا في المرتبة لكن الحيثية كانت محموله على
الحيثية الاطلاقية حيث اجتمعت مع الوحدة كما قال المجيب وهذا السائل جعل القضية وصفيه
لينا في موضوع الكثرة الوحدة س ره.
92
معنى من المعاني فالهو هو (1) عبارة (2) عن الاتحاد بين شيئين في الوجود وهما



(1) اي الحمل المتعارف لا الأولى الذاتي س ره.
(2) هذا بحذاء ما قاله القوم ان الاتحاد ملاك الحمل وليس المراد بالحمل هو التصديق
فان ما ذكروه موجود في كل من المقدم والتالي في القضية الشرطية وليس هناك
تصديقان وهو ظاهر وكذا ليس مرادهم ان الاتحاد تمام ما يتوقف عليه الحمل في القضية الحملية
فان الامكان وماهية الانسان متحدان وجودا وكذا السواد والجسم لهما وجود واحد على
القول الحق ولا يتم بذلك حمل فلا يقال الانسان امكان والجسم سواد بل لا بد من ضم
امر رابط إلى المحمول يربطه بالموضوع وهو الذي يدل عليه المشتق فيقال الانسان
ممكن والجسم اسود بل المراد ان الاتحاد عمده ما يتوقف عليه الحمل توضيح المقام ان الوجود
كما تقدم ينقسم إلى الوجود في نفسه وفي غيره وينقسم إلى الوجود لنفسه ولغيره واتحاد الماهيتين
في الوجود من جميع الجهات يؤدى إلى اتحاد الاثنين وهو محال فلا بد من الاتحاد من وجه
والاختلاف من وجه ولا بد ان يكون الاختلاف في الوجود في نفسه والا لم يختلفا وعاد
إلى اتحاد الاثنين المحال ولا يبقى للاتحاد الا ما هو بحسب الوجود لنفسه فيعود فرض الحمل
إلى فرض مفهومين يجمعهما وجود يتحقق به من كل منهما نفسه المغايرة لنفس الاخر نوعا
من المغايرة حقيقة أو اعتبارا لكن أحد المفهومين موجود ناعت للاخر يطرد بوجوده عنه
عدما نعتيا كالجسم والسواد حيث إن الوجود الذي يجمعهما يطرد به عدم الجسم عن ماهية الجسم
وعدم السواد عن ماهية السواد ثم السواد يطرد بوجوده عن الجسم عدما نعتيا وهو عدم أسوديته
وهذا معنى قول المنطقيين ان القضية تنحل إلى عقدين عقد الوضع الذي لا يعتبر فيه الا الذات
ولا يقصد من المفهوم الوصفي فيه الا ان يكون عنوانا مشيرا إلى الذات فحسب وعقد الحمل
الذي لا يعتبر فيه الا الوصف الناعت للذات وهو الوجود الذي لغيره كما تقدم فهذه حقيقته
الحمل ويتبين بذلك أولا ان الحمل بحسب النظر الفلسفي الباحث عن الحقائق الوجودية
يتحقق بوجود نفسي هو الموضوع ووجود ناعتي يتضمن الربط إلى الموضوع وهو المحمول
ومن هنا يظهر ان اجزاء القضية في الحقيقة موضوع ومحمول وحكم واما النسبة الحكمية التي
ذكروها فان كانت فهي من شؤون المحمول لا جزء مستقل من القضية وثانيا ان قولهم الهوهوية
والحمل انما يتم بالاتحاد وجودا والاختلاف مفهوما كلام لا يخلو عن مسامحة ما وحقيقة
ما تقدم بيانه من الاختلاف بحسب الوجود في نفسه والاتحاد بحسب الوجود لغيره وان شئت
فقل بالاختلاف بالذات والوصف والاتحاد في كون الوصف وصفا لتلك الذات وثالثا انه لما
كان الحمل انما يتم بتعلق أحد الامرين بالاخر تعلقا ناعتيا وقيامه به نحوا من القيام تنوع
الحمل بتنوع هذا التعلق والقيام فمن القيام قيام الشئ بعين نفسه بنوع من العناية العقلية كقيام
الانسان بنفس الانسان والحمل المنعقد من ذلك حمل أولى ومن القيام قيام الشئ بعلل وجوده
وبالجملة القيام الحاصل بين مرتبتين مختلفتين بالكمال والنقص في الوجود والحمل المتحقق
من ذلك حمل الحقيقة والرقيقة ومن القيام قيام العرض بمعروضه أو ما يؤول اليه بنوع من
العناية العقلية والحمل الحاصل من ذلك يسمى حملا صناعيا شائعا ورابعا ان الهوهوية
بما ذكر من حقيقتها لا تختص بالأذهان بخلاف القضية المشتملة على التصديق فإنها لا تتحقق
الا في الذهن ط مد.
93
المتغايران بوجه من الوجوه المتحدان في الوجود الخارجي أو الذهني سواء ا كان الاتحاد
بينهما في الوجود بالذات بمعنى كون واحد منهما موجودا بوجود ينسب ذلك الوجود
إلى الاخر بالذات فيكون الحمل بالذات كقولنا زيد انسان فان الوجود المنسوب إلى
زيد هو بعينه منسوب إلى الانسان أو كان الاتحاد بينهما في الوجود بالعرض وهو ما لا يكون
كذلك سواء ا كان أحدهما موجودا بوجود بالذات والاخر موجودا بذلك الوجود بالعرض
كقولنا الانسان كاتب فان جهة الاتحاد بينهما وجود واحد منسوب إلى الموضوع
بالذات والى المحمول بالعرض أو لا يكون ولا واحد منهما موجودا بالذات بل
يكون كلاهما موجودا بوجود امر غيرهما بالعرض كقولنا الكاتب متحرك فان
جهة الاتحاد بينهما هو الموجود المنسوب إلى غيرهما وهو الانسان فثبت ان جهة
الاتحاد في الهوهو قد يكون في الطرفين وقد يكون في أحدهما وقد يكون خارجا عنهما.
تنبيه تحصيلي
قد علمت أن الوحدة الاتصالية من انحاء الوحدة الحقيقية
فالواحد بالاتصال يجب ان يكون واحدا بالموضوع غير منقسمة إلى صور مختلفه بل
إلى اجزاء متشابهه الحقيقة التي وجودها بالقوة على ما سيجئ
ولان كلما كانت وحدته بالفعل كانت كثرته بالقوة فالقول (1) بان اجزاء المتصل
الوحداني يمكن تخالفها بحسب الصور من سخائف الكلام.



(1) اي احتمال كذا لا ان هنا قائلا بكذا كيف وعلى قول ذيمقراطيس احتمل من
جانبه انه لعل الأجسام الصغار الصلبة التي جعلها مبادي الأجسام مختلفه بالنوع حتى لا يكون
مساويه في قبول الاتصال والانفصال ولكن ذيمقراطيس نفسه لا يقول به س ره
94
لكن لقائل ان يقول فقد لزم بما وضعت من معنى الهوهو (1) صحه الحمل
بين ابعاض المتصل الواحد المقداري وبينها وبين الكل فتقول هذا النصف من
الذراع نصفه الاخر أو كله أو بعضه إذ مجرد الاتحاد في الوجود مصحح للحمل مواطاه
مع جهت كثره اعتبارية وهمية أو فرضيه. فقيل في دفعه تارة بان المعتبر في الحمل اتحاد الشيئين المتغايرين بحسب
المعنى والمفهوم المتحدين في الوجود وجزئية الجزء المعين المتصل من حيث
التعين الشخصي لا من حيث الماهية إذ هو من جهة الماهية الاتصالية ليس على تعين
شئ من الامتدادات ليصلح انتزاع جزء منه غير جزء فيدفع بان كثيرا ما يتحقق الحمل
في الخصوصيات الشخصية كقولك زيد بن عمرو أو زيد هذا الكاتب وتارة بما ذكره
بعض المحققين بان الحمل مطلقا وإن كان هو الاتحاد في الوجود لكن التعارف
الخاصي خصه بذلك مع عدم الاختلاف في الوضع كما خصه من بين مطلق الاتحاد
بالاتحاد في الوجود ويقتضي (2) اثنينيه ما ووحده ما إذ لو كانت الوحدة الصرفة لم
يتحقق أو الكثرة الصرفة لم يصدق.
وتصدى لابطاله بعض الأماجد عز مجده
أولا بان هذا تخصيص لا يناسب طور الحكمة
وثانيا بان الكلام ليس في اطلاق لفظ الحمل بحسب عرفهم حتى يجرى فيه
هذا الطور بل في أن كون المتصل المقداري عين جزئه بحسب الأعيان انما لزم من الاتحاد



(1) ومعلوم ان المعرف لا بد ان يكون مساويا للمعرف وكذا لو جعل الاتحاد في
الوجود مناطا للحمل المتعارف إذ المعلول لا يتخلف من العلة فليس من باب ايهام الانعكاس
وهو ظاهر س ره.
(2) اي والحال ان الحمل يقتضى الخ وهما موجودان في مطلق الاتحاد من المماثلة
والمجانسة ونحوهما ومع ذلك لا حمل فيها وليست الواو للعطف إذ ليس هاهنا موضع تحقيق
الحمل كما لا يخفى س ره.
95
بينهما في الوجود ويستلزم من ذلك ان يقال فيهما هو هو إذ الهوية عين الوجود والهوهوية
هي الاتحاد في الوجود فظهر (1) من هذا ان تخصيص تحصيل الحمل بالاتحاد في الوجود ليس
بحسب اللفظ أو التعارف بل على كون سائر أنواع الوحدة غير صالحه لتصحيح الحمل
بحسب الذات والوجود بل بحسب جهة الوحدة ثم قال في فك العقدة ان معيار
الحمل في الذاتيات ان ينسب وجود ذي الذاتي إليها بالذات لا من حيث إنها ابعاض
الامر الواحد الموجود وفي العرضيات ان ينسب إليها وجود المعروض بالعرض
لا من حيث إنها ابعاضه والاجزاء المقدارية وان كانت موجوديتها بعين وجود المتصل
الواحد لكن ذلك ليس من حيث إنها أمور موجوده (2) برؤسها اتفق إن كان وجودها
عين وجود ذلك الواحد كما في الطبائع المحمولة بل من حيث إنها ابعاض الموجود الواحد
فلا تغاير هناك بحسب الوجود ولا حمل انتهى كلامه زيد اعظامه وافخامه.



(1) تعريض ببعض المحققين حيث قال كما خصه من بين مطلق الاتحاد الخ بان الهوية
ما كانت عين الوجود والهوهوية هي الاتحاد في الوجود ففي المماثلة ونظائرها لا يصح الحمل
لان جهة الاتحاد فيها هي شيئية الماهية النوعية أو الجنسية أو العرضية لا شيئية الوجود ولك
ان تقول الكلى الطبيعي موجود بالماهية الموجودة أيضا تصحح الهوهوية وليت شعري ان
بعض الأماجد حيث يقول بأصالة الماهية كيف يسع له ان يقول الهوية عين الوجود وان أراد
بالوجود الماهية المنتسبة إلى الجاعل فان الانتساب مقولي لا يوجب التشخص س ره.
(2) اي في مواضع أخرى أقول هذا مستقيم في المركبات الخارجية لا في البسائط
الخارجية لان اللون في البياض لم يوجد بوجود على حده والمفرق لنور البصر بوجود آخر
وكذا الأجناس الأخرى للبياض كالكيف المحسوس والكيف المطلق الا ان يراد بوجود الأجناس
برؤسها وجودها مع فصول أخرى كوجود اللون مع القابض لنور البصر والكيف المبصر
مع الضوء والكيف المحسوس مع المذوق والكيف المطلق مع النفساني وهكذا في أجناس
البسائط الأخرى وان لم يكن اخذها مواد كما في أجناس المركبات الخارجية والأولى
ان يراد اختلاف الاجزاء الحدية مطلقا بحسب ماهياتها فان طبيعة الحيوان مبائنة لطبيعة
الناطق ولهذا كان حق التجزية هو التجزية إلى الأجناس والفصول بخلاف الاجزاء المقدارية
لاتحادها في الحد والتجزية إليها ليست حق التجزية فظهر ان الاجزاء المقدارية تجاوزت عن
حد العينية س ره.
96
وفيه ان كون الشئ جزء ا لشئ آخر يصدق فيه انه مانع من تحقق الحمل
بينهما ولكن ذلك ليس بسبب غلبه العينية بينهما المتجاوزة عن حريم القدر
المعتبر منها في صحه الحمل بل من جهة زيادة غيرية المخلة بالوحدانية المأخوذة
فيه فان المعتبر في الحمل والهوهوية وحده الوجود في الطرفين واثنينيه المفهوم
فيهما ولو بحسب الاعتبار وهاهنا الامر بالعكس من ذلك فان الجزئية والكلية
توجبان المباينة في الوجود لتقدم وجود الجزء على وجود الكل.
فالجواب المحصل ان المتصل الوحداني ما لم ينقسم بوجه من الوجوه سواء ا
كان في الخارج قطعا وكسرا أو في الذهن وهما وعقلا أو بحسب اختلاف العرضين
لم يتحقق المغايرة فيه أصلا فلا يمكن فيه حمل شئ آخر ولو بالاعتبار وإذا
تحقق شئ من انحاء القسمة التي معناها ومفادها احداث الهويتين المتصلتين واعدام
الهوية التي كانت من قبل كما يرد عليك بيانه في موضعه عرضت الاثنينية في
الوجود فأين هناك هويه واحده تنسب إلى شيئين التي هي معيار الحمل.
فصل [3]
في أن اتحاد الاثنين ممتنع
بمعنى صيرورة الذاتين ذاتا واحده لأنهما بعد الاتحاد ان كانا موجودين كانا
اثنين لا واحدا وإن كان أحدهما فقط موجودا كان هذا زوالا لأحدهما وبقاء ا للاخر
وان لم يكن شئ منهما موجودا لكان هذا زوالا لهما وحدوثا لامر ثالث وعلى
التقادير فلا اتحاد كما هو المفروض وسبب الاشتباه لمن جوز الاتحاد بين الشيئين
ما يرى من صيرورة الأجسام المتعددة المتشابهة أو المتخالفة بالاتصال أو الامتزاج
جسما واحدا كما إذا جمع المياه في اناء واحد أو مزج الخل والسكر فصار سكنجبين
وما يرى بحسب الكون والفساد من صيرورة الماء والهواء بالغليان هواء ا واحدا

97
وبحسب الاستحالة من صيرورة الجسم المتكيف بكيفيتين ذا كيفية واحده ولم يعلم أنه
لم يلزم في شئ من هذه الصور اتحاد بين الشيئين بحسب الحقيقة بل بحسب العبارة
والاطلاق العرفي من باب التجوز تنزيلا لمادة الشئ منزله ذلك الشئ في بعض الأحكام
وما نسب إلى بعض الأقدمين من اتحاد النفس حين استكمالها بالعقل
الفعال وكذا ما نقل عن الصوفية من اتصال العارف بالحق فيعني به حاله (1) روحانية
تليق بالمفارقات لا ان هناك اتصال جرمي أو امتزاج ولا بطلان احدى الهويتين بل
على الوجه الذي ستعرف في هذا الكتاب في موضع يليق بيانه فصل [4]
في بعض احكام الوحدة والكثرة
ان الوحدة ليست بعدد وان تالف منها لان العدد (2) كم يقبل الانقسام
والوحدة لا يقبله ومن جعل الوحدة من العدد أراد بالعدد ما يدخل تحت العد فلا نزاع
معه لأنه راجع إلى اللفظ بل هي مبدء للعدد لان العدد لا يمكن تقومه الا بالوحدة
لا بما دون ذلك العدد من الاعداد فان العشرة لو تقومت بغير الوحدات لزم الترجيح
من غير مرجح فان تقومها بخمسه وخمسه ليس أولى من تقومها بستة وأربعة ولا من
تقومها بسبعة وثلاثة والتقوم بالجميع غير ممكن والا لزم تكرر اجزاء الماهية
المستلزم لاستغناء الشئ عما هو ذاتي له لان كلا منها كاف في تقومها فيستغنى به
عما عداه وان اخذ تقويمها باعتبار القدر المشترك بين جميعها لا باعتبار
الخصوصيات كان اعترافا بما هو المقصود إذ القدر المشترك بينها هو الوحدات.
ومن الشواهد انه يمكن تصور كل عدد بكنهه مع الغفلة عما دونه من الاعداد



(1) وهي الفناء الذي هو قره عين العارفين وليست من باب اتحاد الاثنين س ره.
(2) هذا وإن كان هكذا الا ان الاعداد التي تحت عدد من اللوازم القريبة المنبعثة من حاق
ذات الملزوم فهي كالذاتيات له وعلى ذلك بناء كثير من مسائل الحساب وبعض العلوم الغريبة س ره.
98
فلا يكون شئ منها داخلا في حقيقته فالمقوم لكل مرتبه من العدد ليس الا الوحدة
المتكررة فإذا انضم إلى الوحدة مثلها حصلت الاثنينية وهي نوع من العدد وإذا
انضم إليها مثلاها حصلت الثلاثة وهكذا يحصل أنواع لا تتناهى بتزائد واحد واحد
لا إلى نهاية إذ التزائد لا ينتهى إلى حد لا يزاد عليه فلا ينتهى الأنواع إلى نوع لا يكون
فوقه نوع آخر واما كون مراتب العدد متخالفة الحقائق كما هو عند الجمهور
فلاختلافها باللوازم والأوصاف من الصمم والمنطقية والتشارك والتباين والعادية
والمعدودية والتحذير والمالية والتكعب وأشباحها واختلاف اللوازم يدل
على اختلاف الملزومات وهذا مما يؤيد (1) ما ذهبنا اليه في باب الوجود من أن
الاختلاف بين حقائقها انما نشاء من نفس وقوع كل حقيقة في مرتبه من المراتب
فكما ان مجرد كون العدد واقعا في مرتبه بعد الاثنينية هو نفس حقيقة الثلاثة
إذ يلزمها خواص لا نوجد في غيره من المراتب قبلها أو بعدها فكذلك مجرد كون
الوجود واقعا في مرتبه من مراتب الأكوان يلزمه معان لا نوجد في غير الوجود الواقع
في تلك المرتبة فالوحدة لا بشرط في مثالنا بإزاء الوجود المطلق والوحدة المحضة
المتقدمة على جميع المراتب العددية بإزاء الوجود الواجبي الذي هو مبدء كل
وجود بلا واسطه ومع واسطه أيضا والمحمولات الخاصة المنتزعة من نفس كل
مرتبه من العدد بإزاء الماهيات المتحدة مع كل مرتبه من الوجود وكما أن
الاختلاف بين الاعداد بنفس ما به الاتفاق فكذلك التفاوت بين الوجودات بنفس
هوياتها المتوافقة في سنخ الموجودية وعلى ما قررناه يمكن القول بالتخالف النوعي
بين الاعداد نظرا إلى التخالف الواقع بين المعاني المنتزعة عن نفس ذواتها بذواتها
وهي التي بإزاء الماهيات المتخالفة المنتزعة عن نفس الوجودات ويمكن القول بعدم
تخالفها النوعي نظرا إلى أن التفاوت بين ذواتها ليس الا بمجرد القلة والكثرة في



(1) اي كون العدد غير متقوم الا بالوحدة وكونه حاصلا بتكررها مما يؤيد س ره.
99
الوحدات ومجرد التفاوت بحسب قله الاجزاء وكثرتها في شئ لا يوجب الاختلاف
النوعي في افراد ذلك الشئ واما كون اختلاف اللوازم دليلا على اختلاف الملزومات
فالحق دلالته على القدر المشترك بين التخالف النوعي والتخالف بحسب القوة والضعف
والكمال والنقص كما مر تحقيقة.
فصل [5]
في التقابل
قد أشرنا إلى أن لكل واحد من الوحدة والكثرة اعراضا ذاتية ولواحق مخصوصة
كما أن لكل منهما عوارض مشتركة بينها وبين مقابلها كالوحدة (1) والاشتراك
والحلول والإضافة إلى المحل بنحو كالقيام والى مقابلها بنحو آخر كالتقابل فكما
ان من العوارض الذاتية للوحدة الهوهوية بالمعنى الأعم وهو مطلق الاتحاد والاشتراك
في معنى من المعاني فمقابله يعرض لمقابلها كالغيرية ومنها التقابل المنقسم إلى اقسامه
الأربعة أعني تقابل السلب والايجاب والملكة والعدم والضدين والمتضائفين اما
تحصيل معنى التقابل فهو ان مقابل الهوهوية على الاطلاق الغيرية فالغيرية منه غير
في الجنس ومنه غير في النوع وهو بعينه الغير في الفصل ومنه غير بالعرض وهكذا على
قياس الاتحاد في هذه المعاني لكن الغير (2) بصفة غير الذات اختص باسم المخالف وكذا



(1) فالوحدة تعرض لنفس الوحدة كالوجود والعلم ونحوهما ولمقابلها إذ ما من كثره
الا وله وحده والمراد بالحلول مجرد الاتصال والعروض ولو عروضا مفهوميا لان الوحدة
من العوارض الغير المتأخرة في الوجود للمعروض س ره.
(2) هذا بظاهره يصدق على التماثل مع أن الغير في التشخص مسمى بالاخر كما
صرح به ولا يصدق على التخالف لان الخلافين متغائران بالذات وتوجيهه ان المراد بالصفة
مثل ما في المنطق ان الوصف العنواني اما عين ذات الموضوع أو جزئه أو خارج منه ومثل ما
يقول المتكلمون الاثنان اما متشاركان في الصفة النفسية فهما المثلان والصفة النفسية عندهم
كسوادية السواد وانسانية الانسان والا فهما الضدان ان لم يجتمعا في محل واحد والخلافان
ان اجتمعا فالمعنى ان الغير بالصفة النفسية التي يغاير الذات الأخرى مغايره ذاتية اختص
باسم المخالف س ره.
100
الغير في التشخص والعدد اختص باسم الاخر بحسب اصطلاح ما كما أن الهوهو (1) يراد
منه الاتحاد في الوجود والمماثلة أيضا من اقسام الغيرية بوجه وكذا المجانسة
والمشاكلة ونظائرها لأنها بالحقيقة من عوارض الكثرة إذ لولا الكثرة ما صحت
شئ منها فعدهما من عوارض الكثرة أولى فان جهة الاتحاد في الجميع ترجع إلى
التماثل لان المثلين هما المتشاركان في حقيقة واحده من حيث هما كذلك فالانسان
والفرس من حيث هما انسان وفرس ليسا بمثلين لكنهما متجانسان باعتبار اشتراكهما
في الحيوانية والحيوانيتان الموجودتان فيهما مشتركان في حقيقة واحده نوعيه
فالتجانس يرجع إلى التماثل في جزء الحقيقة وهو الذي يكون جنسا حين اخذه
لا بشرط شئ وقد علمت أن الطبيعة الجنسية إذا اخذت اعدادها مجرده عما اختلف
بها من الفصول تكون نوعيه فيكون افرادها متماثلة وكذا الحال في الأصناف الأخر
من الواحد الغير الحقيقي فالمشابهة ترجع إلى المماثلة في الكيف والمساواة
ترجع إلى المماثلة في الكم وهكذا وجهه الوحدة في المماثلة ترجع إلى الوحدة
الذهنية للمعنى الكلى المنتزع من الشخصيات عند تجريدها عن الغواشي المادية
فيكون جهة الوحدة فيها ضعيفه بخلاف جهة الكثرة فإنها خارجية والتقابل أخص
من الغيرية إذ التغاير بين الأشياء المادية إذا كان بالجنس الاعلى لا يمنع مجرد تغايرها
بالجنس الاعلى عن جواز اجتماعها في مادة واحده واما التغاير الذي بحسب
الأنواع المتفقه في جنس دون الاعلى فيستحيل (2) معه الاجتماع في موضوع واحد



(1) اي بحسب اصطلاح ويراد منه الاتحاد المطلق بحسب اصطلاح آخر فكذا الغير
في التشخص يسمى بالاخر بحسب اصطلاح ما وبالمثل بحسب اصطلاح آخر س ره.
(2) لعل المراد به امكان وقوع استحاله الاجتماع لا وجوبه اي ان القضية جزئيه فعليه
لا كليه دائمة لظهور ان كثيرا من الأنواع الواقعة تحت مقولة واحده لا يستحيل اجتماعها كالحلاوة
والصفرة في العسل والجسمية والصورة على قولهم لكونها نوعين من الجوهر ط مد.
101
فالتقابل (1) هو امتناع اجتماع شيئين متخالفين في موضوع واحد في زمان واحد من
جهة واحده فخرج بقيد التخالف التماثل وبقيد امتناع الاجتماع في محل التغاير
الذي بين البياض والحرارة مما يمكن اجتماعهما في محل واحد ودخل بقيد وحده المحل
مثل التقابل الذي بين السواد والبياض مما يمكن اجتماعهما في الوجود كسواد الحبشي
وبياض الرومي وبقيد وحده الجهة (2) مثل التقابل الذي بين الأبوة والبنوة مما يمكن
اجتماعهما في محل واحد باعتبار جهتين قيل وبقيد وحده الزمان تقابل المتضادين
المتعاقبين على موضوع واحد المجتمعين فيه في الواقع والدهر إذ الاجتماع في أفق
الواقع وظرف الدهر لا ينافي التعاقب الزماني كما أن عدم الاجتماع المكاني لا ينافي
الاجتماع بحسب ظرف آخر كالزمان ونحو آخر فما قيل من أن التقييد بوحده



(1) المراد بالموضوع ما يجرى مجراه ولو بحسب الفرض العقلي حتى يشمل تقابل
الايجاب الذي يجرى متن القضية مجرى الموضوع لهما وكذا المراد التقيد بالزمان الواحد
فيما كان زمانيا واما الخارج عن حومة الزمان من مصاديق التقابل فلا ملزم لتقييده بالزمان
نحو الواجب واحد وليس الواجب بواحد ولولا التقييد بوحده الموضوع لغى اعتبار التقابل
توضيح ذلك ان الغيرية وهي نوع بينونة ومغايرة بين شيئين ينفك وينفصل به شئ عن شئ
تنقسم كما عرفت إلى غيرية بالذات وغيرية بالغير والغيرية الذاتية هي التقابل ومن المعلوم
ان الغيرية اما تكون مستنده إلى الذات إذا كانت الذات مقتضيه بنفسها مغايره غيرها اي طارده
للغير عن نفسها حتى يتكثرا من غير توحد ولا يتصور ذلك الا بان يتوحد كل منهما مع شئ
ثالث فيطرد مقابله عن ذلك الثالث كالايجاب والسلب في القضية والعدم والملكة في الموضوع
وهكذا فتحقق ما يجرى مجرى الموضوع في التقابل من احكامه الضرورية اخذ في رسمه ط مد.
(2) اعلم أن التقييد بوحده الجهة لادخال الأبوة والبنوة المطلقتين لا لاخراج أبوه
زيد وبنوته الموجودتين فيه لأنهما ليستا متضائفتين لجواز تعقل إحداهما لا بالقياس إلى تعقل
الأخرى واما المطلقتان فهما متضائفان مع جواز اجتماعهما في ذات واحده كزيد إذا كان
ابا وابنا ضرورة وجود المطلق في ضمن المقيد فلا بد من التقييد بوحده الجهة ليدخل
المطلقتان الموجودتان في ذات واحده في التعريف فإنهما وان اجتمعا في موضوع واحد لكن
اجتماعهما من جهتين مختلفتين فان أبوته بالقياس إلى ابنه وبنوته بالقياس إلى أبيه من الماتن
قدس سره الشريف.
102
الزمان مستدرك لان الاجتماع لا يكون الا في زمان واحد غير صحيح وكان القائل
به لم يرتق فهمه كوهمه من سجن الزمان وهاوية الحدثان وانما عدلنا عن التعريف
المشهور في الكتب لمفهوم المتقابلين إلى تعريف مفهوم التقابل لان صيغه اللذان
في قولهم المتقابلان هما اللذان لا يجتمعان في شئ واحد في حاله واحده من جهة واحده
يشعر بما لهما ذات والعدم والملكة والايجاب والسلب لا ذات لهما وان أمكن
الاعتذار بان معنى مثل هذه الألفاظ مأخوذ بحسب التصور الذهني والسلوب والاعدام
كلها بحسب المفهوم الذهني امر فيكون معنى هذا التعريف ان المتقابلين هما
المتصوران اللذان لا يصدقان على شئ واحد في حاله واحده من جهة واحده.
واما وجه كون التقابل أربعة أقسام ان المتقابلين اما ان يكون أحدهما
عدما للاخر أو لا والأول ان اعتبر فيه نسبتها إلى قابل لما أضيف اليه العدم فعدم
وملكه وان لم يعتبر فيه تلك النسبة فسلب وايجاب والثاني ان لم يعقل كل
منهما الا بالقياس إلى الاخر فهما المتضائفان والا فهما متضادان.
وقد يقال في وجه الحصر لأنهما اما وجوديان أو لا وعلى الأول اما ان يكون
تعقل كل منهما بالقياس إلى الاخر فهما متضائفان أو لا فهما متضادان وعلى الثاني
يكون أحدهما وجوديا والاخر عدميا فاما ان يعتبر في العدمي محل قابل للوجودي
فهما العدم والملكة أو لا فهما السلب والايجاب.
ويرد عليه (1) الاعتراض اما أولا فبجواز كونهما عدميين كالعمى واللاعمى
المتقابلين بالسلب والايجاب وما يجاب به من أن اللاعمى بعينه هو البصر فالتقابل
بينهما بالعدم والملكة فهو فاسد لان تعقل البصر لا يتوقف على انتفاعه وتعقل سلب
انتفاء البصر متوقف عليه قطعا فلا يتحدان مفهوما وان كانا (2) متلازمين صدقا والغلط



(1) اي على وجه الضبط الثاني لا على الأول إذ يصدق ان أحدهما عدم للاخر لكن
الاعتراض الثاني يرد عليهما بل بالثاني الصق كما لا يخفى س ره.
(2) بل لا تلازم في الصدق أيضا لان سلب انتفاء البصر يصدق على المعدوم البحت
إذ السلب لا يقتضى وجود الموضوع وقد مر نظير هذا في نقيضي المتساويين ونحو ذلك س ره.
103
ناش من عدم الفرق بين ما بالذات وما بالعرض.
واما ثانيا فبان عدم اللازم يقابل وجود الملزوم كوجود حركه لجسم مع
انتفاء سخونته اللازمة لها عنه وليس داخلا في العدم والملكة ولا في السلب والايجاب
إذ المعتبر فيهما ان يكون العدمي منهما عدما للوجودي.
ويمكن الجواب بالفرق بين ما بالذات وما بالعرض فان التقابل أولا وبالذات
في المثال المذكور انما هو بين السخونة وانتفائها لكن لما كان انتفائها مستلزما
لانتفاء حركه صار مقابلا لها بالعرض.
واعلم أن مقولية التقابل على اقسامه بالتشكيك وأشدها في بابه السلب
والايجاب لان منافي الشئ اما رفعه (1) أو ما يستلزم رفعه لان ما عداهما ممكن
الاجتماع مع ذلك الشئ ولا شك ان منافاة رفع الشئ معه انما هي لذاتيهما ولذلك
يحكم العقل بالمنافاة بينهما بلا توقف بمجرد ملاحظتهما مع قطع النظر عما عداهما
تفصيلا واجمالا واما منافاة مستلزم رفع الشئ له فإنما هي لاشتماله على الرفع
فيكون منافاته لا لذاته بل على سبيل التبعية فالمنافاة الذاتية انما هي بين الايجاب
والسلب واما فيما سواهما فتكون تابعه لمنافاتهما فيكون التقابل بينهما أشد
وأقوى هكذا قيل.
وفيه بحث (2) إذ التنافي بالذات على الوجه الذي ذكر في معنى المنافى يلزم



(1) هذا التقريب على تقدير تماميته يوجب كون التقابل في غير مورد الايجاب والسلب
بالعرض لا بالذات ط مده.
(2) لما كان القائل فهم من الرفع في قولهم نقيض كل شئ رفعه ما يرادف النفي والسلب
وبنى عليه الكلام أورد عليه المصنف ره ان لازمه كون تقابل التناقض من أحد الطرفين وهو
السلب لأنه الذي يرفع الايجاب دون الايجاب ثم أجاب بان الأولى ان يراد بالرفع المعنى
المصدري المطلق الممكن اخذه بمعنى الفاعل أو المفعول به حتى يصدق التعريف على السلب
والايجاب جميعا لان السلب رافع للايجاب والايجاب مرفوع بالسلب هذا والأولى ان يراد
بالرفع الطرد الذاتي وهو متحقق في كلا طرفي النقيض ط مده.
104
ان لا يتحقق بين الشيئين أصلا فان أحد الطرفين في السلب والايجاب وإن كان
منافيا بالمعنى المذكور للطرف الآخر كالسلب للايجاب لكن الطرف الآخر الذي
هو الايجاب لا يكون منافيا لمقابله (1) بالذات بل المنافى بالذات له سلب السلب
المستلزم (2) للايجاب والأولى (3) ان يراد من الرفع أو السلب المعنى المصدري
على الوجه المطلق (4) الذي يمكن اخذه بمعنى الفاعل (5) أو المفعول.
فصل [6]
في بيان أصناف التقابل واحكام كل منها
فمن جمله التقابل ما يكون بحسب السلب والايجاب وهو قد يطلق على ما يعتبر
في مفهومه القضية وهو التناقض في اصطلاح المنطقيين ويلزمه امتناع اجتماع
المتقابلين صدقا وكذبا في نفس الامر كزيد ابيض (6) وليس زيد بأبيض وقد
يطلق على ما بين المفردات كما بين مفهوم (7) ورفعه في نفسه كالبياض واللابياض



(1) لأنه ليس رفعا له بل مرفوع له ه‍ ره.
(2) فان نقيض اللاانسان ليس هو الانسان بل نقيضه رفع اللاانسان المستلزم للانسان ه‍ ره.
(3) الأولى الذي ذكره هاهنا انما هو ما سيذكره في فن الربوبيات حيث يمهد لبيان
ان الواحد لا يصدر عنه الا الواحد وهو ان الرفع أعم من أن يكون مفهومه أو حقيقته
ومصداقه ن ره.
(4) هذا نظير قول بعض أهل العربية في الحمد لله ان المراد من المصدر هو القدر
المشترك بين المبنى للفاعل يعنى الحامدية والمبنى للمفعول يعنى المحمودية إذ كما أن كل
محمودية ترجع إلى جنابه لان كل الفضائل والفواضل ظلاله فكذلك كل حامديه أيضا بحوله
وقوته س ره.
(5) بان يقال نقيضه رفعه أو مرفوعة ه‍ ره.
(6) اي ابيضيه زيد ولا ابيضيته فلا يكون قضية س ره.
(7) إن كان المراد من ضم الرفع والنفي إلى المفهوم المفروض ضمه بما انه مفهوم
فقط كان لازمه تحقق مفهوم قبال مفهوم آخر وكان البعد الحاصل بينهما هو البعد الذي بين كل مفهوم
ومفهوم غيره وهو الانعزال والانسلاب الذي بين المفاهيم لا أزيد من ذلك وإن كان المراد
ضمه بما هو حاك عن بطلان الوجود كان لازمه كون المنضم اليه هو المفهوم من حيث إنه حاك
عن الوجود ورجع الامر إلى التناقض في القضايا ومثله القول فيما ذكره من وقوع التناقض
بحسب الانتساب إلى شئ آخر بالحمل ومن هنا يظهر ان النظر الفلسفي يؤدى إلى اختصاص
تقابل التناقض بما بين القضايا فان التناقض اللائح بين المفردات كالانسان واللاانسان وقيام
زيد وعدم قيام زيد لا يتم مع الغض عن القضيتين الموجبة والسالبة في مورده فهو بالذات بين الايجاب
والسلب وهي القضية المنفصلة الحقيقية المسماة بأول الأوائل اما ان يصدق الايجاب واما ان يصدق
السلب واليها يعود قولهم الايجاب والسلب لا يصدقان معا ولا يكذبان معا ط مده.
105
أو بحسب الانتساب إلى شئ آخر بالحمل كزيد ابيض وزيد لا ابيض فان كل
مفهوم إذا اعتبر في نفسه وضم اليه مفاد كلمه النفي حصل مفهوم آخر في غاية
البعد عنه ولا يعتبر في شئ منهما صدق أو لا صدق على شئ وإذا حمل على
شئ مواطاه أو اشتقاقا كان اثباته له تحصيلا واثبات سلبه له ايجاب سلب المحمول
وانما يتنافيان صدقا لا كذبا لجواز ارتفاعهما عند عدم الموضوع ولذا قال الشيخ (1)
في الشفاء ان المتقابلين بالايجاب والسلب ان لم يحتمل الصدق فبسيط كالفرسية
واللافرسية والا فمركب كقولنا زيد فرس وزيد ليس بفرس فان اطلاق هذين
المعنيين على موضوع واحد (2) في زمان واحد محال وقال أيضا معنى الايجاب
وجود اي معنى كان سواء ا كان باعتبار وجوده في نفسه أو وجوده لغيره ومعنى السلب
سلب اي معنى كان سواء ا كان لا وجودا في نفسه أو لا وجودا لغيره انتهى فقد علم
مما ذكر ان التقابل أعم من التناقض المعرف باختلاف قضيتين ايجابا وسلبا كذا
وكذا لتحققه في المفردات دون التناقض فقد سهى من قال إن التناقض هو نفس
التقابل الايجابي والسلبي وكذا ما وقع (3) في عبارة التجريد ان تقابل السلب



(1) اي لأجل ان هذا التقابل يكون في القضايا في المفردات قال كذا س ره.
(2) اي صدقهما في مورد واحد محال إذ سيأتي ان عدم اجتماعهما بحسب الصدق ولا
موضوع ولا محل لهما س ره.
(3) أقول مراد المحقق الطوسي قدس سره كما في الشوارق ان هذا التقابل غير راجع
إلى الوجود الخارجي لان موضوعي السلب والايجاب في التناقض نسبتان لا تحقق لهما الا
في النفس كما في القضية المعقولة أو في اللفظ كما في القضية الملفوظة والتقابل
نفسه أيضا نسبه فكان نسبه في نسبه بل النسبة السلبية سلب النسبة ومن العجائب انه قدس سره اعترف
بذلك في قوله بعد أسطر ان تقابلهما انما يتحقق في الذهن أو اللفظ مجاز الخ والمحقق قدس سره
لم يرد الا هذا ولعل المصنف قدس سره ظن أن المحقق بصدد بيان منشأ هذا التقابل
ومرجعه الفاعلي وانه في اي شئ بالذات وفي اي شئ بالعرض وليس كذلك بل هو بصدد تعيين
موضوعه وبيان مرجعه القابلي س ره.
106
والايجاب راجع إلى القول والعقد ليس بصواب كيف وتقابل القضيتين ليس من حيث إنهما
قضيتان ولا باعتبار موضوعهما بل باعتبار الايجاب والسلب المضاف إلى شئ
واحد فالتقابل بالحقيقة انما يكون بين نفس النفي والاثبات وفي القضايا بالعرض
اللهم الا ان يتكلف كما في بعض شروحه ويراد من الايجاب والسلب ادراك الوقوع
واللاوقوع وهما أمران عقليان واردان على النسبة التي هي أيضا عقلية فإذا
حصلا في العقل كان كل منهما عقدا اي اعتقادا وإذا عبر عنهما بعبارة كان
كل من العبارتين قولا ثم بما حققناه من أن التقابل بالذات في القضايا انما هو
بين نفس النفي والاثبات وبين القضايا بالعرض اندفع ما قيل إن بعضهم اعتبروا في
مفهوم التقابل عدم الاجتماع في الموضوع بدل المحل وصرحوا بان لا تضاد بين الصور
الجوهرية إذ لا موضوع لها لأنه المحل المستغنى عن الحال ومحل الصور هي المادة
المحتاجة إليها في التقوم واعتبر الآخرون المحل مطلقا فاثبتوا التضاد بين الصور
النوعية العنصرية فعلم من اختلاف الفريقين في كون مورد الايجاب والسلب
موضوعا أو محلا ان المراد من عدم الاجتماع المأخوذ في التقابل عدم الاجتماع بحسب الحلول لا
بحسب الصدق ومعلوم ان من التقابل ما يجرى في القضايا كالتناقض
والتضاد (1) فان قولنا كل حيوان انسان نقيض لقولنا بعض الحيوان ليس بانسان



(1) جريان التضاد في القضايا مبنى على المسامحات المعمولة في المنطق لوضوح عدم
صدق تعريفه عليها باي تعريف عرف والذي ذكره الشيخ أصدق شاهد على أن اطلاق المتضادين
على الموجبة والسالبة الكليتين لا يتجاوز حد التسمية ط مد.
107
وضد لقونا لا شئ من الحيوان بانسان على ما قال الشيخ في الشفاء ليس الكلى
السالب يقابل الكلى الموجب مقابله بالتناقض بل هو مقابل من حيث هو سالب
لمحمولة مقابله أخرى فلنسم هذه المقابلة تضادا إذا كان المتقابلان مما لا يجتمعان
صدقا أصلا ولكن قد يجتمعان كذبا كالأضداد في الأمور انتهى مع أن القضايا
لا يتصور اعتبار ورودها على شئ بحسب الحلول فيه وكلام هذا القائل لا يخلو
عن خلط إذ الاختلاف الذي نقله انما وقع منهم في باب التضاد حيث اعتبر فيه تعاقب
المتضادين اما على موضوع واحد أو محل واحد لا في مفهوم مطلق التقابل المعروف
بكون الامرين بحيث لا يجتمعان في شئ واحد سواء ا كان عدم الاجتماع بحسب الوجود
والتحقق أو بحسب الحمل والصدق كيف ولو كان اختلاف المذكور بينهم في مطلق
التقابل لزم منه نفى التقابل بين الفرس واللافرس بمثل البيان الذي ذكره لعدم
كون الفرس ذا محل وذلك فاسد.
ومن احكام الايجاب والسلب ان تقابلهما انما يتحقق في الذهن أو اللفظ
مجازا دون الخارج لان التقابل نسبه والنسبة في التحقق فرع منتسبيها
واحد المنتسبين في هذا القسم من التقابل سلب والسلوب اعتبارات عقلية
لها عبارات لفظيه فالنسبة بينهما عقلية صرفه واما عدم الملكة فله حظ ما من
التحقق باعتبار انه عدم امر موجود له قابلية التلبس بمقابل هذا العدم
وهذا القدر من التحقق الاعتباري كاف في تحقق النسبة بحسب الخارج فان لكل
شئ مرتبه من الوجود ومرتبه النسبة هي كونها منتزعة من أمور متحققة في
الخارج اي نحو كان من التحقق كالانسانية والحيوانية من الذاتيات والمشي والكتابة
من العرضيات.
ومن احكامهما عدم خلو الموضوع عنهما في الواقع لا في كل مرتبه

108
من مراتب الواقع فان الأشياء التي ليست بينها علاقة ذاتية (1) يخلو كل منها في
مرتبه وجود الاخر عن كونه موجودا أو معدوما وكذا العرضيات في مرتبه
الماهيات من حيث هي هي كما علمت.
ومن احكام هذا التقابل أيضا ان تحققه في القضايا مشروط بثمان وحدات
مشهوره مع زيادة وحده هي وحده الحمل في القضايا الطبيعية لان بعض المفهومات
قد يكذب على نفسه بالحمل المتعارف فيصدق نقيضه عليه مع أنه قد يصدق على نفسه
كسائر المفهومات بالحمل الأولى الذاتي وفي المحصورات مشروط بالاختلاف في
الكمية لكذب الكليتين مع تحقق الوحدات كقولنا كل حيوان انسان ولا شئ
من الحيوان بانسان فعلم أنهما ليستا متناقضتين وان كانتا متضادتين كما مر والتضاد
لا يمنع كذب الضدين معا وصدق جزئيتين كذلك كقولنا بعض الحيوان انسان
وليس بعض الحيوان بانسان وفي الموجهات مشروط بالاختلاف على الوجه المقرر
والا لم يتحقق التناقض لصدق الممكنتين وكذب الضروريتين في مادة الامكان مع
تحقق باقي الشرائط ومن خاصية (2) هذا التقابل استحاله الواسطة بين المتقابلين
به وامتناع اجتماعهما صدقا وكذبا فلا يخلو شئ عن فرسية ولا فرسية وقد يخلو
عن طرفي سائر اقسام التقابل ولا يصدق على المعدوم شئ من طرفي المتقابلين الا السلب
والايجاب ومن جمله التقابل تقابل التضايف والمتضايفان هما وجوديان يعقل كل
منهما بالنسبة إلى الاخر كالأبوة والبنوة فإنهما (3) لا يصدقان على شئ واحد



(1) بالإضافة البيانية لا بالتوصيف إذ بين الماهية ولازمها وكذا بين المتضائفين العلاقة
الذاتية موجوده وليس أحدهما في مرتبه ذات الاخر س ره.
(2) يترائى من ظاهره تكرار مع قوله ومن احكامهما عدم الخلو الموضوع عنهما ولكن
لا تكرار في الحقيقة فان ذكر عدم الخلو هناك كان تمهيدا لذكر الخلو في المرتبة وان السلب
والايجاب اللذين لا يخلو عنهما شئ في الواقع كانت المرتبة خاليه عنهما وأيضا قد اخذ هاهنا
عدم الاجتماع بحسب الصدق أيضا س ره.
(3) هذا هو الحق الذي لا مريه فيه فان فرض كون كل من الموجودين اي بماهيتهما معقولا
بالنسبة إلى الاخر يوجب التوقف المعى بينهما ولا معنى لتحققه في الشئ الواحد على أن
التقابل غيرية بالذات ولا معنى لتحققه في الشئ الواحد من جهة واحده وفي موارد من كلام
المصنف ما يشعر بان التضايف لا يأبى عن اجتماع المتضائفين بذاته كالعاقلية والمعقولية
ونحوهما بل الاجتماع يمتنع فيما يمتنع لسبب من خارج كالعلية والمعلولية هذا والحق خلافه
وللكلام تتمه ستوافيك في محله ط مد.
109
من جهة واحده وإحداهما لا تعقل الا مع الأخرى
وهم وتنبيه
ربما اشتبه عليك الامر فتقول كيف يجعل التضايف قسما من
التقابل وقسيما للتضاد والحال ان التضايف أعم من أن يكون
تقابلا أو تضادا أو تماثلا أو غير ذلك بل يكون جنسا لهما فيلزم كون الشئ قسما
لقسمه وقسيما له أيضا.
وربما يجاب عنه بان مفهوم التضايف أعم من مفهومي التقابل والتضاد (1)
العارضين لأقسامهما وهذا لا ينافي كون معروض التقابل أعم منه ومعروض التضاد
مباينا له فمفهوم كل منهما مندرج تحت المضاف لكن من حيث الصدق على الافراد
أحدهما أعم منه والاخر مبائن له فلا منافاة.
وبوجه آخر مفهوم التضايف من حيث هو أعم من مفهوم التقابل ومن حيث إنه
معروض لحصة من التقابل أخص منه على قياس كون مفهوم الكلى من حيث هو هو
أعم من مفهوم الجنس ومن حيث إنه معروض لمفهوم الجنس أخص منه.
والحق في الجواب ان يفرق بين مفهوم الشئ وما يصدق هو عليه فمفهوم التضايف (2)



(1) يعنى ان مفهوم الشئ لا يلزم ان يكون من جمله افراد ذلك الشئ مثلا مفهوم
الإضافة ليس بإضافة بل كيف ومفهوم الحرف ليس معنى غير مستقل بل هو من حيث نفسه من
المعاني المستقلة ومفهوم التقابل ليس بتقابل بل من مقولة الإضافة فافهم ولا تغفل ن ره.
(2) اي مفهوم التضايف من حيث صدقه على افراده في الجملة لا من حيث هو ولا من حيث الصدق
على جميع الافراد إذ قد أشكل في كون بعض افراد التضايف كالإضافات المتشابهة الأطراف
من التقابل المتخالفة الأطراف أيضا التي كالعاقلية والمعقولية فضلا من نفس مفهومه
من حيث هو وكثيرا ما يكون مفهوم الشئ فردا له كمفهوم الشئ العام ومفهوم الكلى
ومفهوم التضايف ومفهوم الماهية العامة وكنفس المفهوم وغير ذلك والفرق بين الأجوبة
ان بناء الأول على التفرقة بين العارض والمعروض وان في العوارض نسبه من النسب الأربع
تخالف النسبة في المعروضات وبناء الثاني على التفرقة بين التضايف من حيث هو وبين التضايف
التقابلي وان هذا هو قسم من التقابل لا ذاك وبناء الثالث على التفرقة بين الحمل الذاتي الأولى والحمل
الشائع فلا غرو في كون مفهوم التقابل بالحمل الأولى تقابلا وبالحمل الشائع مصداقا للتضايف لا
التقابل ومفهوم الشئ قد يكون فردا لفرده كيف وقد يصدق عليه مقابله فيتقابلان ويجتمعان
باعتبارين كما أن الوجود والعدم يجتمعان لا باعتبار التقابل فمناط الجواب هو الفرق بين
الحملين واما قوله فمفهوم التضايف من اقسام مفهوم التقابل فبيان للواقع ولا دخل له
في الجواب س ره.
110
من اقسام مفهوم التقابل لكن مفهوم التقابل مما يصدق عليه التضايف وقد
يكون مفهوم الشئ مما يصدق عليه أحد أنواعه كمفهوم الكلى الذي هو شئ من
آحاد مفهوم الجنس وفي الأمور الذهنية والعوارض العقلية كثيرا ما يكون مفهوم
الشئ فردا له وفردا لفرده كما يكون فردا لمقابله كمفهوم الجزئي الذي هو فرد
من الكلى ومقابل له أيضا باعتبارين ومن التقابل ما يكون بين المتضادين (1)



(1) يكرر ره في كلماته كون حد التضاد المذكور وكذا بعض احكامه كقولهم ضد الواحد
واحد وان الضدين يجب ان يجتمعا في جنس قريب وان الجواهر لا تضاد فيها مبنيا على
الاصطلاح وهذا يشهد على أنه ره انما يعتبر من حد التضاد ما يتحصل من تقسيم المتقابلين
وهو ان الضدين أمران وجوديان غير متضائفين لا يجتمعان في موضوع واحد من جهة واحده
واما ما وراء ذلك فإنما هو مبنى على الاصطلاح والوضع وبناء الاحكام في الأبحاث الفلسفية
على الاصطلاح المجرد بعيد غايته ومن المعلوم ان اضافه قيود آخر على الحد الخارج من
التقسيم تصور اقساما اخر من التقابل على الباحث ان يعتبرها ويسميها أو يقيم البرهان على
بطلانها وامتناعها والذي ذكروه حدا للمتضادين انهما أمران وجوديان غير متضائفين متعاقبان
على موضوع واحد داخلان تحت جنس قريب بينهما غاية الخلاف والذي يمكن ان يقال في بيانه
ان القيود الثلاثة الأول أعني كونهما أمرين وجوديين متضائفين انما لزم اعتبارها لتحصلها
من التقسيم المذكور سابقا وهو ان المتقابلين اما ان يكون أحدهما عدما للاخر أو يكونا وجوديين
وعلى الثاني اما ان يكون كل منهما معقولا بالقياس إلى الاخر أو لا والثاني هما المتضادان
فهما أمران وجوديان غير متضائفين واما اعتبار الموضوع لهما فقد تقدم ان اعتبار التقابل
والغيرية الذاتية بين شيئين يوجب اعتبار امر ثالث يتحد به كل من الطرفين نوعا من الاتحاد
فيطرد الطرف الآخر عن ذلك الثالث والا لغى اعتبار التقابل فهناك امر يتحد به كل من طرفي
التضاد وحيث كانا جميعا وجوديين والشئ الذي يوجد له ويتحد به الامر الوجودي هو الموضوع
الأعم من محل الصور الجوهرية وموضوع الاعراض غير أن اعتبار غاية الخلاف يوجب نفى التضاد
عن الجواهر فلا يبقى الا موضوع العرض ويظهر من هنا ان المتضادين يجب ان يكونا من الاعراض
وان ينحصرا في اثنين وأن يكون لهما موضوع واحد يتعاقبان عليه واما اعتبار دخولهما تحت
جنس فلان الصور الجوهرية تتحد وجودا مع موادها فتتحصل منهما جميعا هويه واحده فلو صح
فيها تضاد لكفى ذلك في طرد كل من الطرفين الاخر عن مادته التي اتحد بها فصار هو هي
واما الاعراض فإذ كانت موضوعها محلا مستغنيا عنها في وجوده لم يحصل من مجموع الموضوع
وعرضه هويه واحده حتى يمتنع اجتماع المتضادين فيها لطرد أحدهما الاخر بل العرض لا يدفع
العرض وان فرض اتحاده مع موضوعه نوعا من الاتحاد فان العرض لا يصير فيه عين العرض
الاخر إذا حلا فيه بخلاف الصورتين الجوهريتين إذا حلتا مادة من المواد فمن الواجب مضافا
إلى اعتبار موضوع يحل فيه المتضادان اعتبار امر آخر يتحد به كل من طرفي التضاد اتحادا
يصير له المتحدان هويه واحده فيطرد كل منهما الاخر فيه لكون ذلك طردا له عن نفسه والامر
الذي هذا وصفه هو الجنس الذي يدخل تحته أنواعه فتصير هي هو فمن اللازم اعتبار دخول
المتضادين تحت جنس واحد ثم نقول إن هذا الاتحاد انما يتم بين النوع وان شئت قلت بين
الفصل الذي هو فعليه الحد النوعي وبين الجنس الذي يقسمه ويحصله ذلك الفصل وهو الجنس
القريب واما الجنس البعيد فلا نسبه بين الفصل وبينه بالتقسيم والتحصيل حقيقة وقد تقدم
ذلك في مباحث الماهية فمن الواجب ان يكون الجنس الذي يدخل تحته المتضادان جنسا قريبا
ومن هنا يظهر ان التضاد انما يتحقق في جنس من الأجناس العرضية منحصر في نوعين لا ثالث
لهما واما اعتبار غاية الخلاف بين المتضادين فهو انهم حكموا بالتضاد في أمور ثم وجدوا
أمورا أخرى متوسطة بين طرفي التضاد نسبية كالسواد والبياض الذين ذهبوا إلى تضادهما
ثم وجدوا الصفرة والحمرة وغيرها من الألوان متوسطة بينهما هي بالنسبة إلى السواد بياض
وبالنسبة إلى البياض سواد فحكموا بتركبها من الطرفين وان الضدين بالحقيقة هما
الطرفان فاعتبروا غاية الخلاف بين الضدين ومن هنا يظهر ان المراد بغاية الخلاف ان لا يختلف
الخلاف والتغاير بالنسب والاعتبارات بل يختلف الطرفان ويتغايرا بذاتهما وفي نفسهما
فهذا القيد بمنزله الايضاح لمعنى التقابل بينهما ط مد.
111
والمتضادان على اصطلاح المشائين هما (1) الوجوديان غير المتضايفين المتعاقبان



(1) الأولى ان يقال هما الوجوديان اللذان لا يتوقف تعقل أحدهما على الاخر المتعاقبان
الخ لان الأقسام الأربعة من التقابل مساويه في المعرفة والجهالة وقد صرح بذلك في مبحث
الكيف في سبب عدولهم عن ذكر كل من الكم والاعراض النسبية في تعريف الكيف إلى
ذكر خواصها التي هي أجلى الا انه قدس سره لم يبال بذلك هاهنا إذ قد عرفت المتضائفين أولا
ان قلت لم يكن حاجه اليه لخروج المتضائفين بالتعاقب على موضوع واحد كما قال
الشيخ في قاطيغورياس الشفاء واما المتضائفان فليس يجب فيهما التعاقب على موضوع
وسينقله المصنف.
قلت لا شبهه في جواز تعاقب المتضائفين كالأبوة والبنوة وغيرهما على موضوع وكلام
الشيخ أيضا دال على ما ذكرناه كقوله فليس يجب وقوله يلزم لا محاله فانتظر س ره.
112
على موضوع واحد لا يتصور اجتماعهما فيه وبينهما غاية الخلاف وقد مرت الإشارة إلى أن
الطبائع الجنسية لا يتقابل فالتضاد انما يعرض للأنواع الأخيرة كما يدل
عليه الاستقراء
وقد ظن بعضهم وقوع التضاد في الأجناس لزعمهم ان الخير والشر متضادان
وكل واحد منهما جنس لأنواع كثيره وهذا الظن باطل من وجهين
الأول ان التقابل بينهما ليس بالتضاد لكون أحدهما عدما للاخر إذ الخير
وجود أو كمال وجود والشر عدم الوجود أو عدم كمال الوجود.
والثاني انهما ليسا بجنسين لان الخير والشر اما ان يراد بهما ما هو بحسب
الواقع وقد علمت انهما يرجعان إلى الوجود والعدم واما ان يراد بهما ما بالقياس
إلى طبيعة الانسان فكل ما يوافقه ويلائمه نسميه خيرا وكل ما يخالفه وينافره
نسميه شرا والموافقة والمخالفة وسائر ما أشبههما نسب واعتبارات خارجه عن أحوال
الماهيات فلا يكون شئ منها جنسا لما اعتبر وصفا لها واما إذا اعتبر نفس الملائمة
والمنافرة مجردتين عن معروضيهما كانت كل واحده منهما ماهية نوعيه فالتضاد
بينهما (1) ليس تضادا بين الجنسين ومن شرط التضاد ان يكون الأنواع الأخيرة
التي توصف به داخله تحت جنس واحد قريب وكون الشجاعة
تحت الفضيلة والتهور المضاد لها تحت الرذيلة لا يرد نقضا على هذه القاعدة لان كل



(1) اي لو فرض تحقق التضاد لكن لم يتحقق إذ الملائمة والمنافرة من الإضافات فيهما
تقابل التضايف س ره.
113
واحد منهما في نفسه كيفية نفسانية وكونه فضيلة أو رذيلة انما هو (1) صفه
عارضه له لا انها مقومه له فالفضيلة والرذيلة ليستا من الأجناس للفضائل والرذائل
النفسانية ثم إن الشجاعة ليست ضدا لشئ من التهور والجبن لكونها واسطه بينهما
واما الطرفان فلكونهما في غاية التباعد كانا متضادتين بل تضاد الشجاعة مع كل
منهما تضاد بالعرض إذ الشجاعة ماهية لها عارض وهو كونها فضيلة وكل من
التهور والجبن ماهية لها عارض هو كونها رذيلة والتضاد بالحقيقة بين العارضين
وفي المعروضين بالعرض واما التضاد بين التهور والجبن فنوع آخر من التضاد غير
ما يكون باعتبار الفضيلة والرذيلة ومن احكام التضاد على ما ذكرناه من اعتبار
غاية التباعد ان ضد الواحد واحد لان الضد على هذا الاعتبار هو الذي يلزم من
وجوده عدم الضد الاخر فإذا كان الشئ وحدانيا وله اضداد فاما ان يكون مخالفتها
مع ذلك الشئ من جهة واحده أو من جهات كثيره فان كانت مخالفتها معه
من جهة واحده فالمضاد لذلك الشئ بالحقيقة شئ واحد وضد واحد وقد فرض أضدادا
وان كانت المخالفة بينها وبينه من جهات عديده فليس الشئ ذا حقيقة بسيطه بل هو
كالانسان الذي يضاد الحار من حيث هو بارد ويضاد البارد من حيث هو حار ويضاد
كثيرا من الأشياء لاشتماله على أضدادها فالتضاد الحقيقي انما هو بين الحرارة
والبرودة والسواد والبياض ولكل واحد من الطرفين ضد واحد واما الحار والبارد
فالتضاد بينهما بالعرض فالشيئان إذا كان بينهما تضاد حقيقي يكون بين محليهما
بما هما محلاهما تضاد بالعرض فمن الضدين ما بينهما وسائط ومنهما ما لا وسائط بينهما
سواء ا كان الوسط حقيقيا كما بين الحار والبارد من الفاتر أو غير حقيقي مرجعه
الخلو عن جنس الطرفين كاللاخفيف واللاثقيل فان الفاتر لا يخرج من جنس
الحرارة والبرودة بخلاف اللاخفيف واللاثقيل لخروجه عن جنس الخفة والثقل كالفلك



(1) بل الحق ان الفضيلة والرذيلة من المعاني الاعتبارية حيث اعتبر في تعريفهما قولنا ينبغي
أولا على أن مفهوم الرذيلة عدمية وهو ظاهر ط مده.
114
وقد يكون أحد الضدين على التعيين لازما لموضوع كالبياض للثلج والسواد للقار
وقد لا يكون وحينئذ اما ان يمتنع خلو المحل عنهما كالصحة (1) والمرض للانسان
أو يمكن كالثقل والخفة للفلك وعلى هذا الاصطلاح (2) لا تضاد حقيقيا بين
الجواهر الا باعتبار ما يعرض لها من المتضادات واما على اصطلاح المتقدمين
ففي الماديات من الصور المتخالفة المتعاقبة على محل واحد متضاد حقيقي وكذا
يجوز عندهم ان يكون لشئ واحد اضداد كثيره حيث لا يشترطون في التضاد غاية
الخلاف فالسواد عندهم كما يضاد البياض يضاد الحمرة أيضا لان اصطلاحهم يحتمل ذلك.
شك وتحقيق
وهاهنا اشكال قوى وهو ان المقولات العالية قد علمت أن
لا تضاد بينهما لاجتماع بعضها مع بعض في جوهر واحد جسماني
وكذا الاشتراك في الجنس البعيد لا يكفي في امتناع الاجتماع فان الطعم يجتمع مع السواد
مع كونهما من مقولة واحده فلا بد من كون (3) المتضادين تحت جنس
قريب ومن كونهما مختلفين بالفصل فحينئذ إن كان بينهما تضاد فلا يكون تضادهما
من حيث الجنس بل من حيث الفصل فالمتضادان بالذات هما الفصلان على أن
الفصلين لا يشتركان في الجنس القريب لكونه خارجا عن حقيقتهما كما سبق وقد
شرط كون المتضادين تحت جنس قريب هذا خلف وأيضا تعاقب الفصول في أنفسها
على موضوع واحد كما هو شرط التضاد غير متصور إذ لا استقلال لها في الوجود حتى



(1) هذا بناء على نفى الواسطة بينهما خلافا لبعض الأطباء القائل بالواسطة كحال الشيخ
والطفل واليافع س ره.
(2) رجع إلى أول الكلام اي اعتبار الموضوع لا المحل في التعريف المذكور س ره.
(3) لا يخفى ان عدم اقتضاء الجنس البعيد بما انه جنس بعيد التضاد بين أنواعه لا ينتج
اقتضاء الجنس القريب ذلك فمن الجائز ان يكون الجنس من أصله غير دخيل في تحقق التضاد
اللهم الا ان يبرهن على وجوب اشتراك المتضادين في جنس فليضم من ارتفاع التضاد من بين
الأجناس العالية والأجناس البعيدة دخالة الجنس القريب في مسالة التضاد وقد تقدم ما يمكن
ان يقال في ذلك على أن حصر المقولات في العشرة استقرائي لا عقلي ط مده.
115
ينسب إلى الموضوع الواحد ولا يمكن تعاقبها (1) على جنس واحد كما علمت
ويمكن التفصي عنه بان الجنس والفصل متحدان في الوجود والجعل وهما
موجودان بوجود واحد بلا تغاير بينهما في الخارج وهما عين النوع في الخارج فصفات
الفصول في الأعيان بعينها صفات الأنواع المتقومة بها في نحو ملاحظة العقل ولما
كان التضاد من الاحكام الخارجية للمتضادات (2) فلا محاله يكون الموصوف بها
الأنواع بذواتها دون الفصول بما هي فصول والحاصل ان التضاد بين المتضادين
وإن كان باعتبار فصل كل منهما ولكن التعاقب في الحلول في موضوع باعتبار
نوعيتهما لان الحلول في شئ نحو من الوجود والوجود لا يتعلق الا بما يستقل في
التحصل الخارجي والفصول لا استقلال لها في الخارج واتصاف كل من النوع والفصل
المقوم بالصفات الخارجية للاخر انما هو بالذات لا بالعرض لاتحادهما في الوجود
الخارجي دون الصفات الذهنية التي تعرض لكل منهما باعتبار مغايرتهما في الذهن
ومما عد في المتقابلين الملكة والعدم وهما أمران يكون أحدهما وجوديا
والاخر عدميا اي عدما لذلك الوجودي سواء ا كان (3) بحسب شخصه في الوقت أو



(1) المحذور الذي ذكره أو كان تقوم الفصلين بالجنس وهذا شئ آخر وهو انه قد
مر ان الفصول المقسمة للجنس انما ترد على الحصص الجنسية فان نسبه الكلى إلى ما تحته نسبه
الاباء إلى الأولاد لا نسبه أب واحد إليهم فاذن لا يلزم توارد العلل على معلول واحد فهاهنا
يقول قدس سره إذا لم يمكن تعاقب الفصول المقسمة على جنس واحد مع أن تقسيمه جائز فكيف
أمكن تقومها بجنس واحد مع أن تقويمه لها غير جائز أو تنظير لعدم التعاقب على موضوع
واحد والأول أدق س ره (2)
فان قلت التضاد ربما يكون بين الأمور الاعتبارية كمفهومي الجنس والفصل
فكيف يصح كونه من الاحكام الخارجية للمتضادات قلنا المراد منه ان تضاد الأمور الخارجية
انما هو من الاحكام الخارجية لها وهذا لا ينافي عروض التضاد للأمور الذهنية بحسب اعتباراتها
العقلية منه قدس سره الشريف.
(3) متعلق بالعدم باعتبار القوة التي في هذا العدم أو بالوجودي اي سواء ا كان ذلك
الوجودي ممكنا بحسب شخصه الخ س ره.
116
في غير الوقت أو بحسب النوع أو بحسب الجنس قريبا كان أو بعيدا فالعمى (1)
والظلمة وانتثار الشعر بداء الثعلب الذي هو بعد الملكة والمرودية التي هي قبلها
وعدم البصر الممكن في حق الشخص الأعمى وانتفاء اللحية للمراة الممكن لنوعها
كل هذه عدميات في التحقيق مشروط فيها الامكان والقوة ولذا لم يصدق على المعدوم
واما في المشهور فالملكة هي القدرة للشئ على ما من شانه ان يكون له متى شاء
كالقدرة على الابصار والعدم انتفاء هذه القدرة مع بطلان التهيؤ في الوقت الذي من
شانه ان يكون كالأعمى لا كالجرو قبل فتح البصر واصطلاح المنطقيين (2) في
العدم والملكة هو المعنى الأول وكذا اصطلاحهم في المتضادين مجرد (3) كونهما



(1) اي الأعم من مثل عمى العقرب والأكمه وغيرهما فذكر عدم البصر الذي بعد الاتصاف
بالملكة بعده من باب ذكر الخاص بعد العام وتخصيص الظلمة بالذكر لعله للقول بكونها ضدا
للنور وجوديا س ره.
(2) هذا منه قدس سره غريب حيث عكس الاصطلاحين في العدم والملكة فان اصطلاح
الإلهيين التعميم واصطلاح المنطقيين التخصيص يظهر ذلك لمن نظر في قاطيغورياس الشفاء
بعد التعميم في العدم وهذه كلها لا يلتفت إليها في هذا الكتاب انما العدم المقصود فيه هو العدم
الذي هو فقدان القنية في وقتها اي فقدان القوة التي بها يمكن الفعل إذا صار الموضوع عادما
للقوة فلا يصلح بعد ذلك ان يزول العدم كالعمى واما القنية فيزول إلى العدم فهذا هو التقابل
العدمي المذكور في قاطيغورياس انتهى ومراده بهذا الكتاب باب قاطيغورياس وهو باب المقولات
العشر الذي أدرجه القدماء في المنطق وهو أحد أبوابه سموه به كما سموا باب الكليات الخمس
ايساغوجي وباب القضايا بارميناس وغيرها بغير ذلك كما ذكر في حاشية المصنف قدس سره
على الشفاء وفي غيرها س ره.
(3) هذا الحصر إضافي بالنسبة إلى اعتبار الوجودية وغاية البعد بل يعتبرون التعاقب
على موضوع واحد شخصي فلا يرد ان هذا مناط التقابل المطلق فلا يتميز به التضاد عن غيره
إذ يعتبرون فيه ما به يتميز عن غيره كما في القسمة التي ذكرها الشيخ في قاطيغورياس من أن المتقابل
اما ان يكون ماهية مقولة بالقياس إلى غيره فهو تقابل المضاف أو لا وحينئذ اما ان يكون الموضوع
صالحا للانتقال من أحد الطرفين بعينه إلى الاخر من غير انعكاس أو لا بل يكون صالح الانتقال
من كل واحد منهما إلى الاخر أو ولا عن أحدهما إلى الاخر لان الواحد لازم له فالأول تقابل
العدم والقنية فالموضوع إذا صار عادما لقوه الابصار فلا يصلح بعد ذلك ان يزول العدم
كالعمى واما القنية فيزول إلى العدم والثاني هو تقابل التضاد سواء كان أحد الضدين وجوديا
والاخر عدميا أو كلاهما وجوديين سواء كان الموضوع ينتقل من كل واحد منهما إلى الاخر أو كان أحدهما
طبيعيا لا ينتقل عنه ولا اليه كالبياض للجص س ره.
117
غير مجتمعين في موضوع واحد واما الإلهيون فقد اعتبروا في كل منهما قيدا
آخر اما في المتضادين فكونهما في غاية التباعد وفي الملكة والعدم ان يكون
العدمي سلبا للوجودي عما من شانه ان يكون في ذلك الوقت فكل من قسمي
التقابل بالمعنى الأول أعم منه بالمعنى الثاني عموم المطلق من المقيد الا ان المطلق
من التضاد يسمى بالمشهوري لكونه المشهور فيما بين عوام الفلاسفة والمقيد بالحقيقي
لكونه المعتبر في علومهم الحقيقية والملكة والعدم بالعكس من ذلك حيث (1)
يسمون المطلق بالحقيقي والمقيد بالمشهوري والقدح الذي يلزم في انحصار التقابل
في الأقسام الأربعة من تقابل الالتحاء والمرودة وتقابل البصر (2) وعدمه عن العقرب
أو الشجر لكونه خارجا عن التضاد وعن الملكة والعدم على التفسير الأخص تفصوا
عنه بان الحصر انما هو باعتبار المعنى الأعم أعني المشهوري (3) من التضاد
والحقيقي من الملكة والعدم ليدخل أمثال ذلك فيه
بحث ومخلص:
وهاهنا اشكال من وجهين
الأول ان الضدين في اصطلاح المنطق كما صرح به الشيخ
الرئيس وغيره لا يلزم ان يكون كلاهما وجوديين بل قد يكون أحدهما عدما للاخر



(1) هذا يؤيد ما ذكرناه من أن عقد الاصطلاح بعكس ما ذكره س ره (2) فلا يمكن ادخاله الا في التضاد المشهوري الغير المعتبر فيه الوجودية إذ الشجر غير
قابل للبصر لا باعتبار شخصه ولا باعتبار نوعه ولا باعتبار جنسه القريب أو البعيد كما لا يخفى الا ان يراد
بالجنس البعيد في الشجر جوهر الهيولى التي شانها القابلية كما يقال إن الجوهر الجنسي في
تعريف الانسان ناظر إلى الهيولى وليس في مورد القدح بالشجر اشكال إذ يدخل في تقابل السلب
والايجاب أيضا س ره.
(3) حيث لا يعتبر فيه الوجودية فيدخل مورد القدح في التضاد المشهوري كما يمكن
ادخاله في العدم والملكة بالمعنى الأعم س ره.
118
كالسكون للحركة والظلمة للنور والعجمة للنطق والأنوثة للذكورة والفردية
للزوجية وفي كلام بعضهم ان التضاد بالمعنى المشهوري اسم يقع على التضاد
الحقيقي وعلى بعض اقسام الملكة والعدم أعني ما يوجد فيه التعاقب على موضوع
واحد بناء ا على اشتراطهم ذلك في التضاد المشهوري والحق (1) انه أعم من ذلك
لعدم امكان الانتقال في بعض هذه الأمور كالذكورة والأنوثة والزوجية والفردية
على أن تقابل الزوجية والفردية راجع (2) عند التحقيق إلى الايجاب والسلب
فعلى اي تقدير لا يكون قسيما لتقابل الملكة والعدم وتقابل الايجاب والسلب
الثاني ان غاية الخلاف شرط في التضاد المشهوري أيضا كما هو مصرح به
في كلام الحكماء كالشيخ وغيره فيلزم خروج تقابل السواد والحمرة وكذا تقابل
الحمرة والصفرة مثلا عن الاقسام.
وقد التزمه بعضهم وسموا مثل ذلك بالتعاند فيزيد عندهم قسم خامس في
اقسام التقابل.
وقد تخلص بعض آخر عنه ببيان ان تقابل الأوساط تقابل حقيقي أيضا كتقابل
الأطراف فان كل مرتبه من السواد مثلا مشتمل على طبيعة السواد المطلق الذي
لا يقبل الأشد والأضعف عند المشائين وعلى خصوصية كونه على هذا الحد من السواد
وهو بالنسبة إلى مرتبه أخرى تحتها سواد وبالنسبة إلى مرتبه أخرى فوقها بياض
ولذا قال الشيخ في قاطيغورياس الشفاء السواد الحق لا يقبل الشدة والضعف بل الشئ
الذي هو سواد بالقياس إلى آخر فإذا ثبت ذلك فكل وسط من أوساط السواد
باعتبار نفسه في حكم الطرف إذ لا تفاوت بينهما عندهم باعتبار الطبيعة المشتركة
وكذلك باعتبار مقايسته إلى سواد دونه في المرتبة أو إلى البياض الطرف أو البياض



(1) كما أشار اليه فيما مر انه مجرد عدم الاجتماع في موضوع س ره.
(2) كما يرشد اليه اطلاق الفرد على الحق الاحد سبحانه س ره.
119
الوسط إذ كونه سوادا ضعيفا انما يتحصل إذا قيس إلى سواد أشد لكن إذا قيس
اليه كان ذلك سوادا بالنسبة إلى هذا وهذا لا يكون سوادا بالنسبة اليه بل بياضا لا فرق
بينه وبين بياض الطرف في هذه الملاحظة وكذا حكم أوساط البياض فثبت ان
التضاد الحقيقي كما يوجد بين الأطراف يوجد بين الأوساط فان لها جهتي الاختلاف
والتوافق والتقابل انما هو باعتبار الأول فلا يزيد في التقابل قسم خامس.
هذا خلاصه ما ذكره بعض اجله المتأخرين وهو لا يستقيم (1) على ما اخترناه
من طريقه اسلاف الحكماء في الأشد والأضعف.
ويرد عليه أيضا ان لكل شئ ماهية متحصله في ذاتها لا بالقياس إلى ما عداها
اللهم الا ان يكون مضافا حقيقيا يقترن مع تعقله ووجوده تعقل شئ آخر ووجوده
ولا شك ان الألوان من مقولة الكيف لا من مقولة المضاف فلكل منها ماهية متحصله
لا بالقياس إلى غيره والتضاد من الأمور التي تعرض للمتضادين بحسب ذاتيهما لا بمقايسة
أحدهما للاخر ولا لغيرهما وإن كان مفهوم التضاد من جزئيات الإضافة فالمقابلة
بين الحمرة والصفرة مع قطع النظر عن قياسهما إلى الأطراف ثابته جزما وليست
من اقسامهما شيئا الا التضاد.
مخلص
فالحق ان يقال في وجه التفصي عن هذا الاشكال
اما عن قبل المشائين فبان التضاد انما ثبت بالذات بين طبيعتي
السواد والبياض مع قطع النظر عن خصوصيات الافراد فكل مرتبه من مراتب السواد
يضاد لكل مرتبه من مراتب البياض باعتبار اشتمال هذه على طبيعة أحد الضدين
وتلك على طبيعة الضد الاخر لا باعتبار الخصوصيات فالتضاد بين الوسطين كالحمره



(1) وجهه ان مراتب الأوساط من السواد على ما ذكره يلزم ان يكون كل منها سوادا بالنسبة
إلى ما هو دونه وبياضا بالنسبة إلى ما هو فوقه وهذا لا يستقيم على طريقه الأقدمين فإنهم قالوا
بالتشكيك في الطبيعة الواحدة فكل وسط منها على ما اختاروا يكون سوادا في نفسه وكذلك
فوقه ودونه فافهم ن ره.
120
والصفرة باعتبار كون أحدهما سوادا والاخر بياضا تضاد بالذات واما باعتبار
الخصوصيتين من كون أحدهما حمرة والاخر صفره فبالعرض فالتضاد بين الأوساط
يرجع إلى ما يرجع اليه التضاد بين الأطراف فلم يزد التقابل على الأربعة.
واما من قبل الأقدمين فبان التقابل بين مراتب كيفية واحده تقابل في الكمال
والنقص كما في مراتب الكمية من نوع واحد واما تقابل مرتبه ضعيفه من السواد
مع مرتبه ضعيفه من البياض فعلى قياس ما ذكر في الطريقة الأخرى من أن التضاد
بالذات انما هو بين سنخيهما مع قطع النظر عن الخصوصيات لكن بقي الكلام
في أن جميع الألوان من مراتب السواد والبياض أم ليس كذلك وما ذكرناه كما
ذكره يتم على الأول لا على الثاني وبناء الاشكال على مجرد الاصطلاح وهو امر
هين في العقليات والعلوم الحقيقية.
نكته
لما تبين اتصاف كل واحد من الموجودات بإضافة وسلب إذ ما من
موجود الا وله اضافه إلى غيره بالعلية أو المعلولية أو غيرهما
ويسلب عنه أشياء ولا أقل ما هو نقيضه فتقابل التضائف لا يخلو عن جنسه شئ من الأشياء
حتى واجب الوجود فإنه مبدء للأشياء وان خلا عن آحاد جزئياته كالأبوة والبنوة والمجاورة
وكذا تقابل الايجاب والسلب لا يخرج منه مطلقا ولا من كل واحد من جزئياته كالحجرية
واللاحجرية شئ من الأشياء واما القسمان الأخيران من التقابل أعني العدم والملكة
والتضاد فكما يخلو بعض الموجودات عن خاصتهما كالبرودة والحرارة
والعمى والبصر فكذلك يخلو عن مطلق تقابلهما أشياء فان المفارقات لا تقبل الضدين
ولا العدم المقابل للملكة إذ كل ما يمكن لها بالامكان العام فهو حاصل لها فلا يصح
فيها هذان القسمان من التقابل لا عاما ولا خاصا
فصل [7]
في التقابل بين الواحد والكثير

121
كيفية التقابل بين الواحد والكثير من العلوم الربانية التي حارت فيه عقول
أهل النظر وأصحاب الفكر وانما خص (1) بمعرفتها الراسخون في العلم لان تقابلهما
ليس بتقابل العدم والملكة ولا السلب والايجاب لأنهما وجوديان فلا يكون أحدهما
سلبا للاخر ولا تقابل المتضادين لعدم غاية الخلاف المعتبرة في التضاد بينهما إذ
ما من عدد الا ويتصور أكثر منه ولعدم التعاقب على موضوع واحد عددي ووحده
الهيولى المتعاقبة عليها الاتصالات والانفصالات وحده بهمه ظلية ثم الكثرة تتقوم
بالوحدة ولا يمكن تقوم ماهية أحد المتضادين بشئ من نوع الاخر وليس بينهما
تقابل التضائف والا لكان ماهية كل منهما معقوله بالقياس إلى الأخرى وليس
كذلك اما من جانب الوحدة فبين ان معقوليتها كوجود ذاتها يمكن ان ينفك
ويتجرد عن وجود الكثرة ومعقوليتها واما من جانب الكثرة فان الكثرة كثره
في ذاتها بسبب الوحدة لا بالقياس إلى الوحدة والفرق بين المعنيين واضح وقياسها
إلى الوحدة من جهة كونها معلوله لها لا من جهة كونها هي الكثرة إذ كون الكثرة
كثره غير كونها معلوله وليست الكثرة نفس المعلولية على قاعدة القوم (2) ثم
انا نجد التقابل بينهما من جهة تمانعهما لا من جهة عليتهما وارتباطهما.
وأيضا كون الشئ بحسب جوهره وماهيته مضافا إلى شئ يوجب كون ذلك
الشئ أيضا كذلك فلو كانت الكثرة جوهرية الإضافة لكانت الوحدة أيضا جوهرية
الإضافة كما هو شان المتضائفين في الانعكاس.



(1) فالوحدة الحقه التي في الوجود لا يقابل كثره المراتب المتخالفة بالكمال والنقص
وهذه هي الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة بل قد علمت أن الكثرة ليست الا الوحدة المكررة
وملاك الاشكال عليهم ان التقابل بينهما عندهم مسلم مفروغ عنه لكن الحيرة في تعيين قسم
منه واصل التقابل غير مسلم فيهما وليس بينها الا مجرد المخالفة بحسب المفهوم س ره.
(2) بل على قاعدة الكلى فان كل ماهية من حيث هي ليست الا هي لا خفاء فيه بل الوجود
الخاص الامكاني الذي هو عين المعلول بالذات والمجعول بالحقيقة على قاعدته قدس سره ليس
عين هذا المفهوم س ره.
122
وأيضا (1) يلزم كونهما متكافئين في التحقق وجودا وتعقلا من حيث هذه
هذه وتلك تلك وليس كذلك.
ومن الناس من ظن أن التقابل بينهما ليس تقابلا ذاتيا لكنهما مما عرض
لهما تقابل التضايف من جهة ان الوحدة مقومه للكثرة والكثرة معلوله متقومه بها
وهذا الكلام (2) لا يخلو من خلط لأنا نفهم تقابلا بين الواحد والكثير اللذين كل
منهما ينافي الاخر ويبطله عند حدوثه ووجوده والوحدة التي يزيلها ويبطلها
الكثرة الطارية ليست بعله لتلك الكثرة لأنها تتقوم بوحده أخرى من نوعها والمتقومة
بها مقابله لنوع آخر من الوحدة غير ما يتقوم بها كوحدة الاتصال وكثرته فانا
إذا قسمنا الجسم بنصفين فهناك وحدتان وحده كانت قبل القسمة عارضه للمتصل
الوحداني وهي ليست جزء للاثنينية العارضة لمجموع النصفين ووحده أخرى هي
عارضه لاحد النصفين هي المقومة للاثنينية ولا شبهه في عروض تقابل التضايف بين
الوحدة الحادثة والاثنينية لكن الكلام في تقابل الوحدة والاثنينية
الطارية انه من اي قسم من التقابل.
فان قلت نفس مفهوم التقابل من باب الإضافة فثبت ان تقابل الوحدة
والكثرة هو التقابل التضايفي.
قلت هذا المفهوم من الطبائع العامة العقلية التي لا يمكن تحققها الا في
ضمن شئ من اقسامها وكلامنا في تحقيق التقابل بين الواحد والكثير انه باي



(1) كما قالوا لا عليه بين المتضايفين والوحدة عله ومتقدمه بالذات والكثرة معلوله
ومتأخرة عنها س ره.
(2) يمكن ان يقال لا خلط فيه لان التفاوت بين الوحدتين انما نشا من خصوصية
القابل فنفس الوحدة لا تفاوت فيها ولا مدخلية لخصوصيات القوابل وتفاوتها بالعظم والصغر
في وحده المقبول فتقويم الوحدة للكثرة الطارئة تقويم الوحدة المطردة لها بعد اسقاط اضافتها
إلى القابل لان حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد وأيضا لو تشبث القائل بتضايف المكيلة
والمكيالية والعادية والمعدودية لم يتوجه عليه س ره.
123
نحو من الانحاء فما لم يتحقق أولا أحد اقسامه المعينة لم يتحقق هذا المفهوم في
نفسه حتى يصدق عليه انه جزئي من جزئيات مفهوم الإضافة على الوجه الذي مر.
ومنهم من زعم أن التقابل بين الواحد والكثير ليس بالذات واحتج عليه
بان موضوع المتقابلين يجب ان يكون (1) واحدا بالشخص وموضوع الوحدة
والكثرة ليس كذلك لان طريان الوحدة اما على نفس الكثرة أو على الأشياء
المتعددة التي صارت بالاجتماع شيئا واحدا هو المجموع من حيث المجموع أو على
شئ غيرها يحدث عند زوالها بحدوث الاتصال الوحداني وعلى اي تقدير ليس موضوع
أحدهما هو بعينه موضوع الاخر وقس على ذلك طريان الكثرة على الوحدة نفسها
أو موضوعها.
وفيه بحث من وجوه الأول النقض بان الدليل لو تم لدل على نفى التقابل
بين الوحدة واللاوحدة والكثرة واللاكثرة وهو بين الفساد.
والثاني ان موضوع المتقابلين (2) لا يلزم ان يكون واحدا شخصيا بل
قد يكون وحدته نوعيه أو جنسية قريبه أو بعيده كالرجولية والمرئية للانسان
والذكورية والأنوثية للحيوان وحركه (3) والسكون للجسم أو بحسب امر
أعم من هذه الأمور كلها كالخيرية والشرية للشئ كيف (4) ولو كان كذلك للزم
ان لا يكون للذاتيات واللوازم تقابل مع سلوب ونقائض لها لعدم بقاء الشخص
عند زوالها.



(1) اي المتقابلان يجب ان يتعاقبا على موضوع واحد بالشخص س ره.
(2) اي لا يلزم ان يتعاقب المتقابلان على موضوع واحد شخصي س ره.
(3) اي حركه الانسان مثلا مع سكون الجماد فإنه مثال للوحدة الجنسية البعيدة واما
حركه هذا الحجر وسكونه فمعلوم انهما يتعاقبان على موضوع شخصي وكذا في الخيرية والشرية
يراد مثل خيرية الواجب تعالى والهيولي س ره.
(4) لا يخفى ان تقابل الذاتيات اللوازم مع نقائضها انما هو بحسب حمل على لا بحسب
وجود في كما صرح به س فيما مر س ره.
124
الثالث (1) ان ما ذكره على تقدير تمامه انما يتم في الوحدة الشخصية والكثرة
المقابلة لا في غيرها فان الواحد بالمحمول أو الموضوع أو بالمناسبة مثلا قد يتكثر
فيها مع بقائه.
الرابع ان بقاء الموضوع بأي وجه كان ليس من شرائط مطلق التقابل بل
لبعضها كالتضاد كما صرح به شيخ الرئيس في قاطيغورياس الشفاء حيث قال واما
المتضائفان فليس يجب فيهما التعاقب على موضوع واحد أو اشتراكهما في موضوع
واحد حتى يكون الموضوع الذي هو عله لامر يلزمه لا محاله امكان ان يصير معلولا
أو يكون هناك موضوع مشترك وان كانت العلية والمعلولية من المضاف.
ومنهم من رأى أن التقابل بينهما بالذات من باب التضاد واستدل اما على أن
التقابل بينهما بالذات فبانا إذا نظرنا إلى مجرد مفهوميهما وقطعنا النظر عن
كون أحدهما عله أو مكيالا للاخر جزمنا بعدم اجتماعهما في ذات واحده في زمان
واحد من جهة واحده واما على أن التقابل بينهما بالتضاد فلانه ليس بشئ من
الأقسام الثلاثة الباقية للتقابل اما التضائف فلعدم كون الوحدة والكثرة متكافئين
وجودا وتعقلا كما مر والمتضائفان يجب ان يكونا كذلك واما القسمان الآخران
فلكون أحد المتقابلين فيهما سلبا للاخر والوحدة لكونها مقومه للكثرة ليست
سلبا لها والكثرة لكونها مما يتقوم بالوحدة لا يكون سلبا لها والا لكان الشئ
عله لعدمه وما يقال من أن الضد لا يتقوم بضده فمجرد دعوى بلا دليل مع أن
الواقع بخلافه ا لا ترى ان البلقة ضد لكل واحد من السواد والبياض مع أنه يتقوم بهما.
بحث وتقويم
كلام هذا القائل لا يخلو من تزلزل واضطراب لان الحكم
على هذا التقابل بالتضاد بنفي كونه أحد الاقسام الباقية مع
انتفاء شرط التضاد من جواز التعاقب على موضوع واحد وكون الطرفين على غاية



(1) اي من الشوق في دليله س ره.
125
التباعد ليس أولى من الحكم عليه بكونه أحد البواقي فيكون تخصيصا من غير
مخصص واما قوله امتناع تقوم الضد بالضد مجرد دعوى بلا دليل فهو افتراء لان
دليلهم ان الضدين متفاسدان فلا يمكن حصول ماهية حقيقية من ضدها ولا من الضدين
والأبلق ليست له ماهية وحدانية بل وحدته بمجرد الفرض والاعتبار فظهر ان لا حاصل
لما ذكروا في بيان تحصيل قسم من التقابل في تقابل الواحد والكثير فيجب
عليهم (1) ان يجعلوا له قسما خامسا الا ان المشهور ما ذكرناه من الأقسام الأربعة مع
خواصها ولوازمها
المرحلة السادسة
في العلة والمعلول وفيه فصول



(1) فيه تلويح إلى أن حصر اقسام التقابل في الأربعة ليس بعقلي دائر بين النفي والاثبات
كما يظهر من تضاعيف ما مر من كلامه ان تحديد التضاد بالحد المعروف مبنى على الاصطلاح
وقد مر الكلام فيه والذي ينبغي ان يقال في هذا المقام انا لا نشك في أن الواحد موجود وان
الكثير موجود وانهما متنافيان في الجملة فالموجود من حيث هو موجود منقسم إلى الواحد
والكثير وهو انقسام أولى يلحق الوجود بما هو وجود من غير توسيط واسطه فالمفهومان منتزعان
من الوجود لذاته فالوصفان أعني الوحدة والكثرة غير خارجين عن ذاته والا لكانا باطلين قضاء
الحق الأصالة في الوجود فهما وصفان راجعان اليه في عين انهما مختلفان وقد مر ان الوحدة
تساوق الوجود وتعم الواحد والكثير جميعا فالوجود في وحدته وكثرته يفترق بعين ما يشترك
به وبالعكس وهذه خاصية التشكيك فانقسام الوجود إلى الواحد والكثير من قبيل انقسام
الحقيقة المشككة إلى مرتبتيه المختلفتين بالشدة والضعف والكثير هو المرتبة الضعيفة لضعف
الوحدة المساوقة للوجود فيه وهو نظير انقسامه إلى الخارجي والذهني وانقسامه إلى ما بالفعل
وما بالقوة وانقسامه إلى الثابت والسيال وغير ذلك ولا ريب في انتفاء التقابل من بين مراتب
التشكيك لان رجوع ما به الاختلاف في المراتب إلى ما به الاتفاق لا يجامع الغيرية الذاتية
التي يقوم به التقابل فقد ظهر مما قدمناه ان الواحد والكثير لا تقابل بينهما من حيث هما واحد
وكثير واما قوله ره انا نفهم تقابلا بين الواحد والكثير اللذين كل منهما ينافي الاخر ويبطله
عند حدوثه ووجوده فلا يثبت بمجرد التنافي والتباطل بينهما أزيد مما يقتضيه اختلاف مراتب
التشكيك من البينونة وانعزال بعضها من بعض ط مده
126
فصل [1]
في تفسير العلة وتقسيمها
فنقول العلة لها مفهومان أحدهما هو الشئ (1) الذي يحصل من وجوده
وجود شئ آخر ومن عدمه عدم شئ آخر وثانيهما هو ما يتوقف عليه وجود الشئ
فيمتنع بعدمه ولا يجب بوجوده والعلة بالمعنى الثاني تنقسم إلى عله تامه وهي التي
لا عله (2) غيرها على الاصطلاح الأول والى عله غير تامه تنقسم إلى (3) صوره



(1) ان قلت هذا هو العلة التامة وكيف يلزم من وجودها وجود ومن اجزائها عدم
المانع والعدم نفى محض فلا يفعل شيئا بل العلة التامة المشتملة على جميع العلل
الناقصة لا وحده لها فلا وجود لها بل هي مركبه اعتبارية لم يرد تركيبها إلى الوحدة.
قلت العلة التامة قد تكون بسيطه كالعلة الأولى للمعلول الأول ولا اشكال
فيه وقد تكون مركبه كعلل الكائنات ومن أجلى البديهيات ان فاعل الموجود يجب
ان يكون موجودا وحينئذ فاما ان يراد مع وجود العلة التامة للموجود وجود الفاعل المستجمع
لجميع شرائط التأثير ولا اشكال في وجودها بهذا المعنى ولا غرو في توقف تأثير الفاعل على
امر عدمي لأنه ليس مفيدا ومفيضا للوجود انما المفيد هو الفاعل واما ان يراد من وجودها
وجود كل جزء منها بحسبه فان مدخلية بعضها في وجود المعلول بوجوده كالفاعل والمادة والصورة
والشرط وبعضها بعدمه كالمانع وبعضها بوجوده وعدمه كالمعد فقولهم لا بد من وجود
العلة التامة للموجود الوجود فيه من الوجدان وقال صاحب المواقف ان عدم المانع كاشف
عن شرط وجودي كعدم الباب المانع للدخول فإنه كاشف عن وجود فضائله قوام يمكن النفوذ
فيه وكعدم العمود المانع لسقوط السقف بأنه كاشف عن وجود مسافة يمكن تحرك السقف فيه
للسقوط الا انه ربما لا يعلم الشرط الوجودي الا بلازم عدمي فيعبر عنه بذلك اللازم فيسبق إلى أوهام
انه مؤثر في الوجود انتهى فعنده جميع الأمور الداخلة في العلة التامة وجوديه فيكون هي أيضا
موجوده لوجود اجزائها بأسرها والسؤال والجواب جاريان في الفصل الثاني في قوله في وجوب
وجود العلة عند وجود معلولها وفي وجوب وجود المعلول عند وجود علته س ره.
(2) وانما عدل عن قولهم العلة التامة جميع ما يحتاج اليه الشئ إذ لا يلزم كونها مركبه
كالعلة الأول للمعلول الأول وقوله على الاصطلاح الأول متعلق بقوله عله تامه أو متعلق بمحذوف
اي زيادة وعلاوة على المعنى الأول لان المعنى الأول يصدق على الجزء الأخير من العلة التامة
ويقال عليه السبب بمعنى أخص فالحاصل ان الشئ الذي يحصل من وجوده الوجود ولا عله
غيره س ره.
(3) من العلل الناقصة الشرط وارتفاع المانع وكثيرا ما لا يفردان بالذكر لجعلهما صوره
من تتمه الفاعل إذ المراد بالفاعل هو العلة المستقلة بالفاعلية وربما يجعلان من تتمه المادة
لامتناع قبول الشئ صوره بدون حصول شرائطه وارتفاع موانعه وفي شرح الملخص جعل الأدوات
من تتمه الفاعل وما عداها من عداد المادة ومثله الكلام في الشق الثاني من وجه الضبط
إذ مما ليس بجزء الشرط ورفع المانع واما الموضوع للعرض فهو من عداد المادة لكونه قريب الشبه
بها كما أشار اليه قدس سره واما الجنس والفصل فهما بشرط لا مادة وصوره س ره.
127
ومادة وغاية وفاعل.
والقائل بان اطلاق اسم العلة على هذه الأربعة بالاشتراك مخط لا سيما ويذكر
ان العلة تنقسم إلى كذا والى كذا بل الحق انها مقولة على الكل بالمعنى الثاني.
وربما يقولون إن العلة اما ان يكون جزء ا للشئ أو لا يكون والجزء ينقسم
إلى ما به يكون الشئ بالفعل وهي الصورة والى ما به يكون الشئ بالقوة وهي المادة
والتي ليست بجزء اما ان يكون ما لأجله الشئ وهي الغاية أو ما يكون به الشئ
وهو الفاعل وقد يخص الفاعل بما منه الشئ المبائن من حيث هو مبائن ويسمى ما منه
الشئ المقارن باسم العنصر والمادة أيضا يختلف اعتبار عليتها إلى ما منها كالنوع
العنصري والى ما فيها كالهيئات فربما يجمع الجميع في اسم العلة المادية لاشتراكها
في معنى القوة والاستعداد فيكون العلل أربعا.
وربما (1) يفصل فيكون خمسا والصورة أيضا يختلف نحو تقويمها للمادة
وللمجموع منها والأولى ارجاعها بالاعتبار الأول إلى الفاعلية وان كانت مع شريك
غير مقارن موجب لإفادة هذه العلة واقامه قرينها بها كما سيتضح بيانه في بحث كيفية



(1) والمحقق الشريف في شرح المواقف ذكر تقسيما تفصيليا بقوله العلة الناقصة
وهي ما يتوقف عليه الشئ في وجوده اما جزء له أو خارج عنه والثاني اما محل للمعلول فهو
الموضوع بالقياس إلى العرض والمحل القابل بالقياس إلى الصورة الجوهرية وحدها واما
غير محل له فاما ما منه فاعل الوجود أو ما لأجله غاية الوجود أو لا هذا ولا ذاك وحينئذ اما ان يكون
وجوديا هو الشرط أو عدميا وهو عدم المانع والأول أعني ما يكون جزء ا اما ان يكون جزء ا عقليا
وهو الجنس والفصل أو جزء ا خارجيا وهو المادة والصورة انتهى والمنفصلة في قوله وحينئذ
اما ان يكون وجوديا الخ منع الخلو فيشمل المعد أيضا س ره.
128
التلازم بين المادة والصورة فالصورة وان كانت صوره للمادة لكن ليست عله صورية
لها بل عله فاعليه لها فعلم من هاهنا أيضا فساد ظن من خصص الفاعل بالغير المقارن
والقابل أيضا إذا كان مبدء ا لما فيه لا يكون مبدء ا للصورة لتقدمها عليه بل للعرض لتقومه
أولا بالصورة بالفعل لأنه باعتبار ذاته انما يكون بالقوة وما بالقوة من جهة ما هو
بالقوة لا يكون مبدء ا البتة ولكن يكون مبدء ا لماهية المركب أو لوجود العرض
بعد ما تقوم بالصورة.
واتضح بما ذكرناه ان كل واحده من المادة والصورة مما يكون عله قريبه
وبعيده للمركب منهما باعتبارين اما الصورة فإذا كانت صوره حقيقية مقولة من الجوهر
تكون مقومه للمادة بالفعل والمادة عله للمركب فيكون الصورة عله لعله المركب
بهذا الاعتبار ولكنه من حيث هي جزء صوري للمركب عله صورية له فلا واسطه بينهما
واما المادة فإذا كان المركب ماهية صنفيه وكانت الصورة هياه عرضية تكون المادة
موضوعا مقوما لذلك العرض الذي هو عله صورية للمركب الصنفي فكانت المادة
عله عله المركب من هذه الجهة على أنها (1) من حيث كونها جزء ا للمركب عله
مادية له فلا واسطه بينهما.
وبالجملة المادة والصورة علتان قريبتان للمعلول من حيث هما جزآن له فيكون
إحداهما عله صورية والأخرى عله مادية وإذا كانت إحداهما عله عله المركب فليس
نحو تقويمها للمركب هذا النحو بل المادة في تقويمها التوسيطي للمركب ليست
عله مادية له وكذا الصورة في تقويمها التوسيطي للمركب ليست سببا صوريا.
ثم اعلم أن هذه العلل الأربع يوجد بينها مناسبات وارتباطات كثيره.
منها ان كل واحد من الفاعل والغاية سبب للاخر من جهة فالفاعل من
جهة سبب للغاية وكيف لا وهو الذي يحصلها في الخارج والغاية من جهة سبب



(1) اي مع أنها وهكذا نظيرتها س ره.
129
للفاعل وكيف لا وهي التي يفعل الفاعل لأجلها ولذلك إذا قيل لك لم ترتاض
فتقول لأصح وإذا قيل لم صححت فتقول لأني ارتضت فالرياضة سبب فاعلي
للصحة والصحة سبب غائي للرياضة والفاعل عله لوجود ماهية الغاية في العين
لا لكون الغاية غاية ولا لماهيتها والغاية عله (1) لكون الفاعل فاعلا.
ومنها ان كل وحدات من المادة والصورة سبب للأخرى بوجه آخر كما
أشير اليه.
ومنها ان بعض هذه العلل مما يتحد مع بعض آخر كما سيجئ ان فاعل
الكل هو غاية الكل وجودا وعقلا وربما يتفق ان يكون ماهية ثلاث منها وهي
الفاعل والصورة والغاية ماهية واحده فان في الأب (2) مبدءا لتكون الصورة الادمية
من النطفة وهو صوره الادمية لا شئ آخر منه وليس الحاصل في النطفة الا
صوره آدمية وهي أيضا الغاية التي يتحرك إليها النطفة لكنها من حيث تقوم مع
المادة نوع الانسان فهي صوره ومن حيث يبتدى تحريكها منه فهي فاعله ومن
حيث ينتهى تحريكها اليه فهي غاية فإذا قيست تلك الوحدة إلى المادة والمركب
كانت صوره وعلة صورية باعتبارين وإذا قيست إلى حركه كانت فاعله مره وغاية
مره فاعله باعتبار ابتداء حركه وهي صوره الأب وغاية باعتبار انتهاء حركه
وهي صوره الأين كما فصل في كتاب الشفاء



(1) اي بوجودها الذهني عله لكون الفاعل اي ذات الفاعل متصفة بالفاعلية إذ كما أن
كون الغاية غاية ليس بعله كذلك كون الفاعل فاعلا س ره.
(2) المراد بالصورة الادمية الصورة النوعية في الانسان فإنها فاعله من حيث إنها
في الأب للصورة النوعية من حيث إنها في الابن كما ذكره وإن كان الفاعل الإلهي هو الله أو
بعض مقربي حضرته بحوله وقوته وليس المراد بها الشكل والتخاطيط فان فاعلها الطبيعي
القوة المصورة عند الشيخ أو فاعلها رب النوع عند الاشراقي لا الصورة والشكل الذي في الأب
وهو ظاهر س ره.
130
فصل [2]
في وجوب وجود العلة عند وجود معلولها وفي وجوب وجود
المعلول عند وجود علته
اما الأول فالمعلول لما كان في ذاته ممكن الوجود والعدم لما عرفت ان الوجوب
والامتناع يغنيان الشئ عن الحاجة إلى العلة فلا بد في رجحان أحد طرفيه على الاخر
من الاحتياج إلى المرجح ولا بد ان يكون ذلك المرجح حاصلا حال حصول ذلك
الترجيح والا لكان غنيا عنه ثم المرجح للوجود لما امتنع ان يكون عدميا وجب ان يكون
وجوديا فاذن لا بد من وجود المرجح حال حصول الراجح وهو المطلوب واما الثاني فقال
المحصلون ان واجب الوجود إذا كان مرجحا لوجود غيره فاما ان يكون لذاته المخصوصة
مرجحا لوجود ما سواه فلا يتقدم على وجود الممكنات غير ذاته أو لامر لازم له كما
يفرض صفه لذاته على ما يتوهمه العامة من أن له صفات واجبه الوجود فالمرجح دائم
فيدوم الترجيح إذ لو حصل هو ولا يفرض معه من الصفات الدائمة ولم يحصل الشئ فليس
مؤثر الوجود الممكنات بحيث لم يتوقف تأثيره على غيره وذلك لان ما به يكون
المؤثر مؤثرا متى تحقق فصدور الأثر عنه اما ممكن أو واجب فإن كان ممكنا
استدعى سببا آخر مرجحا فحينئذ لا يصير المرجح مرجحا الا مع ذلك المرجح
الاخر وقد فرضنا ان مؤثريته غير محتاج إلى شئ آخر هذا خلف ثم الكلام
في صدور الأثر بعد انضمام ذلك المرجح باق فاما ان يلزم التسلسل أو يثبت
انه متى وجد المؤثر بتمامه وجب الأثر ودام بدوامه واما ان كانت مؤثريته لا لذاته
المخصوصة ولا لشئ من لوازم ذاته كانت لامر منفصل وهو إن كان حادثا فالكلام
فيه كالكلام في المعلول الأول ولا يتسلسل بل لا بد وان ينتهى إلى واجب الوجود
فيعود الكلام إلى أنه يلزم دوامه بدوام علته وذلك لا يختلف بان يسمى ذلك الحادث
وقتا أو مصلحة أو داعيا أو اراده أو اي شئ كان.
فان قيل الباري تعالى فاعل مختار ويجوز ان يختار باختيار قديم احداث

131
شئ معين في زمان معين دون غيره من الأزمنة.
قلنا وهل أمكنه ان يختار الايجاد في غير ذلك الوقت أم لم يمكن فإن لم
يمكن ذلك (1) فهو موجب لا مختار.
وأيضا (2) وجب حينئذ تحقق الفعل مع كونه في ذلك الوقت في الأزل.
وأيضا عند وقوع ذلك الفعل يبطل الاختيار لايقاعه فذلك الاختيار لا يكون
واجبا والا لم يبطل عند وقوعه ولا من لوازم ذاته لما ذكرناه فلا بد وأن يكون
وجوبه بعله أخرى لان الذات لو كفت في وجوبه لما بطل عند وقوع الفعل بل دام
بدوامها وليس كذلك وكونه واجبا بعله أخرى أيضا محال لان ما عدا ذاته يستند
إلى اختياره فلو كان اختياره مستندا إلى ما عدا ذاته يلزم الدور وإن كان يمكنه ان
يختار ايقاع العالم في غير ذلك الوقت الذي اختار ايقاعه فيه لم يترجح أحد الاختيارين
على الاخر الا لمرجح وننقل الكلام إلى ذلك المرجح فهو إن كان اختيار آخر تسلسلت
الاختيارات وانتهت إلى ذاته فعاد الكلام في صدور أول الصوادر عن ذاته سواء ا كان



(1) هذا الزامي مبنى على مذهب الخصم القائل بالحدوث بمعنى مسبوقية وجود العالم
بالعدم في الأزمنة الموهومة السابقة سبقا انفكاكيا كالأشاعرة فان الاختيار والوجوب
عندهم متنافيان ولذا أنكروا مقدمه الشئ ما لم يجب لم يوجب واما على مذهب غيرهم
فالوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار فيجوز ان يكون الايجاد فيما لا يزال واجبا وفي الأزل
ممتنعا مع كونه تعالى مختارا س ره.
(2) لان الاختيار مسبوقية الفعل بالعلم والمشية والإرادة والقدرة وعلمه تعالى فعلى
منشأ لوجود المعلوم وأيضا ارادته نافذة وأيضا على هذا التقدير كان فعله تعالى وابداعه محتاج
إلى حضور ذلك الوقت ولنا مدفع آخر وهو ان الإرادة موجبه للفعل ونسبته إلى القدرة عندهم
نسبه الوجوب إلى الامكان لأنها الجزء الأخير من العلة التامة الذي لا يتخلف عنه المعلول
لان الإرادة هي القصد المتعقب للعزم والجزم والميل والاختيار مسبوقية الفعل بالأربعة
المذكورة أو نفس الإرادة فالفعل كيف يتخلف عنه وذلك الاختيار الذي في وقت والفعل
في وقت آخر علم ورؤية وتصديق وجزم وتلك الإرادة ميلى كلى كما يروى أحد في الشتاء ان
يبنى في الصيف س ره.
132
اختيارا أو شيئا آخر فعند ذلك افترق الناس وتحزبوا احزابا.
فمنهم من قال بجواز ان يختار المختار أحد الامرين متساويين دون الاخر
لا لامر أوجب عليه ذلك كما أن الهارب من السبع إذا عن له طريقان متساويان
من جميع الوجوه فإنه يسلك أحدهما باختياره دون الاخر لا لمرجح.
ومنهم من قال شان الإرادة (1) تخصيص أحد الجانبين المتساويين بالوقوع
لا بناء ا على أولوية أو داع أو لميه بل لان خاصية الإرادة ان ترجح أحد المتماثلين
من دون الحاجة إلى مرجح ولمية لان كونها صفه مرجحة من الصفات النفسية لها
ومن لوازم الماهية وهي غير معللة فان كون الانسان حيوانا لا يعلل ولا كون
المثلث ذا الزوايا بعله.
ومنهم من قال إنه تعالى عالم بجميع المعلومات فيعلم انه اي المعلومات
يقع وايها لا يقع فما علم منه انه سيقع يكون واجب الوقوع لأنه لو لم يقع كان علمه
جهلا وإذا كان ذلك مختصا بالوقوع وغيره (2) ممتنع الوقوع فلا جرم (3) يريد
ما يعلم أنه يقع ولا يريد غيره لان اراده المحال محال.
ومنهم من قال إن افعاله تعالى غير خاليه عن المصالح وان كنا لا نعلم
تلك المصالح فتخصيص الباري ايجاده بوقت معين لأجل كونه عالما بان وقوعه
في ذلك الوقت متضمن مصلحة يفوت ان وقع في غيره.
ومنهم من قال عدم صدور الفعل عنه في الأزل ليس لامر (4) يرجع إلى الفاعل



(1) فنسبه الإرادة إلى القدرة عندهم نسبه الوجوب إلى الامكان س ره.
(2) اي وقوعه قبل زمان وقوع زمانه ممتنع س ره.
(3) يعنى ان الإرادة تابعه للعلم فتمضى ما يحكم العلم بامكانه يعنى وقوعه فيما لا يزال
ممكن لا قبله وقد علمت أنه ممنوع س ره.
(4) وبهذا يمتاز عن القول بأنه تعالى يريد ما يعلم أنه يقع الذي مر ذكره إذ جعل هناك
عله الحدوث هي علمه وهنا جعل الحدوث ذاتيا للفعل س ره.
133
بل لامر يرجع إلى الفعل من حيث إن الفعل ما له أول والأزل ما لا أول له والجمع
بينهما متناقض ممتنع.
أقول هذا القول مما له وجه صحيح لو تفطن قائله به كما سيظهر لك في
حدوث عالم الأجسام.
ومنهم من أثبت على واجب الوجود إرادات متجددة غير متناهية سابقه ولاحقه
وزعم أنه يفعل شيئا ثم يريد بعده شيئا آخر فيفعل ثم يريد.
ولنشرع في هدم بنيان هذه الأقوال وبيان الخلل فيها.
اما القول بأنه لم لا يجوز ترجيح أحد الاختيارين لا لمرجح فدفعه بوجهين
الأول (1) ان الطريق إلى اثبات الصانع ينسد بسببه فان الطريق اليه هو
ان الجائز لا يستغنى عن المؤثر فلو أبطلنا هذه القاعدة لم يمكننا اثبات واجب الوجود.
الثاني ما سبق من بيان حاجه الممكن الوجود والعدم إلى السبب مع أنه
معلوم بالبداهة ومن أنكره عانده لسانا وأقر به ضميرا وما أورده من الصور فما
لم يتحقق هناك مرجح استحال حصول أحد الجانبين فان وجود المرجح غير العلم
بوجوده والضروري هو وجوده لا العلم به وربما ينفك أحدهما عن الاخر وهذا
مما يجده العاقل من نفسه أحيانا فإنه عند تساوى الدواعي للجهات يقف في موضعه
ولا يتحرك ما لم يظهر مرجح.
واما قول من قال كون الإرادة مرجحة صفه ذاتية وهي من خاصيتها فلا حاصل
له فان الإرادة إذا كان الجانبان بالنسبة إليها سواء ا لا يتخصص أحدهما الا بمرجح



(1) ان قلت تجويز الترجيح بلا مرجح انكار المرجح الغائي وانسداد باب اثبات
الصانع لانكار المرجح الفاعلي وبالجملة المستلزم لذلك هو الترجح لا الترجيح.
قلت لما كان الترجيح بلا مرجح مستلزما للترجح بلا مرجح الزم ما الزم فالترجح
يلزم في الترجيحين والكلام في ترجيح أحد الاختيارين لا المختارين كما ترى وأيضا لما كان
المرجح الغائي عله فاعليه الفاعل عند مثبتيه كان انكاره انكار الفاعل س ره.
134
إذ لا يقع الممكن الا بمرجح واما الخاصية التي يدعونها فهو هوس أليس لو اختير
الجانب الآخر الذي فرض مساويا لهذا الجانب كانت تلك الخاصية حاصله معه أيضا
ثم تعلق الإرادة بشئ مع أن نسبتها إلى الجانبين متساوية غير معقول فان الإرادة
ما حصلت أو لا اراده بشئ ثم تعلقت فان المريد لا يريد اي شئ اتفق ولا شيئا ما
مطلقا فإنها من الصفات الإضافية ولا يعقل اراده غير مضافة إلى شئ ولا أيضا
مضافة إلى شئ ما على الاطلاق ثم يعرض لتلك الإرادة التخصيص ببعض جهات الامكان
بل إذا وقع تصور وحصل ادراك مرجح لاحد الجانبين يحصل اراده متخصصة بأحدهما
فالترجح متقدم على الإرادة
واما الذي ذكروه ثالثا انه يريد ما علم أنه سيقع فنقول علمه بوقوعه (1)
في وقت كذا إذا كان تابعا لوقوعه في ذلك الوقت المعين ولا شك ان تخصيص وقوعه
في ذلك الوقت تبع لقصده إلى ايقاعه فيه فلو كان القصد إلى ايقاعه فيه تابعا لعلمه بوقوعه
فيه لزم الدور.
وأيضا (2) قد علمت بطلان شيئية المعدومات وان الماهيات تابعه للوجودات



(1) لعلك تقول لم يقولوا بالتابعية بل ما قالوا بشئ يقول به أهل التحقيق أيضا
الا قولهم ذلك مختص بالوقوع وغيره ممتنع الوقوع لان أهل التحقيق أيضا يقول يعلم أن
اي المعلومات تقع وهي الممكنات وايها لا تقع وهي الممتنعات وارادته يتعلق بالممكنات
ولا يلزم من مجرد هذا القول التابعية.
أقول معلوم من خارج ان الأشاعرة قائلون بتابعية العلم ولو قالوا بالعلم الفعلي
الذي قبل المعلوم لزم القدم عليهم ولزم الجبر باعتقادهم في العلم بشقاوة الشقي مثلا أو
يقال عليهم برهانا ان العلم بما عليه الشئ في نفس الامر يستدعى وجود الشئ المعلوم إذ المعدوم
مجهول ولا يخبر عنه ولو لم يكن للمعلوم شئ عند العالم وجودا ولا ماهية كيف يعلم وكيف
يتميز وعندي في كلامهم مصادره إذ جعلوا الوقوع في وقت معين مفروغا عنه كما لا يخفى س ره.
(2) يعنى علمه في الأزل بما عليه الشئ إن كان بسبب شيئية الوجود لزم الدور
وإن كان بسبب شيئية الماهية يلزم ثبوت المعدوم وإن كان بسبب شيئية الماهية والعين الثابت
متقررا بوجود الحق تعالى تبعا وتطفلا كما سيجئ في الإلهيات فهو شئ لم يصلوا اليه فضلا
عن وصولهم إلى كونه بسبب انطواء وجودات الأشياء بنحو أعلى وابسط في وجود بسيط الحقيقة مع أن
ذلك العلم الأزلي الوجوبي لا يكون مخصصا للحدوث لكونه فعليا س ره.
135
وستعلم ان علمه تعالى سبب لتحصل الممكنات متقدم عليها لا انه تابع لحصولها.
واما الذي ذكروه رابعا من رعاية مصالح العباد فنقول المصلحة المرتبة على
وقوع الفعل في وقت معين اما ان يكون من لوازم وجود ذلك الفعل فحينئذ يترتب
عليه متى وجد وما يكون كذلك لا يكون مرجحا لوقت دون وقت واما ان لا يكون من لوازم
وجود ذلك الفعل فحينئذ ترتب تلك المصلحة على حصوله في ذلك الوقت دون سائر الأوقات
من قبيل الجائزات فننقل الكلام إلى سبب التخصيص به دون غيره من الأوقات اللهم الا
ان يكون المؤثر في التخصيص بذلك الوقت ذات الوقت فيكون الوقت (1) امرا وجوديا
ولا وقت الا وقبله وقت آخر فإذا كانت الأوقات موجوده وهي مترتبة لا محاله وممكنة
الوجود وصادره عن الباري تعالى فمؤثريته (2) تعالى تكون دائما وهو المطلوب
وأيضا فكيف يقنع العاقل من عقله بان يقول لو زاد في مقدار هذا العالم بما لا يحصى
اضعاف اضعافه بطلت مصالح العباد ولو قدم خلقه على الوقت المعين زمانا لا يحصى
اضعاف اضعافه بطلت مصالحهم.
وأيضا يلزم ان يكون فعل الله المطلق معللا بغيره واما قولهم انما يحصل
سابقا لامتناع الفعل فهذا وإن كان (3) له وجه في جزئيات الافعال وخصوصيات
الطبائع المتجددة بهوياتها الشخصية لكن يمتنع القول به في مطلق الصنع والايجاد



(1) فيه تلميح إلى ابطال قول الكعبي ان مخصص الحدوث ذات الوقت س ره.
(2) فيه إشارة لطيفه إلى كون اللازم من البيان والثابت بهذا الوجه من البرهان
انما هو دوام الإضافة والصنع والتأثير والايجاد لا المصنوع اي الامر لا الخلق وهذا هو المراد
من قوله بعيد ذلك في الفعل المطلق وقوله في مطلق الصنع ومن ثمة صدر هذا الرأي
في ابتداء الكلام بما ذهب اليه المحصلون والقول بدوام ما سوى الذات وصفاتها تعالى شانها
وبقدم مخلوق ما كفر وضلال ما قال به أصحاب معارج الكمال من أساطين الحكمة هكذا يجب
ان يقرر المقال ولكنه صعب المنال ن ره.
(3) وأيضا يصح في الحدوث التجددي فان عالم الملك المتجدد بالذات يأبى بذاته
عن الأزلية والثبات وكونه واقعا في صف نعال محفل الإفاضة ذاتي لهذا الوجود الطبيعي
ومع ذلك لا انقطاع لفيضه تعالى س ره.
136
لما سنبين ان الممكن انما يفتقر إلى العلة لامكانه لا لحدوثه وانه لا يجب في
الفعل المطلق سبق العدم وان كون العالم (1) ممكن الحدوث ليس له ابتداء إذ
لا وقت يفرض لان يكون أول أوقات الامكان للشئ الا وهو ممكن الحدوث قبله
ثم تخصيص الشئ بوقته وكونه مسبوقا بالعدم الخاص الزماني انما يوجد ويحصل
بعد وجود الزمان كما أن تخصيصه بمكان خاص دون غيره انما يتحقق بعد
وجود المكان.
وهم وازاله
قال بعضهم ان العالم سواء ا كانت قديم الذات أو لم يكن فلا
يخلو عن صفات حادثه وتغيرات واستحالات لا ينفك عن زوال
شئ وحدوث آخر فبأي طريق وقع الاستناد إلى الواجب تعالى في هذه الحوادث
فليقع في استناد أصل العالم اليه مع أن يكون محدثا ودفع بان العلة قد تكون
معده وقد تكون مؤثره اما المعدة فيجوز تقدمها على المعلول إذ هي غير مؤثره
في وجود المعلول بل هي تقرب الأثر إلى المعلول واما المؤثرة فإنها يجب أن تكون
مقارنه للأثر موجوده معه مثاله في الافعال الطبيعية هو ان الثقل عله للهوى فكلما
وصل الثقيل منتهيا إلى حد من حدود المسافة في هويه يصير ذلك الانتهاء سببا لاستعداد
ان يهوى منه إلى الحد الذي يليه فالعلة المؤثرة في الوصول إلى كل حد هي الثقل
والمعدة هي حركه السابقة على ذلك الوصول فبهذه الطريقة يمكن استناد الحوادث
بواسطة حركه يقرب العلة إلى المعلول ويجعل المادة مستعدة لقبول التأثير إلى سبب
قديم مؤثر في وجود العالم بجميع افراده واجزائه السابقة واللاحقة فان كل
شئ فرض أول الحوادث أو ابتدائها فلا بد وأن يكون قبله حركه وتغير ليكون سببا
لحدوث الاستعداد وقرب المناسبة لذلك الحادث من المفيض.



(1) إذ فرق بين امكان الأزلية وأزلية الامكان س ره.
137
ومن هاهنا (1) يحصل مبدأ برهان آخر على دوام الفاعلية وعدم انقطاع الفيض
والجود على الممكنات وبيانه ان هذه الحوادث لا بد لها من أسباب ولا بد وأن يكون
أسبابها حادثه أو بمداخله أمور حادثه فاما ان يكون حدوثها لحدوث علتها
المؤثرة دفعه أو لحدوث علتها المعدة المقربة لعلتها منها والأول يوجب وجود علل
ومعلولات غير متناهية دفعه وهو محال فاذن حدوثها لأجل حدوث قرب من علتها
وذلك القرب لأجل عله معده يصير الحادث بها مستعدا لقبول الفيض عن واهب الصور
فتلك الأمور المتعاقبة اما ان يكون أنيات الوجود وهو محال كما ستعلم ومع محاليته
لا يكون بينها اتصال فلا يحصل المواصلة والارتباط بين الحادث وبينها فلم يكن السابق
ضروري الانتهاء إلى اللاحق فلم تكن معده فيبقى ان تلك الأمور المتعاقبة كشئ
واحد متصل لا حدود له بالفعل وذلك الشئ اما هويه اتصالية متدرجة الوجود لذاته أو ما يتعلق
بها كالزمان وحركه فثبت ان السبب القريب لحدوث الحوادث امر متقض متجدد على
نعت الاتصال غير مركب من أمور آنية غير منقسمة وهذا من مبادي العلم الطبيعي به
تثبت مسألة ابطال الجزء الذي لا يتجزى واتصال الجوهر الجسماني فظهر انه
يمتنع حدوث حادث الا وقبله حادث آخر لا إلى نهاية وللمخالفين (2) لهذا الأصل
مسلكان الأول ان الفعل لا يكون الا بعد سبق العدم والأزل ما لا أول له والجمع
بينها تناقض والاخر ان كون الحركات والحوادث لا أول لها ممتنع من وجوه سيأتي
بيانها وبيان دفعها
فصل [3]
في أن ما مع العلة هل يكون متقدما على المعلول
ذكر الشيخ في النهج السادس من الإشارات ان ما مع العلة المتقدمة على المعلول



(1) وهذا شئ غريب إذ ما هو مناط الحدوث مناط الدوام س ره.
(2) اي كون ما به الربط للحوادث بالقديم شيئا متصلا غير مسبوق بزمان محقق أو
موهوم س ره.
138
لا يجب تقدمه على المعلول لان تقدم العلة على المعلول ليس بالزمان حتى يجب ان يكون
ما معه متقدما عليه أيضا بالزمان بل ذلك التقدم لأجل العلية والذي مع العلة إذا لم
يكن عله لم يكن له تقدم بالعلية وإذا لم يكن تقدم بالزمان ولا بالعلية فليس هناك
تقدم أصلا.
قال بعض العلماء وفيه بحث (1) وهو انه ليس كل تقدم اما بالعلية واما
بالزمان حتى يلزم من عدمهما عدم التقدم أصلا بل من اقسام التقدم ما يكون بالطبع
كتقدم الواحد على الاثنين فيجوز ان يكون تقدم ما مع العلة للشئ تقدما (2)
آخر غير تقدم ما بالعلية والزمان.
أقول ليس غرض الشيخ نفى سائر التقدمات عن الذي مع التقدم بالعلية بل
التقدم الذي بإزاء المعية فان المراد من ما مع العلة ما يكون معيته (3) هذه المعية
التي بالقياس إلى التقدم بالعلية فأشار إلى قاعدة كليه وهي ان ما مع الشئ المتقدم
في بعض التقدمات يكون متقدما أيضا كتقدم المعلول الاخر وفي بعضها ليس كذلك
فمن قبيل الأول ما مع المتقدم بالزمان فإنه لا بد وأن يكون متقدما أيضا بالزمان
ومن قبيل الثاني ما مع المتقدم بالعلية على شئ إذ لا يتقدم هذا التقدم على ذلك الشئ



(1) الظاهر أن هذه المناقشة من سوء الفهم فان المراد في كلام الشيخ من العلة العلة
التامة ولا معنى لفرض المعلول للعلة التامة في العلية ولا معنى لتقدم ما مع العلة على المعلول
بالزمان لاتحاد العلة والمعلول في الزمان وهما ظاهر وكذا لا معنى لفرض المعية بالطبع في
مورد الفرض فان التقدم والتأخر والمعية في العلة الناقصة ولا معنى لفرض
العلة الناقصة مع العلة التامة لا خارجه منها ولا داخله فيها ولا معنى لفرض المعية بالتجوهر أيضا وهو ظاهر
فاذن صح قول الشيخ فليس هناك تقدم أصلا الخ ط مد.
(2) كالتقدم بالرتبة وبالشرف للفلك الحاوي الذي مع العقل الثاني على المحوي
واما التقدم بالطبع الذي صرح به الباحث فهو كتقدم الجزء الأخير من العلة التامة الذي يقال له
السبب في اصطلاح على المعلول وتقدم رفع المانع عليه فإنهما مع العلة التامة س ره.
(3) لا يلزم كطلوع الشمس الذي مع حركه اليد التي هي متقدمة على حركه المفتاح
نعم معيه الفلك الحاوي مع العقل الثاني بالذات لكونها معلولي عله واحده س ره.
139
وكذا الحال فيما مع المتقدم بالطبع كالجنس (1) وخاصته كالحيوان والماشي فان
الأول متقدم بالطبع على الانسان دون الاخر وهما متأخران جميعا عن الجنس العالي
كالجوهر وكذا من قبيل الأول أيضا ما مع المتقدم بالشرف لأنه الذي له فضيلة كفضيلة
ذلك المتقدم فيكون ذا تقدم في الفضيلة مثل تقدمه وكذا إذا كان أحدهما متأخرا
في الفضيلة عن واحد وهكذا المتقدم بالرتبة كتقدم الحيوان وما معه فصلا مقوما أو
خاصه بالرتبة على الانسان مثلا إذا كان المبدأ هو الجنس العالي وعلى الجوهر إذا
كان المبدأ زيدا مثلا.
ثم إن هاهنا بحثا آخر مع الشيخ قد توهمه الإمام الرازي وذكر في سائر كتبه
من أنه حكم بان الفلك الحاوي مع عله الفلك المحوي إذا صدرا عن عله واحده
فيكونان معين ثم إن عله المحوي متقدمة عليه ولا يمكن للحاوي تقدم عليه
لان وجود المحوي وعدم الخلا في الحاوي متلازمان معا فلو احتاج وجود المحوي
إلى الحاوي لاحتاج عدم الخلا اليه فيكون عدم الخلا محتاجا إلى الغير وما يحتاج
إلى الغير كان ممكنا لذاته فعدم الخلا ممكن لذاته هذا خلف
ثم ذكر الشيخ في السماء والعالم من الشفاء في بيان تأخر الاجرام العنصرية
عن الابداعيات بالطبع فقال ثبت ان الابداعيات علل لتحدد احيازها واحيازها معها
بالذات والمتقدم على المعلول متقدم فلما كان الابداعيات متقدمة على احياز العنصريات
وجب تقدمها على العنصريات.
قال (2) هذا الكلام تصريح بان المتقدم على المعلول متقدم والكلام الأول



(1) ان قلت كيف يكون العرضي مع معروضه.
قلت هذه المعية بالرتبة عين اعتبار التقدم والتأخر بالرتبة العقلية في الأجناس وجعل
الجوهر أو الانسان مبدء محدودا كما هو المشهور في كتب القوم فلا ينافي المعية بهذا الاعتبار
التقدم والتأخر باعتبار آخر س ره.
(2) كان الامام يدعى التلازم في الجواز والمنع بين القولين أعني ما مع المتقدم متقدم
وما مع المتأخر متأخر فتصدى لابداء المناقضة في كلام الشيخ ان ما مع باعتبار تجويز أحدهما
ومنع الاخر وان لم يكن في كلام الشيخ المتقدم متقدم لكن هذا الادعاء باطل وأين مسالة امتناع
توارد العلتين على المعلول الشخصي من جواز كون العلة ذات معلولين كما قال المصنف ره والواحد
وان لم يصدر عنه الا الواحد لكنه في الواحد الحقيقي والفلك لكونه مركبا من الأجزاء الخارجية فضلا
عن الاجزاء العقلية والجهات الكثيرة يجوز ان يكون عله للاحياز ولنفس المتحيزات س ره.
140
تصريح بان ما مع المتقدم ليس بمتقدم ولا بد من فرق بين الموضعين يدفع به التناقض
وهو مشكل جدا.
أقول لا تناقض أصلا والفرق بين الموضعين في غاية الوضوح والانجلاء فان
المعية بالعلية عبارة عن معيه أمرين هما معلولا عله واحده والتقدم بالعلة اما نفس
كون الشئ عله أو ما يلزم ذلك ثم إن ذلك الشئ الواحد لا يكون له علتان وقد
يكون له معلولان فالمعلولان هما معان وهما متأخران عن علتهما فما مع المتأخر
متأخر لا محاله ولكن إذا كان أحد المعين عله لشئ متقدما عليه فيمتنع ان يكون
المعلول الاخر عله له أيضا والا لزم اجتماع العلتين على معلول واحد فلا اشكال.
والعجب أن المحقق الطوسي ذهل عن هذا الفرق الواضح الجلي وتكلف
في الجواب شيئا آخر مما لا وجه له (1) وهو ان المعية قد تكون بالذات وقد تكون
لا بالذات والطبع بل بمجرد الاتفاق ولا شك ان وقوع اسم المعلول في الموضعين
ليس بمعنى واحد فلعل الفرق هو تلك المباينة المعنوية
فصل [4]
في ابطال الدور والتسليل في العلل والمعلولات
ويمكن التعبير عنهما بعبارة جامعه وهي ان يتراقى عروض العلية والمعلولية



(1) بل له وجه وجيه إذ الامام أوقع التناقض في التقدم بالذات لا بالعلية خاصه
فيقول المحقق ان ما مع المتقدم بالذات قد يكون متقدما بالذات إذا كان بينهما علاقة ذاتية
كما في التقدم بالطبع للحيوان والناطق على الانسان وقد لا يكون المعية حادث مع المتقدم
بالذات كطلوع الشمس أو قدوم زيد مع حركه اليد المتقدمة على حركه المفتاح س ره.
141
لا إلى نهاية بان يكون كل ما هو معروض للعلية (1) معروضا للمعلولية فان كانت
المعروضات متناهية العدد فهو الدور بمرتبة ان كانت اثنين أو بمراتب ان كانت فوق
الاثنين والا فهو التسلسل اما بطلان الدور فلانه يستلزم تقدم الشئ على نفسه
وتأخره عن نفسه وحاجته إلى نفسه والكل ضروري الاستحالة لان الشئ إذا كان
عله لشئ كان مقدما عليه بمرتبة وإذا كان الاخر مقدما عليه كان الشئ مقدما
على نفسه بمرتبتين هذا في الدور المصرح ثم كلما يزيد عدد الواسطة يزيد عدد
مراتب تقدم الشئ على نفسه مع مرتبه أخرى يزيد عليها.
وأيضا ربما (2) يستدل بان التقدم والتأخر أو التوقف أو الاحتياج نسب
لا تعقل الا بين شيئين وبان نسبه المحتاج اليه إلى المحتاج بالوجوب وعكسها
بالامكان.
والكل ضعيف اما حكاية النسب فليس كل نسبه مما يقتضى التغائر الخارجي
بل ربما (3) يكفي التغائر الاعتباري كالعاقلية والمعقولية واما حكاية الامكان
والوجوب فالوجوب لا ينافي الامكان في التحقق (4) فان نسبه الامكان إلى الوجوب



(1) يعنى ان العلية طبيعة ناعته لم يتحصل الا بعد وجود ذات الموصوف بها والمفروض
فيما نحن فيه ان وجود تلك الذات ناش من الشئ الآخر فيكون العلية بعد المعلولية في
الوقوع وتلك المعلولية بعد عليه ذلك الشئ الآخر وعليه ذلك الشئ الآخر بعد معلولية
نفسه للطرف المقابل له وهكذا وهكذا ينبغي ان تقرر التسلسل في مادة الدور خاصه
فافهم ن ره.
(2) اي مع كون بطلان التوالي ضروريا لا يكتفى به ويستدل أيضا س ره.
(3) لا يخفى ان التغاير الاعتباري لا يكفي في اجتماع المتقابلين والتقدم والتأخر
والعلية والمعلولية ليسا من قبيل العاقلية والمعقولية للتعاقد بين الأولين دون الأخير الا عن
عدم كفايته لما لم يكن بديهيا حتى يكون منعه مكابرة خارجا عن آداب المناظرة منعه
المصنف قدس سره س ره.
(4) لما كان كلام المستدل مطلقا فكأنه ادعى المنافاة بين الوجوب والامكان
في المفهوم وفي التحقق منع قدس سره المنافاة في التحقق ولو جعله المستدل منبها الاستدلال
لكان المسامحة فيه شائعة س ره.
142
نسبه النقص إلى الكمال نعم هما مختلفان بحسب الاعتبار فالمصير إلى ما ذكر أولا.
فان قلت إن أريد بتقدم الشئ على نفسه التقدم بالزمان فغير لازم في العلة
أو التقدم بالعلية فهو نفس المدعى لان قولنا الشئ لا يتقدم على نفسه بمنزله قولنا
الشئ لا يكون عله لنفسه.
قلنا المراد بالتقدم المعنى المصحح لقولنا وجد فوجد على ما هو اللازم في كون
الشئ عله لشئ بمعنى انه ما لم يوجد العلة لم يوجد المعلول ا لا ترى انه يصح ان يقال
وجدت حركه اليد فوجدت حركه الخاتم ولا يصح ان يقال وجدت حركه الخاتم
ولا يصح أن يقال وجدت حركة الخاتم فوجدت حركة اليد وهذا المعنى بديهي الاستحالة
بالنظر إلى الشئ ونفسه
فان قلت يجوز ان يكون الشئ عله لما هو عله له من غير لزوم تقدمه على
نفسه وسند المنع وجهان.
إحداهما ان المحتاج إلى المحتاج إلى الشئ لا يلزم ان يكون محتاجا إلى ذلك الشئ
فان العلة القريبة للشئ كافيه في تحققه من غير احتياج إلى البعيدة والا لزم تخلف
الشئ عن علته القريبة.
وثانيهما ان يكون الشئ بماهيته عله لشئ هو عله لوجود ذلك الشئ.
قلنا اللزوم ضروري والسند مدفوع لأنه ما لم يوجد العلة البعيد للشىء لم يوجد
القريبة وما لم يوجد القريبة لم يوجد ذلك الشئ وهو معنى الاحتياج والتخلف انما
يلزم لو وجدت القريبة بدون البعيدة من غير وجود المعلول ولان كون (1) ماهية
الشئ عله لما هو عله لوجوده مع أنه ظاهر الاستحالة لما فيه من وجود المعلول



(1) واما قولهم العلة الغائية بماهيتها عله لما هو عله لها بوجوده فليس المراد به
عليه شيئية ماهيتها بل عليتها بوجودها الذهني س ره.
143
قبل وجود العلة ليس مما نحن فيه أعني الدور المفسر بتوقف الشئ على ما يتوقف
عليه لتعدد الجهات في الموقوف عليه كما أن الصورة تتوقف على المادة بجهة وتوقفت
عليها المادة بجهة أخرى.
واما بيان استحاله التسلسل فلوجوه كثيره الأول ما افاده الشيخ في الهيات
الشفاء وهو انه بعد ما حقق ان عله الشئ بالحقيقة هي التي تكون موجوده معه
نقول إذا فرضنا معلولا وفرضنا له عله ولعلته عله فليس يمكن ان يكون لكل
عله بغير نهاية لان المعلول وعلته وعلة علته إذا اعتبرت جملتها في القياس
الذي لبعضها إلى بعض كانت عله العلة عله أولى مطلقه للآخرين وكان للآخرين (1)
نسبه المعلولية إليها وان اختلفا في أن أحدهما معلول بالواسطة والاخر معلول
بلا واسطه ولم يكونا كذلك لا الأخير ولا المتوسط لان المتوسط الذي هو العلة
المماسة للمعلول عله لشئ واحد فقط والمعلول ليس عله لشئ ولكل واحد من
الثلاثة خاصية فكانت خاصية الطرف المعلول انه ليس عله لشئ وخاصية الطرف الآخر
انه عله للكل غيره وخاصية الوسط انه عله لطرف ومعلول لطرف سواء ا
كان الوسط واحدا أو فوق واحد وإن كان فوق واحد فسواء ترتب ترتيبا متناهيا أو
غير متناه فإنه ان ترتب كثره متناهية كانت جمله عدد ما بين الطرفين كواسطة واحده
يشترك في خاصية الواسطة بالقياس إلى الطرفين فيكون لكل من الطرفين خاصية
وكذلك ان ترتب في كثره غير متناهية فلم يحصل الطرف كان جميع الغير المتناهي
في خاصية الواسطة لأنك اي جمله اخذت كانت عله لوجود المعلول الأخير وكانت
معلوله إذ كل واحد منها معلول والجملة متعلقه (2) الوجود بها ومتعلقه الوجود



(1) للامرين وكان للامرين خ.
(2) الظاهر أن يكون المراد من تعلق وجود الجملة بالآحاد ان حيثية الجملية امر
نزاعي غير زائد الوجود على وجود الآحاد ومعلوليته عين معلولية الآحاد فاحتياجها إلى العلة
عين احتياج الآحاد فلا بد من عله أولى واما ما ربما يفسر به في بعض الكلمات ان وجود
الجملة متعلق وطار على وجود الآحاد معلول للآحاد فذلك يوجب فساد البرهان لان عله الجملة
حينئذ هي الآحاد وكل واحد من الآحاد معلول لسابقه ويذهب الامر إلى غير النهاية لان
اللازم وجود الطرف وهو في كل واحد عله السابقة عليه من غير احتياج إلى عله أولى للجملة
لان عله الجملة الآحاد وهي موجوده نعم يبقى على البرهان منع وهو انا لا نسلم صحه عروض
الجملة لغير المتناهي على حد عروضها المتناهي ط مده.
144
بالمعلول معلول الا ان تلك الجملة شرط في وجود المعلول الأخير وعلة له وكلما
زدت في الحصر والاخذ كان الحكم إلى غير النهاية باقيا فليس يجوز ان يكون
جمله علل موجوده وليس فيها عله غير معلوله وعلة أولى فان جميع غير المتناهي
كواسطة بلا طرف وهذا محال انتهت عبارته وهذا أسد البراهين في هذا الباب.
والثاني برهان التطبيق وعليه التعويل في كل عدد ذي ترتيب موجود سواء ا
كان من قبيل العلل والمعلولات أو من قبيل المقادير والابعاد أو الاعداد الوضعية (1)
هو انه لو وجدت سلسله غير متناهية ينقص من طرفها المتناهي شيئا واحدا أو متناهيا
فيحصل جملتان إحداهما يبتدى من المفروض جزء ا أخيرا والأخرى من الذي فوقه
ثم يطبق بينهما فان وقع بإزاء كل جزء من التامة جزء من الناقصة لزم تساوى
الكل والجزء وهو محال وان لم يقع كذلك فلا يتصور ذلك الا بان يوجد جزء من
التامة لا يكون بإزائه جزء من الناقصة فلزم منه انقطاع الناقصة بالضرورة والتامة
لا تزيد عليها الا بواحد أو متناه كما هو المفروض فلزم تناهيها أيضا ضرورة ان الزائد على المتناهي بالمتناهي متناه.
واعترض عليه بوجهين أحدهما نقض أصل الدليل بأنه لو صح لزم أن تكون
الاعداد متناهية لأنا نفرض جمله من الواحد إلى غير النهاية وأخرى من الاثنين
إلى غير النهاية ثم نطبق بينهما فيلزم تناهى الاعداد وتناهى الاعداد باطل
بالاتفاق وأن تكون معلومات الله تعالى متناهية إذا نطبق بينها وبين الناقصة منها
بواحده وأن تكون الحركات الفلكية متناهية لتطبيق بين سلسله من هذه الدورة



(1) كحلق القيد ولكن هذا من باب تناهى المقادير والابعاد.
145
وأخرى من الدورة التي قبلها وتناهيها باطل عند الفلاسفة
وثانيهما نقض المقدمة القائلة بان احدى الجملتين إذا كانت انقص من الأخرى
لزم انقطاعهما بان الحاصل من تضعيف الواحد مرارا غير متناهية أقل من تضعيف
الاثنين مرارا غير متناهية مع لا تناهيها اتفاقا ومقدورات الله تعالى أقل من معلوماته
لاختصاصها بالممكنات مع لا تناهى المقدورات ودورات زحل أقل من دورات القمر
ضرورة مع لا تناهيها عندهم.
وحاصل الاعتراض انا نختار انه يقع بإزاء كل جزء من التامة جزء من الناقصة
ولا نسلم لزوم تساويهما لان ذلك كما يكون للتساوي وانما فقد يكون لعدم التناهي
وان سمى مجرد ذلك تساويا فلا نسلم استحالته فيما بين التامة والناقصة بمعنى نقصان
شئ من جانبها المتناهي وانما يستحيل ذلك في الزائدة والناقصة بمعنى كون
إحداهما فوق عدد الأخرى وهو غير لازم فيما بين غير المتناهيين وان نقص من
إحداهما ألوف.
وقد يجاب عن المنع (1) بدعوى الضرورة (2) في أن كل جملتين اما
متساويتان أو متفاوتتان بالزيادة والنقصان وان الناقصة يلزمها الانقطاع.



(1) حتى يكون المنع منعا للمقدمة البديهية ليكون غير مسموع لكونه مكابرة كما
قرر في آداب المناظرة وفيه انه لا يلزم انقطاع الناقصة في الاخر بل في الأوساط لان نقصانها
نقصانات غير متناهية وزيادة الزائدة زيادات غير متناهية فكل ماه انقطع قبل كل الف واما
جميع المات فلا تناهى فالصواب في الجواب ان يقال المقدمة المأخوذة في الدليل ليست مجرد
ان احدى الجملتين إذا كانت انقص لزم انقطاعها حتى يمنع بل إن أحدهما إذا كانت انقص بقدر
متناه والأخرى أزيد بقدر متناه وهذا لا يقبل المنع والسند لا يصح اللهم الا ان يصحح الأول
بان الاتصال في البعد والارتباط في العلل والمعاليل مانع عن وقوع الانقطاع في الأوساط والعقل
محيط بالكلى س ره.
(2) يمكن المناقضة في هذه الضرورة والمنع عن عروض المساواة والزيادة والنقصان
في غير مقادير المتناهية ط مده.
146
وعن النقوض بتخصيص الحكم اما عند المتكلمين فبما دخلت تحت الوجود
سواء ا كانت مجتمعه كما في سلسله العلل والمعلولات أو لا كما في الحركات الفلكية
فإنها هي المعدات فلا يرد الاعداد لأنها من الاعتبارات (1) ولا يدخل (2)
في الوجود من المعدودات الا ما هي متناهية وكذا معلومات الله تعالى ومقدوراته لأنها
عندهم متناهية في الحقيقة ومعنى لا تناهيها انها لا تنتهى إلى حد لا يكون فوقه عدد
أو معلوم أو مقدور آخر.
واما عند الحكماء فبما تكون موجوده معا بالفعل مترتبة وضعا كما في سلسله
المقادير على ما يذكر في سلسله العلل والمعلولات فلا يرد الحركات الفلكية لكونها
غير مجتمعه ولا جزئيات نوع واحد غير محسوسة كالنفوس الناطقة على تقدير عدم
تناهيها كما اعتقده بعضهم (3) لكونها غير مترتبة.
لا يقال التخصيص في الأدلة العقلية اعتراف ببطلانها حيث يتخلف المدلول عنها
لأنا نقول إن الدليل لا يجرى في صوره النقض بل يختص جريانه بما عداها
اما عند المتكلمين فنظرا إلى أن ما لا تحقق له لا يمكن التطبيق فيه الا بمجرد الوهم
واستحضاره والوهم لا يقدر على استحضار أمور غير متناهية واعتبار التطبيق بين



(1) سيما على مذهب من يقول الكثرة اعتبارية صرفه من القائلين بوحده الوجود والموجود
فان الاعداد ليست الا مراتب الكثرة س ره.
(2) التي هي مصححه اعتبار وجود الاعداد الا ما هي متناهية وكذا الاعداد المنتزعة
منها لكن هذا جار في الحركات الفلكية إذ لا يدخل في الوجود منها الا ما هي متناهية س ره.
(3) الظاهر أن لفظ البعض لم يقع في موقعه لان جميع الحكماء قائلون بلا تناهى
النفوس إذ الفيض لا ينقطع ا ما تسمع قولهم في المنطقيات وتمثيلهم الكلى الغير المتناهي الافراد
المجتمعة بالنفس الناطقة على مذهب الحكماء فذكروا الجمع المعرف باللام المفيد للعموم
وعدم تناهى افراد النفوس المجردة اجتماعي لا تعاقبي والا فلا اختصاص بالنفس الناطقة لان الانسان
والفرس والبقر وبالجملة كل عنصر وعنصري لها افراد غير متناهية تعاقبا ويمكن الجواب بأنه
في مقابله قول من يقول النفوس بعد مفارقه الأبدان تصير متحدة ويمثلون بمياه في كيزان
وجرات انكسرت فاتحدت المياه س ره.
147
آحادها مفصلا فينقطع بانقطاع الاستحضار والاعتبار بخلاف ما إذا كانت السلسلة موجوده
في نفس الامر فإنه لا بد ان يقع بإزاء كل جزء من السلسلتين جزء من الأخرى
فيحكم العقل حكما اجماليا مطابقا لما في الواقع من غير حاجه إلى الملاحظات
التفصيلية واما عند الحكماء (1) فنظرا إلى أن التطبيق بحسب نفس الامر انما
يتصور فيما له مع الوجود ترتب وضعي أو طبيعي ليوجد بإزاء كل جزء من هذه جزء
من تلك فلا يجرى في الاعداد (2) ولا في الحركات الفلكية ولا في النفوس الناطقة.
قال بعض علماء الكلام والحق ان تحقق الجملتين من سلسله واحده ثم
مقابله جزء من هذه بجزء من تلك انما هو في العقل دون الخارج فان كفى في
تمام الدليل حكم العقل بأنه لا بد ان يقع بإزاء كل جزء جزء فالدليل جار في الاعداد
وفي الموجودات المتعاقبة أو المجتمعة المترتبة أو غير المترتبة لان للعقل ان يفرض
ذلك في الكل وان لم يكف ذلك بل اشترط ملاحظة اجزاء السلسلتين على التفصيل



(1) قد أورد سيدنا وأستاذنا دام ظله في كتابه المسمى بالقبسات اعتراضا على هذا المسلك
بقوله فاما السبيل التطبيقي فلا ثقة بجدواه ولا تعويل على برهانيته بل إن فيه تدليسا مغالطيا
فاللامتناهيات في جهة واحده ربما تطرقت إليها المفاوتة من الجهة الأخرى التي هي حيثية التناهي
لا من الجهة التي هي حيثية اللاتناهي كما في سلسله المئات بغير نهاية وسلسلة الألوف بغير نهاية
وليس يتصحح تحريك اللاتناهي بكليته من جهة اللانهاية واخراجه بكليته عن درجته وحيزه وعن
الدرجات التي لاحاده بالأسر في تلك الجهة فإذا طبق طرف احدى السلسلتين الغير المتناهيتين
المختلفتين بالزيادة والنقصان في جهة التناهي على طرف السلسلة الأخرى تطبيقا وهميا أو
فرضيا انتقلت الزيادة من حيز الطرف ودرجته إلى حيز الوسط ومرتبته ولا يزال ينتقل ويتردد
في الأوساط ما دام الوهم أو الفرض معتملا للتطبيق ولا يكاد ينتهى إلى حد بعينه ودرجة بعينها
ابدا ولا يبلغ أقصى الحدود وآخر الدرجات أصلا فاما إذا انقطع اعتمال الوهم وانصرم عمل
التطبيق وقف التفاوت بالمفاضلة على ذلك الحد وعلى تلك الدرجة واقتر القدر الزائد مقر تلك
المرتبة وبالجملة لا مصير للمفاوتة إلى حيثية اللانهاية ابدا بل انها ابدا في حيثية التناهي اما
في حد الطرف واما في شئ من حدود الأوساط فليثبت ولا يتخبط انتهى كلامه زيد اكرامه منه ره.
(2) لان جميع مراتبها غير موجوده كما في الحركات الفلكية وليس المراد ان الاعداد
من الاعتبارات كما مر في مسلك المتكلمين لان الكم المنفصل موجود عند كثير من الحكماء س ره.
148
لم يتم الدليل في الموجودات المترتبة فضلا عما عداها لأنه لا سبيل للعقل إلى استحضار
الغير المتناهية الا في زمان غير متناه.
أقول الفرق بين الامرين فرقا مؤثرا حاصل فان التطبيق وإن كان فعل
العقل ويكون في الذهن البتة لكن قد يكون بحسب حال الواقع وقد لا يكون كذلك
ففي الأول يكفي في حكمه بالتطبيق بين آحاد كل من السلسلتين مع ما يحاذيه
ملاحظة واحده اجمالية لان مصداق هذا الحكم ومطابقة متحقق في الواقع بلا تعمل
العقل في اعمال رويته لواحد واحد منها واما إذا لم يكن آحاد السلسلة موجوده
أو لم يكن متعلقا بعض آحادها ببعض تعلقا طبيعيا أو وضعيا فلا يكفي الملاحظة
الاجمالية بل لا بد من ملاحظات تفصيليه وتطبيقات كثيره حسب كثره الصور المستحضرة
في الذهن باستخدام القوة الخيالية وهذا في المثال الحسى كما إذا اخذت بيدك
طرف حبل ممدود متصل اجزاؤها بعضها ببعض وتريد جر الجمع فجررت طرفها فلا بد
من تحريك الطرف الآخر وتحريك واحد واحد من اجزاء ذلك الحبل الممدود واما
إذا كانت الاجزاء وان كانت متجاوزة غير متصله واردت تحريك الجميع فلا بد من تعملات
كثيره بيدك وتحريكات عديده بحسب عدد اجزاء السلسلة وهكذا فيما نحن فيه
تأييد وتذكره
قال أفضل المتأخرين العلامة الطوسي في نقد المحصل
الدليل الذي اعتمد عليه جمهور المتكلمين في مسألة
الحدوث يحتاج إلى اقامه حجه على امتناع حوادث لا أول لها في جانب الماضي فنورد
أولا ما قيل فيه وعليه ثم اذكر ما عندي فأقول الأوائل قالوا في وجوب تناهى
الحوادث الماضية انه لما كان كل واحد منها (1) حادثا كان الكل حادثا واعترض
عليه بان حكم الكل ربما يخالف الحكم على الآحاد ثم قالوا الزيادة والنقصان
يتطرقان إلى الحوادث الماضية فتكون متناهية وعورض بمعلومات الله تعالى



(1) هذا امتن الوجوه إذ لا وجود للكل سوى وجودات كل واحد من الحوادث كما سيحقق
المصنف قدس سره فحيث لا وجود للكل فليس من باب اجراء حكم كل واحد على الكل فالكل
ليست الا الحادثات والمتناهيات لا حادثا واحدا أو متناهيا واحدا وكذا الكلى منها إذ لا وجود
للطبيعي سوى وجود افراده والقدم والبقاء والثبات التي يتوهم في الكلى من باب اشتباه
ما في الذهن بما في الخارج س ره.
149
ومقدوراته فان الأولى أكثر من الثانية مع كونهما غير متناهيين ثم قال المحصلون
منهم الحوادث الماضية إذا اخذت تارة مبتدئه من هذا الان مثلا ذاهبة إلى غير النهاية
في الماضي وتارة مبتدئه من قبل هذا الوقت من السنة الماضية ذاهبة في الماضي
وطبقت إحداهما على الأخرى في التوهم بان يجعل المبدآن واحدا واخذا وهما في
الذهاب إلى الماضي متطابقين استحال تساويهما والا كان وجود الحوادث الواقعة في
الزمان الماضي الذي بين الان وبين السنة الماضية وعدمها واحدا واستحال كون
المبتدئة من السنة الماضية زائده على المبتدئة من الان لان ما ينقص (1) عن
المتساويين لا يكون زائدا على كل واحد منهما فاذن يجب ان يكون المبتدئة
من السنة الماضية في جانب الماضي انقص من المبتدئة من الان في ذلك الجانب
ولا يمكن ذلك الا بانتهائها قبل انتهاء المبتدئة من الان ويكون الأنقص متناهيا
والزائد عليه بمقدار متناه يكون متناهيا فيكون الكل متناهيا.
واعترض الخصم عليهم بان هذا التطبيق لا يقع الا في الوهم وذلك بشرط
ارتسام المتطابقين فيه وغير المتناهي لا يرتسم في الوهم ومن البين انهما لا يحصلان
في الوجود معا فضلا عن توهم التطبيق بينهما في الوجود فاذن هذا الدليل موقوف
على حصول ما لا يحصل لا في الوهم ولا في الوجود وأيضا الزيادة والنقصان انما فرض
في طرف المتناهي لا في الطرف الذي وقع النزاع في تناهيه فهو غير مؤثر فهذا
حاصل كلامهم في هذا الموضع.



(1) اي ما لا يخرج عن عهده التساوي كيف يخرج عن عهده الازدياد فالمراد بالمتساويين
المتساويان في طريق الازدياد وحاصل كلامه قدس سره ان المبتداة من السنة الماضية بعد التطبيق
اما مساويه للمبتداة من الان واما زائده واما ناقصه والأولان باطلان فتعين الثالث فيلزم
تناهيهما س ره.
150
وأنا أقول (1) ان كل حادث موصوف بكونه سابقا على ما بعده وبكونه
لاحقا بما قبله والاعتباران مختلفان فإذا اعتبرنا الحوادث الماضية المبتدئة من الان
تارة من حيث كل واحد منها سابق وتارة من حيث هو بعينه لاحق كانت السوابق
واللواحق المتبائنان بالاعتبار متطابقين في الوجود ولا يحتاج في تطابقهما إلى
توهم تطبيق ومع ذلك يجب كون السوابق أكثر من اللواحق في الجانب الذي وقع
النزاع فيه فاذن اللواحق متناهية في الماضي لوجوب انقطاعها قبل انقطاع السوابق
والسوابق زائده عليها بمقدار متناه فتكون متناهية أيضا (2) انتهى كلامه.



(1) لا تتوهمن ان هذا جواب بتغيير الدليل فإنه عدول إلى برهان التضايف لأنا نقول
المعتبر في التضايف هو عد المضايفات فقط للزوم التكافوء ولا يعتبر في العد الترتب ولا السلسلتان
وقد اعتبرهما في التطبيق الا انه قدس سره خفف المؤنة بأنهما متطابقان بلا حاجه إلى توهم
التطبيق فيجب ان يكون السوابق أكثر في الجانب الذي هو محل النزاع للتكافوء فهما
كخطين يتوافقان في جميع حدودهما الا في طرفيهما في كل واحد من جانبيهما ويتناهيان ثم اعتبار
السلسلتين في منشأ الانتزاع لهذه الإضافات وحيثية تصحح انتزاعها لكن لا يخفى ان وجود سابق
في ذلك الطرف لا يكون لاحقا موقوف على أن يكون في هذا الطرف لاحق لا يكون سابقا
وهذا انما هو بالاعتبار وقطع النظر واما في نفس الامر فاللاحق الأخير أيضا سابق في اي حادث
يفرض بمقتضى اسم السريع في التجلي سيما في نفس الزمان وحركه الا جزء أخير في اي جزء يفرض
من الزمان كما لا جزء أول له وكذا في المتصل القار كالخط إذ الجزء جزئي من الكم القابل
للصفة بالذات فلا يوجد جزء لاحق لا يكون سابقا في سلسله الحركات الفلكية وفي سلسله مقدارها
الذي هو الزمان وهذا بخلاف السلسلة الطولية المركبة من المعاليل والعلل أو يوجد فيها معلول
أخير يطالب علته ويقال لعلته عله ولعله علته عله وهكذا إلى غير النهاية فيجرى التكافوء
في العدد بين السابق واللاحق ويقال يجب تناهى السوابق واللواحق ولا يخفى أيضا ان المتعاقبات
لا وجود دائما الا لواحد منها فلا كثره ولا سلسله ولا تطابق بالفعل فيها الا انه قدس سره تكلم
في ذلك الكتاب بما يوافق مذهب المتكلم س ره.
(2) فيه ان ذلك مبنى على وقوف السلسلة من جانب المستقبل حتى يتحقق لاحق ليس
بسابق ويوجب ذلك تحقق أزيد من اللواحق في جانب الماضي وهو ممنوع لم لا يجوز ان يكون
انقطاع السلسلة مستحيلا وجريانها إلى غير النهاية من جانب المستقبل ضروريا فيكون السوابق
واللواحق في السلسلة متساوية ط مده.
151
بقي هاهنا شئ آخر وهو ان كل عدد كالعشرة مثلا فلا بد فيه من ترتب ضروري
لا بين أوله وثانيه وثالثه بل بين الواحد والاثنين والثلاثة فان الواحد يتقدم على
الاثنين تقدما بالطبع وان لم يكن متقدما على الواحد وكذا الكلام في الاثنين
بالقياس إلى الثلاثة والثلاثة إلى الأربعة فلو دخل في الوجود (1) عدد غير متناه
كما اعتقدوه في النفوس الناطقة لكان الاجتماع والترتب كلاهما حاصلا عند ذلك
فيجرى فيه برهان التطبيق اللهم الا ان يقال لا نسلم ان غير الواحد مقدم على
عدد من الاعداد والشيخ بين ذلك في الهيات الشفاء.
والثالث انها لو تسلسلت العلل ومعلولاتها من غير أن ينتهى إلى عله محضه
لا يكون معلولا لشئ فهناك جمله هي نفس مجموع الممكنات الموجودة المعلول كل
واحد منها بواحد فيها وتلك الجملة موجود ممكن اما الوجود (2) فلانحصار
اجزائها في الموجودات ومعلوم ان المركب (3) لا يعدم الا بعدم شئ من اجزائه
واما الامكان فلافتقارها إلى جزئها الممكن ومعلوم ان المفتقر إلى الممكن لا يكون
الا ممكنا ففي جعلها نفس الموجودات الممكنة تنبيه على أنها مأخوذة بحيث
لا يدخل فيها المعدوم والواجب.



(1) لا يخفى ان العدد إذا كان اعتباريا فلا وجود بالحقيقة الا لمعدود فما هو مرتب غير
موجود وما هو موجود غير مرتب بالذات على أنه ايه نفوس من النفوس المفارقة المجتمعة في
الازال معروضه للثلاثة مثلا وايه منها معروضه للأربعة ولا ترجيح فكيف يسرى الترتيب فيهما إليها
وهذا بالحقيقة ما أشار اليه قدس سره ان كل عدد غير متقوم بما دونه ويمكن ان يورد هذا
تزييفا للقول بتقوم العدد من الاعداد التي تحته فليحمل كلام المصنف عليه س ره.
(2) انما لم يستدل هذا المبرهن بما ذكر بعضهم من أن المجموع فتحوا البلد وكل واحد
لم يفتح لان غاية ما يثبت من هذا هو المغايرة بينهما لا الوجود لكل منهما على حده إذ لعل
أحدهما منشأ انتزاع الاخر كزيد والأبوة وسيأتي في مثال تحريك حجر كبير بعده رجال
ما نوضحه س ره.
(3) الحصر إضافي بالنسبة إلى الأجنبي لأنه من المعلومات ان المركب يرتفع بارتفاع
جميع الأجزاء كما يرتفع بارتفاع شئ منها س ره.
152
لا يقال المركب من الاجزاء الموجودة قد يكون اعتباريا لا تحقق له في الخارج
كالمركب من الانسان والحجر ومن السماء والأرض.
لأنا نقول المراد انه ليس موجودا واحدا يقوم به وجود غير وجودات الاجزاء
والا فقد صرحوا (1) بان المركب الموجود في الخارج قد لا يكون له حقيقة
مغايره لحقيقة الآحاد كالعشرة من الرجال (2) وقد يكون مع صوره منوعة كالمركبات
من العناصر واما بدونها بان لا يزداد الا هياه اجتماعية كالسرير من الخشبات وسيأتي
ما فيه وإذا كانت الجملة شيئا موجودا ممكنا فموجدها بالاستقلال اما نفسها وهو
ظاهر الاستحالة واما جزؤها وهو أيضا محال لاستلزامها كون ذلك الجزء عله لنفسه
ولعلله لأنه لا معنى لايجاد الجملة الا ايجاد الاجزاء التي هي عبارة عنها ولا معنى
لاستقلال الموجد الا استغناؤه عما سواه واما امر خارج عنها ولا محاله يكون موجدا
لبعض الاجزاء وينقطع اليه سلسله المعلولات لان الموجود الخارج عن سلسله الممكنات
واجب بالذات ولا يكون ذلك البعض معلولا لشئ من اجزاء الجملة لامتناع اجتماع
العلتين المستقلتين على معلول واحد إذ الكلام في المؤثر المستقل بالايجاد فيلزم
الخلف من وجهين لأن المفروض ان السلسلة غير منقطعه وان كل جزء منها
معلول لجزء آخر وبما ذكر من التقرير اندفع النقوض الواردة على الدليل
اما تفصيلا فبانه ان أريد بالعلة التي لا بد هاهنا منها لمجموع السلسه العلة التامة



(1) فجعلوا المقسم الموجود في الخارج اعلم أن مراد القائلين بان المجموع المركب
موجود وراء كل فرد المجموع بمعنى الآحاد بالأسر اي ذات المجموع التي هي شئ والوصف
العنواني أعني الاجتماع العارض لذلك الهياه المتعدد المجتمع شئ آخر أو المجموع بشرط الهياه
الاجتماعية لا المجموع المأخوذ مع الهياه الاجتماعية شطرا لأنها اعتباري إذ الهياه اعتبارية
والا لعرضها هياه أخرى فيتسلسل س ره.
(2) فهي موجوده أيضا عندهم وإن كان بنفس وجود الآحاد فهذا كالوجود والماهية
والجنس والفصل في البسائط ووجود سلسله العلل والمعلولات من هذا القبيل فيحتاج عندهم إلى
عله على حده س ره.
153
فلا نسلم استحاله كونها نفس السلسلة وانما يستحيل لو لزم تقدمها وقد تقرر (1) ان العلة
التامة للمركب لا يجب بل لا يجوز تقدمها إذ من جملتها الاجزاء التي هي نفس المعلول
فان قيل فيلزم ان يكون واجبا لكون وجودها من ذاتها وكفى بهذا استحاله
قلنا ممنوع وانما يلزم لو لم يفتقر إلى جزئها الذي ليس نفس ذاتها سواء ا سمى
غيرها أو لم يسم وان أريد به العلة الفاعلية فلا نسلم استحاله كونها بعض اجزاء
السلسلة وانما يستحيل لو لزم كونها عله لكل جزء من اجزاء المعلول حتى نفسه
وعلله وهو ممنوع لجواز ان يكون بعض اجزاء المعلول المركب مستندا إلى غير
فاعله كالخشب من السرير سلمناه لكن لا نسلم ان الخارج من السلسلة يكون واجبا
لجواز ان يوجد (2) سلاسل غير متناهية من علل ومعلولات غير متناهية وكل
منها يستند إلى عله خارجه عنها داخله في سلسله أخرى من غير انتهاء إلى الواجب
ولو سلم لزوم الانتهاء إلى الواجب فلا يلزم بطلان التسلسل لجواز ان يكون مجموع
العلل والمعلولات الغير المتناهية موجودا ممكنا مستندا إلى الواجب (3) واما
اجمالا (4) فبانه منقوض بالجملة التي هي عبارة عن الواجب وجميع الممكنات
الموجودة فان علتها ليست نفسها ولا جزء منها كما ذكر ولا خارجا عنها
لاستلزامه مع تعدد الواجب معلولية الواجب واجتماع المؤثرين إن كان عله



(1) بل تقرر خلافه لان المجموع بمعنى الآحاد بالأسر متقدمة بالعلية والمجموع
بشرط الاجتماع متأخرة والتفصيل في الشوارق للمحقق اللاهجى س ره (2) فيه ان مجموع السلاسل الغير المتناهية أيضا جمله وموجود على حده لا بد لها من
عله وعلتها اما نفسها الخ وسيشير اليه بقوله واخذنا الجملة نفس جميع الممكنات الخ س ره.
(3) كقولهم بالحركات والأزمنة الغير المتناهية والنفوس الغير المتناهية مع استناد
الكل إلى الواجب تعالى س ره.
(4) وربما يستدل به على جواز كون الشئ عله لنفسه كما سيأتي عن قريب والنقض
والاستدلال كما هما قريب إذ لا وجود للكل وراء وجود كل منهما كما سيبينه المصنف قدس
سره وأنا أقول لو كان مجموع الواجب تعالى والممكن موجودا على حده لزم كون الواجب تعالى
جزء لغيره ومن خواص الواجب انه لا يكون جزء من غيره كما لا يكون له جزء كيف ويلزم
محدوديته تعالى وليس له ضد وند ولا ثاني له الا انه بكل شئ محيط ولو عنى بمجموع الواجب والممكن
مفهوم الواجب ومفاهيم الماهيات بما هي مفاهيم لم تكن موجوده قطعا حتى أن مفهوم الواجب بالحمل
الأولى واجب بالشائع ا لم يسمعوا ان وحده الواجب تعالى وحده حقه حقيقية لا عددية وليس في
عرض الموجودات وليس باينا عنها بينونة عزله وبالجملة لو تنزلنا عن هذه كلها فما ذكرناه
أولا من عدم كون الواجب جزء من غيره يصرح به في كتبهم وذلك المركب موجود غيره
عندهم س ره.
154
لكل جزء من اجزاء الجملة واحد الامرين إن كان عله لبعض الاجزاء ووجه
الاندفاع انا قد صرحنا بان المراد بالعلة الفاعل المستقل بالايجاد واخذنا الجملة
نفس جميع الممكنات بحيث يكون كل جزء منها معلولا لجزء ولم يكن الخارج
عنها الا واجبا وأقل ما لزم من استقلاله بالعلية ان يوجد في الجملة جزء لا يكون
معلولا (1) لجزء آخر بل للخارج خاصه وهو معنى الانقطاع ولم يمكن ان يكون
المستقل بالعلية جزء من الجملة للزوم كونه عله لنفسه ولعلله تحقيقا لمعنى الاستقلال
إذ لو كان الموجد لبعض الاجزاء شيئا آخر لتوقف حصول الجملة عليه أيضا فلم يكن
أحدهما مستقلا وهذا بخلاف المجموع المركب من الواجب والممكنات فإنه
جاز ان يستقل بايجاده بعض الاجزاء التي هو موجود بذاته مستغن عن غيره واما
السرير ففاعله المستقل ليس هو النجار وحده بل مع فاعل الخشبات نعم (2) يرد على
المقدمة القائلة بان العلة المستقلة للمعلول المركب من الاجزاء الممكنة عله لكل
جزء منه اعتراض وهو انه اما ان يراد انها بنفسها عله مستقلة لكل جزء حتى
يكون عله هذا الجزء هي هي بعينها عله ذلك الجزء وهذا باطل لان المركب قد يكون



(1) ويكون بواقي الاجزاء معلوله له وانما كان هذا أقل مراتب الاستقلال لان تلك
البواقي مستنده إلى ذلك الفاعل بالواسطة وأعلى مراتبه استنادها اليه بلا واسطه س ره.
(2) هذا الاعتراض انما يرد على المقدمة المذكورة ان اخذت كليه إذ فيما نحن فيه اجزاء
السلسلة مجتمعه في الوجود لان الكلام في ابطال التسلسل الاجتماعي الا انه يمكن حمل كلامه على
التمثيل باجرائه في وقوع المعلول المتأخر في مرتبه المعلول المتقدم بان يقال يلزم وجود العقل
العاشر في مرتبه العقل الأول عن الواجب تعالى مثلا أو التخلف س ره.
155
بحيث يحدث اجزاؤه شيئا فشيئا كخشبات السرير وهياته الاجتماعية فعند حدوث
الجزء الأول ان لم يوجد العلة المستقلة التي فرضناها عله لكل جزء لزم تقدم المعلول
على علته وهو ظاهر البطلان وان وجدت لزم تخلف المعلول أعني الجزء الأخير عن
علته المستقلة بالايجاد وقد مر بطلانه واما ان يراد انها اي عله المجموع عله لكل جزء
من المركب اما بنفسها أو بجزء منها بحيث يكون كل جزء معلولا لها أو لجزء منها من غير
افتقار إلى امر خارج عنها وإذا كان المعلول المركب مركب الاجزاء كانت علته
المستقلة أيضا مركبه الاجزاء يحدث كل جزء منها بجزء منها يقارنه بحسب الزمان
ولا يلزم التقدم ولا التخلف وهذا أيضا فاسد من جهة انه لا يفيد المطلوب أعني امتناع
كون العلة المستقلة للسلسلة جزء منها إذ من اجزائها ما يجوز ان يكون عله بهذا
المعنى من غير أن يلزم عليه الشئ بنفسه أو لعلله وذلك مجموع الاجزاء التي كل
منها معروض للعلية والمعلولية بحيث لا يخرج عنها الا المعلول المحض المتأخر عن
الكل بحسب العلية المتقدم عليها بحسب الرتبة حيث يعتبر (1) من الجانب المتناهي
ولهذا يعبر عن ذلك المجموع تارة بما قبل المعلول الأخير وتارة بما بعد المعلول
الأول ففي الجملة عله هي جزء من السلسلة يتحقق السلسلة عند تحققها ويقع لكل جزء منها
جزء منها ولا يلزم من عليتها للسلسلة تقدم الشئ على نفسه.
فان قيل المجموع الذي هو العلة أيضا ممكن يحتاج إلى عله.
أجيب بان علته المجموع الذي قبل ما فيه من المعلول الأخير وهكذا في
كل مجموع قبله لا إلى نهاية.
فان قيل ما بعد المعلول المحض لا يصلح عله مستقلة بايجاد السلسلة لأنه ممكن
محتاج إلى علته وهكذا كل مجموع يفرض فلا يوجد السلسلة الا بمعاونه من تلك



(1) انما لم يعتبر التأخر بحسب الرتبة من الجانب الآخر بل بحسب العلية فقط لفقد المبدء المحدود فيه س ره.
156
العلل ولأنه ليس بكاف في تحقق السلسلة بل لا بد من المعلول المحض أيضا.
قلنا هذا لا يقدح في الاستقلال لان معناه عدم الافتقار في الايجاد إلى معاون
خارج وقد فرضنا ان عله كل مجموع امر داخل فيه وظاهر (1) انه لا دخل لمعلوله
الأخير في ايجاده.
فان قيل إذا اخذت الجملة أعم من أن يكون سلسله واحده أو سلاسل غير
متناهية على ما ذكرتم فهذا المنع أيضا مندفع إذ ليس هناك معلول أخير ومجموع
مركب قبله.
قلنا بل وارد بان علتها الجزء الذي هو المجموعات الغير المتناهية التي
قبل معلولاتها الأخيرة الغير المتناهية.
فان قلت (2) نحن نقول في الابتداء عله الجملة لا يجوز ان يكون جزء
منها لعدم أولوية بعض الاجزاء أو لان كل جزء يفرض فعليته أولى فيه بان يكون
عله للجملة لكونها أكثر تأثيرا.
قلنا ممنوع بل الجزء الذي هو ما قبل المعلول الأخير متعين للعلية لان غيره
من الاجزاء لا يستقل بايجاد الجملة على ما لا يخفى
هدم وتحقيق
اعلم أن هذا المسلك من البيان في ابطال التسلسل واثبات
الواجب في غاية الوهن والسخافة لما حققناه سابقا ان الوجود
في كل موجود عين وحدته والوحدة في كل شئ عين وجوده بالمعنى الذي مر
فقولهم إن المركب من الانسان والحجر موجود غير صحيح ان أريد به ان المجموع
موجود ثالث غير الموجودين فعلى هذا يرد على أصل الدليل منع آخر وهو انا لا نسلم



(1) فإنه معتبر في ناحية المعلول لا في ناحية العلة نظير ما يقال في بساطه العلة التامة للمعلول
الأول ان الامكان ونحوه مما يتوقف عليه وجود المعلول معتبره في طرف المعلول فلا يقدح في بساطه
العلة التامة له وأيضا كلامنا في الاستقلال العلة الفاعلية والمعلول الأخير معتبر في العلة المادية س ره.
(2) هذا جواب بتغيير الدليل خارج عن آداب المناظرة س ره.
157
افتقار الجملة المفروضة إلى عله غير علل الآحاد وانما يلزم لو كان لها وجود مغاير
لوجودات الآحاد المعللة كل منها بعله وقولكم انها ممكن مجرد عبارة بل هي
ممكنات تحقق كل منها بعله فمن أين يلزم الافتقار إلى عله أخرى وهذا كالعشرة
من الآحاد لا يفتقر إلى عله غير علل الآحاد.
وما يقال إن وجودات الآحاد غير وجود كل منها كلام خال عن التحصيل
إذ كون الجميع غير كل واحد منها لا يستدعى ان يكون له وجود في الخارج غير
وجود الآحاد.
والذي يقال (1) ان انعدام المركب بانعدام شئ من اجزائه كلام صحيح
معناه ان كل مركب له حقيقة وله وحده حقيقية فانعدامه بانعدام جزئه وليس
معناه ان كل تركيب توهمه العقل بين شيئين فإذا وجد الشيئان كان المركب
موجودا ولا ينعدم الا بانعدام الاجزاء.
وأيضا كون (2) الشئ منعدما بانعدام شئ لا يقتضى كليا ان يكون يوجد
متى وجد.
فعلى هذا ظهر بطلان قول المتأخرين ان عليه الشئ لنفسه جائز لان
مجموع الموجودات من الممكن والواجب موجود ممكن لاحتياجه إلى الآحاد ولا عله
له سوى نفسه لان علته اما جزئه وهو محال لاحتياجه إلى بقيه الاجزاء واما خارج
عنه ولا خارج عنه فتعين ان يكون نفسه ولا محذور فيه لان (3) توقف ذلك المجموع



(1) اي يقال في تقرير أصل هذا البرهان كما مر س ره.
(2) فان المشروط ينعدم بانعدام الشرط وليس يوجد كلما وجد وهكذا كل عله ناقصه نعم
السبب كذلك س ره.
(3) لا يقال إذا توقف المجموع على كل واحد كان هو العلة لا نفسه بل إذا توقف على الآحاد
بالأسر لم يكن نفسه كما وجه به تقدم العلة التامة على المعلول مع أن الآحاد بالأسر أقرب إلى
المجموع بشرط الاجتماع من الكل الافرادي فعلى هذا لم يكن الشئ عله لنفسه على أن كل
واحد ليس عله تامه لأنا نقول ليس المراد من توقفه على كل واحد انها عله تامه له إذ العلة
التامة له نفسه كما هو المفروض بل المراد منع التوقف في عليه العلة التامة وان القدر المسلم
توقف المعلول على كل واحد من اجزاء علته التامة كالتقدم فتعريف العلة بما يتوقف عليه المعلول
مخصوص بما عدا العلة التامة عند هؤلاء س ره.
158
على كل واحد من الآحاد لا يستلزم توقفه على المجموع حتى يلزم توقف الشئ
على نفسه نعم لو أريد بالعلة العلة الفاعلية المستقلة فهي جزؤه اي جزء مجموع
الموجودات أعني الواجب أو ما فوق المعلول الأخير المنتهى إلى الواجب.
وكذا قولهم ان المحال كون الشئ عله لنفسه أو ما في حكمه (1) فيما يجب
تقدمه على المعلول إذ حينئذ يلزم تقدم الشئ على نفسه واما كون الشئ عله تامه
لنفسه فليس بمستحيل على اطلاقه بل هو واقع في مجموع الواجب ومعلوله الأول أو
جميع معلولاته كما مر انتهى.
فإنه لا يخفى سخافته جدا إذ لا معنى عند العقل السليم لكون شئ موجودا
ممكنا لذاته ومع ذلك لا يحتاج في وجوده إلى امر خارج عن ذاته فان المركب
الذي حكموا بأنه موجود ممكن لو كان له وجود غير وجود الآحاد وامكان غير
امكان الآحاد فله عله غير عله الآحاد فالحكم بان الوجود له غير تلك الوجودات
والعلة له عين علتها كلام لا طائل تحته.
قال بعض المدققين المتعدد قد يؤخذ مجملا وهو بهذا الاعتبار واحد واللفظ
الدال عليه بهذا الاعتبار واحد مثل المجموع والكل وقد يؤخذ مفصلا واللفظ الدال
عليه بهذا الوجه متعدد مثل هذا وذاك وقد يختلفان في الحكم فان مجموع القوم
لا يسعهم دار ضيق وهم لا معا يسعهم إذا علم ذلك فنختار ان مرجح وجودهما معا
هو هما مأخوذا لا معا لاحتياجه إلى كل واحد من جزئيه ويكفيان في وجوده فيكون



(1) مثل كون الشئ عله لعلته كما في الدور أو توقفه على نفسه لا مثل كون الشئ شرطا
لنفسه أو جزء لنفسه ونحوهما لأنها عين كون الشئ عله لنفسه س ره.
159
هذا وذاك علتين يترجح وجود مجموعهما بهما فان نقل الكلام اليهما لا معا بل
مفصلا فإنه أيضا ممكن فيحتاج إلى مرجح قلنا لا نسلم انهما مأخوذان على هذا
الوجه ممكن بل هو بهذا الوجه اثنان واجب وممكن موجود به.
أقول هذا المدقق أصاب شيئا من التحقيق واخطا في شئ اما الذي أصاب
فقوله هما مفصلا ليس ممكنا ولا واجبا بل هما شيئان أحدهما واجب والاخر ممكن
موجود به واما الذي أخطأ فيه فهو ان الاجمال والتفصيل من اعمال العقل ولا يجعلان
الشئ في الخارج تارة موجودا والأخرى معدوما فمجموع السماء والأرض سواء ا
اخذهما العقل مجملا أو مفصلا لا يتغير حكمهما في الخارج بل في العقل فقط فللعقل
ان يأخذهما شيئا واحدا موجودا في الذهن ولا يصيران بهذا الاعتبار وحدانيا في الخارج
كما أن للوهم ان يقسم السماء بقسمين ولا يصير بهذا الاعتبار متعددا في الخارج
بل في الذهن فقط فالاجمال والتفصيل اعتباران عقليان يوجبان اختلاف الملاحظة
ولا يوجب اختلافا في نفس الامر الملحوظ ثم إن المثال الذي ذكره ليس من التفاوت
الذي وقع فيه من حيث الاجمال والتفصيل بل التفاوت هناك اما بالموضوع واما بالمحمول
إن كان الموضوع واحدا فان الكل المجموعي سواء ا اخذ مجملا أو مفصلا متصف
بان الدار تسعهم على التعاقب الزماني ولا يتصف بأنها تسعهم مجتمعين في الزمان
وهذا ما في هذا المقام.
واما الذي أورده بعض من أنه يتوجه عليه لزوم الأمور الغير المتناهية المترتبة
بمجرد فرض وجود الاثنين.
فليس بوارد إذ لا يلزم من اعتبار مجموع الشيئين اعتبارهما مع تلك الجمعية (1)
تارة أخرى لاستلزم ذلك تكرار (2) اجزاء الماهية إذ المراد بالمجموع



(1) اي الجمعية التي ليست الا في الذهن س ره.
(2) كأنهم وان قالوا إن ذات كل مجموع موجود آخر لكنهم لم يقولوا بموجود آخر هو
واحد عددي ففي مثل الجوز واللوز ليس المجموع الموجود عندهم مثل الفستق الذي هو ثالث الثلاثة ولا أيضا كالهياه الموجودة المتأصلة التي هي أيضا ثالثه الثلاثة الا انها عرض بل موجود
هو جوز ولوز فهنا موجود هو جوز فقط وآخر هو لوز فقط وآخر هو جوز ولوز وانما
كان هذا آخر وثالثا لان الجوز موجود هو واحد واللوز كذلك ومجموع الجوز واللوز
موجود ليس واحدا بل كثير ذو جزء والفرق بينه وبين التحقيق الذي هو رأى المصنف قدس
سره ان المجموع ليس موجودا لأنه كثير والوجود يساوق الوحدة وعند هؤلاء لا يساوقها بل
كما يقول الشيخ الرئيس الكثير بما هو كثير موجود والكثير بما هو ليس بواحد وبالجملة
فلزوم التكرر ظاهر لأنه إذا جعل مجموع الجوز واللوز ثالثا كما يقول المورد وهياه المجموع ليست
الا في العقل ففي هذا المجموع الذي هو الثلاثة أعيد الجوز واللوز وتكرر والعدد عندهم موجود
بنفسه بهذا المعنى وعند المصنف قدس سره موجود بمعنى وجود منشا انتزاعه اي مادته التي هي
الوحدات وأراد بالآحاد بالأسر كل واحد والقائلون بوجودها يريدون بها ما ذكرناه
ان قلت ما باله قدس سره يرد هذه اللانهاية عليهم في اي تقسيم كما مر.
قلت ذلك الايراد برهاني لا الزامي ففي التقسيم الثنائي لو كان قسمان موجودا آخر
والوجود على التحقيق مساوق للوحدة كان هنا واحد آخر واما عندهم فلا إذ لا مساوقة بل الوجود
أعم فالكل موجود عندهم بنحو الكثرة كما أن الكلى الطبيعي وجوده وجودات وكما أن العام
ممتاز عن الخصوصيات بنفس العام والعموم لا بخصوصية أخرى كما في الخواص وانما أطنبنا في
المقام لدقته س ره.
160
معروض الهياه الاجتماعية بدون اعتبار الوصف أعني ذات الاثنين فمن ادعى ان
الاثنين موجود مباين لكل منهما لا يلزم عليه كون الهياه والاثنينية موجوده كما أن
الواحد موجود وان لم يكن وصف الوحدة اي الواحدية موجوده.
ثم لقائل ان يقول العدد موجود عند أكثر الحكماء وهو غير الآحاد بالأسر
فكيف يحكم بان المركب لا وجود له غير وجود الآحاد.
قلنا العدد موجود بمعنى ان في الوجود وحدات كثيره ولا نسلم انها غير
الآحاد (1) بالأسر بل هو عينها واما اخذ العدد والكثرة كأنه شئ واحد له حكم
آخر غير حكم الآحاد كالعشرية والمجذورية والأصمية والتامية وغيرها فذلك لا محاله



(1) قد مر في الوحدة والكثرة انه يصحح لك ان تقول لكل مرتبه من العدد انها مجموع
الآحاد لا غير ويصحح لك ان تقول ليست مجموع الآحاد فقط لان مجموع الآحاد جنس لكل مرتبه
الا ان يقال الغيرية باعتبار الهياه العقلية واما بحسب الوجود الخارجي فليست الاعداد الا وحدات
أقل أو أكثر فتأمل س ره.
161
في الذهن وإن كان للحكم بها مطابق ومصداق في الخارج من جهة وجود الآحاد الكثيرة.
الرابع برهان التضايف وهو انه لو لم ينته سلسله العلل والمعلولات إلى عله
محضه لا يكون معلولا لشئ لزم عدم تكافؤ المتضائفين لكن التالي باطل فكذا
المقدم أو نقول لو كان المتضايفان متكافئين لزم انتهاء السلسلة إلى عله محضه
لكن المقدم حق فكذا التالي بيان حقية هذا المقدم وبطلان ذلك التالي هو ان
معنى التكافؤ فيهما انهما بحيث متى وجد أحدهما في العقل أو في الخارج وجد الاخر
وإذا انتفى انتفى ووجه اللزوم ان المعلول الأخير يشتمل على معلولية محضه وكل
مما فوقه علي عليه ومعلولية فلو لم ينته السلسلة إلى ما يشتمل علي عليه محضه لزم
في الوجود معلولية بلا عليه
فان قيل المكافي لمعلولية المعلول المحض عليه المعلول الذي فوقه بلا وسط
لا عليه العلة المحضة.
قلنا نعم لكن المراد انه لا بد ان يكون بإزاء كل معلولية عليه وهذا يقتضى
ثبوت العلة المحضة وللقوم في التعبير عن هذا البرهان عبارتان (1).
إحداهما لو تسلسلت العلل والمعلولات إلى غير النهاية لزم زيادة عدد المعلول
على عدد العلية وهو باطل ضرورة تكافؤ العلية والمعلولية بيان اللزوم ان كل
عله في السلسلة فهي معلوله على ما هو المفروض وليس كل ما هو معلول فيها فهو
عله كالمعلول الأخير.
وثانيتهما نأخذ جمله من العليات التي في هذه السلسه وأخرى من المعلوليات
ثم نطبق بينهما فان زادت آحاد أحدهما على الأخرى بطل تكافؤ العلية والمعلولية



(1) يرد على العبارتين جميعا المنع من تحقق معلول في الوجود لا يكون عله سواء ا فرضت
السلسلة مؤليه من العلل التامة أو الناقصة وبعبارة أخرى انقطاع السلسلة من جانب المستقبل
ممنوع ط مده.
162
لان معنى التكافؤ ان يكون بإزاء كل معلولية عليه وبإزاء كل عليه معلولية وان
لم تزد لزم عليه بلا معلولية ضرورة ان في جانب التناهي معلولية بلا عليه وهو المعلول
الأخير فيلزم الخلف لان التقدير عدم انتهاء السلسلة إلى عله محضه.
الخامس قريب الماخذ مما سبق وهو انا نحذف المعلول الأخير من السلسلة
المفروضة ونجعل كلا من الآحاد التي فوقه متعددا باعتبار صفتي العلية والمعلولية
لان الشئ من حيث إنه عله غيره من حيث إنه معلول فحصل جملتان متغايرتان
بالاعتبار إحداهما العلل والأخرى المعلولات ولزم عند التطبيق بينهما زيادة وصف
العلية ضرورة سبق العلة على المعلول فان كل عله لا ينطبق على
المعلول الذي في مرتبتها بل على معلول علتها المقدمة عليها بمرتبة لخروج
المعلول الأخير وعدم كونه معروضا للعلية فلزم زيادة مراتب العلل بواحده والا
بطل السبق اللازم للعلية ومعنى زيادة مرتبه العلية ان يوجد عله لا يكون بإزائه
معلول وفيه انقطاع السلسلتين.
السادس برهان الحيثيات وهو جار في العلل والمعلولات وفي غيرهما من ذوات
الترتب والأوضاع تقريره ان ما بين معلول الأخير أو ما يشبهه وكل من الأمور
الواقعة في السلسلة متناه ضرورة كونه محصورا بين حاصرين وهذا يستلزم تناهى
السلسلة لأنها حينئذ لا تزيد على المتناهي الا بواحد بحكم الحدس وانه إذا كان
ما بين مبدء المسافة وكل جزء من الاجزاء الواقعة فيها لا تزيد على فرسخ فالمسافة
لا تزيد على فرسخ الا بجزء هو المنتهى ان جعلنا المبدء مدرجا على ما هو المفهوم
من قولنا سنى ما بين خمسين إلى ستين والا فجزئين فيصلح الدليل (1) المنظر



(1) لنعم ما صنع السيد الداماد قدس سره في القبسات حيث لم يكتف بكون الحكم حدسيا
فقال والقانون الضابط ان الحكم المستوعب الشمولي لكل واحد واحد إذا صح على جميع تقادير
الوجود لكل من الآحاد مطلقا منفردا كان عن غيره أو ملحوظا على الاجتماع كان ينسحب ذيله
على المجموع الجملي أيضا من غير امتراء وان اختص بكل واحد واحد لشرط الانفراد كان حكم
الجملة غير حكم الآحاد انتهى فالأول كالحكم بالامكان على كل ممكن والتجدد والسيلان على
كل حادث طبيعي والثاني كالحكم على كل انسان باشباع رغيف إياه س ره.
163
واصابه المطلوب وان لم يصلح للمناظرة والزام الخصم لأنه قد لا يذعن المقدمة
الحدسية بل انما يمنعها مستندا بأنه انما يلزم ذلك لو كان مراتب ما بين متناهيا
كما في المسافة واما على تقدير لا تناهيها كما في السلسلة فلا إذ لا ينتهى إلى ما بين
لا يوجد ما بين آخر أزيد منه وقد تبين الاستلزام بان المتالف من الاعداد المتناهية
لا يكون الا متناهيا وهو ضعيف لأنه اعاده للدعوى بل ما هو ابعد منه واخفى لان
التالف من نفس الآحاد أقرب إلى التناهي من التالف من الاعداد التي كل منها
متناهية الآحاد فالمنع عليه اظهر فإنه انما يتم لو كانت عده الاعداد متناهية وهو
غير لازم ومن هاهنا يذهب الوهم إلى أن هذا استدلال بثبوت الحكم أعني التناهي
لكل على ثبوته للكل وهو باطل.
السابع لو وجدت سلسله بل جمله غير متناهية سواء ا كانت من العلل والمعلولات
أو غيرها فهي لا محاله تشتمل على ألوف فعده الألوف الموجودة فيها اما أن تكون
مساويه لعده آحادها أو أكثر وكلاهما ظاهر الاستحالة لان عده الآحاد يجب ان
يكون الف مره مثل عده الألوف لان معناها ان نأخذ كل الف من الآحاد واحدا
حتى يكون عده مائه الف مائه واما ان يكون أقل وهو أيضا باطل لان الآحاد
حينئذ يشتمل على جملتين إحداهما بقدر عده الألوف والأخرى بقدر الزائد والأولى أعني
الجملة التي بقدر عده الألوف اما ان يكون من جانب المتناهي أو من جانب الغير المتناهي
وعلى التقديرين يلزم تناهى السلسلة هذا خلف وان كانت السلسلة غير متناهية من
الجانبين يفرض مقطعا فيحصل جانب متناه فيتاتى الترديد اما لزوم التناهي على
التقدير الأول فلان عده الألوف متناهية لكونها محصوره بين حاصرين هما طرف
السلسلة والمقطع الذي هو مبدء الجملة الثانية أعني الزائد على عده الألوف على
ما هو المفروض وإذا تناهت عده الألوف تناهت السلسلة لكونها عبارة عن مجموع

164
الآحاد المتألفة من تلك العدة من الألوف والمتألفة من الجمل المتناهية الاعداد
والآحاد متناه بالضرورة واما على التقدير الثاني فلان الجملة التي هي بقدر الزائد
على عده الألوف تقع في جانب المتناهي وتكون متناهية ضرورة انحصارها بين طرف
السلسلة ومبدء عده الألوف وهي اضعاف عده الألوف تسعمائة وتسعه وتسعين فحينئذ
يلزم تناهى عده الألوف بالضرورة ويلزم تناهى السلسلة لتناهي اجزائها عده
وآحادها على ما مر.
واعترض عليه وعلى بعض ما سبق وما سيأتي منع المنفصلة القائلة بان هذا
مساو لذاك أو أكثر أو أقل بان التساوي والتفاوت من خواص المتناهي وان أريد
بالتساوي مجرد ان يقع بإزاء كل جزء من هذا جزء من ذاك فلا نسلم استحالته فيما
بين العدتين كما في الواحد إلى ما لا يتناهى والعشرة إلى ما لا يتناهى وكون أحدهما
اضعاف الاخر لا ينافي التساوي بهذا المعنى ولو سلمت فمنع كون الأقل منقطعا
فان السلسلة إذا كانت غير متناهية كانت بعضها الذي من جانب الغير المتناهي أيضا
غير متناه وكذا عده ألوفها أو ماتها أو عشراتها وحديث الجملتين (1) وانقطاع
أولهما بمبدء الثانية كاذب.
الثامن برهان الترتب وهو ان كل سلسله من علل ومعلولات مترتبة فهي
يجب ان يكون لا محاله بحيث إذا فرض انتفاء واحد من آحاد استوجب ذلك انتفاء
ما بعد ذلك الواحد من آحاد السلسلة فاذن كل سلسله موجوده بالفعل قد استوعبتها
المعلولية على الترتيب يجب ان يكون فيها عله هي أولى العلل (2) لولاها انتفت



(1) فالتي بقدر عده الألوف ليست في الطرف المتناهي ولا في الطرف الغير المتناهي
بل هي كأنها متشابكة مع الأخرى ولا نهاية لها حتى يبتدء الأخرى وأيضا تعيين بعض الآحاد بأنها
بقدر اضعافها ترجيح بلا مرجح وبمحض اعتبار العقل س ره.
(2) مثاله لبنات تتكى بعضها على بعض أو أبدان كذلك فلو لا قائم مقيم متكئا عليه لها
فلا متكئات أيضا وإذا رفع واحد منها ارتفع ما بعده بمقتضى الترتب العلى والمعلولي س ره.
165
جمله المراتب التي هي معلولاتها ومعلولات معلولاتها إلى آخر المراتب والا لم يكن
المعلولية قد استوعبت آحاد السلسلة بالأسر فإذا فرضنا سلسله متصاعدة لا إلى عله
بعينها لا يكون لها عله لبطلت السلسلة بأسرها وذلك يصادم استيعاب المعلولية
جميع السلسلة بالأسر والحاصل ان استغراق المعلولية على سبيل الترتب جمله
آحاد السلسلة بالتمام مع وضع ان لا يكون هناك عله واحده للجميع لولاها لانتفت
السلسلة بأسرها كلام متناقض فتأمل
التاسع البرهان الأسد الاخصر للفارابي وهو انه (1) إذا كان ما من واحد من
آحاد السلسلة الذاهبة بالترتيب بالفعل لا إلى نهاية الا وهو كالواحد في أنه ليس
يوجد الا ويوجد آخر وراؤه من قبل كانت الآحاد اللامتناهية بأسرها يصدق عليها
انها لا تدخل في الوجود ما لم يكن شئ من ورائها موجودا من قبل فاذن بداهة
العقل قاضيه بأنه من أين يوجد في تلك السلسلة شئ حتى يوجد شئ ما بعده.
العاشر (2) ان السلسلة المفروضة من العلل (3) والمعلولات الغير المتناهية



(1) اي الممكنات الغير المتناهية في حكم الممكن الواحد أعني في أن المتساويين ما لم
يترجح أحدهما بمنفصل لم يقع وفي جواز العدم عليها إذ لا ينسد جميع انحاء عدم المعلول الا بالعلة
الواجبة لا بالعلة الممكنة أو من عدم انحاء المعلول عدم نفسها فإذا كان كذلك فدخول السلسلة
في الوجود ممتنع لان وجود كل واحد منها من قبيل شرطيات بلا وضع مقدم س ره.
(2) ويمكن الاستدلال على بطلان التسلسل بوجه آخر وهو انه قد ثبت ان الجعل
والعلية في الوجود وثبت ان وجود المعلول بالقياس إلى العلة وجود رابط وان الوجود
النفسي الذي يقوم به هو وجود علته فلو ذهبت سلسله العلية والمعلولية إلى غير النهاية لزم ان
يتحقق هناك وجودات رابط متعلقه بعضها ببعض من غير أن يقوم بوجود نفسي مستقل وهو محال
وليست المقايسة المذكورة اعتباريا حتى يكتفى بالاستقلال الإضافي بينهما وانما مرجعها
إلى تحقق مراتب الشدة والضعف فافهم وهذا الوجه يبطل الدور أيضا كما يبطل التسلسل
وهو قريب المأخذ من الوجه الثامن وليس به لاختلاف المقدمات المأخوذة فيهما ط مده.
(3) انما خصصه بها لاخراج المتعاقبات حيث إنها في الخارج غير متعددة فلم يعرض لها
العدد وفي الذهن متناهية.
وأقول هذا الدليل منقوض بما هو غير متناهية كالنفوس الناطقة المفارقة عن أبدانها
في الأيام الخالية عند الحكماء وصور عالم المثال عند الاشراقية وكلوازم الأول سبحانه من أسمائه
الجزئية وصورها العلمية من الأعيان الثابتة عند العرفاء وكلماته التي لا تنفد ولا تبيد وتجلياته
وتنعمات أهل الجنة وعقوبات أهل النار عند أهل الشرع والصور العلمية المرتسمة في ذات الله
سبحانه عند انكسيمانس والماهيات الثابتة عند المعتزلة والعقول العرضية بانضياف النفوس الكاملة
بعد المفارقة عن الأبدان عند الاشراقي كما قال الشيخ الاشراقي في حكمه الاشراق ان الكامل
من المدبرات بعد المفارقة يلحق القواهر فيزداد عدد المقدسين من الأنوار إلى غير النهاية انتهى
ثم إن هذا يعطينا مبدء برهان على التوحيد الخاصي بان هذه اللانهايات القطعية لو تحقق فيها
الكثرة تحقق فيها العدد فتحقق فيها الزوجية والفردية فتناهى هذا خلف فالكثرة وجودا فيها
غير متحققة س ره.
166
اما أن تكون منقسمة بمتساويين فيكون زوجا أو لا فيكون فردا وكل زوج فهو
أقل بواحد من فرد بعده كالأربعة من خمسه وكل فرد فهو أقل بواحد من زوج
بعده كالخمسة من الستة وكل عدد يكون أقل من عدد آخر يكون متناهيا بالضرورة
كيف لا وهو محصور بين حاصرين هما ابتداؤه وذلك الواحد الذي بعده ورد بانا
لا نسلم ان كل ما لا ينقسم بمتساويين فهو فرد وانما يلزم لو كان متناهيا فان الزوجية
والفردية من خواص العدد المتناهي وقد يطوى حديث الزوجية والفردية فيقال كل
عدد فهو قابل الزيادة فيكون أقل من عدد فيكون متناهيا والمنع فيه ظاهر.
تبصره
اعلم أن البراهين ناهضه على امتناع لا تناهى السلسلة المرتبة
في جهة التصاعد والعلية لا في جهة التنازل (1) والمعلولية



(1) اعلم أن غرض السيد قدس سره من هذا التحقق اما ان التسلسل إلى جانب المعلول
ممتنع بالذات بالبراهين الدالة على انتهاء الفيض النازل طولا وان لم يتناه عرضا ولكن
لا يجرى براهين امتناع التسلسل إلى جانب العلة من التطليق والتضايف والحيثيات وغيرها فيه
واما انه ممكن ذاتا فقط واما انه ممكن وقوعا والثالث ليس بمقصود قطعا كيف ولو وقع
ذلك لما انتهت سلسله البسائط إلى الهيولى ولا العوالم الطولية إلى عالم الملك ا ما تسمع
قول الاشراقي حيث يقول يتنزل الأنوار القاهرة الأعلون إلى قاهر لا ينشأ منه نور قاهر
في الطبقة الطولية كالأنوار الحسية حيث تصل في الإفاضة إلى نور لا ينشأ منه نور لأجل التنزلات
والاصطكاكات وقول المشائي بانتهاء العقول إلى العقل العاشر والظاهر أن الأول أيضا
ليس بمقصود إذ الدليل انما دل على انتهاء سلسله الجواهر البسيطة لا على أنه لا يمكن ان يكون
لشئ لازم وللازمة لازم وهكذا إلى غير النهاية غايته انه لم يقع فبقي الشق الثاني س ره.
167
والسبب في ذلك (1) ان في سلسله التصاعد على فرض اللاتناهي ليس توجد عله
يتعين في نظر العقل انها لا محاله تكون موجوده أولا ثم من تلقائها تدخل السلسلة
المترتبة بأسرها في الوجود وان ذلك منشا الحكم بالامتناع والامر في سلسله
التنازل على خلاف ذلك وما ذكرناه جار في جميع البراهين الماضية حتى الحيثيات
والتضايف وغيرهما وذلك لان معيار الحكم بالاستحاله في كل منها استجماع شرطي
الترتب والاجتماع في الوجود بالفعل في جهة اللانهاية فمعيار الفرق كما وقعت
الإشارة اليه فيما سبق ان العلل المرتبة للشئ موجوده معه في ظرف الأعيان وتقدمها
عليه انما يكون بضرب من التحليل وفي الاعتبار العقلي ففي صوره التصاعد تكون
العلل المترتبة الغير المتناهية فرضا موجوده (2) في مرتبه ذات المعلول ومجتمعه
الحصول معها فيكون الترتب والاجتماع جميعا حاصلين للعلل في مرتبه ذات المعلول
واما (3) في صوره التنازل فالمعلولات المترتبة لا تكون مجتمعه في مرتبه ذات العلة



(1) اي السبب الواقعي والواسطة في الثبوت كما أن الواسطة في اثبات الامتناع هي
البراهين فلا منافاة بين عدم وجود السلسلة في الواقع وبين وجودها لاجزاء التطبيق وغيره لان
هذا الوجود بناؤه على أوضاع المحتمل من أنه يحتمل وجود الشئ بالعلل الغير المتناهية وان
العلة موجوده مع معلولها س ره.
(2) اي كما أن العلة موجوده في مرتبه ذاتها المتقدمة عليه كذلك موجوده في مرتبه ذات المعلول أيضا س ره.
(3) أقول هذا الفرق حق لكن ليس مؤثرا في عدم اجراء البراهين في التنازل المعلولي
فان الكلام في العلل الحقيقية لا المعدة فإذا كانت العلة المقتضية موجوده فالمعاليل كلها موجوده
في زمان واحد وشبهه إذ تخلف المعلول عن العلة الحقيقية لا يجوز وإن كان وجود كل في
مرتبه وان ترتب لها وجود ارتفع به التكثر الرتبي لم يكن سلسله لا في التنازل ولا في التصاعد
وحينئذ فيجرى التطبيق وغيره لكون الآحاد موجوده عند وجود علتها في زمان واحد وشبهه
وليت شعري لم سكت المصنف قدس سره عن النفي والاثبات ولعله سكت تأدبا والله تعالى
اعلم بمراد عباده س ره.
168
فان المعلول لا يتصحح له وجوده الخاص الناقص المعلولي في مرتبه ذات العلة بوجودها
الخاص الكاملي العلى وهذا على خلاف الامر في العلة (1) فان وجودها واجب
في مرتبه هويه المعلول ومحيط بها فثبت مما ذكرناه ان وصفى الترتب والاجتماع
في مرتبه من المراتب القبلية انما يتحقق في السلسلة المفروضة في
جهة هي التصاعد والتراقي لا في جهة خلافها وهي جهة تنازل السلسلة وتسافلها فالبراهين
ناهضه على اثبات انقطاعها في تلك الجهة لا على اثبات الانقطاع في هذه الجهة هذا
ملخص ما افاده شيخنا السيد دام ظله العالي.
[فصل 5]
في الدلالة على تناهى العلل كلها
البراهين المذكورة دلت على أن العلل من الوجوه كلها متناهية وان في
كل منها مبدء أول وان مبدء الجميع واحد وذلك لان الفاعل والغاية لكل
شئ هما اقدم من المادة والصورة بل الغاية اقدم عن العلل الباقية فيما يكون الفاعل
له غير الغاية لان الغاية عله فاعليه لكون الشئ فاعلا فإذا ثبت تناهى العلل
الفاعلية والغائية ثبت تناهى العلل المادية والصورية لأنهما اقدم من هاتين على أن
الصورة أيضا من العلل الفاعلية باعتبار فهي داخله في طبقه الفاعل كالغاية فالبيان
الدال (2) على تناهى سلسله الفواعل يصلح ان يجعل بيانا لتناهي جميع طبقات العلل



(1) فليس للمعلول شان الا وللعلة معه شان ولكن للعلة شان ليس للمعلول معه شان
ولا يخفى انه لا يثبت مما ذكر الا انتفاء وصف الاجتماع في التنازل لا وصف الترتب الا ان يكون
مراده مجموع الوصفين معا س ره.
(2) تفريع على جميع ما سبق لا على قوله على أن الصورة الخ فصح عموم قوله جميع طبقات
العلل س ره.
169
وإن كان استعمالهم له في العلل الفاعلية.
فلنتعمد إلى بيان تناهى العلل التي هي اجزاء من وجود الشئ ويتقدمه بالزمان
وهو المختص باسم العنصر لأنه الجزء الذي يكون الشئ معه بالقوة فاعلم أولا ان
الشئ لو حصل بكليته في شئ آخر فلا يقال لذلك الاخر انه كان عن الأول مثل
الانسان فإنه بتمامه موجود في الكاتب فلا جرم لا يقال إنه كان عن الانسان كاتب
فإذا متى كان الشئ متقوما بشئ آخر من جميع الوجوه فإنه لا يقال للمتقوم
انه كان عن ذلك المقوم وأيضا لو لم يحصل شئ منه في شئ آخر فإنه لا يقال
لذلك الاخر انه كان من الأول فلا يقال إنه كان من السواد بياض لأنه ليس شئ
من السواد موجودا في البياض فاذن متى كان حصول الشئ بعد حصول شئ آخر
من جميع الوجوه فإنه لا يقال للمتأخر انه كان عن المتقدم فاما إذا حصل بعض
اجزاء الشئ في شئ آخر ولم يحصل كل اجزائه فيه فهناك يقال لذلك الاخر
انه كان من الأول مثل ما يقال إنه كان من الماء هواء وذلك لان الشئ
الذي هو الماء لم يوجد بكليته في الهواء بل وجد جزء ه وكذلك يقال كان عن الأسود
ابيض وكان عن الخشب سرير لان الخشب لا يصير سريرا الا إذا وقع فيه تغير ما
ويظهر من هذا ان الشئ انما يقال له انه كان عن شئ آخر إذا كان متقوما ببعض
اجزائه ومتأخرا عن بعض اجزائه ولا بد ان يجتمع فيه أمران أحدهما التقوم ببعض
منه والاخر ان لا يجتمع مع بعض آخر فإذا تقرر هذا الاصطلاح فقد ظهر ان مادة
الشئ قد يراد (1) به الجزء القابل للصورة وقد يراد به الذي من شانه ان يصير
جزء ا قابلا لشئ آخر كالماء إذا صار فيه هواء ا فان الجزء القابل للصورة المائية صار
قابلا للصورة الهوائية فنقول اما تناهى المواد بالمعنى الأول لأنه لو كان لكل



(1) وبعبارة أخرى المادة قد يراد بها الحاملة للصورة وقد يراد بها الحاملة للقوة يعنى
قوه الشئ الذي هي مادة له وأيضا القابل والمادة قد يراد بهما المصاحب لوجدان الصورة
وقد يراد بهما المصاحب لفقدانها س ره.
170
قابل قابل آخر إلى لا نهاية لكان اجزاء الماهية الواحدة غير متناهية وذلك (1)
محال واما بيان تناهى المواد بالمعنى الثاني فلان مادة الهوائية إذا أمكن ان يقبل
صوره المائية فمادة الماء أيضا يصح ان يقبل الصورة الهوائية فإذا يصح انقلاب كل
منهما إلى الأخرى وإذا كان كذلك فليس أحد النوعين أولى بان يكون مادة الأخرى
من الاخر بان يكون مادة الأولى بل ليس (2) ولا واحد منهما مقدما على الاخر
في النوعية بل يجوز ان يكون شخص من المائية تقدم بشخصيته على شخص آخر
من الهواء ونحن لا نمنع من أن يكون لكل مادة مادة أخرى بهذا المعنى لا إلى السابقة
فلو لم تكن للصورة نهاية اي يكون كل شخص فهو انما يتولد من شخص آخر قبله لأن هذه
الاشخاص كأشخاص حركه القطيعة التي لا اجتماع فيها ولا امتناع في عدم انقطاعها (3)
واما تناهى العلل الصورية فهو جهتين أحدهما ان الصورة الأخيرة تكون عله للصورة
نهاية لم تكن للعلل نهاية وثانيهما ان الصور اجزاء الماهية ويستحيل أن تكون
الماهية واحده اجزاء غير متناهية.
هدايه
اعلم أن المادة اي الذي (4) يحصل فيه امكان وجود الشئ
على قسمين لان الحامل للامكان إذا حدثت فيه صفه فحدوثها



(1) لا يقال هذا مصادره إذ ليس الكلام الا في محالية عدم تناهى اجزاء الماهية أعني
المادة والصورة فكانكم قلتم لو كانت اجزاء الماهية غير متناهية كانت اجزاء الماهية غير
متناهية لأنا نقول لا مصادره لان المادة والصورة من الأجزاء الخارجية والمراد بالاجزاء
في التالي الاجزاء العقلية ومحالية عدم تناهيها مفروغ عنها لاستلزامه عدم تعقل الماهية وعدم
كون التعاريف حدودا تامه وعدم تحقق الجنس العالي وغير ذلك س ره.
(2) بل ليس ولا واحد منهما محتاجا إلى المادة بمعنى الحاملة للقوة لان كليات العناصر
ابداعيات انما المحتاج اشخاصها الزمانيي ولا محذور في عدم تناهى المواد هنا لأنه تعاقبي س ره.
(3) هذا انما يثبت استحاله التسلسل من جهة التصاعد من الناقصة إلى الكاملة
وهكذا الا من جهة التنازل من الكاملة إلى ما تقدمت عليها من الناقصة كما بينه في التبصرة
السابقة ط مده.
(4) اي المحل الذي يحصل فيه قد أشار قدس سره بالتفسير إلى أن هذا التقسيم للمادة
بمعنى الحاملة للقوة المقدمة بالزمان لا الحاملة للصورة المقدمة بالطبع لئلا ينتقض قوله
فإن لم يوجب الخ بالهيولى الأولى لان حصول الصورة فيها لا يوجب زوال شئ عنها مع أن
الحاصل فيها صوره مقدمه وأيضا خرجت بالحدوث بطلان الهيولى المجردة س ره.
171
اما ان يكون موجبا لزوال شئ كان ثابتا من قبل أو لا فإن لم يوجب له (1)
لم يكن هذا الحادث صوره مقومه لأنها لو كان صوره مقومه لكان الحامل قبل حدوثها
محتاجا إلى صوره أخرى مقومه ثم تلك الصورة اما ان يبقى مع هذه الصورة الحادثة
أو لا يبقى فان بقيت فالحامل متقوم بتلك الصورة فلا حاجه له إلى هذه الحادثة فيكون
هذه عرضا لا صوره واما (2) إن كان حدوث هذه الصفة موجبا لزوال الصورة المتقدمة
المقومة كان حدوثها موجبا لزوال شئ وقد فرضنا انه ليس كذلك فثبت ان كل
صفه يحدث في محل ولا يكون مزيله وصف عنه فهي من باب الاعراض لا الصور
وقد علم أن صفات الشئ ان لم يكن بالقسر ولا بالعرض فهي بالطبع فيكون هناك
صوره مقومه للمحل مقتضيه لذلك العرض فهي كمال أول وذلك العرض كمال ثان
والصور بطباعها متجهة إلى تحصيل كمالاتها من الاعراض اللهم الا لمانع أو عدم
شرط اما الأول فكالأعراض المزيلة واما الثاني كعدم نشو البذور عند فقدان ضوء
الشمس ثم إذا حصلت تلك الكمالات فمن المستحيل ان ينقلب الامر حتى يتوجه
من تلك الكمالات مره أخرى إلى طرف النقصان لان الطبيعة الواحدة لا تقتضي
توجها إلى شئ وصرفا عنه فثبت بالبرهان ان كل صفه تحدث في المحل من غير أن
يكون حدوثها مزيلا لشئ عن ذلك المحل فإنه بطبعه متحرك إليها وانه يستحيل
عليه بعد وصوله إليها ان يتحرك عنها مثاله ان الصبي يتحرك إلى الرجولية وبعد



(1) هذا لا يتم في الاستكمالات الطولية التي ليست بالخلع واللبس بل فيها للمادة
لبس ثم لبس لان الصورة النوعية النباتية والحيوانية مثلا جوهر مقوم للمادة وليست عرضا
والجواب على التحقيق انه ليس هو هنا صوره متعددة كما ذكره في سفر النفس بل صوره واحده
مشتدة متوجهة من النقص إلى الكمال س ره.
(2) هذا بمنزله قوله وان لم تبق س ره.
172
صيرورته رجلا يستحيل ان ينتقل إلى المنوية.
عقد وحل
قد أورد في الشفاء هاهنا اشكالا وهو ان النفس الخالية عن جميع
الاعتقادات قد يعتقد في بعض المسائل اعتقادا خطا فلا يكون
ذلك الاعتقاد استكمالا فقد انتقض قولكم ان كل صفه حصلت في محل بحيث
لا يكون حصولها سببا لزوال امر فحصولها استكمال.
أقول بل حصول الاعتقاد (1) الخطا نوع استكمال لبعض النفوس الساذجة
لكونه صفه وجوديه والوجود خير من العدم وانما شريته لأجل بطلان الاستعداد
للكمال الذي يختص بالقوة العاقلة كالكيفية السمية فإنها كمال للعنصر وآفة للصورة
الحيوانية بل كل صفه من الصفات المذمومة كالظلم والحرص وغيرهما كما لبعض
القوى النفسانية وانما يوجب نقصانا للقوة العالية عليها وهي العقلية
فالجهل المركب لكونه صوره عقلية وصفه وجوديه هي كمال للعقل الهيولاني المصحوب
للهياه النفسانية التخيلية والذي لا كمالية فيه أصلا هو الجهل البسيط وهو ليس
بصفة بل عدم صفه واما القسم الاخر وهو ان يكون حدوث الصفة في المحل موجبا
لزوال شئ عنه فذلك الشئ قد يكون صوره مقومه كالهوائية إذا حدثت يوجب
زوال المائية عن المحل وقد يكون كيفية كما أن حدوث السواد يوجب زوال
البياض وقد يكون كميه وشكلا والكل واضح وبالجملة فمن (2) حكم بصحة
الانعكاس في هذا القسم لان المادة إذا انقلبت من المائية إلى الهوائية صح انقلابها



(1) اي الخطا من حيث إنه صوره ذهنية وحاله نفسانية للنفس كمال لها وإن كان من
حيث عدم انطباقه على الخارج ليس بكمال فهو في نفسه كمال وكونه نقصا امر قياسي وهذا جار
في الصفات المذمومة وما يجرى مجراها والمسالة من فروع ان وجود
الشر قياسي وليس شئ من الشر بوجوده النفسي شرا وسيجئ بيانه ط مده.
(2) هذا على حذف المضاف اي حكمه انما هو في هذا القسم فكلمه في مع مدخولها ظرف
مستقر خبر للمبتدء س ره.
173
بالعكس مره أخرى بخلاف القسم الأول لان ماهية الشئ لا تنقلب ولا تتبدل
فخرج مما بيناه ان كل ما كان من القسم الأول فان الانقلاب فيه ممتنع وكل
ما كان من القسم الثاني فان الانقلاب فيه واجب
ولقائل ان يقول هذا الحصر باطل فان تكون الكائنات من العناصر ليس من القسم
الأول لان هذا القسم يمتنع انعكاسه وهاهنا يجوز الانعكاس لان العناصر كما
تصير حيوانا ونباتا فهما أيضا يصيران عناصر وليس أيضا من القسم الثاني فان من
شان هذا القسم ان يكون الطاري مزيلا لوصف موجود وهذا (1) ليس كذلك إذ
ليس حدوثها سببا لزوال وصف يضادها.
فالجواب ان العنصر المفرد غير مستعد لقبول الصورة الحيوانية مثلا بل
لا يحصل ذلك الاستعداد الا عند حدوث كيفية مزاجية وهي مزيله للكيفيات الصرفة
القوية فيكون نسبه المزاجية إلى الصرفة من قبيل القسم الذي يكون بالاستحاله
فلا جرم يصح فيه الانعكاس وإذا حصل المزاج كان قبول الصورة الحيوانية استكمالا
لذلك المزاج وهو مثل الصبي إذا صار رجلا فلا جرم يتحرك اليه بالطبع ولا يتحرك
عنه البتة فان الحيوانية لا تتحرك قط حتى يصير مجرد مزاج كما لا يتحرك الرجل
حتى يصير صبيا وجنينا فاذن قد حصل في تكون الحيوان مجموع القسمين المذكورين
فلا يكون خارجا عنهما قسمه ثانيه للمادة ان الحامل للصورة اما ان يكون
حاملا لها بوحدانيته أو بمشاركة غيره فالذي لا يكون بمشاركة الغير هو مثل
الهيولى الحاملة للصورة الجسمانية والذي يكون بمشاركة آخر فيكون لا محاله
لتلك الأشياء اجتماع وتركيب فاما ان يكون ذلك التركيب مع الاستحالة أو
لا معها والذي بد فيه من الاستحالة فقد ينتهى إلى الغاية باستحالة واحده وقد ينتهى
إلى الغايات باستحالات كثيره واما الذي لا يعتبر فيه الاستحالة كحصول هياه



(1) لان صوره العناصر باقيه في المركبات س ره.
174
القياس من اجتماع المقدمات وحصول الهياه العددية من اجتماع الوحدات ثم
قد تكون تلك الآحاد محصوره كهذه الأمثلة وقد لا تكون محصوره كالعسكر.
حكمه مشرقية
أقول من أمعن في النظر يعلم أن كل مادة لا يقع فيه استحاله
عند حدوث صفه لها فليست لها طبيعة محصله وان كل ما لها
طبيعة محصله لا يصير مادة لشئ آخر الا بعد زوال طبيعته ويعلم من ذلك ان العناصر
لا بد وان يزول صورتها بالقاصر حتى يصير مادة لصوره أخرى معدنية أو نباتية أو
حيوانية إذ الشئ (1) لا يتحرك إلى ما يباينه بالطبع ويخالفه الا ما يتعلق بمجرد
الكمال والنقص والقوة والضعف فلا يتحرك الا إلى ما يكمله ويقويه فان النارية
تضاد الصورة الحيوانية لان النارية مما يحرقها ويفسدها وكذا المائية إذا استولت
تغرقها وتهلكها وهكذا باقي العناصر فلم يتحرك شئ منها ولا كلها إلى الحيوانية
بل المادة المخلاة عنها بيد القوة الفاعلة المحركة إياها نحو الكمال وتلك القوة لا محاله
جوهرية ليست كما ظن أنها هي الكيفية المزاجية على ما يظهر من عبارة الشفاء وغيره
إذ العرض لا يفعل فعلا جوهريا ولا يحرك المادة إلى جهة الاعلى نحو الاعداد أو على نحو الالية
وكلامنا في المحرك الفاعلي وأيضا وجود العرض تابع لوجود امر جوهري صوري فصور
العناصر أحق بان يفعل فعلا أو تحريكا من كيفياتها لأنها بمنزله الاله كما عرفت في المثل
ونحن قد أبطلنا كون تلك الصور أو بعضها امرا محركا للمادة إلى الحيوانية فثبت ان
مادة في العناصر صوره من جنسها (2) لا من نوعها يتحرك إلى جانب الكمال الحيواني



(1) هذا حق لو فرض حركه العنصر الواحد البسيط إلى ما يباينه واما لو فرض تركبه
مع غيره المبائن له فعلا على نحو تنكسر سوره فعل كل واحد منهما بحيث خرج عن الاطلاق
وحدثت كيفية مزاجية متوسطة لا تباين ما تحرك اليه المجموع كما عليه الحال في الأنواع المركبة
عندهم فما ذكره ممنوع وهو ظاهر ط مده.
(2) كما أنهم يقولون إن في الممتزج بعد التفاعل كيفية متوسطه متشابهه هي بالنسبة
إلى الحرارة الصرفة بروده وبالنسبة إلى البرودة الصرفة حراره وهكذا في الرطوبة واليبوسة كذلك
نحن نقول إن في هذا الممتزج وراء صور العناصر الصرفة صوره جوهرية متوسطه بين الصور الصرفة هي
ارض بالنسبة إلى الماء الصرف وماء بالنسبة إلى الأرض الصرفة وهكذا في الباقي فكما ان
الأرض الصرفة ارض كذلك هذه الصورة المتوسطة درجه من الأرض والتفاوت بينهما بالشدة
والضعف وكذلك هي ماء وهواء ونار ولذلك استنبط منه حركه الجوهرية وهي الاشتداد
والتضعف في الجوهر وبهذا التحقيق يمكن التوفيق بين القول ببقاء صور العناصر والقول
بخلعها فان درجاتها بالصرافة وبنعت الكثرة غير باقيه ودرجاتها المتوسطة بنعت الوحدة
باقيه ولهذه المذكورات كان هذه الحكمة من الحكم المشرقية س ره.
175
بعد طي المعدنية والنباتية إذ الطبيعة لا يتخطى إلى مرتبه من الكمال الا ويتخطى
قبل ذلك إلى ما دونها من المراتب فمن هاهنا يظهر ان حركه واقعه في مقولة
الجوهر وان الأشياء متوجهة إلى جانب الملكوت الاعلى بطبائعها إذا لم يعقها عائق
وسيأتي زيادة انكشاف لما يتعلق بهذا المقصد في مباحث الغاية إن شاء الله تعالى فصل [6]
في أن البسيط هل يجوز ان يكون قابلا وفاعلا
المشهور من الحكماء امتناعه مطلقا في شئ واحد من حيث هو واحد واحترز
بقيد وحده الحيثية عن مثل النار تفعل الحرارة بصورتها ويقبلها بمادتها هكذا
قيل وفيه ما سيأتي والمتأخرون على جوازه مطلقا.
والتحقيق ان القبول إن كان بمعنى الانفعال والتأثر فالشئ لا يتأثر عن
نفسه وكذا إذا كان المقبول صفه كمالية للقابل فالشئ لا يستكمل بنفسه واما
إذا كان (1) بمجرد الاتصاف بصفة غير كمالية تكون مرتبتها بعد تمام مرتبه الذات
الموصوفة فيجوز كون الشئ مقتضيا لما يلزم ذاته ولا ينفك عنه كلوازم الماهيات



(1) بان يكون الفاعل متصفا بذلك الفعل كالزوجية للأربعة حتى يصدق الفاعلية والموصوفية
فخرج الفعل الذي لا يتصف الفاعل به كالعقل للواجب تعالى وخرجت الصفة التي ليست فعله
كصفات الواجب تعالى الحقيقية فليس كل اتصاف قبولا بل بعضا كالصور المرتسمة عند
المشائين ولهذا قال وكذا إذا كان المقبول صفه الخ فاطلاق لفظ المقبول والقابل بمجرد
المفهوم ويعتبر في القبول بمعنى الانفعال ان لا يكون الفعل ناشيا من ذات الفاعل ولا يكون
لازما لذاته بل يعطيه العلة الخارجة وهو يقبله بمدخلية المادة وذلك كقبول الماء الحرارة
لا كقبول النار الحرارة س ره.
176
سيما البسيطة ففي الجميع ما عنها وما فيها معنى واحد اي جهة الفاعلية والقابلية
فيها كما صرخ الشيخ في مواضع من التعليقات من أن في البسيط عنه وفيه شئ
واحد وهذا لا يختص بالبسيط بل المركب أيضا يجوز ان يكون له طبيعة يلزمها
شئ لا يلحقها على سبيل الانفعال والاستكمال ولعل الشيخ انما أورد ذكر البسيط
ليظهر كونهما لا يوجبان اختلاف الحيثية والحق ان لوازم الوجودات أيضا كلوازم
الماهيات في أن فاعلها وقابلها شئ واحد من جهة واحده كالنار والحرارة والماء للرطوبة
والأرض للكثافة وكذا حكم المركبات في خواصها ولوازمها الذاتية وانما الحاجة
فيها للمادة لأجل حدوث الصفات أو زيادة الكمالات فالنار وان احتاجت إلى المادة
في حقيقتها وصورتها لكن لا يحتاج إليها في كونها حاره بان يتخلل المادة بين كونها
نارا وبين كونها حاره كما لا يتخلل الفاعل أيضا بينها وبين لازمها فلو فرض
وجودها من غير فاعل وقابل لكانت حاره أيضا
والذي وقع التمسك به في امتناع كون الواحد قابلا وفاعلا حجتان
إحداهما ان القبول والفعل اثران (1) فلا يصدران عن واحد.
واعترض عليه الإمام الرازي بانا بينا ان المؤثرية والمتأثرية ليستا وصفين
وجوديين حتى يفتقر إلى عله ولئن سلمنا فلا نسلم ان الواحد يستحيل عنه صدور اثرين
أقول وكلا البحثين مدفوع اما الأول فالبداهة حاكمه بان الإفادة والاستفادة
صفتان وجوديتان والمنازع مكابر والذي استدل به على اعتباريتهما هو ان التأثير



(1) عد الفعل والقبول جميعا اثرين صادرين عن الفاعل والقابل يستلزم رجوع القبول
إلى الفعل وكون العلة القابلية من اقسام العلة الفاعلية وهو يناقض الأصول المتقدمة الثابتة
بالبرهان ولئن أريد بالأثر والصدور مجرد لحوق معنى لذات مثلا ليعم بذلك الفعل والقبول
جميعا لم تشمله قاعدة امتناع صدور الكثير عن الواحد فان البرهان انما قام هناك على استحاله
صدور الأفعال الكثيرة عن الفاعل الواحد بالمعنى المصطلح في الفاعل والفعل والصدور دون
المعنى الأعم المجازي ط مده.
177
لو كان وجوديا لاحتاج إلى تأثير آخر بينه وبين فاعله وحله كما بيناه (1) في
مسالة الوجود والوحدة وما يجرى مجريهما واما الثاني فلما سيأتي في تحقيق
مسالة الصدور عن الواحد.
واعترض أيضا بالنقض بأنه لو صح ما ذكرتم لزم ان لا يكون الواحد قابلا لشئ
وفاعلا لشئ آخر أيضا فان أزيل باختلاف الجهة بان الفاعلية لذاته والقابلية
باعتبار تأثره (2) عما يوجد المعلول قلنا فليكن حال القابلية والفاعلية للشئ الواحد
أيضا كذلك.
فان قيل الشئ لا يتأثر عن نفسه.
قلنا هذا أول المسالة ولم لا يجوز باعتبارين كالمعالج نفسه.
فان قيل الكلام على تقدير اتحاد الجهة.
قلنا فيكون لغوا إذ لا اتحاد جهة أصلا لان المفهومات (3) كلها متخالفة
المعنى انتهى.



(1) يعنى كما أن الوجود موجود بذاته والوحدة واحده بذاتها وكذلك التأثير تأثير بذاته
بلا تأثير آخر أقول إذا كان التأثير امرا وجوديا عينيا كان امرا ممكنا احتاج إلى المؤثر وتأثيره لا محاله
كنفس المتأثر الأصل ولا يجدى كون ماهيته عين التأثير كما هو مقتضى كون التأثير تأثيرا
بذاته وهذا كما يقال لو كان حدوث الحادث امرا عينيا كان حادثا آخر وله حدوث آخر فلا ينفع
في الفرار عن ذلك ان يقال الحدوث حادث بذاته لأنه إذا كان امرا
عينيا كان موجودا آخر وضميمه عينيه فليس بقديم فهو حادث وإن كان ذاته وماهيته الحدوث إذ له وجود زائد كما هو
المفروض س ره.
(2) من باب وضع المظهر موضع المضمر عما يوجده وهذا من الامام عجيب لان التأثر
نفس القابلية س ره.
(3) هذا أعجب من سابقه لان اختلاف نفس المفهومات المنتزعة لا يجدى في صحه صدق
تلك المفهومات انما الجدوى في اختلاف الحيثيات في المنتزع منه لتكون مصححه لصدق تلك
المفهومات فإذا قيل العاقلية والمعقولية في علم المجرد بذاته لا حاجه في صدقهما إلى اختلاف حيثية
فيه والمحركية والمتحركية محتاجتان اليه كان المقصود اختلاف الحيثية وعدمه في المتحيث
والمنتزع منه قبل صدق المفهوم المنتزع مصححا لصدق والا فنفس مفهومي العاقلية والمعقولية
مختلفه وكذا إذا قيل مصحح صدق صفات المختلفة بحسب المفهوم على ذاته تعالى ذاته البسيطة وما هو
مصحح صدق مفهوم العلم هو بعينه مصحح صدق مفهوم القدرة والحياة والإرادة وغيرها وهو
ذاته الواحدة الأحدية الحقه لا يمكن ان يقال صدقها باعتبارات مختلفه وحيثيات متكثرة هي
نفس تلك المفاهيم لان تلك الكثرة في المحمولات الصادقة لا في الموضوع المصدوق عليه والمصحح
للصدق وهذا واضح س ره.
178
أقول اما صحه كون الشئ قابلا لشئ وفاعلا لشئ آخر فليس مما جوزه
الحكماء في البسيط حتى يرد به نقضا عليهم إذ مادة النقض غير متحققة فان الذي
يتوهم نقضا على القاعدة هو كون العقل متوسطا بين الواجب وسائر الممكنات بان
قبل منه وفعل فيها لكن ليس كون المعلول موجودا بقابليته للوجود أو تأثر المحل
به فلا قابلية ولا مقبولية ولا تأثر هاهنا كما مر في مباحث الوجود بل المجعول هو
نفس الوجود لا اتصاف الماهية به وقابليتها له في الواقع نعم ربما يحلل الذهن الموجود
الممكن إلى ماهية ووجود فيحكم بان الماهية قابله للوجود على الوجه الذي مر
ذكره من اخذ الماهية أولا مجرده عن الوجود مطلقا ثم اعتبار لحوق الوجود بها
فعند التجريد لها (1) عن الوجود كيف يكون فاعلا لشئ فظهر ان القابلية
إذا كانت باعتبار الذهن فيقع الكثرة ذهنية لا غير وإذا كانت خارجية كانت الكثرة
خارجية بين القابل والمقبول لكن القبول إذا لم يكن بمعنى الانفعال التأثري جاز
ان يكون عين الفعل واما النقض بمعالجة النفس ذاتها فغير وارد إذ ليس هناك
مجرد تغاير الاعتبارين فقط كالعاقلية والمعقولية بل تعدد الاعتبارين المتكثرين
للذات الموصوفة بهما فالنفس بما لها من ملكه العلاج وصوره المعالجة مبدء فاعلي
وبما لها من القوة الاستعدادية البدنية مبدء قابلي.
الحجة الثانية ان نسبه القابل إلى مقبوله بالامكان (2) ونسبه الفاعل إلى



(1) ولو سلم فح لا يكون بسيطا ففاعليته لوجوده وقابليته لماهيته س ره.
(2) الأولى تبديل الوجوب والامكان فعلا وقوه وهما يلازمان الوجدان والفقدان
وسوق البرهان هكذا ان نسبه القابل إلى مقبوله بالقوة وهي تستلزم فقدان القابل لمقبولة
في نفسه ونسبه الفاعل إلى فعله بالفعل المستلزم لوجدانه حقيقة فعله وكمال وجوده ولو اتحد
الفاعل والقابل لكان الشئ في نفسه واجدا لاثره فاقدا له بعينه وهو محال وانما قلنا إن الأولى
هو التبديل لان نسبه الوجوب انما يتحقق بين الشئ وعلة التامة واما الفاعل الذي هو احدى العلل
الأربع فلا نسلم كون نسبه الفعل اليه وحده بالوجوب اللهم الا في المعلولات التي ليس لها من
العلل الا الفاعل كالمعلول المجرد الذي يكفي في صدوره امكانه الذاتي ولا يحتاج من العلة إلى
أزيد من الفاعل الذي هو بعينه غايته ط مده.
179
فعله بالوجوب لان الفاعل التام للشئ من حيث هو فاعل يستلزمه بل
يستصحه ويمكن حصوله فيه فلو كان شئ واحد قابلا وفاعلا لشئ لكان
نسبته إلى ذلك الشئ ممكنه وواجبه وهما متنافيان وتنافي اللوازم مستلزم لتنافي
الملزومين.
أقول وهذا أيضا انما يجرى في القوابل المستعدة الحاملة لامكان المقبولات
فإنها تباين القوى الفعالة هذا في التركيب الخارجي وكذا يجرى في الماهيات
الحاملة لامكان الوجودات فإنها من حيث ذاتها بذاتها تغاير المقتضيات للوجود
والفعلية هذا في التركيب الذهني واما اتصاف الأشياء بلوازم ماهياتها فليس هناك
نسبه امكانية الا بالمعنى العام للامكان فعلى ما حققناه لا يرد نقض الحجة بلوازم
الماهيات كما زعمه بعض كالامام الرازي وصاحب المطارحات وكثير من المتأخرين
حيث جوزوا كون البسيط قابلا وفاعلا مستدلين على جوازه بل على وقوعه بان
الماهيات علل للوازمها ومتصفا بها فالفاعل والقابل واحد اما انها علل لتلك اللوازم
فان الملزوم لو لم يكن اقتضاؤه لذلك اللازم لنفسه وماهيته لصح ثبوت الملزوم عاريا
عن تلك اللوازم عند فرض زوال عللها فلم يكن اللوازم لوازم هذا خلف واما انها
متصفة بها فلان تلك اللوازم حاصله فيها لا غير فالامكان (1) حاصل في ماهيات



(1) قد مر ان الامكان لكونه سلبا ليس لازما مصطلحا فليس هنا فاعليه ومنفعلية لأنه
دون المجعولية الا ان يراد الامكان بمعنى تساوى الطرفين س ره.
180
الممكنات ومنها والزوجية حاصله من ماهية الأربعة وفيها وتساوى الزوايا
لقائمتين حاصل من ماهية المثلث وفيها.
لا يقال هذه الماهيات مركبه فلعل منشا فاعليتها بعض اجزائها ومنشأ قابليتها
بعض آخر فلا يلزم ما ذكرتموه.
لأنا نقول اما أولا فلان في كل مركب بسيطا ولكل واحد من بسائطه
شئ من اللوازم وأقلها انه شئ أو ممكن عام واما ثانيا فلان الحقيقة المركبة
لها وحده طبيعية مخصوصة واللازم الذي يلزمه عند ذلك الاجتماع ليس عله لزومه
أحد اجزاء ذلك المجموع والا كان حاصلا قبل ذلك الاجتماع وليس القابل أيضا
أحد اجزائه فان السطح وحده لا يمكن ان يكون موصوفا بتساوي الزوايا لقائمتين
ولا الأضلاع الثلاثة بل القابل هو المجموع من حيث هو ذلك المجموع والفاعل
أيضا ذلك المجموع فكان الشئ باعتبار واحد قابلا وفاعلا وهو المطلوب.
ويدل أيضا ان للباري عز اسمه صفات انتزاعية (1) كالواجبية والوحدانية
وما يجرى مجراها عند الكل لان ما لا يجوز كونه زائدا عليه هي من الصفات
الكمالية كالعلم والقدرة والإرادة لا الانتزاعيات كمفهوم وجوب الوجود ومفهوم
العالمية وغيرهما فاذن ذاته بسيطه ومع بساطته فاعل وقابل لهذا الاعتبارات العقلية.
وأيضا عقله للأشياء عند المعلم الأول واتباعه كالشيخين أبى نصر وأبى على
وغيرهما صور مطابقه للأشياء والصور المطابقة للممكنات مخالفه لذاته تعالى وهي
عندهم من لوازم ذاته تعالى وهي أيضا في ذاته فالفاعل والقابل هناك واحد.
ومن هاهنا وقع الاشتباه على المتأخرين سيما الإمام الرازي في تجويز كون
الفاعل والقابل باي معنى كان واحدا ولم يعرفوا كنه الامرين في القبيلين فوقعوا



(1) لا يخفى انها إذا كانت اعتبارية عدمية لا تحتاج إلى جعل وجاعل كما مر في المؤثرية
والمتأثرية س ره.
181
في مغلطة عظيمه من جهة اشتراك الاسم في استعمالات القوم فاغمضوا الأعين عن مقتضى
البراهين حتى تورطوا في مهلكه الزيغ في صفات الله الحقيقية واعتقدوا زيادتها
على الذات المقدسة وان ذاته بذاته من غير عروض صفه لاحقه عاطله عن كمال
الإلهية والواجبية تعالى عن النقص علوا كبيرا ولم يعلموا ان برهان عينيه الصفات
الحقيقية الكمالية واثبات توحيده ليس سبيله هذا السبيل (1) حتى لو لم يجز
في اللوازم لكان للقول بزيادة الصفات الكمالية مساغا حاشى الجناب الإلهي عن ذلك.
وربما يقال ايرادا على البرهان المذكور المبتنى على تعدد جهتي الامكان
والوجوب ان معنى قابلية الشئ لامر انه لا يمتنع حصوله فيه بمعنى الامكان العام
وهو لا ينافي الوجوب.
ودفعه بان معنى القابلية والاستعداد انه لا يمتنع حصول الشئ ولا عدم حصوله
في القابل وهو المعنى الخاص ولو فرضنا الامكان العام فليس تحقق معناه في أحد
نوعيه أعني الوجوب بل يؤخذ معناه ومفهومه الأعم على وجه لا يحتمل الا الامكان
الخاص فينا في تعين الوجوب الذي لا يحتمله وبالجملة فكون المادة الحاملة لقوه
وجود الشئ وامكانه غير القوة الفاعلة الموجبة له مما لا يليق الخلاف فيه بين المحصلين
إذ كل من رجع إلى فطرته السليمة عن غشاوة التقليد وعمى التعصب يحكم بان
الشئ الواحد بما هو واحد لا يستفيد الكمال عن نفسه
فصل [7]
في أن التصورات قد يكون مبادي لحدوث الأشياء
اما اجمالا (2) فقد علمت من مباحث القوى وتجدد الطبائع وغير ذلك بالقوة



(1) اي ليس منحصرا فيه والا فهو من اشهر براهينهم على العينية كما ذكر في المبدء
والمعاد وغيره س ره.
(2) انما كان علتها المفارق دون القوى والطبائع والنفوس بما هي نفوس لوجوه أحدها
انها يمكن أن تكون مبادي الحركات اي فاعلا طبيعيا لا فاعلا لها مبدء الوجود إذ لا يمكن ان
يعطى الوجود الا ما هو يبرئ مما بالقوة.
وثانيها انها متحركات والمتحرك بما هو متحرك امر بين صرافة القوة ومحوضة
الفعل ومثل هذا الامر لا يكون فاعل الوجود.
وثالثها ان تأثير القوى الجسمانية بمشاركة الوضع لمادتها بالنسبة إلى مادة المنفصل
والكلام في ايجاد نفس المواد كما قال إن المؤثر في وجود الأجسام الخ والوضع لا يتصور
بالنسبة إلى المعدوم والى الهيولى بخلاف المفارق في جميع ذلك س ره.
182
القريبة من الفعل ان المؤثر في وجود الأجسام وطبائعها يجب ان لا يكون امرا
مفتقرا في قوامه إلى المادة وكل ما لا يدخل المادة في قوامه فهو لا محاله صوره غير
مادية فثبت ان مبادي الكائنات أمور صورية بل (1) تصورية.
واما تفصيلا فنقول من شان النفوس ان يحدث من تصوراتها القوية الجازمة
أمور في البدن من غير فعل وانفعال جسماني فيحدث حراره لا عن حار وبرودة لا عن
بارد والذي يدل عليه أمور
الأول ان القوة المحركة التي في الانسان بل في الحيوان صالحه للضدين
فيستحيل ان يصدر عنها أحدهما الا لمرجح وذلك المرجح (2) ليس الا تصوره
لكون ذلك الفعل لذيذا أو نافعا فالمؤثر في ذلك الترجيح هو ذلك التصور واقتضاؤه
لذلك الترجيح ان توقف على آله جسمانية توقف تأثير ذلك التصور في تلك الاله
الجسمانية على آله جسمانية أخرى ولزم التسلسل وذلك محال فإذا تأثير تصورات
النفوس في الأجسام لا يتوقف على توسط الآلات الجسمانية فثبت ما ادعيناه.
الثاني سيجئ في مباحث الفلكيات ان مبادي حركاتها هي تصوراتها واشواقها
الثالث انا نشاهد من نفوسنا انا إذا أردنا الكتابة وعزمنا فعلنا عند عدم
المانع ومبدء الإرادة هو التصور (3) وإذا تصورنا امرا ملذا مفرحا نرجو حصوله



(1) اي علمية وهذا ثبت بانضمام ان كل مجرد عقل وعاقل ومعقول س ره.
(2) المراد التصور المطلق لا الساذج لان المرجح هو التصديق بغاية الفعل س ره.
(3) لا فرق بينه وبين الأول فان ترجيح الفعل ارادته وارادته ترجيحه الا ان يقال
المنظور في الثاني مبدئية التصور للإرادة وهي الشوق المؤكد وفي الأول مبدئية التصور
لاحد الضدين يعنى ترجيح الفعل على الترك ولا يقدح تخلل الشوق والعزم هاهنا إذ المقصود عدم
تخلل الاله الجسمانية كما قال لا يتوقف على توسط الآلات الجسمانية س ره.
183
احمر الوجه وتهيجت الأعضاء وإذا تصورنا امرا مخوفا نظن وقوعه اصفر لون الوجه
واضطرب البدن وان لم يكن ذلك المرجو أو المخوف داخلين في الوجود وكذا
نشاهد (1) من كون الانسان متمكنا من العد وعلى جذع يلقى على الطريق ثم إذا
كان موضوعا في الجسر وتحته هاوية لم يجترء ان يمشى عليه الا بالهويناء لأنه يتخيل
في نفسه صوره السقوط تخيلا قويا فتطيع قوته المحركة لذلك التصور بحسب
غريزتها من الطاعة والانقياد للتصورات ومن هذا القبيل الاحتلام في النوم.
الرابع ان المريض إذا استحكم توهمه للصحة فإنه ربما يصح وإذا استحكم
توهم الصحيح للمرض فإنه يمرض ونفس صاحب العين العانية تؤثر من غير آله
جسمانية ويحكى من حذاق الأطباء المعالجة بأمور نفسانية تصورية كما يحكى ان
بعض الملوك اصابه فالج شديد وعلم الطبيب ان العلاج الجسماني لا ينجع فيه وترصد
للخلوة حتى وجدها ثم اقبل على الملك بالشتم والفحش والكلمات الركيكة حتى
اضطرب الملك اضطرابا شديدا فثارت حرارته الغريزية فيه واشتعلت فقويت على
دفع المادة وما كان لها سبب سوى التصورات النفسانية فإذا ثبت هذا الأصل فيسهل
عليك التصديق للنبوات فلا يستبعد ان يبلغ النفس إلى مبلغ في الشرف والقوة إلى
حيث تبرئ المرضى وتمرض الأشرار وتقلب عنصرا إلى عنصر آخر حتى يجعل
غير النار نارا ويحدث بدعائه أمطار وخصب تارة أو زلزله وخسف تارة وستعلم
ان المادة للعناصر مشتركة فهي قابله لجميع الصور ونسبه النفوس الجزئية الضعيفة
إلى مواد أبدانها كنسبة النفوس القوية الكلية إلى مواد أخرى كما يصير تصورات



(1) فيه مناقشة سنشير إليها في الكلام على اقسام الفاعل الستة إن شاء الله ط مد.
184
هذه مبادي الأمور الجزئية فجاز أن تكون تصورات تلك النفوس مبادي الأمور العظيمة
وإن كان نادرا أو غريبا ومن هذا القبيل الطلسمات والنيرنجات كما قال الشيخ ان
للقوى العالية الفعالة والقوى السافلة المنفعلة اجتماعات على غرائب ومما يتعلق
بهذا المبحث ان الرأي الكلى لا يكون منشا لحصول افعال جزئيه وذلك لان الكلى
مشترك بين جزئياته متساوي النسبة إلى كل واحد واحد من المندرجات فيه فلما كان
سببا لوقوع واحد منها مع أن نسبته اليه كنسبته إلى غيره لزم من ذلك وقوع الممكن
بلا سبب وهو محال.
عقده وحل
لقائل ان يقول كل ما دخل أو يدخل في الوجود فهو جزئي
وله ماهية كليه فلا بد ان يكون سبب الوقوع لجزئي من
جزئياتها اراده جزئيه لكن الباري سبحانه علمه كلى وارادته (1) كليه عند
الحكماء مع اتفاقهم على أنهما مبدء ان لوجود الممكنات وبعبارة أخرى الحكماء
جعلوا تصورات المبادي المفارقة عللا لتكون الأجسام والاعراض في عالمي الابداع
والتكوين وتلك التصورات كليه وهذه الأشياء جزئيات فما هو المتصور عند الأوائل
ممتنع الحصول هاهنا وما هو الحاصل هاهنا غير متصورهم فبطل قول الفلاسفة.
وحله ان الجزئي على ضربين أحدهما ان يكون له أمثال في الوجود ولنوعه
افراد منتشرة والثاني ان لا مثل له في الوجود وان فرضه العقل فما يكون من
قبيل الأول فلا تخصص لواحد منها في الوجود الا بأحوال خارجه عن ماهياتها ولازم
ماهياتها والعقل (2) لا يمكن ان يدركه الا باله جسمانية فالإرادة الكلية لا تنال



(1) إن كان المراد بالكلية معناها المشهور كما هو ظاهر كلامهم فالامر واضح وإن كان
المراد بها السعة والإحاطة كما هو تأويل كلامهم وهو مراد المصنف قدس سره فمناط لاشكال
استواء نسبتهما إلى جميع المعلومات والمرادات الجزئية واجليتهما من التعلق بمحدود س ره.
(2) اي العقل الجزئي أو العقل مطلقا بناء ا على مذهب المشائين المنكرين للعلم الحضوري
من المجرد بالجزئيات مما سواه س ره.
185
واحدا منها دون غيره وما يكون من قبيل الثاني فيمكن ان يكون تخصص الواحد
من الافراد الفرضية بالوجود لامر لازم الماهية (1) فللعقل ان يدركه وللإرادة
الكلية ان يناله لان تخصصه بالتشخص ليس بأحوال خارجه عن ذاته وليست لذاته
أمثال لا اختلاف بينها بالذاتيات ولا بما هو من قبل الطبيعة.
فنقول الفيض الكلى (2) والإرادة الكلية والعناية الأزلية عامه لجميع
الموجودات المبدعة والكائنة الا انها قد يتخصص بعضها بالوجود قبل بعض أو دون
بعض ذاتا أو زمانا بأسباب ذاتية أو عرضيه فالذاتية كالوسائط العقلية والعرضية
كالمعدات تخصص القوابل كما أن اراده الذاهب إلى الحج سبب للخطوات وسبب
لكل خطوه معينه بشرط حصول الخطوة المتقدمة التي وصلت إلى ذلك الحد من
المسافة وقد عرفت ان العلل المؤثرة انما يتخصص تأثيرها بواسطة علل معده مقربه
للعلل المؤثرة إلى معلولها بعد ما لم تكن قريبه وان ذلك بسبب ان قبل كل حادث
حادثا هذا إذا كانت أو أمكنت للماهية اشخاص كثيره واما إذا لم يمكن
لها الا واحد فيصير الإرادة الكلية سببا لوجود الشخص الجزئي لان امكانه الذاتي
كاف في قبوله الوجود بخلاف واحد من افراد نوع فلا يكفي امكان نوعها لامكان
الشخص بل لا بد من حدوث امكان زائد على امكان النوع في مواد شخصيته
فصل [8]
في أن العلة هل هي أقوى من معلولها



(1) وهو مجرد امكانه الذاتي لأنه وإن كان جزئيا بمعنى ممتنع الصدق على الكثرة الا
انه جزئي مجرد عن المواد والأزمنة والأمكنة وتخصص الاستعداد فللعلم والإرادة القديمين
ان ينالاه س ره.
(2) الحاصل ان الإرادة القديمة تتعلق بالمبدع ولا اشكال وكذا تتعلق بالمخترع
ولا اشكال وبالكائن الحادث فلا اشكال أيضا كما سيأتي ان عله كل حادث مجموع أصل قديم
وشرط حادث س ره.
186
البداهة حاكمه بان العلة المؤثرة هي أقوى لذاتها من معلولها فيما يقع به
العلية وفي غيرها لا يمكن الجزم بذلك ابتداء ا والشيخ الرئيس قد فصل القول في
هذه المسألة بان المعلول اما ان يحتاج إلى العلة لذاته وطبيعته أو بشخصيته وهويته
والأول يقتضى أن تكون العلة مخالفه له في الماهية والا لزم عليه الشئ لنفسه واما
الثاني ككون هذه النار معلوله لتلك النار والابن معلولا للأب فلا يجوز ان يكون
أقوى من العلة في تلك الطبيعة لان تلك الزيادة معلوله ولا سبب لها وليست حاصله
للفاعل حتى يقتضيها ولا يمكن ان يسند إلى زيادة استعداد مادية له لان المادة
باستعدادها قابله لا فاعله أو مقتضيه واما انه هل يكون مساويا للعلة فنقول ذلك
التساوي اما ان يعتبر في حقيقتهما أو وجوديهما فعلى الأول اما ان يتساوى مادتاهما
أم لا فإن لم تتساويا فاما ان تتساويا في قبول ذلك الأثر أو تختلفا فالأول (1)
كالحال في اتباع سطح النار لسطح فلك القمر في حركه واما الثاني فمثل الضوء
الحاصل من الشمس في القمر (2) فان الضوئين مختلفان بالقوة والضعف ومن جعل
هذا القدر من الاختلاف مؤثرا في اختلاف الماهية جعلهما نوعين ومن جعل ذلك
اختلافا في العوارض جعلهما من نوع واحد واما إذا كانت المادتان متساويتين
فلا يخلو اما أن تكون مادة المنفعل خاليه عما يعاوق ذلك الأثر أو يكون فيها
ما يعاوقه الأول هو الاستعداد التام وهو على ثلاثة أقسام فإنه اما ان يكون في
المادة ما يعين على ذلك الأثر ويبقى معه مثل تبريد الماء فان فيه قوه تعين على هذا الأثر



(1) اي متساوي المادتين في قبول الأثر كحال الاتباع المذكور فهاهنا العلة والمعلول
وهما الحركتان متساويتا الحقيقة والمادتان اي الموضوعان وهما سطح الفلك وسطح النار غير
متساويتين ولكنهما متساويتان في قبول حركه سرعه وبطؤا بدلالة الطلوع والغروب في
ذوات الأذناب ونظائرها من الكواكب س ره.
(2) اختلاف الموضوعين هنا مع كون الشمس والقمر كليهما فلكيين باعتبار اختلافهما
النوعي وانحصار نوع كل فلك وفلكي في شخصه س ره
187
واما ان يكون فيها ما يعاوق الأثر لكنه يزول عند حدوث ذلك الأثر كالشعر إذا شاب
عن سواد واما ان لا يكون فيها معاوق ولا معاون كالتفه في قبول الطعوم ففي هذه
الاقسام يجوز ان يشبه المنفعل بالفاعل تشبها تاما مثل النار يحيل الماء نارا والملح
يحيل العسل ملحا فان الصور الجوهرية التي لهذه الأمور لا تكون متفاوتة بالشدة
والضعف كما هو المشهور والمادة قابله لاثار تلك الصور لكونها مماثله لمادة الفاعل
ولا معاوق ولا منازع فيجب حصول تلك الآثار بتمامها واما إذا كان في المادة ما يعاوق
الأثر وهو الاستعداد الناقص كالماء في قبوله للتسخن من النار لان طبيعته مانعه عن
قبول هذا الأثر فهاهنا المنفعل أضعف من الفاعل على كل حال لان مادة المنفعل معاوق
عن ذلك الأثر وليس في مادة الفاعل معاوق والشئ مع العائق لا يكون كالشئ لا معه
ولهذا فغير النار إذا تسخن عن النار لا يكون سخونته كسخونتها.
واما الايراد بحال الفلزات المذابة بالنار والمسبوكات يكون سخونتها أقوى
من سخونة النار حيث يحترق اليد بها بمجرد الملاقاة دون النار.
فالجواب بوجوه مذكورة في الشفاء من كونها غليظه لزجه بطيئه ملاقاة اليد
إياها عسره الزوال هي عن اليد وكون النار غير صرفه بل ممازجه لغيرها ذات سطوح
كثيره غير متصله بل مختلطة باجرام هوائية وأرضية كاسره إياها من حاق حرها
فالسخونة المحسوسة من الجواهر الذائبة أقوى من ما يحسن من النار وهذا كله إذا كان
النظر إلى حقيقتي العلة والمعلول المشتركتين في الماهية واما إذا كان النظر إلى
وجوديهما فيستحيل تساويهما من جهة التقدم والتأخر لان العلة مفيدة والمعلول
مستفيد الوجود فالنار الحاصلة من نار أخرى وان تساويا في النارية لكن المفيدة اقدم
من المستفيدة لا في كونها نارا بل في أنها موجوده وكذا الأب يتقدم على الابن لا في كونه
انسانا بل في كونه موجودا واما إذا كان المعلول لا يشارك العلة في الماهية ولا في المادة
بل في الوجود فالحق ان الوجود في العلة أقوى واقدم واغنى وأوجب لكن الشيخ ذكر
ان التفاوت بين الوجودين لا يكون بالأشد والأضعف والأقوى والأنقص لان الوجود

188
من حيث هو وجود لا يقبل ذلك بل الاختلاف بين العلة والمعلول انما يكون في
أمور ثلاثة التقدم والتأخر والاستغناء والحاجة والوجوب والامكان أقول لعله
أراد (1) بالوجوب هاهنا نفس المعنى العام الذي يقال له الوجود الاثباتي الذي يحمل
على الماهيات في الذهن ويعرض للنسبة بينها وبينه كيفية الوجود والامكان
والامتناع ولذلك قيد الوجود في عدم قبوله للاختلاف المذكور بقوله من حيث هو وجود
واما الوجود الحقيقي الذي يطرد العدم وينافيه فلا شبهه للقائلين به انه مما يتفاوت
في الشدة والضعف والقوة كيف والشيخ قد صرح في كثير من مواضع كتبه بان بعض
الموجودات قوية الوجود وبعضها ضعيفه كالزمان وحركه وأشباهها وأيضا الماهية
قد تكون مشتركه بين الوجود الذهني والخارجي والتفاوت بينهما بالوجودين ولا شك
ان الخارجي أقوى من الذهني لأنه مبدء الآثار المختصة دون الذهني
فصل [9]
في أنه كيف (2) يصح قولهم بان العلة التامة للشئ المركب يكون معه
اعلم انا قد بينا ان ماهية الشئ هي عين صورته ومبدء فصله الأخير حتى لو وجدت



(1) أو لعله بنى ما ذكره على أن الشدة والضعف من خواص الكيف عند القوم والوجود
ليس بعرض ولا بجوهر لكن توجيه كلامه بما ذكره المصنف قدس سره أولى لتوصيفه الوجود
بالقوة والضعف وان لم يكن في تقييده الوجود بالحيثية دلاله على ما اراده س ره.
(2) حتى أنكروا تقدم العلة التامة على المعلول إذ من اجزائها المادة والصورة اللتان
هما مع المعلول بل عينه والحاصل الاعتذار بان العلة المادية والصورية معتبرتان في ناحية العلة
لا المعلول فان المعلول امر وحداني هو صورته التي هو بها ما هو فكيف يتحقق المادة والصورة
بما هما شيئان في المعلول حتى يقال هما في العلة عين ما في المعلول فلا تقدم نعم المركب من المادة
والصورة لزم وجوده في مرتبه وجود ذلك المعلول الوحداني لجامعيته للكمالات السابقة بنحو
أعلى فالركب كاللازم المتحقق بالعرض للملزوم بلا استيناف عله له سوى عله الملزوم فتلك
العلة مقدمه على ذلك المعلول الوحداني ولا مادة وصوره بالذات فيه حتى يقال إن العلة معه أو
عينه لكونه نحو الوجود فبهذا التحقيق يتخلص عن مضيق شبهه تقدم العلة التامة على المعلول
ولا حاجه إلى ما ذكره المحقق اللاهيجي ره من أن المقدم هو مجموع الآحاد بالأسر والمؤخر
هو المجموع بشرط الاجتماع وإن كان هذا أيضا وجها وجيها على سياقه وسياق اترابه.
وبالجملة مقصود المصنف قدس سره أمران أحدهما اثبات التقدم للعلة التامة على المعلول
بالذات الذي هو الامر البسيط إذ لا مانع وهو وجدان المادة والصورة المخصوصة التي يكون
عله ثم كيف لا يكون العلة التامة متقدمه وهي العلة بالفعل دون غيرها فلو لم تتقدم كان ما
هو عله غير متقدم وما متقدم غير عله حقيقة.
وثانيهما اثبات المعية لها مع المعلول بالعرض وهو المركب الموجود بالعرض بوجود
منشا انتزاعه لأنه قابل التحليل فهذا تأويل لقول من قال العلة التامة للمعلول المركب معه
وفيه أيضا تأويل لقول من قال بعدم مجعوليه المركب وبه ينتفع أيضا في المعاد ولهذا كان من
المشرقيات س ره.
189
الصورة مجرده أو وجد الفصل الأخير لكان جميع المعاني الداخلة في ماهية ذلك
الشئ أو المقومة لوجوده حاصله لتلك الصورة لازمه لذلك الفصل فصوره الانسان
مثلا إذا وجدت قائمه بلا مادة لكانت مبدء ا للنطق والحياة والاحساس والتغذية والتوليد
والتجسم الا انها (1) لكماليتها وغنائها عن مزاولة هذه الأفاعيل لا يفعلها كما يفعلها
عند النقص والقصور عن درجه التمام وكذا الفصل الناطق يلزمه مفهوم الحيوانية
وما يتضمنه.
إذا عرفت هذا فنقول الأسباب والعلل انما يحتاج إليها الصورة في نحو وجودها
الكوني لأنها الامر الوحداني الذي له وحده طبيعية ذاتية وإذا وجدت بوجود عللها
وشرائطها لزم في مرتبه وجودها وجود النوع المركب منها ومن المادة القريبة من
غير استيناف عله أخرى له فبهذا الوجه يقال إن العلة التامة للمركب كانت معه
في الوجود فهذا من باب اخذ ما بالعرض مكان ما بالذات فان المركب كما أنه



(1) اي عن مزاولة مادياتها ودنيوياتها لا مجرداتها وأخروياتها كالجسم الصوري
الصرف والاحساس والتغذية والنكاح الأخرويات وان كانت بطريق اللزوم والطبعية والغناء
عنها جميعا كالغناء عن النامية في سن الوقوف والسر في الغناء جامعيتها لوجودات مباديها
واكتفائها بعلمها الحضوري بالمرئيات والمسموعات وباقي المدركات عن الحواس وبالقدرة
التامة عن القوى المحركة هذا في العقل البسيط وفي غيره بنحو أشرنا اليه س ره.
190
موجود بالعرض على ما مر كذلك معلول بالعرض والمعلول بالعرض يجوز ان يكون
معا لما هي عله له بالعرض إذ لا افتقار بالذات له إليها فاعلم هذا فإنه من الحكمة
المشرقية.
فصل [10]
في احكام مشتركه بين العلل الأربع (1)
وهي أمور سته أحدهما كونها بالذات وبالعرض فالفاعل بالذات هو الذي
لذاته يكون مبدء ا للفعل والفاعل بالعرض ما لا يكون كذلك وهو على اقسام
الأول ان يكون فعله بالذات ازاله ضد شئ فينسب اليه وجود الضد الاخر
لاقتران حصوله بزوال ذلك الضد مثل السقمونيا للتبريد فان فعله بالذات ازاله
الصفراء وإذا زالت الصفراء حصلت البرودة فتضاف إليها.
والثاني ان يكون الفاعل مزيلا للمانع وان لم يفد مع المنع ضدا كمزيل
الدعامة فإنه يقال هادم السقف.



(1) كون العلل أربعا مما تسالمت عليه الحكماء وقد برهنوا على وجود العلة الغائية في
مباحث الغاية وعلى وجود العلتين الصورية والمادية في مباحث الهيولى والصورة واما العلة
الفاعلية فقد اعتمدوا في وجودها على وضوحه غير أن المشتغلين بالأبحاث الطبيعية اليوم بنوا
أبحاثهم على انحصار العلة في العلة المادية ولذلك نسبوا الحكماء إلى القول بالاتفاق حيث ذكروا
ان العالم يستند في وجوده إلى فاعل من غير مادة وهو الله عز اسمه والحق في ذلك قول الحكماء
فانا لا نشك في أن الآثار الحادثة من الماديات عند تفاعلها مختلفه بالفعل والانفعال فإذا حدث
الاشتعال عند اقتران النار بالقطن لم نشك ان هناك اثرين اثر للنار واثر للقطن وان اثر
النار كأنه شئ موجود لها في نفسها تعديه إلى غيره كالرشح وان لم يكن رشحا وان اثر القطن
ليس موجودا له قبل الاقتران وانما يجدها بالاقتران عن النار فالمؤثران يختلفان بالاعطاء
والاخذ والامر في جميع الحوادث المادية على هذا النمط فالعلل المادية من جهة آثارها على
قسمين قسم منها يعمل عمله على نعت الوجدان والأعضاء وقسم منها على نعت الفقدان والاخذ
والأول العلة الفاعلية والثاني العلة القابلية واحكامهما مختلفه ط مده.
191
والثالث ان يكون للشئ صفات كثيره وهو باعتبار بعضها يكون فاعلا لشئ
بالذات فإذا اخذ مع سائر الاعتبارات كان فاعلا بالعرض كما يقال الكاتب يبنى
أو الباني يكتب أو الأسود يتحرك.
الرابع الغايات الاتفاقية إذا نسبت إلى الفاعل الطبيعي أو الاختياري كالحجر
إذا شج عضوا عند الهبوط وانما عرض له ذلك لان فعله بالذات ان يهبط فاتفق ان
وقع العضو (1) في مسافته ومن هذا القسم حفظ يبوسه الأرض للشكل الغير الكرى.
والخامس ان يكون المقارن للفاعل لا على سبيل الوجوب يجعل فاعلا واما
المادة بالذات فهي التي بخصوصية ذاتها تكون قابله للصورة المعينة والتي بالعرض
فامران
الأول ان يؤخذ القابل مع ضد المقبول فيجعل مادة المقبول كما يجعل الماء
مثلا مادة للهواء.
والثاني ان يؤخذ القابل مع وصف لا يتوقف القابلية عليه فيجعل معه قابلا
كما يقال الطبيب يتعالج فإنه (2) لا يتعالج من حيث هو طبيب بل من حيث هو
مريض واما الصورة بالذات فهي مثل الشكل للكرسي والتي بالعرض كالسواد والبياض
واما الغاية الذاتية والعرضية فكما ستعرف.
وثانيها القرب والبعد فالفاعل القريب هو الذي يباشر الفعل يعنى لا واسطه
بينه وبين فعله كالوتر لتحريك الأعضاء والبعيد كالنفس وما قبلها والمتوسط كالقوة
المحركة التي للوتر وقبلها القوة الشوقية وقبلها التصديق أو ما في حكمه والمادة



(1) ولهذا يسمى هذا القسم بالبخت والاتفاق وهو واقع في عالم التكوين العنصري
دون الابداعي الكلى والبخت والاتفاق انما يتصور بالنسبة إلى نظام الجزئي لا بالنظر إلى
النظام الجملي الكلى فافهم ن ره.
(2) وهذا القسم يسمى مادة بمعنى الحامل للاستعداد كما مر ن ره.
192
القريبة هي التي لا يتوقف قبولها للصورة على انضمام شئ آخر إليها أو حدوث حاله
أخرى فيها مثل الأعضاء لصوره البدن والبعيدة ما لا يكون كذلك اما لأنه وحده
ليس بقابل بل هو جزء القابل أو إن كان فلا بد من أحوال ليستفيد بها قبول تلك
الصور فالأول مثل الخلط الواحد لصوره العضو والثاني مثل الغذاء لصوره الخلط
أو النطفة لصوره الحيوان فان ذلك لا يتم الا بعد أطوار كثيره والصورة القريبة
كالتربيع للمربع والبعيدة كذى الزاوية له والغاية القريبة كالصحة للدواء والبعيدة
كالسعادة للدواء وثالثها الخصوص والعموم فالفاعل الخاص ما ينفعل عنه شئ
واحد كالنار المحرقة لواحد والعام ما ينفعل عنه كثيرون كالنار المحرقة
لكثيرين والعام قد يكون فاعلا لكل شئ كالواجب تعالى وقد يكون لبعضها كغيره
والمادة الخاصة ما لا يمكن ان يحلها الا تلك الصورة مثل جسم الانسان لصورته
والمادة العامة مثل الخشب لصوره السرير والكرسي وغيرهما والهيولي الأولى مادة
للكل وفرق بين القريب والخاص فقد يكون قريبا وعاما مثل الخشب للسرير
وغيره والصورة الخاصة فهي حد الشئ وفصله أو خاصته والعامة كأجناس تلك
والغاية الخاصة فهي التي لا تحصل الا من طريق واحد والعامة هي التي تحصل من
طرق متعددة.
ورابعها الكلى والجزئي فالفاعل الجزئي هو العلة الشخصية أو النوعية أو
الجنسية لمعلول شخصي أو نوعي أو جنسي كل في مقابل نظيره والكلى هو ان
لا يوازى الشئ بمثله مثل الطبيعة لهذا العلاج أو الصانع للعلاج وفي المادة كذلك
واما في الصورة فلا فرق بين الكلية والجزئية وبين الخصوص والعموم واما في
الغاية فالجزئي كقبض زيد على فلان الغريم في حركته المخصوصة واما الكلى
فكالانتصاف من الظالم.
وخامسها البسيط والمركب فالفاعل البسيط هو الشئ الاحدى الذات واحق

193
العلل بذلك هو المبدء الأول والمركب منه ما يكون مؤثريته لاجتماع عده أمور
اما متفقه النوع كعدة رجال يحركون السفينة أو مختلفه النوع كالجوع الحادث
عن القوة الجاذبة والحساسة والمادة البسيطة كالهيولي للجسمية والمركبة كالعقاقير
للترياق والصورة البسيطة مثل صوره الماء والنار والصورة المركبة مثل صوره الانسان
التي هي عبارة عن المجموع الحاصل من عده أمور وفيه تأمل والغاية البسيطة مثل الشبع
للاكل والمركبة هي المطلوب المركب من أمور كل واحد منها غير مستقل بالمطلوبية.
وسادسها القوة والفعل فالفاعل بالقوة مثل النار بالقياس إلى ما لم يشتعل فيه
ويصح اشتعالها فيه والقوة قد تكون قريبه كقوة الكاتب المتهئ للكتابة عليها
وقد تكون بعيده كقوة الصبي عليها والموضوع قد تكون بالقوة مثل النطفة
لصوره الانسان وقد تكون بالفعل كبدن الانسان لصورته واما الصورة فقد يكون
بالفعل وذلك عند وجودها وقد تكون بالقوة وهي الامكان المقارن لعدم الصورة
في الموضوع المعين واما كون الغاية بالقوة أو بالفعل فهو ككون الصورة بالقوة
وبالفعل لان الغاية بالقياس إلى شئ صوره بالقياس إلى صورته كما أن الغاية
لشئ فاعل لفاعله من حيث هو فاعل (1)
فصل [11]
في أنه هل يجوز ان يكون للشئ البسيط عله مركبه من اجزاء
قد جوزه كثير من الفضلاء والحق امتناعه كما ذكره بعض المحققين مستدلا
عليه بقوله (2) لا يجوز صدور البسيط عن المركب لأنه ان استقل واحد من اجزائه



(1) وهذه الخاصة انما هي في الافعال الإرادية التي تتوقف على تقدم يشتمل على التصديق
بالغاية وذلك بنوع من التجوز وحقيقة الغاية هي الكمال الذي ينتهى اليه الفعل أو يريده الفاعل
فيصدر عنه الفعل وسيجئ ط مده.
(2) ظاهر كلام هذا المحقق ان مراده من البساطة ان لا يكون هناك كثره مؤلفه من
موجودات نفسية كالمادة والصورة وعلى هذا فيرد عليه انهم متفقون على أن الاعراض بسيطه
في الخارج وان الاعراض العارضة على كل نوع فاعله ذلك النوع فهذه العلة اما بسيطه فيلزم
قدمه وليس كذلك واما مركبه فيلزم صدور العرض البسيط من المركب هذا ولكن المصنف
قده حيث يذكر فيما يأتي ان النفس غير بسيطه يظهر منه انه فسر البسيط بما ليس بمؤلف من
موجودات لها كثره موجوده سواء ا فيه الوجود النفسي وغيره وعلى هذا فيسقط الاعتراض بالاعراض
لكون وجوداتها تعلقية متعلقه بالموضوع كالنفس بالبدن لكن يتوجه عليه اشكال آخر وهو ان
الكثرة والتركيب المفروض في ذوات الأمور الحادثة الموجودة في هذا العالم الطبيعي لا بد
ان تنتهى إلى الآحاد والبسائط والا لم توجد الكثرة ولازمه تركب الحادث من أمور قديمه فتكون
مواد الأشياء وصورها قديمه وهو باطل بالضرورة وقد أجاب المصنف ره عنه فيما سيأتي بان حدوث
الجزء الصوري ذاتي له فلا يحتاج إلى عله وأنت خبير بأنه لو بنى الكلام على ذاتية الحدوث على
ما يقتضيه القول بالحركة الجوهرية لم يتم البيان في أن عله الحادث مركبه ولا ان كل حادث
مركب ط مده.
194
بالعلية لا يمكن استناد المعلول إلى الباقي والا إن كان له تأثير في شئ من المعلول
لا في كله لأنه خلاف الفرض كان مركبا لا بسيطا وان لم يكن لشئ منها تأثير في
شئ منه فان حصل لها عند الاجتماع امر زائد هو العلة فإن كان عدميا لم يكن
مستقلا بالتأثير في الوجود والا لزم التسلسل في صدوره عن المركب إن كان بسيطا
وفي صدور البسيط عنه إن كان مركبا وان لم يحصل بقيت مثل ما كانت قبل الاجتماع
فلا يكون الكل مؤثرا قال ويلزم منه ان يكون عله الحادث مركبه لوجوب
حدوثها أيضا والا لكان صدور الحادث في وقت دون ما قبله ترجيحا من غير مرجح
فلو كانت بسيطه توجب لأجل حدوثها حدوث علتها ولاجل بساطتها بساطتها ولزم التسلسل
الممتنع لتركبه من علل ومعلولات غير متناهية بخلاف ما لو كانت عله الحادث مركبه
خارجية فإنه لا يلزم التسلسل الممتنع لجواز تركبها (1) من أمرين قديم وحادث



(1) اي تركيبا اعتباريا من أمرين قديم هو وجه الله الثابت على حاله واحده المنور لكل
مادة قابله تتخطى إلى ساحة حضوره أو هو العقل المفارق الباقي ببقائه لأنه من أسمائه الحسنى
وصفاته العليا الفعلية كالعقل العاشر لاحداث مركبات هذا العالم الكياني وحادث هو بعض
من ابعاض حركه الوضعية الفلكية س ره.
195
ويكون الحادث منهما شرطا بعدمه بعد وجوده في وجود الحادث المعلول عن العلة
القديمة والشرط جاز ان يكون عدميا فلا يجتمع اذن أمور موجوده معا ولها ترتب
العلية والمعلولية إلى غير النهاية قال ويلزم منه ان يكون كل حادث مركبا
والا كانت علته بسيطه بل كل بسيط قديما ويلزم منه قدم النفس انتهى كلامه
واعترض عليه شارح كتاب حكمه الاشراق بان ما ذكره منقوض تفصيلا واجمالا
ومعارض.
اما الأول فلانه على تقدير ان لا يستقل واحد من اجزائه بالعلية يجوز ان
يكون له تأثير في كل المعلول ولا يلزم منه خلاف المفروض لأن المفروض عدم
استقلاله بالتأثير لا نفس التأثير بل يجوز ان يكون تأثيره فيه متوقفا على غيره
كما سبق اي في كلام الماتن في مثال تحريك جماعه من الناس حجرا واحدا قال
ولا نسلم انه ان لم يحصل للاجزاء عند الاجتماع امر زائد هو العلة بقيت مثل ما كانت
إذ لا يلزم من انتفاء امر زائد هو العلة انتفاء امر زائد هو شرط تأثيرها كالاجتماع
فيما نحن فيه وعلى هذا لا يبقى الاجزاء مثل ما كانت ولا الكل غير مؤثر بل يكون
مؤثرا لحصول شرط تأثيره.
واما الثاني فلانه لو صح ما ذكره لزم التسلسل الممتنع لان الجزء الصوري
من كل حادث مركب حادث لأنه معه بالفعل بل بالزمان وهو إن كان بسيطا فهو
المطلوب وإن كان مركبا عاد الكلام ولا يتسلسل لاستحالة لا نهاية اجزاء الشئ
بل ينتهى إلى ما هو بسيط وإذا كان حادث ما بسيطا فلو صح ما ذكره لزم من بساطته
بساطه علته ومن حدوثه حدوثها ويلزم التسلسل الممتنع على ما عرفت.
واما الثالث فبان نقول ما ذكرتم وان دل على امتناع صدور البسيط عن
المركب فعندنا ما يدل على جوازه لأنه إذا ثبت حادث بسيط بما عرفت من الطريق
فنقول لا بد من انتهاء علله إلى ما هو مركب والا لزم التسلسل الممتنع لما مر غير

196
مره انتهى ما ذكره في ذلك الشرح.
وانى ذكرت في الحواشى التي علقتها على ذلك الكتاب وشرحه بان كلام
هذا القائل قوى جدا في جميع ما ذكره الا في قدم النفس بما هي نفس ولا يرد عليه
شئ من الايرادات الثلاثة التي أوردها ذلك العلامة اما النقض التفصيلي فالمنع الذي
أشار اليه بقوله لجواز ان يؤثر الشئ في كل المعلول ولا يكون مستقلا بالتأثير
بل يكون تأثيره فيه متوقفا على الغير كما في المثال المذكور إلى آخره ساقط
لا اتجاه له فان كل واحد من العشرة إذا كان مؤثرا في كل المعلول البسيط بشرط
غيره على الاستقلال على ما جوزه لزم جواز ان يتحقق هناك علل كثيره مستقلة
بالتأثير مجتمعه وذلك واضح البطلان بيان الملازمة ان العلة ان كانت كل واحده
من الآحاد بشرط التسعة الباقية وكانت الآحاد في درجه واحده ونسبه واحده في العلية
والتأثير لزم ما ذكرناه وإن كان واحد منها بعينه هو المؤثر بشرط البواقي وذلك
مع كونه ترجيحا بلا مرجح فالعلة الموجبة هي ذلك الواحد بعينه وهو خلاف المفروض
وإن كان الآحاد مع وصف الجمعية هي العلة فوصف الجمعية محض اعتبار العقل إذا
لم يكن معها جزء صوري في الخارج والكلام في الجزء الصوري عائد كما ذكره
المستدل فالاجتماع الذي ذكره أو ما يجرى مجراه إن كان اعتباريا محضا فلا تأثير
له في حصول امر عيني خارجي ومثال تحريك الثقيل بعده رجال يمتنع التحريك
ببعضهم مما سيأتي حله وإن كان امرا موجودا فيكون حادثا فيعود الكلام في حدوثه
واما النقض الاجمالي فجوابه انا نختار ان الجزء الصوري للمركب مركب وينتهي
إلى جزء بسيط لكن (1) لا نسلم ان كل جزء من اجزاء الحادث يجب ان يكون



(1) الأولى ان يقال جزء الحادث ليس حادثا مستقلا على حياله حتى يحتاج إلى عله على حدة
بل يكفيه عله ذلك المركب واما ما ذكره قدس سره من أن الحدوث ذاتي له والذاتي لا يعلل
فإنما يستقيم في الحدوث بمعنى التجدد الذاتي لا في الحدوث بمعنى الكون بعد ان لم يكن وجزء
الحادث حادث بالمعنى الثاني أيضا فلا بد له من مخصص للحدوث وهو أيضا حادث بهذا المعنى وهلم
جرا فيتسلسل س ره.
197
حادثا وجوديا موصوفا بحدوث زائد على هويته التجددية الاتصالية كما في اجزاء
الزمان وحركه حتى يحتاج ذلك الجزء البسيط الحادث بذاته إلى عله حادثه بسيطه
ليلزم منه التسلسل الممتنع واما المعارضة فمدفوعة لتوقفها على حادث بسيط
يزيد حدوثه على ذاته وهو في محل المنع كما عرفت وستعلم تحقيق مستند
هذا المنع وما ذكره هذا القائل المذكور من أن عله الحادث مركبه من جزء مستمر
وجزء متجدد يكون عدمه بعد وجوده عله لوجود الحادث موافق لما ذكره الحكماء
في ربط الحادث بالقديم على طريقتهم بواسطة حركه التي يكون حقيقتها منتظمة
من هويه متجددة عدم كل جزء منها شرط لوجود جزء حادث ومطابق أيضا لما
حققناه وبرهنا عليه كما سيجئ بيانه في اثبات حدوث العالم بجميع اجزائه من
جهة اثبات جوهر متجدد الذات مقتضى الهوية الاتصالية التي كالحركة (1) وهي
الطبيعة السارية في الأجسام لان حقيقتها باقيه على نعت التجدد ملتئمة من اجزاء
متصله متكثرة في الوهم وجود كل منها يستلزم عدم الجزء السابق وعدمه يستلزم
وجود اللاحق وهذه الحالة ثابته لها لذاتها من غير جعل جاعل واما بطلان قوله
بقدم النفوس فستعلم بيانه في مباحث النفس إن شاء الله تعالى من أن النفس بما هي
نفس اي لها هذا الوجود التعلقي ليست بسيطه كما تصوره حتى تكون قديمه بل
هي متعلقه الذات بجرم طبيعي حكمها حكم الطبيعة في انتظام حقيقتها من جهتين
إحداهما ما بالفعل والأخرى ما بالقوة
وهم وتحقيق عرشي:
ومما قيل في هذا المقام انه يجوز ان يكون للبسيط عله مركبه من
اجزاء فان جزء العلة للشئ الوحداني لا اثر له بنفسه بل



(1) اي كالحركة العرضية والا فحركه الطبيعة أيضا من افراد مطلق حركه لكنها
حركه جوهرية والمسلكان متوافقان الا ان الشرط للحدوث على طريقتهم ابعاض سيلان الوضع الفلكي
وعلى طريقه المصنف قدس سره ابعاض سيلان الطبيعة الفلكية الدائمة الحافظة للزمان واما
غيرها من الطبائع فمنقطعه س ره.
198
المجموع له اثر واحد لا ان لكل واحد فيه اثرا فقد لا يكون لكل واحد اثر ولا يلزم
ان يكون حكم كل واحد حكما على المجموع لأنه لا يلزم من كون كل واحد
من اجزاء العشرة غير زوج ان لا يكون العشرة زوجا بل المجموع له اثر وهو نفس
المعلول الوحداني وكما أن جزء العلة التي هي ذات اجزاء مختلفه لا يستقل
باقتضاء المعلول ولا يلزم ان يقتضى جزء المعلول فكذلك الاجزاء التي من نوع
واحد فإنه إذا حرك الف من الناس حجرا حركه معينه في زمانها ومسافتها لا يلزم
ان يقدر واحد منهم على تحريك ذلك الثقيل جزء ا من تلك حركه هو حصه منها
بل قد لا يقدر على تحريك أصلا وإذا لم يقدر على تحريكه على الانفراد مع تأثيره
عند الانضمام إلى الباقي علم منه ان وجود الواحد الذي هو جزء العلة كعدمه عند
الانفراد وليس كذلك عند الاجتماع.
هذا ما ذكره بعض الأعاظم (1) قلت في الجواب تحقيقا للمقام ان المركب



(1) هو الشيخ الاشراقي قدس سره قد ذكره في كتابه المسمى بحكمه الاشراق وعند
ذلك الشيخ العظيم كل مجموع موجود على حدة وراء كل واحد ولذلك جوز صدور بعض العقول عن
جمله منها وبعضها عن مجموع جهتين مثلا من الجهات التي في العقول وسيأتي بيان طريقته قدس
سره إن شاء الله فعله كل موجود متأثر له وحده حقيقية.
ان قلت ذلك الواحد المتأثر إن كان له الحدوث بمعنى الكون بعد ان لم يكن والحادث
البسيط عنده ليس معلولا للمركب كما مر لزم التسلسل.
قلت العقل الفعال علته المؤثرة وهي العلة المفيضة وهو واحد بسيط بشرط خارج هو
جزء من حركه الفلكية مفيد مؤثر فيه ومقصوده قدس سره ان العلة المؤثرة لا تكون مركبه
ومجموع أمرين أو أمور كما قال الشيخ الاشراقي قدس سره ان المجموع هو المؤثر وكل واحد
ليس بمؤثر والحال ان الاجتماع ليس بموجود واما العلة التامة للحادث فلا باس بكونها مركبه
مثل مجموع امر قديم وشرط حادث وعند القوم العلة التامة للحادث مجموع أمور بعضها عدم
وعدمي كرفع المانع وكالمعد وقد نقلنا من صاحب المواقف ارجاع رفع المانع إلى الامر
الوجودي وأيضا الواحد الحقيقي من الحوادث وإن كان بسيطا من جهة الا انه مركب من جهة أخرى
كما سيصرح بقوله وإن كان كثيرا من جهة أخرى س ره.
199
لا يخلو اما ان يكون له جزء صوري أو لم يكن وصوره الشئ هي تمامه وجهه وجوده
ووحدته وقد مر ان وجود كل شئ هو بعينه وحدته وما يكون وحدته ضعيفه
كالعدد حتى يكون وحدته عين الكثرة والانقسام كان وجوده أيضا ضعيفا فالكثير
بما هو كثير غير موجود بوجود آخر غير وجودات الآحاد والمعدوم بما هو معدوم
لا تأثير له ومثل ذلك الوجود اي الذي كالاعداد والمقادير كان تأثيره عين تأثير
الآحاد والاجزاء فعله كل موجود متأصل له وحده حقيقية لا بد ان يكون وحدتها
وحده حقيقية أقوى من وحده معلولها فكل مركب فرض كونه عله لموجود
وحداني فلا بد ان يكون له جزء صوري هو في الحقيقة عله إذا تقرر هذا فقوله بل
المجموع له اثر واحد قلنا المجموع له اعتباران اعتبار انه مجموع واعتبار انه
آحاد فهو بالاعتبار الأول شئ واحد لكن جهة وحدته اما أن تكون اعتباريا غير
حقيقي كوحدة العسكر مثلا واما ان يكون امرا حقيقيا كالصور النوعية
للمركب العنصري ففي كون المجموع عله للأثر ثلاثة احتمالات أحدها ان
يكون جهة التأثير والعلية هي الآحاد والاجزاء فلا بد ان يكون لكل واحد منها
اثر ويكون اثر المجموع مجموع اثر الآحاد والاجزاء والا فلا يكون للمجموع
اثر أصلا إذ ليس المجموع الا عين الآحاد ووصف الاجتماع ليس بأمر زائد له تحقق
في الواقع الا بمحض الاعتبار الذي لا اثر له والاحتمال الثاني ان يكون جهة التأثير
هي الوحدة الجمعية الاعتبارية فالحكم فيه يجرى مجرى الأول لان الوحدة هاهنا
ضعيفه تابعه للكثرة فلها اثر ضعيف تابع لاثر الكثرة والعمدة والأصل في المؤثرية
هي الآحاد دون المجموع من حيث الوحدة الاجتماعية واما الاحتمال الثالث فالحكم
فيه على عكس ما سبق كتأثير المغناطيس في جذب الحديد وتأثير الترياقات في
دفع السموم فحينئذ كان المؤثر في الحقيقة هو شيئا واحدا بما هو واحد لا بما هو
ذو اجزاء فثبت ان عله الواحد واحد بالذات وإن كان كثيرا من جهة أخرى واما

200
مثال تحريك جماعه حجرا ثقيلا أو رسوب السفينة المملوه من الحنطة في البحر مع أن
بعض تلك الجماعة لا يقدر على تحريكه وللحبة الواحدة لها اثر في رسوبها فالحق
فيه ان لكل واحد من الآحاد والاجزاء اثرا ضعيفا في ذلك التحريك ولو في الاعداد
وتحصيل الاستعداد باحاله المادة لكن يزول اثره بتخلل الزمان بينه وبين اللاحق
الاخر والتأثيرات المتلاحقة من المتفرقات في التأثير يضمحل بتراخي الزمان بينها
فلا يظهر اثر كل منها ولا اثر المجموع لورود مضاد التأثير على كل منها حتى
لو فرض أحد كون تأثير كل منها وفعله سواء ا كان محسوسا أو غير محسوس باقيا
في المادة المنفعلة عنها المتحركة بها بان لا يمحو ذلك الأثر بتراخي الزمان يلزم
ترتب الأثر عند الافتراق كترتبه عند الاجتماع من غير فرق لكن قد يزول اثر
كل من الآحاد عند لحوق الاخر فان كل فعل جسماني له زمان معين لا يمكن
بقاؤه أكثر من ذلك الزمان طويلا كان أو قصيرا كما يمحو اثر النار الضعيفة في
تسخين الحديد بلحظه فلو فرض في مثال تحريك الرجال حجرا ثقيلا بقاء اثر التحريكات
وتلاحق تأثير كل منهم تأثير صاحبه مع افتراقهم في الزمان كان التأثير المذكور
المعين حاصلا عند تحريك الرجل الأخير إياه عند حصول المبلغ المذكور من الآحاد
ولو على التراخي فيرى عند ذلك رجلا واحدا كأنه حرك بقوة نفسه الواحدة
حجرا عظيما والحال انه قد تحرك بمجموع قوى تلك الاشخاص فثبت ان الاجتماع
في الزمان الواحد ليس محتاجا اليه لأجل حصول جهة الجمعية الاعتبارية بل لأجل
انحفاظ آثار الآحاد لئلا يزول بعضها عند حصول البعض الاخر ولا يمحو اثر كل
واحد بانقضاء زمان تأثيره فتأمل في هذا المقام لتعلم حقيقة ما قررناه وأوضحناه
لتنفعك في كثير من المواضع كمسألة كون القوى الجسمانية متناهي الفعل والانفعال
وغير ذلك والله ولى العصمة والالهام

201
[فصل 12] ماهية (1) الممكن بشرط حضور علتها الكاملة يجب وجودها وبشرط
عدمها يمتنع وعند قطع النظر عن الشرطين باقيه على امكانها
الأصلي
فمن خواص الممكن صدق قسيميه عليه بالشرائط وليس لغيره من الجهات
هذا ولا يجب للعلة مقارنه العدم ولا من شرط تعلق الشئ بالفاعل ان يكون وجوده
بعد العدم وكون الحادث مسبوقا وجوده بالعدم من لوازمه المستندة إلى نفس
هويته من دون صنع الفاعل فيه فهناك عدم سابق ووجود لاحق وصفه محموله على
الذات وهي كونها بعد العدم فالعدم السابق مستند إلى عدم العلة والوجود البعد
انما هو من إفاضة العلة وكون الذات بعد العدم ليس من الأوصاف الممكنة اللحوق
واللالحوق بالذات بما هي تلك الذات حتى يفتقر إلى عله غير الذات ا ليس إذا
فرضناها من الصفات الجوازية التي تلحق الموصوف بعله أخرى غير الذات أو غير
عله الذات فنفس الذات مع قطع النظر عن لحوق صفه الحدوث ا هي هويه امكانية
مستدعية للتعلق بالعلة فيكون بذاتها من دون ان يكتنفها الحدوث صادره عن الفاعل
فتحققت غير مخلوطة بالحدوث بل أزلي الوجود لعدم الواسطة (2) فحينئذ فرض
لحوق الحدوث بها بعله أخرى يكون متناقضا أم هي بحسب نفس هويتها خارجه



(1) ذكر في هذا الفصل مطالب أربعة أحدها انه من خواص الممكن صدق قسيميه
عليه بالشرطين وثانيها عدم وجوب مقارنه العدم الزماني للمعلول في العلية وثالثها ان الحدوث
اي كون وجود الحادث بعد العدم من لوازم ماهية الموجودة فهو ذاتي لا يعلل كما أن الامكان
لازم الماهية من حيث هي فلا يعلل فالنقائص ليست من الجاعل للزومه للحادث ليس محوجا
اليه أيضا لان المحوج لا بد ان يكون في نفسه محتاجا بالذات وليس فليس س ره.
(2) اي وساطة المادة باستعدادها فوساطة المادة باستعدادها توجب الحدوث
الزماني ن ره.
202
عن حد الامكان إلى أحد القسمين وانما امكانها من حيث اتصافها بصفة الحدوث
فيكون الحادث واجب الوجود بذاته أو ممتنع الوجود بذاته وهو فاسد ويلزم أيضا
كونه بذاته سرمدي الوجود أو العدم ثم يلحقها حدوث مقابله بعله فيعود المحذور
السابق على وجه (1) أفحش ثم من البين انه لو فرض للحادث وجود أزلي لم يكن
هو بعينه هذا الكائن بعد العدم فقد امتنع بالنظر إلى هذا الوجود الا ان يكون بعد
العدم فهذا الوصف له بنفسه من دون تأثير مؤثر فلا تأثير للفاعل الا في نفس الوجود
مستمرا كان أو منقطعا فالوجود وان لم يكن واجب الحصول للحادث لكن حصول
هذه الكيفية أعني الحدوث عند حصول الوجود له واجب ولا استبعاد في أن يكون
اتصاف الشئ ببعض الصفات ممكنا الا انه متى اتصف به يكون اتصافه بصفة أخرى
عند ذلك واجبا والواجب لا عله له ولا يلزم من كون وجوده أو عدمه يمكن (2)
ان يكون وان لا يكون كون وجوده بعد العدم أو عدمه بعد الوجود يمكن ان
يكون وان لا يكون حتى ينسب إلى سبب فلا سبب لكون وجوده بعد العدم وإن كان
سبب لوجوده الذي كان بعد العدم.
وربما ظن قوم ان الشئ انما يحتاج إلى العلة لحدوثه بمعنى ان عله افتقاره
إلى الفاعل هي الحدوث فإذا حدث ووجد فقد استغنى عن العلة وهذا أيضا (3)
باطل لأنا إذا حللنا الحدوث بالعدم السابق والوجود اللاحق وكون ذلك الوجود



(1) إذ في السابق تحقق جمع بين المتنافيين من وجه واحد الحدوث والأزلية
وهنا من وجهين هذا والجمع بين الوجوب الذاتي أو الامتناع الذاتي والحدوث س ره.
(2) ومن هنا قيل بكون لوازم الذوات المجعولة بالذات مجعوله بالعرض لا بالذات
ولكنه فرق بين هذا الوجوب والوجوب الذاتي الذي هو قسيم الامكان كما قرر في
محله ن ره.
(3) اي كما أن معلليه الحدوث وعدم ذاتيته للحادث باطل كذلك عليته للافتقار
باطل س ره.
203
بعد العدم وتفحصنا عن عله الافتقار إلى الفاعل ا هي أحد الأمور الثلاثة أم امر رابع
مغاير لها لم يبق من الاقسام شئ الا القسم الرابع اما العدم السابق فلانه نفى
محض لا يصلح للعلية واما الوجود فلانه مفتقر إلى الايجاد المسبوق بالاحتياج إلى
الموجد المتوقف على عله الحاجة اليه فلو جعلنا العلة هي الوجود لزم تقدم الشئ
على نفسه بمراتب واما الحدوث فلافتقاره إلى الوجود لأنه كيفية وصفه له وقد علمت
افتقار الوجود إلى عله الافتقار بمراتب فلو كان الحدوث عله الحاجة يتقدم على
نفسه بمراتب فعله الافتقار زائده على ما ذكرت هذا (1) ما يناسب (2) طريقه القوم
فصل [13]
في أن البسيط الذي لا تركيب فيه أصلا لا يكون عله لشيئين بينهما معيه
بالطبع
البسيط إذا كان ذاته بحسب الحقيقة البسيطة عله لشئ كانت ذاته محض عله
ذلك الشئ بحيث لا يمكن للعقل تحليلها إلى ذات وعلة لتكون عليتها لا بنفسها من
حيث هي بل بصفة زائده أو شرط أو غاية أو وقت أو غير ذلك فلا يكون مبدء ا بسيطا
بل مركبا فالمراد من المبدء البسيط ان حقيقته التي بها يتجوهر ذاته هي بعينها
كونه مبدء ا لغيره وليس ينقسم إلى شيئين يكون بأحدهما تجوهر ذاته وبالاخر
حصول شئ آخر عنه كما أن لنا شيئين نتجوهر بأحدهما وهو النطق ونكتب
بالاخر وهو صفه الكتابة فإذا كان كذلك وصدر عنه أكثر من واحد ولا شك ان



(1) اي يناسب طريقتهم التي هي عبارة عن كون عله الافتقار هي الامكان يعنى امكان
الماهيات وهو حق بوجه والحق الصريح هو ان عله الافتقار إلى العلة هي الوجود لأنه ما فيه الافتقار فهو
ما به الافتقار ن ره.
(2) من وجهين أحدهما ما طوى ذكره وهو عليه الامكان بمعنى سلب الضرورة للافتقار
وطريقته قدس سره عليه الامكان بمعنى سلب الضرورة يمكن كونه واسطه في الاثبات لا في
الثبوت وثانيهما انه يمكن على طريقته قدس سره اختيار الشق الثاني بان يكون الوجود عله
حاجه الماهية قوله الوجود مفتقر إلى الايجاد.
قلنا الوجود الحقيقي لا المصدري عين الافتقار والتعلق والربط وهذه ذاتية له غير معللة
فمفهوم الايجاد المصدري أو النسبي المقولي لا يوجد به شئ بل بالحقيقي يوجد الشئ وهو الوجود
الحقيقي الذي به يطرد العدم ولكن إذا لوحظ ساقط الإضافة عن الماهيات متعلقا بالحق تعالى كما
إذا كان مضافا بمراتبه الظهورية إلى الماهيات موجودا كل واحده منها بواحد منه كان
كل واحد منه وجودها الحاصل بالايجاد لا ايجادها فتلطف تعرف س ره.
204
معنى مصدر كذا غير معنى مصدر (1) غير كذا فتقوم ذاته من معنيين مختلفين
وهو خلاف المفروض فافهم هذا ودع عنك الاطنابات التي ليس فيها كثير فائدة
وإياك ان تفهم من لفظ الصدور وأمثاله الامر الإضافي الذي لا يتحقق الا بعد شيئين
لظهور ان الكلام ليس فيها بل كون العلة بحيث يصدر عنها المعلول فإنه لا بد
أن تكون للعلة خصوصية بحسبها يصدر عنها المعلول المعين دون غيره وتلك
الخصوصية هي المصدر في الحقيقة وهي التي يعبر عنها تارة بالصدور ومره بالمصدرية
وطورا بكون العلة بحيث يجب عنها المعلول وذلك لضيق الكلام عما هو المرام
حتى أن الخصوصية أيضا لا يراد بها المفهوم الإضافي بل امر مخصوص له ارتباط وتعلق
بالمعلول المخصوص ولا شك في كونه موجودا ومتقدما على المعلول المتقدم على
الإضافة العارضة لهما وذلك قد يكون نفس العلة إذا كانت العلة عله لذاتها وقد يكون
زائدا عليها (2) فإذا فرض العلة بما هي به عله بسيطا حقيقيا ويكون معلوله
أيضا بسيطا (3) حقيقيا وبعكس النقيض كل ما كان معلوله فوق واحد ليس بعضها
بتوسط بعض فهو منقسم الحقيقة اما في ماهيته أو في وجوده



(1) اي مصدر شئ ليس بكذا ومن هنا يظهر التنافي ن ره.
(2) كالصورة النوعية النارية في عليه النار للسخونة فإنها خصوصية ليست في الماء إذ
بدلها في الماء هو القوة المبردة للبرودة وهما زائدان على النار والماء لان ذات النار هيولي
وصوره جسمية وكذا الماء بما هما جسمان وإذا فرض القوة المسخنة أو المبردة قائمه بذاته
لا با الهيولى المجسمة كانت الخصوصية عين ذاتها حينئذ س ره.
(3) مع كونه بسيطا حقيقيا لا يمكن ان يساوق العلة في البساطة ن ره.
205
شك وإزالة
ومن أسخف ما عورض به البرهان المذكور قول بعض المعروفين
بالفضل والذكاء ان المركز نقطه وهي نهاية جميع الخطوط
الخارجة عنها إلى المحيط ولم يلزم من تغاير مفهوم كون تلك النقطة نهاية لتلك
الخطوط الكثيرة أن تكون النقطة مركبه من أمور غير متناهية ويليه في السخافة
والوهن قوله (1) الوحدة المعينة إذا اخذت مع وحده أخرى حصلت الاثنوه لتلك
الجملة إذا اخذت مع وحده أخرى حصلت الاثنوه للجملة الأخرى فيلزم من
تغاير المجموعين ان تصير الوحدة المأخوذة فيهما جميعا اثنين وكان هذا القائل
لم يتيسر (2) له فهم كون البسيط الحقيقي مبدء ا ولا أمكن له تصور معناه فضلا
عن اثباته أو نفسه.
وكتب الشيخ الرئيس إلى بهمنيار لما طلب عنه البرهان على هذا المطلب
لو كان الواحد الحقيقي مصدرا لامرين ك " ا " وب مثلا كان مصدرا ل‍ " ا " وما ليس
ا لان ب ليس ا فيلزم اجتماع النقيضين
قال الإمام الرازي نقيض صدور ا لا صدور ا لا صدور لا ا أعني صدور
ب كما أن الجسم إذا قبل حركه والسواد والسواد ليس بحركة فيكون الجسم
قد قبل حركه وما ليس بحركة ولا يلزم التناقض من ذلك فكذلك فيما قالوه
والشيخ قد نص على هذا في قاطيغورياس الشفاء بقوله وليس قولنا ان في الخمر



(1) والسر فيه ان الحقيقة الواحدة بضميمة شئ تصير موصوفه بجزئيه شئ وبضميمة
شئ آخر تصير مضافة بالجزئية بالنسبة إلى شئ آخر وما نحن فيه ليس من هذا القبيل وانما
كان كذلك لو كان الاختلاف بمجرد عروض الإضافة بعد الانضمام ن ره.
(2) لأنا إذا نظرنا إلى سنخ الوحدة فلا مصدر ولا صادر متعددين فيها لوحده الوحدة
المأخوذة والمأخوذ معها والاثنوه إذ ليس هنا الا تكرار الوحدة لا بشرط في اللحاظ و الظهور والتكرر
في الظهور اللحاظي لا يكثر الشئ وان نظرنا إلى تعينها فالوحدتان المأخوذتان مع الوحدة
المعينة بالموضوع جهتان لها في رسم الاثنوتين وكذا الكلام في كون النقطة نهاية لان النهاية
عدمية ولا ميز في العدم بما هو عدم وان لوحظ وجودها باعتبار العقل فلها جهات كثيره فباعتبار
محاذاتها انصاف أقطار كثيره راسمة للنهايات الكثيرة س ره.
206
رائحة وليس فيه رائحة هو قولنا فيه رائحة وفيه ما ليس رائحة فان في الأول القولان
لا يجتمعان وفي الثاني يجتمعان.
قال ومثل هذا الكلام في السقوط اظهر من أن يخفى على ضعفاء العقول
فلا ادرى كيف اشتبه على الذين يدعون الكياسة والعجب ممن يفني عمره في تعليم
المنطق وتعلمه ليكون له آله عاصمة لذهنه عن الغلط ثم لما جاء إلى المطلوب الأشرف
اعرض عن استعمال تلك الاله حتى وقع في الغلط الذي يضحك منه الصبيان.
أقول إن ما ذكره أيضا يدل دلاله واضحه على أن هذا الجليل القدر ما تصور معنى
الواحد الحقيقي وكونه مبدء ا لشئ وان مثله كما قال الشيخ فيمن ادعى انه يتكلم
بالمنطق مع قدوة الحكماء أرسطاطاليس وهو واضعه ان هذا الرجل يتمنطق على
المشائين فهو أيضا يتمنطق على مثل الشيخ الرئيس فاضل الفلاسفة ا ليس ذلك منه
غيا وضلالا وحمقا وسفاهة فانا قد قررنا ان المصدرية بالمعنى المذكور نفس ماهية
العلة البسيطة والماهية من حيث هي ليست الا هي فإذا كان البسيط الحقيقي مصدرا
ل‍ " ا " مثلا ولما ليس ا مثلا كانت مصدريته لما ليس ا غير مصدريته ل‍ ا التي
هي نفس ذاته فتكون ذاته غير ذاته وهذا هو التناقض.
واما ما ذكره العلامة الدواني في تتميم كلام الشيخ ان صدور لا ا ليس
صدور ا فهو لا صدور ا فما اتصف بصدور لا ا فقد اتصف بلا صدور ا
فإذا كان له حيثيتان جاز ان يكون متصفا من حيثية بصدور ا ومن حيثية أخرى
بلا صدوره من غير تناقض اما إذا لم يكن له الا حيثية واحده لم يصح ان يتصف
بهما للزوم التناقض وتفصيله ان اتصاف الشئ بأمر هو لا اتصافه باخر فهو من
حيث الاتصاف بذلك الشئ لا يتصف بغيره فلا يجوز اجتماعهما من حيثية واحده.
وفيه بحث اما أولا فلان اجتماع النقيضين في ذات واحده مستحيل سواء ا
كان من جهتين أو من جهة واحده وشروط التناقص ووحداته (1) مشهوره



(1) أقول بل جعلوا اتحاد الجهة من الأركان والمقومات حيث اعتبروا في المقسم الذي هو التقابل امتناع الاجتماع في محل واحد في زمان واحد من جهة واحده وكون زيد عالما من
جهة النفس وليس عالما من جهة البدن ليس تناقضا والحق مع المصنف قدس سره لان تحقق
الطبيعة بتحقق فرد ما وسلبها بسلب جميع افرادها ومراتبها فبمجرد سلب العلم من مرتبه جسمية
زيد العالم أو سلبه من ماهيته لا يصح ان يقال إنه ليس بعالم مع كونه عالما في الواقع وهذا مثل ما قال
قدس سره ان الامكان للعقل الكلى في مرتبه من نفس الامر لا يوجب كونه له في الواقع إذ الامكان
سلب الضرورة وسلب الضرورة في المرتبة مع ثبوت الضرورة في الواقع للعقل ووجوبه بوجوب
الحق لا يكفي في صدق الامكان في الواقع كما أن زيدا لا يصدق عليه انه ساكن بمجرد عدم حركته
في السوق مثلا مع حركته في داره فزيد عالم وليس زيد عالما تناقض مع تعدد الجهة في زيد
واما قولنا زيد عالم من جهة النفس وليس عالما من جهة البدن فعدم التناقض فيه من جهة تعدد
المحمول أو الموضوع س ره.
207
ولم يشترط (1) أحد في التناقض كون الموضوع واحدا حقيقيا.
واما (2) ثانيا فلانا نسلم ان اتصاف الشئ بأمر هو بعينه لاتصافه باخر
غاية الأمر ان لا يصدق عليه اتصافه باخر ولا يلزم (3) منه ان يصدق عليه لا اتصافه باخر.
واما ثالثا فلانتقاضه باجتماع كل مفهومين متخالفين كالوجود والشيئية في
موضوع واحد من جهة واحده لجريان خلاصه الدليل فيه فيلزم كون الاتصاف بهما
تناقضا ولم يقل به أحد.
واما رابعا (4) فلان نقائض المعاني المصدرية والروابط من المفهومات التي



(1) والسر فيه هو ان الموضوع الذي هو محل الاعراض التي تعرض له في الوجود وتباينه
فيه يصدق عليه العرض بالعرض لا بالذات بمعنى ان الموصوف بالحقيقة انما هو نفس العرض
فتعدد الموصوف بالحقيقة هو المصحح لصدق السواد وما ليس بسواد بحمل في دون على على
ذات واحده صدقا بالعرض فأحسن التدبر لكي تجد الغرض ن ره.
(2) والا لكان الاثبات عين النفي ومن المحققات ان الماهية من حيث هي ليست
الا هي س ره.
(3) اي صدقا ذاتيا اللهم الا ان يراد الصدق العرضي س ره.
(4) يعنى ربما يكون الشيئان نقيضين بحمل على اي مواطاه ولا يكونان نقيضين بحسب
حمل في اي اشتقاقا لان السواد واللاسواد نقيضان بحمل على وليسا نقيضين بحسب اجتماعهما.
في ثالث فان السواد وحركه يجتمعان في الأبنوس وحركه مصدوقة اللاسواد فالسواد
وحركه متقابلان بحسب الكون النفسي وليسا متقابلين بحسب الكون الرابط س ره.
208
من شانها الحمل على الذوات اشتقاقا لا مواطاه انما يعتبر بحسب هذا الحمل فنقيض
صدور الشئ من العلة رفع صدوره عنها لا لا صدوره كما أن نقيض وجود الشئ اي
كونه موجودا (1) عدمه لا لا وجوده وإن كان كل من اللاصدور واللاوجود نقيضا
لنفس الصدور أو الوجود بحمل على لكن لا ضير في اتصاف الموضوع بهما على هذا
الوجه لأنهما ليسا بنقيضين بحسب الحمل المذكور ولا يشتبه عليك ان هذا البحث
غير وارد على ما حررنا به الحجة وحققنا الصدور من أنه ليس المراد منه المعنى
المصدري الإضافي بل هو عبارة عن نفس الذات في العلة البسيطة كما لا يخفى على
البصير المحذق والذكي المدقق وسنعيد إلى هذا المقام في الربوبيات بزيادة تحقيق
وتنقيح.
فصل [14]
في أن المعلول الواحد هل يستند إلى علل (2) كثيره



(1) الضمير في عدمه راجع إلى الكون لا إلى الشئ اي نقيض الكون الرابط اي الكون
في شئ عدم ذلك الكون الرابط لا لا وجوده اي عدمه في نفسه فالنفسي من الوجود أو العدم نقيض
النفسي والرابط منهما نقيض الرابط والحاصل منع قول المحقق فما اتصف بصدور لا فقد اتصف
بلا صدور بان نقيض اتصاف الشئ بالصدور عدم اتصافه به لا اتصافه باللاصدور وإن كان اللا
صدور نقيض الصدور مواطاه فلا باس باتصاف الموضوع بهما لكن يخرج الجواب من كلام المحقق
وهو نفى الحيثيتين في العلة الوجوبية فلو اتصف البسيط الحقيقي الذي ليس فيه حيثية وحيثية بشئ
فهو عين الاتصاف بذلك اي هو بذاته معنون فلو اتصف بشئ آخر وهذا الاتصاف غير
ذاك كان ذلك البسيط غير نفسه وسيجئ في الربوبيات ان اجتماع المتخالفين كالسواد وحركه في البسيط
يرجع إلى اجتماع المتقابلين بحسب حمل على ولعله أشار إلى تصحيح قوله بقوله وسنعيد الخ أو
لم يتعرض له لاعتقاده ان كلام المحقق وأمثاله انما هو في مفهوم الصدور أو الاتصاف ونحوهما
كما أشار بالمعاني المصدرية وقال ولا يشتبه عليك الخ وقد علمت أنه لا يمكن تتميم القاعدة الا
باعتبار حقيقة الخصوصية كما أن تتميم القاعدة التالية لها اي عدم استناد المعلول الواحد
إلى علتين مستقلتين لا اجتماعا ولا تبادلا ولا تعاقبا مبنى عليه أيضا س ره.
(2) لا يخفى ان المعلول بالذات من جهة انه مرتبط بذاته وبنفسه إلى ذات العلة فهو نفس
الارتباط والانتساب والنسبة يختلف باختلاف طرف النسبة واختلاف العلة مع كون المعلول واحدا
بعينه يرجع بالحقيقة إلى عدم اختلاف النسبة مع كون طرف النسبة مختلفا وهو كما ترى واما
المعلول بالعرض وهو الماهية الكلية والكلى الطبيعي فلا ضير فيه كما افاده قدس سره وهذا انما
هو من جهة تعدد وجوده بتعدد الافراد كما في العنصريات ن ره.
209
اما الواحد الشخصي فمن المستحيل استناده إلى علتين مستقلتين مجتمعتين
أو متبادلتين تبادلا ابتدائيا أو تعاقبيا وجه الاستحالة في الكل انهما اما (1)
ان يكون لخصوصية كل منهما أو أحدهما مدخل في وجود المعلول فيمتنع وجوده
بالأخرى بالضرورة بل وجب وجوده بمجموعهما واما ان لا يكون لشئ من الخصوصيتين
مدخل في ذلك فكانت العلة بالحقيقة هي القدر المشترك والخصوصيات ملغاة فيكون
العلة (2) على التقديرين امرا واحدا ولو بالعموم.
وما قيل من أن العلة يجب ان يكون أقوى تحصلا وأشد وحده من المعلول
فالمراد منها العلة الفاعلية دون الضمائم والشرائط والمعدات فان الشيخ الرئيس
بعد ما حقق في بحث التلازم بين الهيولى والصورة في الهيات الشفاء ان الصورة من
حيث هي صوره ما شريكه لعله الهيولى لا من حيث إنها صوره معينه قال لقائل ان
يقول مجموع تلك العلة والصورة ليس واحدا بالعدد بل واحد بالمعنى العام والواحد
بالمعنى العام لا يكون عله لواحد بالعدد ولمثل طبيعة المادة فإنها واحده بالعدد.
فنقول (3) انا لا نمنع ان يكون الواحد بالمعنى العام المستحفظ وحده عمومه بواحد



(1) العموم أو الابهام في تأدية العبارة طلبا للاختصار والمقصود التعيين بان المدخلية
اما لهذه دون تلك واما لتلك دون هذه لا يتعدى من إحداهما المعينة ولفظ المدخل الظاهر
في التأثير بنحو الجزئية من باب الاكتفاء بالأقل فالمقصود انه إن كان لخصوصية معينه تأثير بنحو
الاستقلال فيمتنع وجوده بالأخرى وإن كان بنحو الجزئية فوجب وجوده بمجموعهما س ره.
(2) حتى فيما وجب وجوده بمجموعهما لان المجموع واحد بالاجتماع س ره.
(3) هاهنا من جمله كلماتهم المرموزة وليس المراد ما يتراءى من ظاهر بل ظاهره كلام
المصنف هنا أيضا بل المراد بصوره ما هو الصورة الجوهرية المتعينة بالتعين الأول والابهام
بحسب التعينات الثانوية ن ره.
210
بالعدد عله للواحد بالعدد وهناك كذلك فان الواحد بالنوع مستحفظ بواحد بالعدد وهو
المفارق فيكون ذلك الشئ موجبا للمادة ولا يتم ايجابها الا بأحد أمور مقارنه
أيها كانت انتهى.
وبوجه آخر إذا كان كل منهما أو واحد منهما مستقلة بالتأثير كان المعلول
معها واجب الوجود والواجب يستحيل تعلقه بالغير فهو مع كل واحده منهما يمتنع
افتقاره إلى الأخرى فيمتنع افتقاره اليهما مع أنه واجب الافتقار اليهما هذا خلف
واما الواحد النوعي فالصحيح جواز استناده إلى المتعدد كالحرارة الواقعة احدى
جزئياتها بالحركة وأخرى بالشعاع وأخرى بالغضب وأخرى بملاقاة النار
والدليل المذكور غير جار فيه وقد يكون لأشياء كثيره لازم واحد واللازم معلول
للملزوم كيف وطبائع الأجناس لوازم خارجية للفصول والجنس انما يتقوم في الوجود
بالفصل المقسم كما علمت وكذا الامكان (1) بين الممكنات المختلفة الماهيات
والزوجية بين الأربعة والستة وهما نوعان من العدد وكذا غيرهما من مراتب
الأزواج كيف (2) والاختلاف حكم واحد مشترك عرضي بين المختلفات وكل
عرضي معلل بمعروضاته وما ظن أن العلل المختلفة لا بد لها من اشتراك في وصف



(1) اي الامكان بمعنى الفقر والتعلق فإنه لازم غير متأخر في الوجود للوجودات الخاصة
أو الامكان بمعنى تساوى الطرفين اللازم للماهيات باعتبار الوجود معها بنحو الظرفية البحتة
بمعنى سلب الضرورتين فإنه نفى محض لا يصلح للمعلولية للماهيات س ره.
(2) لا يقال هذا غير مسلم لان الاختلاف ذاتي المختلفات والذاتي وإن كان بمعنى لازم
الذات غير مجعول فان الجاعل كما أنه ما جعل البياض بياضا والسواد سوادا ما جعلهما مختلفين
فإنهما مختلفان بنفس ذاتيهما وقد سبق هذا في أواخر مبحث الجعل لأنا نقول لازم الذات لا يحتاج
إلى جاعل غير الملزوم لا انه لا يحتاج إلى جاعل هو الملزوم ولذا قال المصنف قدس سره بمعروضاته
وغرضي من هذا الكلام توضيح المقام لتعرف المرام من أن الاختلاف في حقيقة الوجود انما الاختلاف
النوعية والجنسية بل العددية بالماهيات وفي الماهيات ويتكثر الوجود بتكثر الموضوعات
لا بالذات س ره.
211
عام يكون جهة استناد ذلك المعلول إليها فهو غير مستقيم فانا ننقل الكلام إلى
تلك الجهة المشتركة فان لزومها ان لم يكن لجهة أخرى مشتركه فذلك هو
المطلوب والا لزم التسلسل في الجهات الاشتراكية.
فان قلت المعلول اما ان يفتقر لماهية إلى عله معينه فاستحال استناده إلى
غير تلك العلة وان لم يفتقر إليها لماهيته كان غنيا عنها لذاته والغنى عن شئ
لذاته لا يكون معلولا له.
قلت المعلول من حيث امكانه لذاته يفتقر إلى عله ما لا إلى عله معينه لكن
استناده إلى العلة المعينة لامر يعود إلى العلة لان ذات (1) العلة لما هي هي مقتضيه
لذلك المعلول افتقار المطلق من حيز المعلول وتعيين العلة من جانبها
فصل [15]
في احكام العلة الفاعلة
قد علمت أن كل عله مقتضيه فهي مع معلولها لكن كثيرا ما يقع الاشتباه
من اهمال الحيثيات أو عدم الفرق بين ما بالذات وما بالعرض فما قيل إن الفاعل
قد يتقدم على المعلول فليس المراد منه الفاعل بما هو فاعل بل ذاته باعتبار آخر
غير الجهة التي بها يكون الفاعل فاعلا والفاعل أيضا قد يكون بالذات مثل الطبيب
للعلاج وقد يكون بالعرض اما لأنه مصحوب بما هو فاعل حقيقة كما يقال الكاتب
يعالج فان المعالج بالذات هو من حيث إنه طبيب واما لان معلوله بالذات امر
آخر يلزمه شئ نسب إلى ذلك الفاعل بالعرض كالتبريد المنسوب إلى السقمونيا لأنه



(1) اي تعين العلة للخصوصية المعتبرة والمعلول بعد في كتم العدم إذ الخصوصية منشائه
فهي متقدمه عليه فخصوصية العلة تقتضي المعلول لان المعلول الذي هو في كتم العدم في مرتبه العلة
يستدعيها وإذا لوحظ امكانه الذي هو متأخر عن ماهية التي هي متأخرة عن وجودها المجعول
بالذات المتأخر عن الخصوصية المعينة لا يستدعى الا عله ما لكونه مناط الحاجة إليها س ره.
212
يبرد بالعرض وفعله بالذات استفراغ الصفراء ويتبعه نقصان الحرارة ومن هذا
القبيل كون الطبيب فاعلا للصحة وكون مزيل الدعامة عله لسقوط الحائط فان
معطى الصحة مبدء اجل من الطبيب ومبدء الانحدار الثقل الطبيعي للسقف وكذا
الحكم في إحالة النار ما يجاورها تسخينا وطرح البذر في الأرض والفكر في المقدمات
وسائر ما يشبه هذه الأشياء فان هذه ليست عللا بالحقيقة والغلط الذي وقع لهم في
عدم وجوب كون العلة مع المعلول حيث وجدوا الابن يبقى بعد الأب والبناء بعد
البناء والسخونة بعد النار انما نشا من اخذ ما بالعرض مكان ما بالذات فان
البناء حركته عله لحركه لبن ما ثم سكونه عله لسكون ذلك اللبن وانتهاء تلك
حركه عله لسكون ذلك اللبن وانتهاء تلك حركه عله لاجتماع مادة وذلك
الاجتماع عله لشكل ما ثم انحفاظ ذلك الشكل فمما يوجبه طبيعة اللبن من الثبات
على نحو من الاجتماع وكذا الأب عله لحركه المعنى إلى الرحم واما تصويره
حيوانا وبقاؤه حيوانا فعلته واهب الصور وكذا النار ليست عله للسخونة بل لان
تبطل البرودة المانعة لحصول السخونة واما حصول السخونة في الماء واستحالته
إلى النار فبالفاعل الذي يكسو العناصر صورها وسنبرهن ان عله كل جسم امر
عقلي بالضرورة وكيف يكون نار عله لوجود نار ولا نار جسمانية أحق بان تكون
مقدمه بالعلية من نار أخرى كذلك وبالجملة فكل نوع امكاني متفق الافراد
في المعنى النوعي الغير المتفاوت فيها لم يكن لها بد من وجود عله خارجه عن
النوع فقد ثبت ان العلل السابقة ليست عللا بالذات فهي معدات ومعينات وبالجملة
علل بالعرض فالفاعل بالحقيقة مبدء الوجود ومفيدة كما في عرف الإلهيين واما
ما يطلق عليه الفاعل في الطبيعيات مما لا يفيد وجودا غير التحريك فقد دريت
ان مثل هذه العلة تكون معده (1) وليست عله بالذات فالجسم لاشتماله على الهيولى



(1) اي معده بالمعنى اللغوي لا الاصطلاحي فان المعد في الاصطلاح ما يكون عدمه بعد وجوده موقوفا عليه للمعلول والفاعل عند الطبيعيين لا بد من وجوده عند وجود معلوله
بل الجمهور أيضا يوافقونهم في هذا الاصطلاح ويقابلونه بالمعد الا ترى انهم إذا عدوا علل
المركب كالسرير يعدون النجار عله فاعليه وهو فاعل حقيقة بالإضافة إلى علله الأخرى من قطع الخشب
وصوره السرير والجلوس عليه وكذا البنا بالنسبة إلى اللبنات في الأخشاب والطين وصوره البيت
والاستكنان فيه وقس عليهما نعم فاعلا باصطلاح الحكيم الإلهي وذلك لان الطبيعي وأمثاله نظرهم
إلى حركه والمتغيرات والذي يعدونه فاعلا مبدء تغير المادة وحركتها من أين أو وضع أو كيف
أو كم إلى آخرها واما الإلهي فنظره إلى الوجود والحق هو معطى الوجود فمخرج الشئ من
كتم العدم إلى فضاء الكون وجاعل مادته وصورته وفاعله وغايته واما هؤلاء الفواعل فشغلهم
تحريك مادة موجوده لا بصنعهم بل بصنع الله تعالى إلى صوره مفاضة من الله فالفاعل الحقيقي عند الإلهي
هو الله تعالى س ره.
213
التي هي محض القوة والفاقة لا يكون عله لوجود وكذا الصورة إذ لا وجود لها من
دون الهيولى والايجاد يتوقف على الوجود فلو كان الجسم أو صورته عله لوجود لكان
العدم مفيدا للوجود فلا استقلال لهذه الأشياء في الايجاد بل الحق ان نسبه الايجاد
إليها لو صحت فهي تكون لامداد علوي وانما هي روابط ومصححات للوجود وإذ
قد علمت أن وجود المعلول لا يساوى وجود العلة إذ وجودها بنفسها ووجود المعلول
من وجودها فيكون للعلة اختصاص وجوب في ذاته ومن حيث لم يضف إلى المعلول
والمعلول ليس يجب الا إذا كان مضافا إلى العلة فالعلة بهذا أحق من المعلول فتبين
من ذلك ان العرض لضعف وجوده لا يكون عله لوجود الجوهر لتأخره في الوجود عن
الجوهر وان الموجودات المركبة لا تكون عله للبسائط لتقدم البسيط على
المركب فلا يكون جسم عله لعقل أو نفس ولا محسوس عله لمعقول ولا المتعلق
عله للمفارق إذ العلة يجب ان يكون حظها من الوجود اوكد من المعلول.
وهم وتنبيه
ما أشد في البطلان واغرز في الهلاك والفساد من جمله الآراء الخبيثة
والعقائد الردية المهلكة لنفوس معتقديها اعتقاد من يتوهم (1)



(1) هذا المتوهم لم يشم رائحة المعية القيومية أصلا وهو عن التوحيد بعيد بمراحل
بخلاف المعتقد الثاني فإنه وجد روح اللقاء أو ريحان الرجاء س ره
214
ان العالم مستقل بذاته مستغن في وجوده عن فيض باريه عليه بالحفظ والإدامة
والامساك والابقاء فان هذا الاعتقاد مع بطلانه وفساده كما علمت يضر صاحبه
في المعاد ويسئ ظنه بباريه دائما ويوجب ان يكون معرضا عن ربه ناسيا
ذكره غافلا عن دعائه مشغولا بما سواه من اغراض دنياه ويمكن له فيها وملكه
بها وأخلده إلى الأرض فهو لا يذكر ربه الا ناسيا ولا يسأله الا بطرا ورئاء أو
مضطرا عند الشدائد والمصائب والضراء على كره منه وحيره وضلال كما نشاهد من
أكثر الناس الذين قد وافقوا بطبائعهم هذا الرأي وان لم يصرحوا به فهم عن ربهم
لمحجوبون طول عمرهم وببارئهم جاهلون لا يعرفونه حق معرفته فهم في عمى
وضلال في هذه الدنيا وفي الآخرة أعمى وأضل سبيلا واما من اعتقد ما بإزاء
هذا الاعتقاد للموحدين القائلين بان العالم محدث مخترع مطوى في قبضه بارئه
يحتاج اليه في بقائه ويفتقر اليه في دوامه لا يستغنى عنه طرفه عين وامتداد الفيض
عليه لحظه فلحظه آنا فانا بل فيضه امر واحد متصل لو منع العالم ذلك الفيض والحفظ
والامساك طرفه عين لتهافت السماوات وبادت الأفلاك وتساقطت الكواكب وعدمت
الأركان وهلكت الخلائق (1) ودثر العالم دفعه واحده بلا زمان كما ذكره في قوله
ان الله يمسك السماوات والأرض ان تزولا ولئن زالتا ان أمسكهما من أحد من
بعده (2) وقوله تعالى والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه
فهذا من احدى الآراء الجيدة والاعتقادات الصحيحة المنجية للنفوس من عذاب
الأبدان المحيية لها من موت الرغبة إلى الرأي يكون دائما متعلق القلب بربه معتصما
بحبله متوكلا عليه في جميع أحواله مسندا ظهره اليه في جميع متصرفاته داعيا



(1) كيف وهو مقوم بذاته لوجود العالم ووجود العالم ظهوره لا يباينه بينونة عزله
فإذا فرض ارتفاع المقوم لم يبق المتقوم س ره.
(2) الآية الأولى إشارة إلى الابقاء والحفظ والامساك والثانية إشارة إلى الاهلاك
والافناء والاعدام على طريق اللف والنشر المرتب ن ره.
215
له في كل أوقاته سائلا إياه حوائجه مفوضا اليه سائر أموره فيكون له قربه
إلى ربه وحياه لنفسه وهدوه لقلبه ونجاه من المهالك.
تمثيل تنبيهي
فاذن ما أسهل لك ان تتيقن ان وجود العالم عن الباري جل
ثناؤه وعظم كبرياؤه ليس كوجود الدار عن البناء وكوجود
الكتابة عن الكاتب الثابت العين المستقل بذاته المستغنى عن الكاتب بعد فراغه
لكن كوجود الكلام عن المتكلم ان سكت بطل وجود الكلام بل كوجود ضوء
الشمس في الجو المظلم الذات ما دامت الشمس طالعه فان غابت الشمس بطل وجدان
الضوء من الجو لكن شمس الوجود يمتنع عليه العدم لذاته وكما أن الكلام
ليس جزء المتكلم بل فعله وعمله اظهر بعد ما لم يكن فعل وكذا النور الذي يرى
في الجو ليس هو بجزء للشمس بل هو انبجاس وفيض منها فهكذا المثال والحكم
في وجود العالم عن الباري جل ثناؤه ليس بجزء من ذاته بل فضل وفيض يفضل به
ويفيض ولا ينبغي ان يتوهم متوهم ان وجود العالم عن الباري تعالى يكون طبعا بلا اختيار
منه كوجود الضوء من الشمس في الجو طبعا بلا اختيار منها ولم يقدر ان يمنع
نورها وفيضها لأنها مطبوعة على ذلك لان الباري تعالى كما يستوضح في مقامه
مختار في فعاله بنحو من الاختيار اجل وارفع مما يتصوره العوام مثل المتكلم القادر
على الكلام ان شاء تكلم وان شاء سكت فهذا حكم ايجاد العالم واختراعه من
الباري ان شاء أفاض جوده وفضله واظهار حكمته وان شاء امسك عن الفضل والجود
كما ذكر في آية امساك السماوات والأرض
ذكر وتلويح
قد اشتهر من الفلاسفة الأقدمين ان المؤثر في الوجود مطلقا
هو الواجب تعالى والفيض كله من عنده وهذه الوسائط
كالاعتبارات والشروط التي لا بد منها في أن يصدر الكثرة عنه تعالى فلا دخل لها في
الايجاد بل في الاعداد.

216
وربما احتج عليه بعضهم بما حاصله ان الذي هو بالقوة سواء كان عقلا أو
جسما لا يفيد وجودا أصلا والا لكان للعدم الذي هو القوة اشتراط في اخراج الشئ
من القوة إلى الفعل فيكون العدم جزء عله الوجود وهو محال قال فلا يصح افاده
الوجود الا لمن هو برئ من القوة من جميع الوجوه وهو الواجب وجوده لا غير.
وهذه الحجة وان استحسنها الجمهور لكن يرد عليه ان الامكان المعبر
عنه بالقوة وإن كان امرا ثابتا للممكن الوجود باعتبار ذاته من حيث هو لكنه غير
ثابت له في نفس الامر بل الثابت له فيها انما هو الفعلية والوجوب بتحصيل الفاعل
إياه وذلك الاعتبار أيضا وإن كان في مرتبه من مراتب الواقع لكن لا يوجب اتصاف
الموجود به في الواقع لان الواقع أوسع من تلك المرتبة والسر فيه ان الامكان
امر عدمي هو سلب ضرورة الطرفين عن نفس الذات الموصوفة بضرورة أحدهما في
الواقع واتصاف الشئ (1) بأمر عدمي في نحو من انحاء الواقع لا يوجب اتصافه
بذلك الامر في الواقع هذا بخلاف الامر الوجودي فان الاتصاف به في مرتبه يوجب
الاتصاف به في الواقع فان زيدا مثلا إذا كان متحركا في مكان من الأمكنة كالسوق
مثلا يصدق عليه انه ساكن باعتبار عدم حركته في البيت بل إذا لم يكن متحركا
أصلا نظير هذا (2) ما قالوه من أن تحقق الطبيعة بتحقق فرد ما وعدمها بعدم
جميع الافراد فحينئذ لم يظهر مما ذكره امتناع كون بعض الممكنات كالعقل
مفيدا للوجود ولا يلزم منه شركه العدم والقوة وإفادة الوجود والتحصيل أيضا



(1) فسلب الضرورة وان لم يكن واقعيا بقول مطلق لأنه رفع طبيعة الضرورة ورفع
الطبيعة يرفع جميع افرادها لكنه متحقق في مرتبه من الواقع كما أن زيدا وان لم يصدق عليه
سلب المتحركية بالطبيعة الاطلاقية إذا كان متحركا في السوق لكنه يصدق عليه سلب المتحركية
في البيت مثلا فلا يرد انه حينئذ ارتفع الامكان عن البين س ره.
(2) بل هو جزئي من هذه القاعدة ولعل التنظير باعتبار التفاوت بالرابطية والنفسية
س ره.
217
هب ان الامكان للممكن صفه ثابته له في الواقع لكن لا يلزم من ذلك أنه إذا
كان فاعلا لشئ يكون فاعلا له بحيثية كونه ممكنا بل الفاعلية له (1) بحيثية
وجوده كما أن اللونية للحيوان مثلا لا مدخل لها في تحريكه واحساسه ولو سلم
ان فاعليته لا تحصل الا بامكانه لكن لا يلزم كونه جزء المفيد الوجود بل ربما
يكون شرطا وخارجا كما أن مدخلية الهيولى في تأثير الصورة عند من يجوز (2) ان
يكون لها تأثير انما هي لتعيين وضع الصورة وتخصيص اثرها بها لا لان تكون المادة
هي الفاعلة القريبة كيف (3) ولو لم يكن عندهم مدخلية للامكان ولو شرطا
لانتقضت قاعدتهم في صدور الأفلاك عن العقول بواسطة جهة الامكان والامكان



(1) ان قلت إذا كانت الفاعلية له بحيثية وجوده كان الفاعل هو الواجب تعالى وهو المطلوب
أو الخلف ولو كانت بحيثية الوجود المضاف إلى ماهية الممكن لزم شركه الامكان.
قلنا نختار شقا ثالثا هو انها بحيثية الوجود الخاص المجعول بالذات ولا يلزم المطلوب
أو الخلف إذ للوجود مراتب وحيثية الوجود الخاص المعلولة غير حيثية الوجود الفوق التمامي
وعلى التباين فالامر اظهر وإن كان التباين باطلا من أصله س ره.
(2) اي للصورة فان صوره ما كما مر في كلام الشيخ الرئيس شرط تأثير العقل الفعال
سواء ا كان في الهيولى أو في غيرها ولا يمكن ارجاع الضمير إلى الهيولى إذ الهيولى قوه انفعالية
لا قوه فعليه ولا يجوز أحد ان يكون لها تأثير بل الصورة الجسمية أيضا قوه انفعالية انما القوة
الفعلية الطبائع والصور النوعية أو إشارة إلى الخلاف فان للصور النوعية المقارنة أعني القوى
والطبائع تأثيرا عند المشائية واما عند الاشراقية فالتأثيرات للصور النوعية المفارقة أعني المثل
النورية س ره.
(3) لما أبطل الحجة بابداء المنوع المترتبة من عدم واقعية الامكان وصحابيته الاتفاقية
ومدخليته بنحو الشرطية لا الشطرية ابدى نقضا اجماليا بان للامكان مدخلية في صدور
الأفلاك عن العقول عندهم فيلزم شركه العدم عليهم أو منع بطلان اللازم ويمكن الجواب بان العقل
بجهة الامكانية عله لماهية الفلك فلم يلزم شركه العدم في افاده الوجود بل في افاده الماهية
واما وجوب الفلك فصدر من وجود العقل مضافا إلى ماهية ومشوبا بظلمه امكانه واما وجود
العقل بما هو نور مضافا إلى الله فهو مصدر للعقل الثاني فالداني للداني والعالي
للعالي س ره.
218
عدمي فأين التخلص من وساطة الامكان ثم الامكان (1) وإن كان صفه ثابته
للممكن لكن ليس ذات الممكن وحقيقته محض حيثية الامكان حتى لا يكون لها
حيثية أخرى سوى كونه ممكنا وخصوصا عند المشائين القائلين بان الوجودات
العارضة لها حقائق متخالفة الذوات المشتركة في مفهوم شامل عرضي فكيف يلزم
من نفى وساطة الامكان نفى وساطة الوجود فلا يمكن التمسك في اثبات هذا المطلب
الشريف بتلك الحجة الضعيفة.
واما ذكره صاحب الاشراق في الهياكل بقوله والجواهر العقلية وان
كانت فعاله الا انها وسائط جود الأول وهو الفاعل وكما أن النور القوى لا يمكن
النور الضعيف من الاستقلال بالإنارة فالقوه القاهرة الواجبة لا تمكن الوسائط لوفور
فيضه وكمال قوته وفي حكمه الاشراق بقوله وكماله يتصور استقلال النور الناقص
بتأثير في مشهد نور يقهره دون غلبه التام عليه في نفس ذلك التأثير فنور الأنوار
هو الغالب مع كل واسطه والمحصل فعلها والقائم على كل فيض فهو الخلاق
المطلق مع الواسطة ودون الواسطة ليس شان ليس فيه شانه فهو وإن كان في
القوة والمتانة أقوى من الحجة السابقة عند العالم بقواعد حكماء الفرس والأقدمين
بل يمكن تتميمه بقواعد اشراقية لكن بحسب ظاهر الامر اقناعي لا يجوز الاكتفاء
به في أسلوب المباحثة والمناظرة ولنا بفضل الله والهامه برهان حكمي على هذا
المقصد العالي ستطلع عليه إن شاء الله تعالى.
تعقيب وإشارة
الفاعل الناقص يحتاج إلى حركه وآلات حتى يصدر ما في نفسه
محصلا في المادة والفاعل الكامل هو الذي يتبع الصورة
الموجودة في ذاته وجود الصورة في مادتها ثم إذا ثبت في الوجود فاعل أول ومبدء



(1) معارضه للحجة بان الوجود لما كان أصيلا فحقيقة كل شئ نحو وجوده وماهيته وامكانه
اعتباريان فحيث كان الامكان اعتباريا وصفه زائده على حقيقة الممكن لم يلزم شركه العدم
وحيث كان للوجود مراتب صدق ان هاهنا فاعلا للوجود غير الحق وهو انحاء الوجود س ره.
219
أعلى بحيث لا يكون اقدم من وجوده وجود ولا يمكن (1) ان يكون له مادة ولا موضوع
صوره ولا فاعل ولا غاية لأن هذه الأشياء تسقط أوليته وتقدمه وعلم من هذا ان
وجود ما يوجد عنه انما هو على محض فيض وجوده لوجود ما سواه مع علمه ورضاه
ولا يفيده وجود ما يوجد عنه كمالا أو كرامة أو لذه أو بهجة أو نفعا أو تخلصا من
مذمة وغير ذلك من المنافع لكونه غنيا عما عداه فلذلك وجوده الذي به تجوهر
ذاته هو بعينه وجوده الذي به يحصل منه غيره بل هما هناك ذات واحده وحيثية
واحده لا انه ينقسم إلى شيئين يكون بأحدهما تجوهر ذاته وبالاخر حصول شئ
آخر عنه كما أن لنا شيئين نتجوهر ونتذوت بأحدهما وهو النطق ونكتب بالاخر
وهو صناعه الكتابة وبالجملة لا يحتاج الفاعل الأول في أن يفيض عنه شئ إلى شئ
غير ذاته صفه كان أو حركه أو آله كما يحتاج النار في احراقه في احراقه لشئ إلى صفه
هي الحرارة (2) والشمس في اضائتها أطراف الأرض إلى حركه والبخار في تحت
الباب إلى الفاس ولا يمكن ان يكون له في فعله عائق أو شرط منتظر
افاده تفصيليه
أصناف الفاعل سته (3) الأول ما بالطبيعة وهو الذي يصدر
عنه فعل بلا علم منه ولا اختيار ويكون فعله ملائما لطبيعته



(1) الظاهر أن يقال فلا يمكن ان يكون لفاعليته المطلقة أو لفاعليته بالنسبة إلى المعلول
الأول مادة أو غاية زائده ونحو ذلك الا انه لما كان ما به تجوهر ذاته ما به فاعليته كان المادة التي لها
له وقس عليها ما سواها س ره.
(2) محصله ان النار محرقة ما دامت حاره والشمس مضيئه ما دامت متحركة فالحرارة
والحركة وان كانتا لازمتين لذاتيهما وواجبتي الثبوت لهما بذاتيهما كما هو مقتضى قاعدة الاستلزام
لكن وجوب ثبوتهما لهما وضرورة وجودهما وجوب وضرورة ذاتية غير أزلية س ره.
(3) لا ريب ان الافعال التي نشاهدها في الخارج على كثرتها تنقسم إلى ما لا دخل للعلم
في صدورها كالأفعال الصادرة عن الطبائع والقوى الطبيعة وما للعلم دخل في صدورها كما في
افعال ذوات الشعور من الحيوان كالمشي والقسم الأول ربما يكون ملائما لطبع الفاعل وهو الفاعل
بالطبع وربما لم يكن كحركة الجسم والجسم الثقيل إلى العلو مثلا وهو الفاعل بالقسر واما الفاعل
الذي لعلمه دخل في صدور فعله فلا شك ان العلم فيه من لوازم نوعيته وانما جهز به لتشخيص كماله
النوعي وتمييزه به من غيره ليفعل ما فيه كماله ويترك غيره كالحيوان القاصد للتغذي يتحرك
إلى جسم يشاهده فان وجده غذاء ا اكله وان وجده حجرا مثلا تركه هذا إذا كان عنده تصديق بلزوم
الفعل اما إذا شك في أنه كمال له أوليس بكمال اخذ في تطبيق الأوصاف والعناوين الكمالية
وغير الكمالية عليه فان انتهى إلى التصديق به أو انتهى إلى التصديق بأنه خلاف الكمال
تركه وهذا الانعطاف إلى أحد الطرفين من الفعل والترك هو الذي نسميه بالاختيار الصادر عنه
فعلا اختياريا وقد بان ان الموجب لهذا التروي هو الحصول على التصديق بأحد الطرفين
والتخلص عن التردد فلو كان هناك تصديق من أول الأمر لم يحتج اليه واختير الفعل المصدق به
من أول الأمر كما في الافعال الصادرة عن الملكات كالمتكلم يأتي بالحرف بعد الحرف في كلامه
المركب من الحروف بأوصافه وخصوصياته اختيارا من غير أن يتروى في كل حرف حرف بما يصرفه
عن التكلم فكلما تعين تصديق من غير ترو أو بعد التروي اتى الفاعل بفعله من غير امهال وانظار
ومن هنا يظهر ان الفعل الاختياري والاجباري ليسا نوعين متمائزين بحسب الوجود الخارجي كي
يصحح ذلك انقسام الفاعل الإرادي إلى الفاعل بالقصد والاختيار والفاعل بالجبر فان الذي يفعله
المجبر في المورد انه يجعل الفعل ذا طرف واحد فيختاره الفاعل بالتصديق به بعد ما استحال طرفه
الاخر المقابل في نظره ولولا عمل المجبر لعين ما يختاره بشئ من المرجحات الاخر فإرادة الفاعل
واختياره أحد الطرفين في مورد الجبر والاختيار على نمط واحد وانما اختلفا بحسب الاعتبار فتعين
الفعل في الاختيار لامتناع الترك بعنوان من العناوين الذي يصدق به الفاعل فيما يجده وتعينه في
الجبر لامتناع الترك بتهديد من المجبر أو غير ذلك وهو أيضا عنوان من العناوين المنطبقة على
الترك مثلا عند الفاعل المانعة عنها فالذي يقوم من تحت حائط يريد ان ينهدم حذرا من انهدامه
عليه كالذي يقوم من تحته إذا هدده جبار بأنه ان لم يقم هدمه عليه متساويان من حيث التصديق الموجب
لاختيار الفعل وارادته من غير فرق حقيقي واحد الفعلين من ذلك اختياري والاخر جبري نعم
العقلاء في سننهم الاجتماعية فرقوا بين المقسمين حفظا لمصلحة الاجتماع ورعاية للقوانين الجارية
فيه المستتبعة للثواب والعقاب والمدح والذم وغير ذلك فالانقسام انقسام وضعي اعتباري لا حقيقي
فلسفي وقد ظهر أيضا ان الفعل الجبري لا يبطل اراده الفاعل في تأثيرها فالفعل إرادي
على اي حال هذا كله في الفاعل الذي لعلمه الحصولي التفصيلي دخل في صدور فعله وهناك قسمان
آخران للفاعل العلمي ذكرهما المصنف ره وهما الفاعل بالرضا والفاعل بالعناية وسيأتي المناقشة
في الفاعل بالعناية فالحق ان اقسام الفاعل أربعة باسقاط الفاعل بالجبر والفاعل بالعناية عن الاعتبار
نعم ما سيختاره المصنف ره في علم الواجب بغيره وهو العلم الاجمالي في عين الكشف التفصيلي
يستدعى زيادة قسم على الأقسام الأربعة وظاهره ره انه يدخله في الفاعل بالعناية لأنه فاعل
يصدر فعله عن مجرد العلم التفصيلي السابق على الفعل من غير داع زائد الا ان العلم حضوري
لا حصولي كما في الفاعل بالعناية بالمعنى المعروف وربما سمى هذا النوع من الفاعل بالفاعل
بالتجلي ط مده.
أقول وجه الضبط لاقسام الفاعل بالترديد بين النفي والاثبات ان يقال الفاعل ما
يكون له علم بفعله أو لا والثاني اما ان يلائم فعله طبعه فهو الفاعل بالطبع أو لا فهو الفاعل
بالقسر والأول اما ان لا يكون فعله بإرادته فهو الفاعل بالجبر أو يكون فاما ان يكون علمه بفعله
مع فعله بل عينه ويكون علمه بذاته هو علمه السابق بفعله اجمالا لا غير فهو الفاعل بالرضا أو
لا بل يكون علمه بفعله تفصيلا سابقا فاما يقرن علمه بالداعي الزائد فهو الفاعل بالقصد أو لا بل
يكون نفس العلم فعليا منشا للمعلول فاما ان يكون ذلك العلم بالفعل زائدا على ذاته فهو الفاعل
بالعناية أو لا بان يكون عين علمه بذاته الذي هو عين ذاته وذلك هو العلم الاجمالي بالفعل في عين
الكشف التفصيلي فهو الفاعل بالتجلي ويقال له الفاعل بالعناية بالمعنى الأعم ولذا لم يذكره
هنا وقد أشرت إلى وجه الضبط هذا في منظومتي المسماة بغرر الفرائد فليرجع إليها من أراد
الحفظ س ره.
220
والثاني ما بالقسر وهو الذي يصدر عنه فعل بلا علم منه به ولا اختيار ويكون
فعله على خلاف مقتضى طبيعته.

221
والثالث ما بالجبر وهو الذي يصدر عنه فعله بلا اختيار بعد ان يكون من شانه
اختيار ذلك الفعل وعدمه وهذه الأقسام الثلاثة مشتركه في كونها غير مختاره
في فعلها وفي ان فاعليتها على سبيل التسخير والاستخدام من الغير إياها سواء ا
كان تسخير المسخر القاهر واستخدام المستخدم العالي إياها في الفاعلية أيضا على
هذه الطريقة أو على طريقه الإرادة والاختيار واستخدام النفس الناطقة لبعض القوى
الفعالة البدنية في أفاعيلها من قبيل الثاني كالحركات الأينية وغيرها الصادرة عن
القوى العضلية بتوسط الجوارح والأعضاء وهذه القوى في العالم الصغير الانساني
بمنزله الاشخاص الحيوانية في العالم الكبير واستخدامها لبعضها من قبيل الأول
كالحركات الصادرة عن القوى الغاذية والمنمية وكحركات النبض الانقباض والانبساط
والغضب والشهوة التي موضوعاتها الأجسام اللطيفة من الاخلاط والأرواح ومباديها

222
القوى المستعلية النفسانية وهذه المبادي في العالم الصغير كالحركات السماوية
المسخرة لعالم الامر في العالم الاعلى فكما انهم لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون
ما يؤمرون فكذلك نظيرتهم في طاعة النفس الناطقة وكما أن اشخاص الناس منهم
من عصى ما امر الله عباده على السنة رسله وفي كتبه ومنهم من اطاعه فكذلك نظيرتها
من القوى في طاعة النفس وعصيانها فيما تامرها به وتنهيها عنه.
والرابع ما يكون بالقصد وهو الذي يصدر عنه الفعل مسبوقا بإرادته المسبوقة
بعلمه المتعلق بغرضه من ذلك الفعل ويكون نسبه أصل قدرته وقوته من دون
انضمام الدواعي والصوارف إلى فعله وتركه في درجه واحده.
والخامس هو الذي (1) يتبع فعله علمه بوجه الخير فيه بحسب نفس الامر
ويكون علمه بوجه الخير في الفعل كافيا لصدوره عنه من غير قصد زائد على العلم
وداعيه خارجه عن ذلك الفاعل ويقال له الفاعل بالعناية في عرف المشائين.
والسادس هو الذي يكون علمه بذاته الذي هو عين ذاته سببا لوجود أفاعيله
التي هي عين علومه ومعلوماته بوجه اي اضافه عالميته بها هي بعينها نفس افاضته
لها من غير تعدد ولا تفاوت لا في الذات ولا في الاعتبار الا بحسب اللفظ والتعبير



(1) في كون الفاعل بالعناية غير الفاعل بالإرادة نظر فان تصور السقوط ممن قام على
جذع عال علم واحد موجود في الخائف المدهوش الذي يسقط به وفيمن اعتاد القيام عليه بكثرة
التكرار ولا يسقط به كالبناء فوق الأبنية والجدران العالية ولو كان عله لم يختلف والظاهر أنه
من قبيل الفعل بالقصد فالصاعد فوق الجدار العالي يعلم أنه يجب ان يعين واحدا من الثبات عليه
والسقوط عنه غير أن شده الخوف والدهشة جذبت نفسه إلى القصر على تصور السقوط فلم يبق عنده
الا تصور السقوط فيسقط بخلاف المعتاد فان الصورتين عنده موجودتان فلا يسقط لاختياره الثبات
وله شواهد ونظائر في الانسان المتوحش المدهوش المستشعر بالخطر الواقع في الهلكة فربما
يثبت عنده صوره الفرار فقط حبا للبقاء فيفر من غير ترو وربما يثبت عنده صوره الوقوع فيه
فيلقى بنفسه إلى التهلكة كالمستسبع ونحوه ط مده.
223
وهذه الثلاثة الأخيرة مشتركه في كون كل منها فاعلا بالاختيار وإن كان (1)
الأول منها مضطرا في اختياره لان اختياره حادث فيه بعد ما لم يكن ولكل حادث
محدث فيكون اختياره عن سبب مقتض وعلة موجبه فاما ان يكون ذلك السبب هو
أو غيره فإن كان غيره فثبت المدعى وإن كان هو نفسه فاما ان يكون سببيتها
لاختياره باختياره أو لا فعلى الأول يعود الكلام وينجر إلى القول بالتسلسل في
الاختيارات إلى غير النهاية وعلى الثاني يكون وجود الاختيار فيه لا بالاختيار فيكون
مضطرا ومحمولا على ذلك الاختيار من غيره فينتهي إلى الأسباب
الخارجة عنه وينتهي بالآخرة إلى الاختيار الأزلي الذي أوجب الكل على ما هو عليه
بمحض الاختيار من غير داع زائد ولا قصد مستأنف وغرض عارض.
فإذا علمت اقسام الفاعل فاعلم أنه ذهب جمع من الطباعية والدهرية خذلهم
الله تعالى إلى أن مبدء الكل فاعل بالطبع وجمهور الكلاميين إلى أنه فاعل
بالقصد والشيخ الرئيس وفاقا لجمهور المشائين إلى أن فاعليته للأشياء الخارجية
بالعناية وللصور العلمية الحاصلة في ذاته على رأيهم بالرضا وصاحب الاشراق تبعا
لحكماء الفرس والرواقيين إلى أنه فاعل للكل بالمعنى الأخير وسنحقق لك في
مستأنف الكلام من الأصول الأنية
إن شاء الله تعالى ان فاعل الكل لا يجوز اتصافه بالفاعلية بأحد من الوجوه الثلاثة الأول وان
ذاته ارفع من أن يكون فاعلا بالمعنى الرابع لاستلزامه مع قطع النظر عن الاضطرار
التكثر بل التجسم تعالى عن ذلك علوا كبيرا فهو اما فاعل بالعناية أو بالرضا
وعلى اي الوجهين فهو فاعل بالاختيار بمعنى ان شاء فعل وان لم يشاء لم يفعل
لا بالايجاب كما توهمه الجماهير من الناس فان صحه الشرطية غير متعلقه بصدق



(1) ومن هنا يقال الانسان مضطر في صوره مختار والحق تعالى مختار في صوره مضطر
اي لأجل اختياره تعالى وجوبي احدى التعلق س ره.
224
شئ من مقدمها وتاليها بل وجوبه أو كذبه بل امتناعه الا ان الحق هو الأول منهما
فان فاعل الكل كما سيجئ يعلم الكل قبل وجودها بعلم هو عين ذاته فيكون
علمه بالأشياء الذي هو عين ذاته منشا لوجودها فيكون فاعلا بالعناية.
تمثيل:
أصناف الفاعلية المذكورة وانحائها الستة المسفورة متحققة
في النفس الآدمية بالقياس إلى أفاعيلها المختلفة فان فاعليتها
بالقياس إلى تصوراتها وتوهماتها بالرضا وكذا بالقياس إلى قواها الجزئية المنبعثة
عن ذاتها المستعملة إياها المستخدمة لها كوهمها وخيالها فان النفس تستخدم
المتفكرة في تفصيل الصور الجزئية وتركيبها حتى ينتزع الطبائع من الشخصيات
ويستنبط النتائج من المقدمات وليس لتلك القوى ادراك (1) ذواتها لكونها
جسمية والتجسم من موانع الادراك كما سيأتي على أن الوهم الذي هو رئيس سائر
القوى ينكر نفسها فكيف حال سائر المدارك الجزئية والاستخدام لا يتم الا بادراك
جزئي لما يستخدم وما يستخدم فيه فالنفس تدرك تلك الآلات المنبعثة عنها بنفس ذاتها
المدركة وذواتها المدركة لا بادراك تلك القوى لذواتها كما علمت ولا بادراك آله
أخرى إذ لا آله للالة وفاعليتها بالقياس إلى ما يحصل منها بمجرد التصور والتوهم بالعناية
كالسقوط من الجدار المرتفع الحاصل منها من تخيل السقوط والقبض (2) الحاصل
من جرم اللسان المعصر للرطوبة من تصورها للشئ الحامض وفاعليتها بالقياس
إلى ما يحصل منها بسبب البواعث الخارجة عنها الداعية لها إلى تحصيل اغراضها
واستكمالها لها بها بالقصد كالكتابة والمشي وغيرهما وفاعلية النفس الصالحة الخيرة



(1) اي ليس ادراك النفس إياها بحصول صور القوى في القوى والا لزم ادراكها لذواتها
وأيضا لزم اجتماع المثلين كما ليس ادراكها بحصول صورها في ذات النفس والا أدركت كلياتها
والحال ان جزئياتها هي المستعملة س ره.
(2) هذا مثال لمجرد كون العلم عله للفعل لا لكون العلم بالفعل عله له كما في المثال الأول
لان العلم تعلق بالحموضة والفعل هو القبض والعصر س ره.
225
لفعل القبائح كفعل الزنا وشهادة الزور والكذب على الله بالجبر وفاعليتها لحفظ
المزاج وإفادة الحرارة الغريزية في البدن والصحة وسائر ما أشبهها بالطبع وفاعليتها
للحرارة الحمائية والمرض والسمن المفرط والهزال بالقسر
فصل [16]
في أن المعلول من لوازم ذات الفاعل التام بحيث لا يتصور بينهما
الانفكاك
بيانه ان الفاعل اما ان يكون لذاته مؤثرا في المعلول أو لا يكون فإن لم يكن تأثيره
في المعلول لذاته بل لا بد من اعتبار قيد آخر مثل وجود شرط أو صفه أو اراده أو آله أو مصلحة
أو غيرها لم يكن ما فرض فاعلا فاعلا بل الفاعل انما هو ذلك المجموع ثم الكلام في ذلك
المجموع كالكلام في المفروض أولا فاعلا إلى أن ينتهى إلى امر يكون هو لذاته وجوهره فاعلا
ففاعلية كل فاعل تام الفاعلية بذاته وسنخه وحقيقته لا بأمر عارض له فإذا ثبت
ان كل فاعل تام فهو بنفس ذاته فاعل وبهويته مصداق للحكم عليه بالاقتضاء
والتأثير فثبت ان معلوله من لوازمه الذاتية المنتزعة عنه المنتسبة اليه بسنخه وذاته
ولقائل ان يقول فيجب على ما ذكرت ان يحصل من العلم بالعلة الفاعلية
العلم بالمعلول ويلزم على هذا انا إذا عرفنا حقيقة شئ من الأشياء ان نعرف لازمه
القريب ومن لازمه القريب لازمه الثاني ومن الثاني الثالث حتى نعرف جميع
لوازمه في آن واحد وما من شئ الا وله لازم وللازمة لازم وللازم لازمه أيضا
لازم إلى غير النهاية فيلزم للنفس ادراك الأمور الغير المتناهية دفعه واحده وذلك
بين الفساد.
وحله من وجوه الأول انا وان سلمنا ان العلم بحقيقة شئ يستلزم العلم
بلوازمه الذاتية كما هو مقتضى القاعدة المذكورة لكن لا نسلم ان لكل شئ لازما حتى
يلزم من ادراك شئ واحد ادراك أمور غير متناهية ونحن لا نعرف من الحقائق الا

226
صفاتها ولوازمها الأخيرة وآثارها القاصية دون أنفسها ومباديها
وأسبابها القصوى.
لا يقال إن تلك الصفات كما هي لازمه لتلك الماهيات فتلك الماهيات أيضا
لازمه لتلك الصفات فإذا ساعدتم على معرفه الصفات لزمكم ان يكون العلم بها
مقتضيا للعلم بتلك الماهيات ثم يكون العلم بتلك الماهيات عله للعلم بسائر الصفات.
لأنا نقول من الجائز ان يكون الصفات لازمه للموصوفات بلا عكس كلى
فان الزوايا الثلاث من المثلث يلزمها أن تكون مساويه لقائمتين وتساوى القائمتين
لا يلزمه الزوايا الثلاث من المثلث كالزاويتين اللتين عن جنبي خط مستقيم قام على
مثله فإنهما متساويتان لقائمتين مع عدم المثلث وزواياه.
لا يقال إن من المستبين عند الحكماء ان علمنا بنفسنا هو نفس نفسنا فإذا
علمنا بحقيقة نفسنا حاضر ابدا فيجب ان نعرف جميع صفات أنفسنا ولوازمها وآثارها
من قواها وشعبها ومن جمله لوازمها استغنائها عن البدن وامتناع قدمها وفسادها
فيجب ان يكون العلم بهذه الأحوال بينا حاصلا من غير نظر وكسب.
لأنا نقول اللوازم على ضربين لوازم اعتبارية ولوازم غير اعتبارية ومعنى
الاعتبارية هاهنا ما لا يكون لها ثبوت الا في الذهن وعند اعتبار العقل إياها وهذا
مثل كون النفس قائما بذاته غنيا عن الموضوع وكونها ممكنا وحادثا وباقيا بعد
خراب البدن فان بعض هذه الصفات كالغنى والمجرد عبارة عن سلب شئ عنها
والسلوب لو كانت ثابته لكان لشئ واحد صفات غير متناهية لأجل سلوب غير متناهية
عنه لا مره واحده بل مرارا غير متناهية فيقتضى عللا غير متناهية كذلك وبعضها
كالامكان والحدوث والبقاء مما يتكرر نوعه إذا اعتبر كونه ثابتا في الخارج فينجر
إلى التسلسل فان الحدوث لو كان ثابتا لكان له حدوث وهكذا إلى غير النهاية
وكذا الحكم في البقاء فعلمنا ان تلك الصفات مما لا وجود لها في الخارج فلا يكون

227
ذات الشئ عله لتحققها حتى يلزم من العلم بها العلم بتلك الصفات مطلقا بل انما
يكون عله لتحقق هذه الصفات عند اعتبار العقل لها لا مطلقا أيضا بل عند (1)
اعتبار جمله من الوسطيات ولا شك ان العلم بماهية النفس وبتلك الوسطيات المعتبرة
عله للعلم بوجود هذه اللوازم واما اللوازم الغير الاعتبارية فهي للنفس مثل قدرتها
وشوقها وادراكها ولذتها والمها إلى غير ذلك من الوجدانيات الحاصلة للنفس من
دون توقفها على الاعتبار والفرض فلا جرم (2) من عرف ذاته عرف هذه الصفات
وسائر آثارها وشعبها وتوابعها الذاتية وخوادمها وجنودها الفطرية لكن أكثر
الناس ممن ليس له حضور تام عند نفسه بل كثره اشتغاله بالأمور الخارجة عنه
وشده التفاته بما يدركه الحواس وتورطه في الدنيا يلهيه عن الالتفات بذاته ويذهله
عن الاقبال إليها والرجوع إلى حاق حقيقته فلا يدرك (3) ذاته الا ادراكا ضعيفا



(1) اي الأدلة المثبتة لها والوسط ما يقرن بقولنا لأنه ومعلوم ان ما عدا الامكان الذاتي
على المشهور من أن لها ماهية من النظريات واما على القول بان لا ماهية لها فلها الامكان بمعنى
الفقر والتعلق بالواجب بالذات تعالى شانه وليس المراد بالوسطيات مثل تصور المادة والموضوع
في تصور تجردها وغنائها والعدم والبعدية والقبلية في تصور الحدوث والبقاء حيث إن الحدوث
هو الوجود بعد العدم والبقاء هو الوجود بعد الوجود لأنها داخله في اعتبار نفس هذه الصفات
س ره.
(2) اما صفاتها فلانها عين وجود النفس التي صارت بالفعل في ذاتها وصفاتها كيف
والمدرك متحد مع المدرك بالذات والموهومات والمخيلات والمحسوسات بالذات منشأتها بوجه
لائمتها أو نافرتها واما الآثار والقوى فلأنها جامعه إياها في مقامين مقام المفصل في المجمل
ومقام المجمل في المفصل س ره.
(3) نسوا الله فأنساهم أنفسهم وعلمه بها وإن كان حضوريا الا ان الحضوري أيضا كالحصولي
ذا مراتب من الاجمالي والتفصيلي على مراتبهما والكشف والشهود على درجاتهما إلى درجه
حق اليقين وذلك كدرجات المشاهدة البصرية فان الذين يشاهدون انسانا كاملا من
غاية بعد أو غاية قرب أو توسط بين الغايتين وبينهما متوسطات شتى في هواء مغبر أو صاف عن صحيحه أو مؤفه
مع اطلاع على مزاياه وأوصافه وأخلاقه وصناعاته كل بقدر نصيبه جميعهم من أهل المشاهدة
بالنسبة اليه فكذا علم النفس بالنفس من حد الرضاعة إلى حد العقل بالفعل والعقل الفعال إلى
مقام الفناء في الحق المتعال كلها حضوري س ره.
228
ولا يلتفت إليها الا التفاتا قليلا ولهذا يغفل عن بعض صفاتها الخاصة بها وآثارها
المنشعبة عن ذاتها بل وجود النفس الغير الكاملة الشديدة التعلق إلى البدن ومشتهاه
وجود في غاية الضعف والقصور فادراكها لذاتها أيضا حيث يكون عين ذاتها يكون
في غاية الخفاء والفتور فتغفل عنها ويجهل لوازمها وخواصها وآثارها واما النفوس
النورية القوية الكاملة المستعلية القاهرة على قواها وجنودها فلا يعزب عن علمها
ذاتها وصفاتها ولا قواها وجنودها بل كما شهدت لذاتها شهدت لتوابع ذاتها في
مشهد ذاتها فذاتها على كل شئ منسوب إليها شهيد كما سيأتيك بيانه فكن منتظرا
فصل [17]
في العلة العنصرية وأقسامها
ان العنصر لشئ هو الذي له قوه وجود ذلك الشئ اما بوحدانيته أو بشركه
غيره والأول اما مع تغير ما في نفسه أو لا معه فالثاني كما للوح بالقياس إلى
الكتابة والأول لا يخلو اما ان يكون التغير في حاله سواء ا كان بزيادة حال كما
للمشعة إلى الصنم والصبي إلى الرجل حيث يتغير العنصر فيهما في حال من أحواله
بعروض حركه له في أين أو كم أو غير ذلك أو بنقصانه مثل ما للأبيض إلى الأسود
واما ان يكون مع تغير في جوهره وذاته اما بالنقصان كما للخشب إلى السرير فإنه
ينقص بالنحت شئ من جوهر أو بالزيادة كما للمنى إلى الحيوان حيث يزيد عليه
كمالات جوهرية حتى يبلغ إلى درجه الحيوانية وإن كان مع انسلاخات صورية واما
الثاني فاما مع استحاله ما مثل الهليلج إلى المعجون أو لا مثل الخشب والحجارة إلى
البيت ومن هذا الجنس الآحاد للعدد ثم العنصر اما عنصر للكل كالهيولي الأولى
واما عنصر لعده أمور مثل العصير للخل والخمر والدبس وقد قلنا من قبل ان
العنصر الأول يجب ان لا يكون فيه جهة صورية بل يكون في ذاته قوه محضه وفاقه صرفه.

229
فليس لأحد ان يقول إن أريد بالكل جميع الصور الفلكية والعنصرية فلا يصدق
هذا القسم على واحده من الهيوليات الأولية لان هيولي العناصر غير قابله لصوره
الفلك وهيولي كل فلك لا يقبل غير صوره خاصه فلكية وان أريد به جميع الصور
العنصرية فلا يصدق على غير الهيولى المشتركة للعناصر فلا بد ان يخصص بها
لأنا نقول (1) المراد هو الأول وذات الهيولى الأولى لا تأبى عن قبول الصور
كلها الا ان التخصيص ببعضها دون بعض انما يجئ لها من خارج لا من ذاته إذ لا
فعليه لها أصلا يوجب لها التخصيص بحسب ذاتها ببعض دون بعض بل الحق ان
العنصر من حيث إنه عنصر في جميع الاقسام المذكورة ليس الا ما يكون في حد ذاته
فاقدا لصوره شئ وحقيقته وله بهذا الاعتبار ابهام محض من غير تحصل فجهة
كون العنصر عنصرا سواء ا كان في الدرجة الأولى من غير تخصص أو في الدرجة الثانية
بسبب انضمام ما يخصه واعتباره معه ليس الا العنصر الأول الذي هو بذاته منبع النقص
والقصور كما أن الوجود الحقيقي القيومي بذاته منبع الكمال والفيض والجود
فكما ان كلما قرب إلى المبدء الحق يكون أشد صورية وأتم كمالا وفعلية وكل
ما بعد منه يكون أضعف فعليه وانقص كمالا وأوفر نقصانا وقوه فالهيولي الأولى
التي في الحاشية الأخرى للوجود بعكس ذلك ولذلك يعبر عنها في الرموزات
النبوية والإشارات الناموسية بالهاوية والظلمة والخلاء والفضا وأسفل السافلين إلى
غير ذلك مما يشير إلى خستها وعدميتها



(1) إذ لا ميز في صرف القوة والقول بالاختلاف النوعي بين الهيوليات الأولية الفلكية
وبينها وبين الهيولى المشتركة العنصرية كالقول بالتباين بين الوجودات الخاصة بنفس ذواتها
البسيطة كما اشتهر من المشائين لكون الهيوليات الأولية أيضا بسائط جنسها مضمن في فصلها
وفصلها في جنسها ولكن هذا في الوجودات التي هي عين الفعليات والتميزات غير معقول فكيف
في الهيوليات التي هي عين القوة والقوة بما هي قوه كالعدم الذي لا ميز فيه س ره.
230
فصل [18]
في ألقاب العلة العنصرية
اعلم أن وضع الأسامي للأشياء قد يكون باعتبار ذواتها وماهياتها وقد يكون
باعتبار عوارضها وإضافاتها الأول كالانسان والثاني كالكاتب وربما لم يوضع لنفس
+ + + + +
ذات الشئ اسم وذلك كحقيقة النفس الانسانية حيث لم يوضع لها بحسب جوهر
ذاتها اسم بل اسم النفس انما وضع لها من حيث اضافتها إلى البدن وتحريكها إياه
وتدبيرها له فنفسيه النفس ليس كانسانيه الانسان وزيدية زيد الا ان يراد من
النفس معنى آخر هو الذات مطلقا فيكون اسما لمفهوم عام عقلي ولا يكون اسما
للماهية مخصوصة فظهر ان بعض الحقائق مما لم يوضع له اسم لخصوص ذاته بل
باعتبار امر عرضى ومن هذا القبيل الجوهر العنصري لم يوجد له اسم لخصوص
ذاته بل لحيثياتها الزائدة عليها فهو من جهة انه بالقوة يسمى هيولي ومن جهة انها حامله
بالفعل يسمى موضوعا بالاشتراك اللفظي بينه وبين الذي هو جزء رسم الجوهر وبين الذي هو
في مقابله المحمول ومن حيث إنها مشتركه بين الصور يسمى مادة وطينه ومن حيث إنه آخر
ما ينتهى اليه التحليل يسمى اسطقسا فان معنى هذه اللفظة هو الأبسط من اجزاء المركب
ومن حيث إنه أول ما يبتدى منه التركيب يسمى عنصرا ومن حيث إنه أحد المبادى
الداخلة في الجسم المركب يسمى ركنا وربما يتركون (1) هذه الاصطلاحات
في بعض الأوقات فإنهم يطلقون لفظ الهيولى على ما للفلك من الجزء القابل وإن كان
ذلك القابل ابدا يكون بالفعل وكذلك يسمونه مادة مع أن مادة كل واحد
من الأفلاك مخصوصة به ويمكن الاعتذار عن الأول بان تلبس الهيولى الفلكية
بصورتها ليس باستدعاء من قبل القابل بل من الأسباب الفعالة فكأنها في ذاتها خاليه
عن الصورة وعن الثاني بان تعدد المواد الفلكية نوعا وشخصا ليس بحسب ان لها



(1) بل تركهم أكثر من مراعاتهم إياها س ره.
231
تحصلات في ذاتها مع قطع النظر عن الصور لان المادة البسيطة لا تحصل لها في ذاتها
فلها في مرتبه ذاتها ليس الا ابهام محض والا لكان فيها في نفسها مبادى فصول ذاتية
وهو مستحيل كما سيتضح في مباحث الهيولى فالحق ان تعدد المواد الفلكية انما
هو بأسبابها الصورية المحصلة لذاتها موجوده بالفعل وبضرب من اتحادها بتلك الصور
التي هي مباد لفصول حقيقيه ذاتية فيكون لها في ذاتها مع قطع النظر عن تلك
الصور المقومة نحوا من الوحدة الجنسية باعتبار (1) والشخصية باعتبار آخر عند
اخذها لا بشرط شئ أو بشرط لا شئ
فصل [19]
في حال شوق الهيولى إلى الصورة
ان هذا مما اثبته القدماء من الحكماء على ما حكى عنهم وما ظهر لنا من
آثارهم ونتائج أفكارهم يدل دلاله واضحه على أن مبنى رموزهم واسرارهم ليس على
المجازفه والتخمين ولا على مجرد الظن والتخيل من غير يقين بل أمورهم كانت
مبنيه على المكاشفات النورية والبراهين اليقينية بعد تصفيه بواطنهم بالرياضات
المصفيه للقلوب وتنقيه ضمائرهم عن الكدورات المكدرة للعقول حتى صفت أذهانهم
ولطفت اسرارهم وتصيقلت مرآتهم واحتذت بها شطر الحق وظهرت لها جليه
الحال ثم أشاروا إلى نبذ منها حسب ما وجدوه مناسبا للنفوس المستعدين له من المقال
على ما هو شانهم في كثير من نظائر هذا المقام من الأمثال الا ان من تأخر عنهم
من لدن تحريف الحكمة وتغيير المنهج في اكتسابها وعدم الدخول في البيوت



(1) اي باعتبار الجنس الأقصى المأخوذ منها وهو الاعتبار اللابشرطى واما باعتبار ذاتها
فهي واحده شخصيه كيف وهي مصلحه للهوهوية في الانقلابات والاستحالات أو معنى قولهم
ان الهيولى وحدتها وحده جنسيه ابهاميه انها قوه محضه تتخذ بكل صوره أو ان لها مراتب
لا تنافى وحدتها الشخصية ولذا يقال إن ماء القصعتين من ماء الجره لا من ماء البحر لانحفاظ مرتبه
معينه في الأول دون الثاني س ره.
232
من أبوابها ومزجها بفنون من الخطابه والوعظ وشوقها باغراض النفس
ومحبته الرياسه وطلب الدنيا إلى يومنا هذا قدحوا في ذلك ونسبوه إلى مجرد التجوز
والتشبيه من غير تاصيل وتحقيق وذلك لاحد أمرين اما لعدم وثوق هؤلاء القادحين
بنقل هذا المطلب عن أولئك العظماء واما للجهل بكمال مرتبتهم حيث لم يبلغ
أفهامهم وعقولهم مع صفائها وتجردها عن شوائب الدنيا إلى ما بلغت به عقول أكثر
المنهمكين في لذات هذا العالم والطالبين لشهواته واما الذي ذكروه في القدح فيه
فهو ان هذا الشوق الذي اثبته القدماء في الهيولى اما ان يكون نفسانيا أو طبيعيا
والأول ظاهر البطلان والثاني أيضا باطل لان الشوق لا يخلو اما ان يكون إلى صوره
معينه أو إلى مطلق الصورة والأول باطل والا لكانت المادة متحركه بطبائعها إلى
تلك الصورة فكان ما عداها حاصله بالقسر هذا خلف والثاني أيضا باطل لان المادة
لا تخلو من صوره على ما سيأتي والشوق انما يكون إلى غير الحاصل قالوا فثبت ان
هذا الكلام بعيد عن التحصيل.
تعقيب وتحصيل
ان هذا القول مما أورده صاحب المباحث المشرقية اخذا عن
كلام الشيخ الرئيس في طبيعيات كتاب الشفاء حيث قال وقد
يذكر حال شوق الهيولى إلى الصورة وتشبيهها بالأنثى وتشبيه الصورة بالذكر وهذا
شئ لست افهمه اما الشوق النفساني فلا يختلف في سلبه عن الهيولى واما الشوق
التسخيرى الطبيعي الذي يكون انبعاثه على سبيل الانسباق كما للحجر إلى الأسفل
ليستكمل بعد نقص له في اينه الطبيعي فهذا أيضا بعيد عنها ولقد كان يجوز ان
يكون الهيولى مشتاقه إلى الصور لو كان هناك خلو عن الصور كلها أو ملال صوره
قارنته أو فقدان القناعه بما يحصل له من الصور المكمله إياها نوعا وكان لها
ان يتحرك بنفسها إلى اكتسابها الصورة كما للحجر في اكتساب الأين إن كان فيها
قوه محركه (1) وليست خاليه عن الصور كلها ولا يليق بها الملال للصورة الحاصلة



(1) لم لا يجوز ان يكون حركه ذاتية لها بناء ا على جواز حركه الجوهرية س ره.
233
فتعمل في نقضها ورفضها فان حصول هذه الصورة إن كان موجبا للملال للنفس حصولها
وجب ان لا يشتاق إليها وإن كان لمده طالت فيكون الشوق عارضا لها بعد حين لا امرا
في جوهرها ويكون هناك سبب يوجبه ولا يجوز أيضا ان يكون غير قنعه بما يحصل
بل مشتاقه إلى اجتماع الاضداد فيها فان هذا محال والمحال ربما ظن أنه ينساق
اليه الاشتياق النفساني واما الاشتياق التسخيرى فإنما يكون إلى غاية في الطبيعة
المكمله والغايات الطبيعية غير محاله ومع هذا فكيف يجوز ان يتحرك الهيولى
إلى الصورة وانما يأتيها الصورة الطارية من سبب يبطل صورتها الموجودة لا انها يكتسبها
بحركتها ولو لم يجعلوا هذا الشوق (1) إلى الصورة المقومة التي هي كمالات أولى بل إلى
الكمالات الثانية اللاحقة لكان تصور معنى هذا الشوق من المتعذر فكيف وقد جعلوا
ذلك شوقا لها إلى الصورة المقومة فمن هذه الأشياء تعسر على فهم هذا الكلام الذي
هو أشبه بكلام الصوفية منه بكلام الفلاسفة وعسى ان يكون غيرى يفهم هذا الكلام
حق الفهم فليرجع اليه فيه ولو كان بدل الهيولى بالاطلاق هيولي ما يستكمل بالصورة
الطبيعية حتى يحدث من الصورة التي انبعاث نحو استكمالات تلك الصورة مثل الأرض
في التسفل والنار في التصعد لكان لهذا الكلام وجه وإن كان مرجع ذلك الشوق
إلى الصورة الفاعلة واما على الاطلاق فمما لست افهمه هذا تمام كلام الشيخ في
هذا المقام.
وانى لأجل محافظتى على التأدب بالنسبة إلى مشايخي في العلوم واساتيذى
في معرفه الحقائق الذين هم أشباه آبائي الروحانية وأجدادي العقلانية من العقول



(1) النزاع ليس في خصوص الشوق المعتبر فيه الفقد بوجه بل في العشق الأعم من الشوق
فالمثبت يثبت العشق والشوق فالنافى لا بد ان ينفى كليهما وهذا البيان من الشيخ لا ينفى العشق لأنه
يجامع الوجدان كما قالوا الأول عاشق لذاته والعقول المفارقة عشاق الهيون فلو قلنا الهيولى
عاشقه للصورة لا يطرده ما قاله الشيخ والدليل على ذلك ان الشيخ في الرسالة العشقيه استعمل
لفظ الشوق والمصنف قدس سره أثبت التهافت بهذا س ره.
234
القادسه والنفوس العالية لست أجد رخصه من نفسي في كشف الحقيقة فيما اعترف
مثل الشيخ الرئيس عظم الله قدره في النشاتين العقلية والمثاليه ورفع شانه في
الدرجتين العلمية والعمليه بالعجز عن دركه والعسر في معرفته بل كنت رأيت
السكوت عما سكت عنه أولى واحق والاعتراف بالعجز عما عجز فيه لصعوبته وتعسره
احرى وأليق وإن كان ذلك الامر واضحا عندي منقحا لدى حتى اقترح على بعض
اخوانى في الدين وأصحابي في ابتغاء اليقين ان أوضح بيان الشوق الذي اثبته
افاخم القدماء من الحكماء وأكابر العرفاء من الأولياء في الجوهر الهيولاني واكشف
قناع الاجماع عما أشاروا اليه واستخرج كنوز الرموز فيما ستروه وافصل ما اجملوه
واظهر ما كتموه من التوقان الطبيعي في القوة المادية فالزمنى اسعافه لشده اقتراحه
والجاني في انجاح طلبته لقوه ارتياحه.
فأقول ومن الله التأييد والتسديد انه قد مضت منافى الفصول المتقدمة أصول
لا بد لتحقيق هذا المقام من تذكرها تمهيدا وتاصيلا.
فالأول منها ما بيناه من أن الوجود حقيقة واحده عينيه ليس مجرد مفهوم
ذهني ومعقول ثانوي كما زعمه المتأخرون وان ليس الاختلاف بين افراده ومراتبه
بتمام الذات والحقيقة أو بأمور فصليه أو عرضيه بل بتقدم وتأخر وكمال ونقص
وشده وضعف وان صفاته الكمالية من العلم والقدرة والإرادة هي عين ذاته لان
حقيقة الوجود وسنخه بنفس تجوهره مبدء لسائر الكمالات الوجودية فإذا قوى
الوجود في شئ من الموجود قوى معه جميع صفاته الكمالية وإذا ضعف ضعفت.
والأصل الثاني ان حقيقة كل ماهية هي وجودها الخاص الذي يوجد به تلك
الماهية على الاستتباع وان المتحقق في الخارج والفائض عن العلة لكل شئ هو
نحو وجوده واما المسمى بالماهية فهي انما توجد في الواقع وتصدر عن العلة لا لذاتها
بل لاتحادها مع ما هو الموجود والمفاض بالذات عن السبب والاتحاد بين الماهية والوجود

235
على نحو الاتحاد بين الحكاية والمحكى والمرآة والمرئى فان ماهية كل شئ
هي حكاية عقلية عنه وشبح ذهني لرؤيته في الخارج وظل له كما مر ذكره سابقا
على الوجه البرهاني اليقيني مطابقا للشهود العرفاني الذوقى
والأصل الثالث ان الوجود على الاطلاق مؤثر ومعشوق ومتشوق اليه واما
الآفات والعاهات التي يتراآى في بعض الموجودات فهي اما راجعه إلى الاعدام
والقصورات وضعف بعض الحقائق عن احتمال النحو الأفضل من الوجود
واما انها يرجع إلى التصادم بين نحوين من الوجود في الأشياء الواقعة
في عالم التضائق والتصادم والتعارض والتضاد حيث يستدعى كل من المتضادين عند
وجوده من جهة الأسباب الاتفاقية الغلبه على الاخر وهذا التصادم والتضاد بينهما ليس
لأجل كونهما أو كون واحد منهما موجودا بما هو موجود بل لأجل تخصيص وجود
كل منهما في نفسه وهويته بمرتبه خاصه ونشاه معينه جزئيه يضيق ويقصر عن
اشتماله على الاخر أو احاطته به أو اتحاده معه أو قوله عليه وهذا التضائق والتخالف
بين وجودات بعض الأشياء لكونها متعلقه القوام الخارجي بالجسميه والمقداريه التي
هي غاية نزول الوجود ونقصه وان أضيق الأشياء وجودا هي الابعاد والمقادير لقصر
رداء وجودها عن الفسحه الا في حد معين وضيقها عن الانبساط والتمادي الا على مرتبه
متناهية لا يتجاوزها لنهوض البراهين الدالة على تناهى الابعاد والمقادير وسائر المتصلات
القاره وغير القاره أيضا عند أهل التحقيق ولأنها أيضا من ضعف الوجود بحيث لا يمكن
لذاتها الحصول لذاتها ولا لاجزائها احديه الجمع والحضور بعضها عند بعض بل كل منها
يغيب عن الاخر بحسب هويته المقدارية وكيمته الاتصالية فمما لزم هذه المرتبة من
الوجود لبعده عن منبع الفيض والجود هو ان يتفارق كل من ابعاضه المقدارية الاتصالية
عن بعض آخر ولا يجتمع معه في حد واحد فكان هذه الهوية الاتصالية لغاية ضعف
وجودها وتبددها يهرب فيها الاجزاء عن الاجزاء ويغيب الكل عن الكل ولهذا

236
يكون التعلق بها يمنع العاقلية والمعقولية ويكون عالمها عالم الجهل والغفله
والموت والشر إذ العلم عبارة عن حضور شئ عند شئ فما لا حضور عنده لشئ لا علم
له بذلك الشئ فبقدر ضعف الوجود يكون قله العلم وما يلزمه وزيادة الجهل
وما يصحبه فعالميه المقداريات والمتكممات على نسبه وجودها ثم أضعف المقادير
والمتصلات وجودا غير القار منها كالزمان وحركه حيث لا يسعها الاجتماع في آن
واحد من الزمان كما لا يسع للقار منها الاجتماع في حد واحد من المكان وهذا
كلام وقع في البين ليس هاهنا موضع تبيينه وتحقيقة ولعلنا نرجع اليه في مستأنف
القول بزيادة توضيح وتتميم إن شاء الله العزيز فالغرض هاهنا ان تذكر ان الوجود
من حيث هو وجود مؤثر ومعشوق على الاطلاق كما مر سابقا فالوجود لما كان
خيرا حقيقيا فإذا صادفه شئ حفظه وامسكه عشقا وإذا فقده طلبه شوقا.
والأصل الرابع ان معنى الشوق هو طلب كمال ما هو حاصل بوجه غير حاصل
بوجه فان العادم لامر ما رأسا لا يشتاقه ولا يطلبه إذ الشوق للمعدوم المحض والطلب
للمجهول المطلق مستحيل وكذا الواجد لامر ما لا يشتاقه ولا يطلبه لاستحالة تحصيل
الحاصل فالواجب سبحانه إذ هو من فضيله الوجود في غاية التمام وهو برئ من
انحاء النقص مقدس عن شوائب القصور في الوجود والذات فمحال ان يلحقه تشوق
إلى شئ ويعتريه طلب وحركه إلى تمام وكمال بل لكونه تام الوجود وفوق التمام
يليق به ان يشتاق اليه ويعشقه كل من سواه وكذا العقول الفعالة لكونها مفطوره
على كمالاتها مجبولة على فضائلها التي يليق بمرتبه كل منها ماثله بين يدي
قيومها مشاهده لجمال مبدعها وجاعلها مغترفه من بحر الخير والوجود ومنبع
الفيض والجود بقدر حوصله ذواتها ووعاء وجوداتها وما يوجد من الخيرات الواردة
منها على العالم الأدنى ليس مما يزيدها فضيله وكرامه بل هي جوائز وعطايا
ومواهب نازله منها إلى السوافل ورشحات فائضه منها على الأواني من غير التفات

237
وغرض وقصد منها إلى اصلاح الكائنات فلا يتصف هي أيضا بالتشوق إلى ما دونها
بل بالالتفات إلى ذواتها لكونها هائمه في جمال الأزل مستغرقه في شهود الوجود
الحقيقي ولاتصالها به ودوام استغراقها في المبدء الاعلى لا يوصف بالشوق بالنسبة
إلى العالي أيضا الا بنحو مندمج في ذواتها الامكانية بحسب خفاء ماهياتها وظلمه
جواهرها عند اعتبار أنفسها في نحو من انحاء ملاحظه العقل إياها مجرده عن وجودها
الواجب بوجوب وجود بارئها وذلك لأجل قصور وجوداتها ونقصان هوياتها
عن مشاهده ما يزيد عليها واشراق ما يفضل على حدقه ادراكها من الوجود الحقيقي
والنور الاحدى فهي من ذلك الوجه من الخفاء والظلمة والكدوره اللازمة للماهية
من حيث هي في اعتبار العقل المرتفعه في الواقع الزائله عند سطوع نور الأول
تعالى على ذواتها النورية الوجودية القدوسيه واما غير هاتين المرتبتين من الوجود
فسواء كانت نفوسا فلكيه أو صورا سماوية (1) أو طبائع نوعيه عنصريه أو جواهر
امتداديه أو هيولي جسميه فان جميعها مما يستصحبها قوه وشوق إلى تمام أو كمال
كما سينكشف لك في باب الهيولى إن شاء الله تعالى وقد علم من ذي قبل في مبحث
الغايات شوق المتحركات ليتضح ان جميع هذه الأشياء كائنه على اعتراف شوق من هذا
البحر الخضيم بل على اعتراف بالعبودية لهذا المبدع القديم
وإذا تمهدت (2) هذه الأركان والأصول وتقررت هذه الدعاوى التي بعضها



(1) الصواب بعدها أو نفوسا عنصريه من الإنس والجن ولعله سقط من قلم الناسخ س ره.
(2) ويمكن تقرير عشق الهيولى بوجه آخر وهو انه بحكم قوله تعالى أينما تولوا فثم وجه
الله‌ظهر وجهه في عرش العقل وفرش الهيولى ومعلوم ان وجه الواحد بما هو وجه الواحد واحد
فالوجه النورانى الذي في الهيولى بعينه هو الوجه النورانى الذي في العقل وذلك الوجه الواحد
الذي في الكل عين مشيه الله ومحبته التكوينية للأشياء المنطوى فيها مشيتها ومحبتها لا نفسها
ولوازم أنفسها وتلك المشيه والمحبة في كل مشى ومحبوب سنخ واحد والتفاوت في الظهور
لا غير س ره.
238
بينه وبعضها مبينه في سوابق الفصول فنقول اما اثبات الشوق في الهيولى الأولى
فلان لها مرتبه من الوجود وحظا من الكون كما اعترف الشيخ الرئيس وغيره
من محصلي اتباع المشائين وسنقيم البرهان عليه في موضعه وان كانت مرتبتها في
الوجود مرتبه ضعيفه لأنها عبارة عن قوه وجود الأشياء الفائضه عليها المتحدة
بها اتحاد المادة بالصورة في الوجود واتحاد الجنس بالفصل في الماهية وإذا كان
لها نحو من الوجود وقد علم بحكم المقدمة الأولى (1) ان سنخ الوجود واحد ومتحد
مع العلم والإرادة والقدرة من الكمالات اللازمة للوجود أينما تحقق وكيف ما تحقق
فيكون لها نحو من الشعور بالكمال شعورا ضعيفا على قدر ضعف وجودها الذي
هو ذاتها وهويتها بحكم المقدمة الثانية فيكون لأجل شعورها بالوجود الناقص لها
طالبه للوجود المطلق الكامل الذي هو مطلوب ومؤثر بالذات للجميع بحكم المقدمة
الثالثة ولما كان بحكم المقدمة الرابعة كل ما حصل له بعض من الكمالات ولم يحصل له تمامه
يكون مشتاقا إلى حصول ما يفقد منه شوقا بإزاء ما يحاذى ذلك المفقود ويطابقه وطالبا
لتتميم ما يوجد فيه بحصول ذلك التمام فيكون الهيولى في غاية الشوق إلى ما يكمله ويتممه
من الصور الطبيعية المحصلة إياها نوعا خاصا من الأنواع الطبيعية ولست أقول إن
شده الوجود وزيادة الكمال أو عدمه في المشتاق اليه فالشوق في الهيولى وان لم يتقو



(1) لا جزء له ولا جزئيات وما به الامتياز في مراتبه عين ما به الاشتراك فالوجود الذي
في الهيولى بما هو وجود وبما هو يصير موضوع الإلهي عين الوجود الذي في ذوات الشعور وهو
عشق حقيقي وشوق تحقيقى لا تقريبي فكذا في الهيولى لكن الوجود في الهيولى ضعيف لكونه
قوه الوجود والقوة وجود ان تضفها إلى العدم المطلق كما أن الظل نور ان تراه مع الظلمة البحتة فكذا
العشق والشوق.
ان قلت ذلك العشق لوجود الهيولى لا لنفسها
قلت بحكم كل ممكن زوج تركيبي لكل ممكن ذات نورية هي وجوده وذات ظلمانية هي
ماهيته وبحكم المقدمة الثانية ذاته الوجودية هي الأصل فتذوته الهيولوى بالوجود فان قلت ذلك
الوجود عشق بنفسه صدقت وان قلت إنه عشق بالصورة صدقت وان قلت إنه عشق بالمبدء الأول في
وعاء وجودها صدقت بحكم ان سنخ الوجود واحد وبحكم ان من شئ الا يسبح بحمده س ره.
239
فيها شعورا حسب ما يشتاق اليه من الكمالات كيف وان لها نحوا ضعيفا من الشعور
بالوجود الذي لها من طبيعة الوجود الذي هو عين الخير والسعادة لكن الفرض
بالاعتبار الأول من جهة ان شعورها انما هو قوه الشعور بالأمور لا فعليتها لكون
وجودها قوه وجود الأشياء الصورية لكن يجب ان يكون لها بالاعتبار الثاني غاية
الشوق لأنها بإزاء ما يقوى عليها من الصور والخيرات الغير المتناهية التي باعتبار ما
غايات لوجود الهيولى ومكملات لنقصاناتها هذا تقرير الاستقلال على هذا المطلب
ومما يؤكد هذا القول (1) هو ان يقال حسبما ذهبنا اليه ان الهيولى لما كان حاصله
من جهة القصور الامكاني في الجواهر المجردة وخصوصا في الجواهر النفسانية
ان لها قابلية الاستكمالات بجميع الصور الكمالية وان كانت في ازمنه غير متناهية
لامتناع اجتماعها في زمان واحد وان تلك الكمالات لكونها وجوديه من سنخ ما حصل
لها من الشئ القليل الذي هو مجرد قوه تلك الخيرات الصورية واستعداد حصولها
وان فقد ما يمكن حصوله من الامر الكمالى لشئ ما له شعور ضعيف يستدعى شوقا
إلى ذلك الامر وزيادة الشوق وشدته كما يتبع زيادة الشعور وشدته من المشتاق كذلك يتبع



(1) هذا وجه وجيه وحاصله ان الهيولى نشات من جهة قصور النفوس والطبائع التي في
السلسلة النزوليه نظير ما سبق ان الامكان الاستعدادي الذي في الهيولى نشا من الامكان الذاتي
الذي كان في العقل الفعال فكما ان الامكان الذاتي صفه النفوس والطبائع والدهرية في عالم الجمع
كذلك الهيولى وامكانها الاستعدادي صفه النفوس والطبائع الزمانيي في عالم الفرق وتلك القوى
والاستعدادات المتعاقبة والحركات المتصلة التي هي اشواقها وطلباتها المشوبه بالفقدان من وجه
وبالوجدان من وجه فيها لأجل اقترانها بالهيولى ولولا الهيولى لما استتمت قوه واستعداد في
شئ نحو كمال ولما استقامت طلبات هي الحركات طبيعية كانت الطلبات أو نفسانية لان حركه
امر بين صرافه القوة ومحوضه الفعل وجهات القوة والاستعداد في ايه مادة تحققت شعب الهيولى ا لا ترى
ان الصور المثالية حيث كانت عريه عن الهيولى لا تقبل الفعل والانفعال ولا الامتزاج والازدواج
والترقى إلى الله المتعال كما في الهيولى العنصرية ولا تقبل حركه والتشوق إلى الحق الدائم كما
في الهيولى الفلكية فظهر ان الهيولى جهة الاشتياق في جميع المشتاقين والمشتاقات كما ياتى فكيف
لا شوق لما هو عين الشوق س ره.
240
والطبيعيه الواقعة في سلسله البسائط فبالحقيقة هي من جمله قواها الانفعاليه التي
هي حيثية حركاتها وتوجهاتها إلى استكمالاتها الثانوية ليجبر نقصاناتها الأولية طلبا
للرجوع إلى المنبع الذي ابتدت منه فهي انما يكون حيثية تشوقها إلى الكمال
فالمشتاق وإن كان غير الهيولى لكن من جهة اقترانها بذلك لا بالذات.
واما الجواب عما ذكره الشيخ والتخلص عما أورده من استدلاله على نفى
الشوق عن الهيولى فنقول اما قوله اما الشوق النفساني فلا يختلف في سلبه عن
الهيولى فممنوع بل غير صحيح على الاطلاق فان المادة وان كانت بحسب اعتبار
العقل إياها مجرده عن الصور امرا عدميا وبحسب اعتباره إياها مطلقه ماهية ناقصه
مبهمه في غاية الابهام لكنها يصلح للتحصل والتعين بحسب ما يحصلها ويعينها من الصور
الجمادية والنباتية والحيوانية التي شانها تقويم وجود الهيولى محصله وتحصل نوعيتها
متقرره فهي اذن باعتبار تحصلاتها النفسانية الحيوانية يكون لها أشواق نفسانية إلى
كمالات يليق بالنفوس سواء كانت فلكيه أو عنصريه مجرده أو منطبعه باعتبار تحسراتها
النفسانية النباتية يكون لها أشواق نباتيه إلى كمالات نباتيه كالتغذى والتوليد وباعتبار
تحصلاتها الطبيعية يكون لها أشواق طبيعية من التحفظ على الاشكال والأوضاع
والتحيز في الاحياز إلى غير ذلك من الخيرات والكمالات اللايقه بحال الأجسام
الطبيعية البسيطة والمركبة.
واما قوله واما الشوق التسخيرى إلى آخره
فغير صحيح لما ذكرنا من اثبات (1) المقدمة الممنوعه.
واما قوله ولقد كان يجوز ان يكون الهيولى مشتاقه إلى الصور لو كان هناك
خلو عن الصور كلها.
فنقول قد ظهر مما ذكرناه ان للهيولي بحسب استعدادها للأشياء شوقا



(1) اي اثبات منعها على حذف المضاف بقرينه لفظ الممنوعه أو على الاكتفاء بالوصف
العنواني وانما قدرنا ذلك لان اثبات المقدمة الممنوعه ليس على المانع بل على المستدل وهو الشيخ
وهذا ظاهر س ره.
241
إلى الأشياء وما ادعى ان لها شوقا إلى كافه الصور في كل واحد من الأزمنة وبكل من
الاعتبارات حتى يقال إن الشوق ليس الا لما لم يحصل بعد ما الأمور التي يمكن
حصولها فالهيولي بحسب ذاتها بذاتها لها شوق إلى صوره ما لخلوها في ذاتها عن
صوره وإذا تحصلت بصوره فبحسب اعتبار تحصلها الخارجي بتلك الصورة المكمله
لها نوعا لها وسلوه اطمينان وغنا وعدم تشوق بل الشوق حاصل لها عند تنوعها
وتحصلها بتلك الصورة إلى ما يزيد عليها من الكمالات التي في درجه ثانيه عنها فان
كل صوره حصلت للهيولي ليست مما يغنيها عن الافتقار إلى كافه الصور بل انما
كفت حاجتها إلى نفسها فبقيت الهيولى ذات شوق وشهوه إلى سائر الصور كامراه
لا تكتفى بالمجامعه مع رجل واحد عن غيره بل لا يزال ذات حكه ودغدغه إلى رجل
بعد رجل ما دامت هي هي كذلك حال الهيولى بالقياس إلى الصور من حيث تشوقها
إلى التلبس بها والاستكمال لورودها فكل صوره حصلت للهيولي لم تخل بعد عن
نقص ما وقصور ما وشريه ما يكون في الامكان بإزائه من الكمالات والخيرات الغير
المتناهية لم يخرج بعد من القوة إلى الفعل الا قدر متناه وهكذا تترقى في الاستعدادات
بحصول الكمالات الإضافية وفيضان الخيرات النسبية ويكون بحسبها التشوق المناسب
لها إلى أن ينتهى إلى الكمال النفسي على مراتبه والكمال العقلي على مراتبه إلى أن يصل
إلى الكمال الأتم والخير الأقصى والصورة بلا شوب مادة والفعلية بلا قوه
والخير بلا شر والوجود بلا عدم فيقف عنده الحركات ويسكن لديه الاضطرابات
وتطمئن به الانزعاجات وينقطع له الأشواق ويتم فيه الخيرات
واما قوله ولا يليق بها الملال للصور الحاصلة إلى آخره.
فنقول فيه المختار على ما ذكرناه هو الشق الأول وهو كون تشوقها اما
لأجل الخلو عن الصور كلها ان أريد الخلو بحسب ذاتها مجرده أو لأجل الخلو
عن الصورة التي يفقد عنها ويمكن حصولها.

242
واما قوله ومع هذا فكيف يجوز ان يكون الهيولى تتحرك إلى الصور وانما
يأتيها الصور الطارية إلى آخره.
ففيه ان جهات الطلب وحركه إلى الصور فيها مختلفه كما مر وليست
مقصوره على نحو واحد وجهه واحده فهي من حيث ذاتها تشتاق وتتحرك إلى الصورة
اي صوره ما وجدت فإذا وجدت فسبيلها ان تبقى وتدوم لكن لما كان ما هذه حاله
من الموجودات اي يكون مادة الجميع فشانها ان يوجد لها هذه الصورة وضدها فكان
لكل منهما حق واستيهال فالذي لها بحق صورتها ان تبقى على الوجود الذي لها
والذي لها بحق نفس ذات المادة ان يوجد وجودا آخر مضادا للوجود الذي لها وإذا
كان لا يمكن ان يوفى لها هذان الحقان والاستيهالان معا في وقت واحد لزم ضرورة
توفيه هذه إلى مده وتوفيه تلك إلى مده من الواهب الحق تعالى الموفى لكل ذي
حق حقه والمعطى لكل قابل مستحقه فيوجد هذه الصورة مده محفوظه الوجود
ثم يفسد ويوجد ضدها ثم يبقى تلك فإنه ليس وجود إحداهما وبقاؤها أولى من
وجود الأخرى وبقائها وبالجملة تشوق المادة واستيهالها باعتبار نفسها مشترك
بين الصورتين المتضادتين من غير اختصاص بإحداهما دون الأخرى ولما لم يمكن
ان يحصل لها صورتان معا في وقت واحد لزم ضرورة ان يعطى لها ويتصل بها أحيانا
هذا الضد وأحيانا ذلك الضد ويعاقب كل منهما الاخر إذ عند كل واحد منهما
حق ما عن مادة الاخر وبالعكس فالعدل في ذلك ان يوجد مادة هذا لذاك ومادة
ذاك لهذا فهذا حال تشوق الهيولى بحسب ذاتها واعتبار خلوها في نفسها عن صوره ما
واما من حيث تحصلها النوعي فتشوقها انما يكون إلى ما يكمل به الصورة الموجودة
فيها الفاقده لكمالها الأتم وهكذا إلى غاية وكمال وصوره لا أتم منها.
ثم اعلم أن للأشواق الحاصلة في الممكنات القاصره الذوات الناقصة الوجودات
عن الكمال التام والخير الأقصى سلسلتين (1) عرضيه وطوليه فما ذكرناه



(1) اعلم أن المعاد جسمانيا كان أو روحانيا انما يتيسر القول به عند الحكماء الإلهيين.
القول بهاتين السلسلتين وبدونهما لا ينتظم امر المعاد والآخرة بزعمهم فكل من قال بواحده منهما
فقط أعني السلسلة العرضية التي لا نهاية لها لم يتيسر له القول بالنشاه الآخرة برهانا اللهم الا بالتعبد
الصرف ن ره.
243
من تشوق الهيولى إلى صوره بعد صوره بحسب البعديه الزمانيي فهو تشوقاتها العرضية
في الصور المتعاقبة المتضاده وهي التي تكون للشخصيات من الصور المتفاسده
العنصرية وما ذكرناه (1) ثانيا من تشوقها إلى الصور المترتبة في الكمال المترقيه
في الخيرية التي يكون كل تاليه منها غاية وثمره للسابقه فهو تشوقها الطولى في
الصور المترتبة ذاتا المتلائمه من غير تضاد وتعاند بينها بل مع تكامل كل منها
بلحوق ما يعقبها وهذه السلسلة من العلل والمعلولات إذ بعضها سبب للبعض وبعضها
عله غائيه للأخرى بخلاف السلسلة الأخرى التي هي المعدات المتعاقبة الغير المجتمعة
فيجوز ذهابها لا إلى حد ولا يلزم من كون كل غاية لها غاية ولغايتها غاية أخرى
عدم الغاية (2) وعدم الشوق الذاتي لما بينا في مبحث الغاية وجه حله فقد تشعشع
وتبين مما ذكرناه حقية ما هو الموروث من القدماء الإلهيين من اشتياق الهيولى
إلى الصور الطبيعية التي هي خيرات اضافيه ثم اشتياقها إلى ما هو الخير الحقيقي والجلال
الارفع والكمال الأتم بل ظهر ان جهة الاشتياق في جميع المشتاقين والمشتاقات



(1) وهو قوله واما من حيث تحصلها النوعي فتشوقها وكذا قوله فيما سبق وهكذا يترقى
في الاستعدادات لحصول الكمالات إلى قوله ويتم به الخيرات ثم إنه سيجئ في مرحله العقل والمعقول
نقلا عن الشيخ ان التغيرات على كثرتها لا تخلو عن قسمين أحدهما على سبيل الخلع واللبس كما
في الانقلابات والاستحالات وثانيهما على سبيل الاستكمال وهو لبس بعد لبس كصيروره
الصبي رجلا ثم نفسا قدسية ثم عقلا إلى ما شاء الله تعالى وظاهر ان ثاني ما ذكره المصنف قدس سره
من الثاني س ره.
(2) مال هذا الاعتراض هو امتناع اجتماع القول بالمعاد ونشاه الآخرة مع القول بذهاب
السلسلة العرضية وسلسله المعدات لا إلى النهاية للزوم عدم الغاية والآخرة من كون كل
غاية ذات غاية وغايتها هكذا لا إلى النهاية ومحصل الجواب هو اثبات الغاية ونشاه الآخرة بحسب اعتبار
الطول والسلسله الطولية المنقطعة فافهم انه من الغوامض الإلهية ن ره.
244
انما هي المادة التي هي جهة القوة والاستعداد فان الوجود إذا لم يكن معه قصور
عن درجه الكمال الذي يليق به لم يوجد فيه شوق إلى التمام والكمال إذ الشوق
يتعلق بالمفقود لا بالموجود فحيث لا فقد لا شوق والفقد إذا لم يكن ممكن الدرك
والحصول فلا شوق أيضا وجهه القصور المتدارك والفقد للكمال المنتظر كما علمت
مرارا انما هي الهيولى الأولى في كل شئ كما ادعيناه وهذا مما لم ينكره الشيخ
ولا غيره من الراسخين في الحكمة المتعالية كما سيظهر من براهين وجود الهيولى
المباحث المتعلقة باحكامها وتلازمها مع الصورة.
ثم إن العجب ان الشيخ ممن أثبت في رسالة عملها في العشق حال تشوق
الهيولى إلى الصورة بوجه لا يحتاج إلى مزيد عليه فإنه بعد ما أقام برهانا عاما على
اثبات العشق الغريزي في جميع الموجودات الحيه وغيرها أورد بيانا خاصا
بالبسائط الغير الحيه في كونها متشوقه فقال إن كل واحده من الهويات البسيطة
الغير الحيه قرين عشق غريزى لا يتخلى عنه البتة وهو سبب له (1) في وجودها
فاما الهيولى فلديموميه نزوعها إلى الصور مفقوده وشوقها لها موجوده
ولذلك تلقاها متى عريت عن صوره ما بادرت إلى الاستبدال منها بصوره اشفاقا عن
ملازمه العدم المطلق إذ من الحق ان كل واحد من الهويات نافر بطبعه عن العدم



(1) إذ بالعشق يمسك كل موجود ما حصل له من الكمال الأول والثاني ويطلب ما فقد
من الكمالات الثانية ونظام الأنفس وأولات الشعور ينحفظ ويتسق بالشوق والخوف لكن الخوف
أيضا خادم الشوق لان الهرب عن الموذى لمحافظه المعشوق الذي هو نفسه إذ كل موجود عاشق
ذاته وباطن ذاته والعقل عاشق ومعشوق لذاته وعشق قائم بذاته كما أن ذاته التي هي الوجود
المفارقى اراده قائمه بذاتها كما أنه علم قائم بذاته إذ لا موضوع ولا مادة ولو بمعنى المتعلق نعم
هي كلها زائده على ذاته التي هي ماهيتها واما الواجب تعالى فكما لا مادة له بالمعنى الأعم فلا
ماهية له ولذا قال المعلم الثاني لا بد ان يكون في العلوم علم بالذات وفي الإرادات اراده بالذات
حتى تكون في شئ لا بالذات فظهر ان الشوق والعشق نعم الملك الحارس والملك المقرب الموكل
بالعالم بل قيل إذا تم العشق فهو الله تعالى س ره.
245
المطلق فالهيولي منفر للعدم المطلق ولا حاجه بنا هاهنا إلى الخوض
في لميه ذلك فالهيولي كالمراه الذميمة المشفقه عن استعلان قبحها فمهما يكشف
قناعها غطت ذميمها بالكم فقد تقرر ان في الهيولى عشقا غريزيا هذا كلامه
في تلك الرسالة
فصل [20]
في العلة الصورية والفرق بين الطبيعة والصورة
اما الصورة فهو الشئ الذي يحصل الشئ به بالفعل سواء ا كان للعنصر قوام
بدونها بحسب مطلق الوجود وهو المختص باسم الموضوع كالجسم للأسود أو لم
يكن كذلك وهو المختص باسم المادة وهي على الأول عرض وعلى الثاني جوهر
وصوره باصطلاح آخر كما علمت من أن الصورة ليست عله صورية للمادة لأنها
ليست جزء من المادة بل هي عله فاعليه للمادة وعلمت أيضا ان للصورة عده معان
اخر (1) وقد نبهناك على أن الكل مما اشتركت في معنى وحيثية واحده هي
جهة الحصول والفعلية والوجود كما أن معاني العنصر جميعا اتفقت في معنى
القوة والاستعداد والشوق والحاجة واما الفرق بين الصورة والطبيعة فهو ان اسم
الطبيعة واقع بالاشتراك على معان ثلاثة مترتبه بالعموم والخصوص فالعام ذات
والخاص مقوم الذات والأخص المقوم الذي هو المبدء الأول للتحريك والتسكين



(1) وهذا مع ذلك لا ينفى الاشتراك اللفظي بحسب نظر الفن ولا يثبت اشتراكا معنويا
فان النظر اللغوي يتبع صدق المفهوم كيفما كان واما النظر الفنى فإنما يتبع الاحكام الذاتية فلو
صدق مفهوم على شيئين يختص كل منهما باحكام حقيقيه خاصه كان المفهوم المذكور بحسب نظر
الفن الباحث مشتركا لفظيا بينهما لا معنويا كما يراه اللغوي مثلا الصورة بمعنى موضوع العرض
من الجوهر وله احكام خاصه به والصورة بمعنى مقوم المادة ليست داخله تحت الجوهر والا لكانت
نوعا ولها احكام خاصه وتقسيم الجوهر إلى الصورة الجسمية والهيولي والجسم والنفس والعقل
سيجئ معناه وكذا الصورة بمعنى العرض لها حقيقة أخرى غير المعنيين السابقين فالصورة مشتركه
لفظا بين معانيهما وان جمعها معنى التحصيل بالفعل وعلى هذا القياس العنصر وغيره ط مده.
246
لا بالعرض ولا بالقسر فالاسم الطبيعة متناول للمعنى الثالث من الجهات الثالث بالاشتراك
الصناعي (1) للإثم والثاني من الجهتين كذلك كلفظ الامكان واما الصورة فكما
علمت هي الجزء الذي يكون به الشئ بالفعل وهي نفس الطبيعة في البسائط بحسب
الذات وغيرها بالاعتبار لان العنصر البسيط كالماء مثلا جزء ه الصوري بالقياس إلى
تقويم النوع صوره وبالقياس إلى كونه مبدء ا للآثار الملائمة مثل البرودة والرطوبه
طبيعة واما المركبات فإنها لا توجد بالفعل بسبب الطبيعة بالمعنى الثالث بل بسبب
صوره أخرى يرد عليها من المبدء الفياض بحسب فطره ثانيه فلا جرم كانت صورها
التركيبية مغايره لطبائعها.
فان قلت إذا كان لا بد من الصورة الأخرى للمركب فالمقوم اما ان يكون
هو المجموع أو كل منهما أو الواحد لا غير.
قلت ظاهر كلام الشيخ في موضع من الشفاء مشعر بالأول فإنه قال الأجسام
المركبة لا يحصل هوياتها بالقوة المحركة لها إلى جهة واحده وإن كان لا بد وأن يكون
هي ما هي من تلك القوى فكانت تلك القوة جزء من صورتها يجتمع منه عده
معان فيتحد كالانسانية فإنها يتضمن القوى الطبيعية والنباتية والنفسانيه وهذا
الكلام بظاهره غير صحيح لامتناع ان يكون لمجموع أمور غير مقومه تأثير
في التقويم وذلك لأنا لو فرضنا عده صور مقومه للشئ فوق واحده فاما ان يكون
كل واحده منها مستقله بالتقويم فيجب ان يستغنى بكل منها ان كل ما هو غيره
فيكون كل واحد مقوما وغير مقوم وهذا خلف واما ان يكون المستقل إحداهما
فقط فلا يكون الأخرى صوره واما ان لا استقلال لإحداهما بل المقوم هو المجموع
من حيث هو مجموع والمجموع بهذا الاعتبار شئ واحد فالصور المقومة شئ واحد



(1) فإنه كما مر في أول الكتاب في لفظ الامكان يطلق عليها من باب التسمية لا من باب
تحقق القدر المشترك في كل واحد واحد فهو مثل ان يسمى واحد من السودان بالأسود س ره.
247
على أن ذلك يستحيل أيضا لان كل واحد من الاجزاء سابق على المجموع وكل
واحد منها وحده عارض للمادة غير مقوم لها فيكون المادة مقومه له فيكون سابقا
عليه فالماده الواحدة السابقة على كل واحد من تلك الأجزاء التي هي سابقه على
المجموع تكون سابقه عليه فلو تقومت المادة بذلك المجموع لزم تقوم كل واحد
منها بالاخر وهو محال وإذا بطل القسم الأول فبقي أحد القسمين الآخرين لكن
المختار (1) عند الجمهور كما هو المشهور هو القسم الثاني وأن يكون للطبيعة
وسائر الصور نصيب في تقويم المركب لكن على التقديم والتأخير والظاهر أن
هذا هو المراد بالكلام المنقول من الشيخ واما نحن فالمختار عندنا (2) هو القسم
الثالث اي كون المقوم (3) هو واحد من الصور والباقي بمنزله فروعها وقواها
وشرائط حدوثها أولا كما حققناه في مباحث الكليات.
فان قلت هذا أيضا باطل لان النفس الناطقة من مقومات الانسان فلو لم يكن



(1) إلى قوله هو القسم الثاني اي أول القسمين الآخرين في الترديد الذي في السؤال
وهو الأول من الاقسام في الاستدلال على ابطال مذهب الشيخ.
(2) هذا بظاهره لا يلائم ما يحققه ره في مباحث القوة والفعل من حركه الجوهرية
وان عروض الصور لموادها وتقويمها انهما هو بالحركة الاشتداديه بنحو اللبس بعد اللبس
دون الخلع واللبس ولازمه كون الفعلية السابقة بفعليتها مادة وقوه للفعليه اللاحقة واباء الفعلية
عن الفعلية انما هو في العرض دون الطول فان فعليه المادة الثانية انما هي بالنسبة إلى المادة الأولى
وهي بعينها قوه بالنسبة إلى الصورة اللاحقة فهي من حيث إنها صوره ذات تحصيل وتمام وان كانت
من حيث إنها مادة ذات ابهام واطلاق فالفعليات المادية باقيه بعينها غير أنها مندكه في فعليه الصورة
الآخرة والفعل فعلها هذا ومن الممكن ارجاع كل من الأقوال الثلاثة إلى هذا ط مده.
(3) وهو الصورة الأخيرة الواحدة وحده جمعيه لاعداده يشتمل بوحدتها على جميعها
وكون البواقي بمنزله الفروع أو الشرائط انما هو عند اخذها بنعت الكثرة إذ بناءا على حركه
الجوهرية وان التغير استكمالى كلها مراتب صوره واحده سياله تتبدل ذاتها من أولى إلى ثانيه
ومن ثانيه إلى ثالثه وهكذا مع أصل محفوظ وسنخ باق كما ذكره في أوائل سفر النفس ان النفس
المدبرة للبدن واحده متصله بلا تكون وتفاسد في حركه الاستكماليه ولا تعطيل في السوابق
ولا تفويض في الفاعل الطبيعي فهذا هو معنى الواحد عنده لا ما يفهمه غيره من الواحد س ره.
248
للقوى الطبيعية والنباتية والحيوانية حظ في التقويم لكانت اعراضا وهي جواهر
فيلزم أولا ان يكون الواحد بالنوع جوهرا وعرضا وثانيا ان يكون صور البسائط
مقومه للعناصر التي هي مواد بدن الانسان فهي مقومه لمقوم بدن الانسان مع أنها
اعراض فيه على هذا الموضع هذا خلف.
قلت هذا عقده تحل بالأصول (1) التي سلفت منا فتذكر ليظهر لك
جليه الحال ثم إن من المستحيل كون شئ واحد جوهريا وعرضيا لشئ واحد
بعينه ولا استحاله في كونه جوهريا لشئ وعرضيا لاخر ومما يجب ان يعلم هاهنا
أيضا الفرق بين الجوهر والجوهري وكذا العرض والعرضي فالجوهر جوهر في
نفسه ولا يتغير كونه جوهرا بالمقايسه إلى شئ آخر لأنه ليس من باب المضاف
وكذا العرض واما كون الشئ جوهريا فهو من باب المضاف والأمور النسبية
التي لها هويات دون الإضافة مما لا يستنكر اختلاف اضافتها باختلاف ما يقاس اليه
فصور البسائط مقومه للبسائط وخارجه عن حقيقة كل من المواليد المعدنية والنباتية
والحيوانية وان احتيجت إليها في حفظ كيفية المزاج المتوقف على الامتزاج بينها
وكذا الكلام في صوره النبات فإنها مقومه للنبات لكن القوى النباتية من خوادم
النفس الحيوانية وفروعها الخارجة عن حقيقة النفس ووجودها شرط في وجود الحيوان
وليس بمقوم داخلي كما مر تحقيقة مستقصى فتذكره وتذكر أيضا ان كون حد الشئ
وشرح ذاته مشتملا على بعض المعاني اللازمة لا يوجب دخول معناه في ماهية
المحدود وذاته إذ ربما يكون (2) للحد زيادة على المحدود وسيجئ ء أيضا الفرق



(1) لان النفس الناطقة التي هي مقومه لا تغاير القوى المتقدمة فتقويمها تقويمها والقوى
طلائع من النفس وظهورات منها وكلها منطو فيها والتقويم في عباراته هاهنا التحصيل والتكميل
كما يقال الصورة مقومه للهيولي س ره.
(2) الأولى ان يقال ذكر الأجناس والفصول في تحديد الانسان بالجوهر القابل للابعاد
النامي الحساس المتحرك بالإرادة الناطق ليس من زيادة الحد على المحدود وليس من باب ذكر
الشرائط والفروع بل من باب ذكر الاجزاء والشطور حين اخذ مراتبه بشرط لا وان لم يكن كذلك
حين اخذها لا بشرط فإنه في النظر الثاني وجود بسيط لا في الأول س ره.
249
بين عله وجود الشئ وعلة شيئيته والعجب انهم مع الغفلة عن هذا التحقيق كيف
يحكمون بان كلا من الأجسام الطبيعية المركبة له وحده طبيعية فهل لهذا
الحكم معنى الا كون طبيعة كل منهما واحده وهي التي بها يكون الشئ الطبيعي
هو هو بالفعل حتى لو فرض زوال كل ما يصحبها من الصور والقوى التي اقترنت معها
كان ذلك الشئ هو هو بعينه بحسب الحقيقة
فصل [21]
في الغاية وما قيل فيها
اما الغاية فهي ما لأجله يكون الشئ كما علمته سابقا وهي قد يكون نفس
الفاعل كالفاعل الأول تعالى وقد يكون شيئا آخر في نفسه غير خارج عنها كالفرح
بالغلبه وقد يكون في شئ غير الفاعل سواء ا كانت في القابل كتمامات الحركات
التي تصدر عن رويه أو طبيعة أو في شئ ثالث كمن يفعل شيئا لرضاء فلان فيكون
رضا فلان غاية خارجه عن الفاعل والقابل وإن كان الفرح بذلك الرضا أيضا غاية
الأخرى وهذا مجمل يحتاج إلى التفصيل
فصل [22]
في تفصيل القول في الغاية والاتفاق والعبث والجزاف
قالوا إن الشئ يكون معلولا في شيئيته ويكون معلولا في وجوده فالماده
والصورة علتان لشيئيه المعلول والفاعل والغاية علتان لوجوده ولا خلاف لاحد في أن
كل مركب له مادة وصوره وفاعل واما ان لكل معلول فلوجوده عله غائيه
ففيه شك فان من المعلول ما هو عبث لا غاية فيه ومنه ما هو اتفاقي ومنه ما هو صادر

250
عن المختار بلا داع ومرجح ومنه ما يكون لغايته غاية ولغايه غايته غاية وهكذا
فلا يكون له بالحقيقة غاية كما أنه لو كان لكل ابتداء ابتداء ا لكان الجميع اوساطا
فلا ابتداء لها وذلك كالحوادث العنصرية والحركات الفلكية والنتائج المترادفه للقياسات
إذا كانت غير متناهية فلنورد بيان هذه الأمور في مباحث
المبحث الأول
في العبث واثبات غاية ما له
اعلم أن كل حركه اراديه فلها مباد مترتبه فالمبدء القريب هو القوة المحركة
اي المباشرة لها وهي في الحيوان تكون في عضله العضو والذي قبله هو الإرادة
المسماة بالاجماع والذي قبل الاجماع هو الشوق والابعد من الجميع هو الفكر
والتخيل وإذا ارتسمت في الخيال أو العقل صوره ما موافقه حركه القوة الشوقية
إلى الاجماع بدون اراده سابقه بل نفس التصور يفعل الشوق والامر في صدور
الموجودات عن الفاعل الأول على هذا المثال كما سيتضح لك من ذي قبل إن شاء الله تعالى
من أن تصور النظام الاعلى عله لصدور الموجودات من غير حاجه إلى شوق
ولا استعمال آله ثم إذا تحرك الشوق إلى الاجماع وتحقق الاجماع خدمته
القوة المحركة التي في الأعضاء فقد ثبت ان الحركات الإرادية تتم بالأسباب
المذكورة فربما كانت الصورة المرتسمة في القوة المدركة هي نفس الغاية التي ينتهى
اليه حركه كالانسان إذا ضجر عن موضع فتخيل صوره موضع آخر فاشتاق إلى المقام
فيه فتحرك نحوه وانتهت حركته اليه وربما كانت غيرها كما يشتاق الانسان إلى
مكان ليلقى فيه صديقا ففي الأول يكون نفس من انتهت اليه حركه نفس الغاية
المتشوقه وفي الثاني لا يكون كذلك بل يكون المتشوق حاصلا بعد ما انتهت اليه
الحركة وربما (1) يكون نفس حركه غاية المتحرك فقد تبين ان غاية



(1) اي بالنسبة إلى حركه أخرى كما يتحرك زيد من مسكنه إلى بيت الرياضه للرياضة أو
بالنسبة إلى الشوقية لا العامله التي غايتها دائما ما اليه حركه كالطبائع والا فالحركة دائما طلب
اما طبيعي واما ارادى والطلب لم يكن مطلوبا قط س ره.
251
حركه في كل حال من حيث كونها غاية حركه هي غاية حقيقيه اوليه للمبدء
القريب للحركة التي يكون في عضله الحيوان لا غاية له (1) غيرها بخلاف المبادى
قبله إذ ربما كانت لها غاية غير ما ينتهى اليه حركه كما علمت فان اتفق ان يتطابق
المبدء القريب الأقرب والمبدء ان اللذان قبله أعني القوة الشوقية مع ما قبلها من
التخيل (2) والفكر كانت نهاية حركه غاية للمبادى كلها فليست عبثا لأنها غاية
اراديه وإذا طابق ما انتهت اليه حركه المشتاق التخيلى ولم يطابقه الشوق الفكري
فهو العبث ثم كل غاية ليست نهاية حركه وليس مبدؤها تشوق فكرى فلا يخلو
اما ان يكون التخيل وحده هو مبدء الشوق أو التخيل مع طبيعة أو مزاج مثل التنفس
وحركه المريض أو التخيل مع خلق وملكه نفسانية داعيه إلى ذلك الفعل بلا رويه
كاللعب باللحيه فيسمى الفعل في الأول جزافا وفي الثاني قصدا ضروريا أو طبيعيا
وفي الثالث عاده وكل غاية لمبدء من تلك المبادى من حيث إنها غاية له إذا
لم توجد يسمى الفعل بالقياس إليها باطلا (3) وإذا تقررت هذه المقدمات



(1) وذلك لان المحركة العامله إذا لوحظت نفسها فقط وبشرط لا اي غير مخلوطه بالشوقيه
والمدركه كانت كالطبائع فان شئت سم القوة العضلية وان شئت سم الطبيعة التي في البسائط محركه
عامله وحينئذ فكما ان المطلوب من تحريك الطبيعة مادتها ليس الا نهاية حركه كذلك في المحركة
العضلية س ره.
(2) وفي الشفاء أيضا استعمل هنا كلمه أو وهي بمعنى الواو والا ففي التخيل المجرد
عن الفكر لم يكن بينه وبين العبث بالمعنى الذي ذكراه فرق كما لا يخفى والحاصل ان معنى العبث
في الاصطلاح ان لا يكون هنا مبدء فاعلى فكرى فلا غاية فكريه ويكون ما انتهت اليه حركه التي
هي غاية دائما للعامله غاية للتخيل والشوقيه ثم إذا لم يتطابق العامله والشوقيه التخيليه
في الغاية بمعنى ما انتهت اليه حركه بل لكل غاية غير ما للأخرى بعد ما لم تكن عليه فكريه كما
في العبث فلا يخلو اما ان يكون التخيل وحده س ره.
(3) لا تعجبني هذا الاصطلاح ولو سمى بالقياس إليها بالخيبه لكان أولى إذ الباطل عدم
وهذا وجود س ره.
252
فقد علم أن العبث غاية القوة الخيالية على التفصيل المذكور والشرائط المبينه
فقول القائل ان العبث من دون غاية البتة أو من دون غاية هي خير أو مظنونه خيرا
غير صحيح فان الفعل لا يجب ان يكون له غاية بالقياس إلى ما ليس مبدء ا له بل
بالقياس إلى ما هو مبدء له ففي العبث ليس مبدء فكرى البتة فليست فيه غاية فكريه
واما المبادى الاخر فقد حصلت لكل منها غاية في فعله يكون تلك الغاية خيرا
بالقياس اليه فان كل فعل نفساني فاشوق مع تخيل وان لم يكن ذلك التخيل
ثابتا بل يكون زائلا فلم يبق الشعور به فان التخيل غير الشعور به ولو كان
لكل شعور شعور به لذهب إلى غير النهاية ثم إن لانبعاث الشوق من النائم والساهي
وكذا ممن يلعب بلحيته مثلا عله لا محاله اما عاده أو ضجر عن هياه أو اراده انتقال
إلى هياه أخرى أو حرص من القوى الحساسه ان يتجدد لها فعل إلى غير ذلك من
أسباب جزئيه لا يمكن ضبطها والعادة لذيذه والانتقال عن المملول لذيذ والحرص
على الفعل الجديد لذيذ كل ذلك بحسب القوى الحيوانية واللذه خير حسى أو تخيلى فهي
خير حقيقي للحيوان بما هو حيوان وظني بحسب الخير الانساني فليس هذا الفعل
خاليا عن خير حقيقي بالقياس إلى ما هو مبدء له وان لم يكن خيرا حقيقيا عقليا
المبحث الثاني
في الاتفاق
زعم ذيمقراطيس ان وجود العالم انما يكون بالاتفاق وذلك لان مبادى العالم
اجرام صغار لا يتجزى لصلابتها وهي مبثوثه في خلاء غير متناه وهي متشاكله
الطبائع (1) مختلفه الاشكال دائمه حركه فاتفق ان تصادمت منها جمله واجتمعت



(1) اما تشاكل الطبائع فهو مسلم عند ذيمقراطيس ومبرهن عليه أيضا لاتفاق الاجرام
في مجرد الجسمية اي قبول الخطوط الثلاثة المتقاطعه على زوايا قوائم وليس قول الجسمية عليها
من باب الاشتراك اللفظي ولا من باب اتحاد المفهوم واختلاف الحقائق المصدوقه واما اختلاف
الاشكال فهو لأجل نفى الكيفيات الملموسه وان الاجرام الصغار في النار مثلثات فلها رؤوس حداد
تغرز في البشره ويترائى حراره وفي البواقي مكعبات أو مربعات أو كرات كما هو مقتضى البساطة
والتزموا القول بالخلاء وكل ذلك باطل س ره.
253
على هياه مخصوصة فتكون منها هذا العالم ولكنه (1) زعم أن تكون الحيوان والنبات
ليس بالاتفاق.
واما انباذقلس (2) فزعم أن تكون الاجرام الاسطقسيه بالاتفاق فما اتفق
ان كانت هياه اجتماعيه على وجه يصلح للبقاء والنسل بقي وما اتفق ان لم يكن
كذلك لم يبق وله في ذلك حجج.
منها ان الطبيعة لا رويه لها فكيف يفعل لأجل غرض.
ومنها ان الفساد والموت والتشويهات والزوائد ليست مقصوده للطبيعة مع أن
لها نظاما لا يتغير كاضدادها فعلم أن الجميع غير مقصوده للطبيعة فان نظام
الذبول وإن كان على عكس النشو والنمو لكن له كعكسه نظام لا يتغير ونهج لا يمهل
ولما كان نظام الذبول ضرورة المادة من دون ان يكون مقصودا للطبيعة فلا جرم
نحكم بان نظام النشو والنمو أيضا بسبب ضرورة المادة بلا قصد وداعيه للطبيعة وهذا
كالمطر الذي يعلم جزما انه كائن لضرورة المادة إذ الشمس إذا بخرت الماء فخلص
البخار إلى البارد فلما برد صار ماء ا ثقيلا فنزل ضرورة فاتفق ان يقع في مصالح فيظن
ان الأمطار مقصوده لتلك المصالح وليس كذلك بل الضرورة المادة.
ومنها ان الطبيعة الواحدة تفعل افعالا مختلفه مثل الحرارة فإنها تحل الشمع



(1) لان الأفلاك والكواكب بعد ما اتفقتا تفعل أوضاعها واشعتها هذه التكونات لغايات
فلم تكن بالاتفاق اي بلا فاعل أو بلا غاية أو بدونهما معا س ره.
(2) اي لم يقدم ولم يجترئ على جعل وجود الأفلاك بالاتفاق ولا الاسطقسات لكونها
ابداعيه عنده بل تكون المركبات من الاسطقسات عنده بالاتفاق وحينئذ فلعل مراده لحوق الأمور
الغريبة والعوارض المفارقة بها كما سمى بعض علماء الاسلام أيضا عالم الكون والفساد دار الاتفاقات
لذلك س ره.
254
وتعقد الملح وتسود وجه القصار ويبيض وجه الثوب.
فهذه حجج القائلين بالاتفاق وقبل الخوض في الجواب نقدم كلاما فنقول
ان الأمور الممكنة منها دائم ومنها اكثرى ولكل منهما عله والفرق بينهما
ان الدائم لا يعارضه معارض فالاكثرى قد يعارضه معارض فالاكثرى يتم بشرط عدم
المعارض سواء ا كان طبيعيا أو اراديا فان الإرادة مع التصميم وتهياه الأعضاء للحركة
وعدم مانع للحركة وناقض للعزيمه وامكان الوصول إلى المطلوب فبين انه يستحيل
ان لا يوصل اليه ومن الأمور ما يحصل بالتساوي كقعود زيد وقيامه ومنها ما يحصل
على الأقل كوجود إصبع زائد اما ما يكون على الدوام أو على الأكثر فلا يقال
لوجودهما انه (1) اتقاقى والباقيان (2) قد يكونان باعتبار ما واجبا وذلك مثل
ان يشترط ان المادة في تكون كف الجنين فضلت عن المصروف عنها إلى الأصابع
الخمس والقوة الفاعلة صادفت استعدادا تاما في مادة طبيعية فيجب ان يتخلق إصبع
زائد فعند هذه الشروط يجب تكون الإصبع الزائد ويكون ذلك من باب الدائم
بالنسبة إلى هذه الطبيعة الجزئية وإن كان نادرا قليلا بالقياس إلى سائر افراد النوع
فإذا حقق الامر في تكون الامر الأقل انه دائم بشروطه وأسبابه ففي صيرورة
المساوى اكثريا أو دائميا بملاحظه شروطه وأسبابه لم يبق ريبه فالأمور الموجودة



(1) اي لا يقول العقل به لان الاتفاق اما بمعنى ان الشئ الاتفاقي لا فاعل له واما بمعنى
انه لا غاية له وكلاهما خلاف الواقع لوجود الفاعل والغاية إذ الامكان مناط الحاجة والغاية
عله فاعليه الفاعل وأيضا الاتفاق فيما هو غير مترقب الوقوع فيكون على سبيل الندور ووجودهما
دائمي واكثرى س ره.
(2) والوجوب ينافي الاتفاق فلا يقول عاقل اتفق ان صارت الأربعة زوجا فالماده العضلية
المستوفيه لجميع شرائط القبول المصادفه للقوة الفاعلة بالنسبة إلى الإصبع الزائد كالأربعة بالنسبة
إلى الزوجية والحاصل ان الكلام في الغايات واما وجود الأسباب الفاعلية فمفروغ منه إذ قد حقق
في موضعه ان المتساويين ما لم يترجح أحدهما على الاخر بمنفصل لم يقع وإذا سئل عن كل من
طرفى النقيض في مرتبه الماهية فالجواب السلب وحينئذ فمع لزوم المسببات للأسباب وايجابها إياها
كيف يتحقق اتفاق س ره.
255
بالاتفاق انما هي بالاتفاق عند الجاهل بأسبابها وعللها واما بالقياس إلى مسبب
الأسباب والأسباب المكتنفه بها فلم يكن شئ من الموجودات اتفاقا كما وقع في
السنة الحكماء الأشياء كلها عند الأوائل واجبات فلو أحاط الانسان بجميع الأسباب
والعلل حتى لم يشذ عن علمه شئ لم يكن شئ عنده موجودا بالاتفاق فان عثر حافر
بئر على كنز فهو بالقياس إلى الجاهل بالأسباب التي ساقت الحافر إلى الكنز اتفاق
واما بالقياس إلى من أحاط بالأسباب المؤديه اليه ليس بالاتفاق بل بالوجوب فقد
ثبت ان الأسباب الاتفاقية حيث تكون تكون لأجل شئ الا انها أسباب فاعليه
بالعرض والغايات غايات بالعرض وربما يتادى السبب الاتفاقي إلى غايته الذاتية
كالحجر الحابط إذا شج ثم هبط إلى مهبطه الذي هو الغاية الذاتية وربما لا يتادى
إلى غايته الذاتية بل اقتصر على الاتفاقي كالحجر الحابط إذا شج ووقف ففي الأول
يسمى بالقياس إلى الغاية الطبيعية سببا ذاتيا وبالقياس إلى الغاية العرضية سببا
اتفاقيا وفي الثاني يسمى بالقياس إلى الغاية الذاتية باطلا فإذا تحقق ما قدمناه فقد
علم أن الاتفاق غاية عرضيه لامر طبيعي أو ارادى أو قسرى ينتهى إلى طبيعة أو اراده
فيكون الطبيعة والإرادة اقدم من الاتفاق لذاتيهما فما لم يكن أولا أمور طبيعية
أو اراديه لم يقع اتفاق فالأمور الطبيعية والاراديه متوجهه نحو غايات بالذات
والاتفاق طار عليهما إذا قيس اليهما من حيث إن الامر الكائن في نفسه غير متوقع
عنها إذ ليس دائما ولا اكثريا لكن يلزم ان يكون من شانها التاديه إلى ذلك
لا دائما ولا اكثريا إذ لو لم يكن من شانها التاديه إليها أصلا لم يقل في ذلك الامر
انه اتفق مثل كسوف الشمس عند قعود زيد فإنه لا يقال إن قعود زيد اتفق إن كان
سببا لكسوف الشمس وإذا قيس إلى أسبابه المؤديه فيكون غاية ذاتية له طبيعية أو
اراديه فظهر ان وجود العالم ليس على سبيل الاتفاق وإن كان للاتفاق مدخل بالقياس
إلى بعض افرادها فما نسب إلى انباذقلس أو ذيمقراطيس كله باطل

256
واما الجواب التفصيلي عن الشبه المذكورة ففي الأول انه ليس إذا عدمت
الطبيعة الرويه وجب ان يحكم بان الفعل الصادر عنها غير متوجه إلى غاية فان
الرويه لا تجعل الفعل ذا غاية بل انما تميز الفعل الذي يختار ويعينه من بين افعال
يجوز اختيارها ثم يكون لكل فعل من تلك الأفعال غاية مخصوصة يلزم تادى
ذلك الفعل إليها لذاته لا بجعل جاعل حتى لو قدر (1) كون النفس مسلمه عن اختلاف
الدواعي والصوارف لكان يصدر عن الناس فعل متشابه على نهج واحد من غير رويه
كما في الفلك فان الأفلاك سليمه عن البواعث والعوارض المختلفة فلا جرم أفاعيلها
على نهج واحد من غير رويه.
ومما يؤيد ذلك ان نفس الرويه فعل ذو غاية وهي لا يحتاج إلى رويه أخرى.
وأيضا ان الصناعات لا شبهه في تحقق غايات لها ثم إذا صارت ملكه لم يحتج
في استعمالها إلى الرواية بل ربما تكون مانعه كالكاتب الماهر لا يروى في كل حرف
وكذا العواد الماهر لا يتفكر في كل نقره وإذا روى الكاتب في كتبه حرفا أو
العواد في نقره يتبلد في صناعته فللطبيعه غايات بلا قصد ورويه وقريب من هذا
اعتصام الزالق بما يعتصمه ومبادره اليد في حك العضو من غير فكر ولا رويه وأوضح
منه ان القوة النفسانية إذا حركت عضوا ظاهرا فإنما تحركه بواسطة الوتر والنفس
لا شعور لها بذلك
وفي الشبهة الثانية ان الفساد في هذه الكائنات تارة لعدم كمالاتها وتارة
لحصول موانع وارادات خارجه عن مجرى الطبيعة اما الاعدام (2) فليس من شرط
كون الطبيعة متوجهه إلى غاية ان تبلغ إليها فالموت والفساد والذبول كل



(1) ونعم ما قيل
از يكى گو وز همه يكسوى باش * يكدل ويك قبله ويكروى باش س ره.
(2) ولعله سقط من نسخه الأصل واما حصول الموانع فكذا كما لا يخفى ويمكن ان يكتفى
عن الثانية بقوله واما نظام الذبول الخ لان مرجع حصول الموانع أيضا الاعدام س ره.
257
ذلك لقصور الطبيعي عن البلوغ إلى الغاية المقصوده وهاهنا سر (1) ليس هذا
المشهد موضع بيانه واما نظام الذبول فهو أيضا متاد إلى غاية وذلك لان له سببين
أحدهما بالذات وهو الحرارة والاخر بالعرض وهو الطبيعة ولكل منهما غاية
فالحرارة غايتها تحليل الرطوبات فتسوق المادة اليه وتفنيها على النظام ذلك
للحرارة بالذات والطبيعة التي في البدن غايتها حفظ البدن ما أمكن بامداد بعد
امداد ولكن كل مدد تال يكون الاستمداد منه أقل من المدد الأول كما سيأتي
في علم النفس فيكون نقصان الامداد سببا لنظام الذبول بالعرض والتحليل سببا
بالذات للذبول وفعل كل واحد منهما متوجه إلى غاية ثم إن الموت وان لم يكن
غاية بالقياس إلى بدن جزئي فهو غاية بالقياس إلى نظام واجب لما أعد للنفس من
الحياة السرمديه وكذا ضعف البدن وذبوله لما يتبعهما من رياضات النفس وكسر
قواها البدنية التي بسببها تستعد للاخره على ما يعرف في علم النفس واما الزيادات
فهي كائنه لغاية ما فان المادة إذا فضلت افادها الطبيعة الصورة التي تستحقها ولا
يعطلها كما علمت فيكون فعل الطبيعة فيها بالغاية وان لم يكن غاية للبدن
بمجموعه ونحن لم ندع ان كل غاية لطبيعة يجب ان يكون غاية لغيرها واما
ما نقل في المطر فممنوع بل السبب فيه (2) أوضاع سماوية تلحقها قوابل واستعدادات
ارضيه للنظام الكلى وانفتاح الخيرات ونزول البركات فهي أسباب الهيه لها غاية
دائمه أو اكثريه في الطبيعة.
وفي الشبهة الثالثة ان القوة المحرقة لها غاية واحده هي احاله المحترق إلى



(1) وهو ما أشرنا اليه ان في نظام الكل كل منتظم وان الكل غايات بالنسبة إلى الأسباب
التي في البدايات س ره.
(2) ان حمل الأوضاع على الجسمانية فهي أسباب قريبه والأسباب البعيدة الإلهية النفوس
المنطبعه والنفوس الكلية سيما نفس تلك الشمس وهي المحركات الفاعلية للسموات والعقول
الكلية وهي المحركات الغائية لها والله تعالى في البداية والنهاية محيط بالكل والمطر غاية
بالعرض ليس لضرورة المادة س ره.
258
مشاكله جوهرها واما سائر الأفاعيل كالعقد والحل والتسويد والتبييض وغيرها
فإنما هي توابع ضرورية وستعلم اقسام الضروري الذي هو احدى الغايات بالعرض
وقد ذكر في كتاب الشفاء ابطال مذهب انباذقلس ببيانات مبينه على المشاهدات
وشواهد موضحه ولذلك حمل بعضهم كلامه في البخت والاتفاق على أنه من الرموز
والتجوزات أو انه مختلق عليه لدلاله ما تصفحه ووجده من كلامه على قوه سلوكه
وعلو قدره في العلوم ومن جمله تلك الدلائل الواضحة ان البقعه الواحدة إذا سقط
فيها حبه بر وحبه شعير انبت البر برا والشعير شعيرا فعلم أن صيرورة جزء من
الأرض برا والاخر شعيرا لأجل ان القوة الفاعلة تحركها إلى تلك الصورة لا لضرورة
المادة لتشابهها ولو فرض اجزاء الأرض مختلفه فاختلافها ليس بالماهية الأرضية
بل لان قوه في الحبة أفادت تلك الخاصية لذلك الجزء الأرضي فان كانت افاده تلك
الخاصية لخاصيه أخرى سابقه عليها لزم التسلسل وان لم يكن كذلك كانت القوة
المودعه في البره لذاتها متوجهه إلى غاية معينه والا فلم لا ينبت الزيتون برا
والبطيخ شعيرا.
ومنها ان الغايات الصادرة عن الطبيعة في حال ما يكون الطبيعة غير معوقه
كلها خيرات وكمالات ولهذا إذا تادت إلى غايات ضاده كان ذلك في الأقل فلهذا
يطلب الانسان لها سببا عارضا فيقول ما ذا أصاب هذا الحيوان حتى مرض وذبل ولم
لا ينبت البر والشعير وإذا كان كذلك فالطبيعه متوجهه إلى الخير ان لم يعقها عائق.
وأيضا انا إذا أحسسنا بقصور من الطبيعة اعناها بالصناعة كما يفعله الطبيب
معتقدا انه إذا زال العائق واشتدت القوة توجهت الطبيعة إلى افاده الصحة والخير
وهذا يدل على المقصود
المبحث الثالث
في غاياه الأفعال الاختيارية
ان من المعطلة قوما جعلوا فعل الله تعالى خاليا عن الحكمة والمصلحة

259
مع أنك قد علمت أن للطبيعة غايات وان فعل النائم والساهي لا ينفك عن غاية ومصلحه
بعض قواه التي هي في الحقيقة فاعل لذلك الفعل وان لم يكن للقوة العقلية أو
الفكريه متمسكين بحجج هي أوهن من بيوت العنكبوت.
منها التشبث في ابطال الداعي والمرجح بامثله جزئيه من طريقي الهارب
ورغيفى الجائع وقدحى العطشان ولم يعلموا ان خفاء المرجح عن علمهم لا يوجب
نفيه فان من جمله المرجحات لافاعيلنا في هذا العالم أمور خفيه عنا كالاوضاع
الفلكية والأمور العالية الإلهية (1) ولم يتفطنوا انه مع ابطال الدواعي في الافعال
وتمكين الإرادة الجزافيه ينسد (2) باب اثبات الصانع فان الطريق إلى اثباته
ان الجائز لا يستغنى عن المرجح فلو أبطلنا هذه القاعدة لم يمكننا اثبات واجب
الوجود بل مع ارتكاب القول بها لم يبق مجال للنظر والبحث ولا اعتماد على
اليقينيات لعدم الامن عن ترتب نقيض النتيجة عليها وربما يخلق في الانسان حاله
تريه الأشياء لا كما هي لأجل الإرادة الجزافيه التي ينسبونها إلى الله تعالى فهؤلاء
القوم في الدورة الاسلامية كالسوفسطائيه في الزمان السابق.
ومنها ما مر من أن كون الإرادة مرجحه صفه (3) نفسيه لها والصفات
النفسية ولوازم الذات لا تعلل كما لا يعلل كون العلم علما والقدرة قدره وهو أيضا



(1) يعنى ان المرجح الغائى عند الله لأنه تعالى هو الفاعل الحقيقي وقد مر في أوائل
هذه التعليقة ما يوضح المطلوب فتذكر س ره.
(2) هاهنا ايراد ظاهر الورود وهو ان ساد هذا الباب الترجح بلا مرجح لا الترجيح
والجواب ان الترجيح مستلزم للترجح كما قرروه من أن حصول أحد الترجيحين بلا مرجح مع
تساويهما إن كان بترجيح آخر وهلم جرا يلزم التسلسل والا لزم الترجح بلا مرجح
وأيضا لما كانت العلة الغائية عله فاعليه الفاعل فعند عدم المرجح الغائى لا يكون الفاعل
فاعلا بالفعل فمن وضع الفاعل يلزم رفعه س ره.
(3) كما قال المتكلم ان نسبته إلى القدرة نسبه الوجوب إلى الامكان لكن لم يعلموا
ان الإرادة بسبب المرجح السابق عليها وهو التصديق بفائده الفعل موجبه لا مطلقا س ره.
260
كلام لا حاصل له فان مع تساوى (1) طرفى الفعل كيف يتخصص أحد الجانبين
والخاصيه التي يقولونها هذيان فان تلك الخاصية كانت حاصله أيضا لو فرض اختيار الجانب الآخر
الذي فرض مساويا لهذا الجانب.
ومنها (2) ما سبق أيضا من قولهم بان الإرادة متحققه قبل الفعل بلا اختصاص
بأحد الأمور ثم تعلقت بأمر دون امر وهذا كاف في افتضاحهم فان المريد لا يريد
اي شئ اتفق إذ الإرادة من الصفات الإضافية فلا يتحقق اراده غير متعلقه بشئ ثم
يعرضها التعلق ببعض الأشياء (3) نعم إذا حصل تصور شئ قبل وجوده ويرجح
أحد جانبي امكانه تحصل اراده متخصصه بأحدهما فالترجيح متقدم على الإرادة
كما مر وأقوى ما يذكر من قبلهم أمور أوردها صاحب المباحث المشرقية.
الأول ان الفلك جسم متشابه الاجزاء وقد تعين فيه نقطتان للقطبيه ودائره
لان تكون منطقه وخط لان يكون محورا دون سائر النقاط والدوائر والخطوط
مع أنه كان جائزا بحسب الذات ان يكون القطبان غير تينك النقطتين وكذا
المنطقة والمحور يكون عظيمه أخرى وخطا آخر لتشابه المحل.
والثاني ان لكل فلك حركه خاصه إلى جهة معينه دون غيرها من الجهات
مع جواز وقوع حركه إلى كل واحده منها وكذلك لكل حركه حد معين من
السرعه والبطؤ دون غيره مع تساوى النسبة اليهما.
الثالث اختصاص كل كوكب بموضع معين من الفلك مع عدم خصوصيه توجد
في ذلك الموضع دون غيره لتساوى الجميع في الطبيعة فالعقل يجوز وقوعه في موضع
آخر من فلكه.



(1) اي التساوي في الواقع والتخصيص بفرض الخصم س ره.
(2) لا يخفى ان بين هذه الحجة وبن سابقتها تنافيا إذ بناء الأولى على كون الإرادة
احديه التعلق وبناء هذه على كونها متساوية النسبة إلى الأمور س ره.
(3) كلمه نعم وقعت موقع بل الاضراب س ره.
261
الرابع اختصاص العالم بمقدار خاص دون ما هو أعظم منه أو أصغر مع جوازهما
عند العقل.
والجواب عن الأول ان تلك النقطة توجد بالفعل بواسطة حركه المعينة (1)
فان حركه المعينة يوجب تعيين النقطتين ولزم من تعينهما تعين المحور الواقع
بينهما فإنه لولا حركه لم يتعين دائره للمنطقه المستلزمه لتعين القطب والمحور.
وعن الثاني ان اختلاف الحركات جهة وسرعه لاختلاف (2) مبادئها العقلية
وكونها مقتضيه للافلاك وحركاتها على وجه يتبعها أحسن النظامات.
ويخرج منه الجواب عن الثالث مع أن تعين موضع ما للكوكب انما حصل
بالكوكب لا قبله والا كان مصمتا من غير تلك الحفره وبعد وجوده لا يجوز له التبدل.
وعن الرابع ان لكل جسم من المحدد وغيره طبيعة خاصه نقتضى مقدارا
خاصا لذلك الجسم فلا يمكن غيره والتجويز العقلي ربما يخالف الواقع لعدم
اطلاع العقل على خصوصيه السبب قبل البرهان
ولنا رسالة (3) منفرده في حل هذه الاشكالات الفلكية بتمهيد مقدمات



(1) فان نقل الكلام إلى المرجح لتعيين حركه نقول هذا رجوع إلى الوجه الثاني فلم
يكونا وجهين بل وجها واحدا س ره.
(2) قد علمت أن لكل عله خصوصيه خاصه مع معلولها الخاص فتلك الخصوصية يأبى عن
ترتب غير هذا الطور في معلولها س ره.
(3) لم نر تلك الرسالة ولكن كان فيها اشاره إلى ما حققه في الشواهد الربوبية وغيرها
من أن هذه التعينات ذاتيات داخله في حدود هوياتها وان كانت عرضيات لماهياتها النوعية فهذه
كلها مغالطة من باب اخذ الجزئي مكان الكلى أو انها لوازم للهويات وثبوت اللازم للملزوم
ليس بجعل على حدة وهذا مثل ما سئل انه لم جعل الألف مستقيمه والدال معوجه فلا يتفطن السائل
ان الألف بدون الاستقامة ليست ألفا والدال بدون الاعوجاج ليست دالا فإذا اعتبرا فيهما
لم يكونا معللين ولو جعل الحرف المطلق مورد السؤال فليس له وجود على حدة فرجع السؤال
إلى أنه لم جعل الألف ألفا والدال دالا مع أن الذاتي لا يعلل ولهذا ورد ان السعيد سعيد في الأزل
والشقي شقى لم يزل س ره.
262
اصوليه يزول بها الريب عن القلب من أراد الاطمينان فليراجع إليها فالحاصل ان
المختار متى كانت نسبه المعلول اليه امكانية من دون داع ومقتض لصدوره يكون
صدوره عنه ممتنعا لامتناع كون المساوى راجحا فان تجويز ذلك من العاقل
ليس الا قولا باللسان دون تصديق بالقلب (1) فذلك الداعي هو غاية الايجاد وهو
قد يكون نفس الفاعل كما في الواجب تعالى لأنه تام الفاعلية فلو احتاج في فعله
إلى معنى خارج عن ذاته لكان ناقصا في الفاعلية وستعلم انه مسبب الأسباب وكل
ما يكون فاعلا أولا لا يكون لفعله غاية أولى غير ذاته إذ الغايات كسائر الأسباب
تستند اليه فلو كان لفعله غاية غير ذاته فإن لم يستندوجودها اليه لكان خرق
الفرض وان استند اليه فالكلام عائد فيما هو غاية داعيه لصدور تلك الغاية المفروضة
كونه غير ذاته تعالى وهكذا حتى ينتهى إلى غاية هي عين ذاته فذاته تعالى (2)
غاية للجميع كما هو انه فاعل لها وبيان ذلك أنه سنقرر لك إن شاء الله تعالى بان
واجب الوجود أعظم مبتهج بذاته وذاته مصدر لجميع الأشياء وكل من ابتهج
بشئ ابتهج بجميع ما يصدر عن ذلك الشئ من حيث كونها صادره عنه فالواجب
تعالى يريد الأشياء لا لأجل ذواتها من حيث ذواتها بل من حيث إنها صادره عن ذاته
تعالى فالغايه له في ايجاد العالم نفس ذاته المقدسة وكل ما كانت فاعليته لشئ



(1) فان ذلك المجوز إذا تساوى وتقادم عنده مرجحان وقف عن الفعل بل الحمار ما لم
ير الماء والعلف لم يتعلق قوته الشوقية وميلها بالحركة فلم يرجحها على السكون الا بالمرجح
س ره.
(2) ان قلت قد جعل الله تعالى غاية الخلقة معروفيه ذاته في الحديث القدسي بقوله فخلقت
الخلق لكي اعرف وفي الكتاب المجيد بقوله وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون اي ليعرفون
كذا قال المفسرون والحكماء قالوا غاية الخلقة ذاته بذاته فكيف التوفيق.
قلت معروفيته عين ذاته كما أن صفاته الاخر عين ذاته فلا منافاة وبعبارة أخرى معروفيته
وجوده الرابطى للانسان الكامل وبعبارة أخرى الغاية المعروفية الشهوديه ومعلوميته للعلماء
بالله علما حضوريا في الغاية بحيث لا يبقى عالم وعارف كما في الطمس الصرف والمحق المحض
والفناء عن الفناء س ره.
263
على هذا السبيل كان فاعلا وغاية لذلك الشئ حتى أن اللذة فينا لو كانت شاعره بذاتها
وكانت ذاتها مصدرا لفعل لكانت مريده لذلك الفعل لذاتها ولاجل كونه صادرا عن
ذاتها فكانت حينئذ فاعلا وغاية.
وهم وتنبيه
ما وجد كثيرا في كلامهم من أن العالي لا يريد السافل ولا يلتفت
اليه والا لزم كونه مستكملا بذلك السافل لكون وجوده أولى
له من عدمه والعلة لا تستكمل بالمعلول لا يضرنا ولا ينافي ما ذكرناه إذ المراد من
المحبة والالتفات المنفيين عن العالي بالنسبة إلى السافل هو ما هو بالذات وعلى
سبيل القصد لا ما هو بالعرض وعلى سبيل التبعية فلو أحب (1) الواجب تعالى فعله
واراده لأجل كونه اثرا من آثار ذاته ورشحا من رشحات فيضه وجوده لا يلزم من
احبابه تعالى لذلك الفعل كون وجوده بهجة وخيرا له تعالى بل بهجته انما هي
بما هو محبوبه بالذات وهو ذاته المتعالية التي كل كمال وجمال رشح وفيض
من كماله وجماله
قرا القارى بين يدي الشيخ أبي سعيد بن أبي الخير رحمه الله قوله تعالى
يحبهم ويحبونه فقال الحق انه يحبهم لأنه لا يحب الا نفسه فليس في الوجود
الا هو وما سواه من صنعه والصانع إذا مدح صنعه فقد مدح نفسه ومن هذا يظهر
حقيقة ما قيل لولا العشق ما يوجد سماء ولا ارض ولا بر ولا بحر والغرض ان
محبه الله تعالى للخلق عائده اليه فالمحبوب والمراد بالحقيقة نفس ذاته تعالى لذاته
كما انك إذا أحببت انسانا فتحب آثاره لكان محبوبك بالحقيقة ذلك الانسان



(1) وفي المعاصرين من الأخباريين من يقول إن الإرادة من الصفات الفعلية ولا معنى
للاراده الا اراده الغير وإذ ذاك فنحن نقول واقعا معه في شقاق لا معنى لاراده المريد الا اراده نفسه
لما قادنا اليه من البراهين ا لا ترى ان المريد بالإرادة الامكانية أيضا لا يريد الا ذاته فيريد
الأكل والشرب واللباس والمسكن والكتابة والخياطه والاهل والصديق وغيرهم لاراده ذاته
ذاته ومحبه نفسه نفسه س ره.
264
كما قيل (1) شعرا
وما حب الديار شغفن قلبي * ولكن حب من سكن الديار
المبحث الرابع
في غاية الكائنات المتعاقبة لا إلى نهاية
ولنمهد لبيانها مقدمه هي ان من جمله الغايات بالعرض هو الذي يقال له
الضروري وهو على ثلاثة أقسام.
أحدها (2) الامر الذي لا بد من وجوده حتى يوجد الغاية على أن يكون وجوده متقدما على
وجود الغاية مثل صلابه الحديد ليتم القطع وهذا يسمى نافعا
اما في الحقيقة أو بحسب الظن ومن هذا القبيل الموت وأمثاله فان الموت غاية
نافعه لنظام النوع وللنفس أيضا كما أشرنا اليه.



(1) قبله امر على جدار ديار سلمى اقبل ذا الجدار وذا الجدار أو في بعض النسخ امر على
الديار ديار سلمى والنكتة في الاجمال أولا اوقعيه التعيين في النفس وأن يكون المبدل منه
توطيه وتمهيدا لذكر البدل وان ديار سلمى كأنها كل الديار وغير ذلك ونظير البيتين
قوله اقبل أرضا سار فيها جمالها فكيف بدار دار فيها جمالها س ره.
(2) لعل المقام يحتاج إلى التوضيح فنوضحه بان هنا أبحاثا
الأول ما أشير اليه من وجه الضبط بان الغاية بالعرض اما متقدمه بالذات على الغاية بالذات
كالصلابه والموت واما معها بالذات كالادكنيه واما متاخره بالذات كحدوث الكائنات عن حركه
الأفلاك والثاني التفرقة بين الصلابة والادكنيه حيث جعل إحداهما متقدمه على الغاية بالذات
التي هي القطع والأخرى معها وذلك لان الصلابة عله للقطع بخلاف الادكنيه فان لها الصلابة
الاتفاقية معه والثالث لعلك تقول الغاية معتبر فيها النهاية بوجه فكيف تطلق الغاية على الصلابة
والادكنيه وهما مع السكين مثلا من أول صنعه إلى آخره قلنا يتحقق النهاية والاخريه فيهما بان
المراد بالصلابه الصلابة المخصوصة التي بعد التليين وبالادكنيه هي التي في السكين بعد تماميه
صنعه لا الكيفية التي في الحديد قبل تصقيله فإنها اسود أو ادكنيه.
وهاهنا جواب آخر وهو ان نجعل هذه غايات للقوى والطبائع التي تفعل في العناصر التي
يحتبس فيها البخار والنار حتى يحصل المعادن ومن أسماء الله تعالى يا من في الجبال
خزائنه س ره.
265
الثاني ما يكون لازما لملزوم الغاية فيكون في الوجود مع الغاية مثل انه لا بد
من جسم ادكن للقطع وانما لم يكن منه بد لا لدكنته بل لأنه لازم للحديد الذي
لا بد منه.
الثالث الذي يكون حصوله مترتبا على حصول الغاية اما على طريق اللزوم
كحدوث الحوادث العنصرية عن حركات الأفلاك وغاية حركه الفلكية ما فوقها
واما لا على طريق اللزوم كحب الولد التابع للغاية في التزويج وهو التناسل فهذه
الاقسام غايات بالعرض ويقال لها الضروري ووجود الشر في عالمنا من
هذا القسم أعني الضروري فإنه لما وجب في العناية الإلهية التي هي الجود وجود
كل خير وكان منها مبدء المركبات من العناصر الأربعة وكان لا يمكن وجود
النار مؤديا بسببها النظام إلى الغاية المقصوده الاعلى صفه الاحراق لزم من ذلك ان
يفسد بعض المركبات واما انها كيف تصل النار إلى ما تفسده فلما توجبه
حركات الأفلاك التي هي صادره عن التدبير الإلهي والنظام الواجب فالضروره بالقياس
إلى افراد الشر ضرورة وبالقياس إلى امر آخر أو النظام الكلى غاية كما مر في
باب الخير وسيأتيك زيادة الايضاح في باب العناية إن شاء الله تعالى.
فإذا تقرر ذلك فنقول اما القول في الحوادث الكائنة الفاسدة فيجب ان يعلم أن
الغاية الذاتية للطبيعة المدبرة للعالم ليس وجود شخص معين من النوع بل (1)
الغاية الذاتية ان توجد الماهيات (2) النوعية وجودا دائما فان أمكن ان يبقى



(1) بل الغاية الذاتية في باطن العالم بحسب التوجه إلى خواتم السلسلة الطولية الصعوديه
وليست في عرض العالم الطبيعي كما سيبين في مباحث المعاد وهذا كما أن المبدء الفاعلي انما هو
في باطن العالم بحسب السلسلة الطولية النزوليه الا ان هذا تبرز عن التكامن وذاك تكامن عن
التبرز س ره.
(2) ما ذكروه من دوام وجود الماهيات النوعية اما بدوام وجود شخص واحد لها أو بدوام
تعاقب الافراد الكائنة الفاسدة ودوام النظام المدبر لها مبنى من وجه على أصول موضوعه ماخوذه
من الهياه وفن الفلكيات من العلم الطبيعي ومن وجه آخر على ثبوت أرباب الأنواع التي هي
علل فاعليه مجرده دائمه الوجود يمتنع عليها القسر الدائم والاكثرى لو لم يدم الأنواع وجودا
وقد ظهر بالأبحاث العلمية الرياضيه والطبيعيه الأخيرة فساد الأصول الموضوعة السابقة المذكورة
وقد تقدمت المناقشة في ثبوت أرباب الأنواع ثم لما كانت القوانين الكلية المأخوذة من الطبيعة
بالتجربه متوقفه في دوام صدقها على تحقق الأوضاع والشرائط الحاضره الموجودة ولا دليل على
دوامها على حالها فلا دليل على دوام الفيض مقيدا بالوضع الحاضر فليس من الواجب ان يكون
في الوجود انسان طبيعي دائما أو حيوان أو نبات أو ارض أو عناصر كذلك وهذا بخلاف دوام
أصل الفيض على ما اراده الله تعالى فان له عله تامه وفاعلا مطلقا دائم الوجود غير مقيد بشرط ولا عدم
مانع وهو الله سبحانه فافهم ذلك وللكلام تفصيل يطلب من موضعه ط مده.
266
الشخص الواحد منها فحينئذ لا يحتاج إلى تعاقب الاشخاص فلا جرم لا يوجد منها الا شخص
واحد كما في الشمس والقمر وان لم يمكن بقاء الشخص الواحد كما في الكائنات
الفاسدة فحينئذ يحتاج إلى الاشخاص المتعاقبة لا من حيث إن تلك الكثرة
مطلوبه بالذات بل من حيث إن المطلوب بالذات لا يمكن حصوله الا مع ذلك
فيكون اللانهاية في الاشخاص غاية عرضيه لا ذاتية فالغايات الذاتية متناهية فهذا
بيان غاية الطبيعة المدبرة للنوع واما غاية الطبيعة الشخصية فهي بقاء ذلك الشخص
المعين وليس لها غاية غير ذلك واما حركه الفلكية المستمرة فالمقصود منها
كما ستعرف استخراج الأوضاع الممكنة من القوة إلى الفعل ليحصل لنفوسها
التشبه بالكامل وذلك لما لم يمكن الا بتعاقب الأوضاع الجزئية لا جرم صارت
الأوضاع المتعاقبة غايات عرضيه كحصول الكائنات العنصرية كما سمعت واما
المقدمات والنتائج فيجب ان يعلم أن المراد بتناهى العلة الغائية انه لا يجوز ان
يكون للفاعل الواحد في فعل واحد غاية بعد غاية إلى غير النهاية فاما ان يكون
للأفعال الكثيرة غايات كثيره فذلك جائز وهنا لكل قياس غاية معينه وليس للنفس
في ذلك القياس غاية سوى تلك الغاية فلا استحاله فيه
فصل [23]
في الفرق بين الغاية والخير

267
اعلم أن العلة الغائية اما واقعه تحت الكون أو هي أعلى من الكون فان كانت
واقعه تحت الكون فهي اما أن تكون موجوده في القابل كوجود صوره الدار في
الطين واللبن مثلا للبناء واما أن تكون موجوده في نفس الفاعل كالاستكنان وفي
الجميع الغاية بالحقيقة هو السبب الأول لسائر العلل وذلك لأنه ما لم تكن الغاية
متصوره في نفس الفاعل لم يجز ان يكون الفاعل فاعلا ولكنها معلول في الوجود
الخارجي لسائر العلل إذا كانت واقعه تحت الكون ففي القسم الأول (1) منها نقول
إذا قيس إلى الفاعل من حيث إن تصوره صار محركا له وعلة لكونه فاعلا كان غاية
وغرضا وإذا قيس إلى حركه (2) كان نهاية لا غاية لان الغاية يؤمها الشئ فلا يصح
ان يبطل مع وجودها الشئ بل يستكمل وحركه تبطل مع انتهائها وإذا قيس إلى
الفاعل من حيث استكماله به وكان قبل فيه بالقوة فهو خير لان مزيل القوة مكمل
والعدم شر فالحصول والوجود بالفعل يكون خيرا وإذا قيس إلى القابل من حيث
هو قابل وبه صار بالفعل فهو صوره فله نسبه إلى أمور أربعة وبكل حيثية له اسم
خاص وفي القسم الثاني فإذ هو صوره أو عرض في الفاعل إذا نسب اليه من حيث
استكماله به كان خيرا ومن جهة انه مبدء حركته كان غاية فقد تحقق ان كل غاية فهو باعتبار
غاية وباعتبار آخر خير اما حقيقي أو مظنون كبعض الحركات
التي مبدئها التخيل الصرف دون القصد الفكري والطبيعة ولك ان تعلم أن غاية
الفاعل القريب الملاصق لتحريك المادة صوره في المادة وما ليست غايته صوره في المادة
فهو ليس فاعلا قريبا فان اتفق ان يكون الذي غايته صوره في المادة والذي غايته
ليست صوره في المادة امرا واحدا كانت فاعليته مختلفه بالقرب والبعد والمباشره



(1) المراد بالأول والثاني الموجودة في القابل والموجوده في الفاعل س ره.
(2) هذا بالنظر إلى طبيعة حركه وانها تقابل السكون تقابل العدم والملكة مثلا واما
بالنظر إلى أن المتحرك في الأين مثلا ياتى بافراد سياله من الأين ليستقر في أين ثابت كان ما انتهى
اليه حركه غاية ط مده.
268
للتحريك وعدمها والصورة الحاصلة في المادة تكون غاية له بإحدى الجهتين
بالذات وبالأخرى بالعرض مثل ان يبنى الانسان بيتا ليسكن فإنه من جهة ما هو
طالب السكنى عله لكونه بناء فالمستكن عله أولى للبناء ومن جهة ما هو بناء معلول
له من جهة ما هو مستكن فهو من حيث كونه بناء عله قريبه فلا جرم غايته
بالاعتبار الأول ليست صوره في مادة وبالاعتبار الاخر الذي هو به ملاصق صوره وهياه
في البيت فصل [24]
في الفرق بين الخير والجود
قد علمت أن الغاية ربما تكون بحسب نحو من الوجود فاعلا للفاعل بما هو
فاعل وعلة غائيه للفعل وبحسب نحو آخر من الوجود معلولا لمعلوله فلها بهذا
النحو من الوجود قياس إلى الفاعل المستكمل به وقياس إلى الفاعل الذي يصدر عنه
فهو بالقياس إلى الفاعل الذي لا يكون منفعلا به أو بشئ يتبعه كان وجودا وبالقياس
إلى الفاعل المنفعل كان خيرا والخير بالجملة (1) ما يطلبه كل شئ وهو الوجود
أو كمال الوجود واما الجود فهو افاده ما ينبغي لا لعوض فالواهب لما لا يليق
للموهب له ليس بجواد كمن يهب سكينا لمن يقتل به مظلوما وكذا من اعطى
فائده ليستعيض منها بدلا سواء ا كان ذلك البدل شكرا أو ثناء ا وصيتا أو فرحا بل
الجواد من أفاد الغير كمالا في جوهره أو في أحواله من غير أن يكون بإزائه عوض
بوجه من الوجوه فكل فاعل يفعل لغرض يؤدى إلى شبه عوض فليس بجواد بل هو
معامل مستعيض فيكون ناقصا فقيرا لأنه اعطى شيئا ليتحصل له ما هو أولى به وأطيب
ومن كان الأولى به فعل شئ فإذا لم يصدر عنه كان عادم كمال فكان ناقصا في ذاته



(1) لما بين الفرق بين الخير والجود المستعملين في الغايات شرع في بيان الخير والجود المطلقين بقوله والخير الخ س ره.
269
وإذا توقف كماله على امر ما فكان فقيرا وإن كان ذلك الامر اكمال غيره أو نفى
الفقر عنه أو ايصال الخير اليه فان حصول شئ من ذلك لغيره ولا حصول له ان
كانا بمنزله واحده بالقياس إلى ذلك الفاعل فلا داعى له إلى ذلك الشئ ولا مرجح
لحصول ذلك الخير لغيره فصدور الفعل عنه في حد الامكان لان الغرض هو
المقتضى للفعل والغير الموجب ليس غرضا وان لم يكونا بمنزله واحده فقد رجع
آخر الامر إلى غرض يتصل بذاته فان سؤال لم لا يزال يتكرر في الغرض إلى أن
يبلغ ذات الفاعل من خير يعود اليه أو شر ينفى عنه فحينئذ يقف السؤال إذ حصول
الخير لكل شئ وزوال الشر عنه هو المطلوب بالذات لان الإرادة والطلب لمن يعشق
ذاته فيطلب كل شئ لمعشوقه أعني ذاته فقد تبين ان كل طالب غرض ناقص
وبالجملة فطالب الغرض يطلب شيئا ليس له هذا تلخيص ما وجدناه في كتبهم.
تعقيب وتحصيل:
اعلم أن النظر في العلل الغائية هو بالحقيقة من الحكمة
بل أفضل اجزاء الحكمة وما ذكروا في الكتب ففيها مساهلات
وأشياء غير منقحه لا تنتقح الا بالكلام المتبع والتحقيق البالغ فيجب الخوض في
تبيينها وتوفيه الحقوق في التفصي عن الشكوك الواردة عليها بقدر الوسع والطاقة.
فنقول انك لو نظرت حق النظر إلى العلة الغائية وجدتها في الحقيقة عين
العلة (1) الفاعلية دائما انما التغاير بحسب الاعتبار فان الجائع مثلا إذا اكل



(1) والبرهان عليه انا لو فرضنا فاعلا له فعل ولفعله غاية كان صدور الفعل اي وجوده لأجل الغاية بمعنى
انه لو لم تكن الغاية لم يكن الفعل فالفعل من حيث صدوره متوقف على الغاية وتوقف حيثية
الصدور عليها عين توقف فاعليه الفاعل عليها والفاعل المفروض فاعل بالذات فللغايه نحو من
الوجود هي بحسبه داخل في ذات الفاعل بمعنى ما ليس بخارج فلوجود الفاعل مرتبتان إحداهما
طالبه مجمله والأخرى مطلوبه مفصله والطلب نسبه داخله في الذات وقد عرفت ان النسب من
حيث قيامها بالذات جهات تشكيك فيها وبالجملة لذات الفاعل نسبه إلى الفعل من حيث صدوره
عنها وهي نسبه منه ونسبه من حيث رجوعه إليها وهي نسبه لأجله وللفعل مرتبتان على
حذو المرتبتين الموجودتين في الذات إحداهما مرتبه نفس الفعل والأخرى مرتبه الغاية وهي مرتبه نفس الفعل والأخرى مرتبه الغاية وهي مرتبه كمال الفعل ينتهى اليه في وجوده ومن هنا يظهر
ان كل موجود ينحل إلى أصل الوجود وكماله فان لفاعله غاية وأيضا كل ما ليس له غاية وهو نفس
الغاية فغير مجعول بالذات ط مده.
270
ليشبع فإنما اكل لأنه تخيل الشبع فحاول ان يستكمل وجود الشبع فيصير من حد
التخيل إلى حد العين فهو من حيث إنه شبعان تخيلا هو الذي يأكل ليصير شبعان
وجودا فالشبعان تخيلا هو العلة الفاعلية لما يجعله فاعلا تاما والشبعان وجودا
هو الغاية المترتبة على الفعل فالاكل (1) صادر من الشبع ومصدر للشبع ولكن
باعتبارين مختلفين فهو باعتبار الوجود العلمي فاعل وعلة غائيه وباعتبار الوجود
العيني غاية فاعلم أن العلة الغائية لا تنفك عن الفاعل والغاية المترتبة على الفعل
أيضا سترجع اليه بحسب الاستكمال فظهر ان تقسيمهم الغاية إلى ما يكون في نفس
الفاعل كالفرح والى ما يكون في القابل والى ما يكون في غيرهما كرضا فلان غير
مستقيم فان القسمين الأخيرين في الحقيقة يرجعان إلى القسم الأول وهو ما يكون
في نفس الفاعل فان الباني لا يبنى والمحصل لرضا انسان بفعله لا يحصل الا لمصلحه
تعود إلى نفسه سواء ا كان المراد من الغاية ما يجعل الفاعل فاعلا أو ما يترتب على الفعل
(الفاعل خ ل) ترتبا ذاتيا وكذا تقسيمهم الاخر انه قد يكون الغاية نفس ما ينتهى
اليه حركه وقد يكون غيره كما ذكرناه من طلب مكان للملاله عن غيره
أو للقاء صديق إذ لولا أولوية أو طلب فرح أو انتفاع يعود إلى النفس لم تتصور
الحركة الإرادية
ويمكن (2) الاعتذار عن الأخير لا بما ذكره بعضهم من أن المراد من الغاية



(1) وبعبارة أخرى في كل فعل ذات الفاعل طالب ذاته لكن في الفواعل الامكانية ذاتهم الناقصة
طالبه ذاتهم الكاملة وإن كان الكمال بظنه ووهمه س ره.
(2) ويمكن التوفيق بين كلامه قدس سره وكلامهم بان ليس مرادهم ان ما في القابل أو ما
في نفس غيره الفاعل غاية اخيره فإنهما غايتان لهذا الفعل وإذا أخذنا فعلين آخرين صارتا
مغياتين باخريين وعادتا بالآخرة إلى الفاعل فانا إذا قلنا غاية صنع النجار للسرير جلوس
السلطان لا ينافي كونه إذا اخذ فعلا للسلطان مغيى بغايه أخرى ولا ينافي أيضا كون غاية فعل
النجار أيضا مركبه كاخذ الأجرة وهو كصلاح النظام يعود إلى نفس النجار س ره.
271
في هذا التقسيم والتقسيم الاخر هي النهاية المترتبة على الفعل إذ قد سبق ان الغاية
بهذا المعنى أيضا يجب ان يعود إلى الفاعل ولو بحسب الظن إذا لم يكن عائق بل
بان المراد (1) منه ان الغاية بحسب الماهية اما نفس ما انتهت اليه حركه أو
غيرها ثم اعلم أنه قد وجد في كلامهم ان افعال الله تعالى غير معلله بالاغراض
والغايات ووجد كثيرا في ألسنتهم انه تعالى غاية الغايات وانه المبدء والغاية
وفي الكلام الإلهي الا إلى الله تصير الأمور وان إلى ربك الرجعى إلى غير
ذلك مما لا يعد ولا يحصى فإن كان المراد من نفى التعليل عن فعله تعالى نفى ذلك
عنه بما هي غير ذاته فهو كذلك لما سبق من أن الفاعل الأول يجب ان يكون تاما
في فاعليته لا يمكن ان يتوقف على غيره في الفاعلية لكن لا يلزم من ذلك نفى
الغاية والغرض عن فعله مطلقا كما علمت سابقا فلك ان تجعل علمه تعالى بنظام
الخير الذي هو عين ذاته تعالى عله غائيه وغرضا في الايجاد.
فان قلت العلة الغائية كما صرحوا به هي ما يقتضى فاعليه الفاعل فيجب
ان يكون غير ذات الفاعل ضرورة مغايره المقتضى للمقتضى.
قلت هذه المسامحات في كلامهم (2) كثيره فإنهم كثيرا ما يطلقون الاقتضاء
على المعنى الأعم منه الذي هو مطلق عدم الانفكاك اعتمادا على فهم المتدرب
في العلوم كيف ولم يقم برهان ولا ضرورة على أن الفاعل يجب ان يكون غير الغاية



(1) كأنه قيل واحد من اقسام المسمى بالغاية ما هو غاية ونهاية بالحمل الأولى فهذه
الحقيقة العرفية الخاصة بالغاية مطابقه الحقيقة اللغوية والعرفيه العامة س ره.
(2) ومنها قولهم في المنفصلة الحقيقية المشهورة الشئ اما يقتضى لذاته الوجود وهو
الواجب مع أنه الوجود البحت البسيط المبسوط القائم بذاته وليس له قيام صدورى بفاعل
ولا له قيام حلولى بقابل إذ لا مادة ولا ماهية له فمعلوم ان المراد نفى اقتضاء الغير وجوده نظير
قولهم الجوهر هو القائم بذاته اي ليس قائما بغيره كالعرض وغير ذلك س ره
272
في الحقيقة فان الفاعل هو ما يفيد الوجود والغاية هي ما يفاد لأجله الوجود
سواء ا كان عين ذات الفاعل أو أعلى منها ا ليس لو فرضنا الغاية امرا قائما بذاته وكان
ذلك الامر مصدر فعل ذاتي لكان فاعلا وغاية فقد علم أن مراد الحكماء من الغاية
التي نفوها عن فعله تعالى هي ما يكون غير نفس ذاته من كرامه أو محمده أو ثناء
أو ايصال نفع إلى الغير أو غير ذلك من الأشياء التي تترتب على فعله من دون
الالتفات إليها من جانب القدس واما الغاية بمعنى كون علمه (1) بنظام الخير
الذي هو عين ذاته داعيا له إلى افاده الخير بوجه الذي ذكرناه أولا فهو مما ساق
اليه الفحص والبرهان وشهدت به عقول الفحول واذهان الأكابر والأعيان وقد نص
عليه الشيخ الرئيس في التعليقات بقوله ولو أن انسانا عرف الكمال الذي هو
واجب الوجود بالذات ثم كان ينظم الأمور التي بعده على مثاله حتى كانت الأمور على
غاية النظام لكان غرضه بالحقيقة واجب الوجود بذاته الذي هو الكمال فإن كان
واجب الوجود بذاته هو الفاعل فهو أيضا الغاية والغرض انتهى ثم نقول كما أن
المبدء الأول غاية الأشياء بالمعنى المذكور فهو غاية بمعنى ان جميع الأشياء طالبه
لكمالاتها ومتشبهه به في تحصيل ذلك الكمال بحسب ما يتصور في حقها فلكل
منها عشق وشوق اليه اراديا كان أو طبيعيا والحكماء المتالهون حكموا بسريان نور
العشق والشوق في جميع الموجودات على تفاوت طبقاتهم فالكائنات بأسرها



(1) انما كانت علما لان العلة الغائية في اي موضع كان هي العلم بثمره الفعل ولما كانت
العلة الغائية في هذا الفعل المطلق هي الذات الاقدس فهذا العلم هو علم الذات بذاته الذي هو
علمه الكمالى الاجمالي بمعلولاته عند المشائين وليس المراد العلم التفصيلي بها الذي هو
الصور المرتسمة ليست عين ذاته وعندنا علمه بذاته علمه الاجمالي بمعلولاته في عين الكشف
التفصيلي لان بسيط الحقيقة كل الوجودات بنحو أعلى وأتم وانما قال بنظام الخير لان العلة
الغائية في جميع المواضع هي العلم بالخير المترتب على الفعل والفعل هنا وجود كله خير
ويترتب عليه خير الخيرات وانما كان هذا العلم داعيا لأنه فعلى عله للفعل غير محتاج إلى رويه
س ره.
273
كالمبدعات على اغتراف شوق من هذا البحر الخضيم واعتراف مقر بوحدانيه الحق
القديم فلكل وجهه هو موليها يحن إليها ويقتبس بنار الشوق نور الوصول
لديها واليها الإشارة في الصحيفة الإلهية بقوله تعالى وان من شئ الا يسبح
بحمده وبيان ذلك ان كل واحد من الهويات المدبرة والانيات الصورية لما كان
بطبعه نازعا إلى كماله الذي هو خيرية هويته المستفاده عن ما هو الخير الأول
نافرا عن النقص الخاص به الذي هو شريته المنبعثة من الهيولى والاعدام تحقق ان
لكل واحد منها توقانا طبيعيا وعشقا غريزيا إلى الخير فالخير لذاته معشوق
فلو لا ان الخيرية بذاتها معشوقه لما توخته الطبائع وما اقتصرت الهمم على ايثارها
في جميع التصرفات والخير بالحقيقة مبدء هذا العشق له والشوق اليه عند بينونته إن كان
مما يباين والتاحد به عند وجوده فان كل واحد من الموجودات يستحسن
ما يلائمه وينزع اليه مفقودا فالخير عاشق للخير اما الخاص به إذا كان من الخيرات
الخالصة الامكانية أو المطلق وهو الخير الواجبي والوجود الصرف الذي لا يصحبه
شوب شريه وعدم والنور الحقيقي بلا ظلمه وعلة العشق هو ما نيل أو سينال من
المعشوق وكلما زادت الخيرية واشتد الوجود زاد استحقاق المعشوقيه وزادت
العاشقيه للخير لكن الموجود المقدس عن شوب القوة والامكان إذ هو الغاية في
الخيرية فهو الغاية في المعشوقيه والغاية في العاشقيه فإذا عشقه له أكمل عشق
واوفاه والصفات الإلهية على ما ستعلم لما لم يتمايز عن الذات فإذا فالعشق هناك
صريح الذات والوجود وسائر الموجودات اما ان يكون وجودها عين عشقها أو
متسببا عنه فأعظم الممكنات عشقا هي العقول الفعالة القابلة لتجلى النور الإلهي
بغير وسط وبلا رويه واستعانه بحس أو تخيل وهي الفاعلة للأمور المتاخره السافلة
بالمقدمه العالية وللخسيسه بالشريفه ثم النفوس العالية الإلهية بتوسط العقل الفعال
عند اخراجها من القوة إلى الفعل واعطائها القوة على التصور والتمثل وامساك

274
المتمثل فيها والطمانينه اليه وبعدها القوى الحيوانية ثم النباتية فلكل واحده
منها (1) عباده الهيه يصلح لها ويليق بها وتشبه بقدر الامكان بمبدء ها الاعلى
وحكايه عن تدبيرها للأشياء فعباده الموجودات العلوية سيجئ بيانها في موضعه
واما السفليه فكل منها انقياد للعالي وخضوع واطاعه لما هو اشرف منها وأقرب
إلى العالم الاعلى ورشح خير على على السافل فانظر إلى الجواهر المعدنية وقبولها للنقش
والطبع وانقيادها للاذابه والطرق فهذه اقرارها بالمبدء وخضوعها وخشوعها فكل
ما هو اسرع للقبول وأنور وأحسن الصورة فهو اجل وكلما هو في غفله عن ذلك
ولا ينتفع به كالصخر والحجارة فهو أدون ثم إلى القوى النباتية وما يظهر منها
الحركات وذهابها يمينا وشمالا مع الهواء كما في الفرس
درخت سرو بباد شمال پندارى * همى فشاند دست وهمى گذارد كأم
فهو ساجد وراكع ومسبح ومقدس باصطكاك أوراقه وحركات قضبانه وما يبديه
من ازهاره وأنواره وتسليم ثمرته إلى الحيوان والعاصي منه ما لا ينتفع به ولا يصلح
الا للنار ثم إلى الحيوان وخدمته للانسان وذهابه معه حيث ما ذهب وحمله
الأثقال إلى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الأنفس ومنه عاص ومتكبر جاهد لطاعه
الانسان كالسباع وأنواع الوحوش ثم إلى عباده الانسان وتشبهه بالمبدء الاعلى في
العلم والعمل وادراكه للمعلومات وتجرده عن الجسمانيات فعبادته (2) اجل العبادات



(1) هذه عباده فطريه تكوينيه لا سبيل فيها الا إلى الطاعة فان الأوامر والنواهي اما تشريعيه
تكليفيه واما تكوينيه فطريه فكل الماهيات مفطوره على قبول كلمه كن وهي امر الله
الوجودي وكل المواد مجبولة على قبول كلمات القوى الفعلية وهي أوامر الله المتعلقة
بالمواد وجميعها أوامر تسخيريه فكما ان الحكم الشرعي خطاب الله المتعلق بافعال المكلفين من
حيث الاقتضاء والتخيير كذلك الحكم التكويني هو الخطاب التكويني التسخيرى المتعلق بالماهيات
والمواد من حيث الوجوب والامكان الوجوب من هناك والامكان من هنا س ره.
(2) قيد بالارضيه والحيوانية لأنه أين عبادته من عبادات الأفلاك والفلكيات اللاتي
لا يغشاها نوم العيون ولا فتره الأبدان عبدت على الدوام لله تعالى وما مسها اعياء ولغوب وأين
معرفته من معرفه الملائكة المعصومين سيما المقربين كما قيل.
دوست كجا وتو كجا اي دغل * نور أزل را چه به بل هم أضل
لكن في هذا النوع الأخير صنف أفضل الملك فضلا عن الفلك.
نه فلك را ست مسلم نه ملك را حاصل * آنچه در سر سويد اي بني آدم از واست
وهم خلاصه عباد الله المعبود ونخبه عالم الوجود سيما المحمديون منهم الذين قالوا
روح القدس في جنان الصاقوره * ذاق من حدائقنا الباكوره
وفي رئيسهم وسيدهم قيل
احمد ار بگشايد آن پر جليل * تا ابد مدهوش ماند جبرئيل * بل مطلق هذا الصنف قال الشيخ فريد الدين العطار النيشابوري قدس سره
روز وشب أين هفت پرگار اي پسر * از برأي تو است بر كار اي پسر
طاعت روحانيان از بهر تست * خلد ودوزخ عكس لطف وقهر تست
قدسيان يكسر سجودت كرده اند * جزؤ وكل غرق وجودت كرده اند
از حقارت سوى خود منگر بسى * ز آنكه ممكن نيست پيش از تو كسى
ظاهرت جزو است وباطن كل كل * خويش را قاصر مبين در عين ذل
چون در آيد وقت رفعتهاي كل * از وجود تست خلقتهاي كل
والسر في ذلك ان الانسان الكامل بالفعل واقع تحت الاسم الأعظم وهو اسم الجلالة والملك
تحت الأسماء التنزيهيه كالسبوح القدوس والفلك تحت الدائم الرافع الرب ونحوها فالانسان
معلم بجميع الأسماء التنزيهيه والتشبيهيه ا لا ترى ان روح الفلك دائما روح مضاف وروح هذا
من الانسان روح مرسل يطلق عن وثاق الجسم الطبيعي بل المثالي بل عن العالمين الصوريين فيخلع
النعلين ويطرح الكونين والملك المقرب وإن كان روحا مطلقا الا انه ليس معلما بجميع الأسماء
التنزيهيه والتشبيهيه هؤلاء الصنف هم الخواتم في السلسلة الصعوديه وهم العقول الصاعدة
الغنية عن استعمال البدن وآلاته وكأنهم وهم في جلابيب أبدانهم قد نضوها فهم بإزاء العقول
التي هي فواتح السلسلة النزوليه وان بقي حجاب ما فسيرفع رأسا كما قال على ع عند
الخلع فزت ورب الكعبة
فعبادتهم كيفا اجل من عباده الفلك فرب قليل من خالص العمل يرجح
على الكثير كثره وافره كذا المعرفة بالنسبة إلى الملك فان الانسان الكامل يعرف الله تعالى
بجميع أسمائه وحينئذ فلعل مراده قدس سره الانسان البشرى بما هو بشر س ره.
275
الأرضية ومعرفته أعظم المعارف الحيوانية وله فضيله النطق وشرف القدرة وكمال
الخلقة والمنهمك منه في المعصية يكون اخس من الحيوان والنبات
والمعادن مردودا إلى أسفل السافلين لان الجواهر المعدنية قبلت الصورة وهو لم

276
يقبلها والشجرة ساجده راكعه لربها وهو لم يسجد والحيوان طائع للانسان وهو
لم يطع لربه ولا عرفه ولا وحده نعوذ بالله من هذه الغفلة والنسيان فتشبهه بالمبدء
بحسب القوة النظريه في ادراك المعقولات وبحسب القوة العملية في تصريفه البدن
وقواه كتصريفه القوة الحسية لينتزع من الجزئيات أمورا كليه وباستعانته بالقوة
المتخيله في تفكره حتى يتوصل بذلك إلى ادراك غرضه في الأمور العقلية وكتكليفه
القوة الشهويه المباضعه من غير قصد بالذات إلى اللذة بل بالتشبه بالعلة الأولى في
استبقاء الأنواع وخصوصا أفضلها أعني النوع الانساني وكتليفه القوة الغضبيه
منازعه الابطال واعتناق القتال لأجل الذب عن مدينه فاضله وأمه صالحه ويظهر منه
الأفاعيل من صميم قوته النطقيه مثل تصور المعقولات والنزوع إلى الممات وحب
الآخرة وجوار الرحمن فافهم ما ذكرناه فهم حق يتلى لا فهم شعر يفترى فان بعضها
وإن كان في صوره الاقناع والخطابه من البيان لكنها رموز إذا استقصيت قادت إلى
البرهان
وبالجملة المقصود ان الأشياء جميعا سواء ا كانت عقولا أو نفوسا أو اجراما
فلكيه أو عنصريه لها تشبه بالمبدء الاعلى وعشق طبيعي وشوق غريزى إلى طاعه
العلة الأولى ودين فطرى ومذهب جبلى في حركه نحوها والدوران عليها وقد صرح
الشيخ في عده مواضع من التعليقات بان القوى الأرضية كالنفوس الفلكية في أن
الغاية في أفاعيلها ما فوقها إذ الطبائع والنفوس الأرضية لا تحرك موادها لتحصيل
ما تحتها من المزاج وغيره وان كانت هذه من التوابع اللازمة لها بل الغاية في
تحريكها لموادها هي كونها على أفضل ما يمكن لها ليحصل لها التشبه بما فوقها
كما في تحريكات نفوس الأفلاك اجرامها بلا تفاوت انتهى ومن هاهنا يتفطن
العارف اللبيب بان غاية جميع المحركات من القوى العالية والسافله في تحريكاتها
هو الفاعل الأول من جهة توجه الأشياء المحركة إليها لا إلى ما تحتها (1) فيكون



(1) والبرهان عليه ان الشئ لا يكون مقصودا الا لاستقلاله ومن المبرهن عليه ان وجودات
الممكنات رابطه بالنسبة إلى الواجب تعالى ونسب وجود به من حيث هي موجوده فالواجب هو المقصود
الحقيقي بها ط مده.
277
غاية بهذا المعنى أيضا وبهذا ظهر سر قولهم لولا عشق العالي لانطمس السافل ثم
لا يخفى عليك ان فاعل التسكين كالطبيعة الأرضية كفاعل التحريك كطبائع الأفلاك
في أن مطلوبه أيضا ليس ما تحته في الوجود كالاين مثلا بل غايته ومطلوبه كونه على
أفضل ما يمكن في حقه ويلائم له كما أشار اليه المعلم الثاني أبو نصر في الفصوص بقوله
صلت السماء بدورانها والأرض برججانها كيف ولا شئ الا ونجد فيه شوقا إلى محبوب
وتحننا إلى مرغوب طبعا واراده قال بعض العرفاء لعمري ان السماء بسرعه
دورانها وشده وجدها والأرض بفرط سكونها لسيان في هذا الشان ولعمر الهك
لقد اتصل بالسماء والأرض من لذيذ ما نالتا من تجلى جمال الأول ما طربت به السماء
طربا ورقصا فهي بعد وفي ذلك الرقص والنشاط وغشى به على الأرض لقوه الوارد
فألقيت مطروحه على البساط وسريان لذه التجلي عبدهما ومشاهده لطف الأزل
هي التي سلبت افئدتهما كما قيل في الشعر
فذلك من عميم اللطف شكر * وهذا من رحيق الشوق سكر.
فان قلت الغاية وان كانت بحسب الشيئيه متقدمه على الفعل لكن يجب أن تكون
بحسب الوجود متاخره عن الفعل مترتبه عليه فلو كان الواجب تعالى فاعلا
وغاية لزم ان يكون متقدما على الوجود الممكنات بالذات متأخرا عنها كذلك فيكون
شئ واحد أول الأوائل وآخر الأواخر.
قلت قد مر ان تأخر الغاية عن الفعل وجودا وترتبها عليه انما يكون إذا
كانت من الكائنات واما إذا كانت مما هو ارفع من الكون فلا يلزم بل الغاية في
المعلولات الابداعيه تتقدم عليها علما ووجودا باعتبارين وفي الكائنات تتأخر عنها
وجودا وان تقدمت عليها علما ولك (1) ان تقول ان الواجب تعالى أول الأوائل



(1) الأولى ان يقال هو تعالى بحسب الوجود النفسي أول الأوائل وبحسب وجوده الرابطى
لنا آخر الأواخر إذ القربة المحضة هي التخلق باخلاق الله وكان المصنف عبر عنه بالتشبه
بالمبدء س ره.
278
من جهة كونه عله فاعليه لجميع الأشياء كما سنبرهن عليه وعلة غائيه وغرضا لها
وهو بعينه آخر الأواخر من جهة كونه غاية وفائده تقصده الأشياء وتتشوق اليه
طبعا واراده لأنه الخير المحض والمعشوق الحقيقي فمصحح الاعتبار الأول نفس
ذاته بذاته ومصحح الاعتبار الثاني صدور الأشياء عنه على وجه يلزمها عشق يقتضى
حفظ كمالاتها الأولية وشوق إلى تحصيل ما يفقد عنها من الكمالات الثانوية ليتشبه
بمبدئها بقدر الامكان وقد علمت الفرق بين الغاية الذاتية والغاية العرضية.
شكوك وازاحات:
قد تحقق لديك ان كل فاعل يفعل فعلا لغرض غير ذاته فهو
فقير مستفيض يحتاج إلى ما يستكمل به فما (1) يستكمل
به يجب ان يكون اشرف واعلى منه فكل فاعل لغرض يجب ان يكون غرضه ما هو
فوقه وإن كان بحسب الظن فليس للفاعل غرض حق فيما دونه ولا قصد صادق لأجل
معلوله لان ما يكون لأجله قصد يكون ذلك المقصود أعلى من القصد بالضرورة فلو
كان إلى معلول قصد صادق غير مظنون لكان القصد معطيا لوجود ما هو أكمل منه
وهو محال فان اشتبه عليك ذلك بما ترى من تحقق بعض المعلولات على حسب
ما يقصده قاصد كحصول الصحة من قصد الطبيب في معالجه شخص وتدبيره إياه
لحصول صحته معتقدا انه قد استفيدت الصحة من قصده إياها وكونها غرضا له في



(1) ان قلت الكاتب يكتب لغرض هو اخذ الأجرة واخذ الأجرة كيف يكون اشرف
من الانسان أو الجواد يبذل لتحصيل خصله الاجاده وهي كيف تكون اشرف من الانسان وهو
لا أقل جوهر وهما عرضان.
قلت لولا الكاتب المحتاج يقصد الكاتب الغنى والغنى أكمل من المحتاج والجواد بالقوة
يقصد الجواد بالفعل أو صاحب الجود بنحو الحال يقصد ذا الجود بنحو الملكة وبالجملة
فالانسان يطلب الانسان.
وثانيا انه قدس سره قد اومى إلى جواب آخر بقوله يكون القصد أعلى من المقصود فالفاعل
بالحقيقة هو القصد س ره.
279
تدبيرها فاعلم أن قصد الطبيب وغرضه ليس مفيد الصحة بل انما مفيدها مبدأ اجل
من الطبيب وقصده وهو واهب الخيرات على المواد حين استعدادها والقصد مطلقا مما
يهئ المادة لا غير والمفيد دائما ارفع من القاصد فالقاصد يكون فاعلا بالعرض لا بالذات.
سؤال كثيرا ما يقع القصد إلى ما هو اخس من القاصد.
جواب بلى ولكنه على سبيل الغلط والخطاء (1).
سؤال قد تقرر ان الغرض ما يجعل الفاعل فاعلا فالعلاقه الذاتية متحققه
بينهما فالفاعل يجب ان يستكمل به بحسب الواقع.
جواب ربما يكون (2) الفاعل بحسب ذاته جوهرا اشرف رفيعا مما قصده
وبحسب مخالطه المواد وقواها الحسية والخياليه التي هي في الحقيقة يوجب القصد
اليه يكون اخس منه
سؤال إذا لم يكن للواجب غرض في الممكنات وقصد إلى منافعها فكيف حصل
منه الوجود على غاية من الاتقان ونهاية من التدبير والاحكام وليس لاحد ان ينكر



(1) اي انه موجود بوجود قياسي لا بوجود نفسي لان الغلط والخطاء كذلك مثلا الانسان
الذي هو اشرف جوهرا من أن يتلوث بقذاره الفحشاء يخالط الخيال والوهم فيخيل اليه ان من
كماله الاتيان بالفحشاء والتلذذ بلذتها ثم يغلط فيحسب انه بجوهره الشريف يقصد ذلك ويستكمل
به وواقعه استكمال الوهم بما يتوهمه من لذه واستكمال القوة الجسمانية بما لها من الغاية
ط مده.
(2) ان قلت هذا الجواب يتعلق شديدا بسؤال قبله كما هو ظاهر ولا تعلق له
بهذا السؤال.
قلت تعلقه بهذا الاجل ان هذا السؤال كان مضمونه ان الغرض لما كان للفاعل بما هو فاعل والفاعل
أقوى وأكمل من المعلول المنفعل فالفاعل يجب ان يستكمل به وإن كان اخس وادون عن الفاعل فمضمون
الجواب ان الفاعل الذي كالنفس الناطقة القدسية بحسب جوهر ذاته ليس فاعلا لفعل
جزئي لغرض جزئي ليكون الفعل الجزئي وسيله لنيله الغرض الجزئي الداثر ويكون معلولا في فاعليته لذلك
الغرض ويستكمل وذلك كله لا يجوز على القدسي بما هو قدسى واما من حيث المخالطه بالمواد
فلا باس بفاعليته للفعل الجزئي المعلل بالغرض الجزئي لان شانه الاستكمال واما كون هذا الجواب
متعلقا بالسؤال الذي قبله أيضا فلا ضير فيه إذ يكون ذلك السؤال مجابا بجوابين س ره.
280
الآثار العجيبة الحاصلة في تكون اجزاء العالم على وجه يترتب عليها المصالح والحكم
كما يظهر بالتأمل في آيات الآفاق والأنفس ومنافعها التي بعضها بينه وبعضها مبينه
وقد اشتمل عليها المجلدات كوجود الحاسه للاحساس ومقدم الدماغ للتخيل ووسطه
للتفكر ومؤخره للتذكر والحنجره للصوت والخيشوم للاستنشاق والأسنان
للمضغ والريه للنفس والبدن للنفس والنفس لمعرفه الباري جل كبرياؤه إلى غير ذلك
من منافع حركات الأفلاك وأوضاع مناطقها ومنافع الكواكب سيما الشمس والقمر مما
لا تفي بذكره الألسنة والأوراق ولا يسع لضبطه الافهام والأذواق.
جواب الواجب تعالى وان لم يكن في فعله غاية غير ذاته ولا لميه مصلحيه
من المنافع والمصالح التي نعلمه أو لا نعلمه وهو أكثر بكثير مما نعلمه لكن ذاته ذات
لا تحصل منه الأشياء الا على أتم ما ينبغي وأبلغ ما يمكن من المصالح سواء ا كانت
ضرورية كوجود العقل للانسان ووجود النبي للامه أو غير ضرورية ولكنها
مستحسنه كانبات الشعر على الحاجبين وتقعير الأخمص من القدمين ومع ذلك
فإنه عالم بكل خفى وجلى لا يعزب عنه مثقال ذره في السماوات والأرض كما سيجئ
كيف وعناية كل عله لما بعدها كما مر سبيلها هذا السبيل من أنها لا يجوز ان تعمل
عملا لما دونها ولا ان تستكمل بمعلولها الا بالعرض ولا ان تقصد فعلا لأجل
المعلول وان كانت تعلمه وترضى به فكما ان الأجسام الطبيعية من الماء والنار
والشمس والقمر انما تفعل أفاعيلها من التبريد والتسخين والتنوير لحفظ كمالاتها
لا لانتفاع الغير منها ولكن يلزمها انتفاع الغير منها من باب الرشح كما قيل
وللأرض من كأس الكرام نصيب وكذا مقصود ملكوت السماوات في تحريكاتها
ليس هو نظام العالم الأسفل بل ما هو ورائها من طاعه الله تعالى والتشبه بالخير الأقصى
ولكن يترشح منها نظام ما دونها على ما قيل في الفرس
عالم بخروش (1) لا إله إلا هو است * غافل بگمان كه دشمن است أو يا دوست



(1) وذلك لان حقيقة وجود العالم حقيقة مبسوطه تمتنع عليها العدم وحقيقة الوجود
التي هي الوجوب وظهوره تنادى وتشهد بالتوحيد وهو عين الهوية وبها للعالم الذي هو الماهيات
ظهور وهويه بالعرض لا بالحقيقة لان شيئية الماهية بذاتها لا موجوده ولا معدومه بل ولا جزئيه ولا
كليه وسيأتي انه بذاته المستجمعه مع جميع الأشياء وهو معكم أينما كنتم واما قوله غافل بگمان
كه دشمنست أين يا دوست فكلمه ياء الفارسية بمنزله أو للتقسيم لا للترديد يعنى غافل پندارد كه أين
دشمنست وآن دوست ونداند كه همه ظهور صفات دوست حقيقي است س ره.
281
دريا بوجود خويش موجى دارد * خس پندارد كه أين كشاكش با اوست
فالواجب تعالى يلزم (1) من تعقله لذاته الذي هو مبدء كل خير وجود
حصول الأشياء على الوجه الأتم والنظام الأقوم فهذه اللوازم يا حبيبي من غايات
عرضيه ان أريد بالغاية ما يقتضى فاعليه الفاعل وذاتيته وان أريد بها (2) ما يترتب على الفعل
ترتبا ذاتيا لا عرضيا كوجود (3) مبادى الشرور وغيرها في الطبائع الهيولانية.
سؤال هذه اللوازم مع ملزوماتها التي هي كون تلك المبادى على كمالها
الأقصى يجب أن تكون متصوره لتلك المبادى اما تصورا بالذات أو بالعرض مع أن
المبادى بعضها طبائع جسمانية لا شعور لها أصلا بما يتوجه اليه.
جواب نفى الشعور مطلقا عنها مما لا سبيل لنا اليه بل الفحص والنظر يوجبانه فان
الطبيعة لو لم يكن لها في أفاعيلها مقتضى ذاتي لما فعلته بالذات ضرورة وإذا لم يكن
لمقتضيها وجود الا أخيرا فله نحو من الثبوت أولا (4) المستلزم لنحو من الشعور وان



(1) تعقله أو علمه فعلى س ره.
(2) هذا اشاره إلى ما أقمنا عليه البرهان ان للغاية تحققا في مرتبه
الفعل وهو كمال وجود الفعل الذي ينتهى اليه وبحذائه غاية في الفاعل غير منفصل من ذاته والواجب تعالى لفعله غاية
ينتهى إليها لكن غايته بحسب ذاته ليس الا ذاته ط مده.
(3) مثال للعرضى فان الشر مجعول في انقضاء الإلهي بالعرض س ره.
(4) اما الثبوت فلان معطى الشئ ليس فاقدا له والمقتضى مقتضى لذات المقتضى فوجود
الحرارة كامن في وجود القوة المسخنة النارية ووجود البرودة في وجود القوة المبردة المائية
وقس البواقي واما الاستلزام لنحو من الشعور فلان الدرك هو النيل والوجدان وهنا علم ما على
جمع ما وحضور ما وقد تحقق س ره.
282
لم يكن على سبيل الرويه والقصد بل الحق عدمه كما في القرآن المجيد (1) وان
من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا يفقهون تسبيحهم ثم إنه (2) بناء ا على قاعده التوحيد
الذي نحن بصدد تحقيقة إن شاء الله تعالى يجب ان يكون لجميع الأشياء مرتبه من الشعور
كما أن لكل منها مرتبه من الوجود والظهور لان الواجب الوجود متصف بالحياة
والعلم والقدرة والإرادة مستلزم لها بل هذه الصفات عينه تعالى وهو بذاته (3)
المتصفه بها مع جميع الأشياء لأنها مظاهر ذاته ومجالى صفاته غاية الأمر ان تلك
الصفات في الموجودات متفاوتة ظهورا وخفاء ا حسب تفاوت مراتبها في الوجود قوه
وضعفا
سؤال قد يستدل من جهة احكام الفعل واتقانه على رويه الفاعل وقصده



(1) اي بناء ا على قرائه يفقهون بياء الغيبة س ره.
(2) فإنه إذا كان وجود ذره الهباء ووجود الدره البيضاء أعني الحقيقة التي بها طرد العدم
عن هيولي الكل والعقل الكلى سنخا واحدا كنوع واحد بمقتضى اشتراط السنخيه بين العلة
والمعلول فان عله الوجود وجود وعلة العدم عدم وعلة الماهية ماهية وكان وجود الدره البيضاء
علما كان وجود ذره الهواء أيضا علما لان هذا من سنخ ذلك الا ان العلم في كل قابل بحسبه لان الوجود
في كل بحسبه انزل من السماء ماء ا فسالت اوديه بقدرها وكذا إذا كان ذلك عشقا كان هذا عشقا
وقس عليه وبهذا الطريق أثبت عشق الهيولى بالصورة فيما سبق فتتذكر س ره.
(3) اشاره إلى المرموز الذي يعبر عنه بلسانهم بوجود زيد اله زيد إذ حقيقة الوجود الصرف
التي هي عين ذاته سبحانه انما هي الوجود الموجود بالحقيقة وما سواها ليس له في مرتبه ذاته الفاقره
حظ من حقيقة الوجود والا لزم المماثلة الموجبة للتركيب والافتقار والتحديد والاضطرار
فيصير القاهر مقهورا والواجد ممكنا وإذا لم يكن لشئ مما سواه سبحانه في مرتبه نفسه حظ من
حقيقة الوجود والموجوديه لا يتصور الا بالوجود والوجود بما هو وجود لا يتصور له ثان ولا يتعدد
كما اومانا اليه واظهرنا فلا يمكن ان يوجد الا بالوجود الصرف الذي هو حقيقة الحق الحقيقي
القيومى وحده لا شريك له فهو سبحانه وجود كل شئ بمعنى انه الذي يتقوم ويتحصل ويوجد به
الأشياء يا من كل شئ قائم به يا من كل شئ موجود به وهذا بالحقيقة هو المعنى المقصود من كون
وجود كل ممكن زائدا على ذاته خارجا عنه لا ما يتخيله الجمهور من الزيادة في الذهن والاعتبار
فاعتبر فإنه غامض جدا ن ره.
283
فكيف لا يكون أفاعيل المبادى الذاتية على سبيل القصد والرويه.
جواب هذا (1) استدلال يحسن به مخاطبه الجمهور ممن قصرت أفهامهم
عن ادراك الغايات الحقيقية ومبادئها قد مر ان لكل فعل غاية وثمره سواء ا كان مع
الرويه أو بدونها.
زيادة تبصره
قد استوضح من تضاعيف ما ذكرناه ان المبدء الأول هو الذي
ابتدء الامر واليه ينساق الوجود وانكشف انه هو الغاية القصوى
بالمعنيين (2) كما أنه الفاعل والعلة الغائية للكل والفرق (3) بين
المعنيين بوجهين أحدهما بوجه الذاتية والعرضية والاخر بحسب الوجود العيني
لذاته والتحقق العرفاني لغيره فهو الأول بالإضافة إلى الوجود إذ صدر منه ولاجله



(1) يذكر في علم الكلام وليس برهانا لان افعال الطبائع في غاية الاحكام والاتقان عند
ذوى البصائر ولا رويه لها س ره.
(2) الأولى بمعنيين بحذف اللام كما لا يخفى س ره.
(3) اي بينهما فرق اعتباري من وجهين كل منهما مؤسس الاثنينية ومحصلها كأنه فصل
مقسم للغاية بمعنى المنتهى اليه للحركات والافعال والطلبات لا ان ما به الافتراق المذكور من
الطوارى بين الاثنينية وكذا الفرق بين الوجهين اعتباري من باب سبك اعتباري
من اعتباري.
وخلاصه ما ذكر من زيادة التبصرة إلى التذنيب ان الغاية الأخيرة لجميع العالم لها
ثلاثة معان.
أحدها العلة الغائية وقد علمت اعتبار السبق في علم الفاعل فيها وانها علمه السابق الفعلي
بوجه الخير في النظام الكلى.
وثانيها الغاية بمعنى ما ينتهى اليه الفعل ويعتبر فيها النهاية وهذا قسمان أحدهما ما ينتهى
اليه الفعل بالذات والاخر ما ينتهى اليه بالعرض وهذان هما المراد بالذاتيه والعرضية وبحسب
الوجود العيني لذاته والتحقق العرفاني لغيره يعنى وجوده العيني النفسي لذاته ما ينتهى اليه بالذات
هذا الفعل الكلى والايجاد المطلق ووجوده الرابطى لغيره معروفا ما ينتهى اليه بالعرض وانما
مغايره هاتين الغايتين ما دام بقاء ما للعارف وعند الطمس الصرف والفناء المحض أو العلم
الحضوري من باب علم الفاني بالمفنى لا يبقى شئ حتى يتحقق وجود رابط والمعروفيه صفه
آتيه له تعالى كالعلم س ره.
284
الكل على ترتيبه واحدا بعد واحد وهو الاخر بالإضافة إلى سير المسافرين اليه
فإنهم لا يزالون مترقين من منزل إلى منزل إلى أن يقع الانتهاء إلى تلك الحضرة
فيكون ذلك آخر السفر فهو آخر في المشاهدة وأول في الوجود والله عز وجل
حيث أنبأنا عن غاية وجود العالم بالمعنى الثاني قال كنت كنزا مخفيا فأحببت
ان اعرف فخلقت الخلق لأعرف فدلنا على أنه الغاية القصوى لوجود العالم معروفا
كما أنه الفاعل والعلة الغائية له موجودا ودلنا أيضا على بعض الغايات المتوسطة
بقوله لولاك لما خلقت الأفلاك فالغايه الأخيرة بالمعاني الثلاثة لوجود العالم انما
هي وجوده تعالى ولقاء الآخرة ولذلك بنى العالم ولاجله نظم النظام واليه ينساق
الوجود الا إلى الله تصير الأمور.
تذنيب
قد تبين ان الموجودات العالمية كلها بحسب فطرتها الأصلية
متوجهه نحو غايات حقه وأغراض صحيحه بل الغاية في
الجميع شئ واحد هو الخير الأقصى فليعلم (1) ان هاهنا غايات اخر وهميه كما
أشرنا اليه زينت لطوائف من الناس فهم سالكون إليها في لبس وعمايه من غير
بصيره ودرايه وهم أكثر الناس الا عباد الله المخلصين فهؤلاء الطوائف مع
ولى الوجود في شقاق فهم ليسوا عباد الله في الحقيقة ولا الله موليهم وسيدهم وحيث
ما يتولونه فله لا محاله ولى الشيطان من الطواغيت فان شئت سمهم عبده الهوى
وان شئت سمهم عبده الطاغوت فقد نزل بكل ذلك القرآن فمن تولى الله وأحب
لقائه وجرى على ما اجرى عليه النظام الحقيقي تولاهم وهو يتولى الصالحين ومن
تعدى ذلك وطغى وتولى الطواغيت واتبع الهوى فلكل نوع من الهوى طاغوت فتشخص
لكل معبوده ووجه اليه كما في قوله تعالى ا فرأيت من اتخذ الهه هويه وانك
لتعلم ان النظامات الوهميه والغايات الجزئية تضمحل ولا تبقى فكل من كان وليه



(1) هذا بحسب الامر والنهى التكليفي التكويني س ره.
285
الطاغوت والطاغوت من جوهر هذه النشاه الهيولانية فكلما (1) أمعنت هذه النشاه
في العدم ازداد الطاغوت اضمحلالا فيذهب به ممعنا في وروده العدم منقلبا به في
الدركات حتى يحله دار البوار عصمنا الله واخواننا في اليقين من متابعه الهوى
والركون إلى زخارف الدنيا وجعلنا من عباده الصالحين والذين يتولاهم برحمته
يوم الدين
فصل [25]
في تتمه الكلام (2) في العلة والمعلول واظهار شئ من الخبايا
في هذا المقام
قد سبق القول منا في أن التأثير والتأثر بين أمرين قد يكون بالذات وقد يكون
بالعرض والمراد مما (3) بالعرض حيث وقع في كلامنا هو ان يكون اتصاف



(1) لعلك تقول ان للنفس في مقام خياله اقتدارا على التصوير كما سيأتي في مباحث المعاد
والملائم والمنافر بالحقيقة ما هو موجود لها وهو المدرك بالذات لا المدرك بالعرض.
فأقول هؤلاء الطوائف مالوفاتهم المحسوسات الطبيعة فلا يتسلى بخيالاتها كمن يفوت ويتوفى
ماله وولده في الدنيا فلا يتسلى بخيالهما بل يتحزن أكثر وأيضا عقد قلبهم على فواتهما وذلك
الايقان لا يفارقه وأيضا وهو احكم وأيقن هؤلاء لا يتمكنون من تخيل مالوفاتهم على صور معهوده
لهم في الدنيا بل ذلك اليوم يوم حصاد الثمرات فان اكل مال اليتيم ظلما في الدنيا يصير اكل النار
في الآخرة كله فليس في حسهم وخيالهم هناك الا صور تجسم اعمالهم كما أن ايثار الزكاة هاهنا
جلوس على شاطئ فهو العسل هناك وهذا من الضروريات وخاصية تبدل النشات كتبدل سنى
القحط سبع بقرات عجاف في الرؤيا ولولا هذا لكان كل من تصوره لفنون اللذائذ الجزئية أتم
ولدقائقه اضبط أسعد وافلح فهو باطل بالفطرة س ره.
(2) هذه الخاتمه اجل ما في هذه المرحلة بل في هذه المراحل وبمعرفتها يتصل الخاتمه
بالفاتحه ويبلغ كمال الكتاب حد النصاب فان توفيه حق الجمع بين البرهان وبين الذوق والوجدان
الذي هو يتعلم البرهان الديان إذا كان بتقوى الله تعالى ذا اقتران وبين العقل والنقل حتى هذه الاسفار
شكر الله تعالى مساعي من اجاده س ره.
(3) اعلم أن الواسطة في الثبوت كما مر هي التي توجب اتصاف ذي
الواسطة بما فيه الوساطه من صفته بالحقيقة ولا يكون لها صحه سلب عنه كوساطه النار في اتصاف الماء بالحراره
والواسطة في العروض ما هي بخلافه فيكون الاتصاف لعلاقه ويكون فيه صحه السلب حقيقة
وهي على اقسام.
أحدها ان يكون الواسطة وذو الواسطة موجودين بوجودين متباينين في الوضع كالسفينه
وجالسها في الاتصاف بالحركة.
وثانيها ان يكونا موجودين بوجودين غير متباينين في الوضع كالسواد والابنوس
في الاتصاف بالاسوديه فان السواد هو الأسود في الحقيقة.
وثالثها ان يكونا موجودين بوجود واحد كالفصل والجنس في باب التحصيل فان جعلهما واحد
ووجودهما واحد بدليل الحمل سيما في البسائط وكالوجود والماهية في باب التحقق ولما كان
وساطة الشخص في تحقق الكلى الطبيعي من قبيل الثالث كان وجود الطبيعي عين وجود الشخص لا
وجودا منعزلا عن وجودات اشخاصه كما زعمه الرجل الهمداني المعاصر للشيخ الرئيس ولا ان
وجود الطبيعي في عالم الابداع وهو وجود رب النوع كما توهم لان الفرد الابداعي أيضا شخص
من الطبيعي والتفاوت بينه وبين هذه الافراد الطبيعة بالتفاضل لا يقدح في التماثل كما في الانسان
الكامل والانسان الناقص وبالجملة فليس الوساطه من قبيل الوساطه في الثبوت ولا من قبيل
الأول والثاني من الوساطه في العروض إذ لا وجود للطبيعي على حدة لان ذاته خاليه عن الوجود
والعدم ولا يصير الوجود عينا ولا جزء ا له ولكون الطبيعة منغمره الوجود في شخصها
وعدم تشئ وجودي لذاتها صار الوجود الحقيقي وهو التشخص الحقيقي تحققا لها فلم تكن
الواسطة في الثبوت بل الاتصاف على سبيل التجوز ولكن التجوز برهاني وبنظر شامخ عرفانى
واما عند العقول المشوبه فهو يسمى حقيقة س ره.
286
الموصوف بالحكم المذكور له مجازيا لا حقيقيا الا ان له علاقة اتحاديه أو غيرها مع
ما يكون موصوفا به حقيقة كاتصاف الجسم بالمساواة وعدمها بواسطة اتحاده
بالمقدار وبالمشابهه وغيرها بواسطة اتحاده بالكيف وكاتصاف جالس السفينة
بالحركة بواسطة ارتباطه معها وقد علمت من قبل ان اتصاف الماهية بصفات
الوجود من التقدم والتأخر والعلية والمعلولية وغيرها على النحو الذي يخص
بالوجود من قبيل الاتصاف العرضي المجازى من جهة علاقة اتحاديه بين الماهية
والوجود وانكشف لك في مباحث الجعل ان الجعل لا يتعلق بالماهية أصلا ولا يصلح
لان يكون متعلق الجعل والتأثير والإفاضة وما أشبه هذه الا مرتبه من مراتب

287
الوجود لا الماهيات فالماهيات على صرافه امكانها الذاتي وسذاجه قوتها الفطرية
وبطونها الجبلي من دون ان يخرج إلى فضاء الفعلية والوجود والظهور والقائلون
بثبوت المعدومات الممكنة انما غلطهم لأجل انهم ذهبوا إلى انفكاك الثبوت من
الوجود في تلك الماهيات وقد علمت أن هذا من فاسد القول إذ الماهيات قبل
الوجود لا يمكن الحكم عليها بشئ من الأشياء حتى الحكم عليها بثبوت نفسها لها
إذ لا ظهور لها ولا امتياز بينها قبل الوجود إذ الوجود نور يظهر به الماهيات
المظلمة الذوات على البصائر والعقول كما يظهر بالنور المحسوس الأشجار والأحجار
وسائر الاشخاص الكثيفه المظلمة الذوات المحجوبه لذواتها عن شهود الابصار
والعيون فكل مرتبه من الوجود يظهر بها ماهية من الماهيات لاتصافه بها واتحاده
معها فما لم يتحقق هذا النحو من الوجود لا يمكن الحكم على تلك الماهية المنسوبة
اليه المتحدة به نحوا من الاتحاد بشئ من الأشياء لكن بسبب ذلك الوجود المعقول
أو المحسوس يمكن الحكم عليها انها هي هي أو ليست الا هي فليست هي لذاتها
موجوده ولا معدومه ولا ظاهره ولا باطنه ولا قديمه ولا حادثه بمعنى ثبوت شئ
من هذه الأشياء لها واما إذا أريد ببعض هذه الأشياء سلب بعض آخر فذلك السلب
صادق في حقها أزلا وابدا بان أريد من العدم سلب الوجود لا ثبوت السلب ومن
البطون سلب الظهور لا عدم ملكه الظهور بل جميع السلوب صادقه في حقها أزلا
وابدا إذ لا ذات لها حتى يثبت لها شئ من الأشياء وارتفاع النقيضين انما يستحيل
عن الشئ الموجود من حيث كونه موجودا لا من حيث كونه غير موجود فما لم
يعتبر للشئ وجود وإن كان على نحو الانصباغ به لا يكونه موجودا لذاته لا يمكن
ثبوت شئ له والحكم به عليه فالحكم على الماهيات ولو كان باحكامها الذاتية
وأوصافها الاعتبارية السابقة الأزلية من الامكان والبطون والظلمة والخفاء
والكمون وأشباهها انما يتوقف على انصباغها بصفه الوجود واستنارتها به فقول بعض

288
المحققين من أهل الكشف واليقين ان الماهيات المعبر عندهم بالأعيان الثابتة
لم يظهر ذواتها ولا يظهر ابدا وانما يظهر احكامها وأوصافها وما شمت ولا تشم
رائحة الوجود أصلا معناه ما قررناه فالحكم على الماهية بالوجود ولو في وقت من
الأوقات انما نشا من غشاوه على البصر وغلط في الحكم من عدم الفرق بين الشئ
وما يصحبه ويلزمه فكما ان لوازم الماهيات التي هي أمور اعتبارية لا يحتاج ثبوتها
والحكم بها على الماهية إلى جعل جاعل وتأثير عله لا عله الماهية ولا عله غيرها كما
ذهبت اليه كافه الحكماء والمحققون ودلت عليه صريح عباراتهم ومسطوراتهم ومن
هذا القبيل تحقق مبادى الشرور والاعدام عند الفلاسفة حيث لا يكون تحقق مبادى
الشرور الذاتية عندهم بجعل وافاضه من المبدء الاعلى الخالي عن القصور المقدس
عن النقض في الافعال تعالى عن ذلك علوا كبيرا فكذلك نقول لما حققنا وبينا
ان اثر الجاعل وما يترتب عليه ليس الا نحوا من انحاء الوجود ومرتبه من مراتب
الظهور ولا ماهية من الماهيات بل الماهية يظهر بنور الوجود من دون تعلق جعل
وافاضه بها فالمتحقق والصادر من المبدع الحق والصانع المطلق انما هو بالحقيقة
الوجود دون الماهية فنسبه المعلولية إلى الماهية بالمجاز الصرف كنسبه الموجودية
إليها.
ولا يتوهمن أحد ان نسبه الموجودية إلى الماهيات كنسبه الابيضيه إلى الجسم
حيث نحكم حكما صادقا على الجسم بأنه ابيض لان مناط الحكم بالابيضيه على
الجسم قيام وجود البياض بوجود الجسم قياما حقيقيا فالجسم في مرتبه وجوده
وان لم يتصف بوجود البياض لكن يتصف به في مرتبه وجود البياض لان وجود شئ لشئ
متأخر من وجود الموصوف ومتوقف عليه بخلاف الحكم على الماهية بالموجوديه إذ لا قيام
للوجود بالماهية ولا وجود أيضا للماهية قبل الوجود ولا أيضا منتزع الوجود في نفس الماهية

289
فلا وجه لاتصافها بالموجوديه الانتزاعيه فضلا عن الوجود الحقيقي بل الماهية ينتزع
من الوجود لا الوجود من الماهية فالحكم بان هذا النحو من الوجود انسان أولى
من الحكم بان ماهية الانسان موجوده لان الانصاف بالشئ أعم من أن يكون
بانضمام الصفة إلى الموصوف في الوجود أو يكون وجود الموصوف بحيث ينتزع العقل
منه تلك الصفة وكلا القسمين يستدعى وجود الموصوف في ظرف الانصاف ضرورة
ان الشئ ما لم يكن موجودا في الخارج مثلا لم يصح انضمام وصف اليه أو انتزاع
حكم من الاحكام من نحو وجوده الخاص في الخارج كما بينه بعض اجله المتأخرين
والوجود قد دريت انه الوجود لا الماهية فقد تحققت ان العلة كيف تكون عله
بالذات اي بالحقيقة وكيف تكون عله بالعرض اي بالمجاز ولا نزاع لاحد في أن
للعلة جعلا وتأثيرا في الممكن فالمجعول اما الوجود أو الماهية أو انضياف
الماهية إلى الوجود واتصاف أحدهما بالاخر ولما بين بطلان القسمين الأخيرين
فلم يبق الا كون الوجود متعلق الجعل والإفاضة دون غيره فقد وضح ان ليس
في الخارج الا الاشخاص الوجودية وقد بينا في مبحث الماهية ان الوجودات
الخاصة الامكانية هي بعينها مبادى الفصول الذاتية للحقائق فالعقل يعتبر وينتزع
من الاشخاص الوجودية الجنس والفصل والنوع والذاتي والعرضي ويحكم بها
عليها من جهة ذاتها أو عارضها الذي هو أيضا نحو من الوجود فلهذا (1)



(1) في كيفية التركيب من الاجزاء العقلية كما قال السيد المحقق الشريف اشكال
وأقوال بعد اتفاقهم على تمايزها في العقل.
أحدها ان الاجزاء العقلية متعددة وجودا وماهية في العين.
وثانيها انها في العين متعددة ماهية متحده وجودا بناء ا على كونها اجزاء محموله والحمل
هو الاتحاد في الوجود وتقدم الماهية على الوجود بالتجوهر.
وثالثها انها في العين متحده ماهية ووجودا واما الذي ذكره المصنف قدس سره فهو
رابع الأقوال وهو ان لا تحقق لماهياتها في العين لا بنحو الوحدة ولا بنحو الكثرة بالذات وإن كان
الكلى الطبيعي موجودا في العين بالعرض فليس المتحقق بالذات في العين الا نحو وجود واحد
بسيط ينتزع منه بحسب استعدادات للعقل لأجل تنبهه لمشاركات أقل أو أكثر صور متمايزه عند العقل
وما تسمع منه قدس سره في هذا الكتاب وسائر كتبه ان الفصل الحقيقي هو الوجود الخاص يشير
إلى قوله هذا وارتضائه القول الرابع في هذا المقام س ره.
290
المعاني الجزئية أو الكلية الذاتية أو العرضية صور متمايزه عند العقل يحصلها من
الشخص بحسب استعدادات تعرض للعقل واعتبارات يتعقلها من جزئيات أقل أو
أكثر مختلفه في التباين والاشتراك فيدرك من زيد تارة صوره شخصيه لا يشاركه
فيها غيره وأخرى صوره يشاركه فيها عمرو وبكر وأخرى صوره يشاركها فيها
الفرس وغيره وعلى هذا القياس
فان قيل هذا انما يستقيم في النوع البسيط كالسواد لظهور ان ليس في
الخارج لونيه وفي آخر به امتياز السواد عن سائر الألوان ولهذا لا يصح ان يقال جعل لونا
فجعل سوادا بل جعل وجوديهما واحد واما في غيره فالذاتيات المتمايزة في العقل
متمايزه بحسب الوجود في الخارج وليس لوجودها جعل واحد كالحيوان فإنه يشارك
النبات في كونه جسما ويمتاز عنه بالنفس الحيوانية وجعل وجود الجسم غير جعل
وجود النفس حتى إذا زالت عنه النفس بقي وجود ذلك الجسم بعينه كالفرس الذي مات
وجسميته باقيه الوجود.
قلنا قد سبق ان المأخوذ على وجه كونه مادة غير المأخوذ على وجه كونه
جنسا وليس الكلام في تميز الأول عن الكل بالوجود الخارجي مع قطع النظر
من الوجود الذهني والاعتبار العقلي وانما كلام في الثاني لأنه الجزء المحمول المسمى
بالذاتى ومحصل الكلام ان جميع الموجودات عند أهل الحقيقة والحكمة الإلهية
المتعالية عقلان كان أو نفسا أو صوره نوعيه من مراتب أضواء النور الحقيقي وتجليات
الوجود القيومى الإلهي وحيث سطع نور الحق اظلم وانهدم ما ذهب اليه أوهام
المحجوبين من أن للماهيات الممكنة في ذاتها وجودا بل انما يظهر احكامها
ولوازمها من مراتب الوجودات التي هي أضواء واظلال للوجود الحقيقي والنور الاحدى

291
وبرهان هذا الأصل من جمله ما آتانيه ربى من الحكمة بحسب العناية الأزلية وجعله
قسطى من العلم بفيض فضله وجوده فحاولت به اكمال الفسلفه وتتميم الحكمة وحيث إن
هذا الأصل دقيق غامض صعب المسلك عسير النيل وتحقيق بالغ رفيع السمك
بعيد الغور ذهلت عنه جمهور الحكماء وزلت بالذهول عنه اقدام كثير من المحصلين
فضلا عن الانباع والمقلدين لهم والسائرين معهم فكما وفقني الله تعالى بفضله
ورحمته الاطلاع على الهلاك السرمدي والبطلان الأزلي للماهيات الامكانية والأعيان
الجوازية فكذلك هداني ربى بالبرهان النير العرشى إلى صراط مستقيم من كون
الموجود والوجود منحصرا في حقيقة واحده شخصيه لا شريك له في الموجودية الحقيقية
ولا ثاني له في العين وليس في دار الوجود غيره ديار وكلما يترائى في عالم
الوجود انه غير الواجب المعبود فإنما هو من ظهورات ذاته وتجليات صفاته التي
هي في الحقيقة عين ذاته كما صرح به لسان بعض العرفاء بقوله فالمقول عليه
سوى الله أو غيره أو المسمى بالعالم هو بالنسبة اليه تعالى كالظل للشخص فهو
ظل الله فهو عين نسبه الوجود (1) إلى العالم فمحل ظهور هذا الظل الإلهي المسمى
بالعالم انما هو أعيان الممكنات عليها امتد هذا الظل فيدرك من هذا الظل بحسب
ما امتد عليه من وجود هذه الذات ولكن بنور ذاته وقع الادراك لان أعيان الممكنات
ليست نيره لأنها معدومه وان اتصفت بالثبوت بالعرض لا بالذات إذ الوجود نور وما سواه
مظلم الذات فما يعلم من العالم الا قدر ما يعلم من الظل ويجهل من الحق على
قدر ما يجهل من الشخص الذي عنه ذلك الظل فمن حيث هو ظل له يعلم ومن



(1) المراد بالنسبة الإضافة الاشراقية لا النسبة المقوليه الاعتبارية كما لا يخفى والمراد
بهذا العالم غير العالم الأول لان الأول هو الظل والثاني هو الظلمة والأول هو الوجود المنبسط
والثاني هو الماهيات والأعيان الثابتة التي هي محل الظل ومجلى التجلي الإلهي ويمكن ان يكون
هو اسما لا ضميرا راجعا إلى الظل أو العالم والمراد بالعينيه عدم البينونة المقوليه وانه موجود
بوجود الله تعالى لا بايجاده من حيث إنه وجود منبسط وظل بما هو ظل وهو من صقع الحق تعالى وآله
لحاظه لا ظهور لنفس الظل ولذا قال تعالى ا لم تر إلى ربك ولم يقل إلى ظل ربك س ره.
292
حيث ما يجهل ما في ذات ذلك الظل من صوره (1) شخص من امتد عنه يجهل من
الحق ا لم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا اي يكون بحيث
لا ينشأ (2) منه فيض جوده وظل وجوده ثم جعلنا الشمس عليه دليلا وهو ذاته
باعتبار كونه نورا لنفسه في نفسه ويشهد به العقل والحس للظلال الممدوده الوجودية
فان الظلال لا يكون لها عين مع عدم النور ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا وانما
قبضه اليه لأنه ظله فمنه ظهر واليه يرجع الامر كله فكل ما ندركه فهو وجود الحق



(1) فكل ما يتراآى من الصور بحسب ما امتد عليه ذلك الظل من ذلك الشخص فهو صوره
وآية وحكايه لحقيقة اصيله ثابته في الأصل الذي يمتد عنه ذلك الظل سنريهم آياتنا في الآفاق
وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ومحصله الصور الاعيانيه التي يتراآى في ذلك الظل ومنه
كل في مرتبه من مراتبه انما هي صور الحقائق الأصيلة التي هي مجتمعه في وجود الشخص الذي يمتد
عنه الظل وهو يشتمل على تلك الحقائق بنحو أعلى لا كاشتمال الكل على الاجزاء ولا كشمول
الكلى بجزئياته بل بضرب اشرف يعبر عنه ببسيط الحقيقة كل الأشياء فالعالم الأكبر بمنزله
مرآة يتمادى وجه الحق ويتراآى فيها صور صفاته العليا وأسمائه الحسنى التي هي بالحقيقة ليست
الا أصول حقائق الأشياء العامليه فالعلم بحقائق تلك الأشياء وأحوالها يرجع بالحقيقة إلى
العلم بالله تعالى وصفاته العليا وأسمائه الحسنى التي هي بحسب الحقيقة والوجود عين ذاته سبحانه
وتعالى عن مماثله الأشياء ومشابهتها ومما قررناه في هذه الحاشية ينكشف حقيقة حال مفاد الآية الكريمة
وعلم آدم الأسماء كلها إذ الانسان الكامل يحيط بحقائق الأشياء العالمية بايجاد الله تعالى وتلك
الإحاطة منه ع بإذن الله سبحانه انما هي عين معرفته بذات الله وصفاته وأسمائه الحسنى فورود
التفسير تارة عن تلك الأشياء بالحقائق العالمية وتارة بحقائق صفاته العليا وأسمائه الحسنى
وتارة بأسماء محمد وآله ص وجه وجيه بلا اختلاف وتعارض بل كل يعاضد الاخر ويرجع
له فافهم ان كنت أهله ن ره.
(2) اي من جهة انه ذو علم ومشيه واختيار وان الامساك في سنه من حيث كونه حكيما جوادا باسط اليدين
بالرحمة محالا أو المعنى لو شاء لجعله ساكنا لكن شاء وجعله ساكنا إذ جف القلم بما هو كائن فكما كان
في الأزل ساكنا وفي الأبد ساكنا فالان كما كان وسيكون يعرف ذلك من يسمع الان ندائه لمن الملك
اليوم بلا انتظار ودخل في الاستثناء الذي بعد قوله تعالى فصعق من في السماوات والأرض فالشرطيه
من قبيل قوله تعالى ان يشا يذهبكم وقولهم ان شاء فعل وان لم يشا لم يفعل لكنه شاء ففعل بمقتضى جوده
وحكمته ونحو ذلك س ره.
293
في أعيان الممكنات فمن حيث هويه الحق هو وجوده ومن حيث اختلاف المعاني
والأحوال المفهومه منها المنتزعة عنها بحسب العقل الفكري والقوة الحسية فهو
أعيان الممكنات الباطلة الذوات فكما لا يزول عنه باختلاف الصور والمعاني اسم
الظل كذلك لا يزول عنه اسم العالم وما سوى الحق وإذا كان الامر على ما ذكرته
لك فالعالم متوهم ما له وجود حقيقي فهذا حكاية ما ذهبت اليه العرفاء الإلهيون
والأولياء المحققون وسيأتيك البرهان الموعود لك على هذا المطلب العالي الشريف
انشاء الله تعالى
نقل كلام لتقريب مرام
قال بعض أهل الكشف واليقين اعلم أن الأمور الكلية
والماهيات (1) الامكانية وان لم يكن لها وجود في عينها
فهي معقوله معلومه بلا شك في الذهن فهي باطنه لا يزال عن الوجود العيني ولها
الحكم والأثر (2) في كل ما له وجود عيني بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان
الموجودات العينية ولم تزل عن كونها معقوله في نفسها فهي الظاهرة من
حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها فاستناد كل موجود



(1) عطف تفسيري لان الكلى الطبيعي هو الماهية من حيث هي لأنه المعروض للكليه س ره.
(2) من المتداولات في السنة العرفاء ان الماهيات الامكانية والأعيان الثابتة ليست موجوده
ولكن لها الحكم والأثر
خدا را زين معما پرده بردار
فحله ان احكامها من الامكان والتحديد والكثرة وغيرها ظاهره لدى الأذهان باعتبار
انها وان ليس لها وجود بالذات فليس لها بهذا الاعتبار احكام وآثار لكن لها تحقق بالعرض
باعتبار سراية حكم الوجود إليها فتحققها بمعنى تحقق منشا انتزاعها وهذا القدر يصحح
احكامها وآثارها وكون هذا الاحكام والآثار لها ومن خواصها معلوم لان الامكان وهو سلب
ضرورة الوجود والعدم ليس حكم الوجود الذي حكمه ضرورة الوجود لان ثبوت الشئ لنفسه
ضروري وسلبه عن نفسه محال والتحديد للماهية وبالماهيه لا للوجود وبالوجود والوجود
لا يتكثر بنفسه بل لو تكثر بتكثر الموضوعات وقس عليه نظائرها س ره.
294
عيني بهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل ولا يمكن وجودها في
العين وجودا يزول به عن أن تكون معقوله سواء ا كان ذلك الموجود العيني موقتا
أو غير موقت إذ نسبه الموقت وغير الموقت إلى هذا الامر الكلى المعقول نسبه واحده
غير أن هذا الامر الكلى يرجع اليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما يطلبه
حقائق تلك الموجودات العينية كنسبه (1) العلم إلى العالم والحياة إلى الحي
فالحياه حقيقة معقوله والعلم حقيقة معقوله متميزة عن الحياة كما أن الحياة متميزة
عنه ثم نقول في الحق تعالى ان له علما وحياه فهو الحي العالم وفي الملك ان
له حياه وعلما فهو الحي العالم وحقيقة العلم واحده وحقيقة الحياة واحده ونسبتهما
إلى العالم والحى نسبه واحده ونقول في علم الحق انه قديم وفي علم الانسان انه
محدث فانظر ما ذا أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة وانظر
إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية فكما حكم العلم على من قام
ان يقال فيه عالم حكم الموصوف به على العلم بأنه حادث في حق الحادث قديم
في حق القديم فصار كل واحد محكوما به ومحكوما عليه ومعلوم ان هذه
الأمور الكلية وان كانت معقوله فإنها معدومه العين موجوده الحكم كما هي
محكوم عليها إذا نسب إلى الموجود العيني فيقبل الحكم في الأعيان الموجودة
ولا يقبل (2) التفصيل ولا التجزى فان ذلك محال عليها فإنها بذاتها في كل



(1) تنظير للمقام فان مفاهيم الحياة والعلم والقدرة ونحوها في الواجب تعالى نظائر
الماهيات الامكانية في الوجودات الخاصة في أنها مفاهيم منتزعه من الوجود الواجب كما سيقوله
المصنف قدس سره في بيان كلام هذا المكاشف ويؤمى اليه قول هذا المكاشف والحياة حقيقة
معقوله فكان مفاهيم الصفات بما هي مفاهيم كالماهيه للحقيقة الوجودية الوجوبية فالكاف في قوله
قدس سره كنسبه العلم للتشبيه ويمكن ان يكون للتمثيل بان يكون المطلوب مجرد سراية
حكم الموجود العيني إلى المعقول وبالعكس فسرايه حكم العيني إلى المعقول هاهنا اتصاف العلم
بالقديم والحادث وعكسه استحقاقهما حمل العالم بسبب العلم س ره.
(2) فان كل شخص من نوع حامل ماهية ذلك النوع بشراشرها وقول الحكماء نسبه الكلى
الطبيعي إلى الاشخاص نسبه الاباء إلى الأولاد لا أب واحد معناه ان له حصصا والحصه حقيقتها العرفية
الخاصة لا العامة ولا اللغوية ليست جزء الطبيعة بل لا تفاوت بينهما الا بالاعتبار فإنها نفس الطبيعة
مقيده بالخصوصيات الصنفيه أو الشخصية بحيث يكون القيد خارجا والتقييد داخلا ثم التقييد بما هو
تقييد مأخوذ لا بما هو قيد فيكون الحصة في المفاهيم الامكانية ايه الإضافة الاشراقية والتجلي
الإلهي في الحقيقة الوجودية س ره.
295
موصوف بها كالانسانية في كل شخص شخص من هذا النوع الخاص لم ينفصل ولم
يتعدد بتعدد الاشخاص ولا برحت معقوله وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني
وبين من ليس له وجود عيني قد ثبت وهي نسبه عدميه فارتباط الموجودات بعضها ببعض
أقرب (1) من أن يعقل لأنه على كل حال بينهما جامع وهو الوجود العيني هناك
وما ثمة جامع وقد وجد الارتباط (2) بعدم الجامع فبالجامع أقوى واحق هذا كلامه
قدس الله روحه العزيز وفيه تأييد شديد لما نحن بصدد اقامه البرهان عليه إن شاء الله
تعالى إذ قد علم منه تصريحا وتلويحا ان الماهيات الكلية التي هي غير الموجودات العينية
لاحظ لها من الوجود العيني وانما حظها من الوجود انتزاعها بحسب العقل من الوجودات
التي هي الموجودات العينية واتحادها معها فكما ان ذات الواجب تعالى الذي هو الوجود



(1) وكيف لا والوجود مشترك معنوي وما به الامتياز فيه عين ما به الاشتراك وهذا تحقيق
من هذا الشيخ قدس سره لوحده الوجود بأنه إذا جاز الاتحاد بين الماهيات والوجود وهما سنخان
متخالفان أحدهما حيثية الاباء عن العدم والاخر حيثية عدم الاباء عنه فكيف لم يكن الوجودات متوحده
وهي سنخ واحد س ره.
(2) سبحان من ربط الماهيات بالوجودات والكليات بالجزئيات من دون ربط وجهه جامعه
بينها بالبينونه التامة التي هي البينونة الصفتيه وهذا هو ضرب من تاليفه سبحانه بين المتعاديات وهو
بعينه ضرب من تفريقه بين المتداينات فان الكلى انما هو بعينه عين الجزئي بما هو جزئي له وذاته
والتفاوت بينهما انما هو بمجرد نحوى الادراك فافهم ان كنت اهلا لذاك ولا يمكن ان يفهمه الا
الرجل الراسخ في الحكمة النضجه الحقه ولا يخفى ان جهة المعاده هاهنا هي بعينها جهة المداناه
وهذا الذي ألقينا إليك انما هو آية من آيات كونه سبحانه جامعا بين المتقابلات في صفاته العليا
وأسمائه الحسنى من جهة واحده هو الأول والاخر والظاهر والباطن وكذلك حكم الوجود في
النسبة إلى الموجودات العالية الداثرة الزائله من المعقولات العشر فإنه يكون في كل منها بحكمه
مع تقدسه وتنزهه عن صفه الامكان ووصمه الحدثان وهذا أيضا ضرب من ضروب الجمع بين المتعاديات
بلا جهة جامعه س ره.
296
القيومى بحيث ينتزع منه مفهوم العلم والقدرة والحياة وغيرها من الصفات فكذلك وجود
الانسان بحيث ينتزع منه مفهوم النطق والحياة وقوه الاحساس والتحريك والقدرة
على المشي والكتابة وغيرها الا ان وجود الواجب في غاية الكمال والتمام وهو فوق التمام
حيث يفضل عنه بحسب رشح الخير الدائم وجودات سائر الأشياء فلا يحتاج في انتزاع
صفاته وأسمائه إلى وجود غير وجود ذاته حتى يصدق تلك النعوت الكمالية والصفات
الجلالية التي هي عنوانات بهائه وتمامه بحسب صرف وجوده وبحت ذاته عليه ويحكم
به على وجوده الاقدس بخلاف سائر الوجودات التي هي أيضا من أشعة كبريائه
وظلال نوره وبهائه فان الاحكام المتعلقة بها من الأمور الكلية المسمات بالذاتيات
إن كان منتزعه من نفس وجود شئ أو بالعرضيات ان كانت منتزعه من امر لاحق
به متأخر عنه لا يمكن انتزاع تلك الأحكام عنها ولا الحكم بها عليها الا حين
صدورها عن جاعلها الحق وفيضانها عن قيومها المطلق لأنها بحسب ذواتها من
مراتب ظهوراته وتجلياته تعالى واستفيد أيضا من كلامه ان تشخص الأشياء وتعينها
كموجوديتها انما هو بوجوداتها العينية كما حققناه سابقا طبق ما ذهب اليه
المعلم الثاني.
ومما يفهم أيضا من كلامه وبسط القول فيه في موضع آخر ان كلا من العين الثابتة
والوجود العيني متعاكس الحكم إلى الاخر يعنى ان الماهية يتصف ببعض صفات الوجود
والوجود يتصف بالماهية وبعض نعوتها وهذا سر يستفاد منه كثير من الاسرار منها
سر القدر (1) الذي (2) هو محل حيره العقلاء وسر صدور بعض الشرور الواقعة



(1) في اصطلاحات العرفاء سر القدر هو ماء علمه الله تعالى من كل عين في الأزل مما انطبع
فيها من أحوالها التي تظهر عليها عند وجودها فلا يحكم على شئ الا بما علمه من عينه في حال ثبوتها
في العلم وقد قيل من اطلع على سر القدر استراح عن الطلب والنصب والتعب وإذا عرفت هذا عرفت
انه مغاير لسر صدور بعض الشرور والتاسيس خير من التأكيد س ره.
(2) قال سبحانه ما أصابك من حسنه فمن الله وما أصابك من سيئه فمن نفسك وقال
قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا وقال ما تشاؤن الا ان يشاء
الله وقال سبحانه يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب قوله فمن نفسك اي من عينك ن ره.
297
هذا العالم عن بعض مراتب الوجود مع أن الوجود كله خير ومن فوائد كلامه
ان جهة الربط بين الأشياء هي معنى الوجود لا الماهية فالعليه والمعلولية بين كل
شيئين ليستا بحسب ماهيتهما بل لعلاقه الوجود كما أن جهة الاتحاد (1) بين
الشيئين أيضا في الحقيقة هي الوجود المنسوب اليهما لا غير فان غلبه احكام
الوحدة من غلبه احكام الوجود والى ذلك رفعت الإشارة في كلام الشيخ في تفسيره
لسوره المعوذتين حيث قال فالق ظلمه العدم بنور الوجود هو المبدء الأول الواجب
الوجود وذلك من لوازم خيريته المطلقة في هويته بالقصد الأول وأول الموجودات
الصادرة عنه هو قضاؤه وليس فيه شر أصلا الا ما صار مخفيا تحت سطوع النور الأول
وهو الكدورة اللازمة لماهية المنشاه من هويته انتهى فإنه عبر عن وجود العقل
بسطوع نور الأنوار جل ذكره فان وجود الممكنات بمنزله لمعات نور جماله
وجلاله وسطوعات شمس مجده وكماله والكدورات اللازمة للماهيات اشاره إلى
امكانها فان معنى الامكان سلب ضرورة الوجود والعدم عن الذات المنصبغه بنور
الوجود المعبر عنه في القرآن المجيد بصبغه الله ومن أحسن من الله صبغه ولا شك
في أن لا ظلمه اظلم من السلب وأشار في قوله لماهية المنشاه عن هويته إلى أن
الصادر عن المبدء الأول والموجود بابداعه انما هو وجود الشئ الذي هو نفس هويته
لا ماهية الكلية بل الماهيات انما ينتزع من انحاء الوجودات وتنشا منها لا تاصل لها
في الثبوت بل ينتزعها العقل من الوجود ثم يصفها به ويحمله عليها ولهذا حكم
بتقدم الوجود عليها في الخارج وتأخره عنها في الذهن كما مر تحقيقة



(1) في جميع انحاء الاتحاد حملا كان أو تماثلا أو تجانسا أو تساويا ونحوها مما لم يتعارف الحمل فيها س ره.
298
فصل [26]
في الكشف عما هو البغيه القصوى والغاية العظمى من المباحث
الماضية
اعلم أيها السالك باقدام النظر والساعي إلى طاعه الله سبحانه والانخراط في
سلك المهيميين في ملاحظه كبريائه والمستغرقين في بحار عظمته وبهائه انه كما أن
الموجد لشئ بالحقيقة ما يكون بحسب جوهر ذاته وسنخ حقيقته فياضا بان يكون
ما بحسب تجوهر حقيقتها هو بعينه ما بحسب تجوهر فاعليتها فيكون فاعلا بحتا
لا انه شئ آخر يوصف ذلك الشئ بأنه فاعل فكذلك (1) المعلول له هو ما يكون
بذاته اثرا ومفاضا لا شئ آخر غير المسمى معلولا يكون هو بالذات اثرا حتى
يكون هناك أمران ولو بحسب تحليل العقل واعتباره أحدهما شئ والاخر اثر فلا يكون
عند التحليل المعلول بالذات الا أحدهما فقط دون الثاني الا بضرب من التجوز دفعا
للدور والتسلسل فالمعلول بالذات امر بسيط كالعلة بالذات وذلك عند تجريد
الالتفات اليهما فقط فانا إذا جردنا العلة عن كل ما لا يدخل في عليتها وتأثيرها
اي كونها بما هي عله ومؤثره وجردنا المعلول عن سائر ما لا يدخل في قوام معلوليتها
ظهر لنا ان كل عله عله بذاتها وحقيقتها وكل معلول معلول بذاته وحقيقته فإذا
كان هذا هكذا يتبين ويتحقق ان هذا المسمى بالمعلول ليست لحقيقته هويه مباينه
لحقيقة عله المفيضة إياه حتى يكون للعقل ان يشير إلى هويه ذات المعلول مع قطع
النظر عن هويه موجدها فيكون هويتان مستقلتان في التعقل إحديهما مفيضا والاخر
مفاضا إذ لو كان كذلك لزم ان يكون للمعلول ذات سوى معنى كونه معلولا لكونه



(1) ومعلوم ان الأثر ليس شيئا على حياله بل هو ظهور مبدئه والغرض من هذا البيان
ان ليس المقصود من التوحيد الخاصي في لسان القوم الا ان الوجودات فقراء بحته إلى الله الغنى
وروابط محضه إلى القيوم الصمد ذواتا وصفاتا وافعالا وظهورها منطو في ظهوره كما في الدعاء
يا نور كل نور وان الوجودات متقومات بذواتها بذاته وذاته مقومه بذاته لذواتها س ره.
299
متعقلا من غير تعقل علته واضافته إليها والمعلول بما هو معلول لا يعقل الا مضافا
إلى العلة فانفسخ ما اصلناه من الضابط في كون الشئ عله ومعلولا هذا خلف فاذن
المعلول بالذات لا حقيقة له بهذا الاعتبار سوى كونه مضافا ولاحقا ولا معنى له غير
كونه اثرا وتابعا من دون ذات تكون معروضه لهذه المعاني كما أن العلة المفيضة
على الاطلاق انما كونها أصلا ومبدءا ومصمودا اليه وملحوقا به ومتبوعا هو عين
ذاته فإذا ثبت تناهى سلسله الوجودات من العلل والمعلولات إلى ذات بسيطه الحقيقة
النورية الوجودية متقدما عن شوب كثره ونقصان وامكان وقصور وخفاء برئ
الذات عن تعلق بأمر زائد حال أو محل خارج أو داخل وثبت انه بذاته فياض
وبحقيقته ساطع وبهويته منور للسماوات والأرض وبوجوده منشا لعالم الخلق والامر
تبين وتحقق ان لجميع الموجودات أصلا واحدا أو سنخا فاردا هو الحقيقة والباقي
شؤونه وهو الذات وغيره وأسماؤه ونعوته وهو الأصل وما سواه أطواره وشئونه
وهو الموجود وما ورائه جهاته وحيثياته ولا يتوهمن أحد من هذه العبارات ان
نسبه الممكنات إلى ذات القيوم تعالى يكون نسبه الحلول هيهات ان الحالية
والمحليه مما يقتضيان الاثنينية في الوجود بين الحال والمحل وهاهنا اي عند طلوع
شمس التحقيق من أفق العقل الانساني المتنور بنور الهداية والتوفيق ظهر ان
لا ثاني للوجود الواحد الاحد الحق واضمحلت الكسره الوهميه وارتفعت اغاليط
الأوهام والآن حصحص الحق وسطع نوره النافذ في هياكل الممكنات يقذف به
على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق وللثنويين الويل مما يصفون إذ قد انكشف
ان كل ما يقع اسم الوجود عليه ولو بنحو من الانحاء فليس الا شانا من شؤون الواحد
القيوم ونعتا من نعوت ذاته ولمعه من لمعات صفاته فما وضعناه (1) أولا ان في



(1) ما أقرب هذا من قوله قريبا من مبحث الوجود الذهني ايجاده للأشياء اختفاءه فيها مع
اظهاره إياها واعدامه لها في القيامة الكبرى ظهوره بوحدته وقهره إياها بإزالة تعيناتها وليس
المراد انه ظهر خلاف ما وضع بل إنه كان يترائى البينونة العزليه وليس الامر كذلك فاحكم بالعلية
ولكن تصرف فيها بأنها التشان لا التوحيد مثلا كما يقوله المعتزلي فإنه تعالى لم يلد ولم يولد
بل كل يوم هو في شان س ره.
300
الوجود عله ومعلولا بحسب النظر الجليل قد آل آخر الامر بحسب السلوك العرفاني
إلى كون العلة منهما امرا حقيقيا والمعلول جهة من جهاته ورجعت عليه المسمى
بالعلة وتأثيره للمعلول إلى تطوره بطور وتحيثه بحيثية لا انفصال شئ مباين عنه فاتقن
هذا المقام الذي زلت فيه اقدام أولى العقول والافهام واصرف نقد العمر في تحصيله
لعلك تجد رائحة من مبتغاك ان كنت مستحقا لذلك وأهله.
عقده وفك
ولقائل ان يقول يلزم على ما قررت ان يكون حقيقة الواجب
داخله في جنس المضاف وكذا حقيقة كل معلول لأنك
ادعيت ان ما هو العلة بالذات حقيقتها انها عله وكذا ما هو المعلول بالذات حقيقته
انه معلول والا لم يكن شئ منهما عله بالذات ولا معلولا بالذات وإذا كان العلية
عين ذات العلة والعلية من باب المضاف لاستحالة انفكاك تعقله عن تعقل ما يضائفه
أعني المعلولية وسيجئ ان المضاف جنس من الأجناس العالية والجنس لا يتقوم الا
بفصل يحصله نوعا فيلزم (1) ان يكون الواجب الوجود مركبا من جنس وفصل
وقد ظهرت استحالته.
فنقول في الفك عنه ان المضاف وغيره من أمهات الأجناس هي من اقسام
الماهيات التي هي زائده على الوجود ولهذا اخذت في تعريفات تلك الأجناس بان
قيل إن مقولة الجوهر مثلا ماهية حكمها كذا ومقوله الكيف ماهية حكمها
كذا وعلى هذا القياس مقولة المضاف وغيره وبالجملة كل مفهوم عقلي لا يمكن
تصوره الا مع تصور مفهوم آخر هو من باب المضاف والواجب (2) تعالى ليس مفهوما



(1) هذا إذا قررت الشبهة بكون الواجب داخلا تحت جنس المضاف واما إذا قررت بلزوم
كونه عين جنس المضاف فإنه ما به تذوت ذاته ما به عليه فيلزم كونه معلولا لا التركيب لان الجنس
العالي بسيط نعم يلزم التركيب من الماهية والوجود ونحوه لا من الجنس والفصل س ره.
(2) لعلك تقول هذا يؤكد الاشكال لأنه إذا كان الواجب عله لذاته والعلة بما هي عله
المراد انه ظهر خلاف ما وضع بل إنه كان يترائى البينونة العزليه وليس الامر كذلك فاحكم بالعلية
ولكن تصرف فيها بأنها التشان لا التوحيد مثلا كما يقوله المعتزلي فإنه تعالى لم يلد ولم يولد
بل كل يوم هو في شان س ره.
301
يمكن وجوده في الذهن وانما هو محض الوجود العيني وصرف النور والتحصل
الخارجي لا يمكن للعقل ملاحظته الا بحسب ما يقع عليه من أشعة فيضه ويحكم
بضرب من الدهشة عقيب المجاهدات البرهانيه ان الذات الأحدية يكون تأثيرها
وسببيتها بنفس ذاته المقدسة ووجودها القيومى السطوعى لا بحيثية سوى محض
تجوهر ذاته فيلزم الانثلام في وحدته الذاتية والتركيب في أصل حقيقته الوجوبية
من غير أن يسع للعقل ان يحصل في ذهنه صوره مساويه في الماهية كيف وقد وضح ان لا ماهية له غير الانيه الواسعة كرسي نورها السماوات والأرض فالحاكم (1)



(1) ان قلت البرهان أيضا حكم العقل فكيف قال الحاكم ليس العقل.
قلت المراد ان ليس الحاكم هو العقل بما هو عقل بل العقل بما هو مكتحل بنور الله تعالى
وانما البرهان له الغلبه والسلطه لكونه نور الله البرهان الديان ولذا يضطرك البرهان إلى الاذعان
بنتيجه حقه وان لم يكن مفادها مقامك كما انك تحكم بأنه تعالى واحد بالوحدة الحقه ولكن ما
دمت أنت أنت ليس هذا حكما بالوحدة الحقه فبنور وارد من الله تعالى على العقل يعرفه ويعرف صفاته
ففي الحديث اعرفوا الله بالله وفي الدعاء يا من دل على ذاته بذاته وفي القدسي فبى يسمع وبى يبصر
وسيجئ من كلام الشيخ الأنصاري توحيده إياه توحيده وسئل عن عارف بم عرفت ربك فقال بواردات
ترد على قلبي من عنده فنعم ما قيل
إذا رام عاشقها نظره * ولم يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفا رآها به * فكان البصير بها طرفها س ره.
302
بوحدته وقيوميته التي هي عين ذاته ليس هو العقل بل ضرب من البرهان الوارد
من عنده والنور القاذف في العقل من تأييده وانما العقل له الطاعة والتسليم
والايمان والايقان والانقياد بل هو البرهان على وحدانيته والشاهد على فردانيته.
وإذا علمت أن كون هويه شخصيه مما يكون بحسب وجوده الخارجي بحيث
يلزمها بنفس وجودها الخارجي اضافه إلى شئ لا يوجب كونها واقعه تحت ماهية
المضاف انفسخت (1) الاشكالات الواردة في نظائر هذا المقام ككون الباري بذاته
عالما وقادرا ومريدا وسميعا وبصيرا وكون الهيولى بذاته مستعدا للأشياء الصورية وكون
كل عرض بذاته متعلقا بالموضوع وكون النفس الحيوانية بذاتها مدبره متصرفه
في البدن مع أن شيئا منها ليست واقعه تحت جنس المضاف الحقيقي وان عرض لها
مفهوم المضاف وصارت من المضاف المشهوري وذلك مما لا فساد (2) فيه إذ الإضافة
عارضه لكل موجود سيما الموجود الذي مبدء كل شئ وكذا اندفع الاشكال
الوارد في اضافه التقدم والتأخر بين اجزاء الزمان حيث إن المتضائفين ينبغي ان
يكونا معا في الوجود والمعية تنافى التقدم الذي يقابله وذلك لأن عدم استقرار
الاجزاء الزمانيي وتقدم بعضها على بعض بالذات انما يكون بحسب نحووجودها



(1) حاصل الانفساخ ان كل مضاف مقولى حقيقة تعلقية لا كل حقيقة تعلقية اضافه مقوليه إذ الموجبة
الكلية لا تنعكس كنفسها فالمغالطة من باب ايهام الانعكاس أو من باب عدم الفرق بين الوجود
والماهية فلا بد ان يفرق بين ما اعتبرت الإضافة في وجوده وبين ما اعتبرت في ماهيته ففي الاعراض
اعتبرت النسبة في وجودها لا في ماهيتها سوى مقولة الإضافة بل في ماهية الكيف اعتبر سلب النسبة كما
يقال الكيف هياه قاره لا تقتضى قسمه ولا نسبه س ره.
(2) والحق هو المنع عن ذلك إذ الإضافة وان كانت أضعف المقولات الا انها مع ذلك ماهية
غير جائز التحقق والانتزاع عن صريح الوجود واما النسبة الوجودية أعني الوجود الرابط
فليس حكمه بالنسبة إلى طرفه هو العروض بل القيام الوجودي فالحق ان هذه الإضافات جعليه تعمليه
باخذ العقل النسبة بين المنتسبين ثم اعتبارها مع كل من الطرفين واخذها معه فتعرض حينئذ الإضافة
لتكرر النسبة فلا تغفل ط مده.
303
الخارجي والإضافة انما تعرض لماهية (1) الجزئين من الزمان بحسب
وجودها في تصور العقل والزمان في نحو الوجود العقلي بخصوصه لا يأبى
عن الاستقرار والاجتماع إذ للعقل ان يتصور المتقدم والمتأخر من اجزاء الزمان
وحكم عليهما عند الالتفات إلى حالهما الخارجي بالتقدم والتأخر وهما بحسب
ظرف الحكم العقلي والنشاه العلمية مجتمعان في الحصول فان لاختلاف النشات
وتبدل انحاء الوجودات احكاما عجيبه وآثارا غريبه فلا بعد في أن يكون ماهية
واحده كالحركة والزمان في نحو من الوجود تدريجية الحصول حدوثا وبقاءا
كالخارج وفي نحو آخر تدريجية الحدوث ودفعيه البقاء كما في الخيال وفي طور
آخر دفعيه الحدوث والبقاء جميعا كما في عالم العقل ولنا (2) مسلك (3) آخر



(1) والوجه فيه ان الإضافة من المعقولات الثانية والمعقول الثاني هو الذي يتحد بالمعقول
الأول في الخارج ويتبعه في الوجود العيني كاللازم الغير المتأخر في الوجود لكنه يصير عارضا له
في ضرب من التحليل العقلي كما هو شان عوارض الماهيات ن ره.
(2) وهو ان اجزاء الزمان لاتصالها تقدمها وتأخرها عين معيتها والمعية في الحقيقة السيالة
بهذا النحو كما أن البقاء في هذه الحقيقة عين عدم البقاء والفعلية في الهيولى عين القوة والوحدة في
الكم عين الكثرة فحصل هاهنا ثلاثة اجوبه اخذها هذا المسلك الذي ذكرناه واثنان في كلامه أحدهما
ان نسبه التقدم والتأخر في الزمان نسبه وجوديه كما أن عليه الحق اضافه اشراقيه لا مقوليه وليس كل
تقدم من مقولة الإضافة كالتقدم السرمدي للحق تعالى ولا كل تأخر كذلك كالتاخر السرمدي
للوجود المنبسط على الأشياء والاخر ما ذكره الشيخ كما نقله عنه في موضع آخر وهو ان الإضافة
لما كانت امرا اعتباريا لا يحاذيها شئ في الخارج فالتقدم والتأخر انما هما في الذهن والجزآن
فيه مجتمعان معا فما هما في الخارج ليسا مضافين وما هما مضافان ليسا في الخارج بل في الذهن س ره.
(3) وهو المسلك الخاص الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه محصله ان الزمان
هويه اتصالية غير قاره لا ينفصل جزء منها بالفعل عن الاجزاء الاخر في الوجود الاتصالي الغير القارى
أصلا فيكون كلها موجوده بوجود وحداني اتصالى غير قار فمن هنا يتحقق المعية والاتحاد في
الوجود بين المتقدم والمتأخر من اجزاء الزمان مع تقدم المتقدم وتأخر المتأخر والمعية انما هو
بنفس التقدم والتأخر وهذا هو ضرب من الجمع بين المتقابلات مع بقاء المقابلة لحالها
فافهم ن ره.
304
في دفع هذا الاشكال في اجزاء الزمان سيجئ في موضعه إن شاء الله العليم
تنبيه
إياك ان تزل قدم عقلك في هذا المقام وتقول إذا كانت
وجودات الممكنات كلها تعلقية غير مستقله في ذاتها فيلزم
اتصاف الباري جل ذكره بسماه الحدوث وقبوله للتغيرات وبالجملة كونه محلا
للممكنات بل الحادثات فثبت وتذكر ما لوحناه من قبل وهو ان وجود الاعراض
والصور الحالة في الموضوعات والمواد هو من اقسام وجود الشئ في نفسه على جهة
الارتباط بغيره الذي هو الموصوف فلا بد ان يكون لها إذا اخذت على هذا الوجه
وجود في أنفسها مغاير لوجود ما يحل هي فيها وهاهنا نقول ليس لما سوى الواحد
الحق وجود لا استقلالى ولا تعلقى بل وجوداتها (1) ليس الا تطورات الحق باطواره
وتشئوناته بشئونه الذاتية.
وأيضا كل ما يطلق عليه اسم الصفة سواء ا كان من باب العرض أو الصورة فلا بد
ان يكون له مدخليه في كمال الموصوف اما بحسب قوام وجوده وتمام نوعيته وهو
الكمال الأول للشئ والصورة المنوعة له أو بحسب فضيله ذاته وكمال شخصيته
وهي الكمال الثاني والعرض اللاحق الذي به يحصل الزيادة والنفل على فريضة أصل
التقوم وأول التمام فكل ما يتصف بصفه فإنما يتصف بها لتطرق نقصان وخلل وقصور
قبل هذه الصفة اما بحسب الفطرة الأولى واصل فريضة التجوهر واما بحسب الفطرة
الثانية وفضيله وجوده والموجود الحق جل اسمه مقدس عن هذين القصورين وعن
جميع شوائب النقص لأنه بحسب ذاته تام وفوق التمام وبحسب صفاته الذاتية فاضل
وفوق الفضيلة لأنه غير متناهي القوة والشدة لا يمكن فرض كمال فوق كماله الذي
بحسب أصل ذاته ولا يتصور فضيله وراء فضيلته التي هي في مرتبه قوامه الأولى
وما سواه رشحات فيضه ولمعات نوره الحاصلة بعد تمامه وكماله في ذاته الممجده



(1) اي لها وجود رابط لا رابطى كما سبق س ره.
305
وصفاته المقدسة فلا يكون ما ينبعث عنه بعد تمامه صوره لذاته ولا ما يترشح عنه
بعد مجده وعلوه الغير المتناهى صفه وفضيله لحقيقة صفاته تعالى عن ذلك علوا كبيرا
فثبت ان علوه وعظمته بذاته لا بغيره وكل حليه أو صوره فإنما يكمل به شئ
وينفعل منه محل قابل ولا بد له من مكمل غير ذاته ولا يتصور مثل هذه المعاني
في الواجب بالذات إذ لا مكمل له ولا قاهر عليه بل هو القاهر على جميع الأشياء وله
السلطنة العظمى والقهر الأتم ومن الذي يسلط عليه بالافاضه والتكميل ويصور
ذاته بما يخرج به عن القوة والتعطيل فيكون اله العالم ذا قوه هيولانيه قابله للتغير
والتبديل.
وأيضا لو كان له كمال ممكن اللحوق به فتعرى ذاته عن ذلك الكمال المفروض
وتخليه عنه مع امكانه الذاتي اما لأجل وجود عائق أو لعدم مقتض إذ كل عدم ثابت
لامر ممكن فهو لاحد هذين الامرين وشئ منهما لا يتصور في حقه اما وجود العائق
فلان العائق للشئ عن كماله يجب ان يكون مضادا له معاقبا في موضعه والواجب
لا ضد له ولا موضوع له واما وجود المقتضى له فالمقتضى اما ذاته واما غيره فالأول
يوجب دوام كماله بدوام ذاته ووجوبه بوجوبها والثاني اما ممكن الوجود أو
واجبه أو ممتنعه والكل مستحيل.
اما الأول (1) فلان كل ممكن مرتبته بعد مرتبه الواجب والنقصان إذا
كان في مرتبه الذات كما هو المفروض كان الكمال الذي يتصور بإزائه في تلك المرتبة
وما هو السبب له يجب ان يكون متقدما عليه فيجب ان يكون مرتبه الممكن
فوق مرتبه الواجب وهو بين الفساد.
واما الثاني فلاستحاله التعدد في الواجب بالذات.



(1) وأيضا يلزم الدور لان الممكن محتاج إلى كمال الواجب تعالى من حياته وعلمه وقدرته
ونحوها فلو انعكس لدار وأيضا الدليل وإن كان عاما لكن فيما نحن فيه حيث فرض الممكنات اعراضا
وصفاتا له فالكلام في الممكن المقتضى كالكلام في الممكن المقتضى س ره.
306
واما الثالث فلان الممتنع بالذات لا يمكن ان يستند اليه الممكن بالذات
باعتبار جانب الوجود فان معطى الكمال لا يقصر عنه بل يزيد عليه في الجهة التي
يحصل منه في غيره والممتنع لاحظ له من أصل الثبوت فضلا عن كماله وقد علمت أن
لا خبر عنه الا بحسب مفهوم اللفظ لا غير.
وبهذا يندفع ما أورده بعض اجله الفضلاء في شرحه للهياكل على البرهان الذي
اقامه صاحب حكمه الاشراق على قاعده امكان الأشرف المستفاد أصله من معلم
الفلاسفة ارسطاطاليس كما يظهر بالمراجعه إلى كلام المبرهن وايراد المورد عليه
إذ مبناه (1) ان الشئ الممكن الوجود ربما لم يوجد لامتناع علته امتناعا ذاتيا
فلا يلزم ان يكون ما هو الأشرف من الممكنات الابداعيه على تجويز امكان وجوده
واقعا في الخارج إذ ربما لم يقع مع كونه ممكنا لامتناع جهة في الواجب بالذات
اشرف مما هو عليه يكون سببا لذلك الممكن الأشرف هذا فإذا تبين الحال مع
ضيق المجال عما يوضح به حق المقال وعلو المرام عما يطير اليه طائر العقول
باجنحه الأفكار والافهام علمت أن نسبه الممكنات إلى الواحد الحق ليست نسبه
الصفات للموصوفات ولا نسبه حلول الاعراض للموضوعات فما ورد في السنة أرباب
الذوق والشهود وقرع (2) سمعك من كلمات أصحاب العرفان والكشف ان العالم



(1) اي مبنى الايراد وتقرير البرهان سيجئ ء في الإلهيات ولما كان المقامان متقاربين
في مسلك الدفع إذ في مقام الاستدلال على نفى كمال ممكن اللحوق يقال عدم ذلك الكمال لكون
وقوعه موقوفا على وقوع ممتنع بالذات لكن الممتنع بالذات لا يقع فذلك الكمال لا يقع وفي
مقام الايراد على برهان قاعده امكان الأشرف قال المورد وهو المحقق الدوانى ان الممكن
الأشرف لا يقع لكون وقوعه موقوفا على ممتنع بالذات وهو وجود جهة اشرف مما عليه الواجب
بالذات لكنها ممتنعه فلم يقع الممكن الأشرف مع أنه باق على امكانه والدفع في كل المقامين ان
الممكن بالذات لا يمكن ان يستند إلى الممتنع بالذات كيف والممكن ما لا يلزم من فرض وقوعه
محال ولكن تمسك المحقق الدوانى بامكان عدم العقل الأول وامتناع علته وقد مضى الكلام فيه
مستوفى س ره.
(2) فمنها قول الشيخ العطار النيشابوري.
جمله يك ذات ست اما متصف * جمله يك معنى وصورت مختلف
ومنها قول الشيخ الشبسترى
من وتو عارض ذات وجوديم * مشبكهاي مشكوه وجوديم
وهذا الاتصاف بوجه كالاتصاف بالصفات السلبية والاضافيه أو شيئية الماهية الاعتبارية
فليست كالعرضى بمعنى المحمول بالضميمه بل كالعرضى بمعنى الخارج المحمول كالامكان
والشيئية س ره.
307
أوصاف لجماله أو نعوت لجلاله يكون المراد ما ذكرناه بلفظ التطور ونظائره
لعوز العبارة عن أداء حق المرام من غير لزوم ما يوجب التغير والانفعال والا فشانهم
ارفع من أن لا يتفطنوا بلزوم جهة النقص في الاتصاف بصفه حاله في ذاته أو نعت يعرض
لوجوده ويجعله بحال غير ما هو عليه في حقيقيه ذاته المتأصلة كيف وهم يفنون
الاثنينية في حقيقة الوجود ويقولون ليس في دار الوجود الا الواحد القهار والحلول
مما ينادى بالاثنينيه فكل ما قيل في تقريب هذه النسبة التي للذات الأحدية بالقياس
إلى المراتب الامكانية هو من باب التمثيلات المقربه من وجه للأفهام المبعده
من وجه للأوهام وأشبه التمثيلات (1) في التقريب التمثيل بالواحد ونسبته إلى
مراتب الكثرة كما مر الاشعار به في فصل الوحدة والكثرة فان الواحد (2) أوجد



(1) اي بعد المثل الاعلى الذي هو الانسان الكامل المكمل الختمى فإنه الاسم الأعظم
والكلمة الأتم وحقيقة آدم المخلوق على صوره الله الاجل الأكرم فبعد المثل الاعلى له الأمثال
العليا كالشعله الجوالة الراسمه للدائره وحركه التوسطية الراسمه للقطعيه والآن السيال
الراسم للزمان والعاكس المنشأ للعكوس والبحر المثير للموج والحباب والبخار والسحاب
والشمس المظهره للاشعه والاظله والامثله القرآنية من المصباح الذي في الزجاجه التي في
المشكوه والماء السائل في الادويه بقدرها وغيرها بل وفي كل شئ له آية تدل على أنه
واحد س ره.
(2) وذلك لان كل مركب تركيبه من حقيقة وحقيقة متخالفتين كالجسم من الهيولى
والصورة والانسان من النفس والبدن والبياض من اللون والمفرق لنور البصر وغير ذلك
وكذا المركبات الصناعية والاعتباريه كالبيت والسرير والطين والعسكر واما الاثنان والثلاثة
والأربعة إلى غير النهاية فحقائقها المتبائنه الماهيات المتخالفة الاحكام والآثار اجزاؤها التي
تقوم مقام الأجزاء الخارجية في الموارد الأخرى ليست الا الواحد والواحد وتكرار الشئ ليس
جمله يك ذات ست اما متصف * جمله يك معنى وصورت مختلف
ومنها قول الشيخ الشبسترى
من وتو عارض ذات وجوديم * مشبكهاي مشكوه وجوديم
وهذا الاتصاف بوجه كالاتصاف بالصفات السلبية والاضافيه أو شيئية الماهية الاعتبارية
فليست كالعرضى بمعنى المحمول بالضميمه بل كالعرضى بمعنى الخارج المحمول كالامكان
والشيئية س ره.
308
بتكرره العدد إذ لو لم يتكرر الواحد لم يمكن حصول العدد وليس في العدد الا
حقيقة الواحد لا بشرط شئ لست أقول بشرط لا شئ وبينهما من الفرق كما بين
الوجود المأخوذ لا بشرط اي طبيعة الوجود الذي عمومه باعتبار شموله وانبساطه
لا باعتبار كليته ووجوده الذهني كما علمت من قبل وبين الوجود المأخوذ بشرط
لا شئ وهو المرتبة الأحدية عند العرفاء وتمام حقيقة الواجب عند الفلاسفة والأول
هو حقيقة الحق (1) عند العرفاء لاطلاقه المعرى عن التقييد ولو بالتنزيه عن
الماهيات الموجب لنوع من الشرط (2) فافهم (3) ثم يفصل العدد مراتب الواحد
مثل الاثنين والثلاثة والأربعة وغير ذلك إلى لا نهاية وليست هذه المراتب أوصافا
زائده على حقيقة العدد كما في الفصول بالقياس إلى الجنس الذي ينقسم معناه إليها
ويتقوم وجوده بها فان كل مرتبه من مراتب العدد وان خالفت الأخرى في النوعية



(1) اي نفس المطلق والطبيعة التي لا يعتبر معه الاطلاق إذ انبساطه وشموله فعل الحق
لا حقيقة الحق ن ره.
(2) اشاره إلى امكان الجمع بين المسلكين بان المراد سلب السلب اي سلب الحدود
والنقائص الامكانية لا سلب الشئ بما هو حقيقة وجوديه كما في طريقه من يقول بتباين الوجودات
فافهم س ره.
(3) اشاره إلى سر الضرورة الأزلية فإنها كون الشئ موجودا بالنظر إلى ذاته مع قطع
النظر عن جميع الجهات والحيثيات الخارجة المغايرة لذاته مغايره خارجيه أو اعتبارية تقييديه
كانت تلك الحيثيات أو تعليليه وحقيقيه كانت أو اعتبارية واعتبار بشرط لا مناف لما أظهرناه إذ الشرط
واسطه فافهم ن ره.
309
لكن كل منها نوع بسيط على ما هو التحقيق ولهذا قيل في العدد ان صورته عين
مادته وفصله عين جنسه إذ التعين والامتياز في أنواعه بصرف حقيقة ما به الاشتراك
والاتفاق فيها فحقيقة الواحد من غير لحوق معنى فصلى أو عرضى صنفى
أو شخصي لها في ذاتها شئونات متنوعه وأطوار متفاوتة ثم ينبعث (1) من كل
مرتبه من مراتبه الكمالية معان ذاتية وأوصاف عقلية ينتزعها العقل كما ينتزع
من كل مرتبه من مراتب الهويات الوجودية المتفاوتة الذات معاني ذاتية واوصافا
عقلية هي المسماة بالماهيات عند قوم وبالأعيان الثابتة عند قوم وهي التي قد مر
مرارا انها ليست في الواقع ولا زائده على الوجودات الا بنوع من الاعتبار الذهني
فايجاد الواحد بتكراره العدد مثال لايجاد الحق الخلق بظهوره في آيات الكون
ومراتب الواحد مثال لمراتب الوجود واتصافها بالخواص واللوازم كالزوجية والفردية
والعادية والصمم والمنطقية مثال لاتحاد بعض مراتب الوجود بالماهيات واتصافه
بها على هذا الوجه من الاتصاف المخالف لسائر الاتصافات المستدعيه للتغاير بين
الموصوف والصفة في الواقع وتفصيل العدد مراتب الواحد مثال لاظهار الأعيان احكام
الأسماء الإلهية والصفات الربانية فالارتباط بين الواحد والعدد مثال للارتباط بين الحق
والخلق وكون الواحد (2) نصف الاثنين وثلث الثلاثة وربع الأربعة وغير ذلك مثال
للنسب اللازمة التي هي الصفات للحق والغرض ان القول بالصفة والموصوف في
لسان العرفاء على هذا الوجه اللطيف الذي غفل عنه أكثر الفضلاء
اشاره إلى بعض مصطلحات أهل الله في المراتب الكلية
حقيقة الوجود إذ اخذت بشرط ان لا يكون معها شئ فهي
المسماة عند هذه الطائفة بالمرتبة الأحدية المستهلكه فيها



(1) نظير هذا انما هو حال الهيولى الأولى لكونها نوعا مفردا اي بسيطا في المعنى
والفرق بين الجنس والفصل في حقها انما هو بالتعمل وضرب من الاعتبار فافهم ن ره.
(2) ومن هذا تعلم أن الكسور التسعة من مقولة الإضافة وليست من مقولة الكيف إذ ليس
هاهنا قارات في محالها متقررات في موضوعاتها س ره.
310
جميع الأسماء والصفات ويسمى أيضا جمع الجمع وحقيقة الحقائق (1) والعماء
وإذا اخذت بشرط شئ فاما (2) ان يؤخذ بشرط جميع الأشياء اللازمة لها كليها
وجزئيها المسماة بالأسماء والصفات فهي المرتبة الإلهية المسماة عندهم بالواحديه
ومقام الجمع وهذه المرتبة باعتبار الايصال لمظاهر الأسماء التي هي الأعيان والحقائق
إلى كمالاتها المناسبة لاستعداداتها في الخارج يسمى مرتبه الربوبية وإذا اخذت
لا بشرط شئ ولا بشرط لا شئ فهي المسماة بالهويه السارية في جميع الموجودات.
اشاره إلى حال الوجوب والامكان
اعلم (3) ان هذا الانقسام انما هو من حيث
الامتياز بين الوجود والماهية والتغاير بين



(1) هذا على طريقه بعض العرفاء قال العارف الكامل الشيخ عبد الرزاق كاشى قدس سره
العماء الحضرة الأحدية عندنا لأنه لا يعرفها أحد غيره فهو في حجاب الجلال وقيل هي الحضرة
الواحدية التي هي منشا الأسماء والصفات لان العماء هو الغيم الرقيق والغيم هو الحائل بين
السماء والأرض وهذه الحضرة هي الحائلة بين سماء الأحدية وبين ارض الكثرة الخلقيه ولا
يساعده الحديث النبوي لأنه سئل ع أين كان ربنا قبل ان يخلق الخلق فقال كان في عماء
وهذه الحضرة يتعين بالتعين الأول لأنها محل الكثرة وظهور الحقائق والنسب الاسمائيه وكل ما تعين
فهو مخلوق انتهى كلامه قدس سره.
أقول لا نسلم ان كل تعين فهو مخلوق فان هذا التعين هو التعين الصفاتى لا الافعالى وظهور
الأعيان الثابتة اللازمة للأسماء والصفات ظهور علمي وصور علم الله التفصيلي بل التعين الافعالى
الابداعي لا يسمى عالم الخلق في اصطلاح وانما يسمى عالم الامر ولا سيما على تحقيقات المصنف
قدس سره ان العقول من صقع الربوبية باقيه ببقاء الله لا بابقائه وأيضا السؤال عن كينونه الرب ومرتبه
الربوبية هي المرتبة الواحدية كما يصرح به المصنف قدس سره س ره.
(2) كلمه اما هنا لا ثانيه لها ولعلها سقطت من نسخه الأصل وحدسى ان ثانيتها واما ان
تؤخذ مع صفه واحده فهي اسم خاص كالعليم والقدير كما انها إذا اخذت مع جميع الصفات كانت
اسم الجلالة أعني الله وإذا اخذت مع تعين خاص امكاني كالعقليه أو النفسية أو الفلكية أو الانسانية
كانت حقيقة امكانية خاصه وإذا اخذت مع جميع التعينات كانت انسانا كبيرا س ره.
(3) ونعم ما قال العارف الجامي
بود أعيان جهان بي چند وچون * ز امتياز علمي وعيني مصون
نى بلوح علمشان نقش ثبوت * نى ز فيض خوان هستى خورده قوت
ناگهان در جنبش آمد بحر جود * جمله را در خود ز خود بي خود نمود
واجب وممكن ز هم ممتاز شد * رسم آئين دوئى آغاز شد س ره.
311
جهة ربوبيه والعبوديه واما من حيث سنخ الوجود الصرف والوحدة الحقيقية
فلا وجوب بالغير حتى يتصف الموصوف به بالامكان بحسب الذات إذ كل ما هو
واجب بالغير فهو ممكن بالذات وقد احاطه الامكان الناشى من امتياز تعين من
تعينات الوجود عن نفس حقيقته وبالجملة منشا عروض الامكان هو نحو من انحاء
الملاحظة العلمية باعتبار جهة هذه الملاحظة التفصيلية كما قد سبق بيانه.
اشاره إلى حال الجوهر والعرض في هذه الطريقة
اعلم انك إذا أمعنت النظر في حقائق الأشياء
وجدت بعضها متبوعه مكشفه بالعوارض وبعضها
تابعه والمتبوعه هي الجواهر والتابعه هي الاعراض ويجمعهما الوجود إذ هو
المتجلى بصوره كل منهما والجواهر كلها متحده في عين الجوهر ومفهومه
وفي حقيقته وروحه التي هي مثال (1) عقلي هو مبدء للعقليات التي هي
أمثلة للصور النوعية الجوهرية في عالم العقل كما يظهر من رأى أفلاطون في المثل
النورية وكل عقل انما يقع ظل منه في هذا العالم الهيولاني كما تقرر وكلما هو
ابعد من هذا العالم لكونه في أعلى مراتب قرب الحق يكون الواقع منه في هذا العالم
اخفى جوهرا وانقص ذاتا من غيره فظل العقل الذي هو رب الجوهر المادي بما هو



(1) المراد به العقل الكلى المشتمل على كل العقول التي في الطبقتين الطولية والعرضية
فجواهر العالم هو هو وما يقال إن الجوهر ثابت يمكن ان يراد الجوهر بمعنى المتبوع بل جوهر
العالم بمعنى المتبوع عندهم وجه الله الباقي الثابت مع دثور كل شئ وسيلان طبائع الخلق وهو
الوجود المنبسط كما سيصرح بان هذه الحقيقة الجوهرية يسمى عندهم بالنفس الرحمانى والنفس
الرحمانى وإن كان من أسماء الوجود المطلق المنبسط الا ان هذا الجوهر الذي هو عقل العقول لما
كان حاملا له بشراشر وهو أول منازله الذي هو أم القرى وأم الأقلام ولم يتشتت ولم يتفرق بعد ولم يزل
في سماء وحدته اطلق عليه النفس الرحمانى ولم يعبا بماهيه الاعتبارية التي هي أول مقاطع النفس
ولا سيما على التحقيق ان لا ماهية للعقل س ره.
312
جوهر مادي انما هو نفس المادة المأخوذة عنها المعنى الجنسي الذي يكون في الذهن
جنس الجواهر وكل واحده من هذه المراتب الثلاث في الجوهرية اي الذهني والعقلي
والمادى هي مظهر الذات الإلهية من حيث (1) قيوميتها كما أن الاعراض بحسب
مراتبها في العوالم هي مظاهر الصفات التابعة لتلك الحقيقة ا لا ترى كما أن الذات
الإلهية لا تزال محتجبه بالذات فكذلك جنس الجواهر لا يزال مكتنفا بالعوارض من
الفصول وغيرها وكما أن الذات مع اعتبار صفه من صفاتها اسم من الأسماء كليه
كانت أو جزئيه كذلك الجوهر مع انضمام معنى من المعاني الكلية في الذهن أو مبدء من
مبادئها الخارجية من الصور المنوعة في الخارج اليه يصير جوهرا خاصا يكون على
رأيهم مظهرا لاسم خاص من الأسماء الكلية بل عينه بوجه عندهم وبانضمام معنى من
المعاني الجزئية بحسب زمان ما أو مكان ما يصير جوهرا جزئيا كالشخص وكما (2) انه من



(1) فان القيوم صيغه مبالغه القائم بالذات وكيف لا يكون تعالى في أقصى مراتب القيام بالذات
وهو تعالى ليس قائما بالماهية فكيف بالمتعلق وكيف بالمادة والموضوع وظهور قيوميته في عالم
المفاهيم في مفهوم الجوهر الذي هو جوهر بالحمل الأولى وفي عالم الأعيان الموجودة في مادة
المواد وقابل القوابل الذي هو منبع القوى والاستعدادات وكذا في عقل الكل وهو صوره الصور
وفاعل الفواعل بقدره الحق بل فاعل هو نفس قدرته الفاعلية ومشيته الفعلية الذي هو منبع الفعليات والله
بكل شئ محيط س ره.
(2) اعلم أن الأسماء المركبة كالحي القيوم وكالعلى العظيم ونحوها في الأسماء اللفظية
حيث قيل إن للمجموع حيثية ارتباط وتوحد يترتب عليه من التأثير ما لا يترتب على كل واحد من
المنفردين.
ان قلت ما المراد من الجهة الوحدانيه والحيثيه التوحديه في الأسماء المركبة والوحدة
الاجتماعية تمكن في اي اسم مع الاخر.
قلت المراد ان يكون الموجود مظهر اسمين تكوينا أو تكليفا بان يتعلق ويتخلق ويتحقق
بهما اما التكوين فكالسميع البصير في الحيوان وكالدائم الرافع في الفلك واما التكليف
فكالحكيم الكريم فيمن يتحقق بهما بان يحصل الحكمة والكرامة وإذا كان
له كرامه ولم يكن له حكمه وأطلق عليه عبد الكريم الحكيم مثلا لم يكن للاسمين جهة وحده ولذا من غلب عليه حكم
اسم من الأسماء الحسنى يسمى عبد ذلك الاسم عندهم وان لم يسم به تسميه ظاهريه فعبد الهادي
من يقوم بهدايه الخلق وعبد الجواد من يجود عليهم وهكذا وقد بينا سابقا ان الأشياء في مقام
وبنظر سالك مظاهر الأسماء وفي مقام آخر وبنظر سالك آخر نفس الأسماء الفعلية لان المظهر هو
مظهر حقه الانغمار والاستهلاك في الظاهر فيه بل في مقام وبنظر اشمخ كمال الاخلاص نفى
الصفات س ره.
313
اجتماع الأسماء الكلية على نحو له جهة وحدانيه يتولد أسماء آخر مركبه المعاني مع
حيثية ارتباط ووحده طبيعية فكذلك من اجتماع الجواهر البسيطة على هياه وحدانيه
يتولد جواهر آخر مركبه منها تركيبا طبيعيا له صوره طبيعية وكما أن الأسماء
بعضها محيط بالبعض كذلك الجواهر بعضها محيط بالبعض وكما أن (1) الأمهات
من الأسماء منحصره كذلك أجناس الجواهر وأنواعها منحصره وكما أن الفروع
من الأسماء الإضافية غير متناهية كذلك الاشخاص المادية أيضا غير متناهية ويسمى
هذه الحقيقة الجوهرية الامكانية في اصطلاح أهل الله بالنفس الرحمانى والمادة
الكلية وما تعين منها وصار موجودا من الموجودات بالكلمات الإلهية ولما
كانت التجليات الإلهية وشئوناتها المظهره للصفات متكثرة بحكم كل يوم هو في
شان صارت الاعراض متكثرة غير متناهية وان كانت الأمهات منها متناهية وهذا
التحقيق ينبهك على أن الصفات من حيث مفهوماتها وتعيناتها في عالم الأسماء اي
باعتبار مرتبه التفصيل الذهني وملاحظه التحليل العقلي حقائق متمايزه بعضها عن
بعض وان كانت بسيطه الذات وحدانيه الوجود وللجميع أيضا اشتراك في مطلق
كونها أسماء غير المسمى بحسب المفهوم كما أن مظاهرها حقائق متمايزه بعضها
عن بعض مع كونها في الموجودية تابعه لوجود الجوهر ومشتركه في معنى العرضية



(1) أمهات الأسماء ما هي مصرح بها في بعض كتب أهل المعرفة بل في بعض كتب أهل الكلام
من الحي العليم المريد القدير المتكلم السميع البصير وهي أئمة الأسماء ولفظ الجلالة وهو الله امام
الأئمة في الأسماء والأسماء الكلية كما ذكر والفروع منها الجزئية الغير المتناهية كالمتفرعات من
العليم بحسب المعلومات والمتفرعات من القدير بقدر المقدورات سواء ا وضع لها ألفاظ على حدة
كالمبدع والمخترع والمنشئ والمكون ونحوها أم لا والمراد بالإضافة في كلامه أعم من الإضافة
المحضة ومن ذوات الإضافة س ره.
314
الزائدة وجوداتها على وجود الجوهر لان كل ما في الوجود دليل وآية على ما في الغيب
تثبيت واحكام
إياك وان تظن بفطانتك البتراء ان مقاصد هؤلاء القوم من
أكابر العرفاء واصطلاحاتهم وكلماتهم المرموزة خاليه عن
البرهان من قبيل المجازفات التخمينيه أو التخيلات الشعرية حاشاهم عن ذلك وعدم
تطبيق كلامهم على القوانين الصحيحة البرهانيه والمقدمات الحقه الحكمية ناش
عن قصور الناظرين وقله شعورهم بها وضعف احاطتهم بتلك القوانين والا فمرتبه
مكاشفاتهم فوق مرتبه البراهين في افاده اليقين بل البرهان هو سبيل المشاهدة
في الأشياء التي يكون لها سبب إذ السبب برهان على ذي السبب وقد تقرر عندهم
ان علم اليقيني بذوات الأسباب لا يحصل الا من جهة العلم بأسبابها فإذا كان هذا
هكذا فكيف يسوغ كون مقتضى البرهان مخالفا لموجب المشاهدة وما وقع في
كلام بعض منهم ان تكذبهم بالبرهان فقد كذبوك بالمشاهدة معناه ان تكذبهم بما
سميت برهانا والا فالبرهان الحقيقي لا يخالف الشهود الكشفي فهذه المباحث
السابقة وإن كان فيها ما يخالف ظاهر الحكمة النظريه لكنها في الحقيقة روحها
الظاهرة من أنوار النبوة ومشكاه الولاية العالمه بمراتب الوجود ولوازمها ولذلك
لا نتحاشى عن اظهارها وإن كان المتفلسفون ومقلدوهم يابون عن أمثالها وان أردت
الاطلاع على حقيقة ما ذكرناه وتشوقت ان يبين لك مطابقه دعاويهم مع مقتضى
البراهين فاستمع لبيان التوافق في نبذ مما يتوهم انها يخالف مقتضى البرهان لتقيس
عليه غيره ولا يسئ ظنك بأرباب الحقائق.
واعلم أن (1) الاسم عندهم عبارة عن الذات الإلهية مع اعتبار صفه من
الصفات أو تجل من التجليات والأسماء الملفوظة أسماء الأسماء وكون الصفات عند
الحكماء عين ذاته تعالى لا ينافي كونها غير ذاته بوجه عند العرفاء عند التحقيق



(1) فإذا علمت اصطلاحهم في الاسم فلا تستغرب قولهم ان العالم مظاهر الأسماء أو الأسماء أرباب الأنواع وان الاسم عين المسمى بوجه وغير المسمى بوجه س ره.
315
فان معنى عينيه الصفات عند محققي الحكماء هو عبارة عن كون وجوده تعالى في
مرتبه ذاته مع قطر النظر عن انضمام معنى أو اعتبار كيفية أو حاله غيرها مصداقا
لحمل مفهومات تلك الصفات لا بان يكون في اتصافه بشئ منها مفتقرا إلى عروض
هياه وجوديه كما في حمل الأبيض على الجسم ولا إلى معنى سلبى كحمل الأعمى
على الانسان أو معنى نسبى كحمل الفوقية على السماء أو اعتبار تحقق الذات
بصدورها عن الجاعل كما في حمل الذاتيات على الموضوع أو تعلق بالجاعل كما
في حمل الوجود على ماهيات الممكنات وهؤلاء العرفاء أيضا قائلون بعينيه صفاته
لذاته بهذا المعنى لكن لا ريب لاحد ان مفهومات الصفات ومعانيها الكلية الانتزاعيه
الموجودة في العقل متخالفه بحسب المفهوم والمعنى لا أقول بحسب الهوية والوجود
وهذا مما لا يقبل النزاع لاحد فيه ومن هاهنا يعلم أن كون الاسم عين المسمى أو
غيره يرجع إلى هذين الاعتبارين اي اعتبار الهوية والوجود واعتبار المفهوم والمعنى
ولا يذهب عليك انه لا يلزم من كون الأسماء الإلهية بحسب المعنى غير ذاته المقدسة
امكان تلك الأسماء أو تعدد الواجب أو الجهة الامكانية فيه أو التركيب في ذاته من
جهتي القبول والفعل تعالى ذاته عن علوق شئ من هذه المعنى علوا كبيرا وذلك
لما علمت مرارا ان الجعل والإفاضة انما يجريان بالذات والاصاله في نحو من انحاء
الوجودات لا في المفهومات الكلية كالأسماء والأعيان وكذا اللامجعوليه واللامفاضيه
انما يتحققان في حقيقة الوجود لا في المعاني الكلية فهي كما انها في المجعولية
تابعه للوجود اي بالعرض فكذا في اللامجعوليه فأسماء الله تعالى غير مجعوله
ولا لا مجعوله فلا يلزم من تعددها على هذا النحو العقلي لا الامكان ولا التعدد
في الوجود ولا في الوجوب ولا التركيب ولا الانفعال في الذات ولا الكثرة
في جهات التأثير ليبطل قاعدتهم في نحو صدور سلسله الموجودات من العقول إذ
سبب تعدد الايجاد هو تعدد جهات الوجود لا غير وإذ ليس فليس وان تعددت معاني

316
الصفات التي مصداقها ذات احديه بسيطه صرفه بحسب نفس الامر فقد تحقق بنور
البرهان والعيان ان الذات الإلهية مشتركه بين الأسماء الحسنى كلها والتكثر
فيها حسب تكثر الصفات وذلك التكثر باعتبار مراتبه (1) الغيبية التي هي
مفاتيح الغيب وهي معان معقوله في غيب الوجود الحق تعالى لأنها مع كثرتها
العقلية مندمجه فيها على نحو بسيط غاية البساطة لان الذات الأحدية والهوية
الوجودية السابقة على جميع الهويات الوجودية مع بساطتها يتصف عند العقل بصفاتها
المتكثرة الكمالية والنسبيه يتعين (2) بها شؤون الحق وتجلياته
وقد مر مرارا انها ليست بموجودات عينيه ولا يدخل في الوجود الاحدى أصلا فهي
ثابته في العقل معدومه في العين ولها الاحكام والآثار بوجه عرضى لأنا قد ذكرنا
ان الأثر في الحقيقة لا يكون الا للوجود لكن كثرتها العقلية تؤدى إلى كثره آثار
الوجود في الخارج كثره ترجع إلى وحده حقيقيه في الكل والتكثر بوجه يرجع



(1) فأسماؤه الذاتية هي الغيوب وذاته الذي هو الكنز المخفى غيب الغيوب فهذا معنى قوله
تعالى وعنده مفاتح الغيب اي عند الهوية الصرفة بان يكون الهاء اسما لا ضميرا فإنه لا تفاوت فيه فقد
يرسم دائره واحده لان الدائره لا نهاية لها إذ الانتهاء انما يكون بالمخالف بالنوع للشئ ومركزها
نسبه إلى جميع أطراف محيطها على السواء وقد يرسم بدائرتين للإشارة إلى صفتي الجمال والجلال
والواو يتولد من الاشباع لان المحكى عنه بالهاء له شده الوجود في الغاية وله الإحاطة
والسعة والهاء حلقيه والواو شفويه ففي التركيب منهما اشاره إلى احاطه النفس الرحمانى بالبواطن
والظواهر ويمكن ان يكون المراد بمفاتح الغيب أسماؤه الفعلية التي هي من صقع الربوبية من العقول
التي في سلسله البادئات والتي في سلسله العائدات وانما لا يعلمها الا هو على التقديرين لان السنخيه
بين المدرك والمدرك معتبره فلا يعلم ما من صقعه الا ما من صعقه وكل ما هو من صقعه موجود بوجوده
وباق ببقائه أو المراد لا يعلم كنهها وباطن ذاتها الا هو س ره.
(2) بالعين التعين أو بالفاء من التفنن والشؤون هي الأعيان الثابتة فعقب الكلام في الأسماء
بالكلام في لوازمها والمراد ان كل اسم يلزمه عين ثابت فالعين الثابت الانساني لازم الاسم الأعظم
الجامع وهو الله وعين الملك لازم اسمه السبوح القدوس وعين الحيوان لازم اسمه السميع البصير
وقس عليه وهذه اللوازم من اللوازم الغير المتاخره في الوجود بل صور علميه موجوده بوجود
الملزومات وهو وجود الذات س ره.
317
إلى التكثر في العلم الذاتي لان علمه لذاته أوجب العلم بكمالات ذاتية في مرتبه
احديه ثم الجود الإلهي وفيضه (1) الاقدس اقتضت ظهور الذات لكل منها على
انفرادها (2) متعينا في حضرته (3) العلمية ثم العينية على طبقاتها من العوالم فحصل
له التكثر بهذا الوجه
فصل [27] في اثبات التكثر في الحقائق الامكانية
ان أكثر الناظرين في كلام العرفاء الإلهيين حيث لم يصلوا إلى مقامهم ولم
يحيطوا بكنه مرامهم ظنوا انه يلزم من كلامهم في اثبات التوحيد الخاصي في
حقيقة الوجود والموجود بما هو موجود وحده شخصيه ان هويات (4) الممكنات



(1) الفيض الاقدس ظهور الذات بكسوه الأسماء والصفات ولوازمها من الأعيان الثابتات
وهو الرحمة الصفتيه وهو في اصطلاح العرفاء غير الفيض المقدس لأنه ظهوره في مجالي الماهيات
الامكانية في مقام الفعل ولهذا يسمى الرحمة الفعلية فذلك هو التجلي الصفاتى وهذا هو التجلي
الافعالى س ره.
(2) اي ماهية لا وجودا لان الأسماء ولوازمها كلها موجوده بوجود واحد هو وجود المسمى
عز اسمه ولهذا كانوا مقرين بالمعبود في كل البرزات والذرات ولم ينقضوا العهود مثل ما في الدنيا
التي هي محل الجهل والنسيان حيث وجدوا الوجودات المتتشتات واضافوها إلى الماهيات والتوحيد
اسقاط الإضافات واما الانفراد ماهية فلان تلك الحضرة العلمية نشاه العلم التفصيلي ومرتبه نفس الامر
وما هو عليه الشئ س ره.
(3) والى هذا ناظر قول عبد الرحمن الجامي
بود أعيان جهان بي چند وچون الخ
وقول الأمير حسينى الهروي:
خواستى آورى بعين از علم * تا هويدا شوى بغيب وشهود
إلى غير ذلك من مقالاتهم س ره.
(4) المغالطه نشات من خلط الماهية بالهويه واشتباه الماهية من حيث هي بالحقيقة ولم
يعلموا ان الوجود عندهم أصل فكيف يكون الهوية والحقيقة عندهم اعتباريا أم كيف يكون الجهة
النورانيه من كل شئ التي هي وجه الله وظهوره وقدرته ومشيته المبينه للفاعل لا للمفعول اعتباريا تعالى ذيل إجلاله عن علوق غبار الاعتبار فمتى قال العرفاء الأخيار أولوا الأيدي والابصار ان
الملك والفلك والانسان والحيوان وغيرها من المخلوقات اعتبارية أرادوا شيئيات ماهياتها الغير
المتأصلة عند أهل البرهان وعند أهل الذوق والوجدان وأهل الاعتبار ذهب أوهامهم إلى ماهياتها
الموجودة بما هي موجوده أو إلى وجوداتها حاشاهم عن ذلك بل هذا نظر عامي منزه ساحة
عز الفضلاء عن ذلك نظير ذلك ان فاضلا إذا قال الانسان مثلا وجوده وعدمه على السواء أو مسلوب
ضرورتى الوجود والعدم أراد بشيئيه ماهية الانسان ونحوه انها كذلك وظن العامي الجاهل انه
أراد الانسان الموجود في حال الوجود أو بشرط الوجود ولم يعلم أنه في حال الوجود وبشرطه
محفوف بالضرورتين وليست النسبتان متساويتين ولا جائزتين إذ سلب الشئ عن نفسه محال
ثبوت الشئ لنفسه واجب بل لو قيل باصاله الماهية فالماهية المنتسبة إلى حضره الوجود اصيله
عند هذا القائل لا الماهية من حيث هي فإنها اعتبارية عند الجميع وقول الشيخ الشبسترى تعينها
أمور اعتبارية ينادى بما ذكرناه س ره.
318
أمور اعتبارية محضه وحقائقها أوهام وخيالات لا تحصل لها الا بحسب الاعتبار
حتى أن هؤلاء الناظرين في كلامهم من غير تحصيل مرامهم صرحوا بعدميه الذوات
الكريمة القدسية والاشخاص الشريفة الملكوتية كالعقل الأول وسائر الملائكة
المقربين وذوات الأنبياء والأولياء والاجرام العظيمة المتعددة المختلفة جهة
وقدرا وآثارها المتفننه وبالجملة النظام المشاهد في هذا العالم المحسوس والعوالم
التي فوق هذا العالم مع تخالف اشخاص كل منها نوعا وتشخصا وهويه وعددا والتضاد
الواقع بين كثير من الحقائق أيضا ثم إن لكل منها آثارا مخصوصة واحكاما
خاصه ولا نعنى بالحقيقة الا ما يكون مبدء اثر خارجي ولا نعنى بالكثرة الا
ما يوجب تعدد الاحكام والآثار فكيف يكون الممكن لا شيئا في الخارج ولا موجودا
فيه وما يتراآى من ظواهر كلمات الصوفية ان الممكنات أمور اعتبارية أو انتزاعيه
عقلية ليس معناه ما يفهم منه الجمهور ممن ليس له قدم راسخ في فقه المعارف
وأراد ان يتفطن باغراضهم ومقاصدهم بمجرد مطالعه كتبهم كمن أراد ان يصير
من جمله الشعراء بمجرد تتبع قوانين العروض من غير سليقه تحكم باستقامه
الأوزان أو اختلالها عن نهج الوحدة الاعتداليه.

319
فإنك ان كنت ممن له اهليه التفطن بالحقائق العرفانيه لأجل مناسبه ذاتية
واستحقاق فطرى يمكنك ان تتنبه مما أسلفناه من أن كل ممكن من الممكنات
يكون ذا جهتين جهة يكون بها موجودا واجبا لغيره من حيث هو موجود وواجب
لغيره وهو بهذا الاعتبار يشارك جميع الموجودات في الوجود المطلق من غير تفاوت
وجهه أخرى بها يتعين هويتها الوجودية وهو اعتبار كونه في اي درجه من درجات
الوجود قوه وضعفا كمالا ونقصانا فان ممكنيه الممكن انما ينبعث من نزوله
عن مرتبه الكمال الواجبي والقوة الغير المتناهية والقهر الانم والجلال الارفع
وباعتبار كل درجه من درجات القصور عن الوجود المطلق الذي لا يشوبه قصور
ولا جهة عدميه ولا حيثية امكانية يحصل للوجود خصائص عقلية وتعينات
ذهنية هي المسمات بالماهيات والأعيان الثابتة فكل ممكن زوج تركيبي عند
التحليل من جهة مطلق الوجود ومن جهة كونه في مرتبه معينه من القصور فاذن
هاهنا ملاحظات عقلية لها احكام مختلفه.
الأول ملاحظه ذات الممكن على الوجه المجمل من غير تحليل إلى تينك
الجهتين فهو بهذا الاعتبار (1) موجود ممكن واقع في حد خاص من حدود
الموجودات.
والثاني ملاحظه كونها موجودا مطلقا من غير تعين وتخصص بمرتبه من
المراتب وحد من الحدود وهذا حقيقة (2) الواجب عند الصوفية يوجد مع الهوية الواجبية



(1) هذا ينافي ما مر في الإشارة إلى حال الوجوب والامكان من أن هذا الانقسام انما هو من
حيث الامتياز بين الوجود والماهية فالحق ان هنا ملاحظتين لا غير وان هذه الملاحظة أيضا ترجع
إلى ملاحظه الوجود وانه علم اجمالي بالوجود وان لم يكن علما بالعلم نعم ليس علما تفصيليا بحيثية
الوجود والوحدة كما في الثانية الا ان حيثية الوجود مقدمه على جميع الحيثيات عينا وعلما كما علم
في بيان موضوعيته للعلم الإلهي وان مبادئه من لواحقه س ره.
(2) ان قلت هذا الكلام وكذا قوله في مطلق الوجود بشرط الاطلاق يدل على أن الواجب
عندهم هو حقيقة الوجود بشرط شئ وقد علم مما سبق واشتهر انه حقيقة الوجود لا بشرط فكيف
التوفيق.
قلت التوفيق ان هذه الحقيقة بشرط شئ عين الحقيقة لا بشرط إذ المراد بهذا الاطلاق الارسال
والسعة الوجودية لا ما هو المستعمل في المفاهيم بل كما أشرنا سابقا التوفيق بين الثلاثة حاصل إذ
مرادهم حقيقة الوجود البحت البسيط المبسوط الابي عن العدم بذاته الطارد إياه عن غيره فإذا قيل
لا بشرط أريد به عدم التحديد والتضييق وكذا إذا قيل بشرط الاطلاق أريد نفس تلك الحقيقة
وهذا الشرط كالحيثيه الاطلاقية حكاية عن عدم الشرط وتقييد لعدم التقييد وإذا قيل بشرط لا أريد
تلك الحقيقة أيضا وكلمه لا سلب السلب اي سلب المفاهيم والماهيات والاعدام من حيث هي كذلك
عتبار اتناشتى وحسنك واحد واما ان المطلق قد يطلق على المنبسط كما سيجئ ان الوجود الحق
هو الله والمطلق فعله فسيجئ ان المطلق يطلق بالاشتراك عليهما س ره.
320
ومع الهويات الامكانية لعدم الامتياز بين موجود وموجود بهذا الاعتبار ولعدم
تطرق الزوال والقصور والتغير والتجدد في مطلق الوجود بشرط الاطلاق وان اتصف بها مطلقا
لا بشرط الاطلاق ولا بشرط اللااطلاق ولكونه عين المرتبة الأحدية وما حكم بوحدته
مع انبساطه وسرايته في جميع الموجودات هو هذا المطلق المأخوذ لا بشرط شئ
الذي ليس شموله وانبساطه على جهة الكلية لكونه جزئيا حقيقيا له مراتب متفاوتة.
والثالث ملاحظه نفس تعينها المنفكة عن طبيعة الوجود وهو جهة تعينها الذي
هو اعتباري محض وما حكم عليه العرفاء بالعدميه هو هذه المرتبة من الممكنات
وهو مما لا غبار عليه لان عند التحليل لم يبق بعد افراز سنخ الوجود من الممكن
امر متحقق في الواقع الا بمجرد الانتزاع الذهني فالحقائق موجوده متعددة في
الخارج لكن منشاوجودها وملاك تحققها امر واحد هو حقيقة الوجود المنبسط
بنفس ذاته لا بجعل جاعل ومنشأ تعددها تعينات اعتبارية فالمتعدد يصدق عليها انها
موجودات حقيقيه لكن اعتبار موجوديتها غير اعتبار تعددها فموجوديتها حقيقيه
وتعددها اعتباري ولما كانت العبارة قاصره عن أداء هذا المقصد لغموضه ودقه
مسلكه وبعد غوره يشتبه على الأذهان ويختلط عند العقول ولذا طعنوا في كلام

321
هؤلاء الأكابر بأنها مما يصادم العقل الصريح والبرهان الصحيح ويبطل به علم
الحكمة وخصوصا فن المفارقات الذي يثبت فيه تعدد العقول والنفوس والصور
والاجرام وانحاء وجوداتها المتخالفة الماهيات وما أشد (1) في السخافة قول من
اعتذر من قبلهم ان احكام العقل باطله عند طور وراء طور العقل كما أن
احكام العقل باطله عند طور العقل ولم يعلموا ان مقتضى البرهان الصحيح مما
ليس انكاره في جبله العقل السليم من الأمراض والاسقام الباطنة نعم ربما يكون
بعض المراتب الكمالية مما يقصر عن غورها العقول السليمة لغاية شرفها وعلوها
عن ادراك العقول لاستيطانها في هذه الدار وعدم مهاجرتها إلى عالم الاسرار لا ان
شيئا من المطالب الحقه مما يقدح فيها ويحكم بفسادها العقل السليم والذهن المستقيم
وقد صرح بعض المحققين منهم بان العقل حاكم كيف والأمور الجبليه واللوازم
الطبيعية من غير تعمل وتصرف خارجي ومع عدم عائق ومانع عرضى لا تكون باطله قطعا
إذ لا باطل ولا معطل في الموجودات الطبيعية الصادرة من محض فيض الحق
دون الصناعيات والتعليمات الحاصلة من تصرف المتخيله وشيطنه الواهمه وجبله
العقل الذي هو كلمه من كلمات الله تعالى التي لا تبديل لها مما يحكم بتعدد
الموجودات بحسب فطرتها الأصلية.
قال الشيخ الفاضل الغزالي اعلم أنه لا يجوز في طور الولاية ما يقضى العقل
باستحالته نعم يجوز ان يظهر في طور الولاية ما يقصر العقل عنه بمعنى انه لا يدرك
بمجرد العقل ومن لم يفرق بين ما يحيله العقل وبين ما لا يناله العقل فهو اخس



(1) إذ حينئذ يلزم الهرج والمرج ويرتفع الأمان وينسد باب الايمان فان الحكم بان
العالم صانعا قديما منزها عن نقائص الأكوان محيطا بها ليس كمثله شئ وهو السميع البصير انما
هو للعقل فإذا جاز طور وراء طور العقل جاز بطلان هذا الحكم وأمثاله مما لا يحصى كيف واعلى
المدارك في الانسان من العقل والوهم والخيال والحس هو العقل وإذا لم يكن هو حامل المعارف
فما الذي يحمل وان أريد العقل الوهمى المشوب فكثير من المطالب النظريه وراء طوره س ره.
322
من أن يخاطب فيترك وجهله
وقال عين القضاة الهمداني في الزبده اعلم أن العقل ميزان صحيح واحكامه
صادقه يقينيه لا كذب فيها وهو عادل لا يتصور منه جور فقد ظهر من كلام هذين
الشيخين انه لا يجوز العدول عما حكم به العقل الصحيح فكيف حكم أمثال هؤلاء
الأكابر المجردين عن جلباب البشرية بعد رياضاتهم ومجاهداتهم بما يقضى الحاكم
العادل اي العقل الصحيح باستحالته فالحق ان من له قدم راسخ في التصوف والعرفان
لا ينفى وجود الممكنات (1) رأسا.
ومن النصوص على اتصاف الموجودات بالكثرة الحقيقية الغير المنافية للوحدة
الحقيقية كلام صاحب الاحياء بعد ذكر المراتب الثلاثة في التوحيد حيث قال والمرتبه
الرابعة في التوحيد ان لا يرى في الوجود الا واحدا وهو مشاهده الصديقين ويسقيه
الصوفية الفناء في التوحيد لأنه من حيث لا يرى الا واحدا لا يرى نفسه أيضا بمعنى
انه فنى عن رؤية نفسه.
فان قلت كيف يتصور ان لا يشاهد الا واحدا وهو يشاهد السماء والأرض
وسائر الأجسام المحسوسة وهي كثيره.
فاعلم أن هذا غاية علوم المكاشفات وان الموجود الحقيقي واحد وان
الكثرة فيه في حق (2) من يفرق نظره والموحد لا يفرق نظره رؤية السماء والأرض



(1) اي ولو بالعرض لو أريد ماهية الممكن أو ولو وجودا رابطا بلا نفسيه وان كانت
كالرابطى ان أريد وجود الممكن فان هذا لا ينافي التوحيد إذ التحقق العرضي له صحه السلب أيضا
والتحقق الرابط هو محض الفقر ذاتا وصفه وفعلا إلى حقيقة الحقائق والفقر إذا تم فهو الله
س ره.
(2) وهو من ينظر إلى الماهيات التي هي مثار غبار الكثرة لا إلى الوجود الذي هو مركز
الوحدة بل عينها وينظر إلى الصور التي هي متفرقة ومتشتته لنظر المدارك لا إلى المعنى الذي هو
روحها واصل محفوظها كالعاكس الذي هو أصل العكوس المختلفة صغرا وكبرا وصفاء ا وكدرا
المحفوظه بما هي ظهوراته وعنواناته وآلات لحاظه لا ملحوظات بذواتها س ره.
323
وسائر الموجودات بل يرى الكل في حكم الشئ الواحد واسرار علوم المكاشفات
لا يسطر في كتاب نعم ذكر ما يكسر سوره استبعادك ممكن وهو ان الشئ
قد يكون كثيرا بنوع مشاهده واعتبار ويكون بنوع آخر من المشاهدة والاعتبار
واحدا كما أن الانسان كثير إذا نظر إلى روحه وجسده وسائر أعضائه وهو
باعتبار آخر ومشاهده أخرى واحد إذ نقول إنه انسان واحد فهو بالإضافة إلى
الانسانية واحد وكم من شخص يشاهد انسانا ولا يخطر بباله كثره اجزائه وأعضائه
وتفصيل روحه وجسده والفرق بينهما وهو في حاله الاستغراق والاستهتار مستغرق
واحد ليس فيه تفرق وكأنه في عين الجمع والملتفت إلى الكثرة في تفرقه وكذلك
كل ما في الوجود له اعتبارات ومشاهدات كثيره مختلفه وهو باعتبار واحد
من الاعتبارات واحد وباعتبار آخر سواه كثير بعضه أشد كثره من بعض ومثال
الانسان وإن كان لا يطابق (1) الغرض ولكن ينبه في الجملة على كشف الكنز
وتستفيد من هذا الكلام ترك الانكار والجحود بمقام لم تبلغه وتؤمن به ايمان
تصديق فيكون لك من حيث إنك مؤمن بهذا التوحيد نصيب منه وان لم يكن ما آمنت
به صفتك كما انك إذا آمنت بالنبوة كان لك نصيب منه وان لم تكن نبيا وهذه
المشاهدة التي لا يظهر فيها الا الواحد الحق سبحانه تارة يدوم وتارة يطرء كالبرق
الخاطف وهو أكثر والدوام نادر عزيز جدا انتهى كلامه.
وقال في موضع آخر من كتاب الاحياء واما من قويت بصيرته ولم يضعف
نيته فإنه في حال (2) اعتدال امره لا يرى الا الله ولا يعرف غيره ويعلم انه ليس



(1) لأنه محدود محاط ولان بدنه واحد بالاجتماع لا واحد بالوحدة الحقه الحقيقية وجنبته
الروحانية متعلقه بجنبته الجسمانية تعلقا تدبيريا استكماليا فليست عله لها وغير ذلك من
المبعدات س ره.
(2) لا حال خروجه عن الاعتدال كحال الغضب المفرط أو الخوف المفرط أو الشهوة المفرطه
فان عالم الصورة يثير عند هذه الأحوال غبار الكثرة.
اي بسا كس را كه صورت راه زد * قصد صورت كرد وبر الله زد
كضرب المرادي على مظهر اسم الله الأعظم على ع من ابغضهم فقد أبغض الله
ويمكن ان يراد بالاعتدال العدالة المصطلحة المعجنه من الاخلاط الأربعة المشهورة س ره.
324
في الوجود الا الله تعالى وافعاله (1) اثر من آثار قدرته فهي تابعه له فلا وجود
لها بالحقيقة وانما الوجود للواحد الحق الذي به وجود الافعال كلها ومن هذا حاله
فلا ينظر في شئ من الافعال الا ويرى فيه الفاعل ويذهل عن الفعل من حيث إنه
سماء وارض وحيوان وشجر بل ينظر فيه من حيث إنه صنع فلا يكون نظره مجاوزا
له إلى غيره كمن نظر في شعر انسان أو خطه أو تصنيفه فرأى فيه الشاعر والمصنف
ورأى آثاره من حيث إنه آثاره لا من حيث إنه حبر وعفص وزاج مرقوم على بياض
فلا يكون قد نظر إلى غير المصنف وكل العالم (2) تصنيف الله فمن نظر إليها
من حيث إنها فعل الله وأحبها من حيث إنها فعل الله لم يكن ناظرا الا في الله
ولا عارفا الا بالله ولا محبا الا الله بل لا ينظر إلى نفسه من حيث نفسه بل من
حيث إنه عبد الله فهذا الذي يقال إنه فنى في التوحيد وانه فنى عن نفسه واليه



(1) ومن المحققات ان الأثر يشابه صفه مؤثره وان الأثر ليس شيئا على حياله فلو لم ير الفاعل
في فعله لم يؤخذ الفعل على وجهه بل شيئا مستقلا وعند هذا لم يكن اثرا وهذا نظر خطاء أعاذنا الله تعالى
منه وهذا البيان الذي هو أقرب المجازات لأقرب أهل المجاز والبيان الاشمخ الاعذب لأهله ان
الوجود بشراشره قدرته فكل المبادى مقارناتها ومفارقاتها وبرزخياتها والقوى الفعلية حتى العرضية
درجات قدرته الفعلية والافعال ماهيات سرابيه ما به موجوديتها وجوده ما خلقنا السماوات والأرض
الا بالحق والصنع الذي يقول به هو الوجود المنبسط الذي حيثية طرد العدم وجودها ايجاده الحقيقي
لا المصدري والاضافى اللهم الا ان يراد الإضافة الاشراقية س ره.
(2) قال في كتابه المجيد التدوينى كتاب أحكمت آياته وفي موضع آخر فصلت آياته
وفي آخر كلمه أخرى فكلمه العقل الأول والعقول الطولية المترتبة والعرضية المتكافئة كلماته
التامات الجامعات قال ص أوتيت جوامع الكلم بل هي حروفه العاليات المستطرات
بالتبر لا بالحبر على رق ابيض لا اصفر أو اخضر أو احمر والنفوس هي الأسماء الغير المقترنة
بالزمان باعتبار باطن ذاتها والطبائع السيالة هي الافعال المقترنة بالزمان باعتبار ذاتها المادية
والاعراض اعاريبها وهذا الأسماء والافعال مدادها ولوحها متفاوتان وفي مدلولاتها ومدلولات
الحروف المقطعات والموصلات عجائب وغرائب فاقرء وارقا قال السيد المحقق الداماد في
القبسات ولقد اعجبنى كلام الامام الغزالي حيث قال العالم تصنيف الله تعالى س ره
325
الإشارة بقول من قال كنا بنا فغبنا عنا فبقينا بلا نحن فهذه (1) أمور معلومه
عند ذوى البصائر أشكلت لضعف الافهام عن دركها وقصور قدر العلماء بها عن ايضاحها
وبيانها بعباره مفهمه موصله للغرض إلى الافهام أو باشتغالهم بأنفسهم واعتقادهم ان
بيان ذلك لغيرهم مما لا يغنيهم انتهى كلامه.
وانما أوردنا كلام هذا البحر القمقام الموسوم عند الأنام بالامام
وحجه الاسلام ليكون تليينا لقلوب السالكين مسلك أهل الايمان ودفعا لما
يتوهمه بعض منهم ان هذا التوحيد الخاصي مخالف للعقل والشرع اما العقل فلظهور
الكثرة في الممكنات واما الشرع فلان مدار التكليف والوعد والوعيد على تعدد
مراتب الموجودات وتخالف النشات واثبات الافعال للعباد ومعنى التوحيد ان
لا موجود الا الله سبحانه وذلك لما علمت مما سبق منا وما نقلنا من كلام هذا
النحرير ان هذه وحده يندرج فيها الكثرات انها وحده جمعيه إذا نظرت إلى حقيقة
الموجود المطلق بما هو موجود مطلق (2) الذي يقال له مرتبه الواحدية وإذا نظرت
إلى الموجود الصرف البحت الذي لا يشوبه معنى آخر في ذاته ولا تعين له في حقيقته



(1) ونعم ما قيل
من گنك خواب ديده وعالم تمام كر * من عاجزم ز گفتن وخلق از شنيدنش
هم ز ان دهان كر آمد اسرار را بيانى
لا يحمل عطاياه الا مطاياه س ره.
(2) حاصله ان توهمهم المخالفة إن كان في واحديه الوجود فقد قالوا إن في المرتبة الواحدية
جاءت الكثرة كم شئت من الأسماء والصفات والأعيان الثابتات ومع الكثرة لا يبقى اشكال ألم تستمع
قولهم ان الأعيان هناك كانت رائيه ومرئيه وسامعه لقول كن وان الله تعالى كان مخاطبا لها كل
ذلك بنحو الثبوت وإن كان توهمهم في احديه حقيقة الوجود فالجواب عنه ان في المرتبة الأحدية
لا اسم ولا رسم فلا تكليف ولا غيره لكن لها إضافات ورشحات بعد ذلك وإذ تطرق الكثرة فلا اشكال
في التكليف وغيره ثم إن قوله انها وحده جمعيه بمنزله الجزاء لقوله إذا نظرت إلى حقيقة
الموجود س ره.
326
أصلا فله أيضا إفاضات بنفسه ورشحات بذاته ينبعث عنها الماهيات والاحكام الثابتة
المطابقة للواقع الا ان منشا موجوديتها وتحققها ليس الا نفس ذلك الوجود
المتحقق بذاته والتام الغنى عما سواه وستسمع لهذا زيادة توضيح
فصل [28]
في كيفية سريان حقيقة الوجود في الموجودات المتعينة والحقائق
الخاصة
اعلم أن للأشياء في الموجودية ثلاث مراتب
أوليها الوجود الصرف الذي لا يتعلق وجوده بغيره والوجود الذي لا يتقيد
بقيد وهو المسمى عند العرفاء بالهويه الغيبية والغيب المطلق والذات الأحدية وهو
الذي لا اسم له ولا نعت له ولا يتعلق به معرفه وادراك إذ كل ما له اسم ورسم كان
مفهوما من المفهومات الموجودة في العقل أو الوهم وكل ما يتعلق به معرفه وادراك
يكون له ارتباط بغيره وتعلق بما سواه وهو ليس كذلك لكونه قبل جميع الأشياء
وهو على ما هو عليه في حد نفسه من غير تغير ولا انتقال فهو الغيب المحض
والمجهول المطلق الا من قبل لوازمه وآثاره فهو بحسب ذاته المقدسة ليس محدودا
مقيدا بتعين ولا مطلقا حتى يكون وجوده بشرط القيود والمخصصات كالفصول
والمشخصات وانما لواحق ذاته شرائط ظهوره لا علل وجوده ليلزم النقص في ذاته
تعالى عنه علوا كبيرا وهذا الاطلاق امر سلبى يستلزم سلب جميع الأوصاف
والاحكام والنعوت عن كنه ذاته وعدم التقيد والتجدد في وصف
أو اسم أو تعين أو غير ذلك حتى عن هذه السلوبات باعتبار انها أمور اعتبارية عقلية.
المرتبة الثانية الموجود المتعلق بغيره وهو الوجود المقيد بوصف زائد
والمنعوت باحكام محدوده كالعقول والنفوس والأفلاك والعناصر والمركبات من
الانسان والدواب والشجر والجماد وسائر الموجودات الخاصة.

327
المرتبة الثالثة (1) هو الوجود المنبسط المطلق الذي ليس عمومه على سبيل
الكلية بل على نحو آخر فان الوجود محض التحصل والفعلية والكلى سواء ا كان
طبيعيا أو عقليا يكون مبهما يحتاج في تحصله ووجوده إلى انضمام شئ اليه يحصله
ويوجده وليست وحدته عدديه اي (2) مبدء ا للاعداد فإنه حقيقة منبسطه على
هياكل الممكنات وألواح الماهيات لا ينضبط في وصف خاص ولا ينحصر في حد
معين من القدم (3) والحدوث والتقدم والتأخر والكمال والنقص والعلية
والمعلولية والجوهريه والعرضية والتجرد والتجسم بل هو بحسب ذاته بلا انضمام
شئ آخر يكون متعينا بجميع التعينات الوجودية والتحصلات الخارجية بل الحقائق
الخارجية تنبعث من مراتب ذاته وانحاء تعيناته وتطوراته وهو أصل العالم وفلك
الحياة وعرش الرحمان والحق المخلوق به في عرف الصوفية وحقيقة الحقائق
وهو يتعدد في عين وحدته بتعدد الموجودات المتحدة بالماهيات فيكون مع القديم
قديما ومع الحادث حادثا ومع المعقول معقولا ومع المحسوس محسوسا وبهذا
الاعتبار يتوهم انه كلى وليس كذلك والعبارات عن بيان انبساطه على الماهيات
واشتماله على الموجودات قاصره الإشارات الا على سبيل التمثيل والتشبيه وبهذا
يمتاز عن الوجود الذي لا يدخل تحت التمثيل والاشاره الا من قبل آثاره ولوازمه



(1) اي ليس اطلاقه الا ان العذر ان المطلق يسمى عاما منطقيا إذ العام اما منطقي كالكلى
الطبيعي واما استغراقى وهو العام الأصولي كصيغ العموم واما بدلي كرجل وفي جعل هذه
المرتبة ثالثه مخالفه الوضع مع الطبع لكن العذر طول ذيلها وذكر اشتباه حالها بالوجود العام
الانتزاعي كما سيبين المصنف س ره.
(2) واما الوحدة العددية المصطلحة للحكماء فيطلق على وحدته البتة فإنهم يسمون
الوحدة الشخصية وحده عدديه والشخص واحدا بالعدد وأيضا قد يقال الوحدة العددية ويراد بها
الوحدة لا بشرط التي في الاعداد وقد مر انها آية التوحيد الخاصي وقال ع يا الهى لك
وحدانيه العدد س ره.
(3) المراد بالقدم هنا وفي قوله قدس سره فيكون مع القديم قديما القدم الزماني لا الذاتي
لان هذا الوجود هو عرش الرحمان والحق المخلوق والظل الممدود س ره.
328
ولهذا قيل نسبه هذا الوجود إلى الموجودات العالمية نسبه الهيولى الأولى إلى الأجسام
الشخصية من وجه ونسبه الكلى الطبيعي كجنس الأجناس إلى الاشخاص والأنواع
المندرجه تحته وهذه التمثيلات مقربه من وجه (1) مبعده من وجوه واعلم (2) ان
هذا الوجود كما ظهر مرارا غير الوجود الانتزاعي الاثباتي العام البديهي والمتصور
الذهني الذي علمت أنه من المعقولات الثانية والمفهومات الاعتبارية وهذا مما خفى على أكثر
أصحاب البحوث سيما المتأخرين (3) واما العرفاء ففي كلامهم تصريحات بذلك قال الشيخ
المحقق صدر الدين القونوى بعد ان تصور الوجود بالمعنى الثالث ومثله بالمادة بقوله
الوجود (4) مادة الممكن وهياه المتهياه له بحكمه الموجد العليم الحكيم على وفق ما كان
في علمه مهياه بهذه العبارة والعرض العام هو الضعف اللاحق به عند تقيده بقيد الامكان
وبعده عن حضره الوجود واسره في أيدي الكثرة وقد سماه الشيخ العارف الصمداني
الرباني محى الدين الاعرابى الحاتمي في مواضع من كتبه نفس الرحمان (5)



(1) واما وجه مباعده النسبتين فهو ان هذا الوجود من شده فعليته أو بساطته ووجدانه للوجودات
وجامعيته لها وسعت كلها والهيولي وجنس الأجناس من فرط القوة والابهام وقله التحصل وكثره
الفقدان والاعدام يفنيان في الصور والأنواع ويجتمعان ويتحدان معها ولذا فالماهية لا بشرط
تجتمع مع الف شرط فأين التجرد الذاتي من كل شئ من فرط الغنى وأين التجرد الذاتي من كل شئ
من فرط الفقر والفقدان س ره. (2) الداعي على هذا التبيين والتأكيد انه ذهب أوهام جمع إلى العام البديهي والمطلق
المفهومي من اطلاقهم الوجود والعام والمطلق عليه وعلى حقيقة الوجود ومقام الظهور والمعروفيه
كليهما نعم من ذهب وهمه من قول الحكماء ان الواجب تعالى هو الوجود ومن قول العرفاء ان الواجب
هو الوجود المطلق إلى أنهم أرادوا المفهوم العام البديهي مع أنه زائد على حقائق الجميع عند الجميع
كيف لا يذهب من اطلاقهم على فعله اليه تعالى عن ذلك ذاته وما من صقع ذاته علوا كبيرا س ره.
(3) القائلين باصاله الماهية واعتبارية الوجود س ره.
(4) اطلاق المادة التي هي في اصطلاح الحكماء اسم الجزء القابلى في المركبات الخارجية
على الوجود المنبسط الارفع من كونه مقبولا فضلا عن أن يكون قابلا اصطلاح خاص بالعرفاء باعتبار
المشابهه المذكورة وباعتبار ان المادة معربه مايه وقد علمت أن هذا الوجود أصل
العالم س ره.
(5) هذا موافق للماثور عن أئمتنا المعصومين ع حيث عبروا عن المادة بالهباء
والمادة أطلقت على هذا الوجود س ره.
329
والهباء والعنقاء.
رفع اشتباه
قد ثبت مما ذكرناه انه إذا اطلق في عرفهم الوجود المطلق
على الحق الواجب يكون مرادهم الوجود بالمعنى الأول اي
الحقيقة بشرط لا شئ لا هذا المعنى الأخير والا يلزم عليهم المفاسد الشنيعة كما
لا يخفى وما أكثر ما ينشأ لأجل الاشتباه بين هذين المعنيين من الضلالات والعقائد
الفاسدة من الالحاد والإباحة والحلول واتصاف الحق الأول بصفات الممكنات
وصيرورته محل النقائص والحادثات فعلم أن التنزيه الصرف والتقديس المحض
كما رآه المحققون من الحكماء وجمهور أرباب الشرائع والفضلاء عن الاسلاميين
باق على الوجه المقرر بلا ريب بعد الفرق بين مراتب الوجود على ما بيناه كما
قيل.
من يدر ما قلت لم يخذل بصيرته وليس يدريه الا من له البصر
وللاشاره إلى هذه المراتب الثلاث وكونها مما ينتزع من كل منها بنفسها الوجود
العام العقلي قال علاء الدولة في حواشيه على الفتوحات المكيه الوجود الحق هو
الله تعالى والوجود المطلق فعله والوجود المقيد اثره وليس المراد من الوجود
المطلق العام الانتزاعي بل الانبساطى.
وذكر الشيخ العارف صدر الدين القونوى في كتابه المسمى بمفتاح غيب
الجمع والتفصيل ومن حيث إن الوجود الظاهر المنبسط على أعيان الممكنات
ليس سوى جمعيه تلك الحقائق يسمى الوجود العام والتجلي الساري في حقيقة
الممكنات وهذا من تسميه الشئ باعم (1) أوصافه وأولها حكما وظهورا للمدارك
تقريبا وتفهيما لا ان ذلك اسم مطابق للامر في نفسه وذكر أيضا في تفسيره



(1) وقد يعلم في العلوم الجزئية انه أحد علاقات المجاز المرسل ولكونه أولها حكما
وظهورا للمدارك قد يسمى أول الأوائل وهو أول ما يتخطى في ساحة الأذهان وهو أبده البديهيات
كما أن الحق أول الأوائل في جميع المراتب واظهر الظواهر في كل المنصات س ره.
330
لفاتحه الكتاب اشاره إلى المرتبة الأولى الواجبية بقوله فهو امر معقول يرى اثره
ولا يشهد عينه كما نبه عليه شيخنا رضي الله عنه في بيت له
والجمع (1) حال لا وجود لعينه * وله التحكم ليس للآحاد
فصل [29] في أول ما ينشأ من الوجود الحق
لما تحققت وتصورت حسبما تيسر لك المراتب الثلاث علمت أن أول ما نشا
من الوجود الواجبي الذي لا وصف له ولا نعت الا صريح ذاته المندمج فيه جميع
الحالات والنعوت الجمالية والجلاليه باحديته وفردانيته هو الموجود المنبسط الذي
يقال له العماء ومرتبه الجمع وحقيقة الحقائق وحضره احديه الجمع وقد يسمى
بحضره الواحدية كما قد يسمى الوجود الحق باعتبار اضافته إلى الأسماء في العقل
والى الممكنات في الخارج مرتبه الواحدية وحضره الإلهية وهذه المنشئيه (2)
ليست العلية لان العلية من حيث كونها عليه تقتضى المباينة بين العلة والمعلول
فهي انما يتحقق بالقياس إلى الوجودات الخاصة المتعينة من حيث تعينها واتصاف
كل منها بعينها الثابت وكلامنا في الوجود المطلق وهذا الوجود المطلق له وحده
بنحو مخالف لسائر الوحدات العددية والنوعية والجنسية لأنها مصححه جميع
الوحدات والتعينات فالوجود الحق الواجبي ومن حيث اسم الله المتضمن لسائر الأسماء
منشا لهذا الوجود الشامل المطلق باعتبار ذاته الجمعية وباعتبار خصوصيات أسمائه



(1) وكان الأعيان الثابتة حيث ما شمت رائحة الوجود ولكن لها الاحكام والآثار تاست
بوجوده جمع الجمع وهذا من باب معرفه الضد بالضد كما ذكرناه قبيل ذلك أنه في غاية الغنى وانها
في نهاية الفقر والفنا وقول الشيخ لا وجود المراد بالوجود هنا ما يرادف الوجدان أو المعنى لا
وجود رابطى لعينه لغيره وسيأتي الكلام في المرتبة الأحدية والوجود المجرد عن المجالى والمظاهر
وردع بعض الجهلة من المتصوفة فانتظر س ره.
(2) كيف والوجود المقيد الذي هو العقل الكلى من صقع الربوبية عند التحقيق فكيف تكون حال
الوجود المطلق الذي كان العقل أول مجاليه فكل عليه منشائيه ولا عكس س ره.
331
الحسنى المندمجه في اسم الله الموسوم عندهم بالمقدم الجامع وامام الأئمة مؤثر
في الوجودات الخاصة التي لا تزيد على الوجود المطلق فالمناسبه بين الحق والخلق
انما تثبت بهذا الاعتبار وقول الحكماء ان أول الصوادر هو العقل الأول بناء ا على أن
الواحد لا يصدر عنه الا الواحد كلام جملي بالقياس إلى الموجودات المتعينة
المتباينة المتخالفة الآثار فالاوليه (1) هاهنا بالقياس إلى سائر الصوادر المتباينة
الذوات والوجودات والا فعند تحليل الذهن العقل الأول إلى وجود مطلق وماهية
خاصه ونقص وامكان حكمنا بان أول ما ينشأ هو الوجود المطلق المنبسط ويلزمه بحسب
كل مرتبه ماهية خاصه وتنزل خاص يلحقه امكان خاص وكما أن الذات الواجبية باعتبار
احديه ذاته مقدس عن الأوصاف والاعتبارات ويلزمها باعتبار مرتبه الواحدية ومرتبه
اسم الله جميع الأسماء والصفات التي ليست خارجه عن ذاته بل هي مع احديتها الوجودية
جامعه لمعقوليتها فكذلك الوجود المطلق بحسب اعتبار حقيقته وسنخه غير الماهيات
والأعيان الخاصة الا ان له في كل مرتبه من المراتب الذاتية ماهية خاصه لها لازم
خاص وتلك الماهيات كما علمت مرارا متحده مع انحاء الوجود المطلق
ومراتبه من غير جعل وتأثير انما المجعول كل مرتبه من مراتب الوجود المطلق
اي نفس الوجود الخاص لا كونه خاصا اي اتحاده بماهيته المخصوصة لما علمت من
بطلان الجعل المركب بين الوجود وماهيته فالاحديه الواجبية منشا الوجود
المطلق والواحديه الاسمائيه اله العالم وجودا وماهيته فسبحان من ربط الوحدة



(1) بل الوجود المنبسط ليس صادرا انما هو صدور حقيقي واشراقه تعالى الفعلي ولا مستشرق
هناك ولو بالتعمل وفي تحليل العقل فالعقل أول الصوادر وليس مسبوقا بصادر وإن كان مسبوقا
بالصدور وليس مرادنا بالصدور معناه المصدري ثم على هذا اي التقديرين لا يرد على الحكيم
طعن وجرح يتوهمه الأوهام القشريه من منافاته لعموم القدرة الواجبية ومن توهم التفويض إذ في
هذا الفعل الواحد منطو كل الافعال إذ في العقل لكونه بسيط الحقيقة ينطوى جميع الفعليات
والوجودات التي دونه وفي الوجود المنبسط هذا الانطواء اظهر فكيف يشذ عن حيطه قدرته تعالى
شئ وكيف يلزم تفويض والوجود المنبسط ظهوره تعالى ومعروفيته وظهور الشئ لا يباينه
والعقل يده الفعالة وقدرته الفعلية ووجوده من صقعه باق ببقائه ومفاسد الجهل لا تحصى س ره.
332
بالوحدة والكثرة بالكثرة والا لم يكن بين المؤثر والمتاثر مناسبه وهو ينافي
التأثير والايجاد.
تنبيه تقديسى
لما تكررت الإشارة سابقا إلى أن لفظ الوجود يطلق بالاشتراك على معان
منها ذات الشئ وحقيقته وهو الذي يطرد العدم وينافيه والوجود بهذا
المعنى يطلق عند الحكماء على الواجب تعالى.
ومنها المعنى المصدري الذهني فقد تبين ان الوجود بهذا المعنى لا يطلقه (1)
أحد من العقلاء على ذات أصلا فضلا عن اطلاقه إلى ذاته تعالى الذي هو أصل الذوات
ومبدا الحقائق والموجودات وهذا المعنى من الوجود يقال له الكون النسبي
والحصول والوجود الاثباتي كما في قولك اوميرس موجود شاعر أو زيد هو كاتب
وهذا الوجود النسبي كثير ما يجتمع مع العدم باختلاف الجهة كما تقول زيد
موجود في البيت معدوم في السوق بل هو مما يوصف بالعدم إذ لا وجود له في الخارج
مع تقيده بالخارج وكما أن اطلاق الوجود عليه تعالى بالمعنى الأول حقيقة
عند الحكماء فكذلك عند كثير من المشائخ الموحدين كالشيخين محيي الدين
الاعرابى وصدر الدين القونوى وصاحب العروة في حواشيه على الفتوحات وكثير ما
كان يطلق الشيخ وتلميذه الوجود المطلق على الوجود المنبسط الذي يسمى عندهم
بالظل والهباء والعماء ومرتبه الجمعية لا المرتبة الواجبية وكثيرا ما يطلق صاحب
العروق الوجود المطلق على الواجب تعالى وانى لأظن ان الاختلاف بينه وبين
الشيخ العربي انما ينشأ عن هذا الاشتراك في اللفظ الموجب للاشتباه والمغالطة وممن



(1) الا ان يراد مفهوم الوجود من حيث الصدق على المصداق والتحقق فيه فحينئذ يكون
آله لحاظ منشا انتزاعه ويسرى الحكم اليه وهو الحقيقة التي يطرد العدم كقول صاحب حكمه
العين بعد ذكر الوجود العام البديهي المشترك فيه معنى وهو عين في الواجب تعالى زائد في الممكن س ره.
333
اطلق لفظ الوجود وأراد به الواجب تعالى الشيخ العطار في اشعاره الفارسية حيث
قال:
آن خداوندى كه هستى ذات أو است * جمله أشياء مصحف آيات أو است
وقال فردوسى القدوسي في ديباجه كتابه
را بلندى وپستى توئى * ندانم چه هر چه هستى توئى
وقال العارف القيومى مولانا جلال الدين الرومي في مثنويه
ما عدمهائيم (1) هستيها نما * تو وجود مطلقى هستى ما
واما عند علماء الظاهر وأهل الكلام فلما كان اطلاق الأسماء عليه تعالى بالتوقيف
الشرعي فلا شبهه في عدم جواز اطلاق الوجود بل (2) الموجود أيضا عندهم على



(1) مراد مولوى قدس از عدم ماهيت است ودر زبان عرفاء بسيار بود كه از ماهيت بعدم
تعبير شود چه عدم رفع الوجود است وشيئيت ماهيت هم شيئيت وجود نيست چه شيئيت وجود اباي
از عدم دارد وشيئيت ماهيت اباي از عدم واز وجود هيچيك ندارد وچون اباي از وجود ندارد وبا
أو جمع ميشود هستى نماست پس بود أو راست ونمود بود ما را ست ومراد از ما ذات ماهيتى ما وشيئيت
عين ثابت ما است وهاي جمع در تقدير مؤخر است يعنى هستى نماهائيم ومراد از قولش كه تو هستى
مائي نه طريقه منتسبه بسوى ذوق التاله است كه وجود زيد الله زيد ميگويند چه وجود پيش آنان
وحدت عدديه دارد وبايد ماهيت أصل باشد تا وجوب وامكان وعليت ومعلوليت بر واحد عددي
وارد نشود واجتماع متقابلين لازم نيايد وپيش عرفاء شامخين وجود أصل است وليس في الدار غيره
ديار وسنخ ديگر اصالت ندارد وليكن مراتب وشؤون ذاتية قائلند چنانكه اقدمين حكماء هم
به أين قائلند وسنخيت در مراتب ميباشد بالاتر از آنچه در نوع واحد است ووجود را نوع نشايد
گفت پس مرتبه از وجود علت ومرتبه از وجود معلول است وماهيت اعتبارية معلول بالعرض است
پس أو تعالى وتقدس هستى ماست چون أصل محفوظ در مراتب هستى اوست وهر مرتبه ذاتا وصفه
وفعلا وبالجملة ظهورا نيازمند آن بي نيازند يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى
ودر بعضي از نسخ چنين بنظر رسيده
ما عدمهائيم هستيهاي ما * تو وجود مطلق وفانى نما
بنا بر أين مطابق آنست كه گفته شده أين نيست كه هست مينمايد بگذار وآن هست كه
نيست مينمايد بطلب س ره.
(2) بل الواجب تسميه لا توصيفا س ره.
334
ذاته تعالى تسميه واما اطلاقه توصيفا ففيه خلاف لأجل الخلاف المتحقق بينهم في أن
كل صفه أو فعل لا يوجب نقصا عليه ولا نقضا للواجبيه فهل يجوز اطلاقه عليه
تعالى أم لا قيل لا وقيل نعم وهو الصواب لاشتراك مفهوم الوجود والشيئية وغيرهما
بين الواجب والممكنات
واما ما ذكره صاحب العروة من أن الذات الواجبية وراء الوجود والعدم بل
هو محيط بهما فالظاهر أنه لم يرد حقيقة الوجود بل مفهومها الانتزاعي وبه يحمل
منعه عن اطلاق الوجود عليه تعالى وتكفره الطائفة الوجودية من الحكماء والعرفاء
إذ لا شبهه في أن مفهوم الوجود امر ذهني ليس عينا للذات الأحدية فلا يصح حمله
عليها بهو هو حملا ذاتيا أوليا لكن حمل كلام أولئك الأكابر المحققين على الوجه
الذي حمله ورتب عليه تكفيرهم بعيد عن الصواب (1) كيف وجميع المحققين
من أكابر الحكماء والصوفيه متفقون على تنزيه ذاته تعالى عن وصمه النقص وامتناع
ادراك ذاته الأحدية بالكنه الا بطريق خاص عند العرفاء هو ادراك الحق بالحق عند
فناء السالك واستهلاكه في التوحيد ومن تأمل في كتبهم وزبرهم تأملا شافيا يتضح
لديه انه لا خلاف لاحد من العرفاء والمشائخ ولا مخالفه بينهم في أنه تعالى حقيقة
الوجود ويظهر له ان اعتراضات بعض المتأخرين عليهم خصوصا الشيخ علاء الدولة
السمناني في حواشيه المتعلقة بالفتوحات على الشيخ العربي وتلميذه صدر الدين



(1) وكيف لا والشيئية المحققة اما شيئية الوجود واما شيئية الماهية والمنفصلة حقيقيه
لا واسطه فيها وإذا كانت شيئية الماهية امرا مسلوب ضرورتى الوجود والعدم لا تصلح لان تكون
حقيقة الواجب الذي هو الشئ بحقيقة الشيئيه وعين الضرورة والوجوب بالذات ومحض الفعلية
وحاق الحقيقة فبقي ان يكون حقيقة شيئية الوجود الحقيقي إذ لا وجه للعدم فأمثال هذه التنزيهات
شطط وافراط وحيره والله منزه عنها وفي عصرنا أيضا يوجد من هؤلاء المنزهين من هو كأنه
أهل القنوط من رحمته والياس من روحه يفر عن الاشتراك المعنوي في الوجود حذرا من التشبيه
ويقول لا يجوز التكلم في معرفه الله لان السبيل اليه مسدود والمعارف إلى أنفسكم مردود ولم
يعلم أنه بوجه لا معروف الا هو بل لا عارف الا هو لان كل عارف يعرف بنوره نوره بل ظهور كل
موجود ظهوره بلغ أو لم يبلغ شعوره س ره.
335
القونوى ترجع إلى مناقشات لفظيه مع التوافق في الأصول والمقاصد.
فمن جملتها انه ذكر الشيخ فيها ان الوجود المطلق هو الحق المنعوت بكل
نعت فكتب المحشى في حاشية كلامه ان الوجود الحق هو الخالق تعالى لا الوجود
المطلق ولا المقيد كما ذكر انتهى وظاهر ان الشيخ (1) قائل بهذا القول
والمناقشة معه ترجع إلى اللفظ فاما ان يكون مراده من الوجود المطلق هو المنبسط
على الماهيات فيصدق عليه انه المنعوت بكل نعت كما مر سابقا في بيان المرتبة
الثالثة من الوجود ويؤيده التعميم بكل نعت إذ من جملته نعوت المحدثات فإنه في
تنزيهه تعالى عن صفات المحدثات وسمات الكائنات واما ان يكون مراده منه
الوجود البحت الواجبي فاما ان يراد بكل نعت انه سبحانه منعوت بكل نعت كمالى
أو صفه واجبيه هي عين ذاته فان ذاته تعالى باعتبار ذاته لا بانضمام صفه أو حيثية
أخرى غير ذاته مصداق لجميع أوصافه العينية ونعوته الذاتية أو يراد به انه المنعوت
بكل نعت مطلقا أعم من أن يكون بحسب ذاته بذاته اي في المرتبة الأحدية أو



(1) ان قلت كيف يكون هذا مناقشه في اللفظ والشيخ يقول بالوحدة والمحشى يقول
بالمراتب الثلاث في الوجود.
قلت المحشى الذي يقول بالوجود الحق والوجود المطلق يكرر راجعا ويتصرف في
تلك الاثنينية بان المطلق ظهور الحق والحق خفاء المطلق من شده الظهور ومعلوم ان ظهور
الشئ ليس مباينا له والا لما كان ظهورا له فالوجود المطلق كالمعنى الحرفي ليس شيئا على حياله
ومفهوما على استقلاله كيف والسنخيه بين مراتب الوجود معتبره وهو حقيقة واحده وسيعه ذات
درجات تؤكد الوحدة الحقه فلا قول المحشى قول بالتثنية والتثليت ولا قول الشيخ قول بالوحدة
الممنوعه إذ المفاسد المذكورة سابقا من الحلول والاتحاد والاختلاط بالأشياء الخسيسة والاتصاف
بصفات الممكنات لا يتوجه إلى الوجود الحق بل ولا إلى المطلق بل ولا إلى المقيد الا
بالعرض لاتحاد الوجود المقيد بالماهية وهذا كما يشتبه المراد ان ذوات الممكنات اعتبارية ويراد
ذاتها الظلمانية وذهب نفس السامع إلى ذاتها النورية وكذا الحقيقة فإنها الماهية بشرط الوجود
وقد يراد بها نفس الماهية مثل ما يقول المصنف قدس سره بعد صفحه فحقائق الممكنات باقيه على
عدميتها والعين كما يراد به الخارج مقابل الذهن يراد به الماهية والهوية كما يراد بها الوجود
العيني يراد بها الماهية الشخصية إلى غير ذلك من موارد الاشتباه س ره.
336
باعتبار مظاهر أسمائه ومجالى صفاته التي هي من مراتب تنزلاته ومنازل شئوناته
من جهة سعة رحمته أو نفوذ كرمه وجوده وبسط لطفه ورحمته.
ومنها ما قال في موضع آخر من كتابه ليس في نفس الامر الا الوجود الحق
فكتب المحشى بلى ولكن ظهر من فيض جوده بجوده مظاهره فللفيض وجود مطلق
وللمظاهر وجود مقيد وللمفيض وجود حق.
وقال في موضع آخر منه إذ الحق هو الوجود ليس الا فكتب المحشى بلى
هو الوجود الحق ولفعله وجود مطلق ولاثره وجود مقيد.
وقال أيضا فيه بعد تحقيق الوجود المستفاد وعدميه الماهيات الممكنة ولقد
نبهتك على امر عظيم ان تنبهت له وعقلته فهو عين كل شئ في الظهور ما هو عين
الأشياء في ذواتها سبحانه وتعالى بل هو هو والأشياء أشياء وكتب المحشى في
حاشيته بلى أصبت فكن ثابتا على هذا القول إلى غير ذلك من المؤاخذات التي ترجع
كل منها إلى مجرد تخالف الاصطلاحات وتباين العادات في التصريح والتعريض
وكثيرا ما يقع الاشتباه من لفظ الذات والحقيقة والعين والهوية وغيرها إذ قد يطلق
ويراد منه صرف وجود الشئ وقد يطلق ويراد منه ماهية وعينه الثابتة ويقع الغلط
من اطلاق لفظ الوجود أيضا باعتبار اراده أحد من معنى الوجود الحق أو المطلق
أو المقيد والا فمن تأمل في الحواشى التي كتبها هذا المعترض على الفتوحات تيقن
عدم الخلاف بينه وبين الشيخ في أصل الوجود ولما كان طور التوحيد الخاصي الذي
هو لخواص أهل الله امرا وراء طور العقول الفكريه قبل ان يكتحل بنور الهداية
الربانية يصعب عليهم التعبير عنه بما يوافق مقروعات اسماع أرباب النظر والفكر
الرسمي فلهذا يتراآى في ظواهر كلامهم اختلافات ومثل هذه الاختلافات بحسب (1)



(1) واما بحسب الباطن فلا بل لا اختلاف عند أهل الباطن في جميع الكتب السماوية في
الأصول والأركان من لدن آدم إلى الخاتم ص كما في الكتاب التكويني الآفاقي والتكويني
الانفسى بما هي كلمات الله ولا تغاير مع كون كل شئ آية اسم من ليس كمثله شئ وآية الأحدية
والواحديه فكون كل شئ ليس كمثله شئ كان مظهر اسم من ليس كمثله شئ وفي كل شئ له
آية تدل على أنه واحد ومع هذا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فكلماته لا تنفد ولا تبيد ولا تتغير
كما لا يجوز عليه الصمت ونوره لا يجوز عليه الأفول وجوده لا يسوغ عليه الامساك وبالجملة كل ما
هو من صقعه قديم صفه كانت أو فعلا نعم المادة والماهية في عالم الطبيعة وما من صقعهما حادثه متجدده
داثره زائله كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام واما التوحيد الثالث
وهو التوحيد الحقي فان التوحيد الحقي ينقسم بانقسام إلى علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين
فالأول كتوحيد الفراش للنار من مشاهده ضوئها لانفسها والثاني كتوحيد مشاهد نفسها
برفع الحجاب والثالث كتوحيد الفراش الممسوس بالنار والحديده المحماه بها وهذان
يفنى الموحد عن كل التعينات في حقيقة الوجود البسيط المبسوط س ره.
337
الظاهر قد وقع في الكتاب الإلهي والأحاديث النبوية وجعل كل طائفه من المليين
مستند اعتقاده الكتاب والحديث مع تخالف عقائدهم وتباين آرائهم ولكل جعلنا
شرعه ومنهاجا.
قال الشيخ عبد الله الأنصاري في كتاب منازل السائرين للإشارة إلى توحيد
الخواص واما التوحيد الثالث فهو توحيد اختصه الله لنفسه واستحقه بقدره والاح
منه لائحا إلى اسرار طائفه من صفوته واخرسهم عن نعته واعجزهم عن ثبته
فقطعت الإشارة على السنة علماء هذا الطريق وان زخرفوا له نعوتا بعباراتهم
وفصلوه فصولا فان ذلك التوحيد يزيده العبارة خفاء ا والصفة نفورا والبسط صعوبة
والى هذا التوحيد شخص (1) أهل الرياضه وأرباب الأحوال وله قصد أهل التعظيم
وإياه عنى المتكلمون في عين الجمع وعليه اصطلحت (اصطلمت خ ل) (2)
الإشارات ثم لم ينطق عنه لسان ولم يشر اليه عبارة فان التوحيد وراء ما يشير (3)



(1) اي تحديق بصرهم اليه كقوله تعالى واتقوا يوما تشخص فيه الابصار ومنه العلة التي
تسمى بالشخوص والانصاف ان التوحيد الحقي لا يمكن بغير الرياضه في غالب الناس وإذا لم يكتسب
العدالة الخاصة لم يكن ادعائه ولا بد ان يراعى الخلق كنفسه بل يحصل له مقام الفتوه وايثار الغير
على نفسه حتى يرتفع الغيرية رأسا لكن نفى التوحيد الحقي من موحد لا ينافي اثبات التوحيد
العيانى أو العلمي توحيده إياه أو توحيده بنور منه وبيقين مستعاره منه الخ س ره.
(2) اي تصالحت وتوافقت وان لم يتوافق العبارات س ره.
(3) إذ ما دام المشير مشيرا والتوحيد اشاره أو مشار اليه بناء ا على ما في الحديث التوحيد
الحق هو الله والقائم به رسول الله والحفظه له نحن والتابع فيه شيعتنا صدق ولى الله لم يكن توحيدا
لان أنت أنت وهو هو حينئذ وهذا شرك خفى ولذلك قال سيد الموحدين في بيان مقام الحقيقة كشف سبحات
الجلال من غير اشاره س ره.
338
اليه مكون وقد أجبت عن توحيد الصوفية بهذه القوافي
ما وحد الواحد من واحد * إذ كل من وحده جاحد
توحيد من ينطق عن نعته * عاريه ابطلها الواحد
توحيده إياه توحيده * ونعت من ينعته لاحد فصل [30]
في التنصيص على عدميه الممكنات بحسب أعيان ماهياتها
كأنك قد آمنت من تضاعيف ما قرع سمعك منا بتوحيد الله سبحانه توحيدا
خاصيا وأذعنت بان الوجود حقيقة واحده هي عين الحق وليس للماهيات
والأعيان الامكانية وجود حقيقي انما موجوديتها بانصباغها بنور الوجود ومعقوليتها
من نحو من انحاء ظهور الوجود وطور من أطوار تجليه وان الظاهر في جميع
المظاهر والماهيات والمشهود في كل الشؤون والتعينات ليس الا حقيقة الوجود
بل الوجود الحق بحسب تفاوت مظاهره وتعدد شؤونه وتكثر حيثياته والماهية
الخاصة الممكنة كمعنى الانسان والحيوان حالها كحال مفهوم الامكان والشيئية
ونظائرها في كونهما مما لا تاصل لها في الوجود عينا والفرق بين (1)



(1) ما ذكره ره من الفرق بين المفاهيم الماهوية والمفاهيم الاعتبارية هو الحق الذي عليه
مدار انتشاء المفاهيم فان بطلان السفسطه يوجب ان يكون بعض ما في أذهاننا من المفاهيم موجودا
بعينه في الخارج اي قابلا للتلبس بكل من الوجودين الخارجي والذهني وهذه المفاهيم هي
الماهيات الحقيقية التي حصروها في المقولات العالية لكن من المفاهيم ما يستحيل ان يوجد في الخارج
وكذا من الأمور الخارجية التي نحكى عنها بالمفاهيم ما يمتنع دخوله في الذهن كالوجود والعدم
ونظائرهما فهي ليست بماهيات إذ لا تقبل الوجودين ولا انتزعت من الخارج والا كانت ماهيات
وليست مما أوجده الذهن ابتداء ا من غير استمداد من الخارج والا لم تحمل على شئ أو حملت على
كل شئ ولكانت وجودات خارجيه إذ لا حكاية لها فهي ماخوذه من مفاهيم ذهنية منتزعه منها
نوعا من الانتزاع فثبت ان الماهيات الحقيقية ماخوذه من الحقائق الوجودية والاعتباريات من
الماهيات الذهنية وللبحث ذيل طويل للتعرض له محل آخر ط مده.
339
القبيلتين (1) ان المصداق في حمل شئ من الماهيات الخاصة على ذات هو نفس تلك الذات
بشرط موجوديتها العيني أو الذهني وفي حمل تلك العبارات هو مفهومات الأشياء
الخاصة من غير شرط وبانه يوجد بإزاء الماهيات الخاصة أمور عينيه هي نفس
الموجودات عندنا ولا يوجد بإزاء الممكنيه والشيئية ومفهوم الماهية شئ في الخارج
والحاصل ان الماهيات الخاصة حكاية للوجودات وتلك المعاني الكلية حكاية
لحال الماهيات في أنفسها والقبيلان مشتركان في أنهما ليسا من الذوات العينية التي
يتعلق بها الشهود ويتاثر منها العقول والحواس بل الممكنات باطله الذوات هالكه
الماهيات أزلا وابدا والموجود هو ذات الحق دائما وسرمدا فالتوحيد للوجود
والكثرة والتميز للعلم إذ قد يفهم من نحو واحد من الوجود معاني كثيره ومفهومات
عديده فللوجود الحق ظهور لذاته في ذاته هو سمى بغيب الغيوب وظهور بذاته
لفعله ينور به سماوات الأرواح واراضى الأشباح وهو عبارة عن تجليه الوجودي المسمى
باسم النور به احكام الماهيات والأعيان وبسبب تمايز الماهيات الغير المجعولة
وتخالفها من دون تعلق جعل وتأثير كما مر اتصفت حقيقة الوجود بصفه التعدد
والكثرة بالعرض لا بالذات فيتعاكس احكام كل من الماهية والوجود إلى الاخر
وصار كل منهما مرآه لظهور احكام الاخر فيه بلا تعدد (2) وتكرار في التجلي



(1) حيث يعد إحداهما أعني الماهيات الخاصة من المعقولات الأولى والاخر أعني الامكان
والشيئية اي الماهية الخاصة من المعقولات الثانية مع أن كليهما لا مصداق لهما ان المصداق اي
المصحح والمنتزع منه في حمل الشئ وانما يسمى الماهية بالشيئيه لان الشئ مصدر شاء والماهية
هي الشئ وجودها س ره.
(2) كما مر انه الواحد الذي نشا من الواحد نشا الظهور الثانوي من الظهور الذاتي
فظهوره الذي في صف نعال محفل الإفاضة الطولية النزوليه عين ما في الصدر وكذا في العروجيه
وكذا الظهور الذي الان بما هو ظهوره عين ما في الادوار والأكوار السابقة واللاحقة فما يقال
يك وحدت ست ليك بتكرار آمده انما هو باعتبار المظاهر كما صرح به قدس سره لا
باعتبار الظاهر ولا باعتبار الظهور فباعتبار اسقاط الإضافة عن المظاهر أين الاثنينية حتى يتحقق التفاوت أو التكرار س ره.
340
الوجودي كما في قوله تعالى فما أمرنا الا واحده كلمح بالبصر وانما التعدد
والتكرار في المظاهر والمرايا لا في التجلي والفعل بل فعله نور واحد يظهر به
الماهيات بلا جعل وتأثير فيها وبتعدد الماهيات يتكثر ذلك النور كتكثر نور
الشمس بتعدد المشبكات والرواشن فانكشف حقيقة ما اتفق عليه أهل الكشف
والشهود من أن الماهيات الامكانية أمور عدميه لا بمعنى ان مفهوم السلب المفاد
من كلمه لا وأمثالها داخل فيها ولا بمعنى انها من الاعتبارات الذهنية والمعقولات
الثانية بل بمعنى انها غير موجوده لا في حد أنفسها بحسب ذواتها ولا بحسب الواقع
لان ما لا يكون وجودا ولا موجودا في حد نفسه لا يمكن ان يصير موجودا بتأثير
الغير وإفاضته بل الموجود هو الوجود واطواره وشئونه وانحاؤه والماهيات موجوديتها
انما هي بالعرض بواسطة تعلقها في العقل بمراتب الوجود وتطوره باطوارها كما
قيل شعرا
وجود اندر كمال خويش سارى ست * تعينها أمور اعتباري ست
فحقائق الممكنات باقيه على عدميتها أزلا وابدا واستفادتها للوجود ليس على
وجه يصير الوجود الحقيقي صفه لها نعم هي تصير مظاهر ومرائى للوجود الحقيقي
بسبب اجتماعها من تضاعيف الامكانات الحاصلة لها من تنزلات الوجود مع بقائها
على عدميتها الذاتية
سيه روئى ز ممكن در دو عالم * جدا هرگز نشد والله أعلم
ترجمه لقوله ع الفقر سواد الوجه في الدارين
وفي كلام المحققين إشارات واضحه‌بل تصريحات جليه بعدميه الممكنات

341
أزلا وابدا وكفاك (1) في هذا الامر قوله تعالى كل شئ هالك الا وجهه
قال الشيخ العالم محمد الغزالي مشيرا إلى تفسير هذه الآية عند كلامه في وصف
العارفين بهذه العبارة فرأوا بالمشاهدة العيانيه ان لا موجود الا الله وان كل شئ
هالك الا وجهه لا انه يصير هالكا في وقت من الأوقات بل هو هالك أزلا وابدا
لا يتصور الا كذلك فان كل شئ إذا اعتبر ذاته من حيث هو فهو عدم محض وإذا
اعتبر من الوجه الذي يسرى اليه الوجود من الأول الحق رأى موجودا لا في ذاته لكن
من الوجه الذي يلي موجده فيكون الموجود وجه الله فقط فلكل شئ وجهان وجه
إلى نفسه ووجه إلى ربه فهو باعتبار وجه نفسه عدم وباعتبار وجه ربه موجود فاذن
لا موجود الا الله فاذن كل شئ هالك الا وجهه أزلا وابدا وكتب العرفاء كالشيخين
العربي وتلميذه صدر الدين القونوى مشحونه بتحقيق عدميه الممكنات وبناء
معتقداتهم ومذاهبهم على المشاهدة والعيان وقالوا نحن إذا قابلنا وطبقنا عقائدنا على
ميزان القرآن والحديث وجدنا منطبقه على ظواهر مدلولاتهما من غير تأويل فعلمنا
انها الحق بلا شبهه وريب ولما كانت تأويلات المتكلمين والظاهريين من العلماء
في القرآن والحديث مخالفه لمكاشفاتنا المتكررة الحقه طرحناها وحملنا الآيات
والأحاديث على مدلولاتها الظاهرة ومفهومها الأول كما هو المعتبر عند أئمة الحديث
وعلماء الأصول والفقه لا على وجه (2) يستلزم التشبيه والتجسيم في حقه تعالى



(1) وفي ماثورات بعض أئمتنا الطاهرين انه سئل عن بعض أصحابه ما يقول العامة في الوجه
فقال يقولون الوجه هو الذات المتعالية فكذبهم ع وقال نحن الوجه الذي يبقى بعد فناء
كل شئ ولا منافاة بينه وبين كون الوجه هو الوجود المطلق المنبسط لأن المطلق المنبسط
هو الحقيقة المحمدية المتحدة بالحقيقة الولويه لأنهم في مقام الولاية نور واحد س ره.
(2) كون اليد أو المجئ أو الاستواء أو غير ذلك مما ورد في القرآن المجيد محموله على
الظاهر مع كونه مستلزما لهما لكونه في مقام الفعل ولما كان الفعل أو الأثر ليس شيئا على حياله بل
ظهور الفاعل وبعبارة أخرى التشؤن والتطور لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد لم يكن تأويلا
والانسان الكامل الفاني عن نفسه الباقي بالله حيث لم يكن له وجود واراده وقدره الا بوجود الله
وارادته وقدرته كما مر وكما ذكر انه كنا بنا فغبنا عنا وبقينا بلا نحن وحيث انه اسفه اسف
الله وحبه حب الله وبغضه بغض الله فيده يد الله وعينه عين الله كما في الحديث القدسي المشهور وأيضا
قدره الله التي يبطش بها يد له والعقول الفعالة والنفوس المدبرة الفلكية ذواتها أيد له وايديها التي
علومها الفعلية لكونها فواعل للعناية بالحقيقة أيد له وكذا المشيات النافذه والعزائم الثاقبة للعقول
الصاعدة عند ايجاد شئ بالهمه واجراء خارق العادة فكل الأيدي يده لا كل له بعض وكثره بل
الأصل المحفوظ في المراتب الذي هو شئ واحد بسيط كما يعرفه العارف بالأصول البرهانيه فليس
مرادهم ان اليد المحدودة بما هي محدود وباعتبار وجهها إلى نفسها كما ياتى عن قريب يده تعالى عن
ذلك س ره.
342
وصفاته الإلهية.
قال بعض العلماء المعتقد اجراء الاخبار على هياتها من غير تأويل ولا تعطيل
ومراده من التأويل حمل الكلام على غير معناه الموضوع له والتعطيل هو التوقف
في قبول ذلك المعنى كما في هذا البيت.
هست در وصف أو بوقت دليل * نطق تشبيه وخامشى تعطيل
ومنهم من كفر الماولين في الآيات والاخبار وأكثر أهل الشرع قائلون بان
ظواهر معاني القرآن والحديث حق وصدق وان كانت لها مفهومات وتأويلات اخر
غير ما هو الظاهر منها ويؤيده ما وقع في كلامه ص ان للقرآن ظهرا وبطنا
وحدا (1) ومطلعا ولو لم يكن الآيات والاخبار محموله على ظواهرها ومفهوماتها
الأولى من دون تجسيم وتشبيه فلا فائده في نزولها وورودها على عموم الخلق وكافه
الناس بل يلزم كونها موجبه لتحير الخلق وضلالهم والناس في فهم متشابهات
القرآن والحديث على ثلث طبقات.
الطبقة الأولى الراسخون في العلم وهم الذين حملوها على مفهوماتها الأولى
من دون مفسده يلزم منه نقصا أو نقضا.



(1) المطلع مقام شهود المتكلم في كلامه كما قال الصادق ع ما زلت أكرر آية
حتى سمعتها من قائلها ومن هنا يعلم سر قول بعض العرفاء ان أهل الله ويؤثرون تلاوه كلام الله على
كثير من الأدعية لأنهم عند التلاوة ينوبون عن الحق تعالى في التكلم بكلامه س ره.
343
والطبقه الثانية وهم أهل النظر العقلي من العلماء والظاهريون من الحكماء
الاسلاميين وهم ياولون تلك الآيات والأحاديث على وجه يطابق قوانينهم النظريه
ومقدماتهم البحثيه حيث لم يرتق عقولهم عن طور البحث ولم يتعد بواطنهم واسرارهم
إلى ما وراء طور العقل الفكري والعلم النظري.
والطبقه الثالثة وهم الحنابلة والمجسمة من أهل اللغة والحديث وهم الذين
توقفت نفوسهم في طور هذا العالم ولم يرتقوا عن هذه الهاوية المظلمة فذهبوا إلى أن
الههم جسم أو جسماني تعالى عما يقولون علوا كبيرا لكن الأليق بحال
أكثر الخلق بل جمله المقتصرين في العلوم على الفروع الشرعية الطريقة الثالثة كما
صرح به صاحب الاحياء في كتاب جواهر القرآن وذكر في كتاب الاحياء ما يدل
على هذا المعنى حيث قال كن مشبها مطلقا أو منزها صرفا ومقدسا فحلا كما
يقال كن يهوديا صرفا والا فلا تلعب بالتوراة وظاهر ان أكثر الناس لا يمكنهم
ان يكونوا منزها صرفا ومقدسا فحلا فبقي ان يكونوا مشبها مطلقا والحق ان
كلا من طريقي الغالي والمقصر اي الماول والمشبه انحراف عن الاعتدال الذي هو
طريق الراسخين في العلم والعرفان فكل منهما ينظر في المظاهر بالعين العوراء
لكن المجسمة باليسرى والماوله باليمنى واما الكامل الراسخ فهو ذو العينين
السليمتين يعلم أن كل ممكن زوج تركيبي له وجهان وجه إلى نفسه ووجه إلى
ربه كما مر ذكره فبالعين اليمنى ينظر إلى وجه الحق فيعلم انه الفايض على كل
شئ والظاهر في كل شئ فيعود اليه كل خير وكمال وفضيله وجمال وبالعين
اليسرى ينظر إلى الخلق ويعلم ان ليس لها حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم ولا شان
لها الا قابلية الشؤون والتجليات وهي في ذواتها اعدام ونقائص فينتهى إليها كل
نقص وآفه وفتور ودثور قائلا لسان مقاله طبق لسان حاله في خلو ذات الممكن
عن نعت الوجود شفيفها عن لون الكون وقبولها اشراق نور الحق عليها ونفوذ
لون الوجود في ذاتها.

344
رق الزجاج ورقت الخمر * فتشابها وتشاكل الامر
فكأنه خمر ولا قدح * وكأنه قدح ولا خمر
وهم وتنبيه
ان بعض الجهلة (1) من المتصوفين المقلدين الذين لم يحصلوا
طريق العلماء العرفاء ولم يبلغوا مقام العرفان توهموا لضعف
عقولهم ووهن عقيدتهم وغلبه سلطان الوهم على نفوسهم ان لا تحقق بالفعل للذات
الأحدية المنعوته بالسنة العرفاء بمقام الأحدية وغيب الهوية وغيب الغيوب
مجرده عن المظاهر والمجالى بل المتحقق هو عالم الصورة وقواها الروحانية والحسيه
والله هو الظاهر المجموع لا بدونه وهو حقيقة الانسان الكبير (2) والكتاب المبين الذي
هذا الانسان الصغير أنموذج ونسخه مختصره عنه وذلك القول كفر فضيح وزندقه صرفه
لا يتفوه به من له أدنى مرتبه من العلم ونسبه هذا الامر إلى أكابر الصوفية ورؤسائهم افتراء



(1) بالحقيقة هذا الذي اعترفوا به مقام الوحدة في الكثرة وقد أنكروا مقام الكثرة في
الوحدة وهو المراد بالوجود المجرد عن المجالى والمظاهر وهو المراد بقول الفحول ومنهم
المصنف قدس سره بسيط الحقيقة كل الأشياء لا مقام الوحدة في الكثرة ولو كان الامر كما توهموه لزم
ان يتصور ما هو أكمل من الواجب لان الوجود الجامع بين المقامين مقام الكثرة في الوحدة ومقام
الوحدة في الكثرة وبعبارة أخرى مقام التفصيل في الاجمال ومقام الاجمال في التفصيل كما هو
مصطلحهم وبالجملة مقام الخفاء ومقام الظهور أكمل بالضرورة فكل ما يقول به من الكمال له تعالى
هذا القائل المتعرف يقول به ذلك العارف الفحل ذو الرياستين الفائز بالحسنيين ولا عكس فلا شان
الا وله فيه شان وله شان ليس لغيره فيه شان حتى الانسان الكبير وأيضا اتفق الكل على أن حقيقة الحق
تعالى لا تعرف بكنهها فهو حقيقة الوجود اللاتعين الصرف لا الوجود المتعين بتعين الانسان
الكبير إذ الوجود المعروف لنا متعين اما بتعين امكاني كتعين العقل أو النفس أو الانسان أو غيرها
أو بتعيين نوري من الصفات العليا لأنه اما يتصور ويعلم الحقيقة بعنوان الوجود أو
بعنوان النور أو بعنوان الحياة أو بغير ذلك من الصفات الكمالية وكل هذه تعين فنفس الحقيقة بلا تعين لا تعرف
بل قد نقلنا عن الشيخ الكامل عبد الرزاق الكاشي قدس سره في تفسير العماء ان كل تعين مخلوق
وبالجملة لو لم يكن لتلك المرتبة المذكورة تحقق لم يكن لذلك الاتفاق وجه بل هذا انكار لذاته
الاقدس بذاته سبحانه وتعالى س ره.
(2) هذا الكلام من المصنف قدس سره والواو للحال اشاره إلى بطلانه س ره.
345
محض وافك عظيم يتحاشى عنه اسرارهم وضمائرهم ولا يبعد (1) ان يكون
سبب ظن الجهلة بهؤلاء الأكابر اطلاق الوجود تارة على ذات الحق وتارة على المطلق
الشامل وتارة على المعنى العام العقلي فإنهم كثير ما يطلقون الوجود على المعنى
الظلى الكونى فيحملونه على مراتب التعينات والوجودات الخاصة فيجرى عليه
احكامها فمن هذا القبيل قول الشيخ العربي في التدبيرات الإلهية كل ما دخل
في الوجود فهو متناه وما قال القونوى في تفسيره للفاتحه أو الغيبي الخارج عن
دائره الوجود والجعل وما قال في مفتاح الغيب والوجود تجل من تجليات غيب
الهوية وحال معين كباقي الأحوال الذهنية وذكر الشيخ علاء الدولة في رسالة
الشارد والوارد لان فوقها يعنى فوق الطبيعة عالم العدم المحض وظلمه العدم محيط
بنور الوجود المحدث وفيها اي في الظلمات توجد عين الحياة هذا القول منه
اشاره إلى ما قال في مدارج المعارج واعلم أن فوق عالم الحياة عالم الوجود وفوق
عالم الوجود عالم الملك الودود ولا نهاية لعالمه انتهى فظهر انه قد يكون مرادهم
من العدم ما يقابل هذا النحو من الوجود الظلى وان لم يكن هذا الاطلاق على سبيل
الحقيقة بل على المجاز لان الوجود في عرفهم ما يكون مبدء الآثار ومنشأ الأكوان
ويمكن أيضا ان يكون مرادهم من الوجود ما يكون معلوما ومخبرا عنه وكل



(1) يعنى لما كان للوجود اطلاقات فإذا سمعوا من أكابر الحكماء والعرفاء ان الواجب
معالى وجود والوجود يطلق على المطلق الانبساطى والعام من حيث الصدق على اي مصداق كان
تطرق هذا الظن وكذا إذا نفوا هؤلاء الأكابر الوجود كقولهم ظلمه العدم محيط بنور الوجود
المحدث وقولهم فوق عالم الوجود عالم الملك الودود ونحو ذلك كان من باب نفى الخاص اي نفى
الوجود المنبسط أو نفى مفهوم الموجود بما هو مفهوم أو بما هو متحقق في الوجود الخاص وصادق
عليه ونفى الخاص لا يستلزم نفى العام فكونه تعالى وراء الوجود ومحيطا به وعاليا عليه باعتبار انه
وجود حق محيط بالوجود المطلق وبالعام من حيث الصدق على الوجود المحدود وهؤلاء الجهلة
ظنوا من هذه العبارات انه تعالى وراء الوجود بقول مطلق فتفوهوا بان لا تحقق للمرتبه الأحدية
وهذا من بعض الظن ان الظن لا يغنى من الحق شيئا س ر ه.
346
ما لا يكون للعقل سبيل إلى معرفه ذاته وكنه هويته فغير موجود بهذا المعنى
فالوحدة الحقيقية بشرط لا وغيب الغيوب حيث لا يكون لاحد من الخلق قدم في
شهوده وادراكه فيصدق عليه انه غير موجود لغيره على أن الوجود قد يطلق على
المأخوذ من الوجدان وهو أيضا مرجعه إلى الوجود الرابطى فيكون مسلوبا عنه
تعالى إذ لا يمكن نيله وظهوره لاحد الا من جهة تعيناته ومظاهره لكن تحققه بذاته
وكماله بنفسه ووجوده انما هو بالفعل لا بالقوة وبالوجوب لا بالامكان فذاته يظهر
بذاته على ذاته في مرتبه الأحدية الصرفة المعبر عنه بالكنز المخفى في الحديث
المشهور ويظهر بعد هذا الظهور ظهور آخر على غيره بل على ذاته وهو الظهور
طورا بعد طور في المظاهر المعبر عنه بالمعروفيه وهذا الظهور الثانوي هو
مشاهده الذات القيوميه في المرائي العقلية والنفسية بمدارك كل شاهد وعارف
وبمشاعر كل ذكى وبليد وعالم وجاهل على حسب درجات الظهور جلاء ا وخفاء
وطبقات المدارك كمالا ونقصا والتكثر في الظهورات والتفاوت في الشئونات
لا يقدح وحده الذات ولا ينثلم الكمال الواجبي ولا يتغير به الوجود الثابت الأزلي
عما كان عليه بل الان كما كان حيث كان ولم يكن معه شئ ولذا قيل
وما الوجه الا واحد غير أنه * إذا أنت عددت المرايا تعددا فصل [31]
في الإشارة إلى نفى جهات الشرور عن الوجود الحقيقي (1)
اعلم أن الشيئيه للممكن يكون على وجهين شيئية الوجود وشيئيه الماهية



(1) قد يقال الوجود الحقيقي ويراد به الواجب بالذات تعالى شانه لأنه الوجود في نفسه
بنفسه لنفسه وقد يقال ويراد به ما يقابل المفهوم الانتزاعي اي الذي يطرد العدم وهو المراد هاهنا
وهذه المساله أعني الوجود خير خفيفه المؤنة لكونها بديهيه ومع هذا ثقيله الموازين كثيره
الفوائد لا بد للسالكين من تذكرها دائما حتى يشاهدوا سريان التجلي فما لم تنح غبار النقص
والشرية عن ساحة عز حضره الوجود لم يسغ لك التفوه بان وجود كل ورد وشوك تجليه تعالى س ره.
347
وهي المعبره عندهم بالثبوت فالأولى عبارة عن ظهور الممكن في مرتبه من المراتب
وعالم من العوالم والثانية عبارة عن نفس معلوميه الماهية وظهورها عند العقل بنور
الوجود وانتزاعها منه والحكم بها عليه بحسب نفس هويه ذلك الوجود في اي
ظرف كان خارجا أو ذهنا من غير تخلل جعل وتأثير في ذلك ومن غير انفكاك
هذه الشيئيه عن نفس الوجود كما زعمته (1) المعتزلة بل على ما هو رأى المحصلين
من المشائين وقد علمت أن موجوديه الماهيات ليست بان يصير الوجود صفه لها
بل بان تصير معقوله من الوجود ومتحده به فالمشهود هو الوجود والمفهوم هو
الماهية كما مر ذكره مرارا وبهذه الشيئيه يمتاز ماهية الممكن عن الممتنع وتقبل
الفيض الربوبي وتستمع امر كن فيدخل في الوجود باذن ربها كما أشير اليه في
قوله تعالى انما قولنا لشئ إذا أردناه ان نقول له كن فيكون.
لا يقال إن ماهية كل ممكن على ما قررت هي عين وجوده وفرعه بحسب
الخارج فكيف يكون مقدما عليه قابلا له.
قلنا (2) نعم ولكن الوجودات الخاصة المفصلة لها مرتبه سابقه اجمالية
منشؤها علم الحق الأول بذاته وتعقله لمراتب الهيه وشئونه فتلك الوجودات قبل
ان تنزلت وتعددت وتفصلت كان لها في تلك المرتبة السابقة أسماء وصفات ذاتية



(1) وان أوهم الانفكاك توصيفهم الأعيان بالثابته وكذا أوهم التوافق مع المعتزلة حيث إن
المعتزلة أيضا عبروا عن الشيئيه المنفكة عن كافه الوجودات بالثبوت ولكن أين هذا من ذاك
فان هذه الشيئيه الثبوتيه عند العرفاء تطفليه تبعيه للوجود العلمي وعند المعتزلة استقلاليه وبعبارة
أخرى شيئيتها الثبوتيه عند المعتزلة منفكه عن كافه الوجودات سواء ا كانت عينيه أو علميه وعند
العرفاء عن وجوداتها العينية الخاصة بها فيما لا يزال لا عن الوجود العلمي في الأزل س ره.
(2) هذا ارخاء للعنان والا فالتقدم بالتجوهر للماهية يكفي في القابلية واستماع امر
كن ولا يلزم التقدم بالوجود على الوجود نعم ما اكره من التقدم بالوجود على الوجودات الخاصة
بها في عالم الطبيعة باعتبار اكوانها السابقة وبروزاتها في النشات العلمية اللوحيه والقلميه
والعنائيه اظهر وأبين وأقوم ولا سيما بناء ا على اعتبارية الماهية واصاله الوجود فان للوجود
تقدما بالاحقيه كالماهيه المتحققة بالعرض المجهوله بالتبع س ره.
348
ينبعث عنها الماهيات والأعيان الثابتة فهي في تلك المرتبة أيضا تابعه للوجودات
الخاصة الموجودة سابقا باعتبار معلوميتها للحق سبحانه علما كماليا هو عين ذاته
كما سيجئ تحقيقة في مباحث العلم الا ان معلوميتها في الأزل على هذا الوجه
اي باعتبار ثبوتها تبعا لوجودات الحقائق الامكانية في علم الحق تعالى منشا لظهور
تلك الوجودات في المراتب المتاخره على طبق ثبوتها العلمي في ذات الحق سبحانه
على الوجه الذي أشرنا اليه ثم إذا فاضت الوجودات عن الحق تعالى وتميزت
وتعددت في الخارج اتحدت مع كل منها بالذات ماهية من الماهيات من غير استيناف
جعل بل بنفس فيضان ذلك الوجود كما هو شان كل ماهية مع وجودها المتميز عن
غيره فلم يلزم في شئ من المراتب الواقعة في الخارج تقدم الماهية الخاصة على
وجودها المنسوب هي اليه اما في مرتبه علمه تعالى فالأعيان تابعه لوجود الحق تعالى
الذي هو بعينه علمه بوجودات الأشياء اجمالا (1) وبماهيات الأشياء تفصيلا من
جهة معلوميتها مفصله عن وجود الحق تعالى إذ العلم بالعلة التامة مستلزم للعلم
بمعلولاتها كما سيقرع سمعك برهانه من ذي قبل إن شاء الله تعالى واما في الخارج
فكذلك لان الفائض والمجعول ليس الا انحاء الوجودات بالذات والماهيات تابعه
في الفيضان والجعل بالعرض فظهر صدق ما وقع في السنة العرفاء ان موجوديه الأعيان
وقبولها للفيض الوجودي واستماعها للامر الواجبي بالدخول في دار الوجود عبارة
عن ظهور احكام كل منها بنور الوجود لا اتصافها به كما مر غير مره واما الشيئيه



(1) المراد بالاجمال بساطه ذلك الوجود الأكيد الشديدى الذي هو ببساطه كل الوجودات
ولهذا كان علما اجماليا في عين الكشف التفصيلي بكل وجود وانما كان علما بماهيات الأشياء تفصيلا
لان ذلك الوجود الوجوبي ملزوم الأسماء والصفات الملزومة للاعيان الثابتة وكلا اللازمين من
اللوازم الغير المتاخره في الوجود عن وجود الملزوم والأعيان الثابتة في تلك المرتبة حاق نفس
الامر وعين ما هي عليه لكل شئ فذلك الوجود لوجدانه كل الوجودات وجامعيته لجميع الماهيات
بتبعيه الأسماء والصفات علم بكل شئ فان شئت قلت لا يعرب عن علمه مثقال ذره وان شئت قلت
لا يشذ عن وجوده وجود وعن شيئية أسمائه ماهية وعين ثابت فالمعنى واحد س ره.
349
المنفيه عن الانسان في قوله (1) تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن
شيئا مذكورا فهي شيئية الوجود المتميز المخصوص باعتبار تميزها وخصوصها
لئلا يلزم التناقض وكذا الشيئيه المذكورة في قوله ع كان الله ولم يكن معه
شئ ومعلوم ان ليس للماهيات الامكانية عند أهل الله والعارفين الا الشيئيه الثبوتيه
لا الشيئيه الوجودية الا على ضرب من المجاز ولاجل ذلك لما سمع شيخ الطائفة
الفائزه بالحق أبو القاسم الجنيد البغدادي حديث كان الله ولم يكن معه شئ قال
والآن كما كان وذكر الشيخ علاء الدولة في رسالة فوائد العقائد في صفه أهل الله
وهم الذين يصلون إلى مقام الوحدة من غير شبهه الحلول والاتحاد والمشاهدون
جمال ربهم كما كان ولم يكن معه شئ ويعرفون انه الان كما كان وقال في هذه
الرسالة حكاية عن نفسه وابصر كل شئ هالك الا وجهه واعاين كل من عليها
فان من غير شك وتخمين وهذا المقام مقام الوحدة.
فإذا تقررت هذه المقدمات فنقول ان الماهيات والأعيان الثابتة وان لم تكن
موجوده برأسها بل مستهلكه في عين الجمع سابقا وفي تفصيل الوجودات لاحقا
لكنها بحسب اعتبار ذواتها من حيث هي هي بحسب تميزها عن الوجود عند تحليل
العقل منشا الاحكام الكثيرة والامكان وسائر النقائص والذمائم اللازمة لها من
تلك الحيثية ويرجع إليها الشرور والآفات التي هي من لوازم الماهيات من غير
جعل فتصير (2) بهذا الاعتبار وقايه للحق عن نسبه النقائص اليه فعدم اعتبار



(1) فهل بمعنى قد والمراد بالحين المرتبة كما في قوله عليه السلام لي مع الله وقت والدهر
يمكن ان يراد به المعنى المتداول بين القدماء من الحكماء اي وعاء وجود العقول المفارقة والأنوار
القاهرة وما في حكمها والشيئية المنفيه في السلسلة النزوليه شيئية وجوده الخاص به في عالم
الطبيعة كما قال المصنف قدس سره والمثبته المشار إليها بلفظ الانسان شيئية الماهية فلا يلزم التناقض
كما أشار اليه من حيث نفى شيئية عنه مع اطلاق الانسانية عليه ويمكن ان يكون الآية اشاره إلى أطوار
الانسان في السلسلة الصعوديه فنفى الشيئيه أريد به نفى الشيئيه الفعلية واثباتها أريد به
القوة لان قوه الشئ ضعيف منه والمادة من مقومات الشئ س ره.
(2) كما أن الهيولى في المركبات الخارجية وقايه للحق عن استناد الشرور والانفعالات
اليه وعن نسبه عدم التعادل في فيضه مع أن الرحمن على العرش استوى وما ترى في خلق الرحمن
من تفاوت س ره.
350
الأعيان والماهيات أصلا منشا للضلاله والحيره والالحاد وبطلان الحكمة والشريعه إذ
باعتبار شيئية الماهيات واستناد لوازمها إليها يندفع كثير من الاشكالات.
منها وقوع الشرور في هذا العالم وصدور المعاصي عن بعض العباد بسبب
قصور عينه ونقص جوهره وسوء استعداده وهاهنا سر القدر على أن بعض المحققين
من الموحدين عدوا شيئية الأعيان من جمله شؤونه باعتبار (1) بطونه و علمه بصور
تجلياته الذي هو عين ذاته في مرتبه سابقه على ظهورها لكن الخوض في هذه المساله
يحير العقول الضعيفة (2) وقل من العلماء من لا يكون هذا السر ضرا مضره عليه
وفتنه مضله لرسوخ علمه وقوه سلوكه وثبات عقله فلا تزل قدمه عن سنن الحق
وصراطه المستقيم والى ذلك أشار القونوى بقوله وان كانت (3) شؤونه أيضا من
احكام ذاته الكامنة في وحدته ولكن ثمة فارق يعرفه الكمل وهاهنا بحار لا ساحل
لها ولا مخلص منها الا لمن شاء الله وقال أيضا ومطلق الظهور حكما للأشياء
مطلق الظهور عينا للوجود وتعين الظهور الحكمي بالتميز المشهود وتعين
الظهور الوجودي في كل مرتبه من المراتب التي اشتمل عليها العلم (4) بالنسبة



(1) اي باعتبار ان شيئية الأعيان مظهر اسم الباطن س ره.
(2) بل جل العقول الفكريه لو لم يكن كلهم لان شيئية الماهيات حيث إنها لا تأبى عن
العدم ولا عن النور والظلمة لا تناسب شيئية الوجود الصرف والنور البحت فكيف تكون هي
شئونا ذاتية وهو ظاهرا وفعليه لأنها ليست مجعوله وانها دون الجعل الا ان نظر بعض المحققين
إلى التوحيد حيث إن لها شيئية وان كلما هو شئ شانه وحيث إن كونها غير وجود بنحو عدم الاعتبار
لا اعتبار العدم وقد مر في أوائل الكتاب نقلا عن بعضهم ان الماهيات وجودات
والوجودات عارضه لهذه الوجودات وحيث انها صور علميه له تعالى وعلمه صفه س ره.
(3) هذه العبارة متشابهه لا تدل بمجردها على مطلوب المصنف قدس سره لان لفظ الشؤون
في الوجودات اظهر منه في الماهيات ولعل في ما قبل هذه العبارة أو ما بعدها ما يدل على المطلوب
ولا يحضرني كلامه س ره.
(4) لعلك تظن ان الأظهر حذف العلم لكن لما كان العلم والمعلوم متحدين لم يكن تفاوت س ره.
351
إلى الوجود المطلق من وجه مخالف لظهور تعينه في مرتبه أخرى وحكمه أيضا في مرتبه مغاير لحكمه
في مرتبه أخرى وان حصول الاشتراك في الظهورين بأمر
جامع غير الذي امتاز به كل منهما عن الاخر فالثابت (1) لشئ في شئ من شئ
بشرط أو شروط أو المنتفى عنه لا يثبت له ولا ينتفى عنه بعدم ذلك الشرط والشروط
مرتبه كان الشرط أو حالا أو مكانا أو زمانا أو غير ذلك واحكام الوجود من حيث
كل تعين وبالنسبة إلى كل معين من المراتب والأحوال ونحو ذلك لا نهاية لها من
حيث التفصيل وان تناهت الأصول انتهى كلامه فصل [32]
فيه يستأنف الكلام من سبيل آخر في كيفية لحوق الشرور والآفات
لطبيعة الوجود على وجه لا ينافي خيريتها الذاتية
لعلك قد تفطنت مما سلف ذكره بأنه متى تجلى الوجود الحق الاحدى على
ماهية من الماهيات المتباينة بحسب مفهومها وشيئيتها ولوازمها وقد قذف بالحق
على الباطل فصارت موجوده بوجوده أو واجبه به حقا بحقيقته ظهر
في كل منها بحسبها وتلون بلونها واتصف في كل مرتبه من مراتب التعينات بصفه
خاصه ونعت معين وقد علمت سابقا ان تلك الصفات والنعوت الذاتية المسماة
بالماهيات عند الحكماء وبالأعيان عند العرفاء متقدمه على الوجودات الخاصة بحسب
الذهن تابعه لها بحسب الخارج لكون المفاض والمجعول انما يكون هو الوجود
لا الماهية فالتخالف بين الماهيات بحسب الذات وبين الوجودات بنفس الشدة والضعف



(1) المثال لكو الشرط مرتبه ان العقل ثابت له من شئ هو الوجود المفارقى في شئ اي
في حد هو أعلى مراتب التجرد الامكاني بشرط عدم الواسطة بينه وبين الواجب تعالى ما لم يثبت منع
عدم ذلك الشرط والمثال لكون الشرط حالا انه ثابت للأسد من الشجاعة حد منها بشرط مزاج حار
ولكون الشرط مكانا انه ثابت للنبات من النشور في المقدار حد
بشرط مكان مواجه للشمس وكذا بشرط زمان الربيع مثلا س ره.
352
التقدم والتأخر والعلو والدنو وبالجملة الوجود مع وحده حقيقته الذاتية يظهر
في كل شئ بحسبه كالماء الواحد (1) في المواضع المختلفة فمنه عذب فرات
ومنه ملح أجاج وكشعاع الشمس الملون بلون الزجاجات مع خلوه بحسب الذات
عن الألوان.
وقال الشيخ صدر الدين القونوى في رسالة له في شرح بعض الأحاديث كل
ما كان في ذاته من حيث ذاته عريا عن الأوصاف المختلفة التقييديه وكان في غاية
اللطف فاذن ظهوره وتعينه في حقيقيه كل متعين ومرتبه وعالم انما يكون بحسب
قابلية الامر المتعين والمرتبه المقتضية تعينه وظهوره انتهى فقد ظهر ان كل
ما نسب إلى المظاهر والمجالى من الافعال والصفات المخصوصة فهو ثابت لها من وجه
ومسلوب عنها من وجه إذ لكل موجود خاص جهة ذات وماهية وجهه وجود وظهور
وليس للحق الا افاضه الوجود على الماهيات وله الحمد والشكر على افاضه الخير
على الأشياء وإذا ثبت كون كل ممكن ذا جهتين ماهية ووجود وحيثيتين امكان
ذاتي ووجوب غيرى وصحه اثبات ما ينسب اليه له وسلبه عنه كل منهما بجهه وعلمت
أيضا ان جهة الاتفاق والخيريه في الأشياء هو الوجود وجهه التخالف والشرية هي
الماهيات فقد دريت ان التنزيه والتشبيه في كلام الله وكلام أنبيائه ع يرجع إلى
هاتين الجهتين وكلاهما محمول على ظاهرهما بلا تناقض وتأويل فالايجاد
والإفاضة والفعلية والتكميل والتحصل والبقاء واللطف والرحمة من جنب الله وقدرته
والقابلية والقصور والخلل والفتور والفناء والدثور والتجدد والزوال والقهر والغضب
من قبل الخلق واستطاعتهم كما نظمه بعض الفرس حيث قال



(1) كما أشير اليه في الكتاب الإلهي بالماء الذي في الادويه بقدرها وعبر من الماهيات
والتعينات بالزبد المحمول على الماء وعلى الموقدات الذاتية الذاهب جفاء ا س ره.
353
از آن جانب بود ايجاد وتكميل * وزين جانب بود هر لحظه تبديل
والتفاوت في القوابل والحقائق الامكانية والماهيات انما يحصل لها بوجه
من نفس (1) ذواتها وبوجه من الفيض الاقدس المسمى بالقضاء الأزلي الذي هو
عبارة عن ثبوت الأشياء في علم الله تعالى بالنظام الأليق الأفضل من حيث كونها تابعه
لاسماء الحق وصفاته التي هي عين ذاته ووجود تلك الماهيات في الخارج بافاضه
الوجود عليها بحسب أوقاتها المخصوصة واستعداداتها من الحق يسمى عندهم بالفيض
المقدس وهو بعينه القدر الخارجي إذ التقدير تابع لعلم الله تعالى وكلاهما في الوجود
غيرمنفك عن ذاته وهذا لا ينافي حدوث الأشياء وتجددها وزوال بعضها عند حضور
بعض آخر كما ستطلع عليه إن شاء الله تعالى عند معرفه الزمان والدهر والسرمد
ونحو نسبه هذه المعاني إلى مبدع الكل على وجه مقدس لا يوجب تغيرا لا في ذاته
ولا في صفاته ولا في افعاله من حيث إنها افعاله وعند بيان احاطته بالزمانيات
والمكانيات على الوجه المقدس الشمولي يتبين كيفية تكلمه تعالى مع ملائكته
ورسله لا على الوجه الذي يقوله الأشاعرة.
والحاصل (2) ان النقائص والذمائم في وجودات الممكنات ترجع إلى خصوصيات



(1) اما كون اختلافها من نفس ذواتها فلانه كما لم يجعل الجاعل السواد سوادا والبياض
بياضا لم يجعلهما مختلفين جعلا بالذات لبطلان الجعل التركيبي في الذاتيات ولوازم الذات بل
إذا جعلهما جعلا بسيطا كانا مختلفين بنفس ذاتيهما واما كون اختلافها من الفيض الاقدس فلما مر من أن
للماهيات اكوانا سابقه وبرزات متقدمه في مراتب الوجود فاختلافها في النشاه الطبيعة ظل
اختلافها في النشاه المثالية واختلافها هناك ظل اختلافها في النشاه الجبروتيه واختلافها هناك ظل
اختلافها في النشاه اللاهوتيه المشار إليها بالفيض وذلك الاختلاف ظل اختلاف الأسماء والصفات
وأسماؤه وصفاته غير معلله وفي بعض خطب نهج البلاغة من قال لم فقد علله س ره.
(2) النقيصه والذميمه أعم من العقلية والشرعيه فحد الصلاة وتعينها نقيصه عقلية كحد
السيئات الشرعية فهو مستند إليك بما أنت ماهية محدوده باعتبار وجه النفس منك فالآثار بما هي
محدودات مستنده إلى مبادى الآثار بما هي ماهيات محدوده وبما هي وجودات وجهات نورانية مستنده
إليها بما هي وجود ووجه الله س ره.
354
المحال والقوابل لا إلى الوجود بما هو وجود وبذلك يندفع شبهه الثنوية ويرتفع
توهم التناقض بين آيتين كريمتين من كتاب الله العزيز إحداهما قوله تعالى
وما أصابك من حسنه فمن الله وما أصابك من سيئه فمن نفسك والأخرى قوله
تعالى قل كل من عند الله وما أحسن ما وقع متصلا بهذه الآية ايماء بلطافه هذه
المساله من قوله تعالى فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا وذلك لان
مساله العلة والمعلول قد أشكلت على الناس لغموضها وبعد غورها فان المعلولات
انما هي استار على وجه العلل وفيها هلك من هلك والامر ما ترى العلماء حيارى
فيها فمنهم من يثبت الأسباب ومنهم من ينفيها ولذا قيل إن الناس في هذه
المساله بين حيارى وجهال فمن استشفى من هذا الداء العضال والمزلقه التي لا يخلص
منها الا المخلصون أصبح موحدا لا ينافي توحيده رؤية الأسباب.
وخلاصه تحقيق هذا المقام ان لكل شئ كما مر وجها خاصا إلى رب الأرباب
ومسبب الأسباب به يسبحه وينزهه ويحمده والتأثير الذي يشاهد من الأسباب انما
هو من اسم من الأسماء الحسنى الذي هذا السبب مظهره وسبح له بلسان الذاكريه
في مرتبته لا من نفس ذاته الكائنة فإنها فاسده فاختلاف الحقائق في الموجودات
يرجع بوجه إلى اختلاف الأسماء لكن الشرور والنقائص ترجع إلى خصوصيات القوابل
واستعداداتها بحسب المصادمات الواقعة بينها في المراتب المتاخره عند نزول حقيقة
الوجود ولسان جميع الشرائع الحقه ناطق بان وجود كل كمال وخير وسلامه
يضاف إلى الحق تعالى ولزوم كل شر وآفه وقصور ولو باعتبار من الاعتبارات يضاف
إلى الخلق كما في قوله تعالى (1) حكاية عن الخليل على نبينا وعليه السلام وإذا
مرضت فهو يشفين فإنه عليه صلوات الرحمان أضاف المرض إلى نفسه والشفاء



(1) وكذا قوله تعالى حكاية عن خضر ع في موضع أردت ان أعيبها وفي موضع
آخر فأراد ربك ان يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما
وفي موضع آخر فاردنا ان يبدلهما ربهما
خيرا منه س ره.
355
إلى ربه وفي قوله تعالى أيضا ان تعذبهم فإنهم عبادك وان تغفر لهم فإنك أنت الغفور
الرحيم اشاره إلى أن العذاب للنفوس الجاهله الشقيه ليس من قبل الحق الأول من
جهة الانتقام بل لكون العقوبة من نتائج اعمالها وافعالها ومن لوازم اخلاقها
الردية فكأنها هي حماله حطب نيرانها يوم الآخرة لخطيئه سابقه كمن أدى
نهمته إلى مرض شديد وان المغفرة والرضوان من لوازم الوجود الأول
ورحمته وافاضه وجوده على الأشياء حسب امكان قوابلها وكما في قول سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث ذكر في دعائه ع الخير كله بيديك (1) والشر ليس إليك وفي
حديث آخر عنه ص فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا
نفسه فقد ظهر ان ليس للحق الا حمد افاضه الوجود واخراج الماهيات من
العدم إلى الكون والتحصيل ومن القوة إلى الفعل والتكميل ومن البطون
إلى الظهور والله الهادي إلى سواء السبيل.
فصل [33]
في كيفية كون الممكنات مرايا لظهور الحق فيها ومجالى
لتجلى الاله عليها
قد أشير فيما سبق ان جميع الماهيات والممكنات مرائي لوجود الحق تعالى
ومجالى لحقيقته المقدسة وخاصية كل مرآه بما هي مرآه ان تحكى صوره
ما تجلى فيها الا ان المحسوسات لكثره قشورها وتراكم جهات النقص والامكان فيها
لا يمكن لها حكاية الحق الأول الا في غاية البعد كما ذكره معلم المشائين



(1) اي الوجود على الاطلاق بيديك الجمالية والجلاليه ومظاهر أسمائك بل نفس أسمائك
اللطفيه والقهريه والشر ليس إليك يؤخذ سالبه بسيطه منتفيه بانتفاء الموضوع لأنا إذا فحصنا
وبحثنا عن الذات والذاتي للشر لم يبق له الا العدم كما تقدم فالثنوى الذي يقول نجد في العالم
خيرات وشرورا والخير المحض لا يصدر منه الا الخير فلا بد للشرور من مبدء آخر وجودي شرير
قد استسمن ذا ورم ونفج من غير ضرم ولم يفهم ان الشر مرجعه العدم س ره.
356
ارسطاطاليس في اثولوجيا وهو كتابه المعروف بمعرفه الربوبية وبيان ذلك ان
للحق تجليا واحدا على الأشياء وظهورا واحدا على الممكنات وهذا الظهور على
الأشياء هو بعينه ظهوره الثاني على نفسه (1) في مرتبه الافعال فإنه سبحانه لغاية
تماميته وفرط كمال فضل ذاته من ذاته وفاض ذاته لكونه فوق التمام من ذاته
وهذا الظهور الثانوي لذاته على نفسه لا يمكن ان يكون مثل ظهوره الأولى لاستحالة
المثلين وامتناع كون التابع في مرتبه المتبوع في الكمال الوجودي والشعاع نحو
المضئ في النورية فلا محاله نشات من هذا الظهور الثانوي الذي هو نزول الوجود
الواجبي بعباره والإفاضة بعباره أخرى والنفس الرحمانيه في اصطلاح قوم
والعلية (2) والتأثير في لسان قوم آخر والمحبة (3) الافعاليه عند أهل الذوق
والتجلي على الغير عند بعض الكثرة والتعدد حسب تكثر الأسماء والصفات في
نحو العلم الاجمالي البسيط المقدس فظهرت الذات الأحدية والحقيقة الواجبية في
كل واحد من مرائي الماهيات بحسبه لا ان (4) لها بحسب ذاتها ظهورات
متنوعه وتجليات متعددة كما توهمه بعض والا يلزم انثلام الوحدة الحقه تعالى عنه
علوا كبيرا.
قال الشيخ محيي الدين العربي في الباب الثالث والستين في كتاب الفتوحات
المكيه إذا أدرك الانسان صورته في المرآه يعلم قطعا انه أدرك صورته بوجه وانه
ما أدرك صورته بوجه لما يراه في غاية الصغر لصغر جرم المرآه أو الكبر لعظمه.



(1) اي على ما من صقع نفسه فان الوجود المنبسط كالمعنى الحرفي ليس بائنا عنه لا هو
ولا غيره ويمكن ان يكون مبنيا على ما قال بعض المحققين من كون شيئية الأعيان من جمله شؤونه
كما مر أو لما كانت الماهيات اعتبارية فالتجلى على الوجودات وهي عن سنخ الوجوب س ره.
(2) لكنها على التحقيق هي التشؤن س ره.
(3) ومقام المعروفية س ره.
(4) فالظهور واحد فكيف الذات فالتفاوت ليس الا في المظاهر وهذا أيضا ليس الا في
الظهور الثانوي إذ ليس يساوق الأولى س ره.
357
ولا يقدر ان ينكر انه رأى صورته ويعلم انه ليس في المرآه صورته ولا هي بينه وبين
المرآه فليس بصادق ولا كاذب في قوله رأى صورته وما رأى صورته فما تلك الصورة
المرئيه وأين محلها وما شانها فهي (1) منتفيه ثابته موجوده معدومه معلومه مجهوله
اظهر سبحانه هذه الحقيقة لعبده ضرب المثال ليعلم ويتحقق انه إذا عجز وحار في
درك حقيقة هذا وهو من العالم ولم يحصل علما بحقيقته فهو بخالقها اذن اعجز
واجهل وأشد حيره.
أقول ونبه بذلك على أن تجليات الحق أدق والطف من حقيقة هذا الذي
حارت العقول فيه وعجزت في ادراكه إلى أن يبلغ عجزها ان يقال هل لهذا المدرك
حقيقة أم لا فان العقول لا يلحقه بالعدم الصرف وقد علمت أنه ليس بلا شئ ولا
بالوجود المحض وقد علمت أنه ليس بشئ مباين للمقابل ولا بالامكان البحت
فالحكمه في خلق المرآه والحقيقة الظاهرة فيها هدايه العبد إلى كيفية سريان
نور الحق في الأشياء وتجليه على مرائي الماهيات وظهوره في كل شئ بحسبه
فان وجود كل ماهية امكانية ليس هو نفس ماهيتها بحسب المعنى والحقيقة ولا
عين الذات الواجبية لقصوره ونقصه وامكانه ولا مفصولا عنها بالكلية لعدم استقلاله
في التحقق كما مضى برهانه.
ثم إنه كما ثبت ان تجليه تعالى على الأشياء تجل واحد وافاضه واحده انما
حصل تعدده واختلافه بحسب تعدد الماهيات واختلافها تحقق وتبين انه لا تكرار (2)



(1) ونعم ما قيل
گر جمله توئى پس أين جهان چيست * ور هيچ نيم پس أين فغان چيست س ره.
(2) هذا الكلام يستعمل في موضعين أحدهما انه لا تكرار إذ تجليه تعالى واحد والتكرار
يشعر باثنينيه ما وثانيهما ما يساق قول الحكماء المعدوم لا يعاد بعينه وهو قوله تعالى كل يوم
هو في شان اي تجليه ان ترائى مكررا بالعرض وبالتبع للمجالى والقوابل فليعرف ان كل آن له
تجل جديد وله ظهورات متفننه كما قيل.
عنكبوتان مگس قديد كنند * عارفان در دمى دو عيد كنند
وهو المراد هاهنا س ره.
358
في التجلي باعتبار مظهر واحد ومنه يستفاد ان العلم بكل حقيقة لا يكون
الا حضورها لا حصول شبح آخر منها لان ظهور شبحها ليس هو بعينه ظهورها والا
لزم التكرار (1) وقد نفاه العرفاء كما قد تبين لك.
ومن هاهنا ينكشف لذي البصيرة دقيقه أخرى هي انه قد اختلف الحكماء في أن
ادراك النفس الانسانية حقائق الأشياء عند تجردها واتصالها بالمبدء الفياض ا هو
على سبيل الرشح أو على نهج (2) العكس اي من جهة افاضه صور الأشياء على ذاتها أو
على نهج مشاهدتها في ذات المبدء الفعال ولكل من المذهبين وجوه ودلائل مذكوره
في كتب أهل الفن وعند التحقيق يظهر على العارف البصير انه لا هذا ولا ذاك بل بان
سبب الاتصال التام للنفس بالمبدء لما كان من جهة فنائها عن ذاتها واندكاك جبل انيتها وبقائها



(1) بيان لقوله لا يكون الا حضورها والمراد بالشبح غير الشبح المصطلح عليه المذكور
في مبحث الوجود الذهني لأنه واضح البطلان بل إن يوجد عين الماهية الخارجية بوجود ذهني بحيث
تكون الماهية معروضه للكثرة والاثنينية بنفسها ومحصل البيان ان الماهية الانسانية مثلا إذا
علمناها فاما أن تكون الماهية المعلومه واحده وجودا وماهية أو واحده ماهية لا وجودا أو كثيره
ماهية ووجودا والثاني مستلزم للتكرار والثالث مستلزم لكون العلم جهلا لان شبح
الشئ غير الشئ والأول المطلوب فالماهية بوجودها الخارجي حاضره عند العالم لكن الموجود الخارجي
تترتب عليه الآثار بخلاف الموجود الذهني والمفروض ان الامر واحد فالماهية الخارجية
ذات مرتبتين هي معلومه واقعه في الذهن بإحداهما وهي في الخارج بالأخرى ط مده.
(2) يترائى من ظاهر العكس انه نفس الرشح لا مقابله وان تفسيره بالمشاهدة في ذات
المبدء الفعال تفسير بالمباين لكن المراد بالعكس ليس مثل الصورة في المرآه كما هو المراد من
الرشح بل انعكاس الاشراق الذي من المبدء الفعال على النفس من النفس إلى المبدء الفعال فترى
ما فيه من الحقائق كانعكاس الخطوط الشعاعيه التي للنير من الأشياء الصيقليه إلى نفس النير كما
يقول به الرياضيون فقوله اي من جهة الخ تفسير الرشح وقوله أو على نهج مشاهدتها الخ
تفسير العكس ويحتمل ان يكون الترديد في الرشح والعكس ترديدا في العبارة والتفسير لكليهما
ويكون قوله أو على نهج مشاهدتها مقابلا لهما س ره.
359
بالحق واستغراقها في مشاهده ذاته فيرى الأشياء كما هي عليها في الخارج لا ان ما يراها
من الحقائق غير ما وقعت في الأعيان والا يلزم التكرار في التجلي الإلهي وهو مما قد ثبت
بطلانه ومما نفاه العرفاء والحكماء الرواقيون القائلون بان وجود الأشياء في الأعيان
وهو بعينه نحو معلوميتها للحق (1) من الحق لا من الأشياء وان عالميه الحق سبحانه
بالأشياء هي بعينها فيضانها عنه باشراق نوره الوجودي فكل ما ادركه العارف
المكاشف من صور الحقائق بواسطة اتصاله بعالم القدس يكون حقائق الأشياء على
ما هي عليها في الخارج لا أشباحها ومثالاتها واما الناقص المحجوب فيرى الحق
في مرآه الأشياء ويعتقده على حسب ما يراه فيعرفه على صوره معتقده فإذا (2)
تجلى الحق له يوم القيامة في غير الصورة التي يعتقده كذلك ينكره ويتعوذ منه
ومن هاهنا ينبعث اختلاف العقائد بين الناس لاختلاف ما يرون الحق فيها من الأشياء



(1) اي من الجهة النورانيه من الحق في الأشياء لئلا يلزم الاستكمال للحق من غيره من
حيث هو غيره س ره.
(2) هكذا حقق الشيخ محيي الدين وقد نظمه في سلسله الذهب بقوله:
تخته جمله عقايد باش * در همه صورتش مشاهد باش
روز محشر كه بر عموم بشر * حق تجلى كند بجمله صور
آن تجلى ز حضرت احدش * نبود جز بوفق معتقدش وهذا معنى ما قيل.
جمالك في كل الحقائق سائر * وليس له الا جلالك ساتر
فليس الساتر الا انه ليس بجسم وليس بجوهر وليس بعرض ونحو ذلك وهذه صفات الجلال
لكن المحقق البصير الناقد يصفه بصفات جلاله مع شهوده سريان نور جماله في كل دره وذره فإنه
يرى في الجسم وجودا وقياما بالذات والوجود أينما تحقق وجه الله النورانى والقيام بالذات حق
القيوم تعالى فلا يسلبان عنه تعالى انما يسلب حده ونقصه وكذا الجوهر المطلق له قيام بالذات في
المفارقات والمقارنات وبقاء ا بالشخص في المفارقات وبالنوع في المقارنات بل بالشخص بناء ا
على أن العدم بطريان الضد ولا تضاد في الجواهر ولا يسلب البقاء عنه هو الباقي وكل شئ هالك
والمسلوب منه تعالى ماهية الجوهر المعتبر في حده بقولهم ماهية إذا الخ وكذا العرض كمال
الموضوع وتشخصه وهو الكمال المطلق والتشخص المحض والمسلوب منه تعالى الماهية والحاجة
فاذن جماله جلاله وجلاله جماله والحجاب عدمي أو شده الظهور وقصور المدارك س ره.
360
واليه الإشارة في قوله تعالى انا عند ظن عبدي بي فيقبل كل أحد منه ما يليق
بحاله ويناسبه من التجليات الإلهية وينكر ما لا يعطيه نشاته والسالك الواصل
الفاني يشاهد الحق مجردا عن نسبه الخلق اليه فيحجبه ضيق فنائه وقصور ذاته عن
الخلق لضيق الفاني عن كل شئ فكما كان قبل الفناء محجوبا بالخلق عن الحق
لضيق وعائه الوجودي فكذلك في ثاني الحال لأجل فنائه عن كل شئ ذاهل عن
مراتب الإلهية وتجلياته الذاتية والاسمائيه واما الكامل العارف للحق في جميع
المظاهر والمجالى الراجع إلى التفصيل مستمدا من الاجمال فيشاهد الحق على وجه
أسمائه وصفاته فيرى الخلق بالحق فيسير في ارض الحقائق التي أشرقت بنور ربها
فيكون علمه في هذا المقام بالأشياء من جهة العلم بمبدء الأشياء ومظهر وجوداتها
ومظهر أعيانها الثابتة وماهياتها فيصدق حينئذ انه يرى الأشياء كما هي في مرآه
وجهه الكريم الذي له غيب السماوات والأرض (1) فثبت انه كما أن الأشياء
بوجه مرائي ذات الحق ووجوده فكذلك الحق مرآه حقائق الأشياء لكن مرآتيه
كل واحد من المرآتين بوجه غير الأخرى.
وبيان ذلك ان كل واحده من المرائي التي هي غير ذات الحق كمرائى
ماهيات الممكنات لظهور حقيقة الوجود ومرائى القوى الخيالية الكلية التي هي
مظاهر عالم المثال والقوة الخيالية الجزئية التي هي مظهر الصور الخيالية والجليديه
والماء والبلور والحديد التي كل منها مظهر للصور المبصره والحاسه السمعيه
والذوقيه والشميه واللمسيه التي هي مظاهر للمحسوسات الأربعة انما يكون مرآتيتها
لأجل خلو ذاتها من حيث هي عما هي مظاهر له من الصور والكيفيات التي هي مظاهر ومرائى
لشهودها لكن لما لم يكن حيثية مرآتيتها هي بعينها حيثية ذاتها ووجودها لتقيد لوجودها



(1) وأشير في الكتاب الإلهي إلى المقام الأول بقوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي
أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق إلى المقام الثاني بقوله تعالى أولم يكف بربك انه على كل شئ
شهيد س ره.
361
ذات كل منها بقيد وجودي لم تكن صادقه من كل الوجوه وان لم تكن كاذبه أيضا
من كل الوجوه فأنت إذا نظرت إلى خصوص ذات المرآه وكونها من حديد أو زجاج مثلا
حجبك ذلك عن ملاحظه تلك الصورة التي فيها ولا يكون هي عند ذلك مظهرا لها لتقيدها
وحصرها وإذا قطعت النظر عن الحديد أو الزجاج ولم تنظر اليه نظرا استقلاليا بل
نظرا ارتباطيا تعلقيا فعند ذلك تنظر إلى الصورة المقابلة وتلك الخصوصية حكمها
باق وان لم يكن ملتفتا إليها فلأجل ذلك لم يكن المشهود بعينه وجود ذلك المرئى
في نفسه فيصير خصوصيه المرآه حجابا عن وجوده الحقيقي على حسب تلك
الخصوصية ولهذا اختلف المرائي (1) صغرا وكبرا واستقامه واعوجاجا وظهورا
وخفاء ا لأجل اختلاف خصوصيات المرآه تحديبا وتقعيرا وصقاله وكدوره وان لم
تكن ملحوظه وكذا حكم باقي المرائي الامكانية.
واما الحق (2) سبحانه فلكون ذاته ذاتا فياضه يفيض عنه صور الأشياء ومعقوليتها
يكون ذاته مظهرا يظهر به الأشياء على الوجه الذي هي عليه وبيان ذلك ان ذاته بذاته
من غير حيثية أخرى مبدء للأشياء فكذلك شهود ذاته مبدء شهود الأشياء لان العلم
التام بالعلة التامة يوجب علم التام بالمعلول وكما أن شهود ذاته ليس ولا يمكن الا بنفس ذاته



(1) كذا في كثير من النسخ والصواب اختلف المرئى س ره.
(2) فيه اشاره إلى ترجيح مرآتيه الحق للأشياء على العكس بوجوه.
منها انه محل صدورى لها ونسبته إليها ايجابيه وحدانيه وهي محل قبولى له ونسبتها إليها
امكانية فقدانيه.
ومنها انه يحاكيها على ما هي عليه وانها ليست كذلك لكن عند العرفاء الترجيح بالعكس
لوجهين
أحدهما ان المرآه آله اللحاظ والحق ينبغي ان يكون هو الملحوظ بالذات.
وثانيهما ان المرآه مختفيه في ظهور المرئى وفي نظر السالك لا بد ان يكون الماهيات
مختفيه لا الحق.
والتوفيق ان منظور المصنف قدس سره ترجيح نسبه الارائه إلى الحق في نفس الامر
ومنظورهم ترجيح مرآتيه الأشياء بالنسبة إلى دأب السالك وديدنه فان للمرآه صفتين
أحدهما الارائه والاظهار وهو شان نور الأنوار والثانية الاختفاء وهي شان الماهيات
362
بل ذاته وشهود ذاته شئ واحد بعينه بلا اختلاف جهتين ولا تعدد حيثيتين وهما العلتان
لوجود الخلق وشهودهم فكذا شهود ذوات الخلق لا يتصور الا بعين وجودها إذ العلتان
واحده بلا مغايره فكذا المعلولان واحد بلا تعدد فكما ان وجود الأشياء على ما هي
عليها من توابع وجود الحق سبحانه فكذا معقوليتها وشهودها على ما هي عليها من
توابع معقولية الحق ومشهوديته فثبت وتحقق ان ذاته تعالى من حيث ذاته مرآه
يدرك بها صور الأشياء الكلية والجزئية على ما هي عليه في نفس الامر بلا شوب غلط
وكذب بخلاف مرائي الممكنات.
تفريع
قد علم بما ذكر انه لا يمكن معرفه شئ من الأشياء الا بمعرفه
مبدعة وخالقه كما مر ذكره سابقا إذ وجود كل شئ ليس
الا نحوا واحدا لا يحصل الا من جهة واحده لما علمت من امتناع تكرر شئ واحد
وانتفاء الاثنينية في تجلى الحق وانكشف صحه قول الحكماء ان العلم اليقيني بأشياء
ذوات الأسباب لا يحصل الا من جهة العلم بأسبابها فحقق هذا المقام ان كنت من
من ذوى الاقدام.
تعقيب
قد وضح لديك مما ذكر كيفية ما قرع سمعك في الفلسفة العامة
ان العلم بالعلة المعينة يوجب العلم بالمعلول المعين واما العلم بالمعلول المعين فلا يوجب الا
العلم بالعلة المطلقة لا بخصوصيتها والسر في ذلك
ليس ما هو مذكور في الكتب المشهورة من أن العلة بخصوصها تقتضى المعلول بخصوصه
واما المعلول بخصوصه فلا يستدعى الا عله مطلقه لأنه مجرد دعوى بلا بينه وبرهان
بل السر فيه ان المعلول كما حققناه ليس الا نحوا خاصا من تعينات العلة ومرتبه
معينه من تجلياتها فمن عرف حقيقة العلة عرف شؤونها وأطوارها بخلاف من عرف
المعلول فإنه ما عرف علته الا بهذا النحو الخاص كمن يرى وجه الانسان في واحده
من المرائي المختلفة صغرا وكبرا تحديبا وتقعيرا واستقامه واعوجاجا وقد
حقق الشيخ الجليل محيي الدين الاعرابى هذا المطلب تحقيقا بالغا حيث ذكر

363
في الفص الشيثى من فصوص الحكم عند تقسيم العطيات إلى الذاتية والاسمائيه بهذه العبارة
ان التجلي من الذات لا يكون ابدا الا بصوره استعداد المتجلى له غير ذلك لا يكون
فإذا المتجلى له ما رأى سوى صورته في مرآه الحق وما رأى الحق ولا يمكن ان
تراه مع علمه انه ما رأى صورته الا فيه كالمرآه في الشاهد إذا رأيت الصور فيها
لا تراها مع علمك انك ما رأيت الصور أو صورتك الا فيها ثم قال وإذا ذقت هذا ذقت
الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق (1) فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن
تترقى (2) أعلى من هذا الدرج فما هو ثم أصلا وما بعده الا العدم المحض (3)
فهو مرآتك في رؤيتك نفسك وأنت مرآته في رؤية أسمائه وظهور احكامها وليست
سوى عينه انتهى
تعقيب آخر
ثم انكشف لك مما تلوناه عليك ان اختلاف المذاهب بين الناس
وتخالفهم في باب معرفه الحق يرجع إلى اختلاف انحاء
مشاهداتهم لتجليات الحق والرد والانكار منهم يؤول إلى غلبه احكام بعض المواطن
على بعضهم دون بعض واحتجاب بعض المجالى عن واحد دون آخر فإذا تجلى الحق بالصفات
السلبية للعقول القادسه يقبلونه تلك العقول ويسبحونه عن شوائب التشبيه والنقص
ويمجدونه عن لوازم التجسم والتكثر فهكذا حال كل من كان من جمله العقول
المنزهه المسبحه كبعض الحكماء وينكره كل من لم يكن من المجردين كالوهم
والخيال والنفوس المنطبعه وقواها وهكذا حال من كان في درجه تلك القوى الادراكية
بحسب ما يكون الغالب فيه كأكثر الظاهريين والمشبهين إذ ليس من شانهم ادراك



(1) اي المخلوق من حيث هو مخلوق لا يرى الحق الا من وراء حجاب تعينه الا انه ليس
تعينه في نظر شهوده س ره.
(2) وأنت أنت س ره.
(3) اي في الغناء الصرف وان شوهد الحق بلا حجاب التعين الا ان المشاهد والمشاهد
هو الحق ولغيره الطمس المحض والمحق الصرف س ره.
364
الحق الأول الا في مقام التشبيه والتجسيم وإذا تجلى بالصفات الثبوتيه فتقبله
القلوب والنفوس الناطقة لأنها مشبهه من حيث تعلقها بالأجسام ومنزهه من حيث
تجرد جوهرها وينكره العقول المجردة الصرفة لعدم اعطاء نشأتها الا مرتبه البعد
عن عالم التجسيم والتحاشى عنه فيقبل كل نشاه من النشات العقلية والنفسية
والوهميه من التجليات الإلهية ما يناسبها ويليق بحالها وينكر ما يخالفها ولم يكن
يعطيه شانها وذلك لان كل أحد لا يشاهد الحق الا بتوسط وجوده الخاص ولا
يعرفه الا بوسيلة هويته الخاصة ولا يظهر له من الحق الا ما يتجلى في مرآه ذاته
المخصوصة فكل (1) قوه من القوى محجوبه عن الحق بنفسها لا يرى أفضل من
ذاتها كالملائكه التي نازعت في حق آدم وكالعقل والوهم فان كلا منهما يدعى
السلطنة على غيره ولا يذعن له فالعقل يدعى انه محيط بادراك الحقائق بحسب قوته
النظريه وليس كذلك لأنه بحسب قوته الفكريه لا يدرك الا المفهومات (2)



(1) كما في الحديث تجلى للأوهام بها وبها امتنع عنها قال الحلاج بيني وبينك انى ينازعني
فارفع بلطفك انى من البين س ره.
(2) اي من حيث التحقق والصدق على المصاديق كما هو شان الحكيم الباحث عن حقائق
الموجودات لا عن المفهومات بما هي مفهومات.
ثم المراد بها العنوانات المطابقة للحقائق بتحصيل الحدود والرسوم لها والتصديقات اليقينية
بها اي يحصل مطالب ما هو وهل هو ولم هو فيها فالعقل الفكري حق له الرئاسة الكبرى والغبطه
العظمى لسيره في ديار الكليات المطابقة للواقع وعدم مبالاته بقرى الجزئيات الداثرة ورساتيقها
فأين مفهوم الفلك مثلا الذي يحصله العقل من أنه الجسم البسيط ذو الطبيعة الخامسة الخالية
من العنصرية ولوازمها الحي الدائم حركه ذو القوة المحركة الغير المتناهية المظهر
للديمومه الحقه والقدرة الغير المتناهية الوجوبية من المفهوم الذي في ذهن العامي الوهمى
اي الجسم الذي فوقنا المعلوم له اجماليا نهاية الاجمال أو تفصيليا جهلا تركيبيا انه فيروزج
أو زجاجه ولو انصف العامي الوهمى في تحصيل العقل مفهوم الجسم المطلق الذي هو أسهل
موجود من الحقائق انه متصل واحد له هيولي وصوره غير مركب من اجزاء لا يتجزى مطلقا
ولا من اجرام صغار صلبه قابل لانقسام غير متناه فضلا عن مفاهيم صفات حقيقة الحقائق
ولكن من حيث التحقق كما أشرنا اليه ومفاهيم الحقائق الاخر من المفارقات.
والمقارنات كذلك لوضع الجبهة ضرورا عند العقل ولذلل رقبته دونه ضعه وتطاطا رأسه كليلا
وتطامن ذليلا نعم من عرف الهويات والوجودات بالعلم الحضوري بنفس علم المبدء الاعلى وعرفه
الحقائق الخارجية بحقيقة الحقائق كما في الكمل من النفوس المتالهه كاد ان يكون ربا للعقل
والعقلاء ونعم ما قيل
عاقلان نقطه پرگار وجودند ولى * عشق داند كه در أين دايره سرگردانند
كما أشار بقوله وهو محتجب عن شهود الحق س ره.
365
الذهنية ولوازم الهويات الوجودية دون حقائقها الخارجية وغاية عرفانه ما دام في
مقام الفكر والنظر العلم الجملي بان له ربا منزها عن النقائص والصفات الكونية
وهو محتجب عن شهود الحق ومشاهده تجلياته الذاتية وظهوراته التفصيلية ونفوذ
نوره في أقطار العوالم وكذلك الوهم يدعى السلطنة ويكذب العقل في كل ما هو
خارج عن طوره من اجل ادراكه المعاني المتعلقة بالجزئيات فلكل من القوى
نصيب من الشيطنه وكذلك لكل واحد من اشخاص الناس ما سوى
الانسان الكامل حصه من الشرك الخفي أو الجلى لكونه يعبد اسما من أسماء الله
ولا يعبد الله بجميع الأسماء كما أشار اليه في قوله تعالى سبحانه ومن الناس من
يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمان به وان اصابته فتنه انقلب على وجهه
واما الانسان الكامل فهو الذي يقبل الحق ويهتدى بنوره في جميع تجلياته ويعبده
بحسب جميع أسمائه فهو (1) عبد الله في الحقيقة ولهذا سمى بهذا الاسم أكمل
افراد نوع الانسان لأنه قد شاهد الحق الأول في جميع المظاهر الامريه والخلقيه من
غير تطرق تكثر لا في الذات ولا في التجلي أيضا لما مر من أن تجليه تعالى حقيقة
واحده والتكثر باعتبار تعدد شؤونه وحيثياته (2) المسماة بالماهيات والأعيان
الثابتة التي لا وجود لها في ذاتها ولا يتعلق بها جعل وتأثير بل لها مع انحاء



(1) واما ما عداه كالملك فهو عبد السبوح القدوس والحيوان فهو عبد السميع البصير
والجان فهو عبد اللطيف والشيطان فهو عبد المضل وهكذا وكذا غير الكامل من الانسان
بحسب الفعلية في غير صراط الله كل يعبد اسما خاصا س ره.
(2) كون شيئية الماهيات شؤونه باعتبار ما نقل سابقا عن بعض المحققين س ره.
366
الوجودات التي هي اظلال للنور الاحدى ورشحات للوجود القيومى ضرب من الاتحاد
فيصير احكاما لها ومحمولات عليها فالكاملون علموا الحقائق علما لا يطرء عليه
ريب وشك فهم عباد الرحمان الذين يمشون على ارض الحقائق هونا وإذا خاطبهم
الجاهلون قالوا سلاما وهم العقول الضعيفة القاصره العاجزه عن ادراك التجليات
الإلهية في كل موطن ومقام واما النفوس الابيه الطاغيه فهي غير معظمه لشعائر الله
فهم في الحقيقة في جحيم البعد ومضيق الحرمان عن ادراك الحقائق والأنوار الإلهية
إذ لا يقبلون الا ما أعطت ذواتهم وقيل فيهم انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم
اي جهنم الحرمان عن ملاحظه تجليات الحق واضافته لأنهم حيث اشتبه عليهم
الوجودات التي هي نفس فيضات الحق وانحاء تجلياته بلوازم الماهيات التي هي أمور
برأسها وأصنام بحيالها فعبدوها ونسبوا الوجود والايجاد في المراتب المتاخره
إليها ولم يعبدوا الحق الأول في جميع المراتب وبحسب كل الأسماء لأنهم لم يعلموا
ان الحق هو المتجلى في كل شئ مع أنه المتخلي عن كل شئ فسبحان (1) من
تنزه عن الفحشاء وسبحان من لا يجرى في ملكه الا ما يشاء.
ذكر اجمالي
انظر أيها السالك طريق الحق ما ذا ترى من الوحدة والكثرة
جمعا وفرادى فان كنت ترى جهة الوحدة فقط فأنت مع
الحق وحده لارتفاع الكثرة اللازمة عن الخلق وان كنت ترى الكثرة فقط فأنت مع
الخلق وحده وان كنت ترى الوحدة في الكثرة محتجبه والكثرة في الوحدة
مستهلكه فقد جمعت بين الكمالين وفزت بمقام الحسنيين والحمد لله ذي
العظمة والكبرياء وله الأسماء الحسنى



(1) حكى ان القاضي عبد الجبار المعتزلي صادف الشيخ ابا اسحق الأسفرايني الأشعري
في بيت صاحب بن عباد فقال القاضي تعريضا بالشيخ سبحان من تنزه عن الفحشاء وقال الشيخ في
الحال سبحان من لا يجرى في ملكه الا ما يشاء وقد جمع الفقرتين المصنف من اخذ الجمع واطرح
الطرح وإياك والقدح والجرح س ره.
367
فصل [34]
في ذكر (1) نمط آخر من البرهان على أن واجب الوجود فردانى
الذات تام الحقيقة لا يخرج من حقيقته (2) شئ من الأشياء
اعلم أن واجب الوجود بسيط الحقيقة غاية البساطة وكل بسيط الحقيقة
كذلك فهو كل الأشياء فواجب الوجود كل الأشياء لا يخرج عنه شئ من الأشياء
وبرهانه على الاجمال انه لو خرج عن هويه حقيقته شئ لكان ذاته بذاته
مصداق سلب ذلك الشئ والا لصدق عليه سلب سلب ذلك الشئ إذ لا مخرج
عن النقيضين وسلب السلب مساوق للثبوت فيكون ذلك الشئ ثابتا غير
مسلوب عنه وقد فرضناه (3) مسلوبا عنه هذا خلف وإذا صدق سلب ذلك الشئ



(1) هذه مساله غامضه مذكوره في أكثر كتبه حتى مختصراته كالعرشيه والمشاعر قل من
يهتدى إليها الا أرسطو باعتقاد المصنف قدس سره وما عندي ان كثيرا من العرفاء اهتدوا إليها
حتى اصطلحوا في التعبير عنها بمقام التفصيل في الاجمال كما لا يخفى على متتبع في كلامهم
ومن محسنات هذه المساله ان أحد المخالفين في غاية الخلاف صار دليلا على الاخر فان غاية البساطة
والوحدة اقتضت ان يكون هو الكل الذي في غاية الكثرة التي لا كثره فوقها وهذا كما قد
يكون ما هو مناط الشبهة بعينه مناط الدفع كما في الشبهة الثنوية والدفع الذي تفاخر أرسطو به
وقد قال بعض العرفاء عرفت الله بجمعه بين الاضداد ومسئلتنا هذه أحد مصاديقه ثم اعجوبه أخرى
ما قالوا بسيط الحقيقة كل الأشياء وليس بشئ منها اي ليس بشئ ء من حدودها ونقائصها وعند
العالم المحقق المدقق لا عجب في هذه المضادات إذ لا مضاده حقيقة وبالحقيقة هذه المساله قوله
تعالى الله بكل شئ عليم س ره.
(2) واما ماهية السرابيه بما هي سراب والحد والنقص فهو خارجه عن حقيقة ما هو حقيقة
الحقائق وليست داخله فيه بالسلب البسيط التحصيلى المنقضى الموضوع
أو نقول فيكون ذلك الشئ ثابتا غير مسلوب عنه وهو المطلوب فيكون التقرير
بطريق الدليل المستقيم وعلى ما ذكره قدس سره التقرير بطريق دليل الخلف وكلاهما
مستقيم س ره.
(3) وبعبارة أخرى من الوجود والعدم من الواجب والامتناع وبعبارة أخرى من الوجدان
والفقدان.
ان قلت العدم ونظائره ليست بشئ ء فكيف التركيب.
قلت أولا منقوض بأنه لو تركب الواجب من ماهية ووجود لحكم العقول بأنه يلزم تركبه
من شئ وشئ والحال ان الماهية أيضا ليست بشئ أعني شيئية الوجود.
وان قلتم ان الماهية وان ليس لها شيئية الوجود لكن لها شيئية نفس الماهية وهذه أيضا
شيئية كما مضى قبيل ذلك.
قلنا مثله في شيئية العدم وكما أنه لو لم يعتبر شيئية الماهية لم يكن الممكن زوجا ولم يتحقق
القابلية والمقبوليه ولا استماع امر كن ولا جنه ووقايه للحق تعالى ولا غير ذلك من الاحكام العرفانيه
والحكميه كما مر كذلك لو لم يعتبر شيئية العدم لم يتحقق الامكان ونظائره فإنه إذا لم يعتبر فما
الذي يساوى مع الوجود في الممكن أو يسلب ضرورته في الممكن الخاص أو العام وكفاك قولهم
الشئ اما وجود واما ماهية واما عدم بل العدم ونظائره قد تكون خارجيه وقد تكون ذهنية اي
يكون الخارج ظرفا لنفسه لا لوجوده حتى يلزم التهافت وثانيا نقول شر التراكيب هو التركيب
من الوجود والعدم ومن الايجاب والسلب إذا كان السلب سلب الكمال لا سلب النقص لأنه سلب
السلب فيرجع إلى الاثبات بل لا تركيب الا هو إذ التركيب يستدعى سنخين وإذا كان لاحد الشيئين
ما يحاذيه ولا يكون للاخر تحقق السنخان واما إذا كان لكل ما يحاذيه والوجود ما به الامتياز فيه
عين ما به الاشتراك فلم يكن التركيب حينئذ والتركيب من الوجود والماهية أيضا يرجع إلى اعتبار
الوجود والعدم س ره.
368
عليه كانت ذاته متحصله القوام من حقيقة شئ ولا حقيقة شئ فيكون فيه
تركيب ولو بحسب العقل بضرب من التحليل وقد فرضناه بسيطا هذا خلف.
وتفصيله (1) انه إذا قلنا إن الانسان ليس بفرس فسلب الفرسية عنه لا بد



(1) لما بنى في الاجمال على أن حيثية السلب يكون غير حيثية الاثبات ليلزم التركيب ولم
يتعرض لشق الاخر وهو ان يكون السلب بعينها حيثية الايجاب حتى لا يلزم التركيب تعرض
لابطاله في التفصيل ولكن مع هذا عازه شق آخر فان التفصيل في المقام ان يقال حيثية السلب
أو المحكى عنه به أو المصحح لصدقه أو ما شئت فسمه اما عين حيثية الايجاب أو غيرها وقد
ابطلهما واما لا حيثية له أصلا وهو الأظهر لان السلب لا يستدعى موضوعا ويصدق مع
انتفاء الموضوع.
والجواب ان الكلام في الموضوع الموجود والسلب البسيط عند وجود الموضوع يساوق
الايجاب العدولى والموجبه السالبه المحمول ويؤول اليهما والمصنف قدس سره كرر الإشارة
اليه منها التعبير بلا فرس ومنها ما هو هو من الصريح قوله إذ ليس سلبا بحتا وقوله وكل مصداق
لايجاب سلبه محمول..
ان قلت انتزاع المفاهيم المختلفة من وجود واحد يجوز فلم لا يجوز كون حيثية واحده
مصداقا للانسانية واللافرسيه مثلا
قلت نعم يجوز إذا لم يكن بين المفاهيم تعاند كالوجود أو الوحدة والتشخص والعلم
والقدرة ونحوها واما إذا كان فلا كالعلية والمعلولية والمحركية والمتحركية والايجاب
والسلب س ره.
369
وأن يكون من حيثية أخرى غير حيثية الانسانية فإنه من حيث هو انسان انسان
لا غير وليس هو من حيث هو انسان لا فرسا والا لكان المعقول من الانسان بعينه
هو المعقول من اللافرس ولزم من تعقل الانسانية تعقل اللافرسيه إذ ليست سلبا
محضا بل سلب نحو خاص من الوجود وليس كذلك فانا كثير ما نتعقل ماهية
الانسان وحقيقته مع الغفلة عن معنى اللافرسيه ومع ذلك يصدق على حقيقة الانسان
انها لا فرس في الواقع وان لم يكن هذا الصدق عليها من جهة معنى الانسان بما هو
معنى الانسان فان الانسان ليس هو من حيث هو انسان شيئا من الأشياء غير
الانسان وكذا (1) كل ماهية من الماهيات ليست من حيث هي هي الا هي ولكن
في الواقع غير خال عن طرفى النقيض بحسب كل شئ من الأشياء غير نفسها
فالانسان في نفس ذاته اما فرس أوليس بفرس وهو اما فلك أو غير فلك وكذا
الفلك اما انسان أو غير انسان وهكذا في جميع الأشياء المعينة فإذا لم يصدق
على كل منها ثبوت ما هو مباين له يصدق عليه سلب ذلك المباين فيصدق على ذات
الانسان مثلا في الواقع سلب الفرس فتكون ذاته مركبه من حيثية الانسانية
وحيثية اللافرسيه وغيرها من سلوب الأشياء فكل مصداق لايجاب سلب محمول
عنه عليه لا بد وأن يكون مركب الحقيقة إذ لك ان تحضر صورته في الذهن وصور
ذلك المحمول مواطاه أو اشتقاقا فتقايس بينهما وتسلب أحدهما عن الاخر فما (2)



(1) المراد بالماهية معناها الأعم اي ما به الشئ هو هو حتى يشمل حقيقة الوجود كما
نحن بصدده س ره.
(2) ان قلت الكلام في أن الانسان ليس بفرس مثلا لا ان الانسان ليس بانسان فما وجه قوله
فما به الشئ هو هو غير ما يصدق عليه انه ليس هو
قلت لما كان المراد سلب الشئ بما هو حقيقة وبما هو وجود وموجود لزم ما ذكره قدس سره
البتة لان وجود الانسان ووجود الفرس واحد لا اختلاف شخصي بينهما أعني بين الوجودين فضلا عن
اختلاف نوعي كما مر في أوائل الكتاب وفيما نحن بصدده أعني الوجود الصرف المسلوب موجود
بما هو موجود هذا الزم كما لا يخفى على الفطن وقد تعرض المصنف قدس سره لهذا الجواب في كتابه
المسمى باسرار الآيات بقوله ويستحيل ان يكون المعقول من السلب نفس المعقول من الايجاب
وإن كان كل منهما مضافا إلى شئ فان المضاف عليه معناه خارج عن معنى المضاف والإضافة
والتخصيص به تخصيص بأمر خارج والتخصيص بالامر الخارج لا يغير حقيقة الشئ في نفسها فاذن
لو كان معنى ثبوت ا بعينه معنى سلب ب لكانت طبيعة الثبوت بعينها طبيعة السلب فيكون الشئ غير نفسه
وهو محال انتهى س ره.
370
به الشئ هو هو غير ما يصدق عليه انه ليس هو فإذا قلت ليس بكاتب فلا
يكون صوره زيد بما هي صوره زيد ليس بكاتب والا لكان زيد من حيث هو زيد
عدما بحتا بل لا بد وأن يكون موضوع هذه القضية اي قولنا زيد ليس بكاتب مركبا
من صوره زيد وامر آخر عدمي يكون به مسلوبا عنه الكتابة من قوه أو استعداد أو امكان
أو نقص أو قصور واما الفعل المطلق فحيث لا يكون فيه قوه والكمال
المحض ما لا يكون فيه استعداد والوجوب البحت والتمام الصرف ما لا يكون
معه امكان أو نقص أو توقع فالوجود المطلق ما لا يكون فيه شائبه عدم الا ان
يكون مركبا من فعل وقوه وكمال ونقص ولو بحسب التحليل العقلي (1) بنحو
من اللحاظ الذهني وواجب الوجود لما كان مجرد الوجود القائم بذاته من غير
شائبه كثره وامكان أصلا فلا يسلب عنه (2) شئ من الأشياء الا سلب السلوب



(1) كتحليل الممكن بالماهية والوجود وتحليل النوع البسيط إلى الجنس والفصل
والتركيب التحليلي أيضا محذور شديد لان العقل الذي يحكم بأنه لا يجوز في الواجب بالذات شئ
وشئ كيف يسوغ التحليل أم كيف لا يعده محذورا وهذا هو التركيب المدلول عليه بقولهم كل ممكن
زوج تركيبي س ره.
(2) ان قلت لفظ السلب مستدرك قلت الاستثناء مفرغ والتقدير فلا يسلب عنه شئ سلبا
الا نحو سلب السلوب فالمستثنى منه مفعول مطلق ورأيت في نسخه زيادة ان بعد الا وحينئذ
لا اشكال أصلا س ره.
371
والاعدام والنقائص والامكانات لأنها أمور عدميه وسلب العدم تحصيل الوجود فهو
تمام كل شئ وكمال كل ناقص وجبار كل قصور وآفه وشين فالمسلوب عنه
وبه ليس الا نقائص الأشياء وقصوراتها وشرورها لأنه خيرية الخيرات وتمام الوجودات
وتمام الشئ أحق بذلك الشئ وآكد له من نفسه واليه الإشارة (1) في قوله تعالى وما
رميت إذ رميت ولكن الله رمى وقوله تعالى وهو معكم أينما كنتم وقوله تعالى هو
الأول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم
فصل [35]
في أن الامكان وإن كان متقدما على الوجود كما مر وكذا القوة وان
كانت متقدمه على الفعل بالزمان فشئ منهما ليس من الأسباب
الذاتية للوجود
فنقول أولا الامكان امر عدمي كما مر والأمور العدميه غير صالحه للسببيه
والتأثير فلا يصلح الامكان لان يكون سببا ولا جزء من السبب وذلك لان سبب
الشئ ما يفيد ثبوت شئ والمفيد للثبوت لا بد وأن يكون له تعين وخصوصيه
باعتبارها يتميز بسببيه شئ عن غيره والا فكونه سببا ليس أولى من كون غيره
سببا وكل ما له في ذاته تعين وخصوصيه فهو ثابت فاذن كل سبب فهو ثابت وبعكس
النقيض كل ما ليس بثابت فإنه لا يكون سببا وبهذا البيان يتبين انه لا يمكن ان يكون
جزء سبب لان جزء السبب سبب لسببيه السبب ويعود إلى ما ذكرناه أولا فاعتبار
الامكان ولا اعتباره واحد كسائر السلوب الغير المتناهية وان كانت لازمه لذات المؤثر.
الحجة الثانية ان الامكانات في الممكنات اما ان يكون تباينها في العدد فقط
أو هي متباينة في الماهية فإن كان تباينها بالعدد فقط استحال ان يكون امكان شئ
عله لوجود شئ لتساوى افراد طبيعة واحده في الأحكام الثابتة لبعضها لذاته فلا



(1) الاتيان الأوليان في الوحدة في الكثرة اظهر منهما في الكثرة في الوحدة والثاني
هو مساله بسيط الحقيقة كل الأشياء لا الأول كما ذكرناه سابقا س ره.
372
يكون استناد التأثير إلى بعض الامكانات أولى من استناده إلى غير ذلك البعض
فيلزم ان يصدر من كل واحد من الامكانات مثل ذلك المعلول مثلا إذا جعلنا امكان
وجود الفاعل عله لوجود الفلك وجب ان يصدر من امكان كل موجود فلك وان
لا ينتهى الأفلاك بل يصدر من كل فلك فلك إلى لا نهاية واما الشق الثاني فهو باطل
في نفسه لأنه مقابل للوجوب وهو معنى واحد ونقيض الواحد (1) واحد ولأنه يصح
تقسيمه إلى امكان الجوهر وامكان العرض ثم امكان الجوهر يصح تقسيمه إلى
امكان الجسم وامكان غير الجسم ومورد القسمة لا بد ان يكون مشتركا ولان
المعقول من الامكان في جميع الافراد امر واحد والاختلاف وقع في أمور خارجه عن
مفهومه وهذا يوجب كونه ماهية نوعيه لا يختلف الا بالخارجيات ولأنه امر عدمي
كما مر والاعدام لا تمايز بينها بالذات فثبت بالبرهان القاطع ان الامكان غير مؤثر
في وجود شئ سواء ا كان في وجود (2) موضوعه أو في وجود امر مغاير لموضوعه.
برهان آخر لو كان الامكان مؤثرا في شئ لكان مؤثريته اما بمشاركه من
موضوعه أو لا فإن لم يكن بمشاركه الموضوع فذلك ممتنع لان البرهان قام على أن
ما كان غنيا في فعله عن شئ كان غنيا في ذاته عن ذلك الشئ فإذا كان كذلك
كان الامكان جوهرا مفارقا هذا خلف وان كانت مؤثريته بمشاركه من موضوعه
فيكون الامكان جزء من المؤثر وجزء المؤثر مؤثر في مؤثريه ذلك المؤثر فذلك
التأثير (3) أيضا اما ان يكون بمشاركه الموضوع أو لا بمشاركته والثاني محال



(1) يمكن المناقشة فيه بان الامكان الذي للماهية هو مجموع سلبين لا سلب واحد حتى
يناقض مسلوبه واخذ السلبين وصفا واحدا للماهية أعني اتصافها بسلب ضرورة الطرفين لو اخذ
وصفا ثبوتيا كان عدولا لا تحصيلا ونقيض الوجوب هو السلب التحصيلى لا العدولى ولو فرض بقاؤه
على التحصيل كان وحده السلب بحسب اللفظ فقط وهو في الحقيقة سلبان ط مده.
(2) فمن فروع الأول وجود العلة التامة البسيطة وهو عله الصادر الأول ومن فروع الثاني
توحيد الافعال كما مر نقلا عن بهمنيار.
(3) فيه أولا انه منقوض بكل ما هو جزء المؤثر مما هو متفق عليه غير الامكان وثانيا
ان مؤثريته في المؤثرية تأثير في القوام والاحتياج تالفى والغناء في الفعل المستلزم للغناء في الذات
المستلزم للجوهريه والتجرد انما هو الغناء في التأثير الوجودي واحتياج المتأثر احتياج في الوجود
والتشبيه بما مر ليس في موقعه وثالثا ان المؤثرية اعتبارية فمشاركه الموضوع بجزء المؤثر في
المؤثرية بعين مشاركه له في تأثيره في التأثر الأول بلا تأثير مستأنف ولا مشاركه مستانفه فهذا
البرهان مغالطة س ره.
373
كما مر والأول مستلزم لان يكون ذلك الامكان جزء من هذا المؤثر وننقل الكلام اليه
وهكذا إلى غير النهاية وهو محال بلا شبهه لأنه تسلسل في العلل المترتبة المجتمعة
فان قلت فكيف ذهبت الحكماء إلى أن امكان العقل الأول مبدء صدور
الفلك وامكانات العقول مبادى الأجسام الفلكية فانتهضت الفرصة لأعداء الحكماء
من ذلك حتى قال بعضهم في مثل هذا المقام فظهر ان الذي يقال من أن امكان
العقل الأول عله للفلك الأقصى ووجوبه للعقل الثاني هذيان لا يليق بالعوام فضلا عمن
يدعى التحقيق.
أقول معنى تأثير الامكان في شئ يرجع إلى مثل قولهم عدم العلة عله لعدم
المعلول وكما أن ذلك القول ليس معناه ان للعدم تأثيرا في الواقع بل إنه متى
عدمت العلة لم يوجه المعلول فكذلك مرادهم من كون الامكان سببا للفلك ان
العقل لكون وجوده موصوفا بنقص امكاني لا يصدر (1) عنه ما يصدر الا امرا
ناقص الوجود كالجسم فبالحقيقة الوجود سبب الوجود والعدم سبب العدم بالمعنى
الذي اومانا اليه فلم يلزم كون العدمي سببا للامر الوجودي بالذات بل على هذا
الوجه اي بالعرض وكذا الكلام في امكان الماهية وفي الامكانات الاستعدادية
فإنها ليست مؤثره في وجودات الأشياء مبدعة كانت أو كائنه اما كون الامكان غير



(1) وبعبارة أخرى وجود العقل الأول بما هو نور أو بما هو مضاف إلى الله تعالى منشا
للنور الذي هو العقل الثاني وبما هو مشوب بظلمه الامكان أو بما هو مضاف إلى
نفسه عله للفلك الأقصى فبالحقيقة المنشأ والعلة في كلا المقامين هو الوجود باعتبارين س ره.
374
مؤثر في شئ فقد مضى بيانه واما كون القوى الاستعدادية غير مؤثره في شئ
فلان تأثيرها إن كان بلا شركه المادة الجسمانية كانت مستغنيه في تأثيرها
عن المادة فتكون مجرده الوجود عن المادة لما سبق ان الغنى في الفاعلية
عن شئ غنى في الوجود عنه لان الموجودية جزء من الموجديه والمفروض خلافه وهذا
محال وان كانت المادة شريكه لها في التأثير وشان المادة القبول والانفعال لا التأثير
والايجاب والشئ الواحد لا يمكن ان يكون له نسبه إلى شئ بالوجوب والامكان
فالماده تستحيل أن تكون فاعله ولا شريكه للفاعل فالقوى (1) الجسمانية (2)
على الاطلاق فضلا عن الاستعدادية يمتنع أن تكون مؤثره في الوجود واما معنى
كون امكان الماهية سببا لوجودها فمعناه ان كلا من الوجوب والامتناع يخرج
الشئ عن أن يكون قابلا لتأثير المؤثر فيه والامكان لا يخرجه عن قابلية التأثير
ولا يمنعه عن ذلك فمرجع الامكان زوال مانع الفاعلية والتأثير في شئ فالامكان
مصحح لكون الماهية قابله للوجود والعدم بهذا المعنى واما معنى كون الاستعدادات



(1) الذي تفيده العلة الفاعلية في المعلول هو ما فيه من جهة الفعلية غير أن المعلولات
الجسمانية المادية ليست ببسائط ممحضه في الفعلية ففيها جهات من القوة والنقيصه هي المستندة
إلى المادة فماده الفاعل تعينه على وصفه من معلوله وقصور اثره عن الشمول لغيره كما أن مادة
المعلول تعينه على قبول الأثر وتمنعه عن كماله ومحوضته هذا فقصور مادة الفاعل عن التأثير
والايجاب انما يمنعه عن مشاركه الفاعل في فعليه المعلول واما اعانه الفاعل على الوضع وقصوره
عن تمحيض الأثر فلا وكان هذا هو المراد من نفى فاعليه الجسمانيات في أمثالها واما أصل الفاعلية
في الجملة فلا طريق إلى نفيه عنها فانا لا نشك في وجود العلة الفاعلية وقد أثبتناه في المجردات ولولا
انا انتقلنا في ذلك إليها من مشاهدتها في العالم الطبيعي المشهود لم يكن سبيل إلى اثباته كما
انا أثبتنا العلية والمعلولية بين الطبيعة وبين ما وراء ها من طريق الحصول على قانون العلية والمعلولية
في الطبيعيات كيف وهم ينسبون خواص الأنواع إلى صورها النوعية والحركات على فواعلها
وانما ينفون فاعليه الأجسام بالنسبة إلى الهيولى والصور الجوهرية ط مده.
(2) اي القوى الجسمانية التي هي قوى فعليه يمتنع أن تكون فواعل الهيه وان كانت فواعل
طبيعية فكيف يكون القوى الانفعاليه فواعل الهيه اي مفيده الوجود س ره.
375
والامكانات القريبة والبعيدة أسبابا للوجود وهو ان في عالم الاستعدادات توجد
صور متضاده متفاسده وتلبس المادة ببعضها يمنع عن وجود بعض آخر وقبول
المادة إياه وهذا المنع في بعضها أقوى وفي بعضها أضعف فكون المادة مصوره بالمائيه
يبعدها عن قبول الصورة النارية وكونها هواء ا يقربها من قبول النارية ثم كلما
كانت صورتها الهوائية أشد سخونة صارت مناسبتها للناريه أقوى وهكذا إلى أن
يصير بحيث يستوى نسبتها إلى الطرفين اي الهوائية والنوريه فيكون فيها
امكان لهما فإذا اشتدت السخونة بحيث تزيد سخونتها عن سخونة الهواء صار
استعدادها لقبول النارية أقوى من استعدادها لقبول الهوائية فحينئذ قبلت النارية
فصارت نارا صرفا فالامكان الاستعدادي مرجعه زوال المانع والضد اما بالكلية
وهو القوة القريبة أو بالبعض وهو القوة البعيدة ا لا ترى ان المزاج مع أنه كيفية
وجوديه من باب الملموسات يقال له انه استعداد لوجود الصورة الحيوانية أو النباتية
أو الجمادية اي امكان لها وذلك لان تضاد الصور بكيفياتها الصرفة مانع عن قبول
صوره كمالية فكلما زال صرافه كيفياتها وانهدم جانب تضادها كان قوه قبول المادة
لكمال آخر أقوى حتى إذا تم استعدادها للكمال الأقصى وهو بصيرورتها بحيث كأنها
زالت عنها تلك المتضادات قبلت من الكمال ما قبلتها المادة الفلكية الخالية عن
الصور والهيئات المضاده أعني النفس الناطقة لان المبدء الاعلى فياض دائما والمادة
قد زال عنها المانع فقبلت لا محاله فالامكانات القريبة والبعيدة مصححات (1)
للقابليه لان معناها يحصل عند ارتفاع الموانع وزوال الاضداد فقد ثبت وتحقق ان
الامكانات والقوى وكذا الاعدام (2) كلها ليست مؤثرات في وجود شئ من الأشياء



(1) يشير بلفظ التصحيح إلى دفع دخل وهو انا سلمنا ان القوة لا تقتضى وجود المقوى عليه
لكنها أفاضت تهيؤ المادة وقبولها وعاد الاشكال بعينه والجواب ان المراد بذلك ان القوة
واسطه في العروض دون الثبوت فافهم ط مده.
(2) اشاره إلى مساله أخرى هي ما قالوا إن العدم من المبادى للكائنات وما قال
ارسطاطاليس ان العدم أحد الرؤس الثلاثة للكائن والاخران هما المادة والصورة فتوجيهه انه لولا
العدم اي تخليه المادة عن الصورة السابقة لا يتحقق هذه الكائنة س ره.
376
أصلا وانما هي معدات لصلوح القوابل والمواد كما علمت فان كل كائن في عالمنا
هذا لا بد من سبق العدم عليه وجعله من الأسباب معناه تخليه المادة عن الصورة
السابقة ليمكن قبولها اللاحقة وكذا الأمور (1) التدريجيه لذواتها كالزمان وحركه
وما يستلزمهما لا بد في حدوث كل من افرادها من زوال ما وجد منها بالفعل وكذا
حكم المتصلات القاره والتعليميات في أن حضور كل جزء أو جزئي منها في مكان
يستلزم زوال الاخر وغيبته عن ذلك المكان لنقص وجودها عن قبول الاستيعاب فصل [36]
في أن القوى الجسمانية لا تفعل ما تفعل الا بمشاركه الوضع
لما ثبت وتحقق ان المفتقر في وجوده إلى شئ مفتقر اليه في فعله فقد ثبت
هذا المطلب بالقوة القريبة من الفعل وذلك (2) لان المادة وجودها وجود وضعي
وكذلك كل ما يتقوم وجوده بالمادة يكون وجوده وجود امر ذي وضع ولو بالتبع
فيكون فاعليته أيضا بحسب الوضع أعني فاعليه ذات وضع ولو بالتبع فما لا وضع
لفاعل جسماني بالقياس اليه لم يفعل فيه.



(1) هذا بيان آخر لكون العدم من المبادى والفرق بينه وبين الأول ان العدم هاهنا كمبادى
القوام وهناك كمبادى الوجود وأيضا هاهنا العدم مجامع وهناك العدم مقابل ويزيد المقام ايضاحا
وقوع حركه في الجوهر وعندي توجيه آخر وهو انه لولا العدم لم يتحقق الامكان لأنه تساوى
الوجود والعدم والامكان من المبادى لأنه عله الحاجة بل نقول لو لم يعتبر العدم الذي في مراتب
الوجود سوى الوجود الواجب بالذات المحيط بكل وجود لم يتحقق المراتب وعلمت ان كل مرتبه من
الوجود سوى مرتبه فوق التمام وان لم يتركب من مادة وصوره أو جنس وفصل أو نوع وشخص الا
انها مركبه من وجود وعدم أو وجدان وفقدان لمرتبه فوقها إذ ليست بسيطه الحقيقة بقول مطلق س ره.
(2) اي الهيولى المجسمة كما هو أكثر اطلاقات لفظ المادة واما الهيولى فمعلوم ان وجودها
ليس وضعيا لان الوضع متأخر عنها بمرتبتين س ره.
377
وان أردت زيادة شرح فنقول كل قوه تقتضى اثرا وفعلا فلا يخلو اما ان
يكون تأثيرها مختصا بمحل معين حتى يكون (1) تأثيرها في غير ذلك المحل مترتبا على
تأثيرها في ذلك المحل حتى يكون كلما هو أقرب اليه كان أولى بقبول ذلك الأثر واما ان
لا يكون كذلك فلا يكون تأثيرها في محل مترتب على تأثيرها في محل آخر مثال الأول
القوة النارية فان تأثيرها مختلف بحسب القرب والبعد لما اثرت فيه بالقياس إلى محلها
فكلما كان أقرب اليه كان وصول السخونة اليه أشد واقدم فالقوة متى كانت كذلك نعلم أن
لها تعلقا بذلك الجسم ما لاحتياجها في ذاتها إلى ذلك الجسم مثل القوة النارية
واما لاحتياجها في فاعليتها اليه لا في ذاتها مثل النفوس فعند ذلك صح القول بأنها
تفعل بمشاركه الوضع واما القوة التي لا يتوقف تأثيرها في فعلها الا على كون ذلك
الفعل ممكن الحدوث في ذاته ويكون افاضته غير مختصه بشئ دون شئ
من الأجسام وجب ان لا يكون لتلك القوة تعلق بشئ من المواد لا في فعلها ولا في ذاتها بل
كانت غنيه عن الأجسام من كل الوجوه فيكون من المفارقات العقلية.
وعند هذا التحقيق (2) يظهر ان القوى الجسمانية يمتنع ان يكون لها
تأثير في وجود المجردات ولا في صفاتها لان القرب والبعد ما لا حيز له ولا وضع ممتنع
وإذا ثبت هذا ثبت ان القوة الجسمانية لا تأثير لها في وجود الهيولى والصورة المقومة



(1) التأثير في الموضعين ليس بمعنى واحد فان تأثيرها في الغير انها فاعل طبيعي له وفي
مادة نفسها انها واسطه يمر عليها فيض ما هو فوقها أولا وذلك بدليل قوله في آخر الفصل بل هي
شرط لقبوله ما تقبل من لوازم تلك القوة وبهذا القدر من التوسيط لا يلزم عليه تعطيل القوى
والطبائع س ره.
(2) إلى قوله وليس لقائل شروع في ذكر بعض فروع هذا الأصل فذكر منها ثلاثة
أحدها عدم حصول المجرد كالنفس من القوى الفعلية الجسمانية فضلا عن القوى الانفعاليه وثانيها عدم
حصول الهيولى عنها حيث لا تقبل الوضع أيضا تلك من جلالتها وهذه من خستها إذ كادت ان تلتحق
بالعدم والعدم لا يقبل الوضع وثالثها عدم حصول الصورة الجسمية عنها لحاجتها إليها في الوجود
والايجاد ولا يمكن الوضع للقوى بالنسبة إلى محالها س ره
378
فلا يكون لها تأثير في وجود شئ من الأجسام.
وليس لقائل ان يقول فكما لا تأثير للجسمانى في المجرد لأنه لا وضع له
بالنسبة اليه فكذلك يجب ان لا انفعال ولا تأثر للجسمانى عن المجردات إذ لا وضع
لها بالنسبة إليها فوجب ان لا ينسبوا الاجرام في وجودها إلى شئ من المفارقات.
لأنا نقول (1) يكفي في تحقق تأثير المجرد في شئ كون الأثر في ذاته
ممكنا فمتى تحقق الامكان الذاتي فاض الأثر عنه سواء ا كان الأثر في نفسه ذا وضع
أو لا واما مؤثريه القوة الجسمانية فلا يكفي في تحققها كون الأثر ممكنا فقط بل
وأن يكون محل الأثر له نسبه وضعيه من محل القوة الجسمانية وذلك مستحيل
على المفارق والمادة إذا حدثت فيها صوره أو كمال من الجوهر المفارق كانت هي
المنفعلة بنفسها لا المتوسطة بين المنفعل وبين غيره وهناك لم تكن المادة هي
الفاعلة بل المتوسطة وبين المعنيين فرق.
فان رجعت وقلت ا ليس حدوث البدن عندهم عله لحدوث النفس وهي
من المجردات ولا وضع للبدن بالنسبة اليه.
قلت انك (2) ستعرف كيفية حدوث النفس على البدن وان عله حدوثها
امر مفارق والبدن حامل امكانها بوجه كما (3) سيجئ بيانه فهو شرط على وجه
لفيضان المعلول عن العلة لا انه مؤثر في ذلك وهكذا حال كل محل لما يحل فيه
وكذا كل قوه حاله في محل فإنها غير مؤثره فيه بل هي شرط لقبوله ما يقبل من



(1) لان نسبه المجرد إلى جميع ما تنفعل عنه على السواء وذوات الأوضاع بالنسبة اليه ليست
بذوات الأوضاع ولذا كانت الزمانيات بالنسبة إلى العقول المجردات دهريات كما أن الدهريات
بالنسبة إلى السرمدي في السرمد س ره.
(2) يعنى انها في أول الأمر جسمانية وضعيه وتتحرك جوهرا حتى تصير روحانية وقوله
ان عله حدوثها امر مفارق جواب آخر هو ان البدن بمزاجه من الشرائط لحصولها س ره.
(3) في أواسط سفر النفس س ره.
379
لوازم تلك القوة كما سيعود ذكره إذ لا وضع لكل من المحل والحال بالقياس
إلى صاحبه
فصل [37] في أن الوجود وحده يصلح للعلية والمعلولية
اما الأول فلان غير الوجود لا يكون ذاته مع قطع النظر عن وجوده الأشياء
يتساوى بالنسبة اليه الوجود والعدم فلا يكون في ذاته بحسب ذاته موجودا
فذاته بذاته لا يصلح لان يكون عله لوجود شئ أصلا لا وجود ذاته ولا وجود شئ آخر
فكل ما هو سبب لشئ فلا بد ان يكون لوجوده تأثير في وجود ذلك الشئ
فالوجود صالح للمؤثريه فلو فرض مجردا عن الماهية لكان أولى بالتأثير لان
الماهية ليست شانها الا الامكان والحاجة وقد علمت أن لا تأثير للعدميات في شئ
كما أن القوة المادية لو فرضت مجرده عنها لكانت أولى بالتأثير لخلوصها
عن شوائب النقائص والاعدام على أن ذلك مطلب آخر والذي نحن فيه ان الوجود
صالح للعلية مطلقا.
واما الشك الذي أورده الإمام الرازي وهو ان الوجودات اما ان يكون تباينها
في العدد فقط أو هي متباينة في الماهية فإن كان الأول فاستحال ان يكون وجود
شئ عله لوجود شئ آخر إذ لا أولوية في تقدم بعض افراد طبيعة واحده على بعض
بالذات لأنها متساوية الاقدام في ذلك وإن كان الثاني فهو مستحيل لان الوجود
ينقسم إلى وجود جوهر ووجود عرض ووجود الجوهر ينقسم إلى وجود الجسم
ووجود غير الجسم ووجود العرض ينقسم إلى وجودات الأجناس العرضية ومورد
التقسيم يجب ان يكون معنى واحدا ولان (1) المعقول من الوجود امر بديهي



(1) هذا مغالطة لأنه لا يلزم من وحده هذا وكونه متواطئا تواطؤ المعنون انما يلزم لو كان
هذا ذاتيا لذاك كما يسرى احكام الحيوان الناطق إلى الانسان لكونه حدا له وهذا المفهوم البديهي
غير مقوم لمراتب الوجود كما مر في أوائل هذا السفر س ره.
380
وهذا الامر المعقول قدر مشترك بين الوجودات والاختلافات انما تقع في أمور
خارجه عن هذا المفهوم وكل ما خرج عن هذا المفهوم فهو غير داخل في الوجود بل
خارج ولان الوجودات ان كانت متخالفه الماهيات كانت (1) مركبه من جنس وفصل
فيلزم ان يكون وجود المعلول الأول مركبا فلزم (2) ان يصدر عن العلة الواحدة
أكثر من معلول واحد وهو عندهم باطل.
فأقول ان الأصول السالفة تكفى مؤنه ابطال مثل هذه الانظار الواهيه وقد
سبق ان حقيقة الوجود امر واحد بسيط لكنه مشكك بالاشديه والاضعفيه والتقدم
والتأخر واما كون الوجود صالحا للمعلولية فلان الماهيات غير صالحه للمجعوليه
بذاتها فالذي يصلح لها اما نفس الوجود أو اتصاف الماهية بالوجود لكن الاتصاف
كما علمت من المراتب اللاحقة بالماهية وهو متفرع على وجود الماهية الموصوفة
وقد بينا كيفية هذا الاتصاف فبقي ان المعلول بالذات ليس الا الوجود.
واعترض الإمام الرازي هاهنا بان الوجود ماهية واحده فلو كان تأثير العلة فيه
لكانت عليه صالحه لكل معلول بيانه (3) ان الماء إذا سخن بعد ان لم يكن
مسخنا فتلك السخونة ماهية من الماهيات وحقيقتها في الوجود الفائض عليها من
المبادى المفارقة اما ان يتوقف على شرط أو لا يتوقف فإن لم يتوقف لزم دوام وجودها
لان الماهية قابله والفاعل فياض ابدا فوجب دوام الفيض وان توقفت على
شرط فالمتوقف على ذلك الشرط وجود السخونة أو ماهيتها والأول باطل لان ملاقاة



(1) كأنه لم يقرع سمعه الميز بتمام الذات حتى لا يلزم هذا التركيب كالأجناس العالية
والفصول الأخيرة س ره
(2) لا يلزم ذلك لان وجود العلة مركب على هذا الفرض فيصدر الكثير عن الكثير على أن
الجنس والفصل وجودهما سيما في البسائط واحد فهذه الكثرة كالكثره من الوجود والماهية
في العقل س ره.
(3) قد ذكرناه سابقا في مبحث الجعل النقض بالافراد المتفقه في الماهية النوعية على تقدير
مجعوليه الماهية فتذكر س ره.
381
الماء شرط للبرودة ووجود البرودة مساو لوجود السخونة فليكن ملاقاته شرطا
لوجود السخونة أيضا لان ما كان شرطا لشئ كان شرطا لأمثاله ولو كان كذلك
لوجب حصول السخونة عند ملاقاه الماء لان الماهية قابله والفاعل فياض والشرط
حاصل فيجب حصول المعلول ويلزم من ذلك حصول كل شئ عند حصول كل
شئ فلا اختصاص لشئ من الحوادث بشرط وعلة وكل ذلك باطل يدفعه الحس.
واما الثاني وهو أن تكون الماهية هي المتوقفه على الشرط فهو يستلزم المطلوب
فان الماهية إذا توقفت بنفسها على شرط كانت متوقفه على الغير وكل ما يتوقف
على غيره يستدعى سببا وعلة ولا محاله ينتهى إلى واجب الوجود فظهر ان الماهيات
مجعوله بأنفسها لا بوجودها فقط انتهى كلامه.
أقول قد علمت فساده لان مبناه على أن الوجود ماهية واحده مقولة على
افرادها بالتواطؤ لا بالتشكيك ومع (1) ذلك يلزم عليه ان لا تأثير لوجوده تعالى
في شئ من الأشياء لان وجوده يساوى لوجود الممكنات عنده كما صرح به مرارا
فكل ما يصدر عن وجوده يجوز ان يصدر عن وجود غيره فلا اختصاص له في تأثير
شئ والمؤثر في شئ لا بد وأن يكون له اختصاص بالتأثير والا لكان وجوده كعدمه
وما كان وجوده كعدمه في حصول شئ لم يكن عله له فلم يكن وجود الباري سببا
لشئ تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
ثم ذكر انا بينا فيما مضى انه فرق بين اعتبار وجود السواد مثلا من حيث هو
ذلك الوجود وبين اعتبار موصوفيه ماهية السواد بالوجود وبينا ان الوجود يمتنع
ان يعرض الحاجة من تلك الجهة بل إذا نسبنا ماهية الشئ إلى وجوده فحينئذ يعرض له
الامكان وبسببه يعرض له الحاجة فلا جرم المحتاج هو الماهية في وجودها لا ان المحتاج



(1) ان قلت الإمام الرازي يقول إن له تعالى ماهية.
قلت هذا الايراد إن كان برهانيا فالامر واضح وإن كان الزاميا فنقول عله الموجود
موجوده فلا بد من الوجود لتلك الماهية حتى يؤثر والوجود متواطئى عنده س ره.
382
هو نفس الوجود واما ما قيل إن الماهيات غير معلوله فقد ذكرنا فيما مضى تأويله.
أقول إن هذا الفاضل ومن كان في طبقته زعموا ان المعلول في ذاته لا بد ان
يكون له هويه قبل التأثير وعرض له حاجه زائده على ذاته ثم أفاد العلة وجوده
وليست هذه المعاني متحققه للوجود من حيث كونه وجودا بل للماهية لان نسبتها
إلى وجودها نسبه القابل إلى المقبول والمادة إلى الصورة في ظرف التحليل فلهذا
حكموا بأن اثر العلة هو اتصاف الماهية بالوجود لا الوجود ولم يفقهوا انه لولا
الوجود فمن أين نشات الماهية حتى اتصفت أولا بالامكان وثانيا بالحاجه وثالثا
بالوجوب ورابعا بالوجود وقد بينا كيفية هذه الاتصافات فلا حاجه إلى أن نعيدها
وقد علمت أيضا معنى الافتقار في نفس الوجودات وانها افقر إلى وجود الجاعل من
نفس الماهيات اليه وعلمت معنى الحدوث الذاتي للوجود.
والذي ذكره فيما قبل في معنى كون الماهيات غير مجعوله ان المجعولية
ليست مفهومها وذلك كما يقال في مباحث الماهية ان عوارض الماهية غير ثابته
لها إذا اخذت من حيث هي هي اي من هذه الحيثية ليست ثابته لها لا انها لا يثبت
هي للماهية في الواقع فالماهية مجعوله بمعنى ان المجعولية ثابته لها وغير مجعوله
بمعنى ان المجعولية ليست عين ذاتها.
أقول هذا مراده من التأويل وقد علمت من طريقتنا ان (1) الأول من المعنيين
يؤدى إلى الثاني كما بيناه.
فصل [38]
في أنه لا يشترط في الفعل تقدم (2) العدم عليه
هذا المبحث كالذي في الفصل السابق وإن كان لائقا بان يذكر في مباحث العلة



(1) الأولى ان يقال ثاني المعنيين يؤدى إلى الأول س ره.
(2) اي تقدما زمانيا وكفى في ابطاله لزوم تخلف المعلول عن العلة التامة س ره.
383
والمعلول لكنه يناسب أيضا لمباحث التقدم والتأخر وما يتلوها فنقول ان لهذا
المطلب حيث تعصبت طائفه من الجدليين فيه لا بد من مزيد تأكيد وتقويه فلنذكر
فيه براهين كثيره.
الأول ان العالم اما ان يكون ممكن الوجود دائما أوليس امكانه دائما
الثاني باطل وذلك لان امكانه ان لم يكن دائما لزم كونه ممتنعا بالذات لاستحالة
كونه واجب الوجود لذاته والممتنع لذاته لا ينقلب ممكنا ولان صيرورته ممكن
الوجود اما ان يكون لما هو هو فيلزم ان يكون (1) ممكنا أزلا وابدا أو لامر
خارج وذلك (2) الخارج إن كان دائم الهوية فيكون الامكان دائما أو غير دائم
فالكلام فيه كالكلام في الأول ولان (3) الامتناع الأزلي إن كان لما هو هو امتنع
ارتفاعه لان لوازم الماهيات يستحيل ارتفاعها وإن كان امتناعه لا لما هو هو فهو لامر
منفصل وذلك المنفصل إن كان أزليا واجب الثبوت فيلزم امتناع ارتفاع اثره وان
لم يكن واجب الثبوت فالكلام فيه كالكلام في الأول حتى ينتهى بالآخرة إلى واجب
لذاته ولزم امتناع ارتفاعه.
فان قيل ذلك الامتناع وان استند إلى واجب الوجود لكن تأثيره في ذلك
الامتناع يتوقف على شرط فإذا زال الشرط زال ذلك التأثير.



(1) لان الموصوف بالامكان غير موقت لان العالم ما سوى الله تعالى وهو الماهيات
الامكانية والماهيات المطلقة مرسله عن التوقيت س ره.
(2) على أنه يلزم الامكان الغيري وهو باطل س ره.
(3) وجه ثالث لكون الامكان أزليا بطريق الخلف وهو انه لو لم يكن الامكان أزليا
كان نقيضه وهو الامتناع المقابل للامكان العام أزليا لكنه يستلزم المحذور فإذا كان النقيض باطلا
كان العين حقا وخلاصه الوجود اثبات ازليه الامكان ثم ندعى الاستلزام بين ازليه الامكان وامكان
الأزلية لان الحق تام الوجود قديم الاحسان غنى في الفاعلية والفعل المطلق أيضا يكفيه مجرد
الامكان الذاتي خلافا للمتكلمين إذ عندهم ازليه الامكان لا تستلزم امكان الأزلية كما ستعرف عند
قوله وهاهنا اشكال س ره.
384
فنقول (1) ذلك الشرط إن كان واجبا لذاته امتنع ارتفاعه فامتنع ارتفاع
الامتناع وان لم يكن واجبا عاد الكلام ولا يتسلسل بل ينتهى إلى موجود واجب
الوجود لذاته فثبت انه لا يمكن دعوى امتناع حصول الممكنات في الأزل
وهاهنا اشكال وهو ان الحادث (2) إذا اعتبرناه من حيث كونه مسبوقا
بالعدم فهو مع هذا الشرط لا يمكن ان يقال إن امكانه متخصص بوقت دون وقت
لما ذكرتموه من الأدلة فإذا امكانه ثابت دائما ثم لا يلزم من دوام امكانه خروجه
عن الحدوث لأنا حيث اخذناه من حيث كونه مسبوقا بالعدم كانت مسبوقيته بالعدم
جزء ا ذاتيا له إذ الذاتي للشئ لا يرتفع وإذا لم يلزم من دوام امكان حدوث الحادث
من حيث إنه حادث خروجه عن كونه حادثا بطلت هذه الحجة.
أقول كلامنا ليس في شئ هويته عين التجدد والحدوث بل في ماهية تعرض
لها صفه الحدوث فان كثيرا من الأشياء كاجزاء حركه والزمان يستحيل ان
يكون دائمه فهي ضرورية الحدوث وافتقارها إلى المؤثر من حيث امكانها لكن
امكانها هو امكان هذا النحو من الوجود إذ الوجود الدائم يستحيل عليها فامكانها
لا يكون الا امكان الحدوث وكون الشئ ممكنا انما معناه جواز مطلق الوجود



(1) لعلك تقول من جانبهم ذلك الشرط عدم الحادث اليومى فان كل عدم لكل حادث يومى
أزلي ينقطع بوجوده وما يقال كل ما ثبت قدمه امتنع عدمه معناه كل موجود ثبت قدمه الخ فإذا
زال ذلك الشرط زال الامتناع فأقول هذا مستلزم للدور فان زوال امتناع زيد أو العالم الذي من
جملته زيد فيما لا يزال موقوف على زوال عدم زيد وزوال عدمه موقوف على وجوده ووجوده موقوف
على امكانه وزوال امتناعه وهو الدور المضمر س ره.
(2) اي الحادث بمعنى المتجدد بالذات وحاصل الدفع ان كلامنا ليس في المتجدد بالذات
بل في الماهيات التي يطرء عليها التجدد كالانسان والفرس والبقر وغيرها من الأنواع المحفوظه
بتعاقب الاشخاص ويمكن تقرير الاشكال بوجه اظهر وهو ان الحادث اليومى كزيد البشرى بديهي
الحدوث ومع ذلك امكانه أزلي كما قلتم والدفع بوجه أسهل وهو ان كلامنا في الفعل المطلق
والذي يكفي فيه مجرد الامكان الذاتي وزيد لا بد في وجوده من امكان استعدادي وحامل لامكانه
الاستعدادي ورابط له بالقديم كقطعه من حركه الوضعية الفلكية س ره.
385
عليه لا جواز كل وجود فان الجوهر يستحيل عليه وجود العرض والسواد يستحيل
عليه وجود البياض فالحركة وأمثالها يتسحيل عليها الوجود البقائى.
برهان آخر المحتاج إلى العدم السابق اما ان يكون وجود الفعل أو تأثير
الفاعل فيه والأول محال لان الفعل لو افتقر في وجوده إلى العدم لكان ذلك العدم
مقارنا له والعدم المقارن مناف للفعل ومنافى الفعل يمتنع ان يكون شرطا له
والثاني أيضا محال لان وجود الأثر ينافي عدمه والمنافى لما يجب ان يكون مقارنا
يجب ان يكون منافيا أيضا والمنافى لا يكون شرطا البتة فإذا لا الفعل في كونه
موجودا ولا الفاعل في كونه مؤثرا مفتقر إلى سبق العدم.
برهان آخر ان الحوادث إذا وجدت واستمرت فهي في حال استمرارها وبقائها
اما أن تكون محتاجه إلى المؤثر أو لا تكون فعلى الأول (1) يكون احتياجه إلى
المؤثر أزلا وابدا لامكانها وعلى الثاني اما ان يكون لأجل انها خرجت عن
الامكان أو يكون مع أنها باقيه على امكانها استغنت عن المؤثر ومحال ان يقال إنها
خرجت عن الامكان لان الممكن لذاته لا ينقلب واجبا لذاته بداهه ولان امكان
الممكنات إن كان لذاتها فهي دائما ممكنه الوجود وإن كان امكانها لا لذواتها بل
الامر (2) منفصل فيكون ثبوت الامكان لها ممكنا فيكون (3) لامكانها امكان
منفصل ولامكان امكانها امكان ثالث وذلك يفضى إلى امكانات منفصله لا نهاية لها فثبت



(1) إذ لا حدوث في حال البقاء لان الحدوث هو الوجود بعد العدم والبقاء هو الوجود بعد
الوجود س ره.
(2) وحينئذ يلزم الامكان الغيري أيضا وهو باطل س ره.
(3) لعلك تقول امكان الامكان بنفس ذاته كما أن وجود الوجود بنفس ذاته فنقول امكانه
بنفس ذاته معناه ان ماهيته نفس الامكان فإنه حينئذ ممكن من الممكنات وله ماهية هي الامكان وهذا
لا ينفى الامكان الاخر بل لكل ماهية امكان هو لازمها وثانيا نقول هذا الامكان المنفصل لا بد ان
يكون في الماهيات وهو تصححها للحوق الامكان الآتي من غيرها س ره.
386
انها حال بقائها ممكنه فهي (1) حال (2) بقائها محتاجه إلى السبب لان
الامكان جهة الحاجة.
فان (3) قيل الشئ إذا دخل في الوجود فقد صار أولى بالوجود.
فنقول تلك الأولوية اما أن تكون من لوازم الوجود أو لا تكون من لوازمه
والأول يوجب المحال لأنه إذا تحقق الوجود تحققت الأولوية وإذا تحققت الأولوية
اغنت عن المؤثر وإذا لم يوجد المؤثر لم يتحقق الوجود فإذا وجوده يؤدى إلى
عدمه وذلك محال وان لم تكن من اللوازم بل من العوارض المفارقة كان ذلك محالا
لان تلك الأولوية مفتقره إلى وجود سبب والذات مفتقره إلى الأولوية فالذات
مفتقره إلى وجود سبب الأولوية فلا تكون غنيه عن السبب.
برهان آخر افتقار المعلول إلى العلة اما ان يكون لأنه موجود في الحال أو
لأنه كان معدوما أو لأنه مسبوق بالدم ومحال ان يكون العدم هو المقتضى لأنه
نفى محض لا حاجه له إلى العلة أصلا ومحال ان يكون هو كونه مسبوقا بالعدم
لان كون الوجود مسبوقا بالعدم كيفية تعرض للوجود بعد حصوله على طريق
الوجوب فان حصول الوجود وإن كان على طريق الجواز والامكان لكن وقوعه
على نعت المسبوقية بالعدم حاله ضرورية لأنه يستحيل ان يقع الا كذلك ولا يبعد
ان يكون الشئ في نفسه جائز الوقوع ثم يعرض له بعد الوقوع امر ما على طريق



(1) والا لزم الترجح بلا مرجح وهو محال بالضرورة والاتفاق وانما لم يتعرض للشق الاخر
وهو الاستغناء عن المؤثر مع البقاء على الامكان لان محذور هذا ظاهر س ره.
(2) اي انها حال بقائها متساوية الطرفين تحتاج إلى المرجح فالامكان هو مناط الحاجة
وبهذا التقرير يمكن ان تدفع شبهه المصادره عن صوره البيان ط مده.
(3) ابداء هذا السؤال لاحقاق الاستغناء عن المؤثر في حال البقاء مع بقاء الامكان بمعنى
الجواز والاكتفاء بالحاجه في حال الحدوث ويبطله بعلاوه ما ذكره المصنف قدس سره ان
أولوية طرف لا يحيل المقابل س ره.
387
الوجوب فان الأربعة ممكنه الوجود الا ان كونها زوجا امر واجب لا يعلل
فكذلك وجود الحادث ممكن لكن كون وجوده مسبوقا بالعدم واجب والواجب
غنى عن المؤثر فاذن المفتقر إلى العلة (1) هو الوجود فقط.
برهان آخر للواجب تعالى صفات ولوازم سواء ا كانت (2) اضافيه أو سلبية
كما هي على رأى الحكماء أو حقيقيه وجوديه كما هي (3) عند أكثر المتكلمين
أو أحوالا واعيانا كما هي عند المعتزلة والصوفيه (4) وليس شئ منها واجب
الوجود لامتناع ان يكون الواجب أكثر من واحد فهي ممكنه الثبوت في ذاتها واجبه
الثبوت نظرا إلى ذات الأول تعالى فثبت ان التأثير لا يتوقف على سبق العدم وتقدمه
فلئن قالوا إن تلك الصفات والاحكام ليست من قبيل الافعال ونحن نقول
سبق العدم انما يجب في الافعال.
فنقول هب ان ما لا يتقدمه العدم لا يسمى فعلا لكن ثبت ان ما هو ممكن



(1) ان قلت الكلام فيما به الحاجة والافتقار لا في المفتقر ومثله القول في ما ذكره أولا
من أنه محال ان يكون العدم هو المقتضى الخ.
قلت ما به الحاجة لا بد ان يكون هو المحتاج بالحقيقة فكما
ليس الحدوث ما به الحاجة إذ ليس محتاجا بالحقيقة كما شرحه وشرحته كذلك الامكان لكونه اعتباريا نعم الامكان بمعنى الفقر
والتعلق كذلك فهذا لابطال عليه الحدوث للحاجه لا لاثبات عليه الامكان بمعنى جواز الطرفين
المستعمل في الماهيات بل عليه الامكان بمعنى الجواز لا يجوز عنده كما في الشواهد الربوبية وغيره
الا ان يراد بها الواسطة في الاثبات لا الثبوت س ره.
(2) اما الإضافية المحضة فهي لازمه لا عين الذات لأنها نسب فكيف تكون عين ما هو
عين الأعيان وحقيقة الحقائق واما الصفات السلبية فلان مصداقها الاعدام لا حقيقة الوجود س ره.
(3) بل عند الحكماء المشائين القائلين في علمه تعالى بالصور المرتسمة س ره.
(4) القائلين بان الأعيان الثابتة اللازمة للأسماء والصفات صور علمية تفصيليه للذات
والفرق بين هذه الصور العلمية والصور المرتسمة القائل بها المشاؤن ان الصور المرتسمة لوازم
متأخرة في الوجود عن وجود الملزوم بخلاف الأعيان الثابتة فإنها لوازم غير متأخرة كنفس مفاهيم
الأسماء والصفات س ره.
388
الثبوت لما هو هو يجوز استناده إلى مؤثر دائم الثبوت مع الأثر وإذا كان هذا معقولا
مقبولا فلا يمكن دعوى الامتناع فيه في بعض المواضع اللهم الا ان يمتنع صاحبه
عن اطلاق لفظ الفعل وذلك مما لا يعود إلى فائدة علمية ففي مثل هذه المسائل
العظيمة لا يجوز التعويل على مجرد الاصطلاحات والألفاظ.
برهان آخر لوازم الماهيات معلولات لها وهي غير متأخرة عنها زمانا بل
لوازم الوجودات أيضا غير منفكة عنها لأنا لا نفرض زمانا الا والأربعة زوج والمثلث
ذو الزوايا والنار حاره بل نزيد على هذا ونقول ان الأسباب مقارنه لمسبباتها
مثل الاحتراق يكون مقارنا للاحراق والألم عقيب سوء المزاج أو تفرق الاتصال
بل هاهنا شئ لا ينازعون فيه ليكون أقرب إلى الفرض وهو كون (1) العلم عله
للعالمية والقدرة للقادرية وكل ذلك توجد مقارنه لاثارها غير متراخية عنها
آثارها فعلم أن مقارنه الأثر والمؤثر لا تبطل جهة الاستناد والحاجة.
برهان آخر ان الشئ حال اعتبار وجوده من حيث هو موجود واجب الوجود
وحال عدمه من حيث إنه معدوم واجب العدم وهذا ضرب من الضرورة الذاتية يقال
لها الضرورة بشرط المحمول وفي زمانه والحدوث عبارة عن ترتب هاتين الحالتين
فلو نظرنا إليها واخذنا الماهية من حيث لها هذه الحالة كانت الماهية على كلتا الصفتين
واجبه والوجوب (2) مانع عن الاستناد إلى السبب فالحدوث من حيث هو هو
حدوث مانع عن الحاجة فإذا لم يعتبر الماهية من حيث ذاتها لم يرتفع الوجوب
عنها أعني وجوب الوجود في زمان الوجود ووجوب العدم في زمان العدم فهي باعتبار



(1) فان العالمية والقادرية عندهم من الأحوال المعللة بصفة في الذات ولا يجوز
الانفكاك بينها س ره.
(2) لان الوجوب سنخ واحد فالوجوب الغيري من سنخ الوجوب الذاتي الموجب للغناء
كما أن الوجود الحقيقي سنخ واحد لا اختلاف بين مراتبه الا بالغنا والفقر والتقدم والتأخر ونحوها
لا انها حقائق متباينة فالحدوث مانع عن الحاجة فكيف يكون شرطا لها س ره.
389
ذاتها تحتاج إلى المؤثر فالحدوث من حيث هو حدوث مانع عن الاحتياج فعلمنا
ان المحوج هو الامكان لا غير.
برهان آخر جهة الحاجة لا بد وان لا تبقى مع المؤثر وان كانت قبله والا
لبقيت الحاجة مع المؤثر إلى مؤثر آخر والحدوث (1) هو مع المؤثر كهو لا معه
فلو كان المحوج هو الحدوث لزم المحال المذكور واما إذا كان الامكان جهة
الاحتياج فهو عند المؤثر لا يبقى كما كان فان الماهية مع المؤثر تصير واجبه في
نفس الأثر فعلم أن المحوج إلى المؤثر هو الامكان لا غير.
فهذه عشره براهين في أن ماهية الممكن انما احتاجت إلى السبب لأجل
امكانها واما افتقار نفس الوجودات المعلولة إلى الجاعل فهو لذواتها لا بأمر عارض
لها ونحن مع ذلك قد أقمنا البرهان على أن العالم بجميع ما فيه ومعه حادث زماني
وكذا كل شئ منه كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
واما المخالفون لذلك الأصل فلهم متمسكات واهية.
منها ان ايجاد الموجود وتحصيل الحاصل محال فلا بد (2) ان يتحقق الحاجة



(1) بل المؤثر جالب الحدوث لان الحدوث هو الوجود بعد العدم والوجود حصل بالمؤثر
وكيف لا يبقى الحدوث ولا يصدق على الحادث في مرتبه من المراتب لا في أول حال وجود ولا في
ثاني الحال مقابل الحدوث وكيف يبقى الامكان ويصدق مقابله وهو الوجوب باعتبارين أحدهما اعتبار
الوجود فان حيثية الوجود كاشفه عن حيثية الوجوب.
وثانيهما اعتبار الوجوب السابق وهو سد انحاء عدم المعلول عن العلة بل كما سبق بعد تأثير
المؤثر لا يبقى الامكان في نفس الامر لان الامكان سلب الضرورة ولما كان ارتفاع الطبيعة بارتفاع
جميع الافراد فلا يصدق سلب الضرورة الا بارتفاع الضرورة من جميع مراتب نفس الامر لا بمجرد
ارتفاعها عن مرتبه الماهية من حيث هي.
ان قلت فكيف يكون الامكان لازم الماهية أم كيف يكون الامكان باقيا حاله البقاء حتى
يكون الممكن في البقاء محتاجا أيضا.
قلت هذا باعتبار صدق سلب الضرورة عن المرتبة إذ سلب الضرورة مع كونه ليس بصادق
في مطلق نفس الامر صادق في المرتبة س ره.
(2) نعم ولكن يكفي القبلية بالذات وبالمرتبة ولا يلزم القبلية بالزمان س ره.
390
قبل الوجود.
ومنها انه لو فرضنا موجودين قديمين لم يكن احتياج أحدهما إلى الاخر أولى
من العكس (1) إذ لا مزية لأحدهما على الاخر.
ومنها قد ثبت ان موجد العالم فاعل مختار (2) والقصد والداعي لا يكون ولا
يتعلق الا بالاحداث لأنا نجد من أنفسنا امتناع القصد إلى تكوين الكائن.
ومنها ان البناء إذا وجد استغنى عن البناء والكتابة إذا وجدت استغنت
عن الكاتب.
اما الجواب عن الأول فبالنقض والحل اما النقض (3) فباحتياج القادرية
إلى القدرة والأسودية إلى السواد وغير ذلك واما الحل فتحصيل الحاصل بنفس
التحصيل ليس بمحال بل واجب انما المحال اعطاء الوجود للموجود مره أخرى على أن
ما ذكره مصادره على المطلوب.
اما عن الثاني فكون الشئ عله ليس لأنه قديم حتى لا يكون قديم بالمؤثرية
أولى من قديم آخر كما أن كون الشئ معلولا ليس لأنه حادث حتى لا يكون



(1) ممنوع إذ يجوز ان يكون أحدهما قويا والاخر ضعيفا مع كونهما قديمين بالزمان
فالضعيف محتاج والقوى محتاج اليه لا العكس واعتبر بالشمس وشعاعه إذا كانا قديمين بالزمان س ره.
(2) بنى الفاسد على الأفسد من ذا الذي يقول إنه تعالى فاعل بالقصد وبالداعي الزائد
على ذاته بل الحكماء كما مر بين ان يقولوا انه تعالى فاعل بالعناية وانه فاعل بالرضا والتحقيق
العرفاني يقتضى انه فاعل بالتجلي وان اعتبر القصد اللغوي المرادف للعناية والداعي الأعم من الذاتي
والغيري فلا يختص بالاحداث كيف ويتعلق بالذات الأقدس س ره.
(3) حاصله ان الصفة النفسية في عرف المتكلمين ما به تماثل المتماثلين وما به تخالف
المتخالفين كالأسودية للسواد والانسانية للانسان إذ باتفاق السوادين في الأسودية والانسانين
في الانسانية وبخلاف السواد والحلاوة في الأسودية والحلوية تتحقق المثلية في الأولين والخلاف
في الأخيرين والصفة هي المعنى القائم بالغير في عرفهم فهي معلول ذلك الغير مع كونه موجودا
معه دائما ما دام الذات لأن العقد ضروري ضرورة ذاتية س ره.
391
أحد الحادثين أولى بعلية الاخر من الاخر فلا يكون جعل حركه اليد عله لحركه
المفتاح أولى من عكسها بل كون العلة عله لخصوصية (1) ذاته وحقيقته وهي لما
هي تقتضي التقدم بالذات والعلية كتقدم الشمس على الضوء فالضوء من الشمس
لا الشمس منه واما الشبهة بأنه إذا كان الأمران متلازمين فيلزم من ارتفاع كل
منهما ارتفاع الاخر فلم يكن أحدهما بالعلية أولى من الاخر فقد (2) مر وجه
اندفاعها.
واما عن الثالث فنقول ابتداء القصد والداعي انما هو إلى ابتداء التكوين
واستمرارهما إلى استمراره لا إلى ابتدائه فلو استمر القصد والداعية واستمر تعلقهما
فذلك ممكن ودعوى امتناعه مصادره على المطلوب.
واما عن الرابع فأمثال هذه الفواعل علل للحركات والانتقالات للأجسام من موضع إلى
موضع وليست أسبابا لحفظ الاشكال وثبات الأوضاع وبقائها وانما
علتها القريبة والبعيدة أمور أخرى كما نذكره في مقامها فصل [39]
في أن (3) حدوث كل حادث زماني يفتقر إلى حركه دورية غير منقطعه
واعلم أن العلة التامة للشئ لا يمكن ان يتقدمه بالزمان ولا ان يتأخر عنه



(1) أو يتخلل الفاء وثم بنظر العقل وحكمه بالترتب س ره.
(2) فقد مر بان أحد الارتفاعين كاشف والاخر موجب س ره.
(3) هذه مسالة ربط الحادث بالقديم بمتوسط والمسالة تسمى الداء العياء لاشكاله
والاشكال على المتكلم القائل بالحدوث الزماني لكلية العالم والفعل المطلق في موضعين الأول
في ربط الفعل المطلق بالقديم تعالى شانه حيث إنه تعالى عله تامه لغنائه المطلق وعدم جواز تخلف
المعلول عن العلة التامة فكيف يكون الفعل المطلق فيما لا يزال والفاعل القديم في الأزل مع أن
واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات واما الحكيم فهو في مندوحة من ذلك
والثاني في ربط الحوادث اليومية حيث إنها مستنده إلى الله تعالى والحكيم يقول لا مؤثر في
الوجود الا الله والأشعري أيضا يتبعه في ذلك بل محققوا الملة كلهم يقولون لا حول ولا قوه الا.
بالله العلي العظيم وملخص الحل في الثاني ان عله كل حادث مجموع أصل قديم وشرط حادث
ووجود الشرط الحادث أيضا من الله لان معطى الوجود بقول مطلق ليس الا هو وعمده الأقوال
ثلاثة لم يذكر المصنف واحدا منها.
الأول ان يكون الشرائط هي الأمور المتعاقبة المتواردة على المواد العنصرية مما به
الاستعدادات المختلفة لا إلى نهاية.
والثاني ان يكون الشرائط مراتب الأوضاع السيالة الملكية وابعاض حركه القطعية
الوضعية السماوية.
والثالث ان يكون الشرائط مراتب الطبيعة السيالة الفلكية وابعاض حركه القطعية
الجوهرية الفلكية وهذا هو مذهب المصنف قدس سره واما كيفية استناد وجود الطبيعة السيالة
إلى الثابت القديم عند المصنف قدس سره فهي ما أشار اليه بقوله وتلك الطبيعة الحافظة للزمان
لها وجهان وكذا قوله في آخر المبحث فلا بد من وجود جسم ذي طبيعة متجددة لا تنقطع وأخرى
باقيه عند الله فالطبيعتان كمخروط نور رأسه عند الله وقاعدته عند المادة فراسه يستند إلى القديم
تعالى شانه وبمراتب قاعدته يستند إليها الحوادث الكائنة والطبائع المنقطعة واما نفس سيلانها
فذاتية لا تعلل واما عند القوم فالحركة الوضعية الفلكية باعتبار التوسط حيث إنه امر بسيط ثابت
بالذات متجدد النسب مستند إلى الثابت القديم تعالى وباعتبار ابعاض القطعية مستند اليه
الكائنات س ره.
392
فالحوادث لا بد وأن يكون أسبابها القريبة حادثه إذ لو كانت قديمه لزم من قدم
الأسباب لها قدمها فان كل سبب إذا وجد مع عدم معلوله كان وجود المعلول عند
وجود تلك العلة ممكنا ذاتيا إذ المحال بالذات لا يصير معلولا لشئ فيكون وجود
ذلك المعلول حين ما يوجد مستدعيا لعله زائده إذ فرض أولا عله قد يعدم معها
المعلول وقد يوجد فنسبتها إلى طرفي الوجود والعدم للمعلول نسبه واحده فما
دامت النسبة امكانية يحتاج أحد الطرفين إلى ضميمه وهكذا الكلام مع الضميمة
حتى ينتهى إلى ما يخرج به ماهية المعلول عن الامكان فيجب وجوده مثلا وتمام
التقرير قد عرفت في باب نفى الأولوية الذاتية وغيره فتبين ان السبب القريب
للحوادث أو جزء سببها يكون حادثا معه والكلام فيه كالكلام في الأول ويلزم

393
التسلسل أو الانتهاء إلى حادث ماهيته أو (1) حقيقته عين الحدوث والتجدد كالحركة
أو المتحرك بنفسه كالطبيعة المتجددة بذاتها لكن الطبائع المنقطعة الوجود التي
عدمها في زمان سابق وحركه سابقه مسبوقة بطبيعة أخرى حافظه لزمانها وتلك
الطبيعة الحافظة للزمان لها وجهان وجه عقلي عند الله وهو علمه الأزلي وصوره
قضائه وليس من العالم ولها وجه كونى قدرى حادث في خلق جديد كل يوم لكن
الفلاسفة التزموا التسلسل لعدم عثورهم على هذا الأصل وقالوا هذا التسلسل اما ان
يكون دفعه واما ان يكون بحيث يتقدم البعض منها على البعض والأول باطل كما
سبق في مباحث العلة والمعلول فتعين الثاني قالوا فتلك اما أن تكون حوادث
متفاصلة آنية الوجود وتكون زمانية الوجود والأول يلزم منه تتالى الانات وهو محال
وعلى تقدير جواز تتالى الانات كانت الانات متفاصلة ولا يكون السابق واجب الانتهاء
إلى اللاحق فلا يكون عله وقد فرض كذلك هذا خلف وان كانت زمانية سيالة فهي
الحركة والتحقيق في ذلك أنه إذا حدث في مادة امر لم يكن كصورة انسانية في مادة
منويه فقد حصلت لعله ذلك الامر إلى تلك المادة نسبه لم تكن ولا بد هاهنا من
حركه لتلك المادة توجب قربا بعد بعد كاستحالات في القوة المنوية وانفعالات لها
متصله يقرب بها مناسبتها التي كانت بعيده لتلك الصورة ولعلتها المؤثرة.
وتوضيح هذا المقام ان العلة قد تكون معده وقد تكون مؤثره اما العلة
المعدة فيجوز تقديمها على المعلول إذ هي غير مؤثره في المعلول بل يقرب المعلول
إلى حيث يمكن صدوره عن العلة المؤثرة واما المؤثرة فإنها يجب مقارنتها
للأثر ومرجع العلة المعدة إلى شئ متجدد الوجود متشابك الحقيقة من الانقضاء
والحصول بحيث يكون حصول شئ منه يمتنع الا بعد زوال سابقه مثال ذلك من



(1) سيأتي ان السيلان معتبر في وجودات الطبائع لا في ماهيتها والحقيقة هي الماهية
بشرط الوجود س ره.
394
الحركات الطبيعية ان الجسم الثقيل في سقوطه إلى أسفل لا ينتهى إلى حد من حدود
المسافة الا ويصير ذلك الانتهاء سببا لاستعداده لان يتحرك منه إلى حد آخر والمؤثر
في تلك حركه هو الثقل ولكن لولا الانتهاء للمتحرك بالحركة السابقة إلى ذلك
الحد لاستحال وجود تلك حركه لأنه قبل اللانتهاء إلى ذلك امتنع ان يوجب الثقل
تحريكه من هناك ولما تحرك إلى الحد المذكور صار بحيث يمكن له ان يحركه
الثقل من ذلك الحد وقد كانت هذه حركه ممتنعة الصدور عن الثقل وكانت بعيده
عن العلة ثم لما صارت ممكنه الصدور صارت قريبه وهذا القرب بعد البعد انما
حصل بسبب حركه السابقة فهذا هو المعنى بقولهم حركه تقرب العلل إلى
معلولاتها ومثاله من الحركات الإرادية من أراد ان يمشى في ليله ظلمانية بسبب
ضوء سراج بيده فكلما وطئ بقدمه موضعا من الأرض يراه بنور ذلك السراج وقع النور
على موضع بعده فيطاه وهكذا فالعلة المؤثرة لحصول الضوء في كل موضع من
تلك المواضع هو نور السراج والعلة المعدة المقربة والمبعدة هي المشي وكذا
من أراد ان يمضى إلى الحج فان تلك الإرادة الكلية تكون سببا أصلا لحدوث إرادات
جزئيه مترتبة تكون كل واحده منها مقربا إلى الأخرى فإنه لا ينتهى إلى حد
من حدود المسافة الا وانتهاؤه إلى ذلك الحد وسيله لان يحدث قصد آخر جزئي
إلى أن يتحرك من ذلك الحد إلى الذي يليه والمؤثر في تلك المقاصد الجزئية
المتتالية المؤثرة في الحركات المتوالية هو القصد الكلى وهو مقارن لجميع تلك
الحوادث وإذا عرفت هذا عرفت ان للعلة المؤثرة معيه واحده مؤثره مع جميع
خصوصيات الافراد المتجددة وهي ملاك العلية والايجاد ولتلك الخصوصيات هويات
متقدمه ومتأخرة لذواتها مقتضيه للتقدم والتأخر لا بجعل وتأثير بل الجعل والتأثير
في نفس هوياتها لا في جعل السابق منها سابقا واللاحق منها لاحقا فمنازل سقوط
الجسم الثقيل في المثال الأول كقالب روحه الثقل وكذا انتقالات الضوء على وجه

395
الأرض كقالب روحه نور السراج وغيره والإرادات الجزئية كشخص روحه الإرادة
الواحدة الكلية فكذلك نحن نقول لكل من الطبائع الحادثة افرادها وجزئياتها
سبب قديم أزلي هو الواهب لصورها المتجددة ولكن فيضه في كل فرد مرهون بوقته
موقوف على صيرورة المادة قريبه القوة شديده الاستعداد لقبول ذي الفيض وحصول
ذلك الاستعداد بعد ما لم يكن انما هو بواسطة الحركات والتغيرات بل بواسطة هويات
الصور الجزئية المتعاقبة على المادة لان يستعد المادة بالسابقة منها للاحقة فإذا
لا يمكن ان يوجد شئ من الأشياء الا بواسطة تجدد أمور سابقه مرتبطة بالحادث
فلا غنى عن وجود أمور متسابقة لا أول لها على الاتصال التجددي فلا بد من وجود امر
يحتمل الدوام التجددي على نعت الاتصال كيلا ينقطع الزمان فلا بد من وجود جسم
ذي طبيعة متجددة لا تنقطع وأخرى باقيه عند الله والذي يحتمل الدوام التجددي
من الجواهر الجسمانية هو الجسم البسيط الابداعي والذي يحتمل الدوام من
الاعراض الجسمانية هي حركه الدورية لان باقي الحركات والاستحالات منقطعه إلى
حد فاصل عن غيرها وستعلم ان فاعل هذه حركه امر غير جسماني دائم الشوق
إلى عالم الربوبية من الله مبدؤه والى الله مصيره وهو راكب سفينة فلكية بسم الله مجراها ومرساها.
ثم القسم الثاني من السفر الأول ويليه القسم الثالث وأوله المرحلة السابعة
وبه تمام أول الاسفار من كتاب الحكمة المتعالية في الاسفار الأربعة العقلية لمؤلفة فيلسوف
الشرق ونابغة العصر الحكيم الإلهي المولى صدر الدين محمد الشيرازي قدس الله نفسه
الزكية ونحن نحمد الله على هذا التوفيق ونسئله أن يوفقنا لاخراج باقي أجزاء
الكتاب في القريب العاجل انه ولى قدير.
ونرى من الواجب تقديم الشكر الجزيل والثناء البليغ على من ساهمنا
وساعدنا في طبع الكتاب وتصحيحه من الفضلاء وأصحاب المطبعة راجيا لهم من الله
توفيق الدارين وسعادة النشأتين آمين رب العالمين.
الناشر
(قم چاپخانه قم)

396
على رعم ما بذلنا من الجهد البليغ لاخراج هذا الكتاب بريئا من الأغلاط
الفاحشة لقد تعاونت الأسباب من المطبعة إلى المصحح أن نضع هذه الصحيفة
السوداء في آخره، وربما خفى علينا ما لا يستحق التنبيه... يرجى من القراء تصحيح
الكتاب على هذا الجدول قبل الشروع بالقراءة.

397
/ 1