كشف اللثام (ط.ج) (جزء 8) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

كشف اللثام (ط.ج) (جزء 8) - نسخه متنی

محمد بن حسین فاضل هندی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: كشف اللثام (ط.ج)
المؤلف: الفاضل الهندي
الجزء: 8
الوفاة: 1137
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:
858
كشف اللثام
عن قواعد الأحكام
تأليف
الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسن الإصفهاني
المعروف ب‍ (الفاضل الهندي)
1062 - 1137 ه‍
الجزء الثامن
تحقيق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

1
شابك 5 - 144 - 470 - 964
- - - - - - - - - - - - - -
ISBN 964 - 470 - 144 - 5
كشف اللثام عن قواعد الأحكام
(ج 8)
تأليف: محمد بن الحسن الإصفهاني «الفاضل الهندي» قدس سره
الموضوع: الفقه
تحقيق وطبع: مؤسسة النشر الإسلامي
عدد الصفحات: 540 صفحة
الطبعة: الأولى
المطبوع: 1500 نسخة
التاريخ: 1422 ه‍. ق
السعر: 1750 تومانا
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

2
كتاب الفراق

3
بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب الفراق)
(وفيه أبواب) خمسة:
الباب (الأول في الطلاق)
وهو في الشرع أو عرف أهله اسم لزوال قيد الزوجية بألفاظ مخصوصة.
(وفيه مقاصد) أربعة:
(المقصد الأول في أركانه)
(وفيه فصول) أربعة بعدد الأركان:
(الأول: المطلق)
(ويشترط فيه أمور) أربعة:
(الأول: البلوغ) وفاقا للأكثر (فلا يصح طلاق الصبي وإن كان
مميزا ولو بلغ عشرا) لاستصحاب النكاح والحجر عليه. وقول الصادق (عليه السلام)
في خبر أبي الصباح الكناني: ليس طلاق الصبي بشيء (1). وفي خبر أبي بصير:



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 324 ب 32 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1.
5
لا يجوز طلاق الصبي ولا السكران (1).
(إلا على) قول الشيخ في النهاية (2) وابني حمزة (3) والبراج (4) اعتمادا على
(رواية) ابن أبي عمير عن بعض رجاله عن الصادق (عليه السلام)، قال: يجوز طلاق
الصبي إذا بلغ عشر سنين (5) وقول علي بن بابويه بجواز طلاق الغلام للسنة (6).
وأطلق اعتمادا على رواية ابن بكير عنه (عليه السلام) قال: يجوز طلاق الغلام إذا كان قد
عقل وإن لم يحتلم (7). ومضمرة زرعة عن سماعة سأله عن طلاق الغلام ولم يحتلم،
وصدقته، فقال: إذا طلق للسنة ووضع الصدقة في موضعها وحقها فلا بأس (8).
وهي كلها (ضعيفة) سندا ودلالة، لجواز إرادة طلاقه وكالة عن غيره وإن لم
تصح الوكالة أيضا. مع أن الأخيرين إنما تضمنا عدم الاحتلام وهو لا يستلزم
عدم البلوغ.
(ولو طلق) عنه (وليه لم يصح) للإجماع. والنصوص (9) (نعم، لو بلغ
فاسد العقل صح طلاق وليه عنه) إن كانت فيه المصلحة؛ وفاقا للأكثر.
والأخبار (10). واحترازا عن الضرار. وخلافا لابن إدريس (11) والشيخ في
الخلاف (12). للأصل. وكون الطلاق بيد من أخذ بالساق. وأطلق الشيخ في الخلاف



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 324 ب 32 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 4.
(2) النهاية: ج 2 ص 447 - 448.
(3) الوسيلة: ص 323.
(4) المهذب: ج 2 ص 288.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 324 ب 32 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 2.
(6) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 366.
(7) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 76 باب 3 أحكام الطلاق ح 176.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 325 ب 32 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 7.
(9) وسائل الشيعة: ج 15 ص 326 ب 33 من أبواب الطلاق ومقدماته.
(10) الاستبصار: ج 3 ص 302، باب طلاق المعتوه ح 2.
(11) السرائر: ج 2 ص 673.
(12) الخلاف: ج 4 ص 442 مسألة 29.
6
نفي طلاق الولي عن المولى عليه، وحكى عليه الإجماع.
(ولو سبق الطلاق) عنه على بلوغه (لم يعتد به) ولم يكن البلوغ فاسد
العقل كاشفا عن صحته.
(الثاني: العقل) اتفاقا، إذ لا عبرة بعبارة غيره، ولا قصد له (فلا يصح)
(طلاق المجنون المطبق) ولا غيره حال الجنون.
و خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن المعتوه أيجوز طلاقه؟ فقال:
ما هو؟ قلت: الأحمق الذاهب العقل فقال: نعم (1). محمول على من يبقى له القصد،
وهو الموافق للغة. وحمله الشيخ على طلاق وليه عنه (2).
(ولا السكران) سكرا رافعا للقصد (ولا المغمى عليه بمرض أو شرب
مرقد).
(ولو كان المجنون يفيق في وقت فطلق فيه صح) لزوال المانع.
(ويطلق عنه) أي المجنون (الولي) إذا كان مطبقا وراعى المصلحة
(فإن لم يكن له ولي طلق عنه السلطان) للضرورة وتشبيه الولي في أخبار
طلاقه عنه بالإمام (3) فيفيد الأولوية.
(ولا يطلق الولي ولا السلطان عن السكران ولا النائم وإن طال نومه،
ولا المغمى عليه، ولا من يعتوره الجنون أدوارا) للأصل. ورجاء زوال العذر.
(نعم، لو امتنع من الطلاق وقت إفاقته مع مصلحة الطلاق، ففي
الطلاق عنه) حال الجنون (إشكال) من خبر أبي خالد القماط قال
للصادق (عليه السلام): الرجل الأحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليه عليه؟ قال:
ولم لا يطلق هو؟ قال: لا يؤمن إن هو طلق أن يقول غدا: لم أطلق، أو لا يحسن



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 328 ب 34 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 8.
(2) الاستبصار: ج 3 ص 302، باب طلاق المعتوه ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 329 ب 35 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 3.
7
أن يطلق، قال: ما أرى وليه إلا بمنزلة السلطان (1). وخبرين آخرين له
مثل ذلك (2) فإن الظاهر من سؤاله (عليه السلام) والجواب أن تعتوره الإفاقة. ولأن الامتناع
في الإفاقة ينزل الجنون منزلة العذر الذي لا يزول، فإن المجنون المطبق إنما يطلق
عنه الولي لعدم علمه بما فيه المصلحة، وهو يشاركه فيه.
ومن الأصل واعتراض العذر للزوال. ولأن الولي إنما يتولى الطلاق عمن
لا قصد له، لأنه لا يعلم أنه يقصد الطلاق أو عدمه وهنا قصد العدم معلوم.
(الثالث: الاختيار، فلا يصح طلاق المكره) بالنص (3). والإجماع كما يظهر.
ولانتفاء القصد حينئذ.
(وهو) من يصدق عليه المكره عرفا، وهو (من توعده القادر) على
ما توعد به (المظنون فعل ما توعده به لو لم يفعل مطلوبه بما يتضرر به
في نفسه أو من يجري مجرى نفسه) في التضرر بضرره (كالأب والولد
وشبههما من) قتل أو (جرح، أو شتم، أو ضرب، أو أخذ مال) يضر أخذه
(وإن قل، أو غير ذلك) من أنواع الضرر، أو فعل به أو بمن يجري مجراه
ما يتضرر به حتى لفظ بالطلاق.
(ويختلف) الإكراه (بحسب اختلاف المكرهين في احتمال الإهانة
وعدمها) لقضاء العرف به، فشتم الوجيه إكراه دون غيره، وعليه القياس. ولا
يختلفون في القتل والقطع، فهما إكراه بالنسبة إلى الكل.
(ولا إكراه مع الضرر اليسير) عرفا، قال في التحرير ولو اكره على
الطلاق، أو دفع مال غير مستحق يتمكن من دفعه، فالأقرب أنه إكراه (4). ولعل
المراد ما يتضرر بدفعه ولو بكونه جزيلا عرفا. قال: أما لو اكره على الطلاق أو فعل



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 329 ب 35 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 329 ب 35 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 3، وب 34 ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 331 ب 37 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(4) تحرير الأحكام: ج 2 ص 51 س 22.
8
ما تستحق المرأة فعله فليس بإكراه، سواء كان بذل مال أو غيره (1). يعني ليس من
الإكراه المسقط لاعتبار الطلاق إذا تمكن من أداء حقها. وكذا في كل ما يقال: إن
للحاكم الإجبار على الطلاق قال: ولو اكره على الطلاق فطلق ناويا له فالأقرب
أنه غير مكره، إذ لا إكراه على القصد (2) يعني وإن ظن أنه يلزمه الطلاق لا مجرد
لفظه بالإجبار وإن كان لا يريده، أما لو علم أنه لا يلزمه إلا اللفظ وله تجريده
عن القصد، فلا شبهة في عدم الإكراه.
(والإكراه يمنع) من صحة (سائر التصرفات) من عقد أو إيقاع أو
غيرهما (إلا إسلام الحربي) فيعتبر في ظاهر الشرع مع الإكراه وإلا لم يقاتلوا
عليه.
والسر فيه: أن كثيرا من المكرهين عليه يتدرج إلى الإيمان بالقلب إذا أقر
عليه، ويتسببون لرغبة غيرهم في الإسلام، ويتقوى بهم المؤمنون، وتعظم شوكتهم،
ويخاف أعداؤهم.
(ولو اكره لكن ظهر) ما له (دلالة) على (اختياره) الطلاق (صح
طلاقه) لأنه صدر من صحيح اللفظ بغير إكراه، وذلك (بأن يخالف المكره
مثل: أن يأمره بطلقة فيطلق اثنتين أو تطليق زوجة فيطلق غيرها أو هي)
أي إباها (مع غيرها) بلفظ واحد فيقع طلاقهما. وإن طلقهما بلفظين لم يقع على
المكره على طلاقها ووقع على الاخرى. وربما قيل بمثله في الأول (أو تطليق
إحدى زوجتين (3)) له بصفة الإبهام (فيطلق معينة).
واستشكل فيه في التحرير (4) من المخالفة. ومن اتحاد المؤدى، إذ لابد
للمطلق لإحدى الزوجتين أن يعينها، أو لأنه بعض مما اكره عليه، لأنه إن طلق
إحداهما مبهمة حرمتا عليه إلى أن يعين.



(1) تحرير الأحكام: ج 2 ص 51 س 24.
(2) تحرير الأحكام: ج 2 ص 51 س 25.
(3) في قواعد الأحكام زيادة: لا بعينها.
(4) تحرير الأحكام: ج 2 ص 51 س 27.
9
(أو يأمره بالكناية فيأتي بالصريح) أو بخصوص لفظ فيأتي بآخر.
(ولو ترك التورية بأن يقصد بقوله: " أنت طالق " أي: من وثاقي يعلقه
بشرط في نيته أو بالمشيئة) أو يقصد به الإخبار (مع علمه بالتورية
واعترافه بأنه لم يدهش بالإكراه) ليترك له التورية (لم يقع) أيضا؛ لتحقق
الإكراه وانتفاء القصد إلى الطلاق.
(الرابع: القصد) إلى إيقاع الطلاق (فلا يقع طلاق الساهي، والغافل،
والغالط، وتارك النية) وغيرهم كالهازل بالنص (1). والإجماع (وإن نطق
بالصريح) خلافا لبعض العامة فلم يعتبر فيه القصد (2). (ومن سبق لسانه) إلى
أحد ألفاظه الصريحة أو غيرها (من غير قصد) ويشمله كل من الساهي
والغافل والغالط وتارك النية، إلا أنه أراد بالساهي من نطق بالطلاق قصدا وهو
ساه عن معناه [وبالغافل من لفظ بالطلاق بلا قصد ويحتمل العكس] (3) وبالغالط
من نطق وأراد به غير معناه غلطا، كأن أراد به النكاح مثلا. وبتارك النية من هزل
به. وبمن سبق لسانه من أراد النطق بغيره فنطق به.
(ولو كان اسمها طالقا فقال: " يا طالق ") إن اكتفينا بالنداء (أو " أنت
طالق " وقصد الإنشاء وقع) الطلاق (وإلا فلا) وهو ظاهر.
(ولو كان اسمها طارقا) مثلا (فقال: " يا طالق " أو " أنت طالق " ثم
ادعى أنه التفت (4) لسانه) من الراء إلى اللام (قبل) إن بادر بالدعوى، لا إن
أمهلها حتى فعلت فعل المطلقات، وهو عالم ساكت، فإنه قرينة ظاهرة على كذبه،
ولم يذكره تعويلا على الظهور، فإن دعوى التفاف اللسان ونحوه تبادر بها غالبا.
ووجه القبول هو الأصل. وأن النية من أركان الطلاق، ولا يعرف إلا من جهته.
(ولو نسي أن له زوجة فقال: " زوجتي طالق " لم يقع) لانتفاء



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 285 ب 11 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(2) نيل الأوطار: ج 7 ص 21.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في ق، ن.
(4) في ط وقواعد الأحكام: التف.
10
القصد إلا مع قيام القرينة المكذبة له.
(ويصدق ظاهرا في) دعوى (عدم القصد لو ادعاه وإن تأخر ما لم
تخرج العدة) كذا ذكره الشيخ (1) وغيره؛ للأصل، وكونه خبرا عن نيته التي لا
تعلم إلا من جهته.
والفرق بين ما بعد العدة وما قبلها: أنها في العدة في علقة الزوجية، وبعدها قد
بانت، وربما تزوجت بغيره فلا يسمع قوله في حقه وإن صدقته. ولأن الإمهال إلى
انقضاء العدة وتعريضها للأزواج قرينة ظاهرة على كذبه، فهذا فرق ما بينه وبين
البيع وسائر العقود، حيث لا يقبل قول العاقد فيها، لأنها بمجردها ناقلة.
وقد يقال: إن الظاهر يعارض الأصل مطلقا. لأن القصد هو الظاهر إلا أن
تصدقه المرأة فيقبل لعدم المعارض. وأما مع إنكارها فهي كالمشتري في البيع، ولا
يتفاوت الحال بانقضاء العدة وعدمه، وإن كانت قرينة الكذب مع الانقضاء أوضح.
وإن خصت العدة بالرجعية - كما قيل - لم يكن في الحقيقة قبولا لقوله
لموافقته الأصل، وإنما يكون إنكاره القصد رجعة. وخبر منصور بن يونس عن
الكاظم (عليه السلام) يؤيد العدم، لقوله (عليه السلام) فيمن طلق بلا نية وإنما حمله عليه بعض أقاربه:
أما بينك وبين الله فليس بشيء، ولكن إن قدموك إلى السلطان أبانها منك (2) إلا أن
يراد السلطان الجائر.
(ودين بنيته باطنا) على كل حال، فإن كذب لم يقربها، ولم يرثها إن ماتت،
وإن صدق أنفق عليها، وجدد لها الطلاق إن أرادت التزوج بالغير إلى غير ذلك.
(ولو قال لزوجته: أنت طالق لظنه أنها زوجة الغير) هازلا أو وكالة
عنه (لم يقع) لانتفاء القصد إلى فك النكاح بينه وبينها (ويصدق في ظنه)
ذلك إذا ادعاه ما لم تخرج العدة أو تشهد القرينة بكذبه.
(ولو قال: " زوجتي طالق " بظن خلوه) عن الزوجة (وظهر أن وكيله



(1) الخلاف: ج 4 ص 458 مسألة 14.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 332 ب 38 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1.
11
زوجه لم يقع) لعدم النية.
(ولو لقن الأعجمي الصيغة وهو لا يفهمها فنطق بها لم يقع) لانتفاء
القصد.
(وكما يصح إيقاعه مباشرة، يصح التوكيل فيه للغائب إجماعا،
وللحاضر على رأي) وفاقا لابن إدريس (1) والمحقق (2) وإطلاق أبي علي (3)
لعموم الأدلة. وخلافا للشيخ (4) وجماعة؛ جمعا بين الأخبار العامة في التوكيل (5)
وخبر زرارة عن الصادق (عليه السلام) قال: لا تجوز الوكالة في الطلاق (6). وهو لضعفه
لا يصلح للتخصيص.
ثم إنه يكفي في الجمع اعتبار الغيبة عن مجلس الطلاق، ولكن الشيخ نص
على اعتباره عن البلد (7) ولا نعرف وجهه.
(ولو وكلها في طلاق نفسها صح على رأي) [وفاقا للمحقق] (8) لعموم
ما دل على جواز التوكيل (9). وخلافا للشيخ (10) بناء على اشتراط المغايرة بين
الفاعل والقابل. وظاهر قوله (عليه السلام): الطلاق بيد من أخذ بالساق (11). وضعفهما ظاهر.
وعلى المختار (فلو قال: طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة أو بالعكس
صحت واحدة على رأي) لاتحاد المؤدى، فالتوكيل في الثلاث في الحقيقة
توكيل في الواحدة، والتطليق ثلاثا في الحقيقة فعل للواحدة. ولأن التوكيل في



(1) السرائر: ج 2 ص 677.
(2) شرائع الإسلام: ج 3 ص 13.
(3) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 351.
(4) النهاية: ج 2 ص 431.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 333 ب 39 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 334 ب 39 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 5.
(7) النهاية: ج 2 ص 431.
(8) شرائع الإسلام: ج 3 ص 13، ما بين المعقوفتين ليس في ن، ق.
(9) وسائل الشيعة: ج 15 ص 333 ب 39 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(10) المبسوط: ج 5 ص 29.
(11) الجامع الصغير: ج 2 ص 57.
12
الثلاث توكيل في الواحدة وما زادت عليها، فإذا فعلت الواحدة فقد أتت بما
وكلت فيه، وإن لم تأت بغيره مما وكلت فيه أيضا، وهو لا يقتضي فساد الأول.
وكذا إذا طلقت ثلاثا وقد وكلها في الواحدة فقد أتت بما وكلت فيه وزيادة،
والزيادة لا تبطل الموكل فيه.
نعم إن قلنا بفساد التطليق ثلاثا مطلقا اتجه الفساد في الصورتين، ففي الأولى؛
لأنه وكلها في طلاق فاسد وما أتت به طلاق صحيح، فلا يكون من الموكل فيه في
شئ. وفي الثانية ظاهر.
ويمكن القول بالفساد مطلقا كما في الخلاف (1) ويظهر منه الإجماع عليه؛
لجواز تعلق غرض الموكل بما اختلف في صحته، أو ما اتفق فيه، أو ما دل على
الواحدة بالتضمن أو المطابقة، فما فعلته خلاف ما وكلت فيه فلا يصح.
وأما إن وكلها في التطليق ثلاثا منفصلة على وجه يصح، فلا شبهة في صحة
الواحدة وإن لم تأت بالباقيتين.
وما يتوهم - من كون الوكالة في الصورة الأولى في المجموع ولم يحصل،
والغرض من الثلاث البينونة ولم يحصل - ظاهر الفساد، عزمت حين طلقت
الأولى على تعقيبها الباقيتين أو لا.
(الفصل الثاني: المحل)
(وهي الزوجة ولها شروط ينظمها قسمان):
(الأول): الشروط (العامة) للمطلقات (وهي) أربعة (2):
الأول: أن تكون زوجة، واكتفى عنه بأول ما ذكره وآخره.
الثاني: (أن يكون العقد دائما) بالنص (3) والإجماع عليهما.



(1) الخلاف: ج 4 ص 472 مسألة 33 و34.
(2) العبارة في ط ون هكذا:
(وهي) ثلاثة: الأول (أن يكون العقد دائما) بالنص والإجماع (و) الثاني: (التعيين على
رأي)... (و) الثالث: (البقاء على الزوجية) حقيقة...
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 368 ب 9 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
13
(و) الثالث: (التعيين على رأي) السيد (1) والشيخين (2) وجماعة منهم:
المصنف في المختلف (3) والتحرير (4) والتلخيص (5) لاستصحاب النكاح إلى أن
يعلم المزيل. ولاستحالة حلول المعين في المبهم مع أن الطلاق معين. ولأن العدة
ونحوها من توابع الطلاق لابد لها من محل معين. وفيهما منع.
ولنحو قول الصادق (عليه السلام): الطلاق: أن يقول لها: اعتدي. أو يقول لها: أنت
طالق (6). وادعى السيد الإجماع عليه في الانتصار (7) والطبريات (8).
(و) الرابع: (البقاء على الزوجية) حقيقة، وهو داخل في اشتراط
الزوجية إلا أن الجمع بينهما لئلا يتوهم وقوع طلقتين فصاعدا بالزوجة إذا تعاقبتا
من غير رجوع ولا تجديد عقد، خصوصا والمطلقة الرجعية زوجة حكما.
(فلا يقع الطلاق بالمستمتع بها) (9) (ولا الموطوءة بالشبهة ولا)
الموطوءة (بملك اليمين ولا) الموطوءة (بالتحليل) وإن جعلناه عقدا، فضلا
عن سائر الأجنبيات.
(ولو طلق الأجنبية لم يصح وإن علقه بالتزويج، سواء عينها) مثل: إن
تزوجت فلانة فهي طالق (أو أطلق مثل: كل من أتزوجها فهي طالق)
بالاتفاق، وللأصل، ولنحو ما روي أن عبد الرحمن بن عوف دعي إلى امرأة فقال:
إن نكحتها فهي طالق، ثم سأل النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: انكحها فإنه لا طلاق قبل
النكاح (10).



(1) الانتصار: ص 139.
(2) المقنعة: ص 525، النهاية: ج 2 ص 427.
(3) مختلف الشيعة: ج 7 ص 389.
(4) تحرير الأحكام: ج 2 ص 52 س 21.
(5) التلخيص (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 39 ص 499.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 295 - 296 ب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 4.
(7) الانتصار: ص 139.
(8) المسائل الناصريات: ص 349.
(9) في بعض النسخ زيادة: ولما علمت أن المحل هي الزوجة علمت أنه لا يطلق.
(10) انظر سنن البيهقي: ج 7 ص 318 - 321.
14
(وأما التعيين) فإما باللفظ والنية جميعا، أو بالنية خاصة.
أما الأول: (بأن يقول: فلانة طالق، أو هذه) طالق (ويشير إلى
حاضرة أو زوجتي) طالق (وليس له سواها).
(و) أما الثاني: ففيما (لو تعددت) الزوجة، فإذا قال: زوجتي طالق
(ونوى واحدة) منهن بعينها (وقع) إجماعا كما في التحرير (1) (وإلا فلا
على رأي) من عرفتهم.
(ويقبل تفسيره) لأنه لا يعرف إلا منه، وعليه المبادرة بالتفسير لحق
الاعتداد وغيره.
(ولو طلق واحدة غير معينة لا نية ولا لفظا، قيل) في المقنعة (2)
والانتصار (3) والناصريات (4) والسرائر (5) وغيرها: (بطل) لما عرفت.
(وقيل) في المبسوط (6) والشرائع (7): (يصح ويعين للطلاق من شاء
وهو أقوى) لأصالة عدم الاشتراط، وعموم نصوص الطلاق.
والأول: معارض بأصل بقاء النكاح، وأن المعهود في كل عقد أو إيقاع إيقاعه
على المعين. والثاني: ممنوع. وربما منع إطلاق الطلاق على ما وقع على غير
المعينة.
وأما الرجوع في التعيين إليه فهو مختار المبسوط (8). ودليله أن بيده التعيين
ابتداء، فكذا استدامة.
واعتبر المحقق القرعة (9) لكون المطلقة مبهمة في نظره، فلا يرجع إليه في
التعيين. وفيه: أن القرعة لما هو متعين في الواقع مشكل في الظاهر، والمطلقة هنا
مبهمة في نفس الأمر.



(1) تحرير الأحكام: ج 2 ص 52 س 23.
(2) المقنعة: ص 525.
(3) الانتصار: ص 139.
(4) المسائل الناصريات: ص 349.
(5) السرائر: ج 2 ص 665.
(6) المبسوط: ج 5 ص 78.
(7) شرائع الإسلام: ج 3 ص 15.
(8) المبسوط: ج 5 ص 78.
(9) شرائع الإسلام: ج 3 ص 15.
15
وعلى الأول (فإن مات قبله) أي التعيين (أقرع) في وجه، لانتفاء
الطريق إليه غيرها، وربما قيل بقيام الوارث مقامه في التعيين (1) كما يقوم مقامه
في استلحاق النسب وحق الشفعة ونحوهما، وسيقوي نفي القولين، ويجوز إدخال
هذا الكلام في حيز القيل.
(ولو قال: هذه طالق، أو هذه وهذه قيل) في المبسوط (2): (طلقت
الثالثة) يقينا (ويعين من شاء من الأولى أو الثانية، وهو حق إن قصد
العطف على إحداهما ولو قصده على الثانية) خاصة (عين الأولى أو
الثانية والثالثة) جميعا، فإن الترديد يكون بين الأولى وحدها والثانيتين جميعا،
فلا تتعين الثالثة، ولا يجوز تعيين الثانية فقط، وهو مختار ابن إدريس (3) لقرب
الثانية الموجب لظهور العطف عليها.
والحق احتمال الكلام للمعنيين كما ذكره المصنف، وأيهما قصده المتكلم صح.
(ولو مات قبل التعيين أقرع، وتكفي رقعتان مع) الرقعة (المبهمة)
بكسر الهاء أو فتحها بمعنى المبهم فيها. أو مع الزوجة المبهمة بالفتح وهي الثالثة؛
لكونها مبهمة عند المصنف (على القولين) أما على قول الشيخ فالثالثة لا تحتاج
إلى رقعة، وإنما تكتب رقعتان للأوليين. وعلى قول ابن إدريس (4) تكتب رقعتان
إحداهما للأولى والأخرى للأخريين، أو للثانية أو الثالثة خاصة، فإن أية منهما
طلقت طلقت الاخرى، وأما الرقعة المبهمة فهي رقعة خالية استحبوها لزيادة
الإبهام في الرقاع.
(وعلى ما اخترناه) من احتمال الأمرين (لابد من) رقعة (ثالثة) ففي
إحداهما اسم الأولى وفي اخرى اسم الباقيتين وفي اخرى اسم الثالثة [خاصة] (5)



(1) ن، ق: التعين.
(2) المبسوط: ج 5 ص 85.
(3 و4) لم نعثر عليهما في السرائر، وحكاهما عن ابن إدريس في إيضاح الفوائد: ج 3 ص 295
- 296.
(5) لم ترد في نسخة ن، ق.
16
فان خرجت أولا رقعة الأولى حكم بطلاقها، ثم إن خرجت رقعة الثالثة حكم
بالاحتمال الأول وطلقت، وإن خرجت الرقعة الجامعة حكم بالاحتمال الثاني ولم
تطلق هي ولا الثانية. وإن خرجت أولا الرقعة الجامعة حكم بطلاقهما ولم يخرج
رقعة اخرى. وإن خرجت أولا رقعة الثالثة طلقت، ثم إن خرجت رقعة الأولى
حكم بالاحتمال الأول وطلقت أيضا، وإن خرجت الجامعة حكم بالثاني.
(ولو قال للزوجة والأجنبية: إحداكما طالق، وقال: أردت الأجنبية،
قبل) بلا خلاف كما في المبسوط (1) للأصل. والرجوع إليه في نيته من غير
معارض ظاهر ودين بنيته.
(ولو قال: سعدى طالق واشتركتا) أي زوجته والأجنبية (فيه) أي
الاسم (قيل: لا يقبل) قوله (لو ادعى قصد الأجنبية) لمعارضته الظاهر؛
فإنهما لم يتشاركا في الاسم إلا اشتراكا لفظيا، وإطلاق المشترك على معنييه إن
صح فهو خلاف الظاهر، فلم يرد إلا إحداهما، وظاهر صيغة الطلاق إيقاعها على
الزوجة، بخلاف إحداكما، لاشتراكه معنا، وظاهر النطق به الإبهام، ولم أظفر بقائله
من الأصحاب.
وربما يظهر من المبسوط الإجماع على القبول (2) وبه قطع في التحرير (3) وهو
الوجه لضعف الفرق، للاشتراك في أنه لم يرد إلا إحداهما وإن افترقا في كون
الاشتراك لفظيا ومعنويا. ومع ظهور إيقاع الصيغة على الزوجة، وإنما هو إذا ظهر
الإنشاء. وهو ممنوع، فإن التركيب حقيقة في الخبر.
(ولو قال لأجنبية: " أنت طالق " لظنه أنها زوجته لم تطلق زوجته؛
لأنه قصد) إيقاع الطلاق على عين (المخاطبة) وهي غير الزوجة، والظن
لا يقلب (4) العين، والنية وحدها لا تكفي فيما يعتبر فيه اللفظ. ويجوز كون



(1) المبسوط: ج 5 ص 90.
(2) المبسوط: ج 5 ص 91.
(3) تحرير الأحكام: ج 2 ص 52 س 26.
(4) في ق، ط: لا يغلب.
17
" المخاطبة " مصدرا، أي: قصد الخطاب باللفظ، وهو ينافي وقوع الطلاق بعين (1)
المخطابة وإن ظنها إياها، ففيه إشارة إلى أنه إن لم يقصد الخطاب باللفظ بل عين
التي أراد طلاقها كما في المسألة الآتية طلقت.
(ولو) كانت له زوجتان زينب وسعدي و (قال: يا زينب، فقالت:
سعدى: لبيك فقال: أنت طالق، فإن عرف أنها سعدى ونواها بالخطاب
طلقت) وهو ظاهر (وإن نوى) طلاق (زينب) مع العلم بأنها سعدى
(طلقت زينب) فإن النداء مع نية المناداة بالخطاب يكفي لتعيينها للطلاق.
ولا يقدح فيه توجيه الخطاب ظاهرا إلى المجيبة. ولا تطلق سعدى، لانتفاء القصد
إليها، خلافا للعامة (2).
(ولو ظنها زينب وقصد المجيبة فالأقرب بطلانه) لأنه نظير ما تقدم
(لأن قصد المجيبة لظنها زينب فلم تطلق) لأنه لم يقصد تطليق سعدى وهي
المجيبة (ولا زينب لعدم توجه الخطاب إليها) ولا قصد عينها بالخطاب وإنما
قصد به عين سعدى وإن ظنها زينب خلافا للشيخ فأوقع الطلاق بزينب قال:
لأن المراعى قصده ونيته بالتعيين (3). ويدفعه: أن القصد إنما يعتبر إذا وافقه اللفظ
وما أراده به.
(وأما البقاء على الزوجية فأن لا تكون مطلقة) لأن الطلاق في الشرع
إزالة قيد النكاح وقد حصل الزوال [بالأول] (4) فيمتنع حصوله بالثاني (سواء
كان الطلاق رجعيا أو بائنا) فلا يفيد طلاق الرجعية بينونتها وامتناع الرجوع
إليها وإن كان ثالثا (ولا مفسوخة النكاح بردة أو عيب أو لعان أو رضاع
أو خلع، ويقع مع الظهار والإيلاء؛ لأنهما يوجبان تحريما لا فسخا).
(فروع على القول بالصحة مع عدم التعيين):



(1) في ط، ق بدل " بعين ": بغير.
(2) المجموع: ج 17 ص 236.
(3) المبسوط: ج 5 ص 90.
(4) لم يرد في ن، ق.
18
(الأول: إذا طلق غير معينة حرمتا عليه جميعا حتى يعين) أي كل
منهما.
أما على القول بكون التعيين كاشفا فلاشتباه المحللة بالمحرمة، فيجب
الاجتناب عنهما. وأما على ما اختاره المصنف كما - سينص عليه - من كونه مطلقا
فلتشبث كل منهما بحرمة الطلاق، لوجوب تعيين إحداهما من غير حاجة إلى
تجديد صيغة، مع الاحتياط في الفروج، وكون الاجتناب عنهما من التقوى
المأمور بها عقلا وشرعا.
ويحتمل أن يكون المراد حرمة الجمع بينهما في الوطء كما سيصرح به،
ودليلها إما بينونة إحداهما بالطلاق، أو تشبثها بحرمة الطلاق. ودليل جواز وطء
إحداهما أن المطلقة أو المتشبثة بحرمتها ليست إلا إحداهما، والتعيين مفوض إلى
اختياره، وإذا جاز له إبقاء من شاء منهما على الزوجية، جاز وطء من شاء منهما.
ويبعده قوله: " حتى يعين " فإن حرمة الجمع غير مغيا بالتعيين، ولذا استظهرنا
حرمة كل منهما، وعليه يكون حكاية، وما سيأتي اختيارا.
(ويطالب) الزوج كل منهما (به) أي بالتعيين؛ لأن لهما في ذلك حق
الاعتداد والقسم ونحو ذلك (و) عليه أن (ينفق) عليهما (حتى يعين)
لاحتباسهما عليه، واستصحاب الموجب لها بالنسبة إلى كل منهما.
(ولا فرق) في جميع ذلك (بين) الطلاق (البائن والرجعي) وإن جاز
وطؤهما بنية الرجوع إن كانتا رجعيتين، وقد ينفى عن الرجعية حق المطالبة،
لكونها في حكم الزوجة، وله الرجوع متى شاء والمطالبة في حق متعين.
(الثاني: لو قال: هذه التي طلقتها، تعينت للطلاق) إلا أن يعلم أنه لم
يرد بيان من أوقع عليها الطلاق، كأن أراد إنشاء الطلاق عليها الآن بهذا اللفظ.
(ولو قال: هذه التي لم أطلقها، تعينت الاخرى) للطلاق بالشرط المذكور
(إن كانت) الاخرى (واحدة، وإلا) بقي الإبهام بعد، و (عين في البواقي).
(الثالث: لو قال) للتعيين: (طلقت هذه بل هذه، طلقت الأولى)

19
ظاهرا وباطنا إن لم يكن عن سهو، وإلا فظاهرا (دون الثانية، لأن) الطلاق إنما
وقع على إحداهما و (الأولى إذا تعين الطلاق فيها لم يبق) منه (ما يقع على
الثانية) ولا يتعين الثانية، لأنه إذا أنشأ التعين للأولى تعينت، ولا وجه للرجوع
عن تعيين، إلا أن يدعي السهو فيقبل قوله، كما يقبل في أصل صيغة الطلاق، فإنه
لا يعرف إلا منه، وإذا قبل تعينت الثانية.
(الرابع: هذا التعيين تعيين) شهوة و (اختيار) لا تعيين إخبار عن معين
في نفس الأمر لا يجوز تعديه (فلا يفتقر إلى القرعة) كما في الشرائع (1)
استنادا إلى الإشكال عنده كما عند غيره (بل له أن يعين من شاء) فإن الغرض
إيقاع الطلاق على إحداهما من غير تعيين لفظا ولا نية، والقرعة لما تعين في نفسه،
فاشتبه علينا، لكن لو أقرع فاختار من خرجت باسمها لم يكن به بأس.
(الخامس: هل يقع الطلاق بالمعينة من حين الإيقاع) للطلاق (أو من
حين التعيين؟ الأقرب الثاني) استصحابا للنكاح واحتياطا للعدة، ولأنها لو
طلقت بالإيقاع، فإما أن يقع الطلاق حينئذ على الكل أو على واحدة معينة،
وفسادهما ظاهر؛ لكونهما خلاف مقتضى اللفظ والنية، أو على واحدة مبهمة، وهو
أيضا باطل؛ لأن الطلاق معين لا يحل إلا في معين. ولأن المطلقة موجودة في
الخارج، ولا وجود للمبهم. ويرد النقض بكل واجب مخير، ومنع تعين الطلاق إذا
لم يتعين المحل، وأن المطلقة ذاتها موجودة مع تعلق الطلاق المبهم بها.
وخيرة المبسوط الوقوع من حين الإيقاع (2) لأنه أوقع (3) صيغة منجزة
مجزوما بها فيقع بها الطلاق وإن كان مبهما، والتعيين ليس من صيغة الطلاق في
شئ، كما أن من أسلم على أكثر من أربع يزول بالإسلام نكاحه عن الزائدة
المبهمة، ولا يتعين إلا بالتعيين، والتعيين كاشف عمن زال نكاحها لا مزيل،
وهو عندي أقرب.



(1) شرائع الإسلام: ج 3 ص 16.
(2) المبسوط: ج 5 ص 78.
(3) في ن بدل " أوقع ": إذا وقع.
20
وعلى الأول (فتجب) عليها (العدة من حين التعيين) وعلى الثاني من
الإيقاع، وهو ظاهر.
(السادس: لو) طلقها بائنا ثم (وطئ إحداهما وقلنا: يقع الطلاق
باللفظ كان تعيينا) للأخرى للطلاق؛ لأن الظاهر أنه إنما يطأ من يحل له،
فهو كوطء الجارية المبيعة في زمن الخيار، فإنه يكون فسخا من البائع أو إجازة
من المشتري.
وقيل: لا يكون تعيينا؛ لأنه أعم، وكما أن الطلاق إنما يقع بالقول فكذا
تعيينه (1). ولأنه لو كان تعيينا لكان إذا وطئهما طلقتا. وكما أن النكاح لا يملك
بالفعل لا يتدارك به، وأما ملك اليمين فيحصل بالفعل فيتدارك به، فلذا كان وطء
المبيعة فسخا أو إجازة.
(وإن قلنا): إن الطلاق إنما يقع (بالتعيين لم يؤثر الوطء) شيئا؛ لأن
الفعل لا يوقع الطلاق قطعا.
ثم في المبسوط: أن من جعل الوطء تعيينا أباح وطء من شاء منهما، وإنما
حرم الجمع بينهما في الوطء، ومن لم يجعله تعيينا حرمهما، لأنهما قبل التعيين
متشبثتان بحرمة الطلاق (2).
(والأقرب) عند المصنف - مع أنه يجعله (3) تعيينا - (تحريم وطئهما معا
وإباحة من شاء منهما) لما عرفت من أن المتشبثة بحرمة الطلاق إنما هي
إحداهما مبهمة، فكماله إبقاء من شاء منهما على الزوجية، له وطء من شاء منهما.
(السابع: يجب عليه التعيين على الفور ويعصي بالتأخير) سواء كان
التعيين كاشفا أو مطلقا، بائنا كان الطلاق أو رجعيا.
(ولو ماتت إحداهما) قبل التعيين (لم تتعين الاخرى للطلاق، وله
تعيين من شاء) منهما وإن قلنا بأن الطلاق من التعيين، فإن الميتة وإن لم تقبل



(1) المبسوط: ج 5 ص 77.
(2) انظر المبسوط: ج 5 ص 77 و78.
(3) في ط: لم يجعله.
21
الطلاق ابتداء، لكنها تقبل التعيين المسبوق بإيقاع الطلاق للاستصحاب (فإن
عين الميتة فلا ميراث) له منها (إن قلنا: إن الطلاق يقع من وقت وقوعه)
وكان الطلاق بائنا أو انقضت العدة.
(ولو ماتتا معا) اقترن الموتان أم لا (كان له) أيضا (تعيين من شاء)
منهما (وليس لورثة الاخرى منازعته ولا تكذيبه) لأنه مفوض إلى
اختياره، وليس من الأخبار المحتملة للتكذيب.
(ويرثهما معا إن قلنا بوقوع الطلاق بالتعيين) وإلا فلا يرث إلا غير
المعينة إلا إذا كان رجعيا ولم تنقض العدة.
(ولو مات قبلهما ولم يعين فالأقوى) ما في المبسوط: من (أنه
لا تعيين للوارث) (1) لأن الطلاق بيد من أخذ بالساق، والتعيين إما طلاق، أو
كاشف عنه ومبين لمحله (ولا قرعة) لإبهامها في نفس الأمر كما عندنا (بل
توقف) من تركته (الحصة حتى يصطلحن) إن طلقت بالإيقاع وبانت، وإلا
فلا إيقاف بل يرثن جمع، وقد سمعت وجهين آخرين: هما القرعة. وتعيين الوارث.
(ولو ماتت واحدة قبله وواحدة بعده) ولم يعين (فإن قال الوارث:
الأولى هي المطلقة والثانية زوجة ورثت الثانية) من الزوج (ولم يرث)
الزوج (من الأولى) إن كانت بانت حين ماتت (لأنه) إذا قال ذلك، فإما أن
يخبر بأن الزوج عين الأولى للطلاق، أو ينشئ التعيين من نفسه، فإن كان الأول
فقد (أقر) على نفسه (بما يضره) فيؤاخذ به، وإن كان الثاني كان بمنزلة المقر،
فإنه رضي بأن لا يرث من الأولى ويرث الثانية، فقد اصطلح مع ورثتهما بذلك.
(ولو عكس وقف ميراثه من الأولى وميراث الثانية منه حتى يصطلح
الورثة) أي ورثة الزوجتين والزوج (جميعهم) لما عرفت من أنه لا تعيين
للوارث ولا قرعة، فلا مخلص إلا الاصطلاح.



(1) المبسوط: ج 5 ص 80.
22
نعم، إن قال ذلك مدعيا على الزوج التعيين كان عليه الإثبات وله التحليف
على نفي العلم. وفي التحرير احتمل حينئذ قبول قوله فيحلف على نفي علم طلاق
الأولى والقطع على طلاق الثانية، وعدم القبول للتهمة، فيوقف الميراثان حتى تقوم
بينة أو تصطلح الورثة (1).
(ولو كان له أربع) زوجات (فقال: زوجتي طالق لم يطلق الجميع
بل) إنما يطلق (واحدة) مبهمة للأصل. وتبادر الوحدة فهو (كما لو قال:
إحداكن طالق، أو واحدة منكن طالق) وفي التحرير: أنه لو أراد الجنس
احتمل طلاقهن (2).
(الثامن): وليس من فروع القول بالصحة مع عدم التعيين، ففيه مسامحة
وتغليب (لو طلق واحدة معينة ثم أشكلت عليه منع منهما) لاشتباه الحلال
بالحرام (وطولب بالبيان) إن رجي زوال الإشكال، أو بالقرعة (وينفق
عليهما إلى أن يبين) لاحتباسهما عليه.
(فإن عين واحدة للطلاق أو للنكاح لزمه) إقراره (ولهما إحلافه
لو كذبتاه) أو إحداهما، لأن القول قوله، لأنه لا يعرف إلا منه.
(ولو قال: هذه) التي طلقتها (بل هذه، طلقتا معا) أي أخذ بما يلزمه من
أحكام الطلاق (لأنه أقر بطلاق الأولى ورجع عنه فلم يقبل رجوعه وقبل
إقراره في الثانية) أيضا، فألزم أحكام الطلاق فيهما إلا أن تصدقاه أو يحلف.
(ولو قال: هذه بل هذه أو هذه طلقت الأولى وإحدى الأخريين) لذلك
(وطولب ببيانها. ولو قال: هذه أو هذه بل هذه، طلقت الأخيرة وإحدى
الأوليين، ولو قال: هذه أو هذه بل هذه أو هذه طلقت واحدة من الأوليين
وواحدة من الأخريين وطولب بالبيان فيهما) والكل ظاهر مما عرفته.
(وهل يكون الوطء بيانا؟ إشكال) وإن بانت المطلقة (أقربه ذلك)



(1) تحرير الأحكام: ج 2 ص 53 س 12.
(2) تحرير الأحكام: ج 2 ص 53 س 14.
23
إن بانت، لظهور صحة الوطء. ويحتمل القرب وإن لم تبن، لأن الأصل عدم
الرجوع في الطلاق، ووجه الآخر الذي هو خيرة المبسوط (1): العموم إلى آخر ما
عرفته في طلاق المبهمة.
(وعلى العدم) طولب بالبيان القولي، و (لو عينه) قولا (في الموطوءة
فقد وطئها حراما) وعليه التعزير دون الحد للشبهة (إن لم تكن ذات عدة)
رجعية (أو قد خرجت) من العدة وإلا كان رجوعا (وعليه المهر) مهر
المثل؛ لأنه عوض البضع الموطوء شبهة. ونفاه في المبسوط لعدم الدليل عليه،
ونسبه إلى العامة (2). (وتعتد من حين الوطء) لأنه وطء شبهة.
(ولو ماتتا قبله وقف نصيبه من) تركة (كل منهما ثم يطالب بالبيان
فإن عين) المطلقة (وصدقه ورثة الاخرى ورثوا الموقف) إياه (وإن
كذبوه قدم قوله مع اليمين، لأصالة بقاء النكاح) ولأنه فعله (فإن نكل
حلفوا) على البت؛ لإمكان اطلاعهم عليه (وسقط ميراثه عنهما معا) فعن (3)
الأولى لإقراره بطلاقها، وعن الثانية لنكوله مع حلف ورثتها.
(ولو مات الزوج خاصة ففي الرجوع إلى بيان الوارث إشكال) مما
عرفته من قيامه مقام المورث في نحو حق الشفعة واستلحاق النسب. ومن أنه غير
من أخذ بالساق وأوقع الطلاق. والأول (4) عندي في غاية الضعف؛ للفرق الظاهر
بين هذا التعيين وتعيين من أبهم طلاقها، فإنه إخبار عما فعله، وذاك إنشاء، ولا
معنى لإنشاء الوارث طلاق زوجة مورثه (5) [ولا بأس بالإخبار من فعله لكنه
يؤول إلى إنكار إرث من يعينها، فلها مطالبته بالبينة، فإن لم يثبت فلها تحليفه] (6).
(والأقرب: القرعة) لتعيين الأمر في نفسه واشتباهه علينا، وهي لكل



(1) المبسوط: ج 5 ص 78.
(2) المبسوط: ج 5 ص 77.
(3) في ن بدل " فعن ": أما عن.
(4) في ط بدل " الأول ": هو.
(5) في ق، ن وس: ولا معنى لإخبار الوارث عما لا يعلمه من فعل مورثه.
(6) ما بين المعقوفتين ليس في ن، ق.
24
ما كان كذلك (ويحتمل الإيقاف حتى يصطلحا) أخذا باليقين، فإن القرعة
إنما تفيد الظن.
[والحق أنه لا مجال للاستشكال، فإن الوارث إن لم يدع العلم لم يكن لبيانه
معنى، فلا إشكال في القرعة أو الإيقاف، وإن ادعاه فلا إشكال في الرجوع إلى
بيانه، لكن الزوجتين إن اعترفتا بالجهل كان لمن يعينها مطالبته بالبينة أو الحلف،
وإن كذبته من يعينها أقام البينة وإلا حلفت أو أقامت البينة على كون الاخرى
المطلقة بهذا الطلاق] (1).
(القسم الثاني: الشرائط الخاصة) ببعض المطلقات.
(وهي) ثلاثة: وإنما قال: (أمران) لاتحاد الحيض والنفاس حقيقة؛ لكون
النفاس دم الحيض حقيقة.
(الأول: الطهر من الحيض والنفاس، وهو شرط) بالإجماع والنصوص (2)
(في المدخول بها الحائل الحاضر زوجها، أو من هو بحكمه، وهو الغائب
أقل من مدة يعلم) أو يظن فيها (انتقالها من القرء الذي وطئها فيه إلى) قرء
(آخر) وفاقا للاستبصار (3) والتهذيب (4) والسرائر (5) والشرائع (6) جمعا بين
الأخبار، وتنزيلا لما فيها من اختلاف مدة (7) الغيبة على اختلاف عادات النساء.
ولأنه ثبت أن الطلاق مع الحيض وفي طهر جامعها فيه غير صحيح، وإنما يستثنى
الغائب إذا لم يعلم حيضها أو بقاؤها على الطهر الذي جامعها فيه.
(فلو طلق الحائض، أو النفساء قبل الدخول، أو مع الحمل) إن قلنا
بمجامعته الحيض (أو مع الغيبة مدة يعلم) أي يعتقد (انتقالها) فيها (من



(1) ما بين المعقوفتين ليس في " ق، ن، ي ".
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 276 ب 8 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(3) الاستبصار: ج 3 ص 295 باب 171 طلاق الغائب ح 4 و6.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 62 باب أحكام الطلاق ح 121 و122.
(5) السرائر: ج 2 ص 686.
(6) شرائع الإسلام: ج 3 ص 15.
(7) في ن، ق بدل " مدة ": هذه.
25
القرء الذي وطئها فيه إلى) قرء (آخر صح) اتفاقا، إلا ما في مدة الغيبة
من الخلاف والأخبار بها كثيرة، كحسن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: لا بأس
بطلاق خمس على كل حال: الغائب عنها زوجها، والتي لم تحض، والتي لم يدخل
بها، والحبلى، والتي قد يئست من المحيض (1).
(وقدر قوم) منهم: الصدوق (2) والشيخ في النهاية (3) وبنو حمزة (4)
والبراج (5) وسعيد (6) مدة (الغيبة بشهر) لأن الغالب الانتقال فيه من طهر إلى
آخر. ولخبر إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: الغائب إذا أراد أن يطلقها
تركها شهرا (7) ولما سيأتي من صحيح عبد الرحمن بن الحجاج في الحاضر الذي
بحكم الغائب (8). ويجوز أن يراد بالشهر شهر الحيض، وهو زمان طهر وحيض،
وأيا كان فيرجع إلى القول الأول.
(وآخرون) منهم: أبو علي (9) (بثلاثة) أشهر، واختاره في المختلف (10)
لصحيح جميل بن دراج عن الصادق (عليه السلام) قال: الرجل إذا خرج من منزله إلى
السفر فليس له أن يطلق حتى تمضي ثلاثة أشهر (11). وخبر إسحاق بن عمار سأل
الكاظم (عليه السلام) الغائب الذي يطلق أهله كم غيبته؟ قال: خمسة أشهر أو ستة أشهر.
قال: قلت: حد دون ذلك قال: ثلاثة أشهر (12).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 306 ب 25 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 3.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 503 ذيل حديث 4766.
(3) النهاية: ج 2 ص 434.
(4) الوسيلة: ص 320.
(5) المهذب: ج 2 ص 287.
(6) الجامع للشرائع: ص 465.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 307 ب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 3.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 310 ب 28 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1.
(9) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 357.
(10) مختلف الشيعة: ج 7 ص 358.
(11) وسائل الشيعة: ج 15 ص 308 ب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 7.
(12) المصدر السابق ح 8.
26
وظاهر الحسن (1) وعلي بن بابويه (2) أن له الطلاق أي وقت شاء، وهو ظاهر
كثير من الأخبار، كما تقدم من حسن الحلبي، وصحيح محمد بن مسلم سأل
أحدهما (عليهما السلام) عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب، قال: يجوز طلاقه على كل
حال (3).
(ولو طلق إحداهما) أي الحائض أو النفساء (بعد الدخول وعدم
الحبل والحضور أو حكمه فعل حراما) بلا خلاف (وكان باطلا) عندنا،
خلافا للعامة (4) (سواء علم بذلك) أي بكونها كذلك وبالحكم (أو لم يعلم)
إذ لا مدخل للعلم في خطاب الوضع.
(ولو خرج مسافرا في طهر لم يقربها فيه صح طلاقها) إن لم يعلم
بانتقالها إلى الحيض. (وإن صادف الحيض) بلا خلاف؛ لخبر أبي بصير قال
للصادق (عليه السلام): الرجل يطلق امرأته وهو غائب فيعلم أنه يوم طلقها كانت طامثا.
قال: يجوز (5). وكذا إن خرج في طهر قاربها فيه.
(و) لكن (لا يشترط الانتقال حينئذ) خرج في طهر لم يقربها (إلى
قرء آخر) لعدم اشتراطه مع الحضور، فمع الغيبة أولى.
وظاهر بعض العبارات كالتهذيب (6) والاستبصار (7) اعتبار التربص شهرا؛
لإطلاق خبر إسحاق.
(ولو كان حاضرا وهو لا يصل إليها بحيث يعلم حيضها) وطهرها
(كالغائب) وفاقا للمشهور، لصحيح عبد الرحمن بن الحجاج سأل الكاظم (عليه السلام)



(1) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 356.
(2) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 357.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 307 ب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1.
(4) المجموع: ج 17 ص 74.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 308 ب 26 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 6.
(6) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 62 باب أحكام الطلاق ح 121.
(7) الاستبصار: ج 3 ص 295 باب طلاق الغائب ح 4.
27
عن رجل تزوج امرأة سرا من أهلها وهي في منزل أهلها، وقد أراد أن يطلقها
وليس يصل إليها فيعلم طمثها إذا طمثت ولا يعلم بطهرها إذا طهرت، فقال: هذا
مثل الغائب عن أهله يطلقها بالأهلة والشهور، قلت: أرأيت إن كان يصل إليها
الأحيان، والأحيان لا يصل إليها فيعلم حالها، كيف يطلقها؟ فقال: إذا مضى له شهر
لا يصل إليها فيه يطلقها إذا نظر إلى غرة الشهر الآخر (1).
وخالف ابن إدريس تمسكا بأصل بقاء النكاح، وعموم اشتراط الخلو من
الحيض، وكون الحمل على الغائب قياسا مع كون الخبر خبرا واحدا (2). ودفع في
المختلف بأن الخبر نص في الباب، وإذا وافق المعنى المعقول الحديث الصحيح
واشتهر بين الجماعة العمل به كان متعينا (3).
(الثاني: الاستبراء) وهو شرط بالإجماع والنصوص الكثيرة (4).
(فإن طلق في طهر واقعها فيه لم يصح، إلا أن تكون يائسة، أو لم
تبلغ المحيض) أي تسع سنين كما في النهاية (5) والسرائر (6) وغيرهما
(أو حاملا، أو مسترابة) أي من لا تحيض وهي في سن من تحيض بالاتفاق
والنصوص، وهي كثيرة.
(و) لكن يشترط في المسترابة أن يكون (قد مضى لها ثلاثة أشهر لم تر
دما معتزلا لها) كما قطع به الأصحاب.
(فإن طلق المسترابة قبل مضي ثلاثة أشهر من حين الوطء لم يقع)
لصحيح إسماعيل بن سعد الأشعري: سأل الرضا (عليه السلام) عن المسترابة من المحيض
كيف تطلق؟ قال: تطلق بالشهور (7). ولمرسل داود بن أبي يزيد العطار عن



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 310 ب 28 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1.
(2) السرائر: ج 2 ص 686.
(3) مختلف الشيعة: ج 7 ص 361.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 279 ب 9 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(5) النهاية: ج 2 ص 441.
(6) السرائر: ج 2 ص 687.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 414 ب 4 من أبواب العدد ح 17.
28
الصادق (عليه السلام) سأل عن المرأة يستراب بها ومثلها تحمل ومثلها لا تحمل
ولا تحيض وقد واقعها زوجها كيف يطلقها إذا أراد طلاقها؟ قال: ليمسك عنها
ثلاثة أشهر ثم يطلقها (1). وخبر الحسن بن علي بن كيسان قال: كتبت إلى
الرجل (عليه السلام) أسأله عن رجل له امرأة من نساء هؤلاء العامة وأراد أن يطلقها وقد
كتمت حيضها وطهرها مخافة الطلاق، فكتب (عليه السلام): يعتزلها ثلاثة أشهر ويطلقها (2).
وليس من المسترابة من لا تحيض إلا في أربعة أشهر - مثلا - فصاعدا، بل
يجب استبراؤها بحيضة.
(فإذا حاضت بعد الوطء) ولو بلحظة (صح طلاقها إذا طهرت) فإن
الحيض دل على براءة الرحم، وهو شامل لما إذا وطئها في الحيض، إذ لا يتعين
" حاضت " لحدوث الحيض، والأمر كذلك، لصدق الطهر الذي لم يجامعها فيه،
ويمكن أن يعود ضمير " حاضت " على المسترابة، أي من كانت مسترابة فاتفق أن
حاضت بعد الوطء زال عنها الاسترابة وحكمها.
(الفصل الثالث: الصيغة)
(ويشترط فيها أمور) خمسة:
(الأول: التصريح)
(وهو قوله: أنت أو هذه أو فلانة أو زوجتي) معينة أو غيرها على
القولين (طالق) ولا خلاف في وقوعه بذلك.
(ولو قال: أنت طلاق أو الطلاق أو من المطلقات أو مطلقة على رأي)
وفاقا للشرائع (3) وخلافا للمبسوط (4) (أو طلقت فلانة على رأي) وفاقا للشيخ
كما نسب إليه، وهو ظاهر التبيان (5). وخلافا للمبسوط (6) (لم يقع) لعدم التصريح.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 335 ب 40 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 311 ب 28 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 2.
(3) شرائع الإسلام: ج 3 ص 17.
(4) المبسوط: ج 5 ص 25.
(5) التبيان: ج 10 ص 29.
(6) المبسوط: ج 5 ص 25.
29
أما " طلاق " و" الطلاق " فلأنه مصدر، وهي لا توصف بالمصدر إلا إذا تجوز
به عن الصفة. وأما البواقي فلظهورها في الخبر، وإنما يطلق في إنشاء الطلاق
مجازا، ولعل الفرق بينها (1) وبين " طالق " بالنص والإجماع واستصحاب قيد
النكاح والاحتياط، والحصر في النصوص في " طالق " (2) وإلا فالكل مشتركة في
الكون حقيقة في الإخبار، مجازا في الإنشاء.
ويمكن أن يكون السر في ذلك أن " المطلقة " بمعنى الموقع عليها الطلاق،
وظاهره تقدم الطلاق على اللفظ (3) بخلاف " طالق " فإنه لازم " وطلقتك " ظاهره
إيقاع الطلاق عليها في الزمان الماضي، لا الحال المناسب لإنشاء الطلاق.
وحكى في المبسوط عن العامة: أن من الصريح سرحتك وأنت مسرحة،
وفارقتك وأنت مفارقة، وطلقتك وأنت طالقة أو مطلقة. وقال: وعندنا أن قوله:
" أنت مطلقة " إخبار عما مضى فقط، فإن نوى به الإيقاع في الحال فالأقوى أن
نقول: إنه يقع به. ثم قال: إذا قال: طلقتك نظرت فإن قال: " نويت بها الطلاق " وقع
عندنا به الطلاق، وعندهم يكون ذكر النية تأكيدا، فإن قال: " نويت بها الطلاق "
كان صريحا (4) انتهى.
ويعضده ما يدل على وقوع الطلاق بقوله: " نعم " في جواب " طلقتها " كما
تعرفه الآن، فإنه أولى بالصحة، و" مطلقة " أولى بها من " طلقت " لكونها حقيقة في
الحال دون الماضي، ولعله الوجه في تخصيصهما بإيقاع الطلاق بهما.
(ولو قيل) له: (طلقت فلانة) سؤالا أو خبرا (فقال: نعم قيل) في
ظاهر النهاية (5) والوسيلة (6) وغيرهما: (يقع) لخبر السكوني عن جعفر عن أبيه
عن علي (عليهم السلام): في الرجل يقال له: طلقت امرأتك، فيقول: نعم، قال: قد طلقها



(1) في ط بدل " بينها ": بينهما.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 294 ب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(3) في ط زيادة: أو تأخره.
(4) المبسوط: ج 5 ص 25.
(5) النهاية: ج 2 ص 427 - 428.
(6) الوسيلة: ص 324.
30
حينئذ (1). وخبر حفص بن البختري عن الصادق (عليه السلام) في رجل طلق امرأته ثلاثا
فأراد رجل أن يتزوجها كيف يصنع؟ قال: يأتيه فيقول: طلقت فلانة؟ فإذا قال:
نعم تركها ثلاثة أشهر ثم خطبها إلى نفسها (2). ولأن " نعم " صريح في " طلقت "
وهو صريح في إيقاع الطلاق، والصريح في الصريح صريح.
والخبران مع الضعف ليسا بنصين في الباب، لجواز أن يكون المعنى أنه إقرار
بالطلاق كما في المبسوط (3) والسرائر (4). ويؤيده ما في الثاني من أنه كان طلقها
ثلاثا، ولا ينافيه التربص ثلاثة أشهر، ولا لفظ " حينئذ " في الأول، وأما الدليل
الثالث فممنوع المقدمات. والأقوى عدم الوقوع به للأصل، والاحتياط، والحصر
في الأخبار (5) في " أنت طالق ".
(ولو قال: كل امرأة لي طالق وقع) بالجميع، وإن لم يكن له إلا واحدة
وقع بها (وفي النداء) بقوله: يا طالق (إشكال) من الأصل، والاحتياط،
والخروج عن المنصوص وما اجمع عليه، وعدم الصراحة، بل ظهور الخلاف؛ لأنه
لإنشاء نداء من اتصفت بالطلاق، وظاهره تقدمه على النداء، وهو خيرة موضع من
المبسوط (6).
ومن التلفظ ب‍ " طالق " مع التعيين بالنداء، وهو خيرة موضع آخر من
المبسوط (7). وضعفه ظاهر.
(ولا يقع) عندنا (بالكنايات جمع وإن نوى بها الطلاق) ظاهرة أو
باطنة (كقوله: أنت خلية أو برية) وهما من الكنايات الظاهرة (أو حبلك
على غاربك، أو الحقي بأهلك) أو اذهبي، أو أغربي، أو تقنعي، أو استبرئي
رحمك، وهي من الخفية.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 296 ب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 6.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 323 ب 31 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1.
(3) المبسوط: ج 5 ص 52.
(4) السرائر: ج 2 ص 676.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 294 ب 16 من أبواب مقدمات الطلاق.
(6) المبسوط: ج 5 ص 89.
(7) المبسوط: ج 6 ص 252.
31
(أو بائن أو حرام أو بتة أو بتلة) وهي من الكنايات الظاهرة، خلافا
للعامة (1).
ويدل على ما نقوله - مع الأصل والإجماع - الأخبار، كخبر محمد بن مسلم
عن الباقر (عليه السلام) في رجل قال لامرأته: أنت حرام أو بائنة أو بتة أو خلية أو برية،
فقال: هذا ليس بشيء إنما الطلاق أن يقول لها في قبل عدتها قبل أن يجامعها: أنت
طالق، ويشهد على ذلك رجلين عدلين (2).
(أو اعتدي) وهو أيضا من الكنايات الخفية (وإن نوى به) إنشاء الطلاق
(على رأي) وفاقا للمشهور، بل المجمع عليه كما في الانتصار (3) والخلاف (4).
ويؤيده الأصل، والاحتياط، وخبر محمد بن مسلم الذي سمعته الآن.
وأوقعه به أبو علي (5) لقول الباقر (عليه السلام) في الحسن لمحمد بن مسلم: إنما الطلاق
أن يقول لها في قبل العدة بعد ما تطهر من حيضها قبل أن يجامعها: " أنت طالق،
أو اعتدي " يريد بذلك الطلاق، ويشهد على ذلك رجلين عدلين (6). وقول
الصادق (عليه السلام) في (7) حسن الحلبي: الطلاق أن يقول لها: اعتدي، أو يقول لها: أنت
طالق (8).
والجواب: ما أشار إليه الشيخ (9) من أن المراد منهما أن الطلاق إما أن تكون
حاضرة عند الشاهدين فيخاطبها بالطلاق ويقول لها: أنت طالق، أو بأن يقول عند
الشاهدين وهي غائبة: فلانة طالق، ثم يأتيها فيقول لها: اعتدي فقد طلقتك.



(1) شرح فتح القدير: ج 3 ص 397 - 400.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 295 ب 16 من أبواب مقدمات الطلاق ذيل الحديث 3.
(3) الانتصار: 129.
(4) الخلاف: ج 4 ص 462 و465 مسألة 20.
(5) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 344.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 295 ب 16 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 3.
(7) في ط زيادة: خبر.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 295 - 296 ب 16 من أبواب مقدمات الطلاق ح 4.
(9) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 27 باب أحكام الطلاق ذيل حديث 29.
32
وبالجملة ف‍ " اعتدي " ليس من صيغة الطلاق، وإنما يقوله بعد إيقاعه بصيغته.
ويؤيده قول الباقر (عليه السلام) في خبر (1) محمد بن قيس: الطلاق للعدة أن يطلق الرجل
امرأته عند كل طهر يرسل إليها أن اعتدي، فإن فلانا قد طلقك (2).
وخبر سماعة، عن محمد بن زياد، عن عبد الله بن سنان، عن الصادق (عليه السلام)
قال: يرسل إليها فيقول الرسول: اعتدي، فإن فلانا فارقك. قال ابن سماعة: وإنما
معنى قول الرسول: اعتدي، فإن فلانا قد فارقك يعني: الطلاق، أنه لا تكون فرقة
إلا بطلاق (3).
وخبر ابن سماعة أيضا عن علي بن الحسن الطاطري قال: الذي اجمع عليه
في الطلاق أن يقول: " أنت طالق " أو " اعتدي " وذكر أنه قال لمحمد بن أبي حمزة:
كيف يشهد على قوله: اعتدي؟ قال: يقول أشهدوا اعتدي. قال ابن سماعة: غلط
محمد بن أبي حمزة أن يقول: أشهدوا اعتدي. قال الحسن بن سماعة: ينبغي أن
يجيء بالشهود إلى حجلتها، أو يذهب بها إلى الشهود إلى منازلهم، وهذا المحال
الذي لا يكون ولم يوجب الله عز وجل هذا على العباد. وقال الحسن: ليس الطلاق
إلا كما روى بكير بن أعين أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع: أنت طالق،
ويشهد شاهدين عدلين، وكل ما سوى ذلك فهو ملغى (4).
(أو خيرها وقصد) به (الطلاق فاختارت نفسها في الحال على
رأي) وفاقا للمشهور للأصل، والاحتياط، والأخبار الحاصرة للصيغة في غير
ذلك (5). والأخبار الناطقة بأن التخيير كان من خواصه (صلى الله عليه وآله)، وأنه في غيره ليس
بشيء وهي كثيرة (6).



(1) في ن بدل " خبر ": حسن.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 296 ب 16 من أبواب مقدمات الطلاق ح 5.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 295 ب 16 من أبواب مقدمات الطلاق ح 2.
(4) الكافي: ج 6 ص 70 باب ما يجب أن يقول من أراد أن يطلق ذيل حديث 4.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 294 ب 16 من أبواب مقدمات الطلاق.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 335 ب 41 من أبواب مقدمات الطلاق.
33
وقال أبو علي: إذا أراد الرجل أن يخير امرأته اعتزلها شهرا وكانت على طهر
من غير جماع على مثل الحال التي لو أراد أن يطلقها فيه طلقها ثم خيرها، فقال
لها: خيرتك أو قد جعلت أمرك إليك، ويجب أن يكون ذلك بشهادة، فإن اختارت
نفسها من غير أن تتشاغل بحديث من قول أو فعل - كان يمكنها أن لا تفعله - صح
اختيارها، فإن اختارت بعد فعلها ذلك لم يكن اختيارها ماضيا، وإن اختارت في
جواب قوله لها ذلك وكانت مدخولا بها وكان تخييره إياها من غير عوض أخذه
منها كانت كالتطليقة الواحدة التي هو أحق برجعتها في عدتها، فإن كانت غير
مدخول بها فهي تطليقة بائنة، وإن كان تخييره عن عوض أخذه فهو بائن وهي
أملك بنفسها، وإن جعل الاختيار إلى وقت بعينه فاختارت قبله جاز اختيارها،
وإن اختارت بعده لم يجز (1).
ونحوه كلام الحسن، إلا أنه أطلق رجعية الطلاق، وذكر أنه إن أجل الخيار إلى
وقت معلوم ثم رجع عنه قبله كان له ذلك، وقال: وليس يجوز للزوج أن يخيرها
أكثر من واحد بعد واحد وخيار بعد خيار بطهر وشاهدين، فإن خيرها أكثر من
واحدة أو خيرها أن تختار نفسها في غير عدتها كان ذلك ساقطا غير جائز. قال:
ومستندهما أخبار، منها: حسن حمران سمع الباقر (عليه السلام) يقول: المخيرة تبين من
ساعتها من غير طلاق ولا ميراث بينهما، لأن العصمة قد بانت منها ساعة كان ذلك
منها ومن الزوج (2).
وخبر زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إذا اختارت نفسها فهي تطليقة بائنة
وهو خاطب من الخطاب، وإن اختارت زوجها فلا شيء (3).
وخبره قال للباقر (عليه السلام): رجل خير امرأته، فقال: إنما الخيار لها ما داما في
مجلسهما، فإذا تفرقا فلا خيار لها، قال: فقلت: أصلحك الله فإن طلقت نفسها ثلاثا



(1) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 339.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 338 ب 41 من أبواب مقدمات الطلاق ح 11.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 337 ب 41 من أبواب مقدمات الطلاق ح 9.
34
قبل أن يتفرقا من مجلسهما، قال: لا يكون أكثر من واحدة وهو أحق برجعتها قبل
أن تنقضي عدتها (1).
وخبر يزيد الكناسي عنه (عليه السلام) قال: لا ترث المخيرة من زوجها شيئا في
عدتها، لأن العصمة قد انقطعت فيما بينها وبين زوجها من ساعتها، فلا رجعة له
عليها، ولا ميراث بينهما (2).
ولاختلافها في البينونة وعدمها اختلف كلامهما، والأنسب بالجمع وبأحكام
الطلاق ما اختاره أبو علي من التفصيل.
والجواب: حملها على أن التخيير توكيل لها في الطلاق، كما هو ظاهر ثاني
خبري زرارة، ومعنى قوله في الخبر الأول: " من غير طلاق " من الزوج.
ويمكن أن يكون ما في بعضها من اشتراط الاتحاد في المجلس، لاحتمال
العزل عن الوكالة مع الافتراق. على أنها موافقة لمذهب العامة (3) فيحتمل التقية.
(ولا يقع إلا بالعربية مع القدرة) عليها وفاقا لابني إدريس (4) وسعيد (5)
للأصل، والاحتياط، والحصر في الأخبار في قوله: أنت طالق.
وخلافا لظاهر النهاية (6) والوسيلة (7) لخبر وهب عن جعفر، عن أبيه، عن
علي (عليهم السلام) قال: كل طلاق بكل لسان فهو طلاق (8). وهو مع الضعف محمول على
صورة العجز.
(ولا يقع بالإشارة إلا مع العجز عن النطق كالأخرس) بالاتفاق،
للأصل والاحتياط، والحصر في الأخبار في اللفظ، ولأنه لما لم يقع بالكناية
فبالإشارة أولى، ويقع من الأخرس بالإشارة المفهمة.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 338 ب 41 من أبواب مقدمات الطلاق ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 337 ب 41 من أبواب مقدمات الطلاق ح 10.
(3) المجموع: ج 17 ص 88.
(4) السرائر: ج 2 ص 676.
(5) الجامع للشرائع: ص 466، شرائع الإسلام: ج 3 ص 17.
(6) النهاية: ج 3 ص 429.
(7) الوسيلة: 324.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 297 ب 17 من أبواب مقدمات الطلاق ح 1.
35
(و) منها ما (في رواية) السكوني من أنه (يلقي القناع عليها)
ويعتزلها (1) وكذا في رواية أبي بصير (2). واقتصر عليه الصدوقان (3) ونسبه المحقق
إلى الشذوذ.
ويدل على الوقوع بالكتابة وبسائر الإشارات صحيح البزنطي قال: سألت
الرضا (عليه السلام) عن الرجل تكون عنده المرأة فصمت فلا يتكلم، قال: أخرس؟ قلت:
نعم، قال: فيعلم منه بغض لامرأته وكراهة لها؟ قلت: نعم، أيجوز له أن يطلق عنه
وليه؟ قال: لا ولكن يكتب ويشهد على ذلك، قلت: أصلحك الله لا يكتب ولا يسمع
كيف يطلقها؟ قال: بالذي يعرف به من فعله مثل ما ذكرت من كراهته لها أو بغضه
لها (4). وفيه تقديم الكتابة على الإشارة.
وخبر إسماعيل بن مرار عن يونس: في رجل أخرس كتب في الأرض بطلاق
امرأته، قال: إذا فعل ذلك في قبل الطهر بشهود وفهم منه كما يفهم عن مثله ويريد
الطلاق جاز طلاقه على السنة (5).
(ولا) يقع (بالكتابة وإن كان غائبا على رأي) وفاقا للأكثر، ومنهم:
الشيخ في المبسوط والخلاف، وحكى فيه الإجماع عليه (6) وهو ظاهر
المبسوط (7) وإن تعرض فيه لرواية الخلاف.
ويدل عليه الأصل والاحتياط، وأن الكتابة ليست من الإنشاء في شيء
والأخبار الحاصرة في قول: " أنت طالق ". وحسن زرارة قال للباقر (عليه السلام): رجل
كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه ثم بدا له فمحاه، قال: ليس ذلك بطلاق ولا عتاق
حتى يتكلم به (8).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 300 ب 19 من أبواب مقدمات الطلاق ح 3.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 301 ب 19 من أبواب مقدمات الطلاق ح 5.
(3) المقنع: ص 119، من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 515، ذيل الحديث 4806.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 299 ب 19 من أبواب مقدمات الطلاق ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 300 ب 19 من أبواب مقدمات الطلاق ح 4.
(6) الخلاف: ج 4 ص 469 مسألة 29.
(7) المبسوط: ج 5 ص 28.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 291 ب 14 من أبواب مقدمات الطلاق ح 2.
36
وخلافا للنهاية (1) والوسيلة (2) والكامل (3) فأوقعوه بها مع الغيبة، لصحيح
الثمالي سأل الباقر (عليه السلام) عن رجل قال لرجل: اكتب يا فلان إلى امرأتي بطلاقها أو
اكتب إلى عبدي بعتقه، يكون ذلك طلاقا أو عتقا؟ فقال: لا يكون طلاقا ولا عتقا
حتى ينطق به، أو يخطه بيده وهو يريد الطلاق أو العتق، ويكون ذلك بالأهلة
والشهور، ويكون غائبا عن أهله (4). ويبعد حمله على الضرورة إذ لا يشترط
عندها الغيبة.
(ولو عجز عن النطق) لخرس وغيره (فكتب ونوى صح) لما عرفت.
الشرط (الثاني: التنجيز).
(فلو علقه على شرط) وهو ما يحتمل الوقوع وعدمه (أو صفة) وهي
ما يعلم وقوعه (لم يقع) عندنا، وفي الشرائع: لم أقف فيه على مخالف منا (5).
وفي الانتصار: الإجماع في الشرط (6).
ويدل عليه الأصل والاحتياط، وأنه ينافي الإيقاع والإنشاء، وذلك (كقوله:
أنت طالق إن دخلت الدار) وإن دخلتها (أو إذا جاء رأس الشهر، أو إن
شئت، وإن قالت: شئت. ولو فتح " أن ") في الأخير أو الأول وعرف المعنى
وأراد ما هو الظاهر من تقدير " لأن " على أن اللام للتعليل دون التوقيت (وقع)
الطلاق (في الحال) وإن لم تكن شاءت ولا دخلت الدار؛ لحصول التنجيز.
(ولو قال: " أنت طالق لرضا فلان " فإن قصد الغرض) أي التعليل
برضاه (صح) وإن لم يرض به للتنجيز (وإن قصد الشرط) بكون اللام
للتوقيت أو قصده مع جعل اللام للتعليل (بطل) وإن رضي. وإن اشتبه عليه الأمر
بعد ذلك تعارض أصل بقاء النكاح، وظهور اللام في التعليل.



(1) النهاية: ج 2 ص 429 - 430.
(2) الوسيلة: ص 323.
(3) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 348.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 291 ب 14 من أبواب مقدمات الطلاق ح 3.
(5) شرائع الإسلام: ج 3 ص 18.
(6) الانتصار: ص 127.
37
(ولو قال: " أنت طالق الآن إن كان الطلاق يقع بك " فإن جهل حالها)
أو الحكم (لم يقع وإن كانت طاهرا) طهرا يقع فيه بها الطلاق، للتعليق.
(وإن علم طهرها) وأنه يقع بها (وقع) وفاقا للمحقق (1) لانتفاء التعليق حينئذ،
وأطلق الشيخ البطلان (2) ويمكن أن يريد التفصيل.
(ولو قال: " أنت طالق إلا أن يشاء زيد " لم يصح) للتعليق (وكذا
لو قال: إن شاء الله) لذلك إلا أن لا يريد به إلا مجرد التبرك.
الشرط (الثالث: عدم التعقيب بالمبطل)
(فلو قال للطاهر المدخول بها) وإن لم يقربها في ذلك الطهر: (أنت
طالق للبدعة فالأقرب البطلان، لأن البدعي لا يقع وغيره ليس بمقصود)
وإذا كانت طاهرا لم يقربها في طهرها كان مع ذلك تعليقا للطلاق.
وللشيخ في الخلاف قول بالوقوع بمجرد قوله: " أنت طالق " ويلغو قوله:
" للبدعة " (3). وهو صحيح إن أراد إيقاعه أولا بقوله: أنت طالق، ثم يجدد له التقييد
أو التعليق بالبدعة لفظا فقط، أو وقصدا.
(ولو قال: أنت طالق نصف طلقة أو ربع طلقة) ووافق القصد لفظه
(لم يقع) لأنه لم يوقع الطلاق، خلافا للعامة (4) وعن الشيخ موافقتهم (5).
(وكذا لو قال: نصف طلقتين) وأراد النصف من كل طلقة، نعم لو لم يرد
إلا طلقة صح، لعدم المانع بوجه.
(أما لو قال: نصفي طلقة، أو ثلاثة أثلاث طلقة، فالأقرب الوقوع)
وفاقا للشرائع (6) لأنه في الحقيقة قصد إيقاع طلقة كاملة ولم يعقب بما يبطله،
وخلافا للمبسوط (7) بناء على أن الطلاق لا يقبل التجزئة.



(1) شرائع الإسلام: ج 3 ص 19.
(2) المبسوط: ج 5 ص 12.
(3) الخلاف: ج 4 ص 455 مسألة 8.
(4) شرح فتح القدير: ج 3 ص 361، المجموع: ج 17 ص 135.
(5) لم نعثر عليه.
(6) شرائع الإسلام: ج 3 ص 20.
(7) المبسوط: ج 5 ص 57.
38
(ولو قال: أنت طالق نصف وثلث وسدس طلقة وقعت طلقة) فإنه
بمنزلة طلقة.
(ولو قال: نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة لم يقع شيء) لتغاير
الطلقات التي اعتبر أجزاؤها، فيكون كقوله: نصف طلقتين، وأولى بالبطلان.
(ولو قال: " أنت طالق " ثم قال: " أردت أن أقول: طاهر ") مما يقاربه
في الحروف أو فاصلة مما لا يقاربه (قبل منه ظاهرا) بالإجماع منا كما في
الخلاف (1) ولأنه لا يقع إلا بالنية، ولا يعرف إلا من قبله والأصل معه إلا أن
يعارضه الظاهر، ولذا قال في المبسوط: إنما يقبل في العدة لا بعدها (2) (ودين في
الباطن بنيته).
(ولو قال: أنت طالق) طلقة (قبل طلقة أو بعدها) أي بعد طلقة أو
بعدها طلقة (أو قبلها) طلقة (أو معها) طلقة أو مع طلقة (لم يقع) لأنه نوى
طلاقا فاسدا، وهو المتعدد دفعة (وإن كانت) قابلة لأكثر من طلقة بأن كانت
(مدخولا بها).
(ويحتمل الوقوع لو قال: مع طلقة) أو معها طلقة (أو قبل طلقة أو
بعدها) طلقة (أو عليها) طلقة (دون قبلها طلقة أو بعد طلقة) لأنه في
الأخيرين إنما نوى إيقاع طلقة متأخرة عن طلقة وهو ينافي التنجيز، إلا أن يكون
طلقها سابقا طلقة صحيحة وأراد تأخر هذه الطلقة عنها فيقع، وأما فيما قبلهما (3)
فإنه نوى إيقاع طلقة بها، وإن وصفها بعد ذلك بمقارنة طلقة أو بالتقدم على طلقة
فيكون لغوا، وأوقع بالجميع في المبسوط (4).
(ولو قال: " أنت طالق ثلاثا أو اثنتين " قيل) في الوسيلة (5) والجامع (6)



(1) الخلاف: ج 4 ص 458 مسألة 14.
(2) المبسوط: ج 5 ص 25.
(3) في ن بدل " قبلهما ": قبلها.
(4) المبسوط: ج 5 ص 55.
(5) الوسيلة: ص 322.
(6) الجامع للشرائع: ص 468، وفيه: وقع إن كان يراه، وإن كان لا يراه لم يقع.
39
وظاهر المراسم (1): (بطل) وهو قول الحسن (2) لأن ما نواه غير مشروع،
وما شرع غير منوي، مع الأصل والاحتياط والأخبار: كخبر الحسن الصيقل عن
الصادق (عليه السلام) قال: لا تشهد أن يطلق ثلاثا في مجلس (3).
وصحيح أبي بصير عنه (عليه السلام) قال: من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشيء من
خالف كتاب الله رد إلى كتاب الله (4).
وخبر علي بن إسماعيل قال: كتب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن (عليه السلام):
جعلت فداك روى أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يطلق امرأته ثلاثا
بكلمة واحدة على طهر بغير جماع بشاهدين أنه يلزمه تطليقة واحدة، فوقع (عليه السلام)
بخطه: أخطئ على أبي عبد الله (عليه السلام)، لا يلزمه الطلاق، ويرد إلى الكتاب والسنة إن
شاء الله (5).
والأخبار الناهية عن المطلقات ثلاثا في مجلس، كخبر عمر بن حنظلة عن
الصادق (عليه السلام): إياكم والمطلقات ثلاثا في مجلس واحد، فإنهن ذوات أزواج (6).
ويشترك الكل في عدم النصوصية.
(وقيل) في المشهور: (يقع) طلقة (واحدة) لوجود المقتضي لها،
وانتفاء المانع، فإن الزيادة عليها لا يمنع منها، بل غايته أن يكون لغوا. وقد يقال:
المعتبر إنما واحدة منفردة فإذا انضم إليها غيرها فسدت. وللأخبار كصحيح
زرارة سأل أحدهما (عليهما السلام) عن رجل طلق امرأته ثلاثا في مجلس وهي طاهر: قال
هي واحدة (7).



(1) انظر المراسم: ص 160.
(2) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 353.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 315 ب 29 من أبواب مقدمات الطلاق ح 17 وفيه: لا تشهد
لمن طلق ثلاثا في مجلس واحد.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 313 ب 29 من أبواب مقدمات الطلاق ح 8.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 316 ب 29 من أبواب مقدمات الطلاق ح 19.
(6) المصدر السابق ح 20.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 311 ب 29 من أبواب مقدمات الطلاق ح 2.
40
وصحيح أبي بصير الأسدي، ومحمد بن علي الحلبي، وعمر بن حنظلة عن
الصادق (عليه السلام) قال: الطلاق ثلاثا في غير عدة إن كانت على طهر فواحدة، وإن لم
تكن على طهر فليس بشيء (1).
وحسن جميل سأل أحدهما (عليهما السلام) عن الذي يطلق في حال طهر في مجلس
ثلاثا، قال: هي واحدة (2).
وظاهر الجميع التطليق ثلاث مرات، لا بلفظ واحد مقيد بالثلاث.
(والمخالف يلزمه ما يعتقده) من وقوع الثلاث أو الاثنتين، فزوجته
بحكم من طلقت ثلاثا أو اثنتين اتفاقا كما يظهر منهم، والأخبار به كثيرة: كخبر أبي
أيوب قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فجاء رجل فسأله فقال: رجل طلق امرأته
ثلاثا، فقال: بانت منه. قال: فذهب ثم جاء رجل آخر من أصحابنا فقال: رجل
طلق امرأته ثلاثا فقال: تطليقة. وجاء آخر فقال: رجل طلق امرأته ثلاثا، فقال:
ليس بشيء، ثم نظر إلي فقال: هو ما ترى، قال: قلت: كيف هذا؟ فقال: هذا يرى أنه
من طلق امرأته ثلاثا حرمت عليه، وأنا أرى أن من طلق امرأته على السنة ثلاثا
فقد بانت منه، ورجل طلق امرأته ثلاثا وهي على طهر فإنما هي واحدة، ورجل
طلق امرأته على غير طهر فليس بشيء (3).
(ولو قال: " أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا " صحت واحدة) لأنا إما أن نوقع
واحدة بقوله: " أنت طالق " ونلغي قوله: " ثلاثا " فكما لغا، لغا (وبطل الاستثناء)
وإما أن لا نوقع شيئا، لمنافاة قوله: " ثلاثا " له، فإذا قال: إلا ثلاثا اندفعت
المنافاة (4) فصحت الواحدة، ولما كان من نيته ذلك أولا لم يكن قوله: " ثلاثا إلا
ثلاثا " إلا مؤكدا لما نواه، وبمنزلة قوله: " لا ثلاثا ".



(1) المصدر السابق ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 312 ب 29 من أبواب مقدمات الطلاق ح 3.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 315 ب 29 من أبواب مقدمات الطلاق ح 16.
(4) في ق وي زيادة: فإنا نفيناها.
41
ولا يتوهمن أن قوله " إلا ثلاثا " نفي للثلاث كلها، فهو نفي للواحدة أيضا، فهو
أيضا من التعقيب بما ينافيه، لأن غايته أن يكون بمنزلة الإنكار بعد الإيقاع،
ولا عبرة به ما لم يرد به الرجعة، وهذا اللفظ مما لا يصلح لقصد الرجعة به فبطل
الاستثناء أيضا، فبطلان الاستثناء إشارة إلى الوجهين، والنظر مقطوع عن بطلان
استثناء الشيء من نفسه، مع احتمال الإشارة إليه وإن كان الأول أدق وأفيد.
(وكذا لو قال): أنت طالق (طلقة إلا طلقة) فإن استثناء الشيء من
نفسه باطل، وغايته هنا أن يكون إنكارا بعد الإيقاع، وقد عرفت أنه لا عبرة به.
(ولو قال: أنت طالق غير طالق فإن قصد الرجعة صحا معا) إن كانت
رجعية (فإن إنكار الطلاق رجعة) كما سيأتي، وإن كان كاذبا فهو أولى بذلك،
لأنه لفظ صالح لإنشاء الرجعة، وقد قصدها به. (وإن قصد النقض) للطلاق من
أصله (لزم الطلاق) إذ لا عبرة به بعد الإيقاع، فإنه يكون حينئذ بمنزلة طلقة
إلا طلقة.
(ولو قال: " زينب طالق " ثم قال: " أردت عمرة " قبل إن كانتا
زوجتين) له، للأصل والاحتياط، ولأنه لا يعرف إلا منه، وسبق اللسان إلى غير
المراد كثير. والفرق بينه وبين الإنكار المحض أو النقض ظاهر، نعم لا يسمع إن
عارضه ظاهر قوي، وإذا قبل فالظاهر عدم طلاق أحد منهما، لعدم النطق بلفظ
يعين المطلقة، مع احتمال الوقوع، لتنزيل زينب منزلة عمرة.
(ولو قال: " زينب طالق بل عمرة " طلقتا جميعا) لأن " بل " ليس نصا
في الإنكار أو النقض، فليحمل على الجمع (على إشكال) في وقوع طلاق
عمرة (ينشأ من اشتراط النطق بالصيغة) المركبة من المطلقة ولفظ الطلاق،
وظهور الأخبار في الانحصار في " أنت طالق " (1) فيحصل الشك في أن العطف
يكفي في ذلك. أو لابد من التلفظ بالطلاق صريحا في المعطوفة.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 294 ب 16 من أبواب مقدمات الطلاق.
42
ويجوز تعلق الإشكال بالمسألتين على أن يكون القبول في الأولى مشتملا
على وقوع الطلاق ب‍ " عمرة " وهو أيضا ناشئ من اشتراط النطق بالصيغة، فإن أحد
جزئي الصيغة اسم المطلقة، أو ما يجري مجرى اسمها مما يعينها، والشك حاصل
في أن " زينب " هل تتنزل هنا منزلة اسمها أم لا؟
(وكذا) الإشكال (لو قال لأربع: أوقعت بينكن أربع طلقات) من
اشتراط الصيغة، مع ظهور الأخبار في انحصارها في " أنت طالق ". ومما مر من
الدليل على الوقوع بقوله: طلقتك أو أنت مطلقة. وقطع في المبسوط بوقوع طلاق
كل منهن كما قطع به فيهما (1).
(ولو قال: أنت طالق أعدل طلاق أو أحسنه) أو أفضله أو أكمله أو أتمه
(أو أقبحه) أو أسمجه أو أردأه (أو أحسنه أو أقبحه، أو ملء مكة، أو ملء
الدنيا، أو طويلا، أو عريضا، أو صغيرا) أو حقيرا أو كبيرا أو عظيما (وقع)
لتمام الصيغة قبل القيود (ولم تضر الضمائم) وإن لم يتصف الطلاق حقيقة
بالصغر والكبر والعظم والحقارة وكونه مالئا لحيز، لشيوع التجوز بأمثالها.
نعم إن أراد بها أو بالباقي ما ينافي الطلاق ولم يتجدد القصد إلى ذلك بعد تمام
الصيغة لم يقع، لعدم القصد إلى الإيقاع.
الشرط (الرابع: إضافة الطلاق إلى المحل) وهو جملة الزوجة.
(فلو قال: يدك طالق، أو رجلك، أو رأسك، أو صدرك، أو وجهك) أو
بدنك من الأعضاء المعينة وإن كان يتجوز بالوجه والرأس واليد والبدن عن الجملة
كثيرا (أو) علقه على الجزء المشاع. كأن قال: (ثلثك، أو نصفك، أو) أضاف
الطلاق إلى نفسه كأن قال: (أنا منك طالق، لم يقع) عندنا، للأصل والاحتياط
والحصر. خلافا للعامة (2).
الشرط (الخامس): قصد (الإنشاء) كغيره من إيقاع أو عقد.



(1) المبسوط: ج 5 ص 8.
(2) شرح فتح القدير: ج 3 ص 359 وص 378.
43
(فلو قصد الإخبار لم يقع، ويصدق في قوله لو) ادعى أنه (قصده)
أي الإخبار ما لم يعلم أو يظهر كذبه؛ لأنه لا يعرف إلا منه، مع الأصل والاحتياط.
(الفصل الرابع: الإشهاد)
(وهو ركن في الطلاق) بالإجماع والنصوص من الأخبار وهي كثيرة (1)
والكتاب (2) لأن حقيقة الأمر الوجوب. مع أن تعليقه بالإمساك ليس بأقرب من
تعليقه بالطلاق وإن قرب لفظا، لتخلل قوله تعالى: " أو فارقوهن " (3) فلا يجوز
العطف على قوله: " فأمسكوهن " (4) بل لابد من العطف على مجموع هذه الشرطية
أو الشرطية الأولى، أعني قوله: " إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " (5).
وعلى كل لا يتعين ما فيه الإشهاد، وإذا حمل على الإشهاد في الطلاق بقي
الأمر على حقيقته من الوجوب لا إذا حمل على الإشهاد في الإمساك، إذ لا قائل
بوجوبه في الرجعة إلا مالك (6) والشافعي في أضعف قوليه (7). على أن العارف
بالكلام يعلم أن التخصيص بالإمساك بعيد جدا.
ثم الإمساك لا يتعين للرجعة إلا إذا حمل بلوغ الأجل على مشارفته وهو
خلاف الظاهر، فالظاهر أن يكون الإمساك بمعنى تجديد النكاح.
(ويشترط فيه سماع شاهدين ذكرين عدلين) كما نطق الكتاب (8)
والسنة (9) بالجميع (النطق بالصيغة) كما نطق به الأخبار والأصحاب. والعاجز
عن النطق يشاهد الشاهدان إشارته أو كتابته. وكأن من لم يذكر العدالة من
الأصحاب كالشيخ في النهاية (10) إنما تركها اعتمادا على الظهور لا ذهابا.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 281 ب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(2) الطلاق: 2.
(3) الطلاق: 2.
(4) الطلاق: 2.
(5) الطلاق: 1.
(6) الهداية للمرغيناني: ج 2 ص 7.
(7) الأم: ج 5 ص 245.
(8) الطلاق: 2.
(9) وسائل الشيعة: ج 15 ص 281 ب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(10) النهاية: ج 2 ص 426.
44
(فلو طلق ولم يشهد ثم أشهد لم يقع وقت الإيقاع) للأمر في
الأخبار بالطلاق بالشهادة بلفظة باء المصاحبة (1) ولأن رجلا بالكوفة أتى
أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إني طلقت امرأتي بعد ما طهرت من محيضها قبل أن
أجامعها فقال (عليه السلام): أشهدت رجلين ذوي عدل كما أمرك الله عز وجل (2)؟ فقال:
لا، فقال: اذهب فإن طلاقك ليس بشيء (3).
(ووقع حين الإشهاد إن قصد الإنشاء وقد أتى بلفظه) حينه (وإلا
فلا) وعليه يحمل خبر يعقوب بن يزيد عن أحمد بن محمد قال سألته عن
الطلاق، فقال: على طهر، وكان علي (عليه السلام) يقول: لا طلاق إلا بالشهود، فقال له
رجل: إن طلقها ولم يشهد ثم أشهد بعد ذلك بأيام فمتى تعتد؟ قال: من اليوم الذي
أشهد فيه على الطلاق (4).
(ويكفي سماعهما) صيغة الطلاق (وإن لم يأمرهما بالشهادة) كما ربما
يتوهم من لفظ الآية (5) لحسنة صفوان بن يحيى عن الرضا (عليه السلام) أنه سئل عن رجل
طهرت امرأته من حيضها فقال: فلانة طالق. وقوم يسمعون كلامه ولم يقل لهم:
أشهدوا، يقع الطلاق؟ قال: نعم هذه شهادة (6). ونحوها حسنة البزنطي عنه (عليه السلام) (7).
(ولا يقبل شهادة الفاسق وإن تعدد) حتى أفاد الشياع (ولا مع
انضمامه إلى عدل) لاشتراط العدالة في الكتاب والأخبار، ولا ينافيه خبر
البزنطي عن الرضا (عليه السلام) أنه قال له: إن أشهد رجلين ناصبيين على الطلاق
أيكون طلاقا؟ قال: من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 281 ب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(2) في ن زيادة: به.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 283 ب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 7.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 284 ب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 10.
(5) الطلاق: 2.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 302 ب 21 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 2.
(7) المصدر السابق ح 1.
45
منه خير (1) المنع كون الناصب مولودا على الفطرة ثم معرفة الخير منه، فإنه كناية
عن عدم معرفة الشر منه، وإلا فالإسلام خير.
وكذا صحيح عبد الله بن المغيرة قال قلت للرضا (عليه السلام): رجل طلق امرأته
وأشهد شاهدين ناصبيين: قال: كل من ولد على الفطرة، وعرف بالصلاح في نفسه،
جازت شهادته (2).
(ولو شهد فاسقان ثم تابا سمعت شهادتهما إن انضم إليهما في السماع
عدلان) وإن لم يشهدا معهما الآن لانعقاده صحيحا بشهادتهما (وإلا) ينضما
إليهما في السماع (فلا) فائدة لشهادة الفاسقين.
(ولابد من اجتماعهما حال التلفظ) بالصيغة أو إشارة العاجز أو كتابته
بالاتفاق كما هو الظاهر، لأنه المفهوم من الآية والأخبار، إذ مع الافتراق لم يقع في
الطلاق إشهاد عدلين ولا كان مصاحبا لشهادتهما. ولحسن البزنطي سأل
الرضا (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته على طهر من غير جماع وأشهد اليوم رجلا ثم
مكث خمسة أيام ثم أشهد آخر، فقال: إنما امر أن يشهدا جميعا (3).
(فلو أنشأ) الطلاق (بحضور أحدهما ثم أنشأ بحضور الآخر لم
يقع) إذا لم يشهدهما في شيء منهما.
(ولو أنشأ بحضور أحدهما ثم أنشأ بحضورهما معا وقع الثاني) إن
قصد به الإنشاء (ولو قصد في الثاني الإخبار بطلا) وهو ظاهر.
(ولو شهدا بالإقرار لم يشترط الاجتماع) للأصل من غير معارض.
(ولو شهد أحدهما بالإنشاء والآخر بالإقرار لم يقبل، ولا يشترط
اجتماعهما في الأداء بل) إنما يشترط (في التحمل للإنشاء) للأصل بلا
معارض، وعليه يحمل صحيح ابن البزيع سأل الرضا (عليه السلام) عن تفريق الشاهدين



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 282 ب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 290 ب 41 من أبواب الشهادات ح 5.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 301 ب 20 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1.
46
في الطلاق؟ قال: نعم، وتعتد من أول الشاهدين، وقال: لا يجوز حتى يشهدا
جميعا (1).
والمراد بالاعتداد من أول الشاهدين: أنه إذا ثبت الطلاق بالشاهدين
فحساب العدة ليس من شهادة الأخير، بل من شهادة الأول، بل من الوقت الذي
شهد بوقوعه فيه.
(ولا يقبل شهادة النساء وإن انضممن إلى الرجال) باتفاق الأصحاب
كما يظهر منهم، لظاهر الآية (2). وحسن البزنطي قال للرضا (عليه السلام): فإن طلق على
طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين، فقال: لا تجوز شهادة النساء في الطلاق،
وقد تجوز شهادتهن مع غيرهن في الدم إذا حضرنه (3).
وقبل ابنا أبي عقيل (4) والجنيد (5) شهادتهن مع الرجال. وكذا الشيخ في
المبسوط (6). والظاهر أن مرادهم ثبوته بذلك بعد إيقاعه بشهادة رجلين لا إيقاعه،
وهو في كلام الشيخ أظهر، فلا خلاف في المسألة.
(ولو أشهد من ظاهره العدالة وقع) ظاهرا وباطنا (وإن كانا في
الباطن فاسقين أو أحدهما) إذ لا تكليف إلا بالظاهر، والأصل في المؤمن
العدالة، والأصل عدم اشتراط الزائد على ذلك في الوقوع باطنا (وحلت) هذه
المطلقة (عليهما) أي الشاهدين العادلين ظاهرا لا باطنا (على إشكال) من
وقوع الطلاق الصحيح ظاهرا وباطنا لما عرفت. ومن أنه إنما عفي عما في الباطن
واكتفي بالظاهر لمن لم يطلع إلا على الظاهر، لاستحالة تكليف الغافل دون المطلع
على الباطن.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 301 ب 20 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 2.
(2) الطلاق: 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 282 ب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 4.
(4 و5) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 463 - 464.
(6) المبسوط: ج 8 ص 172.
47
ويجوز تعليق الإشكال بكل من الوقوع والحلية عليهما كما في التحرير (1).
وينشأ في الوقوع، من إشتراط العدلين في الكتاب والسنة. والعدل حقيقة في
العدل في نفس الأمر لا ظاهر العدالة، وإنما يلزم من استحالة تكليف الغافل أن يقع
ظاهرا إلى أن ينكشف الفسق فينكشف الفساد.
(أما لو كان) المطلق (ظاهرا) أي مطلعا (على فسقهما فالوجه
البطلان) فإن ظهور العدالة إن أفاد فإنما يفيد في نظر المطلق، فهما حينئذ ليسا
بظاهري العدالة.
ولو كانا ظاهري الفسق، عادلين في أنفسهما فهل يقع؟ وجهان: من ظاهر
الآية (2) والأولوية. ومن حمل " ذوي عدل " على ظاهري العدالة.
(ولو كان أحدهما) أي الشاهدين (الزوج ففي صحة إيقاع الوكيل
إشكال) من صدق إشهاد المطلق شاهدين. ومن أن ظاهر الخطاب في الآية (3)
توجهه إلى الأزواج، وأن المطلق هو الزوج، والوكيل نائب منابه وكالآلة له.
(فإن قلنا به) أي الوقوع أو الصحة (لم يثبت) بشهادته مع الآخر عند
الحاكم فإنه المدعي قطعا.
* * *



(1) تحرير الأحكام: ج 2 ص 54 س 26.
(2) و (3) الطلاق: 2.
48
(المقصد الثاني في أقسام الطلاق)
(وهو إما واجب، كطلاق المولي والمظاهر، فإنهما يجب عليهما، إما
الطلاق أو الفئة) كما يأتي (وأيهما أوقعه كان واجبا) تخييرا، وكطلاق أحد
الحكمين إذا تعذر الصلح.
(وإما مندوب، كما) يوقعه الزوج (في حالة الشقاق إذا لم يمكن
الاتفاق) أو مع الريبة الظاهرة.
(وإما مكروه، كما في حالة التئام الأخلاق) لقوله (صلى الله عليه وآله): " أبغض الحلال
إلى الله الطلاق " (1) وقوله (صلى الله عليه وآله): " إن الله يبغض المطلاق الذواق " (2) إلى غير ذلك.
(وإما محظور، كطلاق الحائض والموطوءة في مدة الاستبراء) وهي
قبل الانتقال من طهر الوطء إلى آخر بالشروط الآتية، وكذا (3) لو قسم بينهن فلما
جاءت نوبة بعضهن طلقها على وجه، لما فيه من إسقاط حقها.
(وأيضا الطلاق إما بدعي أو شرعي، فالأول طلاق الحائض
والنفساء مع الدخول والحضور وعدم الحمل، و) طلاق (الموطوءة في
طهر المواقعة إذا كانت غير يائسة ولا صغيرة ولا حامل، والطلاق ثلاثا)



(1) السنن الكبرى: ج 7 ص 322.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 267 ب 1 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 5.
(3) في ن بدل " كذا " كما.
49
بلا تخلل رجعة، وبالجملة كل ما خالف الشرع منه.
(والكل باطل إلا الأخير، فإنه يقع واحدة) وإن كانت الثلاث بلفظ واحد
على أحد القولين، وقد عرفت الجميع. وإطلاق الطلاق على الفاسد إما حقيقة
لغوية، أو شرعية، أو عرفية، أو مجاز.
(وأما الشرعي: فإما طلاق عدة أو سنة، فالأول: يشترط فيه الرجوع
في العدة والمواقعة. وصورته: أن يطلق على الشرائط) المعتبرة (ثم
يراجع في العدة ويواقع، ثم يطلقها في غير طهر المواقعة) ولو باعتقاده إذا
كان غائبا (ثم يراجعها في العدة ويطؤها ثم يطلقها في طهر آخر) كما في
صحيح زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: وأما طلاق العدة التي قال الله تبارك وتعالى:
" فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة " فإذا أراد الرجل منكم أن يطلق امرأته طلاق
العدة فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها، ثم يطلقها تطليقة من غير
جماع بشهادة شاهدين عدلين ويراجعها من يومه ذلك إن أحب أو بعد ذلك بأيام
قبل أن تحيض ويشهد على رجعتها ويواقعها وتكون معه حتى تحيض الحيضة
الثالثة، فإذا حاضت وخرجت من حيضها، طلقها تطليقة اخرى من غير جماع
ويشهد على ذلك، ثم يراجعها أيضا متى شاء قبل أن تحيض، ويشهد على رجعتها
ويواقعها وتكون معه إلى أن تحيض الحيضة الثالثة، فإذا خرجت من حيضتها
الثالثة طلقها الثالثة بغير جماع ويشهد على ذلك (1).
ثم الظاهر من عبارة المصنف وكثير: أن مجموع الثلاث الطلقات صورة طلاق
العدة، وربما يتوهم من الخبر. والأجود ما [مر في النكاح و] (2) نص عليه جماعة
منهم: بنو إدريس (3) وسعيد (4): من أنه الطلاق الذي يراجع في عدته، والخبر بهذا
المعنى، فإنه تفسير للآية وقد أمر فيها، ولا يظهر وجه للأمر بالثلاث، فالمراد



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 348 ب 2 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 1.
(2) ما بين المعقوفتين زيادة في ط.
(3) السرائر: ج 2 ص 669.
(4) الجامع للشرائع: ص 466 وشرائع الإسلام: ج 3 ص 24.
50
في الخبر بقوله: " ثم يطلقها " ثم يطلقها إن أراد، وكذا الباقي.
وإذا طلقت الطلقة الثالثة (فتحرم عليه) بالنصوص (1) والإجماع (حتى
تنكح) زوجا (غيره فإذا فارقته ثم عادت إليه) بنكاح جديد (ففعل
كالأول ثم تزوجت بالمحلل) أي تزوج فوطئها (ثم فارقته وعادت إلى
الأول فصنع كما تقدم، حرمت عليه أبدا في) المرة (التاسعة) أو الطلقة (2)
التاسعة بالإجماع كما في الانتصار (3).
ولخبر أبي بصير سأل الصادق (عليه السلام) عن الذي يطلق ثم يراجع ثم يطلق ثم
يراجع ثم يطلق، قال: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فيتزوجها رجل آخر
فيطلقها على السنة، ثم ترجع إلى زوجها الأول فيطلقها ثلاث تطليقات فتنكح
زوجا غيره [فيطلقها] (4) ثم ترجع إلى زوجها الأول فيطلقها ثلاث مرات على
السنة، ثم تنكح، فتلك التي لا تحل له أبدا (5). [وما سيأتي في خبري جميل
وزرارة، مع داود بن سرحان] (6).
وقول الرضا (عليه السلام) في مكاتبة محمد بن سنان: وعلة تحريم المرأة بعد تسع
تطليقات فلا تحل له أبدا عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق ولا يستضعف المرأة،
وليكون ناظرا في أموره متيقظا وليكون يأسا لها (7) من الاجتماع بعد تسع
تطليقات (8).
(وأما طلاق السنة فأن يطلق على الشرائط، ثم يتركها حتى تخرج
من العدة) والظاهر حصول المسمى بمجرد ذلك.
(و) لكن إن أراد أن (يعقد عليها ثانيا) عقد (عقدا جديدا بمهر جديد



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 350 ب 3 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
(2) في ق، ط: للطلقة.
(3) الانتصار: ص 108.
(4) لم يرد في نسخ كشف اللثام.
(5) الخصال: ص 421 باب التسعة ح 18.
(6) ما بين المعقوفتين زيادة في ط.
(7) في وسائل الشيعة بدل " يأسا لها ": مؤيسا لها.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 360 ب 4 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 8.
51
ثم يطأها ثم يطلقها) إن أراد (في طهر آخر ويتركها حتى تخرج العدة ثم
يتزوجها) إن أراد (بعقد جديد ومهر جديد ثم يطأها ثم يطلقها في طهر
آخر) إن أراد، كما قال الباقر (عليه السلام) لزرارة في الصحيح: أما طلاق السنة فإذا أراد
الرجل أن يطلق امرأته فلينتظر بها حتى تطمث وتطهر، فإذا خرجت من طمثها
طلقها تطليقة من غير جماع، ويشهد شاهدين على ذلك، ثم يدعها حتى تطمث
طمثتين فتنقضي عدتها بثلاث حيض وقد بانت منه، ويكون خاطبا من الخطاب إن
شاءت تزوجته، وإن شاءت لم تزوجه وعليه نفقتها، والسكنى ما دامت في عدتها (1).
وإذا تمت الثلاث (فتحرم عليه حتى تنكح غيره ولا يهدم) تركها إلى
انقضاء (عدتها تحريمها في الثالثة) لعموم الآية (2) وقول الصادقين (عليهما السلام) في
صحيح زرارة ومحمد بن مسلم وغيرهما: إن الطلاق الذي أمر الله به في كتابه
وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) أنه إذا حاضت المرأة وطهرت من حيضها أشهد رجلين عدلين قبل
أن يجامعها على تطليقة ثم هو أحق برجعتها ما لم تمض ثلاثة قروء، فإن راجعها
كانت عنده على تطليقتين وإن مضت ثلاثة قروء قبل أن يواقعها (3) فهي أملك
بنفسها، فإن أراد أن يخطبها مع الخطاب خطبها، فإن تزوجها كانت عنده على
تطليقتين وما خلا هذا فليس بطلاق (4).
وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا أراد
الرجل الطلاق طلقها في قبل عدتها في غير جماع، فإنه إذا طلقها واحدة ثم تركها
حتى يخلو أجلها أو بعده فهي عنده على تطليقة، فإن طلقها الثانية وشاء أن يخطبها
مع الخطاب إن كان تركها حتى خلا أجلها، وإن شاء راجعها قبل أن ينقضي أجلها،
فإن فعل فهي عنده على تطليقتين، فإن طلقها ثلاثا فلا تحل له حتى تنكح زوجا
غيره وهي ترث وتورث ما دامت في الطلقتين الأولتين (5).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 344 ب 1 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 1.
(2) البقرة: 230.
(3) في وسائل الشيعة بدل " يواقعها ": يراجعها.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 351 - 352 ب 3 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 7.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 352 ب 3 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 8.
52
وقوله (عليه السلام) لأبي بصير: إذا أراد الرجل أن يطلق امرأة يدعها إن كان قد دخل
بها حتى تحيض ثم تطهر، فإذا طهرت طلقها واحدة بشهادة شاهدين ثم يتركها
حتى تعتد ثلاثة قروء، فإذا مضت ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة وكان زوجها
خاطبا من الخطاب، إن شاءت تزوجته، وإن شاءت لم تفعل، فإن تزوجها بمهر
جديد كانت عنده على اثنتين (1) باقيتين وقد مضت الواحدة، فإن هو طلقها واحدة
اخرى على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ثم تركها حتى تمضي أقراؤها.
فإذا مضت أقراؤها من قبل (2) أن يراجعها فقد بانت منه باثنتين وملكت أمرها
وحلت للأزواج وكان زوجها خاطبا من الخطاب، إن شاءت تزوجته، وإن شاءت
لم تفعل، فإن هو تزوجها تزويجا جديدا بمهر جديد كانت معه على واحدة باقية
وقد مضت ثنتان، فإن أراد أن يطلقها طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره
تركها حتى إذا حاضت وطهرت أشهد على طلاقها تطليقة واحدة، ثم لا تحل له
حتى تنكح زوجا غيره (3).
وظاهر الفقيه الهدم، قال: وسمي طلاق السنة طلاق الهدم متى استوفت
قروءها وتزوجها ثانية هدم الطلاق الأول (4).
ودليله أخبار: منها: خبر عبد الله بن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)
يقول: الطلاق الذي يحبه الله والذي يطلق الفقيه، وهو العدل بين المرأة والرجل،
أن يطلقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين وإرادة من القلب، ثم يتركها حتى
يمضي ثلاثة قروء فإذا رأت الدم في أول قطرة من الثالثة وهو آخر القروء، لأن
الأقراء هي الأطهار فقد بانت منه وهي أملك بنفسها، فإن شاءت تزوجته وحلت
له بلا زوج، فإن فعل هذا بها مائة مرة هدم ما قبله وحلت له بلا زوج، وإن راجعها
قبل أن تملك نفسها، ثم طلقها ثلاث مرات يراجعها ويطلقها لم تحل له إلا بزوج (5).



(1) في ن بدل " اثنتين ": تطليقتين.
(2) في ن، ق بدل " من قبل ": من غير.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 345 ب 1 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 3.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 495.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 355 ب 2 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 16.
53
ويضعفه - مع كون ابن بكير فطحيا - أن ابن سماعة قال: وكان ابن بكير يقول:
المطلقة إذا طلقها زوجها ثم تركها حتى تبين ثم يزوجها فإنما هي عنده على
طلاق مستأنف، قال: وذكر الحسين بن هاشم: أنه سأل ابن بكير عنها فأجابه بهذا
الجواب، فقال له: سمعت في هذا شيئا؟ فقال: رواية رفاعة، فقال: إن رفاعة روى
أنه إذا دخل بينهما زوج فقال: زوج وغير زوج عندي سواء. فقلت: سمعت في هذا
شيئا؟ فقال: لا، هذا مما رزق الله من الرأي، قال ابن سماعة: وليس نأخذ بقول ابن
بكير، فإن الرواية إذا كان بينهما زوج (1). وحكى عنه نحو ذلك عبد الله بن المغيرة (2).
فالظاهر ما في التهذيب: من أنه لما كان ذلك مذهبه ورأى أن أصحابه
لا يقبلونه منه إذا كان من رأيه أسنده إلى من رواه عن الباقر (عليه السلام) ترويجا له (3).
ومنها: خبر سيف بن عميرة عن عبد الله بن سنان قال: إذا طلق الرجل امرأته
فليطلق على طهر بغير جماع بشهود، فإن تزوجها بعد ذلك فهي عنده على ثلاث
وبطلت التطليقة الأولى، وإن طلقها اثنتين ثم كف عنها حتى تمضي الحيضة الثالثة
بانت منه بثنتين وهو خاطب، فإن تزوجها بعد ذلك فهي عنده على ثلاث تطليقات
وبطلت الاثنتان، فإن طلقها ثلاث تطليقات على العدة لم تحل له حتى تنكح
زوجا غيره (4). وهو موقوف على ابن سنان، فيجوز أن يكون رأيا رآه أو سمعه من
ابن بكير.
ومنها: خبر معلى بن خنيس عن الصادق (عليه السلام) في رجل طلق امرأته ثم لم
يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض، ثم تزوجها، ثم طلقها فتركها حتى حاضت
ثلاث حيض من غير أن يراجعها حتى (5) يمسها قال: له أن يتزوجها أبدا ما لم
يراجع ويمس (6). وهو مع الضعف لا ينص على المقصود.



(1) الكافي: ج 6 ص 78 ذيل حديث 3.
(2) الكافي: ج 6 ص 78 ذيل حديث 4.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 36 ذيل حديث 107.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 355 ب 3 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 15.
(5) في ن، ق بدل " حتى ": يعني.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 354 ب 3 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 13 مع اختلاف.
54
(ولا تحرم هذه) المطلقة للسنة (مؤبدا) أبدا، وهو مما قطع به
الأصحاب، ويؤيده الأصل، وعموم: " ما وراء ذلكم " (1). ولا يعارضهما عموم (2)
خبر زرارة وداود بن سرحان عن الصادق (عليه السلام): إن الذي يطلق الطلاق الذي لا
تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات لا تحل له أبدا (3). وصحيح جميل
عنه (عليه السلام): إذا طلق الرجل المرأة فتزوجت ثم طلقها فتزوجها الأول ثم طلقها
فتزوجت رجلا ثم طلقها، فإذا طلقها على هذا ثلاثا لم تحل له أبدا (4).
(وقد يراد بطلاق السنة ما يقابل البدعي وهو الشرعي فيكون أعم)
من معناه المتقدم، وبه ورد نحو حسن البزنطي سأل الرضا (عليه السلام) كيف طلاق السنة؟
قال: يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشهادة عدلين كما أمر الله عز
وجل في كتابه، فإن خالف ذلك رد إلى كتاب الله (5).
(ولو راجع في العدة وطلق) ثانيا (قبل المواقعة صح) الطلاق،
لاستجماعه الشروط ونصت به الأخبار، كصحيح محمد بن مسلم وعبد الحميد بن
عواض سألا الصادق (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته وأشهد على الرجعة ولم يجامع
ثم طلق في طهر آخر على السنة أتثبت التطليقة الثانية بغير جماع؟ قال: نعم إذا هو
أشهد على الرجعة ولم يجامع كانت التطليقة ثابتة (6).
وصحيح البزنطي سأل الرضا (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته بشاهدين ثم راجعها
ولم يجامعها بعد الرجعة حتى تطهرت (7) من حيضها ثم طلقها على طهر بشاهدين
أيقع عليها التطليقة الثانية وقد راجعها ولم يجامعها؟ قال: نعم (8).



(1) النساء: 24.
(2) في ط بدل " ولا يعارضهما عموم ": والحصر فيما مر من خبر أبي بصير فيقيد إطلاق.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 358 - 359 ب 4 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 4.
(4) وسائل الشيعة: ج 14 ص 408 ب 11 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ح 2.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 49 ح 152.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 378 ب 19 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 1.
(7) في وسائل الشيعة: طهرت.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 378 ب 19 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 2.
55
(ولم يكن طلاق عدة) للاتفاق على اشتراط المواقعة فيه كما نصت به
الأخبار، منها: ما مضى من صحيح زرارة (1). ومنها: حسن عبد الرحمن بن الحجاج
عن الصادق (عليه السلام) قال: لا تطلق التطليق الاخرى حتى يمسها (2).
(ولا) طلاق (سنة بالمعنى الأخص) لاشتراط عدم الرجعة فيه إلى
انقضاء العدة.
(وكذا لو تزوجها وطلق قبل الدخول) صح، ولم يكن طلاق عدة
ولا سنة؛ لانتفاء العدة.
(ولو طلق الحامل وراجعها جاز أن يطأها ويطلقها ثانية للعدة) أي
بعد الوطء في الرجعة (إجماعا) وإن أطلق الصدوقان المنع (3) للأصل
والأخبار (4).
وعندي أنه لا نصوصية في شيء منها في ذلك إلا خبر يزيد الكناسي سأل
الباقر (عليه السلام) عن طلاق الحبلى، فقال: يطلقها واحدة للعدة بالشهور والشهود، قلت:
فله أن يراجعها؟ قال: نعم وهي امرأته، قلت: فإن راجعها ومسها ثم أراد أن يطلقها
تطليقة اخرى، قال: لا يطلقها حتى يمضي لها بعد ما مسها شهر، قلت: فإن طلقها
ثانية وأشهد ثم راجعها وأشهد على رجعتها ومسها ثم طلقها الطلقة الثالثة وأشهد
على طلاقها لكل عدة شهر، هل تبين منه كما تبين المطلقة على العدة التي لا تحل
لزوجها حتى تنكح زوجا غيره؟ قال: نعم، قلت: فما عدتها؟ قال: أن تضع ما في
بطنها ثم قد حلت للأزواج (5).
فالأحوط ما ذكره أبو علي من التربص شهرا للتطليق (6). وبإزائه أخبار ناصة



(1) مضى في الصفحة 50.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 376 ب 17 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 2.
(3) المقنع: ص 116. وحكاه عن علي بن بابويه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 362.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 380 ب 20 من أبواب أقسام الطلاق.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 382 ب 20 من أبواب أقسام الطلاق ح 11.
(6) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 362.
56
على أن تطليقها واحدة، وهي كثيرة، منها: صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال:
طلاق الحبلى واحدة (1).
(و) لذلك كان (في) طلاق (السنة) أي بعد المراجعة قبل الوطء
(قولان:) فالشيخ (2) وجماعة جمعوا بين الأخبار بأن المجوز ثانيا وثالثا طلاق
العدة أي بعد الوطء، كما صرح به فيما سمعته من الخبر. والممنوع طلاق السنة أي
بعد الرجعة بلا وطء.
وبنو (3) إدريس (4) وسعيد (5) على جواز كل من الطلاقين ثانيا وثالثا للأصل.
وعموم " الطلاق مرتان ". وكون هذه أخبار آحاد مع احتمالها الاستحباب، وأن
لا يكون المراد في شيء منها الحصر في الواحدة، إذ لا أداة حصر، ولا يتعين
إرادته بوجه، بل يحتمل الكل احتمالا واضحا أن يراد بها أن طلاقها محسوب من
الثلاث، وليس باطلا كما قد يتوهم بطلانه، لوقوعه في طهر المواقعة. يدل عليه
خبر إسحاق بن عمار سأل الكاظم (عليه السلام) عن الحبلى تطلق الطلاق الذي لا تحل له
حتى تنكح زوجا غيره؟ قال: نعم، قال: قلت: ألست قلت لي: إذا جامع لم يكن له
أن يطلق؟ قال: إن الطلاق لا يكون إلا في طهر قد بان، أو حمل قد بان، وهذه قد
بان حملها (6).
فإسحاق بن عمار توهم أنه إن وقع بها الطلقة الثالثة وهي حبلى لم يحسب
من الثلاث ولم يفتقر حلها إلى المحلل وإن طلقها قبل الحمل مرتين، لوقوعها في
طهر المواقعة.
(فإن راجعها بعد) ما طلقها ثانيا (طلاق العدة ثم طلقها ثالثا للعدة



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 419 ب 9 من أبواب العدد ح 8.
(2) النهاية: ج 2 ص 441 - 442.
(3) في ن: ابنا.
(4) السرائر: ج 2 ص 689.
(5) شرائع الإسلام ج 3 ص 24، وانظر الجامع للشرائع: ص 467.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 382 ب 20 من أبواب أقسام الطلاق ح 8.
57
حرمت) عليه (بدون المحلل) كغيرها، كما نص عليه ما سمعته من خبر
الكناسي (1).
(ولو طلق الحائل ثم راجعها فإن واقعها وطلقها في طهر آخر صح
إجماعا) وكان الأول طلاق العدة بالمعنى الأول، والثاني طلاقها بالمعنى الثاني.
(وإن طلقها في طهر آخر من غير مواقعة فأصح الروايتين)
وأشهرهما (الوقوع) ففي الصحيح عن عبد الحميد بن عواض ومحمد بن مسلم
سألا الصادق (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته وأشهد على الرجعة ولم يجامع ثم طلق
طهر آخر على السنة أتثبت التطليقة الثانية بغير جماع؟ قال: نعم إذا هو أشهد على
الرجعة ولم يجامع كانت التطليقة ثابتة (2).
وفي الصحيح عن البزنطي سأل الرضا (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته بشاهدين
ثم راجعها ولم يجامعها بعد الرجعة حتى طهرت من حيضها ثم طلقها على طهر
بشاهدين، أيقع عليها التطليقة الثانية وقد راجعها ولم يجامعها؟ قال: نعم (3).
ويعضدهما الأصل والعمومات.
وقال الحسن: لو طلقها من غير جماع بتدنيس مواقعة بعد المراجعة لم يجز
ذلك، لأنه طلقها من غير أن ينقضي الطهر الأول ولا ينقضي الطهر الأول إلا
بتدنيس المواقعة بعد المراجعة، وإذا جاز أن يطلق التطليقة الثانية بلا طهر جاز أن
يطلق كل تطليقة بلا طهر، ولو جاز ذلك لما وضع الله الطهر (4).
ويؤيده أخبار، كقول الصادق (عليه السلام) في حسن عبد الرحمن بن الحجاج: لا
يطلق التطليقة الاخرى حتى يمسها (5).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 392 ب 20 من أبواب أقسام الطلاق ح 11.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 378 ب 19 من أبواب أقسام الطلاق ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 378 - 379 ب 19 من أبواب أقسام الطلاق ح 2.
(4) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 380.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 376 ب 17 من أبواب أقسام الطلاق ح 2.
58
وفي خبر أبي بصير: المراجعة: هي الجماع، وإلا فإنما هي واحدة (1).
وفي خبر آخر له: فإن طلقها على طهر بشهود ثم راجعها وانتظر بها الطهر من
غير مواقعة فحاضت وطهرت ثم طلقها قبل أن يدنسها بمواقعة بعد الرجعة لم يكن
طلاقه لها طلاقا، لأنه طلقها التطليقة الثانية في الطهر الأول، ولا ينقضي الطهر إلا
بمواقعة بعد الرجعة. وكذلك لا تكون التطليقة الثالثة إلا بمراجعة ومواقعة بعد
المراجعة ثم حيض وطهر بعد الحيض ثم طلاق بشهود حتى يكون لكل تطليقة
طهر من تدنيس المواقعة بشهود (2).
وخبر إسحاق بن عمار عن الكاظم (عليه السلام) قال له (عليه السلام): فليس ينبغي له إذا
راجعها أن يطلقها إلا في طهر (3)؟ فقال: نعم قال (4) حتى يجامع؟ فقال نعم (5).
حملت على طلاق العدة، لخبر المعلى بن خنيس عن الصادق (عليه السلام) قال: الذي
يطلق ثم يراجع ثم يطلق فلا يكون فيما بين الطلاق والطلاق جماع فتلك تحل له
قبل أن تزوج زوجا غيره، والتي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره هي التي تجامع
فيما بين الطلاق والطلاق (6). أو على استحباب الكف عن الطلاق ما لم يواقعها
ويؤيده لفظ " ينبغي " في خبر إسحاق بن عمار.
(فإن راجع وطلقها ثالثا في طهر آخر حرمت عليه) حتى تنكح زوجا
غيره، لعموم الآية (7) وغيرها (ولم يكن) هذه الطلقة الثالثة (طلاق عدة
ولا سنة بالمعنى الأخص) لعدم الرجعة، وعدم إمكانها بعدها لا في العدة
ولا بعدها.
(وكذا لو وقع الطلاق قبل المواقعة في الطهر الأول بعد طلاق آخر



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 376 ب 17 من أبواب أقسام الطلاق ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 349 ب 1 من أبواب أقسام الطلاق ذيل حديث 2.
(3) في وسائل الشيعة زيادة: آخر.
(4) في وسائل الشيعة بدل " قال ": قلت.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 278 ب 8 من أبواب مقدماته وشرائطه ذيل حديث 6.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 379 ب 19 من أبواب أقسام الطلاق ح 3.
(7) البقرة: 230.
59
فيه) صح (على أقوى الروايتين) وهي رواية إسحاق بن عمار قال
للكاظم (عليه السلام): رجل طلق امرأته ثم راجعها بشهود، ثم طلقها، ثم بدا له فراجعها (1)
ثم طلقها [فراجعها] (2) بشهود تبين منه؟ قال: نعم، قلت: كل ذلك في طهر واحد،
قال: تبين منه (3). ويؤيدها الأصل والعمومات.
والرواية الاخرى ما نهى عن الطلاق ثانيا قبل الوطء، وقد سمعت جملة من
ذلك، وأن الحسن ذاهب إليه (4).
وإنما كانت الأولى أقوى، لتأييدها بالأصل والعمومات والشهرة بين
الأصحاب، ومعارضة الأخبار المعارضة لها بما عرفت من النصوص على جواز
الطلاق ثانيا وإن لم يجامع.
(لكن الأولى تفريق الطلاق على الأطهار) مع المواقعة في الرجعتين،
جمعا وخروجا من الخلاف.
(ولو وطئ وجب التفريق) قولا واحدا (إن وجب الاستبراء) بأن لم
تكن حاملا أو صغيرة أو يائسة (وإلا) يجب (فلا) يجب التفريق، أمكن أو لا.
(وأيضا الطلاق: إما بائن أو رجعي، فالأول: ما لا رجعة فيه للزوج
إلا بعقد مستأنف) إن جاز فتدخل الطلقة الثالثة والتاسعة المحرمة لها.
(وهو ستة أقسام:)
(الأول: طلاق غير المدخول بها) وإن خلا بها خلوة تامة، وإن حكم
باعتدادها حينئذ ظاهرا (في قبل) كان الدخول (أو دبر) لصدق المس
والإدخال والدخول والمواقعة والتقاء الختانين إن فسر بالتحاذي، وإمكان سبق
المني فيهما إلى الرحم (دخولا موجبا للغسل) بغيبوبة الحشفة وإن لم ينزل
لخروج ما دونها عما ذكر.



(1) في وسائل الشيعة زيادة: بشهود.
(2) لم يرد في نسخ كشف اللثام.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 379 ب 19 من أبواب أقسام الطلاق ح 5.
(4) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 380.
60
(الثاني: اليائسة، وهي من بلغت خمسين) سنة (أو ستين على ما
تقدم) في الطهارة (وإن دخل بها).
(الثالث: من لم تبلغ المحيض، وهي من لها دون تسع سنين وإن دخل
بها) لأنه لا عدة عليها للأمن من اختلاط الماءين، وسيأتي الخلاف في اعتدادها
والكلام من الجانبين.
ومما ينص على بينونتهن نحو خبر عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام)
قال: ثلاث يتزوجن على كل حال: التي لم تحض ومثلها لا تحيض، قال: وما
حدها؟ قال: إذا أتى لها أقل من تسع سنين. والتي لم يدخل بها. والتي قد يئست
من المحيض ومثلها لا تحيض، قال: وما حدها؟ قال: خمسون سنة (1).
(الرابع: المختلعة ما لم ترجع في البذل فإن رجعت) فيه (في العدة
انقلب) الطلاق (رجعيا) كما سيأتي، والانقلاب (بمعنى أن للزوج) حينئذ
(الرجوع في البضع) اتفاقي منصوص (2).
(وهل يتبعه) توابع الرجعية من (وجوب الإنفاق) والإسكان
(وتحريم الرابعة والأخت؟ الأقرب ذلك مطلقا) مع العلم برجوعها، والعدم
في تحريم الرابعة والأخت، بمعنى أنه إن فعل غير عالم برجوعها انكشف فساد
العقد، لأن الصحة والفساد من أحكام الوضع. وهي لا تسقط بالغفلة والجهل،
وصدق نكاح الخامسة والجمع بين الأختين وإن كان غافلا عنهما.
مع احتمال الصحة ضعيفا بناء على أن المحرم إنما هو الجمع بين الأختين
وبين خمس في النكاح، وإنما الحق به نكاح الخامسة والأخت في العدة الرجعية،
إلحاقا بالنكاح، وهو خلاف الأصل، فلا يثبت إلا فيما دل عليه الدليل، وهو ما إذا
كانت له الرجعة بنفس الطلاق، لا إذا تجدد له ذلك بعده.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 406 ب 2 من أبواب العدد ح 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 498 ب 7 من أبواب الخلع والمباراة.
61
(و) الأقرب ذلك (في النفقة مع العلم) برجوعها خاصة، استصحابا لعدم
الوجوب، لاستصحاب عدم التمكين.
ويحتمل العدم مطلقا، بناء على أنها لا يجب إلا للزوجة ومن في حكمها من
الرجعية بنفس الطلاق، للأصل فيمن تجدد لها الرجعية.
ويحتمل الوجوب مطلقا، لصدق المطلقة الرجعية عليها حينئذ وتحقق
التمكين منها.
(الخامس: المباراة ما لم ترجع في البذل، فإن رجعت) فيه (في العدة
انقلب) الطلاق (رجعيا) وهي (كالمختلعة) في جميع ما ذكر.
(السادس: المطلقة ثلاثا بينها رجعتان) أي طلاق كان على المختار
كما عرفت.
(والثاني: (1) ما للزوج فيه رجعة، سواء راجع أو لا، وهو كل ما عدا
الأقسام الستة) المتقدمة، بالإجماع والنص من الكتاب (2) والسنة (3) اعتدت
بالأقراء أو الشهور أو الوضع.
ولما فرغ من أقسام الطلاق عقبها بمسائل من أحكامه، وأيضا لما كان من
الأحكام حرمة المطلقة ثلاثا بينها رجعتان، وكان يتوهم كون الرجعتين في العدة
لا بعقد جديد، أزاله بقوله:
(وكل امرأة استكملت الطلاق ثلاثا بينها رجعتان حرمت حتى تنكح
زوجا غير المطلق) ويدخل بها إلى غير ذلك مما سيأتي (سواء كانت
مدخولا بها أو لا، وسواء كانت الرجعة بعقد مستأنف أو لا) إلا على
الخلاف المتقدم.
(ولو شك في إيقاع الطلاق لم يلزمه إيقاعه) ولم يستحب للأصل،
خلافا للشافعي (4) (وكان النكاح باقيا) للأصل.



(1) أي الطلاق الرجعي.
(2) البقرة: 228 - 229.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 400 ب 23 من أبواب أقسام الطلاق.
(4) الأم: ج 5 ص 262.
62
(ولو) علمه و (شك في عدده لزمه اليقين وهو الأقل) للأصل، خلافا
لمالك وأبي يوسف (1) لتوهم اجتماع الحظر والإباحة، فيغلب الحظر، كما إذا
اختلطت الأجنبية بالأخت، وموضع النجاسة بغيره. وضعفه ظاهر.
(ولو طلق الغائب) رجعيا، كما نص عليه في السرائر (2) والمختلف (3)
(لم يكن له التزويج بالرابعة ولا بالأخت إلا بعد مضي سنة) وفاقا
للجامع (4) (لاحتمال الحمل) فوجب التربص في المدة، إما لكونها أقصى
الحمل كما في الجامع، أو لما مر في النكاح من خبري محمد بن حكيم (5)
وعبد الرحمن بن الحجاج (6) الناصين على أن الحمل تسعة أشهر: والتربص ثلاثة
أشهر للاسترابة، ويمكن حمل كلام الجامع عليه كما مر.
وفي النهاية (7) والسرائر (8) والتحرير (9) اشتراط مضي تسعة أشهر اقتصارا
على الأقصى، وكذا في الشرائع (10) مع اختياره كون الأقصى عشرة كما اختاره
المصنف.
ويدل عليه حسن حماد بن عثمان قال للصادق (عليه السلام): ما تقول في رجل له
أربع نسوة طلق واحدة منهن وهو غائب عنهن متى يجوز له أن يتزوج؟ قال: بعد
تسعة أشهر وفيها أجلان: فساد الحيض وفساد الحمل (11).
واحتيط به في النافع (12) واقتصر الشيخ (13) على حكم الخامسة اقتصارا
على مضمون الخبر، ونص ابن إدريس (14) على عدم اشتراط نكاح الأخت



(1) المجموع: ج 17 ص 248.
(2 و14) السرائر: ج 2 ص 692.
(3) مختلف الشيعة: ج 7 ص 364.
(4) الجامع للشرائع: ص 469.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 442 ب 25 من أبواب العدد ح 2.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 442 ب 25 من أبواب العدد ح 1.
(7) النهاية: ج 2 ص 466.
(8) السرائر: ج 2 ص 692.
(9) تحرير الأحكام: ج 2 ص 55 س 10.
(10) شرائع الإسلام: ج 3 ص 25.
(11) وسائل الشيعة: ج 15 ص 479 ب 47 من أبواب العدد ح 1.
(12) المختصر النافع: ص 199.
(13) النهاية: ج 2 ص 446.
63
بالتربص إلا مدة يعلم فيها ما اعتادته من الحيض، لكون الحمل على الخامسة
قياسا، وخطأه في المختلف (1) للاشتراك في التحريم إلى حصول العلم بخروج
المطلقة من العدة.
والمحصل: أن المعتمد في المسألة إنما هو استصحاب التحريم إلى العلم
بالحل دون الخبر، وهو ظاهر الاشتراك.
وقوله: " لاحتمال الحمل " يحتمل التعليل، والتوقيت لنفي التزويج إلا بعد
مضي المدة، أو للمضي، أي مضيها من وقت احتمال الحمل، فيكون صريحا فيما
يشير إليه على الاحتمالين الأولين من احتساب المدة من حين الوطء لا الطلاق.
(ولو علم الخلو) عن الحمل (كفاه) التربص إلى انقضاء (العدة) كما
نص عليه في الشرائع (2) لعموم ما دل على الجواز إذا انقضت عدة المطلقة (3)
وانتفاء احتمال الجمع بين أختين أو خمس، فلابد من حمل الخبر على احتمال
الحمل.
(ولو حضر) الغائب (ودخل ثم ادعى الطلاق) في الغيبة (لم تقبل
دعواه ولا بينته) لتكذيبها بفعله وإن أخذ بما عليه بإقراره.
(فلو أولد الحق به الولد) ويعضده خبر سليمان بن خالد سأل
الصادق (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته وهو غائب وأشهد على طلاقها ثم قدم وأقام
مع المرأة أشهرا لم يعلمها بطلاقها، ثم إن المرأة ادعت الحبل فقال الرجل: قد
طلقتك وأشهدت على طلاقك، قال: يلزم الولد، ولا يقبل قوله (4).
والظاهر: أنه إن قامت البينة حسبة من غير أن يقيمها هو، قبلت، وفرق بينهما
إن كان بائنا، وإلا عد ذلك منه رجعة.
* * *



(1) مختلف الشيعة: ج 7 ص 364 - 365.
(2) شرائع الإسلام: ج 3 ص 25.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 426 ب 15 من أبواب العدد.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 374 ب 15 من أبواب أقسام الطلاق ح 4.
64
(المقصد الثالث في لواحقه)
(وفيه فصول) ثلاثة:
(الأول في طلاق المريض)
(وهو) واقع بلا خلاف كما في المبسوط (1) و (مكروه) في المشهور لنحو
صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السلام): ليس للمريض أن يطلق وله أن يتزوج (2) مع
الأصل والعمومات.
ونحو صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن رجل يحضره الموت
فيطلق امرأته هل يجوز طلاقها؟ قال: نعم، وإن مات ورثته، وإن ماتت لم يرثها (3).
وفي التهذيب: أنه لا يجوز (4). وفي الاستبصار: أنه لا يجوز طلاق يقطع
الموارثة بينهما (5).
(ويتوارثان) إذا مات أحدهما (في العدة الرجعية) بلا خلاف كما في
المبسوط (6) وغيره. ولبقاء علقة الزوجية، وللأخبار (7) وما سيأتي من الأخبار



(1 و6) المبسوط: ج 5 ص 68.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 383 ب 21 من أبواب أقسام الطلاق ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 385 ب 22 من أبواب أقسام الطلاق ح 2.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 76 ذيل حديث 257.
(5) الاستبصار: ج 3 ص 304 ذيل حديث 1081.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 384 ب 22 من أبواب أقسام الطلاق.
65
العامة. وخبر زرارة سأل الباقر (عليه السلام) عن رجل يطلق امرأته: قال: ترثه ويرثها
ما دامت له عليها رجعة (1). وما سمعته من صحيح الحلبي يحمل على البائن مع
ما سيأتي من الشروط.
وربما أمكن القول بالفرق بينهما مع قصد الإضرار وإن كان الطلاق رجعيا،
ويمكن الحمل على أن الأفضل أن لا يرثها.
(وترثه في البائن إن مات في مرضه) ولو انقضت العدة (إلى سنة)
إجماعا كما في السرائر (2) وظاهر المبسوط (3) ونكت النهاية (4) لنحو حسن الفضل
ابن عبد الملك عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا طلق الرجل في مرضه ورثته ما دام في
مرضه ذلك وإن انقضت عدتها إلا أن يصح فيه، قال: قلت: فإن طال به المرض،
قال: ما بينه وبين سنة (5). وخبر أبان عنه (عليه السلام) في رجل طلق تطليقتين في صحة، ثم
طلق التطليقة الثالثة وهو مريض: أنها ترثه ما دام في مرضه وإن كان إلى سنة (6).
(ما لم تتزوج) اتفاقا، كما يظهر لنحو مرسل عبد الرحمن بن الحجاج عن
الصادق (عليه السلام) في رجل طلق امرأته وهو مريض، قال: إن مات في مرضه ولم
تتزوج ورثته وإن كانت قد تزوجت فقد رضيت بالذي قد صنع، لا ميراث لها (7).
وخبر أبي عبيدة الحذاء ومالك بن عطية عن محمد بن علي (عليهما السلام) قال: في
رجل طلق امرأته وهو مريض قال: إذا مات في مرضه ولم تتزوج ورثته وإن
كانت تزوجت فقد رضيت بالذي صنع لا ميراث لها (8).



(1) وسائل الشيعة: ج 17 ص 531 ب 13 من أبواب ميراث الأزواج ح 4.
(2) السرائر: ج 2 ص 674.
(3) المبسوط: ج 5 ص 68.
(4) راجع النكت بهامش النهاية: ج 2 ص 424.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 384 ب 22 من أبواب أقسام الطلاق ح 1. وفيه: إلا أن يصح منه.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 385 ب 22 من أبواب أقسام الطلاق ح 3.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 386 ب 22 من أبواب أقسام الطلاق ح 6.
(8) كذا في نسخ: ط، ق، ن. وهذا عين مرسلة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة هذا من سهو
القلم. وأما متن خبر أبي عبيدة، ومالك بن عطية فكما يلي: " إذا طلق الرجل امرأته?
تطليقة في مرضه ثم مكث في مرضه حتى انقضت عدتها فإنها ترثه ما لم تتزوج، فإن كانت
تزوجت بعد انقضاء العدة فإنها لا ترثه " وسائل الشيعة: ج 15 ص 386 ب 22 من أبواب
أقسام الطلاق ح 5.
66
فصحيح الفضل - سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته وهو مريض، فقال:
ترثه في مرضه ما بينه وبين سنة إن مات في مرضه ذلك، وتعتد من يوم طلقها عدة
المطلقة ثم تزوجت إذا انقضت عدتها، وترثه ما بينها وبين سنة إن مات في مرضه
ذلك، فإن مات بعد ما تمضي سنة فليس لها ميراث (1) - محمول على التكرار.
وإن ماتت المرأة لم يرثها وإن لم تنقض العدة بلا خلاف كما في الخلاف (2)
والمبسوط (3) لانتفاء الزوجية، وإنما ثبت لها الإرث على خلاف الأصل بالنص،
ولما تقدم من صحيح الحلبي (4).
وفي النهاية (5) والوسيلة (6) القطع بتوارثهما في العدة وإن كانت بائنة. والمحقق
في النكت (7) نفى الريب عن اختلاله، وأنه لابد من التنزيل على الرجعية مع إباء
العبارة عنه كل الإباء.
ومع ذلك ففي الميراث من النهاية: أنهما يتوارثان في العدة الرجعية،
ولا توارث بينهما على حال إن كان الطلاق بائنا (8). وكذا في المهذب (9) وظاهره
نفي الإرث عنها أيضا.
وفي الاستبصار: أنها إنما ترثه بعد العدة إذا طلقها للإضرار بها (10) لخبر زرعة
عن سماعة سأله عن رجل طلق امرأته وهو مريض، قال: ترثه ما دامت في عدتها،



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 387 ب 22 من أبواب أقسام الطلاق ح 11.
(2) الخلاف: ج 4 ص 484 مسألة 54.
(3) المبسوط: ج 5 ص 68.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 385 ب 22 من أبواب أقسام الطلاق ح 2.
(5) النهاية: ج 2 ص 424.
(6) الوسيلة: ص 324.
(7) نكت النهاية: ج 2 ص 424.
(8) النهاية: ج 3 ص 208.
(9) المهذب: ج 2 ص 140.
(10) الاستبصار: ج 3 ص 306 ذيل حديث 1089.
67
وإن طلقها في حال إضرار فهي ترثه إلى سنة، فإن زاد على السنة يوم واحد
لم ترثه (1).
وخبر محمد بن القاسم الهاشمي سمع الصادق (عليه السلام) يقول: لا ترث المختلعة
والمباراة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئا إذا كان ذلك منهن في مرض
الزوج وإن مات لأن العصمة قد انقطعت منهن ومنه (2).
ولأن إرثها خلاف الأصل، فلا يثبت إلا في موضع اليقين. وهو خيرة
المختلف (3).
ونص في الخلاف (4) والمبسوط (5) على العموم، وهو اختيار ابن إدريس (6).
(وفي) إرث الزوجة (الأمة والكافرة) الكتابية (إشكال إذا) طلقت
في المرض ثم (أعتقت أو أسلمت) قبل تمام السنة والتزوج بغيره، من عموم
الأخبار، ومن انتفاء التهمة، فإنهما مع بقاء نكاحهما لا ترثان، وأن النكاح
لا يورثهما فكيف الطلاق؟ وهو خيرة المبسوط (7).
وفيه أن النكاح مورث، لكن الرق أو الكفر مانع، أو الحرية والإسلام شرط،
فإذا تحقق الشرط أو انتفى المانع تحقق الإرث، وسببه النكاح لا الطلاق،
ولا يقدح في سببية النكاح البينونة والخروج من العدة. لبقاء سببيته هنا إلى سنة
وإن بانت.
(ولا ميراث) لها (مع اللعان) للأصل وانتفاء التهمة بالأيمان (و) لا مع
(الفسخ للردة) منها أو منه لذلك (أو تجدد التحريم المؤبد المستند إليها
برضاع) أو غيره لذلك أيضا.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 385 ب 22 من أبواب أقسام الطلاق ح 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 496 ب 5 من أبواب الخلع والمباراة ح 4.
(3) مختلف الشيعة: ج 7 ص 338.
(4) الخلاف: ج 4 ص 486 - 487 - مسألة 55.
(5) المبسوط: ج 5 ص 69.
(6) السرائر: ج 2 ص 675.
(7) المبسوط: ج 5 ص 70.
68
(وفي) تجدد التحريم المؤبد (المستند إليه كاللواط) إن قلنا به (نظر)
من الأصل. ومن التهمة، والمعتمد الأول. أو المراد: أنه إذا طلقها ثم لاعنها أو
حصل الارتداد الفاسخ منه أو منها، أو تجدد التحريم المؤبد منها فلا ميراث لها،
لأنها تمنع الإرث وهي في النكاح، فأولى بالمنع وهي مطلقة وإن كانت في العدة
الرجعية، إلا أن تعود إلى الإسلام فيها فترث في وجه كما في التحرير (1).
وإذا طلقها ثم لاط لواطا أوجب تحريمها عليه مؤبدا أشكل، من عموم
الأخبار المورثة لها، وأنه لا يوجب التحريم، ولا يستعقب الفسخ إذا كانت في
النكاح، فلا يمنعها الإرث ليقال بالأولوية وهي مطلقة. ومن أن الإرث أثر النكاح،
وهم يمنع النكاح، فيمنع آثاره.
وفيه أن الإرث من آثار النكاح المتقدم، وهو إنما يمنع من النكاح ثانيا.
(وفي العيب إشكال إن كان) الفسخ (من طرفه) لعيبها. من الأصل.
ومن كونه بمعنى الطلاق في الكون فرقة من قبله، وإن كانت هي الباعثة له عليها.
(ولو أسلم وأسلمن فاختار أربعة لم ترثه البواقي) وإن كن في العدة،
للأصل من غير معارض، مع أن الفرقة حاصلة بالإسلام لمن عدا الأربع من غير
اختيار له فيها، وإنما اختياره في التعيين، مع أنه مما لابد له منه.
(ولو أقر مريضا بالطلاق ثلاثا) أو نحوها مما ينفي عنها الإرث (في
الصحة) قبل في حقه، فإن ماتت لم يرثها، ونحو ذلك مما يترتب عليه، لأخذ
العقلاء بإقرارهم و (لم يقبل بالنسبة إليها) فلا تحرم من الميراث إن مات،
إلا أن يثبت صدقه بإقرارها أو البينة وفاقا للمحقق (2) لأنه إقرار في حق الغير.
وقيل: يقبل (3) فلا تورث، بناء على أن إقرار المريض بما له أن يفعله مقبول
وإن كان على الوارث وينزله منزلة فعله في الصحة.
وفيه: أنه إنما يقبل إقراره بما يحرمه الوارث لغيره، وهنا لم يقر بما يحرمه



(1) تحرير الأحكام: ج 2 ص 55 س 23.
(2) شرائع الإسلام: ج 3 ص 27.
(3) القائل: الصيمري في غاية المرام: ص 132 (مخطوط).
69
الزوجة لأحد، فإنما هو بالنسبة إليها مدعي وإن استلزمت الدعوى ثبوت حصتها
لسائر الورثة.
(ولو ادعت الطلاق في المرض) لتحوز الميراث (وادعى الوارث)
الطلاق (في الصحة) ليحرمها (قدم قوله مع اليمين) لأصالة انتفاء المرض
حينه. وإن كان المرض معلوما، وكان الاختلاف في حصوله حينه أو بعده مع
الاتفاق في تأريخ الطلاق أو الإبهام، فالأصل أيضا التأخر، والأصل عدم الإرث
إلى أن يتحقق سببه، وهو هنا غير متحقق.
ولا مجال للقول بأن الأصل في النكاح بقاء أثره - وهو الإرث - إلى أن يعلم
خلافه، فإن الطلاق مزيل للنكاح، والأصل عند زوال الشيء زوال أثره الذي هو
الإرث هنا إلا بالشرط المنصوص عليه، وهو هنا غير معلوم.
وأما الاتفاق على المرض وتأريخه والاختلاف في تأريخ الطلاق، فليس من
المسألة ليقال: إن الأصل بقاء النكاح وتأخر الطلاق، مع أنه معارض بما ذكرناه
من الأصل.
(ولو ارتدت المطلقة) في المرض (ثم مات في السنة بعد عودها)
إلى الإسلام (أو ارتد هو) بعد طلاقها في المرض، عاد إلى الإسلام أو لا،
(فالأقرب الإرث) لعموم نصوصه. مع أن ارتدادها لا يمنع من إرثها إذا عادت
وهي في النكاح، فكذا فيما هو في حكمه من السنة بعد الطلاق، وارتداده لا يمنع
من إرثها وهي في النكاح. أما عن الفطرة فلأنه بمنزلة موته فترثه الزوجة. وأما عن
الملة فلأنه إن عاد في العدة لم ينفسخ النكاح ولم يمنع شيئا من آثاره من الإرث
ونحوه، فهو بمجرده ليس مما يمنع من الإرث، وإنما ينتفي الإرث إذا استمر حتى
انقضت العدة، والسنة هنا بمنزلة العدة، ويحتمل العدم.
أما إذا ارتدت فلأن الكفر مانع من الإرث مطلقا، ولا يزول منعه بزواله بعد
موت المورث للاستصحاب. ولأنه لا يعود الإرث إلا إذا عادت الزوجية، ولا عود
هنا. وكذا إن عادت في حياة الزوج إذا طلقت بائنا، أو انقضت العدة الرجعية،

70
فإن الإرث إنما يعود إذا عادت الزوجية أو حكمها، إن لم نقل إنها إنما ترث إذا
عادت الزوجية، وذلك إذا لم تكن طلقت ولا رجعية، مع أن الظاهر تنزيل الأخبار
على من بانت بالطلاق حسب، وهذه بانت به وبالردة جميعا، مع أن إرثها خلاف
الأصل فيقتصر على المتيقن. وفيه أن البينونة إذا حصلت بالطلاق فلا تزداد بالردة.
وأما إذا ارتد، فلأن الإرث خلاف الأصل، فيقتصر على من بانت بالطلاق
حسب، وأما من بانت به وبالارتداد، فإنما ترث إذا ارتد فطريا وهي في العدة
الرجعية، أو مليا ثم عاد ثم مات وهي في العدة الرجعية. وفيه ما عرفت.
(الفصل الثاني في الرجعة)
(وتصح لفظا) اتفاقا منا ومن غيرنا (مثل: راجعتك) ورجعتك
وارتجعتك، وإن أضاف إليها قوله: " إلى النكاح " كان أصرح، إلى غير ذلك من كل
لفظ يصلح لإرادتها منه مع القصد، لأصل عدم الانحصار من غير معارض،
وسيأتي الكلام في بعض منها.
(و) مثل: (إنكار الطلاق) على ما قطع به الأصحاب، ونص عليه صحيح
أبي ولاد، سأل الصادق (عليه السلام) عن امرأة ادعت على زوجها أنه طلقها تطليقة طلاق
العدة طلاقا صحيحا - يعني على طهر من غير جماع - وأشهد لها شهودا على ذلك،
ثم أنكر الزوج بعد ذلك، فقال: إن كان أنكر الطلاق قبل انقضاء العدة، فإن إنكار
الطلاق رجعة لها، وإن كان إنكار الطلاق بعد انقضاء العدة، فإن على الإمام أن يفرق
بينهما بعد شهادة الشهود، بعد ما يستحلف أن إنكاره للطلاق بعد انقضاء العدة (1).
ولأن الرجعة ليست إلا التمسك بالزوجية وهو متضمن له.
والحكم إن اجمع عليه فلا كلام، وإلا أشكل، لخروج الرجعة عن المنطوق وإن
جاز التجوز به عنها، وربما كان نسيه، ولا تحصل الشهادة به. فإن عقب الإنكار
بالطلاق، أشكل الحكم بكونه ثانيا أو ثالثا.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 372 ب 14 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 1.
71
(وفعلا) اتفاقا منا كما في الخلاف (1) والغنية (2) وغيرهما (كالوطء
والتقبيل واللمس بشهوة) فإن الفعل أقوى من القول، ولقول الصادق (عليه السلام)
في خبر محمد بن القاسم: من غشي امرأته بعد انقضاء العدة جلد الحد، وإن غشيها
قبل انقضاء العدة كان غشيانه إياها رجعة لها (3).
(والأخرس) يراجع بالفعل و (بالإشارة الدالة عليها و) منها ما
(قيل) في المقنع (4) والجامع (5) والوسيلة (6) ونسب إلى الرواية في النهاية (7): من
أنه (بأخذ القناع من رأسها) ويؤيده ما مر من الخبر الناص بأن طلاقه وضع
المقنعة على رأسها والتنحي عنها (8).
(ويشترط في) كون كل من (الوطء والتقبيل واللمس) رجعة
(صدوره عن قصد) إليه وإليها (فلو) انتفى الأول بأن (وطئ نائما) أو
ساهيا (أو) الثاني بأن (ظن أنها غير المطلقة لم تحصل الرجعة) إذ لا
عبرة بفعل الغافل كالألفاظ الصادرة عن الساهي والهازل، وإنما الأعمال بالنيات،
وإنما لكل امرئ ما نوى. وفي التحرير: أنه لا حاجة إلى نية الرجعة (9). فكل منها
رجعة إذا تحقق القصدان وإن كان ذاهلا عن الرجعة، لا أن نوى خلافها، مع
احتماله لإطلاق النص والفتوى.
(ولابد) في المشهور (من التجريد عن الشرط، فلو قال: راجعتك إن
شئت لم يصح، وإن قالت: شئت) وكذا لو قال: راجعتك إذا جاء رأس الشهر؛
لما عرفت من أن التعليق ينافي الإيقاع، وتردد فيه المحقق (10) من ذلك، ومن أنه



(1) الخلاف: ج 4 ص 506 مسألة 12.
(2) غنية النزوع: ص 373.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 400 ب 29 من أبواب حد الزنا ح 1.
(4) المقنع: ص 353.
(5) الجامع للشرائع: ص 468.
(6) الوسيلة: ص 330.
(7) النهاية: ج 2 ص 433.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 300 ب 19 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 2 و5.
(9) تحرير الأحكام: ج 2 ص 55 س 31.
(10) شرائع الإسلام: ج 3 ص 30.
72
لا يشترط في الرجعة إلا التمسك بالزوجية، ولذا يتحقق بالأفعال الدالة عليه،
فلا يشترط فيه الإيقاع والإنشاء.
(ويستحب الإشهاد) عليها للأخبار (1) والاعتبار (وليس شرطا) عندنا،
للأصل والأخبار (لكن لو ادعى بعد العدة وقوعها) أي الرجعة (فيها) أي
العدة (لم تقبل دعواه إلا بالبينة) للأصل، فهو من فوائد الإشهاد.
(ولو راجع بعد الطلاق فأنكرت الدخول) لئلا يكون له الرجعة (قدم
قولها مع اليمين) للأصل، إلا مع الخلوة التامة، فقد عرفت القول بأن الظاهر معها
يعارض الأصل، فيلزم كل بما أقر على نفسه، فلا نفقة لها ولا سكنى، وعليه تمام
المسمى [ولا تأخذه إلا النصف] (2) ولا ينكح أختها ولا الخامسة إلا إذا طلقها
ثانيا.
(ولو ادعت انقضاء العدة بالحيض مع الاحتمال وأنكر) مع اتفاقهما
على تأريخ الطلاق أو سكوتهما (صدقت مع اليمين) للأخبار (3) والاعتبار، إلا
أن تشهد القرائن بكذبها فيحتمل العدم، كما في خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام) في
امرأة ادعت أنها حاضت ثلاث حيض في شهر واحد، قال: كلفوا نسوة من بطانتها
أن حيضها كان فيما مضى على ما ادعت، فإن شهدن صدقت، وإلا فهي كاذبة (4).
ويمكن تعميم الاحتمال له.
(ولو ادعته (5) بالأشهر، فإن اتفقا على وقت الإيقاع) للطلاق (رجع
إلى الحساب) وانقطع النزاع (فإن اختلفا فيه بأن تقول: طلقت في رمضان،
ويدعي هو) الطلاق (في شوال، قدم قول الزوج مع اليمين) للأصل.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 371 ب 13 من أبواب أقسام الطلاق.
(2) ما بين المعقوفتين زيادة في ط.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 441 ب 24 من أبواب العدد.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 266 ب 24 من أبواب الشهادات ح 37.
(5) في قواعد الأحكام بدل " ادعته ": ادعت.
73
(ولو ادعى الزوج الانقضاء) لعدة طلاق يتفقان عليه، أرخه أم لا (قدم
قولها مع اليمين) سواء ادعى الانقضاء بالحيض أو الشهور، استصحابا للنكاح
وأثره وإن كان الطلاق من فعله.
(ولو كانت حاملا فادعت الوضع صدقت ولم تكلف) البينة ولا
(إحضار الولد) لعموم ما دل على تصديقهن في العدة (1) ولجواز وضعه بحيث لم
يطلع عليه غيرها ثم موته أو أخذه سرقة (حتى لو ادعت الانقضاء بوضعه
ميتا أو حيا ناقصا أو كاملا صدقت مع اليمين) خلافا للعامة، فمنهم: من
كلفها البينة إن ادعت وضع الكامل (2) لأنها مدعية، والغالب حضور القوابل. ومنهم:
من كلفها في الميت والسقط أيضا، لأن ما نالها من العسر يمكنها من الإشهاد.
(ولو ادعت الحمل فأنكر فأحضرت ولدا) تدعي أنها ولدته (فأنكر
ولادتها له قدم قوله) في كل من إنكار الحمل والولادة، للأصل، والأخبار إنما
دلت على ائتمانهن في انقضاء العدة (3) إذا كانت حقيقة العدة معلومة أنها بالوضع أو
الأشهر، أو الأقراء، دون ما إذا تداعيا في حقيقتها، ولما أحضرت الولد لم يكتف
بقولها في ولادتها له (لإمكان البينة هنا) لوجود الولد، وهو وإن جرى فيما
تقدم، إلا أنا اكتفينا بقولها فيه للنص والإجماع.
(ولو ادعت الانقضاء فادعى الرجعة قبله قدم قولها مع اليمين) [على
نفي العلم إلا أن يكون نزاعهما في رجعة اتفقا] (4) للأصل، أرخا ما ادعياه أم لا،
من غير فرق بين ابتداء الدعوى من أيهما كان، لكن على البت إن ادعى الرجعة
فعلا، أو سبق رجعة يتفقان عليها، وإلا فعلى عدم العلم ويكفيها، لزوال النكاح
بالطلاق، ولا يعود عليها إلا ببينة (5).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 441 ب 24 من أبواب العدد.
(2) شرح فتح القدير: ج 4 ص 21.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 441 ب 24 من أبواب العدد.
(4) لم يرد في ق، ن.
(5) العبارة من قوله: " لكن " إلى هنا وردت في ق كما يلي: لكن مع التأريخ يحلف على البت
وبدونه على نفي العلم. ووردت في ي هكذا: لكن مع عدم التأريخ يحلف على نفي العلم ومعه
قد يحلف على البت، كما إذا اتفقا على رجعة فادعى أنها وقعت يوم الخميس، وقالت: بل يوم الجمعة.
74
(ولو) اتفقا على أنه (راجع فادعت بعد الرجعة) وتصديقها له فيها
(الانقضاء قبلها) وأنكره مع إهمالهما التاريخ أو اعتدادها بالأشهر أو الوضع
(قدم قوله مع اليمين) على البت إن اعتدت بالوضع أو الأشهر أو ادعت ما لا
يمكن من الحيض، وإلا فعلى عدم العلم، وقد تحلف كذلك إن ادعت الوضع الممكن
حيث لم يعلم على نفي العلم إلا أن تدعي الانقضاء الغير الممكن فيحلف على البت
(لأصالة صحة الرجعة) وهي تدعي فسادها والرجوع إليها في العدة إنما هو
إذا لم يعارض دعواها ما يدفعها، كما إذا استفسرها ليراجعها إن كانت في العدة.
فلو أوقع الرجعة فقالت حينئذ: " قد انقضت عدتي " فالظاهر قبول قولها؛ لما
عرفت من الرجوع إليها في ذلك، وأصالة الصحة إنما تدفع قولها إذا ادعى هو
الصحة، ولا يمكنه ادعاؤها حينئذ، فإنه لا يعلم الصحة إلا إذا علم البقاء في العدة،
ولا طريق له إلى علمه إلا من قبلها.
وكذا مع تأريخهما للرجوع إليها في العدة ووقتها، وتوقف العلم بالصحة على
العلم بحال العدة [أن تعتد بالوضع أو الأشهر] (1) فلذا حملنا العبارة على ما سمعته،
وقوله: " قدم قوله " قرينة عليه [ومع ذلك فيمين الزوج على عدم العلم لا يكفي] (2).
وفي المبسوط: أنها إن سبقت بالدعوى فادعت انقضاء العدة، ثم ادعى
الرجعة قبل الانقضاء فالقول قولها مع يمينها، لأنها مؤتمنة على فرجها وانقضاء
عدتها، وحكم بوقوع البينونة بقولها، فلا يقبل قول الزوج، ووجب عليها اليمين
لجواز كذبها، فتحلف أنها لا تعلم بالرجعة قبل الانقضاء.
وإن انعكس الأمر كان القول قوله مع يمينه، لأنها ما لم يظهر انقضاء العدة،
فالظاهر أنها في العدة ويحكم بصحة الرجعة، فإذا ادعت الانقضاء قبل الرجعة لم
يقبل منها، لأنه أمر خفي تريد به رفع الرجعة التي حكم بصحتها ظاهرا، ووجب



(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في ن، ق.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في " ق، ي ".
75
عليه الحلف لجواز كذبه وصدقها، فيحلف أنه لا يعلم أن عدتها انقضت قبل الرجعة.
وإن اتفقت الدعويان أو جهل السابقة، فمنهم: من أقرع بينهما، فمن خرجت
عليه فالقول قوله مع اليمين، وهو الأقوى عندنا. ومنهم: من قال: القول قولها مع
يمينها لإمكان صدق كل منهما، والأصل أن لا رجعة (1).
ويمكن تنزيل عبارة الكتاب في المسألتين على موافقته، بأن يكون الفاء
فيهما للتعقيب، أي لو ادعت الانقضاء، ثم ادعى الرجعة قدم قولها، وإن انعكس
قدم قوله. لكن الأقوى عدم الافتراق بين الاقتران وترتب أيتهما فرضت على
الاخرى.
[ثم كيف يكفي الزوج اليمين على عدم العلم بانقضاء العدة قبل الرجعة،
وهو اعتراف بعدم العلم بصحة الرجعة؟] (2).
(ولو) كانت المطلقة أمة و (كذبها مولاها في تصديق زوجها على
وقوع الرجعة في العدة) أي فيما صدقته عليه من وقوعها فيها (وادعى
خروجها قبل الرجعة لم يقبل منه) إلا مع البينة إذ لا يرجع في العدة إلا إليهن
(ولا يمين) له (على الزوج لتعلق النكاح بالزوجين) فلا التفات إلى
غيرهما، والرجعة من توابعه، بل هو استدامة له وهي بيد الزوج (على إشكال)
من ذلك، ومن زوال النكاح بالطلاق والنزاع في إعادته وفي ملك البضع.
(ولو ارتدت بعد الطلاق) كتابية (ففي المنع من الرجعة إشكال ينشأ:
من كون الرجعية زوجة) كما يفهم من الأخبار (3) والأحكام والفتاوى، ولأنها
لو لم تكن زوجة كانت الرجعة تجديد نكاح، ولو كان كذلك لافتقر إلى إذنها،
فليست إلا استدامة للزوجية.
(ومن عدم صحة الابتداء) بنكاحها (فكذا الرجعة) فإنها في الحقيقة
ابتداء نكاح، فإن الطلاق زوال له، والزائل لا يعود، وإطلاق الزوجة عليها تجوز



(1) المبسوط: ج 5 ص 107.
(2) ما بين المعقوفتين ليس في ق.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 372 ب 13 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 6.
76
لثبوت أحكامها لها، وهو لا يفيد الزوجية، وهو خيرة المبسوط (1).
(فإن رجعت) إلى الإسلام (رجع) ما دامت (في العدة إن شاء، وكذا
الإشكال لو طلق الذمية) المنكوحة، وهما ذميان فأسلم واستدام نكاحها،
وحرمنا ابتداء نكاحها من مثل ذلك.
(والأقرب) في المسألتين (جواز الرجوع) لرجحان بقاء الزوجية، ومنع
أن الطلاق زوال لها، وإنما هو تعريض لها للزوال.
(ولو منعنا) فيهما (الرجعة) فرجع (افتقر إلى) رجعة (اخرى بعد
الإسلام) في العدة، لفساد الأولى، فلا يتوهم أن الكفر مانع من أثرها، فإذا زال
أثرت كما قيل (2).
(ولا يشترط علم الزوجة في الرجعة ولا رضاها) بلا خلاف كما
في المبسوط (3) وإن كان لها أن تتزوج إذا انقضت العدة ولم تعلم بالرجعة وليس
عليها البحث.
(فلو لم تعلم وتزوجت بغيره) ثم انكشف الحال (ردت إليه وإن دخل
الثاني بعد العدة) منه، لأن وطأها شبهة (ولا يكون الثاني أحق بها) دخل بها
أو لا، وللعامة فيه خلاف (4).
(ولو لم يكن) للأول (بينة) بالرجعة وأنكرها الثاني (حلف الثاني
على عدم علمه بالرجوع) وكانت زوجته وإن صدقت الأول (فإن نكل
حلف الأول وردت إليه) إن لم تنكرها (ولو صدقه الثاني والمرأة) جميعا
(ردت إليه) لأخذهما بإقرارهما، وإن كان عليهما الاحتياط إذا اتهماه.
(ولو صدقه الثاني خاصة) دون المرأة (قبل) إقراره (في حقه
وتحلف هي على نفي العلم ولا ترد) إذا حلفت (إلى الأول) وكذا إن حلف



(1) المبسوط: ج 5 ص 109.
(2) مسالك الأفهام: ج 9 ص 190.
(3) المبسوط: ج 5 ص 111.
(4) بداية المجتهد: ج 2 ص 93.
77
اليمين المردودة من الثاني وحلفت هي على نفي العلم وإن كانت اليمين المردودة
كالبينة، فإنها إنما هي بمنزلتها بالنسبة إلى المتداعيين (وانفسخ نكاحها من
الثاني بإقراره فيثبت لها نصف المهر) الذي سماه لها الثاني إن لم يدخل بها
(ومع الدخول) يثبت لها (الجميع).
والمراد بانفساخ النكاح سقوط حقوق الزوجية عنها مع تسلطها على الفسخ
أو إجباره على الطلاق أو طلاق الحاكم، وإلا فلا جهة لانفساخ النكاح بمجرد
دعوى الزوج بطلانه مع ادعائها الصحة.
وتنصيف المهر ظاهر على تقدير تطليق الحاكم أو إجباره على الطلاق،
وإلا احتمل، تنزيلا لفسخها هذا منزلة الطلاق، والأظهر أن لا شيء لها حينئذ
كالفسخ للعيب.
(ولو ادعى الرجعة عليها أولا، فإن صدقته لم يقبل) إقرارها (على
الثاني، وفي الرجوع) عليها للأول (بالمهر) لمثلها (إشكال ينشأ: من أنها
أقرت) فلا تفويت منها حين الإقرار، وقبله يجوز أن لا تكون عالمة بالرجعة،
فلا يكون تزوجها إلا عن شبهة فلا تؤاخذ.
(ومن أنها فوتت) بالتزوج وإن كان عن شبهة، والتفويت إن كان مضمنا
للمهر ضمنه وإن لم يكن مفرطة، مع أنها مفرطة بعدم البحث.
(وإن كذبته حلفت) على انتفاء العلم بالرجعة (إن قلنا بالغرم) لمهر
المثل مع التفويت لتدفعه عن نفسها (وإلا) نقل بالغرم (فلا) تحلف، لأنه
لا فائدة له (فإن نكلت حلف الزوج وغرمت) المهر له، ولا يحكم ببطلان
النكاح وإن كانت اليمين للمردودة كالبينة لما عرفت.
(فإذا زال نكاح الثاني) بطلاق أو غيره (وجب عليها تسليم نفسها إلى
الأول) كانت مصدقة له أو لا، ويحلف، لأنه لا طريق لها إلى العلم بالرجعة إلا من
جهته، ولا يحصل من جهته إلا بالبينة أو الحلف (وتستعيد) ما غرمته له من
(المهر) لئلا يجتمع له العوض والمعوض من غير تجدد عقد.

78
(فروع) ستة:
(الأول: لو أقر بالرجعة في العدة قبل قوله) فيما له وعليه، في العدة كان
الإقرار أو بعدها (لأنه يملك الرجعة حينئذ) أي لأنها حقه، ولا فعل فيها
لغيره، ولا تعلم إلا من جهته، فإذا ادعاها قبلت إذا لم يعارضه غيره، وعلى المرأة
أن تقبل منه من غير يمين، وكذا من أراد نكاحها، وهو لا ينافي تقديم قول غيره
إذا أنكرها، أو تكليفه باليمين.
(الثاني: لو قال: راجعتك للمحبة والإهانة) أي لو قال أحدهما
(فإن فسر) المراجعة بالرجعة إلى النكاح واللام بلام العلة، أو (بأني كنت
أحبها أو أهينها في النكاح فراجعتها إليه) وأردت باللام معنى: " إلى "
(صح) الرجوع.
(ولو قال: كنت أحبها قبل النكاح أو) كنت (أهينها) قبله (فراجعتها
إليه لم يصح الرجعة لأنه لم) ينو أن (يردها إلى النكاح) ولا رجعة إلا
بالنية ولا يعلم نيته إلا منه، وإن لم ينو بما بعد راجعتك شيئا، أو مات قبل أن يبين
حمل على الأول، لأنه الظاهر كما في المبسوط (1).
(الثالث: لو قال: " راجعتك " صح) الرجوع به (وإن لم يقل " إلى
النكاح ") أو " الزوجية " أو " إلي " أو نحوها وإن كان أصرح، ولذا استحبه بعض
العامة (2).
(الرابع: لو أخبرت بانقضاء العدة فراجع) معتقدا لكذبها (ثم كذبت
نفسها في إخبارها صحت الرجعة) بالنسبة إليه لأخذها بإقرارها مع صدور
الرجعة عنه مقرونة بالنية، فعليها ما على الزوجات لإقرارها. هذا وليس لها ما لهن
لإقرارها أولا بانقضاء العدة الموجب لبطلان الرجعة.
(الخامس: صريح) ألفاظ (الرجعة: " راجعت " و" رجعت " و" ارتجعت "



(1) المبسوط: ج 5 ص 106.
(2) انظر الحاوي الكبير: ج 10 ص 312.
79
والأقرب في " رددتها إلى النكاح " و" أمسكت " الصحة مع النية) للرجوع
لكون الرجعة تمسكا بالنكاح: ولا حاصر للفظه في غيرهما، مع قوله تعالى:
" وبعولتهن أحق بردهن " (1) وقوله: " فإمساك بمعروف " (2) ولذا قيل بكونهما
صريحين كما تقدم (3).
(وفي) الصحة بلفظ (التزويج) أو النكاح بأن يقول: " تزوجتك " أو
" نكحتك " مع نية الرجعة (إشكال) مما ذكر، وهو خيرة المبسوط (4) والخلاف (5)
وهو أقوى، وزيد أنهما يثبتان النكاح ابتداء، فاستدامة أولى، وضعفه ظاهر. ومن
أنهما لتجديد النكاح بشرط رضاها. وربما قيل بكونهما صريحين.
(وكذا) الإشكال في (أعدت الحل، ورفعت التحريم) مما ذكر. ومن أن
المعيد والرافع هو الشارع، وإنما هو راجع إلى التمسك بالزوجية، وأن الحل باق
مع الطلاق الرجعي.
(السادس: لو ادعى الرجعة) وكانت الدعوى (في وقت إمكان إنشائها
قدم قوله) لكونه فعله (مع احتمال تقديم قولها) للأصل (فحينئذ لا يجعل
إقراره) بالرجعة (إنشاء) لها، للتباين، مع احتماله لها إن لم يعقبه بما ينافيها،
كأن يقول: " راجعتك ثم طلقتك " لما عرفت من احتمال عدم اشتراط الإنشاء،
والاكتفاء بما يدل على التمسك بالزوجية، ولذا كان إنكار الطلاق رجعة، وحينئذ
لا نزاع بينهما.
(ولو أنكرت الرجعة ثم صدقته (6) حكم) عليها (بالرجعة) والزمت
بلوازمها، لإقرارها (وإن كان في إنكارها) أولا (إقرار بالتحريم، لأنها)
وإن أقرت على نفسها بالحرمة، لكنها (جحدت) بذلك (حق الزوج ثم أقرت،
و) لذا (يرجح جانبه) ويحكم بثبوت النكاح.



(1) البقرة: 228.
(2) البقرة: 229.
(3) اللمعة الدمشقية: ج 6 ص 49.
(4) المبسوط: ج 5 ص 112.
(5) الخلاف: ج 4 ص 506 مسألة 12.
(6) في قواعد الأحكام: صدقت.
80
(و) هو بخلاف ما (لو أقرت بتحريم رضاع أو نسب) على رجل
أجنبي، فإنه لما لم يتضمن إنكارا لحقه (لم يكن لها الرجوع) والرضا بنكاحه،
وإن أقرت به على زوجها ثم بانت منه، لم يكن لها العود إلى نكاحه وإن الزمت
باستدامة النكاح ما لم تبن، لتضمن إقرارها حينئذ إنكار حقه.
(ولو زعمت أنها لم ترض بعقد النكاح ثم رجعت فالأقوى القبول
لحق الزوج) مع احتمال العدم، لاشتراط صحة العقد برضاها، والأصل عدمه،
ولا يعرف إلا من جهتها، فإذا اختلف قولها حصل الاشتباه، وبقيت على أصل
الحرمة. وهذا معنى ما يقال: إن إنكارها لفعل نفسها بمنزلة الإقرار بفعل، فلا يسمع
إقرارها ثانيا، لكونه بمنزلة الإنكار.
وهو متجه إذا لم يدع الزوج رضاها أو صحة العقد بل تحاورا بينهما، وهو
المراد هنا. وأما إذا ترافعا إلى الحاكم فادعى صحة العقد وزعمت عدم الرضا، فإنه
لا يسمع قولها ذلك وإن لم ترجع لادعائها فساد العقد، فضلا عما إذا رجعت وأبهم،
لظهور أن الذي قواه هو قبول الرجوع، وهو فرع على قبول الإنكار قبله.
(الفصل الثالث في) النكاح (المحلل)
أو فيما يتعلق بالزوج المحلل
(والنظر) فيه (في أمور ثلاثة):
(الأول: من يقع به) أي فيه أو عليه (التحلل (1)) من النساء (وهو كل
امرأة طلقت ثلاثا) مطلقا أو على التفصيل كما عرفت (إن كانت حرة،
وطلقتين إن كانت أمة) بالإجماع والنصوص المستفيضة الناطقة باعتبار ذلك
بالزوجة (2) دون الزوج، كما عند مالك (3) والشافعي (4).
ولما شمل ذلك من حرمت على الزوج الأول بتسع طلقات أخرجها بقوله:



(1) في قواعد الأحكام: التحليل.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 391 ب 24 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 1 و2.
(3) المجموع: ج 17 ص 72.
(4) بدائع الصنائع: ج 3 ص 97.
81
(ممن يحل على الزوج الرجوع إليها بعد التحليل) أي ما يعتبر في التحليل.
(فلو تزوجت من طلقت تسعا للعدة) بالمعنى الذي عرفته (لم تحل)
للأول كما عرفت.
(وإذا طلقت مرة أو مرتين ثم تزوجت ففي الهدم) للثلاث
(روايتان) بحسبهما قولان (أقربهما ذلك) وفاقا للأكثر.
(فلو تزوجت بعد طلقة) أو طلقتين (ثم رجعت إلى الأول بقيت على
ثلاث مستأنفات وبطل حكم السابقة).
والرواية خبر رفاعة قال للصادق (عليه السلام): رجل طلق امرأته تطليقة واحدة فتبين
منه، ثم يتزوجها آخر فيطلقها على السنة فتبين منه، ثم يتزوجها الأول على كم
هي عنده؟ قال: على غير شيء. ثم قال: يا رفاعة كيف إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجها
ثانية استقبل الطلاق؟ وإذا طلقها واحدة كانت على اثنتين (1).
وخبر عبد الله بن عقيل بن أبي طالب قال: اختلف رجلان في قضية علي (عليه السلام)
وعمر في امرأة طلقها زوجها تطليقة أو اثنتين فتزوجها آخر فطلقها أو مات عنها،
فلما انقضى عدتها تزوجها الأول، فقال عمر: هي على ما بقي من الطلاق، فقال
أمير المؤمنين (عليه السلام): سبحان الله أيهدم ثلاثة ولا يهدم واحدة (2)؟! ويؤيدهما
الاعتبار كما نبهنا عليه.
والرواية الاخرى أخبار:
منها: صحيح الحلبي سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته تطليقة واحدة
ثم تركها حتى مضت عدتها فتزوجت زوجا غيره ثم مات الرجل أو طلقها
فراجعها زوجها الأول، قال: هي عنده على تطليقتين باقيتين (3).
ومنها: صحيح منصور عنه (عليه السلام) قال: هي عنده على ما بقي من الطلاق (4).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 363 ب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 363 ب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 3.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 364 ب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 6.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 365 ب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 9.
82
ونحوه خبر زرارة عن الباقر (عليه السلام) (1).
ومنها: خبر علي بن أحمد عن عبد الله بن محمد قال له: روي عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في الرجل يطلق امرأته على الكتاب والسنة تبين منه بواحدة،
وتتزوج زوجا غيره فيموت عنها، أو يطلقها فترجع إلى زوجها الأول: أنها تكون
عنده على تطليقتين وواحدة قد مضت (2).
وحكي العمل بها عن بعض الأصحاب، والأكثر أولوها تارة: بعدم اجتماع
شرائط التحليل، وأخرى: بالتقية.
وعندي أنه لا تعارض، لاحتمال أن يراد بكونها عنده على تطليقتين أنها
تكون زوجته، ويجوز له الرجوع إليها بعد التطليقتين، فيفيد الهدم كالخبرين
الأولين، وقوله: " واحدة قد مضت " يجوز أن يراد به أنها انهدمت.
(وإذا طلقت الحرة ثلاثا حرمت على الزوج) بالإجماع والنص من
الكتاب (3) والسنة (4) (حتى تنكح غيره) كان المطلق حرا أو عبدا.
(والأمة تحرم بطلقتين) حرا كان المطلق أو عبدا، عند علمائنا كافة.
(و) بالجملة (لا اعتبار) عندنا (بالزوج في عدد الطلاق) المحرم.
(ولو راجع الأمة أو تزوجها بعد طلقة وبعد عتقها) بعدها (بقيت معه
على واحدة) لا اثنتين، وفاقا للمشهور للأخبار، كصحيح محمد بن مسلم عن
الباقر (عليه السلام) قال: المملوك إذا كانت تحته مملوكة فطلقها ثم أعتقها صاحبها كانت
عنده على واحدة (5).
وصحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام) في العبد تكون تحته الأمة فطلقها تطليقة



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 365 ب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 10.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 364 ب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 7.
(3) البقرة: 230.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 357 ب 4 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 398 ب 28 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 2.
83
ثم أعتقا جميعا، قال: كانت تحته على تطليقة واحدة (1). ونحوه خبر هشام بن سالم
عنه (عليه السلام) (2). وزاد في المختلف: أنه أحوط (3) وأنه لما طلقت طلقة تعلق بها التحريم
بطلقة اخرى، والأصل عدم الزوال بالعتق. وضعفه ظاهر. وأبو علي نقلها إلى حكم
الحرائر في عدد الطلاق (4) ويؤيده الاعتبار.
(و) لا إشكال في أنه (لو سبق العتق الطلاق حرمت بعد ثلاث).
الأمر (الثاني): الزوج (المحلل)
(ويشترط فيه) أمور (أربعة:)
(الأول: البلوغ، فلا اعتبار بوطء الصبي) أما غير المراهق، فبالاتفاق
كما هو الظاهر، وينبه عليه ما اعتبر من ذوق العسيلة.
(و) أما (إن كان مراهقا) فكذلك، وفاقا للتهذيب (5) والنهاية (6)
والجامع (7) والشرائع (8) والسرائر (9) والغنية (10) (على إشكال) من ظاهر الآية (11)
والأخبار، فإن الظاهر من نكاح زوج آخر استقلال كل منهما بالنكاح، خصوصا
قد وقع في الآية بعد ذلك قوله: " فإن طلقها " والطلاق لا يصدر إلا عن البالغ، ولأن
علي بن الفضل الواسطي كتب إلى الرضا (عليه السلام): رجل طلق امرأته الطلاق الذي
لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فتزوجها غلام لم يحتلم، قال: لا حتى يبلغ،
وكتب ما حد البلوغ؟ فقال: ما أوجب الله على المؤمنين الحدود (12).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 398 ب 28 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 3.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 398 ب 28 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 4.
(3) مختلف الشيعة: ج 7 ص 376 - 377.
(4) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 376.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 32 ذيل الحديث 97.
(6) النهاية: ج 2 ص 440.
(7) الجامع للشرائع: ص 467.
(8) شرائع الإسلام: ج 3 ص 28.
(9) انظر السرائر: ج 2 ص 671.
(10) غنية النزوع: ص 373.
(11) البقرة: 230.
(12) وسائل الشيعة: ج 15 ص 367 ب 8 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 1.
84
ومن عموم الزوج والنكاح في الآية والأخبار، والتعليق في الأخبار بذوق
العسيلة (1) والمراهق أهل له، وهو خيرة المبسوط (2) والخلاف (3) وأبي علي (4).
(الثاني: الوطء) بإجماع من عدا سعيد بن المسيب كما في الخلاف (5)
والمبسوط (6) (قبلا) بلا خلاف، وهو المفهوم من ذوق العسيلة (حتى تغيب
الحشفة) أو قدرها من مقطوعها، فإنه لا نكاح بمعنى الوطء في عرف الشرع
بدونه، ولانتفاء ذوق العسيلة بدونه غالبا، ولأنه لم يعهد في الشرع اعتبار ما دونه،
فوقوعه بمنزلة العدم مع بقاء أصل الحرمة.
(ولا يشترط الإنزال بل لو أكسل حلت) للعموم، وما قيل: من كون
العسيلة هي الإنزال (7) إن سلم، فلا شبهة أنه لا يراد بذوقها إلا الالتذاذ بالوطء،
ولا يتوقف على الإنزال وإن كان معه أشد.
(الثالث: استناد الوطء إلى العقد الدائم) للاشتراط في الآية بنكاح زوج
غيره، والتعقيب بقوله تعالى: " فإن طلقها ".
(فلو وطئ بالملك أو المتعة أو الإباحة لم تحل على الزوج) كما هو
في نحو خبر العلاء بن فضيل سأل أحدهما (عليه السلام) عن رجل زوج عبده أمته ثم طلقها
تطليقتين أيراجعها إن أراد مولاها؟ قال: لا، قال: أفرأيت إن وطئها مولاها أيحل
للعبد أن يراجعها؟ قال: لا حتى تتزوج زوجا غيره ويدخل بها (8).
وخبر الصيقل قال للصادق (عليه السلام): رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى
تنكح زوجا غيره فتزوجها رجل متعة أتحل للأول؟ قال: لا، لأن الله تعالى يقول:



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 366 - 367 ب 7 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
(2) المبسوط: ج 5 ص 109 - 110.
(3) الخلاف: ج 4 ص 504 مسألة 8.
(4) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 387.
(5) الخلاف: ج 4 ص 502 مسألة 6.
(6) لم يرد في ن، ق. المبسوط: ج 5 ص 109.
(7) نهاية المرام: ج 2 ص 66.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 397 ب 27 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 2.
85
" فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها " (1) والمتعة ليس
فيها طلاق (2).
(الرابع: انتفاء الردة) المبطلة للنكاح قبل الوطء (فلو تزوجها المحلل)
أي الزوج الثاني الذي يكون محللا لو اجتمعت الشرائط (مسلما ثم وطئها بعد
ردته لم تحل) لاستناد الوطء إلى زنا أو شبهة (لانفساخ عقده) بالردة لعدم
الدخول.
(أما لو وطئها) وطءا (حراما مستندا إلى عقد صحيح باق على
صحته - كالمحرم أو في الصوم الواجب أو في حال الحيض - فإشكال،
ينشأ، من كونه منهيا عنه، فلا يكون مرادا للشارع) فلا يفهم من النكاح
وذوق العسيلة إلا المحلل من ذلك، مع أصل بقاء الحرمة، وهو خيرة أبي علي (3)
والشيخ (4).
(ومن استناد النكاح) أي الوطء (إلى عقد صحيح) فيصدق الزوجية،
والوطء وذوق العسيلة عامان، مع ما عرفت في أوائل النكاح من أن ظاهر الآية
إرادة العقد بالنكاح، إنما فهم اشتراط الوطء بالسنة والإجماع. والتحليل من
أحكام الوضع، فلا ينافيه فساد الوطء، وهو خيرة الجامع (5) والمختلف (6).
النظر (الثالث: في الأحكام) أو (7) الأمر الثالث: أمر الأحكام، أو " في "
زائدة.
(لو انقضت) من الطلقة الثالثة (مدة، فادعت التزويج) واجتماع
شروط التحليل (والمفارقة و) انقضاء (العدة قبل مع الإمكان) بلا يمين كما



(1) البقرة: 230.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 369 ب 9 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 4.
(3) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 387.
(4) الخلاف: ج 4 ص 504 مسألة 9.
(5) الجامع للشرائع: ص 467.
(6) مختلف الشيعة: ج 7 ص 387 - 388.
(7) في المطبوع بدل " أو ": أي.
86
في المبسوط (1) (وإن بعد) لأن في جملة ذلك ما لا يتوصل إليه إلا بقولها،
وهو الوطء والعدة، وربما لم يمكنها إثبات التزوج بموت الزوج وانتفاء الشهود
ونحو ذلك.
ولا يبعد توجه مطالبتها بالبينة على ما يمكن إقامتها عليه من النكاح والفراق.
(وفي رواية) حماد الصحيحة عن الصادق (عليه السلام) قبل (إن كانت ثقة)
سأله (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته ثلاثا فبانت منه، فأراد مراجعتها، فقال: إني أريد
مراجعتك فتزوجي زوجا غيري، فقالت: قد تزوجت زوجا غيرك وحللت لك
نفسي، أيصدق قولها ويراجعها وكيف يصنع؟ قال: إذا كانت المرأة ثقة صدقت
في قولها (2).
فالاحتياط تجنبها مع التهمة، ويحتمل الاستحباب.
(ولو دخل المحلل) في البين أو دخل بها (فادعت الإصابة) المحللة
(فإن صدقها حلت للأول) بلا إشكال (وإن كذبها فالأقرب) وفاقا للمحقق
(العمل بقولها) ثقة كانت أو لا، وإن كانت ثقة كما في الخبر (لتعذر) إقامة
(البينة عليها) ولا تداعي بينها وبين المحلل ليرجح قوله أو يكلف باليمين.
وكذا لو جهل الدخول بها وجودا وعدما، لا إذا علم العدم.
(وقيل) في المبسوط: (يعمل بما يغلب على الظن من صدقه
وصدقها) احتياطا لا وجوبا، لقوله: وإن قال الزوج الثاني: ما أصبتها فإن غلب
على ظنه صدقها قبل قولها، وإن كذبها يجنبها وليس بحرام (3).
(فإن رجعت) عن دعواها الإصابة (قبل العقد) عليها للزوج الأول
(لم تحل عليه) لأخذها بإقرارها (وإلا) يكن الرجوع إلا بعد العقد (لم يقبل
رجوعها) لأنه إقرار في حق الزوج، ودعوى لبطلان العقد.



(1) المبسوط: ج 5 ص 111.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 370 ب 11 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 1.
(3) المبسوط: ج 5 ص 111 وفيه بدل " وإن كذبها ": وإن غلب كذبها.
87
(ولو طلق الذمية ثلاثا) على وجه يصح بأن أوقع الطلقات أو اثنتين منها
وهو كافر، أو جوزنا رجوع المسلم إليها وإن لم نجوز له نكاحها ابتداء
(فتزوجت بعد) انقضاء (العدة ذميا) واجتمعت شرائط التحليل (ثم بانت
منه، وأسلمت حلت للأول بعقد مستأنف).
وكذا إن لم تسلم، إن جوزنا ابتداء نكاح الذمية، لصحة نكاح الكفار وصدق
الزوجية، وذوق العسيلة، وعدم الدليل على اشتراط الإسلام.
(وكذا كل مشرك) طلق امرأته ثلاثا فتزوجت بمشرك، فإنها تحل للأول
بعد إسلامها وقبله لصحة أنكحة الكفار.
(و) لما علمت اشتراط الحل بوطئ زوج غيره كما هو نص الآية علمت أنه
(لو وطئ الأمة مولاها لم تحل على الزوج إذا طلقها مرتين) ومع ذلك فقد
نصت عليه الأخبار وقد سمعت بعضها.
(ولو ملكها المطلق لم يحل (1) عليه) وطؤها بالملك (إلا أن تنكح
زوجا غيره) لعموم الآية، وللأخبار، كحسن الحلبي سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل
حر كانت تحته أمة فطلقها بائنا، ثم اشتراها هل يحل له أن يطأها؟ قال: لا (2).
وصحيح بريد العجلي عنه (عليه السلام) في الأمة يطلقها (3) تطليقتين ثم يشتريها، قال:
لا حتى تنكح زوجا غيره (4).
وعن بعض الأصحاب الحل اقتصارا فيما خالف الأصل على اليقين، وهو
المتبادر من الآية، وهو الحرمة من جهة النكاح، ولعموم " ما ملكت أيمانهم " (5).
ولصحيح عبد الله بن سنان سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل كانت تحته أمة فطلقها



(1) في قواعد الأحكام: لم تحل.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 395 ب 26 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 5.
(3) في وسائل الشيعة زيادة: زوجها.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 395 ب 26 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 3.
(5) المؤمنون: 6.
88
على السنة فبانت منه، ثم اشتراها بعد ذلك قبل أن تنكح زوجا غيره، قال: أليس
قد قضى علي (عليه السلام) في هذه؟ أحلتها آية وحرمتها اخرى، وأنا أنهى عنها نفسي
وولدي (1). وليس نصا في الحل، بل هو أقرب إلى الحرمة.
ولصحيح أبي بصير سأله (عليه السلام) رجل كانت تحته أمة فطلقها طلاقا بائنا (2) ثم
اشتراها بعد، قال: (3) يحل له فرجها من أجل شرائها، والحر والعبد في هذه المنزلة
سواء (4).
وإنما يتم الاحتجاج لو كان " ثانيا " بالمثلثة، ويحتمل أن يكون بالموحدة
من البينونة.
(ولا تأثير للوطء المستند إلى العقد الفاسد أو الشبهة في التحليل)
لانتفاء الزوجية، وأصل بقاء الحرمة.
(والمجبوب إذا بقي من ذكره ما يغيب في فرجها قدر الحشفة حلت
بوطئه) مع اجتماع باقي الشرائط، لصدق الوطء وذوق العسيلة.
(وكذا الموجوء والخصي) إذا وطئاها. وخبر محمد بن مضارب سأل
الرضا (عليه السلام) عن الخصي يحلل؟ قال: لا يحلل (5). ضعيف محتمل لعدم الوطء.
(ولا فرق بين أن يكون المحلل حرا أو عبدا عاقلا أو مجنونا وكذا
الزوجة) للعموم، والأصل.
(ولو كانت صغيرة فوطئها المحلل قبل بلوغ التسع) أفضى أم لا
(فكالوطء في الحيض) في الإشكال منشأ إلا إذا جهل التحريم، وربما يقوى
العدم هنا بظاهر الآية، فإن الصغيرة لا تنكح بنفسها.
* * *



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 394 ب 26 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 1.
(2) في ق بدل " بائنا ": ثانيا.
(3) في ق زيادة " لا " كما زادها في الاستبصار: ج 3 ص 310 ح 1104.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 395 ب 26 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 4.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 369 ب 10 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 1.
89
(المقصد الرابع في العدد) وأحكامها
(وفيه فصول) ثمانية:
(الأول في غير المدخول بها)
ومن بحكمها من الصغيرة واليائسة، وحكمهن في الاعتداد وجوبا وعدمه.
(لا عدة على من لم يدخل بها الزوج من طلاق أو فسخ) بالنص (1)
والإجماع وإن استدخلت ماءه من غير جماع، أو ساحقت موطوءة حين قامت
من تحته.
(والدخول يحصل بغيبوبة الحشفة أو ما ساواها) من مقطوعها (في
قبل أو دبر، أنزل أو لم ينزل، وسواء كان صحيح الأنثيين أو مقطوعهما)
للأخبار (2) ولصدق المس والدخول وإن بعد الحمل. واقتصر في التحرير على
القبل (3).
(ولو كان مقطوع الذكر خاصة) أي دون الأنثيين (قيل) في المبسوط:
(وجبت) عليها (العدة) إن ساحقها فإن كانت حاملا فبوضع الحمل، وإلا
فبالأشهر دون الأقراء (4) (لإمكان الحمل) عادة (بالمساحقة) مع بقاء



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 403 ب 1 من أبواب أقسام العدد.
(2) وسائل الشيعة: ج 1 ص 469 ب 6 من أبواب الجنابة.
(3) تحرير الأحكام: ج 2 ص 70 س 11.
(4) المبسوط: ج 5 ص 238.
90
الأنثيين، بخلاف ما إذا لم تبقيا، لانتفاء العادة بالحمل حينئذ.
ومن المعلوم أن الأصل في الاعتداد الحمل والتحرز عن اختلاط الماءين.
ولذا انتفى عمن لا يحتمل ذلك فيها. ولشمول المس والدخول لذلك ولغيره، خرج
غيره عن الملامسة بسائر الأعضاء بالإجماع. ومس مجبوب الذكر والأنثيين
جميعا بالعلم عادة ببراءة الرحم، ويبقى هذا المس داخلا من غير مخرج له.
والجواب: أن المس في عرف الشرع - حقيقة أو مجازا - مشهور في الوطء.
وكذا الدخول بها، فلا أقل من تبادره إلى الفهم، وإمكان الحمل إن اعتبر، وكان
حاصلا مع وجود الأنثيين دون عدمهما، فينبغي أن لا يعتد بوطء مقطوعهما دون
الذكر مع نصه على الاعتداد به.
(و) لكن (لو ظهر) بها مع المساحقة (حمل اعتدت بوضعه) للحوق
السبب به، والحكم بأنه منه، مع قوله تعالى: " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن
حملهن " (1).
(وكذا لو كان مقطوع الذكر والأنثيين) فساحقها فظهر حمل، اعتدت
بالوضع (على إشكال) من الفراش، وكون معدن المني الصلب بنص الآية. ومن
قضاء العادة بالعدم مع انتفاء الأنثيين.
(ولا تجب) عليها (العدة) فيما بينها وبين الله (بالخلوة المنفردة عن
الوطء وإن كانت كاملة) بالبلوغ وعدم اليأس، أو كانت الخلوة تامة، كأن تكون
في منزله، سواء وطئها فيما دون الفرج أو لا، للنص (2) والاعتبار والأصل. وقد
عرفت معنى ما ورد من الأخبار الحاكمة بكون الخلوة كالدخول وما وافقها من
كلام الأصحاب.
(ولو اختلفا حينئذ) خلا بها (في الإصابة فالقول قوله مع يمينه)



(1) الطلاق: 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 402 ب 1 من أبواب العدد.
91
في العدم كما في التحرير (1) للأصل، فإن أقامت شاهدين، أو شاهدا وامرأتين،
أو شاهدا وحلفت، استحقت تمام المهر، وإلا فلا، خلافا لمن استظهر الإصابة
بالخلوة، ورجحه على الأصل.
وفي المبسوط: أن قضية أحاديث أصحابنا أنه إن كان هناك ما يعلم به صدق
قولها مثل: أن كانت بكرا فوجدت كما كانت، فالقول قولها، وإن كانت ثيبا، فالقول
قوله، للأصل (2).
وحق الكلام " فوجدت لا كما كانت " ولذا نسبه في التحرير إلى
الاضطراب (3). فكأن " لا " سقطت من القلم.
ثم الأنسب بهذا المقام أن يدعي الزوج الإصابة، فيحتمل أن يكون هو المراد،
ويكون رجح الظاهر، والعمل بالأخبار الحاكمة بكون الخلوة بمنزلة الدخول (4).
(ولو دخل بالصغيرة وهي: من نقص سنها عن تسع، أو اليائسة وهي:
من بلغت خمسين) سنة إن لم تكن قرشية أو نبطية (أو ستين إن كانت
قرشية أو نبطية، فلا اعتبار به، ولا يجب لأجله عدة) من (طلاق ولا
فسخ على رأي) وفاقا للمشهور، للأصل وبراءة الرحم، والأخبار كصحيح
حماد بن عثمان سأل الصادق (عليه السلام) عن التي قد يئست من المحيض والتي لا
تحيض مثلها، قال: ليس عليها عدة (5). وخبر عبد الرحمن بن الحجاج سمعه (عليه السلام)
يقول: ثلاث يتزوجن على كل حال: التي يئست من المحيض ومثلها لا تحيض،
قلت: ومتى تكون كذلك؟ قال: إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها
لا تحيض، والتي لا تحيض ومثلها لا تحيض، قلت: ومتى تكون كذلك؟ قال: متى
لم تبلغ تسع سنين فإنها لا تحيض ومثلها لا تحيض، والتي لم يدخل بها (6).



(1) تحرير الأحكام: ج 2 ص 70 س 12.
(2) المبسوط: ج 5 ص 248.
(3) تحرير الأحكام: ج 2 ص 70 س 15.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 66 ب 55 من أبواب المهور.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 405 ب 2 من أبواب العدد ح 1.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 409 ب 3 من أبواب العدد ح 5.
92
وخلافا للسيد فأوجب عليهما الاعتداد بثلاثة أشهر (1) وهو ظاهر ابن
شهرآشوب وقال ابن زهرة: إنه الذي يقتضيه الاحتياط لقوله تعالى: " واللائي
يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم
يحضن " (2).
قال في الانتصار: وهذا صريح في أن الآيسات من المحيض واللائي لم
يبلغن عدتهن الأشهر على كل حال، لأن قوله تعالى: " واللائي لم يحضن " (3)
معناه: واللائي لم يحضن كذلك. وذكر أن معنى: " إن ارتبتم " ما ذكره جمهور
المفسرين وأهل العلم بالتأويل: من أنكم إن ارتبتم في عدة هؤلاء ومبلغها،
فاعلموا أن عدتهن ثلاثة أشهر (4).
ويعضده ما روي من قول أبي بن كعب: يا رسول الله إن عددا من عدد النساء
لم تذكر في الكتاب الصغار والكبار وأولات الأحمال، فأنزل الله تعالى: " واللائي
يئسن من المحيض " إلى قوله: " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " (5)
وأنه لا يجوز أن يكون المراد الارتياب في البأس وعدمه، للتعبير ب‍ " اللائي يئسن
من المحيض " ولأن الارتياب إن كان، فمنهن لا من الرجال، لأنهم يرجعون إليهن
في المحيض واليأس، فلو كان ذلك مرادا لقيل: إن ارتبن أو ارتبتن.
ولبعض الأخبار كصحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: عدة المرأة التي
لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر والجارية التي قد يئست ولم تدرك الحيض
ثلاثة أشهر (6).
وخبر علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: عدة التي لم تبلغ المحيض ثلاثة
أشهر، والتي قد قعدت من المحيض ثلاثة أشهر (7).



(1) الانتصار: ص 146.
(2) غنية النزوع: ص 382.
(3) الطلاق: 4.
(4) الانتصار: ص 146.
(5) تفسير القرآن لابن كثير القرشي: ج 4 ص 381.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 407 ب 2 من أبواب العدد ح 8.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 407 ب 2 من أبواب العدد ح 6.
93
وخبر ابن سنان عن الصادق (عليه السلام)، قال في الجارية التي لم تدرك الحيض:
يطلقها زوجها بالشهور (1).
وخبر هارون بن حمزة الغنوي سأله (عليه السلام) عن جارية طلقت ولم تحض بعد،
فمضى لها شهران ثم حاضت أتعتد بالشهرين؟ قال: نعم وتكمل عدتها شهرا، قال:
فقلت: أتكمل عدتها بحيضة؟ قال: لا، بل بشهر مضى آخر عدتها على ما يمضي
عليه أولها (2).
وخبر أبي بصير عنه (عليه السلام) قال: عدة التي لم تحض والمستحاضة التي لا تطهر
ثلاثة أشهر (3).
والجواب: أما عن الآية فبأنه خلاف الظاهر من التعبير بالارتياب، والأنسب
الجهل. ومن أنه لا كثير فائدة فيه حينئذ. ومن تأويل الجزاء بالأمر بالعلم به
ولا يتعين الصغار والكبار في قول أبي لغير البالغة واليائسة. مع أنه قد قدح فيه بأنه
إن صح لزم تقدم عدة ذوات الأقراء، مع أنها إنما ذكرت في البقرة وهي مدنية
وتلك الآية في الطلاق وهي مكية في المشهور، ولا يبعد الحمل على الارتياب في
اليأس وعدمه التعبير باليأس، لجواز أن لا يراد (4) باليأس ما هو المعروف عند
الفقهاء، ولا الرجوع إليهن في الحيض عدمه، لأن ارتيابها يوجب ارتيابنا إذا
راجعنا إليها، مع أن الرجوع إليها في اليأس المعتبر شرعا ممنوع، فإنه في الحقيقة
خبر عن السن.
وأما الأخبار فمحمولة على من بلغت ولكن لم تحض، أو انقطع حيضها لكن
لم تبلغ سن اليأس.
(أما الموت فيثبت فيه العدة وإن لم يدخل) بها الزوج (وإن كانت



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 407 ب 2 من أبواب العدد ح 7.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 408 ب 2 من أبواب العدد ح 9.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 413 ب 4 من أبواب العدد ح 9.
(4) في ق، ط بدل " لا يراد ": يراد.
94
صغيرة أو يائسة دخل أو لا) كما سيأتي، ولعل السر فيه أن الغرض من اعتداد
المتوفى عنها ليس مقصورا على استبراء الرحم كالمطلقة، بل قصد منه الحداد أيضا.
(الفصل الثاني في عدة الحائل من الطلاق)
(وفيه مطلبان):
(الأول في ذوات الأقراء)
(الحرة المستقيمة الحيض) عدا من سيأتي استثناؤها (تعتد) إذا دخل
بها وكانت حائلا (بثلاثة أقراء) بالنص (1) والإجماع، وفيه تنبيه على خطأ من
زعم أن الأقراء جمع للقرء بالضم، بمعنى الحيض كقفل وأقفال، والذي بمعنى الطهر
بالفتح وجمعه قروء كحرب وحروب.
(وهي الأطهار) وفاقا للمشهور. وفي الخلاف وغيره الإجماع عليه (2)
لقوله تعالى: " فطلقوهن لعدتهن " (3) فإن الظاهر كون اللام ظرفية، والطلاق لا يصح
إلا في الطهر فهو المعدود من العدة. وللأخبار من العامة والخاصة كحسن زرارة
عن الباقر (عليه السلام) قال: القرء ما بين الحيضتين (4). وكذا حسن محمد بن مسلم
وصحيح زرارة عنه (عليه السلام) قال: الأقراء هي الأطهار (5). وحسنه عنه (عليه السلام) قال: إذا
دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلت للأزواج، قال: قلت له: إن أهل
العراق يروون عن علي (عليه السلام) أنه قال: هو أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة
الثالثة، فقال: قد كذبوا (6). وغيرها من الأخبار الناصة على انقضاء العدة بأول قطرة
من الحيضة الثالثة (7).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 421 ب 12 من أبواب العدد.
(2) الخلاف: ج 4 ص 446 مسألة 2.
(3) الطلاق: 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 424 ب 14 من أبواب العدد ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 424 ب 14 من أبواب العدد ح 2.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 426 ب 15 من أبواب العدد ح 1.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 428 ب 15 من أبواب العدد ح 8.
95
وخلافا لسلار (1) تمسكا بأخبار كالناصة على أن له الرجوع ما لم تنقض
الثالثة، كصحيح محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) في الرجل يطلق امرأته على طهر
من غير جماع يدعها حتى في قرئها الثالث ويحضر غسلها ثم يراجعها ويشهد
على رجعتها، قال: هو أملك بها ما لم تحل لها الصلاة (2).
وخبر عبد الله بن ميمون عن الصادق (عليه السلام) قال: قال علي (عليه السلام): إذا طلق الرجل
المرأة فهو أحق بها ما لم تغتسل من الثالثة (3). وهي مع احتمال التقية يحتمل أن
يراد فيها بالثالث الطهر الثالث، ويكون الأولى الرجوع إليها قبله.
وكالناصة على أنها الحيضات، كصحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: عدة
التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة أقراء وهي ثلاث حيض. ونحو صحيح ابن
مسكان عن أبي بصير (4). وهي مع احتمال التقية، يحتمل أن يكون المراد أن عليها
أن تعتد ثلاث حيضات فإنها لا تبين إلا برؤية الثالثة. وأن يكون التفسير ب‍ " ثلاث
حيض " من الراوي.
وحكى الشيخ عن شيخه الجمع بين الأخبار بأنه: إذا طلقها في آخر طهرها
اعتدت بالحيض، وإن طلقها في أوله اعتدت بالأطهار (5).
ولا فرق (في) الاعتداد بثلاثة أقراء بين (الطلاق والفسخ) وإن اختصت
الآية بالطلاق.
و (سواء) عندنا أن الحرة تعتد بها (كان زوجها حرا أو عبدا) فلا عبرة
بالزوج عندنا كما نطقت به الأخبار عموما أو خصوصا، كحسن زرارة سأل
الباقر (عليه السلام) عن حر تحته أمة، أو عبد تحته حرة، فكم طلاقها وكم عدتها؟ فقال:



(1) المراسم: ص 166.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 430 ب 15 من أبواب العدد ح 15.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 429 ب 15 من أبواب العدد ح 12.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 425 ب 14 من أبواب العدد ح 7 وذيله.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 127 ذيل حديث 438. وفيه بدل " اعتدت بالأطهار ": اعتدت
بالأقراء التي هي الأطهار.
96
السنة في النساء في الطلاق، فإن كانت حرة فطلاقها ثلاث وعدتها ثلاثة أقراء،
وإن كان حرا تحته أمة فطلاقها تطليقتان وعدتها قرءان (1).
(ويحتسب) من الثلاثة الأقراء (القرء (2) بعد الطلاق وإن كان لحظة)
بلا خلاف لصدق القرء عليها، ونطق الأخبار بالبينونة عند رؤية الدم ثالثا كما أنه
لا خلاف في اعتبار تمام الطهر بين الحيضتين في القرءين الآخرين.
(ولو حاضت مع انتهاء لفظة الطلاق) من غير انفصال بينهما وإن بعد
الفرض صح الطلاق، لوقوعه بتمامه في الطهر، و (لم يحتسب طهر الطلاق قرءا
وافتقرت إلى ثلاثة أقراء أو مستأنفة بعد الحيض) فلا تبين إلا برؤية الدم
الرابع. والوجه ظاهر.
(و) لا خلاف عند من اعتبر الأطهار في أنه (إذا رأت الدم الثالث
خرجت من العدة) كما لا خلاف عندهم في أنها لا تخرج ما لم تره لما عرفت
من اعتبار تمامية الطهرين الثانيين، وقد عرفت الأخبار الناطقة بالخروج وما
بإزائها، ووجوه الجمع بينها.
(و) لما عرفت ما تقدم، عرفت أن (أقل زمان تنقضي به العدة)
للمستقيمة الحيض (ستة وعشرون يوما) هي أقل طهرين وحيضتين
(ولحظتان) إحداهما لحظة الطهر بعد لفظة الطلاق، والأخرى لحظة الدم الثالث،
بل الأقل ثلاثة وعشرون يوما وثلاث لحظات، بأن طلقها بعد الوضع قبل رؤية
النفاس ثم رأته لحظة.
ولكن (الأخيرة دلالة على الخروج، لا جزء) للعدة وفاقا للمحقق (3)
فإن العدة إنما هي ثلاثة أقراء بالاتفاق. وخلافا للمبسوط قال: لأن بها تكمل
العدة (4). قلنا: بل بها يظهر كمالها، وهو في الحقيقة مصادرة. وربما قيل: لأن القرء



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 469 ب 40 من أبواب العدد ح 1.
(2) في ط، ق بدل " القرء ": القروء. وفي قواعد الأحكام بدلها: الطهر.
(3) شرائع الإسلام: ج 3 ص 34.
(4) المبسوط: ج 5 ص 235.
97
هو الانتقال من الطهر إلى الحيض لا نفس الطهر، وهو ممنوع. وقد يتمسك بظاهر
ما نطق من الأخبار: بأنها تبين إذا رأت الدم الثالث (1). وضعفه ظاهر.
وللخلاف فوائد: (فلا يصح) على المختار (فيه) أي اللحظة (الرجعة)
إن اتفقت فيه، ومما يعضده قول الباقر (عليه السلام) لإسماعيل الجعفي: هو أملك برجعتها
ما لم تقع في الدم من الحيضة الثالثة (2).
(و) من فوائده أنه (لو اتفق عقد) الزوج (الثاني فيه صح) على
المختار.
ومنها: إذا اتفق موت زوجها في تلك اللحظة، فإنها لا ترث على المختار،
ولا ينافيه خبر زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: المطلقة ترث وتورث حتى ترى
الدم الثالث، فإذا رأته فقد انقطع (3).
(ولو اختلفت عادتها) في الوقت أو تعجل بها الدم (صبرت في الثالث
إلى انقضاء أقل الحيض) وإن قلنا بتحيضها بالرؤية، استصحابا للعدة إلى
حصول اليقين بالانقضاء.
(و) أطبقت الأصحاب ودلت الأخبار (4) والاعتبار على أن (المرجع في
الحيض والطهر إليها، فلو قالت: كان قد بقي بعد الطلاق زمان يسير من
الطهر، فأنكر، قدم قولها وإن تضمن الخروج من العدة المخالف للأصل)
وإنما يقدم قولها مع احتمال الصحة.
(و) لذا (لو ادعت الانقضاء قبل مضي أقل زمان تنقضي به العدة
لم تقبل دعواها، فإن) ادعت ذلك و (صبرت حتى مضى زمان الأقل ثم
قال: غلطت) أولا فيما كنت ادعيته (والآن انقضت عدتي، قبل قولها)



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 426 ب 15 من أبواب العدد.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 427 ب 15 من أبواب العدد ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 17 ص 530 ب 13 من أبواب ميراث الأزواج ح 3.
(4) وسائل الشيعة: ج 2 ص 596 ب 47 من أبواب الحيض.
98
لعموم الأدلة، وعدم المعارضة بالكذب السابق. (وإن أصرت على الدعوى)
من غير تقييد بزمان بل إنما تقول: انقضت عدتي، كما كانت تقوله أولا.
(ففي الحكم بانقضاء عدتها إشكال ينشأ: من ظهور كذبها) فيما كانت
تدعيه، والظاهر اتحاد الدعويين فما تدعيه لا يقبل، ومجرد انقضاء أقل الزمان لا
يكفي في الحكم بانقضاء العدة، وهو خيرة التحرير (1).
(ومن قبول دعواها) الانقضاء (لو استأنفتها) الآن (فيجعل الدوام
كالاستئناف) وهو الأقوى، وفاقا لظاهر المبسوط (2) لاختلاف اللفظ والزمان
في الدعوى، وأصالة الصدق، فليحمل الثانية على الوجه الصحيح، إذ لا ملازمة
بين الدعويين في الكذب، ولا فرق بين أن تعترف بالغلط في الأولى أو لا.
وأما إذا وقتت الدعوى الثانية، فلا إشكال في القبول إن وقتته بما بعد أقل
العدة، والعدم إن وقتته بما قبله.
(ولا يشترط) عندنا (في القرء أن يكون بين حيضتين) للأصل
والعموم. وما في بعض الأخبار من ذلك (3) محمول على الغالب أو التمثيل. وكذا
قول ابن زهرة: والقرء المعتبر، الطهر بين الحيضتين بدليل إجماع الطائفة (4) وقول
ابن إدريس: والقرء بفتح القاف عندنا: هو الطهر بين الحيضتين (5). وقول الشيخ في
الاستبصار: وهو جمع ما بين الحيضتين (6).
(فلو طلقها قبل أن ترى الدم ثم ابتدأت بالحيض، احتسب الطهر بين
الطلاق وابتداء الحيض قرءا، وزمان الاستحاضة كالطهر) إذ لا عبرة إلا
بالخلو من الحيض، وهو مدلول القرء.



(1) انظر تحرير الأحكام: ج 1 ص 70 س 34.
(2) انظر المبسوط: ج 5 ص 100.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 424 ب 14 من أبواب العدد.
(4) غنية النزوع: ص 382.
(5) السرائر: ج 2 ص 732.
(6) الاستبصار: ج 3 ص 330 ذيل الحديث 1172.
99
(ولو استمر) بها (الدم مشتبها) بأن تجاوز العشرة (رجعت إلى
عادتها المستقيمة) وقتا وعددا، أو أحدهما إن كانت، وأمكن اعتبارها، بأن
لم يتقدم على ما اعتادته من الوقت، ولا تأخرت عنه.
(فإن لم تكن) لها عادة مستقيمة (رجعت) في الوقت والعدد أو أحدهما
(إلى التميز) مبتدئة كانت أو مضطربة.
(فإن فقدته رجعت إلى عادة نسائها) من قرابتها ثم أقرانها كما تقدم في
الطهارة إن كانت مبتدئة، لأنها التي نطقت الأخبار برجوعها إلى نسائها (1) ولعلهم
أطلقوا اتكالا على ظهوره مما مر في الطهارة. وما في الإرشاد: من التصريح
بالمضطربة دون المبتدئة (2) فكأنه من سهو القلم.
ولابن إدريس هنا كلام لا يفهم قال: وإذا كانت المطلقة مستحاضة وتعرف
أيام حيضها فلتعتد بالأقراء، وإن لم تعرف أيام حيضها اعتبرت صفة الدم،
واعتدت أيضا بالأقراء، فإن اشتبه عليها دم الحيض بدم الاستحاضة، ولم يكن لها
طريق إلى الفرق بينهما، اعتبرت عادة نسائها في الحيض فتعتد على عادتهن في
الأقراء. هكذا ذكره شيخنا في نهايته، والأولى تقديم العادة على اعتبار صفة الدم،
لأن العادة أقوى، فإن لم تكن لها نساء لهن عادة رجعت إلى اعتبار صفة الدم،
وهذا مذهبه في " جمله وعقوده " فإن لم تكن لها نساء، أو كن مختلفات العادة،
اعتدت بثلاثة أشهر وقد بانت منه انتهى (3).
فإن أراد تقديم عادتها على التميز فهو كذلك، لكن الشيخ لم يقل بخلافه، وإن
أراد تقديم عادة نسائها، فلم يقل به أحد ولا نفسه في الطهارة ولا هنا، فإن قوله:
" فإن لم يكن لها نساء " إلى آخر الكلام مشعر بموافقة الشيخ، ولا كلام الشيخ في
" الجمل " مما يوهم ذلك، فضلا عن أن يكون مذهبه.



(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 546 ب 8 من أبواب الحيض.
(2) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 47.
(3) السرائر: ج 2 ص 741.
100
(فإن) فقدت النساء أو (اختلفن اعتدت بالأشهر) لقول الصادق (عليه السلام)
في خبر الحلبي: عدة المرأة التي لا تحيض، والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة
أشهر (1). ونحوه في خبر أبي بصير (2).
قال ابن إدريس: هذا على قول من يقول: بكون حيض هذه في كل شهر ثلاثة
أيام أو عشرة أيام أو سبعة أيام، ففي الثلاثة الأشهر يحصل لها ثلاثة أطهار، فأما
على قول من يقول: تجعل عشرة أيام طهرا وعشرة أيام حيضا، فيكون عدتها
أربعين يوما ولحظتين (3).
وفيه: أنه لا يتعين الثلاثة الأشهر على القول الأول، بل يكفي شهران
ولحظتان، بل اعتدادها بالأشهر، لورود النص به بخصوصه (4).
ويمكن أن يكون السر فيه، أن العدة لابد من انضباطها، وإذا علمت بالروايات
في الحيض، تخيرت في تعيين أيام الحيض من أي من أيام الشهر شاءت، فلا
تنضبط العدة.
(ولو كان حيضها في كل ستة أشهر أو خمسة) أو أربعة (اعتدت
بالأشهر) اتفاقا كما في الخلاف (5) والسرائر (6). ولنحو قول الباقر (عليه السلام) في صحيح
زرارة: أمران أيهما سبق إليها بانت به المطلقة المسترابة التي تستريب الحيض إن
مرت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت بها (7) وإن مرت بها ثلاث حيض ليس
بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض (8).
وأما نحو قول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح محمد بن مسلم في التي تحيض



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 412 ب 4 من أبواب العدد ح 7.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 413 ب 4 من أبواب العدد ح 9.
(3) السرائر: ج 2 ص 741.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 412 ب 4 من أبواب العدد ح 7.
(5) الخلاف: ج 5 ص 57 مسألة 5.
(6) السرائر: ج 2 ص 742.
(7) في وسائل الشيعة بدل " بها ": منه.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 411 ب 4 من أبواب العدد ح 5.
101
في كل ثلاثة أشهر مرة، أو في ستة أو في سبعة أشهر: إن عدتها ثلاثة أشهر (1). فلعله
محمول على التحيض بعد كل ثلاثة أشهر.
ولا يشترط في الاعتداد بالأشهر وقوع الطلاق بحيث يتعقبه ثلاثة أشهر
بيض، لإطلاق النصوص من الأخبار (2) والأصحاب.
فلو كانت لا تحيض إلا بعد ثلاثة، وطلقت حيث بقي إلى حيضها شهر، اعتدت
بالأشهر أيضا وإن رأت الدم بعد شهر، لصدق سبق ثلاثة أشهر بيض على ثلاث
حيض، فإنه أعم من أن يكون بعد الطلاق من غير فصل أو مع الفصل، فيكون
عدتها ثلاثة أشهر مع الحيض السابق والطهر السابق عليه، ولا بعد في اختلاف
العدة باختلاف وقت الطلاق طولا وقصرا، بل هو واقع في المعتدة بالأقراء.
(ولو اعتدت من بلغت) سن (الحيض ولم تحض بالأشهر، ثم رأت
الدم بعد انقضاء العدة لم يلزمها) استئناف (الاعتداد بالأقراء ثانيا) اتفاقا،
لأنها بانت بانقضاء ما كان عليها.
(ولو رأته في الأثناء اعتدت بالأقراء) لدخولها في عموم أدلتها (وتعتد
بالطهر السابق قرءا) خلافا لبعض العامة (3) بناء على كون القرء هو الطهر بين
الحيضتين.
(ولو رأت الدم مرة) أو مرتين في وجه (ثم بلغت سن اليأس أكملت
العدة بشهرين) أو بشهر، لخبر هارون بن حمزة عن الصادق (عليه السلام) في امرأة
طلقت وقد طعنت في السن فحاضت حيضة واحدة ثم ارتفع حيضها فقال: تعتد
بالحيض وشهرين مستقبلين، فإنها قد يئست من المحيض (4). ولأنها حين طلقت
كانت مكلفة بالاعتداد، ولما تعذر اعتدادها بالأقراء، لزمها الاعتداد بالأشهر،



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 410 ب 4 من أبواب العدد ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 410 ب 4 من أبواب العدد.
(3) الأم للشافعي: ج 5 ص 215.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 416 ب 6 من أبواب العدد ح 1. وفيه بدل " بالحيض ": بالحيضة.
102
لقيامها مقامها. ولضعفهما يشكل إن لم يكن عليه إجماع، ولما لم يتضمن الخبر
إلا الرؤية مرة اقتصروا عليها.
(ولو) رأت الدم ثم انقطع عنها من غير بلوغها سن اليأس، بل (كان مثلها
تحيض، اعتدت بثلاثة أشهر) إن استمر الانقطاع ثلاثة فصاعدا، لما عرفت.
(و) بالجملة فقد عرفت أنها (تراعي الشهور والحيض أيهما سبق
خرجت العدة).
(أما لو) كانت لا تحيض ومثلها تحيض، واعتدت بالأشهر و (رأت الدم
في) الشهر (الثالث) فقد عرفت أنها تنتقل إلى الاعتداد بالأقراء.
(و) لكن إن (تأخرت الحيضة الثانية أو الثالثة صبرت تسعة أشهر)
من حين الطلاق (لتعلم براءة رحمها) من الحمل (ثم اعتدت بعد ذلك
بثلاثة أشهر) للاسترابة، لخبر سورة بن كليب قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل
طلق امرأته تطليقة (1) على طهر من غير جماع بشهود طلاق السنة، وهي ممن
تحيض فمضى ثلاثة أشهر فلم تحض إلا حيضة واحدة، ثم ارتفعت حيضتها حتى
مضت ثلاثة أشهر اخرى، ولم تدر ما رفع حيضتها، قال: إن كانت شابة مستقيمة
الطمث فلم تطمث في ثلاثة أشهر إلا حيضة، ثم ارتفع طمثها فلا تدري ما رفعها،
فإنها تتربص تسعة أشهر من يوم طلقها، ثم تعتد بعد ذلك ثلاثة أشهر، ثم تتزوج بعد
ذلك إن شاءت (2).
ولما كان الاعتداد بثلاثة أخر بعد التسعة خلاف الأصل، اقتصر فيه على ما هو
ظاهر الخبر من رؤيتها الدم في الشهر الثالث. فلو رأته في الأول أو الثاني، احتمل
الاكتفاء بالتسعة، واحتمل المساواة لما رأته في الثالث، للاشتراك في احتمال
الحمل، بل أولويتها منها.
(وفي رواية) عمار الساباطي أنها (تصبر سنة، ثم تعتد بثلاثة أشهر)



(1) في وسائل الشيعة زيادة: واحدة.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 423 ب 13 من أبواب العدد ح 2.
103
قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل عنده امرأة شابة وهي تحيض في كل شهرين
أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة، كيف يطلقها زوجها؟ فقال: أمر هذه شديد، هذه تطلق
طلاق السنة تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود، ثم تترك حتى تحيض
ثلاث حيض، متى حاضتها فقد انقضت عدتها، قلت له: فإن مضت سنة ولم تحض
فيها ثلاث حيض، قال: تتربص بها بعد السنة ثلاثة أشهر، ثم قد انقضت عدتها،
قلت: فإن ماتت أو مات زوجها، قال: فأيهما مات ورثه صاحبه ما بينه وبين
خمسة عشر شهرا (1).
(ونزلها قوم) منهم: الشيخ في النهاية (2) وابنا حمزة (3) والبراج (4) ويحيى
بن سعيد (5) (على احتباس الدم الثالث) لنصوصية الأول في احتباس الثاني،
وإنما قيل في هذه: إنها لم تحض في السنة ثلاثا، ولأنه مناسب للاعتبار فإنها عند
احتباس الثاني تتربص تسعة أشهر للحمل. وثلاثة للعدة كما هو قضية الخبر الأول،
وذلك إن لم تر دما في الثلاثة بعد التسعة، فإن رأت دما في آخر الثلاثة - أي آخر
السنة - لم يكن بد من التربص ثلاثة اخرى لتمر، عليها بيضا، أو مع الدم الثالث،
فليحمل الخبر الثاني عليه، فإن السائل إنما ذكر أنها لم تحض في السنة ثلاثا،
فاندفع ما في الشرائع من أنه تحكم (6) من غير ابتناء على كون السنة أقصى مدة
الحمل كما في النكت (7).
ولم يعتبر ابن إدريس إلا التسعة أشهر، قال: لأن في ذلك المطلوب من سبق
الأشهر البيض الثلاثة أو وضع الحمل، وإنما ذلك خبر واحد، أورده شيخنا في
نهايته إيرادا لا اعتقادا (8).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 422 ب 13 من أبواب العدد ح 1.
(2) النهاية: ج 2 ص 481.
(3) الوسيلة: ص 326.
(4) المهذب: ج 2 ص 320.
(5) الجامع للشرائع: ص 471.
(6) شرائع الإسلام: ج 3 ص 36.
(7) نكت النهاية: ج 2 ص 480.
(8) السرائر: ج 2 ص 743.
104
وعلى كل من هذه الأقوال يخالف الحكم في هذه الصورة ما تبين سابقا من
الاعتداد بأي الأمرين سبق من الأشهر الثلاثة البيض، أو بالأقراء الثلاثة.
فالملخص أنها إن رأت الدم مرة أو مرتين ثم ارتفعت لليأس، لفقت بين
العدتين، وإلا فإن استرابت بالحمل صبرت تسعة أشهر أو سنة أو خمسة عشر
شهرا، وإلا اعتدت بأسبق الأمرين.
وقريب منه قول القاضي: إذا كانت المرأة ممن تحيض وتطهر وتعتد بالأقراء
إذا انقطع عنها الدم لعارض من مرض أو رضاع لم تعتد بالشهور، بل تتربص حتى
تأتي بثلاثة قروء وإن طالت مدتها، وإن انقطع لغير عارض ومضى لها ثلاثة أشهر
بيض لم تر فيها دما فقد انقضت عدتها، وإن رأت الدم قبل ذلك ثم ارتفع حيضها
لغير عذر أضافت إليها شهرين، وإن كان لعذر صبرت تمام تسعة أشهر ثم اعتدت
بعدها بثلاثة أشهر، فإن ارتفع الدم الثالث صبرت تمام سنة ثم اعتدت بثلاثة أشهر
بعد ذلك (1).
(المطلب الثاني في ذوات الشهور)
(الحرة التي لا تحيض، وهي في سن من تحيض، المدخول بها تعتد
من الطلاق والفسخ و) من وطء الأجنبي (إن كان الوطء عن شبهة بثلاثة
أشهر) اتفاقا، وللنصوص من الكتاب (2) والسنة (3).
(فإن طلقت في أول الهلال) بأن انطبق آخر لفظ الطلاق على الغروب
ليلة الهلال (اعتدت بالأهلة) اتفاقا، لانصراف الشهر إلى الهلالي في عرف
الشرع، بل وفي العرف العام (نقصت أو كملت).
(وإن طلقت في أثناء الشهر اعتدت بهلالين) بعد مضي ما بقي من
الأول الذي وقع فيه الطلاق (ثم أخذت من الثالث) وهو رابع ما وقع فيه
الطلاق (كمال ثلاثين على رأي) كما تقدم في أجل السلف، لإمكان الهلالية
في الشهرين وتعذره في الباقي، فينصرف إلى العددي.



(1) المهذب: ج 2 ص 320.
(2) الطلاق: 4.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 412 - 413 ب 4 من أبواب العدد ح 7 - 9.
105
وفيه قولان آخران:
الأول: اعتبار العددي في الجميع، لأنه يكمل الأول من الثاني فينكسر،
ويكمل من الثالث فينكسر، فيكمل من الرابع.
والآخر: اعتبار الهلالي في الجميع، لإمكان اعتباره وعدم الفوت من الشهر
الأول إلا من أوله، وهو الذي يجب تداركه من الرابع.
(ولو انقضت العدة ونكحت آخر فارتابت بالحمل من الأول لم يبطل
النكاح) لأصل الصحة وانتفاء الحمل، خصوصا بعد مضي ثلاثة أشهر، فإنها مدة
يستبين فيها الحمل إن كان، ولذا ضربت مدة للعدة كما نطق به نحو خبر محمد بن
حكيم عن الكاظم (عليه السلام) قال له: المرأة الشابة التي تحيض مثلها يطلقها زوجها
فيرتفع طمثها ما عدتها؟ قال: ثلاثة أشهر، قال: جعلت فداك فإنها تزوجت بعد
ثلاثة أشهر فتبين بعد ما دخلت على زوجها أنها حامل، قال: هيهات من ذلك يا بن
حكيم، رفع الطمث ضربان: إما فساد من حيضة فقد حل لها الأزواج وليست
بحامل، وإما حامل فهو يستبين في ثلاثة أشهر، لأن الله تعالى قد جعله وقتا
يستبين فيه الحمل (1).
(وكذا لو) ارتابت بالحمل بعد انقضاء العدة (لم تنكح جاز نكاحها)
لذلك. وأما خبر محمد بن حكيم قال للكاظم (عليه السلام): " المرأة الشابة التي تحيض
مثلها. يطلقها زوجها فيرتفع طمثها كم عدتها؟ قال: ثلاثة أشهر، قال: فإنها ادعت
الحبل بعد ثلاثة أشهر، قال: عدتها تسعة أشهر " (2). فنزل على الأولوية والاحتياط،
أو على استبانة الحمل بها بعد الثلاثة.
(ولو ارتابت) بالحمل (قبل الانقضاء لم) يجز لها أن (تنكح) عند
الشيخ (3) (وإن انقضت العدة) بالأشهر، لحصول الشك في انقضاء العدة وبراءة



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 442 ب 25 من أبواب العدد ح 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 442 ب 25 من أبواب العدد ح 2.
(3) المبسوط: ج 5 ص 240.
106
الرحم، وابتناء النكاح على الاحتياط، وإطلاق نحو قول الكاظم (عليه السلام) في حسن
عبد الرحمن بن الحجاج: إذا طلق الرجل امرأته فادعت حبلا، انتظر تسعة أشهر،
فإن ولدت وإلا اعتدت ثلاثة أشهر، ثم قد بانت منه (1).
(والأقرب) وفاقا للشرائع (2) (جواز نكاحها إلا مع يقين الحمل)
لانقضاء العدة شرعا، وأصل انتفاء الحمل، وتأيده بما عرفت.
(وعلى كل تقدير) فلا إشكال في أنه (لو ظهر) بها (حمل) من
الأول (بطل نكاح الثاني) لظهور وقوعه في العدة اليقينية، فإن الأشهر والأقراء
إنما اعتبرنا لكونهما أمارتين على البراءة، فإذا علم الحمل لم يفيدا شيئا.
(الفصل الثالث في عدة الحامل من الطلاق) وشبهه
(وتنقضي العدة من الطلاق والفسخ) ووطء الشبهة (بوضع الحمل
من (3) الحامل وإن كان بعد الطلاق بلحظة) بالنص من الكتاب (4) والسنة (5)
والإجماع، ولا اعتداد لها بالأقراء والأشهر في الأشهر، للنصوص، خلافا
للصدوق (6) وابن حمزة (7) فقالا: إنها تعتد بالأقرب من الأشهر والوضع، إلا أنها لا
تحل للأزواج ما لم تضع وإن بانت بمضي الأشهر، لقول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي
الصباح الكناني: طلاق الحامل واحدة، وعدتها أقرب الأجلين (8).
وهو - مع الضعف، والمعارضة بالنصوص الكثيرة من الكتاب والسنة - يحتمل
إرادة الوضع بأقرب الأجلين على أن يكون الأجلان هما الوضع والأقراء، لكون
الأقراء أصلا بالنسبة إلى الأشهر. ويؤيده قوله (عليه السلام) في صحيح أبي بصير: طلاق



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 441 - 442 ب 25 من أبواب العدد ح 1.
(2) شرائع الإسلام: ج 3 ص 36.
(3) في قواعد الأحكام بدل " من الحامل ": في الحامل.
(4) الطلاق: 4.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 417 ب 9 من أبواب العدد.
(6) المقنع: ص 116.
(7) الوسيلة: ص 325.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 418 ب 9 من أبواب العدد ح 3.
107
الحبلى واحدة، وأجلها أن تضع حملها، وهو أقرب الأجلين (1). ونحوه في حسن
الحلبي (2).
وفي الانتصار: أنه عول على خبر زرارة عن الباقر (عليه السلام) (3). فإن كان أشار به
إلى ما في الفقيه من قوله روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " طلاق الحامل
واحدة، فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه (4). وقال الله تبارك وتعالى:
" وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " (5) فإذا طلقها الرجل ووضعت من
يومها أو من غد، فقد انقضى أجلها وجائز لها أن تتزوج، ولكن لا يدخل بها
زوجها حتى تطهر. والحبلى المطلقة تعتد بأقرب الأجلين، وإن مضت بها ثلاثة
أشهر قبل أن تضع فقد انقضت عدتها منه، ولكنها لا تتزوج حتى تضع، فإن وضعت
ما في بطنها قبل انقضاء ثلاثة أشهر فقد انقضى أجلها. والحبلى المتوفى عنها
زوجها تعتد بأبعد الأجلين، إن وضعت قبل أن يمضي أربعة أشهر وعشرة أيام لم
تنقض عدتها حتى تمضي أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن مضت لها أربعة أشهر
وعشرة أيام قبل أن تضع لم تنقض عدتها حتى تضع " (6). فالظاهر أن من قوله:
" وقال الله تبارك وتعالى " من كلام الصدوق، ويحتمل أن يكون ابتداء كلامه من
قوله: " والحبلى المطلقة ".
(وله) أي لانقضاء العدة بالوضع، أو للوضع في انقضائها به (شرطان:)
(الأول: أن يكون الحمل ممن له العدة، أو يحتمل أن يكون منه كولد
اللعان، أما المنفي قطعا كولد الصبي أو المنتزح) أي البعيد عنها أزيد من
أقصى الحمل، أي كما إذا كان الزوج أو الواطئ صبيا أو بعيدا عنها، فإن الولد منفي



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 418 ب 9 من أبواب العدد ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 419 ب 9 من أبواب العدد ح 6.
(3) الانتصار: 148.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 418 ب 9 من أبواب العدد ح 1.
(5) الطلاق: 4.
(6) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 329 باب طلاق الحامل 160 ح 1 وذيله.
108
عنهما قطعا (فلا تنقضي به) أي بوضعه (عدة) بل لابد لها من الاعتداد
بالأشهر أو الأقراء، فإن الاعتداد بالوضع إنما هو لبراءة الرحم، ولا مدخل لبراءته
من ولد غير المطلق في انقضاء عدتها منه. والنصوص من الكتاب (1) والسنة (2) وإن
عمت، لكن الأسبق إلى الفهم كون الحمل من المطلق، فيبقى نصوص الاعتداد
بالأقراء والأشهر على عمومها (3). على أن ما نص من الأخبار على عدم تداخل
عدتي الطلاق والوطء بشبهة، تدل على الاختصاص (4) والظاهر أنه لا خلاف
في ذلك.
(ولو أتت زوجة البالغ) الحاضر (بولد لدون ستة أشهر) من الدخول
(لم يلحقه) كما عرفت، فلا عبرة في العدة بوضعه.
(فإن ادعت أنه وطئ قبل العقد للشبهة احتمل انقضاء العدة به)
لتحقق الشرط، وهو احتمال أن يكون منه (والأقرب العدم، لأنه منفي عنه
شرعا) من أصله لانتفاء الفراش، ولا عبرة بالاحتمال ما لم يستند إلى سبب
شرعي بخلاف المنفي باللعان، فإن النسب له ثابت بأصل الشرع بالفراش (نعم لو
صدقها انقضت به) بلا إشكال.
(ولو طلق الحامل من زنا منه، أو من غيره اعتدت بالأشهر لا بوضع
الحمل) اتفاقا (ولو كان الحيض يأتيها) مع الحمل أو وضعت قبل انقضاء
الأشهر (اعتدت بالأقراء) ونفاسها معدود من الحيض، ولم يعتبر الوضع (لأن
حمل الزنا كالمعدوم).
الشرط (الثاني: وضع ما يحكم بأنه حمل) أي مستقر في الرحم: آدمي
أو مبدأ له (علما) وهو ظاهر (أو ظنا) لقيامه مقام العلم في الشرع إذا تعذر



(1) الطلاق: 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 417 ب 9 من أبواب العدد
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 410 ب 4 من أبواب العدد.
(4) وسائل الشيعة: ج 14 ص 344 ب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
109
العلم، ولأنها إذا علقت دخلت في " أولات الأحمال " وربما أسقطت، فإن لم يعتبر
الظن، لم يكن أجلها الوضع.
(فلا عبرة بما يشك فيه) اتفاقا، إذ لا عبرة بمجرد الاحتمال مع مخالفته
الأصل.
(وسواء كان الحمل تاما أو غير تام حتى) المضغة التي لم يكن فيها
تخطيط ظاهر ولا خفي. و (العلقة إذا علم أنها حمل) لشمول الحمل لجميع
ذلك، بدليل اللغة والعرف ونصوص تحديد مدة الحمل من الأخبار (1) والأصحاب،
خلافا لما يوهمه كلام أبي علي (2) من عدم اعتبار ما دون المضغة.
(ولا عبرة بالنطفة) وفاقا لابن حمزة (3) لعدم العلم باستقرارها،
واستعدادها لنشوء آدمي وإن ظن، أو علم صلاحيتها لذلك، للقطع بأنه لا يكفي
وخلافا للشيخ فاعتبرها أيضا (4) وهو خيرة التحرير (5) والجامع (6) لعموم
النصوص (7) وهو ممنوع، لما عرفت.
وقال في التحرير: لا فرق بين أن يكون الحمل تاما أو غير تام بعد أن يعلم أنه
حمل وإن كان علقة، سواء ظهر فيه خلق آدمي من عينين (8) أو ظفر أو يد أو رجل،
أو لم يظهر لكن تقول القوابل: إن فيه تخطيطا باطنا لا يعرفه إلا أهل الصنعة، أو
تلقي دما متجسدا ليس فيه تخطيط ظاهر ولا باطن، لكن تشهد القوابل أنه مبتدأ
خلق آدمي لو بقي ليخلق وتصور، أما لو ألقت نطفة أو علقة انقضت بها العدة (9).
وظاهره عدم اشتراطه في النطفة والعلقة العلم أو الظن بكونها مبدأ نشوء



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 441 ب 25 من أبواب العدد.
(2) مختلف الشيعة: ج 7 ص 528.
(3) الوسيلة: ص 325.
(4) المبسوط: ج 5 ص 240.
(5) تحرير الأحكام: ج 2 ص 71 س 27.
(6) الجامع للشرائع: ص 471.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 421 ب 11 من أبواب العدد.
(8) في تحرير الأحكام بدل " عينين ": عين.
(9) تحرير الأحكام: ج 2 ص 71 س 24.
110
آدمي، وهو ظاهر المبسوط أيضا (1). ولعل الوجه فيه أن النطفة مبدأ مطلقا شرعا،
وأن العلقة إنما أريد بها الدم الجامد المتكون من النطفة كما فسرت به في بعض
كتب اللغة. وظاهر أنه مبدأ له ألبتة، وعبر عن الدم الجامد الذي لا يعلم بكونه من
النطفة بالدم المتجسد الخالي عن التخطيط.
(ولو وضعت أحد التوأمين بانت من الأول، ولم تنكح) غيره (إلا بعد
وضع الأخير) عند الشيخ في النهاية (2) وابني حمزة والبراج (3) لأن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله سأل الصادق (عليه السلام) عنها فقال: تبين بالأول، ولا تحل للأزواج حتى
تضع ما في بطنها (4) وللاحتياط، للشك في صدق الوضع بوضع أحدهما.
وأطلق أبو علي انقضاء العدة بوضع أحدهما (5) ووجهه صدق الحمل عليه،
ووضعه على وضعه.
(والأقرب) وفاقا للخلاف (6) والمبسوط (7) والسرائر (8) والشرائع (9)
ومتشابه القرآن لابن شهرآشوب (10) (تعلق البينونة بوضع الجميع) للأصل،
وضعف الخبر، ولأن أحدهما بعض الحمل، والمفهوم من الوضع وضع الكل، ولأن
الحكمة في الاعتداد استبراء الرحم، ولا تبرأ إلا بوضعهما.
(وأقصى مدة بين التوأمين) ما دون (ستة أشهر) بلحظة، لأنها أدنى
مدة الحمل، ومثل هذه المسامحة غير عزيز في كلامهم.
(ولا تنقضي) العدة (بانفصال بعض الولد) لأنها لم تضع حملها
(فلو ماتت بعد خروج رأسه ورثها) الزوج لموتها في العدة.



(1) المبسوط: ج 5 ص 240.
(2) النهاية: ج 2 ص 443.
(3) الوسيلة: 325، المهذب: ج 2 ص 286.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 420 ب 10 من أبواب العدد ح 1.
(5) مختلف الشيعة: ج 7 ص 519.
(6) الخلاف: ج 5 ص 60 مسألة 8.
(7) المبسوط: ج 5 ص 241.
(8) السرائر: ج 2 ص 689.
(9) شرائع الإسلام: ج 3 ص 37.
(10) متشابه القرآن: ج 2 ص 200.
111
(ولو خرج منه) أي الولد (قطعة) منفصلة (كيده، لم يحكم بالانقضاء
حتى تضع الجميع) لذلك.
وعلى القول بالانقضاء بوضع أحد التوأمين لا يقاس عليه وضع بعض
الأعضاء المنفصلة، لانتفاء النص هنا، وعدم التردد في عدم صدق الحمل ووضعه.
(و) لكن (لو خرج ما يصدق عليه اسم الآدمي) لكن (ناقصا) منه
عضو (كيد علم بقاؤها) لا أنه خلق ناقصا (فالأولى الانقضاء) لأن الحمل
هو الآدمي أو مبدؤه، وهو هنا الآدمي، وهو صادق على الخارج، والأعضاء إن
اعتبرت فبالتبع. ويحتمل العدم، لتبادر وضع الكل ولم يضع الكل حينئذ، ولأن
الوضع للبراءة ولا براءة، وهو خيرة الإيضاح (1).
(ولو طلقت فادعت الحمل) قبل منها، لأنها مأمونة على العدة و (صبر
عليها أقصى) مدة (الحمل وهو) هنا (سنة) تسعة أشهر للحمل، وثلاثة
للعدة (على رأي) وفاقا للنهاية (2) لقول الكاظم (عليه السلام) في صحيح عبد الرحمن بن
الحجاج: إذا طلق الرجل امرأته فادعت حبلا انتظر تسعة أشهر، فإن ولدت وإلا
اعتدت ثلاثة أشهر، ثم قد بانت منه (3). ولما مر من خبر سورة بن كليب في ذات
الأقراء إذا تأخرت حيضتها الثانية (4). ونحو قول الكاظم (عليه السلام) لمحمد بن حكيم:
إنما الحمل تسعة أشهر قال: فتتزوج؟ قال تحتاط بثلاثة أشهر (5).
(ثم لا يقبل دعواها) كما نطقت به الأخبار (6) لتجاوز أقصى الحمل
وزيادة.
(وقيل) في السرائر: يكفي مضي (تسعة أشهر) لما مر من أنها تأتي



(1) إيضاح الفوائد: ج 3 ص 346.
(2) النهاية: ج 2 ص 484.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 441 ب 25 من أبواب العدد ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 423 ب 13 من أبواب العدد ح 2.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 442 ب 25 من أبواب العدد حديث 4.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 441 ب 25 من أبواب العدد.
112
على الحمل وانقضاء ثلاثة أشهر بيض (1) وهو قوي من حيث الاعتبار، لكن الأول
هو المعتمد، للأخبار (2) من غير معارض.
(ولو طلق رجعيا ثم مات في العدة استأنفت عدة الوفاة) بلا خلاف
كما في المبسوط (3) لعموم الآية (4) والأصل، ولأنها في حكم الزوجة، وللأخبار (5)
(وإن قصرت عن) الباقي عليها من (عدة الطلاق كالمسترابة) مع بقاء أكثر
من أربعة أشهر وعشر عليها (على إشكال): من عموم الأخبار. ومن عموم أدلة
اعتداد المسترابة، وعدم اقتضاء الآية والأخبار إلا تربص المتوفى عنها زوجها
أربعة أشهر وعشرا وهو لا ينافي التربص أزيد، مع الأصل والاحتياط، وتعلق
العدة السابقة بذمتها، مع الجهل. يكون الموت فاسخا لها، وكون الحكمة هي
الاستبراء.
وقد يحتمل الاعتداد أربعة وعشرا بعد تمام التسعة أو السنة بناء على أن
عدتها ما بعد العلم بالبراءة من الحمل، فإنه يحصل من التسعة أو السنة، ولما توفي
عنها زوجها كانت عدتها الأربعة مع العشر فتعتد بها، فقد جمعت بين أدلة عدتي
المسترابة والمتوفى عنها.
وفيه: أن الاعتداد بعد يقين البراءة خلاف الأصل، فيقتصر على موضع الدليل.
(ولو كان) الطلاق (بائنا) لم يعتبر الوفاة، ولا اعتدت عدتها بل
(أتمت عدة الطلاق) وكفتها، لخروجها عن الزوجية، فلا يشملها النصوص.
وخبر علي بن إبراهيم عن بعض أصحابنا في المطلقة البائنة إذا توفي عنها زوجها
وهي في عدتها، قال: تعتد بأبعد الأجلين (6) متروك، للقطع والإرسال، أو محمول
على الاستحباب.



(1) السرائر: ج 2 ص 743.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 441 ب 25 من أبواب العدد.
(3) المبسوط: ج 5 ص 277.
(4) البقرة: 234.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 463 ب 36 من أبواب العدد.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 464 ب 36 من أبواب العدد ح 6.
113
(ولو كان) له زوجتان فصاعدا، فأبان واحدة، وكان (البائن مبهما
ومات قبل التعيين) ولم تعتبر القرعة (اعتدت الحامل بأبعد) الأجلين من
(أجلي الحمل والوفاة، وغيرها بأبعد) الأجلين من (أجلي الطلاق
كالمسترابة) أي كطلاقها، أو كأجل طلاقها إن بقي عليها أكثر من أربعة أشهر
وعشر (والوفاة) للاستصحاب والاحتياط.
(فروع) ثمانية:
(الأول: لو أتت) المطلقة (بولد لأقل من) أقصى الحمل، أو له،
والاقتصار على الأقل، لندرة المطابقة، وهو كما عرفت (سنة) أو تسعة أشهر أو
عشرة. (فإن لم تنكح زوجا غيره لحق) الولد (به) وهو ظاهر، ثم إن كانت
بائنة حسبت السنة من وقت الطلاق بلا إشكال، لحرمة الوطء بعده (و) كذا (إن
كانت رجعية حسبت السنة من وقت الطلاق، لا من وقت انقضاء العدة)
خلافا للمبسوط (1) (على إشكال): من زوال النكاح بالطلاق فيزول الفراش،
ولذا لو وطئها لا بنية الرجعة كان حراما.
ومن إباحة الوطء في عدتها فيكون رجعة، وبقاء لوازم النكاح من التوارث
ووقوع الظهار والإيلاء، وبقاء المعلول دليل على بقاء العلة، فالنكاح باق، فكذا
الفراش.
(الثاني: لو نكحت) المطلقة غيره (ثم أتت بولد لزمان يحتمل)
التكون (من الزوجين) بأن لا يتجاوز الأقصى من الأول، ولا ينقص عن الأقل
من الثاني (لحق بالثاني إن كان النكاح صحيحا إذ) لو ألحقناه بالأول أبطلنا
النكاح الثاني و (لا سبيل إلى بطلان الصحيح) بمجرد الاحتمال مع المخالفة
للأصل، والأخبار، وزوال الفراش الأول وثبوت الثاني، وقد مر احتمال القرعة
وأنها مذهب الشيخ.



(1) المبسوط: ج 5 ص 242.
114
(وإن كان فاسدا) مع الاشتباه عليه (أقرع) عندنا كما في المبسوط (1)
لتساوي الاحتمالين، وأصالة انتفاء النسب عن كل منهما، مع انتفاء الفراش وصحة
النكاح عن الثاني.
(ومدة احتمال) التولد من (الثاني تحسب من الوطء لا من العقد
الفاسد) لأنه السبب للإلحاق لا العقد لانتفاء الفراش به.
(وعدة النكاح الفاسد تبتدئ بعد التفرق بانجلاء الشبهة لا بعد آخر
وطئه) قبل الانجلاء أو بعده (على إشكال) بالنسبة إلى ما قبل الانجلاء من
الوطء لا ما بعده، فإنه حينئذ زان لا عدة منه. وينشأ: من أن الشبهة ما كانت بمنزلة
النكاح الصحيح، والانجلاء بمنزلة الفراق.
ومن أنه لما تبين فساده، تبين أن وطأها كان وطءا للأجنبية، فتعتد منه،
وهو الأقوى.
(الثالث: لو وطئت) امرأة (بالشبهة (2) ولحق الولد بالواطئ لبعد
الزوج عنها) بحيث لا يمكن إلحاق الولد به (ثم طلقها الزوج اعتدت) منهما
عدتين، ولما حملت من الواطئ اعتدت أولا (بالوضع من الوطء (3) ثم
استأنفت عدة الطلاق بعد الوضع) فإن عدة الحامل لا تقبل التأخير.
(الرابع: لو اتفق الزوجان على زمان الطلاق واختلفا في وقت الولادة
هل كان قبله أو بعده؟) كأن اتفقا على كون الطلاق في الجمعة، واختلفا في أن
الولادة في الخميس أو السبت (قدم قولها مع اليمين، لأنه اختلاف في)
وقت (فعلها) وقولها في أصل الفعل مقدم، فكذا في وقته.
(ولو اتفقا على زمان الوضع واختلفا في وقت الطلاق هل كان قبل
الوضع أو بعده، قدم قوله) مع اليمين (لأنه اختلاف في) وقت (فعله) كذا
في المبسوط (4) (5).



(1) المبسوط: ج 5 ص 246 و247.
(2) في قواعد الأحكام بدل " بالشبهة ": للشبهة.
(3) في قواعد الأحكام بدل " من الوطء ": من الواطئ.
(4) المبسوط: ج 5 ص 241.
(5) في ط زيادة: وغيره.
115
(وفيه إشكال: من حيث إن الأصل عدم الطلاق والوضع، فكان قول
منكرهما مقدما) والرجوع إليهن في العدة إنما هو إذا تعينت العدة، بل وإذا
لم يدع الزوج العلم بكذبها، ولذا حكم في المبسوط (1) وغيره بأنهما إذا تداعيا
مطلقا فيقول الزوج: " لم تنقض عدتك بالوضع فعليك الاعتداد بالأقراء " وتقول:
" انقضت عدتي بالوضع " فالقول قوله. وفي المبسوط: لأن الأصل بقاء العدة (2).
(الخامس: لو أقرت بانقضاء العدة ثم جاءت بولد لستة أشهر)
فصاعدا (منذ طلقها، قيل) في المبسوط: (لا يلحق به) الولد إذا أتت به
لأكثر من ستة أشهر من وقت انقضاء العدة (3) لقبول قولها في العدة وهو يستلزم
الخروج عن الفراش المستلزم لانتفاء الولد، مع أصالة التأخر واعتباره الانقضاء
في ابتداء المدة، لما تقدم منه من أنها في العدة فراش.
(ويحتمل) وفاقا للشرائع (4) (الإلحاق) به (إن لم يتجاوز أقصى
الحمل) من الطلاق أو انقضاء العدة (و (5) لم تكن ذات بعل) حملا للولادة
على أصلها، وهي الكائنة من النكاح الصحيح، وطرحا لخبرها بالانقضاء مع ظهور
المعارض، وكونه إقرارا في حق الغير.
(السادس: لو ادعت تقدم الطلاق) على الوضع مثلا (فقال: لا أدري)
لم يكن ذلك جوابا عن قولها ولا معارضة (فعليه يمين الجزم أو النكول) أي
يلزم بأن يجزم بالتأخر، فإن فعل وحلف عليه كان القول قوله، وإلا حكم عليه
بالنكول، ولم يكن له الرجعة، وكان لها التزوج بمن شاءت.
(و) كذا (لو جزم الزوج) بالتأخر (فقالت: لا أدري فله الرجعة،
ولا تقبل دعواها مع الشك) بل عليها الجزم أو النكول، والوجه ظاهر، فإن
الشك لا يعارض الجزم.



(1) المبسوط: ج 5 ص 241.
(2) المبسوط: ج 5 ص 241.
(3) المبسوط: ج 5 ص 247.
(4) شرائع الإسلام: ج 3 ص 38.
(5) في قواعد الأحكام: أو.
116
(السابع: لو رأت الدم على الحبل لم تنقض عدتها من صاحب
الحمل) ولا من غيره (بتلك الأقراء) جعلنا الدم حيضا أم لا (لأن)
النصوص ناطقة بأن " أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " (1).
والسر فيه أن (المقصود من) اعتبار (الأقراء براءة رحمها، وهذه
الأقراء لم تدل عليها).
وقد يتوهم: أنه يأتي على ما اختاره الصدوق (2) وابن حمزة (3): من اعتبار
الأشهر إن انقضت قبل الوضع، كما عرفت اعتبار الأقراء أيضا إن كان متمسكه
في ذلك الجمع بين نصي: " أولات الأحمال " و" ذوات الأشهر " لجريان مثله هنا.
وهو ممنوع، إذ ليس في ذوات الأقراء إلا التربص ثلاثة قروء، وهو لا ينفي الزائد،
والتمسك به في اعتبار الأشهر أيضا ضعيف جدا، فإن سياق الآية نص في
تخصيص الحامل من ذوات الأشهر.
(الثامن: لو وضعت ما يشتبه) حاله (حكم بقول أربع من القوابل
الثقات) فإنه مما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا (فإن حكمن بأنه حمل،
انقضت العدة وإلا فلا) إلا أن يحكم به رجلان أو رجل وامرأتان.
(الفصل الرابع في عدة الوفاة)
نطقت النصوص (4) والأصحاب جميعا بأنه (تعتد الحرة لوفاة زوجها
بالعقد الدائم إن كانت حائلا بأربعة أشهر وعشرة أيام، صغيرة كانت أو
كبيرة، مسلمة أو ذمية، دخل بها الزوج أو لا، صغيرا كان أو كبيرا، حرا أو
عبدا، سواء كانت من ذوات الأقراء أو لا) ولا عمل على ما في خبر عمار:
من أنه لا عدة عليها إن لم يدخل بها (5).



(1) الطلاق: 4.
(2) المقنع: ص 346.
(3) الوسيلة: ص 325.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 451 ب 20 من أبواب العدد.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 462 ب 35 من أبواب العدد ح 4. وفيه: محمد بن عمر الساباطي.
117
(ولا يشترط) عندنا (أن تحيض حيضة في المدة) لإطلاق الكتاب (1)
والسنة (2). وللعامة قول به (3) وآخر باشتراط أن ترى فيها الحيض كما اعتادته (4).
(والشهور تعتبر بالأهلة ما أمكن) فإنها المعروفة شرعا وعرفا
(ولا تعتبر بالأيام إلا أن ينكسر الشهر الأول بأن يكون الباقي من الشهر)
المتوفى فيه الزوج (أكثر من عشرة أيام) وعند الانكسار يحسب ثلاثة أشهر
هلالية ويكمل الشهر الأول ثلاثين يوما أو يحسب الكل ثلاثين على الخلاف
المتقدم، وقد عرفت أن فيه وجها باعتبار الهلالية في الجميع.
(وتبين بغروب الشمس من اليوم العاشر) للاتفاق على أن المراد
بالعشر، عشر ليال وعشرة أيام، خلافا للأوزاعي فأبانها بطلوع الفجر العاشر (5).
(ولو) كانت لا تعلم بالشهور كأن (كانت عمياء ولم يتفق لها من
يخبرها اعتدت بمائة وثلاثين يوما) استصحابا للعدة والأهلة.
(والحامل تعتد بأبعد الأجلين من وضع الحمل ومضي أربعة أشهر
وعشرة [أيام]) بالإجماع والأخبار (6) والجمع بين آيتي المتوفى عنها وأولات
الأحمال، ولكن الظاهر أن آية: " أولات الأحمال " في المطلقات، وخالفت العامة
فأبانوها بالوضع ولو لمحة بعد وفاته (7).
(ويجب عليها الحداد) بالنصوص (8) والإجماع ممن عدا الشعبي (9)
والحسن البصري (10) (حاملا كانت أو حائلا، صغيرة أو كبيرة [مسلمة



(1) البقرة: 234.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 451 ب 30 من أبواب العدد.
(3) شرح فتح القدير: ج 4 ص 141.
(4) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 107.
(5) شرح فتح القدير: ج 4 ص 141.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 451 ب 30 من أبواب العدد.
(7) الأم: ج 5 ص 224.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 449 ب 29 من أبواب العدد.
(9 و10) الخلاف: ج 5 ص 72 مسألة 26.
118
أو ذمية]) لعموم الأخبار (1). فيجنب الولي الصغيرة مما على الكبيرة تجنبه، ونفى
عنه الخلاف في الخلاف أولا، ثم ذكر خلاف أبي حنيفة (2) وتردد فيه ابن إدريس (3)
والمصنف في المختلف (4) من ذلك. ومن أنه تكليف لا يتوجه إلى الصغار، وتكليف
الولي غير معلوم، ولا مفهوم من أمرها بالإحداد، وهو الأقوى، وفاقا للجامع (5).
ويؤيده أن الظاهر أن السر فيه أن لا يرغب فيها، ولا رغبة بالصغيرة.
(وفي الأمة إشكال): من عموم الفتوى، وقوله (عليه السلام): " لا يحل لامرأة تؤمن
بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر
وعشرا " (6) وهو خيرة المبسوط (7) والسرائر (8) وظاهر المفيد (9) والحسن (10)
والتقي (11) وسلار (12) وابني: زهرة (13) وحمزة (14) حيث أطلقوا.
ومن الأصل، وقول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة: أن الأمة والحرة كلتيهما إذا
مات عنهما زوجاهما سواء في العدة، إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد (15) وهو
خيرة النهاية (16) والكامل (17) والمهذب (18) والجامع (19) والشرائع (20) والنافع (21)



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 449 ب 29 من أبواب العدد.
(2) الخلاف: ج 5 ص 73 مسألة 28.
(3) السرائر: ج 2 ص 739.
(4) مختلف الشيعة: ج 7 ص 496.
(5) الجامع للشرائع: ص 472.
(6) عوالي اللآلي: ج 2 ص 143 ح 400. وفيه: أكثر من ثلاثة أيام.
(7) المبسوط: ج 5 ص 265.
(8) السرائر: ج 2 ص 735.
(9) المقنعة: ص 535.
(10) مختلف الشيعة: ج 7 ص 496.
(11) الكافي في الفقه: ص 313.
(12) المراسم: ص 165.
(13) غنية النزوع: ص 385.
(14) الوسيلة: ص 329.
(15) وسائل الشيعة: ج 15 ص 472 ب 42 من أبواب العدد ح 2. والتهذيب: ج 8 ص 153 باب
عدد النساء ح 128.
(16) النهاية: ج 2 ص 491.
(17) حكاه عنه في مختلف الشيعة ج 7 ص 496.
(18) الموجود فيه خلاف ذلك، راجع المهذب: ج 2 ص 331.
(19) الجامع للشرائع: ص 472.
(20) شرائع الإسلام: ج 3 ص 38.
(21) المختصر النافع: ص 201.
119
والمختلف (1) والإرشاد (2) والتلخيص (3). ويؤيده أن الخبر النبوي لم يصل إلينا
مسندا، وإنما الشيخ رواه مرسلا، كذا في المختلف، وتعجب فيه من ابن إدريس،
وشدد النكير عليه حيث ترك مقتضى العقل، وهو أصل البراءة، وما تضمنته الرواية
الصحيحة، وعول على هذا الخبر المقطوع مع ادعائه أن الخبر الواحد المتصل
لا يعمل به فكيف المرسل؟
(وهو) أي الحداد (ترك الزينة في الثياب والبدن) من الحد بمعنى المنع
يقال: حدت حدادا، وأحدت إحدادا إذا تجنب ذلك (و) من ذلك (الإدهان
المقصود بها الزينة) لترجيل الشعر وتحسينه أو لكونها من الطيب (والتطيب
مثل:) استعمال (الطيب في البدن والثوب) وحمله من غير استعمال له فيهما
(والصبغ في الثوب إلا الأسود والأزرق لبعدهما) غالبا (عن الزينة) ولو
فرض التزين بهما أو بالأبيض كان في حكم المصبوغ بغيرهما، وإنما أفرد الثلاثة
بالذكر إيضاحا، لأنها ربما لا يفهم من الزينة.
(ولا تمس طيبا) بحيث يبقى عليها أثره وإن كان بمجرد المس.
(ولا تدهن) في شعرها وغيره (بمطيب كدهن الورد والبنفسج
وشبههما، ولا بغيره في الشعر) لترجيله وتحسينه له، حتى إن كانت لها لحية
لم يجز لها أن تدهنها كما في المبسوط (4) (ويجوز في غيره) لانتفاء التزين به
حينئذ.
(ولا تختضب بالحناء) أو غيره (في يديها و) لا في (رجليها،
ولا بالسواد في حاجبيها، ولا تخضب رأسها) بالسواد أو الحناء.
(ولا تستعمل) نحو (الاسفيداج في الوجه، ولا تكتحل بالسواد،
ولا بما فيه زينة) من غيره، كانت الزينة من لونه أو غيره، ففي المبسوط: إنهن



(1) مختلف الشيعة: ج 7 ص 497.
(2) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 48.
(3) التلخيص (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 39 ص 504.
(4) المبسوط: ج 5 ص 263.
120
يكتحلن بالصبر، لأنه يحسن العين ويطري الأجفان. قال: فالمعتدة ينبغي أن
تتجنبه، لما روت ام سلمة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لها: استعمليه ليلا وامسحيه نهارا (1).
(ويجوز) الاكتحال (بما ليس فيه زينة كالتوتياء، ولو احتاجت) إلى
الاكتحال بالسود (للعلة جاز ليلا) إن اندفعت به الحاجة (فإن تمكنت من
مسحه بالنهار وجب، ولا تتحلى بالذهب، ولا بالفضة) ولا بغيرهما من
الجواهر وغيرها مما يكون زينة لهن.
(ولا تلبس الثياب الفاخرة، و) المراد بها (كل ما فيه زينة).
في المبسوط: وأما الأثواب ففيها زينتان: إحداهما: تحصل بنفس الثوب،
وهو ستر العورة وسائر البدن، قال تعالى: " خذوا زينتكم عند كل مسجد " (2).
والزينة الاخرى، تحصل بصبغ الثوب وغيره، فإذا أطلق فالمراد به الثاني، والأول
غير ممنوع منه للمعتدة وإن كان فاخرا، مثل: المروي المرتفع والسابوري
والديبقي والقصب الصقلي وغير ذلك مما يتخذ من قطن وكتان وصوف ووبر،
وأما ما يتخذ من الإبريسم قال قوم: ما يتخذ منه من غير صبغ جاز لبسه، وما صبغ
لم يجز، والأولى تجنبه على كل حال، وأما الزينة التي تحصل بصبغ الثوب فعلى
ثلاثة أضرب: ضرب يدخل على الثوب لنفي الوسخ عنه كالكحلي (3) والسواد، فلا
تمنع المعتدة من لبسه، لأنه لا زينة فيه وفي معناه الديباج الأسود. والثاني:
ما يدخل على الثوب لتزيينه كالحمرة والصفرة (4) وغير ذلك، فتمنع المعتدة من
ذلك، لأنه زينة، وأما الضرب الثالث: فهو ما يدخل على الثوب ويكون مترددا بين
الزينة وغيرها مثل أن يصبغ أخضر وأزرق، فإن كانت مشبعة تضرب إلى السواد
لم تمنع منها، وإن كانت صافية تضرب إلى الحمرة منع منها والزرقة كالخضرة
انتهى (5).



(1) المبسوط: ج 5 ص 264.
(2) الأعراف: 31.
(3) في المبسوط: كالكحل.
(4) في ن، ق: كالصفرة والخضرة.
(5) المبسوط: ج 5 ص 264 - 265.
121
(ولا يحرم) عليها (التنظيف) لبدنها أو ثوبها (ولا دخول الحمام
ولا تسريح الشعر ولا السواك ولا قلم الأظفار) لخروج التجنب عنها عن
مفهوم الحداد، ولعموم استحبابها شرعا (ولا السكنى في أطيب المساكن)
وأزينها (ولا فرش أحسن الفرش، ولا تزيين أولادها وخدمها) لأن
الإحداد إنما يتعلق بنفسها في ثوبها أو بدنها.
(فروع) ستة:
(الأول: لو مات الزوج في عقد فاسد لم تعتد عدة الوفاة) لانتفاء
الزوجية، وإن لم يعلما بالفساد إلى الوفاة (بل تعتد مع الدخول) مع الشبهة عدة
الوطء للشبهة (بالوضع، أو بالأقراء، أو بالأشهر، وإلا) يكن دخل بها (فلا
عدة) عليها، وكذا إن علما بالفساد وزنيا بالجماع.
(الثاني: لو طلق المريض بائنا ثم مات) بمرضه ذلك وهي (في العدة
ورثت) لما مر من أنها ترثه إلى سنة ما لم تتزوج (وأكملت عدة الطلاق
ولا تنتقل إلى عدة الوفاة، بخلاف) الطلاق (الرجعي) لما تقدم من (1)
الاستشكال في الثانية دون الأولى.
(الثالث: لو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل التعيين أو عينه) أي
الطلاق أو محله (واشتبه فإن لم يكن دخل) بهما (اعتدتا معا للوفاة) من
باب المقدمة (وإن كان قد دخل) بهما (وحملتا اعتدتا بأبعد الأجلين) من
الحمل، والأربعة أشهر وعشر لذلك (وإن لم تحملا اعتدتا عدة الوفاة) إن
كانتا من ذوات الشهور.
(ولو كانتا من ذوات الأقراء اعتدتا بأبعد الأجلين من مضي الأقراء
وعدة الوفاة) للاستصحاب على التقديرين (ولو كان الطلاق) لهما (رجعيا
اعتدتا للوفاة) خاصة، لما عرفت من الانتقال.



(1) في ن، ق: مع.
122
(وإذا اعتدتا بأبعد الأجلين فابتداء عدة الوفاة من حين الموت و)
ابتداء (عدة الطلاق من وقته، إن كان قد طلق معينة ثم اشتبه، حتى لو
مضى) عليهما (من وقت الطلاق قرء، اعتبر وجود قرءين في عدة
الوفاة) أو بعدها (وإن كان الموت عقيب الطلاق) قبل الحيض (اعتبر
ثلاثة أقراء فيها) أو بعدها.
(وإن كان قد طلق واحدة غير معينة ومات قبله) أي التعيين (فإن
قلنا: الطلاق من حين وقوعه فكالأول، وإن قلنا: من حين التعيين اعتبر
ابتداء الأقراء من وقت الموت، لعدم التعيين) قبله، ويحتمل عدم اعتبار
الأقراء حينئذ أصلا، لعدم تمامية الطلاق (ولو عين قبل الموت انصرف
الطلاق إلى المعينة).
(الرابع: لا حداد على غير) الزوجة (المتوفى عنها كالمطلقة بائنا
ورجعيا، والأمة) فارقها مولاها بموت أو تزويج أو إخراج عن ملك (وإن
كانت ام ولد من مولاها وإن أعتقها، ولا الموطوءة بالشبهة ولا بالنكاح
الفاسد ولا المفسوخ نكاحها) وإن توفي عنهن، للأصل من غير معارض،
والإجماع، ونحو قول الصادق (عليه السلام) في خبر زرارة: المطلقة تكتحل وتختضب
وتطيب وتلبس ما شاءت من الثياب، لأن الله عز وجل يقول: " لعل الله يحدث بعد
ذلك أمرا " (1) لعلها أن يقع في نفسه فيراجعها (2). وحمل قول علي (عليه السلام) في خبر
مسمع بن عبد الملك: " المطلقة تحد كما تحد المتوفى عنها زوجها ولا تكتحل
ولا تختضب ولا تمتشط " (3) على الاستحباب في الطلاق البائن.
(الخامس: لو تركت الإحداد (4) في العدة احتسب بعدتها و) إن



(1) الطلاق: 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 437 ب 21 من أبواب العدد ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 438 ب 21 من أبواب العدد ح 5.
(4) في قواعد الأحكام: الحداد.
123
(فعلت محرما) بترك الإحداد في المشهور، للأصل. وعموم " فإذا بلغن أجلهن
فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن " (1). خلافا للتقي (2) والسيد الفاخر (3) لأنه
كيفية للاعتداد منهية، وهو عبادة فتفسد. والمقدمة الأولى ممنوعة.
(السادس: لا يجب الإحداد في موت غير الزوج) على رجل ولا امرأة
(ولا يحرم عليها) ولا عليه الحداد في موت غير الزوج (أكثر من ثلاثة أيام
ولا ما دونها) للأصل في الجميع.
وللعامة قول بحرمته عليها أكثر من ثلاثة (4) وهو ظاهر الجامع (5) لما سمعت
من قوله (صلى الله عليه وآله): " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق
ثلاث ليال إلا على زوج " (6) ولذا خصها بالحكم.
(الفصل الخامس في المفقود عنها زوجها)
ولفظة " عن " لتضمين معنى البعد والغيبة.
(إذا غاب الرجل عن امرأته فإن) لم تكن الغيبة منقطة بأن (عرف خبره
بأنه حي وجب الصبر أبدا) إلى أن يحضر أو يفارقها بموت أو غيره، أنفق
عليها أم لا للأصل والإجماع والنص (7).
(وكذا إن أنفق عليها وليه) أي المتولي عنه الإنفاق، أيا من كان، من ماله
أو مال نفسه ولو تبرعا، وإن جهل خبره وأرادت ما تريده النساء، كما نص عليه
في حسن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت: فإنها تقول: أريد ما تريد النساء،
قال: ليس ذلك لها ولا كرامة (8).
(ولو جهل خبره ولم يكن من ينفق عليها فإن صبرت) على ذلك



(1) البقرة: 134.
(2) انظر الكافي في الفقه: ص 313.
(3) حكاه عنه في مسالك الأفهام: ج 9 ص 279. (4) انظر المجموع: ج 18 ص 181.
(5) الجامع للشرائع: ص 472.
(6) عوالي اللآلي: ج 2 ص 143 ح 400.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 389 ب 23 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 390 ب 23 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 4.
124
(فلا كلام، وإلا رفعت أمرها إلى الحاكم فيؤجلها أربع سنين ويبحث عنه
الحاكم هذه المدة) في الجهة التي مضى إليها إن تعينت، وإلا ففي الجهات الأربع
(فإن عرف حياته صبرت أبدا) إلى أن يفارقها بموت أو غيره، أنفق عليها أم لا.
(وعلى الإمام أن ينفق عليها) مدة التربص وبعدها (من بيت المال)
إن كانت فقيرة ولم ينفق عليها أحد، لأنه من أعظم المصالح المنصوبة لبيت المال
(وإن لم يعرف حياته) طلقها الحاكم و (أمرها بالاعتداد عدة الوفاة بعد
الأربع) سنين (ثم) إذا انقضت العدة حلت (للأزواج) بالنص (1) والإجماع.
(ولو صبرت بعد الأربع غير معتدة لانتظار خبره جاز لها بعد ذلك
الاعتداد متى شاءت) بأمر الحاكم، بمعنى أن رضاها بالتربص لا يدفع
اختيارها الفراق، للأصل والعموم. وفيه إشارة إلى أنه لا يحتسب من العدة إلا ما
تعتده من الأيام بعد إرادة الفراق والاعتداد، فلو مضى بعد الأربع أربع أخر
فصاعدا أو نازلا ثم شاءت، اعتدت بأربعة أشهر وعشرة أيام أخر.
(فروع) تسعة:
(الأول: ضرب أربع سنين إلى الحاكم) كما هو نص الأخبار (2)
والأصحاب (فلو لم يرفع خبرها إليه فلا عدة حتى يضرب لها المدة ثم
تعتد ولو) كانت قد (صبرت مائة سنة). ولو تعذر الحاكم فلتصبر فهي مبتلاة.
وفي السرائر: أنها في الغيبة مبتلاة، وعليها الصبر إلى أن يعرف موته أو طلاقه (3).
وفي الخلاف: أنها تصبر أربع سنين ثم يرفع خبرها إلى السلطان لينظر من
يتعرف خبر زوجها في الآفاق، فإن عرف له خبر لم يكن لها طريق إلى التزويج،
وإن لم يعرف له خبر أمر وليه أن ينفق عليها، فإن أنفق عليها فلا طريق لها إلى
التزويج، وإن لم يكن له ولي أمرها أن تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، فإذا اعتدت



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 389 ب 23 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 389 ب 23 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
(3) السرائر: ج 2 ص 737.
125
ذلك حلت للأزواج (1). ولابد من حمله على أحد معنيين: الأول: أن يكون قوله:
" ثم يرفع خبرها " إلى آخر الكلام بيانا وتفصيلا لما قبله من الصبر أربع سنين.
والثاني: أنها بعد ما رفعت أمرها إلى الحاكم وأمرها بالتربص أربعا فتربصت، ترفع
إليه ثانيا لينظر من أرسله لتعرف حاله.
(وابتداء المدة) المضروبة وهي الأربع سنين (من رفع القضية إلى
الحاكم وثبوت الحال) من فقد الزوج وعدم من ينفق عليها (عنده، لا من
وقت انقطاع الخبر) عنها أو عنه.
(فإذا انقضت المدة لم يفتقر إلى غير الأمر بالعدة) من الأمر بتربص مدة
اخرى وإن افتقر إلى الطلاق كما سيأتي.
(ولو لم يأمرها الحاكم بالعدة) بعد الانقضاء (فاعتدت) بنفسها
(فالأقرب) وفاقا للمحقق (2) (عدم الاكتفاء) به وإن لم يشترط الطلاق،
للأخبار (3) والاحتياط، ولأنه من المسائل الاجتهادية المخالفة للأصل، لأصالة
بقاء الزوجية، فلا يناط باجتهاد غير الحاكم.
ويحتمل الاكتفاء كما يظهر من الأكثر، بناء على أن البحث في تلك المدة مع
عدم الظفر بخبره أمارة شرعية على الموت.
ويدفعه: أن المعتبر ظن الحاكم ومخالفة الحكم للأصل، فلابد من القصر على
المنصوص المجمع عليه.
(الثاني: لو جاء الزوج وقد خرجت من العدة ونكحت فلا سبيل له
عليها) اتفاقا (وإن جاء وهي في العدة فهو أملك بها (4)) اتفاقا، والنصوص
ناطقة بالحكمين (5). إلا إذا أوجبنا طلاقها وكانت الطلقة الثالثة فلا يملكها وإن
عاد في العدة. ثم الأخبار ناطقة بأن له المراجعة، ويوافقها كثير من العبارات



(1) الخلاف: ج 5 ص 77 مسألة 33.
(2) انظر النكت، بهامش النهاية: ج 2 ص 493.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 389 ب 23 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
(4) في ن، ق بدل " بها ": لها.
(5) المصدر السابق.
126
فلو لم يراجع إلى انقضاء العدة (1) بانت منه، أوجبنا الطلاق أو لا.
(ولو جاء بعد العدة قبل التزويج فقولان: الأقرب) وفاقا للمقنع (2)
والمبسوط (3) والسرائر (4) والمراسم (5) والوسيلة (6) والنافع (7) والنكت (8) (أنه
لا سبيل له عليها) للأخبار (9) ولأن حكم الشارع بالبينونة بمنزلة الطلاق،
فانقضاء العدة مسلط لها على نفسها، قاطع لتسلطه عليها. وخلافا للمقنعة (10)
والنهاية (11) والخلاف (12) والجامع (13) بناء على أن الاعتداد مبني على موته، فإذا
ظهر الخلاف انكشف فساد الاعتداد وعدم الخروج من حباله، ولو لم يكن
الإجماع على خلافه إذا نكحت لكان الحكم فيه كذلك. ولأن الحكم بالبينونة
إنما هو لدفع الحرج عنها ولا حرج إذا جاء الزوج، وذكر الشيخ (14) والمحقق (15)
أن به رواية.
وهنا قول ثالث: هو خيرة المختلف وهو أنه إن قيل: بأن الولي أو الحاكم
يطلقها ثم تعتد، لم يكن له عليها سبيل بعد العدة، لأنها عدة بعد طلاق أمر به
الشارع، وهو رافع للعصمة بينهما، بخلاف ما لو قلنا: باعتدادها من غير طلاق،
فإنها إنما تعتد بناء على الموت وقد انكشف الخلاف - قال - ولولا صحة النكاح
الثاني ظاهرا في نظر الشرع وعدم التفات الشارع إلى العقد الأول بعد التزويج
ثانيا لأوجبنا فسخ النكاح الثاني (16).



(1) في ن، ق: المدة.
(2) المقنع: ص 119.
(3) المبسوط: ج 5 ص 278.
(4) السرائر: ج 2 ص 737.
(5) المراسم: ص 165.
(6) الوسيلة: ص 324.
(7) المختصر النافع: ص 201.
(8) النكت، بهامش النهاية: ج 2 ص 495.
(9) وسائل الشيعة: ج 15 ص 389 ب 23 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
(10) المقنعة: ص 537.
(11) النهاية: ج 2 ص 495.
(12) الخلاف: ج 5 ص 78 مسألة 34.
(13) الجامع للشرائع: ص 473.
(14) الخلاف: ج 5 ص 79 مسألة 34.
(15) شرائع الإسلام: ج 3 ص 39.
(16) مختلف الشيعة: ج 7 ص 385.
127
(الثالث: لو نكحت بعد العدة ثم ظهر موت الزوج) قبل النكاح (كان
العقد الثاني صحيحا، ولا عدة) عليها ثانيا (سواء كان موته قبل العدة)
بتمامها أو بعضها (أو بعدها، لسقوط اعتبار عقد الأول في نظر الشرع)
بالفقد، فالفقد نازل منزلة الموت، ولذا تعتد عدته، وظهور الموت إنما يزيد المنزلة
قربا والعدة والعقد الثاني صحة، وإن تأخر عن العدة، فإنه إن ظهرت حياته بعد
العقد لم يؤثر في صحته، فبعد العدة أولى، ولأن العقد الثاني محكوم بصحته شرعا،
فلا يحكم بفساده إلا بدليل شرعي. ولا يكفي في الحكم بالفساد، أنا إن أوجبنا
طلاق الولي كانت العدة عدة طلقة رجعية وإن كانت في العدد كعدة الوفاة. ومن
حكمها أنه إذا تجدد الموت في أثنائها انتقلت إلى عدة الوفاة، وإن لم تعلم بالموت
إلا بعدها استأنفت عدة الوفاة.
(الرابع: هذه العدة كعدة الموت لا نفقة فيها على الغائب، وعليها
الحداد على إشكال) من أنه محكوم عليه بالموت. ومن الأصل، واختصاص
النص (1) بمن مات زوجها، والفقد غير الموت.
(ولو حضر قبل انقضائها ففي عدم الرجوع عليه بالنفقة) لما مضى
(إشكال): من أنها إنما سقطت عنه لتنزيله منزلة الميت، فإذا حضر انكشف
الفساد. ويؤيده: أنه إذا حضر حينئذ كان أملك بها، فإنه يجعل العدة عدة طلاق
رجعي. وإن أوجبنا طلاقها فأظهر، بل يحتمل الرجوع وإن حضر بعد العدة، بل
وبنفقة ما بعدها قبل النكاح إن جعلناه أولى بها حينئذ، للاشتراك في فساد ما بنيت
عليه العدة، وظهور أنها محبوسة عليه في العدة، أو مع ما بعدها، بل ظهور فساد
الاعتداد إن كان أولى بها ما لم تتزوج.
ومن أن العدة عدة موت فلا يستتبع النفقة، وظهور الحياة لا يغير حكم العدة،
ولأن القضاء بأمر جديد.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 234 ب 9 من أبواب النفقات.
128
(الخامس: لو طلقها الزوج، أو ظاهر منها أو آلى فاتفق في العدة)
أو قبلها (صح، لبقاء العصمة) بينهما، فورد على محله ولا دلالة لعدم وجوب
النفقة عليه على زوال العصمة، ولكن في الطلاق نظر على القول بطلاقها، إذ
لا يصح عندنا طلقتان بلا رجوع بينهما، نعم يصح إن تقدم عليها وكان طلاق الولي
أو الحاكم لغوا.
(ولو اتفق) شيء منها (بعدها لم يقع) لزوال العصمة، إلا على القول بأنه
أملك بها قبل أن تتزوج.
(السادس: لو أتت بولد بعد مضي ستة أشهر من دخول الثاني لحق
به) إن لم يدعه غيره، قطعا (ولو ادعاه الأول) قيل له: من أي وجه تدعيه فإن
قال: للزوجية التي كانت بيني وبين امه، لم يقبل اتفاقا (و) إن (ذكر الوطء
سرا لم يقبل) أيضا، وفاقا للمحقق (1) لزوال فراشه وثبوت فراش الثاني.
(وقيل) في المبسوط: عندنا (يقرع) (2) للإمكان، وثبوت الفراش لهما،
كما أنه يقرع إذا طلقها فتزوجت فولدت ما يمكن كونه منهما. (وليس بجيد)
لرجحان الفراش مع العلم بوطء غير الزوج، فمع الاحتمال أولى.
(السابع: لا توارث بينهما وبين الزوج لو مات أحدهما بعد العدة)
والتزوج بغيره، وكذا قبل التزوج إن قطعنا العصمة بانقضاء العدة.
(ويتوارثان) إن وقع الموت (في العدة) لبقاء العصمة وإن كانت العدة
عدة وفاة، ولذا كان له الرجوع متى حضر فيها، واحتمل العدم، لكون العدة عدة
وفاة. وهو ضعيف.
(الثامن: لو غلط) الحاكم (في الحساب فأمرها بالاعتداد فاعتدت
وتزوجت قبل مضي مدة التربص) ومنها العدة (بطل الثاني) لوقوعه في
العدة أو قبلها.



(1) شرائع الإسلام: ج 3 ص 40.
(2) المبسوط: ج 5 ص 281.
129
(والأقرب أنها تحرم عليه مؤبدا مع الدخول) لأنه دخول (1) بذات بعل
أو عدة، إلا إذا ظهر موت الأول قبل نكاحه، فإنه يحتمل عدم الحرمة إن تقدم
النكاح العدة كما تقدم في النكاح (2) لأنها (3) ليست بذات بعل ولا عدة.
وخلاف الأقرب، العدم إن كان النكاح قبل الشروع في العدة، لأنها حينئذ
لا يعلم كونها ذات بعل، والمحرم إن كان إنما هو نكاح ذات البعل، فلما لم يعلم
بقيت على أصل الحل، وهو متجه. لكن الاحتياط في الفروج مطلوب.
ويحتمل العدم إن كان في العدة أيضا، لكون المتبادر من العدة غيرها. وهو في
غاية الضعف.
(ولو تبين موت الزوج قبل) الشروع في (العدة) مع الغلط في الحساب
(فالأقرب صحة) العقد (الثاني) لأنه لم يقع على ذات بعل ولا عدة. ويحتمل
البطلان لابتنائه ظاهرا وفي زعم المتعاقدين على الاعتداد المبني على الخطأ.
(ولو عاد الزوج من سفره) وقد ظهر الغلط في الحساب، وأنه لم يمض
عليها أربع سنين وأربعة أشهر وعشرة أيام (فإن لم تكن قد تزوجت وجب لها
نفقة جميع المدة) المفقود هو فيها، وإن دخلت في الأربعة أشهر والعشرة أيام
على وجه تقدم.
(وإن كانت قد تزوجت سقطت نفقتها من حين التزويج، لأنها) كأنها
(ناشز، فإذا فرق بينهما، فإن لم يكن دخل بها الثاني عادت نفقتها) على
الأول (في الحال) لتمكنه من الاستمتاع بها في الحال (وإن دخل فلا نفقة)
لها مدة التربص إلى أن تمكن الثاني الاستمتاع، لا (على الثاني، لأنه) أي
الوطء وطء (شبهة) لظهور فساد النكاح (ولا على الأول، لأنها) بعد باقية
على حكم النشوز، وهي وإن كانت (محبوسة عليه) لكن (لحق غيره) وهو
الثاني، لا لحق نفسه، فيجب عليه الإنفاق.



(1) في ن زيادة: متزوج.
(2) كشف اللثام: ج 7 ص 183.
(3) في ن بدل " لأنها ": فإنها.
130
(ولو رجع) الزوج من سفره (بعد موتها) بعد التزويج المبتني على الغلط
في الحساب (ورثها إن) ماتت و (لم تخرج مدة التربص والعدة) لأنها
ماتت وهي زوجته (ويطالب) الورثة (الثاني بمهر مثلها) إن دخل بها لظهور
الشبهة.
(ولو بلغها موت الأول) بعد التزويج المبتني على الغلط في الحساب
أو قبله من غير تخلل زمان العدة بينهما (اعتدت له بعد التفريق) وابتداء العدة
من حين بلوغ الخبر.
(وإن مات الثاني) بعد الدخول (فعليها عدة وطء الشبهة) لا عدة
الوفاة لما عرفت.
(ولو ماتا) وقد دخل الثاني (فإن علمت السابق وكان هو الأول
اعتدت عنه) أولا (بأربعة أشهر وعشرة أيام، أولها يوم موت الثاني) أو
افتراقهما، لظهور فساد النكاح، لا يوم موت الأول، أو بلوغ الخبر (لأن العدة
لا تجتمع مع الفراش الفاسد) كالصحيح (وفراشه قائم إلى وقت موته) أو
ظهور الفساد، فإذا انقضت هذه العدة اعتدت من الثاني عدة الشبهة، هذا إن لم تكن
حاملا من الثاني، وإلا قدمت عدته على عدة الزوج.
(وإن سبق الثاني فإن كان بين المدتين ثلاثة أقراء) مثلا (مضت عدة
الثاني فتعتد عن الأول) من حين بلوغ الخبر (وإن كان) المتخلل بين
المدتين (أقل) من زمان عدة الثاني (أكملت العدة) من الثاني (ثم اعتدت
من الأول) وفي المبسوط: أنها إن لم تكن حاملا من الثاني انتقلت إلى العدة من
الأول ثم تكمل العدة من الثاني، لأن عدة الأول وجبت عن سبب مباح وعدة
الثاني عن سبب محظور، فكانت الأولى أقوى (1).
(ولو لم تعلم السابق أو علمت المقارنة اعتدت من الزوج ثم من
وطء الشبهة) لكون الأولى أقوى، إلا أن تكون حاملا من الثاني.



(1) المبسوط: ج 5 ص 282.
131
(التاسع: الأقرب) وفاقا للصدوق (1) والمفيد في العويص (2) وابني حمزة (3)
والجنيد (4) (أن الحاكم بعد مدة البحث) يأمر الولي بأن (يطلقها) قال أبو
علي: وإن لم يطلقها أمرها ولي المسلمين أن تعتد (5).
وقال الصدوق: إذا امتنع الولي أن يطلق أجبره الوالي على أن يطلقها، وإن
لم يكن له ولي طلقها السلطان (6).
وقال ابن حمزة: إنه يأمر الولي بالطلاق، فإن لم يكن له ولي طلقها الحاكم (7).
وفي المبسوط: إنه إن كان له ولي ينفق عليها فعليها الصبر، وإن لم يكن له ولي
فرق بينهما الحاكم (8). فيجوز أن يريد بالتفريق الطلاق، ومراد المصنف بتطليق
الحاكم ما يعم تطليقه مع فقد الولي وإجباره الولي عليه.
وإنما كان ذلك أقرب (للرواية الصحيحة) والحسنة عن بريد بن معاوية
سأل الصادق (عليه السلام) عن المفقود كيف تصنع امرأته؟ قال: ما سكتت عنه وصبرت
يخلى (9) عنها، وإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجلها أربع سنين، ثم يكتب إلى
الصقع الذي فقد فيه فيسأل عنه، فإن أخبر (10) عنه بحياة صبرت، وإن لم يخبر عنه
بشيء حتى تمضي أربع سنين دعي ولي الزوج المفقود فقيل له: هل للمفقود مال؟
فإن كان له مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته، وإن لم يكن له مال قيل
للولي: أنفق عليها، فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوج ما أنفق عليها، وإن أبى أن
ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلق تطليقة في استقبال العدة وهي طاهر،



(1) المقنع: ص 353.
(2) مصنفات الشيخ المفيد، مسائل العويص: ص 31 مسألة 11.
(3) الوسيلة: ص 324.
(4) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 382.
(5) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 382.
(6) المقنع: ص 119.
(7) الوسيلة: ص 324.
(8) المبسوط: ج 5 ص 278.
(9) في وسائل الشيعة بدل " يخلى ": فخل.
(10) في وسائل الشيعة بدل " أخبر ": خبر.
132
فيصير طلاق الولي طلاق الزوج، فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدتها من يوم
طلقها الولي فبدا له أن يراجعها فهي امرأته، وهي عنده على تطليقتين، وإن انقضت
العدة قبل أن يجيء ويراجع فقد حلت للأزواج، ولا سبيل للأول عليها (1).
قال الصدوق: وفي رواية اخرى أنه إن لم يكن للزوج ولي طلقها الوالي،
ويشهد شاهدين عدلين، فيكون طلاق الوالي طلاق الزوج، وتعتد أربعة أشهر
وعشرا ثم تتزوج إن شاءت (2).
ولقوله (عليه السلام) في حسن الحلبي: فإن لم ينفق عليها وليه أو وكيله أمره أن يطلقها
فكان ذلك عليها طلاقا واجبا (3).
ولأن أبا الصباح الكناني سأله (عليه السلام) أيجبر وليه على أن يطلقها؟ قال: نعم، وإن
لم يكن له ولي طلقها السلطان (4).
هذا مع الاستصحاب وعدم ظهور معارض لها، ولا خلاف في المسألة، فإن
غاية الأمر السكوت عنها في مضمر سماعة (5) وعبارات أكثر الأصحاب. ثم
مقتضى الطلاق أن تعتد عدته.
(و) لكن الحق الموافق لفتاوى الأصحاب أن (العدة عدة الوفاة
للاحتياط) من جهة اتفاق الأصحاب عليها، من صرح منهم بالطلاق ومن
لم يصرح، وورودها فيما سمعته من الخبر. وفي مضمر سماعة من غير معارض،
وكونها أطول غالبا من عدة الطلاق، فيكون أحوط من وجه (من غير
منافاة) بين الطلاق والاعتداد بها، إذ لا دليل من عقل أو نقل على اختصاصها
بالوفاة.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 389 ب 23 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 1.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 547 ح 4884.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 390 ب 23 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ح 4.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 390 ب 23 من أبواب أقسام الطلاق ح 5.
(5) وسائل الشيعة: ج 14 ص 390 ب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 2.
133
(الفصل السادس في عدة الأمة)
وهي مدة تربصها لنكاح أو شبهة (والاستبراء) لرحمها بالتربص لملك
اليمين، ولا بأس بإطلاق كل منهما على معنى الآخر، لكن الغالب في العرف ذلك.
(وفيه مطلبان):
(الأول: في العدة، عدة الأمة في الطلاق قرءان) إن كانت ذات قرء
بالنص (1) والإجماع (وإن كان زوجها حرا، وأقل ما يقعان فيه) من المدة
(ثلاثة عشر يوما ولحظتان) بل عشرة أيام وثلاث لحظات، بأن طلقها بعد
الوضع قبل النفاس بلحظة ثم رأته لحظة.
واللحظة (الثانية) أو الثالثة (دلالة) الخروج لا جزء للعدة كما مر، ولذلك
لما سأل ليث المرادي الصادق (عليه السلام) كم تعتد الأمة من ماء العبد؟ قال: حيضة (2).
لخروج الحيضة الثانية عن العدة. ويجوز أن يكون السؤال عن عدد الحيض الذي
تعتده، مع ضعف الخبر، ومعارضته بغيره من النصوص والإجماع.
(وهل حكم الفسخ) للنكاح (للبيع) أي حكم ما إذا بيعت أو بيع زوجها
ففسخ المشتري نكاحهما (حكم الطلاق؟ الأقرب ذلك) لأن حكم الفسخ في
الحرة حكمه ويؤيده الاستصحاب.
ويحتمل أن لا يكون فيها إلا الاستبراء، لخروجه عن مدلول لفظ الطلاق،
ويؤيده أصالة البراءة من الزائد، والفرق بينها وبين الحرة أنه ليس للحرة مدة
مضروبة لاستبراء رحمها أقل من عدة الطلاق، فلا يمكن الحكم بالبراءة في أقل
منها، بخلاف الأمة.
(وكذا) الكلام في (الفسخ للعيب، وإن كانت من ذوات الحيض) أي
بالغة غير يائسة (و) لكن (لم تحض) أو احتبس حيضها لا لليأس أو الحمل



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 469 ب 40 من أبواب العدد.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 470 ب 40 من أبواب العدد ح 6.
134
(فعدتها) شهر ونصف، وهي في الأغلب (خمسة وأربعون يوما) لندرة
اتفاق مفارقة الطلاق لأول الهلال، فيعتبر كل من الشهر ونصفه بالثلاثين، وإن
اتفقت المقارنة واتفق نقصان الشهر، فالعدة أربعة وأربعون.
(ولو كانت حاملا فعدتها وضع الحمل) من غير خلاف، لعموم آية
" أولات الأحمال " (1) من غير مخصص، وعدم براءة الرحم بدون الوضع.
(و) عدتها (في الوفاة شهران وخمسة أيام) وفاقا للأكثر، للأخبار،
وهي كثيرة، كصحيح محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) قال: الأمة إذا توفي عنها
زوجها فعدتها شهران وخمسة أيام (2). وصحيح محمد بن قيس عن الباقر (عليه السلام)
قال: طلاق العبد للأمة تطليقتان، وأجلها حيضتان إن كانت تحيض، وإن كانت
لا تحيض فأجلها شهر ونصف، وإن مات عنها زوجها فأجلها نصف أجل الحرة،
شهران وخمسة أيام (3).
وخلافا للمقنع (4) والتبيان (5) ومجمع البيان (6) والسرائر (7) والجامع (8) وروض
الجنان للشيخ أبي الفتوح (9) لعموم الآية (10) وصحيح زرارة عن الباقر (عليه السلام): إن الأمة
والحرة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة، إلا أن الحرة تحد والأمة
لا تحد (11) وصحيحه عنه (عليه السلام): كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت
أو أمة، وعلى أي وجه كان [النكاح] (12) منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين،



(1) الطلاق: 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 473 ب 42 من أبواب العدد ح 9.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 473 ب 42 من أبواب العدد ح 10.
(4) المقنع: ص 121.
(5) التبيان: ج 2 ص 262.
(6) مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 337.
(7) السرائر: ج 2 ص 735.
(8) الجامع للشرائع: ص 471.
(9) روض الجنان (تفسير الشيخ أبو الفتوح الرازي): ج 2 ص 271.
(10) البقرة: 234.
(11) وسائل الشيعة: ج 15 ص 472 ب 42 من أبواب العدد ح 2.
(12) ليس في نسخ كشف اللثام.
135
فالعدة أربعة أشهر وعشرا (1). وخبر سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السلام) قال: عدة
المملوكة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام (2).
والجواب: تخصيص الآية بالأخبار (3). ويؤيده أنه لم يتعرض لحكم الإماء
في الطلاق أيضا، وتخصيص الأخبار بأم الولد للمعارضة بغيرها، وللتصريح
بالتفصيل في غيرها كما ستعرف، [واحتمال الأول المساواة في أصل الاعتداد] (4).
(و) عدة (الحامل) في الوفاة (أبعد (5) الأجلين) من الوضع وشهرين
وخمسة أيام.
(ولو كانت ام ولد لمولاها فعدتها من موت زوجها أربعة أشهر
وعشرة أيام) إن كانت حائلا، وأبعد الأجلين إن كانت حاملا كالحرة، وفاقا
للشيخ (6) وجماعة. وفي الخلاف (7) وظاهر المبسوط (8) الإجماع عليه، جمعا
بين الأخبار.
ويدل على خصوصه خبر سليمان بن خالد سأل الصادق (عليه السلام) عن الأمة إذا
طلقت ما عدتها؟ قال: حيضتان أو شهران حتى تحيض: قال: قلت: فإن توفي عنها
زوجها؟ فقال: إن عليا (عليه السلام) قال في أمهات الأولاد: لا يتزوجن حتى يعتددن أربعة
أشهر وعشرا وهن إماء (9).
وصحيح وهب بن عبد ربه سأله (عليه السلام) عن رجل كانت له ام ولد، فزوجها من
رجل فأولدها غلاما، ثم إن الرجل مات فرجعت إلى سيدها أله أن يطأها؟ قال:



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 484 ب 52 من أبواب العدد ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 473 ب 42 من أبواب العدد ح 5.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 471 ب 42 من أبواب العدد.
(4) ما بين المعقوفتين ليس في ق، ن.
(5) في قواعد الأحكام: بأبعد.
(6) التبيان: ج 2 ص 262.
(7) الخلاف: ج 5 ص 80 مسألة 38 وفيه: " لم يذكر عدة الحامل ".
(8) المبسوط: ج 5 ص 251.
(9) وسائل الشيعة: ج 15 ص 472 ب 42 من أبواب العدد ح 1.
136
تعتد من الزوج أربعة أشهر وعشرا، ثم يطأها بالملك بغير نكاح (1).
فإنهما دلا على اعتداد ام الولد بذلك. فهما يؤيدان أخبار مساواة الأمة للحرة
في العدة. فإذا أردنا الجمع بينها وبين الأخبار الأولة خصصناها بأم الولد؛ لحصول
الظن للخبرين بأنها كذلك، والأخبار الأولة بغيرها، إذ ليس لنا ما ينص على أنها
كالحرة. هذا في وفاة الزوج.
وأما إذا توفى السيد، فإن كانت مزوجة من غيره فلا عدة عليها إجماعا، وإن
لم تكن مزوجة، اعتدت أربعة أشهر وعشرا، مدبرة كانت أو لا، ام ولد أو لا، وفاقا
للجامع والنزهة لما سمعته من خبري زرارة وسليمان بن خالد، وحسن الحلبي
سأل الصادق (عليه السلام) يكون الرجل تحته السرية فيعتقها، فقال: لا يصلح أن ينكح
حتى تنقضي ثلاثة أشهر، وإن توفي عنها مولاها فعدتها أربعة أشهر وعشرا (2).
وخبر إسحاق بن عمار سأل الكاظم (عليه السلام) عن الأمة يموت سيدها، قال: تعتد
عدة المتوفى عنها زوجها (3).
وخبر زرارة عن الباقر (عليه السلام): إذا غشيها سيدها ثم أعتقها، فإن عدتها ثلاث
حيض، وإن مات عنها فأربعة أشهر وعشرا (4).
وفي كتب الشيخ: أن المدبرة تعتد كذلك. ولم يتعرض لغيرها كما فعله المصنف
فيما سيأتي وكثير. وفي الكافي: أن ام الولد كذلك.
وقال ابن حمزة: الأمة إذا كانت عند سيدها ومات عنها، أو زوجها من غيره
ومات عنها وهي في عدة له عليها فيها رجعة كان عدتها عدة الحرائر، والمدبرة إذا
مات عنها سيدها وقد وطئها بملك اليمين، أو أعتقها قبل وفاته فعدتها عدة
الحرائر، وإن كانت حاملا فعدتها أبعد الأجلين، وإن لم يطأها فلا عدة عليها، وإن



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 472 ب 42 من أبواب العدد ح 3.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 474 ب 43 من أبواب العدد ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 472 ب 42 من أبواب العدد ح 4.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 475 ب 43 من أبواب العدد ح 5.
137
لم يدبرها فعدتها عدة الإماء. وظاهره متناقض، ولعله أراد بالأمة أولا ام الولد.
وعند ابن إدريس والمصنف في التحرير والمختلف لا عدة على غير المدبرة
أو المعتقة في الحياة، وإنما عليها الاستبراء، للأصل. وجوابه المعارضة بالأخبار
والاحتياط.
(والذمية كالحرة في الطلاق والوفاة) كما نص عليه الأصحاب، ودل
عليه الأخبار (1) وعموم الكتاب (2).
(وقيل) في حسن زرارة وموثقه عن الباقر (عليه السلام): في الطلاق (كالأمة)
قال: سألته عن نصرانية كانت تحت نصراني فطلقها، هل عليها عدة منه مثل عدة
المسلمة؟ فقال: لا، لأن أهل الكتاب مماليك للإمام، ألا ترى أنهم يؤدون الجزية
كما يؤدي العبد الضريبة إلى مواليه؟ قال: ومن أسلم منهم فهو حر يطرح عنه
الجزية. قلت: فما عدتها إن أراد المسلم أن يتزوجها؟ قال: عدتها عدة الأمة
حيضتان، أو خمسة وأربعون يوما قبل أن تسلم، قال: قلت له: فإن أسلمت بعد ما
طلقها، فقال: إذا أسلمت بعد ما طلقها فإن عدتها عدة المسلمة، قلت: فإن مات
عنها وهي نصرانية وهو نصراني فأراد رجل من المسلمين أن يتزوجها قال:
لا يتزوجها المسلم حتى تعتد من النصراني أربعة أشهر وعشرا عدة المسلمة
المتوفى عنها زوجها، قلت له: كيف جعلت عدتها إذا طلقت عدة الأمة، وجعلت
عدتها إذا مات عنها عدة الحرة المسلمة وأنت تذكر: أنهم مماليك للإمام؟ فقال:
ليس عدتها في الطلاق مثل عدتها إذا توفي عنها زوجها (3).
ولم نظفر بقائل من الأصحاب، ولا بما يتضمن كونها كالأمة في الوفاة كما
يظهر من العبارة.
(ولو أعتقت الأمة ثم طلقت) أو فسخت النكاح ثم توفي عنها زوجها
(فكالحرة) أصالة.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 448 ب 45 من أبواب العدد ح 2.
(2) البقرة: 228 و234.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 477 ب 45 من أبواب العدد ح 1.
138
(ولو طلقت رجعيا ثم أعتقت، أكملت عدة الحرة) لأنها في حكم
الزوجة، ولصحيح جميل عن الصادق (عليه السلام): في أمة كانت تحت رجل فطلقها ثم
أعتقت، قال: تعتد عدة الحرة (1). وللإجماع كما في الغنية.
(ولو كان) الطلاق (بائنا أكملت) ما عليها من (عدة الأمة) للطلاق
التي هي قرءان أو شهر ونصف أو الوضع، لأنها أعتقت بعد ما بانت. ولصحيح
محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام): إذا طلق الحر المملوكة فاعتدت بعض عدتها منه ثم
أعتقت، فإنها تعتد عدة المملوكة (2).
ويدل على التفصيل مع الإجماع - كما في الخلاف - خبر مهزم عن
الصادق (عليه السلام) في أمة تحت حر طلقها على طهر بغير جماع تطليقة ثم أعتقت بعد ما
طلقها بثلاثين يوما ولم تنقض عدتها، فقال: إذا أعتقت قبل أن تنقضي عدتها
اعتدت عدة الحرة من اليوم الذي طلقها، وله عليها الرجعة قبل انقضاء العدة، فإن
طلقها تطليقتين واحدة بعد واحدة ثم أعتقت قبل انقضاء عدتها فلا رجعة له عليها،
وعدتها عدة الأمة (3).
(ولو طلق الزوج أم ولد المولى رجعيا ثم مات في العدة، استأنفت
عدة حرة) لما عرفت من أن المطلقة رجعيا إذا مات زوجها استأنفت عدة الوفاة
وام الولد تعتد من زوجها عدة الحرة.
(ولو لم تكن أم ولد استأنفت عدة أمة) لما عرفت.
(ولو كان) الطلاق (بائنا أتمت عدة الطلاق) لأن ذلك حكم المطلقة
بائنا كما تقدم.
(ولو مات زوج الأمة ثم أعتقت) في العدة (أكملت عدة حرة)
لصحيح جميل وهشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) في أمة طلقت ثم أعتقت قبل أن



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 483 ب 50 من أبواب العدد ح 3.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 483 ب 50 من أبواب العدد ح 4.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 482 ب 50 من أبواب العدد ح 2.
139
تنقضي عدتها، فقال: تعتد بثلاث حيض فإن مات عنها زوجها ثم أعتقت قبل أن
تنقضي عدتها فإن عدتها أربعة أشهر وعشر (1). ولتغليب الحرية، والاستصحاب
والاحتياط، وصدق أنها حرة توفي عنها زوجها فيدخل في عموم النصوص.
(ولو دبر المولى موطوءته اعتدت لوفاته بأربعة أشهر وعشرة أيام)
لإنعتاقها بموته، فتكون كالزوجة المتوفى عنها زوجها. (ولو أعتقها في حياته
اعتدت بثلاثة أقراء) إن كانت ذات قرء، وإلا بثلاثة أشهر، أو وضع الحمل، لأنها
كالمطلقة الحرة.
ويدل على الحكمين ما تقدم من الأخبار وغيرها، كخبر أبي بصير: سأل
الصادق (عليه السلام) عن رجل أعتق وليدته عند الموت، فقال: عدتها عدة الحرة المتوفى
عنها زوجها: أربعة أشهر وعشر، وعن رجل أعتق وليدته وهو حي وقد كان
يطأها، فقال: عدتها عدة الحرة المطلقة: ثلاثة قروء (2).
وصحيح داود الرقي عنه (عليه السلام) في المدبرة إذا مات عنها مولاها: أن عدتها
أربعة أشهر وعشر من يوم يموت سيدها إذا كان سيدها يطأها. قيل له: فالرجل
يعتق مملوكته قبل موته بساعة أو بيوم ثم يموت، فقال: هذه تعتد بثلاثة أشهر (3)
أو ثلاثة قروء من يوم أعتقها سيدها (4).
وفي المبسوط: أنها إن لم تكن ذات قرء أو حمل فإنما تعتد بشهر، ولا أعرف
وجهه.
(ولا اعتبار) عندنا (بحرية الزوج ورقه في جميع ما تقدم) في
الحرائر والإماء، وإنما العبرة بالزوجة كما نصت به الأخبار.
(والمعتق بعضها كالحرة) تغليبا للحرية واستصحابا. وللدخول في
العمومات من غير علم بخروجها منها.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 482 ب 50 من أبواب العدد ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 475 ب 43 من أبواب العدد ح 6.
(3) في وسائل الشيعة بدل " بثلاثة أشهر ": بثلاث حيض.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 475 ب 43 من أبواب العدد ح 7.
140
(والمكاتبة المشروطة و) المطلقة (التي لم تؤد) شيئا (كالأمة)
غيرها للعمومات (ولو أدت) المطلقة (في الأثناء) شيئا أو المشروطة الجميع
(فكالحرة) أي فكما إذا تحررت بغير ذلك في الأثناء في أنها إن كانت رجعية
أكملت عدة الحرة، وإلا فعدة الأمة.
(ولو أعتقت بعد مضي قرءين أو شهر ونصف) لم تضف إلى ما مضى
تتمة عدة الحرة وإن كان بلا فصل، لأنها (خرجت) بذلك (من العدة) فبانت،
ولا عبرة بالعتق بعد البينونة.
(ولو التحقت الذمية بعد الطلاق بدار الحرب فسبيت في أثناء العدة،
فالأقرب إكمال عدة الحرة) تغليبا للحرية واحتياطا واستصحابا، ويحتمل
ضعيفا انتقالها إلى عدة الأمة إن كانت رجعية.
(المطلب الثاني في الاستبراء)
(وهو) نفس (التربص) أو استعلام براءة الرحم بالتربص (الواجب
بسبب ملك اليمين عند حدوثه) أي الملك (و) عند (زواله، فمن ملك
جارية موطوءة، ببيع أو غيره من استغنام أو صلح أو ميراث أو أي سبب
كان لم يجز له وطؤها إلا بعد الاستبراء) في المشهور تحرزا عن اختلاط
الأنساب، وللإجماع عليه في البيع، والأخبار (1) فيه وهي كثيرة.
وفي الصحيح عن الحسن بن صالح عن الصادق (عليه السلام) قال: نادى
منادي رسول الله في الناس يوم أوطاس (2): أن استبرؤوا سباياكم بحيضة (3).
وفي موضع من المبسوط والسرائر إنكاره في غير البيع، للأصل. وعموم
" ما ملكت أيمانكم " (4).



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 514 - 515 ب 16 - 17 - 18 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) أوطاس: واد في ديار هوازن فيه كانت وقعة حنين (معجم البلدان: ج 1 ص 281).
(3) وسائل الشيعة: ج 14 ص 515 ب 17 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(4) النساء: 3.
141
(فإن كانت حبلى من مولى أو زوج أو وطء شبهة) أو مجهول لا من
زنا، إذ لا حرمة له (ولم ينقض) مدة (الاستبراء إلا بوضعه أو مضي أربعة
أشهر وعشرة أيام، فلا يحل له وطؤها قبلا قبل ذلك) لصحيح رفاعة بن
موسى سأل الكاظم (عليه السلام) إن كان حمل فما لي منها إن أردت؟ فقال: لك ما دون
الفرج إلى أن تبلغ في حملها أربعة أشهر وعشرة أيام، فإذا جاز حملها أربعة أشهر
وعشرة أيام، فلا بأس بنكاحها (1).
وأجازه ابن زهرة وسلار مع العزل، والشيخ في الخلاف وابن إدريس مطلقا،
وادعى عليه الإجماع في الخلاف.
(ويجوز في غير القبل) لشمول " ما دون الفرج " في هذا الخبر وسائر
الأخبار له. ويمكن المناقشة فيه، والأولى تركه، لقول الصادق (عليه السلام) لعبد الله بن
محمد: لا بأس بالتفخيذ لها حتى تستبرئها، وإن صبرت فهو خير لك (2). ولأن
إبراهيم بن عبد الحميد سأل الكاظم (عليه السلام) عن الرجل يشتري الجارية وهي حبلى
أيطأها؟ قال: لا، قال: فدون الفرج قال: لا يقربها (3).
(ويكره) الوطء في القبل (بعدها) قبل الوضع، لقول الباقر (عليه السلام) في حسن
محمد بن قيس: لا يقربها حتى تضع ولدها (4).
وفي حسن رفاعة بن موسى في الأمة الحبلى يشتريها الرجل: أحلتها آية
وحرمتها آية اخرى، وأنا ناه عنها نفسي وولدي (5). ونحو ذلك من الأخبار العامة (6).
ولا يحرم، للإجماع كما في الخلاف والجمع بينها وبين صحيحة رفاعة.



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 505 ب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 3.
(2) وسائل الشيعة: ج 14 ص 501 ب 5 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 14 ص 502 ب 5 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 5.
(4) وسائل الشيعة: ج 14 ص 505 ب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 14 ص 505 ب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 2.
(6) وسائل الشيعة: ج 14 ص 505 ب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
142
وقوى التحريم في التذكرة واختاره الشهيد وهو خيرة المبسوط والتهذيب (1)
والاستبصار (2) لعمومها وتأيدها، بعموم الآية (3) والاحتياط والاستصحاب.
وفي المقنعة: فإذا مضى ذلك عليها وطئها إن أحب دون الفرج، فإن وطئها فيه
فليعزل عنها، واجتناب وطئها أحوط حتى تضع ما في بطنها. وفي الخلاف:
نفي الكراهة.
(ولو كانت من ذوات الأقراء استبرأت بحيضة) في المشهور، والأخبار
به كثيرة (4).
ويستحب بحيضتين، لقول الرضا (عليه السلام) لمحمد بن إسماعيل، في الصحيح:
استبرئها بحيضتين (5). ولسعد بن سعد الأشعري: أهل المدينة يقولون: حيضة،
وكان جعفر (عليه السلام) يقول: حيضتان (6). ولمناسبته لعدتها في الطلاق، ولاستبراء ذات
الأشهر بخمسة وأربعين يوما.
وفي المبسوط: أنها تستبرئ بطهر. وفي الخلاف: بطهرين.
(وإن بلغت سن الحيض ولم تحض) ولا حملت ولا آيست (فبخمسة
وأربعين يوما) في المشهور، لأنها عدتها في الطلاق. ولخبر ربيع بن القاسم سأل
الصادق (عليه السلام) عن الجارية التي لم تبلغ الحيض ويخاف عليها الحبل، قال: يستبرئ
رحمها الذي يبيعها بخمسة وأربعين ليلة، والذي يشتريها بخمسة وأربعين ليلة (7).
وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله: في الرجل يشتري الجارية ولم تحض أو قعدت
عن المحيض كم عدتها؟ قال: خمسة وأربعون ليلة (8).



(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 176 ذيل حديث 615.
(2) الاستبصار: ج 3 ص 362 باب 213.
(3) الطلاق: 4.
(4) وسائل الشيعة: ج 14 ص 508 ب 10 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(5) وسائل الشيعة: ج 14 ص 504 ب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 5.
(6) وسائل الشيعة: ج 14 ص 508 ب 10 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(7) وسائل الشيعة: ج 14 ص 499 ب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 7.
(8) وسائل الشيعة: ج 14 ص 499 ب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 6.
143
وفي موضع من المقنعة: استبراؤها بثلاثة أشهر استضعافا لمستند الأول،
واستصحابا واحتياطا.
وخبر ابن سنان سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يشتري الجارية [و] (1) لم تحض،
قال: يعتزلها شهرا إن كانت قد يئست (2). ظاهر في اليائسة: فإما أن يكون (عليه السلام)
أعرض عن جواب السائل لمصلحة، أو يكون معنى " لم تحض " في كلام السائل
أنها لم تحض منذ اشتراها. وحمله الشيخ على حيضة (3) فكأنه حمل اليأس
على حصوله بعد حيضة. وفي نسخ الكافي (4) والاستبصار (5): إن كانت قد مست.
(وكذا يجب على البائع الاستبراء) بنحو ما ذكر كما نص عليه في غيره
في ذات الأقراء وذات الأشهر، للإجماع كما في الخلاف ولما سمعته الآن من خبر
ربيع بن القاسم، ولقول الصادق (عليه السلام) في خبر حفص بن البختري في الرجل يبيع
الأمة من رجل، قال: عليه أن يستبرئ من قبل أن يبيع (6).
وهما لا يشملان التربص أربعة أشهر وعشرا إذا حملت، فإنها ليست في
الحقيقة من الاستبراء في شيء.
وفي المقنعة: أنه ينبغي للبائع الاستبراء.
(ويسقط استبراء المشتري بإخبار) البائع (الثقة بالاستبراء) في
المشهور، لنحو صحيح أبي بصير قال للصادق (عليه السلام): الرجل يشتري الجارية
وهي طاهر، ويزعم صاحبها أنه لم يمسها (7) فقال: إن أمنته فمسها (8). وخبر حفص



(1) لم يرد في نسخ كشف اللثام.
(2) وسائل الشيعة: ج 13 ص 37 ب 10 من أبواب بيع الحيوان ح 4.
(3) الاستبصار: ج 2 ص 358 ذيل حديث 1285، وتهذيب الأحكام: ج 8 ص 172 ذيل
حديث 601.
(4) الكافي: ج 5 ص 473 ح 7.
(5) الاستبصار: ج 3 ص 358 ح 1285.
(6) وسائل الشيعة: ج 13 ص 37 ب 10 من أبواب بيع الحيوان ح 2.
(7) في وسائل الشيعة زيادة: منذ حاضت.
(8) وسائل الشيعة: ج 14 ص 504 ب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 4.
144
ابن البختري عنه (عليه السلام) في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول: إني لم أطأها،
فقال: إن وثق به فلا بأس أن يأتيها (1).
ولم يسقطه ابن إدريس ولا ريب أنه أحوط كما في كتب الشيخ وموضع من
المقنعة. ويؤيده صحيح محمد بن إسماعيل سأل الرضا (عليه السلام) عن الجارية التي
تشترى من رجل مسلم يزعم أنه قد استبرأها أيجزئ ذلك أم لابد من استبرائها؟
قال: استبراؤها بحيضتين، قال: قلت: يحل للمشتري ملامستها؟ قال: نعم، ولا
يقرب فرجها (2).
وخبر عبد الله بن سنان قال للصادق (عليه السلام): أشتري الجارية من [الرجل] (3)
المأمون فيخبرني أنه لم يمسها منذ طمث عنده وطهرت، قال: ليس بجائز أن
تأتيها حتى تستبرئها بحيضة، لكن يجوز لك ما دون الفرج، إن الذين يشترون
الإماء ثم يأتونهن قبل أن يستبرئوهن فاولئك الزناة بأموالهم (4).
(أو إذا كانت لامرأة) ولم يعلم أنه وطئها رجل في المشهور، لأصالة البراءة.
والأخبار كصحيح رفاعة سأل الكاظم (عليه السلام) عن الأمة تكون للمرأة فتبيعها، فقال:
لا بأس أن يطأها من غير أن يستبرئها (5). ونحوه خبر حفص عن الصادق (عليه السلام) (6).
ولم يسقطه ابن إدريس، وجعل الشيخ في المبسوط والخلاف استبراءها
أحوط. وقال زرارة: اشتريت جارية بالبصرة من امرأة فخبرتني أنه لم يطأها أحد
فوقعت عليها ولم أستبرئها، فسألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ذلك، فقال: هو ذا أنا قد
فعلت ذلك وما أريد أن أعود (7).



(1) وسائل الشيعة: ج 13 ص 38 ب 11 من أبواب بيع الحيوان ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 14 ص 504 ب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 5.
(3) لم يرد في نسخ كشف اللثام.
(4) وسائل الشيعة: ج 13 ص 39 ب 11 من أبواب بيع الحيوان ح 5.
(5) وسائل الشيعة: ج 14 ص 504 ب 7 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(6) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 174 ح 608. الاستبصار: ج 3 ص 36 ح 1293.
(7) وسائل الشيعة: ج 14 ص 504 ب 7 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 2.
145
وقد يلحق بها الصغير والعنين والمجبوب والغائب عنها غيبة طويلة، لا للحمل
عليها، بل للعلم ببراءة الرحم من ماء المولى، مع عدم احتمال وطء الغير لها.
وعبارة الخلاف قد تعطي وجود الخبر بجميع ذلك.
(أو كانت صغيرة أو يائسة) بلا خلاف، ويدل عليه الاعتبار والأخبار،
كخبر ابن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام) في الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ الحبل إذا
اشتراها الرجل، قال: ليس عليها عدة، يقع عليها (1). وخبر عبد الرحمن بن
أبي عبد الله سأله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الجارية التي لم تبلغ المحيض، وإذا
قعدت من المحيض، ما عدتها؟ وما يحل للرجل من الأمة حتى يستبرئها قبل أن
تحيض؟ قال: إذا قعدت من المحيض أو لم تحض فلا عدة لها (2).
ثم لا إشكال في أن الصغر بمعنى عدم بلوغ التسع مسقط للاستبراء، لكنه
لا يجوز الوطء، إلا إذا بلغت قبل مضي مدة الاستبراء. وظاهر الخبر الأول جواز
الوطء مطلقا، فيجوز أن يكون المراد من لم يبلغ سن الحيض في عادة أمثالها وإن
بلغت تسعا.
(أو) كانت (حاملا) إلا على ما قواه في التذكرة، فإن التربص أربعة أشهر
وعشرا ليس من الاستبراء في شيء.
(أو حائضا) فإنه يكفي تلك الحيضة في المشهور. وفي الخلاف الإجماع
عليه، ويدل عليه حصول العلم بالبراءة بذلك. وصحيح الحلبي سأل الصادق (عليه السلام)
عن رجل اشترى جارية وهي حائض، قال: إذا طهرت فليمسها إن شاء (3). وخبر
زرعة عن سماعة قال: سألته عن رجل اشترى جارية وهي طامث أيستبرئ
رحمها بحيضة اخرى أم يكفيه هذه الحيضة؟ قال: لا، بل يكفيه هذه الحيضة،
فإن استبرأها باخرى فلا بأس، هي بمنزلة فضل (4).



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 498 ب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 3.
(2) وسائل الشيعة: ج 14 ص 499 ب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 4.
(3) وسائل الشيعة: ج 14 ص 498 ب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 14 ص 508 ب 10 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 2.
146
وفي السرائر: وجوب استبرائها بقرءين. ولعله أراد بتلك الحيضة وأخرى،
ودليله: عموم الأمر بالاستبراء بحيضة، وبعض الحيضة ليس بحيضة، مع احتمال
الوطء في الحيض.
(ولو كان له زوجة فاشتراها بطل النكاح) لما تقدم في النكاح (وحل
له وطؤها من غير استبراء) فإن الاستبراء إنما يكون من ماء الغير، خلافا
لبعض العامة.
(واستبراء المملوك كاف للمولى) لأن يده يد المولى، فإذا علم بحصول
الاستبراء في يده فقد حصل في ملكه، ولا فرق بين أن لا يكون على المملوك دين
أو كان وقضاه. وقال الشافعي: إن قضى الدين فلابد من استبراء ثان.
(ولو فسخ كتابة أمته لم يجب الاستبراء) ما لم يكن وطئها في البين
غيره وطءا محترما، للأصل وعدم الانتقال عن ملكه. والإجماع كما في الخلاف.
خلافا لبعض العامة، تنزيلا لحرمة الاستمتاع بها بالملك بالمكاتبة منزلة الانتقال،
وفسخ الكتابة منزلة العود إلى الملك.
(ولو عاد المرتد: من المولى أو الأمة، حل الوطء من غير استبراء)
لمثل ذلك، إلا إذا بيعت عليه، أو وطئها غيره وطءا محترما، أو ارتد المولى عن
فطرة. وللعامة في ذلك وجهان.
(ولو طلق الزوج لم تحل على المولى إلا بعد العدة) لعموم الأدلة
(وتكفي عن الاستبراء) كان المولى هو الأول أو آخر، وفاقا للخلاف
وللمبسوط في المولى الأول، لأنا إنما أمرنا بتحصيل العلم بالبراءة بالتربص إحدى
المدد المعهودة وهو معنى الاستبراء، وأبيح لنا الوقوع عليها بعد ذلك، وقد حصل
بانقضاء العدة، والأصل البراءة من الزائد.
وخلافا للسرائر والمبسوط في المولى المشتري لها في العدة، بناء على أنهما
حكمان لمكلفين لا يتداخلان. ويظهر ضعفه بما ذكرنا، أو على كون الانتقال سببا
للاستبراء، والأصل عدم تداخل الأسباب. وهو ممنوع.

147
(ولو أسلمت الحربية بعد الاستبراء) أو فيه (لم يجب استبراء ثان)
للأصل من دون معارض. وللعامة قول بالوجوب، بناء على أنه الآن تجدد ملكه
الاستمتاع.
(وكذا لو استبرأها في حال الإحرام) أو الصوم أو الاعتكاف لذلك.
(ولو مات مولى الأمة المزوجة أو أعتقها ولم تفسخ) النكاح هي إن
أعتقت، ولا الوارث إن مات، فيجوز أن يكون " تفسخ " بصيغة المجهول، كما يجوز
أن يكون بصيغة المؤنث المعلوم (لم يجب الاستبراء على الزوج) وللعامة
وجه بالوجوب ضعيف، مبني على أن الانتقال يوجب الاستبراء وإن كانت مشغولة
بزوج.
(ولو باعها من رجل ولم يسلم ثم تقايلا أو رد لعيب) أو خيار
(لم يجب الاستبراء) للعلم بالبراءة، لانتفاء التسليم في الأول، ومنع الوطء من
الرد في الثاني.
وفي المبسوط: إذا باع جارية من امرأة ثقة وقبضها ثم استقالها فأقالته جاز له
أن لا يستبرئها ويطأها، والأحوط أن يستبرئها إن كان قبضها.
(وهل يحرم في مدة الاستبراء غير الوطء من وجوه الاستمتاع؟
إشكال): من الأصل، وانتفاء الموجب من احتمال اختلاط الماءين. والأخبار:
كصحيح محمد بن إسماعيل قال للرضا (عليه السلام): يحل للمشتري ملامستها؟ قال: نعم،
ولا يقرب فرجها (1). وخبر عمار قال للصادق (عليه السلام): فيحل له أن يأتيها دون الفرج؟
قال: نعم قبل أن يستبرئها (2). وما مر من خبر التفخيذ (3) وغير ذلك. وهو خيرة
المبسوط والخلاف وموضع من التحرير وهو الأقوى، ونقل عليه الإجماع في
الخلاف.



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 504 ب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 5.
(2) وسائل الشيعة: ج 14 ص 516 ب 18 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 5.
(3) وسائل الشيعة: ج 14 ص 501 ب 5 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
148
ومن أنها معتدة من الغير، وأن من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه. وبعض
الأخبار: كخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يشتري
الجارية التي لم تبلغ المحيض، وإذا قعدت من المحيض، ما عدتها؟ وما يحل
للرجل من الأمة حتى يستبرئها قبل أن تحيض؟ قال: إذا قعدت من المحيض أو لم
تحض فلا عدة لها، والتي تحيض فلا يقربها حتى تحيض وتطهر (1). وهو مختاره
في موضع من التحرير.
(ولو وطئ المشتري في مدة الاستبراء أو استمتع بغيره وحرمناه
لم يمنع ذلك كون المدة محسوبة من الاستبراء) لعدم التنافي. نعم إن ظهر
حمل لزم الاجتناب عنها حتى تضع أو يعلم انتفاء الحمل وهي للبائع، أو تمضي
أربعة أشهر وعشرة أيام. ويظهر منه أنه لا يسقط به الاستبراء.
وتردد الشهيد: من عدم الخروج عن العهدة. ومن انتفاء الثمرة، إذ لو ظهر ولد
يمكن تجدده لحق به.
(ولا يمنع وجوب الاستبراء) على البائع أو المشتري (من تسليم
الجارية إلى المشتري) بل إذا نقد المشتري الثمن وجب تسليمها إليه إلا برضاه،
جميلة كانت أو قبيحة، لأنها مبيع لا خيار فيه، فإذا نقد الثمن وجب التسليم كسائر
البياعات، وخصوصا إذا كان الواجب هو استبراء المشتري. وقال مالك: إن كانت
جميلة وضعت عند عدل للتهمة. وضعفه ظاهر.
(ويجوز) أي: يصح (بيع الموطوءة في الحال) وإن أثم بترك الاستبراء،
لعدم الدليل على البطلان، ولأنه مقتضى وجوب الاستبراء على المشتري.
(ولا يجوز تزويجها) من غير الواطئ (إلا بعد الاستبراء) للاتفاق على
حرمة نكاح الموطوءة وطئا محترما قبل الاستبراء، والفرق بينه وبين البيع بين
خلافا لأبي حنيفة فأجاز التزويج ووطء الزوج في الحال.



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 499 ب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 4.
149
(و) لا يسقط الاستبراء (إن أعتقها أو باعها) فإنه إذا علم الوطء
المحترم لم يجز النكاح ما لم يعلم براءة الرحم. وللعامة قول بالسقوط. ولهم قول
آخر بأنه إن استبرأها ثم أعتقها أو باعها لم يتزوج إلا بعد استبراء ثان. ويمكن أن
تكون العبارة إيماء إلى خلافه أيضا.
(الفصل السابع في اجتماع العدتين)
(لو طلق بائنا ووطئ في العدة للشبهة، استأنفت عدة كاملة
وتداخلت العدتان) وفاقا للمحقق (1) لأن العدتين إنما تعلقتا بواحد، والموجب
لهما حقيقة إنما هو الوطء، وإذا استأنفت عدة كاملة ظهرت براءة الرحم بانقضائها.
وللأخبار الناطقة بالتداخل مع مغايرة الواطئ للمطلق (2) فمع الاتحاد أولى،
وأطلق الأكثر عدم تداخل العدتين.
(ولو وطئ المطلقة رجعيا) فإن كان يعرفها وقصد وطأها كان رجعة كما
عرفت، وإن وطئها (بظن أنها غير الزوجة) لم يكن رجعة وكان وطء شبهة له
عدة، والعدتان تتداخلان لما عرفت، ولذلك (وجب استئناف العدة).
وإذا قلنا بالتداخل (فإن وقع) الوطء (في القرء الأول أو الثاني أو
الثالث) من عدة البائن أو الرجعي (فالباقي من العدة الأولى يحسب
للعدتين ثم يكمل الثانية وله أن يراجع) إن كانت رجعية في (بقية الأولى
دون) ما يخص (الثانية) للبينونة بانقضاء عدة الطلاق.
(ولو وطئ امرأة بالشبهة ثم وطئها ثانيا) بالشبهة (تداخلت العدتان)
كما كانتا تتداخلان مع صحة أحد الوطئين، وكون الآخر عن شبهة لما عرفت.
(ولا فرق) عندنا (بين كون العدتين من جنس واحد أو جنسين،
بأن يكون إحداهما) مثلا (بالأقراء والثانية بالحمل) خلافا للعامة، فإن لهم



(1) شرائع الإسلام: ج 3 ص 46.
(2) وسائل الشيعة: ج 14 ص 344 ب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها.
150
وجها بعدم التداخل إذا اختلف الجنس (1).
(ولو طلق رجعيا ووطئها بظن أنها غيرها بعد مضي قرء) مثلا
(فحملت وانقطع الدم كان له الرجعة قبل الوضع، لأن الحمل لا يتبعض)
ليحسب بعضه من الأولى والباقي من الثانية (فيكون) جميع أيامه (محسوبا
من بقية الأولى وجميع الثانية) لعموم آية " وأولات الأحمال " (2). ولأن عدتها
الأولى كانت بالأقراء، ولا قرء في الحمل، وإنما تنقلب إلى الأشهر إذا لم يكن
حمل. وللعامة قول بسقوط الرجعة (3) بناء على سقوط عدة الطلاق.
(ولو طلقها رجعيا ثم راجعها ثم طلقها قبل الوطء) بعد الرجعة
(استأنفت عدة كاملة) عندنا، رجعية كانت الطلقة الثانية أو بائنة، لأنها في
العدة الرجعية زوجة، والرجعة إنما هي استبقاء (4) الزوجية الأولى، فيشملها
عمومات ما دل على اعتداد الزوجة المدخول بها بثلاثة أقراء أو أشهر. وللعامة
قول بالبناء (5). (ولو فسخت النكاح في عدة الرجعي ففي الاكتفاء بالإكمال)
أو الاستئناف (إشكال): من أن الفسخ إنما أفاد البينونة وزيادة قوة في الطلاق
من غير رجوع إلى الزوجية، أو حصول وطء محترم، وهو خيرة المبسوط (6).
ومن أن الطلاق والفسخ سببان للعدة والأصل عدم التداخل، ولما كانت
عدتهما حقين لمكلف واحد، وأبطل الفسخ حكم الطلاق، ولذا لا تثبت له معه
الرجعة، استأنفت عدة الفسخ.
(ولو خالعها بعد الرجعة قيل) في المبسوط: (لا عدة) عليها (7) بناء
على أن الرجعة أبطلت حكم الطلاق من العدة وخالعها قبل الدخول، فكان كما
لو أبانها ثم تزوجها بعقد جديد ثم طلقها قبل الدخول. (وليس بجيد) فإن



(1) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 128.
(2) الطلاق: 4.
(3) الشرح الكبير: ج 9 ص 143.
(4) في " ن ": استيفاء الزوجية.
(5) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 127 - 128.
(6) المبسوط: ج 5 ص 268.
(7) المبسوط: ج 5 ص 250.
151
المطلقة الرجعية باقية على حكم الزوجية (1) فإنما وقع الخلع في النكاح الذي
وقع فيه الدخول.
(أما لو خالعها بعد الدخول ثم تزوجها في العدة ثم طلقها قبل
الدخول فلا عدة) عليها (على رأي) وفاقا للشيخ (2) والمحقق، لأنه طلاق
في نكاح لم يقع فيه الدخول (3) فيشمله العمومات مع حصول العلم ببراءة الرحم
بحيضة قبل الخلع، فإنه لا يجوز إلا في طهر لم يجامع فيه.
وفي المهذب: عليها إكمال ما بقي من العدة (4) استصحابا لما لزمتها من العدة،
وللدخول في عموم أدلة اعتداد المطلقات مع صدق المس وإن كان في نكاح
آخر، ومنع حصول العلم ببراءة الرحم إلا بثلاث حيض أو ثلاثة أشهر مثلا
لا بحيضة، كما يرشد إليه الأخبار (5) والاعتداد بها.
(ولو تزوجت المطلقة في العدة بغير المطلق لم يصح ولم ينقطع عدة
الأول) وهو ظاهر.
(فإن وطئها الثاني عالما بالتحريم) كان زانيا لا عبرة بوطئه (فهي)
باقية (في عدة الأول وإن حملت) منه (ولا عدة للثاني) وعدة الأول
لا تنقضي قبل الوضع، لما عرفت من أن الحمل لا يتبعض.
(ولو كان جاهلا) بالتحريم كان لوطئه حرمة، فيجتمع عليها عدتان (و)
لا يخلو إما أن حملت أو لا، فإن (لم تحمل أتمت عدة الأول لسبقها) بلا مانع
من إتمامها (واستأنفت اخرى للثاني).
(وهل للأول أن يتزوجها إن كان) الطلاق (بائنا في تتمة عدته؟
الأقرب المنع، لأن وطء الثاني يمنع من نكاحها بعد امتداد الزمان) إلى
انقضاء العدة الأولى، لكونها في عدته (ففي (6) القرب أولى) وإن لم تكن في



(1) في ق، ن: " الرجعية ".
(2) المبسوط: ج 5 ص 250.
(3) شرائع الإسلام: ج 3 ص 46.
(4) المهذب: ج 2 ص 322.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 410 ب 4 من أبواب العدد.
(6) في قواعد الأحكام: فمع.
152
عدته، وقد يمنع الأولوية فإنها ليست بزوجة الغير ولا معتدة منه، غاية الأمر حرمة
الوطء. (ولأن التزويج) الصحيح في الظاهر بالثاني (يسقط عدته) أي
الأول، فإنها صارت به فراشا للثاني، والاعتداد لا يجامع الاستفراش (فيثبت
حكم عدة الثاني) ولو في الزمان المحسوب من عدة الأول (فيمتنع عليه)
أي الأول (الاستمتاع) بها ما لم تخرج من عدة الثاني.
(وكل نكاح لم يتعقبه حل الاستمتاع كان باطلا) فإنه علة تامة له، ولذا
لا يجوز له نكاح المحرم والمحرمة، والحيض والصغر ونحوهما إنما يمنع من بعض
وجوه الاستمتاع.
والفرق بينه وبين الرجعة ظاهر، فإنها استدامة للنكاح، والاستدامة تجامع
موانع الاستمتاع، إذ لو وطئت زوجته لشبهة كانت عليها العدة، وحرم الاستمتاع
بها على الزوج.
وإن نوقش في تمامية علية النكاح لحل الاستماع، قلنا: إنه علة تامة لخلوص
المرأة عن حقوق الغير وتخلصها له كسائر العقود، وهي هنا مشغولة بحق الزوج
الثاني.
والصواب الاقتصار عليه في الاستدلال، لأنه يرد على ما ذكره منع إسقاط
التزويج عدة الأول، إلا في الظاهر قبل ظهور الفساد، وهو لا يفيد ثبوت حكم عدة
الثاني مطلقا.
ودليل خلاف الأقرب: أنه لا مانع - كما عرفت - إلا الاشتغال بحق الواطئ
شبهة في الجملة. ومنعه ممنوع، فإنه لا يمنع منه استدامة، فلم لا يجوز أن لا يمنع
منه ابتداء. ويظهر ضعفه من الاتفاق على أنه ليس لأجنبي أن ينكح امرأة في عدة
شبهة، وليس إلا للاشتغال بحق الغير وهو مشترك، وإن لم تأخذ هنا في عدتها، إذ
لا ملازمة بين الاعتداد والاشتغال.
(ولو كان) طلاق هذه المرأة (رجعيا جاز له الرجعة) بلا إشكال (لأن
طريقها) أي الرجعة (طريق الاستدامة) ولا إشكال في استدامة الموطوءة

153
شبهة (ولهذا جوزناها) أي الرجعة (في الإحرام) مع امتناع الابتداء فيه.
(ولو حملت فإن كان الحمل من الأول اعتدت بوضعه له وللثاني
بثلاثة أقراء بعد الوضع ولا تداخل، وإن كان من الثاني اعتدت بوضعه له
وأكملت عدة الأول بعد الوضع) فإن ضرورة الحمل من الثاني دعت إلى تقديم
عدته على إكمال عدة الأول.
(و) إن كان الطلاق رجعيا كان (له الرجعة في) زمن (الإكمال دون
زمان الحمل) لأنه ليس من عدته في شيء، وإنما له الرجعة في عدته، فإنها في
عدة الغير محرمة عليه.
وفيه: أن الرجعة استدامة، وهي لا تنافي الاعتداد من الغير.
وفي المبسوط: أن مذهبنا أن له الرجعة في زمن الحمل، قال: لأن الرجعة
تثبت بالطلاق، فلم تنقطع حتى تنقضي العدة، وهذه ما لم تضع الحمل وتكمل عدة
الأول، فعدتها (1) لم تنقض، فيثبت الرجعة عليها وله الرجعة ما دامت حاملا، وبعد
أن تضع مدة النفاس، وإلى أن تنقضي عدتها بالأقراء. قال: وإذا قلنا: لا رجعة له
عليها في حال الحمل ما دامت حاملا لا رجعة، فإذا وضعت ثبت له عليها الرجعة،
وإن كانت في مدة النفاس لم تشرع في عدتها منه، لأن عدة الأول قد انقضت فثبت
له الرجعة وإن لم تكن معتدة عنه في تلك الحال كحالة الحيض في العدة (2).
قلت: ويؤيده أن المانع من الرجعة إنما كان الاعتداد من الغير وقد انقضى.
(ولو انتفى) الحمل (عنهما أكملت بعد وضعه عدة الأول،
واستأنفت عدة للأخير) وللعامة قول بأنه إن كان الطلاق بائنا اعتدت بالوضع
عن أحدهما لا بعينه (3) لإمكان أن يكون منه، لأنه لو أقر به لحقه، ثم تعتد بعد
الوضع عن الآخر بثلاثة أقراء استظهارا. وإن كان رجعيا اعتدت به عن الأول،
ثم بثلاثة أقراء عن الثاني.



(1) في المصدر: فعندنا.
(2) المبسوط: ج 5 ص 271.
(3) انظر المدونة الكبرى: ج 2 ص 440.
154
(ولو احتمل أن يكون منهما قيل) في المبسوط: (يقرع) عندنا (1)
(فتعتد بوضعه لمن يلحق به) فإن لحق الأول اعتدت بعد الوضع للثاني بثلاثة
أقراء، وإن لحق الثاني أكملت بعد الوضع عدة الأول.
(والأقرب أنه للثاني، لأنها) الآن (فراشه) فيشمله " الولد للفراش "
وفراش الأول قد زال بالطلاق، وللأصل، والأخبار (2).
(ولو نكحت في) العدة (الرجعية فحملت من الثاني اعتدت له
بوضعه، ثم أكملت بعد الوضع عدة الأول، وللأول الرجعة في تتمة العدة
لا زمان الحمل) وهذا تكرار لما تقدم، إنما نشأ من طغيان القلم.
(و) بالجملة (لا تتداخل العدتان إذا كانتا لشخصين) في المشهور،
وحكى الإجماع عليه في الخلاف (3) لأنهما حقان لمكلفين بسببين، والأصل عدم
التداخل.
ولحسن الحلبي سأل الصادق (عليه السلام) عن المرأة (4) يموت زوجها فتضع وتزوج
قبل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشرا، فقال: إن كان دخل بها فرق بينهما ثم لم تحل
له أبدا واعتدت بما بقي عليها من الأول، واستقبلت عدة اخرى من الآخر ثلاثة
قروء، وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما واعتدت بما بقي عليها من الأول، وهو
خاطب من الخطاب (5). ونحوه عن عبد الكريم عن محمد بن مسلم (6).
ولإجماع الصحابة كما ذكره المرتضى في الطبريات قال: لأنه روي أن امرأة
نكحت في العدة ففرق بينهما أمير المؤمنين، وقال (عليه السلام): أيما امرأة نكحت في
عدتها فإن لم يدخل بها زوجها الذي تزوجها فإنها تعتد من الأول، ولا عدة عليها



(1) المبسوط: ج 5 ص 267.
(2) وسائل الشيعة: ج 14 ص 568 ب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(3) الخلاف: ج 5 ص 75 - 76 مسألة 31.
(4) في وسائل الشيعة زيادة: الحبلى.
(5) وسائل الشيعة: ج 14 ص 346 ب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ح 6.
(6) وسائل الشيعة: ج 14 ص 344 ب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ح 2.
155
للثاني وكان خاطبا من الخطاب، وإن كان قد دخل بها فرق بينهما وتأتي ببقية
العدة عن الأول ثم تأتي عن الثاني بثلاثة أقراء مستقبلة.
وروي مثل ذلك عن عمر بعينه، وأن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها
فنكحت في العدة، فضربها عمر وضرب زوجها بمخفقة وفرق بينهما، ثم قال: أيما
امرأة نكحت في عدتها فإن لم يدخل بها زوجها الذي تزوجها فإنها تعتد عن
الأول ولا عدة عليها للثاني، وكان خاطبا من الخطاب، وإن كان دخل بها فرق
بينهما وأتت ببقية عدة الأول ثم تعتد عن الثاني، ولا تحل له أبدا ولم يظهر خلاف
لما فعل فصار إجماعا (1) انتهى.
وعن أبي علي: أنهما يتداخلان (2). وكذا قال الصدوق في موضع من المقنع،
قال: إذا نعي إلى امرأة زوجها فاعتدت وتزوجت، ثم قدم زوجها فطلقها وطلقها
الآخر فإنها تعتد عدة واحدة ثلاثة قروء (3). مع قوله في موضع آخر: إذا تزوج
الرجل امرأة في عدتها ولم يعلم، وكانت هي قد علمت أنه بقي من عدتها ثم قذفها
بعد علمه بذلك، فإن كانت علمت أن الذي عملت محرم عليها فقدمت على ذلك
فإن عليها الحد حد الزاني، ولا أري على زوجها حين قذفها شيئا، فإن فعلت
بجهالة منها ثم قذفها ضرب قاذفها الحد وفرق بينهما، وتعتد من عدتها الأولى،
وتعتد بعد ذلك عدة كاملة (4).
ودليل التداخل أصالة البراءة، وحصول العلم بالبراءة بالاعتداد بأطولهما،
وبعض الأخبار: كصحيح زرارة عن الباقر (عليه السلام): في امرأة تزوجت قبل أن
تنقضي عدتها، قال: يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا (5). ونحو صحيح



(1) قاله في الناصريات: ص 362 مسألة 171.
(2) العبارة المحكية عنه خلاف ذلك، انظر مختلف الشيعة: ج 7 ص 525.
(3) المقنع: ص 354.
(4) المقنع: ص 328. وفي النسخ: ولا أدري على زوجها... شيئا، وما أثبتناه من المصدر.
(5) وسائل الشيعة: ج 14 ص 347 ب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ح 11.
156
أبي العباس عن الصادق (عليه السلام) (1).
وخبر زرارة عن الباقر (عليه السلام): في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها فتزوجت ثم
قدم زوجها بعد ذلك فطلقها وقال: تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة (2).
وحملها الشيخ على عدم دخول الثاني بها (3). فما فيها من أنها " تعتد منهما "
بمعنى أنه لا عدة عليها من الثاني.
(والحد يسقط مع وطء الشبهة) كسائر الحدود تسقط بالشبهات (وتجب
العدة) للواطئ بشبهة (وإن كانت المرأة عالمة، ويلحق به) لا بها (الولد،
وتحد المرأة، ولا مهر) لها (مع علمها بالتحريم) كل ذلك بالنص (4) والإجماع.
وإن انعكس الأمر بأن كان عالما وهي جاهلة، لحق بها الولد دونه، وحد
دونها، ولها المهر، ولا عدة عليها، وإن لم يكن الولد ولد زنا كما نص عليه
الأصحاب، فإن العدة إنما هي حق الواطئ، فإذا لم يحترم وطؤه لم يكن له عدة.
(ولو كانت الموطوءة) شبهة (أمة) لغيره (وجب عليه قيمة الولد
لمولاه يوم سقط حيا) كما تقدم، لكونه لماء ملكه (ولحق به) أي بالواطئ
(وعليه المهر) لأمثالها إن لم يسم لها أو مطلقا (لمولاها) وإن كانت زانية.
(وقيل) في المقنع (5) والنهاية (6) والمهذب (7) والوسيلة (8) والجامع (9):
يلزمه (العشر) لقيمتها إن كانت بكرا (أو نصفه (10)) إن كانت ثيبا، وقد تقدم
جميع ذلك في النكاح.



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 347 ب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ح 12.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 468 ب 38 من أبواب العدد ح 2 مع اختلاف.
(3) تهذيب الأحكام: ج 7 ص 308 ذيل حديث 1280.
(4) وسائل الشيعة: ج 14 ص 348 و349 ب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ح 17
و 18.
(5) المقنع: ص 313.
(6) النهاية: ج 2 ص 342.
(7) المهذب: ج 2 ص 217.
(8) الوسيلة: ص 303.
(9) الجامع للشرائع: ص 447.
(10) في قواعد الأحكام: نصف العشر.
157
(و) ابتداء (عدة الطلاق من حين وقوعه، حاضرا كان الزوج أو
غائبا) بالإجماع كما في الناصريات (1) ويدل عليه الأصل، والعمومات
والخصوصات، كقول الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم: إذا طلق الرجل وهو
غائب فليشهد على ذلك، فإذا مضى ثلاثة أقراء من ذلك اليوم انقضت عدتها (2).
وفي حسن زرارة ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية في الغائب إذا طلق امرأته:
أنها تعتد من اليوم الذي طلقها (3).
[وعند التقي تعتد من بلوغ الخبر، لظاهر الآيتين، ولأن العدة عبادة لابد لها
من النية (4)] (5).
(و) ابتداء عدة (الوفاة من حين بلوغ الخبر) وفاقا للأكثر. وفي
الناصريات: أن عليه الاتفاق، لشذوذ المخالف (6). وفي السرائر: بغير خلاف بين
أصحابنا (7) (للحداد) كما تضمنته الأخبار (8) أي: لأنه يجب عليها الحداد في
العدة، ولا تحد ما لم يبلغها الخبر فلا تعتد إلا حينئذ، والروايات بذلك كثيرة، كقول
الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم: والمتوفى عنها زوجها وهو غائب تعتد من
يوم يبلغها، ولو كان قد مات قبل ذلك بسنة أو سنتين (9). وفي حسن بريد بن
معاوية: المتوفى عنها تعتد من يوم يأتيها الخبر، لأنها تحد عليه (10). وقول
الرضا (عليه السلام) في حسن البزنطي: المتوفى عنها زوجها تعتد حين يبلغها، لأنها تريد
أن تحد له (11).



(1) مسائل الناصريات: ص 359.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 444 ب 26 من أبواب العدد ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 444 ب 26 من أبواب العدد ح 3.
(4) الكافي في الفقه: ص 313.
(5) ما بين المعقوفتين ليس في ن، ق.
(6) مسائل الناصريات: ص 360.
(7) السرائر: ج 2 ص 739.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 446 ب 28 من أبواب العدد.
(9) وسائل الشيعة: ج 15 ص 448 ب 28 من أبواب العدد ح 8.
(10) وسائل الشيعة: ج 15 ص 446 ب 28 من أبواب العدد ح 3.
(11) وسائل الشيعة: ج 15 ص 449 ب 28 من أبواب العدد ح 14.
158
واستدل أيضا بقوله تعالى: " يتربصن بأنفسهن " (1) فإنها إن اعتدت من الموت
لم يحصل إلا مرور الزمان عليها لا تربصها بنفسها، وآية الطلاق وإن أعطت ذلك
بظاهرها، لكنها عورضت بما صرفها عن الظاهر.
وإذا كان الاحتساب من البلوغ للحداد (فيشكل في الأمة) إذ لا حداد
عليها. والأقرب أنها كذلك، لعموم الأدلة هنا وإن اختصت هذه العلة بغيرها. وسوى
أبو علي بينها وبين عدة الطلاق (2) لصحيح الحلبي قال للصادق (عليه السلام): امرأة بلغها
نعي زوجها بعد سنة أو نحو ذلك، فقال: إن كانت حبلى فأجلها أن تضع حملها، وإن
كانت ليست بحبلى فقد مضت عدتها إذا قامت لها البينة أنه قد مات من (3) يوم كذا
وكذا، وإن لم يكن لها بينة فلتعتد من يوم سمعت (4). وخبر الحسن بن زياد
سأله (عليه السلام) عن المطلقة يطلقها زوجها فلا تعلم إلا بعد سنة، والمتوفى عنها زوجها
فلا تعلم بموته إلا بعد سنة، قال: إن جاء شاهدان عدلان فلا تعتدان وإلا تعتدان (5).
[ويجوز أن يكون معناهما: إذا قامت البينة وإن كان جاء شاهدان عدلان قبل
ذلك فاعتدت، ولكن إنما حصل لها العلم بعد سنة أو نحوها] (6).
وللشيخ قول: بأنها في المسافة القريبة تعتد من الموت، وفي البعيدة من
السماع (7) لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح منصور بن حازم: إن كان مسيرة أيام
فمن يوم يموت زوجها تعتد، وإن كان من بعد فمن يوم يأتيها الخبر، لأنها لابد
أن تحد له (8).



(1) البقرة: 228.
(2) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 498.
(3) في وسائل الشيعة بدل " من ": في.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 448 ب 28 من أبواب العدد ح 10.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 448 ب 28 من أبواب العدد ح 9.
(6) ما بين المعقوفتين ليس في ق.
(7) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 165 ذيل حديث 571.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 449 ب 28 من أبواب العدد ح 12.
159
(وتعتد وإن كان المخبر فاسقا) لأن الأصل وظاهر الآية الاعتداد من
الموت، وإنما عدلنا عنهما للأخبار، وهي إنما تضمنت بلوغ الخبر، ولخصوص
الخبرين اللذين سمعتهما الآن (إلا أنها لا تنكح إلا بعد الثبوت، لأنه)
لا يجوز إلا مع العلم بالخلو عن الزوج.
والاعتداد من الطلاق من وقوعه إنما هو إذا علمت الوقت (ولو لم تعلم
وقت الطلاق اعتدت من حين البلوغ) اتفاقا كما يظهر، ولحسن الحلبي
سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب عنها من أي يوم تعتد؟
قال: إن قامت لها بينة عدل أنها طلقت في يوم معلوم وتيقنت، فلتعتد من يوم
طلقت (1).
وتدخل في العلم به العلم به جملة، كما إذا بعدت المسافة بحيث يعلم أنه
لا يبلغها الخبر إلا بعد أيام كذا.
(ولو تزوجت بعد عدة الطلاق ولم تعلم بالطلاق) ظنته أم لا، لم تحرم
عليه وإن دخل بها، و (صح النكاح إذا صادف خروج العدة) لأنه نكاح امرأة
خالية عن الزوج وعدته واقعا وإن حرم التزويج، وفسد ظاهرا من جهة انتفاء
العلم بالخلو. نعم يتوجه الفساد إذا كانا أو أحدهما عالمين بفساده، لانتفاء القصد
إلى النكاح حينئذ.
(وكذا الأمة المتوفى عنها زوجها إن لم توجب) عليها (الحداد)
وقلنا لذلك: إن عدتها من حين الموت لا من بلوغ الخبر (إذا) تزوجت بعد
انقضاء عدة الوفاة بعد الموت و (لم تعلم بوفاته، بخلاف الحرة) المتوفى عنها
زوجها إذا تزوجت كذلك. نعم إذا اعتدت بإخبار الفاسق ثم نكحت قبل العلم
بالموت، صح النكاح إذا صح الخبر كالمطلقة السابقة، إلا مع العلم بالفساد كما
عرفت.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 444 ب 26 من أبواب العدد ح 2.
160
(الفصل الثامن في السكنى) والنفقة
وإنما اقتصر على السكنى لكثرة مباحثها. (وفيه مطالب) ثلاثة:
(الأول: في المستحق لها)
(المطلقة إن كانت رجعية استحقت السكنى والنفقة مدة العدة) من
الطلاق (حاملا كانت أو حائلا) بالنص (1) والإجماع، وأما إذا وطئت لشبهة
وتأخرت عدتها من الطلاق كلا أو بعضا عن عدتها من الشبهة، ولم نجوز الرجعة
في عدة الشبهة فقد عرفت الإشكال فيه في النكاح. وإنما تستحقهما (2) (يوما
فيوما) كما مر في الزوجة.
(وإن كانت [بائنا] (3) لم تستحق) عندنا (نفقة ولا سكنى، سواء بانت
بطلاق أو خلع أو فسخ، إن كانت حائلا) ويدل عليه - مع الإجماع - الأخبار
كقول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة: إن المطلقة ثلاثا ليس لها نفقة على زوجها (4).
وخبر عبد الله بن سنان سأل الصادق (عليه السلام) عن المطلقة ثلاثا هل لها سكنى ونفقة؟
قال: لا (5). وقوله (عليه السلام) في خبر رفاعة: المختلعة لا سكنى لها ولا نفقة (6).
ومن العامة من أثبتهما لها. ومنهم من أثبت السكنى دون النفقة (7).
(وإن كانت حاملا استحقت النفقة والسكنى إلى أن تضع) بالنصوص
والإجماع، وإن اختلف في أن ذلك للحمل أو للحامل.
(ولا فرق بين الذمية والمسلمة في الاستحقاق وعدمه) بلا خلاف،
لعموم الأدلة.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 231 ب 8 من أبواب النفقات.
(2) في ط، ن: تستحقها.
(3) في قواعد الأحكام: بائنة.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 232 ب 8 من أبواب النفقات ح 2.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 233 ب 8 من أبواب النفقات ح 5.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 505 ب 13 من أبواب الخلع والمباراة ح 2.
(7) راجع المجموع: ج 18 ص 276 - 277.
161
(أما الأمة فلا يجب على السيد) كما مر في النكاح (تسليمها إلى
الزوج دائما) أي ليلا ونهارا (لأن له حقا في خدمتها، ولكن له أن
يستخدمها في وقت الخدمة) وهو النهار غالبا (و) إنما عليه أن (يسلمها
إلى الزوج في وقت الفراغ) وهو الليل غالبا، وقد ينعكس الأمر، ولذا أبهم،
ولذلك لا تستحق النفقة كما عرفت، لانتفاء التمكين التام.
(فإن سلمها إلى ا لزوج دائما استحقت النفقة والسكنى في زمان
النكاح، و) كذا إن سلمها إليه دائما في (العدة الرجعية) استحقت هما.
(ولو رجعت المختلعة في البذل استحقت النفقة والسكنى من حين
علم الزوج) بالرجوع، لانقلابها رجعية، وسيأتي استشكاله فيه (والموطوءة
للشبهة لا سكنى لها ولا نفقة) للأصل من غير معارض (وكذلك المنكوحة
نكاحا فاسدا، وام الولد إذا أعتقها سيدها).
(أما لو كانت إحداهن حاملا) من الواطئ أو المولى (فإنها تستحق
النفقة والسكنى على إشكال) تقدمت الإشارة إليه في النكاح من الإشكال في
كونهما للحمل أو للحامل.
(ولا نفقة) اتفاقا (للمتوفى عنها زوجها ولا سكنى) من مال الزوج،
إذ لا مال له (فإن كانت حاملا قيل) في النهاية (1) والكافي (2) والمقنع (3)
والفقيه (4) والوسيلة (5) وغيرها: (ينفق عليها من نصيب الحمل) من الميراث،
لقول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي الصباح الكناني: المرأة المتوفى عنها زوجها
ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها (6) وقول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح محمد



(1) النهاية: ج 2 ص 409.
(2) الكافي في الفقه: ص 313.
(3) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 493.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 510 ذيل حديث 4790.
(5) الوسيلة: ص 329.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 236 ب 10 من أبواب النفقات ح 1.
162
ابن مسلم: المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله (1) بناء على عود الضمير
على الولد، وإن لم يجر له ذكر.
(والأقرب السقوط) وفاقا للحسن (2) وابن إدريس (3) والمحقق (4) والمفيد
في التمهيد (5) كانت النفقة للحمل أو للحامل، للأصل والأخبار، وهي كثيرة كصحيح
محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) سأله عن المتوفى عنها زوجها ألها نفقة؟ قال:
لا، ينفق عليها من مالها (6) وحسن الحلبي سأل الصادق (عليه السلام) عن الحبلى المتوفى
عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال: لا (7).
ولأن نفقة الأم إنما تجب على الولد إذا كانت معسرة وهي موسرة بما ورثته.
وهو ممنوع. ولأنه لا مال للولد ما لم يتولد فكيف ينفق عليها من مالها؟
ولا يفيد ما في النكت: من أنه يعزل له نصيب من التركة فمنه ينفق عليها (8).
وما في الجامع: من أنه ينفق عليها من نصيبه إن كانت معسرة (9) لأنه تعريض لمال
الورثة للتلف.
وفي المختلف: أنه إن كانت النفقة للحمل أنفق عليها، وإلا فلا (10).
وفي خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام): نفقة الحامل المتوفى
عنها زوجها من جميع المال حتى تضع (11). وهو - مع الضعف والمعارضة
للإجماع والأخبار (12) - يحتمل الاستحباب، وأن الإنفاق من الجميع حتى



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 235 ب 9 من أبواب النفقات ح 4.
(2) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 493.
(3) السرائر: ج 2 ص 738.
(4) شرائع الإسلام: ج 3 ص 45.
(5) حكاه عنه في السرائر: ج 2 ص 738.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 235 ب 9 من أبواب النفقات ح 6.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 234 ب 9 من أبواب النفقات ح 1 لم يرد الخبر في ن.
(8) نكت النهاية: ج 2 ص 490.
(9) الجامع للشرائع: ص 472.
(10) مختلف الشيعة: ج 7 ص 493.
(11) وسائل الشيعة: ج 15 ص 236 ب 10 من أبواب النفقات ح 2.
(12) وسائل الشيعة: ج 15 ص 234 ب 9 من أبواب النفقات.
163
إذا وضعت الولد حيا أخذت النفقة من نصيبه.
(ولو طلقها رجعيا ناشزا لم تستحق سكنى) ولا نفقة (لأنها في
صلب النكاح لا تستحقها) ففي العدة أولى (إلا أن تكون حاملا) منه
(وقلنا: النفقة للحمل، ولو أطاعت في أثناء العدة استحقت) لأن استحقاقها
فيها لا يتبع استحقاقها في النكاح.
(وكذا لو نشزت في أثناء العدة سقطت السكنى) والنفقة، إلا أن تكون
حاملا وقلنا: النفقة للحمل (فإن عادت استحقت).
(ولو فسخت نكاحه لردته عن غير فطرة استحقت) النفقة والسكنى ما
دامت في العدة، لأنها بمنزلة الرجعية، فإنه إن عاد إلى الإسلام استمرت الزوجية،
فالفسخ مجاز.
(ولو فسخ نكاحها لردتها لم تستحق) شيئا وإن كان يمكن الرجوع
بعودها إلى الإسلام، لأنها نشزت بالارتداد.
(المطلب الثاني في صفة السكنى) وأحكامها.
(لا يجوز للمطلقة رجعيا أن تخرج من بيتها) أي البيت (الذي
طلقت فيه ما لم تضطر، ولا يجوز للزوج إخراجها) بالإجماع والنص
عليهما (1) (إلا أن تأتي بفاحشة مبينة) بكسر الياء أي ظاهرة. أو فتحها أي
مظهرة (وهو) على ما في النهاية (2) (أن تفعل ما يوجب حدا، فتخرج
لإقامته) عليها، وهو مناسب لمعناها اللغوي والعرفي.
(و) لكن لا ينحصر هنا في ذلك، بل (أدنى ما تخرج له) كما ذكره
المحقق (3) وعلي بن إبراهيم (4) [وغيرهما] (5) (أن تؤذي أهل الزوج)
الساكنين هناك (وتستطيل عليهم بلسانها) قال في النهاية: وقد روي أن أدنى



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 434 ب 18 من أبواب الطلاق.
(2) النهاية: ج 2 ص 484.
(3) شرائع الإسلام: ج 3 ص 42.
(4) تفسير القمي: ج 2 ص 374.
(5) لم يرد في ن.
164
ما يجوز له معه إخراجها أن تؤذي أهل الرجل (1). وفي التبيان اقتصر عليه وقال:
وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) (2). وكذا اقتصر عليه في
الخلاف (3) والمبسوط (4) ومجمع البيان (5) والجامع (6) وغيرها، ولعلهم إنما أرادوا
بيان الأدنى - كما في النهاية - لا القصر عليه.
واستدل عليه في الخلاف بالإجماع. وعموم الآية. وبإخراجه (صلى الله عليه وآله) فاطمة
بنت قيس لما بدت على بيت أحمائها (7).
وفي خبر سعد بن عبد الله عن القائم (عليه السلام): أنها السحق دون الزنا، قال (عليه السلام):
لأن المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من
التزوج بها لأجل الحد، وإذا سحقت وجب عليها الرجم، والرجم خزي، ومن قد
أمر الله عز وجل برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده، ومن أبعده فليس لأحد
أن يقربه (8).
(ولو) اضطرت إلى الخروج كأن (كان منزلها في طرف البلد وخافت
على نفسها) بذلك (جاز نقلها إلى موضع مأمون. وكذلك إذا كانت بين
قوم فسقة، أو خافت انهدام المنزل، أو كان مستعارا) ففسخ المعير (أو
مستأجرا فانقضت مدته) ولم يمكن التجديد، أو أمكن بأكثر من أجرة المثل
(جاز له إخراجها) إلى أقرب المواضع إليه فالأقرب، كما في المبسوط (9)
وغيره. وفيه نظر (ولها أيضا الخروج).
وإذا انتفت الضرورة، فهل يجب العود إلى المنزل؟ وجهان: من وجوب الكون
فيه، خرج منه ما دعت إليه الضرورة، فيتقدر بقدرها. ومن أنه حرم الخروج



(1) النهاية: ج 2 ص 484.
(2) التبيان: ج 10 ص 31.
(3) الخلاف: ج 5 ص 70 مسألة 23.
(4) المبسوط: ج 5 ص 253.
(5) مجمع البيان: ج 10 ص 304.
(6) الجامع للشرائع: ص 472.
(7) الخلاف: ج 5 ص 70 - 71 مسألة 23.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 440 ب 23 من أبواب العدد ح 4.
(9) المبسوط: ج 5 ص 255.
165
والإخراج، إلا في الصور المستثناة، والأصل البراءة من وجوب العود والإعادة،
وهو الأقوى، فيما دعت الضرورة إلى الخروج بالسكنى في غير المنزل، لا لحاجة
من زيارة أو حج أو حد، وإلا فالأقوى الأول.
و (لو طلقت في منزل (1) دون مستحقها) من المنازل (فإن رضيت
بالمقام فيه، وإلا جاز لها الخروج والمطالبة بمسكن يناسبها) وإن كانت
رضيت به في النكاح، وعليه نقلها إلى أقرب المواضع إلى ذلك، فالأقرب، كما في
المبسوط (2) وغيره. وفيه نظر كما تقدم.
وتردد المحقق في المطالبة هنا (3) من أن الظاهر ما ذكره المفسرون من كون
" بيوتهن " بمعنى البيوت المسكونة لهن في النكاح وهي عامة. ومن أن لها المطالبة
في النكاح فيستصحب. ولانتفاء الضرر والحرج. واحتمال أن يكون المراد في
الآية البيوت اللائقة بهن.
والظاهر أنها إذا لم تكن رضيت في النكاح وكانت مقهورة على الكون فيه
ضعف التردد فيه، لتبادر غيره من " بيوتهن ".
(ولو تمكن الزوج من ضم بقعة اخرى) ولو بابتياعها أو استئجارها
(إليها) أي إلى المنزل لكونه بقعة (تصير باعتبارها مسكنا لمثلها لزمه
ذلك) إن لم يلزمه به غرامة أو ضرر فوق ما يلحقه من نقلها إلى آخر.
(ولو كان) المنزل (مسكن أمثالها لكنه يضيق عنها وعن الزوج
وجب عليه الارتحال عنها).
(وإذا سكنت في مسكن أمثالها بعيدة عن الزوج وأهله فاستطالت
عليه وعليهم لم تخرج منه بل يؤدبها الحاكم بما تنزجر (4) به) لأنه لا فائدة
في النقل، والمتيقن من الاستثناء في الآية الإتيان بفاحشة مضطرة إلى الخروج.



(1) في قواعد الأحكام بدل " منزل ": مسكن.
(2) المبسوط: ج 5 ص 254.
(3) شرائع الإسلام: ج 3 ص 43.
(4) في ن، ق: تزجر.
166
(ولو اتفقا على الانتقال من مسكن أمثالها إلى غيره مثله أو أزيد
أو أدون لم يجز، ومنعها الحاكم من الانتقال) من مساكن أمثالها إلى غيره
(لأن حق الله تعالى تعلق بالسكنى) هنا، لنهيه عن الخروج والإخراج
(بخلاف مدة النكاح) فإن السكنى فيها لحق الزوجة، ولذا لو لم يطالب بها لم
يلزمه الإسكان ولم يتعلق بها أمر أو نهي عن الخروج.
وأجازه الحلبيان (1) بناء على أن المسكن لا يخرج عن حقهما، فإذا رضيا
بالخروج جاز. وهو ممنوع، بل ظاهر قوله تعالى: " لا تدري لعل الله يحدث بعد
ذلك أمرا " (2) أن العلة في ذلك التعريض للرجعة.
وللأخبار كقول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي، لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلا
بإذن زوجها حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر (3). وقوله (عليه السلام) في خبر
معاوية بن عمار: المطلقة تحج في عدتها إن طابت نفس زوجها (4). وهي لا تدل
على المتنازع، وهو الانتقال من المسكن إلى مسكن.
(ولو طلقت في مسكن أزيد من) مساكن (أمثالها بأن يكون دارين
ينفرد كل واحد بمرافقها) أو دارا مشتملة على بيوت أو ساحة زائدة على
استحقاقها (جاز للزوج بناء حاجز بينهما) إن لم يضرها ذلك فيما يستحقه.
(ولو أراد الزوج أن يساكنها) في دار واحدة بأن يكون في بيت منها
وهي في بيت آخر (فإن كانت المطلقة رجعية لم يمنع) عندنا، لأن له وطءها
ومقدماته ويكون رجعة، وإن لم ينوها - كما عرفت - فالخلوة بها أولى، خلافا
للعامة (5).



(1) الكافي في الفقه: ص 312. الغنية (الجوامع الفقهية): ص 544 س 20. وفي ق بدل
" الحلبيان ": التقي وابن زهرة.
(2) الطلاق: 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 434 ب 18 من أبواب العدد ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 439 ب 22 من أبواب العدد ح 2.
(5) انظر المغني لابن قدامة: ج 9 ص 182.
167
(وإن كانت بائنة منع) للنهي عن الخلوة بامرأة أجنبية (إلا أن يكون
معها من الثقات من يحتشمه الزوج) فلا يمنع، ولكن يكره لعسر التحرز
من النظر إليها.
(فروع) ثلاثة عشر:
(الأول: إذا اضطرت إلى الخروج خرجت بعد نصف الليل، وعادت
قبل الفجر) إن تأدت به الضرورة، لأنه زمان احتباس الناس غالبا عن الخروج.
ولقوله في مقطوعة سماعة: فإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل، ولا تخرج
نهارا (1). وفي خبر أبي العباس قال للصادق (عليه السلام) في المتوفى عنها زوجها: أرأيت إن
أرادت أن تخرج إلى حق كيف تصنع؟ قال: تخرج بعد نصف الليل وترجع عشاء (2).
وفي المبسوط: وإن لم تكن ضرورة لكن حاجة مثل: شراء قطن أو بيع غزل،
فلا يجوز لها الخروج ليلا للآية، وأما النهار فيجوز فيه الخروج للمعتدة عن وفاة،
وأما المطلقة قال بعضهم: لها ذلك. وقال آخرون: ليس لها ذلك، والأول أظهر في
رواياتنا، وروي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) انتهى. ولعل ذلك لأن ما ذكره من الحاجة
لا تقضى بالليل غالبا.
(الثاني: لا تخرج في الحجة المندوبة إلا بإذنه) فإنها ليست من
الضرورات الملجئة، وأما الجواز بالإذن فللأخبار، كما سمعته من خبر معاوية بن
عمار، وهذا الخروج ليس مما لا يفيد فيه الإذن، فإنه الانتقال للسكنى كما عرفت.
والأحوط عدم الخروج.
(وتخرج في الواجب) المضيق (وإن لم يأذن) لكونه من الضرورات.
وأما الموسع فإن جوزنا لها الخروج في المندوب بالإذن، ففيه بالإذن أولى،
وأما بدون الإذن فلا.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 435 - 436 ب 19 من أبواب العدد ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 450 ب 29 من أبواب العدد ح 3.
(3) المبسوط: ج 5 ص 262.
168
(وكذا) تخرج إلى (ما تضطر إليه ولا وصلة لها) إليه (إلا بالخروج)
وإن لم يأذن (و) لها أن (تخرج في) العدة (البائنة أين شاءت وإن كانت
حاملا) بالاتفاق كما يظهر منهم، ولقول الكاظم (عليه السلام) في الصحيح لسعد بن أبي
خلف: إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة، فقد بانت منه ساعة طلقها
وملكت نفسها، ولا سبيل له عليها وتذهب (1) حيث شاءت، ولا نفقة لها، قال سعد:
قلت أليس الله تعالى يقول: " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن "؟ (2) فقال:
إنما عنى بذلك التي تطلق تطليقة بعد تطليقة فتلك التي لا تخرج ولا تخرج حتى
تطلق الثالثة، فإذا طلقت الثالثة، فقد بانت منه ولا نفقة لها (3). وخبر عبد الله بن
سنان سأله (عليه السلام) عن المطلقة ثلاثا على السنة هل لها سكنى أو نفقة؟ قال: لا (4).
وهو لا ينافي ما مر من استحقاق البائن الحامل النفقة والسكنى.
(والمتوفى عنها زوجها) أيضا (تخرج أين شاءت وتبيت أي موضع
أرادت) للأصل من غير معارض، وللأخبار كخبر سليمان بن خالد سأل
الصادق (عليه السلام) عن امرأة توفي عنها زوجها أين تعتد في بيت زوجها أو حيث
شاءت؟ قال: حيث شاءت، ثم قال: إن عليا (عليه السلام) لما مات عمر أتى ام كلثوم فأخذ
بيدها فانطلق بها إلى بيته (5).
وأما نحو صحيح محمد بن مسلم " سأل أحدهما (عليهما السلام) عن المتوفى عنها
زوجها أين تعتد؟ قال: حيث شاءت ولا تبيت عن بيتها " (6) فإنما يدل على النهي
عن الخروج عن البيت أي بيت كان، وحمله الشيخ على استحباب الاعتداد
في البيت الذي كانت فيه في حياة الزوج (7).



(1) في وسائل الشيعة: بدل " تذهب ": تعتد.
(2) الطلاق: 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 436 ب 20 من أبواب العدد ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 233 ب 8 من أبواب العدد ح 5.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 457 ب 32 من أبواب العدد ح 1.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 457 ب 32 من أبواب العدد ح 2.
(7) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 160 ذيل حديث 556.
169
(الثالث: لو ادعى عليها غريم أحضرها مجلس الحكم إن كانت
برزة) واحتيج إلى الإحضار بجحدها أو ادعائها الإعسار (وإلا فلا) يجوز
الإحضار، بل يبعث من ينظر بينها وبين خصمها أو يستوفي الحق.
(ولو وجب) عليها (حد أو قصاص أو امتنعت من أداء دين) ثابت
(جاز للحاكم إخراجها لإقامته وحبسها حتى تخرج من الدين) إن كانت
برزة، وإلا أقيم عليها أو حبست في بيتها.
(الرابع: البدوية تعتد في المنزل الذي طلقت فيه وإن كان بيتها من وبر
أو شعر) فلا يجوز لها الخروج، ولا له الإخراج عن القطعة من الأرض التي عليها
القبة أو الخيمة، ويجوز تبديلهما، فإن البيت هو المأوى.
(فلو ارتحل النازلون به) أي المنزل، وهو يعطي أن لا يكون عليها إلا
الاعتداد في ذلك الصقع وإن انتقلت من بقعة إلى اخرى منه، ويجوز أن يريد بقربه
(ارتحلت معهم) إن لم يبق فيه أهله، للضرورة من الوحشة والخوف إن كان
(وإن بقي أهلها فيه أقامت معهم إن أمنت) بهم وإن لم يكن لها أهل
إلا الزوج.
(ولو رحل أهلها) الذين كانت تستأنس بهم في بيتها (وبقي) من
النازلين (من فيه منعة وتأمن معهم، فالأقرب) وفاقا للمبسوط (1) (جواز
الارتحال مع الأهل، دفعا لضرر الوحشة بالتفرد عنهم) وإن بقي معها الزوج.
(أما لو هربوا) أي النازلون (عن الموضع لعدو، فإن خافت هربت
معهم) وإن لم يهرب، أو ينتقل أهلها للضرورة (وإلا أقامت) إن بقيت أهلها
(لأن أهلها لم ينتقلوا) ولا هي خائفة، فلا بها ضرورة الخوف، ولا ضرورة
الوحشة.
(الخامس: لو طلقها وهي في السفينة، فإن كانت) تلك السفينة
(مسكنا لها اعتدت فيها) لأنها بيتها (وإلا) بأن كان لها مسكن، وإنما انتقلت



(1) المبسوط: ج 5 ص 260.
170
إلى السفينة في السفر، ففي المبسوط أنها إن شاءت عادت إلى منزلها فاعتدت فيه،
وإن شاءت مضت في السفر ثم عادت إلى المنزل (1) إن بقي من العدة شيء،
وإلا (أسكنها حيث شاء).
(وهل له) حينئذ (إسكانها في سفينة) تكون معه في السفر (تناسب
حالها؟ الأقرب ذلك) خصوصا إذا اعتادت السكنى في السفن وإن لم يكن تلك
السفينة مسكنا لها، لعموم " أسكنوهن من حيث سكنتم " (2) ومناسبة حدوث
الرجعة مع الأصل، فإن النهي إنما وقع عن الخروج والإخراج عن البيوت، فإن
دخلت السفينة في " البيوت " فلا إخراج، وإلا فليست في بيت ليحصل الخروج
عنه. ويحتمل العدم حملا للإسكان على الغالب.
(السادس: لو طلقت وهي في دار الحرب لزمها الهجرة إلى دار
الإسلام) كان بيتها في دار الهجرة أم لا، لعموم ما دل على وجوب الهجرة
(إلا أن تكون في موضع لا تخاف على نفسها ولا دينها).
(السابع: لو حجر الحاكم بعد الطلاق عليه) للإفلاس (كانت أحق
بالعين) أي عين المسكن من الغرماء (مدة العدة) وإن لم يدخل في
المستثنيات للمديون، لتعلق حقها بالعين، وتقدمه.
وربما قيل: بالضرب مع الغرماء، بناء على أن حقها يتجدد يوما فيوما كما مر.
ويندفع بالتعلق بالعين، وقد يدفع بمنع التجدد، والفرق بينها وبين الزوجة، فإن
استحقاق الزوجة للتمكين، وهو متجدد بخلافها. (ولو سبق الحجر) على
الطلاق لم تكن أحق بالعين، فإن الزوجة إنما تستحق الإسكان دون عين المسكن
و (ضربت مع الغرماء بأجرة المثل) لمسكن مثلها (والباقي من أجرة
المثل) يبقى (في ذمة الزوج) فإن حقها وإن تأخر عن حقوقهم، لكنه ثبت لها
بغير اختيارها، فهو كما لو أتلف المفلس مالا على انسان، مع أن سببه في الحقيقة
الزوجية المتقدمة.



(1) المبسوط: ج 5 ص 261.
(2) الطلاق: 6.
171
(وتضرب بأجرة جميع العدة) أما إن لم يتجدد حقها يوما فيوما، فظاهر،
وإن تجدد، فلأنه كل يوم من الحقوق الثابتة لها بغير اختيارها مع تقدم السبب
(بخلاف الزوجة فإنها) إنما (تضرب بأجرة يوم الحجر) لمقارنة حقها فيه
للحجر وتأخر ما بعده.
(وكذا تضرب بالأجرة لو كان المسكن لغيره ثم حجر عليه) تقدم
الحجر أو الطلاق، لانتفاء التعلق بالعين هنا، وذلك إن لم يرض صاحب المسكن
بالكون فيه وكان له ذلك، كأن كان عارية، أو كان رضى بالكون فيه بأجرة مقدرة
من غير إيقاع صيغة، أو كان الحجر مسلطا للمؤجر على الفسخ وفسخ.
(الثامن: إذا ضربت بأجرة المثل) مع الغرماء (فإن كانت معتدة
بالأشهر فالأجرة معلومة، وإن كانت معتدة بالأقراء أو بالحمل، ضربت مع
الغرماء بأجرة سكنى أقل الحمل) لأنه المتيقن، ولا عبرة بالعادة فيه، لعدم
الدليل على اعتبارها شرعا بخلاف عادة الأقراء. ولأن غاية ما يفيده ضبط المدة
إن وضعت كاملا وربما أسقطت، وعدم الإسقاط لا يصير عادة، فإن أسبابه غالبا
خارجية بخلاف القرء والحمل نفسه وزمانه مع الكمال، فإن عمدة السبب في ذلك
الأسباب الداخلية من مزاج الرحم ونحوه. خلافا للمبسوط فاعتبرها (1). وللعامة
قول باعتبار العادة الغالبة (2) وهي تسعة أشهر.
(أو) بأجرة سكنى (مدة العادة) في الأقراء إن كانت. وظاهر المحقق
عدم اعتبارها (3).
(فإن لم تكن عادة ضربت بأقل مدة الأقراء) وهي ستة وعشرون
يوما ولحظتان، أو ثلاثة وعشرون، وثلاث لحظات، أو ثلاثة عشر، ولحظتان،
أو عشرة، وثلاث لحظات. وللعامة قول باعتبار الغالب (4) وهو ثلاثة أشهر،



(1) المبسوط: ج 5 ص 255 - 256.
(2) المجموع: ج 18 ص 135.
(3) شرائع الإسلام: ج 3 ص 44.
(4) المجموع: ج 18 ص 139.
172
فإن وافقت [العدة] (1) المدة المضروبة تبين صحة الضرب، ورجعت على الزوج
المفلس بباقي الأجرة إذا أيسر.
(فإن لم تضع أو لم تجتمع الأقراء) في المدة المقدرة (أخذت نصيب
الزائد تضرب به أيضا) مع الغرماء، لأنه تبين استحقاقها للزائد، فهي كغريم ظهر
بعد المضاربة، وإن رجعت على المفلس إذا أيسر فقد أحسنت إلى الغرماء.
ويحتمل أن لا يكون لها إلا الرجوع عليه دون الضرب، لأنا حين المضاربة
قدرنا حقها بما قدرناه مع تجويز الزيادة، فلا يتغير الحكم، بخلاف غريم لم يكن
يعلم به أصلا.
وقد يفرق بين ما إذا قسم المال أو لم يقسم، وللعامة قول بنفي الاستحقاق
مطلقا، وآخر بنفيه في الأقراء دون الحمل (2) لتمكنها من إقامة البينة على الوضع
دونها.
(ولو فسد الحمل قبل أقل المدة) أو اجتمعت الأقراء قبل العادة (رجع
عليها بالتفاوت) تضرب هي والغرماء فيه، ويرجع بالباقي على الزوج إذا أيسر،
إلا أن يكون رجوع التفاوت مما يوجب الوفاء بالغرامات.
(التاسع: لو طلقها غائبا أو غاب بعد الطلاق ولم يكن له مسكن
مملوك ولا مستأجر) كان حقها من السكنى كسائر الحقوق الثابتة على الغائب،
فإن [لم يتطوع أحد بالمسكن لها و] (3) كان له مال اكترى الحاكم من ماله مسكنا
لها، وإلا (استدان الحاكم عليه [قدر] (4) أجرة المسكن، وله أن يأذن لها في
الاستدانة عليه).
(ولو استأجرت من دون إذنه، فالوجه رجوعها عليه) أمكن
الاستئذان أم لا كما هو قضية الإطلاق، لأن السكنى حق ثابت لها، لها المطالبة بها



(1) لم يرد في ن، ق.
(2) راجع المجموع: ج 18 ص 163.
(3) و (4) لم يردا في ن، ق.
173
متى حضر من غير توقف على الحاكم، وفي المبسوط (1) والتحرير (2): أنه إنما لها
الرجوع إن لم يمكن الاستئذان.
(العاشر: لو سكنت في منزلها) وهو حاضر ملي (ولم تطالب بمسكن
فليس لها المطالبة بالأجرة) كان له منزل أو لا، استأذنته في الكون فيه أو
لا (لأن الظاهر منها) حينئذ (التطوع) وإن كان له منزل مملوك أو مستأجر
أو مستعار أو سكنت مع نهيه، فأظهر.
(ولو قالت:) كنت (قصدت الرجوع) عليه بالأجرة ولم يكن له منزل
ولا من يتطوع له (ففيه إشكال) من معارضة الأصل والظاهر، والرجوع أقوى.
وظاهر الشيخ (3) والمحقق العدم (4).
(ولو استأجرت) بنفسها (مسكنا فسكنت فيه) وهو حاضر
(لم تستحق أجرته، لأنها تستحق السكنى حيث يسكنها لا حيث تتخير)
نعم لو امتنع من الإسكان ففعلت رجعت بأجرة مثل مسكن مثلها.
(ولو طلقت وهي في منزلها كان لها المطالبة بمسكن غيره، أو بأجرة
مسكنها مدة العدة) كانت سامحته في الزوجية أم لا.
(الحادي عشر: لو مات بعد الطلاق الرجعي سقط حقها من بقية
العدة) لانقلاب عدتها عدة البائن (إلا مع الحمل على رأي) من رأى الإنفاق
عليها من نصيب الولد.
وأطلق الشيخ بقاء استحقاقها، فلم يجوز للورثة قسمة المنزل المملوك له إلا
بعد انقضاء العدة، قال: لأنها استحقت السكنى في الدار على الصفة التي هي عليها،
فإذا قسمت كان في قسمتها ضرر عليها فلم يجز ذلك، كما لو اكترى جماعة دارا
من رجل ثم أرادوا قسمتها لم يكن لهم ذلك، لأن المستأجر استحق منفعتها



(1) المبسوط: ج 5 ص 261.
(2) تحرير الأحكام: ج 2 ص 76 س 22.
(3) المبسوط: ج 5 ص 261.
(4) شرائع الإسلام: ج 3 ص 45.
174
على صفتها وفي قسمتها ضرر عليه (1). واعترض عليه بأنها إنما تستحق الإسكان
مع الحمل من نصيب الولد وهو أحد الوراث.
(الثاني عشر: لا تسلط للزوج) عليها (في غير الرجعي) وإن كانت
حاملا (بل لها أن تسكن حيث شاءت) وإن قلنا باستحقاقها السكنى مع
الحمل، فإنه من حقها ليس له فيه حق.
(الثالث عشر: لو طلقها) رجعيا (ثم باع المنزل، فإن كانت معتدة
بالأقراء لم يصح البيع) وإن كانت لها عادة مستقيمة فيها (لتحقق الجهالة)
في المبيع، لاستثناء السكنى في هذه المدة المجهولة منه، ولا يفيد استقرار العادة،
لجواز تخلفها إلا أن تكون جهالة يتسامح بمثلها وهو بعيد، لتردد العدة حينئذ بين
ستة وعشرين يوما ولحظتين، وخمسة عشر شهرا، أو سنة أو تسعة أشهر. نعم إن
استثني في البيع أقصى المدة صح بلا إشكال.
(وإن كانت معتدة بالأشهر صح) لانضباط المنفعة المستثناة، ولا يضر
إمكان تجدد الحيض والموت، فإن الظاهر استثناء الأشهر الثلاثة، فالمنفعة معلومة.
نعم لو اشترط استثناؤها صريحا كان أولى.
ولكن إن تجدد الحيض، فإن انقضت العدة قبل الأشهر كان الباقي للبائع، وكذا
إن ماتت، وإن انقضت بعدها قدمت، لسبق حقها في العين، فيحتمل تسلط
المشتري على الفسخ، لتبعض الصفقة، والعدم، لقدومه عليه حيث رضي بكونها فيه
في العدة.
وإن مات الزوج ولم تنقض الأشهر، انتقلت السكنى الباقية إلى ورثته،
والكلام في استحقاقها ما مر (والحمل كالأقراء) في الجهالة.
(المطلب الثالث في إذن الانتقال) قبل الطلاق.
(لو كانت تسكن منزلا) كان ملكا (لزوجها أو استأجره أو استعاره



(1) المبسوط: ج 5 ص 256.
175
فأذن لها في الانتقال) إلى منزل آخر، تقدم الإذن على الانتقال، أو انتقلت ثم
أذن (ثم طلقها وهي في المنزل الثاني اعتدت فيه) لأنه صار بيتها فيشمله
النهي عن الخروج والإخراج.
(ولو) أذن، ولكن (طلقها وهي في الأول قبل الانتقال، اعتدت فيه)
لأن الثاني إنما يصير بيتها إذا انتقلت وأوت إليه.
(ولو طلقت) وهي (في طريق الانتقال اعتدت في الثاني) وفاقا
للمبسوط (1) والشرائع (2) لأنها مأمورة بالانتقال عن الأول فخرج عن بيتها.
وللشافعية ثلاثة أوجه اخرى: اعتدادها في الأول، لأنها لم تحصل في
مسكن آخر قبل الطلاق. وتخيرها بينهما، لأنها غير حاصلة في شيء منهما مع
تعلقها بهما. واعتبار القرب، فإن كانت أقرب إلى الأول اعتدت فيه، وإن كانت
أقرب إلى الثاني اعتدت فيه (3).
(و) المعتبر في (الانتقال إنما هو بالبدن لا بالمال) أو العيال، خلافا
لأبي حنيفة فعكس (4).
(فلو انتقلت) ببدنها (إلى الثاني) بنية السكنى فيه (ولم تنقل رحلها
سكنت فيه، ولو نقلت رحلها ولم تنتقل بعد سكنت في الأول. ولو انتقلت
إلى الثاني ثم رجعت إلى الأول لنقل رحلها، أو لغرض آخر فطلقت فيه
اعتدت في الثاني) لأنه بيتها الآن، والمضي إلى الأول كالمضي إلى زيارة أو
سوق.
ولا فرق بين أن يكون الانتقال انتقال قرار أو لا، بأن تكون تتردد وتنقل
أمتعتها إليه وهي غير مستقرة في أحدهما، فإنه حينئذ كالمأمورة بالانتقال التي
في الطريق.



(1) المبسوط: ج 5 ص 257.
(2) شرائع الإسلام: ج 3 ص 44.
(3) انظر المجموع: ج 18 ص 169 الموجود فيه وجهان.
(4) انظر الهداية: ج 2 ص 78.
176
وقال بعض العامة: إن كانت مترددة كذلك، فإن طلقت في الثاني اعتدت فيه،
وإن طلقت في الأول فاحتمالان (1).
(ولو أذن لها في السفر ثم طلقها قبل الخروج اعتدت في منزلها،
سواء نقلت رحلها وعيالها إلى البلد الثاني أو لا) وسواء كان السفر سفر
حاجة أو سفر نقلة، لأنها طلقت وهي مقيمة فيه.
(ولو خرجت من المنزل إلى موضع اجتماع القافلة) في البلد (أو
ارتحلوا) أي القافلة معها (فطلقت قبل مفارقة المنازل) أي بيوت البلد فضلا
عما بعدها وكان السفر سفر نقلة (فالأقرب الاعتداد في الثاني) وإن كانت
في البلد، إذ لا فرق بين المنزلين في بلد أو بلدين، وقد عرفت أنها إذا طلقت
وهي في الطريق بين المنزلين اعتدت في الثاني.
خلافا للشيخ قال: لأنها ما لم تفارق البلد فهي في حكم المقيمة (2). يعني أن
البلد كالمنزل، فكما أنها إن طلقت وهي في المنزل الأول اعتدت فيه، فكذا إذا
طلقت وهي في البلد الأول اعتدت فيه، والاعتداد فيه إنما يكون في ذلك البيت،
فيلزم الاعتداد فيه، وما لم تخرج عن البنيان فهي في البلد، وللعامة قول بتخيرها
بين البلدين (3).
(ولو كان سفرها للتجارة أو الزيارة) أو نحوهما، وبالجملة لغير النقلة
(ثم طلقت) وقد شرعت في السفر، فارقت البنيان أو لا (فالأقرب أنها
تتخير بين الرجوع والمضي في سفرها) لأن المنزل الأول خرج عن بيتها
بالإذن في الخروج، ولم يعين لها منزل آخر يتعين عليها الخروج إليه، ولأن في
إلزام العود عليها إبطال أهبة السفر إن لم تتجاوز البنيان، والمشقة من غير الوصول
إلى المقصد، والانقطاع عن الرفقة إن تجاوزت، وكل ذلك ضرر. وفي خروج
البيت عن بيتها نظر، للفرق الظاهر بين سفري النقلة والحاجة.



(1) لم نعثر عليه.
(2) المبسوط: ج 5 ص 258.
(3) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 186.
177
والشيخ حكم بالاعتداد في البلد إن لم تفارق البنيان مطلقا، وقال: إن فارقت
البنيان ففيه مسألتان: إحداهما: أن يكون أذن لها في الحج أو الزيارة أو النزهة ولم
يأذن في إقامة مدة مقدرة. والثانية: أذن لها في ذلك. ففي الأولى لا يلزمها العود،
فإنه ربما كان الطريق مخوفا وتنقطع عن الرفقة، فإن أرادت العود كان لها ذلك،
وإن نفذت في وجهها، فإن كان أذن لها في الحج فإذا قضت حجها لم يجز لها أن
تقيم بعد قضائه، وإن كان أذن لها في النزهة أو الزيارة، فلها أن تقيم ثلاثة أيام، فإذا
مضت الثلاث أو قضت حجها، فإن لم تجد رفقة تعود معهم وخافت في الطريق
فلها أن تقيم، لأنه عذر، وإلا فإن علمت من حالها أنها إذا عادت إلى البلد أمكنها
أن تقضي ما بقي من عدتها لزمها ذلك، وإلا فقال بعضهم: لا يلزمها العود بل لها
الإقامة في موضعها. وقال آخرون: يلزمها العود، لأنها مأمورة بالعود غير مأمورة
بالإقامة، وهو الأقوى. وفي الثانية: إن طلقت وهي بين البلدين فكما لو طلقت بين
المنزلين. وإن طلقت وهي في البلد الثاني فلها الإقامة ثلاثة أيام (1).
وهل لها الإقامة المدة المضروبة؟ قولان، فإن لم تكن لها فالحكم كما في
المسألة الأولى.
وعند الشافعية: إن لم تفارق البنيان فوجهان: تخيرها بين العود والمضي كما
ذكره المصنف وتحتم العود، لأنها لم تشرع في السفر، فهي كما لو لم تخرج من
المنزل (2). ووجه ثالث قريب: إن كان سفرا لحج تخيرت، وإلا وجب العود، وإن
فارقت تخيرت. ولهم وجه ضعيف: أنها إن لم تقطع مسافة يوم وليلة لزمها
الانصراف (3).
وعن أبي حنيفة: إن لم يكن بينها وبين المسكن مسيرة ثلاثة أيام لزمها
الانصراف، وإن كان الموضع موضع إقامة أقامت واعتدت فيه، وإلا مضت في
سفرها (4).



(1) المبسوط: ج 5 ص 258 - 259.
(2) المجموع: ج 18 ص 169.
(3) الحاوي الكبير: ج 11 ص 261.
(4) المجموع: ج 18 ص 173.
178
(ولو نجزت حاجتها من السفر ثم طلقت رجعت إلى منزلها إن بقي
من العدة) إن رجعت إليه (ما يفضل عن مدة الطريق) إذ لا بيت لها سواه،
فيجب الاعتداد فيه ولو يوما (وإلا) يفضل الشيء. (فلا) يجوز لها الرجوع،
لأنه لا يفيد، ولا يجوز لها الخروج إلا إذا أدى إلى الاعتداد في المنزل.
(ولو أذن لها في الاعتكاف) فاعتكفت (ثم طلقها) وهي في
الاعتكاف (خرجت) إلى بيتها للاعتداد، بإجماع علمائنا كما في التذكرة (1)
ولأنه واجب مضيق لا قضاء له كالجمعة، خلافا لبعض العامة (2).
(وقضته إن كان واجبا) أي استأنفته كما في المبسوط (3) وفي المعتبر (4)
والتذكرة (5) والمنتهى (6) إن لم تشترط، وإلا بنت. وفي الخلاف أطلق البناء (7).
ويجب عليها الخروج (سواء تعين زمانه) بالنذر وشبهه أو بالكون ثالثا
(على إشكال) من التعارض. وقطع الشهيد حينئذ بالاعتداد في المسجد (8).
وفي الإيضاح: إن على الخروج في القضاء إشكالا، من أن العذر ليس باختيارها،
والزمان لم يقبل الاعتكاف، فظهر عدم انعقاد النذر وعدم صحة اليومين.
ومن الوجوب بالنذر أو باعتكاف اليومين ولم تفعل فيجب القضاء (9)
(أو لا).
(ولو أذن لها في الخروج إلى منزل آخر ثم طلقها) وهي (في الثاني
ثم اختلفا فقالت: نقلتني فأنا أعتد في الثاني، وقال: ما نقلتك) وإنما أذنت
لك في المضي إلى الثاني لزيارة أو حاجة أو نحوهما (احتمل تقديم قولها،
لأن) ظاهر (الإذن في المضي إليه) أنه (للنقلة. و) احتمل (تقديم قوله،



(1) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 292 س 21.
(2) الحاوي الكبير: ج 2 ص 504.
(3) المبسوط: ج 1 ص 294.
(4) المعتبر: ج 2 ص 740.
(5) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 292 س 24.
(6) منتهى المطلب: ج 2 ص 636 س 3.
(7) الخلاف: ج 2 ص 240 مسألة 117.
(8) الدروس الشرعية: ج 1 ص 299.
(9) إيضاح الفوائد: ج 3 ص 374.
179
لأنه اختلاف في قصده) وللأصل، فإنه كما أنهما إذا اختلفا في أصل الإذن كان
القول قول منكره، فكذا الاختلاف في كيفيته (وهو أقرب) وفاقا للشيخ (1).
هذا إذا لم يعارضه من القرائن ما يدل على رضاه بالانتقال، وكذا إذا ادعت
أنه قال لها: " أخرجي للنقلة " فأنكر فإن الأصل عدم الزيادة.
وإن اتفقا على أنه قال: " انتقلي أو (2) أقيمي " لكنه ادعى أنه ضم إليه قوله:
" للنزهة " ونحوه فأنكرت، اتجه (3) تقديم قولها.
* * *



(1) المبسوط: ج 5 ص 259.
(2) في ن، ق: و.
(3) في ق بدل " فأنكرت اتجه ": فاتجه.
180
الباب (الثاني في الخلع)
(وفيه مقصدان):
(الأول: حقيقته)
(وهو) بالضم (إزالة قيد النكاح بفدية) من الزوجة، وكراهة لها لزوجها
من دون كراهته لها (وسمي خلعا) من الخلع (لأن المرأة تخلع لباسها من
لباس زوجها) أي تخلع نفسها التي هي لباس الزوج من الزوج الذي هو لباسها
(قال الله تعالى: " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " (1)) وشرعيته ثابتة
بالكتاب (2) والسنة (3) وإجماع المسلمين.
(وفي وقوعه بمجرده من غير اتباع بلفظ الطلاق قولان:) أجودهما
الوقوع، وفاقا للصدوق (4) والمفيد (5) والمرتضى (6) وسلار (7) وابن سعيد (8)
للإجماع كما يظهر من السيد (9). والأخبار، كصحيح ابن بزيع سأل الرضا (عليه السلام)



(1) البقرة: 187.
(2) البقرة: 229.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 487 ب 1 من أبواب الخلع والمباراة.
(4) المقنع: ص 348.
(5) المقنعة: ص 528.
(6) مسائل الناصريات: ص 351.
(7) المراسم: ص 162.
(8) الجامع للشرائع: ص 475.
(9) مسائل الناصريات: ص 351.
181
عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع،
هل تبين منه بذلك أو هي امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ قال: تبين منه، وإن شاء أن
يرد إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعل، قال: فقلت: إنه قد روي أنها لا تبين منه
حتى يتبعها بطلاق، قال: ليس ذلك إذا خلع، فقلت: تبين منه؟ فقال: نعم (1). وقول
الصادق (عليه السلام) في خبر حمران: وكانت تطليقة بائنة لا رجعة له عليها، سمي طلاقا
أو لم يسم (2). وقول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة: فإذا فعلت ذلك، فهي أملك بنفسها
من غير أن يسمي طلاقا (3).
ويجوز أن يكون ذلك من كلام الراوي، أي قال (عليه السلام) ذلك من غير أن يسمي
طلاقا.
وأما قول الصادق (عليه السلام) في حسن محمد بن مسلم: " وكانت تطليقة بغير طلاق
يتبعها " (4) وخبر ابن أبي عمير (5) عن سليمان بن خالد: " قال: قلت: أرأيت إن هو
طلقها بعد ما خلعها أيجوز عليها؟ قال: ولم يطلقها وقد كفاه الخلع، ولو كان الأمر
إلينا لم نجز طلاقا " (6) فيحتملان إلقاء الطلاق بعد الخلع في العدة قبل الرجعة،
والدلالة على أنها بانت بالخلع، وهو أعم من أن يتوقف صيغته على لفظ الطلاق
أو لا.
وما في الفقيه من قوله: " وفي رواية حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: عدة المختلعة عدة المطلقة، وخلعها طلاقها، وهي تجزي من غير أن يسمي
طلاقا (7). فيحتمل أن يكون قوله: " وهي تجزي من غير أن يسمى طلاقا " من كلام



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 492 ب 3 من كتاب الخلع والمباراة ح 9.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 497 ب 6 من كتاب الخلع والمباراة ح 4.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 493 ب 3 من كتاب الخلع والمباراة ح 10.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 491 ب 3 من كتاب الخلع والمباراة ح 3.
(5) الموجود في نسخ كشف اللثام: ابن أبي عيسى.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 492 ب 3 من كتاب الخلع والمباراة ح 8.
(7) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 523 ح 4821.
182
الصدوق. وأما نحو قول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي: " وكان الخلع تطليقة " (1)
فليس من الدلالة عليه في شيء.
والقول الآخر للشيخ (2) وابني زهرة (3) وإدريس (4). وحكى ابن زهرة
الإجماع عليه (5). قال الشيخ: وهو مذهب جعفر بن سماعة والحسن بن سماعة
وعلي بن رباط، وابن حذيفة من المتقدمين، ومذهب علي بن الحسين من
المتأخرين، فأما الباقون من فقهاء أصحابنا المتقدمين فلست أعرف لهم فتيا في
العمل به.
واستدلوا بالإجماع. وهو ممنوع. وبالأصل والاحتياط. وبخبر موسى بن بكر
عن الكاظم (عليه السلام) قال: المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في عدة (6).
وأنت تعرف أن الظاهر أنه يجوز أن تطلق مرة اخرى ما دامت في العدة،
وذلك بأن ترجع في البذل فيراجعها الزوج ثم يطلقها، وأما فهم أنه لابد من الاتباع
في الصيغة فبعيد جدا، هذا مع ضعف السند.
وبنحو خبر زرارة عن الصادق (عليه السلام) قال: ما سمعت مني يشبه قول الناس فيه
التقية، وما سمعت مني لا يشبه قول الناس لا تقية فيه (7).
والأخبار التي ظاهرها الوقوع من غير اتباع الطلاق موافقة لقول الناس،
فلابد من حملها على التقية، وهو إنما يتم لو عارضها ما لا يشبه قول الناس،
ولم يظفر بمعارض سوى ما ذكروه من خبر موسى بن بكر، وقد عرفت ما فيه.
وبأن الطلاق بشرط لا يقع، ومن شرط الخلع أن يقول الرجل: إن رجعت فيما



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 491 ب 3 من كتاب الخلع والمباراة ح 2.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 97 ذيل حديث 327 - 328.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): ص 552 س 33.
(4) السرائر: ج 2 ص 726.
(5) غنية النزوع: ص 375.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 490 ب 3 من كتاب الخلع والمباراة ح 1.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 492 ب 3 من كتاب الخلع والمباراة ح 7.
183
بذلت فأنا أملك ببضعك، وهذا شرط فلا تقع به فرقة. وهو ممنوع، بل من حكمه
أنها إذا رجعت كان له الرجوع وانقلبت رجعية بعد البينونة، ولو سلم فهو ليس
بشرط للخلع أو الفراق، وإنما هو شرط البينونة.
وبقول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي: لو كان الأمر إلينا لم نجز طلاقها إلا
للعدة (1). وقوله في خبر أبي بصير: لو كان الأمر إلينا لم يكن الطلاق إلا للعدة (2).
وما في خبر سليمان بن خالد من قوله: ولو كان الأمر إلينا لم نجز طلاقا (3).
ولا دلالة لشيء من ذلك عليه، فإن المفهوم من هذه العبارات أن المختلعة
لو طلقت بعد الخلع كان لغوا، كما أن الطلقة بعد الطلقة لغو ما لم يراجعها. نعم لو قيل
" لو كان الأمر إلينا لم نجز إلا الطلاق " دل على ذلك.
(وهل) على المختار (هو فسخ) فلا ينقص به عدد الطلاق ولا تحرم
بالاختلاع ثلاثا (أو طلاق فينقص به عدده؟ قولان:) أجودهما الثاني، وفاقا
لأبي علي (4) والصدوق (5) وعلم الهدى (6) والمفيد (7) وابن زهرة (8) للأخبار وهي
كثيرة، كما تقدم من خبري حمران والحلبي (9) قال المرتضى: على أن الفسخ
لا يصح في النكاح، ولا الإقالة (10).
والقول الأول للشيخ على التنزل، لأنه ليس بلفظ الطلاق (11) وقد سمعت في
الطلاق ما أفاد الحصر في لفظه (12) ولأنه لو كان طلاقا لكان قوله تعالى بعده: " فإن
طلقها " (13) طلقة رابعة، وحكي هذا الدليل عن ابن عباس (14).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 491 ب 3 من كتاب الخلع والمباراة ح 2.
(2) المصدر السابق.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 492 ب 3 من كتاب الخلع والمباراة ح 8.
(4) مختلف الشيعة: ج 7 ص 396.
(5) المقنع: ص 348.
(6) مسائل الناصريات: ص 351.
(7) المقنعة: 528.
(8) غنية النزوع: ص 375.
(9) تقدما في ص 188 - 189.
(10) مسائل الناصريات: ص 352.
(11) الخلاف: ج 4 ص 424 مسألة 3.
(12) تقدم في ص 32 - 33.
(13) البقرة: 230.
(14) المجموع: ج 17 ص 15 والمبسوط للسرخسي: ج 6 ص 171.
184
وفيه: أنه إنما يتم لو تعين أن يكون الخلع مغايرا للطلقتين. وهو ممنوع، لم
لا يجوز أن يراد " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا " في الطلقتين
" إلا أن يخافا... فلا جناح عليهما فيما افتدت به " (1) فيهما؟
(وهو إما حرام: كأن يكرهها لتخالعة وتسقط حقها) عنه، فإن فعل
(فلا يصح بذلها، ولا يسقط حقها، ويقع الطلاق رجعيا إن تبع به) وفاقا
للمبسوط، لأنه أوقعه باختياره (2).
ويحتمل البطلان كما احتملته العامة (3) بناء على أنه إنما قصد به الطلاق بإزاء
الفداء المكره عليه، خصوصا مع اعتقاد صحة الخلع مع الإكراه.
(وإلا) يتبع بالطلاق (بطل) فلم يقع خلع ولا طلاق.
(وكذا) في الحرمة والبطلان (لو منعها حقها من النفقة) الواجبة (و)
سائر (ما تستحقه) كالقسمة (حتى خالعته على إشكال) من كونه إكراها،
وقوله تعالى: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " (4).
ومن منع كونه إكراها، فإن عدولها عن مطالبة الحق إلى الاختلاع باختيارها،
والآية إنما دلت على أنهن إن لم يطبن نفسا فليس الأكل هنيئا مريئا. وهو خيرة
المبسوط قال: وأما عندنا فالذي يقتضيه المذهب أن نقول: إن هذا ليس بإكراه،
لأنه لا دليل عليه (5).
(وإما مباح: بأن تكره المرأة الرجل) لدينه أو خلقه أو نحوهما، فتخاف
أن لا تقيم حدود الله في زوجها بأن لا تطيعه ولا تجيبه (فتبذل له مالا ليخلعها
عليه) كما في قصة جميلة بنت أبي عبد الله بن أبي أو في حبيبة بنت سهل
الأنصارية، وزوجها ثابت بن قيس بن شماس، قالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله): فرق بيني
وبينه، فإني أبغضه ولقد رفعت طرف الخباء فرأيته يجيء في أقوام، وكان أقصرهم
قامة وأقبحهم وجها، وأشدهم سوادا وإني أكره الكفر بعد الإسلام، فقال ثابت:



(1) البقرة: 229.
(2) المبسوط: ج 4 ص 341.
(3) الحاوي الكبير: ج 10 ص 6.
(4) النساء: 4.
(5) المبسوط: ج 4 ص 341.
185
مرها يا رسول الله فلترد علي الحديقة التي أعطيتها، فخالعته عليها (1). ويقال:
إنه أول خلع في الإسلام.
والدليل على الإباحة إذا ظهرت منها الكراهة حتى خيف أن لا تقيم حدود الله
هو الكتاب (2) والسنة (3).
ولما كانت الكراهة غالبا لا تعلم إلا بالقول أو الفعل، والفعل لا يدل غالبا
إلا بأن تفعل المخالفة لزوجها، والآية صريحة في أن الخوف كاف في الاختلاع
لم يبق إلا القول، فلابد من أن تقول ما يدل على ذلك كما قالت زوجة ثابت:
إني أكره الكفر بعد الإسلام.
وفي رواية: لا أنا ولا ثابت لا يجمع رأسي ورأسه شيء (4). وهو معنى قول
الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي: لا يحل خلعها حتى تقول لزوجها: والله لا أبر لك
قسما، ولا اطيع لك أمرا، ولا أغتسل لك من جنابة، ولأوطئن فراشك ولآذنن
عليك بغير إذنك، وقد كان الناس يرخصون فيما دون هذا، فإذا قالت المرأة ذلك
لزوجها حل له ما أخذ منها، وكانت عنده على تطليقتين باقيتين، وكان الخلع
تطليقة، وقال (عليه السلام): يكون الكلام من عندها (5). وقوله في حسن محمد بن مسلم: لا
يحل له أن يأخذ منها شيئا حتى تقول: " والله لا أبر لك قسما، ولا اطيع لك أمرا،
ولآذنن في بيتك بغير إذنك، ولأوطئن فراشك غيرك " فإذا فعلت ذلك من غير أن
يعلمها حل له ما أخذ منها، وكانت تطليقة بغير طلاق يتبعها، وكانت بائنا بذلك،
وكان خاطبا من الخطاب (6) ونحوهما من الأخبار (7).



(1) السنن الكبرى للبيهقي: ج 7 ص 312. ومسند أحمد بن حنبل: ج 6 ص 433 مع اختلاف.
والمبسوط: ج 4 ص 342.
(2) البقرة: 229.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 487 ب 1 من كتاب الخلع والمباراة.
(4) سننن البيهقي: ج 7 ص 313 مع اختلاف.
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 523 ح 4821.
(6) الاستبصار: ج 3 ص 315 ح 1123.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 487 ب 1 من كتاب الخلع والمباراة.
186
إلا أنه لابد من التلفظ بهذه الألفاظ بخصوصها، وينص عليه قول الباقر (عليه السلام)
في صحيح محمد بن مسلم: إذا قالت المرأة لزوجها جملة: " لا اطيع لك أمرا "
مفسرا وغير مفسر حل له أن يأخذ منها، وليس له عليها رجعة (1). وخبر سماعة
قال للصادق (عليه السلام): لا يجوز للرجل أن يأخذ من المختلعة حتى تتكلم بهذا الكلام
كله، فقال: إذا قالت له: " لا اطيع الله فيك " حل له أن يأخذ منها ما وجد (2). ولذا
ترى الأصحاب يصرحون بأنه تكفي الكراهة منها علمت من قولها أو من غيره.
(وإما مستحب) وفاقا لابن إدريس (3) والمحقق (4) (بأن تقول: لأدخلن
عليك من تكرهه) أما عدم الوجوب، فللأصل من غير معارض، فإنها لم تأت
بمنكر ليجب النهي عنه، ثم النهي لا ينحصر في المخالعة، وأما الاستحباب،
فللتحرز من وقوعها في المأثم وليطيب قلبها ويزول ما بينهما من الشحناء.
(وقيل) في النهاية (5) والغنية (6) والوسيلة (7): (يجب) وحمل على تأكد
الاستحباب. وفي الشرائع: وفيه رواية بالوجوب (8). ولم نظفر بها.
ثم الشيخ وابن حمزة أوجبا الخلع، وابن زهرة أوجب الطلاق. ويحتمل أن
يكون ذلك مراد الأولين، وأن يكونا أوجبا أو استحبا خصوص الخلع، لأنه بائن،
ولو طلقها من غير خلع فلعلها لا تنتهي عن المنكر.
ثم لم أر من الأصحاب من فرق بين أن تكرهه أو تقول له ذلك بالإباحة على
الأول، والاستحباب أو الوجوب على الثاني، إلا المصنف.
قال الشيخ: وإنما يجب الخلع إذا قالت المرأة لزوجها: " إني لا اطيع لك أمرا
ولا أقيم لك حدا ولا أغتسل لك من جنابة. ولأوطئن فراشك من تكرهه إن



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 487 ب 1 من كتاب الخلع والمباراة ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 487 ب 1 من كتاب الخلع والمباراة ح 2.
(3) السرائر: ج 2 ص 724.
(4) شرائع الإسلام: ج 3 ص 53.
(5) النهاية: ج 2 ص 470.
(6) غنية النزوع: ص 375.
(7) الوسيلة: ص 331.
(8) شرائع الإسلام: ج 3 ص 53.
187
لم تطلقني ". فمتى سمع هذا القول أو علم من حالها عصيانه (1) في شيء من ذلك
وإن لم تنطق به، وجب عليه خلعها (2).
وقال ابن إدريس بعد حكايته قوله (رحمه الله): وجب عليه خلعها على طريق تأكيد
الاستحباب دون الفرض والإيجاب، قال: وإلا فهو مخير بين خلعها وطلاقها، وإن
سمع منها ما سمع بغير خلاف، لأن الطلاق بيده، ولا أحد يجبره على ذلك (3).
وقال ابن زهرة: وأما الخلع فيكون مع كراهة الزوجة خاصة لا الرجل،
وهو مخير في فراقها إذا دعته إليه حتى تقول له: لئن لم تفعل لأعصين الله بترك
طاعتك ولأوطئن فراشك غيرك، أو يعلم منها العصيان في شيء من ذلك، فيجب
عليه - والحال هذه - طلاقها (4).
وقال ابن حمزة: وما يوجب الخلع أربعة أشياء: قولا من المرأة أو حكما،
فالقول أن تقول: " أنا لا اطيع لك أمرا ولا أقيم لك حدا، ولا أغتسل لك من جنابة
ولأوطئن فراشك من تكرهه " والحكم أن يعرف ذلك من حالها (5).
وأما سائر الأصحاب فاقتصروا على ذكر صحته وحلية ما يأخذه منها،
وذكروا أن ذلك إذا كرهته وظهر عصيانها له. نعم توهمه عبارة المحقق، ولكن
ليست نصا فيه.
قال في الشرائع في تعداد الشرائط: وأن تكون الكراهية منها، ولو قالت:
لأدخلن عليك من تكرهه لم يجب خلعها، بل يستحب (6). ونحوه في النافع (7).
(ولو خالعها والأخلاق ملتئمة لم يصح الخلع) بالإجماع والنص من
الكتاب (8) والسنة (9) (ولا يملك الفدية).



(1) في خ: عصيانها.
(2) النهاية: ج 2 ص 469.
(3) السرائر: ج 2 ص 714.
(4) غنية النزوع: ص 374 - 375.
(5) الوسيلة: ص 331.
(6) شرائع الإسلام: ج 3 ص 53.
(7) المختصر النافع: ص 203.
(8) البقرة: 229.
(9) وسائل الشيعة: ج 15 ص 487 ب 1 من كتاب الخلع والمباراة.
188
(ولو طلقها حينئذ بعوض لم يملكه) بصريح الآيات (1) والأخبار (2)
(ووقع) الطلاق (رجعيا) كما في الشرائع (3) والجامع (4). وفيه احتمال البطلان
كما تقدم.
(ولو أتت بالفاحشة) وهي كل معصية كما في التبيان (5) ومجمع البيان (6)
وأحكام القرآن للراوندي (7). أو ما مر من أقوالها إذا كرهت الزوج كما في تفسير
علي بن إبراهيم (8) (جاز عضلها لتفدي نفسها) للآية (9).
(وقيل) والقائل بعض العامة: (إنه منسوخ) بآية الجلد (10).
قال في المبسوط: وقيل: إن هذه الآية منسوخة كما نسخت آية الحبس
بالفاحشة من الحبس إلى الحدود، وهي قوله: " واللاتي يأتين الفاحشة " (11) فنسخ
الحبس بأن تجلد البكر مائة وتغرب عاما، وقد أباح الله الطلاق فهو قادر على
إزالة الزوجية والخلاص منها، فلا معنى لعضلها حتى تفتدي نفسها ببذل، قال:
والأول أقوى، لأنه الظاهر، ولا دليل على أنها منسوخة (12) انتهى.
ولم أظفر من الأصحاب بمن ذهب إلى ذلك.
(فلو ضربها لنشوزها) بحيث (جاز) الضرب، جاز (حينئذ خلعها
ولم يكن) ذلك (إكراها) وإن لم تكن ترضى بالفراق (13) ما لم تضرب فإن
الضرب مشروع مأمور به، والنشوز من الفاحشة، والآية نصت على جواز الأخذ
إذا أتت بفاحشة (14) من غير قيد.



(1) البقرة: 229، النساء: 4 و19.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 487 ب 1 من كتاب الخلع والمباراة.
(3) شرائع الإسلام: ج 3 ص 55.
(4) الجامع للشرائع: ص 476.
(5) التبيان: ج 3 ص 150.
(6) مجمع البيان: ج 3 ص 24.
(7) رواه ابن عباس، انظر فقه القرآن للراوندي: ج 2 ص 164.
(8) تفسير القمي: ج 1 ص 75.
(9) النساء: 19.
(10) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 174.
(11) النساء: 15.
(12) المبسوط: ج 4 ص 343.
(13) في ن بدل " بالفراق ": بالفداء.
(14) النساء: 19.
189
(ويجوز الخلع بسلطان وغيره) اتفاقا كما في الخلاف (1) (2) للأصل
والعمومات.
وقول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة: " ولا يكون ذلك إلا عند سلطان " (3) إما على
التقية أو الاستحباب. وظاهر أبي علي وجوب كونه عند سلطان (4).
(وليس له الرجعة، سواء أمسك العوض أو دفعه) إليها بالنص (5)
والإجماع، ويؤيده ما في الآية من أنه افتداء. قال في الخلاف: وحقيقة الافتداء
الاستنقاذ والاستخلاص، كافتداء الأسير بالبذل، فلو أثبتنا الرجعة لم يحمل
الافتداء على حقيقته (6).
(نعم لو رجعت هي في البذل جاز له الرجوع في العدة) كما دلت عليه
الأخبار (7) والظاهر أنه لا خلاف فيه.
ولكن قال ابن حمزة: إما أطلقا أو قيدت المرأة بالرجوع فيما افتدت،
والرجل بالرجوع في بضعها، وكلاهما جائز، فإن أطلقا لم يكن لأحدهما الرجوع
إلا برضاء الآخر، وإن قيدا لم يخل إما لزمتها العدة أو لم تلزم، فإن لزمتها جاز
الرجوع ما لم تخرج من العدة، فإن خرجت منها أو لم تلزم العدة لم يكن لهما
الرجوع بحال إلا بعقد جديد ومهر مستأنف (8). ونفى عنه البأس في المختلف (9).
بناء على أنه معاوضة، فلابد من التراضي.
وحكى الشيخ عن الحسن بن سماعة وغيره أن من شرطه أن يقول الرجل: إن



(1) الخلاف: ج 4 ص 424 مسألة 4.
(2) في ق بدل " الخلاف ": المبسوط. راجع المبسوط: ج 4 ص 344.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 493 ب 3 من كتاب الخلع والمباراة ح 10.
(4) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 397.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 487 ب 1 من كتاب الخلع والمباراة ح 1. وص 495 ب 5 ح 1.
وص 496 ب 5 ح 3.
(6) الخلاف: ج 4 ص 427 ذيل مسألة 6.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 498 ب 7 من كتاب الخلع والمباراة.
(8) الوسيلة: ص 332.
(9) مختلف الشيعة: ج 7 ص 399.
190
رجعت فيما بذلت فأنا أملك ببضعك (1). وربما يظهر ذلك من الصدوق (2) والمفيد (3).
(و) قد مر أن الأقرب أنه (ليس له أن يتزوج بأختها ولا برابعة بعد
رجوعها في البذل) لأنها صارت رجعية.
(وهل له ذلك قبله؟ إشكال (4)) من الأصل والبينونة، وصحيح أبي بصير
سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل اختلعت منه امرأته أيحل له أن يخطب أختها من قبل
أن تنقضي عدة المختلعة؟ قال: نعم قد برئت عصمتها منه، وليس له عليها رجعة (5).
وهو خيرة الجامع (6). ومن إمكان الرجعة والاحتياط، وهو الأجود.
(فإن جوزناه) ففعل (فرجعت) في البذل (في العدة فالأقرب جواز
رجوعها) ذلك، للأصل، مع احتمال العدم كما في الجامع (7) بناء على أن رجوعها
مستلزم لجواز رجوعه، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم.
ويندفع بمنع الملازمة مطلقا، ثم منع انتفاء اللازم، لجواز مفارقة الأخت
والرابعة بحيث يجوز مراجعتها في العدة.
(وليس له حينئذ) رجعة في البذل، وقد تزوج بالأخت أو الرابعة (أن
يراجع (8)) إلا أن يفارقهما.
(ولو كانت) المخالعة تطليقة (ثالثة، فالأقرب أنه لا رجعة لها في
بذلها) للملازمة بين رجعتها وجواز رجعته بالذات وإن منع منها مانع كنكاح
الأخت، وهنا امتنعت الرجعة بالذات، لأنها بمنزلة المعاوضة، فإنه لم يرض
بالطلاق إلا بالعوض. مع احتمال الصحة، للعموم، ومنع الملازمة مطلقا،
والعموم ممنوع، إذ لم نظفر بخبر عام.



(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 97 ذيل حديث 329.
(2) المنقع: ص 348.
(3) المقنعة: ص 528 - 529.
(4) في بعض نسخ قواعد الأحكام زيادة: منشأه من حيث البينونة ومن حيث إنها متزلزلة.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 504 ب 12 من كتاب الخلع والمباراة ح 1.
(6) الجامع للشرائع: ص 477.
(7) الجامع للشرائع: ص 476.
(8) في قواعد الأحكام بدل " يراجع ": يرجع.
191
(ولو رجعت ولما يعلم حتى خرجت العدة، فالأقرب صحة رجوعها)
للأصل. مع احتمال العدم، لانتفاء اللازم (ومنع رجوعه) لانقضاء العدة.
(ولو رجع ولم يعلم برجوعها) زاعما صحته (فصادف رجوعها
والعدة صح) لوقوعه مع القصد في محله.
وأما إن لم يعتقد الصحة ولا ذهولا، فالظاهر عدم الصحة، لامتناع (1) القصد
حينئذ إلى الرجعة.
نعم إن راجع بالفعل ولم تشترط النية صح (ولا يصح طلاقها) عندنا (قبل
الرجوع في البذل ولا بعده ما لم يرجع في النكاح بعد رجوعها) في البذل،
لما عرفت أن الخلع طلاق، وعندنا لا يقع طلقتان ليس بينهما رجوع.
(المقصد الثاني في أركانه)
(وفيه مطالب) سبعة، والأربعة الأخيرة من تتمة الثالث، أو الثلاثة الأخيرة
من تتمة الثالث والرابع، ولذا صارت من مطالب الأركان.
(الأول: الخالع)
(ويشترط فيه: البلوغ والعقل والاختيار والقصد، فلا يقع من الصغير
وإن كان مراهقا) إلا على الروايات المتقدمة في الطلاق بنفاذ طلاقه (2) وقد
عرفت ضعفها سندا ودلالة.
(ولا من المجنون المطبق ولو كان) الجنون (يعتوره أدوارا صح
حال إفاقته) لانتفاء المانع وصدوره عن أهله.
(ولو ادعت وقوعه حال جنونه وادعى) وقوعه (حال الإفاقة أو
بالعكس فالأقرب تقديم مدعي الصحة) لأنها الأصل، ويحتمل الخلاف،
لأصالة عدم الوقوع وبقاء النكاح والبراءة من العوض.
(ولا من المكره إلا مع قرينة الرضا كأن يكرهه على الخلع بمائة



(1) في ن بدل " لامتناع ": لانتفاء.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 324 ب 32 من أبواب مقدماته وشرائطه ح 2.
192
فيخلعها بمائتين أو بفضة فيخلعها بذهب) إلى غير ذلك من نحو ما مر في
الطلاق وغيره.
(ولو ادعى الإكراه لم يقبل إلا مع البينة) لمخالفته الأصل، ويسترد منه
المال (وتكفي القرينة فإنه) عبارة عن أنه لم ينو بالصيغة معناها، وإنما أوقعها
خوفا، وهو (من الامور الباطنة) التي لا يطلع عليها إلا من قبله، مع التأيد
بأصالة بقاء النكاح، ولذلك فالظاهر قبول قوله مع يمينه وإن لم تكن قرينة، ما لم
تكن القرينة على خلافه، وكذا لو ادعت إكراهها.
ولو ادعت إكراهه لم يقبل وإن أقامت بينة، إلا أن تشهد بإقراره، لأنها إنما يطلع
على قرائن الإكراه، وربما تحققت وأوقع الصيغة قاصدا بها معناها مختارا لها (1).
(ولا يقع مع السكر الرافع للقصد، ولو لم يرفع قصده صح ويقبل
قوله) في القصد وعدمه (مع اليمين) لأنه لا يعرف إلا من قبله.
(و) كذا (لا يقع مع الغضب الرافع للقصد) ويرجع إليه في ذلك
(ولا مع الغفلة والسهو).
(ولو خالع ولي الطفل بمهر المثل صح إن قلنا هو فسخ) لأن له
التصرف في أموره بالعقود، وفسخ ما ينفسخ منها (وإلا) بل كان طلاقا (فلا)
لأنه لا يملك الطلاق عن المولى عنه.
(ولو خالع بدونه لم يصح إلا مع المصلحة) وفيه إشارة إلى الفرق بين
الإيقاعين، فإنه بدون مهر المثل لا شبهة في أنه لا يصح إلا مع المصلحة، وبه
مختلف فيه، فقد اختلف في أنه لابد في تصرفات الولي من اعتبار المصلحة
أو يكفي انتفاء المفسدة.
وأبطل في الخلاف خلع الولي، وادعى الإجماع عليه (2). ووافقه ابن سعيد (3).
(ولو خالع السفيه بعوض المثل) وافق مهر المثل أو خالفه، ويحتمل



(1) في ط وي بدل " لها ": له.
(2) الخلاف: ج 4 ص 422 مسألة 29.
(3) الجامع للشرائع: ص 475.
193
إرادة مهر المثل كما في التذكرة (1) وغيرها (صح) لأنه اكتساب، وإنما اشترط
عوض المثل بناء على كونه معاوضة. ويحتمل الصحة بما دونه كما يعطيه كلام
التحرير (2) لأنه بعد التسليم إنما يأخذ عوض البضع، فإنما أتلف على نفسه بضعا،
وهو ليس من المال ليحجر عليه في استبداله، وأخذه العوض ليس إلا اكتسابا
للمال، ولا تقدير لذلك مع أن الصحيح كونه طلاقا، وإذا نفذ طلاقه مجانا فمع
العوض أيا ما كان أولى، وتردد في التذكرة (3).
(ولا يقبضه) أي العوض (بل) إنما يقبضه (وليه فإن سلمته إليه
لم تبرأ، فإن كان باقيا أخذه) منه (وليه وبرئت) فإن كان معينا تعين أخذه
منه، وإلا تخير بين الأخذ منه ومنها، فتسترد منه.
(وإن أتلفه كان للولي مطالبتها) وإن علم بالقبض قبل الإتلاف فتوانى
في أخذه منه إلى أن أتلفه، وإنما يطالبها (به) أي بعوض المثل الذي وقع عليه
الخلع، لأنه الذي استحقه المولى عليه (لا بمهر المثل) إن خالفه في المقدار،
كما قال به بعض العامة (4) لأنه غيره، وصحة المطالبة، لأنه لم يتحقق التسليم
شرعا، كانت عالمة بالسفه أو لا، علمت الحكم الشرعي أو لا.
(وليس لها الرجوع على السفيه بعد فك الحجر) عنه (لأنها سلطته
على إتلافه بتسليمه إليه) كانت عالمة بحاله أم لا، إذ من حقها البحث.
والأقرب أن لها المطالبة مع الجهل بالسفه أو حكمه، لأنها لم تسلطه عليه
مجانا، ونفى في التذكرة البأس عن التضمين مطلقا بعد فك الحجر عنه (5).
(ولو أذن لها الولي في الدفع إليه، فالأقرب براءة ذمتها) لأنه دفع
مأذون فيه ممن له الولاية، فكان مجزئا، وهو متجه إذا كان بمراعاته له، فإنه بمنزلة
التسليم إليه، وأما مع الغيبة وانتفاء المراعاة فلا، لاحتمال تفريط الولي بذلك،
وعدم نفوذ هذا الإذن منه.



(1) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 79 س 31.
(2) تحرير الأحكام: ج 2 ص 58 س 19.
(3) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 79 س 29.
(4) الحاوي الكبير: ج 10 ص 85.
(5) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 79 س 20.
194
(وفي الصبي لو أذن لها الولي) في التسليم إليه (إشكال) مما مر في
السفيه. ومن أنه ليس أهلا للتسلم بخلاف السفيه، ويتجه التفصيل المتقدم.
(وكذا) الإشكال في (المجنون) من ذلك، و (أقربه) فيهما (عدم
البراءة).
(وهل لها) إن سلمت إليهما بإذن الولي (الرجوع على الولي مع) التلف
و (جهلها) الحكم؟ (أقربه ذلك، لأنه سبب) التلف، والسبب هنا راجح على
المباشر. ويحتمل العدم ضعيفا؛ لتفريطها بالجهل.
(وهل للعبد الخلع بغير إذن مولاه؟ أقربه ذلك إن جعلناه طلاقا) فإن
الطلاق بيده، وإذا نفذ مجانا فبالعوض أولى، مع احتمال الفساد لكونه معاوضة.
(أو) جعلناه (فسخا على إشكال) من كونه فسخا بعوض فهو معاوضة.
ومن أنه ليس معاوضة محضة، وإلا كان العوضان مالين. وقطع في التحرير
بالصحة من غير فرق (1).
(والعوض لمولاه وعوض المكاتب له) لانتفاء سلطنة المولى عنه، فلا
تبرأ بدفع العوض إليه إن لم يكن مكاتبا إلا بإذن المولى (ولو دفعت) العوض
(إلى العبد) من غير إذن المولى (فأتلفه) رجع عليها المولى و (رجعت عليه
بعد عتقه، بخلاف المحجور عليه) لغير الرق (لأنه حجر عليه لحفظ ماله،
فلو جعلنا عليه رجوعا بعد الحجر لم يفد الحجر شيئا) بخلاف العبد، فإنه
إنما حجر عليه لاشتغاله بحق المولى، ولأنه حجر عليه لحق نفسه، وهو يناسب
انتفاء الضمان عنه مطلقا، والحجر على العبد لحق المولى، وهو يناسب ضمانه إذا
خلى عن حقه.
(ويصح الخلع من المريض) لأنه إما طلاق - وإذا جاز مجانا فبالعوض
أولى - أو معاوضة كالبيع (وإن كان بدون مهر المثل) لأنه إذا جاز الطلاق



(1) تحرير الأحكام: ج 2 ص 60 س 6.
195
مجانا فبالعوض [وإن قل] (1) أجوز، ولو كان معاوضة فغايته أن يكون محاباة
يعتبر من الثلث. وعن الحسن بن محمد بن القاسم الهاشمي أنه سمع الصادق (عليه السلام)
يقول: لا ترث المختلعة والمبارئة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئا إذا كان
منهن في مرض الزوج وإن مات في مرضه، لأن العصمة قد انقطعت منهن ومنه (2).
(ويصح خلع المحجور عليه للفلس) لأنه من أهله، والحجر عليه إنما
هو لحق الغرماء، فلا يحجر إلا فيما يضرهم.
(و) يصح (خلع المشرك ذميا وحربيا) لعموم الأدلة.
(فإن تعاقدا الخلع بعوض صحيح، ثم ترافعا) إلينا قبل الإسلام أو بعده
منهما أو من أحدهما قبل القبض أو بعده كلا أو بعضا (أمضاه الحاكم. وإن كان)
العوض (فاسدا كالخمر والخنزير، ثم ترافعا بعد التقابض، فلا اعتراض)
قبل الإسلام أو بعده، إلا إذا تقابضا بعد الإسلام فسيأتي.
(وإن كان) الترافع (قبله) أي التقابض (لم يأمره بقبضه (3) وأوجب)
عليها (القيمة) عند المستحلين كما في المبسوط (4). وللعامة قول بإيجاب
مهر المثل (5).
(وإن تقابضا البعض أوجب) عليها (بقدر الباقي من القيمة، ولو
أسلما ثم تقابضا ثم ترافعا أبطل القبض وأوجب القيمة) ولا شيء عليهما
إلا إذا كانا علما بالحرمة فيعزرهما كما في المبسوط (6).
(المطلب الثاني: المختلعة)
(ويشترط فيها ما تقدم في الخالع) ولولي الصغيرة اختلاعها مع



(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في ن.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 496 ب 5 من كتاب الخلع والمباراة ح 4.
(3) في قواعد الأحكام بدل " بقبضه ": بإقباضه.
(4) المبسوط: ج 4 ص 371.
(5) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 203. كفاية الأخيار: ج 2 ص 50.
(6) المبسوط: ج 4 ص 371.
196
المصلحة (وأن تكون طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع إن كانت مدخولا
بها غير يائسة) ولا صغيرة ولا حامل (وكان الزوج حاضرا معها) قلنا بأنه
طلاق أو فسخ بالاتفاق كما في الخلاف (1).
وينص عليه الأخبار كقول الصادق (عليه السلام) في خبر حمران: لا يكون خلع
ولا تخيير ولا مباراة إلا على طهر من المرأة من غير جماع وشاهدين يعرفان
الرجل ويريان المرأة ويحضران التخيير وإقرار المرأة أنها على طهر من غير
جماع يوم خيرها (2). وقول الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم: لا طلاق
ولا خلع ولا مباراة ولا خيار إلا على طهر من غير جماع (3).
وفي المراسم: وشروط الخلع والمباراة شروط الطلاق، إلا أنهما يقعان بكل
زوجة (4). وهو يعطي وقوعهما في الحيض وطهر المواقعة.
وقال ابن إدريس: يريد أنه بائن لا رجعة مع واحد منهما، سواء كان مصاحبا
للطلقة الأولى أو الثانية، قال: لأنه لما عدد البوائن ذكر ذلك، فالمعنى أنهما يبينان
كل زوجة، وحكى عن الراوندي: أنه أراد المتمتع بها. وقال: وهذا خطأ محض،
لأن المباراة لابد فيها من طلاق، والمتمتع بها لا يقع بها طلاق (5).
(وأن تكون الكراهية منها لا) منه وحده، فلا يجوز أخذ العوض،
ولا منهما، فيكون مباراة. و (يصح خلع الحامل وإن رأت الحيض) كالطلاق.
قال زرارة: لا يكون إلا على مثل موضع الطلاق إما طاهرا وإما حاملا (6).
وقد سبق ما نص على أن خمسا يطلقن على كل حال، منهن: الحامل (7).
وعن بعض الأصحاب أنها إن حاضت لم يجز خلعها وإن جاز طلاقها، ولعله مبني



(1) الخلاف: ج 4 ص 422، مسألة 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 304 ب 23 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 497 ب 6 من كتاب الخلع والمباراة ح 3.
(4) المراسم: ص 162.
(5) السرائر: ج 2 ص 731.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 498 ب 6 من كتاب الخلع والمباراة ح 6.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 309 ب 27 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 3.
197
على كونه فسخا، مع عموم ما سمعته من الخبرين.
(و) كذا يصح خلع (غير المدخول بها معه) أي الحيض إتفاقا لكونها
من الخمس (و) كذا (اليائسة وإن وطئها في طهر المخالعة) لذلك (و) كذا
(لو وطئ الصغيرة جاز له خلعها إذا بذل الولي) لذلك، ولكن في جواز خلع
الصغيرة مطلقا خلاف، ففي النهاية الجواز (1). وفي المبسوط (2) والجامع (3) المنع
منه، وهو أجود، لانتفاء الكراهة منها. وفي التحرير: لأنه لا حظ لها في إسقاط
مالها (4). وضعفه ظاهر.
(وللولي الخلع عن المجنونة) والكلام فيها كالكلام في الصغيرة (و)
على الجواز فإنما (يبذل) الولي (مهر مثلها فما دون) إلا مع المصلحة فيما
زاد، كما مر في ولي الزوج.
(ولو خالعت المريضة ب‍) دون (مهر المثل) أو به (صح) وخرج
العوض (من الأصل) زاد على الثلث أم لا، لأنه معاوضة لا محاباة فيها، فلا
يقصر عن نكاح المريض بمهر المثل.
(ولو زاد) عليه (فالزيادة من الثلث) وفاقا للمبسوط (5) للمحاباة.
(فلو خالعت على مائة مستوعبة) لمالها (ومهر مثلها أربعون صح له
ستون) أربعون من الأصل وعشرون ثلث الباقي، وهو ستون إن لم يكن له دين
أو وصية. وخلافا للخلاف (6) والجواهر (7) وأحكام القرآن للراوندي (8) قالوا:
لعموم الآية (9) من غير مخصص.
(ولو خالعت الأمة فبذلت بإذن مولاها صح، فإن أذن في قدر معين
فبذلته تعلق بما في يدها إن كانت مأذونا لها في التجارة، وإن لم تكن



(1) النهاية: ج 2 ص 471.
(2) المبسوط: ج 4 ص 372.
(3) الجامع للشرائع: ص 475.
(4) تحرير الأحكام: ج 2 ص 59 السطر الأخير.
(5) المبسوط: ج 4 ص 370.
(6) الخلاف: ج 4 ص 441 مسألة 28.
(7) جواهر الفقه: ص 179 مسألة 635.
(8) فقه القرآن للراوندي: ج 2 ص 207.
(9) البقرة: 229.
198
مأذونا لها في التجارة تعلق بكسبها) إن كانت مكتسبة كما أن العبد المأذون
في النكاح يبذل المهر مما في يده أو من كسبه.
(ولو لم تكن ذات كسب تعلق بذمتها، تتبع به إذا أعتقت وأيسرت)
كما في المبسوط (1).
(ولو قيل: يتعلق بالسيد مع الإذن مطلقا) كما قلنا في مهر المأذون
في النكاح (كان حسنا) لأن الإذن فيه إذن في لوازمه، ولا فرق بين ما في
كسبه أو ما في يده وسائر أموال السيد، وإن قلنا بتملك المملوك فلا إشكال في
التعلق بذمتها وأدائها من مالها فعلا أو قوة من غير تربص لعتق.
(ولو بذلت عينا بإذنه استحقها، وكذا لو بذلتها فأجاز، ولو أطلق
الإذن انصرف إلى مهر المثل) فما دون (ومحله ما تقدم) من الكسب أو ما
في يدها أو ذمتها أو ذمة السيد.
(ولو لم يأذن صح الخلع وتعلق العوض بذمتها دون كسبها تتبع به
بعد العتق) ويتجه حينئذ اختيار الزوج إن لم يعلم بالحال. وللعامة قول
بالبطلان (2).
(وكذا لو) أذن و (أطلق فزادت على مهر المثل. أو عين قدرا فزادت
عليه كانت الزيادة في ذمتها تتبع به) خلافا لبعض العامة (3) فأفسد الزائد.
(ولو خالعته على عين من مال سيدها وقع الخلع بعوض فاسد إن
لم يجز المولى، وعليها مثلها أو قيمتها تتبع به بعد العتق) وله الخيار إن لم
يعلم بالحال، ويحتمل البطلان، لأنه خالعها على عين مستحقة لم يسلم له، والمثل
والقيمة غيرها.
(والمكاتبة إن خلعت نفسها فكالقن إن كانت مشروطة يتعلق) ما



(1) المبسوط: ج 4 ص 366.
(2) المدونة الكبرى: ج 2 ص 351 والحاوي الكبير: ج 10 ص 82.
(3) الحاوي الكبير: ج 10 ص 82.
199
بذلته مع الإذن (بما في يدها مع الإذن) في التجارة أو كسبها إن كانت مكتسبة
(وبذمتها مع عدمه) وكذا مع عدم الإذن في الخلع.
(وإن كان مطلقة فلا اعتراض) عليها (للمولى) وفاقا للمبسوط (1)
وغيره، لأن كسبه (2) بينه وبين المولى، ولكن سيأتي أنه ليس له التصرف في كسبه
بما ينافي الاكتساب إلا بإذنه، فلا يتجه الفرق بينه وبين المشروطة.
(وبذل السفيهة فاسد لا يوجب شيئا) إلا بإذن الولي كما صرح به في
التحرير (3) كسائر تصرفاته، ولابد من رعاية المصلحة (وكذا الصبية وإن أذن
الولي) لأنها ليست من أهل العبارة.
(المطلب الثالث في الصيغة)
(وهو أن يقول) خلعتك أو (خالعتك على كذا أو فلانة) أو أنت
(مختلعة على كذا) لصراحة الجميع من غير ما يفيد الحصر، ومختلعة بمنزلة
طالق لا مطلقة.
(ولا يقع) عندنا (ب‍ " فاديتك " مجردا عن لفظ الطلاق، ولا " فاسختك "
ولا " أبنتك " ولا " بتتك " ولا بالتقايل) لأن الكل كنايات، ولا يقع عندنا
بالكنايات. وادعى بعض العامة كون الأولين صريحين (4) فالأول للفظ الآية (5)
والثاني أصرح من لفظ الخلع، بناء على كونه فسخا.
(ويقع بلفظ الطلاق) بلا خلاف كما في المبسوط (6) لأنه طلاق، والآية
إنما تضمنت أخذ الفدية في الطلاق (ويكون بائنا مع) ذكر (الفدية وإن تجرد
عن لفظ الخلع) نعم على القول بأن الخلع المجرد عن الطلاق فسخ، لا يكون هذا
فسخا ولكنه خلع، إذ لا قائل بوجوب تجريد الخلع عن الطلاق، أو بكونه فسخا
مطلقا، وإنما الخلاف فيما إذا تجرد عن الطلاق، فليس هذا نوعا من الطلاق مغايرا



(1) المبسوط: ج 4 ص 367.
(2) كذا، والمناسب تأنيث الضمائر.
(3) تحرير الأحكام: ج 2 ص 58 س 15.
(4) الحاوي الكبير: ج 10 ص 9.
(5) البقرة: 229.
(6) المبسوط: ج 4 ص 344.
200
للخلع، لا يشترط فيه الكراهة كما قيل (1) فإن النصوص من الكتاب (2) والسنة (3)
صريحة في النهي عن أخذ الفدية، إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله.
(وإذا قال: خالعتك) أو خلعتك (على كذا فلابد من القبول إن
لم يسبق) منها (السؤال) فإنه افتداء، وبمنزلة المعاوضة لا يتم إلا برضا
الطرفين (فإن سبق) السؤال منها (وجب أن يقع) الإيجاب (عقيبه بلا
فصل) فيكون السؤال بمنزلة القبول، وكأنه لا خلاف في الاكتفاء بذلك، ويدل
عليه الأصل وظواهر الأخبار (4) وكونه طلاقا.
وأما الاتصال، فلئلا يتطرق احتمال رجوعها عما رضيت به من العوض،
ولا ينحصر لفظ السؤال في شيء. ولعل السر في انحصار اللفظ من طرفه دونها،
لزومه من طرفه دونها.
ولا يجب التطابق بين لفظ السؤال والإيجاب، إذا لم يكن الخلع المجرد
فسخا، فلو قالت: " طلقني بألف فقال: خلعتك بها " أو بالعكس صح.
(ولابد من سماع شاهدين عدلين لفظه) معا (كالطلاق) لأنه طلاق،
وللأخبار (5).
(ولو افترقا لم يقع) كالطلاق (ويشترط تجريده من شرط لا يقتضيه
الخلع) لأنه يدفع الإيقاع. (ولو شرط ما يقتضيه) الخلع (صح) لأنه في
الحقيقة ليس شرطا، وإنما هو تصريح بالمتضمن (مثل: إن رجعت رجعت) بل
ظاهر المقنع (6) والمقنعة (7) والمراسم (8) لزوم التعرض له، وقد نصت الأخبار (9)
عليه في المباراة.



(1) نهاية المرام: ج 2 ص 128.
(2) البقرة: 229.
(3 و4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 487 ب 1 من كتاب الخلع والمباراة.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 469 ب 6 من كتاب الخلع والمباراة.
(6) المقنع: ص 348.
(7) المقنعة: ص 528 - 529.
(8) المراسم: ص 162.
(9) وسائل الشيعة: ج 15 ص 500 ب 8 من كتاب الخلع والمباراة.
201
(أو شرطت هي الرجوع في الفدية) متى شاءت.
(أما لو قال: " خلعتك إن شئت " لم يصح وإن شاءت، أو إن ضمنت
لي ألفا، أو إن أعطيتني) ألفا (وما شاكله) لانتفاء الإيقاع (وكذا متى، أو
مهما، أو أي وقت، أو أي حين) ونحو ذلك، لإفادتها التعليق المنافي للإيقاع.
(ولو قال: خلعتك على ألف على أن لي الرجعة) متى شئت (لم
يصح) إلا أن يضم إليه قوله: " إن رجعت " فإنه شرط مخالف لمقتضى الخلع.
(وكذا لو طلق بشرط الرجعة) إذا طلق (بعوض) فإنه إذا قيد به كان
خلعا فينافيه شرط الرجعة، بخلاف ما إذا تجرد عن العوض فإنه لا ينافيه.
(ولو) قال: خلعتك بألف - مثلا - ولم يعقبه بالطلاق و (نوى بالخلع
الطلاق ففي وقوعه) خلعا أو طلاقا (إشكال) أما الخلع فمن أنه لا خلاف في
وقوعه مع التعقيب بالطلاق، ولا معنى له إلا الطلاق بالعوض وقد أراده. ومن أن
الخلع ليس من ألفاظ الطلاق عندنا، فلا يقع به الطلاق وإن أراده كسائر الكنايات
ولم يرد به معناه ليقع الخلع، فلا هو طلاق، ولا هو خلع مجرد، ولا مقرون بالطلاق.
وأيضا من أن الخلع إذا تجرد هل هو طلاق أو فسخ؟ فإن كان طلاقا وقع، وإن كان
فسخا كان في وقوعه إشكال: من مغايرة الفسخ للطلاق. ومن أن الطلاق فسخ
وشئ آخر.
وأما الطلاق فمن الخلاف في أن الخلع المجرد فسخ أو طلاق، فإن كان طلاقا
كان من صرايح الطلاق، وإلا كان من كناياته.
(ولو نوى ب‍ " فسخت " إذا فسخ لعيب الطلاق لم يقع) لكونه من الكنايات
(وهل يلزم النكاح؟ الأقرب ذلك) لأن الفسخ فوري ولم يوقعه، بل نية
الطلاق التزام بالنكاح، فهو (كما لو طلقها) صريحا (لكن هنا تطلق لا هناك).
ويحتمل عدم اللزوم، لأن الطلاق إنما يكون التزاما بالنكاح إذا صح، وهنا
لم يصح. وضعفه ظاهر. ولما عرفت من أنه فسخ وشئ آخر. ويندفع بأنه فسخ
تابع للنكاح، وهو لا يفيد.

202
(ولو طلبت منه طلاقا بعوض فخلعها مجردا عن لفظ الطلاق لم يقع
على القول بأنه طلاق ولا على الآخر) أما على الآخر فظاهر، لأنها طلبت
الطلاق. وأما على الأول فلأن ظاهرها طلب صريح الطلاق، والمتفق على كونه
طلاقا، وهو ليس صريحا، ولو سلم ففيه خلاف، فما أوقعه ليس طلاقا، وهي
لم تطلب الخلع فلم يقع شيء منهما.
وفي المبسوط: وعلى ما يذهب إليه بعض أصحابنا من أن بلفظ الخلع تقع
الفرقة ينبغي أن يقول: يقع (1). وهو أقوى، إلا أن تصرح بطلب المتفق على كونه
طلاقا، لما عرفت من أنه حينئذ من صرايح الطلاق.
(ولو طلبت منه خلعا بعوض) معين (فطلق به وقع الطلاق) لصدوره
عن أهله بلفظه الصريح. وربما احتمل ضعيفا بطلانه، لأنه علق الطلاق بالعوض
وكان (رجعيا) لا خلعيا.
(ولم يلزم البذل إن قلنا: إنه) أي الخلع (فسخ) فإنه أوقع غير ما طلبته،
فلا ينزل طلبها منزلة القبول وكان خلعيا.
(ويلزم) البذل (على أنه طلاق أو مفتقر إليه) فإنها على التقديرين
إنما طلبت الطلاق بعوض.
(ولو ابتدأ فقال: أنت طالق بألف أو وعليك ألف صح الطلاق) لصدور
صريح لفظه عن أهله في محله، وكان (رجعيا، ولم يلزمها الألف) إذا لم يتعقبه
القبول، لما عرفت: من أنه لابد في الخلع من القبول أو ابتداء السؤال.
(ولو تبرعت بعد ذلك بضمانها) لا على وجه يكون قبولا لذلك الإيجاب
(لأنه ضمان ما لم يجب، ولو دفعتها فهي هبة، ولا يصير الطلاق) على
التقديرين (بائنا) ويزيد قوله " أنت طالق وعليك ألف " أنه إن لم تعقبه لقبول
لم يلزم العوض، كما في المبسوط، لأنه أوقع الطلاق مجردا. أو استأنف بقوله:
" وعليك ألف " كما إذا قال " أنت طالق وعليك حج ". قال: وإن تصادقا على أن



(1) المبسوط: ج 4 ص 348.
203
كلامه كان جوابا لاستدعائها مثل أن يتفقا أن هذا جواب لقولها: " طلقني طلقة
بألف فقال: أنت طالق وعليك ألف " لزمها الألف، لا بقوله: " وعليك ألف " بدليل أنه
لو أجابها فقال: " أنت طالق " وسكت لزمها الألف (1).
(ولو قالت: طلقني) أو خالعني (بألف) مثلا (فالجواب على
الفور) لما عرفت: من أن سؤالها بمنزلة القبول، وأن الخلع من المعاوضات، ولابد
في جميعها من تقارن الإيجاب والقبول.
(فإن أخر) وأتى بلفظ الطلاق ولم يتعقبه قبول (فالطلاق) واقع، ولكن
(رجعي) إن جازت الرجعة، إلا على ما عرفته من احتمال البطلان، إذ لم يقصد
إلا الطلاق بعوض (ولا عوض) عليها.
(ويصح الإيقاع منه ومن وكيله) حاضرا أو غائبا، إلا على القول بأنه
طلاق مع القول بأنه لا يجوز التوكيل في الطلاق مع الحضور، وكما يجوز التوكيل
منه يجوز منها.
ويستحب للموكل أيا من كان تقدير البذل، ويجوز بدونه، فينصرف إلى
مهر المثل.
(وهل يتولى البذل والإيقاع) جميعا (وكيل واحد عنهما؟ الأقرب
الجواز) للأصل، وكفاية التغاير اعتبارا، كما هو المختار في سائر العقود.
ويحتمل الجواز هنا وإن منعناه في سائر العقود، بناء على أن البذل جعالة
والخلع إيقاع.
(المطلب الرابع في الفدية)
(وهي العوض عن نكاح قائم لم يعرض له الزوال لزوما ولا جوازا)
لكونه افتداء، والافتداء إنما يصح إذا كانت في قيد النكاح.
ولما تضمن من الأخبار (2) أنه لا يقع إلا على مثل محل الطلاق. (فلا يقع



(1) المبسوط: ج 4 ص 358.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 490 ب 3 من كتاب الخلع والمباراة.
204
الخلع بالبائنة ولا بالرجعية ولا بالمرتدة عن الإسلام وإن عادت في العدة)
خلافا للعامة، فلهم قول بالوقوع بالرجعية لكونها كالزوجة، وبالمرتدة موقوفا (1).
(ويشترط في الفدية العلم) بها من الطرفين (والتمول) كما في سائر
المعاوضات، وللعامة قول بجواز الجهل (2) فينصرف إلى مهر المثل.
(وكل ما يصح أن يكون مهرا صح أن يكون فدية) عينا ودينا
(ولا تقدير فيه) للأصل والعمومات (بل يجوز أن يكون زائدا عما وصل
إليها من مهر وغيره) للعمومات وخصوصات أخبار (3).
(ولو بذلت ما لا يصح تملكه مطلقا) كالحر (أو لا يصح للمسلم)
خاصة (كالخمر، فسد الخلع) عندنا، وللعامة قول بالصحة والانصراف إلى مهر
المثل (4).
(فإن أتبع بالطلاق كان رجعيا. ولو خلعها على عين مستحقة إما
مغصوبة أو لا، فإن علم) بالحال (فسد الخلع) من أصله (إن لم يتبعه
بالطلاق) ولا يبعد القول بالوقف إلى الإجازة (وإن أتبعه) به فسد خلعا،
و (كان رجعيا، وإن لم يعلم استحقاقها قيل) في المبسوط: (بطل الخلع (5).
ويحتمل الصحة ويكون له المثل) إن كان مثليا (و (6) القيمة إن لم يكن
مثليا) كما في المسألة الآتية، إذ لا يعقل الفرق بينهما، والأصل في العقود الصحة
مع أنه ليس معاوضة محضة.
(ولو خلعها على خل) في ظنهما (فبان خمرا صح، وكان له بقدره
خل) كما [مر] (7) في المهر. وللعامة قول بالرجوع إلى مهر المثل (8).



(1) لم نعثر عليه.
(2) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 187.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 493 ب 4 من كتاب الخلع والمباراة.
(4) المجموع: ج 17 ص 25 و28.
(5) المبسوط: ج 4 ص 357.
(6) في قواعد الأحكام: أو.
(7) لم يرد في ن، ق.
(8) المجموع: ج 17 ص 28.
205
(ولو خالعها على غير معين القدر أو الجنس أو الوصف أو حمل
الدابة أو الجارية) أو ما في بطنهما (بطل) عندنا، إلا أن يعيناه بالقصد فسيأتي.
(وكذا لو قال: " خالعتك " (1) ولم يذكر شيئا، ولا ينصرف إلى مهر
المثل) عندنا في شيء من ذلك، خلافا للعامة (2). ومنهم من قال في الحمل: إن
خرج سليما كان هو العوض وإلا فمهر المثل، وكذا ما في بطنها (3). ومنهم من قال
فيما في بطنها: إن لم يظهر حمل لم يستحق شيئا (4).
(ولو كان) العوض (غائبا فلابد من ذكر جنسه، وقدره، ووصفه بما
يرفع الجهالة، وتكفي المشاهدة في الحاضر عن معرفة القدر) كالمهر،
لاندفاع معظم الغرر بها.
(فلو) كان حاضرا و (رجعت) في البذل ثم اختلفا في القدر (فالقول
قوله مع اليمين) للأصل.
وفي الجامع قيل: يتحالفان، ويجب مهر المثل، وقيل: تحلف الزوجة (5).
(وإطلاق النقد والوزن ينصرف إلى غالب البلد) وإن تعدد بطل
(ولو عين انصرف إليه) غالبا وغيره.
(ويصح البذل منها، ومن وكيلها، أو وليها عنها، وممن يضمنه بإذنها)
فإنه بمنزلة إقراضها، والدفع وكالة عنها.
(وهل يصح) البذل (من المتبرع؟ الأقرب المنع) وفاقا للشيخ (6) وغيره،
لخروجه عن معنى الخلع، فإنما أضيف الافتداء في الآية (7) والأخبار (8) إليها.
ويحتمل الصحة بناء على أن البذل ليس إلا افتداء أو جعالة، وما يوقعه الزوج



(1) في قواعد الأحكام: خلعتك.
(2) المجموع: ج 17 ص 25.
(3) و (4) الحاوي الكبير: ج 10 ص 62 والمغني لابن قدامة: ج 8 ص 190.
(5) الجامع للشرائع: ص 477.
(6) المبسوط: ج 4 ص 365.
(7) البقرة: 229.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 487 ب 1 من كتاب الخلع والمباراة.
206
ليس إلا إيقاعا، ويجوز الافتداء من غير المفتدي والجعالة، كما يجوز التزام مال
ليعتق عبده أو يطلق زوجته.
ويضعف بأن الكلام في صحته على وجه يكون عوض الخلع ووقوعه خلعا،
ويجوز عود الضمير إلى الضمان، أي هل يصح الضمان من المتبرع؟ الأقرب العدم،
لأنه ضمان ما لم يجب، فلا يصح إلا فيما دل عليه الدليل، كضمان من يقول: " ألق
متاعك في البحر وعلي ضمانه " ولأنه لابد في الخلع من إيجاب وقبول، والقبول
إنما يكون من المرأة، فلا يصح من الأجنبي.
ويحتمل الصحة لكونه في معنى الافتداء، وهو يصح من الأجنبي. وضعفه
ظاهر، إلا أن يكون وكيلا لها في الخلع، كما في المبسوط (1).
(أما لو قال: طلقها على ألف من مالها) بأن يخلعها عليها وتقبل هي
(وعلي ضمانها، أو) طلقها (على عبدها هذا) كذلك.
(وعلي ضمانه، صح) لوقوعه جامعا للإيجاب والقبول من أهله، فإن
رضيت بدفع البذل فلا كلام (فإن لم ترض بدفع البذل صح الخلع) أي
لم يقدح ذلك في صحته لوقوعه صحيحا، وغاية عدم رضاها به أن يكون رجوعا
عن البذل.
(وضمن المتبرع) بدل الألف، أو قيمة العبد كما في المبسوط (2) (على
إشكال) من أنه ضمان ما لم يجب. ومن أنه إذا مست الحاجة إلى مثله صح،
كقوله: " ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه ".
(ويصح جعل الإرضاع فدية) للأصل والعموم (بشرط تعيين المدة
والمرتضع، وكذا) يصح جعل (النفقة) على نفسه أو غيره من ولد وغيره فدية
(بشرط تعيين المدة وقدرها من المأكول والملبوس) ووصفها بحيث
ينضبط، كما ينضبط المبيع في السلم (فإن عاش الولد) الذي جعل إرضاعه



(1) المبسوط: ج 4 ص 365.
(2) المبسوط: ج 4 ص 360 - 361.
207
أو الإنفاق عليه عوضا في تمام المدة (استوفاه) الولد بنفسه بأن تنفق هي عليه.
أو الأب بأن يأخذ منها وينفق عليه.
(فإن كان زهيدا) في تمام ما شرط عليها من النفقة، فيكفيه بعضها
(فالزيادة للزوج، وإن كان رغيبا) فطلب الزيادة (فالزيادة عليه) إن كان
الولد فقيرا. ولا يتفاوت الحال في الرضاع.
(ولو مات) الولد في الأثناء (استوفى الأب قدر نصيبه من الباقي)
فإن العوض له، والولد إنما هو محل البذل. وللعامة قول بانفساخ العقد (1) لتعذر
الوصول إلى ما عين عوضا، فهو كالخلع على عين خرجت مستحقة، أو كعوض
تلف قبل القبض.
وعلى المختار (فإن كان) العوض (رضاعا رجع) عليها (بأجرة
المثل) للرضاع في بقية المدة (وإن كان نفقة رجع) عليها (بالمثل) إن كان
مثليا (أو القيمة إن لم يكن مثليا، ولا يجب) عليها (دفعه) أي العوض من
الأجرة أو النفقة (معجلا) لأن موت الولد لا مدخل له في أجل الدين ليقلبه حالا
(بل) إنما يجب عليها (إدرارا في المدة) كما في حياة الولد. وللعامة قول
بالحلول (2).
(ولو خلعها على أن تكفل بولده عشر سنين) مثلا (جاز إذا بينا مدة
الرضاع من ذلك حولا أو حولين) أو غيرهما (إن كان فيه) أي في الكفل
(رضاع، ولا يحتاج إلى تقدير اللبن) مرات (بل) يكفي تقدير (مدته،
ويفتقر إلى تعيين نفقة باقي المدة قدرا وجنسا في الطعام والأدم والكسوة،
فإذا انقضت مدة الرضاع كان للأب أن يأخذ ما قدر (3) من الطعام والأدم
كل يوم، ويقوم هو بما يحتاج إليه الصبي. وله أن يأذن لها في إنفاقه. ولو
مات في مدة الرضاع لم يكن له أن يأتي بغيره للرضاع) بل يتعين الأجرة،



(1) المجموع: ج 17 ص 27.
(2) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 193.
(3) في النسخ: مما قرر، وما أثبتناه من المتن.
208
لاختلاف الرضاع باختلاف الأطفال، ولذا كان المعتبر في تعيينه تعيين (1) الطفل
والمدة، وللعامة قول بالإتيان بمثله (2).
(ولو لم يحمل الصبي إليها للرضاع مع إمكانه حتى انقضت المدة،
ففي استحقاقه العوض نظر) من الشك في استناد التقصير إليه أو إليها.
(ولو تلفت الفدية قبل القبض لزمها) عندنا (مثله) إن كان مثليا
(أو قيمته إن لم يكن مثليا). وللعامة قول بالانصراف إلى مهر المثل (3).
(ولو كانت مطلقة موصوفة فوجدها دون الوصف، كان له الرد
والمطالبة بما وصف) لعدم وصول حقه إليه.
(ولو كانت معينة فبانت معيبة، فله الرد والمطالبة بالمثل، أو القيمة إن
لم يكن مثليا، أو الإمساك بالأرش) فإن الوصف كالجزء، فبفواته فات من
العوض جزء، فيتخير بين أخذ عوض الجزء الفائت خاصة، وبين الرد وأخذ
عوض الجميع، جبرا لتبعض الصفقة، وليس كالبيع (4) في التخيير بين الإمساك
بالأرش والرد مع الفسخ. فإن الطلاق إذا وقع لزم ولم يقبل الانفساخ. وللعامة قول
بالانصراف إلى مهر المثل إذا رده (5).
(ولو شرط كون العبد حبشيا فبان زنجيا أو بان الثوب الأبيض)
بحسب الشرط (أسمر فكذلك) لفوات الوصف فيهما دون الذات.
(ولو شرط كونه إبريسما فبان كتانا فله قيمة الإبريسم، وليس له
إمساك الكتان لمخالفة الجنس) فهو فائت الذات.
(ولو خالع اثنتين بفدية واحدة صح) للعلم بالعوض، وهو المجموع
(وكانت عليهما بالسوية) وفاقا للأكثر، لذكرها في مقابلتهما. وخلافا لابن
سعيد (6) فقسطها على حسب مهر المثل، وتوقف بينهما في المختلف (7) وقسطها



(1) في ن: تعين.
(2) المجموع: ج 17 ص 24 - 27.
(3) المجموع: ج 17 ص 24.
(4) في ق بدل " البيع ": المبيع.
(5) المجموع: ج 17 ص 25.
(6) الجامع للشرائع: ص 477.
(7) مختلف الشيعة: ج 7 ص 403.
209
القاضي (1) على حسب المسمى، وربما يكون تجوز عن مهر المثل، وللعامة قول
بلزوم مهر المثل على كل منهما (2).
(المطلب الخامس في سؤال الطلاق)
(لو قالت: " طلقني بألف " فالجواب على الفور) فإنه بمنزلة القبول،
والجواب بمنزلة الإيجاب (فإن تأخر فالطلاق رجعي) إن أتى بلفظ الطلاق،
أو كان الخلع طلاقا (ولا فدية) عليها (ولو قالت: " طلقي بها متى شئت "
لم يصح البذل، وكان الطلاق رجعيا) وإن أجاب على الفور، لأن القبول لا
يقبل التعليق كالإيجاب.
(ولو قالتا: " طلقنا بألف " فطلق واحدة) ولم يصرح بالعوض (كان له
نصف الألف) على المختار، وعلى حسب مهر مثلها على الآخر.
وقد يستشكل فيه كما في التحرير (3): لجواز أن لا تبذل إلا مع طلاق الضرة.
وإن أجاب بطلاق واحدة بالألف لم يقع إلا أن يتعقبه منها القبول.
(فإن عقب بطلاق الاخرى كان رجعيا ولا فدية) عليها (لتأخر
الجواب) وكذا لو ابتدأ فقال: خالعتكما أو أنتما طالقان بألف، فقبلت إحداهما.
وفرق بعضهم فلم يوقع بهذا شيئا، لأن القبول لا يوافق الجواب، كما لو قال: بعتكما
هذا العبد بألف فقبل أحدهما.
(ولو قال) في جواب سؤالهما: (أنتما طالقتان) ولم يقل بألف (طلقتا
واستحق العوض أجمع) عليهما.
وبالجملة لا يجب في الجواب ذكر العوض المذكور في السؤال، لانصرافه
إليه، كما إذا قيل: بعتك كذا بكذا، فقال: اشتريت.
(ولو قالت: طلقني ثلاثا على أن لك علي ألفا فطلقها قيل) في



(1) المهذب: ج 2 ص 272.
(2) المجموع: ج 17 ص 29.
(3) تحرير الأحكام: ج 2 ص 60 س 2.
210
المبسوط (1): (لا يصح، لأنه طلاق بشرط) كما في قوله تعالى: " هل أتبعك
على أن تعلمن مما علمت رشدا " (2).
(والوجه أنه طلاق في مقابلة عوض، فلا يعد شرطا) فإن هذه الصيغة
ليست من حقيقة الشرط في شيء، ولذا وقع عوضا للبضع في قوله تعالى: " أريد أن
أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج " (3) وجواز التجوز بها
عنه لا يقدح في الصحة.
(فإن قصدت الثلاث ولاء لم يصح البذل، ولو طلقها ثلاثا مرسلا)
أي ولاء، كما يرشد إليه عبارة التحرير (4) لأنه بذل على فعل فاسد، فلا عبرة به
شرعا. و (لأنه لم يفعل ما سألته) لأنه لم تقع إلا الطلقة الأولى، إلا أن تكون
سألته التلفظ بالطلقات الثلاث ولاء وإن لم تقع إلا واحدة منها.
(وقيل) في المبسوط: (له ثلث الألف لوقوع الواحدة) (5) والألف لما
بذلتها بإزاء الثلاث تقسط عليها بالسوية.
(وفيه نظر) لما سيأتي. وربما قيل: له الألف حملا للبذل على ما يقع من
الثلاث.
وفي الكنز والإيضاح: أن الإرسال أن يقول: " أنت طالق ثلاثا " (6) (7) وحينئذ
فالمناسب أن يريد بقوله: " ولاء " عدم تخلل الرجعة، أعم من أن يكون مرة أو
مرات، وتخصيص الإرسال، لأنه عبارة صحيحة في الجملة على القول بوقوع
واحدة. (ولو قصدت ثلاثا برجعتين صح) لأن البذل على أفعال صحيحة
شرعا (فإن طلق ثلاثا) كذلك (فله الألف) وفاقا للمحقق على الجعالة (8)
لا على الخلع، وإلا لزم تراخي الإيجاب عن السؤال، وجواز مراجعة الزوج في
الخلع من غير رجوعها في البذل.



(1) المبسوط: ج 4 ص 347.
(2) الكهف: 66.
(3) القصص: 27.
(4) تحرير الأحكام: ج 2 ص 59 س 16.
(5) المبسوط: ج 4 ص 352.
(6) كنز الفوائد: ج 2 ص 628.
(7) إيضاح الفوائد: ج 3 ص 390.
(8) شرائع الإسلام: ج 3 ص 55.
211
إلا أن يقال: إن البذل إنما هو على الثالثة، وقد يلتزم كونه خلعا ويقال بأن
المبادرة إلى الطلقة الأولى كافية. فإن هذا التراخي مما لابد منه كالتراخي بين
السؤال وآخر الجواب. وأما المراجعة فإما مستثناة، لتعلق الغرض هنا بالبينونة
ولا يتم إلا بها، أو لأن البذل إنما هو على الثالثة، أو على المجموع من حيث هو
مجموع، فكل طلقة لا عوض عليها إلا من حيث إنها جزء ماله عوض، أو أنها لما
سألت ذلك فكأنها وكلته في الرجوع في البذل.
(وإن طلق واحدة قيل) في المبسوط: (له الثلث) (1) لما مر (وفيه نظر
لأن مقابلة الجميع بالجملة لا تقتضي مقابلة الأجزاء بالأجزاء) خصوصا
والطلقة ليست متقومة، والعمدة هنا الثالثة إن لم يختص بها البذل.
(ولو قالت: طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا ولاء، فإن قال: الألف
في مقابلة الأولى) أي قوله: أنت طالق في المرة الأولى جواب استدعائها (فله
الألف، ووقعت بائنة ولغت الباقيتان. وإن قال: في مقابلة الثانية فالأولى
رجعية) لوقوعها بلا بذل (ولا فدية) له (والباقيتان باطلتان. ولو قال: في
مقابلة الجميع وقعت الأولى) خاصة.
(قيل) في المبسوط: (وله ثلث الألف) (2) لفهم التوزيع من كلامه،
ولما رضيت بالألف عوضا، فقد رضيت بثلثها. فتوافق الإيجاب والقبول.
(ولو قيل: له الألف، كان وجها حيث أوقع ما طلبته) [فإنه إنما أوقع
طلقة] (3) واحدة بالعوض لبطلان الأخريين، وكونه في مقابلة الجميع في قوة الكون
في مقابلة واحدة. وأيضا لا دليل على التوزيع، خصوصا والأخيرتان فاسدتان.
وفيه وجه: بأنه لا شيء له، لعدم توافق السؤال والجواب.
ولو صرح بالتوزيع احتمل البطلان من رأسه، لأنه إنما نوى الطلاق بعوض
ولم تقبله هي. والصحة وعدم استحقاقه شيئا. والصحة واستحقاقه الثلث.



(1) المبسوط: ج 4 ص 353.
(2) المبسوط: ج 4 ص 353.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في ن، ق.
212
(ولو قالت: إن طلقتني فأنت بريء من الصداق لم يصح الإبراء،
لوقوعه مشروطا) والشرط ينافي الإنشاء، والإبراء إنشاء (وكان الطلاق)
إن (1) أوقعه (رجعيا) لعدم بذل له.
(ولو قالت: طلقني على ألف، فقال: أنت طالق، ولم يذكر الألف، فله
أن يقول: لم أقصد الجواب، ليقع رجعيا) لأنه مما لا يعرف إلا منه، ولا مانع له
إلا من إرادته ذلك عقلا أو شرعا، فإن اتهمته حلفته.
(ولو كانت معه على طلقة، فقالت: طلقني ثلاثا بألف فطلق واحدة)
سواء اكتفى بقوله: أنت طالق، أو قال: طالق ثلاثا، أو طالق وطالق وطالق، فإنه
على كل إنما طلق واحدة (كان له ثلث الألف) وفاقا للمحقق (2) لظهور التوزيع.
وعدم ملكه إلا واحدة لا ينافي التوزيع بتلك النسبة، أو حملا لبذلها على الصحيح
- وهو البذل على الثلاث على وجه يصح - ثم على التوزيع، إلا أن يعلم أنها
أرادت الثلاث في هذا النكاح أو التلفظ بالثلاث فلا يصح البذل، أو أراد تمام
العوض بقوله: " أنت طالق " مع أنها لم ترد إلا البذل على الجميع موزعا أو غيره،
فلا يستحق شيئا، وفي الطلاق وجهان، أو أرادت البذل على الثالثة، وأراد الطلاق
بتمام العوض فله الكل.
(وقيل) في المبسوط (3): (له الألف مع علمها) بأنها على طلقة (لأن
معناه) حينئذ (كمل لي الثلاث لتحصل البينونة) حملا لبذلها على الصحيح
ما لم تصرح بإرادتها الفاسد (والثلث مع جهلها بأنه لم يبق لها إلا طلقة
واحدة). وللعامة قول بأن له الألف مطلقا (4) لمساواة الواحدة الثلاث في البينونة.
(فإن ادعى علمها) بالحال وأنكرته (قدم قولها مع اليمين) للأصل،
والظاهر، (وكذا لو قالت: بذلت في مقابلة طلقة في هذا النكاح وطلقتين
في نكاح آخر) لذلك.



(1) في ن، ط: لو.
(2) شرائع الإسلام: ج 3 ص 56.
(3) المبسوط: ج 4 ص 352.
(4) المجموع: ج 17 ص 43 - 44.
213
وفي المبسوط: أنهما يتحالفان ويسقط المسمى، ويجب مهر المثل (1). ولعله
نظر إلى أنهما اختلفا في العوضين، فهي تدعي أن العوض ثلاث، وهو أنه واحدة،
وهو يدعي أن عوض ما أوقعه ألف، وهي أنه ثلثها، فتعارضا.
(ولو كانت على طلقتين فطلقها اثنتين) على وجه يصح مع قولها:
" طلقني ثلاثا " بألف فإن كان (مع علمها) بالحال (استحق الجميع) على
قول الشيخ والثلثين على المختار (و) إن كان (مع جهلها) استحق (الثلثين)
على القولين.
(وإن) كانت على طلقتين، وقالت ذلك و (طلق واحدة استحق الثلث
مع جهلها) على القولين (ومع علمها) الثلث أيضا على المختار و (النصف)
على قول الشيخ (لأنها بذلت الألف) حينئذ (في تكملة الثلاث، ويحتمل)
على قوله أيضا أن لا يستحق إلا (الثلث، لأن هذه الطلقة لم يتعلق بها من
تحريم العقد شيء) فلا فرق بينها وبين الأولى الواقعة قبل السؤال، فلا يجوز
حمل كلامها على تكميل الثلاث، بمعنى الإتيان بالباقيتين، فإنه إنما حمل على
التكميل فيما تقدم لحصول البينونة، فإما أن يحمل على الثالثة حسب، أو على
جملة الثلاث، لا يجوز الأول، لاقتضائه فساد الخلع للفصل فتعين الثاني، وهو
يقتضي التقسيط كذلك.
(ولو قالت: " طلقني عشرا بألف " فطلقها واحدة فله عشر الألف، فإن
طلقها ثانية فله خمسها) كما يقتضيه التوزيع (فإن طلقها ثالثة فالجميع) (2)
لأنه لا يملك أزيد منها وقد حصل بها مقصودها من البينونة.
والمحصل أن حمل كلامها على البذل الصحيح يوجب حمل العشر على
أقصى مالها من الطلقات، فإذا حصل الأقصى استحق المسمى، وظاهر تلفظها
بالعشر يوجب التوزيع، فما لم يحصل مقصودها اعتبر التوزيع (على إشكال)



(1) المبسوط: ج 4 ص 352.
(2) في قواعد الأحكام: فإن طلق ثالثة فله الجميع.
214
من ذلك. ومن تصحيح أن البذل يوجب تنزيل العشر على الثلاث فعليها التوزيع،
والزائد لغو، فله الثلث بالواحدة والثلثان بالثنتين.
ومما عرفته من جواز اعتبار التوزيع بالنسبة، وإن لم يملك الموزع عليه، فله
العشر بالواحدة والعشران بالثنتين وثلاثة أعشار بالثلاث، ويقوى إذا زعمت أنه
يملك العشر.
(ولو قالت: " طلقني ثلاثا بألف " فقال: " أنت طالق واحدة بألف
وثنتين مجانا " فالأقرب أن الأولى لا تقع) إلا أن تجدد القبول عقيبها (لأنه
ما رضى بها إلا بالألف (1) وهي ما قبلت إلا بثلثها، والثنتان بعدها لا تقعان
إلا أن يأتي بصيغة الطلاق الشرعي فتقع الثانية) وأما بهذا اللفظ فكلا.
(ويحتمل أن يكون له بالأولى ثلث الألف) لصدور صريح الطلاق من
أهله بعوض مع قبولها لثلاثة، لظهور التوزيع من كلامها، فصح الطلاق، وصح الثلث
من العوض ليوافق الإيجاب والقبول عليه، وإذا جعلنا البذل جعالة، فهي قد جعلت
على كل طلقة ثلث الألف وقد فعل.
(ويحتمل بطلان الفدية) لأنها بذلتها على الثلاث، ولا تقع الثلاث عندنا
إلا برجعتين. وتخلل الرجعة يوقع الفصل بين السؤال والجواب، وهو يبطل الخلع.
ولعدم توافق السؤال والجواب.
(ووقوع الأولى رجعية) لصدور صريح لفظ الطلاق من أهله، والزيادة
لغو. وفي الإيضاح: أنه الذي استقر عليه رأي المصنف (رحمه الله) (2).
(ولو قال) في جوابها: (أنت طالق واحدة مجانا واثنتين بثلثي
الألف) أو بالألف (وقعت الأولى رجعية وبطلت الثنتان) لوجوه تعرفها.
(ولو قالت: " طلقني نصف طلقة بألف " أو " طلق نصفي بألف "
فطلق) بلفظ صحيح (وقع رجعيا) وإن قصد الفداء أو صرح به (وفسدت



(1) في قواعد الأحكام: بألف.
(2) إيضاح الفوائد: ج 3 ص 394.
215
الفدية) لأنها بذلت على ما لا عبرة به شرعا. وقد يحتمل ضعيفا بطلان الطلاق
إذا لم يقصده إلا بالفدية، لما أنه لم ينو ما يقع.
(ولو قال أبوها: " طلقها وأنت بريء من صداقها " فطلق) صرح
بالبراءة أو لا (صح الطلاق رجعيا) ولم يبرأ من الصداق، لأنها إن كانت رشيدة
لم يملك أبوها التصرف في مالها بغير إذنها، وإلا لم يصح، إذ لا حظ لها فيه. كذا في
المبسوط (1). وقد مضى الكلام في مخالعة الولي.
(ولا يلزمها الإبراء) إن كانت رشيدة، أو لا يلزمها ما فعله أبوها من
الإبراء، إلا إذا لم تكن رشيدة وقلنا بجواز مخالعة الولي (ولا يضمنه الأب)
للأصل من غير معارض.
(ولو كانت على طلقة، فقالت: " طلقني ثلاثا بألف واحدة في هذا
النكاح واثنتين في غيره " لم يصح في الاثنتين) لأنه لا يملكهما (فإذا طلق
الثالثة) وهي الواحدة الباقية في هذا النكاح، كما نص عليه في التحرير (2)
(استحق ثلث الألف).
(المطلب السادس في بقايا مباحث الخلع والتنازع)
(لو قال: " طلق زوجتك وعلي ألف " لزمه الألف مع الطلاق) لأنه
جعالة صحيحة شرعا (ولا يقع الطلاق بائنا) لما عرفت من أنه ليس بخلع،
لكن إن رجع الزوج فقيل: للباذل الرجوع، وهو يتم إن علم أو ظن أن غرضه
الجعل على الإبانة، ولا يجوز له الرجوع في البذل ما لم يرجع الزوج، وهو ظاهر.
(أما لو قال: " خالعها على ألف في ذمتي " ففي الوقوع إشكال) مما
تقدم في بذل المتبرع أو ضمانه. واحتمال أن يريد جعل ذلك له زيادة على الفدية
التي تبذلها المرأة.
(ولو اختلع بوكالتها ثم بان أنه كاذب بطل) الخلع، ولم يتوقف على



(1) المبسوط: ج 4 ص 360.
(2) تحرير الأحكام: ج 2 ص 59 س 25.
216
الإجازة، لأن البذل في النصوص إنما أضيف إليها، وإن تلفظ بالطلاق توجه وقوعه
رجعيا على ما مر (ولا ضمان) إذ لم يقع الطلاق، للأصل من غير معارض،
ويتجه الضمان إذا وقع الطلاق وخصوصا البائن، للغرور. ويحتمل ضمان مهر
المثل لتفويته البضع عليه. ويضعف بأن المطلق هو المفوت.
(ولو كان المختلع أباها وهي صغيرة) أو مجنونة (صح بالولاية)
وقد مضى الكلام فيه، وأن الأجود العدم، و (لا) يصح (بالوكالة) لأنها غير
أهل للتوكيل.
(ولو اختلفا في أصل) بذل (العوض قدم قولها مع اليمين، وحصلت
البينونة من طرفه) أخذا بإقراره (ولها المطالبة بحقوق العدة. ولو اتفقا
على) ذكر (القدر واختلفا في الجنس فالقول قول المرأة) وفاقا
للمبسوط (1) والجواهر (2) والشرائع (3) وغيرها، قالوا: لأن الرجل يدعي، فعليه
البينة، ولعلهم أرادوا أنها هي الباذلة، فكان القول قولها، فإنها أعرف بما بذلت،
وإلا فكل منهما مدع من جهة، منكر من اخرى، وعليها يمين جامعة لنفي ما يدعيه
وإثبات ما تدعيه. وفي الجامع حكاية قول بالتحالف (4). وحكى في المبسوط عن
العامة (5) وهو أولى، فإذا تحالفا ثبت مهر المثل، إلا أن يزيد على ما يدعيه.
(ولو اتفقا على ذكر القدر وإهمال الجنس واختلفا في الإرادة، قيل)
في المبسوط: (يبطل (6)) (7) وهو الأقوى، لأن قول كل منهما في إرادته مسموع،
فيظهر اختلاف المرادين. (وقيل) في الشرائع: (يقدم قولها (8) وهو أقرب)
لأنه ليس إلا من الاختلاف في الجنس. وللعامة قول بالتحالف لذلك (9) وهما



(1) المبسوط: ج 4 ص 368.
(2) جواهر الفقه: ص 178 مسألة 632.
(3) شرائع الإسلام: ج 3 ص 56.
(4) الجامع للشرائع: ص 477.
(5) المبسوط: ج 4 ص 368.
(6) في قواعد الأحكام: بطل.
(7) المبسوط: ج 4 ص 349.
(8) شرائع الإسلام: ج 3 ص 56.
(9) المجموع: ج 17 ص 52.
217
يتجهان إذا كانت الدعوى فيما اتفقت عليه الإرادتان، فيقول أحدهما: أردنا كذا،
والآخر أردنا كذا. ومبنى القول الأول على أن يقول أحدهما: أردت كذا، والآخر
أردت كذا، فلا اختلاف.
(ولو اتفقا على ذكر القدر ونية الجنس الواحد صح الخلع) وفاقا
للشيخ (1) والمحقق (2) للأصل، وإطلاق النصوص، وخروجه عن محوضة المعاوضة.
(ولو قالت: سألتك ثلاث تطليقات بألف فأجبتني، فقال: بل سألت
واحدة) بالألف فأجبتك (فقد اتفقا على الألف وتنازعا في مقدار المعوض
فيقدم قولها في جعل الألف في مقابلة الثلاث) لأنه فعلها، ولأن الأصل عدم
استحقاقه لها بواحدة.
(فإن أقام شاهدا واحدا حلف معه) وأخذ الألف (لأن قصده إثبات
المال) ويكفي فيه شاهد ويمين (و) يقدم (قوله في عدد الطلاق) للأصل،
ولأنه فعله.
(فإن أقامت المرأة شاهدا واحدا على عدده) الذي تدعيه (لم تحلف
معه) لأنها لا تثبت المال (ولم تقبل شهادته) وإذا لم تكن لهما بينة تحالفا
وثبت ثلث الألف، لأنها تحلف أنها لم تبذل الألف بطلقة، وهو يحلف أنه لم يطلق
غير طلقة، وقال الشافعية: ثبت مهر المثل (3).
وفيه أنهما اتفقا على استحقاقه الألف ووقوع معوضها، وإنما اختلفا في قدر
المعوض، وإنما يظهر أثر الخلاف في جواز مراجعته إياها إذا رجعت في البذل
وعدمه، فينبغي أن لا يعتبر إلا قوله فيحلف، ويرجع إليها إن رجعت، ولا معنى
لأخذه الألف بشاهد ويمين، لأن المال ثابت لا يفتقر إلى الإثبات، ولا لثبوت
الثلث، أو مهر المثل بالتحالف، لاتفاقهما على استحقاقه الألف وصحة البذل وما
أوقعه من الخلع.



(1) راجع المبسوط: ج 4 ص 368.
(2) راجع شرائع الإسلام: ج 3 ص 56.
(3) الأم: ج 5 ص 207.
218
(ولو ادعى عليها الاختلاع فأنكرت، وقالت: اختلعني أجنبي)
صحيحا أو فاسدا (قدم قولها مع اليمين في نفي العوض) عنها، للأصل
(وبانت بقوله) بمعنى أخذه بإقراره، فلا يكون لها مراجعتها.
إلا أن يقال: إن انكارها البذل رجوع فيه، ولها ما للرجعيات، وعليها ما عليهن
ما دامت في العدة إن ادعى إيقاع الطلاق عليها بلفظه أو بلفظ الخلع إن كان طلاقا.
(ولا شيء له على الأجنبي؛ لاعترافه) بأنه لم يبذل.
(وكذا لو قال: خالعتك على ألف في ذمتك، فقالت: بل في ذمة زيد)
في أن القول قولها في نفي العوض وحصول البينونة، لكن البينونة هنا حاصلة
بالنسبة إليهما إن صح الاختلاع على ذمة الغير، وإن ادعت الكون على ذمة الغير
على وجه يفسد به الخلع توجه أن القول قوله، لأنها تدعي الفساد. وأطلق القاضي:
أن القول قوله، لأن الأصل في عوض الخلع ثبوته في ذمتها (1).
(أما لو قالت: " خالعتك بكذا وضمنه عني فلان، أو يزنه عني " لزمها
الألف ما لم تكن) لها (بينة) على ضمانه عنها، لأنها أقرت بها وادعت الضمان.
(ولو اتفقا على ذكر القدر واختلفا في ذكر الجنس بأن ادعى ألف
درهم فقالت: " بل ألفا مطلقا " فإن صدقته في قصد الدراهم فلا بحث) لما
عرفت من أن القصد كالذكر (وإلا قدم قولها) لأصالة البراءة (وبطل الخلع)
ويحتمل تقديم قوله، لأصالة الصحة، ومبنى الوجهين كون الخلع عقدا، أو إيقاعا
وجعالة.
(ولو قال: " خالعتك على ألف في ذمتك " فقالت: " بل على ألف لي
في ذمة زيد " قدم قولها) لأن البذل فعلها. ولأصالة البراءة مع اتفاقهما على
الصحة.
(ولو قال: خالعتك على ألف لك في ذمة زيد) وصدقته عليه (فظهر
براءة ذمته لزمها الألف) لكونها أولى بلزوم العوض من العين التالفة قبل



(1) راجع المهذب: ج 2 ص 269.
219
القبض، لعدم التعين، بل التقييد بكونها في ذمة زيد مما لا يزيدها في نفسها
أو صفتها خصوصية، وإنما هو بمنزلة أن تقول: إني آخذها من زيد وأسلمكها،
أو أن زيدا وكيل في تسليمها إليك.
(وكذا لو خالعها على ألف في منزلها فلم يكن فيه شيء) فإن الكون
في مكان مخصوص لا يعين الألف وإن كان أقوى تقييدا بما في ذمة زيد، وليس
التقييد به إلا بمنزلة أن تقول: أرفعها من المنزل وأسلمها إليك، أو صر إلى المنزل
واقبضها.
(ويصح التوكيل في الخلع) من كل منهما (من الرجل في شرط
العوض) عليها (وقبضه وإيقاع الطلاق) أي الخلع إن كان طلاقا، وإلا فإنما
هو شرط العوض إن اشترط بالتعقيب بالطلاق، فالمراد إيقاع الطلاق بعد لفظ الخلع
الذي هو شرط العوض، أو فسخ إن لم يشترط. ويمكن تعميم الطلاق له، يعني أن
كلا من جزئي الإيجاب الذي هو إيقاع الطلاق وشرط العوض قابل للتوكيل، وكذا
ما يستلزمه وقوع الخلع من القبض.
(ومن المرأة في استدعاء الطلاق) أي الإبانة (وتقدير العوض
وتسليمه) أي كل من الثلاثة قابل للتوكيل.
(ويصح التوكيل من كل منهما مطلقا) كما في غيره من العقود
(ويقتضي ذلك) أي الإطلاق من أي منهما كان (مهر المثل) كما يقتضي في
البيع - مثلا - ثمن المثل، لأنه المتبادر من الإطلاق، لكونه المحكم.
(فإذا أطلقت المرأة اقتضى الخلع بمهر المثل حالا بنقد البلد) بمعنى
جواز ذلك للوكيل (فإن خالع بدونه أو مؤجلا أو بأدون من نقد البلد صح)
لأنه زاد خيرا، وتعلق غرضها في النادر بتمام مهر المثل، أو الحلول، أو بنقد البلد
لا يدفع جواز ذلك مع الإطلاق، فإن الإطلاق ينصرف إلى الغالب.
(وإن زاد فالأقرب بطلان الخلع) وفاقا للمحقق (1) لفعله غير ما وكل فيه،



(1) شرائع الإسلام: ج 3 ص 56.
220
وقد عرفت عدم وقوع الفضولي منه. وفي المبسوط (1) الانصراف إلى مهر المثل،
لأن الفاسد بعض العوض. ويتجه عليه أن يتخير الزوج في الرجوع وإن لم ترجع
في البذل، إذ لم يرض حين الإيقاع إلا بالزائد. وللعامة قول بأنه فضولي موقوف
على إجازتها، فإن أجازت ثبت المسمى، وإلا مهر المثل (2).
(ولو كان التوكيل في) استدعاء (الطلاق بعوض) وأطلق فاستدعاه
الوكيل بأزيد من مهر المثل، وفعل الزوج (أو) كان التوكيل (ليتبعه) أي الخلع
(بالطلاق) وفي كثير من النسخ " أو أتبعه " أي الزوج الخلع بالطلاق وإن لم
يستدعه الوكيل (قيل) في الشرائع (3): (وقع) الطلاق، لصدور صريحه من أهله
(رجعيا) لفساد البذل (ولا فدية) لفسادها (ولا يضمن الوكيل) للأصل،
ولأنه ضمان ما لم يجب. وكل من وقوع الطلاق، وانتفاء الفدية، والضمان
(فيه نظر).
فالأول: لأنه وإن صدر صريح لفظه من أهله، لكن لم يقصد إلا إلى إيقاعه
بعوض فيحتمل البطلان إذا فسد العوض خصوصا وليس إلا الخلع على المختار
وقد حكم بفساده.
والثاني: لاحتمال الانصراف إلى مهر المثل كما قاله الشيخ (4) بل تمام الفدية
كما يظهر الآن.
والثالث: لأنه غره وفوت عليه البضع، فلا أقل من ضمانه الزائد على مهر
المثل ومهر المثل على الزوجة، وإذا لم يضف الاستدعاء والعوض إليها وقلنا
بصحة بذل الأجنبي قوي الضمان، كما في المبسوط (5) إلا أن يدعى أن الظاهر
الوكالة، لكون الأصل والغالب في الافتداء الزوجة.
(وكذا البحث لو عينت له قدرا فخالع عليه، أو دونه، أو أكثر) لكن



(1) المبسوط: ج 4 ص 368.
(2) المجموع: ج 17 ص 35.
(3) شرائع الإسلام: ج 3 ص 56.
(4) انظر المبسوط: ج 4 ص 369.
(5) المبسوط: ج 4 ص 365.
221
الشيخ هنا قوى البطلان في الأكثر (1) ولم يصرفه إلى المسمى، ولا أعرف الفارق.
وللعامة قول بالانصراف إلى مهر المثل، وآخر بالانصراف إلى الأكثر من المسمى
ومهر المثل (2).
(أما لو خالع على شيء من مالها وضمن، فإن الضمان عليه إذا لم ترض،
ويصح الخلع) كما في المبسوط (3) وقد عرفت الكلام في ضمان المتبرع.
(ولو) بذلت أو (بذل) الوكيل (خمرا أو خنزيرا فسد البذل مع إسلام
أحدهما) عندنا. وللعامة قول بالانصراف إلى مهر المثل (4) (وصح الطلاق
رجعيا إن أتبع به) مع ما عرفت من احتمال البطلان.
(ولو أطلق الزوج) لوكيله (فطلق) أي أبان (بمهر المثل حالا من
نقد البلد صح، وكذا إن كان أكثر أو أجود نقدا. ولو كان دون مهر المثل، أو
مؤجلا أو أدون من نقد البلد بطل الخلع) عند الشيخ (5) أيضا. وللعامة قول
بالانصراف إلى مهر المثل، وآخر باختيار الزوج، فإن رد كانت له الرجعة (6).
(وكذا) يبطل من أصله (إن كان) الموكل فيه أو الموقع أو الخلع (طلاقا
أو أتبع) الخلع (به) أي بالطلاق. ويتجه على قول المحقق أن يقع الطلاق،
ويفسد الفدية (7).
(وكذا لو عين له قدرا فطلق أو خالع بأقل منه أو أدون) بلا خلاف
كما في المبسوط (8) لأنه أوقع طلاقا غير مأذون فيه. وكذا إن خالعها أو طلقها على
نحو الخمر وأحدهما مسلم، لذلك.
(ولو قال له: " طلقها يوم الخميس " فطلق يوم الجمعة فالأقرب
البطلان) لأنه إيقاع ما لم يؤذن فيه، وكثيرا ما يتعلق غرضه بالوقوع في الخميس،



(1) المبسوط: ج 4 ص 368.
(2) المجموع: ج 17 ص 33.
(3) المبسوط: ج 4 ص 368 - 369.
(4) المجموع: ج 17 ص 33.
(5) المبسوط: ج 4 ص 369.
(6) المجموع: ج 17 ص 33.
(7) شرائع الإسلام: ج 3 ص 56.
(8) المبسوط: ج 4 ص 369.
222
للتفاوت به في العدة والنفقة، بل هذا التوكيل بمنزلة العزل في الجمعة. ويحتمل
الصحة ضعيفا من أن الإذن في الشيء إذن في آثاره، وأثر الطلاق في الخميس
يبقى إلى الجمعة وما بعدها، فكأنه أتى ببعض المأذون فيه دون بعض.
(ولو طلقها يوم الأربعاء بطل) قطعا، لانتفاء هذا الاحتمال الضعيف فيه.
(وإذا خالعها أو بارأها ثبت) له (العوض المسمى، ولم يسقط ما لكل
واحد منهما) فرض (من حق) غير العوض (لا ماض ولا مستقبل، سواء
كان الحق من جهة النكاح - كالصداق وغيره - أو من غير جهته سوى
النفقة المستقبلة) إلا أن تكون حاملا وكانت النفقة للحمل (ما لم ترجع في
العوض، ففي استحقاق النفقة حينئذ إشكال) تقدم في الطلاق، واستقرب
هناك الوجوب مع العلم بالرجوع.
(ولو خالعها على نفقة عدتها) سواء تلفظ بلفظ العدة أم خالعها على نفقة
أيام آتية تكون عدة إذا تم الخلع (لم يصح، لاستلزام الثبوت النفي) أي
ثبوت النفقة نفيها، وثبوت الخلع نفيه، فإن نفقة العدة لما جعلت عوض الخلع لزم
ثبوتها، إذ لا يصح بذل ما لم يثبت، ولما استدعت الخلع لزم نفيها، إذ لا نفقة
للمختلعة، ويلزم من ذلك لزوم نفي الخلع من ثبوته.
(وإن كانت حاملا) لم يصح أيضا (لتجدد استحقاق نفقة كل يوم
فيه) واحتمالها للزوال كل يوم، فهو خلع على ما لم يثبت، ولم يعلم ثبوته
قطعا. أو المراد لاستلزام الثبوت النفي وإن كانت حاملا، لأن النفقة ليست مما
يثبت استحقاقها جملة، بل يتجدد كل يوم في يومه، فإن اكتفي في صحة
الكون عوضا بمثل هذا الاستحقاق، لزم أن يثبت كل يوم ليصح عوضا، فينتفي
للافتداء بها.
(ولو خالعها على نفقة ماضية صح مع علمها جنسا وقدرا، ولو قالت:
بعني عبدك وطلقني بألف) ففعل (صح) كل من البيع والطلاق. خلافا

223
لبعض العامة، فأبطل البيع، وجعل الألف في الخلع، وأفسد البذل، وجعل عليها
مهر المثل (1).
(و) على المختار (بسطت) الألف (على مهر المثل وقيمته) بالنسبة،
حتى إذا انفسخ أو فسد أحدهما، سقط عنها من الألف بتلك النسبة إن لم يسر
الفساد إلى الآخر.
(ولو خالعها قبل الدخول بنصف مهرها فلا شيء له عليها إذا
لم يقبضه) لأنه طلاق قبل الدخول وهو منصف ولم يقبضه، فقد افتدت بما عليه
من المهر.
(ولو خالعها بالجميع) قبل الدخول (لزمها دفع النصف وإن لم تكن
قبضته) لأنها افتدت بضعف ما عليه. وقد تقدم في النكاح احتمال أن لا يكون
عليها شيء.
(المطلب السابع في المباراة)
وهي قسم من الخلع، خصه الفقهاء باسمها، والقسم الآخر باسم الخلع.
(وصيغتها " بارأتك على كذا فأنت طالق " ولو قال عوض بارأتك:
" فاسختك " أو " ابنتك " أو " بتتك " أو غير ذلك من الكنايات صح، لأن
الاعتبار إنما هو بصيغة الطلاق وهي العلة في البينونة) وهذه الألفاظ إنما
هي لقبول ما بذلته، أو استدعاء البذل.
(ولو حذف هذه الألفاظ واقتصر على قوله: أنت) وفي بعض النسخ:
فأنت، على أن يكون جوابا لاستدعائها (طالق على كذا، أو بكذا صح وكان
مباراة، إذ موضوعها (2) الطلاق بعوض) والآية إنما تضمنت الافتداء في
الطلاق.
(ويشترط فيها ما شرط في الخلع: من بلوغ الزوج وعقله وقصده



(1) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 195.
(2) في ن، ق: موضعها.
224
واختياره، وكذا المرأة) ويزيد أن لا تكون سفيهة، وحكم وليهما ما تقدم (وأن
تكون طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع إذا (1) كانت مدخولا بها غير
يائسة) ولا حامل ولا صغيرة إن جوزنا مباراة الولي عنها (وكان الزوج
حاضرا) لكونها طلاقا. وللأخبار فعن زرارة ومحمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام): لا مباراة إلا على طهر من غير جماع بشهود (2). وفي الصحيح عن
عبد الرحمن بن الحجاج سأل الصادق (عليه السلام) هل يكون خلع أو مباراة إلا بطهر؟
فقال: لا يكون إلا بطهر (3). إلى غير ذلك من الأخبار. وقد سمعت عبارة سلار (4).
(وأن تكون الكراهية من كل منهما لصاحبه) فهو الفارق بينها وبين
الخلع، فسأل سماعة الصادق والكاظم (عليهما السلام) (5) عن المباراة كيف هي؟ قال يكون
للمرأة على زوجها شيء من صداقها، أو من غيره، ويكون قد أعطاها بعضه،
ويكره كل واحد منهما صاحبه، فتقول المرأة: ما أخذت منك فهو لي، وما بقي
عليك فهو لك وأبارئك، فيقول لها الرجل: فإن أنت رجعت في شيء مما تركت فأنا
أحق ببضعك (6). فعليه يحمل حسن محمد بن مسلم: سأل الصادق (عليه السلام) عن امرأة
قالت لزوجها: لك كذا وكذا وخل سبيلي. فقال: هذه المبارئة (7).
أو يقال: تخصيص المباراة بما ذكره اصطلاح جديد، فما في الخبر مرادف
للخلع.
(وأن تكون الفدية بقدر المهر أو أقل، فتحرم عليه الزيادة، بخلاف
الخلع) أما حرمة الزيادة فلا خلاف فيه، وأما إباحة قدره فعليه المعظم. ويؤيده



(1) في قواعد الأحكام: إن.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 498 ب 6 من أبواب الخلع والمباراة ح 7.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 496 ب 6 من أبواب الخلع والمباراة ح 1.
(4) المراسم: ص 162.
(5) في وسائل الشيعة بدل " فسأل سماعة الصادق والكاظم (عليهما السلام) ": عن سماعة قال: سألته.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 500 ب 8 من أبواب الخلع والمباراة ح 3.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 494 ب 4 من أبواب الخلع والمباراة ح 3.
225
عموم الكتاب. وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح أبي بصير: فلا يحل لزوجها أن يأخذ
منها إلا المهر، فما دونه (1).
ولم يبح الشيخ (2) والحسن (3) والصدوقان (4) وابن حمزة (5) إلا الأقل، لما تقدم
من خبر سماعة عن الصادق والكاظم (عليهما السلام) (6). ولقول الباقر (عليه السلام) في حسن زرارة:
المبارئة يؤخذ منها دون الصداق، والمختلعة يؤخذ منها ما شئت، أو ما تراضيا
عليه من صداق أو أكثر، وإنما صارت المبارئة يؤخذ منها دون المهر، والمختلعة
يؤخذ منها ما شاء، لأن المختلعة تعتدي في الكلام وتكلم بما لا يحل لها (7). وما
في خبر عثمان بن عيسى عن سماعة من قوله: وليس له أن يأخذ من المبارئة كل
الذي أعطاها (8).
وحكى عليه الإجماع في الخلاف (9) والأول أقوى، وإن كان الثاني أحوط،
وتحمل هذه الأخبار على الفضل.
(واتباعها بلفظ الطلاق إجماعا) كما في المبسوط (10) والغنية (11)
والشرائع (12) والاستبصار (13) والسرائر (14). وقول الباقر (عليه السلام) في خبر حمران:
المبارئة تبين من ساعتها من غير طلاق (15). وقول الصادق (عليه السلام) في خبر جميل بن



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 501 ب 8 من أبواب الخلع والمباراة ح 4.
(2) المبسوط: ج 4 ص 373.
(3) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 400.
(4) المقنع: ص 349.
(5) الوسيلة: ص 332.
(6) راجع: ص 225.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 494 ب 4 من أبواب الخلع والمباراة ح 1.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 494 ب 4 من أبواب الخلع والمباراة ح 4.
(9) الخلاف: ج 4 ص 440 مسألة 24.
(10) المبسوط: ج 4 ص 373.
(11) غنية النزوع: ص 375.
(12) شرائع الإسلام: ج 3 ص 58.
(13) الاستبصار: ج 3 ص 319 ذيل حديث 1137.
(14) السرائر: ج 2 ص 723.
(15) وسائل الشيعة: ج 15 ص 501 ب 9 من أبواب الخلع والمباراة ح 3.
226
دراج: المباراة تكون من غير أن يتبعها الطلاق (1) يحملان على التقية، وإن لم
يذهب العامة إلى إفراز قسم يسمى المباراة، فلا شك أنهم يوقعون الطلاق بلفظها،
لكونه من كناياته. أو الأول على أنها تبين من غير طلاق آخر أي لا يتوقف
بينونتها على كمال الثلاث. والثاني على مثل ذلك بأن تكون المباراة بمعنى البينونة
فالمعنى: أن البينونة تحصل من غير أن يتبع المباراة طلاق، وهو إنما ينفي الطلاق
بعد المباراة، والمباراة عندنا تشتمل على الطلاق، فلا يفيد إلا أنه لا حاجة في
البينونة إلى طلاق آخر، ولهذا يظهر لك أنهما إنما يدلان على الاستغناء عن الطلاق
بعد إيقاع المباراة. ولا ينافي ذلك الافتقار في عقد المباراة إلى الطلاق بوجه.
واحتمل الشيخ: أن يكون الثاني بمعنى أن المباراة إنما هي البذل منها والقبول
منه، وهو يحصل قبل التلفظ بالطلاق وإن لم يزل النكاح (2) إلا إذا اتبع بالطلاق.
وفي النافع إشارة إلى الخلاف، لنسبته إلى الأكثر (3). ولم نظفر بالمخالف. ويظهر
التردد من الجامع، لاقتصاره على ذكر الخبرين، وما ذكره الشيخ من الاتفاق على
الاتباع بالطلاق (4).
(وفي الخلع خلاف) عرفته (ويقع الطلاق) فيها (بائنا ما لم ترجع
في الفدية في العدة) وإن لم يرد الزوج الرجوع في المشهور. ويشترط إرادته
عند ابن حمزة (5) كما في الخلع. والأولى اشتراطه الرجوع عليها إذا رجعت.
للأخبار كقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي: المباراة أن تقول المرأة لزوجها:
لك ما عليك واتركني فتركها، إلا أن يقول لها: فإن ارتجعت في شيء منه فأنا
أملك ببضعك (6).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 502 ب 6 من أبواب الخلع والمباراة ح 4.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 102 ذيل حديث 346.
(3) مختصر النافع: ص 204.
(4) الجامع للشرائع: ص 478 والمبسوط: ج 4 ص 373.
(5) الوسيلة: ص 232.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 500 ب 8 من أبواب الخلع والمباراة ح 1.
227
(وليس للرجل عليها رجعة) ما لم ترجع (فإن رجعت في العدة كان
له الرجوع) ولعله صرح بذلك مع فهمه من الجملة المتقدمة، لدفع ما قد يتوهم
من أنه لما كانت الكراهة هنا مشتركة أمكن أن يكون لكل منهما الرجوع قبل
رجوع الآخر.
(ومباحث الرجوع هنا كالخلع، فإذا خرجت العدة ولم ترجع، أو
كانت الطلقة ثالثة، أو لا عدة فيها) كأن كانت صغيرة أو يائسة (لم يكن لها
الرجوع. وجميع مباحث الخلع آتية هنا).
* * *

228
(الباب الثالث في الظهار)
واشتقاقه من الظهر، لتشبيههم الزوجة بالمركوب للركوب على الظهر، أو من
ظهر عليه ملكه.
(وفيه مقصدان):
(الأول في أركانه، وهي أربعة):
(الأول: الصيغة)
(وهي: أنت علي كظهر امي) مثلا (أو هذه، أو زوجتي) إن لم يكن له
إلا زوجة، أو عينها بالنية، أو لم نشترط التعيين (أو فلانة).
(وبالجملة كل لفظ أو إشارة تدل على تميزها من غيرها. ولا اعتبار
باختلاف ألفاظ الصفات (1) مثل: أنت مني، أو عندي، أو معي) وفاقا
للشيخ (2) والمحقق (3) للأصل، والاحتياط، وعموم النصوص (4).
ويشكل بأن المذكور في الأخبار بلفظ: " علي " وكذا فسر في اللغة والتفاسير
مع أصالة البراءة.
(ولو حذف حرف الصلة، فقال: أنت كظهر امي وقع) لمثل ذلك. وفيه



(1) في بعض النسخ: الصلات.
(2) المبسوط: ج 5 ص 149.
(3) شرائع الإسلام: ج 3 ص 61.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 506 ب 1 من كتاب الظهار.
229
ما عرفت. واستشكل فيه في التحرير (1) لأنه بدون الصلة يحتمل أن يراد أنها كظهر
امه على غيره.
(ولو حذف لفظة الظهر، وقال: أنت [علي] كأمي، أو مثل امي. فإن
نوى الكرامة والتعظيم، أو أنها كأمه في الكبر، أو (2) الصفة لم يكن شيئا)
إتفاقا (وإن قصد الظهار قيل) في المبسوط (وقع) (3) لعدم اعتبار لفظ الظهر،
لما سيأتي من وقوعه بالتشبيه بالشعر ونحوه، وسيأتي ضعفه. وللأصل،
والاحتياط.
(وفيه إشكال) من ذلك. ومن الأصل والخروج عن مفهوم اللفظ، وهو
خيرة أبي علي (4).
(ولو قال: جملتك أو ذاتك) أو نفسك (أو بدنك أو جسمك أو كلك
علي كظهر امي وقع) لعدم الخروج عن مفهوم الظهار. وللأصل والاحتياط.
(ولو قال: أنت امي، أو زوجتي امي، فهو كقوله: أنت كأمي) فإن من
البين إرادة التشبيه.
(ولو قال: امي امرأتي، أو) امي (مثل امرأتي لم يكن شيئا) فإن
إرادة تشبيه الزوجة بها في الحرمة من مثل هذه العبارة مما لا يساعده الوضع، وإن
جازت إرادته بتكلف، فيكون من الكنايات الخفية.
(ولو شبه عضوا من امرأته بظهر امه، فالأقرب عدم الوقوع) للأصل.
ومخالفة المعهود، ولعدم اختصاص التحريم بجزء منها دون جزء. خلافا
للمبسوط (5) والوسيلة (6) بناء على أن حرمة العضو إنما يتصور إذا حرم الكل مع
الإتيان بلفظ الظهر، فهو أولى بالوقوع من المسألة الآتية، وذلك (كأن يقول:



(1) تحرير الأحكام: ج 2 ص 61 س 9.
(2) في قواعد الأحكام بدل " أو ": و.
(3) المبسوط: ج 5 ص 149.
(4) حكاه عنه في تحرير الأحكام: ج 2 ص 61 س 13.
(5) المبسوط: ج 5 ص 149.
(6) الوسيلة: ص 334.
230
يدك علي كظهر امي، أو فرجك، أو ظهرك، أو بطنك أو رأسك أو جلدك)
وللعامة (1) قول بالوقوع بتشبيه ما يعبر به عن الكل من الأعضاء كالرأس والعنق
دون غيره. وكذا لا يقع بتشبيه الجزء المشاع كالنصف والثلث لذلك، خلافا
للوسيلة (2).
(ولو عكس فقال: " أنت علي كيد امي " أو شعرها، أو بطنها، أو
فرجها فالأقرب عدم الوقوع أيضا) وفاقا للمرتضى (3) وبني زهرة (4)
وإدريس (5) وشهرآشوب وظاهر الأكثر. للأصل، وظاهر اللفظ والأخبار
والإجماع كما ادعوه. وخلافا لإبراهيم بن هاشم، والشيخ (6) وابني حمزة (7)
والبراج (8) للإجماع كما ادعى في الخلاف (9) والاحتياط. وقول الصادق (عليه السلام) في
مرسل يونس: المظاهر إذا ظاهر من امرأته فقال: هي عليه كظهر امه، أو كيدها،
أو كرجلها، أو كشعرها، أو كشئ منها ينوي بذلك التحريم، فقد لزمه الكفارة في
كل قليل منها أو كثير (10). وهو ضعيف بالجهل والإرسال.
وخبر سدير سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يقول لامرأته: أنت علي كشعر امي،
أو ككفها، أو كبطنها، أو كرجلها، قال: ما عنى [به]؟ إن أراد به الظهار فهو
الظهار (11). وهو ضعيف سندا ودلالة، لجواز رجوع الضمير في قوله (عليه السلام): " فهو
الظهار " إلى الظهار، فيكون كلامه إنكارا لوقوع الظهار، أي إن عنى به الظهار
فليس بشيء، لأنه الظهار، وهو مشتق من الظهر، فلا مدخل لغيره فيه.
(وكذا) لا يقع (لو قال: كروح امي، أو نفسها، فإن الروح ليست محلا



(1) انظر المغني لابن قدامة: ج 8 ص 564.
(2) الوسيلة: ص 334.
(3) الانتصار: ص 142.
(4) غنية النزوع: ص 366.
(5) السرائر: ج 2 ص 709.
(6) المبسوط: ج 5 ص 149.
(7) الوسيلة: ص 334.
(8) المهذب: ج 2 ص 298.
(9) الخلاف: ج 4 ص 530 مسألة 9.
(10) وسائل الشيعة: ج 15 ص 517 ب 9 من كتاب الظهار ح 1.
(11) وسائل الشيعة: ج 15 ص 517 ب 9 من كتاب الظهار ح 2.
231
للاستمتاع) فهي أولى بالفساد من الأعضاء، والنفس مشتركة بين الذات
والناطقة، ولا استمتاع بالناطقة.
(ولو قال: " أنت علي حرام " فليس بظهار وإن نواه) للأصل، والخروج
عن اللفظ والنصوص، وللأخبار كخبر زرارة، سأل الباقر (عليه السلام) عن رجل قال
لامرأته: أنت علي حرام، فقال: لو كان لي عليه سلطان لأوجعت رأسه، وقلت: الله
أحلها لك فما حرمها عليك؟ إنه لم يزد على أن كذب، فزعم أن ما أحل الله له
حرام، ولا يدخل عليه طلاق ولا كفارة. فقال زرارة: قول الله عز وجل: " يا أيها
النبي لم تحرم ما أحل الله لك " فجعل فيه الكفارة، فقال: إنما حرم عليه جاريته
مارية، وحلف أن لا يقربها، فإنما جعل عليه الكفارة في الحلف ولم يجعل عليه في
التحريم (1).
(وكذا) لو قال: (أنت علي حرام كظهر امي) وفاقا للشيخ (2) (على
إشكال): من الأصل، ومخالفة الغالب، وما في الأخبار (3) من لفظه، وادعى
الإجماع عليه في الخلاف (4) والمبسوط (5).
ومن صحيح زرارة سأل الباقر (عليه السلام) عن الظهار، فقال: هو من كل ذي محرم ام
أو أخت أو عمة أو خالة، ولا يكون الظهار في يمين، قال: وكيف يكون؟ قال:
يقول لامرأته وهي طاهر في غير جماع: أنت علي حرام مثل ظهر امي أو أختي،
وهو يريد بذلك الظهار (6).
وما في خبر حمران عن الباقر (عليه السلام) في سبب نزول الآية من أن الرجل قال
لها: أنت علي حرام كظهر امي، إلى قوله (عليه السلام) لما قال الرجل الأول لامرأته: أنت



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 292 ب 15 من أبواب مقدمات الطلاق ح 2.
(2) المبسوط: ج 5 ص 151.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 517 ب 9 من كتاب الظهار.
(4) الخلاف: ج 4 ص 533 مسألة 16.
(5) المبسوط: ج 5 ص 151.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 511 ب 9 من كتاب الظهار ح 1.
232
علي حرام كظهر امي، قال: فمن قالها بعد ما عفا الله وغفر للرجل الأول فإن عليه
تحرير رقبة (1). ولأنه إنما زاد تصريحا بالمراد، وهو اختيار التحرير (2)
والمختلف (3).
و (أما لو قال: " أنت علي كظهر امي حرام " أو " أنت حرام أنت كظهر
امي " أو " أنت طالق أنت كظهر امي " للرجعية، أو " أنت كظهر امي طالق "
وقع) من غير إشكال إذا قصده، لإتيانه بالصيغة كاملة من غير تخلل شيء، وغاية
ما زاده أن يكون لغوا، ولابد من أن يقصد ب‍ " حرام " في الأولى، و" طالق " في
الأخيرة كونه خبرا ثانيا، لئلا يبقى إشكال، ووقوع الظهار بالمطلقة رجعيا مما
صرح به في المبسوط (4) وغيره، ونفى عنه الخلاف فيه، ويدل عليه أنها من نسائه
فيعمها النصوص (5).
(ولو قال: " أنت طالق كظهر امي " وقع الطلاق) إذا قصده، لصدور
صيغته صحيحة (ولغا الظهار) لنقصان صيغته (وإن قصدهما).
(وقيل) في المبسوط (6): (إن قصدهما والطلاق رجعي وقعا) وكان
قوله: " كظهر امي " خبرا ثانيا (فكأنه قال: " أنت طالق، أنت كظهر امي " وفيه
نظر: فإن النية غير كافية) في العقود والإيقاعات (من دون الصيغة)
والصيغة هنا إما ناقصة أو مفصولة، فلا تجدي النية.
(ويقعان معا لو قال: " أنت كظهر امي طالق ") فقصدهما (على
إشكال) من الإشكال في لزوم ذكر الزوجة صريحا في الطلاق من غير فصل،
لما مر من احتمال الوقوع بنحو " نعم " و" يا طالق ".



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 506 ب 1 من كتاب الظهار ح 3.
(2) تحرير الأحكام: ج 2 ص 61 س 18.
(3) مختلف الشيعة: ج 7 ص 425.
(4) المبسوط: ج 5 ص 147.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 517 ب 10 من كتاب الظهار.
(6) المبسوط: ج 5 ص 151.
233
والمراد من العبارة، إما الفرق بين الصيغتين عنده، لورود الرخصة في الطلاق
بلفظ " نعم " في بعض الأخبار كما مر بخلاف الظهار، فالصيغة الثانية أقرب إلى
الوقوع.
أو الفرق بينهما من جهة الاستشكال في الأولى من جهة اخرى من التردد في
وقوع الظهار بالمطلقة. أو لا فرق بينهما عنده، وإنما فرق بينهما لتنصيص الشيخ
على الأولى دون الثانية، فكأنه قال: إن عبر بالصيغة الأولى فقال الشيخ: يقعان بها.
وهو عندي مشكل. وإن عبر بالثانية ففيه الإشكال أيضا.
(ولو قال: " أنا مظاهر " أو " علي الظهار " لم يصح) وإن نوى إنشاءه،
للأصل. والخروج عن الصيغة المعهودة في العرف والأخبار (1).
(ولو ظاهر من واحدة ثم قال لأخرى: " أشركتك معها " أو " أنت
شريكتها " أو " كهي " لم يقع بالثانية) ظهار (سواء نوى به الظهار أو
أطلق) عندنا، لمثل ذلك. وللعامة قول بالوقوع إذا نوى (2).
(الركن الثاني: المظاهر)
(ويشترط بلوغه ورشده واختياره وقصده، فلا يقع ظهار الصبي وإن
كان مميزا، ولا المجنون المطبق، ولا من يناله) الجنون (أدوارا إلا وقت
صحته، ولا المكره) مع عدم القصد (ولا فاقدا لقصد) غيره (كالسكران
والمغمى عليه والغضبان غضبا يرفع قصده، والنائم والساهي والعابث به)
فإنما الأعمال بالنيات. وقال الباقر (عليه السلام): لا يكون ظهار في يمين، ولا في إضرار،
ولا في غضب (3). وقال الصادق (عليه السلام): لا طلاق إلا ما أريد به الطلاق، ولا ظهار إلا
ما أريد به الظهار (4). وسئل عن الظهار الواجب، فقال: الذي يريد به الرجل الظهار



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 506 ب 1 من كتاب الظهار.
(2) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 583.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 509 ب 2 من كتاب الظهار ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 510 ب 3 من كتاب الظهار ح 1.
234
بعينه (1). إلى غير ذلك. ولم يعتبر العامة النية (2) ولهم قول بوقوع ظهار السكران (3).
(ولو ظاهر ونوى به الطلاق أو بالعكس لم يقع أحدهما) عندنا،
لأنا نعتبر الصيغة مع النية، وقال الصادق (عليه السلام): لا يقع ظهار عن طلاق، ولا طلاق
عن ظهار (4). خلافا للعامة (5).
(ويصح من العبد) للعمومات، وخصوص نحو خبر محمد بن حمران سأل
الصادق (عليه السلام) عن المملوك أعليه ظهار؟ فقال: عليه نصف ما على الحر صوم
شهر (6). وللإجماع كما في الخلاف (7). وعن بعض العامة المنع (8).
(و) من (الكافر على رأي) وفاقا لبني إدريس (9) وسعيد (10) للعموم،
وخلافا للشيخ (11) والقاضي (12) وظاهر ابني الجنيد (13) وشهرآشوب، وظاهر
المبسوط الإجماع عليه، واستدل عليه بأنه حكم شرعي فكيف يصح ممن لا يقر
به؟ وبأن من لوازمه التكفير إذا عاده، وهو عبادة لا يصح منه (14). وضعفهما ظاهر،
فإن الكفر لا يمنع من وقوعه وترتب أحكامه عليه وإن لم يصح منه التكفير، فإن له
تصحيحه بالإسلام. وقيل: بل يصح عتقه وإطعامه (15).
(و) يقع من (الخصي والخنثى) إن جاز نكاحه (والمجبوب) وإن
لم يتمكنوا من الوطء (إن حرمنا) بالظهار جميع (ضروب الاستمتاع)



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 510 ب 3 من كتاب الظهار ح 2.
(2) بدائع الصنائع: ج 3 ص 231.
(3) المبسوط للسرخسي: ج 6 ص 233.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 534 ب 20 من كتاب الظهار ح 1.
(5) المبسوط للسرخسي: ج 6 ص 229.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 522 ب 12 من كتاب الظهار ح 1.
(7) الخلاف: ج 4 ص 525 مسألة 1.
(8) عمدة القارئ: ج 20 ص 282.
(9) السرائر: ج 2 ص 708.
(10) الجامع للشرائع: ص 483.
(11) الخلاف: ج 4 ص 525 مسألة 2.
(12) جواهر الفقه: ص 187 مسألة 661.
(13) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 408.
(14) المبسوط: ج 5 ص 145.
(15) نسبه فخر المحققين إلى بعضهم ولم يسمه، راجع إيضاح الفوائد: ج 3 ص 405.
235
وإلا لم يقع، لانتفاء أثره، لامتناع وطئهم، وهو ظاهر في غير الخنثى. وقيل فيه:
إنه يجوز أن تكون امرأة وآلة الرجل زيادة، فلا يتحقق الوطء الصادر من الرجال،
مع أنه مناط الظهار، ولا يبعد أن يريد به العنين لغلبة التعنين في الخناثى.
(ولا يصح من المرأة) سواء قالت: " أنا عليك كظهر أمك " أو " أنت علي
كظهر امي " أو " كظهر أبي " أو نحو ذلك للأصل، مع الخروج من المعهود
والنصوص. وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر السكوني: إذا قالت المرأة: زوجي
علي كظهر امي فلا كفارة عليها (1). وقول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن فضال:
لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق (2).
(الركن الثالث: المظاهرة) أي المظاهر منها.
(ويشترط أن تكون مملوكة الوطء له، فلا يقع بالأجنبية) عندنا،
للأصل، والخروج عن النصوص، خلافا لأبي حنيفة ومالك (3) (وإن علقه على
النكاح) بأن يقول: " متى تزوجتك فأنت علي كظهر امي " خلافا لمالك (4)
والشافعي (5).
(وأن تكون طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع إن كان زوجها حاضرا)
أو بحكمه (وهي ممن تحيض مثلها) إلا إذا كانت حاملا إن كانت تحيض،
بالإجماع والنصوص كما سمعته من خبري زرارة وابن فضال (6). خلافا للعامة (7).
وإنما يعتبر الطهر كذلك (وقت الإيقاع لا) وقت حصول (الشرط) إن
أوقعه مشروطا وأجزناه، للأصل والعموم، فإن وقت الظهار وقت إيقاعه.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 534 ب 21 من كتاب الظهار ح 1 وفيه بدل " عليها " عليهما.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 510 ب 2 من كتاب الظهار ح 3.
(3) المحلى: ج 10 ص 54.
(4) المدونة الكبرى: ج 3 ص 59 و60.
(5) في كتابه خلاف ذلك: أي لم يقع الظهار. راجع الأم: ج 5 ص 278.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 509 ب 2 من كتاب الظهار ح 2 و3.
(7) الأم: ج 5 ص 276.
236
(ولو كان غائبا) بحيث لا يعرف حال زوجته (صح) لصحة الطلاق،
ونص الأخبار على وقوعه على مثل موضع الطلاق (1). (وكذا لو كانت يائسة
أو صغيرة وإن كان حاضرا).
(وهل يشترط العقد؟ فيه نظر، والمروي) في عدة أخبار (أنه يقع
بالموطوءة بملك اليمين) أي التي من شأنها الوطء بملك اليمين. وبالجملة
ظهار المولى من أمته، فسأل ابن أبي يعفور الصادق (عليه السلام) في الحسن، عن رجل
ظاهر من جاريته، قال: هي مثل ظهار الحرة (2). وفيه: أنه يجوز عود ضمير
" جاريته " إلى السائل.
وسأله، أو الكاظم (عليه السلام) حفص بن البختري في رجل كان له عشر جوار فظاهر
منهن جميعا بكلام واحد، فقال: عليه عشر كفارات (3). وسأل إسحاق بن عمار
الكاظم (عليه السلام) عن الرجل يظاهر من جاريته، فقال: الحرة والأمة في هذا سواء (4).
وفيه: جواز فتح الهاء من " يظاهر ".
وسئل أحدهما (عليهما السلام) في صحيح محمد بن مسلم عن الظهار على الحرة
والأمة؟ قال: نعم (5). وليس من الدلالة في شيء.
وسأل الحسين بن مهران الرضا (عليه السلام) عن رجل ظاهر من امرأته وجاريته
ما عليه؟ قال: عليه لكل واحدة منهما كفارة (6). وقال زرارة للباقر (عليه السلام):
إني ظاهرت من ام ولد لي ثم وقعت عليها ثم كفرت، فقال: هكذا يصنع
الرجل الفقيه، إذا واقع كفر (7). وليس نصا، وهو اختيار إبراهيم بن هاشم



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 509 ب 2 من كتاب الظهار.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 521 ب 11 من كتاب الظهار ح 4.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 521 ب 11 من كتاب الظهار ح 3.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 520 ب 11 من كتاب الظهار ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 520 ب 11 من كتاب الظهار ح 2.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 525 ب 14 من كتاب الظهار ح 2.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 529 ب 16 من كتاب الظهار ح 2.
237
والحسن (1) والشيخ (2) وابني حمزة (3) وسعيد (4) والمصنف في غير الكتاب (5) وزيد
في دليله: عموم النصوص، لأنها امرأته ونساؤه. وفي الخلاف الإجماع عليه (6).
وخالف المفيد (7) وسلار (8) والتقي (9) والقاضي (10) وابن إدريس (11) فلم
يوقعوه بها، للأصل، وعدم الفهم من نسائهم، ولا من امرأته عرفا، ونطق الأخبار
بأنه إنما يقع على مثل موضع الطلاق، مع ضعف الأخبار الدالة على الوقوع دلالة
- فيما عرفت - وسندا في الباقي، وإن وصفوا خبر حفص ب‍ " الحسن " ففيه كلام.
ولخبر حمزة بن حمران سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل جعل جاريته عليه كظهر
امه، فقال: يأتيها وليس عليه شيء (12). وصحيح عبد الله بن المغيرة، قال: تزوج
حمزة بن حمران ابنة بكير فلما أراد أن يدخل بها قال له النساء: لسنا ندخلها
عليك حتى تحلف لنا، ولسنا نرضى أن تحلف بالعتق لأنك لا تراه شيئا، ولكن
احلف لنا بالظهار، فظاهر من أمهات أولادك وجواريك، فظاهر منهن. ثم ذكر ذلك
لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: ليس عليك شيء ارجع إليهن (13).
ويمكن الجواب بالحمل على نفي شيء من العقوبة إذا كفر، وحمل الثاني على
الحلف بالظهار كما ربما يرشد إليه لفظ " هن " واختلال شرط كالقصد أو حضور
الشاهدين (14).



(1) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 420.
(2) الخلاف: ج 4 ص 529 مسألة 8.
(3) فيه خلاف ذلك راجع: الوسيلة: ص 335.
(4) الجامع للشرائع: ص 485.
(5) تحرير الأحكام: ج 2 ص 61 س 4. تبصرة المتعلمين: ص 150. إرشاد الأذهان: ج 2
ص 55.
(6) الخلاف: ج 4 ص 529 مسألة 8.
(7) المقنعة: ص 524.
(8) المراسم: ص 160.
(9) الكافي في الفقه: ص 204.
(10) المهذب: ج 2 ص 298.
(11) السرائر: ج 2 ص 709.
(12) وسائل الشيعة: ج 15 ص 521 ب 11 من كتاب الظهار ح 6.
(13) وسائل الشيعة: ج 15 ص 513 ب 6 من كتاب الظهار ح 3.
(14) في ن، ق زيادة: كما ربما يرشد إليه لفظهن.
238
(وهل يشترط كون العقد دائما؟ خلاف) عرفته في النكاح (أقربه
الوقوع بالمستمع بها) وفاقا للأكثر، وقد عرفت الكلام من الطرفين.
(وهل يشترط الدخول؟ المروي) صحيحا عن الصادقين (عليهما السلام)
(اشتراطه) فروى محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) في المرأة التي لم يدخل
بها زوجها، قال: لا يقع عليها إيلاء ولا ظهار (1). وسأل الفضيل بن يسار
الصادق (عليه السلام) عن رجل مملك ظاهر من امرأته، قال: لا يلزمه شيء ولا يكون
ظهار، ولا إيلاء حتى يدخل بها (2). وبه قال الشيخ وادعى عليه الإجماع (3) ووافقه
ابنا حمزة (4) وسعيد (5) (وقيل) في المقنعة (6) والمراسم (7) والغنية (8) والسرائر (9):
(لا) يشترط (للعموم) مع كون الخبرين خبري آحاد لا يصلحان لتخصيص
الكتاب. وللاحتياط.
(وعلى الاشتراط يقع مع الوطء دبرا) لأنه دخول (أو في حال
صغرها، أو جنونها) ظرف للوقوع، أي يقع ظهار بها ولو وطئت دبرا، أو كانت
صغيرة، أو مجنونة وإن حرم الدخول بالصغيرة، ولم تكن هي والمجنونة أهلا
للترافع. ولو جعلناه ظرفا للوطء لم يتجه تخصيص المجنونة.
ثم هو المناسب لغيره، كالمبسوط والشرائع (10) والتحرير (11) وقال في
المبسوط: وأما بعد الدخول بها فإنه يصح ظهارها، صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة أو
مجنونة، بكرا أو ثيبا، مدخولا بها أو غير مدخول، يقدر على جماعها أو لم يقدر،



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 516 ب 8 من كتاب الظهار ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 516 ب 8 من كتاب الظهار ح 1.
(3) الخلاف: ج 4 ص 526 مسألة 3.
(4) عبارته: " كون المرأة غير مدخول بها " والظاهر زيادة كلمة " غير " راجع الوسيلة:
ص 334.
(5) الجامع للشرائع: ص 483.
(6) المقنعة: ص 524.
(7) المراسم: ص 160.
(8) غنية النزوع: ص 367.
(9) السرائر: ج 2 ص 709.
(10) شرائع الإسلام: ج 2 ص 64.
(11) تحرير الأحكام: ج 2 ص 61 س 6.
239
لعموم الآية (1). ولا يظهر لهذا الكلام معنى، إلا أن يكون المراد سواء كانت الثيوبة
للدخول بها أم لغيره [أو يكون المراد بالدخول الخلوة] (2).
(ويقع بالرتقاء والمريضة التي لا توطأ) إلا المريضة التي لا يمكن له
وطؤها قبل الظهار قبلا ولا دبرا إن اشترطنا الدخول، فيجوز إدخال الجملة في
حيز قوله: " على الاشتراط " والابتداء بها.
(ولا فرق في الوقوع بين أن تكون حرة أو أمة، مسلمة أو ذمية)
اتفاقا، وقد سمعت ما نص من الأخبار على الأمة (3) وغيرها من الأخبار. والكتاب
يعم الكل.
(والأقرب اشتراط التعيين) كما نص عليه في الانتصار (4) والغنية (5)
والسرائر (6) والجامع (7) وحكى عليه الإجماع في الانتصار (8) والكلام فيه كالكلام
في الطلاق، وإنما قوى هناك عدم الاشتراط، فإنه أنسب بالاحتياط في الفروج.
(الركن الرابع: المشبه بها)
(لا خلاف في صحته إذا شبه بالأم) نسبا (بلفظ الظهر).
(وهل يقع لو شبهها بغيرها من المحرمات نسبا أو رضاعا، كالأخت
والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت والأم من الرضاعة وغيرها؟
خلاف، أقربه: الوقوع إن جاء بصيغة الظهر) وفاقا للأكثر. ومنهم: من صرح
بالمحرمات رضاعا كالشيخ في المبسوط (9) وابني سعيد (10) للأخبار كما تقدم من
صحيح زرارة عن الباقر (عليه السلام). وحسن جميل بن دراج قال للصادق (عليه السلام): الرجل



(1) المبسوط: ج 5 ص 146.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في ن، ق.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 520 ب 11 من كتاب الظهار.
(4) الانتصار: ص 141.
(5) غنية النزوع: ص 366.
(6) السرائر: ج 2 ص 710.
(7) الجامع للشرائع: ص 483.
(8) الانتصار: ص 141.
(9) المبسوط: ج 5 ص 149 و150.
(10) شرائع الإسلام: ج 3 ص 61، الجامع للشرائع: ص 483.
240
يقول لامرأته: أنت علي كظهر عمته أو خالته، قال: هو الظهار (1). وكل ذي محرم،
في خبر زرارة (2) يشمل المحرمات رضاعا. ولقوله (عليه السلام): " يحرم من الرضاع ما
يحرم من النسب " (3) وضعفه ظاهر.
ولم يوقعه ابن إدريس بالتشبيه بغير الأم (4) للأصل. وكونه المعهود المفهوم من
اللفظ. واقتصار الآية عليه. وخبر سيف التمار قال للصادق (عليه السلام): الرجل يقول
لامرأته: أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو خالتي، فقال: إنما ذكر الله الأمهات،
وإن هذا لحرام (5). وقوله: " إن هذا لحرام " إنما دل على الحرمة، ولا يستلزم وقوع
الظهار به على وجه يترتب عليه أحكامه.
(ولو شبهها بعضو غيره) أي الظهر (من غير الأم كيد الأخت ورجلها
لم يقع قطعا) لانتفاء الدليل، خلافا لابن حمزة (6) لاشتراك الأعضاء في الحرمة.
(ولو شبهها بمحرمة بالمصاهرة على التأبيد) لا جمعا خاصة (كأم
الزوجة وبنتها مع الدخول وزوجة الأب و) زوجة (الابن لم يقع) وفاقا
للمبسوط (7) والمهذب (8) وظاهر كل من نص على التعميم للنسب والرضاع
للأصل، وخلو الأخبار عن ذكر شيء منهن. واختار الوقوع في المختلف،
للاشتراك في العلة (9) وعموم كل ذي محرم.
وللعامة قول بوقوعه بالتشبيه بمن حرمت عليه أبدا (10) أي من أول كونه نسبا
أو رضاعا أو مصاهرة، لا بمن كانت مباحة له ثم حرمت كحليلة الابن، وكمن
أرضعته وكانت قبل الإرضاع حلالا له.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 511 ب 4 من كتاب الظهار ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 511 ب 4 من كتاب الظهار ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 14 ص 280 ب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع ح 1.
(4) السرائر: ج 2 ص 710.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 511 ب 4 من كتاب الظهار ح 3.
(6) الوسيلة: ص 334.
(7) المبسوط: ج 5 ص 149.
(8) المهذب: ج 2 ص 299.
(9) مختلف الشيعة: ج 7 ص 415.
(10) المجموع: ج 17 ص 344 - 345.
241
(وكذا لو شبهها بمحرمة لا على التأبيد) بل جمعا (كأخت الزوجة
وعمتها وخالتها) والمطلقة ثلاثا للعدة بلا خلاف، كما في المبسوط (1) للأصل،
وانتفاء الدليل.
(وهل تدخل الجدة تحت الأم إن اقتصرنا) في وقوع الظهار (عليها؟
إشكال) من التردد في فهمها من الأم إذا أطلقت. ونفى في المبسوط الخلاف في
الوقوع بها من الأب كانت، أم من الأم، قربت أو بعدت (2).
(ولو شبهها بظهر أبيه، أو أخيه، أو ولده لم يقع) لأنهم ليسوا من محل
الاستمتاع في شيء وإن عم الولد البنت. وللأصل، والخروج عن المعهود
والنصوص، فإن المعروف من ذي المحرم في مثل هذا المقام بالنسبة إلى الرجال
النساء، وللعامة قول بالوقوع (3).
(وكذا لو شبهها بالأجنبية أو بزوجة الغير) ولو بزوجة النبي (صلى الله عليه وآله)
(أو الملاعنة) أو المفضاة أو المطلقة تسعا (وإن) كانت كل منهن ممن (تأبد
تحريمها) فإن العمدة إنما هو النص والإجماع.
(المقصد الثاني في أحكامه)
(الظهار حرام لاتصافه) في الآية (4) (بالمنكر، وقيل) في التهذيب
والاستبصار (لا عقاب فيه) (5) في الآخرة (لتعقبه بالعفو) والغفران، وهما
وإن لم يقيدا بهذا الفعل لكن سياق الكلام يدل عليه عند البلغاء. ويدفعه: أنه
لا دلالة له على العفو بلا توبة وتكفير فلم لا يجوز حمله عليه؟ كما في التبيان (6)
وغيره.
(ويشترط في صحته) عند جميع أصحابنا (حضور شاهدين عدلين



(1 و2) المبسوط: ج 5 ص 149.
(3) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 558.
(4) المجادلة: 2.
(5) انظر تهذيب الأحكام: ج 8 ص 14 ذيل حديث 44 والاستبصار: ج 3 ص 261 ذيل
حديث 935.
(6) التبيان: ج 9 ص 542.
242
يسمعان نطق المظاهر) وينص عليه قول الباقر (عليه السلام) في حسن حمران: لا يكون
ظهار إلا على طهر بغير جماع بشهادة شاهدين مسلمين (1).
وقطع أكثر الأصحاب باشتراط العدالة، وممن لم يذكرها السيد والشيخ، وزاد
ابن حمزة: الحرية (2).
(ولا يقع يمينا) بالاتفاق كما في الانتصار (3) لنفي اليمين بغير اسم الله
تعالى في الأخبار. ونفيه بخصوصه فيما تقدم من صحيح زرارة (4) ونحوه. وجعله
يمينا كأن يقول: " إن فعلت كذا ففلانة علي كظهر امي " وينوي به الانزجار عن
الفعل، أو يقول: " إن لم أفعل " وينوي الانبعاث عليه.
(ولا معلقا) على وقت كقوله: " أنت علي كظهر امي إذا جاء شهر كذا،
أو يوم كذا " لأنه ينافي الإيقاع وإنما جاز التعليق بالشرط للنصوص (5) خلافا
للمبسوط (6) فأجازه. وربما قيل: إذا جاز التعليق بالشرط فبالصفة - كالوقت -
أولى. وقد يمنع الأولوية. وقد يدعى العكس، لأن الشرط محتمل الوقوع حين
الإيقاع، فيمكن إرادة الوقوع حينه، بخلاف الصفة. ووهنه ظاهر، بل المعتمد هو
النص، وهو موجود في الشروط دون الصفة.
(ولا في إضرار) وفاقا للنهاية (7) والوسيلة (8) لقول الباقر (عليه السلام) في حسن
حمران: لا يكون ظهار في يمين ولا في إضرار (9). ويحتمل الوقوع كما هو ظاهر
الأكثر، لعموم الآية (10) وسائر الأخبار.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 509 ب 2 من كتاب الظهار ح 1.
(2) الوسيلة: ص 334.
(3) الانتصار: ص 141.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 511 ب 4 من كتاب الظهار ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 529 ب 16 من كتاب الظهار.
(6) المبسوط: ج 5 ص 150.
(7) النهاية: ج 2 ص 465.
(8) الوسيلة: ص 324.
(9) وسائل الشيعة: ج 15 ص 509 ب 2 من كتاب الظهار ح 1.
(10) المجادلة: 2.
243
وقوله: (على رأي) يحتمل الاختصاص (1) بالإضرار كما يفهم من
الشرحين (2). وبه وبالتعليق، لما عرفت من وقوع الخلاف فيه. والعموم للثلاثة،
لعدم ثبوت الإجماع على عدم وقوعه يمينا، ولم يتعرض له الأكثر، مع عموم
ما دل على وقوعه مشروطا. وقول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن بن الحجاج:
إذا حلف الرجل بالظهار فحنث فعليه الكفارة قبل أن يواقع، وإن كان منه الظهار
في غير يمين فإنما عليه الكفارة بعد ما يواقع (3).
(فلو حلف به أو علقه بانقضاء الشهر أو دخوله) مثلا (أو قصد به
الإضرار لم يقع) على المختار.
(وهل يقع موقوفا على شرط؟ الأقرب ذلك) وفاقا للصدوق (4)
والشيخ (5) والمحقق (6).
(فلو قال: " أنت علي كظهر امي إن دخلت الدار " أو " إن شاء زيد "
فدخلت، أو شاء وقع) للأخبار، وهي كثيرة كقول الصادق (عليه السلام) في صحيح
حمران: الظهار ظهاران، فأحدهما أن يقول: " أنت علي كظهر امي " ثم يسكت،
فذلك الذي يكفر قبل أن يواقع، فإذا قال: " أنت علي كظهر امي إن فعلت كذا وكذا "
ففعل وحنث، فعليه الكفارة حيث يحنث (7).
وخلافا للسيد (8) وبني زهرة (9) وإدريس (10) وسعيد (11) والبراج (12) لمنافاته
الإيقاع.



(1) في ن، ق: يحتمله.
(2) إيضاح الفوائد: ج 3 ص 411. كنز الفوائد: ج 2 ص 646.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 514 ب 6 من كتاب الظهار ح 6.
(4) المقنع: ص 352.
(5) المبسوط: ج 5 ص 154.
(6) شرائع الإسلام: ج 3 ص 62.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 531 ب 16 من كتاب الظهار ح 7، وفيه: عن حريز.
(8) الانتصار: ص 141.
(9) غنية النزوع: ص 366.
(10) السرائر: ج 2 ص 709.
(11) الجامع للشرائع: ص 483.
(12) المهذب: ج 2 ص 301.
244
وخبر القاسم بن محمد الزيات، قال للرضا (عليه السلام): إني ظاهرت من امرأتي،
فقال له: كيف قلت؟ قال: قلت: أنت علي كظهر امي إن فعلت كذا وكذا، فقال له:
لا شيء عليك ولا تعد (1). وخبر ابن بكير عن رجل من أصحابنا عن رجل قال
للكاظم (عليه السلام): إني قلت لامرأتي: أنت علي كظهر امي إن خرجت من باب الحجرة
فخرجت، فقال: ليس عليك شيء، فقال: إني قوي على أن اكفر، فقال: ليس عليك
شيء، فقال: إني أقوي على أن اكفر رقبة ورقبتين، فقال: ليس عليك شيء، قويت
أو لم تقو (2).
وهما مع الضعف يحملان على اليمين. ويحتمل الأول نفي الشيء عليه قبل
حصول الشرط. ولقول الصادق (عليه السلام) فيما مر من مرسل ابن فضال: لا يكون الظهار
إلا على مثل موضع الطلاق (3). وظاهر الموضع المرأة، وللإجماع كما في
السرائر (4) والغنية (5) وربما يظهر من الانتصار (6).
ثم المصنف وافق المحقق (7) في ترجيح نفي وقوعه معلقا ووقوعه مشروطا
ثم تنظر فيه فقال: (وفي الفرق بينه وبين المعلق نظر): من خروج التعليق من
النصوص. ومن أن الوقوع مشروطا يدل على عدم اشتراط التنجيز وإرادة الإيقاع
بنفس الصيغة فيه، وإذا لم يشترط ذلك لم يكن فرق بين الشرط والتعليق، بل قد
يكون التعليق أولى بالوقوع كما عرفت.
(و) على المختار من وقوعه مشروطا (لو علقه بظهار الضرة ثم
ظاهرها وقعا. ولو علقه بظهار فلانة الأجنبية) مع وصفها بالأجنبية مريدا
إيقاعه بها وهي أجنبية (فإن قصد المواجهة) لها (باللفظ والنطق به صح



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 520 ب 16 من كتاب الظهار ح 4.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 13 وفيه بدل " أقوى ": قوي.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 532 ب 16 من كتاب الظهار ح 13.
(4) السرائر: ج 2 ص 709.
(5) غنية النزوع: ص 367.
(6) الانتصار: ص 141.
(7) شرائع الإسلام: ج 3 ص 62.
245
الظهار مع المواجهة به للأجنبية) لوقوع الشرط (وإن قصد) الظهار
(الشرعي لم يقع) لعدم وقوعها بها، وإن أطلق ففيه وجهان: كما في المبسوط (1)
والتحرير (2): من احتمال التعليق على الاسم، وعلى الصفة.
(وكذا لو قال: أجنبية) على الحالية واقتصر عليها من دون ذكر فلانة.
(ولو قال: فلانة من غير وصف) بالأجنبية (فتزوجها وظاهرها وقعا
معا) والكل ظاهر. ويظهر من الشرائع احتمال العدم في الأخير (3) ولعله لكون
الشرط حين إيقاع الصيغة غير مشروط.
(ولو علقه بمشيئة الله وقصد الشرط لم يقع) وهو المراد مما في
المبسوط: من الإطلاق (4) لعدم العلم بوقوعه، بل العلم بعدم وقوعه (وإن قصد
التبرك وقع) للتنجيز.
(ولو قال: " أنت علي كظهر امي إن لم يشأ الله " فإن كان عدليا) يعتقد
أنه تعالى لا يريد القبائح والمعاصي (وقع إن عرف التحريم) فإنه في المعنى
منجز حينئذ.
(وإن كان أشعريا فإشكال) من الجهل بوقوع الشرط الموجب
لاستصحاب الحل، والحكم بعدم وقوع الظهار. ومن لوازم وقوعه، شاء الله أو لم
يشأ، فإنه إن شاء لم يجز أن لا يقع، لكون المشيئة عندهم سببا تاما لوقوع الشيء،
وإن لم يشأ تحقق الشرط فيتحقق المشروط، ولزوم عدم وقوعه على التقديرين
أيضا، فإنه إن شاء فقد انتفى الشرط، فانتفى المشروط، وإن لم يشأ لم يقع، إذ ما
من شيء إلا بمشيئة الله. ويندفع بأنه يلزم منه بطلان التعليق فلا يقع الظهار، لأنه
إنما أوقعه معلقا.
(ولو علق بالنقيضين) كقوله: " أنت علي كظهر امي إن شاء الله "



(1) المبسوط: ج 5 ص 153.
(2) تحرير الأحكام: ج 2 ص 61 س 25.
(3) حيث نسبه إلى الشيخ وإن حسنه، راجع شرائع الإسلام: ج 3 ص 63.
(4) المبسوط: ج 5 ص 152.
246
أو " لم يشأ " أو " إن دخلت الدار " أو " لم تدخلي " (وقع) لأنه في معنى نفي
التعليق (في الحال أو في الزمان المقيد به) إن أوقعنا المعلق.
(ولو علق بأمرين على الجمع لم يقع مع) وقوع (أحدهما، ويقع) مع
وقوعهما، وإن وقعا (على البدل) إلا أن يأتي بما ينص على التعليق بوقوعهما
مجتمعين، [أو الجملة معطوفة على الشرطية، يعني ويقع مع أحدهما لو علق بهما
على البدل] (1).
(و) أما (إذا كان) الظهار (منجزا، أو وقع شرطه أفاد تحريم وطء
الزوجة) مثلا وبالجملة المظاهر منها (حتى يكفر).
(والأقرب) وفاقا للشيخ (2) وجماعة (تحريم غيره من ضروب
الاستمتاع) لشمول المس لها لغة، ولم يثبت نقله إلى الجماع.
وخلافا لابن إدريس (3) لادعائه الاتفاق على إرادة الجماع بالمسيس هنا
(لا تحريمه عليها) للأصل من غير معارض، فإن تشبهت بغيرها حتى وطئها،
أو استدخلت ذكره وهو نائم لم تفعل حراما.
(ولا يحل الوطء حتى يكفر بالعتق، أو الصيام، أو الإطعام على
الترتيب) كما نصت عليه الآية (4).
ثم حرمة الوطء قبل العتق، أو الصيام مجمع منصوص عليه، والمشهور قبل
الإطعام ذلك، لعموم الأخبار (5). ولم يحرمه أبو علي (6) في الإطعام، لخلو الكتاب
عن الأمر بتقديمه. ولخبر زرارة قال للباقر (عليه السلام): إني ظاهرت من ام ولد لي ثم
وقعت عليها ثم كفرت، فقال: هكذا يصنع الرجل الفقيه إذا واقع كفر (7). وحسنه قال



(1) ما بين المعقوفتين ليس في ق، ن.
(2) المبسوط: ج 5 ص 154 و155.
(3) السرائر: ج 2 ص 711.
(4) المجادلة: 3 و4.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 526 ب 15 من كتاب الظهار.
(6) حكاه عنه في مسالك الأفهام: ج 9 ص 528.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 529 ب 16 من كتاب الظهار ح 2.
247
للصادق (عليه السلام): رجل ظاهر ثم واقع قبل أن يكفر، فقال: أو ليس هكذا يفعل
الفقيه (1)؟ وحملا على الظهار المشروط بالمواقعة، ويمكن الحمل على الإنكار،
خصوصا الأول، والمزاح، كقوله (عليه السلام) لعمار: هكذا يتمرغ الحمار (2) مع أن الأول
لا يدل إلا على التكفير إذا واقع. وأما جواز التأخير وتعدد الكفارة به أو عدمه،
فلا دلالة له على شيء من ذلك، وإن اعتمدنا على الثاني كان التأخير أفضل، ولعله
لا يقول به.
(ولو) كان مكفرا بالصوم و (وطئ) خلال الصوم نهارا أو ليلا قبل مسمى
التتابع بصوم شهر ويوم، أو بعده (استأنف) عند الشيخ (3) والمحقق (4) للنص على
وجوب تقديم صيام الشهرين على المسيس. وإذا وطئ في الأثناء ثم أكمل
الشهرين لم يصم الشهرين قبل المسيس. ولما سيأتي من وجوب كفارتين إذا
وطئ قبل التكفير، ويصدق هنا الوطء قبله، فيلزم كفارتان تامتان، والأصل عدم
وجوبهما مع إيجاب إتمام ما يحلله الوطء، ولا قال به أحد.
(وقيل) في السرائر (5) والجامع (6): (لا يبطل التتابع لو وطئ ليلا) إذ
لا معنى لتتابع الصوم إلا عدم تخلل الإفطار، وإنما أمرنا بصيام شهرين متتابعين،
وهو صادق مع الوطء ليلا، وغاية ما فهم من الآية وجوب تقديم هذا الصوم
المتتابع على الوطء، وأنه آثم بالوطء في خلاله، ولا دليل على الاستئناف. ولأن
الاستئناف لا يجديه شيئا، فإنه لا يصدق على المستأنف أنه قبل الوطء،
ولا وجوب كفارتين عليه يوجب الاستئناف، بل إحداهما ما تخلله الوطء.
وقد يبنى الخلاف على أن الكفارتين إذا وطئ قبل التكفير، هل هما للظهار
فينقطع التتابع، أو إحداهما عقوبة، فتكون هي الأولى، وتعين الثانية لتكفير الظهار؟



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 530 ب 16 من كتاب الظهار ح 5.
(2) وسائل الشيعة: ج 1 ص 977 ب 11 من أبواب التيمم ح 8.
(3) الخلاف: ج 4 ص 540 مسألة 24.
(4) شرائع الإسلام: ج 3 ص 66.
(5) السرائر: ج 2 ص 714.
(6) الجامع للشرائع: ص 484.
248
(و) على الأول (هل يكفي الاستئناف عن كفارة الوطء قبل كمال
التكفير) على القول بلزوم كفارتين إن وطئ قبل التكفير؟ (إشكال) من التردد
في كون الوطء قبل التكفير، لاحتمال أن يراد قبل الشروع فيه وقبل الإتمام.
(والأقرب أن الوطء إن وقع ليلا وجب الإتمام) دون الاستئناف
(مطلقا) قبل اتباع الشهر الأول بيوم وبعده، وفاقا لابني إدريس وسعيد (1) لما
عرفت. (و) وجب (التكفير ثانيا) وفاقا للجامع (2) لصدق الوطء قبل التكفير،
إذ لا تكفير إلا بتمام الصيام.
(وكذا إن وقع نهارا بعد أن صام من الثاني شيئا، وإن) وقع نهارا و
(كان قبله استأنف) لفقد التتابع (وكفر ثانيا) بعد الاستئناف، فإن تقدم
الوطء على التكفير هنا أظهر.
(ولو عجز عن الكفارة) بجميع خصالها (وما يقوم مقامها) من صوم
ثمانية عشر يوما، أو ما قدر عليه (كفاه الاستغفار) المقرون بالتوبة.
(وحل الوطء على رأي) وفاقا لابن إدريس (3) والمحقق (4) لقول
الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمار: إن الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة
فليستغفر الله، ولينو أن لا يعود قبل أن يواقع ثم ليواقع، وقد أجزأ ذلك عنه من
الكفارة، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفر به يوما من الأيام فليكفر، وإن تصدق بكفه
فأطعم نفسه أو عياله فإنه يجزئه إذا كان محتاجا، وإن لا يجد ذلك فليستغفر الله
ربه وينوي أن لا يعود، فحسبه بذلك والله كفارة (5). وفي خبر داود بن فرقد
الاستغفار توبة وكفارة لكل من لم يجد السبيل إلى شيء من الكفارة (6). ولأن من
البين أنه غير مكلف بما يعجز عنه من التكفير، والأصل عدم وجوب الطلاق،
فلو لم يكف الاستغفار لزم الحرج العظيم.



(1) تقدم آنفا.
(2) الجامع للشرائع: ص 484.
(3) السرائر: ج 2 ص 713.
(4) المختصر النافع: ص 206.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 555 ب 6 من أبواب الكفارات ح 4.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 555 ب 6 من أبواب الكفارات ح 3.
249
وخلافا للشيخين (1) وجماعة، لأن النصوص إنما تضمنت الخصال، وضعف
هذين الخبرين. وقول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير: كل من عجز عن الكفارة
التي تجب عليه، من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما
يجب على صاحبه فيه الكفارة، فالاستغفار له كفارة، ما خلا يمين الظهار، فإنه إذا
لم يجد ما يكفر به حرمت عليه أن يجامعها وفرق بينهما، إلا أن ترضى المرأة أن
يكون معها ولا يجامعها (2).
وخبر أبي الجارود زياد بن المنذر قال: سأل أبو الورد أبا جعفر (عليه السلام) وأنا عنده
عن رجل قال لامرأته: أنت علي كظهر امي مائة مرة، قال أبو جعفر (عليه السلام): يطيق
لكل مرة عتق نسمة؟ قال: لا، قال: فيطيق إطعام ستين مسكينا مائة مرة؟ قال: لا،
قال: فيطيق صيام شهرين متتابعين مائة مرة؟ قال: لا، قال: يفرق بينهما (3).
وأخبار الطرفين ضعيفة، واختلف في أن الخصال لها بدل أو لا، والقائلون
بالبدل اختلفوا. ففي الفقيه: إن لم يجد ما يطعم ستين مسكينا صام ثمانية عشر
يوما، وروي أنه يتصدق بما يطيق (4). وعكس في الهداية فقال: يصدق بما يقدر،
وقد روي أنه يصوم ثمانية عشر يوما (5).
وفي النهاية اقتصر على صيام ثمانية عشر يوما (6). وسيأتي في الكتاب موافقا
للشرائع أنه يصوم ثمانية عشر، فإن عجز تصدق عن كل يوم بمد (7) وتمام التحقيق
فيما سيأتي.
(ولا يجبره الحاكم على التكفير) خاصة، أو الطلاق خاصة مطلقا،
ولا على أحدهما قبل المرافعة، فإن الحق إنما هو للزوجين، وقد أسقط هو حقه



(1) المقنعة: ص 524. النهاية: ج 2 ص 464 - 465.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 554 ب 6 من أبواب الكفارات ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 554 ب 6 من أبواب الكفارات ح 2.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 528 ذيل حديث 4829 وح 4830.
(5) الهداية: ص 273 - 274.
(6) النهاية: ج 2 ص 467.
(7) شرائع الإسلام: ج 3 ص 79.
250
بالظهار، فإن صبرت المرأة فقد أسقطت حقها (بل إذا رفعت المرأة أمرها إليه
خيره بين التكفير والرجعة، وبين الطلاق، وينظره للفكرة ثلاثة أشهر من
حين الترافع، فإن خرجت الأشهر ولم يختر أحدهما حبسه الحاكم وضيق
عليه في مطعمه، ومشربه حتى يتخير أحدهما، ولا يجبر على الطلاق
بعينه) إلا إذا قدر على التكفير وأقام على التحريم مضارة، كذا في النهاية (1)
والغنية (2) والوسيلة (3). وفي الغنية بدليل إجماع الطائفة (4) يعنون أنه إذا لم يقدر
على التكفير لم يجبر على شيء، فإن الأصل عدم وجوب الطلاق عليه، ولعله ندم
مما فعله، ويشق عليه مفارقة زوجته فابتلي هو كما ابتليت، فهما ينتظران الفرج.
وهذا إنما يتم على القول بعدم حل الوطء بالاستغفار إذا عجز عن التكفير بغيره.
(ولا يطلق عنه) الحاكم، للأصل من غير معارض (وإن صبرت
لم يعترض) ومما يدل على هذه الأحكام بعد الاتفاق عليها - كما هو الظاهر - أن
أبا بصير سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل ظاهر من امرأته، فقال: إن أتاها فعليه عتق
رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، وإلا ترك ثلاثة أشهر، فإن
فاء وإلا أوقف حتى يسأل: ألك حاجة في امرأتك أو تطلقها؟ فإن فاء فليس عليه
شيء وهي امرأته، وإن طلق واحدة فهو أملك برجعتها (5). ولعل المراد بالفئة الندم
والتزام الكفارة ثم الوطء، لا الوطء، ليستشكل بأنها ليس لها المطالبة بالوطء،
إلا في كل أربعة أشهر، وربما رفعت أمرها بعد الظهار بلا فصل.
(ولو كان الظهار مشروطا) وأوقعناه (جاز الوطء ما لم يحصل
الشرط، ولا كفارة قبله) بالنص (6) والإجماع والاعتبار.
(ولو كان الوطء هو الشرط ثبت الظهار بعد فعله) بمسماه



(1) النهاية: ج 2 ص 462.
(2) غنية النزوع: ص 368 - 369.
(3) الوسيلة: ص 335.
(4) غنية النزوع: ص 369.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 533 ب 18 من كتاب الظهار ح 1.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 529 ب 16 من كتاب الظهار.
251
(ولا تستقر الكفارة حتى يعود) عما قاله بعد النزع الكامل، فلا كفارة عليه
بالوطء الأول وإن طال زمانه، لأنه وطء واحد لغة وعرفا، وإن حصل في أثنائه
نزع غير كامل.
(وقيل) في المقنع (1) والفقيه (2) والهداية (3) والنهاية (4): (تجب بنفس
الوطء) بناء على كون الاستمرار وطئا ثانيا (وليس بجيد) لما عرفت من
الاتحاد وإن طال الزمان. مع كون المفهوم من نحو: أنت علي كظهر امي إن قربتك،
أو وطأتك، أنها كظهر امه إذا حصل وطء واحد. وعندي أن شيئا من عبارات تلك
الكتب ليست نصا في ذلك.
ففي الفقيه: والظهار على وجهين: أحدهما: أن يقول الرجل لامرأته: هي عليه
كظهر امه ويسكت فعليه الكفارة من قبل أن يجامع، فإن جامع من قبل أن يكفر
لزمته كفارة اخرى. وإن قال: هي عليه كظهر امه إن فعل كذا وكذا فليس عليه شيء
حتى يفعل ذلك الشيء ويجامع، فتلزمه الكفارة إذا فعل ما حلف عليه (5). ونحوه ما
في المقنع (6) والهداية (7).
وفي النهاية: ثم إنه ينقسم قسمين: قسم منه يجب فيه الكفارة قبل المواقعة.
والثاني: لا تجب فيه الكفارة إلا بعد المواقعة. فالقسم الأول هو أنه إذا تلفظ
بالظهار على ما قدمناه، ولا يعلقه بشرط، فإنه يجب عليه الكفارة قبل مواقعتها،
فإن واقعها قبل أن يكفر كان عليه كفارة اخرى.
والضرب الثاني: لا يجب فيه الكفارة، إلا بعد أن يفعل ما شرط أنه لا يفعله،
أو يواقعها، فمتى واقعها كانت عليه كفارة واحدة، فإن كفر قبل أن يواقع ثم واقع



(1) المقنع: ص 352.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 527 ذيل حديث 4829.
(3) الهداية: ص 273.
(4) النهاية: ج 2 ص 462.
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 527 ذيل حديث 4829.
(6) المقنع: ص 352.
(7) الهداية: ص 273.
252
لم يجزه ذلك عن الكفارة الواجبة بعد المواقعة، وكان عليه إعادتها، ومتى فعل
ما ذكر أنه لا يفعله وجبت عليه الكفارة أيضا قبل المواقعة، فإن واقعها بعد ذلك
كان عليه كفارة اخرى (1).
والظاهر أن معنى هذه العبارات أن عليه الكفارة بعد المواقعة إذا عاد لما قاله،
فارتفع الخلاف من البين.
(ويجب تقديم الكفارة على الوطء في المطلق، وما وقع شرطه) على
خلاف في الإطعام عرفته (مع نية العود، ولا تجب الكفارة بالتلفظ) كما
زعمه بعض العامة (2) (بل بالعود) بالنص (3) والإجماع.
(و) لكن اختلف في العود، فالمشهور أنه (هو إرادة الوطء) أي استباحة
الوطء، ويظهر الاتفاق عليه من التبيان (4) ومجمع البيان (5) وغيرهما، ويدل عليه
خبر أبي بصير قال للصادق (عليه السلام): متى تجب الكفارة على المظاهر، قال: إذا أراد أن
يواقع (6). ونحوه صحيح جميل بن دراج (7) وحسنه (8) عنه (عليه السلام). والأخبار (9) النافية
للكفارة إذا فارقها قبل المواقعة، أو قبل الحنث.
وعند أبي علي (10) والمرتضى (11) أنه إمساكها على النكاح زمانا وإن قل،
وهو موافق لقول بعض العامة (12). ولعله استند إلى أن صيغة الظهار تقتضي
التحريم، والتحريم إنما يكون بالبينونة، فإذا لم يبنها فقد عاد عن التحريم.



(1) النهاية: ج 2 ص 460.
(2) المجموع: ج 17 ص 359.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 517 ب 10 من كتاب الظهار.
(4) التبيان: ج 9 ص 543.
(5) مجمع البيان: ج 9 ص 247 و248.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 527 ب 15 من كتاب الظهار ح 6.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 519 ب 10 من كتاب الظهار ذيل حديث 4.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 518 ب 10 من كتاب الظهار ح 4.
(9) وسائل الشيعة: ج 15 ص 517 ب 10 من كتاب الظهار.
(10) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 426.
(11) انظر الانتصار: ص 142، ومسائل الناصريات: ص 355 - 356.
(12) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 576.
253
وضعفه ظاهر، مع أنه مردود بالأصل، والأخبار (1).
(و) الكفارة وإن وجبت بإرادة الوطء، لكنها (ليست) بمجرد ذلك
(مستقرة) حتى أنه لو فارقها بعد إرادة الوطء استقرت عليه. (بل معنى
الوجوب تحريم الوطء حتى يكفر) وفاقا للمشهور، للأصل، وظاهر الأخبار
الناطقة بأن لا يمسها حتى يكفر، أو سقوط الكفارة إذا فارقها قبل المس (2). وظاهر
الآية، فإنها أوجبت التحرير قبل المس (3) والقبلية تستدعي وجود المتضايفين.
وقيل: بالاستقرار بإرادة الوطء، لأنها العود، وقد علق عليه وجوب
الكفارة (4) ولأنها وجبت عند الإرادة، فيستصحب، ولأنها إن لم تستقر بذلك لم
تكن واجبة حقيقة، بل إنما كانت شرطا لإباحة الوطء.
والجواب: أن الوجوب خلاف الأصل، وإنما علم من النصوص الوجوب،
بمعنى توقف المس عليه وإن لم يكن ذلك وجوبا حقيقة.
(فإن وطئ قبل التكفير لزمه كفارتان) بالإجماع كما في الخلاف (5)
والانتصار (6) والسرائر (7) والغنية (8) وظاهر التبيان (9) والمبسوط (10) وللأخبار
كصحيح الحلبي قال للصادق (عليه السلام): إن أراد أن يمسها؟ قال: لا يمسها حتى يكفر،
قال: فإن فعل فعليه شيء؟ قال: إي والله إنه لآثم ظالم، قال: عليه كفارة غير
الأولى؟ قال: نعم يعتق أيضا رقبة (11). وصحيح أبي بصير قال له (عليه السلام): فإن واقع
قبل أن يكفر فقال: عليه كفارة اخرى (12).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 517 ب 10 من كتاب الظهار.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 517 ب 10 من كتاب الظهار.
(3) المجادلة: 3.
(4) تحرير الأحكام: ج 2 ص 62 س 6.
(5) الخلاف: ج 4 ص 539 مسألة 23.
(6) الانتصار: ص 142.
(7) السرائر: ج 2 ص 712.
(8) غنية النزوع: ص 368.
(9) التبيان: ج 9 ص 544.
(10) المبسوط: ج 5 ص 154.
(11) وسائل الشيعة: ج 15 ص 527 ب 15 من كتاب الظهار ح 4.
(12) وسائل الشيعة: ج 15 ص 526 ب 15 من كتاب الظهار ح 1.
254
ولا نعرف مخالفا فيه إلا أبا علي في الإطعام، بناء على مذهبه فيه من عدم
وجوب تقديمه على المس (1). ويؤيده أن أكثر الأخبار (2) إنما أوجب عليه عتق
رقبة ثانية. وخبر زرارة عن الباقر (عليه السلام): إن الرجل إذا ظاهر من امرأته ثم يمسها (3)
قبل أن يكفر، فإنما عليه كفارة واحدة ويكف عنها حتى يكفر (4). وحسن الحلبي
قال للصادق (عليه السلام): فإن واقع قبل أن يكفر؟ قال: يستغفر الله ويمسك حتى يكفر (5).
والأولى حملها على الجهل أو النسيان، كما أن النبي (صلى الله عليه وآله) إنما أمر سلمة بن صخر
مع أنه أخبره بالمواقعة، بكفارة واحدة (6). وكذا الرجل من بني النجار (7). وكما نص
عليه قول الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم: الظهار لا يكون إلا على الحنث،
فإذا حنث فليس له أن يواقعها حتى يكفر، فإن جهل وفعل فإنما عليه كفارة
واحدة (8).
(وتتكرر الكفارة بتكرر الوطء) في المشهور، ويدل عليه صدق الوطء
قبل التكفير على كل منهما، وكل وطء قبل التكفير سبب للكفارة، والأصل عدم
التداخل. وقول الصادق (عليه السلام) في حسن أبي بصير: إذا واقع المرة الثانية قبل أن
يكفر فعليه كفارة اخرى، و (9) ليس في هذا اختلاف (10).
وقال ابن حمزة: إن كفر عن الوطء الأول لزمه التكفير عن الثاني، وإلا فلا (11).



(1) مختلف الشيعة: ج 7 ص 437.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 526 ب 15 من كتاب الظهار.
(3) في وسائل الشيعة بدل يمسها: غشيها.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 528 ب 15 من كتاب الظهار ح 9.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 526 ب 15 من كتاب الظهار ح 2.
(6) عوالي اللآلي: ج 3 ص 397 ح 2.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 527 ب 15 من كتاب الظهار ح 7.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 528 ب 15 من كتاب الظهار ح 8.
(9) ليس في وسائل الشيعة: و.
(10) وسائل الشيعة: ج 15 ص 526 ب 15 من كتاب الظهار ح 1.
(11) الوسيلة: ص 335.
255
لأن الأخبار الموجبة لكفارة اخرى للوطء تشمل الوطء الواحد والمتعدد،
والأصل البراءة من التكرير، فإذا وطئ مرات قبل التكفير لم يكن عليه سوى
كفارة اخرى، وأما إذا كفر عن الأول، فإذا وطئ ثانيا صدق عليه أنه وطئ قبل
التكفير، فلزمه كفارة اخرى، وحسن أبي بصير ليس نصا في إيجاب التكرار
مطلقا، وهو قوي.
(ولو وطئ ثانيا بعد أن أدى كفارة واحدة) ناويا بها (عن) الوطء
(الأول) بعينه (أو عن أحدهما) أي الوطء الأول، والظهار لا على التعيين
(على إشكال) في الثاني، من الإشكال في إجزاء هذه الكفارة من اتحاد
الجنس، واحتمال كون الكفارتين عن الظهار، ومن أن الظاهر أنهما لذنبين: الظهار
والوطء، واستلزام اختلاف الذنب للتميز في النية. وأيضا من صدق الوطء بعد
التكفير وأصالة البراءة. ومن أنه إنما تسقط الكفارة إذا كفر عن الظهار، وإنما
يحصل التكفير عن الظهار بالنية (وجبت) بالوطء الثاني كفارة (ثالثة، وإن
نواها عن الظهار فلا شيء عن) الوطء (الثاني) لوقوعه بعد كفارة الظهار من
غير شبهة.
(ولو طلق رجعيا وفاها حقها) فلا شيء عليه، كما روى سعيد الأعرج
عن الكاظم (عليه السلام) في رجل ظاهر من امرأته فوفى، قال: ليس عليه شيء (1).
(فإن راجعها في العدة لم يحل له حتى يكفر) لبقاء الزوجية. ولأن
يزيد الكناسي سأل الباقر (عليه السلام) عن رجل ظاهر من امرأته ثم طلقها تطليقة فقال:
إذا طلقها تطليقة فقد بطل الظهار، وهدم الطلاق الظهار، قال له: فله أن يراجعها؟
قال: نعم هي امرأته [قال:] (2) فإن راجعها وجب عليه ما يجب على المظاهر من
قبل أن يتماسا (3).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 531 ب 16 من كتاب الظهار ح 10.
(2) لم يرد في وسائل الشيعة: قال.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 518 ب 10 من كتاب الظهار ح 2.
256
ولا تجب الكفارة بالرجعة ما لم يرد إباحة الوطء إلا على قول من قال: بأن
العود إنما هو إمساكها على النكاح في زمان وإن قل مع القدرة على الطلاق ومن
العامة من جعل نفس الرجعة عودا.
(ولو خرجت من العدة ثم تزوجها، أو كان الطلاق بائنا وتزوجها في
العدة فلا كفارة لو وطئها) في المشهور، لبطلان حكم الظهار بالبينونة. وخبر
يزيد الكناسي قال - بعد ما سمعته الآن -: فإن تركها حتى يحل أجلها وتملك
نفسها، ثم تزوجها بعد ذلك هل يلزمه الظهار من قبل أن يتماسا؟ قال: لا، قد بانت
منه وملكت نفسها (1). وإطلاق نحو صحيح محمد بن مسلم سأله (عليه السلام) عن رجل
ظاهر من امرأته ثم طلقها قبل أن يواقعها فبانت منه أعليه الكفارة؟ قال: لا (2).
وصحيح جميل عن الصادق (عليه السلام) سأله: فإن طلقها قبل أن يواقعها أعليه كفارة؟
فقال: لا، سقطت الكفارة عنه (3).
وأوجبها التقي (4) وسلار (5) ومال إليه ابنا زهرة (6) وإدريس (7) لعموم
النصوص (8) وصحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) سأله عن رجل ظاهر من
امرأته، ثم طلقها بعد ذلك بشهر، أو شهرين، فتزوجت ثم طلقها الذي تزوجها
فراجعها الأول، هل عليه فيه الكفارة للظهار الأول؟ قال: نعم عتق رقبة،
أو صيام أو صدقة (9). وحمل على التقية والاستحباب وفساد التزويج، لعدم
انقضاء العدة.
وقال ابن حمزة: إن جدد العقد بعد العدة لم يلزم الكفارة رجعية أو بائنا



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 518 ب 10 من كتاب الظهار ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 10 ص 517 ب 10 من كتاب الظهار ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 518 ب 10 من كتاب الظهار ح 4.
(4) الكافي في الفقه: ص 303 - 304.
(5) المراسم: ص 160.
(6) غنية النزوع: ص 369.
(7) السرائر: ج 2 ص 712.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 517 ب 10 من كتاب الظهار.
(9) وسائل الشيعة: ج 15 ص 519 ب 10 من كتاب الظهار ح 9.
257
ويلزم إن جدده على البائن في العدة (1). ولعله لعموم النصوص (2) خرج ما إذا
خرجت من العدة، لخبر يزيد الكناسي (3) فيبقى الباقي.
(ولو ماتا، أو أحدهما) قبل المس (سقطت الكفارة) إلا على قول أبي
علي، ولكن إن وطئها بعد موتها، فالظاهر أن عليه كفارتين، للعموم والاستصحاب.
(والارتداد كالطلاق الرجعي، إن كان عن غير فطرة، أو كان من
المرأة) وكان إلى غير الكتابية، وإلا فلا مشابهة له بالطلاق (تجب الكفارة مع
العود) إلى الإسلام، وعن الظهار (في العدة) لا إذا خرجت فجدد العقد، إلا
على قول أبي علي، فيتجه الوجوب بمجرد التربص وعدم الطلاق.
(ولو ظاهر ولم ينو العود ثم أعتق) مثلا (لم يجزئه، لأنه كفر قبل
الوجوب) بل لم يكفر، وإنما هو فعل شبيه الكفارة فأطلق عليه اسمها مجازا.
(ولو اشترى زوجته) المظاهر منها (بطل العقد) فبطل توابعه، ومنها
حكم الظهار (وحل له وطؤها قبل الكفارة) أي بلا كفارة.
(و) كذا (لو اشتراها غير الزوج ففسخ) النكاح (ثم تزوجها الزوج
بعقد آخر سقطت الكفارة) وكذا لو باع أمته التي ظاهر منها ثم اشتراها.
(ولو قال) لجماعة: (أنتن علي كظهر امي) وقع الظهار بهن اتفاقا،
وتتعدد الكفارة بحسبهن (فعليه عن كل واحدة كفارة) وفاقا للمعظم. وحكى
عليه الإجماع في الخلاف (4) لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب. وخبر حفص بن
البختري عن الصادق والكاظم (عليهما السلام)، في رجل له عشر جوار فظاهر منهن كلهن
جميعا بكلام واحد، فقال: عليه عشر كفارات (5). وإطلاق صحيح صفوان قال:



(1) الوسيلة: ص 335.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 517 ب 10 من كتاب الظهار.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 518 ب 10 من كتاب الظهار ح 2.
(4) الخلاف: ج 4 ص 534 - 535 مسألة 18.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 525 ب 14 من كتاب الظهار ح 1.
258
سأل الحسين بن مهران أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن رجل ظاهر من أربع نسوة،
فقال: يكفر لكل واحدة منهن كفارة، وسأله عن رجل ظاهر من امرأته وجاريته
ما عليه؟ قال: عليه لكل واحدة منهما كفارة (1).
وخلافا لأبي علي (2) لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر غياث بن إبراهيم في
رجل ظاهر من أربع نسوة: عليه كفارة واحدة (3). ويحمل مع الضعف على الاتحاد
في الجنس.
وقد يبنى الخلاف على أن للظهار شبها بالطلاق وباليمين، فإن غلب الأول
تعددت الكفارة، وإن غلب الثاني اتحدت، وعليه يحتمل أن لا يكون عليه كفارة
بالعود إلى بعضهن، كما أن من حلف لا يكلم جماعة، لم يحنث إلا بتكليمهم كلهم.
(ولو كرر الظهار من واحدة وجب عليه بكل مرة كفارة، سواء فرق
الظهار، أو تابعه) اتحد المشبه بها، أم تعددت (على رأي) وفاقا للأكثر،
لأصالة عدم التداخل، والأخبار، وهي كثيرة كصحيح محمد بن مسلم سأل
الباقر (عليه السلام) عن رجل ظاهر من امرأته خمس مرات أو أكثر، ما عليه؟ قال: عليه
مكان كل مرة كفارة (4).
وفي المبسوط: أنه إن والى ونوى التأكيد أو أطلق، لم يلزمه أكثر من كفارة.
وإن نوى الاستئناف، أو فرق، تعددت، تخلل التكفير، أو لا. ونفى الخلاف عن
الواحدة إذا نوى التأكيد، والتعدد إذا فرق وتخلل التكفير (5) ونحوه في الوسيلة (6)
والتحرير (7) صريحا، والخلاف مفهوما، فإنه حكم بالتعدد إذا نوى الاستئناف (8)
لكنه لم يفرق فيه بين التوالي والتفريق. ويمكن أن يكون هو المراد بما في النهاية،



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 525 ب 14 من كتاب الظهار ح 2.
(2) مختلف الشيعة: ج 7 ص 436.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 525 ب 14 من كتاب الظهار ح 3.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 524 ب 13 من كتاب الظهار ح 4.
(5) المبسوط: ج 5 ص 152.
(6) الوسيلة: ص 334.
(7) تحرير الأحكام: ج 2 ص 62 س 13.
(8) الخلاف: ج 4 ص 535 مسألة 19.
259
فإنه ذكر فيه أنه: إذا ظاهر منها مرة بعد اخرى تعددت الكفارة (1). وعند نية التأكيد
لم يظاهر مرة بعد اخرى.
وكذا عبارة الكتاب وكثير من العبارات، كعبارات النافع (2) والشرائع (3)
والجامع (4) ولعله إنما خص التفصيل بالتأكيد، وعدمه في المبسوط بالتوالي، لأن
التأكيد بالمتفرق غير معهود.
وبنو زهرة (5) وإدريس (6) وأبي عقيل (7) أطلقوا تكرير كلمة الظهار.
وفي المختلف نفى البأس عما في المبسوط من الفرق بعد أن رجح التعدد،
قصد التأكيد أو لا، واستدل للفرق بالأصل والاتحاد مع قصد التأكيد، وخبر
عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام) " في رجل ظاهر من امرأته أربع مرات
في مجلس واحد، قال: عليه كفارة واحدة " وعارض الأصل بالاحتياط، ومنع
الاتحاد، فإن المؤكد غير المؤكد (8). وأما الخبر فحمله الشيخ على الاتحاد في
الجنس (9).
وقال أبو علي: إن اختلفت المشبه بها تعددت الكفارة، كأن قال: أنت علي
كظهر امي، أنت علي كظهر أختي، لأنهما حرمتان انتهكهما، وإن اتحدت اتحدت
ما لم يتخلل التكفير (10). ويتجه عليه احتمال التعدد إن قال: أنت كظهر امي
وأختي، لانتهاك الحرمتين.
(ولو وطئها قبل التكفير عن الجميع) كفر عن بعضها أو لا (وجب عليه
عن كل وطء كفارة واحدة) لا أزيد، وعن كل مرة بقيت اخرى.



(1) النهاية: ج 2 ص 464 - 465.
(2) المختصر النافع: ص 205.
(3) شرائع الإسلام: ج 3 ص 65.
(4) الجامع للشرائع: ص 483.
(5) غنية النزوع: ص 369.
(6) السرائر: ج 2 ص 713.
(7) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 431.
(8) مختلف الشيعة: ج 7 ص 433.
(9) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 23 ذيل حديث 73.
(10) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 431.
260
(ويصح الظهار مطلقا) عن الزمان إتفاقا (ومقيدا بمدة على رأي)
وفاقا لأبي علي (1) للعموم، والاحتياط. ولما روي من أن سلمة بن صخر قال: كنت
امرءا أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري، فلما دخل رمضان ظاهرت من
امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقا من أن أصيب في ليلتي شيئا فأتابع في ذلك إلى
أن يدركني النهار، وأن لا أقدر على أن أنزع، فبينا هي تخدمني الليل إذ يكشف لي
منها شيء. فوثبت عليها. إلى أن ذكر أنه ذكر ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله) فأمره بالتكفير (2).
وفيه أنه ليس نصا في إيقاع الظهار في الصيغة مقيدا بالشهر.
وخلافا للشيخ (3) وابني إدريس (4) والبراج (5) ويظهر الإجماع من المبسوط،
لصحيح سعيد الأعرج عن الكاظم (عليه السلام): في رجل ظاهر من امرأته يوما، قال: ليس
عليه شيء (6). ولأنه إذا قيده لم يرد التحريم إلا في تلك المدة، فأشبه التشبيه بمن
لا يحرم عليه مؤبدا. ولأن من حكم الظهار حرمة المس ما لم يكفر. وضعفهما ظاهر.
ويحتمل الخبر أنه لا شيء عليه بمجرد الظهار، أو أنه ليس عليه عقوبة في
الآخرة إذا عاد وكفر، أو أنه ليس عليه في تقييد الظهار باليوم شيء، أي يقع الظهار
وإن قيده. على أن الذي فيما رأيناه من نسخ التهذيب (7) مكان قوله " يوما " فوفى،
وقد قدمناه كذلك، فلا تعلق له بالمسألة.
(فإن قصرت المدة) المضروبة للظهار (عن زمان التربص وقع) وإن
لم تفد المرافعة شيئا (على إشكال) من العموم. ومن أن لازم الظهار التربص
إذا رفعت ثلاثة أشهر، وهو ممنوع. وفي الإيضاح: أنه أمر بإسقاط الإشكال
من النسخ (8).



(1) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 446.
(2) عوالي اللآلي: ج 3 ص 397 ح 2.
(3) المبسوط: ج 5 ص 156.
(4) السرائر: ج 2 ص 709.
(5) المهذب: ج 2 ص 301.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 531 ب 16 من كتاب الظهار ح 10. فيه: " فوفى " بدل: يوما.
(7) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 14 ح 45.
(8) إيضاح الفوائد: ج 3 ص 422.
261
ويجوز أن يراد بمدة التربص أربعة أشهر، فمنشأ الإشكال: من العموم. ومن
عدم وجوب الوطء دونها، فليس عليه إما الرجوع أو الطلاق. ويندفع بما عرفته
من معنى الرجوع.
(و) إذا قلنا بوقوعه مقيدا، فإن أوقعه كذلك (يحرم وطؤها في تلك
المدة قبل الكفارة) فإن وطئ كانت عليه كفارتان.
(ولو وطئ) المظاهر قبل التكفير (ناسيا للظهار) أو جاهلا بالحكم
(فكفارة واحدة) وفاقا للشيخ (1) وابن حمزة (2). وقد عرفت المستند. وأطلق
الأكثر وجوب الكفارتين.
* * *



(1) النهاية: ج 2 ص 462.
(2) الوسيلة: ص 335.
262
(الباب الرابع في الإيلاء)
وهو في الأصل: الحلف، من آلوت أي: قصرت، يقال: آلى وائتلى وتألى أي
حلف، والاسم: الألية والألوة، وفي الشرع: الحلف على الامتناع من وطء الزوجة
أكثر من أربعة أشهر.
(وفيه مقصدان):
(الأول: في أركانه، وهي أربعة):
(الأول: الحالف)
(ويعتبر فيه البلوغ والعقل والاختيار والقصد، ويقع من المملوك)
للعموم (سواء كانت زوجته حرة أو أمة) لمولاه أو لغيره.
(ومن الذمي) وغيره من الكفار المقرين بالله، ولا ينحل بالإسلام،
خلافا لمالك (1) ولم يخالف الشيخ هنا في الوقوع منه (2). مع مجيء ما ذكره في
الظهار (3) هنا. (و) من (الخصي) السليم الذكر، فإنه يولج أشد من إيلاج
الفحل. (و) من (المجبوب) بقي له ما يطأ به أم لا (على إشكال): من
العموم، وإمكان المساحقة، وهو خيرة المبسوط (4) والتحرير (5) والإرشاد (6)



(1) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 524.
(2) الخلاف: ج 4 ص 521 مسألة 20.
(3) المبسوط: ج 5 ص 145.
(4) المبسوط: ج 5 ص 143.
(5) تحرير الأحكام: ج 2 ص 62 س 22.
(6) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 57.
263
والتبصرة (1) والتلخيص (2) والشرائع (3).
ومن انتفاء الإضرار، وكونه يمينا على ترك الممتنع، كأن يحلف لا يصعدن
السماء، وهو خيرة المختلف (4) [ويندفع بإمكان المساحقة إن لم يؤل بنحو
الإيلاج] (5).
وعلى الأول (فيكون فيئه كالعاجز) عن الوطء لمرض، فكما يقول
المريض: إذا قدرت فعلت، يقول المجبوب: لو قدرت فعلت. وفيه الفرق الظاهر
بين المرض المتوقع الزوال وغيره. وإذا عرض الجب في مدة التربص انقطع المدة
إن لم يصح من المجبوب ابتداء، وإلا فلا. وللعامة قول باختيارها في الفسخ
حينئذ (6).
(ومن المطلق رجعيا) بلا خلاف كما في المبسوط (7) لبقاء الزوجية
(ويحتسب زمان العدة من مدة التربص) وفاقا للمبسوط (8) والخلاف (9)
والشرائع (10) وإنما يتم إن كان إبتداؤها من اليمين، فإنه إن كان من المرافعة فلا
مرافعة هنا، إذ لا تستحق الاستمتاع. ولم يحتسبه منها في التحرير (11).
(وكذا لو طلق رجعيا بعد الإيلاء ثم راجع) احتسب زمان العدة من
المدة إن ابتدأت المدة من اليمين، أو رفعت قبل الطلاق، وفاقا للشرائع (12) لبقاء
الزوجية في الجملة، والتمكن من الوطء. وخلافا للمبسوط (13) لأنها تجري إلى
بينونة. والمدة إنما تضرب في زوجة كاملة. ولأن المدة إنما تضرب ليفئ،



(1) تبصرة المتعلمين: ص 151.
(2) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 39 ص 511.
(3) شرائع الإسلام: ج 3 ص 84.
(4) مختلف الشيعة: ج 7 ص 454.
(5) ما بين المعقوفتين ليس في ق، ن.
(6) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 541 - 542.
(7) المبسوط: ج 5 ص 134.
(8) المبسوط: ج 5 ص 135.
(9) الخلاف: ج 4 ص 521 مسألة 19.
(10) شرائع الإسلام: ج 3 ص 89.
(11) تحرير الأحكام: ج 2 ص 62 س 33.
(12) شرائع الإسلام: ج 3 ص 89.
(13) المبسوط: ج 5 ص 118.
264
أو يطلق وقد طلق. وفي الفرق بينه وبين الإيلاء في العدة نظر. (و) يقع (من
المظاهر) فهو أولى من المطلق، لتمام الزوجية.
الركن (الثاني: المحلوف عليه)
ويدخل فيه المولى منها.
(وهو ترك جماع زوجته. ويشترط كونها منكوحة بالعقد الدائم، فلا
يقع بالمتمتع بها على الأقوى) وقد مضى الكلام فيه في النكاح
(ولا بالموطوءة بالملك) وإنما للحلف على ترك جماعها حكم سائر الأيمان،
إذ لا يجب عليه وطؤها، ولا لها المطالبة به (وأن تكون مدخولا بها) من غير
ظهور خلاف، للأخبار كقول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح محمد بن مسلم في غير
المدخول بها: لا يقع عليها إيلاء ولا ظهار (1). وقول أمير المؤمنين (عليه السلام): لا إيلاء
حتى يدخل بها، قال: أرأيت لو أن رجلا حلف أن لا يبني بأهله سنتين، أو أكثر من
ذلك أكان يكون إيلاء؟ (2)
وقد نص هنا على الاشتراط من نص في الظهار على العدم من المفيد (3)
وسلار (4) وابني زهرة (5) وإدريس (6) ولعله لكون أخبار الاشتراط فيه أكثر منها في
الظهار. ولقوله تعالى: " فإن فاءوا " (7) ففي السرائر (8) والغنية (9) ومتشابه القرآن لابن
شهرآشوب (10) أن المراد به العود إلى الجماع بالإجماع، ولا عود ما لم تكن
مدخولا بها.
(ويقع بالحرة والأمة) للعموم (و) حق (المرافعة لها لا للمولى،



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 516 ب 8 من أبواب الظهار ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 538 ب 6 من أبواب الإيلاء ح 3.
(3) المقنعة: ص 523 - 524.
(4) المراسم: ص 160.
(5) الوسيلة: ص 335.
(6) السرائر: ج 2 ص 709 - 719.
(7) البقرة: 226.
(8) السرائر: ج 2 ص 721.
(9) غنية النزوع: ص 365.
(10) متشابه القرآن ومختلفه: ج 2 ص 198.
265
وكذا طلب حقوق الزوجية بعد المدة. ويقع بالذمية) والكافرة غيرها إذا
أسلم دونها وهي في العدة (كالمسلمة) للعموم (و) بالمطلقة (الرجعية) كما
عرفت.
(ولفظه الصريح تغيب الحشفة) أو الفرج، أو مرادفاته (في الفرج)
وذكر الحشفة اقتصار على أقل المسمى (والإيلاج) لذلك، أو مرادفاته
(والنيك) ويختص البكر بالافتضاض، ونفاه في المبسوط (1) والخلاف (2) بناء
على اشتراط الدخول.
وفيه أن الدخول يعم الوطء في الدبر، ولا دليل على اشتراطه في القبل،
نعم يجوز أن ينفى صراحته، لكون الافتضاض أعم مما بالوطء أو الإصبع،
ونحو ذلك.
(أما الجماع والوطء فإنه) صريح في العرف وإن لم يكن حقيقة في
الأصل في ذلك (يقع معه الإيلاء إن قصد) والأخبار الناطقة بالجماع كثيرة،
وإن ذكر أنه إنما قصد الوطء باليد، أو الرجل، أو الاجتماع معها، أو لم يقصد شيئا
قبل، منه وفاقا للخلاف (3) والسرائر (4) والشرائع (5).
وفي المبسوط قبل فيما بينه وبين الله لا في الحكم، وأضاف إليهما الإصابة،
ثم حكى عن بعض الناس أنها كالمباشرة (6).
(وفي المباضعة والملامسة والمباشرة مع النية إشكال، أقربه الوقوع)
وفاقا للمبسوط (7) والخلاف (8) والسرائر (9) لاشتهارها في ذلك المعنى، وورود
الأخبار بالوقوع بأخفى منها كما سيظهر. ويحتمل العدم، للأصل، والخفاء، فإنها
وإن اشتهرت في ذلك لكنها ليست نصا فيه. أما الأخيرتان فظاهرتان، وأما الأولى



(1) المبسوط: ج 5 ص 116.
(2) الخلاف: ج 4 ص 513 - 514 مسألة 4.
(3) الخلاف: ج 4 ص 514 مسألة 5.
(4) السرائر: ج 2 ص 721 - 722.
(5) شرائع الإسلام: ج 3 ص 83.
(6 و7) المبسوط: ج 5 ص 116.
(8) الخلاف: ج 4 ص 514 مسألة 6.
(9) السرائر: ج 2 ص 722.
266
فلأنها من البضع أي الشق أو البضعة أي الطائفة، لما في الجماع من نوع شق
ومباشرة بضعة ببضعة. وفيه نظر، فإنها وإن اشتقت من ذلك، لكنها لا تستعمل إلا
في الجماع، فلا يكون أخفى من الجماع.
(ولو قال: " لا جمع رأسي ورأسك مخدة " أو " لا ساقفتك "
أو " لأطيلن غيبتي عنك ") أو لأسوءنك، (قيل) في المبسوط (1) والشرائع (2):
(يقع مع القصد) وهو خيرة التحرير (3) والتلخيص (4) والمختلف (5) لقول
الصادق (عليه السلام) في حسن بريد بن معاوية: إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته ولا
يمسها ولا يجتمع رأسه ورأسها، فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر (6).
الحديث. وفي خبر أبي الصباح الكناني: الإيلاء أن يقول الرجل لامرأته: والله
لأغيظنك ولأسوءنك (7). وفي حسن الحلبي (8) وصحيحه (9) وخبر أبي بصير
والإيلاء أن يقول: لا والله لا أجامعك كذا وكذا، أو يقول: والله لأغيظنك (10).
وفي الخلاف (11) والسرائر (12) أنه لا يقع، وهو خيرة الإرشاد (13) للأصل
والخفاء (14) وخصوصا اللفظ الأول. وزاد في التحرير: الوقوع بقوله: لا أجنبت
منك، أو لا أغتسل منك، وأراد لا أجامعك لأغتسل، أو: لا أجامعك إلا في الدبر،



(1) المبسوط: ج 5 ص 116 - 117.
(2) شرائع الإسلام: ج 3 ص 83.
(3) تحرير الأحكام: ج 2 ص 62 س 28.
(4) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 39 ص 511.
(5) مختلف الشيعة: ج 7 ص 448 - 449.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 543 ب 10 من أبواب الإيلاء ح 1.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 542 ب 9 من أبواب الإيلاء ح 3.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 535 ب 1 من أبواب الإيلاء ح 1.
(9) الكافي: ج 6 ص 130 ح 2.
(10) وسائل الشيعة: ج 15 ص 542 ب 9 من أبواب الإيلاء ح 2. وفيه بدل " لا والله ": والله.
(11) الخلاف: ج 4 ص 515 مسألة 7.
(12) السرائر: ج 2 ص 722.
(13) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 57.
(14) في ق، ط بدل " والخفاء ": مع الخفاء.
267
أو إلا جماع سوء، وأراد في الدبر، أو: لا أغيب الحشفة أجمع (1) وفي التلخيص (2)
بعضا من ذلك.
(ولو قال: لا وطئتك في الحيض، ولا في النفاس، أو في دبرك، فهو
محسن وليس بمؤل) وما على المحسنين من سبيل.
(الثالث: الصيغة)
(ولا ينعقد) عندنا (إلا بأسماء الله تعالى) لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): من كان حالفا
فليحلف بالله أو فليصمت (3). إلى غيره من النصوص (مع التلفظ) بالجملة
القسمية فلو قال: " لأتركن وطأك " لم يقع وإن أشعرت اللام بالقسم، للأصل،
وانتفاء الإيلاء في الظاهر.
ويقع (بأي لسان كان) للعموم، ولا يقع إلا (مع القصد) فإنما الأعمال
بالنيات ورفع الخطأ والنسيان وما استكره عليه.
(ولو حلف بغير الله تعالى أو بغير أسماء صفاته) المختصة أو الغالبة
(لم ينعقد، كما لو حلف بالعتاق والظهار والصدقة والتحريم) والطلاق، كأن
يقول إن وطئتك فعبدي حر، أو فأنت، أو فلانة طالق، أو كظهر امي، أو محرمة
علي، أو فكذا من مالي صدقة، أو وقف (والكعبة والنبي والأئمة (عليهم السلام)) وإن
أثم بهتكه حرمة أسمائهم (أو التزام صوم أو صلاة) أو صدقة (وغير ذلك)
كأن يقول: إن وطئتك فعلي صوم (لم ينعقد) الإيلاء، ولا وجب ما التزمه، إذ
ليس من صيغ الالتزام.
(وكذا لا ينعقد لو) أتى بصيغة الالتزام بأن (قال) مثلا (إن وطئتك
فلله علي صلاة أو صوم) فإنه ليس من الإيلاء في شيء، لكن يلزمه ما ألزمه
إذا وطئ إن استجمع الشرائط.



(1) تحرير الأحكام: ج 2 ص 62 س 28.
(2) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 39 ص 511.
(3) صحيح مسلم: ج 3 ص 1267 ح 3. وفيه بدل " فليصمت ": ليصمت.
268
(ولو قال: إن وطئتك فعبدي حر عن الظهار لم يكن إيلاء) قصد به
إنشاء التحرير معلقا بالوطء، أو لا، كان قد ظاهر أم لا.
(لكن لو وطئ الزم بعتق العبد، لإقراره) بعتقه عن الظهار، فإن كلامه في
صورة الخبر، فهو إقرار بالظهار، وبأنه التزم عتق العبد عنه إن وطئ، فيؤاخذ
بإقراره.
(وهل يلزم بعتقه معجلا) بعد الوطء؟ (الأقرب المنع) لأن الظهار
لا يوجب الإلزام بالتكفير إلا مع مطالبتها، وإذا وطئ لم يبق مطالبة، ثم
لا يوجب الإلزام بعتق عبد بعينه، والتزام الإعتاق إن وطئها لا يقتضي المبادرة
إليه بعده.
ويحتمل الإلزام، لأن كفارة الظهار تصير معجلة بالوطء، وقد تعينت هنا في
عتق هذا العبد بالالتزام، ولأن الالتزام إذا تعلق بحق الغير لزمت المبادرة إليه،
والعتق كذلك. ويجوز أن يريد بالتعجيل الإيقاع قبل الوطء بعد مدة التربص
للظهار، أو عند العزم على الوطء.
ووجه القرب: أنه لا يتعين عليه بالظهار عتق هذا العبد، وإنما التزم عتقه بعد
الوطء، فإنما يتعين بعده، مع احتمال أن لا يكون ظاهر إلا معلقا بالوطء.
ويحتمل الإلزام، لأنه لما التزم عتقه عن الظهار تعين عليه ذلك في التكفير عن
الظهار، كما أنه إذا لم يقدر على غيره تعين عليه، وكفارة الظهار لابد من تقديمها
على الوطء، ولو أخره عن الوطء لزمته كفارة اخرى، وغاية ما يلزم من تقديمه أن
ينحل التزامه.
ويدفعه: أنه إنما تعين عليه بعد الوطء، وغاية ما يلزم من التكفير بعتق غيره
قبل الوطء أن ينحل الالتزام، مع أنه لا يعارض احتمال تعليق الظهار بالوطء.
(ولو قال): إن وطئتك (فهو حر عن ظهاري إن ظاهرت، لم يقع
شيء) من الإيلاء، والظهار، والتزام العتق، إذ ليس فيه شيء من صيغها عندنا
(ولا يلزم بالعتق) إذا وطئ.

269
(وإن ظاهر) ووطئ لم يلزم بعتقه، بل (الزم بعتقه أو عتق غيره) لعدم
ما يعينه للعتق، والكل عندنا ظاهر. وعند العامة (1) أنه عتق معلق بشرطين،
واختلفوا في وقوع الإيلاء في الحال أو بعد الظهار.
(وهل يشترط تجريده عن الشرط؟ قولان): أقواهما العدم، وفاقا
للمبسوط والمختلف (2) للعموم. قال في المبسوط: وليس هذا يجري مجرى
الطلاق والعتاق اللذين قلنا: لا يقعان بصفة، لأن هناك منعنا منه إجماع الفرقة،
وليس هاهنا ما يمنع منه، والظواهر يتناوله (3).
قلت: ولأنهما إيقاعان، والتعليق ينافي الإيقاع، والإيلاء يمين والتزام.
والآخر للشيخ في الخلاف (4) وبني حمزة (5) وزهرة (6) وإدريس (7) وابني
سعيد (8) والمصنف في التحرير (9) والإرشاد (10) والتلخيص (11) للإجماع والأخبار،
وأصالة البراءة، كذا في الخلاف. ولعل المراد بالأخبار أنها تضمنت تفسير الإيلاء،
وليس في شيء منها تعليقه بشرط أو صفة، وبالإجماع أنه إنما وقع على الوقوع
مطلقا، ولا دليل على وقوعه مشروطا. لكن ابن زهرة (12) ادعى الإجماع على
اشتراط التجريد، وهو ظاهر السرائر (13).
(ولو آلى من زوجة، وقال للأخرى: شركتك معها لم يكن إيلاء في
الثانية وإن نواه، لعدم نطقه بالله تعالى) ولا عبرة بالكناية وإن اعتبرنا الكناية
عن الوطء، إذ لا يمين إلا بصريح اسمه تعالى.



(1) المجموع: ج 17 ص 291.
(2) مختلف الشيعة: ج 7 ص 450 - 451.
(3) المبسوط: ج 5 ص 117.
(4) الخلاف: ج 4 ص 517 مسألة 12.
(5) الوسيلة: ص 335.
(6) غنية النزوع: ص 363.
(7) السرائر: ج 2 ص 719.
(8) الجامع للشرائع: ص 486، شرائع الإسلام: ج 3 ص 83.
(9) تحرير الأحكام: ج 2 ص 63 س 1.
(10) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 57.
(11) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 39 ص 511.
(12) غنية النزوع: ص 363.
(13) السرائر: ج 2 ص 719.
270
(ولا يقع إلا في إضرار) اتفاقا كما في الخلاف (1) والغنية (2) والانتصار (3).
(فلو حلف لصلاح اللبن أو للمرض) منه أو منها (لم يكن إيلاء بل
كان يمينا) كسائر الأيمان، ويدل عليه خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام)، إن رجلا
أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إن امرأتي أرضعت غلاما وإني قلت: والله لا أقربك
حتى تفطميه، فقال: ليس في الإصلاح إيلاء (4). وما تقدم من قوله (عليه السلام): الإيلاء أن
يقول الرجل لامرأته: والله لأغيظنك ولأسوأنك (5) وقوله: الإيلاء أن يقول: والله لا
أجامعك كذا وكذا، ويقول: والله لأغيظنك (6) إن جعلنا الواو للجمع كما هو ظاهرها.
(ولو قال لأربع: " والله لاوطئتكن " لم يكن موليا في الحال) فإنه إنما
التزم عدم جمعهن في الوطء (و) لأن المؤلي لا يجامع إلا بضرر، ولا ضرر عليه
هنا الآن، بل (له وطء ثلاث) من غير حنث، فإذا وطئهن (فيتعين التحريم
في الرابعة، ويثبت لها الإيلاء بعد وطئهن، ولها المرافعة) حينئذ وليس لهن
ولا لإحداهن المرافعة قبل ذلك، إذ لا تتعين للإيلاء إلا الرابعة، وهي غير معينة قبل
ذلك، ولا إيلاء من البواقي.
(وتجب الكفارة بوطء الجميع، ولو وطئ واحدة قرب من الحنث،
وهو محذور) غير محظور (ولا يصير به موليا) خلافا لبعض العامة (7).
(ولو ماتت إحداهن قبل الوطء انحلت اليمين، بخلاف ما لو طلق
إحداهن أو ثلاثا، لأن حكم اليمين ثابت في البواقي، لإمكان وطء
المطلقات ولو بالشبهة. ولو وطئهن) أو بعضهن (حراما، فالأقرب ثبوت



(1) الخلاف: ج 4 ص 521 مسألة 21.
(2) غنية النزوع: ص 364.
(3) الانتصار: ص 327 - 328.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 537 ب 4 من أبواب الإيلاء ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 542 ب 9 من أبواب الإيلاء ح 3.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 542 ب 9 من أبواب الإيلاء ح 2. وفي النسخ " لا والله " بدل والله.
(7) المجموع: ج 17 ص 312.
271
الإيلاء في البواقي) لصدق الجمع في الوطء. ويحتمل العدم، تنزيلا للإطلاق
على المقصود شرعا.
(بخلاف ما لو وطئ الميتة، إذ لا حكم لوطئها) لالتحاقها بالجمادات،
ولذا لا يوجب المصاهرة (على إشكال) من ذلك، وخروجها عن الدخول في
الخطاب، لتركب الإنسان من جزءين، والعمدة في الخطاب هو الجزء العاقل وإن
كان الوطء يتعلق بالبدن، وهو خيرة المبسوط (1) والشرائع (2) والتحرير (3). ومن
الإطلاق.
(ولو قال: " لا وطئت واحدة منكن " وأراد لزوم الكفارة بوطء أي
واحدة كانت) أي أراد التزام عموم السلب (تعلق الإيلاء بالجميع، وضربت
المدة لهن عاجلا) أي من غير انتظار لأن يطأ واحدة (فإن وطئ واحدة
حنث، وانحلت اليمين في البواقي) لأن الحنث لا يتكرر، فظهر أن المولى منها
هي التي وطئها أولا.
(ولو طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا) قبل الوطء (كان الإيلاء ثابتا
في الباقي (4)) وكذا إن مات بعضهن قبل الوطء بقي الإيلاء في الباقية لتعلقه بكل
منهن، ولا يحنث بوطء الميتة، ولا تنحل يمينه في غيرها على الإشكال.
(ولو قال هنا: " أردت واحدة معينة " قبل قوله) لاحتمال اللفظ، وكونه
أعرف بنيته. وقد يحتمل عدم القبول في الظاهر، لوقوع اللفظ على كل منهن،
واتهامه في التعيين. وعلى المختار يؤمر بالبيان، فإن بين ولم تنازعه الباقيات
اختص حكم الإيلاء بالمعينة، وإلا فالقول قوله مع اليمين. وإن صدق الاخرى أخذ
بإقراره، ولم يقبل رجوعه عنها ولا عن الأولى.
(ولو أراد واحدة مبهمة، ففي كونه مؤليا إشكال) من العموم. ومن



(1) المبسوط: ج 5 ص 131.
(2) شرائع الإسلام: ج 3 ص 88.
(3) تحرير الأحكام: ج 2 ص 63 س 26.
(4) في قواعد الأحكام بدل " في الباقي ": في البواقي.
272
الأصل وأن حكم الإيلاء أن يكون للمولى منها المطالبة، وهو هنا مفقود، وأيضا
من مثل ما مر في الطلاق. (فإن أثبتناه كان له أن يعين واحدة، فيخص (1)
الإيلاء بها) لا أن (2) الإيلاء يقع من حين التعيين، فالمدة تحسب من حين
اليمين، لا التعيين، لعين ما مر في الطلاق المبهم، أنه يقع من حين الإيقاع.
(ويقول) في التعيين: (هي التي أردتها) الآن (أو أنشأت تعيينها عن
الإبهام) أي بعده، ويجوز تعلقه بكل من الإرادة والإنشاء بالقول.
ويحتمل بعيدا أن يكون الأول عبارة التعيين إذا أراد واحدة معينة، فيكون
" أردتها " بمعنى أردتها حين الحلف. والثاني عبارته إذا أراد مبهمة، واستقر
الاصطلاح على تسمية الأول تبيينا، والثاني تعيينا.
(ويحتمل أن لا يكون مؤليا) بنفس الحلف، بل بعد التعيين إذا أراد
مبهمة، كما في طلاق المبهمة، بل وإذا أراد معينة (لأن كل واحدة) منهن
(ترجو أن لا تكون هي المعينة) بعد الإبهام أو في اليمين، فلا يمكنها المطالبة
ما لم يعين أو يبين، ومن حكم الإيلاء المطالبة.
وأنت خبير بأنه أولى مما في الشرحين: من أن يجعل الإشكال في وقت
الإيلاء والاحتمال في أصله (3).
(ولو أطلق اللفظ فعلى أي الاحتمالين) من عموم السلب، وخصوصه
(يحمل؟ إشكال) من ظهور النكرة في سياق النفي في العموم. ومن الأصل
والاحتمال.
(ولو قال: " لا وطئت كل واحدة منكن " كان مؤليا من كل واحدة،
كما لو آلى من كل واحدة بانفرادها، فمن طلقها وفاها حقها ولم تنحل
اليمين في البواقي) فإنها بمنزلة أن يؤلي من كل منهن منفردة.



(1) في قواعد الأحكام بدل " فيخص ": فيختص.
(2) في نسخة " ق - ط ": لأن بدل لا أن
(3) إيضاح الفوائد: ج 3 ص 429، وكنز الفوائد: ج 2 ص 664.
273
(وكذا لو وطئها قبل الطلاق لزمته الكفارة، وكان الإيلاء ثابتا في
البواقي) كذا ذكر الأصحاب وغيرهم، وهو مبني على أن يكون دخول الكل بعد
النفي، ليفيد عموم النفي، وهو خلاف الظاهر، والظاهر تقدمه عليه، فلا يفيد إلا نفي
العموم، كقوله: لا وطئتكن.
(ولو قال: لاوطئتك سنة إلا مرة، لم يكن) عندنا (مؤليا في الحال، إذ
له الوطء من غير تكفير) والإيلاء لا يكون إلا إذا كان بحيث إذا وطئ لزمته
الكفارة، خلافا لبعض العامة (1).
(فإن وطئ وقد بقي) من السنة (أكثر من أربعة أشهر صح الإيلاء،
وكان له المرافعة، وإلا بطل حكمه) ووحده المرة وتعددها بحسب الإيلاج
والنزع الكامل، ولو لم يطأها في السنة أصلا لم تلزمه كفارة، فإنه إنما حلف على
عدم الوطء أزيد من مرة. واحتمل الوجوب، بناء على أنه حلف على كل من النفي
والإثبات.
(وكذا لو قال: لا جامعتك إلا عشر مرات أو ما زاد) أو نقص، لم يكن
مؤليا ما لم يستوف العدد (فإذا استوفى العدد صار مؤليا إن بقيت) من السنة
(المدة) أي أزيد من أربعة أشهر.
(ولو قال: والله لا جامعتك) مدة كذا (إن شئت، فقالت: شئت انعقد)
الإيلاء (إن قلنا بالمشروط) أي وقوعه.
(وهل تختص المشيئة بالمجلس؟) في المبسوط أنه الأقوى عندنا،
ليكون جوابا لكلامه كالقبول في البيع (2). وفيه (إشكال) من أنه ليس إلا إيلاء
مشروطا، فلا يتوقف إلا على تحقق شرطه، ولا دليل على اتحاد المجلس، فمتى
وجد الشرط تحقق الإيلاء. ومن أنها إذا أخرت احتمل تعلق المشيئة ببقية المدة،
بل هو الظاهر، فلا يتحقق الشرط مثلا إذا قال: لا جامعتك سنة إن شئت، كان
المعنى إن شئت أن لا أجامعك في السنة، فإن مضت أيام أو شهور، ثم قالت: شئت



(1) المجموع: ج 17 ص 305.
(2) المبسوط: ج 5 ص 129.
274
أن لا تجامعني، لم يفهم منه تعلق المشيئة بما مضى من الزمان، وإن قالت: كنت
قد شئت ذلك حين قلت وإن لم أصرح به، لم يقبل منها، لأنه إقرار في حق الغير،
وهو المختار، وفاقا للتحرير (1).
الركن (الرابع: المدة)
(الإيلاء أن يحلف على الامتناع) من وطئها (مطلقا) لاقتضائه
التأبيد، فإن الماهية لا تنتفي إلا بأن لا توجد أبدا، فعن ابن عباس فإن أطلق فقد
أبد، وإن قال: على التأبيد فقد أكد.
(أو مؤبدا أو مدة تزيد على أربعة أشهر) ولو لحظه، بالنص من
الكتاب (2) والسنة (3) والإجماع، إذ ليس لها المطالبة بالوطء دونها، ولا يجب عليه
إلا في كل أربعة أشهر، لما ورد من أنها غاية صبرها.
(أو مضافا إلى فعل لا يحصل إلا بعد انقضاء مدة التربص قطعا) عاديا
(أو ظنا، كقوله وهو بالعراق: حتى أمضي إلى الهند وأعود، أو ما بقيت).
(ولو قال: لا وطئتك أربعة أشهر أو ما نقص، أو حتى أرد إلى بغداد
من الموصل - وهو مما يحصل في الأربعة قطعا أو ظنا أو محتملا
للأمرين على السواء - لم يكن مؤليا) وإن لم يحصل إلا بعد الأربعة بأيام أو
شهور، فإن الإضرار بترك الوطء بعد غاية صبرها معتبر، ولم يتحقق هنا. وللعامة
قول بالوقوع بالأربعة (4) وآخر بما دونها (5).
(ولو قال: حتى أدخل الدار) وهو يتمكن منه كلما أراد (فليس
بإيلاء) وإن عزم على أن لا يدخلها سنة مثلا (لإمكان التخلص من التكفير
بالدخول، وهو مناف للإيلاء) فإن من حكمه أن لا يكون له الوطء إلا بأن
يكفر بعده.



(1) تحرير الأحكام: ج 2 ص 64 س 11.
(2) البقرة: 226.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 539 - 541 ب 8 من أبواب الإيلاء.
(4 و5) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 505.
275
(ولو حلف لا يطؤها أربعة أشهر فما دون، ثم أعاد اليمين في آخر
الشهر (1) مرة اخرى، ولم يزل يفعل كذلك لم يكن مؤليا) وإن أثم، إلا على
وجه يأتي فيمن وجب عليه الوطء بعد شهر، فحلف لا يطؤها إلى شهرين.
(ولو قال: والله لا أجامعك أربعة أشهر فإذا انقضت فو الله لا أجامعك
أربعة أشهر وهكذا لم يكن مؤليا) وفاقا للمبسوط (2) وإن تحقق الإضرار
(فإن المطالبة بعد المدة) أي أربعة أشهر (تقع بعد انحلال اليمين) فلا
يمكنها المطالبة بالفئة عن اليمين الأولى، وليس لها المطالبة بها عن الثانية، إذ لم
يوجد التربص لها. ويحتمل على ذلك الوجه الوقوع والإلزام بالوطء والتكفير وإن
لم تمض مدة التربص للثانية.
(ولو قال: والله لا جامعتك خمسة أشهر فإذا انقضت فو الله
لا جامعتك سنة، فهما إيلاءان) أحدهما معجل، والآخر مؤجل (ولها
المرافعة لضرب مدة التربص عقيب اليمين) لأن الأولى معجلة.
(فلو رافعته فماطل حتى انقضت المدة الأولى انحلت اليمين) وإن
أثم (ويدخل وقت الإيلاء الثاني إن قلنا بوقوعه معلقا على الصفة)
ويكون كأنه آلى منها الآن ولم يتقدمه إيلاء، فيضرب له المدة حينئذ إلا على
الوجه الذي عرفته، فإما أن يفيء أو يدافع أو يطلق، كما في اليمين الأولى سواء
(فإن طلق في الخامس انحلت اليمين الأولى) راجع أم لا، فإنه إن لم يراجع
بانت، وإن راجع لم يتربص، لأنه ما بقي من مدتها زمان التربص.
(فإن) كان الطلاق رجعيا وراجع في الخامس، أو بائنا و (عقد) عليها
(ثانيا فيه رافعته بعد مضيه للثاني) وكذا إن راجع أو استأنف العقد بعد ذلك،
وقد بقي من السنة أكثر من أربعة أشهر إن لم تحتسب العدة من مدة التربص،
وإلا فمطلقا في الرجعية.



(1) في قواعد الأحكام بدل " في آخر الشهر ": في آخر الأشهر.
(2) المبسوط: ج 5 ص 118.
276
(ولو قال: والله لا وطئتك حتى ينزل عيسى من السماء، أو) حتى
(يخرج الدجال) أو يظهر الدابة، أو تطلع الشمس من مغربها (انعقد) فإنها
وإن احتملت الوقوع في أربعة أشهر أو دونها، إلا أن الغالب على الظن العدم، إلا إذا
حصل ما يرفع الظن ويسوي الاحتمالين، أو يرجح الوقوع.
(ولو قال: حتى يلج الجمل في سم الخياط فكذلك) فإنه في معنى
التأبيد، وكذا حتى يبيض القار أو يشيب الغراب على المشهور، فقد قيل: إن الغراب
يشيب.
(ولو قال: حتى يقدم زيد وهو يحصل في أقل من أربعة أشهر) أو
فيها عادة (لم يكن إيلاء) وإن احتمل أن لا يقدم إلى أكثر منها (فإن مضت
أربعة ولم يقدم لم يكن لها المطالبة، لأنه ينتظر قدومه كل ساعة) فلم
يقصد الإضرار، وللعامة قول بأنه ظهر بذلك أنه مؤل (1).
(ولو قال: إلى أن يموت زيد، فإن ظن بقاءه أزيد من المدة انعقد، وإلا
فلا) وأطلق في المبسوط عدم الوقوع (2) لانتفاء الظن بالتأخر، ولو علقه بموته أو
موتها وقع، لأنه التأبيد المعتبر هنا.
(ولو كان الوطء يجب بعد شهر مثلا) بأن لم يطأها منذ ثلاثة أشهر
(فحلف أن لا يطأها إلى شهرين، ففي انعقاده نظر) من القصور عن المدة
المقدرة للإيلاء. ومن أن الإيلاء إنما انعقد لامتناعه من الوطء مدة يجب عليه في
أثنائها، والأول أقوى، وعلى الوقوع فالمدة المضروبة شهر.
(المقصد الثاني في أحكامه)
(إذا وقع الإيلاء، فإن صبرت فلا بحث، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم،
أنظره أربعة أشهر لينظر في أمره، فإن وطئ لزمته الكفارة، وخرج عن
الإيلاء) فلا يجب عليه بالوطء مرة اخرى كفارة، وإن آلى مؤبدا أو كان الوطء



(1) انظر المجموع: ج 17 ص 307.
(2) المبسوط: ج 5 ص 127 و128.
277
الثاني في مدة الإيلاء اتفاقا، لحصول الحنث مرة، فلا يحصل مرة اخرى، وإن
أمكن أن يقال بتعلق اليمين بكل جزء من أجزاء المدة، والحنث بالوطء في جزء،
غيره بالوطء في جزء آخر، وكذا يخرج عنه إن طلقها.
(وليس للزوجة مطالبته بالفئة) أو الطلاق (في هذه المدة. ولا فرق
بين الحر والعبد، ولا بين الحرة والأمة في مدة التربص) خلافا لمالك في
العبد، ولأبي حنيفة في الأمة، فينصفان المدة (1) (وهي حق للزوج) كما ينص
عليه الآية (2) فليست محلا للفئة، وإن فارقها فقد أحسن، وإنما وقت الفئة ما بعدها.
(فإذا انقضت لم تطلق بانقضائها) خلافا لأبي حنيفة (3) فقد جعل المدة
وقت الفئة، وقال: إذا لم يفئ فيها طلقت طلقة بائنة. ويوافقه ظاهر قول
الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير: في الرجل إذا آلى من امرأته فمكث أربعة أشهر
فلم يفئ، فهي تطليقة، ثم يوقف، فإن فاء فهي عنده على تطليقتين، وإن عزم فهي
بائنة منه (4).
(وليس للحاكم طلاقها) عليه، خلافا لمالك والشافعي (5) في أحد قوليه.
والآية (6) حجة عليهما، مع الأصل، وعموم كون الطلاق بيد من أخذ بالساق.
(فإذا واقفته بعد المدة تخير بين الفئة والطلاق، فإن طلق خرج من
حقها، ويقع الطلاق رجعيا) إن لم يكن ما يقتضي البينونة، للأصل والعمومات
والخصوصات، وهي كثيرة جدا، كقول الصادق (عليه السلام) في حسن بريد بن معاوية:
فإذا مضت الأربعة أشهر ووقف فإما أن يفيء فيمسها، وإما أن يعزم على الطلاق
فيخلي عنها حتى إذا حاضت وطهرت من محيضها، طلقها تطليقة قبل أن يجامعها
بشهادة عدلين، ثم هو أحق برجعتها ما لم تمض الثلاثة الأقراء (7).



(1) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 527.
(2) البقرة: 226.
(3) المجموع: ج 17 ص 333.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 544 ب 10 من أبواب الإيلاء ح 4.
(5) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 542.
(6) البقرة: 226.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 543 ب 10 من أبواب الإيلاء ح 1.
278
وربما قيل بالبينونة، لقوله (عليه السلام) في صحيح منصور: المؤلي إذا وقف فلم يفئ
طلق تطليقة بائنة (1). وحمل على من تبين بالطلقة (وكذا إن فاء) خرج من حقها.
(ولو امتنع من الأمرين حبس وضيق عليه في المطعم والمشرب)
بحيث لا يمكنه الصبر عليه عادة (حتى يفيء أو يطلق) فعن حماد بن عثمان
عن الصادق (عليه السلام): كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجعل له حظيرة من قصب يحبسه فيها
ويمنعه من الطعام والشراب حتى يطلق (2). وعن غياث بن إبراهيم عنه (عليه السلام): كان
أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا أبى المولي أن يطلق جعل له حظيرة من قصب وأعطاه ربع
قوته حتى يطلق (3).
وروي أنه إذا امتنع ضربت عنقه؛ لعصيانه إمام المسلمين (4). وروي أن
أمير المؤمنين (عليه السلام) بنى حظيرة من قصب وجعل فيها رجلا آلى من امرأته بعد
الأربعة أشهر، فقال له: إما أن ترجع إلى المناكحة، وإما أن تطلق، وإلا أحرقت
عليك الحظيرة (5).
(ولا يجبر على أحدهما عينا) بل تخييرا، ولا ينافي الإجبار الشرعي
عينا أو تخييرا وقوع الطلاق كما سبق. وقد روي أنه إن أبى فرق بينهما الإمام (6)
ويمكن أن لا يريد (7) به الطلاق.
(ولو آلى مدة ودافع بعد المواقفة حتى انقضت سقط الإيلاء) وإن أثم
(ولا كفارة مع الوطء) بعدها.
(ولو أسقطت حقها من المطالبة لم يسقط) بالكلية، حتى لا يجوز لها



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 544 ب 10 من أبواب الإيلاء ح 5.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 545 ب 11 من أبواب الإيلاء ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 545 ب 11 من أبواب الإيلاء ح 3.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 545 ب 11 من أبواب الإيلاء ح 5.
(5) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 73 - 74.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 542 ب 9 من أبواب الإيلاء ح 4.
(7) في ط: يراد.
279
تجديدها (لتجدده) أي حق المطالبة (كل وقت) فإنما أسقطت ما مضى،
إذ لا معنى لإسقاط ما لم يثبت.
(قيل) في النهاية (1) والمبسوط (2) والغنية (3) والسرائر (4) والجامع (5) وظاهر
غيرها: (والمدة المضروبة من حين الترافع، لا من حين الإيلاء) وظاهر
المبسوط الإجماع عليه (6) ويدل عليه أن ضرب المدد إلى الحاكم. وما في تفسير
العياشي عن العباس بن هلال عن الرضا (عليه السلام): ذكر لنا أن أجل الإيلاء أربعة أشهر
بعد ما يأتيان السلطان (7). وما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره في الحسن عن أبي
بصير عن الصادق (عليه السلام): وإن رفعته إلى الإمام أنظره أربعة أشهر، ثم يقول له بعد
ذلك: إما أن ترجع إلى المناكحة وإما أن تطلق، فإن أبى حبسه أبدا (8). وليسا نصين
في المقصود.
وما رواه الحميري في قرب الإسناد عن البزنطي أنه سأل صفوان الرضا (عليه السلام)
وهو حاضر عن الإيلاء، فقال: إنما يوقف إذا قدمته إلى السلطان فيوقفه السلطان
أربعة أشهر، ثم يقول له: إما أن تطلق وإما أن تمسك (9). (وفيه نظر) لعموم
الآية (10) والأخبار (11) والأصل والحكمة، فإنها كون الأربعة غاية صبرها.
(وفيئة القادر غيبوبة الحشفة في القبل و) فيئة (العاجز إظهار العزم
على الوطء مع القدرة) بأن يقول، أو يكتب: إنه يفيء إذا قدر، أو يشير إليه
إشارة مفهمة.
(ويمهل) العاجز زوال العذر، والقادر إن استمهل (ما جرت العادة
بإمهاله كخفة المأكول والأكل) إذا كان جائعا، أو في حال الأكل (والراحة



(1) النهاية: ج 2 ص 467.
(2) المبسوط: ج 5 ص 137.
(3) غنية النزوع: ص 365.
(4) السرائر: ج 2 ص 720.
(5) الجامع للشرائع: ص 487.
(6) المبسوط: ج 5 ص 137.
(7) تفسير العياشي: ج 1 ص 113 ح 346.
(8) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 73.
(9) قرب الإسناد: ص 362.
(10) البقرة: 226.
(11) وسائل الشيعة: ج 15 ص 539 - 541 ب 8 من أبواب الإيلاء.
280
من التعب) ومنه السهر والانتباه إذا كان نائما، وما قضى الشرع بإمهاله كالفراغ
من الصوم والصلاة والإحرام. وللعامة قول بالتقدير ثلاثة أيام (1).
(ولو وطئ في مدة التربص عامدا لزمته الكفارة إجماعا. وكذا بعدها
على رأي) وفاقا للخلاف (2) والنهاية (3) والشرائع (4) والتبيان (5) ومجمع البيان (6)
وروض الجنان (7) وأحكام القرآن للراوندي (8) وظاهر الأكثر، وحكى في الخلاف
الإجماع عليه (9) لمخالفته اليمين فتشمله العمومات. وقول الصادق (عليه السلام) في خبر
منصور في رجل آلى من امرأته فمرت به أربعة أشهر: يوقف فإن عزم الطلاق بانت
منه وعليها عدة المطلقة، وإلا كفر يمينه وأمسكها (10). وما أرسل العياشي عنه (عليه السلام)
قال: سئل إذا بانت المرأة من الرجل هل يخطبها مع الخطاب؟ قال: يخطبها على
تطليقتين، ولا يقربها حتى يكفر يمينه (11). وما أرسل عنه (عليه السلام) في بعض الكتب من
قوله: إذا فاء المؤلي فعليه الكفارة (12).
وخلافا للمبسوط (13) بناء على أن خلاف متعلق اليمين إذا كان أرجح جازت
المخالفة من غير كفارة، وهنا كذلك، لوجوب الوطء بعد الأربعة أشهر، ومفارقة
هذه اليمين لسائر الأيمان في الانعقاد، ولزوم الكفارة بالمخالفة في مدة التربص
وإن كان الوطء أرجح بل واجبا، إنما ثبت في محل الوفاق، وهو ما قبل الأربعة
أشهر من الإيلاء أو المرافعة.
(ولو وطئ ساهيا أو مجنونا أو مشتبهة بغيرها بطل الإيلاء) أي



(1) المجموع: ج 17 ص 322.
(2) الخلاف: ج 4 ص 52 مسألة 18.
(3) النهاية: ج 2 ص 468.
(4) شرائع الإسلام: ج 3 ص 87.
(5) التبيان: ج 2 ص 233.
(6) مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 324.
(7) روض الجنان: ج 2 ص 222.
(8) فقه القرآن: ج 2 ص 201.
(9) الخلاف: ج 4 ص 520 مسألة 18.
(10) وسائل الشيعة: ج 15 ص 547 ب 12 من أبواب الإيلاء ح 3.
(11) تفسير العياشي: ج 1 ص 112 - 113.
(12) دعائم الإسلام: ج 2 ص 273 ح 1029.
(13) المبسوط: ج 5 ص 135.
281
انحل اليمين وفاقا للمبسوط، لحصول المخالفة (1) واشتراط القصد غير معلوم وإن
لم يحنث بذلك، لرفع الخطأ والنسيان.
قال في المبسوط: ألا ترى أن الذمية إذا كانت تحت مسلم وانقطع دم حيضها
كلفت الاغتسال، فإذا فعلت حل له وطؤها. وإن كان هذا الغسل لا يجزيها في حق
الله وإن أجزأ في حق الآدمي (2).
وقد يقال: بعدم الانحلال لخروج مثل ذلك عن متعلق اليمين، كخروج الوطء
في الدبر.
(ولا كفارة) عليه بهذا الفعل اتفاقا (لعدم الحنث) ولا بما يفعله بعده
عامدا على ما اختاره، لانحلال اليمين.
وقد يقال: عليه الكفارة بعد ذلك وإن قلنا ببطلان الإيلاء بناء على ابتناء بطلان
الإيلاء على أنه ليس لها المطالبة بالفئة، لأنه وفاها حقها، لكنه لم يحنث، وعليه
الكفارة إذا حنث.
(ولو اختلفا في انقضاء المدة) للتربص ولا بينة (صدق مدعي البقاء
مع اليمين ويصدق مدعي تأخر الإيلاء [ولو اختلفا في زمن وقوعه مع
اليمين] (3)) وكذا لو اختلفا في وقت الإيلاء فالقول قول مدعي التأخر، للأصل
فيهما.
(ولو انقضت مدة التربص وهناك ما يمنع الوطء) وهي عالمة بذلك
(كالحيض والمرض لم يكن لها المطالبة على رأي) الشيخ (4) فيما إذا كان
العذر من جهتها (لظهور عذره) وكون المانع منها، ولكون العمدة في الفئة
الوطء، ولا يتمكن منه.
(ويحتمل) ما استحسنه المحقق (5) من (المطالبة بفيئة العاجز) فإن
الميسور لا يسقط بالمعسور. ولتخيره بين الفئة والطلاق. وربما طلقها إذا طالبته



(1 و2) المبسوط: ج 5 ص 140.
(3) أثبتناه من قواعد الأحكام.
(4) المبسوط: ج 5 ص 135.
(5) شرائع الإسلام: ج 3 ص 86.
282
وهو الذي اختاره الشيخ (1) فيما إذا كان العذر من جهته. والأقرب عدم الفرق
كما فعله المصنف.
(ولو تجددت أعذارها) أي الأعذار المانعة من الوطء من جهتها كمرضها
وصومها وإحرامها (في الأثناء) أي أثناء مدة التربص (قيل) في المبسوط (2):
(تنقطع الاستدامة عدا الحيض) فإذا زالت استأنف التربص، لمنعها من ابتداء
الضرب، لأن المدة إنما تضرب إذا امتنع من الجماع لليمين، وهنا الامتناع لغيرها،
وإنما يستأنف ولا يبني على ما مضى، لوجوب المتابعة في هذه المدة كصوم كفارة
الظهار ونحوه، واستثناء الحيض، لأنه لو لم يستثن لم يتم تربص غالبا، لكون
الغالب أن النساء يحضن في كل شهر مرة، فهو لا يمنع الابتداء ولا الاستدامة.
(ولا تنقطع) الاستدامة (بأعذار الرجل ابتداء ولا اعتراضا) في البين
(ولا يمنع من المواقفة انتهاء) باتفاق الشيخ (3) وغيره، والمراد بالاستدامة هنا
من أول المدة إلى آخرها، وبانقطاعها ما يعم امتناع ابتدائها، قال الشيخ: لأن الذي
عليها التمكين وقد فعلت، واستثني الارتداد والطلاق الرجعي، فإنهما يمنعان
الابتداء ويقطعان الاستمرار، قال: لأن المدة إنما تضرب في زوجية كاملة، وهذه
ناقصة، لأنه تجري إلى بينونة (4).
ويمكن إدخال جملة " ولا ينقطع... " إلى آخر الكلام تحت " القيل " فإن
التحقيق أنه ليس جوابا للشرط، وإنما الجواب ما يفهم مما في حيزه.
(ولو جن بعد ضرب المدة احتسبت المدة عليه وإن كان مجنونا)
لأنه إن كان عذرا فهو من أعذاره، والزوجة كاملة الزوجية ممكنة.
(فإن انقضت وهو مجنون تربص به حتى يفيق. ولو انقضت وهو
محرم أو صائم الزم بفيئة العاجز) أو الطلاق. وللعامة قول بإلزامه الطلاق (5)



(1) المبسوط: ج 5 ص 137.
(2) المبسوط: ج 5 ص 136.
(3) المبسوط: ج 5 ص 136.
(4) المبسوط: ج 5 ص 136.
(5) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 538.
283
لحرمة فئة القادر عليه، ولا تكفي فئة العاجز، لأن العذر من جهته، بخلاف المرض
فإنه من الله تعالى.
(فإن واقع حراما كالوطء في الحيض أو الصوم الواجب) أو الإحرام
(أتى بالفيئة و) إن (أثم) لحصول الغرض، وافقته على ذلك أو لا، حرمنا
موافقتها له عليه للمعاونة على الإثم أو لا، لعدم الحرمة من جهتها.
(ولو ارتد) لا عن فطرة (احتسب زمان الردة عليه على رأي) وفاقا
للمحقق (لتمكنه من الوطء بالرجوع) إلى الإسلام (1) فهي ليست عذرا.
وخلافا للشيخ (2) لجريانها إلى البينونة، فليست كاملة الزوجية، وزمان عدتها
مخالف لزمان التربص، فإن انقضاءه يقتضي البينونة، وانقضاء زمان التربص
يقتضي المطالبة بالفئة وتضاد الأثرين يقتضي تضاد المؤثرين. ولأن الامتناع من
الوطء للردة لا الإيلاء. ويندفع جميع ذلك بما ذكرناه، وبعموم النصوص، مع أن
انقضاء العدة إنما يقتضي البينونة إذا استمر الارتداد.
(ولو ادعى الإصابة) فأنكرته (قدم قوله مع اليمين، لتعذر البينة)
غالبا أو تعسرها، وكونه من فعله الذي لا يعلم إلا من جهته، وأصالة بقاء النكاح،
وعدم التسلط على الإجبار على الطلاق. وقول الباقر (عليه السلام) في خبر إسحاق بن
عمار: إن عليا (عليه السلام) سئل عن المرأة تزعم أن زوجها لا يمسها ويزعم أنه يمسها،
قال: يحلف ويترك (3). وقول الصادق (عليه السلام) فيما أرسل عنه في بعض الكتب: في فئة
المولي إذا قال: قد فعلت، وأنكرت المرأة، فالقول قول الرجل، ولا إيلاء (4).
(ولو ظاهر ثم آلى) أو عكس (صحا معا) لكمال الزوجية، وعموم
الأدلة، وانتفاء المخصص (ويوقف بعد انقضاء مدة الظهار) أي التربص له،
وهي ثلاثة أشهر.



(1) شرائع الإسلام: ج 3 ص 87.
(2) المبسوط: ج 5 ص 138.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 547 ب 13 من أبواب الإيلاء ح 1.
(4) دعائم الإسلام: ج 2 ص 274 ح 1032، مع اختلاف.
284
(فإن طلق خرج من الحقين، وإن امتنع الزم التكفير والوطء) إن كانت
كفارته غير الصوم، ولا يتربص به إلى انقضاء مدة الإيلاء (لأنه أسقط حقه من
التربص) له (بالظهار، و) إذا وطئ بعد التكفير للظهار (كان عليه كفارة
الإيلاء) وإن وطئ قبله كانت عليه ثلاث كفارات، كفارة للإيلاء والباقيتان
للظهار، وإن كان يكفر بالصوم فإن صبرت أو طلقها أو وطئها وإن كان حراما
فلا مطالبة لها. وكما يحرم عليه الوطء يحرم عليها التمكين للمعاونة على الإثم.
ومن العامة من جوزه (1) لاختصاص التحريم به، وإن لم يطأها ولا طلق فاء فئة
المعذور إلى أن يكفر. ومن العامة من عين عليه الطلاق (2) لأنه إذا تعذر أحد
الواجبين المخير فيهما تعين الآخر.
(ولا تتكرر الكفارة بتكرر اليمين، سواء قصد) بالثانية (التأكيد)
للأولى (أو المغايرة مع اتحاد الزمان) كأن يقول: " والله لا وطأتك، والله
لا وطأتك " أو صرح بالتأبيد فيهما، أو قال: " والله لا وطأتك خمسة أشهر، والله
لا وطأتك خمسة أشهر " فإن اليمين إنما هي مبالغة في الفعل، أو الترك المحلوف
عليه، وإنما تغايرها بتغاير المحلوف عليه، فإذا كررها على محلوف عليه واحد،
فإنما زاد في التأكيد والمبالغة، ولا يجدي قصد المغايرة، والأصل البراءة من
التكرير، ويصدق الإيلاء بالواحد والمتعدد على السواء وإن اختلف الزمان، كأن
يقول: " والله لا أصبتك خمسة أشهر، والله لا أصبتك سنة " أو يقول: " والله لا
أصبتك خمسة أشهر فإذا انقضت فو الله لا أصبتك خمسة ". إن أوقعنا الإيلاء معلقا
فهما إيلاءان، ويتداخلان في الأول في خمسة، وينفرد الثاني بباقي السنة،
فيتربص به أربعة أشهر. ثم إن فاء أو دافع حتى انقضت السنة انحلا وليس عليه
بالفئة إلا كفارة واحدة، وإن دافع حتى انقضت مدة الأول بقي حكم مدة الثاني.
وإن طلق ثم راجع أو جدد العقد عليها وأبطلنا مدة التربص بالطلاق، فإن لم يبق



(1) المجموع: ج 17 ص 338، المغني لابن قدامة: ج 8 ص 539.
(2) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 538.
285
من مدة الثاني بعد الرجعة إلا أربعة أشهر أو أقل انحل الثاني أيضا، وإلا طالبته
بعد التربص.
قال في المبسوط: وجملته أن مدة الإيلاء إذا طالت ووقف بعد أربعة أشهر،
فإن طلقها طلقة رجعية فقد وفاها حقها لهذه المدة، فإن راجعها ضربنا له مدة
اخرى، فإذا انقضت وقف أيضا، فإن طلق ثم راجع ضربنا له مدة اخرى، فإذا
مضت وقفناه فإن طلقها بانت [منه] لأنه قد استوفى الثلاث، وعلى هذا أبدا (1).
وفي الثاني لا تداخل بل هما إيلاءان متباينان لكل منهما حكمه، فإذا انقضت
أربعة أشهر طالبته، فإن فاء في الخامس أو طلق وفاها حقها من الأول وبقي
الثاني. وكذا إن دافع حتى انقضى الخامس انحل الأول وبقي الثاني، ثم له التربص
في الثاني أربعة أشهر إن لم يكن طلقها، أو راجعها واحتسبنا العدة من المدة،
أو بقي أزيد من أربعة أشهر (2).
(ولو اشترى الأمة المولى منها و) إن (أعتقها وتزوجها لم يعد
الإيلاء) عندنا، لأنه تابع للزوجية فيزول بزوالها (وكذا لو اشترته) الزوجة
المؤلى منها (وأعتقته ثم تزوج بها) وللعامة قول بعود الإيلاء فيهما (3).
(والذميان إذا ترافعا) إلينا (تخير الحاكم في الحكم بينهما وفي الرد
إلى) حكام (4) (مذهبهما) كالمرافعة في سائر الأحكام، للنص من الكتاب (5)
والسنة (6). وللعامة قول بفساد إيلاء الذمي (7). وآخر بوجوب الحكم (8) لقوله تعالى:
" وأن احكم بينهم بما أنزل الله " (9).



(1) المبسوط: ج 5 ص 119.
(2) في ق بدل " أو ": إذا. وفي ن بدل " أو بقي أزيد من أربعة أشهر ": إذا بقي أربعة أشهر.
(3) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 550.
(4) في ن بدل " حكام ": أحكام.
(5) المائدة: 42.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 218 ب 27 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.
(7) بدائع الصنائع: ج 3 ص 175.
(8) المغني لابن قدامة: ج 8 ص 524.
(9) المائدة: 49.
286
(الباب الخامس في اللعان)
وهو المباهلة بين الزوجين على الوجه المخصوص وأصل الصيغة يقتضي أن
يلعن كل صاحبه، وليس كذلك، بل يلعن كل نفسه إن كان كاذبا، فيجوز أن يكون
شبه ذلك بلعن كل صاحبه، وأن يكون أريد طرد كل وإبعاده صاحبه، فإنه أصل اللعن.
(ومقاصده ثلاثة):
(الأول السبب)
(وهو) أمران: (القذف، وإنكار الولد) للنصوص: من الكتاب (1) والسنة (2).
خلافا للصدوق في الفقيه والهداية وظاهر المقنع، فقال: لا لعان إلا بنفي الولد،
وإذا قذفها ولم ينتف من ولدها جلد ثمانين جلدة (3) لخبر محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام) قال: لا يكون لعان إلا بنفي ولد، وقال: إذا قذف الرجل امرأته
لاعنها (4). وقول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير: لا يقع اللعان إلا بنفي الولد (5).



(1) النور: 6.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 184 باب 8 اللعان ح 1 و8 و...
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 536 ذيل حديث 4851. والهداية: ص 275. والمقنع:
ص 355.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 604 ب 9 من أبواب اللعان ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 604 ب 9 من أبواب اللعان ح 2.
287
والجواب - مع الضعف والمعارضة بالكتاب والأخبار - جواز إضافية الحصر
بالنسبة إلى مقتضى المقام، ويكون المراد أنه لا لعان بمجرد الشبهة واحتمال كون
الولد من الغير، ويدل عليه نصه (عليه السلام) في الخبر الأول باللعان إذا قذفها، وحملهما
الشيخ على أنه لا لعان بدون دعوى المشاهدة إلا بالنفي (1). وبالجملة فالمعتمد
أنهما سببان.
(فهنا فصلان):
(الأول: القذف)
(وإنما يكون سببا في اللعان لو رمى زوجته المحصنة) أي الظاهرة
العفة (المدخول بها بالزنا قبلا أو دبرا) لعموم الأدلة والإجماع كما في
الخلاف (2). خلافا لأبي حنيفة في الدبر (3) (مع دعوى المشاهدة وعدم) إقامة
(البينة).
(فلو رمى الأجنبية أو) أمته أو زوجته (المشهورة بالزنى أو) رمى
(غير المدخول بها أو رمى بغير الزنى) من مقدماته (أو لم يدع المشاهدة
فلا لعان).
أما الأول: فبالأصل، والإجماع، والنصوص (4).
وأما الثاني: - أي رمي المشهورة بالزنى - فلأن اللعان إنما شرع صونا لعرضها
من الانهتاك، وعرض المشهورة بالزنى منهتك، ولم أر من اشترطه من الأصحاب
غير المصنف والمحقق (5). وسيأتي الكلام في اشتراط الدخول، ولعله لا خلاف في
اشتراط ادعاء مشاهدتها تزني، والأخبار به كثيرة، كقول الصادق (عليه السلام) في حسن
الحلبي: إذا قذف الرجل امرأته فإنه لا يلاعنها حتى يقول: رأيت بين رجليها رجلا



(1) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 186 ذيل حديث 646.
(2) الخلاف: ج 5 ص 19 مسألة 18.
(3) بدائع الصنائع: ج 3 ص 239.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 593، 594 ب 4 من أبواب اللعان.
(5) شرائع الإسلام: ج 3 ص 93.
288
يزني بها (1). وربما احتمل أن يراد بها العلم وعدم العبرة بغلبة الظن.
(ولفظه الصريح) نحو (يا زانية، أو قد زنيت، أو زنيت بك، أو زنى
فرجك) أو قبلك أو دبرك أو بدنك (دون عينك ويدك) ونحوهما، فإن
المتبادر من زناهما النظر أو اللمس المحرم. وللعامة قول بكونهما من الصريح (2).
(ولفظ النيك وإيلاج الحشفة) والذكر (صريح) مع الوصف بالتحريم،
وكذا الجماع والوطء والمباضعة، كما مر في الإيلاء.
(ولا لعان) عندنا (بكنايات القذف) للأصل (مثل لست حرة، وأما
أنا فلست بزان) وقال مالك: إن قال ذلك حال الرضا لم يكن قذفا، وإلا فهو
قذف (3).
(ولو قال: أنت أزنى الناس، أو أزنى من فلان، لم يكن قاذفا حتى
يقول: في الناس زناة وأنت أزنى منهم، وفلان زان وأنت أزنى منه).
أما الأول: فلأن ظاهره التفضيل على جميع الناس في الزنى، ومعلوم أن
الناس كلهم ليسوا زناة، وكما يحتمل أن يريد أزنى زناة الناس، يحتمل إرادة نفي
الزنى عنهم، بمعنى أنه لو كان الناس كلهم زناة فأنت أزنى منهم. وكلاهما خلاف
الظاهر، إلا أن يصرح بأنه أراد أزنى من زناة الناس، فيكون قاذفا، كما في
المبسوط (4).
وأما الثاني: فلأنه إنما تتعين إرادة النسبة إلى الزنى إذا تعين نسبة فلان إليه،
ولما لم يصرح به احتمل إرادة النفي، أي لو كان فلان زانيا فأنت أزنى منه، إلا أن
يفسره بإرادة القذف. وللعامة قول: بأنه ليس قذفا وإن فسره به (5).
وقوى الشيخ أنه قذف لهما بظاهره (6) وهو أقوى، لأن حقيقة اسم التفضيل



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 594 ب 4 من أبواب اللعان ح 4.
(2) مغني المحتاج: ج 3 ص 370.
(3) الحاوي الكبير: ج 13 ص 262.
(4) المبسوط: ج 5 ص 214.
(5) الحاوي الكبير: ج 13 ص 262.
(6) المبسوط: ج 5 ص 213.
289
الاشتراك في أصل الفعل مع زيادة في المفضل، والنفي مجاز لا يحمل عليه إلا
مع القرينة الصارفة عن الحقيقة.
(و) على اختيار المصنف (لو ثبت زنى فلان بالبينة) أو الإقرار
(والقاذف جاهل) حين قال لها: أنت أزنى منه (لم يكن قاذفا، وإن كان
عالما فهو قاذف) إلا أن يدعي غفلته أو نسيانه، فيقبل قوله بيمينه، لاندفاع
الحدود بالشبهات.
(ولو قال لها: يا زان فهو قاذف) لصحة إطلاق الزاني عليها بمعنى ذات
الزنى. على أنه لو سلم كونه لحنا فلا يضر، لتحقق القذف بنسبتها مع تعيينها إلى
الزنى وإن وقع اللحن في اللفظ.
وربما وجه بالترخيم. واعترض عليه: بأنه يختص بالأعلام. وأجيب بشيوع
" يا صاح " وبأن الترخيم إنما يسقط هاء التأنيث، كقوله: أفاطم مهلا بعض هذا
التدلل وقد أسقطت هنا مع الياء. وأجيب بأن ذلك القياس إذا كان في آخر الكلمة
حرف صحيح قبله مدة، ويمكن إسقاط الهاء للترخيم والياء للوقف على إحدى
اللغتين في الوقف على الناقص. وللعامة قول بأنه ليس بقذف (1). وآخر بأنه إن
كان من أهل الإعراب فليس بقذف، وإلا فهو قذف (2).
وفي الخلاف: أن الذي يقتضيه مذهبنا الرجوع إليه، فإن أراد القذف فهو
قاذف، وإلا فلا، لأصالة البراءة، وانتفاء الدليل على حكم القذف (3).
(ولو قال: رأيتك تزنين فهو قاذف وإن كان أعمى) لأنه صرح بنسبتها
إلى الزنى وإن كذب في الرؤية.
(نعم، لا يثبت في طرفه اللعان، لتعذر المشاهدة، فيتعين الحد) إن
لم يندفع بالإقرار أو البينة.
(ويثبت) اللعان (في طرفه) أي الأعمى (بنفي الولد، ولو كان له بينة



(1) الحاوي الكبير: ج 11 ص 104.
(2) الخلاف: ج 5 ص 34 مسألة 41.
(3) الحاوي الكبير: ج 11 ص 108.
290
فلا حد ولا لعان) إذا أقامها.
(ولو عدل عنها إلى اللعان، قيل) في الخلاف: (يصح) وهو خيرة
المختلف، لعموم الأخبار، ولأنه (عليه السلام) لاعن بين عويمر العجلاني وزوجته (1) من
غير أن يسأل عن البينة (2).
(وقيل) في المبسوط (3) والشرائع (4) والجامع (5): (لا، وهو أقرب)
للاشتراط في الآية بانتفاء الشهداء (6). ولأنه مخالف للأصل، فيقتصر على موضع
اليقين. ولأنه حجة ضعيفة والشهادة قوية، ولا يعدل عن القوي إلى الضعيف.
وأجاب في المختلف عن الآية: بخروجها على الغالب، فإن من النادر البعيد
أن يكون للرجل بينة تصدقه، فيعدل عنها إلى اللعان (7).
(ولو كان العقد فاسدا فلا لعان) عندنا للقذف، ولا لنفي الولد (بل
وجب الحد) للقذف إن لم يثبت، لأنها أجنبية، وأثبته الشافعي (8) لنفي الولد. ولو
لم يعلم بالفساد فتلاعنا ثم ظهر الفساد فهل يلغى اللعان ويحد الزوج أو يدرأ الحد
بما تقدم من الشبهة؟ وجهان.
(ولو طلق رجعيا ثم قذف) في العدة (فله اللعان) لأنها زوجة، ولذا
يقع الظهار والإيلاء منها، لكنهما لا يترتب عليهما الحكم إلا بالرجعة، بخلاف
اللعان فلا يتوقف عليها.
(ولو كان) الطلاق (بائنا فلا لعان) للقذف (بل يحد) لأنها أجنبية
(وإن أضافه) أي القذف أو الزنى (إلى زمان الزوجية) فإن العبرة بزمان
القذف، لأنه مدلول النصوص. خلافا لبعض العامة فأثبته مع الإضافة إلى



(1) سنن البيهقي: ج 7 ص 399.
(2) الخلاف: ج 5 ص 8، 9 مسألة 3 - مختلف الشيعة: ج 7 ص 471.
(3) المبسوط: ج 5 ص 183.
(4) شرائع الإسلام: ج 3 ص 93.
(5) الجامع للشرائع: ص 480.
(6) النور: 6.
(7) مختلف الشيعة: ج 7 ص 471.
(8) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 15.
291
زمانها (1) وله لعانها لنفي الولد كما سيأتي.
(ولو قذف الزوجة ثم أبانها كان له اللعان) لصدق رمي الزوجة.
(فلو قالت: قذفتني قبل أن تتزوجني) فعليك الحد (فقال: بل بعده)
فلي اللعان (أو قالت: قذفني بعد ما بنت منه فقال: بل قبله قدم قوله)
لاندفاع الحد بالشبهة، ولأن القذف فعله، ولأن القول قوله إذا اختلفا في أصل
القذف، فكذا وقته.
(ولو قالت الأجنبية: قذفني، فقال: كانت زوجتي حينئذ، فأنكرت
الزوجية) أصلا (قدم قولها) لأن الأصل عدم الزوجية وعدم ولاية اللعان.
(ولو قذف أجنبية ثم تزوجها وجب الحد ولا لعان) وهو ظاهر.
(ولو تزوجها ثم قذفها بزنى أضافه إلى ما قبل النكاح ففي اللعان
قولان) ففي الخلاف: نفيه، لعموم والذين يرمون المحصنات (2) وعدم شمول
نصوص اللعان له، لأنه لا يقال: إنه قذف زوجته، كما أن من قذف مسلما بالزنى
حال كفره لا يقال: إنه قذف مسلما. وفي المبسوط إثباته، وهو خيرة المحقق
والمصنف في غير الكتاب، لعموم النصوص (3) قلنا باعتبار بقاء مبدأ الاشتقاق في
صدق المشتق أو لا، فإنه إنما اعتبر فيها بعد تسليم اعتبار البقاء كون الرمي حين
الزوجية، لا الرمي بما وقع حينها. وهذا معنى قوله: (مأخذهما اعتبار حال
الزنى أو القذف) فإن الأول اعتبر حال الزنى، فنفى أن يقال: إنه قذف زوجته،
فأخرجه من آية اللعان (4) وأدخله في آية القذف (5). والثاني اعتبر حال القذف
فأثبته وأدخله في آية اللعان.
(ولا يجوز قذفها مع الشبهة، ولا مع غلبة الظن وإن أخبره الثقة
أو شاع) أنها زنت، وانضم إلى ذلك قرائن من صفات الولد وغيرها، لأن عرض



(1) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 16.
(2) النور: 4.
(3) الخلاف: ج 5 ص 16 مسألة 15، والمبسوط: ج 5 ص 193، ومختلف الشيعة: ج 7 ص 471.
(4) النور: 6.
(5) النور: 4.
292
المؤمن كدمه. وفي الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام): أنه نهى عن قذف من
كان على غير الإسلام، إلا أن تكون [قد] اطلعت على ذلك منه (1). وفي الصحيح
عن عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام): أنه نهى عن قذف من ليس على الإسلام، إلا أن
يطلع على ذلك منهم، وقال: أيسر ما يكون أن يكون قد كذب (2). نعم إن تيقن أن
الولد من غيره وجب عليه نفيه.
(ولو قذف بالسحق فالحد) على قول أبي علي (3) والمحقق (4) والتعزير
على قول الشيخ (5) والتقي (6) والمصنف في التحرير (7) والمختلف (8) وما يأتي في
الكتاب فيحتمل أن يريده بالحد، وهو الأقوى، للأصل. (ولا لعان وإن ادعى
المشاهدة) لقصره في النصوص على الرمي بالزنى أو نفي الولد.
(ولو قذف المجنونة) بالزنى حين الإفاقة (حد) أي استحقت عليه الحد
(و) لكن (لا يقام عليه إلا بعد مطالبتها مع الإفاقة، ولو أفاقت صح
اللعان، وليس لوليها المطالبة بالحد ما دامت حية) لأنه ليس من الحقوق
المالية، ولأن للزوج إسقاطه باللعان الذي لا يصح من الولي.
(وإن ماتت) الزوجة مجنونة أو غيرها ولم يستوف الحد (فلوارثها
المطالبة) به، لأنه من حقوق الآدميين فيورث.
(وكذا ليس للمولى مطالبة زوج أمته بالتعزير إلا بعد موتها) فله
المطالبة بعده، كما ذكره الشيخ (9) واستحسنه المحقق (10) لأنه كالوارث لها
وأولى بها.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 430 ب 1 من أبواب حد القذف ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 430 ب 1 من أبواب حد القذف ح 1.
(3) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 9 ص 268.
(4) شرائع الإسلام: ج 3 ص 94.
(5) المبسوط: ج 5 ص 195.
(6) الكافي في الفقه: ص 418.
(7) تحرير الأحكام: ج 2 ص 239 س 14.
(8) مختلف الشيعة: ج 9 ص 269.
(9) المبسوط: ج 5 ص 191.
(10) شرائع الإسلام: ج 3 ص 94.
293
وقد يستشكل بأن هذا الحق إن ثبت له للملك وجب ثبوته له في حياتها، وإن
ثبت للإرث فلا إرث. ودفع بأنه إنما يرث المال، وأما الحقوق الأخر فإنه يرثها
لكونه أولى الناس بها.
(ولو نسبها إلى زنى هي مستكرهة عليه) أو مشتبه عليها أو نائمة
(ففي كونه قذفا إشكال) من أنه إنما نسبها إلى أمر غير ملوم عليه، ولا مأثوم
فيه، وبه قطع الشيخ (1) وهو الوجه، لأنه لا يسمى بالزنى في عرف الشرع. ثم ظاهر
الشيخ التردد في التعزير (2) والأظهر التعزير للإيذاء. ومن العار وانهتاك الأستار.
(ولا لعان) على الوجهين إلا لنفي الولد. أما على الثاني: فظاهر، وأما على
الأول فلأن اللعان على خلاف الأصل، والمتبادر من الرمي بالزنى الرمي بما
لم يكن عن إكراه فيقتصر عليه. ولأنه الذي يوجب الانتقام منها.
(وكذا لا لعان لو كان وطء شبهة من الجانبين) إلا لنفي الولد، وفي
الحد والتعزير ما عرفت.
(ولو قذف نسوة بلفظ واحد تعدد اللعان) لأنه يمين، واليمين
لا يتداخل في حق الجماعة بلا خلاف، فإن تراضين بمن يبدأ بلعانها بدأ بها، وإن
تشاححن أقرع، أو بدأ الحاكم بمن شاء (ولا يتحد برضاهن بلعان واحد) كما
لو رضي المدعون بيمين واحدة.
(ولو قال: زنيت وأنت صغيرة، وجب التعزير) للإيذاء دون الحد، إذ
لا إثم عليها.
وفي المبسوط: إن فسر ذلك بما لا يحتمل القذف، كأن يقول: " زنيت ولك
سنتان أو ثلاث " كان كاذبا بيقين، ولا حد عليه، ولا تعزير قذف، ولكن تعزير سب
وشتم، وليس له إسقاطه باللعان. وإن فسر بما يحتمله، كأن يقول: " زنيت ولك تسع
سنين أو عشر " فهذه يتأتى فيها الزنى فقد قذفها بالزنى، لكن لا حد عليه، لأن
الصغيرة ناقصة لا يجب الحد برميها، ويعزر تعزير قذف، وله إسقاطه باللعان (3).



(1 و2) المبسوط: ج 5 ص 216.
(3) المبسوط: ج 5 ص 214 و215.
294
(وإن قال): زنيت (وأنت مشركة أو مجنونة فكذلك) عليه التعزير
(إن عهد لها ذلك) أي حال شرك أو جنون (وإلا) يعهد لها ذلك (فالحد)
فإنه لم يقذف المشركة أو المجنونة بل المسلمة العاقلة، وما ذكره من القيد يكون
لغوا.
(ويحتمل) قويا (سقوطه إذا لم يعهد، لأنه) لم يقذفها بزنى يلزمها
إثمه، وإنما (جاء بمحال) فكان كلامه بتمامه لغوا، لكن تستحق عليه التعزير
للإيذاء.
وعلى الأول إذا قالت: ما زنيت وما كنت مشركة أو مجنونة، فهل القول قوله
أو قولها؟ وجهان: من أصل البراءة، وهو خيرة المبسوط (1). ومن أصالة الإسلام
والعقل.
(ولو ادعت) عليه (القذف فأنكره فأقامت شاهدين، فله أن يلاعن
إن أظهر لإنكاره تأويلا) كأن يقول: إني كنت قلت لها: زنيت وبذلك شهد
الشاهدان، ولكنه ليس بقذف، لأني صدقت في ذلك، فإنما أنكرت أن أكون قذفتها.
(وإلا فلا لعان، ووجب الحد، لأنه) باللعان (يكذب نفسه، فإن أنشأ
قذفا آخر) كأن يقول: ما قذفتها ولكنها زانية (فله اللعان، واندفع عنه ذلك
الحد) أي الحد لما شهدت به البينة (أيضا) لأنه لا يتكرر الحد إذا كرر القذف
بزنى واحد، فهنا أولى (إلا إذا كان صورة إنكاره: ما قذفت ولا زنيت، فإن
قذفه بعده يناقض شهادة الإبراء) أي شهادته ببراءتها (إلا أن تمضي مدة
يحتمل فيها طريان الزنى) فله اللعان حينئذ.
(ولو امتنعا عن اللعان فلما عرضا للحد) أو استوفى بعض الجلدات
(رجعا إليه جاز) للعموم، واللعان وإن كان يمينا ولا رجوع إليها بعد النكول،
لكنه الحق هنا بالبينة لمفارقته لليمين في أن النكول عن اليمين يوجب انتقالها
إلى الآخر وليس كذلك اللعان، ومشابهة لعانه للبينة في إثبات الحد عليها.



(1) المبسوط: ج 5 ص 215.
295
(ولو حد فأراد أن يلاعن بعده مكن) منه (إن كان لنفي الولد، وإلا
فلا فائدة فيه) فإن فائدته درء الحد (فلا يمكن منه) وكذا لا تمكن المرأة منه
بعد أن حدت. وللعامة وجه بنفي اللعان بعده ولو لنفي الولد (1). وآخر بثبوته ولو
للقذف، لإبانة براءته من القذف (2).
(الفصل الثاني في إنكار الولد)
(وإنما يثبت اللعان بنفي الولد إذا كان يلحقه ظاهرا) ولا ينتفي عنه
بنفيه (بأن تضعه الزوجة بالعقد الدائم لستة أشهر فصاعدا من حين)
احتمال (وطئه ما لم يتجاوز أقصى مدة الحمل، وكل ولد لا يمكن كونه
منه في النكاح لم يلحقه نسبه، ولم يحتج) انتفاؤه منه (إلى لعان، كما لو
ولدته تاما لأقل من ستة أشهر من حين) احتمال (وطئه) في النكاح (أو
لأكثر من أقصى مدة الحمل لم يلحق به وانتفى) منه (بغير لعان) إذا نفاه
أو علم عدم مقاربته لها قبل النكاح لا مطلقا، لجواز أن يكون وطئها قبله لشبهة.
(ولو تزوج المشرقي) أي وهو في المشرق (مغربية) كذلك (وأتت
بولد لستة أشهر) من العقد (لم يلحق به، لعدم الإمكان عادة، ولا لعان)
لنفيه. خلافا لبعض العامة حيث اكتفى في الإلحاق بالعقد وقدرته على الوطء وإن
لم يمكن عادة (3).
وفرع عليه مسائل، منها: هذه المسألة. ومنها: أنه إذا تزوج بامرأة بحضرة
القاضي وطلقها في الحال، ثم أتت بولد لستة أشهر من العقد لحق به، ولم ينتف إلا
باللعان. ومنها: أنه إذا غاب عنها زوجها وانقطع خبره، فقيل لها: إنه مات فاعتدت
ثم تزوجت. فأولدها الزوج الثاني أولادا، ثم عاد الأول، فالأولاد لاحقون به،
ولا شيء للثاني.
ومن العامة الذين وافقونا في اعتبار إمكان الوطء، من قال: إذا مضى زمان



(1) لم نعثر عليه.
(2) انظر المجموع: ج 17 ص 455.
(3) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 54 - المجموع: ج 9 ص 404 مع اختلاف.
296
يمكن فيه قطع ما بين الزوجين من المسافة، ثم مضى أقل زمان الحمل، فإنه يلحق
به وإن علم أن أحدا من الزوجين لم يبرح إلى الآخر (1).
(ولو دخل) بها الزوج (وله أقل من عشر سنين فولدت لم يلحق به)
لأنه لم تجر العادة بإنزاله وإحباله، كما لو ولدت لأقل من ستة أشهر (وإن كان له
عشر لحق، لإمكان البلوغ) والإنزال والإحبال (في حقه ولو نادرا) كما
أنه يمكن الوضع لستة أشهر وإن ندر.
وظاهر المبسوط (2) والشرائع (3) والتحرير (4) أن العبرة بالطعن في العشر دون
الإكمال، فإنهم نفوا اللحوق لدون تسع وأثبتوه لعشر، ولا يحكم بمجرد ذلك
ببلوغه، فإنه لا يثبت بالاحتمال، بخلاف الولد فإنه يلحق بالاحتمال.
(و) لذا (لو أنكر لم يلاعن إلى أن يبلغ رشيدا، فإن مات قبل البلوغ
أو بعده ولم ينكره الحق به، وورثته الزوجة والولد، ولا عبرة بالإنكار
المتقدم) على البلوغ.
(ولو تزوج وطلق في مجلس واحد قبل غيبته) بل غيبتهما (ثم
مضت ستة أشهر فولدت لم يلحقه) لما عرفت من عدم إمكان الوطء في
النكاح. خلافا لمن عرفت من العامة.
(ويلحق ولد) زوجة (الخصي) به (على إشكال) من الإشكال في
الإنزال المحبل وإن تحقق منه الوطء.
(و) يلحق (ولد) زوجة (المجبوب) به مع سلامة الأنثيين لسلامة
أوعية المني، وإنما الذكر آلة للإيصال، ويمكن الوصول بالسحق، كما يلحق
بالوطء فيما دون الفرج، لاحتمال سبق الماء إليه (دون ولد) [زوجة] (5)
(الخصي المجبوب على إشكال) من انتفاء الوطء، وأوعية المني، وهو خيرة



(1) المجموع: ج 17 ص 404 مع اختلاف.
(2) المبسوط: ج 5 ص 185.
(3) شرائع الإسلام: ج 3 ص 94.
(4) تحرير الأحكام: ج 2 ص 65 س 17.
(5) لم ترد في المخطوطات.
297
المبسوط والتحرير (1) والجامع (2). ومن كون المني من الصلب كما في القرآن، قال
في المبسوط: والأول أقوى، لاعتبار العادة (3).
(ولو وطئ دبرا أو قبلا وعزل لحق به الولد، ولم ينتف إلا باللعان)
لا نعرف خلافا من الأصحاب في تسبب الوطء في الدبر لإلحاق الولد، وقد صرح
به جماعة منهم، لإمكان استرسال المني إلى الرحم وإن بعد.
لكن هل يشترط فيه عدم العزل؟ منهم: من اشترطه، لكون العلوق مع ذلك في
غاية البعد، لأن الذي يحتمل معه سبقه من المني في غاية القلة. ومنهم: من
لم يشترطه، للاشتراك في الإمكان وإن كان معه أبعد، وعبارة الكتاب تحتملها.
(ولو تصادقا على أنها استدخلت منيه من غير جماع فحملت منه
فالأقرب عدم اللحوق، إذ لا مني لها هنا) عادة، فإن العادة أن منيها إنما
يصعد إلى الرحم بالجماع وإن أمكن بدونه، والعادة إنما جرت بتكون الولد من
المنيين، كما نطق به القرآن وإن أمكن بدونه. ويحتمل اللحوق، لإمكان تحقق منيها
وتخلق الولد من منيه خاصة.
(وبالجملة إنما يلحق الولد إذا كان الوطء) قبلا أو دبرا أو ما في معناه
من سحق المجبوب على وجه (ممكنا والزوج قادرا) عليه عادة، فلا يلحق بلا
احتمال الوطء بالاستدخال، ولا بمجرد إمكان الوطء ودخوله في قدرة الله تعالى
وإن لم يقدر عليه الزوج عادة كالمشرقي يطأ المغربية، ولا بمجرد قدرته على
الوطء من دون احتماله، كأن ينكحها ويطلقها في مجلس واحد.
(ولو اختلفا بعد الدخول في زمان الحمل تلاعنا) إذا أدى قوله إلى
نفي الولد.
(ولو اعترف بتولده منه عن زنى بها و) ذلك بأن (ادعى الطلاق) قبل
وطئها (سرا احتمل اللعان لو كذبته) لصدق الرمي ونفي الولد مع كونها زوجة



(1) تحرير الأحكام: ج 2 ص 65 س 18.
(2) الجامع للشرائع: ص 482.
(3) المبسوط: ج 5 ص 186.
298
في الظاهر. والعدم، لأنه إنما يثبت بين الزوجين، وهو ينفي الزوجية.
(ولو طلق) وادعت أنها حملت منه (وأنكر الدخول قيل) في
النهاية (1): (إن أقامت بينة أنه أرخى سترا لاعنها، وحرمت عليه) مؤبدا
(وكان عليه) تمام (المهر) لصحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام): سأله عن
رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها فادعت أنها حامل، قال: إن أقامت البينة على
أنه أرخى سترا ثم أنكر الولد لاعنها ثم بانت منه وعليه المهر كملا (2). وارسل مثله
عن الصادق (عليه السلام) في بعض الكتب (3). ولما مر من أن الظاهر الدخول مع الخلوة
التامة.
(وإن لم تقم بينة) بذلك (كان) القول قوله، فكان (عليه نصفه) أي
المهر، للأصل (ولا لعان) لعدم الدخول، والشيخ وإن لم يصرح به لكنه مفهوم
من اشتراطه الدخول.
(وعليها مائة سوط) بعد أن يحلف بالله أنه ما دخل بها، قال المحقق:
ولا أرى له وجها (4). وقد يوجه: بأن انتفاء الحمل عنه بغير لعان كإقرارها، أو
نكولها، أو البينة بزناها، وهو لا يكفي لإيجاب الحد، لا سيما إذا اقتصر على نفي
الولد وإنكار الدخول، فإنه لا يتضمن الرمي بالزنى أصلا، فضلا عن إيجابه الحد
عليها.
(والأقرب) وفاقا لابن إدريس (5) (انتفاء اللعان ما لم يثبت الوطء،
ولا يكفي الإرخاء) والخلوة التامة (ولا حد عليه) بإنكاره الحمل منه
(إن لم يقذف، ولا أنكر ولدا يلزمه الإقرار به).
ومال في المختلف إلى الأول، لصحة الخبر، واعتضاده بالظاهر من وطء



(1) النهاية: ج 2 ص 455 - 456.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 590 ب 2 من أبواب اللعان ح 1.
(3) دعائم الإسلام: ج 2 ص 284 ح 1070.
(4) نكت النهاية: ج 2 ص 456.
(5) السرائر: ج 2 ص 702.
299
الصحيح مع الخلوة، وصحة تصرف المسلم، بخلاف ما لو خلت عن الحمل (1).
(ولو كان الزوج حاضرا وقت الولادة وسكت عن الإنكار المقدور)
ولو بالإرسال إلى الحاكم وإعلامه، أو الاستدعاء منه أن يرسل إليه من يسمع منه
النفي، أو الإشهاد على النفي إذا لم يمكنه المسير بنفسه إلى الحاكم (قيل) في
المبسوط (2): (لم يكن له إنكاره بعد، إلا أن يؤخر بما جرت العادة به
كالسعي إلى الحاكم، وانتظار الصبح، والأكل، والصلاة، وإحراز ماله) أو
يدعي الجهل بأن له النفي وأمكن في حقه، وذلك، لأنه خيار، شرع لدفع الضرر،
فيكون فوريا، لاندفاعه به كالخيار في الفسوخ، ولوجوب المبادرة إلى نفي من
ليس منه لئلا يعرض ما يمنع منه من موت ونحوه، ولأنه لو لم تجب المبادرة إليه
لم تستقر الأنساب.
(ويحتمل) وفاقا للخلاف (3) والشرائع (4) (أن له إنكاره ما لم يعترف
به) لأصل عدم الفورية، وعموم الأدلة، وافتقار النفي كثيرا إلى نظر وتأمل،
ولا يتقدر التأخير بزمان، لعدم المقدر شرعا. وللعامة قول بالتقدير ثلاثة أيام أو
يومين (5).
(أما لو اعترف به لم يكن له إنكاره) بعد (إجماعا) كما لا يسمع
الإنكار بعد الإقرار في سائر الامور.
(ولو أمسك عن نفي الحمل حتى وضعت جاز أن ينفيه (6) بعد الوضع
إجماعا، لاحتمال استناد الإمساك إلى الشك في الحمل) لكن لو قال:
" علمت بالحمل وإنما أمسكت رجاء أن يسقط أو يموت فلا أحتاج إلى النفي
فأستر عليها ". ففي المبسوط: ليس له النفي، لأن تحت هذا الإقرار رضا منه بترك



(1) مختلف الشيعة: ج 7 ص 466.
(2) المبسوط: ج 5 ص 228 - 229.
(3) الخلاف: ج 5 ص 30 مسألة 34.
(4) شرائع الإسلام: ج 3 ص 95.
(5) المجموع: ج 17 ص 418.
(6) في قواعد الأحكام بدل " جاز أن ينفيه ": جاز له نفيه.
300
النفي وانتظار الانتفاء من جهة اخرى (1). ويحتمل قريبا أن يكون له ذلك.
(وكل من أقر بولد صريحا أو فحوى لم يكن له إنكاره بعد) إذ
لا فرق في الأخذ بالإقرار بين الصريح وغيره إذا كان متحققا (والصريح ظاهر،
والفحوى أن يجيب المبشر بما يدل على الرضا) بكونه ولده (مثل أن يقال
له: بارك الله لك في مولودك هذا، فيقول: آمين، أو إن شاء الله) أو نعم
أو استجاب الله دعاءك.
(ولو قال مجيبا: بارك الله فيك، أو أحسن الله إليك، أو رزقك الله
مثله) أو جزاك الله خيرا، أو سرك الله، أو أسمعك الله ما يسرك، أو نحو ذلك
(لم يكن) شيء من ذلك (إقرارا) فله نفيه بعد. وللعامة قول بكونه إقرارا (2).
(ولو قذف امرأته ونفى الولد وأقام بينة) على ما قذفها به (سقط الحد،
ولم ينتف الولد إلا باللعان) فإن الزنى لا يستلزم انتفاء الولد.
(ولو طلقها بائنا فأتت بولد) يمكن أن (يلحق به في الظاهر
لم ينتف) منه (إلا) بتصادقهما أو (باللعان) وإن لم يكن الآن زوجته، إذ
لا طريق إلى الانتفاء منه إلا ذلك. مع أنه في الحقيقة في حكم نفي ولد الزوجة.
(و) كذا (لو تزوجت) بعد الطلاق (بغيره وأتت بولد لدون ستة أشهر
من وطء الثاني ولأقصى مدة الحمل فما دون من فراق الأول لحق) في
الظاهر (بالأول، ولم ينتف إلا باللعان) وللعامة قول بالانتفاء بدون اللعان (3)
لزوال الزوجية والفراش.
(ولو قال: لم تزن وهذا الولد ليس مني فلا حد) لعدم القذف (ووجب
اللعان) للنفي. وللعامة قول بنفي اللعان (4) اقتصارا فيه على المنصوص في
الآية (5) من الرمي.



(1) المبسوط: ج 5 ص 230.
(2) المجموع: ج 17 ص 420.
(3) انظر المغني لابن قدامة: ج 9 ص 55.
(4) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 51.
(5) النور: 6.
301
(ولو قال: هذا الولد من زنى، أو زنت فأتت بهذا الولد منه وجب
الحد) للقذف (وثبت اللعان) له وللنفي، ويكفي لهما لعان واحد.
(ولو قال: ما ولدته وإنما التقطته أو استعرته فقالت: بل هو ولدي منك
لم) يجب الحد ولم (يحكم عليه) أي الولد بالولادة أو على الولادة
(إلا بالبينة لإمكان إقامتها على الولادة. والأصل عدمها) فهي المدعية،
فكانت عليها البينة (وتقبل) فيها (شهادة النساء) منفردات ومنضمات، لأنها
أمر لا يطلع عليه الرجال غالبا، فإن لم يكن لها بينة حلف وانتفى عنه النسب من
غير لعان، إذ لم تثبت الولادة على فراشه. وإن نكل رددنا اليمين عليها، فإذا حلفت
ثبتت الولادة على الفراش ولحقه إلا أن ينفيه باللعان. وإن نكلت احتمل الوقوف
إلى أن يبلغ الولد، فإن هذه اليمين تعلق بها حقها وحق الولد جميعا، فإذا بلغ فإن
انتسب وحلف لحق به إلا أن ينفيه باللعان. واحتمل عدم الوقوف، لأنها حقها،
فإذا نكلت سقطت فلا تثبت بعد.
(المقصد الثاني في أركانه)
(وفيه فصول) ثلاثة:
(الأول: الملاعن)
(ويشترط كونه بالغا عاقلا) لعدم العبرة بعبارة غيرهما، ولأن اللعان إما
أيمان أو شهادات، ولا يصح شيء منهما من غيرهما.
(ولا تشترط العدالة، ولا الحرية، ولا انتفاء الحد عن قذف) أو غيره
(عنه) لعموم النصوص (1) وكون اللعان أيمانا عندنا (2) وهي تصح من الكل. خلافا
لبعض العامة (3) بناء على كون اللعان شهادات، فيعتبر في الملاعن ما يعتبر في
الشاهد، وخصوا الحد بكونه عن قذف؛ للنص على عدم قبول شهادته في الآية (4).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 595 ب 5 من أبواب اللعان.
(2) لم ترد في ن، ق: عندنا.
(3) المجموع: ج 17 ص 433.
(4) النور: 4.
302
وبخصوص المملوك أخبار كثيرة كحسن جميل بن دراج سأل الصادق (عليه السلام)
عن الحر بينه وبين المملوكة لعان؟ فقال: نعم، وبين المملوك والحرة، وبين العبد
والأمة، وبين المسلم واليهودية والنصرانية (1). وعن السكوني عن جعفر، عن أبيه،
أن عليا (عليه السلام) قال: ليس بين خمس من النساء، وبين أزواجهن ملاعنة: اليهودية
تكون تحت المسلم فيقذفها، والنصرانية والأمة تكون تحت الحر فيقذفها، والحرة
تكون تحت العبد فيقذفها، والمجلود في الفرية، لأن الله يقول: " ولا تقبلوا لهم
شهادة أبدا " والخرساء ليس بينها وبين زوجها لعان، إنما اللعان باللسان (2). ونحوه
في الخصال، عن سليمان بن جعفر البصري، عن جعفر، عن أبيه، عن جده، عن
علي صلوات الله عليهم (3). وهما ضعيفان يمكن حملهما على التقية.
وربما يفهم من " النافع " وجود قول باعتبار الحرية (4).
(ولا) يشترط (الإسلام) فيه في المشهور؛ للأصل والعموم، وكون اللعان
أيمانا (فيقبل لعان الكافر) ويترتب عليه أثره. خلافا لأبي علي (5) فاشترطه،
بناء على كون اللعان شهادات.
(والأخرس إن عقلت إشارته قبل لعانه بالإشارة) في المشهور، كما
يصح منه الإقرار والعقود والإيقاعات، لعموم النصوص من الكتاب (6) والسنة (7)
ولأن اللعان إما يمين أو شهادة، وكلاهما من الأخرس صحيح. وفي الخلاف حكى
الإجماع عليه (8).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 596 ب 5 من أبواب اللعان ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 598 ب 5 من أبواب اللعان ح 12.
(3) الخصال: ص 304 ح 83. وفيه بدل " سليمان بن جعفر ": سليمان بن حفص.
(4) المختصر النافع: ص 211.
(5) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 455.
(6) النور: 6.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 586 ب 1 من أبواب اللعان.
(8) الخلاف: ج 5 ص 12 - 13 مسألة 8.
303
وتوقف فيه ابن إدريس (1) والمصنف في التحرير (2) والمختلف (3) لاختصاصه
بألفاظ مخصوصة، وانتفاء الرمي منه، ويؤيده تعليل نفيه عن الخرساء في الخبر
المتقدم، بأن اللعان إنما يكون باللسان. وقد روي في بعض الكتب عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: الخرساء والأخرس ليس بينهما لعان، لأن اللعان
لا يكون إلا باللسان (4).
(و) ظاهر أنه (إلا) يعقل إشارته (فلا) لعان.
(ولو انقطع كلامه بعد القذف وقبل اللعان صار كالأخرس، لعانه
بالإشارة وإن لم يحصل اليأس من نطقه) لأنه فوري، والأصل البراءة من
التربص إلى البرء. وللعامة قول بالتربص إن رجي البرء (5).
(ولابد من الزوجية، فلا يقبل لعان الأجنبي، بل يجب عليه حد
القذف) إن لم يأت بالبينة.
(ولو ادعي عليه الولد للشبهة فأنكره انتفى عنه، ولم يثبت اللعان وإن
اعترف بالوطء) لأنه نفي ولد من غير الزوجة.
(أما لو اعترف بالوطء ونفى وطء غيره، واستدخال المني) من غيره
(سقط اللعان) (6) وإن لم تدع عليه أنه ولده بالشبهة (والحق به) وكان إنكاره
لغوا.
(ولو ارتد فلاعن، ثم عاد إلى الإسلام في العدة عرف صحته) لظهور
بقاء الزوجية (وإن أصر) على الكفر (ظهر بطلانه) لظهور البينونة، فلا يحرم
عليه إن رجع إلى الإسلام.



(1) السرائر: ج 2 ص 701.
(2) تحرير الأحكام: ج 2 ص 64 س 28.
(3) مختلف الشيعة: ج 7 ص 464.
(4) دعائم الإسلام: ج 2 ص 283 ح 1066. وفيه رواه عن جعفر بن محمد (عليهما السلام).
(5) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 11.
(6) في قواعد الأحكام بدل " سقط اللعان والحق به ": ففي سقوط اللعان نظر.
304
(ولو ظن صحة النكاح الفاسد فلاعن لم يندفع الحد باللعان الفاسد
على إشكال) من فساد اللعان وظهور الأجنبية. ومن الحكم بالسقوط حين
لاعن، ولعله يكفي في درء الحد.
(وكذا لا يندفع عن المرتد المصر الملاعن) في ارتداده (على إشكال)
من الإشكال في أنها في العدة كالمطلقة الرجعية، لإمكان الزوج من الرجوع
بالرجوع إلى الإسلام. أو كالبائن، لكشف الإصرار عن البينونة من الارتداد.
(ولو قذف الطفل فلا حد ولا لعان، وكذا المجنون) وعن
أمير المؤمنين (عليه السلام): لا لعان بين الصبيين حتى يدركا، وإن أدركا لم يتلاعنا فيما
رمى به امرأته وهما صغيران (1).
(ولو أتت امرأته) أي المجنون (بولد لحق به نسبه، ولا سبيل إلى نفيه
مع زوال عقله، فإذا عقل كان له نفيه حينئذ واستلحاقه. ولو ادعى) أن
(القذف) كان (حال جنونه صدق إن عرف منه ذلك) مع يمينه، لأصالة
البراءة، واندراء الحدود بالشبهات (وإلا فلا) بل القول قول المقذوفة مع يمينها،
لأن الظاهر معها.
(ولو لاعن الأخرس) بالإشارة (ثم نطق فأنكر القذف واللعان
لم يقبل إنكار القذف) ولا اللعان فيما له، لأن الإشارة في حقه بمنزلة النطق.
(ويقبل) الإنكار (في اللعان فيما عليه، فيطالب بالحد، ويلحقه
النسب، بمعنى أنه يرثه الولد ولا يرث هو الولد، ولا تعود الزوجية،
فإن قال) مع الإنكار: (أنا ألاعن للحد ونفي النسب فالأقرب إجابته،
لأنه إنما لزمه بإقراره أنه لم يلاعن) ولم يلزمه أن لا يكون له اللعان، وأدلة
إثباته عامة. (فإذا أراد أن يلاعن أجيب) ويحتمل العدم ضعيفا؛ للحكم شرعا
بوقوع اللعان.



(1) دعائم الإسلام: ج 2 ص 283 ح 1065.
305
(الفصل الثاني في الملاعنة)
(ويعتبر فيها: البلوغ، وكمال العقل، والسلامة من الصمم والخرس)
للأخبار كما سمعته من الأخبار عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخرساء. ونحوها
أخبار أخر (1).
وصحيح أبي بصير قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل قذف امرأته بالزنى
وهي خرساء أو صماء، لا تسمع ما قال، قال: إن كان لها بينة تشهد عند الإمام جلد
الحد وفرق بينه وبينها، ولا تحل له أبدا، وإن لم يكن لها بينة فهي حرام عليه ما أقام
معها ولا إثم عليها منه (2). كذا في نكاح التهذيب (3) وفي اللعان منه (4). وفي الكافي:
وهي خرساء صماء (5) بحذف لفظة " أو " والخبر واحد متنا وسندا. فالظاهر زيادة
لفظة " أو " في كتاب النكاح، وحينئذ لا يكون لنا خبر يدل على نفي اللعان إذا
كانت صماء خاصة، إلا أن يفهم من قوله (عليه السلام): " لا تسمع ما قال " أو يكون انعقد
الإجماع على عدم الفرق بين الخرس والصمم.
(وأن تكون زوجة بالعقد الدائم) في المشهور، وقد عرفت الخلاف
في المتعة.
(والأقرب عدم اشتراط الدخول) للعموم. وقيل في الخلاف (6)
والنهاية (7) والتبيان (8) والغنية (9) والوسيلة (10) والجامع (11) وغيرها: يشترط، وحكى
عليه الإجماع في الخلاف (12) وظاهر التبيان (13) وأحكام القرآن للراوندي (14).



(1) الجعفريات: ص 114 - دعائم الإسلام: ج 2 ص 283.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 603 ب 8 من أبواب اللعان ح 2.
(3) تهذيب الأحكام: ج 7 ص 310 ح 1288.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 193 ح 675.
(5) الكافي: ج 6 ص 166 ح 18.
(6) الخلاف: ج 5 ص 49 مسألة 69.
(7) النهاية: ج 2 ص 454.
(8) تفسير التبيان: ج 7 ص 412.
(9) غنية النزوع: ص 378.
(10) الوسيلة: ص 336.
(11) الجامع للشرائع: ص 479.
(12) الخلاف: ج 5 ص 49 مسألة 69.
(13) تفسير التبيان: ج 7 ص 412.
(14) فقه القرآن للراوندي: ج 2 ص 203.
306
ويؤيده الأخبار، كقول الباقر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم: لا تكون الملاعنة
ولا الإيلاء إلا بعد الدخول (1). وقول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير: لا يقع اللعان
حتى يدخل الرجل بأهله (2). وفي خبر محمد بن مصادف: لا يكون ملاعنا حتى
يدخل بها (3).
(وقيل) في السرائر: (يشترط في نفي الولد دون القذف) وعليه حمل
كلام الأصحاب، قال: لأن قبل الدخول القول قول الزوج مع يمينه، ولا يلحق الولد
به بلا خلاف بين أصحابنا. ولا يحتاج في نفيه إلى لعان (4) واستحسنه في
المختلف (5).
(ويثبت بين الحر والمملوكة) عند الأكثر، للأصل، والعمومات، ونحو
صحيح محمد بن مسلم سأل الباقر (عليه السلام) عن الحر يلاعن المملوكة؟ قال: نعم إذا
كان مولاها الذي زوجها إياه (6). وحسن جميل بن دراج سأل الصادق (عليه السلام) عن
الحر بينه وبين المملوكة لعان؟ قال: نعم (7).
(وروي المنع) في صحيح عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: لا يلاعن
الحر الأمة، ولا الذمية، ولا التي يتمتع بها (8). وفيما مضى من الخبرين عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) في خمس لا لعان بينهن وبين أزواجهن (9) وأفتى به المفيد (10).
وحمل على ملك اليمين أو التقية.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 591 ب 2 من أبواب اللعان ح 5.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 590 ب 2 من أبواب اللعان ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 591 ب 2 من أبواب اللعان ح 4. وفيه بدل " مصادف ": مضارب.
(4) السرائر: ج 2 ص 698.
(5) مختلف الشيعة: ج 7 ص 461 - 462.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 596 - 597 ب 5 من أبواب اللعان ح 5.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 596 ب 5 من أبواب اللعان ح 2.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 596 ب 5 من أبواب اللعان ح 4.
(9) وسائل الشيعة: ج 15 ص 598 ب 5 من أبواب اللعان ح 12.
(10) المقنعة: ص 542.
307
(وقيل) في الاستبصار (1) والسرائر (2): (يثبت في نفي الولد دون القذف)
وهو ظاهر المراسم (3) للجمع، ولأن اللعان شرع لدفع الحد، ولا حد بقذف الأمة.
(ولو قذف طفلة لا يجامع مثلها فلا حد، لتيقن كذبه، لكنه يعزر
للسب لا للقذف) وفي الصحيح عن أبي بصير، سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل
يقذف الجارية الصغيرة، قال: لا يجلد إلا أن تكون قد أدركت أو قاربت (4).
وعنه (عليه السلام): لا حد لمن لا حد عليه (5).
(ولو كانت بنت ثمان سنين ثبت القذف) لإمكان المجامعة (فيحد
وليس لوليها المطالبة به) لما عرفت في المجنونة (ولا لها) المطالبة قبل
البلوغ (بل إذا بلغت طالبت وله إسقاطه باللعان).
(ولو قذف المجنونة بزنى أضافه إلى حال الصحة، أو قذفها صحيحة
ثم جنت لم يكن لها ولا لوليها المطالبة بالحد، فإذا أفاقت طالبت وله
إسقاطه) حينئذ (باللعان، وليس له اللعان حالة الجنون، إذ لا نسب
ولا حد) طولب به (ينفيهما، فأما إن نفى ولدها فكذلك لا يلاعن حالة
الجنون، بل إذا أفاقت لاعنها وانتفى النسب وإلا) تفق (كان النسب
والزوجية ثابتين) وللعامة قول بأن له الالتعان، وهي مجنونة للحد والنفي (6) فتقع
الفرقة وينتفي الولد. ومنهم من قال: بأن له الالتعان وإن لم يكن نسب ولا حد (7)
بأن أبرأته لنفي الفراش. وليس بشيء، لإمكان إزالته بالطلاق.
(ولو قذف زوجته الصماء أو الخرساء حرمتا عليه أبدا) كما عرفت
في النكاح، إلا أن يقيم البينة (ولا لعان) لما تقدم (وفي اللعان لنفي النسب



(1) الاستبصار: ج 3 ص 375 ذيل حديث 1338.
(2) السرائر: ج 2 ص 697 - 698.
(3) المراسم: ص 164.
(4) الكافي: ج 7 ص 209 ح 22.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 332 ب 19 من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة ح 1.
(6) المجموع: ج 17 ص 395.
(7) الحاوي الكبير: ج 11 ص 26.
308
إشكال) من أنه لا طريق إلى انتفائه سواه. ومن إطلاق النص والفتوى بنفي لعانها.
والأول أقوى.
(ويصح لعان الحامل) وفاقا للأكثر، للعموم، وانتفاء المانع، والإجماع كما
في الخلاف (1). ولأنه (عليه السلام) لاعن بين هلال بن أمية وزوجته الحامل (2). ولصحيح
الحلبي سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل لاعن امرأته وهي حبلى قد استبان حملها،
وأنكر ما في بطنها فلما ولدت ادعاه وأقر به وزعم أنه منه، قال: يرد عليه ولده
ويرثه، ولا يجلد الحد، لأن اللعان قد مضى (3). وما أرسل في بعض الكتب عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: إن تلاعنا وكان قد نفى الولد والحمل إن كانت حاملا
أن يكون منه ثم ادعى بعد اللعان الولد فإن الولد يرثه، ولا يرث هو الولد بدعواه
بعد أن لاعن عليه ونفاه (4).
وخلافا للمفيد (5) والتقي (6) وسلار (7) لخبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام)، كان
أمير المؤمنين (عليه السلام) يلاعن في كل حال، إلا أن يكون حاملا (8).
والجواب: مع الضعف، أنه إنما يدل على أنه (عليه السلام) لم يكن يلاعن، وهو ليس
نصا في عدم الصحة، وإنما يدل على جواز التأخير، فلعله لأنها وإن جاز لعانها
(لكن لو أقرت أو نكلت) عن الالتعان (لم يقم عليها الحد إلا بعد الوضع).
(والأمة ليست فراشا بالملك ولا بالوطء على أشهر الروايتين) وهي:
صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام): إن رجلا من الأنصار أتى أبا جعفر (عليه السلام)
وقال له: إني ابتليت بأمر عظيم، إن لي جارية كنت أطأها فوطئتها يوما وخرجت
في حاجة لي بعد ما اغتسلت ونسيت نفقة لي، فرجعت إلى المنزل لآخذها



(1) الخلاف: ج 5 ص 18 مسألة 17.
(2) السنن الكبرى: ج 7 ص 406.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 607 ب 13 من أبواب اللعان ح 1.
(4) دعائم الإسلام: ج 2 ص 282 ح 1062.
(5) المقنعة: ص 542.
(6) الكافي في الفقه: ص 310.
(7) المراسم: ص 164.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 607 ب 13 من أبواب اللعان ح 3.
309
فوجدت غلامي على بطنها فعددت لها من يومي ذلك تسعة أشهر فولدت جارية،
فقال له أبي (عليه السلام): لا ينبغي لك أن تقربها ولا تبيعها، ولكن أنفق عليها من مالك
ما دمت حيا، ثم أوص عند موتك أن ينفق عليها من مالك حتى يجعل الله لها
مخرجا (1). وفي معناها أخبار كثيرة (2).
والرواية الاخرى رواية الحسن الصيقل عنه (عليه السلام): أنه سئل عن رجل اشترى
جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها، قال: بئس ما صنع، يستغفر الله
ولا يعود، قلت: فإنه باعها من آخر ولم يستبرئ رحمها [ثم باعها الثاني من رجل
آخر فوقع عليها ولم يستبرئ رحمها] (3) فاستبان حملها عند الثالث، فقال (عليه السلام):
الولد للفراش وللعاهر الحجر (4). وبطريق آخر عن الصيقل عنه (عليه السلام) مثل ذلك،
إلا أنه قال: الولد للذي عنده الجارية وليصبر، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): الولد للفراش
وللعاهر الحجر (5).
وصحيح سعيد الأعرج، سأله (عليه السلام) عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد
لمن يكون الولد؟ قال: للذي عنده الجارية، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): الولد للفراش
وللعاهر الحجر (6). وظاهر الشيخ موافقتها في الاستبصار (7) وهو صريح الجامع (8).
ويمكن أن يكون المراد فيها تشبيهها بالفراش، ونفي الولد عن الموالي
السابقين، لأصالة تأخر الحمل، ويؤيده ذكر قوله: " وللعاهر الحجر " مع أنه
لا عاهر هنا، وإن كان، فهو المتأخر دون المتقدم.



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 563 ب 55 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 14 ص 563 ب 55 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في ن، ق.
(4) وسائل الشيعة: ج 14 ص 568 ب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 2.
(5) وسائل الشيعة: ج 14 ص 568 ب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 3.
(6) وسائل الشيعة: ج 15 ص 568 ب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 4.
(7) الاستبصار: ج 3 ص 369 ذيل حديث 1319.
(8) الجامع للشرائع: ص 461.
310
(و) معنى نفي كونها فراشا أنه (لا يلحق ولدها به إلا بإقراره، ولو
اعترف بوطئها فكذلك) لا يلحق به الولد إلا بإقراره، وإن ولدت بحيث يمكن
كونه من وطئه، بخلاف الزوجة الدائمة، فإنه يحكم باللحوق وإن لم يعلم الوطء
ما لم ينفه ويلاعن، وإن لم يجز له نفي ولد الأمة أيضا إذا احتمل كونه منه، ولم
يتهمها تهمة ظاهرة، ففي الصحيح، أن سعيد بن يسار سأل الكاظم (عليه السلام) عن الجارية
تكون للرجل يطيف بها وهي تخرج فتعلق، قال: يتهمها الرجل أو يتهمها أهله؟
قال: أما ظاهرة فلا، قال: إذا لزمه الولد (1). ونحوه أخبار (2) أخر.
(و) لا خلاف في أنه (لو نفاه) أي ولد المملوكة (انتفى من غير لعان)
لأنه على خلاف الأصل، فلا يثبت إلا في موضع النص، وهو الزوجة (وتصير)
الأمة (فراشا بالعقد الدائم) من غير خلاف يظهر.
(وكذا المتمتع بها ليست فراشا بالعقد ولا بالوطء) للأصل والتشبيه
بالإماء في الأخبار، خلافا لابن سعيد (3).
(الفصل الثالث في الكيفية)
(وصورته أن يقول الرجل أربع مرات: " أشهد بالله أني لمن الصادقين
فيما قذفتها به ") مع تعيينها بحيث يتميز عن الغير بالإشارة إن كانت حاضرة،
وبالنسب والأوصاف مع الغيبة، وذلك إن كان اللعان للقذف خاصة، وإن كان لنفي
الولد خاصة فليقل: " في إن هذا الولد ليس مني " وإن جمع بينهما جمع بينهما.
(ثم يعظه الحاكم ويخوفه) من لعنة الله إذا تمت الأربع، ويقول له: إن كان
حملك على ما قلت غيرة أو سبب آخر فراجع التوبة، فإن عقاب الدنيا أهون من
عقاب الآخرة (فإن رجع) ولم يلفظ باللعن (حد) حد الفرية (وسقط
اللعان) وبقيت الزوجية ولحق النسب.



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 565 ب 56 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 14 ص 566 ب 56 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 5.
(3) الجامع للشرائع: ص 452.
311
(وإن أصر قال له: قل: " إن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين ") وفي
المبسوط والوسيلة: إن مر في اليمين أمر من يضع [يده] (1) على فيه ويسكته (2)
تهويلا لليمين (3).
(فإذا قال ذلك) اندفع عنه الحد، وانتفى عنه النسب، و (قال) الحاكم
(للمرأة قولي) إن لم تقر بما رماها به: (" أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما
رماني به " أربع مرات) وعليها تعيين الزوج بحيث يمتاز عن غيره، ولا حاجة
بها إلى ذكر الولد فإنه انتفى بشهادات الزوج، وإنما تلتعن لدرء الحد عن نفسها.
(فإذا قالت ذلك وعظها وخوفها) من غضب الله (وقال لها: إن عقاب
الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فإن رجعت) إلى الإقرار (أو نكلت) عن
اليمين (أرجمها، وإن أصرت قال لها: قولي: " إن غضب الله علي إن كان
من الصادقين) فيما رماني به ".
وفي المبسوط (4) والوسيلة (5): وعظها، فإن انزجرت وإلا أمر من يضع يده
على فيها ويعظها، فإن رجعت وإلا تركها حتى تمضي. قال في المبسوط: وأما
الوعظ أو وضع اليد على الفم فروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) وعظ الزوج حين لاعن لما بلغ
الخامسة وكذلك المرأة حتى قيل: إنها تلكأت وكادت أن ترجع ثم قالت: والله
لا فضحت قومي ومضت في لعانها (6).
(ويجب فيه أمور (7)) أربعة عشر:
(الأول: إيقاعه عند الحاكم، أو من نصبه لذلك) كما نص عليه جماعة
منهم: الشيخ (8) وأبو علي (9) لأنه حكم شرعي يتعلق به كيفيات وأحكام وهيئات



(1) أضفناه من المصدر.
(2) المبسوط: ج 5 ص 199.
(3) الوسيلة: ص 338.
(4) المبسوط: ج 5 ص 200.
(5) الوسيلة: ص 338.
(6) المبسوط: ج 5 ص 200.
(7) لم يرد في ن، ق: أمور.
(8) المبسوط: ج 5 ص 197.
(9) حكاه عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 469.
312
فيناط بالإمام وخليفته، لأنه المنصوب لذلك كما في المختلف (1) ولأن الحد يقيمه
الحاكم فكذا ما يدرؤه. ولصحيح محمد بن مسلم سأل الباقر (عليه السلام) عن الملاعن
والملاعنة كيف يصنعان؟ قال: يجلس الإمام مستدبر القبلة (2) الحديث. وصحيح
البزنطي وحسنه سأل الرضا (عليه السلام) كيف الملاعنة؟ فقال: يقعد الإمام ويجعل ظهره
إلى القبلة ويجعل الرجل عن يمينه والمرأة عن يساره (3).
وما أرسل في بعض الكتب عن الصادق (عليه السلام) من قوله: واللعان أن يقول الرجل
لامرأته عند الوالي: إني رأيت رجلا مكان مجلسي منها، أو ينتفي من ولدها
فيقول: ليس مني، فإذا فعل ذلك تلاعنا عند الوالي (4). وقوله (عليه السلام): والملاعنة أن
يشهد بين يدي الإمام أربع شهادات (5) الخبر. وما أرسل عنه وعن
أمير المؤمنين (عليه السلام) من قولهما: إذا تلاعن المتلاعنان عند الإمام فرق بينهما (6).
(و) في المبسوط والوسيلة والشرائع (7) أنهما (لو تراضيا برجل من
العامة فلاعن بينهما جاز) (8) إلا أنه لم يصرح في المبسوط والوسيلة بكونه من
العامة، وزاد في المبسوط: أنه يجوز عندنا وعند جماعة، وقال بعضهم: لا يجوز (9).
وهو مشعر بالاتفاق، مع أنه قال قبل ذلك: اللعان لا يصح إلا عند الحاكم أو من
يقوم مقامه من خلفائه (10). وقال أيضا: اللعان لا يصح إلا عند الحاكم أو خليفته
إجماعا (11). فلعله إذا لم يحصل التراضي بغيره، أو المراد بالحاكم: الإمام،
وبخلفائه: ما يعم الفقهاء في الغيبة، وبمن تراضيا عليه: الفقيه في الغيبة، أو لا يجوز



(1) مختلف الشيعة: ج 7 ص 469.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 587 ب 1 من أبواب اللعان ح 4.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 588 ب 1 من أبواب اللعان ح 5.
(4) دعائم الإسلام: ج 2 ص 281 ح 1059.
(5) دعائم الإسلام: ج 2 ص 281 ح 1060.
(6) دعائم الإسلام: ج 2 ص 282 ح 1061.
(7) لم يرد في ن، ق: الشرائع.
(8) المبسوط: ج 5 ص 223 - والوسيلة: ص 338 - وشرائع الإسلام: ج 3 ص 98.
(9) المبسوط: ج 5 ص 223.
(10) المبسوط: ج 5 ص 197.
(11) المبسوط: ج 5 ص 223.
313
عند كل من تراضيا عنده إلا إذا لم يمكن الحاكم أو منصوبه.
وجعلهما في المختلف قولين، واختار عدم الجواز إلا عند الحاكم أو من
ينصبه (1). وتردد في التحرير (2). وربما قيل: المراد بالرجل العامي: الفقيه المجتهد
حال حضور الإمام إذا لم يكن منصوبا منه (عليه السلام).
وبالجملة فينبغي القول بصحة إيقاعه من الفقيه في زمن الغيبة، لعموم
النصوص من الكتاب (3) والسنة (4) و" الوالي " بل " الإمام " له. على أن خبري
الإمام ليسا من النصوصية في امتناعه من غيره في شيء. ولقضاء الضرورة بذلك.
ولأنه منصوب من قبله. وأما إيقاعه في زمن الحضور وإيقاع غيره فالظاهر العدم.
(ويثبت حكم اللعان) إذا تلاعنا عند من رضيا به غير الحاكم ونائبه
(بنفس الحكم) منه مثل الحاكم سواء، كما في الشرائع (5) والخلاف (6) ولعان
المبسوط (7).
(وقيل) في قضاء المبسوط (8): (يعتبر رضاهما بعد الحكم) وموضع
تحقيقه كتاب القضاء.
(الثاني: التلفظ بالشهادة على الوجه المذكور) اتباعا للمنصوص المتفق
عليه (فلو قال: أحلف أو اقسم أو شهدت بالله أو أنا شاهد بالله أو ما
شابه (9) ذلك) ك‍ " شهادتي بالله " أو " بالله أشهد " أو " أولي بالله " (لم يجز)
خلافا لبعض العامة (10).
(الثالث: إعادة ذكر الولد في كل مرة يشهد فيها الرجل إن كان



(1) مختلف الشيعة: ج 7 ص 469.
(2) تحرير الأحكام: ج 2 ص 66 س 23.
(3) النساء: 58.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 98 ب 11 من أبواب القضاء.
(5) شرائع الإسلام: ج 3 ص 98.
(6) الخلاف: ج 6 ص 241 مسألة 40.
(7) المبسوط: ج 5 ص 223.
(8) المبسوط: ج 8 ص 134.
(9) في النسخ: " أو مشابه " بدل أو ما شابه، وما أثبتناه من المتن.
(10) الحاوي الكبير: ج 11 ص 60. المغني لابن قدامة: ج 9 ص 62.
314
هناك ولد) ينفيه، ليتم عدد الشهادات عليه أيضا (وليس على المرأة إعادة
ذكره) أي ذكره في شيء من المرات لما عرفت، وهو إعادة لما وقع بينهما
قبل اللعان.
(الرابع: ذكر جميع الكلمات) الخمس (فلا يقوم معظمها مقامها) فإن
حكم الحاكم بالفرقة بالمعظم لم ينفذ، لخروجه عن النص. خلافا لأبي حنيفة فأنفذ
حكمه بها بالمعظم (1).
(الخامس: ذكر لفظ الجلالة، فلو قال: أشهد بالرحمن أو بالقادر لذاته
أو بخالق البشر) ونحو ذلك مما يخصه تعالى (فالأقرب عدم الوقوع)
للخروج عن النص واستصحاب النكاح. ويحتمل الوقوع ضعيفا، لاتحاد المعنى،
وعدم تعيين الآية لكون الشهادة بلفظ الجلالة (نعم لو أردف ذكر الله تعالى
بذكر صفاته وقع) اتفاقا، وكان أولى، لاستحباب التغليظ.
(السادس: ذكر) الرجل (اللعن و) المرأة (الغضب، فلو بدل)
الملاعن (كلا منهما) أي أيا منهما (بمساويه كالبعد والطرد) المساويين
للعن (أو السخط) المساوي للغضب (أو أحدهما بالآخر لم يقع) للخروج
عن النص والاستصحاب. وللعامة قول بالوقوع (2).
(السابع: [يجب] أن يخبر بالصدق على ما قلناه) من قوله: " إني لمن
الصادقين " اتباعا للنص.
(فلو قال: " أشهد بالله أني صادق " أو " من الصادقين " من غير الإتيان
بلام التأكيد، أو " أني لصادق " أو " أني لبعض الصادقين " أو " أنها زنت "
لم يقع، وكذا المرأة لو قالت: " أشهد بالله أنه لكاذب، أو كاذب من
الكاذبين " من غير لام التأكيد لم يجز، وكذا لا يجوز) أن يقول الرجل:
(لعنة الله علي إن كنت كاذبا أو) المرأة (غضب الله علي إن كان صادقا)



(1) الحاوي الكبير: ج 11 ص 61.
(2) الحاوي الكبير: ج 11 ص 61.
315
كل ذلك، للاقتصار في خلاف الأصل على موضع النص (1) والإجماع (2).
ولعل تخصيص الألفاظ المعهودة على النهج المذكور، للتغليظ والتأكيد، فإن
الشهادة تتضمن مع القسم الإخبار عن الشهود والحضور، والتعبير بالمضارع يقربه
إلى الإنشاء، لدلالته على زمان الحال، ولفظ الجلالة اسم الذات المخصوص بها
بلا شائبة اشتراك بوجه. ومن الصادقين بمعنى أنه من المعروفين بالصدق، وهو
أبلغ من نحو صادق، وكذا من الكاذبين، ولكن اختيار هذا التركيب في الخامسة
لعله للمشاكلة، فإن المناسب للتأكيد خلافه وتخصيص اللعنة به والغضب بها، لأن
جريمة الزنى أعظم من جريمة القذف.
(الثامن: النطق بالعربية مع القدرة) كلا أو بعضا موافقة للنص (ويجوز
مع التعذر النطق بغيرها) للضرورة، وحصول الغرض من الأيمان (فيفتقر
الحاكم) إن لم يعرف لغتهما (إلى مترجمين عدلين، ولا يكفي الواحد)
ولا غير العدل كما في سائر الشهادات (ولا يشترط الزائد) فإن الشهادة هنا
إنما هي على قولهما لا على الزنى، خصوصا في حقها، فإنها تدفعه عن نفسها.
وللعامة قول باشتراط أربعة شهود (3).
(التاسع: الترتيب على ما ذكرناه بأن يبدأ الرجل بالشهادات أربعا ثم
باللعن، ثم المرأة بالشهادات أربعا ثم بالغضب) اتباعا للنص، ويناسبه
الاعتبار، فإن الدعاء باللعن والغضب غاية التغليظ والتأكيد في اليمين، فيناسب أن
يكون آخرا. وللعامة قول بالعدم، لحصول التأكيد بهما قدما أو أخرا (4).
(العاشر: قيام كل منهما عند لفظه) وفاقا للمقنع (5) والمبسوط (6)
والسرائر (7) والشرائع (8) لما روي أنه (عليه السلام) أمر عويمرا بالقيام، فلما تمت شهاداته



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 586 ب 1 من أبواب اللعان ح 1.
(2) السرائر: ج 2 ص 700.
(3) المجموع: ج 17 ص 432.
(4) المجموع: ج 17 ص 438.
(5) المقنع: ص 354.
(6) المبسوط: ج 5 ص 198.
(7) راجع السرائر: ج 2 ص 699.
(8) شرائع الإسلام: ج 3 ص 98.
316
أمر امرأته بالقيام (1). وفي الفقيه أن في خبر: أنه يقوم الرجل فيحلف - إلى أن
قال -: ثم تقوم المرأة فتحلف (2).
(وقيل) في المقنعة (3) والنهاية (4) والمراسم (5) والغنية (6) والوسيلة (7):
(يجب قيامهما معا بين يدي الحاكم) الرجل عن يمينه والمرأة عن يمين
الرجل، لحسن محمد بن مسلم سأل الباقر (عليه السلام) عن الملاعن والملاعنة كيف
يصنعان؟ قال: يجلس الإمام مستدبر القبلة فيقيمهما بين يديه مستقبل القبلة
بحذائه ويبدأ بالرجل ثم المرأة (8). وحسن عبد الرحمن بن الحجاج عن
الصادق (عليه السلام) في الرجل الذي ابتلي بذلك فنزلت الآية، قال: فأوقفهما
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال للزوج... (9) الخبر. ولا ينصان على اجتماعهما في القيام.
وأما جعل المرأة من يمين الزوج، فلصحيح البزنطي سأل الرضا (عليه السلام) كيف
الملاعنة؟ قال: يقعد الإمام ويجعل ظهره إلى القبلة، ويجعل الرجل عن يمينه،
والمرأة والصبي عن يساره (10).
وأما وجوب قيامهما في الجملة، فلصحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) سأله
عن الملاعنة قائما يلاعن أو قاعدا؟ فقال: الملاعنة وما أشبهها من قيام (11).
ونص ابن سعيد على استحبابه (12) ولم يتعرض له الصدوق في الهداية،
والمحقق في النافع، فربما لم يوجبا أيضا، ولعله، للأصل، وعدم نصوصية ما ذكر



(1) تفسير القمي: ج 2 ص 98. وفيه: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعويمر: تقدما إلى المنبر والتعنا.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 536 ح 4853.
(3) المقنعة: ص 540.
(4) النهاية: ج 2 ص 451.
(5) المراسم: ص 163.
(6) غنية النزوع: ص 379.
(7) الوسيلة: ص 338.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 587 ب 1 من أبواب اللعان ح 4.
(9) وسائل الشيعة: ج 15 ص 586 ب 1 من أبواب اللعان ح 1.
(10) وسائل الشيعة: ج 15 ص 587 ب 1 من أبواب اللعان ح 2.
(11) وسائل الشيعة: ج 15 ص 588 ب 1 من أبواب اللعان ح 6.
(12) الجامع للشرائع: ص 481.
317
في الوجوب، وقد أرسل في بعض الكتب عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: والسنة أن
يجلس الإمام للمتلاعنين، ويقيمهما بين يديه كل واحد منهما مستقبل القبلة (1).
(الحادي عشر: بدأة الرجل أولا بالشهادات ثم باللعن وتعقب المرأة
له، فلو بدأت المرأة لم يجز) للنصوص، ولأنها إنما تلاعن لدرء الحد عن
نفسها، ولا حد عليها ما لم يلاعن الزوج. وللعامة قول بجواز تقدمها (2).
(الثاني عشر: تعيين المرأة بما يزيل الاحتمال، إما بأن يذكر اسمها
واسم أبيها، أو يصفها بما يميزها عن غيرها) ولعله لا يكفي التعبير عنها
بزوجتي وإن لم يكن له في الظاهر زوجة غيرها، لاحتمال التعدد (أو يشير إليها
إن كانت حاضرة) إشارة مميزة، وكذا يجب عليها تعيين الرجل، ولعله
لم يتعرض له اكتفاء في تمييزه بالزوج، لعدم احتمال التعدد.
(الثالث عشر: الموالاة بين الكلمات) أي الشهادات، فإن تخلل فصل
طويل لم يعتد بها، اقتصارا في خلاف الأصل على الواقع بحضرته (صلى الله عليه وآله)، ولأنها
من الزوج بمنزلة الشهادات، ويجب اجتماع الشهود على الزنى. ولوجوب مبادرة
كل منهما إلى دفع الحد عن نفسه ونفي الولد إن كان منتفيا، ولم أر غيره من
الأصحاب ذكره. وللشافعية في وجوبها وجهان (3).
(الرابع عشر: إتيان كل واحد منهما باللعان بعد إلقائه) أي الحاكم له
(عليه، فلو بادر به قبل أن يلقنه) عليه (الإمام لم يصح) لأنه يمين، فلو
بادر به كان (كما لو حلف قبل الإحلاف) وللأخبار (4) المبينة لكيفية الملاعنة،
فإنها تضمنت ذلك، ولأن الحد لا يقيمه إلا الحاكم، فكذا ما يدرؤه.
(وأما المستحب فأمور) سبعة:
(الأول: جلوس الحاكم مستدبر القبلة، ليكون وجههما إليها) فيكون
أدخل في التغليظ.



(1) دعائم الإسلام: ج 2 ص 281 ح 1060.
(2) الحاوي الكبير: ج 11 ص 57.
(3) انظر مغني المحتاج: ج 3 ص 376.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 587 ب 1 من أبواب اللعان ح 4.
318
(الثاني: وقوف الرجل عن يمين الحاكم والمرأة عن يمين الرجل) إن
قاما معا، وقد سمعت من الأخبار (1) ما تضمن الأمرين.
(الثالث: حضور من يسمع اللعان) غير الحاكم، لوقوعه كذلك
بحضرته (صلى الله عليه وآله)، وليعرف الناس ما يجري عليهما من الفراق المؤبد أو حكم القذف
أو ثبوت الزنى، ولذا قيل: إن الأقل أربعة نفر (2) بعدد شهود الزنى. ولمناسبته
التغليظ وارتداعهما عنه.
(الرابع: وعظ الحاكم وتخويفه بعد الشهادات قبل اللعن) للرجل.
(وكذا المرأة قبل الغضب) كما فعل (صلى الله عليه وآله).
(الخامس: التغليظ بالمكان، بأن يلاعن بينهما في أشرف البقاع)
في أرض الملاعنة (فإن كان بمكة فبين الركن والمقام) وهو الحطيم.
(وإن كان ببيت المقدس ففي المسجد عند الصخرة، وإن كان بالمدينة
فعند منبر النبي (صلى الله عليه وآله)) بينه وبين القبر، والأخبار الناطقة بشرف هذه البقاع كثيرة
معروفة، قال في المبسوط: وقال قوم على المنبر، وروي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا عن
بين رجل وامرأة على المنبر، وروى جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
من حلف على منبري هذا يمينا فاجرة ليقتطع بها مال امرئ مسلم ولو على سواك
من أراك - وفي بعضها ولو على سواك وأحقر - فليتبوأ مقعده من النار (3) انتهى.
قلت: وقد روي أيضا من حلف عند منبري على يمين آثمة ولو بسواك
وجبت له النار (4).
واختلف العامة في صعودهما المنبر، فقيل: نعم (5) لما ذكره الشيخ. وقيل: لا،
لأنهما أو أحدهما فاسقان لا يليقان بالصعود على منبره (صلى الله عليه وآله) (6). والخبر محمول



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 587 ب 1 من أبواب اللعان ح 2.
(2) نهاية المرام: ج 2 ص 233.
(3) المبسوط: ج 5 ص 197.
(4) المجموع: ج 17 ص 439.
(5) الحاوي الكبير: ج 11 ص 46.
(6) المجموع: ج 17 ص 439.
319
على أنه (صلى الله عليه وآله) لاعن بينهما وهو على المنبر، وهو مناسب لما مر من استحباب جعل
الحاكم ظهره إلى القبلة واستقبالهما إياها. وقيل بالصعود إن كثر الناس ليروا،
وإلا فعنده (1).
(وإن كان في) سائر (الأمصار ففي الجامع) عند القبلة والمنبر.
وللشافعية في اختصاص المنبر بالشرف وجهان.
وإن كان بهما ما يمنع الدخول في المسجد أو اللبث فيه كالحيض والجنابة لم
يلاعن فيه. ومن التغليظ بالمكان استقبالهما القبلة.
وإن كان المتلاعنان ذميين ففي المبسوط تلاعنا في الموضع الذي يعتقدان
تعظيمه من البيعة والكنيسة وبيت النار (2).
وللشافعية في بيت النار وجهان (3): من أنه لم يكن له حرمة أصلا، بخلاف
البيعة والكنيسة. ومن أن المقصود تعظيم الواقعة وزجر الكاذب عن الكذب،
واليمين في الموضع الذي يعظم الحالف أغلظ، وهو أظهرهما عندهم، ولم يعتبروا
بيت الأصنام للوثنيين.
(السادس: التغليظ بالزمان بأن يلاعن بعد العصر) قال في المبسوط:
لقوله تعالى: " تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله " (4) قيل في التفسير: بعد
العصر، وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من حلف بعد العصر يمينا كاذبة ليقتطع بها مال
امرئ مسلم لقى الله تعالى وهو عليه غضبان (5).
(السابع: جمع الناس لهما) فإنه من التغليظ الموجب للارتداع. ولأنه
قائم مقام الحد، وقد امر فيه بأن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، ولأنه حضر
اللعان على عهده (صلى الله عليه وآله) ابن عباس وسهل بن سعد وابن عمر وهم من الأحداث،
فدل على حضور جمع كثير، لقضاء العادة بأن الصغار لا ينفردون بالحضور.



(1) المجموع: ج 17 ص 439.
(2) المبسوط: ج 5 ص 198.
(3) انظر الحاوي الكبير: ج 11 ص 49.
(4) المائدة: 106.
(5) المبسوط: ج 5 ص 197.
320
(المقصد الثالث في الأحكام)
(إذا قذف) ولم يقم البينة (تعلق به وجوب الحد عليه) لدخوله في
عموم: " والذين يرمون المحصنات " (1).
(وإذا لاعن) أي التعن (تعلق بلعانه سقوط الحد عنه ووجوبه في
حق المرأة) لقوله تعالى: " ويدرؤا عنها العذاب " (2) فإن العذاب هو الحد. وعند
أبي حنيفة: أن قذف الزوج يوجب اللعان، فإن امتنع حبس حتى يلاعن فإذا لاعن
وجب عليها اللعان، فإن امتنعت حبست حتى تلاعن (3).
(ويتعلق بلعانهما معا) بالنص (4) والإجماع (أحكام أربعة:)
(الأول: الفراق، فلا تصير فراشا) ولا يغني عنه التحريم المؤبد، إذ قد
تحرم ولا فراق والفراش باق كما في المفضاة. ولبعض العامة قول ببقائهما على
الزوجية (5).
(الثاني: التحريم المؤبد فلا تحل عليه أبدا) خلافا لأبي حنيفة فأجاز له
تجديد العقد عليها إن أكذب نفسه (6).
(الثالث: سقوط الحدين) عنهما.
(الرابع: انتفاء الولد عن الرجل) إن كان ونفاه (دون المرأة) فعن
النبي (صلى الله عليه وآله) أنه لما لاعن بين هلال وامرأته فرق بينهما، وقضى أن لا يدعى ولدها
لأب (7).
وسأل الصادق (عليه السلام) أبو بصير عن المرأة يلاعنها زوجها ويفرق بينهما، إلى
من ينسب ولدها؟ فقال: إلى امه (8) إلى غير ذلك من الأخبار.



(1) النور: 4.
(2) النور: 8.
(3) انظر الهداية للمرغياني: ج 2 ص 23.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 586 ب 1 من أبواب اللعان.
(5) بدائع الصنائع: ج 3 ص 244.
(6) الهداية للمرغياني: ج 2 ص 24.
(7) انظر السنن الكبرى: ج 7 ص 394 - 395.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 608 ب 14 من أبواب اللعان ح 2.
321
(ولو) كان الزوج عبدا و (شرط مولاه رقية الولد من) زوجته
(الحرة) وأجزنا الشرط (ففي حريته لو لاعن الأب لنفيه إشكال): من
انتفائه عنه شرعا. ومن أنه حق لغير المتلاعنين، فلا يؤثر فيه اللعان مع ثبوت حكم
الفراش ظاهرا.
(وكذا الإشكال في العكس) أي فيما إذا كانت الزوجة أمة والزوج حرا
(بغير شرط) الرقية، من انتفائه عنه شرعا مع كونه نماء مملوكه فيكون رقا
لمالكها. ومن أن اللعان إنما أثر في انتفاء نسبه من الملاعن، وأما تأثيره في الحرية
التي هي حق الله وحق الولد فغير معلوم مع تغليب الحرية.
(ولا تفتقر الفرقة) فيه أي بسبب اللعان (إلى تفريق الحاكم بينهما، بل
تحصل) عندنا، وكذا سائر الأحكام (بنفس اللعان) وقال الصادق (عليه السلام) في
خبر زرارة بعد بيان كيفية اللعان: ثم لا تحل له إلى يوم القيامة (1).
وزعم أبو حنيفة أنه لا تقع الفرقة، ولا يزول الفراش، ولا ينتفي النسب إلا مع
حكم الحاكم (2) حتى أنه إن طلقها قبل الحكم بالفرقة نفذ طلاقه، وإن تراضيا على
البقاء على الزوجية لم يجز لهما، ويجب على الحاكم التفريق بينهما.
(ولا تحصل الفرقة) عندنا (بلعان الزوج خاصة) للأصل، وتعليقه في
الأخبار بالتلاعن. خلافا لبعض العامة (3) فرتب على لعانه وحده الفرقة والحرمة
مؤبدا وانتفاء النسب.
(ولو فرق الحاكم بينهما قبل إكمال لعانهما كان التفريق لغوا) عندنا
(وإن كان بعد لعان ثلاث مرات من كل منهما) أو بعد تمام لعانه، وثلاث
من لعانها (أو بعد اختلال شيء من ألفاظ اللعان الواجبة) خلافا لأبي
حنيفة (4) فاكتفى بالأكثر كما عرفت.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 588 ب 1 من أبواب اللعان ح 7.
(2) الهداية للمرغياني: ج 2 ص 24.
(3) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 29.
(4) الحاوي الكبير: ج 11 ص 44.
322
(وفرقة اللعان) عندنا (فسخ لا طلاق) لانتفاء ألفاظه، خلافا
لأبي حنيفة (1).
(ولا يعود الفراش) عندنا (إن أكذب نفسه بعد كمال اللعان) لنطق
النصوص بزواله بالتلاعن، وخصوص نحو حسن الحلبي سأل الصادق (عليه السلام) عن
الملاعنة التي يرميها زوجها وينتفي من ولدها ويلاعنها ويفارقها ثم يقول بعد
ذلك: الولد ولدي ويكذب نفسه، فقال: أما المرأة فلا ترجع إليه أبدا، وأما الولد
فإني أرده عليه إذا ادعاه (2) الخبر.
(ولا يحل) له بتكذيبه نفسه تجديد (العقد عليها) لنطق الأخبار بتأبيد
الحرمة بالتلاعن (3) وشمول قوله (عليه السلام): " فلا ترجع إليه " خلافا لأبي حنيفة (4).
(ولو أكذب نفسه في أثناء اللعان أو نكل) عنه أو عن إتمامه (ثبت
عليه الحد) بالقذف (ولم يثبت شيء من أحكام اللعان) من سقوط الحد
عنه والأحكام (الباقية) وفي الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) سأله عن
رجل لاعن امرأته فحلف أربع شهادات بالله ثم نكل في الخامسة، قال: إن نكل في
الخامسة فهي امرأته وجلد الحد، وإن نكلت المرأة عن ذلك إذا كانت اليمين عليها
فعليها مثل ذلك (5).
(ولو أكذب نفسه بعد اللعان لحق به الولد) لأخذه بإقراره (لكن)
فيما عليه لا فيما له، لإقراره أولا بالانتفاء منه، ولذا (يرثه الولد ولا يرثه الأب
ولا من يتقرب به، وترثه الأم ومن يتقرب بها) أكذب نفسه أم لا.
وقال الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي الذي تقدم بعضه: وأما الولد فإني أرده



(1) الهداية للمرغياني: ج 2 ص 24، المغني لابن قدامة: ج 9 ص 32.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 599 ب 6 من أبواب اللعان ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 601 ب 6 من أبواب اللعان ح 5.
(4) الهداية للمرغياني: ج 2 ص 25.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 592 ب 3 من أبواب اللعان ح 3.
323
إليه إذا ادعاه ولا أدع ولده وليس له ميراث، ويرث الابن الأب، ولا يرث الأب
الابن، يكون ميراثه لأخواله. فإن لم يدعه أبوه فإن أخواله يرثونه ولا يرثهم (1).
إلى غير ذلك من الأخبار وهي كثيرة، وقوله (عليه السلام): " ولا يرثهم " موافق لعدة من
الأخبار، وفي عدة اخرى: " يرثونه ويرثهم ". وتحقيق ذلك في الميراث.
(ولم يعد الفراش ولم يزل التحريم المؤبد) بإكذاب نفسه، لأنه مضى
اللعان المزيل للفراش المحرم على التأبيد، وقد نطقت بذلك الأخبار، خلافا لبعض
العامة كما عرفت.
(وفي ثبوت الحد عليه) بالتكذيب بعد اللعان (روايتان) ففي صحيح
الحلبي عن الصادق (عليه السلام) في رجل لاعن امرأته وهي حبلى قد استبان حملها
وأنكر ما في بطنها فلما وضعت ادعاه وأقر به وزعم أنه منه، فقال: يرد عليه ابنه
ويرثه ولا يجلد، لأن اللعان قد مضى (2). وكذا في خبرين آخرين للحلبي أحدهما
حسن (3) وهو خيرة النهاية (4) والتهذيب (5).
وعن محمد بن الفضيل أنه سأل الكاظم (عليه السلام) عن رجل لاعن امرأته وانتفى
من ولدها ثم أكذب نفسه هل يرد عليه ولدها (6)؟ قال: إذا أكذب نفسه جلد الحد
ورد عليه ابنه، ولا ترجع إليه امرأته (7). وهو خيرة المقنعة (8) والمبسوط (9).
والمصنف هنا، كما قال: (أقربهما الثبوت، لما فيه من زيادة هتكها، وتكرار
قذفها، وظهور كذب لعانه) مع أنه ثبت عليه الحد بالقذف، فيستصحب إلى أن



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 599 ب 6 من أبواب اللعان ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 600 ب 6 من أبواب اللعان ح 4.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 607 ب 13 من أبواب اللعان ح 1.
(4) النهاية: ج 2 ص 453.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 194 ذيل حديث 681.
(6) في وسائل الشيعة بدل " ولدها ": ولده.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 601 ب 6 من أبواب اللعان ح 6.
(8) المقنعة: ص 542.
(9) المبسوط: ج 5 ص 188.
324
يعلم المزيل، ولا يعلم زواله بلعان ظهر كذبه، والأخبار الأولة إنما نفت الحد
إذا أكذب نفسه في نفي الولد دون القذف، والحد إنما يجب إذا أكذب نفسه فيما
رماها به من الزنى كما هو صريح المبسوط (1).
(فإن عاد عن إكذاب نفسه وقال: لي بينة أقيمها أو ألاعن) ثانيا
(لم يسمع منه، لأن البينة واللعان لتحقيق ما قاله وقد أقر بكذب نفسه)
والعقلاء مؤاخذون بإقرارهم، والبينة إنما تسمع إذا لم يكذبها قولا أو فعلا.
(ولو اعترف بالولد بعد موته لم يرث منه) كما لو اعترف به في حياته
ثم مات. ولا يفيد هذا الاعتراف في حق الولد أيضا شيئا.
(لكن لو كان له) أي الولد (ولد) وإن (2) (ورثه) أي ولد الولد جده
الملاعن (مع عدم الولد، ولا يرث هو ابن الابن) كما لا يرث الابن، وقال أبو
حنيفة: إن كان الولد خلف ولدا لحقه نسبه ونسب ولد الولد وثبت الإرث بينهما،
وإن لم يكن خلف ولدا لم يلحقه النسب (3).
(ولو أقام بينة ثم أكذبها ففي توجه الحد عليه نظر) من إقراره بكذبه
الموجب للحد. ومن ثبوت صدقه عند الحاكم بالبينة.
(ولو لم يكذب نفسه ولا لاعن ثبت) عليه (الحد، فإن أقيم بعضه
فبذل اللعان أجيب إليه) فإن الحد يدرأ بالشبهة، وكما أن اللعان يدرأ تمام الحد
فأولى بأن يدرأ بعضه.
(ولو) لاعن و (نكلت هي) عن اللعان (أو أقرت) بالزنى (رجمت
وسقط عنه الحد) بلعانه وأكده إقرارها أو نكولها (ولم يزل الفراش ولا يثبت
التحريم) لانتفاء التلاعن. خلافا لمن عرفت من العامة (4).
(ولو اعترفت بعد اللعان) منها (لم يجب الحد) بلا إشكال، فإنه
لا يجب بالإقرار مرة.



(1) المبسوط: ج 5 ص 188.
(2) كذا في ن، ق فلعل معناه: وإن نزل.
(3) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 25.
(4) الحاوي الكبير: ج 11 ص 77.
325
(فإن أقرت أربعا ففي وجوبه إشكال): من اندفاعه باللعان، وفهمه من
فحوى ما مر في إكذابه نفسه بعد اللعان، ومن التعليل في الأخبار بأنه مضى اللعان،
وهو خيرة النهاية والسرائر والجامع وغيرها (1). ومن إيجاب الإقرار أربعا له،
وظهور كذبها في اللعان، وهو أقرب، وكأنه لم يستقربه هنا كما استقربه في إكذابه
نفسه، للتأيد هناك بالرواية بخلاف إقرارها.
(ولو أضاف زناها إلى رجل) ونسبه أيضا إلى الزنى (فعليه حدان) إن
جاءا به متفرقين (وله إسقاط حد الزوجة باللعان. ولا يسقط به حد
الآخر) وإن قال في اللعان في كل مرة: إنه من الصادقين في أنها زنت بفلان وأن
فلانا زنى بها، لأن سقوط الحد باللعان خلاف الأصل، فيقتصر على موضع اليقين
وهو قذف الزوجة. وللعامة قول بسقوط الحدين إن ذكره في اللعان (2) لأنه حجة
شرعية في هذا القذف في طرف المرأة، فكذا في طرف الرجل، لاتحاد الواقعة،
وقد قامت فيها حجة شرعية.
(و) لا خلاف في أنه (لو أقام بينة سقطا معا، ولو قذفها فأقرت قبل
اللعان سقط الحد عنه بالمرة) أي بإقرارها مرة، لاعترافها بعدم الإحصان.
(ولا يجب عليها الحد إلا بأربع مرات، ولو كان هناك نسب لم ينتف
إلا باللعان، وللزوج أن يلاعن لنفيه على إشكال) إن لم تدع الزوجة النسب،
فإنه لا ينافي الإقرار بالزنى، وإذا ادعته فلا إشكال في ثبوت اللعان، وإنما يشكل
الأمر إذا صادقته على الانتفاء أو سكتت أو اعترفت بالجهل، واحتمال الأمرين
(إذ تصادق الزوجين على الزنى) وعلى كون الولد منه (لا يوجب نفي



(1) الموجود في الكتب المذكورة ثبوت الحد. راجع النهاية: ج 2 ص 454. والسرائر: ج 2 ص
701 - والجامع للشرائع: ص 481. والصواب جعل قوله: " وهو خيرة النهاية والسرائر
والجامع وغيرها " بعد قوله: ظهور كذبها في اللعان.
(2) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 66. وفيه: وإذا لاعنها سقط الحد عنه لهما سواء ذكر الرجل
في لعانه أو لم يذكره.
326
النسب، لثبوته بالفراش) وتصادقهما إقرار في حق الغير فلا يسمع، فلا يؤثر
سقوط اللعان للقذف سقوطه للنسب، وينشأ الإشكال: من أن اللعان خلاف الأصل
لم يظهر لنا ثبوته إلا إذا تكاذبا، ولا تكاذب هنا. ومن أنه إذا علم انتفاء الولد منه
وجب عليه نفيه، ولا طريق إلى انتفائه إلا اللعان، والصبر إلى بلوغ الولد واللعان
معه لا يجوز، إذ ربما مات أو مات الولد قبله أو قبل التمكن من اللعان بعده،
وحينئذ إنما يلتعن الزوج، لأنها لا يمكنها الالتعان.
(ولو قذفها فاعترفت ثم أنكرت، فأقام شاهدين على اعترافها ففي
القبول بهما أو بالأربعة إشكال): من عموم قوله تعالى: " والذين يرمون
المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء " (1) وأن الغرض إثبات الزنى لهتك العرض،
ودفع الحد واللعان عنه، وهو خيرة المختلف (2) والمبسوط (3) هنا، وفيه أنه مذهبنا.
و (أقربه القبول) من أنه شهادة على الإقرار لا الزنى، وهو خيرة السرائر (4)
والخلاف (5) وموضع آخر من المبسوط (6) لكنه إنما يقبل (في سقوط الحد
عنه) إذ يكفي فيه ثبوت الإقرار (لا في ثبوته) أي الحد (عليها) فإنه
لا يثبت إلا بثبوت الزنى، ولا يثبت إلا بأربعة شهود أو الإقرار أربعا.
(ولو قذفها فماتت قبل اللعان سقط اللعان وورث) لعدم التلاعن
الموجب للبينونة (وعليه الحد للوارث) لأنه حق آدمي، وحقوق الآدميين
يورث، خلافا لبعض العامة، فجعله من حقوق الله ولم يورثه (7).
(وله دفعه باللعان) وفاقا للشيخ (8) وجماعة، ولعلهم أرادوا التعانه كما
يرشد إليه عبارة الكتاب، فإنه ربما لم يمكن الوارث الالتعان، فإنه إنما يمكنه



(1) النور: 4. وفي نسخ كشف اللثام بدل " المحصنات ": " أزواجهم " وهو سهو.
(2) مختلف الشيعة: ج 8 ص 531.
(3) المبسوط: ج 5 ص 224.
(4) السرائر: ج 2 ص 115.
(5) الخلاف: ج 6 ص 251. وفي موضع آخر منه أفتى بخلافه راجع الخلاف: ج 5 ص 45
مسألة 61.
(6) المبسوط: ج 8 ص 172.
(7) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 24.
(8) المبسوط: ج 5 ص 203.
327
إذا قذفها بمحصور يمكن الوارث العلم بكذبه. والدليل على جواز دفعه باللعان
أنه لا تعلق لسقوط الحد بالتعان الزوجة ليفوت بموتها، وإنما يتعلق بالتعانه
فله الدفع به.
(قيل) في النهاية (1) والخلاف (2): (ولو لاعنه رجل من أهلها فلا
ميراث) له (ولا حد) عليه، للإجماع كما ادعاه في الخلاف (3). ولقول
الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير: إن قام رجل من أهلها فلاعنه فلا ميراث له، وإن
أبى أحد من أوليائها أن يقوم مقامها أخذ الميراث زوجها (4). وخبر عمرو بن
خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام): في رجل قذف فخرج
فجاء وقد توفيت، قال: يتخير واحدة من ثنتين، فيقال له: إن شئت ألزمت نفسك
بالذنب، فيقام فيك الحد فتعطى الميراث، وإن شئت أقررت فلاعنت أدنى قرابتها
إليها ولا ميراث لك (5).
(والأقرب) وفاقا للسرائر (6) والمبسوط (7): أنه لا لعان بينه وبين الوارث،
لأنه خلاف الأصل يقتصر على موضع اليقين والخبران ضعيفان، و (ثبوت
الميراث) وإن لاعن الوارث، لعموم آية الإرث (8) وإنما علم سقوطه بتلاعن
الزوجين.
(ولو ماتت بعد إكمال لعانه وقبل) إكمال (لعانها) شرعت فيه أم لا
(فهو كالموت قبل اللعان في الميراث) لعدم التلاعن، ويأتي على قول
النهاية: أنه إن قام الوارث مقامها فلاعن انتفى الإرث (9) (ولو مات حينئذ
ورثته) لذلك.



(1) النهاية: ج 2 ص 457.
(2) الخلاف: ج 5 ص 29 مسألة 33.
(3) الخلاف: ج 5 ص 30 مسألة 33.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 608 ب 15 من أبواب اللعان ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 15 ص 608 ب 15 من أبواب اللعان ح 2.
(6) السرائر: ج 2 ص 702 - 703.
(7) المبسوط: ج 5 ص 202 - 203.
(8) النساء: 7.
(9) النهاية: ج 2 ص 457.
328
(ولو قذف ولم يلاعن فحد ثم قذفها به) أي بعين ما قذفها به أولا
(قيل) في الخلاف (1) والمبسوط (2): (لا حد عليه) لاتحاد القذف، وإن تكرر
لفظه فإنما هو تأكيد، وأصالة البراءة، وللإجماع، والأخبار كما في الخلاف (3).
(والأقرب ثبوته) وفاقا للمحقق (4) لتعدد القذف وإن اتحد المقذوف به.
(وكذا الخلاف لو تلاعنا، والأقرب سقوطه) وفاقا للشيخ (5) والمحقق (6)
لأن اللعان بمنزلة البينة أو الإقرار أو النكول. ويحتمل ثبوت الحد، لعموم آية
الفرية، وانتفاء دليل على السقوط، فإن اللعان إنما أسقط الحد بالقذف السابق، ولم
يثبت المقذوف به بالبينة ولا بالإقرار.
(أما لو قذفها به الأجنبي فإنه يحد) لأن اللعان حجة يختص بالزوج،
وإنما يسقط الحصانة (7) في حقه وإن [صار أيضا] (8) باللعان أجنبيا.
(ولو قذفها فأقرت) ولو مرة (ثم قذفها به الزوج أو الأجنبي فلا
حد) لأنها بإقرارها أسقطت الحصانة، والحد، والعقلاء يؤاخذون بإقرارهم.
(ولو لاعن ونكلت ثم قذفها الأجنبي، قيل) في المبسوط (9)
والخلاف (10): (لا حد) لأن اللعان والنكول (كالبينة) ولا حد في القذف بما
ثبت بالبينة.
(والأقرب) وفاقا للمحقق (11) (ثبوته) لعموم آية الرمي (12) ومنع سقوط
الحصانة بمجرد ذلك وتنزله منزلة البينة مطلقا.



(1) الخلاف: ج 5 ص 41 مسألة 53 وفيه: يجب عليه الحد ثانيا.
(2) المبسوط: ج 5 ص 192.
(3) الخلاف: ج 5 ص 41 مسألة 53.
(4) شرائع الإسلام: ج 3 ص 101.
(5) المبسوط: ج 5 ص 192.
(6) شرائع الإسلام: ج 3 ص 101.
(7) في ن بدل " الحصانة ": " الحد لأنه "، وفي ق بدلها: الحد فإنه.
(8) في ن: صادقها.
(9) المبسوط: ج 5 ص 192.
(10) الخلاف: ج 5 ص 41 مسألة 54.
(11) شرائع الإسلام: ج 3 ص 102.
(12) النور: 4.
329
(ولو شهد) بزناها (أربعة أحدهم الزوج حد الجميع على رأي)
وفاقا لظاهر المفيد (1) وابن زهرة (2) (ويسقط حد الزوج باللعان) لخبر زرارة
عن أحدهما (عليهما السلام)، في أربعة شهدوا على امرأة بالزنى أحدهم زوجها، قال: يلاعن
ويجلد الآخرون (3). ويؤيده قوله تعالى: " لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء " (4) وقوله
تعالى: " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم " (5) إن
كان الخطاب للأزواج.
(وقيل) في النهاية (6) (بذلك إن اختلت بعض الشرائط) وإلا ثبت الزنى
وحدت، جمعا بين ذلك الخبر وخبر إبراهيم بن نعيم سأل الصادق (عليه السلام) عن أربعة
شهدوا على امرأة بالزنى أحدهم زوجها، قال: يجوز شهادتهم (7). وهو في الحقيقة
في طرف النقيض للقول الأول، إذ لا خلاف في عدم السماع مع اختلال الشرائط.
ويؤيده قوله تعالى: " ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم " (8) من جعل أنفسهم من
الشهداء وصدق الشهداء على الثلاثة، وقوله تعالى: " واللاتي يأتين الفاحشة من
نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم " (9) إن كان الخطاب للحكام، فإنه يعم
الزوج. وأصالة عدم الفرق بين الزوج وغيره، بل أولويته بالقبول، لما فيه من هتك
عرضه.
وقيل في الوسيلة (10) والسرائر (11) والجامع (12): (أو سبق الزوج بالقذف
وإلا حدت) جمعا بين الخبرين، وعملا بظواهر الآيات، فإن قوله تعالى: " لولا جاءوا



(1) انظر المقنعة: ص 540.
(2) انظر غنية النزوع: ص 378.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 606 ب 12 من أبواب اللعان ح 2.
(4) النور: 13.
(5) النساء: 15.
(6) النهاية: ج 3 ص 283 - 284.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 606 ب 12 من أبواب اللعان ح 1.
(8) النور: 6.
(9) النساء: 15.
(10) الوسيلة: ص 410.
(11) السرائر: ج 3 ص 430.
(12) الجامع للشرائع: ص 480.
330
عليه بأربعة شهداء " (1) فيمن ابتدأ بالقذف، بخلاف الباقين.
وفي السرائر لقوله تعالى: " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا
أنفسهم " (2) وهذا قد رمى زوجته ولم يكن له شهداء إلا نفسه، لأن شهادة الثلاثة
غير معتد بها إلا بانضمام شهادة الرابع، فكأنها لم تكن في الحكم (3). وهم وإن
لم يصرحوا بالاختلال لكنه معلوم.
وجمع الصدوق بين الخبرين بناء على ما اختاره: " من أنه لا لعان إلا إذا نفى
الولد ": بأنه إذا لم ينف الولد كان أحد الأربعة، وإلا حد الثلاثة ولاعنها (4). وأبو
علي بأنه إن دخل بها لاعنها وحد الباقون وإلا كان أحد الأربعة، بناء على اشتراط
اللعان بالدخول (5).
(وإذا كانت المرأة غير برزة) لا تخرج إلى مجالس الرجال (أنفذ
الحاكم إليها من يستوفي الشهادات عليها في منزلها ولم يكلفها الخروج،
وكذا لو كانت حائضا واللعان في المسجد) وفي المبسوط: ويستحب أن
يبعث معه بأربعة شهود أو ثلاثة، لقوله تعالى: " وليشهد عذابهما طائفة من
المؤمنين " (6) وروى أصحابنا أن أقله واحد (7).
(ولا يشترط حضورهما معا) حين اللعان، للأصل.
(فلو لاعن في المسجد وهي على بابه) أو في منزلها (جاز) إلا على
القول بوجوب قيامهما عند الحاكم عند لعان كل منهما.
(واللعان أيمان وليس شهادات) وفاقا للشيخ (8) وجماعة؛ لصحته من
الفاسق والكافر، ولقوله تعالى: " بالله إنه لمن الصادقين " (9) وقوله: " بالله إنه لمن



(1) النور: 13.
(2) النور: 6.
(3) السرائر: ج 2 ص 431.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 536 ذيل حديث 4851، المقنع: ص 440.
(5) مختلف الشيعة: ج 9 ص 122.
(6) النور: 1.
(7) المبسوط: ج 5 ص 223.
(8) الخلاف: ج 5 ص 7 مسألة 2.
(9) النور: 6.
331
الكاذبين " (1) وقوله (صلى الله عليه وآله) لهلال بن أمية: احلف بالله الذي لا إله إلا هو إنك
لصادق (2). وقوله (صلى الله عليه وآله) بعد التلاعن: لولا الأيمان لكان لي ولها شأن (3). ولأن كلا
منهما يلاعن لنفسه ولم يعهد شهادة أحد لنفسه، ولأنه لا معنى لكونه من المرأة
شهادة فكذا منه.
وقوله: (فيصح من الأعمى) كما يحتمل تفريع الصحة على كونه أيمانا،
يحتمل التعليل، فإن من الأدلة كما في المبسوط: أنه يصح من الأعمى، ولو كان
شهادات لم يصح منه (4). وخلافا لأبي علي (5) لظاهر قوله تعالى: " فشهادة أحدهم
أربع شهادات بالله " (6) الآية.
ويؤيده: أن محمد بن سليمان سأل الجواد (عليه السلام) كيف صار الزوج إذا قذف
امرأته كانت شهادته أربع شهادات بالله؟ وكيف لا يجوز ذلك لغيره وصار إذا قذفها
غير الزوج جلد الحد ولو كان ولدا أو أخا؟ فقال: قد سئل جعفر (عليه السلام) عن هذا فقال:
ألا ترى أنه إذا قذف الزوج امرأته، قيل له: وكيف علمت أنها فاعلة؟ فقال: رأيت
ذلك منها بعيني كانت شهادته أربع شهادات بالله، وذلك أنه قد يجوز للرجل أن
يدخل المدخل في الخلوة التي لا تصلح لغيره أن يدخلها ولا يشهدها ولد ولا والد
في الليل والنهار، فلذلك صارت شهادته أربع شهادات إذا قال: رأيت ذلك بعيني،
وإذا قال: لم أعاين صار قاذفا وضرب الحد، إلا أن يقيم عليها البينة، وإن زعم غير
الزوج إذا قذف وادعى أنه رآه بعينه قيل له: وكيف رأيت ذلك وما أدخلك ذلك
المدخل الذي رأيت فيه هذا وحدك؟ أنت متهم في دعواك، فإن كنت صادقا فأنت
في حد التهمة، فلابد من أدبك بالحد الذي أوجبه الله عليك. قال (عليه السلام): وإنما
صارت شهادة الزوج أربع شهادات، لمكان الأربعة شهداء مكان كل شاهد



(1) النور: 8.
(2 و3) وفيه: قال فقيل لهلال: تشهد أربع شهادات بالله إنك لمن الصادقين. راجع السنن
الكبرى: ج 7 ص 394.
(4) المبسوط: ج 5 ص 183.
(5) مسالك الأفهام: ج 10 ص 238.
(6) النور: 6.
332
يمين (1). وللأخبار الناطقة بلفظ الشهادة كقوله (صلى الله عليه وآله) للرجل: اشهد أربع شهادات
بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به وللمرأة اشهدي أربع شهادات بالله إن
زوجك لمن الكاذبين (2).
وقول الصادق (عليه السلام) فيما مضى من الخبر: ليس بين خمس نساء وأزواجهن
ملاعنة - إلى قوله: - والمجلود في الفرية، لأن الله تعالى يقول: ولا تقبلوا لهم شهادة
أبدا " (3).
ولوجوب التصريح بلفظ الشهادة، ولأنه يدرأ الحد ولا شيء من اليمين
كذلك، ولأنه إن نكل عنه ثم عاد إليه مكن منه واليمين ليست كذلك.
والجواب: أن لفظ الشهادة في هذه الجمل حقيقة عرفية أو مجاز مشهور في
اليمين، ولا بعد في مخالفته لسائر الأيمان في بعض الأحكام، وخبر النفي عن
خمس وأزواجهن مع الضعف ليس نصا في كون اللعان شهادة، بل الذي ينص عليه
أنه لا يقبل منه الشهادة عليها بالزنى وإن أكده باللعان. (وإذا قذف الزوجة
وجب الحد) لعموم أدلة الفرية (إلا أن يسقطه باللعان، ولا يجب) عليه
(اللعان عينا) خلافا لمن عرفته من العامة (4).
(ولا يطالبه) عندنا (أحد بأحدهما إلا الزوجة) فإن الحد حق لها
واللعان لإسقاطه (نعم لوارثها المطالبة بالحد) وقيل باللعان أيضا كما سبق
(بعد موتها) وعدم استيفائها، لما عرفت من الانتقال عندنا.
(ولو أراد اللعان من غير مطالبة لم يكن له ذلك) عندنا (إن لم يكن
نسب (5)) يريد نفيه. وللعامة قول بأن ذلك لغسل العار عن نفسه بالانتقال عنها
وإلصاق العار بها (6).



(1) الكافي: ج 7 ص 403 ح 6.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 586 ب 1 من أبواب اللعان ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 598 ب 5 من أبواب اللعان ح 12. والنور: 4.
(4) بدائع الصنائع: ج 3 ص 243.
(5) في ط بدل " نسب ": بسبب.
(6) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 25.
333
(ولو طلب نفي النسب احتمل أن يلاعن بينهما الحاكم، بأن يطلب
المرأة باللعان) لانحصار طريق انتفاء النسب فيه (و) احتمل (عدمه) لأنه
خلاف الأصل، فيقتصر على موضع اليقين.
وأما قصة العجلاني وأنه أتاه (صلى الله عليه وآله) فرماها فأمره بأن يأتي بزوجته (1) فلا دلالة
فيها على الابتداء باللعان من غير طلبها، وإنما دلت على إحضارها مجلس الحكم.
(المقصد الرابع في اللواحق)
(لو شهدا بقذفه الزوجة وقذفهما لم تقبل للتهمة، فإن أبرأه ثم أعاداها
لم تقبل) أيضا (لأنها ردت للتهمة فلا تقبل بعد، ولو ادعيا قذفهما)
خاصة (ثم أبرأه وزالت العداوة) كأن مضت مدة عرف فيها صلاح الحال بينهم
(ثم شهدا بقذف زوجته قبلت، لأنهما لم يردا في هذه الشهادة أولا).
وللعامة قول بالعدم (2).
(ولو شهدا) بقذف زوجته (ثم ادعيا قذفهما فإن أضافا الدعوى إلى
ما قبل الشهادة بطلت، لاعترافهما بأنه كان عدوا لهما حين الشهادة وإن
لم يضيفاها) إليه (فإن كان ذلك قبل الحكم لم يحكم، لأنه لا يحكم
بشهادة) أحد (عدوين) على آخر (وإن كان بعده لم يبطل) لأنه لم يظهر
تقدم العداوة على الحكم.
(ولو شهدا أنه قذف زوجته وأمهما بطلت) في حق الأم للتهمة،
وببطلانها بطلت بالكلية (لأنها) إذا (ردت في البعض للتهمة) ردت في
الجميع، كما كان ترد شهادتهما بقذفهما وقذف الزوجة.
وفي المبسوط: فإن شهادتهما لامهما عندنا تقبل وعندهم لا تقبل، لأنه متهم
في حق الأم، وشهادتهما في حق الزوجة تقبل عندنا، وقال بعضهم: لا تقبل، لأن



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 589 ب 1 من أبواب اللعان ح 9.
(2) الحاوي الكبير: ج 11 ص 145.
334
الشهادة إذا اشتملت على شيئين فردت في أحدهما فإنها ترد في الآخر (1).
(ولو شهد أحدهما أنه أقر بالقذف) والإقرار (بالعربية والآخر أنه
أقر) بعين ذلك (بالعجمية أو في وقتين) بأن شهد أحدهما بإقراره يوم
الخميس وآخر به يوم الجمعة (قبلت) لاتحاد المقر به.
(ولو شهدا بالقذف) كذلك (بطلت) لأن ما شهد به أحدهما غير ما شهد
به الآخر، ولم يستكمل شيء من القذفين عدد البينة.
(ولو ولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر فاستلحق أحدهما لحقه
الآخر ولا يقبل نفيه) لأنهما من حمل واحد، حتى أنه إن كان نفى الأول ثم
استلحق الثاني لحقه الأول أيضا.
(و) كذا (لو نفى أحدهما وسكت عن الآخر لحقاه) لأنه لما سكت
عن الآخر لحقه واستلزم لحوق الآخر.
(ولو ولدت الأول فنفاه باللعان ثم ولدت آخر لأقل من ستة أشهر
افتقر) انتفاؤه (إلى لعان آخر على إشكال): من الحكم بانتفاء الأول باللعان
وهو يستلزم انتفاء الثاني، مع أصل البراءة من اللعان ثانيا. ومن أصل اللحوق إلا
مع التصريح بالنفي واللعان، وعدم الاكتفاء بالالتزام، وهو خيرة المبسوط (2).
(وإن أقر بالثاني لحقه وورثه الأول) أيضا، لاستلزام لحوقه كما عرفت
(وهو لا يرث الأول) لإنكاره أولا.
(وهل يرث من الثاني؟ إشكال): من استلزام انتفائه من الأول انتفاءه من
الثاني، فكأنه أقر بأنه لا يرث منه كما أقر به من الأول. ومن أنه لا عبرة في نفي
النسب بالالتزام، وأصل اللحوق والتوارث.
(ولو كان بينهما) أي التوأمين (ستة أشهر فصاعدا فلكل حكم
نفسه) لإمكان تعدد الحمل بهما، فلا يستلزم لحوق أحدهما لحوق الآخر ولا نفيه
نفيه (فإن لاعن الأول) بعد وضعه (واستلحق الثاني، أو ترك نفيه لحقه وإن



(1) المبسوط: ج 5 ص 226 - 227.
(2) المبسوط: ج 5 ص 209.
335
كانت قد بانت) منه (باللعان، لإمكان وطئه بعد وضع الأول) قبل اللعان.
(ولو لاعنها قبل وضع الأول فأتت بآخر بعد ستة أشهر لم يلحقه
الثاني، لأنها بانت باللعان وانقضت عدتها بوضع الأول) فلا يمكنه وطؤها
بالنكاح بعده، وذكر انقضاء العدة لتأكيد الحجة، وإلا فليست هذه العدة إلا كعدة
الطلاق البائن.
(ولو مات أحد التوأمين) قبل اللعان لنفيهما (فله أن يلاعن لنفيهما).
وللعامة قول بأنه لا لعان لنفي نسب الميت، وأنه إذا لم يصح نفيه لم يصح نفي الحي
إذا كانا من حمل واحد (1).
(والقذف قد يجب) وذلك (بأن يرى امرأته قد زنت في طهر
لم يطأها فيه فإنه يلزمه) مروءة حذرا من اختلاط الماءين (اعتزالها حتى
تنقضي العدة) أي مدة الحمل بالوضع، أو مضي أقصاها (فإن أتت بولد لستة
أشهر من حين الزنى ولأكثر من أقصى مدة الحمل من وطئه لزمه نفيه
للتخلص من الإلحاق المستلزم للتوارث والنظر إلى بناته وأخواته)
ويلزمه إذا رأى منها الزنى أن يقذفها بالزنى مبادرة إلى نفي من يحتمل ولادتها له،
إذ ربما لم يتمكن من اللعان إذا ولدت فيلحق به الولد.
(ولو أقرت بالزنى وظن صدقها فالأقرب أنه لا يجب القذف) وإن
أقرت أربعا، للأصل وانتفاء العلم، لعدم المشاهدة، ولأن اللعان إما يمين أو شهادة،
ولا يتعلقان إلا بمعلوم. ويحتمل الوجوب، لحصول العلم الشرعي للإقرار، فيجب
القذف، لقطع امتزاج الماءين.
(ولا يحل له القذف بدون الرؤية وإن شاع أن فلانا زنى بها) ووجد
عندها مجردين. خلافا للعامة فلهم قول بالحل إذا غلب الظن ولو بإخبار ثقة
يسكن إلى قوله (2).
(وإذا عرف انتفاء الحمل) منه (لاختلال بعض شرائط الإلحاق) به



(1) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 41.
(2) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 42.
336
(وجب الإنكار) وإن لم يرها تزني ولا قذفها بالزنى للتخلص من الإلحاق
المستلزم للتوارث والنظر إلى بناته وأخواته كما عرفت. ويمكن فهم وجوب النفي
من قوله (صلى الله عليه وآله): أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء
ولن يدخلها جنته (1).
وحكي قول بعدم الوجوب، للأصل، واشتمال الاقتحام في اللعان من المشقة
ما لا يتحملها أولوا المروءات.
(ولا يحل الإنكار للشبهة ولا للظن) كما لا يحل القذف لذلك
(ولا لمخالفة صفات الولد صفات الواطئ) فعن الباقر (عليه السلام): إن رجلا من
الأنصار أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: هذه ابنة عمي وامرأتي لا أعلم بها إلا خيرا وقد
أتتني بولد شديد السواد منتشر المنخرين جعد قطط أفطس الأنف لا أعرف شبهه
في أخوالي ولا في أجدادي، فقال (صلى الله عليه وآله) لامرأته: ما تقولين؟ قالت: لا، والذي
بعثك بالحق نبيا ما أقعدت مقعده مني منذ ملكني أحدا غيره، قال: فنكس
رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأسه مليا ثم رفع بصره إلى السماء ثم أقبل على الرجل فقال: يا
هذا، إنه ليس من أحد إلا أن بينه وبين آدم تسعة وتسعين عرقا تضرب في النسب،
فإذا وقعت النطفة اضطربت تلك العروق تسأل الله الشبه بها فهذا من تلك العروق
التي لم يدركها أجدادك، خذي إليك ابنك، فقالت المرأة فرجت عني يا
رسول الله (2).
وروي أيضا: أن رجلا أتاه (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله ان امرأتي أتت بولد
أسود، فقال: هل لك من إبل؟ فقال: نعم، فقال: ما ألوانها؟ قال: حمر، فقال: فهل
فيها من أورق؟ فقال نعم، فقال: أنى ذلك، فقال: لعل أن يكون عرقا نزع، قال:
فكذلك هذا لعل أن يكون عرقا نزع (3). وللعامة (4) قول بجواز النفي للمخالفة
في الصفات.



(1) سنن البيهقي: ج 7 ص 403.
(2) الكافي: ج 5 ص 561 ح 23.
(3) سنن ابن ماجة: ج 1 ص 645 ح 2002.
(4) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 58.
337
(ولو شاهد زناها) وهي (في حباله جاز له اللعان وإن لم يكن له
ولد) يريد نفيه (للتشفي) لعموم النصوص (1) خلافا للصدوق (2) كما عرفت مع
مستنده والجواب عنه.
(ولو غاب عن زوجته سنين فبلغها وفاته فاعتدت وتزوجت) من
دون أن يضرب الحاكم لها أربع سنين ثم تعتد بعد انقضائها (وأولدها الثاني ثم
قدم الأول فسخ النكاح) أي ظهر انفساخه وفساده (وردت إليه والأولاد
للثاني) إن جهل الحكم أو الحال (لا للأول) وإن كانت في الحقيقة فراشا له،
لعدم الإمكان، خلافا لمن تقدم ذكره من العامة.
هذا آخر الكلام في كتاب الفراق من كشف اللثام عن قواعد الأحكام.
* * *



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 586 و589 ب 1 من أبواب اللعان ح 1 و9.
(2) المقنع: ص 355، الهداية: ص 275.
338
كتاب العتق

339
بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب العتق)
(وفيه مقاصد) أربعة:
المقصد (الأول: العتق)
وأصله الكرم، وفي الشرع أو عرفه زوال الرقية عن رقبة الانسان بالفعل أو
بالقوة، ليدخل الحمل، وقد يعتبر نية التقرب.
(وفيه فصول) ثلاثة:
(الأول في أركانه)
مقدمة (العتق) مشروع و (فيه فضل كثير وثواب جزيل) باجماع أهل
الإسلام والنصوص، فقد قال الله تعالى: " فلا اقتحم العقبة * وما أدريك ما العقبة *
فك رقبة " (1) الآية.
(وروي) من طريقي الخاصة (2) والعامة (3) (أن من أعتق مؤمنا أعتق
الله له بكل عضو عضوا له من النار) حتى الفرج بالفرج. وفي بعض الأخبار:



(1) البلد: 11 - 13.
(2) دعائم الاسلام: ج 2 ص 301 ح 1130.
(3) صحيح مسلم: ج 2 ص 1147 ح 22 و23.
341
أنه يعتق بعوضين من الأنثى عضوا له من النار (1). وروي: أن من أعتق رقبة مؤمنة
كانت فداه من النار (2). وروي: أربع من أراد الله بواحدة منهن وجبت له الجنة: من
سقى هامة صادية (3) أو أطعم كبدا جائعة، أو كسا جلدا عاريا، أو أعتق رقبة
مؤمنة، إلى غير ذلك من الأخبار.
(وأركانه ثلاثة):
(الأول: المحل)
(وهو كل) إنسان (مملوك) للمعتق (مسلم لم يتعلق به حق لازم)
من جناية أو حق غريم (فلا ينعقد عتق غير المملوك) إلا بسراية (وإن)
كان مملوكا لغيره و (أجازه المالك) من غير خلاف يظهر منا؛ للأصل. ولقول
الصادق (عليه السلام) في خبر ابن مسكان: من أعتق ما لا يملك فلا يجوز (4).
ولبعض العامة قول بالوقوع من المعتق الموسر، وأنه يقوم عليه.
(ولو قال: إن ملكتك فأنت حر لم يكن شيئا، ولا ينعتق مع ملكه)
عندنا؛ للإجماع، والتعليق، وانتفاء الملك.
وروي في بعض الكتب عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يقول: إن اشتريت غلاما
فهو حر لوجه الله، وإن اشتريت هذا الثوب فهو صدقة لوجه الله، وإن تزوجت فلانة
فهي طالق، قال: ليس ذلك كله بشيء، إنما يطلق ويعتق ويتصدق بما يملك (5).
وللعامة قول بالانعتاق.
(نعم لو جعله نذرا) كأن يقول: لله على إن ملكتك أن أعتقك (وجب
عليه) إيقاع (عتقه عند ملكه) ولا ينعتق بالملك. وكذا لو قال: " لله على أنك
حر إذا ملكتك " لم ينعتق بالملك، بل وجب عليه الاعتاق إذا ملكه؛ للأصل،



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 5 - 6 ب 3 استحباب اختيار عتق... ح 1.
(2) كنز العمال: ج 10 ص 315 ح 29572.
(3) في ط: الظامئة.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 7 ب 5 أنه لا يصلح العتق... ح 4.
(5) دعائم الإسلام: ج 2 ص 304 ح 1143.
342
ولأنه ليس من الإيقاع في شيء، ولأن النذر إنما يتعلق بفعله.
وقيل: لأنه لابد من تحقق الملك قبل العتق، إذ لا عتق إلا في ملك. ولو انعتق
بالملك اقترنا فلم يقع في الملك.
ورد بجواز كونه كتملك من ينعتق عليه، ولذلك احتمل أن ينعتق بالملك بلا
إعتاق كما اختاره ابن حمزة.
(ويختص الرق (1) بأهل الحرب) من الكفار وهم الذين يقاتلون حتى
يسلموا، ولا يقبل منهم جزية.
وقوله: (خاصة) بمعنى أن لهم مزيد اختصاص بالاسترقاق (وبأهل
الذمة، وهم اليهود والنصارى والمجوس إذا أخلوا بشرائط الذمة) فإنهم
يلتحقون حينئذ بأهل الحرب. ولا يسترقون إلا بالشرائط المتقدمة في الجهاد
(ثم) إذا استرقوا (يسري الرق في أعقابهم) المتجددين بعد الاسترقاق
(وإن أسلموا) ما لم يتحرروا فتسري الحرية في الأعقاب المتأخرة إلا إذا كان
أحد الأبوين حرا فتغلب الحرية، إلا مع شرط الرق كما تقدم في النكاح.
(ولا فرق) في جواز الاسترقاق (بين سبي المؤمنين) وغيرهم من
فرق الإسلام (والكفار) وإن اختص الرقيق بالإمام أو كانت فيه حصة فقد
رخصوا ذلك للشيعة في زمن الغيبة، وغير المؤمن يملك بالسبي في الظاهر، فيصح
الشراء منه، ويقوى التملك بالاستيلاء على سبيه بغير عوض.
(ويجوز شراء ولد الحربي وبنته وزوجته وأمه وغيرهم) من أقربائه
وغيرهم (منه، إذ هم فيء في الحقيقة) للمسلمين، يجوز لهم الاستنقاذ بأي
وجه أمكنهم، فهو استنقاذ في الحقيقة، وقد مضى في المتاجر التردد في لحوق
أحكام البيع به.
(وكل من جهلت حريته إذا أقر بالرق حكم عليه به مع بلوغه
ورشده) للأخذ بالإقرار. وقول علي (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: الناس كلهم



(1) في القواعد: الملك.
343
أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية وهو مدرك من عبد أو أمة، ومن شهد عليه
بالرق صغيرا كان أو كبيرا. (1) فلا يلتفت إلى إنكاره بعد ولو أقام بينة على الحرية
لتكذيبه البينة، إلا أن يظهر تأويلا لإقراره بأن يقول: إني لم أكن أعلم تولدي بعد
عتق أبوي فلذا أقررت بالرق ثم ظهر لي ذلك بالبينة أو الشياع. ولو عين مولاه
فأنكر رقيته له رجع حرا، واحتمل الرقية المجهولة المالك.
وفي اعتبار الرشد خلاف، من عموم الخبر وأخذ العاقل بإقراره مع أنه ليس
من الإقرار بالمال، إذ لا مالية إلا بالأخذ بإقراره. ومن أنه إذا سمع إقراره حكم
بكونه مالا قبل الإقرار فهو إقرار بالمال، ولاستلزامه الإقرار بخروج ما بيده فعلا
أو قوة عن ملكه.
(وكذا) يحكم برق (الملتقط في دار الحرب إذا لم يكن فيها مسلم)
يمكن تولده منه بمعنى جواز استرقاقه، لأنه في حكم ذراريهم، فلا يكون رقيقا ما
لم يسترق.
(ولا يصح عتق الكافر مطلقا) وفاقا للأكثر، وحكى عليه الإجماع في
الانتصار؛ للأصل، ويعارضه أصل عدم الاشتراط وغلبة الحرية وللنهي عن إنفاق
الخبيث، وفيه أنه غير مفهوم من الإنفاق مع اختصاصه بالواجب، وكون الخبيث
بمعنى الرديء من جهة المالية، وربما لم يكن الكافر كذلك. ولقوله (عليه السلام): " لا عتق
إلا ما أريد به وجه الله " (2) وفيه أنه ربما تسبب ذلك لإسلامه ولو في ظن المعتق،
كما روي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أعتق عبدا نصرانيا فأسلم (3) أو أراد به وجه الله
لكونه إنسانا وعبدا من عبيد الله، أو كان المعتق كافرا مقرا بالله. ولخبر سيف بن
عميرة سأل الصادق (عليه السلام) أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال: لا (4).



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 33 ب 29 أن الأصل في الناس... ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 6 ب 4 اشتراط صحة العتق... ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 19 ب 17 جواز عتق المستضعف... ح 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 20 ب 17 جواز عتق المستضعف... ح 5.
344
وهو أخص من المدعى. ولأنه يتسلط بالحرية على أهل الدين ويقوى على
معاصي الله، وضعفه ظاهر (وقيل) في النهاية والاستبصار والنافع (يجوز مع
النذر) جمعا بين الخبرين، وقد يحمل على أنه نذر إعتاقه وهو لا يعلم أنه كافر
(وقيل) في الخلاف والمبسوط والجامع: يجوز (مطلقا) لانتفاء الدليل على
البطلان، وعموم أدلة الإعتاق، وما سمعته من فعل علي (عليه السلام) (1) وإرشاد قوله تعالى:
" فتحرير رقبة مؤمنة " (2) إليه.
(ويصح عتق ولد الزنا) صغيرا أو كبيرا (إذا كان مسلما) ظاهرا (على
رأي) وفاقا للأكثر؛ للأصل، والحكم بإسلامه ظاهرا، وقول الصادق (عليه السلام) في خبر
سعيد بن يسار: لا بأس بأن يعتق ولد الزنا (3).
وخلافا لابن إدريس بناء على كفره، وادعى الإجماع عليه، وربما أيد
بقوله (عليه السلام): ولد الزنا لا ينجب (4) وقول الصادق (عليه السلام): من ولد للزنا لا يدخل
الجنة (5). والإجماع ممنوع، ولو سلم ففي الباطن. والخبران ليسا من الدلالة في
شيء، ولو سلم سندهما فلانتفاء الموافاة.
(و) يصح عتق (المخالف) وإن كره، لقول الصادق (عليه السلام): ما أغنى الله عن
عتق أحدكم تعتقون اليوم ويكون علينا غدا، لا يجوز لكم أن تعتقوا إلا عارفا (6)
(دون الناصب) لكفره.
(وهل يصح عتق الجاني؟ الأقرب ذلك إن كانت) الجناية (خطأ
وأدى) المولى (المال أو ضمنه مع رضاه) أي المستحق وهو المجني عليه



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 33 ب 29 أن الأصل في الناس... ح 1.
(2) النساء: 92.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 19 ب 16 جواز عتق ولد.... ح 1.
(4) راجع الطرائف لابن طاووس: ص 469.
(5) عوالي اللآلي ج 3 ص 534، وفيه: عن الرسول (صلى الله عليه وآله).
(6) وسائل الشيعة: ج 16 ص 20 ب 17 جواز عتق المستضعف.... ح 3.
345
أو وارثه بضمانه، فإن المانع إنما هو تعلق الحق برقبته وقد انتفى بأحد الأمرين،
وإن أعتق قبل تحقق واحد منهما احتملت الصحة مراعى، فإن أدى أو ضمن برضا
المستحق انكشفت الصحة، وإلا البطلان، والعبارة تحتمله. والأقوى البطلان؛ لتعلق
حق الغير بالرقبة، ولأن الصيغة لا تؤثر حين الإيقاع، فبعده أولى. نعم إن لم
تستوعب الجناية الرقبة كان المعتق أحد الشريكين (وإلا) يجتمع ما ذكر بأن
كانت الجناية عمدا أو خطأ ولم يؤد ولم يضمن ولم يرض المستحق (فلا) يصح
العتق؛ لتعين الحق في الرقبة.
وفي المبسوط: يصح في العمد، لأنه لا يمتنع القود.
وللمستحق أحد الامور: إما البيع والاسترقاق أو القود، فإذا أعتق بقي له القود
دون الخطأ؛ لتعلق الحق بالرقبة مع انتفاء القود.
وأطلق في النهاية صحته في الخطأ وضمان المولى دية المقتول، لأنه عاقلته.
(ولا يشترط التعيين على رأي) وفاقا للمشهور، وفي الكنز أنه لم يظهر
خلافه؛ للأصل، وتغليب الحرية، ووقوع العتق مبهما في الشرع فيما إذا أعتق
مماليكه كلهم في مرضه ولم يخرجوا من الثلث ولم يجز الورثة فإنه يخرج قدر
الثلث بالقرعة. وقد احتمل الاشتراط لكونه معينا، فلا بد له من محل معين،
وللاستصحاب.
وعلى المختار (فلو قال: " أحد عبيدي حر " صح وعين من شاء)
منهم من غير قرعة فإنه لما تعين في نفسه وأبهم عندنا. وقيل بالإقراع واحتمله
في التحرير.
(و) إذا عين أحدهم (لا يجوز العدول) عنه إلى غيره، فإن عدل لغا ولم
يؤاخذ بعتقهما، لأنه ليس إعتاقا ولا إقرارا، ولم يبق لما أوقعه من العتق محل بعد
تعيين الأول.
(والأقرب وجوب الإنفاق على الجميع والمنع من استخدام أحدهم
أو بيعه قبله) أي التعيين، فالإنفاق لعدم العلم بالمسقط، ولمنعه كلا منهم منافعه

346
بترك التعيين، وضعف دلالة ترك الإنفاق على أحدهم على التعيين. ويحتمل العدم،
بناء على العلم بالسقوط في حق أحدهم وان لم يتعين، وقد يبنى الوجهان على
احتمالي وقوع الانعتاق بالتعيين، ووقوعه بالصيغة وكشف التعيين.
والمنع من الاستخدام أو البيع؛ لاحتمال كل منهم الحرية. فيجب الاجتناب
عن الكل من باب المقدمة، مع ضعف دلالة الاستخدام على التعيين للرقية.
ويحتمل الجواز؛ للاستصحاب، وبناء على تأخر الحرية عن التعيين. ويقوى في
البيع لقوة دلالته على اختيار الرقية.
[واحتمل في التحرير بعيدا أن يكون الاستخدام تعيينا، محتملا أيضا كون
وطء الجارية تعيينا وكذا اللمس والنظر بشهوة] (1).
(ولو مات ولم يعين عين الوارث) من غير قرعة؛ لانتقال الملك إليه مع
عدم التعين في نفسه.
(وقيل) في المبسوط والشرائع واستقرب في التحرير: إنه (يقرع) وهو
هنا محتمل وإن لم يقل به إذا كان حيا؛ لاحتمال الوارث أن يكون المورث عين
في نفسه أحدهم وإن لم ينطق به.
(ولو عين ثم اشتبه) عليه (أخر) التعيين (حتى يذكر) ولم يكن له
تعيين من شاء بقرعة أو لا بها (ويعمل بقوله) متى عين بعد الاشتباه.
(فإن ادعى بعض المماليك أنه المقصود دون من عينه فالقول قول
المالك مع اليمين) إن لم يكن للمملوك بينة فإنه فعله، فإن نكل وحلف المملوك
أعتق (ولو) عين بعد الاشتباه ثم (عدل عن المعين لم يقبل) العدول (في
المنسي به) وهو الأول على ما ادعاه ثانيا، ولا يوجد في بعض النسخ (2)
(وحكم بعتقهما) للأخذ بالإقرار.
(وإن لم يذكر لم يقرع) وإن طالت المدة (إلا بعد موته لرجاء تذكره)



(1) ما بين المعقوفين زيادة من ق ون.
(2) أي أن كلمة " به " غير موجودة في بعض النسخ.
347
فإن مات ولم يعين عين الوارث بالقرعة؛ لتعينه في نفسه، وإبهامه عندنا مع اليأس
عن التذكر (إلا أن يدعي الوارث العلم) بالعين (فيعمل بقوله مع اليمين
لو نازعه غيره) ولا بينة، لأن الأصل معه وانتقال الملك إليه (فإن نكل قضي
عليه).
(ولو صدق أحد الوارثين أحد المدعيين للتعيين والآخر الآخر حكم
بعتق حصة كل منهما فيمن صدقه) أخذا بإقراره في حقه دون حق الغير.
وعن الصادق (عليه السلام): إذا شهد بعض الورثة أن الموروث أعتق عبدا من عبيده
لم يضمن الشاهد وجازت شهادته في نصيبه (1).
(الركن الثاني: المعتق)
(وشرطه البلوغ والعقل والاختيار والقصد ونية التقرب) به (إلى الله
سبحانه وتعالى وجواز التصرف) بفك الرقية (فلا ينفذ عتق الصبي وإن بلغ
عشرا على رأي) وفاقا للأكثر، وهو قضية أصول المذهب.
وخلافا للنهاية والجامع استنادا إلى خبر زرارة عن الباقر (عليه السلام): إنه إذا أتى
على الغلام عشر سنين فإن له من ماله ما أعتق وتصدق على وجه المعروف (2).
وهو ضعيف مرسل. وفي النافع أن به رواية حسنة.
(ولا) ينفذ (عتق المجنون المطبق ولا غيره إلا وقت إفاقته) فإن
ادعى الإيقاع في الجنون قبل إن عرف له حال جنون.
(ولا عتق المكره) وقد مر بيانه في الطلاق (ولا الغافل ولا الساهي
والنائم والسكران والمغمى عليه) والهازل، فإنما الأعمال بالنيات، ولا إيقاع
بلا قصد. وسئل الباقر (عليه السلام) عن عتق المكره، فقال: ليس عتقه بعتق (3). والصادق (عليه السلام)
عن طلاق السكران وعتقه، فقال: لا يجوز (4). وعنهما (عليهما السلام) إن المدله ليس عتقه



(1) دعائم الإسلام: ج 2 ص 308 ح 1158.
(2) وسائل الشيعة ج 16 ص 57 ب 56 حكم عتق الصبي.... ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 24 ب 19 انه يشترط في العتق... ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 328 ب 34 من أبواب مقدماته ح 5.
348
بعتق (1) إلى غير ذلك من الأخبار.
(ولا عتق الكافر على رأي) وفاقا للمحقق وابن إدريس، لأنه ملزوم
للولاء، والكافر ليس أهلا له، لأنه سبيل، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين
سبيلا، والمؤمنون بعضهم أولياء بعض (لتعذر نية التقرب منه) لأنه لا يعرف الله
سبحانه، ولا يترتب على نيته ثواب، ولذا لا يصح عباداته، مع أنه لا عتق إلا ما
أريد به وجه الله.
وخلافا للخلاف والمبسوط تغليبا للحرية. ولأنه فك ملك، وملك الكافر
أضعف. ولأنه يجوز وقفه وصدقته تغليبا للمالية على العبادة، فهنا أولى. مع منع أنه
ليس أهلا للولاء مطلقا، وإنما ينتفي عنه الإرث وعليه العقل كما في النسب. وكون
المؤمنين بعضهم أولياء بعض لا ينفي الولاية عمن عداهم، على أن المراد الولاية
الدينية وهي منتفية. ومنع اعتبار ترتب الثواب في نية القربة. وأنه لا يعرفه سبحانه،
إذ يكفي في التقرب إليه أدنى معرفة يشترك فيها أرباب الملل والنحل، إلا أن
يكون نافيا للصانع جملة، ولذا فصل في المختلف بالفساد من النافي للصانع
والصحة من غيره، ولعل من أجمل نظر إلى ندرة النافي أو انتفائه.
وقد يرشد إلى النفوذ قوله تعالى: " فك رقبة * أو إطعام في يوم ذي مسغبة *
يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة * ثم كان من الذين آمنوا " (2).
وليس لقائل أن يقول: إنه (إن كان مرتدا) أمكنت منه نية القربة، لإنه كان
عرفه سبحانه حين الإسلام، لأنه الآن جاحد.
(ولا عتق المحجور عليه لسفه أو فلس) كسائر تصرفاتهما في
أموالهما، ولبعض العامة قول بنفوذ عتقهما. والظاهر صحته من السفيه بإذن الولي
إذا كان أصلح له.
(ولا) عتق (غير المالك ملكا تاما كالموقوف عليه والراهن) إلا إذا



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 25 ب 20 اشتراط العتق... ح 1 وفيه: ليس عتقه عتقا.
(2) البلد: 13 - 17.
349
أجاز المرتهن ولو بعد الإعتاق، وأجاز بعض العامة إعتاق الراهن مطلقا.
(والمريض المستلزم نفوذ عتقه في جزء ما) من مملوكه وإن قل
(التصرف في أكثر من الثلث) للتركة على القول بأنه لا تنفذ منجزاته إلا في
الثلث، كأن لم يكن له إلا عبد قيمته ثلاثون وكان العبد إذا أعتق منه شيء رجعت
قيمته إلى عشرة، فان أعتقه استلزم نفوذ عتقه أن لا يبقى للورثة إلا ستة وثلثان هي
ثلثا قيمته بعد العتق، فيفسد (على إشكال).
(ينشأ من أنه) أي الإعتاق المقتضي لذلك (كالإتلاف ونقص السوق)
فلا يبطل تصرفه في الثلث، كما أنه إذا لم يكن له إلا ثلاثة مماليك فأوصى بعتقهم
أو عتق ثلثهم ثم قتل أحدهم فإنه تنفذ وصيته في ثلث الباقين، وكما إذا نقصت
القيمة للسوق من غير مدخلية لتصرفه (و) لأن من المعلوم (ثبوت مال له)
في هذا العبد مع عموم قوله (عليه السلام): المريض محجور عليه إلا في ثلث ماله (1).
(فلا يبطل تصرفه في ثلثه) وإن أدى إلى النقص في ثلثي الورثة.
(ومن وجود المقتضي) للبطلان (2) (لبطلان العتق فيما زاد على الثلث
فيه) (3) ونفوذ هذا العتق مستلزم لتفويت الزائد على الثلث على الورثة، فكأنه
أعتق ما زاد على الثلث وهو باطل، وبطلان اللازم يستلزم بطلان الملزوم (4).
والمحصل أن هذا النقص من تصرف المريض أو من إتلافه، فيبطل على الأول
دون الثاني.
(فلو كانت قيمته ثلاثين ورجع بالتشقيص كل جزء إلى ثلث قيمته)
حتى رجعت قيمة الكل إلى عشرة (ثم كسب) العبد (ثلاثين قبل الموت)



(1) وسائل الشيعة: ج 13 ص 144 ب 3 من كتاب الحجر.
(2) ليس في ن.
(3) في ن " أي الثلث أو هذا العبد وهو التصرف في أكثر من الثلث، لأن النفوذ ".
(4) في ن: " أو يعني من وجود المقضي للبطلان، لأن العتق فيما زاد على الثلث في العبد باطل
لكونه تصرفا فيما زاد على الثلث، وهذا العتق أيضا تصرف في الزائد على الثلث ".
350
أي موت المولى صح العتق قطعا في شيء منه؛ لاندفاع المقتضي للفساد، لأنه زاد
المال حتى لم يلزم تفويت أكثر من الثلث على الورثة، ولا يتفاوت الحال في ذلك
بين كسب العبد وغيره، لكنه لا إشكال إلا فيما إذا كسب وكان المكسب له، فإن له
من كسبه بقدر ما تحرر منه، فتصير المسألة من دوريات الجبر والمقابلة، إذ ليس له
من كسبه إلا ما بإزاء ما تحرر منه، ولا يعلم ما تحرر منه إلا إذا علم مقدار ما يبقى
للورثة، ولا يعلم إلا إذا علم ما بقي (1) لهم من الكسب (2) ولا يعلم إلا إذا علم ما
للعبد منه، ولا يعلم إلا إذا علم ما تحرر منه. وأيضا حصول الكسب يزيد التركة،
وهو يوجب حصول العتق واستحقاق مقابله من الكسب، وهو يستلزم نقص التركة
المستلزم لنقصهما المستلزم لزيادتهما المستلزم لنقصها المستلزم لنقصهما وهكذا
لا إلى نهاية، فلابد من معرفة ما تحرر منه وما بإزائه من الكسب بالجبر والمقابلة.
(فعلى الثاني) وهو البطلان لولا الكسب (يصح العتق في شيء)
لوجود المقتضي وارتفاع المانع (وله من كسبه ثلاثة أشياء وللورثة ستة
أشياء) ضعف الثلاثة، وإنما كان له ثلاثة أشياء (لأن المعتق منه في تقدير
ثلاثة أشياء من قيمته الأولى) لأنه أعتق وقيمته ثلاثون فنقص إلى عشرة،
واعتبرت القيمة الأولى التي هي ثلاثة أمثال الثانية في قدر ما تحرر منه (لأن
العبد يحسب عليه نقصان الجزء لأنه) أي النقصان إنما طرأ (لمنفعته
فكان) ما نقص (كالواصل إليه) فلم ينقص مما أعتق منه شيء.
(و) إنما كان للورثة من الكسب ستة أشياء، لأنه (لا يحسب على الورثة
نقصان جزئهم) أي الجزء الذي يبقى لهم من العبد (لعدم وصوله) أي ما نقص
(إليهم) فلهم من العبد والكسب ضعف الجزء المنعتق الآن، وهو شيء مع ما
نقص وهو شيئان، فيكون ستة أشياء، وثلاثة منه ليست من التركة.
(فالعبد وكسبه في تقدير عشرة أشياء) ستة للورثة والباقي للعبد



(1) في ق ون: " يبقى ".
(2) في ق ون: " المكسب ".
351
(فالشئ) المعتق من العبد (أربعة) (1) من عشرة وهي خمسا قيمته الآن وله
من كسبه اثنا عشر خمسا كسبه، ولهم من العبد ستة من عشرة هي ثلاثة أخماس
قيمته، ومن الكسب ثمانية عشر ثلاثة أخماسه [وفيه أن المورث كما فوت عليهم
الشقص من العبد الذي قيمته اثنا عشر فوت عليهم اثنا عشر اخرى بالنقص،
فينبغي أن يكون لهم من التركة ضعف أربعة وعشرين، وإنما يتم بأخذهم ما للعبد
من الكسب، ولا يبعد أن يريده وإن لم يصرح به، وأما الاجتزاء به عن النقص
بمالهم من الكسب فلا يصح، لأن التركة في الحقيقة على هذا ثمانية وأربعون، ثلاثون
منها العبد وثمانية عشر كسبه، لخروج اثنا عشر من الكسب عن التركة، وليس
للمورث التصرف في أزيد من الثلث ليبقى للورثة الثلثان وهي اثنان وثلاثون] (2)
هذا إذا فرض الناقص من قيمة ما تحرر موجود واتبع مقابلة من الكسب.
(ويحتمل أن) لا يعتبر من الكسب في مقابلة الناقص لانتفائه حقيقة
وحينئذ (يقال: عتق منه شيء وله من كسبه شيء) بإزاء ما عتق منه
(وللورثة ستة أشياء) إذ لا يحسب عليهم النقص (فالعبد وكسبه في تقدير
ثمانية أشياء، فالشئ) المعتق منه (خمسة) خارجة من قسمة الأربعين على
الثمانية، فالمعتق خمسة من عشرة وهو النصف [ولهم من الكسب خمسة] (3)
(لأنه يؤخذ من حصته من الكسب) لولا النقص، وهي ثلاثة أمثال الخمسة
(ما فوت على الورثة من نصيبهم بالتشقيص، وهو شيئان) وهما هنا
عشرة (وينبغي أن يكون للورثة من نفسه).
(وضمان التفويت وكسبه) جملة (مثلا ما انعتق) لولا النقص أي
الثلاثون (خاصة) أي لا يجمع بين مثلي ذلك ومثلي ما للعبد من الكسب، فإنهم
يعطون من الكسب ما فوت عليهم (وهو كذلك هنا، لأنه قد انعتق منه
خمسة، وهي في تقدير خمسة عشر) التي هي نصفه لولا النقص (وفوت



(1) في ن: " فالشئ أربعة، فإن العبد وكسبه أربعون، فالمعتق من العبد أربعة ".
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من ن.
(3) ما بين المعقوفين زيادة من ن.
352
عليهم عشرة من نصيبهم من رقبته، فحصل لهم خمسة من نفسه وخمسة
عشر من كسبه) بإزاء ما بقي لهم من الرقبة بتقدير عدم النقصان (وعشرة)
بدلا (مما فوت) وللعبد من الأربعين عشرة، خمسة من نفسه وخمسة من
كسبه، وللورثة ثلاثون خمسة من العبد والباقي من كسبه.
(ويحتمل ضعيفا أن يجبر جميع النقص) من قيمته (من كسبه، لأنه)
أي النقص (بتفويته وبعضه) لا كله (عبد) فيضمن ما فوته من ماله الذي
اكتسبه (والناقص عشرون فيجبرها من كسبه، فيصير الكسب بتقدير
عشرة هي ثلث القيمة، فنقول: عتق منه شيء وله من كسبه ثلث شيء)
لأن المتخلف منه بعد جبر النقص ثلث القيمة (وللورثة شيئان) مثلا ما عتق منه
(فالعبد والكسب في تقدير ثلاثة أشياء وثلث) بجعل الكل من جنس الثلث
يصير عشرة، للورثة شيئان هما ستة من عشرة، وله شيء وثلث وهما أربعة، ثم
الأربعة إذا بسطت من جنس الثلث (فالشئ) الذي للعبد (اثنا عشر) لأنها
الخارجة من قسمة الأربعين على ثلاثة وثلث، ويعتق من العبد اثنا عشر وقد كانت
قيمته عشرة (فينعتق كله ويأخذ دينارين تتمة الشيء الذي له من نفسه)
من كسبه (وله من كسبه ثلث شيء) هو ثلث الاثني عشر (أربعة) فله من
الأربعين ستة عشر (فيبقى للورثة أربعة وعشرون، وهي ضعف ما انعتق
وتتمته) إذا كان المنعتق عشرة وتتمته اثنين وضعفه، لأنه لم يعهد نفوذ العتق في
الرقبة وشئ من المال، ولأنه لو انعتق كله كان له الكسب كله؛ لسبق العتق على
الكسب، ولعدم اندفاع التصرف في أكثر من الثلث.
(وعلى الأول) وهو صحة العتق لولا الكسب (يحتمل أن يجبر من
كسبه ما فوته بالعتق) لأنا إنما لم نجبره عند عدم الكسب للضرورة (فيجئ
ما سبق من الاحتمالات).
(و) يحتمل (عدمه) أي الجبر، وهو الأقوى، لأنا جعلنا الناقص كالتالف،
والنقص للسوق فلا جهة لجبره من الكسب (فيكون بمنزلة عبد) لم يكن قيمته

353
إلا عشرة و (كسب ثلاثة أمثال قيمته) فيكون التركة أربعين، وينفذ العتق
في تمام العبد؛ لكونه أقل من الثلث.
(ولو أجاز) العتق (بعض الورثة مضى في حقه) كالتالف (من
الأصل، وفي حق باقي الورثة من الثلث) فلو كان الوارث ولدين له عتق
نصفه وهو حصة المجيز، وثلث النصف الآخر وهو السدس (والنقصان) حينئذ
(كالتالف قطعا) في أنه لا يبطل به العتق؛ لإجازة بعض الورثة، وعدم تفرد
المريض في التسبب للنقصان، فيكون كعبد مشترك بينه وبين غيره فأعتق الشريك
فتسبب لنقصان قيمته (فيصح العتق وإن لم يكن) في التركة (سواه من الثلث
في حق غيره) أي غير المجيز.
(ولو كان) في التركة (كسب أوله مال غيره لم يجبر النقص) منه
لكونه كالتالف، ومثل ذلك إذا كان عتق أي جزء منه ينقص قيمته إلى عشرة فجمع
المولى بين إعتاقه والجناية عليه بما يؤدي إلى ذلك، فإنه يصح العتق أيضا،
ويكون النقص كالتالف، لأن الجناية سبب مستقل في النقص، ولم يضمن المولى
ما جنى، لأن تضمينه ينفي العتق، وهو يستلزم نفي الضمان.
(ويصح عتق مكاتبه ومدبره وام ولده) لأنهم أرقاء وإعتاقهم تعجيل
خير لهم.
وفي الحسن عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أيما رجل يترك سرية لها ولد أو في
بطنها ولد أو لا ولد لها فإن أعتقها ربها عتقت، وإن لم يعتقها حتى توفي فقد سبق
فيها كتاب الله (1) الخبر.
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم سأل الباقر (عليه السلام) عن رجل دبر مملوكا له ثم
احتاج إلى ثمنه، فقال: هو مملوكه إن شاء باعه وإن شاء أعتقه وإن شاء أمسكه
حتى يموت (2).



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 107 ب 6 أن ام الولد إذا كان... ح 1.
(2) وسائل الشيعة ج 16 ص 71 ب 1 جواز بيع المدبر وعتقه... ح 1.
354
(وليس لولي الطفل) أو المجنون (العتق عنه إلا مع المصلحة كما
في) المملوك (الكبير) كبرا يعجز معه عن الخدمة والكسب.
وبالجملة (العاجز) كبيرا أو غيره (مع عدم رغبة المشتري) فيه فإنه
يعتقه (تفصيا من النفقة) وكذا ولي السفيه إذا امتنع نفسه من الإعتاق فإن من
شأن أوليائهم التصرف في أموالهم على قضية مصالحهم.
(ولو أعتق مملوك ولده الصغير بعد التقويم) على نفسه وكان في ذلك
مصلحة الولد (صح) العتق (ولا يصح قبله) إلا مع المصلحة. واحتمل الشهيد
الصحة، ويكون ضامنا للقيمة كعتق البائع ذي الخيار (ولا مملوك الكبير)
الكامل (بعده) أو مع المصلحة؛ لانتفاء الولاية عنه. وعليه ينزل إطلاق الشيخ
في النهاية وخبر زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: أتى النبي (صلى الله عليه وآله) رجل
فقال: يا رسول الله إن أبي عمد إلى مملوك لي فأعتقه كهيئة المضرة لي، فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت ومالك هبة الله لأبيك، أنت سهم من كنانته يهب لمن يشاء
إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ويجعل من يشاء عقيما، جازت عتاقة أبيك يتناول
والدك من مالك وبدنك وليس لك أن تتناول من ماله ولا من بدنه شيئا إلا بإذنه (1).
والأولى بلفظ " الرجل " أن يحمل على الكبير الناقص أو استحباب إجازته
فعل أبيه، على أن الخبر ضعيف.
(ولو أعتق مملوكه عن غيره بإذنه وقع عن الآمر) عند الأكثر لأنه إنما
نواه عنه، وإنما الأعمال بالنيات. خلافا لابن إدريس فأوقعه عن المعتق إذ لا عتق
إلا في ملك، ولا ناقل هنا، إذ لم يقع إلا العتق، وهو زوال الملك لا انتقاله.
والجواب: إن إيقاع العتق عنه تضمن نقل الملك إليه، لصحيح بريد بن معاوية
سأل الباقر (عليه السلام) عن رجل كان عليه عتق رقبة فمات قبل أن يعتق فانطلق ابنه
فابتاع رجلا من كسبه فأعتقه عن أبيه وأن المعتق أصاب بعد ذلك مالا ثم مات
وتركه لمن يكون تركته؟ فقال: إن كانت الرقبة التي كانت على أبيه في ظهار



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 66 ب 67 حكم ما لو أعتق الوالد... ح 1.
355
أو نسك أو واجبة عليه فإن المعتق سائبة لا سبيل لأحد عليه، قال: وإن كانت
الرقبة على أبيه تطوعا وقد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة فإن ولاء المعتق
ميراث لجميع ولد الميت من الرجال، قال: وإن كان ابنه الذي اشترى الرقبة
فأعتقها عن أبيه من ماله بعد موت أبيه تطوعا منه من غير أن يكون أبوه أمره بذلك
فإن ولاءه وميراثه للذي اشتراه من ماله وأعتقه عن أبيه إذا كان لم يكن للمعتق
وارث من قرابته (1).
فإن ثبوت الولاء لورثة الأب إذا كان أمره دليل على الانتقال ووقوع العتق
عنه، ولا بعد في تملك الميت إذا أحدث في حياته سببا له، وهو الأمر، وإذا ثبت
الانتقال إلى الميت فالحي أولى.
ولو سلمنا عدم الانتقال إليه لم يضرنا، فإن ثبوت الولاء دل على العتق عنه،
وهو المطلوب. لكن يرد عليه أنه يجوز أن يراد أنه أمر ابنه بالإعتاق من تركته
وهو أوفق بالأصول وإن خالف الظاهر.
(وهل ينتقل إليه عند الأمر المقارن للفعل ليتحقق العتق في الملك؟
الأقرب ذلك، لأنه بأول جزء من الإيقاع ملكه إياه) لأن الأمر يتضمن طلب
التمليك، والشروع في امتثاله يتضمن القبول وهو التمليك (2) ولأنه لابد من تأخر
العتق عن الملك، وبتمام الصيغة يتم العتق، فلا بد من الانتقال قبله، ولا يكفي
الاستدعاء ما لم يقترن بالإجابة. ولا يرد عليه أنه يلزم إذا لم يكمل الصيغة أن
ينتقل ولا ينعتق، فإن الناقل إنما هو الأمر مع أول جزء من الصيغة، وإذا لم يكمل
الصيغة لم يكن المأتي به أول جزء منها، ولا يلزم من ذلك أن لا ينتقل ما لم يكمل
الصيغة، فإن إكمالها يكشف عن الانتقال عند أولها، فأولها (كالمضغ) في تمامية
الملك به، أي كما أن الضيف يملك الطعام بالمضغ الذي هو أول أجزاء الأكل فكذا
الآمر يملك هنا بأول أجزاء الصيغة.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 45 ب 40 أن المعتق إذا مات ح 2، وفيه: " في ظهار أو شكر
أو واجبة ".
(2) كذا، والظاهر: التملك.
356
وقد قيل هناك بالملك حين الأخذ وحين الازدراد وحين الوضع في الفم،
والأقوى أنه لا ضرورة فيه إلى الملك، لإباحة التناول.
وقيل: إن الانتقال هنا بتمام لفظ الإعتاق، فينتقل أولا ثم ينعتق ويتأخر
الانعتاق عن الإعتاق، كما إذا قال: " أعتقت عبدي عنك بكذا " فإنه لا ينعتق ما لم
يقبل. ودليله أن الانتقال لا يتم إلا بإجابة المستدعي، ولا يتم الإجابة إلا بتمام
الصيغة، ولما لم يمكن العتق إلا في ملك فلابد من تقدمه عليه آنا، لاستحالة
اتفاقهما للتناقض.
ويندفع بأن الإجابة هنا ضمنية ويكفي فيها الشروع في الصيغة.
وقيل: ينتقل بالأمر، والاعتاق كاشف عنه. وفيه أنه ليس الاستدعاء، ولا
دلالة له على النقل بوجه. وقيل: يحصل العتق والانتقال معا بتمام الصيغة. وفيه
جمع بين النقيضين (و) ليس لأحد أن يقول إذا انتقل الملك إلى الآمر لم يصح
العتق ولا إتلافه إلا بالاذن بعد التملك، لأنه (أتلفه نيابة عنه) أي بإذنه، ويكفي
الإذن قبل التملك معلقا كأن يقول: اشتر لي بمالي عبدا ثم أعتقه عني.
(فلو كان) المملوك (المعتق أبا للآمر صح عتقه في الكفارة على
إشكال) من أنه عتق صدر اختيارا بالصيغة المشروعة لا اضطرارا بالنسب. ومن
أنه لما ملكه انعتق قهرا لا بالصيغة، وإنما كشف تمام الصيغة عن تقدم الملك لكشفه
عن إجابة استدعائه، ولما تحقق الملك تحقق الانعتاق بعده بلا فصل، وقد قلنا: إنه
يملكه عند أول الصيغة فينعتق بعد ذلك قبل تمامها لا بتمامها، وهو الأقوى.
(الركن الثالث: اللفظ)
(ويعتبر فيه لفظان. التحرير والإعتاق) لكونهما صريحين، وقد نطقت
بهما النصوص (1). أما التحرير فلا يظهر فيه خلاف، وأما الإعتاق فيظهر المنع منه
من جماعة، وتردد فيه المحقق.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 8 ب 6 استحباب كتابة كتاب...
357
والأقوى الوقوع؛ للنصوص، كالأخبار الناطقة بالصحة: إذا قال السيد لأمته:
أعتقتك وتزوجتك وجعلت عتقك مهرك (1) (دون ما عداهما) بالاتفاق (من
صريح مثل فك الرقبة وإزالة قيد الملك).
وقد يقال: إنهما كنايتان (أو كناية مثل أنت سائبة) أي مرسل (أو لا
سبيل لي عليك أو لا سلطان) لي عليك (أو إذهب حيث شئت، أو خليتك،
أو لا رق لي عليك، أو لا ملك، أو أنت لله، أو لا ولاية لأحد عليك، أو لي
عليك، أو لست عبدي ولا مملوكي، أو يا سيدي أو يا مولاي) أو أنت
سيدي أو مولاي أو ابني وإن كان أكبر منه (أو قال لأمته) أو عبده (: أنت
طالق أو حرام، سواء نوى بذلك كله العتق أو لا) استصحابا واقتصارا على
اليقين، وأوقعته العامة بالكنايات مع النية.
(ولابد من الإتيان بصيغة الإنشاء) والإيقاع للعتق (مثل أنت حر
أو عتيق أو معتق) أو أعتقتك - كما يقتضيه ما مر - دون حررتك؛ للأصل وهذه
وإن كانت في الأصل إخبارا لكنها من الشيوع في إنشاء العتق بمكان (ولو قال:
يا حر أو يا معتق ففي التحرير إشكال، ينشأ من عدم القطع بكونه إنشاء)
للعتق. والأقوى أنه ليس بإنشاء له، وإنما هو إنشاء للنداء وإن جاز التجوز به عنه،
لكنه استعمال نادر يعد من الكنايات.
(ولو كان اسمها حرة) أو اسمه حرا (فقال: أنت حرة) أو أنت حر
(فإن قصد الإخبار بالاسم لم تعتق، وان قصد الانشاء للعتق صح) وربما
يعلم إذا لم يقف، فإن الاسم غير منصرف، بخلاف الصفة.
(ولو جهل) الأمر (رجع إلى) قوله في (نيته) للاشتراك، وعدم الوصلة
إلى امتياز المراد إلا قوله، ويقبل وإن خالف القانون، بأن نون وادعى قصد الإخبار
أو عكس.



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 509 ب 11 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
358
(فإن تعذر الاستعلام) بموته ونحوه (لم يحكم بالحرية) للأصل.
وقد احتملت، للظاهر.
(ولا يكفي الإشارة مع القدرة) على النطق (ولا) على (الكتابة) فإنه
بمنزلة العبادات اللفظية في أنه لابد من اللفظ ولا يكفي القصد، ولحسن زرارة
قال للباقر (عليه السلام): رجل كتب بطلاق امرأته أو عتق غلامه ثم بدا له فمحاه، قال: ليس
ذلك بطلاق ولا عتاق حتى يتكلم به (1).
(و) كذا (لا) يكفي (النطق بغير العربية معها) أي مع القدرة عليها؛
للأصل مع تعلق غرض الشارع باللفظ كما عرفت، وعدم تلقي غير العربية منه.
وأما مع العجز فيقع بأية لغة كان، لأنها لا تقصر عن الإشارة، وللضرورة.
(ولا يقع إلا منجزا) بالإجماع كما في الخلاف والسرائر والمختلف، إذ
لا إيقاع بدونه، مع الأصل.
(فلو علقه بشرط أو) صفة من (وقت) أو غيره (لم يقع وإن وجد
الشرط) وأوقعه القاضي معلقا على الوقت، وأبو علي على الشرط، وربما يظهر
من النهاية. وفي الانتصار: أنه يقع مشروطا في النذور والقربات كقوله: إن شفاني
الله فعبدي حر، دون اليمين كقوله: إن دخلت الدار فعبدي حر. ونحوه في الغنية.
(ولو علقه بالنقيضين فالأقرب الوقوع إن اتحد الكلام) لأن الجمع
بينهما دليل أنه لم يرد التعليق بل التأكيد، مع احتمال العدم ضعيفا؛ لظاهر التعليق،
وأما مع اختلاف الكلام فالعدم ظاهر.
(ولو قال: " أنت حر متى شئت " لم يقع) وإن شاء، وإن بادر بالمشيئة
فإنه من التعليق، وإنما أفرده لما قد يتوهم التحرير بقوله: " أنت حر " وإلغاء قوله:
" متى شئت " أو أنه إذا قال: " إني كنت شئت حين قلت ذلك " لم يكن من التعليق
لاتحاد زمان المشيئة والايقاع.



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 291 ب 14 من أبواب مقدماته وشرائطه ح 2.
359
(ولابد من إسناد العتق إلى الذات أو أبعاضها المشاعة) فإنه المعهود
في الشرع والعرف، ولأن الرق كذلك فكذا فكه، وذلك (بأن يقول: " أنت حر
أو عبدي أو هذا أو فلان " ويذكر ما يتميز به عن غيره) من اسم أو غيره إن
أراد عتق معين أو شرطنا التعيين (أو نصفك أو ثلثك أو ربعك) ونحوها من
الأجزاء المشاعة.
(أما لو) أسنده إلى جزء معين بأن (قال: " يدك حرة أو رجلك أو
وجهك أو رأسك " لم يقع) وإن شاع إطلاق بعض ألفاظ الأجزاء على الكل
كالرأس والرقبة؛ للأصل والإجماع كما في الانتصار. نعم إن أراد بالوجه الذات
وقع لكونها من معانيه. وللعامة قول بالوقوع إذا علق على ما يطلق على الجملة
كالرأس والفرج وأخويه مطلقا.
(ولو قال: بدنك أو جسدك) حر (فالأقرب الوقوع) وفاقا للمحقق،
فإن الرق إنما يتعلق بالجسد، ولاتحاده مع الذات في العرف العام وإن تغايرا عند
التحقيق. ويحتمل العدم؛ للتغاير، وللأصل مع عدم تلقي مثله عن الشارع.
(ولو جعل العتق يمينا لم يصح) اتفاقا كما في الانتصار والخلاف والغنية
والسرائر إذ لا يمين إلا بالله. وفي الصحيح عن منصور بن حازم قال له
الصادق (عليه السلام): إن طارقا كان نخاسا بالمدينة فأتى أبا جعفر (عليه السلام) فقال: يا أبا جعفر
إني هالك إني حلفت بالطلاق والعتاق والنذور فقال له: يا طارق إن هذه من
خطوات الشيطان (1). وذلك (مثل) قوله (إن فعلت) كذا (فأنت حر) بقصد
زجره نفسه عن الفعل أو البعث عليه، ولعله الفرق بينه وبين التعليق بالشرط.
(الفصل الثاني في أحكامه)
(العتق مع الصحة لازم لا يصح الرجوع فيه، سواء اختار العبد ذلك
أو لا) فإن الحر لا يسترق. نعم إن لحق بدار الحرب ثم استرق صح.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 139 ب 14 أنه لا تنعقد اليمين بالطلاق.... ح 4.
360
(وعتق الحامل ليس عتقا للحمل وبالعكس) للأصل، وانتفاء الصيغة
والقصد، بل ربما قصد العدم.
خلافا للشيخ وبني حمزة والبراج وسعيد فحرروا الحمل بتحرير الحامل،
لخبر السكوني عن الصادق (عليه السلام): في رجل أعتق أمة وهي حبلى واستثنى ما في
بطنها: قال الأمة حرة وما في بطنها حر، لأن ما في بطنها منها (1). وهو ضعيف، لكن
يؤيده ما في الصحيح عن الوشاء عن الرضا (عليه السلام): في جارية دبرت وهي حبلى،
قال: إن علم به فهو مدبر، وإلا فهو رق (2).
(ولو شرط على العبد شرطا في نفس العتق مثل " أنت حر وعليك
ألف أو خدمة سنة " لزمه الوفاء به) لعموم المؤمنون عند شروطهم، إلا من
عصى الله. وخصوص نحو صحيح أبي العباس سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل قال:
غلامي حر وعليه عمالة كذا وكذا، قال: هو حر وعليه العمالة (3). وصحيح محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): في الرجل يقول لعبده: أعتقتك على أن أزوجك ابنتي
فإن تزوجت عليها أو تسريت فعليك مائة دينار فأعتقه على ذلك فيتزوج أو
يتسرى، قال: عليه مائة دينار (4).
(وهل يشترط) في لزوم الوفاء (رضى المملوك) بالشرط؟ (إشكال)
من عدم الدخول في عموم المؤمنون عند شروطهم، بل في الشرط عليه عرفا
بدون الرضا، مع أصل البراءة من الوفاء واقتضاء التحرير تبعية المنافع، فلا يصح
شرط شيء منها بدون الرضا. ومن عموم الخبرين ونحوهما، وملك المولى منافعه،
والشرط بمنزلة استثناء بعض منها.
و (أقربه العدم في الخدمة) دون المال ونحوه، لأن الخدمة من المنافع



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 67 ب 69 حكم من أعتق أمة حبلى..... ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 76 ب 5 أن أولاد المدبرة من مملوك... ح 3.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 14 ب 10 من أعتق مملوكا وشرط عليه...... ح 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 15 ب 12 حكم من أعتق عبده على أن يزوجه ابنته..... ح 3.
361
المتصلة التابعة للعين أصالة، فشرطها ظاهر في الاستثناء، بخلاف المال ونحوه،
للانفصال وعدم التبعية للعين، إلا إذا حصل. وخبر أبي جرير سأل أبا الحسن (عليه السلام)
عن رجل قال لمملوكه: أنت حر ولي مالك، قال: لا يبدأ بالحرية قبل المال، يقول
له: لي مالك وأنت حر برضى المملوك والمال للسيد (1).
(ولو شرط إعادته في الرق إن خالف) الشرط (أعيد) فيه (مع
المخالفة) وفاقا للشيخ وجماعة، لأن المؤمنين عند شروطهم، ولأن إسحاق بن
عمار سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يعتق مملوكه ويزوجه ابنته ويشترط عليه إن
هو أغارها أن يرده في الرق، قال: له شرطه (2).
(وقيل) في السرائر: (لا) يعاد فيه، لأن الحر لا يعود رقا. والخبر ضعيف
مخالف للأصل (3) وعود المكاتب في الرق مجاز فإنه لا يعتق إلا إذا وفى مال
الكتابة، وظاهره صحة العتق لتغليب الحرية، ولصدور صيغته الصحيحة، وغاية
ما بعدها من الشرط الإلغاء.
وفي المختلف والإرشاد والتحرير ونكت النهاية بطلان العتق، لأنه حينئذ
يكون معلقا.
(ولو أبق مدة الخدمة المشترطة) كلا أو بعضا (لم يعد في الرق)
إلا إذا شرط العود وأمضيناه، ولا للمولى عليه الخدمة في مثل المدة، لأنها غير
المشروط (و) لكن (له المطالبة بأجرة الخدمة، وكذا لورثته) إن مات ولم
يستوفها (على رأي) وفاقا لابن إدريس والمحقق لأنها حق متقوم فإذا تلفت
لزمت قيمتها. ونفى الأجرة أبو علي والشيخ في ظاهره للأصل.
وأما صحيح يعقوب بن شعيب " سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل أعتق جارية
واشترط عليها أن تخدمه خمس سنين فأبقت فمات الرجل فوجدها ورثته ألهم أن



(1) الاستبصار: ج 4 ص 11 ح 33.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 15 ب 12 حكم من أعتق عبده على أن يزوجه ابنته... ح 2.
(3) في ق ون: " للأصول ".
362
يستخدموها؟ قال: لا (1) " فلا يدل على شيء من ذلك.
(ولا يجزئ التدبير عن العتق الواجب) في كفارة أو غيرها، ولا بعد
موت المولى، لأنه وصية بالعتق. ولخبر إبراهيم الكرخي قال للصادق (عليه السلام): إن هشام
ابن أديم سألني أن أسألك عن رجل جعل لعبده العتق إن حدث بسيده حدث فمات
السيد وعليه تحرير رقبة واجبة في كفارة أيجزئ عن الميت عتق العبد الذي كان
السيد جعل له العتق بعد موته في تحرير الرقبة التي كانت على الميت؟ فقال: لا (2).
(ويستحب عتق من مضى عليه سبع سنين) في ملكه من المؤمنين،
لخبر بعض آل أعين عن الصادق (عليه السلام) قال: من كان مؤمنا فقد أعتق بعد سبع سنين
أعتقه صاحبه أم لم يعتقه، ولا يحل خدمة من كان مؤمنا بعد سبع سنين (3) (و)
يستحب عتق (المؤمن مطلقا) كما عرفت في أول الكتاب (إلا أن يعجز عن
الاكتساب) فيؤدي عتقه إلى التكفف أو غيره فيخرج عن الإحسان. وفي
الصحيح عن هشام بن سالم سأل الصادق (عليه السلام) عن من أعتق النسمة، فقال: أعتق
من أغنى نفسه (4). (فيعينه لو أعتقه) استحبابا. ففي الصحيح عن ابن محبوب
عن الرضا (عليه السلام): من أعتق مملوكا لا حيلة له فإن عليه أن يعوله حتى يستغني عنه،
وكذلك كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يفعل إذا أعتق الصغار ومن لا حيلة له (5).
(ويكره عتق المخالف) لأنه إكرام وإعانة له. وعن الصادق (عليه السلام): ما أغنى
الله عن عتق أحدكم يعتقون اليوم ويكون علينا غدا، لا يجوز لكم أن تعتقوا
إلا عارفا (6).



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 14 ب 11 من أعتق مملوكا وشرط عليه خدمته... ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 15 ص 558 ب 9 من أبواب الكفارات ح 1 وفيه: " هشام بن أدين ".
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 36 ب 33 تأكد استحباب عتق المملوك المؤمن بعد سبع
سنين... ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 18 ب 15 جواز عتق الولدان الصغار واستحباب... ح 3.
(5) وسائل الشيعة: ج 16 ص 17 ب 14 وجوب نفقة المملوك وإن عتقه... ح 1.
(6) وسائل الشيعة: ج 16 ص 19 - 20 ب 17 جواز عتق المستضعف ولو في... ح 3.
363
ويدل على الجواز عموم خبر أبي علي بن راشد سأل الجواد (عليه السلام) أن امرأة من
أهلها اعتل صبي لها فقالت: اللهم إن كشفت عنه ففلانة جاريتي حرة، والجارية
ليست بعارفة، فأيما أفضل تعتقها أو تصرف ثمنها في وجه البر؟ فقال: لا يجوز
إلا عتقها (1). ولكن ما ذكر للمنع من عتق الكافر يجري فيه غير الخبر.
(ويجوز) إعتاق (المستضعف) من غير كراهية. فسأل الحلبي
الصادق (عليه السلام) في الصحيح: الرقبة تعتق من المستضعفين؟ قال: نعم (2). مع أصالة
الإباحة، وعدم شمول العلة في كراهة عتق المخالف له.
(ويصدق لو ادعى بقوله: أنت حرة العفيفة و) بقوله: (أنت حر
الكريم الأخلاق) لاستصحاب الرق ما لم يعلم المزيل، ولابد في المزيل من
النية، ولا يعلم إلا من قبله. واحتمل الخلاف لمخالفته الظاهر (فإن ادعى العبد)
أنه علم منه (قصد العتق حلف له، فإن نكل حلف العبد وعتق).
(ولو نذر عتق أول مملوك يملكه أو أول داخل) أو نحو ذلك (فملك
جماعة دفعة أو دخلوا كذلك قيل) في السرائر: (بطل) النذر، لأن النكرة
أفادت الوحدة، وليس منهم أحد يكون أولا (3) وإنما يتم لو اعتبر في الأولية السبق
على جميع المماليك، وهو ممنوع.
(وقيل) في التهذيب (4) والنكت: (يتخير) أيهم شاء بلا قرعة، إلا أن
يموت المولى فالقرعة، لخبر الحسن الصيقل سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل قال:
أول مملوك أملكه فهو حر فأصاب ستة، قال: إنما كان نيته على واحد فليختر أيهم
شاء فليعتقه (5). ولأن الأول إما بمعنى غير المسبوق، أو بمعنى السابق غير



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 63 ب 63 أن من نذر عتق مملوكه... ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 19 ب 17 جواز عتق المستضعف ولو في... ح 1.
(3) في المخطوطات: أول.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 226 ذيل الحديث 218.
(5) وسائل الشيعة: ج 16 ص 59 ب 57 أن من نذر عتق أول مملوك... ح 3.
364
المسبوق، ويصدق كل منهما على كل منهم كما يصدق عليه إذا انفرد مع إفادة
التنكير الوحدة، والأصل البراءة من القرعة مع كونها لما تعين في نفسه ولم يتعين.
(وقيل) في المقنع والنهاية (يقرع) لان المعتق واحد منهم، ولا أولوية
إلا بالقرعة. ولصحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام): في رجل قال: أول مملوك أملكه
فهو حر فورث سبعة جميعا، قال: يقرع بينهم ويعتق الذي يخرج اسمه (1). ويمكن
الحمل على الاستحباب.
(ويحتمل حرية الجميع، لأن الأولية وجدت في الجميع، كما لو قال:
من سبق فله عشرة) فسبق جماعة فإن لكل منهم عشرة. ويؤيده خبر عبد الله
ابن الفضل الهاشمي رفعه قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل نكح وليدة رجل
أعتق ربها أول ولد تلده فولدت توأما فقال: أعتق كلاهما (2). وأرسل في بعض
الكتب نحو ذلك عن علي (عليه السلام) والصادقين (عليهما السلام) (3).
(وفيه ضعف؛ لعدم العموم هناك) للتنكير، بخلاف لفظة " من " فإنها تعم
الواحد والكثير.
(أما لو نذر عتق أول ما تلده فولدت توأمين دفعة عتقا) لعموم لفظة
" ما " ولما سمعته من مرفوع عبد الله بن الفضل الهاشمي، وما روي في بعض الكتب
عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: من أعتق حملا لمملوكة له أو قال لها: ما ولدت أو أول
ولد تلدينه فهو حر، فذلك جائز وإن ولدت توأمين عتقا جميعا (4).
(ولو ترتبا) في الولادة (عتق الأول) خاصة، ويحمل إطلاق الخبر على
الدفعة وإن ندرت.
(ولو اشتبه) الأول (أقرع) وإن نوى بمن أومأ الموصوفة ساوت النكرة
كما لو نوى بالنكرة ما يشتمل المتعدد انعتق المتعدد قطعا.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 58 ب 57 أن من نذر عتق أول مملوك... ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 35 ب 31 أن من نذر عتق أول ولد تلده الأمة... ح 1.
(3) دعائم الإسلام: ج 2 ص 308 ح 1157.
(4) دعائم الإسلام: ج 2 ص 308 ح 1162.
365
(ولو) نذر عتق أول ما تلده و (ولدت الأول ميتا احتمل بطلان العتق)
وانحلال النذر (لأن شرط النذر وجد في الميت، وليس محلا للعتق).
(و) احتمل (الصحة في الحي) الذي تلده بعد، لأن الظاهر أنه تعلق
النذر بأول حي تلده (لاستحالة تعلق العتق بالميت).
(وكذا لو نذر عتق أول من يدخل فدخل جماعة دفعة عتقوا، أو أول
من يملك فملك جماعة دفعة) وإن انحصر ملكه فيمن دخلوا أو في من
ملكهم، لشيوع الأول في غير المسبوق حقيقة وإن لم يسبق إلا تقديرا، لكن الوجه
في الأول أنه إن أراد أول من يدخل من عبيدي المملوكين لي بالفعل - كما هو
الظاهر - لم ينعتق (1) أحد منهم؛ لعدم الأولية.
(ولو أعتق بعض مماليكه فقيل) له: (أعتقت عبيدك؟ فقال: نعم)
وإنما أراد التصديق دون الإنشاء لعتقهم، أو لم نعتبره وإن قصد الإنشاء (عتق
ذلك البعض خاصة) في نفس الأمر، لأن العتق لا يتحقق إلا بصيغته. وفي
الظاهر، لأنه إنما أقر بعتق بعض عبيده، ويصدق على البعض أنهم عبيده، فلا
يؤاخذ بعتق الكل وإن ظهر السؤال فيه، إذ يسمع من المقر التأويل فضلا عن مثله.
ولخبر زرعة عن سماعة سأله عن رجل قال: لثلاثة مماليك له: أنتم أحرار وكان له
أربعة، فقال له رجل من الناس: أأعتقت مماليكك؟ فقال: نعم أيجب العتق للأربعة
حين أجملهم أو هو للثلاثة الذين أعتق؟ فقال: إنما يجب العتق لمن أعتق (2).
وقد يقال: بل يؤاخذ بعتق الجميع؛ لإفادة الجمع المضاف العموم ظاهرا.
(وهل يشترط) في عدم الأخذ بعتق الجميع (الكثرة) فيمن أعتقه؟
(الأقرب ذلك) ليصدق عليه " عبيدك " وإلا لم يكن له أن يقول: إنما أقررت
بعتق الواحد الذي أعتقته أو الاثنين، فإنه تأويل لا يطابقه اللفظ، فلا يسمع.



(1) في ق ون: " يعتق ".
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 59 - 60 ب 58 أن من أعتق ثلاثة مماليك وكان له... ح 1.
366
ويحتمل العدم؛ لجواز أن يقول: إنما أردت إيقاع العتق في جملتهم، وهو
يصدق بعتق واحد منهم.
(ولو قيل: " أعتقت غانما؟ فقال: نعم " وقصد الإنشاء ففي الوقوع
نظر) من أنه صريح في أعتقت، وهو صريح في التحرير مع تغليب الحرية، وانتفاء
نص أو اجماع بحصر لفظ الاعتاق في غيره. ومن خروج الصريح في الصريح عن
الصريح، مع الاستصحاب، والخروج عن المعهود في الأخبار وبين الناس.
(ولو نذر عتق أمته إن وطئها) مثلا (صح) اتفاقا (فإن أخرجها من
ملكه انحل النذر) قيد الوطء بكونها في ملكه أولا؛ لانصراف الإطلاق إليه
بقرينة العتق، إذ لا عتق إلا في ملك وفساده بشرط تجدد الملك كما عرفت، مع
احتمال مساواة الإطلاق للتعميم فإنه نذر عتق لا عتق. (ولو عاد الملك لم
يعد) حكم النذر، فإنه لا يعود بعد الانحلال (إلا أن يعممه) لفظا أو نية،
والأصل فيه صحيح محمد بن مسلم سأل أحدهما (عليهما السلام) عن الرجل يكون له الأمة
فيقول: يوم يأتيها فهي حرة ثم يبيعها من رجل ثم يشتريها بعد ذلك، قال: لا بأس
بأن يأتيها قد خرجت عن ملكه (1). وهو وإن لم يكن صريحا في النذر لكن حمل
عليه، لما عرفت من فساد التحرير المعلق.
(ولو نذر عتق كل عبد له قديم أو أعتقه انصرف إلى من مضى عليه
في ملكه ستة أشهر فصاعدا) لمرسل داود النهدي: ان ابن أبي سعيد المكاري
سأل الرضا (عليه السلام) عن رجل قال عند موته: كل مملوك لي قديم فهو حر لوجه الله،
فقال: نعم إن الله عز ذكره قال: في كتابه: " حتى عاد كالعرجون القديم " فما كان
من مماليكه أتى عليه ستة أشهر فهو قديم حر. هكذا روي في الكافي (2)
والتهذيب (3) مرسلا. وفي نسخ تفسير علي بن إبراهيم رواه عن أبيه عن داود بن
أبي سعيد سأله (عليه السلام) (4) الخبر، فيكون حسنا.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 60 ب 59 أن من نذر عتق أمته إن وطئها فخرجت من ملكه... ح 1.
(2) الكافي: ج 6 ص 195 ح 6.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 231 ح 835.
(4) تفسير القمي: ج 2 ص 215.
367
وفي ارشاد المفيد: وقضى علي (عليه السلام) في رجل وصى فقال: أعتقوا عني كل
عبد قديم في ملكي، فلما مات لم يعرف الوصي ما يصنع فسأله عن ذلك، فقال:
يعتق كل عبد له في ملكه ستة أشهر وتلا قوله تعالى: " والقمر قدرناه منازل حتى
عاد كالعرجون القديم ".
(وهل ينسحب الحكم في الأمة، أو الصدقة) نذرا أو وصية (بكل
ملك له قديم، أو الإقرار) بكل ملك له قديم؟ (إشكال) من دلالة الخبرين
على انصراف القديم إلى ذلك مطلقا للاستدلال بما في الآية (1) مع كونه فيها وصفا
للعرجون، جعلناه حقيقة فيه أولا. ومن أنه في اللغة إنما هو ما قدم زمانه، والأصل
عدم الاختصاص بهذه المدة، فيقصر خلافه على المنصوص المفتى به، بل المجمع
عليه كما في الإيضاح. والخبر الأول وإن عم الأمة لكنه لإرساله لا يكفي ما لم
ينضم إليه عمل الأصحاب، وأنهم إنما ذكروا العبد.
(ولو) كان له مماليك و (قصرت مدة الجميع عن ستة أشهر فإن
ترتبوا) في الملك (فالأقرب عتق الأول) اتحد أم تعدد اعتبارا بالمعنى
الحقيقي بقرينة الحال، وتصحيحا للنذر، وقصرا للخبر والفتوى على الموجود
كذلك (وإلا) يترتبوا عتق (الجميع) إذ يكفي في القدم بمعناه اللغوي التقدم
على النذر.
(ويحتمل قويا العدم فيهما) أي صورتي الترتب وعدمه؛ لدلالة الخبر
والفتوى على الانصراف إلى تلك المدة ولم يتحقق مع أصالة البراءة.
(ولو علق نذر العتق بعدم الدخول) بها أو في الدار (مثلا ولم ينو وقتا
معينا أو) علقه (بآخرهم دخولا عتق في آخر جزء من حياته) أي
المولى، فإن الهيئة لا تنتفي إلا إذا انتفت أفرادها كلها، والآخرية أيضا تضمنت نفي
الدخول عن الغير بعده، ولما لم يكن العتق إلا في ملك اعتبر حياته، والمراد



(1) يس: 39.
368
بانعتاقه وجوب إعتاقه حينئذ، فإن اتفقت الصيغة فيه عتق، وإلا وجب على
الوارث الإعتاق، إلا على القول بجواز التعليق في النذور فإنه يعتق حينئذ، أعتق
ثانيا أم لا.
(وهل له بيعه قبل ذلك) أي قبل الدخول وآخر جزء من حياته؟
(إشكال) من عدم العتق، ووجوبه قبل الشرط، والشرط تأخر الدخول أو عدمه
في ملكه، والأصل عدم وجوب تحصيله. ومن أن الشرط تأخر الدخول أو عدمه
مطلقا، فيجب عليه العتق إذا تحقق ذلك في آخر جزء من حياته بل ينعتق بذلك في
وجه والبيع ينافيه.
(ولو علقه) أي النذر (على الدخول ثم باعه) قبله (ثم عاد إليه ففي
عتقه مع الدخول نظر) من مساواته للتعليق على الوطء، ومشاركته له في العلة
المنصوصة. ومن إطلاق الدخول، وخروجه عن المنصوص، وعدم ظهوره في
التقييد بالملك كما احتملناه في الوطء مع الإطلاق.
(ويقوى الإشكال) في العتق أي ترجيح العدم (لو دخل قبل عوده إليه
ثم عاد) إليه (ودخل) بعده (من حيث إنه علق على شرط) وجودي،
وهو (لا يقتضي التكرار) كالعدمي (فإذا وجد مرة) ولم يمكن العتق
للخروج عن الملك (انحلت اليمين).
والتحقيق أن الدخول إما أن يبقى على إطلاقه فيعم الدخول خارجا عن
ملكه، فإذا دخل كذلك انحلت اليمين، أو يقيد بالملك بقرينة العتق، أو بالحمل على
الوطء المنصوص، ولا يقيد إلا بالملك الحاصل دون المتجدد.
(فإن شهد اثنان بالدخول ألزمه الحاكم بالإعتاق، فإذا أعتقه) كذلك
صح وإن كان أجبر عليه كما في غيره مما يدعو الضرورة إليه من طلاق ونحوه
(و) إن (ظهر كذبهما بطل) لظهور فساد الإلزام.
(ويحتمل الصحة) تغليبا للحرية وتنفيذا للحكم الشرعي (والتضمين)
للشاهدين قيمة المملوك للمولى.

369
(ولو رجعا ضمنا) القيمة (وتم العتق) أخذا بإقرارهما في أنفسهما،
لا على العبد، فإنه لا يثبت الكذب بمجرد رجوعهما.
(ولو نذر عتق المقيد إن حل قيده) بصيغة المجهول أيا من كان الحال
(وعتقه إن نقص وزن القيد عن عشرة فشهدا عند الحاكم بالنقص فحكم
بعتقه وأمر بحل قيده فظهر كذبهما) بعد الحل (عتق بحل القيد وظهر أنه
لم يعتق بالشرط الذي حكم الحاكم بعتقه به) وهو النقص، إلا على الاحتمال
في المسألة السابقة، وعلى الاحتمال يضمنان.
(وفي تضمينهما) على ما ذكره من حصول العتق بالحل دون النقص
(إشكال).
(ينشأ من أن الحكم) بالعتق (لم يحصل) حينئذ (بشهادتهما بل
بحل قيده ولم يشهدا به) وإنما التضمين فيما تعلقت به الشهادة (ولأنه) أي
كلا منهما (لو باشر الحل لم يضمن) للأصل من غير معارض (فعدم الضمان
بشهادته) بالنقص التي تسببت للحل (أولى).
(ومن أن شهادتهما الكاذبة سبب) الحال الذي هو سبب (عتقه
وإتلافه) فإن الحاكم لما ظن العتق بشهادتهما أمر بالحل، فيكونان كمن وضع
حجرا في الطريق فيعثر به رجل فوقع في بئر حفرت ظلما فإنه ضامن دون الحافر
(ولأن عتقه حصل بحكم الحاكم المبني على الشهادة الكاذبة) فإنه لو لم
يحكم بالعتق أولا لم يأمر بالحل.
(ولو حله أجنبي) عن المولى والحاكم الذي ظن العتق بالشهادة بالنقص
(لم يضمن، عالما كان بالنذر أو جاهلا، نهاه المالك) عنه (أولا) نقص
القيد أولا، كان النذر - كما تقدم - أو قصر على الحل (على إشكال) إلا إذا أمره
المالك أو علق النذر عليه وعلى النقص وكان ناقصا، من الأصل وكون السبب هو
النذر لا الحل مع حصول الثواب للمولى بالعتق، ولو ضمن لم ينل إلا العوض
الدنيوي. ومن أنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه مع التلف به، وأنه الموجد للسبب

370
والمولى جاعله سببا، والموجد هو المتلف الموصوف فعله بالقبح كمن ألقى الغير
في النار فإنه المتلف الضامن لا من جعل النار محرقة.
(ومال العبد لمولاه) كما تقدم في الديون (وإن علم به حال العتق ولم
يستثنه على رأي) وفاقا لابن إدريس وغيره ممن منع ملكه مطلقا، والوجه
ظاهر. وخلافا للصدوق والشيخ وجماعة ممن ملكه.
ومن منع ملكه، لصحيح زرارة (1) وحسنته (2) (3) عن الصادقين (عليهما السلام): في
رجل أعتق عبدا له مال لمن مال العبد؟ قال: إن كان علم أن له مالا تبعه ماله وإلا
فهو للمعتق (4). وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل
أعتق عبدا له وللعبد مال فتوفي الذي أعتق العبد لمن يكون مال العبد أيكون للذي
أعتق العبد أو للعبد؟ قال: إذا أعتقه وهو يعلم أن له مالا فماله له، وإن لم يعلم فماله
لولد سيده (5). وقوله (عليه السلام) في خبر آخر لزرارة: إذا كان للرجل مملوك فأعتقه
وهو يعلم أن له مالا ولم يكن استثنى السيد المال حين أعتقه فهو للعبد (6).
قال: المحقق في النكت: إن المنع من الملك مع بقاء الرقية لا يستلزم المنع في
حال الحرية، فإذا ملكه المتصرف فيه ثم أعتقه أمكن أن يملك في تلك الحال،
لأنه صار له أهلية الملك فاستقر له الملك بالتمليك الأول.
ويمكن الجواب: بحمل العلم على الاعتقاد، أي إذا كان في علمه، أي زعمه
أنه يملك شيئا وأن ما بيده ماله، فإذا أعتقه ولم يستثن المال كان الظاهر منه أنه لم
يطمع فيما بيده، فكان بمنزلة الهبة له أو الزم باعتقاده. ويحمل العبد في الأخير
على المكاتب أي إذا عجل عتقه ولم يستثن ما بيده كان له إن علم به المولى، وإن
استثناه كان شرطا عليه أن يؤدي المال لينعتق.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 28 ب 24 حكم مال المملوك إذا أعتق ح 1.
(2) الكافي: ج 6 ص 190 ح 2.
(3) ليس في ق ون.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 28 ب 24 حكم مال المملوك إذا أعتق ح 2.
(5) وسائل الشيعة: ج 16 ص 29 ب 24 حكم مال المملوك إذا أعتق ح 6.
(6) وسائل الشيعة: ج 16 ص 28 ب 24 حكم مال المملوك إذا أعتق ح 1.
371
(أما مال المكاتب فله وإن لم يعلم به المولى عند عتقه) كما سيأتي
(وعتق المريض يمضي من الثلث إن مات في المرض وكان متبرعا)
بالعتق كما مر (1) في الوصايا.
(ولو اشترى أمة نسيئة فأعتقها وتزوجها ومات قبل الإيفاء) للثمن
(ولا تركة قيل) في النهاية: (بطل عتقه ونكاحه، وترد على البائع رقا،
فإن) كانت قد (حملت كان الولد) أيضا (رقا لرواية هشام بن سالم) في
الصحيح قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر عن رجل باع من رجل جارية بكرا
إلى سنة فلما قبضها المشتري أعتقها من الغد وتزوجها وجعل مهرها عتقها ثم مات
بعد ذلك بشهر، فقال: أبو عبد الله (عليه السلام): إن كان للذي اشتراها إلى سنة مال أو عقدة
تحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها فإن عتقه ونكاحه جائز، وإن كان لم
يملك مالا أو عقدة تحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها كان عتقه ونكاحه
باطلا، لأنه عتق ما لا يملك، وأرى أنها رق لمولاها الأول، قيل له: فإن كانت
علقت من الذي أعتقها وتزوجها ما حال ما في بطنها؟ فقال: الذي في بطنها مع امه
كهيئتها (2).
(والأقرب) وفاقا للمحقق وابن إدريس (عدم بطلان العتق وعدم رق
الولد) لصدور العتق الصحيح عن أهله بانعقاد الولد حرا فلا يعود رقا.
(وتحمل الرواية على المريض) مرض الموت، وقد مضى جميع ذلك مع
زيادة في النكاح.
(تتمة):
(إذا عمي العبد) بل المملوك (أو جذم أو اقعد أو نكل به مولاه) أي
فعل به ما جعله عبرة ونكالا لغيره، بأن قطع منه عضوا فأبانه، ومنه قطع إحدى
الاذنين وقلع إحدى العينين، وربما تردد فيه بعضهم (عتق).



(1) ليس في ق.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 30 ب 25 حكم من اشترى أمة نسية وأعتقها... ح 1.
372
أما العمى والتنكيل فيهما أخبار، كقول الباقر (عليه السلام) في حسن الحلبي: إذا عمى
المملوك فقد أعتق (1). وفي خبر أبي بصير: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيمن نكل
بمملوكه أنه حر لا سبيل له عليه سائبة يذهب فيتولى إلى من أحب، فإذا ضمن
حدثه فهو يرثه (2). وما روي في امرأة قطعت ثدي وليدتها أنها حرة لا سبيل
لمولاتها عليها (3). وخبر جعفر بن محبوب أرسله عن الصادق (عليه السلام) قال: كل عبد
مثل به فهو حر (4).
ومن طريق العامة: إن رجلا جب عبده فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): إذهب فأنت حر (5).
وفي رواية اخرى: إن رجلا جذع أنف عبده وجبه فقال (صلى الله عليه وآله) إذهب فأنت حر (6).
وذكر ابن إدريس: أن العتق به رواية أوردها الشيخ في النهاية. وتردد فيه
المحقق.
وأما الجذام، فيه خبر السكوني عن الصادق عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)
قال: العبد الأعمى والأجذم والمعتوه لا يجوز في الكفارات، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أعتقهم (7) وخبره عنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا عمي المملوك فلا رق
عليه، والعبد إذا جذم فلا رق عليه (8) والخبران وإن ضعفا لكن الأصحاب قطعوا به
حتى ابن إدريس. وألحق به ابن حمزة البرص ولم نظفر بمأخذ له.
قيل: ونحن في عويل من إثبات حكم الجذام؛ لضعف المستند إن لم يكن
إجماع فكيف يلحق به البرص؟!.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 27 ب 23 أن المملوك إذا عمى أو اقعد أو جذم ح 1 وفيه: " عن
حماد بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) ".
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 26 ب 22 أن المملوك إذا مثل به أو نكل به... ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 26 ب 22 أن المملوك إذا مثل به أو نكل به... ح 3.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 26 ب 22 أن المملوك إذا مثل به أو نكل به... ح 1.
(5) نيل الأوطار: ج 7 ص 157 - 158، مع اختلاف.
(6) مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 182.
(7) وسائل الشيعة: ج 15 ص 578 - 579 ب 27 من أبواب الكفارات ح 3.
(8) وسائل الشيعة: ج 16، ص 27، ب 23، أن المملوك إذا عمى أو اقعد أو أجذم... ح 2.
373
وأما الإقعاد فيه ما أرسله ابن الجنيد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أنه ينعتق إذا
أصابته زمانة في جوارحه وبدنه. وربما دل عليه نحو قوله (عليه السلام): لا يجوز في
العتاق الأعمى والمقعد، ويجوز الأشل والأعرج (1) إن كانت العلة في عدم الإجزاء
الانعتاق بنفسه كما في النهاية وغيرها، وفي الخلاف الإجماع فيه وفي العمى
والتنكيل (و) كل من هؤلاء (لا ولاء لأحد عليه) بسبب الانعتاق، فإنه إنما
يتسبب عن النزع بالعتق كما سيأتي.
(وإذا أسلم المملوك في دار الحرب سابقا على مولاه وخرج إلينا
عتق) اتفاقا، وعن النبي (صلى الله عليه وآله): أيما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد (2). ولم يعتبر
ابن إدريس الخروج تمسكا بأنه إذا أسلم لم يكن للكافر عليه سبيل، وهو لا يجدي.
(وإذا مات انسان وله وارث رق ولا وارث له سواه دفعت قيمته من
التركة) إلى مولاه (واعتق) وورث كما سيأتي.
(الفصل الثالث في خواصه)
وهي أربعة: السراية والتسبب عن القرابة والولاء والقرعة، إذ الأصل الشياع،
لكن تعلق غرض الشارع بإكمال العتق (و) لذا كانت (فيه) أربعة (مطالب):
المطلب (الأول: السراية)
(ومن أعتق شقصا مشاعا من عبد أو أمة ملكه) أجمع (عتق عليه
أجمع) في المشهور، إلا إذا أعتق في مرض الموت، ولم يخرج الكل من الثلث،
ولم يجز الورثة. ويدل عليه الأخبار كقول الباقر (عليه السلام) في خبر غياث بن إبراهيم:
إن رجلا أعتق بعض غلامه، فقال علي (عليه السلام): هو حر ليس لله شريك (3). ونحوه في
خبر طلحة بن زيد (4). وكل ما دل على السراية في المشترك فإنها بالمختص أولى.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 27 ب 23 أن المملوك إذا عمى أو اقعد أو جذم... ح 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 11 ص 89 - 90 ب 44 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 63 ب 64 أن من أعتق بعض مملوكه انعتق كله... ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 63 ب 64 أن من أعتق بعض مملوكه انعتق كله... ح 2.
374
وعن ظاهر ابن طاووس المنع تمسكا بالأصل واستضعافا للسند، وهو لا
يجرى فيما يدل على السراية في المشترك، وتمسكا بنحو صحيح ابن سنان عن
الصادق (عليه السلام): في امرأة أعتقت ثلث خادمها عند موتها أعلى أهلها أن يكاتبوها إن
شاؤوا وإن أبوا؟ قال: لا ولكن لها من نفسها ثلثها وللوارث ثلثاها يستخدمها
بحساب الذي له منها، ويكون لها من نفسها بحساب ما أعتق منها (1).
وخبر أبي بصير سأل الباقر (عليه السلام) عن رجل أعتق نصف جاريته ثم إنه كاتبها
على النصف الآخر بعد ذلك، قال: وليشترط عليها أنها إن عجزت عن نجومها ترد
في الرق في نصف رقبتها (2).
وخبر حمزة بن حمران سأل أحدهما (عليهما السلام) عن رجل أعتق نصف جاريته ثم
قذفها بالزنا، فقال: أرى أن عليه خمسين جلدة ويستغفر الله، قال: أرأيت إن جعلته
في حل وعفت عنه؟ قال: لا ضرر عليه إذا عفت من قبل أن ترفعه، قال: فتغطي
رأسها منه حين أعتق بعضها؟ قال: نعم وتصلي وهي مخمرة الرأس، ولا تتزوج
حتى تؤدي ما عليها أو يعتق النصف الآخر (3).
والجواب: اختصاص الخبر الأول بمن لم يكن لها إلا الخادم، واحتمال
الباقين بناء " أعتق " للمفعول، فيكون الرجل هو شريك المعتق أو وارثه لا المعتق.
وحمل الأخير في التهذيب على أنه إنما ملك (4) النصف.
(وإن أعتق شقصا له من عبد) بل من (مملوك مشترك قوم عليه باقيه
وسرى العتق فيه) بالإجماع والنصوص (5) لكن (بشروط أربعة):



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 64 - 65 ب 64 أن من أعتق بعض مملوكه انعتق كله... ح 7.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 95 ب 12 حكم من أعتق نصف جاريته وكاتبها على النصف
الآخر ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 63 - 64 ب 64 أن من أعتق بعض مملوكه انعتق كله... ح 3.
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 229 ذيل الحديث 826.
(5) وسائل الشيعة: ج 16 ص 20 ب 18 أن من أعتق مملوكا له فيه شريك.
375
(الأول: أن يكون المعتق موسرا) بالاتفاق كما في الانتصار والخلاف
والغنية، ويدل عليه الأصل والأخبار، كصحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام): في
جارية كانت بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه: قال: إن كان موسرا كلف أن يضمن،
وإن كان معسرا خدمت بالحصص (1). وللعامة قول بالسراية مطلقا.
ويحصل اليسار (بأن يكون مالكا قيمة نصيب الشريك فاضلا عن
قوت يومه وليلته له ولعياله) الواجبي النفقة (ودست ثوب) يفهم (2) ذلك من
لفظه. واقتصر في المبسوط على القوت ولعله اتكل على الظهور.
(وفي بيع مسكنه إشكال) من الشك في تضمن اليسار الزيادة عليه،
وأيضا من اعتبار الزيادة عليه في الدين وهو دين. ومن عموم نحو قوله (صلى الله عليه وآله): من
أعتق شقصا من مملوك فعليه خلاصه كله من ماله (3). وقوله (صلى الله عليه وآله): من أعتق شقصا
له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل، وأعطى شركاؤه
حصتهم وعتق عليه العبد (4).
(ولو كان معسرا عتق نصيبه خاصة وسعى العبد في فك باقيه) وفاقا
للمشهور، لقول الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن قيس: من كان شريكا في عبد
أو أمة قليل أو كثير فأعتق حصته وله سعة فليشتره من صاحبه فيعتقه كله، وإن
لم يكن له سعة من مال نظر قيمته يوم أعتق منه ما أعتق ثم يسعى العبد في حساب
ما بقي حتى يعتق (5) إلى غيره من النصوص.
والفك (بجميع السعي) أي كل ما يكتسبه فهو له يفك به رقبته (فليس
لمولاه بنصيب الرقية) من كسبه (شيء) وفاقا للنهاية (على إشكال) من
خبر علي بن أبي حمزة سأل الصادق (عليه السلام) عن مملوك بين أناس فأعتق أحدهم



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 22 ب 18 أن من أعتق مملوكا له... ح 7.
(2) في ق ون: " لفهم ".
(3) سنن البيهقي: ج 10، ص 281.
(4) سنن البيهقي: ج 10، ص 274.
(5) وسائل الشيعة: ج 16 ص 21 ب 18 أن من أعتق مملوكا له... ح 3.
376
نصيبه، قال: يقوم قيمته ثم يستسعى فيما بقي، وليس للباقي أن يستخدمه،
ولا يأخذ منه الضريبة (1). وصحيح سليمان بن خالد سأله (عليه السلام) عن المملوك بين
شركاء فيعتق أحدهم نصيبه، قال: إن ذلك فساد على أصحابه لا يستطيعون بيعه
ولا مواجرته (2) لدلالته على انقطاع التصرف عنه. ومن استصحاب الرق إلى
الأداء، وهو يستلزم تشريك المولى في الكسب.
(ولو عجز العبد أو امتنع من السعي كان له من نفسه بقدر ما عتق
وللشريك ما بقي) كما قال: الصادق (عليه السلام) في خبر علي بن أبي حمزة: ومتى لم
يختر العبد أن يسعى فيما قد بقي من قيمته كان له من نفسه بمقدار ما أعتق،
ولمولاه الذي لم يعتق بحساب ماله (3). إلى غير ذلك من مضامين الأخبار (وكان
الكسب بينهما والنفقة والفطرة عليهما) بالحساب.
(فإن هاياه مولاه صح) كما في صحيح محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام)
قال: وإذا أعتق لوجه الله كان الغلام قد أعتق من حصة من أعتق، ويستعملونه على
قدر ما أعتق منه له ولهم، فإن كان نصفه عمل لهم يوما وله يوم (4). وفي مرسل
حريز: وإن لم يكن له مال عومل الغلام يوم للغلام ويوم للمولى (5) (وتناولت
المهاياة) الكسب (المعتاد والنادر كالصيد والالتقاط) عندنا؛ لعموم الأدلة،
وكل ما اكتسبه في يوم اختص به نادرا أو غيره وما اكتسبه في نوبة المولى اختص
به كذلك. وللعامة قول باستثناء النادر وأنه مشترك بينهما مطلقا لأن المهاياة
معاوضة والنادر مجهول فلا يدخل فيها.
ثم ما ذكره من جواز امتناع العبد صريح الشيخ وجماعة، وهو ظاهر



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 23 ب 18 أن من أعتق له... ح 10.
(2) وسائل الشيعة: ج 16، ص 23، ب 18، ان من أعتق له... ح 9.
(3) الظاهر أنها ليست برواية بل من كلام الشيخ، انظر تهذيب الأحكام: ج 8، ص 221، ذيل
الحديث 792.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 23 ب 18 أن من أعتق مملوكا له... ح 12.
(5) وسائل الشيعة: ج 16 ص 23 ب 18 أن من أعتق مملوكا له... ح 11.
377
الأخبار (1) الناطقة بأنه إن كان المعتق معسرا خدم بالحصص، وصريح ما سمعته
الآن من خبر علي. وعن أبي الصباح أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجلين يكون
بينهما الأمة فيعتق أحدهما نصفه فتقول الأمة للذي لم يعتق نصفه: لا أريد أن
تعتقني ذرني كما أنا أخدمك فإنه أراد أن يستنكح النصف الآخر، فقال: لا ينبغي له
أن يفعل أنه لا يكون للمرأة فرجان، ولا ينبغي له أن يستخدمها ولكن يعتقها
ويستسعيها (2).
قال الصدوق: وفي رواية أبي بصير مثله إلا أنه قال: وإن كان الذي أعتقها
محتاجا فليستسعها (3).
(ولو كان) الشريك المعتق (موسرا ببعض الحصة قوم عليه بقدر ما
يملكه وكان حكم الباقي حكم ما لو كان معسرا) كما في المبسوط لأن
الميسور لا يسقط بالمعسور. ويحتمل العدم؛ لأصالة البراءة فيقصر خلافه على
اليقين، والنصوص إنما تضمنت القدرة على فك الجميع صريحا أو ضمنا.
(والمديون بقدر ماله) فصاعدا (معسر) فلا يجب عليه الفك؛ لأصالة
البراءة، وتقدم حقوق الديان ودخوله في الفقراء؛ لاستحقاقه الزكاة، ولأن كلا من
الدين والفك يتعلق بذمته لا بالمال، فلو وجب الفك وجب التقسيط، ولا تقسيط
هنا. والأقوى وفاقا للإرشاد أنه موسر، خصوصا مع تأجيل الديون؛ لعموم
النصوص (4) إذ يصدق عليه أن له مالا يسع الباقي وله التصرف في ماله بما شاء.
ويؤيده أنه لو استغرق بعض ديونه ماله فطالبه صاحب دين آخر وجب عليه
الأداء، وتردد فيه في التحرير.
(والمريض معسر فيما زاد على الثلث) إن لم ينفذ منجزاته إلا في
الثلث، فلا يسري عتقه إن نقص الثلث عن قيمة الباقي، إلا أن يزيد قبل الموت.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 20 ب 18 أن من أعتق مملوكا له...
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 24 ب 18 ان من أعتق مملوكا له... ح 13.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 115 ذيل الحديث 3438.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 20 ب 18 أن من أعتق مملوكا له...
378
(والميت معسر مطلقا) لانتقال تركته بالموت، فلا يسري عتقه الموصى به
وإن وفى الثلث بالبقية وفاقا للشيخ وابن إدريس. وسيأتي قول بالسراية إن وفى
الثلث.
(ولو أيسر) الشريك المعتق المعسر عن حصة الشريك كلا أو بعضا
(بعد) تمام (العتق) ليسعى العبد أو غيره (لم يتغير الحكم) ولم يكن عليه
من قيمة البقية شيء للعبد أو لمولاه؛ للأصل من غير معارض.
(وقيل) في النهاية: (إن قصد الإضرار) بالشريك (فكه) وجوبا (إن
كان موسرا، وبطل عتقه إن كان معسرا، وإن قصد القربة لم يقوم عليه، وإن
كان موسرا بل يستسعى العبد في قيمة الباقي) لحسن الحلبي وصحيحه أنه
سأل الصادق (عليه السلام) عن رجلين كان بينهما عبد فأعتق أحدهما نصيبه، فقال: إن كان
مضارا كلف أن يعتقه كله، وإلا استسعى العبد في النصف الآخر (1).
وصحيح محمد بن مسلم قال: للصادق (عليه السلام) رجل ورث غلاما وله فيه شركاء
فأعتق لوجه الله نصيبه، فقال: إذا أعتق نصيبه مضارة وهو موسر ضمن للورثة، وإذا
أعتق لوجه الله كان الغلام أعتق منه حصة من أعتقه ويستعملونه على قدر مالهم
فيه، قال: وإن أعتق الشريك مضارا وهو معسر فلا عتق له (2).
ودفع ما أورد عليه من منافاة قصد المضارة الإخلاص في التقرب بمنع
المنافاة، فإنه يقصد تقويم الحصة على الشريك وإعتاقه لوجه الله. وظني أن
المنافاة متحققة، لكن لا يبعد القول بوقوع العتق مع هذه الضميمة تغليبا للحرية،
ولوجود النص الصحيح من غير معارض.
وزاد في التهذيب (3) والاستبصار (4) استحباب شرائه الباقي وإعتاقه إذا لم



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 21 ب 18 أن من أعتق مملوكا له... ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 23 ب 18 أن من أعتق مملوكا له... ح 12.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 220 و221 ذيل الحديث 790.
(4) الاستبصار: ج 4 ص 4 ذيل الحديث 12.
379
يكن مضارا. وفي الخلاف اقتصر على التفصيل إذا كان معسرا، وألزمه القيمة إن
كان موسرا من غير تفصيل؛ لإطلاق الأخبار بتكليف الموسر ذلك.
(وقيل) في المبسوط (مع إعساره يستقر الرق في الباقي) لنحو
صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام): في جارية كانت بين اثنين فأعتق أحدهما
نصيبه، قال: إن كان موسرا كلف أن يضمن، وإن كان معسرا خدمت بالحصص (1).
وما تقدم من صحيح محمد بن مسلم.
والجواب: أن عليه الخدمة بالحصص ما لم يفك نفسه كما دلت عليه الأخبار
الأخر.
الشرط (الثاني أن يعتق باختياره) وفاقا للمشهور، لأن السراية خلاف
الأصل فيقصر على المنصوص (2). والنصوص إنما تضمنت الإعتاق (سواء
كان) اختيار العتق بإيقاعه بعد التملك اختيارا أو قهرا ولو بالتنكيل وإن حرم،
أو كان اختياره (بشراء أو اتهاب أو غيرهما) مما يختاره من أسباب التملك
وإن انعتق عليه بعده قهرا؛ لشمول الإعتاق لاختيار سبب العتق؛ لعدم الفرق بين
هذه الأسباب وصيغة العتق. وفي الصحيح عن محمد بن ميسر قال: للصادق (عليه السلام):
رجل أعطى رجلا ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم ذلك، قال: يقوم
فإن زاد درهم واحد عتق واستسعى الرجل (3).
(ولو ورث شقصا من أبيه) مثلا (لم يقوم عليه) الباقي (على رأي)
وفاقا للمشهور، ولعدم الاختيار. وخلافا للخلاف، واستدل بإجماع الفرقة
وأخبارهم.
(ولو اتهب أو اشترى) مثلا شقصا من أبيه مثلا (سرى) وإن لم يكن
يعلم الحكم أو كان أباه حين الاتهاب - مثلا - لاختياره السبب، وما سمعته من



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 22 ب 18 أن من أعتق مملوكا له... ح 7.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 24 ب 19 أنه يشترط في العتق الاختيار...
(3) وسائل الشيعة: ج 13 ص 188 ب 8 في أحكام المضاربة ح 1.
380
صحيح محمد بن ميسر. وأغرب أبو علي فحكم بالسراية إن ورث لا إن اتهب
أو قبل الوصية.
(ولو قبل الولي هبة أب الطفل عنه انعتق) لصحة الاتهاب وتملك الطفل
بقبول وليه.
(ولو قبل هبة البعض انعتق البعض، وفي التقويم) للبقية عليه
(إشكال، ينشأ من أن قبول الولي كقبوله كالوكيل) بل أقوى (ومن دخوله
في ملكه بغير اختياره) مع مخالفة السراية للأصل، فيقصر على المنصوص
وهو بالنسبة إلى المعتق، ونزول إعتاق الولي منزلة إعتاقه ممنوع، وهو الأقوى.
(فإن قلنا بوجوب التقويم لم يكن للولي قبوله) إن كان موسرا
(للضرر) وإن قبل لم ينفذ، إلا أن يكون تحمل هذا الضرر على الطفل أصلح له
(وكذا لا) يجوز للولي أن (يقبل الوصية) للطفل (ولا الهبة مع الضرر)
من غير أن يعارضه مصلحة (كما لو أوصى له بأبيه الفقير العاجز) عن
الاكتساب فإنه يوجب عليه نفقته.
(ولو كان الطفل أو المجنون معسرا جاز أن يقبل) عنه (الولي هبة
الشقص) من أبيه مثلا، إذ لا تقويم عليه قطعا.
الشرط (الثالث: أن لا يتعلق بمحل السراية حق لازم كالوقف) فإنه
يمنع من البيع، فلا يصح التقويم ولا الشراء إلا على القول بانتقال الوقف إلى
الموقوف عليه فاحتمل السراية؛ لعموم الأخبار (1) وثبوت بيع الوقف في موارد
فلعله منها، ولأنه انعتاق قهري، فيكون كما لو عمى أو جذم.
(والأقرب السراية في الرهن والكتابة والاستيلاد والتدبير) أي لا يمنع
منها شيء من هذه الحقوق اللازمة، لأن الملك أقوى منها فإذا لم يمنع من السراية
فهي أولى، ولتغليب الحرية. ويحتمل العدم؛ لكونها حقوقا لازمة مانعة من البيع.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 63 ب 64 أن من أعتق بعض مملوكه انعتق...
381
(ولو أعتقا دفعة لم يقوم حصة أحدهما على الآخر) للأصل،
والخروج عن النصوص.
(ولو ترتب) العتقان وتقدما على أداء السابق فيه حصة الآخر (فكذلك
إن شرطنا) في انعتاق نصيب الشريك (الأداء) لقيمة حصته (أو كان) المعتق
(الأول معسرا) أو غير مضار على القول المحكي فإنه يصح حينئذ إعتاق
المتأخر، ولا تقويم بعد إعتاقه، بخلاف ما إذا كان موسرا وحكمنا بعتق الكل
بإعتاقه فإنه يلغو المتأخر.
الشرط (الرابع: يمكن العتق من نصيبه أولا) أي في منطوق الصيغة وإن
كان في ضمن الجميع بأن أوقع عليه العتق (فلو أعتق نصيب شريكه كان
باطلا) إذ لا عتق قبل ملك، وإن قلنا هنا بالإعتاق تبعا لنصيبه فلا يصح جعله
متبوعا.
(ولو أعتق نصف العبد انصرف إلى نصيبه) حملا له على الصحيح
(ولزم التقويم) عليه والاعتاق للنصف الآخر، لكن لو ادعى أنه قصد النصف
الآخر صدق؛ للأصل. فإن نازعه العبد حلف، فإن نكل حلف العبد.
(ولو أعتق الجميع صح) في نصيبه أو في الجميع (ولزمه القيمة، ومع)
اجتماع (الشرائط) للسراية (هل يعتق أجمع باللفظ) أي صيغة عتق
نصيب نفسه دفعة، أو على التعاقب بأن ينعتق أولا نصيبه ثم يسري إلى الباقي
(أو بالأداء) لقيمة الباقي (أو يكون مراعى فإن أدى بان العتق من وقت
إيقاعه وإن لم يؤد بان استقرار الملك في نصيب شريكه لمالكه؟ إشكال)
من الأخبار (1) الناصة على أنه بإعتاق نصيبه أفسده على الشريك وتعليل
وجوب القيمة عليه بالإفساد، إذ لا إفساد ما لم ينعتق الكل. ولقوله (عليه السلام): إذا كان
العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه وكان له مال فقد عتق كله (2). وفي خبر آخر:



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 22 و23 ب 18 من أن من أعتق مملوكا له..... ح 5 و9.
(2) مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 11.
382
فهو حر كله (1). وفي خبر آخر: فهو عتيق (2). وهو خيرة السرائر.
ومن أنه لا عتق في غير ملك، وللاستصحاب وتضرر الشريك لو هرب المعتق
أو تلف ماله، ولقول الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن قيس: من كان شريكا في عبد
أو أمة قليل أو كثير فأعتق حصته وله سعة فليشتره من صاحبه فيعتقه كله (3).
ويؤيده أنه إن كان معسرا استقر الرق في الباقي ما لم يفكه المملوك بسعيه.
وهو خيرة الشيخين وجماعة.
ومن الجمع بين الأخبار، وهو خيرة المبسوط.
(ويتفرع على ذلك) الاختلاف (مسائل):
(أ: للشريك عتق حصته قبل الأداء إن شرطناه) في الانعتاق أو ظهوره،
أما على الأول فظاهر، وأما على الثاني فلأنه ما لم يؤد لم يظهر الانعتاق، والأصل
العدم، وهذا تعجيل عتق له كتعجيل عتق المكاتب وام الولد والمدبر. ويحتمل
ظهور البطلان إذا أدى (وإلا) نشترطه بل قلنا بالسراية (4) (فلا) يصح عتقه،
والوجه ظاهر. ويجوز أن يريد بالاشتراط اشتراطه في العتق، وبخلافه الباقيين.
ووجه عدم الصحة إن قلنا بالمراعاة أنه لا يصح إلا في ملك وهو غير معلوم،
أو المراد بعدم الصحة عدم القطع بها فيقطع بالعدم على القول بالعتق باللفظ،
ولا يقطع على الآخر بشيء.
(وليس له التصرف فيه بغير العتق) من هبة أو بيع أو نحوهما (على
القولين) أي الأقوال، فإنها بمنزلة قولين، فإن الثالث يرجع إلى الأول، وذلك
للتشبث بالحرية. ويقوى الجواز على اشتراط الأداء في العتق مع علم المعامل
بالحال بل مطلقا، ولكن يتخير إذا علم. ويجوز أن يريد بالقولين ما أراده بقوله:
" وإلا " على التفسير الأخير من القول الأول والثالث، ولا شبهة في أن عدم الجواز
عليهما أظهر.



(1) مسند أحمد بن حنبل: ج 5 ص 75.
(2) سنن النسائي: ج 7 ص 319.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 21 ب 18 أن من أعتق مملوكا له..... ح 3.
(4) في ن: " بالسراية باللفظ ".
383
(ب: تثبت الحرية في الجميع قبل الأداء إن لم نشترطه) في العتق، و
إن شرطناه في ظهوره (فترثه ورثته) إن مات ولو قبل الأداء (فإن فقدت
فالمعتق ولا شيء للشريك سوى القيمة) إذ لا ولاء له (وتثبت أحكام
الحرية من وجوب كمال الحد وغيره) بخلاف ما إذا شرطناه في العتق أو في
ظهوره إلا أنه على الثاني يظهر بالأداء أنه كان له أحكام الحر.
(ج: لو لم يؤد القيمة حتى أفلس عتق العبد أجمع وكانت القيمة في
ذمته يضرب بها الشريك مع الغرماء) إن فلس (إن لم نشترط الأداء) في
العتق (وإلا عتق النصيب خاصة) إلا أن يوسر ثانيا فيؤدي فينعتق الباقي
أو يظهر عتقه.
(د: لو أعتق حاملا فلم يؤد القيمة حتى وضعت فليس على المعتق
إلا قيمتها حين العتق) إن لم نشترط الأداء في العتق، وإن شرطناه في الظهور
وسرى العتق فيها وفي الحمل إن أتبعناها الحمل، وقيمتها حين العتق يتضمن ذلك.
(وإن شرطنا الأداء قوم الولد أيضا) يوم سقوطه (إن قلنا بالسراية في
الحمل) أي بتبعيته للحامل، فإنه كان انعتق منه حينئذ حصته، ولما اشترطنا الأداء
لم ينعتق الباقي ما لم يؤد، فحين الأداء يعتبر القيمة أول ما يكون له قيمة وهو يوم
السقوط، إذ لا قيمة للحمل كما مر غير مرة. هذا بناء على ما سنذكره من اعتبار
القيمة حين العتق، وإلا لم يتفاوت الحال على القولين، وكذا إن لم يتبع الحمل لم
ينعتق الولد على القولين، لكن يقوم عليه حاملا مجردة عن الحمل إن اعتبرنا
القيمة حين العتق مطلقا.
(ه‍: لو مات العبد قبل الأداء مات حرا وعليه القيمة إن لم نشترط
الأداء، وإلا) مات مبعضا ولم (يلزمه شيء) وللعامة قول بلزوم القيمة عليه
أيضا للزومها قبل الموت.
(و: لو ادعى أن شريكه أعتق نصيبه موسرا فأنكر حلف وكان نصيب
المنكر رقا) بيمينه (ونصيب المدعي حرا) بإقراره (مجانا) لليمين وإن

384
لم نشترط الأداء (ولو شرطنا الأداء بقي رقا أيضا، ولو نكل استحق
المدعي باليمين المردودة قيمة نصيبه ولم يعتق نصيب المدعى عليه) فإنه
إنما يثبت بها ما ادعاه لنفسه، فإن دعواه في حق العبد شهادة، واليمين المردودة
كالإقرار أو البينة في حق المدعي لا المشهود له.
(خاتمة)
(تعتبر القيمة يوم العتق) على القولين وفاقا للمبسوط فإنه يوم الإتلاف
أو الحيلولة بين المالك ومملوكه. وقيل: على اشتراط الأداء العبرة بأقصى القيم منه
إلى الأداء، لأن الإعتاق سبب يدوم أثره إلى التلف، فهو كجراحة دامت حتى مات
العبد. وقيل: يوم الأداء لأنه يوم التلف. ويضعفان بأن التلف هنا مأمور به شرعا
فهو غير مضمن، وإنما المضمن هو الإعتاق، ومن البين أنه لما أعتق نصيبه كلف
بأداء قيمة الباقي حينئذ فيستصحب.
(ولو مات) قبل الأداء (أخذ من تركته إن لم نشترط الأداء) في العتق
أو ظهوره، فإنه حينئذ من الديون اللازمة عليه.
(ولو هرب أو أفلس أخر) الأخذ (حتى يرجع أو يوسر وتؤخذ
القيمة) شرطنا الأداء أم لا، فإنها من الديون أو الحقوق اللازمة لا يفوت
بالتأخير، والظاهر بقاء الحجر على الشريك في غير العتق من التصرفات فيه إلى
الأداء أو اليأس منه. واحتمل ضعيفا ارتفاعه عنه حذرا من التعطيل عليه بغير بدل.
(ولو اختلفا في القيمة قدم قول المعتق مع يمينه) وفاقا لأبي علي للأصل.
(وقيل) في المبسوط: قدم قول (الشريك، لأنه ينتزع منه) نصيبه قهرا،
فيكون كما لو اختلف الشفيع والمشتري. وربما بنى الخلاف على الخلاف في
اشتراط الأداء وعدمه، إذ على الثاني يكون قد أتلف [فيقدم قوله في ما أتلفه،
وعلى الأول يكون الباقي] (1) ملكا ثابتا للشريك، فلا ينتزع منه إلا بما يقوله،



(1) ما بين المعقوفين زيادة من ق ون.
385
ولكن المحقق قدم قول المعتق مع شرطه الأداء.
(ولو ادعى) الشريك في العبد (صناعة تزيد قيمته) وأنكرها المعتق
(قدم قول المعتق قطعا) للأصل من غير معارض. وللعامة قول بتقديم الشريك
(إلا أن يكون العبد محسنا لها ولم يمض) من العتق (زمان يمكن تعلمه
فيه) عادة (فيقدم قول الشريك، وإن مضى زمان) يمكن فيه التعلم
(احتمل قويا تقديم قول المعتق) كما في المبسوط ونسبه إلينا (لأصالة
البراءة) وأصالة عدمها (و) احتمل تقديم (قول الشريك؛ لأصالة عدم
التجدد) أي أصالة تأخر العتق، وذلك إذا لم يعلم زمنه أو توزع فيه أو لما كان
ينتزع منه قهرا وكانت القيمة الآن زائدة كان القول قوله في عدم التجدد. هذا على
المختار من اعتبار قيمة يوم العتق.
(ولو اختلفا في عيب قدم قول الشريك مع يمينه) للأصل. وللعامة
قول بتقديم قول المعتق لأصل البراءة.
(ولو كان) العيب (موجودا واختلفا في تجدده احتمل تقديم قول
المعتق؛ لأصالة البراءة وعدم التجدد) أي تأخر العتق، أو لما كان يؤخذ منه
القيمة قهرا وقيمته الآن ناقصة كان القول قوله في عدم تجدد النقص، أو إذا أمكن
أن يكون في أصل الخلقة فالأصل عدم التجدد، أو لما كان الأصل البراءة كان
الأصل عدم التجدد.
(و) احتمل تقديم (قول الشريك؛ لأصالة براءته من العيب حين
الإعتاق) وإن كان مما يحتمل الكون في أصل الخلقة، فإن الأصل فيها الخلو من
العيب، وهو الأقوى.
(ولو) اشترك في العبد ثلاثة و (أعتق اثنان) منهم حصتهما (دفعة
قومت حصة الثالث عليهما بالسوية اختلفت حصتهما أو اتفقت)
لتساويهما في الإتلاف كجارحين جرح أحدهما جراحة والآخر جراحات
فسرت فإن الدية عليهما بالسوية. وللعامة قول بالتفاوت على نسبة الحصتين.

386
(ولو كان أحدهما معسرا قوم) تمام الباقي (على الموسر).
(ولو كان معسرا بالبعض قوم عليه بقدر ما يملكه وعلى الآخر
بالباقي) والكل ظاهر وإن ترتب ولم يؤد الأول شيئا فإن لم نشترط الأداء كان
الثاني لاغيا، وإن شرطناه صح عتقه. واحتمل التقويم عليهما كما لو أعتقا دفعة،
وعلى الأول خاصة فإن الثالث كان استحق قيمة نصيبه على الأول بإعتاقه،
فلا يتغير بإعتاق الثاني، وإنما يؤثر فيما استحق هو عليه، وهو أقوى.
(والولاء) على تقدير صحة عتقهما لهما (على قدر العتق، ولا فرق)
فيما ذكر من السراية وأحكامها (بين أن يكون الشريكان مسلمين أو كافرين
أو كان المعتق كافرا إن سوغنا عتق الكافر أو بالتفريق) فكان أحد
الشريكين مسلما والآخر كافرا؛ لعموم الأدلة.
(ولو أوصى بعتق بعض عبده أو بعتقه وليس له سواه) حتى ينزل
منزلة الوصية بعتق البعض أو أعتق البعض و (لم يقوم على الورثة باقيه) أي لم
يسر العتق في الباقي، وأولى بذلك إن كان مشتركا وفاقا للمبسوط والسرائر فإن
البعض خرج بالوصية عن ملكهم، وما أوقعوه من الإعتاق فإنما هو عن الميت،
فلا العبد كله ملك لهم ليسري العتق في الكل، ولا أعتقوا شقصهم من مشترك ليجب
عليهم استخلاص الكل، ولا الوصية بأن العتق (1) عتق ليسري مع أن السراية
خلاف الأصل، فيقصر على اليقين.
وفي النهاية: السراية إذا أوصى بالبعض أو كان مشتركا ووسع الثلث الكل
لسبق السبب على الموت.
وخبر أحمد بن زياد سأل الكاظم (عليه السلام) عن الرجل تحضره الوفاة وله المماليك
الخاصة بنفسه وله مماليك في شركة رجل آخر فيوصي في وصيته مماليكي
أحرار، ما حال مماليكه الذين في الشركة؟ قال: يقومون عليه إن كان ماله



(1) في المطبوع الحجري: " بالعتق ".
387
يحتمل ثم هم أحرار (1).
(وكذا لو أعتقه عند موته) أي في المرض (أعتق من الثلث) فإن لم
يف إلا ببعضه عتق البعض خاصة (ولم يقوم عليه) الباقي، لما مر من أنه معسر
فيما زاد على الثلث إلا على تنفيذ المنجزات من الأصل (والاعتبار بقيمة
الموصى به) أي بعتقه (بعد الوفاة) فإنه حين الإعتاق فلا عبرة بزيادتها أو
نقصانها قبله ولا بزيادتها قبله على الثلث أو نقصانها عنه (وبالمنجز عند
الإعتاق) فلا عبرة بما بعده وفاقا للشيخ وأبي علي وللمصنف قول باعتبار الوفاة
(والاعتبار في قيمة التركة بأقل الأمرين من حين الوفاة إلى حين قبض
الوارث، لأن التالف بعد الوفاة) قبل القبض (غير معتبر) أي غير محسوب
على الوارث، وأولى منه التالف قبل الوفاة (والزيادة) بعد الوفاة (نمت على
ملك الوارث) فلا يدخل في التركة.
(ولو ادعى كل من الشريكين الموسرين على صاحبه عتق نصيبه)
ولا بينة (حلفا واستقر الرق) عليه (بينهما إن قلنا: إنه ينعتق بالأداء وإن
قلنا): إنه ينعتق (بالإعتاق عتق) من غير أن يحلفا أخذا لهما بإقرارهما.
(ولو كانا معسرين) كان كل منهما شاهدا لعتق نصيب الآخر غير متهم، فلو
كانا (عدلين فللعبد أن يحلف مع كل واحد منهما) لعتق نصيب الآخر منه
(ويصير) جميعه (حرا أو يحلف مع أحدهما ويصير نصفه) إن كانت
الشركة بالتناصف (حرا، ولو كان أحدهما) خاصة (عدلا كان له ان يحلف
معه) ويصير نصفه حرا. وهذا كله لا يخالف ما سيأتي من أن العتق لا يثبت
بشاهد ويمين، فإن اليمين هنا لدفع السعي عن نفسه.
(وعلى ما اخترناه من الاستسعاء خرج نصيب كل منهما عن يده)
بادعاء الآخر (فيخرج العبد كله) عن أيديهما بالدعويين أو المراد بالخروج
المشارفة له، والمعنى خرج نصيب كل منهما عن استقرار يده عليه باعترافه،



(1) وسائل الشيعة: ج 13 ص 463 - 464 ب 74 حكم من أعتق مملوكه في مرضه... ح 2.
388
فيخرج كله عنه بإقراريهما (ويستسعى في قيمته) كله (لاعتراف كل منهما
بذلك) أي بأن للعبد فك نفسه بسعيه (في نصيبه) هذا على المختار من السعي
بجميع الكسب.
وأما إذا لم يملكه يمكنه السعي، إلا بما قابل من جزئه الحر من كسبه، فلا
يمكنه السعي هنا، فإن كلا منهما يأخذ من كسبه ما قابل نصيبه لإنكاره العتق فيه،
فلا يبقى منه ما يفك به. وعلى المختار إن كانا موسرين ففي الاستسعاء نظر، من
اعتراف كل منهما باستحقاق قيمة نصيبه من الآخر لا من العبد، ومن تعذر الأخذ
منه فيتنزل منزلة الإعسار، ولعله أقرب.
(وإن اشترى أحدهما) بعد ما ادعاه من العتق (نصيب صاحبه عتق
عليه) ذلك؛ لإقراره (ولم يسر إلى النصف الذي كان له، ولا يثبت له عليه
ولاء) بإزاء هذا الجزء، لأنه لم يصدر عتقه عنه، فإن مات ولم يكن له وارث
سواهما كان ماله مجهول المالك، فإن البائع يقول: إنه للمشتري لكونه عبده،
والمشتري يقول: إنه للبائع بالولاء.
قيل: ولكن للمشتري أن يأخذ منه بقدر ما أداه من الثمن، فإنه يدعي أن البائع
إنما أخذه ظلما وقد ظفر له بمال. وفيه أنه لم يدع الظلم بالنسبة إليه، وقد تبرع بما
أداه وأباحه للبائع.
(ولو أكذب نفسه في شهادته على شريكه) بالعتق (ليسترق ما
اشتراه منه) أو ما سيشتريه (لم يقبل) بالنسبة إليه، فإنه إنكار بعد الإقرار.
(أما الولاء) لو أعتقه (فله لأن على العبد) حينئذ (ولاء لا يدعيه
سواه) فيثبت له كما في سائر ما يدعيه من لا منازع له وإن تضمنت شهادته أولا
بإعتاق شريكه بطلان الولاء له في نصيب الشريك.
(وفيه إشكال) لذلك (أقربه انتفاء الولاء عنه، إذ ليس هو المعتق)
لهذا الجزء باعترافه أولا، فهو لا يدعي ولاء إلا بعد أن أقر بانتفائه عنه فلا يسمع.
(نعم يثبت له المال) الذي يتركه العبد (لاعتراف البائع له

389
بالاستحقاق) وهو أيضا يدعيه الآن، ولا يضر شهادته السابقة المتضمنة؛ لانتفاء
المال عنه، فإنه لم يكن حين الشهادة مال ينفيه، وحين حصول المال لا ينفيه
ولا منازع له فيه فيكون له (1). وفيه تردد وإن افترق المال والولاء بعدا عن الإقرار
وقربا. وبمكان من البعد ما في الإيضاح من أنه لم يفرض اعتراف المشتري، وإنما
احتمل ثبوت الولاء بمجرد الإكذاب تمسكا بأن للعبد بشهادته أولا ولاء ينكره
من شهد به له، فلا يثبت له، ولما أكذب نفسه كان بمنزلة من في يده مال فأقربه لزيد
فكذبه زيد ثم رجع وادعاه لنفسه فيكون الولاء له، ثم استقرب أن ليس الولاء له،
لأنه ليس بمعتق ولا وارث له لينتقل منه إليه، وإنما له المال. وعلى ما اختاره من
ثبوت المال له دون الولاء.
(فلو مات) المشتري (قبل العبد) ثم مات العبد (ورث العبد وارث
المال لا) وارث (الولاء) خاصة (فإن أكذب البائع نفسه) فأقر بعتق نصيبه
(بعد إكذاب المشتري نفسه قدم قول البائع) وإن كان مدعيا لفساد العقد،
لتصادقهما حينئذ على الفساد لإلغاء إكذاب المشتري، لكن لا ولاء له أخذا
بإقراره الأول.
وهل له المال؟ يحتمله، لأنه يدعيه وقد صدقه المشتري حيث ادعي عليه
العتق، ولا يسمع إكذابه نفسه ثانيا. والعدم، لأنه بالبيع الذي فعله أقر بأن المال
ليس له، فلا يسمع إكذابه نفسه ثانيا.
(ولو اشترى كل منهما نصيب صاحبه) بعد ما ذكر من التداعي (عتق
أجمع) باعترافهما (ولا ولاء لأحدهما عليه) لاقرارهما (فإن أعتق كل
منهما ما اشتراه ثم أكذب نفسه في شهادته) أو عكس (ثبت الولاء) لكل
منهما بالتقرب المتقدم، وفيه إشكال، وكذا لو انفرد به أحدهما ثبت له الولاء وكان
عليه فك الباقي إن أيسر أخذا بإقراره الثاني.



(1) عبارة " فيكون له " ليس في ق ون.
390
(ولو أقر كل منهما بأنه كان قد أعتق وصدق الآخر في شهادته بطل
البيعان) لتصادقهما على البطلان وإن أكذب كل منهما نفسه للإلغاء كما عرفت
(ولكل منهما الولاء على نصفه) قطعا إن أعتق كل منهما ما اشتراه لتحقق
إعتاق كل منهما إما قبل البيع أو بعده، واحتمالا إن لم يعتقا لتصادقهما الآن على
ذلك كما عرفت.
(ولو كان أحدهما معسرا والآخر موسرا) وتداعيا العتق (عتق
نصيب المعسر وحده) بمجرد التداعي (إن لم نشترط الأداء) في السراية،
لاتفاقهما حينئذ على عتقه.
(ولا تقبل شهادة المعسر عليه) أي الموسر أو العتق وإن كان عدلا للتهمة
(ويحلف الموسر) يمينا واحدة على عدم العتق (ويبرأ من القيمة والعتق
معا ولا ولاء لأحدهما في نصيب المعسر) وهو ظاهر.
(ولو أقام العبد شاهدا) على عتق نصيب الموسر (حلف معه وعتق
نصيب الموسر) أيضا.
(ولو أعتق المعسر من) الشركاء (الثلاثة نصيبه تحرر واستقر رق
الآخرين) على اشتراط الأداء وعدمه (إن لم نقل بالاستسعاء) مع الإعسار
كما يظهر من إطلاق بعض الأخبار (1).
(فإن أعتق الثاني نصيبه وكان موسرا سرى في حصة الثالث وكان
ثلثا الولاء للثاني) إن تساوت الحصص، لوقوع عتق الثلثين باختياره عتق
الثلث.
(وإذا دفع) الشريك (المعتق قيمة نصيب شريكه عتق بعد الدفع)
والانتقال إليه (ليقع العتق عن ملك ان قلنا) إنه إنما (ينعتق بالأداء) وقيل:
بل معه، لأنه الجزء الأخير لتمام علة العتق.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 20 ب 18 أن من أعتق مملوكا له فيه شريك...
391
(وكذا إذا دفع قيمة باقي قريبه) وكان قد ملك منه شقصا فانعتق عليه أو
قيمة تمامه فلا يتفاوت الحال في الانعتاق عليه قهرا، والخلاف في مقارنته لدفع
القيمة، لأنه لا يملك قريبه أو تأخره عنه، إذ لا عتق إلا في ملك، وهو الأقوى، فإنه
لا يملكه ملكا مستقرا (ولو) كان الشريك المعتق معسرا و (استسعى العبد)
فسعى وانعتق (ثم أيسر المعتق فلا رجوع للعبد عليه) بما أداه؛ للأصل من
غير معارض، وربما احتمل الرجوع على اشتراط الأداء.
(أما لو أيسر قبل الدفع) من العبد (فإنه يضمن القيمة) لإطلاق
الأخبار (1) بأنه يضمن القيمة؛ لإفساده على الشريك، وأصالة براءة العبد ما لم
يدفع، ونحو خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله سأل الصادق (عليه السلام) عن قوم ورثوا
عبدا جميعا فأعتق بعضهم نصيبه منه كيف يصنع بالذي عتق نصيبه منه هل يؤخذ
بما بقي؟ قال: نعم يؤخذ بما بقي منه بقيمته يوم أعتق (2) فإن الظاهر كون " أعتق "
بصيغة المعلوم، وأنه أخر الأداء وهو يعم ما لو كان التأخير للإعسار.
(وعلى ما اخترناه من السعاية الأقرب أنه قبلها مملوك في حصة
الشريك) للأصل، وكون العبد بالخيار في السعي، وإطلاق ما نطق به من
الأخبار (3) بأنه يخدم بالحصص إذا أعسر المعتق، وقول الباقر (عليه السلام) في خبر محمد
بن قيس: ثم يسعى العبد في حساب ما بقي حتى يعتق (4). وفي حسنه: قضى أمير
المؤمنين (عليه السلام) في عبد كان بين رجلين فحرر أحدهما نصفه وهو صغير وأمسك
الآخر نصفه، قال يقوم قيمة يوم حرر الأول، وأمر المحرر أن يسعى في نصفه الذي
لم يحرر حتى يقضيه (5).
(ويحتمل أن يكون حرا والمال في ذمته) لما تقدم من قوله (عليه السلام): ليس



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 20 ب 18 أن من أعتق مملوكا له فيه شريك...
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 22 ب 18 أن من أعتق مملوكا له فيه شريك..... ح 6.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 22 ب 18 أن من أعتق مملوكا له فيه شريك... ح 7.
(4) المصدر السابق: ص 21 ح 3.
(5) المصدر السابق: ص 21، ح 4.
392
لله شريك (1). ولا ينبغي أن يستخدمها ما عليه (فإذا مات) ولم يتم السعاية
(أخذ مولاه بقية السعاية) من تركته.
(وعلى الأول يرث بقدر الرقية) بل له من التركة بقدرها بلا إرث
(والساعي) على الأول (كالمكاتب المطلق ينعتق منه بقدر ما يؤدي)
للأصل، وتغليب الحرية، وظاهر قوله (عليه السلام): ثم يسعى العبد في حساب ما بقي
حتى يعتق.
(وإذا أثبتنا السعاية فإنه يستسعى حين أعتقه الأول، فإذا أعتق الثاني
لم يصح) عتقه (إن قلنا بتحريره بالأول) وثبوت المال في ذمته والسعاية
باقية عليه كما يظهر مما بعده، واستقرب سقوطها في التحرير بناء على أن الإعتاق
يقتضيه ووقوع الحرية به، وفساد إحدى النصيبين لا يقتضى فساد الاخرى، ولأن
الظاهر منه الإسقاط حيث يطلق (2) بالتحرير (وإلا صح) العتق (ولا سعاية عليه).
(ولو أعتق المعسر حصته فهاياه الثاني أو قاسمه كسبه ثم مات العبد
وفي يده مال) في مقابلة ما تحرر منه بالمهاياة والمقاسمة (لم يكن للمالك)
الثاني (فيه شيء) إلا أن يكون بقي من المقاسمة شيء لم يؤده إليه (لأنه) أي
ما في يده (حصل) له (بجزئه الحر) أي بإزائه، فلا ينافي ما أطلقوه من أن
المبعض يورث بحساب الحرية، ولا يعطى أنه لو ورث بجزئه الحر أو أوصى له لم
يكن للمولى منه شيء، مات أولا، هاياه أولا، فإن ذلك في يده بسبب الحرية لا
بإزائها، وهو داخل في الكسب النادر.
(ولو كان له نصف عبدين متساويين) في القيمة (ولا يملك غيرهما
فأعتق أحدهما سرى إلى نصيب شريكه) قطعا إن لم يستثن الخادم أو لم
يحتج إليه (لأنه) حينئذ (موسر بالنصف من الآخر) وأولى منه لو كان
الآخر أعلى قيمة (فإن أعتق الآخر) ولم يؤد إلى شريكه في الأول ليستخلصه



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 63، ب 64، أن من أعتق بعض مملوكه... ح 1 و2.
(2) في المطبوع الحجري، نطق.
393
(عتق، لأن وجوب القيمة) لبقية الأول عليه (لا يمنع) صحة (عتقه)
لغيره وإن انحصر فيه ماله؛ لتعلقها بالذمة دون العين (ولم يسر) عتق الثاني إلى
بقيته (لأنه) الآن (معسر).
(ولو أعتق) نصف (الثاني في مرضه لم يصح، لأن عليه دينا)
ولا مال له سواه، إلا أن يتجدد له المال أو زادت قيمته قبل الموت.
(المطلب الثاني: عتق القرابة)
(فمن ملك أحد أبعاضه أعني أصوله وفروعه) وإطلاق البعض على
الأصول تغليب وإن كان على الفروع أيضا تجوزا فإنه المعهود، أو إضافة الأبعاض
لأدنى ملابسة، أي كل من الأصل والفرع بعض من كل هو مجموعهما (عتق
عليه) اتفاقا (سواء دخل في ملكه باختياره أو بغير اختياره، وسواء كان
المالك رجلا أو امرأة) والأصل في ذلك النصوص، وهي كثيرة، كقول
أحدهما (عليهما السلام) في صحيح محمد بن مسلم: إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته
أو خالته عتقوا (1). وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبيد بن زرارة: لا يملك والدته
ولا والده ولا أخته ولا ابنة أخيه ولا ابنة أخته ولا عمته ولا خالته ويملك ما سوى
ذلك (2). وخبر أبي حمزة الثمالي سأله (عليه السلام) عن المرأة ما تملك من قرابتها؟ قال:
كل أحد إلا خمسة: أبوها وأمها وابنها وابنتها وزوجها (3).
وربما استدل بقوله تعالى: " وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا * إن كل من في
السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا " (4) وقوله تعالى: " وقالوا اتخذ الرحمن
ولدا سبحانه بل عباد مكرمون " (5).



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 9 ب 7 ان الرجل إذا ملك أحد الآباء ح 1.
(2) المصدر السابق: ح 5.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 13 ب 9 أن المرأة إذا ملكت أحد الآباء ح 1.
(4) مريم: 92 - 93.
(5) الأنبياء: 26.
394
(وكذا لو ملك الرجل إحدى المحرمات عليه نسبا) للأخبار كقول
الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير وأبي العباس وعبيد: إذا ملك الرجل والديه أو أخته
أو عمته أو خالته أو بنت أخيه وذكر أهل هذه الآية من النساء عتقوا جميعا (1)
(أو رضاعا) وفاقا للشيخ وجماعة، لقوله (عليه السلام): يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب (2). ونحوه قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير وأبي العباس وعبيد: ولا
يملك امه من الرضاعة ولا أخته ولا عمته ولا خالته إذا ملكن عتقن، وقال: ما
يحرم من النسب فإنه يحرم من الرضاع (3). وقوله في صحيح الحلبي وابن سنان
في امرأة أرضعت ابن جاريتها، قال: تعتقه (4). وحكى عليه الإجماع في الخلاف.
وخلافا للحسن وأبي علي والمفيد وسلار وابن إدريس للأصل وبعض
الأخبار كقول الصادق (عليه السلام) في خبر الحلبي: في بيع الأم من الرضاع، قال: لا بأس
بذلك إذا احتاج (5). وفي خبر عبد الله بن سنان: إذا اشترى الرجل أباه أو أخاه
فملكه فهو حر إلا ما كان من قبل الرضاع (6). وخبر إسحاق بن عمار سأل
الكاظم (عليه السلام) عن رجل كانت له خادمة فولدت جارية فأرضعت خادمه ابنا له
وأرضعت ام ولده ابنة خادمه فصار الرجل أبا بنت الخادم من الرضاع يبيعها؟ قال:
نعم إن شاء باعها فانتفع بثمنها (7).
والجواب: ضعفها عن معارضة الأخبار الأولة مع احتمال الأخير عود الضمير
على الخادمة التي أرضعت ابنه، والأول أن يراد ام ولده من الرضاع لا امه، والثاني
كون " إلا " بمعنى الواو، مع أن الاستثناء إنما يفيد عدم مساواة مجموع الأب



(1) وسائل الشيعة: ج 13، ص 29، ب 4، من أبواب بيع الحيوان ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 14، ص 282، ب 1، من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(3) وسائل الشيعة: ج 13، ص 29، ب 4، من أبواب بيع الحيوان ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 13 ص 29 ب 4 من أبواب بيع الحيوان ح 3.
(5) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 245 ح 886.
(6) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 245 ح 885.
(7) وسائل الشيعة: ج 14 ص 309 ب 19 من أبواب ما يحرم بالرضاع ح 2.
395
والأخ من الرضاع لهما من النسب، فيجوز أن يكون لعدم تأكد استحباب تحرير
الأخ منه كما يتأكد فيه من النسب.
(ولا ينعتق على المرأة سوى العمودين) بالاتفاق إلا في الزوج ففيه
خلاف تقدم، ويدل عليه مع الأصل خبر أبي حمزة سأل الصادق (عليه السلام) عن المرأة ما
تملك من قرابتها، قال: كل أحد إلا خمسة: أباها وأمها وابنها وابنتها وزوجها (1).
ولما لم يذكر من الرضاع إلا المحرمات على الرجل غير العمودين وكان
حكمها أيضا كذلك قال: (ولو ملك أحدهما) أي العمودين (من الرضاع من
ينعتق عليه لو كان نسبا) رجلا كان أو امرأة (عتق عليه) يعني ما ذكر،
والخلاف الخلاف والأقوى أنه لا حكم لقرابة الزنا، وفي الخنثى أنها كالمرأة
مالكة وكالرجل مملوكة؛ للأصل فيهما (و) لا (يثبت العتق) إلا (حين
يتحقق الملك) إذ لا عتق إلا في ملك، ولأن العقد لو اقتضى زوال الملك عن
البائع - مثلا - من غير أن يملكه المشتري لما قوم عليه إن اشترى بعضه ولما تبعه
أحكام البيع من الأرش وغيره، وللأخبار (2) لنطق الأكثر بأنه إذا ملك كذا انعتق
عليه، وأما ما في بعضها من نحو " لا يملك امه من الرضاع " (3) " ولا يملك الرجل
والديه ولا ولده ولا عمته ولا خالته " (4) فبمعنى الاستقرار. وإذا توقف العتق على
الملك وهما متضادان لا يمكن اجتماعهما في آن لزم القول بالملك آنا ثم العتق،
وهو خيرة المبسوط. وهنا قولان آخران: أحدهما أنه لا ملك، والآخر وقوع
الملك والعتق معا.
(ومن ينعتق عليه بالملك كله ينعتق) عليه (بعضه لو ملك ذلك



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 13 ب 9 أن المرأة إذا ملكت أحدا من الآباء... ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 6 ب 5 أنه لا يصح العتق قبل الملك.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 9 ب 7 أن الرجل إذا ملك أحد الآباء..... ذيل الحديث 5.
(4) وسائل الشيعة: ج 13 ص 29 ب 4 من أبواب بيع الحيوان، وج 16 ص 9 ب 7 أن الرجل
إذا ملك أحد الآباء.
396
البعض) لعموم الأدلة (ولا يقوم عليه) الباقي (لو كان معسرا) وإن ملكه
اختيارا (ولا مع يساره لو ملكه بغير اختياره) لما عرفت من شرط السراية
وفاقا للشيخ وجماعة، لقوله (عليه السلام): يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (1).
ونحو قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير وأبي العباس وعبيد ولا فارق (2).
(ولو ملكه مختارا موسرا فالأقرب) وفاقا للمبسوط (التقويم) عليه؛
لصدق أنه أعتق البعض اختيارا، فإن الإعتاق تحصيل العتق، وهو هنا بالملك.
ويحتمل العدم بناء على وقوعه قهرا بالملك، وليس الملك علة للعتق لتضادهما،
بل إنما حصل العتق بحكم الشارع، ولو سلم فقد وقع الخلاف في إسناد الفعل إلى
فاعل السبب، وفي أن القدرة على السبب قدرة على المسبب.
(وهل يقوم اختيار الوكيل) شراء بعض قريب الموكل الذي ينعتق عليه
(أو اختياره) ذلك (جاهلين) بأنه ممن ينعتق عليه (مقام اختياره عالما؟
فيه نظر) فالأول من أن إطلاق التوكيل يستلزم صحة الشراء المستلزم للعتق
ونزول اختيار الوكيل منزلة اختيار الموكل فوقع العتق باختياره فلزم التقويم، ومن
أن الظاهر أن الإذن لا يتناول مثله، لأن فيه إتلاف المال فيبطل، وإن صح فليس
اختيارا للعتق إلا مع العلم بأنه ينعتق، إذ لا معنى لاختياره إلا القصد إلى إيقاعه
وهو منتف. والثاني من الشك في أن اختياره الشراء المؤدي إلى العتق اختيار له
مع جهله بالتأدي إليه إن قلنا بكونه اختيارا له مع العلم. وصحيح محمد بن ميسر
قال للصادق (عليه السلام): رجل أعطى رجلا ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم
ذلك، قال: يقوم، فإن زاد درهم واحد عتق واستسعى الرجل (3).
(ولو أوصى له ببعض ولده فمات) بعد موت الموصي (قبل القبول
فقبله أخوه) أي الولد (له) أي للموصى له (سرى) في باقيه (على الميت



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 280 ب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 13 ص 29 ب 4 من أبواب بيع الحيوان ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 13 ص 188 ب 8 من أبواب المضاربة ح 1.
397
إن خرج) قيمة الباقي (من الثلث) لإعساره فيما زاد عليه، وذلك لتنزل قبوله
منزلة قبول الموصى له (فكأنه قبل في الحياة) وقبوله كاشف عن ملكه من
حين موت الموصي. وفيه أنه لا وجه لدخوله تحت نصوص السراية، وأن ينزل
قبول الوارث منزلة قبول مورثه وكشف عن ملكه حين مات الموصي.
(ولو أوصى له ببعض ابن أخيه فمات) وأخوه وارثه (فقبله أخوه له
لم يقوم) الباقي (على الأخ لأن الملك يحصل للميت) أولا، لقبول الوارث
له (ثم له) بالإرث (فكأنه حصل له) الملك (بغير اختياره، ويحتمل
التقويم) لأنه في الحقيقة حصل باختياره وإن بعد بواسطة (وكذا الاحتمال لو
رجع إليه بعض قريبه) الذي ينعتق عليه (برد عوضه بالعيب) كما لو باع
بعض أخيه بعين ثم مات البائع ولم يخلف إلا ابن أخيه ثم ظهر في العين عيب
فرده فرجع إليه البعض من أبيه؛ لاحتمال أنه إنما اختار رد العوض والرجوع
حصل بغير اختياره، وكون الرجوع أيضا باختياره بالواسطة.
(ولو اشترى هو وأجنبي صفقة قريبه) الذي ينعتق عليه (عتق كله مع
يساره وضمن قيمة حصة شريكه) لعموم الأدلة.
(ولو اشترى الزوج والولد امه) أي الولد (صفقة وهي حامل ببنت)
سرى على الولد في الأم و (قومت حصة الزوج) منها (على الابن وعتقت
البنت عليهما معا لأنها بنت الزوج وأخت الابن، وليس لأحدهما على
الآخر شيء) من قيمتها. (وكذا لو وهبت) الأم (لهما فقبلاها دفعة ولو
قبلها الابن أولا) وتأخر قبول الزوج لا على وجه يعتمد (عتقت) عليه (هي
وحملها) بعضها أصالة والبعض سراية (وغرم القيمة) لهذا البعض.
(وهل هي للزوج أو للواهب؟ إشكال) من تعلق حق الزوج بها وإسقاط
الواهب حقه منها، ومن حصول العتق قبل قبول الزوج والدخول في ملكه والملك
قبله للواهب فله القيمة، فإنه إذا تلف الموهوب قبل القبول بطلت الهبة و (أقربه
الثاني) للتلف قبل الانتقال فلا يجدي تعلق الحق به قبل التلف، والواهب إنما
أسقط حقه من العين مع أنه لا يتم الإسقاط إلا بتمام القبول (فله) أي للواهب

398
(نصف القيمتين) أي قيمتي الأم والبنت أي قيمة الأم حاملا لا مجردة عن
الحمل، إلا أن يعتبر القيمة حين الأداء ولم يؤد إلا بعد الوضع، فإنه يؤدي نصف
القيمتين حقيقة (وإلا فللزوج نصف قيمة الأم) حاملا مجردة عن الحمل، إلا
أن يعتبر حين الأداء وآخر فنصف قيمتها والدة، وليس عليه حينئذ نصف قيمة
الولد لانعتاقه عليه بقبوله، إلا على القول بعتق الجميع بمجرد عتق البعض إذا كان
المعتق موسرا من غير اشتراطه بالأداء فإنه يلغو قبول الزوج حينئذ، كما يلغو
إعتاق الشريك بعد إعتاق شريكه قبل الأداء.
(ولو قبل الزوج أولا عتق عليه الولد كله) وعليه قيمة نصفه (ثم إذا
قبل الابن عتقت عليه الأم كلها) وعليه نصف قيمتها (ويتقاصان) بما لهما
من نصفي الأم والولد (على الأول) وهو كون القيمة للمتهب (ويرد كل منهما
الفضل على صاحبه) إن فضلت إحدى القيمتين على الاخرى، وذلك إن ألغينا
قبول الابن للبنت؛ لانعتاقها بمجرد قبول الزوج، وإلا لم يكن له نصف قيمتها
(وكذا الوصية) للزوج والابن بأمه حاملا ببنت إن كان القبول ناقلا، إذ لو كان
كاشفا لم يتفاوت الحال بالاقتران والترتب.
(المطلب الثالث: القرعة)
(ومحلها الكثرة إذا حصل العتق لبعضهم) ولم يتعين (فمن أعتق أحد
عبيده ولم يعين) لفظا ولا نية أو لفظا خاصة (ثم مات قبله قيل: تعين
الوارث) بلا قرعة (وقيل): مع (القرعة) وقد تقدم.
(ومن أعتق في مرض الموت ثلاثة أعبد لا مال له سواهم دفعة اخرج
واحد بالقرعة) فيتعين العتق في كله أو بعضه أوفيه وفي بعض آخر يخرج بالقرعة.
(ولو رتب) العتق (بدئ بعتق الأول فإن زاد على الثلث نفذ بقدره
ولو نقص أكمل من الباقي بقدره، وكذا لو أوصى) بالعتق (على ترتيب)
بدئ بالأول ولا قرعة.

399
(ولو) رتب في الوصية لكن (اشتبه أو جمع) بينهم (أقرع) وكذا لو
رتب في المنجز فاشتبه (والتدبير كالوصية).
(ولو قال: الثلث من كل واحد منكم حر ففي إجراء القرعة) فيه
(إشكال) من أنه يسري العتق في كل منهم بعتق ثلثه لإيسار المولى، ولا يسري
في الكل لانحصار المال فيهم. ومن أنه لا سراية هنا، لأنه أتلف ثلث ماله دفعة
وهو معسر في الزائد، وهو أقرب كما مر في الوصايا.
(ولو) أعتق ثلاثة فصاعدا لا يملك غيرهم و (مات أحدهم) قبل موت
المولى أو قبض الوارث لم يتنزل (1) الميت منزلة المعدوم، لأنه مات بعد التحرير
بل (أقرع بين الميت والأحياء فإن خرجت على الميت حكم بموته حرا)
فمؤنة تجهيزه على وارثه أو في بيت المال كلا أو بعضا (وإلا) حكم بكونه
(رقا) فتجهيزه على ورثة المولى (ولا يحتسب من التركة) لتلفه قبل
القبض (ويقرع بين الحيين فيتحرر من تقع عليه القرعة) خاصة (إن وفى
بالثلث من التركة الباقية، ولو عجز أكمل الثلث من الآخر) معينا إن كانوا
ثلاثة وإلا فبالقرعة (فإن فضل منه) أي من الأول الذي خرجت القرعة بحريته
(شيء) بأن زاد على ثلث التركة الباقية (كان الفاضل رقا) فلو كانوا ثلاثة
متساوين قيمة عتق منه ثلثاه.
(ولو كان موته بعد قبض الورثة له حسب من التركة) كما في
المبسوط لدخوله في يد الوارث وضمانه، فاعتبر الثلث من التركة الأولى. وقيل:
بل لا يحسب منها كالأول، إذ ليس لهم التصرف فيه ما لم يظهر الحر من العبد.
(ولو دبرهم ومات أحدهم قبل المولى بطل تدبيره و) لم يحسب من
التركة بل (أقرع بين الحيين وأعتق من أحدهما ثلثهما) وثلثهما قد يكون
ثلثي الواحد وقد يزيد وقد ينقص، ولو مات بعد المولى قبل القبض أو بعده لم
يبطل تدبيره بل كان كما في المسألة المتقدمة.



(1) في ط: ينزل.
400
(ولو أعتق ثلاث إماء في مرض الموت ولا يملك سواهن أخرجت
واحدة بالقرعة، فإن كان بها حمل تجدد بعد الإعتاق فهو حر إجماعا) إلا
أن يكون أبوه عبدا واشترط الرقية وأجزناه (وإن كان سابقا فالأقرب الرقية)
لما عرفت من أن الحمل لا يتبع الحامل في العتق، خلافا للشيخ وأبي علي.
(ولو أوصى بعتق عبد) مثلا (فخرج من الثلث لزم الوارث إعتاقه،
فإن امتنع أعتقه الحاكم ويحكم بحريته من حين الإعتاق) إذ به يتم السبب
الشرعي لها (لا من حين الوفاة) فإن الوصية ليست من الإعتاق في شيء
(فما اكتسبه بينهما للوارث على رأي) وفاقا للمحقق لأنه بينهما رقيق له
فكسبه له، وخلافا للشيخ تمسكا بأن الإرث بعد الوصية، فالوصية والموت تما
سببا لخروج العبد عن ملك الوارث والكسب تابع، لكن لا يملكه العبد إلا بعد
العتق.
(ولو أعتق المريض شقصا) له (من عبد) مشترك (ثم مات معسرا
فلا تقويم) قطعا، وحد الإعسار عدم وفاء الثلث (فإن لم يكن) له (غيره)
أي الشقص (عتق ثلثه) أي ثلث الشقص خاصة.
(ولو خلف) ما يزيد بعد أداء قيمة الشقص الباقي (ضعف قيمة الشقص
الباقي قوم عليه وعتق على إشكال، ينشأ من انتقال التركة إلى الورثة)
بالموت حيث لا دين ولا وصية (فلا يبقى) للميت (شيء يقضى منه
للشريك) فيكون معسرا، ومن أن النص والفتوى دلا على أن من أعتق شركا له
عتق عليه الكل فصار قيمة الباقي دينا عليه.
(أما لو أوصى) بعتق الشقص (فالأقرب عدم التقويم) فإن الوصية
غير العتق فلا سراية حين الوصية ولا مال له حين العتق ولا تقويم على الوارث
فإنه يعتق عن الميت. ويحتمل التقويم ضعيفا بناء على أن الوصية بالشيء وصية
بلوازمه، والتقويم لازم لعتق الشقص، ولعموم ليس لله شريك (وكذا التدبير)
فإنه وصية.

401
(ولو) أعتق المريض مماليك أو أوصى به و (ظهر دين مستغرق بعد
الحكم بالحرية لخروجهم من الثلث ظاهرا حكم ببطلان العتق، فإن قال
الورثة: نحن نقضي الدين ونمضي العتق فالأقرب) وفاقا للشيخ (نفوذه،
لأن المانع) من نفوذه (الدين وقد سقط) بضمان الورثة أو أدائهم (ويحتمل
عدمه، لأن الدين مانع فوقع باطلا) حين وقع (ولا يصح بزوال المانع
بعده) إذ لا يكفي في تحقق الشيء، بل لابد فيه معه من وجود الموجب، ولا
يكفي وجوده حين كان المانع، وإنما يتم إن كان المانع مانعا من التأثير دون
استقراره، وتغليب الحرية يقوى الثاني.
(ولو وقعت القرعة على واحد من الثلاثة فأعتق ثم ظهر دين
يستغرق نصف التركة احتمل بطلان القرعة، لأن صاحب الدين شريك)
فيه، فلم يصح الإقراع والقسمة مع غيبته (و) احتمل (الصحة، ويرجع نصف
العبد رقا) فإنه إنما يبطل لو تضمن تضييع حق للشريك، وليس كذلك، فإنها إنما
عينت العتق، وإنما للدائن حق في نصف كل منهم، فإذا رجع نصف المقروع رقا فقد
جمع بين الحقين، هذا إن تعلق الدين بالتركة، وإلا فالصحة متعينة.
(ولو ظهر له مال بقدر ضعفهم بعد رقية اثنين أعتقوا أجمع) وإن
أعتقهم [وعرف الخلاف (1)] في مرضه ظهر صحته في الجميع (ويكون كسبهم
من حين الإعتاق لهم) لا من حين موت المولى الموصي بعتقهم كما عرفت
وعرفت الخلاف.
(وإن) كانوا (بيعوا) ظهر أنه (بطل البيع، وكذا لو) كانوا (زوجوهم
بغير إذنهم) وأجزنا ذلك لمولى العبد ظهر فساد التزويج، لأن الوارث ليس مولى
لهم (ولو) كان (تزوج أحدهم بغير إذن سيده) أي الوارث ظهر أنه (كان
نكاحه صحيحا) إذ لا ولاية له عليه.



(1) ما بيم المعقوفين ليس في ق ون.
402
(ولو ظهر له مال بقدر قيمتهم عتق ثلثاهم فيقرع بين الاثنين
الباقيين) إن نقص الأول عن الثلثين.
(ولو علق) في الصحة (نذر العتق بشرط وجد في مرضه أعتق من
صلب المال) لتقدم السبب وانتفاء التهمة. واحتمل في التحرير كونه من الثلث
لصدق كونه من منجزات المريض.
(ولو شهد بعض الورثة بعتق مملوك لهم مضى العتق في نصيبه) منه
(فإن شهد آخر) منهم (وكانا مرضيين نفذ العتق فيه أجمع) وكذا لو حلف
مع شهادة واحد مرضي كما مر (وإلا مضى في نصيبهما) خاصة (ولا يكلف
أحدهما شراء الباقي) لأنهما لم يعتقا، ولكن يستسعى المملوك، لصحيح محمد
ابن مسلم سأل أحدهما (عليهما السلام) عن رجل ترك مملوكا بين نفر فشهد أحدهم أن
الميت أعتقه، قال إن كان الشاهد مرضيا لم يضمن، وجازت شهادته، واستسعى
العبد فيما كان للورثة (1). ونحوه خبر منصور عن الصادق (عليه السلام) (2).
(ولو شهد اثنان) مرضيان (على رجل بعتق شقص قوم عليه الباقي،
فإن رجعا) بعد الغرم (غرما قيمة العبد أجمع لأنهما فوتا عليه نصيبه
وقيمة نصيب شريكه) إلا أن يشهد آخران بعتقه قبل شهادتهما فيسقط الضمان.
(ولو شهدا على المريض بعتق عبد هو ثلث تركته فحكم الحاكم
بعتقه ثم شهد آخران بعتق آخر هو ثلث) تركته (ثم رجع الأولان فإن
سبق تاريخ) متعلق (شهادتهما ولم يكذب الورثة رجوعهما) بشرط أن لا
يصدقوه أيضا بل يسكتوا، والأظهر ولم يصدق (عتق الأول) عملا بالحجة
الشرعية من غير معارض، فإن الشهادة الثانية لا تعارضها لضبط التاريخ،
وخصوصا إذا كذبوا الرجوع وصدقوا الشهادة (و) لما رجعا بعد الحكم (لم
يقبل رجوعهما ولم يغرما شيئا) للورثة ولا للعبد الثاني؛ للأصل، وعدم



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 55 ب 52 أن أحد الورثة لو شهد... ح 1.
(2) المصدر السابق: ص 56 ح 2.
403
تفويتهما شرعا على أحد شيء، لحكم الشرع بعتق الأول ورق الثاني.
(ويحتمل) قويا (إلزامهما بشراء الثاني) بمهما كان من الثمن
(وعتقه) وضمانهما منافعه (لأنهما منعا عتقه بشهادتهما المرجوع عنها)
أي مع اعترافهما بكذبها فاعترفا بالتفويت عليه، ويلزم الورثة الرضا؛ لقيام الحجة
الشرعية بعتقه بدون معارض، وقد يمنع إلزامها بذلك وتغريمهما لما أن السبب في
عدم انعتاقه قصور الثلث مع عدم إجازة الوارث لا شهادتهما الكاذبة، وضعفه ظاهر.
(وإن صدقوهما في الرجوع وكذبوهما في شهادتهما عتق الثاني)
لأنه ثبت عتق عبد هو ثلث، وإنما النزاع في التعيين، فلما كذبوا البينة الأولى
فكأنهم وافقوا الثانية في عتق الثاني (ورجعوا عليهما بقيمة الأول لأنهما فوتا
رقه عليهم بشهادتهما المرجوع عنها) فإن أخذوا القيمة ثم عتقوا تمام الثاني
لأنه ثلث التركة وإلا كان أعسر الشاهدان كان الأول تالفا من التركة وعتق من
الثاني ثلث الباقي منها.
(وإن تأخر) تاريخ شهادة الأولين عن تاريخ شهادة الثانيين (بطل عتق
المحكوم بعتقه) لقيام الحجة الشرعية بما ينافيه من غير معارض لها (ولم
يغرما شيئا) كذبا أنفسهما أم لا.
(ولو كانتا) أي البينتان (مطلقتين أو إحداهما أو اتفق التاريخان
أقرع) لحصول العلم بما اتفقا عليه من عتق عبد هو ثلث، والإبهام في عينه
لتعارضهما إذ لا عبرة برجوعهما في حق الغير وهو العبد الأول، ولا مخلص إلا
بالقرعة، ولابد من أن يراد باتفاق التاريخين الاتفاق عرفا، فإنه مع الاتفاق حقيقة
يثبت وقوع العتق عليهما معا في آن وهو يستلزم عتق نصف كل منهما بلا قرعة، إلا
أن يقال بالسراية فتجري القرعة كما احتمله فيما إذا أعتق ثلث كل واحد من ثلاثة
أعبد لا مال له سواهم.
وإذا أقرع (فإن خرجت على الثاني عتق وبطل) عتق (الأول)
لقيام الحجة بما ينافيه إلا أن يكذب الورثة شهادة الأخيرين بالتقريب الآتي

404
(ولا غرم) على الأولين، وهو ظاهر، ولا على الثانيين وإن كذبوهما، إذ لا بينة
لهم على الإتلاف بغير حق، ولأنه يحكم بعتق الثاني مع التكذيب (وإن خرجت
على الأول عتق) أي ظهر صحة عتقه.
(ثم الورثة إن كذبوا الأولين في شهادتهما عتق الثاني) إن لم يكذبوا
الأخيرين أيضا، لأن تكذيبهم مع حصول العلم بعتق عبد هو ثلث بمنزلة الاعتراف
بعتق الثاني للانحصار فيهما (ورجعوا على الشاهدين بقيمة الأول لتفويت)
الشاهدين (رقه بغير حق) باعترافهما (وإن كذبوهما في رجوعهما لم
يرجعوا) عليهما (بشئ) لاعترافهم بأنهما لم يفوتا عليهم بغير حق.
(خاتمة في كيفية القرعة):
إذا احتيج إليها (إذا أعتق ثلث عبيده) ولم يعين (أو أعتقهم أجمع
مريضا) أو أوصى به (ولا مال) له (غيرهم) احتيج إلى القرعة، وتختلف
الكيفية باختلاف الفروض (فالفروض ستة):
(الأول: أن يكون لهم ثلث صحيح) عددا وقيمة (كثلاثة أو ستة أو
تسعة وقيمتهم واحدة ولا مال له سواهم فيقسمون ثلاثة أقسام) متساوية
عددا وقيمة (قسما للحرية وآخرين للرقية ويكتب ثلاث رقاع في واحدة
حرية وفي آخرين رقية ويستر) الرقاع (ثم يقال لرجل لم يحضر) أو كان
في حكمه من عدم العلم بالحال وكونه أمينا: (أخرج على اسم هذا القسم، فإن
خرجت رقعة الحرية عتق، وإن خرجت رقعة الرق رق وأخرجت اخرى
على) اسم (1) (آخر، فإن خرجت رقعة الحرية عتق ورق الثالث، وإن
خرجت رقعة الرق عتق الثالث) قطعا (أو يكتب اسم كل قسم) واحدا أو
أكثر (في رقعة ثم يخرج رقعة على الحرية فيعتق المسمون فيها ويرق
الباقيان، وإن اخرج على الرقية) جاز و (رق المسمون فيها ثم يخرج
اخرى على الرق فيرق المسمون فيها ويعتق الثالث، وإن اخرج) الأولى



(1) في ق ون: " قسم ".
405
على الرقية و (الثانية على الحرية) جاز أيضا و (عتق المسمون فيها ورق
الثالث) لكنهما يشتملان على ما لا حاجة إليه، والأولى إفراد كل واحد برقعة كما
سيأتي (الثاني: يمكن قسمتهم أثلاثا) عددا وقيمة (وقيمتهم مختلفة) لكن
(يمكن التعديل فيها كستة قيمة كل واحد من اثنين) منهم (ثلاثة آلاف
و) قيمة (كل واحد من الآخرين ألفان وقيمة كل من الباقيين ألف) فتكون
التركة اثنى عشر، ويمكن أن يجعل كل عبدين ثلث التركة بالقيمة (فيجعل
الأوسطين جزء) إذ قيمتهما أربعة آلاف، هي الثلث و (واحدا من الأولين
وآخر من الآخرين جزء، وكذا) يجعل الجزء (الثالث) الآخر من الأوليين
وآخر من الآخرين (ويعتمد القرعة كما تقدم) من أحد الوجهين.
(الثالث: أن يكون عددهم) إذا قسموا أثلاثا (متساويا و) لكن
(قيمتهم مختلفة، ولا يمكن الجمع بين تعديلهم في العدد والقيمة معا، بل)
إنما يمكن التعديل (بكل منهما) أي العدد والقيمة (منفردا كأن) يكونوا ستة
و (يكون قيمة أحدهم ألفا وقيمة آخرين ألفا وقيمة ثلاثة ألفا) وإنما
يعتبر (التعديل بالقيمة لا بالعدد) فإن العبرة بثلث التركة قيمة، خلافا لبعض
العامة فاعتبر العدد في التعديل لكن يوافقنا في أنه لا يعتق إلا الثلث قيمة
(فيجعل الذي قيمته قيمة ألف جزء واللذين قيمتهما ألف جزء والثلاثة
الاخر جزء ثم يقرع كما تقدم) من الوجهين.
(الرابع: أن يمكن تعديلهم بالقيمة دون العدد كسبعة قيمة أحدهم ألف
وقيمة اثنين ألف وقيمة أربعة ألف فيعدلون بالقيمة أيضا) ويقرع بأحد
الوجهين.
(الخامس: أن يمكن تعديلهم بالعدد دون القيمة كستة قيمة اثنين
ألف) تساوت قيمتهما أم لا، وكذا الباقي، لكن مع الاختلاف يجب أن لا يتحقق
فيهم اثنان قيمتهما ألف إلا مرة، وكذا الباقيان (وقيمة اثنين سبعمائة وقيمة
اثنين خمسمائة فيقسمهم أثلاثا بالعدد) على وجه يتقاربون في القيمة

406
(فيجعل كل اثنين) يقارب القسمين الباقيين قيمة (قسما فيجعل
المتوسطين) اللذين قيمتهما سبعمائة (جزء وواحدا من الأقل مع واحد من
إلا رفع جزء ويقرع) كما تقدم (فإذا خرجت الحرية على جزء قيمته أكثر
من الثلث) كغير المتوسطين (أعيدت القرعة بينهما فيعتق من يخرجه)
بتمامه (ومن الآخر تتمة الثلث) لا كله (فإن خرجت على) جزء قيمته
(أقل) من الثلث (عتقا وأكمل الثلث من) الجزءين (الباقيين بالقرعة)
المشتملة على الحرية يخرج باسم واحد.
(السادس: أن لا يمكن تعديلهم لا بالعدد ولا بالقيمة كخمسة قيمة
واحد) منهم (ألف و) قيمة (اثنين ألف) أحدهما ثلاثمائة مثلا والآخر
سبعمائة (و) قيمة (اثنين ثلاثة آلاف) قيمة أحدهما ألف وثمانمائة مثلا
والآخر ألف ومائتان.
(فيحتمل تجزء تهم ثلاثة) أجزاء (الأكثر قيمة) وهو الواحد الذي
قيمته ألف وثمانمائة (جزء ويضم إلى الثاني) وهو ما قيمته ألف ومائتان
(أقل) الاثنين (الباقيين) اللذين قيمتهما ألف (قيمة) وهو ما قيمته ثلاثمائة
(وتجعلهما جزء والباقيين) وهو ما قيمته سبعمائة وما قيمته ألف (جزء)
فجزء واحد قيمته ألف وثمانمائة، وآخر اثنان قيمتهما ألف وخمسمائة، و
آخر اثنان قيمتهما ألف وسبعمائة (ثم يقرع بسهم حرية وسهم رق ويعدل
الثلث بالقيمة كما تقدم) من أنه إن خرجت القرعة على جزء قيمته أقل من
الثلث عتق جميعه وأكمل الثلث من الجزءين الباقيين بإخراج قرعة الحرية باسم
واحد، وإن خرجت على ما قيمته أكثر فإن كان واحدا كما فرضناه عتق منه بقدر
الثلث، وإن تعدد أقرع ثانيا بينهما فمن خرج عتق بتمامه مع جزء من الآخر.
(ويحتمل عدم التجزئة بل يخرج القرعة على واحد واحد حتى
يستوفي الثلث) من واحد أو أكثر (فيكتب خمس رقاع بأسمائهم ثم
يخرج على الحرية) أو خمس رقاع اثنتان بالحرية وثلاث بالرق ويخرج على

407
أسمائهم (فإن كان الخارج) باسمه أو على اسمه (بقدر الثلث عتق وإن
زاد) عليه عتق بقدره و (استسعى في الباقي، وإن نقص) عنه عتق و (أكمل
من البواقي بقدر الثلث بالقرعة، والأقرب عندي استعمال الأخير في جميع
الفروض) لأنه أقرب إلى التعيين فإنه إذا جمع اثنان فصاعدا في قرعة احتمل
عتق واحد دون الباقي، ولا يندفع إلا بالإقرار، وحينئذ أمكن في الثاني أن ينعتق
ثلاثة منهم، ولا يندفع هذا الوجه في الثالث والرابع بأنه يجوز أن يتبعض العبد،
بخلاف الوجه الأول فإنه يوجب العتق تاما، إذ لا دليل على الترجيح من هذه
الجهة، ولا بما روي: أن أنصاريا أعتق ستة لا مال له سواهم فجزأهم النبي (صلى الله عليه وآله)
ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين (1) لضعف الخبر، وعدم تعيينه للإقراع كذلك.
(ولو كان له مال) غير العبيد يكون (ضعف قيمة العبيد) أو أكثر
(عتقوا وإن كان أقل) من الضعف (عتق قدر ثلث المال من العبيد، فإذا
كان العبيد نصف المال عتق ثلثاهم، وإن كانوا ثلثيه عتق نصفهم، وإن كانوا
ثلاثة أرباعه عتق أربعة أتساعهم) فإنا نبسط المال أثلاثا يكون اثنا عشر،
ثلاثة منها غير العبيد والعتق معتبر في ثلثها وهو أربعة من الاثني عشر جزء من
تمام المال، ومن تسعة من العبيد.
(وطريقه) أي الضابط لما يعتق منهم إذا كان له مال سواهم (أن تضرب
قيمة العبيد في ثلاثة) لكون المقصود هو الثلث (ثم ينسب إليه) أي إلى
الحاصل (مبلغ التركة، فما خرج بالنسبة عتق من العبيد مثلها، فلو كانت
قيمتهم ألفا والباقي ألف ضربت قيمة العبيد في ثلاثة يكون ثلاثة آلاف ثم
ينسب إليها الألفين فيكون ثلثيها، فيعتق) من العبد (الثلثان) وهو ثلث التركة.
(ولو كانت قيمتهم ثلاثة آلاف والباقي ألف ضربنا قيمتهم في ثلاثة
تصير تسعة آلاف وينسب إليها التركة أجمع) وهي أربعة آلاف (فيكون
أربعة أتساعها فيعتق أربعة أتساعهم) وهي ثلث التركة التي هي اثنا عشر.



(1) سنن البيهقي: ج 10 ص 285.
408
(ولو كانت قيمتهم أربعة آلاف والباقي ألف عتق ربعهم وسدسهم)
فإنا نضرب الأربعة في الثلاثة يكون اثنا عشر وينسب إليها الخمسة يكون ربعها
وسدسها.
(ولو) لم يكن له مال سواهم و (كان عليه دين بقدر نصفهم) مثلا
(قسموا نصفين وكتب رقعتان رقعة للدين ورقعة للتركة) أو رقعتان
للنصفين ويخرج على الدين، والأولى أن يكتب رقاع بعددهم فيخرج على الدين
واحد واحد حتى يستوفى (فيباع من يخرج للدين ويبقى الباقي جميع
التركة) وإن استلزم ذلك تشطير عبد يضر بالورثة أو يوجب نقص قيمته اختير
للدين غيره بلا قرعة إن انحصر، وإلا فبالقرعة، وإذا تعين الباقي تركة (يعتق
ثلثهم بالقرعة) كما تقدم.
(ولا يجوز القرعة بما فيه خطر) أي خوف تلف أي بأمر غير مضبوط
(مثل إن طار غراب ففلان يتعين للحرية) لعدم ورود الشرع بمثل ذلك. نعم
يحتمل جوازها بنحو النوى والحصى للضبط، والخبر بأنه (عليه السلام) أقرع بالبعر مرة
وبالنوى اخرى (1) لكن الأحوط بالكتابة في رقاع، وينبغي أن يتساوى وأن يجعل
في بنادق وأن يغطى بثوب زيادة في الإبهام وبعدا عن التهمة.
(المطلب الرابع في الولاء)
(ومباحثه ثلاثة):
(الأول: في سببه)
(وسببه التبرع بالعتق) بالنص كقول الصادق (عليه السلام) في خبر إسماعيل بن
الفضل: إذا أعتق لله فهو مولى للذي أعتقه (2). والإجماع كما في الانتصار والغنية
والسرائر (إذا لم يتبرأ من ضمان الجريرة وإن كان) العتق (بعد الموت
كالتدبير، فلو لم يتبرع بل أعتق في واجب كالنذر والكفارة والكتابة



(1) لم نعثر عليه. (2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 39 ب 36 من أعتق وجعل..... ح 1.
409
وشراء العبد نفسه والاستيلاد على رأي) وفاقا لابن إدريس (والعتق
بعوض) من العتيق أو غيره كأن يعتقه ويشترط عليه مالا أو قيل له: أعتق عبدك
ولك علي كذا (وعتق القرابة على رأي) وفاقا لابن إدريس وابن الجنيد
(سقط) ويدل على السقوط في العتق في كفارة أو نذر مع الأصل والإجماع كما
في الانتصار والغنية النصوص، كقول الباقر (عليه السلام) لعمار بن أبي الأحوص: انظر في
القرآن فما كان فيه تحرير رقبة فذلك، يا عمار السائبة التي لا ولاء لأحد من
المسلمين عليه إلا الله عز وجل، فما كان ولاؤه لله عز وجل فهو لرسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن ولاءه للإمام وجنايته على الإمام وميراثه له (1)
ولبريد بن معاوية في الصحيح: إن كانت الرقبة التي كانت على أبيه في نذر أو شكر
أو كانت واجبة عليه فإن المعتق سائبة لا سبيل لأحد عليه (2) وأما صحيح أبي
بصير سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يعتق الرجل في كفارة يمين أو ظهار لمن
يكون الولاء؟ قال: للذي يعتق (3). فيحتمل البناء للمفعول أي له يضعه حيث يشاء.
وأما السقوط عن المكاتب فلانتفاء التبرع، بل هو بمنزلة شراء (4) نفسه،
ولحسن ابن أبي عمير أرسله عن الصادق (عليه السلام): في رجل كاتب مملوكة واشترط
عليها أن ميراثها له، فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأبطل شرطه وقال: شرط
الله قبل شرطك (5).
وفي الخلاف والإيجاز والمبسوط والسرائر والوسيلة والغنية والجامع
والإصباح والتحرير: ثبوته مع الشرط، ونفى عنه الخلاف في السرائر، ويدل عليه
مرسل أبان سأل الصادق (عليه السلام) عن المكاتب فقال: يجوز عليه ما اشترطت عليه (6).



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 48 ب 43 أن المعتق واجبا سائبة... ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 45 ب 40 أن المعتق إذا مات... ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 49 ب 43 أن المعتق واجبا... ح 5.
(4) في ق ون: " شرائه ".
(5) وسائل الشيعة: ج 16 ص 97 ب 15 أن من شرط ميراث... ح 1.
(6) وسائل الشيعة: ج 16 ص 86 ب 4 أن المكاتب المطلق... ح 4.
410
وقول الباقر (عليه السلام) في حسن محمد بن قيس: إن اشترط السيد ولاء المكاتب فأقر
الذي كوتب فله ولاؤه (1). وفي صحيحه: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتب
اشترط عليه ولاؤه إذا أعتق فنكح وليدة لرجل آخر فولدت له ولدا فحرر ولده ثم
توفي المكاتب فورثه ولده فاختلفوا في ولده من يرثه؟ قال: فألحق ولده بموالي
أبيه (2). وفي خبر ابن سنان: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيمن كاتب عبدا أن يشترط
ولاؤه إذا كاتبه (3). ويجوز أن يكون ما تقدم من إبطال الشرط لوجود قريب يرثه.
وأما السقوط إذا اشترى العبد نفسه فللأصل، وانتفاء التبرع.
وفي المبسوط والخلاف والوسيلة والجامع: ثبوته مع الشرط؛ لعموم المؤمنون
عند شروطهم، وكونه كالمكاتبة مع الشرط.
وأما عن ام الولد فلانعتاقها بعد المولى من نصيب الولد وجوبا مع نص
الأخبار بأن الولاء لمن أعتق (4) وأن المعتق هو المولى (5).
وفي المبسوط والوسيلة: ثبوته عليها.
وأما في العتق بعوض فللأصل مع انتفاء التبرع.
وأما في تملك من ينعتق عليه فلذلك، ولقولهم (عليهم السلام): الولاء لمن أعتق (6).
وفي المبسوط والوسيلة: ثبوته؛ لعموم الخبر، فإن اختيار التملك إعتاق، وفيه
أنه خلاف المتبادر مع أنه قد لا يكون التملك بالاختيار إلا أن يستثنى. ولخبر
سماعة عن الصادق (عليه السلام): يملك ذا رحمه هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟ قال:
لا يصلح له أن يبيعه ولا يتخذه عبدا وهو مولاه وأخوه في الدين، وأيهما مات



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 97 ب 16 حكم ولاء... ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 98 ب 16 حكم ولاء... ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 49 ب 43 أن المعتق واجبا... ح 3.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 38 ب 35 أن الميراث والولاء...
(5) وسائل الشيعة: ج 16 ص 41 ب 38 أن ولاء الولد...
(6) وسائل الشيعة: ج 16 ص 38 ب 35 أن الميراث والولاء...
411
ورثه صاحبه، إلا أن يكون له وارث أقرب إليه منه (1). وهو مع الضعف يحتمل
الولاية والإرث للقرابة، وكون ذي الرحم ممن لا ينعتق عليه وعدم الصلاحية على
الكراهية.
(وكذا) يسقط الولاء (لو تبرع بالعتق وشرط) في الصيغة كما في النهاية
والسرائر والتحرير (سقوط ضمان الجريرة) بالإجماع كما في الخلاف
والنصوص، ففي الصحيح عن أبي بصير أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن المملوك يعتق
سائبة، قال: يتولى من شاء وعلى من تولى جريرته وله ميراثه، قيل: فإن سكت
حتى يموت ولم يترك أحدا، قال: يجعل ماله في بيت مال المسلمين (2).
(والأقرب) وفاقا لإطلاق الخلاف والمبسوط (أنه لا يشترط في
سقوطه الإشهاد بالبراءة) للأصل، وخلافا للنهاية والسرائر والجامع، لقول
الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: من أعتق رجلا سائبة فليس عليه من جريرته
شيء، وليس له من الميراث شيء وليشهد على ذلك (3) وخبر أبي الربيع أنه
سأل (عليه السلام) عن السائبة، فقال: الرجل يعتق غلامه ويقول: إذهب حيث شئت ليس
لي من ميراثك شيء ولا علي من جريرتك شيء، ويشهد على ذلك شاهدين (4).
وغايتهما الأمر بالإشهاد، ودخوله في الثاني في تعريف السائبة ممنوع.
(ولو نكل به فانعتق) بالتنكيل (فلا ولاء) له بلا خلاف، للأصل
والانعتاق قهرا، وقول الباقر (عليه السلام) في صحيح أبي بصير: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)
فيمن نكل بمملوكه أنه حر لا سبيل له عليه سائبة يذهب فيتولى إلى من أحب،
فإذا ضمن حدثه فهو يرثه (5).



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 16 ب 13 كراهة تملك ذوي الأرحام.... ح 5.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 46 ب 41 أن المعتق سائبة... ذيل ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 46 ب 41 أن المعتق سائبة... ح 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 48 ب 43 أن المعتق واجبا.... ح 2.
(5) وسائل الشيعة: ج 16 ص 26 ب 22 أن المملوك إذا مثل به.... ح 2.
412
(وحقيقة الولاء) كما روي عنه (عليه السلام) (لحمة كلحمة النسب) في
المخالطة والتسبب للإرث، وأنه لا يباع ولا يوهب (1) ولعل السر المشابهة
بالنسب (2) للوجود (3) (فإن المعتق سبب لوجود الرقيق لنفسه كالأب، و)
الأصحاب والأخبار (4) ناطقة بأن (المولى إما المعتق أو معتق الأب وان علا
أو معتق الأم) وإن علت. فعن الصادق (عليه السلام) في صحيح العيص: ولاء ولده لمن
أعتقه (5). وقوله (عليه السلام) لعمة الحسن بن مسلم: إنما المولى الذي جرت عليه النعمة،
فإذا جرت على أبيه وجده فهو ابن عمك وأخوك (6) محمول على الإطلاق عرفا لا
الحكم الشرعي. وكذا قوله في خبر حذيفة بن منصور: المعتق هو المولى والولد
ينتمي إلى من شاء (7). (أو معتق المعتق وهكذا) كما يقتضيه شبهه بالنسب.
(ثم) إنه (يسري الولاء إلى أولاد المعتق) أو المعتقة (إلا أن يكون
فيهم) حر الأصل، بأن يسلم قبل أن يسبى دون أبويه فسبيا أو أحدهما فيعتقا،
أو يكون فيهم (من مسه الرق فلا ولاء عليه أصلا) من جهة إعتاق الأب
أو الأم، بل من جهة إعتاقه فلا ولاء عليه (إلا لمعتقه أو عصبات معتقه) فإنه
كالنسب، فالمعتق كالأب، ومعتق الأب كالجد، والأب أولى. وبعبارة اخرى المعتق
أعظم نعمة عليه من معتق الأب (أو كان فيهم من أبوه حر أصلي ما مس
الرق أباه) أصلا، وإن مس الرق امه فإن عتق الجد لا يؤثر فيه؛ لانقطاع السبب
من الأب مع أن الانتساب إليه فلا عبرة برق الأم، ولتغليب الحرية، وأصالة عدم
الولاء، ولأنه إذا اجتمع مولى الأب ومولى الأم قدم مولى الأب، فابتداء حريته
يمنع الولاء لمولى الأم فالاستدامة أولى لكونها أقوى. وللعامة قول بثبوت الولاء
إن كان الأب أعجميا، وآخر إن كان ذميا، وآخر إن جهل نسبه.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 47 ب 42 أنه لا يصح بيع الولاء.... ح 2.
(2) في ن: " للتسبب ".
(3) في ق ون: " في الوجود ".
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 41 ب 38 أن ولاء الولد لمن أعتق....
(5) المصدر السابق: ح 1.
(6) المصدر السابق: ص 42 ح 9.
(7) المصدر السابق: ح 7.
413
(وكذا لو كانت امه حرة أصلية) وإن مس الرق أباه؛ للأصل، وتغليب
الحرية، ونحو صحيح العيص سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل اشترى عبدا وله أولاد
من امرأة حرة فأعتقه، قال: ولاء ولده لمن أعتقه (1) محمول على المعتقة. وقد
يحتمل هنا الثبوت؛ لاعتبار الأب في النسب.
(ولو تزوج المملوك بمعتقه فأولدها فالولاء لمولى الأم ما دام الأب
رقا) تبعا لأشرف الأبوين، فإن أعتق انجر إليه من مولى الأم (ولو كان) الأب
(حرا في الأصل فلا ولاء) لأحد على الأولاد (و) لذلك (يثبت الولاء مع
اختلاف دين السيد وعتيقه) من غير خلاف يظهر، لعموم الأدلة، لكن إرث
الكافر من المسلم مراعى بإسلامه إن سوغنا عتق الكافر (و) يثبت (للذكر
على الأنثى وبالعكس) للعموم [وخصوص نحو قوله (عليه السلام) لعائشة: أعتقي
فإن الولاء لمن أعتق (2)] (3).
(ولو سوغنا عتق الكافر فأعتق حربي مثله ثبت الولاء فإن جاء
المعتق) إلينا (مسلما فالولاء بحاله) لما عرفت من ثبوته مع الاختلاف في
الدين، لكن الإرث مراعى بالاسلام (فإن سبي السيد) بعد ذلك (واعتق فعليه
الولاء لمعتقه وله الولاء على معتقه) الذي فرضناه قطعا.
(وهل يثبت لمولى السيد ولاء على معتقه) ذلك؟ (الأقرب ذلك،
لأنه مولى مولاه) فيشمله عموم ما دل على ولاية مولى المولى.
(ويحتمل عدمه، لأنه لم يحصل منه) أي مولى السيد (إنعام عليه)
أي معتقه (ولا سبب لذلك) أي للإنعام عليه، فإنه إنما أعتقه قبل السبي (فإن
كان الذي أعتقه) أي السيد (مولاه) أي عتيقه (فكل) منهما (مولى صاحبه
وإن أسره) أي السيد (مولاه) أي عتيقه (وأجنبي وأعتقاه فولاؤه بينهما



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 41 ب 38 أن ولاء الولد لمن أعتق ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 38 ب 35 أن الميراث والولاء.... ح 2.
(3) ما بين المعقوفين ليس في ق ون.
414
نصفان، فإن مات بعده) أي بعد ما أعتقاه (المعتق الأول) الذي أعتقه السيد
في كفره (فلشريكه) في إعتاق السيد وهو الأجنبي (نصف ماله، لأنه مولى
نصف مولاه على إشكال) كما تقدم، من كونه مولى نصف المولى، ومن عدم
الإنعام والتسبب.
(ولو سبي المعتق) بالفتح (فاشتراه رجل فأعتقه) أو أعتقه السابي
(بطل ولاء الأول) بالاسترقاق (وصار الولاء للثاني) لإنعامه عليه، ولا
يعود الأول؛ للأصل، مع عدم عصمته لكفر المولى.
(وكذا لو أعتق ذمي كافرا فهرب إلى دار الحرب فاسترق) بطل ولاؤه،
فإن أعتق ثانيا ثبت للثاني.
(أما لو أعتق مسلم كافرا وسوغناه) أو مسلما فكفر (فهرب إلى دار
الحرب وسبي فالأقرب جواز استرقاقه) لأنه حربي في دار الحرب أسره
مسلم. ويحتمل العدم؛ لثبوت الولاء عليه لمسلم وينافيه تملك غيره.
(فإن) جوزناه فاسترق و (أعتق احتمل ثبوت الولاء للثاني لتأخره)
مع زواله للأول بالاسترقاق فلا يعود.
(و) يحتمل ثبوته (للأول لثبوته له أولا وهو معصوم) لكونه حق
مسلم (فلا يزول بالاستيلاء) على العتيق، وإنما يكون الاستيلاء مانعا من
ظهور أثره إن مات الرقيق على الرق، فإذا زال الرق عاد التأثير.
(و) يحتمل ثبوته (بينهما؛ لعدم الأولوية) لإسلامهما، وإنعامهما عليه،
وعموم الأدلة لهما.
(ولو اشترى عبدا بشرط العتق) في ضمن البيع (فلا ولاء لمعتقه
لوجوبه) عليه كما في المبسوط (على إشكال) من عموم أوفوا بالعقود
والمؤمنون عند شروطهم. ومن الأصل، وأنه من شرط ما ينافي مقتضى العقد وهو
التملك فهو بمنزلة شرط الطلاق في عقد النكاح.
(ولا) إشكال في أنه لا (ولاء لو أعتق) هذا العبد (في زكاة أو
كفارة) أو نذر، إذ لا شبهة حينئذ في الوجوب.

415
(ولو ملك ولده من الزنا فالأقرب عدم استقرار الرق) عليه؛ لصدق
الولد عليه لغة، وانتفاء العلم بالنقل إلى من تولد من غير الزنا مع تغليب الحرية،
وورود بعض الأخبار (1) بثبوت الإرث بين مسلم فجر بنصرانية فأولدها أو
نصراني فجر بمسلمة فأولدها وبين الولد. والأظهر الاستقرار؛ للأصل، وتبادر
غيره من الولد إذا اطلق في الشرع. (وعلى الرق فإن أعتقه تبرعا فله ولاؤه)
(ولو أعتق عبده في كفارة غيره) ولو (من غير إذنه) حيا أو ميتا، تعين
عليه أم لا (فلا ولاء) لأحد منهما؛ لصدق العتق في كفارة والتبرع إنما حصل
بالنسبة إلى المعتق عنه. وكلام الشيخ في الخلاف والمبسوط يعطي ثبوت الولاء
عليه للمعتق، إلا إذا أعتق عن مورثه.
(ولو أعتقه تبرعا عنه بإذنه فالولاء للآذن إن تبرع) بالعتق (سواء
كان) عتقه عنه (بعوض أو لا) فإنه المعتق تبرعا، والمولى وكيله في الإيقاع.
وللعامة قول بأنه إن كان بلا عوض فالعتق عن السيد وله الولاء.
(ولو قال للسيد أعتقه عنك والثمن علي) فأعتقه (فالولاء للسيد
على إشكال) من انتفاء التبرع بالعتق، ومن أن الجعل عليه لا يوجبه فيكون
تبرعا (وعليه الثمن) لأنه جعالة على ما فعله.
(ولو أوصى بالعتق تبرعا فالولاء له) لأنه المعتق، وفي الحسن عن بريد
العجلي أنه سأل الباقر (عليه السلام) عن رجل كان عليه عتق رقبة فمات من قبل أن يعتق
فانطلق ابنه فابتاع رجلا من كيسه فأعتقه عن أبيه وأن المعتق أصاب بعد ذلك مالا
ثم مات وتركه لمن يكون ميراثه؟ فقال: إن كانت الرقبة التي كانت على أبيه في
ظهار أو شكر أو واجبة عليه فإن المعتق سائبة لا سبيل لأحد عليه، قال: وإن كانت
الرقبة التي على أبيه تطوعا وقد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة فإن ولاء المعتق
هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال، قال: ويكون الذي اشتراه فأعتقه كواحد
من الورثة إذا لم يكن للمعتق قرابة من المسلمين أحرار يرثونه، قال: وإن كان ابنه



(1) وسائل الشيعة: ج 17، ص 566 ب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه.
416
الذي اشتراه الرقبة فأعتقها عن أبيه من ماله بعد موت أبيه تطوعا منه من غير أن
يكون أمره بذلك فإن ولاءه وميراثه للذي اشتراه من ماله فأعتقه عن أبيه إذا لم
يكن للمعتق وارث من قرابته (1).
(ولا يثبت الولاء بالالتقاط) إجماعا إلا من عمر بن الخطاب كما في
المبسوط والخلاف (ولا بالإسلام على يده) إجماعا إلا من إسحاق كما في
المبسوط والخلاف. واختار المحقق الطوسي قول إسحاق. ويؤيده خبر السكوني
عن الصادق (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لي:
لا تقاتلن أحدا حتى تدعوه، وأيم الله لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما
طلعت عليه الشمس وغربت ولك ولاؤه يا علي (2). وهو مع الضعف يحتمل
الاختصاص بمن لا وارث له إلا الإمام.
(البحث الثاني: في حكم الولاء) أي أثره.
(وحكم الولاء العصوبة) أي جعل المولى وقرابته عصبة للعتيق (فيفيد)
لهم (الميراث وتحمل) عليهم (العقل) كما في النسب، فالميراث به لمن عليه
العقل.
(و) كذا (لا يثبت الولاء لامرأة على رأي) وفاقا للمقنعة والنهاية
والإيجاز والغنية والوسيلة والإصباح والجامع لصحيح محمد بن قيس: أن
الباقر (عليه السلام) قضى في رجل حرر رجلا فاشترط ولاءه فتوفي الذي أعتق وليس له
ولد إلا النساء ثم توفي المولى وترك مالا وله عصبة فأعتق في ميراثه بنات مولاه
والعصبة فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه إذا أحدث حدثا يكون فيه
عقل (3). وما تقدم آنفا من قوله في حسن بريد: فإن ولاء المعتق ميراث لجميع ولد
الميت من الرجال (4).



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 45 ب 40 أن المعتق إذا مات... ح 2.
(2) نوادر الراوندي: ص 20.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 44 ب 40 أن المعتق إذا مات ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 45 ب 40 أن المعتق إذا مات... ح 2.
417
وخلافا للصدوق والحسن وابن إدريس لكونه لحمة كلحمة النسب. وقول
الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن بن الحجاج: مات مولى لحمزة بن عبد المطلب
فدفع النبي (صلى الله عليه وآله) ميراثه إلى بنت حمزة (1).
وعلى الأول لا ترث امرأة بالولاء (إلا إذا باشرت العتق فلها الولاء
عليه) أي العتيق (وعلى) أولاده و (أحفاده وعتيقه وعتيق عتيقه) فنازلا
(كالرجل) لعموم الأدلة، وانتفاء الفارق، والاشتراك في النعمة، وكونه كالنسب.
(ولا يصح بيع الولاء ولا هبته اتفاقا) للأصل، والأخبار كقوله (عليه السلام):
الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب (2). وخبر علي بن جعفر سأل
أخاه (عليه السلام) عن بيع الولاء يحل؟ قال: لا يحل (3).
وأما خبر داود الصرمي " قال: قال الطيب (عليه السلام): يا داود إن الناس كلهم موال
لنا فيحل لنا أن نشتري ونعتق، فقلت جعلت فداك: إن فلانا قال لغلام له قد أعتقه:
يعني نفسك حتى أشتريك، قال: يجوز ولكن يشتري ولاءه " (4) " فيحمل الولاء
على ولاء ضمان الجريرة، والعتق على الذي لا يستعقب الولاء، والشراء
على اشتراطه.
وعن ابن المسيب وعروة وعلقمة إجازة بيعه وهبته.
(ولا) يصح (اشتراطه في بيع وغيره) لكونه كالنسب. وفي صحيح
العيص عن الصادق (عليه السلام) قال: قالت عائشة لرسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أهل بريرة
اشترطوا ولاءها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الولاء لمن أعتق (5). وعن عائشة: أن بريرة
أتتها تستعينها في مال الكتابة، فقالت: إن باعوك على أن الولاء لي صببت لهم



(1) وسائل الشيعة: ج 17 ص 540 ب 1 من أبواب ميراث ولاء العتق ح 10.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 47 ب 42 أنه لا يصح بيع الولاء و.... ح 2.
(3) المصدر السابق: ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 47 ب 42 أنه لا يصح بيع الولاء و... ح 3.
(5) وسائل الشيعة: ج 16 ص 40 ب 37 أن البائع لو شرط... ح 1.
418
المال صبا فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فأخبرت بذلك النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: اشتري
واشترطي لهم الولاء، ففعلت فصعد النبي (صلى الله عليه وآله) المنبر فقال: ما بال أقوام يشترطون
شروطا ليست في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب الله باطل (1).
(وهل ينتقل عن المعتق) إلى ورثته (بموته ويورث) حتى إذا كان له
ابنان فمات وخلفهما ثم مات أحدهما عن ولد وبقي الآخر فهل يشارك ولد الولد
الابن الباقي في ميراث العتيق؟ (إشكال ينشأ من) قوله (صلى الله عليه وآله): الولاء لمن
أعتق (2) و (قوله (صلى الله عليه وآله): الولاء لحمة كلحمة النسب) (3) فلا يورث كما أن
النسب لا يورث، وهو خيرة أبي علي والشيخ في الإيجاز والخلاف وحكى فيه
الإجماع والمبسوط ونفى فيه الخلاف. ومن أنه حق ثبت للمورث، فيورث كسائر
الحقوق. وقول الباقر (عليه السلام) فيما مر من حسن العجلي: فإن ولاء المعتق هو ميراث
لجميع ولد الميت من الرجال (4). وربما يظهر من إطلاق بعض العبارات كعبارة
الشرائع. (والأقرب العدم) لما عرفت من منع كلية الكبرى في دليل الثاني،
واحتمال الخبر إرادة الانتقال كالميراث.
(نعم يورث به إجماعا) أي يرث كل من ثبت له الولاء بنفسه أو بواسطة.
(ولو كان المعتق جماعة فالولاء بينهم بالحصص) أي بما لكل من
الحصة في العتيق (رجالا كانوا أو نساء أو بالتفريق) لأنه يتبع الانعام التابع
للحصص. وفي الفقيه: أنه إن ترك موالي رجالا ونساء فالمال بينهم للذكر مثل حظ
الأنثيين (5).
(ولا يرث المنعم) فضلا عمن يرث بسببه (إلا مع فقد كل نسب
للمعتق) بالفتح.



(1) سنن البيهقي: ج 10 ص 295.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 40 ب 37 أن البائع لو شرط... ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 47 ب 42 أنه لا يصح بيع الولاء ح 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 45 ب 40 أن المعتق إذا مات... ح 2.
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 305.
419
(فلو خلف العتيق وارثا بعيدا ذا فرض أو غيره لم يكن للمنعم
شيء) للإجماع والنصوص (1) ومنها قوله تعالى: " وأولوا الأرحام بعضهم أولى
ببعض " (2) (ويأخذ الزوج والزوجة نصيبهما الأعلى) وهو النصف والربع
(والباقي للمنعم) أو من بحكمه (مع فقد كل نسب) كما أنه مع وجود نسيب
غير الولد يحوزان النصيب الأعلى والباقي للنسيب.
(ولو عدم) النسيب و (المنعم قيل) في الفقيه والسرائر: (يكون الولاء
للأولاد ذكورا كانوا أو إناثا) أو بالتفريق كان المنعم ذكرا أو أنثى، لأنه لحمة
كلحمة النسب، ولقول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن بن الحجاج: مات موالي
لحمزة بن عبد المطلب فدفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ميراثه إلى بنت حمزة (3).
(وقيل) في الخلاف والاستبصار: إن الأمر كذلك (إن كان) المنعم
(رجلا) واستدل على استثناء المرأة بالإجماع.
(وقيل) في المقنعة والغنية والإصباح: (للأولاد الذكور خاصة رجلا
كان المنعم أو امرأة) لما تقدم من قول الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن قيس:
قضى علي (عليه السلام) في رجل حرر رجلا فاشترط ولاءه فتوفي الذي أعتق وليس له
ولد إلا النساء ثم توفي المولى وترك مالا وله عصبة فاحتق في ميراثه بنات مولاه
والعصبة، فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه إذا أحدث حدثا يكون فيه
عقل (4). وقول الصادق (عليه السلام) في حسن بن بريد بن معاوية: كان ولاء المعتق لجميع
ولد الميت من الرجال (5).
(وقيل) في النهاية والإيجاز والوسيلة والشرائع والنافع والجامع



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 44 - 45 ب 40 أن المعتق إذا مات...
(2) الأحزاب: 6.
(3) وسائل الشيعة: ج 17 ص 540 ب 1 من أبواب ميراث ولاء العتق ح 10.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 44 ب 40 أن المعتق إذا مات... ح 1.
(5) المصدر السابق: ص 45 ح 2.
420
(إن كان) المنعم (رجلا فللأولاد الذكور خاصة، وإن كان امرأة فلعصبتها
دون أولادها وإن كانوا ذكورا) وهو الأظهر لما تقدم الآن من الخبرين مع قول
الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن قيس: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) على امرأة أعتقت
رجلا واشترطت ولاءه ولها ابن فألحق ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنه دون
ولدها (1). وصحيح يعقوب بن شعيب سأل الصادق (عليه السلام) عن امرأة أعتقت مملوكا
ثم ماتت، قال: يرجع الولاء إلى بني أبيها (2). وصحيح أبي ولاد سأله (عليه السلام) عن
رجل أعتق جارية صغيرة لم تدرك وكانت امه قبل أن يموت سألته أن يعتق عنها
رقبة من مالها فاشتراها هو فأعتقها بعد ما ماتت امه لمن يكون ولاء المعتق؟ فقال:
يكون ولاؤها لأقرباء امه من قبل أبيها، ويكون نفقتها عليهم حتى تدرك
وتستغني، قال: ولا يكون للذي أعتقها عن امه من ولائها شيء (3).
(ويرث الولاء) من المعتق (الأبوان) له (والأولاد) إذا فقد حتى إذا
خلف أبا وولدا ورثا معا، لأن الولاء كالنسب وهما فيه في طبقة، وعن
أمير المؤمنين (عليه السلام): يرث الولاء من يرث الميراث (4).
خلافا لأبي علي فلم يورث الأب مع الابن، لكن الأم إنما ترث إن لم يختص
الإرث بالعصبة كما تضمنه خبر محمد بن قيس. والمراد هنا بإرث الولاء (5) غير ما
نفي آنفا، وهو ظاهر.
(فإن انفردوا) أي الأبوان والأولاد جميعا أو بعضهم عن قريب للمعتق (لم
يشركهم أحد من الأقارب) للمنعم كالنسب (ويقوم أولاد الأولاد مقام
آبائهم عند عدمهم) أي عدم الأولاد مطلقا كما عرفت (ويأخذ كل منهم
نصيب من يتقرب به كغيره) أي كغير كل من أولاد الأولاد أو كغير الولاء من
النسب. خلافا للعامة فجعل المال بينهم على حسب الرؤوس.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 44 ب 39 أن المرأة إذا أعتقت ح 1.
(2) المصدر السابق: ح 2.
(3) المصدر السابق: ح 3.
(4) دعائم الإسلام: ج 2 ص 318 ح 1202.
(5) في ق ون: " الولاية ".
421
(فإن عدم الأبوان والأولاد وأولادهم ورثه الإخوة) كما في النسب،
وينص عليه ما سمعته من الأخبار.
(وهل يرث الأخوات قيل) في المبسوط والخلاف: (نعم، لأنه لحمة
كلحمة النسب) وقيل: لا لما نطق به الأخبار بأنه لا يرثه إلا العصبة (ويشترك
الإخوة والأجداد والجدات) إن ورثنا الإناث إذا اجتمعوا كما في النسب.
خلافا لأبي علي فجعل الجد أولى (فإن فقدوا أجمع فالأعمام والعمات) إن
ورثت النساء (وأولادهم) إن فقدوا (الأقرب يمنع الأبعد) كما في النسب.
(ولا يرث الولاء من يتقرب بالأم خاصة من الإخوة والأخوات
والأجداد والجدات والأخوال والخالات) بناء على اختصاص الإرث
بالعصبة مطلقا أو بعد فقد الأولاد، وإلا ورثوا كما في النسب (فإن لم يكن
للمنعم قرابة ورث الولاء مولى المولى) لكونه منعما (فإن عدم فقرابة
مولى المولى لأبيه دون امه) أو مطلقا كما في قرابة المولى (وأب المنعم
أولى من معتق الأب) لأنه حينئذ ممن يؤثر عتقه، فلا ولاء عليه لعتق أبيه
(وكذلك معتق معتق المعتق أولى من معتق أبي المعتق) لذلك.
(البحث الثالث: في جر الولاء) وهو انتقاله من محل إلى آخر
(وشروطه أمور أربعة):
(الأول: أن يكون الأب عبدا حين الولادة) أي ولادة من ينجر ولاؤه
(فإن كان حر الأصل وزوجته مولاة فلا ولاء على ولده) تبعا لأشرف
الطرفين (وإن كان) الأب (مولى) وزوجته مولاة (ثبت الولاء على ولده
لمواليه ابتداء) كما تقدم (ولا جر).
(الثاني: أن تكون الأم مولاة فلو كانت حرة في الأصل) أو معتقة
لا ولاء عليها (فلا ولاء) لينجر تبعا لأشرف الأبوين.
(الثالث: أن يعتق الأب) بحيث يكون عليه الولاء (فلو مات على الرق
لم) يكن له مولى حتى (ينجر الولاء بحال) أي كانت الأم حرة أو مولاة

422
أو مملوكة (فلو اختلف السيدان فقال سيد العبد: مات حرا قدم قول مولى
الأم؛ لأصالة بقاء الرق) وعدم الانجرار.
(الرابع: أن لا يباشر) الولد (بالعتق) لأن الولاء لمن أعتق (فلو ولدت
المعتقة عبدا) بأن أعتقت بعد ما ولدت أو بعد ما حملت ولم يتبعها الحمل كما هو
المختار، أو اشترطت الرقية وأجزناه (فأعتقه مولاه أو اعتقوا) أي الأولاد
(حملا مع أمهم) لا بتبعية الأم (فلا جر) بل كان مولاهم مولى الأم.
(ولو حملت بهم أحرارا بعد العتق من مملوك فولاؤهم لمولى أمهم،
ولو كان أبوهم حرا في الأصل فلا ولاء) عليهم لأحد، لما عرفت من تبعية
الأشرف (ولو كان أبوهم معتقا) حين حملت بهم (فولاؤهم لمولى أبيهم)
من غير جر.
(ولو أعتق أبوهم بعد ولادتهم أو بعد الحمل بهم انجر الولاء من مولى
أمهم إلى مولى أبيهم) والأصل في الجر الإجماع كما في الخلاف. والأخبار
كقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مرسل أبان: يجر الأب الولاء إذا أعتق (1). وما تقدم
من قول الصادق (عليه السلام) في صحيح العيص: في عبد له أولاد من حرة إن ولاء ولده
لمن أعتقه (2) وغيرهما. وعن الزهري ومجاهد وعكرمة وجماعة إنكاره.
(وهل يشترط في الجر التحاق النسب) بالأب حتى إن كان زنى بالولد
لم ينجر ولاؤه إلى مولاه؟ (إشكال) من انتفاء الأبوة في الشرع، ومن الأبوة لغة
وكون الولد نماء المملوك وإن كان عن زنا.
(وإذا انجر الولاء إلى موالي الأب ثم انقرضوا عاد الولاء إلى
عصباتهم فإن فقدوا فإلى موالي عصابتهم) ثم إلى عصبات موالي العصبات
(وهكذا، فإن فقدوا فإلى ضامن الجريرة، فإن لم يكن رجع إلى بيت
المال) للإمام عندنا، وللمسلمين عند العامة (ولم يرجع إلى موالي الأم



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 42 ب 38 من أبواب ولاء الولد لمن أعتق ح 5.
(2) المصدر السابق: ص 41 ح 1.
423
بحال) للأصل من غير معارض. وعن ابن عباس رجوعه إليهم، بناء على أن
موالي الأب بمنزلة الحجاب، فإذا فقدوا سلم ولاؤهم من المانع.
(ولو لم يعتق الأب لكن أعتق الجد انجر الولاء إلى معتقه) وإن كان
الأب حيا لكونه أبا قائما مقامه في الأحكام، ولذا لو أسلم تبعه ولد الولد إن لم
يسلم أبوه. وللعامة قول بالعدم.
(فإن أعتق الأب بعد ذلك انجر الولاء إلى معتق الأب من معتق الجد،
وهذا جر جر الولاء) فإنه وإن لم ينجر إلى الأب منه إليه لكنه إنما انجر إليه
لكونه أب الأب.
(ولو كان الجد بعيدا فأعتق) دون القريب (انجر الولاء إليه، فإن أعتق
القريب انجر من معتق البعيد إلى معتق القريب، فإن أعتق الأب انجر إلى
معتقه، وعلى هذا) فإنه كالنسب، ولا يرث البعيد فيه مع القريب.
(ولو كان الجد حرا في الأصل والأب مملوك فتزوج بمولاة قوم
فأولدها احتمل أن يكون الولاء لمولى الأم) لعموم كون الولاء لمن أعتق مع
أن الأب رق، وهو الوجه (وسقوطه بحرية الجد) فيمنع من الولاء، لأنها أولى
بالمنع من الولاء من المعتق.
(ولو كان الأبوان رقا فأعتقت الأم ثم وضعت لدون ستة أشهر فإن
قلنا بالسراية) لعتق الأم (إلى الحمل لم ينجر الولاء، لأنهم) أي الأولاد
(عتقوا) حينئذ (بالمباشرة).
(ولو أتت به لأكثر من ستة أشهر مع بقاء الزوجية) واحتمال الوطء
لستة أشهر (لم يحكم برقه) أي الولد (وانجر ولاؤه لاحتمال حدوثه بعد
العتق فلا يمسه الرق) والأصل التأخر (ولا يحكم برقه بالشك) وأصالة
التأخر أوجبت جر الولاء، فلا يرد أن الأصل عدم الانجرار.
(ولو أنكر المعتق ولد زوجته المعتقة وتلاعنا فولاء الولد لمولى الأم
على إشكال) من الشك في اشتراط ولائه برقية الأب، وكون حريته مانعا، وفي

424
اشتراطه بالرقية أو بانتفاء العلم بالحرية. ولا إشكال في أنه لا ولاء عليه لمولى
الأب؛ لانتفائه عنه شرعا وعدم ثبوته لغة للجهل بالخلق من مائه، بخلاف ولد
الزنا. وربما احتمل ثبوت الولاء لمولى الأب لثبوت حق المولى قبل اللعان، فلا
يسقط به، لأنه فعل الغير. وفيه منع الثبوت، فإنه إنما يثبت على الولد واحتمال
الانجرار إن أعتق بعد الولادة أضعف، ولعله لا احتمال له إذا تلاعنا قبل عتقه.
(وكذا) الإشكال (لو زنى بها الأب) المعتق (جاهلة) بالحال (أو
عالمة) من الشك في اشتراط النسب الشرعي في الولاء أو اللغوي (مع قوة
الإشكال فيه) أي قوة الانتفاء عن مولى الأم في الزنا عالمة أو جاهلة، لما أن
الولد نماء ملك الموليين. بخلاف ما إذا انتفى باللعان أو قوة الشبهة في صورة
علمها خاصة، من حيث إنه بالعلم ينتفي عنها أيضا فيتعدد الإشكال، من الشك في
اشتراط الولاء بالنسب الشرعي، والشك في اشتراط الانجرار به.
(فإن اعترف به أبوه بعد اللعان لم يرثه الأب ولا المنعم على الأب،
لأن النسب وإن عاد فإن الأب لا يرثه ولا من يتقرب به) فكما لا يرثه
المتقرب به نسبا فكذا ولاء، وكما أن اللعان بالنسبة إلى المولى إقرار في حق الغير
فكذا بالنسبة إلى المتقرب بالنسب.
(ولو أولد مملوك من معتقة ابنا فولاؤه وولاء اخوته منها لمولى امه،
فإن اشترى الولد أباه عتق عليه وانجر ولاء أولاده كلهم إليه على إشكال)
مما تقدم من الخلاف في ثبوت الولاء بالعتق بالقرابة.
(وهل ينجر ولاء نفسه إليه فيبقى حرا لا ولاء عليه أو يبقى ولاؤه
لمولى امه؟ إشكال، ينشأ من) أنه معتق الأب فيعمه أدلة الجر، ومن لزوم
(كون الولاء ثابتا على أبويه دونه) إن نفينا الولاء عنه (مع كونه ولد وهما
رقان في الأصل أو عليهما ولاء) على القول بالولاء بعتق القرابة، مع أن من
المقرر عندهم أن من ولد وأبواه رقيقان ثم عتقا أو كانا قد عتقا أو بالتفريق - وهنا
بالجملة ثبت عليهما الولاء قبل تولده أو بعده - ثبت عليه الولاء. والظاهر من

425
فرض المسألة لا يناسب ظاهر قوله: " وهما رقان في الأصل أو عليهما ولاء " فإنه
فرض أحدهما رقيقا والآخر مولى عليه، لكن المراد لزوم خرم القاعدة على
الوجه الذي عرفت، فيندفع ذلك بالعناية.
(ولو كان المشتري لأبيه ولد زنا وأعتقه إن قلنا بعدم العتق في) قرابة
(الزنا ثبت له الولاء قطعا) لصدق التبرع بالعتق (وانجر ولاء الأولاد
وولاؤه إليه) ولا إشكال هنا في انجرار ولائه إليه، فيكون حرا لا ولاء عليه، لأن
الضابطة المتقدمة إنما هي في الولد بين الأبوين، والأبوة هنا منتفية شرعا.
(أما لو اشترى هذا الولد عبدا فأعتقه فاشترى العبد الأب فأعتقه
دار الولاء وصار الولد مولى المشتري لمباشرته العتق والمشتري مولى له،
لأنه أعتق أباه فانجر ولاء الولد من مولى الأم إليه، وصار كل منهما مولى
الآخر من فوق و) من (أسفل، ويرث كل منهما الآخر بالولاء، فإن ماتا
ولا مناسب لهما قيل) في المبسوط: (يرجع الولاء إلى مولى الأم) وأنه
إنما انجر من مولى الأم [إلى مولى الأب] لكونه أولى، لا لأنه انقطع عنه رأسا.
(وفيه نظر) بل (أقربه العدم) لما عرفت من أنه لا يعود إلى مولى الأم
بحال، وقد اعترف به في المبسوط قبل ذلك (و) إذا كان كذلك كان (ميراثه
للإمام).
(وهل يرث الإمام الولاء) للعتق إذا فقد الموالي أم لا يرث إلا المال بولاء
الإمامة؟ (إشكال) من أن الولاء يرثه وارث المال وهو يعم الإمام، ومن أنه
يرث بولاء الإمامة فلا حاجة إلى إثبات ولاء العتق له، مع أنهم ذكروا أنه إذا فقد
الموالي ورث الإمام.
(فإن قلنا به) وكان للعتيق زوج أو زوجة وفقد الموالي (لم يرد) باقي
التركة من النصف أو الثلاثة الأرباع (على الزوجين لو قلنا به) أي بالرد عليهما
إذا انحصر الوارث، لا بولاء الإمامة في أحدهما، فإن الإمام هنا ورث بولاء العتق.

426
(ولو تزوج ولد المعتقة معتقة فاشترى ولده منها جده عتق عليه، وله
ولاؤه على إشكال) تقدم في ثبوت الولاء بعتق القرابة (وينجر إليه ولاء أبيه
وسائر أولاد جده وهم عمومته وعماته وولاء جميع معتقيهم، ويبقى ولاء
المشتري لمولى الأم، أو يبقى حرا لا ولاء عليه على ما تقدم من
الاحتمال).
(ولو تزوج عبد بمعتقة فأولدها ولدا فولاؤه لمعتق امه) إلا أن يكون
رقا إن قلنا به (فإن تزوج الولد بمعتقة) مولى (آخر فأولدها ولدا فالأقرب
أن ولاء الولد الثاني لمولى امه) لا لمولى أبيه (لأن الولاء الثابت على
أبيه) إنما يثبت عليه (من جهة امه ومثله ثابت في حق نفسه) لأن لامه
أيضا مولى (وما ثبت في حقه أولى) وأقرب (مما ثبت في حق أبيه.
ويحتمل أن يكون) ولاؤه (لمولى ام الأب، لأن) ولاءه ثابت على الأب
و (الولاء الثابت على الأب يمنع ثبوت الولاء لمولى الأم) بالنص والفتوى
من غير تفصيل (ولأن علة الجر ثم) أي من مولى الأم إلى مولى الأب
(الإنعام على الأب بالعتق) بواسطة أولى بها وهو هنا حاصل (والمنعم على
الأب هنا هو مولى ام الأب) فينجر إليه الولاء لاستلزام العلة معلولها.
(ولو تزوج معتق بمعتقة فأولدها بنتا وتزوج عبد بمعتقة فأولدها ابنا
فتزوج الابن بنت المعتقين فأولدها ولدا فولاء هذا الولد لمولى ام أبيه)
لا لمولى أب امه قطعا (لأن له الولاء على أبيه) مع تساوي النسبة بينه وبين
مولى أب الأم (فإن تزوجت بنت المعتقين بمملوك فولاء ولدها لمولى
أبيها) لا لمولى أمها (لأن ولاءها له، فإن كان أبوها ابن مملوك ومعتقه
فالولاء) على الولد (لمولى ام أب الأم) لا لمولى أمها (على الوجه الثاني)
فيما تقدم (لأن مولى ام أب الأم ثبت له الولاء على أب الأم، فكان مقدما
على أمها وثبت له الولاء عليها) وعلى الوجه الأول كان الولاء لمولى ام الأم.
(ولو تزوج عبد بمعتقه فأولدها بنتين فاشترتا أباهما عتق عليهما

427
ولهما عليه الولاء على إشكال) تقدم. (والفائدة) في الخلاف هنا (في
العقل) لا في الإرث، فمن أثبت الولاء أثبت العقل، ومن نفاه نفاه، والعقل يثبت
للمرأة بمباشرة العتق وإن لم يثبت لها بالنسب، ولا بانتقال الولاء.
(فلو مات الأب كان ميراثه لهما بالتسمية والرد) بالنسب (لا
بالولاء) اتفاقا (لأنه لا يجتمع الميراث بالولاء مع النسب عندنا) إذ لا أثر
للضعيف مع القوي.
(ولو ماتتا أو إحداهما والأب موجود فالميراث له) خاصة إن لم يكن
لهما ولد وإلا فلهما (ولو لم يكن) الأب (موجودا كان ميراث السابقة
لأختها بالتسمية والرد ولا ميراث) لها ولا لغيرها (بالولاء لوجود
المناسب) وهي الأخت.
(ولو ماتت الاخرى) بعد ذلك (ولا وارث لها) بالنسب (هل يرثها
مولى أمها؟ فيه إشكال، ينشأ من انجرار الولاء إليهما بعتق الأب) للقرابة
(أو لا، والأقرب عدمه، إذ لا يجتمع استحقاق الولاء بالنسب والعتق، فان
قلنا بالجر فكل واحدة منهما قد جرت نصف ولاء أختها إليها، لأنها
أعتقت نصف الأب، ولا ينجر الولاء الذي عليها) بعتق الأب، وإن قلنا
بولائها على الأب إلا على الوجه المتقدم (فيبقى نصف ولاء كل واحدة منهما
لمولى أمها) وإن لم نقل بالجر فكل الولاء له.
(ولو أعتقت المرأة مملوكا فأعتق) المملوك (آخر فميراث الأول
لمولاته و) ميراث (الثاني للأول فإن لم يكن الأول ولا مناسبوه فميراث
الثاني لمولاة المولى، ولو اشترت أباها عتق عليها، فإن اشترى مملوكا
فأعتقه ومات الأب ثم مات المعتق ولا وارث له) أي للأب (سواها
ورثت النصف) من تركة الأب ومعتقه (بالتسمية) للقرابة (والباقي بالرد لا
بالتعصيب) بالولاء (إن قلنا: يرث الولاء ولد المعتق، وإن كن إناثا وإلا)
فورثها الولاء (كان الميراث) بتمامه (لها بالولاء إن قلنا بثبوت الولاء

428
بالشراء) الموجب للعتق، وإن لم نقل به ولا بإرث الولاء لم يرث من تركة المعتق
شيئا.
(ولو اشترى أحد الولدين مع أبيه مملوكا فأعتقاه ثم مات الأب ثم
المعتق فللمشتري ثلاثة أرباع تركته) أي المعتق نصفها بالولاء وربعها بإرث
الولاء (ولأخيه الربع) الباقي بإرث الولاء (والمولود من حرين إذا كان
أجداده) من جهة أبيه (عبيدا) كزكريا تولد من سكينة معتقة عبد الله، والحسن
ابن يوسف عبد عمرو، ويوسف تولد من فاطمة وهي تولدت من صفية معتقة خالد،
ويحيى عبد بكر تزوجها بإذن مولاه، فأبوا زكريا حران وأصوله من جهة الأبوة
أرقاء ومن جهة الأمومة أحرار و (ثبت الولاء عليه لمعتق ام الأم إذا أعتقها
أولا) وهو هنا خالد، لأنه معتق ام ام الأب (ثم ينجر منه إلى معتق أب الأم)
وهو هنا بكر إذا أعتق يحيى فإنه معتق أبي ام الأب.
(ثم) إذا كان ليوسف الذي هو جد زكريا أب مملوك لأحمد اسمه جعفر وام
هي جارية سليمان اسمها زهراء فأعتق سليمان امه انجر الولاء (منه) أي معتق
أب الأم (إلى) سليمان الذي هو (معتق ام الأب) أي الجد، فإن يوسف كان
جدا لزكريا (ثم) إذا أعتق أحمد جعفرا انجر (منه إلى) أحمد الذي هو
(معتق أب الأب) أي أب الجد (ويستقر عليه) فلا ينجر إلى أحد (إلا أن
يكون الأب) أي الجد (رقيقا فينجر إلى معتقه).
وقد تصور المسألة بأن كان الولد لحرين تحررا بتبعية الأصول وأصوله، كلهم
أحرار لكنهم كفار، ثم سبي الكل إلا الولد، وقلنا: لا يزول الولاء عنه بالسبي فأعتق
السابي أحد أصوله فيكون له الولاء، ثم كلما أعتق من هو أولى انجر إليه، فليفرض
على الترتيب الذي فرضه فيبنى على صحة عتق الكافر، وأنه إذا سبي المعتق ثم
أعتق كان الولاء لهذا المعتق وإن تأخر. وقد تصور بأن عبدا تزوج بمعتقة فولدت
بنتا ونكح مغرور مغرورة بظن الحرية وهما رقيقان فولدت ابنا فيكون حرا، فإذا
تزوج بالبنت فأولدها ولدا كان بين حرين وولاؤه على الترتيب المذكور، لكنه

429
لا يصح عندنا، فإن ولد الرقيقين رقيق وإن كانا مغرورين.
(ولو اشترى ابن وبنت أباهما فانعتق فاشترى عبدا فأعتقه ثم مات
الأب ثم العتيق ورثه الابن خاصة، لأنه العصبة، بل لو خلف العتيق ابن عم
المعتق والبنت كان الميراث لابن العم) لأنه العصبة إلا على القول بعدم
اختصاص الإرث بالعصبة، وعلى القول بالولاء بعتق القرابة.
* * *

430
(المقصد الثاني في التدبير)
وهو من الدبر للتعليق بالموت الذي هو دبر الحياة، ولا خلاف في شرعيته،
وانعتاق المدبر بالموت إلا لمانع كعدم الخروج من الثلث (وفيه فصول ثلاثة):
(الأول في حقيقته وصيغته)
(التدبير) أصله إيقاع (عتق المملوك) إن كان عتقا وإلا فالوصية بعتقه
(بعد وفاة مولاه) وهو مما لا خلاف فيه.
(وفي صحة تدبيره بعد وفاة غيره كزوج الأمة، ومن يجعل له الخدمة
نظر، أقربه الجواز) وفاقا للشيخ وابن حمزة والبراج وابني سعيد وظاهر أبي
علي، لصحيح يعقوب بن شعيب سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يكون له الخادم،
فقال: هي لفلان تخدمه ما عاش، فإذا مات فهي حرة فتأبق الأمة قبل أن يموت
بخمس سنين أو ست سنين ثم يجدها ورثته ألهم أن يستخدموها بعد ما أبقت؟
فقال: لا إذا مات الرجل فقد عتقت (1). ولأنه إذا أجاز التأخير لم يكن فرق بين
الأشخاص وهو بين الضعف. وهل تعدى الحكم إلى موت أي شخص فرض كما
هنا وفي غيره من كتبه والشرائع والنافع والجامع ويقتضيه هذا التعليل الذي في
المختلف. أو تعدى إلى الزوج خاصة للملابسة. أو يقصر على ما في النص كما في



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 81 ب 11 من أبواب جواز تعليق التدبير ح 1.
431
النهاية والوسيلة؟ أوجه، أوجهها الأخير. وخلافا لابن إدريس اقتصارا على
المتيقن واستصحابا وتمسكا بأن معناه التعليق بموت المولى، وهو مصادرة، وبأنه
وصية، وهو ممنوع.
(وصيغته أنت حر بعد وفاتي أو إذا مت فأنت حر أو عتيق أو معتق)
ولا حاجة إلى قوله: أنت رق في حياتي كما يظهر من الشيخين.
(ولو قال: " أنت مدبر " فالأقرب الوقوع) وفاقا للقاضي وأبي علي،
لصراحته فيه وتغليب الحرية. خلافا للخلاف، للأصل، واقتصارا على اليقين، ولأنه
إما عتق فلابد فيه من صريح لفظه، أو وصية به فلابد من التصريح بالموصى به.
(أما لو قال عقيبه: " فإذا مت فأنت حر " صح إجماعا، ولا عبرة
باختلاف أدوات الشرط أو ألفاظ) يعبر بها عن (المدبر) للعموم (مثل إذا
مت أو إن مت أو متى مت أو أي وقت أو أي حين، وسواء قال: أنت حر
أو هذا أو فلان ولو أتى باللفظ الدال على العتق بالكتابة لم يقع) عندنا وإن
نوى به التدبير كالمنجز.
(وهو إما مطلق كما تقدم، أو مقيد مثل إذا مت في سفري فأنت حر
أو في سنتي أو في مرضي هذا أو في بلدي أو شهري أو سنة كذا أو شهر
كذا على رأي) وفاقا لابني حمزة والبراج وابني سعيد وموضع من المبسوط،
للعموم، وكون الشرط سائغا. وخلافا لظاهر موضع آخر من المبسوط.
(ولا يقع إلا منجزا) إذ لا إيقاع بدونه، وظاهر الخلاف والمبسوط
والسرائر الإجماع عليه. (فلو علقه بشرط أو صفة بطل، مثل إن قدم
المسافر فأنت حر بعد وفاتي، أو إن أهل شوال - مثلا - فأنت حر بعد
وفاتي، أو أنت حر بعد وفاتي إن شئت) وإن قال: شئت (أو إن دخلت
الدار فأنت حر بعد وفاتي سواء دخل أو لا، أو إن دخلت الدار بعد وفاتي
فأنت حر، أو أنت حر بعد وفاتي بسنة أو شهر، أو إن أديت إلي كذا أو إلى
ابني فأنت حر) بعد وفاتي وإن أدى. وجوز أبو علي التعليق بالشرط والصفة،
وجعل نحو أنت حر بعد وفاتي بسنته وصية بالعتق.

432
(ولو قال الشريكان: إذا متنا فأنت حر) وأطلقا لفظا ونية (انصرف
قول كل منهما إلى نصيبه) حملا لكلامهما على الصحيح وتغليبا للحرية
(وصح التدبير ولم يكن معلقا على شرط) موت الآخر (وينعتق) كله
(بموتهما إن خرج نصيب كل منهما من ثلثه) أو أجاز الوارث.
(ولو خرج نصيب أحدهما خاصة عتق وبقي نصيب الآخر، ولو مات
أحدهما أولا تحرر نصيبه من الثلث وبقي الباقي مدبرا ينعتق بموت
مالكه) والكل ظاهر، لكن يحتمل التدبير المعلق على موت الآخر لكونه ظاهر
اللفظ، ويؤيده الاستصحاب.
(أما لو قصدا عتقه بعد موتهما بطل التدبير) إلا على القول بجواز
تعليقه، أو القول بوقوع التدبير بالتعليق على موت غير المولى (وإنما يصح)
قطعا (لو قصدا توزيع الأجزاء) من المملوك (على الأجزاء) من المؤتين.
(الفصل الثاني في المباشر)
(وهو كل مالك بالغ عاقل قاصد مختار جائز التصرف ناو، فلا يصح
تدبير الصبي وإن بلغ عشرا مميزا على رأي) وفاقا للمشهور وخلافا للشيخ؛
لما تقدم من الخبر بإجازة عتقه ووصيته، وحكى الإجماع عليه في الخلاف.
(ولا المجنون ولا السكران ولا الساهي ولا المكره) المرتفع القصد.
(ولا المحجور عليه لسفه أو فلس) خلافا للمبسوط في السفيه؛ لانتفاء
معنى الحجر بعد الموت، واستشكله في التحرير.
(ولا غير الناوي للتقرب على إشكال) من التردد في كونه وصية أو
عتقا، والتردد في اشتراط العتق بالتقرب.
(فإن شرطنا نية التقرب لم يقع من الكافر وإن كان) يعرف الله كان
(ذميا أو) كان قد عرفه بأن كان (مرتدا وإن كان) بحيث لا يخرج المملوك
عن ملكه بارتداده بأن كان ارتداده (عن غير فطرة على إشكال) من
الإشكال في تحقق التقرب كما تقدم، ففي المسألة ثلاثة أقوال: الصحة مطلقا،

433
والبطلان من الكافر مطلقا، والفرق بين المقر به تعالى وغيره.
(ولو لم يشترط) نية التقرب (صح تدبير المرتد لا عن فطرة) صحة
مراعاة؛ لعدم انتقال تركته بالارتداد (فإن تاب نفذ) التدبير (وإلا فلا) للحجر
(و) تدبير (الكافر) أصالة.
(فإن أسلم العبد بيع عليه من مسلم، سواء رجع في تدبيره أو لا)
لبقاء المدبر على الرق. خلافا للقاضي فخيره بين الرجوع في التدبير فيباع عليه
وبين الحيلولة بينه وبين كسبه للمولى وبين استسعائه.
(فإن مات المولى قبل بيعه) نفذ التدبير و (تحرر من ثلثه إن لم يكن
قد رجع) في التدبير (فإن قصر الثلث تحرر بقدره وكان الباقي للوارث،
فإن كان مسلما استقر ملكه عليه وإلا قهر على بيعه من مسلم).
(ولو ارتد السيد بعد التدبير لم يبطل تدبيره) إلا إذا ارتد عن فطرة
(فإن مات) ولو (مرتدا عتق المدبر من الثلث إن لم يكن) ارتداده (عن
فطرة) إذ لا خروج عن ملكه ولا حجر عليه فيما تقدم الارتداد (وان كان عنها
لم ينعتق بموته لخروج ملكه عنه بالردة) ولا يجدي تنزيله منزلة الميت.
(ولا يصح تدبير المرتد عن فطرة) للخروج عن ملكه، وأطلق الشيخ
الصحة من المرتد في المبسوط وهو مبني على البقاء في ملكه.
(ويصح تدبير الأخرس ورجوعه بالإشارة) كغيره من عقد أو إيقاع.
(ولو خرس بعد التدبير فرجع صح مع العلم بإشارته) خلافا لبعض
العامة فمنع من الرجوع بالإشارة مع تجويزه التدبير بها.
(الفصل الثالث: المحل)
(وهو كل مملوك غير وقف، فلا ينفذ تدبير غير المملوك وإن علقه
بالملك) كما لا يصح إعتاقه (ولا الوقف) لأنه مما لا يزال (ويصح تدبير
الجاني) وإن تعلق به حق المجني عليه، لأن للمولى أن يفديه وله تسليمه بعد

434
التدبير أيضا (وام الولد والمكاتب) للعموم وانتفاء التنافي (فإن أدى مال
الكتابة) في حياة المولى (عتق بها وإلا عتق بموت المولى بالتدبير إن خرج
من الثلث وإلا عتق بقدره وسقط) عنه (من مال الكتابة بنسبته) إلى كله
(وكان الباقي مكاتبا).
(ولو دبره ثم كاتبه بطل التدبير) وفاقا للأكثر، لأنه وصية والكتابة ينافيه.
وخلافا لابن الجنيد والبراج لكونه عتقا.
(أما لو قاطعه على مال ليعجل عتقه لم يبطل تدبيره قطعا) لأن نهايته
الوعد بالتعجيل على تقدير فعل مع عدم لزوم المقاطعة لأحد منهما، وكون الكسب
ملكا للمولى فلا يتغير به حكم الرق والتدبير بوجه.
(وهل يشترط إسلامه؟ الأقرب ذلك إن شرطنا نية التقرب ومنعنا من
عتق الكافر) لاستحالة التقرب بعتقه (وإلا فلا).
(ولا فرق) في جميع الأحكام (بين أن يكون المدبر ذكرا أو أنثى، صغيرا
أو كبيرا أو حملا ولا يسري) تدبير الحمل (إلى امه) كما هو الصحيح في
العكس (ويصح الرجوع فيه) كما في غيره من المدبرين، خلافا لبعض العامة.
(فإن) دبر حملا أو (أتت به) امه (لأقل من ستة أشهر من حين
التدبير) تبين أنه كان (صح) التدبير (وإلا فلا) وإن لم يجاوز الأقصى
(لاحتمال تجدده بعده وتوهم الحمل) قبله مع أن الأصل العدم، إلا أن يحكم
في الشرع بتقدمه عليه.
(ولو ادعت تجددهم بعد التدبير) لها ليسري إليهم (والورثة سبقهم
قدم قولهم) وإن كان الأصل التأخر (لأن الأصل بقاء الرقية) وكما حدثوا
فالتدبير حادث، فيتعارض أصلا التأخر.
(ويصح تدبير بعض الجملة مشاعا كالنصف والثلث) كما يصح تنجيز
عتقه (ولا ينعتق عليه الباقي) إن ملك جملته (ولا يسري التدبير إليه)
للأصل، لأنه وصية بالعتق، ولو كان عتقا فهو عتق معلق على شرط ينتقل به الملك

435
عنه إلى الوارث. وللعامة قول بالسراية.
(وكذا لو دبره أجمع صح أن يرجع في بعضه) كسائر الوصايا.
(و) إن اشترك المملوك بينه وبين غيره فدبر حصته (لا يقوم عليه حصة
شريكه) إذ لا عتق حين التدبير ولا يسار حين العتق للانتقال إلى الورثة. خلافا
للمرتضى فنزله منزلة العتق، وربما ظهر منه الإجماع عليه، وهو أحد قولي الشافعي.
(ولو دبر الشريكان ثم أعتق أحدهما) ففي الخلاف والمبسوط (لم
يقوم عليه حصة الآخر) لتشبثه بالحرية، والأصل البراءة (والوجه التقويم)
وفاقا للمحقق لأن التدبير ليس عتقا فيعمه أدلة السراية.
(ولو دبر أحدهما ثم أعتق وجب عليه فك حصة شريكه) لصدق أنه
أعتق شقصا.
(ولو أعتق الشريك لم) يجب عليه أن (يفك حصة) شريكه التي أوقع
عليها (التدبير على إشكال) تقدم الآن.
(ولو دبر بعضا معينا - كيده أو رجله أو رأسه - لم يصح) كما في
العتق. ومن العامة من جوز التعليق بما يعبر به عن الجملة كالرأس والفرج كما في
العتق.
(ولو دبر أحد عبديه غير معين) باللفظ ولا بالنية (فالأقرب الصحة)
وفاقا للمبسوط بل لأنه إما عتق أو وصية به (ويعين من شاء) بلا قرعة (فإن
مات قبله فالأقرب القرعة) كما في المبسوط. وقيل: يتخير الوارث من غير
قرعة؛ لعدم التعين في نفسه.
(ويصح تدبير الآبق) كما يصح عتقه؛ للعموم.
(ولو أبق بعد التدبير بطل تدبيره) اتفاقا كما في الخلاف (وكان هو
ومن يولد له بعد الإباق رقا إن ولد له من أمة) وبه خبر العلا بن رزين عن
الصادق (عليه السلام): في رجل دبر غلاما له فأبق الغلام فمضى إلى قوم فتزوج منهم ولم
يعلمهم أنه عبد فولد وكسب مالا فمات مولاه الذي دبره فجاء ورثة الميت الذي

436
دبر العبد فطلبوا العبد فما ترى؟ فقال: العبد رق وولده لورثة الميت، قلت: أليس قد
دبر العبد، فذكر أنه لما أبق هدم تدبيره ورجع رقا (1). وفي معناه خبر محمد بن
مسلم عن الباقر (عليه السلام) (2).
(وأولاده) بعد التدبير (قبل الإباق على التدبير) إذ لا يهدم انهدام
تدبيره تدبيرهم.
(ولو ارتد المملوك لم يبطل تدبيره) بلا خلاف كما في الخلاف للأصل،
إلا أنه قيده بالارتداد الذي يستتاب فيه، وتبعه القاضي ولعله لأنه يقتل في غيره،
فكأنه بطل تدبيره، وأبطله به أبو علي (إلا أن يلتحق بدار الحرب) فيبطل
عندنا كما في المبسوط لأنه إباق وزيادة، خلافا للشافعي. (ولو مات مولاه
قبل التحاقه عتق).
(ولو جعل خدمته لغيره مدة حياة الغير ثم هو حر بعد موت الغير)
وجعلناه تدبيرا (لم يبطل تدبيره بإباقه) اقتصارا في خلاف الأصل على
اليقين، ولما تقدم في صحيح يعقوب بن شعيب (3) (ويكون جعل الخدمة
لازما) لا يجوز له فسخه (لأنه رقبى) خلافا للمبسوط فأجاز له الرجوع متى
شاء (وينعتق) بموت الغير (من الأصل إن بقي المالك حيا، وإن مات قبله
فإشكال) من أنه عتق بعد الموت، ومن أنه عتق لزم في صحته وإن اتفق التأخر
عن الموت.
(ولو دبر أمة لم تخرج عن الرقية) وكذا العبد بالنصوص (4) والإجماع
(وله وطؤها ووطء ابنتها) التي ولدتها بعد التدبير إن لم يكن وطئ الأم



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 81 ب 10 أن الإباق يبطل التدبير... ح 2.
(2) المصدر السابق: ص 80 ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 81 ب 11 أنه يجوز تعليق التدبير... ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 71 ب 1 جواز بيع المدبر وعتقه... وج 16 ص 82 ب 13 أن
المدبر مملوك.
437
(فإن حملت منه) لم يبطل التدبير، بل كانت ام ولد مدبرة و (عتقت) بالتدبير
(بعد موت مولاها من الثلث، فإن عجز) الثلث عن كله فبقدره و (عتق
الباقي من نصيب الولد) خلافا للشافعي فأبطل التدبير بالاستيلاد لكونه أقوى.
(ولو حملت) المدبرة (بمملوك) لمولاها (من زنا أو شبهه أو عقد
كان الولد مدبرا كأمه) بالنص والإجماع، وربما يشك في ولد الزنا؛ لعدم
اللحوق. ويدفعه نحو قول الصادق (عليه السلام): فما ولدت فهم بمنزلتها (1).
(فإن رجع المولى في تدبير الأم قيل) في النهاية والخلاف والمبسوط
والجامع والنافع: (لم يكن له الرجوع في تدبير الولد) لصحيح أبان بن تغلب
سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل دبر مملوكته ثم زوجها من رجل آخر فولدت منه أولادا
ثم مات زوجها وترك أولاده منها، قال: أولاده منها كهيئتها، فإذا مات الذي دبر
أمهم فهم أحرار، قال: يجوز للذي دبر أمهم أن يرد في تدبيره إذا احتاج؟ قال: نعم،
قال: أرأيت إن ماتت أمهم بعد ما مات الزوج وبقي أولادها من الزوج الحر أيجوز
لسيدها أن يبيع أولادها ويرجع عليهم في التدبير؟ قال: لا إنما كان له أن يرجع في
تدبير أمهم إذا احتاجوا رضيت هي بذلك (2). ومدلوله أخص من المدعى؛ لاختصاصه
بأولادها من الزوج الحر، وأما التقييد بالحاجة والرضا فلعله للفضل، ولأن
تدبيرهم تبعية الأم من غير اختيار له فيه فلا يتخير في فسخه. (وليس بمعتمد)
لصدق التدبير فيه، وعموم ما دل على جواز الرجوع فيه، مع ما عرفت من خصوص
الخبر، وورود المنع على كل من مقدمتي الدليل الثاني، وهو اختيار ابن إدريس.
(ولو أتى المدبر بولد) مملوك لمولاه (بعد تدبيره فهو كأبيه مدبر)
بالإجماع والنص كصحيح بريد بن معاوية سأل الباقر (عليه السلام) عن رجل دبر مملوكا له
تاجرا موسرا فاشترى المدبر جارية فمات قبل سيده، فقال: أرى أن جميع ما ترك
المدبر من مال أو متاع فهو للذي دبره، وأرى أن ام ولده للذي دبره وأرى أن ولده



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 76 ب 5 أن أولاد المدبرة من مملوك... ح 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 78 ب 7 أن الأولاد إذا تبعوا الأم في... ح 1.
438
مدبرون كهيئة أبيهم، فإذا مات الذي دبر أباهم فهم أحرار (1). وقد تضمن بقاء
الأولاد على التدبير وإن مات الأب.
(ولو رجع في تدبيرها فأتت بولد لستة أشهر فصاعدا من حين
الرجوع لم يكن مدبرا؛ لاحتمال تجدده) وكونه الأصل (ولو كان لأقل من
ستة أشهر فهو مدبر) وإن ولدت ولدين أحدهما لأقل والآخر لأكثر ولم يكن
بينهما ستة أشهر فالحمل واحد وهما مدبران.
(ولو دبر الحامل لم يكن تدبيرا للحمل وإن علم به على رأي) وفاقا
للمبسوط والخلاف والمقنع والسرائر والنافع والشرائع، للأصل، وقول
الكاظم (عليه السلام) في خبر عثمان بن عيسى: إن كانت المرأة دبرت وبها حبل ولم يذكر
ما في بطنها فالجارية مدبرة والولد رق (2).
وعن أحد قولي القاضي تدبيره مطلقا وفي النهاية والجامع والوسيلة التفصيل
بالعلم وعدمه، لخبر الوشا سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل دبر جارية وهي حبلى،
قال: إن كان علم بحبل الجارية فما في بطنها بمنزلتها، وإن كان لم يعلم فما في
بطنها رق (3). ويحتمل معناه خبر عثمان بن عيسى.
(الفصل الرابع في الأحكام)
(التدبير) ليس وصية وفاقا للمقنع والمقنعة والخلاف والنهاية والسرائر
والغنية والوسيلة والجامع والشرائع، لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح هشام بن
الحكم: هو مملوكه بمنزلة الوصية (4). وفي صحيحة معاوية ابن عمار: هو بمنزلة
الوصية (5). ولأنه لو كان وصية لم يكف للعتق.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 77 ب 6 أن المدبر إذا ولد له أولاد... ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 75 ب 5 أن أولاد المدبرة من مملوك... ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 76 ب 5 أن أولاد المدبرة من مملوك... ح 3.
(4) وسائل الشيعة: ج 13 ص 389 ب 19 أن المدبر ينعتق بعد موت... ح 3.
(5) وسائل الشيعة: ج 16 ص 73 ب 2 أنه يجوز الرجوع في التدبير... ح 1.
439
وفي المبسوط والنافع أنه وصية، ويظهر الإجماع من المبسوط لأنه لو كان
عتقا لم يجز الرجوع فيه ولم يعتبر من الثلث.
ولا خلاف للأولين في أنه إذا لم يجب بنذر أو شبهه (كالوصية) في أنه
(يمضي من الثلث بعد موت المولى وإيفاء الديون) إذا علق بموت المولى
كما نطقت به الأخبار كقول الباقر (عليه السلام) في حسن محمد بن مسلم: فإذا مات السيد
فهو حر من ثلثه (1). وخبر الحسن بن علي بن أبي حمزة أنه قال للرضا (عليه السلام): إن أبي
هلك وترك جاريتين قد دبرهما وأنا ممن أشهد لهما وعليه دين كثير فما رأيك،
فقال: رضي الله عن أبيك ورفعه مع محمد (صلى الله عليه وآله) وأهله قضاء دينه خير له إن شاء
الله (2). وعن بعض العامة اعتباره من رأس المال (فإن قصر الثلث) عن جملته
(عتق منه بقدره، ولو لم يكن له غيره) ولم يكن عليه دين ولا وصية سابقة
(عتق ثلثه، ولو كان المال غائبا عتق ثلثه، ثم كلما حصل من المال شيء
عتق منه بنسبة ثلثه).
وقيل: لا يعتق منه شيء حتى يحضر المال، لأن التنفيذ في الثلث إنما يتم مع
تسلط الورثة على الثلثين، ولا تسلط هنا للتوقف إلى أن يتبين حال الغائب.
(ولو كان هناك دين مستوعب بطل التدبير وبيع المدبر فيه) كما أرشد
إليه خبر ابن أبي حمزة.
(ولو) لم يستوعب بل (زادت قيمته) ولم يكن له غيره (بيع مساويه
وتحرر ثلث الباقي وكان ثلثاه ميراثا، سواء سبق التدبير الدين أو تأخر)
كالوصية، خلافا للنهاية لقول الكاظم (عليه السلام) في صحيح علي بن يقطين: وإن كان
على مولى العبد دين فدبره فرارا من الدين فلا تدبير له، وإن كان دبره في صحة
وسلامة فلا سبيل للديان عليه ويمضي تدبيره (3). وخبر أبي بصير عن



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 71 ب 1 جواز بيع المدبر... ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 80 ب 9 أن من دبر مملوكه وعليه دين... ح 3.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 79 ب 9 أن من دبر مملوكه وعليه دين... ح 1.
440
الصادق (عليه السلام): في رجل دبر غلامه وعليه دين فرارا من الدين، قال: لا تدبير له،
وإن كان دبره في صحة وسلامة فلا سبيل للديان عليه (1). ولا يدلان إلا على أنه إذا
قصد الفرار لم يصح، وهو ظاهر بناء على اعتبار القربة، ولا إشكال إذا لم يعتبرها
أيضا؛ لورود النص به، من غير معارض مع تأيده بالاعتبار، وأنه إن لم يقصد الفرار
ودبر في صحة وسلامة صح التدبير [ولم يكن للديان عليه سبيل حتى يبطل
تدبيره (2)] فإن الديون إنما تعلقت الآن بذمته، فكما يجوز له الإنفاق من عين ماله
وإتلافه ولا سبيل عليه للديان فكذا له التدبير، وهو مما لا نزاع فيه، وهو معنى
مضيه في الخبر الأول، وهو لا يدل على أنه بعد الموت ينفذ قبل الديون، وقد
يحملان على أنه إذا دبر واجبا بالنذر وشبهه وهو سالم من الدين ثم حدث الدين
لم يكن عليه سبيل.
(ولو دبر جماعة فإن خرجوا من الثلث) عتقوا (وإلا عتق من
يحتمله) الثلث. (ويبدأ بالأول فالأول) إن رتبهم في التدبير (فإن جهل أو
لم يرتب فالقرعة) كما مر في العتق في المرض.
(ولو حملت بعد التدبير) تبعها الحمل في التدبير (فإن خرجت هي
والأولاد من الثلث عتقوا وإلا قسط) العتق (عليهما) أي القبيلتين (فيعتق
من كل واحد قدر ما يحتمله الثلث من جميعهم وسعى في قسطه من
الزيادة) ولا يعين بعضهم للعتق بالقرعة أو لا بها (لأنهم جميعا بمنزلة عبد
واحد لم يحتمله الثلث) ولا يقدم عتق الأم، فإن لم يفضل من الثلث شيء لم
يعتق من الأولاد شيء، وإن فضل عتق منهم بالنسبة، فإن النص من الأخبار
والأصحاب إنما دل على مساواة الأولاد لها في التدبير. وربما يوهم أن خبر
يزيد (3) مشعر وعبارة النهاية والسرائر اعتبار الأولاد بعد الأم.



(1) المصدر السابق: ح 2.
(2) ما بين المعقوفين ليس في ق ون.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 76 ب 5 أن أولاد المدبرة من المملوك مدبرون ح 4.
441
(ويجوز الرجوع في التدبير قولا وفعلا) نصا واتفاقا. وللعامة قول بعدم
الجواز قولا.
(فلو وهب وإن لم يقبض) خلافا للشافعية في وجه (أو أعتق أو
وقف) وإن لم يقبض (أو أوصى به) خلافا للشافعي في أحد قوليه (أو باعه
على رأي) وفاقا للطبريات والانتصار والسرائر والشرائع والنافع وموضع من
المبسوط والخلاف (أو رهنه) وفاقا للمحقق وأحد وجهي الشيخ وغيره كما مر
في الرهن (بطل التدبير) لتنافي المقتضيين؛ لاقتضاء الرهن مكان الاستيفاء منه
وما قبله الخروج عن الملك معجلا (مطلقا كان) التدبير بأن علق على مطلق
الموت (أو مقيدا) بموته من مرضه أو في سفره ونحو ذلك. خلافا لأبي حنيفة
فإنه أجاز الرجوع في المقيد.
(ويصح العقد) والإيقاع في كل ما ذكر (وإن لم يرجع) قبله (في
التدبير) لأنها يكفي في الرجوع، ولعموم ما دل على صحتها مع ثبوت أن التدبير
مما لا يمنع منها، وعموم الأخبار الخاصة بالباب كقول الباقر (عليه السلام) في حسن محمد
ابن مسلم: هو مملوكه إن شاء باعه وإن شاء أعتقه، وإن شاء أمسكه حتى
يموت (1).
خلافا للوسيلة فلم يجز التصرف فيه إلا بعد الرجوع وللتهذيب والاستبصار
فلم يجز البيع إلا بعده، وللنهاية والكامل وموضع من الخلاف على وجه، فإن
عباراتها تحتمل غير ذلك.
ففي النهاية: ومتى أراد المدبر بيعه من غير أن ينقض تدبيره لم يجز له إلا أن
يعلم المبتاع أنه يبيعه خدمته وأنه متى مات هو كان حرا لا سبيل له عليه. وفي
الكامل: ومن دبر مملوكا وأراد بيعه لم يجز له ذلك إلا أن ينقض تدبيره أو يعلم
المشتري أنه يبيعه خدمته، وأنه متى مات هو كان حرا لا سبيل له عليه. ونحو
منهما في الخلاف.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 71 ب 1 جواز بيع المدبر وعتقه ح 1.
442
وهذه العبارات كما تحتمل ذلك تحتمل اشتراط البيع بقصد النقض، وأنه لا
يجتمع البيع وعدم انتقاض التدبير، إلا أن يبيع الخدمة، أي إذا باع فالتدبير ينتقض
به، إلا أن يبيع الخدمة، كما قال ابن سعيد في الجامع: وإذا أراد بيعه من دون نقض
تدبيره أعلم المشتري أنه يبيعه خدمته، وأنه إذا مات تحرر.
وعلى التقديرين فهو جمع بين الأخبار المثبتة للبيع والنافية له، ولما كان
يحصل الجمع بالثالث، وبتخصيص أخبار النفي بالتدبير الواجب ضعف الأولان.
(و) يصح كلما ذكر (سواء قصد ببيعه) أو غيره (الرجوع في التدبير أو
لا) لما عرفت من العمومات. خلافا للنهاية والخلاف والكامل على ثاني الوجوه.
(وهل يبطل التدبير بالعقود الفاسدة؟ الأقرب ذلك إن لم يعلم
فسادها) فإن المنافاة معلومة، فإذا اعتقد صحتها فقد قصد النقض (أو) علم
الفساد لكن (قصد الرجوع) فإنه بمنزلة الرجوع القولي.
ويحتمل العدم ضعيفا، لأنها ليست من ألفاظ الرجوع، وإنما يكون من أفعاله
إذا صحت، فإنها مع الفساد لا مقتضى لها لينافي مقتضى التدبير فينقضه.
(وقيل) في النهاية والتهذيب والاستبصار والكامل وموضع من الخلاف:
(لا يبطل التدبير بالبيع إذا لم يرجع فيه) أي في التدبير بنفس البيع أو قبله
(بل يمضي البيع) حينئذ (في خدمته دون رقبته) لقول علي (عليه السلام) في خبر
السكوني: باع رسول الله (صلى الله عليه وآله) خدمة المدبر ولم يبع رقبته (1). وصحيح أبي بصير
سأل الصادق (عليه السلام) عن العبد والأمة يعتقان عن دبر، فقال لمولاه: أن يكاتبه إن شاء،
وليس له أن يبيعه إلا أن يشاء أن يبيعه قدر حياته، وأن يأخذ ماله إن كان له مال (2).
وخبر علي سأله (عليه السلام) عن رجل أعتق جارية له عن دبر في حياته، قال: إن أراد
بيعها باع خدمتها حياته (3). ولما كانت الخدمة منفعة مجهولة لا يتعلق بها البيع



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 74 ب 3 جواز إجارة المدبر ح 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 74 ب 3 جواز إجارة المدبر ح 2.
(3) المصدر السابق: ح 3.
443
وكان صرف البيع إلى بيع الخدمة كصرف بيع القطن - مثلا - إلى بيع الصوف،
بل أبعد أوله ابن إدريس بالصلح، وفي المختلف بالإجارة مدة فمدة حتى يموت،
وهنا (بمعنى ملكية المشتري) للرقبة ملكا (متزلزلة) للانعتاق بموت المولى
مع حياته، فيكون (كمشروط العتق) على المشتري وهو (بخلاف تغاير
جنس المبيع على إشكال) في هذا التأويل، من موافقته للأصول، ومن مخالفته
لظواهر الأخبار (1) والأصحاب، ولزوم بقاء التدبير مع زوال الملك، والانتقال إلى
المولى بعد الموت أو في آخر جزء من الحياة، وبعد الموت لا يصلح للتملك، وقبله
إذا شرط على المشتري النقل إلى البائع بطل فكيف ينتقل بدون الشرط مع أنه
شرط مجهول؟! ولزوم تعليق البيع بمدة الحياة.
(و) على كل تقدير فعندهما (يتحرر بموت مولاه، فحينئذ يثبت
للمشتري الجاهل بالتدبير) قطعا (أو بالحكم) وهو الانصراف إلى بيع
الخدمة (على إشكال) من الإشكال في عذر جاهل الحكم (الخيار إن لم
يتصرف و) يثبت له (معه) أي التصرف (الأرش ولو أعتق بموت المولى)
ولا بأس بالعمل بظاهر الأخبار (2) والفتاوى. ومن صحة بيع الخدمة هنا واستثنائها
مما لا يصح بيعه من المنافع؛ للنصوص، ومساعدة الاعتبار من حيث كون المنافع
هي المقصودة بالأعيان. وأما تنزيل بيع العين على بيعها فلا دليل عليه، ولا نعرف
به قائلا، فإنهم إنما ذكروا أنه إنما يجوز بيع الخدمة.
(وهل له) أي للمولى (الرجوع) في التدبير بعد البيع ونحوه من العقود
اللازمة إن لم نقل بكونها رجوعا؟ (إشكال) من الاستصحاب، وعموم ما دل
على جواز الرجوع في التدبير. ومن أنه لما انتقل إلى الغير انتقالا لا تزلزل فيه
إلا بالانعتاق عند موت المولى لم يجز له التصرف فيه.
(فإن قلنا به) أي بجواز رجوعه في التدبير (فلو باعه أو أمهره) مثلا



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 71 ب 1 جواز بيع المدبر، وص 74 ب 3 جواز إجارة المدبر.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 74 ب 3 جواز إجارة المدبر.
444
(ثم رجع) في التدبير (ففي العود) أي عود الرقبة ملكا مستقرا (إلى
المشتري أو الزوجة على هذا القول) أي القول بأن شيئا من هذه العقود ليس
رجوعا في التدبير (إشكال، أقربه ذلك إن قلنا بالانتقال المتزلزل) للعين،
فإنها إذا انتقلت إلى المشتري أو الزوجة لم يعد إلا بناقل، ولا يصح له الرجوع في
التدبير، وإنما هو دافع للتزلزل موجب لاستقرار الملك.
ويحتمل العود إلى المولى تنزيلا للرجوع في التدبير منزلة الانعتاق بالموت،
ولأنه إنما انتقل إليه انتقالا متزلزلا، ولا دليل على حدوث استقرار الملك له.
وأما إن قلنا بأنه لم ينتقل إلا الخدمة فلا إشكال في العود إلى المولى،
بل لا عود، وإنما هو بقاء لما كان، والخدمة للمشتري أو الزوجة ما حيي المولى، إذ
لا ناقل لها عنهما.
(و) على الانتقال المتزلزل (لو أعتقه المشتري قبل الرجوع) من البائع
في التدبير (نفذ) لكونه في ملكه، وعدم منافاته للتزلزل فيه (وبطل حق البائع
منه) وهو لا يوجب عدم النفوذ، لأن التزلزل لم يكن لحقه.
(ولو دبره) المشتري صح لذلك، ولم يبطل تدبير البائع؛ لعدم التنافي، بل
(عتق بموت السابق منهما، فإن كان هو البائع عتق من الأصل لوصول
العوض إليه و) إن كان (المشتري) عتق (من الثلث).
(ولو دبره البائع مريضا) فنقصت قيمته (ثم باعه بقيمته مدبرا وقصر
الثلث عن التفاوت) بين القيمتين (كما لو) لم يكن له غيره و (كانت قيمته
ثلاثين وباعه مدبرا بعشرة) و (هي قيمته مدبرا وعاد قيمة الجزء) منه
أي جزء فرض (بفسخ التدبير فيه) أي كان بحيث إذا انفسخ التدبير في جزء
منه عاد إلى قيمته كما أنه إذا انفسخ في كله عاد إلى قيمته (دخلها) أي المسألة
(الدور عندنا) معشر القائلين بأنه إذا بطل البيع في جزء من المبيع بطل في
مقابله من الثمن مطلقا ربويا وغيره (وعند الشيخ) المخصص لذلك بالربوي
القائل بأن بيع المريض إذا اشتمل على محاباة لا يفي بها الثلث بطل البيع فيما زاد

445
عليه، ولم يبطل من الثمن شيء، بل كان للمشتري بالثمن مساويه من المثمن وما
يفي به الثلث من المحاباة، وإنما تساوي المذهبان هنا (لوقوع الشراء) هنا
(بالقيمة) بلا محاباة (فلا يمكن فسخ البيع في جزئه) أي المبيع (مع بقاء
ثمنه؛ لاشتماله) أي البيع حينئذ (على غبن المشتري) فلابد من أن يبطل من
الثمن ما يقابل ما بطل فيه التدبير، فتوقف العلم بكل مما صح فيه التدبير وما بطل
فيه والتركة على العلم بالآخرين، فإنه إذا بطل التدبير في جزء عاد إلى قيمته،
فيزيد التركة، فيتوقف العلم بالتركة على العلم به، ولا يعلم كمية ما بطل فيه التدبير
إلا إذا علم كمية التركة، فإنه لا يبطل إلا فيما زاد على ثلثها، وكذا لا يعلم ما صح
فيه التدبير إلا إذا علم مقدار التركة، ولا يعلم إلا إذا علم ما صح فيه البيع، وهو ما
صح فيه التدبير ليعلم ما انتقل إليه من الثمن.
(وطريقه) أي طريق تحصيل العلم بكل من ذلك (ما مر) في أمثاله في
الوصايا بأن نقول: بطل البيع في شيء من العبد وشئ من الثمن، فللمولى شيء من
العبد وعشرة إلا شيئا من الثمن، والكل يعادل عشرين، وما عاد إليه من العبد في
تقدير ثلاثة أشياء لبطلان التدبير فيه. وفرض أن كل جزء منه قبل التدبير كثلاثة
أمثاله بعده فيجبر منها العشرة إلا شيئا يصير عشرة وشيئين يعادل عشرين،
فالشيئان يعدل عشرة، فالشئ خمسة، فما عاد إليه من العبد خمسة وهي نصفه،
وإذا انفسخ تدبيره صار خمسة عشر ومن الثمن خمسة، والمجموع عشرون هي
ثلثا التركة. أو نقول صح البيع في شيء من العبد بشيء من الثمن، فللمولى عبد إلا
شيئا ومن الثمن شيء، والشيء الذي صح فيه البيع بمنزلة ثلاثة أشياء، لأنه
يحسب على العبد ما نقص من الثمن بالتدبير، فرد عليه الشيء من الثمن، فله العبد
إلا شيئين، والعبد كان ثلاثين فماله يعادل عشرين، والشيئان يعادلان عشرة،
فالشئ خمسة، فصح البيع في خمسة من العبد هي نصفه بخمسة من الثمن، وعاد
إلى المولى نصف العبد مع خمسة من الثمن، والكل عشرون.
(ولا يشكل بتقسيط الثمن) على العبد (بالسوية هنا مع تفاوت قيمة

446
الجزءين) أي الذي صح فيه البيع والذي بطل فيه، فإنه المفروض، ومن البين أن
الثمن إنما يقسط بالسوية إذا تساوت أجزاء المبيع قيمة (لأنه إذا بطل البيع في
جزء يبطل من الثمن ما لو صح البيع في ذلك الجزء لكان الباطل من الثمن
ثمنا له).
فالتقسيط إنما يعتبر بصحة البيع، وبالصفة التي له مع صحة البيع (1) (وهو)
أي التقسيط (هنا) اعتبر (كذلك) للتساوي بين الأجزاء بهذين الاعتبارين
(فإن الزيادة) إنما (حصلت هنا باعتبار بطلان البيع) وانفساخ التدبير،
وإنما تفاوتت الأجزاء لاعتبار الصحة في جزء والبطلان في آخر، واعتبار التدبير
الذي هو الصفة حال صحة البيع في جزء وانفساخه في آخر.
(ولو لم تعد قيمة الجزء) بانفساخ التدبير فيه خاصة (فإن قلنا بصحة
التدبير وإجرائه مجرى الإتلاف) دون التصرف كما مر احتماله (صح التدبير
والبيع في الجميع) فالتدبير لكونه كالإتلاف والبيع لانتفاء الفائدة بانفساخه
(لعدم عود أزيد من العشرة) إلى الورثة (وقد حصلت بالبيع).
(وإن قلنا ببطلانه) أي التدبير لكونه تصرفا فيما زاد على الثلث (فإن لم
تعد القيمة مع التشقيص بالبيع) أي كان التشقيص بالبيع أيضا منقصا للقيمة
موجبا للتصرف في الزائد على الثلث (بطلا) أي البيع والتدبير (معا وإن
عادت) القيمة (بتشقيص البيع) أي معه (دون التدبير) أي كان التدبير
منقصا للقيمة، وتساوي مع الكل والبعض في عدم إيجابه نقصا فيها. (فالأقوى)
صحتهما معا و (إجراؤه) أي مجموعهما أي بيعه مدبرا، أو بيعه أو تدبيره
(مجرى تدبير الشريك) للمريض حصته الموجب لنقص قيمة المجموع،
فإنه إذا صح البيع وقد ابتاعه مدبرا فكأنه الذي دبره، ولما لم يوجب البيع نقصا
في القيمة صح في الكل، ولما صح صح التدبير، لأنه باعه مدبرا، ولما لم يكن



(1) في ق: " المبيع ".
447
فرق بين تدبير الكل وتدبير البعض في النقص صح في الكل، ولم يبطله ما أوجبه
من النقص.
(ويحتمل بطلانهما معا إن قلنا برد الملك إلى المشتري) إذا باعه مدبرا
(مع رجوع المالك في التدبير) بناء على الانتقال المتزلزل كما عرفت، وذلك
(لانتقاله) حينئذ (إلى المشتري مدبرا، فيلزم من صحة البيع صحة
التدبير) كالبيع بشرط العتق، ولأنه لا فائدة لإبطال التدبير لرد الملك إلى
المشتري، والتدبير باطل لكونه تصرفا فيما زاد على الثلث، فيبطل البيع أيضا.
واحتمال صحتهما على هذا التقدير باق نظرا إلى ما تقدم من انتفاء المانع من
صحة البيع فيصح، ويلزم منه صحة التدبير.
والحاصل أن التدبير بنفسه باطل، بناء على كونه تصرفا في الزائد على الثلث
والبيع بنفسه صحيح، لأنه لا يستلزم محاباة وتصرف في الزائد، فإذا اجتمعا - كما
في المسألة - احتمل سريان صحة البيع إلى التدبير فيصحا، والعكس فيبطلا.
(وإن قلنا بعود الملك إلى البائع) إن باع مدبرا ثم رجع في التدبير
(احتمل بطلان التدبير) لاستلزامه التصرف في أكثر من الثلث، وعدم استلزام
صحة البيع لصحته (وصحة البيع) لكونه (في خدمته) ولكن (من الثلث مع
المحاباة فيها) فإن زادت على الثلث استخرجت بالجبر (فيرجع) المدبر عينا
وخدمة (إلى الورثة بعد الموت؛ لانصراف البيع إلى خدمته حال حياة
المولى) مع بطلان التدبير. واحتمل بطلانهما، لأنه إنما باع خدمته مدبرا.
وصحتهما؛ لاستلزام صحة هذا البيع صحة التدبير.
(تنبيه):
(الولاء على قول الشيخ) بعدم إبطال البيع التدبير وانصرافه إلى الخدمة
(للبائع) إذا بقي المملوك إلى أن مات، ولم ينفسخ تدبيره بشيء. أما إن فسرنا
كلام الشيخ بالانتقال المتزلزل فيحتمل أن يكون كذلك لاستناد العتق إلى التدبير،
وأن يكون للمشتري لكونه كمشروط العتق، والأول هو الوجه. وعلى بطلان

448
التدبير فلا إشكال في انتفاء الولاء ما لم يطرأ عليه عتق آخر.
(فإن أعتقه المشتري) فعلى القول بالانصراف إلى الخدمة لا يصح، وأما
على الانتقال المتزلزل أو المستقر (فالولاء له، ولو دبره) المشتري (فالولاء
لمن انعتق بموته) فإن قلنا بالانتقال المتزلزل فأيهما سبق موته فالولاء له، وإن
قلنا بالمستقر بطل تدبير البائع فلا ولاء له، وإن صرفنا البيع إلى الخدمة بطل تدبيره
فلا ولاء له.
(ولو أنكر التدبير لم يكن رجوعا وإن حلفه العبد المدعي) له أما إذا
كان عتقا بصفة فظاهر، وأما إن كان وصية فكذلك كما في المبسوط وغيره؛ لعدم
دلالته عليه بشيء من الدلالات مع الاستصحاب وتغليب الحرية.
(وكذا إنكار الوصية والوكالة والبيع الجائز) ليس رجوعا، وقد مر منه
الاستشكال في الوصية والوكالة مع العلم (بخلاف إنكار الطلاق) فإنه رجوع
كما عرفت، للنص الصحيح والاتفاق كما يظهر منهم، ولتضمنه التمسك بالزوجية
الذي هو الرجعة.
(ولو ضمه المريض مع العتق) المنجز (قدم العتق) كسائر المنجزات
(وإن ضمه مع الوصية بالعتق احتمل تقديمه) لكونه عتقا، وكون تلك وصية
به، أو (لتوقف العتق) الموصى به (على الإعتاق) من الوارث (بعد الموت
وحصول العتق فيه) أي التدبير (بالموت) من غير إعتاق فله السبق على
الأول (و) احتمل (تقديم السابق) منهما لكونهما وصيتين، مع عموم ما دل
على تقديم السابق من الوصايا.
(ولو قال له المولى: " إن أديت إلى ورثتي كذا فأنت حر " كان
رجوعا) عن التدبير لاقتضائه العتق بالموت من غير توقف على أمر آخر.
(وليس الرجوع في تدبير الحمل رجوعا في تدبير الحامل و) لا
(بالعكس) لانفصال كل عن الآخر، والأصل عدم الدلالة بشيء من الدلالات.
ووافقنا عليه من ذهب من العامة إلى تبعية الحمل في التدبير، ولكن منهم من

449
لا يرى الرجوع إلا بالفعل فلا يمكن عنده الرجوع في الحمل خاصة.
(وإذا استفاد المدبر مالا في حياة مولاه فهو لسيده) لبقاء الرق (وإن
كان بعده فإن خرج المدبر من ثلث التركة سوى الكسب فالكسب له)
لتحرره بتمامه (وإلا كان له منه بقدر ما يتحرر منه والباقي للورثة) ولا دور
هنا، لأن ما للورثة من كسبه ليس من التركة.
(ولو ادعى الوارث سبق الكسب على الموت والعبد تأخره) عنه
(قدم قوله) للأصل واليد (فإن أقاما بينة قدمت بينة الوارث) بناء على
تقديم بينة الخارج.
(هذا إن خرج) المدبر (من الثلث، ولو لم يخلف) المولى (سواه)
وكانت قيمته ثلاثين (وكان الكسب ستين ضعف قيمته قدم قول العبد
أيضا) للأصل واليد، ويظهر الفائدة في النماء وفيما لو نقصت قيمته بعد الموت،
وإلا فعلى التقديرين يحوز الوارث جميع الكسب، أما على السبق فظاهر، وأما
على التأخر فلأن العبد يفك جزء الرق بماله من كسبه، لأن الرق منه ثلثاه، وماله
من كسبه الثلث.
(و) مع تقدم قول المدبر بيمينه، والحكم بتأخر الكسب وانحصار التركة في
العبد (يحسب على الورثة ما يصل إليهم من الكسب) من التركة أخذا لهم
(بإقرارهم) فيعتق من المدبر في الصورة المفروضة، وهي أن يكون قيمته
ثلاثين والكسب ستين سبعة أتساعه، أما الثلث فقبل وصول الكسب، وأما أربعة
أتساعه فلأنه إذا حلف على التأخر كان له عشرون وللورثة أربعون، فإذا وصل
إليهم الأربعون عتق منه بقدر ثلث الأربعين بإقرارهم، وهو أربعة أتساع الثلاثين.
(وهل للعبد بالجزء الذي انعتق بإقرارهم مقابله من كسبه) فيه
(إشكال، ينشأ من إجراء إقرار الورثة) المستلزم لأن ينعتق منه بقدر ثلث ما
يصل إليهم من الكسب (مجرى الإجازة) لعتق الزائد على الثلث لاشتراكهما
في إيجاب العتق، بل الإقرار أولى، فإنه إقرار بعتق سابق واجب غير متوقف على

450
رضاهم، والإجازة تفضل منهم وكشف عن عتق موقوف على رضاهم (أولا)
لتباينهما، وللزوم الجمع بين المتنافيين من سبق الكسب وتأخره، لبناء التحرر بقدر
ثلث ما يصل منه إليهم على السبق، واستحقاقه مقابل ما تحرر منه على التأخر،
وهو الأقوى لذلك، ولاتفاقه مع الورثة على أنه لا يستحق أزيد من الثلث
(فعلى الأول يدخلها) أي المسألة (الدور) لتوقف معرفة كل من قدر ما
يتحرر منه، وما للورثة من الكسب على الآخر، فإنه يتحرر منه بقدر ثلث مالهم
منه، ولا يعلم قدر مالهم إلا إذا علم قدر ما للمدبر، ولا يعلم إلا إذا علم قدر
المتحرر منه.
(فنقول عتق منه شيء وله من كسبه شيئان) لكونه ضعفه (وللورثة
شيئان من نفسه وكسبه) ضعف ما انعتق منه (فالعبد وكسبه) اللذان هما
تسعون (في تقدير خمسة أشياء، فالشئ) خمس التسعين وهي (ثمانية
عشر، فله من نفسه ثمانية عشر) وهي خمس التسعين وثلاثة أخماس نفسه
(ومن كسبه ضعف ذلك وللورثة من نفسه وكسبه) جميعا (ستة
وثلاثون) من كل خمساه، فمن المدبر اثنى عشر، ومن كسبه أربعة وعشرون
(وعلى الثاني) لا دور، بل للورثة من الكسب أربعون و (يعتق) من
المدبر (سبعة أتساعه) فثلاثة بلا نظر إلى الكسب، وأربعة أتساعه أخذا للورثة
بإقرارهم، فإنها ثلث الأربعين.
(وله من كسبه عشرون) ثلث الستين.
(ومنه يستخرج حكم ما قصر الكسب فيه عن ضعفه) أو زاد عليه
(أو خلف المولى شيئا معه) أقل من ضعفه، فلو كان المدبر ثلاثين وكسب
ثلاثين - مثلا - وجاء الدور قلنا: عتق منه شيء وله من كسبه شيء وللورثة شيئان،
فالشئ ربع الستين خمسة عشر وهي النصف وله من الكسب مثلها وللورثة من
نفسه وكسبه ثلاثون، وإن لم يكن دور كان للعبد ثلث الكسب وهو عشرة،
والعشرون الباقية للورثة وهي مع قيمة المدبر خمسون، فينعتق منه ثلثها ستة عشر

451
وثلثان وهي خمسة أتساع العبد وللورثة من نفسه وكسبه ثلاثة وثلاثون وثلث.
ولو ساوى المدبر ثلاثين وكسب ثلاثين وخلف المولى ثلاثين فعلى الأول عتق
منه شيء وله من الكسب شيء وللورثة من المدبر وكسبه والمخلف شيئان،
فالشئ ربع التسعين، فيتحرر منه اثنان وعشرون ونصف وله من الكسب مثلها،
يكون المجموع خمسة وأربعين وللورثة من المدبر والكسب والمخلف خمسة
وأربعون ثلاثون هي المخلف، ومن كل من المدبر وكسبه سبعة ونصف. وعلى
الثاني يعتق كله ويكون الكسب كله للورثة كالمخلف.
(وإذا جني على المدبر بما دون النفس فالأرش) والقصاص
(للمولى) كالقن (والتدبير باق، ولو قتل بطل) التدبير، ولا يلزمه شراء
مملوك آخر بقيمته، وتدبيره كما يقال للوقف، والفرق ظاهر، فإن الغرض من
الوقف مصلحة الموقوف عليه وهو باق، والغرض من التدبير مصلحة المدبر
(ويأخذ المولى) من القاتل إن كان حرا أو مخطئا (قيمته مدبرا) إن لم يجز
بيعه أو لم يكن رجوعا وإلا لم يفترق الحال.
(ولو قتله عبد عمدا قتل به إن) شاء مولى المقتول و (ساواه) في
القيمة (أو قصر عنه، ولا يقتل الحر، ولا من تحرر بعضه به) لأنه لم يتحرر
منه شيء.
(ولو جنى المدبر تعلق أرش جنايته برقبته) كالقن (وللمولى فكه
بأرش الجناية) على قول (والأقرب بأقل الأمرين) من الأرش والقيمة كما
سيأتي (فيبقى على التدبير).
(ولو) لم يفكه بل (باعه فيها) أي الجناية (أو سلمه إلى المجني عليه
أو وليه انتقض تدبيره إن استغرقت) الجناية (قيمته) وسيأتي في الجنايات
الخلاف فيه (وإلا بطل) تدبيره (ما خرج عن ملكه منه) وقال الشيخان
والصدوق وأبو علي: إن له أن يدفعه إلى أولياء المقتول، يخدمهم حتى يموت
المولى ثم يستسعى في قيمته.

452
(قيل) في الشرائع: (ولمولاه أن يبيع خدمته إن ساوت الجناية فيبقى
على تدبيره) وهو الوجه، سواء أجزنا بيع الخدمة أو حملناه على الصلح أو
الإجارة (وله أن يرجع في تدبيره وبيعه) اتفاقا (فيبطل التدبير، وكذا لو
باعه ابتداء) قبل الرجوع على المختار كما تقدم.
(ولو مات المولى قبل افتكاكه وقبل تملك المجني عليه له انعتق)
لسبق سببه وتغليب الحرية. وللعامة قول بقيام الوارث مقام المولى.
(و) على الأول (ثبت أرش الجناية في رقبته) أو ماله (لا في تركة
مولاه) كما في المبسوط إجراء له مجرى إعتاق الجاني ولا على الوارث (وإن
كانت) الجناية (خطأ) لانعتاقه قبل أخذ الأرش.
(ولو دبر عبدين وله دين بقدر ضعفهما) ولم يخلف غير ذلك، فما لم
يستوف الدين لم يعتق منهما إلا ثلثهما. وللعامة قول بأن لا يعتق منهما شيء ولا
يشاع فيهما بل (عتق ممن تخرجه القرعة) منهما (قدر ثلثهما وكان
الباقي) إن بقي منه شي (والآخر) بتمامه إن وفى الأول بالثلث، وإلا فما بقي
من الآخر (موقوفا، فإذا استوفي من الدين شيء كمل من عتق من
أخرجته القرعة) إن بقي منه شيء (قدر ثلثه) أي ثلث ما استوفي من الدين،
وإن فضل قدر ثلثه على من أخرجته (و) إن (ما فضل عتق من الآخر،
وهكذا حتى يعتقا معا أو مقدار الثلث) أي ثلث التركة التي هي مجموعهما
وما استوفي من الدين (منهما) جميعا أو من أحدهما.
(ولو تعذر استيفاؤه) رأسا (لم يزد العتق على قدر ثلثهما، ولو خرج
من وقعت القرعة له مستحقا بطل العتق فيه وعتق من الآخر ثلثه)
لانحصار التركة الحاضرة فيه، ثم كلما استوفي من الدين شيء عتق منه بقدر ثلثه
وهكذا.
(ولو دبر عبدا وله دين بقدره عتق ثلثه ورق ثلثه ووقف ثلثه) إلى
الاستيفاء.

453
(ولو) دبر عبدا و (كان له ابنان) فقط وله (على أحدهما ضعف قيمته
عتق من المدبر ثلثاه، لأن حصة المديون من الدين كالمستوفي وسقط عنه
من الدين نصفه، لأنه قدر حصته من الميراث، ويبقى) منه (للآخر
النصف، وكلما استوفي منها) أي من حصته من الدين (شيئا عتق قدر
ثلثه) فإذا استوفي الكل انعتق الكل.
(ولو كان الضعف دينا عليهما بالسوية عتق) الكل ولا شيء لأحدهما
على الآخر (ولو) كان عليهما لكن (تفاوتا فيه فبالنسبة إلى) ما على (كل
منهما) ويقف الباقي على الاستيفاء.
(ولو قتل) المدبر (مولاه احتمل بطلان تدبيره مقابلة له بنقيض
مقصوده كالوارث) يمنع من الإرث إذا قتل لذلك (ولأنه أبلغ من الإباق)
وقد مر أنه يبطله، والأقوى العدم؛ للأصل، وتغليب الحرية، ومنع القياس
والأولوية (أما ام الولد فلا) احتمال لعدم انعتاقها إذا قتلت المولى (لأنها)
إنما (تعتق من نصيب ولدها) فشبهها بالوارث أبعد من شبه المدبر، فإنه ينعتق
من مال المولى.
(تنبيه):
(قيمة المدبر تعتبر من الثلث حين الوفاة سليما من التدبير) فلا يعتق
الكل إلا إذا لم يزد قيمته سليما من التدبير على الثلث، وإنما تتفاوت القيمة بالتدبير
وعدمه لو لم يبطل التدبير بالبيع (فيحسب نقصان الجزء الذي بطل التدبير
فيه) للزيادة على الثلث الحاصل ذلك النقصان (بالتشقيص لو فرض)
حصوله (عليه) أي المدبر، فلا يعتق ولا ثلثه إلا إذا وفي الثلث به (على
إشكال) من أنه لمصلحته، ومن بقاء عين ذلك الجزء، وأن النقص الطارئ عليه
كنقص القيمة السوقية وكالإتلاف.
(ولو لم يملك سواه وكانت قيمته سليما ثلاثين ومدبرا عشرة ولم
يرجع قيمة الجزء) ببطلان التدبير فيه (احتمل بطلان التدبير) رأسا

454
(لاستلزامه التصرف بالوصية) أو حكمها (في أكثر من الثلث) كما تقدم
في العتق في المرض (بل البطلان فيه أظهر من) البطلان في (العتق) في
المرض لكونه منجزا.
(و) احتمل (الصحة فيفرض النقص كالإتلاف فيعتق ثلثه) باعتبار
قيمته (الآن ومع البطلان لو أجاز بعض الورثة نفذ) العتق (في حقه من
الأصل، وفي حق باقي الورثة من الثلث، والنقص) حينئذ (كالتالف) قبل
موت المولى قطعا، فلا يوجب بطلان التدبير، فإنه (كما لو دبر أحد
الشريكين) فأوجب النقص في الكل، بل (وهو) أي إجازة بعض الورثة
(أقوى من ابتداء التدبير) من الشريك (لنفوذه) أي التدبير (من الأصل
بالنسبة إليه) أي المجيز (إن كان صحيحا) أي لم يكن في مرض موته
(ولتأثيره في العتق معجلا) فيلزم، بخلاف التدبير لجواز الرجوع فيه، وأيضا
المعجل أقدم من المعلق بالموت (ويعتبر خروج قيمته مدبرا من الثلث في
حق غير المجيز لا سليما) لما عرفت من إيجاب الإجازة كون النقص كالتلف
قبل موت المولى، [وخصوصا إذا كانت الإجازة في حياة المولى (1)].
(فلو كان للميت) سوى المدبر الذي كان يساوي قبل التدبير ثلاثين وبعده
عشرة (عشرون عتق كله بإجازة بعض الورثة) لخروجه من الثلث [وقد
يقال: إن الإجازة وان أوجبت كون النقص كالإتلاف قبل الموت لكنها لا توجب
نفوذه التدبير في حق غير المجيز إذا كانت موته بعد المولى لحدوثها بعد انتقال
العين إلى الورثة، وغايتها أن يكون كتدبير الشريك، وهو إنما يوجب النقص دون
التدبير في حق شريكه، ولا يجدي سبق السبب وهو تدبير المولى (2)].
(ولو كان) المجيز (مريضا فإجازته كابتداء تصرفه، فلو لم يكن) له
(سواه) أي سوى حصته من المدبر (بطلت) الإجازة (على تقدير
البطلان) للتدبير الموجب لنقص أكثر من الثلث.



(1) ما بين المعقوفين ليس في ق ون.
(2) ما بين المعقوفين ليس في ق ون.
455
(ولو) انحصر الوارث في المجيز وآخر وتساويا في الإرث و (كان له)
أي للمجيز مع ماله من شقص المدبر (ما يزيد على قدر التالف) عليهما
(بسبب الإجازة) وهو هنا عشرون (بجزء ما) وإن قل (صحت إجازته
من الثلث) أي ثلث تركته، فإن كان له في الصورة المفروضة ستة عشر سوى
ماله من شقص المدبر صحت ونفذت في الثلث وهو عشرة وثلث ليبقى للورثة
ثلثاها أي عشرون وثلثان فيعتق من المدبر ثلث دينار، فإنه لما أجاز في حصته
وهي النصف أي خمسة عشر دينارا فقد فوت على ورثته عشرة بسبب نقص
القيمة وانعتق منه ثلث دينار ليبقى من النصف أربعة وثلثان لينضم إليه الستة عشر
التي له مما عدا الشقص فيكمل عشرين وثلثين وهي ثلثا التركة، بخلاف ما إذا لم
يكن له ما سوى الشقص إلا بقدر التالف فإنه لا ينعتق حينئذ منه شيء، لأنه لو
انعتق منه شيء لم يبق لوارثه ثلثا تركته.
وأما إن ورث المولى ابن وبنت فإن أجاز الابن لم يصح إلا إذا كان له في
الصورة المفروضة أربعون وشئ كأحد وأربعين - مثلا - فإن حصته من المدبر
ثلثاه وهي عشرون، فإذا أجاز التدبير في حصته فوت على نفسه ثلاثة عشر وثلثا
لنقص القيمة، وصح التدبير في ثلث دينار ليبقى لورثته ثلثا تركته وهي سبعة
وعشرون وثلث، ولو لم يكن له إلا أربعون لم يصح التدبير في شيء، وإن أجازت
البنت لم يحتج الصحة إلا إلى أن يكون لها ثلاثة عشر وثلث وجزء فإنها تفوت
على نفسها لنقص القيمة بالإجازة ستة وثلاثين وضعفها ثلاثة عشر وثلث، فإذا زاد
جزء صح التدبير في ثلثه، فكان الصواب أن يجعل الضابط في الصحة أن يكون ما
يزيد على ضعف التالف عليه.
(ويعتبر) فيما نفذت فيه الإجازة (قيمته الأولى لكونها سبب البطلان)
في التدبير إن لم يخلف المولى سواه، وفي الإجازة إن لم يخلف المجيز سواه،
وكلامنا على تقدير البطلان (على إشكال).
(ينشأ من) لزوم (الدور) إن اعتبرت أي لزوم نفيها من إثباتها

456
(إذ بإجازته ينفذ) التدبير (في حصة الآخر من الثلث فيعتق جزء ما من
حصة الآخر، فيسقط اعتبار القيمة الأولى بالنسبة إلى غير المجيز) لتحقق
النقص بإجازة المجيز (و) بالنسبة (إليه) أي المجيز (أيضا) لأن النفوذ في
حصة غيره يستلزم النقص في حصته.
(ومن أن اعتبار) القيمة (الأولى أصل ترتب هذه الأحكام) ففي
المثال المفروض - أعني أن يكون له سوى الشقص ستة عشر - إن اعتبرت القيمة
الأولى لم ينعتق من المدبر إلا ثلث دينار كما عرفت، وإن اعتبرت الثانية انعتق منه
تمام النصيب لكونه أقل من الثلث، فإن المعتبر حينئذ ثلث إحدى وعشرين وهو
سبعة ونصيبه منه خمسة.
(ويحتمل إذا لم يكن له) أي المجيز (مال) سوى الشقص من المدبر
(على تقدير البطلان) للتدبير فضلا عن تقدير (الصحة) في ثلث نصيبه وإن
استلزم التفويت على ورثته لأزيد من الثلث باعتبار القيمة (إذ نفوذ إجازته في
ثلث حصته يستلزم نفوذ العتق في جزء ما من حصة الآخر) وهو ثلثها لما
عرفت من تنزل الشقص بالإجازة منزلة التالف قبل الموت ولم يعين الثلث، لأن
(المستلزم لعدم اعتبار القيمة الأولى في حق المجيز) نفوذه في جزء ما منه
أيا ما كان، وقد عرفت الاستلزام، وإذا لم يعتبر القيمة الأولى لم يعتبر الثلث إلا من
الثانية (على إشكال) في الحكم بالصحة.
(ينشأ) مما ذكر، و (من استلزامه توقف الشيء على نفسه، إذ الصحة
متوقفة على عدم اعتبار القيمة الأولى المتوقف على نفوذه في جزء من
حصة الآخر المتوقف على الصحة).
أما (لو أجاز) الوارث (الآخر) الصحيح (صحت إجازة) الأول
(المريض من الثلث بقيمته الآن قطعا) لما عرفت من تنزيل إجازة بعض
الورثة النقص منزلة التالف قبل الموت.
* * *

457
المقصد الثالث في الكتابة
أي المكاتبة، سميت بها لكتب كتاب بينهما بالعتق إذا أدى النجوم، أو لإيجاب
المولى على نفسه ذلك من كتب أي أوجب، أو لنظم النجوم وجمعها.
(وفيه فصول) ثلاثة:
(الأول في ماهية الكتابة)
(وهي معاملة مستقلة بنفسها ليست بيعا للعبد من نفسه) كما قاله
التقي وابنا زهرة وإدريس وعلي بن إبراهيم في ظاهر تفسيره، فإن الشيء لا
يملك نفسه إلا مجازا (ولا عتقا بصفة) كما قاله بعض العامة لجوازه عند من منع
العتق بالصفة.
(فلو باعه نفسه بثمن مؤجل ففي الصحة نظر) مما عرفت من أن
الشيء لا يملك نفسه، ومن كون الكتابة هو بيعه من نفسه كذلك، وهو خيرة
المبسوط. وأما حالا فلا يجوز إلا على القول بجواز الحلول في المكاتبة.
(وهي عقد لازم من الطرفين) وفاقا للمحقق لأنه الأصل في العقود
لإيجاب الوفاء بها (إلا إذا كانت مشروطة وعجز العبد) فيجوز للمولى
فسخها.
وقيل في الخلاف: إنها لازمة من طرف المولى جائزة من طرف العبد، بمعنى
أن له تعجيز نفسه مطلقا وعنده كان للمولى الفسخ، واستدل بالأخبار والإجماع

458
على أن له الفسخ إذا عجز المشروط. ولهذا الدليل حمل في التحرير والمختلف
على جواز المشروطة خاصة، وقد يستدل على الجواز من طرفه مطلقا بأن الحظ
للمملوك وصاحب الحظ بالخيار، وبأن المكاتبة يتضمن تعليق العتق بصفة يأتي
بها المملوك، ولا يلزمه الإتيان بها، وعليهما منع ظاهر.
(وقيل) في المبسوط والسرائر: (إن كانت مشروطة كانت جائزة من
جهة العبد، لأن له تعجيز نفسه، وليس بمعتمد) للمنع (إذ يجب عليه
السعي) إذا أمكنه (ويجبر عليه) إن امتنع.
وفي الوسيلة: جواز المشروطة من الطرفين والمطلقة من طرف المملوك.
(ولو اتفقا على التقايل صح) كسائر المعاوضات وإن كانت فيه شائبة
العبادة بالعتق الذي لا يقبل التقايل.
(ولو أبرأه من مال الكتابة برئ وانعتق بالإبراء) لأنه بمنزلة القبض،
وكذا إن أبرأه من بعضه انعتق بحسابه إن كان مطلقا.
(ولا يثبت فيها خيار المجلس) ولا خيار الحيوان، ويلزم القائلين بكونه
بيعا أن يثبتوا فيه الخيارين، إلا أن يدل دليل على الاستثناء.
(وليست واجبة) باتفاق أكثر أهل العلم وإن طلبها المملوك بقيمته أو أكثر
(بل مستحبة) وعن الصادق (عليه السلام): أربع من الله عز وجل تعلم ليس بواجب قوله:
" فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا " فمن شاء كاتب رقيقه ومن شاء ترك، وقوله:
" وإذا حللتم فاصطادوا " فمن شاء اصطاد إذا حل ومن شاء ترك، وقوله: " فكلوا
منها وأطعموا القانع والمعتر " فمن شاء أكل من أضحيته ومن شاء لم يأكل، وقوله:
" فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله " فمن شاء انتشر
ومن شاء جلس في المسجد (1).
وإنما يستحب (مع الأمانة والاكتساب) لاشتراطه في الآية (2) بأن يعلم



(1) دعائم الإسلام: ج 2 ص 309 ح 1166.
(2) النور: 33.
459
فيهم خيرا وهو يحتملهما، والأصل العدم ما لم يجتمعا، وظاهر المبسوط الاتفاق
عليه، والحمل عليهما حمل للمشترك على معنى فرديه، ولقول الصادق (عليه السلام) في
صحيح الحلبي في تفسيره: إن علمتم دينا ومالا (1). ثم الاستحباب ثابت بالاعتبار
من غير نظر إلى الآية.
(ويتأكد مع سؤال المملوك) لها؛ لظهور الآية في الوجوب، وانضمام
قضاء الحاجة إلى ما تسبب لاستحبابها قبل السؤال. وعن بعض العامة وجوبها مع
السؤال لظاهر الآية.
(ولو فقد الأولان أو أحدهما صارت مباحة) وإن سألها؛ للأصل مع
ضعف المرجح لها حينئذ، ولكن اقتصر في كثير من الأخبار على تفسير الخير
بالمال، والدين في صحيح الحلبي يحتمل الإيمان، كما في الصحيح عن محمد بن
مسلم عن الصادق (عليه السلام) قال: الخير أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويكون بيده عمل يكتسب به أو يكون له حرفة (2). وكرهها في
المبسوط مع انتفائها.
(ولا يصح من دون الأجل على رأي) الأكثر استصحابا للرق واتباعا
للمعروف فيه، ولمدلول لفظها إن اخذت من الكتابة، أو انضمام النجوم بعضها إلى
بعض، ولأنه الآن لا يملك شيئا.
وخلافا للخلاف والسرائر والجامع لإطلاق النصوص، وجواز اقتراضه و
قبوله الهبة والوصية في الحال، وسيأتي منه اختياره.
(ولابد) فيها (من إيجاب وقبول وعوض) وسيأتي ما تعلق بكل منها.
(وهي إما مطلقة أو مشروطة، فالمطلقة أن يقتصر) فيها (على العقد
مثل كاتبتك على أن تؤدي إلي كذا في شهر كذا فيقول: قبلت، فيقتصر)
فيها (على العقد، و) في ضمنه (الأجل والعوض والنية) أي القصد إلى معنى



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 83 ب 1 من أبواب المكاتبة ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 84 ح 5.
460
الصيغة، وهو التحرر إذا أدى العوض، فكلما أدى شيئا انعتق منه بحسابه.
(والمشروطة أن يضيف إلى ذلك قوله، فإن عجزت) عن الأداء كلا
أو بعضا، وقال المفيد أو الططت به (فأنت رد في الرق) وهذا مما اتفق عليه
الأصحاب ونطقت به الأخبار (1) مع عموم كون المؤمنين عند شروطهم، وعند أكثر
العامة أنه لا يعتق منه شيء حتى يؤدي جميع ما عليه من غير تفصيل، وعند
بعضهم يعتق بحساب ما أدى من غير تفصيل.
(وكل ما يشترطه المولى على المكاتب في العقد) من ولاء وغيره
(لازم إذا لم يخالف المشروع) لعموم المؤمنون عند شروطهم، وخصوص نحو
قول الصادق (عليه السلام) حين سئل عن المكاتب: يجوز عليه ما شرطت عليه (2). وقوله
في صحيح الحلبي: في المكاتب يشترط عليه مولاه أن لا يتزوج إلا بإذن منه
حتى يؤدي مكاتبته، قال: ينبغي له أن لا يتزوج إلا بإذن منه أن له شرطه (3). وقول
الباقر (عليه السلام) في خبر محمد بن قيس: إن اشترط المملوك المكاتب على مولاه أن لا
ولاء لأحد عليه إذا قضى المال فأقر بذلك الذي كاتبه فإنه لا ولاء لأحد عليه، وإن
اشترط السيد ولاء المكاتب فأقر المكاتب الذي كوتب فله ولاؤه (4) إلى غير ذلك.
ولا ينافي ذلك خبر عمرو صاحب الكرائيس عن الصادق (عليه السلام) إن رجلا
كاتب مملوكه واشترط عليه أن ميراثه له، فرفع ذلك إلى علي (عليه السلام) فأبطل شرطه
وقال: شرط الله قبل شرطك (5) لجواز أن يكون له وارث، واحتمال أن يكون
اشترط المملوك على المولى إرثه منه.
قال في التحرير: ولو شرط خدمة شهر بعد العتق بالأداء لم أستبعد جوازه.
قلت: كما أنه يجوز اشتراط الخدمة في الإعتاق المطلق كما عرفت.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 85 ب 4 من أبواب المكاتبة.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 86 ب 4 من أبواب المكاتبة ح 4.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 90 ب 6 من أبواب المكاتبة ح 5.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 97 ب 16 من أبواب المكاتبة ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 16 ص 97 ب 15 من أبواب المكاتبة ح 1.
461
(الفصل الثاني في الأركان)
(وهي أربعة)
(الأول: العقد)
(وهو أن يقول) المولى: (كاتبتك على الف - مثلا - في نجم) معلوم
الأجل (فصاعدا فيقول) المملوك: (قبلت) وإن تقدم القبول على الإيجاب
بأن سأل المملوك مكاتبته على ألف - مثلا - في نجم فصاعدا فكاتبه المولى لم يبعد
الصحة؛ لعدم الدليل على وجوب تقديم الإيجاب، وقد يفهم ذلك من كلام
المفيد (رحمه الله) لقوله: وان قال العبد لسيده كاتبني على كذا وكذا درهما فكاتبه عليه كان
كابتدائه إياه بالمكاتبة من غير مسألة.
(وهل يفتقر) الإيجاب (مع ذلك إلى قوله: فإن أديت فأنت حر؟ فيه
نظر) من التردد في صراحة لفظ المكاتبة في ذلك، والصراحة أظهر وفاقا
للمبسوط والشرائع والتحرير والإرشاد والمختلف.
(و) لا إشكال في أنه (لابد من نية ذلك إن لم يضمه لفظا فإذا أدى
انعتق وإن لم يتلفظ بالضميمة على رأي) من لم يشترط التلفظ.
(وإذا عجز المشروط كان للمولى رده في الرق) عملا بالشرط، ولا
يرجع إلى الرق بمجرد العجز ما لم يرده إليه المولى لما سيأتي من استحباب الصبر
عليه (وحد العجز) كما في النهاية (أن يؤخر نجما إلى نجم أو يعلم) أو
يظن (من حاله العجز عن فك نفسه) بأن عرض له ما يمنعه من التقلب
والاكتساب وإن كان قبل حلول نجم كما يقتضيه الإطلاق.
أما تحقق العجز بعلمه من حاله فلأنه لا قاطع على تقديره شرعا، فيرجع فيه
إلى العقل. وقيل (1): المراد العلم به بعد حلول النجم للقطع بعدم التسلط على الفسخ
قبله، مع أن العارض إنما يمنع من الاكتساب المفتقر إلى التقلب وقد يكتسب
بالاتهاب ونحوه.



(1) في ن: " وفيه ".
462
وأما اعتبار التأخير إلى نجم آخر إن لم يعلم العجز من حاله فلما روي في
بعض الكتب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: لا يرد في الرق حتى يتوالى نجمان (1).
وكقوله (عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمار: إذا عجز المكاتب لم يرد مكاتبه في الرق
ولكن ينتظر عاما أو عامين، فإن أقام بمكاتبته وإلا رد مملوكا (2). فإن الظاهر كون
النجوم على الأعوام، فحكم بأنه لا يرد بالعجز في العام الأول، بل ينتظر إلى عام
آخر. وأما إلى عامين فعلى الاستحباب صحيح معاوية بن وهب سأل الصادق (عليه السلام)
عن مكاتبة أدت ثلثي مكاتبتها وقد شرط عليها إن عجزت فهي رد في الرق ونحن
في حل مما أخذنا منها وقد اجتمع عليها نجمان، فقال: ترد ويطيب لهم ما
أخذوا (3) للتنصيص على الرد عند التأخير إلى نجم آخر. ولا نص عليه فيما قبله.
(وقيل) في المقنعة والاستبصار والسرائر: حده (أن يؤخر نجما عن
محله) وهو الأقوى لصدق العجز به إلا أن يكون اشترط العجز رأسا عن جملة
النجوم بعد جملة الآجال، فهو شيء آخر. ولحسن معاوية بن وهب وصحيحه قال
للصادق (عليه السلام): ما حد العجز؟ فقال: إن قضاتنا يقولون: إن عجز المكاتب أن يؤخر
النجم إلى النجم الآخر حتى يحول عليه الحول، قال: فما تقول أنت؟ قال: لا،
ولا كرامة له أن يؤخر نجما عن أجله إذا كان ذلك في شرطه (4).
(وإذا أعاده) المولى إلى الرق للعجز (كان له ما أخذه منه) لكونه كسب
مملوكه، وخصوص نحو صحيح معاوية الذي سمعته الآن.
(ويستحب للمولى الصبر عليه) إلى ثلاثة أنجم، لقول الباقر (عليه السلام) في خبر
جابر: لا يرد في الرق حتى يمضي له ثلاث سنين (5). وقول الصادق (عليه السلام): ينتظر



(1) دعائم الإسلام: ج 2 ص 313 ح 1179.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 87 ب 4 من أبواب المكاتبة ح 13.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 89 ب 5 من أبواب المكاتبة ح 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 88 ب 5 من أبواب المكاتبة ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 16 ص 88 ب 4 من أبواب المكاتبة ح 14.
463
بالمكاتب ثلاثة أنجم، فإن هو عجز رد رقيقا (1). ولما سمعت من خبر إسحاق
المتضمن للانتظار عاما أو عامين، وظاهر المقنع وجوبه.
(الركن الثاني: العوض)
(وشروطه أربعة):
(الأول: أن يكون دينا فلا يصح على عين، لأنها ليست ملكا له، إذ
العبد لا يملك شيئا وإن ملكه مولاه) فما بيده إما ملك للسيد أو لغيرهما، فإن
كان الأول كانت المعاوضة بماله على ماله، وإن كان الثاني كان كجعل ثمن المبيع
من مال غير المشتري. نعم إن كان يملك بتمليك المولى ونحوه اتجهت الصحة،
وكذا إن أذن الغير في المكاتبة على عين يملكها اتجهت الصحة إن كان بيعا للعبد
من نفسه، فيكون حينئذ بيعا له من صاحب العين.
(الثاني: أن يكون منجما على رأي) الأكثر، لما تقدم (والأقرب
عندي جواز الحلول) وفاقا للخلاف والسرائر والجامع، لما عرفت.
(ولو شرطناه لم نوجب أزيد من نجم واحد) للأصل، والعموم. خلافا
لبعض العامة اتباعا للمعروف، وأخذا لها من الجمع، ولا جمع في نجم.
(ولا حد في الكثرة) وإن علما عدمهما عادة عند آخر النجوم؛ لانتقال
الحكم إلى الوارث بخلاف البيع.
(وإذا شرطناه وجب أن يكون معلوما، فلو أبهما الأجل كقدوم الحاج
أو ادراك الغلات لم يصح) اتفاقا، وأما إذا لم نشترط الأجل فمن البين إنا لا
نشترط وصفه، لا أنه يجوز التأجيل بالمبهم حينئذ، إلا أن يقال بإلغائه حينئذ
والصرف إلى الحلول.
(ولو قال: " كاتبتك على أن تؤدي كذا في شهر كذا " على أن يكون
الشهر ظرفا للأداء لم يصح) كما في المبسوط والشرائع (على إشكال) من
جهل وقت الأداء، ومن انصرافه إلى التخيير في إجزائه، وهو خيرة الخلاف وأبي



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 86 ب 4 من أبواب المكاتبة ح 9.
464
علي (إلا أن يعين وقته) أي الأداء فيرتفع الإشكال.
(وإذا تعددت النجوم جاز تساويها واختلافها) اتفاقا للعموم (وكذا
يجوز اختلاف المقادير) للأعواض (فيها) أي النجوم (مختلفة) الآجال
(ومتساوية).
(وفي اشتراط اتصال الأجل بالعقد إشكال والأقرب المنع) وفاقا
للأكثر؛ للأصل والعموم. ووجه الاشتراط أنه قضية التنجيز الذي يقتضيه الإنشاء،
وهو خيرة المبسوط.
(ولو كاتبه على أداء دينار) موصوف إن لم يغلب جنس وإلا انصرف إلى
الغالب (بعد خدمة شهر صح) وكان العوض مركبا من عين ومنفعة (ولا يلزم
تأخير الدينار إلى أجل آخر) إلا عند من يشترط من العامة تعدد النجم (فإن
مرض العبد شهر الخدمة) كله أو بعضه فلم يخدم (بطلت الكتابة) رأسا إن
انحصر فيها العوض، وإلا فبالحساب، ولم ينتقل إلى أجرة مثلها (لتعذر
العوض) الذي اشترط به العتق.
(ولو قال: " على خدمة شهر بعد هذا الشهر " صح على الأقوى)
لما عرفت من عدم اشتراط الاتصال.
(ولو كاتبه ثم حبسه فعليه أجرة مدة حبسه) كما في المبسوط، لأن
المكاتب مضمون المنافع كالقن، ولأن الأيام لا مثل لها، فإنما يضمن منافعها بالقيمة.
(وقيل) في المبسوط أيضا: إنما (يجب تأجيل مثلها) لأنه إنما كان
يجب عليه الإمهال في مدة الحبس، ولا قيمة للإمهال، والشيخ متردد بين القولين.
(ولو أعتقه على) شرط (أن يخدمه شهرا عتق في الحال) فإنه عتق
منجز لا مكاتبة (وعليه الوفاء) لما تقدم (فإن تعذر) أو لم يف (فالأقرب)
أن عليه (قيمة المنفعة) فإنها التي استحقها عليه (لا قيمة الرقبة) ويحتمل
ضعيفا قيمة الرقبة بناء على كونه معاوضة الرقبة بالخدمة كما في المكاتبة، فإذا لم
يسلم له العوض المسمى استحق عوض المثل.

465
(ولو دفعه قبل النجم لم يجب على السيد قبضه) لأن المؤمنين عند
شروطهم، ولجواز تعلق الغرض بالتأخير، ولقول الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق بن
عمار: إن مكاتبا أتى عليا (عليه السلام) فقال: إن سيدي كاتبني وشرط على نجوما في كل
سنة فجئته بالمال كله ضربة فسألته أن يأخذ كله ضربة ويجيز عتقي فأبى على،
فدعاه (عليه السلام) فقال: صدق، فقال له: مالك لا تأخذ المال وتمضي عتقه؟ قال: ما أخذ
إلا النجوم التي شرطت وأتعرض من ذلك إلى ميراثه، فقال (عليه السلام): أنت أحق
بشرطك (1).
وللعامة قول باجبار المولى على القبول إذا لم يتضرر به لأن الأجل حق
المديون، فإذا أسقطه سقط، وهو ممنوع. وآخر بأن الحاكم يأخذه وينعتق، ثم
الحاكم يسوق المال إلى المولى في النجوم.
وأوجب أبو علي عليه القبول إذا كان المكاتب مريضا وأوصى بوصايا وأقر
بديون وبذل المال لمولاه فإن في امتناعه إبطال إقراره ووصيته.
(وإذا دفعه بعد الحلول وجب عليه القبول أو الإبراء، فإن امتنع من
أحدهما قبضه الحاكم) إن أمكن، وإلا كفى تعيين العبد له وتمكينه منه (فإن
تلف فمن السيد) لتفريطه.
الشرط (الثالث: أن يكون معلوم الوصف والقدر، فلو كان أحدهما
مجهولا لم يصح) كغيره من المعاوضات.
(ويجب أن يذكر في الوصف كل ما يثبت الجهالة بتركه، فإن كان من
الأثمان وصفه كما) يجب عليه أن (يصفه في النسيئة وإن كان من
العروض وصفه بوصف) المسلم فيه في (السلم) فلا يصح على ما لا يسلم
فيه؛ لعدم ضبط أوصافه كالدرة النفيسة (ولا يتعين قدره قلة و) لا (كثرة)
للأصل والعموم.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 98 ب 17 من أبواب المكاتبة ح 2.
466
(نعم يكره تجاوز قيمته) يوم المكاتبة وإن كان نوى بالزيادة أن يؤتيها
من مال الله ليبقى عليه ما يوازي قيمته.
(ويجوز أن يكون عينا) في الذمة (ومنفعة وهما) أي كليهما (معا)
للعموم (بعد وصف المنفعة بما يرفع الجهالة) كما يجب وصف العين بذلك.
(ويتقدر) المنفعة (إما بالعمل كخياطة هذا الثوب أو بالمدة كالخدمة
أو السكنى سنة، ولو جمع بين الكتابة وغيرها من المعاوضات كالبيع أو
الإجارة أو النكاح) في عقد واحد (صح) كل منهما عندنا (وان اتحد
العوض، ويقسط العوض عليهما) بالحصة. ومن العامة من أبطلهما، ومنهم من
صحح المكاتبة خاصة بكل العوض.
(ولو كاتبه الموليان بعوض واحد صح وقسط على قدر حصصهما،
ولو اختلف عوضاهما) جنسا أو قدرا (صح، اختلفت حصتهما) قدرا
(أو اتفقت) وربما يمنع من الاختلاف قدرا إذا اتفقت الحصتان حذرا من انتفاع
أحدهما بمال الآخر فيما إذا دفع إلى أحدهما مائة وإلى الآخر مائتين - مثلا - ثم
انفسخت المكاتبة بالعجز فيرجع الأول إلى الثاني بخمسين وقد انتفع بها مدة بقائها
في يده. ويدفع بطرو الاستحقاق بعد الانفساخ، فإن الكل قبله كان ملكا لأخذه
متزلزلا (وليس له الدفع إلى أحدهما دون الآخر) بلا خلاف كما في
المبسوط والخلاف، لاشتراكهما في الاستحقاق (فإن فعل شاركه الآخر إلا أن
يأذن أحدهما لصاحبه) ومن الإذن ما لو كاتباه بعوضين مختلفين جنسا فإنه
يدفع كل جنس إلى صاحبه.
وقال القاضي: له الدفع بدون الإذن لتخيير من عليه الحق في جهة القضاء.
وللعامة قول بعدم الجواز مع الإذن أيضا.
(ولو كاتب عبدين له في عقد صح وبسط العوض على القيمتين يوم
العقد) إلا أن يعين لكل عوضا، وللعامة قول بالبسط على الروؤس (وأيهما أدى
عتق) كلا أو بعضا (من غير ارتقاب صاحبه) وإن علق عتق الجميع بأداء

467
الجميع في الصيغة تغليبا لحكم المعاوضة (وأيهما عجز رق خاصة) وربما
يقال بتوقف عتق كل واحد على عتق الآخر المذكور.
(ولو شرط كفالة كل منهما لصاحبه جاز) للأصل، وعموم كون
المؤمنين عند شروطهم. وربما يقال: لا يصح؛ لعدم ثبوت مال على المكاتب
حين العقد.
(ولو شرط الضمان) لكل منهما على الآخر جاز و (تحول ما على كل
منهما) فصار (على صاحبه) لكونه معنى الضمان (وانعتقا) جميعا لتنزيل
الانتقال منزلة الأداء، ويبقى المال في ذمتيهما على وجه الضمان لا الكتابة، ولعله
المراد بما في المختلف من أنه كما لم يقع ضمان وإن شرط بقاء الرق مع هذا
الضمان حتى يؤديا أو يخير في الرجوع على من شاء منهما. ففي كلام الشيخ
إشعار بجوازه، وفي الحائريات نص على جواز ضمان اثنين واشتراط الرجوع
على من شاء منهما، وهو مبني على أن الضمان ضم ذمة إلى اخرى لا النقل من
إحداهما إلى الاخرى.
الشرط (الرابع: أن يكون مما يصح تملكه للمولى فلا يصح على ما
لا يصح له تملكه كالخمر والخنزير) للمسلم.
(ولو كاتب الذمي مثله عليه صح) للحكم بتملكه له شرعا وصحة
معاوضاته عليه (فإن تقابضا) أي المولى والمكاتب، والقبض بالنسبة إليه على
التغليب أو التشبيه أو المشاكلة (قبل الإسلام عتق وبرئ) كما في الإصداق
وسائر المعاوضات.
(ولو تقابضا البعض برئ منه خاصة، فإن أسلما أو أحدهما قبل
التقابض أو بعد تقابض البعض) خاصة (لم تبطل الكتابة) لثبوتها شرعا
ولزومها، وانتفاء طروء ما يصلح لإزالتها، وإنما طرأ تعذر قبض عين العوض (و)
لذا (كان على العبد القيمة عند مستحليه) كما في غيره من المعاوضات،
وربما أمكن القول بالفساد، لأن التراضي إنما وقع على العين التي تعذر تسليمها.

468
(فروع) اثنا عشر:
(الأول: لو ادعى المالك) للمكاتب (تحريم العوض أو غصبه
وامتنع) لذلك (من قبضه فإن أقام بينة) ليدفع عن نفسه الإلزام بالقبض
(لم يلزمه قبوله، وإن لم يكن له بينة حلف العبد والزم المولى القبض أو
الإبراء) فإن نكل حلف المالك ولم يلزمه القبول (فإن قبض) بالإلزام أولا به
(أمر بالتسليم إلى من عزاه إليه إن كان قد عينه أولا وإلا ترك في يده).
(وفي انتزاعه) منه إن ادعى الغصب ونحوه دون مجرد التحريم (نظر)
من إقراره بأنه مال الغير فيجب حفظه له، والمتولي له الحاكم إذا لم يستأمن المالك
غيره. ومن أن يده ليست عارية فلا تدفع إلا بمطالبة صاحب الحق، وهو خيرة
المبسوط.
(فإن امتنع من القبض) حيث يلزم به (قبضه الحاكم وحكم بعتق العبد)
(الثاني: لو شرطا عوضا معينا لم يلزمه قبول غيره) لأن المؤمنين عند
شروطهم (إلا الأجود) من جنس العين فإنه لم يزده إلا خيرا.
(الثالث: لو قبض أحد السيدين كمال حقه باذن الآخر عتق نصيب
القابض ولا يقوم عليه نصيب الآذن، ولا يسري) إليه (العتق) للأصل مع
تعلق حقه به وتشبثه بالحرية. وقيل: بل يسري وهو المناسب لما تقدم منه.
وقيل: يسري إن عجز (وله نصف الولاء) على القول بثبوته على المكاتب
(ويأخذ الآذن مما في يده بقدر ما دفع إلى الآخر) إن بطلت كتابته، وكذا إن
لم يبطل وتساوى المالان وإلا فبالنسبة (والباقي بين العبد وسيده الثاني)
وهو الآذن (إن بطلت كتابة الثاني بموت أو عجز) فإنه حينئذ يكون مبعضا،
فله من كسبه بقدر ما تحرر من حصة سيده الأول والباقي لسيده الثاني، وإن لم
يبطل كتابته فالباقي بتمامه للعبد خاصة؛ لانعتاقه حينئذ بتمامه. والشرط إن
اختص بهذه الجملة فالأولى أن يريد بقدر ما دفع قدر النسبة إليه ليتناول صورتي
تساوي المالين وتفاوتهما، ويجوز تعلقه بها وبجملة " أخذ الآذن قدر ما دفع إلى

469
الآخر " لأنه إن لم يبطل الكتابة لم يتعين أخذ قدره بل يأخذ قدره إن تساويا
وإلا فبالنسبة.
وأما قوله (لأن نصفه عتق بالكتابة ونصفه بالسراية فحصة ما عتق
بالكتابة للعبد وحصة ما عتق بالسراية للمولى) فقيل: إنه مضروب عليه.
وقيل: إن العبارة كانت في الأصل كذا: " عتق نصيب القابض وقوم عليه نصيب
الآذن وسرى العتق وله نصف الولاء ويأخذ الآذن مما في يده بقدر ما دفع إلى
الآخر والباقي بين العبد وسيده الثاني، لأن نصفه عتق بالكتابة ونصفه بالسراية "
إلى آخر ما مر، ثم غير أول الكلام إلى ما سمعته، ولم يصلح آخره، فبقيت المنافاة
بين الأول والآخر.
ويمكن أن يوجه بأن نصفه عتق بالكتابة والنصف الآخر غايته أن يعتق
بالسراية وإن كان المختار خلافه، وحصة ما عتق بالسراية للمولى فضلا عما لم
يعتق بها.
(ويحتمل أن يكون الجميع) أي جميع الباقي (للعبد لانقطاع تصرف
المولى عنه) بمكاتبته، (فكان له كما لو عتق بالأداء) وهذا أيضا مبني على
السراية، وهو أيضا مضروب عليه أو مذهول من إصلاحه.
وحاصل الكلام أن في الباقي على السراية احتمالين: الأول: أن يكون بينهما،
لأن تقويم حصة الشريك على الآخر مبني على الرق فحصة الآذن رق له، فله من
كسبه ما بإزائه. والثاني: اختصاصه بالعبد، لأن الحصة هنا إنما يقوم مكاتبه،
وبالمكاتبة انقطع تصرف المولى فلا يكون له من كسبه شيء.
(الرابع: لو ظهر استحقاق المدفوع بطل العتق) المنوط بدفعه (وقيل
له: إن دفعت الآن) مال الكتابة (وإلا فسخت الكتابة) فإنه آخر النجم عن
أجله، فللمولى التخيير في الفسخ.
(ولو مات بعد الأداء) للمستحق (مات عبدا) لموته قبل الأداء حقيقة.
(ولو ظهر) المدفوع (معيبا تخير) المولى (بين) أخذ (الأرش

470
والرد) وإذا رد (فيبطل العتق) المنوط به كما في المبسوط (على إشكال)
من أن الرد فسخ متجدد للقبض، أو رفع له من أصله.
(ولو تجدد في العوض) المعيب (عيب عند السيد لم يمنع من الرد
بالعيب الأول مع أرش الحادث) وفاقا للمحقق والأكثر، استصحابا وعملا
بالمقتضى مع انتفاء المانع، ولأنه ليس معاوضة محضة.
(وقال الشيخ) في المبسوط: (يمنع) من الرد كالبيع، ويستقر أرش العيب
على المكاتب. قال: وارتفع العتق، لأن ذمته مما برئت من مال الكتابة، فإن كان له
سليم من العيوب وإلا كان لسيده تعجيزه ورده في الرق.
(ولو تلفت العين) المعيبة (عند السيد استقر الأرش) بلا إشكال.
(ولو قال له السيد عقيب دفع المستحق) للغير: (أنت حر لم يعتق
بذلك) إلا أن يريد الإنشاء (فإن ادعى المكاتب قصد إنشاء العتق قدم قول
السيد) للأصل، ولأنه فعله.
(الخامس: لو أقام العبد شاهدا واحدا على الدفع حلف معه) وحكمنا
بعتقه (وإن منعنا من الشاهد واليمين في العتق) فإنهما هنا على المال أصالة.
(ولو) لم يكن له شاهد و (حلف السيد فسخت الكتابة مع التأخير،
فإن ادعى العبد غيبة الشهود انظر إلى أن يحضرها، فإن لم يحضر حلف
السيد، فإن حضر بعده الشاهدان ثبتت الحرية) إن لم يسقط حكمها باليمين.
(السادس: لو أبرأه السيد من مال الكتابة برئ وعتق) لكونه كالقبض.
(ولو أبرأه من البعض برئ منه) وعتق بإزائه إن كان مطلقا (وكان
على الكتابة في الباقي، ولو أقر بالقبض عتق) كلا أو بعضا في الظاهر (وإن
كان مريضا) فأقر به (فإن كان غير متهم فكذلك، وإلا نفذ من الثلث).
(السابع: يجوز بيع مال الكتابة) وفاقا للخلاف للأصل، وخلافا
للمبسوط وجماعة، لكونه بيع ما لم يقبض، ولجواز التعجيز (والوصية به)
اتفاقا.

471
(فإن) باعه و (كان البيع فاسدا) لكونه بيع مال الكتابة أو لغيره من
الأسباب (فأدى العبد المال إلى المشتري احتمل العتق، لأنه) أي البيع
(تضمن الإذن في القبض فأشبه قبض الوكيل، ويرجع السيد على
المشتري إن كان من غير جنس الثمن، وإلا تقاصا) مع تلف العين (بقدر
الأقل) منهما (ويرجع ذو الفضل) فضله على الآخر، أي يعطيه أو يأخذ منه.
(و) احتمل (عدمه) أي العتق كما في المبسوط (لأنه) أي المشتري
(لم يقبض بالنيابة ولم يستنبه) البائع، فإن البيع لا يتضمن الاستنابة في
القبض (وإنما قبض لنفسه) فإنه الذي يقتضيه البيع (فكان القبض فاسدا
كالبيع، بخلاف الوكيل فإنه استنابة) في القبض. وقيل بالعتق إن صرح البائع
بالإذن في القبض.
(و) يضعف بأنه (لو صرح بالإذن فليس بمستنيب له في القبض،
وإنما إذنه بحكم المعاوضة) وهو إنما يستلزم القبض لنفسه (فلا فرق بين
التصريح وعدمه، فيبقى مال الكتابة بحاله في ذمة العبد، ويرجع على
المشتري بما أداه إليه، ويرجع المشتري على البائع بالثمن، فإن سلمه
المشتري إلى البائع) من غير إذن المكاتب (لم يصح) التسليم ولم يوجب
العتق (لأنه) أي المولى (قبضه بغير إذن المكاتب، فأشبه ما لو أخذه من
ماله بغير إذنه) بغير واسطة (على إشكال، ينشأ) من ذلك، و (من تعيين
العبد إياه لمال الكتابة بالدفع) إلى المشتري، وهو بمنزلة الاذن في القبض.
(ولا يحكم بعجزه مع الدفع الفاسد) وإن لم يكن له غير ما دفعه، لأن
القادر عليه قادر على الدفع إلى المولى مع أنه دفع غره به المولى.
(فإن أفلس المشتري) ولم يكن للعبد ما يدفعه إلى المولى مما سوى ما
دفعه إليه (لم يحكم) أيضا (بعجزه على إشكال) من تحقق العجز عن الدفع
إلى المولى، ومن أن المولى غره بالدفع الفاسد فكأنه دفعه إليه فأتلفه.
(الثامن: لو ادعى دفع مال الكتابة إلى سيديه فصدقه أحدهما عتق

472
نصيبه) بإقراره (ويقبل شهادته على صاحبه إن اعترف المنكر بالإذن في
الإقباض) فإنه غير متهم حينئذ، والشهادة إنما تقبل (بالنسبة إلى براءة ذمة
العبد) لا بالنسبة إلى قبض المنكر مال الكتابة، إذ قد يشتمل على التهمة، فإنه قد
يخرج ما أخذه الشاهد مستحقا للغير فيتسلط على أخذ نصف ما قبضه الشريك،
إلا أن يكون اعترف بالإذن في الإقباض (وإلا) يعترف المنكر بالإذن في
الإقباض (فلا) يقبل الشهادة عليه للتهمة (فيحلف المنكر ويطالب الشريك
بنصف ما اعترف بقبضه، وهو ربع مال الكتابة، فإن) لم يطالبه بل (رجع
على العبد بكمال نصيبه استقر قبض المصدق لنفسه، وإن رجع على
الشريك بنصف حقه رجع على العبد بالنصف الآخر، ولا يرجع العبد على
المصدق) على الأول (ولا بالعكس) على الثاني أخذا لهما بإقرارهما.
(فإن عجز العبد عن أداء الربع كان له استرقاق نصيبه) بأجمعه (في
المشروط) ولا يحكم بعجزه عما دفعه إلى المصدق، إلا إذا أفلس على وجه تقدم
(ويرجع على الشريك بنصف ما قبضه، ولا سراية هنا على قول العامة
بسراية المكاتب، لأن المصدق والعبد يعتقدان حرية الجميع وغصبية
المنكر والمنكر يدعي رقية الجميع).
(أما نصفه) الذي له (فظاهر؛ لعدم قبضه) ما بإزائه من العوض بزعمه.
(وأما نصف شريكه فلأنه) يقول (إن قبض شيئا فنصفه لي و) ذلك
لأنه (قد قبضه بغير إذني فلا يعتق) شيء من (نصيبه بهذا القبض) إن كان
مشروطا (فالسراية ممتنعة على القولين، لأنها إنما تثبت فيمن عتق بعضه
وبقي بعضه رقا، والجميع متفقون على خلاف ذلك) بل يكفي لعدم اعتقاد
العبد والمصدق الحرية، ولذلك لا يسري إن كان مطلقا، فإن المنكر وإن كان لا
يقول برقية الجميع لانعتاق نصف نصيب شريكه قطعا، لكن لا يجبر الشريك على
الشراء والإعتاق لزعمه الحرية وتصديق العبد له في ذلك، والسراية إنما هي لحق
المملوك، فتصديقه أسقط حقه.

473
(التاسع: لو ادعى العبد دفع الجميع) القيمة (إلى أحدهما) بإذن الآخر
أو لا به (ليقبض حقه ويدفع الباقي إلى شريكه فأنكر) ولا بينة (حلف
وبرئ) مما حلف على نفيه من الكل أو حق الشريك.
(ولو قال: دفعت إلي حقي وإلى شريكي حقه حلف الشريك) إن قلنا
بالسراية والتشريك فيما يأخذه الشريك بغير إذنه، فإذا حلف قوم على الأول
نصيبه وشاركه فيما أخذه، وإلا فإن حلف الأول سقط عنه التقويم واختص بما
أخذ (ولا نزاع بين العبد والشريك) إلا إذا ادعى أن الدفع كان بإذنه
(وللشريك مطالبة العبد بجميع حقه بغير يمين) إلا إذا ادعى العبد إذنه في
التسليم (و) له مطالبته (بنصفه) بغير يمين (ومطالبة المدعي الباقي بعد
اليمين) على (أنه لم يقبض من المكاتب شيئا).
وفي المبسوط: أنه لا يمين عليه، وله مطالبة المدعى بالباقي بغير يمين قال
لأن أحدا لا يدعي عليه القبض لأن المكاتب يقول ما أقبضته أنا شيئا والقابض
لا يقول: إنه أقبض المنكر شيئا فكان القول قوله بلا يمين ويضعف بما عرفت.
(ولا يرجع) المدعي (على العبد) بشيء مما يأخذه منه المنكر؛
لاعترافه بأنه ظلمه.
(فإن عجز العبد فللشريك استرقاق نصفه قيل) في المبسوط: (ويقوم
على القابض نصيب الشريك؛ لاعتراف العبد) هنا بأنه لم يوصل إلى الشريك
حقه، وهو يستلزم اعترافه (بالرقية) له، فله على القابض حق وجوب التقويم
والإعتاق (بخلاف) المسألة (الأولى).
(ويحتمل عدمه) أي التقويم إذا كان مشروطا (لاعتراف القابض
بحرية الجميع والشريك برقية الجميع) فإنه يزعم أن ما أخذه القابض مشترك
بينه وبينه، وأنه لم يقبض جميع ما بإزاء حصته من مال الكتابة، فليس للقابض
إجبار الشريك على البيع، ولا للشريك إجبار القابض على الشراء. وفيه أنهما
إقراران في حق الغير وهو العبد.

474
(فإن صدقه القابض وادعى أنه دفع إلى شريكه النصف) وأنكر
الشريك (حلف الشريك ورجع على من شاء، فإن رجع على المصدق
بجميع حقه عتق المكاتب، ولا يرجع) المصدق (عليه) أي العبد (بشئ
وإن رجع على العبد رجع العبد على القابض، سواء صدقه في دفعها) أي
الدراهم - مثلا - أو مال الكتابة (إلى المنكر أو كذبه) أما إن كذبه فظاهر، وأما
إن صدقه فلأنه دفعها إليه ليدفع إلى الشريك حقه على وجه تبرأ به ذمة المكاتب،
فإن لم يفعل كان عليه الضمان.
(فإن عجز العبد كان له أخذها من القابض ثم يسلمها، فإن تعذر كان
له تعجيزه واسترقاق نصيبه ومشاركة القابض في النصف الذي قبضه
عوضا عن نصيبه).
(قيل) في المبسوط: (ويقوم على الشريك القابض مع يساره إلا أن
يصدقه العبد في الدفع فلا يقوم؛ لاعترافه) حينئذ (بأنه حر وان هذا ظالم
بالاسترقاق) فباعترافه أسقط حقه من السراية.
(العاشر: لو اختلفا في القدر فالقول قول السيد مع يمينه) كما في
الخلاف لأصالة عدم العتق، ولأن كلا من العبد وكسبه له بخلاف البيع ونحوه
(ويحتمل تقديم قول العبد) لأصالة براءته من الزائد.
(ولو اختلفا في الأداء قدم قول السيد مع اليمين، ولو اختلفا في المدة
أو في النجوم فكذلك) والكل ظاهر، ومتجه تقديم قول العبد في المدة
والنجوم؛ لأصالة البراءة.
وفي الجامع: أنهما يتحالفان إذا اختلفا في المال والمدة. وهو قول الشافعي.
(الحادي عشر: لو قبض من أحد مكاتبيه واشتبه صبر) إلى
الانكشاف أو موت المولى كما في المبسوط (لرجاء التذكر) واحتمل القرعة
إذا زال الرجاء. وفي الخلاف أطلق القرعة لكونها لكل مشكل.
(فإن مات) ولم ينكشف (استعملت القرعة) قطعا؛ لامتناع العلم (فإن

475
ادعى) أحدهما أو (كل منهما علمه حلف على نفي العلم، فلو مات)
وادعى العلم على الورثة (حلف الورثة على نفي العلم أيضا، ولو أقام أحد
العبدين بينة بالأداء قبلت سواء كان) في حياة المولى أو بعد موته كان (قبل
القرعة أو بعدها، ويظهر فساد القرعة) إذا كان بعدها وكان غير المقروع (لأن
البينة أقوى) من القرعة.
(ويحتمل عتقهما معا) لكونهما حجتين شرعيتين، وهو من الضعف بمكان
للقطع بأن المؤدي منهما واحد، والقرعة لا تستقل بالإعتاق.
(الثاني عشر: يجوز أن) يتفقا على أن (يعجل المكاتب بعض العوض
قبل أجله ليسقط المولى الباقي) لأن التأخير حق المكاتب، والعوض حق
المولى، فإذا أسقطا حقيهما سقطا.
وفي الصحيح: أن علي بن جعفر سأل أخاه (عليه السلام) عن رجل كاتب مملوكه فقال
بعد ما كاتبه: هب لي بعضا واعجل لك ما كان من مكاتبتي أيحل ذلك؟ فقال: إذا
كان هبة فلا بأس، وإن قال: حط عني واعجل لك فلا يصلح (1).
(ولا يجوز الزيادة عليه للتأخير) فإن المكاتبة عقد لازم انعقد على
عوض معلوم، فلا معنى للزيادة عليه. نعم يجوز له أن يعطيه شيئا وليصبر عليه.
(ويجوز له أن يصالحه على ما في ذمته بأقل أو أكثر) منه من جنسه
أو من غيره، ولم يجزه الشيخ من جنسه، لأنه ربا، وإنما يصالحه بمعجل (لا
بمؤجل؛ لأنه يصير بيع دين بمثله على رأي) من جعل الصلح بيعا ولم يفسر
بيع الدين بالدين ببيع ما في ذمة بما في ذمة اخرى. وقيل: إن هذا الرأي لم يكن
موجودا فالحق.
(الركن الثالث: السيد)
(وشرطه البلوغ والعقل والاختيار والقصد وجواز التصرف، فلو كاتب



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 96 ب 13 ح 1.
476
الطفل أو المجنون) وإن كان دوريا في نوبته (أو المكره أو السكران أو
الغافل أو الساهي) أو الهازل، وبالجملة فاقد القصد (أو المحجور عليه
لسفه) إلا بإذن الولي (أو فلس) إلا بإذن الغرماء (لم يقع، وكذا) الطفل
(المميز) البالغ عشرا فما فوقه (وإن أذن له الولي) إلا على القول بوقوع
العتق منه وكون المكاتبة عتقا بصفة فيحتمل الوقوع لذلك. ويحتمل العدم أيضا بناء
على أنها غير المتبادر من العتق مع اشتمالها على شبه معاوضة.
(والأقرب) وفاقا للأكثر (عدم اشتراط الإسلام) أما إذا لم يشترط في
العتق ففيها أولى، وأما إذا اشترط فيه فقيل بعدم الاشتراط فيها لكونها معاوضة
لا عتقا. وقيل: بالاشتراط لكونها عتقا.
(فلو كاتب الذمي) أو غيره من الكفار (عبده) الكافر (صح، ولو كان
العبد مسلما ففي صحة كتابته نظر، أقربه المنع) وفاقا لأبي علي، لأنها
تستلزم إقراره على ملكه زمانا، ولا يجوز (بل يقهر على بيعه من مسلم) من
فوره، ووجه الخلاف أن الغرض وهو ارتفاع السلطان عنه حاصل بالمكاتبة،
وهو ممنوع.
(أما لو أسلم بعد الكتابة فالأقرب اللزوم) كما في المبسوط، لأنه عقد
لازم مانع من البيع مع حصول الغرض، وهو ارتفاع السلطان. وقيل: لا يلزم لئلا
يكون له عليه سبيل. وقال أبو علي: يباع مكاتبا ويؤدي إلى المشتري ثمنه لا
أزيد، لأنه ربا.
(لكن) لا خلاف في أنه (لو عجز فعجزه) المولى (واسترقه بيع عليه،
ويحتمل عدم) صحة (التعجيز) لاستلزامه ملك الرقبة الممتنع.
(ولو اشترى) الكافر (مسلما فكاتبه لم يصح الشراء ولا الكتابة، ولو
أسلم فكاتبه بعد إسلامه لم يصح) على أحد الوجهين لما عرفت، وهذه
المسألة غير ما تقدم، فإنه فيما إذا ملك مسلما بنحو الإرث.
(ولو كاتب الحربي مثله صح) لصحة املاكهم عندنا؛ لقوله تعالى:

477
" وأورثكم أرضهم وديارهم " (1)
(ولو جاءا إلينا) مستأمنين (وقد قهر أحدهما صاحبه) بعد المكاتبة
(بطلت الكتابة) فإن دار الحرب دار قهر وغلبة من قهر فيها على شيء وغلبه
ملكه ويلزم منه هنا بطلان الكتابة (فإن العبد إن كان هو القاهر ملك سيده
وإن كان السيد) هو القاهر (فقد قهره على إبطال الكتابة ورده رقيقا، وكذا
لو قهره السيد بعد عتقه) عاد رقيقا (وإن دخلا) دار الإسلام (من غير قهر
فقهر أحدهما الآخر في دار الإسلام لم تبطل الكتابة لأنها دار خطر لا
يؤثر فيها القهر إلا بالحق. ولو دخلا) دار الإسلام (مستأمنين لم يمنعا من
الرجوع. ولو أبى العبد لم يجبر على الرجوع مع مولاه) لأنه بمكاتبته أزال
عليه سلطانه، فليس له منعه من السفر ولا إجباره عليه، وإنما له عليه دين (فإن
أقام السيد للاستيفاء عقد أمانا لنفسه) وأقام حتى يستوفيه (وله أن) يلحق
بدار الحرب و (يوكل فيه وينعتق) العبد (مع الأداء) وينتقض أمان السيد
في نفسه بلحوقه بدار الحرب لا في ماله (ثم يعقد) العبد لنفسه (أمانا إن أقام،
و إلا رجع، ولو عجز استرقه ويرد إلى السيد) لكونه ماله وله الأمان في ماله.
(ولو ارتد المولى لم يصح كتابته إن كان عن فطرة) وإن أجزنا كتابة
الكافر (لزوال ملكه عنه) لتنزله منزلة الميت (وإن كان عن غيرها فكذلك
إن كان العبد مسلما) على المختار (لوجوب بيعه عليه، ويحتمل وقوعها
موقوفة) لعدم خروج أموال المرتد لا عن فطرة عن ملكه (فإن أسلم تبينا
الصحة).
(ولو قتل أو مات) على الردة (بطلت، فإن أدى حال الردة) ولابد أن
يؤدي إلى الحاكم للحجر على المولى (لم يحكم بعتقه بل يكون موقوفا فإن
أسلم ظهر صحة الدفع وانعتق) وإلا ظهر فساده.



(1) الأحزاب: 27.
478
(ولو ارتد بعد الكتابة) لم تبطل الكتابة و (أدى العبد) المال (إلى
الحاكم لا إليه) لما عرفت من الحجر (ويعتق بالأداء) من غير إيقاف (فإن
دفع إليه كان موقوفا أو باطلا على التردد) من التردد في تصرف المرتد أنه
باطل أو موقوف.
(وفي اشتراط الحاكم في الحجر) على المرتد إشكال، من الأصل
وتسبب الردة للحجر، ومن أنه مسألة اجتهادية تتوقف على حكم الحاكم.
(وفي تعجيزه بالدفع إلى المرتد مع التلف إشكال) من التردد في بطلان
قبضه، وإيقافه على البطلان في أنه مضمون عليه لأنه المتلف، أو على المكاتب
حيث سلطه على إتلافه.
(و) على التقديرين (لو أسلم حسب عليه ما أخذه في الردة) لأنه
ظهر بقاء أمواله على ملكه وقد قبض ماله فيجب عليه.
(ويجوز لولي الطفل والمجنون الكتابة) لمملوكهما (مع الغبطة على
رأي) وفاقا للخلاف والشرائع، لعموم ما جوز له التصرف في أموالهما. وصحيح
معاوية بن وهب وحسنه قال للصادق (عليه السلام): إني كاتبت جارية لأيتام لنا واشترطت
عليها إن هي عجزت فهي رد في الرق وأنا في حل مما أخذت منك، فقال له: لك
شرطك (1). وخلافا للمبسوط والجامع، لأنه معاملة على ماله بماله فهو تبرع لا
غبطة فيه.
(ويصح كتابة المريض من الثلث، لأنه معاملة على ماله بماله، فإن
خرج من الثلث) أو برئ من مرضه (عتق أجمع عند الأداء وإن لم) يبرأ
ولم (يكن) له (غيره صحت في ثلثه وكان الباقي رقا على رأي) من
جعل المنجزات من الثلث.
(الركن الرابع: العبد) بل المملوك
(وله شرطان التكليف) بالاتفاق (والإسلام).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 85 ب 4 أن المكاتب المطلق يعتق منه... ح 1.
479
(فلو كاتب الصبي أو المجنون لم ينعقد، إذ ليس لهما أهلية القبول)
ويحتمل قبول المولى أو الحاكم أو الجد لهما، وهو بعيد؛ لكونه خلاف الأصل
ولا قاطع به، وللاستصحاب، ولأنهما لا يتبعان الكتاب ولا عليهما السعي،
ومقتضى الكتابة وجوب السعي. خلافا لبعض العامة بناء على كونها عتقا بصفة.
(ولو كاتب المسلم كافرا فالأقرب البطلان) وفاقا للمرتضى والشيخ
والمحقق وابني زهرة وإدريس وشهرآشوب، للإجماع كما في الانتصار والغنية،
ولاشتراطه في الآية (1) بأن يعلم فيهم خير، والإيمان أسبق إلى الذهن منه من
المال، فإن المؤمن يسمى خيرا وإن كان معسرا، والموسر لا يسمى به إذا كان
كافرا، ولأن المعروف استعمال الخير بمعنى المال لا القدرة على كسبه وتحصيله،
وهو لا يلائم ظاهر الآية للفظة " في " إذ لا يقال: في فلان مال، ولقول الصدوق في
المقنع: وروي في تفسيرها أن إذا رأيتموهم يحبون آل محمد (صلى الله عليه وآله) فارفعوهم
درجة، وما تقدم من خبري الحلبي (2) ومحمد بن مسلم (3) حيث فسر الخير فيهما
بالدين والمال، ونص في ثانيها على الإقرار بالشهادتين، ولكونه موادة، ولقوله
تعالى: " وآتوهم من مال الله الذي آتاكم " (4) والكافر لا يستحق الموادة ولا الزكاة
ولا الصلة، والكل ضعيف، فإن النصوص (5) إنما دلت على اختصاص رجحان
المكاتبة بالمؤمن لا جوازه وكونه موادة، واستلزام الإيتاء لها ممنوع. وخلافا
للقاضي وابن سعيد والشيخ في موضع من المبسوط، لكونه معاملة كالبيع أو بيعا.
(ولو كاتبه) أي الكافر (مثله لم يصح) أيضا (على إشكال) تقدمت
الإشارة إليه، ولعله إنما ذكر هذا الكلام هنا إشارة إلى أن لمن أبطل مكاتبة المسلم



(1) النور: 33.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 83 ب 1 استحباب مكاتبة المملوك... ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 84 ب 1 استحباب مكاتبة المملوك... ح 5.
(4) النور: 33.
(5) وسائل الشيعة: ج 16 ص 83 ب 1 استحباب مكاتبة المملوك....
480
مملوكة الكافر أن يستشكل فيما إذا كاتب الكافر مملوكة الكافر، من عموم ما
أبطل مكاتبة المملوك الكافر، وزيادة أن التقرب لا يتأتى من المولى الكافر. ومن
أن النصوص المبطلة يختص بالمؤمنين إذا أرادوا المكاتبة كما لا يخفى، فيبقى
المولى الكافر على أصل الجواز مع منع اشتراط التقرب أو امتناعه من الكافر.
(ويجوز أن يكاتب بعض عبده على رأي) وفاقا للخلاف، للأصل
والعموم، وخصوص خبر أبي بصير سأل الباقر (عليه السلام) عن رجل أعتق نصف جارية
ثم إنه كاتبها على النصف الآخر بعد ذلك، فقال: فليشترط عليها أنها إن عجزت
عن نجومها فإنها ترد في الرق في نصف رقبتها، قال: فإن شاء كان له في الخدمة
يوم ولها يوم إن لم يكاتبها (1).
وخلافا للمبسوط على تردد؛ لفقد المقصود من الكتابة، وهو ارتفاع الحجر
عنه، لأن السيد يمنعه من السفر بما فيه من الرق، ولا يأخذ من الصدقات، وإذا اخذ
اقتضى له أن يقاسم السيد عليها، وضعفه ظاهر؛ لارتفاع الحجر عنه بإزاء ما ينعتق
منه. وكذا ما قيل: من لزوم التناقض؛ لوجوب السعي عليه للمكاتبة، وجواز
امتناعه منه لباقيه.
(و) يجوز أن يكاتب (حصته من المشترك) اتفاقا كما في التحرير
وظاهر المبسوط. وربما يتخيل المنع منه للتناقض (و) كذا (من المعتق
بعضه) اتفاقا كما يظهر من التحرير.
(ولو كاتب حصته بغير إذن شريكه صح وإن كره الشريك) وفاقا
للخلاف والجامع، للأصل والعموم.
وخلافا للمبسوط والشرائع، لتضرر الشريك به، ويظهر الإجماع من المبسوط.
(ولا تسري الكتابة إلى باقي حصته) أي الباقي من المملوك سوى
حصته أو الحصة، نعم كل المملوك وبعضه (ولا إلى حصة شريكه) فإنها ليست
من العتق في شيء.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 95 ب 12 حكم من أعتق نصف... ح 1.
481
(نعم قيل) في المبسوط: (إذا أدى جميع مال الكتابة عتق كله وقوم
حصة شريكه عليه إن كان موسرا، ولو كان) تمامه (له سرى العتق إلى
باقيه) لحصول العتق حينئذ، فيعمه أدلة السراية إلا أنه بنى السراية إن كان تمامه
له على القول بالصحة، فإنه يبطل على تردد كما عرفت.
(وإذا أدى) المملوك (المشترك شيئا إلى مكاتبه) من الموليين
(وجب أن يؤدي مثله إلى شريكه، سواء أذن الشريك في كتابته أو لا) إن
اشتركا فيه بالسوية لتساويهما في استحقاق ما يكسبه، وإلا فبالنسبة.
(ولو أدى) مال (الكتابة من جميع كسبه لم يعتق) لاستحقاق بعضه لغيره.
(ولو أدى) المال (بجزئه المكاتب مثل أن هاياه) الموليان (فكسب
في نوبته) أي المكاتب منهما أو هاياه بصيغة المفرد أي هاياه غير المكاتب
منهما فكسب المكاتب في نوبته، أي نوبة نفسه (أو أعطي من سهم الرقاب لم
يكن للآخر فيه شيء).
(ولو) تجزأ ثلاثة أجزاء أحدها حر ولو بالكتابة و (ورث بجزئه الحر
ميراثا وبجزئه المكاتب اخذ من سهم الرقاب كان له الدفع إلى مكاتبه،
ولا شيء للآخر، لأنه لم يأخذ بسبب الرقية شيئا. ولو كاتبه السيدان
جاز) سواء (تساويا في العوض أو اختلفا، وسواء) فيهما (تساويا في
الملك أو اختلفا، وسواء اتحد العقد) بأن وكلا ثالثا أو وكل أحدهما الآخر أو
اتفقا في الإيجاب (أو تعدد) للأصل والعموم. وللعامة خلاف في جواز التفاضل
مع التساوي في الملك أو الاختلاف.
(وليس له أن يؤدي إلى أحدهما أكثر مما للآخر) إن تساويا في
العوض (ولا قبله) بل يؤدي إليهما معا إلا بالإذن.
(الفصل الثالث في الأحكام)
(وفيه مطالب) ستة:
(الأول: ما يحصل به العتق) للمكاتب (وهو يحصل في) المكاتبة

482
(الصحيحة بأداء جميع المال إن كان المكاتب مشروطا وبالإبراء
وبالاعتياض) عنه بعين أو دين (وبالضمان عنه، ولا يحصل بجزء من
النجوم جزء من الحرية حتى يؤدي الجميع) اتفاقا عملا بالشرط (أما
المطلق فكلما أدى شيئا انعتق بإزائه، ولو بقي على المشروط أقل ما
يمكن لم ينعتق) منه شيء (فإن عجز) عن أداء ما بقي (كان لمولاه
استرقاقه والمقبوض له) أي للمولى (والمشروط قبل الأداء) كله (رق)
فيكون (فطرته على مولاه) وكذا المطلق إذا لم يؤد شيئا، لعموم النصوص
بوجوبها عن المملوك، وخصوص قول الصادق (عليه السلام) في مرفوع محمد بن أحمد بن
يحيى: يؤدي الرجل زكاته عن مكاتبه ورقيق امرأته (1) الخبر. فإن أدى المطلق
شيئا فبالحصص. وسأل علي بن جعفر في الصحيح أخاه (عليه السلام) عن المكاتب هل
عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه ويجوز شهادته؟ قال: الفطرة عليه،
ولا يجوز شهادته (2).
وللشيخ في الخلاف قول، وفي المبسوط وجه بعدم وجوب فطرة المطلق
على أحد منهما، تحرر منه شيء أم لا، لأنه ليس بحر، فيلزمه حكم نفسه ولا قن.
وقطع القاضي بالنفي عن مولى المشروط.
(ولو كاتبا عبدا لم ينعتق حصة أحدهما إلا بأداء الجميع إليهما أو
باذن الآخر في الأداء) لما عرفت من اشتراكهما فيما يحصله، فلا يكون الأداء
إلى أحدهما بدون إذن الآخر إلا أداء لبعض مال الكتابة.
(ولو خلف) المولى (ابنين فأدى نصيب أحدهما) إليه (عتق) نصيبه
منه، وأداء النصيب إنما يكون بإذن الآخر أو مع أداء نصيب الآخر، فإنه إن اقتصر
على الأداء إلى أحدهما من غير إذن الآخر لم يكن أدى إليه تمام نصيبه بل نصفه،



(1) وسائل الشيعة: ج 6 ص 229 ب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح 9.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 102 ب 22 حكم المكاتب في... ح 2.
483
إلا أن يؤدي إليه جميع النصيبين. وبالجملة فالتعبير بالنصيب يدفع المنافاة بينه
وبين ما تقدم.
(ولا ينعتق المكاتب بملك مال الكتابة بل بأدائه) فإنه الذي علق عليه
العتق، وليس الحصول في يده كالحصول في يد القن الذي هو بمنزلة الحصول في
يد المولى؛ لانقطاع التصرف عن المكاتب، والأداء يكفي في العتق (وإن كان
قبل الأجل إن رضي المالك بقبضه حينئذ) بالنص (1) والإجماع على الظاهر.
(ولو جن السيد وقبض النجوم) في جنونه (لم يعتق حتى يسلم إلى
الولي) إذ لا عبرة بهذا القبض شرعا، خلافا لبعض العامة.
(ولو تلف في يد السيد) المجنون (فلا ضمان) عليه، لأنه الذي أتلفه
على نفسه بالتسليم إلى المجنون.
(أما لو أتلف السيد عليه مالا) من غير تسليم إليه (فإنه يقاص) بمال
الكتابة لضمان المجنون في ماله بالإتلاف.
(ولو جن العبد فقبض منه السيد عتق) لصحة القبض وإن لم يصح
الاقباض. قيل: والأولى إذن الحاكم إن أمكن، لأن له الولاية، إلا أن نقول بولاية
السيد في استيفاء المال.
(ولو ادعى الكتابة فصدقه أحد الوارثين وكذبه الآخر قبلت شهادة
المصدق عليه) أي الكتابة أو المكذب أو المكاتب، أي له (إن كان عدلا).
وهل يكفي معه اليمين أو لابد من شاهد آخر؟ قولان (وإلا) يكن عدلا ولم
يكن للمكاتب بينة (حلف) المكذب على نفي العلم إن ادعى عليه العلم
(وصار نصفه مكاتبا والآخر رقا) وإلا حلف المكاتب وصار كله مكاتبا
(فإن أعتقه المصدق) معجلا (سرى إلى الباقي، وإن أبرأه لم يسر) لأنه
إنما عتق بإعتاق المورث، والوارث شاهد لا معتق، والمعتق الآن معسر؛ لانتقال



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 98 ب 17 أن المكاتب إذا أراد... ح 2.
484
تركته إلى الوارث (وكذا إن أدى النجوم) فعتق به (وإذا عجز كان له) أي
المصدق (رده في الرق) لقيامه مقام المورث.
(ثم المنكر إن كان قد أخذ نصف كسبه فما في يده للمصدق) خاصة،
كسبه قبل الكتابة أو بعدها. ثم لا فرق في كسبه في حياة المولى وبعدها، قبل
ثبوت المكاتبة وبعدها في اشتراك الوارثين فيه، ولهما أن يهاياه.
(فإن) هاياه ثم إن (ادعى المنكر أن ما في يده متقدم على ادعاء
الكتابة أو) كسبه (في حياة المورث) قبل عقدها، وبالجملة قبل المهاياة فهو
بيننا وادعى الآخر التأخر ليختص به (قدم قول الآخر مع يمينه) للأصل.
(ولو ظهر عيب في العوض فله رده وإبطال العتق) إن عجز عن غيره
وله القبول (وأخذ الأرش فيبقى على العتق، ولو تعيب عنده كان له دفعه)
بالعيب المتقدم (بالأرش، وقيل: لا).
وقد مضى جميع ذلك مع الاستشكال له في بطلان العتق إذا رده بعد قبضه
لظهور العيب، فيحتمل أن يكون ما قطع فيه بالبطلان هنا ما إذا كان العيب ظاهرا
في العوض قبل القبض، فله أن يرده أي لا يقبضه، ولا إشكال حينئذ في البطلان.
ويحتمل أن يكون عين ما تقدم أو ما يعمه، ووكل الاستشكال إلى ما تقدم.
(ولو رضى المالك المعيب انعتق) قطعا (وهل ينعتق من حين الرضا
أو) من حين (القبض) إن لم يكن ظهر إلا بعده؟ (إشكال) من أن الرضا
كاشف عن صحة القبض أو متمم له، ويؤيد الثاني أن المتبايعين في الصرف إذا
تقابضا ثم تفرقا صح البيع وإن ظهر عيب في العوضين أو أحدهما، والأول أن
المعيب غير العوض المعقود عليه.
(ولو اطلع على العيب بعد التلف كان له رد العتق) لأنه غير مال الكتابة
(إلا أن يسلم الأرش) فعليه القبول أو إمضاء العتق، إذ لم يبق له بالتلف الرد
(فإن عجز) عن الأرش (كان له الاسترقاق) لأنه (كالعجز عن بعض
النجوم).

485
(المطلب الثاني في أحكام الأداء)
(ويجب القبول مع دفع النجم عند حلوله) إلا أن يبرئه (ولو كان
غائبا قبضه الحاكم) فإن تعذر فالأقرب الاكتفاء بتعيين المكاتب له.
(ولو قال: هو حرام) علي (لم يقبل) منه فلا يضر المكاتب وإن امتنع
من القبض، إلا أن يصدقه أو ثبته المولى أو يحلف فيكلف العبد عوضه، وإلا كلف
المولى القبض أو الإبراء، وإن امتنع قبض عنه الحاكم وعتق.
(و) إذا قال ذلك مع قبضه له (يحتمل أن ينتزعه) منه (الحاكم فيحفظه
في بيت المال إلى أن يعين) الولي (1) (مالكه) أو يتعين من جهة اخرى،
فالأولى كون " تعين " بصيغة المجهول، وذلك لأنه مال لغير من هو في يده، فلابد
من انتزاعه منه، ولما كان مجهولا لزم حفظه إلى أن يتبين كمال الغائب.
(و) يحتمل ما في المبسوط من (أن يبقيه) في يده لأنه لا منازع له
(فحينئذ) يبقى في يده (الأقرب قبول تكذيب نفسه) لما ادعاه من الحرية،
لأنه ذو يد من غير منازع. ويحتمل العدم، لأنه إنكار بعد إقرار، لكن الأول أنسب
بالإبقاء في يده.
(أما لو عين) المالك له (لم يقبل تكذيبه) لنفسه من غير إشكال (إلا
أن يكذبه المقر له) إن كان من أهله بأن لم يكن صبيا ولا مجنونا أو نحو ذلك.
(ولو قبضه) المكاتب (من مال الصدقة وجب قبوله) بالنصوص (2)
والإجماع (فإن عجز فاسترق فالأقرب عدم زوال ملكه) أي المولى
(عنه) أي عما قبضه من الصدقة، استصحابا لما استقر عليه من ملكه. خلافا
لأبي علي استنادا إلى أنه إنما أعطى لفك الرقبة، فإذا لم يفك لم يصرف في مصرفه
فيرد إلى المزكي الذي دفعه إن عرف، وإلا فإلى أهل الصدقات.



(1) في ق ون: " المولى ".
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 102 ب 21 جواز إعطاء المكاتب...
486
(ولا يجب) على المولى (الإنظار مع الحلول إلا بقدر ما يخرج المال
من حرزه) أو يأتي به من منزله القريب أو يفرغ من الصلاة أو من قضاء الحاجة
أو نحو ذلك.
(ولو كان) المكاتب عند الحلول (غائبا فالأقرب أن له الفسخ) لتحقق
العجز، وفي المبسوط والتحرير ليس له الفسخ، إلا بعد الرفع إلى الحاكم، وإثبات
أن له على عبده من مال المكاتبة ما عجز عنه، واستحلافه على عدم القبض، ثم
قضاؤه بالفسخ كما يقضى على الغائب.
(وكذا لو كان له عروض) من غير جنس مال الكتابة (لا تباع إلا بعد
مهلة) أو كان في منزل له بعيد.
(ولو غاب بعد الحلول بغير إذن السيد فله الفسخ من غير حاجة إلى
القاضي) لتسلطه على الفسخ وهو حاضر (وإن كان بإذنه) فهو إنظار له
(فليس له) الفسخ (إلا أن يخبره بالندم على الإنظار) فإن له الندم عليه
(فيقصر في الإياب) أو إنفاذ المال أو تسليمه إلى وكيله.
وفي المبسوط والتحرير: أنه إن ندم على الإنظار فإن كان المكاتب حاضرا
فإن عجز كان له الفسخ، وإن أدى عتق وعليه الإنظار لإحضاره من منزله القريب
أو نقد العروض إن لم يفتقر إلى مهلة طويلة ونحو ذلك كما تقدم، وإن كان غائبا
افتقر إلى الرفع إلى الحاكم وإثبات الحق والحلف على عدم القبض فيكتب الحاكم
إلى حاكم البلد الذي فيه المكاتب ليخبره، فإن عجز اخبر السيد ففسخ إن شاء، وإن
كان له مال كلفه الحاكم إيصاله إلى المولى بنفسه أو وكيله أو إلى وكيل المولى إن
وكل في قبضه، فإن توانى في ذلك كان له الفسخ، وللسيد أن يوكل وكيله في
القبض في الفسخ إن امتنع.
(ولو منع) المكاتب سيده من القبض (مع القدرة) على الأداء (فهل
للمولى الإجبار) على الأداء (أو الحاكم أو لا) إجبار لأحدهما؟ (فيه نظر
الأقرب ذلك) أي لأحدهما الإجبار. وظاهر التحرير أن للسيد إجباره، لأنه

487
صاحب الحق والمكاتب مملوكه وكسبه له، وإنما انقطع عنه سلطانه في غير
الاستيفاء.
ويحتمل الافتقار إلى الحاكم؛ لانقطاع سلطان المولى عنه، فهو بمنزلة حر
مديون، فلا يجبره إلا الحاكم، وبناء هذين على لزوم المكاتبة، وعلى جوازها
لا إجبار، فإن له الفسخ، وإذا فسخ كان له جميع ما بيده.
ولا يثبت الإجبار إلا حيث يتضرر بتركه، وإليه أشار بقوله: (وإن منعناه)
أي الإجبار (كان له الفسخ، وكذا في إلزامه بالسعي) إن امتنع منه من
الاحتمالات الثلاثة.
(ولو جن العبد لم تنفسخ الكتابة وكذا المولى) للأصل واللزوم (وكذا
لو جنا معا) أي جميعا.
(نعم للمولى الفسخ إذا لم يكن للمجنون مال) لتحقق العجز (فإن كان
له مال فللحاكم الأداء عنه ليعتق) كما في المبسوط (مع المصلحة) له فيه.
(و) الأقرب أن (للسيد الاستقلال بأخذ النجوم) من ماله؛ لما عرفت
من أن سلطانه إنما ارتفع عنه فيما عدا الاستيفاء.
(ولو مات المشروط بطلت الكتابة وإن خلف وفاء) لمال الكتابة وفاقا
للنهاية والمبسوط والسرائر والشرائع والجامع (لتعذر العتق) وتحقق العجز،
والأخبار كصحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام): في مكاتب يموت وقد أدى بعض
مكاتبته وله ابن من جاريته، قال: إن كان اشترط عليه إن هو عجز فهو مملوك
رجع ابنه مملوكا، والجارية وإن لم يكن اشترط عليه أدى ابنه ما بقي من مكاتبته
وورث ما بقي (1).
وفي الخلاف: إن خلف وفاء وفي منه ما عليه وكان الباقي لورثته، وإلا كان ما
خلفه لمولاه للعجز، واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم.



(1) وسائل الشيعة: ج 17 ص 410 ب 23 من أبواب موانع الإرث ح 2.
488
وأطلق الصدوق أنه إن مات مكاتب أدى بعض ما عليه وله ابن من جارية
وترك مالا فإنه يؤدي عنه ما بقي من مكاتبة أبيه ويعتق ويرث ما بقي.
عن المفيد أنه أطلق أنه يؤدي مال الكتابة والباقي لوارثه، فإن لم يكن فضل
فالجميع للمولى.
(ولو استعمله) أو حبسه (شهرا وغرم الأجرة لم يلزمه الإنظار بعد
الأجل شهرا) وإن كان يمكنه كسب أكثر منها إن لم يكن استعمله، فإن الأجرة
عوض ما استوفاه من العمل أو منعه منه، فإذا أداها فكأنه لم يمنعه من العمل
لنفسه. (وتركة المشروط لمولاه وإن بقي عليه درهم) لما عرفت من بطلان
كتابته فيعود قنا (وأولاده رق للمولى) لذلك (أما المطلق فيتحرر منه بقدر
ما أدى، ويكون الباقي رقا لو مات) قبل الوفاء (فيأخذ المولى من تركته
بقدره ولورثته منها بقدر الحرية) وانعتق من أولاده مثل ما انعتق منه
(ويؤدي الوارث التابع له في الكتابة) وهو الولد مما ورثه (من نصيب
الحرية ما بقي من مال الكتابة) وانعتق جميعه، لصحيح بريد العجلي سأل
الباقر (عليه السلام) عن رجل كاتب عبدا له على ألف درهم ولم يشترط عليه حين كاتبه إن
[هو] عجز عن مكاتبته فهو رد في الرق والمكاتب أدى إلى مولاه خمسمائة
درهم ثم مات المكاتب وترك مالا وترك ابنا له مدركا، فقال: نصف ما ترك
المكاتب من شيء فإنه لمولاه الذي كاتبه والنصف الباقي لابن المكاتب، لأنه
مات ونصفه حر ونصفه عبد، فإذا أدى الذي كان كاتب أباه وبقي على أبيه فهو حر
لا سبيل لأحد من الناس عليه (1). وأما انتقال الميراث إليه على قدر الحرية أولا
وكون الأداء من نصيبه فمع أنه قضية الأصل نطق به هذا الخبر.
وصحيح محمد بن قيس عن الصادق (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في
مكاتب توفي وله مال، قال: يقسم ماله على قدر ما أعتق منه لورثته وما لم يعتق



(1) وسائل الشيعة: ج 17 ص 411 ب 23 من أبواب موانع الإرث ح 5.
489
يحتسب منه لأربابه الذين كاتبوه هو ماله (1). وربما يرشد إليه صحيحته أيضا عن
الباقر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتبة توفيت وقد قضت عامه الذي
عليها وقد ولدت ولدا في مكاتبتها، قال: فقضى في ولدها أن يعتق منه مثل الذي
عتق منها ويرق منه ما رق منها (2).
(وإن لم يكن له مال سعى الأولاد فيما بقي على أبيهم) وعتقوا؛ لعدم
الفارق بين ما يكسبونه بالإرث وغيره، ولخبر مهزم سأل الصادق (عليه السلام) عن
المكاتب يموت وله ولد، فقال: إن كان اشترط عليه فولده مماليك، وإن لم يكن
اشترط عليه سعى ولده في مكاتبة أبيهم وعتقوا إذا أدوا (3).
واحتمل بعضهم نفي السعي، وهو مبني على كون أداء الباقي من أداء الدين
وعليهم الأداء أو السعي (بالسوية وإن اختلفوا في الاستحقاق) للميراث
لاختلافهم ذكورة وأنوثة (أو القيمة) فإنهم متساوون فيما عتق منهم وما بقي.
(ولو تعذر الاستيفاء من بعضهم لغيبة أو غيرها أخذ من نصيب
الباقي) جميع (ما تخلف على الأب) إذ ما لم يأخذ الجميع لم يصر الأب
بمنزلة ما أعتق جميعه فلم يفد عتق جميع الباقي (و) إذا اخذ الجميع (عتق
الجميع) أي الغائب والباقي.
(ولو لم يكن تركة) وغاب البعض أو لم يسع (سعى) الباقي (في
الجميع وليس للمؤدي مطالبة الغائب بنصيبه) فإن كل جزء مما يؤديه يدخل
في عتق نفسه (و) إن ألزمه أن (مع الأداء ينعتقون) كلهم فالمؤدي إنما سعى
في فكاك رقبة نفسه وإن تبعه فكاك رقبة الآخر.
(والأقرب أن للمولى إجبارهم على الأداء) لسراية مكاتبة مورثهم
فيهم فينزلوا منزلة المكاتبين، ولظاهر الأخبار (4) الآمرة بالأداء.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 99 ب 19 أن المكاتب إذا انعتق منه شيء... ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 91 - 92 ب 7 أن المكاتب المطلق إذا تحرر منه شيء... ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 92 ب 7 أن المكاتب المطلق إذا تحرر منه شيء... ح 4.
(4) وسائل الشيعة: ج 17 ص 411 - 412 ب 23 من أبواب موانع الإرث ح 6 و7.
490
ويحتمل العدم؛ للأصل مع وقوع المكاتبة مع غيرهم، واحتمال الأخبار
ظاهرا توقف عتقهم على الأداء لا وجوبه عليهم.
ويحتمل الإجبار إذا كان تركة لا على السعي لكونه دينا، فلابد من قضائه من
التركة دون السعي إذا لم يكن تركة، وهذا على ما سيأتي من الرواية بأنهم لا
يرثون إلا بعد الأداء، ولقول الصادق (عليه السلام) في خبر مالك بن عطية: وإن كان لم
يشترط ذلك عليه فإن ابنه حر ويؤدي عن أبيه ما بقي مما تركه أبوه، وليس لابنه
شيء حتى يؤدي ما عليه، وإن لم يترك أبوه شيئا فلا شيء على ابنه (1).
(وفي رواية) الأكثر (يؤدي الأولاد المتخلف من الأصل ولهم
الباقي) كما قاله أبو علي، ففي الصحيح عن جميل بن دراج عن الصادق (عليه السلام):
في مكاتب يموت وقد أدى بعض مكاتبته وله ابن من جاريته وترك مالا، قال:
يؤدي ابنه بقية مكاتبته ويعتق ويورث ما بقي (2). ونحوه أخبار أخر (3). ويمكن
حملها على اختصاص الوارث بما يبقى بعد الأداء وإن كان يرث أولا كل ما بإزاء
الحرية وإن أبقيت على ظواهرها فلكون مال الكتابة من الديون. وتوقف في
التحرير كما يظهر من الكتاب.
(ولو لم يؤد) المطلق (شيئا) مات رقا و (كان أولاده أرقاء والمال
للمولى، ولو كان الوارث حرا وقد عتق نصف المكاتب) مثلا (ورث بقدره
والباقي للمولى ولا أداء) على الوارث، لأنه إنما كان يؤدي لعتقه وهو هنا حر.
(ولو خلفهما) أي وارثين حرا وآخر تابعا له (فللمولى النصف والباقي
بينهما على ما يأتي) في الميراث من جهة القسمة (فيؤدي المكاتب) أي
الوارث التابع له في الكتابة (من نصيبه ما بقي على أبيه وينعتق) وإن لم يف
به نصيبه سعى في الباقي. هذا على المختار، وعلى ظواهر الروايات المتقدمة



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 100 - 101 ب 19 أن المكاتب إذا انعتق منه شيء... ح 5.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 92 ب 7 أن المكاتب المطلق إذا تحرر منه شيء... ح 3.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 99 ب 19 أن المكاتب إذا انعتق منه شيء... ح 2.
491
للأداء على الإرث يتجه هنا تقديمه. ثم إن بقي شيء كان بين الوارثين على
ما يأتي.
(ويرث هذا المطلق) إذا أدى شيئا (ويورث وتصح الوصية له، كل ذلك
بقدر ما فيه من الحرية دون الرقية) كما في صحيح محمد بن قيس عن الباقر (عليه السلام)
قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتب تحته حرة فأوصت له عند موتها بوصية،
فقال: أهل المرأة لا يجوز وصيتها له، لأنه مكاتب لم يعتق ولا يرث، فقضى أنه
يرث بحساب ما أعتق منه، ويجوز له من الوصية بحساب ما أعتق منه، وقضى في
مكاتب قضى ربع ما عليه فأوصى له بوصية فأجاز ربع الوصية، وقضى في رجل
حر أوصى لمكاتبه وقد قضت سدس ما كان عليها فأجاز بحساب ما أعتق منها،
وقضى في وصية مكاتب قد قضى بعض ما كوتب عليه أن يجاز من وصيته
بحساب ما أعتق منه (1).
(ويحد حد الحر بقدر ما فيه من الحرية وحد العبد بالباقي) كما في
خبر محمد بن قيس عن الباقر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتبة زنت،
قال: ينظر ما أدت من مكاتبتها فيكون فيها حد الحرة، وما لم تقض فيكون فيها
حد الأمة، وقال: في مكاتبة زنت وقد عتق منها ثلاثة أرباع وبقي ربع فجلدت
ثلاثة أرباع الحد حساب الحرة على مائة فذلك خمسة وسبعون جلدة، وربعها
حساب خمسين من الأمة اثنا عشر سوطا ونصف فذلك سبعة وثمانون جلدة
ونصف (2).
(ويحد المولى لو زنى بها بقدر الحرية دون الرقية) كما في نحو خبر
الحسين بن خالد عن الصادق (عليه السلام) أنه سأل عن رجل كاتب أمة له فقالت الأمة:
ما أديت من مكاتبتي فأنا به حرة على حساب ذلك، فقال لها: نعم فأدت بعض
مكاتبتها وجامعها مولاها بعد ذلك، قال: إن كان قد استكرهها على ذلك ضرب من



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 101 ب 20 أن المكاتب المبعض يرث ويورث بقدر الحرية... ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 404 ب 33 من أبواب حد الزنا ح 3.
492
الحد بقدر ما أدت من مكاتبتها وادرأ عنه من الحد بقدر ما بقي له من مكاتبتها،
وإن كانت تابعته كانت شريكته في الحد ضربت مثل ما يضرب (1).
(ويجب على السيد إعانة المكاتب من الزكاة إن وجبت عليه وإلا
استحب على رأي) وفاقا للخلاف والنافع والشرائع والمقنعة والوسيلة في
الاستحباب على الثاني.
أما الوجوب على الأول فلقوله تعالى: " وآتوهم من مال الله الذي آتاكم " (2)
لظهور الأمر في الإيجاب.
وأما الاستحباب على الثاني فلكونه برا وصدقة، ولنحو صحيح محمد بن
مسلم سأل أحدهما (عليهما السلام) عن الآية، فقال: الذي أضمرت أن يكاتبه عليه لا تقول:
أكاتبه بخمسة آلاف وأترك له ألفا، ولكن انظر الذي أضمرت عليه فأعطه منه (3).
وخبر العلا بن فضيل عن الصادق (عليه السلام) في الآية، فقال: تضع عنه من نجومه التي لم
تكن تريد أن تنقصه منها ولا تزيد فوق ما في نفسك، فقلت: لم؟ فقال: وضع أبو
جعفر عن مملوك له ألفا من ستة آلاف (4). وقوله (عليه السلام): من أعان مكاتبا على فك
رقبته أظله الله في ظل عرشه (5). وقيل له (عليه السلام): علمني عملا يدخلني الجنة، فقال:
أعتق نسمة وفك رقبة، فقيل: أليسا واحدا، قال: لا عتق النسمة أن تنفرد بعتقها،
وفك الرقبة أن تعين في ثمنها (6).
وأما عدم الوجوب فللأصل، وظهور الآية في الإيتاء من مال قد حصل عليه
اليد، والحط من النجوم ليس كذلك، ولا دليل على وجوب حق في مال غير
الخمس والزكاة، فالآية ظاهرة في وجوب أداء الزكاة إليهم لاغير.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 406 ب 34 من أبواب حد الزنا ح 1.
(2) النور: 33.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 93 ب 9 أنه يستحب للسيد وضع شيء من مال المكاتبة... ح 1.
(4) المصدر السابق: ص 93 - 94 ح 2.
(5) عوالي اللآلي: ج 3 ص 434 ح 10 وفيه: " من أعان غارما أو غازيا أو مكاتبا ".
(6) سنن البيهقي: ج 1 ص 273.
493
وفي التبيان: قال قوم: المعنى آتوهم من سهمهم من الصدقة الذي ذكره في
قوله: " وفي الرقاب " ذكره ابن زيد عن أبيه، وهو مذهبنا. وفي الخلاف: أن على
المسألة إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأنه لو وجب الحط لانعتق إذا بقي عليه أقل ما يتمول لاستحقاقه ذلك على
سيده. وقيل أيضا: لو وجب الحط لكان عقد المكاتبة موجبا لشيء مسقطا له معا،
وأنه لو وجب فإما أن يتعين قدره فمال الكتابة ما سواه أو لا، فالعوض مجهول.
ويدفع الثلاثة أن الوجوب لا يسقط ولا يشغل ذمة السيد به وإن أثم بتركه.
وخيرة المبسوط الوجوب مطلقا؛ لظاهر الأمر.
وخيرة التبيان والجامع والمختلف الاستحباب مطلقا؛ للأصل وإطلاق الآية،
مع أصالة عدم الوجوب على من لا يجب عليه زكاة، فينبغي حمل الأمر على
الرجحان، فهو أولى من التخصيص بمن عليه زكاة، مع أن الأصل عدم الوجوب
عليه أيضا.
وفي النهاية: أن المطلق إذا عجز عن التوفية كان على الإمام فك رقبته من
سهم الرقاب. وزاد ابن إدريس أنه إن كان يجب على السيد زكاة وجب عليه الفك.
(ولا يتقدر) ما يجب أو يستحب إيتاؤه (قلة ولا كثرة) عندنا؛ لعدم
النص، وللعامة قول بالتقدير بالربع، وآخر بما يقع به الاستغناء وهو على حسب
مال الكتابة. ثم وقت الإيتاء موسع من حين الكتابة إلى العتق (ويتضيق إذا بقي
عليه أقل ما يسمى مالا) وقال بعض العامة: بل يؤتيه بعد العتق كالمتعة في
الطلاق.
و يؤيد الأول مع الأخبار - وأن العلة فيها الإعانة على الفك - أن الآية أمرت
بإيتاء المكاتبين، وإذا عتق لم يكن مكاتبا.
(ولو أخل) بالإيتاء (حتى انعتق بالأداء قيل) في المبسوط: (وجب
القضاء) لأنه قضية كل حق مالي ثبت على ذمة، ولصدق المكاتب عليه أبدا بناء
على عدم اشتراط بقاء المبدأ في إطلاق المشتق، فيشمله عموم الأمر.

494
ويحتمل العدم، بناء على أنه ليس مكاتبا بعد العتق، والقضاء إنما يجب بأمر
جديد، وليس من الأموال المعينة الثابتة في الذمة، إذ لا يستلزم وجوب الإيتاء.
(ويجوز) لكل من السيد والمكاتب (المقاصة) فيقاص السيد سهمه من
الزكاة بما يعطيه من مال الكتابة، ويقاص المكاتب ما يجب له على السيد، وهو
أقل ما يتمول من مال الكتابة أو غيره من أموال سيده إن أوجبنا الإيتاء، لأنه حق
له عليه، فإذا تحقق شرط المقاصة كانت له المقاصة.
(قيل) في المبسوط: (ويجب على المكاتب قبول الإيتاء إن دفع
المالك من عين مال الكتابة أو من جنسه) لأنه من المال المأمور بإيتائه ولا
يجب الإيتاء إذا لم يجب القبول.
(ولو كان لمولاه) عليه (دين معاملة مع النجوم فله أن يأخذ ما في
يده بالدين، ويعجزه إذا لم يملك إلا ما يفي بأحدهما) لاستقرار الدين عليه،
بخلاف مال الكتابة ولأن فيه جمعا بين الحقين، فإنه إذا عجز ملك الرقبة عوضا
عن مال الكتابة، وأما إذا أعتق باحتساب ما في يده من مال الكتابة فربما لم يقدر
على أداء الدين فيضيع.
(ولو أراد تعجيزه قبل إخلاء يده عن المال بأخذه بالدين) كان (فيه
إشكال) من ملكه بقدر ما عليه من النجوم وهو باذل له، والعجز إما بعدم الملك أو
بالامتناع من الأداء. ومن أن للسيد أخذه عما عليه من الدين غير مال الكتابة، وله
الاختيار في أخذه عن أيهما شاء لا للمكاتب.
(أما المطلق) الذي تحرر منه شيء (فليس له) أي السيد (أن يأخذ
منه إلا ما يختاره المكاتب من الجهتين) لتساويهما حينئذ في الاستقرار
وتعيين جهات الدين إلى المديون.
(ولو كان عليه دين معاملة لأجنبي وأرش جناية احتمل التوزيع)
لما في يده عليهما (والباقي للمولى) إن زادت قيمة ما في يده بعد القصور
والحجر؛ لاشتراكهما في الاستقرار عليه والتعلق بما في يده.

495
(و) احتمل (تقديم الدين) على الأرش (لأن للأرش متعلقا) آخر
(هو الرقبة) بخلاف الدين.
(ثم الأرش يقدم على النجوم) لتقدم حق الجناية على حق الملك (هذا
مع الحجر عليه وقبله له تقديم من شاء) مع حلول الجميع، لأنه مطلق
التصرف فله فعل ما شاء وإن حل البعض دون البعض، فإن كان المؤجل مال
الكتابة جاز له التعجيل، وإن كان غيره لم يجز إلا بإذن المولى، لأن تعجيل المؤجل
يجري مجرى الزيادة والهبة، وهو لا يستبد بالهبة من الأجنبي. ومن العامة من لم
يجز تعجيل مال الكتابة أيضا.
(ولو عجز نفسه وعليه أرش ودين معاملة سقطت) عنه (النجوم
ووزع ما في يده على الحقين) على أول الاحتمال في المسألة المتقدمة.
(ويحتمل تقديم الدين لتعلق الأرش بالرقبة) بخلاف الدين، فلو قدم أو
وزع أمكن تضييع الدين، ففي تقديم الدين رعاية لصاحبه.
(و) يحتمل (العكس) رعاية للمملوك تخليصا لرقبته من رق المجني
عليه، ولا ظلم على الدائن (لأن صاحب الدين) حيث أدانه (رضي) بالتعلق
(بذمته، ولمستحق الأرش تعجيزه حتى يتبع رقبته) فيجوز أن يكون هذه
الجملة من تتمة التعليل، ويجوز أن يكون التعليل قد تم بما قبلها لفهم ذلك في
ضمنه.
وبالجملة لما تعلق حق السيد والمجني عليه بالرقبة كان لكل منهما تعجيزه،
فإن عجزاه كان للمجني عليه بيع رقبته في الجناية إلا أن يفديه السيد، وإن عجزه
المجني عليه دون السيد رفع إلى الحاكم ليفسخ الكتابة ويبيع الرقبة في الجناية.
(ولو أراد السيد فداءه ليبقى الكتابة جاز، وليس لصاحب دين
المعاملة تعجيزه) لعدم الفائدة (إذ لا يتعلق حقه بالرقبة) بل بالذمة
ويتساوى الحال فيه بين التعجيز وعدمه. وللعامة قول بتعلقه بالرقبة أيضا،
وأن له تعجيزه.

496
(ولو كان للسيد) عليه (دين معاملة ضارب الغرماء به لا بالنجم)
لتعلق حقه بالرقبة، ففي الضرب تضييع لحقهم، وفي عدمه جمع بين الحقوق.
هذا إذا كان مشروطا (ولو كان مطلقا ضارب بالنجم أيضا) لانحصار حقه
في الذمة أيضا.
(ولو مات المشروط كان ما في يده للديان خاصة) لانفساخ الكتابة
بموته (فإن فضل شيء فللمولى) لأنه كسب مملوكه (ولو) مات و (كان
عليه أرش جناية وديون ولم يف ما تركه بالجميع قال الشيخ) في
المبسوط (بدأ بالدين؛ لتعلق الأرش بالرقبة) وإنما كان تعلق بما في يده
للكتابة، فإذا زالت انحصر في الرقبة. ويحتمل التوزيع، لأنه تعلق بالتركة قبل
الموت فيستصحب، فإنه إنما ينتقل منها إلى الرقبة إذا أمكن الاستيفاء منها فزوال
الكتابة إنما ينقله إلى الرقبة إذا أمكن ذلك.
(ولو كان للمكاتب على سيده مال) فإن كان (من جنس النجم وكانا
حالين تقاصا) بل وقع التقاص قهرا.
(ولو فضل لأحدهما شيء رجع صاحب الفضل به على الآخر، ولو
اختلفا جنسا أو وصفا لم يجز التقاص إلا برضاهما ومعه يجوز، سواء
تقابضا أو قبض أحدهما) ماله (ثم دفعه إلى الآخر عوضا عما في ذمته
أو لم يتقابضا ولا أحدهما وسواء كان المالان أثمانا أو عروضا أو
بالتفريق) للأصل (وهذا حكم عام في كل غريمين) كان لكل منهما على
الآخر مال.
واشترط الشيخ التقابض إن كانا عرضين وقبض أحدهما إن كانا نقدين، قال:
وإن تفرقا فقبض العرض ودفع عن النقد جاز دون العكس. وكل ذلك مبني على
كون المقاصة بيعا.
(ولو عجز المكاتب المطلق) كلا أو بعضا (وجب على الإمام فكه من
سهم الرقاب) كما في النهاية والسرائر لأن الصادق (عليه السلام) سئل عن مكاتب عجز

497
عن مكاتبته وقد أدى بعضها، قال: يؤدي عنه من مال الصدقة، إن الله تعالى يقول
في كتابه: " وفي الرقاب " (1) فإن تعذر استرق كلا أو بعضا.
(المطلب الثالث في التصرفات)
(وهي: إما من السيد أو العبد، أما السيد فينقطع تصرفه في المكاتب
بعقد الكتابة، سواء كان مشروطا أو مطلقا إلا مع عجز المشروط و) رده
إلى (استرقاقه، وليس له بيع رقبة المكاتب وإن كان مشروطا قبل
التعجيز) بالاتفاق، خلافا لبعض العامة (وله بيع النجوم) قبل قبضها (إن قلنا
بوجوب المال) بناء على لزوم العقد (وإلا فلا، لأنه دين غير لازم) وحيث
اخترنا اللزوم فيما تقدم فيجوز البيع.
(فإن قبض المشتري) النجوم (عتق المكاتب) على القولين (أما
عندنا فظاهر، وأما على الفساد) للبيع (فلأنه) وإن فسد لكن المشتري
(كالوكيل) في الأخذ، وقد مر التردد في العتق والاستشكال في التعجيز إن
أفلس المشتري وكان البيع فاسدا.
(وليس له) أي السيد (التصرف في ماله) أيضا بغير إذنه (إلا بما
يتعلق بالاستيفاء) لا بمعنى أن له الاستيفاء مطلقا على أي وجه شاء بل بإذن
العبد، إلا إذا كان مشروطا وحل النجم ولم يكن بيده إلا بقدره فإن له الاستيفاء
بنفسه إن امتنع من الأداء وإن زاد ما بيده على قدره وامتنع عين الحاكم واستوفاه
السيد.
(وله معاملة العبد بالبيع والشراء) فهما من التصرفات في ماله بإذنه
(و) له (أخذ الشفعة منه) كما له أخذه من الأحرار (وكذا يأخذ العبد منه)
الشفعة (وليس له منع العبد من السفر) إلا أن يتفق حلول النجم في السفر
(ولا من كل تصرف يستفيد به مالا) وللعامة قول بالمنع من السفر.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 102 ب 21 جواز اعطاء المكاتب من مال الصدقة والزكاة ح 1.
498
(ولو شرط في العقد ترك السفر احتمل البطلان، لأنه كشرط ترك
التكسب) إذ ربما افتقر إليه (والصحة للفائدة) فيه بالأمن من الإباق ونحوه
مع إمكان التكسب بدونه، والأصل وعموم المؤمنون عند شروطهم (1) (فإن)
أجزناه و (سافر حينئذ ولم يمكنه الرد كان له الفسخ، وليس له وطء
المكاتبة) وإن أذنت (بالملك) لنقصه (ولا بالعقد) لرقيتها.
(ولو شرط الوطء في العقد فالأقوى بطلانه) لمنافاته لحكمه.
ويحتمل الصحة، لأن المنع لحقها ولذا إذا وطأها بشبهة صارت ام ولد فدل
على بقاء الملك المبيح للوطء، ويجوز أن يراد بطلان العقد لاشتماله على الشرط
الفاسد، والخلاف في ذلك معروف.
(ولا) له (وطء ابنتها) لتبعيتها لها، إلا أن تكون حرة لا بالتبعية فيجوز
العقد عليها، أو مملوكة لغيره فيجوز العقد والتحليل (ولا وطء أمة المكاتب)
بغير إذنه لما عرفت من أنه ليس له التصرف في ماله.
(فإن وطئ المكاتبة أو أمة المكاتب للشبهة فعليه المهر) بغير إشكال
(ولا يتكرر) المهر (بتكرره إلا مع الأداء) للسابق كما في المبسوط، لأن
غرم المهر قطع حكمه، فكان اللاحق مستأنفا. وهنا وجهان آخران: أحدهما
التكرر مطلقا لتعدد السبب، وآخر العدم مطلقا لاتحاد النوع.
(ولا حد ولا تعزير، والولد حر، وتصير ام ولد) للرق، وكذا إن وطئ
ابنتها للشبهة لكن ليس لها مهر، لأنها أمته، وإنما وجب المهر لنفسها ولأمتها، لأنه
من كسبها، بخلاف مهر البنت، وعليه قيمة أمة المكاتب إذا استولدها للمكاتب،
لأنه فوتها عليه.
(ولا تبطل) بالاستيلاد (كتابتها) للأصل فتكون تشبثت لسببين للعتق،
فأيهما سبق عتق به. وينص عليه قوله (عليه السلام) في خبر علي بن جعفر لأخيه (عليه السلام): في
رجل وقع على مكاتبته عليه مهر مثلها، فإن ولدت منه فهي على مكاتبتها، وان



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 30 ب 20 من أبواب المهور ح 4.
499
عجزت فردت في الرق فهي من أمهات الأولاد (1). وخبر السكوني عن
الصادق (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: في مكاتبة يطأها مولاها فتحمل، قال:
يرد عليها مهر مثلها وتسعى في قيمتها، فإن عجزت فهي من أمهات الأولاد (2).
(ولو وطأ) إحداهن (مع علمهما بالتحريم عزرا) ولم يحدا للملك،
ويدل عليه ما تقدم من خبر الحسين بن خالد الناطق ب‍ " درء " الحد عمن جامع
مكاتبته بقدر ما بقي له. وعن بعض العامة أنهما يحدان.
(وهل يثبت المهر) للمكاتبة (مع المطاوعة؟ إشكال) من أنها لم تزن
لثبوت الملك المبيح ولذا لا تحد وتصير ام ولد، وإطلاق ما سمعته من خبري علي
ابن جعفر والسكوني. ومن نقص الملك وسقوطه عن الإباحة فيكون بغيا (ويثبت
مع الإكراه) بلا إشكال كما لا إشكال في ثبوت المهر لأمة المكاتب مطلقا،
وعدمه لبنته مطلقا.
(وإذا صارت ام ولد عتقت بموته) أي المولى (من نصيب ولدها
وتقوم) عليه (مكاتبة) مشروطة أو مطلقة، أدى كذا من نجومه أو لم يؤد
(ويسقط عنها ما بقي) عليها (من) مال (كتابتها) إن وفى نصيب ولدها
بعتقها، وإلا فبقدره (وما في يدها لها).
(ولو أعتقها مولاها) أو أعتقه مولاه معجلا (عتقت وسقطت كتابتها
وما في يدها لها).
(ولو كاتباها ثم وطئ أحدهما حد بنصيب الآخر) وفي المبسوط:
لا حد لشبهة الملك، بل يعزر إن كان عالما (وعليه) تمام (المهر) لمثلها لها،
لكن إن حل عليها مال الكتابة للواطئ وكان من جنس المهر وقع التقاص (فإن
عجزت فللآخر الرجوع على الواطئ بنصف المهر إن لم يكن دفعه) إليها،
وإن كان دفعه إليها فإن تلف فقد تلف منهما، وإلا اقتسماه بينهما (فإن حملت



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 96 ب 14 أن السيد إذا وطئ المكاتبة لزمه مهر مثلها... ح 1.
(2) المصدر السابق: ص 97 ح 2.
500
قومت) على الواطئ لتفويته لها على شريكه (بعد عجزها) إذ لا تفويت عليه
قبله لبقاء الكتابة، إذ لا ينافيها الاستيلاد ولا يبطلها كالعتق المنجز (وقيل) في
المبسوط في وجه بل قومت (في الحال) لأن الإحبال سبب التقويم وهو ممنوع،
بل سببه التفويت، ولأن الاستيلاد أقوى من الكتابة فيزيلها، وهو أيضا ممنوع.
(وعليه) على القولين (نصف قيمتها، موسرا كان أو معسرا على
إشكال) من عموم النصوص (1) بتغريم الشريك حصة شريكه بالوطء، وإن
الاستيلاد لا يتبعض، بخلاف العتق. ومن أن العتق أقوى، وإنما يسري مع الإيسار
فالاستيلاد أولى.
(و) عليه (نصف مهرها) لها إن لم تزل الكتابة وللشريك إن زالت
(فتبطل الكتابة في حصة الشريك، وتصير جميعها ام ولد، ونصفها مكاتبا
للواطئ فإن أدت) مال كتابة (نصيبه إليه عتقت) نصفها المكاتب (وسرى
العتق إلى الباقي، لأنه) صار (ملكه) أو ملكه بصيغة الماضي، وأراد أنه ملك
خالص له من غير مكاتبة، فيسري (على قول الشيخ) وتصريحه بالسراية؛
لعموم أدلة السراية.
وفي قوله: " لأنه ملكه " جواب لسؤال وإبانة للفرق بين من كوتب كله مطلقا
ومن كوتب بعضه وكان الباقي قنا للمولى. والسؤال: أنه إن كان العتق بالكتابة
يسري إلى الباقي لكان من كوتب كله مطلقا إذا أدى شيئا من المال فانعتق شيء
منه سرى إلى الباقي فلا حاجة إلى أداء الباقي. والجواب: أنه إنما يسري إذا كان
الباقي قنا للمولى لا مكاتبا، وعند أبي علي يسري إلى الباقي ما لم يقل في العقد:
وأنت عبد بقدر ما بقي عليك. ويجوز أن يكون المعنى أنه سرى إلى الباقي من
جهة كونه ملكه لا من جهة ملك الشريك؛ لحصول الانتقال إليه.
(وإن عجزت ففسخ الكتابة كانت ام ولده فإذا مات عتقت من
نصيبه) أي الولد (والولد حر) كان الوطء لشبهة أو لا (وعليه) لشريكه



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 20 ب 18 أن من أعتق مملوكا...
501
(نصف قيمته يوم الولادة) إن قومت الأم بعد الوضع، وإلا فلا شيء عليه، لأنها
وضعته في ملكه (فإن وطئاها معا للشبهة) عليها (فعليهما مهران) كاملان
لها، فإن أخذتهما وأدت مال الكتابة كان الفضل بيدها لها، وإن لم يأخذ أخذتهما،
وإن عجزت وقد قبضتهما كان التالف عليهما وقد برئت ذمتاهما والموجود بينهما،
وإن لم يكن قبضت كان لكل منهما على الآخر نصف مهرها وسقط النصف.
(فإن تساوت الحال) فيها عند وطئهما (تساويا) في حقيهما فيتقاصان.
(وان) اختلفت كان (وطئ أحدهما بكرا فعليه (نصف) مهر بكر
وعلى الآخر (نصف) مهر ثيب).
(وأما العبد فليس له أن يتصرف في ماله بما ينافي الاكتساب
كالمحاباة والهبة) إلا بعوض يقبضه قبل إقباض العين يزيد عليها، وفي
المساوي وجهان. وأطلق في المبسوط المنع من الهبة ولو كانت بعوض، قال: لأن
العوض غير مقصود، ولأجل هذا لا يكون لولي الطفل أن يهب مال الطفل لا بشرط
ولا بغيره.
(وما فيه خطر كالقرض) وإن أخذ عليه الرهن أو ضمن عن المقترض، إذ
ربما تلف الرهن وأعسر أو جحد أو مات ولم يخلف شيئا إلا إذا كان أصلح كأن
يخاف التلف إن لم يقرض (والرهن والقراض) لذلك. وفي الصحيح عن معاوية
ابن وهب عن الصادق (عليه السلام): لا يصلح له أن يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام (1).
وفي الحسن عن أبي بصير عن الباقر (عليه السلام): المكاتب لا يجوز له عتق ولا هبة ولا
تزويج حتى يؤدي ما عليه إن كان مولاه شرط عليه إن هو عجز فهو رد في الرق (2).
(ولو أذن المولى في ذلك كله جاز) لأن المنع كان لحقه، ولصحيح
معاوية بن وهب عن الصادق (عليه السلام): في مملوك كاتب على نفسه وماله وله أمة وقد
شرط عليه أن لا يتزوج فأعتق الأمة وتزوجها، قال: لا يصلح له أن يحدث في



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 89 - 90 ب 6 أن المكاتب... ح 1.
(2) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 268 ح 976.
502
ماله إلا الأكلة من الطعام ونكاحه فاسد مردود، قيل: فإن كان سيده علم بنكاحه
ولم يقل شيئا، قال: إذا صمت حين يعلم ذلك فقد أقر، قيل: فإن المكاتب عتق
أفترى أن يجدد نكاحه أو يمضي على النكاح الأول؟ قال: يمضي على نكاحه
الأول (1).
وعن الصادقين (عليهما السلام): في المشروط لا يجوز له عتق ولا هبة ولا نكاح ولا
حج إلا بإذن مولاه حتى يؤدي جميع ما عليه، قالا: وإن لم يشترط عليه أنه إن
عجز رد في الرق وكوتب على نجوم معلومة، فإن العتق يجزئ فيه مع أول نجم
يؤديه، فيعتق منه بقدر ما أدى ويرق منه بقدر ما عليه (2). ويكون كذلك حاله في
جميع أسبابه من المواريث والحدود والعتق والهبات والجنايات، وجميع ما
يتجزى (3) يجوز له من ذلك بقدر ما أعتق منه ويبطل ما سوى ذلك. وللعامة قول
بالمنع وإن أذن السيد.
(وله التصرف في جميع وجوه الاكتساب كالبيع من المولى وغيره
وكذا الشراء) كما قال الباقر (عليه السلام) في حسن أبي بصير: لكن يبيع ويشتري (4).
(و) لا (يبيع) إلا (بالحال لا بالمؤجل) وإن أخذ عليه رهنا أو ضمانا
لما تقدم. وقيل بالجواز مع أحدهما. ولو اقتضت المصلحة البيع بالمؤجل جاز
بلا رهن ولا ضمان إن لم يتيسرا.
(فإن زاد الثمن عن ثمن المثل وقبض ثمن المثل) حالا (وأخر
الزيادة جاز) وجد من يزيد تلك الزيادة حالا أو لا (وله أن يشتري بالدين
وأن يستسلف).



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 89 - 90 ب 16 أن المكاتب... ح 1، وبقية الحديث في ب 26
أن العبد إذا تزوج... ح 2 ج 14 ص 525 - 526.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 88 - 89 ب 4 ان المكاتب المطلق... ح 14 وب 5 أن حد عجز
المكاتب... ح 1.
(3) في ن " يتحرى ".
(4) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 275 ح 1001.
503
(ولو أعتق بإذن المولى صح) لما مر (ولو بادر) به قبل الإذن
(احتمل الوقف على الإجازة) إن وقفنا العتق فضوليا على الإجازة.
(و) احتمل (البطلان) أما على القول بأنه لا يقف بل ينحصر في الصحيح
أو الباطل منجزا فظاهر، وأما على القول بالوقف فلاستلزامه الولاء ولا ولاء
للمكاتب، لعدم صلاحيته للعصوبة والإرث، ولا للمولى؛ لأنه ليس بمعتق، وقد
يمنع الاستلزام تارة وانتفاء الولاء عن المولى اخرى كما يأتي.
(وفي الكتابة إشكال من حيث إنها معاوضة) فتصح كغيرها (أو
عتق) إذ لا معاوضة بين المولى ونفسه؛ لكون العوضين ملكه، ولذا لا ينفذ من
المريض إلا من الثلث فلا يصح إلا مع الغبطة.
(فإن سوغناها فعجزا معا استرقهما المولى، وإن عجز الثاني استرقه
الأول، وإن عجز الأول واسترق عتق الثاني) إذا أدى؛ لصحة مكاتبته، وعدم
عروض ما يزيلها.
(ولو استرق الأول قبل أداء الثاني كان الأداء إلى السيد، وله) أي
للمكاتب (أن ينفق مما في يده على نفسه وما يملكه) من دابة ورقيق
وزوجة وغيرها (بالمعروف).
(ولو باع محاباة بإذن سيده صح، وللمولى أخذه بالشفعة إذا كان
شريكا، و) بالعكس (يصح إقرار المكاتب بالبيع والشراء والعين والدين،
لأنه يملكه فيملك الإقرار به، وليس له أن يتزوج إلا بإذن مولاه) لأنه
يلزمه المهر والنفقة، ولأنه مملوك (فإن فعل وقف على الإجازة أو الأداء)
ولم يبطل كما نص عليه صحيح معاوية بن وهب (1) المتقدم (وليس له التسري
من دون إذنه، ولا) أن (يطأ مملوكته إلا بإذن مولاه) لما فيه من التغرير بها؛
لجواز أن تحبل فيهلك أو ينقص ثمنها. ومن العامة من لم يجز الوطء وإن أذن
المولى، فإن وطئها ولم يحد، لشبهة الملك، ولا مهر عليه، لأنها مملوكته.



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 89 - 90 ب 6 أن المكاتب لا يجوز له... ح 1.
504
(فإن حملت منه فالولد رق له) لأنه ولد مملوكته (ولا يعتق عليه)
الآن لنقصان ملكه (فإن أدى عتق وعتق الولد، وإن عجز رقا معا، وليس له
أن يزوج عبيده من إمائه إلا بإذن مولاه) لما فيه من التغرير، ولأنهم
مملوكون للمولى من وجه.
(ولا يعير دابته ولا يهدي هدية ولا يحج) إلا بإذنه.
(وفي ثبوت الربا بينه وبين مولاه إشكال) من كونه عبدا، ومن إطلاق
تصرفه في أمواله كالأحرار، وهو الأقوى؛ لعموم أدلة التحريم، خرج ما لا معاوضة
فيه (1) حقيقة ولا معاملة، وهو فيما بين القن وسيده، والمكاتب يملك ما بيده
والتصرف فيه، ويصح معاملته مع سيده. ويرشد إليه قول الباقر (عليه السلام): إنما الربا فيما
بينك وبين من لا تملك (2).
(ولا) يجوز له إذا باع شيئا من غير إذن سيده أن (يرفع يده عن المبيع
قبل قبض الثمن، وليس للمكاتبة أن تتزوج إلا بإذنه) للتغرير والرق. وخبر
أبي بصير سأل الباقر (عليه السلام) عن رجل أعتق نصف جاريته ثم إنه كاتبها على النصف
الآخر بعد ذلك، قال: فليشترط عليها أنها إن عجزت عن نجومها فإنها ترد في
الرق في نصف رقبتها، فإن شاء كان له في الخدمة يوم ولها يوم إن لم يكاتبها، قال:
قلت: فلها أن تتزوج في تلك الحال؟ قال: لا حتى تؤدي جميع ما عليها في نصف
رقبتها (3).
(فإن بادرت) إلى النكاح (وقف على الإجازة) أو الأداء ولم يقع
باطلا.
(وهل له أن يشتري من ينعتق عليه؟ الأقرب ذلك مع الإذن لا بدونه)
وفاقا للمبسوط، فإنه تصرف بما ينافي الاكتساب، فلا يجوز إلا بإذنه. ويحتمل



(1) ليس في ق ون.
(2) وسائل الشيعة: ج 12 ص 436 ب 7 من أبواب الربا ح 3.
(3) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 269 ح 980.
505
الجواز؛ لعدم تضرر المولى به، فإنه إن عجز استرقهما. ومن العامة من أجازه بدون
الإذن، ومنهم من لم يجزه مطلقا.
(وله قبول الوصية له به) أي بمن ينعتق عليه (والهبة) له إذ لا إتلاف
ولا تصرف فيما بيده (إذا لم يكن) عليه (في القبول ضرر بأن يكون
مكتسبا) لما يكفي لنفقته.
(وإذا اشتراه) بالإذن (أو قبله في الوصية) أو الهبة (ملكه وليس له
بيعه ولا هبته ولا إخراجه عن ملكه) لانعتاقه عليه (و) لكن (لا ينعتق
عليه) الآن (فإن عجز ورد في الرق استرقهما المولى) لانكشاف أنه الذي
ملكه لا المكاتب، وتردد المحقق في استرقاق الأب؛ لتشبثه بالحرية، وعدم العلم
بتبعية الابن (وإن أدى عتقا معا وكسبه للمكاتب، لأنه ملكه) ما لم يؤد
(ونفقته عليه، لأنه ملكه لا من حيث القرابة) إذ لا نفقة على المملوك لقريبة.
(ولو أعتقه بغير إذن مولاه لم يصح) كغيره من مملوكيه.
(ولو أعتقه) أي عجل عتق المكاتب (سيده عتق وكان القريب معتقا
أيضا) لأنه تم ملكه له (كما لو أبرأه) فإنه بمنزلة الأداء.
(ولو مات مكاتبا صار قريبه رقا لمولاه) لما عرفت من بطلان الكتابة
المشروطة بالموت، وأما إن كان مطلقا وقد انعتق بعضه فظاهر أنه ينعتق عن
القريب أيضا بالنسبة (وللمكاتب أن يشتري امرأته والمكاتبة زوجها
وينفسخ النكاح) للملك وإن نقص.
(ولو زوج ابنته من مكاتبه ثم مات وورثته) البنت (أو بعضه انفسخ
النكاح) لأن المكاتب لا يخرج عن الرق وإن انعتق بعد ذلك بالأداء. خلافا لأبي
علي فأوقف في المشروط، فإن أدى ثبت النكاح وإلا انفسخ، وقال في المطلق
بالانفساخ إذا أدى البعض.
(وإذا أعتق) المكاتب (بإذن مولاه كان الولاء موقوفا فإن مات
رقيقا) أو عجز فرد في الرق (استقر للسيد وإن أعتق) ولو (يوما) أو أقل

506
(فله) لعموم الولاء لمن أعتق وتردد هنا بينهما، وفي المبسوط أنه سائبة. ومن
العامة من جعله للسيد مطلقا.
(فإن مات العتيق في مدة التوقف احتمل أن يكون) ولاؤه (للسيد)
لأن المكاتب لم يخرج عن ملكه فهو المعتق حقيقة، ولأن المكاتب ما لم ينعتق لا
يرث ولا يعصب (و) أن يكون (للمكاتب موقوفا) متزلزلا، فإن أعتق كان
له، وإلا فللسيد، لأنه بانعتاقه يظهر أنه المالك والمعتق.
(ولو اشترى من يعتق على مولاه صح) وإن لم يأذن فإنه لا ينعتق
لينافي الاكتساب (فإن عجز واسترقهما المولى عتق عليه وإلا فلا).
(المطلب الرابع في أحكام الجناية)
(أما جنايته فإن كانت على مولاه عمدا فإن كانت نفسا فللوارث
القصاص ويصير كالميت) في انفساخ كتابته إن كان مشروطا، وإن كان مطلقا
فكما مر، وإن عفى على مال جاز واستمرت كتابته.
(وإن كانت طرفا فللمولى القصاص ولا تبطل الكتابة) وله العفو على
مال (وإن كانت خطأ تعلقت برقبته وله أن يفدي نفسه بالأرش) وإن زاد
على رقبته في قول، لأنه كالحر في المعاملات وخصوصا هنا، وإلا لم يكن لأخذ
المولى منه الفداء معنى (أو بالأقل) منه ومن رقبته (على الأقوى) لعموم لا
يجنى الجاني على أكثر من نفسه (فإن كان ما في يده يفي بالحقين) الفداء
والكتابة (انعتق بالأداء وإن قصر دفع الأرش أولا) لما تقدم من تقدم حق
الجناية على حق الملك.
(فإن عجز) عن أداء مال الكتابة (كان للمولى استرقاقه وإن لم يكن)
له (مال فإن فسخ المولى) الكتابة لعجزه (سقط الأرش، لأنه عبده) القن
(حينئذ ولا يثبت له مال عليه، ويسقط مال الكتابة بالفسخ، ولو أعتقه
مولاه سقط مال الكتابة دون الأرش على إشكال) من تعلقه بالرقبة وقد
اتلفها على نفسه، ومن أنه دين ثبت له عليه فيستصحب.

507
(ولو كان ما في يده يفي بأحدهما فاختار السيد قبض مال الكتابة
صح) لأن تقدم الأرش كان لحقه وقد أسقطه (وعتق ولزمه الأرش أو
الأقل) منه ومن الرقبة (على الخلاف) لكونه حين تعلق الأرش به مملوكا
(قطعا) لثبوته عليه من غير إتلاف له؛ لتعلقه كالأجنبي إذا لم يأخذ الأرش حتى
عتق، فإن العتق سبب من جهته، بخلاف ما لو أعتقه المولى مجانا.
(وإن كانت) الجناية (على أجنبي عمدا فإن) كانت طرفا و (عفى)
على مال أولا عليه (فالكتابة باقية، وإن كانت نفسا واقتص الوارث فهو كما
لو مات، وإن كانت خطأ فله فك نفسه) وإن نافى الاكتساب، لأنه لمصلحته
(قبل) أداء مال (الكتابة) للتقدم (سواء حل النجم أو لا بالأقل أو
الأرش على الخلاف، فإن قصر ما في يده عن الفك باع الحاكم منه ما بقي
من الفك ويبقى المتخلف منه مكاتبا، فإن) عجز و (فسخ المولى صار
عبدا مشتركا بينه وبين المشتري، وإن صبر فأدى عتق) نصيبه (بالكتابة،
فإن كان العبد موسرا قوم حصة الشريك عليه بمعنى الاستسعاء واخذ مما
في يده بقدر قيمة) نصيب (المشتري وعتق) كله وهل يجبر عليه هو أو
الشريك على القبول؟ وجهان.
(وإن لم يكن في يده مال) أو لم يؤده ولم نوجبه عليه (بقي حصة
المشتري على الرقية، ولو لم يكن في يده شيء أصلا ولم يف بالجناية إلا
قيمته أجمع بيع كله وبطلت الكتابة إلا أن يفديه السيد فتبقى الكتابة
بحالها، ولو) كان بيده مالا يفي إلا بأحدهما و (أدى إلى السيد أو لا فإن كان
الحاكم قد حجر عليه لسؤال ولي الجناية لم يصح الدفع وإلا صح وعتق)
لأن تعيين الدين إلى المديون وإن ترتبت الديون، فإن دفع المتأخر رتبة صح وإن
فرط في دفع المتقدم. (ويكون الأرش في ذمته فيضمن ما كان عليه قبل
العتق وهو أقل الأمرين أو الأرش على الخلاف، وإن أعتقه السيد كان
عليه فداؤه بذلك) أي الأرش أو الأقل (لأنه أتلف محل الاستحقاق)

508
وهو الرقبة (كما لو قتله، فإن عجز ففسخ السيد فداه بذلك أو دفعه)
إلى ولي الجناية.
(ولو جنى على جماعة فلهم القصاص في العمد والأرش في الخطأ،
فإن كان ما في يده يفي بالجميع فله الفك، وإن لم يكن معه مال تساووا
في) الاستيفاء من (قيمته) ولكن (بالحصص، ويستوي الأول والآخر
في) استحقاق (الاستيفاء) للتساوي في التعلق بالرقبة وإن ترتبا.
(وكذا لو حصل بعضها) أي الجنايات (بعد التعجيز) والبعض قبله
استويا في الاستيفاء، وإذا استوفوا من القيمة انفسخت الكتابة في الكل إن لم يف
بحقوقهم إلا قيمته أجمع، وإلا بقي عليها ما يزيد على حقوقهم (ولو كان بعضها
يوجب القصاص) ولم يكن في يده مال (استوفي وبطل حق الآخرين ولو
عفى) ولي القصاص (على مال شارك) الآخرين (ولو أبرأه البعض
استوفى الباقون) من قيمته أو ما في يده.
(ولو جنى عبد المكاتب خطأ فللمكاتب فكه بالأقل، ولو أوجبنا)
أن يكون (الفك) إذا فكه المولى (بالأرش) مطلقا (وزاد هنا لم يكن له
ذلك إلا بإذن مولاه) لأنه تبرع (فإن ملك المكاتب أباه فقتل عبدا
للمكاتب لم يكن له الاقتصاص منه كما لا يقتص منه في قتل الولد) بل
أولى.
(ولو جنى) أبوه (على غيره فهل له فكه بالأقل؟ يبنى على جواز
شرائه ابتداء) لأنه بمنزلة الشراء.
(ولو جنى بعض عبيده) أي المكاتب (على بعض فله القصاص إن
أوجبته الجناية) وإن لم يستأذن المولى (حسما للجرأة) ففيه مصلحة لحفظ
ماله (وليس له العفو) عنه (على مال، وكذا إن كانت الجناية خطأ لم
يثبت لها حكم، إذ لا يجب للسيد على عبده مال)
(ولو كانت الجناية عليه فإن كانت خطأ فهدر) لذلك (وإن كانت

509
عمدا فله القصاص) لأنه الأصل، ولا دليل على وجوب العفو عليه وإن تسبب
ذلك لإتلاف ماله فإنه بسبب من الجاني، ولأن غاية الأمر أن يكون الجاني عبدا
للمولى، وسيأتي احتمال أن له الاقتصاص وإن منع المولى، فهنا أولى. وفيه وجه
بالمنع إلا بإذن السيد، لأنه من التصرفات المنافية للاكتساب (إلا أن يكون
أباه).
(ولو جنى المكاتب عليه) أي على عبده (لم يقتص منه، لأن السيد لا
يقتص منه لعبده وإن كان) المجني عليه (أبا) للمكاتب (مع احتمال
القصاص) إن كان أباه كما في المبسوط (لأن حكم الأب معه حكم
الأحرار) ولذا لا يجوز له بيعه ونحوه من التمليكات وأن الابن يصير في حكم
الأحرار بكتابة الأب فكذا الأب (ولا قصاص لمملوك على مالكه في غيره
إجماعا).
(ولو جنى ابن المكاتب) على أجنبي (لا) يجوز له أن (يفديه) بدون
إذن المولى (إن منعنا شراءه) ابتداء.
(ولو جنى ابنه) المملوك له (على عبده لم يكن له بيعه) لأنه لا يثبت
له على ماله مال، لكن له أن يقتص منه كما في المبسوط لاشتراكهما في الرق، إلا
أن يكون المكاتب تحرر منه شيء فإنه يتحرر مثله من ابنه.
(ولو جنى) المكاتب (على عبد مولاه فللمولى القصاص) إلا أن
يكون تحرر منه شيء (أو الأرش) لثبوت المال على المكاتب لسيده، وكذا إن
جنى عبده على عبد السيد.
(وأما الجناية عليه) أي المكاتب (فإن كانت من حر فلا قصاص وإن
كانت عمدا ويثبت الأرش وإن كان الجاني المولى) وكان (للمكاتب)
لأنه من كسبه (لا للسيد).
(ولو كانت نفسا بطلت الكتابة وعلى الجاني) إن كان غير المولى
(قيمته لسيده) إن كان مشروطا أو مطلقا لم يؤد شيئا، وإلا فبالنسبة.

510
(ولو كان جرحا فأدى وعتق ثم سرى) الجرح لم يقتص منه اعتبارا
بحال الجناية (وجبت الدية) دية الحر (لأن اعتبار الضمان بحالة
الاستقرار) وهي هنا حال الحرية (ويكون للورثة) كان الجاني مولاه أو
غيره، بخلاف ما إذا جرح عبده القن ثم أعتقه فسرى، إذ لا ضمان هنا ابتداء.
(ولو كان الجاني عبدا أو مكاتبا) غير زائد عليه في الحرية (فله
القصاص في العمد، وليس للمولى منعه منه) ولا إجباره على العفو على مال،
كما لا اعتراض للغرماء على المفلس في الاقتصاص، ولا للورثة على المريض.
(وإن عفا على مال ثبت له، وإن عفا مطلقا فالأقرب الجواز، لأن
موجب العمد) في الأصل (القصاص، وليس للسيد مطالبته باشتراط مال،
لأنه تكسب، وليس للسيد إجباره عليه) ويحتمل المنع ضعيفا، لأنه ربما
عجز فيعود رقا لمولاه ناقصا بلا جابر، ولأنه ليس له التصرف بدون اكتساب، ولا
اكتساب في العفو مجانا. وضعفهما من الظهور بمكان لا سيما الأخير، وإذا جاز
العفو مجانا فعلى أقل من الأرش أولى، وعلى عدم الجواز إن عتق قبل الأخذ كان
له الأخذ؛ لزوال المانع.
(أما لو جنى عليه عبد المولى فأراد الاقتصاص كان للمولى منعه)
كما في المبسوط (على إشكال) من أنه تصرف ليس باكتساب فلا ينقطع عنه
سلطنة المولى، ومن عموم أدلة القصاص.
(ولو كان خطأ لم يكن للمولى منعه من الأرش) قطعا، لأنه اكتساب
(ولو أبرأ الجاني) الأجنبي (من الأرش في الخطأ توقف على إذن
المولى) لمنافاته الاكتساب، وكذا إذا عفا في العمد على مال ثم أراد الإبراء.
(وإذا قتل المكاتب) ابتداء أو قصاصا (فهو كما لو مات. هذا)
الإطلاق فيما تقدم من المسائل (حكم المشروط، وأما المطلق فإذا أدى من
مكاتبته شيئا تحرر منه بحسابه، فإن جنى حينئذ على حر أو مكاتب مثله)
بل من انعتق منه مثل ما انعتق منه وإن لم يكن بالكتابة (أو من انعتق منه أكثر)

511
مما انعتق منه (اقتص منه في العمد) إلا أن يعفى عنه على مال أو لا عليه.
(وإن جنى على مملوك أو من انعتق) منه (أقل منه فلا قصاص بل
عليه) في ذمته (من أرش الجناية بقدر ما فيه من الحرية، ويتعلق) منه
(برقبته بقدر الرقية).
(ولو كانت خطأ تعلق بالعاقلة) وهو الإمام إلا أن يشترط المولى ولاءه
(نصيب الحرية وبالرقبة نصيب الرقية، وللمولى) ولنفسه (أن يفدي
نصيب الرقية بحصتها من الأرش).
وحكم الخطأ ما ذكر (سواء كانت الجناية على عبد أو حر) خلافا
لبعض العامة فجعل دية الجناية على العبد في ذمة الجاني وإن كانت خطأ.
(ولو جنى عليه حر) أو أزيد حرية (فلا قصاص وعليه الأرش) وهو
هنا مؤلف من بعض دية هذه الجناية على الحر وبعض أرشها على العبد بحصص ما
فيه من الرق والحرية.
(ولو كان) الجاني (رقا أو أقل حرية أو مساويا اقتص منه في
العمد).
(المطلب الخامس في الوصايا)
(لا تصح الوصية لمكاتب الغير، إلا أن يكون مطلقا انعتق بعضه
فتصح بنسبة ما عتق منه ويبطل في الباقي) لما تقدم من بطلانها لمملوك الغير
وخصوص ما مر من صحيح محمد بن قيس عن الباقر (عليه السلام) (1).
(ولو قصر الثلث عن المعين) في الوصية أي الموصى به (ففي توزيع)
كل المعين أو (الثلث) على الحرية والرقية (إشكال) من أن الوصية إنما تصح
بنصيب الحرية، وإنما يبطل فيما زاد على الثلث، فلا وجه لإبطالها في الثلث إذا
وافق نصيب الحرية أو نقص عنه، ولا لإبطال أزيد مما زاد عليه من الزائد على
الثلث. ومن إطلاق الحكم ببطلان الوصية في الزائد على الثلث، فالوصية



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 101 ب 20 من أبواب المكاتبة ح 2.
512
الصحيحة إنما هي في الثلث، وإنما يوزع الوصية الصحيحة، و (أقربه ذلك).
(والفرق بين الوصية) حيث لا يجوز إلا بنصيب الحرية (والبيع) حيث
يجوز مطلقا وإن لم يتحرر منه شيء مع اشتراكهما في التمليك، وأن قبولهما
بكسب، وانقطاع سلطنة المولى عنه في الكسب واستبداده به (أنه قد يعجز أو
يموت رقا فيتمحض الوصية لمملوك الغير) مع نفيها عنه في النص والفتوى
وإن أذن المولى (وفي الشراء) إن عجز أو مات رقا (يكون للمولى، لأنه
بالكتابة أذن له) فيه، ولا خلاف في صحة المعاملة مع المملوك المأذون.
والحاصل الفرق بالنص والإجماع على بطلان الوصية للمملوك وإن أذن
المولى، وصحة البيع منه إذا أذن المولى.
وقيل بصحة الوصية له مطلقا لأنه يكسب، وله التكسب بما شاء، وقد مر
الاستشكال فيه من المصنف في الوصايا. وللشيخ قول بصحة الوصية لمكاتب
ورثة الموصي.
(ولو أوصى لمكاتبه صح وإن كان مشروطا) لصحة الوصية لمملوكه
(وتقاص الورثة) عن الموصى به له (بمال الكتابة) قهرا أو اختيارا.
(ولو أعتقه في مرضه أو أبرأه من مال الكتابة) عتق وإن زاد (وبرئ
لزم) العتق (وإلا خرج من الثلث، فإن كان الثلث بقدر الأكثر من قيمته
ومال الكتابة عتق، وإن زاد) عليه (أحدهما اعتبر الأقل) منهما (فإن
خرج من الثلث عتق والغي الأكثر) لأنه إن كان القيمة فقد عوضها في الصحة
بمال الكتابة، وإن كان مال الكتابة فلم يستقر ملكه عليه ليعتبر الإبراء منه من
الثلث لكونه في معرض السقوط بالعجز، وخصوصا إذا لم يلزم وكان له أن يعجز
نفسه متى شاء.
(وإن قصر الثلث عن الأقل عتق منه ما يحتمله الثلث وبطلت)
الحرية أو الوصية (في الزائد) لكون منجزات المريض بمنزلة الوصايا
(ويسعى في باقي الكتابة لا في باقي القيمة) فإن بطلان العتق أو الإبراء
في الزائد يستلزم بقاء الكتابة في الباقي.

513
(فإن عجز عن باقي الكتابة لا عن قيمة الباقي احتمل) أن يكون له
(السعي فيها) أي القيمة، وينعتق بأدائها وإن لم يفسخ الكتابة (إذ لا ينحط
عن مرتبة الرقيق) القن الذي أعتق فقصر الثلث عن قيمته. ويحتمل أن لا يكون
له ذلك إلا بعد فسخ الكتابة، لأنه ما كان مكاتبا لا ينعتق إلا بأداء مال الكتابة.
(و) على الأول (يقوم قيمة عبد عتق نصفه - مثلا - ونصفه مكاتب إن
لم يفسخ) الكتابة (فيسعى) في النصف الباقي (سعي المكاتب) لبقاء
الكتابة فله التصرف الكامل فيما يتعلق بالاكتساب في كل وقت.
(وإن فسخ) الوارث الكتابة لعجزه (يقوم) قيمة عبد عتق نصفه مثلا و
(نصفه رق فيسعى سعي العبد، فإن عجز) عن السعي (استرق الورثة بقدر
الباقي عليه).
(هذا) الذي ذكر من اعتبار أقل الأمرين (لو أعتقه) ظاهر (ولو أبرأه
احتمل ذلك أيضا لمساواة الإبراء العتق) في المعنى (و) احتمل
(البطلان) وعدم إفادته انعتاق شيء منه (مع القصور) للثلث عن مال الكتابة
(والعجز) عن الزائد منه عليه (لبقاء شيء من مال الكتابة) عليه حينئذ
(لأنه) أي هذا الإبراء (كالإبراء من البعض) وهو لا يفيد شيئا من العتق فإنه
رق ما بقي عليه درهم، هذا في المشروط (ولا فرق بين الإبراء والعتق في
المطلق) من غير إشكال لإفادة إبراء البعض منه العتق بحسبه.
(ولو أوصى بعتقه ثم مات ولا شيء غيره عتق ثلثه معجلا، ولا ينتظر
الحلول) خلافا لبعض العامة قالوا: لأنه لا ينفذ ما لم يملك الوارث ضعف
الموصى به، فما لم يحل النجوم ولم يملك مال الكتابة الذي هو ضعف المنعتق لم
تنفذ الوصية في عتق الثلث. والجواب: أنه حصل لهم الضعف، لكنه متردد بين مال
الكتابة وبقية الرقية، وإنما يتوقف على الحلول التعين (ويبقى ثلثاه مكاتبا
يتحرر عند الأداء، ولا يصح الوصية برقبته وإن كان مشروطا كما لا يصح
بيعه) وغيره من الناقلات للملك للزوم الكتابة من جهته.

514
(ولو أوصى به لمن ينعتق عليه أو باعه عليه) أي منه، ولما كان البيع
منه سببا للانعتاق عليه عداه ب‍ " على " (ففي الجواز إشكال) من أنه بمنزلة
تعجيل العتق، ومن أنه لا ينعتق ما لم ينتقل إليه، ولا يجوز النقل، وتعجيل العتق
إنما يجوز بالإعتاق.
(ولو) أوصى برقبته و (أضاف الوصية إلى عوده في الرق جاز كما لو
قال: أوصيت لك به مع عجزه وفسخ كتابته) فإذا عجز وفسخ المولى أو
وارثه انتقل إلى الموصى له، وإن عجز لم يكن للموصى له الفسخ بنفسه أو بالحاكم
لما سيأتي، وهنا أولى؛ للتعليق بالفسخ، وعدم الاقتصار على العجز.
(ويجوز الوصية بمال الكتابة) وإن لم يستقر ملكه عليه كما يجوز
بالحمل، وهل للموصى له الإبراء؟ وجهان، من أن الحق له، ومن أنه إنما جعل له
الاستيفاء دون تفويت الرقبة على الوارث.
(و) يجوز (جمعهما) أي الرقبة ومال الكتابة (لواحد أو اثنين) بأن
يقول: إذا أدى المال فهو له وإلا فالرقبة له أو لفلان (ولا حكم) عندنا
(للمكاتبة الفاسدة، بل تقع لاغية) خلافا لبعض العامة حيث قالوا: إنها
تشتمل على عقد وصفة، فإذا فسد العقد كانت الصفة بحالها، فإذا أدى انعتق وله
الاستقلال بالكسب، لكن للمولى الإبطال متى شاء؛ لعدم اللزوم.
وعلى المختار (فلو أوصى برقبته صح) خلافا لبعض العامة استنادا إلى
أنه وإن فسدت الكتابة لكنه اعتقد صحتها فكانت وصيته بالمحال بزعمه.
(ولو أوصى بما في ذمته لم يصح) لعدم ثبوت شيء في ذمته.
(ويصح) الوصية (بالمقبوض منه) لأنه ملكه، سواء قبض ثم أوصى به
له أو قال: أوصيت لك بما أقبضه منه وإن قال بما أقبضه من مال الكتابة.
(ولو أوصى بمال الكتابة الصحيحة خرج من الثلث، وللوارث
تعجيزه وإن أنظره الموصى له) لأن الإنظار والتعجيز إلى الوارث، ولا دليل
على خلافه، وسيأتي احتمال التفويض إلى الموصى له.

515
(ولو أوصى برقبته فللموصى له تعجيزه عند العجز وإن أنظره
الوارث) لأن التعجيز والإنظار إنما هما في الأصل إلى المولى، وإنما ينتقلان إلى
الوارث لانتقال الرقبة إليه، وقد انتقلت هنا إلى الموصى له، ويظهر من الإطلاق أن
له التعجيز وإن لم يرفع إلى الحاكم، وقيل: يرفع.
والأقوى أنه ليس له التعجيز، فإن الوصية معلقة بالعود إلى الرق، ولا دليل
على العود ما لم يفسخ الوارث، وإن أراد التعليق على مجرد العجز فلا دليل على
صحته فإنه لا يعود رقا بمجرده، ولا اختيار للمولى في نقله أو الحكم بعوده إلى
الرق متى عجز بعد موته.
(ولو قال: " ضعوا عن المكاتب ما شاء " فشاء الكل فالأقرب الجواز
لتناول اللفظ) له خلافا للمبسوط استنادا إلى أن المتبادر منه البعض وأنه لو كان
أراد الكل لقال: ضعوا عنه مال الكتابة وهو ممنوع، أو إلى أن الموصول لابد له من
عائد، فالتقدير ما شاءه أو ما شاء من مكاتبته، وعلى الثاني يكون من المسألة
الآتية، واحتماله يكفي لوجوب الأخذ بالأقل. وفساده ظاهر، فإن ضمير من
مكاتبته ليس من العائد في شيء، فتقدير العائد إنما هو بتقدير شاءه، ولا حاجة
إلى تقدير من مكاتبته، إلا أنه مراد بمعنى التبيين لا التبعيض.
(أما لو قال: " ضعوا عنه ما شاء من مال الكتابة " فشاء الجميع لم
يصح) وفاقا للمبسوط (لأن من) وإن احتملت أن تكون (للتبعيض)
وللتبيين لكن تقصر على اليقين مع ظهور التبعيض، ويمكن الفرق بين ما إذا شاء
الجميع دفعة أو دفعات فصح في الثاني؛ لصدق البعض على كل ما شاء في كل
دفعة، ويدفعه الاقتصار على اليقين، لاحتمال أن يريد الوضع إذا كان جميع ما شاء
وضعه بعضا منه (ولو) شاء الوضع و (أبقى شيئا صح وإن قل) وإن لم
يتمول.
(ولو أوصى له بأكثر) بالمثلثة (ما بقي عليه) أكثر من نجم وتفاوت
احتمل وضع الأكثر قدرا، وإلا (فهو وصية بالنصف) مما عليه (وأدنى زيادة)

516
وعلى الأول يقصر على اليقين، وهو الأقل، فقد يكون النصف، وأدنى زيادة أقل
من الأكثر قدرا من النجوم الباقية، وقد ينعكس الأمر (و) لما لم يعين الزيادة
كان (تعيينها إلى الورثة) ولا يشترط التمول إلا منضمة إلى النصف، إذ لم يوص
بها ابتداء، ولو كان الأكبر بالموحدة وتعدد ما عليه من النجوم تعين الأكثر قدرا.
(ولو قال: " ضعوا الأكثر ومثله " فهو وصية بما عليه) وزيادة إذا تعين
الأكثر لنصف ما عليه، وذلك إذا كان بالمثلثة واتحد النجم أو كان النصف أقل (و)
لكن (يبطل في الزائد لعدم محله).
(ولو قال: أكثر ما عليه ومثل نصفه) احتمل عود الضمير إلى ما عليه
فذلك وصية بجميع ما عليه وزيادة، وإلى الأكثر (فذلك ثلاثة أرباع) ما عليه
(وأدنى زيادة) فلنقصر عليه، لأنه اليقين.
(ولو قال: ضعوا أي نجم شاء وضعوا ما يختاره) كلا إن وفى الثلث
وإلا فما يفي به منه (ولو قال: ضعوا نجما تخير الوارث) في التعيين.
(ولو قال: ضعوا أكبر نجومه) بالموحدة (وضعوا عنه أكثرها) قدرا
إن تعدد ما عليه مع التفاوت، وإلا فإن كان كل نجم بقي عليه أكثر قدرا من كل مما
أداه من النجوم أو من بعضها مع مساواة غيره له ينزل عليه ووضع عنه النجم الباقي
أو أحد ما بقي عليه إن تعدد وإلا بطل؛ لانتفاء المحل.
(ولو قال: ضعوا أكثر نجومه) بالمثلثة (احتمل الزائد على النصف
منها) أي من النجوم الباقية أو الجميع قدرا أو عددا، وسواء كان الزائد قدرا نجما
أو نجوما أو نجما وبعض نجم، ولكن يقصر على الأقل فلا عبرة إلا بالنجوم الباقية
(و) احتمل نجم (واحد) يكون (أكثرها قدرا) ولكن إذا احتمل الأمران
اقتصر على الأقل، والاحتمال إنما يكون مع اختلاف أقدار النجوم.
(ولو تساوت قدرا صرف إلى الأول) قطعا.
(ولو قال: ضعوا أوسط نجومه) احتمل الأوسط عددا وقدرا وأجلا،
وإنما يحمل على ما تحقق من المحتملات (و) إن (كان فيها أوسط واحد)

517
بأحد المعاني أو بكلها أو اثنين منها (تعين مثل أن يتساوى قدرا وأجلا
وعددها مفرد كالثلاثة) أنجم (والخمسة والسبعة، فالثاني) في الأول
(والثالث) في الثاني (والرابع) في الثالث (أوساط).
(ولو كانت) نجوم المكاتبين الموصى لهم (أزواجا) ولذا جمع الأزواج
واتفقت الآجال (واختلف المقدار) بحيث يتحقق الوسط باعتباره (كالمائة
والمائتين والثلاثمائة فالمائتان وسط).
(ولو) كانت زوجا و (تساوى القدر واختلف الأجل مثل أن يكون
اثنان كل واحد) منهما (إلى شهر وواحد إلى شهرين وواحد إلى ثلاثة
أشهر تعين ما هو إلى شهرين، ولو اتفقت) المعاني (الثلاثة في واحد)
كان أولى بأن يكون قد (تعين، ولو كان لها وسط قدرا و) آخر (أجلا و)
وآخر (عددا) وهو معاني (مختلفة فيه) والوسط قدرا وأجلا بمعنى اشتمال
النجوم على أموال أو آجال مختلفة الأقدار بحيث يكون منها مال أو أجل أقل من
بعض وأكثر من بعض والوسط عددا هو المحفوف بمتساويين كثاني ثلاثة
(فالاختيار إلى الورثة في التعيين) لإجمال اللفظ، واحتماله الكل، وفيه قول
بالقرعة.
(ولو ادعى المكاتب إرادة شيء منها) ولم يكن له بينة (حلف الورثة
على نفي العلم) إن ادعى عليهم العلم (وعينوا ما أرادوا، ومتى كان العدد)
للنجوم (وترا فأوسطه واحد) لأنه المتيقن، وإن احتمل الأكثر كالثلاثة في
خمسة والخمسة في سبعة وهكذا.
(وإن كانت شفعا كأربعة أو ستة فأوسطه اثنان) فإنهما معا هما
المحفوفان بمتساويين فيحمل الوصية عليهما معا لا على أحدهما، وإن كانت
الأقدار أو الآجال المختلفة شفعا فالأوسط اثنان فصاعدا لكن على البدل، بمعنى
صدق معنى الأواسط على كل منهما أو منها. فلو كانت النجوم أربعة - مثلا - أحدها
بدينار وآخر بدينارين وآخر بثلاثة وآخر بأربعة صدق على كل من الدينارين

518
والثلاثة أنه أوسط، لأنه أكثر مما قبله وأقل مما بعده فللوارث الخيار في التعيين.
وقيل: يتعين الثالث؛ لأنه أوسط حقيقة، لأنه أكثر مما دونه مطلقا وأقل مما
فوقه مطلقا، وتوسط الثاني إضافي بالنسبة إلى الأول والثالث خاصة ولا أفهمه،
وإن اتحد الوسط باعتبار وتعدد بآخر تعين الواحد، لأنه الحقيقة، ولا يظهر وجهه.
(ويصح تدبير المكاتب) كما تقدم (فإن عجز) في حياة المولى
(وفسخت الكتابة بقي التدبير، وإن أدى عتق وبطل التدبير، وإن مات
السيد قبل أدائه وعجزه عتق بالتدبير إن حمله الثلث، وإن لم يخرج من
الثلث عتق منه بقدر الثلث وسقط) عنه (من الكتابة بقدر ما عتق منه، وما
في يده له) عتق كله أو بعضه، كما إذا عجل عتقه، لأنه من كسبه المحكوم بكونه
له، إلا أن لا ينعتق كله ويعجز عن أداء كتابة الباقي فيتخصص بنصيبي الرق
والحرية. واحتمل أن لا يكون له إذا عتق كله؛ لمنع كونه له حين كوتب، وإنما
يكون له التصرف فيه بالاكتساب، ولذا لم يجز له التصرف بمنافي الاكتساب.
(ولو أوصى بعتقه عند العجز فادعاه قبل حلول النجم لم يعتق، لأنه
لم يجب عليه شيء حتى يعجز عنه) ولما مر من تفسير العجز. نعم إن علم منه
العجز عادة عتق على ما مر من أنه يكفي في التعجيز.
(فإن حل) وادعى العجز (حلف إن لم يعلم في يده مال إن ادعوه)
الورثة، وإن علم في يده مال لم يسمع دعواه.
(وإذا عتق كان ما في يده له إن لم يكن كتابته فسخت لأن) كسبه له
ما دام مكاتبا كما عرفت و (العجز لا يفسخ الكتابة بل يستحق به) العتق، فهو
قبل العجز مكاتب وبعده معتق (وللورثة عتق المكاتب من غير وصية
كمورثهم) لانتقال رقبته إليهم (و) إذا أعتقوه كان (ولاؤه لهم) وإن شرطه
المورث لنفسه فإنه مشروط بعتقه بالكتابة.
(ولو أعتقه الموصى له بمال الكتابة لم ينعتق) إذ لا عتق إلا في ملك
والرقبة ليست من ملكه في شيء.

519
(ولو أبرأه من المال عتق) لأنه كالأداء.
(ولو عجز فاسترقه الوارث كان ما قبضه الموصى له من المال له)
لكونه من مال الكتابة (والتعجيز إلى الورثة، لأن الحق يثبت لهم بتعجيزهم
ويصير عبدا لهم، ويحتمل) أن يكون إلى (الموصى له لتسلطه على العتق
بالإبراء) فالحق غير مقصور عليهم (ولأنه) أي المال (حق له) والتعجيز
إنما هو عنه (فله الصبر به).
(ولو أوصى بالمال للمساكين ونصب قيما لقبضه فسلمه إليه) أي
القيم (عتق، وإن سلمه إلى المساكين أو إلى الورثة لم يعتق ولم يبرأ) وإن
دفعه الورثة إلى المساكين (لأن التعيين إلى الوصي) فإذا أدى إلى غيره كان
كمن أدى في حياة المولى إلى غيره وغير وكيله (وإن أوصى بدفع المال إلى
غرمائه تعين القضاء منه) أي المال.
(أما لو كان قد أوصى بقضاء ديونه مطلقا) لا مقيدا بالكون من المال
(كان على المكاتب أن يجمع بين الورثة والقيم بالقضاء ويدفعه إليهم) أي
الورثة (بحضرته) أي القيم (لأن المال للورثة) وخصوصا إذا لم يستوعب
الدين التركة (ولهم التخيير في جهات القضاء) فلابد من الدفع إليهم (وللقيم
بالقضاء حق فيه) أي المال أو القضاء (لأن له منعهم من التصرف في التركة
قبل القضاء) فلزم أن يدفع بحضرته.
(المطلب السادس في حكم الولد)
(لا يدخل الحمل في كتابة امه) للأصل، خلافا للقاضي فأدخله ولم يجز
استثناءه.
(ولو حملت بمملوك بعد الكتابة فحكمه حكمها يعتق بعتقها
مشروطة كانت أو مطلقة) بالاتفاق كما في الخلاف والمبسوط وللأخبار (1)



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 67 ب 69 من أبواب حكم من أعتق أمة حبلى.
520
ولأنه من كسبها فيتبعها كسائر مكاسبها، ولأن الأولاد يتبعون الأبوين في الحرية
والرق.
(ولو انعتق من المطلقة بعضها انعتق من الولد بقدره، ولا يكون) الولد
(مكاتبا) بكتابة الأم أو الأب اتفاقا (وإن انعتق بعتقها لأن الكتابة عقد
معاوضة) فلا يقع إلا إذا وقع العقد بين المتعاوضين، ولم يقع هنا بينه وبين
المولى.
(ولو تزوجت بحر كان أولادها أحرارا) إلا مع الشرط على قول، وعند
أبي علي إذا شرط الحرية كما تقدم.
(ولو حملت من مولاها) كان الولد حرا قطعا و (تحررت من نصيب
ولدها لو بقي عليها شيء من مال الكتابة بعد موت المولى) وفى النصيب به
كما مر (فإن عجز) عنه النصيب (سعت في الباقي).
(ولو لم يكن ولد) بعد موت المولى (فالكتابة بحالها وللمولى عتق
ولد المكاتبة) إذا كان رقا، لأنه ماله، ولأنه لا يزيد حاله على حال امه، فكما
يجوز له عتقها يجوز عتقه، ولابتناء العتق على التغليب.
(وفيه إشكال ينشأ) من ذلك و (من) أداء عتقه إلى (منعها من
الاستعانة بكسبه عند الإشراف على العجز) وإذا لم يعتقه كان لها الاستعانة
بكسبه كما سيأتي، ففيه إضرار بها، وهو خيرة المبسوط لكن في الاستعانة نظر.
وفي التحرير الأقوى النفوذ على التقديرين.
(وإذا أتت بولد من زنا أو مملوك فهو موقوف على ما بيناه) فإن
عتقت الأم عتق وإلا رق، وللعامة قول بأنه كولد القن (فإن قتل فعلى قاتله
قيمته) لأنه مملوك، ويكون (لامه تستعين به) على الأداء كما في المبسوط
لما مر من أنه من كسبها. ويحتمل أن يكون للمولى، لأنه ملكه. وحكى في
المبسوط أحد قولين للعامة، واستدل له بأن الأم لو قتلت كانت قيمتها للمولى فكذا
ولدها، ورده بأن المولى إنما يملك حقه في ذمتها ولا يتجاوزها.

521
(وأما كسبه وأرش جنايته فإنه موقوف، فإن عتق فله، وإن رق
فلسيده) وللعامة قول بأنه لسيده، وآخر بأنه لامه.
(ولو أشرفت امه على العجز وهم المولى بالفسخ كان لها الاستعانة
به) أي بكسبه والأرش كما في المبسوط، بل بنفسه على قول، لأن الكل من
كسبها، ولأن فيه نظرا للكل، فإنهما يعتقان حينئذ ويملكان الفاضل، وظاهر
المبسوط الاتفاق على الاستعانة، فإن صح وإلا ففيها نظر كما في التحرير لمنع
الكون من كسبها.
(و) على الأول (لو مات الولد قبل عتق امه واسترقاقها فماله لامه)
وعلى الآخر ماله للسيد (ونفقته من كسبه) على ما قلناه من وقف الكسب إلى
أن تعتق الأم أو تسترق، ومن قال: إنه للسيد أوجب عليه النفقة (فإن قصر)
الكسب عن نفقته (فالكمال على المولى، لأنه لو رق كان) الكسب (له،
وفيه نظر) من ذلك، ومن كون الكسب للأم فعليها الكمال، كما قال به بعض العامة
ومن أنه في حكم الحر، ولذا لا يملك السيد أخذ كسبه، فالكمال من بيت المال كما
قال به بعضهم.
(ولو كان الولد أنثى فليس للمولى وطؤها) لنقص الملك بتبعيتها للأم،
ومن جعلها من العامة قنا للسيد أجاز له وطءها (فإن وطئ) لم يحد
(للشبهة) بالملك، فإن اشتبه عليها (فعليه المهر) قطعا، وكذا إن لم يشتبه، لأن
المهر (لامه) أي الولد، وإن قلنا: إنه له لم يكن عليه مهر إذا لم يشتبه عليها، وكذا
على قول بعض العامة من أن كسب الولد للسيد، وعلى القول بالوقف يقف، فإن
عتقت استحقت المهر وإلا فلا.
(فإن حملت صارت ام ولد) للملك (فإن أعتقت الأم عتقت، وإلا
جعلت من نصيب ولدها عند موت مولاها) فإن عجز سعت في الباقي.
(ولو أتت) المكاتبة (بولد وادعت تأخره عن الكتابة قدم قول السيد
مع اليمين) لاستصحاب الرق، وفي المبسوط لأن الأصل أن لا عقد حتى يعلم.

522
(ولو اختلف السيد والمكاتب في ولده فقال كل منهما: إنه ملكه بأن
تزوج المكاتب أمة سيده ثم اشتراها فيزول النكاح) كما مر (فما يأتي
به) من الولد (حين الزوجية للسيد، و) ما يأتي به (بعدها له) كما مر
(فيقدم هنا قول المكاتب لثبوت يده عليه) فالأصل معه.
(و) الفرق بينه وبين المكاتبة مع اشتراكهما في دعوى تأخر الولادة
واستصحاب الرق في الولد أن (المكاتبة وإن كانت يدها على الولد إلا أنها
لا تدعي الملك) فإنها لا تملكه (بل الإيقاف، واليد تقضي بالملك لا
بالإيقاف) بل لا يقال: إن لها اليد عليه.
(ولو استولد المكاتب جاريته فولده كهيئته يعتق بعتقه ويرق) للسيد
(برقه) وقبلهما فهو رق للمكاتب موقوف (وللمولى عتقه على إشكال) مما
مر في عتق ولد المكاتبة، والحق أنه لا إشكال هنا في عدم النفوذ؛ لما عرفت من
أنه رق للمكاتب، وليس للمولى التصرف في ماله بغير الاستيفاء (والجارية ام
ولد للمكاتب ليس له بيعها) ما دام ولدها حيا، نعم إن عجز رقت للمولى.
(مسائل) أربع:
(الأولى: المشروط رق) ما بقي عليه شيء (وفطرته على مولاه) إن
لم يتبع النفقة، وقد مر (بخلاف المطلق) فإنه ينعتق بحسب ما يؤدي وفطرته
كذلك (و) إذا وجبت على المكاتب كفارة لزمه أن (يكفر بالصوم) وإن
ترتبت الخصال لعجزه عن غيره للحجر عليه. (ولو كفر بالعتق أو الإطعام لم
يجزئه) للنهي عن التصرف بغير الاكتساب. (ولو أذن المولى) في أحدهما
(فالوجه الإجزاء) لأن المنع لحقه، ولا يلزمه بالإذن إن ترتبت الخصال، إذ قد
يتسبب لعجزه، ولم يجزئه ابن إدريس، والشيخ في موضع من المبسوط مدعيا
عليه الإجماع، لأنه كفر بما لم يجب عليه، وفيه أنه يجب عليه تخييرا.
(الثانية: لو ملك المكاتب نصف نفسه) بالأداء أو الإبراء أو غيرهما
(فكسبه بينه وبين المولى) بمعنى أن له التصرف في نصفه بما شاء دون النصف
الآخر.

523
(ولو طلب أحدهما المهاياة لم يجب الإجبار) للآخر عليهما (على
إشكال) من عدم لزومها ابتداء، وكونها قسمة بغير معلوم التساوي. ومن أنها
قسمة أموال لكل من الشريكين التصرف في حقه منها مع دفعها النزاع وعدم
التضرر بها.
(الثالثة: لو أبرأه بعض الورثة من نصيبه من مال الكتابة عتق نصيبه)
من المطلق بلا إشكال، ومن المشروط في وجه؛ لصيرورته بموت المولى مشتركا
بين الورثة، فصارت الكتابة بمنزلة كتابات بعدد الشركاء. وفيه وجه آخر بالعدم؛
لاتحاد الكتابة، فالورثة كلهم بمنزلة المورث (ولم يقوم عليه) نصيب الآخر،
لأن المعتق هو المورث، وإنما الإبراء تنفيذ لعتقه، ولأنه بمنزلة الأداء، وقد مر أن
المطلق إذا أدى شيئا فانعتق منه جزء لم يسر إلى الباقي.
(وكذا لو أعتق نصيبه) نفذ، لأنه ملكه، فكما كان للمورث تعجيل العتق
بعد الكتابة فكذا له ذلك، ولم يقوم عليه (على إشكال) من أنه مباشر للعتق
ابتداء مع عموم ما دل على السراية أنه على المعتق، ومن تنزله منزلة الإبراء الذي
هو تنفيذ لفعل المورث وخروجه عن محوضة الرق بالكتابة مع أصل العدم، وهو
خيرة المبسوط.
(الرابعة: إذا مات المولى فلورثته مال الكتابة بالحصص) على حسب
الإرث (فإن أدى إلى كل ذي حق حقه عتق، ولو أدى إلى البعض كل
حقه) أي حق البعض، بل كل ما عليه من الحقوق، وهو كل مال الكتابة (دون
الباقين لم يعتق منه شيء) إن كان مشروطا على أحد الوجهين المتقدمين، وهو
تنزل جميع الورثة منزلة المورث، وينعتق نصيب الآخذ على ما اختاره من عتق
النصيب بإعتاق صاحبه أو إبرائه.
(ولو كان بعضهم غائبا دفع إلى وكيله، فإن فقد فالحاكم) فإن تعذر
كفى تعيينه له (وينعتق بالأداء) إلى الوكيل أو الحاكم أو التعيين (وكذا) يؤدي
حق (المولى عليه) إلى الولي وينعتق.

524
(المقصد الرابع في الاستيلاد)
(وفيه مطلبان):
(الأول في تحققه)
(وهو يثبت بوطء) المولى (أمته وحبلها منه في ملكه) سواء وضعته
تاما أو ناقصا أو لا كما سيأتي.
(فلو وطئ أمة غيره وولدت مملوكا) بأن زنى بها أو اشترط عليه الرق
وصححناه (ثم ملكها لم تصر ام ولد، سواء كان) الوطء (زنا أو بعقد
صحيح شرط فيه) رق (الولد للمولى، وسواء ملكها حاملا فولدت في
ملكه أو ملكها بعد ولادتها) لأنها إنما تشبثت بالحرية لحرية الولد. خلافا
للخلاف والوسيلة وموضع من المبسوط وبعض العامة فأثبتوا الاستيلاد إذا ملكها
مطلقا، ولبعض العامة فأثبتوه إذا ملكها وهي حامل.
(ولو أولدها حرا بأن يطأ أمة غيره لشبهة ثم ملكها قيل) في
المبسوط والخلاف: (تصير ام ولده) لقضية الاشتقاق مع حرية الولد وانعتاق
نصيبه منها إذا مات المولى، ولكن في خبر ابن مارد عن الصادق (عليه السلام): في رجل
يتزوج الأمة ويولدها ثم يملكها ولم تلد عنده بعد، قال: هي أمته إن شاء باعها ما
لم يتجدد بعد ذلك حمل، وإن شاء أعتق. ويؤيده عموم ما دل على التصرف في
ملك اليمين كيف شاء، وإنما علم خروج من حملت في ملكه.

525
(ولو تزوج أمة غيره فأحبلها ثم ملكها لم تصر ام ولد وإن شرط
الحرية) للولد، بل وإن أطلق على المشهور من الحكم بالحرية مع الإطلاق لما
تقدم. خلافا للشيخ في موضع من المبسوط لما تقدم، وإنما فصل بين الشبهة
والنكاح؛ لانعقاد الولد في الثاني حرا بخلاف الأول، ولذا وجبت عليه قيمته، ولأن
ظاهر المبسوط انتفاء الخلاف في الثاني؛ لقوله: والأم تصير عندنا ام ولد مع نصه
في الظهار على العدم، بخلاف الأول؛ لقوله فيه: وهو الأقوى عندي.
(ولو اشتراها فأتت بولد يمكن تجدده بعد الشراء وقبله قدمت أصالة
عدم الحمل على) أصالة (عدم الاستيلاد) لتغليب الحرية.
(أما لو نفاه فإنه ينتفي الاستيلاد قطعا) وإن علم تأخره.
(وفي افتقار نفى الولد إلى اللعان إشكال) من أنه ولد مملوكته مع ما
عرفت من الحكم بتأخر الحمل، ومن أنه ولد من كانت زوجته، والأصل بقاء الفراش
مع قوة فراش العقد الدائم، ولحوق النسب، وعدم الاكتفاء بالاحتمال في نفيه.
(ولو وطئ جارية ولده الكبير أو الصغير قبل التقويم) على نفسه
(فحملت لم تصر ام ولد وإن قوم على الصغير) وكان صلاحه فيه أو لم يكن
عليه فيه فساد حلت له و (صارت ام ولد، وعليه قيمة الجارية دون المهر)
كما في نحو صحيح أبي الصباح عن الصادق (عليه السلام): في الرجل يكون لبعض ولده
جارية وولده صغار هل يصلح له أن يطأها، فقال: يقومها قيمة عدل ثم يأخذها
ويكون لولده عليه قيمتها (1). (وفي) جارية (الكبير عليه المهر دون القيمة)
لبقائها على ملكه كما قال الكاظم (عليه السلام) في خبر الحسن بن صدقة: وإذا اشتريت
أنت لابنتك جارية أو لابنك وكان الابن صغيرا ولم يطأها حل لك أن تقتضها
فتنكحها، وإلا فلا إلا بإذنها (2).
(ولو زوج أمته ثم وطئها فعل محرما، فإن علقت منه فالولد حر



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 543 ب 40 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 14 ص 544 ب 40 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 5.
526
ويثبت للأمة حكم الاستيلاد) لأنها حملت به في ملكه، وقد يستشكل بتوجه
الحد عليه مع العلم فلا يلحقه النسب.
(ولو ملك امه أو أخته أو بنته من الرضاع انعتقن على الأصح، وقيل:
لا ينعتقن) وقد مر الخلاف. وعلى كل (فلو وطئ إحداهن فعل حراما، و)
على الأول لا (يثبت لهن حكم الاستيلاد) لكونهن أجنبيات، وثبت لهن حكم
الاستيلاد على الثاني مع الجهل، ومع العلم وإن وجب عليه الحد، ولا وطء يجب
به الحد وتصير به الجارية ام ولد غير هذا الوطء.
(وكذا لو ملك وثنية فاستولدها أو ملك الكافر أمة مسلمة فاستولدها
أو وطئ أمته المرهونة) بدون إذن المرتهن فاستولدها (أو رب المال أمة
المضاربة، فإن حكم الاستيلاد ثابت في ذلك كله) للحمل منه في ملكه وإن
طرأت الحرمة، ولا تقر ام الولد المسلمة في يد مولاها الكافر بل تباع عليه،
أو تسلم إلى امرأة مسلمة ثقة تكون عندها، وعليه الإنفاق عليها كما سيأتي.
(وهل يثبت حكم الاستيلاد في المرهونة بالنسبة إلى المرتهن حتى
يجب على الراهن الواطئ أن يجعل مكانها رهنا أو توفية الدين أو لا؟
الأقرب المنع) من ثبوت حكمه بالنسبة إليه (إن لم يكن) له (سواها)
وجاز بيعها في الدين، لأنه معسر مع تقدم حق المرتهن على الاستيلاد (وإلا
لزم) الاستبدال والإبقاء، لأنه موسر، ولا يجوز للموسر بيع أمهات أولاده مع
تقدم حق المرتهن، فيجب الجمع بين الحقين بأحد الأمرين، وهذا خيرة الخلاف.
وفي المبسوط والسرائر أنه لا يبطل الرهن مطلقا؛ لتأخر الاستيلاد عنه مع
إطلاق الأوامر ببيع الرهن في الدين. وقيل: بل يبطل مطلقا؛ لإطلاق النهي عن بيع
ام الولد وتغليب الحرية. وقيل: يبطل إن وطئها بإذن المرتهن، وإلا فلا. وربما يقال:
لا خلاف في أنه لا يبطل الرهن لبقاء الملك عليها وجواز موت الولد، وإنما
الخلاف في جواز بيعها، وربما يوهمه ما مر من المصنف في الرهن.
(أما أمة القراض فإنه يبطل القراض فيها) إذ لا دليل على جواز

527
التصرف فيها بالبيع (وإن كان فيها ربح) حين استولدها (جعل الربح في
مال المضاربة).
(وإذا وطئ الكافر أمته الكافرة وحملت فأسلمت قيل) في السرائر
والشرائع وموضع من المبسوط: (تباع عليه) قطعا لسبيله عليها رأسا.
(وقيل) في الخلاف وموضع من المبسوط بل (يحال بينه وبينها ويجعل
على يد امرأة ثقة) ولا يمكن من التصرف فيها والتسلط عليها عملا بعموم النهي
عن بيعها. وفي المختلف: أنها تستسعى في قيمتها جمعا بين الحقين.
(وإنما يثبت حكم الاستيلاد بأمور ثلاثة) (الأول: أن تعلق منه بحر،
وإنما تعلق بمملوك من مولاها في موضعين): الأول: (أن يكون الواطئ
عبدا قد ملكه مولاه الموطوءة وقلنا: إنه يملك بالتمليك، و) الثاني: (أن
يكون الواطئ مكاتبا اشترى جارية للتجارة فإن الجارية مملوكته) على
المشهور والولد مملوك له كما عرفت.
(و) يفترق الصورتان بأنه (لا يثبت حكم الاستيلاد) أصلا (في
الأول، وأما في الثاني) فتوقف (فإن عجز استرق المولى الجميع، وإن عتق
صارت ام ولد، وليس للمكاتب بيعها قبل عجزه وعتقه).
(الثاني: أن تعلق منه في ملكه إما بوطء مباح أو محرم كالوطء في
الحيض والنفاس والصوم والاحرام والظهار والإيلاء) والكفر والرهن بدون
إذن المرتهن والمحرمية الرضاعية إن لم يحكم بالانعتاق.
(ولو علقت) منه (في غير ملكه لم تكن ام ولد) إلا إذا ملكها بعد على
قول تقدم (سواء علقت بمملوك كالزنا والعقد مع اشتراط الولد) للمولى
(أو بحر كالمغرور) في النكاح (والمشترى إذا ظهر الاستحقاق).
(الثالث: أن يضع ما يظهر أنه حمل) أي آدمي أو جزء منه أو مبدأ نشوء
آدمي (ولو علقة) ويعتبر فيها شهادة أهل الخبرة بذلك ولو أربع نسوة.
(أما النطفة فالأقرب عدم الاعتداد بها) لعدم حصول العلم بكونها مبدأ له

528
بمعنى الاستقرار في الرحم والتهيؤ لتكون آدمي منه. خلافا للشيخ فاعتبرها في
النهاية وأطلق، بناء على كون النطفة مبدأ للنشوء مطلقا من غير اعتبار للاستقرار
وقرب الاستعداد، وفائدة الحكم بالاستيلاد بوضع الناقص ظهور بطلان
التصرفات السابقة على الوضع من البيع ونحوه.
(المطلب الثاني في الأحكام)
(ام الولد مملوكة لا تنعتق) عندنا (بموت المولى) خلافا لبعض العامة
(بل من نصيب ولدها، فإذا مات مولاها جعلت) بأجمعها (من نصيب ولدها
وعتقت عليه) بالاتفاق كما يظهر منهم، وهو ظاهر النصوص (1) وإلا فهو خلاف الأصل.
(ولو لم يكن) له (سواها عتق نصيب ولدها وسعت في الباقي ولا يقوم
على الولد) للأصل، وعدم الدخول فيمن أعتق شقصا لحصول العتق قهرا.
(وقال) أبو علي، و (الشيخ) في النهاية والمبسوط: (إن كان لولدها
مال أدى بقية ثمنها منه) لقوله (عليه السلام): من ملك ذا رحم فهو حر (2). ولخبر أبي
بصير سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية فولدت منه ولدا فمات، قال: إن
شاء أن يبيعها باعها، وإن مات مولاها وعليه دين قومت على ابنها فإن كان ابنها
صغيرا انتظر به حتى يكبر ثم يجبر على قيمتها (3). وهو ضعيف.
(وهي قبل موت مولاها مملوكة له يجوز له التصرف فيها بمهما شاء
سوى الخروج عن ملكه بغير العتق فليس له بيعها ولا هبتها) ولا نحوهما
من الناقلات (وله وطؤها واستخدامها وعتقها في كفارة وغيرها) وفاقا
للمشهور، لبقاء الرقية وانتفاء المانع، وقول زين العابدين (عليه السلام) في بعض الأخبار:
ام الولد تجزئ في الظهار (4) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض الأخبار: اليهودي



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 107 ب 6 أن ام الولد إذا كان ولدها... ح 1.
(2) عوالي اللآلي: ج 3 ص 439 ح 23.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 108 ب 6 أن ام الولد إذا كان ولدها... ح 4.
(4) وسائل الشيعة: ج 15 ص 577 - 578 ب 26 من أبواب الكفارات ح 1.
529
والنصراني وام الولد يجزؤون في كفارة الظهار (1). وقيل بالمنع وفاقا للعامة
لنقصان الرق.
(و) له (ملك كسبها وتزويجها قهرا) لبقاء الرق، وللعامة قول بأنه إنما
يزوجها برضاها، وآخر بأنه لا يزوجها وإن رضيت. وهل يزوجها الحاكم لهم
فيه؟ وجهان (وكتابتها) لذلك، لأنها تجتمع مع الاستيلاد إذا سبقته، ويتجه العدم
إذا كانت معا، ولذا استشكل فيها في التحرير (وتدبيرها) فتنعتق بالموت وإن
لم يكن لها ولد أو لم يف بها نصيبه إن وفي بها الثلث، وإلا انعتقت من الثلث
والنصيب جميعا.
(فإن مات ولدها قبل مولاها رجعت) عندنا (طلقا يجوز بيعها
وهبتها والتصرف فيها كيف شاء) خلافا للعامة بناء على ما ذهبوا إليه من أنها
تعتق من أصل المال لا من نصيب الولد.
(ولو كان ولد ولدها حيا احتمل إلحاقه بالولد إن كان وارثا) بأن لم
يكن للمولى ولد لصلبه لصدق الولد عليه مع انعتاق نصيبه منها عليه.
(و) احتمل إلحاقه به (مطلقا) لصدق الولد عليه فيشتمله ما دل على
ثبوت أحكام الاستيلاد إذا كان لها ولد مع تغليب الحرية وأحكامها.
(و) احتمل (العدم) مطلقا، لأن الولد حقيقة في ولد الصلب مع كون
أحكامها على خلاف الأصل فيقصر على اليقين.
(وكذا يجوز بيعها) في المشهور (مع وجود ولدها في ثمن رقبتها إذا
كان دينا على مولاها ولا شيء له سواها) للأخبار كصحيح عمر بن يزيد
سأل الصادق أو الكاظم (عليهما السلام) لم باع أمير المؤمنين (عليه السلام) أمهات الأولاد؟ فقال: في
فكاك رقابهن، قلت: وكيف ذلك؟ قال: أيما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤد
ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدى عنه أخذ ولدها منها وبيعت فأدى ثمنها، قلت:



(1) دعائم الإسلام: ج 2 ص 279 ح 1053.
530
فتباع فيما سوى ذلك من أبواب الدين ووجوهه؟ قال: لا (1).
(والأقرب عدم اشتراط موت المولى) في جواز البيع كما هو ظاهر
الأكثر وصريح جماعة؛ لإطلاق خبر عمر بن يزيد سأل الكاظم (عليه السلام) عن ام ولد
تباع في الدين؟ قال: نعم في ثمن رقبتها (2). ولدفع الضرر عن البائع.
ويحتمل الاشتراط؛ لاختصاص غيره من الأخبار بما إذا مات المولى، ومنها
صحيح عمر بن يزيد هذا الذي سمعته الآن، فإنه الظاهر من قوله (عليه السلام): ولم يدع من
المال (وكذا يجوز بيعها لو كانت رهنا) لما عرفت من تقدم حق المرتهن على
الاستيلاد، وقد مر الخلاف فيه.
(وهل يجوز رهنها) في ثمنها أو مطلقا؟ (فيه نظر) تقدم في الرهن.
(ولا فرق) في أحكامها (بين المسلمة والكافرة، وكذا) لا فرق بين
(المولى) المسلم والكافر إلا إذا كان كافرا وهي مسلمة فإنها تباع عليه على
قول وتستسعى في قيمتها على آخر كما عرفت.
(ولو ارتدت لم يبطل حكم الاستيلاد) للأصل وقبول توبتها مطلقا.
(وفي رواية محمد بن قيس) الصحيحة (عن الباقر (عليه السلام): أن وليدة
نصرانية أسلمت عند رجل وولدت منه غلاما ومات) الرجل (فأعتقت
فتنصرت وتزوجت نصرانيا وولدت) منه (فقال:) قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)
بأن (ولدها) من زوجها رقيق (لابنها من سيدها وتحبس حتى تضع، فإذا
ولدت فاقتلها) (3).
(وقيل) في النهاية: (يفعل بها ما يفعل في المرتدة) من الحبس أبدا إلى
أن تتوب دون القتل إطراحا للرواية وإن صحت لمخالفتها للأصول.
وفي التهذيب: أنه حكم مقصور على القضية التي قضى بها أمير المؤمنين (عليه السلام)



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 104 ب 2 أنه يجوز بيع... ح 1 وفيه: " سوى ذلك من الدين،
قال: لا ".
(2) وسائل الشيعة: ج 13 ص 51 ب 24 من أبواب بيع الحيوان ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 109 ب 8 حكم ام الولد ح 1.
531
لجواز أن يكون (عليه السلام) رأى الصلاح في قتلها، قال: ولعلها كانت تزوجت بمسلم ثم
ارتدت وتزوجت فاستحقت القتل لذلك، ولامتناعها من الرجوع إلى الإسلام (1).
(ولا يسري حكم الاستيلاد إلى الأولاد فلو تزوجت بعبده) أو عبد
غيره (أو بمن شرطت رقية أولاده كان أولادها منه عبيدا يجوز بيعهم في
حياة المولى وبعد وفاته وما في يد ام الولد لورثة سيدها) لكونه ملكه
لرقيتها.
(ويصح الوصية لام الولد من مولاها خاصة) لكونها رقيقة (فتعتق
من الوصية) لا من نصيب الولد كما مر في الوصايا وفاقا للسرائر والشرائع
(فإن قصرت عن قيمتها عتق الفاضل من نصيب الولد).
(وقيل) في النهاية: (تعتق من النصيب وتعطى الوصية) وهو في كتاب
العباس. وقيل: تعتق من ثلث الميت وتعطى الوصية، وهو ظاهر صحيح أبي عبيدة
عن الصادق (عليه السلام) (2) والبزنطي عن الرضا (عليه السلام) (3).
(ولو جنت ام الولد خطأ تعلقت الجناية برقبتها) بلا خلاف كما في
الخلاف والسرائر واستيلاد المبسوط، لرقها، وأصل براءة السيد من الفداء. خلافا
لدياته ففيها أنها على سيدها بلا خلاف إلا أبا ثور فإنه جعلها في ذمتها يتبع بها بعد
العتق. ويؤيده قول الصادق (عليه السلام) في خبر مسمع: ام الولد جنايتها في حقوق الناس
على سيدها، وما كان من حقوق الله عز وجل في الحدود فإن ذلك في بدنها (4).
ويندفع بأن رقبتها من مال السيد، فيصدق أنها عليه. ويمكن أن يكون أراد الشيخ
أخيرا نفي الخلاف عن العامة.
(و) على الأول (يتخير المولى بين دفعها إلى المجنى عليه) إن
استوعبت الجناية قيمتها (أو) دفع (ما قابل جنايتها منها) إن لم تستوعب



(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 143 ذيل الحديث 567.
(2) وسائل الشيعة: ج 13 ص 470 ب 82 في أحكام الوصايا ح 4.
(3) وسائل الشيعة: ج 13 ص 469 ب 22 في أحكام الوصايا ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 19 ص 76 ب 43 من أبواب القصاص في النفس ح 1.
532
(وبين فدائها بأقل الأمرين من أرش الجناية وقيمتها على رأي)
وبالأرش على رأي آخر (1) كما مر، وقد ظهر جواز تعلق قوله: " على رأي " بكل
من التعلق بالرقبة وتخيير المولى وكون الفداء بالأقل، ولا يعين التعلق بالأخير.
قوله: (ولا يجب على المولى الفداء عينا، ومع الدفع يملكها المجني
عليه أو ورثته ملكا مطلقا، له بيعها والتصرف فيها كيف شاء).
(ولو جنت على جماعة تخير المولى أيضا بين الفداء والدفع إليهم)
فيقتسمونها بينهم (على قدر الجنايات، هذا إن جنت ثانيا قبل الفداء) عن
جنايتها الأولى (ولو جنت بعده تخير المولى بين الفداء ثانيا وبين التسليم
إلى الثاني) ولا يشاركه الأول. وللعامة قول بأنه إذا فداها أولا قدر قيمتها لم
يكن عليه ثانيا شيء، بل يتشارك المجني عليهما ويقتسمان الفداء الأول على قدر
الجنايتين وهكذا، وهو قول ظاهر المبسوط.
(ولو كانت الجناية على مولاها أو على) نفس (من يرثه مولاها لم
يخرج عن حكم الاستيلاد) للأصل، ولا يزيد على ما كان قبل من ملك رقبتها،
نعم يجوز القود إذا قتلت عمدا، وقال الصادق (عليه السلام) في خبر وهب بن وهب: إذا
قتلت ام الولد سيدها خطأ فهي حرة ولا تبعة عليها، وإن قتلت عمدا قتلت به (2).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر غياث بن إبراهيم إذا قتلت ام الولد سيدها خطأ
فهي حرة ليس عليها سعاية (3).
(ولو) جنت على الغير و (ماتت قبل أن يفديها السيد لم يجب على
المولى شيء) إن لم يفرط (ولو نقصت قيمتها وأراد الفداء فداها بقيمتها
يوم الفداء) إن اعتبرنا الأقل وكانت أقل (ولو زادت) القيمة (زاد الفداء) إن
كانت القيمة أقل، لأن الجناية تعلقت أولا بالرقبة، وإنما ينتقل إلى الفداء حين
الفداء.



(1) في ن: " وقيمتها على رأي آخر ".
(2) وسائل الشيعة: ج 19 ص 159 ب 11 من أبواب ديات النفس ح 3.
(3) المصدر السابق: ح 2.
533
(ويجب) اعتبار (قيمتها معيبة بعيب الاستيلاد) إن أثر ذلك في قيمتها
مع كونها إذا انتقلت إلى الغير لم يثبت لها بالنسبة إليه حكم الاستيلاد.
(ولو كسبت بعد جنايتها) قبل الدفع إلى المجني عليه (شيئا فهو
لمولاها دون المجني عليه) لبقائها على ملكها وعدم تعينها للدفع كان الخيار
للمولى أو للمجني عليه.
(و) أما (لو كسبت بعد الدفع فهو للمجني عليه، ولو اختلفا قدم قول
المجني عليه) للسيد، ولأصل التأخر إن اتفقا على وقت الدفع.
(ولو أتلفها سيدها فعليه) للمجني عليه (قيمتها) أو الأرش (وكذا
لو عيبها فعليه الأرش) إن دفعها.
(ولو باعها مولاها) في غير ما يجوز بيعها فيه (لم يقع) البيع
(موقوفا) إلى موت الولد قبل المولى (بل) يقع (باطلا) لخروجها
بالاستيلاد عن صلاحية الانتقال، وحسن زرارة سأل الباقر (عليه السلام) عن ام الولد،
فقال: إنه تباع وتورث وتوهب، وحدها حد الأمة (1) لا يتضمن إلا بيعها، وهو
مطلق يقيد بغيره، ويجوز أن يكون السؤال عن حالها في الحد ونحوه لاعن نحو
البيع، فبين (عليه السلام) أن حدها حد الأمة، لأنها تصلح للبيع ونحوه فهي باقية على الرق.
(فلو مات الولد لم ينتقل إلى المشترى وإن كان) الموت (بعد) إيقاع
صيغة (البيع بلا فصل) أو في أثنائها لوقوع الصيغة فاسدة من أولها.
(ولا يبطل الاستيلاد بقتلها مولاها) خطأ ولا (عمدا إذا عفا الورثة)
وأما إذا اقتصوا منها فيبطل؛ لانتفاء الصفة بانتفاء الموصوف (وللمولى أرش
الجناية عليها وعلى أولادها) المملوكين له كسائر مماليكه (و) كذا له
(ضمان قيمتها على من غصبها).
(ولو شهد اثنان على إقراره بالاستيلاد وحكم به ثم رجعا غرما له
قيمة الولد إن كذبهما في نسبه) لتفويته عليه (ولا يغرمان في الحال قيمة



(1) الكافي: ج 6 ص 191 ح 1.
534
الجارية لأنهما إنما أزالا) عنه (سلطنة البيع) ونحوه (ولا قيمة له) أي
للسلطنة.
(ويحتمل الأرش) وهو نقص قيمتها مستولدة عن قيمتها قنا، ولعله أجود
(بل ولا) يغرمان قيمتها (بعد الموت، لأنها) إنما تكون (محسوبة على
الولد) دون غيره وهما لم يفوتا عليه شيئا، إذ لولا الشهادة لم يرث شيئا. نعم إن
قلنا بإرثه لشهادتهما وغرمناهما نصيبه من الميراث لباقي الورثة - كما سيأتي -
غرما قيمتها في ضمن غرامة النصيب، وإن لم يف النصيب وقلنا بتقويم الباقي على
الولد غرماه.
(وهل يرث هذا الولد؟ إشكال) من الحكم بالنسب لشهادتهما ولا ينتفي
بالرجوع بعد الحكم. ومن عدم الحكم بالميراث قبل الرجوع، وأنهما إنما شهدا
بالإقرار بالنسب، وهو أعم من الإرث، إذ ربما يطرأ ما يمنع منه من موت وغيره.
(فإن قلنا به) أي الإرث (فالأقرب أن للورثة تغريمهما حصته)
لإتلافهما لها عليهم. ويحتمل العدم، لأنهما لم يشهدا بالإرث بل بما هو أعم.
(ولو) شهد بالاستيلاد أو الإقرار به و (لم يحصل من المولى) عند
شهادتهما (اعتراف بالولد ولا تكذيب) كما إذا شهدا بعد موته ثم رجعا
(غرما قيمته وقيمة امه وحصته من الميراث) ومنها قيمة امه (لباقي
الورثة إن أثبتنا له الميراث) وإلا فقيمته خاصة، ولا يظهر لفصل المسألة عما
قبلها وجه، وليس بجيد إطلاق غرامة قيمتها هنا وإطلاق العدم ثمة.
وهذا تمام ما استولده من الأقلام في عتق كشف اللثام عن قواعد الأحكام.
واتفق الفراغ من عام ألف وسبع وتسعين في ثالث
أشهره ومن الشهر في ثامن عشره
والحمد لله إزاء آلائه، والصلاة على سيد أنبيائه
وآله وعترته خيار أصفيائه
ومؤلفه محمد بن الحسن الإصبهاني تولاهما الله
في داريهما الأماني

535
/ 1