كشف اللثام (ط.ج) (جزء 10) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

كشف اللثام (ط.ج) (جزء 10) - نسخه متنی

محمد بن حسین فاضل هندی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: كشف اللثام (ط.ج)
المؤلف: الفاضل الهندي
الجزء: 10
الوفاة: 1137
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:
860
كشف اللثام
عن قواعد الأحكام
تأليف
الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسن الإصفهاني
المعروف ب‍ (الفاضل الهندي)
1062 - 1137 ه‍
الجزء العاشر
تحقيق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

1
شابك 5 - 144 - 470 - 964
- - - - - - - - - - - - - -
ISBN 964 - 470 - 144 - 5
كشف اللثام عن قواعد الأحكام
(ج 10)
تأليف: محمد بن الحسن الإصفهاني «الفاضل الهندي» قدس سره
الموضوع: الفقه
تحقيق وطبع: مؤسسة النشر الإسلامي
عدد الصفحات: 688 صفحة
الطبعة: الأولى
المطبوع: 1500 نسخة
التاريخ: 1424 ه‍. ق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

2
كتاب القضاء

3
بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب القضاء)
وهو فصل الأمر قولا أو فعلا. وفي المقاييس: أنه أصل صحيح يدل على
إحكام أمر وإتقانه وإنفاذه. وفي الشرع: ولاية الحكم شرعا لمن له أهلية الفتوى
بجزئيات القوانين الشرعية على أشخاص معينة يتعلق بإثبات الحقوق واستيفائها
لمستحقها.
(وفيه مقاصد) تسعة:
(الأول)
(في التولية والعزل)
(وفيه فصول) ثلاثة:
(الأول في التولية)
و (إنما تثبت) عندنا (بإذن الإمام أو نائبه) فإن له الرئاسة العامة، فلا
رئاسة لأحد إلا بإذنه بتوسط أو لا به، حاضرا كان أو غائبا (ولا تثبت بنصب
أهل البلد) إذ ليس لهم أن يفوضوا من مناصب الإمام شيئا إلى أحد.
وعن الصادق (عليه السلام) في خبر سليمان بن خالد: اتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما

5
هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبي أو وصي نبي (1).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو
وصي نبي أو شقي (2).
(و) لكن (لو تراضى خصمان بحكم بعض الرعية فحكم) بينهما جاز
عندنا وإن كان الإمام حاضرا وهناك قاض منصوب منه، لقوله تعالى: " ومن لم يحكم
بما أنزل الله " (3) الآية، وللدخول في عموم ما دل على وجوب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، ولنحو قول الصادق (عليه السلام) لأبي خديجة: إياكم أن يحاكم بعضكم
بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا فاجعلوه
بينكم فإني جعلته قاضيا فتحاكموا إليه (4). وقول النبي (صلى الله عليه وآله): من حكم بين الاثنين
فتراضيا به فلم يعدل فعليه لعنة الله (5) لدلالته على الجواز مع العدل. ولما حكي من
ثبوته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (6). وعن بعض العامة المنع منه (7).
و (لزمهما حكمه) لنحو قول الصادق (عليه السلام) لعمر بن حنظلة: انظروا إلى من
كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به
حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم
الله استخف وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله، وهو على حد الشرك بالله (8).
وحكمه لازم نافذ (في كل الأحكام) في حقوق الناس وحقوق الله (حتى



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 7 باب 3 من أبواب صفات القاضي ح 3.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 6 باب 3 من أبواب صفات القاضي ح 2.
(3) المائدة: 47.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 4 باب 1 من أبواب صفات القاضي ح 5.
(5) التلخيص الحبير: ج 4 ص 185، لم يسنده إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
(6) حكاه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 13 ص 332.
(7) بداية المجتهد 2: 497.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 98 باب 11 من أبواب صفات القاضي ح 1.
6
العقوبات) للعمومات وإن كان في جواز إقامته لها الإشكال الآتي (1).
(ولا يجوز نقض ما حكم به) صحيحا (فيما لا ينقض فيه الأحكام
وإن لم يرضيا) بحكمه (بعده) خلافا لبعض العامة، فاعتبر رضاهما بعد الحكم
أيضا (2). واحتمله بعض الأصحاب (3).
وإنما يلزم حكمه ولا يجوز نقضه (إذا كان بشرائط القاضي المنصوب
عن الإمام) اتفاقا (نعم لو رجع أحدهما عن تحكيمه قبل حكمه لم ينفذ
حكمه) كما إذا أقام المدعي البينة فقال المنكر قبل الحكم: عزلتك.
(وفي حال الغيبة ينفذ قضاء الفقيه الجامع لشرائط الإفتاء) وإن لم
يرضيا بحكمه من رأس اتفاقا كما يظهر، فإنه منصوب من الإمام في نحو ما سمعته
من الخبرين، بل ظاهرهما العموم لحال الحضور (فمن عدل عنه إلى قضاة
الجور) لا لضرورة (كان عاصيا) وإن اتفق أنه حكم بالحق، وكذا إن تعذر
الفقيه الجامع للشرائط ولم يدع ضرورة إلى الرفع إليهم; لأنهم ليسوا أهلا لذلك.
وللأخبار وهي كثيرة، كقول الصادق (عليه السلام) لأبي خديجة: إياكم أن يحاكم بعضكم
بعضا إلى أهل الجور (4). ولأبي بصير: أيما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في
حق فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى إلا أن يرافعه إلى هؤلاء،
كان بمنزلة الذين قال الله تعالى: " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما انزل
إليك وما انزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا
به " (5). وعن محمد بن مسلم قال: مر بي أبو جعفر أو أبو عبد الله (عليهما السلام) وأنا جالس
عند قاض بالمدينة فدخلت عليه من الغد فقال لي: ما مجلس رأيتك فيه أمس؟



(1) انظر ص 59.
(2) الحاوي الكبير: ج 16 ص 326.
(3) انظر مسالك الأفهام: ج 13 ص 333.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 4 باب 1 من أبواب صفات القاضي ح 5.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 3 باب 1 من أبواب صفات القاضي ح 2.
7
قال: قلت: جعلت فداك إن هذا القاضي لي مكرم فربما جلست إليه، فقال لي: وما
يؤمنك أن تنزل اللعنة فتعم من في المجلس (1).
وكان ما يأخذه بحكمهم سحتا، كما في خبر عمر بن حنظلة: سأل الصادق (عليه السلام)
عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى
السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك؟ فقال: من تحاكم إلى الطاغوت فحكم فإنما
يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا، لأنه أخذ بحكم الطاغوت وقد أمر الله عز وجل أن
يكفر بها (2). وخبر أبي بصير قال له (عليه السلام): قول الله عز وجل في كتابه: " ولا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام " فقال: يا أبا بصير إن الله عز وجل قد
علم أن في الأمة حكاما يجورون أما أنه لم يعن حكام العدل ولكنه عنى حكام
الجور، يا أبا محمد إنه لو كان لك على رجل حق فدعوته إلى حاكم أهل العدل
فأبى عليك إلا أن يرافعك إلى حاكم أهل الجور ليقضوا له كان ممن حاكم إلى
الطاغوت وهو قول الله تعالى: " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما انزل إليك
وما انزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت " (3).
هذا مع الاختيار، وأما عند الضرورة - كما إذا توقف أخذ الحق على الرفع
إليهم - فلا بأس به، بل ربما وجب، إذ لا ضرر ولا حرج في الدين.
(ولو تعدد) الفقيه الجامع للشرائط (تخير المدعي) فإنه الذي يرافع ولو
ترك ترك (لا المنكر في الترافع إلى من شاء إن تساووا) في العلم والزهد.
(ولو كان أحدهم أفضل) في الفقه (تعين الترافع إليه حال الغيبة) لأنه أبعد
من الخطأ وأقرب من نيابة الإمام، ولقبح ترجيح المرجوح (وإن كان المفضول
أزهد إذا تساويا في) استجماع (الشرائط) فإن العمدة في ذلك العلم مع ورع



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 5 باب 1 من أبواب صفات القاضي ح 10.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 3 باب 1 من أبواب صفات القاضي ح 4.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 3 باب 1 من أبواب صفات القاضي ح 3.
8
يحجز عن الكذب والمسامحة، فإن تساويا في العلم فالأزهد.
وقال الصادق (عليه السلام) في خبر داود بن الحصين: إذا اختلف عدلان ينظر إلى
أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه، ولا يلتفت إلى الآخر (1).
وقال له (عليه السلام) عمر بن حنظلة: في رجلين اختار كل واحد منهما رجلا فرضيا
أن يكونا الناظرين في حقهما فاختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثنا، قال:
الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت
إلى ما يحكم به الآخر، قال: قلت: فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا ليس
يتفاضل واحد منهما على صاحبه، قال: فقال: ينظر إلى ما كان من روايتهما عنا في
ذلك الذي حكما به المجمع عليه أصحابك فيؤخذ به من حكمنا، ويترك الشاذ
الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه، وإنما الامور
ثلاثة: أمر بين رشده فيتبع، وأمر بين غيه فيجتنب، وأمر مشكل فيرد حكمه إلى الله
عز وجل وإلى الرسول، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): حلال بين وحرام بين وشبهات بين
ذلك، فمن ترك الشبهات نجى من المحرمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب
المحرمات وهلك من حيث لا يعلم. قلت: فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد
رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف
العامة أخذ به. قلت: جعلت فداك وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر
مخالفا لها بأي الخبرين يؤخذ؟ قال: بما يخالف العامة فإن فيه الرشاد. قلت:
جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا، قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم
وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر. قلت: فإن وافق حكامهم وقضاتهم الخبران
جميعا، قال: إذا كان كذلك فارجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات
خير من الاقتحام في الهلكات (2).



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 80 باب 9 من أبواب صفات القاضي ح 20.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 75 باب 9 من أبواب صفات القاضي ح 1.
9
وهل يقدم الأعلم في غير الفقه مع التساوي فيه؟ إن كان أعلم فيما يتوقف
عليه العلم بمعاني الكتاب والسنة ويتسبب لازدياد البصيرة فيها كالعلوم العربية،
أو فيما له مدخل في المسألة المترافع فيها كأن يتوقف الحكم فيها على مسألة
طبيعية أو رياضية أو نحوهما فلا شبهة في التقدم. وبدون ذلك فالظاهر العدم،
للأصل، واختصاص الأخبار بالفقه والحديث وإن عم الفقه لغة.
(أما حال ظهور الإمام (عليه السلام) فالأقرب جواز العدول إلى المفضول)
وفاقا للمحقق (1) للأصل، واجتماع الشروط في المفضول، والفرق بين زماني الغيبة
والحضور (لأن خطأه) في الحضور (ينجبر بنظر الإمام) أي يمكنه مراجعة
الإمام فيما يشتبه عليه، وما فيه من الورع يبعثه عليها، فبذلك يضعف احتمال
الخطأ في الحكم، بل الغالب أنه لا يرافع أحد في زمن الحضور إلا إلى مأذون
بخصوصه من قبله (عليه السلام) في الرفع والرجوع إليه، وما لم يثق الإمام به لا يرخص في
الرجوع إليه.
ويحتمل العدم; لعموم الأخبار وقيام الاحتمال. (وهكذا حكم التقليد في
الفتاوي) في حالتي الغيبة والحضور.
(ويستحب التولية) أي التولي للقضاء من قبل الإمام (لمن يثق من
نفسه بالقيام بشرائطها) أي التولية (على الأعيان) إلا من وجبت عليه عينا،
لأنه أمر مرغوب عقلا وشرعا.
قال في المبسوط: وعليه إجماع الأمة إلا أبا قلابة، ثم ذكر أن خلافه لا يقدح
في الإجماع، مع احتمال أنه امتنع منه لعلمه بعجزه لأنه كان من أصحاب الحديث
ولم يكن فقيها (2). وعن ابن مسعود أنه قال: لأن أجلس يوما فأقضي بين الناس
أحب إلي من عبادة سنة (3).



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 69.
(2) المبسوط: ج 8 ص 82.
(3) عوالي اللآلي: ج 3 ص 515 ح 4.
10
وما ورد من الأخبار الناهية عنه مخصوص بالاعتبار والنصوص بمن لا
يتولى عن عادل ومن يجور فيه أولا يحسنه، كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): من جعل قاضيا فقد
ذبح بغير سكين، قيل: وما الذبح؟ قال: نار جهنم (1). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): يؤتى بالقاضي
العدل يوم القيامة فمن شدة ما يلقاه من الحساب يود أن لم يكن قاضيا بين اثنين
في تمرة (2). وقول الصادق (عليه السلام): إن النواويس شكت إلى الله عز وجل شدة حرها
فقال لها عز وجل: اسكني فإن مواضع القضاة أشد حرا منك (3).
(ويجب) توليه (على الكفاية) لعموم ما أوجب الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر. وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله لا يقدس امة ليس فيهم من يأخذ للضعيف. [حقه
من القوي (4)]. ونحوه في مرسل ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام) (5).
(وتجب على الإمام تولية القضاة في البلاد) لوجوب سياسة العباد
عليه، والحكم بما أنزل الله، وانتصاف المظلوم من الظالم. وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)
إنه قال لعمر: ثلاث إن حفظتهن وعملت بهن كفتك ما سواهن وإن تركتهن لم ينفعك
شيء سواهن، قال: وما هن يا أبا الحسن؟ قال: إقامة الحدود على القريب والبعيد،
والحكم بكتاب الله في الرضا والسخط، والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود (6).
فإذا ولى في صقع قاضيا وجب على أهله الترافع إليه إذا احتاجوا إليه (فإن
امتنعوا من الترافع إليه حل قتالهم طلبا للإجابة) فإن الامتناع منه مخالفة
لأمر الإمام.
(ولو تعدد من هو بالشرائط وتساووا) فيها (لم يجبر) الإمام



(1) عوالي اللآلئ: ج 3 ص 516 ح 8.
(2) عوالي اللآلئ: ج 3 ص 516 ح 9.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 160 باب 6 من أبواب آداب القاضي ح 4.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في المخطوطات، راجع عوالي اللآلئ: ج 3 ص 515 ح 5.
(5) وسائل الشيعة: ج 11 ص 395 باب 1 من أبواب الأمر والنهي ح 9.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 156 باب 1 من أبواب آداب القاضي ح 2.
11
(أحدهم) بخصوصه على التولي (على) تقدير (الامتناع إلا أن يلزمه
الإمام) بعينه فيجب عليه الإجابة عينا وإن ساوى غيره في الشرائط في الظاهر،
وفاقا للخلاف (1) لوجوب إطاعة الإمام، ولعل فيه خصوصية دعته (عليه السلام) إلى إلزامه
بعينه وإن لم يطلع عليها غيره (عليه السلام).
خلافا للمبسوط (2) والشرائع (3) قال: إذ الإمام لا يلزم بما ليس بلازم. وهو
ظاهر الوسيلة، لحصره من يجب عليه عينا فيمن لا يجد الإمام سواه (4). وحاصله:
أن المسألة مبنية على فرض الإلزام مع التساوي ولا يمكن. وهو ممنوع، لما قلنا:
من جواز خصوصية يتفرد الإمام (عليه السلام) بمعرفتها.
وعلى عدم الوجوب هل يستحب؟ قال في المبسوط: إما له كفاية أو لا، فإن
لم يكن استحب، لأنه يطيع الله في النظر بين الناس، ويكون له رزق يكفيه، وإن لم
يله طلب الكفاية من المباح من تجارة وغيرها، وحصول الرزق له في طاعة أولى
من حصوله من مباح. وإن كانت له كفاية لم يخل: إما أن يكون معروفا أو خامل
الذكر، فإن كان معروفا يقصده الناس يستفتونه ويتعلمون منه استحب له أن لا يليه;
لأن التدريس والتعليم طاعة وعبادة مع السلامة والأمن من الغرر، والقضاء وإن
كان طاعة فإنه في غرر، لقوله (عليه السلام): " من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين " فكانت
السلامة أسلم لدينه وأمانته. فأما إن كان خامل الذكر لا يعرف علمه ولا يعلم فضله ولا
ينتفع الناس بعلمه، فالمستحب أن يليه ليدل على نفسه ويظهر فضله وينتفع الناس به (5).
(ولو لم يوجد) بشرائط القضاء (سوى واحد لم يحل له الامتناع) إذا
ولاه الإمام (مطلقا) نص له على الإلزام أو لا (بل لو لم يعرف الإمام بحاله
وجب عليه تعريف حاله) ليوليه (لأن القضاء من باب الأمر بالمعروف)



(1) الخلاف: ج 6 ص 209، المسألة 2.
(2) المبسوط: ج 8 ص 82.
(3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 69.
(4) الوسيلة: ص 208.
(5) المبسوط: ج 8 ص 84.
12
الواجب عينا إذا لم يقم به غيره.
(ولا يجوز أن يبذل) للظالم (مالا ليليه) لأنه كالرشوة. ويظهر التوقف
من المحقق (1) (إلا أن يعلم من تعين عليه أن الظالم لا يوليه إلا بالمال
فيجوز بذله) بل يجب لأنه مقدمة للواجب، وكذا البذل لئلا يعزله الظالم أو يعزل
منصوب من قبله لا يصلح له. وهل يجوز أن يبذل العادل لبيت المال شيئا للتولية
أو الأمن من العزل وجهان، أقربهما الجواز.
(ولا يجوز) قبول (الولاية من قبل الظالم) لأنه ركون إليه وإعانة له
على غصب منصب الإمام. وعن الصادق (عليه السلام): ولاية أهل العدل الذين أمر الله
بولايتهم وتوليتهم وقبولها والعمل لهم فرض من الله تعالى وطاعتهم واجبة، ولا
يحل لمن أمروه بالعمل لهم أن يتخلف عن أمرهم، وولاة الجور وأتباعهم
والعاملون لهم في معصية الله غير جائز لمن دعوه إلى خدمتهم والعمل لهم إجابة
دعوتهم ولا القبول منهم (2).
(إلا إذا عرف من نفسه التمكن من الحكم بالحق) فيجوز القبول.
ويجب إذا توقف عليه إقامة الحق من باب المقدمة فيقصد التولي من قبل الإمام
العادل وإن ولاه الظالم في الظاهر. ومن هذا القبيل تولى يوسف من قبل الملك.
قال المرتضى في مسألة له: فإن قيل: أليس بهذه الولاية معظما للظالم ومظهرا
فرض طاعته، وهذا وجه قبيح لا محالة، كان غنيا عنه لولا الولاية. قلنا: إذا كان
متغلب على الدين فلابد لمن هو في بلاده وعلى الظاهر من جملة رعيته، من إظهار
تعظيمه وتبجيله والانقياد له على وجه فرض الطاعة، فهذا المتولي من قبله لو لم يكن
متوليا لشئ لكان لابد له من التغلب معه، مع إظهار جميع ما ذكرناه من فنون التعظيم
للتقية والخوف، فليس يدخل بالولاية في شئ من ذلك لم يكن يلزمه لو لم يكن واليا،



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 69.
(2) دعائم الإسلام: ج 2 ص 527 ح 1876.
13
ويتمكن بالولاية من أمر بمعروف ونهي عن منكر، فيجب أن يتوصل بها إلى ذلك.
قال: فإن قيل: أرأيتم لو غلب على ظنه أنه كما يتمكن بالولاية من أمر ببعض
المعروف ونهي عن بعض المنكر فإنه يلزم على هذه الولاية أفعالا منكرة قبيحة
لولا هذه الولاية لم تلزمه. قلنا: إذا كان لا يجد عن هذه الأفعال القبيحة محيصا
ولابد أن تكون الولاية سببا لذلك، ولو لم يتول لم يلزمه أن يفعل هذه الأفعال
القبيحة، فإن الولاية حينئذ تكون قبيحة، لا يجوز أن يدخل فيها مختارا (1) انتهى.
وما ذكره من عدم الجواز حينئذ لا يصح على إطلاقه، فإن كثيرا من المنكرات
يجوز ارتكابها أو يجب للأمر ببعض المعروفات أو النهي عن بعض المنكرات.
(فإن لم يعلم) من يوليه الظالم من نفسه التمكن من الحكم بالحق (لم
يحل له) القبول (إلا مع الإلزام فيجوز) تقية إذا خاف على النفس أو المال أو
الأهل من نفسه أو من المؤمنين. واقتصر السيد على الخوف على النفس (2). وعليه
بعد التولي التحرز من المظالم والاجتهاد في الحكم بالحق ما أمكنه، فإذا اضطر في
واقعة إلى الحكم بالباطل حكم به تقية (إلا أن يكون الحكم في قتل من لا
يحل قتله فيحرم مطلقا) إذ لا تقية في الدماء اتفاقا.
(ولو تعين) عليه القضاء بأن لم يكن من يصلح له سواه (وخاف على نفسه
الخيانة) إن تولاه لم يسقط عنه، بل (وجب عليه الطلب وترك الخيانة) لتمكنه
منهما. (فإن وجد من هو أصلح منه حرم عليه الطلب) لسقوط وجوب الطلب
بوجود من فيه الكفاية، ووجوب دفع الخوف.
(وللقاضي) من قبل الإمام العادل (الاستخلاف مع الإذن صريحا أو
فحوى أو بشاهد الحال كأن تكون ولايته متسعة لا ينضبط بالواحد)
فيجوز له الاستخلاف فيما أذن له صريحا أو فحوى أو شهدت الحال به لا مطلقا.



(1) مسألة في العمل مع السلطان (رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثانية): ص 93.
(2) مسألة في العمل مع السلطان (رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثانية): ص 94.
14
(ولو منعه عن الاستخلاف حرم) اتفاقا (وكذا لو أطلق) فإن القضاء
من مناصب الإمام لا يجوز لغيره التصرف فيه إلا بإذنه. وقد يحتمل الجواز مع
الإطلاق; لأنه فوض إليه النظر في المصالح العامة، فله الاستخلاف كالإمام، ولأنه
حيث ولاه وثق بنظره. وضعفهما ظاهر.
(وتثبت الولاية بالاستفاضة كما يثبت بها النسب والملك المطلق
والموت والنكاح والوقف والعتق) والرق والولاء، وإنما خصت لكثرة
الاستفاضة فيها وعسر إقامة البينة عليها غالبا. وهل يشترط العلم أو متاخمه أو
يكفي غلبة الظن؟ أوجه، ويؤيد الأخير قول الصادق (عليه السلام) في خبر يونس عن بعض
رجاله: خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم: الولايات
والمناكح والذبائح والشهادات والأنساب (1).
وفي المبسوط ذكر الخلاف في ثبوت الولاية والنسب والموت والملك
المطلق بالاستفاضة، وقال: والذي أقوله: إن الاستفاضة إن بلغت إلى حد يوجب
العلم فإنه تثبت الولاية بها، وإن لم تبلغ ذلك لم تثبت. ثم ذكر النكاح والوقف
والعتق وقال: فالكل على هذين الوجهين: قال قوم: يثبت بالاستفاضة، وقال
آخرون: لا يثبت. ويقوى في نفسي في هذه المسائل أنها تثبت بالاستفاضة،
وعليه يدل أخبارنا (2).
(ولو لم يستفض) الولاية (سير) الإمام (معه شاهدين) عدلين
(على الولاية).
وربما قيل بالمنع، لأن الحجة إنما يقام عند حاكم والحاكم المعزول قد ارتفع
حكمه بنصب الحاكم الجديد أو وصول خبره. ودفع بجواز اشتراط عزله بثبوت
ولاية الثاني عنده، وبجواز ثبوته عند حاكم غير معزول قريب من محل الولاية.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 212 ب 22 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(2) المبسوط: ج 8 ص 86.
15
(ولا يجب قبول قوله مع عدم البينة حينئذ) لم يستفض (وإن شهدت
له الأمارات الظنية) من مكتوب ونحوه.
(والتحكيم سائغ وإن كان في البلد قاض) بل الإمام (عليه السلام) كما عرفت،
وحكمه عليهما جار فيما حكماه فيه.
(وهل له الحبس واستيفاء العقوبة؟ إشكال): من عموم أدلة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وأدلة التحكيم الناهية عن الرد على من له أهليته، وإفضاء
تعطيلها إلى الفساد، وقول الصادق (عليه السلام) لحفص بن غياث: إقامة الحدود إلى من
إليه الحكم (1). وهو خيرة السيد (2) والشيخ في التبيان (3) وجماعة. ومن الاحتياط
في الدماء وعصمتها، واشتراك الحدود بين حق الله وحق الناس، والتحكيم إنما هو
في حقوق الناس. وهو قول الشيخ في النهاية (4) والاقتصاد (5) وسلار (6) وجماعة.
(ولا ينفذ) حكمه (على غير المتراضيين حتى لا يضرب دية الخطأ
على عاقلة الراضي بحكمه).
(ويجوز) للإمام ومن له نصب القاضي (أن يوليه عموم النظر في
خصوص العمل) أي في بعض البلاد (بأن يقلده جميع الأحكام في بلد
بعينه فينفذ حكمه) مطلقا (في أهله ومن يأتي إليه) من غيرهم. (وأن
يقلده خصوص النظر في عموم العمل مثل) أن يقول: (جعلت إليك الحكم
في المداينات خاصة في جميع ولايتي، فلا ينفذ حكمه في غيرها).
(ولو قال الإمام (عليه السلام): من نظر في الحكم بين فلان وفلان فقد وليته
ففي انعقاد الولاية فيه) بذلك (نظر): من التعليق والإبهام الشامل لمن لا



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 338 ب 28 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
(2) مسألة في العمل مع السلطان (رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثانية): ص 93.
(3) التبيان: ج 2 ص 549 و 566.
(4) النهاية: ج 2 ص 16.
(5) الاقتصاد: ص 150.
(6) المراسم: ص 260.
16
يصلح للتولية، مع أن التولية توكيل يشترط فيه التنجيز والتعيين. ومن أنها إذن في
القضاء وهو يتضمنه، والإطلاق منصرف إلى من يصلح له، واشتراط التعيين
ممنوع. ونحوه الكلام إذا علق التولية العامة بمثل ذلك وأبهم.
(والألفاظ التي ينعقد بها الولاية سبعة) أنواع: ما يؤدي التولية نحو
(وليتك الحكم) ما يؤدي التقليد نحو (قلدتك) الحكم (و) ما يفيد
الاستنابة نحو (استنبتك) فيه (و) ما يفيد الاستخلاف نحو (استخلفتك و)
ما يفيد رد الحكم إليه نحو (رددت إليك الحكم و) ما يفيد التفويض نحو
(فوضت إليك و) ما يفيد جعله إليه نحو (جعلت إليك) الحكم. ونحو أذنت
لك في الحكم، أو أوجبته عليك، أو جعلتك قاضيا أو حاكما، أو رخصت لك،
يدخل فيما ذكر.
(الفصل الثاني في صفات القاضي)
(ويشترط فيه البلوغ والعقل والذكورة والإيمان والعدالة وطهارة
المولد والعلم) اتفاقا.
(فلا ينفذ قضاء الصبي وإن كان مراهقا، ولا المجنون) مطبقا أو دوريا،
فإنهما لا يصلحان للولاية على أنفسهما، فأولى أن لا يصلحا لها على الناس.
(ولا الكافر ولا الفاسق) وهو يعم غير المؤمن من فرق الإسلام; لعدم
الثقة والصلاحية للإمامة في الصلاة وللشهادة، فالقضاء أولى، والأخبار الآمرة
بالتقاضي إلى رجل منكم يخرج غير المؤمن، ونفي السبيل للكافر على المسلم
يخرج الكافر. ومن العامة من جوز تولية الكافر على أهل ملته أو نحلته (1).
(ولا المرأة وإن جمعت باقي الشرائط) لما في الأخبار من نقصان عقلها



(1) الحاوي الكبير: ج 16 ص 157.
17
ودينها وقيام اثنتين منهن مقام رجل في الشهادة غالبا، وعدم صلاحيتها للإمامة
في الصلاة للرجال، وقول الباقر (عليه السلام) في خبر جابر: ولا تولى المرأة القضاء ولا تولى
الأمارة (1). وأجاز أبو حنيفة توليتها فيما يقبل فيه شهادتها. وابن جرير مطلقا (2).
(ولا ولد الزنا) أما على القول بكفره فلما مر، وعلى الآخر لبعده عن
الإمامة في الصلاة وقبول الشهادة، فعن الولاية أولى.
(ولا الجاهل بالأحكام) نظرا [وتقليدا] (3).
(ولا) المقلد (غير المستقل بشرائط الفتوى) للأمر في الأخبار
بالتحاكم إلى من عرف الأحكام ونظر في الحلال والحرام. ونحو " وأن تقولوا على
الله ما لا تعلمون " (4). " ولا تقف ما ليس لك به علم " (5). وقول الباقر (عليه السلام) في
صحيح أبي عبيدة: من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة
وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه (6). ونحو قول الصادق (عليه السلام) في مرفوع
البرقي: القضاة أربعة: ثلاثة في النار وواحد في الجنة، رجل قضى بجور وهو يعلم
فهو في النار، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم [أنه قضى بالجور] (7) فهو في النار،
ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو
في الجنة (8). وفي خبر سليمان بن خالد: اتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما هي
للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبي أو وصي نبي (9). وقول
أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمار لشريح: يا شريح قد جلست مجلسا لا



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 161 باب 123 من أبواب مقدمات النكاح ح 1.
(2) الحاوي الكبير: ج 16 ص 156.
(3) لم ترد في ق.
(4) البقرة: 169.
(5) الإسراء: 36.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 9 ب 4 من أبواب صفات القاضي ح 1.
(7) لم يرد في ن والمصدر.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 11 ب 4 من أبواب صفات القاضي ح 6.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 7 ب 3 من أبواب صفات القاضي ح 3.
18
يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي (1).
(ولا يكتفي) عندنا (بفتوى العلماء) وتقليدهم فيها بل لابد من اجتهاده
فيما يقضي به. خلافا لبعض العامة (2).
(ويجب أن يكون عالما) بالفعل أو بالقوة القريبة منه (بجميع ما وليه)
بالاجتهاد دون التقليد فلا يكفي علمه ببعضه إذا لم يتمكن من الاجتهاد في الباقي،
لعين ما تقدم، ونحو قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمر بن حنظلة: " وعرف أحكامنا "
بالجمع المضاف إلى المعرفة.
نعم إن تجزأت التولية كفى التمكن من الاجتهاد فيما وليه دون غيره إن
اعتبرنا التجزي في الاجتهاد، وهو ظاهر هذا الكلام وصريحه في التهذيب (3)
والتحرير (4). وربما يؤيده قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي خديجة: ولكن انظر إلى
رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضيا (5) فكأنه
يعني: فاجعلوه بينكم فيما يعلمه فإني قد جعلته قاضيا في ذلك. ومن لم ير التجزء
فيه كأنه ينزله على العلم بالفعل، أو على أن الناس كلهم إنما يعلمون من
قضائهم (عليهم السلام) شيئا، أو ينزل التنكير على التكثير.
وأما حسن هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) قال: لما ولى أمير المؤمنين (عليه السلام)
شريحا القضاء اشترط عليه أن لا ينفذ القضاء حتى يعرض عليه (6). فإنما يدل على
جواز تقليد القاضي إذا لم يكن توليته (عليه السلام) له عن تقية، مع أن هذا الشرط يخرجه
عن الولاية فهو من لطائف حيله (عليه السلام) في الجمع بين استرضاء الخالق والخلق.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 6 ب 3 من أبواب صفات القاضي ح 2.
(2) الحاوي الكبير: ج 16 ص 159.
(3) تهذيب الوصول: ص 283.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 111.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 4 ب 1 من أبواب صفات القاضي ح 5.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 6 ب 3 من أبواب صفات القاضي ح 1.
19
ويجب أن يكون (ضابطا) غير نساء ليكون على ذكر من الأحكام
والأخبار ومن قضاياه وما ثبت لديه. ويوافق الكتاب في اشتراطه الإرشاد (1)
والتبصرة (2) والتلخيص (3) والدروس (4). ويخالفه التحرير (5) وظاهر غيره، وهو
الظاهر، فإن علمه وعدالته يمنعانه من الحكم إلا بعد تذكر المنسي.
ويجب أن يكون (محافظا على فعل الواجبات أمينا) وهما داخلان في
العدالة، كما نص عليه في النافع (6). وإن أراد بهما الزيادة على ما يعتبر في العدالة
لم يكن على اشتراطهما دليل. (و) على اشتراط الضبط (لو غلب عليه
النسيان أو ساوى ذكره لم يجز توليته) وإن طرأه بعدها انعزل.
(وفي اشتراط علمه بالكتابة إشكال): من انتفائه في النبي (صلى الله عليه وآله) ففيه
أولى. وكل من الانتفاء والأولوية ممنوع.
أما الأول فلأنه (صلى الله عليه وآله) إنما كان فاقدا لها قبل البعثة، ويؤيده ما في العلل من خبر
جعفر بن محمد الصوفي أنه سأل الرضا (عليه السلام) لم سمى النبي (صلى الله عليه وآله) الأمي؟ فقال: ما
تقول الناس؟ قال: يزعمون أنه إنما سمي الأمي لأنه لم يحسن أن يكتب، فقال (عليه السلام):
كذبوا عليهم لعنة الله، أنى ذلك والله يقول في محكم كتابه: " هو الذي بعث في الأميين
رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة " فكيف كان
يعلمهم ما لا يحسن؟! والله لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرأ ويكتب باثنين وسبعين أو
قال: بثلاثة وسبعين لسانا وإنما سمي الأمي لأنه كان من أهل مكة، ومكة من
أمهات القرى وذلك قول الله عز وجل: " لتنذر ام القرى ومن حولها " (7). ومرفوع



(1) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 138.
(2) تبصرة المتعلمين: ص 186.
(3) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 33 ص 353.
(4) الدروس الشرعية: ج 2 ص 65.
(5) لم نجده صريحا، راجع تحرير الأحكام: ج 5 ص 110.
(6) المختصر النافع: ص 271.
(7) علل الشرائع: ص 124 باب 105 ح 1.
20
علي بن حسان وعلي بن أسباط وغيره عن الباقر (عليه السلام) قال له (عليه السلام): إن الناس يزعمون
أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكتب ولم يقرأ، فقال: كذبوا لعنهم الله أنى يكون ذلك؟ وقد قال
الله عز وجل: " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم
ويعلمهم الكتاب والحكمة " فكيف يعلمهم الكتاب والحكمة وليس يحسن أن يقرأ
أو يكتب؟! قال: فلم سمي النبي الأمي؟ قال: نسب إلى مكة وذلك قول الله عز
وجل: " لتنذر ام القرى ومن حولها " فأم القرى مكة، فقيل أمي لذلك (1).
وأما الثاني فلاختصاصه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعصمة والوحي المغنيين عن الكتابة، ومن
اضطرار القاضي إلى ضبط أمور لا ينضبط لغير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا بالكتابة.
(وكذا) في اشتراط (البصر) إشكال: من افتقاره إلى التمييز بين الخصوم
ولا يتيسر غالبا بدونه، ونفوذ شهادته في كل شيء مع أنها لا ينفذ من الأعمى غالبا.
ومن الأصل وإمكان التمييز ولو ببينة، وعمى شعيب ويعقوب (عليهما السلام). وهو بعد التسليم
لا يجدي، لنبوت هما. (والأقرب اشتراطها) وفاقا للشيخ (2) وابني سعيد (3).
(و) الأقرب (اشتراط الحرية) وفاقا للشيخ (4) لأن العبد مقهور مأمور لا
يصلح للولاية. خلافا للمحقق (5) للعموم، والأصل.
(و) الأقرب اشتراط (السلامة من الخرس) إذ لا طريق إلى معرفة حكم
الأخرس إلا بالإشارة، وهي إنما يورث الظن فلا يجوز الشهادة بحكمه، إذ لا
شهادة إلا عن علم، فيؤدي إلى جهل المتخاصمين بالحكم غالبا. ويحتمل العدم
للأصل والعموم وإمكان الكتابة وفهم الإشارة.
و (لا) يشترط السلامة من (الصمم) فإنه لعلمه وعدالته لا يحكم إلا إذا
علم بالحال، مع الأصل والعموم. وفي الإيضاح لو امتنع سماعه لم يصح توليته



(1) علل الشرائع: ص 125 باب 105 ح 2.
(2) المبسوط: ج 8 ص 101.
(3) الجامع للشرائع: ص 522، شرائع الإسلام: ج 4 ص 68.
(4) المبسوط: ج 8 ص 101.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 68.
21
إجماعا، لامتناع سماع البينات والإقرارات والأيمان (1).
(ولو تعذرت الشرائط وغلب على الولايات متغلبون فسقة لم ينفذ
حكم من ولاه صاحب الشوكة) وإن وافق الحق.
(ويجوز تعدد القضاة في بلد واحد سواء شرك) الإمام القضاء (بينهم
بأن جعل كلا منهما) كذا بخطه (رحمه الله) ولا بأس به (مستقلا) في تمام البلد في
جميع الأحكام، فيجوز لأهله الترافع إلى أيهم أرادوا، توافقوا في الحكم أو لا (أو
فوض إلى كل منهم محلة وطرفا) من البلد أو الأحكام، لوجود المقتضي
وانتفاء المانع، ولعموم الأدلة، واجتماع المجتهدين الصالحين للقضاء في أكثر
الأعصار في بلد واحد، مع أنهم قضاة في زمن الغيبة بنص الإمام (عليه السلام)، ولأنه نيابة
عن الإمام فيتبع اختيار المنوب كالوكيلين والوصيين.
وقد احتمل المنع من التشريك كما في الولاية العظمى التي للإمام (عليه السلام)،
ولوقوع التنازع بين الخصوم. ويندفع بتقديم اختيار المدعي.
(ولو شرط) عليهما (اتفاقهما في حكم) أي في نوع من الأحكام أو
صنف أو في كل حكم (فالأقرب الجواز) للأصل، والعموم، وكونه في معنى
تخصيص ولايتهما بما يتفقان عليه فيكون أوثق، وغايته وقوف الحكم عند
اختلافهما. ويحتمل العدم، لأنهما إن صلحا للقضاء فلا معنى لاشتراط اتفاقهما مع
ظهور اختلاف الاجتهاد كثيرا، وإلا فلا معنى لتوليتهما، ولاستلزامه تعطل كثير من
الأحكام لعدم اتفاقهما.
(وإذا استقل كل منهما في جميع البلد تخير المدعي) لا المدعى عليه
(في المرافعة إلى أيهما شاء) توافقا في الحكم أم تخالفا.
(ولو اقتضت المصلحة تولية من لم يستكمل الشرائط ففي الجواز



(1) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 299.
22
مراعاة للمصلحة نظر): من انتفاء الشرط، ومن المصلحة وتولية شريح.
والأقرب المنع كما في التحرير، قال: وتولية علي (عليه السلام) لمن لا يرتضيه ليس بحجة
لأنه كان يشاركه فيما ينفذه فيكون هو (عليه السلام) الحاكم في تلك الواقعة بالحقيقة (1).
(وكل من لا تقبل شهادته لا ينفذ حكمه) على من لا تقبل شهادته عليه
(كالولد على والده، والعبد على سيده، والعدو على عدوه) لأن الحكم
شهادة وزيادة. وخص بعضهم المنع بقاضي التحكيم (2).
وفي التحرير: ولو تولى وصي اليتيم القضاء فهل يقضي له؟ فيه نظر، ينشأ: من
كونه خصما في حقه كما في حق نفسه، ومن أن كل قاض فهو ولي الأيتام (3).
(ويحكم الأب لولد هو عليه، وكذا الأخ) لأخيه وعليه، كما يجوز الشهادة.
(ولا يجوز أن يكون الحاكم أحد المتنازعين، بل يجب أن يكون
غيرهما) وإلا لم يكن حكم ولا نزاع.
(وإذا ولى) القضاء (من لا يتعين عليه فالأفضل ترك الرزق له) أي
للقضاء أو القاضي (من بيت المال إن كان ذا كفاية) توفيرا على سائر
المصالح (ويسوغ له) الارتزاق منه على القضاء (لأنه من المصالح) المهمة
للمسلمين، وبيت المال معد لها، مع أنه لم يتعين عليه.
(وكذا يجوز له) الارتزاق منه (إذا تعين) عليه (ولم يكن ذا كفاية)
لجوازه لغيره ممن لا كفاية له فله أولى.
(ولو كان ذا كفاية لم يجز له) الأخذ منه عليه (لأنه يؤدي) بالقضاء
(واجبا) ولا أجرة على الواجب. وأجازه الشيخان (4) لأنه من المصالح المهمة،
ومنع أن لا أجرة على الواجب مطلقا، وإلا لم يؤجر المجاهدون.
(ولو أخذ الجعل من المتحاكمين، فإن لم يتعين) للحكم (وحصلت



(1 و 3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 117.
(2) لم نقف عليه.
(4) المبسوط: ج 8 ص 84، المقنعة: ص 588.
23
الضرورة) بأن لم يكن له كفاية ولا كان بيت مال يرتزق منه (قيل: جاز (1))
لأنه بعدم التعين عليه كالمباح، ولأنه إذا تعدد القاضي واشتركوا في الضرورة فإن
لم يجز لهم الأخذ لزم تعطل الأحكام إن امتنعوا من الحكم واشتغلوا بالكسب
لمعاشهم، وإن اشتغلوا بالقضاء أو بعضهم عن التكسب لزم الضرر أو التكليف بما لا
يطاق. ولو تم هذا الدليل جاز الأخذ مع التعين بطريق الأولى، إذ مع التعدد ربما
أمكن الجمع بين القضاء والتكسب، ولذا أجازه الشافعي مطلقا (2).
(والأقرب المنع) لعموم الأخبار الناهية عن أخذ الرشا والهدايا، وللاحتياط
وللإجماع، كذا في الخلاف (3). وفي المبسوط: عندنا لا يجوز بحال (4) ولأنه
واجب عينا أو كفاية ولا أجرة على الواجب، ولأنه عمل لنفسه لا للمتحاكمين.
وعلى الجواز فالظاهر جواز التشريك والتخصيص بأيهما شاء محقا كان أو مبطلا.
ويحتمل الاختصاص بالمحق، والمنشأ احتمال التبعية للعمل، وللنفع.
(وإن تعين) للقضاء (أو كان مكتفيا) بماله فعلا أو قوة أو بما يرزق من
بيت المال (لم يجز) له أخذ الجعل قولا واحدا.
(أما الشاهد فلا يحل له الأجر على الإقامة ولا التحمل) وإن لم يتعين عليه،
للوجوب، وللنهي عن تركها في الكتاب والسنة كقوله تعالى: " ومن يكتمها فإنه آثم
قلبه " (5) وقوله: " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " (6) ونحوهما من الأخبار، والأمر
بالإقامة لله في قوله: " وأقيموا الشهادة لله " (7) ولرد شهادة الأجير في أخبار، كقول
الصادق (عليه السلام) في خبر العلاء بن سيابة: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يجيز شهادة الأجير (8).



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 69.
(2) الحاوي الكبير: ج 16 ص 292.
(3) الخلاف: ج 6 ص 233، المسألة 31.
(4) المبسوط: ج 8 ص 85.
(5) البقرة: 283.
(6) البقرة: 282.
(7) الطلاق: 2.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 274 ب 29 من أبواب الشهادات ح 2.
24
(ويجوز للمؤذن والقاسم وكاتب القاضي ومترجمه والكيال والوزان)
لبيت المال (ومعلم القرآن والآداب وصاحب الديوان) للقاضي (ووالي
بيت المال أن يأخذوا الرزق من بيت المال، لأن) بيت المال معد للمصالح و
(ذلك كله من المصالح) وإن لم يجز لبعضهم أخذ الأجرة كما في المستأجر.
(خاتمة):
(شرائط الاجتهاد المبيحة للقضاء والإفتاء) الكائنة (في العلم) ويمكن
التعلق بالإفتاء (معرفة تسعة أشياء: الكتاب والسنة والإجماع والخلاف) أي
معرفة أن المسألة مجمع عليه أو مختلف فيها لئلا يقضي أو يفتي بخلاف الإجماع
(وأدلة العقل) التي هي حجج شرعية عندنا (من الاستصحاب و) منه
(البراءة الأصلية وغيرهما) كالإباحة الأصلية، والتأسي، والدوران إن اعتمد
عليه، والاحتياط، والتحرز عن الدور، والقياس مع الاشتراك في العلة المنصوصة،
ومفهومي الموافقة والمخالفة، ونحو ذلك (ولسان العرب) وهو العمدة في معرفة
الكتاب والسنة (وأصول العقائد) بالبراهين العقلية فيما يتم عليه، وإلا فبالسمع
كالمعاد وما يتعلق به (وأصول الفقه) وهي طرق الاستدلال بالكتاب والسنة
والإجماع وأدلة العقل (وشرائط البرهان) التي يتضمنها المنطق.
(أما الكتاب فيحتاج) معرفته (إلى معرفة عشرة أشياء: العام
والخاص والمطلق والمقيد والمحكم والمتشابه والمجمل والمبين) ويدخل
فيها الظاهر والمؤول. وكل منها في الأمر والنهي وغيرهما، وتشتمل الكل قضية
الألفاظ وكيفية الدلالات (والناسخ والمنسوخ) كل ذلك (في الآيات
المتعلقة بالأحكام، وهي نحو خمسمائة آية. ولا يلزمه معرفة جميع آيات
القرآن العزيز) والاجتهاد في مضامينها ولا حفظ تلك الخمسمائة آية، بل
استحضارها متى شاء ولو بالرجوع إلى أصل يتضمنها.

25
(وأما السنة فيحتاج) معرفتها (إلى معرفة ما يتعلق منها بالأحكام)
الشرعية (دون غيرها) ويكفي في معرفتها الرجوع إلى أصول يتضمنها متى شاء
(ويعرف) فيها مع ما مر في الكتاب (المتواتر والآحاد والمسند والمتصل) إلى
المعصوم (والمنقطع) عنه (والمرسل، ويعرف الرواة) وأحوالهم من الثقة وعدمها.
(و) أما الإجماع والخلاف يحتاج معرفتهما إلى أن (يعرف) طريق ثبوته
وشرط الاستدلال به، و (مسائل الإجماع والخلاف) ولو بالتمكن من الرجوع
إلى أصول يعرفه في كل مسألة يريد الحكم فيها أنها مما اجمع فيها على حكم أو
اختلف فيها.
(و) أما أدلة العقل فيحتاج معرفتها إلى معرفة مسائل (أدلة العقل) أي
يميز المسائل التي يمكن الاستدلال فيها بها من غيرها، وهو يرجع إلى معرفة
شرائط الاستدلال بها. ويجوز أن يريد التكرير لما تقدم والتنبيه على أن معرفة
أدلة العقل ليست إلا معرفتها.
(و) لابد من أن يعرف (تعارض الأدلة) المذكورة كلها من الكتاب
والسنة والإجماع وأدلة العقل، كل منها مع مجانسه كالكتاب مع الكتاب وهكذا، أو
مع مخالفه كالكتاب مع السنة وهكذا. (والتراجيح) بالوجوه المقررة في
الأصول، المدلولة عليها بالأخبار، أي يعرف مواضع التعارض وقضيته من التوقف
أو التخير وعدمه، وقضيته من العمل بالراجح. ويمكن تعميم التعارض لما بالحقيقة
وما بالظاهر وإن كان يزول عند النظر في وجوه الترجيح.
(و) لابد من أن (يعرف من لسان العرب) والعلوم التي يتوقف عليها
معرفته (من) علم متن (اللغة والنحو والتصريف) وموارد الاستعمال
والحقيقة والمجاز والكناية وما بينها من التراجيح، ولعله أدخلها في اللغة (ما
يتعلق بالقرآن المحتاج إليه) في الأحكام، وهي ما مر من نحو خمسمائة آية
(والسنة المفتقرة إليها) فيها، فلا يلزمه الزيادة على ذلك، ولا يضر الافتقار في

26
كثير من دقائق ذلك إلى الرجوع إلى الكتب المعدة في العلوم المذكورة، ولكن لابد
من تتبع الكتب بحيث يحصل العلم العادي أو الظن بأحد ما تردد فيه، ولا يقتصر
على كتاب أو كتابين كما ترى كثيرا من الفقهاء يقتصرون في المسألة اللغوية على
نحو الصحاح وحده، والنحوية على نحو المفصل أو كتاب سيبويه. ولابد مع ذلك
من التمهر والاقتدار الكامل والملكة القوية التي لا يحتاج في أكثرها إلى الكتب،
وإلا لم يعتمد على فهمه وأخطأ كثيرا. ومن كان كذلك علم من القرآن والسنة ما
يحتاج إليه وما لا يحتاج إليه إلا نادرا.
(ويشترط) مع ذلك (أن يكون ذا قوة يتمكن بها من استخراج
الفروع من الأصول) أي الجزئيات من الكليات المدلول عليها بالنص أو
الإجماع أو بدليل من أدلة العقل. (ولا يكفيه حفظ ذلك) المتقدم من التسعة
الأشياء (كله من دون قوة الاستخراج. ولا يشترط معرفة المسائل التي
فرعها الفقهاء) من الأصول، ولكن يحسن تتبعها لتقوية ملكة التفريع.
(وفي تجزي الاجتهاد) بأن يقدر على معرفة بعض المسائل عن دليلها
التفصيلي بمعرفة مداركها دون بعض (إشكال) من الشك في أنه هل يمكن لمن
لم يحصل المعرفة التامة الكافية في جميع المسائل من تحصيلها في بعضها؟
(الأقرب جوازه) لجواز أن لا يعرف من اللغة أو الصرف أو النحو أو من موارد
الاستعمال أو من أدلة العقل إلا ما يتعلق بمسألة أو مسائل، كأن يكون آية أو خبر
تضمن حكما بالمنطوق وآخر بالمفهوم فعرف الكلمات التي في النص وموارد
استعمالاتها، ومن أدلة العقل مفهوم الموافقة أو المخالفة، وعلم أن لا إجماع في
المسألة، ولا يعرف سائر أدلة العقل، ولا يعرف من سائر النصوص ألفاظها أو تراكيبها
أو موارد استعمالاتها بحيث لا يتمكن من الرجوع إلى الأصول الموضوعة لذلك،
أو يتوقف استخراج بعض المسائل من أصولها إلى قوة قريحة لا يتوقف عليها
غيرها، والأمر كذلك في هذا وفي معرفة التراكيب وموارد الاستعمالات. وأما في

27
معرفة اللغة أو الصرف أو أدلة العقل فكأنه ليس كذلك، فإن في اللغة والصرف
أصولا يتمكن من الرجوع إليها فيما لا يعرفه منهما، وما لم يعرف أدلة العقل كلها
احتمل أن يكون من أدلته ما يعارض ما عرفه في المسألة من نص أو دليل عقلي.
وأما التوقف في بعض المسائل لتعارض الأدلة عنده أو عدم الاجتهاد فيها
فليس من التجزي في شيء.
(الفصل الثالث في العزل)
(ولا ينعزل القاضي إلا بأمرين):
(الأول: تجدد ما يمنع القضاء) مما ينفي شرطا من شروطه (كفسق أو
جنون أو إغماء) مستوعب (أو عمى) إن اشترط البصر (أو نسيان) غالب،
وأما الإغماء السريع الزوال أو النسيان النادر فكالنوم.
(ولو جن ثم أفاق) أو فسق ثم تاب (ففي عود ولايته ضعف) لأن
تجدد المانع أبطل حكم النصب فلا يعود إلا بنصب جديد. ويحتمل العود بناء على
أنه إنما منع من ترتب الأثر على النصب فإذا زال أثر أثره، لوجود الموجب وانتفاء
المانع، كالنوم والغفلة والإغماء السريع الزوال، لاشتراك الجميع في المنع من
القضاء حالتها، و (سواء) في انعزال القاضي. يتجدد المانع (عزله الإمام أو لا،
وسواء) إذا عزله (أشهد على عزله أو لا) بلغه الخبر أم لا. (ولو حكم) مع
الانعزال بالمانع (لم ينفذ) حكمه.
(الثاني: سقوط ولاية الأصل) الذي نصبه (فلو تجدد فسق المنوب
أو جنونه أو عزله أو موته انعزل النائب عنه، سواء عزله الإمام أو لا) لأنه
فرعه كالوكيل.
(وقيل لا ينعزل بذلك (1) لأن النائب عنه كالنائب عن الإمام) بلا



(1) حكاه الشيخ في المبسوط: ج 8 ص 127.
28
واسطة (إذ الاستنابة مشروطة بإذن الإمام) صريحا أو فحوى أو بشهادة
الحال كاتساع الصقع الذي ولاه فيه.
(وفيه نظر): من أن الإذن في الاستنابة ليس من الاستنابة في شيء ولا
سيما غير الصريح، ولا يدل عليها بشيء من الدلالات، ولأنه لو كان النائب عنه
كالنائب عن الأصل لما انعزل بعزله. ومن أن القضاء إنما هو منصب إمام الأصل،
والقضاة كلهم إنما هم نوابه وإن استنابهم في الظاهر نوابه.
وربما فصل بأنه إن أذن له الإمام في الاستخلاف (1) عن نفسه انعزل، وإن أذن
في الاستخلاف عن الإمام لم ينعزل [وكذا إن لم يأذن] (2)، وإن أطلق فالوجهان.
والظاهر أن الإذن بشاهد الحال إذن في الاستخلاف عن نفسه.
(ولو مات إمام الأصل فالأقرب انعزال القضاة) كما في المبسوط (3)
والسرائر (4) والشرائع (5) والجامع (6) لأنهم نوابه وفروع له في الولاية.
ويحتمل العدم، لثبوت ولايتهم شرعا فيستصحب، ولأن من يصلح لنيابة إمام
يصلح لنيابة غيره والمصلحة في نظرهم (عليهم السلام) واحدة، ولذا نفذ أحكام الفقهاء في
هذه الأزمنة مع عدم ورود خبر عن إمام الزمان بتوليتهم وإنما ورد عمن قبله.
والكل مندفع، لأن الولاية ثابتة ولكن بالنيابة والفرعية، ولا يكفي الصلاحية
ووجود المصلحة، وقضاء الفقهاء لعله بالإجماع والأخبار مؤيدة [على أن
الصدوق روى في إكمال الدين وإتمام النعمة عن محمد بن عصام عن محمد بن
يعقوب عن إسحاق بن يعقوب عن الناحية المقدسة: وأما الحوادث الواقعة
فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم (7). ورواه



(1) العبارة في ل هكذا: إن لم يأذن له الإمام في الاستخلاف أو أذن له في الاستخلاف.
(2) لم يرد في المطبوع.
(3) المبسوط: ج 8 ص 127.
(4) السرائر: ج 2 ص 176.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 71.
(6) الجامع للشرائع: ص 530.
(7) كمال الدين وإتمام النعمة: ص 484.
29
الشيخ في كتاب الغيبة عن جماعة عن جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب
الزراري وغيرهما عن محمد بن يعقوب (1)] (2).
(وإذا رأى الإمام أو نائبه المصلحة في عزل القاضي) المستجمع للشرائط
(لوجه ما أو لوجود من هو أكمل منه) في إحدى الشرائط (عزله) وجوبا
أو جوازا، وإذا اختل أحد الشروط فأولى، وكذا إذا ارتاب منه، ويكفيه غلبة الظن،
ويمكن إدخال جميع ذلك في " وجه ما ".
(وهل يجوز عزله اقتراحا؟ فيه نظر): من أنه استنابة وتوكيل وتفويض
لمنصب من مناصبه إليه فله العزل متى شاء، كما يجوز عزل الوكيل بلا سبب. ومن
أنه ولاية شرعية فلا يزول إلا بمناف، وعقد لمصلحة المسلمين من وليهم، فلا يجوز
العزل مع سداد الحال، كالولي إذا عقد النكاح لمن له الولاية عليه، ولأنه عبث
وتعريض للمعزول للقدح. وضعف الكل ظاهر. فالأقرب الأول كما في التحرير (3).
(وهل يقف الانعزال على بلوغ الخبر؟ فيه احتمال ينشأ: من مساواته
للوكيل) فلا يقف كما اختاره في الوكيل (ومن القطع بعدم انعزاله) أي الانعزال
بمجرد العزل أو القاضي لو قلنا بانعزاله به (للضرر) أي: لو انعزل قبل بلوغ الخبر
لزم الضرر على الناس فيما أمضاه من الأحكام لظهور فسادها. فالانعزال بمعنى
الاعتزال والتجنب، واللام في " للضرر " بمعنى " من " (4) أو للتقوية إن عديناه بنفسه.
والكلام في قوة أن يقال: ومن القطع باستلزام عدم التوقف على بلوغ الخبر، للضرر.
ويحتمل بعيدا أن يراد بالانعزال انعزال القاضي عن القضاء، ويكون المعنى: ومن
القطع بأنه لا ينعزل ما لم يبلغه الخبر، للضرر، والقطع بانتفائه في الدين.
(ولو قال) لفظا أو كتابة: (إذا قرأت كتابي هذا فأنت معزول انعزل إذا



(1) الغيبة: ص 176 و 177.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في المخطوطات.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 118.
(4) في المخطوطات: عن.
30
قرئ عليه) ولا سيما إذا كان أميا (1) أو أخبر بمضمونه، أو نظر إليه فاطلع على
مضمونه، لقضاء العرف بأن المراد ما يعم جميع ذلك. وفيه وجه بالعدم، اقتصارا
على حقيقة اللفظ. وقيل: بعدم وقوع العزل المعلق (2). (ولا ينعزل) في المسألة
(قبل القراءة) أو ما في حكمها قطعا.
(وينعزل بانعزاله كل مأذون) له (في شغل معين) بلا خلاف، وذلك
كالنائب في سماع إقرار أو إقامة حد أو قسمة أو بيع على مديون. وأما المنصوبون
في شغل عام كقوام الأيتام والوقوف فلا ينعزلون بلا خلاف، كالمتولين للأوقاف
بشرط الواقف فلا ينعزلون بموت الموقوف عليهم، لئلا يختل أبواب المصالح، كذا
في الإيضاح عن المصنف (3). (وفي) انعزال (نائبه) في القضاء (في كل
ناحية) بانعزاله (خلاف) عرفته.
(ولو قال) القاضي (بعد العزل قضيت بكذا) قبله (لم يقبل إلا
بالبينة). خلافا لأحمد (4). ولا يكفي معه شهادة واحد، لأن قوله هذا دعوى لا
شهادة، لأنه إخبار عن فعله، بخلاف شهادة المرضعة بالإرضاع فإنها في الحقيقة
بفعل الغير وهو الارتضاع.
(ولو شهد مع عدل أن هذا حكم به قاض ولم يسم نفسه فإشكال):
من ثبوت الموجب وهو شهادة عدلين وانتفاء المانع، ومن التهمة لجواز أن يريد
حكم نفسه فلا يسمع إلا مع البيان.
(ولو قال) قضيت بكذا (قبل العزل قبل قوله بغير حجة) فإنه أولى من نفوذ
حكمه إذا أنشأه. خلافا لمالك (5). نعم إن قاله في غير محل ولايته، كان كقوله بعد العزل.
(ولو ادعى على المعزول رشوة أحضره القاضي وفصل بينهما) لأنه



(1) في المطبوع وق: أمينا.
(2) انظر إيضاح الفوائد: ج 4 ص 304 - 305.
(3) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 305.
(4) المغني لابن قدامة: ج 11 ص 473.
(5) الحاوي الكبير: ج 16 ص 337.
31
يدعي عليه مالا أخذه بغير حق ولا مخرج له عن العمومات. (وكذا لو قال: أخذ
المال مني بشهادة فاسقين) فإن على اليد ما أخذت حتى تؤدي.
(فإن) ذكر أنه حكم عليه بشهادة فاسقين فاستوفى منه و (لم يذكر الآخذ
فالأقرب سماع الدعوى) من غير أن يعرف أن له عليها بينة، بل وإن قال: لا بينة لي،
فيحضر القاضي بمجردها (إذ يجب الغرم على القاضي إذا لم يأخذ مع تفريطه)
في الحكم الذي ترتب عليه الاستيفاء، فهو بمنزلة الآخذ، ويمكن أن يقربه إذا أحضره.
وقيل: لا تسمع إلا إذا أظهر أن له بينة بذلك (1) لأنه أمين الإمام فظاهره
الإصابة في الأحكام فلا يترك إلا مع ظهور خلافه، ولأداء سماع هذه الدعوى
عليه إلى هتكه وزهد القضاة في القضاء.
(ولو قال: قضى علي بشهادة فاسقين) من غير أن يذكر الاستيفاء
(وجب) أيضا (إحضاره وإن لم يقم المدعي بينة) بعد الإحضار ولا أظهر
قبله أن له بينة بالتقريب المتقدم. وقد يفرق بينه وبين المتقدم بتخصيصه بما لا بينة
فيه للمدعي وتعميم الأول، ويمكن أن يكون تكريرا لما تقدم ليتفرع عليه ما بعده.
(فإن حضر واعترف الزم) المال، لأنه الذي أتلفه عليه.
(وإن (2) قال: لم أحكم إلا بشهادة عدلين قيل) في المبسوط (3): (كلف
البينة، لاعترافه بنقل المال وادعائه مزيل الضمان) فعليه الإثبات كغيره.
(وفيه نظر، لأن الظاهر من الحكام الاستظهار في حكمهم) لأنهم امناء
الإمام (فيجب عليه اليمين) لا البينة (لادعائه الظاهر) وهو خيرة
الخلاف (4) والشرائع (5).
(ولو قال نائب المعزول) في عمل يستحق عليه الأجرة إن لم يتبرع به في



(1) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 305 - 306.
(2) في القواعد: ولو.
(3) المبسوط: ج 8 ص 103.
(4) الخلاف: ج 6 ص 216، المسألة 8.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 76.
32
جواب من ادعى عليه أخذ مال: (أخذت هذا المال أجرة عملي لم يقبل وإن
صدقه المعزول) إذ لا عبرة بقوله بعد العزل، كما لا عبرة بفعله (إلا بحجة)
كسائر المدعين (و) بعد تحقق العمل (في الاكتفاء بيمينه في قدر أجرة
المثل نظر): من أنه مدع، ومن أنه أمين من جهة الشرع، والأصل عدم التبرع،
ولكن لا يثبت إلا قدر أجرة المثل للأصل.
وعن المصنف بناء الخلاف في الاكتفاء باليمين وعدمه على أن العامل لغيره
بأمر من له العمل إذا لم يجر ذكر أجرة هل يستحق أجرة؟ قيل: نعم، لأنه عمل محترم
له أجرة، والأصل عدم التبرع. وقيل: لا، لأنه أعم، ولا يدل العام على الخاص (1).
(ولو عزل القاضي بعد سماع البينة قبل الحكم ثم ولي وجبت
الاستعادة) للشهادة، ولم يكتف بما تقدم لبطلانه بالعزل.
(ولو خرج من) مكان (ولايته ثم عاد) من غير تخلل عزل (لم يجب)
الاستعادة، لعدم طرو المبطل. وقد يحتمل الاستعادة لتخلل ما يمنع من الحكم.
* * *



(1) راجع إيضاح الفوائد: ج 4 ص 307.
33
(المقصد الثاني)
(في كيفية الحكم)
(وفيه فصول) ستة:
(الأول في الآداب)
(ينبغي للحاكم إذا سار إلى بلد ولايته أن يسأل من أهله حال) أهل
(البلد ويتعرف منهم ما يحتاج إلى معرفته) من مراتب الناس في العلم
والصلاح، فإن تمكن من ذلك قبل السير فعل، وإلا ففي الطريق، وإلا فحين يدخل
(وإذا قدم أشاع بقدومه وواعدهم يوما لقراءة عهده) ليتوفروا على سماعه.
وينبغي له أن يقصد الجامع إذا قدم ويصلي ركعتين ويسأل الله العصمة والإعانة
(وأن يسكن وسط البلد) ليقرب من التسوية بين أهله.
(وأن يجلس للقضاء في موضع بارز كرحبة) وهي كما قال الفراء:
الصحراء بين أفنية القوم والمسجد (أو فضاء، ليسهل الوصول إليه).
(وأن يبدأ بأخذ ديوان الحكم) وهي الخرائط والصناديق ونحوهما، أو
البيت المعد لذلك إن كان وقفا أو رضي المالك (من المعزول) أو أمينه (وما
فيه من وثائق الناس) وهي الرهون (والمحاضر وهي نسخ ما ثبت عند الحاكم،
والسجلات وهي نسخ ما حكم به) ويدخل فيها كتب نصب الأولياء على الأيتام

34
والوقف والصدقات ونحو ذلك، وكتاب تقدير النفقات (والحجج التي للناس)
وهي نسخ المعاملات من البيع والمداينة والمصالحة والعتق والمناكحة ونحوها.
ثم إن تسلم جميع ذلك بنفسه، وإلا بعث له أمينين. وينبغي السؤال من المعزول
أو أمينه عن شيء شيء وجعل كل نوع في قمطر لئلا يشتبه الحال، ويسهل على
القاضي الوصول إلى ما أراد. وينبغي ختم جميع القماطر لتؤمن من الزيادة والنقصان.
ثم ما اشتمل من القماطر على المحاضر والإقرارات والشهادات كفى أخذه
مختومة من غير استعلام ما فيها، إذ ليس شئ منها حجة عند القاضي الثاني. وما اشتمل
منها على الحجج والسجلات فينبغي الاستفصال فيها والاستفسار. وأن يكتب شيء
فشئ ليمتاز كل عما عداه، فيكتب: قمطر فيه كذا وكذا صكا باسم فلان بن فلان
الفلاني، وقمطر فيه نسخة السجل لفلان بن فلان الفلاني على فلان بن فلان الفلاني.
(وأن يخرج للقضاء في أجمل هيئة) وعلى سكينة ووقار، ولا يجلس
على التراب ولا على بادية المسجد إن قضى فيه، بل يفرش له ما يجلس عليه لأنه
أهيب له في أعين الخصوم وأنفذ لأمره، ويجلس عليه وحده ليتميز من غيره،
وليسلم على من يمر به ومن سبقه من الوكلاء والخصوم، لقوله (صلى الله عليه وآله): يسلم الراكب
على الماشي والقائم على القاعد والقليل على الكثير (1).
وليكن (خاليا من غضب أو جوع أو عطش أو غم أو فرح أو وجع أو احتياج
إلى قضاء حاجة أو نعاس) وبالجملة من كل ما يمنع التوجه التام والإقبال الكامل.
عن النبي (صلى الله عليه وآله): من ابتلي بالقضاء فلا يقضي وهو غضبان (2). وفي وصية
أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح: وإن غضبت فقم، ولا تقضين وأنت غضبان (3). وفي
وصيته (عليه السلام) إليه: ولا تقعدن في مجلس القضاء حتى تطعم (4). وعن النبي (صلى الله عليه وآله): لا



(1) سنن البيهقي: ج 9 ص 203.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 156 ب 2 من أبواب آداب القاضي ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 156 ب 2 من أبواب آداب القاضي ح 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 155 ب 1 من أبواب آداب القاضي ح 1.
35
يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان (1). وعنه (عليه السلام): لا يقضي القاضي وهو غضبان
مهموم، ولا مصاب محزون، ولا يقضي وهو جائع (2).
(فإن حكم في المسجد صلى عند دخوله ركعتين) تحية له (ثم
يجلس مستدبر القبلة) وفاقا للأكثر ومنهم الشيخ في النهاية (3) (ليكون وجوه
الخصوم إليها) وخصوصا عند الاستحلاف، فرعاية المصلحة العامة أولى.
(وقيل) في المبسوط (4) (يستقبلها) لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): خير المجالس ما
استقبل به القبلة (5).
وينظر أول شيء في المحبوسين، لأن الحبس عذاب فيخلصهم منه، ولجواز
أن يكون منهم من حبس ظلما، فيبعث ثقة إلى السجن فيكتب اسم كل منهم في
رقعة واسم من حبسه وبماذا حبسه (ثم) ينادي في البلد إلى ثلاثة أيام: ألا إن
القاضي ينظر في أمر المحبوسين فمن كان له على محبوس حق فليحضره يوم كذا،
فيجلس في اليوم الموعود و (ينظر أول جلوسه في المحبوسين) فيطرح
الرقاع بين يديه وينظر في خصومهم، ويأمر بإخراج من حضر خصمه منهم أولا
فأولا إلى العدد الذي يمكنه الفصل بينهم (فيطلق كل من) علم أنه (حبس
بظلم أو تغرير) باعتراف الخصم، أو ظهور ذلك، أو ظهور أن لا خصم له، أو
ظهور ظلم القاضي أو خطئه في الأمر بحبسه.
(ومن اعترف بأنه حبس بحق أقره) في الحبس حضر خصمه أم لا.
(وإن (6) قال: أنا مظلوم لأني معسر، فإن صدقه غريمه أطلقه، وإن
كذبه فإن كان الحق مالا) حصل في يده باقتراض أو ابتياع أو غصب أو صلح
أو نحو ذلك (أو ثبت بالبينة أن له مالا رده إلى الحبس إلا أن يقوم بينة



(1 و 2) الحاوي الكبير: ج 16 ص 33.
(3) النهاية: ج 2 ص 69.
(4) المبسوط: ج 8 ص 90.
(5) تلخيص الحبير: ج 2 ص 261.
(6) في القواعد: ومن.
36
بتلفه) للأصل. [ويشكل تأبيد الحبس إن لم يقم بينة، فإن أثبت المدعي وجوده
أو حلف عليه رده إلى الحبس، وإلا احتمل الاكتفاء بحلفه] (1) (ولو لم يكن
الدعوى مشتملة على أخذ مال ولا ثبت له أصل مال فالقول قوله مع
اليمين في الإعسار) للأصل. وإن أقام الغريم بينة بمال في يده فقال: إنه لغيري،
فإن لم يعينه لم يسمع والزم القضاء، وإن قال: إنه لزيد - مثلا - فإن كذبه زيد طولب
بالحق، وإن صدقه، فإن كانت له بينة ترجحت وكان المال له، وإلا احتمل القبول،
لأن البينة الأولى شهدت بالملك لمن لا يدعيه فلا عبرة بها. والعدم، فيلزم بالقضاء
من المال لتضمن الشهادة وجوب القضاء منه، ولا يلزم من سقوطها في حق نفسه
لإنكاره سقوطها في القضاء مع اتهامه في الإقرار.
ثم إذا فصل الأمر بينه وبين هذا الخصم نادى منادي القاضي ثلاثا: أن فلانا
قضي بينه وبين خصمه فإن كان له خصم فليحضر، فإن حضر حكم بينهما، وإن لم
يحضر له خصم أطلقه بغير يمين. هذا إن عرف القاضي الخصم الذي حضر أو عرفه
الشهود، وإلا أخذ من المحبوس كفيلا وأطلقه، ونادى عليه أياما: من كان خصم
فلان المحبوس فليحضر، وإن لم يكن له كفيل نادى عليه أياما، قيل: شهرا (2) ثم
تركه، وذلك لاحتمال أن يكون احتال مع الذي حضر وادعى أنه خصمه.
(وإن قال: أنا مظلوم إذ لا حق علي) وقد حضر له خصم (طولب
خصمه بالبينة، فإن أقامها وإلا أطلقه بعد يمينه) بعد الاستظهار وتحصيل
الظن بأنه لا خصم له غيره.
(وهل يجوز إطلاقه بادعائه الظلم وإن لم يحضر خصمه؟ الأقرب
المنع) بل يشاع حاله ثم يطلق بعد إحلافه على البراءة، وفاقا للشيخ (3) لأنه قدح
في القاضي المعزول. ويحتمل الجواز، لأن إدامة الحبس عقوبة فلا يقدم على



(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في ن و ق.
(2) لم نعثر عليه.
(3) المبسوط: ج 8 ص 94.
37
ثبوت حق. وهل يلزم بكفيل؟ وجهان.
(ولو قال: لا خصم لي ولا أدري لم حبست نودي على طلب
خصمه، فإن لم يحضر) له خصم، أو حضر من ادعى أنه خصمه ولم يمكنه
إثبات حق عليه (أطلق) بعد الإحلاف، كما قاله الشيخ (1) لما ذكر، مع الاحتمال،
وفي التكفيل الوجهان.
(وإن ذكر) له خصما (غائبا وزعم أنه مظلوم ففي إطلاقه نظر) من
أصل البراءة وكون الحبس عقوبة فلا يفعل ما لم يثبت موجبه، ومن أنه فعل صدر
عن قاض فالظاهر أنه بحق، و (أقربه أنه لا يحبس ولا يطلق) و (لكن
يراقب إلى أن يحضر خصمه) قال في التحرير: والأقرب أنه لا يطالب بكفيل
ببدنه (2). (ويكتب إليه ليعجل) الحضور جمعا بين الحقين (فإن لم
يحضر) بلا مانع (أطلق).
(ثم بعد ذلك ينظر في الأوصياء) في أمر الأطفال والمجانين، أو في تفرقة
التركة أو ثلثها (وأموال الأطفال والمجانين) وأوليائهم من الأوصياء أو غيرهم.
قال في المبسوط: وإنما قلنا: يقدم النظر في أمر الأطفال والمجانين، لأن
هؤلاء لا يعبرون عن نفوسهم، ولا منهم من يمكنه المطالبة بحقه. وتفرقة الثلث إذا
كان على قوم غير معينين لم يمكنهم المطالبة بحقوقهم، فكان النظر في أمر من لا
يمكنه المطالبة بحقه أولى (3). انتهى.
(ويعتمد معهم ما يجب من تضمين) للوصي أو الولي أو غيرهما ممن
غصب أو أتلف مال الأطفال أو المجانين (أو إنفاذ) لتصرف الولي أو الوصي
(أو إسقاط ولاية) على طفل أو مجنون (إما لبلوغ ورشد، أو ظهور
خيانة) من الولي، أو ارتداد، أو طرو جنون، أو ظهور فسق (أو ضم مشارك)



(1) المبسوط: ج 8 ص 94 و 95.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 123.
(3) المبسوط: ج 8 ص 95.
38
إلى الوصي أو الولي (إن ظهر عجز).
ولا يبادر بعزل الوصي، بل إن كان أنفذ المعزول وصيته أقره، لأن الظاهر أنه
لم ينفذها إلا بعد معرفته بالصلاحية، ولكن يراعيه، فإن ظهر خطأ الأول أو طرء
فسقه عزله، وإن عجز ضم إليه مشاركا. وإن لم يكن أنفذ المعزول وصيته نظر فيه،
فإن كان أمينا قويا أقره، وإلا عزله أو شرك معه.
(ثم ينظر في امناء الحكم الحافظين لأموال الأيتام والمجانين والمحجور
عليهم - لسفه وغيره - والودائع و) الأوقاف وبيت المال وأموال الغائبين،
والامناء على (تفرقة الوصايا بين المساكين) بأن أوصى رجل بالتفرقة ولم
يوص إلى أحد بعينه، أو أوصى ولكن مات الوصي، أو عزله الأول لفسق أو عجز
(فيعزل الخائن، ويعين العاجز بمشارك، ويستبدل به إن كان) الاستبدال
(أصلح) من التشريك (ويقره إن كان أمينا قويا، وإن كان قد تصرف)
الأمين (وهو أهل له نفذ. وإن كان فاسقا) وقد ائتمن على تفرقة الوصية
(وكان أهل الوصية بالغين عاقلين معينين، صح دفعه إليهم) ولا يضمن،
لانحصار الحق فيهم وقد استوفوه (وإن كانوا غير معينين كالفقراء والمساكين
احتمل الضمان) كما في المبسوط (1) (إذ ليس له التصرف) فهو كالأجنبي.
(و) احتمل (عدمه، لأنه أوصله إلى أهله) كالتفرقة على المعينين. (وكذا)
الصحة في المعينين والاحتمالان في غيرهم (إن فرق الوصية غير الوصي).
قال في التحرير: والأقرب ما قاله الشيخ قال: أما لو تصرف في مال الوقف
على المساجد والمشاهد والمصالح من ليس له أهلية الحكم فإنه يكون ضامنا،
وإن كان قد صرفه في وجهه إذا لم يكن الواقف ولا الحاكم جعلا له النظر فيه (2).
(ثم ينظر في الضوال واللقط) التي تحت نظر الحاكم (فيبيع ما يخشى



(1) المبسوط: ج 8 ص 95 و 96.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 124.
39
تلفه، وما يستوعب مؤنته قيمته) أو يفضل عليها ويحفظ الثمن (ويسلم ما
عرفه الملتقط حولا إليه إن كان في يد الأمين واختار الملتقط ذلك) أي
التملك (ويحفظ ما عدا ذلك) أي ما عدا ما يخشى تلفه أو يستوعب مؤنته
قيمته (كالجواهر والأثمان) إن لم يختر الملتقط التملك (إلى أن يظهر
أربابها) فيسلمها إليهم.
(ثم يأمر العلماء بالحضور عنده وقت الحكم، لينبهوه على الخطأ إن
وقع منه). وقال الشافعي: ليس لهم أن ينقضوا حكمه إلا إذا خالف نصا أو
إجماعا أو قياسا جليا (1). وقال أبو حنيفة ومالك: إلا إذا خالف إجماعا (2).
(ويستوضح منهم ما عساه يشكل عليه لا بأن يقلدهم) بل يخاوضهم في
استخراج الأدلة والاستنباط منها.
(فإن أخطأ) في الحكم (فأتلف لم يضمن في ماله بل في بيت المال)
لأنه لم يرد إلا الإصلاح، وللنص كقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر الأصبغ: ما أخطأت
القضاة في دم أو قطع فهو على بيت مال المسلمين (3).
(ثم يتروى بعد ذلك في ترتيب الكاتب والمترجم) والمسمع إن كان به
صمم (والقسام والوزان والناقد) والمزكي. (وليكن الكاتب عدلا عاقلا)
ليؤمن جانبه (4) (عفيفا عن المطامع) لئلا يخدع، بصيرا بما يكتبه. وللعامة قول
بعدم اشتراط العدالة ولا الإسلام (5) بناء على أن القاضي لا يمضي إلا ما يقف عليه.
(ولا يشترط العدد).
(أما المترجم فلابد من اثنين عدلين) لأن قولهما شهادة ويكفي الاثنان



(1) انظر المغني لابن قدامة: ج 11 ص 403 - 404 والحاوي الكبير: ج 16 ص 49.
(2) راجع المغني لابن قدامة: ج 11 ص 404.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 165 ب 10 من أبواب آداب القاضي ح 1.
(4) في ن بدل " جانبه ": خيانته.
(5) المجموع: ج 20 ص 133.
40
وإن ترجما عن الزنا ولا يكفي رجل وامرأتان وإن ترجما عما يكفي فيه ذلك.
(وكذا المسمع إذا كان بالقاضي صمم).
وتردد فيه في التحرير: من مساواته للمترجم فإنه ينقل عين اللفظ كما أن
المترجم ينقل معناه، ومن أنه لو غير اللفظ عرف الخصمان والحضار بخلاف
المترجم. قال: نعم لو كان الخصمان أصمين وجب العدد لجواز غفلة الحاضرين (1).
قلت: وكذا لو كان أحدهما أصم. واحتمل الوجهان في الدروس (2) في
المترجم أيضا، إلا أن لا يعرف الخصمان لغته أو كانا أصمين.
(ولا يشترط) في الترجمة أو الإسماع (لفظ الشهادة) لأنهما يسلكان
بهما مسلك الرواية. وفي التحرير اشترطه في الترجمة دون الإسماع، قال: فإن
شرطنا العدد فالأقرب عدم اشتراط لفظ الشهادة، وإن لم يشترط فلا يراعى لفظ
الشهادة، لأنه يسلك بها مسلك الرواية (3). ولعل الفرق اختلاف اللفظ في الترجمة
وتنزل المترجم عنه منزلة الغائب.
(ولا) يشترط فيهما (الحرية) وإن اشترطناها في الشاهد، لأنهما بمنزلة
الراوي.
(ولو طلب المسمع) وهو هنا يشمل المترجم (أجرة) على الإسماع (ففي
وجوبها في مال صاحب الحق) أوبيت المال (إشكال): من كونه من المصالح
العامة، وهو خيرة التحرير (4). ومن نيابته عن المدعي وعود النفع إليه بفعله. وليس على
المنكر شئ وإن اندفع عنه الضرر بفعله، لأنه لو ترك لترك. ويحتمل وجوبها عليهما.
(ولا يعزر من أساء أدبه في مجلسه إلا بعد) الإعراض ثم النهي ثم (الزجر
باللسان والإصرار) على إساءة الأدب، لوجوب التدرج في مدارج النهي عن المنكر.
وله العفو لكن لا بحيث يزول هيبته عن عيون الناس ويؤدي إلى عدم نفوذ حكمه.



(1 و 3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 127.
(2) الدروس الشرعية: ج 2 ص 72 درس 134.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 128.
41
(فإن ظهر كذب الشاهد عزره ظاهرا) بحسب ما يراه، ويقوى الكاذب عليه
قوة وضعفا، فإن كان لا يحتمل الضرب أصلا حبسه أو وبخه وقرعه (ونادى عليه)
فيما يكون فيه معروفا من محلته أو سوقه أو قبيلته، ليتجنب الناس الوثوق بشهادته،
ويعتبر به هو وغيره. قال الشيخ: ولا يحلق رأسه ولا يركب ولا يطوف ولا ينادى
هو على نفسه (1). وفيه خلاف، وروي في أخبارنا أنه يركب وينادى عليه (2).
(ويكره أن يتخذ حاجبا وقت القضاء) لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ولي شيئا من أمور
الناس فاحتجب دون حاجتهم وفاقتهم احتجب الله دون حاجته وفاقته وفقره (3).
وقيل بالحرمة (4) لظاهر الخبر. وهو كذلك مع المداومة والأداء إلى التعطيل.
(و) يكره (اتخاذ المساجد مجلسا لحكمه دائما على رأي) وفاقا
للمحقق (5) لقول الصادق (عليه السلام) في مرسلة علي بن أسباط: جنبوا مساجدكم البيع
والشراء والمجانين والصبيان والأحكام والحدود ورفع الصوت (6). وقول
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إنما بنيت المساجد لذكر الله والصلاة (7). وقوله (صلى الله عليه وآله): جنبوا مساجدكم
صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم (8). فإن إدامة الجلوس فيه
للحكم يستلزم في الغالب وقوع الخصومات فيه ورفع الأصوات ودخول الصبيان
والمجانين، وربما استلزم دخول الحيض والمشركين.
وأما عدم الكراهة إذا اتفق أحيانا فللأصل السالم من هذه المعارضة، ولتظافر



(1) الخلاف: ج 6 ص 240، المسألة 39.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 243 ب 15 من أبواب الشهادات.
(3) سنن البيهقي: ج 10 ص 101.
(4) ذكره فخر المحققين ولم يسم قائله، راجع إيضاح الفوائد: ج 4 ص 310.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 74.
(6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 507 ب 27 من أبواب أحكام المساجد ح 1.
(7) كنز العمال: ج 7 ص 662 ح 20797.
(8) سنن البيهقي: ج 10 ص 103.
42
الأخبار بوقوعه من النبي (صلى الله عليه وآله)، ومن أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) ودكة القضاء بمسجد
الكوفة معروفة، ولأنه إذا اتفقت المرافعة في المسجد فربما وجب المبادرة إلى
الحكم ولم يجز التأخير.
وظاهر الخلاف (2) والمبسوط (3) نفي الكراهة مطلقا.
وظاهر النهاية (4) والمقنعة (5) والمراسم (6) والكامل (7) والسرائر (8) وصريح
الكافي (9) الاستحباب، لأن القضاء من أفضل الطاعات، والمسجد من أشرف البقاع.
وفي بعض الكتب أنه بلغ عليا (عليه السلام) أن شريحا يقضي في بيته فقال: يا شريح اجلس
في المسجد فإنه أعدل بين الناس، وإنه وهن بالقاضي أن يجلس في بيته (10).
وأطلق المصنف في النهاية (11) والمنتهى (12) الكراهة، عملا بعموم الأخبار
المتقدمة، وحملا للواقع على الضرورة أو الدلالة على الجواز. وفي صلاة
الكتاب (13) والشرائع (14) والنافع (15) والمعتبر (16) والإرشاد (17) والتبصرة (18)
والتلخيص (19) كراهة إنفاذ الأحكام، فقيل: المراد: الحبس على الحقوق والملازمة



(1) سنن البيهقي: ج 7 ص 398، المناقب لابن شهرآشوب: ج 2 ص 359، والفضائل لابن
شاذان: 110.
(2) الخلاف: ج 6 ص 210، المسألة 3.
(3) المبسوط: ج 8 ص 87.
(4) النهاية: ج 2 ص 69.
(5) المقنعة: ص 722.
(6) المراسم: ص 230.
(7) كما في مختلف الشيعة: ج 8 ص 358.
(8) السرائر: ج 2 ص 156.
(9) الكافي في الفقه: ص 444.
(10) دعائم الإسلام: ج 2 ص 534 ح 1897.
(11) نهاية الاحكام: ج 1 ص 356، وفيها: وتجنب الأحكام.
(12) منتهى المطلب: ج 1 ص 388 س 10، وفيها: وتجنب الأحكام.
(13) قواعد الأحكام: ج 1 ص 262.
(14) شرائع الإسلام: ج 1 ص 128 وج 4 ص 74.
(15) المختصر النافع: ص 49.
(16) المعتبر: ج 2 ص 452.
(17) إرشاد الأذهان: ج 1 ص 250.
(18) تبصرة المتعلمين: ص 40.
(19) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 27 ص 570.
43
عليها (1). لكن يدخل فيه إقامة الحدود وهي مذكورة معه في جميع هذه الكتب.
وأيضا فاحتج له في المعتبر باستتباعه مشاجرة الخصوم وقولهم الكذب (2).
(و) يكره (القضاء مع غضب وشبهه مما يشغل الخاطر) كما تقدم.
(ولو قضى حينئذ) فوافق الحق (نفذ) للأصل من دون معارض، ولما روي
من أن الزبير بن العوام ورجلا من الأنصار اختصما في شراج الحرة إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال (عليه السلام): اسق زرعك يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك، فقال
الأنصاري: إن كان ابن عمك، فاحمر وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: اسق زرعك يا
زبير احبس الماء حتى يبلغ أصول الجدر (3). لأنه (صلى الله عليه وآله) استنزل الزبير أولا عن
كمال حقه فلما أغضبه الأنصاري أمره باستيفاء حقه. وقيل بانتفاء الكراهة إن كان
الغضب لله لهذه الرواية (4).
(و) يكره (أن يتولى البيع والشراء لنفسه) في مجلس الحكم أو غيره،
مع من يعلم أنه يحابي أو مع غيره، لما روي عنه (صلى الله عليه وآله) من قوله: ما عدل وال اتجر
في رعيته أبدا (5). وفي رواية لعنت إماما يتجر في رعيته (6). ولأنه قد يحابي من
عامله فيميل قلبه إليه إذا رفع إليه في أمر، وقد يخاف خصم من عامله ميل القاضي
عليه فيمتنع من الرفع إليه. والحق بهما سائر المعاملات من إجارة واستئجار
وغيرهما. فالطريق في معاملته مع رعيته: أن يوكل وكيلا لا يعرف أنه وكيله، فإذا
عرف أبدله بآخر، وإن احتاج إلى المباشرة بنفسه أو بوكيل معروف جاز ولم يكره.
وفي المناقب لأخطب خوارزم عن أبي مطر عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أنه أتى سوق
الكرابيس، فقال: يا شيخ أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم فلما عرفه لم يشتر



(1) القائل هو الشهيد في مسالك الافهام: ج 1 ص 329.
(2) المعتبر: ج 2 ص 452.
(3) سنن البيهقي: ج 10 ص 106.
(4) القائل هو صاحب مجمع الفائدة والبرهان: ج 12 ص 44.
(5) كنز العمال: ج 6 ص 23 ح 14676.
(6) الكامل لعبد الله بن عدي: ج 6 ص 224.
44
منه شيئا، ثم أتى آخر فلما عرفه لم يشتر منه شيئا، فأتى غلاما حدثا فاشترى منه
قميصا بثلاثة دراهم (1).
(و) أن يتولى (الحكومة) بنفسه بمعنى أنه إذا خاصمه غيره وأراد
التحاكم إلى قاض آخر لم يرتفع إليه بنفسه بل وكل وكيلا، فقد روي أن عليا (عليه السلام)
وكل عقيلا في خصومة وقال: إن للخصومة قحما (2) وإني لأكره أن أحضرها.
(و) يكره (أن يستعمل الانقباض المانع من الحجاج عنده أو اللين
المفضي إلى سقوط محله).
(و) يكره (نصب (3) شهود معينين) لما فيه من التضييق على الناس
والغضاضة من العدول إلى غيرهم.
وفي المبسوط: لا يجوز للحاكم أن يرتب شهودا يسمع شهادتهم دون غيرهم،
بل يدع الناس، فكل من شهد عنده فإن عرفه، وإلا سأل عنه على ما قلناه. وقيل:
إن أول من رتب شهودا لا يقبل غيرهم إسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي.
والصحيح ما قلناه، لأن الحاكم إذا رتب قوما فإنما يفعل هذا بمن هو عدل عنده،
وغير من رتبه كذلك مثله أو أعدل منه، فإذا كان الكل سواء لم يجز أن يخص
بعضهم بالقبول دون بعض، ولأن فيه مشقة على الناس لحاجتهم إلى الشهادة
بالحقوق في كل وقت من نكاح وغصب وقتل وغير ذلك، فإذا لم يقبل إلا قوما
دون قوم شق على الناس، فإن الشاهد إذا علم أنه لا يقبل قول غيره ربما تقاعد
عنها حتى يأخذ الرشوة عليها، ولأن فيه إبطال الحقوق، فإن كل من له حق لا يقدر



(1) المناقب للخوارزمي: ص 121 ح 136.
(2) نهج البلاغة: 517، غريب كلامه 3. قال ابن أبي الحديد: وهذه الكلمة قالها
أمير المؤمنين (عليه السلام) حين وكل عبد الله بن جعفر في الخصومة عنه وهو شاهد، شرح النهج ج 19
ص 107، ولم يرد فيهما قوله: " وإني لأكره أن أحضرها ".
(3) في القواعد: بدل " نصب ": ترتيب.
45
على إقامة البينة به ممن كان مقبول الشهادة راتبا لها دون غيرهم. فأما إن رتب
قوما قد عرف عدالتهم وسكن إليهم، يسمع قولهم ويقبل شهادتهم، فإذا شهد بالحق
عنده غيرهم بحث عنهم، فإذا زكوا حكم بذلك، فلا بأس به (1) انتهى.
والحق أن ما تضمنه هذا الكلام من قهر الناس على أن لا يحملوا الشهادة
سوى من عينهم لها، أو عدم سماع شهادة غيرهم من العدول، مع معرفته باجتماع
شروط القبول أو تمكنه من المعرفة، فلا شبهة في حرمته، وإنما المكروه أن يرتب
قوما لتحمل الشهادة من غير قهر ولا رد لشهادة غيرهم.
(الفصل الثاني في التسوية)
(ويجب على الحاكم التسوية بين الخصمين إن تساويا في الإسلام
والكفر، في القيام والنظر وجواب السلام وأنواع الإكرام والجلوس
والإنصات والعدل في الحكم) لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): من ابتلي بالقضاء بين المسلمين
فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده ولا يرفعن صوته على أحدهما ما لا يرفع
على الآخر (2). وقول علي (عليه السلام) لشريح: ثم واس بين المسلمين بوجهك ومنطقك
ومجلسك، حتى لا يطمع قريبك في حيفك، ولا ييأس عدوك من عدلك (3).
والوجوب صريحه هنا وفي سائر كتبه (4) والأكثر.
ونص في المختلف على الاستحباب (5) وفاقا للسرائر (6) استضعافا لدليل
الوجوب سندا ودلالة مع الأصل.
(و) لا يجب التسوية ولا يستحب مع الاختلاف في الإسلام والكفر بل (له



(1) المبسوط: ج 8 ص 111 - 112.
(2) سنن البيهقي: ج 10 ص 135.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 155 ب 1 من أبواب آداب القاضي ح 1.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 128، إرشاد الأذهان: ج 2 ص 140.
(5) مختلف الشيعة: ج 8 ص 403.
(6) السرائر: ج 2 ص 157.
46
أن يرفع المسلم على الذمي في المجلس، فيجلس المسلم أعلى من الذمي،
ويجوز أن يكون المسلم قاعدا والذمي قائما) تعظيما للإسلام، وقد روي أن
عليا (عليه السلام) رأى درعا في يد يهودي فعرفها وقال: هذه درعي ضاعت مني يوم
الجمل فأنكر اليهودي، فترافعا إلى شريح، فقام شريح وجلس علي مكانه، وجلس
شريح واليهودي بين يديه، فقال (عليه السلام): لولا أنه ذمي لجلست معه بين يديك غير
أني سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: لا تساووهم في المجالس (1).
(ولا يجب التسوية في الميل القلبي) وإن تساويا في الدين للتعذر أو
التعسر، ويرشد إليه قوله تعالى: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم
فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة " (2).
ولكن قال الباقر (عليه السلام) في حسن الثمالي: كان في بني إسرائيل قاض يقضي بالحق
فيهم، فلما حضره الموت قال لامرأته: إذا أنا مت فاغسليني وكفنيني وضعيني على
سريري وغطي وجهي، فإنك لا ترين سوء، فلما مات فعلت ذلك، ثم مكثت بذلك
حينا، ثم إنها كشفت عن وجهه لتنظر إليه فإذا هي بدودة تقرض منخره، ففزعت من
ذلك، فلما كان الليل أتاها في منامها فقال لها: أفزعك ما رأيت؟ قالت: أجل لقد
فزعت، فقال لها: أما لئن كنت فزعت ما كان الذي رأيت إلا في أخيك فلان، أتاني
ومعه خصم له، فلما جلسا إلي قلت: اللهم اجعل الحق له، ووجه القضاء على صاحبه،
فلما اختصما إلي كان الحق له، ورأيت ذلك بينا في القضاء، فوجهت القضاء له على
صاحبه، فأصابني ما رأيت لموضع هواي كان مع موافقة الحق (3).
(فإن ادعى أحد الخصمين) وابتدأ بالكلام (سمع منه، وإلا استحب له
أن يقول لهما: تكلما) أو إن كنتما حضرتما لشيء فاذكراه (أو ليتكلم المدعي



(1) راجع المغني لابن قدامة: ج 11 ص 444.
(2) النساء: 129.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 164 ب 9 من أبواب آداب القاضي ح 2.
47
منكما) لاحتمال أنهما سكتا احتشاما له أو انتظارا لإذنه لهما في الكلام. (ولو
أحس منهما باحتشامه) إذا كلمهما بنفسه (أمر من يقول) لهما (ذلك).
(ويكره أن يخصص أحدهما بالخطاب) فيقول له: تكلم، لإيجابه
انكسار قلب الآخر. والقول بكراهة التخصيص مع إيجاب التسوية كما في الكتاب
وظاهر الشرائع (1) والتلخيص (2) يعطي أنه لا ينافي التسوية، وعبر في التحرير (3)
والمبسوط (4) بلفظ النهي الظاهر في الحرمة.
(فإن (5) ادعى) المدعي منهما ابتداء أو بعد الأمر بالكلام (طالب) الحاكم
(الثاني بالجواب) من غير مسألة المدعي أو معها على الخلاف الآتي، مع
استقراب الثاني (فإن أقر ثبت الحق وإن لم يقل) القاضي (قضيت) لأن
الإقرار أوضح من البينة فهو أولى بالإثبات، وعموم ما دل على جواز إقرار العقلاء
على أنفسهم (6). وللعامة وجه بتوقف الثبوت على حكم الحاكم كما إذا ثبت بالبينة.
والفرق واضح. (وإن أنكر) الثاني (قال للمدعي: هل لك بينة؟ فإن قال: لا،
ثم جاء ببينة) قبل الإحلاف (فالأقرب سماعها، فلعله تذكر) أو تيسر له
إحضارها بعد عسر، أو صلح للشهادة بعد صغر أو جنون أو كفر أو فسق أو غيرها.
ويحتمل العدم، لأنه كذبها بنفيها، وهو ممنوع. أو لأنه رضي باليمين وبسقوط حقه
بها، ولا يجدي فإنه رضي ضرورة.
(فإن تزاحم المدعون) عند القاضي (قدم السابق ورودا) لأنه لا
يمكنه الحكم بين الكل دفعة، ولا أن يقدم أحدهم لموضعه في نفسه أو لحكومته،
فلم يبق إلا اعتبار السبق، كما يقدم السابق في مقاعد الطرقات والأسواق والمياه



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 81.
(2) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 33 ص 356.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 129.
(4) المبسوط: ج 8 ص 150.
(5) في القواعد: فإذا.
(6) وسائل الشيعة: ج 16 ص 111 ب 3 من كتاب الإقرار ح 2.
48
والمعادن ونحوها، كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم): منى مناخ من سبق (1). والعبرة بسبق المدعي.
(فإن تساووا) في الورود أو اشتبه السابق (أقرع) بأن يكتب أسماؤهم
في رقاع ويجعل كل رقعة في بندقة من طين أو شمع أو نحوهما، ويجعل عند من
لم يحضر أو لم يعلم، ويقال له: أخرج باسم السابق، فكل من خرج اسمه عليه حكم
عليه بالسبق. وإن كثروا كتبت أسماؤهم في رقاع وجعلت بين يدي الحاكم مستورة
فيأخذ رقعة رقعة. واختلف في أنه هل يكتفى بأسماء المدعين أو لابد معها من
أسماء خصومهم؟ (2). فلو كان لأحدهم خصمان كتب له رقعتان، والأقرب الأول.
(ويقدم المسافر المستوفر.) أي المستعجل الغير المطمئن، وهو يشمل
المقيم الذي على جناح الرحيل، على المقيمين وإن تأخر لأنه أحق بتقديم قضاء
حاجته، لما به من الاضطرار، كما أن السابق أحق من المسبوق لسبقه إلا أن يكثر
المسافرون بحيث يضر تقديمهم بالمقيمين فيساوونهم.
(و) كذا تقدم (المرأة) لأنها أحق بسرعة الرجوع إلى بيتها، ونحوهما كل
ذي حاجة يضر به التأخير.
(وكذلك المفتي والمدرس عند التزاحم) يقدم السابق، ومع الاتفاق أو
الاشتباه يقرع.
(ثم السابق بقرعة يقنع بخصومة واحدة ولا يزيد وإن اتحد المدعى
عليه) في خصوماته، فإنه لو فصل له جميع خصوماته لكان قد يفضي إلى
استغراق المجلس له، فإذا لم يبق إلا واحد وكانت له خصومات نظر فيها كلها، إذ
لا مزاحم له إلا أن يكون لمن قبله خصومة انتظر بها إلى فراغه، فبعد الفراغ من خصومة
واحدة له ينظر في خصومة المتقدم المنتظر. وخص المصنف الحكم بالسابق بقرعة،



(1) سنن البيهقي: ج 5 ص 139.
(2) في هامش المطبوع زيادة: لعل خصومهم تأخر أو حضر خصهم آخر أقدم منه.
49
وعممه الشيخ له وللمعلوم السبق (1) وعبارة التحرير يحتمل العموم والخصوص (2).
(ولو) ارتفع إلى القاضي اثنان و (سبق أحدهما إلى الدعوى) على الآخر
(فقال الآخر: كنت أنا المدعي لم يلتفت إليه إلا بعد إنهاء الحكومة) في
الأولى، للسبق.
(ولو بدرا دفعة سمع من الذي على يمين صاحبه أولا) بالاتفاق على
ما في الانتصار، قال: ووجدت ابن الجنيد لما روى عن ابن محبوب عن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قضى أن يقدم صاحب اليمين في المجلس
بالكلام (3) قال ابن الجنيد: يحتمل أن يكون أراد بذلك المدعي، لأن اليمين مردودة
إليه، قال ابن الجنيد: إلا أن ابن محبوب فسر ذلك في حديث رواه عن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إذا تقدمت مع خصم إلى وال أو قاض فكن عن
يمينه، يعني: يمين الخصم (4). وهذا تخليط من ابن الجنيد، لأن التأويلات إنما تدخل
بحيث تشكل الامور، ولا خلاف بين القوم أنه إنما أراد يمين الخصم دون اليمين
التي هي القسم، وإذا فرضنا المسألة في نفسين تبادرا الكلام بين يدي القاضي
وتناهياه وأراد كل واحد منهما أن يدعي على صاحبه فهما جميعا مدعيان، كما
أنهما جميعا مدعى عليهما، فبطلت المزية والتفرقة التي توهمها ابن الجنيد (5). انتهى.
والاعتراض على ابن الجنيد مدفوع، فإنه لا يؤول الحديث وإنما يقول: إن
لفظ الخبر وحده لا يصلح سندا للحكم لاحتمال اليمين القسم، ثم استدرك وذكر
أنه وإن احتمله لكن فسر في خبر آخر بمقابل الشمال. ثم إنه لم يدع أن معنى الخبر
أنه إذا ابتدر شخصان وأراد كل منهما أن يدعي على صاحبه قدم المدعي، ولا في



(1) المبسوط: ج 8 ص 153.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 129.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 160 ب 5 من أبواب آداب القاضي ح 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 159 ب 5 من أبواب آداب القاضي ح 1.
(5) الانتصار: ص 495.
50
الخبر لفظ يخصصه بهذه الصورة حتى يرد عليه أن كلا منهما مدعي ومدعى عليه. نعم
يرد على ابن الجنيد أنه لما احتمل أن يكون صاحب اليمين هو المدعي كان ينبغي
أن يوجهه بأن الذي يحلف المنكر، واليمين حق له عليه، فإن التوجيه بأنه يحلف
إذا ردت اليمين إليه في غاية البعد [ويجوز أن يرد له اليمين إليه أي حقه] (1).
وفي المبسوط: فالذي رواه أصحابنا أنه يقدم من يكون على يمين صاحبه.
وقال قوم: يقرع بينهما. ومنهم من قال: يقدم الحاكم من شاء. ومنهم من قال:
يصرفهما حتى يصطلحا. ومنهم من كان يستحلف كل واحد منهما لصاحبه. وبعد ما
رويناه القرعة أولى (2).
وفي الخلاف بعد ما ذكر رواية الأصحاب والأقوال المنقولة في المبسوط
قال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، ولو قلنا بالقرعة على ما ذهب إليه أصحاب
الشافعي كان قويا، لأنه مذهبنا في كل أمر مجهول (3).
(ويكره) وفي المبسوط: ولا يجوز (4) (له أن يضيف أحد الخصمين دون
صاحبه) لاقتضائه التهمة بأن هواه فيه، وربما أوجب انكسار قلب الآخر، ولخبر
السكوني عن الصادق (عليه السلام): أن رجلا نزل بأمير المؤمنين (عليه السلام) فمكث عنده أياما ثم
تقدم إليه في خصومة لم يذكرها لأمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: أخصم أنت؟ قال:
نعم، قال: تحول عنا، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى أن يضاف خصم إلا ومعه خصمه (5).
(ولا ينبغي أن يحضر ولائم الخصوم) لئلا يزيد أحدهم في إكرامه
فيميل إليه. (ولا بأس بوليمة غيرهم إذا لم يكن هو المقصود بالدعوى)
أي الدعوة بل يعمه وغيره، وإلا احتمل أن يكون غرض المضيف إمالته إلى نفسه.



(1) لم يرد في ن و ق، وفي ل: ويجوز أن يريد أن اليمين إليه أي حقه.
(2) المبسوط: ج 8 ص 154.
(3) الخلاف: ج 6 ص 234، المسألة 32.
(4) المبسوط: ج 8 ص 151.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 157 ب 3 من أبواب آداب القاضي ح 2.
51
وللعامة قول بحرمة حضوره الولائم مطلقا (1).
(ويستحب له أن يعود المرضى، ويشهد الجنائز) كغيره، للعموم.
(والرشوة) مثلثة وهي الجعل وأصلها بذل على سبب أو تسبب بشيء برفق
(حرام على آخذها) كانت له كفاية أو رزق من بيت المال أم لا، لعموم
النصوص كقوله (صلى الله عليه وآله): لعن الله الراشي والمرتشي (2). وسئل الصادق (عليه السلام) عن
السحت، فقال: الرشا في الحكم (3). وعنه (عليه السلام): الرشا في الحكم هو الكفر بالله (4).
(ويأثم دافعها إن توصل بها إلى الباطل لا إلى الحق) إذا لم يمكن
الوصول بدونه.
(ويجب على المرتشي إعادتها) لأنه لا يملكها (وإن حكم عليه) أي
الراشي (بحق أو باطل. ولو تلفت قبل وصولها إليه) أي الراشي (ضمنها)
لأنه غاصب.
وأما الهدية فإن كانت ممن له عادة بقبولها منه فلا بأس بأخذها. ويستحب
التنزه، إلا أن يهديه للحكم فيحرم. وإن كانت ممن لا عادة له بالإهداء فالوجه
الحرمة، لأنه كالرشوة، ولما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قوله: هدية العمال سحت (5).
ومن أنه استعمل على الصدقات رجلا فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي،
فقام النبي (صلى الله عليه وآله) على المنبر فقال: ما بال العامل نبعثه على أموالنا يقول هذا لكم
وهذا أهدي إلي، فهلا جلس في بيت أبيه أو في بيت امه ينظر أيهدى له أم لا؟
والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منها شيئا إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته، إن
كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يده حتى رأينا غفرة



(1) الحاوي الكبير: ج 16 ص 44.
(2) كنز العمال: ج 6 ص 113 ح 15078.
(3) وسائل الشيعة: ج 12 ص 62 ب 5 من أبواب ما يكتسب به ح 4.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 162 ب 8 من أبواب آداب القاضي ح 3.
(5) الكامل لعبد الله بن عدي: ج 1 ص 458.
52
إبطيه، ثم قال: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ (1).
قال في المبسوط: فإن قيل: أليس قد قال النبي (صلى الله عليه وآله): لو دعيت إلى ذراع
لأجبت ولو أهدي إلي كراع لقبلت؟ قلنا: الفصل بينه وبين امته أنه معصوم عن
تغيير حكم بهدية، وهذا معدوم في غيره (2).
(ولا يجوز أن يلقن أحد الخصمين ما فيه ضرر على خصمه) كأن لا
يجزم بما يدعيه فيلقنه الجزم (ولا أن يهديه لوجوه الحجاج) كأن يعلمه
الإنكار أو النكول، أو يريد النكول فيلقنه اليمين (لأنه نصب لسد باب
المنازعة) لا لفتحه. نعم يجوز إذا علم الحاكم بالحال وأراد إحقاق الحق ولم يهتد
صاحبه لتحرير الدعوى أو وجه الحجاج.
(ولو قطع المدعى عليه دعوى المدعي بدعوى) عليه (لم يسمع
حتى ينتهي الحكومة) الأولى، لسبقه بالدعوى. والفرق بينه وبين ما مر أن
المدعى عليه فيما مر كان يدعي أنه الذي أحضر المدعي ليدعي عليه فبادره
بالدعوى، بخلافه هنا.
(وإذا كان الحكم) الشرعي (واضحا لزمه القضاء) على وفقه إن سأله
المدعي كما سيأتي. (و) لكن (يستحب ترغيبهما في الصلح) فالصلح خير،
والترغيب فيه أمر بالمعروف، ولا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو
معروف أو إصلاح بين الناس.
(فإن تعذر حكم بمقتضى الشرع) وسنذكر صورة الحكم. (وإن
أشكل) الحكم (أخر) القضاء (حتى يظهر) له الحكم الشرعي. (ولا حد
له) أي التأخير (سواه) أي الظهور، فإن لم يظهر له قال: لا أدري، فاصطلحا أو
ارتفعا إلى الإمام أو قاض آخر.



(1) سنن أبي داود: ج 3 ص 134 ح 2946، سنن الدارمي: ج 2 ص 232.
(2) المبسوط: ج 8 ص 152.
53
(ويكره له أن يشفع في إسقاط) بعض الحق (أو إبطال) كله أو إسقاط
الحق كلا أو بعضا بعد الإثبات، أو إبطال الدعوى قبله. فعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه سأله
أسامة حاجة لبعض من خاصم إليه، فقال له: يا أسامة لا تسألني حاجة إذا جلست
مجلس القضاء، فإن الحقوق ليس فيها شفاعة (1).
والصلح ليس من الإسقاط أو الإبطال في شيء، فإنهما إبراء وإن كان قد
يتضمن ما يقرب منه، أو الصلح قبل ثبوت الحق لإسقاط اليمين أو تجشم
الإثبات، أو الصلح بتوسيط ثالث والشفاعة بنفسه.
وقال المفيد: فإن أقر المدعى عليه بما ادعاه خصمه وقال: أريد أن ينظرني حتى
أتمحله، قال الحاكم لخصمه: أتسمع ما يقول خصمك؟ فإن قال: نعم، قال له: فما
عندك فيه؟ فإن سكت ولم يجب بشيء توقف عليه القاضي هنيئة، ثم قال له: فما
عندك فيه؟ فإن لم يقل شيئا أقامه ونظر في أمر غيره، وإن قال: أنظره، فذاك له، وإن أبى
لم يكن للحاكم أن يشفع إليه فيه، ولا يشير عليه بإنظاره ولاغيره، ولكن يثبت الحكم
فيما بينهما (2). ونحوه في النهاية (3) والكامل (4) والمراسم (5) لكن لم يذكر غير الإنظار.
وفي الكافي: فإن أقام على الإنكار عرض عليهما الصلح فإن أجابا إليه
دفعهما إلى من يتوسط بينهما، ولا يتولى ذلك بنفسه، لأن الحاكم نصب للقطع
بالحكم فثبت الحكم، والوسيط شافع، ويجوز له في الإصلاح ما يخرج عن
الحكم (6). ونحوه في الغنية (7).
وفي السرائر: وإن أبى - يعني الإنظار - فليس للحاكم أن يشفع إليه فيه، ولا
يشير إليه بالإنظار، وله أن يأمرهما بالصلح ويشير بذلك، لقوله تعالى: " والصلح



(1) دعائم الإسلام: ج 2 ص 537 ح 1905.
(2) المقنعة: ص 724.
(3) النهاية: ج 2 ص 70.
(4) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 359.
(5) المراسم: ص 231.
(6) الكافي في الفقه: ص 447.
(7) الغنية: ص 445.
54
خير " وما هو خير فللإنسان أن يفعله بغير خلاف من محصل، ويشتبه هذا على
كثير من المتفقهة فيظن أنه لا يجوز للحاكم أن يأمر بالصلح ولا يشير به، وهذا خطأ
من قائله، وشيخنا أبو جعفر قد أفصح عن ذلك، فقال: إذا ترافع إليه نفسان وكان
الحكم بينهما واضحا لا إشكال فيه لزمه أن يقضي بينهما، ويستحب أن يأمرهما
بالمصالحة، وإن كان حكمهما مشكلا أخره إلى البيان (1).
(ويستحب إجلاس الخصمين بين يدي الحاكم) لأنه أقرب إلى التسوية،
والخطاب معهما أسهل، وأمرهما أوضح، وقد تقدم قول علي (عليه السلام): لولا أنه ذمي
لجلست معه بين يديك (2). وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله): أنه قضى أن يجلس الخصمان
بين يدي القاضي (3). (ولو قاما) بين يديه (جاز). ولا يجوز الإقامة إن لم
يرضيا. وإن اختار أحدهما القيام مع جلوس الآخر فقد أسقط حق نفسه من التسوية.
(الفصل الثالث في مستند القضاء)
(الإمام يقضي بعلمه مطلقا) في حقوق الله وحقوق الناس اتفاقا كما في
الانتصار (4) والغنية (5) والإيضاح (6) وما سيأتي في غيره، ولقول علي (عليه السلام) لشريح
في درع طلحة: ويلك أو ويحك إمام المسلمين يؤمن من أمورهم على ما هو أعظم
من هذا (7). ولقوله تعالى: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس
بالحق " (8). وقال: " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط " (9). ومن حكم بعلمه فقد حكم
بالحق وبالعدل. ولقول الصادق (عليه السلام) في خبر الحسين بن خالد: الواجب على الإمام
إذا نظر إلى الرجل يزني أو يشرب خمرا أن يقيم عليه الحد، ولا يحتاج إلى بينة مع نظره،



(1) السرائر: ج 2 ص 160.
(2) تقدم في ص...
(3) سنن البيهقي: ج 10 ص 135.
(4) الانتصار: 486.
(5) الغنية: ص 436.
(6) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 312.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 194 ب 14 من أبواب كيفية الحكم ح 6.
(8) ص: 26.
(9) المائدة: 42.
55
لأنه أمين الله في خلقه (1). ولوجوب تصديق الإمام في كل ما يقوله وكفر مكذبه، ولذا
قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) خصم النبي (صلى الله عليه وآله) لما تخاصما إليه في الناقة وثمنها (2). وهو
يقتضي وجوب الخروج من حق يخبر به الإمام، وهو يقتضي وجوب إخبار الإمام
به، إذ لو لم يخبر لأدى إلى ضياع الحق، هذا مع براءة ساحة الإمام لعصمته عن التهمة.
ولكن في تتمة خبر الحسين بن خالد - بعد ما سمعته -: وإذا نظر إلى رجل يسرق
فالواجب عليه أن يزبره وينهاه ويمضي ويدعه، قال: قلت: كيف ذلك؟ فقال (عليه السلام): لأن
الحق إذا كان لله فالواجب على الإمام إقامته، وإذا كان للناس فهو للناس (3).
وذكر السيد أنه وجد أبا علي يستدل على بطلان الحكم بالعلم، بأن الله أوجب
للمؤمنين فيما بينهم حقوقا أبطلها فيما بينهم وبين الكفار والمرتدين كالمواريث
والمناكحة وأكل الذبائح، ووجدنا الله قد اطلع رسوله (صلى الله عليه وآله) على من كان يبطن
الكفر ويظهر الإسلام فكان يعلمه، ولم يبين (عليه السلام) أحوالهم لجميع المؤمنين فيمتنعوا
من مناكحتهم وأكل ذبائحهم. ودفعه بمنع أن الله قد اطلعه (عليه السلام) عليهم بأعيانهم،
قال: فإن استدل على ذلك بقوله تعالى: " ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم
ولتعرفنهم في لحن القول " فهذا لا يدل على وقوع التعريف وإنما يدل على القدرة
عليه، ومعنى قوله: " ولتعرفنهم في لحن القول " أي ليستقر ظنك أو وهمك من غير
ظن ولا يقين. قال: ثم لو سلمنا على غاية مقترحة أنه عليه وعلى آله السلام قد
اطلع على البواطن لم يلزم ما ذكره، لأنه غير ممتنع أن يكون تحريم المناكحة
والموارثة وأكل الذبائح إنما يختص بمن أظهر كفره وردته دون من أبطنها، وأن
تكون المصلحة التي بها يتعلق التحريم والتحليل اقتضت ما ذكرناه، فلا يجب على
النبي (صلى الله عليه وآله) أن يبين أحوال من أبطن الردة والكفر لأجل هذه الأحكام التي ذكرها،
لأنها تتعلق بالمبطن والمظهر لا على سواء. وليس كذلك الزنا وشرب الخمر



(1 و 3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 344 ب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح 3.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 200 ب 18 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
56
والسرقة، لأن الحد في هذه الامور يتعلق بالمبطن والمظهر على سواء (1).
(وغيره يقضي به) أي بعلمه (في حقوق الناس) قطعا (وكذا في
حقه تعالى على الأصح) وفاقا للمشهور بل في الانتصار (2) والخلاف (3)
والغنية (4) والسرائر (5) الإجماع عليه.
قال السيد: فإن قيل: كيف يستجيزون ادعاء الإجماع من الإمامية في هذه المسألة
وأبو علي بن الجنيد يصرح بالخلاف فيها، ويذهب إلى أنه لا يجوز للحاكم أن يحكم
بعلمه في شيء من الحقوق ولا الحدود؟ قلنا: لا خلاف بين الإمامية في هذه المسألة،
وقد تقدم إجماعهم ابن الجنيد وتأخر عنه. وإنما عول ابن الجنيد فيها على ضرب
من الرأي والاجتهاد، وخطؤه ظاهر. وكيف يخفى إطباق الإمامية على وجوب الحكم
بالعلم، وهم ينكرون توقف أبي بكر عن الحكم لفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بفدك
لما ادعت أنه نحلها أبوها؟ ويقولون: إذا كان عالما بعصمتها وطهارتها وأنها لا
تدعي إلا حقا، فلاوجه لمطالبتها بإقامة البينة، لأن البينة لاوجه لها مع العلم بالصدق،
فكيف خفي على ابن الجنيد هذا الذي لا يخفى على أحد؟ ثم ذكر الأخبار
المتضمنة لما ذكرنا من فعل علي (عليه السلام) بخصم النبي (صلى الله عليه وآله)، وقوله (عليه السلام) لشريح، وخبر
ذي الشهادتين. ثم قال: فمن يروي هذه الأخبار مستحسنا لها، معولا عليها، كيف
يجوز أن يشك في أنه كان يذهب إلى أن الحاكم يحكم بعلمه؟ لولا قلة تأمل ابن
الجنيد. ثم استدل بإطلاق آيتي السرقة والزنا، قال: فمن علمه الإمام سارقا أو
زانيا قبل القضاء أو بعده فواجب عليه أن يقضي فيه بما أوجبته الآية من إقامة
الحد. قال: وإذا ثبت ذلك في الحدود فهو ثابت في الأموال، ولم يجزه أحد من
الأمة في الحدود دون الأموال. ثم اعترض باحتمال الآيتين الاختصاص بالإقرار



(1) الانتصار: ص 494.
(2) الانتصار: ص 487.
(3) الخلاف: ج 6 ص 244، المسألة 41.
(4) الغنية: ص 436.
(5) السرائر: ج 2 ص 179.
57
أو الثبوت بالبينة، وأجاب بأن حقيقة الزاني من فعل الزنا، والسارق من فعل
السرقة، لا من أقر أو شهد عليه وإن جاز أن لا يكون فعلهما، وأيضا فالإقرار
والبينة إنما اعتبرا لكشفهما عن الأمر بالظن الغالب فالعلم اليقيني أولى (1).
وأيضا لو لم يجز الحكم بالعلم لوقف الحكم أو فسق الحاكم في نحو ما إذا
طلق بحضرته ثلاثا ثم جحد الطلاق، فإن القول قوله مع اليمين فإن استحلفه
ويسلمها إليه فسق، وإلا وقف الحكم. وكذا إذا أعتق الرجل بحضرته ثم جحد،
فإما أن يسلم العبد إليه فيفسق، أو يقف الحكم.
وفي الانتصار عن أبي علي: أنه لا يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في شيء من
الحقوق ولا الحدود. قال السيد (رحمه الله) ورأيته يفرق بين علم النبي (صلى الله عليه وآله) وبين علم
خلفائه وحكامه. وهذا غلط منه، لأن علم العالمين بالمعلومات لا يختلف، فعلم
كل أحد بمعلوم بعينه كعلم كل عالم به، وكما أن الإمام أو النبي (صلى الله عليه وآله) إذا شاهدا
رجلا يزني أو يسرق فهما عالمان بذلك علما صحيحا، فكذلك من علم مثل ما
علماه من خلفائهما، والتساوي في ذلك موجود. انتهى (2).
وقد استدل لذلك بوجوه: منها: قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): لو أعطي الناس بدعاويهم لادعى
قوم دماء قوم وأموالهم لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر (3). ومنها:
أنه لو حكم بعلمه لزكى نفسه وعرضها للتهمة. ومنها: قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قضية
الملاعنة: لو كنت راجما من غير بينة لرجمتها (4).
والخبران مع تسليم سندهما ليسا من الدلالة في شيء، فإن العلم أقوى البينات،
والإعطاء به ليس من الإعطاء بالدعوى، مع وجوب تقييد المطلق بالدليل. ويمكن
أن يكون (عليه السلام) تفرس من الملاعنة الكذب من غير أن يكون شاهدها تزني، والتهمة



(1 و 2) الانتصار: ص 487 - 493.
(3) سنن البيهقي: ج 10 ص 252.
(4) عوالي اللآلئ: ج 3 ص 518 ح 14.
58
ربما تجري مع البينة - خصوصا وفي الانتصار (1) والمبسوط: أنه لا خلاف في الحكم
بالعلم في الجرح والتعديل (2) - والتزكية لازمة بتولي القضاء وبالجرح أو التعديل بالعلم.
وفي المبسوط: والذي يقتضيه مذهبنا ورواياتنا أن للإمام أن يحكم بعلمه،
وأما من عداه من الحكام فالأظهر أن لهم أن يحكموا بعلمهم، وقد روي أنه ليس له
أن يحكم بعلمه لما فيه من التهمة (3).
وجوز ابن حمزة: الحكم بالعلم في حقوق الناس دون حقوق الله (4) لابتنائها
على المسامحة والرخصة والستر.
وفي حدود النهاية: إذا شاهد الإمام من يزني أو يشرب الخمر كان عليه أن
يقيم الحد، ولا ينتظر مع مشاهدته قيام البينة والإقرار، وليس ذلك لغيره، بل هو
مخصوص به، وغيره وإن شاهد يحتاج إلى أن تقوم بينة أو إقرار من الفاعل (5).
وعن أبي علي في الأحمدي: الحكم في حدود الله دون حقوق الناس (6).
(ولا يشترط في حكمه) بعلمه (حضور شاهد) للحق (يشهد الحكم)
أي يحضره، كما قال الحسن بن حي: إنه إن علم قبل القضاء لا يقضي في حقوق
الناس إلا بعد الاستحلاف، وفي الحدود: إن علم بعد القضاء فلا يقضي حتى يشهد
معه في الزنا ثلاثة، وفي غيره واحد. وقال الأوزاعي: إنه يشهد معه رجل آخر في
القذف حتى يحده. وقال ليث: لا يحكم في حقوق الناس حتى يشهد معه آخر.
وقال ابن أبي ليلى: من أقر عند القاضي بدين في مجلس الحكم فالقاضي لا ينفذ
ذلك حتى يشهد معه آخر (7). (لكن يستحب) دفعا للتهمة.



(1) لم نعثر عليه فيه صريحا، انظر الانتصار: ص 486 - 495.
(2 و 3) المبسوط: ج 8 ص 166.
(4) الوسيلة: ص 218.
(5) النهاية: ج 3 ص 285.
(6) نقله عنه في مسالك الأفهام: ج 13 ص 384.
(7) راجع المحلى لابن حزم: ج 9 ص 427.
59
(ولو لم يعلم) القاضي بالحال (افتقر) الحكم (إلى الحجة، فإن) أقام
شاهدين و (علم) الحاكم (فسق الشاهدين أو كذبهما لم يحكم) بشهادتهما،
وإن لم يعلم غيره ذلك (وإن علم عدالتهما استغنى عن المزكي وحكم) إن لم
يجرح هما غيره من غير استحلاف. وأوجب بعض العامة الاستحلاف مع البينة (1).
وفي المبسوط (2) والانتصار (3): أنه لا خلاف في قضائه بعلمه في الجرح والتعديل،
ولو لم يكتف بالعلم لانسد باب الإثبات غالبا، للزوم الدور أو التسلسل (وإن
جهل الأمر بحث عنهما) على ما سيأتي.
(ولا يكفي في الحكم معرفة إسلامهما مع جهل العدالة) وفاقا
للمشهور (و) لكن (توقف) الحكم (حتى يظهر العدالة فيحكم أو الفسق
فيطرح) وإن كان الأصل عدم الفسق، وكان الإسلام ملكة رادعة لصاحبه عنه.
وذلك لأن كثرة وقوعه من المسلمين مما أضعف الأصل، وغلبة الأهواء أضعفت
الردع. وللاشتراط بالعدالة لنحو قوله تعالى: " وأشهدوا ذوى عدل منكم " (4) فما لم
يعلم تحقق الشرط لم يجز الحكم. ولأن ابن أبي يعفور في الصحيح سأل
الصادق (عليه السلام) بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟
فقال: أن يعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان، وتعرف
باجتناب الكبائر التي أو عد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق
الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك، والدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا
لجميع عيوبه، حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش
ما وراء ذلك، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس، ويكون فيه التعاهد
للصلوات الخمس إذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من



(1) لم نعثر عليه.
(2) المبسوط: ج 8 ص 166.
(3) لم نعثر عليه فيه صريحا، انظر الانتصار: ص 486 - 495.
(4) الطلاق: 2.
60
المسلمين، وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة، فإذا كان كذلك
لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس وإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا:
ما رأينا منه إلا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه، فإن ذلك
يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين، وذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب، وليس
يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلي إذا كان لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة
المسلمين، وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلي ممن
لا يصلي، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع، ولولا ذلك لم يمكن أحد أن
يشهد على آخر بصلاح، لأن من لا يصلي لا صلاح له بين المسلمين، فإن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) هم بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين،
وقد كان منهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك، وكيف يقبل شهادة أو عدالة بين
المسلمين ممن جرى الحكم من الله عز وجل ومن رسوله (صلى الله عليه وآله) فيه الحرق في
جوف بيته بالنار؟ وقد كان يقول (صلى الله عليه وآله): لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع
المسلمين إلا من علة (1). ولقول الباقر (عليه السلام) في خبر عبد الكريم بن أبي يعفور: يقبل
شهادة المرأة والنسوة إذا كن مستورات من أهل البيوتات، معروفات بالستر
والعفاف، مطيعات للأزواج، تاركات للبذا والتبرج إلى الرجال في أنديتهم (2).
واكتفى الشيخ في الخلاف بمعرفة إسلامهما إلا مع جرح المحكوم عليه فيهما،
واستدل بالإجماع، قال: وأيضا الأصل في الإسلام العدالة، والفسق طارئ عليه
يحتاج إلى دليل، وأيضا نحن نعلم أنه ما كان البحث في أيام النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا أيام
الصحابة، ولا أيام التابعين، وإنما هو شيء أحدثه شريك بن عبد الله القاضي، فلو
كان شرطا ما أجمع أهل الأعصار على تركه (3) انتهى.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 288 ب 41 من أبواب الشهادات ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 294 ب 41 من أبواب الشهادات ح 20.
(3) الخلاف: ج 6 ص 217 و 218، المسألة 10.
61
مع أنه قال بعيده: إذا حضر الغرباء في بلد عند حاكم فشهد عنده اثنان، فإن
عرفا بعدالة حكم، وإن عرف الفسق وقف، وإن لم يعرف عدالة ولا فسقا بحث عنهما،
وسواء كان لهما السيماء الحسنة والمنظر الجميل وظاهر الصدق، أو لم يكن. واستدل
بقوله تعالى: " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء "
قال: وهذا ما رضى بهما، وإنما حكي الاكتفاء بالمنظر الحسن عن مالك (1).
وذكر في المبسوط: أنه إن عرف إسلامهما دون عدالتهما بحث عنهما، سواء
الحدود والقصاص وغيرهما. قال: وقال قوم: إن كان ذلك في قصاص أو حد كما
قلنا، وإن كان غير ذلك كالأموال والنكاح والطلاق والنسب حكم بشهادتهما
بظاهر الحال، ولم يبحث عن عدالتهما بعد أن يعرف إسلامهما، ولا يكتفى في
معرفة إسلامهما بظاهر الدار كما يحكم بإسلام اللقيط، بل بأن يعرف السبب وهو
أن أسلما بأنفسهما أو بإسلام أبويهما أو بإسلام السابي، فإذا عرفهما مسلمين
حكم، إلا أن يقول المحكوم عليه: هما فاسقان، فحينئذ لا يحكم حتى يبحث عن
حال الشهود، فإذا عرف العدالة حكم، وإذا حكم بشهادتهما لم ينقض الحكم.
والأول أحوط عندنا، والثاني يدل عليه رواياتنا (2).
وقال بعد ذلك: إذا حضر الغرباء في بلد عند حاكم فشهد عنده اثنان، فإن
عرف العدالة حكم، وإن عرف الفسق وقف، وإن لم يعرف عدالة ولا فسقا بحث،
وسواء كان لهما السيماء [الحسنة] والمنظر الجميل وظاهر الصدق أو لم يكن، هذا
عندنا وعند جماعة. وقال بعضهم: إذا توسم فيهما العدالة بالمنظر الحسن حكم
بشهادتهما من غير بحث، لأن في التوقف تعطيل الحقوق (3).
ويندفع ما يترائى من المنافاة بين كلامي الخلاف وشبهها بين كلامي المبسوط بما
في الاستبصار في الجمع بين ما سمعتهما من خبري ابني أبي يعفور ومرسل يونس أنه



(1) الخلاف: ج 6 ص 221، المسألة 15.
(2) المبسوط:: ج 8 ص 104.
(3) المبسوط: ج 8 ص 112.
62
سأل الصادق (عليه السلام) عن البينة إذا أقيمت على الحق أيحل للقاضي أن يقضي بقول البينة
من غير مسألة إذا لم يعرفهم؟ فقال: خمسة أشياء يجب على الناس أن يأخذوا بها
بظاهر الحال: الولايات، والتناكح، والمواريث، والذبائح، والشهادات، فإذا كان
ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه. فجمع الشيخ بوجهين:
أحدهما: أنه لا يجب على الحاكم التفتيش عن بواطن الناس، وإنما يجوز له
أن يقبل شهادتهم إذا كانوا على ظاهر الإسلام والأمانة، وأن لا يعرفهم بما يقدح
فيهم ويوجب تفسيقهم، فمتى تكلف التفتيش عن أحوالهم يحتاج إلى أن يعلم أن
جميع الصفات المذكورة في الخبر الأول منتفية عنهم، لأن جميعها يوجب التفسيق
والتضليل، ويقدح في قبول الشهادة.
والثاني: أن يكون المقصود بالصفات المذكورة في الخبر الأول الإخبار عن
كونها قادحة في الشهادة وإن لم يلزم التفتيش عنها، والمسألة والبحث عن
حصولها وانتفائها، ويكون الفائدة في ذكرها أنه ينبغي قبول شهادة من كان ظاهره
الإسلام، ولا يعرف فيه شيء من هذه الأشياء، فإنه متى عرف فيه أحد هذه
الأوصاف المذكورة فإنه يقدح ذلك في شهادته، ويمنع من قبولها. انتهى (1). وذلك
بأن يريد أنه إذا أراد البحث فلا يكفيه المنظر الحسن، وإن لم يلزمه البحث.
ثم مما يؤيد الاكتفاء بالإسلام، قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح: واعلم أن
المسلمين عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد لم يتب منه، أو معروفا
بشهادة الزور أو ظنينا (2). وخبر حريز عن الصادق (عليه السلام) في أربعة شهدوا على
رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان ولم يعدل الآخران، فقال: إذا كانوا أربعة من
المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا، وأقيم الحد على
الذي شهدوا عليه، وإنما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا وعلموا، وعلى الوالي أن



(1) الاستبصار: ج 3 ص 13 ح 35 وذيله.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 155 ب 1 من أبواب آداب القاضي ح 1.
63
يجيز شهادتهم إلا أن يكونوا معروفين بالفسق (1).
والخبران الأولان ضعيفان، مع احتمال (2) التقية. واحتمال الأول أن يكون
المراد الاكتفاء بالظاهر بعد البحث، فإنه لا يكشف إلا عن الظاهر. والثاني عموم
الظنين لكل مجهول الحال. والثالث وإن كان ظاهره الصحة، لكن يحتمل أن يكون
انضمام شهادة عدلين مما ينوب مناب البحث عن حال الباقين. وأما نحو
" واستشهدوا شهيدين من رجالكم " (3) فغايته الإطلاق فليحمل على إرادة القيد.
(ولو حكم بالظاهر) إما بعد البحث أو قبله (ثم تبين فسقهما وقت
القضاء نقضه) عندنا، لظهور فساد الحكم بفساد مبناه. خلافا لأبي حنيفة (4)
وللشافعي في أحد قوليه (5).
(ولا يجوز أن يعول) في التعديل (على حسن الظاهر) زيادة على الإسلام.
خلافا لبعض العامة (6) كما عرفت مما سمعته من كلامي المبسوط والخلاف.
(ولو أقر الغريم عنده سرا حكم بعلمه، كما لو أقر في مجلس
القضاء) إلا عند بعض من منع من الحكم بعلمه.
(ولا يجوز له أن يعتمد على خطه إذا لم يتذكر، وكذا الشاهد وإن
شهد معه آخر ثقة، لإمكان التزوير عليه). فعن النبي (صلى الله عليه وآله): إذا رأيت مثل
الشمس فاشهد وإلا فدع (7). وعنه (صلى الله عليه وآله): لا تشهد بشهادة لا تذكرها، فإنه من شاء
كتب كتابا ونقش خاتما (8). وعن الصادق (عليه السلام): لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما
تعرف كفك (9). وعن الحسين بن سعيد قال: كتب إليه جعفر بن عيسى: جعلت



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 293 ب 41 من أبواب الشهادات ح 18.
(2) في ن: مع احتمالهما.
(3) البقرة: 282.
(4 و 5) المغني لابن قدامة: ج 11 ص 420.
(6) مختصر المزني: ص 313.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 250 ب 20 من أبواب الشهادات ح 3.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 235 ب 8 من أبواب الشهادات ح 4.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 235 ب 8 من أبواب الشهادات ح 3.
64
فداك! جاءني جيران لنا بكتاب زعموا أنهم أشهدوني على ما فيه، وفي الكتاب
اسمي بخطي قد عرفته ولست أذكر الشهادة وقد دعوني إليها، فأشهد لهم على
معرفتي أن اسمي في الكتاب ولست أذكر الشهادة، أو لا يجب لهم الشهادة حتى
أذكرها، كان اسمي في الكتاب بخطي أو لم يكن؟ فكتب (عليه السلام): لا تشهد (1).
هذه في الشهادة، والحكم أعلى منها، لأن الحاكم ملزم، ولقوله تعالى: " ولا
تقف ما ليس لك به علم " (2).
واكتفى المفيد (3) والقاضي (4) وسلار (5) وأبو علي (6) بخطه مع شهادة ثقة.
والصدوقان كذلك مع ثقة المدعي (7) لصحيح عمر بن يزيد قال للصادق (عليه السلام):
الرجل يشهدني الشهادة فأعرف خطي وخاتمي، ولا أذكر من الباقي قليلا ولا
كثيرا، فقال: إذا كان صاحبك ثقة ومعك رجل ثقة فاشهد له (8).
قال الشيخ في الاستبصار - بعد تضعيف الخبر وإبداء مخالفته للأصول -: إن
الوجه فيه أنه يجوز له الشهادة إذا غلب على ظنه صحة خطه، لانضمام شهادته
إليه، وإن كان الأحوط ما تضمنه الأخبار الأولة (9).
قال في المختلف: والمعتمد ما قاله الشيخ في الاستبصار، ويحمل قول
علمائنا المشهور بينهم وهذه الرواية على ما إذا حصل من القرائن الحالية أو
المقالية للشاهد ما استفاد به العلم، فحينئذ يشهد مستندا إلى العلم الحاصل له، لا



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 235 ب 8 من أبواب الشهادات ح 2.
(2) الإسراء: 36.
(3) المقنعة: ص 728.
(4) المهذب: ج 2 ص 561.
(5) المراسم: ص 234.
(6) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 517.
(7) الفقيه: ج 3 ص 72 ح 3361، ونقل عن أبيه الفتوى بذلك العلامة في المختلف: ج 8
ص 517.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 234 ب 8 من أبواب الشهادات ح 1.
(9) الاستبصار: ج 3 ص 22 ذيل ح 68.
65
باعتبار وقوفه على خطه ومعرفته به (1). [أقول: ويحتمل التحمل] (2).
(ولو كان الخط محفوظا وأمن التحريف تسلط على رواية الحديث)
وإن لم يتذكره (دون الشهادة والحكم) للزوم الحرج العظيم إن لم يتسلط.
والفرق بأنهما أشد منها، والنصوص الآمرة بكتابة الأخبار، والاحتفاظ بالكتب (3)
والإجماع على ذلك.
(ولو شهد عنده شاهدان بقضائه ولم يتذكر، فالأقرب القضاء) لأنه
بينة شرعية، وللقبول إذا شهدا بحكم الغير فهو أولى، لأنه أوثق بنفسه منه بغيره.
خلافا للمبسوط (4) والخلاف (5) لأصالة براءة ذمة المدعى عليه، ولأنه لو شهد
بشيء ثم نسيه فقامت البينة عنده أنه شهد به لم يشهد بذلك ما لم يذكره، ولا يرجع
إلى قول غيره في شهادة نفسه، كذلك في الحكم. قيل: ولإمكان رجوعه إلى العلم، لأنه
فعله، بخلاف الشهادة على حكم غيره فيكفي فيه الظن تنزيلا لكل باب على الممكن (6).
(وكذا المحدث يحدث عمن أخبره بحديثه فيقول: حدثني فلان
عني) أني حدثته بكذا، كما يحكى أن سهل بن أبي صالح روى حديث القضاء
بالشاهد واليمين عن أبيه عن أبي هريرة وسمع منه ربيعة ثم اختل حفظه لشجة
أصابته فكان يقول: أخبرني ربيعة أني أخبرته عن أبي هريرة (7).
(وكذا لقاض آخر أن يحكم بالشاهدين على قضائه إذا لم يكذبهما)
حين الشهادة على الحكم، فإنه مع التكذيب يثبت إما كذبهما أو كذبه. وأما إذا شهد
شاهدان عند حاكم فحكم بشهادتهما ثم علم أنهما شهدا بالزور ونقض الحكم ثم
شهدا - هما - أو آخران عند حاكم آخر بحكمه وهما ظاهرا العدالة، أمضاه الحاكم



(1) مختلف الشيعة: ج 8 ص 520.
(2) لم يرد في ن و ق.
(3) الكافي: ج 1 ص 52 ح 10.
(4) المبسوط: ج 8 ص 120.
(5) الخلاف: ج 6 ص 223، المسألة 18.
(6) الدروس الشرعية: ج 2 ص 78، درس 136.
(7) أحكام القرآن لابن الجصاص: ج 1 ص 516.
66
الثاني على ما قواه الشيخ (1) وفاقا لمالك (2) وخلافا للشافعي (3) قال: لأن الشرع قد
قرر قبول شهادة الشاهدين إذا كان ظاهر هما العدالة، وعلم الحاكم بأنهما شهدا بالزور
لا يوجب على الحاكم الآخر رد شهادتهما، فيجب عليه أن يقبلهما ويمضي شهادتهما.
(ومن ادعى عليه) أي القاضي (أنه قضى له فأنكر، لم يكن له
التحليف، كما لا يحلف الشاهد) إذا أنكر الشهادة. وقد يحتمل الإحلاف على
القول بأن اليمين المردودة كالإقرار ليحلف إن نكل فيكون كإقراره بالحكم.
(وينبغي للحاكم إذا طلب الاستظهار في موضع الريبة أن يفرق بين
الشهود) كما روى من قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) وداود ودانيال (عليهما السلام) (4)
(خصوصا فيمن لا قوة عنده) في الدين والعقل والضبط والتحصيل
(ويكره) التفريق (إذا كان الشهود من ذوى البصائر والأديان القوية) لأن
فيه غضاضتهم، لكن إن ارتاب بالغ في البحث والاستفسار والاستفصال بحيث لا
يكون فيه عليهم غضاضة.
(الفصل الرابع في التزكية)
(ويجب على الحاكم الاستزكاء مع الشك في العدالة) وإن علم الإيمان
وحسن الظاهر (وإن سكت الخصم) عن الجرح (إلا أن يقر الخصم
بعدالتهما) فلا استزكاء (على إشكال) من أنه حق لله تعالى، ولذا لا يجوز الحكم
بشهادة الفساق، وإن رضي الخصم. ومن المؤاخذة بإقراره، وكون الاستزكاء لحقه.
وهو قوي. ولو قال الخصم: إنهما عدلان لكنهما زلا في هذه القضية، فالأقرب
الحكم عليه، لاعترافه بالعدالة، كذا في التحرير (5). وعليه أن يعين حين الاستزكاء،



(1) الخلاف: ج 6 ص 224، المسألة 19.
(2 و 3) الحاوي الكبير: ج 16 ص 210.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 202 ب 19 من أبواب كيفية الحكم وص 204 ب 20 ح 1.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 132.
67
الشاهدين بالاسم والنسب وسائر الخصوصيات حتى لا تشتبها بغيرهما.
(وهل عليه أن يعين حال الاستزكاء مع الشاهدين) الذين يستزكيهما
(الخصمين) في الحكومة التي شهدا فيها؟ (يحتمل ذلك، لإمكان أن يعرف
بينهم) أي بين الشاهدين والمشهود عليه (عداوة) أو نسب يمنع من قبول
الشهادة عليه، أو بينهما وبين المشهود له شركة تجر إليهما بالشهادة نفعا أو تدفع
عنهما ضرا. والأقرب العدم، لأن الأصل إنتفائهما، مع أنهما ليسا مما يدخلان في
العدالة، وإنما المستزكي يستعلم العدالة.
(وهل) عليه أن (يعرفهما) أي المزكيين (قدر المال؟ يحتمل ذلك
أيضا، لإمكان أن يعد له في اليسير دون الكثير. والأقرب المنع، فإن العدالة
لا تتجزأ) فالعدل لا يشهد الزور لا في الكثير ولا في القليل. نعم على قول الشيخ
بقبول شهادة ولد الزنا إذا كان ظاهر العدالة في اليسير دون الكثير (1) احتمل الفرق
كما في التحرير (2). والظاهر العدم، بل المزكيان إن عرفا أنهما أو أحدهما ولد زنا
أظهراه للحاكم، وإلا فليس عليهما إلا تعديلهما.
(وصفة المزكى كصفة الشاهد) من العدد والكمال والعدالة.
(ويجب أن يكون عارفا بباطن) أمر (من يعدله بكثرة الصحبة
والمعاشرة المتقادمة) فإنهما المطلعتان على البواطن وحصول الملكة المانعة
عن المعاصي. ويكون عارفا بالمعاصي، ليعلم المخرج من العدالة. وقيل: لا يلزم
العلم بتفاصيلها (3) إذ ربما يحصل له العلم بأنه لا يفعل كبيرة بل ولا صغيرة عمدا
وإن لم يعرف الكبائر بالتفصيل.
(ولا يشترط المعاملة) معه، وإن حكي عن بعض الحكام: أنه سأل المزكي



(1) النهاية: ج 2 ص 53.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 256.
(3) في ق والمطبوع بتفاصيلها، راجع إرشاد الأذهان: ج 2 ص 141.
68
عنها (1) (وإن كانت أحوط. ولا يجرح إلا مع المشاهدة لفعل ما يقدح في
العدالة أو أن يشيع ذلك) أي فعله (بين الناس شياعا موجبا للعلم. ولا يعول
على سماعه من واحد أو عشرة، لعدم العلم بخبرهم) نعم يشهد عند الحاكم
بما يسمعه منهم [فيكون شاهدا فيهم] (2) فيكون شاهدا لفرع. (ولو فرضنا حصوله)
أي العلم من أخبار نحو عشرة (جرح) وهو يختلف باختلاف المخبرين، فرب
جماعة يحصل من العلم بقول عشرة منهم ما لا يحصل بقول خمسين من غيرهم.
(وله أن يحكم) بالعدالة أو الفسق (بشهادة عدلين إن نصب حاكما في
التعديل) والجرح ولا يشترط المعاينة أو الشياع الموجب للعلم، ويشترط فيه ما
يشترط في القاضي، فإذا أخبر حاكما آخر بعدالته أو فسقه اكتفى به ولم يشترط
شهادة آخر.
(ولابد في التعديل من الشهادة به، والإتيان بلفظها، وأنه مقبول الشهادة،
فيقول: أشهد أنه عدل مقبول الشهادة) ولا يكتفي بقوله: عدل (فرب عدل
لا يقبل شهادته) لغلبة الغفلة عليه. خلافا للمبسوط، لقوله تعالى: " وأشهدوا ذوي
عدل منكم " (3). (والأقرب الاكتفاء بالثاني) لاشتماله على الأول وزيادة.
(ولا يشترط أن يقول): عدل أو مقبول الشهادة (علي ولي) كما في
الأحمدي (4) واحتيط به في المبسوط (5) بناء على أن الوصف بالعدالة والصدق
وقبول الشهادة إنما يقتضى ثبوت الصفة في الجملة فربما يثبت في شيء دون
شيء. وضعفه من الظهور بمكان. وفي التحرير: ويجب على المزكي أن يقول: أشهد
أنه عدل مقبول الشهادة، أو هو عدل لي وعلي، فإن العدل قد لا يقبل شهادته
لغفلته (6) يعني أن قوله: لي وعلي يقوم مقام مقبول الشهادة، لأنه لا يتعلق الصلتان



(1) لم نعثر على حاكيه.
(2) لم يرد في ن و ل.
(3 و 5) المبسوط: ج 8 ص 110.
(4) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 425.
(6) تحرير الأحكام: ج 5 ص 132.
69
بالعدل إلا بتضمين معنى الشهادة.
(ولا يكفي أن يقول: لا أعلم منه إلا الخير) لصحته ممن لم يكن على
بصيرة من أمره ولم يعرف منه إلا الإسلام. خلافا لبعض العامة (1).
(ولا يكفي الخط بالتعديل مع شهادة رسولين عدلين) بالخط، فإنه
ليس بشهادة. خلافا لبعض العامة (2).
(ولو سأل المدعي حبس الغريم بعد سماع بينته إلى أن يثبت العدالة،
قيل) في المبسوط (3): (جاز) الحبس (لقيام البينة بدعواه) وهو الذي على
المدعي، وأما التزكية فهي على الحاكم. (والأقرب المنع) لمنع قيام البينة، ولا
يجوز تعجيل العقوبة قبل ثبوت السبب. (وكذا لا يجب مطالبته برهن أو
ضمين) لذلك.
(وينبغي إخفاء السؤال عن التزكية فإنه أبعد من التهمة) إذ ربما توقف
المزكي جهرا عن ذكر ما يعرفه، حياءا وخوفا، ولأن في الجرح جهرا هتكا للمشهود.
وطريق المسألة عنه سرا - إن لم يحضره المجلس من يزكيهما -: أن يكتب
القاضي اسم كل من الشاهدين ولقبه وكنيته - إن كان له لقب وكنية - ويرفع في نسبه
إلى من يقطع الشركة، ويكتب حليته ويذكر منزله ومصلاه وسوقه ودكانه وصنعته
لئلا يشتبه بغيره، في رقعتين أو رقاع، ويدفع كل رقعة إلى عدل، ويكتم من كل ما
دفعه إلى الآخر، لئلا يتواطئا على تزكية أو جرح، ويأمر كلا من العدلين أو العدول
- إن لم يعرفوهما - أن يسأل عن كل منهما جيران بيته ودكانه وأهل سوقه ومسجده،
وإن شاء عين لهما من جيرانه ومخالطيه من يعرفه. وينبغي أن يكون العدلان أو
العدول أصحاب المسألة ممن لا يعرفهم الخصمان أو الشهود، ليبعد احتمال أن يكون
رشاهم أحدهم للتزكية أو الجرح. ثم إن احتاط بعد التزكية سرا بالسؤال جهرا بأن



(1) بداية المجتهد: ج 2 ص 499.
(2) الهداية للمرغيناني: ج 3 ص 106.
(3) المبسوط: ج 8 ص 93.
70
يقول للمزكين في حضور الشاهدين: هذان هما اللذان زكيتماهما كان خيرا.
(ولا يجوز الجرح والتعديل بالتسامع) من دون شياع يوجب العلم.
(ويثبت العدالة) إذ اشهدا بها (مطلقة، ولا يثبت الجرح إلا مفسرا على
رأي) وفاقا للمشهور فيهما، لأن أسباب الفسق غير محصورة الأنواع ولا متناهية
الأفراد، ويكفي في الجرح إثبات بعض منها، ولا يثبت العدالة إلا بانتفاء الجميع،
فلو لزم التفسير لزم ذكر الجميع، وذكر الأفراد متعذر، والأنواع متعسر جدا، ولأن
العدالة هي الأصل والفسق طارئ، ولأن التعديل يرجع إلى الشهادة بأنه لم يشاهد
الفسق منه مع طول الصحبة فهي شهادة بالنفي، بخلاف الجرح. وزيد في الخلاف (1)
وغيره: اختلاف الناس في المعاصي، فربما اعتقد الجارح ما ليس بمعصية معصية.
قال في المختلف: والوجه التسوية بينهما، لنا أن المقتضي لتفصيل الجرح
ثابت في التزكية، فإن الشيء قد لا يكون سببا للجرح عند الشاهد ويكون جارحا
عند الحاكم، فإذا أطلق الشاهد التعديل تعويلا منه على عدم تأثير ذلك الشيء فيه
كان تغريرا للحاكم، بل الأحوط أن يسمع الجرح مطلقا، ويستفصل عن سبب
العدالة، لأنه أحوط للحقوق (2) انتهى.
وهنا وجهان آخران: أحدهما: جواز الإطلاق فيهما، لأن الشاهدين لعدالتهما
إنما يجزمان إذا علما بما عند الحاكم من أسباب العدالة والفسق، أو بالعدالة أو
الفسق عند الكل. والآخر: جواز الإطلاق مع علمهما بالأسباب لا بدونه. وهو
خيرة المصنف في الأصول (3).
وإذ شرط التفسير في الجرح (فلو فسر بالزنا لم يكن قاذفا) للحاجة، وصحة
الغرض وهو عدم صلاحيته لابتناء الحكم على شهادته، لا إدخال الضرر عليه.
(ولا يحتاج في الجرح إلى تقادم المعرفة، بخلاف العدالة، بل يكفي



(1) الخلاف: ج 6 ص 220، المسألة 13.
(2) مختلف الشيعة: ج 8 ص 425.
(3) مبادئ الوصول إلى علم الأصول: ص 213.
71
العلم بموجبه) وهو صدور معصية عنه، والفرق واضح.
(ولو اختلف الشهود في الجرح والتعديل قدم الجرح) لأن فيه تصديقا
للبينتين، فإن الجارح يخبر بما لم يعلمه المزكي من الانتقال عن أصل العدالة وصدور
المعصية، وغاية شهادة المزكي أنه لم يعرف منه ما ينافي العدالة، فالجارح ناقل عن
الأصل، ومعه زيادة، والناقل راجح، كما إذا شهد اثنان بأن عليه ألفا ثم شهد آخران
بالقضاء، وذو الزيادة راجح، كما إذا شهد اثنان: بأن للميت ابنا وآخران: بأن له ابنين.
قال في المبسوط: فرع: على هذا لو كانت الزيادة مع المزكي قدم على الجرح، وهو
إذا انتقل عن بلده إلى غيره فشهد اثنان من بلده بالجرح واثنان من البلد الذي انتقل
إليه بالعدالة كانت العدالة أولى، لأنه قد يترك المعاصي ويشتغل بالطاعات فيعرف هذان
ما خفي على الأولين، وكذلك لو كان البلد واحدا فسافر فزكاه أهل سفره وجرحه
أهل بلده كان التزكية أولى، قال: وأصله النظر إلى الزيادة فيعمل عليها (1) انتهى.
(ولو تعارضت البينتان) بالتعديل والجرح كأن شهدت بينة الجرح بأنه
شرب الخمر في يوم كذا في مكان كذا، وشهدت بينة التعديل بأنه كان تمام ذلك
اليوم في مكان آخر وقد كانا حاضريه ولم يشرب، أو شهد اثنان بأنه قتل فلان
وآخران بأنه حي (قيل) في الخلاف (2): (يقف الحاكم) لانتفاء المرجح.
(ويحتمل أن يعمل بالجرح) كما استحسنه المحقق (3) لتقدم الإثبات. ويحتمل
التعديل، للأصل مع الخلو عن ظهور المعارض.
(وإذا ثبت عدالة الشاهد) عند الحاكم (حكم باستمرارها حتى يظهر
منافيها) فيقبل شهادته أبدا ما لم يظهر المنافي من غير تحديد استزكاء.
(والأحوط) وفاقا للمبسوط (4) (أن يطلب التزكية مع مضي مدة يمكن تغير
حال الشاهد) فيه عادة (وذلك بحسب ما يراه الحاكم من طول الزمان



(1) المبسوط: ج 8 ص 108.
(2) الخلاف: ج 6 ص 219، المسألة 12.
(3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 77.
(4) المبسوط: ج 8 ص 112.
72
وقصره) وحكى هذا في الشرائع قولا (1) وحد المدة بعض العامة بستة أشهر (2).
(فإن ارتاب الحاكم بعد التزكية لتوهمه غلط الشاهد) خصوصا إذا انفرد
بتسامع الفسق (فليبحث) وليفرق بين المزكيين (وليسأل الشاهد) بالعدالة
(على التفصيل فربما اختلف كلامه) بنفسه أو مع الآخر فيتضح الغلط ونحوه،
فإذا اتفقا في الجواب أو الإعراض عن التفصيل ورأى وعظهما وتحذيرهما عقوبة
شهادة الزور فعل. (فإن أصر) كل منهما أو أحدهما (على إعادة لفظه) من
غير تفصيل (جاز له الحكم بعد البحث) من جهات أخر (وإن بقيت الريبة
على إشكال): من الريبة، ومن تحقق شرائط الاستزكاء، وهو خيرة التحرير (3).
(ولا يثبت الجرح و) لا (التعديل إلا بشاهدين عدلين ذكرين) لأن
كلا منهما شهادة فيعتبر فيهما ما في غيرهما من الشهادات. خلافا لأبي حنيفة وأبي
يوسف فاكتفيا بواحد (4) بناء على أنهما إخبار. وقال بعض الحنفية: هذا في تزكية
السر وأما في تزكية العلانية فشرط بالإجماع (5). وعن بعض العامة: اشتراط العدد
في المزكي (6) دون أصحاب مسائل القاضي، فإذا عاد إليه صاحب مسألته، فإن
جرح توقف في الشهادة، وإن زكى بعث إلى المسؤول عنه، فإن زكى اثنان عمل
عليه. وفي المبسوط جعل اشتراط العدد أحوط (7).
(ولا يقابل الجارح الواحد بينة التعديل) لأنه وحده غير مقبول فضلا
عن أن يعارض بينة التعديل. نعم قد يورث ريبة فيندفع بما مر.
(ولو رضي الخصم بأن يحكم عليه بشهادة فاسق لم يصح) لأنه
رضي بخلاف حكم الله.



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 77.
(2) الحاوي الكبير: ج 16 ص 197.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 134.
(4) الحاوي الكبير: ج 16 ص 187.
(5) الفتاوى الهندية: ج 3 ص 373.
(6) المبسوط للسرخسي: ج 16 ص 89.
(7) المبسوط: ج 8 ص 107.
73
(ولو اعترف بعدالة الشاهد) مع جهل الحاكم بحاله (ففي الحكم عليه
نظر) تقدم. (فإن سوغناه لم يثبت تعديله في حق غيره) فإن الحكم عليه
بمنزلة الحكم بإقراره، فإن شهدا في حكومة اخرى استزكاهما الحاكم.
(ولو أقام المدعى عليه بينة أن هذين الشاهدين شهدا بهذا الحق) أو
بغيره (عند حاكم فرد شهادتهما لفسقهما بطلت شهادتهما) فهما شاهدا فرع
على الحاكم.
(الفصل الخامس في نقض الحكم)
(إذا حكم الحاكم بحكم خالف فيه الكتاب أو السنة المتواترة أو
الإجماع، وبالجملة: إذا خالف دليلا قطعيا وجب عليه وعلى غير ذلك
الحاكم نقضه، ولا يسوغ إمضاؤه) عندنا (سواء خفي) الدليل (على
الحاكم به أو لا، وسواء أنفذه الجاهل به أو لا) للإجماع، والقطع بأنه خلاف
حكم الله تعالى، فإمضاؤه إدخال في الدين ما ليس منه، وحكم بغير ما أنزل الله
فيدخل في نصوص " من حكم به " أو " لم يحكم بما أنزل الله " وقد تواتر نقض
أمير المؤمنين (عليه السلام) ما أخطأت الظلمة في أحكامهم (1) وقال مالك (2) وأبو حنيفة (3):
إن خالف نص كتاب أو سنة لم ينقض، وإن خالف الإجماع نقض.
(وإن خالف به دليلا ظنيا لم ينقض) لأن ظاهر حاله من الاجتهاد
والورع أنه استند في حكمه إلى دليل يصلح للاعتماد عليه (كما لو حكم
بالشفعة مع الكثرة، إلا أن يقع الحكم خطأ، بأن يحكم بذلك لا لدليل
قطعي ولا ظني) ويعلم ذلك إذا كان هو الحاكم به أو أقر به الحاكم (أو لم
يستوف شرائط الاجتهاد) في المسألة بأن لم يتتبع فيها ما يجب تتبعه من



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 206 ب 21 من أبواب كيفية الحكم.
(2 و 3) الحاوي الكبير: ج 16 ص 173.
74
الكتب والأدلة، كما وقع لكثير من الفقهاء في كثير من المسائل فلا عبرة حينئذ
بحكمه وإن وافق قول بعض الفقهاء، أو أمكن الأخذ به والاحتجاج له.
وقد أطلق النقض جماعة منهم الشيخ (1) وابن حمزة (2) وابنا سعيد (3) والمصنف
في التحرير (4) والإرشاد (5) ونص فيهما على التسوية بين استناد الحكم إلى دليل
قطعي أو اجتهادي. وكذا الشيخ، قال في المبسوط: وإن كان الخطأ فيما يسوغ
الاجتهاد فيه فإنه لا ينقض حكمه عندهم، فأما إن تغير حكمه قبل أن يحكم
باجتهاد الأول فإنه يحكم بالثاني ويدع الأول، لأنه عنده خطأ فلا يحكم بما يعتقده
خطأ، وهكذا قالوا فيمن أشكل عليه جهة القبلة فاجتهد ثم تغير اجتهاده نظرت،
فإن كان بعد الصلاة لم ينقض الأول، وإن كان قبل الصلاة عمل على الثاني. وهكذا
لو سمع شهادة شاهدين ثم فسقا، فإن حكم بشهادتهما لم ينقض حكمه، وإن كان
قبل الحكم بشهادتهما لم يحكم بشهادتهما. وقد قلنا ما عندنا في ذلك وهو أنه:
متى بان له الخطأ فيما حكم به أو فعله وعلم أن الحق في غيره نقض الأول واستأنف
الحكم بما علمه حقا، وكذلك في جميع المسائل التي تقدم ذكرها وأشباهها (6) انتهى.
ولا خلاف بين القولين فإنهم إنما حكموا بالنقض إذا بان البطلان، واستبانة
البطلان إنما يكون بظهور دليل قطعي لم يكن ظهر عند الحاكم (7) أو ظني يكون
حجة عند من حكم بالأول من غير ما يصلح للمعارضة عنده وإن لم يكن حجة
عند من يحكم بالثاني، أو كان له عنده معارض. والأمر كذلك.
فالمحصل ما في الدروس: من أنه ينقض الحكم إذا علم بطلانه، ويحصل ذلك
بمخالفة نص الكتاب أو المتواتر من السنة أو الإجماع أو خبر واحد صحيح غير



(1) المبسوط: ج 8 ص 101.
(2) الوسيلة: ص 209.
(3) الجامع للشرائع: ص 529، شرائع الإسلام: ج 4 ص 75.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 135.
(5) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 141 - 142.
(6) المبسوط: ج 8 ص 102.
(7) في ن و ل: عند الحكم.
75
شاذ أو مفهوم الموافقة أو منصوص العلة عند بعض الأصحاب، بخلاف ما تعارض
فيه الأخبار وإن كان بعضها أقوى بنوع من المرجحات، أو ما تعارض فيه
عمومات الكتاب أو التواتر أو دلالة الأصل إذا تمسك الأول بدليل مخرج عن
الأصل فإنه لا ينقض (1).
(ولو تغير اجتهاده قبل الحكم حكم بما تغير اجتهاده إليه) ضرورة.
(وليس عليه تتبع قضايا من سبقه) من القضاة في محل ولايته (ولا قضاء
غيره من الحكام، فإن تتبعها) فوجد بعضها باطلا (نظر في الحاكم قبله) لا
في غيره (فإن كان من أهله) مثلا، وبالجملة: إن لم يعلم أنه ليس من أهله (لم
ينقض من أحكامه ما كان صوابا وينقض غيره) بمخالفته للدليل القطعي أو
ما عرفته من الظني (إن كان حقا لله تعالى كالعتق والطلاق) فإن له النظر في
حقوقه تعالى. (وإن كان) حقا (لآدمي نقضه مع المطالبة) لا بدونها، وفاقا
للمبسوط (2) لأن ذا الحق ربما أسقطه، وخلافا للشرائع (3) والتحرير (4) فإن له
الولاية العامة. (فإن لم يكن) الحاكم (من أهله نقض أحكامه أجمع وإن
كانت صوابا على إشكال ينشأ: من وصول المستحق إلى حقه) وهو
الغرض من الحكم بالحق فيشبه من أتى من بلد استطاعته مكة لغرض فاسد ثم
أتى بحجة الإسلام، ومن صدور الحكم عمن ليس أهلا له، وهو الأقوى، إذ ينبغي
أن لا يرتاب في بطلان ما فعله قهرا مما لأهل القضاء أن يقهروا: من بيع أو فسخ أو
طلاق أو عتق، وكذا الحدود إذا أجراها، وما يتوقف من الحقوق استيفاؤها على
إذن الحاكم، وضرب نحو مدة الظهار والإيلاء والمفقود زوجها، وأما استيفاء
الديون أو الأعيان المغصوبة ونحوها فلا يتفاوت الحال بصحة الحكم وبطلانه.



(1) الدروس الشرعية: ج 2 ص 76، درس 135.
(2) المبسوط: ج 8 ص 102.
(3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 76.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 135.
76
(ولو كان الحكم خطأ عند الحاكم الأول) ولكنه غفل (وصوابا عند
الثاني ففي نقضه مع كون الأول من أهله نظر): من صحة الحكم عنده،
وأهلية الحاكم. ومن أن الحكم إنما ينفذ إذا اعتقد الحاكم صحته، ولذا لو تنبه نفسه
نقضه، ولأنه لا عبرة بما يفعل ساهيا.
(والأقرب أن كل حكم ظهر له أنه خطأ سواء كان هو الحاكم أو
السابق فإنه ينقضه ويستأنف الحكم بما علمه حقا) كان حقا لله أو لآدمي،
طالب أو لم يطالب، خالف الحكم السابق دليلا قطعيا أو ظنيا لئلا يدخل فيمن لم
يحكم بما أنزل الله وليس هذا رجوعا عما قدمه - كما قيل - لما عرفت.
(ولو زعم المحكوم عليه أن الأول حكم عليه بالجور لزمه النظر
فيه) وفي إحضاره ما تقدم. وللعامة قول بعدم اللزوم (1). وإذا نظر فيه وثبت الجور
ضمنه ما تلف لحكمه، وإن لم يثبت فقد مر هل عليه إثبات أنه حكم بالعدل أو
القول قوله؟ (وكذا لو ثبت عنده) بإقرار أو مشاهدة أو بينة (ما يبطل حكم
الأول أبطله) وإن لم يطالبه المستحق لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، والحكم بما أنزل الله.
(وحكم الحاكم لا يغير الشيء) عندنا (عن صفته) من إباحة أو حرمة
(وينفذ ظاهرا لا باطنا) قال (صلى الله عليه وآله): أنا أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر (2).
وقال: إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان، وبعضكم ألحن بحجته من بعض، فأيما
رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له قطعة من النار (3). خلافا لأبي
حنيفة فيما إذا كانت الدعوى بسبب معين كالبيع والنكاح فذهب فيه إلى تحريم



(1) مغني المحتاج: ج 4 ص 385.
(2) المجموع 17: 96 و 99، وشرح، أصول الكافي 8: 173.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 169 ب 2 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
77
الحلال وتحليل الحرام باطنا بالحكم (1) (فلو علم المحكوم له بطلان الحكم
لم يستبح) عندنا (ما حكم له، سواء كان مالا أو عقدا أو فسخا أو طلاقا.
فلو أقام شاهدي زور بنكاح امرأة لم يحل له وطؤها وإن حكم له
بالزوجية، ويجب على المرأة الامتناع ما أمكنها، وعليه الإثم والمهر
والحد) إن وطئها (إلا أن يعتقد الاستباحة بذلك) فلا حد عليه للشبهة (ولها
أن تنكح في الباطن غيره لكن لا يجمع بين الماءين) وجوبا إن اعتقد
الواطئ الاستباحة وإلا استحبابا.
(ولو شهد على طلاقه فاسقان باطنا وظاهرهما العدالة وقع) الطلاق
قطعا فإنما العبرة بالظاهر (واستباح كل منهما نكاحها على إشكال) سبق في
الطلاق من ذلك، ومن أن الظاهر إنما يعتبره من لا يعلم الباطن.
(تتمة):
(صورة الحكم الذي لا ينقض) إن وافق الحق في ظاهر الشرع (أن
يقول الحاكم: قد حكمت بكذا) أو بغير " قد " (أو قضيت) به (أو أنفذت)
الحكم بكذا (أو أمضيت، أو ألزمت، أو) يخاطب المدعى عليه بقوله: (ادفع
إليه ماله، أو أخرج من حقه، أو يأمره بالبيع) وإيفاء حقه (وغيره) أي غير
البيع من المعاملات، أو غير ما ذكر من الألفاظ مما يؤدي معانيها. قيل: أو يخاطب
المدعي فيأمره بالأخذ، أو بيع العين والاستيفاء (2).
(ولو قال: ثبت عندي أو ثبت حقك أو أنت قد قمت بالحجة أو أن
دعواك ثابتة شرعا لم يكن ذلك حكما) وإنما هو شهادة (ويسوغ إبطاله)
بأن يقول: لم يثبت بعد ولابد لك من زيادة في البينة أو تزكية للشهود أو من تفريق



(1) الهداية: ج 3 ص 107.
(2) راجع الدروس الشرعية: ج 2 ص 76، درس 135.
78
لهم. وإن سأله الخصوم أن يكتب لهم محاضر بما جرى في مجلس الحكم من
الثبوت أو عدمه أو سجلات بإنفاذ ما حكم به، فليكتب لهم نسختين: إحداهما في
أيديهم، والأخرى في ديوان الحكم، لتنوب إحداهما مناب الاخرى إن تلفت.
(وينبغي أن يجمع قضايا) أي سجلات (كل أسبوع ووثائقه وحججه،
ويكتب عليها لشهر كذا أو لسنة كذا).
قال في المبسوط: فإن كان عمله واسعا جمع ما اجتمع عنده منها، وشدها في
إضبارة واحدة، وكتب عليها قضاء يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا، وكذلك يصنع
في كل يوم، فإذا مضى أسبوع جمع ما اجتمع عنده فيه فجعله في مكان واحد، وإذا
مضى شهر جمع ذلك كله وكتب قضاء أسبوع كذا من قضاء شهر كذا، فإذا مضت
سنة جمع الكل في مكان واحد وكتب على الجملة قضاء سنة كذا. هذا إذا كان
العمل كثيرا، فأما إن كان قليلا نظر إلى ما حكم به كل يوم، فجعله في قمطر بين
يديه وختم عليه بختمه ورفعه، وإذا كان من الغد أحضره وجعل فيه ما حصل
عنده، فإذا اجتمع قضاء أسبوع أو قضاء شهر جمعه وكتب عليه: أسبوع كذا أو شهر
كذا على ما فصلناه. وإنما قلنا: يفعل ذلك، لأنه متى احتاج إلى إخراج شيء لم
يتعب فيه، وأخرجه أسرع ما يكون، ولو لم يفعل هذا التفصيل اختلطت الوثائق،
وتعذر إخراجها، فلهذا قلنا: يحصلها هذا التحصيل (1) انتهى.
(الفصل السادس في الإعداء)
وهو الإعانة، أو الانتقام ممن اعتدى.
(إذا استعدى رجل على رجل إلى الحاكم لزمه أن يعديه ويستدعي
خصمه إن كان حاضرا) في البلد (سواء حرر المدعي دعواه أو لا) بخلاف



(1) المبسوط: ج 8 ص 119.
79
الغائب (وسواء علم الحاكم بينهما معاملة أو لا) خلافا لمالك فشرطها (1)
وسواء كان من أهل الصيانات والمروات أو لا، فليس فيه ابتذال لهم.
قال في المبسوط: لأن عليا (عليه السلام) حضر مع يهودي عند شريح وحضر عمر مع
أبي عند زيد بن ثابت ليحكم بينهما في داره، وحج المنصور فحضر مع جمالين
مجلس الحكم لحلف كان بينهما. قال: وقال بعضهم: إن كان من أهل الصيانات لم
يحضره الحاكم إلى مجلس الحكم، بل يستدعيه إلى منزله ويقضي بينه وبين
خصمه فيه، وإن لم يكن من أهل الصيانات أحضره مجلس الحكم. ثم ذكر في
طريق الإحضار: أنه ينبغي أن يكون عند القاضي في ديوان حكمه ختوم من طين،
قد طبعها بخاتمه، يبعث مع الخصم إليه، فإن حضر وإلا بعث بعض أعوانه ليحضر،
فإن حضر وإلا بعث بشاهدين يشهدان على امتناعه، فإن حضر وإلا استعان
بصاحب الحرب وهو صاحب الشرطة (2) انتهى.
وعلى التقديرين: فمؤونة الإحضار من بيت المال أو على المدعي إن كان
مبطلا، وعلى خصمه إن كان محقا ولم يكن للخصم عذر؟ وجهان (3).
(ولو كان غائبا لم يستدعه الحاكم حتى تحرر الدعوى، للمشقة في)
حضور (الثاني) دون الأول، فهو الفرق بينهما، وفي حكمه من يتعسر عليه
الحضور بمرض أو شغل أو برفعة أو غيرها. (وإن حرر الدعوى أحضره إن كان
في بعض ولايته ولا خليفة له هناك) ولا من يصلح للنظر بينهما قرب أم بعد.
وللعامة قول: بأنه إن كانت المسافة بحيث يرجع إلى وطنه ليلا أحضره وإلا
فلا. وآخر: بالإحضار إلى مسافة يوم وليلة خاصة. وآخر: بالإحضار ما لم يبلغ



(1) الحاوي الكبير: ج 16 ص 301.
(2) المبسوط: ج 8 ص 154 و 155.
(3) لم يرد " وجهان " في ل. والعبارة في ن و ق هكذا: وعلى التقديرين فمؤونة الاحضار من
بيت المال أو على المدعي أو على خصمه أوجه.
80
البعد مسافة القصر (1). وهو ظاهر الجامع (2) وصريح أبي علي، وقال: لم يجب إلا
بعد أن يثبت المستعدى حقه عند الحاكم (3). وهو خيرة المختلف، للمشقة، واستدل
فيه للأول بلزوم تضييع الحقوق، وأجاب بأنه يطالب المدعي بالإثبات، فإذا ثبت
أحضر خصمه، فإن حضر وإلا باع ماله ودفعه إلى المدعي، قال: أما لو لم يتمكن
من الإثبات وطلب غريمه لإحلافه، أو لم يكن له مال وكان بيد الغائب ما يقضي
به الحق الثابت عند الحاكم، فإن الحاكم هنا يبعث في طلبه (4).
(وإن كان له خليفة) هناك (يحكم) بينهما، أو من يصلح للحكم بينهما
(أو كان في غير ولايته، أثبت الحكم عليه بالحجة وإن كان غائبا) ولم
يحضره. وإن رضي المدعي بأن يكتب إلى خليفته أو من يصلح للحكم أو الوالي
هناك أن يفصل بينهما فعل، وإن سأله إقامة البينة عنده فإذا ثبت كتب بالثبوت إلى
أحد هؤلاء من دون حكم، فعل. وإن أقام شاهدين لا يعرفهما الحاكم كتب:
حضرني فلان بن فلان فادعى على فلان بن فلان كذا وأشهد به فلانا وفلانا، ليكون
الحاكم هناك هو الباحث من عدالتهما إن لم يعرفهما. والأظهر إرادة هذا المعنى،
أعني الكتابة إلى أحد هؤلاء بحقيقة ما ظهر لديه دون الحكم، فإنه لا اختصاص له
بوجود أحد هؤلاء بل إذا فقدوا كان أولى.
(وللمستعدى عليه أن يوكل من يقوم مقامه في الحضور وإن كان في
البلد) خلافا لأحمد (5) وأبي حنيفة (6) فإنهما وإن جوزاه لكن ذهبا إلى أنه لا يلزم
المستعدي أن يرضى به فمتى أبى عليه إلا أن يخاصمه بنفسه أجبر عليه إذا امتنع.
(ولو استعدى على امرأة فإن كانت برزة) أي عفيفة عاقلة تبرز وتحدث



(1) انظر الحاوي الكبير: ج 16 ص 304، والخلاف: ج 6 ص 236 المسألة 34.
(2) الجامع للشرائع: ص 527.
(3) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 411.
(4) مختلف الشيعة: ج 8 ص 412.
(5 و 6) المغني لابن قدامة: ج 5 ص 204.
81
الرجال، وفي المبسوط: أنها التي تبرز لقضاء حوائجها بنفسها (1) (فهي
كالرجل) في الإحضار (وإن كانت مخدرة (2) بعث إليها من ينوبه في
الحكم بينهما في بيتها أو توكل) هي (من يحضر مجلس الحكم).
قال في المبسوط: والأصل في البرزة والمخدرة في الشرع أن الغامدية (3) اعترفت
عند النبي (صلى الله عليه وآله) بالزنا فرجمها، وقال في الاخرى: اغد يا أنس إلى امرأة هذا، فإن
اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها، فكانت الغامدية برزة والأخرى مخدرة (4).
(فإن ثبت عليها يمين بعث الحاكم أمينه ومعه شاهدان فيستحلفها
بحضرتهما، فإن أقرت شهدا عليها) وإن أنكرت أنها المستعدى عليها طلب
الأمين شاهدين بأنها المدعى عليها، ثم استحلفها (5) من وراء الستر، فإن لم تكن
بينة تعرفها بسماع كلامها خلف الستر، التحفت بجلباب وخرجت من وراء الستر،
وإن احتيج إلى الإسفار أسفرت.
قال أبو الحسن الأول (عليه السلام) لجعفر بن عيسى بن يقطين: لا بأس بالشهادة على
إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت بعينها أو حضر من يعرفها، فأما إذا كانت لا
تعرف بعينها ولا يحضر من يعرفها فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها وعلى
إقرارها دون أن تسفر وينظروا إليها (6).
وكتب الصفار إلى الحسن بن علي (عليهما السلام) في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس
لها بمحرم هل يجوز له أن يشهد عليها وهي من وراء الستر ويسمع كلامها إذا شهد رجلان
عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها أو لا يجوز لها الشهادة عليها



(1 و 4) المبسوط: ج 8 ص 156.
(2) كذا في القواعد، وفي المطبوع و ن و ق المتحذرة، وفي ل: المتخدرة.
(3) في المبسوط: العامرية.
(5) في بعض النسخ بدل " استخلفها ": حكم بينهما.
(6) وسائل الشيعة: ج 27 ص 402 ب 43 من أبواب الشهادات ح 3 (تحقيق آل البيت (عليهم السلام)).
82
حتى تبرز وتثبتها بعينها؟ فوقع (عليه السلام) تتنقب وتظهر للشهود إن شاء الله (1).
(وللحاكم تعزير من يمتنع من الحضور والتوكيل) لا لعذر، فإنه معصية
(فإن اختفى نادى) مناديه (على بابه ثلاثة أيام أنه إن لم يحضر سمر
بابه وختم عليه) وجمع أهل محلته وأشهدهم على أعدائه (2). فإن لم يحضر
وسأل المدعي ختم بابه ختمها (فإن لم يحضر بعد الختم، بعث الحاكم من
ينادى: إن لم يحضر أقام عنه وكيلا وحكم عليه، فإن لم يحضر فعل ذلك
وحكم عليه) إن ثبت عليه شيء. (وله أن يحكم عليه حال الغيبة ابتداء)
كما اختاره الشيخ (3) وسيأتي الخلاف.
(ولو استعدى على الحاكم المعزول فالأولى للحاكم مطالبته بتحرير
الدعوى، صونا للقاضي عن الامتهان، فإذا حررها أحضره) كغيره (سواء
ادعى) عليه (بمال أو بجور في حكم أو رشوة). وللعامة (4) قول بأنه إن
ادعى الجور لم يحضره ما لم يكن له بينة على أنه حكم عليه حكما، لأنه لا يكاد
يحكم إلا وعنده قوم (وسواء كان مع المدعي بينة أو لا) فإنه ربما اعترف إذا
حضر. وقيل: في دعوى الجور لم يحضره ما لم يكن له بينة، لأنه أمين الشرع
وظاهر أحكامه العدل (5).
(ولو ادعى على شاهدين بأنهما شهدا عليه بزور) فأتلفا عليه بذلك
كذا (أحضرهما، فإن اعترفا غرمهما، وإلا طالب المدعي بالبينة على
اعترافهما، فإن فقدها ففي توجه اليمين عليهما إشكال، أقربه ذلك)
لإنكارهما وعلى المنكر اليمين، ولأنه في المعنى دعوى مال أتلفاه، ولأنهما لو
أقرا غرما وكل موضع يوجب فيه الإقرار الغرم يوجب فيه الإنكار اليمين. ومن



(1) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 67 ح 3347.
(2) في المخطوطات: إعذاره.
(3) المبسوط: ج 8 ص 155.
(4) المغني لابن قدامة: ج 11 ص 414.
(5) لم نعثر على قائله.
83
تطرق الدعاوى في الشهادات فيفضي إلى الامتناع من إقامتها، ولأنه لم يدع
عليهما حقا لازما ولا يثبت [ما ادعاه] (1) بالنكول ولا برد اليمين. وفي الإيضاح:
أما لو ادعى عليهما بمال وأنهما أتلفاه بشهادتهما الكاذبة واستوفي منه بغير حق
توجهت اليمين قطعا (2).
(ولو ادعى أحد الرعية على القاضي، فإن كان هناك إمام رافعه إليه،
وإن لم يكن وكان في غير ولايته رافعه إلى قاضي تلك البقعة، وإن كان في
ولايته) وتعدد القاضي فيها فكذلك، وإلا (رافعه إلى خليفته) كما فعله
أمير المؤمنين (عليه السلام) مع شريح (3). قال في المبسوط: وقالوا: وهذا يدل على أن
المستخلف ناظر للمسلمين وليس هو في حقه كالوكيل (4).
* * *



(1) لم يرد في المخطوطات.
(2) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 323.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 194 ب 14 من أبواب كيفية الحكم ح 6.
(4) المبسوط: ج 8 ص 170.
84
(المقصد الثالث)
(في الدعوى والجواب)
(وفيه فصول) ثلاثة:
(الأول: المدعي)
و (هو الذي يترك لو ترك الخصومة، أو الذي يدعي خلاف الظاهر)
(أو) الذي يدعي (خلاف الأصل) فهذه ثلاثة حدود له (والمنكر في
مقابلته) بحسب كل حد، فلو ادعى زيد أنه ابتاع العين التي في يد عمرو وأنكره
فزيد مدع بالجميع وعمرو منكر بالجميع، فإن زيدا يترك وسكوته دون عمرو،
والأصل بقاء العين في ملك عمرو وهو الظاهر لكونها في يده.
(ولو أسلما) أي الزوجان (قبل الوطء فادعى الزوج التقارن فالنكاح
دائم) أي باق (وادعت التعاقب، فالزوج) منكر على الأول والثالث فإنه
(هو الذي لا يترك وسكوته) ولأن الأصل بقاء النكاح (والمرأة) منكرة
على الثاني فإنها (تدعي الظاهر وهو التعاقب لبعد التقارن، ففي تقديم)
قول (أحدهما) أي أي منهما (احتمال) لاحتمال كونه المنكر، وقد توهم
كون الزوج بحيث يترك وسكوته. ويندفع بأن البضع في يده وهي تريد استنقاذها
منه. ولو قال الزوج: أسلمت قبلي فلا نكاح ولا مهر، وقالت: بل معا فهي تترك

85
وسكوتها، وتدعي خلاف الظاهر، وهو يدعي خلاف الأصل.
(و) إن اعترض على التعريفات بأنه (يصدق الودعي في الرد باليمين)
مع أنه مدع بالجميع، فإنه يدعي خلاف الأصل والظاهر ويترك وسكوته بالنسبة
إلى الرد. قلنا: ذلك (للرخصة إن قلنا به) فهو مستثنى من عمومات أن البينة
على المدعي واليمين على من أنكر، استثناه الشارع لمصالح العباد، فإنه لو لم
يسمع قول الأمين فيما ائتمن فيه لامتنع الناس من قبول الأمانات، أو نقول: بل
يدعي المودع خلاف الظاهر، لأن ظاهر الأمين الصدق في الرد، وهو الذي يترك
وسكوته دون الودعي ولو بالنسبة إلى الرد.
(ويشترط في المدعي: البلوغ والعقل وأن يدعي لنفسه أو لمن له)
عليه (ولاية الدعوى منه) وأن يدعي (ما يصح تملكه) له إن كان مالا.
(فلا يسمع دعوى الصغير ولا المجنون) إذ لا عبرة بعبارتهما (ولا دعواه
مالا لغيره إلا مع الولاية كالوكيل والوصي والحاكم ونائبه) والأب والجد
(ولا دعوى المسلم خمرا أو خنزيرا ولو على ذمي. ولو ادعى ثمنهما
صح إذا أسند البيع إلى) حال (كفره).
(ويشترط في الدعوى الصحة) فلا عبرة بدعوى محال عقلا أو عادة أو
شرعا، وفي صحة المجهول خلاف سيأتي (واللزوم، فلو ادعى هبة لم يسمع
إلا مع دعوى الإقباض، وكذا الوقف والرهن عند مشترطه فيه) أي في
الرهن، فإن الإنكار فيما لم يلزم رجوع، أو لأنه مع الإثبات لا يجبر على التسليم.
(ولو ادعى فسق الحاكم أو الشهود ولا بينة) له (فادعى علم
المحكوم له أو المشهود له) بذلك، فأنكره (ففي توجه اليمين على نفي
العلم إشكال) ينشأ: (من حيث بطلان الحكم عنه مع الإقرار) والانتفاع بها
في حق لازم فيتوجه، كما إذا قذف ميتا فطالب الوارث بالحد فادعى علمه بما
قذفه به (ومن أنه لا يدعى عليه حقا لازما ولا يثبت بالنكول) بطلان

86
الحكم (ولا اليمين المردودة، ولاشتماله على فساد) وهو اجتراء الناس
على تحليف كل من حكم أو شهد له.
(ولو التمس) المنكر (بعد إقامة البينة عليه إحلاف المدعي على
الاستحقاق أجيب) إليه بعد أن ادعى البراءة أو التماس الإحلاف دليل عليه.
قال في المبسوط: وكيف يحلف؟ قال قوم: يحلف ما اقتضاه ولا شيئا منه، ولا
اقتضي له ولا شيء منه، ولا أحال به ولا بشيء منه، ولا أبرأه ولا عن شيء منه،
وأن حقه لثابت ولا اقتضى له مقتض بغير أمره فأوصله إليه. قال: وإن ادعى أنه قد
أبرأه منه أو قد أحال به لم يحلف المدعى عليه على أكثر من الذي ادعاه عليه. وإن
كانت الدعوى مبهمة فقال: ماله قبلي حق أو قد برئت ذمتي من حقه احتاج إلى
هذه الألفاظ كلها حتى يأتي بجميع جهات البراءة. ومن الناس من قال: أي شيء
ادعى فإن المدعى عليه يحلف ما برأت ذمتك من ديني، فإذا قال: هذا أجزأه لأنها
لفظة تأتي على كل الجهات، فإن الذمة إذا كانت مشغولة بالدين أجزأه أن يقول: ما
برئت ذمتك من حقي وهذا القدر عندنا جائز كاف، والأول أحوط وآكد، وأما
قوله: " وإن حقي لثابت " فلا خلاف أنه ليس بشرط (1) انتهى.
(ولو التمس المنكر يمين المدعي مع الشهادة) على عين ما أقام عليه
البينة (لم تلزم إجابته) عندنا وعند أكثر العامة. خلافا للنخعي والشعبي وشريح
وابن أبي ليلى (2). وقال الصادق (عليه السلام): إذا أقام الرجل البينة على حقه فليس عليه
يمين (3). وأما قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح: " ورد اليمين على المدعي مع بينته فإن
ذلك أجلى للعمى وأثبت في القضاء " (4) فمع التسليم يحمل على ما إذا استحلفه



(1) المبسوط: ج 8 ص 206 و 207، مع اختلاف.
(2) المغني لابن قدامة: ج 12 ص 169، الشرح الكبير: ج 12 ص 180.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 178 ب 8 من أبواب كيفية الحكم ح 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 155 ب 1 من أبواب آداب القضاء ح 1.
87
المنكر على الاستحقاق، أو إذا كانت الدعوى على ميت أو طفل أو مجنون أو
غائب أو المراد بالبينة شاهد واحد.
(ولو ادعى) أحد الخصمين على صاحبه (الإقرار) بحقه (فالأقرب
الإلزام بالجواب) وصحة الدعوى، لأنه ينتفع به في حق لازم، فإنه إن أقر
بإقراره ثبت الحق. ويحتمل العدم، لأنه ليس حقا لازما ولا سببا لثبوته في نفس
الأمر، ولذا لو علم المدعي كذبه في الإقرار لم يستحل ما أقر به له، وإنما هو إخبار.
(ولا يفتقر) سماع الدعوى (إلى الكشف) عن الخصوصيات (في
نكاح و) لا في (غيره) من العقود وغيرها (إلا القتل).
أما الأملاك المطلقة فلا خلاف كما في المبسوط في استغنائها عن الكشف
عينا أو دينا (1) للأصل والمشقة.
وأما النكاح فعندنا لا حاجة فيه إلى الكشف سواء ادعى الزوجية أو النكاح.
وللشافعي ثلاثة أوجه: أحدها: كما قلنا، والثاني: الحاجة إلى الكشف مطلقا، والثالث:
إن ادعى النكاح فيقول: تزوجتها بولي وشاهدين عدلين ورضاها (2). وحمله بعض
أصحابه على الاستحباب (3). وخصه آخرون: بما إذا ادعى ابتداءه لا استدامته (4).
وأما سائر العقود فلا يشترط الكشف فيها عندنا أيضا. وللشافعية فيها ثلاثة
أوجه: أحدها: كما قلنا، والثاني: الاشتراط مطلقا، والثالث: الاشتراط إن تعلق
بجارية، للاحتياط في الفروج (5).
وأما القتل فلابد فيه من الكشف اتفاقا كما في المبسوط (6) ولابد من الوصف
بالعمد أو خلافه، وبأنه قتله وحده أو مع غيره بالمباشرة أو التسبيب، للخلاف في



(1) المبسوط: ج 8 ص 259.
(2) الأم: ج 6 ص 228، المغني لابن قدامة: ج 12 ص 165.
(3) الحاوي الكبير: ج 17 ص 310.
(4) الحاوي الكبير: ج 17 ص 311.
(5) المجموع: ج 20 ص 187، المغني لابن قدامة: ج 12 ص 166.
(6) المبسوط: ج 8 ص 260.
88
أسبابه وعظم خطره وعدم استدراك فائته.
(ولو ادعت أنه زوجها كفى) ذلك (في دعوى النكاح وإن لم تضم)
إليه (شيئا من حقوق الزوجية) من النفقة والمهر وغيرهما. وللعامة قول
بالاشتراط (1) بناء على أن ذكرها لمجرد الزوجية إقرار لا دعوى.
وإذا قلنا بصحة دعواها (فإن أنكر) الرجل (حلف مع عدم البينة).
وللعامة قول بأن إنكاره الزوجية طلاق (2) (فإن نكل حلفت) أو قضي عليه
بالنكول (وثبت النكاح). قال في التحرير: وفي تمكين الزوج منها إشكال،
ينشأ: من إقراره على نفسه بتحريمها، ومن حكم الحاكم بالزوجية (3). (وكذا
البحث لو كان هو المدعي) للزوجية، لكن لا خلاف هنا في تحليفها وعدم
الحاجة إلى ضم، ولا إشكال في استحقاقها المهر بالوطئ إن قهرها، أو قلنا
بوجوب التمكين لحكم الحاكم بالزوجية، أو اعتقدت ذلك، وعدم استحقاقها
لشيء منه بدون الوطئ لإقرارها. والظاهر استحقاقها النفقة لحبسها عليه.
(ولا يسمع دعوى: هذه بنت أمتي، لجواز ولادتها في غير ملكه) فلا
تكون ملكا له. (و) كذا (لو قال) مع ذلك: (ولدتها في ملكي; لاحتمال
الحرية أو تملك غيره) لها فلابد من الكشف والنص على أنها ملكه.
(ولا تسمع البينة بذلك ما لم يصرح) المدعي (بأنها ملكه، وكذا
البينة. وكذا) لا تسمع دعوى: (هذه ثمرة نخلتي) ولا شهادة البينة به ما لم
يصرح بأنها ملكه، لذلك.
(ولو أقر ذو اليد) على البنت أو الثمرة (بذلك) أي بأنها بنت أمة فلان أو ثمرة
نخلته (لم يلزمه شيء لو فسره بما ينافي الملك) يعني: يسمع تفسيره بذلك;
لاحتمال كلامه، ولا يلزمه شيء بمجرد ذلك، عقبه بالتفسير بما ينافي الملكية أو لا.



(1 و 2) انظر الحاوي الكبير: ج 17 ص 312 و 313.
(3) تحرير الأحكام،: ج 5 ص 157.
89
(ولو قال: هذا الغزل من قطنه أو هذا الدقيق أو الخبز من حنطته
لزمه) لأنه إقرار بالعين له، وكذا تسمع دعواه إن ادعى كذلك.
(والأقرب) وفاقا للنافع (1) (سماع الدعوى المجهولة كفرس أو ثوب،
كما يقبل الإقرار به والوصية) إذ ربما علم المدعي أن له عليه كذا ولا يعلم
خصوصياته فلو منعنا دعواه ضاع حقه، ثم يلزم الخصم بالتعيين إذا أقر، ويحلف
على نفي الزائد أو غير ما عينه إن ادعى عليه المدعي أحدهما. وخلافا للمبسوط
لامتناع الحكم بالمجهول، فلا فائدة لسماع الدعوى، وفرق بينها وبين الإقرار
حيث يسمع بالمجهول: بأنه إذا أقر بالمجهول فلو كلفناه التحرير لربما رجع
بخلاف الدعوى، وأيضا فالرجوع هنا مطلوب مسموع بخلافه في الإقرار. قال
الشيخ: هذا كله ما لم يكن وصية، فإن كان وصية سمع الدعوى فيها وإن كانت
مجهولة، والفصل بينها وسائر الحقوق أن تمليك المجهول بها يصح فصح أن تدعى
مجهولة، وليس كذلك غيرها، لأن تمليك المجهول به لا يصح فلا يصح الدعوى به
إلا معلومة (2). انتهى. وكذا دعوى الإقرار بالمجهول، لمثل ما ذكر.
(وهل يشترط) في السماع (الجزم؟ إشكال): من امتناع اليمين
المردودة والقضاء بالنكول وفهم الجزم من الدعوى، ومن الأصل والعمومات
الآمرة بالحكم ومنع فهم الجزم، ولأنه ربما أقر له المدعى عليه أو شهد له بينة
بشيء لا يعلمه، فلو لم تسمع دعواه ضاع حقه، ولأنه لو اشترط الجزم وجب على
الحاكم الاستفسار في اللفظ المحتمل - كلى عليه كذا - هل أنت جازم؟ لاستلزام
الجهل بالشرط الجهل بالمشروط. وهو قوي.
(فإن سوغنا السماع مع الظن جوزنا اليمين) أي يمين المنكر (على
التهمة) أي ما يعسر الاطلاع عليه كالقتل والسرقة، وهو اختيار لما اختاره ابن



(1) المختصر النافع: ص 276.
(2) المبسوط: ج 8 ص 156.
90
نما (رحمه الله) (1) من السماع في التهمة خاصة (2) (ولا رد هنا) لامتناع الحلف من المدعي.
وهل يقضي له بنكول المنكر إن قضينا بالنكول في غيره؟ الأقرب ذلك. ويحتمل
وإن لم نقض به في غيره. ولو عاد فادعى العلم فالأقوى السماع; لإمكان تجدده.
(وإن شرطنا) في السماع (علم المقدار افتقر في الأثمان إلى ذكر
الجنس) من فضة أو ذهب (والقدر والنقد) من الغالب أو غيره، ومن أنواع
الغالب إن تعدد.
قال الشيخ: فإن كان هناك خلاف في صحاح أو مكسرة فلابد أن يقول:
صحاحا أو مكسرة; لأن التفاوت كثير في كل هذا. قال: قالوا: أليس لو باع ثوبا
بألف مطلقا انصرف إلى نقد البلد؟ هلا قلتم تسمع الدعوى مطلقة وينصرف إلى نقد
البلد؟ قلنا: الفصل بينهما أن الدعوى إخبار عما كان واجبا عليه، وذلك يختلف
باختلاف الأزمان والبلدان، فلهذا لم تسمع منه إلا محررة، وليس كذلك الشراء
لأنه إيجاب في الحال، فلهذا انصرف إلى نقد البلد كقيم المتلفات، فوزان الدعوى
من الشراء أن يكون في البلد نقود مختلفة فحينئذ لا يصح أن يطلق الثمن فلابد أن
يكون موصوفا (3) انتهى.
(و) افتقر (في دعوى غيرها) أي الأثمان (إلى الوصف بما يرفع
الجهالة) إن أمكن الضبط بالوصف (ولا يحتاج إلى ذكر قيمته) لارتفاع
الجهالة بالوصف (وذكرها أحوط، ويجب فيما لا مثل له) كالجواهر والعبيد
والثياب (ذكرها) أي القيمة [بناء على أن الجهالة إنما يرتفع بذكرها فلو فرض
ارتفاعها بدونه لم يلزم] (4).



(1) نقله عنه في إيضاح الفوائد: ج 4 ص 327 - 328.
(2) في المطبوع زيادة: لكل ما يدعي لا جزما.
(3) المبسوط: ج 8 ص 157.
(4) لم يرد في المخطوطات.
91
(الفصل الثاني فيما يترتب على الدعوى)
(وإذا تمت الدعوى فالأقرب) وفاقا للمبسوط (1) والشرائع (2) (أن
الحاكم لا يبتدئ بطلب الجواب من الخصم إلا بعد سؤال المدعي ذلك،
لأنه حق له فيتوقف على المطالبة).
قال الشيخ: وهو الصحيح عندنا. قال: وقال قوم: له مطالبته به من غير مسألة
المدعي، لأن شاهد الحال يدل عليه، لأن الإنسان لا يحضر خصمه إلى الحاكم ليدعي
عليه وينصرف من غير جواب. وهو قوي أيضا (3) انتهى. وهو خيرة التحرير (4).
(فإذا سأله الحاكم فأقسامه) أي الجواب (ثلاثة):
(الأول: الإقرار، فإذا أقر وكان جائز التصرف) بأن كان كاملا مختارا
غير محجور عليه فيما أقر به (حكم عليه) بالأداء (إن سأله المدعي) لا إن
لم يسأله، وفاقا للمبسوط فإنه حقه (5). وقيل: بل يحكم من غير سؤال، لأنه حق
ظهر للحاكم فوجب عليه إظهاره، ولشهادة الحال (6). وهو ظاهر النهاية (7).
واحتمله في التحرير، وقال: أما لو كان المدعي جاهلا بمطالبة الحاكم فإن الحاكم
يحكم عليه أو ينبهه على ذلك، لئلا يضيع حقه بجهله فيترك المطالبة (8).
والحكم كما مر (بأن يقول له: قد ألزمتك أو أخرج إليه من حقه وما
شابهه) من الألفاظ.
(ولو التمس أن يكتب له عليه كتابا لزمه إن كان يعرفه) أي المدعي
أو المدعى عليه (باسمه ونسبه، أو يعرفه عدلان، أو يشهد بالحلية) إن لم
يعرفهما ولا يعرفهما عدلان، فيكتب: حضر القاضي فلانا إن كان هو القاضي، وإن
كان خليفته: حضر خليفة القاضي فلانا والقاضي فلان، وإن كان القاضي منصوبا



(1 و 3) المبسوط: ج 8 ص 157.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 82.
(4 و 8) تحرير الأحكام: ج 5 ص 142.
(5) المبسوط: ج 8 ص 158.
(6) مسالك الأفهام: ج 13 ص 443.
(7) النهاية: ج 2 ص 70.
92
من الإمام كتب: حضر القاضي عبد الله الإمام، ثم يبدء بالمدعي فيكتب: فلان بن
فلان وأحضر معه فلان بن فلان إن كان يعرفهما أو عرفهما عدلان، والأولى إن عرفهما
عدلان أن يكتب بشهادة فلان وفلان، ولا حاجة على التقديرين إلى ذكر حليتهما، وإن
لم يعرفهما ولا عرفهما عدلان كتب: أن رجلا حليته كذا وكذا حضر وأحضر معه رجلا
حليته كذا وكذا وذكر كل منهما: أنه فلان بن فلان، ثم كتب: أنه ادعى عليه فأقر له به.
وفي المبسوط عن بعض الأصحاب: أنه لا يكتب المحضر إذا لم يعرفهما،
قال: والأول أقوى; لأن المعول على الحلية ولا يمكن استعارتها (1). ونحو ذلك في
الخلاف (2) وأول فيه القول بالمنع بالاقتصار على النسب.
واعترض ابن إدريس بانتفاء المستند للتعويل على الحلية، وبأنه مصير إلى أن
للإنسان أن يعمل بما يجد به خطا مكتوبا من غير ذكر للشهادة، وقطع على من
شهد عليه، ورجوع إلى العمل بكتاب قاض إلى قاض وجميع ذلك باطل عندنا (3).
قال في المختلف: والتحقيق أنه لا مشاحة هنا، لأن القصد تخصيص الغريم
وتميزه عن غيره وإزالة الاشتباه، فإن حصل ذلك بالتحلية جاز، واللوازم التي
ذكرها ابن إدريس غير لازمة; لأن الخط جعل مذكرا ومنبها على القضية، فإذا
وقف الإنسان على خطه فإن ذكر القضية أقام الشهادة وإلا فلا. انتهى (4).
ثم في لزوم الكتابة على كل تقدير نظر، وقد ذكر الخلاف في المبسوط من
غير اختيار [نعم قد يعرض الوجوب لكون الحكم مما لا يترتب عليه أثر بدون
الكتابة، أو لنحو ذلك] (5).
(وإن سأله أن يشهد على إقراره شاهدين لزمه أيضا) وفيه النظر.
ثم إن التمس الكتاب (فإن دفع إلى الحاكم ثمن القرطاس) أو عينه



(1) المبسوط: ج 8 ص 115.
(2) الخلاف: ج 6 ص 221 المسألة 16.
(3) السرائر: ج 2 ص 162.
(4) مختلف الشيعة: ج 8 ص 363، مع اختلاف.
(5) لم يرد في ن و ق.
93
(من بيت المال) جاز; لأنه من المصالح المهمة (وإلا كان على الملتمس
الثمن. ولا يجب على الحاكم دفع الثمن من خاصته).
(فإن ادعى الإعسار وثبت صدقه - إما بالبينة المطلعة على حاله أو
بتصديق الخصم - لم يحل حبسه) عندنا. خلافا للحنفية فمنهم من يحبسه بعد
البينة شهرا، ومنهم شهرين، ومنهم ثلاثة، ومنهم أربعة حتى يغلب الظن على أنه لو
كان له مال لم يصبر على حبس تلك المدة (1).
(وانظر إلى أن يوسر) لقوله تعالى: " فنظرة إلى ميسرة " (2) وللأصل، ونحو
خبري الأصبغ (3) وغياث بن إبراهيم (4): إن عليا (عليه السلام) كان يحبس في الدين، فإذا
تبين له حاجة وإفلاس خلى سبيله حتى يستفيد مالا. وخبر السكوني: إن امرأة
استعدت عليا (عليه السلام) على زوجها إنه لا ينفق عليها وكان زوجها معسرا فأبى أن يحبسه
وقال: إن مع العسر يسرا (5). وخبر زرارة: كان علي (عليه السلام) لا يحبس في السجن إلا
ثلاثة: الغاصب، ومن أكل مال اليتيم ظلما، ومن ائتمن على أمانة فذهب بها (6).
(فإن مات فقيرا سقط) ولاحرج عليه إن استدان بحق، ولم يتهاون في الأداء.
(وإن عرف كذبه) في دعوى الإعسار (حبس حتى يخرج من الحق)
بنفسه أو يباع عليه ماله ويعطى صاحب الحق.
(وإن جهل بحث الحاكم، فإن ثبت إعساره انظر) مع الإحلاف أو لا معه
على ما مر في الحجر. (ولم يجب) بل لم يجز (دفعه إلى غرمائه
ليستعملوه) كان ذا كسب أو لا، وفاقا للأكثر منهم الشيخان (7) للأصل، والأمر



(1) الهداية للمرغيناني: ج 3 ص 104.
(2) البقرة: 280.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 180 ب 11 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 13 ص 148 ب 7 من أبواب أحكام الحجر ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 13 ص 148 ب 7 من أبواب أحكام الحجر ح 2.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 181 ب 11 من أبواب كيفية الحكم ح 2.
(7) المقنعة: ص 733، النهاية: ج 2 ص 72.
94
بالإنظار فيما سمعته من النصوص.
وقال ابن حمزة: خلى سبيله إن لم يكن ذا حرفة يكتسب بها وأمره بالتمحل،
وإن كان ذا حرفة دفعه إليه ليستعمله، فما فضل عن قوته وقوت عياله بالمعروف
أخذ بحقه (1).
ولعله استند إلى خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام): إن عليا (عليه السلام) كان يحبس في
الدين ثم ينظر إن كان له مال أعطى الغرماء، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء
فيقول لهم: اصنعوا به ما شئتم، إن شئتم آجروه وإن شئتم استعملوه (2).
ونفى عنه البعد في المختلف، قال: لأنه متمكن من أداء ما وجب عليه وهو
إيفاء صاحب الدين حقه فيجب عليه، أما الكبرى فظاهرة، وأما الصغرى فلأن
الفرض أنه متمكن من الكسب والتحصيل، وكما يجب السعي في المؤونة كذا
يجب في أداء الدين. قال: ونمنع إعساره; لأنه متمكن، ولا فرق بين القدرة على
المال وعلى تحصيله، ولهذا منعنا القادر على التكسب بالصنعة والحرفة من أخذ
الزكاة باعتبار إلحاقه بالغني القادر على المال. قال: والآية - يعني: آية الإنظار -
متأولة بالعاجز عن التكسب والتحصيل، وكذا ما ورد من الأخبار في هذا الباب (3).
وفي المبسوط - بعد ذكر الخلاف في الإجبار على التكسب وذكر خبر
السكوني -: ولا خلاف أنه لا يجب عليه قبول الهبات والوصايا والاحتشاش
والاحتطاب والاصطياد والاغتنام والتلصص في دار الحرب وقتل الأبطال
وسلبهم ثيابهم وسلاحهم، ولا تؤمر المرأة بالتزويج لتأخذ المهر وتقضي الديون،
ولا يؤمر الرجل بخلع زوجته فيأخذ عوضه، لأنه لا دليل على شيء من ذلك،
والأصل براءة الذمة (4). ثم فصل كيفية البحث عن حاله فقال:



(1) الوسيلة: ص 212.
(2) وسائل الشيعة: ج 13 ص 148 ب 7 من أبواب أحكام الحجر ح 3.
(3) مختلف الشيعة: ج 8 ص 453.
(4) المبسوط: ج 2 ص 274.
95
(وإن اشتبه فإن عرف ذا مال أو كان أصل الدعوى مالا حبس حتى
يثبت إعساره) بالبينة المطلعة على باطن أمره فإن الأصل بقاء المال، فإن لم
يكن له بينة حلف المدعي على عدم التلف (1) وحبس. [وإن لم يثبته ولا حلف
احتمل الاكتفاء بيمين المدعى عليه] (2) (وإلا) يكن عرف بمال ولا كان أصل
الدعوى مالا (حلف على الفقر) وخلى سبيله. وللشافعية قول: بتأ ني القاضي
والبحث عن باطن حاله (3). (فإن نكل حلف المدعي على القدرة وحبس).
وفي التذكرة: فإذا حبسه فلا يغفل عنه بالكلية. ولو كان غريبا لا يتمكن من إقامة
البينة وكل به القاضي من يبحث عن منشئه ومنتقله وتفحص عن أحواله بقدر الطاقة،
فإذا غلب على ظنه إفلاسه شهد به عند القاضي لئلا يتخلد عليه عقوبة السجن (4).
(الجواب الثاني: الإنكار، ويسأل الحاكم المدعي عقيبه: ألك بينة؟ إن
لم يعرف أنه موضع سؤال ذلك، وإن عرف لم يجب) السؤال (فإن قال:
نعم أمره بإحضارها ثم ينظر في أمر غيرهما) إن لم يكن بينته حاضرة (وإن
قال: لا بينة لي عرفه الحاكم) إن لم يعرف (أن له اليمين. فإن طلب إحلافه
أحلفه الحاكم، ولا يتبرع الحاكم بإحلافه) اتفاقا، لأنه حق للمدعي مسقط
لدعواه، وقد لا يريد الإحلاف في الحال ليتذكر بينة أو يعود الخصم إلى الإقرار.
(وكذا الحالف لا يبتدئ باليمين من غير أن يحلفه الحاكم، فل وتبرع الحالف
أو الحاكم باليمين وقعت لاغية ولم يعتد بها، ويعيدها الحاكم بعد سؤاله).
وحكي أن أبا الحسين بن أبي عمر القاضي أول ما جلس للقضاء ارتفع إليه
خصمان وادعى أحدهما على صاحبه دنانير فأنكرها، فقال القاضي للمدعي: ألك
بينة؟ قال: لا، فاستحلفه القاضي من غير مسألة المدعي، فلما فرغ قال له المدعي:
ما سألتك أن تستحلفه لي، فأمر أبو الحسين أن يعطى الدنانير من خزانته، لأنه



(1) في المطبوعة زيادة: أو أثبته.
(2) لم يرد في ن و ق.
(3) الحاوي الكبير: ج 6 ص 336.
(4) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 59 س 18.
96
استحيى أن يحلفه ثانيا (1).
(وكذا لو حلفه) المدعي (من غير حاكم) ولم يعتد به وكان له الإحلاف
ثانيا عند القاضي. (وإذا حلف المنكر) بالإحلاف المعتبر (سقطت الدعوى
عنه) ظاهرا (ولا يحل للمدعي مطالبته بعد ذلك بشيء وإن كان كاذبا في
يمينه) بالاتفاق على الظاهر والنصوص (2) وهي كثيرة.
(ولو ظفر له بمال لم يحل له مقاصته) بل بقي حقه في ذمته إلى القيامة
إلا أن يكذب نفسه ويعترف به ثانيا.
وعن عبد الله بن وضاح قال: كان بيني وبين رجل من اليهود معاملة فخانني
بألف درهم فقدمته إلى الوالي فأحلفته فحلف، وقد علمت أنه حلف يمينا فاجرة
فوقع له بعد ذلك عندي أرباح ودراهم كثيرة، فأردت أن أقتص الألف درهم التي
كانت لي عنده وأحلف عليها، فكتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) فأخبرته بالقصة، فكتب:
لا تأخذ منه شيئا إن كان قد ظلمك فلا تظلمه، ولولا أنك رضيت بيمينه فحلفته لأمرتك
أن تأخذ من تحت يدك ولكنك رضيت بيمينه فقد مضت اليمين بما فيها (3).
(ويأثم مع معاودة المطالبة) بنفس المعاودة، والإحلاف مرة اخرى إن
أحلفه - بأن لم يتذكر الحاكم، أو عند حاكم آخر - وبالأخذ إن نكل فحلف هو، أو
لم يحلفه وأخذ من ماله مقاصة.
(ولا تسمع دعواه) إذا أعادها بعد الإحلاف (ولا بينته) وفاقا للشيخ (4)
وابني زهرة (5) وسعيد (6) للإجماع كما في الخلاف (7) والغنية (8) ولقول الصادق (عليه السلام)
في صحيح ابن أبي يعفور: إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر بحقه فاستحلفه



(1) نقله الشيخ في المبسوط: ج 8 ص 116.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 178 - 179 ب 9 و 10 من أبواب كيفية الحكم.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 180 ب 10 من أبواب كيفية الحكم ح 2.
(4) المبسوط: ج 8 ص 210.
(5 و 8) الغنية: ص 442.
(6) الجامع للشرائع: ص 524.
(7) الخلاف: ج 6 ص 293، المسألة 40.
97
فحلف أن لا حق له قبله ذهب اليمين بحق المدعي ولا دعوى له، قلت: وإن كانت
له بينة عادلة؟ قال: نعم وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له حق،
فإن اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه (1). وقول النبي (صلى الله عليه وآله):
من حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس له من الله
في شيء (2). وقوله (صلى الله عليه وآله): ذهب اليمين بدعوى المدعي ولا دعوى له (3).
(وقيل) في المقنعة (4) والكامل (5) والوسيلة (6) والمراسم (7): (يحكم
بالبينة، إلا أن يشترط الحالف سقوط الحق باليمين). واستدل له بمساوات
البينة الإقرار في ثبوت الحق. وأجيب بأن الإقرار أقوى، ولذا يبطل حكم البينة إذا
حالفها.
(وقيل) في موضع من المبسوط (8): (تسمع مع النسيان) أو الجهل أولا
لأنه إنما رضي باليمين لظن عجزه عن إثبات حقه. وهو خيرة الحلبي (9) وابن
إدريس (10) وقواه في المختلف.
(وكذا) لا يسمع منه (لو أقام شاهدا واحدا وبذل معه اليمين) ويحتمل
الوجهان الآخران. (نعم لو أكذب الحالف نفسه جاز أن يطالب وأن يقاص
مما يجده له مع امتناعه عن التسليم) فإن الإقرار أبطل ما تقدم لعموم أدلة
الأخذ بالإقرار.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 178 ب 9 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 124 ب 6 من أبواب تحريم الحلف بالبراءة ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 179 ب 9 من أبواب كيفية الحكم ح 2.
(4) المقنعة: ص 733.
(5) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 8 ص 397.
(6) الوسيلة: ص 229.
(7) المراسم: ص 235.
(8) المبسوط: ج 8 ص 210.
(9 و 10) الموجود فيهما خلاف ذلك، راجع انظر الكافي في الفقه: ص 447، والسرائر: ج 2
ص 159 نعم نسبه إليهما في مختلف الشيعة (ج 8 ص 397) وقواه.
98
(وإن رد المنكر اليمين على المدعي فإن حلف ثبت دعواه، وإن نكل
سقطت) دعواه في هذا المجلس إلا أن يكون ادعى بالتهمة وأجزناه أو كان
وصيا أو وليا أو وكيلا.
(وهل له المطالبة بعد ذلك إشكال): من عموم الأخبار النافية لحقه إذا
أبى الحلف، كقول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح محمد بن مسلم - في الرجل يدعي ولا
بينة له - قال: يستحلفه فإن رد اليمين على صاحب الحق فلم يحلف فلا حق له (1).
ومن الأصل، وكونه كالإقرار أو البينة فيثبت به الحق كلما أتى به، كما يثبت كلما
أقام بينة أو أقر الخصم. واحتمال الأخبار أنه لا حق له ما لم يحلف أو في ذلك
المجلس. وهو خيرة المبسوط (2) والمصنف فيما سيأتي.
(ولو قال المدعي قد أسقطت عنك هذه اليمين لم يسقط دعواه) لأن
الإبراء من اليمين من غير إسقاط الحق (فإن أعاد الدعوى مرة ثانية فله
إحلافه) لأنها دعوى غير الأولى التي أسقط فيها اليمين.
(ولو نكل المنكر - بمعنى أنه لم يلحف ولم يرد - قال له الحاكم: إن
حلفت وإلا جعلتك ناكلا ثلاث مرات استظهارا لا فرضا) ويجب مرة على
ما في الدروس (3) وسيأتي خلافه (فإن أصر) على النكول (فالأقرب) وفاقا
لبني الجنيد (4) وحمزة (5) وإدريس (6) والشيخ في الخلاف (7) والمبسوط (8)
والقاضي في المهذب (9) (أن الحاكم يرد اليمين على المدعي، فإن حلف



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 176 ب 7 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(2) المبسوط: ج 8 ص 211.
(3) الدروس الشرعية: ج 2 ص 89، درس 138.
(4) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 380.
(5) الوسيلة: ص 229.
(6) السرائر: ج 2 ص 180.
(7) الخلاف: ج 6 ص 290، المسألة 38.
(8) المبسوط: ج 8 ص 159.
(9) المهذب: ج 2 ص 585.
99
ثبت حقه وإن امتنع سقط) للأصل، والاحتياط، وقول الصادق (عليه السلام) في خبر
عبيد بن زرارة: في الرجل يدعي عليه الحق ولا بينة للمدعي، قال: يستحلف أو
يرد اليمين على صاحب الحق، فإن لم يفعل فلا حق له (1).
(وقيل) في المقنع (2) والمقنعة (3) والمراسم (4) والغنية (5) والنهاية (6)
والشرائع (7) والنافع (8) والجامع (9) والكافي (10) والكامل (11) والموجز (12): (يقضي
بنكوله مطلقا) أي من غير رد. وهو خيرة التلخيص (13) لأصل براءة المدعي من
وجوب اليمين عليه، مع أن الأخبار ناطقة بأن اليمين على المنكر فلا يرد إلا فيما
دل عليه دليل، ولصحيح ابن مسلم: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كتب صورة اليمين
لأخرس وغسلها وأمره بشربها فلما امتنع ألزمه الدين (14). وغيره أولى. وقول
الكاظم (عليه السلام) لعبد الرحمن بن أبي عبد الله - فيمن ادعى على الميت -: فإن ادعى بلا
بينة فلا حق له، لأن المدعى عليه ليس بحي، ولو كان حيا لألزم باليمين أو الحق أو
يرد اليمين (15) لدلالته على أن اليمين لا يرد على المدعي إلا برد المنكر، ولأن
ظاهر الإحلاف هنا أنه حق للمنكر فلا يستوفى إلا بإذنه، كما أنه لا يحلف المنكر
إلا بإذن المدعي. وفيه: مع المنع، أن الإحلاف هنا ليس إلا (16) مصلحة للمنكر



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 176 ب 7 من أبواب كيفية الحكم ح 2.
(2) المقنع: ص 396.
(3) المقنعة: ص 724.
(4) المراسم: ص 231.
(5) انظر الغنية: 445.
(6) النهاية: ج 2 ص 71.
(7) شرائع الإسلام: ج 4 ص 84 - 85.
(8) المختصر النافع: ص 274.
(9) الجامع للشرائع: 524.
(10) الكافي في الفقه: ص 447.
(11) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 380.
(12) لم نعثر عليه.
(13) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 33 ص 359.
(14) وسائل الشيعة: ج 18 ص 222 ب 33 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(15) وسائل الشيعة: ج 18 ص 172 ب 4 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(16) لم يرد " إلا " في ق وفي المطبوع شطب عليها.
100
بانقطاع الدعوى فربما جاز بدون إذنه.
(ولو بذل المنكر اليمين بعد نكوله) المحكوم به أي بعد أن جعله الحاكم
ناكلا إما مع الرد على المدعي وحلفه كما اختاره، أو مطلقا كما قيل (لم يلتفت
إليه) لثبوت الحق شرعا إلا أن يرضى المدعي بيمينه فالظاهر الالتفات، وفاقا
للتحرير (1) والدروس (2) ولما سيأتي. ولو توقف الحكم عليه على حلف المدعي
فبذل اليمين قبله (3) فالأقرب الالتفات أيضا، كما في الدروس (4) وكذا في
التحرير (5) قبل أن يقول الحاكم للمدعي: احلف. وسيأتي الإشكال فيما إذا بذلها
بعد الحكم بالنكول وادعائه جهله بحكمه.
(الجواب الثالث: السكوت) وفي جعله جوابا توسع من تسمية الشيء
بنقيضه، أو لمشاركته الإنكار في الحكم، أو لعمومه ما إذا قال: لا أقر ولا أنكر، أو
الضمير في أقسامه لشأن المدعى عليه.
(فإن كان) السكوت (لآفة - من طرش أو خرس - توصل الحاكم
إلى معرفة جوابه بالإشارة المفيدة لليقين، فإن افتقر إلى المترجم لم يكف
الواحد بل لابد من عدلين) كما تقدم وإن كان لدهش أو غباوة أو خوف توصل
الحاكم إلى إزالتها عنه.
(وإن كان عنادا ألزمه بالجواب، فإن امتنع حبس حتى يبين) كما في
المقنعة (6) والنهاية (7) والخلاف (8) والمراسم (9) والوسيلة (10) والشرائع (11) والنافع (12)



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 180.
(2 و 4) الدروس الشرعية: ج 2 ص 89، درس 138.
(3) في ن زيادة: بعد جعله ناكلا.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 180.
(6) المقنعة: ص 725.
(7) النهاية: ج 2 ص 73.
(8) الخلاف: ج 6 ص 238، المسألة 37.
(9) المراسم: ص 231.
(10) الوسيلة: ص 212.
(11) شرائع الإسلام: ج 4 ص 85 - 86.
(12) المختصر النافع: ص 274.
101
والجامع (1) لأن الجواب حق وجب عليه وهو يمتنع منه مع قدرته عليه، ولقوله (صلى الله عليه وآله):
لي الواجد يحل عرضه وعقوبته (2).
(وقيل: يجبر عليه) بالضرب والإهانة حتى يجيب من باب الأمر
بالمعروف. ولم نعرف القائل.
(وقيل) في المبسوط (3) والمهذب (4) والسرائر (5): (يقول له الحاكم)
مرة وجوبا وثلاثا استظهارا: (إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا ورددت اليمين
على المدعي، فإن أصر رد اليمين على المدعي). قال في المبسوط: إنه الذي
يقتضيه مذهبنا، والثاني - يعني الحبس - قوي أيضا (6). وفي المهذب: إنه ظاهر
مذهبنا ولا بأس بالعمل بالثاني - يعني الحبس (7) -. واقتصر في إقرار المبسوط
على الرد من غير تعرض للحبس، واستدل بأنه لو أجاب بجواب صحيح ثم امتنع
من اليمين جعل ناكلا، فإذا امتنع عن الجواب واليمين فأولى أن يكون ناكلا (8).
قلت: الأولوية لوجوه: الأول: أنه نكل عن اليمين والجواب معا، والثاني: أن
العناد فيه أشد وأظهر، والثالث: أنه لما لم ينكر احتمل الإقرار، فإذا اعتبرت يمين
المدعي مع صريح الإنكار فمع السكوت أولى.
ويؤيد الرد أن في الحبس إضرارا بالمدعي بالتأخير، وربما أدى إلى ضياع
حقه، وأن فيه وفي الإجبار إضرارا بالمدعى عليه بلا دليل. وما مر من الدليل
عليهما مندفع بأن الرد إلى المدعي أردع له عن السكوت، وأسهل وأفيد للمدعي.



(1) الجامع للشرائع: ص 524.
(2) وسائل الشيعة: ج 13 ص 90 ب 8 من أبواب الدين والقرض ح 4، وسنن أبي داود: ج 3
ص 313 ح 3628.
(3 و 6) المبسوط: ج 8 ص 160.
(4) المهذب: ج 2 ص 586، وفيه لم يذكر " ثلاثا استظهارا ".
(5) السرائر: ج 2 ص 163.
(7) المهذب: ج 2 ص 586.
(8) المبسوط: ج 3 ص 31.
102
(الفصل الثالث في كيفية سماع البينة)
(إذا سأل الحاكم المدعي بعد الإنكار عن البينة وذكر أن له بينة لم
يأمره بإحضارها) إذا علم أن له ذلك وأن ثبوت الحق متوقف عليه (لأن ذلك
حقه) فلا يأمره باستيفائه، بل له الاستيفاء وعدمه، وفاقا للمبسوط (1) والمهذب (2)
والسرائر (3). (وقيل) في المقنعة (4) والنهاية (5) والمراسم (6) والكافي (7)
والكامل (8) والغنية (9) والوسيلة (10) والإصباح (11) والنافع (12) والشرائع (13): (له ذلك)
والوجه رفع الخلاف والتنزيل على التفصيل.
(فإن جهل) أن له الإحضار وأن ثبوت الحق يتوقف عليه، أمره أمر إباحة
بأن (قال له: أحضرها إن شئت) وإن علم لم يكن عليه ذلك، ولا بأس إن فعله،
والأمر على كل منزل على أمر الإباحة والذي نفي أمر الإيجاب أو الندب، وربما
وجب أو استحب الإحضار لعارض فله الأمر إيجابا أو ندبا.
(فإذا أحضرها لم يسألها الحاكم حتى يسأله المدعي ذلك) أي سؤالها
(لأنه حقه فلا يتصرف فيه من غير إذنه) ولعله يكفي في سؤاله أن يقول - إذا
أحضرها -: إنها بينتي أو شهودي ونحوهما. (فإذا سأله المدعي سؤالها قال:
من كانت عنده شهادة فليذكر إن شاء) أو تكلما إن شئتما (ولا يقول لهما:
اشهدا) فإنه أمر لهما بالشهادة وقد لا يكون عندهما شهادة، وربما توهما بذلك أن
عليهما الشهادة وإن لم يعلما بالحال. نعم له أن يقول: من كان عنده شهادة فليشهد



(1) المبسوط: ج 8 ص 115.
(2) المهذب: ج 2 ص 585.
(3) السرائر: ج 2 ص 158.
(4) المقنعة: ص 723.
(5) النهاية: ج 2 ص 70.
(6) المراسم: ص 231.
(7) الكافي في الفقه: ص 446.
(8) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 359.
(9) الغنية: ص 445.
(10) الوسيلة: ص 212.
(11) إصباح الشيعة: ص 532 و 533.
(12) المختصر النافع: ص 273.
(13) شرائع الإسلام: ج 4 ص 85.
103
ولا يكتم شهادته، ونحو ذلك، لأنه أمر بالواجب أو نهى عن المحرم.
(فإن أقاما الشهادة لم يحكم إلا بمسألة المدعي) إلا إذا جهل المدعي
مطالبة الحاكم بالحكم، وقد مر القول بأن له الحكم وإن لم يسأله المدعي. (فإن
سأله الحكم وعرف عدالتهما - بالعلم أو بالتزكية - واتفقت شهادتهما
ووافقت الدعوى قال للخصم: إن كان عندك ما يقدح في شهادتهم فبينه
عندي، فإن) ادعى ذلك و (سأل الإنظار أنظره) لإمكان صدقه، ولقول
علي (عليه السلام) لشريح: واجعل لمن ادعى شهودا غيبا أمدا بينهما، فإن أحضرهم أخذت
له بحقه، وإن لم يحضرهم أوجبت عليه القضية (1) (ثلاثة أيام) كذا في المبسوط (2)
وغيره، ولم أعرف مستند التقدير. ثم إنهم أطلقوه فيعم ما إذا ادعى بعد بينة الجرح
بحيث لا يحضر في ثلاثة فلعل الحكم مخصوص بما عداه وإذا كان كذلك أنفذ
الحاكم حكمه، ثم الخصم على حجته إذا ثبت الفسق.
(فإن لم يأت بجارح) مدة الإنظار (حكم عليه بعد سؤال المدعي).
واستحب في المبسوط أن يقول للمدعى عليه: قد ادعى عليك كذا وشهد عليك به كذا
وكذا وأنظرتك جرح الشهود فلم تفعل وهوذا أحكم عليك ليبين له أنه حكم بحق (3).
(وإن ارتاب بالشهادة) مع التعديل وعدم جرح الخصم، أو إتيانه بجارح
(فرقهم وسأل كل واحد عن جزئيات القضية، فيقول) له مثلا: (في أي
وقت شهدت) أي حضرت أو تحملت الشهادة (وفي أي مكان؟ وهل كنت
وحدك) أو مع باقي الشهود؟ (و) إن قال: كنت وحدي قال: (هل كنت أول
من شهد؟) فيما يمتاز فيه الأول من غيره بحيث يظهر الكذب إن ظهر الاختلاف
(فإن اختلفت أقوالهم أبطلها وإلا حكم. وكذا يبطلها لو لم توافق الدعوى
وإن اتفقت. فلو ادعى على زيد قبض مائة دينار نقدا منه فأنكر، فشهد



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 155 ب 1 من أبواب آداب القاضي ح 1.
(2 و 3) المبسوط: ج 8 ص 159.
104
واحد بقبض المال لكن بعضه نقد وبعضه جنس منه، وشهد الآخر بقبضه
نقدا لكن من وكيله) لا منه (سقطت البينة) للاختلاف، ومخالفة الدعوى.
(ولو قال المدعي: لي بينة وأريد إحلافه، ثم أحضر البينة لإثبات
حقي لم يكن له ذلك) اتفاقا. (ولو رضي باليمين وإسقاط بينته جاز)
وسقطت الدعوى بالنصوص (1) والإجماع.
(ولو أقام شاهدا واحدا وحلف ثبت حقه) إن كان مما يثبت بشاهد
ويمين (وإن نكل لم يثبت حقه في هذا المجلس) إلا إذا وجه اليمين إلى
خصمه فنكل وقضينا بالنكول، ولم يسقط حقه بالنكول كاليمين المردودة بل له
الحلف في مجلس آخر، فإن يمينه بمنزلة شاهد آخر.
(وإذا أقام المدعي عدلين لم يستحلف مع البينة) على الثبوت أو انتفاء
براءة الخصم بالنص (2) والإجماع. خلافا لبعض العامة (3). (إلا أن) يدعي الخصم
السقوط ولا يقدر على إثباته، فيستحلف لإنكاره أو (تكون الشهادة على) ذمة
(ميت فيستحلف على بقاء الحق في ذمته استظهارا) إذ ربما برئت ذمته
بأداء أو إبراء.
وقال الكاظم (عليه السلام) لعبد الرحمن بن أبي عبد الله: وإن كان المطلوب بالحق قد
مات، فأقيمت عليه البينة، فعلى المدعي اليمين بالله الذي لا إله إلا هو لقد مات
فلان وأن حقه لعليه، فإن حلف، وإلا فلا حق له، لأنا لا ندري، لعله قد وفاه ببينة لا
نعلم موضعها أو بغير بينة قبل الموت، فمن ثم صارت اليمين مع البينة (4).
وكتب الصفار إلى أبي محمد (عليه السلام) في الصحيح: هل تقبل شهادة الوصي على



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 178 ب 9 من أبواب كيفية الحكم.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 176 ب 7 من أبواب كيفية الحكم.
(3) المجموع: ج 20 ص 163.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 172 ب 4 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
105
الميت بدين مع شهادة آخر عدل؟ فوقع (عليه السلام): نعم من بعد يمين (1).
والظاهر الاتفاق عليه كما قيل، وأن الاستظهار هنا بمعنى طلب الظهور وإن
كان واجبا، لا ما يقابل الواجب. ولا فرق بين علم الحاكم بالحال وإقرار الميت به
عنده قبل الوفاة بلحظة لا يمكن فيها الوفاء، أو مدة حضرها الحاكم بتمامها ولم
يوف، وعدمها; لبقاء احتمال الإبراء.
(أما لو أقام بينة بعارية عين) عند الميت (أو غصبها كان له انتزاعها
من غير يمين) للخروج عن الإجماع والنص (2) للتصريح بالدين في الثاني
وإشعار التوفية في الأول به، ولأصلي البراءة وبقاء العين على ملكه، وعدم جريان
العلة، واحتمال التمليك مرجوح، بخلاف الأداء أو الإبراء. ولا فرق بين بقاء العين
حين الدعوى وتلفها حينها بعد الموت، أما لو تلفت قبله تلفا يوجب الضمان في
التركة فعليه اليمين، لتعلق الدعوى بالذمة فيشملها النص والإجماع، وتجري فيها
العلة. وقيل: لابد من اليمين على كل حال (3) وهو الوجه إن شهدت البينة على
الإعارة أو الغصب أو نحوهما، كما ذكره المصنف. وإنما له الانتزاع من غير يمين
إن شهدت بأن العين ملك المدعي الآن.
(ولو كانت الشهادة على صبي أو مجنون أو غائب فالأقرب) وفاقا
للمبسوط (4) (ضم اليمين) لاشتراك العلة. وقيل: بالعدم (5) للأصل، والخروج عن
النص والفتوى، والمنع من اشتراك العلة، إذ لا لسان للميت أصلا فعلا وقوة
بخلافهم، وأيضا فالإحلاف هنا حق لهم فلا عبرة بحلفه ما لم يحلفوه.
(ويدفع الحاكم من مال الغائب) إن قدر عليه إلى المدعي (بعد)



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 273 ب 28 من أبواب الشهادات ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 177 ب 8 من أبواب كيفية الحكم.
(3) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 334.
(4) المبسوط: ج 8 ص 162.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 85.
106
الإثبات واليمين و (التكفيل) فإن الغائب على حجته إذا حضر، فربما أظهر
بطلان الدعوى، ولقول الصادقين (عليهما السلام) في مرسل جميل بن دراج: الغائب يقضى
عليه إذا قامت عليه البينة، ويباع ماله، ويقضى عنه دينه وهو غائب، ويكون
الغائب على حجته إذا قدم، ولا يدفع المال إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء (1).
ونحوه قول الباقر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم إلا أن فيه: " إلا بكفلاء إذا لم يكن
مليا " (2). وخصص بعضهم التكفيل بما إذا لم يضم اليمين إلى بينة المدعي.
(ولو) ادعى أنه (أوصى له) بكذا دينا (حال الموت ففي وجوب
اليمين مع البينة) الشاهدة بصدور الوصية (حينئذ) أو الظرف متعلق
بالوجوب (إشكال): من عموم النص (3) والفتوى بضم اليمين إلى المدعي على
الميت، واحتمال الأداء والإبراء وإن قصر الزمان. ومن قصور الزمان وظهور انتفاء
الاحتمالات، وأصل البقاء.
(ولو أقام) المدعي على الميت (شاهدا واحدا حلف يمينا واحدة) ويكفيه
عن التي كان يحلفها مع شاهدين، لكن يتعرض فيها لبقاء الحق. ووجه الاكتفاء بها
ظاهر فإن اليمين إنما لزمته لدفع احتمال طريان مزيل الحق وقد اندفع بهذه اليمين
مع أصل البراءة، واختصاص النص (4) والفتوى بالاستظهار بيمين بقيام البينة.
(ولو قال المدعي: لي بينة غائبة، خيره الحاكم بين الصبر) إلى أن يحضر
بينته ويثبت الدعوى (وإحلاف الغريم، وليس له) أي المدعي (ملازمته) أي
الغريم إلى حضور البينة (ولا مطالبته بكفيل) للأصل، ولأنهما عقوبة لم يثبت
موجبها. خلافا للنهاية (5) للاحتياط.
(وكذا لو أقام شاهدا واحدا وإن كان عدلا) وذكر أن له شاهدا أو
شهودا آخرين لم يكن له ملازمته أو تكفيله إلى الإحضار، لذلك.



(1 و 2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 216 ب 26 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(3 و 4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 172 ب 4 من أبواب كيفية الحكم.
(5) النهاية: ج 2 ص 71.
107
(وقيل) في المبسوط (1): (له حبسه أو مطالبته بكفيل، لقدرته على إثبات
حقه باليمين) يجوز كون اللام في " لقدرته " وقتية أي فيما يثبت بشاهد ويمين،
وأن كانت للتعليل، فقد اكتفى بها من التقييد (فيحبس إلى أن يشهد آخر) أو
يحلف المدعي. وغاية الحبس ثلاثة أيام فإن أثبتت الدعوى بيمين أو بإتمام البينة،
وإلا أطلق (وليس بجيد) فإن سبب العقوبة إنما هو ثبوت الحق، لا القدرة عليه.
(ويكره للحاكم أن يعنت الشهود بأن) يعظهم أو (يفرق بينهم) أو
يبالغ في استفصال المشخصات التي قلما بقي على الذكر (إذا كانوا من أهل
البصيرة والورع) لأن في ذلك غضاضتهم.
(ويستحب) التفريق وكذا الوعظ (في موضع الريبة) وهو إذا لم يكونوا
كذلك، كما فعله أمير المؤمنين (عليه السلام) (2) ومن قبله داود ودانيال (عليهما السلام).
(ولا يجوز للحاكم أن يتعتع الشاهد) أي يردده ويجعله في تبلد وعي
(وهو أن يداخله في الشهادة) بزيادة لفظ (أو يتعقبه) بلفظ يوافق الدعوى أو
يخالفه (بل) يجب أن (يكف عنه إلى أن يذكر ما عنده وإن تردد) فيما يخبر به (3)
أوفي الكلام فتلعثم فيه. (ولا يرغبه في الإقامة لو توقف) عنها (ولا يزهده)
فيها كما فعله عمر برابع شهود الزنا على المغيرة (4). (ولا يوقف غرم الغريم عن
الإقرار). والوجه في جميع ذلك ظاهر (إلا في حقه تعالى) فالتوقيف فيه
جائز مروي (5) وعسى أن يستحب، فإن الله غني عن العالمين ستار لعباده.
وهذه المسألة إنما ذكرت هنا استطرادا، لمناسبتها ترغيب الشاهد وتزهيده.
* * *



(1) المبسوط: ج 8 ص 159 - 160.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 202 ب 19 و 20 من أبواب كيفية الحكم.
(3) في ن و ل زيادة: فلا يجزم به.
(4) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 12 ص 227.
(5) سنن البيهقي: ج 8 ص 226.
108
(المقصد الرابع)
(في الإحلاف)
(وفيه فصول) ستة:
(الأول في الحلف)
(لا تنعقد اليمين الموجبة للبراءة من الدعوى) لا من الحق المدعى
(إلا بالله تعالى) بأي اسم من أسمائه وإن أجزناها بغيره (ولو كان) الحالف
(كافرا) كتابيا أو غيره. والحكم في المسلم اتفاقي وفي الكافر مشهور،
للنصوص العامة (1) وهي كثيرة جدا، والخاصة كحسن الحلبي سأل الصادق (عليه السلام):
عن أهل الملل يستحلفون، فقال: لا تحلفوهم إلا بالله عز وجل (2). وخبر سماعة
سأله (عليه السلام): هل يصلح لأحد أن يحلف أحدا من اليهود والنصارى والمجوس
بآلهتهم؟ قال: لا يصلح لأحد أن يحلف إلا بالله عز وجل (3). وقوله (عليه السلام) في صحيح
سليمان بن خالد: لا يحلف اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي بغير الله، إن الله
عز وجل يقول: " فاحكم بينهم بما أنزل الله " (4). وفي خبر جراح المدائني:



(1) سنن البيهقي: ج 10 ص 30.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 164 ب 32 من أبواب الأيمان ح 3.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 165 ب 32 من أبواب الأيمان ح 5.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 164 ب 32 من أبواب الأيمان ح 1.
109
اليهودي والنصراني والمجوسي لا تحلفوهم إلا بالله (1). وإطلاق النصوص
والفتاوي لا يفرق بين من يعرف الله من الكفار ومن لا يعرف.
قال في المبسوط: وإن كان وثنيا معطلا أو كان ملحدا يجحد الوحدانية لم
يغلظ عليه، واقتصر على قوله: " والله " فإن قيل: كيف حلفته بالله وليست عنده
بيمين؟ قلنا: ليزداد إثما ويستوجب العقوبة (2) انتهى (3).
(وقيل) في المبسوط: (يفتقر في إحلاف المجوسي مع لفظ الجلالة
إلى ما يزيل الاحتمال، لأنه يسمي النور إلها) فيقولون: " والله الذي خلقني
ورزقني " (4). يعني أنهم لما أثبتوا أصلين هما: النور والظلمة وأسندوا خلق الخيرات
إلى النور وخلق الشرور إلى الظلمة جعلوهما إلهين، فإذا اقتصر على قوله: " والله "
احتمل أن يكون أقسم بالظلمة، فإن علمية الله ليست معلومة، وإن علمناها لم نعلم
بعلم المجوسي الحالف، فيمكن أن لا يريد به إلا معنى الإله، وأما إذا ضم إليه نحو
خلقني ورزقني فيتعين النور للإرادة بيقين، مع أنه لا مخالفة فيه للإجماع والنصوص.
وفي الدروس: إضافة خالق النور والظلمة (5). وفي اللمعة: خالق كل شيء (6).
وفيهما نظر ظاهر، إذ ليس عند المجوس إله خلق النور والظلمة أو كل شيء.
(ولا يجوز الإحلاف بغيره) تعالى (من كتاب منزل أو نبي مرسل أو
إمام أو مكان شريف أو بالأبوين) وفاقا للمشهور، لظاهر النهي في النصوص:
كقول الباقر (عليه السلام) لمحمد بن مسلم في الحسن: إن الله عز وجل يقسم من خلقه بما



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 164 ب 32 من أبواب الأيمان ح 2.
(2 و 4) المبسوط: ج 8 ص 205.
(3) في ل زيادة: وعندي أن الوثني والملحد يستحلف بالذي يعبده ويعتقد أنه الخالق
والرزاق، أو أنه الرازق واعتقد وحدته أو تعدده أو إحدى العبارتين وإن قيل له: إن الله هو
الخالق الرازق ويستحلفه بالله ثانيا كان أولى.
(5) الدروس الشرعية: ج 2 ص 96، درس 140.
(6) اللمعة الدمشقية: 97.
110
يشاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به (1). وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي: لا
أرى أن يحلف الرجل إلا بالله (2). وقول النبي (صلى الله عليه وآله) في خبر أبي حمزة: لا تحلفوا
إلا بالله (3). وقوله (صلى الله عليه وآله) في بعض الأخبار: من حلف بغير الله فقد أشرك (4). وفي
بعضها: فقد كفر بالله (5).
قال في المبسوط: وقيل في قوله: " فقد أشرك " تأويلان: أحدهما: الشرك الحقيقي،
وهو أن يعتقد تعظيم ما يحلف بهو يعتقده لازما كاليمين بالله، فمن اعتقد هذا فقد كفر.
والتأويل الثاني: لا يكفر به، وهو أن يشارك في اليمين فيحلف بغير الله كما يحلف بالله.
وقوله: " فقد كفر " لا تأويل له غير الكفر الحقيقي، وهو أن يعتقد تعظيم ما يحلف به كما
يعتقده في الله تعالى ذكره (6) انتهى. وفي المبسوط: أن الحلف بغيره تعالى مكروه (7).
وقال أبو علي: ولا بأس أن يحلف الإنسان بما عظم الله من الحقوق، لأن ذلك
من حقوق الله عز وجل، كقوله: " وحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحق القرآن ". ثم ذكر نهي
النبي (صلى الله عليه وآله) عن الحلف بغير الله وبالآباء، واحتمل أن يكون ذلك لاشتراك آبائهم (8).
وقطع الشهيد بالتحريم في الدعوى وتردد في غيرها، من الخبر، والحمل على
الكراهية (9).
(فإن رأى الحاكم إحلاف الذمي بما يقتضيه دينه) من التوراة
والإنجيل وموسى وعيسى ونحو ذلك (أردع) عن الكذب (جاز) كما في



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 160 ب 30 من أبواب الأيمان ح 3.
(2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 160 ب 30 من أبواب الأيمان ح 4.
(3) مستدرك الوسائل: ج 16 ص 65 ب 24 من أبواب كتاب الأيمان ح 6، نقلا عن نوادر
أحمد بن محمد بن عيسى.
(4) سنن أبي داود: ج 3 ص 223 ح 3251.
(5) جامع الأصول: ج 12 ص 293 ح 9238.
(6) المبسوط: ج 6 ص 192.
(7) المبسوط: ج 6 ص 191.
(8) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 142.
(9) الدروس الشرعية: ج 2 ص 96 درس 140.
111
النهاية (1) والوسيلة (2) والجامع (3) والنافع (4) والشرائع (5) ورواه في السرائر (6) وعمم
في الوسيلة لكل كافر، وزيد في الجامع: ولا يحلفهم بما هو كفر (7). والمستند ما في
خبر السكوني من أن أمير المؤمنين (عليه السلام) استحلف يهوديا بالتوراة التي أنزلت على
موسى (عليه السلام) (8). وقول أحدهما (عليهما السلام) لمحمد بن مسلم في الصحيح: في كل دين ما
يستحلفون به (9). وقول الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن قيس: قضى علي (عليه السلام)
فيمن استحلف أهل الكتاب بيمين صبر أن يستحلف بكتابه وملته (10).
وفي التهذيب (11) والاستبصار (12): حمل هذه الأخبار على أن للإمام خاصة
أن يحلفهم بما يراه أردع لهم.
ويمكن الحمل على التغليظ بالكتاب والملة ونحوهما مع الحلف بالله كأن
يقول: " بالله الذي أنزل التوراة " كما قال المفيد: ويستحلف أهل الكتاب بما يرون
في دينهم الاستحلاف به من أسماء الله تعالى ويغلظ عليهم ذلك ويدبر أمرهم في
الأيمان بحسب أحوالهم في الخوف من اليمين والجرأة عليها إن شاء الله (13).
ويمكن بعيدا حمل عبارات المصنف (14) والمحقق (15) في كتبهما على هذا المعنى.
(وهي) أي اليمين (تثبت في كل مدعى عليه) حي (من مسلم وكافر
وامرأة ورجل) لا صبي أو صبية أو مجنون أو مجنونة، ويجوز إدخالهم في



(1) النهاية: ج 2 ص 78.
(2) الوسيلة: ص 228.
(3 و 7) الجامع للشرائع: ص 525.
(4) المختصر النافع: ص 274.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 87.
(6) السرائر: ج 2 ص 183.
(8) وسائل الشيعة: ج 16 ص 165 ب 32 من كتاب الأيمان ح 4.
(9) وسائل الشيعة: ج 16 ص 166 ب 32 من كتاب الأيمان ح 9.
(10) وسائل الشيعة: ج 16 ص 165 ب 32 من كتاب الأيمان ح 8.
(11) تهذيب الأحكام: ج 8 ص 279 ذيل ح 1019.
(12) الاستبصار: ج 4 ص 40 ذيل ح 135.
(13) المقنعة: ص 731.
(14) تحرير الأحكام: ج 5 ص 164 و 165.
(15) شرائع الإسلام: ج 4 ص 87، المختصر النافع: ص 274.
112
الرجل والمرأة وثبوتها عليهم بعد الكمال، وفهم الحياة، لأن الميت لا يصلح
للدعوى عليه، وإنما يطلق في حقه توسعا، ويجوز تعميم المدعى عليه وإرجاع
الدعوى على الميت إليها على الوارث، ويقال فيمن لا وارث له: لا مدعى عليه;
ويحتمل أن يريد أن الإحلاف بما يكون أردع ثابت في كل مدعى عليه. إذ قد
يكون من المسلمين من لا يرتدع من الحلف بالله ويرتدع من الحلف بالقرآن أو
ابنه أو أبيه، ولكن لم يقل بذلك أحد ولا دل عليه دليل إلا اعتبار ضعيف لا عبرة به.
وقد ورد أنه جاء النبي (صلى الله عليه وآله) رجلان حضرمي وكندي فادعى الحضرمي على
الكندي ولم يكن له بينة، فقال (صلى الله عليه وآله): فلك يمينه، قال: يا رسول الله إن الرجل فاجر
لا يبالي على ما حلف عليه وليس يتورع من شيء، قال: ليس لك منه إلا ذاك (1).
إلا أن يراد بإحلاف الذمي بالأردع ما ذكرناه أخيرا من ذكر صفات الله يكون
أردع فلا شبهة في جريانه في كل مدعى عليه.
(ويستحب للحاكم وعظ الحالف قبله) وذكر ما ورد من الوعيد فيمن
حلف كاذبا والندب إلى إجلال الله تعالى عن الحلف به صادقا، كما روي أن حضرميا
ادعى على كندي في أرض من اليمن أنه اغتصبها أبو الكندي فتهيأ الكندي لليمين،
فقال (عليه السلام): لا يقطع أحد مالا بيمين إلا لقى الله أجذم، فقال الكندي: هي أرضه (2).
(ويكفي) في الإحلاف على البت (قل: والله ماله عندي حق) [إن كان
الدعوى في الدين] (3) وإن كانت الدعوى في العين يكفي: والله ليس هذه من ماله.
(وينبغي التغليظ بالقول والمكان). خلافا لأبي حنيفة فلا يرى بالمكان
تغليظا (4). وللشافعي فيراه شرطا (5). ولا يغلظ على المخدرة بحضور الجامع
ونحوه، وفاقا للتحرير (6) والنهاية (7). وفي المبسوط: أنها كالبرزة، ثم البرزة إن كان



(1) سنن البيهقي: ج 10 ص 254.
(2) مسند أحمد بن حنبل: ج 5 ص 212.
(3) لم يرد في المطبوع و ل.
(4) المبسوط للسرخسي: ج 16 ص 119.
(5) الأم: ج 6 ص 259.
(6) تحرير الأحكام: ج 5 ص 166.
(7) النهاية: ج 2 ص 79.
113
طاهرة حضرت المسجد وإلا فعلى بابه (1).
(والزمان في الحقوق كلها وإن قلت) ليرتدع خوفا أو إجلالا، وقد ورد تغليظ
أمير المؤمنين (عليه السلام) على أخرس (2). (إلا المال فلا يغلظ في أقل من نصاب القطع)
قطع به الأصحاب، وفي الخلاف: الإجماع عليه (3) وفي المبسوط: أنه الذي رواه
أصحابنا (4) واعتبر الشافعي نصاب الزكاة (5) وغلظ ابن جرير في القليل والكثير (6).
(فالقول) المغلظ (مثل) قوله (والله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم
الطالب الغالب الضار النافع المدرك المهلك الذي يعلم من السر ما يعلمه من
العلانية، ما لهذا المدعي علي شيء مما ادعاه) فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
أنه كتب لأخرس نحوا من هذا (7). وعنه (عليه السلام): احلفوا الظالم إذا أردتم يمينه بأنه
بريء من حول الله وقوته فإنه إذا حلف بها كاذبا عوجل، وإذا حلف بالله الذي لا إله
إلا هو لم يعاجل، لأنه وحد الله سبحانه (8). (وغير ذلك من ألفاظ يراها الحاكم).
(والمكان) المغلظ هو الشريف فإن كلا من الطاعة والمعصية يغلظ حكمها
في الأمكنة الشريفة (كالمساجد) الأشرف ومنها الجوامع، ومنها الخمسة أو
الستة، ومنها الأربعة، ومنها الحرميان والمشاهد (والحرم) الأشرف، ومنه
المسجد، ومنه ما بين الركن والمقام، ثم حرم المدينة، والأشرف منه المسجد
النبوي (صلى الله عليه وآله) (9) ومنه عند القبر أو المنبر، فعن النبي (صلى الله عليه وآله): من حلف على منبري هذا
يمينا كاذبة تبوأ مقعده من النار (10). وبرواية اخرى: لا يحلف أحد عند منبري هذا



(1) المبسوط: ج 8 ص 204.
(2 و 7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 222 ب 33 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(3) الخلاف: ج 6 ص 287، المسألة 32.
(4) المبسوط: ج 8 ص 203.
(5) الحاوي الكبير: ج 17 ص 110.
(6) المغني لابن قدامة: ج 12 ص 116.
(8) وسائل الشيعة: ج 16 ص 167 ب 33 جواز استحلاف الظالم ح 2.
(9) في ن و ق: ثم حرم المدينة الأشرف، ومنه المسجد النبوي.
(10) سنن البيهقي: ج 7 ص 398.
114
على يمين آثمة ولو على مسواك أخضر إلا تبوأ مقعده من النار أو وجبت له
النار (1). وبأخرى: أحد شقي المنبر على عقر الحوض فمن حلف عنده على يمين
فاجرة يقتطع بها حق امرء مسلم فليتبوأ مقعده من النار (2). وبأخرى: من حلف
عند منبري هذا على يمين كاذبة استحل بها مال امرء مسلم فعليه لعنة الله
والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا (3).
(والزمان كيوم الجمعة والعيد وبعد الزوال) لقوله تعالى: " تحبسونهما
من بعد الصلاة فيقسمان بالله " (4) ففي التفسير: يعني بعد صلاة العصر (5). وعنه (صلى الله عليه وآله)
ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل بايع، إمامه
فإن أعطاه وفى له به وإن لم يعطه خانه، ورجل حلف بعد العصر يمينا فاجرة ليقطع
بها مال امرء مسلم (6).
(ويغلظ على الكافر بما يعتقده مشرفا من الأمكنة) كالبيع والكنائس،
وفي بيوت النار للمجوسي وجهان: من أنه لم يكن لها حرمة عند الله أصلا بخلاف
البيع والكنائس، ومن أن العبرة ارتداع الحالف لما يعتقده معظما. وربما قيل: إنهم
إنما يعظمون النار لا بيوتها (7). ولم يعتبروا بيوت الأصنام للوثني. (والأزمنة)
من الأيام والساعات التي يشرفونها ويتبركون بها. (والأقوال) كما روي أنه (صلى الله عليه وآله)
حلف يهوديا بقوله: والله الذي أنزل التوراة على موسى بن عمران (8). وقال لابن
صوريا في رواية: أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو الذي فلق البحر لموسى ورفع فوقكم
الطور وأنجاكم وأغرق آل فرعون وأنزل عليكم كتابه وحلاله وحرامه، هل في



(1) سنن البيهقي: ج 10 ص 176.
(2) انظر الضعفاء الكبير للعقيلي: ج 3 ص 362.
(3) فتح الباري: ج 5 ص 285.
(4) المائدة: 106.
(5) مجمع البيان: ج 3 ص 257.
(6) لم نعثر عليه صريحا، راجع الخصال: ج 1 ص 106 ح 70.
(7) المبسوط: ج 8 ص 205.
(8) سنن أبي داود: ج 4 ص 155 ح 4450.
115
التوراة الرجم على من أحصن؟ (1). وفي اخرى: أذكركم بالله الذي نجاكم من آل
فرعون وأقطعكم البحر وظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى، تجدون
في كتابكم الرجم؟ فقال ابن صوريا: ذكرتني بعظيم ولا يسعني أن أكذبك (2).
(ولو امتنع الحالف من التغليظ) قولا (لم يجبر عليه) للأصل من غير
معارض، ولكراهة أصل اليمين بالنسبة إليه فالتغليظ أولى، ولقوله (عليه السلام): من حلف
له بالله فليرض ومن لم يرض فليس من الله (3). أما بالزمان والمكان فيجبر عليهما،
فإن اليمين حق للمدعي لا يحلف إلا إذا حلفه، والمستحلف هو الحاكم فأينما
يحلفه وجب عليه الحلف.
قال في المبسوط: ولا يجلب رجل إلى مكة والمدينة ليستحلف، بل يستحلفه
الحاكم في الموضع الشريف في مكانه، فإن امتنع بجند أو لعز استحضره الإمام
ليستحلفه في المكان الأشرف، اللهم إلا أن يكون بالقرب من موضعه - وقيل: بلد
الإمام - قاض يقدر عليه فيستحضره ذلك القاضي ويستحلفه في المكان الشريف (4).
(ولا تحل يمينه) ولا تنحل باختيار المستحلف التغليظ (لو حلف على
تركه) لانعقاد يمينه فإنه على ترك المكروه وإن استحب للحاكم التغليظ، ولا
دليل على جواز الحل منه أو من الحاكم، وحق المستحلف متأخر عن لزوم اليمين.
وما ورد من أن طرو أولوية المحلوف على تركه يبيح الحل (5) لا يجدي، إذ لا
أولوية للحالف. واحتمال عدم انعقاد اليمين لاستحباب التغليظ في غاية الضعف.
أما التغليظ القولي فقد عرفت أنه لا يجبر عليه بلا يمين فمعها أولى ومن اشترط
من العامة التغليظ بالمكان (6) ألزمه الحنث.



(1) مجمع البيان: ج 3 ص 193.
(2) سنن أبي داود: ج 3 ص 313 ح 626.
(3) وسائل الشيعة: ج 16 ص 124 ب 6 وجوب الرضا باليمين الشرعية ح 1.
(4) المبسوط: ج 8 ص 204.
(5) وسائل الشيعة: ج 16 ص 145 ب 18 من كتاب الأيمان.
(6) المجموع: ج 20 ص 217.
116
[وأما الزماني والمكاني فالظاهر أنه ليس للحالف ولا الحاكم التأخير إلا إذا
طالب المدعي، إذ ربما يضيع الحق] (1).
(ولو ادعى العبد وقيمته أقل من النصاب) أي نصاب القطع (العتق فأنكر
مولاه لم يغلظ في يمينه) فإنها على مال أقل من النصاب. (ولو رد فحلف
العبد غلظ عليه، لأنه يدعي العتق) وليس بمال ولا المقصود منه المال.
(وكل ما لا يثبت بشاهد ويمين يجري فيه التغليظ) وهو الذي ليس
مالا ولا مقصودا منه المال عظيما كان أو حقيرا، خلافا لبعض العامة فلا يغلظ إلا
فيما له خطر (2).
(ويجري) التغليظ (في عيوب النساء) لعموم الدليل. ولعل بعض العامة
توهم أنها أحقر من أن يغلظ فيها اليمين (3) ولذا يسمع فيها شهادة النساء منفردات.
وفساد الوهم من وجوه: الأول: أن سماع شهادتهن إنما هو لعسر الاطلاع عليها
لغيرهن. والثاني: أنها مما يترتب عليها فساد النكاح ونحوه من الامور العظام.
والثالث: عدم الدليل على اختصاص التغليظ بما له خطر.
(وحلف الأخرس بالإشارة) المفهمة كسائر أموره وفاقا للمشهور.
(وقيل) في المقنعة (4) والنهاية (5) والسرائر (6): (توضع يده) مع ذلك
(على اسم الله تعالى) في المصحف، وإن لم يحضر مصحف كتب اسم من
أسمائه تعالى ووضع يده عليه، ولعله لإيضاح الإشارة. وفي الشرائع (7)
والوسيلة (8) وضع يده على المصحف.
(وقيل) في الوسيلة (9) والجامع (10): (يكتب في لوح صورة اليمين



(1) لم يرد في ن و ق.
(2 و 3) انظر الحاوي الكبير: ج 17 ص 110.
(4) المقنعة: ص 732.
(5) النهاية: ج 2 ص 79.
(6) السرائر: ج 2 ص 183.
(7) شرائع الإسلام: ج 4 ص 88.
(8 و 9) الوسيلة: ص 228. (10) الجامع للشرائع: ص 524.
117
ويغسل بالماء، فإن شرب برئ، وإن امتنع نكل) وذكر ذلك في النهاية (1)
والسرائر رواية، وحملت في السرائر على من ليس له إشارة مفهمة (2).
والرواية صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتي
بأخرس وادعي عليه دين فأنكر ولم يكن للمدعي بينة، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):
الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بينت للأمة جميع ما تحتاج إليه، ثم
قال: ائتوني بمصحف فأتي به فقال للأخرس: ما هذا؟ فرفع رأسه إلى السماء
وأشار أنه كتاب الله عز وجل، ثم قال: ائتوني بوليه، ثم أتي بأخ له فأقعده إلى جنبه
ثم قال: يا قنبر علي بدواة وصحيفة، فأتاه بهما، ثم قال لأخي الأخرس: قل
لأخيك: هذا بينك وبينه إنه علي فتقدم إليه بذلك، ثم كتب أمير المؤمنين (عليه السلام): والله
الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار
النافع المهلك المدرك الذي يعلم من السر والعلانية، إن فلان بن فلان المدعي ليس
له قبل فلان بن فلان يعني الأخرس حق ولا طلبة بوجه من الوجوه ولا بسبب من
الأسباب، ثم غسله وأمر الأخرس أن يشربه، فامتنع فألزمه الدين (3).
وربما يبعد حملها على أنه لم يكن له إشارة مفهمة أنه أفهم بالإشارة أن القرآن
كتاب الله. وفي التحرير: أنها قضية في عين، فلا يتعدى، وإنما العمل على الإشارة (4).
(ولا يستحلف الحاكم) أحدا (إلا في مجلس حكمه) أي في مجلسه،
والمراد أنه المستحلف بنفسه كما أنه المتولي لسماع الشهادة، فكل موضع
يستحلف فيه فهو مجلس حكمه لا المجلس الذي استمر فيه قضاؤه غالبا ليقال: إنه
يخالف الأمر بالتغليظ مكانا إذا لم يكن مجلس قضائه من الأماكن الشريفة (إلا
لعذر) بمنع المدعى عليه من الحضور (فيستنيب الحاكم للمريض والمخدرة



(1) النهاية: ج 2 ص 79.
(2) السرائر: ج 2 ص 183.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 222 ب 33 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 167.
118
من يحلفهما في منزلهما) وليس على الحاكم أن يتوجه بنفسه إليهما للتحليف
للحرج، ولما فيه من الكسر من شأنه.
(وشرط اليمين أن تطابق الإنكار أو الدعوى) عموما وخصوصا، فإذا
ادعى عليه انه اقترض كذا أو غصب كذا فأنكر، حلف ما اقترض أو ما غصب، ولم
يحلف ماله قبلي حق، فإنه لم يجب بنفي الاقتراض أو الاغتصاب إلا وقد علم أنه
يقدر أن يحلف عليه. وعليه منع ظاهر. أو المراد بالمطابقة ما يشمل العموم، فإن
أنكر الاقتراض وحلف ماله قبلي حق كفى، وهو الأقوى، وخيرته فيما سيأتي.
ويظهر التردد من المبسوط (1). وأما الحلف على الأخص فلا شك أنه لا يكفي.
والترديد بين الإنكار والدعوى، لأنه قد يكون الدعوى أخص من الإنكار فله أن
يحلف على وفق الدعوى وإن نفى في الإنكار أعم كأن ادعى الاقتراض فأنكر أن
يكون له عليه حق فله أن يحلف ما اقترض.
(و) من شرطها أيضا (أن تقع بعد عرض القاضي) لها عليه فلو حلف
قبله لغا، لأنها حق للمدعي لا يستوفيه إلا الحاكم، ولذا ورد أن رجلا أتى
النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: إني طلقت امرأتي البتة وحلف على أنه لم يرد بها إلا واحدة قبل
الاستحلاف فأعاد عليه اليمين بما حلف قبل الاستحلاف (2).
(الفصل الثاني في الحالف)
(ويشترط فيه البلوغ والعقل والاختيار والقصد وتوجه دعوى
صحيحة عليه) إن كان هو المنكر، بحيث إن أقر بالحق الزم، ولو لم يكن عليه عم
المدعي. (فلا عبرة بيمين الصبي).
(وإن ادعى البلوغ لم يحلف عليه) وإلا دار، إلا أن يكتفي في اليمين
بإمكان البلوغ (بل يصدق مع إمكانه) عادة إذا ادعى الاحتلام أو الحيض،



(1) انظر المبسوط: ج 8 ص 207.
(2) سنن البيهقي: ج 7 ص 342.
119
لانحصار طرق العلم بهما بإخباره. أما الإنبات فلابد فيه من الاختبار. وأما السن
فمشكل من تعارض الأصل والظاهر (1).
(ولو قال: أنا صبي لم يحلف) عليه، للدور بمعنى لزوم بطلان اليمين من
صحتها (بل) يصدق و (ينتظر بلوغه) ما لم يظهر خلافه من الإنبات أو
الشهادة على السن.
(نعم لو ادعى الصبي المشرك) المنبت (أنه استنبت الشعر بالعلاج
حلف) فإن حلف (وإلا قتل) للظاهر، وأصل عدم العلاج. (ويحتمل أن
يحبس حتى يبلغ) يقينا (ثم يحلف، فإن نكل قتل) لمعارضة ما ذكر من
الأصل، والظاهر بأصل عدم البلوغ، والاحتياط في الدماء، واندراء الحدود بالشبهة.
وفي المبسوط: إن الذي يقتضيه مذهبنا أنه يحكم عليه بالبلوغ بلا يمين; لأن عموم
أخبارنا أن الإنبات بلوغ يقتضي ذلك (2). قيل: ولأنه لو اشترط العلم بعدم المعالجة
لم يجز قتل المنبت وإن لم يدع العلاج ما لم يعلم عدمه، وهو باطل إجماعا (3).
(ولو حلف المجنون أو المكره) على الحلف (أو) غير القاصد إليه
من (السكران والنائم والغافل والمغمى عليه لم يعتد بها) كما لا عبرة
بغيرها من ألفاظهم.
(ويحلف الكامل في إنكار) حقوق الناس من (المال والنسب والولاء)
والطلاق (والرجعة والنكاح و) الفيئة في (الظهار والإيلاء) ونحو ذلك،
وبالجملة: في كل ما يتوجه فيه الدعوى ويصح من حقوق الناس ويلزم المدعى
عليه الجواب. أما نفس الظهار والإيلاء فإن ادعتهما المرأة لم يتوجه ولم يلزمه الجواب
وإنما لها أن تدعي لنفسها مالها من الحقوق، وإن ادعاهما الزوج لم يتوجه عليها



(1) في ل بدل " فمشكل من تعارض الأصل والظاهر ": فلابد من إثباته.
(2) المبسوط: ج 8 ص 213.
(3) انظر غاية المراد: ج 4 ص 48، ومسالك الأفهام: ج 13 ص 501.
120
يمين لقبول قوله فيهما لإمكان إنشائه لهما كل حين. ومن العامة من لا يرى اليمين
في غير المال (1). ومنهم من لا يراها إلا (2) فيما لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين (3).
(ولا يحلف في حدود الله تعالى) لتعليقها بالبينة وعدمها في النصوص (4)
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مرسل البزنطي: لا يمين في حد، ولا قصاص في
عظم (5). فمن ادعى على أحد ما يوجب حدا، فإن أقر المدعى عليه أو أتى ببينة
حد، وإلا فلا، فإن كان قذفا بالزنا ونحوه حد المدعي.
(ولا) يحلف (القاضي ولا الشاهد) إذ نسبة الكذب إليهما دعوى فاسدة،
وليس على أحد منهما الجواب عما يدعى عليه من الكذب، بل القاضي أمين الشرع،
عليه أن يحكم على ما ظهر له، وعلى الشاهد أداء ما عنده من الشهادة، وعلى الحاكم
إذا اجتمعت شروط الشهادة أن يحكم على وفقها (6) كذبه غيره أو لا. (و) لكن
(يحلف القاضي بعد العزل) إذا ادعي عليه أنه جار في الحكم كما مر [ويحلف
الشاهد إذا ادعي عليه أنه أتلف عليه أو أوجب عليه بشهادته الكاذبة] (7).
(ولا يحلف الوصي والقيم، إذ) الحلف فيما إذا أقر ثبت الحق، و (لا
يقبل إقرارهما بالدين على الميت) أو المقوم عليه (8). وكذا لو ادعيا للميت أو
المقوم عليه (9) فرد المدعى عليه اليمين لم يحلفا بل يحلف الوارث الكامل أو
المقوم عليه (10) إذا كمل، وإن لم يكن وارث كامل احتمل الحبس على الحلف أو
الإقرار، والحكم بالنكول وثبوت (11) الدعوى.



(1) الحاوي الكبير: ج 17 ص 146.
(2) كذا في النسخ، والظاهر زيادة: " إلا ".
(3) المغني لابن قدامة: ج 12 ص 127.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 335 ب 24 من أبواب مقدمات الحدود.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 335 ب 24 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
(6) كذا في ن، وفي باقي النسخ: وقتها.
(7) لم يرد في ن و ق.
(8 و 9 و 10) في ن و ق بدل " المقوم عليه ": المولى عليه.
(11) في ن و ق: سقوط الدعوى.
121
وكذا الدعوى للمجنون الذي لا يرجى له إفاقة. وكذا إذا لم يكن الدعوى
للوارث، كأن أوصى بصرف التركة كلها أو ما على فلان في كذا، وأجاز الوارث.
[وأما أبو الطفل والبالغ مجنونا وجدهما لأبيهما فإنهما يحلفان ولا يحلفان] (1).
(ولا) يحلف (من ينكر الوكالة باستيفاء الحق، فإنه وإن علم) وأقر
(أنه وكيل فيجوز) امتناعه من التسليم إليه لجواز (جحود الموكل) فليس
ممن لو أقر الزم الحق. وقد احتمل الحلف بالدين بناء على إلزامه الحق مع الإقرار،
وتقدم استشكاله فيه في الوكالة. وفرق بينه وبين العين بأن له تعلقا بالمالك هو
تخصيصه بالدفع إليه ووجوب قبوله عليه، وآخر بالمقر هو وجوب دفعه إلى
المالك أو وكيله، فإذا أقر بالوكالة فقد أقر على نفسه، وأما العين فليس لها تعلق إلا
بالمالك، فلا يمضى إقراره عليها.
وتوضيحه: أنه إن دفع العين إلى غير المالك عرضها لقبولها عليه (2) بخلاف
الدين لتعلقه بالذمة، فمتى أقر بالوكالة كان عليه تسليم الوكيل، ثم إذا ظهر الخلاف
لزمه تسليم مثله إلى المالك أيضا.
(ويجوز للوكيل بالخصومة إقامة البينة على وكالته من غير حضور
الخصم) لأنه يثبت ولاية لنفسه. ويحتمل المنع، لأنه حق عليه.
(والحالف قسمان: منكر ومدع، أما المنكر: فإنما يحلف مع فقد بينة
المدعي، ومع وجودها إذا رضي المدعي بتركها واليمين. وأما المدعي
فإنما يحلف مع الرد أو النكول على رأي) تقدم ومر الخلاف فيه. (فإن
ردها المنكر توجهت) إلا فيما عرفت. وقال مالك: إنما يرد اليمين فيما يحكم
فيه بشاهد وامرأتين (3). (فإن نكل) المدعي عن اليمين المردودة المتوجهة إليه



(1) لم يرد في ن و ق.
(2) في ن و ل: عرضه لقوتها عليه.
(3) بداية المجتهد: ج 2 ص 506.
122
(سقطت دعواه إجماعا) ونصا (1).
(ولو رد المنكر اليمين ثم بذلها قبل الإحلاف قيل) في المبسوط: (ليس
له ذلك إلا برضا المدعي) لأنها بالرد صارت حقا له (2). (وفيه إشكال ينشأ:
من أن ذلك) أي الرد (تفويض) إلى المدعي (لا إسقاط) عن نفسه.
(ويحلف المدعي مع اللوث في دعوى الدم) بالإجماع والنصوص.
قال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير: إن الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به
في أموالكم، حكم في أموالكم أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه،
وحكم في دمائكم أن البينة على من ادعي عليه واليمين على من ادعى، لكي لا
يبطل دم امرئ مسلم (3).
وقال في خبر آخر: إنه إذا رأى الفاسق الفاجر فرصة من عدوه وحجزه مخافة
القسامة أن يقتل به عن قتله وإلا حلف المدعي عليهم قسامة خمسين رجلا ما قتلنا
ولا علمنا له قاتلا، ثم أغرموا الدية إذا وجدوا قتيلا بين أظهرهم إذا لم يقسم المدعون (4).
(وإذا ادعي على المملوك فالغريم مولاه، سواء كانت الدعوى مالا أو
جناية) فإنه وما بيده ملك للمولى، فلا عبرة بإقراره إذا أنكر المولى ما دام
مملوكا، ويعتبر إقرار المولى وإن أنكر العبد ما كان عليه بأن استلزم غرامة مال، أو
استرقاق المجني عليه العبد، أو كانت الدعوى على عين موجودة، ولا يسمع في
الاقتصاص منه قطعا. قال في التحرير: ولا يضمن المولى، وطريق التخلص مطالبة
العبد بالجواب، فإن اعترف كمولاه اقتص منه، وإلا كان للمجني عليه من رقبته
بقدر الجناية، وله تملكه إن استوعبت (5) انتهى.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 176 ب 7 من أبواب كيفية الحكم.
(2) المبسوط: ج 8 ص 190.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 171 ب 3 من أبواب كيفية الحكم ح 3.
(4) وسائل الشيعة: ج 19 ص 114 ب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح 3.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 164.
123
(و) أما إذا أنكرا فقال المصنف: إن (الأقرب عندي توجه اليمين عليه)
أي العبد، لأن الدعوى توجهت عليه على فعله، فإن حلف سقطت الدعوى عنهما
(وإن نكل ردت) اليمين (على المدعي. ويثبت الدعوى) بيمينه (في ذمة
العبد يتبع بها بعد العتق) ولا يثبت على المولى شيء، للأصل إن كانت اليمين
المردودة كالإقرار، فإنه لا يسمع في حق الغير، وإن كانت كالبينة يتبع بها بعد العتق
أيضا إن تعلقت بالذمة، وأما إن تعلقت بالرقبة - قصاصا أو استرقاقا - أو بالعين
الموجودة فيثبت حق المدعي معجلا، وإن قضينا بالنكول فهو كالإقرار، فالمعنى
بكون " الغريم هو المولى ": انحصاره فيه ما دام مملوكا، فإن قضية الدعوى إما
المال أو النفس أو الطرف والكل للمولى. فلا عبرة بإقرار العبد أو إنكاره ما دام
مملوكا، وإنما العبرة بإقرار المولى وإنكاره. ولا يلزم من اعتبار إقراره لزوم
القصاص في النفس أو الطرف، بل اللازم الاسترقاق كلا أو بعضا. ولا من عدم
اعتبار إقرار العبد أن لا عبرة في ما بعد العتق، بل إذا أقر تبع بما أقر به من مال أو
قصاص، كما مر في الإقرار. وكذا إذا أنكر ثم نكل أو رد اليمين فحلف المدعي.
وعلى هذا التقييد ينبغي تنزيل العبارات المطلقة في كون الغريم هو المولى.
وحينئذ فالغريم حقيقة في بعض الدعاوي هو المولى، وهي ما يوجب استرقاقا
للعبد كلا أو بعضا، أو استنقاذا لما في يده أو يد المولى من مال، وفي بعضها هو
العبد وهو كل ما يتبع به بعد العتق من غرامة أو قصاص، وفي بعضها كلاهما وهو إذا
أريد الاقتصاص منه نفسا أو طرفا في الحال فلابد فيه من تصديقهما.
بقي الكلام في اليمين، والأقرب توجهها على العبد في الأقسام، لما عرفت،
وإنما المتوجه على المولى في الأول والثالث الحلف على عدم العلم، ولكن الحكم
إذا رد اليمين أو نكل ما عرفت.
وفي المبسوط: إذا ادعي على العبد حق فإنه ينظر، فإن كان حقا يتعلق ببدنه
كالقصاص وغيره فالحكم فيه مع العبد دون السيد (يعني: إنه الذي يلزم بالجواب

124
دون السيد وإن كان الحق مشتركا بينهما فإن معظم الضرر عليه). قال: فإن أقر به
لزمه عند المخالف، وعندنا لا يقبل إقراره ولا يقتص منه ما دام مملوكا (يعني: إن
لم يصدقه المولى وإلا اقتص، لانحصار الحق فيهما). قال: فإن أعتق لزمه ذلك.
وأما إن أنكر فالقول قوله، فإن حلف سقطت الدعوى، وإن نكل ردت اليمين على
المدعي فيحلف ويحكم له بالحق (يعني: معجلا إن كانت اليمين المردودة كالبينة،
وإلا فبعد العتق). قال: وإن كان حقا يتعلق بالمال كجناية الخطأ وغير ذلك،
فالخصم فيه السيد، فإن أقر به لزمه، وإن أنكر فالقول قوله، فإن حلف سقطت
الدعوى، وإن نكل ردت اليمين على المدعي فيحلف ويحكم له بالحق (1) انتهى.
ودليل قوله عموم: أن اليمين على المدعى عليه أو من أنكر. ويدفعه أن
المدعى عليه هو العبد وإن آلت الدعوى عليه إلى الدعوى على السيد، وأن الحلف
على نفي فعل الغير غير معقول.
(ولا يسمع الدعوى في الحدود مجردة عن البينة ولا يتوجه اليمين
على المنكر) لما عرفت، وإنما أعاده لما بعده.
(ولو قذفه ولا بينة فادعاه) أي المقذوف به من زنا ونحوه (عليه قيل)
في المبسوط: (له إحلافه ليثبت الحد على القاذف).
قال: فإن ادعى عليه أنه زنى لزمه الإجابة عن دعواه واستحلف على ذلك، فإن
حلف سقطت الدعوى، ويلزم القاذف الحد، وإن لم يحلف ردت اليمين فيحلف ويثبت
الزنا في حقه ويسقط عنه حد القذف، ولا يحكم على المدعى عليه بحد الزنا، لأن ذلك
حق لله محض، وحقوق الله المحضة لا تسمع فيها الدعوى، ولا يحكم فيها بالنكول
ورد اليمين (2) انتهى. وهو قوي من حيث الاعتبار، وعموم اليمين على من أنكر.
(و) لكن (فيه نظر: من حيث) إطلاق النص والفتوى (أنه لا يمين في



(1) المبسوط: ج 8 ص 215.
(2) المبسوط: ج 8 ص 216.
125
حد) ومن حيث تعليق حد القذف في الكتاب (1) والسنة به مع عدم الاتيان بالشهود،
وخصوص مرسل البزنطي: إنه أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل فقال: هذا
قذفني ولم يكن له بينة، فقال: يا أمير المؤمنين استحلفه، فقال (عليه السلام): لا يمين في
حد (2). لفهم المسألة بطريق أولى.
(ومنكر السرقة) منكر لحق الله وحق الناس فعليه أن (يحلف لإسقاط
الغرم، فإن نكل حلف المدعي، ويثبت المال دون القطع) فلا يثبت إلا ببينته.
(وكذا لو حلف) المدعي (مع شاهد واحد) يثبت المال دون القطع.
(ولا يحلف مدعي إبدال النصاب في الحول، ولا مدعي نقصان
الخرص) أي الغلة عما خرصت به (ولا مدعي الإسلام قبل الحول) ليدفع
الجزية عن نفسه اتفاقا (بل يصدقون) بلا يمين، لأن الزكاة والجزية من حقوق
الله، أي لا يتعين لهما أهل يكون هو المستحلف، والمدعى أمر لا يعلم إلا من قبل
المدعي كالعدة والحيض. واستدل في المبسوط للأخير بأنه لو أسلم بعد الحول
سقطت عنه الجزية عندنا (3).
(ولو أقام شاهدا فأعرض عنه وقنع بيمين المنكر، أو كانت له بينة
كاملة فأعرض عنها أو قال: أسقطت البينة وقنع بيمين المنكر فالأقرب)
كما في الشرائع (4) (أن له الرجوع إلى البينة واليمين مع شاهده قبل
الإحلاف) للأصل. خلافا للشيخ (5) وابن إدريس (6) بناء على إسقاطه ماله من
اليمين أو إقامة البينة فلا يعود. وهو ممنوع، بل المتحقق الرضا بالإسقاط إذا حلف
المنكر، والإسقاط إنما يتحقق إذا حلف.



(1) النور: 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 335 ب 24 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
(3) المبسوط: ج 8 ص 213.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 91.
(5) المبسوط: ج 8 ص 211.
(6) السرائر: ج 2 ص 141.
126
(ولو شهد للميت واحد بدين) أو وجد ذلك في روزنامجته (ولا وارث
قيل) في المبسوط: (يحبس) المشهود عليه (حتى يحلف أو يقر (1) لتعذر
اليمين من المشهود له) فإنه الميت أو الإمام.
(وكذا لو ادعى الوصي الوصية للفقراء وأقام شاهدا) أو لم يقم
للإطلاق في المبسوط (2) (فأنكر الوارث) لأن الوصي لا يحلف عن الفقراء ولا
هم متعينون ليحلفوا. (وفيه نظر) لأنه عقوبة لم يثبت سببها. وهل يحكم بالنكول
أو يقف الحكم حتى يقر؟ وجهان.
(ولو أحاط الدين بالتركة لم يكن للوارث التصرف في شيء منها إلا
بعد الأداء أو الإسقاط) أو إذن الغرماء اتفاقا.
(وهل يكون التركة على حكم مال الميت) أو ينتقل إلى الوارث؟
(الأقرب) الانتقال و (تعلق الدين بها تعلق الرهن) أي تعلقه بها كما في
المبسوط (3). وقد تقدم في الميراث والوصايا والحجر (فالنماء) المتجدد بين
الموت والأداء أو الإسقاط (للوارث).
(وإن لم يحط) الدين بالتركة (كان الفاضل) منها عليه (طلقا)
للوارث، له التصرف فيه متى شاء، وتعلق الدين بما يساويه منها تعلق الرهن، وقد
مر في الميراث خلافه، وأن جميع التركة كالرهن.
(وعلى التقديرين) أي الإحاطة وعدمها (المحاكمة للوارث على ما
يدعيه لمورثه و) على ما يدعى (عليه).
(ولو أقام شاهدا) بدين له (حلف هو دون الديان) لانتقال التركة إليه.
خلافا للشافعي في أحد قوليه (4). (فإن امتنع فللديان إحلاف الغريم) لتعلق
حقهم بالتركة، وربما لا يلحقه الوارث فيضيع حقهم، فإن حلف لهم (فيبرأ منهم



(1 و 2) المبسوط: ج 8 ص 214.
(3) المبسوط: ج 8 ص 192 - 193.
(4) الحاوي الكبير: ج 17 ص 83.
127
لا من الوارث) لأنه مع الديان بمنزلة ورثة حلفه بعضهم دون بعض (فإن حلف
الوارث بعد ذلك) ثبت الدين، و (كان للديان الأخذ من الوارث إن أخذ.
وهل يأخذون من الغريم إشكال): من أنه لما حلف لهم سقط حقهم; لقوله (عليه السلام):
من حلف له فليرض (1). ومن أنه من التركة. وهو الأقوى.
(الفصل الثالث المحلوف عليه)
(وإنما يحلف على البت في فعل نفسه و) فعل (غيره ونفي فعل
نفسه) لإمكان العلم بها. (أما نفي فعل غيره فيحلف) فيه (على عدم
العلم) لامتناع العلم غالبا. ولا بأس بالحلف على البت إذا علم العدم، لانحصار
المدعي في زمان، ومع ذلك يكفي على عدم العلم.
وعن ابن أبي ليلى: أن الكل على البت (2). وعن الشعبي والنخعي: أن الكل
على نفي العلم (3).
(والضابط: أن اليمين على العلم دائما) بمعنى أنه لا يحلف إلا على ما
يعلمه، وهو إما الفعل أو انتفاؤه عن نفسه أو انتفاء العلم بفعل غيره، فهو ضابط كلي
لا يفتقر إلى استثناء كما في المبسوط وغيره من قولهم: إن اليمين على البت إلا إذا
كانت على نفي فعل الغير (4).
(ولا يجوز) عندنا (أن يحلف مع الظن الغالب، فلا يحل له اليمين
البت بظن يحصل من قول عدل) أو عدلين (أو خط، أو قرينة حال من
نكول خصم وغيره). ومن العامة من اكتفى به (5).
وإذا عرفت الفرق بين فعله وفعل غيره (فلو ادعي عليه بإيداع أو ابتياع



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 124 ب 6 من كتاب الأيمان ح 1.
(2 و 3) الحاوي الكبير: ج 17 ص 118.
(4) المبسوط: ج 8 ص 206.
(5) انظر الحاوي الكبير: ج 17 ص 119.
128
أو قرض أو جناية) وأنكر (حلف على النفي) بتا. (ولو ادعي على مورثه)
بشيء منها (لم يتوجه اليمين) عليه، لعدم العلم وإن جاز غلبة الظن (إلا أن
يدعى عليه العلم) بالثبوت (فيحلف على نفيه، فيقول: لا أعلم على
مورثي دينا) مثلا (ولا أعلم منه إتلافا وبيعا) ونحو ذلك مما يدعى به عليه.
(وهل يثبت) اليمين على البت على المولى (في نفي أرش الجناية عن
العبد؟ إشكال): من أنه الغريم، ومن أنه فعل الغير، وهو الوجه. فعلى الأول إن
نكل عنها لزم الأرش حلف المدعي أو لا به وإن حلف على عدم العلم. وعلى
الثاني إنما يلزم بالبينة إذا حلف على عدم العلم أو اعترف به المدعي (1).
(ويجب البت في نفي الإتلاف عن بهيمته التي قصر فيها بتسريحها) فإنها
لعدم شعورها بمنزلة الآلة، وفعلها بمنزلة فعل ربها. وقيل (2): بل على عدم العلم (3).
(ولو قال: قبض وكيلك، حلف على نفي العلم) دون البت، لأنه فعل
الغير وإن قيل: إن يده يده وقبضه قبضه (4).
(ويكفي مع الإنكار الحلف على نفي الاستحقاق وإن نفى) في الإنكار
(الدعوى) كأن ادعى عليه الاقتراض فأنكره ثم حلف على عدم الاستحقاق
(على رأي) لأن غاية الدعوى والاستعداء إثبات الاستحقاق، فإذا نفاه كفى، وربما
اضطر إليه بأن كان اقترضه لكن أداه، أو استبرأ منه، فلا يمكنه الحلف على نفي
الاقتراض، ولا يمكنه حين الخصومة أن يقر به; لعجزه عن إثبات البراءة. خلافا
للشيخ (5) تمسكا بأنه لم يجب بذلك إلا ويقدر على الحلف به. وتوجه المنع عليه ظاهر.



(1) من قوله: فعلى الأول إلى هنا ليس في ق.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: ج 12 ص 190.
(3) في ل زيادة: والحق أنه إن علم العدم حلف على البت وإلا فعلى نفي العلم، وإذا حلف عليه
أثبت المدعي الإتلاف أو حلف عليه.
(4) في ل زيادة: فإذا حلف الموكل أثبت المدعي قبض الوكيل أو حلف على البراءة.
(5) انظر المبسوط: ج 8 ص 207.
129
(ولو ادعى المنكر الإبراء أو الإقباض انقلب مدعيا والمدعي منكرا،
فيكفي المدعي اليمين على بقاء الحق) وإن أجاب بنفي الإقباض أو الإبراء
(وله أن يحلف على نفي ذلك ويكون آكد) لمقابلة الدعوى صريحا، واحتمال
بقاء الحق لأن يكون قد تحقق إقباض أو إبراء فاسد، أو حدث بعد ما شغل الذمة.
(وليس) الحلف على نفي ذلك (لازما) عليه. وعلى قول الشيخ يلزمه (1).
(وكلما يتوجه الجواب عن الدعوى فيه) غير الحدود - وكأنه أخرجها
عن حقيقة الدعوى - (يتوجه معه اليمين) إما على المنكر أو على المدعي
(ويقضى على المنكر به) أي بالإنكار (مع النكول ورد اليمين) على
المختار، أو بلا رد على الآخر (حتى النسب والعتق والنكاح) والطلاق مما
ليس من المال في شيء. خلافا لبعض العامة، حيث عرفت أنه نفى فيها اليمين.
(و) في الادعاء على المورث (لا يتوجه اليمين على الوارث ما لم
يدع) المدعي (علمه بموت مورثه وبحقه) الذي يدعيه عليه (وأنه ترك
مالا في يده، فلو سلم المدعي جهل الوارث بأحدها لم يتوجه عليه حق)
لا المدعى ولا اليمين; لعدم توجه الدعوى إليه حينئذ. (و) إذا ادعى المدعي:
الثلاثة (يكفي في) جواب (العلم بالموت أو الحق نفي العلم) والحلف
عليه (و) لابد (في ادعاء) ترك (المال في يده البت) واحتمل بعض
المتأخرين (2): الاكتفاء فيه بنفي العلم (3).
(والنية) في كل يمين (نية القاضي) وهي نية المدعي أو المنكر (فلا
يصح تورية الحالف، ولا قوله: إن شاء الله في نفسه) وإلا لضاعت الحقوق.
وسئل الصادق (عليه السلام) عما لا يجوز من النية على الإضمار في اليمين، فقال: قد يجوز



(1) المبسوط: ج 8 ص 206.
(2) راجع مجمع الفائدة والبرهان: ج 12 ص 196.
(3) في ل زيادة: وعندي أنه إن اقتصر عليه وحلف المدعي كفاه.
130
في موضع ولا يجوز في آخر، فأما ما يجوز فإذا كان مظلوما فما حلف به ونوى
اليمين فعلى نيته، وأما إذا كان ظالما فاليمين على نية المظلوم (1).
وعنه (صلى الله عليه وآله): اليمين على ما يستحلف الطالب (2). وعن النبي (صلى الله عليه وآله): أنه نهى أن
يلغز في الأيمان، وقال: إذا كان مظلوما فعلى نية الحالف، وإن كان ظالما فعلى
نية المستحلف (3).
(ولو كان القاضي يعتقد ثبوت الشفعة مع الكثرة لم يكن لمعتقد نفيها)
معها (الحلف على نفي اللزوم بتأويل اعتقاد نفسه) لأن اليمين على ما يستحلف
الطالب (بل إذا ألزمه القاضي) الشفعة (صار لازما ظاهرا) لنفوذ حكم
الحاكم (وعليه) مع الإنكار (أن يحلف) على وفق اعتقاد القاضي. وفي باب
الحيل من طلاق المبسوط: أن الصحيح عندنا أنه يحلف على وفق اعتقاد نفسه (4).
(وهل يلزمه) إمضاء حكمه (باطنا؟ إشكال): من الأمر بإمضاء حكم
الحاكم، ومن ابتناء حكمه على الاجتهاد المحتمل للخطأ (أقربه اللزوم إن كان
مقلدا) لأن فرضه تقليد المجتهد والقاضي مجتهد. وهل يجوز له تقليد مجتهد
آخر يخالفه هنا؟ وجهان: من اختيار المقلد إذا تعدد المجتهدون، ومن الأمر بإنفاذ
حكم القاضي، وهو ظاهر الكتاب. (لا مجتهدا) فإنه إنما يتعبد بما أدى إليه
اجتهاده فيجوز له الحلف على اعتقاده، ولأنه مظلوم على رأيه.
(الفصل الرابع في حكم اليمين)
(وهو انقطاع الخصومة أبدا) للأمر بالرضا إذا حلف له بالله (لا براءة
الذمة) في الواقع، لأنه إنما زاد إثما على إثم، ولنصوص وعيد من حلف ليقتطع
مال امرئ مسلم (5). (و) حيث انقطعت الخصومة أبدا (ليس للمدعي بعد ذلك



(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 149 ب 20 من أبواب الأيمان ح 1.
(2 و 3) دعائم الإسلام: ج 2 ص 96 ح 301.
(4) المبسوط: ج 5 ص 97.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 169 ب 2 من أبواب كيفية الحكم.
131
المطالبة) بما ادعاه (ولا إقامة البينة) به (وإن لم) يكن (يعلم) حين
الإحلاف (أن له بينة) وقد مضى الخلاف.
(ولو قال) بعد إقامة البينة: (كذب شهودي بطلت البينة) قطعا وإن لم
يستلزم جرحهم، لجواز الكذب سهوا ونحوه. (والأقرب عدم بطلان الدعوى)
لجواز التكذيب في الشهادة لعدم علم الشاهد دون المشهود به. هذا إن قالوا: نشهد
أنه أقرضه كذا أو ابتاع كذا مثلا، وإن قالوا: نعلم أو كان ذلك بمحضر منا ونحو ذلك
فأظهر، وأما إن اقتصروا على قولهم: أقرضه كذا ونحوه فالوجه بطلان الدعوى.
(وحينئذ) لم يبطل الدعوى بالتكذيب (لو ادعى الخصم إقراره بكذبهم
وأقام شاهدا) واحدا على ذلك (لم يكن له أن يحلف) على إقراره بكذبهم
(ليسقط البينة، لأن مقصوده الطعن) فيها لا المال وإن وقف الطعن الحكم،
فإن معنى ما يقصد منه المال ما يتسبب له، لا ما يتسبب للحكم به أو توقفه (وإن
قلنا: يبطل) الدعوى (جاز الحلف لإسقاط الدعوى بالمال).
(ولو قال) المدعى عليه: (حلفني) المدعي (مرة فليحلف على أنه
ما حلف، سمع على إشكال): من أنه إن اعترف بالتحليف لم يكن له التحليف ثانيا،
ومن لزوم التسلسل، وعلى الأول (فلو أجابه) المدعي (بأنه حلفني مرة على
أني ما حلفته، فليحلف أنه ما حلفني لم يسمع، للتسلسل) واحتمل السماع أبدا.
(ولو قدر المدعي) أي صاحب عين (على انتزاع عينه من يد خصمه
فله ذلك ولو قهرا) من نفسه أو (بمساعدة الظالم ما لم يثر فتنة وإن لم
يأذن الحاكم) رفعه إليه أم لا، ولا ثبت عنده (1) وإن استلزم كسر قفل أو باب أو
تمزيق ثياب أو نحو ذلك لأنه، الذي أدخل ذلك على نفسه ولو كان المدعى عقوبة
وقف الاستيفاء على إذن الحاكم.



(1) كذا، ولعله في الأصل: ثبت عنده أم لا.
132
(ولو كان حقه دينا، فإن كان الغريم مقرا باذلا لم يستقل بالأخذ من
دون إذنه) وإن أذن الحاكم (لأن له الخيار في جهة القضاء) من أمواله
(فإن) أقر و (امتنع) من الأداء (استقل الحاكم) بالأخذ، فإن له الولاية
العامة (دونه) أي المدعي (أيضا) للأصل. هذا بعد الرفع.
(ولو كان جاحدا وله بينة تثبت عند الحاكم وأمكن الوصول إليه) أو
كان مقرا ممتنعا من الأداء وأمكن الرفع إلى الحاكم (فالأقرب) وفاقا للأكثر
(جواز الأخذ من دون إذن الحاكم) لعموم نصوص الاقتصاص (1) وقوله
تعالى: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " (2) وقوله تعالى:
" فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " (3) وأصل البراءة من الرفع مع ما فيه من المشقة،
واحتمال جرح الشهود. وقيل: لا (4) لمثل ما ذكر فيها بعد الرفع.
(ولو لم يكن) له (بينة أو تعذر الوصول إلى الحاكم، ووجد الغريم
من جنس ماله استقل بالأخذ) بالإجماع والنصوص. ولم يجوزه أبو حنيفة إلا
في النقود (5).
(ولو كان المال عنده وديعة ففي الأخذ خلاف، أقربه الكراهية) وفاقا
للاستبصار (6) وأكثر المتأخرين.
أما الجواز; فلانتفاء الضرر والحرج في الدين، وللعمومات، وخصوص نحو
صحيح أبي العباس البقباق أن شهابا ماراه في رجل ذهب له ألف درهم،
واستودعه بعد ذلك ألف درهم، قال أبو العباس: فقلت له: خذها مكان الألف الذي
أخذ منك، فأبى شهاب، قال: فدخل شهاب على أبي عبد الله (عليه السلام) فذكر له ذلك،



(1) وسائل الشيعة: ج 19 ص 37 ب 19 من أبواب قصاص النفس.
(2) البقرة: 194.
(3) النحل: 126.
(4) المختصر النافع: ص 276.
(5) الحاوي الكبير: ج 17 ص 413.
(6) الاستبصار: ج 3 ص 53 ذيل الحديث 6.
133
فقال: أما أنا فأحب أن تأخذ وتحلف (1). وخبر موسى بن عبد الملك كتب إلى
الجواد (عليه السلام) يسأله: عن رجل دفع إليه مالا ليصرفه في بعض وجوه البر فلم يمكنه
صرف ذلك المال في الوجه الذي أمره به وقد كان له عليه مال بقدر هذا المال، فقال:
هل يجوز لي أن أقتص مالي أو أرده عليه وأقتضيه؟ فكتب: اقتص مالك مما في يدك (2).
وأما الكراهية فلنصوص النهي عن الخيانة، كقوله تعالى: " فليؤد الذي اؤتمن
أمانته " (3). " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " (4). ونحو قول
الصادق (عليه السلام) - في خبر إسماعيل بن عبد الله القرشي -: أد الأمانة لمن ائتمنك وأراد
منك النصيحة ولو إلى قاتل الحسين (عليه السلام) (5). وفي خبر معاوية بن عمار سأله (عليه السلام):
عن الرجل يكون له عليه حق فيجحده، ثم يستودعه مالا أله أن يأخذه مما بيده؟
قال: لا، هذه الخيانة (6). وخبر ابن أخي فضيل: إنه كان عنده (عليه السلام) فدخلت امرأة
وقالت له: اسأله إن ابني مات وترك مالا كان في يد أخي فأتلفه، ثم أفاد مالا
فأودعنيه، فلي أن آخذ منه بقدر ما أتلف من شيء؟ فقال (عليه السلام): لا، قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك (7). ولا ينافي الكراهة
قوله (عليه السلام) في خبر البقباق: " أما أنا فأحب أن تأخذ وتحلف " (8) فإن المكروه قد
يحبه الإمام لعارض، وخلافا للنهاية (9) تمسكا بالنصوص الناهية.
(ولو كان المال) الذي يريد الاقتصاص منه (من غير الجنس) الذي له
عليه (أخذه) إن لم يقدر على المجانس من ماله (بالقيمة العدل، ولم يعتبر)



(1 و 8) وسائل الشيعة: ج 12 ص 202 ب 83 من أبواب ما يكتسب به ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 12 ص 204 ب 83 من أبواب ما يكتسب به ح 8.
(3) البقرة: 283.
(4) النساء: 58.
(5) وسائل الشيعة: ج 13 ص 222 ب 2 في أحكام الوديعة ح 4.
(6) وسائل الشيعة: ج 12 ص 205 ب 83 من أبواب ما يكتسب به ح 11.
(7) وسائل الشيعة: ج 12 ص 202 ب 83 من أبواب ما يكتسب به ح 3.
(9) النهاية: ج 3 ص 44.
134
هنا (رضى المالك) بالقيمة، ولا يتعين عليه البيع بجنس ماله عليه وأخذ الثمن
كما في المبسوط (1) للأصل. (وله بيعه) بالعدل (وقبض ثمنه عن دينه).
في المبسوط: ومن الذي يبيع؟ قال: بعضهم: الحاكم، لأن له الولاية عليه.
وقال آخرون: يحضر عند الحاكم ومعه رجل واطأه على الاعتراف بالدين
والامتناع من أدائه. والأقوى عندنا أن له البيع بنفسه، لأنه قد يتعذر عليه إثباته
عند الحاكم، والذي قاله الآخر كذب يتنزه عنه (2) انتهى.
وفي خبر أبي بكر الحضرمي: أن للاقتصاص كلاما هو: اللهم إني لن آخذه
ظلما ولا خيانة وإنما أخذته مكان مالي الذي أخذ مني ولم أزدد عليه شيئا (3).
وفي خبر آخر له: اللهم إني آخذ هذا مكان مالي الذي أخذه مني (4).
وفي آخر له: اللهم إني لم آخذ ما أخذت خيانة ولا ظلما ولكن أخذته مكان
حقي (5).
(ولو) أراد البيع وأخذ الثمن و (تلفت قبل البيع) قال الشيخ في المبسوط:
(لم يضمن) لأنه قبضها لاستيفاء دينه منها وكانت أمانة عنده كالرهن (6).
قيل: ولأنه جعل له الولاية في الأخذ والبيع كالولي القهري ولا ضمان عليه
إذا لم يفرط (7).
(والأقرب الضمان) وفاقا للمحقق (8) (لأنه قبض لم يأذن فيه المالك)
فهو كما لو قبض الرهن بدون إذن الراهن. وفيه: أن إذن الشارع أقوى. ولأنه قبض (9)



(1) المبسوط: ج 8 ص 311.
(2) المبسوط: ج 8 ص 311، وفيه بدل " قاله الآخر ": قالوه.
(3) وسائل الشيعة: ج 12 ص 203 ب 83 من أبواب ما يكتسب به ح 4.
(4) وسائل الشيعة: ج 12 ص 203 ب 83 من أبواب ما يكتسب به ح 5.
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 186 ح 3700.
(6) المبسوط: ج 8 ص 311.
(7) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 347.
(8) شرائع الإسلام: ج 4 ص 109.
(9) عطف على قوله: لأنه قبض.
135
لنفسه، فلو صح يضمن به وما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده. (و) على الضمان
(يتقاصان حينئذ) كل ما على ذمة الآخر، وعلى ذي الفضل دفع الفاضل.
(وكل من ادعى مالا يد لأحد عليه ولا منازع) له (فيه قضي له) به
من غير بينة ولا يمين فإنهم القطع النزاع (كالكيس بحضرة جماعة ادعاه أحدهم
ولم ينازعه غيره ولابد لأحد عليه). وفيه إشارة إلى التأييد بخبر منصور بن حازم،
قال للصادق (عليه السلام): عشرة كانوا جلوسا ووسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل بعضهم
بعضا ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم: لا، فقال واحد منهم: هو لي، قال: هو للذي ادعاه (1).
(ولو انكسرت سفينة في البحر فلأهله ما أخرجه البحر، وما اخرج
بالغوص) فهو (لمخرجه إن تركوه) أهله (بنية الإعراض) لقول الصادق (عليه السلام)
في خبر الشعيري: أما ما أخرجه البحر فهو لأهله الله أخرجه لهم، وأما ما اخرج
بالغوص فهو لهم وهم أحق به (2). واحتمال عود الضمير في " لهم " إلى أهله في
غاية البعد مع التفصيل، ولضعفه ومخالفته الأصول حمله على الإعراض. وحمله
ابن إدريس على اليأس.
قال: وجه الفقه في هذا الحديث أن ما أخرجه البحر فهو لأصحابه، وما تركه
أصحابه آيسين منه فهو لمن وجده وغاص عليه، لأنه صار بمنزلة المباح، ومثله
من ترك بعيره من جهد في غير كلاء ولا ماء، فهو لمن أخذه لأنه خلاه آيسا منه
ورفع يده عنه فصار مباحا، وليس هذا قياسا; لأن مذهبنا ترك القياس، وإنما هذا
على جهة المثال، والمرجع فيه إلى الإجماع وتواتر النصوص، دون القياس
والاجتهاد (3) انتهى.
(ولو حلف الوارث على نفي علم الدين أو) علم (الاستحقاق لم



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 200 ب 17 من أبواب القضاء ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 17 ص 362 ب 11 من أبواب اللقطة ح 2.
(3) السرائر: ج 2 ص 195.
136
يمنع المدعي من إقامة البينة) فإن حلفه إنما دفع النزاع في دعوى اخرى هي
دعوى العلم، وهو لا يستلزم اندفاع أصل الدعوى على الميت.
(الفصل الخامس في اليمين مع الشاهد)
(كل ما يثبت بشاهد وامرأتين يثبت بشاهد ويمين إلا عيوب النساء)
الباطنة وما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا من الولادة والاستهلال والرضاع
على ما سيأتي.
(وهو) أي ما يثبت بذلك (كل ما كان مالا أو المقصود منه المال) في
المشهور، وفي الخلاف (1) والسرائر (2): الإجماع عليه، ويؤيده إطلاق النصوص
بالقضاء بهما وهي كثيرة جدا من طرق العامة (3) والخاصة (4)، وقول علي (عليه السلام) في
خبر صحيح عبد الرحمن بن الحجاج - لما خطأ شريحا في قضائه في درع طلحة
التي أخذت غلولا -: ثم أتيتك بالحسن، فقلت: هذا واحد ولا أقضي بشهادة واحد
حتى يكون معه آخر، وقد قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشهادة واحد ويمين (5).
وفي النهاية (6) والغنية (7) والمراسم (8) والإصباح (9) والكافي (10): التخصيص
بالديون، ويؤيده أخبار، كقول الصادق (عليه السلام) في خبر القاسم بن سليمان: قضى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشهادة رجل واحد مع يمين الطالب في الدين وحده (11). وحمل في



(1) الخلاف: ج 6 ص 254، المسألة 7.
(2) السرائر: ج 2 ص 140.
(3) سنن البيهقي: ج 10 ص 167.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 192 ب 14 من أبواب كيفية الحكم.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 194 ب 14 من أبواب كيفية الحكم ح 6.
(6) النهاية: ج 2 ص 63.
(7) الغنية: ص 439.
(8) المراسم: ص 233.
(9) إصباح الشيعة: ص 528.
(10) الكافي في الفقه: ص 438.
(11) وسائل الشيعة: ج 18 ص 195 ب 14 من أبواب كيفية الحكم ح 10.
137
المختلف (1) " الديون " على الأموال، ويأبى عنه عبارتا الاستبصار (2) والإصباح (3) (4).
ثم المال (كالدين والقرض والغصب) والالتقاط والاحتطاب والأسر.
(و) ما يقصد منه المال نحو (عقود المعاوضات كالبيع والصلح والإجارة
والقراض والهبة) بعوض (والوصية له) والهبة بلا عوض (والجناية
الموجبة للدية) أصالة (كالخطأ، وعمد الخطأ، وقتل الوالد ولده، والحر
العبد، وكسر العظام، والجائفة، والمأمومة).
(ولا يثبت) ما ليس مالا ولا المقصود منه المال أصالة نحو القصاص وما
يوجبه أصالة، خلافا لابن حمزة (5) كما يأتي. والولاء وإن استلزم عقلا أو إرثا،
والرضاع، والولادة، والقذف، والوديعة، كما في الخلاف (6) والمبسوط (7)
والتحرير (8) وخصها في المختلف بما إذا ادعاها الودعي، فإنها مال إذا ادعاها
المالك (9) ولعله يشير إليه قول الشيخ في الخلاف والمبسوط: " والوديعة عنده " (10)
واعترض بأن الودعي يدفع الضمان بدعواه فلا فرق، و (الخلع) وإن استلزم
المال، والأولى ثبوت المال إن ادعاه الزوج، ويمكن تنزيل الإطلاق عليه (11)
(والطلاق) وإن استلزم تنصيف المهر أو سقوط النفقة (والرجعة) وإن
استلزمت النفة (والعتق) وإن كان الرقيق مالا (والكتابة) وإن استدعت مالا
(والتدبير والنسب) وإن استلزم إرثا أو نفقة (والوكالة) وإن كانت في مال



(1) مختلف الشيعة: ج 8 ص 477.
(2) الاستبصار: ج 3 ص 35.
(3) إصباح الشيعة: ص 528.
(4) في ل زيادة: والأظهر أن يقال: المعنى أنه (صلى الله عليه وآله) إنما رفع إليه في الدين.
(5) الوسيلة: ص 222.
(6) الخلاف: ج 6 ص 252، المسألة 4.
(7) المبسوط: ج 8 ص 189.
(8) التحرير: ج 5 ص 173.
(9) مختلف الشيعة: ج 8 ص 476.
(10) الخلاف: ج 6 ص 252، المسألة 4، المبسوط: ج 8 ص 189.
(11) في ل ونسخة بدل ن: وقس عليه الباقي.
138
وبجعل (والوصية إليه) وإن كانت كذلك (وعيوب النساء) وإن استتبعت
براءة عن المهر أو ردا للثمن وغرامة (بالشاهد واليمين).
(أما) في (النكاح فإشكال): من أن المقصود منه بالذات التناسل وهو
المشهور، ومن استلزامه المهر والنفقة (أقربه الثبوت إن كان المدعي الزوجة)
لأنها يثبت مهرا ونفقة أو نفقة خاصة، بخلاف الزوج. وأما ادعاؤه الزوجية بعد
موتها فلعله ليس من دعوى النكاح، بمعنى أنهم لم يريدوا بها ما يعمه.
(والوقف يقبل فيه) شاهد ويمين كما في المبسوط (1) إن انحصر الموقوف عليه
(لأنه عندنا ينتقل) حينئذ (إلى الموقوف عليه) بخلاف ما إذا لم ينحصر، فهو
الموافق لما أمضاه في الوقف. وإن قلنا بالانتقال مطلقا والبقاء على ملك الواقف قبل
فيه ذلك مطلقا. وإن قلنا بانفكاك الملكية عنه مطلقا لم يقبل فيه مطلقا كما في الخلاف (2).
واحتمل القبول بناء على أن المقصود بالوقف هو المنفعة وهي مال. (ولا فرق بين
أن يكون المدعي مسلما أو كافرا، عدلا أو فاسقا، رجلا أو امرأة) للعموم.
(ويشترط شهادة الشاهد أولا وثبوت عدالته قبل اليمين) ذكره الأصحاب
قاطعين به. واستدل له بأن جانبه حينئذ يقوى وإنما يحلف من يقوى جانبه، كما أنه
يحلف إذا نكل المدعى عليه; لأن النكول قوي جانبه. (فلو حلف قبل أداء الشهادة
أو بعدها قبل التعديل وقعت لاغية، وافتقر) في الإثبات (إلى إعادتها).
وجوز بعض العامة: تقديم اليمين على الأداء (3). وآخرون: على التعديل (4).
(والأقرب أن الحكم) إنما (يتم) ويصح من الحاكم (بالشاهد واليمين
معا لا بأحدهما) لأن النصوص إنما تضمنت القضاء بهما (5) ولتوقفه على كل
منهما. ويحتمل ضعيفا أن يكون بالشاهد بشرط اليمين لأنها قول المدعي وقوله



(1) المبسوط: ج 8 ص 189 - 190.
(2) الخلاف: ج 6 ص 280، المسألة 25.
(3) المحلى: ج 9 ص 371.
(4) انظر روضة الطالبين: ج 8 ص 252.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 192 ب 14 من أبواب كيفية الحكم.
139
ليس حجة. وأن يكون باليمين وحدها; لأن المعلول إنما يحصل بعدها، ولأنها
كالقسامة مع الشاهد. وضعف الكل ظاهر.
(والفائدة) في اختلاف الوجوه (الغرم) وعدمه وقدره (مع الرجوع) أي
رجوع الشاهد عن شهادته، فإنه على الأول يغرم النصف، وعلى الثاني الكل، ولا يغرم
على الأخير شيئا، وربما قيل: يغرمه عليه أيضا بناء على أن اليمين إنما تفوت به.
(ولا يثبت دعوى الجماعة مع الشاهد) الواحد (إلا بحلف كل واحد
منهم، فمن حلف ثبت نصيبه دون نصيب الممتنع) وإن كان فيهم طفل أو
مجنون وقف نصيبه إلى الكمال.
(وليس لولد الناكل بعد موته أن يحلف) فإنه إنما ينتقل إليه من أبيه ما
ملكه، والنكول مسقط للملك (إلا في الوقف) فإنه ليس ميراثا، ولا ينتقل من
البطن الأول إلى الثاني بل من الواقف، وربما سوى بينه وبين الملك.
(ولو مات قبل) الحلف و (النكول فلولده أن يحلف) أنه كان لوالده إن
كان يعلم، لعدم سقوط الملك، وقيام الوارث مقام مورثه، ولكن لا يكفيه هذا الحلف
إلا إذا لم يثبت المدعى عليه البراءة أو الانتقال، ولم يحلف على عدم استحقاق الولد،
بخلاف الوالد فإنه يحلف على استحقاقه الآن، فلا يحلف المدعى عليه على العدم (1).
(وفي وجوب إعادة الشهادة إشكال): من اتحاد الدعوى وأنه فيها قائم
مقام المورث، ومن تغاير المدعيين، وليس للمدعي أن يحلف إلا بعد الشهادة. وإن
أقر المدعى عليه بعد موت الوالد وشهد به واحد كان للولد الحلف بعد الشهادة كما
كان يحلف الوالد، وكفاه إن لم يثبت المدعى عليه البراءة أو الانتقال بعد إقراره،
وهذا الحلف ليس مما قام فيه مقام الوالد، ولا هذه الدعوى دعواه (2).
(ولو ورث الناكل الحالف قبل الاستيفاء استوفى المحلوف عليه)



(1) من قوله: ولكن لا يكفيه... إلى هنا لم يرد في ق.
(2) من قوله: وإن أقر المدعى عليه... إلى هنا لم يرد في ق.
140
لثبوت ملكه له (ما لم يكذبه في الدعوى) لأخذه بإقراره.
(ولا) يجوز أن (يحلف) يمين بت (من لا يعرف ما يحلف عليه قطعا).
(ولا يكتفي بما يجده مكتوبا بخطه وإن كان محفوظا عنده وعلم
عدم التزوير). كما لا يجوز له الشهادة بذلك، لاحتمال أن يكون قد لعب أو سها
أو تعمد الكذب في كتابته. (وكذا ما يجده بخط مورثه) وأولى.
(ولا) يجوز أن (يحلف ليثبت مالا لغيره) فإن الحالف إما المنكر أو
المدعي. (فلو ادعى غريم الميت مالا للميت على غيره وأقام شاهدا
حلف الوارث وإن كان الدين مستوعبا) للتركة; لأنها إما على حكم مال
الميت أو ينتقل إلى الوارث، وعليهما فليست من مال الغريم.
(فإن امتنع الوارث) من اليمين (لم يحلف الغريم). خلافا للشافعي في
أحد قوليه (1) واحتمله الشهيد (2) لأنه إذا ثبت صار إليه كالوارث.
(ولا يجبر الوارث على اليمين) إذا امتنع، للأصل، وربما لم يعلم، ولأن
المختار أنه ينتقل إليه إذا ثبت، وله الخيار في حقه إثباتا وإسقاطا.
(وكذا لو ادعى رهنا وأقام شاهدا أنه للراهن لم يحلف; لأن يمينه لإثبات
مال الغير) وإن تعلق به حقه. ولا يجبر الراهن عليه إن امتنع. واحتمله الشهيد (3).
(ويحلف الورثة لإثبات مال مورثهم) فإنه الآن مالهم (4). (ويقسم)
بينهم (فريضة) أي كما فرض الله في الإرث، لا على حسب الأيمان. (فإن
امتنع بعضهم سقط نصيبه، ولم يزاحم الحالف) في نصيبه.
(ولو كان) دعوى الجماعة في (وصية) وحلفوا جميعا مع شاهد (اقتسموه
بالسوية إلا أن) كان الموصي (يفضل) فالقسمة بحسبه (فإن امتنع بعضهم)



(1) الحاوي الكبير: ج 17 ص 83.
(2 و 3) الدروس الشرعية: ج 2 ص 95، درس 140.
(4) في ن و ل زيادة: ولكن الكلام فيه ما عرفت.
141
من اليمين (لم يشارك الحالف. ولو كان بعضهم صبيا أو مجنونا) وادعى
عنه وليه (وقف نصيبه) إلى الكمال فإن الولي لا يحلف (فإن بلغ) الصبي
(رشيدا) أو أفاق المجنون (حلف) إن علم بالتسامع (1) (واستحق، وإلا)
يحلف (فلا) يستحق.
ثم إن كان الدعوى في الإرث لم يفتقر إلى إعادة الشهادة وإن لم يأت الولي
بالشاهد، وإن كان في الوصية افتقر إن لم يأت الولي به. والفرق أنه يثبت في الأول
أولا ملك المورث وهو ملك واحد بخلاف الثاني.
(ولو مات قبل ذلك) أي الكمال أو الحلف (كان لوارثه الحلف
واستيفاء نصيبه) ولكن بما عرفناك من التفصيل.
(ولا يجب) على الوالي (2) (أخذ نصيب المولى عليه من الغريم) لعدم
الثبوت. وتردد في التحرير في نصيب الغائب (3). ويحتمل الفرق بين العين فيؤخذ
والدين فلا. نعم على الولي ذلك إن علم بالاستحقاق وتمكن من الأخذ ولو قهرا أو
اختلاسا، فإن في التأخير تعريضا للتلف.
(وهل يطالب) الغريم (بكفيل؟ إشكال): من ثبوت الحق في الجملة
بالشاهد ويمين الكامل، بل بالشاهد إن جعلنا اليمين شرطا واحتمال ضياع المال
بدون التكفيل. ومن عدم ثبوت حق له وإن جعلنا اليمين شرطا مع أصل البراءة.
(وهل للمولى عليه شركة فيما يقبضه الحالف؟ الأقرب ذلك إن كمل
وحلف) فإن الإرث أو الوصية سبب لاشتراك الكل بالإشاعة والمفروض اعتراف
الحالف بالسبب المشترك والاستيفاء ليس بقسمة، وهو ظاهر في العين دون الدين،
لأنه يتعين (4) بالتعيين، وأما إذا لم يحلف فقد أسقط حقه. ويحتمل الشركة وإن لم
يحلف، لاعتراف القابض بشركته بالإشاعة وأن القسمة بغير إذنه فباعترافه لم يقع



(1) في ل: إن علم بالتسامح أو غيره.
(2) في المطبوع: الولي.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 176.
(4) في مصححة المطبوع: لا يتعين.
142
موقعها. والعدم مطلقا، لحكم الشارع بانتزاع ما قبضه فهو أبلغ من القسمة بالتراضي.
(فروع) سبعة:
(الأول: لو ادعى بعض الورثة الوقف من مورثهم عليهم و) بعدهم
(على نسلهم حلفوا مع الشاهد) الواحد بناء على ما اختاره من الحكم بذلك
في الوقف (وقضي لهم) بالوقفية، ولم يؤد منه دين ولا وصية. (وإن امتنعوا)
من اليمين (حكم بالمدعي ميراثا) بالنسبة إلى باقي الورثة وإلى الديون
والوصايا (لكن يحكم على مدعي الوقف بوقفية نصيبه) منه (في حقه)
أخذا بإقراره (لا في حق الديان) قلنا بانتقال التركة إليهم مع الاستيعاب أو لا،
إذ لا أقل من تعلق حقهم بها.
(ولو حلف بعضهم ثبت نصيب الحالف وقفا وكان الباقي طلقا) بالنسبة
إلى غير المدعي (وينحصر فيه) أي الباقي (الديون والوصايا) والإرث. والحصر
حقيقي إن انحصرت فيه التركة، وإلا فإضافي. (والفاضل) من الديون والوصايا
(ميراث) أي يقسم قسمة الميراث ولكن على غير الحالفين، كما هو نص المبسوط (1)
لاعترافهم بأنه لا نصيب لهم فيه إلا ما أخذوه باليمين. (وما يحصل من الفاضل
للمدعين الذين لم يحلفوا يكون وقفا) باعترافهم. ويجوز جعل القيد قرينة
على ما ذكرناه من القسمة على غير الحالفين. وقيل: وعليهم، لاعتراف باقي
الورثة باشتراك الكل فيه إرثا وإن ظلم الحالف بأخذ نصيب منه بادعائه الوقف (2).
وضعفه ظاهر; فإنهم إنما يعترفون بالاشتراك في الجميع وأن ما أخذه الحالف
بالوقفية إنما استحقه بالإرث، والحالف معترف بأنه لا يستحق إلا ما أخذه. نعم إن
زاد نصيب مدعي الوقف إرثا على نصيبه وقفا كان الزائد مجهول المالك (3).



(1) المبسوط: ج 8 ص 198.
(2) انظر المسالك: ج 13 ص 525 و 526.
(3) من قوله: والحالف معترف... إلى هنا لم يرد في ق.
143
(ولو انقرض الممتنع) من اليمين (كان للبطن الثاني الحلف مع
الشاهد، ولا يبطل حقهم بامتناع الأول) بناء على أنهم يتلقون الوقف من
الواقف، وعليه لابد لهم من اليمين، وإن قلنا بأنهم يتلقونه من الأول بطل حقهم;
لأن الأول أسقط حقه بالامتناع، لكن الظاهر أن ما استقر نصيبا له فهو وقف في
حقهم كما كان في حقه أخذا بإقراره.
(الثاني: لو ادعى الوقف عليه وعلى أولاده) فإن ادعى (وقف ترتيب
حلف مع شاهده) الواحد (ولا يلزم الأولاد بعده يمين اخرى) بناء على
تلقيهم له من مورثهم. (وكذا لو آل إلى الفقراء أو المصالح) العامة (لانقراض
البطون) لم يكن يمين لعدم الانحصار. ولكن هل يبطل الوقف أو يثبت بلا يمين؟
وجهان، فإن تلقى المتأخر الوقف من المتقدم ثبت، وإن تلقاه من الواقف فوجهان:
من أنه لا يثبت بلا يمين وهي هنا متعذرة، ومن الضرورة لتعذر اليمين.
(وإن كان) المدعى (وقف تشريك افتقر البطن الثاني إلى اليمين، لأنها
بعد وجودها تصير كالموجودة وقت الدعوى) المتفقة مع الدعوى رتبة.
(ويحتمل في الأول) أيضا (ذلك، لأن البطن الثاني يأخذ من الواقف
لا من البطن الأول) فلا يثبت له بيمين غيره. وإن نكل اختص به ميراثا حكمه
حكم الوقف من الحجر عن التصرفات، ولم يشاركه غيره من ورثة الواقف الأقربين
لإثبات مورثهم اختصاصه به وقفا، كما إذا أثبت اختصاصه بملكية شيء. وفيه نظر.
(الثالث: لو ادعى ثلاثة بنين تشريك الوقف بينهم وبين البطون
فحلفوا ثم صار لأحدهم ولد وقف له الربع من حين يولد، فإن حلف بعد
بلوغه) كاملا (أخذ، وإن امتنع قيل) في المبسوط (1): (يرجع الربع إلى
الثلاثة، لأنهم أثبتوه) لأنفسهم (بحلفهم ولا مزاحم، إذ بامتناعه جرى
مجرى المعدوم. ويشكل باعتراف الأولاد بعدم استحقاقهم له).



(1) المبسوط: ج 8 ص 201.
144
وأجيب عنه في المبسوط بأن الإقرار إذا استند إلى سبب فلم يثبت عاد
المقر به إلى المقر وهنا كذلك (1). ودفع بثبوته في حق المقر بحلفه مع الشاهد، وإن
لم يثبت في حق المقر له بالنكول.
وإذا لم يرجع إليهم (فيصرف إلى الناكل) أخذا بإقرارهم. وفيه: أنه يقتضي
سقوط اليمين عنه رأسا (ولا يصرف إلى المدعى عليه أولا ولا إلى ورثته)
لثبوت عدم استحقاقهم أولا. واعترض بأنه إنما يثبت ثبوتا متزلزلا، فإن المتجدد
أحد المدعيين، وإنما يثبت الدعوى بتمامها إذا حلفوا جميعا، فإذا لم يحلف أحدهم
صرف نصيبه إلى المدعى عليه أو وارثه إن [غاير المدعين، وإلا فإلى الناكل] (2).
ورابع الوجوه: أنه وقف تعذر مصرفه فيصرف إما إلى البر أو إلى الواقف وورثته.
وخامسها أنه لو كان للواقف وارث غير الإخوة الثلاثة صرف إليه، وإلا
فإلى الناكل.
(ولو مات أحدا لثلاثة قبل بلوغ الصغير عزل له الثلث من حين وفاة الميت،
لصيرورة الوقف) حينئذ (أثلاثا، وقد كان) وقف (له الربع إلى حين الوفاة)
فيضاف إليه نصف سدس ويوقف له (فإن حلف بعد كماله أخذ الجميع، وإن نكل)
فعلى قول الشيخ (3) (كان الربع إلى حين الوفاة بين ورثة الميت والباقين أثلاثا)
لظهور أن الربع كان للثلاثة (والثلث من حين الوفاة للباقين وفيه الإشكال)
المتقدم (ويمكن رجوعه إليه لا إلى المدعى عليه) بالتقريب المتقدم.
(ولو أكذب الناكل الوقف (4)) أو التشريك، وبالجملة استحقاقه (لم يرد
عليه شيء قطعا وكان للحالفين) على قول الشيخ (5) (أو للواقف) على قول
(لأنه وقف تعذر مصرفه فيرجع إلى ورثة الواقف) غير المدعي وإن مات
الصبي قبل البلوغ قام وارثه مقامه.



(1) المبسوط: ج 8 ص 202.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في ق.
(3) المبسوط: ج 8 ص 201.
(4) في القواعد: الواقف.
(5) المبسوط: ج 8 ص 201.
145
(الرابع: لو ادعى البطن الأول الوقف على الترتيب، وحلفوا مع
شاهدهم، فقال البطن الثاني بعد وجودهم: إنه وقف تشريك، كانت
الخصومة بينهم وبين البطن الأول، فإن أقاموا شاهدا واحدا حلفوا معه
وتشاركوا ولهم) حينئذ (مطالبتهم بحصتهم من النماء من حين وجودهم)
وإن نكلوا خلص الوقف للأولين ما بقي منهم أحد. وإن تجددوا وادعوا التشريك
قبل حلف الأولين كانوا خصوما لهم ولغيرهم من الورثة، ولكن لا يجدى نكولهم
إلا المدعين، فإنهم لما ادعوا الاختصاص وحلفوا مع شاهدهم ثبت لهم ذلك. نعم
إن انعكس بأن حلف هؤلاء ونكل الأولون صار نصيب الأولين ميراثا.
(الخامس: لو ادعى البطن الأول الوقف مرتبا ونكلوا عن اليمين مع
شاهدهم فوجد البطن الثاني، احتمل إحلافهم و) احتمل (عدمه إلى أن
يموت البطن الأول) وعدمه مطلقا (ومنشأ التردد جعل النكول كالإعدام)
فكأن البطن الأول انقرضوا (واعتراف) البطن (الثاني بنفي استحقاقهم
الآن) مع تلقيهم الوقف من الواقف فلهم اليمين بعد موتهم، ووجه العدم مطلقا
تلقيهم من الأولين وقد أبطلوا حقهم.
(ولو حلف بعضهم ثم مات احتمل صرف نصيبه إلى الناكل) بلا يمين
إن كان التلقي من الميت، وإلا فباليمين، لاعتراف الميت والبطن الثاني بالترتيب
الموجب لعدم الصرف إلى الثاني ما بقي من الأول أحد، فإن أوجبنا عليه اليمين
ولم يحلف فكما لو نكل كل من في البطن الأول في الاحتمالين الأولين (و)
احتمل صرفه (إلى ولد الحالف) بناء على التلقي من الأول كما قواه الشيخ (1)
لتنزل الناكل منزلة المعدوم وثبوت الوقفية [إن قلنا بالتلقي من الأول] (2) وقال
الشيخ: لأن الأول قد رده ولا يمكن رده إلى أقرب الناس إلى الواقف; لأن البطن
الأول باق فلم يبق إلا البطن الثاني (3). وكأنه أراد ما ذكرنا (و) احتمل صرفه



(1) المبسوط: ج 8 ص 199.
(2) لم يرد في بعض النسخ.
(3) المبسوط: ج 8 ص 200.
146
(إلى) ورثة (الواقف لتعذر المصرف) وهو الأقوى لكن إذا مات الناكل كان
للبطن الثاني الأخذ بيمين أو لا بها.
(السادس: لو ادعى إعتاق عبد في ملكه وهو في يد غيره لم يحلف
مع شاهده) الواحد (لأنه يثبت الحرية) لا المال والحرية إن كانت مالا
فبالنسبة إلى العبد لا غيره. نعم إن قصد بذلك إثبات الولاء لنفسه احتمل الثبوت.
وأثبت الشيخ الحرية بذلك (1) نظرا إلى أنه يدعي ملكا متقدما على العتق.
(ولو ادعى جارية ذات ولد في يد الغير) (و) ادعى (نسب الولد وأنها
مولده حلف مع شاهده ليثبت الرقية) من غير إشكال (دون) نسب (الولد،
ويثبت حكم الاستيلاد) بعد ذلك (بإقراره) لا نسب الولد ولا حريته.
(السابع: يحلف في دعوى قتل الخطأ وشبهه) وبالجملة فيما يوجب
الدية أصالة (مع الشاهد) وسيأتي عن ابن حمزة إيجابه خمسا وعشرين يمينا
مع شاهد واحد (لا في العمد) كما مر (نعم يكون شهادة الشاهد لوثا يثبت
معه الدعوى بالقسامة) كما يثبت بها مع اللوث بغير ذلك. خلافا لابن حمزة فجعل
الشاهد الواحد في القتل عمدا بمنزلة خمس وعشرين يمينا (2) وعلى هذا القياس.
(الفصل السادس في النكول)
(والأقرب أنه لا يقضى به بل يرد اليمين على المدعي) وقد مر
الخلاف، فإن حلف ثبت دعواه (ولو نكل المدعي سقطت دعواه في الحال
وله إعادتها في غير المجلس) وقد تقدم وسيأتي احتمال الخلاف.
(وإنما يرد على المدعي إذا تم النكول بأن يقول: لا أحلف أو أنا
نأكل أو يسكت ويقول) له (القاضي: احلف) فلا يحلف. (وينبغي
للحاكم أن يعرض له اليمين ثلاث مرات ويشرح له حكم النكول) فربما



(1) المبسوط: ج 8 ص 196.
(2) الوسيلة: ص 460.
147
جهله. ولا يحلف تورعا. ومنه يعلم أنه لا يجب إلا الأمر بالحلف لا قوله إن حلفت
وإلا جعلتك ناكلا، وإلا مرة وهو الظاهر، للأصل. (فإن لم يشرح) له حكم
النكول (وقضى بالنكول فرجع) المنكر (وقال: لم) أكن (أعرف حكم
النكول ففي جواز الحلف إشكال):
من تحقق النكول، وحكم الحاكم به، وانتفاء الدليل على عذر الجاهل هنا وهو
خيرة التحرير (1). ومن أن اليمين في الأصل حقه والأصل بقاؤه إلى أن يرده إلى
المدعي، والنكول مع العلم بحكمه قرينة على الرد بخلافه مع الجهل.
(وحيث منعناه لو رضي المدعي بيمينه فالأقرب جوازه) لأن الحق لا
يعدوهما وقد رضيا به. ويحتمل العدم لحكم الشارع بحلف المدعي حينئذ،
وسقوطه عن المنكر، فلا يجدي التراضي.
(ويحتمل أن يكون نكول المدعي كحلف المدعى عليه) في سقوط
حقه عنه ظاهرا وباطنا في الدنيا كما هو ظاهر الأكثر، لما تقدم، وقطع به في التحرير
قال: ولا يمكن من العود إلى اليمين، بل لا يسمع دعواه إلا ببينة (2) مع أنه اختار
فيه ما في الكتاب من أنه إذا حلف المنكر لم تسمع الدعوى وإن أتى ببينة. فهو
ثالث الأوجه في المسألة، وهو خيرة الدروس (3). وهو قوي من حيث الاعتبار،
فإن النكول ربما كان للاحترام أو يذكر البينة، مع أن المنكر لم يتجشم الحلف.
ويمكن تقييد النصوص الناطقة بسقوط الحق بذلك المجلس أو انتفاء البينة.
(ولو حلف فهو كإقرار الخصم أو البينة إشكال): من ترتبه على نكول
المنكر، ومن صدوره من المدعي كالبينة. فإن أقام المنكر بعد ذلك ببينة بالأداء
سمعت على الثاني دون الأول. وإن اعترفت بزوجية أحدهما وقلنا بأنها إن
اعترفت بزوجية الآخر لم تغرم المهر فأنكرت ونكلت فحلف فعلى الثاني يغرم



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 180.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 181.
(3) الدروس الشرعية: ج 2 ص 88، الدرس 138.
148
المهر دون الأول إلى غير ذلك من الفروع. (لكن) لا إشكال في أنه (يستحق
الحق به) مع حكم الحاكم على الثاني، وبدونه على الأول.
(ولو قال: المدعي) عند توجه اليمين إليه (أمهلوني أمهل) إذ عسى أن يرجع
إلى حسابه فيرجع عن الدعوى، أو يتقوى علمه أو تذكر أو يتذكر بينة أو يبحث عنها
فيجدها (بخلاف المدعى عليه) فلا يمهل لأنه ناف للحق ولا يترك إذا ترك.
(ولو أقام شاهدا واحدا ونكل عن اليمين معه احتمل أن يكون له
الحلف بعد ذلك) استصحابا لما كان له (وعدم القبول إلا بشاهد آخر) كما
في المبسوط (1) لسقوط اليمين بالنكول فلا يعود، ولأنه كالنكول بعد نكول المنكر.
(ولو ادعى القاضي مالا لميت لا وارث له على إنسان) لما وجده في
روزنامجته أو لنحو ذلك (فنكل) ولم يقض بمجرد النكول (احتمل حبسه
حتى يحلف أو يقر) كما اختاره الشيخ (2) لتعذر اليمين هنا من المدعي، لانتفاء
العلم، ولأنه لا يدعيه لنفسه، وعدم جواز إهمال بيت مال الإمام. (و) احتمل
(القضاء عليه) بالنكول لتعذر الرد هنا، وإنما لا يقضى بمجرد النكول فيما لا
يقضى به للرد. (و) احتمل (تركه) لأن الحبس عقوبة لم يثبت موجبها ولا
يمكن الرد هنا، وسببية النكول هنا للقضاء غير معلوم.
(ولو ادعى الفقير أو الساعي إقرار المالك بثبوت الزكاة في ذمته)
فأنكر (لم يحلفا مع نكوله) لعدم انحصار المستحق فيهما (بل يثبت
الاحتمالات) الثلاث، ويتقوى هنا الحكم بالنكول بملكه النصاب وحول الحول،
ولم يثبت رافع للحكم ولا لسببية السبب ولا الأداء.
* * *



(1) المبسوط: ج 8 ص 211.
(2) المبسوط: ج 8 ص 214.
149
(المقصد الخامس)
(في القضاء على الغائب)
(وفيه فصول) ثلاثة:
(الأول: المدعي)
(ولابد أن يدعي معلوما في جنسه ووصفه وقدره) وإن أجزنا ادعاء
المجهول على الحاضر فإنه يجبر على التعيين كما مر. ولابد أن يدعيه (صريحا
بأن يقول: إني مطالب به، فلو قال: لي عليه كذا لم يكف في الحكم) كما لا
يكفي في الحاضر إلا بقرينة الاستعداء (ويفتقر) الحكم (إلى) إقامة (البينة)
أو شاهد ويمين.
(وهل يشترط أن يدعي جحود الغائب؟ نظر) من إطلاق النص وفتوى
الأصحاب، ومن اشتراطه بالبينة الدال على الجحود، وهو ممنوع (فإن شرطناه
لم تسمع دعواه لو اعترف بأنه معترف) وفي التحرير: لم تسمع بينته إلا لأخذ
المال (1). ويعلم منه أن ادعاء الجحود إنما يشترط إذا طلب الحكم دون المال.
(ولو لم يتعرض لجحوده) بنفي ولا إثبات (سمعت) الدعوى والبينة.
وتردد في التحرير (2): من اشتراط سماعهما بالجحود ولم يعلم، ومن تنزيل الغيبة



(1 و 2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 147.
150
منزلة السكوت النازل منزلة الجحود لاحتمال الجحود في الغيبة وأن لا يقدر بعد
على الإثبات إذا ظهر الجحود.
(ويحلف مع البينة على عدم الإبراء) أي الوفاء أي الاستيفاء
(والإسقاط) ويمكن حمل الإسقاط على الوفاء، والإبراء على المتبادر، ولا
يحسن حملهما على المتبادر، والفرق بالعبارة. أو يكون الإبراء لا بعوض،
والإسقاط به، والفرق بينه (و) بين (الاعتياض) بأن يتضمن الاعتياض أخذا
للعوض حين الإسقاط، لأن فيه مع ما ترى إخلالا بالاستيفاء الأولى بالذكر. وقد
تقدم الخلاف في هذا الحلف ويكفيه الحلف على بقاء حقه (ولا يجب التعرض
في اليمين لصدق الشهود) كما احتمله بعض العامة (1).
(ولو ادعى وكيله على الغائب لم يحلف، ويسلم إليه الحق) إذا ثبت
(بعد كفيل، فإن حلف موكله الغائب) اقر (وإلا استعيد) وقد مر التكفيل
مطلقا في الدعوى على الغائب وإن لم يكن المدعي وكيلا.
(وكذا يأخذ ولي الطفل والمجنون المال مع البينة ويكفل لو ادعى
الغريم البراءة) ولم يمكنه إثباتها.
(ولو) كان المدعي غائبا و (قال) المدعى عليه (لوكيل الغائب أبرأني
موكلك أو دفعت إليه، لم ينفعه والزم بتسليم المال) لثبوته عليه شرعا وأداء
التأخير إلى الضرر وتعذر استيفاء الحقوق غالبا بالوكيل (ثم يثبت الإبراء) ببينة
أو بنكول المدعي إذا حضر أو إقراره ويسترجعه. (ويحتمل الوقوف في
الحكم) إلى أن يثبت الإبراء أو يعجز عن إثباته (لاحتمال صدقه) فيتضرر
بالتسليم. ثم إن ادعى البينة وقف إلى إحضارها، ولعله لا يؤجل أزيد من ثلاثة
أيام، وإن أراد الإحلاف وقف إلى حضور المدعي. ولعل الأول أقوى كما هو



(1) المغني لابن قدامة: ج 11 ص 486.
151
ظاهر الكتاب فإن المعلوم شرعا لا يترك بمجرد الاحتمال، وضرر الوقف أكثر.
(ولا يجب على المدعي دفع الحجة) إذا دفع الغريم ما ثبت عليه
(سواء كان الغريم حاضرا أو غائبا لأنها حجة) له (لو خرج المدفوع
مستحقا) للغير فاسترد منه، ولأنها ملكه. (وكذا لا) يجب أن (يدفع البائع
كتاب الأصل إلى المشتري لأنه) ملكه ولأنه (حجة على البائع الأول لو
خرج المبيع مستحقا ولو شرط المشتري دفعه) أي كتاب الأصل (لزم)
لأنه شرط سائغ والمؤمنون عند شروطهم.
(ولو طلب) المشتري (نسخه أو طلب المديون نسخ الحجة فالأقرب
الإباحة) أي يباح للحاكم الإجابة إليه وإن لم يرض المالك. وفي بعض النسخ:
الإجابة، أي للحاكم وعلى المالك الإجابة إليه. وذلك، لأنه غرض لا ضرر فيه
على المالك فربما أعاد الدائن دعواه وأبرز الحجة، فإذا كانت عند المديون نسخة
منها وعليها بخط القاضي والشهود إنه أدى ما تضمنته نفعته. وربما تواطأ البائعان
الأول والثاني على دعوى على المشتري فينفعه الكتاب.
(نعم) استثناء من قوله ولا يجب على المدعي دفع الحجة (للمشهود
عليه) أي المدعى عليه (أن يمتنع من الأداء حتى يشهد القابض) على
قبضه (وإن لم يكن) له (عليه) حجة أي (بينة تفصيا من اليمين) إن ادعاه
عليه مرة اخرى. خلافا للشيخ فخص الامتناع بما إذا كان له بينة (1).
(الفصل الثاني المحكوم عليه)
(وبه يقضى على من غاب عن مجلس القضاء مطلقا) أي (وإن كان
حاضرا) في البلد (على رأي) وفاقا للمحقق (2) (أو مسافرا دون المسافة)



(1) المبسوط: ج 8 ص 131.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 86.
152
خلافا ليحيى بن سعيد فاعتبرها (1). ودليل المختار عموم النص وانتفاء الضرر
(وقيل) في المبسوط: (يعتبر في الحاضر تعذر حضوره) لأن القضاء
على الغائب إنما جاز لموضع الحاجة وتعذر الإحضار (2) وهو ممنوع.
(ولا يشترط في سماع البينة حضوره) أي المدعى عليه (وإن كان في
البلد) سواء كان قد حضر عند الدعوى أو لا، لكنه على حجته في الجرح إن ادعاه.
(ولو كان) المدعى عليه (غائبا جاز إحضاره مع) إقامة المدعي
(البينة لا بدونها، للمشقة) بالإحضار فلا تحمل بمجرد الدعوى، لاحتمال
البطلان. واكتفى الأكثر بتحرير الدعوى كما مر وهو الوجه، إذ ربما لم يكن له بينة.
وإنما يحضره (إذا لم يكن هناك حاكم) فإن كان، فإن رضي المدعي بالرفع
إليه، وإلا فإن كان خليفته سمع هو البينة وكتب إليه، وإن كان مستبدا فإن رضي
المدعي بالكتابة كتب، وإلا حكم عليه وهو غائب.
وإنما (يقضى على الغائب في حقوق الناس في الديون والعقود
والطلاق والعتق والجنايات والقصاص) لأنها على الاحتياط (ولا يقضى
في حقوقه تعالى كالزنا واللواط) وشرب المسكر (لأنها على التخفيف).
ولو جمع الدعوى حقين للناس ولله حكم عليه في الأول خاصة (و) لذا
(يقضى عليه في السرقة بالمال دون القطع) وتردد المحقق في القطع (3): من
أنه حق له تعالى، ومن أنه والغرم معلولا علة واحدة. وهو ضعيف.
(وللقاضي النظر في مال حاضر ليتيم غائب عن ولايته) لأن المال في
ولايته ويضيع إذا ترك النظر فيه.
(أما (4) المحكوم به فإن كان) عينا حاضرة تميزت بالمشاهدة، وإن كان
(دينا أو عقارا يمكن تعريفه بالحد ضبط بما يميزه عن غيره) والدين



(1) الجامع للشرائع: ص 527.
(2) المبسوط: ج 8 ص 162.
(3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 86.
(4) في القواعد: وأما.
153
بالقدر والجنس، والعقار بالحدود (وإن كان عبدا أو فرسا أو ما أشبهه) فإن
كان مشهورا بصفة أو اسم أو صنعة يتميز بها عن غيره تميز بذلك، وإن لم يكن كذلك
بل (مما يتميز بعلامة، احتمل الحكم به بالحلية) والصفات (كالمحكوم
عليه) أي كما يحكم عليه بالحلية إذا أريد التميز ولم يكن معروفا، للضرورة. ورد
بكثرة الاشتباه مع ذلك. واعتذر بالاستقصاء التام. وقيل: يكفي الوصف بأوصاف
السلم (1). وهو ضعيف، إذ يكفي فيه تمييز النوع والصنف ولابد هنا من التشخيص.
(و) احتمل (ذكر القيمة دون الصفات كالثياب والأمتعة) أي كما أنه
لابد فيهما من التمييز بالقيمة لتعسر الضبط بالصفات أو تعذره، فإن القيمة أمر
يسهل الضبط بها وينضبط بها الجميع ولا يعود الضبط بها على المدعي بضرر غالبا.
واحتمل الضبط بالأمرين جميعا وهو أحوط، ففي المثلي الأصل الضبط
بالصفات وذكر القيمة احتياط، وفي غيره بالعكس.
(و) احتمل (سماع البينة دون القضاء) ليتجشم الضبط بصفة أو قيمة
(لفائدة بعث) من في بلد العين المدعى بها من قاضي ونحوه (العين إلى بلد
الشهود) بعد أن يكتب إليه القاضي الذي سمع شهادتهم (ليشهدوا على عينه
ويطالب) المدعي حينئذ (بكفيل إذا أخذ العبد) أو الفرس أو غيرهما ليحمله
إلى بلد الشهود، لأنه لم يثبت بعد حقه، فلذي اليد الامتناع من التسليم إلا بكفيل،
فإن كان هو الذي أثبت استحقاقه له اقر عليه يده، وإلا استرد، وعليه مؤنته
والضمان حتى يرده.
(ولا يجب) عليه (شراؤه والمطالبة بضمين على الثمن) أو تسليم
الثمن إلى القاضي هناك حتى يظهر ثبوت دعواه فينفك الضمان أو يسترد الثمن، أو
يعجز عن إثباتها فيستحق ذو اليد الثمن، كما ذهب إليه بعض العامة (2) فإن الشراء



(1) نقله عن بعض في إيضاح الفوائد: ج 4 ص 360.
(2) الحاوي الكبير: ج 16 ص 304.
154
اعتراف بعدم الملك (و) لكن (يحتمل إلزامه بالقيمة) وتسليمها القاضي
هناك أو أمينا (للحيلولة) بين ذي اليد وملكه في الظاهر لكونه في يده. وقوله:
(في الحال) متعلق بالإلزام (ثم ترد إليه) القيمة (مع الثبوت).
(ولو أنكر) المدعى عليه غائبا أو حاضرا كون (مثل هذا العبد الموصوف)
مثلا (في يده، فعلى المدعي البينة على أنه في يده، فإن أقام أو حلف بعد
النكول حبسه) الحاكم (إلى أن يحضره ويخلد عليه الحبس إلى أن يحضره،
أو يدعي التلف فيقبل منه القيمة) وإذا حضره أعاد الشهود الشهادة على العين.
(ويقبل) منه (دعوى التلف) مع اليمين (للضرورة لئلا يخلد الحبس. وإن
حلف أنه ليس في يدي هذا العبد) مثلا (ولا بينة بطلت الدعوى) بالعين.
(وإذا علم المدعي أنه يحلف) على أنه ليس في يده (حول الدعوى
إلى القيمة. ولو قال: أدعي عبدا قيمته عشرة فإما أن يحضر العين أو القيمة
فالأقرب صحة هذه الدعوى وإن كانت مترددة) فإن أصل الدعوى على
العين ولا ترديد فيها، وإنما الترديد في الأداء، بل الأقرب أنه إن قال: إن لي عليه
عبدا قيمته عشرة، أو قيمة العبد، سمع أيضا، وإن كان ظاهر الترديد التعلق
بالمدعى. ويحتمل هنا العدم للترديد. والاحتمال في غاية الضعف.
(ولو أحضره) المدعى عليه (ولم يثبت الدعوى فعلى المدعي مؤنة
الإحضار ومؤنة الرد) لظهور أن الإحضار لم يكن بحق (وفي ضمان منفعة
العبد إشكال): من التفويت وهو الأقوى وخيرة المبسوط (1) والتحرير (2). ومن
أن الفوات بحكم الحاكم.
وإن تلفت العين بالنقل ضمن القيمة، فإن كان دفع القيمة للحيلولة فهل هي
المضمونة أو القيمة يوم التلف أو أعلى القيم؟ وجوه.



(1) المبسوط: ج 3 ص 332.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 150.
155
وإن كان اشتراها فهل يلزم العقد فلا يلزمه إلا الثمن، أولا فيلزمه القيمة وقت التلف
أو أعلى القيم؟ وجهان: من التراضي وهو الوجه، ومن أنه لم يكن للتمليك بل للمصلحة.
(الفصل الثالث في كتاب قاض إلى قاض)
(لا عبرة عندنا بالكتاب إجماعا) كما في الخلاف (1) والسرائر (2) (سواء
كان مختوما أو لا، وسواء قال القاضي لشاهدي الإنهاء: أشهدتكما على
أن ما في هذا الكتاب خطي أو لا) ويدل عليه الاعتبار، لأن الحكم لابد من
أن يناط بالعلم أو الظن الشرعي وليس في المكتوب شيء من ذلك، وقول
الباقر (عليه السلام) في خبري السكوني وطلحة بن زيد: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان لا يجيز
كتاب قاض في حد ولا غيره حتى وليت بنو أمية فأجازوا بالبينات (3).
قال في المختلف: وهذان الراويان وإن كان ضعيفين، إلا أن الرواية من
المشاهير فلا اعتبار حينئذ بالطعن في الراوي (4).
وأطلق أبو علي عدم جواز كتاب قاض إلى قاض في الحدود وجوازه في
حقوق الناس (5) للضرورة وحصول ظن ربما يكون أقوى مما يحصل بالبينة.
ويمكن تنزيله على ما سنذكره ورفع الخلاف.
(وكذا) لا عبرة به (لو قال) القاضي لقاض آخر أو لشاهدي الإنهاء:
(إن ما في الكتاب حكمي ما لم يفصل) فإذا فصل أمضاه القاضي الآخر لا
من جهة الكتاب بل من جهة العلم بحكمه بقوله أو بالبينة.
(ولو قال المقر: اشهد علي بما في هذه القبالة وأنا عالم به، فالأقرب
أنه إن حفظ الشاهد القبالة) عنده (أو) كتب (ما فيها) وحفظه عنده،



(1) الخلاف: ج 6 ص 224، المسألة 20.
(2) السرائر: ج 2 ص 176.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 218 ب 28 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1 وذيله.
(4) مختلف الشيعة: ج 8 ص 429.
(5) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 428.
156
وبالجملة فعل ما يأمن معه التغيير (وشهد على إقراره) بما فيها إجمالا وتفصيلا
(جاز، لصحة الإقرار بالمجهول) والشهادة به، فهنا أولى، لأنه ميز بوجه يمتاز
به عما عداه إذا لوحظ وأقر بعلمه به مفصلا. وبالجملة: فقد أقر كامل على نفسه
إقرارا صحيحا وأمن الشاهد التغيير، فوجد المقتضي للشهادة وانتفى المانع.
ويحتمل العدم بجهل الشاهد بما فيه حين التحمل وقد قال تعالى: " ولا تقف
ما ليس لك به علم " (1). وقال: " إلا من شهد بالحق وهم يعلمون " (2). وقال
النبي (صلى الله عليه وآله): على مثل الشمس فاشهد وإلا فدع (3). وهو اختيار الشيخ (4) وابن
إدريس (5) وتردد في التحرير (6). وفي جامع الشرائع: إشهاد الشخص على نفسه
في الأملاك والوصايا على كتاب مدرج لا يصح إجماعا (7).
وعلى ما اختاره هنا فالفرق بينه وبين قول الحاكم: " أن ما في الكتاب
حكمي " ظاهر، فإنه ليس من الإقرار في شيء، وإنما هو إخبار بفعل نفسه، فليس
لهما إلا أن يشهدا بذلك لا بنفس الفعل الذي هو الحكم.
(ولو شهدت البينة بالحكم وأشهدهما الحاكم على حكمه فالأقرب)
وفاقا للأكثر (إنفاذ) القاضي (الثاني) حكمه ذلك; لأنه قاض منصوب شرعا
أنفذ الشارع حكمه، و (للحاجة إلى الإثبات) للحقوق (في البلاد البعيدة)
عن الشهود (وتعذر حمل شهود الأصل) إليها، فلو لم ينفذ حكم قاضي بلد
الشهود تعذر إثبات الحق (ولخوف الاندراس) وبطلان الحجج بتطاول المدد
(فإن) الحاكم بها إذا مات بطل حكمه، وإذا لم يسمع الشهادة على حكمه لم
يمكن إثبات ما فيها إلا بالشهادة على الوقوع، وبتطاول الزمان يفنى شهود الأصل



(1) الإسراء: 36.
(2) الزخرف: 86.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 250 ب 20 من أبواب الشهادات ح 3.
(4) المبسوط: ج 8 ص 124.
(5) السرائر: ج 2 ص 162.
(6) تحرير الأحكام: ج 5 ص 152.
(7) الجامع للشرائع: ص 530.
157
وفروعهم و (الشهادة الثالثة) فما فوقها (لا تسمع، ولأنه لو أقر أن حاكما
حكم عليه) بكذا (أنفذه الثاني) أخذا بإقراره (و) يقتضي ذلك الإنفاذ إذا
ثبت بالبينة فإن (البينة تثبت ما يقر به المقر به لو جحد) ولأن المنع من
إنفاذه يؤدي إلى استمرار الخصومة بالرفع إلى حاكم آخر وهكذا.
(و) أما ما تمسك به جماعة من أصحابنا في المنع من الإنفاذ من (النص (1)
المانع من العمل بكتاب قاض إلى قاض) فإنما (يتناول ما منعناه أولا) وأما
الذي سوغناه فليس من العمل بالكتاب في شيء (وإنما يثبت ما سوغناه في حقوق
الناس) لابتنائها على الاحتياط والتضيق والاحتراز عن أن يضيع (دون الحدود
وغيرها من حقوقه تعالى) لابتنائها على التحقيق، واندفاعها بالشبهات.
وإنما يثبت (بشرط أن يحضر شاهدا الإنهاء خصومة الغريمين،
ويسمعا حكم الحاكم بينهما، ويشهدهما على حكمه) بل وإن لم يشهدهما
عليه، ولعله إنما اشترطه احتياطا (فإذا شهدا عند الثاني أنفذ ما حكم به
الأول، لا أنه يحكم بصحته) لأنه لم يبحث عن منشأه وربما كان خطأ أو
مخالفا لاجتهاده (بل الفائدة قطع الخصومة لو عاود الخصمان المنازعة)
وعدم استماعه لكلامهما، بناء على قطع الحاكم الأول الخصومة بينهما، والأصل
والظاهر منه أنه قطعها بحق.
(ولو لم يحضرا الخصومة وحكى) الحاكم (لهما الدعوى والحكم
وأشهدهما عليه، ففيه نظر أقربه القبول) وفاقا للمحقق (2) اعتمادا عليه (في
إخباره كحكمه) فإن الاعتماد على حكمه لعدالته واستجماعه شرائط القضاء،
والعدالة تقتضي تصديقه في إخباره، وأيضا فإن قوله عند الحاكم: " حكمت "
بمنزلة الإخبار بثبوت الحق مثلا. ويحتمل العدم اقتصارا فيما خالف الأصل -



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 218 ب 28 من أبواب كيفية الحكم.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 98.
158
لكونه اتباعا لغير معلوم - على موضع اليقين والاحتياط التام.
(ولو) لم يكن خصومة ولا حضور غريمين بأن (كانت الدعوى على غائب
فسمعها الشاهدان وإقامة البينة والحكم، ثم أشهدهما الحاكم به) بل وإن لم
يشهدهما كما عرفت (أنفذها الثاني أيضا) إلا أن يحضر عنده الغائب وكانت له
حجة تعارض مناط الحكم، كما أنه إذا حضر عند الحاكم الأول كان على حجته.
(ولو أخبر الحاكم آخر بأنه حكم) وهو حاكم لم يعزل (فالقبول
أرجح) لما عرفت. ويحتمل العدم لما مر.
(ولو أخبر بأنه ثبت عنده، أو شهد الشاهدان بالثبوت لم يفد شيئا)
إذ ليس لحاكم أن يحكم بالثبوت عند غيره.
(وإذا أراد) أي شاهد إنهاء الحكم (إقامة البينة بالحكم عند الثاني
حكيا ما شهداه من الخصومة، وما سمعاه من الحاكم) إن حضراه حين
الحكم (وقالا أشهدنا على حكمه وإمضائه) إن شرطنا الإشهاد. (ولو قرئ
عليهما الكتاب فقالا: أشهدنا) أو شهدنا (أنه حكم بذلك جاز) ولا يجوز
إذا شهدا بما في الكتاب مجملا. خلافا لبعض العامة (1).
(ويجب أن يضبط الشاهدان ما شهدا به) بجميع أجزائه من الخصمين
والحقوق والحكم. (فإن اشتبه على الثاني) شيء من ذلك لعدم ضبطهما (لم
يحكم إلا بعد الوضوح).
(وللشاهد على الحكم أن يشهد عند المكتوب إليه وعند غيره وإن لم
يكتب القاضي في كتابه) ولا شافههما بالإنهاء (إلى من يصل إليه)
الشاهدان (من القضاة) وبالجملة: وإن لم يعمم لهما الإذن في الشهادة عند كل
قاض لعدم اشتراط الشهادة بالإذن. وربما كان فيه إشارة إلى جواز التعميم في



(1) انظر المغني لابن قدامة: ج 11 ص 470.
159
الكتاب. ومن العامة من لم يجوزه إلا بعد تعيين واحد (1) كأن يكتب إلى فلان وكل
من يصل إليه الكتاب (أو مات الكاتب أو المكتوب إليه) فإن العبرة بالحكم
دون الكتاب أو حياة الحاكم.
(ولو تغيرت حال الأول بعزل أو موت لم يقدح في العمل بحكمه) لعموم
الدليل، سواء سبق التغير على خروج الكتاب من يده أو لا. وللعامة قول بالقدح (2).
وآخر به إن سبق على الخروج. (ولو تغيرت) حال الأول (بفسق لم يعمل
بحكمه) إذا علم الثاني فسقه وإن تأخر عن حكمه. والفرق بينه وبين الموت أن ظهور
الفسق دليل عدم قوة نفسه ومبالاته بالشرع (ويقر ما سبق إنفاذه) أي إنفاذ الحاكم
الثاني إياه (على زمان) ظهور (فسقه) بشرط أن يتأخر الفسق عن الحكم.
(أما المكتوب إليه فلا اعتبار بتغيره) بموت أو عزل أو فسق; لعدم
اختصاص الإنفاذ به عندنا وإن اختص به الكتاب (بل كل حاكم قامت بينة
الإنهاء عنده حكم) كتب إليه خصوصا أو عموما أم لا; لأن العبرة عندنا بثبوت
الحكم دون الكتاب. خلافا للعامة فإنهم لما اعتبروا الكتاب لم يجوزوا لغير
المكتوب إليه الإنفاذ، إلا إذا عم الكتاب فدخل في العموم (3).
(ويجب أن يذكر الشاهدان اسم المحكوم عليه وأبيه وجده وحليته)
وبالجملة: يصفاه (بحيث يتميز عن مشاركه) في الصفات المشتركة. وقد يفتقر
إلى تميز المحكوم له أيضا كذلك. (وذكره) بحيث يتميز عن غيره (في الكتاب
أيضا أحوط. فإن أقر المأخوذ أنه المحكوم عليه الزم، وإن أنكر فالقول
قوله مع اليمين إذا كانت الشهادة بوصف مشارك غالبا، إلا أن يقيم المدعي
البينة أنه الخصم) كأن يدعي المأخوذ أن له أخا سميا له فيقيم المدعي البينة
على انحصار ولد أبيه فيه. وإن لم يكن له بينة ونكل المأخوذ عن الحلف حلف



(1) الفتاوى الهندية: ج 3 ص 383.
(2) الحاوي الكبير: ج 16 ص 231.
(3) الحاوي الكبير: ج 16 ص 232.
160
المدعي. وإن قال: لا أحلف على أني لست المحكوم عليه ولكني أحلف على أن
ليس لفلان علي شيء، فهل يجاب إليه؟ وجهان، أوجههما العدم كما سيأتي.
(ولو كان الوصف) المشهود به مما (يتعذر مشاركته فيه إلا نادرا لم يلتفت
إليه) أي إنكاره (لأنه خلاف الظاهر. و) لكن (لو أظهر من يشاركه في
الصفات اندفع الحكم عنه، إلا أن يقيم المدعي البينة أنه الخصم) وإن كانت
البينة هما الشاهدين الأولين، بأن يذكرا بعد إظهار المشارك صفة يخص الأول.
(وإن أنكر كونه مسمى بذلك الاسم) المشهود به مثلا، وبالجملة أنكر
صفة من الصفات المشهود بها (فإن أقام المدعي بينة حكم عليه، وإلا حلف
وانصرف القضاء عنه. وإن نكل حلف المدعي وألزمه (1). ولو لم يحلف
على نفي الاسم، بل على أنه لا يلزمه شيء لم يقبل) لأنه غير ما فيه
الخصومة. ويحتمل القبول، لأنه لازمه.
(ولو قصر القاضي فكتب اسم المقر) والمشهود عليه (واسم أبيه
خاصة، فأقر رجل أنه يسمى باسمه، وأن أباه مسمى باسم أبيه (2) وأنه
المعنى بالكتاب، ولكن أنكر الحق، فالوجه أنه يلزمه) الحق لأخذه بإقراره
(على إشكال ينشأ: من) إقراره بأنه المعني، ومن أنه لم يقر بأنه المحكوم
عليه، مع (أن القضاء المبهم في نفسه غير ملزم) وقد يكون في نفسه مبهما
كما أبهم في الكتاب، وقطع به في التحرير (3).
(ولو ادعى أن في البلد مساويا له في الاسم والوصف، كلف إظهاره
فإن كان حيا سئل، فإن اعترف أنه الغريم، أطلق الأول) والزم هو الحق، وإن
ادعى المحكوم له أن غريمه الأول فعليه الإثبات (وإن أنكر وقف الحكم حتى
ينكشف الغريم منهما) فعلى المحكوم له التعيين بالبينة المميزة، فإن لم يتعين



(1) في القواعد: والزم.
(2) في القواعد: باسمه.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 152.
161
كتب إلى القاضي الأول ما حصل من الاشتباه فتعين هو أحدهما بما يميز عن
الآخر إن ثبت عنده المميز، وإلا وقف الحكم حتى يتعين بإقرار أو بينة أو نكول.
(وإن كان الذي) أظهره (ميتا وشهدت الحال ببراءته إما لتأخر تاريخ
الحق عن موته، أو لأن الغريم لم يعاصره) (أو لغير ذلك لم يلتفت إليه وإلا
وقف) الحكم (حتى يظهر الأمر) كما في الحي، سواء صدر الحكم قبل وفاته أو
بعده. وقيل: لو وقع بعده لم يلتفت إليه، لأن الظاهر الانصراف إلى الحي. وهو ممنوع،
إلا إذا كان في الكتاب قرينة على ذلك وكان من المعلوم علم الحاكم بموته حين الحكم.
(ولو اقتصر الحاكم على سماع البينة لم يحكم الثاني وإن كانت) البينة
(عادلة عنده) أي الثاني، لما عرفت من أنه لا يجوز الحكم بالثبوت عند الغير.
(ولو قال الخصم: أنا أجرح شاهدي الأصل أو) شاهدي (الإنهاء في
بلادهم لم يمكن) من الامتناع عن الخروج عن الحق إلى الجرح (بل) يكلف
بأن (يسلم المال. ثم إن أظهر الجرح استرد) ولم يكن له التكفيل. نعم إن
ادعى الجرح للقاضي في هذا البلد أجل ثلاثا.
* * *

162
(المقصد السادس)
(في القسمة)
وذكرها في القضاء لأنها ينشأ من نزاع المتشاركين، ولأنه لابد للقاضي من
قسام (وفيه فصول) خمسة:
(الأول في حقيقة القسمة)
(القسمة تمييز أحد النصيبين) أو الأنصباء (عن الآخر وإفراد الحق
عن غيره) وهي مشروعة بالنصوص والإجماع. (وليست بيعا) عندنا، خلافا
لبعض العامة (1) (وإن تضمنت ردا) خلافا لآخرين منهم (2). ومنهم من نفى فيه
الخلاف في أنه بيع (3) (فيجوز قسمة الثمار خرصا، والمكيل وزنا،
وبالعكس. ولا تصح إلا باتفاق الشركاء) مع الضرر، وإلا فبإذن من يريد
القسمة منهم، أو يكون هو الذي يفرز نصيبه.
(وإذا سأل الشركاء) في الظاهر (من الحاكم القسمة أجابهم) إليها (وإن
لم يثبت عنده الملك لهم) إذا لم يظهر لهم حينئذ منازع (على رأي) وفاقا للشيخ (4)
والمحقق (5) وظاهر الخلاف (6) الاتفاق عليه، وذلك، لأن ظاهر اليد الملك ولا منازع،



(1) المجموع: ج 20 ص 172.
(2) المجموع: ج 20 ص 173.
(3) انظر الحاوي الكبير: ج 16 ص 257.
(4) المبسوط: ج 8 ص 147 - 148.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 102.
(6) الخلاف: ج 6 ص 232، المسألة 30.
163
ولا يلزم من القسمة الحكم بالملك بل يكتب في كتاب القسمة أنها وقعت بقبولهما.
وقال أبو علي: لو تنازع المدعون للأرض على سهامهم ثم سألوا الحاكم القسمة
بينهم لم أختر للحاكم ذلك إلا أن يثبت عنده البينة بملكهم أو ميراثهم عن مالكها، فإن
رأى الحاكم أن يقسمها بينهم لم يفعل ذلك حتى يشيع أمرها بين جيرانها، وينتظر
مدة يمكن معها أن يحضره مدع لها أو لبعضها إن كان مالكها، فإذا قسمها لم يستحل
بالقسمة إلا أن يذكر الحال وأنه لم يثبت عنده تملكهم إياهم ولا أعلم لهم منازعا،
لئلا يكون ذلك حكما منه بالملك لهم فيلزم من بعده إنفاذه (1) انتهى. وهو موافق لما
قلناه، لكن في الشرائع عن المبسوط: القول بالمنع (2) وعبارته هنا صريحة في الجواز.
و (سواء كان) الملك (عقارا) أو غيره وسواء (نسبوه إلى ميراث أو غيره)
وقال أبو حنيفة: إن كان مما ينقل قسمه وإلا فإن ادعوا الإرث لم يقسمه وإلا قسمه (3).
(وإذا سألها) أي القسمة (بعضهم أجبر الممتنع عليها مع انتفاء الضرر
بالقسمة) وسيأتي معناه، وإمكان تعديل السهام من غير شيء يجعل معها اتفاقا
كما يظهر، لأن لكل مالك ولاية الانتفاع بملكه والاستبداد به أكمل نفعا
(وتسمى) هذه القسمة (قسمة إجبار) لإجبار الممتنع عليها (وشروطها
ثلاثة: أن يثبت الملك عند الحاكم أو يصدق الشريك عليه، وانتفاء الضرر)
بالقسمة (وإمكان تعديل السهام من غير شيء يجعل معها) سواء تساوت
الأجزاء فلم يفتقر التعديل إلا إلى الإفراد أو لا كما ستسمع التفصيل.
(ولو تضمنت ردا لم يجبر الممتنع عليها) لاشتمالها على معاوضة فلا يصح
إلا بالتراضي (وتسمى قسمة تراض) لتوقفها على التراضي (كأرض قيمتها مائة
فيها بئر) أو شجرة (تساوي مائتين) ولما لم يمكن قسمة البئر والشجرة (احتاج
من يكون نصيبه الأرض إلى أخذ خمسين من صاحبه) عوضا عما له من البئر أو



(1) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 437.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 102.
(3) الحاوي الكبير: ج 16 ص 271.
164
الشجرة (ويكون) القسمة (بتعديل السهام) عن التفصيل الآتي (والقرعة)
لتخصيص كل بقسم كما سيأتي تفصيلها إلا إذا تراضوا بالتخير بلا قرعة.
(ولو أراد أحدهم التخير) لما يريده من السهام بلا قرعة (لم يجب
القسمة، ولا يجبر الممتنع) منها (عليها) لتعلق حق الكل بكل جزء ولا يزول
إلا بالتراضي أو القرعة، وجواز تعلق الغرض منهم أو من بعضهم بجزء بعينه.
(وإن اشتملت القسمة على ضرر) فاحش على الكل (كالجواهر
والعضايد الضيقة والسيف والسكين) وحجر الرحى (وشبهه) وما يتلف
بالقسمة من العبد ونحوه (لم يجز قسمته ولو اتفق الشركاء عليها) ما لم
يتعلق بها غرض أهم من الإبقاء، لأنها إضاعة للمال بلا مسوغ لها شرعا فهي سفه،
قطع بذلك في شركة المبسوط (1) والسرائر (2). وفي التحرير إنما منع منها إذا أدت
إلى تلف العين (3). وفي معناه ما في المختلف من بطلان الانتفاع بالكلية (4)
وسيحكي عبارته في وجه الفرق بين هذا الضرر والضرر بنقص القيمة.
(ولو طلب أحد الشريكين المهاياة من غير قسمة إما في الأجزاء
كأن يسكن أو يزرع هذا) الجزء (المعين والآخر الباقي، أو في الزمان)
كأن يسكنه شهرا والآخر شهرا (لم يجبر الممتنع) للتساوي في الاستحقاق،
ولكونها بمنزلة معاوضة فلابد من التراضي، ولأن المهاياة لا يلزم فكيف يجبر
عليها، ولأنها تعجيل حق أحدهما وتأخير حق الآخر (سواء كان مما يصح
قسمته) وحكى عليه الإجماع في الإيضاح (5) (أو لا، على إشكال) مما مر
وهو الأقوى، ومن أن فيها قطعا للنزاع ولا يلزم أحدا منها بيع حصته ولا إجارته
فربما انحصر دفع النزاع فيها (ولو اتفقا) عليها (جاز) بلا إشكال (ولا تلزم



(1) المبسوط: ج 2 ص 344.
(2) السرائر: ج 2 ص 398.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 218.
(4) مختلف الشيعة: ج 8 ص 432.
(5) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 368.
165
بل لكل منهما الرجوع) بعد استيفاء نوبته ونوبة صاحبه أو قبله ولكن إذا رجع
أحدهما بعد استيفاء مدته فعليه عوض ما استوفاه للآخر، كما سيأتي.
(الفصل الثاني في القاسم)
(وعلى الإمام) أدبا لا وجوبا (أن ينصب قاسما للحاجة إليه) كثيرا
(ويشترط فيه: البلوغ والعقل والإيمان والعدالة) لأنه أمين الإمام ولا أمانة
لمن لم يستجمعها (ومعرفة الحساب) لافتقار القسمة إليه غالبا (و) له أن
(يرزقه من بيت المال) لأنه عمل غير واجب عليه فيه مصلحة للمسلمين
(كما كان لعلي (عليه السلام)) قاسم اسمه عبد الله بن يحيى كان يرزقه من بيت المال (1)
(ولا يشترط فيه الحرية) عندنا بل يجوز أن يكون عبدا إذا استجمع الشرائط
وإذن المولى، خلافا لبعض العامة (2).
(ولو اتفق الشركاء على قاسم غيره) أي قاسم الإمام (جاز) نعم لا
يقسم قسمة الإجبار غيره (ولا يشترط فيه شيء مما تقدم سوى التكليف،
فيجوز لو كان فاسقا) لأنه وكيل لهم (أو كافرا) وفاقا للمحقق (3). وقيل: لا،
لأنه ركون إليه (4) (بل لو تراضوا على القسمة بأنفسهم من غير قاسم أصلا
جاز) لأن لهم التصرف في ملكهم كيف شاؤوا.
(ثم القاسم إن كان من قبل الإمام مضت قسمته بنفس القرعة بعد
التعديل لأن قرعة قاسم الحاكم بمنزلة حكمه، ولا يعتبر رضاهما بعدها)
كما لا يعتبر بعد حكمه.
(وإن نصباه وكان بشرائط صفة قاسم الحاكم أو لا، أو اقتسماه
بأنفسهما من غير قاسم يقف اللزوم على الرضا بعد القرعة) على ما في



(1) رواه الشيخ في المبسوط: ج 8 ص 133.
(2) المجموع: ج 20 ص 172.
(3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 100.
(4) مسالك الأفهام: ج 14 ص 25.
166
المبسوط (1) استصحابا للشركة فإن القرعة ليست قسمة ولا موجبا لها (وفيه نظر،
من حيث إن القرعة) في الشرع (سبب التعيين) وتخصيص كل سهم بصاحبه
فهي بمنزلة القسمة (وقد وجدت مع الرضاء) بها.
(ولو تراضيا على أن يأخذ أحدهما قسما بعينه والآخر الآخر من
غير قرعة جاز) فإن لهما التصرف في ملكهما كيف شاءا.
(وإذا لم يكن رد أجزء القاسم الواحد) عندنا فإنه وكيل الحاكم كسائر
الامناء. وعن بعض العامة (2) اعتبار التعدد (وإلا وجب اثنان، لأنها تتضمن
التقويم ولا يكفي فيه الواحد) إن لم يرضيا به (ولو رضي الشريك) بتقويم
الواحد (لم يجب الثاني) وهو ظاهر.
(وليس للقاضي أن يقضي بالتقويم باعتقاده) وبصيرة نفسه (لأنه
تخمين) مجرد وإن كان يقضي بعلمه (ويحكم بالعدالة باعتقاده) لحصول العلم
العادي بها أو الظن المتاخم له المعتبر شرعا، وفيه مبالغة في الرد على من بنى تقويمه
بنفسه على القضاء بعلمه، فإنه فرق بينه وبين القضاء بالعدالة فضلا عن القضاء بالعلم.
(وأجرة القاسم) المنصوب من الحاكم (من بيت المال) كما عرفت (فإن
لم يكن إمام أو ضاق بيت المال عنه) ولو لوجود أهم منه من سد ثغر أو
تجهيز جيش أو نحوه (فالأجرة على المتقاسمين) فإن عينوها فالمسمى وإلا
فاجرة المثل (فإن استأجره كل منهما بأجرة معلومة ليقسم نصيبه جاز، وإن
استأجروه جميعا في عقد) واحد (بأجرة معينة ولم يعينوا نصيب كل واحد
من الأجرة لزمتهم الأجرة بالحصص) دون الرؤوس وفاقا للشيخ (3) والمحقق (4).
قال في الخلاف: دليلنا أنا لو راعيناها على قدر الرؤوس ربما أفضى إلى ذهاب
المال، لأن القرية يمكن أن يكون بينهما لأحدهما عشر العشر سهم من مائة سهم



(1) المبسوط: ج 8 ص 148.
(2) الحاوي الكبير: ج 16 ص 247.
(3) المبسوط: ج 8 ص 135.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 101.
167
والباقي للآخر ويحتاج إلى أجرة عشرة دنانير على قسمتها فيلزم من له الأقل
نصف العشرة وربما لا يساوي سهمه دينارا فيذهب جميع المال وهذا ضرر، والقسمة
وضعت لإزالة الضرر فلا يزال بضرر أعظم منه (1) انتهى. ولأن الأجرة يزيد بزيادة
العمل، والعمل يزيد بزيادة المعمول، فكل من كانت حصته أزيد فالعمل له أزيد،
كمن يسقي جريبين من الأرض فعمله أزيد ممن يسقي جريبا وإن تحمل المشقة
أكثر. وكمن رد عبدا قيمته مائة فعمله أزيد ممن رد عبدا قيمته خمسون.
(ويحتمل التساوي) والاعتبار بعدد الرؤوس (للتساوي في العمل)
فإنه ليس إلا إفرازا أو حسابا ومساحة والكل مشترك فيها، بل قد يكون الحساب
في الأقل أغمض وقلة النصيب يوجب كثرة العمل، لوقوع القسمة بحسب أقل
الأنصباء فإن لم يجب على الأقل نصيبا من الأجرة أزيد فلا أقل من التساوي
(ويضعف بالحافظ) فإنه إذا حفظ الملك المشترك كانت له الأجرة عليهم
بالحصص دون الرؤوس مع التساوي في العمل، فعلم أن العمدة في التساوي
وعدمه ما أشرنا إليه.
(والأجرة عليهما وإن كان الطالب) للقسمة (أحدهما) ولكن رضي
الآخر بها فإنه عمل لهما برضاهما عملا له أجرة بأمر الشارع. خلافا لأبي حنيفة (2)
وأحد وجهي الشافعية (3) فلم يوجبوها على غير الطالب.
ثم إن لم يعين له أجرة فعليهما أجرة المثل وإن عينت فلا يجوز التعيين إلا
برضاء الشركاء لحرمة تردد الأجير في الملك المشترك بدون الإذن وإن لم يعين
إلا أحدهم أجرة حصته فعلى من عين المسمى وعلى غيره أجرة المثل.
وباشتراط رضاء الكل دفع إشكال أورد على استئجار الشركاء له بعقود
مترتبة فإنه إذا استأجره أحد الشريكين لإفراز نصيبه لزمه إفراز نصيب الآخر فلا



(1) الخلاف: ج 6 ص 229، ذيل المسألة 26.
(2) المغني لابن قدامة: ج 11 ص 507.
(3) انظر الحاوي الكبير: ج 16 ص 246.
168
يصح استئجار الآخر، لأنه استئجار له على ما وجب واستحق عليه لغيره. وكذا إذا
استأجره شريكان من ثلاثة لزمه إفراز حصة الثالث وهكذا.
وحاصل الدفع عدم استقلال أحد منهم بالاستئجار وإيجاب الإفراز على ذمة
الأجير. والحق عدم الاندفاع.
(الفصل الثالث في متعلق القسمة)
(المقسوم إن كان متساوي الأجزاء كالحبوب والأدهان وغيرهما مما
له مثل صحت قسمته قسمة إجبار) لانتفاء الرد والضرر (سواء كان جامدا
كالحبوب والثمار أو مائعا كالدهن والعسل والسمن) خلافا لبعض العامة في
المائع الذي مسته النار للعقد كالدبس والرب، لا للتصفية كالعسل والسمن بناء
على أنه لا يجوز بيع ذلك بعضه ببعض ولو مثلا بمثل وكون القسمة بيعا (1).
(ولو تعددت الأجناس) المشترك فيها (فطلب أحدهما قسمة كل
نوع على حدته أجبر الممتنع، وإن طلب قسمتها أنواعا بالقيمة لم يجبر)
لتعلق الغرض غالبا بالعين، ولأنه قسم من قسمة الرد.
(ويقسم) المتساوي الأجزاء (كيلا ووزنا) و (متساويا ومتفاوتا ربويا
كان أو غيره) بل لو اقتسماه ولم يعلما قدر كل من القسمين لكن تراضيا على أن
يأخذ أحدهما أحدهما والآخر الآخر جاز، لأن القسمة عندنا تميز حق لا بيع.
(وإن كان مختلف الأجزاء كالأشجار والعقار والحيوان والأواني والجواهر
وغيرها، فإن تضرر الشركاء بأجمعهم) بالقسمة (لم يصح القسمة) وإن
تراضوا بها كما مر (ولا يجبر الممتنع عليها) لانتفاء الضرر والحرج في الدين،
خلافا لمالك (2) (وإن استضر) بها (بعضهم فإن كان الطالب هو المتضرر



(1) انظر المجموع: ج 20 ص 173.
(2) الحاوي الكبير: ج 16 ص 251.
169
أجبر الممتنع) عليها وفاقا للخلاف قال: لأنه لا ضرر عليه والطالب قد رضي
بدخول الضرر عليه فيجب أن يجبر عليه (1) وخلافا للمبسوط (2) لأنه كما لو
استضر الكل بها فرضوا، وهو الموافق لما مر في الكتاب من الإطلاق.
قال في المختلف: والمعتمد أن نقول: إن فسرنا الضرر ببطلان الانتفاع بالكلية لم
يجبر الممتنع عليها ولايجاب الطالب إليها، لما فيها من إضاعة ماله، وقد نهى النبي (صلى الله عليه وآله)
عنه، وإن فسرناه بما اخترناه من نقصان القيمة فالوجه إجبار الممتنع لانتفاء الضرر في
حقه. قال: لا يقال: ما ذكرتم من الدليل في بطلان الانتفاع عائد في نقصه، لأنا نقول:
نمنع من عوده لأن للإنسان التصرف في ماله بما يعود نفعه إليه وإن اشتمل على نقص
قيمته بل على إبطالها لما اشتملت عليه من النفع وإفراز حق واحد من الشريكين
وتفرده عن صاحبه أعظم نفعا له من الشركة فجاز تحمل النقص لأجله (3) انتهى.
(وإلا) يكن الطالب هو المتضرر بل بالعكس (فلا) يجبر الممتنع، وفي
شفعة المبسوط الإجبار (4).
(وإن انتفى الضرر عن الجميع وجب القسمة مع طلب بعضهم) لها
(واجبر) عليها (الممتنع) ما لم يتضمن ردا كما عرفت.
(ويحصل الضرر المانع من الإجبار بنقصان القيمة) وفاقا للمحقق (5)
لعموم " لا ضرر ولا ضرار " وهو أحد وجهي المبسوط (6) والخلاف (7) (وقيل)
في كل منهما في وجه آخر: إنما يحصل (بعدم الانتفاع بالنصيب) واعتبر
يحيى بن سعيد نقصان الانتفاع به دون القيمة (8). ولعله أقرب، فإن القيمة إنما تعتبر
إذا أريد البيع، وهو معنى ما قيل: من عدم الانتفاع به فيما كان ينتفع به مع الشركة.



(1) الخلاف: ج 6 ص 230، المسألة 28.
(2) المبسوط: ج 8 ص 136.
(3) مختلف الشيعة: ج 8 ص 432.
(4) المبسوط: ج 3 ص 119.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 101.
(6) المبسوط: ج 8 ص 135.
(7) الخلاف: ج 6 ص 229، المسألة 27.
(8) الجامع للشرائع: ص 531.
170
(وإذا لم يتضمن القسمة ردا) ولا ضررا (أجبر الممتنع عليها، وإن
تضمنت لم يجبر) لما عرفت.
(والثوب إن نقص بالقطع) قيمته (لم يقسم قسمة إجبار) على المختار
(وإن لم ينقص وجب) كالكرباس الغليظ الذي يباع بالأذرع ولا يتفاوت
القيمة بالاتصال والانفصال. قال في المبسوط: وهذا يدل على أن الضرر هو
نقصان القيمة دون عدم الانتفاع (1).
(ولو تعددت الثياب، فإن اتحد الجنس قسمت بالتعديل قسمة
إجبار) كما يقسم متساوي الأجزاء من الحبوب ونحوها، لانتفاء الرد والضرر
ولاتفاق الأعيان في الجنس. وللعامة قول بعدم الإجبار، لأنها أعيان مضمونة
بالقيمة كالدارين (2). قال في المبسوط: والأول أصح، لأن اختلاف قيمة هذا
الجنس ليس بأكثر من اختلاف قيمة أجزاء البيت الكبيرة والقرية، وهذا الاختلاف
لا يمنع من الإجبار على القسمة، قال: ويفارق الدارين لأن كل واحدة منهما
يمكن إفرازها بالقسمة وليس كذلك هاهنا، لأنه لا يمكن قسمة كل واحد على
الانفراد فلهذا قسم بعضه في بعض (3) انتهى.
(وإن اختلف ولم يمكن قسمة كل ثوب على حدته لم تجب) القسمة
لا قسمة كل على حدته ولا بعضها في بعض بالتعديل، لاشتمالها على الرد.
(والعبيد) وسائر الحيوانات (يقسم بالتعديل قسمة إجبار) كما في
المبسوط (4) والشرائع (5) (على إشكال): من اتحاد الجنس وانتفاء الضرر كالثياب
وما ورد من تجزية النبي (صلى الله عليه وآله) عبيد الأنصاري الذي أعتقهم في مرضه ثلاثة
أجزاء (6) وما بينهم من الاختلاف ليس بأكثر مما بين أجزاء دار كبيرة أو بستان أو
قرية، ومن الاختلاف الشديد بين أفراد الحيوانات واختلاف الأغراض باختلافها



(1 و 3 و 4) المبسوط: ج 8 ص 147.
(2) المجموع: ج 20 ص 176.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 102.
(6) سنن البيهقي: ج 10 ص 285.
171
والتجزئة التي فعلها النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن منها بد لوقوع العتق وعدم نفوذه في الكل.
(ولا يصح قسمة الوقف) بين أربابه لأنه كان كالتغيير لشرط الواقف، و
(لعدم انحصار المستحق في القاسم) أي في أربابه الذين يقسمونه، لأنه
عليهم وعلى من بعدهم (وإن تغاير الواقف) مع تغاير الموقوف عليه أو بدونه
كأن يقف أحد الشريكين في هذا البستان حصته على زيد وأولاده والآخر حصته
عليهم أو على عمرو وأولاده.
قال في التحرير: ولو أشرف على الهلاك واقتضت المصلحة قسمته فالوجه
الجواز كما أجزنا البيع حينئذ. قال: ولو قيل: بقسمة الوقف بعضه من بعض مطلقا
أمكن، إذ القسمة ليست بيعا. والأقرب عدم جوازها، إذا البطن الثاني يأخذ الوقف
من الواقف ولا يلزمه ما فعل البطن الأول. ولو تعدد الواقف والموقوف عليه
فالأقرب جواز القسمة (1) انتهى.
(ولو كان بعض الملك طلقا صحت قسمته مع الوقف وإن اتحد
المالك) مع الواقف أو الموقوف عليه إلا على رأي من رأى من العامة أن القسمة
بيع، لأن الوقف لا يباع (2).
(ولو تضمنت) قسمة الطلق مع الوقف (ردا جاز من صاحب الوقف)
أي الموقوف عليه (خاصة) لأنه معاوضة لا يصح في الوقف (فإن كان) الرد
(في مقابلة الوصف فالجميع) الذي أفرزه الموقوف عليه (وقف) وإن كان
في مقابله بناء أو شجر أو نحوهما فالوقف غير ما بإزائه الرد.
(والقناة والحمام و) نحوهما من (ما لا يقبل القسمة يجري فيها
المهاياة) بالزمان (ولا يلزم) كما مر (فإن رجع) أحدهما (بعد استيفاء
نوبته غرم قيمة ما استوفاه) من منفعة المدة، وأما إذا رجع بعد استيفاء صاحب



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 223.
(2) المغني لابن قدامة: ج 11 ص 492.
172
نوبته فلا شيء له عوضا عما استوفاه إلا بالتراضي.
(ولا) يجب أن (يباع المشترك مع التنازع وعدم إمكان القسمة وانتفاء
المهاياة) بل يترك حتى يصطلح الشركاء، لأصلي عدم الوجوب وعدم صحة البيع
عليهم. وللعامة وجه بالبيع عليهم (1). وآخر بالإجارة وتوزيع الأجرة عليهم (2).
(ولو ساوى أحد العبدين) المشتركين (ألفا والآخر ستمائة فإن رد
آخذ الجيد) على الآخر (مائتين تساويا ولا إجبار) لأحد منهما على هذه
القسمة للاشتمال على الرد (ولو انفرد أحدهما بالردي) منهما (وخمس الجيد
ليزول الشركة على أحد العبدين استويا لكن الأقرب أنه لا يجبر عليه)
وإن قلنا بالإجبار إذا أمكن قسمة الجيد بالتعديل (لأن أصل الشركة) هنا (قائم)
فلا قسمة حقيقة ليقال بالإجبار. (ويحتمل أن يكون كقسمة التعديل) فإن
قلنا بالإجبار فيها في العبيد قلنا به هنا، لما أنه أيضا قسمة ولكن ناقصة.
(الفصل الرابع في كيفية القسمة)
(القسمة قد تكون قسمة إجبار، وقد تكون قسمة تراض، وقد مضى
تفسيرهما. وقسمة الإجبار ما يمكن التعديل فيها من غير رد) ولا ضرر
(وأقسامها أربعة: أن تتساوى السهام) في المقدار (وتتساوى أجزاء المقسوم)
في القيمة (أو تختلفا، أو تختلف السهام وتتساوى قيمة الأجزاء أو بالعكس).
(فالأول: كأرض متساوية الأجزاء في القيمة بين ستة لكل واحد
سدسها، وهذه تقسم ستة أجزاء بالمساحة ثم تقرع) إن تعاسروا (بأن
يكتب رقاع بعدد السهام متساوية ثم يتخير في إخراج الأسماء على
السهام أو بالعكس، فإن أخرج الأسماء على السهام كتب في كل رقعة اسم



(1) انظر المغني لابن قدامة: ج 11 ص 496.
(2) انظر المبسوط للسرخسي: ج 15 ص 25.
173
واحد من الشركاء ويجعل في بندقة من شمع أو طين) ولتكن البنادق
(متساوية ويقال لمن لم يحضر القسمة) - لأنه أبعد من التهمة وأسكن
لنفوس الشركاء - بعد وضع البنادق عنده: (أخرج بندقة على هذا السهم)
ويشير إلى جزء من الأجزاء الستة (فيكون) ذلك السهم (لمن خرج اسمه، ثم
أخرج اخرى على) سهم (آخر إلى أن ينتهي) وهو إذا بقي واحد فيتعين له
الباقي (وإن أخرج على الأسماء كتب في الرقاع أسماء السهام) اسم كل
بعلامة يميزه عن البواقي (فيكتب) مثلا (في رقعة) منها: (الأول مما يلي
جهة كذا، وفي اخرى: الثاني) وهكذا (إلى أن ينتهي، ثم) يجعل في بنادق
متساوية ويؤمر من لم يحضره القسمة بأن (يخرج رقعة) منها (على واحد)
منهم (بعينه فيكون له السهم الذي في الرقعة) ثم اخرى على آخر إلى أن
يبقى واحد فيتعين له الباقي.
(الثاني: أن يتفق السهام خاصة فيعدل الأرض بالقيمة ويجعل ستة
أسهم متساوية القيمة) مختلفة المساحة (ويفعل) في القرعة (كالأول).
(الثالث: أن يتساوى القيمة خاصة، كأرض متساوية الأجزاء في القيمة،
لواحد نصفها ولآخر ثلثها ولثالث سدسها، فإنها تقسم ستة أجزاء على قدر)
السهم (الأقل وتعدل بالأجزاء) لتساوي القيم (ويكتب ثلاث رقاع بأسمائهم،
ويجعل للسهام أول وثان) وهكذا (إلى الأخير، ويتخير في ذلك) أي
تعيين الأول (الشركاء، فإن تعاسروا عينه القاسم، ثم يخرج رقعة على السهم
الأول فإن خرجت لصاحب السدس أخذه) خاصة (ثم اخرج اخرى على
الثاني، فإن خرجت لصاحب الثلث أخذ الثاني والثالث وكانت الثلاثة الباقية
لصاحب النصف وإن خرجت) الرقعة (الثانية لصاحب النصف أخذ الثاني
والثالث والرابع، وكان الخامس والسادس لصاحب الثلث، وإن خرجت الأولى
لصاحب النصف أخذ الثلاثة الأول، ثم يخرج) الرقعة (الثانية على الرابع،

174
فإن خرجت لصاحب الثلث أخذه مع الخامس، وكان السادس لصاحب
السدس، وإن خرجت الثانية لصاحب السدس أخذه وأخذ الآخر الخامس
والسادس، وإن خرجت الأولى لصاحب الثلث أخذ الأول والثاني. ثم
يخرج الثانية على) السهم (الثالث، فإن خرجت لصاحب السدس أخذه
وأخذ الثالث الثلاثة الباقية، وإن خرجت الثانية لصاحب النصف أخذ الثالث
والرابع والخامس، وكان السادس للآخر (1)) وبالجملة: فلا يفرق بين السهام
للضرر، وإذا خرجت رقعة باسم من يستحق سهمين فصاعدا على أسهم استحقه مع
ما يليه من غير قرعة اخرى (و) لذلك (لا يفتقر إلى كتبه ستة رقاع) بعدد
السهام (لصاحب النصف ثلاث ولصاحب الثلث اثنتان ولصاحب السدس
واحدة، كما توهمه بعضهم) وجعله الشيخ في المبسوط أقوى من الأول (2)
(لعدم فائدته، فإن المقصود خروج صاحب النصف) ولا يختلف ذلك
باختلاف النصيب قلة وكثرة. واحتج الشيخ لما جعله أقوى بأن من كان سهمه أكثر
كان حظه أوفر وله مزية على صاحب الأقل، فإذا كتب لصاحب النصف مثلا ثلاث
رقاع كان خروج رقعته أسرع وأقرب، وإذا كتب له واحدة كان خروج رقعته
ورقعة صاحب السدس سواء (3). وعلى هذا فإذا خرجت رقعة لذي سهمين أو
السهام رفعت إليه سهامه وإذا خرجت له قرعة اخرى ألغيت.
(ولا يصح) في هذا القسم (أن يكتب رقاعا بأسماء السهام ويخرجها
على أسماء الشركاء) إلا بتراضيهم (لأدائه إلى التضرر بتفريق السهام، لأنه
قد يخرج السهم الثاني لصاحب السدس، فإذا خرجت الثانية باسم
صاحب النصف أو الثلث وفيها السهم الأول حصل الضرر) بل لم يكن بد
من أن يدخل السهم الأول في نصيب أحدهما.



(1) كذا، وفي القواعد: للأخير.
(2 و 3) المبسوط: ج 8 ص 138.
175
وزيد في المبسوط: أنه ربما خرجت رقعة صاحب النصف على السهم الثالث
أو الرابع فيكون معه له سهمان آخران، فلو قال: لي السهمان بعد الثالث قال شريكاه
بل هما قبل الثالث فيفضي إلى الخصومة، وموضع القسمة لرفع الخصومة (1).
وهنا وجوه للكتب بأسماء السهام لا يلزم معها التفريق لا يتم إلا بتراضي
الشركاء ومع التراضي لا بأس بالتفريق أيضا كما قدمنا.
(الرابع: أن يختلف السهام والقيمة، فيعدل السهام بالتقويم ويجعلها
على أقلهم نصيبا) ففي المثال المتقدم يجعلها (ستة أقسام متساوية القيمة
ثم يخرج الرقاع على أسماء السهام) كما في الثالث من غير فرق إلا أن
التعديل هنا بالقيمة وهناك بالمساحة المستلزمة للقيمة.
أما قسمة التراضي وهي التي يتضمن ردا في مقابلة بناء أو شجر أو بئر أو
وصف كالقرب من الماء أو السوق أو المسجد والارتفاع ونحو ذلك (فإنما يصح
مع رضى الجميع، وإذا اتفقا على الرد وعدلت السهام) وأقرع (قيل) في
المبسوط (2) والجامع (3): (لا يلزم بنفس القرعة) وجزم به في التحرير (4)
والإرشاد (5) (لتضمنها المعاوضة ولا يعلم) قبل القرعة (كل واحد) أي أحد
من الشركاء أو جميعهم فإنه لابد من علم المتعاوضين جميعا ولا يستلزم علم
بعضهم، فكأنه أشار به إلى أنه لابد من علم الجميع وهو هنا منتف وإن انتفى علم
أحد منهم أيضا (من يحصل له العوض) عما يبقى له من المشترك بعد القسمة
في نصيب الآخر، فالرضي بالقرعة ليس إلا رضى بالمعاوضة مجملا وهو لا يكفي
في صحتها ولا لزومها (فافتقر إلى الرضى بعد القرعة) وهو معنى قول الشيخ:
إن القرعة تفيد معرفة البائع منهما من المشتري، وقبل القرعة لا يعلم هذا، فإذا علم



(1 و 2) المبسوط: ج 8 ص 139.
(3) الجامع للشرائع: ص 531.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 225.
(5) إرشاد الأذهان: ج 1 ص 434.
176
بها البائع من المشتري وعلمنا من الذي يأخذ البئر ويرد خمسين (1) قلنا: الآن قد
بان ذلك الرجل، فلا يلزم القسمة إلا بتراضيهما. قال: ويفارق هذا قسمة الإجبار
لأنه لا بيع فيها ولا شراء فلهذا لزمت بالقرعة، وهذه فيها بيع وشراء فلم يلزم بها.
قال: وأيضا لما لم يعتبر التراضي فيها في الابتداء فكذلك في الانتهاء، وليس
كذلك هاهنا، لأنه اعتبر التراضي في ابتدائها، فكذلك في انتهائها (2).
ويحتمل اللزوم، لأنهما إذا رضيا بما يوجبه القرعة فإذا أوجبت كون زيد مثلا
بمنزلة البائع وعمرو بمنزلة المشتري لزمهما ذلك.
وحكم الشهيد باللزوم إن كان القاسم منصوب الحاكم وبعدمه إن كان غيره (3).
ولو كان بينهما دار لها علو وسفل، فإن طلب أحدهما القسمة بأن يكون لكل منهما
بعض من العلو والسفل أجبر الآخر عليه، إذ لا ضرر ولا رد، لأن البناء كالأشجار.
(ولو طلب أحدهما الانفراد بالعلو والسفل أو قسمة كل منهما) بينهما
(منفردا) عن الآخر (لم يجبر الممتنع بل أخذ كل منهما نصيبه من العلو
والسفل بالتعديل) لأن البناء تابع للأرض والعلو للسفل، فإنما يجبر على قسمة
تأتي على الأرض، ولأن من ملك شيئا من الأرض ملك قراره إلى الأرض السابعة
وهواه إلى السماء، فلو جعلنا لأحدهما العل وقطعنا السفل عن الهواء والعلو عن القرار.
(ولو طلب أحدهما قسمة السفل خاصة ويبقى العلو مشتركا أو
بالعكس لم يجبر الآخر) عليه (لأن القسمة للتمييز) والبناء تابع للأرض
فالمشترك شيء واحد (ومع بقاء الإشاعة في أحدهما) وهما تابعان للأرض
(لا يحصل التمييز) فهو كما لو اشتركا في جريب من الأرض فطلب أحدهما
قسمة نصفه وبقاء الآخر على الإشاعة.
(ولو كان بينهما خان أو دار متسعة ولا ضرر في القسمة) ولا رد (أجبر



(1) العبارة ناظرة إلى المثل الذي ذكره الشيخ قبل هذه الفقرة.
(2) المبسوط: ج 8 ص 139 - 140.
(3) الدروس الشرعية: ج 2 ص 117.
177
الممتنع وتفرد بعض المساكن عن بعض) ولا إشكال في الإجبار (وإن تكثرت)
المساكن، لما عرفت من أن البناء تابع للأرض فالمشترك فيه واحد وإن تكثرت توابعه.
(أما لو كان) بينهما (داران أو خانان فطلب أحدهما أن) يقسم
بعضهما في بعض كأن (يجمع نصيبه في إحدى الدارين أو أحد الخانين لم
يجبر) عليه (الممتنع) لأنه معاوضة، لتعدد المشترك، و (1) سواء تجاورا أم لا،
بل يقسم كل منفردا عن الآخر. فإن طلب قسمة أحدهما خاصة أجبر الآخر. وحكم
القاضي بالإجبار في الدور إذا اعتدلت في بقاعها وأحوالها ورغبة الناس فيها (2).
(ولو كان بينهما قرحان متعددة) أي مزارع ليس فيها بناء ولا شجر
(وطلب أحدهما قسمتها بعضا في بعض) بأن ينزل منزلة أرض واحدة
فيقسم بينهما على حسب سهميهما (لم يجبر الممتنع) لما عرفت، تجاورا (3) أم
لا. وللعامة قول بالإجبار مع التجاور فيها وفي الدور وغيرهما (4). وحكم
القاضي بالإجبار فيها مع التجاور والتضرر إذا قسم كل على حدته (5) بأن يكون
حصة كل منهما في بعضها أو في كل مما لا يكاد ينتفع به.
(ولو طلب) أحدهما (قسمة كل واحد) من الأقرحة أو واحد منها
(على حدته أجبر الآخر) إذ لا رد ولا ضرر.
(ويقسم القراح الواحد وإن اختلفت أشجار أقطاعه كالدار المتسعة)
التي تقسم وإن اختلفت مساكنها، لأن الأصل في الملك هو الأرض وهي واحدة،
والأشجار والأبنية توابع. قال في المبسوط: ويفارق هذا إذا كانت الأقرحة متجاورة
ولكل قراح طريق ينفرد به، لأنها أملاك متميزة بدليل أنه إذا بيع سهم من قراح لم
يجب الشفعة فيه بالقراح المجاور له، وليس كذلك إذا كان القراح واحدا وله طريق



(1) الظاهر زيادة: و.
(2) المهذب: ج 2 ص 574.
(3) في المطبوع: تجاور.
(4) المغني لابن قدامة: ج 11 ص 498 - 499.
(5) المهذب: ج 2 ص 574.
178
واحدة، لأنه ملك مجتمع بدليل أنه لو بيع بعضه وجب الشفعة فيه بما بقي، وأصل
هذا وجوازه على الشفعة، فكلما بيع بعضه فوجب فيه الشفعة فهو الملك المجتمع،
وكل ما إذا بيع بعضه لم يجب الشفعة لمجاوره كانت أملاكا متفرقة (1).
(ولا تقسم الدكاكين المتجاورة بعضا في بعض قسمة إجبار) وفاقا
للشيخ (2) والمحقق (3) (لتعددها) عرفا وحسا (ولقصد (4) كل واحد بالسكنى
منفردا) بخلاف بيوت دار واحدة، فهو الفارق. واختار الإجبار في الإرشاد (5)
لما عرفت من تبعية البناء للأرض وهي هنا واحدة، والدكاكين كبيوت الدار.
(ولو اشترك) بينهما (الزرع والأرض فطلب) أحدهما (قسمة
الأرض خاصة أجبر الممتنع) حيث لا رد ولا ضرر (لأن الزرع كالمتاع)
الموضوع فيها فليس جزءا منها ولا تابعا كالبناء والشجر.
(ولو طلب قسمة الزرع) خاصة (أجبر على رأي) وفاقا للمحقق (6)
وخلافا للشيخ قال: لأن تعديل الزرع بالسهام لا يمكن (7). قال المحقق: وفيه
إشكال من حيث إمكان التعديل بالتقويم إذا لم يكن فيه جهالة (8).
قلت: وكان كلام الشيخ مبني على الاحتياط والغالب، ولذا قال القاضي: إذا
كان القصيل بين قوم وأرادوا قسمته لم يصح ذلك إلا ببيعه وقسمة ثمنه بينهم، أو
بأن يقطع من الأرض ويقسمونه كما يقسم مثله أو يكون مما يمكن قسمته
بالعدل (9) انتهى. إلا أن كلامه في صلح المبسوط مشعر بعدم الصحة وعدم إمكان
التعديل، لقوله: قطع نصفه لا يمكن، فإن لكل واحد منهما حقا في كل طاقة منه (10).
(أما لو كان) الزرع (بذرا لم يظهر فإن قسمته لا تصح) للجهل



(1 و 2) المبسوط: ج 8 ص 145.
(3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 105.
(4) في القواعد: ويقصد.
(5) إرشاد الأذهان: ج 1 ص 434.
(6 و 8) شرائع الإسلام: ج 4 ص 104.
(7) المبسوط: ج 8 ص 141.
(9) المهذب: ج 2 ص 574.
(10) المبسوط: ج 2 ص 307.
179
(وتصح لو كان سنبلا على رأي) وفاقا للمحقق (1) لإمكان التعديل، وخلافا
للشيخ. ولكنه إنما فرق بينه وبين غيره فيما إذا طلب قسمة الأرض والزرع معا.
وفي عبارته نوع اضطراب، لقوله: فإن كان بينهما أرض فيها زرع فطلب أحدهما
القسمة فإما أن يطالب بقسمة الأرض أو الزرع أو قسمتهما معا، فإن طلب قسمة
الأرض دون غيرها أجبرنا الآخر عليها على أي صفة كان الزرع حبا أو قصيلا أو
سنبلا قد اشتد، لأن الزرع في الأرض كالمتاع في الدار، وكون المتاع في الدار لا
يمنع القسمة فالزرع مثله. وأما إن طالب قسمة الزرع وحده لم يجبر الآخر عليه،
لأن تعديل الزرع بالسهام لا يمكن. وأما إن طلب قسمتها مع زرعها لم يخل الزرع
من ثلاثة أحوال: إما أن يكون بذرا أو حبا مستمرا أو قصيلا، فإن كان حبا مدفونا
لم يجز القسمة، لأنا إن قلنا: القسمة إفراز حق فهو قسمة مجهول أو معدوم فلا يصح،
وإذا قلنا: بيع لم يجز لمثل هذا، وإن كان الزرع قد اشتد سنبله وقوي حبه فالحكم
فيه كما لو كان بذرا وقد ذكرنا، وإن كان قصيلا أجبرنا الممتنع عليها، لأن القصيل
فيها كالشجر فيها ولو كان فيها شجر قسمت بشجرها، كذلك هاهنا (2) انتهت.
ولعله أراد بالبذر أولا: ما في السنبل، وثانيا: الحب المستتر، ووجه الفرق بين
القصيل والسنبل الذي قوي حبه إن الذي قوي حبه صار بمنزلة المتاع المنفصل
الموضوع في البيت، فلا يتبع الأرض ولا يجبر على قسمته إلا كيلا أو وزنا،
والقصيل تابع للأرض كالشجر فيجبر على قسمته بتبعية الأرض لا (3) إذا طولب
بقسمته على حدته، فلذا نفي الإجبار على قسمة الزرع منفردا مطلقا. ولم يذكر
المصنف قسمتهما معا بعضا في بعض، ونص في التحرير على عدم الإجبار لأن
الزرع كالمتاع ليس من أجزاء الأرض (4). ولذا لا يثبت فيه الشفعة وإن بيع مع



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 104.
(2) المبسوط: ج 8 ص 141.
(3) في بعض النسخ بدل " لا ": إلا.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 221.
180
الأرض، كما اعترف به الشيخ في شفعة المبسوط (1).
(ولو كان فيها غرس وطلب أحدهما قسمة أحدهما - أعني الأرض
أو الشجر - خاصة لم يجبر الآخر) لاتحاد الشجر مع الأرض، ولذا تثبت
الشفعة فيه إذا بيع مع الأرض. (ولو طلب قسمتهما معا بعضا في بعض أجبر
الآخر مع إمكان التعديل) بلا ضرر (لا مع الرد).
(ولو كانت الأرض عشرة أجربة وقيمة جريب) واحد (منها تساوي)
قيمة (تسعة) أجربة (فإن أمكن قسمة الجميع بينهما) على أن يتساويا في
الحصة مساحة وقيمة (بأن يكون لأحدهما نصف) ذلك (الجريب ونصف
التسعة) الباقية (وللآخر مثله) بأن يكون الجريب في الوسط بحيث لا يلزم
تفريق السهام (وجب، وإن تعذر) التعديل كذلك بأن يكون الجريب في الطرف
أو ذا بناء أو شجر أو نحو ذلك عدلت بالقيمة بأن (جعل الجريب قسما والتسعة
قسما واجبر الممتنع عليها) إذا لم يتضرر بتفريق السهام ولا غيره.
(ولو كان الحمام كبيرا يبقى منفعته بعد القسمة) ولكن (إذا جدد
مستوقده وبئره صحت) القسمة واجبر عليها، لأن الاحتياج إلى الإحداث مع
إمكانه لا ينقص من قيمة النصيب شيئا ولا يمنع من الانتفاع به وإن تأخر زمانا.
وقد يحتمل العدم لتعطل الانتفاع إلى الإحداث.
(الفصل الخامس في الأحكام)
(القسمة لازمة) بالاتفاق (ليس لأحد المتقاسمين فسخها إلا مع
الاتفاق عليه) وفيه معه نظر.
(ولو ادعى أحد المتقاسمين الغلط عليه وأنه أعطي دون حقه لم



(1) المبسوط: ج 3 ص 107.
181
يتوجه له الدعوى على قسام القاضي بغير الأجر، ولا له عليه يمين) فإنه
وكيل القاضي وقسمته كحكمه، كما لا يتوجه الدعوى على القاضي أو الشاهد، ولا
عليهما يمين (بل إن أقام بينة نقضت القسمة) كما لو أقام بينة على ظلم القاضي
أو سهوه أو كذب الشهود (وإن فقدها كان له إحلاف شريكه) إن ادعى علمه
أو مطلقا (فإن حلف برئ وإن نكل احلف هو ونقضت) وإن كثر الشركاء
فحلف بعضهم ونكل بعض فحلف نقضت في حق الناكل خاصة، وقيل: مطلقا (1).
وأما إذا كان القسام بالأجرة فيحتمل أن لا يكون أمين الحاكم بل وكيل
المتقاسمين، وأيضا فهو في محل التهمة فيتوجه الدعوى عليه ولكن لم أره لغيره (2).
(هذا في قسمة الإجبار، أما قسمة التراضي فالأقرب أنه كذلك) خلافا
للشيخ فلم يسمع دعواه فيها مطلقا قال: لم يخل من أحد أمرين إما أن اقتسما
بأنفسهما أو يقسم بينهما قاسم الحاكم، فإن اقتسما بأنفسهما لا يلتفت إلى قول المدعي،
لأنه إن كان مبطلا سقط قوله، وإن كان محقا فقد رضي بترك هذه الفضيلة له فلا
معنى لرجوعه فيها. وإن كان القاسم بينهما قاسم الحاكم فمن قال: يلزم بالقرعة
قال: الحكم فيها كقسمة الإجبار وقد مضى - يعني: لم يقبل دعواه - ومن قال: لا
يلزم إلا بتراضيهما بعد القرعة فالحكم كما لو تراضيا من غير حاكم (3) انتهى.
وقوله: " إن كان محقا فقد رضي بترك هذه الفضيلة " ممنوع، لجواز السهو
والخطأ والجهل بالقيمة.
(ولو ظهر استحقاق بعض المقسوم، فإن كان معينا وكان كله أو أكثره
في نصيب أحدهما بطلت القسمة) لبطلان التعديل، (وإن كان في نصيبهما
بالسوية لم ينقض وأخرج من النصيبين) والباقي باق على التعديل. وللعامة



(1) نقله عن الشهيد الأول في مسالك الأفهام: ج 14 ص 56.
(2) في هامش " ن " ما يلي: أي لم أر اتجاه الدعوى عليه لغير المصنف، منه (رحمه الله).
(3) المبسوط: ج 8 ص 142.
182
وجه بالانتقاض لتبعض الصفقة (1) (سواء اتحدت جهته) أي جهة استحقاقه
(أو تعددت) بتعدد المستحق أو السبب، أو سبب الامتزاج بالنصيبين كأن
غصب بعضه واستودع بعضه واستعير الباقي (ما لم يحدث نقص في حصة
أحدهما) خاصة (بأخذه) أي المستحق (و) لم (يظهر) به (تفاوت) بين
الحصتين (فإن القسمة حينئذ تبطل) لبطلان التعديل وذلك (مثل أن يسد
طريقه أو مجرى مائه أو ضوئه).
(وإن كان) المستحق (غير معين بل مشاعا بينهما فالأقرب البطلان)
وفاقا للمحقق (2) وأحد قولي الشيخ (3) لظهور وقوع القسمة بغير إذن الشريك
الثالث (وقيل) في المبسوط في وجه آخر: (بالصحة) فيما زاد على
المستحق (4) لبقاء التعديل.
(ولافرق فيما ذكرناه بين أن يكونا) حين القسمة (عالمين بالاستحقاق
أو جاهلين أو أحدهما) جاهلا دون الآخر فإن القسمة مع العلم بالاستحقاق
المبطل للتعديل لا يدل على انتقال نصيب أحدهما أو شيء منه إلى الآخر انتقالا
لازما، وغاية ما يلزم العلم رضى أحدهما بنقصان نصيبه مع سلامة المستحق له.
(ولو ظهر استحقاق بعض معين في نصيب أحدهما واستحقاق بعض
آخر لغير الأول في نصيب الآخر، فإن كان الباقي على تعديله صحت القسمة
وإلا بطلت) وكذا لو كان البعض الأول مشاعا في نصيب الأول خاصة والآخر
في نصيب الآخر، فإن القسمة الواقعة لم يوجب إفراز نصيب هذين الشريكين.
(ولو قسم الورثة التركة) فيما بينهم (وظهر) بعده على المورث (دين
فإن أدوه من مالهم مضت القسمة) (وإلا بطلت) لتقدم الدين على الإرث.
وللعامة قول بالبطلان مطلقا (5) بناء على أن القسمة بيع وأن بيع التركة فاسد مع



(1) روضة الطالبين: ج 8 ص 188 - 189.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 105.
(3 و 4) المبسوط: ج 8 ص 142.
(5) المبسوط للسرخسي: ج 15 ص 64.
183
الدين، لتعلقه بها. ويقوى البطلان مع استيعاب الدين والقول بعدم انتقال التركة معه
إلى الورثة، لصدورها حينئذ عن غير الملاك. (ولو امتنع بعضهم من الأداء
بيع) من (نصيبه خاصة في قدر ما يصيبه من الدين).
(ولو اقتسموا البعض وكان في الباقي وفاء اخرج منه الدين، فإن تلف
قبل أدائه كان الدين في المقسوم وتنقض) القسمة (إن لم يؤد الورثة).
(ولو ظهر عيب في نصيب أحدهما احتمل بطلان القسمة، لانتفاء التعديل
الذي هو شرط) وهو الأقوى. (و) احتمل (صحتها) لأصل الصحة،
واحتمال أن الشرط هو التعديل في ظاهر الأمر بين القسمة (فيتخير الشريك
بين أخذ الأرش) إن رضي الآخر (والفسخ) وهو خيرة التلخيص (1).
(ولو اقتسما حيوانا لم يضمن أحدهما لصاحبه) العيب (المتجدد في
الثلاثة) لأنها ليست بيعا عندنا.
(ولو ظهر استحقاق أحد النصيبين أو بعضه بعد بناء الشريك فيه أو
غرسه، لم يضمن شريكه قيمة بنائه وغرسه ولا أرشه، سواء كانت قسمة
إجبار أو تراض) علما بالاستحقاق أو جهلا أو افترقا، فإن القسمة عندنا ليست
بيعا ليقال في بعض الصور: إن أحدهما غير الآخر.
(ولو ظهرت) بعد قسمة التركة كلا أو بعضا (وصيته بجزء من المقسوم
فكالمستحق).
(ولو كانت) الوصية (بمال) مبهم كقوله أعطوا فلانا مائة (فكالدين).
(ولو أخذ أحد الشريكين بيتا في دار والآخر غيره، وبيت الأول
يجري ماؤه في حصة الثاني لم يكن للثاني منعه من الجريان عليه) فإن
التعديل إنما يتحقق بأن يكون لكل منهما حصة (2) بحقوقها (إلا أن يشترط)



(1) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 33 ص 363.
(2) في ق: حصته.
184
حين القسمة (رد الماء عنه، فإن أطلق أبقي على حاله) وجوبا.
(ولو وقع الطريق لأحدهما وكان لحصة الآخر منفذ) وطريق (إلى الدرب
صحت القسمة وإلا بطلت) لانتفاء التعديل (إلا أن يجعل عليه مجازا في حصته
أو يشترط سقوط المجاز) خلافا للقاضي فأبطل اشتراط سقوط المجاز (1).
(ولو كان مسلك البيت الواقع لأحدهما في نصيب الآخر) من الدار
(فهو كمجرى الماء) له السلوك فيه ما لم يشترط السقوط.
(ولولي الطفل) والمجنون (المطالبة بالقسمة مع الغبطة) لهما وعليه
الحصة من أجرة القسام من مال المولى عليه (لا بدونها) وإن انتفت المفسدة
واكتفينا في تصرفات الولي انتفائها، فإن الإجبار بمجرده غير معلوم.
(ولو طلب الشريك القسمة وانتفى الضرر أجبر الولي عليها وإن كانت
الغبطة في الشركة) لعموم الفتوى بالإجبار، إذ لا ضرر. وعليه الحصة من أجرة
القسام من مال المولى عليه كما في التحرير (2). ويحتمل العدم، لأن أخذ الأجرة
من ماله ولا غبطة له إجحاف.
(ولو قال صاحب النصف: رضيت بالشرقي مثلا وقال الآخر: رضيت
بالغربي ولم يتميز بالمساحة أحد النصفين عن الآخر لم يصح القسمة)
فإن قولهما ليسا إلا رضى بالقسمة ولا قسمة إلا بالإفراز.
* * *



(1) المهذب: ج 2 ص 573.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 217.
185
(المقصد السابع)
(في متعلق الدعاوي المتعارضة)
(وفيه فصول):
(الأول في دعوى الأملاك)
(لو تداعيا عينا في يدهما ولا بينة) لأحد منهما (قضي لهما بها
نصفين وحلف كل لصاحبه) فإن كلا منهما مدع لما بيد الآخر والآخر منكر له،
وفي المبسوط: لما روي أن رجلين تنازعا دابة ليس لأحدهما بينة فجعلها
النبي (صلى الله عليه وآله) بينهما قال: والخبر محمول على أنه حلف كل واحد منهما لصاحبه (1).
ولم يذكر الحلف في الغنية (2) والإصباح (3) ونسب في الشرائع إلى القيل (4) وفي
الخلاف إلى الشافعي (5) ولعل الوجه فيه أنهما إن لم يحلف أحد منهما صاحبه كان
الحكم أيضا كذلك، ولذا قال في النافع بعد الحكم بكونها بينهما: ولكل منهما
إحلاف صاحبه (6).
(ولو نكلا قسمت بينهما بالسوية أيضا) فإن النكول كالإقرار بما فيه
الدعوى - وهو ما في يده - أو البينة. ويبدأ بالإحلاف من ابتدأ بالدعوى، فإن



(1) المبسوط: ج 8 ص 257.
(2) الغنية: ص 444.
(3) إصباح الشيعة: ص 531.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 110.
(5) الخلاف: ج 6 ص 329، المسألة 1.
(6) المختصر النافع: ص 277.
186
اقترنا فمن على يمين صاحبه. وفي التحرير: ويبدأ القاضي في الحلف بمن يراه أو
بمن يخرجه القرعة (1). (ولو نكل أحدهما وحلف الآخر فهي للحالف).
(وإن أقام كل منهما بينة) فتعارضتا ولم يمكن التوفيق (فكذلك) يكون
بينهما بالسوية وإن اختلفتا عددا أو عدالة أو بغير ذلك، فإن كلا منهما يعتبر فيما لا
يعتبر فيه الاخرى، فإنه (يقضى لكل منهما بما في يد صاحبه) لا بما في يده
كما إذا حلفا أو نكلا بناء على أن البينة بينة الخارج وإلا فلكل منهما ما في يده.
قال في التحرير: وهل يحلف كل واحد على النصف المحكوم له به أو يكون له
من غير يمين؟ الأقوى عندي الأول مع احتمال الثاني (2) انتهى.
وفيه: أنه لا جهة للحلف مع ترجيح بينة الخارج ولا مع ترجيح بينة الداخل.
نعم يتجه إذا قلنا بتساقط البينتين لتعارضهما، كما نص على جميع ذلك في
المبسوط (3). وظاهر الحسن: أنه يقرع بينهما فمن أخرجته القرعة حلف وأخذ
الجميع (4). وعند أبي علي أن مع تساوي البينتين يعرض اليمين على المدعيين
فأيهما حلف استحق الجميع، وإن حلفا اقتسماها، ومع اختلافهما يقرع فمن
أخرجته حلف وأخذ العين (5).
(ولو أقام أحدهما بينة قضي له بالجميع) إن لم يحلفه صاحبه على ما
في يده أو أحلفه فحلف، وإلا فإن حلف صاحبه لم يكن له إلا ما في يد صاحبه،
لأن البينة له.
(ولو كانت العين في يد أحدهما قضي له بها إن لم يكن بينة وعليه
اليمين لصاحبه) فإن نكل فحلف صاحبه استنقذه (6) من يده.



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 183.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 185.
(3) المبسوط: ج 8 ص 258.
(4) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 370.
(5) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 371.
(6) كذا، والظاهر: استنقذها.
187
(ولو أقام كل منهما بينة فهي للخارج) مطلقا على قول ابني زهرة (1)
وإدريس (2) ومع تساوي البينتين في العدد والعدالة على قول الصدوقين (3)
والمفيد (4) ويحتمله كلام سلار (5) ومع الشهادة على مطلق الملك لذي اليد سواء
شهدت بينة الخارج بمطلقه له أو بالسبب عند الشيخ (6) (وقيل) في دعاوي
الخلاف (7): (للداخل) (8) إلا أن يشهد بينته بمطلق الملك وبينة الخارج بالسبب.
والتحقيق في تعارض البينات إن شاء الله.
(ولو أقام الداخل بينة) ولم يقم الخارج بينة (لم يسقط عنه اليمين)
لأن شأنه اليمين دون البينة، ولأن البينة لا يدفع الانتقال. ولكن سيأتي في أسباب
الترجيح أن لذي اليد إقامة البينة لإسقاط اليمين.
(ولو أقام الخارج) خاصة (انتزعها) وليس للداخل الامتناع بحلف
أو إحلاف.
(ولو كانت في يد ثالث حكم لمن يصدقه بعد اليمين منهما) أي من
الثالث ومن يصدقه للآخر فالتصديق بمنزلة اليد، وسيأتي احتمال العدم، والمصدق
يحلف للآخر إن ادعى علمه بملكه، لدفع الغرم عن نفسه. ولا خلاف في أنه إذا
سلمه أحدهما ثم أقر به لآخر غرمه له، للإتلاف. واختلف في الغرم بمجرد الإقرار
لأحدهما ثم للآخر، فعلى الغرم كان لغير المصدق إحلافه على البت أو نفي العلم،
فإن امتنع حلف غير المصدق واغرم له.
(ولو كذبهما معا أقرت في يده بعد أن يحلف لهما) فإنهما مدعيان
عليه، فإن نكل فكما لا يد لأحد عليه، فإن حلفا أو نكلا اقتسماه، وإن حلف



(1) الغنية: ص 443.
(2) السرائر: ج 2 ص 168.
(3) المقنع: ص 399 و 400.
(4) المقنعة: ص 730 - 731.
(5) المراسم: ص 234.
(6) النهاية: ج 2 ص 75.
(7) الخلاف: ج 6 ص 329، المسألة 2.
(8) في النسخ: الداخل.
188
أحدهما خاصة كان له.
(ولو صدقهما) بأن قال: إنه لهما (كانت بينهما بالسوية وأحلف لهما)
إن ادعيا عليه العلم أو لكل من ادعاه عليه منهما، فإن نكل حلف المدعي وغرم له
النصف (وأحلف كل لصاحبه) وكذا إن نكلا كانت بينهما بالسوية، وإن نكل
أحدهما كان الكل للآخر، وغرم الثالث النصف إن سلمه إلى الناكل وادعى الحالف
عليه العلم فأحلفه فنكل.
(ولو قال) الثالث: (ليست لي و) اقتصر عليه، أو قال: (لا أعرف صاحبها،
أو هي لأحدكما ولا أعرف عينه أقرع بينهما) في وجه (لتساويهما في
الدعوى وعدم البينة) فمن خرجت باسمه حلف وكانت له، فإن نكل حلف
الآخر، فإن نكلا قسمت بينهما، والوجه عندي التحالف وفاقا للتذكرة (1) فإن حلفا
أو نكلا كانت بينهما وإلا فللحالف.
(ولو كان لأحدهما بينة حكم له بها وحلف للآخر) لاحتمال انتقال
الملك، فإن البينة إنما تشهد بثبوت الملك له وهو لا يدفع الانتقال، [وإن شهدت
بالملك الآن فلا يمين] (2).
(ولو أقاما بينة قضي لأرجحهما عدالة) مع يمينه، لما عرفت، [وللنص
في الأكثر كما ستسمع، والاحتياط] (3) ونص عليه أكثر الأصحاب قاطعين به. وفي
التحرير (4) جعله أقرب (5) والأعدلية - كما في السرائر (6) - بمعنى أن إحداهما أكثر
مواظبة على الأعمال الصالحة والمندوبات وإن كانت الاخرى غير مخلة بواجب
ولا مرتكبة لقبيح. ثم الظاهر أنه يحلف على نفي ما ادعاه الآخر، لكنهم ذكروا: أنه



(1) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 281 س 5.
(2 و 3) لم يرد في ق و ن.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 186.
(5) في ق و ن زيادة: وبه قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير: أكثرهم بينة يستحلف ويدفع إليه.
(6) السرائر: ج 2 ص 167.
189
يحلف على صدق شهوده أو أن الحق له أو صحة دعواه، ولعل المراد ذلك.
(فإن تساويا) عدالة (فلأكثرهما عددا) مع يمينه (فإن تساويا أقرع
بينهما، فمن خرج اسمه احلف وأعطي الجميع فإن نكل احلف الآخر
وقضي له، فإن نكلا قسم بينهما) وهذا مذهب الشيخ في النهاية (1) والحسن (2)
والحلبي (3) وابني زهرة (4) وحمزة (5) وإدريس (6) وابني سعيد (7) وينص على
الترجيح بالكثرة ما في خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) من أن عليا (عليه السلام) أتاه قوم
يختصمون في بغلة فقضى بها لأكثرهم بينة واستحلفهم [وقوله (عليه السلام) في خبره:
أكثرهم بينة يستحلف ويدفع إليه] (8) (9) ويدل على الترجيح بالكثرة والعدالة ما في
خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق (عليه السلام) من قوله (عليه السلام): كان علي (عليه السلام) إذا
أتاه رجلان بشهود عدلهم سواء وعددهم أقرع بينهم على أيهم يصير اليمين (10).
وأما النصوص على القرعة مع التساوي وإحلاف من خرجت باسمه (11) فكثيرة
جدا. وللعامة قول بعدم الإحلاف (12).
(وقيل) في المبسوط: (يقضى بالقرعة مع الإطلاق) (13) أي شهادة
البينتين بمطلق الملك.
(ويقسم) بينهما بالسوية (مع الشهادة بالسبب، ويختص ذو السبب)
به إن شهدت بينة أحدهما بالسبب وبينة الآخر بالمطلق، جمعا بين أخبار القرعة



(1) النهاية: ج 2 ص 75.
(2) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 370.
(3) الكافي في الفقه: ص 439 - 440.
(4) الغنية: ص 443.
(5) الوسيلة: ص 220.
(6) السرائر: ج 2 ص 167 - 168.
(7) الجامع للشرائع: ص 532، شرائع الإسلام: ج 4 ص 111.
(8) لم يرد في ق و ن.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 181 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 183 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 5.
(11) وسائل الشيعة: ج 18 ص 181 ب 12 من أبواب كيفية الحكم.
(12) المجموع: ج 20 ص 190.
(13) المبسوط: ج 8 ص 258.
190
وخبر ابن طرفة: إن رجلين ادعيا بعيرا فأقام كل واحد منهما بينة فجعله علي (عليه السلام)
بينهما (1). وخبر غياث بن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام): إن أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم
إليه رجلان في دابة وكلاهما أقام البينة أنه أنتجها فقضى بها للذي في يده، وقال:
لو لم يكن في يده جعلتها بينهما نصفين (2). والخبران ضعيفان، مع احتمال الأول
كون البعير بيديهما.
وفي خبر إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام): إن رجلين اختصما إلى
أمير المؤمنين (عليه السلام) في دابة في أيديهما وأقام كل واحد منهما البينة أنها نتجت عنده
فأحلفهما علي (عليه السلام)، فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف،
فقيل له: لو لم يكن في يد واحد منهما وأقاما البينة؟ قال: أحلفتهما فأيهما حلف
ونكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين (3).
وحمله الشيخ في التهذيب (4) والاستبصار (5) على أنهما اصطلحا على ذلك
قال في الاستبصار: ويمكن أن يكون ذلك نائبا عن القرعة، بأن لا يختار القرعة
وأجاب كل واحد منهما إلى اليمين، ورأى ذلك الإمام صوابا كان مخيرا بين العمل
على ذلك والعمل على القرعة (6) انتهى. ويحتمله خبر غياث (7).
وعمل بظاهر هذا الخبر أبو علي فقال: ولو كانت العين في أيديهما جميعا أو
لم يكن في يد واحد وتساوى عدد البينتين عرضت اليمين على المدعيين فأيهما
حلف استحقها إن أبى الآخر، وإن حلفا جميعا كانت بينهما نصفين، قال: ولو



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 183 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 182 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 3.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 182 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 2.
(4) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 238 ذيل الحديث 583.
(5) الاستبصار: ج 3 ص 42 ذيل الحديث 142.
(6) الاستبصار: ج 3 ص 43 ذيل الحديث 142.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 182 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 3.
191
اختلفت أعداد البينتين فتشاحا على اليمين أقرع بينهما بسهام على أعداد الشهود
لكل واحد منهما، فأيهما خرج سهمه كانت اليمين عليه، فإذا حلف دفعت العين
التي قد ادعيت إليه (1). واستند في هذا الأخير إلى خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام)
عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) إن عليا (عليه السلام) قضى في رجلين ادعيا بغلة فأقام أحدهما
شاهدين والآخر خمسة فقال: لصاحب الخمسة خمسة أسهم ولصاحب الشاهدين
سهمان (2). وحمل السهام على سهام القرعة.
وفائدة تكثير السهام نظير ما مر ذكره في القسمة وهو تكثير رقاع الأكثر
شهودا ليكون أقرب إلى الخروج.
وحمل الشيخ هذا الخبر على الاصطلاح (3) [وأولى منه إسناد قضائه (عليه السلام) إلى
أمر آخر] (4).
وقال الحسن - بعدما ذكر القرعة عند تساوي البينتين وحلف من خرجت
باسمه -: وتواترت الأخبار عنهم (عليهم السلام) إنهم قالوا: اختصم رجلان إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة، فأسهم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينهما، فأعطاه الذي خرج اسمه وقال: اللهم إنك تقضي بينهما.
وزعمت بعض العامة أن المدعيين إذا أقام كل واحد منهما شاهدي عدل على
شيء واحد أنه له دون غيره حكم بينهما نصفين. فيقال لهم أكتاب الله حكم بذلك
أم سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم الإجماع؟ فإن ادعوا الكتاب فالكتاب ناطق بالرد عليهم،
وإن ادعوا السنة فالسنة في القرعة مشهورة في الرد عليهم، وإن ادعوا الإجماع
كفوا الخصم مؤنتهم. يقال لهم: أليس إذا أقام كل منهما شاهدي عدل في دار أنها له



(1) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 372.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 185 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 10.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 238 ذيل الحديث 583.
(4) لم يرد في ن و ق.
192
فشهود كل منهما يكذب شهود الآخر والعلم محيط بأن إحدى الشهداء صادقة
والأخرى كاذبة؟ فإذا حكمنا بالدار بينهما نصفين فقد أكذبنا شهودهما جميعا، لأن
كل واحد منهما يشهد شهوده بالدار كلها دون الآخر، فإذا كانت إحدى الشهود
كاذبة والأخرى صادقة فيجب أن يسقط إحداهما ولا سبيل إلى الحكم فيما شهدوا
إلا بإلغاء إحديهما ولم نجد إلى إلغاء واحدة منهما سبيلا إلا بالقرعة انتهى (1).
(ولو أنكرهما) الثالث (فأقام أحدهما بينة حكم له) فقد صارا مدعيين
معه، فإذا انتزعت العين منه وسلمت إلى من أقام البينة، فإن أراد الآخر ادعى عليه
وأحلفه، فإن نكل حلف وأخذها.
(وإن أقاما بينتين) متساويتين عددا وعدالة (أقرع) فمن أخرجته حلف
وأخذ الجميع إلى آخر ما مر.
(وإن أقربها بعد إنكاره لهما أو لأحدهما قبل إقراره إذا لم تكن بينة) تخالف
الإقرار فيكون في يديهما أو يدي أحدهما. وحكم النزاع في الصورتين معلوم.
(وإن أقر لأحدهما ابتداءا من غير سبق إنكار صار المقر له صاحب
اليد) فالعين له إن لم تكن بينة، إلا أن يحلفه الآخر فنكل وحلف الآخر، أو كانت
لهما بينتان متعارضتان ورجحنا بينة الداخل. وكذا مع سبق الإنكار إلا أن اليد معه
لا يفيد إذا كان الإقرار بعد التحالف أو إقامة البينة إلا إذا أقاما بينتين وقبل الترجيح
بينهما أقر لأحدهما، فإنه بصيرورته حينئذ صاحب اليد يترجح بينته أو بينة الآخر
على الخلاف. واحتمل عدم الفائدة حينئذ أيضا، لأن يده بعد البينة مستحقة للإزالة
فلا أثر لتصديقه. وليس هذا الكلام تكرار، لأن ما تقدم أن العين لمن يصدقه بعد
اليمين منهما، وليس فيه أن المصدق ذو اليد.
(ولو قال: هي لأحدكما لا أعرفه عينا أو لا أعرف صاحبها) منكما



(1) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 370.
193
أو مطلقا (أهو أحدكما أو غيركما، أو قال: أودعنيها أحدهما أو رجل لا
أعرفه عينا) وما يؤدي معنى أحدهما (فادعيا عليه العلم حلف لكل منهما
على نفي العلم) فإن إقراره يفيد اليد. وهل يكفيه يمين واحدة لنفي العلم به؟
قطع في التذكرة (1) واختاره في وديعة الكتاب مع احتمال التعدد (2)، واختار التعدد
في وديعة التحرير على استشكال (3). فإن نكل وحلف أحدهما سلمت له العين وإن
حلفا أخذا العين واقتسماها (4) فإن (5) كان اعترف بها لأحدهما وأنكر العلم بالعين
منهما غرم لهما مع العين القيمة فاقتسما هما، فإن سلمت العين لأحدهما بحجة رد
عليه نصف القيمة ولم يرد الآخر، لأنه استحق بيمينه. كذا أطلق في وديعتي
الكتاب (6) والتحرير (7).
وفي التذكرة أنه إن قامت البينة على أن العين لأحدهما ردت القيمة بتمامها،
وإن حلف أحدهما ونكل الآخر رد الحالف نصف القيمة دون الناكل، وهو الوجه، وإن
حلف أحدهما سلمت له العين، وإن نكلا فإن قال الثالث: إنها لغير هما لم يستحقا شيئا،
وإن قال: إنه لأحدهما اقتسماها في وجه، ووقف إلى أن يصطلحا في آخر (8).
(وإن صدقاه فلا يمين عليه، وإن صدقه أحدهما حلف للآخر، وإن أقر
بها لأحدهما أو لغيرهما صار المقر له صاحب اليد) كما عرفت. (فإن قال:
غير من أقر له احلف لي على أنها ليست ملكي أو لست المودع لك
حلف، فإن نكل) حلف المدعي و (أغرم) هو المثل أو (القيمة) وقت
الحلف أو الإقرار على إشكال. كذا في التذكرة (9) لأنه يدعي عليه أنه أتلف ماله



(1) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 208 س 2.
(2) قواعد الأحكام: ج 2 ص 190.
(3) تحرير الأحكام: ج 3 ص 201 - 202.
(4) في النسخ: واقتسماه.
(5) في ن: وإن.
(6) قواعد الأحكام: ج 2 ص 190 - 191.
(7) تحرير الأحكام: ج 3 ص 202.
(8) انظر تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 207 س 42.
(9) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 207 س 15.
194
بالإقرار به لغيره، سلمه إلى الغير أم لا، للزوم التسليم بالإقرار. ولا مجال لأن
يقال: التلف إنما يلزم إذا لم يكن له بينة من غير معارض أو أحلف المصدق فحلف،
لأن له أن يترك الدعوى مع المصدق ويدعي مع المتشبث. وسواء قلنا: إن حلف
المدعي بعد نكول المنكر كإقراره أو كالبينة، بناء على الغرم إن أقر لأحدهما أولا
ثم للآخر. وقد يقال: إن كان كالإقرار وقفت العين حتى يصطلحا أو قسمت بينهما
كما لو أقر لهما. وعند الشيخ في المبسوط: لا غرم ولا يمين لأصل البراءة (1).
(وإن اعترف بها لهما) معا بأن قال: إنها لهما (فهي كما لو كانت في
أيديهما ابتداء، وعليه اليمين لكل منهما في النصف المحكوم به لصاحبه)
إن ادعيا علمه، فإن نكل فكما مر، ولكن إن حلف أحدهما غرم نصف القيمة بناء
على الغرم وإلا فلا يمين (وعلى كل منهما اليمين لصاحبه في النصف
المحكوم له به) إن لم تكن بينة، فإن حلفا أو نكلا كانت بينهما، وكذا إن أقاما
بينتين، وإلا فهي للحالف أو ذي البينة كما تقدم جميع ذلك.
(ولو كان في يد كل منهما عبد فادعاهما كل منهما فلكل منهما ما
في يده) وحلفا إن وقع الإحلاف (فإن أقاما بينة قضي لكل منهما بالعبد
الذي في يد الآخر) لتقدم بينة الخارج أو اقتصار كل بينة على الشهادة بما في
يد الآخر. (ولو أقام أحدهما بينة قضي له بهما) إذا شهدت بهما أو بما في يد
صاحبه، وعلى كل فعليه اليمين لما في يده إن أحلفه صاحبه.
(ولو تداعى الزوجان متاع البيت) كلا أو بعضا (حكم لذي البينة) منهما
(فإن فقدت فيد كل واحد على النصف) من كل من أجزائه إن تعددت (يقضى
له به بعد اليمين، ويحلف كل منهما لصاحبه) ويقسم كل من أجزائه بينهما نصفين،
وكذا إذا كانت لكل منهما بينة (سواء صلح لهما) كالفرش وأكثر الأواني
(أو لأحدهما) كالعمائم والطيالسة له والحلي والمقانع لها (وسواء كانت



(1) المبسوط: ج 8 ص 283.
195
الزوجية) بينهما (قائمة أو لا، وسواء كانت الدار لهما أو لأحدهما أو لثالث،
وسواء تنازع الزوجان أو ورثتهما أو أحدهما مع ورثة الآخر) وسواء كانت
يداهما عليه مشاهدة كعمامة أو خلخال تشبثا به أو حكما وهو الكون في بيت يسكنانه،
وسواء جرت العادة في جهاز مثلها بقدره أو لا، وفاقا للمبسوط (1) للعمومات.
وقال أبو حنيفة: إن تنازع أحدهما ورثة الآخر فالقول قول الباقي منهما (2) وقال
فيما عليه يداهما حكما: إن كان مما يصلح للرجال أو لهما فالقول قوله، وإلا فقولها (3).
وقال أبو يوسف: إن جرت العادة في جهاز مثلها بقدره فالقول قولها (4).
(وقيل) في الخلاف (5) والسرائر (6): (يحكم للرجل بما يصلح له، وللمرأة
بما يصلح لها، ويقسم ما يصلح لهما) بينهما، كل ذلك بعد يمينهما، للإجماع
على ما ادعياه، وخبر رفاعة النخاس عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا طلق الرجل امرأته
وفي بيتها متاع فلها ما يكون للنساء، وله ما يكون للرجال، وما يكون للرجال
والنساء قسم بينهما، قال: وإذا طلق الرجل المرأة فادعت أن المتاع لها وادعى
الرجل أن المتاع له كان له ما للرجال ولها ما للنساء (7).
قال ابن إدريس: ويعضده الأدلة، لأن ما يصلح للنساء الظاهر أنه لهن، كذلك
ما يصلح للرجال، وأما ما يصلح للجميع فيداهما معا عليه فيقسم بينهما، لأنه ليس
أحدهما أولى به من الآخر ولا يترجح أحدهما على الآخر (8). وهو خيرة التحرير (9)
ومختصر النافع (10) [وجامع الشرائع (11) والتخليص (12)] (13). وفي الشرائع: إنه أشهر



(1) المبسوط: ج 8 ص 310.
(2 و 3 و 4) المغني لابن قدامة: ج 12 ص 225.
(5) الخلاف: ج 6 ص 352، المسألة 27.
(6) السرائر: ج 2 ص 194.
(7) وسائل الشيعة: ج 17 ص 525 ب 8 من أبواب ميراث الأزواج ح 4.
(8) السرائر: ج 2 ص 194.
(9) تحرير الأحكام: ج 5 ص 208.
(10) مختصر النافع: ص 277.
(11) الجامع للشرائع: ص 526.
(12) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 33 ص 365.
(13) ما بين المعقوفتين ليس في ل.
196
في الروايات وأظهر بين الأصحاب (1).
وفي المختلف: والمعتمد أن نقول: إن كان هناك قضاء عرفي يرجع إليه
ويحكم به بعد اليمين، وإلا كان الحكم فيه كما في غيره من الدعاوي، قال: إن عادة
الشرع في باب الدعاوي بعد الاعتبار والنظر راجعة إلى ما ذكرناه، ولهذا حكم
بقول المنكر مع اليمين بناء على الأصل، وبأن المتشبث أولى من الخارج، لقضاء
العادة بملكية ما في يد الإنسان غالبا، وحكم بإيجاب البينة على من يدعي خلاف
الظاهر والرجوع إلى من يدعي الظاهر. وأما مع انتفاء العرف فلتصادم الدعويين
مع عدم الترجيح لإحديهما فتساويا فيهما (2) انتهى.
والقاضي موافق للخلاف لكنه خص المسألة بتداعيهما بعد الطلاق (3). وابن
حمزة أيضا موافق له لكن يظهر منه أنه لا يعتبر اليد منهما إلا ما بالمشاهدة، فإنه
خص الحكم بما إذا كان المتاع بأيديها، وقال: وإن كان في يد أحدهما كانت البينة
على اليد الخارجة واليمين على المتشبثة (4).
(وروي) في عدة أخبار (أنه للمرأة، لأنها تأتي بالمتاع من أهلها)
قال الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: المتاع متاع المرأة إلا أن
يقيم الرجل البينة، فقد علم من بين لابتيها أن المرأة تزف إلى بيت زوجها بمتاع.
قال الراوي: يعني بين جبلي منى (5) لأنه (عليه السلام) قاله وهو بمنى. وفي خبر آخر له مثل
ذلك وزاد عنه (عليه السلام): إلا الميزان فإنه من متاع الرجل (6). وفي خبر آخر له حكي
للصادق (عليه السلام) اختلاف ابن أبي ليلى في هذه المسألة وقضائه فيها أربع قضيات
أولها كما في الخلاف (7) وثانيها كما في الكتاب، ثم قال: ثم قضى بعد ذلك بقضاء



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 119.
(2) مختلف الشيعة: ج 8 ص 391.
(3) المهذب: ج 2 ص 579.
(4) الوسيلة: ص 227.
(5) الاستبصار: ج 3 ص 45 ح 1.
(6) الاستبصار: ج 3 ص 46 ح 3.
(7) الخلاف: ج 6 ص 352، المسألة 27.
197
لولا أني شهدته لم أروه عليه، ماتت امرأة منا ولها زوج وتركت متاعا فرفعت إليه
فقال: اكتبوا لي المتاع فلما قرأه قال: هذا يكون للمرأة وللرجل فقد جعلته للمرأة
إلا الميزان فإنه من متاع الرجل، ثم سأله (عليه السلام) ما تقول فيه أنت؟ فقال: القول الذي
أخبرتني أنك شهدته منه، قال: يكون المتاع للمرأة، فقال (عليه السلام): لو سألت من بينهما
- يعني الجبلين ونحن يومئذ بمكة - لأخبروك أن الجهاز والمتاع يهدى علانية من
بيت المرأة إلى بيت الرجل فتعطى الذي (1) جاءت به وهو المدعي، فإن زعم أنه
أحدث فيه شيئا فليأت بالبينة (2). وفي خبر زرعة عن سماعة سأله عن الرجل
يموت، ماله من متاع البيت؟ قال: السيف والسلاح والرحل وثياب جلده (3). وهذا
خيرة الاستبصار وحمل خبر رفاعة على التقية أو الصلح (4).
قلت: ويمكن أن يراد فيه بما للنساء ما جرت العادة بنقلها له من أهلها في
الجهاز، وبما للرجل خلافه وبما يكون لهما ما يحتمل الأمرين. قال في المختلف:
واعلم أن ما رواه الشيخ من الأحاديث يعطي ما فصلناه نحن أولا، ويدل عليه
لحكمه (عليه السلام) بأن العادة قاضية بأن المرأة تأتي بالجهاز من بيتها فحكم لها به، وأن
العادة قاضية بأن ما يصلح للرجال خاصة فأن يكون من مقتنياته دون مقتنيات
المرأة، وكذا ما يصلح للمرأة خاصة يكون من مقتنياتها دون مقتنيات الرجل،
والمشترك يكون للمرأة قضاء، لحق العادة الشائعة، ولو فرض خلاف هذه العادة
في وقت من الأوقات أو صقع من الأصقاع لم يحكم لها (5).
(ولو ادعى أبو) الزوجة (الميتة أنه أعارها بعض ما في يدها من
متاع أو غيره كلف البينة كغيره) وعليه فتوى الأصحاب (وروي) عن



(1) في المصدر: فيعطى التي.
(2) وسائل الشيعة: ج 17 ص 524 ب 8 من أبواب ميراث الأزواج ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 17 ص 524 ب 8 من أبواب ميراث الأزواج ح 2.
(4) الاستبصار: ج 3 ص 46 و 47 ح 4 وذيله.
(5) مختلف الشيعة: ج 8 ص 393.
198
الهادي (عليه السلام) (أنه يصدق بغير بينة) رواه جعفر بن عيسى قال: كتبت إليه (عليه السلام):
جعلت فداك، المرأة تموت فيدعي أبوها أنه أعارها بعض ما كان عندها من متاع
وخدم أتقبل دعواه بلا بينة أم لا تقبل دعواه إلا بينة؟ فكتب (عليه السلام) إليه: يجوز بلا
بينة، قال: وكتبت إليه (عليه السلام) إن ادعى زوج المرأة الميتة أو أبو زوجها أو ام زوجها
في متاعها أو خدمها مثل الذي ادعى أبوها من عارية بعض المتاع أو الخدم
أيكونون بمنزلة الأب في الدعوى؟ فكتب: لا (1).
قال ابن إدريس: أول ما أقول في هذا الحديث: إنه خبر واحد لا يوجب علما
ولا عملا، وفيه ما يضعفه، وهو أن الكاتب للحديث ما سمع الإمام يقول هذا، ولا
شهد عنده شهود أنه قال وأفتى، ولا يجوز أن يرجع إلى ما يوجد في الكتب، فقد
يزور على الخطوط، ولا يجوز للمستفتي أن يرجع إلا إلى قول المفتي، دون ما
يجده بخطه، بغير خلاف من محصل ضابط لأصول الفقه. قال: ولقد شاهدت
جماعة من متفقهة أصحابنا المقلدين لشواذ الكتاب (2) يطلقون القول بذلك، وأن أبا
الميتة لو ادعى كل المتاع وجميع المال كان قوله مقبولا بغير بينة، وهذا خطأ عظيم
في هذا الأمر الجسيم; لأنهم إن كانوا عاملين بهذا الحديث فقد أخطأوا من وجوه:
أحدها أنه لا يجوز العمل عند محصلي أصحابنا بأخبار الآحاد، على ما كررنا
القول فيه وأطلقناه. والثاني أن من يعمل بأخبار الآحاد لا يقول بذلك ولا يعمل به
إلا إذا سمعه الراوي من الشارع. والثالث أن الحديث ما فيه أنه إن ادعى أبوها
جميع متاعها وخدمها، وإنما قال بعض ما كان عندها، ولم يقل جميع ما كان
عندها. ثم إنه مخالف لأصول المذهب، ولما عليه إجماع المسلمين: أن المدعي لا
يعطى بمجرد دعواه، والأصل براءة الذمة، وخروج المال من يد مستحقه يحتاج
إلى دليل، والزوج يستحق سهمه بعد موتها بنص القرآن فكيف يرجع عن ظاهر



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 213 ب 23 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(2) كذا، وفي السرائر: لسواد الكتب.
199
التنزيل بأخبار الآحاد وهذا من أضعفها، ولا يعضده كتاب ولا سنة مقطوع بها، ولا
إجماع منعقد، فإذا خلا من هذه الوجوه بقي في أيدينا من الأدلة أن الأصل براءة
الذمة، والعمل بكتاب الله وإجماع الأمة على أن المدعي لا يعطى بمجرد دعواه. ثم
لم يورد هذا الحديث إلا القليل من أصحابنا، ومن أورده في كتابه لا يورده إلا في
باب النوادر. وشيخنا المفيد والسيد المرتضى لم يتعرضا له ولا أورداه في كتبهما،
وكذلك غيرهما من محققي أصحابنا. وشيخنا أبو جعفر (رحمه الله) ما أورده في جميع كتبه،
بل في كتابين منها فحسب إيرادا لا اعتقادا، كما أورد أمثاله من غير اعتقاد لصحته،
على ما بيناه و أوضحناه في كثير مما تقدم في كتابنا هذا. ثم شيخنا أبو جعفر الطوسي (رحمه الله)
رجع عنه وضعفه في جواب المسائل الحائريات المشهورة عنه المعروفة. وقد ذكر
شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان (رحمه الله) في الرد على أصحاب العدد الذاهبين
إلى أن شهر رمضان لا ينقص، قال: فأما ما تعلق به أصحاب العدد في أن شهر
رمضان لا يكون أقل من ثلاثين يوما، فهي أحاديث شاذة قد طعن نقاد الآثار من
الشيعة الإمامية في سندها، وهي مثبتة في كتب الصيام في أبواب النوادر، والنوادر
هي التي لا عمل عليها. هذا آخر كلام المفيد (رحمه الله). وهذا الحديث من أورده في كتابه
ما يثبته إلا في كتاب النوادر. ثم يحتمل بعد تسليمه وجها صحيحا وهو أن " يجوز
بلا بينة " المراد به الاستفهام واسقط حرفه، كما قال عمر بن أبي ربيعة:
ثم قالوا: تحبها؟ قلت: بهرا * عدد القطر والحصى والتراب
ويحتمل أيضا أنه أراد بذلك التهجين والذم لمن يرى عطية ذلك بغير بينة بل
بمجرد دعوى الأب، كما قال تعالى: " ذق إنك أنت العزيز الكريم " (1) انتهى.
ويأبى الوجهين جوابه (عليه السلام) بما كتب ثانيا.
ثم إن الذي رأيناه في حائريات الشيخ أنه سئل عن الرجل إذا ادعى بعد وفاة



(1) الدخان: 49، السرائر: ج 2 ص 187.
200
ابنته إذا هلكت عند زوجها أنه قد أعارها جميع متاعها هل يقبل قوله في ذلك كما
يقبل في بعضه؟ وإن ادعى عليها في حياتها ما ادعاه بعد وفاتها من إعارتها بعض
المتاع أو كله ما الحكم في ذلك؟ فأجاب الشيخ القول قول أبيها في الحالين مع
يمينه أنه كان أعارها ولم يهبه لها ولا استحقته على وجه (1) انتهى.
وعندي أنه لا إشكال في الخبر، ولا مخالفة فيه للأصول، وأن المراد ادعاء الأب
فيما جهزها به، وعلم أنها نقلته من بيت أبيها وأنه الذي أعطاها، فحينئذ إذا ادعى
أنه أعارها فالقول قوله، لأن الأصل عدم انتقال الملك. والفرق بينه وبين الزوج
وأبيه وأمه ظاهر، لجريان العادة بنقل المتاع والخدم من بيت الأب. وقريب منه ما
في التحرير من الحمل (2) على الظاهر من أن المرأة تأتي بالمتاع من بيت أهلها (3).
(وكذا البحث لو تنازعا) أي الأب والبنت (في بعضه) أي بعض ما بيدها.
(ولو كان في دكان عطار ونجار واختلفا في قماشه) أي ما فيه من
الآلات (حكم لكل بآلة صناعته) مع يمينه، للظاهر، كما كان يحكم بما
للرجال للزوج وبما للنساء للمرأة. وذكر ذلك في التحرير على الاحتمال (4).
(ولو اختلف المؤجر) للدار (والمستأجر في شيء في الدار، فإن كان
منقولا) كالأثاث (فهو للمستأجر) مع يمينه لجريان العادة بخلو الدار المستأجرة
من الأقمشة (وإلا فللمؤجر) مع يمينه (كالرفوف والسلم المثبت والرحى
المنصوبة) وبالجملة ما يتبع الدار في البيع. ولو أشكل الحال كالباب المقلوع
والرفوف المستعارة فالوجه كما في التحرير أنه للمستأجر، لأن يده عليه (5).
(ولو كان الخياط في دار غيره فتنازعا في الإبرة والمقص حكم بهما
للخياط) إذا اعترف صاحب الدار أنه دعاه ليخيط له ثوبا ولم يكن هو أيضا
خياطا، وهذا مفهوم من غيره (لقضاء العادة بأن من دعا خياطا إلى منزله)



(1) الحائريات (الرسائل العشر): ص 297.
(2) كذا في المخطوطات، وفي المطبوع: العمل.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 207 - 208.
(4 و 5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 207.
201
للخياطة (فإنه يستصحب ذلك معه) فإن اعترف الخياط أو أظهر أنه لم يدعه
للخياطة ولم يكن ما يدعيه في يده فهو لصاحب الدار فإنه بيده. (ولو تنازعا في
القميص فهو لصاحب الدار، لأن العادة أن القميص لا يحمله الخياط إلى
منزل غيره) الذي دعاه للخياطة، نعم لو كان بيده حكم به له مع اليمين.
(وراكب الدابة أولى من قابض لجامها) لأنه أقوى يدا. وفي التذكرة:
لبعد تمكين صاحب الدابة غيره من ركوبها وإمكان أخذ اللجام من صاحبها (1).
خلافا للشيخ في الخلاف (2) والمبسوط (3) في وجه فسوى بينهما وقسمها بينهما
بالسوية، لثبوت اليد لهما.
(وصاحب الحمل) على جمل مثلا (أولى) من غيره بلا خلاف كما في
المبسوط (4) لأنه كالركوب، ولكن لو تنازع هو والآخذ بالزمان أتى فيه الخلاف.
(والسرج لصاحب الدابة دون الراكب) وإن كان تحت تصرفه، لقضاء
العادة بأن من له دابة فله سرج، بخلاف من ليس له دابة. وفيه نظر.
(والراكب أولى بالحمل من صاحب الدابة) لأنه في تصرفه، ولا قضاء
للعادة بكون الحمل لصاحب الدابة.
(ولو تنازع صاحب العبد وغيره في ثياب العبد) التي عليه (فهي
لصاحب العبد، لأن يد العبد عليها) ويده يد مولاه.
(ولو تنازع صاحب الثياب) التي على العبد (وآخر في العبد تساويا) بلا
خلاف - كما في المبسوط (5) - ولا يترجح صاحب الثياب بلبس العبد لها وانتفاعه
بها (لأن نفع الثياب يعود إلى العبد لا إلى صاحبه) بخلاف الحمل على الجمل
فإن صاحبه المنتفع به. قال في التذكرة: ولأن الحمل لا يجوز أن يحمله على الجمل
إلا بحق، ويجوز أن يجبر العبد على لبس قميص غير مالكه إذا كان عريانا وبذله (6).



(1) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 196 س 7.
(2) الخلاف: ج 3 ص 296، المسألة 5.
(3 و 4 و 5) المبسوط: ج 2 ص 297.
(6) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 195 س 30.
202
(ولو تنازع صاحب النهر والأرض في حائط بينهما) من غير قرينة
مرجحة لأحدهما من اتصال ببناء أو إحاطة بالأرض (فهو لهما) إذا تحالفا
(لأنه حاجز بينهما) وبيدي هما ولا مرجح (فتساويا).
(ولو ادعى رقية صغير مجهول النسب في يده) من غير معارض (حكم)
به (له ظاهرا) إلا أن يعلم أن يده يد الالتقاط. خلافا للشافعي في أحد قوليه
فسوى بين يدي الالتقاط وغيره (1). ولا فرق بين أن يكون مميزا أو غيره. خلافا
للشافعية فأحوجوا مدعي رقية المميز إلى بينة (2). وهو خيرة المبسوط (3) (فلو
بلغ وأنكر) الرقية (احلف) المولى وإن كان الأصل الحرية، لثبوت رقيته شرعا
فلا يرفع إلا بحجة. خلافا للشافعي في أحد قوليه فأحوج المولى إلى البينة (4).
(وكذا لو كان في يد اثنين) فادعيا رقيته لهما حكم لهما إذا اتفقا أو
تنازعا فتحالفا، فلو بلغ وأنكر لم يقبل منه بل حلفا وبقي على الرقية.
(ولو كان كبيرا لم يحكم برقيته إلا أن يصدقهما أو يصدق أحدهما
فيكون مملوكا له دون الآخر) فإن إقرار الكامل على نفسه جائز عندنا. وللعامة (5)
قول بعدم القبول مطلقا. وآخر بالقبول فيما يضر نفسه لا فيما يضر غيره. وكذا لو
كان لأحدهما بينة دون الآخر حكم برقيته له. وإذا أقاما بينتين متعارضتين
فيصدق أحدهما خاصة لم يترجح به بينته لأنه لا يد له على نفسه، فإنه إن كان
حرا فلا يد لأحد عليه، وإن كان مملوكا فلا يد عليه إلا لمالكه.
(مسائل ست) من الدعاوي المتعارضة.
(الأول: لو كانت في أيديهما عين فادعاها أحدهما وادعى آخر)
منهما (نصفها ولا بينة فهي بينهما بالسوية و) لكن (على مدعي النصف



(1) الحاوي الكبير: ج 8 ص 61.
(2) الحاوي الكبير: ج 17 ص 372.
(3) المبسوط: ج 8 ص 289.
(4) الحاوي الكبير: ج 17 ص 371.
(5) المغني لابن قدامة: ج 6 ص 408.
203
اليمين لصاحبه) إن أحلفه (ولا يمين) له (على صاحبه) فإنه لا يدعي عليه
شيء. (ولو أقام كل منهما بينة فالنصف للمستوعب) بلا منازع (وتعارضت
البينتان في النصف الذي في يد صاحب النصف، فإن حكمنا به للخارج)
ببينته (فهو لمدعي الكل أيضا ولا شيء لمدعي النصف، وإن حكمنا به)
أي بالمشهود به أو بالتعارض (لذي اليد فهو لصاحب النصف) وفاقا للشيخ (1)
لأن التنازع في العين وهي لا يعول فيقسم على طريق المنازعة، كما تنازع ثلاثة
في ثلاثة عبيد فادعى أحدهم الجميع والثاني اثنين والثالث واحدا فالخالي عن
المعارضة للأول، والخالي عن منازعة الثالث بين الأولين، والثالث بينهم أثلاثا.
(ولو أقام أحدهما) خاصة (بينة حكم بها).
(ولو كانت) العين (في يد ثالث لا يدعيها وأقاما بينة فللمستوعب
النصف) بلا منازع (ويتعارض البينتان في) النصف (الآخر فيحكم) كما
عرفت (للأعدل) شهودا، فإن تساويا (فالأكثر فإن تساويا) سقطا و (أقرع،
ويقضى للخارج) بالقرعة (مع يمينه، فإن امتنع) منها (حلف الآخر فإن
نكلا قسم) النصف (بينهما فللمستوعب ثلاثة الأرباع وللآخر الربع)
وسيأتي احتمال عدم التساقط بل يعمل البينتان ويقتسمان النصف بينهما ويحتمل
إعمال الخارج منهما بالقرعة من غير يمين. وفي مرسل محمد بن أبي حمزة عن
الصادق (عليه السلام): في رجلين كان بينهما درهمان فقال أحدهما: الدرهمان لي وقال
الآخر: هما بيني وبينك، فقال (عليه السلام): قد أقر أن أحد الدرهمين ليس له فيه شيء وأنه
لصاحبه، وأما الآخر فبينهما (2). ونحوه مرسل عبد الله بن مغيرة عنه (عليه السلام) (3).
(ويحتمل) على تقديري ثبوت أيديهما عليها وخروجهما عنها، ما قاله أبو



(1) المبسوط: ج 8 ص 290.
(2) وسائل الشيعة: ج 13 ص 169 ب 9 من أبواب أحكام الصلح ذيل الحديث 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 13 ص 169 ب 9 من أبواب أحكام الصلح ح 1.
204
علي (1): من (أن يكون لمدعي الكل الثلثان، ولمدعي النصف الثلث) بعد
التحالف أو تعارض البينتين (لأن المنازعة) لم تختص نصفا معينا بل (وقعت
في أجزاء غير معينة ولا مشار إليها، فيقسم) العين بينهما (على طريق العول)
كما لو مات إنسان وعليه لآخر ألف ولآخر ألفان وخلف ألفا فإنها يقسم بينهما أثلاثا.
ويحتمل اختصاص الاحتمال بما إذا خرجت العين عن أيديهما لكون عدم
التعين فيه أظهر.
وعلى كل تقدير ففيه: أن النصف المشاع مما لا نزاع فيه، والنصف الآخر
يدعي كل منهما كله، وأنه كما أن النزاع في المشاع فكذا اليد على المشاع، والفرق
بين النزاع هنا ونزاع ديان الميت ظاهر، فإنهم إنما يتنازعون فيما على ذمته لا
على عين التركة، وفي المثال المذكور كل منهم يدعي كل التركة، ولذا قال في
المختلف: وهو - يعني قول أبي علي - الأقوى عندي لو زاد المدعون على اثنين (2)
يعني: واستوعب دعاوي غير مدع الجميع العين أو زادت عليها، كما إذا ادعى أحد
الثلاثة الجميع وآخر منهم الثلثين وآخر الثلث، فإنه حينئذ لا يبقى في العين جزء
لا نزاع فيه، بخلاف ما إذا ادعى أحدهم الجميع وكل من الآخرين الثلث.
(الثاني: لو كانت) العين (في يد ثلاثة فادعى أحدهم النصف، والثاني
الثلث، والثالث السدس، فيد كل واحد) منهم (على الثلث فصاحب) دعوى
(الثلث لا يدعي زيادة عما في يده، وصاحب السدس يفضل في يده سدس
لا يدعيه سوى مدعي النصف، فيحكم له به) فبالحقيقة لا نزاع هنا بينهم، فلا
حاجة لأحد منهم إلى اليمين، إلا أن يكذب مدعي النصف مدعي الثلث فيأخذ منه
نصف السدس ومن الآخر نصف السدس. وللعامة (3) قول بأنه إذا جحد بعضهم
بعضا كانت بينهم أثلاثا. قال في المبسوط: هذا غلط عندنا، لأنه لا يجوز أن يدعي



(1) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 404.
(2) مختلف الشيعة: ج 8 ص 406.
(3) المغني لابن قدامة: ج 12 ص 178.
205
واحد سدسا فيقضى له بثلثها (1).
(وكذا لو أقاموا) كل منهم (بينة) على مدعاه كان لكل منهم ما يدعيه
وإن لم يفتقر إلى بينة، لأنه لا نزاع بينهم حقيقة.
وللعامة (2) قول بأن لصاحب النصف ثلثا ونصف سدس، فإن بيده ثلثا ويدعي
سدسا مشاعا فيما بأيدي الباقين جميعا لا فيما يد صاحب السدس خاصة، فإنما
يدعي على كل منهما نصف السدس فيحكم له بما في يد صاحب السدس بنصف
السدس; لأن له به بينة بلا معارض، ولا يقضى له بنصف السدس مما في يد صاحب
الثلث; لأن له بينة بالثلث الذي يدعيه ويده عليه، والبينة بينة الداخل، فيبقى في يد
صاحب السدس نصف سدس لا يدعيه هو ولا غيره فهو لمن أقر له به.
وهو - مع ابتنائه على تقديم بينة الداخل - يندفع بأن المفروض أنه لا نزاع مع
صاحب النصف في تمام السدس الذي بيد صاحب الثلث لا لذي اليد ولا لغيره،
فيسلم له من غير يمين ولا بينة، فمع البينة أولى.
(ولو ادعى) في المسألة (كل منهم أن باقي الدار وديعة أو عارية معه)
لغيرهم (وكانت لكل منهم بينة بما ادعاه من الملك) خاصة (قضي له به)
كما مر (لأن بينته تشهد له بما ادعاه ولا معارض لها) فيأخذ صاحب النصف
سدس من صاحب السدس (وإن لم يكن لواحد) منهم (بينة حلف كل منهم)
لادعاء كل منهم أن الباقي وديعة أو عارية (وأقر في يده ثلثها) وكذا لو كانت
لكل منهم بينة بالملك والاستيداع أو الإعارة جميعا أخذ كل منهم ثلثها من كل من
الآخرين سدسها (3) وعلى تقديم بينة الداخل أقر في يد كل منهم ثلثها.
(الثالث: لو ادعى أحدهم الجميع، والثاني النصف، والثالث الثلث، ويدهم



(1) المبسوط: ج 8 ص 291.
(2) المغني لابن قدامة: ج 12 ص 179 - 180.
(3) كذا، والعبارة مشوشة، وصححت في المطبوع هكذا: أخذ كل منهم من كل منهم ثلثها ومن
كل من الآخرين سدسها.
206
عليها، فإن لم يكن بينة فلكل الثلث) الذي بيده (وعلى الثاني والثالث اليمين
للمستوعب) لأنه يدعي ما في أيديهما (وعليه) أي المستوعب (وعلى الثالث
اليمين للثاني) لادعائه على كل منهما نصف سدس، ولا يمين للثالث على أحد.
(وإن أقام المستوعب بينة أخذ الجميع) بلا يمين على ما سيأتي من
إسقاط بينة الداخل اليمين، وإلا فمع اليمين على ما في يده.
(وإن أقام الثاني أخذ النصف) مما في يد الآخرين، أو بإضافة نصفي
سدس يأخذهما من الباقيين إلى ما في يده (والباقي بين الآخرين نصفان)
لكل منهما سدس ونصف سدس (للمستوعب السدس بغير يمين، ويحلف
على نصف السدس) للثالث فإنه يدعيه الآن (ويحلف الثالث على الربع
الذي يأخذه جميعه) للمستوعب.
(وإن أقام الثالث أخذه) أي الثلث الذي بيده أو الذي بأيدي الباقيين
(والباقي بين الآخرين للمستوعب السدس بغير يمين، ويحلف على السدس
الآخر) للثاني، لأنه يدعيه الآن كله عليه (ويحلف الثاني على جميع ما يأخذه).
وكون الباقي بين الآخرين على هذين التقديرين مبني على ما سيأتي من إسقاط
بينة الداخل اليمين، وإلا فمن أقام بينة أخذ ما يدعيه مما في أيدي الباقيين، وبقي ما
في يده وباقي ما في أيديهما يتنازعان فيه، فما في أيديهما يقتسمانه كما ذكر، وما
في يد ذي البينة خارج عن أيديهما فيقرع ويحكم بكله أو بعضه لمن حلف منهما.
(وإن أقام كل بينة فإن قضي للداخل قسمت أثلاثا لأن لكل واحد
بينة ويدا على الثلث. وإن قضي للخارج سقطت بينة الثالث، لأنها داخلة)
محضة (وللثاني السدس، لأن بينته خارجة فيه) خاصة (وللمستوعب
خمسة أسداس، لأن له السدس بغير بينة، لأنه لا منازع له فيه، فإن أحدا
لا يدعيه، وله الثلثان) السدس بالبينة (لكون بينته خارجة فيهما) وهذا
يستلزم أن يأخذ الثاني كمال السدس من المستوعب، وهو مما لا ينبغي، بل يدعي

207
عليه نصف السدس وعلى الثالث نصف السدس.
فالظاهر ما ذكره بقوله: (ويحتمل أن يقال): أصل المسألة من ستة ليكون
لها نصف وثلث ولما احتيج إلى نصف السدس [وعلى الثالث نصف السدس] (1)
لأن الثاني يدعيه على كل من الباقيين رجعت إلى اثني عشر فيقول (2): (في يد
كل واحد الثلث أربعة من اثني عشر، فللمستوعب مما في يده ثلاثة بغير
منازع) فإن الثاني إنما ينازعه في نصف السدس (والأربعة التي في يد الثاني
لقيام البينة للمستوعب بها) لعدم نزاع الثالث فيها (وسقوط بينة الثاني
بالنظر إليها، لأنه) أي الثاني (داخل) بالنسبة إليها (وثلاثة مما في يد
الثالث) لأنه لا ينازعه فيها (3) الثاني (ويبقى واحد مما في يد المستوعب
للثاني، وواحد مما في يد الثالث يدعيه كل من الثاني والمستوعب)
وتعارضت فيه بينتاهما (فيقرع ويقضى للخارج) بالقرعة (بعد اليمين فإن
امتنع حلف الآخر) وقضي له (فإن امتنعا قسم) بينهما (نصفين فيحصل
للمستوعب عشرة ونصف، وللثاني واحد ونصف، ويسقط الثالث).
وإذا أريد الصحيح جعلت المسألة من أربعة وعشرين يكون للثاني منها ثلاثة
وهي ثمنها، والباقي للمستوعب. فلذا قيل: إنها يرجع إلى ثمانية (4).
(ولو كانت يدهم خارجة، فالنصف للمستوعب، لعدم المنازع ويقرع
في) النصف (الآخر، فإن خرجت للمستوعب أو للثاني حلف وأخذ، وإن
خرجت للثالث حلف وأخذ الثلث، ثم يقرع بين الآخرين في السدس)
فمن أخرجته حلف وأخذ.
(ولو أقاموا بينة) وتعارضت (فالنصف للمستوعب، لعدم المنازع،
والسدس الزائد يتنازعه المستوعب والثاني) وقد تعارضت فيه بينتاهما



(1) لم يرد في المخطوطات.
(2) في بعض النسخ: فنقول.
(3) في المطبوع: لا ينازعه في يد الثاني.
(4) انظر مسالك الأفهام: ج 14 ص 126.
208
(والثلث يدعيه الثلاثة، وقد تعارضت البينات فيه، فيقرع بين المتنازعين
فيما تنازعوا فيه، فمن خرج صاحبه حلف وأخذ، ويكون الحكم كما لو لم
يكن بينة) للتساقط بالتعارض.
(ولو نكلوا عن الأيمان) اقتسموا المتنازع فيه و (أخذ المستوعب
النصف) بلا نزاع (ونصف السدس الزائد عن الثلث) لوقوع النزاع فيه بينه
وبين الثاني خاصة و (ثلث الثلث) لوقوع النزاع فيه بين الثلاثة (و) أخذ (الثاني
نصف السدس وثلث الثلث، والثالث التسع) خاصة (فيخرج من ستة وثلاثين)
ليكون لثلثها ثلث ولسدسها نصف، فتضرب أولا ثلاثة في ثلاثة يكون تسعة لثلثها
ثلث وليس لها سدس فتضرب فيها وفق الستة وهو ثلثها يصير ثمانية عشر، لها سدس
ليس له نصف فيضرب فيها اثنين يكون ستة وثلاثين (للمستوعب خمسة
وعشرون) ثمانية عشر بلا نزاع وثلاثة نصف سدس الزائد وأربعة ثلث الثلث
(وللثاني سبعة، وللثالث أربعة) فإن نكل الخارج بالقرعة عن اليمين على الثلث
وحلف أحد الباقيين دون الآخر كان له الثلث، وإن حلفا اقتسماها نصفين. فهذا
الاحتمال مبنى على تساقط البينات بالتعارض فيكون الحكم كما لو لم يكن بينة.
(ويحتمل أن يقال): لا تتساقط البينات ولكن تعارضها كتعارض الأيمان
فيقسم ما تعارضت فيه بين المتنازعين من غير يمين، فيقول (1): (أقل عدد له ثلث
ونصف ستة) فأصل المسألة منها (فالثالث يدعي اثنين) منها (والثاني ثلاثة،
فتخلص ثلاثة للمستوعب بغير منازع، ويتنازع المستوعب والثاني في سهم
من الثلاثة الباقية) ولا نزاع فيه معهما للثالث (فيقسم بينهما) لتعارض
بينتهما نصفين، فلذلك (يضرب اثنين في ستة يصير اثني عشر، للمستوعب
ستة بغير منازع، والثالث لا يدعي أكثر من أربعة، فسهمان) من الستة
الباقية (بين المستوعب والثاني، يبقى أربعة يتنازع الثلاثة فيها بالسوية)



(1) في ل: فنقول.
209
فإن كلا منهم يدعيها كلها (فيقسم) بينهم (أثلاثا) لتعارض البينات (فيكمل
للمستوعب ثمانية وثلث، وللثاني اثنان وثلث، وللثالث واحد وثلث) وإن
أردنا تصحيح الثلث ضربنا الثلاثة في اثني عشر يكون ستة وثلاثين. وهذان
الاحتمالان على المشهور من القسمة على طريق النزاع وتداخل الدعاوي.
(وعلى العول للمستوعب ستة، وللثاني ثلاثة، وللثالث سهمان، فتصح
من أحد عشر) وإن كان لبعضهم بينة سقطت دعوى من لا بينة له إن لم يبق شيء
كان أقامها مدعي الكل أو هو ومدعي النصف، وإلا فالباقي لمن لا بينة له كان
أقامها مدعي النصف أو هو ومدعي الثلث.
(الرابع: لو ادعى أحدهم الجميع، والثاني الثلثين، والثالث النصف)
وخرجت العين عن أيديهم أو تعارضت البينات وأعملنا ها (احتيج إلى حساب
له ثلثان ونصف وذلك ستة) فمنها أصل المسألة (فالثاني يدعي أربعة) منها
(والثالث ثلاثة، فلا منازعة لهما في سهمين) منها (فهما للمستوعب) بلا
منازع (بقي أربعة لا يدعي الثالث إلا ثلاثة، فيبقى سهم يتنازعه
المستوعب والثاني) خاصة (فيكون بينهما فينكسر، فيضرب اثنين في
ستة فيصير اثني عشر، فالثاني لا يدعي أكثر من ثمانية) فضلا عن الثالث
(فتسلم أربعة للمستوعب) بلا منازع (والثالث لا يدعي أكثر من ستة،
فسهمان) من الثمانية (للمستوعب والثاني لكل منهما سهم، وبقيت ستة
استوت منازعتهم فيها) فكل يدعيها كلها (فلكل واحد سهمان،
فللمستوعب سبعة هي نصف ونصف سدس، وللثاني ثلاثة وهي ربع،
وللثالث سهمان وهي) كذا عن خطه أي هذه الحصة أو القطعة (سدس).
(وعلى العول يضرب المستوعب بالكل وهو ستة) أصل المسألة (والثاني
بالثلثين وهو) كذا عن خطه أي وهذا النصيب أو القسم أو الكسر (أربعة،
والثالث بالنصف وهو ثلاثة، فالجميع ثلاثة عشر) فيجعل المسألة منها

210
(للمستوعب ستة من ثلاثة عشر، وللثاني أربعة) منها (وللثالث ثلاثة).
(أما لو كانت يدهم عليها ففي يد كل واحد) منهم (الثلث، فيصح)
المسألة (من أربعة وعشرين لأنا نجمع بين دعوى المستوعب والثاني
على ما في يد الثالث، فالمستوعب يدعيه أجمع والثاني يدعي نصفه)
لأنه يدعي الثلثين وبيده ثلث فيدعى عليه وعلى المستوعب ثلثا آخر على كل
منهما سدسا، فإذا أقاما بينتين متعارضتين (فالنصف) مما في يد الثالث يسلم
(للمستوعب) بلا منازع (فصار) المال المتنازع فيه (أرباعا) لانقسام أحد
أقسامه الثلاثة نصفين فيضرب مخرج الثلث في مخرج الربع (فالجميع اثني
عشر) يخلص منها للمستوعب عند تعارض البينات سهمان من الأربعة التي في
يد الثالث، وينقسم السهمان الباقيان بينه وبين الثاني (ثم نجمع بين دعوى
المستوعب والثالث على ما في يد الثاني وهو الثلث) أربعة (من اثني
عشر فالمستوعب يدعيها، والثالث) يدعي (ربعها، فسلمت ثلاثة
للمستوعب) بينه بلا منازع، (وتنازعا في سهم فانكسر) عليهما لتعارض
بينتهما (فصار) المال (أربعة وعشرين في يد كل واحد ثمانية) ومنها
تصح. (ثم) نعود و (نجمع بين دعوى المستوعب والثاني على ما في يد
الثالث وهي ثمانية، فأربعة) منها (سلمت للمستوعب) ببينته (بلا
منازعة) مع الثاني (لأنه) أي الثاني (لا يدعي إلا ستة عشر من الجميع،
والثمانية) منها (في يده، وأربعة في يد المستوعب، وأربعة في يد الثالث)
ولا يدعي مما في يد الثالث إلا أربعة (والأربعة الاخرى) مما في يد الثالث
يقسم (بالسوية بينهما) لتعارض بينتهما (فحصل للمستوعب) مما في يد
الثالث (ستة، وللثاني) منها (سهمان. ثم نجمع بين دعوى المستوعب
والثالث في ما في يد الثاني، فالثالث) إنما (يدعي سهمين) منه فإنه يدعي
أربعة أسهم سهمين منه وآخرين مما في يد المستوعب (فستة) مما في يد الثاني

211
(سلمت للمستوعب) ببينته (وتنازعا) هو والثالث (في سهمين) منه
وتعارضت فيهما بينتاهما (فلكل سهم، فصار للمستوعب) مما في يد الثاني
(سبعة، وللثالث) منه (سهم. ثم نجمع بين دعوى الثالث والثاني على ما
في يد المستوعب وهو ثمانية، فالثاني يدعي أربعة) منها (والثالث
سهمين، فيأخذ الثاني أربعة، والثالث سهمين) بلا منازعة لأحد منهما مع
الآخر (ويبقى في يد المستوعب سهمان له).
(فحصل للمستوعب من) ما في يد (الثالث ستة، ومن) ما في يد
(الثاني سبعة، وبقي في يده سهمان، فالجميع خمسة عشر، وحصل للثالث
من الثاني سهم ومن المستوعب اثنان وذلك ثلاثة، وحصل للثاني مما في
يد الثالث سهمان ومن المستوعب أربعة وذلك ستة) وليس لأحد منهما في
يده شيء. هذا على المشهور مع تقديم بينة الخارج.
(وعلى العول نجمع بين دعوى المستوعب والثاني على ما في يد
الثالث، فالمستوعب يدعيه أجمع، والثاني يدعي نصفه، فيضرب هذا بسهم
وهذا بسهمين صار ثلاثة. ثم نجمع بين دعوى المستوعب والثالث على ما
في يد الثاني، فالثالث يدعي ربعه، والمستوعب كله، ومخرج الربع أربعة،
فيضرب هذا بسهم وهذا بأربعة فيصير ما في يده خمسة. ثم نجمع بين
دعوى الثالث والثاني على ما في يد المستوعب، فالثالث يدعي ربع ما في
يده، والثاني نصفه، والنصف والربع) كلاهما يخرج (من أربعة، فيجعل ما
في يده أربعة) فيكون مخرجها (فانكسر حساب العين على الثلث والربع
والخمس) والنصف ولم يذكره لدخوله في الربع (فاضرب ثلاثة في أربعة،
وخمسة في المرتفع يبلغ ستين) فهي المخرج المشترك (ثم) اضرب
(ثلاثة في ستين، لأن في يد كل واحد الثلث) [ولابد لنا من عدد يكون

212
لثلثه ثلث] (1) (يبلغ مائة وثمانين، في يد كل واحد ستون، ثلث ما في يد
الثالث للثاني وهو عشرون، وثلثاه) وهي (أربعون للمستوعب، وخمس
ما في يد الثاني وهو اثنا عشر للثالث، وأربعة أخماسه للمستوعب) وهي
(ثمانية وأربعون، ونصف ما في يد المستوعب وهو ثلاثون للثاني، وربعه
خمسة عشر للثالث، بقي مما في يده خمسة عشر) يكون (له، فكمل
للمستوعب مائة وثلاثة، وللثاني خمسون، وللثالث سبعة وعشرون).
(الخامس: لو كانت في يد أربعة، فادعى أحدهم الكل، والثاني
الثلثين، والثالث النصف، والرابع الثلث، فإن لم يكن) لأحد منهم (بينة
فلكل الربع الذي في يده بعد التحالف) إن وقع الإحلاف.
(ولو كانت يدهم خارجة، فإن أقام أحدهم بينة حكم له) فإن بقي
منها شيء فهو لذي اليد أو لمن يصدقه أو لمن حلف، على ما تقدم من التفصيل.
(وإن أقام كل بينة خلص للمستوعب الثلث بغير مزاحم، ويبقى
التعارض بين بينة المستوعب والثاني في السدس) لا ينازعهما فيه أحد من
الباقيين (فيقرع بينهما بعد تساوي البينتين عدالة وعددا. ثم يقع التعارض
بين بينة المستوعب والثاني في السدس) لا ينازعهم فيه الرابع (فيقرع
بينهم فيه. ثم يقع التعارض بين الأربعة في الثلث) الباقي (فيقرع، ولا
يقضى للخارج) بالقرعة في شيء من ذلك (إلا مع اليمين) كما تقدم (فإن
نكل حلف الآخر، فإن امتنع قسما) ما تنازعا فيه (ولا استبعاد في حصول
الكل للمستوعب) بخروج القرعة له في المرات كلها (فإن) القرعة كاشفة عن
(حكمه تعالى) وحكمه تعالى (غير مخطئ) ولعل الاستبعاد مما قد يتمسك
به من يرى القسمة بتعارض البينات من غير قرعة.
(ولو نكل الجميع عن الأيمان قسم ما يقع فيه التنازع بين المتنازعين



(1) لم يرد في ق و ن.
213
في كل مرتبة بالسوية، ويكون الإقراع هنا في ثلاثة مواضع. أو نقول): قد
لا يحتاج إلى الإقراع ثلاثا بل (يأخذ المستوعب الثلث) بلا مزاحم (ثم يتقارع
الجميع في الباقي، فإن خرج المستوعب أو الثاني أخذه) فإن كلا منهما
يدعي كله (وإن خرج الثالث أخذ) منه (النصف وأقرع بين الثلاثة) الباقين
(في الباقي) وهو السدس، فمن خرج أخذه (وإن خرج الرابع أخذ الثلث
وأقرع بين الثلاثة) الباقين (في الثلث الباقي. وتصح المسألة من ستة
وثلاثين) فإنما نطلب عددا لسدسه نصف وثلث ليمكن قسمته على اثنين وعلى
ثلاثة فيضرب ستة في اثنين ثم اثنى عشر في ثلاثة (للمستوعب) على تقدير
نكول الجميع (عشرون) اثنى عشر بلا نزاع، وثلثه نصف السدس الذي ينازع
فيه هو والثاني، واثنان ثلث السدس المتنازع فيه بينهما وبين الثالث، وثلاثة ربع
الثلث الباقي. (وللثاني ثمانية، وللثالث خمسة، وللرابع ثلاثة) والكل ظاهر.
(ولو كانت في أيديهم ففي يد كل واحد الربع، فإذا أقام كل بينة
بدعواه فإن قضي للداخل فلكل الربع، لأن له) عليه (بينة ويدا، وعلى
القضاء للخارج يسقط بينة كل واحد بالنظر إلى ما في يده وتسمع فيما في
يد غيره فيجمع بين كل ثلاثة) منهم (على ما في يد الرابع وينتزع لهم،
و) طريق الانتزاع أن (يقضى فيه بالقرعة واليمين، ومع الامتناع) منها
(بالقسمة) كما عرفت (فيجمع بين المستوعب والثالث والرابع على ما في
يد الثاني وهو ربع اثنين وسبعين) لأنا نريد عددا يكون لربعه ثلث وتسع
ولتسع ربعه نصف كما يظهر، فيضرب مخرج الربع في تسعة يكون ستة وثلاثين
تسع ربعها واحد فيضربها في اثنين (وذلك) أي ربعها (ثمانية عشر،
فالمستوعب يدعيها والثالث يدعي ثلثها) فإنه يدعي النصف ستة وثلاثين
وبيده ثمانية عشر، فيدعي ثمانية عشر اخرى على الثلاثة على كل ثلثها.
(والرابع) يدعي (تسعها) فإنه يدعي الثلث أربعة وعشرين وبيده ثمانية عشر،

214
فيدعي ستة على الثلاثة على كل اثنين. (فيخلص للمستوعب عشرة) بلا نزاع
(ويتقارع المستوعب والثالث في ستة فيحلف الخارج) بالقرعة (أو
الآخر) إن نكل (أو يتقاسمان) إن نكلا. (ويتقارع المستوعب والرابع في
اثنين، ويحلف الخارج أو الآخر أو يقسم) الاثنان بينهما. (ثم يجتمع
دعوى الثلاثة على ما في يد الثالث، فالمستوعب يدعيه، والثاني يدعي
خمسة أتساعه) فإنه يدعي الثلثين ثمانية وأربعون وبيده ثمانية عشر، فيدعي
على الثلاثة الباقين ثلاثين على كل منهم عشرة وهي خمسة أتساع ثمانية عشر.
(والرابع يدعي تسعة) لما عرفت (فيخلص الثلث) وهو ستة
(للمستوعب، ويقارع الآخرين على ما ادعياه، فيحلف الخارج أو الآخر
أو يقسم) المتنازع فيه فعلى القسمة يقتسم المستوعب مع الثاني عشرة منها ومع
الرابع اثنين. (ثم يجتمع الثلاثة على ما في يد الرابع، فالمستوعب يدعيه،
والثاني يدعي خمسة أتساعه، والثالث يدعي ثلثه، يبقى تسعه): (اثنان)
يخلصان (للمستوعب ويقارع الباقيين على ما تقدم) من الخمسة أتساعه
والثلث. أو على الطريق المتقدم بأن يقارع الثاني ثم الثالث ويحلف الخارج أو
الآخر (فإن امتنعوا من الأيمان فالقسمة. ثم يجتمع الثلاثة على ما في يد
المستوعب، فالثاني يدعي خمسة أتساعه، والثالث ثلثه، والرابع تسعه)
وذلك ثمانية عشر (فيخلص عما في يده).
(فيكمل للمستوعب النصف): أربعة عشر مما في يد الثاني، واثنا عشر
مما في يد الثالث، وعشرة مما في يد الرابع. (وللثاني عشرون): خمسة مما في
يد الثالث، وخمسة اخرى مما في يد الرابع، وعشرة مما في يد المستوعب.
(وللثالث اثنا عشر): ثلاثة مما في يد الثاني، وثلاثة اخرى مما في يد الرابع،
وستة مما في يد المستوعب. (وللرابع أربعة): اثنان مما في يد المستوعب،
واثنان مما في يد الباقيين.

215
(هذا مع امتناع الخارج بالقرعة ومقارعته) جميعا (من اليمين) وإلا
فيزيد بالكل أو ينقص والكل ظاهر.
(السادس: لو انتهب الأبوان والزوج التركة وادعى كل على صاحبه
أخذ زيادة على حقه، فأمرهم الحاكم بأن يرد الزوج نصف ما معه، والأم
ثلث ما معها، والأب سدس ما معه، وقسم المردود بينهم بالسوية فوافق)
القسم من (المردود) الذي أصاب كلا (والمتخلف) معه (نصيبه، فطريق
معرفة قدر المال وقدر المنهوب وقدر نصيب كل واحد بحسب ما يستحقه:
أن نفرض منتهب الزوج شيئا، ومنتهب الأم دينارا، ومنتهب الأب درهما)
إذ لابد من كون منهوب الأب أقل من منهوب الأم ومنهوبها من منهوب الزوج
شيئا، فإن للزوج النصف، وللأم الثلث والباقي للأب و (هي) أي الشيء والدينار
والدرهم مجموعها (التركة كلها، والمردود نصف شيء وثلث دينار وسدس
درهم، فالراجع إلى الزوج) بعد قسمة المردودات بالسوية (سدس شيء
وتسع دينار وثلث سدس درهم) ويخلف معه نصف شيء (فيكمل معه ثلثا
شيء وتسع دينار وثلث سدس درهم) وهي (تعدل نصف التركة) لأنه
فرضه وهو نصف شيء ونصف دينار ونصف درهم (فإذا اسقط نصف الشيء
من الثلثين، وتسع دينار من نصفه، وثلث سدس درهم من نصفه، تخلف
سدس شيء يعدل) الباقي من الدينار والدرهم وكل منهما ثمانية عشر جزء لأن
الدينار له تسع ولتسعه نصف وللدرهم ثلث سدس والباقي (سبعة أجزاء من
ثمانية عشر جزء من دينار وثمانية أجزاء من ثمانية عشر جزء من درهم،
فالشئ الكامل يعدل) مضروب ستة في سبعة أجزاء من ثمانية عشر جزء من
دينار، وهو اثنان وأربعون يكون (دينارين وثلث دينار) ومضروب ستة في
ثمانية أجزاء من ثمانية عشر جزء من درهم (و) هو ثمانية وأربعون يكون
(درهمين وثلثي درهم، فالتركة) هي هذه ودينار ودرهم، والجميع (ثلاثة

216
دنانير وثلث دينار وثلاثة دراهم وثلثا درهم) ومنهوب الزوج ديناران وثلث
ودرهمان وثلثان، ومنهوب الباقيين معلوم، والمردود دينار ونصف ودرهم
ونصف، فإذا قسمت بينهم بالسوية رجع إلى كل منهم نصف دينار ونصف درهم،
فيكمل للزوج دينار وثلثان ودرهم وخمسة أسداس درهم، وذلك نصف التركة،
وللأم دينار وسدس ونصف درهم، وللأب درهم وثلث ونصف دينار.
(فإذا أردت معرفة نسبة الدرهم من الدينار) لتعرف أن التركة كم درهما
(قلنا: نصيب صاحب الثلث) وهي الأم كما عرفت (دينار وسدس دينار
ونصف درهم، يعدل ثلث التركة) وهو دينار وتسع ودرهم وتسعا درهم (وبعد
إسقاط المتكرر) وهو دينار وتسع ونصف درهم (يبقى) نصف تسع دينار
(جزء من ثمانية عشر جزء من دينار يعدل) نصف درهم وتسعى درهم، وذلك
(ثلاثة عشر جزء من ثمانية عشر جزء من درهم، فالدينار ثلاثة عشر درهما،
فالتركة سبعة وأربعون درهما) نهب الأب منها درهما، والأم ثلاثة عشر،
والزوج ثلاثة وثلاثين، فرد الزوج ستة عشر ونصفا والأم أربعة وثلثا، والأب
سدسا، والجميع أحد وعشرون اقتسموها بالسوية، فكمل للزوج ثلاثة وعشرون
ونصف، وللأم خمسة عشر وثلثان، وللأب الباقي وهو سبعة وخمسة أسداس.
(الفصل الثاني في العقود)
(لو ادعى كل منهما الشراء من ذي اليد وإيفاء الثمن ولا بينة رجع
إليه، فإن كذبهما حلف لهما واندفعا عنه، وإن صدق أحدهما حلف للآخر
وقضي) بالعين (للأول، وللثاني إحلاف الأول أيضا) لادعائه عليه أيضا.
(وإن عاد وأقر للثاني بعد أن حلف) له ليسلم العين (للأول) وفي بعض
النسخ: الأول (أغرم للثاني القيمة) لإتلافه عليه (إلا أن يصدقه الأول)
فيرجع بها عليه، إلا إذا تلف العين فله الرجوع على أيهما أراد.

217
(ولو صدق كل واحد في النصف حكم لكل بالنصف، وحلف لهما)
ولو قال: لا أعلم لمن هي منكما تقارعا وقضي لمن خرج بالقرعة بعد اليمين.
(و) كذا (لو أقام كل منهما بينة على الشراء وتساويا عدالة وعددا
وتاريخا) وأطلقتا أو أطلقت إحداهما (حكم) بها (لمن يخرجه القرعة مع
يمينه) على المشهور أو لا معها على احتمال (ولا يقبل قول البائع
لأحدهما) لاعترافه بأنه ليس له عليها يد ملك وقيام البينة بذلك. ويحتمل
القبول فيكون المقر له ذا اليد، فيقدم بينته أو بينة الآخر على الخلاف. ويحتمل
الاقتسام للتعارض والتساقط فيحلف الثالث لهما أو أكذبهما إلى آخر ما مر.
(و) على القرعة (عليه إعادة الثمن على الآخر، إذ قبض الثمنين ممكن
فلا تعارض فيه) غاية الأمر فساد أحد البيعين أو انتفائه. (ولو نكل الخارج
بالقرعة احلف الآخر، فإن نكلا قسمت العين بينهما ورجع كل منهما بنصف
الثمن) لثبوت قبض الثالث ثمنين، إلا إذا اعترفا أو اعترف أحدهما أو شهدت
بينتاهما أو إحداهما بقبض المبيع، فمن قبضه من بائعه باعترافه أو بشهادة بينة لم
يكن له الرجوع عليه بشيء من الثمن، لثبوت استحقاقه له بالإقرار أو البينة، غاية
الأمر أنه اغتصب منه نصف العين بعد ذلك (ولكل منهما الفسخ) للشركة بناء
على أن التنزه عن اليمين عذر. ويحتمل العدم لأن لكل منهما إحراز الكل بيمينه.
ثم الخيار في الفسخ إنما يكون لهما إذا لم يدعيا قبض المبيع ولا شهدت به البينة
وإلا فلا خيار، فإن فسخا كانت العين للثالث، ويرجع كل منهما عليه بكمال الثمن.
(ولو فسخ أحدهما فللآخر أخذ الجميع) لانتفاء معارضة ذي اليد بالبينة
والآخر بالفسخ (والأقرب لزوم ذلك له) فليس له الفسخ، لانتفاء المقتضي
وهو التبعض بشركة الآخر. ويحتمل العدم ضعيفا استصحابا لما كان له من الخيار.
وعند الشيخ: إذا فسخ أحدهما بعدما تسلم الآخر النصف لم يكن للآخر

218
الجميع، لأن الحاكم قد قضى له بنصفها دون النصف الآخر فلا يعود إليه (1).
ولو أرخت البينتان تاريخين مختلفين حكم بها للسابق، وبالثمن للاحق، وإن
أمكن أن يكون باعها من الأول ثم اشتراها ثم باعها من الثاني، لحصول الجمع بين
البينتين ببيعها من الثاني وإن لم يشترها، لجواز بيع ملك الغير، لكن إذا لم يجزه
انفسخ واستقر عليه الثمن.
(ولو كانت العين) التي ادعيا شراءها من فلان (في يد أحدهما قضي)
بها (له مع عدم البينة) وعليه اليمين للآخر. (ولو أقاما بينة حكم للخارج
على رأي) وللداخل على قول.
(ولو) انعكست المسألة بأن (ادعى اثنان شراء ثالث من كل منهما) ما
في بيده من العين فأنكر (وأقاما بينة، فإن اعترف) بعد ذلك (لأحدهما قضي
له عليه بالثمن. وكذا لو اعترف لهما) بشرائه كلها من كل منهما (قضي)
عليه (بالثمنين).
(ولو أنكر واختلف التاريخ أو كان) كل من قولي البينتين (مطلقا أو
أحدهما قضي بالثمنين) أيضا لعدم التعارض، لجواز أن يكون اشتراها من الأول
ثم باعها ثم اشتراها من الثاني، والفرق بين المسألتين: أن الشراء لا يجوز لملك
نفسه، والبيع يجوز لملك غيره. واحتمل على إطلاقهما أو إطلاق إحداهما أن تكونا (2)
كما لو اتحد التاريخ لاحتمال الاتحاد وأصالة البراءة. وظاهر الشيخ التردد (3).
(ولو اتحد التاريخ تحقق التعارض لامتناع تملك اثنين شيئا واحدا)
بتمامه (دفعة، وامتناع إيقاع عقدين دفعة، فيحكم بالقرعة ويقضى لمن خرج
اسمه بعد اليمين. فإن) نكل حلف الآخر فإن (امتنعا قسم الثمن بينهما) أو
يقسم الثمن بلا قرعة، أو يحكم بسقوط البينتين على ما مر من الخلاف.



(1) المبسوط: ج 8 ص 282.
(2) في بعض النسخ: أحدهما أن يكونا.
(3) المبسوط: ج 8 ص 286.
219
(ولو ادعى أحدهما شراء المبيع من زيد والآخر شراءه من عمرو
وأنها) أي العين (ملكهما) وهذا القيد لجواز أن يكون اشتراها أحدهما للآخر،
وأن يكون باعها أحد البائعين وكالة عن الآخر أو فضوليا (و) ادعى كل منهما
(إقباض الثمن) البائع وكانت في يد البائعين أو أحدهما أو خامس (وأقاما
بينة متساوية عدالة وعددا وتاريخا تحقق التعارض، فيقضى بالقرعة
ويحكم للخارج) مع اليمين، فإن نكل حلف الآخر (فإن نكلا عن اليمين
قسم المبيع بينهما) وقد عرفت الوجوه (1) غير مرة. (و) إذا قسمت العين بينهما
(رجع كل منهما على بائعه بنصف الثمن) إن لم يدعيا قبض العين ولا
شهدت به بينتاهما (ولهما) حينئذ (الفسخ والرجوع بالثمنين) لتبعض
الصفقة. (ولو فسخ أحدهما لم يكن للآخر) هنا (أخذ الجميع لعدم رجوع
النصف) المفسوخ فيه (إلى بائعه) بل إلى بائع الآخر.
(ولو كانت العين في يدهما قسمت) مع تعارض البينتين أو فقدان البينة
مع التحالف أو نكولهما (2) ورجع كل بنصف الثمن، ولهما الفسخ بالشرط المذكور،
وكذا لو كانت في أيديهما في المسألة المتقدمة.
(ولو كانت في يد أحدهما قضي له) ببينته (أو للخارج على الخلاف)
ورجع الآخر على بائعه بالثمن إلا إذا اعترف أو شهدت بينته بقبضه العين.
(وكذا لو كانت في يد البائع) المصدق لمدعي الشراء، فإن كانت بيد أحدهما
فمدعي الشراء منه ذو اليد فيقضى له ببينته أو للخارج على الخلاف، وإن كانت
بأيديهما وصدق كل منهما مشتريه فكلاهما ذو اليد فيقسم بينهما عند التعارض.
(ولو ادعى شراء عبد من صاحبه، وادعى العبد العتق) وكان في يد
السيد أو ثالث أو لا يد عليه (قدم قول السيد مع اليمين) إذا لم تكن بينة، فإن



(1) في المطبوع و ق و ل زيادة: الاخرى.
(2) في المطبوع مكان " أو نكولهما ": إن وقع الإحلاف.
220
كذبهما حلف لكل منهما وكان العبد ملكا له، وإن كذب أحدهما وصدق الآخر
حلف لمن كذبه. كذا في التحرير (1). وهو ظاهر الكتاب.
والحق ما في المبسوط: من أنه إن صدق المشتري لم يحلف للعبد، لأنه لو أقر
بعد ذلك بالعتق لم يقبل لكونه إقرارا في حق الغير ولم يلزمه غرم، وكذا إن صدق
العبد لم يحلف للمشتري، لأنه لو صدقه بعد ذلك فقد اعترف بالإتلاف قبل
الإقباض وهو كالآفة السماوية في انفساخ البيع به (2). نعم إن ادعى عليه قبض
الثمن حلف له إن أنكره. وإن كان في يد المشتري قدم قوله مع اليمين.
(ولو) كان في يد البائع و (كذبهما وأقاما بينة حكم للسابق) إن أرخت
البينتان تاريخين مختلفين. (فإن اتفقتا) في التاريخ أو الإطلاق أو أرخت
إحداهما واطلقت الاخرى تعارضتا (فالقرعة) على المختار (مع اليمين) على
من أخرجه، فإن نكل حلف الآخر (فإن امتنعا) انقسم العبد بين نفسه والمشتري
و (تحرر نصفه، وكان الباقي لمدعيه) بالشراء (ولو فسخ) لتبعض الصفقة
(عتق كله) لزوال المزاحم وشهادة البينة بعتق كله مع السراية إن انعتق النصف.
وفيه وجه آخر. ولو أجاز المشتري (و) لم يفسخ كان (الأقرب تقويمه على
بائعه) إن كان مؤسرا (لشهادة البينة بمباشرة عتقه).
لا يقال: البينة شهدت بإعتاقه كله. لأنا نقول: مقتضى تعارض البينتين ثبوت
مباشرة عتق النصف خاصة.
ويحتمل العدم بناء على وقوع العتق قهرا لأن البينة إنما شهدت بعتق الكل ولم
يعمل بمقتضاها وإنما حكم بعتق النصف حكما قهريا للتعارض وهو ضعيف، أو
لأن الواقع إما عتق الكل أو البيع أو عدمهما، وعلى كل فلا معنى للسراية. ويندفع
بابتناء الأحكام على الظواهر التي يقتضيها الشرع وهو هنا عتق النصف.
(ولو كان العبد في يد المشتري، فإن قدمنا بينة الداخل حكم له، وإلا



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 202.
(2) انظر المبسوط: ج 8 ص 287.
221
حكم بالعتق، لأن العبد خارج).
وإن كان في يد البائع فصدق المشتري فهل الحكم كما لو كان في يد المشتري؟
لا ثبوت زوال يده عنه شرعا إلا أن يتصادق هو والمشتري على نيابته عنه. وفي
المبسوط عن بعض العامة: بناء على تقديم بينة الداخل تقديم بينة العبد، لأن يده
على نفسه، قال: وهذا ليس بصحيح لأنه لا يكون يده على نفسه، بدليل أنهما لو
تنازعا عبدا لا يد لواحد منهما عليه فأقر بنفسه لأحدهما لم يرجح بذلك قوله، ولو
كانت يده على نفسه لسمع هذا، قال: وقال بعضهم: يكون يد الحر على نفسه، وقال
آخرون: لا يكون يد العبد ولا يد الحر على نفسه، لأن اليد إنما تثبت على مال أو
في ما معناه والحر ليس كذلك (1).
(ولو اختلف المتآجران في قدر الأجرة حكم لأسبق البينتين) تاريخا،
لاستلزام ثبوت مقتضاهما بطلان المتأخر (2) (فإن اتفقتا) أو اطلقتا أو أطلقت
إحداهما (قيل) في المبسوط: (يقرع) (3) للتعارض، لشهادتهما بعقدين
متخالفين يكذب كل منهما الآخر كالشهادة بعقدين على جنسين كدينار ودرهم
فإن استئجار عين بألف في وقت يناقض استئجارها بألفين في عين ذلك الوقت،
كما أن استئجارها بدرهم في وقت ينافي استئجارها بثوب في الوقت بعينه،
بخلاف ما إذا شهدت بينة بأن عليه ألفا وأخرى بأن عليه ألفين، أو بينة بأنه أبرأه
من ألف وأخرى بأنه أبرأه من ألفين.
(وقيل) في السرائر (4): (يحكم ببينة المؤجر) المدعي للزيادة (لأن
القول قول المستأجر) إذا لم تكن بينة، لأصل البراءة من الزائد، فالبينة بينة
المؤجر، وعلى هذا لو أقام المستأجر بينة خاصة لم تسمع، وعلى الأول تسمع.



(1) المبسوط: ج 8 ص 286.
(2) في ل بدل " المتأخر ": الآخر، والمناسب: المتأخرة.
(3) المبسوط: ج 8 ص 264.
(4) انظر السرائر: كتاب المتاجر والبيوع ج 2 ص 464.
222
وإن لم تكن بينة فعند ابن إدريس يحلف المستأجر (1) وهو خيرة إجارة الكتاب (2)
والتحرير (3) والمختلف (4) والإرشاد (5) والتلخيص (6) والتبصرة (7) والتذكرة (8)
ونسبه فيها إلى علمائنا.
وقال الشيخ في المبسوط (9) بالتحالف وثبوت أجرة المثل إن مضت المدة أو
لما مضى من المدة إن وقع في الأثناء، وإن وقع عقيب العقد انفسخ بحكم الحاكم ظاهرا
وأخذ المؤجر عينه والمستأجر أجرته إن أداها. وفي الخلاف بالقرعة واليمين (10).
(ولو ادعى استئجار دار شهرا بعشرة وادعى المؤجر أنه آجره بيتا
منها ذلك الشهر بعشرة) أو ادعى استئجارها شهرين بعشرة والمؤجر شهرا بها
(ولا بينة فقد اتفقا في صفة العقد إلا أنهما اختلفا في قدر المكترى) أو
زمان الاكتراء (فيتحالفان) على قول الشيخ في المبسوط (11) وعلى المستأجر
أجرة المثل ولما مضى، وهو الذي قربه في إجارة الكتاب (12) والتحرير (13) (أو
نقول) كما في الخلاف (14) (بالقرعة لأن كلا منهما مدع) لعقد مخالف لما
يدعيه الآخر ويحلف من أخرجته. (أو نقول) على قول ابن إدريس (15):



(1) انظر السرائر: كتاب المتاجر والبيوع ج 2 ص 464.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الإجارة ج 2 ص 308.
(3) تحرير الأحكام: كتاب الإجارة ج 3 ص 131.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الإجارة ج 6 ص 150.
(5) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 151.
(6) تلخيص المرام " سلسلة الينابيع الفقهية ": ج 37 ص 298.
(7) تبصرة المتعلمين: كتاب الإجارة ص 100.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الإجارة ج 2 ص 330 س 23.
(9 و 11) المبسوط: ج 8 ص 263.
(10) الخلاف: كتاب المزارعة ج 3 ص 521 المسألة 10.
(12) قواعد الأحكام: كتاب الإجارة ج 2 ص 308 - 309.
(13) تحرير الأحكام: كتاب الإجارة ج 3 ص 131 - 132.
(14) الخلاف: كتاب المزارعة ج 3 ص 521 المسألة 10.
(15) راجع السرائر: كتاب المتاجر والبيوع ج 2 ص 477 أيضا.
223
(القول قول المؤجر، لأن المستأجر يدعي إجارة في الزائد على البيت)
أو المدة (والمؤجر ينكره فيقدم قوله).
(ولو أقام أحدهما بينة حكم بها) إلا على الوجه الثالث إذا أقامها المؤجر.
(ولو أقاما بينة تعارضتا) على قول الشيخ (1) (سواء كانتا مطلقتين أو
مؤرختين بتاريخ واحد أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة، لامتناع عقد
واحد على البيت) وحده (والدار في زمن واحد) وكذا على الدار شهرا أو
شهرين في زمن واحد (فيقرع بينهما) ويحكم بالقرعة مع اليمين، فإن نكلا
فالظاهر أن البيت لما اتفقا على إجارته فهو في إجارته إلى أن تمضي المدة
ويقتسمان الباقي نصفين ويسقط من الأجرة بالنسبة. وكذا مع الاختلاف في
الزمان يقتسمان شهرا من الشهرين فيكون الدار عند المستأجر شهرا ونصفا
ويسقط من الأجرة ربعها. وإن كان النزاع أو رفعه بعد مضي المدة وتصرف
المستأجر في تمام الدار أو تمام الشهرين ثبت للمالك في نصف غير البيت أو
نصف شهر أجرة المثل. (أو) نقول: لا تعارض بناء على قول ابن إدريس (2) بل
(يحكم ببينة المكتري لأنها تشهد بزيادة).
(ولو) أرختا و (اختلف التاريخ حكم للأقدم) لأنه يبطل المتأخر (لكن
إن كان الأقدم بينة البيت حكم بإجارة البيت بأجرته) وهي هنا العشرة (وبإجارة
بقية الدار بالنسبة من الأجرة) عملا بالبينتين وحكما بوقوع الإجارتين، لكن
الثانية تبطل في البيت ويسقط ما بإزائه من الأجرة ويصح في الباقي بالباقي منها.
قال الشهيد: ويحتمل الحكم بصحة الإجارتين مع عدم التعارض، لأن الاستئجار
الثاني يبطل ملك المستأجر فيما سبق (3).
وكذا إن كان الأقدم بينة الشهر حكم بإجارة الدار شهرا بالعشرة وشهرا



(1) المبسوط: ج 8 ص 263 - 264.
(2) راجع السرائر: كتاب المتاجر والبيوع ج 2 ص 464 أيضا.
(3) الدروس الشرعية: ج 2 ص 107 درس 143.
224
بخمسة لبطلان الإجارة الثانية بالنسبة إلى شهر وسقط ما بإزائه من العشرة.
(ولو ادعى كل واحد على ثالث ألفا من ثمن دار في يده فلا تعارض)
اطلقتا أو أرختا (ويثبت لكل واحد ألف في ذمته إلا أن يعينا) هما أو
بينتاهما (وقتا يستحيل فيه تقدير عقد من متعاقدين) فيتحقق التعارض.
وفيه: ما مر من الأقوال، والمختار القرعة والحكم بها مع اليمين، فإن نكلا
قسم الثمن بينهما إن اتحد الجنس، وإلا كان لكل منهما نصف ما يدعيه من الثمن.
وقد يحتمل ذلك مع الإطلاق بناء على احتمال اتحاد التاريخ وأصل براءة ذمة
المشتري من ثمنين.
(ولو ادعى استئجار العين، وادعى المالك الإيداع) فكل منهما يدعي
عقدا مخالفا لما يدعيه الآخر وإن تضمن الأول تسلط ذي اليد على المنافع دون
الثاني، فإذا أقام كل منهما بينة (تعارضت البينتان، وحكم بالقرعة) واليمين
(مع تساويهما) فيما عرفت، ومع نكولهما يقتسمان المنافع باقتسام المدة أو
العين في تمام المدة، والأقوى أن القول قول المالك والبينة بينة الآخر، للاتفاق
على أن العين مع المنافع ملك له فمن يدعي الاستئجار يدعي تمليكه المنافع وهو
ينكره، وقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في الثوب يدعيه الرجل في يدي رجل
فيقول الذي هو في يديه: هو لك عندي رهن، ويقول له الآخر: هو لي عندك
وديعة، قال: القول قوله، وعلى الذي هو في يديه البينة أنه رهن عنده (1). ويحتمل
العكس بعيدا بناء على أنه ذو يد واليد كما ترجح ملك العين ترجح ملك المنفعة.
(الفصل الثالث في الموت وما يتعلق به)
(لو خلف المسلم ابنين فاتفقا على تقدم إسلام أحدهما على الموت وادعى
الآخر مثله وأنكر الأول) أرخا الموت أو لا (حلف المتفق عليه) لأنه



(1) دعائم الإسلام: ج 2 ص 526 ح 1872.
225
المدعى عليه الشركة في الميراث ومعه أصل الاستصحاب (أنه لا يعلم تقدم إسلام
أخيه) لأنه يحلف على فعل الغير ولا حلف إذا اعترف الآخر بعدم علمه بحاله.
(وكذا لو كانا مملوكين واتفقا على سبق حرية أحدهما واختلفا في الآخر)
ولو لم يكن قوله: " كانا مملوكين " كان أشمل لكن لم يكن بد من التعرض لرق الآخر.
ولو اتفقا على أن أحدهما لم يزل مسلما أو حرا واختلفا في الآخر فالقول
قول الآخر لأصل الإسلام والحرية والإرث، ويحلف على أن الموت لم يسبق
إسلامه أو حريته. وكذا لو ادعى كل منهما ذلك وأنكر الآخر.
نعم إن كانت الدار دار كفر وكان إسلام المورث مسبوقا بكفره احتمل ترجيح
الظاهر على الأصل، فلا يرث المختلف فيه ما لم يعلم انتفاء المانع من إرثه بالبينة.
ولو ادعى المختلف فيه علم الآخر بحاله كان له إحلافه على نفيه.
ولو اتفقا على كفر كل منهما أو رقيته زمانا وادعى كل منهما سبق إسلامه أو
حريته على الموت وأنكر الآخر ولم تكن بينة ولا ادعى أحدهما العلم على الآخر
أو ادعاه فحلف على العدم لم يرث أحد منهما، لأنه لا إرث ما لم يثبت انتفاء المانع،
ولا مجال هنا للحلف، لأن كلا منهما مدع لزوال المانع عن نفسه، وأما إنكاره ففي
الحقيقة إنكار لعلمه بزوال المانع عن الآخر، ولا يفيد الحلف عليه، بل خصمهما حقيقة
هو الوارث المسلم، فإن كان غير الإمام حلف على عدم العلم بزوال المانع عنهما.
(ولو اتفقا على أن أحدهما أسلم) أو أعتق (في شعبان والآخر في
رمضان، ثم ادعي المتقدم سبق الموت على رمضان والمتأخر تأخره) عنه
(قدم أصالة بقاء الحياة) على أصل بقاء المانع، أو من له ذلك الأصل على
الآخر وهو أولى، إذ لا مجال هنا لبقاء المانع (واشتركا في التركة) وكل من
أقام منهما بينة على دعواه ثبتت، ولو أقاما تعارضت البينتان للتناقض.
وربما يحتمل ضعيفا تقديم مدعي التقدم، لاشتمال دعواه على زيادة، وتقديم
مدعي التأخر، لجواز أن يكون قد أغمي عليه أولا فتوهم الموت. نعم لو صرحت

226
هذه البينة بالإغماء أولا لا إشكال في تقديمها، كما أنه لو صرحت الاخرى بأنه قد
مات ولم يعلم بموته إلا بعد رمضان مثلا لم يكن إشكال في تقديمها.
(ولو ادعت الزوجة إصداق عين أو شراءها (1) وادعى ابن الميت
الإرث) فالقول قوله، وعليه أن يحلف على نفي العلم إن ادعته عليه، وعليها
البينة، فإن أقاما بينة (حكم لبينة المرأة) قدمنا بينة الخارج أو الداخل،
لشهادتها بما يمكن خفاؤه على الاخرى. نعم إن أرخت الإصداق أو الشراء
فشهدت الاخرى بتقدم الموت تعارضتا، ولا فرق بين أن تكون العين في أيديهما
أو في يد أحدهما أو أجنبي، لاعترافهما بكونها للمورث في الأصل والأصل
بقاؤها على ملكه إلى الموت. [نعم إن كانت بيد المرأة في حياة الزوج إلى موته
فالقول قولها مع اليمين إن لم يكن للابن بينة باعترافها له] (2).
(ولو قال) لعبده: (إن قتلت فأنت حرف أقام الوارث بينة أنه مات حتف
أنفه و) شهدت (بينة العبد أنه قتل فالأقرب) وفاقا لابن إدريس (3) (تقديم
بينة العبد للزيادة) على الاخرى، فإن القتل موت بوجه خاص. هذا إن لم يتعارضا،
وإن تعارضتا ففي المختلف: أنه كذلك من حيث إن العبد خارج مدع (4). وفي التحرير (5):
أن الوجه التعارض والحكم بالقرعة، وهو الموافق للمبسوط (6) والخلاف (7).
(ولو ادعى عينا في يد غيره أنها له ولأخيه الغائب إرثا عن أبيهما،
وأقام) عليه (بينة كاملة) أي ذات معرفة متقادمة وخبرة باطنة (وشهدت
بنفي غيرهما) أو بنفي العلم بغيرهما مع علم الحاكم بكمالها (سلم إليه
النصف) بلا إشكال (وكان الباقي في يد من كانت الدار) مثلا (في يده)



(1) في ل زيادة: من الزوج.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في ق و ن.
(3) السرائر: ج 2 ص 174.
(4) مختلف الشيعة: ج 8 ص 379.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 210.
(6) المبسوط: ج 8 ص 173.
(7) الخلاف: ج 6 ص 253 المسألة 5.
227
حتى يعود الغائب، وفاقا للمبسوط (1) والشرائع (2) لأنها يد مسلم والأصل عدم
التعدي وعدم وجوب الانتزاع.
(وقيل) في الخلاف: ينتزع و (يجعل في يد أمين حتى يعود) (3) لأن
الحاكم ولي الغائب، ولأنه بإنكاره سقط عن الأمانة، ولأن الدعوى للميت والبينة
له ولذا يقضى منها ديونه وينفذ وصاياه. وهو خيرة المختلف (4).
(ولا يلزم القابض للنصف إقامة ضمين) لئلا يظهر وارث غيرهما لثبوت
الانحصار بالبينة. (ولو لم تكن) البينة (كاملة وهي ذات المعرفة المتقادمة
والخبرة الباطنة و) إنما (شهدت أنها لا تعلم وارثا غيرهما) وكذا إن كانت
ذات معرفة وخبرة كاملتين لكن لم يشهد بالنفي ولا بنفي العلم (أخر التسليم)
إلى الحاضر (إلى أن يستظهر الحاكم في البحث عن نفي غيرهما بحيث لو
كان لظهر، وحينئذ يسلم إلى الحاضر نصيبه بعد التضمين استظهارا) دون
التكفيل فإنه لا يكفي لإمكان الإتلاف والإعسار، وهذا مبني على جواز ضمان
العين والمجهول القدر. واكتفى ابن حمزة بالكفيل (5).
(ولو كان) المدعي الحاضر (ذا فرض) لا ينقص أبدا (أعطي) فرضه
كاملا، وإن كان ذا فرض ينقص بوجود وارث أعطي (مع اليقين بانتفاء الوارث
نصيبه) الأعلى (تاما. وعلى التقدير الثاني) وهو انتفاء اليقين (يعطيه
اليقين) وهو نصيبه (إن لو كان وارث (6)) ينقص من فرضه (فيعطى الزوج)
مثلا (الربع والزوجة ربع الثمن معجلا من غير تضمين) وفي إعطاء ربع
الثمن إشكال، لإمكان إرث أكثر من أربع زوجات بأن كان طلق أربعا وتزوج أخر
في المرض. ولعله يندفع بالإعراض عن الفروض النادرة وإلا لم يتعين لها شيء،



(1) المبسوط: ج 8 ص 274.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 120.
(3) الخلاف: ج 6 ص 341 المسألة 12.
(4) مختلف الشيعة: ج 8 ص 447.
(5) الوسيلة: ص 225.
(6) في بعض نسخ القواعد: وارثا.
228
لعدم انحصار الزوجات الممكنة في عدد (وبعد البحث) واليأس من وجود
وارث آخر (تتم الحصة) العليا (مع التضمين).
(ولو كان الوارث محجوبا) عن الإرث بالكلية بوارث آخر (كالأخ
أعطي مع البينة الكاملة) الشاهدة بعدم الحاجب أو العلم به. (ولو كانت غير
كاملة أعطي بعد البحث والتضمين) ولم يعط قبل ذلك شيئا. وحكم الدين
حكم العين في جميع ذلك، إلا في وجوب انتزاع حصة الغائب، فقد يقال بالعدم.
والفرق بأن الأحوط هنا العدم، لأنه لا يتلف ما لم ينتزع لتعلقه بالذمة، وبأن العين
شيء واحد شهدت بها البينة والدين حقوق متفرقة بعدد مستحقيه (1) ويفارقها أيضا
في أنه لا يكفي في العين تصديق صاحب اليد في الانحصار ويكفي في الدين،
فإذا صدقه أعطي نصيبه كاملا من غير بحث أخذا بإقراره.
(ولو) خلفت امرأة أخا وزوجا و (ادعى الأخ موت الزوجة بعد
الولد) ليرث من تركتها المشتملة على بعض تركة الولد (و) ادعى (الزوج)
موتها (قبله) ليحوز تركتها ولم يتفقا على وقت لموت أحدهما (قضي لذي
البينة فإن) أقاما وتعارضتا فالحكم ما تقدم، وإن (فقدتا) وتحالفا (لم ترث
الأم من الولد) شيئا، لأن القول في تركته قول الأب (ولا العكس) لأن القول
في تركتها قول الأخ، لأصل الحياة وعدم الانتقال (2) (ويحكم بتركة الولد
للأب، وتركة الأم بين الزوج والأخ) [نصفين لا أرباعا، لأنه لم يتعارض في
النصف يمينان (3) كما لم يتعارض في تركة الولد يمينان (4) فإن الزوج يدعيه لتقدم
موت الزوجة فإذا حلف الأخ تعين له] (5).
(وإذا ثبت عتق عبدين) في المرض (ببينتين كل واحد ثلث مال
المريض) ولم يؤرخا فلم يعلم السابق، أو أرختا فثبت عتقهما (دفعة، قيل) في



(1) في ن بدل " مستحقيه ": الديان.
(2) في ن و ق: لأصل عدم الانتقال.
(3 و 4) في المطبوع بدل " يمينان ": عينان.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في ن و ق.
229
المبسوط (1): (يقرع ويعتق من يخرجه القرعة) خاصة بتمامه إن اتفقا قيمة
بعد اليمين إن ادعيا السبق، فإن نكل حلف الآخر فإن نكلا تحرر النصف من كل
منهما. (ولو اختلف قيمتهما أعتق المقروع) بتمامه إن لم يزد على الثلث
(فإن كان أكثر من الثلث عتق) منه (ما يحتمله) الثلث، وإن كان أقل كمل
الثلث من الآخر. والنسبة إلى القيل يشعر بالخلاف وهو متحقق عند العامة (2) فلهم
قول بأنه يعتق من كل منهما جزء مساو لما يعتق من الآخر ويكمل الثلث منهما.
فلو تساويا قيمة في الفرض عتق نصف كل منهما لتعلق العتق بكل منهما وانتفاء
المرجح من سبق ونحوه. والظاهر اتفاقنا على القرعة كما يظهر من الخلاف (3)
والمبسوط (4) والتذكرة (5). قال الشهيد: واحتمال إعمال البينتين فيقسم كما في
الأملاك باطل عندنا، للنص على القرعة في العبيد (6).
(وإن كان كل واحد) من العتقين (في مجلس) غير مجلس الآخر
(واشتبه السابق أقرع) بلا إشكال. و (لكن لو كان أحد العبدين سدس
المال) مثلا (ووقعت القرعة عليه عتق من الآخر نصفه) أيضا [إذا كان
ثلثه] (7) (ولو عرف السابق عتق) قطعا (وبطل الآخر) كلا أو بعضا.
(ولو شهد أجنبيان بوصية المعتق لأحدهما) بالعتق (وهو ثلث) أو
أقل (وشهد وارثان بأنه رجع عنه إلى آخر وهو ثلث أيضا) أو أقل (ففي
القبول) مع عدالة الجميع (نظر، للتهمة) اتفقت القيمتان أو اختلفتا، زادت
قيمة الأول على قيمة الثاني أو نقصت، لاحتمال تعلق الإرادة بالعين. وقبله
الشيخ (8) إذا اتفقت القيمتان أو زادت قيمة الثاني، وإن نقصت قبله فيما بإزائها من



(1) المبسوط: ج 8 ص 250.
(2) المغني لابن قدامة: ج 12 ص 195.
(3) الخلاف: ج 6 ص 290 المسألة 37.
(4) المبسوط: ج 8 ص 250.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الوصايا ج 2 ص 490 س 20.
(6) الدروس الشرعية: ج 2 ص 109.
(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في ن.
(8) انظر المبسوط: ج 8 ص 252.
230
الأول ورده في الباقي، فإن كان الأول ثلثا والثاني سدسا فشهادتهما بالنسبة إلى
الأول مقبولة في نصفه خاصة فيعتق نصفه. واستدل بأن البينة عادلة لا تجر نفعا ولا
تدفع ضررا إلا عند زيادة قيمة الأول فيتهم حينئذ بقدر الزيادة فترد بحسبها.
(ويحتمل) مع عدم القبول للتهمة أو الفسق (عتق ثلثي الثاني) أيضا إن
وافق الأول في القيمة [وكان كل منهما ثلث] (1) وانحصر الوارث في الشاهدين
(بالإقرار) كما في المبسوط (2) وغيره، لأن الإقرار لا ينحصر في لفظ، وهما
بشهادتهما أقرا على أنفسهما بخروج العبد الثاني عن ملكهما، وزعما بطلان ما
شهدت به البينة الأجنبية، وأن الأول كالتالف من التركة ظلما، فالتركة بزعمهما هو
الباقي بعد خروج الأول وثلثها ثلثا الثاني. وإن لم ينحصر الوارث فيهما فثلثا
نصيبهما منه. وإن تخالفت قيمة العبدين فبالحساب. ويحتمل أن لا يعتق من الثاني
شيء لتنافي الوصيتين فإذا حكم بصحة الأولى شرعا بطلت الثانية.
(ولو شهدت بينة أنه أوصى لزيد بالسدس وأخرى أنه أوصى لبكر
بسدس وثالثة بأنه رجع عن إحداهما) ولم يعين (احتمل بطلان
الرجوع) كما في المبسوط (3) (لإبهامه، و) احتمل (صحته) لتعين المشهود
له وقدر المشهود به له وإنما عرض الإبهام في الموصى له (فيقرع) لصحة إحدى
الوصيتين وبطلان الاخرى والاشتباه (أو يقسم) السدس بينهما لتساوي
نسبتهما إليه وانحصار المستحق فيهما وما فرضه من الوصية بالسدس أولى مما
فرضها غيره بالثلث، لعدم ظهور الفائدة فيه، لأنه على تقديري القبول وعدمه لا
يصح الوصيتان جميعا بل لابد من القسمة أو القرعة إن اتفقتا أو اشتبهت السابقة.
وعبارة الكتاب يحتمل شهادة الثالثة بأنه رجع عن إحداهما مبهمة، فيبتني
المسألة على أن الرجوع المبهم هل يصح؟ وهو الموافق لظاهر التحرير (4) ويمكن



(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في ن.
(2) انظر المبسوط: ج 8 ص 251.
(3) المبسوط: ج 8 ص 253.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 212.
231
بناء المسألة الأولى عليه بناء على أن إبهام الشاهد بمنزلة إبهام الموصي فإن الثابت
على التقديرين رجوع مبهم.
(ولو شهد اثنان بالوصية) بعين أو غيرها (لزيد وشهد من ورثته
عدلان أنه رجع عن ذلك وأوصى لخالد، فالأقرب عدم القبول، لأنهما
يجران نفعا من حيث إنهما غريمان) للمرجوع عنه لا سيما في العين، خلافا
للشيخ (1) فقبله لعدم التهمة، لخروج الموصى به عن التركة على كل تقدير.
(ولو شهد) اثنان بالوصية لزيد، وشهد (بالرجوع) لعمرو (شاهد
أجنبي حلف معه وثبت) له الموصى به بلا خلاف، بخلاف ما لو شهد اثنان لزيد
بالثلث وواحد بالثلث لعمرو واتفقت الوصيتان أو اشتبهت السابقة ففي
المبسوط (2): يقرع عندنا لتساوي الشاهدين والشاهد مع اليمين. ثم ظاهره أنه إن
أخرجت القرعة من حلف مع الشاهد لم يكن عليه يمين اخرى. وفي التحرير
ترجيح ذي الشاهدين من غير قرعة، لرجحانهما على الشاهد واليمين (3) كما
سيأتي وهو الموافق للشرائع (4) والجامع (5).
(الفصل الرابع في النسب)
(إذا تداعى اثنان ولدا لم يحكم) به (لأحدهما إلا بالبينة) ولا يكفي
تصديق الولد، ولا اعتبار عندنا بالقيافة.
(ولو وطئا معا امرأة في طهر واحد، فإن كانا زانيين لم يلحق الولد
بهما، بل إن كان لها زوج) يحتمل وطؤه لها (لحق به) فالولد للفراش
وللعاهر الحجر (وإلا كان ولد زنا) إن لم يطأها آخر بشبهة.
(وإن كان أحدهما زانيا) والآخر زوجا (فالولد للزوج).



(1) المبسوط: ج 8 ص 253.
(2) المبسوط: ج 8 ص 254.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 213.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 146.
(5) الجامع للشرائع: ص 535.
232
(وإن كان وطؤهما مباحا بأن تشتبه عليهما أو على أحدهما وكان
الآخر زوجا) أو بحكمه (أو يعقد) عليها (كل منهما عقدا فاسدا) مع
جهلهما بالفساد (ثم يأتي بالولد لستة أشهر) فصاعدا (من وطئهما ولم
يتجاوز أقصى) مدة (الحمل فحينئذ يقرع بينهما، فمن أخرجته القرعة
لحق به) إلا أن يعلم أيهما أسبق وطئا فيلحق بالأخير، للأصل، مع احتمال القرعة
وقد تقدم مثله في النكاح (سواء كانا مسلمين أو أحدهما أو كافرين،
وحرين كانا أو عبدين أو أحدهما) بالإجماع، خلافا للقطة المبسوط ففيه: أن
المسلم والحر أولى (1). وفي صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام): إذا وقع المسلم
واليهودي والنصراني على المرأة في طهر واحد أقرع بينهم فكان الولد للذي
يصيبه القرعة (2). وقد مضى في اللقطة تردد في ذلك (أو أبا وابنه) وإن كان
الأب أكمل واستلزمت بنوة الابن ولايته وولاية الأب جميعا عليه.
واعتبر الشافعي ومالك وأحمد القيافة، فإن لم يكن قافة أو اشتبه عليهم يترك
حتى يبلغ فيلحق بمن ينتسب إليه (3). وقال أبو حنيفة: ألحقته بهما ولا أريه القافة،
قال: ولا ألحقه بثلاثة (4) وألحقه أبو يوسف بثلاثة (5). وقال المتأخرون من الحنفية
يجوز الإلحاق بألف أب على قول أبي حنيفة (6). وألحقه بأمين أيضا إذا تنازعتا
واشتبه الأمر. ثم الحكم بالقرعة إذا حصل الاشتباه ولم يكن لأحدهما بينة أو
كانت لهما وتعارضتا.
(ولو كان مع أحدهما) خاصة (بينة حكم بها).
(ويلحق النسب بالفراش المنفرد) بأن ينفرد بوطئها وتكون هي زوجة



(1) المبسوط: كتاب اللقطة ج 3 ص 350.
(2) وسائل الشيعة: ج 17 ص 571 ب 10 من أبواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه ح 1.
(3) مغني المحتاج: ج 4 ص 488.
(4) راجع الحاوي الكبير: ج 17 ص 381.
(5) المغني لابن قدامة: ج 6 ص 402.
(6) راجع الخلاف: ج 6 ص 349 م 23، الحاوي الكبير: ج 17 ص 381، وفيهما: مائة أب.
233
أو ملك يمين له أو لمن حللها له، وفي حكمه الانفراد بالوطء شبهة (والدعوى
المنفردة) بأن يدعي وحده مجهول النسب ولا ينازعه فيه أحد (وبالفراش
المشترك) بأن يطأها اثنان فصاعدا في نكاح فاسد، أو أحدهما في نكاح فاسد
والآخر في صحيح أو بمجرد شبهة بلا نكاح، أو كانت أمة مشتركة بينهما، أو باعها
أحدهما من الآخر فوطأها قبل الاستبراء (والدعوى المشتركة) بأن يستلحق
مجهول النسب اثنان فصاعدا مع إمكان تولده منهما (ويقضى فيه) أي الفراش
المشترك أو الدعوى المشتركة (بالبينة، ومع عدمها) أو التعارض (بالقرعة)
عندنا خلافا لمن عرفته من العامة (1). ولا فرق عندنا بين الرجل والمرأة فلو
استلحقت امرأة مولودا، فإن لم ينازعها غيرها لحق بها، وإن تنازعت فيه امرأتان
لحق بذات البينة أو من أخرجتها القرعة.
(ولو وطئ الثاني بعد تخلل حيضة) بينه وبين وطء الأول (انقطع
الإمكان عن الأول) لأن الحيض علامة براءة الرحم في الشرع (إلا أن يكون
الأول زوجا في نكاح صحيح) [وإمكان الوطء فيها وبعدها، و] (2) لكون
الولد للفراش إلا أن يعلم الانتفاء، وتخلل الحيضة لا تفيد العلم به هنا لقوة الفراش.
(ولو كان) زوجا (في نكاح فاسد) ولم يظهر فساده للزوجين بعد
(ففي انقطاع إمكانه نظر): من تحقق الفراش ظاهرا، وانتفائه حقيقة.
(ومن انفرد بدعوى مولود صغير في يده لحقه) إلا أن يضر بغيره كأن
يكون معتقا ولاؤه لمولاه، فإن بنوته له يقتضي تقدمه على المولى في الإرث
(فإن بلغ وانتفى عنه لم يقبل نفيه) إلا ببينة، استصحابا لما ثبت شرعا ما لم
يطرأ مزيل له شرعا. وللعامة (3) فيه خلاف. وكذا لو أقر بالمجنون فأفاق وأنكر،



(1) المغني لابن قدامة: ج 6 ص 395 و 406، الشرح الكبير: ج 6 ص 403 و 412، الحاوي
الكبير: ج 17 ص 380.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في ل وفي ن شطب عليه.
(3) الحاوي الكبير: ج 17 ص 372 - 373.
234
وليس لأحد منهما إحلاف الأب، لأنه لو جحد بعد الإقرار لم يسمع.
(ولو ادعى نسب بالغ) عاقل (فأنكر لم يلحقه إلا بالبينة) فإن له
حينئذ منازعا ذا قول، خلافا للنهاية (1) كما مر إليه الإشارة في الإقرار (وإن
سكت لم يكن تصديقا) لأنه أعم.
(ولو ادعى نسب مولود على فراش غيره بأن ادعى وطء بالشبهة لم
يقبل وإن وافقه الزوجان، بل لابد من البينة على الوطء لحق الولد)
وادعائه خلاف الأصل والظاهر.
(ولو تداعيا صبيا وهو في يد أحدهما لحق بصاحب اليد خاصة على
إشكال) إن لم يعلم أن اليد يد التقاط، من الإشكال في أن اليد هل يرجح النسب
كما يرجح الملك وأما يد الالتقاط فلا يرجحه قطعا كما مر في اللقطة. نعم لو
استلحقه صاحب اليد ملتقطا أو غيره وحكم له شرعا لم يحكم للآخر إلا ببينة.
(ولو استلحق ولدا) وقال: إنه ولدي من زوجتي هذه (فأنكرت زوجته
ولادته، ففي لحوقه بها بمجرد إقرار الأب نظر): من كونه إقرارا في حق الغير
وهو الوجه وخيرة أبي علي (2) ومن أن إلحاقه به يقتضي تصديقه ولا جهة لتصديق
بعض من قوله وتكذيب بعض، وضعفه ظاهر.
(ولو بلغ الصبي بعد أن تداعاه اثنان قبل القرعة فانتسب إلى أحدهما
قبل) كذا في النافع (3) وهو موافق لقول الشافعية قالوا: ولا ينتسب بمجرد التشهي
بل يعول فيه على ميل الطبع الذي يجده الولد إلى الوالد والقريب إلى القريب بحكم
الجبلة (4). وفيه: أنه إقرار في حق الغير وهو المدعي الثاني، ولم نظفر بنص يدل على
قيام تصديقه مقام البينة أو القرعة. وفي التذكرة: وقول الشافعي: " أنه يحكم به لمن
يميل قلبه إليه " ليس بشيء، لأن الميل القلبي لا ينحصر في القرابة، فإن المحسن



(1) النهاية: ج 3 ص 272.
(2) نقله عنه في إيضاح الفوائد: ج 4 ص 399.
(3) لم نعثر عليه فيه صريحا راجع المختصر النافع: ص 234 - 235.
(4) المغني المحتاج: ج 4 ص 490.
235
يميل إليه الطبع وأن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء
إليها، وقد يميل إليه لإساءة الآخر إليه وقد يميل إلى أحسنهما خلقا وأعظمهما
قدرا أو جاها أو مالا، فلا يبقى للميل أثر في الدلالة على النسب (1) انتهى. (وإلا)
ينتسب إلى أحد منهما (أقرع إن لم ينكرهما معا) فإن أنكرهما لم يفد القرعة
بل يلحق بمن ينتسب إليه إذا صدقه على ما اختاره، وعلى ما ذكرناه يقرع للثلاثة
إذا صدقه الثالث، فإن أخرجته لحق به، وإلا وقف الأمر مجهولا، وإن كذبه وقف
مجهولا على القولين، وكذا إن أنكرهما ولم ينتسب إلى ثالث بعينه. (ولا يقبل
رجوعه بعد الانتساب) لأنه إنكار بعد الإقرار، ومخالفة لما ثبت شرعا.
(ولا اعتبار بانتساب الصغير) عندنا (وإن كان مميزا) كسائر أقاريره،
خلافا للشافعية (2) في وجه. (ونفقته قبل القرعة) بل قبل الثبوت شرعا
(عليهما، ثم يرجع من لم يلحقه القرعة) أو عجز عن الإثبات (به) ولا
رجوع في وجه للشافعية (3) لإقراره على نفسه باستحقاقه النفقة.
(ولو أقام كل من المدعيين بينة بالنسب) وتعارضتا (حكم بالقرعة)
عندنا للإشكال، ولا عبرة باليد. وللعامة قول بالرجوع إلى القافة (4) وآخر
بالإلحاق بهما (5).
(ولو أقام) أحدهما (بينة أن هذا ابنه، وآخر بينة أنها بنته، فظهر
خنثى، فإن حكم بالذكورية للبول) أو غيره (فهو لمدعي الابن، و) إن
حكم (بالأنوثية) فهو (لمدعي الأنثى) لأن كلا منهما لا يستحق إلا ما ادعاه،
وإن ظهر خنثى مشكلا أقرع.
* * *



(1) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 279 س 39.
(2) الحاوي الكبير: ج 8 ص 53.
(3) المجموع: ج 15 ص 305.
(4) الحاوي الكبير: ج 8 ص 54، المغني لابن قدامة: ج 6 ص 395 و 400.
(5) المغني لابن قدامة: ج 6 ص 400 - 401، المجموع: ج 15 ص 310.
236
(المقصد الثامن)
(في بقايا مباحث الدعاوي)
(وهي أربعة مباحث):
(الأول: ما يتعلق بالدعاوي)
وفيه مسائل:
الأولى: (من كان له حق عقوبة) على غيره (لم يكن له استيفاؤه بنفسه
بل يجب رفعه إلى الحاكم) فإنه الذي يقيم الحدود وفي القصاص خلاف يأتي.
(و) الثانية (لو لم يجد للجاحد) حقه من المال (مع عدم البينة) أو
ما يقوم مقامها، وبالجملة لمن يجوز المقاصة من ماله للعجز عن الإثبات شرعا
(إلا من غير الجنس) جازت المقاصة بعد التقويم بالقيمة العدل، ويتخير بين
التملك بالقيمة والبيع بالجنس وتملكه. وعند الشيخ: لابد من البيع، قال: ومن الذي
يبيع؟ قال بعضهم: الحاكم، لأن له الولاية عليه. وقال آخرون: يحضر عند الحاكم
ومعه رجل واطأه على الاعتراف بالدين والامتناع من أدائه. والأقوى عندنا: أن
له البيع بنفسه (1) انتهى. فإن أخذه (وهو أكثر من حقه) قيمة وكان له عليه مائة
فأخذ سيفا يساوي مائتين فتلف في يده بلا تفريط (لم يكن الزيادة مضمونة)



(1) المبسوط: ج 8 ص 311.
237
عليه لأنه أخذ بحق. ويحتمل الضمان لأنه أخذ بغير إذن المالك.
(ولو نقب الجدار ليأخذه لم يكن عليه أرش النقب) لاحتياجه إليه
(ولو كانت دراهمه صحاحا فوجد مكسرة فإن رضي جاز) ولا يجوز أخذ
الزائد في الوزن مع المساواة في القيمة، لأن العبرة بالجنس دون القيمة (ولو كان
بالعكس لم يجز) أخذها مقاصة للزيادة على حقه صفة، ولا بيعها بالمكسورة
بزيادة في الوزن للربا (بل يباع بالذهب) مثلا (ثم يشتري به مكسرة).
(ولو جحد من له عليه مثله جاز أن يجحد أيضا) لافتقار استخلاص
حقه إليه (وإن اختلف جنس الحقين ما لم يزد حق الجاحد، فيقر غريمه
بالباقي بعد إندار حقه أو قيمته) وله أن يحلف خصوصا إذا كفت نية التملك
وإن اختلف الجنس ولم يلزم البيع بالجنس.
(و) المسألة الثالثة: (إذا أقام المدعي البينة لم يكن للغريم إحلافه)
كما عرفت (إلا أن يقدم دعوى صحيحة كبيع أو إبراء أو علمه بفسق
الشهود على إشكال) في الأخير: من الفساد (1) وأن الحق لا يبطل ببطلان البينة،
ومن أنه ربما بطل به الحق بأن لم يكن له بينة اخرى وينكل عن اليمين المردودة.
(و) الرابعة: (لو قال: أقر لي، ففي السماع نظر، لأن الإقرار ليس
عين الحق) ولا يثبته إلا ظاهرا (والأقرب سماعة، لأنه وإن لم يكن عين
الحق فإنه ينفع فيه) شرعا.
(و) الخامسة: كأنه لا خلاف في أنه (ليس له الإحلاف على فسق
الشاهد أو القاضي) أي ليس له إحلافهما على نفي الفسق عن أنفسهما، لما فيه
من الفساد الظاهر (وإن نفعه تكذيبهم) أي القاضي والشهود (أنفسهم).
(و) السادسة: (لو ادعى إبراء المدعي احلف) إن لم يكن له بينة



(1) في المطبوع: في الفساد.
238
(قبل الاستيفاء) لتوقفه على ثبوت الحق مستمرا ولم يثبت. (ولو ادعى إبراء
موكله استوفى) إن عجز عن إثباته لثبوت الحق عليه، ودعواه دعوى على
الغائب وقد عجز عن إثباتها عليه (ثم نازع الموكل) إذا حضر. (ولا يسمع
قوله: " أبرأني عن الدعوى " إذ لا معنى للإبراء عن الدعوى) فإنها حق
متجدد كل حين ولا معنى للإبراء عما لم يثبت.
(و) السابعة: (في اشتراط تقييد دعوى العقد بالصحة نظر): من ظهوره
في الصحيح وكونه الأصل وقطع به في التحرير (1) ولذا يحمل عليه الإقرار، ومن العموم.
(و) الثامنة: (لو ادعى الصبي المميز الحرية لم تسمع) عندنا ولم
يحتج مدعي رقيته إلى بينة إذا لم يعارضه أحد. وللشافعية وجه (2) بالسماع (3)
(فإن بلغ) وادعاها (سمعت بيمينه ولا تأثير لليد) عليه - يد الالتقاط
كانت أو غيره - حتى لا يسمع دعواه إلا ببينة، للزوم الدور، إذ لا عبرة باليد، إلا
على المال ولا مال إلا مع الرقية (ولا) لزوم (4) (إبطال الدعوى السابقة) على
البلوغ وإن حكم بثبوت الرقية له شرعا فإنا إنما حكمنا بها لعدم المنازع فإذا ظهر
ببلوغه كشف عن عدم الثبوت، والأصل الحرية، فيحكم بها حتى يثبت خلافها
بالبينة. وفرق في التذكرة بين يدي الملتقط وغيره فلم يسمع دعواه بلا بينة إذا كان
ثبت عليه يد غير الملتقط، قال: لأنا قد حكمنا برقه في حال الصغر فلا يرفع ذلك
الحكم إلا بحجة، لكن له تحليف المدعي (5).
(و) التاسعة: (يجوز شراء العبد البالغ) من بائعه (مع سكوته) من
غير احتياج إلى الإقرار بالرق عملا بظاهر اليد، خلافا لأحد وجهي الشافعية (6).
(ولو ادعى الإعتاق لم تقبل) إلا بالتصديق أو البينة أو اليمين المردودة



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 155.
(2) في المطبوع بدل " وجه ": قول.
(3) انظر الحاوي الكبير: ج 17 ص 372.
(4) في ل بدل " لزوم ": يؤثر.
(5) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 282 س 28.
(6) لم نعثر عليه.
239
(بخلاف ادعاء الحرية في الأصل) فإنه يقبل مع اليمين وعلى البائع البينة إلا
مع اشتهار حاله بالرقية كتكرر بيعه في الأسواق.
(و) العاشرة: (يصح دعوى الدين المؤجل قبل الحلول) ليثبت في
الحال ويستوفي إذا حل، فإن الدعوى وثبوتها لا يستلزم الاستيفاء في الحال.
وللعامة قول بالعدم (1). وآخر بالسماع إن كانت له بينة وعدمه إن لم تكن (2).
(و) كذا يسمع (دعوى) الرقيق (الاستيلاد والتدبير) وإن تأخر ترتب
العتق عليهما كالدين المؤجل، ومن لم يسمعها فيه من العامة لم يسمعها فيهما (3).
(و) الحادية عشرة: (لو أمره ببيع ثوب قيمته خمسة بعشرة، فله أن
يقول) في الدعوى: (لي عليه ثوب إن) كان (تلف فعليه خمسة، وإن)
كان (باع فعشرة، وإن كان باقيا فرده) بعينه، (ويقبل) منه هذا (التردد
للحاجة) فإنه إنما يعلم أن له عليه أحد الثلاثة. وللعامة (4) وجه بأنه لابد من الجزم
فيفرد كل من الثلاثة بدعوى، فإذا ادعى أحدها وحلف الغريم ادعى ثانيها ثم ثالثها.
(البحث الثاني فيما يتعلق بالجواب)
وفيه مسائل:
الأولى: (لو قال: لي عن دعواك مخرج أو) قال: (لفلان علي أكثر
مما لك استهزاء فليس بإقرار) وكذا كل لفظ انضمت إليه قرينة الاستهزاء أو
الإنكار أو التعجب.
(و) الثانية: (لو قال) المدعي: (لي عليك عشرة، فقال: لا يلزمني
العشرة، لم يكفه الحلف) عليه (مطلقا بل يحلف: ليس عليه عشرة ولا شيء
منه، فإن اقتصر) على نفي العشرة (كان ناكلا عن اليمين فيما دون العشرة،



(1) الحاوي الكبير: ج 17 ص 293.
(2 و 4) لم نعثر عليه.
(3) الشرح الكبير: ج 12 ص 328 - 329.
240
فيحلف المدعي) اليمين المردودة (على عشرة إلا شيئا (1)) (2) ويستحقها
(إلا إذا أضاف) المدعي (إلى عقد مثل) أن قال: (بعته بخمسين فحلف)
المنكر (أنه اشترى لا بخمسين) أو لم يشتر بخمسين (فلا يمكنه) أي
المدعي (أن يحلف على ما دون الخمسين لمناقضة الدعوى). والفرق أن
الدعوى تتعلق هنا بالعقد وهو أمر واحد، وهناك تتعلق بكل جزء من أجزاء العشرة.
(و) الثالثة: (لو قال: مزقت ثوبي فلي عليك أرشه كفاه نفي الأرش،
ولا يجب التعرض لنفي التمزيق) لأن الأرش هو المدعى، ويجوز أن يكون
قد مزقه ولا يلزمه أرش، فلو أقر به أشكل عليه الأمر.
(وكذا لو ادعى) عليه (ملكا أو دينا كفاه) في الجواب (لا يلزمني
التسليم) وليس عليه أن يقول: لم أستدن أو ليس ملكا لك (لجواز أن يكون
الملك في يده) بإجارة أو رهن، ويخاف لو أقر من المطالبة بالبينة) ويتعذر أو
يتعسر، فإن أقام المالك البينة بالملك لزمه التسليم إلى أن يثبت الإجارة أو الرهن،
فإن لم تكن بينة بالملك وأراد المدعى عليه تقريره بما عليه (فحيلته أن يقول
في الجواب: إن ادعيت ملكا مطلقا) لم يتعلق به حق لي (فلا يلزمني
التسليم) أو كذبت (وإن ادعيت مرهونا عندي فاعترف) بالدين (حتى
أجيب) لعله يضطر إلى الإقرار بالدين. ولا يكفي هذا القول منه في الجواب، بل
إذا لم ينجع في المدعي وأصر على الإجمال في دعوى الملك أجبر على التصريح
بالإقرار، أو الإنكار (أو ينكر ملكه) فيقول: ليس هذا ملكا لك، وذلك (إن)
قدم هو الدعوى عليه بالدين و (أنكر دينه) وليس من الكذب في شيء إذا قصد
بذلك أنه ليس ملكا له مطلقا لتعلق حقه به، بل إذا كفى نية التملك في المقاصة نواه
ثم أنكر (كما لو ظفر بغير جنس حقه) من مال من جحده فأراد المقاصة به.



(1) كذا في بعض نسخ القواعد، وفي نسخ الكتاب: شيء.
(2) في ل زيادة: يعينه.
241
(و) الرابعة: (لو ادعى عليه عينا فقال: ليس لي، أو هو لمن لا اسميه،
طولب بالتعيين) فإن عين (وإلا لم ينصرف الخصومة عنه) بل أجبر على
الجواب إما بالاعتراف للمدعي أو تعيين من لم يعينه. قيل: أو بالادعاء لنفسه وقيل:
لا مجال له، لأنه اعترف أولا أنها ليست له، وهو الوجه. ويظهر التردد من المبسوط (1).
(ويحتمل أن) ينقطع الخصومة عنه و (يأخذه الحاكم إلى أن يقوم
حجة لمالك) لأنه صار مجهول المالك، لإقرار ذي اليد أنه ليس له، وعجز
المدعي عن الإثبات، وإمكان أن لا يعرف ذو اليد عين المالك فلا وجه لإجباره
على التعيين أو الاعتراف به للمدعي. (ولا يحتمل تسليمه إلى المدعي لدلالة
اليد) ظاهرا (على نفي ملكه) ومجرد الدعوى لا يوجبه.
(وإن قال) ذو اليد: هو (لفلان وهو حاضر، فإن صدقه انصرفت
الحكومة عنه و) لكن (للمدعي إحلاف المقر) على العلم (لفائدة الغرم لو
نكل أو اعترف له ثانيا) ونفاه الشيخ لعدم الفائدة (2). وبالجملة ففيه قولان
مبنيان على أنه لو اعترف ثانيا لغير من اعترف أولا فهل يغرم للثاني؟ فمن غرمه
حلفه على نفي العلم وغرمه مع النكول، ومن لا فلا. (ولو كذبه المقر له انتزعه
الحاكم إلى أن يظهر مستحقه) كما في المبسوط، لأن المقر لا يدعيه والمقر له
لا يقبله، ولا بينة للمدعي (3).
(ويحتمل) هنا (دفعه إلى المدعي) بلا بينة ولا يمين (لعدم المنازع)
له فيه. وثالث الأقوال عند العامة (4) أن يقال للمقر: إنك نفيت أن يكون لك، وقد
رده المقر له، فإما أن تقر به لمعروف لينصرف الخصومة إليه، أو تدعيه لنفسك وإلا
جعلناك ناكلا، وحلف المدعي واستحق. وضعفه ظاهر.
واحتمل في التحرير الترك في يد المقر إلى قيام حجة، لأنه أقر للثالث



(1) المبسوط: ج 8 ص 268.
(2 و 3) المبسوط: ج 8 ص 266.
(4) انظر الحاوي الكبير: ج 17 ص 322 - 323.
242
وبطل إقراره، فكأنه لم يقر (1).
وإن رجع المقر له عن إنكاره وصدق المقر في كونه له، ففي التذكرة: أن له
الأخذ عملا بإقرار المقر السالم عن إنكاره، لزوال حكمه بالتصديق الطارئ
فتعارضا وبقي الإقرار سالما عن المعارض (2). وتردد في التحرير (3).
وإن رجع ذو اليد فقال: غلطت بل هو لي، ففي الكتابين: عدم القبول (4)، بناء
على انتزاع الحاكم، لخروجه عن يده وأخذه بإقراره الأول.
(ولو أضاف إلى غائب) معروف، فإن رأى الحاكم انتزعه عن يده وحفظه
للمقر له، وإن رأى أبقاه في يده، وعليهما (انصرفت الحكومة عنه) في العين
(و) لكن (للمدعي إحلافه) على العلم بناء على التغريم (فإن امتنع حلف
المدعي): أنه ليس للمقر له، إن لم تكن بينة. (وهل) إذا حلف (ينتزع) له
(الشيء أو يغرم) له المقر مثله أو قيمته؟ (الأقرب الثاني) بناء على التغريم،
لأن إقراره لغيره بمنزلة الإتلاف، ولانصراف الحكومة عنه، والحكم بأن الغائب هو
المالك ظاهرا فلا ينتزع ملكه بنكول غيره أو باليمين التي ردها غيره. ويحتمل الأول
بناء على أن المدعي لا يوجه الدعوى إلى الغائب ليفتقر إلى بينة، وقد نكل ذو اليد
عن اليمين على عدم علمه بأنه للمدعي (5). وعلى هذا لا ينصرف عنه الحكومة في
العين وإن أبى عنه ظاهر العبارة (وعلى الأول إن رجع الغائب كان هو صاحب
اليد) رجع قبل الانتزاع أو بعده (فيستأنف الخصومة) معه إن صدق المقر.
(ولو كان للمدعي بينة فهو) أي القضاء له بالعين (قضاء على الغائب
يحتاج إلى يمين) أنه لم ينتقل عنه إليه بوجه، ثم إذا حضر الغائب كان على
حجته بجرح الشهود أو إثبات الانتقال ونحو ذلك. خلافا للشيخ (6) فلم يحوجه إلى
يمين تمسكا بأن الخصومة مع حاضر.



(1 و 3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 161.
(2) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 149 س 30.
(4) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 149 س 33، تحرير الأحكام: ج 5 ص 161.
(5) كذا، والظاهر: على علمه بأنه للغائب.
(6) المبسوط: ج 8 ص 267.
243
(ولو كان لصاحب اليد بينة على أنه للغائب سمعت إن أثبت وكالة
نفسه) عنه أو ولاية عليه إن كان صبيا أو مجنونا (وقدمت على بينة
المدعي) إن تعارضتا (إن قلنا بتقديم بينة ذي اليد) وإلا فبالعكس. (ولو
لم) يكن وليا ولم (يدع وكالة فالأقرب السماع) ما لم يقم المدعي بينة.
(وإن لم يكن مالكا) ولا وليا (ولا وكيلا) ولا يسمع البينة إلا من المالك أو
وكيله أو وليه (لدفع اليمين عنه) إذا ادعى عليه العلم، لا للقضاء بالعين أو للترك
في يده، خلافا لمن لم يحلفه، فإذا حضر الغائب افتقر إلى بينة اخرى، فإن أقام
المدعي بينة قدمت بناء على تقديم بينة الخارج.
(ولو ادعى) ذو اليد (رهنا) لما في يده (أو إجارة) وأقام بينة تشهد
بذلك (سمعت) إما لصرف اليمين عن نفسه كما كنا نسمعها لذلك وإن لم يدع
لنفسه علقة، وإما لأنها شهدت بحق له (1) وإن تضمنت الشهادة بالعين لغيره.
وللعامة (2) قول بعدم السماع، لأن حق ذي اليد إنما يثبت لو ثبت الملك للغائب ولا
يثبت بهذه البينة (فإن سمعنا) بينته (لصرف اليمين قدمت) عليها (بينة
المدعي في الحال) أي قبل حضور الغائب ووجهه ظاهر، فإنها بينة بالملك
أقامها المالك لا يعارضها إلا بينة بالملك لآخر يقيمها المالك أو وليه أو وكيله.
(وإن سمعنا) بينته (لعلقة الإجارة والرهن ففي تقديم بينته أو بينة
المدعي إشكال): من الإشكال في تقديم بينة الخارج أو الداخل. وأيضا من
خروج المدعي وشهادة بينته بالملك دون بينة ذي اليد وهو الوجه وخيرة التحرير،
ومن شهادة بينة ذي اليد بالسبب من الرهن أو الإجارة وتقدم الشهادة بالسبب.
ولو صدق ذو اليد المدعي فحضر الغائب وأقام البينة بالملك انتزعت العين
ممن في يده ولا غرم على المصدق، لأن الحيلولة بالبينة، فإن أقر للغائب بعد ذلك



(1) في المطبوع بدل " بحق له ": بقوله.
(2) المجموع: ج 20، ص 192، المغني لابن قدامة: ج 12 ص 203.
244
لم يغرم للمدعي، لأن رجوعها إلى الغائب كان بالبينة.
(و) المسألة الخامسة: (إذا خرج المبيع مستحقا) للغير (فله الرجوع
على البائع بالثمن) ما لم يدعه لنفسه ولا اعترف به للبائع (فإن صرح في نزاع
المدعي بأنه كان ملكا للبائع ففي الرجوع) عليه بالثمن (إشكال): من أنه إذا
اعترف بأنه ملكه اعترف بأن انتزاع العين وقع ظلما، ومن أن الظاهر من هذا الكلام
في أثناء الخصومة أنه كان في الظاهر ملكه فيسمع منه قوله: " إنما قلت ذلك على رسم
الخصومة " و (أقربه ذلك). وخيرة التحرير: الأول، قال: أما لو قال: إنه ملكي ثم قال:
أسندت ذلك إلى الشراء من البائع فالأقرب هنا الرجوع، قلت: لشدة ظهور هذا
المعنى عند ظهور الانتقال بالشراء، قال: ولو ضم ادعاء الملكية للبائع فكالأول (1).
(و) السادسة: (لو أخذ جارية بحجة فأحبلها ثم أكذب نفسه) أخذ
بإقراريه (فالولد حر والجارية ام الولد) أخذا بكلامه الأول (وعليه قيمتها
للمقر له ومهرها) أخذا بإقراره الأخير ولا يدفع الجارية إلى المقر له، للحكم
بكونها أم الولد. (ويحتمل أن يحكم بالجارية للمقر له لو صدقته) في تكذيبه
نفسه أخذا عليها بإقرارها، ولأن الحق لا يعدوها والمولى وقد اعترفا بالبطلان.
(و) السابعة: (لو ادعى قصاصا على العبد لم يقبل إقرار العبد) ما دام
عبدا، لحق المولى (إلا أن يصدقه السيد) لأن الحق لا يعدوهما. (نعم لو
أعتق فالأقرب الحكم عليه بما أقر به أولا) لزوال المانع من أخذه بإقراره.
ويحتمل العدم، لأنه لم يسمع أولا لصدوره عمن ليس أهلا له كالصبي، ولتعلقه
بعين العبد الذي هو ملك لغيره فبطل فلا يعود. وفيه: منع البطلان والصدور عمن
ليس أهلا له ولذا إذا صدقه المولى اقتص منه، وإنما لم يؤثر لمانع وقد زال. (ولو
صدق السيد خاصة لم يثبت القصاص على العبد بل كان للمستحق انتزاعه)
كلا أو بعضا، وبالجملة بقدر الجناية من يد السيد (أو مطالبة المولى بالأرش)



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 163.
245
إن لم يفارق العبد أخذا بإقراره.
(وكذا البحث لو ادعى عليه أرشا) فلو صدقاه أو صدقه السيد كان له
انتزاع ما بقدر الجناية، إلا أن يفديه السيد، ولا عبرة بتصديق العبد وحده (ولو
أنكر العبد فيهما) أي القصاص والأرش (فهل عليه اليمين؟ الأقرب ذلك
بناء على) انتقال الأرش من الرقبة إلى الذمة و (المطالبة له) بما في الذمة مع
الإقرار (لو أعتق) فيحلف لنفيها، وعلى عدم المطالبة لا يمين إلا في القصاص.
(وكذا البحث لو ادعى عليه دينا) فإن أنكره فالأقرب اليمين بناء
على المطالبة.
(البحث الثالث فيما يتعلق بتعارض البينات)
أو يناسبه، ويمكن تعميم التعلق له.
إنما (يتحقق التعارض في الشهادة مع تحقق التضاد، مثل أن يشهد اثنان
بعين) أنه (لزيد) الآن (ويشهد اثنان أنه بعينه) الآن (لعمرو) (أو يشهد
أنه باع عينا لزيد) أي منه (غدوة وآخران أنه باعها في ذلك الوقت لعمرو)
(ومهما أمكن التوفيق بين البينتين وفق) تحرزا عن تكذيب العدول (وإن
تحقق التعارض) في عين (فإن كانت العين في أيديهما قسمت بينهما
نصفين) كما مر (فيقضى لكل منهما بما في يد صاحبه إن قدمنا بينة الخارج،
وبما في يده إن قدمنا بينة الداخل. وإن كانت في يد أحدهما قضي
للخارج على رأي إن شهدتا بالملك المطلق) تساويا عددا وعدالة أم لا.
وفاقا للنهاية (1) والتهذيب (2) والاستبصار (3) والسرائر (4) والشرائع (5)



(1) النهاية: ج 2 ص 75.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 237 ذيل الحديث 583.
(3) الاستبصار: ج 3 ص 42 ذيل الحديث 142.
(4) السرائر: ج 2 ص 168.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 110 - 111.
246
والنافع (1) والغنية (2) والإصباح (3) والخلاف (4) للإجماع كما فيه، وما روي عن
أمير المؤمنين (عليه السلام): أنه قضى في البينتين يختلفان في الشيء الواحد يدعيه
الرجلان أنه يقرع بينهما فيه إذا عدلت بينة كل واحد منهما وليس في أيديهما، فأما
إن كان في أيديهما فهو فيما بينهما نصفان وإن كان في يدي أحدهما فإن البينة فيه
على المدعي واليمين على المدعى عليه (5). وللاتفاق على أن البينة على المدعي
وتواتر النص (6) به دون المنكر، والخارج هو المدعي بجميع التفاسير والداخل
منكر، فإن ظاهر اليد الملك، والأصل ثبوت اليد بحق، وذو اليد لا يترك إذا سكت.
وخلافا للمبسوط (7) والوسيلة (8) لتأيد البينة باليد، ولما سيأتي من أدلة التقديم
مع شهادتهما بالسبب. وهل يستحلف مع ذلك؟ قال الشيخ: لا، بناء على استعمال
بينته (9). وسيأتي الكلام فيه.
وخلافا للصدوقين (10) والمفيد (11) لحكمهم بأن ترجيح بينة الخارج بعد
التساوي عدالة وزاد المفيد: أو عددا لخبر أبي بصير: سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل
يأتي القوم فيدعي دارا في أيديهم ويقيم الذي في يده الدار [البينة] أنه ورثها عن
أبيه لا يدري كيف كان أمرها، فقال: أكثرهم بينة يستحلف ويدفع إليه (12).
قال الصدوق لو قال الذي في يده الدار: إنها لي وهي ملكي وأقام على ذلك
بينة، وأقام المدعي على دعواه بينة، كان الحق أن يحكم بها للمدعي، لأن الله عز
وجل إنما أوجب البينة على المدعي ولم يوجبها على المدعى عليه، ولكن هذا



(1) المختصر النافع: ص 278.
(2) الغنية: ص 443.
(3) إصباح الشيعة 531.
(4) الخلاف: ج 6 ص 329 المسألة 2.
(5) دعائم الإسلام: ج 2 ص 522 ح 1863.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 170 ب 3 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.
(7 و 9) المبسوط: ج 8 ص 258.
(8) الوسيلة: ص 219.
(10) المقنع: ص 399 و 400.
(11) المقنعة: ص 730 - 731.
(12) وسائل الشيعة: ج 18 ص 181 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
247
المدعى عليه ذكر: أنه ورثها عن أبيه ولا يدري كيف أمرها، فلهذا أوجب الحكم
باستحلاف أكثرهم بينة ودفع الدار إليه (1) انتهى.
خلافا لأبي علي فرجح ذا اليد مع تساوي البينتين وحكم بإحلافهما قال: فإن
حلفا جميعا أو أبيا أو حلف الذي هي في يده كان محكوما للذي هي في يده بها،
وإن حلف الذي ليست في يده وأبى الذي هي في يده أن يحلف حكم بها للحالف،
وقال: ولو اختلف أعداد الشهود وكان الذي هي في يده أكثر شهودا كان أولى
باليمين إن بذلها، فإن حلف حكم له بها، ولو كان الأكثر شهودا الذي ليست في يده
فحلف وأبى الذي هي في يده أن يحلف، أخرجت ممن كانت في يده وسلمت إلى
الحالف مع شهوده الأكثرين من شهود من كانت في يده (2) انتهى. ولعله جمع بين
نصوص تقديم ذي اليد وما أطلق من النصوص بتقديم الأرجح من البينتين.
(ولو شهدتا بالسبب فكذلك على رأي آخر) موافق للسرائر (3)
والشرائع (4) والنافع (5) وبيوع الخلاف (6) وإطلاق الغنية (7) والإصباح (8) لذلك،
وخصوص خبر منصور (9) قال للصادق (عليه السلام): رجل في يده شاة، فجاء رجل آخر
فادعاها وأقام البينة العدول أنها ولدت عنده ولم يبع ولم يهب، وجاء الذي في يده
بالبينة مثلهم عددا (10) وأنها ولدت عنده لم يبع ولم يهب فقال (عليه السلام): حقها للمدعي
ولا أقبل من الذي في يده بينة، لأن الله تعالى أمر أن يطلب البينة من المدعي فإن
كان له بينة وإلا فيمين الذي هو في يده، هكذا أمر الله تعالى (11).



(1) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 65 ذيل الحديث 3345.
(2) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 371.
(3) السرائر: ج 2 ص 168 و 169.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 111.
(5) المختصر النافع: ص 278.
(6) الخلاف: ج 3 ص 130 المسألة 217.
(7) الغنية: ص 443.
(8) إصباح الشيعة 531.
(9) في المطبوع: صحيح منصور.
(10) في المصدر: عدول.
(11) وسائل الشيعة: ج 18 ص 186 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 14.
248
ووصف الرأي بالآخر، لأن الشيخ مع تقديمه الخارج مع الإطلاق في النهاية (1)
وكتابي الحديث (2) قدم الداخل هنا إلا أنه في النهاية (3) أطلق تقديم الداخل إذا شهدت
بينته بالسبب، وفي الآخرين نص على تقديمه إذا شهدتا به. ومستنده - مع التأيد باليد
وذكر السبب - ما في خبر إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام) انه قيل له: فإن كانت في
يد واحد منهما وأقاما جميعا البينة؟ فقال: اقض بها للحالف الذي في يده (4). ولفظ
السؤال وإن عم الإطلاق والتسبيب إلا أن أول الخبر في رجلين اختصما في دابة وأقام
كل منهما بينة أنها نتجت عنده (5) فربما يقال: باختصاص هذا أيضا باشتمال البينتين
على ذكر السبب. وقول الصادق (عليه السلام) في خبر غياث بن إبراهيم: أن أمير المؤمنين (عليه السلام)
اختصم إليه رجلان في دابة وكلاهما أقاما البينة أنها نتجت فقضى بها للذي هي في
يده (6). ولا حجة فيه، لجواز أن يكون التقديم لعدم سماع البينة لفقد شرط.
وذكر في المبسوط أولا: أن مذهبنا الذي يدل عليه أخبارنا ما ذكرناه في
النهاية وهو الحكم لليد سواء أطلقت البينتان أو شهدتا بالسبب، ثم قال: فإذا ثبت
أن بينة الداخل يسمع في الجملة فالكلام فيه: كيف تسمع؟ أما بينة الخارج فإذا
شهدت بالملك المطلق سمعت وإن شهدت بالملك المضاف إلى سببه أولى أن يقبل،
وأما بينة الداخل فإن كانت بالملك المضاف إلى سببه قبلناها، وإن كانت بالملك
المطلق قال قوم: لا نسمعها وقال آخرون: مسموعة، والأول مذهبنا، لأنه يجوز أن
يكون شهدت بالملك لأجل اليد واليد قد زالت ببينة المدعي (7).



(1) النهاية: ج 2 ص 75.
(2) الاستبصار: ج 3 ص 42 ذيل الحديث 142، تهذيب الأحكام: ج 6 ص 237 ذيل
الحديث 14.
(3) النهاية: ج 2 ص 75.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 182 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ذيل الحديث 2.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 182 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 2.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 182 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 3.
(7) المبسوط: ج 8 ص 258.
249
وفي الخلاف: إذا ادعيا ملكا مطلقا ويد أحدهما على العين كانت بينته أولى،
وكذلك إن أضافاه إلى سبب، وإن ادعى صاحب اليد بالملك مطلقا والخارج
أضافه إلى سببه كانت بينة الخارج أولى، وبه قال الشافعي. وقال أصحاب
الشافعي: إذا تنازعا عينا يد أحدهما عليها وأقام كل واحد منهما بينة سمعنا بينة
كل واحد منهما وقضينا لصاحب اليد سواء تنازعا ملكا مطلقا أو ما يتكرر -
فالمطلق: كل ملك إذا لم يذكر أحدهما سببه. وما يتكرر: كآنية الفضة والذهب
والصفر والحديد يقول كل واحد منهما: صيغ في ملكي، وهذا يمكن أن يصاغ في
ملك كل واحد منهما، وكذلك ما يمكن نسجه مرتين كالصوف والخز. وما لا يتكرر
سببه كثوب قطن وأبريسم فإنه لا يمكن أن ينسج دفعتين، وكذلك النتاج لا يمكن
أن تتولد الدابة مرتين، وكل واحد منهما يقول: ملكي نتج في ملكي - وبه قال
شريح والنخعي والحكم ومالك والشافعي. وهل يحلف مع البينة؟ على قولين.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن كان المدعى ملكا مطلقا أو ما يتكرر سببه لم تسمع
بينة المدعى عليه وهو صاحب اليد، وإن كان ملكا لا يتكرر سببه سمعنا بينة
الداخل، وهو الذي يقتضيه مذهبنا وقد ذكرناه في النهاية والمبسوط والكتابين في
الأخبار. وقال أحمد بن حنبل: لا أسمع بينة صاحب اليد بحال في أي مكان
وروى ذلك أصحابنا أيضا، ثم قال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، والمشهور عن
النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه (1) انتهى.
وقد علم منه أن مراده في سائر كتبه بالسبب ما لا يتكرر.
(وإن شهدت) البينة (للخارج بالسبب وللمتشبث بالمطلق قدم
الخارج قطعا) لأن المسبب أقوى من المطلق وسأل الصادق (عليه السلام) أبو بصير: إن
كان الذي ادعى الدار قال: إن أبا هذا الذي هو فيها أخذها بغير ثمن ولم يقم الذي



(1) الخلاف: ج 6 ص 329 المسألة 2.
250
هو فيها بينة إلا أنه ورثها عن أبيه؟ فقال (عليه السلام): إذا كان أمرها هكذا فهي للذي
ادعاها وأقام البينة عليها (1). وهو قريب من الاختلاف بالإطلاق والتسبيب.
(ولو انعكس) الأمر (قدم ذو اليد سواء تكرر السبب) أي كان مما من
شأنه التكرر (كالبيع) والصياغة (أو لا كالنتاج) وفاقا للمحقق (2) والشيخ (3)
في ظاهر غير الخلاف وظاهره في موضع منه، لقوله: إذا شهدت البينة للداخل
مضافا قبلناها بلا خلاف بيننا وبين الشافعي (4). ويدل عليه قوة الشهادة المشتملة
على السبب، ولأن في ترجيحها نوعا من التوفيق فإن المطلقة ربما استندت إلى
اليد، ولما في خبر عبد الله بن سنان من أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان إذا اختصم
الخصمان في جارية فزعم أحدهما أنه اشتراها وزعم الآخر أنه أنتجها فكانا إذا
أقاما البينة جميعا قضي بها للذي أنتجت عنده (5). لما فيه من ترجيح السبب القوي
على غيره. وإن كان السبب مما يدل على الانتقال إليه من الآخر كالشراء منه
فالترجيح ظاهر. ونبه بقوله: " كالبيع " على خلاف النهاية (6) والتهذيب (7)
والاستبصار (8) إذ مثل السبب في الأول بالبيع والهبة والمعاوضة، وفي الآخرين
بالشراء والنتاج، وقد عرفت أنه في الخلاف فسر كلامه في الكتب الثلاثة بما لا
يتكرر. والظاهر أن الشيخ أخطأ فيه في نسبة ما نسبه إلى كتبه كما أخطأ في
المبسوط في النسبة إلى النهاية. أو المراد بالبينة (9) سماع بينة الخارج خاصة.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 181 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 111.
(3) النهاية: ج 2 ص 75.
(4) الخلاف: ج 6 ص 332 المسألة 3.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 186 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 15.
(6) النهاية: ج 2 ص 75.
(7) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 237 ذيل الحديث 583.
(8) الاستبصار: ج 3 ص 42 ذيل الحديث 142.
(9) في ن و ق: بالنسبة.
251
(وقيل) في السرائر (1): (يقدم الخارج أيضا) لعموم " البينة على المدعي
واليمين على المدعى عليه ".
(ولو كانت) العين (في يد ثالث قضي بأكثرهما عدالة، فإن تساويا
فأكثرهما عددا، فإن تساويا أقرع، فمن خرج اسمه احلف وقضي له، فإن
نكل احلف الآخر وقضي له، وإن نكلا قسمت بينهما بالسوية).
(وقيل) في المبسوط (2): (يقضى بالقرعة إن شهدتا بالملك المطلق،
ويقسم إن شهدتا بالمقيد، ولو قيدت إحداهما قضي بها) وقد مضى جميع ذلك.
(ولو أقر الثالث) بالعين (لأحدهما فالوجه أنه كاليد) تقدم على قيام
البينتين أو تأخر، لقيام المعنى القائم في اليد بها، وجزم به في المقصد السابع.
ويحتمل العدم بعد إقامة البينتين، لكشفهما عن أن يد المقر مستحقة للإزالة فإقراره
كإقرار الأجنبي. وعلى الأول (يترجح البينة فيه) أي له أو في هذا الموضع،
والترجيح إما لمن صدقه أو للآخر بناء على ترجيح الداخل أو الخارج.
(والقسمة) عند التعارض (إنما تجري فيما يمكن فرضها فيه) وهو
كل ما يمكن فيه الشركة (كالأموال وإن امتنعت قسمتها) فعلا (كالجوهرة
والعبد، أما ما لا يمكن الشركة فيه فلا، كما لو تداعيا الزوجية) أو النسب
(فإنه يحكم فيه بالقرعة) قطعا، كما نص عليه في مرسل داود بن أبي يزيد
العطار عن الصادق (عليه السلام) في رجل كانت له امرأة فجاء رجل بشهود فشهدوا أن
هذه المرأة امرأة فلان، وجاء آخرون فشهدوا أنها امرأة فلان، فاعتدل الشهود
وعدلوا، قالا: يقرع بين الشهود فمن خرج سهمه فهو المحق وهو أولى بها (3).
(وإذا تكاذبت البينتان صريحا) بحيث لا يمكن التوفيق بينهما ولو
بتأويل بعيد (مثل أن تشهد إحداهما على القتل في وقت وتشهد الاخرى



(1) السرائر: ج 2 ص 168.
(2) المبسوط: ج 8 ص 258.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 184 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 8.
252
بالحياة في ذلك الوقت) أو تشهد إحداهما بأن هذه المرأة ولدت هذا الولد
والأخرى بأنه ولدته الاخرى (فالأقرب التساقط) دون الاستعمال، لأنه
خلاف الواقع يقينا، للعلم بكذب إحداهما، فيجب إسقاطها ولا يتم إلا بإسقاطهما.
خلافا لظاهر الشيخ (1) بناء على استجماعهما شرائط البينة الشرعية المحكوم
بقبولها. ويتفرع عليهما الإحلاف وعدمه.
(ولو لم تكن بينة والعين في أيديهما تحالفا وقضي بها لهما) كما عرفت
(ويحلف كل واحد على نفي ما يدعيه صاحبه، ولا يلزمه التعرض للإثبات.
وإذا حلف الأول على النفي فنكل الثاني رد عليه اليمين فيحلف) ثانيا
(على الإثبات) ليسلم له العين. (وإن نكل الأول) وهو (الذي بدأ به
القاضي تحكما أو بالقرعة) على احتمالين - وقد عرفت فيما مضى أن الوجه
تقديم خصم من بدأ بالدعوى، وإن اتفقا فمن على يسار صاحبه - (اجتمع على
الثاني) من أول الأمر يمينان: (يمين النفي للنصف الذي في يده) أي لأجله
اقتصر على نفيه في اليمين أو حلف على نفي الكل، وكذلك (يمين الإثبات
للنصف الذي في يد شريكه). وإذا لم يأت بواحدة منهما (فيكفيه يمين
واحدة تجمع بين النفي والإثبات) فيحلف أن جميع العين له، ليس للآخر فيها
حق. أو يقول: والله أن النصف الذي يدعيه ليس له فيه حق والنصف الآخر لي.
(ويتحقق التعارض بين الشاهدين والشاهد والمرأتين) لأن كلا منهما
بينة شرعية (ولا يتحقق بين شاهدين وشاهد ويمين، ولا بين شاهد
وامرأتين وشاهد ويمين) وفاقا للشيخ (2) والمحقق (3) (بل يحكم بالشاهدين
أو الشاهد والمرأتين دون الشاهد واليمين) لأنه ليس من البينة في شيء وإن
أعطي حكمها، فلا يشمله نصوص تعارض البينات.



(1) المبسوط: ج 8 ص 258.
(2) المبسوط: ج 8 ص 259.
(3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 111.
253
(وربما قيل) في فصل الرجوع عن الشهادة من المبسوط (1): (بالتعارض)
للتساوي في ثبوت الحق بهما، ونسبه إلى مذهبنا (و) عليه (يقرع بينهما) وهل
على الخارج يمين اخرى؟ وجهان تقدما.
(البحث الرابع في أسباب الترجيح) لحجة على اخرى
(وهي ثلاثة):
(الأول): (قوة الحجة كالشاهدين أو الشاهد والمرأتين على الشاهد
واليمين) لما عرفت الآن (ولو اقترنت اليد بالحجة الضعيفة) والخارج
بالقوية فعلى تقديم بينة الخارج لا شبهة في تقديمها، وعلى تقديم اليد (احتمل)
هنا (تقديمها والتعادل) فإن قوة اليد قاومت ضعف الحجة، فيحتمل أن يكون
القوة بحيث يقوى على ترجيح الحجة على حجة الخارج وأن لا يكون إلا بحيث
يعدل بين الحجتين.
(ولو كان شهود أحدهما أعدل أو أكثر فهي أرجح) مع الخروج عن
أيديهما أو مطلقا.
(الثاني: اليد) على قول (فتقدم) بينة (الداخل على) بينة (الخارج
على رأي) تقدم (والأقوى العكس) لما مر (إلا أن يقيمها) الداخل (بعد
بينة الخارج) وقبضه العين (على إشكال): من انقلاب الداخل خارجا، والعكس
[بإقامة الخارج البينة للحكم بها له] (2) وهو اختيار الشيخ (3) ولكن بناء على تقديم
بينة الداخل لانكشاف بينة لذي اليد، ومن اتحاد الدعوى فلا يختلف الحال بتأخير
إقامة البينة وتقديمها، واليد الطارئة لإقامة البينة لا دلالة لها على شيء، وهو الأقوى
(فلو ادعى عينا في يد غيره فأقام البينة فأخذها منه ثم أقام الذي كانت



(1) المبسوط: ج 8 ص 254.
(2) لم يرد في ل.
(3) انظر المبسوط: ج 8 ص 258.
254
في يده بينة أنها له نقض الحكم وأعيدت) إليه (على إشكال) والأقوى
العدم. نعم لو رافع إلى حاكم لا يعلم بالحال فلا إشكال في الإعادة إليه.
(ولو أراد) ذو اليد (إقامة البينة قبل ادعاء من ينازعه للتسجيل فالأقرب
الجواز) لأنه غرض مقصود فربما احتاج إلى الإثبات ولا يمكنه. ويحتمل العدم
لثبوت الملك له بدونها بمجرد اليد والتصرف وانتفاء المنازع فلا فائدة للبينة، فإنها
لا تحصل الحاصل. وفيه: أنه ليس من تحصيل الحاصل في شيء وإنما هو تأكيد
للعلامة. وفي التحرير: لا أعرف لأصحابنا نصا في ذلك، ومنع أكثر الجمهور منه إذ لا
بينة وحكم إلا على خصم، وطريقه أن ينصب لنفسه خصما ثم استقرب السماع (1).
(ولو أقام) البينة (بعد الدعوى) ممن لا بينة له (لإسقاط اليمين
جاز) كما تسمع بينة المودع وإن قدر على اليمين، وقد مر عدم الإسقاط على
القول بتقديم بينة الداخل، فإنها إذا سمعت مع بينة الخارج فبدونها أولى. والعدم
على الآخر، فإن تقديم بينة الخارج مبني على أن البينة ليست من شأن الداخل.
(ولو أقام بعد إزالة يده ببينة الخارج وادعى ملكا سابقا) على الإزالة
(ففي التقديم بسبب يده التي سبق القضاء بإزالتها) على تقديم الداخل
(إشكال): من سبق يده وأنه الداخل والبينة تشهد له بالملك المستند إلى ذلك
الزمان، ومن كون تلك اليد قد اتصل القضاء بزوالها. أما لو أقام البينة بعد القضاء
للخارج قبل إزالة اليد فهي بينة الداخل.
(وإذا قدمنا بينة الداخل فالأقرب أنه يحتاج إلى اليمين) لعموم
" اليمين على المدعى عليه " ولما مر من خبري إسحاق (2) وأبي بصير (3) في تقديم
بينة الداخل، ولأن البينتين سقطتا بالتعارض فكأنه لا بينة. خلافا للشيخ بناء على



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 190.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 182 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 181 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
255
أن البينتين تستعملان وترجح باليد (1) فكما لا يحلف الخارج لا يحلف الداخل.
وبالجملة: فالمسألة كما في المبسوط (2) مبتنية على الاستعمال والتساقط.
(وإذا قامت البينة على الداخل) أو أقر (فادعى الشراء من المدعي
أو ثبت الدين) عليه ببينة أو إقرار (فادعى الإبراء، فإن كانت البينة) بدعواه
(حاضرة سمعت قبل إزالة اليد وتوفية الدين، وإن كانت غائبة طولب في
الوقت بالتسليم) لثبوت الاستحقاق شرعا من غير ظهور معارض، وليس له
المطالبة بكفيل للأصل (ثم إذا أقام) البينة (استرد). ويحتمل العدم والتأجيل
ثلاثة كما هو حكم مدعي جرح الشهود. (ولو طلب الإحلاف) أنه لم يبعه منه
أو لم يبرأه (قدم على الاستيفاء) لكونه كحضور البينة.
(ولو اعترف لغيره بملك لم يسمع بعده دعواه) لأخذه بإقراره (حتى
يدعي تلقي الملك من المقر له إما بواسطة أو غيرها) لا من غيره (ولو) لم
يعترف ولكن (أخذ منه) لغيره (بحجة، ففي احتياجه بعده في الدعوى إلى
ذكر التلقي منه إشكال) لما تقدم في الإشكال فيما تقدم من دعوى الداخل أو
إقامة البينة بعد إزالة يده، فيحتاج إليه على عدم السماع بل هو عين ما تقدم. وفي
التحرير: احتمل أن لا يسمع حتى يذكر في الدعوى تلقي الملك منه لأن البينة في
حقه كالإقرار والسماع، لأن المقر مؤاخذ بإقرار نفسه في الاستقبال، وإلا لم يكن
للأقارير فائدة أما حكم البينة فلا يلزم بكل حال (3). وإن كانت الحجة هي اليمين
المردودة ابتنت المسألة على كونها كالإقرار أو البينة.
(والأجنبي) إذا لم يعترف بالعين لمن في يده (لا يحتاج) في دعواه إلى ذكر
التلقي قطعا، وإن كان ذو اليد أقام بينة لإسقاط اليمين أو للتسجيل (فإن البينة ليست
حجة عليه) فإنه مدعي، وكذا الأجنبي عن المتداعيين أولا أحدهما ذو اليد، وإن أقام
الآخر البينة فإن بينته حجة على ذي اليد لا عليه (فله دعوى الملك مطلقا).



(1 و 2) المبسوط: ج 8 ص 258.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 191.
256
(ولو ادعى عليه قرضا أو ثمنا فجحد الاستحقاق كان له أن يدعي
الإيفاء) ويقيم عليه البينة لعدم المنافاة (أما لو جحدهما لم يسمع دعواه به)
أي الإيفاء أي لم يقبل بينته مع الإصرار على جحودهما، سواء أطلقت البينة بأن
كانت الدعوى ألفا فشهدت بقضاء ألف أم قيدت بالمدعى، فإنه على الثاني مكذب
لبينته ويصرف البينة على الأول إلى غير المدعى.
(الثالث: اشتمال إحدى البينتين على زيادة) فإن الزيادة يكون بحجة
من غير معارض (كزيادة التاريخ فإذا شهدت بينة على أنه ملكه منذ سنة)
أي من ابتداء السنة إلى الآن (والأخرى) أنه ملكه (منذ سنتين) كذلك
(حكم للأقدم لأن بينته أثبت الملك له في وقت لم يعارضه فيه البينة
الاخرى) وهو السنة الأولى (فيثبت) له (الملك فيه) من غير معارض
(ولهذا له المطالبة بالنماء في ذلك الزمان) كل من تصرف فيه (وتعارضتا
في الملك في الحال) أي فيما بعد السنة الأولى إلى الآن (فسقطتا وبقي ملك
السابق) بلا معارض (يجب استدامته وأن لا يثبت لغيره ملك إلا من
جهته) بذلك أفتى الشيخ (1) والمحقق (2) وابنا إدريس (3) وحمزة (4).
(ويحتمل التساوي لأن المتأخرة لو شهدت أنه اشتراه من الأول
لقدمت على الاخرى) قطعا مع قيام ما ذكر فيه، وإنما قدمت لأنها لما صرحت
بالشراء علم أنها اطلعت على ما لم يطلع عليه الاخرى، فإنها وإن شهدت بأنه
ملكه من ابتداء سنتين إلى الآن لكن غايته أنه علم أنه ملكه ولم يعلم بمزيله في
المدة، وإذا أطلقت المتأخرة (فلا أقل من التساوي) إن لم نقل بالرجحان
أيضا، لأنها تدعي أيضا الاطلاع على ما لم يطلع عليه الاخرى فإنه ما لم يظهر لها
ما يرجح الملك أو يعينه منذ سنة فكيف تشهد به؟ وغاية الاخرى أنه لم يظهر له



(1) المبسوط: ج 8 ص 279.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 112.
(3) السرائر: ج 2 ص 169.
(4) الوسيلة: ص 220.
257
ذلك والإثبات مقدم، إلا أن هذه البينة لما لم يتعرض لسبب الملك أمكن استناد
شهادتها إلى اليد وهي تحتمل للملك وغيره، ويمكن أن يكون الاخرى أيضا تعلم
اليد وأنها لغير الملك فلذا حكمنا بالتساوي (و) ما قالوه من (ثبوت الملك في
الماضي) وهو هنا السنة الأولى ببينة الأقدم (من غير معارضة) البينة
الاخرى فمدفوع بأنه (إنما يثبت تبعا لثبوته في الحال) فإن النزاع في الملك
في الحال (ولهذا لو انفرد) أحد المتداعيين (بادعاء الملك في الماضي)
خاصة مع ادعاء خصمه الملك في الحال (لم يسمع دعواه ولا بينته) لعدم
تعارض الدعويين، فالمقصود بالإثبات إنما هو الملك في الحال وإذا لم يثبت
لتعارض البينتين فيه فلا عبرة بثبوته في الماضي.
ثم الاستدلال بتقديم المتأخرة إذا شهدت بالسبب يدل على عدم الإشكال
فيه ولعله كذلك.
وفي التحرير: فالأقدم أولى على إشكال وإن كانت المتأخرة قد شهدت
بالسبب أيضا (1). وهو يدل على الإشكال فيه، ووجهه أنها إنما تقدم على المطلقة
في المدة المشتركة فيبقى لها قبلها بلا معارض. وضعفه ظاهر، فإنها لذكرها السبب
كما تعارض الاخرى في المدة المشتركة تعارضها فيما قبلها وتسقطها. هذا هو
الكلام في اختلاف تاريخي البينتين في القدم والأقدمية.
(وكذا البحث لو) اختلفتا بالحادث والقديم وإن (شهدت إحداهما
بالملك في الحال والأخرى بالقديم) مستمرا إلى الحال.
(ولو أطلقت إحداهما) فقالت: نشهد بأنه ملكه (وأرخت الاخرى) فقالت:
نشهد بأنه ملكه منذ سنة (تساوتا) لاحتمال الإطلاق هذا التاريخ وغيره زائدا
وناقصا فلا زيادة في أحدهما على الاخرى إلا بالتعرض للتاريخ وهو مما لا يؤكد



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 188.
258
الملك ليتسبب الترجيح (ولو أسندت إحداهما) الملك (إلى سبب كنتاج أو
شراء أو زراعة قدمت بينته) لاحتمال استناد الاخرى إلى اليد وهي أعم أو
الاستفاضة وقد يكذب وقد مر ما يؤيده من خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) (1).
(ولو شهدت لذي اليد بالمقدمة (2) تعارض رجحان التقدم إن قلنا به (3)
وكون الآخر خارجا، فيحتمل) التساوي، لاشتمال كل على مرجح و (تقديم
الخارج) لعموم دليله وهو الأقوى. والعكس كما في المبسوط (4) والخلاف (5)
ونفى فيه الخلاف، لاجتماع مرجحين فيه، ولعموم دليله. ويضعف بأن دليله إن تم
تنزلت بينة الخارج منزلة العدم ولا عبرة ببينة الداخل إذا لم يكن للخارج بينة،
وبأنه على القول بترجيح بينة الخارج لا عبرة ببينة الداخل أصلا لأنها ليست من
شأنه، وإذا لم يعتبر لم يكن لترجيحها بالقدمة أو غيرها معنى.
(ولو انعكس) الأمر (فكذلك) على القول برجحان بينة الداخل. ويقوى
تقديم الخارج كما في المبسوط (6) لأن بينته في الزمان المختص بها غير معارض
وإذا انفرد الخارج بالبينة فلا إشكال في تقديم قوله. وقدم الداخل في الخلاف (7)
وادعى عليه الإجماع ودلالة الأخبار. وقال في المبسوط: ومن قال " اليد أولى "
قال: لأن البينة بقديم الملك لم يسقط بها اليد، كرجل ادعى دارا في يد رجل وأقام
البينة بأنها كانت له أمس لم يزل اليد بها، كذلك هاهنا (8) انتهى. وأبو حنيفة (9) مع
تقديمه بينة الخارج قدم الداخل هنا، لتوهمه أن بينته أفادت ما لم يفده الاخرى (10).
هذا الذي ذكر من الترجيح بالقدم إذا تواردت الشهادتان على واحد.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 181 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(2) في بعض نسخ القواعد: بالتقدمة.
(3) في القواعد: إن رجحنا به.
(4 و 6 و 8) المبسوط: ج 8 ص 280.
(5) الخلاف: ج 6 ص 342 المسألة 15.
(7) الخلاف: ج 6 ص 342 و 343 المسألة 15.
(9) المغني لابن قدامة: ج 12 ص 172.
(10) في ل بدل " الاخرى ": اليد.
259
(أما لو شهدت إحداهما بأنها له منذ سنة والأخرى أنها في يد
المتشبث منذ سنتين قدمت شهادة الملك على شهادة اليد وإن تقدمت)
لأنها أعم فاشتملت الأولى على زيادة لم تشتمل عليه.
(والشهادة بسبب الملك) من شراء أو نتاج أو غيرهما بل بالملك (أولى
من الشهادة بالتصرف) لأنه أعم فاشتملت الأولى على زيادة.
(ولو شهدت البينة بأن الملك له بالأمس ولم تتعرض للحال لم تسمع)
لأن النزاع فيها (إلا أن يقول: وهو ملكه في الحال أو لا نعلم له مزيلا) لأنه
يدخل به المدعى في المشهود به، أما في العبارة الأولى فظاهر، وأما في الثانية
فلأن المراد بها ما يراد بالأولى، فإن المراد بها أن ظاهر الحال بقاء الملك على ما
كان. وفي الثانية نظر. وللشيخ في كل من الخلاف (1) والمبسوط (2) قولان إذا لم
يقيده بإحدى العبارتين، ودليل الخلاف أنه إذا ثبت الملك استصحب إلى أن يظهر
المزيل، واستوجهه في التحرير (3) وهو جيد إذا لم يعارضه يد.
(ولو قالت) البينة بعد الشهادة بالملك أمس: (لا ندري أزال أم لا؟ لم
تقبل) لأنه عبارة المترددين بخلاف: لا نعلم له مزيلا.
(ولو قال: أعتقد (4) أنه ملكه) الآن (بمجرد الاستصحاب ففي قبوله
إشكال): من أنه تصريح بمستند الشهادة بالملك في الحال، إذ لا طريق إلى العلم
فكما تسمع مع الإهمال تسمع مع التصريح وهو خيرة التحرير (5) ومن أنه ربما
انضم إلى الاستصحاب أمور أخر تقوي بقاء الملك حتى يكاد يحصل العلم به وهو
الأقوى. هذا إذا شهد (6) بالملك في الزمان المتقدم.



(1) الخلاف: ج 6 ص 339 المسألة 11.
(2) المبسوط: ج 8 ص 303 و 304.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 188.
(4) كذا في القواعد أيضا، والمناسب: قالت: نعتقد. وقد توجه نظائره فيما يأتي، والكل قابل
للتأويل.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 188.
(6) كذا، والمناسب: شهدت.
260
(أما لو شهدت بأنه أقر له بالأمس ثبت الإقرار واستصحب موجبه)
إلى أن يظهر المزيل (وإن لم يتعرض الشاهد للملك الحالي) كما إذا سمعنا
نحن منه الإقرار حكمنا بالملك للمقر له إلى ظهور المزيل. والفرق بين ثبوت
الملك بالإقرار وثبوته بالبينة واضح. (و) لذا (لو قال المدعى عليه: كان
ملكك بالأمس انتزع من يده) وكذا إذا كان أقر بالأمس أنه ملكه ثم رأيناه
اليوم بيده وينازعه فيه المقر له، فإن المرء مأخوذ بإقراره و (لأنه مخبر عن
تحقيق) فإنه يخبر عن حال نفسه (فيستصحب) ما أقر به (بخلاف الشاهد)
بملكه أمس (فإنه) ربما (يخبر عن تخمين) مستند إلى يد أو استفاضة. وقد
يسوى بين الإقرار أمس والشهادة بملكه أمس فلا ينتزع من يده بشيء منهما.
(وكذا يسمع من الشاهد لو قال: هو ملكه بالأمس اشتراه من المدعى
عليه بالأمس، أو أقر له المدعى عليه بالأمس، لأنه) حينئذ (أسند) الشهادة
(إلى تحقيق).
ولو قال: كان ملكه أمس اشتراه من فلان غير ذي اليد لم يسمع ما لم يضم
إليه: " أنه ملكه في الحال " فإن شراءه من فلان لا يكون حجة على ذي اليد فربما
كان وكالة عنه، بخلاف ما لو قال: اشتراه من ذي اليد.
(ولو شهد أنه كان في يد المدعي بالأمس قبل وجعل المدعي صاحب
يد) واستصحب حكمها إلى ظهور المزيل، وفاقا لأحد قولي الشيخ في الخلاف (1)
والمبسوط (2) لاستناد الشهادة بها إلى التحقيق وإذا ثبتت سابقا استصحب (3).
(وقيل) في المبسوط (4) والخلاف (5) أيضا - وفاقا لأبي علي (6) -: (لا تقبل،



(1) الخلاف: ج 6 ص 339 المسألة 11.
(2) المبسوط: ج 8 ص 269.
(3) في ل زيادة: ويؤيده مرسل جميل عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل اشترى هديا فنحره فمر بها
رجل فعرفها فقال: هذه بدنتي ضلت مني بالأمس، وشهد له رجلان بذلك، فقال: له لحمها ولا
يجزئ عن واحد منهما.
(4) المبسوط: ج 8 ص 303.
(5) الخلاف: ج 6 ص 347 المسألة 22. (6) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 451.
261
لأن ظاهر اليد الآن الملك فلا يدفع بالمحتمل) وهو اليد السابقة، لاحتمالها
الملك وغيره كاليد الثانية ولا مرجح لتزال هذه لا سيما وهي قطعية محسوسة بخلاف
السابقة، ويحتمله لفظ المحتمل. (نعم لو شهدت بينة المدعي أن صاحب اليد
غصبها أو استأجرها منه حكم له، لأنها شهدت بالملك) للأول (وسبب
يد الثاني) وكشفت عن أن يده ليست للملك فلا تعارض ملك الأول.
(ولو قال: غصبني إياها، وقال آخر: بل أقر لي بها، وأقاما بينة قضي
للمغصوب منه) لشهادة بينته بالملك له وسبب يد ذي اليد، وظهر بها أن الإقرار
كان بعين مغصوبة (ولم يضمن المقر) للمقر له شيئا (لأن الحيلولة لم تحصل
بإقراره) لآخر (بل بالبينة) وهو يزعم أنها وقعت ظلما (والبينة المطلقة لا
توجب زوال الملك عما) وجد (قبل) قيام (البينة) لجواز حدوث الزوال
بعد وجوده، وإنما يكشف عن زوال الملك عن المشهود به قبل الشهادة بأقل زمان
(فلو شهدت على دابة فنتاجها قبل الإقامة للمدعى عليه، وكذا الثمرة
الظاهرة على الشجر) للمدعى عليه إذا شهدت على الشجرة. (ومع هذا)
الأصل المتلقى بالقبول (فالمشهور أن المشتري إذا أخذ منه) ما اشتراه
(بحجة مطلقة رجع على البائع) بالثمن. (وكذا لو أخذ) المشتري (من
المتهب من المشتري، أو من المشتري من المشتري رجع الأول أيضا)
على البائع بالثمن وهو أبعد. (و) قضية هذا الحكم المشهور أن الحجة (تحمل
مطلقه إذا لم يدع على المشتري إزالة ملكه منه) بل إنما ادعى على ما بيده
أنه ملكه (على سبق الملك) على الشراء (فيطالب) لذلك (البائع بالثمن)
وهو خلاف ما تقدم من الأصل.
(ومن العجب أن يترك في يده) أي المشتري (نتاج حصل قبل قيام
البينة وبعد الشراء) بناء على الأصل المتقدم المنبئ عن ملكه الأصل حين

262
النتاح (1) (ثم هو يرجع على البائع) بالثمن بناء على بطلان البيع من أصله،
والتنافي بينهما واضح. (ولو قيل: لا يرجع على البائع إلا إذا ادعى) خصمه
(ملكا سابقا على الشراء كان وجها) موافقا للأصل المتقدم، وربما يمكن
تنزيل الإطلاق المشهور عليه.
(ولو ادعى ملكا مطلقا فشهد الشاهد به وبالسبب لم يضر) فإنه لم يذكر
منافيا للشهادة بل مقويا (و) لكن (لو أراد) المدعي (الترجيح بالسبب وجب
إعادة البينة بعد) إعادة (الدعوى للسبب) إذ لا عبرة بالشهادة المتبرع بها.
(ولو ذكر) المدعي سببا وذكر (الشاهد سببا آخر سوى ما ذكره المدعي،
تناقضت الشهادة والدعوى فلا تسمع على أصل الملك) لتكذيبه البينة،
ولظهور أن الشاهد أخطأ في مستند علمه بالملك باعتراف المدعي، فلا عبرة
بشهادته في الملك. وقرب السماع في التحرير (2) لأن التكذيب في السبب وكذبه
لا ينافي صدق المسبب واستناد العلم بالملك إلى ما ذكره من السبب ممنوع.
(ولو ادعى ما يبطل به العقد وأنكر الآخر قدم قول مدعي الصحة)
إجماعا تقديما للظاهر على الأصل، خلافا للشافعي في أحد قوليه (3). (فإن أقاما
بينة ففي تقديم بينة مدعي البطلان نظر): من الاختلاف في تفسير المدعي
أنه الذي يدعي خلاف الأصل أو خلاف الظاهر، ومن الاختلاف في تقديم بينة
الداخل أو الخارج.
(ولو ادعى أن وكيله آجر بدون أجرة المثل) فالإجارة باطلة ووجه
إليه الدعوى (وادعى الوكيل الإجارة بأجرة المثل) فهي صحيحة (وأقاما)
كل منهما (بينة ففي تقديم بينة أحدهما) أي أي منهما (نظر): من تقديم بينة
مدعي الصحة أو البطلان وأيضا من ادعاء الوكيل انتقال المنفعة والمالك ينكره،



(1) في المطبوع و ق: حتى النتاج.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 190.
(3) انظر فتح العزيز (بهامش المجموع): ج 9 ص 163 - 164.
263
ومن أن القول قول الوكيل مع اليمين فالبينة بينة المالك وادعاء المالك زيادة
ينكرها الوكيل. وكذا إذا وجه الدعوى إلى المستأجر فادعى الاستئجار بأجرة
المثل وأقاما بينة كان في التقديم النظر في تقديم بينة مدعي الصحة أو البطلان.
(ولو ادعى ملكية الدابة منذ مدة فدلت سنها على أقل من ذلك قطعا)
إن ادعى أنه ملكها في تلك المدة (أو) على (أكثر) منها إن ادعى أنها نتجت
عنده (سقطت البينة لظهور كذبها).
(ولو ادعى عينا في يد زيد وأقام بينة أنه اشتراها من عمرو، فإن شهدت
البينة بالملكية مع ذلك للبائع أو للمشتري أو بالتسليم إن قضي بسبق
اليد) أي إن سمعنا الشهادة بأنه كان في يده بالأمس مثلا (قضي للمدعي).
(وإن شهدت بالشراء خاصة لم يحكم) له وفاقا للمبسوط (1) والشرائع (2)
(لأنه) أي الشراء (قد يفعل فيما ليس بملك) للبائع ولا للمشتري (فلا
تدفع اليد المعلومة بالمظنونة) من الملك.
(وقيل) في الخلاف (3): (يقضى له، لأن الشراء دلالة على التصرف
السابق الدال على الملكية) كما أن اليد السابقة دالة عليها، إذ كان الظاهر من
اليد كونها أصالة لا نيابة ولا عدوانا فكذا البيع و الشراء.
(وكذا لو ادعى وقفا من زيد وهي في يد عمرو أو غير ذلك من
أسباب التمليك) لا يسمع فيها الشهادة ما لم يتضمن الشهادة بالملك أو اليد إن
قضينا بها، ولا يكفي الشهادة بالعقود المملكة.
(ولو ادعى الخارج أن العين التي في يد المتشبث ملكه منذ سنة، فادعى
المتشبث أنه اشتراها منه منذ سنتين وأقاما بينة، قدمت بينة الداخل على
إشكال) كما في المبسوط (4) من تقديم الأقدم تاريخا مع أن الشراء منه لا يحتمل



(1) المبسوط: ج 8 ص 295.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 115.
(3) الخلاف: ج 6 ص 345 المسألة 19.
(4) انظر المبسوط: ج 8 ص 280.
264
النيابة عنه والاشتمال على السبب وخصوصا هذا السبب الناقل للملك من المدعى
عليه، ومن أن الشراء كما عرفت ليس صريحا في الملك وأيضا فإنه ليس كالملك
مما يستمر زمانا فالشهادة به كالشهادة بالملك أمس من غير شهادة بالاستمرار.
وفي الخلاف: أنه لا خلاف في زوال يد البائع، ثم المشتري إن شهدت بينته بأنه
اشتراها من الأول وهي ملكه أو كان متصرفا فيها تصرف الملاك، حكم بها للمشتري
بلا خلاف، وإن شهدت بالشراء فقط ولم تشهد بملك ولا بيد فقال الشافعي: حكمنا
بها للمشتري وإليه أذهب. وقال أبو حنيفة: أقرها في يد المدعي ولا أقضي بها
للمشتري، لأن البينة إذا لم تشهد بغير البيع المطلق لم يدل على أنه باع ملكه، ولا
أنها كانت في يديه حين باع، لأنه قد يبيع ملكه وغير ملكه (1). ثم استدل على مختاره
بأن بينة البائع أسقطت يد المشتري وأثبتت الملك للبائع سنة ولم تنف أن يكون
قبل السنة ملكا له أيضا، فإذا قامت البينة أنه باعها قبل ذلك فالظاهر أنها كانت
ملكه حين البيع أيضا، فالمسألة كما لو شهدت بينة: بملك هذا لها مطلقا وأخرى:
بأن الآخر اشتراها منه مطلقا، فكما يقضى بها حينئذ للمشتري بلا خلاف فكذا هنا.
(ولو اتفق تاريخ البينتين) بالملك (إلا أن بينة الداخل تشهد بسبب)
دون الآخر (قدمت أيضا) وقد مر الخلاف فيه.
(ولو ادعى أحدهما) أي المتداعيين سواء كان أحدهما ذا يد أو لا (أنه
اشتراها من الآخر) وأقام به بينة (قضي له بها) وإن لم يشهد بأنها ملكه أو
بأن الآخر باعها منه وهي ملكه أو سلمه إياها، لأنه إذا باعها منه لم يخل: إما أنه
باعها وهي ملكه أو مأذون في بيعها أو لا، فعلى الأولين انتقل الملك إلى المشهود
له، وعلى الثاني لم يكن له المنازعة في الملك فيبقى المشتري بلا منازع. ويشكل
إذا كان البائع ذا يد عليها، لجواز أن يكون يده عليها نيابة عن مالكها والبيع فضوليا،



(1) الخلاف: ج 6 ص 345 - 346 المسألة 19.
265
فالوجه ما في المبسوط (1) من أنه لا يمكن إزالة يده عنها بمجرد الشهادة بالبيع.
(وإذا كان في يده صغيرة فادعى رقيتها حكم له بذلك) إذا خلا عن
المعارض وكانت معلومة الرقية أو حتى يبلغ كاملة فتصدق أو تكذب. (وإن
ادعى نكاحها لم تقبل إلا بالبينة) لأن اليد ترجح الملك دون الزوجية ونحوها
فلا يخلي بينه وبينها بلا بينة به (ولو ادعى ملكا وأقام بينة به فادعى آخر أنه
باعها) أي العين (منه أو وهبها إياه، أو وقفها عليه، وأقام بذلك بينة حكم
له لأن بينة هذا شهدت بأمر خفي على البينة الاخرى والبينة الاخرى)
إنما (شهدت بالأصل) الذي هو بقاء الملك ففي الحكم ببينة الانتقال تصديق
لهما، وفي الحكم ببينة الملك تكذيب لبينة الانتقال.
(ولو شهد اثنان عليه بأنه أقر بألف وشهد آخر أنه قضاه ثبت الإقرار
فإن حلف مع شاهده على القضاء ثبت وإلا حلف المقر له على عدمه وطالبه)
بالألف. وكذا إذا كان الشاهد بالقضاء أحد الشاهدين بالإقرار. لكن الأقرب - كما
في التحرير (2) -: أنه بإنكاره القضاء مكذب لأحد شاهديه، فإن كانت شهادته
بالقضاء بعد الحكم بالإقرار بشهادتهما لم يؤثر في ثبوت الإقرار، وإن كانت قبله
فالوجه أنه إن حلف مع الشاهد الآخر على دعواه بالإقرار ثبت وإلا فلا.
(ولو شهد أحدهما أن له عليه ألفا وشهد آخر أنه قضاه ألفا لم يثبت
الألف لأن شاهد القضاء لم يشهد عليه بألف وإنما تضمنت شهادته أنها
كانت عليه) أي وإنما المتحقق تضمن شهادته أنها كانت عليه (والشهادة لا
تقبل إلا صريحة) وأيضا فالمدعي مكذب لشاهده هذا.
(ولو ادعى ألفا وأقام بها بينة، وأقام المدعى عليه بينة بالقضاء ولم
يعلم التاريخ) لشيء منهما أو لأحدهما (برئ بالقضاء، لأنه لم يثبت عليه



(1) انظر المبسوط: ج 8 ص 295.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 204.
266
إلا ألف واحدة ولا يكون القضاء إلا لما عليه) فما لم يعلم تعدد ما عليه
صرف إلى المعلوم، لأصل البراءة من الزائد. وإن علم التاريخان وتأخر القضاء
فكذلك. وإن تقدم لم يبرأ.
ولو قال المدعى عليه: ما أقرضتني ثم أقام بينة بالقضاء لم يقبل بينته لأنه
بإنكاره القرض لزم صرفها إلى قضاء غيرها. وكذا لا تسمع لو شهدت بقضاء الألف
التي ادعاها المدعي، لأنه بإنكاره القرض مكذب لها.
* * *

267
(المقصد التاسع)
(في الشهادات)
(وفيه فصول) سبعة:
(الأول في صفات الشاهد)
التي لابد منها في كل شهادة (وهي سبعة):
(الأول: البلوغ)
(فلا يقبل شهادة الصبي وإن كان مراهقا) للبلوغ مميزا، لقوله تعالى:
" واستشهدوا شهيدين من رجالكم " (1) ولقول الصادق (عليه السلام): لا يجوز شهادة الغلام
حتى يحتلم (2) ولأنه لا يقبل شهادته على نفسه فعلى غيره أولى، ولاشتراط
العدالة، ولأن الأصل البراءة أو ثبوت العين لذي اليد إلى ظهور المعارض.
(وقيل: تقبل مطلقا) أي في الجراح وغيرها (إذا بلغ عشر سنين)
لقبول شهادتهم في القتل لما سيأتي ففي غيره أولى. والأولوية ممنوعة، لغلبة
الإخفاء في القتل وشدة الحاجة إلى القصاص، لئلا يطل دم امرء مسلم كما سيأتي
التنبيه عليه في بعض ما سنذكر من الأخبار، وأيضا فالأخبار ناطقة بالاختصاص
بالقتل، كما ستسمع [لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر طلحة بن زيد: شهادة الصبيان



(1) البقرة: 282.
(2) دعائم الإسلام: ج 2 ص 510 ح 1827.
268
جائزة بينهم ما لم يتفرقوا أو يرجعوا إلى أهلهم و] (1) (2) لخبر أبي أيوب الخزاز سأل
إسماعيل بن جعفر: متى يجوز شهادة الغلام؟ فقال: إذا بلغ عشر سنين (3). والخبر
موقوف ضعيف ولم نظفر بالقائل.
(و) المشهور: أنه (تقبل شهادتهم) أي الصبيان لا الصبايا (في
الجراح) وحكي عليه الإجماع في الخلاف (4) والانتصار (5) والغنية (6) وزيد
فيهما: " الشجاج " كما زيد في المقنعة (7) والمراسم (8) والجامع (9) وفي النهاية (10)
والسرائر (11) والوسيلة (12): " الشجاج والقصاص " فيمكن اتحاد المراد فربما يراد
بالجراح ما يعم الشجاج، وربما يراد بكل من القصاص والجراح ما يراد بالآخر،
ولعله الوجه، لأن النصوص التي تسمعها في القتل، ويمكن الاختلاف بعموم
القصاص للقتل دون الجراح وباختصاص الجراح بما دون الشجاج، ولكن كلامي
الانتصار (13) والغنية (14) صريحان في عموم الجراح للقتل، للاستدلال بالنص على
القبول في القتل، وصريح التحرير (15) والدروس (16): الاختصاص بما دون النفس
تحرزا عن التهجم على القتل بما سيأتي من الأخبار، مع المخالفة للأصل، وعدم
ثبوت الإجماع عليه. ثم دليل الحكم - مع ما حكي من إجماع الطائفة - وجوه:
منها: إجماع الصحابة قاله في الخلاف (17) قال: روى ابن أبي مليكة عن ابن



(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في بعض النسخ.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 253 ب 22 من أبواب الشهادات ح 6.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 252 ب 22 من أبواب الشهادات ح 3.
(4) الخلاف: ج 6 ص 270 المسألة 20.
(5) الانتصار: ص 505 - 506.
(6 و 14) الغنية: ص 440.
(7) المقنعة: ص 727.
(8) المراسم: ص 233.
(9) الجامع للشرائع: 540.
(10) النهاية: ج 2 ص 60.
(11) السرائر: ج 2 ص 136.
(12) الوسيلة: ص 231.
(13) الانتصار 506 - 505.
(15) تحرير الأحكام: ج 5 ص 244.
(16) الدروس الشرعية: ج 2 ص 123.
(17) الخلاف: ج 6 ص 270 المسألة 20.
269
عباس أنه قال: لا تقبل شهادة الصبيان في الجراح، فخالفه ابن الزبير فصار الناس
إلى قول ابن الزبير فثبت أنهم أجمعوا على قوله وتركوا قول ابن عباس.
ومنها: ما في خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام) أنه رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)
ستة غلمان كانوا في الفرات فغرق واحد منهم، فشهد ثلاثة منهم على اثنين أنهما
غرقاه، وشهد اثنان على الثلاثة أنهم غرقوه، فقضى (عليه السلام) بالدية ثلاثة أخماس على
الاثنين، وخمسين على الثلاثة (1). وهو - مع الضعف ومخالفة الأصول - ليس نصا
في المقصود، لأن الغلام ربما يكون بالغا.
ومنها: حسن جميل قال للصادق (عليه السلام): يجوز شهادة الصبيان؟ قال: نعم في
القتل يؤخذ بأول كلامه ولا يؤخذ بالثاني منه (2).
ومنها: خبر محمد بن حمران سأله (عليه السلام) عن شهادة الصبي فقال: لا إلا في القتل
فيؤخذ بأول كلامه ولا يؤخذ بالثاني (3).
ومنها: ما كتبه الرضا (عليه السلام) في العلل التي كتبها لمحمد بن سنان في شهادة
النساء: أنه لا يجوز شهادتهن إلا في موضع ضرورة مثل شهادة القابلة، وما لا
يجوز للرجال أن ينظروا إليه كضرورة تجويز شهادة أهل الكتاب إذا لم يوجد
غيرهم وفي كتاب الله عز وجل: " اثنان ذوا عدل منكم " مسلمين " أو آخران من
غيركم " كافرين ومثل شهادة الصبيان على القتل إذا لم يوجد غيرهم (4).
وهذه الأخبار كلها في القتل ولعلهم حملوا عليه الجراح والشجاج من باب الأولى.
ثم ما عدا الخبر الأول يعم شهادتهم بعضهم على بعض وعلى غيرهم، وكذلك
عبارات الأصحاب إلا عبارة الخلاف فلم يذكر فيها إلا شهادة بعضهم على بعض.



(1) وسائل الشيعة: ج 19 ص 174 ب 2 من أبواب موجبات الضمان ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 252 ب 22 من أبواب الشهادات ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 252 ب 22 من أبواب الشهادات ح 2.
(4) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 95.
270
والأخذ بأول كلامهم مما ذكره الشيخان في المقنعة (1) والنهاية (2) والمرتضى (3)
وسلار (4) وبنو زهرة (5) وحمزة (6) وإدريس (7) ويحيى (8) والمحقق في النافع (9) وجعل
في التحرير (10) والدروس (11) رواية ولم يذكر في الخلاف (12).
ثم اشترط (13) المصنف هنا وفي الإرشاد (14) والتبصرة (15) والتحرير (16)
(بشروط ثلاثة):
الأول: (عدم التفرق) من حين التحمل إلى الأداء لما سيأتي.
(و) الثاني: (الاجتماع) حين التحمل (على المباح) لغيرهم كالرمي
وغيره، ولم يعرف مستنده، وهما مذكوران في الخلاف (17).
(و) الثالث: (بلوغ العشر) لحصول التمييز فيها غالبا، ولما مر من خبر
أبي أيوب (18) وهو مما ذكره الأكثر صريحا أو إشارة بذكر التمييز أو ما يفيد معناه،
ولم يذكر في التلخيص (19) إلا الأخيرين (فلو تفرقوا) بعد التحمل قبل الأداء
(لم تقبل شهادتهم لاحتمال أن يلقنوا) ولما مر من خبر طلحة بن زيد (20).
وكذا لو اجتمعوا على محرم على غيرهم، أو كانوا دون عشر سنين. وفي الشرائع:



(1) المقنعة: ص 727.
(2) النهاية: ج 2 ص 60.
(3) الانتصار: ص 506.
(4) المراسم: ص 233.
(5) الغنية: ص 440.
(6) الوسيلة: ص 231.
(7) السرائر: ج 2 ص 136.
(8) الجامع للشرائع: ص 540.
(9) في ق: والمحقق والنافع، ولعل الأصل في العبارة: والمحقق في الشرائع والنافع، راجع
شرائع الإسلام: ج 4 ص 125 والمختصر النافع: ص 278.
(10 و 16) تحرير الأحكام: ج 5 ص 243.
(11) الدروس الشرعية: ج 2 ص 123.
(12 و 17) الخلاف: ج 6 ص 270 المسألة 20.
(13) أي قبول شهادة الصبيان في الجراح.
(14) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 156.
(15) تبصرة المتعلمين: ص 189.
(18) وسائل الشيعة: ج 18 ص 252 ب 22 من أبواب الشهادات ح 3.
(19) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 33 ص 368.
(20) وسائل الشيعة: ج 18 ص 253 ب 22 من أبواب الشهادات ح 6.
271
والتهجم على الدماء بخبر الواحد خطر، فالأولى الاقتصار على القبول في الجراح
بالشروط الثلاثة: بلوغ العشر وبقاع الاجتماع على مباح تمسكا بموضع الوفاق (1).
(الثاني: العقل)
(فلا يقبل شهادة المجنون) والسكران إجماعا. (ولو كان يعتوره)
الجنون (أدورا وشهد) أي تحمل وأدى (حال إفاقته، قبل بعد علم الحاكم
بحضور رشده وكمال فطنته) حالتي التحمل والأداء، فلو ارتاب الحاكم طرح
شهادته. (وكذا يجب) على الحاكم (الاستظهار على المغفل الذي في طبعه
البله) بحيث لا يتفطن لتفاصيل الأشياء ويدخل عليه التزوير والغلط من حيث لا
يشعر. (وكثير النسيان، فيقف الحاكم عند الريبة، ويحكم عند الجزم
بذكرهم و) مما يوجب الجزم به (أن المشهود به لا يسهون عن مثله).
(الثالث: الإيمان)
(فلا تقبل شهادة من ليس بمؤمن) أي إمامي (وإن اتصف بالإسلام
لا على مؤمن ولا) على (غيره) للفسق والظلم وانتفاء العدالة وإن كان ثقة
ولم يكن مخالفته عن عناد، والظاهر الاتفاق عليه. وقد يحتمل الشيخان الخلاف
الآتي فيه. وما احتمل من قبول شهادته إذا كان ثقة مأمونا لتحقق العدالة له، لأنه لا
يعصي الله في اعتقاده، فهو من الضعف بمكان.
(ولا تقبل شهادة الكافر أصليا كان أو مرتدا لا على مسلم ولا على
مثله) في الكفر أو في نوعه (على رأي) وفاقا للمشهور لما عرفت من الفسق
والظلم، ولقوله (صلى الله عليه وآله): لا يقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينهم إلا المسلمين
فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم (2).
وخلافا للنهاية (3) والخلاف (4) فقبل فيهما شهادة أهل كل ملة على أهل ملتهم



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 125.
(2) عوالي اللآلئ: ج 1 ص 454 ح 192.
(3) النهاية: ج 2 ص 62.
(4) الخلاف: ج 6 ص 273 المسألة 22.
272
ولهم، وخص ذلك في الخلاف بأهل الذمة ونسبه إلى أصحابنا، ولكن اشترط
الترافع إلينا. وسأل سماعة الصادق (عليه السلام) عن شهادة أهل الذمة، فقال: لا يجوز إلا
على أهل ملتهم (1). وهو قوي، إلزاما لكل أهل ملة بما يعتقده وإن لم يثبت عندنا،
لفسق الشاهد وظلمه عندنا.
وأجاز أبو علي: شهادة الكفار بعضهم على بعض وإن اختلفت الملتان مع
العدالة في دينهم (2). وفي الصحيح عن الحلبي أنه سأل الصادق (عليه السلام): هل يجوز
شهادة أهل الذمة على غير أهل ملتهم؟ قال: نعم إن لم يوجد من أهل ملتهم جازت
شهادة غيرهم، لأنه لا يصلح ذهاب حق أحد (3). وهو أيضا قوي إذا كان الشاهد
ذميا والمشهود عليه حربيا كما هو ظاهر الخبر لصحته، ولأن علينا رعاية الذمة فلا
علينا أن نحكم لهم بشهادتهم على أهل الحرب.
وأما شهادة الكافر على المسلم فمما لا قائل بسماعها (إلا الذمي في الوصية)
بالمال كما في السرائر (4) والتحرير (5) والتذكرة (6) والدروس (7) لا بالولاية، قصرا
لخلاف الأصل على موضع اليقين، وهو مورد الآية (8) أو مطلقا كما أطلقه الأكثر
عملا بعموم النصوص (9) (عند عدم عدول المسلمين) فتقبل شهادته بإجماع
الطائفة كما في الخلاف (10) وللآية والأخبار.
واشتراط عدم المسلم مما نص عليه الشيخان (11) وجماعة، اقتصارا على



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 284 ب 38 من أبواب الشهادات ح 2.
(2) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 505.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 287 ب 40 من أبواب الشهادات ح 1.
(4) السرائر: ج 2 ص 139.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 245.
(6) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 521 س 31.
(7) الدروس الشرعية: ج 2 ص 124.
(8) المائدة: 106.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 287 ب 40 من أبواب الشهادات.
(10) الخلاف: ج 6 ص 272 المسألة 21.
(11) المقنعة: ص 727، النهاية: ج 2 ص 62.
273
اليقين وهو موضع الضرورة، وللأخبار كقول الصادق (عليه السلام) في حسن هشام بن
الحكم في قول الله عز وجل: " أو آخران من غيركم " إذا كان الرجل في أرض
غربة ولا يوجد فيها مسلم، جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصية (1).
واشترط المصنف والمحقق (2) عدم عدول المسلمين، ويمكن تنزيل كلام غيرهما
عليه، قال في التحرير: فلو وجد فساق المسلمين وشهدوا لم تقبل، ولو شهد أهل
الذمة قبلت (3). وذلك لقوله تعالى: " اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " (4)
ولأن الأصل طرح شهادة غير المؤمن العدل خرج منها شهادة الذميين في الوصية
بالنص والإجماع فيبقى الباقي على أصله ومنه شهادة فساق المسلمين.
وفي التذكرة: لو وجد مسلمان فاسقان فإن كان فسقهما بغير الكذب والخيانة
فالأولى أنهما أولى من أهل الذمة، ولو كان فسقهما يتضمن اعتماد الكذب وعدم
التحرز منه فأهل الذمة أولى. ولو وجد مسلمان مجهولا العدالة فهما أولى من
شهود أهل الذمة (5).
قلت: وكأنه نظر في الأول إلى أنهما شاركا الذميين في الفسق وفسق الكفر
أعظم، ويمكن إرادة الصدق والأمانة من العدل في الآية (6). وفي الثاني إلى أن
الكافر معلوم الفسق فيقدم عليه المستور خصوصا إذا قلنا: إن الأصل في المسلم
العدالة. هذا مع أن الأخبار اشترطت بعدم وجود المسلمين.
ثم يشترط في قبول شهادة الذميين هنا عدالتهما في دينهما كما في المقنعة (7)
والكافي (8) والتذكرة (9) والتحرير (10) والدروس (11) لأنه المتبادر من لفظ الآية،



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 287 ب 40 من أبواب الشهادات ح 3.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 126.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 245.
(4 و 6) المائدة: 106.
(5) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 522 س 2.
(7) المقنعة: ص 727.
(8) الكافي في الفقه: ص 436.
(9) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 521 س 31.
(10) انظر تحرير الأحكام: ج 3 ص 384، وج 5 ص 246.
(11) الدروس الشرعية: ج 2 ص 124.
274
ولعدم قبول شهادة فساق المسلمين ففساق غيرهم أولى، لقول الصادق (عليه السلام) في خبر
حمزة بن حمران: اللذان منكم مسلمان، واللذان من غيركم من أهل الكتاب، وإنما
ذلك إذا كان الرجل المسلم في أرض غربة فيطلب رجلين مسلمين ليشهدهما على
وصية فلم يجد مسلمين، أشهد على وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين
عند أصحابهما (1).
واشترط الشيخ في المبسوط (2) وأبو علي (3) والحلبي (4) السفر، لظاهر الآية (5)
وهذا الخبر، ونحوه مضمر أحمد بن عمر (6). وأجيب عنهما (7) في المختلف (8)
والتذكرة (9) بأنهما (10) خرجت مخرج الأغلب وذكر فيهما أن مناط الحكم
الضرورة. وفي خبر الوشا عن أحمد بن عمر فإن لم يجد من أهل الكتاب فمن
المجوس، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب (11). ونحوه في
تفسير العياشي عن علي بن سالم مرسلا عن الصادق (عليه السلام) (12).
(الرابع: العدالة)
بالإجماع والنصوص من الكتاب (13) والسنة (14) وهي الاستقامة والاستواء،
وشرعا كما في المبسوط (15) أن يكون عدلا في الدين وفي المروة وفي الأحكام.
فالعدل في الدين: أن يكون مؤمنا لا يعرف منه شيء من أسباب الفسق. وفي



(1) وسائل الشيعة: ج 13 ص 392 ب 20 من أبواب الوصايا ح 7.
(2) المبسوط: ج 8 ص 187.
(3) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 507.
(4) الكافي في الفقه: ص 436.
(5) المائدة: 106.
(6 و 11) وسائل الشيعة: ج 18 ص 287 ب 40 من أبواب الشهادات ح 2.
(7) في بعض النسخ: عنها.
(8) مختلف الشيعة: ج 8 ص 508.
(9) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 521 السطر الأخير.
(10) في بعض النسخ: بأنها.
(12) تفسير العياشي: ج 1 ص 348 ح 218.
(13) المائدة: 106، الطلاق: 2.
(14) وسائل الشيعة: ج 18 ص 288 و 289 ب 41 من أبواب الشهادات.
(15) المبسوط: ج 8 ص 217.
275
المروة: أن يكون مجتنبا للأمور التي تسقط المروة مثل الأكل في الطرقات، ومد
الرجل بين الناس، ولبس الثياب المصبغة، وثياب النساء، وما أشبه ذلك. وفي
الأحكام: أن يكون بالغا عاقلا لنقص أحكام الصبي والمجنون.
وبعبارة اخرى: (وهي كيفية نفسانية راسخة تبعث على ملازمة المروة
والتقوى) فهي متضمنة لشروط خمسة، لكنه نص على كل منها تسجيلا على
الاشتراط وإن كان الأولى تقديم المروة كالثلاثة السابقة وأن لا يعدها شرطا
خامسا. وربما لم يعتبر في العدالة ملازمة المروة، والنزاع لفظي فإنها الاستقامة،
فمنهم من اعتبرها في الدين والمروة والأحكام جميعا، ومنهم من اعتبرها في
الدين خاصة، ومنهم من اعتبرها في الدين والأحكام، ولكن الاستقامة في الدين
يستلزمها في الأحكام إذ لا استقامة للصبي أو المجنون.
ورسوخ هذه الكيفية يظهر بالمعاشرة المفيدة للظن المتاخم للعلم المميزة
عادة للتكلف والترائي من غيره، بل ربما أفادت العلم العادي.
وفي الصحيح عن ابن أبي يعفور أنه سأل الصادق (عليه السلام): بم تعرف عدالة الرجل
بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال: أن يعرفوه بالستر والعفاف،
وكف البطن والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها
النار من شرب الخمر، والزنا، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وغير ذلك،
والدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما
وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك، ويجب عليهم تزكيته وإظهار
عدالته في الناس، ويكون فيه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن وحفظ
مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين، وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم
إلا من علة، فإذا كان ذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل
عنه في قبيلته ومحلته قالوا: ما رأينا منه إلا خيرا، مواظبا على الصلوات، متعاهدا
لأوقاتها في مصلاه، فإن ذلك يجوز شهادته وعدالته بين المسلمين، وذلك أن

276
الصلاة ستر وكفارة للذنوب، وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلي إذا كان
لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة المسلمين، وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلى
الصلاة لكي يعرف من يصلي ممن لا يصلي، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن
يضيع، ولولا ذلك لم يمكن لأحد أن يشهد على آخر بصلاح، لأن من لا يصلي لا
صلاح له بين المسلمين، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هم بأن يحرق قوما في منازلهم
لتركهم الحضور لجماعة المسلمين، وقد كان منهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه
ذلك، وكيف تقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله عز
وجل ومن رسوله (صلى الله عليه وآله) فيه الحرق في جوف بيته بالنار، وقد كان يقول (صلى الله عليه وآله): لا
صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة (1).
(فلا تقبل شهادة الفاسق) وهو غير العادل.
(ويخرج المكلف عن العدالة بفعل كبيرة وهي) كما فيما سمعته من
خبر ابن أبي يعفور وغيره وفي النهاية (ما توعد الله تعالى فيها بالنار) (2).
(كالقتل) للمؤمن لقوله تعالى: " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم
خالدا " (3).
(والزنا) لقوله تعالى: " ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم
القيامة ويخلد فيه مهانا " (4)
(واللواط) لما ورد (5): أن النقب (6) كفر، ومن أنه " لو كان ينبغي أن يرجم
رجل مرتين لكان اللواطي " (7) ومن أنه " من نكح امرأة حراما في دبرها أو رجلا



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 288 ب 41 من أبواب الشهادات ح 1.
(2) النهاية: ج 2 ص 52.
(3) النساء: 93.
(4) الفرقان: 68 و 69.
(5) وسائل الشيعة: ج 14 ص 257 ب 20 من أبواب النكاح المحرم ح 3.
(6) في ن: الثقب.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 420 ب 3 من أبواب حد اللواط ح 2.
277
أو غلاما حشره الله عز وجل يوم القيامة أنتن من الجيفة يتأذى به الناس حتى
يدخل جهنم، ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، وأحبط الله عمله، ويدعه في
تابوت مشدود بمسامير من حديد، فلو وضع عرق من عروقه على أربعمائة امة
لماتوا جميعا، وهو من أشد الناس عذابا " (1) ومن أنه لا يجلس على إستبرق الجنة
من يؤتى في دبره (2) ولأنه أعظم من الزنا ضرورة من المذهب.
(والغصب للأموال المعصومة وإن قلت) لنحو قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في
خبر السكوني: أعظم الخطايا اقتطاع مال امرئ مسلم بغير حق (3). وقول الصادق (عليه السلام)
في خبر فضيل: من أكل مال أخيه ظلما ولم يرد عليه، أكل جذوة من النار يوم
القيامة (4). وفي خبر أبي بصير: مدمن السرقة والزنا والشرب كعابد وثن (5). وقول
الله تعالى: " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا
وسيصلون سعيرا " (6). وقول النبي (صلى الله عليه وآله): إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان
وبعضكم ألحن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما
قطعت له به قطعة من النار (7). وقوله (صلى الله عليه وآله): من اقتطع من مال مؤمن غصبا بغير حق
لم يزل الله عز وجل معرضا عنه ماقتا لأعماله التي يعملها من البر والخير ولا
يثبتها في حسناته حتى يتوب ويرد المال الذي أخذه إلى صاحبه (8). وقوله (عليه السلام):
يا أبا ذر من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله تعالى من أين أدخله النار (9).



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 243 ب 9 من أبواب النكاح المحرم ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 14 ص 254 ب 18 من أبواب النكاح المحرم ح 5.
(3) وسائل الشيعة: ج 11 ص 341 ب 77 من أبواب جهاد النفس ح 14.
(4) وسائل الشيعة: ج 11 ص 342 ب 78 من أبواب جهاد النفس ح 4 وفيه: عن أبي بصير.
(5) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص 291 ح 10.
(6) النساء: 10.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 169 ب 2 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(8) وسائل الشيعة: ج 11 ص 343 ب 78 من أبواب جهاد النفس ح 6.
(9) وسائل الشيعة: ج 11 ص 379 ب 96 من أبواب جهاد النفس ح 7.
278
(وعقوق الوالدين) لما ورد من أن العاق لا يشم رائحة الجنة (1). وقال
الصادق (عليه السلام) - في خبر عبد العظيم بن عبد الله الحسني -: إن الله عز وجل جعل
العاق جبارا شقيا (2).
(وقذف المحصنات المؤمنات) لقوله تعالى: " إن الذين يرمون المحصنات
الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم " (3).
وفي القواعد الشهيدية: وقد ضبط ذلك بعضهم فقال: هي: الشرك بالله، والقتل بغير
حق، واللواط، والزنا، والفرار من الزحف، والسحر، والربا، وقذف المحصنات، وأكل
مال اليتيم، والغيبة بغير الحق، واليمين الغموس، وشهادة الزور، وشرب الخمر،
واستحلال الكعبة، والسرقة، ونكث الصفقة، والتعرب بعد الهجرة، واليأس من روح
الله، والأمن من مكر الله، وعقوق الوالدين. قال الشهيد: وكل هذا ورد في الحديث
منصوصا عليه بأنه كبيرة. قال: وورد النميمة، وترك السنة، ومنع ابن السبيل فضل
الماء، وعدم التنزه من البول، والتسبب إلى شتم الوالدين، والإضرار في الوصية (4).
وعن محمد بن مسلم أنه سمع الصادق (عليه السلام) يقول: الكبائر سبع: قتل المؤمن
متعمدا، أو قذف المحصنة، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وأكل مال
اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة، وكل ما أوجب الله عليه النار (5).
وعن أبي بصير أنه سمعه (عليه السلام) يقول: الكبائر سبعة: منها قتل النفس متعمدا، والشرك
بالله العظيم، وقذف المحصنة، وأكل الربا بعد البينة، والفرار من الزحف، والتعرب
بعد الهجرة، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلما، قال: والتعرب والشرك واحد (6).
وسأله (عليه السلام) عبيد بن زرارة عن الكبائر فقال: هن في كتاب علي (عليه السلام) سبع:



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 216 ب 104 من أبواب أحكام الأولاد ح 3.
(2) علل الشرائع: ص 391 ح 1.
(3) النور: 23.
(4) القواعد والفوائد: ج 1 ص 224 - 225.
(5) وسائل الشيعة: ج 11 ص 254 ب 46 من أبواب جهاد النفس ح 6.
(6) وسائل الشيعة: ج 11 ص 256 ب 46 من أبواب جهاد النفس ح 16.
279
الكفر بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وأكل الربا بعد البينة، وأكل مال اليتيم
ظلما، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، قال: قلت: هذا أكبر المعاصي؟
قال: نعم، قلت: فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة؟ قال: ترك
الصلاة، قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر، فقال: أي شيء أول ما قلت لك؟
قلت: الكفر، قال: فإن تارك الصلاة كافر يعني من غير علة (1).
وعن مسعدة بن صدقة أنه سمعه (عليه السلام) يقول: الكبائر: القنوط من رحمة الله،
واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، وقتل النفس التي حرم الله، وعقوق
الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة، والتعرب بعد الهجرة، وقذف
المحصنة، والفرار من الزحف (2).
وعن عبد الله بن سنان أنه سمعه (عليه السلام) يقول: إن من الكبائر عقوق الوالدين،
واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله (3).
وعن عبد الرحمن بن كثير أنه (عليه السلام) قال: إن الكبائر من الذنوب سبع فينا أنزلت،
ومنا استحلت، فأولها الشرك بالله العظيم، وقتل النفس التي حرم الله، وأكل مال
اليتيم، وعقوق الوالدين، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، وإنكار حقنا (4).
وعن أبي خديجة عنه (عليه السلام): الكذب على اللهو على رسوله وعلى الأوصياء (عليهم السلام)
من الكبائر (5).
وفي خبر السكوني عن علي (عليه السلام): السكر من الكبائر والحيف في الوصية من
الكبائر (6).



(1) وسائل الشيعة: ج 11 ص 254 ب 46 من أبواب جهاد النفس ح 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 11 ص 255 ب 46 من أبواب جهاد النفس ح 13.
(3) وسائل الشيعة: ج 11 ص 254 ب 46 من أبواب جهاد النفس ح 7.
(4) وسائل الشيعة: ج 11 ص 258 ب 46 من أبواب جهاد النفس ح 22.
(5) وسائل الشيعة: ج 8 ص 576 ب 139 من أبواب أحكام العشرة ح 6.
(6) وسائل الشيعة: ج 13 ص 359 ب 8 من أحكام الوصايا ح 5.
280
وعن ابن محبوب قال: كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن
الكبائر كم هي وما هي؟ فكتب: الكبائر من اجتنب ما وعد الله عليه النار كفر عنه
سيئاته إذا كان مؤمنا، والسبع الموجبات: قتل النفس الحرام، وعقوق الوالدين، وأكل
الربا، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف (1).
وفي مرسل ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام) قال: وجدنا في كتاب علي (عليه السلام)
الكبائر خمسة: الشرك، وعقوق الوالدين، وأكل الربا بعد البينة، والفرار من
الزحف، والتعرب بعد الهجرة (2).
وعن عبيد بن زرارة سأله (عليه السلام) عنها فقال: هن خمس وهن ما أوجب الله
عليهن النار، قال الله تعالى: " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في
بطونهم نارا وسيصلون سعيرا "، وقال: " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا
زحفا فلا تولوهم الأدبار " إلى آخر الآية، وقال عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا " إلى آخر الآية، ورمي المحصنات الغافلات
المؤمنات، وقتل مؤمن متعمدا على دينه (3).
وقال (عليه السلام) في خبر عبد العظيم بن عبد الله لعمرو بن عبيد البصري: أكبر الكبائر
الشرك (4) بالله تعالى، يقول الله: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن
يشاء " ويقول الله عز وجل: " إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه
النار وما للظالمين من أنصار " وبعده اليأس من روح الله، لأن الله يقول: " لا ييأس
من روح الله إلا القوم الكافرون " ثم الأمن من مكر الله، لأن الله يقول: " فلا يأمن
مكر الله إلا القوم الخاسرون " ومنها عقوق الوالدين، لأن الله عز وجل جعل العاق



(1) وسائل الشيعة: ج 11 ص 252 ب 46 من أبواب جهاد النفس ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 11 ص 259 ب 46 من أبواب جهاد النفس ح 27.
(3) وسائل الشيعة: ج 11 ص 259 ب 46 من أبواب جهاد النفس ح 28.
(4) في المصدر: الإشراك.
281
جبارا شقيا في قوله تعالى: " وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا " وقتل النفس
التي حرم الله إلا بالحق، لأن الله تعالى يقول: " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه
جهنم خالدا فيها " إلى آخر الآية، وقذف المحصنات، لأن الله تعالى يقول: " إن
الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب
عظيم " وأكل مال اليتيم ظلما، لقول الله تعالى: " إن الذين يأكلون أموال اليتامى
ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " والفرار من الزحف، لأن الله
يقول: " ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب
من الله ومأواه جهنم وبئس المصير " وأكل الربا، لأن الله تعالى يقول: " الذين
يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " ويقول الله
تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم
تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " والسحر، لأن الله تعالى يقول: " ولقد علموا
لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق " والزنا، لأن الله تعالى يقول: " ومن يفعل
ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا * إلا من تاب
وآمن " الآية، واليمين الغموس، لأن الله يقول: " إن الذين يشترون بعهد الله
وأيمانهم ثمنا قليلا اولئك لا خلاق لهم في الآخرة " والغلول قال الله تعالى: " ومن
يغلل يأت بما غل يوم القيامة " ومنع الزكاة المفروضة، لأن الله عز وجل يقول:
" يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم " إلى آخره، وشهادة الزور
وكتمان الشهادة، لأن الله عز وجل يقول: " ومن يكتمها فإنه آثم قلبه " وشرب
الخمر، لأن الله عز وجل عدل بها عبادة الأوثان وترك الصلاة متعمدا، أو شيئا مما
فرض الله عز وجل، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من ترك الصلاة متعمدا فقد برء منه (1)
ذمة الله وذمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونقض العهد وقطيعة الرحم، لأن الله عز وجل يقول:



(1) في الكافي: من.
282
" اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " (1).
ولم يستدل لنقض العهد لعلم المخاطب، أو لدخوله فيما قدمه من قوله تعالى:
" إن الذين يشترون بعهد الله " الآية (2) إن أريد به العهد مع الله، وإن أريد به العهد مع
الناس فلنحو قول علي (عليه السلام) في خبري ذاذان (3) وهشام بن سالم (4): لولا أن المكر
والخديعة في النار لكنت أمكر العرب. وفي خبر الأصبغ ألا وإن الغدر والفجور
والخيانة في النار (5). ويمكن تعميم عهد الله لكل عهد.
ولم يستدل لشهادة الزور أيضا، وعن النبي (صلى الله عليه وآله): من شهد شهادة زور على رجل
مسلم أو ذمي أو من كان من الناس، علق بلسانه يوم القيامة وهو مع المنافقين في
الدرك الأسفل من النار (6). وعنه (صلى الله عليه وآله): من كتم شهادة أو شهد بها ليهدر بها دم امرئ
مسلم أو ليزوي بها مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة مد البصر وفي
وجهه كدوح يعرفه الخلائق باسمه ونسبه (7). وعنه (صلى الله عليه وآله): عدلت شهادة الزور
بالإشراك بالله - قاله ثلاث مرات - ثم تلا قوله تعالى: " فاجتنبوا الرجس من الأوثان
واجتنبوا قول الزور " (8). وقال الصادق (عليه السلام) في خبر هشام بن سالم: شاهد الزور لا
تزال قدماه حتى تجب له النار (9). وفي خبر صالح بن ميثم: ما من رجل شهد
شهادة زور على مال رجل مسلم ليقطعه إلا كتب الله له مكانه صكا إلى النار (10).



(1) وسائل الشيعة: ج 11 ص 252 ب 46 من أبواب جهاد النفس ح 2.
(2) آل عمران: 77.
(3) وسائل الشيعة: ج 8 ص 571 ب 137 من أبواب أحكام العشرة ح 5.
(4) وسائل الشيعة: ج 8 ص 571 ب 137 من أبواب أحكام العشرة ح 4.
(5) الكافي: ج 2 ص 338 ح 6.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 237 ب 9 من أبواب الشهادات ح 6.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 227 ب 2 من أبواب الشهادات ح 2.
(8) مستدرك الوسائل: ج 17 ص 416 ب 6 من أبواب كتاب الشهادات ح 10 عن درر اللآلئ.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 236 ب 9 من أبواب الشهادات ح 1.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 236 ب 9 من أبواب الشهادات ح 2.
283
ويظهر من اختلاف الأخبار أن تخصيص بعض الذنوب بالذكر في بعضها
لكونها أكبر من غيرها وإن كانت كبائر، ولذا روي عن ابن عباس: أنها إلى سبعمائة
أقرب منها إلى سبع (1). وفي رواية عنه إلى سبعين (2). وعن النبي (صلى الله عليه وآله): الكبائر سبع:
أعظمهن الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمن، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف
المحصنة، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، فمن لقى الله سبحانه وهو بريء
منهن كان معي في بحبوحة جنة مصاريعها من ذهب (3).
ولعل الضمير في منهن يعود إلى الكبائر لا السبع، ولعل السبع خبر أعظمهن
والجملة خبر الكبائر.
وعنه (صلى الله عليه وآله): ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك
بالله، وعقوق الوالدين - وقال: كان متكئا فجلس - ثم قال: ألا وقول الزور ألا
وقول الزور - قاله ثلاثا (4).
(وكذا يخرج) المكلف عن العدالة (بفعل الصغائر مع الإصرار) فعلا:
بالإكثار منها بلا توبة، أو حكما: بالعزم على فعلها بعد الفراغ منها، لما ورد عنهم
صلوات الله عليهم من قولهم: لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار (5).
وعن أبي بصير أنه سمع الصادق (عليه السلام) يقول: لا والله لا يقبل الله شيئا من
طاعته على الإصرار على شيء من معاصيه (6).
وقال الباقر (عليه السلام) في خبر جابر: الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا
يحدث نفسه بتوبة فذلك الإصرار (7).
وعن سماعة قال: سمعنا أبا الحسن (عليه السلام) يقول: لا تستكثروا كثير الخير، ولا



(1 و 3) مجمع البيان: ج 3 - 4 ص 39.
(2) تفسير القران العظيم: ج 1 ص 460.
(4) مستدرك الوسائل: ج 17 ص 416 ب 6 من أبواب كتاب الشهادات ح 11 عن درر اللآلئ.
(5) وسائل الشيعة: ج 11 ص 268 ب 48 من أبواب جهاد النفس ح 3.
(6) وسائل الشيعة: ج 11 ص 268 ب 48 من أبواب جهاد النفس ح 1.
(7) وسائل الشيعة: ج 11 ص 268 ب 48 من أبواب جهاد النفس ح 4.
284
تستقلوا قليل الذنوب فإن قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا (1).
وفي خبر زياد عن الصادق (عليه السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزل بأرض قرعاء فقال
لأصحابه: إئتونا بحطب، فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب،
قال: فليأت كل إنسان بما قدر عليه فجاؤوا به حتى رموا به بين يديه بعضه على
بعضه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هكذا يجتمع الذنوب، ثم قال: إياكم والمحقرات من
الذنوب فإن لكل شيء طالبا ألا وإن طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء
أحصيناه في إمام مبين (2).
وعن أبي بصير أنه سمع الباقر (عليه السلام) يقول: اتقوا المحقرات من الذنوب، فإن لها
طالبا، يقول أحدكم: أذنب واستغفر الله إن الله عز وجل يقول: سنكتب ما قدموا
وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين (3).
(أو (4)) بفعل الصغائر في (الأغلب) وإن أظهر التوبة عنها كلما فعلها،
لدلالته على قلة المبالاة وعدم الإخلاص في التوبة.
و (لا يقدح) في العدالة (النادر) من الصغائر (للحرج) إن ردت شهادة
من يواقع صغيرة في النادر، لأنه لا أحد ينفك من ذلك. كذا في المبسوط (5).
(وقيل) في السرائر: (يقدح) فيها النادر (ولا حرج، لإمكان
الاستغفار) قال - بعد ما حكى ما في المبسوط -: وهذا القول لم يذهب إليه (رحمه الله)
إلا في هذا الكتاب - أعني المبسوط - ولا ذهب إليه أحد من أصحابنا، لأنه لا
صغائر عندنا في المعاصي إلا بالإضافة إلى غيرها، وما خرجه واستدل به من " أنه
يؤدي إلى أن لا تقبل شهادة أحد لأنه لا أحد ينفك عن مواقعة بعض المعاصي "



(1) وسائل الشيعة: ج 11 ص 245 ب 43 من أبواب جهاد النفس ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 11 ص 245 ب 43 من أبواب جهاد النفس ح 3.
(3) وسائل الشيعة: ج 11 ص 246 ب 43 من أبواب جهاد النفس ح 4.
(4) في القواعد: و.
(5) المبسوط: ج 8 ص 217.
285
فغير واضح لأنه قادر على التوبة عن ذلك الصغير، فإذا تاب قبلت شهادته،
وليست التوبة مما يتعذر على الإنسان (1).
قال في المختلف: وقول ابن إدريس ليس بشيء، لأن مع التوبة لا فرق بين
الكبيرة والصغيرة في سقوطهما بها (2).
قلت: فيه: أن ابن إدريس لا يفرق بينهما.
قال: إن التوبة من شرطها العزم على ترك المعاودة، ولا شك أن الصغائر لا ينفك
منها الإنسان، فلا يصح هذا العزم منه غالبا، فلا يمكن التوبة في أغلب الأحوال (3).
قلت: أكثر الناس كما ذكره، ولكن العدول منهم ليسوا كذلك.
قال: وفي رواية ابن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام) ما يوافق كلام الشيخ في
النهاية من عد اجتناب الكبائر شرطا في العدالة ولو كان اجتناب الصغائر شرطا
لنص (عليه السلام) على ذلك (4).
قلت: ولابن إدريس أن يقول: إن الخبر إنما دل على علامة العدالة وأن من
كان مجتنبا لهذه المعاصي قبلت شهادته إذا لم يعرف منه معصية اخرى، أما إذا
عرفت فلم يشترط التوبة عنها، وما ذكره ابن إدريس: من " أنه لا صغائر عندنا إلا
بالإضافة " موافق لمجمع البيان (5).
وفي الشرائع: وربما توهم واهم أن الصغائر لا تطلق على الذنب إلا مع
الإحباط، وهو بالإعراض عنه حقيق، فإن إطلاقها بالنسبة (6).
(ولا يقدح في العدالة ترك المندوبات) كلا أو بعضا (وإن أصر) عليه
(ما لم يبلغ الترك إلى التهاون بالسنن) وإن أصر على ترك مندوب واحد من
غير علة حتى بلغ التهاون به.



(1) السرائر: ج 2 ص 118.
(2 و 4) مختلف الشيعة: ج 8 ص 484.
(3) مختلف الشيعة: ج 8 ص 484.
(5) مجمع البيان: ج 3 - 4 ص 38.
(6) شرائع الإسلام: ج 4 ص 127.
286
(والمخالف في شيء من أصول العقائد) المتفق عليها عند المسلمين أو
عندنا (ترد شهادته) لعدم الإيمان (سواء استند) رأيه (إلى تقليد أو
اجتهاد) علم الاتفاق عليه أو لا.
(أما المخالف في الفروع) الفقهية أو الكلامية كنفي الصفات والأحوال عنه
تعالى، واستحالة رؤيته، واستناد اللذة إليه، وعدم خلود صاحب الكبيرة في النار،
وخلود غير المؤمن من فرق الإسلام (من معتقدي الحق) في الأصول من التوحيد
والنبوة والإمامة والمعاد (إذا لم يخالف الإجماع) أو خالفه ولم يعلم به (لا
يفسق ولا ترد شهادته وإن أخطأ في اجتهاده) أو قلد وأخطأ في ترك الاجتهاد.
(وترد شهادة القاذف إلا أن يتوب) كما نص عليهما في الآية (1) (وحدها)
أي التوبة - كما في المقنع (2) والنهاية (3) والتبيان (4) والنافع (5) والشرائع (6) - (إكذاب
نفسه) وبه خبر أبي الصباح سأل الصادق (عليه السلام) ما توبته قال: يكذب نفسه (7). وخبر
ابن سنان عنه (عليه السلام) قال: توبته أن يرجع فيما قال ويكذب نفسه عند الإمام وعند
المسلمين (8). ومرسل يونس عن أحدهما (عليهما السلام) سئل ما توبته؟ قال: فيجئ
ويكذب نفسه عند الإمام ويقول: قد افتريت على فلانة، ويتوب مما قاله (9).
قال المحقق: وإن كان صادقا يوري باطنا (10).
وفي الخلاف (11) والغنية (12) والمجمع (13): أن الإكذاب شرط التوبة.



(1) النور: 5.
(2) المقنع: ص 397.
(3) النهاية: ج 2 ص 53.
(4) التبيان: ج 7 ص 409.
(5) المختصر النافع: ص 279.
(6) شرائع الإسلام: ج 4 ص 127.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 282 ب 36 من أبواب الشهادات ح 1.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 283 ب 37 من أبواب الشهادات ح 1.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 283 ب 36 من أبواب الشهادات ح 4.
(10) شرائع الإسلام: ج 4 ص 128.
(11) الخلاف: ج 6 ص 264 المسألة 13.
(12) الغنية: ص 440.
(13) مجمع البيان: ج 7 - 8 ص 126.
287
وقال المصنف وفاقا لبني إدريس (1) وحمزة (2) وسعيد (3): حد التوبة إكذاب
نفسه إن كان كاذبا، (وإن كان صادقا اعترف بالخطأ في الملأ) الذين قذف
عندهم، فإنه مع الصدق فيما قاله يكذب إن قال: " كذبت فيما نسبته إلى فلان " ولا
ينافيه الأخبار وإطلاق من وافقها من الأصحاب، فإن الصادق ليس بقاذف حقيقة.
وفي التحرير نفى البعد عن الإكذاب مطلقا قال: لأنه تعالى سمى القاذف كاذبا
إذا لم يأت بأربعة شهداء على الإطلاق لأنه كذب في حكم الله وإن كان صادقا (4).
وفي الخلاف من شرط التوبة من القذف، أن يكذب نفسه حتى يصح قبول
شهادته فيما بعد، بلا خلاف بيننا وبين أصحاب الشافعي، إلا أنهم اختلفوا، فقال
أبو إسحاق وهو الصحيح عندهم: أن يقول القذف باطل ولا أعود إلى ما قلت.
وقال الإصطخري: التوبة إكذابه نفسه، هكذا قال الشافعي، وحقيقة ذلك أن يقول:
كذبت فيما قلت. قال أبو حامد: وليس بشيء. وهذا هو الذي يقتضيه مذهبنا لأنه
لا خلاف بين الفرقة أن من شرط ذلك أن يكذب نفسه، وحقيقة الإكذاب أن يقول:
كذبت فيما قلت. كيف وهم رووا أيضا أنه يحتاج أن يكون إكذاب نفسه في الملأ
الذين قذف بينهم وفي موضعه، فثبت ما قلناه. والذي قاله المروزي قوي، لأنه إذا
أكذب نفسه ربما كان صادقا في الأول فيما بينه وبين الله، فيكون هذا الإكذاب
كذبا، وهو قبيح (5) انتهى. وهو نوع تردد.
وفي المبسوط: أن القذف إن كان قذف سب فالتوبة إكذابه نفسه، لما روي عن
النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: " وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك
وأصلحوا " قال النبي (صلى الله عليه وآله): توبته إكذابه نفسه، فإذا تاب قبلت شهادته. فإذا ثبت أن
التوبة إكذابه نفسه، فاختلفوا في كيفيته، قال قوم: أن يقول: القذف باطل حرام ولا



(1) السرائر: ج 2 ص 116.
(2) الوسيلة: ص 231.
(3) الجامع للشرائع: ص 540.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 249.
(5) الخلاف: ج 6 ص 263 المسألة 12.
288
أعود إلى ما قلت. وقال بعضهم: حقيقة ذلك أن يقول: كذبت فيما قلت، وروي ذلك
في أخبارنا. قال: والأول أقوى، لأنه إذا قال: كذبت فيما قلت، ربما كان كاذبا في
هذا، لجواز أن يكون صادقا في الباطن وقد تعذر عليه تحقيقه، فإذا قال: القذف
باطل حرام، فقد أكذب نفسه، وقوله: " لا أعود إلى ما قلت " فهو ضد ما كان منه.
قال: وأما قذف الشهادة فهو: أن يشهد بالزنا دون الأربعة فإنهم فسقة، وقال قوم:
يحدون، وقال آخرون: لا يحدون، فالتوبة هنا أن يقول: قد قدمت على ما كان
مني ولا أعود إلى ما أتهم فيه، ولا يقول: ولا أعود إلى ما قلت، لأن الذي قاله
شهادة فيجزيه أن يقول: لا أعود إلى ما أتهم فيه (1) انتهى.
ثم الظاهر أنه لابد مع التوبة من إصلاح العمل لقوله تعالى: " إلا الذين تابوا
من بعد ذلك وأصلحوا " (2) (و) لكن (لا يشترط في إصلاح العمل أكثر من
الاستمرار) على التوبة (على رأي) وفاقا للشرائع (3) والوسيلة (4) وظاهر
النهاية (5) والمقنع (6); لأن الاستمرار عليها ولو ساعة إصلاح، ولأن أبا الصباح سأل
الصادق (عليه السلام): أرأيت إن أكذب نفسه وتاب أتقبل شهادته؟ قال: نعم (7). ولقوله (عليه السلام)
لابن سنان: توبته أن يرجع مما قال ويكذب نفسه عند الإمام وعند المسلمين، فإذا
فعل ذلك فإن على الإمام أن يقبل شهادته بعد ذلك (8). ولخبر يونس عن بعض
أصحابه سأله (عليه السلام) عن الذي يقذف المحصنات تقبل شهادته بعد الحد إذا تاب؟
قال: نعم (9). ولقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر السكوني: ليس يصيب أحدا حد



(1) المبسوط: ج 8 ص 179.
(2) النور: 5.
(3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 128.
(4) الوسيلة: ص 231.
(5) النهاية: ج 2 ص 53.
(6) المقنع: ص 397 - 398.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 282 ب 36 من أبواب الشهادات ح 1.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 283 ب 37 من أبواب الشهادات ح 1.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 283 ب 36 من أبواب الشهادات ح 4.
289
فيقام عليه ثم يتوب إلا جازت شهادته (1).
واستقرب في التحرير عدم اشتراط الإصلاح، قال: لقوله (عليه السلام): التوبة تجب ما
قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولأن المغفرة تحصل من التوبة. والإصلاح
المعطوف على التوبة يحتمل أن يكون المراد به التوبة، وعطف لتغاير اللفظين (2).
قلت: ويحتمل أن يكون العطف لتفسير التوبة بالإكذاب في الملأ الذين قذف
فيهم، أو تكون التوبة هو الندم والعزم على أن لا يعود، والإصلاح هو الإكذاب.
وفي الخلاف (3) والجامع (4) ومتشابه القرآن (5) لابن شهرآشوب: أنه لابد مع
التوبة التي هي الإكذاب ظهور عمل صالح منه وإن قل، وهو ظاهر الغنية (6)
والإصباح (7). وفي المبسوط (8) والسرائر (9): أنه لابد منه إذا قذف قذف سب، لا إذا
قذف قذف شهادة، لافتراقهما في ثبوت فسق القاذف قذف سب بالنص وفسق
الآخر بالاجتهاد. وجعل النزاع في المختلف لفظيا، لأن البقاء على التوبة شرط في
قبول الشهادة وهو كاف في إصلاح العمل، لصدقه عليه (10) وهو بعيد عن عبارات
الشيخ وبني إدريس وشهرآشوب وسعيد.
(ولو صدقه المقذوف أو أقام بينة) على ما قذف به (لم ترد شهادته،
ولا يحد).
(واللاعب بآلات القمار كلها فاسق) عندنا فعن جابر عن الباقر (عليه السلام): قال
لما أنزل الله عز وجل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) " إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام



(1) تتمة الخبر: إلا القاذف فإنه لا تقبل شهادته، إن توبته فيما كان بينه وبين الله تعالى. راجع
وسائل الشيعة: ج 18 ص 283 ب 36 من أبواب الشهادات ح 6.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 249.
(3) الخلاف: ج 6 ص 264 المسألة 13.
(4) الجامع للشرائع: ص 540.
(5) متشابه القرآن ومختلفه: ج 2 ص 224.
(6) الغنية: ص 440.
(7) إصباح الشيعة: ص 529.
(8) المبسوط: ج 8 ص 179.
(9) السرائر: ج 2 ص 116.
(10) مختلف الشيعة: ج 8 ص 481.
290
رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " قيل: يا رسول الله ما الميسر؟ فقال: كل ما تقومر
به حتى الكعاب والجوز (1). وقد ورد: أن اتخاذها كفر بالله العظيم، وأن اللعب بها
شرك، وتقليبها كبيرة موبقة، والسلام على اللاهي بها كفر، ومقلبها كالناظر إلى فرج
امه، ومثل الذي يلعب بها من غير قمار كمثل الذي يضع يده في الدم ولحم الخنزير،
وأن مثل الذي يلعب بها كمثل الذي ينظر على الفرج الحرام (2). (كالشطرنج)
بكسر الشين وفتحها (والنرد) وفي بعض الأخبار أنه أشد من الشطرنج، وأن
اللاعب كمثل الذي يأكل لحم الخنزير (3) (والأربعة عشر) و (4) هي قطعة من
خشب يحفر فيها حفر ثلاثة أسطر فيجعل في الحفر شئ من الحصى الصغار ونحوها،
يلعبون بها (والخاتم وإن قصد) اللاعب بأحدها (الحذق أو اللهو أو القمار)
فلا فرق بين القصود، يحكم بفسقه و (ترد شهادته) لنحو ما سمعت.
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبري الحسين بن زيد (5) والسكوني (6): أن
النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن اللعب بالنرد والشطرنج.
وقوله (عليه السلام) لقوم كانوا يلعبون بالشطرنج: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عابدون (7).
وقوله (عليه السلام) في خبر أبي بصير: الشطرنج والنرد هما الميسر (8).



(1) وسائل الشيعة: ج 12 ص 119 ب 35 من أبواب ما يكتسب به ح 4.
(2) راجع وسائل الشيعة: ج 12 ص 241 ب 103 من أبواب ما يكتسب به ح 4، ومستدرك
الوسائل: ج 13 ص 223 ب 82 و 83 من أبواب ما يكتسب به.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): ص 284.
(4) في ل زيادة: تسمى القرق بالكسر وهي مربع في وسطه مربع خط من كل من زوايا الأول
وإلى الثالث وكذا بين كل زاويتين، كذا قيل، وقيل:
(5) وسائل الشيعة: ج 12 ص 242 ب 104 من أبواب ما يكتسب به ح 6.
(6) وسائل الشيعة: ج 12 ص 238 ب 102 من أبواب ما يكتسب به ح 9.
(7) عوالي اللآلئ: ج 1 ص 243 ح 166.
(8) وسائل الشيعة: ج 12 ص 242 ب 104 من أبواب ما يكتسب به ح 2.
291
وقول النبي (صلى الله عليه وآله): من يلعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله (1).
وقول الصادق (عليه السلام) لزيد الشحام وغيره: الرجس من الأوثان، الشطرنج (2).
وقوله (عليه السلام) في خبر عمر بن يزيد: إن لله عز وجل في كل ليلة من شهر رمضان
عتقاء من النار إلا من أفطر على مسكر، أو مشاحن، أو صاحب شاهين، قال: وأي
شيء صاحب الشاهين؟ قال: الشطرنج (3).
وخبر العلا بن سيابة سمعه (عليه السلام) يقول: لا تقبل شهادة صاحب النرد والأربعة
عشر وصاحب الشاهين يقول: لا والله وبلى والله، مات والله شاه وقتل والله شاه
وما مات ولا قتل (4).
ولم يرد الشافعي شهادة اللاعب بالنرد أو الشطرنج ولم يحرمهما ولكن جعل
النرد أشد كراهية (5).
(وكذا شارب المسكر) فاسق عندنا ترد شهادته (خمرا كان أو غيره
وإن كان قطرة) وقال الشافعي: من شرب يسيرا من النبيذ أحده ولا أفسقه ولا
أرد شهادته (6). وقال أبو حنيفة: لا أحده ولا أفسقه ولا أرد شهادته (7).
(وكذا الفقاع والعصير) العنبي (إذا غلا من نفسه أو بالنار) أو بالشمس،
وإن لم يشتد (قبل ذهاب ثلثيه وإن لم يسكر) للاتفاق على حرمتها.
(ولا بأس بما يتخذ من التمر أو البسر) وإن غلا (ما لم يسكر) للأصل
من غير معارض [وتقدم في الصيد والذبائح الخبر الدال على حرمة عصير التمر ما



(1) سنن البيهقي: ج 10 ص 214.
(2) وسائل الشيعة: ج 12 ص 237 ب 102 من أبواب ما يكتسب به ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 12 ص 237 ب 102 من أبواب ما يكتسب به ح 4.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 279 ب 33 من أبواب الشهادات ح 1.
(5) الأم: ج 6 ص 208، المجموع: ج 20 ص 228.
(6) الأم: ج 6 ص 206، المجموع: ج 20 ص 229.
(7) بدائع الضائع: ج 6 ص 268.
292
لم يذهب ثلثاه] (1) (و) كذا (اتخاذ الخمر للتخليل) لا بأس به، فلا يحكم
بفسق متخذ الخمر إلا إذا علم أنه لا يريد التخليل. وسأل عبيد بن زرارة
الصادق (عليه السلام): عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلا، قال: لا بأس (2).
(والغناء حرام يفسق فاعله) عندنا وقد فسر به الزور وقول الزور في كثير
من الأخبار، وفي كثير منها لهو الحديث، وقال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي أسامة:
الغناء عش النفاق (3). وقال (عليه السلام) في خبره أيضا: بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة،
ولا تجاب فيه الدعوة، ولا يدخله الملك (4). وقال الباقر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم:
الغناء مما وعد الله عليه النار، وتلا هذه الآية " ومن الناس من يشتري لهو الحديث
ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا اولئك لهم عذاب مهين " (5) (وهو
ترجيع الصوت ومده) وزيد في الشرائع (6) والتحرير (7) والإرشاد (8): التطريب.
(وكذا يفسق سامعه قصدا) بالإجماع كما هو الظاهر، والنصوص (9) كقول
الصادق (عليه السلام) في خبر عنبسة: استماع اللهو والغناء ينبت النفاق كما ينبت الماء
الزرع (10). وفي خبر أبي الصباح ومحمد بن مسلم في قوله تعالى: " والذين لا يشهدون
الزور " قال: الغناء (11). (سواء كان) الغناء (في قرآن أو شعر) فإنه واستماعه
حرام، لعموم الأدلة. وأما ما روي من قوله (صلى الله عليه وآله): ليس منا من لم يتغن بالقرآن (12)



(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في ق و ن.
(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1098 ب 77 من أبواب النجاسات ح 2.
(3) الكافي: ج 6 ص 431 ح 2 وفي الهامش: في بعض النسخ عشر النفاق.
(4) وسائل الشيعة: ج 12 ص 225 ب 99 من أبواب ما يكتسب به ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 12 ص 226 ب 99 من أبواب ما يكتسب به ح 6.
(6) شرائع الإسلام: ج 4 ص 128.
(7) تحرير الأحكام: ج 5 ص 251.
(8) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 156.
(9) في المطبوع: ظاهر النصوص.
(10) وسائل الشيعة: ج 12 ص 235 ب 101 من أبواب ما يكتسب به ح 1.
(11) وسائل الشيعة: ج 12 ص 226 ب 99 من أبواب ما يكتسب به ح 5.
(12) سنن البيهقي: ج 10 ص 229.
293
فقد فسر التغني فيه بالاستغناء، كما روي: أن من قرأ القرآن فهو غنى لا فقر بعده (1).
قال الصدوق في معاني الأخبار: ولو كان كما يقوله قوم أنه الترجيح بالقراءة
وحسن الصوت لكانت العقوبة قد عظمت في ترك ذلك وأن يكون من لم يرجع
صوته بالقراءة فليس من النبي (صلى الله عليه وآله) حيث قال: ليس منا من لم يتغن بالقرآن (2).
(ويجوز الحداء) كدعاء وهو الإنشاد الذي يساق به الإبل، وكذا تشيد
الأعراب، وسائر أنواع الإنشاد ما لم يخرج إلى حد الغناء. وقد دل على جواز
الحداء وسماعه - مع الأصل -: ما روي من أمر النبي (صلى الله عليه وآله) به (3). ولكن لابد من أن
لا يخرج إلى حد الغناء، لانتفاء الدليل على حله حينئذ.
(وهجاء المؤمنين حرام) بالإجماع والنصوص من الكتاب (4) والسنة (5)
لما فيه من إيذائهم وتأنيبهم وإذاعة أسرارهم (سواء كان بشعر أو غيره) ولا
بأس بهجاء غيرهم، وقد ورد أنه (صلى الله عليه وآله) أمر حسانا بهجاء المشركين، وقال: إن
الهجو أشد عليهم من رشق النبل (6).
(وكذا التشبيب بامرأة معروفة محرمة عليه) أو غلام حرام، لما فيه من
الإيذاء، وإغراء الفساق بها أو به.
قال في المبسوط: وإن كانت ممن يحل له كالزوجة والأمة كره، ولم ترد
شهادته، وإن تشبب بامرأة مبهما ولم تعرف، كره ولم ترد شهادته، لجواز أن يكون
ممن تحل له (7) انتهى.
وقيل: ترد الشهادة بالتشبيب بمن تحل أيضا، لما فيه من سقوط المروة (8).



(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 834 ب 6 من أبواب قراءة القرآن ح 3.
(2) معاني الأخبار: ص 279.
(3) السنن الكبرى للبيهقي: ج 10 ص 226.
(4) الأحزاب: 58.
(5) وسائل الشيعة: ج 8 ص 587 ب 145 من أحكام العشرة.
(6) سنن البيهقي: ج 10 ص 238.
(7) المبسوط: ج 8 ص 228.
(8) القائل هو صاحب مسالك الأفهام: ج 14 ص 182.
294
(ويكره الإكثار من الشعر) إنشاء وإنشادا إذا لم يشتمل على ما ذكر من
الهجو والتشبيب ولا على الكذب، والكراهة للأخبار العامة (1) وإرشاد الكراهة في
الجمعة وليلتها وللصائم إليها.
وكره الإنشاد في الخلاف مطلقا، واستدل بالإجماع وبقوله (صلى الله عليه وآله): لأن يمتلئ
جوف أحدكم قيحا حتى يراه أحب إلي من أن يمتلئ شعرا. قال: فإن قالوا: المعنى
فيه ما كان فحشا وهجوا، وقال أبو عبيدة: معناه الاستكثار منه، بحيث يكون الذي
يتعلم من الشعر ويحفظه أكثر من القرآن والفقه. قلنا: نحن نحمله على عمومه، ولا
نخصه إلا بدليل، وقوله تعالى: " والشعراء يتبعهم الغاوون " يدل على ذلك أيضا (2).
(وكذا يحرم) عندنا (استماع) أصوات (آلات اللهو كالزمر) وهو
مصدر أريد به الآلة أو الفاعل مجازا، لما يقال لآلته: المزمار والزمارة (والعود
والصنج والقصب وغيرها، ويفسق فاعله ومستمعه) واستدل عليه في
الخلاف بشمول الغناء له فيشمله نصوصه (3).
وقال الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة: لما مات آدم شمت به إبليس وقابيل،
فاجتمعا في الأرض، فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم (عليه السلام)،
فكل ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس فإنما هو من ذلك (4).
وفي خبر السكوني: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنهاكم عن الزفن والمزمار وعن
الكوبات والكبرات (5).
وفي خبر إسحاق بن جرير: أن شيطانا يقال له: " القفندر " إذا ضرب في منزل
الرجل أربعين صباحا بالبربط ودخل عليه الرجال، وضع ذلك الشيطان كل عضو



(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 83 ب 51 من أبواب صلاة الجمعة وأدائها.
(2) الخلاف: ج 6 ص 308 المسألة 56.
(3) الخلاف: ج 6 ص 307 المسألة 55.
(4) وسائل الشيعة: ج 12 ص 233 ب 100 من أبواب ما يكتسب به ح 5.
(5) وسائل الشيعة: ج 12 ص 233 ب 100 من أبواب ما يكتسب به ح 6.
295
منه على مثله من صاحب البيت ثم نفخ فيه نفخة، فلا يغار بعدها حتى تؤتى نساؤه
فلا يغار (1).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله): إن الله حرم على امتي الخمر والميسر والمزر والكوبة
والقنين (2). قال في المبسوط: والمزر: شراب الذرة، والكوبة: الطبل، والقنين:
البربط. قال: والتفسير في الخبر (3). إلى غير ذلك من الأخبار.
(ولا بأس بالدف في الأعراس والختان على كراهية) وفاقا للخلاف (4)
والمبسوط (5) والشرائع (6) لما روي عنه (عليه السلام) من قوله: أعلنوا النكاح واضربوا عليه
بالغربال (7) يعني الدف. وقوله (صلى الله عليه وآله): فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف
عند النكاح (8). وربما قيد الدف هنا بما خلا عن الصنج. والأقوى الحرمة كما في
التذكرة (9) لعموم النصوص الناهية وكثرتها وعدم صلاحية ما ذكر لتخصيصها.
(ولبس الحرير حرام) على الرجال باتفاق علماء الإسلام (يفسق
فاعله) المصر عليه أو غير المصر إن كان كبيرة، وهو ظاهر العبارة هنا وفي
التحرير (10) والإرشاد (11) والتلخيص (12) والشرائع (13) ومختصر النافع (14). ويؤيده
ما في خبر ليث المرادي عن الصادق (عليه السلام) من: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كسا أسامة بن
زيد حلة حرير فخرج فيها فقال: مهلا يا أسامة إنما يلبسها من لا خلاق له،



(1) وسائل الشيعة: ج 12 ص 232 ب 100 من أبواب ما يكتسب به ح 1.
(2) انظر كنز العمال: ج 5 ص 354 ح 13208.
(3 و 5) المبسوط: ج 8 ص 224.
(4) الخلاف: ج 6 ص 307 المسألة 55.
(6) شرائع الإسلام: ج 4 ص 128.
(7) سنن البيهقي: ج 7 ص 290.
(8) سنن البيهقي: ج 7 ص 289، وفيه: الصوت والضرب...
(9) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 581 س 14.
(10) تحرير الأحكام: ج 5 ص 251 - 252.
(11) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 157.
(12) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 33 ص 369.
(13) شرائع الإسلام: ج 4 ص 129.
(14) المختصر النافع: ص 279.
296
فاقسمها بين نسائك (1). ويمكن تعميم أخبار المتشبهين بالنساء له. (إلا في
الحرب) لنحو قول الصادق (عليه السلام) لسماعة: أما في الحرب فلا بأس به وإن كان فيه
تماثيل (2). وقول الباقر (عليه السلام) - في ما رواه الحميري في قرب الإسناد عن الحسن
بن طريف عن الحسين بن علوان -: إن عليا (عليه السلام) كان لا يرى بلباس الحرير
والديباج في الحرب إذا لم يكن فيه التماثيل بأسا (3). (والضرورة) كالبرد
والقمل والحكة، فقد روي أنه (صلى الله عليه وآله) رخص للزبير وعبد الرحمن بن عوف في لبسه
لحكة بهما أو للقمل (4). (ولا بأس بالتكأة عليه والافتراش له) للأصل
والنص (5) خلافا للشافعي (6) وأحمد (7).
(وكذا) يحرم (لبس الرجال الذهب) ويفسق فاعله إن أصر أو مطلقا كما
يظهر من العبارة، لقول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار: لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلى
فيه، لأنه من لباس أهل الجنة (8). وفي خبر موسى بن أكيل النميري: وجعل الله الذهب
في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه (9). (ولو كان طليا في
خاتم) لصدق لبس الذهب والتختم به المنهي عنه في نحو خبر جراح المدائني
عن الصادق (عليه السلام) قال: لا تجعل في يدك خاتما من ذهب (10). وخبر روح بن عبد
الرحيم عنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): لا تختم بالذهب فإنه
زينتك في الآخرة (11). [وأحل الشيخ في المبسوط المموه والمجرى فيه إذا اندرس



(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 275 ب 16 من أبواب لباس المصلي ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 270 ب 12 من أبواب لباس المصلي ح 3.
(3) قرب الاسناد: ص 103 ح 347.
(4) صحيح مسلم: ج 3 ص 1646 ح 25.
(5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 274 ب 15 من أبواب لباس المصلي.
(6 و 7) المجموع: ج 4 ص 435.
(8) وسائل الشيعة: ج 3 ص 300 ب 30 من أبواب لباس المصلي ح 4.
(9) وسائل الشيعة: ج 3 ص 300 ب 30 من أبواب لباس المصلي ح 5.
(10) وسائل الشيعة: ج 3 ص 299 ب 30 من أبواب لباس المصلي ح 2.
(11) وسائل الشيعة: ج 3 ص 299 ب 30 من أبواب لباس المصلي ح 1.
297
وبقي الأثر (1). وأحل ابن حمزة المموه من الخاتم والمجرى فيه الذهب والمصنوع
من الجنسين بحيث لا يتميز والمدروس من الطراز مع بقاء أثره (2). وفي الذكرى: لو
موه الخاتم بذهب الظاهر تحريمه لصدق اسم الذهب عليه. نعم لو تقادم عهده حتى
اندرس وزال مسماه جاز، ومثلها الأعلام على الثياب من الذهب أو المموه
به (3). وفي كتاب صلاة الخوف من المبسوط: وإن كان مموها أو مجرى فيه ويكون
قد اندرس وبقي أثره لم يكن به بأس] (4) وكرهه الحلبي (5). وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)
قال: نهاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) - ولا أقول نهاكم - عن التختم بالذهب (6).
(والحسد) وهو تمني زوال النعمة عن الغير أو ملزومه (حرام) فورد أنه يأكل
الإيمان كما يأكل النار الحطب (7). وأن آفة الدين الحسد والعجب والفخر (8) وأن الحاسد
ساخط لنعم الله صاد لقسمته بين عباده (9). وأن ستة يدخلون النار قبل الحساب
بستة، منهم العلماء بالحسد (10). إلى غير ذلك. وفي بعض الأخبار العفو عنه (11).
(وكذا بغضة المؤمن) حرام فقد ورد من الأمر بالتحاب والتعاطف والنهي
عن التعادي والتهاجر ما لا يحصى (12). ولما كان كل منهما قلبيا قال:
(والتظاهر بذلك) أي بكل منهما (قادح في العدالة) وفي المبسوط: أنه



(1) المبسوط: كتاب الصلاة ج 1 ص 168.
(2) الوسيلة: كتاب المباحات ص 368.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة ج 3 ص 47.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في ق و ن. ولا يخفى ما في هذه الزيادة من تكرار كلام المبسوط.
(5) الكافي في الفقه: ص 140.
(6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 301 ب 30 من أبواب لباس المصلي ح 7.
(7) وسائل الشيعة: ج 11 ص 292 ب 55 من أبواب جهاد النفس ح 1.
(8) وسائل الشيعة: ج 11 ص 293 ب 55 من أبواب جهاد النفس ح 5.
(9) وسائل الشيعة: ج 11 ص 293 ب 55 من أبواب جهاد النفس ح 6.
(10) جامع الأخبار: ص 392.
(11) وسائل الشيعة: ج 11 ص 295 ب 56 من أبواب جهاد النفس.
(12) وسائل الشيعة: ج 8 ص 552، 569، 584 ب 124، 136، 144 من أبواب أحكام العشرة.
298
إن ظهر منه سب وقول فحش فهو فاسق، وإلا ردت شهادته للعداوة (1). وقال
الصادق (عليه السلام) في خبر حمزة بن حمران: ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه: التفكر في
الوسوسة في الخلق، والطيرة، والحسد إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده (2).
(ويجوز إتخاذ الحمام للأنس وإنفاذ الكتب) والاستفراخ، للأصل
والأخبار (3) بل فيها: أنه يستدفع بها الحمى (4) والشياطين. (ويكره) إتخاذ ها
(للتفرج والتطير) لما فيه من تضييع الوقت. وعن ابن إدريس اللعب بها فسق
مسقط للعدالة (5). وكذا اللعب بكل شيء. (والرهان عليها قمار) يفسق فاعله،
إذ لا رهان إلا في الحافر والخف والنصل والريش أي السهم، ولا عمل على ظاهر
خبر العلا بن سيابة سأل الصادق (عليه السلام): عن شهادة من يلعب بالحمام، فقال: لا بأس
إذا كان لا يعرف بفسق، قال: فإن من قبلنا يقولون: قال عمر: هو الشيطان، فقال:
سبحان الله أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الملائكة لتنفر عند الرهان ويلعن
صاحبه ما خلا الحافر والخف والريش والنصل، فإنها تحضره (6).
(والصنائع المباحة) كالكتابة والتجارة (7) والنجارة. (والمكروهة)
كالصياغة والحياكة والنخاسة. (والدنيئة) كالحياكة والحجامة (حتى) البالغة
في الدناءة بمثل صنعة (الزبال لا ترد بها الشهادة) لأن شيئا من ذلك لا ينقض
العدالة. ومن العامة (8) من ردها بالصنائع الدنيئة، لإسقاطها المروءة. ومنهم من



(1) المبسوط: ج 8 ص 227.
(2) وسائل الشيعة: ج 11 ص 293 ب 55 من أبواب جهاد النفس ح 8.
(3) وسائل الشيعة: ج 8 ص 376 ب 31 من أبواب أحكام الدواب.
(4) كذا، إن كان المراد بهذه الكلمة " الحمى " لم نقف عليها في خبر.
(5) السرائر: ج 2 ص 124.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 305 ب 54 من أبواب الشهادات ح 3.
(7) كذا، ولا يخفى ما في عد التجارة من الصناعة.
(8) راجع المغني لابن قدامة: ج 12 ص 34.
299
ردها إن لم يكن من أهلها، كأن يكون صنائع آبائه أو عشيرته.
(الخامس: المروءة)
بالهمزة، ويجوز تشديد الواو، وهي الإنسانية كما في الصحاح (1) أو الرجولية،
والمراد بهما الكمال فيهما كما في العين (2) والمحيط (3).
وفي الاصطلاح هيئة نفسانية يحمل الإنسان على الوقوف عند محاسن
الأخلاق وجميل العادات.
(فمن يرتكب ما لا يليق بأمثاله من المباحات بحيث يستسخر
به ويهزأ منه (4) كالفقيه يلبس القبا) وهو بفتح القاف، قيل: ويضم (5)، قيل:
كأنه مشتق من قبا الحرف يقبه إذا جمعه وضمه (6) لأنه تجمع أطرافه وتضم،
وقيل: إنه فارسي معرب (7) (والقلنسوة، ويأكل ويبول في الأسواق) غالبا
ولا يبالي به، أما الواقع منه نادرا وللضرورة والواقع من السوقي فلا ينفي المروءة
فإنها يختلف بالأشخاص كما يختلف بالأمكنة والأزمنة. وقوله: (أو يكب)
معطوف على " يرتكب " أي ومن يكب (على اللعب بالحمام) ونحوه
(وأشباه ذلك من الإفراط في المزاح) والحكايات المضحكة ونحو
ذلك (ترد شهادته).
وإنما اشترطت المروءة في القبول (لأن ذلك) أي ارتكاب شيء مما ذكر
(يدل على ضعف في عقله) فربما لا يحسن تحمل الشهادة ولا يكتنه كنه
المشهود به، وربما يجوز الكذب في الشهادة (أو قلة مبالاة فيه) فربما لا يبالي
بالكذب (وكل ذلك يسقط الثقة بقوله).



(1) الصحاح: ج 1 ص 72 (مادة مرأ).
(2) العين: ج 8 ص 299 (مادة مرأ).
(3) القاموس المحيط: ج 1 ص 28 (مادة مرؤ).
(4) في القواعد: ويهزأ به.
(5) المصباح المنير: ج 2 ص 489 (مادة قباء).
(6) لسان العرب: ج 15 ص 169 (مادة قبا).
(7) لم نعثر عليه.
300
(السادس: طهارة المولد)
(فلا تقبل شهادة ولد الزنا مطلقا) وفاقا للخلاف (1) والانتصار (2)
والغنية (3) والسرائر (4) والشرائع (5) والنافع (6) وغيرها، وحكي الإجماع عليه في
الثلاثة الأول. ويدل عليه مع ذلك أخبار:
كقول الصادق (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم: لا يجوز شهادة ولد الزنا (7).
وقول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة: لو أن أربعة شهدوا عندي على رجل بالزنا
وفيهم ولد زنا لحددتهم جميعا، لأنه لا يجوز شهادته، ولا يؤم الناس (8).
وخبر أبي بصير سأله (عليه السلام) عن ولد الزنا أتجوز شهادته؟ قال: لا، قال: إن
الحكم يزعم أنها تجوز، فقال (عليه السلام): اللهم لا تغفر ذنبه (9).
واستدل عليه في السرائر بأنه كافر بالإجماع (10).
وفي الانتصار بالإجماع على أنه لا يكون نجيبا ولا مرضيا عند الله، قال:
ومعنى ذلك: أن الله قد علم فيمن خلق من نطفة زنا أن لا يختار هو الخير والصلاح،
قال: فإذا علمنا بدليل قاطع عدم نجابة ولد الزنا وعدالته وشهد وهو مظهر للعدالة
مع غيره لم يلتفت إلى ظاهره المقتضي لظن العدالة به ونحن قاطعون على خبث
باطنه وقبح سريرته، فلا تقبل شهادته، لأنه عندنا غير عدل ولا مرضي (11).
واستدل عليه أبو علي بقوله (صلى الله عليه وآله): إنه شر الثلاثة، قال: ولا خلاف أن الاثنين
غير مقبول شهادتهما وهو شرهم فهو أيضا غير مقبول شهادته، ولأنه شرهم تقبل



(1) الخلاف: ج 6 ص 309 المسألة 57.
(2) الانتصار: ص 501.
(3) الغنية: ص 440.
(4 و 10) السرائر: ج 2 ص 122.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 132.
(6) المختصر النافع: ص 280.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 276 ب 31 من أبواب الشهادات ح 3.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 276 ب 31 من أبواب الشهادات ح 4.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 275 ب 31 من أبواب الشهادات ح 1.
(11) الانتصار: ص 502.
301
شهادة أبويه إذا تابا وشهادته غير مقبولة وإن استقامت طريقته (1).
قال المرتضى (رحمه الله): وهذا غير معتمد، لأن الخبر الذي رواه خبر واحد لا
يوجب علما ولا عملا، ولا يرجع بمثله من ظواهر الكتاب الموجبة للعلم، قال:
وإذا كان معنى قوله (صلى الله عليه وآله): " إنه شر الثلاثة " من حيث لم تقبل شهادته أبدا وقبلت
شهادة الزانيين إذا تابا فقد كان يجب على ابن الجنيد أن يبين من أي وجه لم تقبل
شهادته على التأبيد؟ وكيف كان أسوأ حالا في هذا الحكم من الكافر الذي تقبل
شهادته بعد التوبة والرجوع إلى الإيمان؟ ويبين كيف لم تقبل شهادته مع إظهار
العدالة والصلاح والنسك والعبادة؟ وأنه بذلك داخل في ظواهر آيات قبول
الشهادة وما شرع في ذلك، ولا اهتدى له (2).
واعترض عليه في المختلف بأنه لا فرق بين دليليهما، إذ كما أن الخبر الذي
رواه أبو علي خبر واحد كذلك خبر " إنه لا يدخل الجنة ولد زنا " اللهم إلا أن يكون
قد كان متواترا في زمن السيد. واستدل عليه فيه مع الأخبار: بأن الشهادة من
المناصب الجليلة (3) وهو ناقص، فكما لا يصلح للإمامة لا يصلح لها.
(وقيل) في النهاية (4) والوسيلة (5): (تقبل) شهادته (في الشيء الدون
مع) ظهور (صلاحه) لخبر عيسى بن عبد الله سأل الصادق (عليه السلام): عن شهادة ولد
الزنا، فقال: لا تجوز إلا في الشيء اليسير إذا رأيت منه صلاحا (6).
والجواب ضعف السند، وفي المختلف: انا نقول: بموجبه، فإنه يعطي بمفهومه
الرد في الكثير وما من يسير إلا وهو كثير بالنسبة إلى ما دونه، فلا تقبل شهادته إلا
في أقل الأشياء الذي لا يكون كثيرا بالنسبة إلى شيء ومثله لا يتملك (7).



(1) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 487.
(2) الانتصار: ص 502.
(3) مختلف الشيعة: ج 8 ص 489.
(4) النهاية: ج 2 ص 53.
(5) الوسيلة: ص 230.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 276 ب 31 من أبواب الشهادات ح 5.
(7) مختلف الشيعة: ج 8 ص 490.
302
وفي المبسوط: شهادة ولد الزنا إذا كان عدلا مقبول عند قوم في الزنا وفي
غيره وهو قوي، لكن أخبار أصحابنا يدل على أنه لا تقبل شهادته (1).
(ولو جهل حاله) أي الشاهد من كونه ولد غية أو رشدة (قبلت شهادته
وإن طعن عليه) وأخذته الألسن بأنه ولد زنا حيث لا يثبت شرعا.
(السابع: انتفاء التهمة)
كما في نحو صحيح الحلبي أنه سأل الصادق (عليه السلام) عما يرد من الشهود؟ فقال:
الظنين والمتهم والخصم (2). ولكن وقع الاتفاق على أنها لا يرد بأية تهمة كانت
فتقبل شهادة الأخ لأخيه، والابن لأبيه، والصديق لصديقه، والوارث لمورثه وإن
كان مشرفا على التلف، والغريم للمديون ما لم يحجر عليه، إلى غير ذلك، وإلا
ردت أكثر الشهادات، لاحتمال التهمة، بل (أسبابها) الموجبة للرد (ستة):
(الأول: أن يجر بشهادته إليه نفعا) فهو بالشهادة مدع، وعنه (صلى الله عليه وآله): أنه
نهى أن تجاز شهادة الخصم والظنين والجار إلى نفسه منفعة (3). (أو يدفع) عنه
(ضررا) فهو بالشهادة منكر (كالشريك لشريكه فيما هو شريك فيه) كما
سأل عبد الرحمن بن أبي عبد الله أبا عبد الله (عليه السلام) عن ثلاثة شركاء شهد اثنان عن
واحد، قال: لا تجوز شهادتهما (4). وروى زرعة عن سماعة قال: سألته عما يرد من
الشهود، فقال: المريب، والخصم، والشريك، ودافع مغرم، والأجير، والعبد، والتابع،
والمتهم، كل هذا (5) ترد شهاداتهم (6). (وتقبل في غيره) لانتفاء التهمة وعن
علي (عليه السلام): لا تجوز شهادة الشريك لشريكه فيما هو بينهما، وتجوز في غير ذلك



(1) المبسوط: ج 8 ص 228.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 275 ب 30 من أبواب الشهادات ح 5.
(3) مستدرك الوسائل: ج 17 ص 431 ب 24 من أبواب الشهادات ح 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 271 ب 27 من أبواب الشهادات ح 1.
(5) في المصدر: كل هؤلاء.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 278 ب 32 من أبواب الشهادات ح 3.
303
مما ليس له فيه شركة (1). وعن أبان قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن شريكين شهد
أحدهما لصاحبه، فقال: تجوز شهادته إلا في شيء له فيه نصيب (2).
(والوصي فيما هو وصي فيه) لادعائه الولاية فيه إن لم يكن له أجرة.
وكتب الصفار إلى أبي محمد (عليه السلام): هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على
رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقع (عليه السلام): إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدعي
يمين (3). وقبل أبو علي شهادة الوصي بمال لليتيم (4). ويؤيده أنه كتب الصفار إلى
أبي محمد (عليه السلام): أيجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت صغيرا أو كبيرا بحق له على
الميت وعلى غيره وهو القابض للوارث الصغير وليس للكبير بقابض؟ فوقع (عليه السلام):
نعم وينبغي للوصي أن يشهد بالحق ولا يكتم شهادته (5).
وفيه: أنه ليس فيه إلا أن عليه الشهادة، وأما قبولها فلا. والمشهور الرد للتهمة
بالولاية على المال. قال الشهيد: وفي تأثير هذه التهمة نظر وخصوصا في مال لا
أجرة له على حفظه أو إصلاحه (وتقبل في غيره) إذ لا تهمة.
(والمدين يشهد للمحجور عليه) بفلس لتعلق حقه بأعيان ماله فهو مدع
(ولو لم يكن محجورا عليه قبلت لتعلق حقه) بالذمة.
(والسيد لعبده المأذون) فإن الإذن لا يملكه فلا يشهد إلا لنفسه، خلافا
للتحرير (6) والإرشاد (7) والتلخيص (8) والوسيلة (9) والجامع (10).
(أو يشهد أن فلانا جرح مورثه) فإنه يثبت الدية لنفسه أو القصاص إن



(1) دعائم الإسلام: ج 2 ص 511 ح 1830.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 272 ب 27 من أبواب الشهادات ح 3.
(3 و 5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 273 ب 28 من أبواب الشهادات ح 1.
(4) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 531.
(6) تحرير الأحكام: ج 5 ص 253.
(7) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 159.
(8) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 33 ص 369.
(9) الوسيلة: ص 230.
(10) الجامع للشرائع: ص 539.
304
شهد بعد الموت أو قبله والجراحة لم يندمل مع احتمال السريان عادة أو نص
الشاهد باحتمال السريان وإن لم تسر ولم يستوعب الدين تركته التي منها الدية إن
قلنا بتعلق حق الديان بأعيانها.
(أو العاقلة يجرح شهود جناية الخطأ) لأنه يدفع عن نفسه الدية وإن
كان فقيرا أو بعيدا لاحتمال تجدد اليسار وموت الأقرب.
(أو الوكيل أو الوصي يجرحان شهود المدعي على الموكل أو
الميت) فيما وكل أو أوصي إليه فيه، لأنهما يدفعان بذلك سقوط ولايتهما إن لم
يكن لهما أجرة.
(ولو شهد بمال لمورثه المجروح) جراحة سارية عادة (أو المريض)
مرض الموت (قبل ما لم يمت قبل الحكم) لأنه إنما يشهد بمال لا ولاية له
عليه، واحتمال الانتقال إليه لا يضر مع عموم النصوص بقبول شهادة الولد للوالد،
والأخ لأخيه، والزوج لزوجته والعكس. والفرق بينهما وبين الشهادة بأن فلانا
جرح مورثه ظاهر، فإن الشهادة أو أثرها هناك إنما ظهرت بعد الموت فلا يكون
بالشهادة إلا مدعيا لنفسه الدية أو القصاص.
(وكذا تقبل لو شهدا لاثنين بوصية من تركة فشهد الاثنان لهما) أو
لأحدهما (بوصية اخرى من تلك التركة) فلا يضر الاتهام بأنهما إنما شهدا
لهما ليشهدا لهما فلو ردت الشهادة لمثل هذه التهمة لردت أكثر الشهادات.
(أو شهد رفقاء القافلة على اللصوص) غير قطاع الطريق فسيأتي
الحكم فيهم وسواء ادعوا عليهم أنهم أخذوا منهم أيضا أو ذكروا ذلك في شهادتهم
أم لا، وكذا كل شهادة متجزئة إلى ما لا تهمة فيه وما فيه التهمة، فلا يرد جزؤها
الذي لا تهمة فيه، وسيأتي الاستشكال فيها.
(أو شهد) السيد (لمكاتبه وإن كان مشروطا) لخروج مال المكاتب

305
عن سلطانه، وعجز المشروط مجرد احتمال، خلافا للتحرير (1) فردها فيه مطلقا.
السبب (الثاني) للتهمة (البعضية) فإنها سبب للاتهام بالعقوق (فلا تقبل
شهادة الولد على والده على الأقوى) وفاقا للأكثر وحكى عليه الإجماع في
الخلاف (2) واستدل عليه أيضا بقوله تعالى: " وصاحبهما في الدنيا معروفا " (3) إذ
من المنكر رد قوله وإظهار كذبه. وتوجه المنع عليه ظاهر، فإن من المعروف إبراء
ذمته كما قال (عليه السلام): انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقيل: كيف أنصره ظالما؟ فقال:
ترده عن ظلمه فذاك نصرك إياه (4). واستدل عليه في الخلاف بإجماع الفرقة
وأخبارهم (5) ولم نظفر من الأخبار إلا بما في الفقيه من قوله: وفي خبر آخر: " أنه
لا تقبل شهادة الولد على والده " (6).
وخلافا للمرتضى فأجازها، ونسب الرد إلى بعض الأصحاب، وذكر أنه
اعتمد على خبر يرويه (7). قلت: ويؤيد القبول العمومات.
قيل: وخصوص نحو قوله تعالى: " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على
أنفسكم أو الوالدين والأقربين " (8) وقول الصادق (عليه السلام) - في خبر داود بن الحصين -:
أقيموا الشهادة على الوالدين والولد، ولا تقيموها على الأخ في الدين الضير، قال: وما
الضير؟ قال: إذا تعدى فيه صاحب الحق الذي يدعيه (9) خلاف ما أمر الله به ورسوله،
ومثل ذلك أن يكون لرجل على آخر دين وهو معسر، وقد أمر الله بإنظاره حتى ييسر،
قال تعالى: " فنظرة إلى ميسرة " ويسألك أن تقيم الشهادة وأنت تعرفه بالعسر فلا يحل
لك أن تقيم الشهادة في حال العسر (10). وما كتبه أبو الحسن (عليه السلام) في جواب علي بن



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 253.
(2) الخلاف: ج 6 ص 297 المسألة 44.
(3) لقمان: 15.
(4) سنن البيهقي: ج 6 ص 94.
(5) الخلاف: ج 6 ص 297 المسألة 45.
(6) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 42 ح 3286.
(7) الانتصار: ص 496.
(8) النساء: 135.
(9) في المصدر زيادة: " قبله ".
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 250 ب 19 من أبواب الشهادات ح 3.
306
سويد السائي من قوله - وسألت عن الشهادات لهم -: فأقم الشهادة ولو على
نفسك أو الوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم، فإن خفت على أخيك ضيما فلا (1).
والجواب عن الآية والخبرين: أن شيئا منها ليس نصا في الشهادة على الحي
ولا خلاف في قبولها على الميت، ويخص (2) الآية تعلق الظرف بكل من الشهادة
والقيام بالقسط (3) والخبرين ضعيفا السند، وأن سياق الكلام فيهما للنهي عن إقامة
الشهادة على الأخ في الدين إذا كان معسرا، والمبالغة فيه بأنه يجوز إقامتها على
الوالدين والأقربين ولا يجوز عليه، ونحو هذا لا يدل على قبولها في حقهم.
(وتقبل) عندنا شهادة الولد (له) أي للوالد، خلافا لأكثر العامة (4).
(وكذا تقبل) الشهادة (على جميع الأقارب) ولهم (سواء كان للولد
أو عليه، أو للأخ أو عليه، أو للأم أو عليها) في مال أو نسب أو غيرهما
(وغير ذلك) للعمومات، وخصوص نحو قول الصادق (عليه السلام) في خبر الحلبي:
يجوز شهادة الولد لوالده، والوالد لولده، والأخ لأخيه (5). ورد أكثر العامة (6) شهادة
كل من الولد والوالد للآخر، ورد مالك شهادة الأخ لأخيه في النسب (7).
(وفي مساواة الجد للأب وإن علا للأب إشكال) من الإشكال في
الأبوة حقيقة.
(ولا فرق) عندنا (بين الشهادة في المال أو الحق كالقصاص والحد)
خلافا للشافعية في شهادة الولد على الوالد فقبلوها في المال، ولهم في غيره



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 229 ب 3 من أبواب الشهادات ح 1.
(2) في ل: ويختص بالآية.
(3) في ل زيادة: فيجوز كون مجموعهما لمجموع من ذكر وإن اختص بعضهم بالقيام بالقسط.
(4) الحاوي الكبير: ج 17 ص 163.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 270 ب 26 من أبواب الشهادات ح 1.
(6) المجموع: ج 20 ص 234.
(7) المغني لابن قدامة: ج 12 ص 69.
307
وجهان أصحهما القبول (1).
(وتقبل) عندنا (شهادة كل من الزوجين لصاحبه وعليه) والحنفية (2)
لا يقبلون شهادة أحد منهما للآخر، والنخعي (3) وابن أبي ليلى (4) لا يقبلان شهادة
الزوجة لزوجها. (وإن لم يكن معه مثله) في العدالة (فيما تقبل شهادة
النساء فيه منفردات) أي شهادة امرأة واحدة كالوصية، فلو شهدت الزوجة
لزوجها بوصية قبلت وثبت الربع له (أو) تقبل فيه شهادة (الرجل مع اليمين)
فلو شهد الزوج لزوجته بمال حلفت وأخذته.
خلافا للمحقق فاشترط في قبول شهادتها انضمام غيرها إليها، وفرق بينهما
باختصاص الرجل بزيادة العقل (5). ودليله قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي:
يجوز شهادة الرجل لامرأته، والمرأة لزوجها إذا كان معها غيرها (6). وخبر زرعة
عن سماعة قال: سألته عن شهادة الوالد لولده، والأخ لأخيه، قال: نعم، وعن
شهادة الرجل لامرأته، قال: نعم، والمرأة لزوجها، قال: لا، إلا أن يكون معها
غيرها (7). ويمكن تنزيلهما على أن الأغلب عدم قبول شهادة امرأة واحدة بخلاف
الرجل. وحكي عن النهاية القول باشتراط الانضمام إلى كل منهما. وعبارتها كذا:
لا بأس بشهادة الوالد لولده وعليه مع غيره من أهل الشهادة، ولا بأس بشهادة
الولد لوالده، ولا يجوز شهادته عليه، ولا بأس بشهادة الأخ لأخيه وعليه إذا كان
معه غيره من أهل الشهادات، ولا بأس بشهادة الرجل لامرأته وعليها إذا كان معه
غيره من أهل العدالة، ولا بأس بشهادتها له وعليه فيما يجوز قبول شهادة النساء
فيه إذا كان معها غيرها من أهل الشهادة (8). وهي مسوية بين الزوجين وغيرهما،



(1) الحاوي الكبير: ج 17 ص 165.
(2 و 3 و 4) الحاوي الكبير: ج 17 ص 166.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 130.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 269 ب 25 من أبواب الشهادات ح 1.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 270 و 271 ب 25 و 26 من أبواب الشهادات ح 3 و 4.
(8) النهاية: ج 2 ص 59.
308
فلو كان مراده اشتراط الانضمام لاشتراطه في الباقي فلعله إنما ذكره بناء على
الغالب واكتفاء بانضمام الشاهد عن انضمام اليمين.
(ولو شهد على أبيه وأجنبي بحق بطلت في حق الأب دون الأجنبي
على إشكال): من انتفاء المانع في حقه وهو الأجود، ومن اتحاد الشهادة وانتفائها
بانتفاء جزئها واشتمالها على المعصية الموجبة لفسق الشاهد وهي الشهادة على
الأب، والكل ممنوع.
السبب (الثالث: العداوة) لنحو ما مر من خبري الحلبي (1) وسماعة (2)
وقوله (صلى الله عليه وآله): لاتقبل شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمز على أخيه (3). (والمانع هو
العداوة الدنيوية لا الدينية، فإن المسلم تقبل شهادته على الكافر) وكذا المحق
على المبطل من أهل الأهواء، وإنما ترد شهادة الكافر على المسلم لفسقه وكفره لا
للعداوة، ولذا ترد على مثله. (والدنيوية تمنع سواء تضمنت فسقا) كما إذا قذف
المشهود عليه أو ضربه أو اغتابه بلا سبب مبيح لذلك أو أظهر البغضة له (أو لا) كما
إذا قذفه المشهود عليه أو ضربه أو آذاه بحيث علمت عداوته له وإن لم يظهرها (و)
إنما (لا تقبل شهادة العدو على عدوه، وتقبل له) إذا لم تتضمن العداوة فسقا.
(ويتحقق العداوة بأن يعلم فرح العدو بمساءة عدو هو الغم بسروره) قال في
التحرير: وهذا القدر لا يوجب فسقا (4). وهو موافق لما مر عن المبسوط (5) في البغضة،
مخالف لإطلاقه هناك (أو يقع بينهما تقاذف) [وهو لا يوجب إلا فسق البادئ] (6).



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 275 ب 30 من أبواب الشهادات ح 5.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 278 ب 32 من أبواب الشهادات ح 3.
(3) عوالي اللآلئ: ج 1 ص 242 ح 163.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 254.
(5) المبسوط: ج 8 ص 227.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في ل وفيها زيادة ما يلي: " فإن فسقا به لم تقبل شهادة واحد
منهما وإلا قبلت للعدو وغيره لا عليه ". ولا يخفى أن هذه الزيادة متفرعة على العبارة التي
لم ترد في هذه النسخة.
309
(ولو شهد بعض الرفقاء لبعض على قاطع الطريق لم تقبل للتهمة) وخبر
محمد بن الصلت سأل الرضا (عليه السلام): عن رفقة كانوا في طريق قطع عليهم الطريق
فأخذوا اللصوص فشهد بعضهم لبعض، فقال (عليه السلام): لا تقبل شهادتهم إلا بإقرار
اللصوص أو بشهادة من غيرهم عليهم (1). والخبر وعبارة المصنف بإطلاقهما
يشملان تعرضهم للشاهدين وعدمه وتعرض الشاهدين لتعرضهم لهم وعدمه.
وفي التحرير (2) والإرشاد (3): ولو قالوا: عرضوا لنا وأخذوا اولئك سمعت.
(وتقبل شهادة الصديق لصديقه وعليه وإن تأكدت المودة) بينهما
وكانت بينهما ملاطفة ومهاوات، خلافا لمالك فردها مع الملاطفة والمهاوات (4).
السبب (الرابع: التغافل) أي الكون كثير الغفلة والنسيان (فمن يكثر
سهوه ولا يستقيم تحفظه وضبطه ترد شهادته وإن كان عدلا) للاتهام
بالنسيان، إلا أن يذكر من الخصوصيات ما يزول به الارتياب أو يكون الأمر مما
لا يتطرق إليه السهو عادة (ومن هنا قال بعض الفقهاء: إنا لنرد شهادة من
نرجو شفاعته) وفي تفسير الإمام (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " ممن ترضون
من الشهداء " ممن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته وتفطنه (5) فيما يشهد به،
وتحصيله وتمييزه، فما كل صالح مميز ولا محصل، ولا كل محصل مميز صالح،
وإن من عباد الله لمن هو أهل لصلاحه وعفته لو شهد لم تقبل شهادته لقلة تمييزه (6).
السبب (الخامس: دفع عار الكذب، فمن ردت شهادته لفسق فتاب
لتقبل شهادته ويظهر صلاح حاله لم تقبل) للاتهام بأنه لم يتب خوفا من
الله بل بأنه لم يتب حقيقة فإنه ربما لم يندم على ما فعله من المعاصي ولم



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 272 ب 27 من أبواب الشهادات ح 2.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 253.
(3) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 158.
(4) الحاوي الكبير: ج 17 ص 163.
(5) في بعض النسخ: تيقظه، كما في المصدر.
(6) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري: ص 672.
310
يعزم على تركه وإن أظهر الندم والعزم.
(وقيل) في المبسوط (1) والجامع (2): (يجوز أن يقول) القاضي
(للمشهور بالفسق: تب أقبل شهادتك، وليس بجيد. نعم لو عرف
استمراره على الصلاح) أو أنه تاب حين تاب بإخلاص النية وتصميم العزم
(قبلت) ويجوز تعميم الاستمرار على الصلاح له.
(ولو تاب) واستمر على الصلاح (فأعاد الشهادة المردودة بفسقه، ففي
القبول نظر): من انتفاء المانع وهو الفسق وهو خيرة النهاية (3) والسرائر (4)
والخلاف (5). ومن ثبوت التهمة لحرص الناس على إثبات الصدق فيما عيروا
بالكذب فيه.
(ولو عرف الكافر والفاسق والصبي شيئا، ثم زال المانع عنهم، ثم
أقاموا تلك الشهادة قبلت) لانتفاء المانع والإجماع والنصوص، خلافا لبعض
العامة (6). وسأل عبيد بن زرارة الصادق (عليه السلام) عن الذي يشهد على الشيء وهو
صغير قد رآه في صغره ثم قام به بعدما كبر، قال: فقال: تجعل شهادته خيرا من
شهادة هؤلاء (7). إلا في الطلاق لاشتراطه بالعدالة حين التحمل. (ولو أقامها
حال المانع فردت فأعادها بعد زواله قبلت) لانتفاء المانع، لكن في الفاسق
ما مر من النظر. ويمكن أن يكون المراد به هنا المعلن بالفسق وهناك المتستر به،
فقد فرق بينهما جماعة بناء على أن المعلن لا يدفع عن نفسه عار الكذب بخلاف
المستتر. ورد مالك هذه الشهادة من الكل (8) والحنفية من الفاسق (9). وأما خبر
جميل " سأل الصادق (عليه السلام) عن نصراني اشهد على شهادة ثم أسلم بعد، أتجوز



(1) المبسوط: ج 8 ص 179.
(2) الجامع للشرائع: ص 541.
(3) النهاية: ج 2 ص 56.
(4) السرائر: ج 2 ص 123.
(5) الخلاف: ج 6 ص 260 المسألة 11.
(6) الحاوي الكبير: ج 17 ص 213.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 251 ب 21 من أبواب الشهادات ح 3.
(8) انظر الحاوي الكبير: ج 17 ص 213.
(9) انظر المبسوط للسرخسي: ج 16 ص 137.
311
شهادته؟ فقال: لا " (1) فيجوز أن يكون المراد رد الشهادة التي شهدها حين الكفر،
بل هو الظاهر، فلا حاجة إلى الحمل على التقية كما فعله الشيخ (2).
(والعبد إذا ردت شهادته على مولاه) للرق (ثم أعتق فأعادها سمعت.
وكذا لو باعه) فأعادها. (أو شهد الولد) على أبيه (فردت ثم أعادها بعد
موت والده) إذ ليس في شيء من ذلك تهمة، لأن الرد لم يكن للتكذيب. وفي
خبر السكوني قال علي (عليه السلام): وإن أعتق العبد لموضع الشهادة لم تجز شهادته (3).
السبب (السادس: الحرص على الشهادة بالمبادرة) إليها (قبل
الاستدعاء، فلو تبرع بإقامة الشهادة عند الحاكم قبل السؤال لم تقبل،
للتهمة) ونحو قوله (صلى الله عليه وآله): ثم يفشوا الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد (4).
وقوله (صلى الله عليه وآله): يقوم الساعة على قوم يشهدون من غير أن يستشهدوا (5). مع ما ورد من
أنها تقوم على شرار الخلق (6). (وإن كان) التبرع (بعد) تحرير (الدعوى)
وأمر الحاكم بإحضار البينة إن شاء. هذا مما قطع به الأصحاب، فإن أجمعوا عليه
فهو الحجة وإلا فربما انتفت التهمة، وظاهر الخبرين الشهادة قبل التحمل.
(ولا يصير به مجروحا) عندنا - خلافا لبعض العامة (7) بناء على حرمة
التبرع - فلو شهد في غير الواقعة قبلت عندنا، ولو أعادها فيها فوجهان، أجودهما
العدم إن استند الحكم إلى التهمة فإنها تزداد بالإعادة، والقبول إن استند إلى
الإجماع. هذا في حقوق الناس المحصورين.
(أما حقوق الله تعالى أو الشهادة للمصالح العامة فلا يمنع التبرع) فيها



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 286 ب 39 من أبواب الشهادات ح 7.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 254 ذيل الحديث 661.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 257 ب 23 من أبواب الشهادات ح 13.
(4) سنن الترمذي: ج 4 ص 549 ح 2303. وفيه: " ولا " بدل: قبل أن.
(5) دعائم الإسلام: ج 2 ص 508 ح 1815.
(6) مسند أحمد بن حنبل: ج 1 ص 435.
(7) انظر روضة الطالبين: ج 8 ص 217.
312
(القبول، إذ لا مدعي لها) مخصوصا إما لاختصاص الحق به تعالى أو لاشتراكه
بين الكل، فلو لم تقبل شهادة المتبرع في الأولى تعطلت، وكذا الثانية، لاشتراك أهل
تلك المصلحة كلهم فيها، فلو شرطنا الابتداء بالدعوى لم يبتدئ بها إلا بعضهم والشهادة
لا تثبت حينئذ إلا قدر نصيبهم وهو مجهول لتوقفه على نسبة محصور إلى غير محصور،
ولأن المصلحة إذا عمت عدول المؤمنين بأجمعهم كانت الشهادة منهم دعوى، فلو
توقفت على دعوى غيرهم كان ترجيحا من غير مرجح، مع لزوم الدور.
قيل: ولأن الشهادة بحقوق الله تعالى نوع من الأمر بمعروف أو النهي عن
منكر وهما واجبان والواجب لا يعد تبرعا.
قيل: وللجمع بين ما مر من الخبرين، وقوله (صلى الله عليه وآله): ألا أخبركم بخير الشهود؟
قالوا: بلى يا رسول الله قال: أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد (1).
وتردد المحقق (2) من ذلك ومن عموم أدلة المنع (3).
والظاهر الرد في الحق المشترك والقطع في السرقة دون الغرم، ويحتمل
القبول في الطلاق والعتاق والرضاع والخلع والعفو عن القصاص والنسب لغلبة
حق الله فيها، ولذا لا يسقط بالتراضي. وفي شراء الأب إذا ادعاه هو أو ابنه
وجهان: من أن الغرض عتقه وحق الله فيه غالب، ومن توقفه على العوض الذي لا
يثبت، ويقوى الثبوت إذا ادعاه الابن، للاعتراف بالعوض. والفرق بينه وبين الخلع
أن العوض غير مقصود في الخلع بخلافه في الشراء فيمكن ثبوت الطلاق دون
العوض، ويحتمل ثبوت العوض فيهما تبعا لحق الله.
(وتقبل شهادة البدوي على القروي) والبلدي والقروي على البلدي (4)



(1) مسالك الأفهام: ج 14 ص 215.
(2) المختصر النافع: ص 280.
(3) في ل زيادة: مع احتمال الخبر: الشهادة بالتوحيد والرسالة، وعلى أنفسهم، والحضور لما
جرى في مجلسه (صلى الله عليه وآله) من الجهاد ونحوه.
(4) في ل: على البدوي.
313
(وبالعكس) عندنا، خلافا لمالك فلم يقبل شهادة البدوي على الحضري إلا في
الجراح (1) ولأبي علي منا فلم يقبل شهادة البدوي على القروي إلا فيما كان
بالبادية ولم يحضر قروي أو كانت الشهادة بالقتل بغير حضور قروي (2).
(و) تقبل شهادة (الأجير) لصاحبه وفاقا للمحقق (3) وابن إدريس (4)
للعمومات، وخلافا للصدوق (5) والشيخ في النهاية (6) والاستبصار (7) والحلبي (8)
وبني زهرة (9) وحمزة (10) وسعيد (11) لقول الصادق (عليه السلام) في خبر العلا بن سيابة: كان
أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يجيز شهادة الأجير (12). وما مر من خبر زرعة عن سماعة (13).
وهما بعد تسليم السند يحتملان الأجير لما يحرم من الأفعال أو يخالف المروة،
والأول أنه (عليه السلام) كان لا يجيز شهادة الأجير لأهل الخلاف إلزاما لهم بمذهبهم،
والثاني مثل ذلك وأنهم يردون شهادته، والأول كراهة الشهادة إذا كان يثبت الحق
بغيره، كما قال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير: تكره شهادة الأجير لصاحبه ولا
بأس بشهادته لغيره ولا بأس به له بعد مفارقته (14).
(و) تقبل شهادة (الضيف) لمضيفه كما قال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي
بصير: لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا (15).
(و) تقبل شهادة (المملوك لسيده ولغير سيده وعلى غير سيده لا على



(1) الحاوي الكبير: ج 17 ص 212، وفيه: " القروي " بدل " الحضري ".
(2) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 530.
(3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 130.
(4) السرائر: ج 2 ص 121.
(5) المقنع: ص 398.
(6) النهاية: ج 2 ص 52.
(7) الاستبصار: ج 3 ص 21 ذيل الحديث 62.
(8) الكافي في الفقه: ص 436.
(9) الغنية: ص 440.
(10) الوسيلة: ص 230.
(11) الجامع للشرائع: ص 539.
(12) وسائل الشيعة: ج 18 ص 274 ب 29 من أبواب الشهادات ح 2.
(13) وسائل الشيعة: ج 18 ص 278 ب 32 من أبواب الشهادات ح 3.
(14 و 15) وسائل الشيعة: ج 18 ص 274 ب 29 من أبواب الشهادات ح 3.
314
سيده) ما دام مملوكا (على رأي) وفاقا للشيخين (1) والمرتضى (2) وسلار (3)
والقاضي (4) وبني زهرة (5) وحمزة (6) وإدريس (7) جمعا بين الأخبار، وخصوص الجمع
به بالإجماع، كما في الانتصار (8) والغنية (9) والسرائر (10) ولأنه كما لا تقبل شهادة
الولد على الوالد فيناسبه أن لا تقبل شهادة المملوك على مولاه، للاشتراك في
وجوب الإطاعة وحرمة العقوق. وأما القبول في غير ذلك فللعمومات والإجماع
كما في الخلاف (11) ولأنه تقبل شهادته في الرواية على النبي والأئمة (عليهم السلام).
ولا يخفى ما فيه، فإن الأصل ممنوع، وبعد التسليم فالحمل عليه قياس.
وزيد في المختلف في وجه الجمع صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام) في رجل
مات وترك جارية ومملوكين فورثهما أخ له، فأعتق العبدين، وولدت الجارية
غلاما فشهدا بعد العتق أن مولاهما كان أشهدهما أنه كان يقع على الجارية وأن
الحبل منه، قال: يجوز شهادتهما ويردان عبدين كما كانا " قال: وإلا لم يكن لقيد
العتق فائدة (12) وفيه: أن القيد لم يقع في كلامه (عليه السلام) فهو إنما يدل على قبول شهادته
لسيده. ولا يرد عليه ما قيل: من أنه حين الشهادة لم تكن سيادته ظاهرة.
(وقيل) وقائله الحسن (13): (لا تقبل مطلقا) لصحيحة الحلبي سأل
الصادق (عليه السلام) عن شهادة ولد الزنا، فقال: لا، ولا عبد (14). وقول الباقر (عليه السلام) في صحيح
محمد بن مسلم: لا تجوز شهادة العبد المسلم على الحر المسلم (15). وقول أحدهما (عليه السلام)



(1) المقنعة: ص 726، النهاية: ج 2 ص 59.
(2) الانتصار: ص 499.
(3) المراسم: ص 232.
(4) المهذب: ج 2 ص 557.
(5) الغنية: ص 440.
(6) الوسيلة: ص 230.
(7 و 10) السرائر: ج 2 ص 135.
(8) الانتصار:، ص 499.
(9) الغنية: ص 440.
(11) الخلاف: ج 6 ص 270 المسألة 19.
(12) مختلف الشيعة: ج 8 ص 503.
(13) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 497.
(14) وسائل الشيعة: ج 18 ص 277 ب 31 من أبواب الشهادات ح 6.
(15) وسائل الشيعة: ج 18 ص 256 ب 23 من أبواب الشهادات ح 12.
315
في صحيحه أيضا: العبد المملوك لا يجوز شهادته (1). وما مر من مضمر سماعة (2).
ويدفع الكل احتمالها للرد وعدم الجواز عند العامة (3) وعدم جواز التحمل
بدون إذن المولى بل الأداء إذا استغني عنه. ويؤيده ما في تفسير الإمام (عليه السلام) من
قول أمير المؤمنين (عليه السلام): كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يذاكرنا بقوله تعالى:
" واستشهدوا شهيدين من رجالكم " قال: أحراركم دون عبيدكم فإن الله قد شغل
العبيد بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادات وعن أدائها (4).
(وقيل) في الجامع (5): (تقبل مطلقا) للعمومات وخصوص نحو قول
أمير المؤمنين (عليه السلام) في صحيح عبد الرحمن في قضية درع طلحة: ولا بأس بشهادة
مملوك إذا كان عدلا (6). وقول الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم: يجوز شهادة
العبد المسلم على الحر المسلم (7). وقول الصادق (عليه السلام) في حسنه: إذا كان عدلا فهو
جائز الشهادة إن أول من رد شهادة المملوك عمر بن الخطاب (8). وفي حسنة بريد
- حين سأله عنها -: نعم، وإن أول من رد شهادة المملوك لفلان (9).
(وقيل: لاتقبل إلا على مولاه) وكأنه جمع به بين الأخبار ولم نعرف القائل.
وفي الفقيه (10) والمقنع (11): أنه تقبل لغير مولاه. وكأنه أدخله في الظنين والمتهم،



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 256 ب 23 من أبواب الشهادات ح 10.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 278 ب 32 من أبواب الشهادات ح 3.
(3) الحاوي الكبير: ج 17 ص 58.
(4) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري: ص 656.
(5) الجامع للشرائع: ص 540.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 194 ب 14 من أبواب كيفية الحكم ح 6.
(7) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 249 ح 636.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 254 ب 23 من أبواب الشهادات ح 3.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 254 ب 23 من أبواب الشهادات ح 2.
(10) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 41 ذيل الحديث 3284.
(11) المقنع: ص 397.
316
أو حمله على الأجير بطريق الأولى، وجمع بذلك بين الأخبار، وسأل ابن أبي
يعفور الصادق (عليه السلام): عن الرجل المملوك المسلم يجوز شهادته لغير مواليه؟ فقال:
يجوز في الدين والشيء اليسير (1).
وقبل الحلبي شهادته لغير مولاه وعليه ولم يقبلها له ولا عليه، وجمع به بين
الأخبار، وكأنه لم يقبلها له حملا على الأجير، ولم يقبلها عليه حملا على الولد (2)
وهو موافق للاستبصار (3). وردها أبو علي على الحر المسلم أيا من كان (4) كما نص
عليه في صحيح محمد بن مسلم (5) وقبلها على غيره كما في صحيحه أيضا عن
أحدهما (عليهما السلام): يجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب (6). وروي
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أنه كان يقبل شهادة بعضهم على بعض (7).
وفي الانتصار: وكان أبو علي بن الجنيد - من جملة أصحابنا - يمنع من شهادة
العبد وإن كان عدلا، ولما تكلم عن ظواهر الآيات في الكتاب التي يعم العبد
والحر ادعى تخصيص الآيات بغير دليل، وزعم أن العبد من حيث لم يكن كفوا
للحر في دمه وكان ناقصا عنه في أحكامه لم يدخل تحت الظواهر. وقال أيضا: إن
النساء قد يكن أقوى عدالة من الرجال، ولم يكن شهادتهن مقبولة في كل ما تقبل
فيه شهادة الرجال. وهذا منه غلط فاحش، لأنه ادعى أن الظواهر اختصت بمن
يتساوى أحكامه في الأحرار كان عليه الدليل، لأنه إذا ادعى ما يخالف فيه، ولا
يجوز رجوعه في ذلك إلى أخبار الآحاد التي يرويها، لأنا قد بينا ما في ذلك، فأما
النساء فغير داخلات في الظواهر التي ذكرناها مثل قوله تعالى: " ذوي عدل منكم "



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 255 ب 23 من أبواب الشهادات ح 8.
(2) الكافي في الفقه: ص 435 نقلا بالمعنى.
(3) الاستبصار: ج 3 ص 16 ذيل الحديث 47.
(4) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 497.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 256 ب 23 من أبواب الشهادات ح 12.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 254 ب 23 من أبواب الشهادات ح 4.
(7) انظر الحاوي الكبير: ج 17 ص 58.
317
وقوله تعالى: " شهيدين من رجالكم " فما أخرجنا النساء من هذه الظواهر، لأنهن
ما دخلن فيها، والعبيد العدول داخلون فيها بلا خلاف، ويحتاج في إخراجهم إلى
دليل (1) انتهى. وما بينه في أخبار الآحاد: أنها إنما توجب الظن. ولمحمد بن مسلم
صحيح آخر ناص على قبولها على الحر المسلم كما سمعت (2).
والشيخ في الاستبصار بعد ما جمع بين الأخبار بالرد للمولى وعليه، والقبول
لغيره وعليه، حمل ما مر من خبر الحلبي " في رجل مات وترك جارية ومملوكين
فورثهما أخ له " على أنهما إنما جازت شهادتهما في الوصية وجريا في ذلك
مجرى أهل الكتاب (3).
(ولو أعتق قبلت شهادته على مولاه) وكان كغيره من الأحرار اتفاقا،
لخروجه عما ورد في المماليك، ودخوله في العمومات.
ولابد في شهادة ردت للرق من إعادتها بعد العتق لتقبل، لكن في خبر
السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام): أن العبد إذا شهد ثم أعتق ثم شهد
جازت شهادته إذا لم يردها الحاكم قبل أن يعتق (4) وحمله الصدوق (5) والشيخ (6)
على أن الحاكم لم يردها لفسق أو نحوه لا لأجل العبودية.
(والمدبر و) المكاتب (المشروط كالقن) لاستيعاب الرق له. (أما من
انعتق بعضه فالأقرب أنه كذلك) وفاقا للمحقق (7) لصدق العبد والمملوك عليه في
الجملة، ولأن الرق مانع فما لم يزل بتمامه لم تقبل، ولأنه لا يهتدي عقولنا إلى القبول



(1) الانتصار: ص 500.
(2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 249 ح 636.
(3) الاستبصار: ج 3 ص 17 ذيل الحديث 50.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 257 ب 23 من أبواب الشهادات ح 13 وفيه: والعبد إذا شهد
بشهادة ثم أعتق....
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 45 ذيل الحديث 3295.
(6) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 251 ذيل الحديث 643.
(7) شرائع الإسلام: ج 4 ص 131.
318
في بعض المشهود به دون بعض، فلا يقول به إلا فيما اجمع عليه أو دل فيه دليل قاطع.
(وقيل) في النهاية (1): (تقبل) شهادته (عليه) أي المولى (بقدر ما فيه
من الحرية) لخبر ابن مسكان عن أبي بصير قال: سألته عن شهادة المكاتب كيف
تقول فيها؟ فقال: يجوز على قدر ما أعتق منه إن لم يكن اشترط عليه أنك إن
عجزت رددناك، فإن كان اشترط عليه ذلك لم تجز شهادته حتى يؤدي أو يستيقن
أنه قد عجز، قال: فقلت: فكيف يكون بحساب ذلك؟ قال: إذا كان قد أدى النصف
أو الثلث فشهد لك بألفين على رجل أعطيت من حقك بحساب ما أعتق النصف من
الألفين (2). وهو لإضماره لا يصلح سندا خصوصا (3) لخلاف الأصل والأدلة.
وربما أيد بصحيح الحلبي ومحمد بن مسلم وأبي بصير عن الصادق (عليه السلام) في
المكاتب يعتق نصفه هل يجوز شهادته في الطلاق؟ قال: إذا كان معه رجل
وامرأة (4) لدلالته على أنه بمنزلة امرأة.
وفيه: أن المرأة لا تقبل شهادتها في الطلاق عندنا فلا مدخل لها، وإنما ذكرت
تقية كما في الفقيه (5) والتهذيب (6) والاستبصار (7).
ثم على تقدير السماع بقدر الحرية يحتمل اشتراطه بانضمام رجل إليه وهو
الأحوط، ويحتمل العدم، وعلى الأول يحتمل القبول بعين ذلك القدر كما هو
الظاهر من الخبر حتى إذا انضم إلى من تحرر نصفه رجل كامل الحرية لا يسمع إلا



(1) النهاية: ج 2 ص 60.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 257 ب 23 من أبواب الشهادات ح 14.
(3) كلمة " خصوصا " ليست في ل.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 256 ب 23 من أبواب الشهادات ح 11 وفيه: " محمد بن مسلم
عن أبي جعفر ".
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 48 ذيل الحديث 3301.
(6) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 249 ذيل الحديث 639.
(7) الاستبصار: ج 3 ص 16 ذيل الحديث 47.
319
في النصف، لأنه الذي اجتمع عليه شاهدان، وهو الأحوط. ويحتمل تقسيم
المشهود به بحسب ما في الشاهدين من الحرية، فتسمع في المثال في ثلاثة أرباع.
ويحمل الخبر على انضمام مثله إليه، أو على أنه يثبت نصف الألفين بما فيه من
الحرية وما بإزائه من حرية الآخر، وإن كان يثبت ربعهما أيضا بما في الآخر من
باقي الحرية. وعلى الثاني يحتمل السماع بإزاء الحرية مطلقا حتى إذا تحرر عشر
منه سمعت شهادته في العشر، وإذا تحرر تسعة أعشاره سمعت في تسعة أعشار.
ويحتمل أن لا تسمع ما لم يتحرر ربعه فما زاد ولا تسمع إلا في الربع إلى النصف.
وعلى كل فلابد من قصر السماع على ما تسمع فيه شهادة امرأة واحدة.
(ولو ظهر للحاكم أنه قضى بمن لاتقبل شهادته نقض الحكم) لفساد مبناه،
خلافا لأبي حنيفة (1) والشافعي (2) في أحد قوليه وقد مر. فإن كان الحكم بقتل أو جرح
وفعل فالدية من بيت المال، وإن كان بمال استوفى فالاستعادة عينا أو عوضا وسيأتي.
(ولو تجدد المانع بعد الحكم لم ينقض) ولو تجدد بعد الأداء قبل الحكم
حكم، إلا في حقوق الله، لابتنائها على التخفيف، وسيأتي.
(الفصل الثاني في العدد والذكورة)
وهما صفتان لابد منهما لا في كل شهادة (و) ذلك أنه (لا يثبت بشهادة الواحد
شيء سوى هلال رمضان خاصة على رأي ضعيف) وهو رأي سلار (3) اعتمادا
على ما يدل عليه. (و) لكن (يثبت بشهادة المرأة الواحدة) بالاستهلال (ربع
ميراث المستهل وربع الوصية) كما سيأتي فلم يعتبر فيهما عدد ولا ذكورة.
ثم العدد يختلف باختلاف الحقوق (و) التفصيل ما نقول (4): (الشهادات
قسمان):



(1 و 2) الحاوي الكبير: ج 17 ص 273.
(3) المراسم: ص 233.
(4) في بعض النسخ: يقول.
320
(الأول): الشهادة على (حق الله تعالى، وفيه مرتبتان):
(الأولى): (الزنا) وما بحكمه من اللواط والسحق (ولا يثبت إلا
بأربعة عدول ذكور) أو بثلاثة رجال وامرأتين، أو برجلين وأربع نساء،
وسيأتي التفصيل (والأقرب أنه لا يجوز للعدل) ولا لغيره (النظر إلى
العورة قصدا لتحمل الشهادة في الزنا) لعموم ما دل على حرمة عورة المؤمن
على المؤمن. ويؤيده ابتناء الحدود على التخفيف، وتعلق الغرض منه تعالى بالستر
على عباده، وإنما خص العدل تنبيها على أنه ينفي العدالة، ولظهور الحرمة لغير
العدل، لأنه لا تقبل شهادته، فلا يصح منه قصد التحمل. ويحتمل الجواز للعدل،
كما قطع به في أول النكاح، بناء على التسبب لإجراء حد من حدود الله، وحفظ
أعراض المؤمنين والمؤمنات، والنهي عن المنكر، وورود الأخبار (1) بمفارقة روح
الإيمان حين الزنا فليست عورتاهما حينئذ عورتي مؤمنين.
(ويجوز) النظر إلى العورة (في) تحمل الشهادة على (عيوب النساء)
للحاجة (و) في (غيره) أي غير العيوب أي تحمل الشهادة عليها كمعالجة الطبيب.
(ولابد في اللواط والسحق من أربعة رجال عدول) وفاقا للأكثر،
لعموم النصوص بأنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود كصحيح جميل وابن حمران
قالا للصادق (عليه السلام): أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ قال: في القتل وحده (2).
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر غياث بن إبراهيم: لا تجوز شهادة النساء في
الحدود ولا في القود (3). ونحوه في خبر موسى بن إسماعيل (4). ولابتناء الحدود
على التخفيف، واندرائها بالشبهات.



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 233 و 235 ب 1 من أبواب النكاح المحرم وما يناسبه ح 10 و 19.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 258 ب 24 من أبواب الشهادات ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 264 ب 24 من أبواب الشهادات ح 29.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 264 ب 24 من أبواب الشهادات ح 30.
321
وقال علي بن بابويه: تقبل في الحدود إذا شهدا مرأتان وثلاثة رجال (1). ولعله لنحو
قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن: تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال (2).
وفيما عندنا من نسخ المقنع " ولا بأس بشهادة النساء في الحدود إذا شهد
امرأتان وثلاثة رجال " (3) وهو ككلام أبيه.
وعنه في المختلف مكان " في الحدود ": في الزنا (4).
وفي قضاء الوسيلة: قبول امرأتين وثلاثة رجال في الزنا والسحق خاصة (5).
وفي الجنايات: أن كلا من اللواط والسحق يثبت بما يثبت به الزنا، لكن نسب فيها
ثبوت الزنا بثلاثة وامرأتين، ورجلين وأربع، إلى القيل (6).
وفي الغنية: أنه لا تقبل في الزنا إلا شهادة أربعة رجال، أو ثلاثة وامرأتين،
وكذا حكم اللواط والسحق بدليل إجماع الطائفة (7).
(ويثبت الزنا خاصة بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين ويجب) بذلك (الرجم
مع الإحصان) وفاقا للشيخ (8) والمحقق (9) وبني الجنيد (10) وحمزة (11) وإدريس (12)
والبراج (13) وسعيد (14) لنحو قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن سنان: لا تجوز في
الرجم شهادة رجلين وأربع نسوة، ويجوز في ذلك ثلاثة رجال وامرأتان (15). وحسن



(1) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 470.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 262 ب 24 من أبواب الشهادات ح 21.
(3) المقنع: ص 402.
(4) مختلف الشيعة: ج 8 ص 468.
(5 و 11) الوسيلة: ص 222.
(6) الوسيلة: ص 409.
(7) الغنية: ص 438.
(8) النهاية: ج 2 ص 61.
(9) شرائع الإسلام: ج 4 ص 136.
(10) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 467.
(12) السرائر: ج 2 ص 137.
(13) المهذب: ج 2 ص 558.
(14) الجامع للشرائع: ص 542.
(15) وسائل الشيعة: ج 18 ص 260 ب 24 من أبواب الشهادات ح 10.
322
الحلبي سأله (عليه السلام): عن شهادة النساء في الرجم، فقال: إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان (1).
(و) يثبت أيضا (بشهادة رجلين وأربع نساء. ويثبت الجلد معه لا الرجم)
وفاقا للشيخ (2) والمحقق (3) وبني حمزة (4) وإدريس (5) وسعيد (6) لقول الصادق (عليه السلام)
فيما سمعته الآن من خبر ابن سنان، وقوله في حسن الحلبي: فإذا كان رجلان وأربع
نسوة لم تجز في الرجم (7). إلى غير ذلك من الأخبار المقيدة لعدم القبول بالرجم
المفهم للقبول في غيره. مع ما مر من قوله (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن: تجوز شهادة
النساء في الحدود مع الرجال (8).
وفي الخلاف: روى أصحابنا أنه يجب الرجم بشهادة رجلين وأربع نسوة،
وثلاثة رجال وامرأتين (9).
وفي المقنع (10) والفقيه (11) أنه لا تجوز فيه (12) شهادة رجلين وأربع نسوة.
وظاهر الحسن (13) والمفيد (14) وسلار (15) رد شهادتهن في الزنا مطلقا، للنصوص
على ردها في الحدود، ورد شهادة رجلين وأربع نسوة في الرجم (16) وقول
الصادق (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم: إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم يجز في
الرجم (17). وحمله الشيخ على التقية أو فقدانهن لشرط من شروط القبول (18).



(1 و 7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 258 ب 24 من أبواب الشهادات ح 3.
(2) النهاية: ج 2 ص 61.
(3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 136.
(4) الوسيلة: ص 222.
(5) السرائر: ج 2 ص 137.
(6) الجامع للشرائع: ص 542.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 262 ب 24 من أبواب الشهادات ح 21.
(9) الخلاف: ج 6 ص 251 المسألة 2.
(10) المقنع: ص 402.
(11) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 52 ح 3309.
(12) في ل بدل " فيه ": في الزنا. (13) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 467.
(14) راجع المقنعة: ص 727 و 774 و 775.
(15) المراسم: ص 233.
(16) وسائل الشيعة: ج 18 ص 258 ب 24 من أبواب الشهادات.
(17) وسائل الشيعة: ج 18 ص 264 ب 24 من أبواب الشهادات ح 28.
(18) الاستبصار: ج 3 ص 24 ذيل الحديث 76.
323
قال في المختلف: ونحن في ذلك من المتوقفين، ثم استوجه رد رجل وأربع،
لأنه لو ثبت لثبت الرجم، للإجماع على رجم الزاني المحصن والتالي باطل
بالأخبار فكذا المقدم (1).
وهو قوي إن قيل بثبوت زنا المحصن الذي عليه الجلد ثم الرجم وثبوت
جلده دون الرجم. ويمكن أن يريدوا أنه لا يثبت بذلك الزنا الموجب للرجم،
وأيضا فالإجماع ممنوع إلا إذا ثبت بالإقرار أو شهادة أربعة أو ثلاثة وامرأتين.
(ولا يثبت بشهادة الواحد مع النساء وإن كثرن) إلا أن يبلغ الشياع
المفيد للعلم (بل يحد الشهود للقذف) وفاقا للأكثر، لعموم النصوص (2) برد
شهادتهن في الحدود، ولا مخصص إلا لما تقدم، خلافا للخلاف فأثبت بهم الحد
ونسبه إلى رواية أصحابنا (3). قال في المختلف: وليس بمعتمد (4).
(وهل يثبت الإقرار بالزنا بشهادة رجلين أو لابد من أربع؟) فيه
(نظر): من أنه ليس بزنا ليخرجه نصوص الزنا من العمومات فيكون كسائر
الأقارير وهو خيرة الشيخ (5) وابن إدريس (6) والتحرير (7) [ويؤيده ما ورد من
تعليل أربعة بأنها شهادة على شخصين] (8) ومن أن الغرض من التشديد صون نفس
المكلف عن التلف وعرض المسلم عن الانهتاك وهو ثابت هنا وهو خيرة
المختلف (9). قال الشهيد: والفائدة لا في الحد بل في نشر الحرمة، وفي سقوط حد
القذف عن القاذف لو أقام شاهدين بإقرار المقذوف بالزنا (10). قلت: وحينئذ يقوي



(1) راجع مختلف الشيعة: ج 8 ص 470 و 472.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 258 ب 24 من أبواب الشهادات.
(3) الخلاف: ج 6 ص 251 المسألة 2.
(4) مختلف الشيعة: ج 8 ص 473.
(5) المبسوط: ج 8 ص 172.
(6) السرائر: ج 2 ص 115.
(7) تحرير الأحكام: ج 5 ص 267.
(8) أثبتناه من نسخة ل.
(9) مختلف الشيعة: ج 8 ص 531.
(10) الدروس الشرعية: ج 2 ص 136 درس 148.
324
القبول جدا، وتظهر الفائدة أيضا في ثبوت الفسق له بشهادتهما ولزوم المهر عليه
إن شهدا بإقراره بالإكراه لها.
(والأقرب) وفاقا لابني سعيد (1) وظاهر الأكثر (ثبوت إتيان البهائم
بشاهدين) للدخول في العمومات من غير مخصص. وعند الشيخ لابد من أربعة (2)
للأصل ومشاركته الزنا ونحوه في هتك العرض.
المرتبة (الثانية: ما عدا الزنا مما فيه حد كالسرقة) أي حدها (وشرب
الخمر والردة والقذف) وإن كان للناس فيه وفي السرقة حق (ولا يثبت)
شيء منه (إلا بشاهدين) ذكرين، لعموم الأخبار (3) بأنه لا يقبل شهادة النساء
في الحدود، مع الأصل وابتنائها على التخفيف.
(وكذا ما ليس بحد كالزكاة والخمس والكفارات والنذور والإسلام).
(وكذا) ما يشتمل على الحقين نحو (البلوغ والولاء والعدة والجرح
والتعديل والعفو عن القصاص) كل ذلك لأصل عدم الثبوت، وضعف النساء
عن الشهادة كضعفهن عن القضاء والإفتاء [ولصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام)
قال: لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في
حقوق الناس، فأما ما كان من حقوق الله ورؤية الهلال فلا (4)] (5).
وفي المقنعة (6) والنهاية (7) والمراسم (8) والغنية (9) والوسيلة (10) والإصباح (11)



(1) الجامع للشرائع: ص 542، شرائع الإسلام: ج 4 ص 136.
(2) المبسوط: ج 8 ص 172.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 258 ب 24 من أبواب الشهادات.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 195 ب 14 من أبواب كيفية الحكم ح 12.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في " ق ".
(6) المقنعة: ص 727.
(7) النهاية: ج 2 ص 62.
(8) المراسم: ص 233.
(9) الغنية: ص 438.
(10) الوسيلة: ص 222.
(11) إصباح الشيعة ص 528.
325
والجامع (1): إنما ردت شهادتهن في الحدود، ولم يتعرض لغيرها من حقوق الله.
وفي الوسيلة: حصر ما يعتبر فيه شهادة رجلين في أربعة أحدها الحدود والباقي
من حقوق الناس (2). وقد سمعت كلام الصدوقين (3) وأنهما أجازا شهادتهن في
الحدود، وكذا أبو علي (4).
القسم (الثاني: حق الآدمي ومراتبه ثلاث):
(الأولى: ما لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين عدلين) وهو ما يطلع عليه
الرجال غالبا وما لا يكون مالا، ولا المقصود منه المال (كالطلاق والخلع)
ادعاه الزوج أو الزوجة وإن تضمن المال إن ادعاه الزوج، كما أن الطلاق يتضمن
سقوط النفقة، وهو ظاهر الأكثر، لأنه طلاق. والأخبار كما ستسمع بعضها ناطقة
برد شهادتهن فيه. والمقصود بالذات منه البينونة والمال تابع. ولابد من النزاع في
البينونة أو الطلاق، فلو اتفقا على الطلاق واختلفا في أنه بالخلع أو لا فلا شبهة أنه
نزاع في المال إلا أن يكون المرأة هي المدعية له لتبطل رجعته.
وقيل إن ادعاه الزوج ثبت بشاهد وامرأتين لثبوت المال بهم والمال هنا ليس
إلا عوضا للطلاق فيتبعه في الثبوت.
(والوكالة والوصية إليه والنسب) وإن استلزم الإرث ووجوب النفقة.
(ورؤية الأهلة) وإن استلزمت انقضاء آجال الديون ونحوها.
هذا ما ذكره الشيخ في الخلاف (5) ووافقه فيه ابن إدريس (6) والمحقق (7) وجماعة،
ويدل عليه الأصل وقول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقضي



(1) الجامع للشرائع: ص 542.
(2) الوسيلة: ص 222.
(3) المقنع: ص 402 نقله عن علي بن بابويه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 471.
(4) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 470.
(5) الخلاف: ج 6 ص 252 المسألة 4.
(6) السرائر: ج 2 ص 115 و 137.
(7) المختصر النافع: ص 280.
326
بشاهد واحد ويمين صاحب الحق وذلك في الدين (1). وحكى في الغنية الإجماع
عليه في الطلاق والهلال (2). وبه فيهما أخبار كثيرة كقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في
صحيح الحلبي: لا أجيزها في الطلاق (3). وقول الباقر (عليه السلام) لزرارة: ولا تجوز في
الطلاق (4). وقول الصادق (عليه السلام) في خبر حماد بن عثمان: لا تقبل شهادة النساء في
رؤية الهلال ولا يقبل في الهلال إلا رجلان عدلان (5) وقول أحدهما (عليهما السلام) في
صحيح العلا: لا تجوز شهادة النساء في الهلال. لكن أخبار الطلاق يحتمل شهادتهن
حين الطلاق. وأما قول الصادق (عليه السلام) في خبر داود بن الحصين: " لا تجوز شهادة
النساء في الفطر إلا شهادة رجلين عدلين، ولا بأس في الصوم بشهادة النساء ولو
امرأة واحدة " (6) فبعد تسليم السند لا دلالة له على ثبوت الهلال بشهادتهن بوجه.
وقوى في المبسوط قبول شاهد وامرأتين في جميع ذلك (7).
وقال أبو علي: لا بأس عندنا بشهادتهن مع الرجال في الحدود والأنساب
والطلاق (8).
وفي النهاية: فأما ما لا يجوز قبول شهادة النساء فيه على وجه كان معهن
رجال أو لم يكن، فرؤية الهلال والطلاق فإنه لا يجوز فيه قبول شهادة النساء في
ذلك وإن كثرن (9). واقتصر عليهما الصدوق (10) وابن زهرة (11) أيضا وزاد المفيد (12)



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 193 ب 14 من أبواب كيفية الحكم ح 5.
(2 و 11) الغنية: ص 438.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 258 ب 24 من أبواب الشهادات ح 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 260 ب 24 من أبواب الشهادات ح 11.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 262 ب 24 من أبواب الشهادات ح 17.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 266 ب 24 من أبواب الشهادات ح 36.
(7) المبسوط: ج 8 ص 172.
(8) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 456.
(9) النهاية: ج 2 ص 61.
(10) المقنع: ص 403.
(12) المقنعة: ص 727.
327
وسلار (1) وابن حمزة (2) النكاح.
(والأقرب ثبوت العتق) كما في المبسوط (3) (والنكاح) كما فيه وفي
المقنع (4) والاستبصار (5) (والقصاص) كما في المبسوط (6) (بشاهد
وامرأتين) وفاقا لشهادات الشرائع (7). أما العتق فلأنه مالي وأما الآخران
فللأخبار كصحيح الحلبي إنه سئل الصادق (عليه السلام) عن شهادة النساء في النكاح
قال: تجوز إذا كان معهن رجل (8). وقول الرضا (عليه السلام) لمحمد بن الفضيل:
تجوز شهادتهن في النكاح إذا كان معهن رجل (9). وفي خبر زرارة: سأل
الباقر (عليه السلام) عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال: نعم (10). وقول
أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر الكناني: شهادة النساء تجوز في النكاح. وقوله
فيه: تجوز شهادة النساء في الدم مع الرجال (11). وصحيح جميل وابن حمران
سألا الصادق (عليه السلام): أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ قال: في القتل وحده: إن
عليا (عليه السلام) كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم (12). خلافا للخلاف (13) والإصباح (14)
والسرائر (15) في جميع ذلك، وللمقنعة (16) والمراسم (17) والوسيلة (18)



(1 و 17) المراسم: ص 233.
(2) الوسيلة: ص 222.
(3) المبسوط: ج 8 ص 172.
(4) المقنع: ص 402.
(5) الاستبصار: ج 3 ص 25 ذيل الحديث 79.
(6) بل قوى فيه عدم القبول في القصاص، وإن نسب القبول إليه في المسالك: ج 14: ص 253،
راجع المبسوط: ج 8 ص 172.
(7) شرائع الإسلام: ج 4 ص 136.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 258 ب 24 من أبواب الشهادات ح 2.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 259 ب 24 من أبواب الشهادات ح 7.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 260 ب 24 من أبواب الشهادات ح 11.
(11) وسائل الشيعة: ج 18 ص 263 ب 24 من أبواب الشهادات ح 25.
(12) وسائل الشيعة: ج 18 ص 258 ب 24 من أبواب الشهادات ح 1.
(13) الخلاف: ج 6 ص 252 المسألة 4.
(14) إصباح الشيعة: ص 528.
(15) السرائر: ج 2 ص 138 و 139.
(16) المقنعة: ص 727.
(18) الوسيلة: ص 222.
328
والجامع (1) في النكاح، وللنافع في القصاص (2).
أما العتق فلأنه من حقوق الله تعالى، ولصحيح محمد بن إسماعيل سأل الرضا (عليه السلام)
عن امرأة ادعى بعض أهلها أنها أوصت عند موتها من ثلثها بعتق رقبة لها أيعتق ذلك
وليس على ذلك شاهد إلا النساء؟ قال: لا تجوز شهادة النساء في هذا (3). وعلى كونه
من حقوق الله منع ظاهر بل من البين أنه حق لآدمي وإن استتبع حقوق الله، والشيخ لم
يعده في المبسوط (4) والخلاف (5) إلا في حقوق الآدميين، والسؤال في الخبر عن انفراد
النساء بالشهادة. ويجوز أن يكون المراد أنه لا يجوز عند العامة شهادتهن في هذا.
وأما الآخران، فلأنهما ليسا ماليين، وللأخبار كقول الرضا (عليه السلام) لمحمد بن
الفضيل: لا يجوز شهادتهن في الطلاق ولا في الدم. وقول الصادق (عليه السلام) في خبر
إبراهيم الخازني: وتجوز شهادتهن في النكاح، ولا تجوز في الطلاق ولا في الدم.
وفي صحيح محمد بن مسلم: ولا يجوز شهادة النساء في القتل. وقول علي (عليه السلام)
في خبري غياث (6) وموسى بن إسماعيل (7): لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا
قود. وفي خبر السكوني: شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في
حدود (8). ويحتمل الكل في انفرادهن وعدم الجواز عند العامة (9). وجمع الشيخ
في النهاية (10) والتهذيب (11) والاستبصار (12) بين أخبار القتل بأنه يثبت بشهادتهن



(1) الجامع للشرائع: ص 542.
(2) المختصر النافع: ص 280.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 266 ب 24 من أبواب الشهادات ح 40.
(4) المبسوط: ج 8 ص 172.
(5) الخلاف: ج 6 ص 252 المسألة 4.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 264 ب 24 من أبواب الشهادات ح 29.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 264 ب 24 من أبواب الشهادات ح 30.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 267 ب 24 من أبواب الشهادات ح 42.
(9) المغني لابن قدامة: ج 12 ص 6 و 7.
(10) النهاية: ج 2 ص 62.
(11) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 266 ذيل الحديث 711.
(12) الاستبصار: ج 3 ص 26 ذيل الحديث 82.
329
مع الرجال الدية دون القصاص، وهو خيرة المختلف (1) وشهادات النافع (2) (3).
المرتبة (الثانية: ما يثبت بشاهدين، وشاهد وامرأتين، وشاهد ويمين،
وهو: الديون والأموال كالقرض والغصب والقراض، وعقود المعاوضات كالبيع
والصلح والإجارات) ومنها إجارة الحر نفسه لأن منافعه مقومة (والمزارعة
والمساقاة والرهن والوصية له) والوديعة عنده إذا ادعاها المالك، وإن لم
يضمنها المستودع، والضمانات والحوالات (والجناية الموجبة للمال كالخطأ
وشبهه) وقتل الحر العبد، أو الأب الولد، والجناية على الحيوانات وغيرها من
الأموال، ويمكن تعميم " شبهه " لها (والمأمومة، والجائفة، وكسر العظام).
هذا ما في المقنعة (4) والمبسوط (5) والخلاف (6) والاستبصار (7) والكافي (8)
والسرائر (9) والوسيلة (10) والجامع (11) والشرائع (12) لقوله تعالى: " واستشهدوا شهيدين
من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان " (13). ونحو صحيح الحلبي قال
للصادق (عليه السلام): تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين؟ قال: نعم (14). وخبر محمد
بن خالد الصيرفي كتب إلى الكاظم (عليه السلام) في رجل مات وله ام ولد، وقد جعل لها



(1) مختلف الشيعة: ج 8 ص 465.
(2) المختصر النافع: ص 280.
(3) في ن زيادة: وفي الكافي والغنية والإصباح: ثبوت ربع الدية بشهادة واحدة، وبه خبر
عبد الله بن الحكم سأل الصادق (عليه السلام) عن امرأة شهدت على رجل أنه دفع صبيا في بئر فمات،
قال: على الرجل ربع دية الصبي بشهادة المرأة. وصحيح محمد بن قيس عن الباقر (عليه السلام) قال:
قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في غلام شهدت عليه امرأة أنه دفع غلاما في بئر فقتله فأجاز شهادة
المرأة بحساب شهادة المرأة.
(4) المقنعة: ص 727.
(5) المبسوط: ج 8 ص 172 و 189.
(6) الخلاف: ج 6 ص 254 المسألة 7.
(7) الاستبصار: ج 3 ص 32 ذيل الحديث 107.
(8) الكافي في الفقه: ص 438.
(9) السرائر: ج 2 ص 115 و 140.
(10) الوسيلة: ص 222.
(11) الجامع للشرائع: ص 542.
(12) شرائع الإسلام: ج 4 ص 137.
(13) البقرة: 282.
(14) وسائل الشيعة: ج 18 ص 258 ب 24 من أبواب الشهادات ح 2.
330
سيدها شيئا في حياته ثم مات، فكتب (عليه السلام): لها ما أثابها به سيدها في حياته،
معروف ذلك لها، تقبل على ذلك شهادة الرجل والمرأة والخدم غير المتهمين (1).
وقول الباقر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم: لو كان الأمر إلينا أخذنا بشهادة الرجل
الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس (2). وقول الصادق (عليه السلام)
في خبره: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب
الدين (3). وفي خبر أبي بصير كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقضي بشاهد واحد ويمين
صاحب الحق وذلك في الدين (4). وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في صحيح عبد الرحمن
ابن الحجاج وحسنه لشريح - حين قال في درع طلحة: لا أقضي بشهادة شاهد
حتى يكون معه آخر -: إنه قضى بالجور حيث قال ذلك وقد قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بشهادة واحد ويمين (5). ولم يذكر في النهاية إلا الدين (6). وفي المقنع إلا قبول
شهادتهن في الدين (7). وفي المراسم (8) والغنية (9) والإصباح (10) ضم اليمين إلى
الشاهد في الدين خاصة، وامرأتين في الديون والأموال. وفي المختلف: أنه لا
منافاة بين ما في النهاية وما في غيرها، لأن مقصوده من الدين المال (11).
قلت: ويمكن هذا التأويل في المقنع والمراسم والغنية دون الإصباح،
لقوله: ويقضى بشهادة الواحد مع يمين المدعي في الديون خاصة، وقيل: كل



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 268 ب 24 من أبواب الشهادات ح 47، وفيه: " عن يحيى بن
خالد ".
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 195 ب 14 من أبواب كيفية الحكم ح 12.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 192 ب 14 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 193 ب 14 من أبواب كيفية الحكم ح 5.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 194 ب 14 من أبواب كيفية الحكم ح 6.
(6) النهاية: ج 2 ص 61 و 63.
(7) انظر المقنع: ص 402.
(8) المراسم: ص 233.
(9) الغنية: ص 439.
(10) إصباح الشيعة: ص 528.
(11) مختلف الشيعة: ج 8 ص 523.
331
ما كان مالا أو المقصود منه المال (1).
(والأقرب جريان ذلك في الوقف) وفاقا للشيخ في المبسوط (2) والمحقق (3)
وابني إدريس (4) والبراج (5) بناء على انتقاله إلى الموقوف عليه. قال في المختلف:
واختصاص الموقوف عليه بالانتفاع به دون غيره دليل على أنه المالك، وكذا
جميع أحكام الملك، والامتناع من نقله لا يخرجه عن الملكية كأم الولد، قال:
ولأنه قد يجوز بيعه في بعض الأحوال عند علمائنا، وإنما يجوز لو كان ملكا له.
ولأنه يضمن بالمثل والقيمة (6).
وخلافا للخلاف (7) بناء على عدم الانتقال. قلنا بالانتقال إليه تعالى، أو البقاء
على ملك الواقف. واحتمل القبول عليه أيضا خصوصا على البقاء على ملك الواقف
بناء على أن المقصود من الوقف المنفعة وهي مال، وعلى التفصيل بانتقال الوقف
الخاص إلى الموقوف عليه دون العام يثبت الخاص دون العام مع الاحتمال فيه.
(و) كذا الأقرب جريان ذلك (في حقوق الأموال كالأجل والخيار)
اشتراطا أو انقضاء.
(والشفعة وفسخ العقد) المتعلق بالأموال.
(وقبض نجوم الكتابة) أو غيرها من الأموال لأن المقصود من جميع ذلك
ثبوت مال أو زواله. ويحتمل العدم بناء على أن شيئا منها ليس مالا ولا تمليكا.
(وفي النجم الأخير) من نجوم الكتابة المشروط (إشكال) من الإشكال
في ثبوت العتق بذلك، ثم في حصول العتق بالنجم الأخير أو بمجموع النجوم.
عندي أنه لا يتفاوت الحال بذلك لترتب العتق عليه، كان هو العلة التامة. و جزء



(1) إصباح الشيعة: ص 528.
(2) المبسوط: ج 8 ص 189 - 190.
(3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 93.
(4) السرائر: ج 2 ص 115 و 142.
(5) المهذب: ج 2 ص 562.
(6) مختلف الشيعة: ج 8 ص 523 وفيه: " باليد والقيمة ".
(7) الخلاف: ج 6 ص 280 المسألة 25.
332
أخيرا منها. ولذا قطع في التحرير بالعدم إن لم يثبت العتق بذلك (1).
المرتبة (الثالثة: ما يثبت بالرجال وبالنساء منفردات ومنضمات)
إليهم وهو ما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا (كالولادة) والعذرة والحيض
(والاستهلال، وعيوب النساء الباطنة) كالرتق والإفضاء والبرص تحت
الثياب دون الظاهرة كالعرج والجذام الظاهر في الوجه والجنون.
أما الثبوت بالنساء منفردات فلعله لا خلاف فيه لمسيس الحاجة، والنصوص
كصحيح العلاء سأل أحدهما (عليهما السلام) هل تجوز شهادتهن وحدهن؟ قال: نعم في
العذرة والنفساء (2). وقول الصادق (عليه السلام) في خبر داود بن سرحان: أجيز شهادة
النساء في الصبي صاح أو لم يصح، وفي كل شيء لا ينظر إليه الرجل تجوز شهادة
النساء فيه (3). وفي صحيح الحلبي وحسنه: تجوز شهادة النساء في المنفوس
والعذرة (4) وفي خبر ابن بكير: تجوز شهادة النساء في العذرة وكل عيب لا يراه
الرجال (5). وقول الرضا (عليه السلام) لمحمد بن الفضيل: تجوز شهادة النساء فيما لا
يستطيع الرجال أن ينظروا إليه وليس معهن رجل (6). وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في
خبر السكوني: في امرأة ادعت أنها حاضت ثلاث حيض في شهر واحد، كلفوا
نسوة من بطانتها أن حيضها كان فيما مضى على ما ادعت فإن شهدن صدقت وإلا
فهي كاذبة (7). وخبر زرارة عن أحدهما (عليهما السلام): في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا
فقالت: أنا بكر، فنظر إليها النساء فوجدنها بكرا، فقال: تقبل شهادة النساء (8).



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 267.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 262 ب 24 من أبواب الشهادات ح 18.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 261 ب 24 من أبواب الشهادات ح 12.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 258 و 268 ب 24 من أبواب الشهادات ح 2 و 46.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 260 ب 24 من أبواب الشهادات ح 9.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 259 ب 24 من أبواب الشهادات ح 7.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 266 ب 24 من أبواب الشهادات ح 37.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 267 ب 24 من أبواب الشهادات ح 44.
333
وأما الثبوت بهن منضمات وبالرجال، فهو المشهور، ويدل عليه: العمومات
والأصل، فإن الأصل في الشهادة، الرجال وأولويتهم منهن.
وقال القاضي: لا يجوز أن يكون معهن أحد من الرجال (1).
قال في المختلف: وهو يعطي المنع من قبول شهادة الرجال فيه (2).
قلت: ويمكن أن يريد الحرمة بدون الضرورة على الأجانب، فإن تعمدوا ذلك
خرجوا عن العدالة، لا أنه لا يجوز لهم الاطلاع مع الضرورة، أو لا تقبل شهادتهم وإن
اتفق اطلاعهم عليه لحلية، أو من غير تعمد، أو قبل عدالتهم، فلا خلاف في المسألة.
(والرضاع على الأقوى) وفاقا للمفيد (3) وسلار (4) وابن حمزة (5) والمحقق (6)
لأنه من الأمور التي لا يطلع عليه إلا النساء غالبا فيعمه أخبار " ما لا يستطيع الرجال "
أو " لا يجوز النظر إليه " ولعموم قول الباقر (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور: تقبل شهادة
المرأة والنسوة إذا كن مستورات (7). وخلافا للأكثر كما في السرائر (8) والتحرير (9)
بل ظاهر المبسوط (10) وصريح الخلاف (11) والإجماع، للأصل وإمكان اطلاعهم عليه.
(وتقبل شهادة النساء في الأموال والديون منضمات إلى رجل) كما
مر (أو يمين) كما قاله الشيخ (12) وبنو الجنيد (13) والبراج (14) وحمزة (15) وسعيد (16)
(لا منفردات وإن كثرن) خلافا لبعض الأصحاب كما في السرائر (17). وقول



(1) المهذب: ج 2 ص 559.
(2) مختلف الشيعة: ج 8 ص 478.
(3) المقنعة: ص 727.
(4) المراسم: ص 233.
(5) الوسيلة: ص 222.
(6) المختصر النافع: ص 280.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 294 ب 41 من أبواب الشهادات ح 20.
(8) السرائر: ج 2 ص 115.
(9) تحرير الأحكام: ج 5 ص 268.
(10) المبسوط: ج 8 ص 175.
(11) الخلاف: ج 6 ص 257 المسألة 9.
(12) النهاية: ج 2 ص 61.
(13) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 477.
(14) المهذب: ج 2 ص 558 - 559.
(15) الوسيلة: ص 222.
(16) الجامع للشرائع: ص 542.
(17) السرائر: ج 2 ص 116.
334
الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجاز شهادة النساء في الدين
وليس معهن رجل " (1) لا يدل على الانفراد عن اليمين وقال الحسن: وقد روي
عنهم (عليهم السلام) " أن شهادة النساء إذا كن أربع نسوة في الدين جائز " ثم ذكر أنه لم نقف
على حقيقته وأنه لم يصح عنده من طريق المؤمنين (2).
(فيثبت) الأموال والديون (بشاهد وامرأتين أو بامرأتين ويمين) لنحو
صحيح الحلبي هذا وقول الصادق في حسنه: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجاز شهادة النساء
مع يمين الطالب في الدين يحلف بالله إن حقه لحق (3). وقول أبي الحسن (عليه السلام) في
مرسل منصور بن حازم إذا شهد لصاحب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز (4) خلافا
للسرائر (5) والنافع (6).
قال ابن إدريس: وجعلهما بمنزلة الرجل في هذا الموضع يحتاج إلى دليل
شرعي، والأصل أن لا شرع له، وحملهما على الرجل قياس وهو عندنا باطل،
والإجماع فغير منعقد، والأخبار غير متواترة، فإن وجدت فهي نوادر شواذ،
والأصل براءة الذمة، فمن أثبت بشهادتهما حكما شرعيا فإنه يحتاج إلى أدلة
قاهرة، إما إجماع أو تواتر أو أخبار أو قرآن، وجميع ذلك خال منه (7).
ورده في المختلف بأنهما تساويان رجلا واحدا، ولذا يثبت بهما معه الدين، ويقع
التعارض بين شهادة رجلين وشهادة رجل وامرأتين، والعقل يقضي بتساوي حكم
المتساويين. قال: فأي دليل منع من ذلك والأدلة لا تنحصر في الكتاب والسنة المتواترة
والإجماع. قال: فقول ابن إدريس لا اعتبار به البتة (8) انتهى. ولا يخفى ما فيه.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 267 ب 24 من أبواب الشهادات ح 43.
(2) ظاهر العبارة أن فاعل " ذكر " هو الحسن، لكن الظاهر من " المختلف " أن العبارة من
العلامة. فراجع المختلف: ج 8 ص 455.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 258 ب 24 من أبواب الشهادات ح 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 264 ب 24 من أبواب الشهادات ح 31.
(5 و 7) السرائر: ج 2 ص 116.
(6) المختصر النافع: ص 280.
(8) مختلف الشيعة: ج 8 ص 477 - 478.
335
(وكل موضع تقبل فيه شهادة النساء منفردات لا يثبت بأقل من أربع)
وفاقا للمشهور للأصل والأخبار (1) والنص في الكتاب على أن امرأتين يقومان
مقام رجل أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الاخرى (2).
وقال المفيد: وتقبل شهادة امرأتين مسلمتين مستورتين فيما لا يراه الرجال،
كالعذرة وعيوب النساء والنفاس والحيض والولادة والاستهلال والرضاع،
وإذا لم يوجد على ذلك إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه (3).
ونحوه في المراسم (4).
فإن استند إلى نحو قول الباقر (عليه السلام) في خبر أبي بصير: تجوز شهادة امرأتين
في الاستهلال (5) وصحيح الحلبي سأل الصادق (عليه السلام): عن شهادة القابلة في الولادة
قال: تجوز شهادة الواحدة (6). وقوله (عليه السلام) في خبر عبد الله بن سنان: تجوز شهادة
القابلة وحدها في المنفوس (7).
فالجواب أن المعنى جواز شهادتها في الربع، لما سيأتي.
وفي متاجر التحرير لو اشترى جارية على أنها بكر فقال المشتري إنها ثيب،
امر النساء بالنظر إليه ويقبل قول امرأة ثقة في ذلك (8) (ويثبت ربع ميراث المستهل
وربع الوصية بشهادة الواحد من غير يمين) بالإجماع - كما في الخلاف (9)
والسرائر (10) - والنصوص كصحيح ربعي عن الصادق (عليه السلام): في شهادة امرأة حضرت



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 258 ب 24 من أبواب الشهادات.
(2) البقرة: 282.
(3) المقنعة: ص 727.
(4) المراسم: ص 233.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 267 ب 24 من أبواب الشهادات ح 41.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 268 ب 24 من أبواب الشهادات ح 46.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 260 ب 24 من أبواب الشهادات ح 10.
(8) تحرير الأحكام: ج 2 ص 377.
(9) الخلاف: ج 6 ص 258 المسألة 10.
(10) السرائر: ج 2 ص 138.
336
رجلا يوصي، فقال: يجوز ربع ما أوصى بحساب شهادتها (1). وصحيح عمر بن يزيد
سأله عن رجل مات وترك امرأته وهي حامل، فوضعت بعد موته غلاما ثم مات
الغلام بعد ما وقع إلى الأرض، فشهدت المرأة التي قبلتها أنه استهل وصاح حين وقع
إلى الأرض ثم مات، قال: على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام (2).
واشترط بنو إدريس (3) والبراج (4) وحمزة (5): عدم الرجال.
وفي الكافي (6) والغنية (7) والإصباح (8): ثبوت ربع الدية بشهادة امرأة. وبه
خبر عبد الله بن الحكم سأل الصادق (عليه السلام): عن امرأة شهدت على رجل أنه دفع
صبيا في بئر فمات قال: على الرجل ربع دية الصبي بشهادة المرأة (9). وصحيح
محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في غلام شهدت
عليه امرأة أنه دفع غلاما في بئر فقلته فأجاز شهادة المرأة بحساب المرأة (10).
(والأقرب ثبوت ذلك أيضا برجل واحد) من باب الأولى [ويمكن فهمه
من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر غياث: لا أقبل شهادة رجل على رجل حي وإن
كان باليمن] (11) ويحتمل العدم، قصرا لخلاف الأصل على المنصوص المجمع عليه.
والأقرب ثبوت الربع بشهادته (لا أزيد) اقتصارا على اليقين. ويحتمل
ثبوت النصف لكونه بمنزلة امرأتين. هذا (من غير يمين) فإن انضم إلى شهادته
يمين ثبت الجميع قطعا.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 261 ب 24 من أبواب الشهادات ح 16.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 259 ب 24 من أبواب الشهادات ح 6.
(3) السرائر: ج 2 ص 138.
(4) المهذب: ج 2 ص 559.
(5) الوسيلة: ص 222.
(6) الكافي في الفقه: ص 439.
(7) الغنية: ص 439.
(8) إصباح الشيعة: ص 528.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 265 ب 24 من أبواب الشهادات ح 33.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 263 ب 24 من أبواب الشهادات ح 26.
(11) ما بين المعقوفتين لم يرد في ن، وفي ق بدل " باليمن " باليمين. وسائل الشيعة: ج 18
ص 298 ب 44 من أبواب الشهادات ح 3.
337
(ولو شهدت امرأتان ثبت نصف ميراث المستهل ونصف الوصية) كما
في صحيح ابن سنان قال للصادق (عليه السلام): فإن كانت امرأتين؟ قال: تجوز شهادتهما
في النصف من الميراث (1). وإن انضم إليهما يمين ثبت الكل على أحد القولين.
(ولو شهد ثلاث ثبت ثلاثة الأرباع. ولو شهد أربع ثبت الجميع) بالإجماع،
كما في السرائر (2) والخلاف (3) وظاهر المبسوط (4) وفي الفقيه بعدما حكى خبر عمر
بن يزيد، وفي رواية اخرى: إن كانت امرأتين تجوز شهادتهما في نصف الميراث،
فإن كن ثلاث نسوة جازت شهادتهن في ثلاثة أرباع الميراث، وإن كن أربعا
جازت شهادتهن في الميراث كله (5) انتهى.
ولا يجوز للمرأة أو المرأتين تضعيف المشهود به ليجوز المشهود له الكل، لأنه
كذب إلا أن يمكنها التورية. وهل يحل للموصى له - إذا علم الوصية والموصى به
والتزوير - ربع المشهود له أو نصفه حينئذ؟ وجهان:
وربما يؤيد العدم أنه سئل الصادق (عليه السلام) في مرسل يونس بن عبد الرحمن عن
الرجل يكون له على الرجل الحق فيجحد حقه ويحلف ان ليس له عليه شيء
وليس لصاحب الحق على حقه بينة يجوز له إحياء حقه بشهادة الزور إذا خشي
ذهاب حقه؟ فقال: لا يجوز ذلك لعلة التدليس (6).
والأقوى الحل وإن حرم التزوير، لكونه إغراء بالقبيح. وفي مرسل عثمان بن
عيسى أنه قيل للصادق (عليه السلام): تكون للرجل من إخواني عندي شهادة ليس كلها
تجيزها القضاة عندنا، قال: إذا علمت أنها حق فصححها بكل وجه حتى يصح له



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 267 ب 24 من أبواب الشهادات ح 45.
(2) السرائر: ج 2 ص 138.
(3) الخلاف: ج 6 ص 258 و 259 المسألة 10.
(4) المبسوط: ج 8 ص 175.
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 53 و 54 ح 3316 و 3317.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 247 ب 18 من أبواب الشهادات ح 1.
338
حقه (1). ولعله إشارة إلى ما ذكرنا من التورية.
وعن داود بن الحصين أنه سمعه يقول: إذا شهدت على شهادة فأردت أن تقيمها
فغيرها كيف شئت ورتبها وصححها بما استطعت حتى يصح الشيء لصاحب الحق
بعد أن لا تكون تشهد إلا بحق، فلا تزيد في نفس الحق ما ليس بحق، فإنما الشاهد
يبطل الحق ويحق الحق، وبالشاهد يوجب الحق، وبالشاهد يعطى، وإن للشاهد
في إقامة الشهادة بتصحيحها بكل ما يجد إليه السبيل من زيادة الألفاظ والمعاني
والتفسير في الشهادة بما يثبت الحق ويصححه ولا يؤخذ به زيادة على الحق، مثل
أجر الصائم القائم المجاهد بسيفه في سبيل الله (2).
(ولا يثبت) ما يثبت بالنساء منفردات (في) شهادة (الخنثى المشكل
بأقل من أربع) لاحتمال الأنوثة، فإن كان المشهود به وصية أو استهلالا ثبت
الربع بواحدة، وهكذا كالمرأة إن قلنا: إن الرجل كالمرأة الواحدة، وإلا لم يثبت
شيء منهما إلا بأربع خناثي.
وإذا اجتمع في الشيء حقان مختلفان فيما يثبتان به كان لكل حكمه (فلو (3)
شهد على السرقة رجل وامرأتان ثبت المال دون القطع).
(ولو علق العتق بالنذر على الولادة) أي نذر: إن ولدت أمته أعتقها أو ولدها
أو غيرهما (فشهد أربع نساء بها) أي بالولادة (تثبت) أي الولادة (ولم يقع
النذر) قال في التحرير: ولو شهد رجل وامرأتان بالنكاح فإن قبلنا فيه شهادة
الواحد والمرأتين فلا بحث وإلا ثبت المهر دون النكاح (4) انتهى. وفيه بعد للتنافي.
(الفصل الثالث في مستند علم الشاهد)
(وضابطه العلم القطعي) إلا فيما لا يمكن فيه تحصيله ولا



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 231 ب 4 من أبواب الشهادات ح 3.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 230 ب 4 من أبواب الشهادات ح 1.
(3) في القواعد: وإذا.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 268.
339
يستغني عن البينة كما سيأتي.
وفاقا للكافي (1) والسرائر (2) والإصباح (3) والجامع للشرائع (4) فقد سئل
الصادق (عليه السلام) عن الشهادة، فقال: هل ترى الشمس؟ فقال: نعم، قال: على مثلها فاشهد
أودع (5). وقال الصادق (عليه السلام): لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك (6). وقال
تعالى: " إلا من شهد بالحق وهم يعلمون " (7). وقال: " ولا تقف ما ليس لك به علم " (8).
وخلافا للشيخين (9) وسلار (10) والصدوقين (11) وابني الجنيد (12) والبراج (13)
كما سلف، فعملوا بخبر عمر بن يزيد أنه قال للصادق (عليه السلام): رجل يشهدني على
الشهادة فأعرف خطي وخاتمي ولا أذكر من الباقي قليلا ولا كثيرا، فقال: إذا كان
صاحبك ثقة ومعك رجل ثقة فاشهد له (14). واستضعفه الشيخ في الاستبصار أولا
ثم ذكر أنه إذا كان الشاهد الآخر يشهد وهو ثقة مأمون جاز له أن يشهد إذا غلب
على ظنه صحة خطه، لانضمام شهادته إليه (15). وروى الصدوق هذه الرواية ثم
قال: وروي أنه لا تكون الشهادة إلا بعلم، من شاء كتب كتابا ونقش خاتما (16).
(ومستنده) أي العلم القطعي وإن كان لا يشترط القطع فيما يثبت بالاستفاضة



(1) الكافي في الفقه: ص 436 - 437.
(2) السرائر: ج 2 ص 117.
(3) إصباح الشيعة: ص 530.
(4) الجامع للشرائع: ص 536.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 250 ب 20 من أبواب الشهادات ح 3، وفيه: " عن النبي (صلى الله عليه وآله) ".
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 250 ب 20 من أبواب الشهادات ح 1.
(7) الزخرف: 86.
(8) الإسراء: 36.
(9) المقنعة: ص 728، النهاية: ج 2 ص 58.
(10) المراسم: ص 234.
(11 و 12) نقله عنهما في مختلف الشيعة: ج 8 ص 517.
(13) المهذب: ج 2 ص 561.
(14) وسائل الشيعة: ج 18 ص 234 ب 8 من أبواب الشهادات ح 1.
(15) الاستبصار: ج 3 ص 22 ذيل الحديث 68.
(16) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 72 ح 3361 وذيله.
340
لصدق أن السماع وحده يكون مستندا للقطع وإن لم يشترط في صحة الشهادة حصوله
به أو مستند علم الشاهد. ويجوز تعميم علمه للظن المعتبر فيما يثبت بالاستفاضة. (إما
المشاهدة، وذلك في الأفعال: كالغصب والسرقة والقتل) والجرح (والرضاع
والولادة) وهي فعل للولد وشبه فعل للأم (والزنا واللواط) والاصطياد والالتقاط
والإحياء والقبض والإقباض. ولعله يمكن استناد الشهادة فيها إلى التواتر، فإنه يفيد
العلم كالمشاهدة. ويجوز أن يكون مراد الأصحاب بالاستناد إلى المشاهدة ما يعم
الاستناد إليها بلا واسطة أو بها. (وتقبل فيه (1) شهادة الأصم لانتفاء الحاجة إلى
السمع فيه (2). وروي) عن جميل (أنه) سأل الصادق (عليه السلام) عن شهادة الأصم في
القتل، فقال: (يؤخذ بأول قوله) ولا يؤخذ بثانيه (3). وأفتى بمضمونه الشيخ في
النهاية (4) وابنا حمزة (5) والبراج (6). والوجه القبول مطلقا للعمومات وضعف الخبر.
وفي المختلف: إنا نقول بالموجب فإن الثاني إن كان منافيا للأول ردت شهادته
فيه، لأنه رجوع عما شهد به أولا فلا يقبل، وإن لم يكن منافيا له كان شهادة اخرى
مستأنفة لا ثانيا (7). ولا يرد عليه أنه على المنافاة خارج عن العدالة أو الضبط.
لجواز افتراق زماني القولين طويلا بحيث لا ينافي الضبط المعتبر في الشهادة.
(وإما السماع والإبصار معا، وذلك في الأقوال كالعقود مثل: النكاح
والبيع والصلح والإجارة وغيرها) والأقارير والوصايا والقذف ونحو ذلك
(فإنه لابد) فيها (من البصر لمعرفة المتعاقدين) مثلا وبالجملة اللافظ
(ومن السماع لفهم اللفظ).
(ولا تقبل شهادة الأعمى بالعقد) ونحوه (إلا أن يعرف الصوت قطعا



(1) كذا وفي القواعد أيضا، والمناسب: فيها.
(2) في القواعد: فيها.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 296 ب 42 من أبواب الشهادات ح 3.
(4) النهاية: ج 2 ص 55.
(5) الوسيلة: ص 230.
(6) المهذب: ج 2 ص 556.
(7) مختلف الشيعة: ج 8 ص 491.
341
على رأي) وفاقا للأكثر، لأن محمد بن قيس سأل الباقر (عليه السلام) عن الأعمى يجوز
شهادته؟ قال: نعم إذا ثبت (1). ولحصول شرط الشهادة ومستندها الذي هو العلم.
ولا يسمع منع معرفته قطعا لتشابه الأصوات طبعا أو تكلفا، فإنه مناقشة في
الضروري. ويؤيده جواز وطي الأعمى أمته وحليلته إجماعا اعتمادا على ما
يعرفه من صوتها ونحوه. وربما فرق بكفاية الظن في الوطء ودعاء الضرورة إليه.
وخلافا للخلاف فلم تقبل في ذلك شهادة الأعمى واستدل بالإجماع والأخبار (2).
(أو يعرف المتعاقدين عنده) باسميهما ونسبيهما (عدلان) حين
التحمل، فيقول: أشهد على فلان وفلان اللذين أعرفهما فلان وفلان بكذا.
(أو يشهد على المقبوض) بأن يقبض على المشهود عليه فيقرأ ويعقد فلا
يفارقه حتى يأتي به الحاكم فيشهد: أن هذا أقر بكذا أو قال: كذا.
(وتقبل شهادته فرعا) كما تقبل أصلا (وترجمته لحاضر عند
الحاكم) لأنها لا تفتقر إلا إلى السماع. وللعامة وجه بالعدم (3).
(ولو تحمل الشهادة بصيرا ثم عمي وعرف نسب المشهود عليه)
واسمه وبالجملة مشخصاته (أو عرفه عنده عدلان، أقام الشهادة) وكذا إذا لم
يفارقه حين تحمل حتى عمي فأتى به الحاكم فشهد عليه بأن هذا أقر بكذا مثلا
(وإن شهد على العين وعرف الصوت ضرورة، جاز أن يشهد أيضا) بناء
على المختار، وعلى الآخر لا يجوز.
(والقاضي إذا عمي بعد سماع البينة قضى بها) وإن اشترطنا البصر فيه.
(ومن لا يعرف نسبه لابد من الشهادة على عينه، فإن مات أحضر)
جسده (مجلس الحكم، فإن دفن لم ينبش) لإجماع المسلمين على



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 295 و 296 ب 42 من أبواب الشهادات ح 1.
(2) الخلاف: ج 6 ص 266 و 267 المسألة 16.
(3) الشرح الكبير: ج 12 ص 67.
342
حرمته (وتعذرت الشهادة).
والأصح الجواز كما قاله الشهيد (1) إن لم يتغير الصورة بحيث لم يبق التمييز ولم
يعلم العلم، فإنه موضع ضرورة. وإذا جاز النبش لكون الكفن مغصوبا، أو وقوع شيء في
القبر وإن قلت قيمته كما في المنتهى (2) والتذكرة (3) والتحرير (4) فلم لا يجوز للشهادة؟!
(ولا يشهد على المرأة إلا أن يعرف صوتها قطعا أو تسفر عن وجهها
ويميزها عند الأداء) على التقديرين (بالإشارة).
(ويجوز النظر إليها) للأجنبي (لتحمل الشهادة) وأدائها للضرورة، قال
الكاظم (عليه السلام) في خبر جعفر بن عيسى بن يقطين: لا بأس بالشهادة على إقرار
المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت بعينها، أو حضر من يعرفها، فأما إن لا تعرف
بعينها أو لا يحضر من يعرفها فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها وعلى إقرارها
دون أن تسفر وينظروا إليها (5).
وفي صحيح علي بن يقطين: لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست
بمسفرة إذا عرفت بعينها أو يحضر من يعرفها ولا يجوز عندهم أن يشهد الشهود
على إقرارها دون أن يسفر فينظر إليها (6).
وكتب الصفار إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام): في رجل أراد أن يشهد
على امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر ويسمع
كلامها إذا شهد عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها، أو لا تجوز
الشهادة عليها حتى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقع (عليه السلام) تتنقب وتظهر للشهود إن شاء
الله تعالى. قال الصدوق: وهذا التوقيع عندي بخطه (عليه السلام) (7) وحمله الشيخ تارة على



(1) انظر ذكرى الشيعة: ج 2 ص 82.
(2) منتهى المطلب: ج 1 ص 465 س 8.
(3) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 56 س 4.
(4) تحرير الأحكام: ج 1 ص 135.
(5) الكافي: ج 7 ص 400 ح 1.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 297 ب 43 من أبواب الشهادات ح 1.
(7) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 67 ح 3347.
343
الاحتياط وأخرى على أنها تبرز للشهود المعروفين لها (1).
(وإذا قامت البينة على عينها، وزعمت أنها بنت زيد لم يسجل القاضي
على بنت زيد إلا أن تقوم البينة بالنسب).
(وإما السماع خاصة وذلك فيما يثبت بالاستفاضة) وهو ما يكثر فيه
الاستفاضة، ولا يستفيض غالبا إلا مطابقا للواقع، ويتعسر أو يتعذر فيه المشاهدة،
فلو لم يكتف بالسماع لتأدي إلى البطلان (وهو) كما في الكتاب والمبسوط (2)
والوسيلة (3) والجامع (4) والإرشاد (5) والتلخيص (6) سبعة:
الأول: (النسب) فإذا استفاض أن فلانا ابن فلان أو فلانا جده أو أنه من
قبيلة بني فلان جازت الشهادة عليه، لأنه لا مدخل للمشاهدة فيه خصوصا بالنسبة
إلى القبيلة وما يعلو من الأجداد، ولا يستفيض غالبا إلا إذا كان حقا، وفي النسبة
إلى الأم وجه باعتبار المشاهدة للإمكان.
(و) الثاني: (الموت) لأنه مستفيض كثيرا ولا تستفيض غالبا إلا حقا
كالنسب، وله أسباب كثيرة ومختلفة، منها ظاهرة ومنها خفية، وكثيرا ما تعسر فيه
المشاهدة وربما اعتبر فيه المشاهدة لإمكانها.
(و) الثالث: (الملك المطلق) لاختلاف أسبابه واختفائها على تطاول
الأزمنة، وإنما تتعلق المشاهدة بأسبابها فلو اعتبرت تأدى إلى الزوال، ولاستفاضته
كثيرا، وإنما يستفيض حقا غالبا.
(و) الرابع: (الوقف) لاستفاضته كثيرا، وإنما يستفيض غالبا حقا، ولتأبيده
مع فناء من شهد الوقف فلو لم يعتبر الاستفاضة بطلت الوقوف. وأما الشهادة على



(1) الاستبصار: ج 3 ص 19 ذيل الحديث 58.
(2) المبسوط: ج 8 ص 180 - 182.
(3) الوسيلة: ص 233.
(4) الجامع للشرائع: ص 537.
(5) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 160.
(6) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 33 ص 354.
344
الشهادة فلا يجوز عندنا إلا دفعة. واعترض عليه في المختلف بأنه ليس تخصيص
النهي عن الشهادة بدون العلم بالوقف تحصيلا لمصلحة ثبوته بأولى من تخصيص
النهي عن سماع الشهادة الثالثة به لهذه المصلحة. قال: مع أن هذا التخصيص أولى،
إذ لا مانع عقلا منه بخلاف الشهادة بمجرد الظن (1). وهو منع للإجماع على أنه لا
يسمع الشهادة الثالثة فلا يصلح دعوى الإجماع جوابا إلا مع الإثبات.
(و) الخامس: (النكاح) لكثرة استفاضته أن فلانة زوجة فلان، وإنما
يستفيض حقا غالبا، وبذلك يقطع بزوجية أزواج النبي (صلى الله عليه وآله). قال المحقق: ولو قيل:
الزوجية تثبت بالتواتر، كان لنا أن نقول: إن التواتر لا يثمر إلا إذا استند السماع إلى
محسوس ومن المعلوم أن المخبرين لم يخبروا عن مشاهدة العقد ولا عن إقرار
النبي (صلى الله عليه وآله)، بل نقل الطبقات متصل إلى الاستفاضة التي هي الطبقة الأولى (2).
ونحوه في التحرير (3). وفيه نظر ظاهر، بل الظاهر التواتر كما في المختلف (4)
والإنهاء إلى سماع العقد والإقرار.
(و) السادس: (العتق) تغليبا للحرية، ولأنه لا يستفيض عتق معلوم
الرقية إلا إذا تحقق.
(و) السابع: (ولاية القاضي) لأنه لا يجترئ عليها من لا يكون واليا
فلا يستفيض إلا إذا تحققت، ولتعسر حصول العلم بها لأهل البلاد بالسماع من
الإمام أو من سمعه.
وزيد في التحرير (5) ثامن وهو الولاء. وزيد تاسع وهو الرق، لأنهما لا
يستفيضان غالبا إلا عن حق، ولاختلاف أسباب الرق واختفائها على تطاول
الأزمنة والتناسل عقبا بعد عقب، وكون الولاء كالنسب في تعسر الثبوت أو تعذره
بدون الاستفاضة خصوصا بالنسبة إلى الأبعدين.



(1 و 4) مختلف الشيعة: ج 8 ص 538.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 134.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 263.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 262.
345
وزيد العزل والولاء والرضاع وتضرر الزوجة والتعديل والجرح والإسلام
والكفر والرشد والسفة والحمل والولادة والوصاية والحرية واللوث والغصب
والدين والإعسار. ولم تذكر في الشرائع إلا خمسة الأول (1). وفي النافع (2) والتبصرة (3)
إلا أربعة هي الخمسة عدا الموت. وفي الإصباح إلا الثلاثة الأولى (4).
وقال أبو علي: لا يصح الشهادة بالشائع من الامور إلا أن تتصل الشهادة على
الشهادة إلى إقرار أو رؤية، إلا في النسب وحده، وما لا يجب به على عين حاضرة
حكم في إخراج ملك أو ايجاب حد (5).
وفي الوسيلة (6) والجامع (7) سبعة هي المذكورة في الكتاب عدا الولاية،
ففيهما: " الولاء " والظاهر منه ولاء العتق.
وقال الصادق (عليه السلام) في مرسل يونس: خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ
فيها بظاهر الحكم: الولايات والمناكح والذبائح والشهادات والأنساب (8).
(ويشترط في) الاستفاضة (توالي الأخبار من جماعة يغلب على
الظن صدقهم، أو يشتهر اشتهارا يتاخم العلم على إشكال) من أن الظن لا
يغني من الحق شيئا، وقوله (صلى الله عليه وآله): على مثلها فاشهد أو دع (9). وقوله (عليه السلام): حتى
تعرفها كما تعرف كفك (10). وكونه ردا إلى الجهالة، لانتفاء الضابطة في ذلك. ومن أن
ذلك معنى الاستفاضة فإن مفيد العلم هو التواتر، وأنه لو اشترط العلم لم يختص



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 133 و 134.
(2) المختصر النافع: ص 281.
(3) تبصرة المتعلمين ص 191.
(4) إصباح الشيعة: ص 531.
(5) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 538.
(6) الوسيلة: ص 233.
(7) الجامع للشرائع: ص 537.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 290 ب 41 من أبواب الشهادات ح 3.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 250 ب 20 من أبواب الشهادات ح 3، وفيه: " عن النبي (صلى الله عليه وآله) ".
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 250 ب 20 من أبواب الشهادات ح 1.
346
بهذه الامور وهو الأولى وخيرة الإرشاد (1) والأول خيرة التحرير (2) والتلخيص (3).
(قيل) في المبسوط: (لو شهد عدلان فصاعدا) على أحد هذه الامور
(صار السامع متحملا وشاهد أصل لا فرعا على شهادتهما) لأنه لا يقول:
أشهدني فلان وفلان بكذا وكذا (4).
قال المحقق: لأن ثمرة الاستفاضة الظن وهو حاصل بهما، قال: وهو ضعيف
لأن الظن يحصل بالواحد (5). ورد بأنه لم يعتبر الظن المطلق، بل ما ثبت اعتباره
شرعا، ولا ريب في قبول الظن الشدة والضعف. واعترض بأن الظن المستند إلى
جماعة غير عدول مما لم يثبت اعتباره شرعا فإكتفاؤه به وتعديته الحكم إلى
العدلين يدل على عدم اعتباره الظن الشرعي فيه. وفيه منع أنه لم يثبت اعتباره
شرعا، كيف! وقال: وعليه يدل أخبارنا.
(والأقوى أنه لابد من جماعة) يحصل بهم الاستفاضة وأن (لا تجمعهم
رابطة التواطؤ) ليفيد خبرهم العلم أو الظن.
وقال ابن حمزة: ويجوز له أن يشهد بذلك يعني بكل من السبعة مطلقا من غير أن
يعزى إلى أحد بشرطين: سماعه من عدلين فصاعدا، وشياعه واستفاضته في الناس (6).
وقال يحيى بن سعيد: ويشهد بذلك من غير أن ينسبه إلى الواحد بشرط أن
يسمعه من عدلين فصاعدا، وشياعه واستفاضة في الناس وإن لم يبلغ التواتر، فإن
لم يسمعه إلا من شاهدين اعتبر فيه ما يعتبر في الشهادة على الشهادة (7). فهما
اعتبرا مع الاستفاضة شهادة عدلين. ويمكن تنزيل كلام الشيخ عليه وإن بعد عن
بعض عباراته ومن البين أنه أحوط بدون التواتر المفيد للعلم.
(ولو سمعه يقول: هذا ابني) عبارة (عن الكبير مع) حضوره وسماعه



(1) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 160.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 263.
(3) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 33 ص 354.
(4) المبسوط: ج 8 ص 181.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 133.
(6) الوسيلة: ص 233.
(7) الجامع للشرائع: ص 537.
347
و (سكوته) من غير عذر (أو) يقول: (هذا أبي) كذلك (قيل) في المبسوط:
(صار متحملا، لاستناد السكوت إلى الرضا) (1) عادة. وهو ممنوع.
(وشاهدا لاستفاضة لا يشهد بالسبب كالبيع في الملك) وفاقا للمبسوط (2)
فإنه لا يثبت بالاستفاضة فالشهادة به تنافي العدالة (إلا في الميراث) فإنه يصح
أن يشهد له بالملك بالإرث لأن سببه الموت ويثبت بالاستفاضة. وزعم المحقق (3)
أنه لا يقدح الشهادة بالسبب مطلقا، لأن غايتها الشهادة بأمرين أحدهما لغو وهو
لا يمنع القبول في الآخر. وهو كذلك إن لم يناف العدالة.
(ولا يفتقر شاهد الاستفاضة بالملك إلى مشاهدة التصرف باليد)
وفاقا للمحقق (4) لما ثبت أن الاستفاضة تجوز الشهادة، وربما يحتاط بمشاهدة
اليد المتصرفة.
(ويرجح ذو اليد على شهادة الاستفاضة) أي يرجح اليد على الاستفاضة،
فلو كان شيء في يد أحد واستفاض أنه للآخر لم يمكن الشهادة بأنه للآخر، لأن
السماع قد يحتمل إضافة (5) الاختصاص المطلق المحتمل للملك وغيره، فلا يزال
اليد المعلومة بالمحتمل. وكذا في التحرير (6) والشرائع (7).
وفيه: أنه إنما يتم لو استفاض أنه لفلان، أما لو استفاض أنه ملكه فلا، والصواب
أن يوجه بأنهما علامتان متعارضتان فتسقطان ويبقى اليد على أصلها فلا يزال إلا
بمزيل شرعي، مع احتمال تجدد الملك لذي اليد في كل آن فلا يعارضه الاستفاضة.
(واعلم أن النسب يثبت بالتسامع من قوم لا ينحصرون عند الشاهد)
يفيد خبرهم العلم أو الظن الغالب (فيشهد به) حينئذ (إذ لا يمكن رؤيته) فلا
يمكن اشتراطها فيه (وإن كان) النسب (من الأم) فإنه وإن أمكنت مشاهدة



(1 و 2) المبسوط: ج 8 ص 181.
(3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 133.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 134.
(5) في المطبوع: يحصل إفاضة.
(6) تحرير الأحكام: ج 5 ص 264.
(7) شرائع الإسلام: ج 4 ص 134.
348
الولادة منها لكنها لما كانت مما لا يطلع عليه غالبا إلا النساء بل قلائل منهن ولذا
اكتفي فيها بشهادتهن بل بشهادة امرأة، كانت مما لا يمكن رؤيته عادة. وفيه وجه
باعتبار المشاهدة فيه.
(وكذا الموت) يكفي فيه التسامع فإنه أيضا وإن أمكن رؤيته لكن لما كان
في الأكثر مما لا يطلع عليه إلا قليل تنزل منزلة ما لا يمكن رؤيته. ولعله خصهما
بالتكرير، لإبانة الوجه في الاكتفاء بالتسامع فيهما، والتسوية بين النسب إلى الأب
والأم، وأن الموت نازل منزلة ما لا يرى. ويمكن أن يكون خصهما بترجيح
الاكتفاء بالظن فيهما وبقاء الإشكال المتقدم في الباقي، فيكون المراد أنهما يثبتان
بالتسامع من قوم لا ينحصرون وإن لم يفد خبرهم العلم، لأنهما لما لم يمكن
رؤيتهما فكأنهما لا طريق إلى العلم بهما.
(وإذا اجتمع في الملك اليد والتصرف والتسامع جازت الشهادة، فإنه
لا يحس به) وإنما يحس بأسبابه وعلامته (وهذا الاجتماع منتهى الإمكان)
[فيما لم يحس بسببه، أو منتهى الإمكان] (1) كما أن الإحساس بالسبب أيضا
منتهاه ولا فارق، إذ كما يحتمل اليد والتصرف غير الملك والخبر الكذب، كذا يحتمل
الأسباب البطلان من وجوه شتى.
(والأقرب) وفاقا للأكثر (أن مجرد اليد والتصرف بالبناء والهدم
والإجارة المتكررة بغير منازع يكفي، دون التسامع، فيشهد له) بمجرد ذلك
(بالملك المطلق) طالت المدة أو قصرت.
قال في الخلاف: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا لا خلاف أنه يجوز أن
يشترى منه، فإذا حصل في يده يدعي أنه ملكه. فلولا أن ظاهر تصرفه يدل على ملكه
لم يجزله إذا انتقل اليه بالبيع أن يدعي أنه ملكه (2) انتهى. ولقضاء العادة بالملك حينئذ.
لا يقال: بل المستأجر والوكيل والأمين والولي والوصي أيضا يتصرفون كذلك،



(1) لم يرد في المطبوع.
(2) الخلاف: ج 6 ص 265 المسألة 14.
349
لأن الصدور عن المالك أظهر.
ويحتمل العدم، لعموم اليد والتصرف لأيدي هؤلاء والغاصب.
واحتمل في التحرير: الفرق بين الإجارة المتكررة، ونحو التصرف بالبناء
والهدم والبيع والرهن، لصدور الإجارة من المستأجر (1) ولكنه استقرب ما هنا.
وفرق في المبسوط بين المدة الطويلة والقصيرة، فحكى في الطويلة قولين:
جواز الشهادة وعدمه، ولم يرجح، وقطع في القصيرة بالعدم بناء على أن مثل ذلك
يتفق كثيرا في الزمان القصير من غير المالك (2).
(ومجرد اليد كذلك) أي يصح مستندا للشهادة بالملك (على الأقوى) كما
في المبسوط (3) لقضاء اليد به ولذا جاز الشراء منه ثم دعوى الملك. وفيه: أن الشراء
مبني على الظاهر، والشهادة على العلم. ولخبر حفص بن غياث سئل الصادق (عليه السلام)
عن رجل رأى في يد رجل شيئا أيجوز أن يشهد أنه له؟ قال: نعم، قال: فلعله لغيره،
قال: ومن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك: هو لي وتحلف
عليه، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه إليك قبله (4) ثم قال (عليه السلام): لو لم يجز هذا
ما قامت للمسلمين سوق (5). وهو ضعيف وحمله ابن سعيد على اليد المتصرفة (6).
و (قيل): لا يصلح مجرد اليد مستندا للشهادة بالملك، للاحتمال الظاهر،
وأيضا (لو أوجبت الملك لم تسمع دعوى الدار التي في يد: هذا لي، كما
لا تسمع) دعوى (ملكه لي (7)) للتناقض.
(وينتقض بالتصرف) فإنكم اعترفتم بأن مجرد اليد مع التصرف يصلح



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 264 و 265.
(2) المبسوط: ج 8 ص 181.
(3) المبسوط: ج 8 ص 182.
(4) كذا، وفي المصدر: من قبله إليك.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 215 ب 25 من أبواب كيفية الحكم ح 2.
(6) الجامع للشرائع: ص 536.
(7) ذكر هذا القول في شرائع الإسلام: ج 4 ص 134.
350
مستندا للشهادة بالملك مع سماع دعوى الدار التي في يد هذا وتصرفه. والحل أن
اليد إنما هي ظاهرة في الملك ويجوز صرفها عن الظاهر.
(والأقرب) وفاقا للمحقق (1) (أنه لا يشترط في استفاضة الوقف
والنكاح العلم) وإن اشترطناه في البواقي أو فيما عد النسب والموت (بل
يكفي غلبة الظن).
أما في الوقف فلتطاول المدد فيه بحيث ينسد كثيرا طريق العلم به، فلو لم
يكتف بالظن بطل.
وأما في النكاح فلعظم أمر الفروج وما يتعلق بها من الحدود والأنساب
والمصاهرات والرضاع، وربما لم يكن إلى العلم به طريق، فلو لم يكتف بالظن
أشكل الأمر وظهر الفساد.
(وأما الإعسار فيجوز الشهادة عليه بخبرة الباطن، وشهادة قرائن
الأحوال مثل صبره على الجوع والضر في الخلوة) ولا يشترط العلم، لأنه
من الامور الخفية التي لا طريق إلى معرفته غالبا.
(ولو) شهد على شخص ثم اشتبه عليه مع آخر و (شك في) تحمل
(الشهادة على أحدهما فشهد اثنان عنده بالتعيين ففي إلحاقه بالتعريف)
حين التحمل حتى يجوز له الآن أداء الشهادة على العين (إشكال): من أن هذه
الشهادة ليست إلا تعريفا للمشهود عليه، ومن أن التعريف تعيين للاسم والنسب
للشخص الحاضر المشهود عليه بخصوصه وهي ليست كذلك، وهو الأقوى.
(الفصل الرابع في التحمل والأداء)
(التحمل واجب على من له أهلية الشهادة على) الأمر المشهود إذا
دعي إلى الشهادة عليه على (الكفاية على الأقوى) وفاقا للشيخ (2) والمحقق (3)



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 134.
(2) المبسوط: ج 8 ص 186.
(3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 138.
351
وأبي علي (1) لتوقف كثير من الامور التي بها نظام العالم عليها فلو أهملت اختلت،
ولقوله تعالى: " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " فإنه يعم التحمل والأداء. وقال
الصادق (عليه السلام) في صحيح هشام بن سالم: إنه قبل الشهادة (2). وقوله تعالى: " ومن
يكتمها فإنه آثم قلبه " بعد الشهادة (3). وفي خبر أبي الصباح: ذلك قبل الكتاب، كذا
في تفسير العياشي (4). وفي خبر داود بن سرحان: لا يأب الشاهد أن يجيب حين
يدعى قبل الكتاب (5). وفي حسن الحلبي: فذلك قبل الكتاب (6) وحمله ابن إدريس (7)
على الأداء، لأن إطلاق الشهداء على غير المتحملين تجوز. وخطأه في المختلف
بأن الآية وردت للإرشاد بالإشهاد، لأنه تعالى أمر بالكتاب حال المداينة ونهى
الكاتب عن الإباء، ثم أمر بالإشهاد ونهى الشهداء عن الإباء (8). وفيه: ما فيه.
وفي تفسير الإمام (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى: " ولا يأب
الشهداء إذا ما دعوا " قال: من كان في عنقه شهادة فلا يأب إذا دعي لإقامتها،
وليقمها ولينصح فيها، ولا يأخذه فيها لومة لائم، وليأمر بالمعروف، ولينه عن
المنكر (9). وفيه أيضا: أن في خبر آخر: " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال: نزلت
فيمن إذا دعي لسماع الشهادة أبى. وأنزلت فيمن امتنع عن أداء الشهادة إذا كانت
عنده: " ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه " (10).



(1) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 508.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 226 ب 1 من أبواب الشهادات ح 8.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 227 ب 2 من أبواب الشهادات ح 1.
(4) تفسير العياشي: ج 1 ص 156 ح 524.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 226 ب 1 من أبواب الشهادات ح 6.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 225 ب 1 من أبواب الشهادات ح 4.
(7) السرائر: ج 2 ص 126.
(8) مختلف الشيعة: ج 8 ص 509.
(9) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): ص 676 ح 378.
(10) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): ص 676 ح 379.
352
وإنما يجب على الكفاية لأصل عدم التعين، وانتفاء الدليل عليه عقلا إذا
اندفعت الضرورة بغيره ولا يضر احتمال النسيان والكتمان والغيبة ونحوها.
وظاهر المفيد (1) وجماعة الوجوب العيني.
ونفى ابن إدريس (2) الوجوب رأسا، للأصل، وظهور الآية في الأداء، وكون
الوارد في ذلك من أخبار الآحاد. قال في المختلف: ونسبته ذلك إلى أنه من أخبار
الآحاد مع دلالة القرآن عليه واستفاضة الأخبار به وفتوى متقدمي علمائنا به،
جهل منه وقلة تأمل (3).
(فإن لم يوجد سواه) فيما يكفي فيه شاهد ويمين أو شاهد كالوصية
والاستهلال والهلال على قول، أو لم يوجد لإكمال الشهادة سواه فيما عدا ذلك
(تعين) عليه التحمل كما هو شأن فروض الكفاية، فإنها إنما يسقط إذا وجد من
فيه الكفاية (خصوصا الطلاق) فوجوب التحمل فيه كفاية أو عينا آكد، لتوقف
إيقاعه عليه بخلاف غيره.
(ويحصل التحمل بأن يشهداه) أي طرفي المشهود به (على فعل) من
قبض وإقباض ونحوه (أو عقد يوقعانه). وإن لم يكن له إلا طرف فهو المشهد
كالإقرار إذا لم يحضر المقر له والمتصرف والإيقاعات.
(وكذا يحصل بسماعه) أي العقد (منهما وإن لم يستدعياه).
(وكذا لو شهد شاهد) الفعل من (الغصب أو الجناية) أو غيرهما (ولم
يأمره بالشهادة عليه، أو سمع إقرار كامل وإن لم يأمره. وكذا لو قالا له: لا
تشهد علينا، فسمع منهما أو من أحدهما ما يوجب حكما، صار متحملا)
يجب عليه الأداء عند الحاجة لعموم " أقيموا الشهادة، ولا تكتموا الشهادة " فإن
الشهادة في الأصل الحضور، والقول الصادر عن العلم.



(1) المقنعة: ص 728.
(2) السرائر: ج 2 ص 126.
(3) مختلف الشيعة: ج 8 ص 511.
353
(وكذا لو خبئ) الشاهد عن المشهود عليه (فنطق المشهود عليه مسترسلا)
غافلا عنه (صار متحملا) عندنا، وتقبل شهادته إذا أداها لأنه شهد بالحق،
خلافا لشريح فقط كما في المبسوط (1) والسرائر (2) وزاد في الخلاف: النخعي
والشعبي ومالكا إلا أنه إنما رد شهادته إذا كان المشهود عليه مغفلا يخدع مثله (3).
(ويصح تحمل الأخرس) عندنا وأدائه إذا كانت له إشارة مفهمة
للعمومات، خلافا لأبي حنيفة (4) وبعض الشافعية (5).
(وليست الشهادة شرطا في شيء) عندنا (إلا في الطلاق. ويستحب
في النكاح) لنحو قول أبي الحسن (عليه السلام): التزويج الدائم لا يكون إلا بولي
وشاهدين (6). وأوجبها فيه الحسن (7) وتقدم. (والرجعة) للأخبار (8) والاعتبار.
(والبيع) للاعتبار، وقوله تعالى: " وأشهدوا إذا تبايعتم " (9) وأوجبها فيه أهل
الظاهر (10) لظاهر الأمر.
(وأما الأداء فإنه واجب) إجماعا ونصا من الكتاب (11) والسنة (12) (على
الكفاية إجماعا على كل متحمل للشهادة، فإن قام غيره سقط عنه، ولو
امتنعوا أجمع أثموا. ولو عدم الشهود إلا اثنان تعين عليهما الأداء) كما هو
شأن فروض الكفايات (ولا يجوز لهما التخلف) عنه جميعا ولا لأحدهما
حتى (لو امتنع أحدهما وقال: احلف مع الآخر) فيما يثبت بشاهد ويمين



(1) المبسوط: ج 8 ص 229.
(2) السرائر: ج 2 ص 120.
(3) الخلاف: ج 6 ص 312 المسألة 61.
(4) الفتاوى الهندية: ج 3 ص 464.
(5) انظر المجموع: ج 20 ص 226.
(6) وسائل الشيعة: ج 14 ص 459 ب 11 من أبواب المتعة ح 11.
(7) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 7 ص 101.
(8) وسائل الشيعة: ج 15 ص 371 ب 13 من أبواب أقسام الطلاق.
(9) البقرة: 282.
(10) انظر المحلى: ج 8 ص 344.
(11) البقرة: 283.
(12) وسائل الشيعة: ج 18 ص 227 ب 2 من أبواب الشهادات.
354
(أثم) لصدق كتمان الشهادة عليه، ولأن التحرز عن اليمين أمر مرغوب شرعا
فلا يجوز أن يضطره إليها.
(ولو خاف الشاهد) من الأداء (ضررا غير مستحق إما عليه أو على أهله
أو) على (بعض المؤمنين) ولو كان المشهود عليه (لم يجب عليه إقامتها)
بل ربما لم يجز (وإن تعين) عليه، فقد مر خبر داود بن الحصين في الأخ في الدين
الضير (1). وعن محمد بن القاسم بن الفضيل إنه سأل الرضا (عليه السلام) عن الرجل من مواليه (عليه السلام)
عليه دين لرجل مخالف يريد أن يعسر هو يحبسه، وقد علم الله عز وجل أنها ليست (2)
عنده ولا يقدر عليه، وليس لغريمه بينة، هل يجوز له أن يحلف له ويدفعه عن نفسه
حتى تيسر الله له؟ وإن كان عليه الشهود من مواليه (عليه السلام) قد عرف (3) أنه لا يقدر هل
يجوز أن يشهدوا عليه؟ قال: لا يجوز أن يشهدوا عليه ولا ينوي ظلمه (4). وكتب
هو أو أبوه (عليهما السلام) إلى علي بن سويد الشامي: فإن خفت على أخيك ضيما فلا (5).
ولكن في الفقيه: إن الكاظم (عليه السلام) قال له: أقم الشهادة لهم وإن خفت على
أخيك ضررا. قال الصدوق: هكذا وجدته في نسختي ووجدت في غير نسختي
" وإن خفت على أخيك ضررا فلا " (6). وجمع بينهما بأن الضرر المنفي ما إذا كان
معسرا والمثبت هو النقص من المال مع الإيسار.
وفي الفقيه: قيل للصادق (عليه السلام): إن شريكا يرد شهادتنا، فقال: لا تذلوا أنفسكم.
وقال الصدوق: ليس يريد (عليه السلام) بذلك النهي عن إقامتها، لأن إقامة الشهادة واجبة، إنما
يعني بها تحملها، يقول: لا تتحملوا الشهادات فتذلوا أنفسكم بإقامتها عند من يردها (7).



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 250 ب 19 من أبواب الشهادات ح 3.
(2) كذا، وفي الكافي: أنه ليس.
(3) كذا، وفي الكافي: عرفوا.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 249 ب 19 من أبواب الشهادات ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 229 ب 3 من أبواب الشهادات ح 1.
(6) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 72 ح 3360 وذيله.
(7) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 75 ح 3366 وذيله.
355
(ويجب الإقامة مع انتفاء الضرر) كفاية أو عينا (على كل متحمل وإن
لم يستدعه المشهود عليه أو المشهود له للشهادة) أي لتحملها (بل سمعها
اتفاقا) لعموم أدلة العقل والنقل لذلك، ولأنها أمانة عنده فعليه الأداء وإن لم
يستأمن فيها، كما إذا طيرت الريح الثوب إلى داره.
وخيره الحلبي (1) وأبو علي (2) حينئذ بين الإقامة وتركها، لقول الباقر (عليه السلام) في
صحيح محمد بن مسلم: إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها إن شاء شهد وإن
شاء سكت (3). وخبره أيضا أنه سأله (عليه السلام) عن الرجل يحضر حساب رجلين
فيطلبان منه الشهادة على ما سمع منهما، قال ذلك إليه إن شاء شهد وإن شاء لم
يشهد، فإن شهد شهد بحق قد سمعه، وإن لم يشهد فلا شيء عليه، لأنهما لم
يشهدا (4). وقول الصادق (عليه السلام) في حسن هشام بن سالم: إذا سمع الرجل الشهادة
ولم يشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء سكت، قال (عليه السلام) وإذا اشهد لم
يكن له إلا أن يشهد (5) ولأنه لم يؤخذ منه التزام والأصل البراءة.
وأنت خبير بمعارضة الأصل بالعقل والنقل وأنهما لا يفرقان بين أخذ الالتزام
وعدمه، والأخبار تحتمل نفي الوجوب العيني، لوجود ما ثبت به الحق من الشهود
غيره، كما أشار إليه الشيخ في النهاية فقال: ومن علم شيئا من الأشياء ولم يكن قد
اشهد عليه ثم دعي إلى أن يشهد كان بالخيار في إقامتها وفي الامتناع منها، اللهم
إلا أن يعلم أنه إن لم يقمها بطل حق مؤمن، فحينئذ يجب عليه إقامة الشهادة (6).
ونحوه ابن سعيد في الجامع (7).
فقولهما (عليهما السلام): " ولم يشهد عليها " بمعنى أنه لم يشهد عليها للاكتفاء عنه بغيره،



(1) الكافي في الفقه: ص 436.
(2) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 520.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 231 ب 5 من أبواب الشهادات ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 232 ب 5 من أبواب الشهادات ح 5.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 231 ب 5 من أبواب الشهادات ح 2.
(6) النهاية: ج 2 ص 58.
(7) الجامع للشرائع: ص 536.
356
وقوله (عليه السلام) في الخبر الثاني: " فيطلبان منه الشهادة " بمعنى أنهما يطلبانها منه مع
الاستغناء عنه بغيره، لقوله (عليه السلام) أخيرا: " لأنهما لم يشهدا " أي استغنيا عنه بغيره.
ويحتمل الأول والأخير أن يراد بسماع الشهادة سماعها وهي تقام عند الحاكم،
بل هو الظاهر، فيكون الاستغناء عنه أظهر، ويكون المعنى أنه إذا سمع الشهود
يشهدون بحق ولم يشهد عليه أي لم يطلب منه الشهادة للاكتفاء بغيره كان بالخيار.
ويحتملان أن يراد بسماع الشهادة سماع الإشهاد والتحمل، أي إذا سمع
الرجل يشهد على حق والشهود يتحملون الشهادة ولم يدع هو إلى التحمل كان
بالخيار بين التحمل وعدمه.
ويحتمل الثاني أن يراد أنهما يطلبان منه تحمل الشهادة، فهو بالخيار بين
التحمل والعدم بناء على وجود الغير أو عدم وجوب التحمل على الخلاف، فإن
شهد شهد بحق أي: إن تحمل لزمه الأداء وإلا فلا، لأنهما لم يشهداه، أي لم يتحمل
الشهادة لهما فأشهدا غيره واكتفيا به، فلم يجب عليه الأداء عينا للاستغناء عنه.
ونفي النزاع المعنوي في المختلف (1) تنزيلا لكلام غير الشيخ على كلامه.
(ولا يحل له الأداء إلا مع الذكر القطعي) كما عرفت غير مرة. (ولا يجوز (2)
أن يستند إلى ما يجده مكتوبا بخطه وإن عرف عدم التزوير عليه، سواء
كان الكتاب في يده أو يد المدعي) لانتفاء القطع. وللعامة (3) قول بالاستناد
إلى ما كان في يده، وآخر بالاستناد إلى ما عرف عدم التزوير فيه (وسواء شهد
معه آخر ثقة بمضمون خطه أو لا على الأقوى) وقد مر الخلاف فيه.
(ويؤدي الأخرس الشهادة ويحكم بها الحاكم مع فهم إشارته، فإن
خفيت عنه اعتمد على مترجمين) عدلين (عارفين بإشارته ولا يكفي
الواحد) لأن الترجمة شهادة، خلافا لأبي حنيفة وأبي يوسف (4) بناء على أنها



(1) مختلف الشيعة: ج 8 ص 521.
(2) في القواعد زيادة: له.
(3) انظر المغني لابن قدامة: ج 12 ص 22.
(4) المبسوط للسرخسي: ج 16 ص 89.
357
رواية ويكفي الاثنان وإن ترجما عن الزنا، ولا يكفي رجل وامرأتان وإن كانت
الشهادة فيما يكفي فيه ذلك.
(ولا يكون المترجمان شاهدي فرع على شهادته، بل يثبت الحاكم
الحكم بشهادته) أي الأخرس (أصلا لا بشهادة المترجمين) فيثبت ما لا
يثبت بشهادة الفرع، وليس مترجم المترجم فرع فرع.
(وحكم الحاكم تبع للشهادة فإن كانت محقة نفذ ظاهرا وباطنا وإلا)
نفذ (ظاهرا خاصة. فلا يستبيح الشهود له ما حكم له الحاكم إلا مع العلم
بصحة الشهادة أو الجهل بحالها).
خلافا لأبي حنيفة (1) في العقود والفسوخ والأنساب لا الأملاك المرسلة، فمن
ادعى عنده نكاح امرأة وأقام به شاهدي زور وحكم به الحاكم صارت زوجته
وحلت له باطنا وإن كان لها زوج بانت منه باطنا وحرمت عليه وإن علم بالحال.
وإن ادعت امرأة الطلاق وأقامت به شاهدي زور، فحكم به الحاكم بانت منه باطنا
وحلت للأزواج وإن علموا بالحال. وإن ادعى رجل أن هذه بنته وأشهد عليه
شاهدي زور، صارت محرما له وتوارث وإن علم الكذب.
وفساد هذا المذهب وسخافته من الظهور بمكان.
(الفصل الخامس في الشهادة على الشهادة)
وعلى قبولها في الجملة الإجماع والنصوص من الكتاب (2) والسنة (3) بعموم
بعضها وخصوص بعض (ومطالبه خمسة):
(الأول: المحل)
أي ما يثبت بها (ولا تثبت في الحدود مطلقا سواء كانت محضا لله تعالى



(1) انظر الهداية: ج 3 ص 107.
(2) الطلاق: 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 297 ب 44 من أبواب الشهادات.
358
كالزنا واللواط والسحق) بالاتفاق، ولنحو قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر غياث
بن إبراهيم: لا تجوز شهادة على شهادة في حد (1)، وخبر طلحة بن زيد عن الصادق (عليه السلام):
أنه كان لا يجيز شهادة على شهادة في حد (2)، ولابتنائها على التخفيف.
(أو مشتركة كالسرقة والقذف على رأي) وفاقا للأكثر لصدق الحدود
واندرائه بالشبهة وفي الفرع شبهة. وخلافا لإطلاق ابن حمزة (3) والشيخ في
موضع من المبسوط (4) حيث أطلقا القبول في حقوق الناس تغليبا لحقهم،
وعملا بعموم أدلة القبول. واختاره الشهيد وقال: والظاهر أن الأصحاب أرادوا
بالحدود حدوده تعالى (5).
وكذا لا يثبت في سائر حقوق الله تعالى كما قطع به الأصحاب، ومنها الأهلة،
ولذا قال في التذكرة: لا يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة عند علمائنا، قال: لأصالة
البراءة (6) واختصاص ورود القبول بالأموال وحقوق الآدميين.
(و) إنما (تثبت في حقوق الناس) المحضة (كافة) سواء (كانت عقوبة
كالقصاص) خلافا لأبي حنيفة (7) (أو غير عقوبة) غير مال (كالطلاق
والنسب والعتق، أو مالا كالقرض والقراض وعقود المعاوضات).
(و) يثبت بها ما لا يطلع عليه الرجال غالبا من (عيوب النساء والولادة
والاستهلال) فهي معطوفة على حقوق الناس عطف الخاص على العام، أو عطف
أحد المتباينين على الآخر بناء على أنه لا يقال لشيء من ذلك: إنه حق من حقوق
الناس، لأن المعهود من الحق ما ثبت لأحد على غيره.
(و) كذا تثبت (الوكالة والوصية) وهما يتضمنان الحقين، فإن كلا منهما



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 299 ب 45 من أبواب الشهادات ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 299 ب 45 من أبواب الشهادات ح 1.
(3) الوسيلة: ص 233.
(4) المبسوط: ج 8 ص 231.
(5) غاية المراد: ج 4 ص 160.
(6) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 270 السطر الأخير.
(7) الفتاوى الهندية: ج 3 ص 523.
359
يكون في حقوق الناس وفي حقوق الله من العبادات كالحج، وأداء الزكاة، ومنها
وكالة الساعي في أخذ الصدقات، ووكالة القاضي أو وكيله في الأحكام، وأيضا
فهما وإن كانا من الحقوق الثابتة للوكيل والوصي المسلطة لهما على ما وكل أو
أوصى فيه فهما من حقوق الله عليهما لوجوب العمل بمقتضاهما عليهما، وثبوت
الكل اتفاقي، لعموم النصوص (1).
ولو اشتمل المشهود به على حقين يثبت أحدهما بالفرع دون الآخر سمعت
شهادته في الأول دون الآخر على الأقرب وسيأتي خلافه. (فلو أقر) بالسرقة، أو
(باللواط، أو بالزنا بالعمة أو الخالة، أو وطء البهيمة، ثبت بشاهدين) كما عرفت
(وتقبل في ذلك) كله (الشهادة على الشهادة، و) لكن (لا يثبت بها حد،
و) لكن (يثبت) الغرم و (انتشار حرمة النكاح) إلى الأم والأخت والبنت.
(وكذا لا يثبت التعزير في وطء البهيمة، ويثبت تحريم الأكل في
المأكولة، ووجوب البيع في بلد آخر في غيرها) وكذا إذا شهد بهذه الأفعال
العدد المعتبر ثم شهد على الشهادة شهود الفرع.
قيل: وإنما فرضت المسألة في الشهادة على الشهادة على الإقرار، لأن الشهادة
على الأفعال هي السبب في الحد والتعزير وغيرهما، فإذا ثبت بشهادة الفرع لم
يتوجه القبول في أحدهما دون الآخر، بخلاف الإقرار فإنه ليس بسبب، وإنما
السبب هو الفعل، وشهادة الفرع إنما تثبت الإقرار (2). والوجه أن لا فرق، لأن
السبب هو الفعل على التقديرين و الإقرار كالشهادة، ولو سلم فيجوز تخلف
المسبب لفقد شرط أو وجود مانع.
(المطلب الثاني في كيفية التحمل)
(وأكمل مراتبه أن) يحمله إياها شاهد الأصل وذلك بأن (يقول) له



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 297 ب 44 من أبواب الشهادات.
(2) انظر مسالك الأفهام: ج 14 ص 287.
360
(شاهد الأصل: اشهد على شهادتي أنني أشهد على فلان بكذا، وهو
الاسترعاء) أي طلب شاهد الأصل من الفرع رعاية شهادته. قيل (1): وفي معناه
استرعاء شاهد آخر يسمع منه (2) (أو) يقول: (أشهدتك على شهادتي) بكذا،
أو إن استشهدت على شهادتي بكذا فاشهد، أو أذنت لك في الشهادة على شهادتي
ونحو ذلك من العبارات. أما إذا قال: أنا أشهد بكذا فاشهد أنت به ففي المبسوط:
أنه لا عبرة به، لأنه لم يسترعه شهادته ليشهد عليها (3).
(وأدون منه أن يسمعه يشهد عند الحاكم، فله أن يشهد على شهادته
وإن لم يشهده) وفاقا للمشهور (للقطع بتصريحه هناك) أي عند الحاكم
(بالشهادة) وأنه لا يتسامح فيه. خلافا لأبي علي حيث اشترط الاسترعاء (4).
(وأدون من هذا أن يسمعه) لا عند الحاكم (يقول: أنا أشهد لفلان على
فلان بكذا) مثلا (ويذكر السبب، مثل ثمن ثوب أو أجرة عقار، ففي) جواز
الشهادة على (هذه الشهادة نظر ينشأ: من أنها صورة جزم) وهو خيرة
المبسوط (5) والوسيلة (6) والجامع للشرائع (7) وإرشاد الأذهان (8) والتلخيص (9)
(ومن التسامح بمثل ذلك في غير مجالس الحكام).
(وكذا) النظر (لو قال: عندي شهادة قطعية أو مجزومة) بكذا ولم
يذكر السبب، واستقرب في التحرير هنا التحمل مع استشكاله في الثالث (10) كما
هنا، ولعله في التصريح بالقطع.



(1) القائل هو الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 14 ص 273.
(2) في ن: بمسمع منه.
(3) المبسوط: ج 8 ص 232.
(4) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 539.
(5) المبسوط: ج 8 ص 231.
(6) الوسيلة: ص 233.
(7) الجامع للشرائع: ص 544.
(8) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 164.
(9) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 33 ص 373.
(10) تحرير الأحكام: ج 5 ص 280 و 281.
361
(أما لو قال) عند غير الحاكم: (أنا أشهد بكذا ولم يذكر السبب ولا الجزم،
فإنه لا يتحمل بمجرد ذلك، لتجويز) إرادة (الوعد) من هذا الكلام دون إنشاء
الشهادة، فهو يعده إنه يشهد بكذا إذا ثبت عنده، ولكثرة التسامح بمثله في غير مجلس
الحكام، بخلاف ما إذا ذكر السبب، لبعد الأمرين فيه. وتردد المحقق في الفرق (1).
(و) إن قيل: (لو قال علي لفلان كذا لم يحمل على الوعد) مع احتماله
(وجازت الشهادة به) أي بإقراره، قلنا: (إذ لا يتساهل في الإقرار) بخلاف
الشهادة عند غير الحاكم.
وإذا عرفت مراتب التحمل (ففي) صورة (الاسترعاء يقول) عند الأداء:
(أشهدني على شهادته) بكذا، ولا حاجة إلى أن يعقبه بقوله: فأنا أشهد عليها.
ولا ينبغي أن يقول: أشهد أن فلانا شهد بكذا، لأنه لا يفهم منه الاسترعاء الذي هو
أعلى المراتب. وفي صورة استرعاء غيره لا يقول: أشهدني، بل أشهد فلانا يقول:
أشهد أن فلانا شهد عند الحاكم بكذا.
(وفي صورة السماع) لشهادته (عند الحاكم يقول: أشهد أن فلانا
شهد عند الحاكم بكذا).
(وفي صورة سماعه) الشهادة عند غير الحاكم (مع) ذكر (السبب يقول:
أشهد أن فلانا شهد بكذا بسبب كذا) ولابد من ذكر السبب ليوثق بشهادته، وربما
احتمل العدم إذا وثق بمعرفته المراتب وأنه لا تقبل شهادة الفرع إلا مع ذكره.
(ولا) يجوز أن (يقول في هذه الصور: أشهدني إلا في الأول) لأنه
في غيره كذب.
(المطلب الثالث في (العدد) المعتبر في الفرع)
(ويجب أن يشهد على كل شاهد اثنان، إذ المقصود إثبات شهادة



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 139.
362
الأصل، وإنما يتحقق بشهادة اثنين لا بشهادة واحد) وحدها أو مع يمين.
وعن الصادق (عليه السلام): إذا شهد رجل على شهادة رجل فإن شهادته تقبل وهي نصف
شهادة، وإن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبتت شهادة رجل واحد (1).
وفي خبر غياث بن إبراهيم عنه (عليه السلام) أن عليا (عليه السلام) كان لا يجيز شهادة رجل على
شهادة رجل إلا شهادة رجلين على شهادة رجل (2).
(ولو شهدا على شهادة كل واحد منهما) أي الأصلين (جاز) عندنا
لأنه يثبت بشهادة اثنين ما لا يحصى. خلافا للشافعي (3) في أحد قوليه فاشترط
التغاير، بناء على أن شهادة الفرع نيابة عن الأصل في إثبات الدعوى. وظاهر
الدروس احتماله (4).
(ولا يجوز أن يشهد أحدهما على شهادة واحد والآخر على) شهادة
(الآخر) بالاتفاق فلا تثبت شهادة أحد منهما، لأنها لا تثبت إلا بشاهدين،
خلافا لأحمد وجماعة من العامة (5).
(ويجوز) عندنا (أن يشهد شاهد أصل مع آخر على شهادة الأصل
الثاني) فإنه إنما يثبت بشهادتيه أمرين مختلفين فبشهادته الأصل يثبت الدعوى،
وبالفرع شهادة الآخر. ولا يجوز عند العامة بناء على النيابة، فلا يجوز أن يكون
بدلا ومبدلا منه جميعا.
(و) تجوز عندنا (شهادة اثنين على جماعة إذا شهدا على كل واحد
منهم) فلا فرق في المشهود به بين القليل والكثير، ولعله إنما تعرض له مع
وضوحه لما بعده.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 298 ب 44 من أبواب الشهادات ح 5.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 298 ب 44 من أبواب الشهادات ح 4.
(3) الحاوي الكبير: ج 17 ص 233.
(4) الدروس الشرعية: ج 2 ص 141.
(5) الشرح الكبير: ج 12 ص 94 و 95.
363
(وهل تقبل شهادة الفرع في الزنا) ونحوه من موجبات حد وحق للناس
جميعا لا للحد بل (لنشر التحريم أو إثبات المهر مع الإكراه) لها أو رقها أو
تحريم أكل البهيمة الموطوءة أو وجوب بيعها في بلد آخر ونحوها؟ (الأقرب ذلك)
لوجود المقتضي وانتفاء المانع، فإن الرد للحد لا يمنع القبول لغيره. ويحتمل المنع
لأن هذه الأشياء أسباب للأمرين فإن ثبت ثبت المسببات، وإذا لم يثبت أحدهما
فلا يثبت الآخر. وفيه جواز تخلف أحدهما لفقد شرط أو وجود مانع.
(وحينئذ) قبلناها (هل يفتقر إلى أربعة تشهد على كل واحد من الأربعة
أم يكفي اثنان عليهم؟ إشكال): من أن المقصود حق الآدمي من المهر أو غيره، ومن
أنه تابع للزنا ونحوه فلا يثبت إلا بثبوته ولا يثبت إلا بأربعة، وأنه لابد في الأصل
من أربعة وهو لا يكون أسوء حالا من الفرع. ويجوز بناء الإشكال على أن الفرع
نائب عن الأصل فيشترط الأربعة، أو لا يثبت به إلا شهادة الأصل فيكفي الاثنان؟
(ولو كان الشهود رجل وامرأتان) كذا عن خطه (رحمه الله)، ويصح إذا كان ثابتة
(أو أربع نسوة فشهد عليهم اثنان، قبل إذا شهد كل واحد منهما على الجميع)
خلافا لمن اشترط التغاير من العامة فيشترط في الأول ستة وفي الثاني ثمانية.
(وهل تقبل شهادة النساء على الشهادة فيما تقبل فيه شهادتهن
منفردات كالعيوب الباطنة) للنساء (والاستهلال والوصية؟ الأقرب المنع)
كانت الشهود الأصول نساءا ورجالا أو من الجنسين، وفاقا لبني إدريس (1) وسعيد (2)
لأن المشهود به هنا الشهادة وليست من الامور التي أجيزت فيها شهادة النساء.
وخلافا لإطلاق أبي علي (3) والمبسوط (4) لعموم ما دل على قبول شهادتهن للأصل
والفرع، ولأنه إذا قبلت شهادتهن أصالة ففرع أولى. وهما إنما يتمان على نيابة الفرع.



(1) السرائر: ج 2 ص 128.
(2) الجامع للشرائع: ص 544.
(3) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 516.
(4) المبسوط: ج 8 ص 233 - 234.
364
وأجيز في الخلاف (1) والمختلف (2) شهادتهن فرعا في الديون والأملاك
والعقود، وبالجملة فيما تقبل فيه شهادة النساء مع الرجال. واستدل عليه في
الخلاف بالإجماع والأخبار (3). ولعل المراد بالأخبار ما دل على قبول شهادة
رجل وامرأتين، فإنه يعم الأصل والفرع، وحينئذ فالكتاب أيضا حجة (4).
وزاد في المختلف: أن شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل، فإذا شهد رجلان
على رجل جاز أن يشهد أربع نسوة على ذلك الرجل قضية للتساوي (5). وشئ
من هذه الوجوه إنما يتم على النيابة إلا الإجماع إن سلم، ودون ثبوته خرط القتاد.
ويمكن الاستدلال عليه بناء على ثبوت شهادة الأصل بشهادة الفرع بأنه
يثبت قبول شهادتهن، مع الرجال فيما يقصد به المال، والمقصود من شهادة الأصل
هو المال، والظاهر أن لا فرق بين ما تقبل فيه شهادتهن منفردات أو منضمات، فإن
قبلت شهادتهن فرعا قبلت فيهما وإلا لم تقبل فيهما، لعموم الدليل من الجانبين.
لكن الشيخ أتى بصيغة الحصر فقال: لا تقبل شهادة النساء على الشهادة إلا في
الديون والأملاك والعقود (6). وقال المصنف إن الوجه ما قاله الشيخ في الخلاف.
ثم لابد من الانضمام في الفرع إذا اعتبر في الأصل. وهل يعتبر في الشهادة
على كل شاهد حتى لا يسمع شهادة أربع نساء على واحد؟ وجهان: صريح
المختلف كما سمعت العدم، لأن مجموع شهود الفرع ينوبون مناب مجموع شهود
الأصل، أو بمجموعهم يثبت شهادة مجموعهم. والوجه الاعتبار بناء على أن الفرع
يثبت شهادة الأصل، لأن ثبوتها بهن منفردات خلاف الأصل لا يثبت إلا بدليل.
(المطلب الرابع)
(يشترط في سماع شهادة الفرع تعذر حضور شاهد الأصل، إما
لموت أو مرض أو سفر) وفاقا للمشهور، لأن الباقر (عليه السلام) سئل عن الشهادة على



(1 و 3 و 6) الخلاف: ج 6 ص 316 المسألة 66.
(2 و 5) مختلف الشيعة: ج 8 ص 516.
(4) البقرة: 282.
365
شهادة الرجل وهو بالحضر في البلد، فقال: نعم ولو كان خلف سارية إذا كان لا
يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه من أن يحضر ويقيمها (1)، ولأن الفرع أضعف ولا
جهة للعدول إليه عن الأقوى إذا أمكن، وللإفتقار إلى البحث عن الأصل والفرع
جميعا وهو زيادة مؤنة. والأقوى عدم الاشتراط كما يظهر من الخلاف الميل إليه،
لضعف هذه الأدلة، والأصل القبول.
قال الشيخ: وأيضا روى أصحابنا أنه إذا اجتمع شاهد الأصل وشاهد الفرع
واختلفا فإنه تقبل شهادة أعدلهما حتى أن في أصحابنا من قال: إنه تقبل شهادة
الفرع وتسقط شهادة الأصل (2). قلت: يمكن أن يكون إنكار الأصل أو نسيانه من
أسباب التعذر.
(ولا تقدير له) أي للسفر عندنا (و) لكن (الضابط مراعاة المشقة
على شاهد الأصل مع حضوره).
ومن العامة من اعتبر مسافة القصر (3) ومنهم من اعتبر تعذر الرجوع إلى منزله
ليبيت فيه (4).
(وليس على شهود الفرع تزكية شهود الأصل) كما ذهب إليه
الثوري (5) وأبو يوسف (6) وحكى عن مالك (7) وأبي حنيفة (8) للأصل، واستدلا بأنه
لم يترك التزكية إلا لريبة. وضعفه ظاهر. (لكن إن زكوا) أي الفروع الأصول
(تثبت عدالتهم وشهادتهم) جميعا (بقول الفرع) إذا لم يعارضه جرح.
وللعامة قول بالعدم (9) بناء على أنه نائب عن الأصل فتعديله له بمنزلة تعديله
لنفسه. (وإلا) يزكوهم (بحث الحاكم عن شهود الأصل، فإن تثبت عدالتهم



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 297 ب 44 من أبواب الشهادات ح 1.
(2) الخلاف: ج 6 ص 315 المسألة 65.
(3 و 5 و 6) المغني لابن قدامة: ج 12 ص 90.
(4) المجموع: ج 20 ص 268.
(7) الحاوي الكبير: ج 17 ص 230.
(8) شرح فتح القدير: ج 6 ص 530.
(9) الحاوي الكبير: ج 17 ص 229.
366
حكم إن كان يعرف عدالة شهود الفرع وإلا بحث عنهم أيضا. ولو زكى
الجميع) أي الأصول والفروع (اثنان) عدلان (قبل).
(وليس على شهود الفرع أن يشهدوا على صدق شهود الأصل) ولا أن
يعرفوا صدقهم، كما ليس عليهم تعديلهم أو معرفتهم بعدالتهم. وقال المفيد: لا يجوز
لأحد أن يشهد على شهادة غيره إلا أن يكون عدلا عنده مرضيا (1) ولم أعرف له جهة.
(ولو لم يسم الفرع شاهد الأصل لم تقبل شهادته وإن عدله حتى يصرح
باسمه) إذ ربما عدل من ظنه عدلا ولا يكون. خلافا لابن جرير فاكتفى بالتعديل (2).
(المطلب الخامس: الطوارئ)
(ولا يؤثر في) قبول (شهادة الفرع موت شاهد الأصل، ولا غيبته،
ولا مرضه) قبل شهادة الفرع أو بعدها، كما لا يؤثر في قبول شهادة نفسه، بل
يستند الافتقار إلى الفرع حينئذ.
(ولو طرأ عليه الفسق أو العداوة أو الردة) أو العبودية للمشهود عليه
(لم تقبل شهادة الفرع) كما لا تقبل شهادة نفسه إذا طرأ أحد هذه قبل الحكم،
فإن الفرع إما مثبت لشهادة الأصل والحكم تابع لها، أو نائب عن الأصل وإذا بطل
المنوب بطل النائب.
(ولو طرأ الجنون أو الإغماء أو العمى لم يؤثر) وإن افتقر أداء الشهادة
إلى البصر للاستغناء هنا ببصر الفرع. وأطلق في الوسيلة (3) والجامع (4): أنه لو طرأ
غير الفسق حكم بشهادة الفرع وكأنهما تسامحا في العبارة.
(ولو كذب الأصل الفرع) قبل الحكم (قيل) في المقنع (5) والنهاية (6):
(يعمل بشهادة أعدلهما، فإن تساويا أطرح الفرع) لصحيح عبد الرحمن عن أبي



(1) المقنعة: ص 728.
(2) الحاوي الكبير: ج 17 ص 230.
(3) الوسيلة: ص 234.
(4) الجامع للشرائع: ص 544.
(5) المقنع: ص 399.
(6) النهاية: ج 2 ص 57.
367
عبد الله الصادق (عليه السلام) في رجل شهد على شهادة رجل، فجاء الرجل فقال: إني لم
أشهده، قال: تجوز شهادة أعدلهما، وإن كانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته (1).
واعترض عليه ابن إدريس أولا: بأن الفرع إنما يثبت شهادة الأصل فإذا كذبه
الأصل حصل الشك في المشهود به فكيف يحكم على وفقه. وثانيا: بأنه إذا كذبه
صار فاسقا عنده فما الفائدة في إثبات شهادته بل يثبت كذب أحدهما، وأيهما
كذب بطلت الشهادة. وثالثا: بأن الشاهد إذا رجع قبل الحكم لم يحكم. ورابعا: بأن
الأصل أن لا حكم ولا شهادة وبقاء الأموال على يد أربابها وهذا حكم شرعي
يحتاج في إثباته إلى دليل. وخامسا: بأن شهادة الفرع إنما تسمع إذا تعذر حضور
الأصل فإذا حضر قبل الحكم سقط الفرع (2).
(و) الجواب عن الكل (هو محمول على قول الأصل: لا أعلم)
والنسيان من أعذار حضور الأصل كما قدمنا (أما لو جزم بكذب شاهد الفرع
فإنها) أي شهادته (تطرح) لما ذكره من الوجوه.
ويرد عليه أنه لو أراد ذلك لزم الحكم بشهادة الفرع وإن كان الأصل أعدل
فضلا عن التساوي. نعم يمكن حمل كلام أبي علي عليه حيث حكم بقبول شهادة
الفرع وطرح قول الأصل (3). ونحوه قول علي بن بابويه على ما حكى عنه في
السرائر (4) واعترض عليه في المختلف (5) وحكى عنه موافقة المقنع (6).
وعلى ما اخترناه من عدم الاشتراط بتعذر الأصل يتضح مضمون الخبر وقول
الصدوق والشيخ، فهذا الخبر ونحوه مؤيد لما اخترناه. قيل (7): ويجوز أن يكون من
اشترط التعذر إنما اشترطه مع توافق الأصل والفرع لكفاية أحدهما.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 299 ب 46 من أبواب الشهادات ح 1.
(2) السرائر: ج 2 ص 127 - 128.
(3) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 512.
(4) السرائر: ج 2 ص 127.
(5) مختلف الشيعة: ج 8 ص 513.
(6) مختلف الشيعة: ج 8 ص 511.
(7) انظر غاية المراد: ج 4 ص 165.
368
(ولو شهد الفرعان فحكم الحاكم، ثم حضر شاهدا الأصل لم يقدح
في الحكم وافقا) الفرعين (أو خالفا) لاستناد الحكم إلى حجة صحيحة
شرعية من غير ظهور ما يصلح ناقضا له ولا يلزم الفرع ما يلزم الشاهد بالرجوع.
وقال ابن حمزة: إن كذبه الأصل وتساويا في العدالة نقض الحكم وإن تفاوتا أخذ
بقول أعدلهما (1). ولم يستبعده في المختلف وحمل عليه صحيح ابن سنان (2)
[الذي هو كما مر من صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله] (3).
(وإن كان) حضور الأصل (قبله) أي الحكم (سقط اعتبار الفرع وبقي
الحكم بشاهد الأصل) بناء على اشتراط سماع الفرع بتعذر الأصل.
(الفصل السادس في اختلاف الشاهدين)
(يشترط في الحكم بالشهادة اتفاق الشاهدين على المعنى الواحد لا
اللفظ، فلو قال أحدهما: غصب، وقال الآخر: أخذ قهرا، ثبت الغصب)
لاتفاق المعنى (4) (ولا يحكم لو اختلفا معنى) لأنه لم يكمل نصاب الشهادة
لشيء من المعنيين (كأن يشهد أحدهما بالبيع والآخر بالإقرار به، ولو
حلف) معهما أو (مع أحدهما ثبت) واقتصر على أحدهما لأنه المعتبر.
(ولو شهد أحدهما: أنه سرق غدوة، وقال الآخر: عشية ذلك
النصاب) الشخصي (أو غيره) أي غير الشخصي بل قال أحدهما: سرق نصابا
غدوة والآخر: سرق نصابا عشية، أو عين كل منهما غير ما عينه الآخر (لم
يحكم) بالقطع (للتعارض) على الأول (أو تغاير الفعلين) على الثاني،
ويمكن على الأول أيضا لجواز سرقة شخص واحد في زمانين.



(1) الوسيلة: ص 234.
(2) مختلف الشيعة: ج 18 ص 513.
(3) أثبتناه من " ل " وهامش " ن ".
(4) في ل زيادة: وكان الصواب ثبت القهر فإنه أعم من الغصب.
369
(وكذا لو قال أحدهما: سرق دينارا و) قال (الآخر:) سرق (درهما،
أو) قال أحدهما: سرق (ثوبا أبيض، وقال الآخر:) ثوبا (أسود).
(وبالجملة: إذا كانت الشهادة على فعل فاختلف الشاهدان في زمانه
أو مكانه أو صفة له تدل على تغاير الفعلين لم تكمل شهادتهما).
(ولو حلف في) السرقة (مع أحدهما ثبت الغرم دون القطع) وهو
ظاهر. ولو حلف معهما ثبت له المشهود بهما جميعا.
(ولو شهد اثنان على سرقة معين في وقت وآخران على سرقته في
غيره على وجه يتحقق التعارض) بينهما بأن لا يمكن بقاء العين من الوقت
الأول إلى الثاني حتى يمكن أن يسرق أولا ثم ينتقل إلى مالكه ثم يسرق في
الثاني (ثبت الغرم) بلا حلف لثبوت سرقة العين لاتفاق البينتين عليها (وبطل
القطع) للشبهة باختلافهما. وفي المبسوط: تعارضت البينتان وسقطتا وعندنا
تستعمل القرعة (1). وفيه: أنه لا فائدة للقرعة هنا.
(ولو تغايرت العين أو اتحدت وأمكن التعدد) أي سرقتها مرتين في
الوقتين (ثبتتا) أي السرقتان (ولا تعارض) بين البينتين حينئذ و (ثبت
القطع) كالغرم إذ لا شبهة. وقال القاضي: إذا شهد اثنان أنه سرق هذا الحمار غدوة
يوم بعينه وآخران بأنه سرقه عشية ذلك اليوم تعارضتا واستعملت القرعة (2).
والحق أنه لا تعارض، ولو سلم فلا قرعة لأنها لا يفيد شيئا.
(ولو شهد اثنان بفعل وآخران على غيره) من جنسه أولا (ثبتا إن أمكن
الاجتماع) وادعاهما (وإلا) يمكن الاجتماع وكذا إن أمكن ولم يدعهما (كان
له) أي المدعى (أن يدعي أحدهما) وتثبت ببينته وتلغو الاخرى، وما لا يمكن
اجتماعهما (مثل أن يشهد اثنان بالقتل غدوة وآخران) به لذلك المقتول (عشية.



(1) المبسوط: ج 8 ص 241.
(2) جواهر الفقه: ص 232 المسألة 805.
370
وكذا كل ما لا) يمكن أن (يتكرر) كالولادة والحج عن اثنين في سنة.
وفي المبسوط: أنه إذا لم يمكن الاجتماع استعمل القرعة (1). ولا معنى لها إن
كان الفعل مثل القتل والولادة من ام واحدة والاختلاف في الزمان أو المكان فإن
القرعة لا يفيد شيئا. نعم إن كان الفعل مثل الولادة من أمين واختلف المدعي،
فادعت هذه أنها ولدته وشهد به اثنان، وتلك أنها ولدته وشهد به اثنان، تثبت
القرعة وإن اتحد المدعي، فلابد من أن يعين هو الدعوى. والشيخ إنما فرض
المسألة في القتل واختلافه زمانا أو مكانا وأثبت القرعة.
(ولو شهد أحدهما أنه باعه هذا الثوب بدينار، وشهد الآخر أنه باعه
ذلك الثوب بعينه في ذلك الوقت بدينارين لم يثبتا للتعارض) بين المشهود
بهما، لأنه لا يمكن بيع عين واحدة في وقت واحد بثمنين (وله المطالبة بأيهما
شاء) بالدينار أو الدينارين (مع اليمين) ولا يكفيه الشاهدان إن ادعى الدينار.
(ولو شهد له مع كل واحد شاهد ثبت الديناران) إن ادعاهما ولغت البينة
الاخرى. وفي المبسوط (2) والجواهر (3): أن البينتين متعارضتان فيقرع. وهو يتم إذا
كان لكل من الثمنين مدع كأن يدعي المشتري أنه اشتراها بدينار والبائع بدينارين.
(أما لو شهد واحد بالإقرار بدينار والآخر بالإقرار بدينارين) ولو في
وقت واحد (ثبت الدينار بهما، و) الدينار (الآخر بانضمام اليمين إلى
الثاني) لعدم التعارض بين المشهود بهما، وإن امتنع التلفظ بلفظين مختلفين في
وقت واحد، فإن الشهادة بدينار لا ينفي الزائد فيجوز أن لا يكون الشاهد سمع إلا
دينارا ولم يقطع إلا به وتردد في الزائد، أو رأى أن لا يشهد إلا به لمصلحة رآها أو
لا لها، بخلاف نحو البيع بدينار وبدينارين فإن العقد بدينار ينافي العقد بدينارين.
(ولو شهد بكل إقرار شاهدان ثبت الدينار بشهادة الأربعة، والآخر



(1) المبسوط: ج 8 ص 243.
(2) المبسوط: ج 8 ص 242.
(3) جواهر الفقه: ص 232 المسألة 807.
371
باثنين. وكذا لو شهد) أحدهما (أنه سرق ثوبا) بعينه (قيمته دينار، وشهد
الآخر أنه سرقه وقيمته ديناران ثبت الدينار بهما، والآخر بالشاهد
واليمين) لانتفاء التنافي، وإن امتنع كون قيمة الشيء في وقت واحد دينارا
ودينارين جميعا، لجواز أن لا يعرف أحدهما من قيمته إلا دينارا.
(ولو شهد بكل صورة شاهدان ثبت الدينار بشهادة الأربعة والآخر
بشهادة الشاهدين) وللعامة قول بأنه لا يثبت إلا الدينار (1).
(ولو شهد أحدهما بالبيع أو القذف أو الغصب أو القتل غدوة، وشهد
الآخر به عشية لم يحكم بالشهادة، لأنها على فعلين) لم يكمل على شيء
منهما النصاب، وفي القتل هما متكاذبان لكن يثبت البيع والغصب والدية إن
أوجبها القتل بأحدهما مع اليمين.
(ولو شهد أحدهما أنه أقر بالعربية والآخر بالعجمية) وأطلقا أو وقتا
بمختلفين (قبل، لأن اتحاد الأخبار غير شرط) فيجوز أن يخبر مرتين:
بالعربية تارة والعجمية اخرى. أما لو وقتا بوقت واحد فلا يثبت شيء للتكاذب.
(ولو شهد أحدهما أنه أقر عنده أنه استدان أو باع أو قتل أو غصب
يوم الخميس، وآخر أقر أنه فعل ذلك يوم الجمعة لم يحكم إلا مع اليمين
أو شاهد آخر ينضم إلى أحدهما) لأن المشهود به فعلان وهما في القتل
متكاذبان، ويحكم بهما وحدهما إن اختلف ظرف الإقرار مع اتفاق ظرف الأفعال
أو الإهمال، إلا أن يتعارضا لأن يقول أحدهما أقر أول هذا الشهر ببغداد بكذا
وقال الآخر أقر به ثاني هذا الشهر بمصر.
(ولو شهد أحدهما أنه غصبه من زيد أو أقر بغصبه منه، وشهد الآخر
أنه ملك زيد لم تكمل الشهادة) فلا يثبت له الملك إلا إذا حلف.



(1) الحاوي الكبير: ج 17 ص 249.
372
(الفصل السابع في الرجوع)
(ومطالبه ثلاثة):
(الأول في الرجوع في العقوبات)
(إذا رجع الشاهد في العقوبة قبل القضاء منع من القضاء) اتفاقا
للشبهة (ولو كانوا قد شهدوا بالزنا) أو نحوه (حدوا للقذف. وإن قالوا) كنا
(غلطنا فالأقرب سقوط الحد) للشبهة، خلافا للمبسوط (1) والجواهر (2)
لصدق القذف وهتك العرض، ويؤيده ما سيأتي من مرسل ابن محبوب عن
الصادق (عليه السلام) (3) وهو خيرة التحرير (4).
(ولو لم يصرح بالرجوع، بل قال للحاكم: توقف في الحكم ثم قال له:
احكم فالأقرب جواز الحكم ما لم يحصل للحاكم ريبة) لتحقق الشرط
وانتفاء المانع، فإن الأمر بالتوقف لا يصلح مانعا. ويحتمل العدم لأن ظاهره
التوقف في الشهادة وهو يحدث الريبة والتهمة فيها.
(و) على المختار (هل يجب) في الحكم (الإعادة) للشهادة؟
(إشكال): من حصول الأداء الصحيح من أهله والأصل وقد زال التوقف بعد
طروه، ومن إبطال التوقف له، لأنه تشكيك في الشهادة وهو خيرة التحرير (5) وهو
ممنوع فإن صريح قوله إنما هو التوقف في الحكم لا الشهادة، وبعد التسليم فقوله
بعده: " احكم " بمنزلة الإعادة.
(ولو رجع بعد الحكم) قبل الاستيفاء (فالأقرب) المشهور (عدم
الاستيفاء في حقه تعالى) من الحدود لابتنائه على التخفيف واندرائه بالشبهة،
ويحتمل الاستيفاء ولزوم ما يلزم الرجوع بعد الاستيفاء، لأنه حكم شرعي صحيح



(1) المبسوط: ج 8 ص 10.
(2) جواهر الفقه: ص 226 المسألة 782.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 240 ب 12 من أبواب الشهادات ح 1.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 285.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 285.
373
صدر عن أهله ولم يعلم له ناقض. (والإشكال أقوى في حدود الآدمي) لأن
التخفيف في حقوق الله أكثر. (أما المال فيستوفى) لنفوذ القضاء الشرعي،
والشبهة لا يسقطه، لنحو مرسل جميل عن أحدهما (عليهما السلام): في الشهود إذا شهدوا
على رجل ثم رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل ضمنوا ما شهدوا به
وغرموا، فإن لم يكن قضي طرحت شهادتهم ولم يغرم الشهود شيئا (1). ويحتمل
العدم لاختلال الظن الذي حصل بالبينة وعدم استقرار الحكم.
(ولو رجعا عن) نحو (زنا الإكراه بعد الحكم وقلنا بسقوط الحد)
بالرجوع عن المشهود عليه (ففي إلحاق توابعه) التي هي حقوق الناس (به)
في السقوط (إشكال، الأقرب العدم) لأن سقوط حق الله لابتنائه على التخفيف،
ووجود النص والإجماع على اندرائه بالشبهة لا يوجب سقوط حق الناس وإن
تبعا شيئا واحدا. ويحتمل السقوط ضعيفا لأن الزنا سبب لهما فإن سقط سقط
المسببان وإن ثبتا فسقوط أحدهما دليل سقوط السبب وهو يوجب سقوط
المسبب الآخر. ويدفعه أن يقال: إنما السبب لهما ثبوته ببينة لا يرجع أحد منهم
فإن رجع فإنما هو سبب لأحدهما.
وعلى الأقرب (فيجب المهر. وتحرم المصاهرة) ويخصها الاحتياط في
الفروج. (و) كذا تحرم (أخت) الغلام (الموطوء وأمه وبنته لو رجعوا
عن) الشهادة على (اللواط) به (وأكل البهيمة الموطوءة) المأكولة
(وإيجاب بيع غيرها) في بلد آخر (لو رجعوا عن وطي الدابة).
(ولو رجعوا عن) الشهادة على (الردة بعد الحكم) بالقتل (فالأقرب
سقوط القتل) كسائر الحدود. (والوجه عدم إلحاق التوابع) به (أيضا)
كتوابع الزنا ونحوه (فيقسم ماله) ويحل ديونه (وتعتد زوجته عدة الوفاة)



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 238 ب 10 من أبواب الشهادات ح 1.
374
إن كانت عن فطرة (أو) عدة (الطلاق لو كانت عن غير فطرة) وإن كانت
هذه التوابع توابع القتل ظاهرا إلا عدة الطلاق، فإن هذا الظهور ظهور عقلي وفي
ظاهر الشرع إنما علقت هذه الامور بالارتداد.
(ولو رجعا قبل استيفاء القصاص) في النفس أو الطرف (لم يستوف)
احتياطا في الدماء (وهل ينتقل إلى الدية؟ إشكال): من الشهادة بحق الآدمي ولما
تعذر القصاص ثبت الدية لأنها بدله، ولئلا يطل دم امرئ مسلم. ومن أصل البراءة، وأن
الدية لا تثبت في العمد إلا صلحا، وأن الرجوع عن الشهادة عليه أسقطه من أصله
وإلا أوجب القصاص. (فإن أوجبناها رجع) بها (عليهما) أخذا بإقرارهما.
(ولو أوجبت شهادتهم قتلا أو جرحا ثم رجعوا بعد الاستيفاء، فإن قالوا:
تعمدنا اقتص منهم) إن أمكن القصاص. ونفاه بعض العامة (1). (وإن قالوا:
أخطأنا فعليهم الدية) في أموالهم لأنه ثبت بإقرارهم إلا أن يصدقهم العاقلة.
(ولو قال بعضهم: تعمدت وقال الآخر: أخطأت، فعلى الأول القصاص بعد
رد ما يفضل من ديته عن جنايته، وعلى الثاني نصيبه من الدية).
يدل على جميع ذلك عمومات ما دل على الاقتصاص أو الدية، وخصوص
نحو مرسل ابن محبوب عن الصادق (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا
ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل، فقال (عليه السلام): إن قال الراجع أوهمت ضرب الحد
وغرم الدية، وإن قال: تعمدت قتل (2). وصحيح إبراهيم بن نعيم الأزدي وحسنه
سأله (عليه السلام) عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا، فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته،
فقال (عليه السلام): يقتل الراجع ويؤدي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية (3). وحسن محمد
ابن قيس عن الباقر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل شهد عليه رجلان



(1) الحاوي الكبير: ج 17 ص 256.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 240 ب 12 من أبواب الشهادات ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 240 ب 12 من أبواب الشهادات الحديث 2 وذيله.
375
بأنه سرق فقطع يده، حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا: هذا
السارق وليس الذي قطعت يده إنما شبهنا ذلك بهذا، فقضى عليهما أن غرمهما نصف
الدية ولم يجز شهادتهما على الآخر (1). وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر السكوني:
في رجلين شهدا على رجل أنه سرق فقطعت يده ثم رجع أحدهما فقال: شبه علينا
غرما دية اليد من أموالهما خاصة. وقال في أربعة شهدوا على رجل أنهم رأوه مع
امرأة يجامعها وهم ينظرون فرجم، ثم رجع واحد منهم، قال: يغرم ربع الدية إذا
قال: شبه علي وإذ رجع اثنان وقالا شبه علينا غرما نصف الدية، وإن رجعوا كلهم
وقالوا: شبه علينا غرموا الدية، فإن قالوا: شهدنا بالزور قتلوا جميعا (2).
(ولو قال: تعمدت الكذب وما ظننت قبول شهادتي في ذلك، ففي
القصاص إشكال، والأقرب) كما في المبسوط (3) العدم (أنه) لم يقتل ولا
عرف منه القصد إليه ولكنه (شبيه عمد) لأنه قصد الفعل ولم يقصد القتل فلا
(تجب) إلا (الدية مغلظة). واختار في التحرير القصاص (4) لاعترافه بتعمد
ما يقتل غالبا. (وكذا لو ضرب المريض لتوهمه أنه صحيح ما يحتمله
الصحيح) من الضرب (دون المريض فمات على إشكال): من الوجهين،
وفي التحرير (5) والإرشاد (6): القصاص فيه، مع أنه في الإرشاد استقرب في الأول
الدية (7) كما هنا، وكان الفرق بالمباشرة والتسبيب. وحاصل المسألتين أنه إذا باشر
أو سبب عمدا ما يقتل غالبا بظن أنه لا يقتل فقتل فهل هو عمد أو شبيه به.
(ولو كان المتعمد أكثر من واحد، كان للولي قتل الجميع ويرد عليهم
الفاضل عن دية صاحبه يقتسمونها (8) بالنسبة، وله قتل واحد ويرد) عليه



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 242 ب 14 من أبواب الشهادات ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 243 ب 14 من أبواب الشهادات ح 2.
(3) المبسوط: ج 8 ص 10.
(4 و 5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 285.
(6 و 7) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 166.
(8) في القواعد: يقسمونها.
376
(الباقون قدر جنايتهم. فلو قال أحد شهود الزنا بعد الرجم: تعمدت، فإن
صدقه الباقون) أي قالوا: تعمدنا أيضا (فللولي قتل الجميع ويرد ثلاث
ديات) ويقسم (بينهم بالسوية، وله قتل ثلاثة) منهم (ويرد ديتين ويرد
الحي) قدر جنايته وهو (ربع الدية) يكون الكل (لورثة الثلاثة بالسوية.
وله قتل اثنين ويرد دية واحدة عليها ويرد الآخران نصف دية عليهما
أيضا. وله قتل واحد ويرد الثلاثة إلى ورثته ثلاثة أرباع الدية. ولو لم
يصدقه الباقون لم يمض إقراره إلا على نفسه فحسب) فللولي قتله ورد
فاضل الدية عليه وله أخذ ربع الدية منه.
(وقيل) في النهاية: (يرد الباقون عليه ثلاثة أرباع الدية) (1) وهو قول
أبي علي (2) لظاهر ما مر من خبر إبراهيم بن نعيم (وليس بجيد) إذ لا يؤخذ
بإقرار أحد غيره، والصواب حمل الخبر على اعتراف الباقين بالخطأ وعليه حمل
كلامهما في المختلف (3). وفي خبر مسمع عن الصادق (عليه السلام) في أربعة شهدوا على
رجل بالزنا ثم رجع أحدهم وقال: شككت في شهادتي، قال: عليه الدية، قال:
قلت: فإنه قال: شهدت عليه متعمدا، قال: يقتل (4). ولعل المراد بالدية ربعها، وإذا
قتل يرد عليه ثلاثة أرباع الدية.
(ولو صدقه الباقون في كذبه في الشهادة) أي إنه لم يشهد زناه (لا في
كذب الشهادة) أي أن المشهود به واقع (اختص القتل به) أيضا (ولا يؤخذ
منهم شيء) وإن اعترفوا بأنه لم يكن شهود الزنا بالحق متكاملة، بل على الولي
رد فاضل الدية.
(ولو شهدوا بما يوجب حدا لا قتلا فحد فمات، ثم رجعوا، ضمنوا الدية ولم



(1) النهاية: ج 2 ص 64.
(2) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 8 ص 525.
(3) مختلف الشيعة: ج 8 ص 525.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 240 ب 12 من أبواب الشهادات ح 3.
377
يقتل أحدهم) وإن تعمدوا الكذب، لأنهم لم يباشروا القتل ولا سببوا لما يقتل غالبا.
(ولو) شهدوا على قتل خطأ ثم (رجعوا بعد استيفاء الدية من العاقلة
فالراجع) عليهم (العاقلة دون الجاني) لأنه لم يغرم شيئا.
(ولو رجع ولي القصاص وقد باشر القتل فعليه القصاص. والشاهد
معه كالشريك، إن صدقه) أي اعترف بالتزوير (اقتص منه أيضا) للاشتراك
في القتل. والأقرب ما في التحرير (1) من كونه كالممسك فلا قصاص عليه ولا دية
لتقدم المباشر على السبب. وعلى الأول إن وقع الصلح على الدية احتمل حسابها
على الولي والشهود بالسوية، وكون النصف على الولي والباقي على الشهود، لأنهم
جميعا علة واحدة لسبب القتل، والولي مباشر تام له. (وإلا) يصدقه الشاهد
(فلا) يقتص منه قطعا، بل يختص الولي بالقصاص أو الدية.
(ولو شهدا بسرقة فقطع) السارق (ثم قالا: أخطأنا وإنما السارق هذا)
إشارة إلى آخر (غرما دية يد الأول) كما مر في خبر محمد بن قيس عن قضاء
أمير المؤمنين (عليه السلام). وعنه (عليه السلام) أيضا أنه قال: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما (2).
(ولم تقبل شهادتهما على الثاني) كما مر في خبر ابن قيس، لأنهما متهمان في
الضبط. وفي خبر السكوني أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من شهد عندنا ثم غير أخذناه بالأول
وطرحنا الأخير (3). وعن هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام)
يأخذ بأول الكلام دون آخره (4). والأقوى القبول إذا كانا معروفين بالعدالة والضبط.
(ولو زكى الاثنان شهود الزنا ثم ظهر فسقهم أو كفرهم، فإن كان قد
يخفى عن المزكيين فالأقرب أنه لا يضمن أحد) منهم شيئا (ويجب) الدية
إن رجم (في بيت المال لأنه من خطأ الحاكم) حيث حكم بشهود كفار أو



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 285.
(2) دعائم الإسلام: ج 2 ص 515 ح 1848.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 239 ب 11 من أبواب الشهادات ح 4.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 158 ب 4 من أبواب آداب القاضي ح 3. وفيه: " لا يأخذه ".
378
فساق (وخطأ الحكام في بيت المال) لأنهم محسنون وما على المحسنين من
سبيل. ولقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر الأصبغ: أن ما أخطأت القضاة في دم أو قطع
فهو على بيت مال المسلمين (1). وما روي من تضمين أمير المؤمنين (عليه السلام) عاقلة
عمر (2) فلأنه لم يكن حاكما شرعا. وظاهر الحلبي ضمانها في ماله (3). ويحتمل
ضمان المزكيين لأنهما لو لم يزكياهم لم يتم الحكم فهما قتلا المشهود عليه خطأ.
(وإن كان لا يخفى) عنهما فسقهما أو كفرهما (فالضمان على
المزكيين) فإنهما إنما الحكم بالقتل بتزكيتهما من يعلمان فسقه أو كفره أو
يمكنهما العلم ففرطا. وتردد في التحرير: من ذلك، ومن كون التزكية شرطا لا
سببا (4) بل السبب هو الحكم. (ولا قصاص على أحد) إذ لم يظهر القتل
عدوانا، لاحتمال حقية المشهود به. (وكذا لو رجعوا عن التزكية، سواء قالوا:
تعمدنا أو) قالوا: (أخطأنا) فإنهم إنما تعمدوا الكذب في التزكية وهو ليس من
الكذب في الشهادة على الزنا في شيء مع ما يجب من الاحتياط في الدماء.
واستشكل في التحرير (5) في عدم القصاص من ذلك، ومن أنه كالكذب في
الشهادة، لأن التزكية بمنزلة الشهادة بما يشهد به الشهود، وفي أنه هل يضمنان
تمام الدية لجريانهما مجرى الشاهدين أم نصفها لجريانهما مجرى واحد.
(ولو ظهر فسق المزكيين فالضمان على الحاكم في بيت المال)
كظهور فسق الشهود (لأنه فرط بقبول شهادة فاسق) هذا إن لم يفرط في
البحث عن عدالة الشاهدين أو المزكيين أما مع التفريط فالضمان عليه في ماله.
(وكذا يضمن) الحاكم أثر الضرب في ماله أو بيت المال (لو جلد بشهادة
من ظهر فسقه أو كفره).



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 165 ب 10 من أبواب آداب القاضي ح 1.
(2) مناقب آل أبي طالب: ج 2 ص 366 - 367.
(3) الكافي في الفقه: ص 448.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 296.
(5) انظر تحرير الأحكام: ج 5 ص 294.
379
(وإذا رجع الشاهد أو المزكي اختص الضمان بالراجع دون الآخر) إذ
لا يؤخذ أحد بإقرار الآخر. هذا على القول بضمان المزكى.
(ولو رجعا معا) ضمنا لأن الشهادة والتزكية معا سبب للحكم وكل منهما جزء
لسببه، لا أن السبب هو الشهادة، والتزكية شرط أو سبب بعيد، لتساويهما في التوقف
عليهما، والحكم سبب القتل، فهما سببان بعيدان في مرتبة واحدة وقد اعترفا بالتزوير.
ويحتمل اختصاص الشاهد بالضمان بناء على أن سبب الحكم هو البينة بشرط التزكية.
وعلى المختار (فإن رجع الولي على الشاهد كان له قتله) إن تعمد
التزوير، لاعترافه بتسبيبه القتل عدوانا. (ولو طالب المزكي لم يكن عليه
قصاص بل الدية) لأنه لم يعترف بكون القتل عدوانا، وهو لا يؤخذ بإقرار
الشاهد فربما استحق المقتول عنده القتل، وربما زكى الشاهد وهو غافل عما شهد
به (1) أو عن موجب الشهادة، فغايته الخطأ كخطأ الحاكم أو كخطأ من رمى صيدا
فأصاب إنسانا (وحينئذ) كان للولي مطالبتهما (فليس للولي جمعهما في
الطلب) وإلا اجتمع له القصاص والدية، وليس له توزيع هما عليهما حتى إن
اقتص من الشاهد أعطاه نصف الدية وأخذه من المزكي، لأنهما وإن تساويا في
سببية الحكم لكن تباينا في المشهود به، فكل منهما مستقل في جنايته.
(ولو شهد) أربعة بالزنا و (اثنان بالإحصان فرجم ثم رجعا) دون
شهود الزنا (لم يغرم شهود الزنا شيئا ولم يقتص منهم، ويقتص من شهود
الإحصان) إذا تعمدوا، ويؤخذ منهم الدية إن أخطأوا أو صولح معهم. (وفي
قدر غرمهم) على كل تقدير (نظر) سيذكر. وبالجملة: لا يغرمون الجميع بل إن
أعطوا الدية فبعضها (و) إن اقتص منهم (يرجع إليهما) من الدية (بقدر
نصيب شهود الزنا من الغرم).



(1) في ن: عمن اشهد به.
380
(ولو رجع شهود الزنا) خاصة (لم يجب على شهود الإحصان
شيء) بل يختصون بالضمان، وفي قدره أيضا نظر. فلو اقتص منهم يرجع إليهم
من الدية بقدر نصيب شهود الإحصان.
(ولو رجع الجميع ضمنوا) لاشتراكهم في تسبيب القتل. قال في التحرير:
ويحتمل سقوط الضمان عن شهود الإحصان لأنهم شهدوا بالشرط دون السبب،
والسبب للقتل إنما هو الزنا فيضمن شهوده خاصة (1). (و) على ضمان الجميع (في
كيفية الضمان إشكال، لاحتمال أن يضمن شاهدا الإحصان النصف وشهود
الزنا النصف) لاستناد القتل إلى سببين هما الزنا والإحصان فعلى كل سبب نصف
(أو توزع الدية عليهم بالسوية) لاستناد القتل إلى شهادتهم وهم ستة فتوزع
على عدد رؤوسهم فعلى شهود الزنا ثلثاها وعلى شاهدي الإحصان الثلث.
(ولو شهد أربعة بالزنا واثنان منهم بالإحصان، فعلى الأول: على
شاهدي الإحصان ثلاثة الأرباع) نصف الشهادة بالإحصان وربع لأنهما نصف
شهود الزنا (وعلى الآخرين الربع) لأنهما نصف شهود الزنا. (وعلى الثاني:
على شاهدي الإحصان الثلثان) الثلث للشهادة بالزنا والثلث للشهادة
بالإحصان (وعلى الآخرين الثلث. ويحتمل تساويهم) في الغرم على كل
تقدير فلا يضمنان إلا النصف والآخران النصف (لأن شاهدي الإحصان وإن
تعددت جناياتهم فإنهم يساوون من اتحدت جنايتهم) لأن الدية تقسط على
عدد الرؤوس لا الجناية (كما لو جرحه أحدهما مائة والآخر واحدا ثم
مات من الجميع. ولو رجع شهود الإحصان بعد موت الصحيح بالجلد فلا
ضمان) على أحد وهو ظاهر، بخلاف ما إذا جلد مريضا، فإن شهادة الإحصان
أوجبت الجلد مريضا فعليهما الضمان.



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 292.
381
(المطلب الثاني: البضع)
(لو شهدا بالطلاق ثم رجعا قبل الحكم بطلت الشهادة) اتفاقا إلا من
أبي ثور فأوجب الحكم بها هنا (1) وفي غيره.
(وإن رجعا بعده فإن كان بعد الدخول لم يضمنا شيئا) وفاقا للمشهور،
لأصل البراءة، واستحقاقها المهر بالدخول. ولا قيمة للبضع ليضمناه بالتفويت وإلا
لم ينفذ طلاق المريض إلا من الثلث، ولم ينفذ أصلا إذا أحاط الدين بالتركة. (وإن
كان قبله ضمنا النصف) من المسمى للزوج (لأنه) وإن كان مستحقا لها
بالعقد لكن (قد كان في معرض السقوط بارتدادها مثلا، أو فسخها لعيب
فيه) أو إبرائها (ولو رجع أحدهما خاصة) قبل الدخول (لزمه الربع).
(ويحتمل إيجاب مهر المثل) إن رجعا (لأنهما فوتا عليه بضعا
فضمناه بمهر المثل لأنه قيمته) اللازمة لمن استوفاه.
(ويشكل بعدم ضمان البضع) على المفوت (كما لو قتلها) لم يلزمه إلا
دية نفسها (أو قتلت) هي (نفسها) لم يلزمها في مالها للزوج قيمة البضع (أو
حرمت نكاحها) على زوجها (برضاع) فعلم أنه لا قيمة للبضع، ولزوم المثل
لمستوفيه لا يوجب أن يكون ذلك قيمته.
وفيه: أن المنفعة لا يضمن إلا إذا فوتت وحدها، أما مع تفويت العين فيدخل
فيها المنافع، وأما إذا حرمت النكاح بالرضاع فعدم الضمان ممنوع (فإن أوجبنا
هنا مهر المثل فكذا بعد الدخول).
وفي المبسوط: وإذا شهدا بالطلاق قبل الدخول ثم رجعا، فإن الحكم لا
ينقض وعليهما الضمان عند قوم. وكم يضمنان؟ قال قوم: كمال المهر مهر المثل،
وقال آخرون: نصف المهر وهو الأقوى، ومن قال بهذا منهم من قال: نصف مهر



(1) المغني لابن قدامة: ج 12 ص 137.
382
المثل، ومنهم من قال: نصف المسمى وهو الأقوى عندنا. ومنهم من قال: إن كان
المهر مقبوضا لزمهما كمال المهر، وإن لم يكن مقبوضا لزمهما نصف المهر. والفصل
بينهما: إذا كان مقبوضا غرمه كله لا يسترد منه شيئا لأنه معترف لها به لبقاء
الزوجية بينهما فلما حيل بينهما رجع بكله عليهما، وليس كذلك إذا كان قبل القبض
لأنه لا يلزمه إلا إقباض نصفه فلهذا رجع بالنصف عليهما وهو قوي انتهى (1).
وفي النهاية: إن شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته فاعتدت وتزوجت
ودخل بها ثم رجعا، وجب عليهما الحد وضمنا المهر للزوج الثاني وترجع المرأة
إلى الأول بعد الاستبراء بعدة من الثاني (2) انتهى.
وهو موافق لصحيح محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) في رجلين شهدا على
رجل غائب عن امرأته: أنه طلقها فاعتدت المرأة وتزوجت، ثم إن الزوج الغائب
قدم فزعم أنه لم يطلقها، وأكذب نفسه أحد الشاهدين، فقال: لا سبيل للآخر عليها،
ويؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع فيرد على الأخير ويفرق بينهما وتعتد من
الأخير وما يقربها الأول حتى تنقضي عدتها (3). ونحوه خبر إبراهيم بن حميد عن
الصادق (عليه السلام)، وهو وإن كان ثقة لكنه واقفي، وليس فيه ذكر لرجوع الشاهد، وفيه
حد الشاهدين، ولعل المراد به التعزير.
وفي المختلف: ولا بأس بحمل قول الشيخ في النهاية: " بالرد إلى الأول بعد
العدة " على أنها تزوجت بمجرد الشهادة من غير حكم حاكم بذلك (4).
قلت: ويمكن حمل الخبرين على أن الزوج كان غائبا كما نص عليه فيهما،
فلما حضر أنكر، وأظهر فسق الشاهد أو ما يخرجه عن الأهلية [بذلك] (5).
وفي التحرير: وعندي في هذه المسألة إشكال، ينشأ من كون الرجوع إنما



(1) المبسوط: ج 8 ص 247.
(2) النهاية: ج 2 ص 65.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 242 ب 13 من أبواب الشهادات ح 3.
(4) مختلف الشيعة: ج 8 ص 527.
(5) لم يرد في ن و ل.
383
يثبت على الشاهد فيما يتلفه بشهادته، ووجوب نصف المهر قبل الدخول أو المهر
بعده لم يتلف من الزوج شيئا، لأنه واجب عليه سواء طلق أو لم يطلق. فالحاصل
أن بشهادتهما بالطلاق قبل الدخول لم يتلفا نصف المهر، لأنه واجب عليه بالعقد،
وبعد الدخول لم يتلفا المهر لاستقراره في ذمته بالدخول، وإنما أتلفا بشهادتهما
البضع عليه فيجب عليهما ضمانه، وإنما يضمن بمهر المثل فيجب مهر المثل مع
الدخول لأنهما أتلفا البضع عليه، ونصفه قبل الدخول لأنه إنما ملك نصف البضع
ولهذا إنما يجب عليه نصف المهر. ويحتمل ما ذكرناه أولا من تضمين نصف
المسمى إن كان قبل الدخول لأنهما ألزماه الزوج بشهادتهما وقرراه عليه وكان
بمعرض السقوط بالردة والفسخ من قبلها، وعدم التضمين إن كان بعد الدخول، لأن
المهر تقرر عليه بالدخول فلم يقررا عليه شيئا، والبضع غير متقوم، فإنها لو ارتدت
أو أسلمت أو قتلت نفسها أو فسخت نكاحها قبل الدخول برضاع من يفسخ به
نكاحها لم تغرم شيئا، وهذا هو الأقوى عندي (1) انتهى.
وفيه أيضا: أنا إن قلنا بالضمان بعد الدخول فلا ضمان إن كان الطلاق رجعيا
لتمكن الزوج من الرجعة. ولا يعجبني قولهم: إنهما قررا عليه النصف إذا شهدا قبل
الدخول، لأنه كان في معرض السقوط فكما كان في معرض السقوط قبل الدخول
بما ذكر فهو في معرضه بعده أيضا بالإبراء بل بعد التفويت أيضا. ولا ما استدلوا به
على أن البضع غير متقوم، إذ بعد تسليم الجميع فوجوب مهر المثل على من
استوفاه معارض قوي، ولا قوله (رحمه الله): " إنه إنما ملك قبل الدخول نصف البضع "
وإنما سقط عنه نصف المهر، لأنه لم يستوف العوض وإنما وجب عليه النصف
بالنص والإجماع. ويحتمل أن يكون الحكمة فيه تنفير الناس عن الطلاق، وأن
يكون لانتهاك من عرضها بالعقد. ولعل الصواب أن لمسمى البضع قيمة لا تختلف



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 287.
384
بمرة ومرات وهي المسمى مع التسمية، ومهر المثل لا معها، فمن عقد على امرأة
بمهر فكأنه اشترى مسمى بضعها به، فمن فوته عليه وقد استوفى فردا من أفراده لم
يكن عليه شيء، لأنه تسلم المثمن وقد دخل حين تزوج بها على أن يكون لها
تمام المهر وإن لم يطأها إلا مرة، ومن فوته عليه ولم يستوف شيئا منه فقد فوت
عليه المثمن بتمامه ولم يسلم له شيء، مع أنه يجب عليه نصف المسمى بالنص
والإجماع، فهو غرامة يغرمها بلا عوض، فعلى مفوت العوض الغرامة.
(ولو شهدا بنكاح امرأة فحكم) به (الحاكم ثم رجعا، فإن طلقها قبل
الدخول لم يغرما شيئا لأنهما لم يفوتا عليها شيئا. وإن دخل بها) ثم طلقها
أولا (وكان المسمى بقدر مهر المثل أو أكثر ووصل إليها، فلا شئ لها عليهما،
لأنها قد أخذت عوض ما فوتاه عليها) من البضع. (وإن كان) المسمى (دونه)
أي مهر المثل (فعليهما التفاوت. وإن لم يصل إليها) المسمى (فعليهما
ضمان مهر مثلها، لأنه عوض ما فوتاه عليها. هذا إذا كان المدعي للنكاح
الرجل. ولو كان المدعي هو المرأة فإن طلق الزوج قبل الدخول بأن قال:
إن كانت زوجتي فهي طالق ضمنا) للزوج (نصف المسمى. وإن كان)
الادعاء أو الطلاق أو الرجوع (بعد الدخول فإن كان المسمى أزيد من مهر
المثل ضمن الزيادة للزوج) ولا ضمان إن ساواه أو نقص.
(ولو شهدا بعتق الزوجة فحكم الحاكم ففسخت النكاح ثم رجعا،
غرما القيمة للمولى) خلافا لبعض العامة (1) (ومهر المثل للزوج إن جعلنا
البضع مضمونا) وإلا فلا.
(ولو شهدا برضاع محرم) بعد النكاح ففرق الحاكم بينهما (ثم رجعا،
ضمنا) مهر المثل (على القول بضمان البضع وإلا فلا) ولا فرق في هذه



(1) مغني المحتاج: ج 4 ص 460.
385
الضمانات بين تعمد الشاهدين وخطائهما.
(المطلب الثالث في المال)
(إذا رجع الشاهدان أو أحدهما قبل الحكم، لم يجز الحكم ولا غرم)
اتفاقا إلا من أبي ثور (1). وفي مرسل جميل عن أحدهما (عليهما السلام): في الشهود إذا
شهدوا على رجل ثم رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل، ضمنوا ما شهدوا
به وغرموا، فإن لم يكن قضي طرحت شهادتهم ولم يغرم الشهود شيئا (2).
(ولو رجعا بعد الحكم والاستيفاء وتلف المحكوم به فلا نقض
بالإجماع) لأصل البراءة واحتمال كذبهم في الرجوع كاحتماله في الشهادة
(و) لكن (يغرم الشهود ما تلف بشهادتهم) مثلا أو قيمة، ولا يرجعون على
المحكوم له أخذا عليهم بقولهم.
(ولو رجعوا قبل التلف ولكن بعد الحكم والاستيفاء أو بعد الحكم قبل
الاستيفاء، فالأصح عدم النقض) وفاقا للسرائر (3) والنافع (4) والنكت (5) والجامع (6)
وظاهر المبسوط (7) والخلاف (8) والشرائع (9) بعد الاستيفاء، لظاهر ما سمعته من
مرسل جميل، ولاحتمال كذبهم في الرجوع فلا ينقض به الحكم الذي ثبت شرعا
واستند إلى ما جعله الشارع مستندا له إلا بدليل شرعي خصوصا إذا استوفي
المشهود به فإن للمستوفي عليه يدا ثبتت عليه شرعا فلا يزال إلا بدليل وليس.
قال في المختلف: ولأن شهادتهم إثبات حق يجري مجرى الإقرار، وفي



(1) المغني لابن قدامة: ج 12 ص 137.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 238 ب 10 من أبواب الشهادات ح 1.
(3) السرائر: ج 2 ص 148.
(4) المختصر النافع: ص 282.
(5) النكت بهامش النهاية: ج 2 ص 65.
(6) الجامع للشرائع: ص 546.
(7) المبسوط: ج 8 ص 246.
(8) الخلاف: ج 6 ص 321 المسألة 75.
(9) شرائع الإسلام: ج 4 ص 142.
386
رجوعهم نفي ذلك الحق الجاري مجرى الإنكار، وكما لم يبطل الحكم بالإقرار
بحدوث الإنكار لم يبطل الحكم بالشهادة بحدوث الرجوع، ولأن رجوعهما ليس
شهادة وإقرارا منهما ولهذا لم يفتقر إلى لفظ الشهادة فلا يسقط حقه بما ليس بشهادة
ولا إقرار منه، ولأن الشهادة أثبتت الحق فلا يزول بالطارئ كالفسق والموت (1).
وفي النهاية (2) والوسيلة (3) والكافي (4): نقض الحكم ورد العين إلى المشهود
عليه، لأن الرجوع كشف عن بطلان ما استند إليه الحكم من الشهادة لظهور كذبهم
في أحد القولين، والأصل برائتهم من الغرامة، وهو الأقوى، وحكاه ابن سعيد في
الجامع رواية (5). ويمكن أن يكون أراد بها خبر جميل عن الصادق (عليه السلام): في شاهد
الزور، قال: إن كان الشيء قائما بعينه رد على صاحبه، وإن لم يكن قائما ضمن
بقدر ما أتلف من مال الرجل (6). وحمل الرجوع على شهادة الزور مشكل.
(و) على الأول (يغرم الشهود قيمة ما شهدوا به) أو مثله (للمشهود عليه).
(ولو كانا فاسقين وفرط الحاكم ثم رجعها، لم يغرما شيئا، لبطلان
الحكم في نفسه) فترد العين إلى المشهود عليه إن كانت باقية، وإن تلفت غرم
المتلف مثلها أو قيمتها.
(ولو كذبهما المشهود عليه في الرجوع سقط الغرم).
(ولو شهدا بالعتق فحكم به ثم رجعا) لم يرجع رقا فهو بمنزلة التالف ولكن
(غرما قيمته للمولى) خلافا لبعض العامة (7). و (سواء) في هذه المسألة وغيرها
من الشهادات المالية (قالا: تعمدنا أو أخطأنا) فإن المال يضمن بالتفويت مطلقا.



(1) مختلف الشيعة: ج 8 ص 530.
(2) النهاية: ج 2 ص 66.
(3) الوسيلة: ص 234.
(4) الكافي في الفقه: ص 440.
(5) الجامع للشرائع: ص 546.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 239 ب 11 من أبواب الشهادات ح 2.
(7) مغني المحتاج: ج 4 ص 460.
387
(والقيمة المأخوذة منهما هي قيمة العين) في (وقت الحكم) فإنه وقت الإتلاف.
(ولو كان المشهود به) التالف (من ذوات الأمثال لزمهما المثل).
(ولو شهدا بكتابة عبده ثم رجعا فإن عجز ورد في الرق فلا شيء
عليهما) لأنهما لم يفوتا شيئا. وفي التحرير: ويحتمل أن يقال عليهما ضمان
أجرة مدة الحيلولة إن ثبت (1). (وإن أدى وعتق ضمنا جميع قيمته، لأنهما
فوتاه بشهادتهما، وما قبضه) السيد (من كسب عبده لا يحسب عليه)
لأنه ماله، ويحتمله إذ لا يضمنا إلا ما زاد على قيمته على النجوم إن زادت بناء
على أن المكاتبة بيع المملوك من نفسه بالنجوم (ولو أراد تغريمهما قبل
انكشاف الحال غرما ما بين قيمته سليما ومكاتبا ولا يستعاد منه) أي من
المولى (لو استرق، لزوال العيب بالرجوع وهو فعل المولى) لا فعلهما
(وكذا لو شهدا بالكتابة المطلقة) ضمنا ما يعتق منه بإزاء ما يؤديه من النجوم
أو ما زاد من قيمة الشقص على ما يؤديه منها وأجرة مدة الحيلولة إن كانت، وإن
أراد التغريم قبل أداء شيء منها غرما ما بين القيمتين.
(ولو شهدا باستيلاد أمته ثم رجعا) في حياة المولى (غرما ما نقصت)
الشهادة (من قيمتها) ولا يستعاد إن مات الولد، لأنه ارتفاع عيب بفعله تعالى،
أما لو قتلا ولدها فهل لهما الرجوع؟ احتمال.
ولو شهدا بالتدبير ثم رجعا لم يضمنا شيئا وإن مات المولى ولم يرجع، لجواز
الرجوع إليه متى شاء المولى، إلا أن يشهدا به منذورا. واحتمل الضمان، لأنهما
سببا العتق ولا يجب على المولى إنشاء الرجوع.
(مسائل) خمس وعشرون من الشهادات في الرجوع وغيره إلا العاشرة
فليست من الشهادات.



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 289.
388
(الأولى: لو رجعا معا ضمنا) ما أتلفاه بشهادتهما (بالسوية. ولو رجع
أحدهما ضمن النصف).
(ولو ثبت) المشهود به (بشاهد وامرأتين ضمن الرجل النصف) لأنه
ثبت النصف بشهادتهما بالسوية ولو رجع (وكل امرأة الربع) لأنها إنما ثبتته.
(ولو كان) ثبوته (بشاهد ويمين ضمن الشاهد النصف) بناء على ثبوت
الحق بهما معا، ولو قيل بثبوته باليمين لا غرم عليه، ولو قيل بثبوته به وحده واليمين
شرط ضمن الكل. واحتمل التنصيف على كل تقدير، إذ لا شك في أن لكل منهما مدخلا
في الثبوت. (ولو أكذب الحالف نفسه اختص بالضمان، سواء رجع الشاهد معه
أو لا) وكذا كلما رجع المدعي كان عليه ضمان ما استوفاه ولا غرم على الشاهد.
(الثانية: لو شهد أكثر من العدد الذي يثبت به الحق - كثلاثة في المال
أو القصاص وستة في الزنا - فرجع الزائد منهم قبل الحكم أو) بعده قبل
(الاستيفاء لم يمنع ذلك الحكم ولا الاستيفاء ولا ضمان) على أحد إن كان
الرجوع قبل الحكم، وكذا قبل الاستيفاء إن منعه لا على ما اختاره. (وإن رجع
بعد الاستيفاء ضمن بقسطه) عند الشيخ في الخلاف (1) ويحيى بن سعيد (2)
لثبوت الحكم بالجميع (فلو رجع الثالث في المال ضمن ثلثه) ولصحيح
محمد بن مسلم سأل الصادق (عليه السلام) ما توبته، قال: يؤدي من المال الذي شهد عليه
بقدر ما ذهب من ماله إن كان النصف أو الثلث إذا كان شهد هذا وآخر معه (3).
(ويحتمل عدم الضمان) للاستغناء عنه في الحكم (إلا أن يكون مرجحا)
بكثرة الشهود (في صورة التعارض) للاحتياج إليه حينئذ في الحكم.
(ولو شهد بالزنا ستة ورجع اثنان بعد القتل فعليهما) على الأول:
(القصاص) بعد رد ثلثي الدية عليهما (أو) عليهما (ثلث الدية. وإن رجع



(1) الخلاف: ج 6 ص 325 المسألة 80.
(2) انظر الجامع للشرائع: ص 545.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 238 ب 11 من أبواب الشهادات ح 1.
389
واحد فالسدس) والقصاص بعد رد خمسة أسداس الدية (وعلى الثاني: لا
شيء عليهما. وإن رجع ثلاثة فعلى الأول: يضمنون نصف الدية، وعلى
الثاني: الربع) عليهم (بالسوية) لاشتراك العلة بينهم من غير مرجح. (وإن
رجع أربعة منهم فالثلثان على الأول، والنصف على الثاني. فإن رجع
خمسة فخمسة أسداس على الأول، وثلاثة أرباع على الثاني. فإن رجع
الستة فعلى كل واحد السدس على القولين) والكل ظاهر.
(الثالثة: لو حكم في المال بشهادة رجل وعشر نسوة فرجعوا، فعلى
الرجل السدس) بناء على ضمان الزائد على النصاب بقسطه (وعلى كل امرأة
نصف سدس) وهو قول الشيخ (1). (ويحتمل) بناء عليه أيضا ما ذهب إليه أبو
يوسف (2) ومحمد (3) من (وجوب النصف على الرجل لأنه نصف البينة،
وعليهن النصف) فإنه لابد في الثبوت من الرجل ولا فرق فيهن بين اثنين وألف
فهن كم كن نصف البينة.
(وإن رجع بعض النسوة وحده أو الرجل وحده، فعلى الراجع مثل ما عليه
لو رجع الجميع) فعليه على الأول: السدس وعليها نصفه، وعلى الثاني: عليه النصف
وعليها نصف العشر. (ويحتمل) ما مر من (أنه متى رجع) الزائد على النصاب لم
يكن عليه شيء، فمتى رجع (من النسوة ما زاد على اثنتين لم يكن عليهن شيء).
(الرابع: لو شهد أربعة بأربعمائة فرجع واحد عن مائة، وآخر عن مائتين،
وثالث عن ثلاثمائة، ورابع عن الجميع، فعلى كل واحد مما رجع عنه
بقسطه) بناء على ضمان الزائد عن النصاب (فعلى الأول خمسة وعشرون،
وعلى الثاني خمسون، وعلى الثالث خمسة وسبعون، وعلى الرابع مائة،
لأن كل واحد منهم فوت على المشهود عليه ربع ما رجع عنه. ويحتمل)



(1) الخلاف: ج 6 ص 325 المسألة 80.
(2 و 3) اللباب في شرح الكتاب: ج 4 ص 73.
390
بناء على عدم ضمان الزائد على النصاب (أن لا يضمن الثالث والرابع أكثر
من خمسين، لأن المائتين التي قد رجعا عنها قد بقي بها شاهدان) فهما
بالنسبة إليها زائدان على النصاب، فلا يعتبر رجوعهما إلا في مائتين وكذا رجوع
الأولين إنما هو فيهما فهم أربعة اجتمعوا على الشهادة بهما والرجوع فيهما والأول
إنما رجع في مائة منهما فإنما عليه ربع المائة وعلى كل من الباقين ربع المائتين.
(الخامس: لو ظهر فسق الشاهدين بعد قطع أو قتل بشهادتهما أو) ظهر
(كفرهما لم يضمنا) لأنه لم يظهر كذبهما ولا اعترفا به (وضمن الحاكم) الدية
(في بيت المال) كما هو المروي (1) عندنا (لأنه وكيل عن المسلمين وخطأ
الوكيل في حق موكله عليه) فخطأ الوكيل عن المسلمين في حقهم على بيت
مالهم. وظاهر الحلبي (2) الضمان في ماله. وفي المختلف: والوجه أن يقول: إن فرط
المالك في البحث عن الشهود ضمن في ماله وإلا كان في بيت المال، لأنه مقتول
بالشرع وقد ظهر الخلل فكان في بيت المال، لأنه من المصالح، ولأنه لولا ذلك
أدى إلى ترك الحكم بالشهادة تحرزا عن ضرر الدرك (3). (وسواء تولاه الحاكم)
بنفسه (أو أمر بالاستيفاء الولي أو غيره) لأنه المسلط له على الاستيفاء
والولي يدعي الاستحقاق. وللعامة قول بأن الدية على الولي إذا تولاه (4).
(ولو باشر الولي بعد الحكم وقبل أن يأذن له الحاكم ضمن الدية) لأنه
لم يسلطه عليه وهو لم يثبت الاستحقاق (وكذا قبل الحكم) ولا يقتص منه للشبهة،
لجواز أنه أخطأ وظن الاستحقاق بمجرد الحكم أو بمجرد ما أقامه من البينة.
(ولو كانت الشهادة بمال استعيدت العين إن كانت باقية، وضمن
المشهود له إن كانت تالفة) قال الشيخ: والفرق بين هذا وبين الدية: أن الحكم



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 165 ب 10 من أبواب آداب القاضي ح 1.
(2) الكافي في الفقه: ص 448.
(3) مختلف الشيعة: ج 8 ص 534.
(4) الحاوي الكبير: ج 17 ص 276.
391
إذا كان بالمال حصل في يد المشهود له ما يضمن باليد وضمان الإتلاف ليس
بضمان اليد، فلهذا كان الضمان على الإمام (1). (ولو كان) المشهود له (معسرا
انظر) لعموم أدلة الإنظار، ولا ينتقل إلى ذمة الحاكم أو بيت المال، للأصل.
(وقيل) في المبسوط (2): (يضمن الحاكم ويرجع به على المحكوم له إذا
أيسر) لأنه تسبب لإتلافه، للزوم الحرج على المشهود عليه بالصبر.
(السادس: لو حكم فقامت بينة بالجرح مطلقا لم ينقض الحكم،
لاحتمال تجدده بعد الحكم. ولو ثبت متقدما على الشهادة نقض. ولو كان
بعد الشهادة وقبل الحكم لم ينقض) بناء على ما سنذكر في السابق من أنه إن
فسق بعد الشهادة قبل الحكم حكم.
(السابعة: لو شهدا ولم يحكم فماتا حكم وكذا لو شهدا) فماتا (ثم زكيا
بعد الموت) لصدق الحكم بشهادة عدلين وعدم طرو ما يضعف الظن بعدالتهما.
(ولو شهدا ثم فسقا قبل الحكم حكم) وفاقا للشيخ (3) وابن إدريس (4)
وجماعة (لأن المعتبر بالعدالة وقت الإقامة) فإنها إنما اعتبرت للوثوق
بالخبر ويحصل بذلك.
وخلافا لموضع من المبسوط (5) وهو خيرة المختلف لفسقهما حال الحكم،
فيصدق أنه حكم بشهادة فاسقين فلا يجوز، كما لو رجعا أو كانا وارثين للمشهود
له فمات قبل الحكم، ولأن تطرق الفسق يضعف ظن العدالة السابقة، فالاحتياط
بطرح الشهادة. قال: واستدلال الشيخ مصادرة لأنه ادعى الاعتبار بالعدالة حين
الشهادة لا حين الحكم وهو عين المتنازع (6).
(أما لو كان حقا لله تعالى لم يحكم) للشبهة والابتناء على التخفيف.



(1 و 2) المبسوط: ج 8 ص 250.
(3) الخلاف: ج 6 ص 320 المسألة 73.
(4) السرائر: ج 2 ص 179.
(5) المبسوط: ج 8 ص 233.
(6) مختلف الشيعة: ج 8 ص 535.
392
(والأقرب في حد القذف والقصاص الحكم) وفاقا للمحقق (1) تغليبا
لحق الناس. ويحتمل العدم للشبهة الدارئة للحد والمانعة من التهجم على الدماء
(بخلاف القطع في السرقة) فإنه حق له تعالى، فإنما يحكم فيها بالغرم.
(الثامن: لو شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما)
كله (أو بعضه لم يحكم لهما ولا لشركائهما في الميراث بشهادتهما) لأنه
لا يحكم للمدعي بشهادته ولا شهادة شريكه، ويحتمل القبول في حصة الشريك
وإن تبعضت الشهادة بل في حقه أيضا بناء على اجتماع الشرائط حين الأداء.
(التاسع: لو ثبت أنهم شهدوا بالزور نقض الحكم واستعاد المال) من
المشهود عليه (فإن تعذر غرم الشهود) كما مر في خبر جميل عن الصادق (2)
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عنه (عليه السلام) في شاهد الزور ما توبته؟ قال: يؤدي
من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله إن كان النصف أو الثلث إن كان
شهد هذا وآخر معه (3).
(ولو كان) المشهود عليه (قتلا فالقصاص على الشهود وكان حكمهم
حكم الشهود إذا اعترفوا بالعمد).
(ولو باشر الولي القصاص واعترف) وحده (بالتزوير) ولم يثبت
تزوير الشهود (لم يضمن الشهود، وكان القصاص عليه).
ولو ثبت تزويرهم فكما لو اعترفوا بالتزوير من الوجهين المتقدمين: أنهم
كالممسك أو كالشريك.
(العاشر: لو اعترف الحاكم بخطائه في الحكم فإن كان بعد العزل غرم
في ماله) إذ لا تسليط له حينئذ على المشهود له ولا على بيت المال ولا هو الآن



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 142.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 239 ب 11 من أبواب الشهادات ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 238 ب 11 من أبواب الشهادات ح 1.
393
وكيل من المسلمين ليضمن الخطأ في بيت مالهم. (وإن كان قبله استعيدت العين
إن كانت قائمة على إشكال): من أنه اعتراف في حق الغير فإما أن تضمنه في
ماله أو يقول: إن قصر ضمن في ماله وإلا في بيت المال، ومن أنه حاكم نافذ الحكم
يعلم أن العين مستحقة للغير فله استنقاذها لمالكها فإن للحاكم أن يحكم بعلمه،
وهو أقوى. (وإلا) يكن قائمة (ضمن في بيت المال) لما مر غير مرة.
(ولو قال: تعمدت، فالضمان عليه) كغيره ممن تعمد الإتلاف (يقتص
منه) إن حكم بقتل أو جرح (أو يؤخذ المال من خاصته) إن حكم بمال وإن
كانت العين باقية كما يقتضيه الإطلاق ويأتي فيه الإشكال.
وقطع في التحرير بأن الضمان عليه في ماله اعترف بالعمد أو الخطأ، كان
معزولا أو لا، إلا في القتل فالضمان على بيت المال (1).
(الحادي عشر: لو ثبت الحكم بشهادة الفرع ثم رجع، فإن كذبه شاهد
الأصل في الرجوع فالأقرب عدم الضمان) لأن ثبوت الحكم بشهادة الأصل
حقيقة وقد ثبت، فصح الحكم ويحتمل الضمان أخذا بإقراره. (ولو صدقه)
الأصل في الرجوع (أو جهل حاله ضمن) لاعترافه بالإتلاف ظلما. (فلو
شهد اثنان على الاثنين ثم رجعا ضمن كل النصف ويقتص منهما لو
تعمدا) مع رد دية عليهما. (ولو رجع أحدهما ضمن نصيبه) خاصة.
(ولو رجعا معا عن الشهادة على أحد الأصلين احتمل إلحاقهما برجوع
شاهدي الأصل) كليهما، لاستناد الحكم إلى شهادتهما على الأصلين جميعا فإذا
رجعا جميعا كان عليهما ضمان الجميع، ولا فرق في الرجوع عن كل الشهادة أو
جزئها لانتفاء الكل بانتفاء جزئه. (و) احتمل إلحاقهما (برجوع أحدهما)
لأن شهادتهما كاشفة عن شهادة الأصلين فرجوع هما عن شهادة أحدهما بمنزلة
رجوع أحدهما، فعليهما جميعا نصف الضمان.



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 295.
394
(ولو رجع أحدهما عن الشهادة على أحد الأصلين، والآخر عن
الشهادة على الآخر ضمنا الجميع) لاختلال شهادتي الأصلين جميعا، فإنه لا
يثبت إحداهما إلا بشهادة الفرعين جميعا.
(ولو رجع أحدهما عن الشهادة على أحد الأصلين احتمل تضمين
النصف) لعدم الفرق بين الرجوع عن شهادة الأصلين كليهما أو عن شهادة أحدهما،
لاختلال الشهادة بكل منهما من غير فرق. واحتمل تضمين الربع بناء على أنهما إن
رجعا جميعا عن شهادة أحد الأصلين ضمنا النصف.
(ولو شهد على كل شاهد اثنان ورجع الجميع ضمن كل الربع، ويقتص
منهم لو اعترفوا في القتل بالعمد) ويرد إلى كل منهم ثلاثة أرباع الدية (ولو
رجع أحدهم فعليه الربع) فإن اقتص منه رد عليه ثلاثة أرباع الدية.
(الثاني عشر: لو رجع شاهدا الأصل بعد الحكم بشهادة الفرع ضمنا)
فإنهما المتلفان، ولذا اعتبر تعديلهما، وليس على الفرع شيء. واحتمل في التحرير
عدم ضمانهما، لعدم تعلق الحكم بشهادتهما (1). (ولو رجع أحدهما ضمن ما
أتلف بشهادته) وهو النصف ولا ضمان على الفرع.
(ولو كذبا شهود الفرع) بعد الحكم والاستيفاء (لم يلتفت إلى
تكذيبهما) وأما قبل الحكم فقد مضى الكلام فيه (ولم يغرما شيئا، لاحتمال
كذب شهود الفرع) مع استناد الحكم ظاهرا إلى شهادتهم.
(الثالثة عشر: لو رجع الشاهدان بعد الحكم بشهادتهما فأقام المدعي
شاهدين غيرهما ففي الضمان إشكال): من اعترافهما بالإتلاف بغير حق إن
لم ينقض الحكم بالرجوع بعده قبل الاستيفاء من قيام غيرهما مقامهما، وثبوت
الحكم شرعا بغيرهما.
(وكذا لو شهد الفرعان ثم رجعا بعد الحكم ثم حضر شاهد الأصل



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 293 - 294.
395
فشهد، ففي تضمين شاهدي الفرع إشكال) ينشأ مما عرفت.
(الرابعة عشر: لو كذبا الحاكم المعزول بعد أن حكم بشهادتهما في الشهادة
عنده فالأقرب أنهما لا يضمنان) شيئا وإن ظهر فساد الحكم، لأنه لم يثبت حكمه
بشهادتهما ولا يسمع قوله عليهما بعد العزل. ويحتمل السماع فيضمنان. (وفي
تضمين الحاكم حينئذ) لا يضمنان (إشكال): من اعترافه بالخطأ ولم يسمع
دعواه على الشاهدين ليضمنا، ومن أصل البراءة وأداء تضمينه الضرر العظيم على
الحكام ورغبتهم عن الحكم، وأنه إنما اعترف بالخطأ المستند إلى شهادتهما. أما
إذا صدقه المحكوم عليه في أنه إنما حكم بشهادتهما فلا ريب في أنه لا يضمن.
(ولو أقام الحاكم شاهدين على أنهما شهدا عنده، فالأقرب أنهما لا
يضمنان) لثبوت شهادتهما بذلك مع أنهما ينكرانها وهو رجوع، ومن أن الحكم
فعل الحاكم فلا يثبت بثبوت شهادتهما عنده أنه حكم بشهادتهما بل يجوز استناد
حكمه إلى غيرهما.
(ولو كذباه قبل عزله لم يلتفت إلى تكذيبهما) لسماع قول الحاكم
عليهما (والأقرب أنهما) حينئذ (يضمنان) لأن هذا التكذيب بمنزلة الرجوع
عن الشهادة. ويحتمل العدم، لأنه غير الرجوع ولا يستلزم مقتضاه، لجواز أن
يشهدا بشيء مع علمه به وتحمله الشهادة عليه.
(الخامسة عشر: لو حكم على بيع بشهادة اثنين، ثم شهد) بعد العزل (بأن
أحدهما شريك المشتري لم ينقض حكمه ولم تقبل شهادته) لأنه حين الولاية
حكم حكما نافذا لا يسمع قول غيره عليه، وشهادته معارضة بحكمه فلا تسمع.
(السادسة عشر: لو شهدا بولاية) لأحد (كوصية إليه أو وكالة ثم رجعا
ضمنا الأجرة للموكل أو الوارث إن أخذها أحدهما منهما، أو) ضمنا الأجرة
إن (استحقها) أحدهما بأن فعلا ما عليهما (لهما) أي للوكيل والوصي (إن لم

396
يأخذها الوكيل أو الوصي) وبالجملة: إن أخذ (1) الأجرة ضمناها لمن أخذاها
منه وهو الموكل والوارث لأنهما غرما هما، وإن لم يأخذا ها واستحقا ها ضمناها
لهما لأنهما غرا هما. (وهل للوكيل أو الوصي) إذا استحقا الأجرة ولم
يأخذا ها (المطالبة للموكل أو الورثة بالأجرة؟ إشكال): من ظهور بطلان
الوصية والوكالة واستقرار الضمان على الشاهدين، ومن أن الحكم لا ينقض
بالرجوع وأنهما فعلا للموكل والوصي ما يستحقان به الأجرة لا للشاهدين. (فإن
أوجبناه) أي مطالبته لهما بالأجرة (كان للموكل والوارث الرجوع على
الشاهدين) وإن لم يوجبه كان لهما مطالبة الشاهدين للغرر. وربما احتمل العدم،
لأنهما لم يغرما هما شيئا.
(السابعة عشر: لو شهدا بالمنافع كالإجارة) ثم رجعا (ضمناها، كما
يضمنان الأعيان، فإن كان المدعي المؤجر) فشهدا له أنه آجر بكذا ثم رجعا
(ضمنا للمستأجر التفاوت بين أجرة المثل والمسمى، وإن كان) المدعي
(المستأجر ضمنا للمؤجر التفاوت أيضا. ولو) شهدا بالإجارة فأبقيت العين في
يد المستأجر مدة الإجارة و (تعذر استيفاء الأجرة ضمناها) فهما المفوتان لها.
(وكذا لو شهدا بالبيع وتعذر استيفاء الثمن. ولو كان الثمن) المشهود به
(أقل من القيمة ضمنا التفاوت للمالك).
(الثامنة عشر: لو رجع المعرفان بعد الحكم ضمنا ما شهد به
الشاهدان) فإنهما أثبتا الحكم وفوتا المشهود به (وفي تضمينهما الجميع أو
النصف نظر): من أن التفويت حصل بأمرين: شهادة الشاهدين وتعريفهما
المشهود عليهما، وبعبارة اخرى بشهادتين: شهادة بالشيء المشهود به وشهادة
بالنسب فكان عليهما نصف الغرم، مع أصل البراءة، وهو الأقوى. ومن أنهما



(1) كذا، والمناسب: أخذا.
397
المثبتان لشهادة الشاهدين حيث عينا المشهود عليهما. (ولو أنكرا التعريف لم
يضمنا) شيئا إلا إذا قامت البينة أو علم الحاكم بالتعريف.
(التاسعة عشر: لو شهدا أنه أعتق عبده - وقيمته مائتان - على مائة ضمنها
آخر، ثم رجعا بعد الحكم، رجع كل من المولى والضامن عليهما بمائة)
وهو ظاهر، فإن قيمة العبد وإن كانت مائتين لكنهما لم يفوتا على مولاه إلا مائة.
(العشرون: لو شهدا بنكاح امرأة على صداق معين، وشهد آخران بالدخول
ثم رجعوا أجمع بعد الحكم احتمل وجوب الضمان أجمع على شاهدي النكاح،
لأنهما ألزماه المسمى) فإنهما اللذان شهدا به عليه، وخصوصا على المشهور
من لزوم المسمى بالعقد. (و) احتمل (وجوب النصف عليهما والنصف على
شاهدي الدخول، لأن شاهدي النكاح) وإن (أوجبناه و) لكن (شاهدي
الدخول قرراه) عليه فحينئذ (يقسم) المسمى عليهم (أرباعا. فلو شهد
اثنان) آخران (حينئذ بالطلاق ثم رجعا لم يلزمهما شيء، لأنهما لم يتلفا
عليه شيئا يدعيه) فإنه ينكر النكاح فلم يفوتا عليه البضع (ولا أوجبا عليه ما
ليس بواجب) فإنه وجب عليه تمام المسمى بشهادة الباقين.
(الحادية والعشرون: إذا زاد الشاهد في شهادته أو نقص قبل الحكم
بين يدي الحاكم احتمل رد شهادته أما) شهادته (الأولى فللرجوع) عنها
إلى الزائد أو الناقص فهي مردودة باعترافه. (وأما) الشهادة (الثانية) وهي
الزائدة أو الناقصة (فلعدم التثبت) ولما مر من قوله (صلى الله عليه وآله): من شهد عندنا ثم غير
أخذناه بالأول وطرحنا الأخير (1). (كأن يشهد بمائة ثم يقول: بل هي مائة
وخمسون أو) يقول: بل هي (سبعون).
لا يقال: لا رجوع إذا زاد، لإمكان فرض الرجوع فيه بأن كان المشهود به



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 239 ب 11 من أبواب الشهادات ح 4.
398
ثمن مبيع أو صداق امرأة أو أجرة أو نحو ذلك، فإن الاختلاف في أمثالها رجوع،
سواء كان بالزيادة أو بالنقصان.
واحتمل قبول شهادة الثانية لإمكان التذكر، وعدم التثبت نادرا لا ينفي الضبط
المعتبر في قبول الشهادة.
والشارحان (1) حملا " الأولى " على الشهادة التي نقص فيها ثانيا أي مجموع
شهادتيه في المرتين، و " الثانية " على التي زاد فيها أي مجموع الشهادتين، أو على
المسألتين أي مسألتي الزيادة والنقصان فذكرا أن الصواب إما الأولى فلعدم التثبت
وإما الثانية فللرجوع. أو تقديم قوله نقص على قوله زاد في أول المسألة فوقع السهو
من النساخ. والعجب من غفلتهما عما ذكرناه مع ظهوره ونصوصية التحرير فيه (2).
(وكذا لو شهد بمائة) بأن قال: أشهد أن عليه مائة (ثم قال: قضاه خمسين،
احتمل الرد) للرجوع وعدم التثبت، واحتمل القبول، لاحتمال قوله الأول: أنه
كان عليه مائة، فلا ينافيه قضاء خمسين. (أما لو قال: أدانه مائة ثم قال قضاه
خمسين فإنه تقبل شهادته في الباقي قطعا) لعدم احتمال الرجوع هنا.
(الثانية والعشرون: لو رجعا في الشهادة على الميت بعد اليمين) اللازمة
على المدعي (ففي إلزامهما بالجميع نظر): من التردد في أن لليمين مدخلا في
تمامية الحكم، أو الحكم يتم بالشهادة واليمين استظهارا لرفع احتمال القضاء أو الإبراء.
(الثالثة والعشرون: لو رجعا عن تاريخ البيع) بعد الحكم والاستيفاء، أو
بعد الحكم خاصة (بأن شهدا بالبيع منذ سنة) فحكم الحاكم وسلم المبيع
المدعي (ثم قالا: بل منذ شهر احتمل تضمين العين) للمشهود عليه، لإتلافها
عليه (لأن البيع السابق مغاير للاحق فلا يقبل قولهم،) - كذا عن خطه (رحمه الله)
أي الشهود - (في اللاحق) لأنه معارض بقولهم في السابق، ولظهور عدم



(1) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 465، وكنز الفوائد: ج 3 ص 577.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 299.
399
الضبط والتثبت منهما، وظهور فسقهما إن اعترفا بتعمد الكذب (وقد رجعا عن
السابق) فكأنهما شهدا بالبيع ثم رجعا عنه رأسا فعليهما ضمان العين. (وحينئذ
يضمنان الأجرة من حين الشهادة الأولى إلى الثانية) لا بعدها، لعدم سماعها،
فإنما أتلفا عليه منافع العين تلك المدة خاصة.
(واحتمل أن يضمنا المنافع) في تلك المدة (خاصة) لا العين (لأن
الرجوع في التاريخ ليس رجوعا عن الأصل) ولا عدم التثبت النادر مما
يقدح في قبول الشهادة، ولا معارضة إلا بين التاريخين وهي لا تقدح في ثبوت
أصل البيع، مع أنها ممنوعة عن أصلها، لجواز بيع عين واحدة في أزمنة مختلفة مع
اتحاد المتبايعين إذا تخلل كل بيعين انتقال إلى البائع، وظهور الفسق إنما يقدح في
الشهادة اللاحقة إذ لم يعلم تقدمه على الأولى، لجواز كذبهما في الرجوع، ولذا لا
ينقض به الحكم. وهذا هو الوجه عندي.
(وعلى هذا الاحتمال لو شهدا اثنان) آخران (بالشراء من البائع لآخر
منذ شهرين مثلا) وبالجملة في تاريخ متقدم على ثاني التاريخين اللذين شهد
بهما الأولان (ضمنا له العين قطعا) لأنهما بشهادتهما الأولى فوتا ها عليه لتقدم
تاريخها على تاريخ الشهادة له، ولولا تلك الشهادة قدمت الشهادة له على الشهادة
للأول، لسبق التاريخ. (و) ضمنا (المنافع للبائع من التاريخ الأول إلى
تاريخ الشراء الثاني) لثبوت الانتقال من البائع في هذا التاريخ بشهادة الآخرين
(و) ضمنا (للثاني) أي المشتري الثاني المنافع (منه) أي من تاريخ شرائه
(إلى تاريخ الرجوع) فإنهما إذا رجعا ضمنا العين إلا أن يؤخرا دفعها فيمكن
ضمان المنافع إلى الدفع. وعلى الاحتمال الأول إنما يضمنان العين للبائع ثم يأخذها
منه المشتري الثاني بالبينة، وإنما يضمنان له المنافع من تاريخ شرائه إلى الرجوع.
(فلو رجع الأخيران، فإن قلنا: يضمن الأولان العين) للبائع (على
تقدير عدم الشهادة الثانية ضمن الأولان للثاني) إذ لولا شهادتهما الأولى

400
ثبتت العين له فهما فوتا ها منه (والأخيران للبائع) لأنهما أتلفاها عليه
بشهادتهما للثاني (وإن قلنا بعدم الضمان) للعين للبائع (ضمن الأولان
للثاني) لما عرفت (والأخيران لهما) أي للأولين فإنهما أوجبا عليهما الضمان
بشهادتهما ولا يضمنان للبائع شيئا، لأن استحقاقه العين قد فات بشهادة الأولين.
(وهكذا حكم باقي العقود) كالوقف والصلح والهبة المعوضة.
(أما الإقرار فيشكل لإمكان القول بالاتحاد مع تغاير التاريخ. ولهذا
لو شهد أحدهما بالإقرار منذ سنة والآخر به منذ سنتين ثبت، ولم يثبت لو
شهد أحدهما بالبيع منذ سنة والآخر به منذ سنتين، لاتحاد الأول دون
الثاني. فلو رجعا عن تاريخ الإقرار بالعين) كأن قالا نشهد أنه أقر منذ سنة
بالعين لفلان ثم قالا كذبنا عمدا أو خطئا بل إنما سمعنا منه الإقرار بها منذ شهر
(ضمنا المنافع خاصة دون العين، مع احتماله) أي ضمان العين أيضا بناء
على أنه وإن لم يتناف الإقرار مرارا ولا يختلف الشهادة به باختلاف التاريخ
لكنهما اعترفا بكذبهما في الأول مع أنهما فوتا عليه العين من ذلك التاريخ ولما
كذباه عمدا أو خطئا لم يسمع شهادتهما الثانية فعليهما ضمان العين. (وباقي
البحث) فيما إذا شهد آخران بإقراره بالعين لآخر (كالأول).
(الرابعة والعشرون: يجب تعزير شاهدي الزور) كغيره من الكبائر كما
مر في خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن الصادق (عليه السلام) (1) (ليرتدع غيره) - كذا
بإفراد الضمير عن خطه - وكذا يرتدعا أنفسهما (في المستقبل، واشتهاره في
قبيلته ومحلته) ليجتنب الناس قبول شهادته بأن ينادي عليه في محلته أو قبيلته
أو سوقه أو مسجده بأنه شاهد زور فاعرفوه. ولا يحلق رأسه ولا يركب ولا يطاف
به ولا ينادي هو على نفسه ولا يمثل به، للأصل من غير معارض.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 241 ب 13 من أبواب الشهادات ح 1.
401
وعن عبد الله بن سنان وسماعة عن الصادق (عليه السلام) قال: قال: إن شهود الزور يجلدون
فيه جلدا ليس له وقت وذلك إلى الإمام، ويطاف بهم حتى يعرفهم الناس (1).
وفي خبر غياث بن إبراهيم: أن عليا (عليه السلام) كان إذا أخذ شاهد الزور فإن كان
غريبا بعث به إلى حيه، وإن كان سوقيا بعث إلى سوقه فطيف به ثم يحبسه أياما ثم
يخلى سبيله (2).
وقال (عليه السلام) في شاهدي زور على السرقة فرا: من يدلني على هذين الشاهدين
أنكلهما (3).
(فإن تابا وظهر إصلاح العمل منهما قبلت شهادتهما) كسائر المعاصي
(لكن بعد الاستظهار والبحث التام عن صلاحهما). عن سماعة قال
للصادق (عليه السلام): فإن تابوا - يعني شهود الزور - وأصلحوا تقبل شهادتهم بعد؟ فقال:
إذا تابوا تاب الله عليهم وقبلت شهادتهم بعد (4). وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر
السكوني: أنه شهد عنده رجل وقد قطعت يده ورجله فأجاز شهادته، وقد كان
تاب وعرفت توبته (5).
(ولا يؤدب الغالط في شهادته ولا من ردت) شهادته (لمعارضة بينة
اخرى أو لفسقه) لانتفاء التزوير أو العلم به. وقال الصادق (عليه السلام) في خبر
السكوني: إذا قال الشهود: لا نعلم خل سبيلهم، فإذا علموا عزرهم (6).
(الخامسة والعشرون: في التضمين بترك الشهادة مع ضعف المباشرة) عن



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 244 ب 15 من أبواب الشهادات ح 2 وذيله.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 244 ب 15 من أبواب الشهادات ح 3.
(3) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 318 ح 876.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 243 ب 15 من أبواب الشهادات ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 284 ب 37 من أبواب الشهادات ح 2.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 306 ب 55 من أبواب الشهادات ح 3، وفيه: عن إسماعيل بن
مسلم.
402
استدراك ما يفوت بتركها (إشكال): من تسببه للتلف بكتمان الشهادة فكأنه المتلف،
ومن أنه لم يتلف ولا فعل ما يتلف كما إذا أهمل حفظ مال لغيره فتلف. وذلك (كما
لو علما بيع المورث) عينا (من زيد، فباع الوارث من عمرو ولما يعلم)
بذلك البيع أو علم وجحد (وتعذر) على زيد (الرجوع على المشتري).
وجف القلم في القضاء الحمد لله، أصيل خامس عشر شهر رمضان لخاتمة.
المائة الحادية عشرة
وصلى الله على سيد الأنبياء وآله سادة الأئمة الكرام البررة.
وكتب مؤلفه محمد بن الحسن الإصبهاني
زوجا في بحابح الجنان بحورها الغواني.

403
كتاب الحدود

405
(كتاب الحدود)
والحد في الأصل المنع، ومنه الحديد لامتناعه وصلابته، ويقال للبواب: حداد
لمنعه الناس (1) سميت بها الامور المقدرة في الشرع لمنع الناس عن معاصي معينة.
عن سدير قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): حد يقام في الأرض أزكى فيها من قطر
مطر أربعين ليلة وأيامها (2).
وعن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) في قول الله عز وجل:
" يحيي الأرض بعد موتها " قال: ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله رجالا
فيحيون العدل فيحيي الأرض لإحياء العدل ولإقامة الحد فيه أنفع في الأرض من
القطر أربعين صباحا (3).
(وفيه مقاصد) ثمانية:
(الأول)
(في حد الزنا)
بقصر فيكتب بالياء، وبمد فيكتب بالألف (وفصوله أربعة):



(1) معجم مقاييس اللغة: ج 2 ص 3.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 308 ب 1 من أبواب مقدمات الحدود ح 2.
(3) المصدر السابق: ح 3.
407
(الأول: الموجب) لحد الزنا
وهو حقيقته بإضافة شرط وجوب الحد وهو التكليف (وهو إيلاج الإنسان)
الذكر (ذكره) وكأنه اكتفى به عن وصف الذكر بناء على أن ما للخنثى ليس بذكر
(حتى تغيب الحشفة) أو قدرها مع فقدها، أو الباقي بكماله على وجهين
(عالما بالتحريم مختارا بالغا عاقلا في فرج امرأة قبل أو دبر) كما نص
عليه ابن إدريس (1) والمحقق (2).
وقال ابن حمزة: في الوطء في دبر المرأة قولان: أحدهما أن يكون زنا وهو
الأثبت والثاني: أن يكون لواطا (3). قال في المختلف: والمشهور هو الأول فيتعين
المصير إليه (4).
قلت: وربما كان مراد الشيخين حيث قالا: إنه في الفرج خاصة تخصيصه بالقبل (5).
(مع تحريمها عليه) أصالة لا لحيض ونحوه، أي (من غير عقد ولا
شبهة عقد ولا ملك) ولا شبهة ملك، فهو تفسير للتحريم. أو المراد بالتحريم ما
يعم العرضي وهذا قيد يخرجه. أو المراد به ما يعم المستمر إلى الإيلاج وغيره
وهذا قيد يخرج غيره، أو المراد بالعقد ما يعم صورته عند من يستحل به، وبشبهته
اشتباهها بالزوجة وبالملك ما يعم الزائل بعد التملك.
(فلو تزوج امرأة محرمة) عليه (كأمه ومرضعته وزوجة الغير وغيرهن
فإن اعتقده) أي العقد عقدا صحيحا (شبهة) عليه ف‍ " شبهة " مفعول لأجله،
ويجوز كونه مفعولا ثانيا أي اعتقده شبهة عقد يحل بها الوطء كما زعمه
أبو حنيفة (6) (و) بالجملة: (جهل التحريم فلا حد) للشبهة (وإلا وجب



(1) السرائر: ج 3 ص 428.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 149.
(3) الوسيلة: ص 409.
(4) مختلف الشيعة: ج 9 ص 161.
(5) المقنعة: ص 774، النهاية: ج 3 ص 280.
(6) الحاوي الكبير: ج 9 ص 197.
408
الحد. ولا يسقط بمجرد العقد مع علم التحريم) كما زعمه أبو حنيفة.
(ولو استأجرها للوطء أو لغيره فتوهم الحل بذلك سقط الحد، وإلا)
يتوهمه (فلا) وقال أبو حنيفة: لا حد لو استأجرها للزنا فزنى بها (1).
(وبالجملة كل موضع يعتقد فيه إباحة النكاح) أي الوطي (يسقط
فيه الحد).
(ولو وجد امرأة على فراشه مثلا فظنها زوجته) أو أمته (فلا حد)
عليه ولا حد عليها لو ظنته زوجها أو سيدها (ولو تشبهت عليه حدت دونه).
وعن أبي روح: أن امرأة تشبهت بأمة لرجل - وذلك ليلا - فواقعها وهو يرى
أنها جاريته، فرفع إلى عمر، فأرسل إلى علي (عليه السلام) فقال: اضرب الرجل حدا في
السر واضرب المرأة في العلانية (2).
وهو متروك يحتمل لأن يكون (عليه السلام) علم منه العلم أو الظن بحالها وإن ادعى
الشبهة وعمل بظاهره القاضي (3).
وفي نكت النهاية: وسمعنا من بعض فقهائنا: إنه (عليه السلام) أراد إبهام الحاضرين
الأمر بإقامة الحد على الرجل سرا، ولم يقم عليه الحد، استصلاحا وحسما للمادة،
لئلا يتخذ الجاهل الشبهة عذرا، وهذا ممكن انتهى (4).
(ولو أباحته نفسها لم تحل له بذلك فإن اعتقده) أي الحل بذلك
(لشبهة) عليه (فلا حد).
(ولو أكرهها حد دونها) لأنه رفع عن الأمة ما استكرهوا عليه (وغرم
مهر مثلها) لأنها ليست ببغي، ولقول علي (عليه السلام) في خبر طلحة بن زيد: إذا اغتصب
الرجل أمة فاقتضها فعليه عشر ثمنها، فإذا كانت حرة فعليه الصداق (5). خلافا



(1) المجموع: ج 20 ص 25.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 409 ب 38 من أبواب حد الزنا ح 1.
(3) المهذب: ج 2 ص 524.
(4) النكت بهامش النهاية: ج 3 ص 295.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 410 ب 39 من أبواب الزنا ح 5.
409
للخلاف (1) والمبسوط (2) تمسكا بالأصل، وأنه لا مهر لبغي. ونعم ما قال ابن
إدريس: من سلم له أنها بغي؟ (3)
والعجب أنه قال في المبسوط: إذا استكره امرأة على زنى فلا حد عليها لأنها
ليست بزانية وعليه الحد لأنه زان، فأما المهر فلها مهر مثلها عند قوم، وقال
آخرون لا مهر لها، وهو مذهبنا لأن الأصل براءة الذمة. ثم قال متصلا به:
والأحكام التي يتعلق بالوطء على ثلاثة أضرب: أحدها معتبر بهما وهو الغسل،
فالغسل يجب على كل واحد منهما. والحد معتبر بكل واحد منهما، فإن كانا زانيين
فعلى كل واحد منهما الحد، وإن كان أحدهما زانيا فعليه الحد دون الآخر. وأما
المهر فمعتبر بها فمتى حدث فلا مهر، وإذا سقط الحد وجب لها المهر (4). وما ذكر
ثانيا هو الصواب.
وقال نحوه في فصل اجتماع العدتين من كتاب العدد أيضا، قال: والأحكام
المتعلقة بالوطء على ثلاثة أضرب - إلى قوله -: وضرب يعتبر بالموطوءة وإن
كانت زانية لم يجب، وإن لم تكن زانية وجب وإن كان الرجل زانيا وهو المهر (5).
وفي كتاب الصداق: إن أكره امرأة أو وطئها لشبهة فأفضاها وجب المهر والدية (6).
وفي الديات: لا مهر لها إن كانت ثيبا للزنا، وإن كانت بكرا فلها المهر والدية (7).
وكلامه في صداق الخلاف (8) ودياته (9) موافق لكلامه في الحدود من نفي المهر.
(ولو اكره على الزنا سقط الحد على إشكال ينشأ: من) احتمال
(عدم تحقق الإكراه في الرجل) لعدم انتشار الآلة إلا عن الشهوة المنافية



(1) الخلاف: ج 5 ص 393، المسألة 36.
(2) المبسوط: ج 8 ص 10.
(3) السرائر: ج 3 ص 436.
(4) المبسوط: ج 8 ص 10 و 11.
(5) المبسوط: ج 5 ص 266.
(6) المبسوط: ج 4 ص 318.
(7) المبسوط: ج 7 ص 150.
(8) الخلاف: ج 4 ص 395 المسألة 41.
(9) الموجود فيه إثبات المهر، راجع الخلاف: ج 5 ص 258 المسألة 67.
410
للخوف، وهو خيرة الغنية (1). والأقرب كما في التحرير التحقق، لأن التخوف بترك
الفعل والفعل لا يخاف منه فلا يمنع الانتشار (2) ولإمكان الإكراه فعلا من غير
تخويف حين انتشار الآلة.
(والأعمى يحد كالمبصر إلا أن يدعي الشبهة المحتملة) فيقبل ويدرء
عنه الحد وفاقا لابن إدريس (3) والمحقق (4) لعموم أدلة اندراء الحدود بالشبهة.
وقال المفيد: إذا ادعى أنه اشتبه عليه الأمر فظن أن التي وطئها زوجته لم
يسقط ذلك عنه الحد، لأنه قد كان ينبغي له أن يتحرز ويتحفظ من الفجور (5). وتبعه
على ذلك الشيخ (6) وسلار (7) والقاضي (8). ولعلهم أرادوا أن دخول الشبهة عليه لما
كان قريبا جدا فلابد له من بذل المجهود في التحفظ وارتفاع الشبهة عنه، وعند
ذلك فلا يشتبه عليه فلا يقبل منه ادعاؤه الشبهة. ولذا قال ابن إدريس: فإن ادعى
أنه اشتبه عليه الأمر فظن أن التي وطأها كانت زوجته أو أمته وكانت الحال
شاهدة بما ادعاه بأن تكون على فراشه نائمة قد تشبهت بزوجته أو أمته فإنه يدرء
عنه الحد للشبهة، فإن كان شاهد الحال بخلاف ذلك فإنه لا يصدق وأقيم عليه
الحد (9). فيمكن ابتناء كلام الشيخين ومن تبعهما على الغالب.
(ولو ملك بعض الأمة) فوطئها والباقي منها حر أو ملك لغيره ولم يأذن له
(حد بنصيب غيره) أو الحرية إن علم التحريم، ودرئ عنه الحد بماله فيها من
النصيب، للنصوص، كقول الباقر (عليه السلام) في خبر إسماعيل الجعفي: في جارية بين رجلين
فوطئها أحدهما دون الآخر فأحبلها، قال: يضرب نصف الحد ويغرم نصف القيمة (10).



(1) الغنية: ص 424.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 304.
(3) السرائر: ج 3 ص 447 - 448.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 151.
(5) المقنعة: 783.
(6) النهاية: ج 3 ص 295.
(7) المراسم: ص 254.
(8) المهذب: ج 2 ص 524.
(9) السرائر: ج 3 ص 448.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 391 ب 22 من أبواب حد الزنا ح 7.
411
وصحيح أبي ولاد الحناط أنه سأل الصادق (عليه السلام): عن جارية بين رجلين
أعتق أحدهما نصيبه فيها، فلما رأى ذلك شريكه وثب على الجارية فوقع بها،
فقال (عليه السلام): يجلد الذي وقع عليها خمسين جلدة ويطرح عنه خمسين جلدة (1).
وخبر الحسين بن خالد أنه سأل عن مكاتبة مطلقة أدت بعض مكاتبتها
وجامعها مولاها بعد ذلك، فقال: إن كان استكرهها على ذلك ضرب من الحد بقدر
ما أدت له من مكاتبتها، وردئ عنه من الحد بقدر ما بقي له من مكاتبتها، وإن
كانت تابعته كانت شريكته في الحد ضربت مثل ما يضرب (2). (فإن اعتقد
الإباحة) بملك البعض (سقط) عنه الحد للشبهة.
(ولو ملك بعض زوجته حرمت عليه و) إن وطأها بعد ذلك (سقط
الحد بأجمعه للشبهة) إن اعتقد الحل، (و) سقط (ما قابل ملكه خاصة مع
عدمها) أي الشبهة إذ لا عبرة بالعقد حينئذ.
(ولو كان العقد فاسدا لم تحل) له (به فإن اعتقده) أي الحل (سقط
الحد) سواء اعتقد الصحة، أو علم الفساد واعتقد الحل به.
(ولا حد في وطء زوجته الحائض والصائمة والمحرمة والمظاهرة) قبل
التكفير (والمولى منها) أول مرة لخروجه عن الزنا وإن حرم ما عدا وطء المولى
منها، وأما هو فربما وجب. وورد تعزير واطئ الحائض بخمسة وعشرين سوطا.
(ولو كانت مملوكته محرمة عليه برضاع أو نسب أو تزويج أو عدة
حد إلا مع الشبهة) خلافا لأبي حنيفة (3) وللشافعي (4) في أحد قوليه بناء على
كون الملك شبهة، وعندنا لا ملك لمحرمة عليه بالنسب وكذا بالرضاع على قول،
فإنها يعتق عليه إذا ملكها.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 389 ب 22 من أبواب حد الزنا ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 406 ب 34 من أبواب حد الزنا ح 1.
(3) بدائع الصنائع: ج 4 ص 14.
(4) الحاوي الكبير: ج 9 ص 197.
412
(ولا) حد عليه (مع النوم) لاستحالة تكليف الغافل (فلو استدخلت
ذكره وهو نائم، أو وجد منه الزنا حال نومه فلا حد).
(ولو زنى السكران حد) إن سكر متعمدا وفاقا للشيخين (1) وبني زهرة (2)
وإدريس (3) وسعيد (4) وسلار (5) فإن المعصية لا تتسبب للرخصة، وفي التحرير: أنه
لا حد عليه (6).
(ولو زنى المجنون لم يحد على الأصح) وفاقا للمفيد في العويص (7)
وسلار (8) وابن إدريس (9) والمحقق في النكت (10) لعموم رفع القلم عنه، وخصوص
خبر الأصبغ أن عمر أتي بخمسة أخذوا في الزنا، فعزر علي (عليه السلام) أحدهم وقال: إنه
مجنون مغلوب على عقله (11). وقوله (عليه السلام) في خبر حماد بن عيسى: لا حد على المجنون
حتى يفيق، ولا على الصبي حتى يدرك، ولا على النائم حتى يستيقظ (12).
وخلافا للصدوق (13) والشيخين (14) والقاضي (15) وابن سعيد (16) لقول
الصادق (عليه السلام) في خبر ابن تغلب: إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحد، فإن كان
محصنا رجم، قلت وما الفرق بين المجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة؟ فقال:
المرأة إنما تؤتى والرجل يأتي وإنما يأتي إذا عقل كيف يأتي اللذة، وإن المرأة إنما



(1) المقنعة: ص 783، النهاية: ج 3 ص 294.
(2) الغنية: ص 424.
(3) السرائر: ج 3 ص 447.
(4) الجامع للشرائع: ص 552.
(5) المراسم: ص 254.
(6) تحرير الأحكام: ج 5 ص 313.
(7) مسائل العويص (مصنفات الشيخ المفيد): ج 6 ص 45 المسألة 48.
(8) المراسم: ص 252.
(9) السرائر: ج 3 ص 444.
(10) النكت بهامش النهاية: ج 3 ص 291.
(11) وسائل الشيعة: ج 18 ص 350 ب 1 من أبواب حد الزنا ح 16.
(12) وسائل الشيعة: ج 18 ص 316 ب 8 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
(13) المقنع: ص 436.
(14) النهاية: ج 3 ص 290، المقنعة: ص 779.
(15) المهذب: ج 2 ص 521.
(16) الجامع للشرائع: ص 552.
413
تستكره ويفعل بها وإنما هي لا تعقل ما يفعل بها (1).
قال في المختلف: والجواب بعد صحة السند الحمل على من يعتوره الجنون
إذا زنى بعد تحصيله، لأن العلة التي ذكرها الإمام يدل عليه (2). وتردد المحقق في
النافع (3) والشرائع (4).
(الفصل الثاني في طريق ثبوته)
(إنما يثبت) عند الحاكم إذا لم يعاينه (بأمرين: الإقرار والبينة، فهما
مطلبان):
(الأول: الإقرار)
(ويشترط فيه: البلوغ والعقل والحرية والاختيار والقصد) كسائر الأقارير
(وتكراره أربع مرات) للأصل والنصوص والإجماع كما يظهر، إلا من ظاهر
الحسن على ما يقال، لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الفضيل: من أقر على نفسه عند
الإمام بحق حد من حدود الله مرة واحدة، حرا كان أو عبدا، حرة كانت أو أمة،
فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه للذي أقربه على نفسه كائنا من كان إلا الزاني المحصن،
فإنه لا يرجم حتى يشهد عليه أربعة شهود (5). وحمله الشيخ على غير الزاني (6).
(وفي اشتراط ما يشترط في البينة من الاتحاد) في المقر به (إشكال):
من إطلاق النصوص والفتاوى وثبوت القدر المشترك بذلك وهو الزنا وهو يكفي
في وجوب الحد. ومن الأصل، والابتناء على التخفيف، وأن المقر به عند



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 388 ب 21 من أبواب حد الزنا ح 2.
(2) مختلف الشيعة: ج 9 ص 146.
(3) المختصر النافع: ص 213.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 150.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 343 ب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 8 ذيل الحديث 20.
414
الاختلاف أفعال مختلفة لم يكمل على شيء منها نصاب الإقرار.
(فلا عبرة بإقرار الصبي وإن كان مراهقا و) لكن (يؤدب لكذبه أو صدور
الفعل عنه) لأنه لا يخلو منهما. (ولا بإقرار المجنون) حال جنونه (ولو كان
يعتوره) الجنون (وأقر حال إفاقته وعرف الحاكم كماله حينئذ حكم عليه،
وإلا) يعرف كماله حينئذ (فلا) لعدم العلم بتحقق شرط السماع وهو الكمال.
(ولو أقر المملوك لم يحكم عليه) بشيء لأنه إقرار في حق المولى (ولو
صدقه مولاه صح) لانحصار الحق فيهما. (ولو أعتق) بعد الإقرار (فالأقرب
الثبوت) لزوال المانع. ويحتمل العدم، لأنه أقر حين لم يكن عبرة بإقراره، فهو
كما إذا أقر صبيا ثم بلغ. وجوابه: ظهور الفرق، فإن إقرار الصبي لا يقبل لنقصه في
ذاته وعقله، وإقرار المملوك إنما لا يعتبر لتعلق حق الغير به وكون إقراره في حق
الغير. وقد يبني الوجهان على أن تعلق حق المولى به مانع السبب أو الحكم.
(والمدبر وام الولد والمكاتب المشروط والمطلق وإن تحرر بعضه
كالقن) لتعلق حق المولى بالكل.
(ولو اكره على الإقرار لم يصح) كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في
خبر أبي البختري: من أقر عند تجريد أو حبس أو تخويف أو تهديد فلا حد
عليه (1). (وكذا لو أقر من غير قصد كالسكران والنائم والساهي والغافل).
(ولو أقر من جمع الصفات أقل من أربع لم يثبت الحد وعزر) وفاقا
للشيخين (2) وابن إدريس (3) لعموم ما يدل على الأخذ بالإقرار، خرج منه هذا
الحد بالإجماع والنصوص فيثبت التعزير.
وفيه نظر، فإن كان على الحكم إجماع أو نص صحيح تبعناه، وإلا فالأصل



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 497 ب 7 من أبواب حد السرقة ح 2.
(2) المقنعة: ص 775، النهاية: ج 3 ص 281.
(3) السرائر: ج 3 ص 429.
415
البراءة، ويؤيدها الأخبار (1) الواردة في سماع النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) الإقرار
به، فإنهما لم يعزرا المقر قبل الرابع مع ما في بعضها من التراخي الطويل بين الأقارير،
إلا أن يقال: إنهما كانا علما أنه سيقر أربعا.
(وهل يشترط تعدد المجالس في الإقرار؟ الأقرب العدم) وفاقا
لإطلاق الأكثر، للأصل، وإطلاق قول الصادق (عليه السلام) في خبر جميل: ولا يرجم
الزاني حتى يقر أربع مرات (2). خلافا للخلاف (3) والمبسوط (4). وظاهر الخلاف
الإجماع عليه (5) ولا حجة له فيما وقع من تعدد المجالس عند النبي
وأمير المؤمنين (عليهما السلام) (والرجل والمرأة) في جميع ذلك (سواء).
(ويقبل إقرار الأخرس إذا أقر أربعا وفهمت إشارته) خلافا لأبي
حنيفة (6). (ويكفي المترجمان) كما يكفي شاهدان على إقرار الناطق أربعا و
(لا) يكفي (أقل) منهما، لأن الترجمة شهادة لا رواية.
(ولو) أقر بالزنا (ونسب إلى امرأة) فقال: زنيت بفلانة (ثبت الحد
للقذف بأول مرة على إشكال) في ثبوت القذف بهذا الإقرار مرة أو مرارا:
من أنه إنما ذكر أنه زنا بها وهو لا يستلزم زناها، لجواز الشبهة والإكراه، وصحيح
محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) في رجل قال لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك، قال:
عليه حد واحد لقذفه إياها، وأما قوله: أنا زنيت بك فلا حد عليه فيه إلا أن يشهد على
نفسه أربع مرات بالزنا عند الإمام (7). لأنه ربما يعطي أن قوله: زنيت بك ليس قذفا.
ومن أنه الظاهر من إطلاقه، وإنه هتك عرضها بذلك، وحد القذف حق
للمقذوف لا يدرؤا بالشبهة.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 377 - 381 ب 16 من أبواب حد الزنا.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 320 ب 12 من أبواب مقدمات الحدود ح 5.
(3) الخلاف: ج 5 ص 377، المسألة 16.
(4) المبسوط: ج 8 ص 4.
(5) الخلاف: ج 5 ص 378، المسألة 16.
(6) الشرح الكبير: ج 10 ص 193.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 446 ب 13 من أبواب حد القذف ح 1.
416
نعم إن فسر ونص على الشبهة أو الإكراه في حقها درئ عنه الحد وكان عليه
التعزير لايذائها، وهو خيرة الشيخين (1) وابن إدريس (2). ويؤيده قول النبي (صلى الله عليه وآله)
في خبر السكوني: لا تسأل الفاجرة من فجر بك؟ فكما هان عليه الفجور يهون عليها
أن ترمي البرئ المسلم (3). وقول علي (عليه السلام) في خبره: إذا سألت الفاجرة من فجر بك؟
فقالت فلان لحدتها حدين: حدا لفجورها، وحدا لفريتها على الرجل المسلم (4).
وفيه: الفرق الظاهر بين قول الرجل زنيت بفلانة وقول المرأة زنى بي فلان
(ولا يثبت) الحد (في طرفه إلا أن يكرره أربعا).
(ولو أقر بحد ولم يبينه ضرب حتى ينهى عن نفسه) وإن لم يبلغ أحدا
من الحدود، المقدرة، لأن نهيه يدل على ارادته التعزير (أو يبلغ المائة) فإنها
أقصى الحدود، وما يزاد لشرف المكان أو الزمان تعزير زائد على أصل الحد،
والأصل عدمه. نعم إن علم بالعدد وبالمسألة وطلب الزيادة توجه الضرب إلى أن
ينهى. والأصل في المسألة خبر ابن قيس عن الباقر (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر
في الرجل أقر على نفسه بحد ولم يسم، أن يضرب حتى ينهى عن نفسه (5). وحكاه
الشيخ كما هو في النهاية (6) وأفتى بمضمونه القاضي (7) وابن سعيد (8).
وقال المحقق في النكت: وهذه الرواية مشهورة فيعمل بها وإن كان في
طريقها قول، ويؤيدها أنه إقرار من بالغ عاقل فيحكم به، قال: وهذا اللفظ مطلق
فيحمل على العارف وغيره (9).



(1) المقنعة: ص 793، النهاية: ج 3 ص 349.
(2) السرائر: ج 3 ص 528.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 411 ب 41 من أبواب حد الزنا ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 411 ب 41 من أبواب حد الزنا ح 2.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 318 ب 11 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
(6) النهاية: ج 3 ص 303.
(7) المهذب: ج 2 ص 529.
(8) الجامع للشرائع: ص 524.
(9) النكت بهامش النهاية: ج 3 ص 304.
417
وقال ابن إدريس: ضرب أعلى الحدود إلى أن ينهى هو عن نفسه من دونها
وبعد تجاوز الحد الذي هو الثمانون، فإن نهى عن نفسه قبل بلوغ الثمانين سوطا
الذي هو حد شارب الخمر فلا يقبل منه، وضرب إلى أن يبلغه. قال: وهذا تحرير
هذه الفتيا، وقد روي أنه يضرب حتى ينهى هو عن نفسه (1) انتهى.
وقال المحقق في الشرائع: ربما كان صوابا في طرف الزيادة وليس بصواب
في طرف النقصان، لجواز أن يريد بالحد التعزير (2).
وفي النكت: ولا أستبعد إذا وصل به إلى مائة جلدة أن يقطع عنه الجلد، وإن لم
يمنع عن نفسه، لأنه لا حد وراء المائة. وإذا نهى عن نفسه قبل وإن كان دون الحد،
لاحتمال أن يكون ذلك توهمه وأنه يسمى حدا، فيسقط ما زاد للاحتمال، إذ لا
يثبت بالإقرار إلا ما يتحقق أنه مراد من اللفظ (3).
وفي المختلف: إن حد القواد أقل من ثمانين فكيف يتعين الثمانون، وإن
التعزير قد يسمى حدا مجازا، والأصل براءة الذمة، فجاز إرادته (4).
وما اعترض به عليه: من أن اللفظ لا يحمل على المجاز بلا قرينة، ظاهر الاندفاع،
لما أشرنا إليه من أن النهي قرينة واضحة عليه. وكذا ما قيل: من أن أمر التعزير منوط
برأي الحاكم ولا رأي له ما لم يعرف عين المعصية، فإنه إنما يناط برأيه إذا عرف
عينها، وما المانع فيما إذا أقر هذا الإقرار المبهم من أن يكون منوطا برأي المقر.
نعم يمكن أن يقال: لما كان ابن قيس مشتركا ولم ينقل اتفاق الأصحاب على
العمل بخبره هذا وكان الأصل البراءة لم يحد هذا المقر ولم يسمع منه إقراره حتى
يبين. ويؤيده ما روي عن أنس بن مالك أنه قال: كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاء
رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي ولم يسمه، قال: وحضرت
الصلاة فصلى مع النبي (صلى الله عليه وآله) فلما قضى الصلاة قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله



(1) السرائر: ج 3 ص 455.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 152.
(3) النكت بهامش النهاية: ج 3 ص 304.
(4) مختلف الشيعة: ج 9 ص 157.
418
أصبت حدا فأقم علي ما في كتاب الله، قال: أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم، قال:
فإن الله قد غفر لك ذنبك أو حدك (1).
ويمكن أن يكون الرجل قد تاب في الصلاة فعفى (عليه السلام) عنه. واشتراك ابن
قيس هنا ممنوع، لأن الظاهر كونه الثقة، لروايته عن الباقر (عليه السلام) عن علي (عليه السلام)،
وكون الراوي عنه عاصم بن حميد.
وفي المقنع: وقضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أقر على نفسه بحد ولم يبين
أي حد هو: أن يجلد حتى يبلغ ثمانين فجلد، ثم قال: لو أكملت جلدك مائة ما
ابتغيت عليه بينة غير نفسك (2). وقد يؤيد هذا ما ذكره ابن إدريس (3).
ثم إطلاقه وإطلاق الخبر الأول والأصحاب منزل على الحد الذي يقتضيه ما
وقع فيه من الإقرار، فلا يحد مائة ما لم يقر أربعا، ولا ثمانين ما لم يقر مرتين، ولا
يتعين المائة إذا أقر أربعا، ولا الثمانون إذا أقر مرتين على قول غير ابن إدريس.
(ولو أنكر ما أقربه من الحدود لم يلتفت إليه) وفاقا للنهاية (4) والمبسوط (5)
والسرائر (6) والوسيلة (7) والشرائع (8) والنافع (9) والجامع (10) (إلا) إذا أقر (بما
يوجب الرجم، فإنه يسقط بإنكاره) بلا خلاف كما في الإيضاح (11).
ويدل عليهما قول الصادق (عليه السلام) في حسن محمد بن مسلم: من أقر على نفسه
بحد أقمته عليه إلا الرجم، فإنه إذا أقر على نفسه ثم جحد لم يرجم (12). وفي حسن
الحلبي: إذا أقر الرجل على نفسه بحد أو فرية ثم جحد جلد، قال: أرأيت إن أقر



(1) سنن البيهقي: ج 8 ص 333.
(2) المقنع: ص 438.
(3 و 6) السرائر: ج 3 ص 455.
(4) النهاية: ج 3 ص 304.
(5) المبسوط: ج 8 ص 4.
(7) الوسيلة: ص 410.
(8) شرائع الإسلام: ج 4 ص 152.
(9) المختصر النافع: ص 214.
(10) الجامع للشرائع: ص 551.
(11) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 473.
(12) وسائل الشيعة: ج 18 ص 319 ب 11 من أبواب مقدمات الحدود ح 3.
419
بحد على نفسه بلغ فيه الرجم أكنت ترجمه؟ قال لا ولكن كنت ضاربه (1). وفي خبر
آخر له: إذا أقر على نفسه عند الإمام أنه سرق ثم جحد، قطعت يده وإن رغم أنفه، وإن
أقر على نفسه أنه شرب خمرا، أو بفرية فاجلدوه ثمانين جلدة، قال: فإن أقر على نفسه
بحد يجب فيه الرجم أكنت راجمه؟ قال: لا، ولكن كنت ضاربه بالحد (2). وعن جامع
البزنطي: إنه يحلف ويسقط عنه الرجم (3). وإنه رواه عن الصادقين (عليهما السلام) بعدة أسانيد.
وأما قول أحدهما (عليهما السلام) في مرسل جميل: لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة
مرتين، فإن رجع ضمن السرقة، ولم يقطع إذا لم يكن شهود (4). فالمعنى أنه إن
رجع بعدما أقر مرة، أي لم يقر مرتين. وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله.
وفي الخلاف (5) والغنية (6): إذا أقر بحد ثم رجع عنه سقط عنه الحد. واستدل
في الخلاف بالإجماع، وبأن ما عزا أقر عند النبي (صلى الله عليه وآله) بالزنا فأعرض عنه مرتين أو
ثلاثا، ثم قال: لعلك لمست، لعلك قبلت (7). فعرض له بالرجوع حتى أعرض عن إقراره.
وصرح له بذلك في قوله " لعلك لمست لعلك قبلت " فلولا أن ذلك يقبل منه وإلا لم
يكن له فائدة. وضعف هذا الدليل ظاهر، وكان الصواب الاستدلال باندراء الحدود
بالشبهات. ويمكن حمل كلام الشيخ على الرجوع قبل كمال ما يعتبر من المرات
في الإقرار كما يرشد إليه استدلاله بقضية ماعز ويبعد ذلك في كلام ابن زهرة.
(وفي إلحاق القتل) بغير الرجم (به إشكال): من الاحتياط في الدماء
وابتناء الحد على التخفيف وهو خيرة الوسيلة (8) ومن خروجه عن النصوص.
(ولو أقر) أربعا (باستكراه جارية على الزنا ورجع سقط الحد دون المهر،
وكذا لو أقر) به (مرة واحدة) ثبت المهر دون الحد. وقيد الاستكراه مبني على



(1) المصدر السابق: ح 2.
(2) المصدر السابق: ص 318 ح 1.
(3) لم نعثر عليه.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 487 ب 3 من أبواب حد السرقة ح 1.
(5) الخلاف: ج 5 ص 378، المسألة 17.
(6) الغنية: ص 424.
(7) انظر سنن البيهقي: ج 8 ص 225 و 226.
(8) الوسيلة: ص 410.
420
أنه لا مهر لها مع المطاوعة، وقيد الجارية لوجوب القتل باستكراه الحرة.
(ولو تاب عند الحاكم بعد الإقرار تخير الإمام في إقامة الحد عليه)
كما في النهاية (1) والإصباح (2) (رجما كان أو غيره) كما في النافع (3)
والجامع (4) والشرائع (5) لسقوط الذنب بالتوبة فيسقط موجبه، وللإجماع في الرجم
كما في السرائر (6) وقوله (صلى الله عليه وآله) لماعز لما فر من الحفيرة: هلا رددتموه إلي لعله
يتوب (7). ولورود الأخبار بجواز العفو للإمام عن حدود الله (8).
وفي السرائر: هذا إذا كان الحد رجما يوجب تلف نفسه، فأما إن كان الحد
جلدا فلا يجوز العفو عنه، ولا يكون الحاكم فيه بالخيار، لأنا أجمعنا على أنه
بالخيار في الموضع الذي ذكرناه، ولا إجماع على غيره، فمن ادعاه وجعل بالخيار
وعطل حدا من حدود الله تعالى فعليه الدليل (9).
وفي المختلف: أن المقتضي لإسقاط الرجم عنه اعترافه بالذنب وهو موجود
في الحد، لأنه أحد العقوبتين، ولأن التوبة يسقط تحتم أشد العقوبتين فإسقاطها
لتحتم الاخرى الأضعف أولى (10).
ثم الأصحاب قصروا التخيير على الإمام فليس لغيره من الحكام.
ثم المراد بالحد حدود الله فإن ما كان من حقوق الناس لا يسقط إلا بإسقاط
صاحب الحق. وسيأتي في حد القذف أنه لا يسقط إلا بالبينة أو إقرار المقذوف أو
عفوه أو اللعان، وفي حد السرقة أنه لا يسقط بالتوبة بعد الإقرار.
(ولا تحد المرأة بمجرد الحمل وإن كانت خالية من بعل ما لم تقر بالزنا



(1) النهاية: ج 3 ص 291.
(2) إصباح الشيعة: ص 515.
(3) المختصر النافع: ص 214.
(4) الجامع للشرائع: ص 551.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 152.
(6 و 9) السرائر: ج 3 ص 444.
(7) سنن أبي داود: ج 4 ص 145 ح 4419.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 330 ب 18 من أبواب مقدمات الحدود.
(10) مختلف الشيعة: ج 9 ص 147.
421
أربع مرات) أو تقم عليها البينة به، لجواز الشبهة والاستكراه. خلافا لمالك (1)
وليس علينا سؤالها، لأصل البراءة وعدم الزنا. وظاهر المبسوط (2): لزوم السؤال.
(ويشترط في الإقرار أن يذكر حقيقة الفعل ليزول الشبهة، إذ قد يعبر بالزنا
عما لا يوجب الحد) من مقدماته حتى النظر، فقد ورد في الأخبار وكلم الناس:
أن العينين تزنيان (3) (ولهذا قال النبي (صلى الله عليه وآله) لماعز) بن مالك الأسلمي: (لعلك
قبلت أو غمزت أو نظرت، قال: لا، قال: أفنكتها لا تكني؟) (4) عن النيك
الذي هو الصريح بشيء من الوطء والنكاح أو نحو ذلك، والجملة حال عن ضمير قال،
(قال: نعم) ثم بالغ (عليه السلام) في التصريح لإمكان إطلاق النيك على التفخيذ ونحوه ولو
مجازا (فقال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها كما تغيب المرود في المكحلة
والرشا في البئر؟ قال: نعم) ثم قال (عليه السلام): هل تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها
حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا (5) (فعند ذلك أمر برجمه) ولما لم يكن
للقول الأخير مدخل في التصريح لم يتعرض له، وإنما قاله (صلى الله عليه وآله) ليتم نصاب الإقرار.
(ولو أقر أنه زنى بامرأة فكذبته حد دونها) وإن صرح بأنها طاوعته
ولم يدخلها فيه شبهة، إذ لا يؤخذ أحد بإقرار غيره.
(ولو أقر من يعتوره الجنون) حال الإفاقة بالزنا (وأضافه إلى حال
إفاقته حد، ولو أطلق لم يحد) لاحتمال وقوعه حال الجنون، إلا على قول من
يقيم الحد على المجنون.
(ولو أقر العاقل بوطء امرأة وادعى أنها امرأته، فأنكرت الزوجية
فإن لم تعترف بالوطء فلا حد عليه) وإن أقر أربعا (لأنه لم يقر بالزنا)



(1) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 192.
(2) المبسوط: ج 8 ص 7.
(3) مسند الإمام أحمد بن حنبل: ج 1 ص 412.
(4) سنن أبي داود: ج 4 ص 147 ح 4427.
(5) سنن أبي داود: ج 4 ص 147 - 148 ح 4427، 4428.
422
وإنما أقر بوطء امرأته (ولا مهر) لها، لإنكارها الوطء، وإن كان أقبضها شيئا
على أنه مهر لم يكن له الاسترداد.
(ولو اعترفت بالوطء وأقرت أنه زنى بها مطاوعة فلا مهر) لها لأنها
بغي باعترافها (ولا حد عليه) وإن أقر أربعا، لما عرفت (ولا عليها إلا أن تقر
أربع مرات).
(وإن ادعت أنه أكرهها عليه أو اشتبه عليها) بزوجها أو سيدها (فلا
حد) على أحد منهما (وعليه المهر) المسمى إن ذكر التسمية ووافق مهر المثل
أو زاد وإن لم يكن لها المطالبة بالزائد، وإن نقص فعليه مهر المثل إلى أن تثبت
الزوجية، وإن لم يكن تسميه فمهر المثل.
(المطلب الثاني: البينة)
(إنما يثبت الزنا بشهادة أربعة رجال) بنص الكتاب (أو ثلاثة
وامرأتين، أو رجلين وأربع نسوة) بالسنة وقد سمعتها في الشهادات مع ما في
المسألة من الخلاف. (ويثبت به) أي بالأخير (الجلد خاصة وبالأولين
الرجم) كما عرفت.
(ولا يثبت) الحد ولا الرجم (برجل مع النساء وإن كثرن). خلافا
للخلاف (1) كما سمعت. (ولا بشهادة النساء منفردات، ويجب على الجميع)
على الأخيرين (حد الفرية) بالإجماع والنص من الكتاب والسنة فقال تعالى:
" لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم
الكاذبون " (2) وسيأتي أنه إذا لم يحضر الرابع وشهد ثلاث حدوا للفرية ولم يرتقب
حضوره. والخناثى في الشهادة كالنساء.
(ويشترط في الثبوت بالبينة أمور ثلاثة):



(1) الخلاف: ج 6 ص 251، المسألة 2.
(2) النور: 13.
423
(الأول: أن يشهدوا بالمعاينة للإيلاج كالميل في المكحلة) كما قال
أمير المؤمنين (عليه السلام) في حسن محمد بن قيس: لا يجلد رجل ولا امرأة حتى يشهد
عليه أربعة شهود على الإيلاج والإخراج (1). وقال الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي:
حد الرجم أنه يشهد أربعة أنهم رأوه يدخل ويخرج (2). وفي خبر أبي بصير: لا يرجم
الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع والإيلاج والإدخال
كالميل في المكحلة (3) فإن الشهادة إنما تسمع بما عوين أو سمع، ولا معنى للزنا حقيقة
إلا ذلك، فلا تسمع الشهادة به إلا إذا عوين كذلك. وربما أطلق على غيره من
التفخيذ ونحوه، فلو لم يصرح الشهود به لم يكن الشهادة نصا في الموجب للحد.
وأما قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة: " إذا قال الشاهد: إنه قد جلس منها
مجلس الرجل من امرأته أقيم عليه الحد " (4) فيمكن أن يكون تعبيره بهذه العبارة في
كلامه (عليه السلام) كناية عن قول الشاهد: إنه وطأها. واحتمل الشيخ (5) فيه وجهين: أحدهما
إرادة التعزير من الحد، والآخر أن يكفي ذلك في الجلد وإن لم يكف في الرجم.
(فلو شهدوا بالزنا ولم يشهدوا بالمعاينة حدوا للقذف) ولم يحد
المشهود عليه.
(ولو لم يشهدوا بالزنا بل بالمعانقة أو المضاجعة فعلى المشهود عليه
التعزير دون الحد) للأصل والإجماع والأخبار (6) كما يظهر منهم.
وما في الأخبار من أنهما يجلدان مائة سوط غير سوط، فهو نهاية التعزير ولا
حدل أقله. وفي المقنعة (7) والغنية (8): أنهما يعزران من عشر جلدات إلى تسع وتسعين.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 371 ب 12 من أبواب حد الزنا ح 2.
(2) المصدر السابق: ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 371 ب 12 من أبواب حد الزنا ح 4.
(4) المصدر السابق: ص 373 ح 10.
(5) انظر تهذيب الأحكام: ج 10 ص 43 ذيل الحديث 152.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 367 ب 10 من أبواب حد الزنا ح 19 و 20.
(7) المقنعة: ص 774.
(8) الغنية: ص 435.
424
وللعامة قول بجلدهما خمسين خمسين، وآخر مائة مائة (1).
وفي صحيح الحلبي وحسنة ابن سنان عن الصادق (عليه السلام): إن حد الجلد أن يؤخذا
في لحاف واحد (2). وسأل أبو بصير الصادق (عليه السلام): عن امرأة وجدت مع رجل في
ثوب واحد، فقال: يجلدان مائة جلدة ولا يجب الرجم حتى تقوم البينة الأربعة
بأنه قد رؤي يجامعها (3). ونحوه خبر الكناني عنه (عليه السلام) (4). وقال (عليه السلام) في خبر
عبد الرحمن الحذاء: إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد جلدا مائة جلدة (5).
وحملها الشيخ على أن الإمام علم منهما وقوع الزنا وإن لم يقرا به ولا قامت
البينة به عليهما، واستدل على أن له إقامة الحد حينئذ بقول الصادق (عليه السلام) في خبر
الحسين بن خالد: الواجب على الإمام إذا نظر إلى الرجل يزني أو يشرب خمرا أن
يقيم عليه الحد ولا يحتاج إلى بينة مع نظره، لأنه أمين الله في خلقه (6) الحديث.
وهو وإن عم الرجم لكن الخبرين خصاه.
وجمع الصدوق بأنه إن قامت البينة عليهما بالزنا أو أقرا به جلدا مائة، وإن
علم الإمام به ولم يقرا ولم يشهد عليهما جلدا مائة غير سوط (7). وقال الصادق (عليه السلام)
في خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله: إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد قامت
عليهما بذلك البينة ولم يطلع منهما على ما سوى ذلك، جلد كل واحد منهما مائة جلدة (8).
وحمله الشيخ على من أدبه الإمام وعزره دفعة أو دفعتين فعاد إلى مثل ذلك،
فيجوز للإمام حينئذ أن يقيم عليه الحد كاملا. قال الشيخ: وهذا الوجه تحتمله



(1) لم نعثر عليه.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 363، 364 ب 10 من أبواب حد الزنا ح 1 و 4.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 365 ب 10 من أبواب حد الزنا ح 7 و 8.
(4) المصدر السابق: ح 10.
(5) المصدر السابق: ص 364 ح 5.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 44 ذيل الحديث 156 و 157.
(7) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 24 ذيل الحديث 4990.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 365 ب 10 من أبواب حد الزنا ح 9.
425
الأخبار التي قدمناها أيضا (1). واستدل عليه بقوله (عليه السلام) في خبر أبي خديجة: لا
ينبغي لامرأتين تنامان في لحاف واحد إلا وبينهما حاجز، فإن فعلتا نهيتا عن
ذلك، فإن وجدهما بعد النهي في لحاف واحد جلدتا كل واحد منهما حدا حدا،
فإن وجدتا الثالثة في لحاف حدتا، فإن وجدتا الرابعة قتلتا (2).
(ولا تكفي شهادتهم بالزنا عن قولهم من غير عقد ولا شبهة عقد بل
لابد من ذلك) وإن أفاده لفظ الزنا، احتياطا في الحد وخصوصا الرجم ونحوه.
ويعلم انتفاء العقد وشبهه إذا كانت زوجة الغير أو محرما له وهما يعلمان ذلك
والحرمة عليه، ووطئها في وقت على حال يعلم عادة بانتفاء الشبهة، أو يصرح
أحدهما حين وطئها بما يعلم به انتفاء الشبهة.
(نعم يكفي) فيما يحتمل فيه الحل (أن يقولوا: لا نعلم سبب التحليل)
فحينئذ يستفسران فإن أبديا أو أحدهما سببا له درئ الحد ويحد الشهود إن شهدوا
بالزنا، وإلا فلا.
وفي لزوم ذكر أحد العبارتين وعدم جواز الاكتفاء بالزنا نظر ظاهر إذا كان
الشهود من أهل البصيرة، وكذا في سماع الشهادة إذا قالوا: " لا نعلم سبب التحليل "
سواء شهدوا بالزنا ثم عقبوه به أو لا، فإنه قادح في القطع بكونه زنا. والأصل بل
الأولى عدم استفسار هما ليقرا بالزنا، بل الأولى تعريض المقر بالرجوع. ولا فرق
بين ظهور انتفاء المحلل عندهم وعدمه.
(الثاني: اتفاق الأربعة على الفعل و) خصوصياته من (الزمان والمكان
والهيئة) للفعل أو الفاعل أو المفعول بها إن تعرضوا للخصوصيات، ليقيم الشهادة
على فعل واحد (فلو) أطلقوا أنه زنى بفلانة أو بامرأة ولم يرتب الحاكم (3) فلم



(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 44 ذيل الحديث 158.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 368 ب 10 من أبواب حد الزنا ح 25.
(3) في المطبوعة بدل " الحاكم ": الفاعل.
426
يعنتهم بالاستفسار عن الخصوصيات ثبت الزنا.
ولو تعرضوا للخصوصيات و (اتفق) عليها (أقل من أربعة رجال) بأن
ذكر الرابع خصوصية مخالفة لما اتفقوا عليه - لا إذا أطلق، أو قال: نسيت
الخصوصية - لم يحد المشهود عليه و (حدوا للفرية) عندنا خلافا لبعض
العامة (1) (وإن لم يخالفهم غيرهم) وهو الرابع أي وإن لم يعارض شهادته
شهادتهم بأن شهدوا بالزنا غدوة والرابع به عشية لجواز وقوعه منه فيهما.
هذا غاية توجيه الكلام، وظاهره أنه لابد إذا تعرض البعض للخصوصيات
تعرض الباقي والاتفاق. ولكن لا دليل عليه، لإطلاق أدلة قبول الشهادة مطلقا
وعلى خصوص الزنا، والفتاوى.
(ولو اختلف الأربعة فشهد بعضهم بالمعاينة وبعضهم لا بها) وهو
اختلاف في الفعل كما لو شهد بعضهم بوطء الدبر وبعضهم بالقبل، أو بعضهم بوطء
فلانة وبعضهم بوطء اخرى (أو شهد بعضهم بالزنا غدوة والآخرون عشية)
وهو اختلاف في الزمان (أو) اختلفوا في المكان فشهد (بعضهم) بالزنا (في
زاوية) بيت (والآخر) به في زاوية (اخرى) منه قربتا أو بعدتا فضلا عن أن
شهد بعضهم به في بيت أو دار أو محلة أو بلد والباقي في الآخر (أو) اختلفوا في
الهيئة فشهد (بعضهم) بأنه زنى (عاريا وبعضهم) بأنه زنى (مكتسيا) أو
بعضهم بأنه زنى بها عارية وبعضهم مكتسية، أو بعضهم راكبة وبعضهم مركوبة، أو
بعضهم بالوطء من قدام وبعضهم من خلف، لم يثبت و (حد الشهود).
(ولو شهد بعضهم أنه أكرهها وبعض بالمطاوعة ثبت الحد) كما في
المبسوط (2) والسرائر (3) والجواهر (4) والوسيلة (5) (لأنها كملت على وجود الزنا)



(1) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 179.
(2) المبسوط: ج 8 ص 8.
(3) السرائر: ج 3 ص 432.
(4) جواهر الفقه: ص 226 المسألة 780.
(5) الوسيلة: ص 410.
427
منه (واختلافهم إنما هو في فعلها لا فعله).
(وقيل) في الخلاف (1): لا يثبت و (يحد الشهود لتغاير الفعلين) لأن
الزنا بقيد الإكراه غيره بقيد المطاوعة (وهو أوجه) لاعتبار اتفاق الشهود على
فعل واحد. ولا يفيد أنه على التقديرين زان، فإنه كذلك مع الاختلاف في سائر
الخصوصيات من الزمان والمكان ونحوهما.
ويمكن أن يقال: إن الاختلاف وإن كان في الظاهر في صفة الزاني والزنا
وخصوصية من خصوصياته، لكنه في الحقيقة اختلاف في صفة لها (2) بحال
متعلقهما وهو المزني بها، فيمكن أن يكون منهم من وجدها طائعة ومنهم مكرهة.
(ولا حد عليها إجماعا) لعدم ثبوت مطاوعتها.
(ثم إن أوجبنا الحد) عليه (بشهادتهم لم يحدوا الشهود وإلا حدوا)
لأنهم نسبوه إلى الزنا ولم يثبت وإلا حد.
(ويحتمل أن يحد شهود المطاوعة، لأنهما قذفا المرأة بالزنا فلم
تكمل شهادتهم عليها، دون شاهدي الإكراه، لأنهما لم يقذفاها) وإنما
قذفاه (وقد كملت شهادتهم) عليه (وإنما انتفي عنه الحد للشبهة) لا لعدم
الثبوت. وفي الفرق بينه وبين نحو الاختلاف بالاكتساء وعدمه تأمل.
(ولو شهد اثنان بأنه زنى) في وقت كذا في مكان كذا (وعليه قميص
أبيض واثنان) به في ذلك الوقت في ذلك المكان و (أن عليه) حينئذ (قميصا
أسود ففي القبول نظر): من عدم المنافاة لجواز لبسه قميصين، ومن أن ظاهر
كلاميهما التنافي، وهو ظاهر الخلاف، لأنه نفى القبول إذا شهد اثنان به وعليه جبة
وآخران به وعليه قميص (3). ولا يخفى ما في الكنز: من كمال الشهادة على الزنا،
ومن تغاير الفعلين (4). وما في الإيضاح: من التغاير، ومن أنه لا نص فيه (5)،



(1) الخلاف: ج 5 ص 383 المسألة 24.
(2) كذا، ولعل الصواب: لهما.
(3) الخلاف: ج 5 ص 400 المسألة 44.
(4) كنز الفوائد: ج 3 ص 589.
(5) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 475.
428
لجريان ذلك في سائر الاختلافات وخصوصا في الاكتساء وعدمه.
(ولو شهد اثنان وأقر هو مرتين لم يجب الحد) للأصل وخلاف
المنصوص. ولا يلزم من تنزل الإقرار أربعا منزلة شهادة أربعة تنزل الإقرار مرتين
منزلة شهادة اثنين.
(الثالث اتفاقهم على الحضور للإقامة دفعة) أقاموها دفعة أو لا (فلو
حضر ثلاثة) مثلا (وشهدوا حدوا للفرية ولم يرتقب إتمام الشهادة) بحضور
الرابع (لأنه لا تأخير في حد) لعموم النصوص، ولأن عباد البصري سأل الباقر (عليه السلام)
في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا وقالوا: الآن يأتي الرابع، فقال (عليه السلام): يجلدون حد
القاذف ثمانين جلدة كل رجل منهم (1). ولخبر السكوني عن الصادق (عليه السلام): إن ثلاثة
شهدوا بالزنا عند علي (عليه السلام) فقال: أين الرابع؟ فقالوا: الآن يجيء، فقال (عليه السلام) حدوهم،
فليس في الحدود نظرة ساعة (2). ويحد المتأخر أيضا إذا أتى وأقام الشهادة.
نعم ينبغي للحاكم الاحتياط بتفريق الشهود بالإقامة بعد الاجتماع في الحضور.
هذا استدراك عن اشتراط الاتفاق في الحضور، أي يشترط اجتماعهم في الحضور
لإقامة الشهادة، لكن ينبغي تفريقهم في الإقامة وإن لم يرتب بشهادتهم، احتياطا
في الحدود وخصوصا إذا لزم القتل (وليس) التفريق (لازما) وإن حصل
الارتياب، للأصل، وتمام الحجة الشرعية بشهادتهم إذا اجتمعوا شرائط القبول.
(ولو تفرقوا في الحضور ثم اجتمعوا في مجلس الحاكم على الإقامة
فالأقرب حدهم للفرية) لانتفاء الشرط الذي هو الاتفاق على الحضور، مع احتمال
العدم بناء على أن الغرض من الاجتماع في الحضور الاجتماع عند الحاكم للإقامة،
وهو خيرة التحرير، قال: يشترط إقامتهم للشهادة دفعة أو اجتماعهم لأدائها، فلو
شهد بعض قبل مجيء الباقين حدوا للقذف ولم ينتظر إتمام الشهادة، لأنه لا تأخير



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 373 ب 12 من أبواب حد الزنا ح 9.
(2) المصدر السابق: ص 372 ح 8.
429
في حد، قال: ولا يشترط اجتماعهم حال مجيئهم، فلو جاؤوا متفرقين واحدا بعد
واحد واجتمعوا في مجلس واحد ثم أقاموا الشهادة ثبت الزنا (1) انتهى.
فظهر أنهم إن تفرقوا في الحضور والإقامة جميعا لم يثبت الزنا قطعا وحد
الشهود للفرية. وخالف فيه صاحب الجامع فقال: وإن شهد ثلاثة في وقت ثم تم
العدد في وقت آخر ثبت الزنا، وروي لا نظرة فيه ويحدون (2).
وإن تفرقوا في الإقامة بعد اجتماعهم في الحضور قبلت الشهادة وثبت الزنا،
وإن انعكس الأمر ففي التحرير قطع بالثبوت (3) واستقرب في الكتاب العدم. وعلى
التقديرين فالاجتماع في الحضور يكفي عنده قطعا، وإنما اختلف رأيه في أنه هل
يكفي الاتفاق في الإقامة؟ ومما ينص عليه أنه في المختلف ذكر قول الشيخ في
الخلاف: أنه إذا تكاملت شهود الزنا ثبت الحكم بشهادتهم، سواء شهدوا في
مجلس واحد أو في مجالس، وشهادتهم متفرقين أحوط. ثم قال: وقال ابن حمزة:
وإنما تقبل البينة مع ثبوت العدالة بشرط قيامه في مجلس واحد، ثم قال: والمعتمد
ما قاله الشيخ، للعموم، ولاستحباب تفريق الشهود. وإن قصد ابن حمزة اتفاقهم
على المجيء لإقامة الشهادة دفعة صح كلامه لأنه المذهب عندنا (4) انتهى.
وهذا يوافق كلام ابن إدريس لقوله: إذا تكامل شهود الزنا فقد ثبت الحكم
بشهادتهم سواء شهدوا في مجلس واحد أو في مجالس، ولا يعتبر حضور الشهود
لأداء الشهادة في وقت واحد إلا هاهنا (5) انتهى.
والظاهر ما في التحرير من أنه يكفي الاتفاق في الإقامة وإن تفرقوا في
الحضور (6)، والخبران إنما تضمنا افتراقهم في الحضور والإقامة جميعا. ونحوهما
عبارة النهاية (7).



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 309.
(2) الجامع للشرائع: ص 548.
(3 و 6) تحرير الأحكام: ج 5 ص 310.
(4) مختلف الشيعة: ج 9 ص 171.
(5) السرائر: ج 3 ص 434.
(7) النهاية: ج 3 ص 284.
430
وصرح في المبسوط (1) والخلاف (2) بالثبوت، شهدوا في مجلس واحد أو في
مجالس، ولم يتعرض في شيء منهما لاشتراط اتفاقهم في الحضور.
وفي المقنعة: إن تفرقوا في الشهادة بالزنا ولم يأتوا بها مجتمعين في وقت واحد
في مكان واحد جلدوا حد المفتري (3). ونحوه في ظهور الاشتراط بالاتفاق في
الأداء، وحدهم مع افتراقهم فيه، وعدم التعرض للاشتراط به في الحضور، عبارات
المراسم (4) والغنية (5) والوسيلة (6) والنافع (7) والشرائع (8) والإرشاد (9) والتلخيص (10).
(وإذا لم يكمل شهود الزنا حدوا) بالإجماع والنص من الكتاب (11)
والسنة (12). (وكذا لو كملوا أربعة غير مرضيين) كلهم أو بعضهم (كالفساق)
لصدق القذف وعدم ثبوت ما قذفوا به ليندرئ عنهم الحد.
(ولو كانوا مستورين ولم يثبت عدالتهم ولا فسقهم فلا حد عليهم)
للشبهة. وفي خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فلم
يعدلوا، قال: يضربون الحد (13) وهو مع الضعف يحتمل ظهور الفسق (ولا يثبت
الزنا) بل يتوقف الحاكم إلى أن يظهر له حالهم، فإما أن يحدهم أو المشهود عليه.
وقبل ذلك يندرئ الحد عنه وعنهم.
(ويحتمل) في المسألة الأولى - وهي الرد لكونهم كلهم أو بعضهم غير مرضيين -



(1) المبسوط: ج 8 ص 4.
(2) الخلاف: ج 5 ص 388 المسألة 31.
(3) المقنعة: ص 774.
(4) المراسم: ص 252.
(5) الغنية: ص 438.
(6) الوسيلة: ص 409.
(7) المختصر النافع: ص 214.
(8) شرائع الإسلام: ج 4 ص 153.
(9) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 172.
(10) تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية): ج 34 ص 198.
(11) النور: 4.
(12) وسائل الشيعة: ج 18 ص 372 و 373 ب 12 من أبواب حد الزنا ح 8 و 9.
(13) وسائل الشيعة: ج 18 ص 446 ب 12 من أبواب القذف ح 4.
431
ما في الخلاف (1) والمبسوط (2) والسرائر (3) والجامع (4) والتحرير (5) من (أن يجب
الحد) على الجميع (إن كان رد الشهادة لمعنى ظاهر كالعمى والفسق) أو
الكفر (الظاهر) لثبوت قذفهم وانتفاء ما يدرء عنهم حده وهو ثبوت المقذوف
به، مع تفريط العدل منهم لعلمه بحال الباقي (لا) إن كان الرد (لمعنى خفي) لا
يقف عليه إلا الآحاد (كالفسق الخفي) فلا يحد إلا المردود شهادته لذلك لا
غيره (فإن غير الظاهر خفي عن الشهود فلم يقع منهم تفريط) والأصل البراءة.
وفي المبسوط: أنه لا يحد المردود الشهادة أيضا (6). واحتج له في المختلف
بأنه قد لا يعلم أنه يرد شهادته بما ردت به فكان كالثلاثة. وأجاب بالفرق بأنه
يعلم أنه على صفة ترد الشهادة مع العلم بها بخلاف الثلاثة (7).
(ولو رجعوا عن الشهادة) كلهم (أو واحد منهم قبل الحكم) بقضية
الشهادة (فعليهم أجمع الحد) إلا أن يعفوا المقذوف فيسقط عن كل من يعفو
عنه. (ولا يختص الراجع بالحد ولا بالعفو) أما مع رجوع الكل فظاهر، وأما
إذا رجع البعض فلأن رجوعه قبل الحكم بمنزلة عدم شهادته، فلم يكمل شهادة
الأربعة، أما بعد الحكم فيختص الراجع بالحد أخذا بإقراره، ولا يتعدى إلى الباقين،
وعليه يحمل إطلاق الأصحاب ومنهم المصنف في التحرير (8) وما سيأتي في الكتاب
باختصاص الراجع بالحد كما حملنا إطلاق الكتاب على الرجوع قبل الحكم.
(وإذا كملت الشهادة لم يسقط الحد بتصديق المشهود عليه) مرة أو
مرات، بالإجماع وعموم النصوص (9). خلافا لأبي حنيفة (10) بناء على أنه بالإقرار



(1) الخلاف: ج 5 ص 391 المسألة 33.
(2 و 6) المبسوط: ج 8 ص 9.
(3) السرائر: ج 3 ص 435.
(4) الجامع للشرائع: ص 547.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 316.
(7) مختلف الشيعة: ج 9 ص 128.
(8) انظر تحرير الأحكام: ج 5 ص 290.
(9) انظر وسائل الشيعة: ج 18 ص 371 ب 12 من أبواب حد الزنا.
(10) الحاوي الكبير: ج 13 ص 212.
432
يسقط حكم الشهادة، ولا يحد المقر بالإقرار أقل من أربع (ولا بتكذيبه) بلا خلاف.
(ولو أقر أربعا ثم قامت البينة على الفعل لم يقبل توبته) لما سيأتي
من عدم القبول بعد البينة وهو يعم ما إذا سبقها الإقرار.
(ولو مات الشهود أو غابوا) بعد أداء الشهادة (جاز الحكم بها) كسائر
الأحكام بالشهادات، للعمومات. خلافا لأبي حنيفة (1) وللمبسوط (2) فيما يوجب
الرجم بناء على وجوب ابتداء الشهود به.
(ويجوز إقامة الشهادة بالزنا من غير مدع له) لأنه من حقوق الله تعالى
فيقبل فيه شهادة الحسبة.
(ويستحب لهم ترك الإقامة) سترا على المؤمنين، كما يستحب ستر الإنسان
على نفسه والتوبة، إلا أن يتضمن الستر فسادا فربما وجبت الإقامة. (وللإمام
التعريض بالترغيب عن إقامتها) وهو مما يرشد إليه قوله (عليه السلام) لهزال - لما أمر
ماعزا أن يأتيه (عليه السلام) فيقر عنده -: لو سترته بثوبك كان خيرا لك (3). (و) ما ورد
من الترغيب (عن الإقرار به لقوله (عليه السلام) لماعز " لعلك قبلت لعلك نظرت " (4)
وهو إشارة إلى الترغيب عن الاعتراف) وقوله (عليه السلام) في خبر أبي العباس: لو
استتر ثم تاب كان خيرا له (5). وخبر الأصبغ إنه أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال:
إني زنيت فطهرني فأعرض (عليه السلام) عنه بوجهه، ثم قال له اجلس، فأقبل على القوم
فقال: أيعجز أحدكم إذا قارف بيده السيئة أن يستر على نفسه كما ستر الله عليه (6).
وقوله (عليه السلام) في مرفوع محمد بن خالد: ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه
الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملأ، أفلا تاب في بيته فو الله لتوبته فيما بينه



(1) الحاوي الكبير: ج 13 ص 202.
(2) المبسوط: ج 8 ص 9.
(3) لم نعثر عليه.
(4) سنن أبي داود: ج 4 ص 147 ح 4427.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 328 ب 16 من أبواب مقدمات الحدود ح 5.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 328 ب 16 من أبواب مقدمات الحدود ح 6.
433
وبين الله أفضل من إقامتي عليه الحد (1). ويرشد إلى الترغيب عنهما قضية التي أقرت
عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فكفل عمرو بن حريث ولدها فكره ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
(وإذا تاب بعد قيام البينة لم يسقط عنه الحد رجما كان أو غيره) بل
يتحتم على الإمام إقامته وفاقا للمشهور، لمرسل أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) في
رجل أقيمت عليه البينة بأنه زنى ثم هرب قبل أن يضرب، قال: إن تاب فما عليه
شيء، وإن وقع في يد الإمام أقام عليه الحد، وإن علم مكانه بعث إليه (3). بناء على
أن قوله: " إن تاب " بمعنى التوبة قبل قيام البينة. وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) للأشعث
في مرسل البرقي: إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو (4). وإطلاق قول
الصادق (عليه السلام) وقد سئل عن المرجوم يفر: إن كان شهد عليه الشهود يرد (5).
وللاستصحاب، لأنه كان الحد واجبا فيستصحب إلى ثبوت المسقط.
وخلافا للمفيد (6) والحلبيين (7) فخيروا الإمام بين الإقامة وعدمها، لأصل
البراءة، ومنع ثبوت الحد في الذمة بمجرد قيام البينة ليستصحب، ولسقوط عقوبة
الآخرة بالتوبة فالدنيا أولى. وفيه: أنه يسقط عقوبة الآخرة حتما فلو صح القياس
لسقطت في الدنيا حتما ولم يقولوا به. ولظاهر خبر أبي بصير (8) الذي احتج به
المشهور، فإن الظاهر أن قوله: " إن تاب " معنى التوبة عند الهرب أو بعده، وإن
قوله: " وإن وقع في يد الإمام " بمعنى الوقوع قبل التوبة، كما نص عليه في رواية
الفقيه (9) وأما الباقيان فليس من النص في التوبة.



(1) المصدر السابق: ص 327 ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 377 ب 16 من أبواب حد الزنا ح 1.
(3 و 8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 328 ب 16 من أبواب مقدمات الحدود ح 4.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 331 ب 18 من أبواب مقدمات الحدود ح 4.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 377 ب 15 من أبواب حد الزنا ح 4.
(6) المقنعة: ص 777.
(7) الغنية: ص 424، الكافي في الفقه: ص 407.
(9) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 36 ح 5026.
434
(وإن تاب قبل قيامها سقط) اتفاقا كما هو الظاهر، وللشبهة، وقول
أحدهما (عليهما السلام) في مرسل جميل: عن رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم
بذلك منه ولم يؤخذ حتى تاب وصلح، فقال: إذا صلح وعرف منه أمر جميل لم يقم
عليه الحد (1) وإن ادعى أنه أخذ التوبة قبل الثبوت قبل من غير يمين، للشبهة.
(الفصل الثالث في الحد)
(ومطالبه أربعة):
(الأول في أقسامه، وهي ستة):
(الأول: القتل وهو حد أربعة):
(الأول: من زنى بذات محرم كالأم والبنت والأخت والعمة والخالة
وبنت الأخ وبنت الأخت) اتفاقا كما في الانتصار (2) والخلاف (3) والغنية (4)
والأخبار به كثيرة: كقوله (عليه السلام): من وقع على ذات رحم له فاقتلوه (5). وقول
الصادق (عليه السلام) في خبر بكير: من أتى ذات محرم ضرب ضربة بالسيف أخذت منه
ما أخذت (6). وخبر جميل قال له (عليه السلام): أين يضرب هذه الضربة؟ يعني: من أتى
ذات محرم، قال: يضرب عنقه أو قال: رقبته (7). ومرسل محمد بن عبد الله بن
مهران: إنه (عليه السلام) سئل عن رجل وقع على أخته، قال: يضرب ضربة بالسيف، قيل (8):
فإنه يخلص قال: يحبس أبدا حتى يموت (9). وقول أحدهما (عليهما السلام) في خبر بكير:



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 327 ب 16 من أبواب مقدمات الحدود ح 3.
(2) الانتصار: ص 524 و 525.
(3) الخلاف: ج 5 ص 386 المسألة 29.
(4) الغنية: ص 421.
(5) عوالي اللآلئ: ج 1 ص 190 ح 275.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 386 ب 19 من أبواب حد الزنا ح 6.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 386 ب 19 من أبواب حد الزنا ح 7.
(8) في المصدر: قلت.
(9) المصدر السابق: ص 385 ح 4.
435
من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت، وإن
كانت تابعته ضربت ضربة بالسيف أخذت منها ما أخذت، قيل له: فمن يضربهما
وليس لهما خصم؟ قال: ذلك على الإمام إذا رفعا إليه (1). وقال الصادق (عليه السلام) في
خبر أبي بصير: إذا زنى الرجل بذات محرم حد حد الزاني إلا أنه أعظم ذنبا (2).
وجمع الشيخ بينه وبين أخبار الضرب بالسيف بتخير الإمام بين الرجم والضرب
بالسيف، قال: لأنه إذا كان الغرض بالضربة قتله وفيما يجب على الزاني الرجم
وهو يأتي على النفس فالإمام مخير بين أن يضربه ضربة بالسيف أو يرجمه (3).
ثم لما كان التهجم على الدماء مشكلا قصر الحكم على ذات محرم (نسبا)
لا سببا أو رضاعا إلا ما سيأتي في امرأة الأب وفاقا للمحقق (4) وبني إدريس (5)
وزهرة (6) وحمزة (7) بناء على أنها المتبادرة إلى الفهم، ولا نص ولا إجماع على
غيرها. وفي المبسوط (8) والخلاف (9) والجامع (10): إلحاق الرضاع بالنسب دون
السبب إلا امرأة الأب.
(الثاني: الذمي إذا زنى بالمسلمة) إجماعا كما في الانتصار (11) والغنية (12)
(سواء كان بشرائط الذمة أو لا، وسواء أكرهها أو طاوعته) لخروجه بذلك
عن الذمة، واجترائه على الإسلام وهتكه حرمته. وسأل حنان بن سدير الصادق (عليه السلام)
عن يهودي فجر بمسلمة، فقال: يقتل (13).
وإن أسلم الذمي بعد ذلك فهل يسقط عنه القتل؟ في المقنعة (14) والنهاية (15)



(1) المصدر السابق: ص 385 ح 1.
(2) المصدر السابق: ص 386 ح 8.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 24 ذيل الحديث 71.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 154.
(5) السرائر: ج 3 ص 437 و 438.
(6 و 12) الغنية: ص 421.
(7) الوسيلة: ص 410.
(8) انظر المبسوط: ج 8 ص 8 و 9.
(9) الخلاف: ج 5 ص 386 المسألة 29.
(10) الجامع للشرائع: ص 549 و 550.
(11) الانتصار: ص 526.
(13) وسائل الشيعة: ج 18 ص 407 ب 36 من أبواب حد الزنا ح 1.
(14) المقنعة: ص 783.
(15) النهاية: ج 3 ص 286.
436
والسرائر (1) والتحرير (2): لا، استصحابا وعملا بالعموم، ولخبر جعفر بن رزق الله،
أنه قدم إلى المتوكل نصراني فجر بمسلمة فأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم، فقال يحيى
بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه وفعله، وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، وقال بعضهم:
يفعل به كذا وكذا، فأمر المتوكل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) وسؤاله عن
ذلك، فلما قدم الكتاب كتب أبو الحسن (عليه السلام) يضرب حتى يموت، فأنكر يحيى بن
أكثم وأنكر فقهاء العسكر ذلك، وقالوا: يا أمير المؤمنين سله عن هذا فإنه شيء لم
ينطق به الكتاب، ولم تجئ به السنة، فكتب إليه: أن فقهاء الإسلام قد أنكروا هذا
وقالوا: لم تجئ به سنة ولم ينطق به كتاب، فكتب (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم
فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم
إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون (3).
وقال المفيد: فإن كان قد أسلم فيما بينه وبين الله عز وجل فسيعوضه الله على
قتله بأكثر مما ناله من الألم به ويدخله الجنة بإسلامه، وإن كان إنما أراد دفع الحد
عنه بإظهار خلاف ما يبطن من الكفر لم ينفعه ذلك وأقيم حد الله تعالى عليه وإن
رغم أنفه وبطلت حيلته في دفع العقاب عنه (4) انتهى.
ويحتمل السقوط لجب الإسلام ما قبله، والاحتياط في الدماء، وحينئذ يسقط
عنه الحد رأسا ولا ينقل إلى الجلد للأصل.
(أما لو عقد) الذمي (عليها) أي المسلمة (فإنه باطل) يقتل إذا وطأ مع
العلم بالتحريم والبطلان عندنا (وفي إلحاقه بالزاني) في القتل (مع جهله بالتحريم
عليه إشكال): من الشبهة، ومن استناد جهله إلى تقصيره مع هتكه حرمة المسلمة.
(الثالث: المكره للمرأة على الزنا) إجماعا كما في الانتصار (5) والغنية (6)



(1) السرائر: ج 3 ص 437.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 317.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 407 ب 36 من أبواب حد الزنا ح 2.
(4) المقنعة: ص 783.
(5) الانتصار: ص 527.
(6) الغنية: ص 421.
437
وللأخبار: كصحيح زرارة قال الباقر (عليه السلام): الرجل يغصب المرأة نفسها، قال: يقتل (1).
وصحيح بريد العجلي: أنه سأل (عليه السلام) عن رجل اغتصب امرأة فرجها، قال: يقتل
محصنا كان أو غير محصن (2). وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح أبي بصير: إذا كابر
الرجل المرأة على نفسها ضرب ضربة بالسيف، مات منها أو عاش (3).
(الرابع: الزاني بامرأة أبيه على رأي) وفاقا للشيخ (4) والحلبي (5) وبني
زهرة (6) وإدريس (7) وحمزة (8) والبراج (9) وسعيد (10) لخبر السكوني عن الباقر (عليه السلام):
إنه رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه، وكان غير محصن (11).
وزاد ابن حمزة جاريته التي وطئها (12). ويمكن شمول " امرأة " لها. وزاد ابن
إدريس امرأة الابن، ولكنه أوجب كما في السابقة الحد والقتل جميعا بوطء كل
منهما ومن امرأة الأب (13).
(ولا يعتبر في هؤلاء الإحصان ولا الحرية ولا الشيخوخة بل يقتل
كل منهم، حرا كان أو عبدا، مسلما كان أو كافرا) إلا في الثاني (شيخا
كان أو شابا) للعموم ولم نظفر بنص عام في الرابع، إلا إذا أدخلناه في الأول.
(و) المشهور أنه (يقتصر على قتله بالسيف) وقد سمعت من الأخبار ما
نطق بالضرب بالسيف أخذ منه ما أخذ (14).
(وقيل) في السرائر: (إن كان محصنا جلد ثم رجم) بناء على الجمع



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 381 ب 17 من أبواب حد الزنا ح 2.
(2) المصدر السابق: ح 1.
(3) المصدر السابق: ص 382 ح 6.
(4) النهاية: ج 3 ص 287.
(5) الكافي في الفقه: ص 405.
(6) الغنية: ص 421.
(7 و 13) السرائر: ج 3 ص 438.
(8 و 12) الوسيلة: ص 410.
(9) المهذب: ج 2 ص 519.
(10) الجامع للشرائع: ص 550.
(11) وسائل الشيعة: ج 18 ص 386 ب 19 من أبواب حد الزنا ح 9.
(14) وسائل الشيعة: ج 18 ص 386 ب 19 من أبواب حد الزنا ح 6.
438
بينهما على المحصن مطلقا (وإن لم يكن) محصنا (جلد ثم قتل) قال:
فيحصل امتثال الأمر في الحدين معا ولا يسقط واحد منهما، ويحصل أيضا
المبتغى الذي هو القتل، لأجل عموم أقوال أصحابنا وأخبارهم، لأن الرجم يأتي
على القتل، ويحصل الأمر بالرجم. وإن كان غير محصن فيجب عليه الجلد لأنه
زان، ثم القتل بغير الرجم، قال: وليس في إطلاق قول أصحابنا: " يجب عليه القتل
على كل حال " دليل على رفع حد الزنا عنه (1).
قلت: وقد يؤيده قول الصادق (عليه السلام) فيما مر في خبر أبي بصير: إذا زنى الرجل
بذات محرم حد حد الزاني إلا أنه أعظم ذنبا (2).
(الثاني) من أقسام الحد (الرجم) كما في النهاية (3) والوسيلة (4) والغنية (5)
والإصباح (6) والجامع (7) (وهو حد المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة وكان
شابا) فلو كان شيخا جمع عليه الجلد والرجم كما سيأتي. وإن زنى بصغيرة أو
مجنونة جلد خاصة كما في النهاية (8) والجامع (9) والشرائع (10) لقلة حرمتهما
بالنسبة إلى الكاملة، ولذا لا يحد قاذفهما، ولنقص اللذة في الصغيرة، ولنفي الرجم
من المحصنة إذا زنى بها صبي كما ستسمع، وفي الكل نظر.
(وحد المحصنة الشابة إذا زنت بالبالغ وإن كان مجنونا) كما في الشرائع (11)
وظاهر النهاية (12) لعموم الأدلة، ومساواته العاقل في انتهاك حرمتها بالزنا بها، بخلاف
الصبي، لوجود النص الفارق وهو خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): في غلام صغير لم



(1) السرائر: ج 3 ص 437 و 438.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 386 ب 19 من أبواب حد الزنا ح 8.
(3 و 12) النهاية: ج 3 ص 287.
(4) الوسيلة: ص 411.
(5) الغنية: ص 422.
(6) إصباح الشيعة: ص 513.
(7) الجامع للشرائع: ص 550.
(8) النهاية: ج 3 ص 289 و 290.
(9) الجامع للشرائع: ص 552.
(10) شرائع الإسلام: ج 4 ص 155.
(11) المصدر السابق.
439
يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة، قال: يجلد الغلام دون الحد وتجلد المرأة الحد كاملا،
قيل له: فإن كانت محصنة؟ قال: لا ترجم، لأن الذي نكحها ليس بمدرك، فلو كان
مدركا رجمت (1). ولنقص اللذة فيه، ولضعف انتهاك الحرمة عنده لصغره، وفيه نظر.
وسوى يحيى بن سعيد بين الصبي والمجنون في أنها إن زنت بأحدهما لم
ترجم وإن أحصنت (2).
وأوجب الحلبي الرجم مع الإحصان على الكامل منهما كان الآخر كاملا أو
لا، صغيرا أو مجنونا (3). وكذا ابن زهرة أوجبه على الزاني المحصن كان المزني بها
كاملة أو صغيرة أو مجنونة (4).
وأوجبه ابن إدريس على الكامل منهما وإن كان الآخر صغيرا، وحكى نفي
الرجم عنه إذا زنى بمجنونة رواية (5).
(الثالث) من الأقسام (الجلد مائة ثم الرجم، وهو حد المحصنين إذا
كانا شيخين) عند الشيخ في النهاية (6) والخلاف (7) وكتابي الأخبار (8) وبني
زهرة (9) وحمزة (10) وسعيد (11) لأصالة براءة الشاب، وقول الصادق (عليه السلام) في خبر
عبد الله بن طلحة: إذا زنى الشيخ والعجوز جلدا ثم رجما عقوبة لهما، وإذا زنى
النصف من الرجال رجم ولم يجلد إذا كان قد أحصن (12). ونحوه في خبر عبد الله
بن سنان (13) وفي خبر أبي بصير: الرجم حد الله الأكبر والجلد حد الله الأصغر، فإذا



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 362 ب 9 من أبواب حد الزنا ح 1.
(2) الجامع للشرائع: ص 552.
(3) الكافي في الفقه: ص 405.
(4) الغنية: ص 424.
(5) السرائر: ج 3 ص 444.
(6) النهاية: ج 3 ص 287.
(7) الخلاف: ج 5 ص 366 المسألة 2.
(8) الاستبصار: ج 4 ص 202 ذيل الحديث 758، تهذيب الأحكام: ج 10 ص 5 ذيل
الحديث 18.
(9) الغنية: ص 422.
(10) الوسيلة: ص 411.
(11) الجامع للشرائع: ص 550.
(12) وسائل الشيعة: ج 18 ص 349 ب 1 من أبواب حد الزنا ح 11.
(13) المصدر السابق: ذيل الحديث 11.
440
زنى الرجل المحصن رجم ولم يجلد (1).
(وقيل) في التبيان (2) والسرائر (3) والتحرير (4) والنافع (5) والشرائع (6) وظاهر
إطلاق الانتصار (7) والمقنعة (8) والمقنع (9): (الشابان كذلك، وهو قوي) لعموم
أدلة كل من الجلد والرجم. وقول الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم: في المحصن
والمحصنة جلد مائة ثم الرجم (10). ونحوه في صحيح زرارة (11). وفي خبر آخر له:
المحصن يجلد مائة جلدة ويرجم، ومن لم يحصن يجلد مائة ولا ينفى (12). وفي
خبر آخر له قضى علي (عليه السلام) في امرأة زنت فحملت فقتلت ولدها سرا، فأمر بها
فجلدها مائة جلدة، ثم رجمت، وكان أول من رجمها (13) وقول الصادق (عليه السلام) في
صحيح الفضيل: من أقر على نفسه عند الإمام بحق حد من حدود الله مرة واحدة
حرا كان أو عبدا، حرة كانت أو أمة، فعلى الإمام أن يقيم الحد على الذي أقر به
على نفسه كائنا من كان إلا الزاني المحصن فإنه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة
شهداء، فإذا شهدوا ضربه الحد مائة جلدة ثم يرجمه (14). ولما روي أن عليا (عليه السلام)
جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، وقال: حددتها بكتاب الله
ورجمتها بسنة رسول الله (15) فالتعليل بالكتاب عام.
(الرابع) من الأقسام (جلد مائة ثم الجز والتغريب، وهو حد البكر غير



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 346 ب 1 من أبواب حد الزنا ح 1.
(2) التبيان: ج 7 ص 405.
(3) السرائر: ج 3 ص 440.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 317.
(5) المختصر النافع: ص 215.
(6) شرائع الإسلام: ج 4 ص 154 - 155.
(7) الانتصار: ص 516.
(8) المقنعة: ص 775.
(9) المقنع: ص 428.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 348 ب 1 من أبواب حد الزنا ح 8.
(11) وسائل الشيعة: ج 18 ص 349 ب 1 من أبواب حد الزنا ح 14.
(12) المصدر السابق: ص 348 ح 7.
(13) المصدر السابق: ص 349 ح 13.
(14) وسائل الشيعة: ج 18 ص 343 ب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
(15) انظر سنن البيهقي: ج 8 ص 220.
441
المحصن الذكر الحر) كما في النهاية (1) والسرائر (2) والتحرير (3) والمراسم (4)
والوسيلة (5) والشرائع (6) والنافع (7) والجامع (8) والمقنعة (9) إلا أن المفيد وسلار وابن
حمزة لم يذكروا البكر وإنما ذكروا " من أملك ولم يدخل " ولم يذكر بنو أبي عقيل
وزهرة والجنيد ولا الصدوق ولا الشيخ في الخلاف والمبسوط ولا الحلبي الجز.
ويدل على الثلاثة: خبر علي بن جعفر سأل أخاه (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأة ولم
يدخل بها فزنى ما عليه؟ قال: يجلد الحد ويحلق رأسه ويفرق بينه وبين أهله وينفى
سنة (10). وخبر حنان عن الصادق (عليه السلام) في من تزوج ففجر قبل أن يدخل بأهله،
فقال: يضرب مائة ويجز شعره وينفى من المصر حولا ويفرق بينه وبين أهله (11).
وعلى الجلد خاصة عموم الآية (12).
وعليه مع التغريب قوله (صلى الله عليه وآله) في خبر عبادة: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب
عام (13). وأن رجلا جاءه (صلى الله عليه وآله) فقال: إن ابني كان عسيفا على هذا وزنى بامرأة إلى
أن قال (عليه السلام): وأما ابنك فإن عليه جلد مائة وتغريب عام (14). وما ستسمعه من
الأخبار في تفسير البكر وإجماع الصحابة كما في الخلاف قال: روي عن ابن عمر
أن النبي (صلى الله عليه وآله) جلد وغرب، وأن أبا بكر جلد وغرب، وعمر جلد وغرب. وروي
عن علي (عليه السلام) وعثمان أنهما فعلا ذلك، ولا مخالف لهم. قال: وما روي عن عمر أنه
قال: والله لا غربت بعدها أبدا، وروي عن علي (عليه السلام) أنه قال: التغريب فتنة، فالوجه



(1) النهاية: ج 3 ص 288.
(2) السرائر: ج 3 ص 439.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 318.
(4) المراسم: ص 253.
(5) الوسيلة: ص 411.
(6) شرائع الإسلام: ج 4 ص 155.
(7) المختصر النافع: ص 215.
(8) الجامع للشرائع: ص 550.
(9) المقنعة: ص 780.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 359 ب 7 من أبواب حد الزنا ح 8.
(11) وسائل الشيعة: ج 18 ص 359 ب 7 من أبواب حد الزنا ح 7.
(12) النور: 2.
(13) سنن البيهقي: ج 8 ص 222.
(14) المصدر السابق.
442
فيه أن عمر نفى شارب خمر فلحق بالروم، فلهذا حلف، وقول علي (عليه السلام) أراد أن
نفي عمر فتنة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) (1).
(واختلف في تفسير البكر فقيل) في النهاية (2) والجامع (3) والغنية (4)
والإصباح (5): (هو من أملك) أي عقد له أو عليها بعقد الدوام (ولم يدخل)
ويوافقها المقنع (6) والمقنعة (7) والمراسم (8) والوسيلة (9) فإنهم وإن لم يذكروا لفظ
البكر لكن حكموا بالجلد والنفي خاصة أو مع الجز على من أملك ولم يدخل.
ويدل عليه قول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة: الذي لم يحصن يجلد مائة ولا ينفى والذي
قد أملك ولم يدخل بها يجلد مائة وينفى سنة (10). وفي حسن محمد بن قيس إلى
أمير المؤمنين (عليه السلام): قضى في البكر والبكرة إذا زنيا جلد مائة ونفي سنة في غير
مصرهما، وهما اللذان قد أملكا ولم يدخل بها (11). إن التفسير من الإمام (عليه السلام).
(وقيل) في الخلاف (12) والمبسوط (13) والسرائر (14) والنافع (15) والشرائع (16): هو
(غير المحصن مطلقا سواء أملك أو لا) وهو ظاهر الحسن (17). ومفاد كلام
أبي علي الحكم بالجلد والتغريب على غير المحصن (18) ونحوه كلام الحلبي (19).
واحتج له بأنه الحقيقة، وبقوله (عليه السلام): البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب



(1 و 12) الخلاف: ج 5 ص 368 المسألة 3.
(2) النهاية: ج 3 ص 288.
(3) الجامع للشرائع: ص 550.
(4) الغنية: ص 424.
(5) إصباح الشيعة: ص 514.
(6) المقنع: ص 434.
(7) المقنعة: ص 780.
(8) المراسم: ص 253.
(9) الوسيلة: ص 411.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 348 ب 1 من أبواب حد الزنا ح 7.
(11) المصدر السابق: ص 347 ح 2.
(13) المبسوط: ج 8 ص 2.
(14) السرائر: ج 3 ص 439 و 441 - 442.
(15) المختصر النافع: ص 215.
(16) شرائع الإسلام: ج 4 ص 155.
(17 و 18) نقله عنه في مختلف الشيعة ج 9 ص 134.
(19) الكافي في الفقه: ص 405.
443
بالثيب جلد مائة ثم الرجم (1). لأنه (عليه السلام) قسم الزاني قسمين لا ثالث لهما. وبقول
الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن طلحة إذا زنى الشاب الحدث السن جلد ونفي
سنة من مصره (2). فإنه عام خرج المحصن بالنص والإجماع فيبقى غيره وبما في
خبر السكوني من أن محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يسأله عن
الرجل يزني بالمرأة اليهودية والنصرانية فكتب إليه إن كان محصنا فارجمه وإن
كان بكرا فاجلده مائة جلدة ثم انفه (3). ولم تذكر لهما ثالثا.
(والجز مختص بالرأس) كما نص عليه في النهاية (4) والجامع (5) والنافع (6)
والشرائع (7) لخبر علي بن جعفر (8) بل بالناصية كما في المقنعة (9) والمراسم (10)
والوسيلة (11) لأصل البراءة من الزائد، وزيادة مدخل الناصية في الشناعة بجزها.
وقيل: يجز تمام الرأس (دون اللحية) للأصل.
(ويغرب عن مصره) أي المصر الذي زنى فيه كما في المبسوط (12) ويظهر
من خبر مثنى الحناط سأل الصادق (عليه السلام) عن الزاني إذا جلد الحد، قال: ينفى من
الأرض التي يأتيه إلى بلدة يكون فيها سنة (13). فإن الظاهر أن " يأتيه " بمعنى يأتي
الزنا، ويحتمل يأتي الإمام، فيكون النفي من أرض الجلد (إلى) مصر (آخر)
كما مر في خبري حنان (14) ومحمد بن قيس (15). وكما قال الصادق (عليه السلام) في حسن



(1) سنن البيهقي: ج 8 ص 222.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 349 ب 1 من أبواب حد الزنا ح 11.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 361 ب 8 من أبواب حد الزنا ح 5.
(4) النهاية: ج 3 ص 288.
(5) الجامع للشرائع: ص 550.
(6) المختصر النافع: ص 215.
(7) شرائع الإسلام: ج 4 ص 155.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 359 ب 7 من أبواب حد الزنا ح 8.
(9) المقنعة: ص 780.
(10) المراسم: ص 253.
(11) الوسيلة: ص 411.
(12) المبسوط: ج 8 ص 3.
(13) وسائل الشيعة: ج 18 ص 393 ب 24 من أبواب حد الزنا ح 4.
(14) وسائل الشيعة: ج 18 ص 359 ب 1 من أبواب حد الزنا ح 7.
(15) وسائل الشيعة: ج 18 ص 347 ب 1 من أبواب حد الزنا ح 2.
444
الحلبي: النفي من بلدة إلى بلدة وقال: نفى علي (عليه السلام) رجلين من الكوفة إلى
البصرة (1). وفي خبر سماعة: إذا زنى الرجل فجلد ينبغي للإمام أن ينفيه من
الأرض التي جلد فيها إلى غيرها، وإنما على الإمام أن يخرجه من المصر الذي
جلد فيه (2). وهذا الخبر نص في النفي من المصر الذي جلد فيه. وكذا خبر أبي
بصير سأله (عليه السلام) عن الزاني إذا زنى ينفى؟ قال: نعم من التي جلد فيها إلى غيرها (3).
فلو زنى في فلاة لم يكن عليه نفي إلا أن يكون من منازل أهل البلد فيكون
كالمصر، والظاهر ما في المبسوط من أن القرية كالمصر فينفى منها (4).
والمصلحة في النفي يحتمل أن يكون مجرد الإهانة والعقوبة، وأن يكون التبعيد
عن المزني بها ومكان الفتنة. وبحسب ذلك يختلف الرأي في التغريب حتى أنه على
الأول إن كان التغريب من بلد الجلد احتمل جواز التغريب إلى بلد الزنا. وإن كان الإمام
في سفر معه جماعة فجلد رجلا منهم لزناه وهو بكر احتمل وجوب نفيه من القافلة.
ومدة التغريب (سنة) كما نطقت به الأخبار والأصحاب.
(ولا جز على المرأة) اتفاقا كما هو الظاهر، لأصل البراءة، وغاية الشناعة
(ولا تغريب) وفاقا للمشهور، وفي الخلاف (5) وظاهر المبسوط (6): الإجماع
عليه (بل تجلد مائة سوط لا غير سواء كانت مملكة أو لا) واستدل في
الخلاف على انتفاء التغريب عنها - مع الإجماع والأخبار - بقوله تعالى: " فعليهن
نصف ما على المحصنات من العذاب " قال: فلو كانت المرأة الحرة يجب عليها
التغريب لكان على الأمة نصف ذلك، وقد أجمعنا على أنه لا تغريب على الأمة



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 393 ب 24 من أبواب حد الزنا ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 393 ب 24 من أبواب حد الزنا ح 3.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 393 ب 24 من أبواب حد الزنا ح 2.
(4) المبسوط: ج 8 ص 3.
(5) الخلاف: ج 5 ص 368 المسألة 3.
(6) المبسوط: ج 8 ص 2.
445
لقوله (عليه السلام): إذا زنت أمة أحدكم فليحدها، فكان هذا كل الواجب (1).
وزاد غيره أنها لو غربت فإما مع محرم أو زوج ولا تزر وازرة وزر أخرى، أولا ولا
يجوز، لقوله (عليه السلام): لا يحل لامرأة أن تسافر من غير ذي محرم (2) ولأن الشهوة غالبة فيهن
والغالب أن انزجارهن عن الزنا لاستحيائهن من الأقارب والمعارف، ووجوب
الحفاظ لهن عن الرجال، وبالتغريب يخرجن من أيدي الحفاظ ويقل حياؤهن لبعدهن
من أقاربهن ومعارفهن، وربما اشتد فقرهن فيصير مجموع ذلك سببا لانفتاح هذه
الفاحشة العظيمة عليهن، وربما يقهرن عليه إذا بعدن من الأقارب والمعارف.
وخلافا للحسن (3) لما مر من حسن محمد بن قيس (4). وليس نصا في نفيها لجواز
أن يراد أنه (عليه السلام) قضى فيما إذا زنى بكر ببكرة يجلد مائة ونفي سنة إلى غير مصرهما
أي المصر الذي زنيا فيه وهو ليس صريحا في نفيهما، فيجوز اختصاصه به.
(ولو كانت محصنة رجمت) بعد الجلد أولا.
(الخامس) من الأقسام (جلد مائة لا غير وهو حد غير المحصن ومن
لم يكن قد أملك) من عطف صفة على اخرى أي غير المحصنين غير مملكين
(من البالغين) العقلاء (الأحرار، وحد المرأة الحرة غير المحصنة وإن كانت
مملكة) إلا على قول الحسن (وحد الرجل المحصن إذا زنى بصبية أو
مجنونة، والمحصنة إذا زنى بها طفل) كما عرفت جميع ذلك. (ولو زنى بها
مجنون رجمت) وقد مر الخلاف فيه وفيما قبله.
(السادس: خمسون جلدة، وهو حد المملوك البالغ) العاقل (سواء كان
محصنا أو غير محصن، ذكرا كان أو أنثى) شيخا كان أو شابا، مسلما أو
كافرا، كما في حسن محمد بن قيس عن الباقر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)



(1) الخلاف: ج 5 ص 368 ذيل المسألة 3.
(2) كنز العمال: ج 5 ص 323 ح 13041.
(3) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 9 ص 136.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 347 ب 1 من أبواب حد الزنا ح 2.
446
في العبيد والإماء إذا زنى أحدهم أن يجلد خمسين جلدة إن كان مسلما أو كافرا
أو نصرانيا ولا يرجم ولا ينفى (1). وقال (عليه السلام) في خبر بريد العجلي في الأمة تزني:
أنها تجلد نصف الحد كان لها زوج أو لم يكن لها زوج (2). وقال الصادق (عليه السلام) في
خبر الحسن بن السري: إذا زنى العبد والأمة وهما محصنان فليس عليهما الرجم،
إنما عليهما الضرب خمسين نصف الحد (3). وقد ورد أن الله تعالى رحمه أن يجمع
عليه الرق وحد الحر (4). (ولا جز على أحدهما) وإن أملك (ولا تغريب)
عندنا، خلافا للشافعي في أحد قوليه (5). وهل يغربان سنة أو نصفها له قولان (6).
ويقتل العبد إذا زنى بذات محرم، أو امرأة أبيه، أو بمستكرهة أو بمسلمة، وهو
كافر، كما في النهاية (7) لعموم الأدلة.
(المطلب الثاني في الإحصان)
(وإنما يتحقق بأمور سبعة):
(الأول: الوطء) كما في المبسوط (8) والنهاية (9) والسرائر (10) والجامع (11)
والغنية (12) والإصباح (13). ويدل عليه نحو صحيح رفاعة سأل الصادق (عليه السلام) عن
الرجل زنى قبل أن يدخل بأهله أيرجم؟ قال: لا (14). وصحيح أبي بصير عنه (عليه السلام)
قال: في العبد يتزوج الحرة ثم يعتق فيصيب فاحشة، قال: فقال: لا رجم عليه حتى



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 402 ب 31 من أبواب حد الزنا ح 5.
(2) المصدر السابق: ص 401 ح 2.
(3) المصدر السابق: ص 402 ح 3.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 402 ب 32 من أبواب حد الزنا ذيل الحديث 1.
(5) المجموع: ج 20 ص 16.
(6) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 144.
(7) النهاية: ج 3 ص 286.
(8) المبسوط: ج 8 ص 3.
(9) النهاية: ج 3 ص 287.
(10) السرائر: ج 3 ص 437.
(11) الجامع للشرائع: ص 550.
(12) الغنية: ص 423.
(13) إصباح الشيعة: ص 514.
(14) وسائل الشيعة: ج 18 ص 358 ب 7 من أبواب حد الزنا ح 1.
447
يواقع الحرة بعدما يعتق (1). وصحيحه عنه (عليه السلام) في قول الله تعالى: " فإذا أحصن "
قال: إحصانهن إذا دخل بهن (2). قيل: والحكمة في اعتباره أنه إذا دخل بها قضى
الشهوة فعليه الامتناع من الحرام، وأيضا يكمل بالدخول طريق الحلال لجواز
انفساخ النكاح قبله بطلقة أو كفر، وأيضا يتأكد به الاستفراش، فإن لطخ غيره
فراشه عظمت وحشته فعليه الامتناع من تلطيخ فراش الغير (3). ولا ذكر له في
المقنعة والانتصار والخلاف والتبيان ومجمع البيان والنافع والجامع.
والمعتبر هو الوطء (في القبل) فإنه المتبادر (حتى تغيب الحشفة) أو
قدرها من مقطوعها لأنه المفهوم شرعا (فلو عقد وخلا بها خلوة تامة أو
جامعها في الدبر أو فيما بين الفخذين أو في القبل و) لكن (لم تغيب
الحشفة لم يكن محصنا) ولا هي محصنة (ولا يشترط الإنزال، فلو التقى
الختانان وأكسل تحقق الإحصان). ولا سلامة الخصيتين (و) لذا (لو
جامع الخصي قبلا كان محصنا) و محصنا لها.
(ولو ساحق المجبوب لم يتحقق الإحصان) لأحد منهما (وإن أنزل) لأنه
ليس من معنى الدخول أو الوطء أو البناء بها الواردة في الأخبار والفتاوي عرفا.
(الثاني: أن يكون الواطئ بالغا) إجماعا كما في التحرير (4) وهو ظاهر
بمعنى الاشتراط بالبلوغ حين الزنا، وأما بمعنى الاشتراط به حين وطء زوجته
فهو أعرف بما قال. وفي المبسوط: إنا نراعي الشروط حين الزنا ولا اعتبار قبل
ذلك. (فلو أولج الطفل حتى تغيب الحشفة لم يكن محصنا ولا) تحصن
(المرأة) بذلك (وكذا المراهق. وإن بلغ لم يكن الوطء الأول معتبرا، بل
يشترط في إحصانه الوطء بعد البلوغ وإن كانت الزوجية مستمرة) كل
ذلك للأصل، والاستصحاب، ولضعف فعله عن أن يناط به الأحكام الشرعية،



(1) المصدر السابق: ح 5.
(2) المصدر السابق: ص 360 ح 11.
(3) انظر مسالك الأفهام: ج 14 ص 334.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 305.
448
ونقص اللذة، وبعده عما يسبق إلى الذهن من الدخول ونحوه، والاحتياط في الدم.
(الثالث: أن يكون عاقلا) حين الزنا، خلافا لمن عرفت سابقا، وحين
وطء الزوجة بمثل ما ذكر في البلوغ.
(ولو تزوج العاقل ولم يدخل بها حتى جن، أو زوج الولي المجنون
لمصلحته ثم وطئ حالة الجنون لم يتحقق الإحصان، ولو وطئ حال
رشده تحقق الإحصان وإن تجدد جنونه).
(الرابع: الحرية) إجماعا كما في التحرير (1). والكلام فيه كما عرفت في البلوغ
من ظهور الإجماع على اشتراطه بها حين الزنا، لما عرفت من أن المملوك إنما يحد
خمسين جلدة، والمراد هنا الاشتراط به (2) حينه وحين الوطء المحقق للإحصان
(فلو وطئ العبد زوجته الحرة أو الأمة لم يكن محصنا) فلا رجم عليه
(ولو) زنى بعدما (أعتق ما لم يطأ) زوجته (بعد العتق) قبل الزنا. وينص
عليه ما مر من صحيح أبي بصير (3) ويؤيده الأصل، والاستصحاب، والاحتياط.
(وكذا المملوكة لو وطئها زوجها المملوك أو الحر لم يكن محصنة
بذلك إلا أن يطأها بعد عتقها) ويدل عليه مع ما مر من قول الصادق (عليه السلام) في
صحيح الحلبي: لا يحصن الحر المملوكة ولا المملوك الحرة (4). ولعل " المملوك "
منصوب و " الحرة " مرفوعة فيكون كصحيح أبي بصير.
(ولو أعتق الزوجان ثم وطئها بعد الإعتاق تحقق الإحصان) لهما. ولو
أعتق أحدهما ثم وطئها تحقق الإحصان له وإن كان الآخر رقيقا (وإلا) يطأها
بعد العتق (فلا) إحصان.
(وكذا المكاتب) حكمه حكم القن فلا يحصن المكاتب ولا المكاتبة ما



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 305.
(2) كذا، والمناسب: بها.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 358 ب 7 من أبواب حد الزنا ح 5.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 353 ب 2 من أبواب حد الزنا ح 7.
449
بقي فيه من الرق شيء، للأصل، والاحتياط وصدق المملوكية ونقص حده عن حد
الحر بالحساب.
وفي المبسوط: وحد الإحصان عندنا هو كل حر بالغ كامل العقل كان له فرج
يغدو إليه ويروح على جهة الدوام متمكنا من وطئه سواء كان ذلك بعقد الزوجية أو
بملك اليمين ويكون قد وطئ. وقال بعضهم: شروط الإحصان أربعة: الحرية والبلوغ
والعقل والوطء في نكاح صحيح، بعد وجود هذه الشرائط. وفيهم من قال: شرط
الإحصان واحد وهو الوطء في نكاح صحيح، سواء كان عن عبد أو صبي أو مجنون،
فأما البلوغ والعقل والحرية فإنها من شرائط وجوب الرجم. وفائدة هذا الخلاف
أنه إذا وطئها في نكاح صحيح وهو صغير ثم بلغ أو أعتق وهو عاقل ثم زنى فلا
رجم عليه على قول الأول، وعلى قول الثاني يجب عليه الرجم، وعلى مذهبنا لا
يحتاج إليه، لأنا نراعي الشروط حين الزنا ولا اعتبار بما قبل ذلك. وأصحابنا لم
يراعوا كمال العقل، لأنهم رووا أن المجنون إذا زنى وجب عليه الرجم، فمن قال
بمذهب المخالف قال: إذا وجد الوطء في نكاح صحيح، فإن كانا كاملين بأن
يكونا حرين بالغين عاقلين فقد أحصنا، وإن كانا ناقصين بأن يفقد فيهما أحد
الشرائط التي ذكرناها لم يحصنا، وإن كان أحدهما كاملا والآخر ناقصا، فإن كان
النقص بالرق فالكامل قد أحصن دون الناقص، وإن كان النقص بالصغر، قال قوم:
الكامل منهما محصن. وقال آخرون: لا يثبت الإحصان لأحدهما في الموضعين.
وقال بعضهم: إن كان النقص رقا لم يثبت الإحصان لأحدهما، وإن كان الرجل
مجنونا وهي عاقلة فمكنته من نفسها فعليها الحد عند قوم دونه. وقال قوم: لا حد
على واحد منهما. وعندنا يجب عليهما الحد على ما مضى شرحه (1) انتهى.
(الخامس: أن يكون الوطء في فرج مملوك بالعقد الدائم أو ملك اليمين



(1) المبسوط: ج 8 ص 3.
450
فلا يتحقق الإحصان بوطء الزنا ولا الشبهة) اتفاقا (ولا المتعة) على
الأصح، كما في الانتصار (1) للأصل، والاحتياط، والاعتبار، والأخبار، كقول
الصادق (عليه السلام) لعمر بن يزيد: لا يرجم الغائب عن أهله، ولا المملك الذي لم يبن
بأهله، ولا صاحب المتعة (2). وخبر إسحاق بن عمار قال للكاظم (عليه السلام): فإن كان
عنده امرأة متعة أتحصنه؟ قال: لا، إنما هو على الشيء الدائم عنده (3). وغيرهما.
والإحصان بملك اليمين هو المشهور، ويدل عليه أن إسحاق بن عمار سأل
الكاظم (عليه السلام) عن الرجل يزني وعنده السرية والأمة يطؤها تحصنه الأمة تكون
عنده، فقال: نعم، إنما ذلك لأن عنده ما يغنيه عن الزنا (4). وسأله في خبر آخر:
الرجل يكون له الجارية أتحصنه؟ فقال: نعم إنما هو على وجه الاستغناء (5).
وعموم نحو صحيح حريز عن الصادق (عليه السلام) سأله عن المحصن، فقال: الذي يزني
وعنده ما يغنيه (6). وصحيح إسماعيل بن جابر سأل الصادق (عليه السلام) عن المحصن،
فقال: من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن (7).
وخالف الصدوق في الفقيه (8) والمقنع (9) والعلل (10) وابنا الجنيد (11) وأبي عقيل (12)
فلم يروا الإحصان بالأمة، ويعطيه كلام سلار (13) للأصل، والاحتياط، وقول
الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم: وكما لا تحصنه الأمة واليهودية والنصرانية
إن زنى بحرة، كذلك لا يكون عليه حد المحصن إذا زنى بيهودية أو نصرانية أو أمة



(1) الانتصار: ص 521.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 356 ب 4 من أبواب حد الزنا ح 1.
(3) المصدر السابق: ص 352 ب 2 ح 2.
(4) المصدر السابق.
(5) المصدر السابق: ص 353 ح 5.
(6) المصدر السابق: ص 352 ح 4.
(7) المصدر السابق: ص 351 ح 1.
(8) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 35 ح 5024.
(9) المقنع: ص 439.
(10) علل الشرائع: ص 511 ذيل الحديث 1.
(11 و 12) نقله عنهما في مختلف الشيعة: ج 9 ص 137.
(13) المراسم: ص 252.
451
وتحته حرة (1). وحمله الشيخ على كونهن عنده على جهة المتعة (2) وهو بعيد.
وصحيح آخر له: إنه سأله (عليه السلام) عن الرجل يزني ولم يدخل بأهله أيحصن؟ قال: لا،
ولا بالأمة (3). وما مر من قول الصادق (عليه السلام): لا يحصن الحر المملوكة ولا المملوك
الحرة (4) إن كان الحر منصوبا والمملوكة مرفوعة وهو غير معلوم.
(السادس: أن يكون النكاح) أو الملك، أو المراد به الوطء. وبالصحة ما
بالأصالة وإن عرضت الحرمة بالحيض أو إحرام أو صوم أو نحوها (صحيحا)
خلافا لبعض العامة (5) (فلو عقد دائما وكان العقد فاسدا، أو اشترى أمة في
عقد باطل ووطئها، لم يتحقق الإحصان) علم بفساده أم لا (وإن وجب
المهر والعدة ونشر تحريم المصاهرة، ولحق به الولد) إن لم يعلم الفساد لدخوله
في وطء الشبهة، ومع العلم في الزنا، فليس في الحقيقة إلا الشرط الخامس.
(السابع: أن يكون متمكنا من) وطء (الفرج يغدو عليه ويروح) إذا
شاء كما في صحيح إسماعيل بن جابر (6) (فلو كان بعيدا عنه لا يتمكن من
الغدو عليه والرواح) وفي التبيان (7) وفقه القرآن للراوندي (8) كان غائبا عن زوجته
شهرا فصاعدا (أو محبوسا لا يتمكن من الوصول إليه) كذلك، أو كانت مريضة
لا يمكنه وطؤها (خرج عن الإحصان) قال الباقر (عليه السلام) في حسن أبي عبيدة:
قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل له امرأة بالبصرة وفجر بالكوفة أن يدرأ عنه الرجم
ويضرب حد الزاني. وقضى في رجل محبوس في السجن وله امرأة في بيته في المصر



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 354 ب 2 من أبواب حد الزنا ح 9.
(2) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 13 ذيل الحديث 31.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 359 ب 7 من أبواب حد الزنا ح 9.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 353 ب 2 من أبواب حد الزنا ح 7.
(5) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 127.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 351 ب 2 من أبواب حد الزنا ح 1.
(7) التبيان: ج 7 ص 405.
(8) فقه القرآن: ج 2 ص 371.
452
وهو لا يصل إليها فزنى وهو في السجن فقال: يجلد الحد ويدرأ عنه الرجم (1).
قال السيد: إن الأصحاب فرقوا بين الغيبة والحيض، لأن الحيض لا يمتد
وربما امتدت الغيبة، ولأنه قد يتمتع من الحائض بما دون موضع الحيض وليس
كذلك الغائبة (2) انتهى.
واعتبار إمكان الغدو والرواح مما اعتبره الشيخ (3) والمحقق (4) واعتبر غيرهما
التمكن من الوطء متى شاء، كما ربما يعطيه حسن محمد بن مسلم، سمع الصادق (عليه السلام)
يقول: المغيب والمغيبة ليس عليهما رجم، إلا أن يكون الرجل مع المرأة والمرأة مع
الرجل (5). ويحتمل اتحاد المعنيين احتمالا ظاهرا.
(وفي رواية مهجورة) أنه لابد من أن (يكون بينهما دون مسافة التقصير)
حتى لا يخرج من الإحصان، وهي رواية عمر بن يزيد، قال للصادق (عليه السلام): ففي أي
حد السفر لا يكون محصنا؟ قال: إذا قصر وأفطر فليس بمحصن (6). ومرفوعة محمد
بن الحسين، قال: الحد في السفر الذي إن زنى لم يرجم إن كان محصنا؟ قال: إذا
قصر وأفطر (7).
(وإحصان المرأة كإحصان الرجل) في اشتراطه بأن تكون حرة بالغة عاقلة،
لها زوج دائم، أو مولى وقد وطئها وهي حرة بالغة عاقلة، وهو عندها يتمكن من وطئها
غدوا ورواحا وإن كان يتركها فلا يطأها شهورا وسنين، فالنص والفتوى كذلك.
(ولا تخرج المطلقة الرجعية) بالطلاق (عن الإحصان فلو تزوجت
عالمة بالتحريم) أو زنت (رجمت) كما نص عليه في حسن بن يزيد



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 355 ب 3 من أبواب حد الزنا ح 2.
(2) الانتصار: ص 521.
(3) النهاية: ج 3 ص 288.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 150.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 355 ب 3 من أبواب حد الزنا ح 1.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 356 ب 4 من أبواب حد الزنا ح 1.
(7) المصدر السابق ح 2.
453
الكناسي، سأل الباقر (عليه السلام) عن امرأة تزوجت في عدتها، فقال: إن كانت تزوجت
في عدة طلاق لزوجها عليها الرجعة فإن عليها الرجم، وإن كانت تزوجت في عدة
ليس لزوجها عليها الرجعة فإن عليها حد الزاني غير المحصن (1).
(وكذا الزوج لا يخرج عنه) أي الإحصان (بالطلاق الرجعي) لتمكنه
من الرجعة متى شاء. وسأل عمار بن موسى الصادق (عليه السلام) عن رجل كانت له امرأة
فطلقها أو ماتت فزنى؟ قال: عليه الرجم. وعن امرأة كان لها زوج فطلقها أو مات
ثم زنت عليها الرجم؟ قال: نعم (2). وذكر الشيخ: أن ذكر الموت وهم من الراوي.
وفي قرب الاسناد للحميري عن عبد الله بن الحسن العلوي، عن علي بن جعفر،
عن أخيه موسى (عليه السلام)، سأله عن رجل طلق أو بانت منه ثم زنى ما عليه؟ قال: الرجم.
وعن امرأة طلقت فزنت بعد ما طلقت بسنة، هل عليها الرجم؟ قال: نعم (3). وينبغي قراءة
سنة بتشديد النون. (ويخرجان) عن الإحصان (بالبائن) من الطلاق أو غيره.
(ولو راجع المخالع إما لرجوعها في البذل أو بعقد مستأنف لم يجب الرجم
إلا بعد الوطء في الرجعة) لزوال الإحصان بالبينونة وخروج الاختيار عن يده.
(ولا يشترط في الإحصان) عندنا (الإسلام) في أحد منهما، خلافا
للصدوق (4) فاشترط في إحصانه إسلامها لما تقدم من صحيح محمد بن مسلم.
(فلو وطئ الذمي زوجته في عقد دائم تحقق الإحصان) ورجما إن
زنيا بعد الإسلام أو قبله وقد رفع إلينا كما روي من فعله (عليه السلام) (5).
(ولا يشترط صحة عقده عندنا بل عندهم) لما مر من ترتب أحكام
الصحيح على ما يعتقدونه صحيحا.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 398 ب 27 من أبواب حد الزنا ح 10.
(2) المصدر السابق: ح 8.
(3) قرب الاسناد: ص 254 ح 1004 و 1005.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 35 ح 5024.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 361 ب 8 من أبواب حد الزنا ح 5.
454
(ولو وطئ المسلم زوجته الذمية) الدائمة (فهو محصن) خلافا
للصدوق (1) لما مر من صحيح محمد بن مسلم (2).
(ولو ارتد المحصن عن فطرة خرج عن الإحصان) لبينونة زوجته منه.
(وكذا) إن ارتد (عن غير فطرة على إشكال ينشأ: من منعه من الرجعة
حال ردته فكان كالبائن، ومن تمكنه منها بالتوبة من دون إذنها فكان
كالرجعي) وهو الأقوى، وقطع به في التحرير (3).
(ولو لحق الذمي دار الحرب، ونقض عهده، ثم سبي خرج عن الإحصان)
للرق (فإن أعتق اشترط وطؤه بعد عتقه) كسائر المماليك، خلافا
للمبسوط (4) كما عرفت.
(ولو زنى وله زوجة له منها ولد فقال: ما وطئتها لم يرجم) وإن
اعترفت بالولد، خلافا لأبي حنيفة (5). (لأن الولد يلحق بإمكان الوطء)
وبالوطء في الدبر وغيره. (والإحصان إنما يثبت مع تحققه وكذا المرأة لو
كان لها ولد من زوج فأنكرت وطأه لم يثبت إحصانها).
(ويثبت الإحصان بالإقرار) مرة (أو بشهادة عدلين، ولا يكفي) في
الثبوت بشهادتهما (أن يقولا دخل) بها (فإن الخلوة) بها (يطلق عليها
الدخول) بل ذلك حقيقته فإن حقيقة الدخول بها إدخالها البيت ونحوه. (بل
لابد من لفظ الوطء أو الجماع أو المباضعة وشبهها) من الحقائق العرفية في
النيك. ولو صرحا به فهو أولى، واكتفى في التحرير بالدخول (6) بناء على كونها
بمنزلة تلك الألفاظ. (ولا يكفي باشرها أو مسها أو أصابها) لأنها وإن كثر



(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 35 ح 5024.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 357 ب 5 من أبواب حد الزنا ح 1.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 307.
(4) المبسوط: ج 8 ص 3.
(5) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 131.
(6) انظر تحرير الأحكام: ج 5 ص 308.
455
استعمالها في ذلك لكن لا يتعين له.
(ولو جلد على أنه بكر فبان محصنا رجم) كان حده الرجم فقط، أو إياه
بعد الجلد، جز شعر هو نفي أم لا، إلا أن يتوب وكان ثبوت زناه بالإقرار فللإمام العفو.
(المطلب الثالث في كيفية الاستيفاء)
(ينبغي للإمام إذا استوفى حدا) أي أراد استيفاءه (أن يشعر الناس
ويأمرهم بالحضور) كما فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) تشهيرا له زيادة في عقوبته،
وزجرا له ولغيره عن مثل فعله، وليعتبر الحاضرون، وليظهر لهم براءة المحدود
وليدعوا له ويترحموا عليه.
(ويجب حضور طائفة) كما في السرائر (2) والنافع (3) لظاهر الآية (4) و (أقلها
واحد) كما في النهاية (5) والجامع (6) والشرائع (7) والنافع (8) ومجمع البيان (9) ويظهر
الميل إليه من التبيان (10) وحكي عن ابن عباس (11) للأصل، مع شمول لفظها للواحد
لغة كما نقل عن الفراء (12) بناء على كونها بمعنى القطعة، ولقوله تعالى: " وإن طائفتان من
المؤمنين اقتتلا " (13) بدليل قوله: " فأصلحوا بين أخويكم " (14) ولقول أمير المؤمنين (عليه السلام)
في الآية: الطائفة واحد (15) وقد روي ذلك في التبيان (16) والمجمع (17) عن الباقر (عليه السلام).



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 342 ب 31 من أبواب مقدمات الحدود ح 3.
(2) السرائر: ج 3 ص 453.
(3 و 8) المختصر النافع: ص 217.
(4) النور: 2.
(5) النهاية: ج 3 ص 300.
(6) الجامع للشرائع: ص 549.
(7) شرائع الإسلام: ج 4 ص 157.
(9) مجمع البيان: ج 7 ص 124.
(10) التبيان: ج 7 ص 406.
(11) تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: ص 292.
(12) معاني القرآن: ج 1 ص 445.
(13) الحجرات: 9.
(14) الحجرات: 10.
(15) وسائل الشيعة: ج 18 ص 370 ب 11 من أبواب حد الزنا ح 5.
(16) التبيان: ج 7 ص 406.
(17) مجمع البيان: ج 7 ص 124.
456
(وقيل) في الخلاف (1): أقلها (عشرة) للاحتياط لاشتمالها على جميع
ما قيل هنا، ولما في فقه اللغة للثعالبي في ترتيب الجماعات من الناس وتدريج ها
من القلة إلى الكثرة من قوله: نفر ورهط ولمة وشرذمة ثم قبيل وعصبة وطائفة.
(وقيل) في السرائر: أقلها (ثلاثة) لأنها في العرف لا يطلق إلا بمعنى
الجماعة وأقلها ثلاثة، ولأنها من الطوف وهو الإحاطة والاحتفاف، فهي بمعنى
جماعة يحف بشيء كالحلقة، وأقل ذلك ثلاثة (2).
قال ابن فارس في المقاييس: الطاء والواو والفاء أصل واحد صحيح يدل
على دوران الشيء على الشيء وأن يحف به، قال: فأما الطائفة من الناس فكأنها
جماعة تطيف بالواحد أو بالشيء، قال: ولا يكاد العرب تحدها بعدد معلوم إلا أن
الفقهاء والمفسرين يقولون فيها مرة: إنه أربعة فما فوقها، ومرة: إن الواحد طائفة
فما فوقها، ويقولون: هي الثلاثة، ولهم في ذلك كلام، والعرب فيه على ما أعلمتك:
أن كل جماعة يمكن أن يحف بشيء فهي عندهم طائفة، قال: ثم يتوسعون في ذلك
من طريق المجاز فيقولون: أخذت طائفة من الثوب أي قطعة منه، وهذا على معناه
المجازي، لأن الطائفة من الناس كالفرقة والقطعة منهم.
قال ابن إدريس: وشاهد الحال يقتضي ذلك أيضا، وألفاظ الأخبار، لأن الحد
إذا كان قد وجب بالبينة فالبينة ترجمه وتحضره وهم أكثر من ثلاثة، وإن كان الحد
باعترافه فأول من يرجمه الإمام ثم الناس مع الإمام (3) انتهى.
وقال الجبائي: من زعم أن الطائفة أقل من ثلاثة فقد غلط من جهة اللغة ومن
جهة المراد بالآية، من احتياطه (4) بالشهادة (5) وحكى الشيخ في الخلاف: الثلاثة
عن الزهري وهو قول قتادة أيضا، والاثنين عن عكرمة وهو قول عطا، والأربعة



(1) الخلاف: ج 5 ص 374 المسألة 11.
(2) السرائر: ج 3 ص 454.
(3) السرائر: ج 3 ص 454.
(4) كذا في التبيان أيضا.
(5) نقله عنه في تفسير التبيان: ج 7 ص 406.
457
عن الشافعي وهو قول ابن زيد وحكى عن ابن عباس، والعشرة عن الحسن واختارها
كما عرفت، ثم قال: ولو قلنا بأحد ما قالوه لكان قويا، لأن لفظ الطائفة يقع على
جميع ذلك (1) انتهى.
واستدل للاثنين بقوله تعالى: " فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة " (2) لأن أقل
الفرقة ثلاثة والخارج منها واحد أو اثنان، والاحتياط اعتبار الاثنين. ويمكن
الاستدلال له أيضا بأنهما يحفان بالواحد. والأربعة بمناسبتها لما اعتبر في الشهادة
على الزنا.
(وقيل) في الخلاف (3) والمبسوط (4) والشرائع (5): (إنه مستحب) للأصل
ويعارضه ظاهر الأمر.
(ثم الحد إن كان جلدا) وكان الزاني رجلا (ضرب مجردا) ما عدا
عورته - كما في النافع (6) والشرائع (7) - لأن حقيقة الجلد ضرب الجلد كقولهم ظهره
وبطنه ورأسه أي ضرب ظهره وبطنه ورأسه، ولخبر إسحاق بن عمار سأل
الكاظم (عليه السلام) عن الزاني كيف يجلد؟ قال: أشد الجلد، قال: من فوق الثياب؟ قال:
لا، بل يجرد (8). وفي خبر آخر له عنه (عليه السلام): بل تخلع ثيابه (9).
(وقيل) في المشهور: يضرب وهو (على) حاله (حالة الزنا) فإن كان
حالته عاريا ضرب عاريا، وإن كان كاسيا فكاسيا. وقال ابن إدريس: ما لم يمنع
الثوب من إيصال شيء من ألم الضرب (10). قال في المبسوط: فإن كان يمنع ألم
الضرب كالفروة والجبة المحشوة نزعها وترك بقميص أو قميصين (11).



(1) انظر الخلاف: ج 5 ص 374 المسألة 11.
(2) التوبة: 122.
(3) الخلاف: ج 5 ص 374 المسألة 11.
(4) المبسوط: ج 8 ص 8.
(5 و 7) شرائع الإسلام: ج 4 ص 157.
(6) المختصر النافع: ص 216.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 369 ب 11 من أبواب حد الزنا ح 3.
(9) المصدر السابق: ح 2.
(10) السرائر: ج 3 ص 452.
(11) المبسوط: ج 8 ص 69.
458
وذلك لقول الباقر (عليه السلام) في خبر طلحة بن يزيد: لا يجرد في حد ولا يشبح يعني
يمد، وقال: يضرب الزاني على الحال التي يوجد عليها إن وجد عريانا ضرب عريانا،
وإن وجد وعليه ثياب ضرب وعليه ثيابه (1). وقد يجمع بينه وبين ما تقدم بالتخيير.
ولفظ " يوجد " في الخبر يحتمل الواو والجيم وإهمال الدال، والهمزة وإعجام
الخاء والذال، وعلى كل فيحتمل الوجدان والأخذ على الزنا، ويحتملهما عند الرفع
إلى الحاكم.
وفي المقنع: ويجلدان في ثيابهما التي كانت عليهما حين زنيا وإن وجدا
مجردين ضربا مجردين (2). ورد عليه في المختلف بأن جسد المرأة عورة فلا
يجوز تجريدها كعورة الرجل (3).
ويضرب (قائما) لقول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة: يضرب الرجل الحد قائما (4).
ولأن الحد يقام على الشهرة والقيام أبلغ فيها.
ويضرب (أشد الضرب) لما مر من قول الكاظم (عليه السلام) (5) ولقوله (عليه السلام) فيما روي
في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عنه (عليه السلام): يجلد
الزاني أشد الجلد (6). وروي مثله عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (7). وعن سماعة عن
الصادق (عليه السلام): حد الزاني كأشد ما يكون من الحدود (8). وفيما كتب الرضا (عليه السلام) إلى محمد
بن سنان: وعلة ضرب الزاني على جسده بأشد الضرب لمباشرته الزنا واستلذاذ
الجسد كله به (9) فجعل الضرب عقوبة له وعبرة لغيره وهو أعظم الجنايات.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 370 ب 11 من أبواب حد الزنا ح 7.
(2) المقنع: ص 428.
(3) مختلف الشيعة: ج 9 ص 163.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 369 ب 11 من أبواب حد الزنا ح 1.
(5) المصدر السابق: ح 3.
(6) قرب الأسناد: ص 257 ح 1017.
(7) دعائم الإسلام: ج 2 ص 451 ح 1580.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 370 ب 11 من أبواب حد الزنا ح 4.
(9) المصدر السابق: ح 8.
459
(وروي) عن حريز عمن أخبره عن الباقر (عليه السلام): أنه يضرب (متوسطا)
قال: ويضرب بين الضربين (1) وحكي العمل به عن بعض الأصحاب، والأول أشهر
رواية وفتوى.
(ويفرق) الضرب (على جسده) من قرنه إلى قدمه وعلل في بعض
الأخبار بأنه استلذ بجميع أعضائه (ويتقى) المقاتل (وجهه ورأسه وفرجه)
لأن ضرب الوجه والفرج ربما مثل به، ولقول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة: ويضرب
على كل عضو، ويترك الوجه والمذاكير (2). كذا في الفقيه (3) والتهذيب (4) وفي
الكافي: ويترك الرأس والمذاكير (5). وعن علي (عليه السلام): اضرب وأوجع واتق الرأس
والفرج (6). وفي مرسل حريز: يفرق الحد على الجسد كله ويتقى الوجه والفرج (7).
وفي خبر محمد بن مسلم: أن الرجم والضرب لا يصيبان الوجه (8).
واقتصر جماعة من الأصحاب على استثناء الوجه والفرج، ومنهم الشيخ في
المبسوط (9) والخلاف (10) وحكى في المبسوط: استثناء الرأس قولا، وفي
الخلاف: عن أبي حنيفة، وادعى الإجماع على خلافه. واقتصر الحلبي على الرأس
والفرج (11) ولعله أدخل الوجه في الرأس، ويؤيد استثناء الرأس أن ضربه ربما
أورث العمى واختلال العقل ونحو ذلك.
(والمرأة تضرب جالسة قد ربط عليها ثيابها) لقول الباقر (عليه السلام) في خبر



(1) المصدر السابق: ح 6.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 369 ب 11 من أبواب حد الزنا ح 1.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 29 ح 5011.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 31 ح 104.
(5) الكافي: ج 7 ص 183 ح 1.
(6) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 336.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 370 ب 11 من أبواب حد الزنا ح 6.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 375 ب 14 من أبواب حد الزنا ح 6.
(9) المبسوط: ج 8 ص 8.
(10) الخلاف: ج 5 ص 375 المسألة 12.
(11) الكافي في الفقه: ص 407.
460
زرارة: يضرب الرجل قائما والمرأة قاعدة (1) ولأنه أستر لها. وأما ربط الثياب عليها
فلما ذكره الشيخان (2) وغيرهما: من أن لا تنهتك فتبدو عورتها، وللأمر بذلك إذا أريد
رجمها في خبر أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السلام) في امرأة أقرت عند أمير المؤمنين (عليه السلام)
بالفجور، قال: فحفر لها حفيرة في الرحبة، وخاط عليها ثوبا جديدا، وأدخلها
الحفيرة (3) الخبر. وفيما روي: أنه (عليه السلام) أمر فشدت على الجهنية ثيابها ثم رجمت.
(ولا يجلد المريض ولا المستحاضة إذا لم يجب قتلهما بل ينتظر)
بهما (البرء) خوفا من التلف أو استمرار الاستحاضة أو زيادتها ونحوها من
الأمراض، ولخبر السكوني عن الصادق (عليه السلام) قال: أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل
أصاب حدا وبه قروح في جسده كثيرة، فقال (عليه السلام): أقروه حتى يبرأ لا تنكؤها
عليه فتقتلوه (4). وخبره عنه (عليه السلام) قال: لا يقام الحد على المستحاضة حتى ينقطع
الدم عنها (5). وخبر مسمع عنه (عليه السلام) قال: أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل أصاب حدا
وبه قروح ومرض وأشباه ذلك، فقال (عليه السلام) أخروه حتى يبرأ لا تنكأ قروحه عليه
فيموت ولكن إذا برأ حددناه (6).
(فإن اقتضت المصلحة التعجيل) ومنها أن لا يرجى برؤه كالسل والزمانة
وضعف الخلقة (ضرب بضغث) أي حزمة وشبهها (يشتمل على العدد) من
سياط أو أعواد أو شماريخ أو نحوها، لخبر سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه أتي
النبي (صلى الله عليه وآله) برجل كبير البطن قد أصاب محرما فدعا (صلى الله عليه وآله) بعرجون فيه مائة شمراخ
فضربه مرة واحدة، فكان الحد (7).



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 369 ب 11 من أبواب حد الزنا ح 1.
(2) المقنعة: ص 780، المبسوط: ج 8 ص 69.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 380 ب 16 من أبواب حد الزنا ح 5.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 321 ب 13 من أبواب مقدمات الحدود ح 4.
(5) المصدر السابق: ح 3.
(6) المصدر السابق: ص 322 ح 6.
(7) المصدر السابق: ح 7.
461
وخبر حنان عنه (عليه السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتي برجل كبير قد استسقى بطنه
وبدت عروق فخذيه وقد زنى بامرأة مريضة، فأمر (عليه السلام) فأتي بعرجون فيه مائة
شمراخ فضربه ضربة واحدة وضربها به ضربة واحدة وخلى سبيلهما، وذلك قوله
عز وجل: " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " (1).
وخبر أبي العباس عنه (عليه السلام) قال: أتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) برجل دميم قصير قد
سقى بطنه وقد درت عروق بطنه، قد فجر بامرأة فقالت المرأة: ما علمت به إلا وقد
دخل علي، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أزنيت؟ قال: نعم - ولم يكن محصنا - فصعد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصره وخفضه، ثم دعا بعذق فعده مائة ثم ضربه بشماريخه (2).
وخبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لو أن رجلا أخذ حزمة من قضبان أو أصلا
فيه قضبان فضربه ضربة واحدة أجزأه عن عدة ما يريد أن يجلده من عدة القضبان (3).
وما رواه الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر
عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتي بامرأة مريضة ورجل أجرب مريض
قد بدت عروق فخذيه قد فجر بامرأة، فقالت المرأة لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أتيته فقلت له:
أطعمني واسقني فقد جهدت، فقال: لا حتى أفعل بك، ففعل، فجلده رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بغير بينة مائة شمراخ ضربة واحدة وخلى سبيله، ولم يضرب المرأة (4).
(ولا يشترط وصول كل شمراخ إلى جسده) لتعذره عادة بل يكفي
التأثير بالاجتماع.
(ولو اشتمل) الضغث (على خمسين ضرب) به (دفعتين) لفهمه من
ضرب المشتمل على المائة بطريق الأولى.
ولابد من كون الضرب به وبالمشتمل على المائة (ضربا مؤلما) ألما



(1) المصدر السابق: ص 320 ح 1.
(2) المصدر السابق: ص 321 ح 5.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 323 ب 13 من أبواب مقدمات الحدود ح 8.
(4) قرب الاسناد: ص 257 الحديث 1016.
462
يحتمله ولا يأتي على نفسه (يتثاقل عليه جميع الشماريخ).
(ولا) يجب، بل لا يجوز أن (يفرق السياط على الأيام) بأن يضرب كل
يوم بعضا منها حتى يستوفى (وإن احتمله) بل إذا لم يحتمل النصاب في يوم
واحد عدل إلى الضغث، لأنه مأثور وقد ورد أنه لا نظرة في حد.
(ولو احتمل سياطا خفافا فهو أولى من الشماريخ) وأحوط (وإذا
برئ) من ضرب بالضغث (لم يعد عليه الحد) للأصل.
(وتؤخر) حد (النفساء مع المرض) أي ما دام بها مرض من النفاس.
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أن أمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي
حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله)،
فقال: أحسنت. وفي رواية قال: دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحد (1).
وفي المبسوط (2) والوسيلة (3): إن كان بها ضعف أخر حدها، وإن كانت قوية
جلدت في نفاسها. ويحتمله عبارة الكتاب.
(ولا تؤخر الحائض) وليس الحيض بمرض، بل دلالته على الصحة واضحة.
(ولا يقام على الحامل) حد (جلدا كان أو رجما) كان الحمل من زنا
أو لا (حتى تضع ويستغني الولد بها عن الرضاع) والحضانة (إن لم تتفق
له مرضع) أو حاضن، إذ لا سبيل على حملها. وعنه (عليه السلام) إنه قال للغامدية: حتى
تضعي ما في بطنك، فلما ولدت قال: اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه (4).
وفي خبر أنها لما ولدتها قال: إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من
يرضعه، فقام رجل من الأنصار فقال: إلى رضاعه يا نبي الله فرجمها (5).
وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) للتي أقرت عنده: انطلقي فضعي ما في بطنك ثم



(1) انظر السنن الكبرى: ج 8 ص 229.
(2) المبسوط: ج 8 ص 5.
(3) الوسيلة: ص 412.
(4) السنن الكبرى: ج 8 ص 229.
(5) السنن الكبرى: ج 8 ص 229.
463
ائتيني أطهرك، ثم لما وضعت قال لها: انطلقي فأرضعيه حولين كاملين كما أمرك
الله تعالى، ثم لما أرضعته قال لها: انطلقي فاكفليه حتى يعقل أن يأكل ويشرب، ولا
يتردى من سطح، ولا يتهور في بئر (1).
وسئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن محصنة زنت وهي حبلى، فقال: تقر حتى تضع ما
في بطنها وترضع ولدها، ثم ترجم (2).
(وإن وجدت) له مرضع أو حاضن (جاز إقامة الحد) بل وجبت;
لارتفاع المانع، كما أن عمرو بن حريث لما كفل لتلك المرأة ولدها، فقال له
أمير المؤمنين (عليه السلام): لتكفلنه وأنت صاغر، ثم رجمها (3). ولما لم يكمل نصاب
الإقرار إلا بعد ذلك; لم يسترضع (عليه السلام) لولدها، وإلا فالظاهر وجوبه.
والأجرة من بيت المال إن لم يتبرع أحد، ولا كان للولد مال، إذ ليس في
الحدود نظر ساعة إذ لا مانع.
ولو لم يظهر الحمل ولا ادعته لم يؤخر الحد، ولا اعتبار بإمكان الحمل. نعم لو
ادعته قبل قولها.
(ولا يقام الحد في حر شديد، أو برد شديد، بل يقام في الشتاء وسط
النهار، وفي الصيف في طرفيه) فربما أدت الإقامة في شدة الحر أو البرد إلى
التلف، وللأخبار: كقول أبي عبد الله (عليه السلام) في مرسل داود المسترق: إذا كان في البرد
ضرب في حر النهار، وإذا كان في الحر ضرب في برد النهار (4). وقول أبي إبراهيم (عليه السلام)
في خبر هشام بن أحمر: لا يضرب أحد في شيء من الحدود في الشتاء إلا في
أحر ساعة من النهار، ولا في الصيف إلا في أبرد ما يكون من النهار (5).



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 378 ب 16 من أبواب حد الزنا ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 381 ب 16 من أبواب حد الزنا ح 6.
(3) المصدر السابق: ص 378 ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 315 ب 7 من أبواب مقدمات الحدود ح 2.
(5) المصدر السابق: ح 1.
464
(وكذا) لا يقام (الرجم) في شدة الحر أو البرد (إن توهم) أي احتمل
ولو مرجوحا (سقوطه برجوعه) عن الإقرار (أو توبته أو فراره) احتياطا
في الدم وإبقاء عليه ما أمكن.
(ولا) ينبغي كما في المنتهى (1) والتذكرة (2) أن يقام حد (في أرض
العدو) كما نص أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) (لئلا
تلحقه غيرة وحمية فيلحق بهم) كما نص عليه في خبر غياث بن إبراهيم عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا أقيم على أحد حدا بأرض العدو
حتى يخرج منها، لئلا تلحقه الحمية فيلحق بالعدو (4).
(ولا في الحرم إذا) جنى في غيره و (التجأ إليه، بل يضيق عليه في
المطعم والمشرب حتى يخرج ويستوفى منه) لقوله تعالى: " حرما آمنا " (5)
" ومن دخله كان آمنا " (6)، مع أن في الإهمال رأسا مفاسد معلومة، فلابد من
التضييق. ولصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل يجني في غير
الحرم ثم يلجأ إلى الحرم، قال: لا يقام عليه الحد، ولا يطعم، ولا يسقى، ولا يكلم،
ولا يبايع، فإنه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد (7).
وألحق في النهاية (8) والتحرير (9) بحرم الله حرم رسوله والأئمة (عليهم السلام)، وفي
الوسيلة (10) حرم الرسول (صلى الله عليه وآله).
(ولو زنى في الحرم حد فيه) كما قال (عليه السلام) في ذلك الخبر بعد ذلك: وإن



(1) منتهى المطلب: ج 2 ص 954 س 27.
(2) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 436 س 16.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 317 ب 10 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
(4) المصدر السابق: ح 2.
(5) العنكبوت: 67.
(6) آل عمران: 97.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 346 ب 34 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
(8) النهاية: ج 3 ص 302.
(9) تحرير الأحكام: ج 5 ص 324.
(10) الوسيلة: ص 412.
465
جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم، فإنه لم ير للحرم حرمة. وأرسل
في الفقيه عنه (عليه السلام): لو أن رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا; اخرج من الكعبة وعن
الحرم وضربت عنقه (1). ورواه الكليني (2) في الكفر والإيمان عن سماعة مضمرا.
(وإذا اجتمع الجلد والرجم) على أحد (بدئ بالجلد أولا ثم رجم)
وإلا فات الجلد.
(وفي انتظار برء جلده) من الجلد ثم يرجم (خلاف) فالشيخان (3)
والحلبي (4) وبنو زهرة (5) وحمزة (6) والبراج (7) وسعيد (8) على الانتظار، وابن
إدريس (9) على استحبابه.
و (ينشأ) الخلاف (من أن القصد) يحتمل أن يكون (الإتلاف) فلا
فائدة في الانتظار، مع ما ورد من أنه لا نظر في الحدود (10). (ومن) احتمال أن
يكون القصد (المبالغة في الزجر) والزيادة في العقوبة.
وقال أبو علي (11): يجلد قبل الرجم بيوم لما ورد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) جلد
شراحة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة (12).
(وكذا إذا اجتمعت حدود أو حقوق قصاص) أو حد وقصاص (بدئ
بما لا يفوت معه الآخر) كما قال أبو جعفر في صحيح زرارة: أيما رجل
اجتمعت عليه حدود فيها القتل، يبدأ بالحدود التي هي دون القتل، ثم يقتل بعد



(1) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 251 ح 2326.
(2) الكافي: ج 4 ص 28 ح 2.
(3) المقنعة: ص 775، النهاية: ج 3 ص 298.
(4) الكافي في الفقه: ص 407.
(5) الغنية: 424.
(6) الوسيلة: ص 413.
(7) المهذب: ج 2 ص 527.
(8) الجامع للشرائع: ص 550.
(9) السرائر: ج 3 ص 451.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 336 ب 25 من أبواب حد الزنا ح 1.
(11) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 9 ص 153.
(12) انظر السنن الكبرى: ج 8 ص 220.
466
ذلك (1). ونحوه في حسن حماد بن عثمان (2). وحسن ابني سنان وبكير جميعا (3)
عن أبي عبد الله (عليه السلام). وفي صحيح محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) في الرجل يؤخذ وعليه
حدود أحدها القتل، فقال: كان علي (عليه السلام) يقيم عليه الحدود ثم يقتله ولا نخالف
عليا (4). وعن سماعة عنه (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيمن قتل وشرب
خمرا وسرق، فأقام عليه الحد فجلده لشربه الخمر، وقطع يده في سرقته، وقتله
بقتله (5). ومن العامة (6) من اكتفى بالقتل، وقال: إنه يأتي على الجميع.
(ويدفن المرجوم إلى حقويه) لقول أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر سماعة: ولا
يدفن الرجل إذا رجما إلا إلى حقويه (7).
وقد ورد الحفر له مطلقا في عدة روايات: كخبر الحسين بن خالد عن أبي
الحسن (عليه السلام) (8) وأبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) (9).
(والمرأة إلى صدرها) كما روي للغامدية (10). وقريب منه ما روي من
دفن شراحة إلى منكبها أو ثديها (11). وما روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) رجم امرأة، فحفر لها
إلى التندوة (12). وهذا التفصيل مما ذكره في النهاية (13) والسرائر (14) والوسيلة (15)
والجامع (16) والشرائع (17) والنافع (18).



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 325 ب 15 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
(2) المصدر السابق: ص 326 ح 5.
(3) المصدر السابق: ح 6.
(4) المصدر السابق: ح 4.
(5) المصدر السابق: ص 327 ح 7.
(6) انظر المحلى: ج 11 ص 233.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 374 ب 14 من أبواب حد الزنا ح 3.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 376 ب 15 من أبواب حد الزنا ح 1.
(9) المصدر السابق: ح 2.
(10 و 12) السنن الكبرى: ج 8 ص 221.
(11) انظر السنن الكبرى: ج 8 ص 221.
(13) النهاية: ج 3 ص 299.
(14) السرائر: ج 3 ص 451.
(15) الوسيلة: ص 412.
(16) الجامع للشرائع: ص 551.
(17) شرائع الإسلام: ج 4 ص 156.
(18) المختصر النافع: ص 216.
467
وفي المقنع: والرجم أن يحفر له حفيرة مقدار ما يقوم فيها، فيكون بطوله إلى
عنقه فيرجم (1).
وفي المقنعة (2) والغنية (3) التسوية بينهما في الحفر إلى الصدر.
وفي المراسم (4) الحفر له إلى صدره، ولها إلى وسطها.
وفي خبر أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السلام): أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) فحفر حفيرة
للتي أقرت عنده، وإدخالها فيها إلى الحقو دون موضع الثديين (5).
وفي الفقيه في المرأة التي كفل ولدها عمرو بن حريث أن أمير المؤمنين (عليه السلام)
أمر فحفر لها حفيرة، ثم دفنها فيها إلى حقويها (6).
وفي خبرين لسماعة وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنها تدفن إلى وسطها (7).
وعن أبي سعيد الخدري أنه (عليه السلام) أمرنا برجم ماعز فانطلقنا به إلى بقيع الفرقد،
فما أوثقنا هو لا حفرنا له قال: فرميناه بالعظام والمدر والخزف، قال: فاشتد واشتددنا
خلفه حتى أتى عرصة الحرة، فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكت (8).
وظاهر الأخبار عندنا وأكثر الأصحاب وجوب الحفر. وعن الحسين بن خالد
عن أبي الحسن (عليه السلام): أن ماعزا هرب من الحفيرة (9). ونفى ابن حمزة الحفر إن ثبت
الزنا بالإقرار (10).
وأما الدفن فاعتبره الشيخ (11) وابن إدريس (12) والمحقق (13) مطلقا كما في



(1) المقنع: ص 428.
(2) المقنعة: ص 780.
(3) الغنية: ص 424.
(4) المراسم: ص 252.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 380 ب 16 من أبواب حد الزنا ح 5.
(6) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 32 ح 5018.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 374 ب 14 من أبواب حد الزنا ح 1، 3.
(8) السنن الكبرى: ج 8 ص 221، وفيها: عن عرض الحرة.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 376 ب 15 من أبواب حد الزنا ح 1.
(10) الوسيلة: ص 411.
(11) النهاية: ج 3 ص 299.
(12) السرائر: ج 3 ص 451.
(13) المختصر النافع: ص 216.
468
الكتاب والأخبار، ولم يذكره الصدوق ولا سلار ولا ابن سعيد مطلقا.
وفي الكافي والغنية (1): إنهما يدفنان إن ثبت زناهما بالبينة أو بعلم الإمام، لا
إن ثبت بالإقرار ليمكنه الفرار إذا أراد.
ولم يعتبر المفيد دفنه مطلقا، وقصر دفنها على ما إذا ثبت زناها بالبينة لا
بالإقرار (2).
ولا يرجمان إلا (بعد أن يؤمر بالتغسيل والتكفين) إجماعا، كما في
الخلاف (3). وزاد الصدوق (4) والشيخان (5) وغيرهم التحنط، كما في طهارة الكتاب (6)
ونهاية الإحكام (7) والتذكرة (8) والمنتهى (9). وفي المعتبر (10) والذكرى (11) أنهما لم
يجدا في شيء من ذلك خلافا بين الأصحاب. وقال الصادق (عليه السلام) في خبر كردين:
المرجوم والمرجومة يغتسلان ويتحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك، ويصلى
عليهما، والمقتص منه بمنزلة ذلك، يغتسل ويتحنط ويلبس الكفن ويصلى عليه (12).
ونحوه في الفقيه (13) عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
(ثم يرمى بالحجار الصغار) لئلا يتلف سريعا، وللأخبار (14) من ورائه لئلا
يصيب وجهه. (فإذا مات دفن) في مقابر المسلمين، بلا خلاف كما في المبسوط (15).
(ولا يجوز إهماله) كما لا يجوز إهمال غيره من المسلمين.



(1) الكافي في الفقه: ص 407، الغنية: 424.
(2) المقنعة: ص 780.
(3) الخلاف: ج 1 ص 713 المسألة 521.
(4) المقنع: ص 63.
(5) انظر المقنعة: ص 84 و 85، النهاية: ج 1 ص 253.
(6) راجع ج 2 ص 229.
(7) انظر نهاية الإحكام: ج 1 ص 173.
(8) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 41 س 37.
(9) منتهى المطلب: ج 1 ص 434 س 22.
(10) المعتبر: ج 1 ص 347.
(11) الذكرى: ج 1 ص 329.
(12) وسائل الشيعة: ج 2 ص 703 ب 17 من أبواب غسل الميت ح 1.
(13) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 157 ح 440.
(14) وسائل الشيعة: ج 18 ص 374 ب 14 من أبواب حد الزنا ح 1 و 3.
(15) المبسوط: ج 8 ص 4.
469
(ولو فر أحدهما أعيد إن ثبت الزنا بالبينة) إجماعا كما هو الظاهر وللأصل
والأخبار (1). (ولو ثبت بالإقرار لم يعد) مطلقا، وفاقا للحلبي (2) والمفيد (3)
وسلار (4) وابني سعيد (5) لأنه بمنزلة الرجوع عن الإقرار، وللشبهة والاحتياط في الدم.
(وقيل) في النهاية (6) والوسيلة (7): (بشرط أن تصيبه) شيء من
(الحجارة، فلو فر قبل إصابتها له; أعيد وإن ثبت بالإقرار) للأصل،
وليحصل مسمى الرجم، ولخبر أبي بصير قال لأبي عبد الله (عليه السلام): المرجوم يفر من
الحفيرة فيطلب، قال: لا، ولا يعرض له إن كان أصابه حجر واحد لم يطلب، فإن
هرب قبل أن يصيبه الحجارة رد حتى يصيبه ألم العذاب (8).
وخبر الحسين بن خالد قال لأبي الحسن (عليه السلام): أخبرني عن المحصن إذا هو
هرب من الحفيرة هل يرد حتى يقام عليه الحد؟ فقال: يرد ولا يرد، قال: وكيف
ذلك؟ فقال: إذا كان هو المقر على نفسه ثم هرب من الحفيرة بعدما يصيبه شيء من
الحجارة لم يرد (9) الخبر.
قال في المختلف: فإن صحت هذه الرواية تعين المصير إليها (10). وتردد ابن
إدريس (11) والمصنف في التحرير (12).
(وإذا ثبت) الموجب للرجم (بالبينة كان أول من يرجمه الشهود وجوبا)
كما يظهر من الأكثر. وفي الخلاف (13) وظاهر المبسوط (14): أن عليه الإجماع، وبه خبر



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 376 ب 15 من أبواب حد الزنا.
(2) الكافي في الفقه: ص 407.
(3) المقنعة: ص 775.
(4) المراسم: ص 252.
(5) الجامع للشرائع: ص 551، المختصر النافع: ص 216.
(6) النهاية: ج 3 ص 299.
(7) الوسيلة: ص 412.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 377 ب 15 من أبواب حد الزنا ح 3.
(9) المصدر السابق: ص 376 ح 1.
(10) مختلف الشيعة: ج 9 ص 154.
(11) السرائر: ج 3 ص 452.
(12) تحرير الأحكام: ج 5 ص 319.
(13) الخلاف: ج 5 ص 377 المسألة 15.
(14) المبسوط: ج 8 ص 4.
470
زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إذا قامت عليه البينة كان أول من يرجمه البينة، ثم الإمام،
ثم الناس (1). وخبر عبد الله بن المغيرة، وصفوان وغير واحد رفعوا إليه (عليه السلام) مثله (2).
وعلى هذا، فيجب على الشهود الحضور كما نص عليه في الخلاف (3)
والمبسوط (4) فإن غابوا أو ماتوا لم يكن بد من أن يبدأ الإمام.
وفي موضع من الخلاف: أنه لا يجب عليهم الحضور للأصل، وأن أصحابنا
رووا ابتداءهم بالرجم إذا ثبت بشهادتهم، فعلى هذه يجب عليهم الحضور (5).
(وإن ثبت بالإقرار بدأ الإمام) وجوبا كما هو ظاهرهم، وفي الخلاف (6)
وظاهر المبسوط (7) الإجماع عليه. ويدل عليه نحو قول أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر
زرارة، ومرفوع عبد الله بن المغيرة، وصفوان وغير واحد: إذا أقر الزاني المحصن
كان أول من يرجمه الإمام ثم الناس (8). وفي خبر أبي بصير: تدفن المرأة إلى وسطها
ويرمي الإمام ثم الناس (9). ولم يعلم أنه (صلى الله عليه وآله) لم يحضر رجم ماعز واليهوديين
غاية الأمر عدم النقل.
(ولا يرجمه من لله قبله حد) لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر ابن ميثم:
أيها الناس! إن الله عهد إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) عهدا، عهده محمد (صلى الله عليه وآله) إلي بأنه لا يقيم الحد
من لله عليه حد (10). وفي مرسل ابن أبي عمير: من فعل مثل فعله فلا يرجمه



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 374 ب 14 من أبواب حد الزنا ح 2، وفيه: عن صفوان عمن
رواه.
(2) المصدر السابق.
(3) انظر الخلاف: ج 5 ص 376 و 377 المسألة 14 و 15.
(4 و 7) المبسوط: ج 8 ص 4.
(5) الخلاف: ج 5 ص 376 المسألة 14.
(6) الخلاف: ج 5 ص 377 المسألة 15.
(8) انظر وسائل الشيعة: ج 18 ص 374 ب 14 من أبواب حد الزنا ح 2، وفيه: عن صفوان
عمن رواه بدل " زرارة ".
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 374 ب 14 من أبواب حد الزنا ح 1.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 341 ب 31 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
471
ولينصرف (1). وفي خبر الأصبغ: نشدت الله رجلا منكم لله عليه مثل هذا الحق أن
يأخذ لله به، فإنه لا يأخذ لله عز وجل بحق من يطلبه الله بمثله (2).
(وفي التحريم إشكال): من ظاهر النهي المفهوم من الأخبار، ومن الأصل،
وهو مذهب الأصحاب، وصريح المحقق. وفي السرائر: وروي أنه لا يرجمه إلا من
ليس لله سبحانه في جنبه حد، وهذا غير متعذر، لأنه يتوب فيما بينه وبين الله ثم يرميه (3).
(ومؤونة التغريب على الزاني) إن تمكن منها، فإنه عقوبة على فعله. (أو
في بيت المال) إن لم يتمكن، لأنه من المصالح.
(ولو كانت الطرق مخوفة لم ينتظر الأمن) للعموم (بل يؤمر
بالخروج إلا أن يخشى تلفه فينتظر) إذ لم يؤمر بإتلافه.
(وهل يشترط التغريب إلى مسافة القصر فصاعدا؟ الأقرب ذلك)
لأن الخارج إلى ما دونها كالمقيم دون الغريب. وقال الشيخ: لا حد له بل على
حسب رأي الإمام (4). وهو خيرة التحرير (5) وفي بعض ما روي عنهم (عليهم السلام) أن
حده خمسون فرسخا (6). (وإليه الخيرة في جهات السفر) فليس علينا إلا
إخراجه وأمره بالمسافرة.
(والغريب) إذا زنى (يخرج إلى غير بلده) الذي استوطنه، تحقيقا لمعنى
التغريب والعقوبة. هذا على أحد الاحتمالين للحكمة في النفي، وعلى كونها التبعيد
عن مكان الفتنة; لا فرق بين وطنه وغيره. (فإن رجع) قبل الحول (إلى بلده لم
يتعرض له) للأصل، فإنا لم نؤمر إلا بالتغريب عن بلد الجلد أو الفاحشة. (ولو
رجع إلى بلد الفاحشة) أو الجلد، على ما عرفت من اختلاف الأخبار في ذلك



(1) المصدر السابق: ص 342 ح 2، وفيه: عن ابن أبي عمير عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام).
(2) المصدر السابق: ح 4.
(3) السرائر: ج 3 ص 454.
(4) المبسوط: ج 8 ص 3.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 320.
(6) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): ص 276.
472
(قبل الحول طرد) لوجوب النفي سنة.
(وكذا لو غرب المستوطن) في بلد الفاحشة (عن بلده ثم عاد قبل الحول)
طرد (ولا تحتسب له المدة الماضية) قبل العود، بل لابد من مضي سنة من
الطرد; لتبادر الاتصال عن التغريب والنفي سنة، إذ لا يقال: لمن سافر أياما ثم
رجع ثم سافر وهكذا إلى أن كمل له سنة في غير بلده: اغترب سنة، ولاحتمال كون
الحكمة البعد عن مكان الفتنة والمزني بها، ويناسبه اتصال الزمان وطول العهد.
وحكم في التحرير (1) بالبناء; للأصل والإطلاقات وتحقق العقوبة.
(ولا يقتل المرجوم بالسيف) فلم نؤمر به، ولا جعل ذلك كفارة لذنبه
(بل ينكل) أي يفعل به ما يزجر الغير ويدفعه عن مثل فعله (بالرجم) وهو
الرمي بالرجام أي الحجارة (لا بصخرة تذفف) عليه، أي يجهزه ويقتله;
لخروجه عن معنى الرجم.
(ولا) يرجم (بحصى) صغار جدا (يعذب) بطول الضرب مع بقاء الحياة
(بل بحجارة معتدلة) وعليها يحمل ما في الأخبار (2) من الأحجار الصغار.
(المطلب الرابع في المستوفي)
(وهو الإمام مطلقا) أي أذن له غيره أو لا، كانت له على المحدود ولاية غير
ولاية الإمامة من أبوة أو زوجية أو سيادة أو لا، أو كان أصلا في الإمامة أو فرعا من
فقهاء الإمامية الجامعين لشرائط القضاء. وعلى الأول يدخلون في من يأمره الإمام.
ويحتمل أن يكون قوله: " سواء كان الزاني " إلى آخر الكلام تفسير الإطلاق.
ويحتمل أن يكون الإطلاق بمعنى عموم الإمامة، فكأنه قال: وهو الإمام
المطلق، أي العام إمامته، أي الإمام الأصل، فالفقهاء يدخلون في من يأمره الإمام.



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 320.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 374 ب 15 من أبواب حد الزنا ح 1 و 3.
473
(أو من يأمره الإمام) كما كانوا (عليهم السلام) يأمرون أصحابهم بالإقامة. وبالجملة:
فعلى الحاكم أن يقيمه بنفسه، أو يأمر من يقيمه إذا ثبت الموجب.
(سواء كان الزاني حرا أو عبدا، ذكرا كان أو أنثى) وليس لغيره الاستيفاء
بدون إذنه إلا السيد والزوج والأب على التفصيل الآتي، قال أبو عبد الله (عليه السلام) لحفص
بن غياث: إقامة الحدود إلى من إليه الحكم (1).
(ويتخير الإمام إذا زنى الذمي بذمية بين دفعه إلى أهل نحلته ليقيموا
الحد عليه بمقتضى شرعهم) الذي يزعمونه حقا وإن حرفوه، بمعنى الإعراض
عنه حتى يحكم فيه حاكمهم بما يرى، فإن الدفع ليقيم عليه من الحد ما يراه أمر
بالمنكر إن خالف الواجب في شرعنا. نعم يجوز إذا وافقه (وبين إقامة الحد
عليه بمقتضى شرع الإسلام) كما فعل (صلى الله عليه وآله) باليهوديين (2).
وينص على التخيير قوله تعالى: " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم " (3).
وللعامة (4) قول بنسخه ووجوب الحكم بقوله تعالى: " وأن احكم بينهم بما
أنزل الله " (5).
أما إذا زنى بمسلمة; فعلى الإمام قتله، ولا يجوز له الإعراض; لأنه هتك
حرمة الإسلام، وخرج عن الذمة.
ولو زنى مسلم بذمية; حكم في المسلم بحكمه، وله الخيار في الذمية. وكتب
محمد بن أبي بكر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يسأله عن الرجل يزني بيهودية أو
نصرانية، فكتب (عليه السلام): إن كان محصنا فارجمه، وإن كان بكرا فاجلده مائة جلدة،
ثم انفه، وأما اليهودية فابعث بها إلى أهل ملتها فيقضوا فيها ما أحبوا (6).



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 338 ب 28 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
(2) عوالي اللآلئ: ج 1 ص 455 ح 193.
(3) المائدة: 42.
(4) الجامع لأحكام القرآن: ج 6 ص 185.
(5) المائدة: 48.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 361 ب 8 من أبواب حد الزنا ح 5.
474
(وللسيد إقامة الحد على عبده وأمته من دون إذن الإمام) اتفاقا، كما
في الخلاف (1) والغنية (2). وقصر في النهاية (3) والسرائر (4) والشرائع (5) والمنتهى (6)
والتذكرة (7) وجهاد الكتاب (8) والتحرير (9) على حال الغيبة. وعنه (صلى الله عليه وآله): أقيموا
الحدود على ما ملكت أيمانكم (10). وفي خبر آخر: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها
الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب ثم إن زنت الثالثة
فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر (11). وقال أبو عبد الله (عليه السلام) لإسحاق بن عمار
وقد سأله عن ضرب غلامه: إن كنت تدري حد ما أجرم فأقم الحد فيه، ولا تعد
حدود الله (12). وقال له (عليه السلام) عنبسة بن مصعب: كانت لي جارية فزنت، أحدها؟
قال: نعم، ولكن يكون ذلك في سر لحال السلطان (13).
وخالف سلار (14) فلم يجز له الإقامة، وهو ظاهر الجامع (15).
(وللإمام أيضا الاستيفاء) من دون إذن السيد، لعموم ولايته (وهو أولى)
منه، لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وكذا القضاة من قبله، ومنهم الفقهاء في الغيبة.
(وللسيد أيضا التعزير) بطريق الأولى.
(وهل للمرأة والفاسق والمكاتب استيفاء الحدود من عبيدهم؟ إشكال
ينشأ: من العموم) في النص والفتوى (و) احتمال (كونه استصلاحا للملك)



(1) الخلاف: ج 5 ص 395 المسألة 38.
(2) الغنية: ص 425.
(3) النهاية: ج 2 ص 16.
(4) السرائر: ج 2 ص 24.
(5) شرائع الإسلام: ج 1 ص 344.
(6) منتهى المطلب: ج 2 ص 994 س 2.
(7) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 459 س 3.
(8) قواعد الأحكام: ج 1 ص 525.
(9) تحرير الأحكام: ج 2 ص 242.
(10) دعائم الإسلام: ج 2 ص 453 ح 1585.
(11) السنن الكبرى: ج 8 ص 242.
(12) وسائل الشيعة: ج 18 ص 339 ب 30 من أبواب مقدمات الحدود ح 2.
(13) المصدر السابق: ص 340 ح 6، مع اختلاف في اللفظ.
(14) المراسم: ص 261.
(15) الجامع للشرائع: ص 548.
475
وهو مشترك، وهو خيرة المبسوط (1) والخلاف (2). (ومن) احتمال (أنه ولاية)
ولا يصلحون لها. (فإذا جعلناه استصلاحا لم يكن له القتل في الحد) وسوغه
له الشيخ (3) للعموم، وحكى في الخلاف (4) الإجماع عليه. (وله القطع) في
السرقة (على إشكال): من العموم مع إمكان الاستصلاح به، وهو خيرة المبسوط (5)
والخلاف (6) وادعى فيه الإجماع، ومن الاحتياط في الدماء.
(وليس له إقامة الحد على من انعتق بعضه) ولا المرهون ولا المؤجر
من غيره: لتعلق حق الغير به عينا أو منفعة (ولا المكاتب) وإن لم يتحرر منه
شيء، لتشبهه بالحرية. وجعل في التحرير (7) من لم يتحرر منه شيء كالقن، وهو
أولى. (وأما المدبر وام الولد فإنهما قن).
(ولو كان) المملوك (مشتركا بين اثنين فليس لأحدهما الاستقلال
بالاستيفاء) كما لا يستقل بالملك والولاية (ولو اجتمعا جاز لهما) الاجتماع في
الاستيفاء (ولأحدهما استنابة الآخر في الاستيفاء) فيستوفيه عن نفسه وشريكه.
(وللزوج الحر إقامة الحد على زوجته) وفاقا للشيخ (8) (سواء دخل
بها أو لا) جلدا أو رجما، لما سيأتي من أن له إذا رأى من يزني بها قتلهما. (في
الدائم دون المنقطع) قصرا على اليقين المتبادر، ولاحتمال كونه ولاية. ويحتمل
العموم للعموم، واحتمال كونه إنكارا واستصلاحا.
(وفي) الزوج (العبد إشكال): من العموم، ومن كونه ولاية لا يصلح لها.
(وللرجل إقامة الحد على ولده) وفاقا للشيخين (9) ونسب في
الجامع (10) إلى الرواية، وهو الظاهر من النهاية (11). وخالف ابن إدريس (12)



(1 و 3 و 5) المبسوط: ج 8 ص 11.
(2) الخلاف: ج 5 ص 398 المسألة 41.
(4) الخلاف: ج 5 ص 397 المسألة 39.
(6) الخلاف: ج 5 ص 397 المسألة 39.
(7) تحرير الأحكام: ج 5 ص 322.
(8) النهاية: ج 2 ص 16.
(9) المقنعة: ص 810، النهاية: ج 2 ص 16.
(10) الجامع للشرائع: ص 548.
(11) النهاية: ج 2 ص 16.
(12) السرائر: ج 2 ص 24.
476
فيه وفي الزوج، للأصل، مع فقدان النص.
واستدل في المختلف (1) للثلاثة - أعني المولى والزوج والأب - بجوازه
للفقيه، ويشترط فيهم الفقاهة، ولم يشترطها هنا وإلا سوغ للمولى القتل.
ولم يستشكل في القطع إلا في ولد الولد كما قال: (وهل يتعدى إلى ولد
ولده؟ إشكال): من الأصل وكون الولد حقيقة في الولد للصلب، ومن عموم
الولاية. و (سواء كان الولد ذكرا أو أنثى).
(وهذا كله إنما يكون إذا شاهد السيد أو الزوج أو الوالد الزنا أو أقر
الزاني) عنده أربعا. (فإن قامت عنده) بالزنا (بينة عادلة; فالأقرب) عدم
استقلال أحد منهم بالاستيفاء و (الافتقار إلى إذن الحاكم) لأن سماع البينة
والحكم بها وظيفة الحاكم. ويحتمل الخلاف كما في المبسوط (2) والخلاف (3)
للعموم. وحكى الإجماع عليه في الخلاف.
(ويجب أن يكون) كل منهم (عالما بإقامة) ما يريد استيفاءه من
(الحدود وقدرها وأحكامها) وموجباتها، وما يثبت به.
وهل يجب كونه فقيها جامعا لشرائط الفتوى؟ قال به في المختلف (4) كما
عرفت، وأطلق غيره [كما] أطلقت النصوص.
(ولو كان الحد قتلا أو رجما اختص بالإمام) بناءا على الاحتياط في
الدم، واحتمال كون الحد من هؤلاء استصلاحا.
(وكذا القطع في السرقة) يختص بالإمام، وقد مضى الكلام فيه وفي
القتل، وتردده فيهما.
(ولو كانت الأمة مزوجة، كان للمولى الإقامة) لعموم النص (5) والفتوى.



(1) المختلف: ج 4 ص 463.
(2) المبسوط: ج 8 ص 12.
(3) الخلاف: ج 5 ص 398 المسألة 40.
(4) مختلف الشيعة: ج 4 ص 463.
(5) دعائم الإسلام: ج 2 ص 453 ح 1585.
477
(وفي) إقامة (الزوج الحر أو العبد) عليها (اشكال): من عموم النص
والفتوى، ومن أنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه. وقد مر الإشكال في خصوص العبد.
(الفصل الرابع في اللواحق)
(يسقط الحد بادعاء الزوجية) ولو كان من أحدهما وأنكر الآخر (ولا
يكلف المدعي بينة ولا يمينا) للشبهة الدارئة. (وكذا) يسقط (بدعوى
شبهة، و) إنما (يصدق) في كل منهما (مع الاحتمال) وانتفاء البينة بخلافه.
(ولو زنى المجنون بعاقلة قيل) في المقنع (1) والمقنعة (2) والنهاية (3) والجامع (4)
(وجب الجلد أو الرجم مع الإحصان، وليس بجيد) وقد مضى الكلام فيه.
(أما المرأة فيسقط عنها الحد إذا زنت مجنونة إجماعا وإن كانت
محصنة وإن زنى بها البالغ العاقل) لما مر من الفرق بأنها تؤتى وهو يأتي.
(ولو زنى أحدهما عاقلا ثم جن، لم يسقط) عنه (الحد بل يحد حالة
الجنون) قتلا كان الحد أو غيره، كانت له حالة إفاقة أو لا، للأصل، وصحيح أبي
عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل وجب عليه حد، فلم يضرب حتى خولط،
فقال: إن كان أوجب على نفسه الحد وهو صحيح لا علة به من ذهاب عقله، أقيم
الحد كائنا ما كان (5). وقد يحتمل انتظار الإفاقة إن كانت، وكان الحد جلدا. وربما
احتمل السقوط مطلقا إن لم تكن له حالة إفاقة; لعموم رفع القلم عنه (6) وما مر من
قول علي (عليه السلام): لا حد على المجنون حتى يفيق (7). وربما احتمل السقوط إن لم
يحس بالألم، أو كان بحيث لا ينزجر به.



(1) المقنع: ص 146.
(2) المقنعة: ص 779.
(3) النهاية: ج 3 ص 290.
(4) الجامع للشرائع: ص 552.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 395 ب 26 من أبواب حد الزنا ح 1.
(6) عوالي اللآلئ: ج 1 ص 209 ح 48.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 316 ب 8 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
478
(وكذا لا يسقط بالارتداد) للأصل (ويسقط بإسلام الكافر) فإنه
يجب ما قبله، وقد مر الكلام في كافر زنى بمسلمة فأسلم، إذا أريد حده.
(وفي القبلة والمضاجعة في إزار واحد) مجردين (والمعانقة التعزير
بما دون الحد) وفاقا للمشهور، للأصل، والأخبار: كقول أبي عبد الله (عليه السلام) في
صحيح حريز: إن عليا (عليه السلام) وجد امرأة ورجلا في لحاف فجلد كل واحد مائة
سوط إلا سوطا (1). وخبر الشحام وسماعة عنه (عليه السلام) في الرجل والمرأة يوجدان في
لحاف واحد، فقال: يجلدان مائة مائة غير سوط (2). وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في
حسن محمد بن قيس: لا يجلد رجل ولا امرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود على
الإيلاج والإخراج (3).
ومقدار التعزير مفوض إلى رأي الحاكم، وقال المفيد: عشرة سياط إلى تسعة
وتسعين (4).
(وروي) في عدة أخبار: أن عليهما في المضاجعة في إزار واحد (جلد
مائة) رواه عبد الرحمن الحذاء (5) وسلمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) وكذا روى عنه (عليه السلام)
عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: قال: إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد، قامت
عليهما بذلك بينة ولم يطلع منهما على ما سوى ذلك يجلد كل واحد منهما مائة
جلدة (7). وسأله (عليه السلام) أبو الصباح الكناني عن الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد،
قال: اجلدهما مائة مائة (8). ولا يكون الرجم حتى يقوم الشهود الأربعة أنهم رأوه



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 367 ب 10 من أبواب حد الزنا ح 20.
(2) المصدر السابق: ص 364 ح 3.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 373 ب 12 من أبواب حد الزنا ح 11.
(4) المقنعة: ص 774.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 364 ب 10 من أبواب حد الزنا ح 5.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 368 ب 10 من أبواب حد الزنا ح 24.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 365 ب 10 من أبواب حد الزنا ح 9.
(8) المصدر السابق: ح 10.
479
يجامعها (1). وسأله أبو بصير عن امرأة وجدت مع رجل في ثوب، قال: يجلدان
مائة جلدة (2) ولا يجب الرجم حتى تقوم البينة الأربعة بأن قد رئي يجامعها (3).
وحملها الشيخ على أن الإمام علم منهما الزنا فيجلد هما الحد كاملا، ولا
يرجمهما إلا بعد قيام البينة (4) كما في الخبرين الأخيرين.
وأما خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله فحمله على أن المراد به من زبره الإمام
ونهاه مرة، ثم وجده عاد إلى مثله، فيجوز له إقامة الحد عليه كاملا. واحتمله في
سائر الأخبار أيضا (5). وأيده بخبر أبي خديجة، قال: لا ينبغي لامرأتين تنامان
في لحاف واحد إلا بينهما حاجز، فإن فعلتا نهيتا عن ذلك، فإن وجدتا بعد النهي
في لحاف جلدتا كل واحدة منهما حدا حدا، فإن وجدتا الثالثة في لحاف حدتا،
فإن وجدتا الرابعة قتلتا (6).
وذكر الصدوق خبري حريز (7) وأبي الصباح (8) وخبرا في رجلين ينامان في
لحاف أنهما يضربان ثلاثين سوطا، وكذلك في امرأتين تنامان في لحاف (9) وجمع
بينهما بأن الرجل إذا وجد مع الرجل أو مع المرأة، أو المرأة مع المرأة في لحاف
من غير ضرورة، ولم يكن منهما ما يكره ضرب كل منهما ثلاثين يعزران به، وإن
كان منهما الزنا وأقرا به، أو قامت به البينة جلدا مائة مائة، وإن علم الإمام منهما
الزنا ولم يقرا به ولا قامت به بينة ضرب كل منهما مائة غير سوط (10).
وفي الخلاف ادعى الإجماع على جلدهما مائة إذا وجدا معها في



(1) المصدر السابق: ص 366 ح 12.
(2) المصدر السابق: ص 365 ح 7.
(3) المصدر السابق: ح 8.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 44 ذيل الحديث 156.
(5) المصدر السابق: ذيل الحديث 158.
(6) المصدر السابق: ح 159.
(7) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 23 ح 4989.
(8) المصدر السابق: ح 4990.
(9) نفس المصدر: ح 4988.
(10) المصدر السابق: ص 24 ذيل الحديث 4990.
480
فراش واحد يقبلها ويعانقها (1).
وأما نحو قول أبي عبد الله (عليه السلام) في صحيح الحلبي: حد الجلد أن يوجدا في
لحاف واحد (2) فليس نصا في عدد السياط.
(ولا يقدح تقادم الزنا في) قبول (الشهادة) عليه ما لم يظهر توبته،
للأصل والعمومات، خلافا لأبي حنيفة (3).
وفي المبسوط: وروي في بعض أخبارنا أنهم إن شهدوا بعد ستة أشهر لم
يسمع، وإن كان لأقل قبلت (4).
(وتقبل شهادة الأربعة على الاثنتين فصاعدا) اتفاقا.
(والزنا المتكرر يوجب حدا واحدا إن لم يقم عليه أولا وإن كثر)
المزني بها، وفاقا للمشهور للأصل، وعموم النصوص (5) للواحد والمتعدد. وخلافا
للصدوق (6) وأبي علي (7) وعملا بخبر أبي بصير سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يزني
في اليوم الواحد مرات كثيرة، فقال: إن زنى بامرأة واحدة كذا وكذا مرة، فإنما عليه
حد واحد، وإن هو زنى بنسوة شتى في يوم واحد في ساعة واحدة فإن عليه في
كل امرأة فجر بها حد (8). وهو ضعيف.
(وإن أقيم الحد أولا حد ثانيا في المتجدد بعد الحد، فإن زنى ثالثا
بعد الحد مرتين قتل في الثالثة) وفاقا للصدوقين (9) وابن إدريس (10) لقول أبي



(1) الخلاف: ج 5 ص 373 المسألة 9.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 363 ب 10 من أبواب حد الزنا ح 1.
(3) المبسوط للسرخسي: ج 9 ص 70.
(4) المبسوط: ج 8 ص 13.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 392 ب 23 من أبواب حد الزنا.
(6) المقنع: ص 438.
(7) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 9 ص 162.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 392 ب 23 من أبواب حد الزنا ح 1.
(9) المقنع: ص 439، ونقله عن علي بن بابويه في مختلف الشيعة: ج 9 ص 140.
(10) السرائر: ج 3 ص 442.
481
الحسن الأول (عليه السلام) في خبر يونس: إن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة (1) وادعى
عليه الإجماع في السرائر (2) وخصه الشيخ بغير الزنا (3).
(وقيل) في المقنعة (4) والنهاية (5) والمبسوط (6) والكافي (7) والغنية (8)
والوسيلة (9) والجامع (10) (بل) يقتل (في الرابعة بعد الحد ثلاثا) لقول
الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير: الزاني إذا جلد ثلاثا يقتل في الرابعة (11) (وهو
أحوط). وفي الخلاف: أنه يقتل في الخامسة (12).
(أما المملوك فإذا أقيم عليه الحد سبع مرات قتل في الثامنة) وفاقا
للمفيد (13) والشيخ في المبسوط (14) والخلاف (15) والصدوقين (16) وسلار (17)
والحلبي (18) وبني زهرة (19) وإدريس (20) وحمزة (21) لقول الصادق (عليه السلام) في
حسن بريد: إذا زنى العبد ضرب خمسين، فإن عاد ضرب خمسين إلى ثماني
مرات، فإن زنى ثماني مرات قتل وأدى الإمام قيمته إلى مواليه من
بيت المال (22). وخبر عبيد بن زرارة أو بريد العجلي سأله (عليه السلام) عن عبد زنى -
إلى أن قال -: فهل يجب عليه الرجم في شيء من فعله؟ قال: نعم يقتل في



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 313 ب 5 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
(2 و 20) السرائر: ج 3 ص 442.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 37 ذيل الحديث 130.
(4) المقنعة: ص 776.
(5) النهاية: ج 3 ص 288.
(6 و 14) المبسوط: ج 8 ص 11.
(7) الكافي في الفقه: ص 407.
(8 و 19) الغنية: ص 421.
(9 و 21) الوسيلة: ص 411.
(10) الجامع للشرائع: ص 551.
(11) وسائل الشيعة: ج 18 ص 387 ب 20 من أبواب حد الزنا ح 1.
(12 و 15) الخلاف: ج 5 ص 408 المسألة 55.
(13) المقنعة: ص 779.
(16) المقنع: ص 439، ونقله عن علي بن بابويه في مختلف الشيعة: ج 9 ص 141.
(17) المراسم: ص 253.
(18) الكافي في الفقه: ص 407.
(22) وسائل الشيعة: ج 18 ص 403 ب 32 من أبواب حد الزنا ح 2.
482
الثامنة إن فعل ذلك ثماني مرات. كذا في الفقيه (1) والعلل (2).
(وقيل) في النهاية (3) والجامع (4) قتل (في التاسعة) لخبر عبيد بن زرارة
أو بريد العجلي سأل الصادق (عليه السلام) عن أمة زنت - إلى أن قال: - فيجب عليها الرجم في
شيء من الحالات؟ فقال (عليه السلام): إذا زنت ثماني مرات يجب عليها الرجم، قال: كيف صار
في ثماني مرات؟ فقال (عليه السلام) لأن الحر إذا زنى أربع مرات وأقيم عليه الحد قتل،
فإذا زنت الأمة ثماني مرات رجمت في التاسعة (5). كذا في الكافي (6) والتهذيب (7)
(وهو أولى) احتياطا، ويمكن حمل حسن بريد عليه كما في المختلف (8).
وجمع الراوندي بين الخبرين (9) بالقتل في الثامنة إذا ثبت بالبينة، وفي التاسعة
إذا ثبت بالإقرار، وهو كما قال الشهيد تحكم (10).
(ولو شهد أربعة على امرأة بالزنا قبلا، فادعت أنها بكر فشهدتها أربع
نسوة) عدول (بالبكارة، سقط الحد عنها) للشبهة، وخبر زرارة عن أحدهما (عليهما السلام)
في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا فادعت البكارة، فنظر إليها النساء فشهدن بوجودها
بكرا، فقال: تقبل شهادة النساء (11). وخبر السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه
أنه أوتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بامرأة بكر زعموا أنها زنت، فأمر النساء فنظرن إليها،
فقلن: هي عذراء، فقال (عليه السلام): ما كنت لأضرب من عليها خاتم من الله (12).



(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 44 ح 5051.
(2) علل الشرائع: ج 2 ص 546 ح 1.
(3) النهاية: ج 3 ص 289.
(4) الجامع للشرائع: ص 551.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 402 ب 32 من أبواب حد الزنا ح 1.
(6) الكافي: ج 7 ص 235 ح 7.
(7) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 27 ح 86.
(8) مختلف الشيعة: ج 9 ص 142.
(9) لم نعثر عليه، ولكن حكاه عنه الشهيد الأول في غاية المراد: ج 4 ص 210.
(10) غاية المراد: ج 4 ص 210.
(11) وسائل الشيعة: ج 18 ص 267 ب 24 من أبواب الشهادات ح 44.
(12) وسائل الشيعة: ج 18 ص 394 ب 25 من أبواب حد الزنا ح 1.
483
(وفي سقوط حد الشهود) على زناها (قولان، أجودهما السقوط)
للشبهة (لإمكان عود البكارة) وإن سلمنا بعده، وللتعارض بين الشهادتين مع
أن صدقهم أقرب، وهو خيرة المبسوط (1) والوسيلة (2) والجامع (3) وحدود السرائر (4).
والقول الآخر للشيخ في النهاية (5) وأبي علي (6) والمحقق (7) وابن إدريس (8)
في الشهادات، لأن تقديم شهادة النساء يستلزم رد شهادتهم المستلزم لكذبهم،
وهو ممنوع.
(وكذا) يسقط بذلك الحد (عن الزاني) الذي شهد على زناه بها قبلا للشبهة.
(ولو ثبت جب الرجل) المشهود على زناه في زمان لا يمكن حدوث الجب
بعده درئ الحد عنه، وعن التي شهد أنه زنى بها و (حد الشهود) لتحقق كذبهم.
(وكذا لو شهدن بأن المرأة رتقاء) إندرأ الحد عنهما، وحدوا للفرية، لعدم إمكان
حدوث الرتق عادة. وفيه: أن غايته التعارض بين الشهادتين، ومثله القول في الجب.
نعم إن حصل العلم به أو بالرتق بالمعاينة، أو شهادة عدد التواتر اتجه حدهم للفرية.
(ولا يشترط) عندنا (في إقامة الحد) جلدا أو رجما (حضور
الشهود) بمعنى سقوطه بعدمه، كما زعم أبو حنيفة (9). (بل يقام وإن ماتوا أو
غابوا) للأصل، وعموم النصوص (10) وإن وجب بدأتهم بالرجم، إذ لا استلزام بينه
وبين الاشتراط كما ظنه الشيخ في المبسوط (11) بل لا دليل على وجوب التأخير
إلى حضورهم إذا توقع، إذ لا نظر في الحدود. (لا) إن غابوا (فرارا) فإنه



(1) المبسوط: ج 8 ص 10.
(2) الوسيلة: ص 410.
(3) الجامع للشرائع: ص 549.
(4) السرائر: ج 3 ص 430.
(5) النهاية: ج 2 ص 61.
(6) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 9 ص 121.
(7) شرائع الإسلام: ج 4 ص 152.
(8) السرائر: ج 2 ص 137.
(9) المبسوط للسرخسي: ج 9 ص 51.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 374 ب 14 من أبواب حد الزنا.
(11) المبسوط: ج 8 ص 9.
484
يورث الشبهة الدارئة. وقد يرشد إليه حسن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) في
رجل أتي به أمير المؤمنين (عليه السلام) فشهد عليه رجلان بالسرقة، فأمرهما بأن يمسك
أحدهما يده ويقطعها الآخر، ففرا فقال المشهود عليه: يا أمير المؤمنين شهد علي
الرجلان ظلما، فلما ضرب الناس واختلطوا أرسلاني وفرا ولو كانا صادقين لم
يرسلاني، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): من يدلني على هذين أنكلهما (1).
(ويجب عليهم الحضور على رأي إن ثبت الرجم) بشهادتهم كما مر
(لوجوب بدأتهم به) لما مر من الخبر والإجماع كما ادعي وإن أمكن قصر
بدأتهم به على الحضور.
ويحتمل الاستحباب، نظرا إلى قصور الأخبار عن إثبات الوجوب، وعدم
ثبوت الإجماع.
(ولابد من حضور الإمام ليبدأ في) الرجم الذي أثبته (الإقرار) لما مر
من النص والإجماع عليه. ثم يفهم من القيد أنه ليس عليه الحضور إذا ثبت بالبينة،
مع نص الأخبار (2) بابتداء الشهود ثم الإمام.
(ولو كان الزوج أحد الأربعة) على زوجته (وجب الحد) عليها (إن
لم يسبق الزوج بالقذف) خلافا لما تقدم في اللعان من ثبوت الحد عليهم.
(وروي) عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) (3) (ثبوته عليهم) للقذف، إلا أن
للزوج الدرء عن نفسه باللعان (وهو محمول على سبق القذف) كما في
الوسيلة (4) والسرائر (5) والجامع (6) (أو اختلال شرط) كما في النهاية (7) وقد
مضى الكلام فيه في اللعان.



(1) الكافي: ج 7 ص 264 ح 23.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 374 ب 14 من أبواب حد الزنا.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 606 ب 12 من أبواب اللعان ح 2.
(4) الوسيلة: ص 410.
(5) السرائر: ج 3 ص 430.
(6) الجامع للشرائع: ص 548.
(7) النهاية: ج 3 ص 284.
485
(ويقضي الإمام بعلمه في حدوده تعالى، وكذا في حقوق الآدميين)
كما تقدم في القضاء (لكن يقف) القضاء في حقوقهم (على المطالبة) وعن
الحسين بن خالد أنه سمع الصادق (عليه السلام) يقول: الواجب على الإمام إذا نظر إلى
رجل يزني أو يشرب خمرا أن يقيم عليه الحد، ولا يحتاج إلى بينة مع نظره، لأنه
أمين الله في خلقه، وإذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزبره وينهاه
ويمضي ويدعه، قال: قلت كيف؟ قال: لأن الحق إذا كان لله فالواجب على الإمام
إقامته، وإذا كان للناس فهو للناس (1).
(ولو شهد) النصاب فقبلت شهادة (بعض وردت شهادة) الباقي أو
(الباقين بأمر ظاهر حد الجميع، وإلا) بل بأمر خفي حد (المردود) شهادته
خاصة، وفاقا للشيخ (2) وابن إدريس (3) وسعيد (4) إلا أن الشيخ في الخلاف (5) لم
يرد المردود أيضا. وقد مر الكلام فيه في الفصل الثاني.
(ولو رجع واحد بعد شهادة الأربع) - كذا عن خطه - وبعد الحكم (حد
الراجع خاصة) لقبول إقراره في حق نفسه لا في غيره، إلا أن يدعي الخطأ، أو
يعفو عنه المقذوف. أما قبل الحكم فيحد الجميع. فقد تقدم في ثاني الفصل الثاني.
(ولو شهد أربعة على رجل أنه زنى) بفلانة (وشهد أربعة اخرى على
الشهود أنهم الذين زنوا بها، لم يجب الحد عليه) لجرحهم الشهود عليه،
وحدوا للزنا والقذف.
(ولو وجد مع زوجته رجلا يزني بها) وعلم بمطاوعتها له (فله قتلهما
ولا إثم) قطع به الشيخ (6) وجماعة، وقيده الشيخ (7) وابن إدريس (8) باحصانهما،



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 344 ب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح 3.
(2) المبسوط: ج 8 ص 9.
(3) السرائر: ج 3 ص 435.
(4) الجامع للشرائع: ص 547.
(5) الخلاف: ج 5 ص 391 المسألة 33.
(6) النهاية: ج 3 ص 379.
(7) لم نعثر عليه.
(8) السرائر: ج 3 ص 445.
486
وقطع المحقق في النكت (1) بالإطلاق. ويرشد إليه ما ورد من إهدار دم من اطلع
على قوم لينظر إلى عوراتهم، ومن أراد امرأة على نفسها حراما فقتلته (2) وخبر
الفتح بن يزيد الجرجاني قال لأبي الحسن (عليه السلام): رجل دخل دار غيره ليتلصص أو
للفجور، فقتله صاحب الدار، فقال: من دخل دار غيره فقد أهدر دمه، لا يجب عليه
شيء (3). وما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل قتل رجلا وادعى أنه رآه مع
امرأته، فقال (عليه السلام): عليه القود، إلا أن يأتي ببينة (4).
ولكن في الصحيح أن داود بن فرقد سمع الصادق (عليه السلام) يقول: إن أصحاب
النبي (صلى الله عليه وآله) قالوا لسعد بن عبادة: لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت صانعا؟
قال: كنت أضربه بالسيف، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: ماذا يا سعد؟ قال سعد:
قالوا: لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت تصنع به؟ فقلت: أضربه بالسيف،
فقال: يا سعد وكيف بالأربعة الشهود؟! فقال: يا رسول الله! بعد رأي عيني وعلم الله
أن قد فعل! قال: إي والله بعد رأي عينك وعلم الله أن قد فعل، لأن الله عز وجل قد
جعل لكل شيء حدا، وجعل لمن تعدى ذلك الحد حدا (5).
(و) يمكن أن يكون بيانا للحكم في ظاهر الشرع وإن لم يكن عليه إثم فيما بينه
وبين الله، إذ (في الظاهر يقاد، إلا مع البينة بدعواه أو) أن (يصدقه الولي).
وكذا ما في صحيح آخر له من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) - في جواب ما كتبه
معاوية إلى أبي موسى أن ابن أبي الجسرين وجد مع امرأته رجلا فقتله - إن جاء
بأربعة يشهدون على ما شهد، وإلا دفع برمته (6).



(1) النكت بهامش النهاية: ج 3 ص 379.
(2) وسائل الشيعة: ج 19 ص 44 ب 23 من أبواب قصاص النفس.
(3) وسائل الشيعة: ج 19 ص 51 ب 27 من أبواب القصاص في النفس ح 2.
(4) لم نعثر عليه.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 309 ب 2 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
(6) وسائل الشيعة: ج 19 ص 102 ب 69 من أبواب القصاص في النفس ح 2.
487
(ومن افتض بكرا بإصبعه، لزمه مهر نسائها) ويعزر، لصحيح ابن سنان
عن الصادق (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى بذلك، وقال: يجلد ثمانين جلدة (1).
ونحوه حسنه عنه (عليه السلام) (2).
وقال المفيد: يجلد من ثلاثين إلى ثمانين (3) وكذا سلار (4) تنزيلا للخبرين
على الأكثر.
وقال الشيخ: من ثلاثين إلى تسعة وتسعين (5) تنزيلا لهما على قضية المصلحة.
والأولى أن لا يقدر قلة ولا كثرة، بل يفوض إلى رأي الحاكم.
وفي المقنع: أنه يحد (6) لصحيح ابن سنان وغيره عن الصادق (عليه السلام) في امرأة
افتضت جارية بيدها، قال: عليها المهر وتضرب الحد (7). ويمكن إرادة التعزير فيه.
وفي كلام الصدوق: ولو كانت زوجته عزر، واستقر عليه المسمى.
(ولو كانت أمة لزمه عشر قيمتها) كما في النهاية (8) والشرائع (9) وغيرهما
لما مر في النكاح: من أن من وطئ أمة غيره بغير إذنه وكانت بكرا، فعليه ذلك. وبه
أخبار. وفي خبر طلحة بن زيد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا اغتصب الرجل أمة
فافتضها، فعليه عشر ثمنها، فإن كانت حرة فعليه الصداق (10).
(وقيل) في السرائر (11) عليه (الأرش) لدخوله في عموم الجنايات، وانتفاء
النص عليه بخصوصه، وهو خيرة المختلف (12). وربما قيل بلزوم أكثر الأمرين.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 409 ب 39 من أبواب حد الزنا ح 3.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 410 ب 39 من أبواب حد الزنا ح 4.
(3) المقنعة: ص 785.
(4) المراسم: ص 255.
(5) النهاية: ج 3 ص 297.
(6) المقنع: ص 432.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 409 ب 39 من أبواب حد الزنا ح 1.
(8) النهاية: ج 3 ص 296.
(9) شرائع الإسلام: ج 4 ص 158.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 410 ب 39 من أبواب حد الزنا ح 5.
(11) السرائر: ج 3 ص 449.
(12) مختلف الشيعة: ج 9 ص 152.
488
(ولو تزوج أمة على حرة ووطئها قبل الإذن، كان عليه اثنا عشر
سوطا ونصف، ثمن الحد) للزاني; لخبري حذيفة بن المنصور (1) ومنصور بن
حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) وكذا في صحيح هشام بن سالم عنه (عليه السلام) فيمن تزوج
ذمية على مسلمة (3). وليس فيهما ذكر للوطء.
وذكره المصنف والمحقق (4) بناء على صحة التزوج وإباحته، والتوقف على
الإذن ابتداءا أو استدامة.
وفي هذا الخبر لهشام وغيره أن طريق التنصيف أن يؤخذ السوط بالنصف
فيضرب به. وقيل: أن يضرب بين الضربين (5).
(ولو زنى في مكان شريف كالحرم أو أحد المشاهد المعظمة أو المساجد،
أو في زمان شريف كرمضان والأعياد، زيد عليه في الجلد) ما يراه الحاكم،
لانتهاكه الحرمة. وروي أنه أوتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنجاشي الشاعر قد شرب
الخمر في شهر رمضان، فضربه ثمانين، ثم حبسه ليلة، ثم دعا به من الغد فضربه
عشرين سوطا، فقال: يا أمير المؤمنين! ضربتني ثمانين في شرب الخمر، فهذه
العشرون ما هي؟ قال: هذا لجرأتك في شهر رمضان على شرب الخمر (6).
(وإذا زنى بأمة ثم قتلها، حد وغرم قيمتها لمولاها، ولا يسقط الحد
بالغرم) كما توهمه بعض العامة (7) لتوهمه أن ضمان القيمة دليل التملك.
(ولو زنى من انعتق بعضه، حد حد الأحرار بنسبة ما عتق، وحد
المماليك بنسبة الرقية، فيحد من انعتق نصفه خمسة وسبعين).



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 394 ب 47 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 415 ب 49 من أبواب حد الزنا ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 14 ص 419 ب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر ح 4.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 158.
(5) انظر مجمع الفائدة والبرهان: ج 13 ص 98.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 474 ب 9 من أبواب حد المسكر ح 1.
(7) المبسوط للسرخسي: ج 9 ص 60.
489
عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في
مكاتبة زنت وقد أعتق منها ثلاثة أرباع وبقي ربع، فجلدت ثلاثة أرباع الحد
حساب الحرة على مائة; فذلك خمسة وسبعون جلدة، وربعها حساب خمسين من
الأمة اثنا عشر سوطا ونصف; فذلك سبعة وثمانون جلدة ونصف (1).
وما في حسني الحلبي (2) ومحمد بن مسلم عن الصادقين (عليهما السلام) من جلد
المكاتب على قدر ما أعتق منه (3). فبمعنى ضربه من الجلد الكامل.
وعن سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السلام) في عبد بين رجلين أعتق أحدهما
نصيبه، ثم إن العبد أتى حدا من حدود الله عز وجل، قال: إن كان العبد حيث أعتق
نصفه قوم ليغرم الذي أعتقه نصف قيمته، فنصفه حر، يضرب نصف حد الحر
ويضرب نصف حد العبد، وإن لم يكن قوم فهو عبد يضرب حد العبد (4). ولعل
المراد أنه إن أعتق عتقا صحيحا لم يقصد به إضرار بالشريك حتى يلزم التقويم
وتغريم قيمة النصف، فنصفه حر قبل أداء القيمة، وإلا بطل العتق.
(والقتل) إذا تكرر منه الزنا، والحد عليه (في التاسعة، أو الثامنة) على
الخلاف المتقدم (على إشكال): من الاحتياط وصدق الرق في الجملة، ومن
تبعض الجلد بتبعضه.
(ويثبت الحد) على الواطئ (في كل نكاح محرم بالإجماع كالخامسة،
وذات البعل، والمعتدة) إلا أن يمكن الشبهة في حقه، كمن تجدد إسلامه عن قريب.
روي في الصحيح عن أبي عبيدة أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة تزوجت
رجلا ولها زوج، فحكم عليها أن يرجمها مع حضور الزوج، وجلدها مع الغيبة أو
حكمها، قال: فإن كانت جاهلة بما صنعت؟ قال: فقال: أليست هي في دار الهجرة؟



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 404 ب 33 من أبواب حد الزنا ح 3.
(2) المصدر السابق: ص 403 ح 1.
(3) المصدر السابق: ص 404 ح 2.
(4) المصدر السابق: ح 6.
490
قال: بلى، قال: فما من امرأة من نساء المسلمين إلا وهي تعلم أن المرأة المسلمة لا
يحل لها أن تتزوج زوجين، قال: ولو أن المرأة إذا فجرت قالت: لم أدر، أو جهلت
أن الذي فعلت حرام ولم يقم عليها الحد، إذا لتعطلت الحدود (1).
وفي الحسن عن يزيد الكناسي أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن امرأة تزوجت في
عدتها، فحكم (عليه السلام) برجمها في الرجعية، وجلدها في البائنة، فقال: أرأيت إن كان
ذلك منها بجهالة؟ فقال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلا وهي تعلم أن
عليها عدة في طلاق أو موت، ولقد كن نساء الجاهلية يعرفن ذلك، قال: فإن كانت
تعلم أن عليها عدة ولا تدري كم هي؟ فقال: إذا علمت أن عليها العدة لزمتها
الحجة، فتسأل حتى تعلم (2).
(دون) الواطئ في النكاح (المختلف فيه كالمخلوقة من الزنا و) من
بينه وبينها (الرضاع المختلف فيه) لتسبب الاختلاف للشبهة، إلا أن يعرف
باعتقاده الحرمة.
(ولا حد على من لم يعلم تحريم الزنا) ويقبل منه ذلك إذا أمكن في
حقه بالإجماع والنصوص (3) والاعتبار.
(ولا كفالة في حد الزنا ولا غيره من الحدود) عن السكوني عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا كفالة في حد (4). ونحوه عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) (5). ولأدائه إلى التأخير، وربما أدى إلى التعطيل.
(ولا تأخير فيه مع القدرة) على إقامته، فعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)
عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا، فقال



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 395 ب 27 من أبواب حد الزنا ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 396 ب 27 من أبواب حد الزنا ح 3.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 323 ب 14 من أبواب مقدمات الحدود.
(4) وسائل الشيعة: ج 13 ص 161 ب 16 في أحكام الضمان ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 13 ص 161 ب 16 في أحكام الضمان ح 2.
491
أمير المؤمنين (عليه السلام): أين الرابع؟ فقالوا: الآن يجيء، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):
حدوهم، فليس في الحدود نظرة ساعة (1). وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إذا كان
في الحد لعل وعسى، فالحد معطل (2).
(إلا لمصلحة) كبرء المريض، ووضع الحبلى، والإرضاع، واجتماع الناس.
(ولا شفاعة في إسقاطه) لقوله تعالى: " ولا تأخذكم بهما رأفة " (3). ونحوه
قوله (صلى الله عليه وآله) في خبر مثنى الحناط: يا أسامة، لا تشفع في حد (4). وفي خبر
محمد بن
قيس: يا ام سلمة! هذا حد من حدود الله لا يضيع (5). وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في
خبر السكوني: لا يشفعن أحد في حد إذا بلغ الإمام (6).
* * *



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 372 ب 12 من أبواب حد الزنا ح 8.
(2) دعائم الإسلام: ج 2 ص 465 ح 1650.
(3) النور: 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 333 ب 20 من أبواب مقدمات الحدود ح 3.
(5) المصدر السابق: ص 332 ح 1.
(6) المصدر السابق: ص 333 ح 4.
492
(المقصد الثاني)
(في اللواط والسحق والقيادة)
(وفيه مطالب) ثلاثة:
(الأول في اللواط)
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرتين لرجم اللوطي (1).
(وهو وطء الذكر من الآدمي) بإيقاب أو تفخيذ ونحوه.
(فإن كان بإيقاب، وحده غيبوبة الحشفة في الدبر) ولعله احتاط بذلك،
وإلا فالنصوص (2) والفتاوى مطلقة تشتمل ما دونه، ويمكن تعميم الحشفة للكل
والبعض (وجب القتل) عندنا (على الفاعل والمفعول مع بلوغهما ورشدهما،
سواء الحر والعبد، والمسلم والكافر، والمحصن وغيره) بالإجماع، كما هو
الظاهر منهم، ونص عليه في السرائر (3).
وما في بعض الأخبار (4) من الفرق بين المحصن وغيره محمول على التقية، أو
ما دون الإيقاب بعد تسليم الصحة.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 420 ب 3 من أبواب حد اللواط ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 416 ب 1 من أبواب حد اللواط.
(3) السرائر: ج 3 ص 458.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 421 ب 3 من أبواب حد اللواط ح 7، 8.
493
(ولو لاط البالغ بالصبي فأوقب، قتل البالغ وأدب الصبي) كما روي
عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه أوتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل
لاط بابن زوجته، فأمر به فضرب بالسيف حتى قتل، وضرب الغلام دون الحد،
وقال: أما لو كنت مدركا لقتلتك; لامكانك إياه من نفسك بثقبك (1).
(وكذا لو لاط بمجنون) قتل العاقل، وأدب المجنون إن كان ممن يشعر
بالتأديب.
(ولو لاط بعبده قتلا، فإن ادعى العبد الإكراه سقط) القتل (عنه)
وكذا كل من ادعاه مع إمكانه (دون المولى).
(ولو لاط مجنون بعاقل، حد العاقل) قطعا (والأصح في المجنون
السقوط) وفاقا لابن إدريس (2) وخلافا للشيخين (3) وجماعة، لما مر في الزنا،
والكلام فيه كما فيه.
(ولو لاط الصبي بالبالغ، قتل البالغ وأدب الصبي) لعموم الأدلة، وليس
كزنا الصبي بالمرأة المحصنة، فقد وجد فيه النص (4) على أنها لا ترجم.
(ولو لاط الصبي بمثله أدبا).
(ولو لاط ذمي بمسلم قتل وإن لم يوقب) لهتكه حرمة الإسلام، [بل]
أشد من الزنا بالمسلمة، والحربي أولى بذلك.
(ولو لاط ذمي بمثله، تخير الحاكم في إقامة الحد عليه بمقتضى
شرعنا، وفي دفعه إلى أهل نحلته ليقيموا الحد) عليه (بمقتضى شرعهم)
كما في سائر القضايا.
(ويتخير الإمام في قتل الموقب، بين قتله (5) بالسيف، ورميه من شاهق،



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 418 ب 2 من أبواب حد اللواط ح 1.
(2) السرائر: ج 3 ص 459.
(3) المقنعة: ص 786، النهاية: ج 3 ص 307.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 362 ب 9 من أبواب حد الزنا ح 1.
(5) في القواعد: ضربه.
494
وإلقاء جدار عليه، ورجمه، وإحراقه بالنار) كما ذكره الشيخان (1) والأكثر، ونفى
عنه الخلاف في السرائر (2) لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في حسن مالك بن عطية لمن أقر
عنده بالإيقاب: يا هذا إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حكم في مثلك ثلاثة أحكام، فاختر أيهن
شئت، قال: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت، أو
اهدارك من جبل مشدود اليدين والرجلين، أو إحراق بالنار (3). وخبر عبد الله بن
ميمون القداح عن الصادق (عليه السلام) أنه كتب خالد إلى أبي بكر أنه أتي برجل يؤتى في دبره،
فاستشار أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: أحرقه بالنار، فإن العرب لا ترى القتل شيئا (4).
وأما الرجم فقد ورد به أخبار بشرط الإحصان، وقد يفهم مما مر من قول
أمير المؤمنين (عليه السلام): لو كان لأحد ينبغي أن يرجم مرتين لرجم اللوطي (5).
وعنه (عليه السلام) أنه رجم بالكوفة رجلا كان يؤتى في دبره (6). وعنه (عليه السلام) أنه قال في
اللواط: هو ذنب لم يعص الله به إلا امة من الأمم، فصنع الله بها ما ذكر في كتابه من
رجمهم بالحجارة، فارجموهم كما فعل الله عز وجل بهم (7). وعنه (عليه السلام): إذا كان
الرجل كلامه كلام النساء، ومشيته مشية النساء، ويمكن من نفسه فينكح كما تنكح
النساء، فارجموه ولا تستحيوه (8).
وأما إلقاء جدار عليه، فيه خبر مروي عن الرضا (عليه السلام) (9).
ولم يذكر السيد وسلار إحراقه بالنار (10)، واقتصر الصدوق في المقنع (11)



(1) المقنعة: ص 786، وليس فيه: " إحراقه بالنار " النهاية: ج 3 ص 306.
(2) السرائر: ج 3 ص 459.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 419 ب 3 من أبواب حد اللواط ح 1.
(4) المصدر السابق: ص 421 ح 9.
(5) المصدر السابق: ص 420 ح 2.
(6) دعائم الإسلام: ج 2 ص 455 ح 1600.
(7) دعائم الإسلام: ج 2 ص 456 ح 1602.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 421 ب 3 من أبواب حد اللواط ح 5.
(9) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): ص 378.
(10) الانتصار: ص 510، المراسم: 252.
(11) المقنع: ص 430.
495
والهداية (1) على إحراقه بالنار وهدم حائط عليه وضربه بالسيف.
(ويجوز أن يجمع، فيقتله بأحد الأسباب ثم يحرقه، لزيادة الردع)
كما في خبر عبد الرحمن العرزمي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر بقتل الذي أخذ في
زمن عمر، ثم قال: قد بقيت له عقوبة اخرى، قال: وما هي؟ قال: ادع بطن من
حطب، فدعا به، ثم أخرجه فأحرقه بالنار (2).
(وإن لم يكن بإيقاب; كالتفخيذ أو) الفاعل (بين الإليتين، فإنه يجلد
مائة جلدة) مع الإحصان وعدمه، وفاقا للحسن (3) والمفيد (4) والسيد (5)
وسلار (6) والحلبي (7) وابني زهرة (8) وإدريس (9) للأصل، والاحتياط، وقول
الصادق (عليه السلام) في خبر سليمان بن هلال: إن كان دون الثقب فالحد (10).
(وقيل) في النهاية (11) والخلاف (12) والمبسوط (13) والتهذيب (14)
والاستبصار (15) (يرجم مع الإحصان، ويجلد مع عدمه) لقول
الصادق (عليه السلام) في خبر علاء بن الفضيل: حد اللوطي مثل حد الزاني، إن
كان قد أحصن يرجم، وإلا جلد (16). وفي خبر زرارة: المتلوط حده حد



(1) الهداية: ص 294.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 420 ب 3 من أبواب حد اللواط ح 3.
(3) كما في مختلف الشيعة: ج 9 ص 175.
(4) المقنعة: ص 785.
(5) الانتصار: ص 510.
(6) المراسم: ص 253.
(7) الكافي في الفقه: ص 408.
(8) الغنية: ص 425.
(9) السرائر: ج 3 ص 458.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 416 ب 1 من أبواب حد اللواط ح 2.
(11) النهاية: ج 3 ص 307.
(12) الخلاف: ج 5 ص 381 المسألة 22.
(13) المبسوط: ج 8 ص 7.
(14) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 55 ذيل الحديث 203.
(15) الاستبصار: ج 4 ص 221 ذيل الحديث 827 و 828.
(16) وسائل الشيعة: ج 18 ص 417 ب 1 من أبواب حد اللواط ح 3.
496
الزاني (1). ونفى عنه البأس في المختلف (2).
(وروي ذلك في الموقب أيضا) أرسله ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
وحمله الشيخ على التقية (4)، وعن أبي بصير أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: في كتاب
علي (عليه السلام): إذا أخذ الرجل مع الغلام في لحاف واحد مجردين، ضرب الرجل وأدب
الغلام، وإن كان ثقب وكان محصنا رجم (5). قال الشيخ: إنما يدل - من حيث دليل
الخطاب - على أنه إذا لم يكن محصنا لم يكن عليه ذلك، وقد ينصرف عنه لدليل (6).
وعن حماد بن عثمان قال له (عليه السلام): رجل أتى رجلا، قال: عليه إن كان محصنا
القتل، وإن لم يكن محصنا فعليه الجلد، قال فما على المأتي؟ قال: عليه القتل على
كل حال، محصنا كان أو غير محصن (7). وظاهر الفقيه (8) العمل عليه، للاقتصار
عليه، وهو صريح المقنع (9) بعد ما ذكر فيه أن عقوبة من لاط بغلام أن يحرق بالنار،
أو يهدم عليه حائط، أو يضرب ضربة بالسيف. وفيه وفي الهداية: أن اللواط هو ما
بين الفخذين، فأما الدبر فهو الكفر بالله العظيم (10). وهو مروي في المحاسن (11)
وعقاب الأعمال (12) مرسلا عن الصادق (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام). وسأله (عليه السلام)
حذيفة بن منصور عن اللواط، فقال: ما بين الفخذين، وسأله عن الذي يوقب،
فقال: ذلك الكفر بما أنزل الله على نبيه (13).



(1) المصدر السابق: ص 416 ح 1.
(2) مختلف الشيعة: ج 9 ص 177.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 421 ب 3 من أبواب حد اللواط ح 8.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 56 ذيل الحديث 205.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 421 ب 3 من أبواب حد اللواط ح 7.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 56 ذيل الحديث 203.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 417 ب 1 من أبواب حد اللواط ح 4.
(8) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 42 ح 5047.
(9) المقنع: ص 437.
(10) المقنع: 430، الهداية: ص 294.
(11) المحاسن: ص 112 ح 104.
(12) عقاب الأعمال: ص 316 ح 6.
(13) وسائل الشيعة: ج 14 ص 257 ب 20 من أبواب النكاح المحرم ح 3.
497
(والأول) وهو الجلد مائة إذا لم يوقب، وهو (أولى، سواء الحر والعبد،
والمسلم والكافر بمثله) فإنه يقتل إن فعل بمسلم (والمحصن وغيره. فإن
تكرر وحد ثلاثا قتل في الرابعة) كما في النهاية (1) وغيرها، احتياطا
(وقيل) في السرائر (2) وغيرها (في الثالثة) والكلام فيه كالكلام في الزنا، إلا
أني لم أجد خبرا يخص اللواط.
(ولا يثبت بنوعيه إلا بشهادة أربعة رجال بالمعاينة، كالميل في
المكحلة إن شهدوا بالإيقاب، بشرط عدم اختلافهم في الفعل وزمانه
ومكانه ووصفه) كما مر في الزنا.
(ولا يثبت بشهادة النساء، انفردن أو انضممن) كما مر في القضاء،
لعموم الأخبار (3) بعدم قبول شهادتهن في الحدود، خلافا للصدوقين (4) وابن
زهرة (5) كما أسلفنا.
(فلو شهد ثلاثة رجال وامرأتان فصاعدا حدوا أجمع للفرية) كما إذا
انفرد بالشهادة رجل أو رجلان أو ثلاثة.
(أو بالإقرار أربع مرات) بالإيقاب وما دونه، كما قطع به الأصحاب،
وتضمنه حسن مالك بن عطية في الإيقاب (6). (من بالغ رشيد حر مختار
قاصد، سواء الفاعل والمفعول، ولو أقر دون الأربع عزر) لإقراره على نفسه
بالفسق، وفيه ما مر في الزنا. (ولا يحد).
(ولو شهد دون الأربعة حدوا للفرية).
(ويحكم الحاكم بعلمه سواء في ذلك الإمام وغيره) كما مر. وفي



(1) النهاية: ج 3 ص 308.
(2) السرائر: ج 3 ص 461.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 264 و 267 ب 24 من أبواب الشهادات ح 29 و 30 و 42.
(4) المقنع: ص 402، ونقله عن علي بن بابويه العلامة في مختلف الشيعة: ج 8 ص 468.
(5) الغنية: ص 438.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 419 ب 3 من أبواب حد اللواط ح 1.
498
الكافي: وإذا تزيا بزي المرأة، واشتهر بالتمكين من نفسه - وهو المخنث في عرف
العادة - قتل صبرا وإن فقدت البينة والإقرار بإيقاع الفعل به; لنيابة الشهرة
منابهما (1). قال في المختلف: وفي ذلك إشكال (2).
(والمجتمعان في إزار واحد مجردين، ولا رحم بينهما) ولا ضرورة
(يعزران من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين) بحسب رأي الحاكم، كما في
خبر سليمان بن هلال أنه سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله (عليه السلام) [عن] الرجل ينام مع
رجل في لحاف واحد، فقال: ذو محرم؟ قال: لا، قال: من ضرورة؟ قال: لا، قال:
يضربان ثلاثين سوطا (3). وفي خبر ابن سنان عنه (عليه السلام) في رجلين يؤخذان في
لحاف واحد، فقال: يجلدان حدا غير سوط واحد (4).
وقال المفيد (5): من عشرة أسواط إلى تسعة وتسعين سوطا، بحسب ما يراه الحاكم
من عقابهما في الحال، وبحسب التهمة لهما والظن بهما السيئات. ونحوه ابن زهرة (6).
وأوجب أبو علي (7) عليهما الحد مائة سوط، لنحو قول الصادق (عليه السلام) في صحيح
الحلبي: حد الجلد أن يوجدا في لحاف، والرجلان يجلدان إذا أخذا في لحاف
واحد (8). وكذا في صحيح ابن مسكان (9). وفي حسن عبد الرحمن بن الحجاج: كان
علي (عليه السلام) إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحد (10). وليس شيء منها
بنص في المائة، ولكن في حسن أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: كان علي (عليه السلام)
إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجردين، جلدهما حد الزاني مائة جلدة كل
واحد منهما (11). وفي صحيح الحسين بن سعيد، قال: قرأت بخط رجل أعرفه إلى



(1) الكافي في الفقه: ص 409.
(2) مختلف الشيعة: ج 9 ص 186.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 367 ب 10 من أبواب حد الزنا ح 21.
(4) المصدر السابق: ح 18.
(5) المقنعة: ص 785.
(6) الغنية: ص 425.
(7) كما في مختلف الشيعة: ج 9 ص 179.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 363 ب 10 من أبواب حد الزنا ح 1.
(9) المصدر السابق: ص 368 ح 22.
(10) المصدر السابق: ص 363 ح 2.
(11) المصدر السابق: ص 366 ح 15.
499
أبي الحسن (عليه السلام) ما حد رجلين وجدا نائمين في ثوب واحد؟ فكتب: مائة
سوط (1). وحمل الشيخ نحوهما على ما إذا تكرر منهما الفعل، وتخلل التعزير (2).
(فإن تخلل التعزير مرتين حدا في الثالثة) كما ذكره الشيخ وبنو إدريس (3)
والبراج (4) وسعيد (5). وسيأتي في المرأتين الخبر الناطق بحدهما في المرة الثانية.
وقال ابن حمزة: فإن عادا ثلاثا وعزرا بعد كل مرة قتلا في الرابعة (6).
(ومن قبل غلاما بشهوة وليس محرما له عزر) بما يراه الحاكم، لكونه
من الكبائر، ففي الخبر: من قبل غلاما بشهوة لعنته ملائكة السماء، وملائكة
الأرض، وملائكة الرحمة، وملائكة العذاب (7). وفي خبر آخر: ألجمه الله بلجام من
نار (8) ولا فرق بين المحرم والأجنبي، لكن الشهوة في الأجنبي أظهر. وعن
إسحاق بن عمار سأل الصادق (عليه السلام) عن محرم قبل غلاما من شهوة، قال: يضرب
مائة سوط (9). ولعله تغليظ للإحرام.
(والتوبة قبل إقامة البينة تسقط الحد لا بعدها) خلافا للمفيد (10)
وجماعة، والكلام فيه كما في الزنا.
(ولو تاب بعد الإقرار تخير الحاكم بين الحد وتركه) لمثل ما مر في
الزنا. وفي حسن مالك بن عطية أن رجلا أقر به عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، فخيره بين
ضربة بالسيف، وإهداره من جبل مشدود اليدين والرجلين، والإحراق بالنار،



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 417 ب 1 من أبواب حد اللواط ح 5.
(2) التهذيب: ج 10 ص 56 ذيل الحديث 204.
(3) النهاية: ج 3 ص 308، السرائر: ج 3 ص 460.
(4) المهذب: ج 2 ص 531.
(5) الجامع للشرائع: ص 555.
(6) الوسيلة: ص 414.
(7) فقه الرضا (عليه السلام): ص 278.
(8) وسائل الشيعة: ج 14 ص 257 ب 21 من أبواب النكاح ح 1.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 422 ب 4 من أبواب حد اللواط ح 1.
(10) المقنعة: ص 777.
500
فاختار الإحراق لكونه أشدهن، ثم قام فصلى ركعتين، ثم جلس في تشهده فقال:
اللهم إني قد أتيت من الذنب ما علمته، وإني تخوفت من ذلك، فجئت إلى وصي
رسولك، وابن عم نبيك، فسألته أن يطهرني، فخيرني ثلاثة أصناف من العذاب،
وإني قد اخترت أشدها، اللهم فإني أسألك أن تجعل ذلك كفارة لذنوبي، وأن لا
تحرقني بنارك في آخرتي، ثم قام وهو باك حتى جلس في الحفرة التي حفرها
أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو يرى النار تأجج حوله، فبكى أمير المؤمنين (عليه السلام) وبكى
أصحابه جميعا، وقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): قم يا هذا، قد أبكيت ملائكة السماوات
وملائكة الأرضين، وإن الله قد تاب عليك فقم، ولا تعاودن شيئا مما قد فعلت (1).
(المطلب الثاني في السحق)
عن هشام بن سالم ومحمد بن أبي حمزة وحفص عن الصادق (عليه السلام): أنهم أصحاب
الرس (2) وعن إسحاق بن جرير عنه (عليه السلام): إذا كان يوم القيامة يؤتى بهن قد ألبسن
مقطعات من نار، وقنعن بمقانع من نار، وسرولن من نار، وادخل في أجوافهن إلى
رؤوسهن أعمدة من نار، وقذف بهن في النار (3). وعن أبي خديجة عنه (عليه السلام): إنما
أهلك الله قوم لوط حين عمل النساء بمثل عمل الرجال، ورأى بعضهم بعضا (4).
(ويجب به جلد مائة على البالغة العاقلة، حرة كانت أو أمة، مسلمة
أو كافرة، محصنة أو غير محصنة، فاعلة أو مفعولة) وفاقا للأكثر; للأصل،
وقول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة: السحاقة تجلد (5). وما أرسل في بعض الكتب



(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 53 ح 198.
(2) وسائل الشيعة: ج 14 ص 262 ب 24 من أبواب النكاح المحرم ح 8، وفيه: " هن أصحاب
الرس ".
(3) المصدر السابق: ص 261 ح 3.
(4) المصدر السابق: ص 262 ح 7، وفيه: " يأتي بعضهم بعضا " وفي عقاب الأعمال: " يأتي
بعضهن بعضا ".
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 425 ب 1 من أبواب حد السحق ح 2.
501
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من قوله: السحق في النساء كاللواط في الرجال، ولكن فيه
جلد مائة، لأنه ليس فيه إيلاج (1) وظاهر ما ورد من جلد الموجودتين في لحاف،
أو ضربهما الحد (2).
(وقيل) في النهاية (3): (إن كانت محصنة رجمت، فاعلة ومفعولة)
لحسن محمد بن أبي حمزة وهشام وحفص أنه دخل نسوة على أبي عبد الله (عليه السلام)
فسألته امرأة منهن عن السحق، فقال: حدها حد الزاني (4). وخبر إسحاق بن جرير
عنه (عليه السلام) مثله (5). ويمكن حمله على المماثلة في عدد الأسواط. وصحيح محمد بن
مسلم عن الصادقين (عليهما السلام) أن قوما سألوا الحسن بن علي (عليهما السلام) عن امرأة جامعها
زوجها فلما قام عنها قامت فوقعت على جارية بكر فساحقتها، فألقت النطفة فيها
فحملت، فأجاب (عليه السلام): يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية في أول وهلة، لأن
الولد لا يخرج منها حتى يشق فتذهب عذرتها، ثم ترجم المرأة لأنها محصنة،
وينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها، ويرد الولد إلى أبيه صاحب النطفة، ثم
تجلد الجارية الحد (6). ونحوه خبر معلى بن خنيس (7) وإسحاق بن عمار (8) عن
الصادق (عليه السلام). وقد أفتى بمضمونها الصدوق في المقنع (9).
وردها ابن إدريس (10) من وجوه: أحدها: أن جل أصحابنا لا يرجمون
المساحقة، فلا يجتري على رجمها بخبر واحد، لا يعضده كتاب أو سنة متواترة أو



(1) دعائم الإسلام: ج 2 ص 456 ح 1603.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 363 ب 10 من أبواب حد الزنا.
(3) النهاية: ج 3 ص 309.
(4) وسائل الشيعة: ج 14 ص 262 ب 24 من أبواب النكاح المحرم ح 8.
(5) المصدر السابق: ص 261 ح 3.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 426 ب 3 من أبواب حد السحق ح 1.
(7) المصدر السابق: ص 428 ح 4.
(8) المصدر السابق: ص 427 ح 2.
(9) المقنع: ص 435.
(10) السرائر: ج 4 ص 465.
502
إجماع. والثاني إن الولد غير مولود على فراش الرجل، فكيف يلحق به؟ والثالث:
إلزام المهر على الفاعلة مع أنها لم تكره المفعولة، ولذا تجلد ولا مهر لبغي وسيأتي
الجواب عن الأخيرين.
(وتؤدب الصبية، فاعلة ومفعولة، وتحد الاخرى) الكاملة، فاعلة أو
مفعولة، ولا حد (ولا تأديب) أو المراد به الحد (على المجنونة) فاعلة أو
مفعولة، خلافا للشيخين (1) وجماعة في الفاعلة، كما مر في الزنا (وتحد
الاخرى) الكاملة.
(ويثبت بشهادة أربعة رجال لا غير) خلافا لابني زهرة (2) وحمزة (3)
وقد مر في القضاء. واشتراط هذا العدد مجمع عليه في الظاهر، ويدل عليه قوله
تعالى: " واللاتي يأتين الفاحشة من نساءكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم " (4)
وقوله تعالى: " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء " (5).
(وبالإقرار أربع مرات من أهله) بالاتفاق كما هو الظاهر، فإن أقرت
دونها عزرت، بناءا على ما تقدم.
(وإذا تكررت المساحقة وأقيم الحد ثلاثا قتلت في الرابعة) وقيل: (6)
في الثالثة. ودليل القولين ما مر غير مرة.
(ولو تابت قبل البينة سقط) عنها الحد، وكذا لو ادعت التوبة قبلها، و (لا)
يسقط لو تابت (بعدها) خلافا للمفيد (7) وجماعة، والكلام فيه كما في الزنا.
(ولو تابت بعد الإقرار، تخير الإمام بين العفو والاستيفاء) كالزنا



(1) المقنعة: ص 788، النهاية: ج 3 ص 309.
(2) الغنية: ص 438.
(3) الوسيلة: ص 409.
(4) النساء: 15.
(5) النور: 4.
(6) القائل هو ابن إدريس في السرائر: ج 3 ص 467.
(7) المقنعة: ص 788.
503
واللواط، وهو أولى منهما بالعفو، خلافا لابن إدريس فلم يجز العفو، وقال: إنما له
العفو عن القتل (1).
(وإذا وجدت الأجنبيتان مجردتين في إزار عزرتا) من ثلاثين إلى
تسعة وتسعين كما في النهاية (2) وخبر سليمان بن هلال قال للصادق (عليه السلام): فامرأة
نامت مع امرأة في لحاف، فقال (عليه السلام): ذواتا محرم؟ قال: لا، قال من ضرورة؟ قال:
لا، قال: تضربان ثلاثين سوطا (3). وخبر معاوية بن عمار قال له (عليه السلام): المرأتان
تنامان في ثوب واحد، قال [(عليه السلام)] تضربان، قال: حدا؟ قال: لا (4) وفي المقنعة (5)
من عشر جلدات إلى تسع وتسعين.
ثم في أشربة الخلاف: لا يبلغ بالتعزير حد كامل (6) بل يكون دونه، وأدنى
الحدود في جنبة الأحرار ثمانون، والتعزير فيهم تسعة وسبعون سوطا، وأدنى
الحدود في المماليك أربعون، وأدنى التعزير فيهم تسعة وثلاثون (7).
ونزله ابن إدريس على أنه إذا كان الموجب للتعزير مما يناسب الزنا ونحوه مما
يوجب مائة جلدة; فالتعزير فيه دون المائة، وإن كان مما يناسب شرب الخمر والقذف
مما يوجب ثمانين فالتعزير فيه دون الثمانين (8)، وهو خيرة الكافي (9) والمختلف (10).
ثم قال: والذي يقتضيه أصول مذهبنا وأخبارنا; أن التعزير لا يبلغ الحد الكامل
الذي هو المائة - أي تعزير كان، سواء كان مما يناسب الزنا أو القذف - وإنما هذا
الذي لوح به شيخنا من أقوال المخالفين، وفرع من فروع بعضهم ومن اجتهاداتهم



(1) السرائر: ج 3 ص 467.
(2) النهاية: ج 3 ص 310.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 367 ب 10 من أبواب حد الزنا ح 21.
(4) المصدر السابق: ح 16.
(5) المقنعة: ص 787.
(6) كذا في النسخ وهكذا نقله أيضا ابن إدريس في السرائر، لكن في الخلاف المطبوع حديثا:
حدا كاملا.
(7) الخلاف: ج 5 ص 497 المسألة 14.
(8) السرائر: ج 3 ص 466.
(9) الكافي في الفقه: ص 413 - 420.
(10) مختلف الشيعة: ج 9 ص 184.
504
وقياساتهم الباطلة، وظنونهم العاطلة (1) انتهى.
وروى الصدوق في العلل في الصحيح عن حماد بن عثمان أنه قال
للصادق (عليه السلام) التعزير، فقال: دون الحد، قال: قلت: دون ثمانين، قال: فقال: لا،
ولكنه دون الأربعين، فإنها حد المملوك (2).
وسأل إسحاق بن عمار أبا إبراهيم (عليه السلام) عن التعزير كم هو؟ قال: بضعة عشرة
سوطا ما بين العشرة إلى العشرين (3). وبه عمل ابن حمزة (4).
وعن الرضا (عليه السلام): التعزير ما بين تسعة عشر سوطا إلى تسعة وثلاثين،
والتأديب ما بين ثلاثة إلى عشرة (5).
وأوجب أبو علي عليهما مائة جلدة (6)، لنحو خبر عثمان بن عيسى عن سماعة
سأله عن المرأتين توجدان في لحاف واحد، قال: تجلد كل واحدة منهما مائة
جلدة (7). وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي: والمرأتان تجلدان إذا أخذتا في
لحاف واحد (8). وفي حسن عبد الرحمن بن الحجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام): وإذا
أخذ المرأتين في لحاف واحد ضربهما الحد (9). والجلد يعم التعزير، والحد ربما
يطلق عليه. وما ستسمعه من خبر أبي خديجة بناءا على ابتناء الاقتصار على
نهيهما أول مرة على جهلهما بالحرمة.
ويمكن منعه، غايته السكوت عما عليهما من التعزير. ويمكن حمل الجميع على
وقوع الفعل منهما، لغيرها من الأخبار (10) والأصل، والاحتياط، والإندراء بالشبهة.



(1) السرائر: ج 3 ص 466.
(2) علل الشرائع: ص 538 ح 4.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 583 ب 10 من أبواب بقية الحدود ح 1.
(4) الوسيلة: ص 423.
(5) فقه الرضا (عليه السلام): ص 309.
(6) كما في مختلف الشيعة: ج 9 ص 179.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 426 ب 2 من أبواب حد السحق ح 3.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 363 ب 10 من أبواب حد الزنا ح 1.
(9) المصدر السابق: ص 365 ح 6.
(10) المصدر السابق: ص 363.
505
(فإن تكرر الفعل والتعزير حدتا في الثالثة) وفاقا للشيخ (1) والمحقق (2)
وجماعة (فإن عادتا عزرتا) ثم حدتا في كل ثالثة أبدا، وفاقا للمحقق (3).
(وقيل): في النهاية (4) (قتلتا) لأنه كبيرة، وحكم كل كبيرة ذلك، ولخبر
أبي خديجة عن الصادق (عليه السلام) قال: ليس لامرأتين أن تبيتا في لحاف واحد، إلا أن
يكون بينهما حاجز، فإن فعلتا نهيتا عن ذلك، وإن وجدتا مع النهي جلدت كل
واحدة منهما حدا حدا، فإن وجدتا أيضا في لحاف جلدتا، فإن وجدتا الثالثة
قتلتا (5) وظاهره حدهما مائة في الثانية كما في التهذيب (6) والاستبصار (7) وحمل
فيهما النهي أولا على النهي والتأديب.
(ولو وطئ زوجته فساحقت بكرا، فألقت ماء الرجل في رحمها
وأتت بولد، حدت المرأة جلدا أو رجما على الخلاف) المتقدم (وجلدت
الصبية) أي البكر إن كانت مختارة (بعد الوضع).
(والحق الولد بالرجل لأنه من ماء غير زان) وإن لم يولد في فراشه،
وقد مضى الخبر المتضمن له، خلافا لابن إدريس (8) كما سمعت. (وفي إلحاقه
بالصبية إشكال، أقربه العدم) لأنها في حكم الزانية، ولأن النسب إنما يلحق
بالنكاح أو الشبهة، وليس فيه شيء منهما. ويحتمل الإلحاق لأنها ولدته من غير
زنا. وعلى الأول (فلا يتوارثان). والأقرب حرمة النكاح بينهما. (ولا يلحق
بالكبيرة قطعا) لأنها لم تلده. (وغرمت المرأة) الكبيرة (المهر للبكر) كما
في الخبر (لأنها سبب ذهاب عذرتها، فتضمن ديتها) أي العذرة (وهو مهر



(1 و 4) النهاية: ج 3 ص 310.
(2 و 3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 161.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 425 ب 2 من أبواب حد السحق ح 1.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 44 ذيل الحديث 158.
(7) الاستبصار: ج 4 ص 216 ذيل الحديث 810.
(8) السرائر: ج 3 ص 465.
506
نسائها) خلافا لابن إدريس (1) لأنها بغي.
والجواب: إنها وإن بغت لكنها لم تأذن في الافتضاض (بخلاف الزانية
الآذنة في الافتضاض) واحتمالها الحمل مع علمها بأن وطأها زوجها، أو
احتمالها ذلك لا يكفي في الإذن.
(والنفقة على الصبية مدة الحمل على زوج المساحقة إن قلنا: إن
النفقة) على الحامل إذا بانت من زوجها (للحمل، وإلا فلا) وعليها الاعتداد
بالوضع إن تزوجت بغير زوج الكبيرة.
(ولو) ساحقت جارية لها و (ادعت الجارية الإكراه حدت السيدة
دونها) للشبهة.
(المطلب الثالث في القيادة)
(القواد هو الجامع بين الرجال والنساء للزنا، أو بين الرجال والصبيان
للواط) أو بين النساء للسحق، كما نص عليه في الغنية (2) والجامع (3) والإصباح (4)
عن النبي (صلى الله عليه وآله): من قاد بين رجل وامرأة حراما، حرم الله عليه الجنة، ومأواه جهنم
وساءت مصيرا، ولم يزل في سخط الله حتى يموت (5).
(وحده خمس وسبعون جلدة، ثلاثة أرباع حد الزاني، رجلا كان أو
امرأة) اتفاقا كما في الانتصار (6). وبه خبر عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) (7)
لكن ليس فيه إلا المؤلف بين الرجال والنساء.
(ويؤدب الصبي غير البالغ) وكذا الصبية (ويستوي الحر والعبد،



(1) السرائر: ج 3 ص 465.
(2) الغنية: ص 427.
(3) الجامع للشرائع: ص 557.
(4) إصباح الشيعة: ص 519.
(5) وسائل الشيعة: ج 14 ص 266 ب 27 من أبواب النكاح المحرم ح 2.
(6) الانتصار: ص 515.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 429 ب 5 من أبواب حد السحق والقيادة ح 1.
507
والمسلم والكافر، ويزاد في عقوبة الرجل، وإن كان عبدا حلق رأسه،
والشهرة) في المصر الذي فعله فيه، كما ذكره الأصحاب، ولم أجد به خبرا.
(وهل ينفى بأول مرة؟ قيل) في السرائر (1) وظاهر النهاية (2) والجامع (3):
(نعم) لإطلاق الرواية (4) به (وقيل) في المقنعة (5) والمراسم (6) والغنية (7)
والوسيلة (8) والإصباح (9): إنما ينفى (بالثانية).
ولم يحد أحد منهم مدة النفي، لإطلاق الخبر (10) وحده المصنف (إلى أن
يتوب) لأنه قضية الإطلاق، لدلالة اللفظ على نفي القواد، وما لم يتب يصدق
عليه اسمه، فيجب نفيه. وفي بعض الأخبار (11) النفي هو الحبس سنة.
وقال ابن زهرة: وروي أنه إن عاد ثالثة جلد، فإن عاد رابعة عرضت عليه التوبة،
فإن أبى قتل، وإن أجاب قبلت توبته وجلد، فإن عاد خامسة بعد التوبة قتل من غير
أن يستتاب (12) وأفتى به الحلبي (13). وفي المختلف: ونحن في ذلك من المتوقفين (14).
(ولا جز على المرأة ولا شهرة ولا تغريب) اتفاقا كما يظهر منهم، ونص
عليه ابن زهرة (15).
(ويثبت بالإقرار من أهله) لعموم ما دل على أخذ العقلاء بإقرارهم (16)
(مرتين) كذا في الشرائع (17) والنافع (18). وفي المراسم: وكل ما فيه بينة شاهدين



(1) السرائر: ج 3 ص 471.
(2) النهاية: ج 3 ص 314.
(3) الجامع للشرائع: ص 557.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 429 ب 5 من أبواب حد السحق والقيادة ح 1.
(5) المقنعة: ص 791.
(6) المراسم: ص 257.
(7 و 12 و 15) الغنية: ص 427.
(8) الوسيلة: ص 414.
(9) إصباح الشيعة: ص 519.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 429 ب 5 من أبواب حد السحق والقيادة ح 1.
(11) فقه الرضا (عليه السلام): ص 310.
(13) الكافي في الفقه: ص 410.
(14) مختلف الشيعة: ج 9 ص 189.
(16) وسائل الشيعة: ج 16 ص 110 ب 3 باب صحة الإقرار من البالغ ح 2.
(17) شرائع الإسلام: ج 4 ص 161.
(18) المختصر النافع: ص 219.
508
من الحدود فالإقرار فيه مرتين (1). ونحوه في المختلف (2) ولم أعرف مستنده.
قال في التحرير: ولو أقر مرة واحدة عزر (3) ودليله ما مر، وفيه ما مر.
(ولا يقبل إقرار العبد) لأنه في حق غيره (ولا الصبي ولا المجنون)
لأنهما ليسا من أهله.
(وبشهادة رجلين عدلين) لعموم ما دل على قبول شهادتهما من غير
مخصص (4).
(ولا تقبل فيه شهادة النساء، انفردن أو انضممن) لما مر في القضاء، وقد
مر الخلاف.
* * *



(1) المراسم: ص 259.
(2) مختلف الشيعة: ج 9 ص 210.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 336.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 176 ب 7 من أبواب كيفية الحكم و ح 4.
509
(المقصد الثالث)
(في وطء الأموات والبهائم)
(وفيه مطلبان):
(الأول: وطء الأموات كالأحياء)
إلا في الزوجة فيحرم، كما سيظهر (فمن وطئ ميتة أجنبية) بلا شبهة
(كان زانيا) اتفاقا كما في الانتصار (1) والسرائر (2) ولما ورد من أن حرمة
المؤمن ميتا كحرمته حيا (3) ولما ستسمعه الآن من الأخبار.
(فإن كان محصنا رجم، وإن كان غير محصن جلد مائة جلدة) إن كان
حرا، كما روي عن عبد الله بن محمد الجعفي قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) وجاء
كتاب هشام بن عبد الملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ونكحها، فإن الناس
قد اختلفوا عليها في هذا، فطائفة قالوا: اقتلوه، وطائفة قالوا: حرقوه، فكتب إليه أبو
جعفر (عليه السلام): إن حرمة الميت كحرمة الحي، حده أن تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب،
ويقام عليه الحد في الزنا، إن أحصن رجم، وإن لم يكن أحصن جلد مائة (4).
(وزيد في عقوبته بما يراه الإمام) كما دل عليه مرسل ابن أبي عمير عن



(1) الانتصار: ص 514.
(2) السرائر: ج 3 ص 467.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 573 ب 2 من أبواب نكاح البهائم ووطء الأموات ح 1.
(4) المصدر السابق.
510
الصادق (عليه السلام) في الذي يأتي المرأة وهي ميتة، قال: وزره أعظم من ذلك الذي
يأتيها وهي حية (1).
(و) بالجملة: (لافرق بين الزنا بالميتة والحية في الحد) عندنا (واعتبار
الإحصان وغير ذلك، إلا أنه إذا وجب الجلد هنا زيد في العقوبة) اتفاقا،
كما نص عليه الشيخان (2) وجماعة (لأن الفعل هنا أفحش) ويحتمل الزيادة
مع القتل أيضا قبله، كما يقتضيه إطلاق النص والأصحاب.
(ولو كانت الموطوءة زوجته عزر) كما قطع به الأكثر (لسقوط الحد
بالشبهة) وبقاء علقة الزوجية، وأما ثبوت التعزير فلإنتهاكه حرمتها (وكذا لو
كانت أمته).
(ولو كانت احدى المحرمات عليه قتل، كما قلنا في الحية) لما مر.
(و) إنما (يثبت بشهادة أربعة رجال) وفاقا لابن إدريس (3) والمحقق (4)
(لأنه زنا) بالإجماع، مع الإجماع والنصوص (5) على عدم ثبوت الزنا بما دون
ذلك (ولأن شهادة الواحد قذف، ولا يندفع الحد) عن القاذف (إلا بكمال
أربعة) وهو ممنوع، والآية (6) مخصوصة بقذف النساء.
(وقيل) في المقنعة (7) والنهاية (8) والوسيلة (9) والجامع (10): (يثبت برجلين)
وهو خيرة المختلف (11) لعموم ما دل على اعتبارهما، وللفرق بينها وبين الزنا بالحية
(لأنها شهادة على فعل واحد) هو الحي (بخلاف الحية) فإن في الزنا بها،



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 574 ب 2 من أبواب نكاح البهائم ووطء الأموات ح 2.
(2) المقنعة: ص 790، النهاية: ج 3 ص 311.
(3) السرائر: ج 3 ص 468.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 188.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 371 ب 12 من أبواب حد الزنا.
(6) النور: 4.
(7) المقنعة: ص 790.
(8) النهاية: ج 3 ص 311.
(9) الوسيلة: ص 415.
(10) الجامع للشرائع: ص 556.
(11) مختلف الشيعة: ج 9 ص 186.
511
الفعل منها ومن الزاني بها. وقد ورد تعليل اعتبار الأربعة في الزنا بأنه فعل فاعلين،
فاعتبر لكل شاهدان، فلما فقدت العلة هنا فقد المعلول. وهذا الوجه مما ذكره المفيد (1).
وفيه: أن الخبر المعلل مع ضعفه منقوض بما إذا كان أحد الطرفين مجنونا أو
صبيا أو مجبورا أو نائما أو نحوه، ومدفوع بسماع شهادة اثنين على ألف وأكثر.
(والإقرار تابع) فمن اعتبر أربع شهادات اعتبر الإقرار أربعا، ومن اكتفى
باثنين اكتفى به مرتين.
(وهل تقبل فيه شهادة النساء) مع الرجال (كالزنا بالحية؟ إشكال):
من ابتناء الحدود على التخفيف وأن الأصل والنص (2) والفتوى عدم قبول
شهادتهن في الحدود خرج الزنا بالحية بالنص والإجماع، ومن كونه زنا أو أضعف
منه إن ثبت بشاهدين.
(ومن لاط بميت فهو كمن لاط بحي، سواء في الحد، لكن إن وجب
الجلد هنا) لعدم الإيقاب (زيد في العقوبة) كما نبه عليه ما تقدم. ويحتمل
عموم التغليظ لما مر.
(المطلب الثاني في وطء البهائم)
(إذا وطئ البالغ العاقل بهيمة) كان عليه التعزير في المشهور; للأصل،
والأخبار، لقول الصادق (عليه السلام) في خبر الفضيل وربعي: ليس عليه حد ولكن يضرب
تعزيرا (3) ويؤيده أن ليس للبهيمة حرمة كحرمة الناس، ولا وطؤها يعرضها
للولادة من زنا. وفي خبر إسحاق بن عمار عن الكاظم (عليه السلام) أنه يضرب خمسة
وعشرين سوطا (4).



(1) المقنعة: ص 790.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 264 ب 24 من أبواب الشهادات ح 29.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 571 ب 1 من أبواب نكاح البهائم ح 5.
(4) المصدر السابق: ص 570 ح 1.
512
وفي صحيح جميل عن الصادق (عليه السلام) أنه يقتل (1). وفي خبر سليمان بن هلال
عنه (عليه السلام) أنه يقام قائما ثم يضرب ضربة بالسيف، أخذ السيف منه ما أخذ، قال:
قلت: هو القتل! قال: هو ذاك (2). وحملا على من تكرر منه الفعل والتعزير إلى
الثالثة أو الرابعة.
وفي خبر أبي بصير عنه (عليه السلام) في الذي يأتي البهيمة فيولج، قال: عليه حد الزاني (3).
واحتمل فيه الشيخ (4) أن يكون عليه الحد إذا عاد بعد التعزير، والافتراق بين
الإيلاج وعدمه، والعمل على المشهور.
(فإن كانت مأكولة اللحم; كالشاة والبقرة والناقة عزر، وذبحت الموطوءة
وأحرقت بالنار، وكان لحمها ولحم نسلها حراما) لنحو قول الصادقين (عليهما السلام)
في أخبار عبد الله بن سنان والحسين بن خالد وإسحاق بن عمار ذبحت وأحرقت
بالنار ولم ينتفع بها (5). وقول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر سدير في الرجل يأتي البهيمة،
قال: يجلد دون الحد، ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها، لأنه أفسدها عليه، وتذبح
وتحرق وتدفن إن كانت مما يؤكل لحمه (6). وللعامة (7) قول بحلها.
(وكذا اللبن) لأنه تابع للحم ولقولهم (عليهم السلام): لم ينتفع بها (8). ولما في خبر
سماعة عن الصادق (عليه السلام) من قوله: وذكروا أن لحم تلك البهيمة محرم ولبنها (9).
(وليس الذبح والإحراق عقوبة لها، لكن لمصلحة خفية) كما سئل
الصادقون (عليهم السلام): وما ذنب البهيمة؟ فقالوا: لا ذنب لها، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعل



(1) المصدر السابق: ص 572 ح 6.
(2) المصدر السابق: ح 7.
(3) نفس المصدر: ح 8.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 62 ذيل الحديث 227.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 570 ب 1 من أبواب نكاح البهائم ح 1.
(6) المصدر السابق: ص 571 ح 4.
(7) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 164.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 570 ب 1 من أبواب نكاح البهائم ح 1.
(9) المصدر السابق: ص 571 ح 2.
513
هذا وأمر به، لكيلا يجترئ الناس بالبهائم، وينقطع النسل (1).
(أو) ذبحها (للأمن من شياع نسلها، وتعذر اجتنابه) ودفع العار عمن
فعل بها.
ومن العامة من قال: لئلا يأتي بخلقة مشوهة (2). قال الشيخ: وهذا هوس، لأنه
ما جرت العادة بهذا، قال: وينبغي أن يقول: هذا عبادة (3).
(و) إحراقها للأمن من (اشتباه لحمها لولا الإحراق).
(ثم إن لم تكن ملكا للواطئ أغرم قيمتها لمالكها) لأنه فوتها عليه،
ولما مر من خبر سدير (4) وقول الصادقين (عليهما السلام): وإن لم تكن البهيمة له قومت،
وأخذ ثمنها منه ودفع إلى صاحبها (5).
والمعتبر قيمتها (يوم الفعل) لأنه يوم الإتلاف (وإن كان الأهم منها
ظهرها وكانت غير مأكولة بالعادة) وإن حلت (كالحمير والبغال والخيل،
لم) يجب عندنا، كما في المبسوط (6) أن (تذبح، بل تخرج من بلد الفعل
وتباع في غيره، لئلا يعير) مالكها ولا (فاعلها بها) لقول أبي جعفر (عليه السلام) في
خبر سدير: وإن كانت مما يركب ظهره، أغرم قيمتها وجلد دون الحد، وأخرجها
من المدينة التي فعل بها فيها إلى بلاد اخرى حيث لا تعرف، فيبيعها فيها، كيلا يعير
بها (7) وللعامة (8) قول بذبحها.
(والأقرب تحريم لحمها) لأن المأكولة إذا حرمت فهي أولى. ويحتمل
العدم; لمنع الأولوية، وللأصل. وربما يرشد إليه عدم وجوب ذبحها.



(1 و 5) المصدر السابق: ص 570 ح 1.
(2) الحاوي الكبير: ج 13 ص 225.
(3) أي تعبد، راجع المبسوط: ج 8 ص 7، وفيه " هذا عادة " وهو سهو.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 571 ب 1 من أبواب نكاح البهائم ح 4.
(6) المبسوط: ج 8 ص 7.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 571 ب 1 من أبواب نكاح البهائم ح 4.
(8) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 164.
514
(ثم إن كانت للواطئ) فإذا بيعت (دفع الثمن إليه، على رأي)
الشيخ (1) والمحقق (2) وابن إدريس (3) لأصل بقاء الملك (وتصدق بالثمن الذي
يباع به على رأي) المفيد; عقوبة له على ما جناه، ورجاءا لتكفير ذنبه بالصدقة
عنه (4). قال المحقق: ولم أعرف المستند (5).
(وإن كانت لغيره، أغرم ثمنها له وقت التفريق) فإنه فوتها عليه حينه
(وتصدق بالثمن الذي تباع به على رأي) المفيد (6) (أو يعاد على المغترم
على رأي) غيره.
(ولو بيعت في غير البلد بأزيد من الثمن) الذي غرمه الواطئ (احتمل
رده على المالك) بناءا على بقاء الملك عليه، وإنما غرم له الثمن للحيلولة.
(و) احتمل رده (على المغترم) بناءا على انتقال الملك إليه (و) احتمل
(الصدقة) بناءا على التصدق بتمام الثمن، وانتقال الملك إلى الغارم.
(ولو كان الفاعل معسرا رد الثمن على المالك) قولا واحدا (فإن نقص
عن القيمة كان الباقي في ذمته يطالب به مع المكنة، والنفقة عليها إلى وقت
بيعها على الفاعل) انتقل ملكها إليه أم لا، للحيلولة. (فإن نمت فله إن دفع
القيمة إلى المالك) وقلنا بالانتقال (وإلا فللمالك على إشكال ينشأ: من
الحكم بالانتقال إليه بنفس الفعل) لوجوب الانتزاع من المالك بمجرده (أو
بدفع القيمة) للأصل (ومن عدم الانتقال مطلقا) للأصل، والشك في موجبه.
(ولو ادعى المالك الفعل) وأنكر (كان له الإحلاف) وليس هذا من
اليمين في الحد المنفي في الأخبار، بل من اليمين في المال (وحرمت المأكولة)
أخذا على المالك بإقراره.



(1) النهاية: ج 3 ص 311.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 187.
(3) السرائر: ج 3 ص 469.
(4 و 6) المقنعة: ص 790.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 187.
515
(وينجس رجيع المأكولة) كسائر المحرمات، وربما يرشد إليه ما ورد (1)
من أنه لا ينتفع به (2).
(ويحرم استعمال جلدها بعد الذبح، فيما يستعمل فيه جلد غير مأكولة
اللحم على إشكال): من الأصل، ومن كونه من الانتفاع المنفي، ووجوب
إحراقه مع الجلد، وهو ممنوع (3).
(ويثبت الفعل بشهادة عدلين) وكلام المبسوط (4) ربما يعطي اشتراط
أربعة رجال، أو ثلاثة مع امرأتين (أو الإقرار مرة على رأي) وفاقا للمشهور،
وعملا بالعمومات. وخلافا لابني حمزة (5) وإدريس (6) فاشترطا الإقرار مرتين.
ويظهر من المختلف (7) ولم يعرف له مستندا.
(ولا يقبل فيه شهادة النساء منفردات ولا منضمات) للأصل، والشبهة،
والعموم.
(والإقرار يثبت به) كل ما على المقر من (التعزير والذبح والإحراق، أو
البيع في غير البلد إن كانت الدابة له، وإلا يثبت التعزير خاصة).
(ولو تكرر الفعل والتعزير ثلاثا قتل في الرابعة) وقيل: في الثالثة (8) كما
مر. وقد سمعت ورود القتل هنا بخصوصه.
(خاتمة)
(من استمنى بيده) أو عضو آخر من أعضائه، فعل كبيرة، فعن أبي بصير
قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم،



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 570 ب 1 من أبواب نكاح البهائم ح 1.
(2) كذا، والصواب: بها.
(3) في ل: بدل " ممنوع ": مسلم.
(4) المبسوط: ج 8 ص 7.
(5) الوسيلة: ص 415.
(6) السرائر: ج 3 ص 470.
(7) مختلف الشيعة: ج 9 ص 186.
(8) القائل هو ابن إدريس في السرائر: ج 3 ص 470.
516
ولهم عذاب أليم: الناتف شيبه، والناكح نفسه، والمنكوح في دبره (1).
(وعزر بما يراه الإمام، وروي) عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (أن
أمير المؤمنين (عليه السلام) ضرب يده) بالدرة (حتى احمرت) قال: ولا أعلمه إلا
قال: (وزوجه من بيت المال) (2). ونحوه خبر طلحة بن زيد عن أبي
عبد الله (عليه السلام) (3) إلا أنه لم ينص فيه على الاستمناء. قال في التحرير: وليس ذلك -
أي ما ورد في الخبر - لازما (4) بل هو خاص بتلك القضية، لمصلحة رآها.
وفي خبر ثعلبة بن ميمون وحسين بن زرارة، قال: سألته عن الرجل يعبث
بيديه حتى ينزل، قال: لا بأس به، ولم يبلغ به ذلك شيئا (5). وحمله الشيخ (6) على
أنه ليس فيه شيء موظف، ويأباه قوله: " لا بأس به " ويمكن أنه سئل عمن عبث
بيديه مع زوجته أو أمته، لا مع ذكره.
(ويثبت بشهادة عدلين، ولا تقبل فيه شهادة النساء مطلقا) انفردن أو
انضممن (وبالإقرار مرة على رأي) خلافا لابن إدريس (7).
وإذا تكرر الفعل والتعزير قتل في الرابعة.
* * *



(1) وسائل الشيعة: ج 14 ص 268 ب 28 من أبواب النكاح المحرم ح 7.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 575 ب 3 من أبواب نكاح البهائم ح 2.
(3) المصدر السابق: ص 574 ح 1.
(4) انظر تحرير الأحكام: ج 5 ص 340، وفيه: " وليس بمعتمد ".
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 575 ب 3 من أبواب نكاح البهائم ح 3.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 64 ذيل الحديث 234.
(7) السرائر: ج 3 ص 471.
517
(المقصد الرابع
(في حد القذف)
(وفيه مطالب) خمسة:
(الأول: الموجب)
(وهو القذف بالزنا أو اللواط) وأما بالسحق فسيأتي الكلام فيه
(مثل زنيت أو لطت، أو زني بك، أو ليط بك، أو أنت زان) وإن قاله
لامرأة كما مر في اللعان (1) أو مزني بها (أو منكوح في دبره، أو لائط،
أو أنت زانية، أو يا زان) كما في خبر عباد بن صهيب عن الصادق (عليه السلام) (2)
وخبر إسحاق بن عمار عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) وغيرهما (أو يا لائط) أو يا
منكوحا في دبره، كما في خبر عباد بن صهيب عن الصادق (عليه السلام) (أو يا
زانية) كما في نحو خبر عقبة عنه (عليه السلام) (4). (أو) سائر (ما يؤدي صريحا
معنى ذلك) كالنيك، وإيلاج الحشفة، مع الوصف بالحرمة (بأي لغة كانت
بعد أن يكون القائل عارفا بالمعنى).



(1) راجع ج 8 ص 290.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 433 ب 3 من أبواب حد القذف ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 453 ب 19 من أبواب حد القذف ح 6.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 465 ب 28 من أبواب حد القذف ح 2.
518
وفي تحققه بقوله: زني بك، أو ليط بك، ونحوه من الأشكال ما سيأتي،
لاحتمال الإكراه.
(وكذا لو أنكر ولدا اعترف به) كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر السكوني;
من أقر بولد ثم نفاه، جلد الحد والزم الولد (1). وعن العلاء بن الفضيل أنه قال
للصادق (عليه السلام): الرجل ينتفي من ولده وقد أقر به، فقال: إن كان الولد من حرة جلد
خمسين سوطا حد المملوك، وإن كان من أمة فلا شيء عليه (2). وهو ضعيف متروك.
وللعامة قول بأنه ليس بقذف، لأن الأب ربما قال ذلك لابنه تأديبا، وإرادة منه
أنه ليس مثله في الخصال التي كان يتوقعها منه.
(أو قال لغيره: لست لأبيك) وقد نص عليه في حسن ابن سنان عن
الصادق (عليه السلام) (3) وخبر إسحاق بن عمار عن أبي جعفر (عليه السلام) (4). (أو زنت بك
أمك) - أي ولدتك من الزنا - أو أبوك (أو يا بن الزانية) كما في الأخبار (5) أو يا
بن الزاني، ولكنه قذف لامه أو أبيه كما سيأتي.
(ولو قال: يا ديوث، أو يا كشخان، أو يا قرنان) أو يا قرطبان (أو غير
ذلك من الألفاظ) الغير الصريحة في الزنا وشبهه (فإن أفادت القذف في عرف
القائل) كما يقال: إن الديوث من يدخل الرجال على امرأته، والقرطبان من
يرضى بدخول الرجال على نسائه، والكشخان من يدخلهم على أخته، والقرنان
من يدخلهم على بنته أو امه، أو أن الكل بمعنى الديوث (ثبت الحد. وإن لم
يعرف فائدتها) من القذف (فالتعزير إن أفادت عنده فائدة يكرهها المواجه)
كانتفاء الغيرة فيه، بحيث لا يبالي بزنا امرأته أو محارمه، دون الحد، للأصل والإجماع



(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 87 ح 338.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 457 ب 23 من أبواب حد القذف ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 432 ب 2 من أبواب حد القذف ح 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 453 ب 19 من أبواب حد القذف ح 6.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 441 ب 7 من أبواب حد القذف ح 1.
519
كما في الخلاف (1) ونحو قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر وهب بن وهب: أن عليا (عليه السلام)
لم يكن يحد بالتعريض حتى يأتي بالفرية المصرحة، مثل: يا زان، ويا بن الزانية،
أولست لأبيك (2). ونحوه خبر إسحاق بن عمار عنه (عليه السلام) (3). وقول أمير المؤمنين (عليه السلام)
في حسن ابن سنان: " الفرية ثلاثة - يعني ثلاثة وجوه -: رمي الرجل الرجل
بالزنا، وإذا قال: إن امه زانية، وإذا دعا لغير أبيه، فذلك فيه حد ثمانون (4).
وأما قوله (عليه السلام) في خبر عباد بن صهيب: إذا قال الرجل للرجل يا معفوج، أو يا
منكوحا في دبره، فإن عليه الحد، حد القاذف (5) فمبني على أن المعفوج صريح في
المنكوح وإن قيل أصل العفج الضرب.
وما في الكافي (6) والغنية (7) والإصباح (8) من الحد بالرمي بالقحوبة والفجور، أو
العهر، أو العلوقية، أو الابنة، أو الدياثة، أو الفسق، أو القرنية، أو قوله: يا كشخان، فمبني
على إفادتها في العرف الزنا أو اللواط، كما نصوا عليه، فلا خلاف، لكن في الفسق نظر.
(و) كذا (كل تعريض بما يكرهه المواجه يوجب التعزير إذا لم يوضع
للقذف عرفا أو وضعا) لما يرشد إليه ما ستسمعه من الأخبار، ولصحيح عبد الرحمن
بن أبي عبد الله سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل سب رجلا بغير قذف فعرض به، هل يجلد؟
قال: عليه تعزير (9). وقول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر أبي مريم: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)



(1) الخلاف: ج 5 ص 408 المسألة 54.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 454 ب 19 من أبواب حد القذف ح 9.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 453 ب 19 من أبواب حد القذف ح 6.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 432 ب 2 من أبواب حد القذف ح 2، وفيها: أن الفرية ثلاث
يعني ثلاث وجوه.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 433 ب 3 من أبواب حد القذف ح 2.
(6) الكافي في الفقه: ص 414.
(7) الغنية: ص 428.
(8) إصباح الشيعة: ص 520.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 452 ب 19 من أبواب حد القذف ح 1.
520
في الهجاء التعزير (1). وفي خبر إسحاق بن عمار: أن عليا (عليه السلام) كان يعزر في الهجاء (2).
وقول الصادق (عليه السلام) عنه تعالى في خبر المعلى بن خنيس: ليأذن بحرب مني من أذل
عبدي المؤمن (3). وفي خبر المفضل بن عمر: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين
الصدود لأوليائي، فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم، فيقول: هؤلاء الذين آذوا
المؤمنين ونصبوا لهم وعاندوهم وعنفوهم في دينهم، قال: ثم يؤمر بهم إلى جهنم، قال:
كانوا والله يقولون بقولهم، ولكنهم حبسوا حقوقهم، وأذاعوا عليهم سرهم (4). وقول
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خبر أبي بصير: سباب المؤمن فسوق (5). وخبر الحسين بن أبي العلاء
عن الصادق (عليه السلام) أنه شكى رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ممن قال له: احتلمت بأمك،
فقال (عليه السلام): سنوجعه ضربا وجيعا حتى لا يؤذي المسلمين، فضربه ضربا وجيعا (6).
ومالك (7) يجعل التعريض قذفا عند الغضب دون الرضا وذلك (مثل أنت ولد
حرام، أو لست بولد حلال) وليس قذفا عندنا، لاحتمال الحمل في الحيض أو
الإحرام، أو الصوم، أو نحو ذلك. وادعى ابن إدريس مساواة ولد الحرام الزنا في
العرف (8) فإن تم كان قذفا إن عرفه القائل.
(أو أنت ولد شبهة، أو حملت بك أمك في حيضها، أو قال لزوجته: لم
أجدك عذراء) فعن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في رجل قال لامرأته: لم
أجدك عذراء، قال: يضرب، قال: فإن عاد؟ قال: يضرب، فإنه يوشك أن ينتهي (9).
وأوجب الحسن عليه الحد (10) لقوله (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: إذا قال الرجل



(1) المصدر السابق: ص 453 ح 5.
(2) المصدر السابق: ح 6.
(3) وسائل الشيعة: ج 8 ص 590 ب 147 من أبواب أحكام العشرة ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 8 ص 587 ب 145 من أبواب أحكام العشرة ح 3.
(5) وسائل الشيعة: ج 8 ص 599 ب 152 من أبواب أحكام العشرة ح 12.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 458 ب 24 من أبواب حد القذف ح 1.
(7) انظر المدونة الكبرى: ج 6 ص 224.
(8) السرائر: ج 3 ص 529.
(9) وسائل الشيعة: ج 15 ص 609 ب 17 من أبواب اللعان ح 2.
(10) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 9 ص 264.
521
لامرأته لم أجدك عذراء وليست له بينة، يجلد الحد (1). ولعل الحد بمعنى التعزير، أو
بمعنى الرمي بالزنا صريحا، ولكنه (عليه السلام) كنى عن الصريح، كما ينبه عليه قوله: " وليست
له بينة " ويفهم من أبي علي أنه يوجب عليه الحد إن قاله عند حرد وسباب (2).
وقوله (عليه السلام) في خبر زرارة: ليس عليه شيء، لأن العذرة تذهب بغير جماع (3).
بمعنى: ليس عليه حد كامل.
(أو قال له: يا فاسق) فعن أبي حنيفة أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل قال
لآخر: يا فاسق، فقال: لا حد عليه ويعزر (4).
(أو يا خائن أو يا شارب الخمر، وهو متظاهر بالستر) وإلا لم تكره
المواجهة، واستحق الاستخفاف.
(أو يا خنزير) فعن جراح المدائني عن الصادق (عليه السلام): إذا قال الرجل: أنت
خنث، أو أنت خنزير، فليس فيه حد ولكن فيه موعظة وبعض العقوبة (5).
(أو يا وضيع، أو يا حقير، أو يا كلب وما أشبه ذلك) عن أبي مخلد
السراج عن الصادق (عليه السلام) أنه قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل دعا آخر ابن
المجنون، فقال الآخر: أنت ابن المجنون، فأمر الأول أن يجلد صاحبه عشرين
جلدة، وقال له: اعلم أنه ستعقب مثلها عشرين، فلما جلده أعطى المجلود السوط
فجلده عشرين نكالا ينكل بهما (6).
(وكذا لو قال له: أنت كافر، أو زنديق) وهو كما في العين من لا يؤمن
بالآخرة وأن الله واحد (7). وفي الخلاف: أنه الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر (8).



(1) وسائل الشيعة: ج 15 ص 610 ب 17 من أبواب اللعان ح 5.
(2) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 9 ص 264.
(3) وسائل الشيعة: ج 15 ص 609 ب 17 من أبواب اللعان ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 453 ب 19 من أبواب حد القذف ح 4.
(5) المصدر السابق: ص 452 ح 2.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 452 ب 19 من أبواب حد القذف ح 3.
(7) العين: ج 5 ص 255 (مادة زنديق).
(8) الخلاف: ج 5 ص 352 المسألة 2.
522
ووافقه خبر مسمع عن الصادق (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كما يحكم في زنديق إذا
شهد عليه رجلان عدلان مرضيان وشهد له ألف بالبراءة، جازت شهادة الرجلين
وأبطل شهادة الألف، لأنه دين مكتوم (1) وهذا المعنى هو المعروف عندنا، كما سيأتي
في الارتداد. قال: إنه فارسي معرب. قال ابن دريد: أصله زنده، أي القائل ببقاء الدهر
دائما (2). وكذا في المحيط. وقيل: أصله زندي منسوب إلى زند وهو كتاب للمجوس (3).
وقيل: أصله زند دين، أي يتدين بذلك الكتاب (4). وقيل: أصله زندين، أي دينه دين
المرأة (5). وفي شمس العلوم: أنه العالم من الفلاسفة، وأنه يقال: معناه زن ودنق (6).
(أو مرتد، أو عيره بشيء من بلاء الله تعالى، مثل أنت أجذم، أو أبرص
وإن كان به ذلك) بل المواجهة به أشد على من به ذلك.
هذا كله (إذا كان المقول له من أهل) الستر و (الصلاح، وكذا كل ما
يوجب الأذى. ولو كان المقول له مستحقا للاستخفاف) لكفر، أو ابتداع، أو
مجاهرة بالفسق (سقط عنه التعزير) بل كان مثابا بذلك مأجورا، لأنه من النهي
عن المنكر، وقد ورد أن من تمام العبادة الوقيعة في أهل الريب (7) وعن
الصادق (عليه السلام): إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة (8). وعنه (عليه السلام) قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم،
وأكثروا من سبهم والقول فيهم، وباهتوهم لئلا يطمعوا في الفساد في الإسلام،



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 303 ب 51 من أبواب الشهادات ح 1.
(2) جمهرة اللغة: ج 3 ص 504 (مادة زنديق).
(3) مجمع البحرين: ج 5 ص 178 (مادة زندق).
(4)......................
(5) القاموس المحيط: ج 3 ص 242 (مادة الزنديق).
(6) شمس العلوم:................
(7) وسائل الشيعة: ج 11 ص 508 ب 39 من أبواب الأمر والنهي ح 1.
(8) وسائل الشيعة: ج 8 ص 604 ب 154 من أبواب أحكام العشرة ح 4.
523
ويحذرهم الناس، ولا تعلموا من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات، ويرفع
لكم به الدرجات في الآخرة (1). إلى غير ذلك.
(إلا بما لا يسوغ له لقاؤه به) من الرمي بما لا يفعله أو يستتر به، ففي
حسن الحلبي عن الصادق (عليه السلام): أنه نهى عن قذف من كان على غير الإسلام، إلا
أن تكون اطلعت على ذلك منه (2). وكذا في صحيح ابن سنان عنه (عليه السلام)، وفيه أنه
قال: أيسر ما يكون أن يكون قد كذب (3).
(المطلب الثاني القاذف)
(ويعتبر فيه البلوغ والعقل والاختيار والقصد) إجماعا (فلو قذف
الصبي) المميز (أدب ولم يحد ولو كان المقذوف كاملا) كما سأل أبو مريم
الأنصاري أبا جعفر (عليه السلام) عن الغلام لم يحتلم يقذف الرجل، هل يجلد؟ قال: لا،
وذلك لو أن رجلا قذف الغلام لم يجلد (4).
(ولا شيء) أي لا حد (على المجنون) وإن كان عليه التأديب، كما هو
صريح الإرشاد (5) وظاهر التحرير (6) إن كان ممن يرجى منه الكف بالتأديب.
(ولو كان يعتوره) الجنون (فقذف وقت إفاقته حد حدا تاما) ولو
حال الجنون، لما تقدم في الزنا، مع احتمال انتظار الإفاقة كما مر، وكذا لو لم يحد
العاقل حتى جن.
(وفي اشتراط الحرية في كمال الحد قولان) فالمشهور العدم، للإجماع
على ما في الخلاف (7) وغيره، ولعموم الآية (8) والأخبار: كقول الصادق (عليه السلام) في



(1) وسائل الشيعة: ج 11 ص 508 ب 39 من أبواب الأمر والنهي ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 430 ب 1 من أبواب حد القذف ح 2.
(3) المصدر السابق: ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 439 ب 5 من أبواب حد القذف ح 1.
(5) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 177.
(6) تحرير الأحكام: ج 5 ص 403.
(7) الخلاف: ج 5 ص 403 المسألة 47.
(8) النور: 4.
524
حسن الحلبي: إذا قذف العبد الحر جلد ثمانين، قال: هذا من حقوق الناس (1).
وخبر أبي بكر الحضرمي سأله (عليه السلام) عن عبد قذف حرا، فقال: يجلد ثمانين هذا من
حقوق المسلمين، فأما ما كان من حقوق الله عز وجل; فإنه يضرب نصف الحد (2).
وفي الهداية (3): الاشتراط، للأصل، وقوله: " فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما
على المحصنات من العذاب " (4) وخبر القاسم بن سليمان سأل الصادق (عليه السلام) عن
العبد يفتري على الحر، كم يجلد؟ قال: أربعين (5). وما تقدم من خبر حماد بن
عثمان عنه (عليه السلام). والأصل يترك إذا عورض، والفاحشة ظاهرة في نحو الزنا،
والخبران يحتملان التقية.
وفي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في العبد يفتري على الحر،
فقال: يجلد حدا إلا سوطا أو سوطين (6). وعن يونس عن سماعة قال سألته عن
المملوك يفتري على الحر، فقال: عليه خمسون جلدة (7). وحملهما الشيخ على
الافتراء بما ليس قذفا (8). وفي صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال في
رجل دعي لغير أبيه: أقم بينتك أمكنك منه، فلما أتى بالبينة، قال: إن امه كانت أمة،
قال: ليس عليك حد، سبه كما سبك أو اعف عنه (9).
ويمكن أن يكون السؤال عن رجل ادعى على آخر أنه دعاه لغير أبيه،
فطلب (عليه السلام) منه البينة، فلما أتى البينة شهدت بأنه قال له: إن امه كانت أمة،
لا أنه دعاه لغير أبيه، فقال (عليه السلام): سبه كما سبك أو اعف عنه. والأمر كذلك في



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 435 ب 4 من أبواب حد القذف ح 4.
(2) المصدر السابق: ص 436 ح 10.
(3) الهداية: ص 293.
(4) النساء: 25.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 437 ب 4 من أبواب حد القذف ح 15.
(6) المصدر السابق: ص 438 ح 19.
(7) المصدر السابق: ح 20.
(8) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 74 ذيل الحديث 281.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 437 ب 4 من أبواب حد القذف ح 17.
525
مثل هذا الكلام إذا وجه به أحد.
(فعلى العدم) أي عدم تساوي الحر وغيره، أو عدم كمال الحد على الرقيق،
وقيل: أي عدم عموم الآية (1). ولا ريب أن الظاهر (2) فعلى الاشتراط (يثبت
نصف الحد) على الرقيق.
(فإن ادعى المقذوف) على القاذف (الحرية وأنكر القاذف عمل
بالبينة) إن كانت (ومع العدم قيل) في الخلاف (3): (يقدم قول القاذف)
لأصالة البراءة، و (عملا بحصول الشبهة الدارئة للحد) وهو خيرة التحرير (4)
والمختلف (5) وهو المختار.
(وقيل) في المبسوط (6): يقدم قول (المقذوف) على احتمال (عملا
بأصالة الحرية).
والقولان في الكتابين إنما هما في ادعاء المقذوف حرية نفسه، والقاذف رقه.
ولما اتحد مأخذ القولين في المسألتين، صحت النسبة توسعا.
(ولو ادعى) المقذوف (صدور القذف حال إفاقته) وله حال جنون
فادعى صدوره حينه (أو) ادعى صدوره (حال بلوغه) فأنكر حيث يحتمل
الصدور قبله (قدم قول القاذف) إن لم تكن بينة، للشبهة، والأصل. (ولا
يمين) عليه، للإبتناء على التخفيف، والاكتفاء بالشبهة في الدرء، ومرسل ابن أبي
عمير عن الصادق (عليه السلام)، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل، وقال: يا
أمير المؤمنين هذا قذفني، فقال له: ألك بينة؟ فقال: لا، ولكن استحلفه، فقال
أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يمين في حد (7). ونحوه مرسل البزنطي عنه (عليه السلام) (8).



(1) القائل هو فخر المحققين في إيضاح الفوائد: ج 4 ص 501.
(2) يعني: الظاهر من كلام المصنف.
(3) الخلاف: ج 5 ص 407 المسألة 52.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 404.
(5) مختلف الشيعة: ج 9 ص 266.
(6) المبسوط: ج 8 ص 17.
(7 و 8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 335 ب 24 من أبواب مقدمات الحدود ح 1 وذيله.
526
(ولا حد على المكره على القذف، ولا الغافل، ولا الساهي، والنائم،
والمغمى عليه. وفي السكران إشكال): من أنه كالمغمى عليه والأصل
والابتناء على التخفيف، ومن إجراء العقوبات عليه كما يجري على الصاحي وقول
أمير المؤمنين (عليه السلام) في علة حد شارب الخمر ثمانين أنه إذا سكر هذى، وإذا هذى
افترى، وحد المفتري ثمانون (1) وهو أقوى (فإن لم نوجب) حده (فالتعزير)
إذ لا يقصر عن الصبي.
(المطلب الثالث المقذوف)
(وشرطه) في وجوب الحد على القاذف (الإحصان، وانتفاء الأبوة)
عن القاذف، وكان الأولى البنوة (و) انتفاء (التقاذف).
(فالإحصان) مشترك بين معان، منها: التزويج، كما في قوله تعالى:
" والمحصنات من النساء " (2). ومنها: الإسلام; كما في قوله تعالى: " فإذا أحصن " (3)
عن ابن مسعود (4) إحصانها إسلامها. ومنها: الحرية; كما في قوله تعالى: " ومن لم
يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات " (5). و (يراد به هنا البلوغ، وكمال
العقل، والحرية، والإسلام، والعفة).
(ويجب به) أي بقذف من استجمع هذه الشرائط (الحد كملا) إذا استجمع
القاذف ما اشترط فيه.
(ولو فقد أحدها أو الجميع; فالتعزير، سواء كان القاذف مسلما أو
كافرا، حرا أو عبدا) ويدل عليه مع الأصل والإجماع، الأخبار كقول الصادق (عليه السلام)
في خبر إسحاق: لا حد لمن لا حد عليه (6). وكذا في حسن فضيل (7). وفي خبر أبي



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 467 ب 3 من أبواب حد المسكر ح 4.
(2) النساء: 24.
(3 و 5) النساء: 25.
(4) التبيان: ج 3 ص 171.
(6 و 7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 332 ب 19 من أبواب مقدمات الحدود ح 1 وذيله.
527
بصير: من افترى على مملوك عزر لحرمة الإسلام (1). وفي خبر عبيد بن زرارة: لو
أوتيت برجل قد قذف عبدا مسلما بالزنا لا نعلم منه إلا خيرا، لضربته الحد حد الحر
إلا سوطا (2) وخبر أبي بصير عنه (عليه السلام) في رجل يقذف الصبية يجلد، قال: لا، حتى
تبلغ (3). وما تقدم من خبر أبي مريم عن الباقر (عليه السلام) (4). وخبر إسماعيل بن الفضل
سأل الصادق (عليه السلام) عن الافتراء على أهل الذمة وأهل الكتاب، هل يجلد المسلم الحد
في الافتراء عليهم؟ قال: لا، ولكن يعزر (5). وسيأتي خبر تعزير الأب والمتقاذفين.
وأما قول الصادق (عليه السلام) في مرسل يونس: كل بالغ من ذكر أو أنثى، افترى على
صغير أو كبير، أو ذكر أو أنثى، أو مسلم أو كافر، أو حر أو مملوك، فعليه حد الفرية،
وعلى غير البالغ حد الأدب (6). فحمله الشيخ (7) على الافتراء على أحد أبوي
الصغير أو المملوك أو الكافر، مع إسلامه وحريته، ويمكن تعميم الحد للتعزير.
وأما اشتراط العفة في وجوب الحد فظاهر إن أريد بخلافها ما يعطيه ما سيأتي
من التظاهر بالزنا واللواط، أو ظهور أحدهما ببينة أو إقرار، ولكن يشكل وجوب
تعزير قاذفه. وإن أريد بخلافها التظاهر بغيرهما من الفسوق، فيشكل سقوط الحد
عن قاذفه مع عموم الأخبار، إلا أن يتمسك بالأصل والتقييد بالإحصان في
الآية (8) إن سلم تضمنه العفة عن سائر المعاصي، وما مر من استحقاق المتظاهر
بالفسق للسب والاستخفاف، سواء كان القاذف مسلما أو كافرا، حرا أو عبدا.
(ولو قال: أمك زانية، أو يا بن الزانية، أو زنت بك أمك، أو ولدتك
أمك من الزنا، فهو قذف للأم) لا للمواجه له، ولا للأب، وفي الأخير نظر;



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 436 ب 4 من أبواب حد القذف ح 12.
(2) المصدر السابق: ص 434 ح 2.
(3) المصدر السابق: ص 440 ب 5 ح 4.
(4) المصدر السابق: ص 439 ح 1.
(5) المصدر السابق: ص 450 ب 17 ح 4.
(6) المصدر السابق: ص 440 ب 5 ح 5.
(7) الاستبصار: ج 4 ص 234 ذيل الحديث 881.
(8) النساء: 24.
528
لاحتماله قذف الأب كما أشار إليه في التحرير (1).
(ولو قال: يا بن الزاني، أو زنى بك أبوك، أو يا أخا الزانية، أو يا أخا
الزاني، أو يا أبا الزانية أو الزاني، أو يا زوج الزانية، فهو قذف للمنسوب
إليه) وعبارة النهاية (2) تعطي أن المطالب بالحد هو الأم. ولا جهة له، ولعله غير
مراد له كما في النكت (3). (وكذا يا خال الزاني، أو الزانية، أو يا عم الزاني)
أو الزانية (أو يا جد الزاني أو الزانية، فإن اتحد المنسوب إليه) كما في
الأولين، وفي الباقي مع الاتحاد (فالحد له وإن تعدد وبين فكذا، وإن أطلق
ففي المستحق) للحد (إشكال ينشأ: من) ثبوت حق في ذمته وقد أبهمه، فلنا
(المطالبة له بالقصد) والتعيين. (أو) يقول: في ذلك إشاعة للفاحشة، وزيادة
في الإيذاء بالتعيين، فليس لنا إلا (إيجاب حد لهما) معا، فلا يقيمه عليه إلا عند
اجتماعهما، لانحصار الحق فيهما، وهو الأقوى.
(وكذا) الوجهان (لو قال أحدكما: زان أو لائط).
(ولو قال: يا بن الزانيين، أو ولدت من الزنا، فهو قذف للأبوين) أما
الأول فظاهر وإن كان له أن يقول: أردت بالزانيين أباه وجده، أو زانيين في
أجداده العالين. وأما الثاني فهو قذف; إما لهما معا، أو لأحدهما مبهما، فيجري فيه
الوجهان من المطالبة بالقصد، أو إيجاب حد لهما.
وجعله الشيخ في النهاية (4) قذفا للأم، وكذا المفيد (5) لقوله: إن قوله: أنت ولد
زنا، مثل قوله: زنت بك أمك سواء. ووجه ذلك في النكت (6) والمختلف بأنه الظاهر
في العرف (7) لأن الأم أصل الولادة.



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 408.
(2) النهاية: ج 3 ص 339 - 340.
(3) النكت بهامش النهاية: ج 3 ص 340.
(4) النهاية: ج 3 ص 340.
(5) المقنعة: ص 794.
(6) النكت بهامش النهاية: ج 3 ص 339.
(7) مختلف الشيعة: ج 9 ص 252 - 253.
529
(ولو قال: زنيت بفلان، أو لطت به) وذكر فلانا اختصارا لصحة إطلاقه
على المرأة، بتأويل الإنسان أو الشخص أو نحوهما (فالقذف للمواجه) بلا
خلاف (والمنسوب إليه على إشكال ينشأ: من احتمال الإكراه) بالنسبة إليه
(ولا يتحقق الحد مع الاحتمال) وهو خيرة ابن إدريس (1) ومال إليه في
التحرير (2) ومن أن كلا من الزنا واللواط فعل واحد، فإن كذب فيه بالنسبة إلى
أحدهما كذب بالنسبة إلى الآخر، ووهنه واضح، ولعدم الاعتداد بشبهة الإكراه في
الشرع، ولذا يجب الحد إجماعا على من قال: يا منكوحا في دبره. ولتطرق
الاحتمال بالنسبة إلى كل منهما، فينبغي اندراء الحد عنه بالكلية. وفيه: أن المكره
على الزنا أو اللواط ليس زانيا ولا لائطا، وهذا الاحتمال خيرة الشيخين (3) وجماعة
منهم المصنف في المختلف (4) وادعى في الخلاف الإجماع عليه (5).
(ولو قال لابن الملاعنة: يا بن الزانية حد) كما نص عليه في نحو خبر
سليمان (6) وحسن الحلبي (7) عن الصادق (عليه السلام).
(وكذا لابن الزانية بعد توبتها) كما سأل إسماعيل الهاشمي أبا عبد الله وأبا
الحسن (عليهما السلام) عن امرأة زنت فأتت بولد، فأقرت عند إمام المسلمين بأنها زنت وأن
ولدها منه، فأقيم عليها الحد، وأن ذلك الولد نشأ حتى صار رجلا، فافترى عليه
رجل، هل يجلد من افترى عليه؟ فقال: يجلد ولا يجلد، فقال: كيف يجلد ولا
يجلد؟ فقال: من قال له يا ولد الزنا لم يجلد إنما يعزر; وهو دون الحد، ومن قال له
يا بن الزانية جلد الحد تاما، فقال وكيف صار هذا هكذا؟ فقال: إنه إذا قال: يا ولد



(1) السرائر: ج 3 ص 520.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 401.
(3) المقنعة: ص 793، النهاية: ج 3 ص 345 - 346.
(4) مختلف الشيعة: ج 9 ص 255.
(5) انظر الخلاف: ج 5 ص 31 المسألة 35.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 442 ب 8 من أبواب حد القذف ح 1.
(7) المصدر السابق: ح 3.
530
الزنا، كان قد صدق فيه وعزر على تعييره امه ثانية (1) وقد أقيم عليها الحد، وإذا
قال: يا بن الزانية، جلد الحد تاما لفريته عليها بعد إظهارها التوبة، وإقامة الإمام
عليها الحد (2) (لا قبلها) وهو ظاهر.
(ولو قال لامرأته: زنيت بك حد لها على إشكال) كما مر، لما مر (فإن
أقر أربعا حد للزنا أيضا) وإلا عزر له في وجه.
(ولو كان المنسوب إليه كاملا دون المواجه ثبت الحد. فلو قال لكافر)
أو طفل، أو مجنون أو رقيق (امه مسلمة) حرة عاقلة: (أمك زانية، أو يا بن
الزانية حد إن كانت حية وطالبت، ولو كانت ميتة ولا وارث لها سوى
الكافر لم يحد) إذ لا ولي لها، خلافا للحلبي (3) فإنه جعل السلطان ولي المقذوف
الميت إذا لم يكن له ولي.
(ولو قال لمسلم) حر: (يا بن الزانية وكانت امه كافرة أو أمة، قيل)
في النهاية (4): (حد كملا) لحرمة الولد، ولقول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن
بن أبي عبد الله: النصرانية واليهودية تكون تحت المسلم، فيقذف ابنها، قال: يضرب
حدا (5). كذا في الكافي (6). وفي التهذيب: يضرب القاذف، لأن المسلم حصنها (7)
قال في المختلف: ولا بأس بالعمل بهذه الرواية، فإنها واضحة الطريق (8). وذكر أبو
علي أنه مروي عن الباقر (عليه السلام) (9) وأن الطبري روى أن الأمر لم يزل على ذلك إلى
أن أشار عبد الله بن عمر (10) بن عبد العزيز بأن لا يحد مسلم في كافر، فترك ذلك.



(1) كذا في الكافي أيضا، وفي ق ول: تائبة.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 441 ب 7 من أبواب حد القذف ح 1 وفيه: عن أبيه.
(3) الكافي في الفقه: ص 416.
(4) النهاية: ج 3 ص 344.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 441 ب 7 من أبواب حد القذف ح 2.
(6) الكافي: ج 7 ص 209 ح 21.
(7) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 75 ح 290.
(8) مختلف الشيعة: ج 9 ص 254.
(9) نقله عنه في مسالك الأفهام: ج 14 ص 441.
(10) في ل زيادة: عن عمر. ولم نعثر عليه في تاريخ الطبري وتفسيره. والأصل في الحكاية??
الشهيدان في غاية المراد (4: 231) والمسالك (14: 441) وعبارتهما: " أشار عبد الله بن عمر
على عمر بن عبد العزيز " لكنه بعيد كما يظهر بالمراجعة إلى التاريخ.
531
(والأقرب) ما في الشرائع (1) من أن عليه (التعزير) للأصل، وعدم صحة
الخبر، ومعارضته بما دل على التعزير بقذف الكافر.
(ولو قذف الأب ولده عزر ولم يحد، وكذا لو قذف زوجته الميتة ولا
وارث سواه. ولو كان لها ولد من غيره كان له عليه الحد كملا دون الولد)
له وبالجملة: فلا يثبت للولد على أبيه عقوبة، لا عن نفسه ولا عن غيره، لحسن
محمد بن مسلم سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قذف ابنه، قال: لو قتله ما قتل به، وإن
قذفه لم يجلد له، قال: وإن كان قال لابنه: يا بن الزانية وأمه ميتة ولم يكن لها من
يأخذ بحقها منه إلا ولدها منه، فإنه لا يقام عليه الحد لأن حق الحد قد صار لولده
منها، وإن كان لها ولد من غيره فهو وليها، وإن لم يكن لها ولد من غيره، وكان لها
قرابة يقومون بحق الحد جلد لهم (2).
(ولو قذف الولد أباه أو امه، أو الأم ولدها، أو جميع الأقارب حد
كملا) للعمومات (والأقرب أن الجد للأب أب) لأنه لا يقتل به، وللمساواة
في الحرمة، وعموم الأب له عرفا، وقطع به في التحرير (3).
ويحتمل العدم، للعمومات، ومنع عموم الأب له حقيقة.
(بخلاف الجد للأم) لأن الأم تحد بقذف ولدها، ولعدم سبقه إلى الفهم من
الأب وإن كثر إطلاق الابن على السبط.
(وإذا قذف المسلم) العاقل (صبيا، أو عبدا، أو مجنونا أو كافرا)
ذميا أو غيره (أو مشهورا بالزنا، فلا حد) لما مر (بل) عليه (التعزير) إلا



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 165.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 447 ب 14 من أبواب حد القذف ح 1.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 405.
532
في المشهور بالزنا فلا أعرف جهة لتعزير قاذفه به، وفي غير الذمي من الكفار أيضا
نظر، إذ غاية الأمر الكذب، وورد النهي عن قذفهم.
(وإذا تقاذف المحصنان عزرا ولا حد) لصحيح ابن سنان سأل الصادق (عليه السلام)
عن رجلين افترى كل منهما على صاحبه، فقال: يدرأ عنهما الحد ويعزران (1).
وصحيح أبي ولاد الحناط عنه (عليه السلام) أنه أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجلين قذف
كل واحد منهما صاحبه فدرء عنهما الحد وعزرهما (2).
(ولو تعدد المقذوف) والقذف (تعدد الحد، سواء اتحد القاذف أو
تعدد) اتحد اللفظ أو تعدد، لأن هذا الحد حق المقذوف، ولا يتسبب اجتماع
مقذوف مع آخر لسقوط حقه. ولكن أكثر الأصحاب - وفي السرائر والنكت (3) أن
جميعهم - اتفقوا على أنه (لو قذف (4) جماعة بلفظ واحد) كقوله: زنيتم، أو
لطتم، أو يا زناة، أو يا لاطة (فإن جاؤوا به) إلى الحاكم (مجتمعين فللجميع
حد واحد، وإن جاؤوا به متفرقين فلكل واحد حد. ولو قذفهم كل واحد
بلفظ، حد لكل واحد حد، سواء اجتمعوا في المجيء به أو تفرقوا)
لصحيح جميل سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل افترى على قوم جماعة، فقال: إن أتوا
به مجتمعين ضرب حدا واحدا، وإن أتوا به متفرقين ضرب لكل واحد حدا (5).
ونحوه خبر محمد بن حمران عنه (عليه السلام) (6) مع خبر بريد العجلي عن أبي جعفر (عليه السلام)
في الرجل يقذف القوم جميعا بكلمة واحدة، قال: إذا لم يسمهم فإنما عليه حد واحد،
وإن سمي فعليه لكل واحد حد (7). وفي خبر الحسن العطار قال للصادق (عليه السلام): رجل



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 451 ب 18 من أبواب حد القذف ح 1.
(2) المصدر السابق: ح 2.
(3) السرائر: ج 3 ص 519، النكت بهامش النهاية: ج 3 ص 342.
(4) في القواعد: نعم لو قذف.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 444 ب 11 من أبواب حد القذف ح 1.
(6) المصدر السابق: ح 3.
(7) نفس المصدر: ص 445 ح 5.
533
قذف قوما جميعا، فقال: بكلمة واحدة؟ قال: نعم، قال: يضرب حدا واحدا، وإن
فرق بينهم في القذف ضرب لكل واحد منهم حدا (1).
والأظهر بناءا على هذه الفتيا أن يريد بقوله في الخبرين الأولين جماعة:
اجتماعهم في الفرية بمعنى قذفهم بكلمة واحدة، وأن يراد بالكلمة الواحدة في
الخبرين الآخرين: اتحادها جنسا كالزنا، وبعدم تسميتهم: الاتحاد شخصا،
وبتسميتهم: إفراد كل بالقذف.
وقال أبو علي: لو قذف جماعة بكلمة واحدة جلد حدا واحدا، فإن سمى
واحدا واحدا فإن أتوا به مجتمعين ضرب حدا واحدا، وإن أتوا به متفرقين ضرب
لكل واحد منهم حدا (2). بناءا على أن المراد بالوحدة في الخبرين الآخرين:
الوحدة بالعدد، فيكون مفادهما أنه إن قال: أنتم، أو هؤلاء زناة مثلا، لم يحد إلا
حدا واحدا، أتوا به جميعا أو أشتاتا، وإن سماهم فقال: فلان وفلان وفلان زناة
مثلا حد لكل واحد حدا، يعني إذا أتوا به متفرقين، بدليل الخبرين الأولين.
ونزل الصدوق الأخبار على ظواهرها فقال في الفقيه (3) والمقنع (4): إن قذف
قوما بكلمة واحدة فعليه حد واحد إذا لم يسمهم بأسمائهم، وإن سماهم فعليه لكل
رجل سماه حد، وروي أنه إن أتوا به متفرقين ضرب لكل رجل منهم حدا وإن أتوا
به مجتمعين ضرب حدا واحدا. وعكس في الهداية (5) فأفتى بما جعله في الكتابين
رواية، وجعل ما أفتى به فيهما رواية.
(وكذا التعزير) كما في المقنعة (6) والمراسم (7) لأنه إذا سقط تعدد الحد،
فالتعزير أولى، خلافا لابن إدريس (8) تمسكا بأنه قياس.



(1) المصدر السابق: ص 444 ح 2.
(2) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 9 ص 256.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 53 ذيل الحديث 5083.
(4) المقنع: ص 443.
(5) الهداية: ص 294.
(6) المقنعة: ص 797.
(7) المراسم: ص 256.
(8) السرائر: ج 3 ص 535.
534
ونفى المحقق (1) الخلاف، بناءا على أن التعزير منوط برأي الحاكم، وليس له
بالنسبة إلى كل حد محدود، فهو يؤدب ساب الجماعة بغير القذف بما يراه.
وفيه: أنه ربما كان سب جماعة لو جلده بإزاء كل منهم سوطا لبلغ الحد، أو
زاد عليه، فهل يؤدبه بإزاء كل أدبا أم لا؟ فهذا أثر الخلاف. نعم إذا كان التأديب لله
- كقذف الكفار والمجانين - اتجه ما قاله.
(و) من فروع ما ذكر أنه (لو قال: يا بن الزانيين فهو حد). كذا من
خطه، والصواب: قذف، أو المراد فالحد اللازم عليه (لأبويه) كما قال في
التحرير: فالحد للأبوين (2).
(فإن اجتمعا في المطالبة حد حدا واحدا وإلا) حد (اثنين).
(ولو قال: ابنك زان، أو لائط، أو بنتك زانية; فالحد لولديه دونه، فإن
سبقاه بالعفو أو الاستيفاء فلا بحث، وإن سبق الأب قيل): في المقنعة (3)
والنهاية (4): (كان له العفو والاستيفاء) لما لحقه من العار، بل ذكرا أن الحد
للمواجه به، إلا أن يسبق الولد بالعفو، فله ذلك. (وليس بمعتمد) لأن الحق
للولد، ولا دليل على سقوطه باستيفاء الغير وإسقاطه. ونزله المحقق في النكت (5)
على أن الأولى بالولد أن يرضى بما فعله الأب من الإسقاط أو الاستيفاء.
(نعم له ولاية الاستيفاء للتعزير لو كان الولد المقذوف صغيرا) لأنه
غير صالح للاستيفاء أو العفو، والتأخير معرض للسقوط.
(وكذا لو ورث الولد الصغير حدا، كان للأب الاستيفاء. وفي جواز
العفو) للأب (إشكال) من أنه إنما يستوفى نيابة وليس للنائب العفو، وأن عليه
رعاية المصلحة ولا مصلحة للولد في العفو. ومن أنه لقيامه مقامه بمنزلته، فله ماله.



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 166.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 407.
(3) المقنعة: ص 793.
(4) النهاية: ج 3 ص 341.
(5) النكت بهامش النهاية: ج 3 ص 341.
535
(المطلب الرابع في الحد)
(وهو ثمانون جلدة) بالنص (1) والإجماع (حرا كان القاذف أو عبدا
على رأي، وقيل:) في الهداية (2): (حد العبد أربعون) وقد مضى الكلام فيه.
والحد مشروط (بشرط قذف المحصن) وقد عرفت معناه (ولو لم
يكن) المقذوف (محصنا فالتعزير) إلا في المشهور بالزنا أو اللواط والكافر
غير الذمي، فقد عرفت ما فيهما.
(ويجلد) القاذف (بثيابه ولا يجرد) اتفاقا كما هو الظاهر، للأصل والأخبار
كقوله (عليه السلام) في خبر الشعيري: لا ينزع من ثياب القاذف إلا الرداء (3). وقول
الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق: يضرب جسده كله فوق ثيابه (4).
وأما صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)
في المملوك يدعو الرجل لغير أبيه، قال: أرى أن يعرى جلده (5). فيحتمل أن تكون
قضية في واقعة; لانضمام ما أوجب التغليظ في العقوبة، على أن الظاهر أن المملوك
المذكور فيه لم يقذف قذفا يوجب الحد، فإن دعاء الرجل لغير أبيه ليس صريحا
في القذف بالزنا، والتعزير منوط برأي الحاكم، فيجوز أن يرى المصلحة في التجريد.
ويحتمل أن يعرى: من عراه يعروه إذا أتاه وجلده - بفتح الجيم - أي أرى أن
يحضر الناس جلده حدا أو دونه.
ويحتمل أن يكون يغري - بإعجام الغين، وتضعيف الراء، والبناء للفاعل -
وهو المملوك، من التغرية; أي يلصق الغراء بجلده، ويكون كناية عن توطين نفسه
للحد أو التعزير.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 432 ب 2 من أبواب حد القذف.
(2) الهداية: ص 293.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 70 ح 265.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 448 ب 15 من أبواب حد القذف ح 3، وفيه: عن أبي الحسن (عليه السلام).
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 437 ب 4 من أبواب حد القذف ح 16.
536
(ولا يضربه شديدا، بل متوسطا) كما قال الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق:
المفتري يضرب بين الضربين (1) (دون ضرب الزنا) وشرب الخمر، كما في خبر
مسمع عنه (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الزاني أشد ضربا من شارب الخمر،
وشارب الخمر أشد ضربا من القاذف، والقاذف أشد ضربا من التعزير (2).
(ويشهر القاذف) أي يعلم الناس بحاله (ليجتنب شهادته) كما يشهر
شاهد الزور، لاشتراك العلة.
(ويثبت القذف بشهادة عدلين، أو الإقرار مرتين) كما في المقنعة (3)
والمراسم (4) والسرائر (5) ولم أظفر له بسند (من مكلف حر مختار ولا يثبت
بشهادة النساء وإن كثرن، منضمات ولا منفردات) لما مر.
(وهو) أي حده (موروث) عندنا (يرثه من يرث المال من الذكور
والإناث) إجماعا كما في الخلاف (6) للأخبار في الولد يرث امه (7) وهي كثيرة،
وحسن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) فيمن قذف زوجته وهي ميتة ولها قرابة
يقومون بحق الحد، قال: جلد لهم (8). وللعامة (9) قول بأنه لا يورث، وآخر (10) بأنه
ترثه العصبات. (عدا الزوج والزوجة) وضامن الجريرة، والإمام، خلافا
للحلبيين (11) فجعلا الإمام وارثا له مع فقد غيره.
(و) لكن لا يقسم بينهم كما يقسم المال، بل (إذا كان الوارث جماعة لم



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 448 ب 15 من أبواب حد القذف ح 3، وفيه: عن أبي الحسن (عليه السلام).
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 449 ب 15 من أبواب حد القذف ح 5.
(3) المقنعة: ص 792.
(4) المراسم: ص 256.
(5) السرائر: ج 3 ص 521.
(6) الخلاف: ج 5 ص 406 المسألة 51.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 455 ب 20 من أبواب حد القذف ح 3.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 447 ب 14 من أبواب حد القذف ح 1.
(9) الحاوي الكبير: ج 13 ص 260.
(10) المصدر السابق.
(11) الكافي في الفقه: ص 416، الغنية: ص 428.
537
يسقط بعضه بعفو البعض، بل للباقي وإن كان واحدا المطالبة بالحد على
الكمال) كما قال الصادق (عليه السلام) في خبر عمار: إن الحد لا يورث كما تورث الدية
والمال والعقار، ولكن من قام به من الورثة وطلبه فهو وليه، ومن تركه فلم يطلبه
فلا حق له، وذلك مثل رجل قذف رجلا وللمقذوف أخوان، فإن عفا عنه أحدهما
كان للآخر أن يطالبه بحقه لأنها أمهما جميعا، والعفو إليهما جميعا (1). وعليه يحمل
قوله (عليه السلام) في خبر السكوني: الحد لا يورث (2) إن سلم.
(ولو عفا المستحق الواحد، أو جميع الورثة سقط الحد، ولم يجز بعد
ذلك المطالبة). وكذا لو عفا المقذوف نفسه، استصحابا، ولخبر زرعة عن سماعة
قال سألته عن الرجل يفتري على الرجل، ثم يعفو عنه، ثم يريد أن يجلده بعد
العفو، قال: ليس ذلك له بعد العفو (3). وخبر سماعة سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل
يقذف الرجل بالزنا، فيعفو عنه ويجعله من ذلك في حل، ثم إنه بعد ذلك يبدو له في
أن يقدمه حتى يحد له، قال: ليس عليه حد بعد العفو (4).
(ولمستحق الحد) عن نفسه أو عن مورثه (العفو قبل ثبوته) أي موجبه
(وبعده ولا اعتراض للحاكم عليه) لأنه الأصل في كل حق، ولعموم قول أبي
جعفر (عليه السلام) في خبر ضريس الكناسي: لا يعفى عن الحدود التي لله دون الإمام، فأما
ما كان من حق الناس في حد فلا بأس أن يعفى عنه دون الإمام (5).
خلافا للشيخ في كتابي الأخبار (6) ويحيى بن سعيد (7) لصحيح العلاء عن
محمد بن مسلم قال: سألته عن الرجل يقذف امرأته، قال: يجلد، قلت:



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 456 ب 22 من أبواب حد القذف ح 2.
(2) المصدر السابق: ص 457 ح 3.
(3) المصدر السابق: ص 455 ب 21 ح 1.
(4) نفس المصدر: ص 455 ب 20 ح 3.
(5) المصدر السابق: ص 454 ح 1.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 80 ذيل الحديث 312، الاستبصار: ج 4 ص 232 ذيل
الحديث 874.
(7) الجامع للشرائع: ص 566.
538
أرأيت إن عفت عنه، قال: لا ولا كرامة (1).
ويمكن أن يراد لا يجلد ولا كرامة لها إذا عفت، بمعنى أنه لا ينبغي لها العفو،
أو لا كرامة لها حينئذ، لأنه لا يجلد حينئذ لها. أو يكون نهيا لها عن العفو تنزيها لا
تحريما. هذا مع إضماره.
ولعموم قول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة في المسروق منه يهب السارق: لم
يدعه الإمام حتى يقطعه إذا رفعه إليه، وإنما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام، وذلك
قول الله تعالى: " والحافظون لحدود الله " فإذا انتهى الحد إلى الإمام فليس لأحد
أن يتركه (2). ويمكن اختصاصه بحد السرقة.
ولخبر حمزة بن حمران سأل أحدهما (عليهما السلام) عن رجل أعتق نصف جاريته ثم
قذفها بالزنا، فقال: أرى عليه خمسين جلدة، ويستغفر الله، قال: أرأيت إن جعلته
في حل وعفت عنه؟ فقال: لا ضرب عليه إذا عفت عنه من قبل أن ترفعه (3).
ودلالته من حيث المفهوم، وهو ضعيف مع جهل حمزة، وما في متنه من
إيجاب خمسين جلدة عليه، وإن أوله الشيخ بأنه أعتق خمسة أثمانها (4).
وفي المقنع: وإذا قذف الرجل امرأته فليس لها أن تعفو (5).
(وليس للحاكم أن يقيم) هذا (الحد إلا مع مطالبة المستحق) كما
ليس له استيفاء غيره من الحقوق إلا بعد مطالبة مستحقها.
(ويتكرر الحد بتكرر القذف) مع تخلل الحد (فإن تكرر الحد والقذف
ثلاثا قتل في الرابعة، وقيل (6): في الثالثة) كما مر غير مرة، وفي الخلاف: في



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 455 ب 20 من أبواب حد القذف ح 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 330 ب 17 من أبواب مقدمات الحدود ح 3.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 434 ب 4 من أبواب حد القذف ح 3.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 71 ذيل الحديث 267.
(5) المقنع: ص 442.
(6) السرائر: ج 3 ص 519.
539
الخامسة (1). (سواء اتحد المقذوف أو تعدد) وسواء كان القاذف حرا أو عبدا.
(ولو كرره) بالنسبة إلى واحد (ولم يتكرر الحد فحد واحد لا أكثر)
وإن كرره بعد الحد، حد ثانيا وثالثا وهكذا، لعموم " الذين يرمون المحصنات " (2)
والأخبار، فإنها أفادت وجوب ثمانين على الرامي (3) وهو يعم الرمي الواحد
والمتعدد، ويفيد وجوب إعادة الحد على من أعاد القذف بعد الحد، ولقول أبي
جعفر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم: وإن قذفه بالزنا بعد ما جلد فعليه الحد، وإن
قذفه قبل ما يجلد بعشر قذفات لم يكن عليه إلا حد واحد (4).
وأما إذا تعدد المنسوب إليه فلا فرق بين ما قبل الحد وما بعده في تكرر الحد
بحسب المقذوفين.
وكذا إذا اختلف المقذوف به وإن اتحد المقذوف، كأن قذفه مرة بالزنا،
وأخرى باللواط، وأخرى بأنه ملوط به; فعليه لكل حد وإن لم يتخلل الحد، فإن
الإجماع والنصوص (5) دلت على إيجاب الرمي بالزنا الحد ثمانين، اتحد أو تكرر.
وكذا الرمي باللواط، وكذا بأنه ملوط به، ولا دليل على تداخلها.
(ولو قذفه فحد فقال: الذي قلت كان صحيحا، وجب بالثاني التعزير)
لا الحد، لأنه تعريض لا صريح، ولصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في
الرجل يقذف الرجل فيجلد، فيعود عليه بالقذف، قال: إن قال له: إن الذي قلت لك
حق، لم يجلد (6).
(ولا يسقط الحد عن القاذف إلا بالبينة المصدقة له، أو إقرار المقذوف)
ولو مرة (أو العفو، ويسقط في الزوجة باللعان أيضا).



(1) الخلاف: ج 5 ص 408 المسألة 55.
(2) النور: 4.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 432 ب 2 من أبواب حد القذف.
(4 و 6) المصدر السابق: ص 443 ب 10 ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 434 ب 4 من أبواب حد القذف.
540
وهل عليه التعزير إذا سقط الحد بأحد هذه الامور؟ وجهان: من أن الثابت عليه
إنما كان الحد وقد سقط ولا دليل على ثبوت التعزير، ومن أن ثبوت المقذوف به
بالإقرار أو البينة لا يجوز القذف، وإن جوز إظهاره عند الحاكم لإقامة الحد عليه. والعفو
واللعان أيضا لا يكشفان عن إباحته ولا يسقطان إلا الحد، والتعزير ثابت في كل كبيرة.
(المطلب الخامس في اللواحق)
(لو كان المقذوف عبدا كان التعزير له، لا لمولاه) للأصل، ولأنه إنما
شرع جبرا لما لحق المقذوف من الأذى (فلو عفا لم يكن لمولاه المطالبة،
وكذا لو طالب) لم يكن لمولاه العفو.
(ولو مات) قبل الاستيفاء (ورثه المولى) كما يرث ماله إن كان له مال.
(ولا تعزير على الكفار لو تنابزوا بالألقاب والتعيير بالأمراض)
لاستحقاقهم الاستخفاف. (إلا مع خوف الفتنة) فيحبس هما الإمام بما يراه،
وهذا هو المشهور. ونسب في الشرائع إلى القيل (1) وكأنه لأنه فعل محرم يوجب
التعزير في المسلم، ففي الكفار أولى.
(و) يستحب أن (لا يزاد) كما قال في التحرير (2) وفاقا للشرائع (3): يكره
أن يزاد (في تأديب الصبي على عشرة أسواط، وكذا المملوك) وفاقا
للسرائر (4) لما في الفقيه عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قوله: لا يحل لوال يؤمن بالله واليوم الآخر
أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلا في حد. قال: واذن في أدب المملوك من ثلاثة
إلى خمسة (5). وقال حماد بن عثمان سأل الصادق (عليه السلام) عن أدب الصبي والمملوك،
فقال: خمسة أو ستة، وارفق (6) وبمضمونه أفتى الشيخ (7) ويحيى بن سعيد (8).



(1 و 3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 167.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 398.
(4) السرائر: ج 3 ص 534.
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 73 ح 5143.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 581 ب 8 من أبواب بقية الحدود ح 1.
(7) النهاية: ج 3 ص 354.
(8) الجامع للشرائع: ص 567.
541
وفي خبر السكوني: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لصبيان: أبلغوا معلمكم إن
ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب إني اقتص منه (1). وقال إسحاق بن عمار
للصادق (عليه السلام): ربما ضربت الغلام في بعض ما يجرم، قال: وكم تضربه؟ قال: ربما
ضربته مائة، فقال: مائة؟! مائة؟! فأعاد ذلك مرتين، ثم قال: حد الزنا؟! إتق الله،
فقلت: جعلت فداك فكم ينبغي لي أن أضربه؟ فقال: واحدا، فقال: والله لو علم أني
لا أضربه إلا واحدا ما ترك لي شيئا إلا أفسده، فقال: فاثنين، فقلت: جعلت فداك
هذا هو هلاكي إذا، قال: فلم أزل أماكسه حتى بلغ خمسة ثم غضب، فقال: يا
إسحاق! إن كنت تدري حد ما أجرم فأقم الحد فيه، ولا تعد حدود الله (2).
وفي مسائل إسماعيل بن عيسى عن الأخير (عليه السلام) في مملوك لا يزال يعصي
صاحبه، أيحل ضربه أم لا؟ فقال: لا يحل أن تضربه، إن وافقك فأمسكه، وإلا فخل
عنه. كذا في الكافي (3).
وفي موضع من التهذيب عن أحمد بن محمد (4) وفي موضع آخر منه عن ابن
محبوب عنه أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الأجير يعصي صاحبه... الخبر (5).
(ولو ضربه حدا في غير) موجب (حد أعتقه مستحبا، على رأي)
وفاقا للسرائر (6) والشرائع (7) والتحرير (8) والإرشاد (9) كفارة لذلك، كما في صحيح
أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من ضرب مملوكا حدا من الحدود من غير حد
أوجبه المملوك على نفسه، لم يكن لضاربه كفارة إلا عتقه (10). وظاهره الوجوب



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 582 ب 8 من أبواب بقية الحدود ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 339 ب 30 من أبواب مقدمات الحدود ح 2.
(3) الكافي: ج 2 ص 261 ح 5.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 148 ح 591.
(5) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 154 ح 619.
(6) السرائر: ج 3 ص 534.
(7) شرائع الإسلام: ج 4 ص 167.
(8) تحرير الأحكام: ج 5 ص 398.
(9) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 179.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 337 ب 27 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
542
كظاهر النهاية (1) والجامع (2). ولعل القول بالاستحباب، للأصل، واشتراك أبي
بصير، ووحدة الخبر.
(ويثبت ما يوجب التعزير بشاهدين، أو الإقرار مرتين) كما في
المقنعة (3) والسرائر (4) ولم نظفر بمستنده.
(ولو قذف المولى عبده أو أمته عزر كالأجنبي) لحرمته، وعدم
الفارق، وعموم قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير: من افترى على مملوك عزر
لحرمة الإسلام (5). وفي خبر غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام): إن امرأة
جاءت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: إني قلت لأمتي: يا زانية، فقال: هل رأيت عليها
زنا، فقالت: لا، فقال: أما أنها ستقاد منك يوم القيامة، فرجعت إلى أمتها فأعطتها
سوطا، ثم قالت: اجلديني، فأبت الأمة فأعتقتها، ثم أتت النبي (صلى الله عليه وآله) فأخبرته،
فقال: عسى أن يكون به (6).
(وكل من فعل محرما، أو ترك واجبا، كان للإمام تعزيره بما لا يبلغ
الحد، لكن بما يراه الإمام، ولا يبلغ حد الحر في الحر) وإن تجاوز حد العبد
(ولا حد العبد في العبد) ففي الحر من سوط إلى تسعة وتسعين، وفي العبد من
سوط إلى تسعة وأربعين، كما في التحرير (7).
وقد مر القول بأنه يجب أن لا يبلغ أقل الحد، وهو في الحر ثمانون، وفي العبد
أربعون. وبأن التعزير فيما ناسب الزنا يجب أن لا يبلغ حده، وفيما ناسب القذف
والشرب يجب أن لا يبلغ حده، وسمعت بعض الأخبار (8) في ذلك.
وما ورد فيه تقدير كالوطء في الحيض، وفي الصوم، ووطء أمة يتزوجها



(1) النهاية: ج 3 ص 354.
(2) الجامع للشرائع: ص 567.
(3) المقنعة: ص 797.
(4) السرائر: ج 3 ص 535.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 436 ب 4 من أبواب حد القذف ح 12.
(6) المصدر السابق: ص 431 ب 1 ح 4.
(7) تحرير الأحكام: ج 5 ص 398.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 434 ب 4 من أبواب حد القذف.
543
بدون إذن الزوجة الحرة، فالأشبه أنه إن عمل بالنصوص المقدرة فيها فهي حدود.
ثم وجوب التعزير في كل محرم من فعل أو ترك إن لم ينته بالنهي والتوبيخ
ونحوهما فهو ظاهر، لوجوب إنكار المنكر. وأما إن انتهى بما دون الضرب فلا
دليل عليه إلا في مواضع مخصوصة ورد النص فيها بالتأديب أو التعزير (1).
ويمكن تعميم التعزير - في كلامه وكلام غيره - لما دون الضرب، من مراتب
الإنكار.
(وساب النبي (صلى الله عليه وآله) أو أحد الأئمة (عليهم السلام): يقتل) اتفاقا، متظاهرا بالكفر أو
الإسلام، فإنه مجاهرة بالكفر، واستخفاف بالدين وقوامه. وفي حسن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): أن رجلا من هذيل كان يسب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فبلغ
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: من لهذا؟ فقام رجلان من الأنصار فقالا: نحن يا رسول الله،
فانطلقا حتى أتيا عرنة (2) فسألا عنه، فإذا هو يتلقى غنمه، فلحقاه بين أهله وغنمه،
فلم يسلما عليه، فقال: من أنتما وما اسمكما؟ فقالا له: أنت فلان بن فلان؟ قال:
نعم، فنزلا فضربا عنقه (3).
ولما فتح (صلى الله عليه وآله) مكة، عهد إلى المسلمين أن لا يقتلوا بمكة إلا من قاتلهم، سوى
نفر كانوا يؤذونه (صلى الله عليه وآله) منهم قينتان (4) كانا تغنيان بهجائه (صلى الله عليه وآله)، وقال: اقتلوهم وإن
وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة (5).
وفي خبر مطر بن أرقم عن الصادق (عليه السلام) قال: كان ينبغي للذي زعم أن أحدا
مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في التفضيل أن يقتل ولا يستحيي (6).
وقال عبد الله بن سليمان العامري له (عليه السلام): أي شيء تقول في رجل سمعته



(1) المصدر السابق: ص 439 ب 5.
(2) كذا في التهذيب، وفي الكافي: عربة.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 460 ب 25 من أبواب حد القذف ح 3.
(4) أي: مغنيتان.
(5) بحار الأنوار: ج 21 ص 131.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 460 ب 26 من أبواب حد القذف ح 1.
544
يشتم عليا (عليه السلام) ويبرأ منه؟ فقال: والله هو حلال الدم، وما ألف رجل منهم برجل
منكم، دعه لا تعرض له، إلا أن تأمن على نفسك (1).
وقال هشام بن سالم له (عليه السلام): ما تقول في رجل سبابة لعلي (عليه السلام)؟ فقال لي: هو
حلال الدم والله لولا أن يغمز بريئا - أي لولا أن يتسبب قتله للطعن في بري واتهامه
وإضرار به - قال: فما تقول في رجل مؤذ لنا؟ فقال: في ماذا؟ قال: فيك، يذكرك،
فقال له في علي (عليه السلام) نصيب؟ قال: إنه ليقول ذلك ويظهره، قال: لا تعرض له (2). وليس
نصا في أنه لم يحل دمه بذكره (عليه السلام) بسوء، فإن النهي عن التعرض له أعم منه.
وكذا خبر أبي الصباح أنه استأذنه (عليه السلام) في قتل جعد بن عبد الله - جاره -
لوقوعه في علي (عليه السلام)، فقال (عليه السلام): قد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن القتل، يا أبا الصباح!
إن الإسلام قيد القتل، ولكن دعه فسيكفى بغيرك (3).
(ويحل لكل من سمعه قتله مع الأمن عليه وعلى ماله وغيره من
المؤمنين) - كما في النهاية (4) - لخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عن أبيه (عليهما السلام)
أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الناس في أسوة سواء، من سمع أحدا يذكرني فالواجب
عليه أن يقتل من شتمني، ولا يرفع إلى السلطان (5).
(لا مع الضرر) لانتفائه شرعا، ولخبري هشام والعامري المتقدمين،
وحسن محمد بن مسلم قال لأبي جعفر (عليه السلام): أرأيت لو أن رجلا الآن سب النبي (صلى الله عليه وآله)،
أيقتل؟ قال: إن لم تخف على نفسك فاقتله (6).
خلافا للمقنعة (7) فلم يجز قتله بغير إذن الإمام، وهو خيرة المختلف (8) لخبر



(1) الكافي: ج 7 ص 269 ح 43.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 461 ب 27 من أبواب حد القذف ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 19 ص 169 ب 22 من أبواب ديات النفس ح 1.
(4) النهاية: ج 3 ص 352.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 459 ب 25 من أبواب حد القذف ح 2.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 460 ب 25 من أبواب حد القذف ح 3.
(7) المقنعة: ص 743.
(8) مختلف الشيعة: ج 9 ص 452.
545
عمار السجستاني أن أبا بحير عبد الله بن النجاشي سأل الصادق (عليه السلام) فقال: إني
قتلت ثلاثة عشر رجلا من الخوارج، كلهم سمعتهم يتبرأ من علي بن أبي
طالب (عليه السلام)، فقال: لو كنت قتلتهم بأمر الإمام لم يكن عليك في قتلهم شيء، ولكنك
سبقت الإمام، فعليك ثلاثة عشر شاة تذبحها بمنى وتتصدق لحمها لسبقك الإمام،
وليس عليك غير ذلك (1). ونحو منه مرفوع إبراهيم بن هاشم (2) والحق به (صلى الله عليه وآله)
سائر الأنبياء المعلومة بالضرورة نبوتهم بأعيانهم.
وفي المبسوط: روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: لا أوتي برجل يذكر أن داود صادف
المرأة إلا جلدته مائة وستين، فإن جلد الناس ثمانون، وجلد الأنبياء مائة وستون (3).
(ويجب قتل مدعي النبوة) لمجاهرته بالكفر، وأداء دعواه إلى فساد الدين
والدنيا، وقال ابن أبي يعفور للصادق (عليه السلام): إن بزيعا يزعم أنه نبي، فقال: إن سمعته
يقول ذلك فاقتله (4). (والشاك في نبوة محمد (صلى الله عليه وآله)، أو في صدقه) في شيء
من الأشياء (ممن ظاهره الإسلام) لارتداده بذلك، وقال الحارث بن المغيرة
للصادق (عليه السلام): أرأيت لو أن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: والله ما أدري أنبي أنت أم
لا؟ كان يقبل منه؟ قال: لا، ولكن كان يقتله، إنه لو قبل ذلك منه ما أسلم منافق أبدا (5).
(ومن) عمل ب‍ (السحر، يقتل إن كان مسلما) لأنه ارتداد، وللنصوص (6)
(ويؤدب إن كان كافرا) ولا يقتل، لأن ما فيه من الكفر أعظم، وقال (عليه السلام) في خبر
السكوني: ساحر المسلمين يقتل، وساحر الكفار لا يقتل، قيل: يا رسول الله ولم لا
يقتل الكفار؟ فقال: لأن الكفر أعظم من السحر، ولأن السحر والشرك مقرونان (7).



(1) وسائل الشيعة: ج 19 ص 170 ب 22 من أبواب ديات النفس ح 2.
(2) المصدر السابق.
(3) المبسوط: ج 8 ص 15.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 555 ب 7 من أبواب حد المرتد ح 2.
(5) المصدر السابق: ص 551 ب 5 ح 4.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ب 1 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات.
(7) المصدر السابق: ح 1.
546
(ويثبت الحد على قاذف الخصي، والمجبوب، والمريض المدنف،
والرتقاء، والقرناء) بما يمتنع منهم عادة (على إشكال): من عموم النصوص
والفتوى وبه قطع في التحرير (1) وهو الأقوى، ومن امتناع ما يرمون به منهم عادة،
فلا يلحقهم العار بذلك.
(ويجب الحد على القاذف في غير دار الإسلام) إذا طالب المقذوف
فيها، ونأى عن دار الإسلام، بحيث يتعذر أو يتعسر إخراجه إليها لإقامة الحدود،
إذ لا نظر في الحدود. والأصل عدم وجوب الإخراج، والتأخير إلى الخروج
تأخير لحق الغير، وربما أدى إلى ضياعه وتعطيل الحد. ولكن سبق الخبر العام
بالنهي عن إقامة الحد في أرض العدو.
(ولو طالب المقذوف ثم عفا سقط) لما مر. وقد مر القول بأنه ليس له
العفو بعد الرفع.
(ولو قذف الغائب لم يقم عليه الحد حتى يقدم صاحبه ويطالب) أو
يموت فيطالب وارثه، كما في خبر عمار عن الصادق (عليه السلام) في رجل قال لرجل:
يا بن الفاعلة يعني الزنا، فقال: إن كانت امه حية شاهدة ثم جاءت تطلب حقها
ضرب ثمانين جلدة، وإن كانت غائبة انتظر بها حتى تقدم فتطلب حقها، وإن كانت
قد ماتت ولم يعلم منها إلا خير; ضرب المفتري عليها الحد ثمانين جلدة (2).
(ولو جن المقذوف بعد استحقاقه) الحد (لم يقم الحد حتى يفيق
ويطالب) وليس لوليه المطالبة، فإن الحق له، والأصل عدم انتقاله إلى الولي.
(ولو قيل: للولي ذلك كان وجها) فإن له الولاية عليه، والتأخير ربما
يعرض للبطلان واستقربه في التحرير (3).



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 406.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 440 ب 6 من أبواب حد القذف.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 408.
547
(ولو كان مجنونا وقت القذف استحق التعزير بعد الإفاقة) ولم
يستوفه الولي، لما عرفت. مع احتماله، وهو بالاحتمال أولى. وكذا لو قذف الصبي
استوفى التعزير إذا بلغ، أو وليه.
(ولو قذفه بالزنا بالميتة، أو باللواط به حد) لأنهما كالفعل بالحي.
(ولو قذفه بالإتيان للبهيمة عزر) لأنه إيذاء ليس بقذف، خلافا لأبي
علي (1) فأوجب به الحد.
(وكذا لو قذفه بالمضاجعة أو التقبيل، أو قذف امرأة بالمساحقة على
إشكال):
من أنها كالزنا ولذا كان فيها حده واعتبرت فيها شهادة أربعة أو الإقرار أربعا
فتعمه آية الرمي (2). وهو خيرة أبي علي (3) والمحقق (4).
ومن الأصل وقول الصادق (عليه السلام) في حسن ابن سنان: إن الفرية ثلاثة - يعني
ثلاثة وجوه -: إذا رمى الرجل بالزنا، وإذا قال: إن امه زانية، وإذا دعاه لغير أبيه (5).
وهو خيرة التحرير (6) والمختلف (7).
(أو) قذفها (بالوطء مستكرهة) وفاقا للشيخ (8) وقد مر استشكاله فيه
في اللعان.
(أو قال: يا نمام، أو يا كاذب).
(ولو قال: يا لوطي سئل عن قصده، ولو قال: أردت أنك من قوم
لوط) أو على دينه، أو أنك تنهى عن الفاحشة نهي لوط، أو أنك تحب الغلمان أو
تقبلهم أو تنظر إليهم بشهوة، أو أنك تتخلق بأخلاق قوم لوط. (لم يحد) وعزر



(1 و 3) نقله عنه في المختلف: ج 9 ص 268.
(2) النور: 4.
(4) لم نعثر عليه.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 432 ب 2 من أبواب حد القذف ح 2.
(6) تحرير الأحكام: ج 5 ص 409.
(7) مختلف الشيعة: ج 9 ص 269.
(8) المبسوط: ج 5 ص 316.
548
في الأربعة الأخيرة. (ولو قال: أردت أنك تفعل فعلهم) من نكاح الرجال
(حد). ولو لم يفسر بشيء، لم يحد ولم يعزر.
(ولو قال: يا مخنث، أو يا قحبة عزر) ولم يحد ما لم يصرح بإرادة
اللواط أو الزنا، فإن معنى الأول: أن فيه التأنيث، ومعنى الثاني: الاستعداد للزنا أو
مقدماته، ودعاء الرجال إلى نفسها بالتنحنح.
(ولو أفاد في عرفه الرمي بالفاحشة حد) كما مر من الديوث ونحوه.
(ولو قال: ما أنا بزان، ولا امي بزانية، أو لست أنت بزان، أو ما يعرفك
الناس بالزنا، وقصد بذلك) أي بكل من الألفاظ الأربعة (التعريض، أو قال
لقاذف: صدقت، عزر) ولم يحد ويحتمل الحد في الأخير، كما أشار إليه في
التحرير (1) لأن ظاهره التصديق في قذفه.
(وكذا يعزر لو قال: أخبرني فلان أنك زنيت) فإنه يسوء المخاطب
(سواء صدقه فلان أو كذبه).
(ولو قال: أنت أزنى من فلان، فهو قذف له) وإن صرح بنفي الزنا عن
فلان، فإنه صريح في نسبة الزنا إليه، ولا يسمع إرادة المبالغة في نفي الزنا. ومر في
اللعان أنه ليس بقذف حتى يقول: فلان زان، وأنت أزنى منه.
(وفي كونه قذفا لفلان إشكال): من أن حقيقة اللفظ الاشتراك مع
التفضيل، ومن كثرة استعمال صيغة التفضيل بدون الاشتراك، كقوله تعالى:
" أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا " (2) مع اندراء الحد بالشبهة.
(ولو قذف محصنا فلم يقم عليه الحد حتى زنى المقذوف، لم يسقط
الحد) لاجتماع الشرائط حين القذف، خلافا لأبي حنيفة (3) والشافعي (4) واحتمله



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 402 و 403.
(2) الفرقان: 24.
(3) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 219.
(4) المصدر السابق.
549
في التحرير (1) لكشفه عن عدم إحصانه، وهو ضعيف.
(ولو لحق الذمي القاذف أو المرتد) القاذف (بدار الحرب، ثم عاد، لم
يسقط حد القذف عنهما) فإن اللحوق بدار الحرب زيادة في الإثم، لا يصلح
إسقاطا للعقوبة، وقد تحقق المقتضي لها، والأصل بقائها. نعم يأتي السقوط على
قول من نزل لحوقه بها منزلة الموت من العامة (2).
(ولو قال لمسلم عن كفر: زنيت حال كفرك) أو رقك (ثبت الحد
على إشكال): من قذفه مسلما وهو خيرة التحرير (3) ومن الإسناد إلى حال
الكفر أو الرق.
(ولو قذف مجهولا وادعى كفره أو رقه، احتمل) كما في المبسوط (4)
(السقوط) للشبهة والأصل، وهو خيرة الخلاف (5) (والثبوت) لأصل الإسلام
والحرية.
(ولو قذف ام النبي (صلى الله عليه وآله) وجب قتله) لارتداده إن كان بظاهر الإسلام،
وخروجه عن شرط الذمة والأمان إن كان كافرا.
(ولم تقبل توبته إذا كان) ارتداده (عن فطرة).
وإن كان كافرا فأسلم، أو ارتد - لا عن فطرة - فتاب; قبلت توبته ولم يلزمه
شيء، ووجب قتله مع ذلك أو حده ثمانين كما مر في الجهاد، أو مائة وستين على
أنها حد قذف الأنبياء.
(ولو قال: من رماني فهو ابن الزانية) وقصد به الرمي في المستقبل
(فرماه واحد لم يكن قاذفا له) إجماعا كما في التحرير (6) لأنه لم يرم معينا
ولا ظهر منه قصد إلى قذف، وإنما ظاهره منع الناس عن قذفها، نعم لو قصد به



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 409.
(2) انظر المغني لابن قدامة: ج 10 ص 221.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 410.
(4) المبسوط: ج 8 ص 17.
(5) الخلاف: ج 5 ص 407 المسألة 52.
(6) تحرير الأحكام: ج 5 ص 403.
550
الرمي الماضي وكان رماه أحد من الناس أو عدة، كان رميا لهم.
(وكذا لو قال أحد المختلفين) في شيء (الكاذب هو ابن الزانية، فلا
حد) لعدم التعيين.
(ولو قذف من لا ينحصر عدده - كأهل مصر - فلا حد) لشيوع نسبة
الزنا - مثلا - إلى أهل بلدة أو قبيلة; لوقوعه من بعضهم، فقال بنو فلان، أو أهل بلد
كذا زناة، بمعنى أن الغالب عليهم الزناة، وهو قذف لغير معين.
* * *

551
(المقصد الخامس)
(في حد الشرب)
(وفصوله ثلاثة):
(الأول: الموجب)
(وهو تناول ما أسكر جنسه، أو الفقاع، اختيارا مع العلم) بالمتناول و
(بالتحريم) وإن لم يعلم وجوب الحد به (والكمال) بالبلوغ والعقل.
(فالتناول يعم الشرب والاصطباغ، وأخذه ممتزجا بالأغذية والأدوية وإن
خرج) عرفا (عن حقيقته بالتركيب).
(ولا يشترط الإسكار بالفعل) كما زعم أبو حنيفة (1) (فلو تناول قطرة
من المسكر، أو مزج القطرة بالغذاء) أو الدواء (وتناوله حد) عندنا وإن لم
يتناوله، ما في النصوص (2) من لفظ الشرب فكأنه إجماعي.
وأما الأخبار باستواء القليل والكثير في إيجاب الحد بشربه فكثيرة، وفي
المقنع: وإذا شرب حسوة من خمر جلد ثمانين، وإن أخذ شارب النبيذ ولم يسكر
لم يجلد حتى يرى سكران (3). ويوافقه خبر إسحاق بن عمار سأل الصادق (عليه السلام)



(1) انظر الحاوي الكبير: ج 13 ص 387.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 468 - 470 ب 4 من أبواب حد المسكر.
(3) المقنع: ص 455.
552
عن رجل شرب حسوة خمر، قال: يجلد ثمانين جلدة، قليلها وكثيرها حرام (1).
وصحيح الحلبي قال له (عليه السلام): أرأيت إن أخذ شارب النبيذ ولم يسكر، أيجلد
ثمانين؟ قال: لا، وكل مسكر حرام (2). ونحوه صحيح أبي الصباح عنه (عليه السلام) (3).
ويجوز كون " لم يسكر " فيهما من الإسكار وعود الضمير على النبيذ، فلا
إشكال ولا ضرورة إلى الحمل على التقية، كما فعله الشيخ (4) ويحتمله كلام
الصدوق (5) أيضا. وقوله: " حتى يرى سكران " يجوز أن يكون عند اشتباه ما شربه.
(ولا فرق في المسكر بين أن يكون متخذا من عنب) وهو المعروف
بالخمر (أو تمر) وهو النبيذ (أو زبيب) وهو النقيع (أو عسل) وهو البتع
(أو شعير) وهو المزر (أو حنطة، أو ذرة، أو غيرها) خلافا لأبي حنيفة (6)
في بعضها (سواء كان) متخذا (من جنس واحد أو أكثر) وأطلق بعض
العامة (7) حل الخليطين.
(والفقاع كالمسكر) عندنا (وإن لم يكن مسكرا) بالنص (8) والإجماع.
(وكذا العصير) العنبي (إذا غلا وإن لم يقذف بالزبد) خلافا لأبي حنيفة (9)
فاعتبر الإزباد. (سواء غلى من نفسه أو بالنار) أو بالشمس (إلا أن يذهب
ثلثاه، أو ينقلب خلا) ولا خلاف عندنا في جميع ذلك، والنصوص (10) ناطقة به،



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 468 ب 3 من أبواب حد المسكر ح 7.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 469 ب 4 من أبواب حد المسكر ح 5.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 469 ب 4 من أبواب حد المسكر ح 4.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 96 ذيل الحديث 370.
(5) المقنع: ص 455.
(6) الحاوي الكبير: ج 13 ص 387.
(7) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 341.
(8) وسائل الشيعة: ج 17 ص 292 ب 28 من أبواب الأشربة المحرمة.
(9) الحاوي الكبير: ج 13 ص 376.
(10) وسائل الشيعة: ج 17 ص 305 و 306 ب 39 من أبواب الأشربة المحرمة.
553
لكن لم أظفر بدليل على حد شاربه ثمانين، ولا بقائل به قبله سوى المحقق (1).
(وكذا غير العصير) العنبي (إذا حصلت فيه الشدة المسكرة) وهو
تكرير لتعميم الحكم لكل مسكر.
(و) عصير (التمر إذا غلى ولم يبلغ حد الإسكار، ففي تحريمه) قبل
ذهاب ثلثيه (نظر): من الأصل، وهو خيرة التحرير (2). ومن دخوله في النبيذ،
وهو ممنوع كحرمة كل نبيذ. (وكذا) في تحريم (الزبيب إذا نقع بالماء فغلى
من نفسه أو بالنار) نظر: من خروجه عن مسمى العصير، ومن اتحاد الذات
والصفات سوى العصر.
(والأقرب) فيهما (البقاء على الحل ما لم يبلغ الشدة المسكرة) للأصل.
(ولا حد على الحربي) وإن تظاهر بشربه، لأن الكفر أعظم منه. نعم إن
أفسد بذلك أدب بما يراه الحاكم. (ولا الذمي المستتر) بشربه (فإن تظاهر)
به بأن شربه جهرة، أو خرج سكران (حد) لخروجه عن شرط الذمة.
(ويحد الحنفي إذا شرب النبيذ وإن قل) وإن استحله فإن الحد لله،
والنصوص أطلقت بحد الشارب.
والفرق بينه وبين الحربي أنه تجري عليه أحكام الإسلام وإن لم يكن مسلما
عندنا حقيقة.
(ولا يحد المكره على الشرب، سواء) كان الإكراه بأن (توعد عليه)
بقتل أو ضرب شديد، أو هتك عرض، أو أخذ مال مضر (أو وجر في حلقه)
لعموم الرفع عما استكرهوا عليه. والأخبار (3) النافية للتقية فيه أكثرها إنما نفى
الإمام فيها التقية عن نفسه، ويمكن حمل المطلق منها عليها [وعلى أن الضرورة لا



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 169.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 344.
(3) وسائل الشيعة: ج 17 ص 280 و 281 ب 22 من أبواب الأشربة المحرمة.
554
تلجئ إلى التقية غالبا، لحرمته عند العامة] (1) مع أنها لا تقتضي الحد عليه مع ابتناء
الحدود على التخفيف. [وخبر محمد بن الفضيل الهاشمي أنه دخل على الصادق (عليه السلام)
مع إخوانه فقالوا: إنما نريد الحج وبعضنا ضرورة فقال (عليه السلام): عليكم بالتمتع، فإنا لا نتقي
أحدا في التمتع بالعمرة إلى الحج، واجتناب المسكر، والمسح على الخفين (2).
ضعيف، مع احتماله ما ذكرناه من أن الضرورة لا تؤدي إلى التقية غالبا] (3).
(ولا الصبي ولا المجنون) ويؤدبان مع التمييز (ولا الجاهل بجنس
المشروب) وأنه مسكر (أو بتحريمه، لقرب عهده بالإسلام وشبهه) كما
في خبر ابن بكير عن الصادق (عليه السلام): إن رجلا شرب خمرا على عهد أبي بكر، فقال:
إني أسلمت وحسن إسلامي، ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلون،
ولو علمت أنها حرام اجتنبتها، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ابعثوا من يدور به على
مجالس المهاجرين والأنصار من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه، ففعلوا
ذلك فلم يشهد عليه أحد فخلى عنه. وقال له: إن شربت بعدها أقمنا عليك الحد (4).
ويشكل الفرق بينه وبين الحنفي إذا شرب النبيذ، إلا أن يقال - في الذي سمع
من غير الحنفية تحريمه -: إنه فرط في الإخلاد إلى رأي الحنفية، ولم يجتهد
ليعرف الحق من المذاهب.
(ولاعلى من اضطره العطش أو إساغة لقمة إلى شرب الخمر) فإنهما أشد
من بعض صور الإكراه (والأقرب (5) تجويزه لهما) وفاقا للنهاية (6) والسرائر (7)
وغيرهما، وخلافا للمبسوط (8) والخلاف (9). وقد مر الخلاف في الصيد والذبائح.



(1 و 3) ما بين المعقوفتين لم يرد في ق.
(2) وسائل الشيعة: ج 8 ص 173 ب 3 من أبواب أقسام الحج ح 5.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 475 ب 10 من أبواب حد المسكر.
(5) في القواعد: إذ الأقرب.
(6) النهاية: ج 3 ص 111.
(7) السرائر: ج 3 ص 126 وص 132.
(8) المبسوط: ج 6 ص 288.
(9) الخلاف: ج 6 ص 97 المسألة 27.
555
(ولا يجوز التداوي بالخمر) وغيرها من المسكرات (تناولا) وإن
انحصر الدواء فيها، وقد مر استشكاله فيه (ويحد لو فعل إلا مع الشبهة) لعموم
نصوص الحد (1) (ولو كان مركبا مع غيره كالترياق).
واحترز بالتناول عن التضمد والاطلاء والاكتحال، وقد مر الكلام في الاكتحال.
(ولو علم التحريم وجهل وجوب الحد حد) فالعلم بالتحريم يكفي
زاجرا له.
(ولو شرب بظن أنه من جنس آخر) محلل (فلا حد) لامتناع
تكليف الغافل (فإن سكر فكالمغمى عليه) لا كسائر السكارى (سقط عنه
قضاء) ما فاته من (الصلاة) في السكر.
وأما لو شرب بظن أنه من جنس آخر محرم غير مسكر، ففي الحد وجهان:
من جهله بشربه المسكر، ومن علمه بالتحريم وإن لم يعلم الإسكار، كما لو علم
التحريم ولم يعلم أن فيه الحد.
وكذا في قضاء الصلوات: من إقدامه على ما فوتها عالما بالتحريم، ومن جهله
بالتفويت.
(ويثبت) تناول المسكر (بشهادة عدلين فلا يقبل) فيه (شهادة
النساء، منفردات ولا منضمات) لما مر، وقد مر الخلاف (وبالإقرار مرتين)
كما في النهاية (2) والمراسم (3) والسرائر (4) والوسيلة (5) والجامع (6) والشرائع (7)
والنافع (8) (ولا يكفي المرة) كما مر، وما يأتي من موجبات الحدود.
وفي المقنعة: سكره بينة عليه بشرب المحظور، ولا يرتقب بذلك إقرار منه في



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 466 - 468 ب 3 من أبواب حد المسكر، وص 468 - 470
ب 4 وص 473 ب 7.
(2) النهاية: ج 3 ص 315.
(3) المراسم: ص 259.
(4) السرائر: ج 3 ص 475.
(5) الوسيلة: ص 416.
(6) الجامع للشرائع: ص 557.
(7) شرائع الإسلام: ج 4 ص 169.
(8) المختصر النافع: ص 222.
556
حال صحوه به، ولا شهادة من غيره عليه (1).
قلت: هذا إذا علم أنه لم يكره عليه، ولا شربه جاهلا به أو بتحريمه.
وكذا ما في الخلاف (2) والمبسوط (3) من أنه يحد إذا تقيأ خمرا.
(ويشترط في المقر: البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد) وعن
أمير المؤمنين (عليه السلام): من أقر عند تجريد، أو حبس، أو تخويف، أو تهديد فلا حد عليه (4).
(ولا يكفي) في ثبوته (الرائحة والنكهة) لاحتمال الإكراه والجهل،
واحتمال الرائحة، قال:
يقولون لي: أنكه قد شربت مدامة... فقلت لهم: لا بل أكلت سفرجلا.
وعن أبي حنيفة (5) أنه اكتفى بالرائحة.
(ويكفي أن يقول الشاهد: شرب مسكرا، أو شرب ما شربه غيره فسكر)
وإن لم يعين جنس ما شربه. ثم إن ادعى الإكراه أو الجهل واحتمل: قبل منه.
(الفصل الثاني في الواجب)
(ويجب ثمانون جلدة) بالإجماع، والنصوص، وفي حسن الحلبي أنه
سأل الصادق (عليه السلام): أرأيت النبي (صلى الله عليه وآله) كيف كان يضرب في الخمر؟ قال: كان
يضرب بالنعال ويزيد إذا أوتي بالشارب، ثم لم يزل الناس يزيدون حتى وقف
ذلك على ثمانين (6). أشار بذلك علي (عليه السلام) على عمر. ونحوه خبر أبي بصير
عنه (عليه السلام) (7). وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه إذا شرب الرجل الخمر فسكر هذى، وإذا



(1) المقنعة: ص 801.
(2) الخلاف: ج 5 ص 492 المسألة 8.
(3) المبسوط: ج 8 ص 61.
(4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 111 ب 4 من كتاب الإقرار ح 1.
(5) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 331.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 467 ب 3 من أبواب حد المسكر ح 3.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 466 ب 3 من أبواب حد المسكر ح 1.
557
هذى افترى، فإذا فعل ذلك فاجلدوه حد المفتري ثمانين (1).
ومن الغريب ما في كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة (2) من أن جلد الشارب ثمانين
من بدع الثاني، وأن الرسول (صلى الله عليه وآله) جعل حده أربعين بالنعال العربية وجرائد النخل
بإجماع أهل الرواية، وأن الثاني قال: إذا سكر افترى وإذا افترى حد حد المفتري.
ولعله أراد إلزامهم باعترافهم، كما في الطرائف من قوله: ومن طريف ما شهدوا به أيضا
على خليفتهم عمر من تغييره لشريعة نبيهم، وقلة معرفته بمقام الأنبياء وخلفائهم.
وما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين من مسند أنس بن مالك في
الحديث الحادي والتسعين من المتفق عليه، قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله) ضرب في الخمر
بالجرائد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر استشار الناس، فقال
عبد الرحمن: أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر (3).
وذكر الحميدي أيضا في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند السايب بن يزيد
في الحديث الرابع من أفراد البخاري، قال: كنا نؤتي بالشارب على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وإمرة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتى
كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين (4).
ويجلد ثمانين (على المتناول، حرا كان أو عبدا، على رأي) (5) وفاقا
للأكثر، للعمومات، ولما سمعته من التعليل بأنه إذا سكر افترى، فيجلد حد المفتري.
وقد عرفت استواء الحر والمملوك في حد القذف. وقول أحدهما (عليهما السلام) في خبر
أبي بصير: كان علي (عليه السلام) يجلد الحر والعبد واليهودي والنصراني في الخمر والنبيذ
ثمانين (6). ونحوه خبر آخر له مضمر (7) قال: حد اليهودي والنصراني والمملوك في



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 467 ب 3 من أبواب حد المسكر ح 4، مع اختلاف.
(2) الاستغاثة: ص 46
(3 و 4) الطرائف: ص 474.
(5) في القواعد زيادة: وأربعون على العبد على رأي.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 471 ب 6 من أبواب حد المسكر ح 1.
(7) في ق و ل زيادة: وله مضمر آخر.
558
الخمر والفرية سواء (1). وهو يحتمل تسوية حدي الشرب والفرية في العدد، أي
حد كل منهم في الشرب كحده في الفرية، وهو يعم الثمانين والأربعين.
وخلافا للصدوق (2) فجعل حد المملوك أربعين، لخبر أبي بكر الحضرمي سأل
الصادق (عليه السلام) عن عبد مملوك قذف حرا، قال: يجلد ثمانين، هذا من حقوق
المسلمين، فأما ما كان من حقوق الله عز وجل فإنه يضرب نصف الحد، قال: الذي
من حقوق الله ما هو؟ قال: إذا زنى أو شرب الخمر، فهذا من الحقوق التي يضرب
فيها نصف الحد (3). وما مر من خبر حماد بن عثمان عنه (عليه السلام) في التعزير أنه دون
الأربعين، فإنها حد المملوك (4).
وأجاب الشيخ (5) تارة بحملها على التقية، وأخرى عن الأول، باحتمال أن
يكون الراوي إنما سمع ذلك في الزنا خاصة، فحمل الشرب عليه لاشتراكهما في
كون حديهما من حقوق الله تعالى. وعن الثاني (6) بأنه ليس نصا في حد العبد
أربعين في الشرب، فعسى يكون في غيره.
(ولا فرق بين الذكر والأنثى، والمسلم والكافر المتظاهر).
(ويضرب) الرجل قائما، تشهيرا له، ولأنه أمكن لإيفاء كل عضو حقه من الضرب
(عاريا على ظهره وكتفيه) كما قطع به الشيخان (7) والأكثر، وبه خبر عبد الله بن
سنان عن أبي بصير، قال: سألته عن السكران والزاني، قال: يجلدان بالسياط
مجردين بين الكتفين، فأما الحد في القذف فيجلد على ثيابه ضربا بين الضربين (8).



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 472 ب 6 من أبواب حد المسكر ح 5.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 56 بذيل الحديث 5089.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 473 ب 6 من أبواب حد المسكر ح 7.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 472 ب 6 من أبواب حد المسكر ح 6.
(5) الاستبصار: ج 4 ص 237 ذيل الحديث 894.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 92 ذيل الحديث 356.
(7) المقنعة: ص 799، النهاية: ج 3 ص 317.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 474 ب 8 من أبواب حد المسكر ح 1.
559
وفي المبسوط: لا يجرد عن ثيابه، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بالضرب ولم يأمر
بالتجريد (1).
(ويتقي وجهه وفرجه والمقاتل) كما مر في الزنا.
(ويفرق على سائر بدنه) تخفيفا عليه، وليذوق العقوبة ما سرى فيه
المشروب، كما روي عن علي (عليه السلام) من قوله للجلاد: أعط كل عضو حقه (2). (لا
رأسه) لما مر من الزنا.
وتحد المرأة جالسة، ربطت عليها ثيابها.
(ولا يقام الحد عليه حال سكره، بل يؤخر حتى يفيق) ليكمل
إحساسه بالألم فينزجر عنه ثانيا.
(ولا يسقط بالجنون) لما مر في الزنا (ولا الارتداد) فإنه لا يزيده إلا
شرا، وللاستصحاب.
(وإذا حد مرتين قتل في الثالثة) لما مر، وللإجماع كما في الغنية (3).
وللأخبار به مخصوصة، وهي كثيرة، كقول الصادقين (عليهما السلام) في خبري محمد بن
مسلم وسليمان بن خالد، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد
فاجلدوه، فإن عاد الثالثة فاقتلوه (4).
(وقيل) في الخلاف (5) والمبسوط (6) والمقنع (7) (في الرابعة) وحكى ذلك
في الفقيه (8) رواية. واستدل عليه في الخلاف بما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قوله: من



(1) المبسوط: ج 8 ص 69.
(2) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 336 مع اختلاف.
(3) الغنية: ص 429.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 476 ب 11 من أبواب حد المسكر ح 1.
(5) الخلاف: ج 5 ص 473 المسألة 1.
(6) المبسوط: ج 8 ص 59.
(7) لم نعثر عليه ونقله عنه في مختلف الشيعة: ج 9 ص 189.
(8) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 56 ذيل الحديث 5089.
560
شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب
فاقتلوه (1). وزاد له في المختلف (2): إن الزاني إنما يقتل في الرابعة مع أنه أعظم ذنبا
ولذا يجلد مائة، فهو أولى. وهو - مع تسليمه - لا يعارض المنصوص.
(ولو تكرر الشرب من غير حد، لم يحد أكثر من حد واحد) للأصل،
والعمومات، وانتفاء الحرج في الدين.
(ولو شرب الخمر مستحلا، فهو مرتد) إذا علم أن حرمتها من ضروريات
الدين، فإن كان ارتداده عن فطرة قتل ولم يستتب، وإلا استتيب، فإن تاب حد.
(وقيل:) في المقنعة (3) والنهاية (4) والجامع (5): (يستتاب، فإن تاب أقيم
عليه الحد، وإن امتنع قتل) من غير فرق بين الكون على الفطرة وعدمه.
وربما يظهر من المختلف (6) الميل إليه، ولا جهة له عندي إلا إذا أبدى شبهة
يظهر منها أنه لم ينكر بزعمه ضروريا من الدين.
(أما باقي المسكرات فلا يقتل مستحلها للخلاف) فيها (بين المسلمين،
بل يقام عليه الحد مع الشرب مستحلا ومحرما. وكذا) لا يقتل مستحل (الفقاع)
بل يحد شاربه مطلقا لذلك، خلافا للحلبي (7) فكفر مستحله، وأوجب قتله.
(ولو باع الخمر مستحلا) لبيعه (استتيب) فإن حرمته ليست من
الضروريات (فإن تاب وإلا قتل) لارتداده، كما ذكره الشيخان (8) وغيرهما.
والتحقيق أنه إن استحله مع اعترافه بحرمته في الشريعة، فهو مرتد، حكمه
حكم غيره من المرتدين، وإلا عرف ذلك، فإن تاب وإلا قتل. وكذا الحكم في كل
من أنكر مجمعا عليه بين المسلمين، فإن إنكاره ارتداد مع العلم بالحال لا بدونه،



(1) الخلاف: ج 5 ص 473 المسألة 1.
(2) مختلف الشيعة: ج 9 ص 190 - 191.
(3) المقنعة: ص 799.
(4) النهاية: ج 3 ص 316.
(5) الجامع للشرائع: ص 558.
(6) مختلف الشيعة: ج 9 ص 191.
(7) الكافي في الفقه: ص 413.
(8) المقنعة: ص 801، النهاية: ج 3 ص 318.
561
بلا فرق بين شيء وشئ. وكذا من أنكر شيئا مع علمه أو زعمه أنه في الشريعة
على خلاف ذلك، وإن لم يكن مجمعا عليه فإنه تكذيب للنبي (صلى الله عليه وآله) في علمه أو
زعمه. ولعله نظر إلى أن الشبهة في البيع أظهر، وأكثر منها في الشرب.
(ولو باع محرما له عزر، وما عدا الخمر من المسكرات والفقاع إذا
باعه مستحلا لا يقتل وإن لم يتب بل يؤدب) لعدم الإجماع من المسلمين
على حرمته. وفي تأديبه مع كونه من أهل الخلاف نظر.
(ويسقط الحد عن الشارب بالتوبة قبل قيام البينة) اتفاقا كما هو
الظاهر، ولما مر في الزنا (لا بعدها). خلافا للحلبيين (1) فجعلوها كالتوبة بعد
الإقرار في تخير الإمام بين العفو وعدمه، لما مر في الزنا.
(ولو تاب قبل إقراره سقط ولو تاب بعده تخير الإمام) في العفو
والإقامة، لتخيره في حد الزنا واللواط الذي هو أعظم كما عرفت، فهنا أولى.
(وقيل) في السرائر: بل (تجب الإقامة هنا) بناءا على أنه لم يثبت
الخيار هناك إلا في الرجم، قال: لأن هذا الحد لا يوجب القتل بل الجلد وقد ثبت،
فمن أسقطه احتاج إلى دليل، وحمله على الإقرار بما يوجب القتل والرجم قياس
لا يعتد به، لأنه عندنا باطل (2) وقواه في التحرير (3).
(ومن مات بالحد أو التعزير فلا دية له) لأنه محسن، وما على
المحسنين من سبيل، ولقول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي: أيما رجل قتله الحد
أو القصاص فلا دية له (4). وفي خبر الشحام: من قتله الحد فلا دية له (5). قال
الشيخ: وإن ضرب في غاية الحر أو البرد، قال [قوم: الدية على الإمام، وقال قوم:



(1) الغنية: ص 429، الكافي في الفقه: ص 413.
(2) السرائر: ج 3 ص 478.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 346.
(4) وسائل الشيعة: ج 19 ص 47 ب 24 من أبواب قصاص النفس ح 9.
(5) وسائل الشيعة: ج 19 ص 46 ب 24 من أبواب قصاص النفس ح 1.
562
لا ضمان عليه بحال] (1) وهو مذهبنا، قال: لأن تحري خلافهما مستحب (2).
ولا فرق بين الحد لله أو للناس، كما أطلق في النهاية (3) والشرائع (4)
والجامع (5) والغنية (6) وصرح بالتعميم في السرائر (7).
(وقيل) في الاستبصار: إن ذلك في حدود الله، وأما في الحد للناس فديته
(على بيت المال) (8) لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر حسن بن صالح الثوري:
من ضربناه حدا من حدود الله فمات فلا دية له علينا، ومن ضربناه حدا في شيء
من حقوق الناس فمات فإن ديته علينا (9).
وفي المقنعة: إن الإمام ضامن (10). ويحتمل الضمان في بيت مال المسلمين،
كما يحتمل " بيت المال " في الاستبصار بيت مال الإمام. وهذا الخبر ضعيف، لكن
في الإيضاح أنه متواتر عنهم (11).
وقيل في المبسوط (12): من مات بالتعزير فديته على بيت المال، لأنه ليس
حدا، ولأنه ربما زاد خطأ بخلاف الحد، وهو لا يجري في الإمام المعصوم.
وقطع في الخلاف (13) بأنه كالحد، واحتمله أيضا في المبسوط (14) بناءا على
دخوله في عموم الحد، مع أصل البراءة، وعموم ما على المحسنين من سبيل.
(ولو بان فسق الشاهدين) أو الشهود على ما حده القتل (بعد القتل،
فالدية على بيت المال) لأنه من خطأ الحاكم (دون الحاكم وعاقلته) لأنه



(1) أثبتناه من المصدر.
(2) المبسوط: ج 8 ص 64.
(3) النهاية: ج 3 ص 399.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 171.
(5) الجامع للشرائع: ص 559.
(6) الغنية: ص 420.
(7) السرائر: ج 3 ص 479.
(8) الاستبصار: ج 4 ص 279 ذيل الحديث 1056.
(9) الكافي: ج 7 ص 292 ح 10 وفيه: " عن أبي (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) ".
(10) المقنعة: ص 743.
(11) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 516.
(12 و 14) المبسوط: ج 8 ص 63.
(13) الخلاف: ج 5 ص 494 المسألة 10.
563
محسن، وقد مر أن ظاهر الحلبي (1) الضمان في ماله.
(ولو أنفذ الحاكم إلى حامل لإقامة الحد) عليها، أو لأنها ذكرت بسوء
فأنفذ لإحضارها (فأسقطت خوفا، فدية الجنين في بيت المال) لذلك.
(وقيل) في السرائر: (على عاقلة الإمام و) دليله أنها (هي قضية عمر
مع علي (عليه السلام)) وهي أنه كان بعث إلى حامل فأجهضت، فاستفتى جماعة من الصحابة
فأخطأوا، فاستفتاه (عليه السلام) فأفتاه أن الدية على عاقلته، فقال: أنت والله نصحتني من
بينهم، والله لا تبرح حتى تجري الدية على بني عدي، ففعل (عليه السلام) (2). والجواب: إنه
لم يكن حاكما شرعا.
(ولو ضرب الحداد أزيد من الواجب بإذن الحاكم) في الزائد (غلطا)
منه في الحساب (أو سهوا) في الحد، كأن غفل أنه حد الشرب مثلا، فزعم أنه
حد الزنا (ولم يعلم الحداد) أنه زائد (فمات، فعلى بيت المال نصف الدية)
لأن الموت حصل بالحد مع ما زاد، فاجتمع فيه سببان، وإنما يضمن الدية لأحدهما،
وهو من خطأ القاضي.
(ولو كان) أمر الحاكم بالزيادة (عمدا) منه، لا لتغليظ في العقوبة لمكان
أو زمان أو نحوهما، ولا قصد القتل بها، ولا كانت مما يقتل عادة (ضمن الحاكم
النصف في ماله) لأنه شبيه عمد منه.
وإن تعمد الحداد أيضا كان الضمان عليه في ماله، لأن المباشر أقوى.
(ولو أمره بالحد فزاد الحداد عمدا، فمات، فالنصف على الحداد) في ماله.
(ولو طلب الولي القصاص) مع تعمده وقصده القتل، أو كونه مما يقتل
عادة (فله ذلك مع دفع النصف) من الدية إليه. وكذا إذا تعمد الزيادة.
(ولو زاد) الحداد (سهوا، فالنصف على العاقلة).



(1) الكافي في الفقه: ص 448.
(2) السرائر: ج 3 ص 480.
564
هذا كله مبني على إسناد الموت إلى سببين: سائغ هو الحد، ومحظور هو الزيادة،
من غير اعتبار تعدد شيء منهما، وهو خيرة السرائر (1) لأن الدية والقود على عدد
الجناة لا الجنايات، وعليه إن حصلت زيادتان: إحداهما من الحاكم عمدا أو سهوا،
والأخرى من الحداد، انقسمت الدية أثلاثا، ويسقط ثلثها بإزاء الحد. وربما احتمل
التنصيف، وإسقاط النصف، ثم تنصيف النصف الباقي بين الحاكم والحداد.
(ويمكن أن تقسط الدية على الأسواط التي حصل بها الموت) وهي
جميع ما ضرب بها من أسواط الحد والزيادة (فيسقط) من الدية (ما قابل
السائغ) فلو زاد على الثمانين - مثلا - واحدا لم يلزم إلا جزء من أحد وثمانين
جزء من الدية... وهكذا. وقطع في التحرير (2) بنفي هذا الاحتمال.
(و) يمكن (إيجاب الجميع) أي جميع الدية على بيت المال، أو مال العامد،
أو عاقلة الساهي (لأنه قتل حصل من) مجموع (فعله تعالى وعدوان الضارب)
أو الآمر (فيحال الضمان كله على العادي، كما لو ضرب مريضا مشرفا على
التلف) ما لو ضرب به غيره لم يقتله (وكما لو ألقى حجرا على سفينة موقرة
فغرقها) ولو كان يلقيه على خالية لم يغرقها.
(الفصل الثالث في اللواحق)
(لو شهد أحدهما بالشرب والآخر بالقيء) غير مؤرخين، أو مؤرخين
بما يمكن معه أن يكون القيء من ذلك الشرب (حد) كما في النهاية (3) والسرائر (4)
وغيرهما، وحكى الإجماع عليه في السرائر، ويظهر مثله من الخلاف (5) (على
إشكال: لما روي) عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) أن عليا (عليه السلام)



(1) السرائر: ج 3 ص 505.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 349.
(3) النهاية: ج 3 ص 316.
(4) السرائر: ج 3 ص 475.
(5) الخلاف: ج 5 ص 492 المسألة 8.
565
جلد الوليد بن عقبة لما شهد عليه واحد بالشرب وآخر بالقيء وقال: (إنه ما قاء
إلا وقد شرب) (1) ويؤيده الاعتبار.
ومن عدم اتحاد مورد الشهادتين، ويندفع بأنه في حكم الاتحاد. واحتمال
نحو الإكراه، ويندفع بجريانه في الشرب أيضا وإن كان أبعد، ولا عبرة به ما لم
يدعه المشهود عليه.
(ولو شهدا بالقيء حد للتعليل) الوارد في الخبر (على إشكال): من
إجراء القيء في الخبر مجرى الشرب في الشهادة مع اتحاد مورد الشهادتين هنا.
ومن احتمال نحو الإكراه، ويندفع بما مر.
(ولو شهد أحدهما بالشرب في وقت، والآخر) به (في آخر، أو شهد
أحدهما بالشرب مكرها، والآخر به مطاوعا) أو أحدهما به عالما، والآخر
جاهلا (فلا حد) لاختلاف مورد الشهادتين، وعدم كمال النصاب على موجب
الحد فيما سوى الأول.
(ولو ادعى الإكراه مع) كمال نصاب (الشهادة بمطلق الشرب) لا به
مختارا (أو القيء، سقط الحد) بمجرد ادعائه للشبهة.
(ومن اعتقد إباحة ما أجمع) المسلمون (على تحريمه) مع علمه بذلك
(كالخمر، والميتة، والدم، ولحم الخنزير ونكاح المحرمات) والزنا (والربا،
وإباحة) زوجة دائمة (خامسة والمعتدة) من غيره (والمطلقة ثلاثا)
متفرقة لزوجها (فهو مرتد) فعله أم لا (فإن كان قد ولد على الفطرة قتل)
وإلا استتيب، فإن تاب وإلا قتل.
(ولو فعل شيئا من ذلك محرما) له (عزر) فيما لا حد له، فإن عاد عزر أغلظ
من السابق، فإن عاد زيد في التغليظ، فإن عاد رابعة قتل. وفي السرائر قتل في



(1) لم نعثر عليه في الكتب الروائية، ونقلها الشهيد في مسالك الأفهام: ج 14 ص 467.
566
الثالثة (1). وفي المقنعة عوقب حتى يتوب (2) وكذا في النهاية (3) والسرائر (4) في الربا.
وفي الجامع: إن من تناول الدم أو الميتة أو لحم الخنزير محرما عزر، فإن عاد أدب،
ولم يقتل (5) ويقتل آكل الربا بعد المعرفة، والتعزير في الثالثة. ونحوه في الهداية (6).
وفي خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): إن آكل الربا يؤدب، فإن عاد أدب، فإن
عاد قتل (7).
وفي خبر إسحاق بن عمار عنه (عليه السلام) إنه قال: آكل الميتة والدم ولحم الخنزير
عليهم أدب، فإن عاد أدب، قال: قلت: فإن عاد يؤدب؟ قال: يؤدب، وليس عليهم
حد (8). وفي الفقيه: وليس عليه قتل (9).
(ولو ادعى) مستحل شيء من ذلك (جهل التحريم، قبل) منه (مع
الإمكان، بأن يكون قريب العهد بالإسلام، ومثله يخفى عنه، وإلا فلا).
(وإذا عجن بالخمر عجينا فخبزه وأكله، فالأقرب وجوب الحد)
لأصل بقائها فيه. واحتمل سقوطه.
قال في التحرير: لأن النار أكلت أجزاء الخمر، قال: نعم; يعزر (10). قلت: لعله
للنجاسة، ولاحتمال بقاء شيء منها.
(ولو تسعط به) أي المسكر أو الخمر، لأنها قد يذكر (حد) لأنه يصل إلى
باطنه من حلقه، وللنهي عن الاكتحال به، والاستعاط أقرب منه وصولا إلى الجوف.
(ولو احتقن به لم يحد لأنه ليس بشرب) ولا أكل (ولأنه لم يصل
إلى جوفه) - أي المعدة - ليغتذي به (فأشبه ما لو داوى به جرحه).
* * *



(1 و 4) السرائر: ج 3 ص 478.
(2) المقنعة: ص 802.
(3) النهاية: ج 3 ص 319.
(5) الجامع للشرائع: ص 558.
(6) الهداية: ص 296.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 580 ب 7 من أبواب بقية الحدود ح 2.
(8) نفس المصدر: ص 581 ح 3.
(9) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 71 ح 5133.
(10) تحرير الأحكام: ج 5 ص 348.
567
(المقصد السادس)
(في حد السرقة)
(وفيه فصول) ثلاثة:
(الأول: الموجب)
(وهو السرقة) أي أخذ مال الغير من حرزه بغير إذنه صريحا ولا فحوى،
ولا بشهادة حال، مستترا منه.
(وأركانها ثلاثة):
(الأول: السارق).
(ويشترط فيه البلوغ والعقل والاختيار) كسائر التكاليف (فلو سرق
الصبي لم يقطع بل يؤدب) بما يراه الحاكم (ولو تكررت سرقته) وفاقا
للمفيد (1) والمحقق (2) وغيرهما، لرفع القلم عنه.
(وقيل) في النهاية (3) والوسيلة (4) (يعفى عنه أول مرة، فإن سرق ثانيا
أدب، فإن عاد ثالثا حكت أنامله حتى تدمى، فإن سرق رابعا قطعت أنامله،
فإن سرق خامسا قطع كما يقطع الرجل) وهو خيرة المختلف (5) ونسبه إلى الأكثر.
ولم أظفر بخبر يتضمن هذا التفصيل، ولكن قال الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان:



(1) المقنعة: ص 803.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 172.
(3) النهاية: ج 3 ص 325.
(4) الوسيلة: ص 418.
(5) مختلف الشيعة: ج 9 ص 204.
568
يعفا عنه مرة ومرتين، ويعزر في الثالثة، فإن عاد قطعت أطراف أصابعه، فإن عاد
قطع أسفل ذلك (1). وقال أحدهما (عليهما السلام) في صحيح محمد بن مسلم: إذا سرق مرة وهو
صغير عفي عنه، فإن عاد عفي عنه، فإن عاد قطع بنانه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك (2).
فهذان الخبران جعلا له العفو مرتين، والمراد العفو عن القطع والإدماء، ولا
شبهة أنه لا بأس بالتأديب بما يراه الحاكم، بل يستحب كما في سائر المحظورات
ولو بالتهديد. وجعل عليه في الخبر الثاني القطع من أصول الأصابع في الخامسة،
فالاحتياط أن لا يقطع قبل ذلك وإن ظهر فيه بعض الأخبار (3).
ثم الاحتياط حمل قطع البنان على الحك إلى الإدماء فإنه قطع، وإن لم يحمل
عليه فالاحتياط الاقتصار عليه، لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح آخر لابن سنان:
يعفى عنه مرة، فإن عاد قطعت أنامله أو حكت حتى تدمى (4). وقول أبي جعفر (عليه السلام)
في صحيح ابن مسلم: فإن عاد بعد السبع قطعت بنانه أو حكت حتى تدمى (5). وإن
كان ذلك فيهما في المرة الثانية. والترديد ب‍ " أو " يحتمل الكون من الراوي، وتقسيم
الإدماء بالقطع حتى تدمى من دون إبانة، والحك، لما ورد الحك والقطع في
الأخبار، ولم يكن بأس بحمل التعزير في الخبر الأول عليه.
وفي المقنع: والصبي إذا سرق مرة يعفى عنه، فإن عاد قطعت أنامله أو حكت
حتى تدمى، فإن عاد قطعت أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك (6). وهو عمل
بقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: يعفى عنه مرة، فإن عاد قطعت أنامله أو
حكت حتى تدمى، فإن عاد قطعت أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك (7).



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 522 ب 28 من أبواب حد السرقة ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 523 ب 28 من أبواب حد السرقة ح 4.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 523 ب 28 من أبواب حد السرقة ح 5 و 8 و 9 و 10 و 13 و 14.
(4 و 7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 524 ب 28 من أبواب حد السرقة ح 7.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 525 ب 28 من أبواب حد السرقة ح 12.
(6) المقنع: ص 446.
569
وروى في الفقيه صحيحا عن ابن مسلم أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الصبي يسرق،
قال: إن كان له سبع سنين أو أقل رفع عنه، فإن عاد بعد السبع قطعت بنانه أو حكت
حتى تدمى، فإن عاد قطع منه أسفل من بنانه، فإن عاد بعد ذلك وقد بلغ تسع سنين
قطعت يده، ولا يضيع حد من حدود الله عز وجل (1).
وفي الغنية: وقد روى أصحابنا أن الصبي إذا سرق هدد، فإن عاد ثانية أدب
بحك أصابعه في الأرض حتى تدمى، فإن عاد ثالثة قطعت أطراف أنامله الأربع
من المفصل الأول، فإن عاد رابعة قطعت من المفصل الثاني، فإن عاد خامسة
قطعت من أصولها (2). ولعله إشارة إلى خبر إسحاق بن عمار قال لأبي الحسن (عليه السلام):
الصبي يسرق، قال: يعفى عنه مرتين، فإن عاد الثالثة قطعت أنامله، فإن عاد قطع
المفصل الثاني، فإن عاد قطع المفصل الثالث (3). مع ما مر من حك الأنامل حتى
تدمى في الثانية. فالعفو هنا يجوز أن يكون عن القطع، وربما تخير الحاكم بين
الإدماء بالحك والعفو عنه أيضا.
وأفتى ابن سعيد (4) بقول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي: إذا سرق الصبي عفي
عنه، فإن عاد عزر، فإن عاد قطع أطراف الأصابع، فإن عاد قطع أسفل من ذلك (5).
قال المحقق في النكت: والذي أراه تعزير الصبي، والاقتصار على ما يراه
الإمام أردع له، وقد اختلفت الأخبار في كيفية حده، فيسقط حكمها لاختلافها،
وعدم الوقوف بإرادة بعضها دون بعض، وما ذكره الشيخ (رحمه الله) خبر واحد لا يحكم به
في الحدود; لعدم إفادته اليقين، والحد يسقط بالاحتمال (6). انتهى.
ولما كان يتوهم من إيجاب قطع أنامله أو أصابعه التكليف; دفعه هنا (و) في



(1) الفقيه: ج 4 ص 62 ح 5105.
(2) الغنية: ص 434.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 526 ب 28 من أبواب حد السرقة ح 15.
(4) الجامع للشرائع: ص 563.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 523 ب 28 من أبواب حد السرقة ح 2.
(6) النكت بهامش النهاية: ج 3 ص 324.
570
المختلف (1) بأنه (ليس ذلك من باب التكليف) لرفع القلم عنه (بل وجوب
التأديب على الحاكم، لاشتماله على المصلحة) واللطف، وقال أبو جعفر (عليه السلام)
لمحمد بن مسلم: إذا كان له تسع سنين قطعت يده، ولا يضيع حد من حدود الله (2).
فاحتمل الشيخ في الاستبصار أن يجوز للإمام قطعه إذا علم بوجوب قطع
السارق (3) لخبر محمد بن خالد القسري قال: كنت على المدينة، فأتيت بغلام قد
سرق، فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: سله حيث سرق كان يعلم أن عليه في السرقة
عقوبة فإن قال: نعم، قيل له: أي شيء تلك العقوبة؟ فإن لم يعلم أن عليه في السرقة
قطعا فخل عنه، قال: فأخذت الغلام فسألته وقلت له: أكنت تعلم أن في السرقة
عقوبة؟ فقال: نعم، قلت: أي شيء هو؟ قال: اضرب، فخليت عنه (4).
(ولا حد على المجنون) اتفاقا لرفع القلم عنه من غير معارض (بل يؤدب)
كما في الوسيلة (5) والشرائع (6) والنافع (7) ونسب في التحرير (8) إلى القيل (وإن تكرر
منه. ولو سرق حال إفاقته لم يسقط عنه الحد بالجنون المعترض) لما مر،
وفيه ما مر من الاحتمالات.
(ولا يشترط الإسلام، ولا الحرية، ولا الذكورة، ولا البصر) لعموم
النصوص (9) والفتاوى (فيقطع الكافر) حربيا أو ذميا (والعبد) آبقا أو غيره،
ولا يقطع الخفية الآبق بناءا على أنه قضاء على سيده الغائب.
وفي الفقيه (10) والمقنع (11): إن العبد الآبق إذا سرق لم يقطع، لأنه مرتد، ولكن



(1) مختلف الشيعة: ج 9 ص 205.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 525 ب 28 من أبواب حد السرقة ح 10.
(3) الاستبصار: ج 4 ص 249 ذيل الحديث 946.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 525 ب 28 من أبواب حد السرقة ح 11.
(5) الوسيلة: ص 418.
(6) شرائع الإسلام: ج 4 ص 172.
(7) المختصر النافع: ص 223.
(8) تحرير الأحكام: ج 5 ص 351.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 481 ب 1 من أبواب حد السرقة.
(10) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 147 ح 3542.
(11) المقنع: ص 449.
571
يدعى إلى الرجوع إلى مواليه، فإن أبى قطع ثم قتل، وكذا المرتد يدعى إلى
الإسلام، فإن أبى قطع ثم قتل. [وفي صحيح الحذاء عن الصادق (عليه السلام)] (1) (2) وفي
عدة من الأخبار (3) أنه لا يقطع إذا سرق من مال مولاه، وأفتى به الأصحاب
وسيأتي (والمرأة والأعمى).
(ولابد أن يكون مختارا) كغيره (فإن اكره على السرقة فلا قطع).
(ولا تكون الحاجة عذرا) كما سأل الحلبي الصادق (عليه السلام) في الصحيح: إن
زعم أنه حمله على ذلك الحاجة؟ قال: يقطع، لأنه سرق مال الرجل (4). (إلا)
أن يبلغ هلاك النفس، أو قريبا منه، أو تتسبب للشبهة. أو (في سرقة الطعام في
عام مجاعة، فإنه لا قطع حينئذ) كما قال الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني: لا
يقطع السارق في عام سنة (5). وفي مرسل عاصم بن حميد: كان أمير المؤمنين (عليه السلام):
لا يقطع السارق في أيام المجاعة (6). وفي مرسل زياد القندي: لا يقطع السارق في
سنة المحل في شيء يؤكل، مثل الخبز واللحم وأشباهه (7).
ولعل الاختصاص بعام المجاعة وبالمأكول، لوضوح القرينة على الاضطرار
المجوز أو الموجب للسرقة، وإلا فالظاهر أن لاقطع إذا علم أنه سرق لضرورة كذلك.
وفي المبسوط: فإن سرق في عام المجاعة والقحط، فإن كان الطعام موجودا
والقوت مقدورا عليه ولكن بالأثمان العالية فعليه القطع، وإن كان القوت متعذرا لا
يقدر عليه، فسرق سارق فأخذ الطعام فلا قطع عليه (8). انتهى. ويؤيده الاعتبار.



(1) لم يرد في المطبوع.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 530 ب 32 من أبواب حد السرقة ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 526 ب 29 من أبواب حد السرقة.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 507 ب 15 من أبواب حد السرقة ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 520 ب 25 من أبواب حد السرقة ح 2.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 520 ب 25 من أبواب حد السرقة ح 3.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 520 ب 25 من أبواب حد السرقة ح 1.
(8) المبسوط: ج 8 ص 33.
572
وفي الخلاف: روى أصحابنا أن السارق إذا سرق عام المجاعة لا قطع عليه،
ولم يفصلوا وقال الشافعي: إذا كان الطعام موجودا مقدورا عليه ولكن بالثمن العالي
فعليه القطع، وإن كان القوت متعذرا لا يقدر عليه، فسرق سارق طعاما فلا قطع عليه.
دليلنا ما رواه أصحابنا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: لا قطع في عام مجاعة. وروي
ذلك عن عمر أنه قال: لا قطع في عام مجاعة ولا قطع في عام السنة، ولم يفصلوا (1).
(ويستوفى الحد من الذمي قهرا) أي يجب على الحاكم عينا (لو سرق
مال مسلم، وإن سرق مال ذمي استوفي منه إن ترافعوا إلينا، وإلا فلا و) مع
الترافع (للإمام رفعهم إلى حاكمهم ليقضي بمقتضى شرعهم) كسائر الأحكام.
(الركن الثاني: المسروق)
(وشروطه عشرة):
(الأول: أن يكون مالا، فلا يقطع سارق الحر الصغير حدا إذا باعه
بل) يقطع عند الشيخ (2) وجماعة (لفساده) لقول الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني:
إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتي برجل قد باع حرا، فقطع يده (3). وخبر عبد الله بن طلحة
سأله (عليه السلام) عن الرجل يبيع الرجل وهما حران، فيبيع هذا هذا، وهذا هذا، ويفران
من بلد إلى بلد فيبيعان أنفسهما ويفران بأموال الناس، قال: تقطع أيديهما لأنهما
سارقا أنفسهما وأموال الناس (4). وخبر سنان بن طريف سأله (عليه السلام) عن رجل باع
امرأته، قال: على الرجل أن تقطع يده (5). وخبر طريف بن سنان سأله (عليه السلام) عن رجل
سرق حرة فباعها، فقال: أربعة حدود: أما أولها فسارق تقطع يده... الخبر (6).



(1) الخلاف: ج 5 ص 432 المسألة 27.
(2) النهاية: ج 3 ص 336.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 514 ب 20 من أبواب حد السرقة ح 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 515 ب 20 من أبواب حد السرقة ح 3.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 399 ب 28 من أبواب حد الزنا ح 1.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 514 ب 20 من أبواب حد السرقة ح 1.
573
وقيد الصغر مما فصله الشيخ في الخلاف (1) والمبسوط (2) وتبعه غيره، مع
إطلاق الخبر الأول، وكون البواقي في الكبير، لأن الكبير في الأكثر متحفظ بنفسه
لا يمكن بيعه، وإلا فالحكم عام كما نص عليه في التحرير (3) والتعليل بالفساد مما
في النهاية (4) والشرائع (5) وعلل في المبسوط (6) بعموم آية السرقة.
وفي الخلاف أنه لا قطع عليه للإجماع على أنه لا قطع إلا فيما قيمته ربع
دينار فصاعدا، والحر لا قيمة له، قال: وقال مالك: عليه القطع، وقد روى ذلك
أصحابنا أيضا (7).
(ولو) سرقه و (لم يبعه) اختطفه من عند أبويه ونحوهما، سافر به أولم يسافر،
ادعى ملكه له أولا (أدب وعوقب) بما يراه الحاكم، ولم يقطع، للأصل، وخروجه
عن المال، واختصاص النصوص بالبيع. خلافا لظاهري المبسوط (8) والسرائر (9).
(ولو كان عليه حلي أو ثياب تبلغ نصابا، لم يقطع) بسرقته معها (لثبوت
يد الصغير عليها) ولذا إذا وجد اللقيط ومعه مال كان المال له، لأن يده عليه،
وسيأتي النظر فيه.
(ولو كان) الحر (الكبير نائما على متاع فسرقه ومتاعه، قطع) لسرقته
المتاع، لأنه محرز بنوم الكبير عليه، بخلاف الصغير، ولسرقته الحر إن باعه، لفساده
كما في النصوص (10).
(وكذا السكران، والمغمى عليه، والمجنون) فلا يخرج ما ناموا عليه عن
الإحراز، بما بهم من السكر والإغماء والجنون، فإن غايتهم أن يكونوا كالجماد.
(ولو سرق عبدا صغيرا) لا يميز سيده من غيره (قطع) عندنا، خلافا



(1) الخلاف: ج 5 ص 428 المسألة 19.
(2) المبسوط: ج 8 ص 31.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 357.
(4) النهاية: ج 3 ص 336.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 175.
(6 و 8) المبسوط: ج 8 ص 31.
(7) الخلاف: ج 5 ص 428 المسألة 19.
(9) السرائر: ج 3 ص 499.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 514 ب 20 من أبواب حد السرقة.
574
لأبي يوسف (1). (ولو كان كبيرا لم يقطع إلا أن يكون نائما، أو مجنونا، أو
مغمى عليه، أو أعجميا لا يعرف مولاه ولا يميزه عن غيره).
قال في المبسوط: والفصل بينهما أن الصغير يسرق والكبير يخدع، والخدع
ليس بسرقة (2).
(والمدبر، وام الولد) والمبعض (والمكاتب على إشكال) في المكاتب
(كالقن) لعدم خروجهم عن المالية والإشكال من ذلك، ومن عدم تمامية ملك
السيد له، لانقطاع تصرفه عنه، فلا يملك منافعه ولا استخدامه ولا أرش الجناية
عليه، وهو يملك ما يكسبه.
وقطع في التحرير بأن المشروط كالقن، ثم قال بلا فصل: ولو سرق من مال
المكاتب قطع إن لم يكن سيده، ولو سرق نفس المكاتب فلا قطع عليه، لأن ملك
سيده ليس بتام عليه، فإنه لا يملك منافعه ولا استخدامه، ولا أخذ أرش الجناية
عليه (3). فلعله أراد به المطلق، ولا أعرف الفرق.
(ولو سرق عينا موقوفة) على محصور (ثبت القطع) إذا طالب الموقوف
عليه، وقلنا بانتقال ملكه إليه، وإلا فلا. وكذا الموقوف على غير محصور إن قيل
بالانتقال ونيابة الحاكم عنهم في المطالبة.
ويحتمله قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر محمد بن قيس، قال: قضى
أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجلين قد سرقا من مال الله، أحدهما عبد مال الله، والآخر
من عرض الناس، فقال: أما هذا فمن مال الله ليس عليه شيء مال الله أكل بعضه
بعضا، وأما الآخر فقدمه وقطع يده (4).
[الشرط] (الثاني: النصاب، وهو) في المشهور (ربع دينار ذهبا



(1) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 245 و 246.
(2) المبسوط: ج 8 ص 30.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 357.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 527 ب 29 من أبواب حد السرقة ح 4.
575
خالصا مضروبا) هو أو كمال الدينار (بسكة المعاملة، أو ما قيمته ذلك)
وحكى عليه الإجماع في الخلاف (1) والاستبصار (2) والنصوص عليه كثيرة.
وعند الحسن (3) دينار، وربما يؤيده صحيح (4) الثمالي سأل أبا جعفر (عليه السلام) في
كم يقطع السارق؟ فجمع كفيه فقال: في عددها من الدراهم (5). وأجاب عنه الشيخ
بالحمل على التقية، أو كونها حينئذ قيمته ربع دينار (6).
وما في خبر عثمان عن سماعة من أن أدناه ثلث دينار (7) مع التسليم يحتمل
التقية، واختلاف الدنانير.
(فلا قطع فيما قيمته أقل من ذلك).
وروي القطع في خمس دينار في عدة، قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح محمد
بن مسلم: أدنى ما يقطع فيه السارق خمس دينار (8). وقال الصادق (عليه السلام) في صحيح
الحلبي: يقطع السارق في كل شيء بلغ قيمته خمس دينار (9). ولعله بمعناه خبر
إسحاق بن عمار عنه (عليه السلام) في رجل سرق من بستان عذقا قيمته درهمان، قال:
يقطع به (10). ويحمل على التقية، أو اختلاف الدنانير. واحتمل في التهذيب
اختصاصها بمن رأى الإمام المصلحة في قطعه (11).



(1) الخلاف: ج 5 ص 414 المسألة 2.
(2) الاستبصار: ج 4 ص 241 ذيل الحديث 909.
(3) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 9 ص 214.
(4) في المطبوع: حسن الثمالي.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 485 ب 2 من أبواب حد السرقة ح 9.
(6) الاستبصار: ج 4 ص 239 ذيل الحديث 902.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 485 ب 2 من أبواب حد السرقة ح 11.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 483 ب 2 من أبواب حد السرقة ح 3.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 485 ب 2 من أبواب حد السرقة ح 12.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 486 ب 2 من أبواب حد السرقة ح 14.
(11) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 102 ذيل الحديث 395.
576
واقتصر الصدوق في المقنع على الإشارة إلى الروايات (1).
(ولافرق بين الثياب والطعام والفاكهة والماء والكلأ والملح والثلج والتراب
والطين الأرمني والمعد للغسل) أو للخزف، أو لغير ذلك (والحيوان) الأهلي
والوحشي من الطيور أو غيرها (والحجر) رخاما أو غيره (والصيد والطعام
الرطب الذي يسرع إليه الفساد) وكذا الفاكهة الرطبة والبقول.
(والضابط: كل ما يملكه المسلم) للعمومات (سواء كان أصله الإباحة)
لجميع المسلمين كالماء، والتراب، وأنواع المعادن والصيود (أو لم يكن) وسواء
كان مما يسرع إليه الفساد من الفواكه أو الأطعمة الرطبة أو لا.
خلافا لأبي حنيفة (2) فيما أصله الإباحة أو يسرع إليه الفساد، فلم ير القطع في
الخضراوات، والفواكه الرطبة، والطبيخ، واللحم الطري، والمشوي، ونحو ذلك، ولا
في الماء والتراب والطين، وما يعمل منه من الأواني وغيرها، والقصب، والخشب
إلا الساج، وما يعمل من سائر الخشب من الأواني والأبواب ونحوها، ولا في الصيود
والجوارح; معلمة وغيرها، والمعادن كلها كالملح والكحل والزرنيخ والقير والنفط
ونحوها، إلا الذهب والفضة والياقوت والفيروزج، وعنه في الزجاج روايتان (3).
وفي خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام) أنه قال النبي (صلى الله عليه وآله): لا قطع على سرق
الحجارة، يعني الرخام وأشباه ذلك (4). وأنه قال (صلى الله عليه وآله): لاقطع في ثمر ولا كثر، والكثر
شحم النخل (5). وأنه قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا قطع في ريش، يعني الطير كله (6).
وفي خبر غياث بن إبراهيم عنه (عليه السلام) إن عليا (عليه السلام) أتي بالكوفة برجل سرق حماما



(1) المقنع: ص 444.
(2) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 247 - 248، الحاوي الكبير: ج 13 ص 274 و 276.
(3) انظر بدائع الصنائع: ج 7 ص 68.
(4) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 111 ح 433.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 517 ب 23 من أبواب حد السرقة ح 3.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 516 ب 22 من أبواب حد السرقة ح 2.
577
فلم يقطعه، وقال: لا أقطع في الطير (1). وفي خبر الأصبغ عن أمير المؤمنين (عليه السلام): لا
يقطع من سرق شيئا من الفاكهة، وإذا مر بها فليأكل ولا يفسد (2).
وهي ضعيفة متروكة عندنا، ومع التسليم يحتمل السرقة لا من حرز احتمالا
ظاهرا. ولذا قال الصادق (عليه السلام) في خبر الفضيل: إذا أخذ الرجل من النخل والزرع
قبل أن يصرم فليس عليه قطع، فإذا صرم النخل وحصد الزرع فأخذ قطع (3).
(ويقطع سارق المصحف) وإن حرم بيعه، فإنه لا يخرجه عن المالية مع
جواز بيع الورق.
(والعين الموقوفة) على ما مر (مع بلوغ قيمتها النصاب).
(والربع من) المثقال (من الذهب الأبريز) أي غير المسكوك (إذا لم
يساو ربعا مضروبا لا يقطع فيه) فإن الدينار حقيقة في المسكوك، ولذا يقال: ذهب
مدنر، أي مجعول دينارا، أو ثوب مدنر، أي وشبه شبه الدنانير في الاستدارة، وروي
عن الصادق والكاظم (عليهما السلام) ليس على التبر زكاة، إنما هي الدنانير والدراهم (4).
خلافا للمبسوط (5) والخلاف (6) فقوى فيهما عدم اشتراط السكة. وفي الخلاف
أنه كذلك عندنا.
(ويقطع في خاتم، وزنه سدس دينار) مثلا (وقيمته ربع) لما فيه من
زيادة الصنعة (على إشكال): من احتمال اعتبار القيمة وقطع به في التحرير (7)
واحتمال عدمه، لأنها إنما تعتبر القيمة ما لم يكن العين، وهنا العين موجودة.
وقد يدفع بأن النصوص نطقت بكون النصاب ربع دينار أو ما قيمته ذلك،



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 516 ب 22 من أبواب حد السرقة ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 517 ب 23 من أبواب حد السرقة ح 5.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 517 ب 23 من أبواب حد السرقة ح 4.
(4) وسائل الشيعة: ج 6 ص 106 ب 8 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح 5.
(5) المبسوط: ج 8 ص 19.
(6) الخلاف: ج 5 ص 414 المسألة 2.
(7) تحرير الأحكام: ج 5 ص 357.
578
ويصدق عليه أن قيمته ربع دينار، إلا أن يقال: إن قيمته شرعا إنما هو سدس دينار.
ولذا يجوز لولي اليتيم بيعه به، ولا يجوز بيعه بالذهب إلا به للربا.
(دون العكس) فلا يقطع فيما وزنه ربع، وقيمته سدس، إلا على خيرة
المبسوط من عدم اعتبار السكة.
(ولو سرق نصابا بظن أنه غير نصاب) كما لو سرق شيئا يظن أن قيمته
دون ربع دينار، أو قطعة ذهب يظن أنها دونه (أو دنانير بظن أنها فلوس،
حد) لعموم النصوص والفتاوى، وصدق أنه سرق النصاب قاصدا له وإن لم يعلم
بلوغه النصاب، فإن غايته أنه لم يقصد سرقته بصفة بلوغه النصاب.
(ولو سرق قميصا قيمته أقل من نصاب، وفي جيبه دينار لا يعلمه،
ففي القطع إشكال): من أنه سرق النصاب، ومن أنه لم يقصده، وهو أقرب.
(وهل يشترط إخراج النصاب دفعة؟ إشكال): من العمومات، وهو
خيرة المبسوط (1) والجواهر (2) والسرائر (3) طال الزمان أو قصر، وقربه في
التحرير (4). ومن أصالة البراءة، وأنه هتك الحرز في الدفعة الأولى فلم يسرق في
الثانية من الحرز (أقربه ذلك) أي الاشتراط (إلا مع قصر الزمان) بحيث يعد
الجميع - في العرف - سرقة واحدة، فالعبرة سرقة النصاب دفعة عرفية.
وفي المختلف: لا يقطع إن اشتهر بين الناس بالدفعة الأولى إنهتاك الحرز،
لخروجه عن مسمى الحرز (5) وإلا قطع. ويمكن إرجاعه إلى ما في الكتاب.
ثم قيل: إن الوجهين في الحرز المتحد، دون المتعدد، فإن تعدد لم يقطع لتعدد
السرقة، وهو ظاهر الشيخ (6) والمصنف وغيرهما. وقيل (7): لا فرق بين المتحد
والمتعدد، للعمومات.



(1 و 6) المبسوط: ج 8 ص 29.
(2) جواهر الفقه: ص 228.
(3 و 7) السرائر: ج 3 ص 498.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 372.
(5) مختلف الشيعة: ج 9 ص 220.
579
(لو أخرج نصف المنديل وترك النصف الآخر في الحرز، فلا قطع وإن
كان المخرج) منه يساوي (نصابا) فإن الإخراج للشيء عرفا إنما يتحقق
بإخراج جميعه.
(ولو أخرجه) بتمامه (شيئا فشيئا، أو أخرج الطعام على التواصل،
بأن) جعله بحيث (سال من الحرز إلى خارج) من غير فصل (فهو كدفعة)
فإن الإخراج إنما يتم بإخراج جميعه، وهو إنما يقع دفعة. وربما احتمل في إخراج
نحو الطعام على التواصل أن يكون من إخراج النصاب دفعات.
(ولو جمع من البذر المبثوث في الأرض المحرزة قدر النصاب)
فأخرجه دفعة (قطع، لأنها كحرز واحد) له فهو كأخذ أمتعة متفرقة في جوانب
بيت واحد. وربما احتمل تعدد الحرز.
(ولو أخرج النصاب من حرزين) فصاعدا (لم يقطع) لتعدد السرقة
(إلا أن يكونا في حكم الواحد، بأن يشملهما ثالث) كبيتين في دار، فإن
اخراجهما من الدار سرقة واحدة.
(ولو حمل النصاب اثنان لم يقطع أحدهما) وفاقا للخلاف (1) والمبسوط (2)
والسرائر (3) إذ لم يسرق أحد منهما النصاب. (ولو حملا نصابين) كل نصابا
(قطعا) قطعا.
(وقيل) في النهاية (4) والانتصار (5) والمقنعة (6) والكافي (7) والغنية (8)
والوسيلة (9) والإصباح (10) والجامع (11): (لو سرقا نصابا) بالاشتراك (قطعا) لتحقق



(1) الخلاف: ج 5 ص 420 المسألة 8.
(2) المبسوط: ج 8 ص 28.
(3) السرائر: ج 3 ص 493 و 497.
(4) النهاية: ج 3 ص 331.
(5) الانتصار: ص 264.
(6) المقنعة: ص 804.
(7) الكافي في الفقه: ص 411.
(8) الغنية: ص 433.
(9) الوسيلة: ص 419.
(10) إصباح الشيعة: ص 524.
(11) الجامع للشرائع: ص 560.
580
الموجب له، وهو سرقة النصاب، وقد صدر عنهما فيقطعان. وورود المنع عليه ظاهر.
(ويجب) في القطع (أن تكون القيمة) لما سرق من غير جنس الدنانير
(تبلغ نصابا قطعا، لا باجتهاد المقوم) لإندراء الحد بالشبهة. وللعامة وجه
بكفاية الاجتهاد (1).
الشرط (الثالث: أن يكون مملوكا لغير السارق، فلو سرق ملك نفسه
من) المستعير أو (المرتهن أو المستأجر، لم يقطع) وإن عصى به من الأخيرين.
(ولو توهم الملك فبان غير مالك، لم يقطع) للشبهة (وكذا لو أخذ من
المال المشترك ما يظن أنه قدر نصيبه، فبان أزيد بقدر النصاب) كذلك.
(ولو تجدد ملكه قبل الإخراج من الحرز) ولو كان بعد هتكه (فلا
قطع) وإن لم يكن علم به حتى أخرجه، إذ لا عقوبة على نية المعصية. (وكذا لو
ملكه بعد الإخراج قبل المرافعة، إما بهبة) أو ميراث، أو بيع (أو غير ذلك
من أسباب الملك) إذ لا مطالب له بالقطع حينئذ.
(ولو ملكه بعد المرافعة ثبت الحد) كما لو عفا المسروق منه بعدها.
(ولا يقطع لو سرق مال عبده المختص) به لأنه ملكه، وللشبهة إن ملكنا
العبد أرش الجناية عليه ونحوه. (ولا) لو سرق (مال مكاتبه) الذي لم يتحرر
منه شيء (للشبهة).
أما لو سرق مال المشترك، أو المبعض، فيقطع إن بلغ ما بإزاء الحرية أو نصيب
الشريك نصابا.
(ولو قال السارق: سرقت ملكي سقط القطع عنه بمجرد الدعوى،
لأنه صار خصما في المال) حتى لو نكل الآخر عن اليمين، وحلف هو استحقه
(فكيف يقطع بيمين غيره؟).



(1) لم نعثر عليه.
581
وقد يحتمل القطع إذا حلف الآخر، حسما لمادة الفساد، ولصدق أنه سرق مال
الغير شرعا. ويندفع بأنه لا يدفع الشبهة.
(ولو قال المسروق منه: هولك فأنكر) السارق (فلا قطع) إذ لا مطالبة.
(ولو قال السارق: هو ملك شريكي في السرقة، فلا قطع) بمجرد
الدعوى، لأنه إن ثبت ما يدعيه لم يقطع، وللشبهة (فلو أنكر شريكه لم يقطع
المدعي) لأنه لا يدفع الشبهة. واحتمل القطع ضعيفا (وفي المنكر إشكال،
أقربه القطع) لانتفاء الشبهة فيه، ولأنه بإنكاره الملكية بمنزلة المقر بالسرقة
فيؤخذ بإقراره. ويحتمل العدم، لأنه لو صدقت الدعوى سقط الحد عنهما.
(ولو قال العبد السارق: هو ملك سيدي، لم يقطع وإن كذبه السيد.
وكذا لو قال الأب: هو ملك ولدي فأنكر) كل ذلك للشبهة.
الشرط (الرابع: أن يكون محترما) شرعا (فلو سرق خمرا أو
خنزيرا، لم يقطع وإن كان من ذمي مستتر) بهما (وإن وجب) عليه
(الغرم) للذمي.
(ولو سرق كلبا مملوكا قيمته ربع دينار فصاعدا، فالأقرب القطع)
بناءا على أنه يملك. ويحتمل العدم، بناءا على عدمه، للاختلاف فيه. فإن ادعى
الشبهة لذلك لم يقطع قطعا.
(ولو سرق آلة اللهو، كالطنبور و) سائر (الملاهي، أو آنية محرمة
كآنية الذهب والفضة) بناءا على حرمة اتخاذها (فإن قصد) بأخذها
(الكسر لم يقطع) لوجوبه، كالنهي عن سائر المناكير، ويصدق في قصده.
(وإن قصد السرقة ورضاضها نصاب، فالأقرب القطع) لأنه مملوك
بقدر النصاب. ويحتمل العدم بناءا على أن وجوب كسرها يورث شبهة تدرأ الحد.
(ولو سرق مال حربي مستأمن لم يقطع) لعدم احترامه، لكن يؤدب،
لخلافه الإمام في الأمان.

582
(ولو سرق مال ذمي قطع) لاحترامه ظاهرا، والحكم بملكه له شرعا.
فإن قيل: إذا قتله لم يقتل به، فلم يقطع يده إذا سرق من ماله؟
قلنا: القصاص حق للمقتول فاعتبرت فيه المكافأة، والقطع حق لله تعالى صيانة
للأموال عن التلف، وأيضا فإنما يقطع للمعاهدة معه أن يحقن دمه وماله ما أقام
على شرائط الذمة، فإذا قتل لم يبق من عوهد معه، وأيضا فالقتل أعظم من القطع.
(ويقطع الحربي والذمي إذا سرقا مال مسلم) قطعا (أو ذمي، أو معاهد)
إذا تحاكما إلينا، واخترنا الحكم، أو اختلفا ملة ولم يرض المسروق منه إلا بحكمنا.
[الشرط] (الخامس: أن يكون الملك تاما للمسروق منه، فلو سرق
مالا مشتركا بينه وبينه) أي السارق (ولو) كانت شركته فيه مع المسروق منه
(بجزء يسير لم يقطع مع الشبهة، ولو انتفت الشبهة وعلم التحريم قطع إن
بلغ نصيب الشريك نصابا) لاندراجه في العمومات، ولصحيح عبد الله بن سنان
سأل الصادق (عليه السلام) رجل سرق من المغنم أيش الذي يجب عليه؟ أيقطع؟ قال: ينظركم
نصيبه، فإن كان الذي أخذ أقل من نصيبه عزر ودفع إليه تمام ماله، وإن كان أخذ مثل
الذي له فلا شيء عليه، وإن كان أخذ فضلا بقدر ثمن مجن وهو ربع دينار قطع (1).
(ولو كان الشيء قابلا للقسمة، ولم يزد المأخوذ على مقدار حقه)
فيه بقدر النصاب (حمل) أخذه (على قسمة فاسدة) لكونها بدون إعلام
الشريك وإن جاز إجباره عليها (على إشكال، أقربه ذلك إن قصده) أي
القسمة فإنه شبهة. (وإلا) بل قصد السرقة (قطع) فإنه لم يقصد أخذ نصيبه بل
نصيب الشريك بلا شبهة عليه.
ويحتمل القطع مطلقا لفساد القسمة، ووجود حق الشريك فيما أخذه، وهو إن
تم ففيما يبلغ حق الشريك فيه النصاب.
ويحتمل العدم مطلقا، لوجود حقه فيه، ويؤيده عموم قول أمير المؤمنين (عليه السلام)



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 519 ب 24 من أبواب حد السرقة ح 4.
583
في خبر محمد بن قيس: إني لم أقطع أحدا له فيما أخذ شرك (1). وفي خبر مسمع
فيمن سرق من بيت المال: لا يقطع، فإن له فيه نصيبا (2).
(ولو سرق من مال الغنيمة) من له فيه شركة (فروايتان:
إحداهما: لا قطع) هي خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى
علي (عليه السلام) في رجل أخذ بيضة من المغنم، وقالوا: قد سرق اقطعه، فقال: إني لم أقطع
أحدا له فيما أخذ شرك (3). وفي خبر السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال
علي (عليه السلام): أربعة لا قطع عليهم: المختلس، والغلول، ومن سرق من الغنيمة، وسرقة
الأجير، لأنها خيانة (4). وكذلك أطلق المفيد (5) وسلار (6).
(والثانية: يقطع إن زاد عن قدر نصيبه) منها (بقدر النصاب) وهي ما
تقدم من صحيح ابن سنان (7) وعليها العمل.
(وكذا البحث فيما للسارق فيه حق، كبيت المال، ومال الزكاة. والخمس
للفقير والعلوي) أي إن أخذ منها ما زاد على نصيبه بقدر النصاب قطع، وإلا فلا.
وفي الخلاف نقل الإجماع على القطع في بيت المال إذا زاد المسروق على نصيبه
بقدر النصاب (8) وقد سمعت في خبر مسمع في بيت المال (9).
(والأقرب عدم القطع في هذه الثلاثة) إذ لا يتعين شيء منها لمالك بعينه،
أو ملاك بأعيانهم، ولا تقدير لنصيب أحد من الشركاء فيها، ولا أقل من الشبهة.
ولكن في خبر علي بن أبي رافع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في عقد لؤلؤ استعارته
ابنته (عليه السلام) من بيت المال: أولى لابنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة



(1 و 3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 518 ب 24 من أبواب حد السرقة ح 1.
(2 و 9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 518 ب 24 من أبواب حد السرقة ح 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 503 ب 12 من أبواب حد السرقة ح 3.
(5) المقنعة: ص 803.
(6) المراسم: 258.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 519 ب 24 من أبواب حد السرقة ح 4.
(8) الخلاف: ج 5 ص 450 المسألة 49.
584
مردودة، لكانت إذا أول هاشمية قطعت يدها في سرقة (1). وهو مع الضعف يحتمل
أن لا تكون ابنته (عليه السلام) ممن له شركة فيه.
(ويقطع الابن لو سرق من مال الأب أو الأم، وكذا الأم لو سرقت من
مال الولد) للعمومات.
وأما ما في الآية (2) من نفي الحرج عن الأكل من بيوت الآباء والأبناء، ومن
ذكر معهم، فبمعنى جوازه فيما لم يحرز عن الأخذ، وشهدت الحال بالرضا. ويرشد
إلى عدم الإحراز خبر أبي بصير سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن رفقة في سفر، سرق بعضهم
متاع بعض، فقال: هذا خائن لا يقطع، قيل له: فإن سرق من منزل أبيه، فقال: لا
يقطع، لأن ابن الرجل لا يحجب عن الدخول إلى منزل أبيه، هذا خائن، وكذا إن
سرق من منزل أخيه أو أخته إذا كان يدخل عليهما لا يحجبانه عن الدخول (3).
ولا يقطع الأم أبو الصلاح (4) ونفى عنه البأس في المختلف (5) لأنها أحد
الأبوين، فيسقط عنها القطع كما لا يقطع الأب، لاشتراكهما في وجوب الإعظام.
ولم ير العامة كلهم قطعا على أحد من الوالدين أو الولد، إذا سرق بعضهم
من بعض (6).
(ولا يقطع الأب ولا الجد) له (بالسرقة من مال الولد) إجماعا كما
في الخلاف (7) وغيره، ولكن لم ينصوا على الجد.
(وكل مستحق للنفقة إذا سرق من المستحق عليه، مع الحاجة لم يقطع)
كما يرشد إليه قولهم (عليهم السلام) في خبر يزيد بن عبد الملك والمفضل بن صالح: إذا سرق



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 521 ب 26 من أبواب حد السرقة ح 1.
(2) النور: 61.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 508 ب 18 من أبواب حد السرقة ح 1.
(4) الكافي في الفقه: ص 411.
(5) مختلف الشيعة: ج 9 ص 233.
(6) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 284 و 286.
(7) الخلاف: ج 5 ص 448 المسألة 45.
585
السارق من البيدر من إمام جائر فلا قطع عليه، إنما أخذ حقه، فإذا كان مع إمام عادل
عليه القتل (1). وحديث هند وإنها قالت للنبي (صلى الله عليه وآله): إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا
يعطيني وولدي إلا ما آخذه منه سرا وهو لا يعلم، فهل علي فيه شيء؟ فقال (صلى الله عليه وآله):
خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف (2). وما مر من أن لا قطع في عام المجاعة.
(ويقطع بدونها) وإن استحقها (إلا مع الشبهة) إذا لا شركة له في الأعيان.
[الشرط] (السادس: ارتفاع الشبهة) لأنها تدرأ الحدود كلها، اتفاقا (فلو
توهم الحل لم يقطع، كما لو سرق من) من يزعم شهادة حاله برضاه، أو من
(المديون الباذل بقدر ماله) عليه (معتقدا إباحة الاستقلال بالمقاصة).
(ولو لم يعتقد الحل قطع).
(أما مع المنع) والمماطلة (فلا) قطع (إن سرق من الجنس أو من
غيره) وإن لم يجز الأخذ مقاصة من غير الجنس بدون إذن الحاكم إذا أمكن
الوصول إليه، فإنه إنما أخذ حقه وإن أثم بعدم الاستيذان.
وللعامة فيه قولان (3).
(ويقطع القريب بالسرقة من مال قريبه) خلافا لأبي حنيفة (4) (وكذا
الصديق وإن تأكدت الصحبة) وقد عرفت معنى الآية، وفيه إشارة إلى رد على
الحنفية، فإنهم درؤوا الحد عن الأقرباء، لحصول الإذن لبعضهم من بعض في
دخول دورهم، ولم يدرؤوه عن الصديق مع جريان الدليل فيه، وربما كان الإذن له
أقوى مع تأكد الصحبة.
وما أجابوا به عنه من أن الإذن منوط بالصداقة، فلما سرق علم أنه كان عدوا،
مشترك.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 519 ب 24 من أبواب حد السرقة ح 5.
(2) سنن النسائي: ج 8 ص 246 - 247.
(3) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 258.
(4) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 286.
586
(ولو توهم السارق ملك المسروق أو ملك الحرز أو كون المسروق
مال ابنه، فهو شبهة، بخلاف كون الشيء مباح الأصل كالحطب، أو كونه
رطبا كالفواكه) والخضراوات (أو كونه متعرضا للفساد كالمرق والشمع
المشتعل) كما توهمه أبو حنيفة (1) على ما مر. نعم لو توهم الحل، فهو شبهة.
(ولو قطع مرة في) سرقة (نصاب، فسرقه) أي عين المسروق أولا
(ثانيا قطع ثانيا) وحبس ثالثا، وقتل رابعا، للعمومات، خلافا لأبي حنيفة، إلا
في الغزل إذا سرقه قبل النسج ثم سرقه بعده، فإنه يوافقنا في القطع فيه ثانيا (2).
(ويقطع الأجير إذا) سرق ما (أحرز من دونه) وفاقا للمشهور، للعمومات.
(وفي رواية) سليمان عن الصادق (عليه السلام) أنه (لا يقطع) سأله (عليه السلام) عن
الرجل استأجر أجيرا فسرق من بيته، هل تقطع يده؟ قال: هذا مؤتمن ليس
بسارق، هذا خائن (3). وكذا في مضمر سماعة (4) وما مر من خبر السكوني (5).
(ويحمل على حالة الاستئمان) كما نطق به حسن الحلبي عنه (عليه السلام) في
رجل استأجر أجيرا فأقعده على متاعه فسرقه، قال: هو مؤتمن (6).
وأطلق جماعة، منهم الشيخ في النهاية (7) والصدوق أنه لا قطع عليه (8).
(وفي الضيف قولان: أحدهما) وهو قول الشيخ في النهاية (9) والصدوق (10)
وأبي علي (11) وابن إدريس (12) (عدم القطع مطلقا) لقول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر



(1) اللباب: ج 3 ص 203.
(2) اللباب: ج 3 ص 209 - 210.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 506 ب 14 من أبواب حد السرقة ح 3.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 506 ب 14 من أبواب حد السرقة ح 4.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 506 ب 14 من أبواب حد السرقة ح 2.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 505 ب 14 من أبواب حد السرقة ح 1.
(7 و 9) النهاية: ج 3 ص 326.
(8 و 10) المقنع: ص 447.
(11) نقله عنه في مختلف الشيعة: ج 9 ص 205.
(12) السرائر: ج 3 ص 486.
587
محمد بن قيس: الضيف إذا سرق لم يقطع (1).
(والثاني: القطع مع الإحراز عنه) وهو خيرة المبسوط (2) والخلاف (3)
والمتأخرين، للعمومات واشتراك محمد بن قيس، واحتمال خبره ما لم يحرز عنه
احتمالا ظاهرا، كما يشعر به مضمر سماعة قال: الأجير والضيف أمينان، ليس يقع
عليهما حد السرقة (4).
ولا عبرة بما في السرائر من أن التخصيص بالمحرز لابد له من دليل (5) وأنه
إن أريد ذلك لم يكن للخبر ولا لإجماعهم على وفقه معنى، لأن غير الضيف مثله
في أنه إذا سرق من حرز قطع ومن غيره لم يقطع، لما قدمه نفسه بأسطر قليلة من
الدخول في عموم الآية، وأن من أسقط الحد عنه، فقد أسقط حدا من حدود الله
بغير دليل من كتاب، ولا سنة مقطوع بها، ولا إجماع. قال: فأما الإجماع على
ظاهر الرواية فقد وفينا الظاهر حقه، يعني التخصيص بما لم يحرز عنه، ومن أن
الفرق بين الضيف وغيره; أن غيره إن سرق من الموضع الذي سرق منه الضيف قطع
للاحراز عنه دون الضيف، وإذن الضيف في الدخول دون غيره. وبالجملة: فكلام
ابن إدريس مضطرب جدا.
(ولو أضاف الضيف) ضيفا (بغير إذن صاحب المنزل) وإلا فهو أيضا
ضيفه، ويسمي الضيفن (فسرق الثاني قطع) قطعا، وقال الباقر (عليه السلام) في خبر
محمد بن قيس: وإذا أضاف الضيف ضيفا فسرق قطع ضيف الضيف (6).
(ولا يقطع عبد الإنسان بالسرقة من مال مولاه وإن انتفت عنه
الشبهة) كما قطعت به الأصحاب، ودلت عليه الأخبار، كقول أمير المؤمنين (عليه السلام)



(1 و 6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 508 ب 17 من أبواب حد السرقة ح 1.
(2) المبسوط: ج 8 ص 33.
(3) لم نعثر عليه في الخلاف ونقله عنه في السرائر: ج 3 ص 487.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 506 ب 14 من أبواب حد السرقة ح 4.
(5) السرائر: ج 3 ص 488.
588
في خبر السكوني: عبدي إذا سرقني لم أقطعه (1). وفي خبر محمد بن قيس في عبد
سرق وأختان من مال مولاه: ليس عليه قطع (2). وصحيح محمد بن قيس سمع أبا
جعفر (عليه السلام) يقول: إذا سرق عبد أو أجير من مال صاحبه فليس عليه قطع (3). وفي
الشرائع: لأن فيه زيادة إضرار (4). ولا يعجبني، فإنه إنما يقطع إذا طالب المولى
ورضي بهذا الضرر. وفي الفقيه: لأنه مال الرجل، سرق بعضه بعضا (5).
وفي المبسوط: لاقطع عليه بلا خلاف، إلا حكاية عن داود، روى عن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش، والنش نصف أوقية: عشرون درهما، وهو
إجماع (6). انتهى.
(بل يؤدب) بما يراه المولى، أو الحاكم.
(وكذا) لا يقطع (عبد الغنيمة بالسرقة منها) لأنه إنما أخذ من مال مواليه،
ولقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر السكوني: وعبد الإمارة إذا سرق لم أقطعه، لأنه
فيء (7). وفي خبر محمد بن قيس في رجلين سرقا من مال الله، أحدهما عبد مال
الله، والآخر من عرض الناس، فقال: أما هذا فمن مال الله ليس عليه شيء، مال الله
أكل بعضه بعضا، وأما الآخر فقدمه وقطع يده (8).
(ولو حصلت الشبهة للحاكم سقط القطع أيضا) كما يسقط بالشبهة
للسارق (كما لو ادعى صاحب المنزل السرقة، والمخرج الاتهاب منه، أو
الابتياع، أو الإذن في الإخراج) وقد سأل الحلبي - في الحسن - الصادق (عليه السلام)



(1 و 7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 527 ب 29 من أبواب حد السرقة ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 526 ب 29 من أبواب حد السرقة ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 527 ب 29 من أبواب حد السرقة ح 5.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 174.
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 67 ذيل الحديث 5117.
(6) المبسوط: ج 8 ص 44.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 527 ب 29 من أبواب حد السرقة ح 4.
589
عن رجل أخذوه وقد حمل كارة من ثياب، فقال: صاحب البيت أعطانيها، قال:
يدرأ عنه القطع، إلا أن تقوم عليه البينة، فإن قامت عليه البينة قطع (1).
وقال الصدوق: إذا دخل السارق بيت رجل فجمع الثياب، فيؤخذ في الدار
ومعه المتاع، فيقول: دفعه إلي رب الدار، فليس عليه قطع، فإذا خرج بالمتاع من
باب الدار فعليه القطع، أو يجيء بالمخرج منه (2).
وظاهره الفرق بين الإخراج وعدمه مع ادعاء دفع المالك إليه، وأنه يدرأ عنه
بمجرد الدعوى إذا لم يخرج، بخلاف ما إذا أخرج، ولا وجه له. ولعله لم يرده.
(والقول: قول صاحب المنزل، مع يمينه في) ثبوت (المال) له
(لا القطع) فإن يمينه لا تدفع الشبهة.
(وكذا لو قال: المال لي، وأنكر صاحب المنزل، حلف صاحب
المنزل) وثبت المال له (ولا قطع) ونسبة الإنكار والحلف إليه، بناءا على أنه
ذو اليد، لكونه ذا المنزل، وثبوت الأخذ منه.
[الشرط] (السابع: إخراج النصاب من الحرز) اتفاقا (فلو نقب) الحرز
(وأخذ النصاب) فأخذ قبل إخراجه لم يقطع، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر
إسحاق بن عمار: لا قطع على السارق حتى يخرج بالسرقة من البيت، ويكون فيها
ما يجب فيه القطع (3). وفي خبر السكوني: في السارق إذا أخذ وقد أخذ المتاع
وهو في البيت لم يخرج بعد، قال: ليس عليه القطع حتى يخرج به من الدار (4).
وكذا إذا أخذه (ثم أحدث فيه ما ينقصه عنه قبل الإخراج ثم أخرجه،
كأن يخرق الثوب، أو يذبح الشاة فلا قطع).



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 498 ب 8 من أبواب حد السرقة ح 1.
(2) المقنع: ص 445.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 498 ب 8 من أبواب حد السرقة ح 3.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 498 ب 8 من أبواب حد السرقة ح 2.
590
(ولو أخرج النصاب فنقصت قيمته) بفعله أو بغيره (بعد الإخراج قبل
المرافعة) فضلا عما بعدها (ثبت القطع) لتحقق الشرط.
وقال أبو حنيفة: لا يقطع إن نقصت قيمته قبل القطع للسوق (1).
(ولو ابتلع داخل الحرز النصاب كاللؤلؤة، فإن تعذر إخراجه) عادة كالطعام
(فهو كالتالف، لا حد) على المبتلع (ولو اتفق خروجها بعد خروجه) فإنه
لم يقصد الإخراج من الحرز وإن اتفق. وكذا إن تعذر إخراجه إلا وقد نقصت قيمته
عن النصاب (ويضمن المال) عينا إن خرجت، وإلا فبالمثل أو القيمة.
(وإن كان خروجها مما لا يتعذر بالنظر إلى عادته) فخرج وهي في
جوفه (قطع، لأنه) أي الابتلاع (يجري مجرى إيداعها في وعاء).
وللعامة قولان، ثانيهما أنه لا قطع مطلقا، لأنه متلف بالابتلاع، ولأنه
مكره على الإخراج، فإنه لا يمكنه الخروج لا معها (2). واحتمله الشيخ في
المبسوط (3) وهو ضعيف.
(ولو أخرج المال وأعاده إلى الحرز، قيل) في المبسوط (4) والخلاف (5):
(لم يسقط القطع لحصول السبب التام) له (وفيه إشكال ينشأ من أن القطع
موقوف على المرافعة، فإذا) أعاده فكأنه (دفعه إلى مالكه) وإذا دفعه إليه
(سقطت المطالبة) وإنما يمكن المطالبة لو أعاده ولم يعلم المالك، ولا أظهره
السارق إذا دفع أو تلف في الحرز قبل الوصول إلى المالك.
ويندفع بالنظر إلى عبارة المبسوط، فإنها كذا: فإن نقبا معا، فدخل أحدهما
فأخذ نصابا فأخرجه بيده إلى رفيقه، وأخذه رفيقه ولم يخرج هو من الحرز، كان
القطع على الداخل دون الخارج، وهكذا إذا رمى به من داخل فأخذه رفيقه من



(1) اللباب: ج 3 ص 209، الهداية للمرغيناني: ج 2 ص 128.
(2) الشرح الكبير: ج 10 ص 260.
(3) المبسوط: ج 8 ص 28.
(4) المبسوط: ج 8 ص 29.
(5) الخلاف: ج 5 ص 422 المسألة 11.
591
خارج، وهكذا لو أخرج يده إلى خارج الحرز والسرقة فيها ثم رده إلى الحرز،
فالقطع في هذه المسائل الثلاث على الداخل دون الخارج. وقال قوم: لا قطع على
واحد منهما، والأول أصح (1). انتهت.
ونحوها عبارة الخلاف (2) وظاهرها تلف المال بعد الرد إلى الحرز قبل الوصول
إلى المالك، كما في المسألتين الأولتين، وأنه إنما ذكر المسألة لبيان أن القطع على
الداخل أو الخارج أو لا قطع، ولو أراد العموم أمكن أن يريد أنه لا يسقط عنه
القطع وإن لم يقطع لعدم المطالبة، كما قال بعيد ذلك: إذا سرق عينا يجب فيها القطع
فلم يقطع حتى ملك السرقة بهبة أو شراء، لم يسقط القطع عنه، سواء ملكها قبل
الرفع إلى الحاكم أو بعده، إلا أنه إن ملكها قبل الترافع لم يقطع، لا لأن القطع يسقط،
لكن لأنه لا مطالب له بها، ولا قطع بغير مطالبة بالسرقة (3). ونحوه في الخلاف (4).
(ولو هتك الحرز جماعة، فأخرج المال أحدهم اختص بالقطع) لأنه
السارق. وفض السرقة أبو حنيفة (5) عليهم، فإن أصاب كلا منهم بقدر النصاب قطعهم.
(ولو قربه أحدهم) من النقب (فأخرجه آخر، فالقطع على المخرج)
لذلك. وقال أبو حنيفة: لا قطع على أحد منهما (6).
(ولو وضعه الداخل في وسط النقب وأخرجه الخارج، قيل) في
المبسوط (7) والمهذب (8) والجواهر (9): (لا قطع على أحدهما، لأن كلا منهما
لم يخرجه عن كمال الحرز) فهو كما لو وضعه الداخل في بعض النقب، فاجتاز
مجتاز فأخذه من النقب.
وعند ابن إدريس (10) والمحقق (11) أنه يقطع الخارج، لصدق اسم السارق عليه،



(1 و 7) المبسوط: ج 8 ص 29.
(2) الخلاف: ج 5 ص 422 المسألة 11.
(3) المبسوط: ج 8 ص 30.
(4) الخلاف: ج 5 ص 426 المسألة 17.
(5) الشرح الكبير: ج 10 ص 256.
(6) الشرح الكبير: ج 10 ص 257.
(8) المهذب: ج 2 ص 539.
(9) جواهر الفقه: ص 227 المسألة 784.
(10) السرائر: ج 3 ص 497.
(11) شرائع الإسلام: ج 4 ص 179.
592
لأنه هتك الحرز، وأخرج المال منه. قال ابن إدريس: فمن أسقط القطع، فقد أسقط
حدا من حدود الله بغير دليل بل بالقياس والاستحسان، وهذا من تخريجات
المخالفين وقياساتهم على المجتاز، قال: وأيضا فلو كنا عاملين بالقياس ما ألزمنا
هذا، لأن المجتاز ما هتك حرزا ولا نقب، فكيف يقاس الناقب عليه؟! قال: وأيضا
فلا يخلو الداخل من أنه أخرج المال من الحرز، أو لم يخرجه، فإن كان أخرجه
فيجب عليه القطع، ولا أحد يقول بذلك، فما بقي إلا أنه لم يخرجه من الحرز،
وأخرجه الخارج من الحرز الهاتك له، فيجب عليه القطع لأنه نقب وأخرج المال
من الحرز، ولا ينبغي أن تعطل الحدود بحسن العبارات وتزويقاتها، وثقلها
وتوريقاتها، وهو قولهم: ما أخرجه من كمال الحرز، أي شيء هذه المغالطة، بل
الحق أن يقال: أخرجه من الحرز، أو من غير الحرز، ولا عبارة عند التحقيق سوى
ذلك، وما لنا حاجة إلى المغالطات بعبارات كمال الحرز (1) انتهى.
وفي المختلف: وتحقيقه أن نقول: إن المقدور الواحد إن امتنع وقوعه من
القادرين، فالقطع عليهما معا، لأنه لا فرق حينئذ بين أن يقطعا كمال المسافة دفعة،
وأن يقطعاها على التعاقب، فإن الصادر عن كل منهما ليس هو الصادر عن الآخر،
بل وجد المجموع منهما، وإن سوغناه فالقطع على الخارج; لظهور الفرق حينئذ
بين وقوع القطع منهما دفعة أو على التعاقب (2).
يعني لا خلاف في أنهما إن أخرجاه دفعة من كمال الحرز قطعا، فإن امتنع
وقوع مقدور واحد من قادرين، كان لكل منهما فعل غير فعل الآخر، وبمجموع
الفعلين كمال الإخراج من الحرز. وكذا في المسألة فعليهما القطع كما عليهما هناك.
وإن ساغ أمكن الفرق بأنهما إذا أخرجاه دفعة فعل كل منهما كمال الإخراج
بخلافهما هنا. والحق أن الخروج من الحرز آني وهو نهاية الحركة، فلا فرق بين
امتناع وقوع مقدور واحد بقادرين وجوازه في أن الخروج في المسألة إنما تحقق



(1) السرائر: ج 3 ص 498.
(2) مختلف الشيعة: ج 9 ص 219.
593
بفعل الأخير، وأما ما قبله من الحركة فلا عبرة بها، كما إذا نقلاه معا من موضعه إلى
النقب، ثم استقل أحدهما بالإخراج، فكما لا عبرة بالحركة إلى النقب، فكذا هنا.
وقيل: النقب خارج عن الحرز، فالقطع على الأول. وسيأتي احتمال قطعهما
في الكتاب أيضا.
[الشرط] (الثامن: أن يهتك الحرز منفردا أو مشتركا) شاركه الآخر
في السرقة أو لا، كما روي عن قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر السكوني: لا يقطع
إلا من نقب نقبا، أو كسر قفلا (1). ولأنه إذا لم يهتك الحرز لم يكن مخرجا له منه،
فإنه إذا انهتك لم يبق المال في الحرز.
(فلو هتك هو وأخرج آخر، لم يقطع أحدهما) وإن اتفقا في المجيء،
وفي حكم الهتك التسلق على الجدار، والتغييب عن الناظر إن اعتبرنا النظر.
[الشرط] (التاسع: أن يخرج المتاع بنفسه أو بالشركة من حرز) بالإجماع
والنصوص (2) (إما بالمباشرة، أو بالتسبيب) النازل منزلة المباشرة (مثل أن
يضعه) على ماء جار فخرج به، أو (على ظهر دابة في الحرز ويخرجها به)
بأن ساقها أو قادها. وكذا إن سارت بنفسها حتى خرجت، كما في المبسوط (3)
خلافا للتحرير (4) وسيأتي استشكاله هنا.
(أو) يضعه (على جناح طائر من شأنه العود إليه) أي السارق (ولو لم
يكن) من شأنه العود (فهو كالمتلف) في الحرز، فلا قطع عليه (وإن اتفق العود).
(أو يشده بحبل ثم يجذبه من خارج) أو يدخل خشبة معوجة فجره
إلى خارج.
(أو يأمر صبيا غير مميز أو مجنونا بإخراجه) فأخرجه (فإن القطع



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 509 ب 18 من أبواب حد السرقة ح 3.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 508 ب 18 من أبواب حد السرقة.
(3) المبسوط: ج 8 ص 27.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 372.
594
يتوجه على الآمر، لأن الصبي والمجنون كالآلة) أما مع التمييز فلا قطع على
الآمر، لخروج الصبي عن الآلية، ولا على المأمور، لعدم التكليف.
[الشرط] (العاشر: أن يأخذه سرا، فلو هتك) الحرز (قهرا ظاهرا
وأخذ، لم يقطع) بالإجماع، والنصوص (1) والخروج عن مفهوم السارق.
(وكذا) لا يقطع (المستأمن والمودع لو خان) لعدم الإحراز عنهما.
وكان الأولى بالشروط الأربعة الأخيرة أن تذكر في الركن الثالث، فإنها من
خصوصيات الفعل، والشبه أيضا منها ما ينبغي أن تدرج في خصوصيات الفعل،
وهي شبهة الإذن في الأخذ من المالك أو الشارع، والشبهة الحاصلة للحاكم في
كون فعله سرقة; لادعائه الاتهاب ونحوه.
(الركن الثالث: الفعل)
(وهو الإخراج من حرز سرا) بغير إذن من المالك ولا شبهة، وكأنه يفهم
من قوله: من حرز، فإن المراد به ما أحرز المال عن مخرجه. وأوجب أحمد القطع
على المنتهب والمختلس والخائن في وديعة، أو عارية (2).
(وفيه مطالب) ثلاثة، لاشتمال الإخراج من الحرز على لفظين لابد من
تحقيقهما، ثم الإخراج لا يتيسر بدون إبطال الحرز، فلابد من التكلم فيه:
(الأول: الحرز
وهو ما يعد في العرف حرزا) أي موضعا حصينا لما أحرز فيه (لعدم
تنصيص الشارع عليه، فيحال على العرف) كغيره (وهو) أي الحرز العرفي،
أو العرف (متحقق فيما على سارقه خطر، لكونه ملحوظا دائما، أو مقفلا



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 502 ب 12 من أبواب حد السرقة ح 18.
(2) المجموع: ج 20 ص 78.
595
عليه، أو مغلقا) عليه (أو مدفونا) وفاقا للخلاف (1) والمبسوط (2) بناءا على
أن جميع ذلك قضية العرف. وخلافا للسرائر (3) والشرائع (4) والمراسم (5) والوسيلة (6)
وظاهر المقنعة (7) وغيرها، فلم يعتبر في شيء منها النظر، وهو خيرة المختلف (8)
والتحرير (9) والإرشاد (10) والتلخيص (11) والتبصرة (12) للشبهة في كونه حرزا، وفي
كون الأخذ معه سرقة أو اختلاسا، إذ لا يتصور إلا بغفلة الناظر، وقول
أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يقطع إلا من نقب نقبا، أو كسر قفلا (13).
(وقيل) في النهاية: (كل موضع ليس لغير المالك الدخول إليه إلا
بإذنه (14)) ونسب ذلك في المبسوط (15) والتبيان (16) والغنية (17) إلى أصحابنا،
وادعى الإجماع عليه في الغنية.
قال ابن إدريس: وهذا على إطلاقه غير مستقيم، لأن دار الإنسان إذا لم تكن عليها
باب، أويكون عليها باب ولم تكن مقفلة ولا مغلقة ودخلها إنسان وسرق منها شيئا،
لاقطع عليه بلا خلاف، ولا خلاف أنه ليس لأحد الدخول إليها إلا بإذن مالكها (18).
قلت: ولذا قال ابن حمزة: إنه كل موضع لا يجوز لغير مالكه الدخول فيه، أو
التصرف بغير إذنه، وكان مغلقا أو مقفلا (19).
وبالجملة: (فلا قطع على من سرق من غير حرز كالأرحية) جمع



(1) الخلاف: ج 5 ص 419، 420 المسألة 6، 7.
(2 و 15) المبسوط: ج 8 ص 22.
(3) السرائر: ج 3 ص 483.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 175.
(5) المراسم: ص 258.
(6 و 19) الوسيلة: ص 418.
(7) المقنعة: ص 804.
(8) مختلف الشيعة: ج 9 ص 201.
(9) تحرير الأحكام: ج 5 ص 359.
(10) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 183.
(11) تلخيص المرام: ص 205.
(12) تبصرة المتعلمين: ص 197.
(13) وسائل الشيعة: ج 18 ص 509 ب 18 من أبواب حد السرقة ح 3.
(14) النهاية: ج 3 ص 320.
(16) التبيان: ج 3 ص 517.
(17) الغنية: ص 430.
(18) السرائر: ج 3 ص 484.
596
رحى (والحمامات، والمواضع المنتابة والمأذون في غشيانها، كالمساجد)
كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر السكوني: كل مدخل يدخل فيه بغير إذنه
يسرق منه السارق، فلا قطع. قال الراوي: يعني الحمام والأرحية (1).
وأما حسن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) في رجل أتى رجلا فقال: أرسلني فلان
إليك لترسل إليه بكذا وكذا، فأعطاه وصدقه، فلقي صاحبه فقال: ما أرسلته إليك
وما أتاني بشيء، وزعم الرسول أنه أرسله وقد دفعه إليه، فقال (عليه السلام): إن وجد عليه
بينة أنه لم يرسله قطع يده، وإن لم يجد بينة فيمينه بالله ما أرسلته، ويستوفي الآخر
من الرسول المال، قال: أرأيت إن زعم أنه إنما حمله على ذلك الحاجة، فقال: يقطع،
لأنه سرق مال الرجل (2) فيجوز أن يكون الحكم فيه القطع أيضا وإن لم يدخل في
السرقة المعروفة شرعا، لإفساده، كالأخبار الواردة في قطع من باع حرا أو حرة (3).
وما في حسنه عنه (عليه السلام) أن صفوان بن أمية كان مضطجعا في المسجد الحرام
فوضع رداءه وخرج يهريق الماء وقد سرق حين رجع، فأخذ صاحبه فرفعه إلى
النبي (صلى الله عليه وآله) فقال (عليه السلام): اقطعوا يده (4) لا يأبى أن يكون حين خرج أحرز رداءه.
وأما قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر علي بن أبي رافع في العقد الذي
استعارته ابنته (عليه السلام) من بيت المال: لو كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة
مردودة لكانت إذا أول هاشمية قطعت يدها في سرقة (5) فمع تسليم السند، لا يأبى
أن يراد أنها كانت قطعت لو تحققت شروطه.
ويحتمل أن يكون لو أخذته لا على جهة السرقة المعروفة وشروطها - لكن لا
على جهة العارية المضمونة المردودة - عوقبت بذلك وإن لم يدخل في عمومات



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 509 ب 18 من أبواب حد السرقة ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 507 ب 15 من أبواب حد السرقة ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 514 ب 20 من أبواب حد السرقة.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 329 ب 17 من أبواب مقدمات الحدود ح 2.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 521 ب 26 من أبواب حد السرقة ح 1.
597
السرقة ومعناها المعروف شرعا، كما ذكرنا في أول حسني الحلبي.
ولا يبعده ما فيهما (1) من نسبة السرقة كما قال الصادق (عليه السلام) في خبر إسماعيل
بن كثير بن سالم: السراق ثلاثة: مانع الزكاة، ومستحل مهور النساء، وكذلك من
استدان دينا ولم ينو قضاءه (2).
(إلا مع المراعاة الدائمة، على إشكال): من الإشكال في كونها حرزا
عرفا، ومن عموم الآية (3) ومن عموم قول أمير المؤمنين (عليه السلام): كل مدخل يدخل فيه
بغير إذن فيسرق منه السارق فلا قطع عليه (4).
(وفي قطع سارق ستارة الكعبة) وهي محيطة بها (إشكال): من الشبهة
في الإحراز، ومن ادعاء الإجماع على القطع في ظاهر المبسوط (5) وما رواه
أصحابنا من أن القائم (عليه السلام) إذا قام قطع أيدي بني شيبة وعلق أيديهم على البيت،
ونادى مناديه: هؤلاء سراق الله (6).
قال في الخلاف: ولا يختلفون في ذلك (7). يعني في الرواية، وفيه أن قطعهم لا
يتعين كونه لسرقة الستارة.
(ولا قطع على من سرق من الجيب أو الكم الظاهرين) لخروجهما
عن الحرز، وللإجماع كما في الخلاف (8) وللأخبار، كقول الصادق (عليه السلام) في خبر
عبد الرحمن بن أبي عبد الله: ليس على الذي يطر الدراهم من ثوب الرجل قطع (9).



(1) في المطبوع: ولا يبعد ما فيها.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 522 ب 27 من أبواب حد السرقة ح 1.
(3) المائدة: 38.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 509 ب 18 من أبواب حد السرقة ح 2.
(5) المبسوط: ج 8 ص 33.
(6) وسائل الشيعة: ج 9 ص 352 ب 22 من أبواب مقدمات الطواف ح 3 و 9 و 13.
(7) الخلاف: ج 5 ص 430 المسألة 22.
(8) الخلاف: ج 5 ص 451 المسألة 51.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 504 ب 13 من أبواب حد السرقة ح 1.
598
(ويقطع لو كانا باطنين) لدخولهما في الحرز، وللأخبار، كقول الصادق (عليه السلام)
لعيسى بن صبيح: يقطع الطرار والنباش (1).
والأصحاب قاطعون بالتفصيل، وينص عليه خبر السكوني عنه (عليه السلام): إن
أمير المؤمنين (عليه السلام) أتي بطرار قد طر دراهم من كم رجل، فقال: إن كان طر
من قميصه الأعلى لم أقطعه، وإن كان طر من قميصه الداخل قطعته (2). ونحوه
خبر مسمع عنه (عليه السلام) (3).
وظهر منهما أن المراد بالظاهر ما على الثوب الأعلى، وبالباطن ما على ما
تحته، كما نص عليه في الخلاف (4). ولا يختلف الحال فيهما بأن يكون المال
مشدودا أو لا، كان الشد من خارج أو داخل. قال في الخلاف: وقال جميع الفقهاء:
عليه القطع، ولم يعتبروا قميصا فوق قميص إلا أن أبا حنيفة قال: إذا شده فعليه
القطع، والشافعي لم يفصل (5).
وفي المبسوط بعد التفصيل بالظاهر والباطن: فإذا أدخل الطرار يده في جيبه
فأخذه، أو بط الجيب والصرة معا فأخذه، فعليه في كل هذا القطع، والكم مثله على
ما قلناه إن أدخل يده فأخذه، أو خرق الكم أو بطه فأخذه، أو بط الخرقة فأخذه
فعليه القطع. وأما إن شده في كمه كالصرة، ففيه القطع عند قوم، سواء جعله في جوف
كمه وشده كالصرة من خارج الكم أو شده من داخل حتى صارت الصرة في جوف
كمه. وقال قوم: إن جعلها في جوف الكم وشدها من خارج، فعليه القطع، وإن
جعلها من خارج وشدها من داخل فلا قطع، وهو الذي يقتضيه مذهبنا (6). انتهى.
(ولا) قطع (في) سرقة (ثمرة على شجرها، بل) إنما يقطع إذا سرق



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 512 ب 19 من أبواب حد السرقة ح 10.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 504 ب 13 من أبواب حد السرقة ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 505 ب 13 من أبواب حد السرقة ذيل ح 2.
(4 و 5) الخلاف: ج 5 ص 451 المسألة 51.
(6) المبسوط: ج 8 ص 45.
599
(بعد قطعها وإحرازها) كما قال الصادق (عليه السلام) في خبر الفضيل: إذا أخذ الرجل
من النخل والزرع قبل أن يصرم فليس عليه قطع، فإذا صرم النخل وحصد الزرع
فأخذ قطع (1). وقال النبي (صلى الله عليه وآله) في خبر السكوني: لا قطع في ثمر ولا كثر (2) وقال
أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر الأصبغ: لا يقطع من سرق شيئا من الفاكهة (3).
هكذا أطلقت الأخبار والأصحاب (و) لكن (لو كانت الشجرة في
موضع محرز كالدار، فالأولى القطع) بسرقة ثمرها (مطلقا) للعمومات،
وخصوص خبر إسحاق عن الصادق (عليه السلام) في رجل سرق من بستان عذقا قيمته
درهمان، قال: يقطع به (4). وقال الصدوق: إذا أكل الرجل من بستان غيره بقيمة ربع
دينار أو أكثر، لم يكن عليه قطع ما لم يحمل منه شيئا (5). والأمر كما قال فإنه مع
الإحراز إنما أتلف في الحرز.
(ولا) قطع (على من سرق مأكولا في عام مجاعة) كما مر.
(وحرز الأموال يختلف باختلافها) لاختلاف العرف باختلافها، خلافا
للخلاف (6) والمبسوط (7) والسرائر (8) ففيها أن كل حرز لشيء حرز لجميع الأشياء،
وهو خيرة التحرير (9) لعموم الآية (10) وقطع سارق رداء صفوان من تحت رأسه في
المسجد (11). وضعفهما ظاهر، إلا أن يمنع اختلاف العرف.
وعلى الأول (فحرز الأثمان والجواهر، الصناديق تحت الأقفال، والأغلاق



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 517 ب 23 من أبواب حد السرقة ح 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 517 ب 23 من أبواب حد السرقة ح 3.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 517 ب 23 من أبواب حد السرقة ح 5.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 517 ب 23 من أبواب حد السرقة ح 7.
(5) المقنع: ص 449.
(6) الخلاف: ج 5 ص 419 المسألة 6.
(7) المبسوط: ج 8 ص 22.
(8) السرائر:، ج 3 ص 483.
(9) تحرير الأحكام: ج 5 ص 359.
(10) المائدة: 38.
(11) وسائل الشيعة: ج 18 ص 329 ب 17 من أبواب مقدمات الحدود ح 2.
600
الوثيقة في العمران) دون الصحاري والبساتين، كما سيأتي. ولابد من كون
الصناديق في بيت أو دكان مغلق كما في المبسوط (1).
(وحرز الثياب وما خف) قيمته (من المتاع كالصفر والنحاس، في
(الدكاكين والبيوت المقفلة في العمران) كان فيها أحد أم لا.
(ولو كانت) البيوت أو الدكاكين (مفتوحة و) لكن (فيها خزائن مقفلة،
فالخزائن حرز لما فيها، وما خرج عنها فليس بمحرز، إلا مع مراعاة صاحبها)
إن جعلنا المراعاة حرزا.
(والبيوت في البساتين والصحراء إن لم يكن فيها أحد فليست حرز)
الشيء (وإن كانت مغلقة) فإن قضية العرف أن من أحرز شيئا فيها فقد ضيعه
(وإن كان فيها أهلها أو حافظ) منتبه أو نائم (فهي محرزة) للعرف.
(والاصطبل) في العمران (حرز للدواب مع الغلق أو المراعاة، على
إشكال) في المراعاة.
(وفي كون إشراف الراعي على الغنم في الصحراء حرزا نظر) من
الإشكال في كون المراعاة حرزا (و) على كونها حرزا يقول: (الموضع
في) نحو (الشارع والمسجد محرز بلحاظ صاحبه، بشرط أن لا ينام
ولا يوليه ظهره) بل يديم لحاظه (وأن لا يكون هناك زحام يشغل
الحس عن حفظ المتاع).
(والملحوظ بعين الضعيف) كالطفل والمجنون (في) نحو (الصحراء)
والمشارع والمسجد (ليس محرزا، إذ لا يبالي به) ويقال لمن وضع متاعه
كذلك واتكل على نظره: إنه ضيعه.
(والمحفوظ في قلعة محكمة إذا لم يلحظ) ولا جعل في بيت مغلق أو مقفل
(فليس بمحرز) وإن كانت القلعة مغلقة، لسهولة النقب والتسلق من غير خطر.



(1) المبسوط: ج 8 ص 26.
601
(ولبس الثوب حرز له) وربما كان أحرز له من الصناديق المقفلة (وكذا
التوسد عليه) كما روي في رداء صفوان بن أمية (1) (ما لم ينم) ويحتمل
الإحراز معه كما في المبسوط (2).
(ولو كان المتاع بين يديه - كقماش البزازين والباعة - في درب أو
دكان مفتوح وكان مراعيا له ينظر إليه، فهو محرز، على إشكال) تقدم
(ولو نام، أو كان غائبا عن مشاهدته) ولو بتولية ظهره (فليس بمحرز).
(والدار بالليل) فضلا عن النهار (حرز وإن نام) أو غاب عنها (صاحبها
إذا كانت) في العمران وكانت (مغلقة، ولو كانت مفتوحة وصاحبها مراع) لما
فيها (فحرز على إشكال) تقدم (وإلا) يراعه (فلا وإن اعتمد في النهار) فضلا
عن الليل (على ملاحظة الجيران) لتساهلهم في الرعاية إذا عرفوا أن فيها صاحبها.
نعم إن غاب عنها واستحفظهم ما فيها، كانت حرزا إن كانت الرعاية حرزا.
(ولو ادعى السارق) لما ادعي إحرازه بالنظر (أنه نام، سقط القطع) للشبهة.
(والخيام إن نصبت افتقر) في إحرازها وإحراز ما فيها (إلى الملاحظة)
إن كانت حرزا (ولا يكفي) في شيء منها (إحكام الربط وتنضيد الأمتعة)
فيها (عن دوام اللحظ) خلافا للشيخ (3) فاكتفى بهما مع كون صاحبها في الخيام
أو بقربها، منتبها أو نائما عن إحرازها وإحراز ما فيها. واكتفى بهما أبو حنيفة (4) في
إحراز ما فيها خاصة، قال: ولا يجب القطع بسرقتها، ولا بسرقتهما معا.
(والدواب محرزة بنظر الراعي في الصحراء) إن كان النظر حرزا (إذا
كان على نشز) ليشرف عليها، أو كان معها في أرض مستوية، فإن كان بحيث
يرى بعضها خاصة اختص المنظور إليه بالحرز، ولا عبرة ببلوغ صوته إياها إذا
دعاها أو زجرها، وإنما العبرة بقوته على الذب عنها، لقوته في نفسه وقربه منها.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 509 ب 18 من أبواب حد السرقة ح 4.
(2 و 3) المبسوط: ج 8 ص 24.
(4) انظر المبسوط للسرخسي: ج 9 ص 155.
602
(وفي كون القطار محرزا بالقائد) مع مراعاته للكل، وكثرة التفاته وراءه،
وتمكنه من مشاهدة الكل إذا التفت (نظر، أقربه اشتراط سائق معه) لأن
الظاهر أن الإحراز لا يحصل بدونه، لعدم دوام الالتفات (بل) إنما (يحرز
بنفسه ما زمامه بيده). نعم لو مشى القائد القهقرى كان كالسائق.
واكتفى في المبسوط (1) بالقائد مع الشرطين، أعني تمكنه من مشاهدة الكل
وكثرة التفاته وراءه.
(والراكب يحرز مركوبه وما أمامه) من دابة أو متاع إن اعتبرنا النظر، لا
ما خلفه. وعن أبي حنيفة (2) أنه يحرز واحدا مما خلفه من الدواب المقطرة، بناء
على أن القائد كاف في الإحراز.
(و) يحرز (السائق) للدواب المقطرة (جميع ما قدامه مع النظر)
إن اعتبرناه ولم يزد عدد القطار على ما يمكن معه الذب عنه. ونفى عنه
الخلاف في الخلاف (3).
(ولو سرق الجمل بما عليه وصاحبه نائم عليه) وهو حر قوي على الحفظ
(لم يقطع، لأنه في يد صاحبه) وللعامة (4) وجه بالقطع، لأنه أخرجه من المأمن
إلى مضيعة. وإن كان من عليه مملوكا قطع كما في المبسوط (5) لأنه أيضا مسروق.
(ولو سرق من الحمام) شيئا (ولا حافظ فيه، فلا قطع، ولو كان فيه
حافظ فلا قطع أيضا ما لم) يحرزه أو (يكن قاعدا على المتاع) يديم
مراعاته إن اعتبرناها (لأنه مأذون في الدخول فيه، فصار كسرقة الضيف)
ما لم يحرز عنه (من البيت المأذون له في دخوله. ولو كان صاحب الثياب
ناظرا إليها) دائما، وكان قويا على الحفظ (قطع. ولو أودعها) صاحبها



(1) المبسوط: ج 8 ص 23.
(2) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 252.
(3) الخلاف: ج 5 ص 420 المسألة 7.
(4) الشرح الكبير: ج 10 ص 266.
(5) لم نعثر عليه.
603
(الحمامي) أو غيره (لزمه مراعاتها بالنظر والحفظ، فإن تشاغل عنها)
بغيرها (أو ترك النظر إليها) عمدا أو سهوا (فسرقت غرم لتفريطه) وكذا إن
كان ازدحام يمنع من الحفظ بالنظر فلم يحرزها بغيره فسرقت (ولا قطع على
السارق) لعدم الإحراز عنه (وإن تعاهدها الحمامي) أو غيره.
وبالجملة: المودع (بالحفظ والنظر) حيث يكفي عادة (فسرقت، فلا
غرم) لعدم التفريط (ويثبت القطع) على السارق للاحراز.
(وحرز حائط الدار) وأجزائه (بناؤه فيها إذا كانت في العمران مطلقا
أو) كانت (في الصحراء مع الحافظ) قال الشيخ: لأن كل ما كان حرزا لغيره
فهو لنفسه حرز (1).
(فإن أخذ من آجر الحائط أو خشبه) المبني فيه - وهو من الأجزاء،
لكن لما كان ربما يتوهم الخلاف خص بالذكر - (نصابا في هذه الحال) عن
حال بقائه مبنيا، لا إذا انهدم (وجب قطعه) ولم يوجبه ابن إدريس (2).
(ولو هدم الحائط ولم يأخذه، لم يقطع، كما لو أتلف النصاب في الحرز).
(وباب الحرز) من الدور (المنصوب فيه محرز) بالنصب (سواء كان
مغلقا أو مفتوحا) كما في المبسوط (3) وظاهر الخلاف (4) والتحرير (5) (على
إشكال): من التردد في كفاية النصب في إحرازه، أو اشتراطه بالغلق، وهو خيرة
السرائر (6) (فيقطع سارقه إن كانت الدار محرزة بالعمران، أو بالحفظ) وهو
إذا كانت في الصحراء. هذا في باب الدار.
(وباب الخزانة والبيت في الدار محرزة إن كان باب الدار مغلقا وإن
كان) نفسه (مفتوحا) كسائر ما فيها.



(1) المبسوط: ج 8 ص 25، وفيه: في نفسه.
(2 و 6) السرائر: ج 3 ص 501.
(3) المبسوط: ج 8 ص 25.
(4) الخلاف: ج 5 ص 452 المسألة 53.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 361.
604
(ولو كان باب الدار مفتوحا فليس بمحرز إلا أن يكون مغلقا، أو مع
المراعاة) إن اعتبرت لقضاء العرف بذلك.
(وحلقة الباب محرزة مع السمر) فيه، كما في المبسوط (1) والتحرير (2)
(على إشكال) من التردد في كونه حرزا لها، ولم يقطع به ابن إدريس (3).
(ولو سرق باب مسجد) أو الكعبة كما في التحرير (4) (أو شيئا من
سقفه، لم يقطع) لأن بابه وجدرانه ليست بحرز لما فيه، فأولى أن لا تكون حرزا
لأنفسها وأجزائها. وفي الكعبة في مثل هذه الأيام نظر. نعم إن كانت بحيث ينتابها
الناس - كالمساجد - كانت كذلك.
وفي التحرير أنه يجب على قول الشيخ القطع (5). ولعله لإطلاقه أن النصب
حرز للباب. ثم هو مبني على القطع بسرقة الأوقاف العامة.
(والقبر حرز للكفن) إجماعا على ما في الإيضاح (6) والكنز (7) ولا ينافيه
ما في الفقيه (8) والمقنع (9) كما سيظهر (فلو نبش وسرقه) بأن أخرجه من القبر لا
من اللحد خاصة (قطع) إجماعا كما في الغنية (10) والسرائر (11) وللأخبار، كقول
أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر أبي الجارود: يقطع سارق الموتى، كما يقطع سارق
الأحياء (12). وفي خبر الشحام: يقطع النباش (13) وللعمومات.
فإن قيل: كيف يقطع، ولا مالك للكفن؟



(1) المبسوط: ج 8 ص 25.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 361.
(3) السرائر: ج 3 ص 501.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 363.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 363.
(6) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 533.
(7) كنز الفوائد: ج 3 ص 644.
(8) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 67 ح 5118.
(9) المقنع: ص 447.
(10) الغنية: ص 434.
(11) السرائر: ج 3 ص 515.
(12) وسائل الشيعة: ج 18 ص 511 ب 19 من أبواب حد السرقة ح 4.
(13) وسائل الشيعة: ج 18 ص 511 ب 19 من أبواب حد السرقة ح 5.
605
أجيب عنه في الخلاف (1) والمبسوط (2) بوجوه: الأول: أنه على حكم ملك
الميت، ولا يمتنع أن يكون ملكا له في حياته، وفي حكم ملكه بعد وفاته كالدين
في ذمته في حياته، وفي حكم الثابت في ذمته بعد وفاته.
والثاني: أنه ملك للوارث، والميت أحق به، ولا بعد فيه، كما لو خلف تركة
وعليه دين، فالتركة ملك للوارث والميت أحق بها لقضاء دينه. ولذا لو أكل الميت
سبع، أو ذهب به السيل كان الكفن للوارث.
والثالث: أنه لا بعد في أن لا يكون ملكا لأحد ويتعلق به القطع، كالأوقاف
العامة على قول.
فإن قيل: إنه ملك للوارث، أو في حكم ملك الميت، كان المطالب الوارث
يطالب به، ويقطع النباش. قال في المبسوط: وهو الذي يقتضيه مذهبنا، قال: وإن
كان الميت عبدا كان الكفن للسيد.
وإذا قلنا: لا مالك له، كان المطالب هو الحاكم (3).
وفي المبسوط: إن كان الميت لم يخلف شيئا وكفنه الإمام من بيت المال فلا يقطع
بلا خلاف، لأن لكل أحد في بيت المال حقا مشتركا فإذا حضر الإمام كان أحق به من
غيره، وزال الاشتراك فيه، فلو سرقه سارق منه في حياته قطع، كذلك الكفن مثله (4).
وفي التحرير: ولا يفتقر الحاكم في قطع النباش إلى مطالبة الوارث إن قلنا إنه
يقطع زجرا (5).
وفي المقنع: أنه ليس على النباش قطع، إلا أن يؤخذ وقد نبش مرارا، فإذا كان
كذلك قطعت يمينه (6).
وفي الفقيه: أن النباش إذا كان معروفا بذلك قطع (7). فيحتمل أن يكون نباشا لم



(1) الخلاف: ج 5 ص 435 المسألة 28.
(2 و 3 و 4) المبسوط: ج 8 ص 34.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 364.
(6) المقنع: ص 447.
(7) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 67 ح 5118.
606
يسرق الكفن، كما هو ظاهر خبر علي بن سعيد سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل أخذ
وهو ينبش، قال: لا أرى عليه قطعا إلا أن يؤخذ وقد نبش مرارا فأقطعه (1).
ويحتمله قوله (عليه السلام) في خبر الفضيل: النباش إذا كان معروفا بذلك قطع (2). وفي
مرسل ابن بكير: إذا أخذ أول مرة عزر، فإن عاد قطع (3).
(وهل يشترط النصاب؟ خلاف) فممن اشترطه المفيد (4) وسلار (5)
والمحقق (6) وابنا زهرة (7) وحمزة (8) لعموم ما دل على اشتراطه، والأصل، والشبهة.
وربما أمكن أن يفهم من نحو ما مر من خبر أبي الجارود (9) وقوله (عليه السلام) في خبر
إسحاق: إنا لنقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا (10). وقول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن
البختري: حد النباش حد السارق (11).
ولم يشترطه ابن إدريس في آخر كلامه، قال: لإجماع أصحابنا، وتواتر
أخبارهم بوجوب قطع النباش من غير تفصيل، وفتاويهم على ذلك. قال: وما ورد
في بعض الأخبار، وأقوال بعض المصنفين بتقييد وتفصيل ذلك بالمقدار في الدفعة
الأولى، فمثل ذلك لا يخصص العموم، لأن تخصيص العموم يكون دليلا قاهرا مثل
العموم في الدلالة (12). انتهى. وهو خيرة الإرشاد (13).
(وقيل) في السرائر: و (يشترط) النصاب (في الدفعة الأولى خاصة) أما
اشتراطه فيها، فلقولهم (عليهم السلام): سارق موتاكم كسارق أحيائكم، ولا خلاف في اشتراطه



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 513 ب 19 من أبواب حد السرقة ح 11.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 513 ب 19 من أبواب حد السرقة ح 15.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 514 ب 19 من أبواب حد السرقة ح 16.
(4) المقنعة: ص 804.
(5) المراسم: ص 258.
(6) شرائع الإسلام: ج 4 ص 176.
(7) الغنية: ص 434.
(8) الوسيلة: ص 423.
(9) تقدم في ص 639.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 513 ب 19 من أبواب حد السرقة ح 12.
(11) وسائل الشيعة: ج 18 ص 510 ب 19 من أبواب حد السرقة ح 1.
(12) السرائر: ج 3 ص 515.
(13) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 183.
607
في السرقة من الأحياء (1). وأما عدمه بعدها فللإفساد، كمن سرق حرا صغيرا فباعه.
وللجمع بين الأخبار، فإن منها ما أوجب القطع، وهي كثيرة (2) ومنها ما لم
يوجب عليه إلا التعزير، كما مر من مرسل ابن بكير (3) وخبر عيسى بن صبيح أنه
سأل الصادق (عليه السلام) عن الطرار والنباش والمختلس، قال: لا يقطع (4). ولا حاجة
إليه، إذ ليس فيهما سرقة الكفن.
وفي نكت النهاية (5) أنه لاقطع عليه حتى يصير ذلك عادة له، وقد أخذ كل مرة نصابا
فما فوقه، لاختلاف الأخبار، وحصول الشبهة، وخصوص ما سمعته من خبر علي بن
سعيد (6). وفيه: أن الأخبار النافية للحد إنما نفته عن النباش، فلعله من لم يأخذ شيئا.
(ولو نبش ولم يأخذ عزر) كما مر في مرسل ابن بكير (7) وقول الصادق (عليه السلام)
لعلي بن سعيد: إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع ويعزر (8) فإن تكرر يقطع كما في
الأخبار المتقدمة (9).
(فإن تكرر) ثلاثا (وفات السلطان) كما في المقنعة (10) والمراسم (11)
والنهاية (12) وأقيم عليه الحد كما في التهذيب (13) والاستبصار (14) والجامع (15)



(1) السرائر: ج 3 ص 512.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 510 ب 19 من أبواب حد السرقة.
(3 و 7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 514 ب 19 من أبواب حد السرقة ح 16.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 512 ب 19 من أبواب حد السرقة ح 10.
(5) النكت بهامش النهاية: ج 3 ص 337.
(6 و 8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 513 ب 19 من أبواب حد السرقة ح 13.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 513، 514 ب 19 من أبواب حد السرقة ح 11، 13، 16.
(10) المقنعة: ص 804.
(11) المراسم: ص 259.
(12) النهاية: ج 3 ص 337.
(13) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 118 ذيل الحديث 471.
(14) الاستبصار: ج 4 ص 248 ذيل الحديث 940.
(15) الجامع للشرائع: ص 563.
608
(كان له قتله للردع) لما في مرسلي ابن أبي عمير وأبي يحيى الواسطي أن
أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر بنباش فوطئه الناس حتى مات (1). وليس في شيء منهما
تكرار الفعل، ولا الفوت من السلطان. والحمل على التكرار حسن، للاحتياط في
الدم، والجمع بينهما وبين سائر الأخبار. وإذا جاز القتل بمجرد النبش مرات،
فأولى إذا نبش وأخذ الكفن.
وظاهر العبارة عدم وجوب القتل، وإليه ذهب المفيد (2) وسلار (3). وأوجبه
الشيخ (4).
(وليس القبر حرزا لغير الكفن) لأن العرف لا يقتضيه (فلو البس
الميت من غير الكفن كثوب) زائد على الواجب والمسنون والحلي، أو وضع
معه شيء، أو وضع في تابوت فسرق شيء من ذلك (لم يقطع سارقه، وكذا
العمامة) والقناع ليسا من الكفن، كما مر في الطهارة.
(ثم الخصم) للسارق (الوارث إن كان الكفن منه) كما مر، وقد سمعت
ما في التحرير. (والأجنبي إن كان منه) لبقاء ملكه وإن كان الميت أحق به، كما
مر في الوارث.
وفي التحرير: أن الخصم هو الوارث مطلقا، وأنه مع التبرع يصير ملكا له (5).
(ولو كان الحرز ملكا للسارق إلا أنه في يد المسروق منه بإجارة أو
عارية، قطع) للعمومات.
وقالت الحنفية (6) وبعض الشافعية (7): لا قطع على من سرق من بيت مستعار



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 511، 514 ب 19 من أبواب حد السرقة ح 3، 17.
(2) المقنعة: ص 804.
(3) المراسم: ص 259.
(4) التهذيب: ج 10 ص 118 ذيل الحديث 471.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 364.
(6 و 7) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 256.
609
منه. وبعض الحنفية (1): لا قطع على من سرق من بيت مستأجر منه.
(وإن كان) في يده (بغصب، لم يقطع) لأن له هتك الحرز، وإذا هتكه لم
يبق المال في حرز.
(والأقرب أن الدار المغصوبة ليست حرزا عن غير المالك) أيضا،
وفاقا للمبسوط (2) لأنه إحراز بغير حق فكان كالمفقود. ويحتمل الخلاف، للعمومات.
(ولو كان في الحرز مال مغصوب للسارق) فهتكه (فأخذ) ماله
خاصة، فلا قطع. وكذا إن اختلط المالان، بحيث لا يتميزان - من نحو الطعام
والدهن - فلم يأخذ إلا قدر ماله - أو ما زاد - أقل من النصاب، وإن أخذ (غير
المغصوب) المتميز عنه وحده، أو معه بقدر النصاب (فالأقرب القطع إن هتك
لغير المغصوب) خاصة، أو لهما، لأنه هتك حرز محرم، أريد به السرقة، فوجد
المقتضي للقطع وانتفى المانع (وإلا) بل هتك لأخذ ماله (فلا) قطع، لأنه هتك
رخص فيه، وبعده فإنما أخذ مال غيره من غير حرز، ويصدق في قصده.
وأطلق في المبسوط قطعه، واستدل له بأنه لما سرق مال الغاصب، فالظاهر
أنه هتك الحرز للسرقة، وأنه الذي يقتضيه رواياتنا (3).
(ولو جوزنا للأجنبي انتزاع المغصوب بطريق الحسبة) فهتك الحرز،
وأخرجه حسبة فلا قطع، وإن أخرجه مع مال الغاصب بقدر النصاب (جاء
التفصيل) فإن هتك الحرز لانتزاع المغصوب خاصة لم يقطع، وإن هتكه لسرقة
غيره قطع. وإن لم يجوز له ذلك قطع بسرقة المغصوب فضلا عن غيره، والمطالب
به الغاصب كما في المبسوط (4) أو المالك.
(المطلب الثاني: في إبطال الحرز)
(وهو بالنقب، أو فتح الباب، أو القفل) أو الإزالة عن نظر الملاحظ إن



(1) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 256.
(2) المبسوط: ج 8 ص 33.
(3 و 4) المبسوط: ج 8 ص 32.
610
اعتبرنا الملاحظة، أو إزالة الباب أو الحلقة عما نصب فيه إن جعلنا النصب حرزا.
(فلو نقب) ليلة (ثم عاد في الليلة الثانية للإخراج) فأخرج (فالأقرب
القطع، على إشكال): من صدق حقيقة السرقة عليه، فإنه هتك الحرز وأخرج
النصاب وهو خيرة التحرير، ومن أنه في الليلة الأولى هتك الحرز ولم يخرج،
وفي الثانية أخرج من غير حرز (إلا أن يطلع المالك) على الهتك (ويهمل)
حتى أخرج، فإنه بالإهمال أخرج ماله عن الإحراز.
ولو اشتركا في النقب وانفرد أحدهما بالأخذ قطع خاصة.
(ولو اشتركا في النقب والأخذ، قطعا إن بلغ نصيب كل منهما نصابا)
لا إن بلغه المجموع كما عرفت، وقد مر الخلاف فيه.
(ولو أخذ أحد شريكي النقب سدسا) للدينار (والآخر ثلثا، قطع
صاحب الثلث خاصة) اجتمعا في أخذ مجموع الخمسة أسداس أو انفرد كل
بشيء. وما ذكر من أنهما يقطعان إذا اشتركا في النقب والأخذ كذلك (مع أنه لو
نقب واحد وأخرج آخر سقط) القطع (عنهما) لأن الهتك فعل والإخراج
فعل آخر، ولا قطع إلا على من جمع بينهما. وعن أبي حنيفة (1) قطع الناقب.
(ولا يشترط في الاشتراك في النقب الشركة في كل ضربة، أو
التحامل على آلة واحدة، بل التعاقب في الضرب) أيضا (شركة) لأنه
ذريعة إلى السرقة، فإنها في الحقيقة الأخذ، والهتك شرط القطع به، وهو يحصل
بذلك (بخلاف قطع العضو في القصاص) فإنه نفس الفعل الموجب للقصاص،
فلا يشتركان ما لم يقطعا معا بآلة واحدة بضربة واحدة. ومثله النقب في الضمان،
فإنه إذا امتاز ما هدمه كل مما هدمه الآخر، ضمن كل ما هدمه.
وإذا اشتركا في الضربة ضمنا معا ما اشتركا فيه كذلك.



(1) لم نعثر عليه.
611
وللعامة (1) وجه بمساواة النقب للقطع في اشتراط الاشتراك بالتحامل بآلة
واحدة معا.
ولافرق في حصول الاشتراك في النقب بين تساويهما في الضربات وعدمه، حتى
لو ضرب أحدهما ضربة مؤثرة أثرا بينا والآخر ألف ضربة كذلك اشتركا، ولا بين
اشتراكهما من أول الأمر إلى آخره وعدمه، حتى إذا ضرب أحدهما من أول الأمر
ضربة كذلك وكان الباقي من الجدار في غاية الحصانة والإحراز، حصلت الشركة.
(ولو نقبا، فدخل أحدهما وأخرج المتاع إلى باب الحرز، فأدخل الآخر
يده وأخذه قطع هو لا الأول) وكذا لو وقف أحدهما على طرف السطح، ونزل
الآخر وجمع الثياب وشده بحبل فرفعها الأول، قطع هو خاصة.
(ولو وضعه) أحدهما، أو رماه (خارج الحرز، فعليه) القطع (دون
الثاني) وإن أخذه من الخارج.
(ولو وضعه في وسط النقب فأخذه الآخر) وأخرجه (احتمل
قطعهما) لاشتراكهما في الإخراج. (و) احتمل (عدمه) أي القطع (فيهما)
كما في المبسوط (2) وقد مر الخلاف واحتمالان آخران.
(ولو هتك الحرز صبيا أو مجنونا، ثم كمل، ثم أخرج) قبل اطلاع
المالك وإهماله (ففي القطع نظر): من أنه الآخذ والهاتك، ومن خروجه عن
التكليف حين الهتك، وحين التكليف إنما أخذه من حرز منهتك، والقطع إنما
يترتب عليهما، فإذا وقع أحدهما حين عدم التكليف، لم تترتب عليه عقوبة.
(المطلب الثالث في الإخراج) الموجب للقطع
(إذا رمى المال إلى خارج الحرز قطع، سواء أخذه) بعد ما خرج (أو
تركه) فإن الموجب للقطع ومسمى السرقة الإخراج من الحرز خفية، وقد حصل.



(1) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 298.
(2) المبسوط: ج 8 ص 29.
612
وللعامة (1) قول بأنه إن لم يأخذه بعده فهو متلف لا سارق، سواء أخذه من
يعينه أو لا، وآخر بأنه سارق إن أخذه نفسه أو من يعينه. وعن أبي حنيفة (2) أنه
لابد من الخروج مع السرقة.
(ولو وضع المتاع على الماء) الجاري، داخل الحرز إلى خارجه (حتى
جرى به إلى خارج الحرز، قطع) لأن الماء آلة لإخراجه، ولا فرق بين
الإخراج بنفسه أو بآلة.
(ولو وضعه على ظهر الدابة) وساقها أو قادها إلى خارج، أو كانت تسير
إلى خارج فوضعه عليها فسارت به قطع. وللعامة (3) وجه بالعدم ضعيف.
وإن وضعه على دابة واقفة (فخرجت) بنفسها (بعد هنيئة، ففي القطع
إشكال): من أن حركة الدابة إرادية ولم يسيرها فلم يفعل الإخراج، ومن فعله
السبب وضعف المباشر، وهو خيرة المبسوط (4).
(ولو أخرج الشاة) ونحوها (فتبعتها سخلتها أو) شاة (غيرها
فإشكال): من أنه لم يخرج التابعة وهو خيرة التحرير (5) ومن أن إخراجه المتبوعة
تسبيب لخروجها ومن طبعها المتابعة، خصوصا السخلة.
(ولو حمل عبدا صغيرا من حريم دار سيده، ففي القطع إشكال من حيث)
التردد في (أنه) أي الحريم (حرز أو لا. ولو دعاه وخدعه على الخروج
من الحرز) وهو غير مميز قطع، فإنه كالبهائم، وإن خدعه (وهو مميز فلا قطع،
إذ حرزه قوته وهي معه) فإنه لم يكرهه، وإن أكرهه ولو بالتخويف قطع.
(ولو حمل حرا ومعه ثيابه، ففي دخول الثياب تحت يده) أي الحامل
(نظر): من استيلائه على صاحبها، ومن الأصل وعدم دخول الحر تحت اليد،



(1) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 259.
(2) لم نعثر عليه.
(3) المجموع: ج 20 ص 90.
(4) المبسوط: ج 8 ص 27.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 377.
613
وهو خيرة المبسوط (أقربه الدخول مع الضعف) لأنه بالاستيلاء رفع قدرته
عليها فدخلت تحت يده، وهو لما كان حرا لم يدخل تحت يده (لا) مع
(القوة) استصحابا لليد، لعدم عورض المزيل.
(و) على تقدير دخولها تحت يده (في كونه سارقا) لها إن كانت مع
صاحبها في حرز، فهتكه وحمل المالك بثيابه وهو مستيقظ عالم (إشكال): من
الإخراج من الحرز خفاء من المطلع الذي يخاف منه وعليه منه خطر، ومن علم
المالك وحضوره وأخذ الثياب اغتصابا.
(ولا يقطع بالنقل من زاوية من الحرز إلى زاوية اخرى).
(ولو أخرج من البيت المغلق إلى الدار المغلقة) التي تصلح حرزا له
(فلا قطع) لأنه كما نقله من زاوية من الحرز إلى اخرى.
(ولو كان) النقل من البيت المغلقة (إلى) الدار (المفتوحة قطع) إن لم
يكن فيها من يحرز بالنظر إن اعتبر.
(ولو أخرج من البيت المفتوح) الذي ليس فيه من يحرز بالنظر إن اعتبر
(إلى الدار مطلقا) مفتوحة أو مغلقة (فلا قطع) وهو ظاهر.
(وإذا أحرز المضارب مال المضاربة، أو المستودع الوديعة، أو)
المستعير (العارية، أو) الوكيل (المال الذي وكل فيه) في إحرازه، أو نقله، أو
نحو ذلك (فسرقه أجنبي فعليه القطع) لأنهم نواب المالك في الإحراز، ولكل
منه ومنهم المطالبة.
(ولو غصب عينا، أو سرقها وأحرزها فسرقها سارق فلا قطع) إذا لم
يحرزها المالك ولا نائبه، وليس له المطالبة، والآخر ليس مالكا لها، فليس له
المطالبة أيضا.
(ولو ترك المتاع) الذي أخذه في الحرز (في ماء راكد فانفتح فخرج،
أو على حائط في الدار) حيث لم يخرج من الحرز (فأطارته الريح إلى

614
خارج، فالأقرب) كما في المبسوط (1) (عدم القطع (2)) لأنه لم يخرجه من
الحرز بنفسه، ولا بآلة قصدها آلة وإن اتفق أن صار الماء أو الريح آلة. ويحتمل
القطع، لأنه خرج بسبب منه، والمباشرة لا عبرة (3).
وإن رمى به إلى خارج فأعانته الريح قطع وإن كان - لولا الريح - لم يخرج،
فإنه قصد الإخراج.
(الفصل الثاني فيما تثبت به السرقة)
(إنما تثبت) بالنسبة إلى القطع (بشهادة عدلين، أو الإقرار مرتين) كما قطع
به الأصحاب، وحكى عليه الإجماع في الخلاف (4) وبه مرسل جميل عن أحدهما (عليهما السلام)
قال: لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين، فإن رجع ضمن السرقة ولم يقطع
إذا لم يكن شهود (5). وروي أن سارقا أقر عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فانتهره، فأقر
ثانيا، فقال: أقررت مرتين، وقطعه (6). وعن أبان بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) أنه
قال: كنت عند عيسى بن موسى فأتي بسارق وعنده رجل من آل عمر، فأقبل
يسألني، فقلت: ما تقول في السارق إذا أقر على نفسه أنه سرق؟ قال: يقطع، قلت:
فما تقولون في الزنا إذا أقر على نفسه أربع مرات؟ قال: نرجمه، قلت: فما يمنعكم
من السارق إذا أقر على نفسه مرتين أن تقطعوه؟ فيكون بمنزلة الزاني (7).
وعن المقنع: إن الحر إذا اعترف على نفسه عند الإمام مرة واحدة بالسرقة
قطع (8). ولم أره فيما عندي من نسخة، ولكن به صحيح الفضيل عن الصادق (عليه السلام)



(1) المبسوط: ج 8 ص 27.
(2) في القواعد زيادة: وإن قصده.
(3) في ق زيادة: به، والمناسب: بها.
(4) الخلاف: ج 5 ص 443 المسألة 40.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 487 ب 3 من أبواب حد السرقة ح 1.
(6) دعائم الإسلام: ج 2 ص 474 ح 1701.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 488 ب 3 من أبواب حد السرقة ح 4.
(8) المقنع: ص 448، وفيه: " إن الحر إذا أقر على نفسه لم يقطع " ونقله عنه في مختلف الشيعة:
ج 9 ص 210.
615
قال: إذا أقر الحر على نفسه بالسرقة مرة واحدة عند الإمام قطع. وسيأتي نحو منه
في العبد، وحمله الشيخ على التقية (1).
ويحتمل تعلق الظرف بالسرقة، فيكون محملا في عدد الإقرار. ويقربه إمكان
توهم المخاطب - أو بعض الحاضرين في المجلس - أنه لا يقطع ما لم تتكرر
السرقة، ولولا ظهور الاتفاق من الأصحاب على الاشتراط بالمرتين; احتملنا في
الخبر الأول تعلق مرتين بقوله (عليه السلام) احتمالا ظاهرا، على أن الشبهة تدرأ الحدود،
وهي مبنية على التخفيف.
واحتمل في المختلف أن يخالف الإقرار عند الإمام إياه عند غيره، لأن
الإنسان يحترز عند الإمام ويتحفظ من الاعتراف بما يوجب العقوبات، وفي
الغالب إنما يقر عنده إذا أقر عند غيره، فلهذا أوجب القطع عليه بإقراره عنده مرة
واحدة، لأنه في الغالب يقع عقيب إقرار آخر عند الناس (2).
وفي كتاب التحصين للسيد رضي الدين بن طاووس (رحمه الله) عن كتاب نور الهدى
للحسن بن أبي طاهر، عن الأصبغ أنه أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) جماعة بعبد أسود
موثق كتافا، فقالوا: جئناك بسارق، فقال (عليه السلام): يا أسود أنت سارق؟ قال: نعم يا
مولاي، ثم قال له ثانية: يا أسود أنت سارق؟ قال: نعم يا مولاي، قال (عليه السلام): إن
قلتها ثالثة قطعت يمينك، يا أسود أنت سارق؟ قال: نعم، فقطع يمين الأسود (3).
(ولا تقبل شهادة النساء منفردات ولا منضمات في القطع) كسائر
الحدود (ويثبت في المال) ما شهد به رجل وامرأتان.
(وكذا لا يثبت القطع بالإقرار مرة، بل المال، ويثبت باليمين المردودة
المال دون القطع) كانت كالبينة أو الإقرار، لأن الثبوت بها خلاف الأصل خرج



(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 126 ذيل الحديث 504.
(2) مختلف الشيعة: ج 9 ص 210.
(3) لا يوجد لدينا ونقله عنه في بحار الأنوار: ج 40 ص 281 ح 44.
616
المال بالاجماع والنصوص، ولابتناء الحدود على التخفيف، وعموم لا يمين في
حد. وللعامة (1) قول بالثبوت.
(وينبغي للحاكم التعريض للمقر بالسرقة بالإنكار، فيقول: ما أخالك
سرقت) كسائر موجبات الحدود، كما أرشد إليه خبر الأصبغ، هذا الذي سمعته الآن،
فروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) أتي بلص قد اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع، فقال (صلى الله عليه وآله):
ما إخالك سرقت، قال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا، فأمر به فقطع (2).
(و) إنما (تسمع الشهادة) بها (مفصلة لا مجملة) لاشتراطها بشروط
تخفى على أكثر الناس، ووقع فيها الاختلاف. وإنما يجوز للشهود الشهادة إذا
شاهدوه هتك الحرز، أو تسور الجدار، أو اعترف عندهم بذلك وعلموا بملك
المسروق منه العين المسروقة، أو سمعوا إقرار السارق بها له.
(ويشترط في المقر: البلوغ، والعقل، والاختيار، والحرية، فلا ينفذ
إقرار الصبي وإن كان مراهقا) وعند من يسمع أقارير المراهق ينبغي سماعه
هنا في التأديب (ولا المجنون، ولا المكره، لا في المال ولا في القطع)
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر إسحاق: لا قطع على أحد يخوف من ضرب ولا
قيد ولا سجن ولا تعنيف، إلا أن يعترف، فإن اعترف قطع، وإن لم يعترف سقط عنه
لمكان التخويف (3). وقد أسلفنا قوله (عليه السلام) في خبر أبي البختري: من أقر عند تجريد
أو حبس أو تخويف أو تهديد، فلا حد عليه (4).
(ولو ضرب فرد السرقة بعينها بعد الإقرار بالضرب، قيل) في النهاية (5)
والمهذب (6) والجامع (7): (يقطع) وهو خيرة المختلف (8) لأن ردها قرينة، كالقئ



(1) المبسوط للسرخسي: ج 9 ص 182.
(2) سنن أبي داود: ج 4 ص 134 ح 4380.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 498 ب 7 من أبواب حد السرقة ح 3.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 497 ب 7 من أبواب حد السرقة ح 2.
(5) النهاية: ج 3 ص 329.
(6) لم نعثر عليه.
(7) الجامع للشرائع: ص 561.
(8) مختلف الشيعة: ج 9 ص 209.
617
قرينة على الشرب. وفيه: أنه لا دلالة له على السرقة المستجمعة لشرائط القطع
بوجه. ولخبر سليمان بن خالد سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل سرق سرقة فكابر
عنها، فضرب فجاء بها بعينها، هل يجب عليه القطع؟ قال: نعم (1). ولا يدل على أنه
ضرب على الإقرار، بل ظاهر السؤال أنه علم سرقته ببينة أو إقرار، وإنما ضرب
على رد المال (و) لذا كان (الأقرب المنع) للأصل.
(ولو أقر الساهي، أو الغافل، أو النائم، أو المغمى عليه لم يصح. ولو
أقر المحجور عليه لسفه) لسرقة عين موجودة (قطع، ولا يقبل في المال،
وكذا المفلس لكن يتبع بالعين) أو عوضها (بعد زوال الحجر).
ولا يقبل إقرار العبد إجماعا، كما في الخلاف (2) لأنه في حق الغير، ولقول
الصادق (عليه السلام) في صحيح الفضيل: إذا أقر العبد على نفسه بالسرقة لم يقطع (3).
وخصه الصدوق بمن يعلم منه أنه يريد الإضرار بسيده (4). وفي حسن ضريس
الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام): إن العبد إذا أقر على نفسه عند الإمام مرة أنه سرق
قطعه، وإذا أقرت الأمة على نفسها عند الإمام بالسرقة قطعها (5). وحمله الشيخ
على ما إذا انضاف إلى الإقرار الشهادة (6) وأقرب منه انضياف إقرار المولى.
ويحتمل أن يكون فاعل " قطعه " و " قطعها " من جرى اسمه من العامة في
مجلسه (عليه السلام). ويكون المعنى أنه يذهب إلى قطع المملوك بإقراره.
(والأقرب أن العبد إذا صدقه مولاه قطع) لأن الحق لا يعدوهما.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 497 ب 7 من أبواب حد السرقة ح 1.
(2) الخلاف: ج 5 ص 453 المسألة 54.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 532 ب 35 من أبواب حد السرقة ح 1.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 70 ذيل الحديث 5129.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 487 ب 3 من أبواب حد السرقة ح 2.
(6) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 112 ذيل الحديث 441.
618
ويحتمل العدم، بناءا على أنه لا عبرة بإقرار العبد أصلا، ورد العين إن بقيت قطعا
(وإلا يتبع بالسرقة بعد الحرية).
وهل يقطع؟ وجهان: من ارتفاع المانع، ومن اندرائه ابتداءا.
(ولو تاب بعد قيام البينة قطع) ولم يجز العفو، وفاقا للنهاية (1)
والشرائع (2) استصحابا لثبوته عليه، ولعموم قول أمير المؤمنين (عليه السلام) للأشعث: إذا
قامت البينة فليس للإمام أن يعفو (3).
وأطلق الحلبيان جواز عفو الإمام إذا تاب بعد الرفع (4).
(ولو تاب بعد الإقرار مرتين، على رأي) وفاقا لابن إدريس (5) (أو
رجع بعد المرتين) وفاقا للمبسوط (6) (لم يسقط الحد) استصحابا، ولعموم ما
دل على أخذ العقلاء بأقارير هم، وقول الصادق (عليه السلام) في خبر الحلبي: إذا أقر على
نفسه عند الإمام أنه سرق ثم جحد قطعت يده وإن رغم أنفه (7). وفي صحيح محمد
بن مسلم: إذا أقر الرجل على نفسه أنه سرق ثم جحد فاقطعه وإن رغم أنفه (8).
وخلافا للنهاية (9) والجامع (10) وإطلاق الكافي والغنية في التوبة، وهو خيرة
المختلف (11). وللخلاف (12) في الرجوع، فخير الإمام بين الأمرين، لابتناء الحدود
على التخفيف، ولأن التوبة تسقط العقوبة العظمى فغيرها أولى، ولما في مرسل
البرقي من أن أمير المؤمنين (عليه السلام) عفا عن رجل أقر بالسرقة لقراءته سورة البقرة،



(1) النهاية: ج 3 ص 330.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 177.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 331 ب 18 من أبواب مقدمات الحدود ح 3.
(4) الغنية: ص 434، الكافي في الفقه: ص 412.
(5) السرائر: ج 3 ص 491.
(6) المبسوط: ج 8 ص 40.
(7 و 8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 318 ب 12 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
(9) النهاية: ج 3 ص 329.
(10) الجامع للشرائع: ص 561 نسبه إلى رواية.
(11) مختلف الشيعة: ج 9 ص 213.
(12) الخلاف: ج 9 ص 444 المسألة 41.
619
وقال: إذا أقر الرجل على نفسه فذلك إلى الإمام، إن شاء عفا، وإن شاء قطع (1).
ولقول أحدهما (عليهما السلام) في مرسل جميل: لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين،
فإن رجع ضمن السرقة، ولم يقطع إذا لم يكن شهود (2). والرجوع فيه يحتمل
الجحد والتوبة، ويحتمل الرجوع بعد الإقرار مرة. وما تقدم من خبر الأصبغ عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قرر الأسود ثلاثا وقال: إن قلتها ثالثة قطعت يمينك (3).
فإنه لو لم يفد الرجوع لم يكن له جهة، وللإجماع كما ادعى في الخلاف (4).
(ولا) يسقط (الغرم) إجماعا.
(ولو تاب قبل البينة سقط القطع خاصة) اتفاقا، ولقول الصادق (عليه السلام) في
صحيح ابن سنان: السارق إذا جاء من قبل نفسه تائبا إلى الله ورد سرقته على
صاحبها فلا قطع عليه (5). ومرسل جميل عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل سرق أو
شرب الخمر أو زنى فلم يعلم بذلك منه، ولم يؤخذ حتى تاب وصلح، فقال: إذا
صلح وأصلح وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحد (6).
(الفصل الثالث في الحد)
(ويجب) بالإجماع والنصوص (7) (قطع الأصابع الأربع من اليد
اليمنى، ويترك له الراحة والإبهام) ليتمكن من غسل وجهه، وللاعتماد في
الصلاة كما قاله الصادق (عليه السلام) لهلال بن حابان الأسدي (8).



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 331 ب 18 من أبواب مقدمات الحدود ح 3.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 487 ب 3 من أبواب حد السرقة ح 1.
(3) الخرائج والجرائح: ج 2 ص 561، رواه من دون ذكر سند. وانظر بحار الأنوار: ج 40
ص 281 ح 44.
(4) الخلاف: ج 5 ص 444 المسألة 41.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 530 ب 31 من أبواب حد السرقة ح 1.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 327 ب 16 من أبواب مقدمات الحدود ح 3.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 489 ب 4 من أبواب حد السرقة.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 494 ب 5 من أبواب حد السرقة ح 8.
620
قال في المبسوط: إذا قدم السارق للقطع: اجلس، ولا يقطع قائما، لأنه أمكن
له وأضبط، حتى لا يتحرك فيجني على نفسه، وتشديده بحبل، وتمد حتى يتبين
المفصل، وتوضع على شيء لوح أو نحوه، فإنه أسهل وأعجل لقطعه، ثم يوضع على
المفصل سكين حاد، ويدق من فوقه دقة واحدة حتى تنقطع اليد بأعجل ما يمكن،
قال: وعندنا يفعل مثل ذلك بأصول الأصابع، أو يوضع على الموضع شيء حاد
ويمد عليه مدة واحدة، ولا يكرر القطع فيعذبه; لأن الغرض إقامة الحد من غير
تعذيب، فإن علم قطع أعجل من هذا; قطع به (1).
(فإن عاد قطعت رجله اليسرى) لا يده، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إني
لأستحيي من ربي أن أدعه ليس له ما يستنجي به، أو يتطهر به (2) (من مفصل
القدم، ويترك له العقب يعتمد عليها) في المشي والقيام. هذه عبارته هنا وفي
سائر كتبه سوى التلخيص. وعبارة المحقق (3) وظاهر ما في النهاية (4) ومجمع
البيان (5) أن القطع من أصل الساق، أي المفصل بين الساق والقدم، حتى لا يبقى
من عظام القدم إلا عظم العقب وما بينه وبين عظم الساق، وتسميه الأطباء كعبا.
ويوافقهم المصنف إن جعل من عظام القدم، ومستنده قول الصادق (عليه السلام) في
خبر أبي بصير: وإذا قطعت الرجل ترك العقب ولم يقطع (6). وقول أبي إبراهيم (عليه السلام)
في خبر إسحاق: تقطع رجله ويترك له عقبه يمشي عليها (7).
وفي المقنعة (8) أيضا: أنه من أصل الساق وترك له مؤخر القدم، والظاهر أنه لم



(1) المبسوط: ج 8 ص 35.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 492 ب 5 من أبواب حد السرقة ح 2.
(3) شرائع الإسلام: ج 4 ص 176.
(4) النهاية: ج 3 ص 327.
(5) مجمع البيان: ج 3 ص 192.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 489 ب 4 من أبواب حد السرقة ح 2.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 490 ب 4 من أبواب حد السرقة ح 4.
(8) المقنعة: ص 802.
621
يرد به إلا العقب. وكذا في المراسم (1): من أصل الساق، إلا أنه قال: وترك له القدم،
وفي المختلف (2): أنه عبارة رديئة. والظاهر سقوط لفظ " مؤخر " من القلم.
وفي الخلاف (3) والمبسوط (4) والتلخيص (5) أنه من عند معقد الشراك، من
عند الناتئ على ظهر القدم، ويترك له ما يمشي عليه. وتفصيله ما في السرائر (6)
من أنه من مفصل المشط ما بين قبة القدم وأصل الساق، ويترك بعض القدم - الذي
هو الكعب - يعتمد عليها في الصلاة.
وفي الكافي (7) والغنية (8) والإصباح (9): أنه من عند معقد الشراك، ويترك له
مؤخر القدم والعقب.
وعلى هذه العبارات إنما يقطع من وسط القدم كما في المقنع (10) وإنما يقطع من
عظامها الأصابع والمشط، فيبقى الرسغ (11) والعظم الزورقي والنردي والعقب وما
بينه وبين الساق من الكعب. ويوافقها ما في الوسيلة من أنه من الناتئ في ظهر
القدم، ويترك العقب (12). ولعله تسامح فاقتصر على العقب.
ومستندهم قول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة: فإن عاد قطعت رجله من وسط
القدم (13). وفي خبر عبد الله بن هلال: إنما تقطع الرجل من الكعب، ويترك له من
قدمه ما يقوم به ويصلي ويعبد ربه (14) إن كان " الكعب " فيه القدم كما هو المشهور.



(1) المراسم: ص 259.
(2) مختلف الشيعة: ج 9 ص 242.
(3) الخلاف: ج 5 ص 437 المسألة 31.
(4) المبسوط: ج 8 ص 35.
(5) تلخيص المرام: ج 40 ص 206.
(6) السرائر: ج 3 ص 489.
(7) الكافي في الفقه: ص 411.
(8) الغنية: ص 432.
(9) إصباح الشيعة: ص 523.
(10) المقنع: ص 445.
(11) الرسغ والرسغ: المفصل ما بين الساعد والكف أو الساق والقدم.
(12) الوسيلة: ص 420.
(13) وسائل الشيعة: ج 18 ص 489 ب 4 من أبواب حد السرقة ح 3.
(14) وسائل الشيعة: ج 18 ص 494 ب 5 من أبواب حد السرقة ح 8.
622
وفي الانتصار: يقطع من صدر القدم ويبقى له العقب (1). وهو يحتمل الأمرين،
والاقتصار على العقب على الناتئ (2) كاقتصار ابن حمزة.
وفي الجامع أنه من الكعب، وأنه يبقى له عقبه (3). وفسر الكعب في الطهارة
بقبة القدم، فالظاهر أنه كذلك. وعلى ما يقوله المصنف من إمكان تنزيل عبارات
الأصحاب على تفسير " الكعب " بما بين العقب والساق من العظم الخفي، يحتمل
مفهوم العبارات الأولة.
ومن الغريب ما في التبيان من قوله: فأما الرجل: فعندنا تقطع الأصابع الأربع
من مشط القدم، ويترك له الإبهام والعقب (4). وسأل هلال بن حابان الصادق (عليه السلام)
عن العلة في قطع يده اليمنى ورجله اليسرى، ولم لا تقطع اليمنى منهما؟
فقال (عليه السلام): إذا قطعت يده اليمنى ورجله اليمنى سقط على جانبه الأيسر ولم يقدر
على القيام، فإذا قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى اعتدل واستوى قائما (5).
(فإن عاد ثالثا خلد السجن) حتى يموت أو يتوب ويرى الإمام منه صلاحا
وإقلاعا، وأن في إطلاقه صلاحا، وأنفق عليه من بيت المال إن لم يكن له ما ينفق على
نفسه، كما في نحو خبري أبي بصير وأبي القاسم عن الصادق (عليه السلام) (6). ولا يقطع له عضو
آخر، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر محمد بن قيس: إني لأستحيي من الله أن أتركه
لا ينتفع بشيء، ولكني أسجنه حتى يموت في السجن، وقال: ما قطع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
من سارق بعديد هو رجله (7). وقال الصادق (عليه السلام) في مرسل حماد: لا يخلد في السجن
إلا ثلاثة: الذي يمثل، والمرأة ترتد عن الإسلام، والسارق بعد قطع اليد والرجل (8).



(1) الانتصار: ص 530.
(2) في ق و ل: الثاني والظاهر ما أثبتناه. وعلى أي حال العبارة لا تخلو عن غموض.
(3) الجامع للشرائع: ص 561.
(4) التبيان: ج 3 ص 517.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 494 ب 5 من أبواب حد السرقة ح 8.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 493 ب 5 من أبواب حد السرقة ح 3 و 6.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 492 ب 5 من أبواب حد السرقة ح 1.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 493 ب 5 من أبواب حد السرقة ح 5.
623
(فإن سرق بعد ذلك من السجن أو غيره قتل) اتفاقا كما في الخلاف (1)
والمبسوط (2) والغنية (3) والسرائر (4) وقد روي مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (5)
وعن سماعة عن الصادق (عليه السلام): إذا أخذ السارق قطع وسط الكف، فإن عاد قطعت
رجله من وسط القدم، فإن عاد استودع في السجن، فإن سرق في السجن قتل (6).
وفي الفقيه: وروي أنه إن سرق في السجن قتل.
(والنصاب في المرات بعد الأولى كهو في الأولى) للعمومات.
(ولو تكررت) منه (السرقة ولم يظفر به) أولا ثم ظفر به (حد حدا
واحدا) سواء اتحد المسروق منه أو اختلف، اتفاقا منا ومنهم، كسائر الحدود،
وسيأتي النص عليه.
(وإذا قطع يستحب حسمه بالزيت المغلى، نظرا له) لتنسد أفواه العروق
فينحسم خروج الدم منها. فقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) أتي بسارق، فقال: اذهبوا فاقطعوه
ثم احسموه (7). وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا قطع سارقا حسمه بالزيت (8). وفي خبر
محمد بن مسلم: أنه صلوات الله عليه أمر بلصوص أتي بهم أن تقطع أيديهم، ثم أمرهم
أن يدخلوا دار الضيافة، وأمر بأيديهم أن تعالج، وأطعمهم السمن والعسل واللحم
حتى برؤوا (9). وفي خبر منصور: أنه (عليه السلام) أتي بسراق فقطع أيديهم، ثم قال: يا قنبر
ضمهم إليك فداو كلومهم، وأحسن القيام عليهم، فإذا برؤوا فأعلمني (10).



(1) الخلاف: ج 5 ص 436 المسألة 30.
(2) المبسوط: ج 8 ص 35.
(3) الغنية: ص 432.
(4) السرائر: ج 3 ص 489.
(5) دعائم الإسلام: ج 2 ص 470 ح 1674، وليست فيه: " القطع من وسط الكف ".
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 493 ب 5 من أبواب حد السرقة ح 4.
(7) سنن البيهقي: ج 8 ص 271.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 528 ب 30 من أبواب حد السرقة.
(9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 528 ب 30 من أبواب حد السرقة ح 2.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 528 ب 30 من أبواب حد السرقة ح 3، وفيه: " عن حذيفة بن منصور ".
624
(وليس بواجب) عليه، للأصل، فإن أهمل فعله المقطوع استحبابا أيضا،
كمداواة سائر الكلوم والأمراض (ومؤونته عليه) دون الحاكم أو بيت المال،
للأصل، خلافا لبعض العامة (1) بناءا على كونه من تتمة الحد، فمؤونته كمؤونة
الحداد على بيت المال. وعندنا إن لم يقدر المقطوع ففي بيت المال.
(ولو كانت يده ناقصة إصبعا اجتزئ بالثلاث) و (حتى لو لم يبق
سوى إصبع غير الإبهام قطعت دون الراحة والإبهام) بشهادة الأخبار
والفتاوى على أن القطع من وسط الكف ومفصله.
(ولو كانت اليمنى شلاء قطعت ولم تقطع اليسرى) وفاقا للمشهور،
وحكى عليه الإجماع في الخلاف (2) والغنية (3) ويدل عليه عموم الأدلة، وصحيح
ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) في رجل أشل اليد اليمنى أو أشل الشمال سرق، فقال:
تقطع يده اليمنى على كل حال (4).
وفي المبسوط (5) والوسيلة (6): إن قال أهل العلم بالطب: إن الشلاء متى قطعت
بقيت أفواه العروق مفتحة، فكانت كالمعدومة، وإن قالوا: يندمل قطعت. وهو خيرة
المختلف (7) لأنه حينئذ لا يؤدي (8) إلى تلف النفس.
(وكذا) تقطع اليمنى (لو كانت اليسرى شلاء، أو كانتا شلاوين أولم يكن
له يسار) وفاقا للمشهور، للعمومات. وخلافا لأبي علي (9) فلا يرى قطعا على من
كانت يساره شلاء أو مفقودة، بل يخلده في الحبس، فإن القطع يؤدي إلى فقد اليدين،
فإن الشلاء كالمعدومة، والمعهود من حكمة الشارع إبقاء إحدى اليدين عليه، ولقول



(1) الحاوي الكبير: ج 13 ص 324.
(2) الخلاف: ج 5 ص 441 المسألة 37.
(3) الغنية: ص 432.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 501 ب 11 من أبواب حد السرقة ح 1.
(5) المبسوط: ج 8 ص 38.
(6) الوسيلة: ص 420.
(7) مختلف الشيعة: ج 9 ص 229.
(8) في ق و ل: يؤدي، بدون " لا ".
(9) كما في مختلف الشيعة: ج 9 ص 230.
625
الصادق (عليه السلام) في مرسل المفضل بن صالح: إذا سرق الرجل ويده اليسرى شلاء لم تقطع
يمينه ولا رجله (1). وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج سأله (عليه السلام) لو أن رجلا قطعت
يده اليسرى في قصاص فسرق ما يصنع به؟ فقال: لا يقطع ولا يترك بغير ساق (2).
وأجيب في المختلف عن الأول بالإرسال، وعن الثاني بالحمل على إظهاره
التوبة (3). وهو بعيد جدا.
(ولو ذهبت اليمنى بعد الجناية قبل القطع سقط) القطع رأسا، لتعلق
القطع باليمنى وقد فقدت، ولا دليل على قطع غيرها، كما أن العبد إذا جنى تعلقت
الجناية برقبته، فإذا هلك سقط الأرش. والظاهر انتفاء الخلاف فيه.
(ولو سرق ولا يمين له) ولم تقطع لسرقة (قطعت يسراه) كما في النهاية (4)
والوسيلة (5) والكامل (6) لأن الآية (7) نص في قطع اليد، والانتقال إلى الرجل إنما ثبت
بالإجماع والنصوص في المرة الثانية، والاختصاص باليمنى إنما ثبت إذا كانت.
(وقيل) في المبسوط (8) والمهذب (9): تقطع (رجله) اليسرى (10) لأنها
ثبتت محلا للقطع بالسرقة شرعا في الجملة، بخلاف يسرى اليدين. قال في
المبسوط: وعندنا ينتقل إلى الرجل وإن كان الأول قد روي أيضا (11).
(ولو لم يكن له) يمين ولا (يسار; قطعت رجله اليسرى) وفي
النهاية: اليمنى (12).



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 502 ب 11 من أبواب حد السرقة ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 502 ب 11 من أبواب حد السرقة ح 3.
(3) مختلف الشيعة: ج 9 ص 239.
(4) النهاية: ج 3 ص 328.
(5) الوسيلة: ص 420.
(6) لا يوجد لدينا، ونقله عنه في مختلف الشيعة: ج 9 ص 208.
(7) المائدة: 38.
(8 و 11) المبسوط: ج 8 ص 39.
(9) المهذب: ج 2 ص 544.
(10) في المطبوع: " اليمنى " والصحيح ما أثبتناه طبقا للمصدرين.
(12) النهاية: ج 3 ص 328، وفيه: " لم ينص على اليمنى ".
626
وفي الكل - مع ما تقدم - إشكال، ينشأ من تعلق الحد بعضو فلا ينتقل إلى غيره
بلا دليل، وتعلق القطع بيسرى الرجلين في المرة الثانية لا يكون دليلا على قطعها هنا.
(ولو لم يكن له يد ولا رجل حبس) كما في النهاية (1) لثبوته في الشرع
عقوبة للسرقة في الجملة.
وفي الحلبيات للشيخ: المقطوع اليدين والرجلين إذا سرق ما يوجب القطع،
وجب أن نقول: الإمام يتخير في تأديبه وتعزيره، أي نوع أراد يفعل، لأنه لا دليل
على شيء بعينه، وإن قلنا: يجب أن يحبس أبدا لانتفاء إمكان القطع، وغيره ليس
بممكن ولا يمكن إسقاط الحدود، كان قويا (2).
واختار ابن إدريس التعزير، وقال: لأن الحبس هو حد من سرق في الثالثة بعد
تقدم دفعتين أقيم عليه الحد فيهما، فكيف يفعل به ما يفعل في حد الدفعة الثالثة في حد
الدفعة الأولى؟ (3) قال في المختلف: ولا بأس به (4). وهو خيرة المحقق في النكت (5)
ولم يذكر في الكتاب حكم من سرق أولا ولا يدين له ولا رجل يسرى، ولا في النهاية
من لا يدين له ولا رجل يمنى، فيحتمل الانتقال إلى الرجل الباقية، وعلى ما في
الكتاب الانتقال إلى الحبس، وأما الانتقال إليه على ما في النهاية (6) فأضعف.
(ولو كان له إصبع زائدة) خارجة عن الأربع متميزة أثبتت، وإن لم يتميز
ثبت الخيار في القطع. وإن كانت ملتصقة بإحداها (ولم يمكن قطع الأربع إلا
بها قطع ثلاث) إبقاءا على الزائدة من باب المقدمة، لحرمة إتلافها، وإن أمكن
قطع بعض الأصبع الملتصقة اقتصر عليه.
ويحتمل أن لا يبالي بالزائدة فيقطع مع الأربع إذا لم يمكن قطعها بدونها.



(1) النهاية: ج 3 ص 328.
(2) لا توجد هذه المسائل لدينا، ونقله عنه في السرائر: ج 3 ص 489.
(3) السرائر: ج 3 ص 490.
(4) مختلف الشيعة: ج 9 ص 209.
(5) النكت بهامش النهاية: ج 3 ص 328.
(6) النهاية: ج 3 ص 328.
627
(ولو قطع الحداد اليسرى عمدا من دون إذن المقطوع) أو بإذنه إن لم
يسقط الإذن القصاص (فعليه القصاص، والقطع) اليمنى (باق) عليه، بناء
على ما مر من قطع اليمنى وإن فقدت اليسار.
(ولو ظنها اليمنى فعلى الحداد الدية، وفي سقوط القطع) عنه
(إشكال ينشأ: من الرواية المتضمنة لعدمه بعد قطع الشمال) وهي خبر
محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل امر به أن
تقطع يمينه، فقدم شماله فقطعوها وحسبوها يمينه، فقالوا: إنما قطعنا شماله، أنقطع
يمينه؟ قال: فقال: لا، لا تقطع يمينه وقد قطعت شماله (1). وهو خيرة الفقيه (2)
والمختلف، وزاد فيه: إنه يقطع منه مساوي اليمين للسرقة فيسقط، لاستيفاء مساوي
الحق منه (3) (ومن عدم استيفاء الواجب) من غير دليل على تنزل غيره منزلته،
وهو خيرة المبسوط (4) والتحرير (5).
والجواب: إن الخبر وحصول الشبهة به، دليل التنزل.
(ولو كان على معصم كفان) تتميز الأصلية منهما من الزائدة (قطعنا
الأصابع الأصلية) وإن لم يتمايزا، اختير إحداهما.
(وعلى السارق) عندنا (رد العين إن كانت باقية) عنده أو عند غيره
(ومثلها) إن كانت مثلية (أو قيمتها إن لم تكن مثلية مع التلف) موسرا كان
أم معسرا، للإجماع والنصوص، كقول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم: السارق
يتبع بسرقته وإن قطعت يده، ولا يترك أن يذهب بمال امرئ مسلم (6) وقول



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 496 ب 6 من أبواب حد السرقة ح 1.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 64 ذيل الحديث 5114.
(3) مختلف الشيعة: ج 9 ص 243.
(4) المبسوط: ج 8 ص 39.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 371.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 501 ب 10 من أبواب حد السرقة ح 4.
628
الصادق (عليه السلام) في خبر سليمان بن خالد: إذا سرق السارق قطعت يده وغرم ما أخذ (1).
وسئل أحدهما (عليهما السلام) في رجل سرق فتقطع يده بإقامة البينة عليه ولم يرد ما سرق، كيف
يصنع به في مال الرجل الذي سرقه منه؟ أو ليس عليه رده؟ وإن ادعى أنه ليس عنده
قليل ولا كثير، وعلم ذلك منه؟ قال: يستسعى حتى يؤدي آخر درهم سرقه (2).
وقال مالك: إن تلفت العين غرمها إن كان موسرا، ولم يغرمها إن كان معسرا
ولو أيسر بعد ذلك (3).
وقال أبو حنيفة: لا أجمع بين القطع والغرم للعين التالفة، فإن غرم له سقط
القطع، وإن سكت المالك حتى قطع، سقط الغرم (4). وقال في العين الباقية (5): إن صنع
فيها ما بدلها وجعلها كالمستهلكة لم يردها، كما إذا صبغ الثوب أسود لا أحمر، فإن
السواد بمنزلة استهلاكه، وكما إذا صنع من الحديد أو النحاس آلة أو آنية لا من
أحد النقدين، فإن الصنعة فيهما غير متقومة، ولذا لا يرفع عنهما حكم الربا.
(ولو نقصت) العين عنده (فعليه الأرش) كالغصب، ولو زادت فالزائد
للمالك وإن كانت بفعله (ولو كان لها أجرة فعليه الأجرة) لأنها تابعة للعين،
مملوكة لمن ملكها.
(ولو مات المالك ردها على ورثته، فإن لم يكن وارث فالإمام).
(وإذا سرق ولم يقدر عليه، ثم سرق ثانيا) فأخذ (قطع بالأولى) كما
في المقنع (6) والفقيه (7) والكافي (8) لتقدمها في السببية، وثبوت القطع بها ولم يطرأ
مسقط، ولقول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر بكير بن أعين: تقطع يده بالسرقة الأولى،



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 500 ب 10 من أبواب حد السرقة ح 1.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 500 ب 10 من أبواب حد السرقة ح 2.
(3 و 4 و 5) الحاوي الكبير: ج 13 ص 342.
(6) المقنع: ص 446.
(7) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 65 ذيل الحديث 5116.
(8) الكافي في الفقه: ص 412.
629
ولا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة، قال: لأن الشهود شهدوا جميعا في مقام واحد
بالسرقة الأولى والأخيرة قبل أن يقطع بالسرقة الأولى (1). (لا بالأخيرة) كما
في الشرائع (2) على أنه لم يرفع إلا في الثانية.
وتظهر فائدة القولين إذا تعدد المسروق منه، فعفا أحدهما وطالب الآخر. وعندي
أنه لا أثر له، فإن الخلاف - في الظاهر - إذا طولب بالسرقتين، فإنه لو طولب
بإحداهما تعين القطع لها أولة كانت أو ثانية، كما نص عليه في المختلف (3). ولا
عفو بعد المطالبة كما عرفت. ولذا أطلق الشيخ (4) وجماعة أن عليه قطعا واحدا.
(واغرم المالين).
(ولو قامت البينة بالسرقة) الأولى مثلا (ثم أمسكت حتى قطع) لها
يمناه (ثم شهدت) هي أو غيرها (بالسرقة الثانية) سواء اجتمعت المطالبتان
أو افترقتا أيضا (ففي قطع الرجل) اليسرى بها (قولان):
أحدهما: القطع، وهو للشيخ في النهاية (5) والخلاف (6) والصدوق (7) وابني
حمزة (8) وسعيد (9) لقول أبي جعفر (عليه السلام) في الخبر المتقدم: ولو أن الشهود شهدوا
عليه بالسرقة الأولى ثم أمسكوا حتى تقطع يده، ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة
قطعت رجله اليسرى (10). وللإجماع كما ادعى في الخلاف (11).
والثاني: العدم، وهو قول الشيخ في المبسوط (12) وابن إدريس (13) والمحقق (14)



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 499 ب 9 من أبواب حد السرقة ح 1.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 178.
(3) مختلف الشيعة: ج 9 ص 218.
(4) المبسوط: ج 8 ص 38.
(5) النهاية: ج 3 ص 333.
(6) الخلاف: ج 5 ص 441 المسألة 36.
(7) المقنع: ص 446.
(8) الوسيلة: ص 419.
(9) الجامع للشرائع: ص 561.
(10) وسائل الشيعة: ج 18 ص 499 ب 9 من أبواب حد السرقة ح 1.
(11) الخلاف: ج 5 ص 441 المسألة 36.
(12) المبسوط: ج 8 ص 38.
(13) السرائر: ج 3 ص 494.
(14) شرائع الإسلام: ج 4 ص 178.
630
وهو خيرة المختلف (1) والتحرير (2) قال في الخلاف: وهذا قوي، غير أن الرواية
ما قلناه، ودليله الأصل (3) والشبهة، لضعف الخبر، واختصاص دليل قطع الرجل
بما إذا سرق بعد قطع يد اليمنى.
(ولا يقطع السارق) عندنا (إلا بعد مطالبة المالك) تغليبا لحق الناس
فيه. ولذا لا يقطع إذا عفا قبل الرفع.
(فلو لم يرافعه لم يرفعه الإمام وإن قامت) عليه (البينة) بينة الحسبة
أو أقر بها مرتين (أو عرف الحاكم بعلمه) قال الصادق (عليه السلام) في خبر الحسين
بن خالد: الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب خمرا أن يقيم عليه
الحد، ولا يحتاج إلى بينة مع نظره، لأنه أمين الله في خلقه، وإذا نظر إلى رجل
يسرق، فالواجب عليه أن يزبره وينهاه ويمضي ويدعه، قال: كيف ذلك؟ قال: لأن
الحق إذا كان لله فالواجب على الإمام إقامته، وإذا كان للناس فهو للناس (4).
وفي الخلاف (5) والمبسوط (6) أنه يقطع إذا ثبت بالإقرار، لعموم النصوص،
ولأنه إنما كان لا يقطع بدون مطالبة المالك، لاحتمال الشبهة أو الهبة أو الملك،
وينتفي عند الإقرار، ولأنه إنما كان لا يقطع نظرا له وإبقاءا عليه، فإذا أقر فكأنه
الذي أقدم بنفسه على إقامة الحد عليه. ولا بأس به.
(و) لما كان المغلب في القطع حق الناس، كان (لو وهبه المالك العين)
بعد السرقة (أو عفا عن القطع قبل المرافعة، سقط القطع و) إن كان (لا
يسقط لو عفا، أو وهب بعدها).
ويدل عليهما الأخبار، كقول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة: من أخذ سارقا فعفا



(1) مختلف الشيعة: ج 9 ص 216.
(2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 371.
(3) الخلاف: ج 5 ص 441 المسألة 36.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 344 ب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح 3.
(5) الخلاف: ج 5 ص 445 المسألة 42.
(6) المبسوط: ج 8 ص 41.
631
عنه فذلك له، فإذا رفع إلى الإمام قطعه، فإن قال الذي سرق منه: أنا أهب له لم يدعه
الإمام حتى يقطعه إذا رفعه إليه، وإنما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام، وذلك قول الله
عز وجل: " والحافظون لحدود الله " فإذا انتهى إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه (1).
وحسن الحلبي سأله (عليه السلام) عن الرجل يأخذ اللص، يرفعه أو يتركه؟ فقال (عليه السلام):
إن صفوان بن أمية كان مضطجعا في المسجد الحرام، فوضع رداءه وخرج يهريق
الماء، فوجد رداءه سرق حين رجع، فقال: من ذهب برادئي؟ فذهب يطلبه، فأخذ
صاحبه فرفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): اقطعوا يده، فقال صفوان: تقطع يده
لأجل ردائي يا رسول الله؟! قال: نعم، قال: فأنا أهبه له، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فهلا
كان هذا قبل أن ترفعه إلي؟ قال الحلبي: قلت: فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه؟ قال:
نعم، قال: وسألته عن العفو قبل أن ينتهي إلى الإمام، فقال حسن (2). ونحوه خبر
الحسين بن أبي العلا عنه (3).
وقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ضريس: لا يعفى عن الحدود التي لله دون
الإمام، فأما ما كان من حقوق الناس فلا بأس أن يعفى عنه دون الإمام (4).
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر السكوني: لا يشفعن في حد إذا بلغ الإمام،
فإنه يملكه، واشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الدم (5). وفي الكافي (6) والفقيه (7):
إذا رأيت الندم.
والمتبادر من " العفو ": العفو عن القطع، ومن " الهبة ": هبة المال، وإن احتملت
العفو عن القطع، والشفاعة تحتملهما.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 330 ب 17 من أبواب مقدمات الحدود ح 3.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 329 ب 17 من أبواب مقدمات الحدود ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 330 ب 17 من أبواب مقدمات الحدود ذيل الحديث 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 330 ب 18 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 333 ب 20 من أبواب مقدمات الحدود ح 4.
(6) الكافي: ج 7 ص 254 ح 3.
(7) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 29 ح 3260.
632
(ولا يضمن سراية الحد) إلى عضو أو نفس، أي حد كان، لما مر في حد
الشرب، وقد مضى الخلاف (وإن أقيم في حر أو برد) لما مر من أن تحري
خلافهما مستحب.
(ولو أقر قبل المطالبة والدعوى، ثم طالب، قطع حينئذ لا قبله) لما
عرفت، وقد عرفت قول الشيخ (ولا فرق في) هذا (الحد بين الذكر
والأنثى) بالإجماع والنصوص (ولا الحر ولا العبد) إلا ما عرفت في العبد
من أنه لا يقطع إذا سرق من مال مولاه، ومن خلاف الصدوق (1) في الآبق.
(وإذا اختلف الشاهدان) بالسرقة (سقط القطع) كسائر مشهود عليه
اختلفا في ذات المال المسروق (مثل أن يشهد أحدهما أنه سرق ثوبا، وقال
الآخر: سرق كتابا، أو) في زمان السرقة، كأن (شهد أحدهما أنه سرق يوم
الخميس والآخر) أنه سرق يوم (الجمعة، أو أنه سرق من هذا البيت
والآخر) أنه سرق (من بيت آخر، أو) في صفات المسروق، ك‍ (أن يشهد
أحدهما أنه سرق ثوبا أبيض والآخر) أنه سرق ثوبا (أسود).
نعم لا يسقط بذلك الغرم، بل إذا حلف المالك مع أحدهما ثبت له المشهود به،
وإن حلف معهما ثبت له المشهود بهما.
(ولو قامت البينة بالسرقة فأنكر، لم يلتفت إلى إنكاره) وهو ظاهر
(فإن ادعى الملك السابق) على الأخذ، من شراء أو هبة أو غصب المدعي منه
(احلف المالك) لثبوت يده بالبينة، وربما أقر بها له، وغرم العين أو بدلها إن
تلفت (و) لكن (سقط القطع) عنه بمجرد الدعوى، كما مر (ولو نكل احلف
الآخر وقضي عليه) أي المالك.
* * *



(1) المقنع: ص 449.
633
(المقصد السابع)
(في حد المحارب)
(وفيه مطالب) ثلاثة:
(الأول: المحارب)
عندنا (كل من أظهر السلاح) أو غيره - من حجر ونحوه - كما سيأتي
(وجرده لإخافة الناس) المسلمين، ولعله الذي أراده المفيد (1) وسلار (2)
حيث قيدا بدار الإسلام (في بر أو بحر، ليلا كان أو نهارا، في مصر أو
غيره) في بلاد الإسلام أو غيرها، لإطلاق النصوص (3) والإجماع. واشترط
مالك (4) البعد من البلد بثلاثة أميال، وأبو حنيفة (5) بمسافة السفر.
(ولا تشترط الذكورة) كما اشترطها أبو علي (6) وابن إدريس في موضع حكى
التعميم لهن، والتمسك له بعموم الآية عن الخلاف والمبسوط، ثم قال: وهذان الكتابان
معظمهما فروع المخالفين، وهو قول بعضهم، اختاره (رحمه الله) ولم أجد لأصحابنا المصنفين
قولا في قتل النساء في المحاربة، والذي يقتضيه أصول مذهبنا أن لا يقتلن إلا



(1) المقنعة: ص 804.
(2) المراسم: ص 251.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 537 ب 2 من أبواب حد المحارب.
(4) الحاوي الكبير: ج 13 ص 360.
(5) بدائع الصنائع: ج 7 ص 92.
(6) كما في مختلف الشيعة: ج 9 ص 248.
634
بدليل قاطع، فأما تمسكه بالآية فضعيف، لأنها خطاب للذكران دون الإناث، ومن
قال: تدخل النساء في خطاب الرجال على طريق التبع; فذلك مجاز، والكلام في
الحقائق، والمواضع التي دخلن في خطاب الرجال فبالإجماع دون غيره، فليلحظ
ذلك. ثم قال بعد ذلك بعدة سطور: قد قلنا: إن أحكام المحاربين يتعلق بالرجال
والنساء سواء على ما فصلناه من العقوبات، لقوله تعالى: " إنما جزاء الذين يحاربون
الله ورسوله " الآية ولم يفرق بين النساء والرجال، فوجب حملها على عمومها (1).
قال في المختلف: وهذا اضطراب منه، وقلة تأمل، وعدم مبالات بتناقض
كلاميه (2).
(ولا) يشترط (العدد، بل الشوكة) ليتحقق المحاربة والإفساد (فلو
غالبت المرأة الواحدة بفضل قوة، فهي قاطعة طريق).
(ولا يشترط كونه من أهل الريبة) كما في النهاية (3) والمهذب (4) وفقه
القرآن للراوندي (5) (على إشكال): من العمومات وإنه لا أثر لاشتراطه، فإنه لا
يحد ما لم تتحقق المحاربة، وهو خيرة التحرير (6) والإرشاد (7). ومن قول أبي
جعفر (عليه السلام) في خبر ضريس والسكوني: من حمل السلاح بالليل فهو محارب، إلا
أن يكون رجلا ليس من أهل الريبة (8). وضعفه ظاهر مما عرفت.
(ومن لا شوكة له مختلس) أو مستلب، فله حكمهما الآتي.
(وهل يثبت قطع الطريق للمجرد) سلاحه للإخافة (مع ضعفه عن
الإخافة؟ الأقرب ذلك) لصدق المحاربة وشهر السلاح لها وإن لم يكن من



(1) السرائر: ج 3 ص 508 - 510.
(2) مختلف الشيعة: ج 9 ص 249.
(3) النهاية: ج 3 ص 334.
(4) المهذب: ج 2 ص 553.
(5) فقه القرآن: ج 2 ص 387.
(6) تحرير الأحكام: ج 5 ص 379.
(7) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 186.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 537 ب 2 من أبواب حد المحارب ح 1.
635
أهلها، فتشمله العمومات، وهو خيرة المحقق (1).
ويحتمل العدم، لاشتراط الشوكة، ومنع كفايتها بزعمه وصدق المحارب عليه،
مع التقييد في الآية (2) بالسعي في الفساد.
(ولا يشترط السلاح، بل لو اقتصر في الإخافة على الحجر والعصا،
فهو قاطع طريق) لعموم الآية. وإطلاق السلاح في الأخبار والفتاوى مبني على
الغالب على أن السلاح بالحديد، كما في العين (3) ونحوه ممنوع، بل الحق ما صرح
به الأكثر من أنه كل ما يقاتل به. وعن أبي حنيفة (4) اشتراط شهر السلاح من
الحديد، ويظهر احتماله من التحرير (5).
(وإنما يتحقق لو قصدوا) أخذ البلاد أو الحصون، أو أسر الناس واستعبادهم،
أو سبي النساء والذراري، أو القتل و (أخذ المال قهرا مجاهرة، فإن أخذوه
بالخفية فهم سارقون، وإن أخذوه اختطافا وهربوا فهم منتهبون) وإن
خرجوا أو قتلوا حين اختطفوا، وعلى التقديرين (لا قطع عليهم) كما يقطع
المحارب أو السارق، لأن شيئا منهما لا يصدق عليهم.
(ولا يثبت قطع الطريق) إلا لمن وجد منه المحاربة لا (للطليع) وهو
المترقب للمارة ليخبر من يقطع الطريق عليهم، ولمن يخاف عليه منه ليحذره
(ولا للردء) وهو المعين لضبط الأموال ونحوه، للأصل، والاحتياط، والخروج
عن النصوص، خلافا لأبي حنيفة (6) فسوى بين المباشر وغيره.
(وتثبت) المحاربة (بشهادة عدلين، أو الإقرار مرة) للعمومات لكنه
ينافي ما أسلفنا حكايته عن المراسم والمختلف: أن كل حد يثبت بشهادة عدلين
يعتبر فيه الإقرار مرتين.



(1) شرائع الإسلام: ج 4 ص 180.
(2) المائدة: 33.
(3) العين: ج 3 ص 141 (مادة سلح).
(4) شرح فتح القدير: ج 5 ص 180.
(5) تحرير الأحكام: ج 5 ص 384.
(6) الحاوي الكبير: ج 13 ص 363.
636
(ولا تقبل شهادة النساء منفردات ولا منضمات) إلا في الغرم والقصاص
على ما اختاره في القضاء.
(ولو شهد بعض اللصوص على بعض، أو بعض المأخوذين لبعض)
مع تعرض كل منهم للأخذ من نفسه كأن قال كل منهم: إن هؤلاء تعرضوا لنا
فأخذوا منا جميعا، فشهد بعضهم لآخرين أنهم أخذوا منهم كذا وكذا، وشهد
الآخرون للأولين كذلك (لم تقبل) فالأول لانتفاء العدالة، والثاني للتهمة
بالعداوة. ولما مر في القضاء من خبر محمد بن الصلت سئل الرضا (عليه السلام) عن رفقة
كانوا في طريق قطع عليهم الطريق فأخذوا اللصوص فشهد بعضهم لبعض،
فقال (عليه السلام): لا تقبل شهادتهم إلا بإقرار اللصوص، أو بشهادة من غيرهم عليهم (1).
(ولو) لم يتعرض الشهود لأخذ أنفسهم بل (قالوا: عرضوا) أي اللصوص
(لنا) جميعا (وأخذوا هؤلاء قبل) إن لم ينعكس الأمر قطعا، وكذا إن انعكس
بأن قال المشهود لهم أيضا: إنهم عرضوا لنا وأخذوا هؤلاء في وجه، كما إذا شهد
بعض المديونين لبعضهم وبالعكس. والوجه الآخر عدم السماع حينئذ، لحصول التهمة
وإطلاق الخبر، بل الشهادتان حينئذ من القسم الأول بعينه فإنه لا شهادة إلا مع
الدعوى، فلا يسمع شهادة الأولين إلا إذا كان الآخرون ادعوا الأخذ، ولا شهادة
الآخرين إلا إذا ادعى الأولون الأخذ، وهو كاف في حصول التهمة إن سلمت ولا
مدخل فيها لخصوص الذكر في الشهادة إلا أن يدعى أن التهمة حينئذ أظهر.
(ولو) تغاير المشهود عليه كأن (شهد اثنان على بعض اللصوص: أنهم
أخذوا جماعة أو اثنين، وشهد هؤلاء الجماعة) المشهود لهم (أو الاثنان
على بعض آخر غير الأول: أنهم أخذوا الشاهدين حكم بشهادة الجميع)
قطعا، لانتفاء التهمة.
(واللص) المتظاهر بالسرقة مع أهل الدار (محارب فإذا دخل دارا



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 272 ب 27 من أبواب الشهادات ح 2.
637
متغلبا كان لصاحبها محاربته) أي إن رأى بنفسه قوة عليها أو لم ينفعه
الاستسلام ولم يمكنه الهرب (فإن أدى الدفع إلى قتله كان هدرا) كما قال
الصادق (عليه السلام) في خبر منصور: اللص محارب لله ولرسوله فاقتلوه، فما دخل عليك
فعلي (1). وقال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر غياث: إذا دخل عليك اللص يريد أهلك
ومالك فإن استطعت أن تبدره فابدره واضربه. وقال: اللص محارب لله ولرسوله
فاقتله فما عليك (2) منه فهو علي (3). (وإن أدى إلى قتل المالك كان شهيدا)
كما في الأخبار (4) أي يشبه أجره أجر الشهداء (ويقتص) له (من اللص).
(وكذا الطرف) إذا قطع طرف منه كان هدرا وإن قطع طرفا من المالك اقتص منه.
(ويجوز الكف عنه) مع إمكانه المحاربة (إلا أن يطلب نفس المالك)
أو أحدا ممن في الدار ممن يضعف عن دفعه (فلا يجوز الاستسلام) أو القعود
عن الدفع (فإن عجز من المقاومة هرب مع المكنة) وجوبا فإن لم يفعل أثم.
(المطلب الثاني: الحد)
(واختلف علماؤنا) فيه (فقيل) في الهداية (5) والمقنعة (6) والمراسم (7)
والسرائر (8) والشرائع (9) والنافع (10): (يتخير الإمام بين القتل والصلب والقطع
مخالفا والنفي) وهو ظاهر المقنع (11) وخيرة المختلف (12) والتحرير (13) والتبصرة (14)



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 543 باب 7 من أبواب حد المحارب ح 1.
(2) في التهذيب: مسك، وفي الوسائل: منك.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 543 ب 7 من أبواب حد المحارب ح 2.
(4) وسائل الشيعة: ج 11 ص 91 ب 46 من أبواب جهاد العدو.
(5) الهداية: ص 296.
(6) المقنعة: ص 804.
(7) المراسم: ص 251.
(8) السرائر: ج 3 ص 505.
(9) شرائع الإسلام: ج 4 ص 180.
(10) المختصر النافع: ص 226.
(11) المقنع: ص 450.
(12) مختلف الشيعة: ج 9 ص 246.
(13) تحرير الأحكام: ج 5 ص 381.
(14) تبصرة المتعلمين: ص 199.
638
بناء على كون " أو " في الآية للتخيير (1) لصحيح حريز عن الصادق (عليه السلام) إن " أو "
في القرآن للتخيير حيث وقع (2). ولحسن جميل سأله (عليه السلام) عن الآية فقال: أي شيء
عليهم من هذه الحدود التي سمى الله تعالى؟ قال: ذاك إلى الإمام إن شاء قطع وإن
شاء صلب وإن شاء نفى وإن شاء قتل (3) ونحوه خبر سماعة عنه (عليه السلام) (4).
(وقيل) (5) في أكثر الكتب بالترتيب، لصحيح بريد بن معاوية أنه سأل
الصادق (عليه السلام) رجل عن الآية، قال: ذلك إلى الإمام يفعل ما شاء، قال: قلت:
فمفوض ذلك إليه؟ قال: لا ولكن لحق الجناية (6).
ولكن وقع الاختلاف في بعض العقوبات ففي النهاية (7) والمهذب (8) وفقه القرآن
للراوندي (9): (إن قتل قتل قصاصا) إن لم يعف عنه وكان المقتول مكافئا له (فإن
عفا الولي) أولم يكن المقتول كفوا له (قتل حدا. ولو قتل وأخذ المال استرجع)
المال (منه) أو بدله (وقطعت يده اليمنى ورجله اليسرى ثم قتل وصلب.
وإن أخذ المال ولم يقتل) استرجع المال و (قطع مخالفا ونفي. وإن جرح
ولم يأخذ) شيئا (اقتص منه) إن أمكن وإلا فالدية أو الحكومة كغيره (ونفي.
وإن أشهر السلاح وأخاف خاصة نفي لا غير) وهو خيرة التلخيص (10) لخبر
عبيد بن بشر الخثعمي سأل الصادق (عليه السلام) عنه وقال: الناس يقولون: إن الإمام فيه
مخير أي شيء شاء صنع، قال: ليس أي شيء شاء صنع ولكنه يصنع بهم على قدر



(1) المائدة: 33.
(2) وسائل الشيعة: ج 9 ص 295 ب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 533 ب 1 من أبواب حد المحارب ح 3.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 536 ب 1 من أبواب حد المحارب ح 9.
(5) النهاية: ج 3 ص 334، المهذب: ج 2 ص 553، الكافي في الفقه: ص 252.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 533 ب 1 من أبواب حد المحارب ح 2.
(7) النهاية: ج 3 ص 334.
(8) المهذب: ج 2 ص 553.
(9) فقه القرآن: ج 2 ص 387.
(10) تلخيص المرام: ص 207.
639
جناياتهم، فقال: من قطع الطريق فقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله وصلب، ومن
قطع الطريق وقتل ولم يأخذ المال قتل، ومن قطع الطريق وأخذ المال ولم يقتل
قطعت يده ورجله، ومن قطع الطريق ولم يأخذ مالا ولم يقتل نفي من الأرض (1).
وقول أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فيما رواه العياشي في تفسيره عن أحمد بن الفضل
الخاقاني من آل رزين عنه (عليه السلام) قال: فإن كانوا أخافوا السبيل فقط ولم يقتلوا
أحدا ولم يأخذوا مالا أمر بإيداعهم الحبس، فإن ذلك معنى نفيهم من الأرض
بإخافتهم السبيل [وقتل النفس أمر بقتلهم] (2) وإن كانوا أخافوا السبيل وقتلوا
النفس وأخذوا المال أمر بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم بعد ذلك (3).
وفي التبيان (4) والمبسوط (5) والخلاف (6): إن قتل قتل، وإن قتل وأخذ المال
قتل وصلب، وإن اقتصر على أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف،
وإن اقتصر على الإخافة فإنما عليه النفي.
وفي المبسوط (7) والخلاف (8): أنه ينفى على الأخيرين، وفي المبسوط: أنه يتحتم
عليه القتل إذا قتل لأخذ المال، وأما إن قتل لغيره فالقود واجب غير متحتم (9) أي
يجوز لولي المقتول العفو عنه مجانا وعلى مال. ويوافق ما فيها عدة من الأخبار:
كقول الصادق (عليه السلام) لعبيد الله المدائني: خذها أربعا بأربع إذا حارب الله
ورسوله وسعى في الأرض فسادا فقتل قتل، وإن قتل وأخذ المال قتل وصلب،
وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وإن حارب الله وسعى في
الأرض فسادا ولم يقتل ولم يأخذ من المال نفي من الأرض (10).



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 534 ب 1 من أبواب حد المحارب ح 5.
(2) لم يرد في المصدر وفي ق بدل " قتل ": قتلوا.
(3) تفسير العياشي: ج 1 ص 314 ح 91.
(4) التبيان: ج 3 ص 504.
(5 و 9) المبسوط: ج 8 ص 48.
(6 و 8) الخلاف: ج 5 ص 458 المسألة 2.
(7) المبسوط: ج 8 ص 47.
(10) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 131 ح 523.
640
ونحوه خبر عبيد الله بن إسحاق المدائني عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (1).
وفي مرسل داود الطائي: فإذا ما هو قتل وأخذ المال قتل وصلب، وإذا قتل
ولم يأخذ قتل وإذا أخذ ولم يقتل قطع، وإن هو فر ولم يقدر عليه ثم أخذ، قطع إلا
أن يتوب فإن تاب لم يقطع (2).
وقول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر علي بن حسان من حارب الله وأخذ المال
وقتل كان عليه أن يقتل ويصلب، ومن حارب فقتل ولم يأخذ المال كان عليه أن
يقتل ولا يصلب، ومن حارب وأخذ المال ولم يقتل كان عليه أن تقطع يده ورجله
من خلاف، ومن حارب ولم يأخذ المال ولم يقتل كان عليه أن ينفى (3).
ولكن ليس فيها ولا في غيرها من الأخبار النفي على كل من الأخيرين.
وفي الوسيلة: لم يخل: إما جنى جناية أو لم يجن، فإذا جنى جناية لم يخل:
إما جنى في المحاربة أو في غيرها، فإن جنى في المحاربة لم يجز العفو عنه، ولا
الصلح على مال. وإن جنى في غير المحاربة جاز فيه ذلك. وإن لم يجن وأخاف
نفي عن البلد، وعلى هذا حتى يتوب. وإن جنى وجرح اقتص منه، ونفي عن البلد.
وإن أخذ المال قطع يده ورجله من خلاف، ونفي. وإن قتل وغرضه في إظهار السلاح
القتل، كان ولي الدم مخيرا بين القود والعفو والدية. وإن كان غرضه المال، كان قتله
حتما وصلب بعد القتل. وإن قطع اليد ولم يأخذ المال قطع ونفي. وإن جرح وقتل
اقتص منه، ثم قتل وصلب. وإن جرح وقطع وأخذ المال، جرح وقطع للقصاص
أولا إن كان قطع اليد اليسرى، ثم قطع يده اليمنى لأخذ المال، ولم يوال بين القطعين.
وإن كان قطع اليمين قطعت يمناه قصاصا ورجله اليسرى لأخذ المال (4). انتهى.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 534 ب 1 من أبواب حد المحارب ح 4.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 535 ب 1 من أبواب حد المحارب ح 6.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 536 ب 1 من أبواب حد المحارب ح 11.
(4) الوسيلة: ص 206.
641
وأرسل في الفقيه عن الصادق (عليه السلام): إذا قتل ولم يحارب ولم يأخذ المال، قتل.
وإذا حارب وقتل، قتل وصلب. فإذا حارب وأخذ المال ولم يقتل، قطعت يده
ورجله من خلاف. فإذا حارب ولم يقتل ولم يأخذ المال، نفي (1). فأوجب فيه
الصلب إذا قتل محاربا وهو يعم ما إذا أخذ المال أو لم يأخذه.
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من شهر السلاح في مصر
من الأمصار فعقر، اقتص منه ونفي من تلك البلد. ومن شهر السلاح في غير الأمصار
وضرب وعقر وأخذ الأموال ولم يقتل، فه ومحارب فجزائه جزاء المحارب وأمره إلى
الإمام إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله. قال: وإن ضرب وقتل
وأخذ المال فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة، ثم يدفعه إلى أولياء المقتول
فيتبعونه بالمال، ثم يقتلونه. قال: فقال له أبو عبيدة: أصلحك الله أرأيت إن عفا عنه
أولياء المقتول؟ قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): إن عفوا عنه فإن على الإمام أن يقتله،
لأنه قد حارب الله وقتل وسرق. قال: ثم قال له أبو عبيدة: أرأيت إن أرادوا (2)
أولياء المقتول أن يأخذوا منه الدية ويدعونه ألهم ذلك؟ قال: فقال: لا، عليه القتل (3).
(فإن تاب قبل القدرة عليه سقط الحد) كغيره، وقد نصت عليه الآية (4).
وما مر عن مرسل داود الطائي (5) وقد روي أن حارثة بن بدر خرج محاربا ثم
تاب فقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) توبته (6) (دون حقوق الناس من مال أو جناية)
فلا تسقطها التوبة ما لم يؤدها أو يعف عنها أربابها. (ولو تاب بعد الظفر به لم
يسقط الحد أيضا) كما فهم من الآية إلا أن يكون كافرا فيسلم.



(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 67 ح 5121.
(2) كذا في النسخ وفي التهذيب أيضا، والمناسب: أراد، كما في الكافي.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 532 ب 1 من أبواب حد المحارب ح 1.
(4) المائدة: 34.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 535 ب 1 من أبواب حد المحارب ح 6.
(6) التبيان: ج 3 ص 508.
642
(فإذا قطع بدئ باليد اليمنى) كما في المبسوط (1) لأنها أدخل في
المحاربة، ولما ورد من الابتداء بما بدأ الله به (ثم تحسم) إن لم يرد قتله (ثم
تقطع رجله اليسرى ثم تحسم، وليس الحسم فرضا) للأصل كما في السرقة.
وقال في المبسوط: ويوالي بين القطعين ولا يؤخر ذلك، لأنه حد، فلا يفرق
في وقتين كحد الزنا (2).
(ولو فقد أحد العضوين اقتصر على الموجود خاصة) لانتفاء المحل،
وأصل عدم الانتقال إلى غيره، مع المخالفة لمنطوق النصوص من القطع من
خلاف، وكونهما هنا بمنزلة عضو واحد، فإذا فقد بعض منه لم يجب إلا قطع الباقي.
(فإن فقدا انتقل إلى غيرهما) كما في المبسوط (3) لعموم النص لليدين
والرجلين وتحقق المخالفة في القطع. ويحتمل السقوط، للإجماع على إرادة اليد
اليمنى والرجل اليسرى من النصوص، وأصل عدم الانتقال واندراء الحد بالشبهة،
ولذا نسب في التحرير الانتقال إلى الشيخ (4).
(ويصلب المحارب حيا) ويترك حتى يموت (على التخيير، ومقتولا
على الآخر) وهو ظاهر.
(ولا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام) بالإجماع كما في
الخلاف (5) ولقوله (عليه السلام) في خبر السكوني: لا تدعوا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى
ينزل فيدفن (6) وفي خبره: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) صلب رجلا بالحيرة ثلاثة أيام ثم
أنزله يوم الرابع وصلى عليه ودفنه (7). وعن الصادق (عليه السلام) المصلوب ينزل عن
الخشبة بعد ثلاثة أيام ويغسل ويدفن ولا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيام (8).



(1 و 2) المبسوط: ج 8 ص 48.
(3) المبسوط: ج 8 ص 49.
(4) تحرير الأحكام: ج 5 ص 382.
(5) الخلاف: ج 5 ص 462 المسألة 5.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 541 ب 5 من أبواب حد المحارب ح 2.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 541 ب 5 من أبواب حد المحارب ح 1.
(8) المصدر السابق: ح 3.
643
وللعامة قول بتركه حتى يسيل صديدا (1) وإن كان لم يمت في الثلاثة اجهز عليه.
(ثم ينزل ويغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن) إن كان مسلما. وللعامة
قول بأنه لا يغسل ولا يصلى عليه (2).
(ولو شرطنا في الصلب القتل) قبله (امر بالاغتسال والتكفين قبل
القتل ولا يعاد بعده) كسائر من وجب قتله.
(وإذا نفي كوتب كل بلد يقصده أنه محارب فلا يبايع) ولا يناكح
(ولا يعامل) ولا يؤوى ولا يتصدق عليه.
(ويمنع من مواكلته ومشاربته ومجالسته إلى أن يتوب) كذا أطلقه أكثر
الأصحاب، وفي خبر المدائني عن الرضا (عليه السلام) التوقيت بسنة (3). وكذا في خبر
المدائني عن الصادق (عليه السلام) قال قلت: وما حد نفيه؟ قال: سنة إلى أن قال: فلا يزال
هذه حاله سنة فإذا فعل به ذلك تاب وهو صاغر (4). ووافقها ابن سعيد في التقييد (5)
وفي حسن جميل: أنه سأل الصادق (عليه السلام) النفي إلى أين؟ قال: عن مصر إلى مصر
آخر. وقال: إن عليا (عليه السلام) نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة (6). واقتصر عليه في
المقنع (7) وهو لا ينافي ما في غيره من النفي من كل مصر يقصده إلى آخر وهكذا.
(فإن قصد دار الكفر منع فإن مكنوه من دخولها قوتلوا حتى يخرجوه)
كما قال الرضا (عليه السلام) في خبر المدائني: إن توجه إلى أرض الشرك ليدخلها قوتل أهلها (8).
وفي خبر آخر له عنه (عليه السلام) قال: فإن أم أرض الشرك يدخلها؟ قال: يقتل (9).



(1) الحاوي الكبير: ج 13 ص 358.
(2) بداية المجتهد: ج 2 ص 492.
(3) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 132 ح 526.
(4) المصدر السابق: ص 131 ح 523.
(5) الجامع للشرائع: ص 242.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 533 ب 1 من أبواب حد المحارب ح 3.
(7) المقنع: ص 450.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 539 ب 4 من أبواب حد المحارب ح 2.
(9) المصدر السابق: ص 539 ح 4.
644
وفي خبر سماعة عن أبي بصير قال: سألته عن الانفاء من الأرض كيف هو؟ قال:
ينفى من بلاد الإسلام كلها، فإن قدر عليه في شئ من أرض الإسلام قتل ولا أمان له
حتى يلحق بأرض الشرك (1). ولكنه مع الإضمار والضعف مجمل في سبب النفي.
وفي الفقيه: وينبغي أن يكون نفيا شبيها بالصلب والقتل يثقل رجلاه ويرمى
في البحر (2).
ولعله استند إلى خبر عبد الله بن طلحة عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: يحكم على
المحارب بقدر ما يعمل وينفى ويحمل في البحر ثم يقذف به حتى يكون حدا
يوافق القطع والصلب (3).
وفي المبسوط: إذا شهر السلاح وأخاف السبيل لقطع الطريق، كان حكمه متى
ظفر به الإمام التعزير، وهو أن ينفى عن بلده ويحبس في غيره. ومنهم من قال: لا
يحبس في غيره. وهذا مذهبنا غير أن أصحابنا رووا أنه لا يقر في بلده، وينفى عن
بلاد الإسلام كلها، فإن قصد بلاد الشرك قيل لهم: لا يمكنوه، فإن مكنوه قوتلوا
عليه حتى يستوحش فيتوب. ثم قال: نفيهم أن يتبعهم أينما حلوا كان في طلبهم،
فإذا قدر عليهم أقام عليهم الحدود. وقال: وأما قوله " أو ينفوا من الأرض " معناه:
إذا وقع منهم في المحاربة ما يوجب شيئا من هذه العقوبات يتبعهم الإمام أبدا حتى
يجدهم ولا يدعهم في مكان، هذا هو النفي من الأرض عندنا، وعند قوم المنفي من قدر
عليه بعد أن يشهر السلاح وقبل أن يعمل شيئا، والنفي عنده الحبس والأول مذهبنا (4).
وفي الجامع: نفي من الأرض بأن يغرق على قول، أو يحبس على آخر،
أو ينفى من بلاد الإسلام سنة حتى يتوب، وكوتبوا أنه منفي محارب فلا



(1) المصدر السابق: ص 540 ح 7.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 68 ذيل الحديث 5121.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 540 ب 4 من أبواب حد المحارب ح 5.
(4) المبسوط: ج 8 ص 47 - 48.
645
تؤووه ولا تعاملوه، فإن آووه قوتلوا (1).
(ويجب قتل المحارب قودا إذا قتل غيره طلبا للمال، مع التساوي في
الإسلام والكفر) والحرية (ولو عفا الولي قتل حدا) كما نص عليه صحيح
ابن مسلم المتقدم (2) ويقتل حدا (سواء كان المقتول كفوا) له (أو لا).
(ولو قتل لا للمال فه وقاتل عمدا أمره إلى الولي خاصة) فل وعفا لم يقتل.
كذا فرق بين القتل لأخذ المال ولا له في الخلاف (3) والمبسوط (4) والوسيلة (5)
والجامع (6) والشرائع (7) والآية مطلقة (8) وليس في الأخبار ما ينص على الفرق
المذكور ولذا أطلق في المقنعة (9) والنهاية (10) وغيرهما قتله وإن عفا الولي.
(ولو جرح طلبا للمال) فضلا عنه لا له (اقتص الولي أو عفا) فإن عفا
لم يجرح (فلا يجب حينئذ) جرح أو عفا عنه (الاقتصاص) أي الجرح قصاصا
أو حدا كما كان يجب القتل قصاصا أو حدا. وفي التحرير (11) إشارة إلى احتمال
مساواته القتل، ولعله من باب الأولى، وهو أحد قولي الشافعي (12). وليس بجيد.
(ولا يشترط في قطعه) مخالفا (أخذ النصاب) كما في الخلاف (13)
(ولا أخذه من حرز) لإطلاق النصوص. واستدل في الخلاف على اشتراط
النصاب بقوله (عليه السلام): القطع في ربع دينار، وبأن القطع في النصاب مجمع عليه ولا
دليل عليه فيما دونه. وضعفهما ظاهر. واحتمال اشتراط النصاب أو الحرز إنما



(1) الجامع للشرائع: ص 241.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 532 ب 1 من أبواب حد المحارب ح 1.
(3) لم نعثر عليه.
(4) المبسوط: ج 8 ص 55.
(5) الوسيلة: ص 206.
(6) الجامع للشرائع: ص 242.
(7) شرائع الإسلام: ج 4 ص 181.
(8) المائدة: 33.
(9) المقنعة: ص 805.
(10) النهاية: ج 3 ص 334، بل صرح به.
(11) تحرير الأحكام: ج 5 ص 381.
(12) الحاوي الكبير: ج 13 ص 365.
(13) الخلاف: ج 5 ص 464 المسألة 7.
646
يتأتى على القول بالترتيب (و) أما (على التخيير) فإنه (يجوز قطعه بل
قتله وإن لم يأخذه) شيئا فضلا عما دون النصاب أو ما ليس في حرز.
(والمختلس) وهو الذي يأخذ الشيء من غير حرز اختطافا وحين يفترض
غفلة من صاحب المال (والمستلب) وهو الذي يأخذه ظاهرا من غير اشهار سلاح
أو قهر، وبه فسر المختلس في النهاية (1) والمهذب (2) والسرائر (3) ولعله أريد به ما يعم
المستلب (والمحتال بالتزوير) في الشهادة (والرسائل الكاذبة لا يقطع واحد
منهم) للأصل، وخروجهم عن نصوص السرقة والمحاربة، وللإجماع، والنصوص:
كقوله (عليه السلام) لا قطع في الخلسة (4). وقول أمير المؤمنين (عليه السلام): أربعة لا قطع
عليهم: المختلس، والغلول، ومن سرق من الغنيمة، وسرقة الأجير، فإنها خيانة (5).
وقوله (عليه السلام): إني لا أقطع في الدغارة المعلنة (6). وقول الصادق (عليه السلام) في خبر
عبد الرحمن بن أبي عبد الله: ليس على الذي يستلب قطع (7).
(بل يؤدب) كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر أبي بصير: لا أقطع في
الدغارة المعلنة وهي الخلسة ولكن أعزره (8). وأتي (عليه السلام) برجل اختلس درة من
أذن جارية، فقال: هذه الدغارة المعلنة، فضربه وحبسه (9). وفي مضمري سماعة
من سرق خلسة اختلسها لم يقطع ولكن يضرب ضربا شديدا (10).
وما تضمنه ما مر من حسن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) من قطع الكاذب في



(1) النهاية: ج 3 ص 336.
(2) المهذب: ج 2 ص 554.
(3) السرائر: ج 3 ص 512.
(4) لم نعثر عليه بهذا المضمون، انظر وسائل الشيعة: ج 18 ص 505 ب 13 من أبواب حد
السرقة ح 3.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 503 ب 12 من أبواب حد السرقة ح 3.
(6) المصدر السابق: ح 2.
(7) المصدر السابق: ص 504 ب 13 ح 1.
(8) المصدر السابق: ص 502 ب 12 ح 1.
(9) المصدر السابق: ح 4.
(10) المصدر السابق: ح 5.
647
الرسالة (1) محمولة على أنه قضية في واقعة اقتضت المصلحة فيها القطع.
(ويسترد منه المال) أو عوضه وفي المقنعة (2) والنهاية (3) والسرائر (4)
والوسيلة (5) والتحرير (6) تشهير المحتال ليحذر منه الناس.
(والمبنج والمرقد يضمنان ما يجنيه البنج والمرقد) على المتناول من نقص
في عقل أو حس أو عضو وما احتالا بذلك في أخذه من المال، وما يجنيه المتناول
لسكره أو رقاده. (ولا يقطع أحدهما) ولا يقتل بل يؤدبان بما يراه الحاكم.
(ولو جرح قاطع الطريق فسرى تحتم قتله قصاصا أو حدا) إن قصد
المال على ما أختاره، وإلا تحتم قصاصا إن لم يعف الولي (وعلى التخيير إن
عفا الولي تخير الحاكم بين الأربعة).
(ولو مات المحارب قبل استيفاء الحد لم يصلب) لفوت محل العقوبة
وإن قلنا أنه يصلب بعد القتل، فإن المقصود هو الصلب بعد القتل للإعلان
والاعتبار، ولا يتحقق ذلك في الصلب إذا مات حتف أنفه.
(ومن استحق يمناه بالسرقة ويسراه بالقصاص قدم القصاص) لأنه
حق الناس خاصة. (ويمهل حتى يندمل، ثم يقطع بالسرقة) قال في
المبسوط: لأنهما حدان فلا يوالي بينهما (7). وهذا على المشهور من أنه لا يسقط
قطع اليمنى بفقد اليسرى.
(ولو استحق يمناه بالقصاص ثم قطع الطريق قدم القصاص ثم قطعت
رجله اليسرى من غير إمهال) فإنهما وإن كانا حدين لكن لو لم يكن استحق
يمناه بالقصاص لقطعت مع الرجل بلا إمهال والحاصل أن الإمهال تخفيف له وإبقاء



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 507 ب 15 من أبواب حد السرقة ح 1.
(2) المقنعة: ص 805.
(3) النهاية: ج 3 ص 335.
(4) السرائر: ج 3 ص 512.
(5) الوسيلة: ص 423.
(6) تحرير الأحكام: ج 5 ص 384.
(7) المبسوط: ج 8 ص 51.
648
عليه وهو بقطعه الطريق لا يستحقه هنا.
(وكذا يوالي بين القطعين في قطع الطريق) وهو ظاهر لأنهما معا حد واحد.
(المطلب الثالث في الدفاع)
(يجب الدفاع عن النفس والحريم بما استطاع ولا يجوز الاستسلام)
لوجوب دفع الضرر عقلا، والنهي عن المنكر بمراتبه، ولنحو قول أبي جعفر (عليه السلام)
في خبر غياث: إذا دخل عليك اللص يريد أهلك ومالك فإن استطعت أن تبدره
وتضربه فابدره واضربه (1). وأجاز الشافعي الاستسلام في أحد قوليه (2). وإن لم
يمكن وأمكن الهرب وجب، وكذا يجوز مع إمكان الدفع. ولو قدر على الدفع عن
غيره فالأقوى كما في التحرير (3) الوجوب مع أمن الضرر.
(وللإنسان أن يدافع عن المال كما يدافع عن نفسه) في جميع المراتب
(وإن قل، لكن لا يجب) لما يجوز فيه من المسامحة ما لا يجوز في النفس
والعرض، ولقول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر أبي بصير الآتي: أما أنا لو كنت تركته ولم
أقاتل (4). وقول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح ابن مسلم: لو كنت أنا لتركت المال ولم
أقاتل (5). إلا مع الاضطرار والتضرر بفقده ضررا يجب دفعه عقلا، أو كان المال
لغيره أمانة في يده. وربما وجب الدفع عنه مطلقا من باب النهي عن المنكر.
ثم في جواز القتل والجرح للدفع عن المال له أو لغيره إن لم يندفع إلا به
مع القطع بأنه لا يريد سواه من نفس أو عرض تأمل. وقد مر في باب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر التردد في جواز القتل أو الجرح إن لم ينته بدونه



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 543 ب 7 من أبواب حد المحارب ح 2.
(2) كفاية الأخيار: ج 2 ص 120.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 384.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 589 ب 4 من أبواب الدفاع ح 2.
(5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 589 ب 4 من أبواب الدفاع ح 1.
649
من غير إذن الإمام، ولكن أطلق الأصحاب.
وقال أبو الحسن (عليه السلام) في خبر الفتح بن يزيد الجرجاني: من دخل دار غيره
فقد أهدر دمه ولا يجب عليه شئ (1).
وسأل أبو بصير أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يقاتل عن ماله، فقال: إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من قتل دون ماله فهو بمنزلة شهيد، قال: فقلنا له: أفنقاتل
أفضل؟ فقال: إن لم تقاتل فلا بأس، أما أنا لو كنت تركته ولم أقاتل (2).
وقال الصادق (عليه السلام): إذا قدرت على اللص فابدره فإني شريكك في دمه (3).
(و) يجب أن (يقتصر) في جميع ذلك (على الأسهل، فإن لم يندفع به
ارتقى إلى الصعب، فإن لم يندفع فإلى الأصعب) اقتصارا على ما يدفع الضرورة.
(فلو كفاه) التنبيه على تيقضه بتنحنح ونحوه اقتصر عليه إن خاف من
(الصياح) أن يؤخذ فيقتل أو يجرح.
(ولو كفاه الصياح والاستغاثة في موضع يلحقه المنجد اقتصر عليه،
فإن لم يندفع) به (خاصمه) باليد أو (بالعصى، فإن لم يفد فبالسلاح).
(ويذهب دم المدفوع) إذا لم يندفع بدون القتل وجرحه (هدرا) بالإجماع
والنصوص كما مر من خبر الفتح الجرجاني (4). وقوله (عليه السلام) في خبر السكوني: من
شهر سيفا فدمه هدر (5) وكقول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي أيما رجل عدا على
رجل ليضربه فدفعه عن نفسه فجرحه أو قتله فلا شيء عليه (6). وفي صحيح ابن
سنان أو حسنه في رجل أراد امرأة على نفسها حراما فرمته بحجر فأصابت منه



(1) وسائل الشيعة: ج 19 ص 51 ب 27 من أبواب القصاص في النفس ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 589 ب 4 من أبواب الدفاع ح 2.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 587 ب 1 من أبواب الدفاع ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 19 ص 51 ب 27 من أبواب القصاص في النفس ح 2.
(5) وسائل الشيعة: ج 19 ص 44 ب 22 من أبواب قصاص النفس ح 7.
(6) وسائل الشيعة: ج 19 ص 42 ب 22 من أبواب قصاص النفس ح 1.
650
فقتل (1) ليس عليها شيء فيما بينها وبين الله عز وجل، وإن قدمت إلى إمام عادل
أهدر دمه (2). وفي مرسل البزنطي: إذا قدرت على اللص فابدره فأنا شريكك في
دمه (3). وفي خبر أنس أو هيثم بن البراء قال لأبي جعفر (عليه السلام): اللص يدخل في
بيتي يريد نفسي ومالي، فقال: اقتله واشهد الله ومن سمع أن دمه في عنقي (4).
(حرا كان أو عبدا، مسلما أو كافرا) ليلا أو نهارا، بمثقل أو محدد. قال
أبو حنيفة: إن قتله بمثقل نهارا فعليه الضمان (5).
(ولو قتل الدافع كان كالشهيد) لقوله (صلى الله عليه وآله) من قتل دون ماله فهو شهيد (6)
(ويضمنه المدفوع وكذا) يضمن (جنايته) أي كل ما يجنيه على الدافع
(بخلاف) الدافع، فإنه لا يضمن ما يجنيه على (المدفوع) حتى نفسه.
(ولا) يجوز أن (يبدأه إلا مع العلم بقصده) أو قصد ماله أو حريمه أو
ظنه وإمكان تسلطه عادة لو لم يدفع، فلو قصده من وراء حائل من نحو نهر أو
حائط أو حصن يحول عادة بينه وبين التسلط على ما يريده، كف عنه، ومع القصد
المعتبر (فيدفعه مقبلا فإن أدبر كف عنه واجبا) إذ لا يجوز الضرب إلا للدفع
ولا دفع مع الإدبار.
(فإن) جرحه جرحا أو ربطه ربطا (عطله مقبلا اقتصر عليه) وجوبا
(لاندفاع الضرر بذلك) فلو تعدى ضمن.
(ولو قطع يده مقبلا) مع الاضطرار إليه (فهدر في الجناية والسراية)
فإنه قطع مأمور به شرعا (فإن قطع اخرى مدبرا ضمنها وضمن سرايتها)



(1) في الوسائل والتهذيب، بدل " فقتل ": مقتلا.
(2) وسائل الشيعة: ج 19 ص 44 ب 23 من أبواب قصاص النفس ح 1.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 587 ب 1 من أبواب الدفاع ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 588 ب 3 من أبواب الدفاع ح 1.
(5) المغني لابن قدامة: ج 9 ص 390.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 589 ب 4 من أبواب الدفاع ح 1.
651
فإنه ظلم. (فإن اندملت فالقصاص في اليد، وإن اندملت الأولى وسرت
الثانية فالقصاص في النفس) خلافا للمبسوط فأسقط فيه القصاص في النفس،
قال: لكن يجب القصاص في اليد أو نصف دية النفس (1).
(فإن سرتا ثبت القصاص في النفس بعد رد نصف الدية) ولا قصاص
على قول الشيخ.
(فإن أقبل بعد ذلك فقطع رجله وسرى الجميع قيل) في المبسوط:
(ضمن ثلث الدية) (2) فإن قلنا به وضمناه النفس مع سراية الجرح مدبرا ضمنه
(أو يقتص منه بعد رد ثلثي الدية) وأما الشيخ (3) فلم ير القصاص.
(ولو قطع يديه مقبلا) في إقبالة واحدة (ثم رجله مدبرا وسرى الجميع،
ضمن نصف الدية، أو يقتص منه بعد رد النصف إليه، لتوالي الجرحين هنا
فصار كجرح واحد، بخلاف) المسألة (الأولى) فإنه جعل بين القطعين
المباحين ما ليس من جنسهما، فلم يبن أحدهما على الآخر.
(ولو قيل في الأولى كذلك) كما قربه المحقق (4) (كان أقرب، لسقوط
اعتبار الطرف) وعدده (مع السراية) فإنما العبرة بعدد الجاني وجنس
الجناية، وقد مات بجنسين من الجناية مباح ومحظور (كما لو قطع يده وآخر
رجله، ثم الأول يدا اخرى وسرى الجميع، فإنهما) أي الجانبين (يتساويان
قصاصا ودية) واعترف به في جراح المبسوط (5).
(ولو وجد مع زوجته أو ولده أو غلامه أو جاريته) أو أحد من محارمه
أو أجنبي (من ينال دون الجماع كان له) بل عليه (دفعه) إن تمكن منه (فإن
امتنع) من الاندفاع (فله قتله) في غير الأجنبي لأنه دفاع مباح أو مأمور به عن
الحريم. وأما إن وجده يجامع زوجته فله قتله أول وهلة كما مر، وقد مر النظر فيه.



(1) المبسوط: ج 8 ص 76.
(2 و 3) المصدر السابق.
(4) شرائع الإسلام: ج 4 ص 190.
(5) المبسوط: ج 7 ص 14.
652
(ومن اطلع على) عورات (قوم فلهم زجره، فإن امتنع من الكف
عنهم فرموه بحصاة أو عود) وجنوا على نفسه أو طرف منه (فهدر) إن لم
يتعمدوا الجناية ولا رموه بما يأتي عادة على نفسه أو طرفه، مع تجويزهم
الاندفاع بدونها، اطلع من طريق أو غيره، من ملكه أو غيره، أشرف عليهم أو نظر
من باب مفتوح أو من ثقبة ضيقة أو واسعة، للإجماع كما في الخلاف (1) ولنحو
قوله (صلى الله عليه وآله): من اطلع عليك فخذفته بحصاة ففقأت عينه فلا جناح عليك (2).
وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح حماد بن عيسى: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ببعض
حجراته إذا اطلع رجل من شق الباب وبيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مدارة، فقال له: لو كنت
قريبا منك لفقأت به عينك (3).
وفي خبر العلا بن الفضيل: إذا اطلع رجل على قوم يشرف عليهم أو ينظر من
خلل شيء لهم فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقأوا عينه فليس عليهم غرم. وقال: إن
رجلا اطلع من خلل حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمشقص ليفقأ عينه
فوجده قد انطلق، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أي خبيث أما والله لو ثبت لي لفقأت
عينك (4) ونحوه في خبر أبي بصير (5).
وفي خبر عبيد بن زرارة: اطلع رجل على النبي (صلى الله عليه وآله) من الجريد فقال له
النبي (صلى الله عليه وآله): لو أعلم أنك تثبت لي لقمت إليك بالمشقص حتى أفقأ عينك، قال:
فقلت: وذاك لنا؟ فقال: ويحك أو ويلك أقول لك: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعل، تقول:
ذاك لنا (6)؟ وهو يحتمل الإنكار على المساواة وعلى عدمها.
وقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم عورة المؤمن على المؤمن حرام،



(1) الخلاف: ج 5 ص 510 المسألة 3.
(2) صحيح البخاري: ج 9 ص 8.
(3) وسائل الشيعة: ج 19 ص 48 ب 25 من أبواب القصاص في النفس ح 1.
(4) وسائل الشيعة: ج 19 ص 49 ب 25 من أبواب القصاص في النفس ح 6.
(5) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 102 ح 5183.
(6) وسائل الشيعة: ج 19 ص 48 ب 25 من أبواب القصاص في النفس ح 4.
653
وقال: من اطلع على مؤمن في منزله فعيناه مباحتان للمؤمن في تلك الحال (1).
(ولو بادروا إلى رميه من غير زجر ضمنوا الجناية) فإنهم إنما رخصوا
في الأعلى إذا لم يكف بالأدنى.
وفي المبسوط: إن لم يكف بالزجر استغاث عليه إن كان في موضع يبلغه الغوث،
فإن لم يكن استحب أن ينشده، فإن لم ينفع فله ضربه بالسلاح أو بما يردعه. قال:
وإن أخطأ في الاطلاع لم يكن له أن يناله بشيء، لأنه لم يقصد الاطلاع، فإن ناله
قبل أن ينزع بشيء فقال ما عمدت ولا رأيت شيئا لم يكن على الرامي شيء، لأن
الاطلاع ظاهر ولا يعلم ما في قلبه. ولو كان أعمى فناله بشيء ضمنه لأن الأعمى
لا يبصر بالاطلاع (2). قلت: وهل حكم الاستماع حكم النظر؟ يحتمل.
وفي التحرير: لو كان إنسان عاريا في طريق لم يكن له رمي من نظر إليه، ولو
زجره فلم ينزجر ففي جواز الرمي نظر (3) وفي العبارة ما لا يخفى، والظاهر جواز
الرمي إن كان تعرية عن اضطرار أو إكراه.
(ولو كان المتطلع رحما لنساء صاحب المنزل اقتصر على زجره)
إذا كرهه (فإن رماه حينئذ ضمن) لأن له النظر إليهن (إلا مع تجرد المرأة
فإن له رميه لو امتنع بالزجر عن الكف، إذ ليس للمحرم التطلع على العورة
والجسد) عدا الزينة، وقد مر الكلام فيه في النكاح.
(وللإنسان دفع الدابة الصائلة عن نفسه ولا ضمان لو) لم يندفع حتى
نقصت أو (تلفت) عندنا، وإذا أهدرنا الإنسان إذا تلف بالدفاع فهي أولى،
وضمن أبو حنيفة مع تجويزه الإتلاف (4).
(ولو انتزع المعضوض) المظلوم (يده فسقطت أسنان العاض فلا



(1) وسائل الشيعة: ج 19 ص 48 ب 25 من أبواب القصاص في النفس ح 2.
(2) المبسوط: ج 8 ص 77.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 387.
(4) بداية المجتهد: ج 2 ص 350.
654
ضمان) عندنا وعند جميع الفقهاء إلا ابن أبي ليلى، كذا في المبسوط (1) وروي أن
رجلا فعل ذلك فأتى النبي (صلى الله عليه وآله) فأهدر سنه (2). وكذا لو كان ظالما لأن العض حرام
إلا إذا اضطر إليه في دفع الظلم.
(وله تخليص نفسه باللكم والجرح، فإن لم يمتنع جاز قتله. ولا يرتقي)
في التخليص (إلى الأصعب إلا مع الحاجة إليه فإن ارتكبه مع إمكان الدفاع
بالأسهل ضمن) ما جنى به، حتى لو أمكنه فك لحيه باليد الاخرى اقتصر عليه
لئلا تندر أسنانه.
واستقرب في التحرير جواز جذب اليد وإن سقطت الأسنان مطلقا، لأن
جذب يده مجرد تخليص ليده، وما حصل من سقوط الأسنان حصل من ضرورة
التخليص الجائز (3). قلت: بل من إصرار العاض وهو الأقرب.
(ولو أدب زوجته على الوجه المشروع) فأدى إلى تلفها (قيل) في
المبسوط: (يضمن) الدية في ماله (4) (لأن التأديب مشروط بالسلامة،
ويشكل بأنه من التعزير السائغ) فينبغي أن لا يوجب ضمانا (أما الصبي لو
أدبه أبوه أو جده له فمات ضمنا ديته في مالهما) لأنه من عمد الخطأ وإن
كان من التأديب السائغ، كذا في الشرائع (5) وفي الفرق نظر إلا أن يكون نص أو
إجماع. وقد سوى في الإرشاد بين تأديب الولد والزوجة في التضمين (6).
(ولو قطع سلعة بإذن صاحبها) الكامل (فمات فلا دية) عليه، لأنه محسن
وما على المحسنين من سبيل، إلا أن يكون قطعها مما يقتل غالبا ويعلم به القاطع فلا
ينفع الإذن. ولو قطعها لا بإذنه فعليه الدية إلا أن يعلم أنه مما يقتل غالبا فالقصاص.
(ولو كان) من به السلعة (مولى عليه ضمن) قاطعها (الدية) في ماله



(1) المبسوط: ج 8 ص 76.
(2) صحيح البخاري: ج 9 ص 9.
(3) تحرير الأحكام: ج 5 ص 388.
(4) المبسوط: ج 8 ص 66.
(5) شرائع الإسلام: ج 4 ص 192.
(6) إرشاد الأذهان: ج 2 ص 188.
655
(إن كان وليا كالأب والجد) له (وكذا الأجنبي) قطعها بأمر الولي أولا به (ولا
قصاص عليه) لأنه لم يقصد القتل ولا كان مما يقتل غالبا. وفي التحرير (1)
إشارة إلى احتمال القصاص عليه لما في قطعها من الضرر. وتردد المحقق (2).
(ولو قتله في منزله وادعى إرادة نفسه أو ماله) وعدم اندفاعه إلا
بالقتل (وأنكر وارثه وأقام البينة أنه دخل عليه بسيف مشهر مقبلا على
صاحب المنزل سقط الضمان، لرجحان صدق المدعي) حينئذ، فإنه أمارة
قوية عليه، بخلاف ما إذا اقتصرت البينة على هجوم داره أو مع سلاح غير مشهر.
(والفارسان) أو الراجلان (إذا صال كل منهما على صاحبه) ابتداء
ظلما (ضمن ما يجنيه عليه) لأنهما ظالمان. وعنه (صلى الله عليه وآله): إذا اقتتل المسلمان
بسيفهما فهما في النار (3).
(فإن كف أحدهما فصال الآخر فقصد الكاف الدفع فلا ضمان عليه
فيما يجنيه بالدفع مع عدم تجاوز الحاجة) في الدفع (ويضمن الآخر
الجميع) ما قبل الكف وما بعده.
(ولو تجارح اثنان وادعى كل منهما الدفع حلف المنكر) لقصده
المجوز لدفعه، فإن حلفا ضمن كل منهما جنايته ولا التفات إلى ما احتمل من
حلف كل على عدم العدوان.
(ولو أمره نائب الإمام بالصعود إلى نخلة أو النزول إلى بئر مثلا فمات)
أو جرح بذلك (فإن أكرهه) لا لمصلحة أو مصلحة نفسه (ضمن الدية، ولو
كان لمصلحة المسلمين) كالإشراف على العدو وإنزال مال الزكاة وإخراج
جيفة وقعت في البئر (فالدية في بيت المال، ولو لم يكرهه فلا ضمان).
(وكذا لو أمر إنسان) من عامة الناس (غيره بذلك من غير إجبار) فلا



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 536.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 192.
(3) مسند أحمد بن حنبل: ج 5 ص 48.
656
ضمان، وإن أجبره ضمن الدية ولو كان لمصلحة عامة، إذ لا ولاية له على المسلمين.
واحتمل القصاص في التحرير، قال: وأمر المتغلب المعلوم من عادته السطوة
عند المخالفة كالإكراه (1). وإنما لم يفرض المسألة في إكراه الإمام، لما في الشرائع
من أنه ينافي المذهب (2) يعني إكراهه لا لمصلحة، وما في الدروس من أنه إذا أمره
بالصعود أو النزول لمصلحة المسلمين فالدية في بيت المال، أكره أم لا، لوجوب
إطاعته (3). ولعل الظاهر أنه لا يأمر لمصلحة نفسه أو المأمور إلا إذا علم أنه لا
يؤدي به إلى جرح أو تلف إلا إذا علم الصلاح فيما يؤدي إليه. وأيضا فلا فائدة لنا
فيما يترتب على أمر الإمام.
* * *



(1) تحرير الأحكام: ج 5 ص 430.
(2) شرائع الإسلام: ج 4 ص 191 - 192.
(3) الدروس الشرعية: ج 2 ص 60.
657
(المقصد الثامن)
(في حد المرتد)
(وفيه فصلان):
(الأول) في حقيقة (المرتد)
(وهو الذي يكفر بعد الإسلام سواء كان الكفر قد سبق إسلامه أو لا).
(وهو يحصل إما بالفعل كالسجود للصنم وعبادة الشمس) وإن لم يقل
بربوبيتهما (وإلقاء المصحف في القاذورات) وتمزيقه، واستهدافه، ووطئه،
وتلويث الكعبة، أو أحد الضرائح المقدسة بالقاذورات. (و) بالجملة: (كل فعل
يدل على الاستهزاء) بالدين (صريحا).
(وإما بالقول كاللفظ الدال بصريحه على جحد ما علم ثبوته من دين
الإسلام ضرورة) مع علمه بذلك (أو على اعتقاد ما يحرم اعتقاده
بالضرورة من دين محمد (صلى الله عليه وآله)) مع علمه، بل العمدة ما يدل على إنكار ما اعتقد
ثبوته أو اعتقاد ما اعتقد انتفاءه، لأنه تكذيب للنبي (صلى الله عليه وآله) وإن كان بزعمه. (سواء
كان القول عنادا أو اعتقادا أو استهزاء) ولا ارتداد بإنكار الضروري أو
اعتقاد ضروري الانتفاء إذا جهل الحال.
(ويشترط في المرتد: البلوغ والعقل والاختيار والقصد) كسائر التكاليف.

658
(فلا عبرة بارتداد الصبي، نعم يؤدب بما يرتدع به) مراهقا أو غيره. واعتبر
في الخلاف إسلام المراهق وإرتداده، وحكم بقتله إن لم يتب، واستدل بما روي أن
الصبي إذا بلغ عشر سنين أقيمت عليه الحدود، واقتص منه، وينفذ وصيته وعتقه (1).
(وكذا المجنون لا عبرة بردته. ولو ارتد عاقلا ثم جن فإن كان)
ارتداده (عن فطرة قتل) استصحابا لثبوته عليه. (وإلا) يكن عن فطرة
(فلا) يقتل (لأن قتله مشروط بالامتناع عن التوبة) إذا استتيب (ولا
حكم لامتناع المجنون). نعم إن طرأ الجنون بعد الامتناع المبيح لقتله قتل.
(ولو اكره على) ما ظاهره (الردة) من قول أو فعل (لم يكن مرتدا)
كما قال تعالى: " إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان " (2).
(وله إظهار كلمة الكفر) والأفعال الدالة عليه (للتقية) كما قد يرشد إليه
قوله تعالى: " إلا أن تتقوا منهم تقاة " (3) بل قد يجب، وعليه التورية ما أمكنه.
(ولو شهد بردته اثنان، فقال: كذبا لم يسمع منه) كما لا يسمع تكذيب
المشهود عليه في غيرها.
(و) لكن (لو قال: كنت مكرها فإن ظهرت علامة الإكراه كالأسير)
عند الكفار (قبل) ترجيحا لحقن الدم، واستصحابا للإسلام، ودرء الحد بالشبهة،
مع أنه في الحقيقة تخطئة للشاهدين، أو تأويل لما شهدا به لا صريح تكذيب.
(وإلا) يظهر علامة الإكراه (ففي القبول نظر): من ذلك، و (أقربه العدم)
لأنه تكذيب للبينة، بلا مؤيد، إذ لا ردة مع الإكراه.
(ولو نقل الشاهد لفظا) يدل على الكفر (فقال: صدق لكني كنت
مكرها) عليه (قبل) منه ظهرت أمارة الإكراه أم لا، ما لم يعلم انتفاء الإكراه
عادة أو بالبينة (إذ ليس فيه تكذيب) للبينة، والأصل والاحتياط والشبهة يمنع



(1) الخلاف: ج 3 ص 591 و 592 المسألة 20.
(2) النحل: 106.
(3) آل عمران: 28.
659
التهجم على قتله (و) هو بخلاف ما (لو شهد بالردة) إذ حينئذ (لم يقبل
دعوى الإكراه على إشكال) عرفته، إلا مع أمارة تقاوم البينة.
(فإن الإكراه ينفي الردة) فهو تكذيب لها (دون اللفظ) فهذه العبارة إنما
ذكرت للفرق، وإن تضمنت تكريرا للمسألة.
(ولا عبرة بارتداد الغافل والساهي والنائم والمغمى عليه) لاستحالة
تكليفهم عندنا وللإجماع على رفع الخطأ والنسيان.
(ولو ادعى عدم القصد) إلى ما لفظ به وإنما سبق به اللسان (أو الغفلة) من
معناه أو عن أدائه إلا ما علم خلافه ضرورة (أو السهو) في مخالفته للضروري (أو
الحكاية من الغير صدق بغير يمين) إذا لم يعلم كذبه، للأصل والاحتياط والشبهة.
(وفي الحكم بارتداد السكران أو إسلامه) كما في المبسوط (1)
(إشكال): من إلحاقه عندنا بالصاحي فيما عليه من الجنايات والقذف والزنا
وغيرها، و (أقربه المنع) كما في الخلاف (2) (مع زوال التمييز على رأي)
فإنه لا فرق حينئذ بينه وبين المغمى عليه.
(والأسير إذا ارتد مكرها فأفلت لم يفتقر إلى تجديد الإسلام) ولا
يوجب عرضه عليه، كما يظهر من المبسوط (3) لأنه لم يتجدد له ارتداد. (ولو
امتنع من تجديده حيث عرض عليه دل على اختياره) أولا (في الردة).
ولو امر المستمر الإسلام بالشهادتين مثلا فامتنع لم يحكم بكفره. والفرق
ظاهر، لكن مع ذلك في الحكم بارتداد الأول إشكال.
(ولو ارتد مختارا فصلى صلاة المسلمين، لم يحكم بعوده) إلى الإسلام
(سواء صلى في بلاد المسلمين أو) في (دار الحرب) صلى جماعة، أو منفردا
(على إشكال) إن لم يسمع منه الشهادتان فيها، أو كان ارتداده بغير إنكار إحدى



(1) المبسوط: ج 8 ص 74.
(2) الخلاف: ج 5 ص 504 المسألة 5.
(3) المبسوط: ج 8 ص 72 - 73.
660
الشهادتين، ولو بإنكار الصلاة. وينشأ الإشكال: من الاحتمال بلا فرق بين دار الحرب
وغيرها، غاية الأمر انتفاء احتمال التقية فيها، وهو خيرة المبسوط (1). ومن ظهور
الصلاة في التوبة في دار الحرب، لانتفاء احتمال التقية، وضعفه ظاهر مما عرفت.
(الفصل الثاني في أحكام المرتد)
(ومطالبه ثلاثة):
(الأول: حكمه في نفسه)
(المرتد إن كان) ارتداده (عن فطرة) الإسلام (وكان ذكرا بالغا
عاقلا) وذكر الوصفين للتنصيص، وإلا فلا ارتداد لغيرهما (وجب قتله ولو
تاب لم يقبل توبته) والمراد به: من لم يحكم بكفره قط، لإسلام أبويه أو
أحدهما حين ولد، ووصفه الإسلام حين بلغ، ودليله الإجماع كما في الخلاف (2)
والأخبار: كصحيح الحسين بن سعيد قال: قرأت بخط رجل إلى أبي الحسن
الرضا (عليه السلام): رجل ولد على الإسلام ثم كفر وأشرك وخرج عن الإسلام، هل
يستتاب أو يقتل ولا يستتاب؟ فكتب (عليه السلام): يقتل (3).
وصحيح علي بن جعفر سأل أخاه (عليه السلام): عن مسلم ارتد، قال: يقتل ولا يستتاب،
قال فنصراني أسلم ثم ارتد عن الإسلام؟ قال: يستتاب فإن رجع، وإلا قتل (4).
وخبر عمار سمع الصادق (عليه السلام) يقول: كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام
وجحد محمدا (صلى الله عليه وآله) نبوته وكذبه فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه، وامرأته
بائنة منه يوم ارتد فلا تقربه، ويقسم ماله على ورثته، وتعتد امرأته عدة المتوفى
عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه (5).



(1) المبسوط: ج 7 ص 290.
(2) الخلاف: ج 5 ص 354 المسألة 3.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 545 ب 1 من أبواب حد المرتد ح 6.
(4) المصدر السابق: ح 5.
(5) المصدر السابق: ح 3.
661
وقول أبي جعفر (عليه السلام) في حسن محمد بن مسلم: من رغب عن الإسلام وكفر
بما أنزل الله على محمد (صلى الله عليه وآله) بعد إسلامه فلا توبة له، وقد وجب قتله، وبانت منه
امرأته، ويقسم ما ترك على ولده (1).
ومرفوع عثمان بن عيسى أنه كتب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) عامل له: إني أصبت
قوما من المسلمين زنادقة وقوما من النصارى زنادقة، فكتب (عليه السلام): أما من كان من
المسلمين ولد على الفطرة ثم تزندق فاضرب عنقه ولا تستتبه، ومن لم يولد منهم
على الفطرة فاستتبه، فإن تاب وإلا فاضرب عنقه. وأما النصارى فما هم عليه
أعظم من الزندقة (2).
وصحيح بريد العجلي أنه سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل شهد عليه شهود أنه
أفطر من رمضان ثلاثة أيام، فقال: يسأل: هل عليك في إفطارك إثم؟ فإن قال: لا،
فإن على الإمام أن يقتله، وإن هو قال: نعم، فإن على الإمام أن ينهكه ضربا (3) (4).
(ويتولى قتله الإمام) كسائر الحدود (ويحل لكل سامع قتله) كما في
الجامع (5) لما مر من خبر عمار (6) وما سلف من قول الصادق (عليه السلام) في حسن هشام
بن سالم في رجل شتم رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنه يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع إلى
الإمام (7) ولإطلاق الأخبار بقتله.
ولكن تقدم أن الحدود إلى من إليه الحكم، وخبر هشام خاص، وخبر عمار
موثق بطريق وضعيف باخرى، والإطلاق ليس نصا في التعميم، ولذا لم يجز



(1) المصدر السابق: ص 544 ح 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 552 ب 5 من أبواب حد المرتد ح 5.
(3) وسائل الشيعة: ج 7 ص 178 ب 2 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 1.
(4) في " ل " زيادة: وقول الصادق (عليه السلام) في مرسل عثمان بن عيسى: من شك في الله بعد مولده
على الفطرة لم يفئ إلى خير أبدا.
(5) الجامع للشرائع: ص 567.
(6) وسائل الشيعة: ج 18 ص 545 ب 1 من أبواب حد المرتد ح 3.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 554 ب 7 من أبواب حد المرتد ح 1.
662
الشهيد لغير الإمام أو نائبه قتله، وذكر أنه لو بادر غيرهما إلى قتله فلا ضمان، لأنه
مباح الدم، ولكنه يأثم ويعزر، ونسبه إلى الشيخ (1). ولم أر منه ذلك إلا في المرتد لا
عن فطرة إذا قتله قبل الاستتابة (2).
(ولو قتل) المرتد بعد الارتداد أو قبله (مسلما) أو مرتدا (قتله الولي
قصاصا) إن شاء (وسقط قتل الردة) تقديما لحق الناس (فإن عفا الولي
قتل بالردة).
(ولو قتل خطأ فالدية في ماله، إذ لا عاقلة له) وكذا إذا عفي عن عمده
على مال، أو قتل شبيها بالعمد.
ويشكل الجميع بأنه لا مال له، لانتقاله بالارتداد عنه، إلا إذا ملكناه المتجدد.
نعم، إذا تقدم الخطأ أو شبه العمد أو العفو بمال على الارتداد كانت الدية
كسائر الديون.
واستشكل في أنه لا عاقلة له أيضا بأن ميراثه لقومه.
(وهي) أي دية خطئه (مخففة مؤجلة) ثلاث سنين كغيره. (فإن قتل
أو مات حلت كالديون المؤجلة). وفيه: أن المرتد عن فطرة كالميت ديونه
المؤجلة كلها حالة.
والحق أن جميع ما ذكر يختص بالمرتد لا عن فطرة. ويمكن حمل كلام
المبسوط عليه (3) فإنه وإن أطلق المرتد، لكنه ذكر هذه الأحكام له بعد ذكر قسميه.
(ولو كان) ارتداده (عن غير فطرة استتيب، فإن تاب عفي عنه وإلا
قتل) كلاهما بالنصوص والإجماع (وروي أنه يستتاب ثلاثة أيام) رواه مسمع
بن عبد الملك، عن الصادق (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): المرتد تعزل عنه



(1) الدروس الشرعية: ج 2 ص 53.
(2) المبسوط: ج 7 ص 284.
(3) المبسوط: ج 7 ص 282 - 283.
663
امرأته، ولا تؤكل ذبيحته، ويستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل يوم الرابع (1).
(وقيل) في المبسوط (2) والخلاف (3): لا حد لها بل إنما يمهل (القدر الذي
يمكن معه الرجوع) لضعف هذا الخبر وإطلاق غيره، ولما روي عن علي (عليه السلام):
إن رجلا تنصر فدعاه وعرض عليه الرجوع فأبى فقتله ولم يؤخره (4).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من بدل دينه فاقتلوه (5). فالظاهر أنه يقتل من غير
استتابة، لكن قام الدليل على الاستتابة. ولكن جعل الأول في المبسوط أحوط،
قال: لأنه ربما دخلت عليه شبهة فيتأملها وينبه عليها (6).
(واستتابته واجبة) عندنا لظهور الأمر فيه، والاحتياط في الدماء.
واستحبها أبو حنيفة (7) والشافعي (8) في أحد قوليه.
(ولو قال: حلوا شبهتي احتمل الإنظار إلى أن تحل شبهته) لوجوبه،
وكون التكليف بالإيمان مع الشبهة من التكليف بما لا يطاق. (و) احتمل
(إلزامه التوبة في الحال، ثم يكشف له) لوجوب التوبة على الفور والكشف
وإن وجب كذلك، لكن يستدعي مهلة وربما طال زمانه.
ويكفي في الحكم بإسلامه التوبة ظاهرا، وإن كانت الشبهة تأبى الاعتقاد،
وأيضا ربما لا يأبى الاعتقاد تقليدا.
وقيل (9): إن اعتذر بالشبهة أول ما استتيب قبل انقضاء الثلاثة الأيام، أو
الزمان الذي يمكن فيه الرجوع أمهل إلى رفعها، وإن أخر الاعتذار عن ذلك لم
يمهل، لأدائه إلى طول الاستمرار على الكفر، ولمضي ما كان يمكن فيه إبداء العذر
وإزالته ولم يبدأه فيه.



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 548 ب 3 من أبواب حد المرتد ح 5.
(2) المبسوط: ج 7 ص 282 - 283.
(3) الخلاف: ج 5 ص 356 المسألة 6.
(4) جامع الخلاف والوفاق: ص 500.
(5) دعائم الإسلام: ج 2 ص 480 ح 1717.
(6) المبسوط: ج 7 ص 283.
(7) الحاوي الكبير: ج 13 ص 159.
(8) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 76.
(9) لم نعثر على قائله.
664
(ولو تاب فقتله من يعتقد بقاءه على الردة قيل) في المبسوط (1)
والخلاف (2) ومتشابه القرآن لابن شهرآشوب (3): (يقتل، لتحقق قتل المسلم
ظلما) مع أن الظاهر من إطلاقه من الحبس الإسلام.
(ويحتمل عدمه) كما هو أحد قولي الشافعي (4) (لعدم القصد إلى قتل
المسلم).
ويؤيده أن جمعا من الصحابة منهم أسامة وجدوا أعرابيا في غنيمات فلما أرادوا
قتله تشهد، فقالوا: ما تشهد إلا خوفا من أسيافنا، فقتلوه، واستاقوا غنيماته، فنزل: " ولا
تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا " فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يقتص منهم (5).
وحكم في الخلاف - في كتاب كفارة القتل -: بأن من قتل مسلما في دار
الحرب بظن أنه كافر لم يكن عليه أكثر من الكفارة (6).
(والمرأة) لا تقتل اتفاقا وللنصوص بل (تستتاب وإن ارتدت عن فطرة فإن
تابت عفي عنها) لزوال موجب العقوبة، ولسقوط عقوبة الآخرة بالتوبة، ففي
الدنيا أولى، ولحب الإسلام ما قبله، ولسقوط العقوبة رأسا عن المرتد لا عن فطرة.
ولقول الصادق (عليه السلام) في خبر عباد بن صهيب: المرأة تستتاب فإن تابت وإلا
حبست في السجن وأضر بها (7).
وقول الصادقين (عليهما السلام) في مرسل ابن محبوب: المرأة إذا ارتدت استتيبت فإن
تابت ورجعت، وإلا خلدت في السجن وضيق عليها في حبسها (8).
وفي التحرير: ولو تابت فالوجه قبول توبتها وسقوط ذلك عنها (9). يعني



(1) المبسوط: ج 8 ص 72.
(2) الخلاف: ج 5 ص 503 المسألة 3.
(3) متشابه القرآن: ج 2 ص 221.
(4) الحاوي الكبير: ج 13 ص 178.
(5) الدر المنثور: ج 2 ص 200.
(6) الخلاف: ج 5 ص 320 المسألة 3.
(7) وسائل الشيعة: ج 18 ص 550 ب 4 من أبواب حد المرتد ح 4.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 550 ب 4 من أبواب حد المرتد ح 6.
(9) تحرير الأحكام: ج 5 ص 390.
665
ب‍ " ذلك ": الحبس والضرب، وهو مشعر باحتمال الخلاف، لعدم التنصيص عليه في
أكثر الأخبار (1) والفتاوى واحتمال استمرار العقوبة لها.
(وإن لم تتب لم تقتل وإن كانت) مرتدة (عن فطرة، بل تحبس دائما
وتضرب) في (أوقات الصلوات) ويضيق عليها في المأكول والملبوس وتستخدم
خدمة شديدة، لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز: لا يخلد في السجن إلا ثلاثة: الذي
يمسك على الموت، والمرأة ترتد عن الإسلام، والسارق بعد قطع اليد والرجل (2).
وفي صحيح حماد: لا تقتل وتستخدم خدمة شديدة وتمنع الطعام والشراب،
إلا ما يمسك نفسها، وتلبس خشن الثياب، وتضرب على الصلوات (3).
(فإن تابت عفي عنها) كما في الخلاف (4) والسرائر (5) (وإلا فعل بها
ذلك دائما).
(ولو تكرر الارتداد) لا عن فطرة (من الرجل قتل في الرابعة) كما في
الخلاف، واستدل عليه بالإجماع على أن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة (6).
وفي المبسوط: أنه روي عنهم (عليهم السلام) أن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة (7).
(وروي) عن أبي الحسن (عليه السلام) فيما سلف: أن أصحاب الكبائر يقتلون (في
الثالثة) (8).
وعن علي بن حديد في المرتد، أنه قيل لجميل بن دراج: ما تقول إن تاب ثم
رجع ثم تاب ثم رجع؟ فقال: لم أسمع في هذا شيئا، ولكن عندي بمنزلة الزاني



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 549 ب 4 من أبواب حد المرتد.
(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 550 ب 4 من أبواب حد المرتد ح 3.
(3) المصدر السابق: ص 549 ح 1.
(4) الخلاف: ج 5 ص 351 المسألة 1، وليس فيه: فإن تابت عفي عنها.
(5) السرائر: ج 2 ص 707 وج 3 ص 532، وليس فيه: فإن تابت عفي عنها.
(6) الخلاف: ج 5 ص 504 المسألة 6.
(7) المبسوط: ج 7 ص 284.
(8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 313 ب 5 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.
666
الذي يقام الحد عليه مرتين ثم يقتل بعد ذلك (1).
(ولو اكره الكافر على الإسلام، فإن كان ممن يقر على دينه لم يحكم
بإسلامه) فإنه لا يكره عليه، فما يقع من الإكراه لغو (وإن كان ممن لا يقر)
على دينه (حكم به) فإنه (صلى الله عليه وآله) امر بأن يقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله.
(وكلمة الإسلام أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) بل لا إله
إلا الله محمد رسول الله، من دون حاجة إلى التصريح بالشهادة، وبهما يحكم
بإسلامه، ما لم يظهر منه ما ينافيه.
(ولا يشترط أن يقول: وأبرأ من كل دين غير الإسلام) كما اشترطه
بعض العامة (2). نعم إن قاله أكدهما به.
ولكن (لو كان مقرا بالله تعالى) ووحدته (وبالنبي (صلى الله عليه وآله) لكنه جحد
عموم نبوته أو) جحد (وجوده) وزعم أنه سيبعث من بعد، وأنه غير الذي
بعث (أو جحد فريضة علم ثبوتها من دين الإسلام) أو أصلا كذلك من
أصول الدين كحدوث العالم والمعاد الجسماني (لم يكف الإقرار بالشهادتين
في التوبة، بل لابد من زيادة تدل على رجوعه عن) جحد (ما جحده) أو
ما مصدرية (فيقول من جحد عموم النبوة: أشهد أن محمدا رسول الله إلى
الخلق أجمعين، أو يتبرأ مع الشهادتين من كل دين خالف دين الإسلام.
ولو زعم أن المبعوث ليس هو هذا (صلى الله عليه وآله) بل آخر يأتي بعده، افتقر أن
يقول): محمد (هذا) الذي ظهر وادعى أنه (المبعوث هو رسول الله، أو يتبرأ
من كل دين غير الإسلام). ولو جحد فريضة أو أصلا فتوبته الإقرار بذلك من
غير افتقار إلى إعادة الشهادتين.
(وكذا لو جحد نبيا) معلوما نبوته ضرورة من دين الإسلام (أو آية)



(1) تهذيب الأحكام: ج 10 ص 137 ح 544.
(2) الحاوي الكبير: ج 13 ص 179.
667
كذلك (من كتابه تعالى، أو كتابا) كذلك (من كتبه، أو ملكا من ملائكته
الذين ثبت أنهم ملائكة، أو استباح محرما) معلوم الحرمة كذلك (فلابد في
إسلامه من الإقرار بما جحده).
(ولو قال) قائل: (أشهد أن النبي (صلى الله عليه وآله) رسول الله لم يحكم بإسلامه،
لاحتمال أن يريد بالنبي غيره) بل لابد من التصريح باسمه (صلى الله عليه وآله).
(ولو قال: أنا مؤمن أو مسلم، فالأقرب أنه إسلام في الكافر الأصلي
أو جاحد الوحدانية) لأنه أثبت ما كان نفاه، فإن اللفظين حقيقة في العرف فيما
ينافي ما كان عليه من الكفر. ويحتمل العدم قويا، لأنهما ليسا صريحين في ذلك،
فلعله أراد أنه مؤمن بالنور والظلمة مثلا، مستسلم لهما إلى غير ذلك مما لا يخفى.
نعم إن قال دين الإسلام حق كان أوضح.
(بخلاف من كفره بجحد نبي أو كتاب أو فريضة ونحوه) مع إقراره
بالشهادتين، فإنه لا يحكم له بالإسلام بشيء من ذلك (لأنه يحتمل أن يكون)
أراد الاعتراف بأصل الإسلام الذي هو الشهادتان وإن كان على جحوده لما ذكر،
وأن يكون (اعتقاده أن الإسلام ما هو عليه).
وفيه: أنه إذا اعتقد ذلك لم يحكم بكفره لجهله بأن ما جحده مما أتى به النبي (صلى الله عليه وآله).
(والأقرب قبول توبة الزنديق، وهو الذي يستتر بالكفر) ويظهر
الإيمان، وفاقا لابن سعيد (1) لأنا إنما كلفنا بالظاهر، ولا طريق لنا إلى العلم
بالباطن. ولذا قال النبي (صلى الله عليه وآله) لأسامة - فيما تقدم من قصة الأعرابي - هلا شققت
من قلبه (2) والتهجم على القتل عظيم.
خلافا للخلاف (3) وظاهر المبسوط (4) قال: روى أصحابنا أنه لا تقبل توبته،
وحكى إجماعهم على هذه الرواية. قال: وأيضا فإن قتله بالزندقة واجب بلا



(1) الجامع للشرائع: ص 568.
(2) تفسير الدر المنثور: ج 2 ص 200.
(3) الخلاف: ج 5 ص 352 المسألة 2.
(4) المبسوط: ج 7 ص 282.
668
خلاف، وما أظهره من التوبة لم يدل دليل على إسقاطه القتل عنه. وأيضا فإن
مذهبه إظهار الإسلام وإذا طالبته بالتوبة طالبته بإظهار ما هو مظهر له، وكيف
يكون إظهار دينه توبة (1)؟
(ولا يجري على المرتد رق، سواء كان رجلا أو امرأة، وسواء التحق
بدار الكفر أو لا) فإنه لا يقر على ما انتقل إليه ولتحرمه أولا بالإسلام.
(المطلب الثاني: حكمه في ولده)
أي ما يترتب على ارتداده من أحكام ولده و (إذا) ولد أو (علق قبل
الردة فهو مسلم) حكما، ولذا لو ماتت الأم مرتدة وهي حامل به دفنت في مقابر
المسلمين، وإن قتله قاتل قبل البلوغ اقتص منه. (فإن بلغ مسلما فلا بحث،
وإن اختار الكفر بعد بلوغه استتيب) وإن حكم له بالإسلام من العلوق ولم
يتحتم قتله. وإن ظن أنه ارتد عن فطرة، فإنه ليس كذلك، إذ لا يتحقق الارتداد عن
فطرة إلا إذا كان وصف الإسلام بعد البلوغ كما عرفت، إذ لا عبرة بعبارته ولا
باعتقاده قبله، والتولد من المسلم إنما يفيده لحوق حكم الإسلام به.
وحكم في التذكرة بأن من كان حين العلوق أحد أبويه مسلما فإذا بلغ
ووصف الكفر فهو مرتد عن فطرة يقتل ولا يستتاب. وقوى أن من كان أبواه حين
العلوق كافرين ثم أسلما أو أسلم أحدهما قبل بلوغه، فإذا بلغ ووصف الكفر كان
مرتدا مليا فأجرى تبعية الإسلام مجرى نفسه (2). والأقرب ما عرفت.
(فإن تاب وإلا قتل) ولم يترك، لخبر عبيد بن زرارة عن الصادق (عليه السلام) في
الصبي يختار الشرك وهو بين أبويه، قال: لا يترك، وذاك إذا كان أحد أبويه
نصرانيا (3). ومرسل أبان عنه (عليه السلام) في الصبي إذا شب واختار النصرانية وأحد أبويه



(1) الخلاف: ج 5 ص 353 المسألة 2.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب اللقطة ج 2 ص 274 - 275 س 41.
(3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 546 ب 2 من أبواب حد المرتد ح 1.
669
نصراني أو بين مسلمين، قال: لا يترك ولكن يضرب على الإسلام (1).
(ولو قتله قاتل قبل وصفه الكفر قتل به) كما في كتاب المرتد من
المبسوط (سواء قتله قبل بلوغه أو بعده) لأنه مسلم حكما ما لم يصف
الكفر (2). خلافا لكتاب اللقطة من المبسوط ففيه: العدم إذا قتله بعد البلوغ
للشبهة (3). واستظهره في التذكرة (4).
وربما بني الخلاف على أنه إذا وصف الكفر فهل هو مرتد أو كافر أصلي،
فيقتص من قاتله على الأول دون الثاني.
(ولو علق بعد الردة وكانت امه مسلمة فكالأول) فإن الإسلام يعلو ولا
يعلى عليه، فهو يتبع أشرف الأبوين.
(وإن كانت مرتدة) أو كافرة أصلية (والحمل بعد ارتدادهما) أو
كفرهما (معا فهو مرتد بحكمهما لا يقتل المسلم بقتله) ما لم يصف الإسلام
وهو كامل، إلا إذا أسلم الأبوان أو أحدهما من بعد العلوق إلى البلوغ، فقد مر في
اللقطة أنه يوجب الحكم بإسلامه.
(وهل يجوز استرقاقه؟ قيل) في الجامع (5) وكتاب المرتد من الخلاف (6)
والمبسوط (7): (نعم) ولد في دار الإسلام أو دار الحرب (لأنه كافر بين
كافرين) فيعمه العمومات المجوزة للاسترقاق.
(وقيل) في كتاب قتال أهل الردة من المبسوط (8): (لا، لأن أباه لا
يسترق لتحرمه بالإسلام فكذا الولد) لأنه يتبعه. وفي كتاب قتال أهل الردة
من الخلاف: يسترق إن ولد في دار الحرب، ولا إن ولد في دار الإسلام، واستدل



(1) المصدر السابق: ح 2.
(2) المبسوط: ج 7 ص 285 - 286.
(3) المبسوط: ج 3 ص 344.
(4) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 275 س 15.
(5) الجامع للشرائع: ص 238.
(6) الخلاف: ج 5 ص 360 المسألة 11.
(7) المبسوط: ج 7 ص 286.
(8) المبسوط: ج 8 ص 71.
670
بالإجماع والأخبار، وبأنه إذا ولد في دار الإسلام فهو في حكم الإسلام بدلالة أن
أبويه يلزمان الرجوع إلى الإسلام، وإن لم يرجعا قتلا (1). وأجاز أبو علي استرقاقه
إن حضر مع أبيه وقت الحرب (2).
وفي الدروس: احتمال كون هذا الولد مرتدا تبعا فلا يسترق، ولا يلزم إذا بلغ
بالإسلام أو القتل (3). واحتمال كونه كافرا أصليا، لأنه لم يسبق له الإسلام ولا تبعا
فيسترق، ويؤمر إذا بلغ بالإسلام أو الجزية إن كان من أهلها، واحتمال إسلامه ضعيفا
لبقاء علاقة الإسلام بأبويه أو أحدهما، فإن وصف الكفر بعد البلوغ ارتد حينئذ.
وعلى التبعية في الارتداد (فإذا بلغ واختار الكفر استتيب، فإن تاب وإلا قتل).
فقد علم أن ولد المرتد يستتاب ولا يتحتم قتله (سواء علق قبل الارتداد
أو بعده).
والظاهر أن ولد المسلم والمسلمين أيضا إذا بلغ كافرا استتيب ولو ولد هو
وأبواه على الفطرة، وقد نص عليه في لقطة المبسوط (4).
(وأما ولد المعاهد إذا تركه عندنا فإنه يبقى بعد البلوغ) بوصفه
الإسلام أو (بقبول الجزية أو يحمل إلى مأمنه ثم يصير حربيا) فإن معاهدة
الأبوين لا يؤثر بعد البلوغ.
(المطلب الثالث في أمواله وتصرفاته)
(المرتد إن كان عن فطرة زالت أملاكه عنه في الحال) بالإجماع كما
في الخلاف (5) لوجوب قتله حينئذ (وقسمت أمواله أجمع بين ورثته) بعد ما
كان عليه من الحقوق كما سيأتي.
(وبانت زوجته) إجماعا وقد سمعت النص عليه وعلى قسمة تركته في



(1) الخلاف: ج 5 ص 501 المسألة 1.
(2) لم نعثر عليه.
(3) الدروس الشرعية: ج 2 ص 54.
(4) المبسوط: ج 3 ص 343.
(5) الخلاف: ج 5 ص 358 المسألة 7.
671
خبري محمد بن مسلم (1) وعمار (2) (وأمرت بعدة الوفاة في الحال وإن لم
يدخل بها على الأقوى) للاتفاق على أنه في حكم الميت، وذلك من أحكام
الميت، وإطلاق خبر عمار. ويحتمل العدم، لأنه انفساخ لا بموت قبل الدخول.
وما ذكر من الأحكام ثابت (وإن) لم يقتل بل (التحق بدار الحرب، أو
اعتصم بما يحول بينه وبين الإمام، أو هرب).
(وإن كان عن غير فطرة لم تزل أملاكه) ما دام حيا وإن التحق بدار الحرب
أو أبى الرجوع (عنه) خلافا للعامة في قول (3) (و) لكن (يحجر الحاكم على
أمواله لئلا يتصرف فيها بالإتلاف) فإنها موقوفة أو في حكم الموقوفة للورثة.
(فإن عاد) إلى الإسلام (فهو أحق بها، وإن التحق بدار الحرب
حفظت وبيع ما يكون الغبطة في بيعه كالحيوان) وما يفسد ولا ينتقل شيء
منها إلى غيره ما دام حيا.
(فإن مات أو قتل انتقل ماله إلى ورثته المسلمين) خاصة (فإن لم
يكن له وارث مسلم فهو للإمام) دون الكفار من أقربائه. وقد مضى الخلاف
فيه في الميراث. ونزل أبو حنيفة لحوقه بدار الحرب منزلة موته، فقسم تركته بين
ورثته، وقضى ديونه، وحكم بعتق مدبره (4).
(ويقضى من أموال المرتد عن فطرة ديونه وما) كان (عليه من
الحقوق الواجبة قبل الارتداد، من مهر وأرش جناية وغير ذلك) وحلت
المؤجلات منها. وفي إنفاذ وصاياه وجهان، الأقوى العدم. (ولا يقضى ما
يتجدد) من الحقوق بعد الارتداد (وإن كان المعامل) معه (جاهلا) بحاله أو
بالمسألة (لانتقال أمواله إلى ورثته) بالارتداد. (ولا ينفق عليه) من ماله



(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 544 ب 1 من أبواب حد المرتد ح 2.
(2) المصدر السابق: ص 545 ح 3.
(3) المغني لابن قدامة: ج 10 ص 83.
(4) الهداية للمرغياني: ج 2 ص 166.
672
ما دام حيا لذلك، ولا يجب من غيره إذ لا حرمة له.
(وكذا تقضى الديون والحقوق عن المرتد عن غير فطرة) ولكن يقضي
عنه (وإن تجددت) بعد الارتداد لبقاء ملكه. (و) لذا (ينفق عليه مدة ردته إلى
أن يتوب أو يقتل. لكن) في الخلاف: أن لأصحابنا في ملكه قولين (1) يعني القول
بالبقاء، والقول بأنه مراعى، فإن تاب علم بقاؤه وإلا علم زواله من حين الردة، وعلى
هذا القول لا يقضى عنه ما تجدد من الحقوق إلا إذا تاب. وفي الإنفاق عليه نظر.
ثم إنه وإن لم يزل ملكه عن أمواله، واستحق الإنفاق عليه، وقضاء ما عليه منها لكن
(لا يمكن من التصرف فيها و) من (القضاء للمتجدد) من الحقوق (كما في
المحجور عليه) أي كما أن أموال المحجور عليه لا يزول عن ملكه لكن لا يمكن من
التصرف فيها، ومن قضاء ما يتجدد عليه من الحقوق، لأنه من التصرف. ويفهم منه أنه لا
يمنع من قضاء ما تقدم من الحقوق على الارتداد، ولعله كذلك لأنه أداء حق سبق لزومه.
(ويقضى) أي يؤدى (عنه نفقة القريب مدة الردة) من ماله وكذا نفقة
زوجته في العدة.
(ويقضى) عنه من ماله (ما يلزمه بالإتلاف حال الردة عن غير
فطرة) والكل ظاهر.
(وما يتجدد له من الأموال) حين الارتداد (بالاحتطاب والاتهاب أو
الشراء أو الصيد أو إيجار نفسه فهي كأمواله) السابقة في الدخول في ملكه
والحجر عن التصرف.
(أما المرتد عن فطرة فالأقرب عدم دخول ذلك كله في ملكه) لأنه
كالميت، ولأنه إذا زال ملكه عما كان له، فأولى أن لا يملك بالاكتساب. ويحتمل
التملك والانتقال بعده إلى الوارث أو الإمام، لمنع الأولوية وانتفاء قابلية التملك
عنه رأسا وكونه كالميت في كل حكم.



(1) انظر الخلاف: ج 5 ص 358 المسألة 7.
673
(وتصرفات المرتد عن غير فطرة كالهبة والعتق والتدبير والوصية غير
ماضية، لأنه محجور عليه) ولكنها موقوفة (فإن تاب نفذ إلا العتق)
لاشتراط التنجيز فيه.
قال في التحرير: أما لو تصرف بعد حجر الحاكم عليه فإنه باطل (1) مع تردده
في توقف الحجر عليه على حكم الحاكم وحصوله بالردة (2).
وفي الخلاف: أن في تصرفه أقوالا (3) يعني الصحة والبطلان والوقف.
قلت: أما على الحجر بمجرد الردة فلا وجه للصحة، وكذا بعد حجر الحاكم.
وبالجملة: فالصحة قبل الحجر هي الوجه، وبعده يحتمل البطلان والوقف.
(ويمضى) من تصرفاته (ما لا يتعلق بأمواله) فإنه أهل لها، ولا مانع.
(وهل يثبت الحجر بمجرد الردة أو بحكم الحاكم؟ الأقوى الأول)
لأن علته الارتداد، فلا يتخلف عنه، وللأصل. ويحتمل الثاني، لأن الارتداد مسألة
اجتهادية لابد من إعمال الحاكم فيها رأيه.
(وأما المرتد عن فطرة فلا ينفذ شيء من تصرفاته) في أمواله
(البتة) فلا انتظار لزمان ينفذ بعده.
(وأما التزويج) من نفسه (فإنه غير ماض من المرتد عن فطرة و)
عن (غيرها سواء تزوج بمسلمة، لاتصافه بالكفر، أو بكافرة، لتحرمه
بالإسلام) ولأنه لا يقر على ما هو عليه ليقر على توابعه من نكاح وغيره،
وأنكحة المشركين إنما يحكم بصحتها لأنهم يقرون على ما هم عليه.
(وليس له ولاية التزويج على أولاده) لخروجه عن أهلية الولاية (ولا
على مماليكه) لخروجهم عن ملكه وتصرفه.
(وتعتد زوجة المرتد عن غير فطرة من حين الارتداد عدة الطلاق)



(1 و 2) تحرير الأحكام: ج 5 ص 394 و 391.
(3) الخلاف: ج 5 ص 358 المسألة 7.
674
إن دخل بها (فإن رجع في العدة فهو أحق بها وإلا بانت منه بغير طلاق ولا
فسخ سوى الارتداد).
وقال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بكر الحضرمي: إذا ارتد الرجل عن الإسلام
بانت منه امرأته كما تبين المطلقة ثلاثا، وتعتد منه كما تعتد المطلقة، فإن رجع إلى
الإسلام وتاب قبل التزويج فهو خاطب من الخطاب، ولا عدة عليها منه، وتعتد
منه لغيره، وإن مات أو قتل قبل العدة اعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها، وهي
ترثه في العدة ولا يرثها إن ماتت وهو مرتد عن الإسلام (1).
ومن الظاهر أنه ليس معنى التشبيه بالمطلقة ثلاثا افتقارها إلى محلل، ولذا
قال: " ولا عدة عليها منه " وإنما المراد البينونة وعدم صحة الرجوع ما دام مرتدا.
(وكل ما يتلفه المرتد على المسلم) من نفس أو طرف أو مال (فهو
ضامن له) عندنا، للعمومات (سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام،
حالة الحرب أو بعد انقضائها). خلافا لأبي حنيفة (2) والشافعي (3) فلم يضمناه
ما أتلفه في الحرب. (وسواء كان) ارتداده (عن فطرة أو لا).
(أما الحربي فإن أتلف في دار الإسلام ضمن) اتفاقا إذا أسلم
(والأقرب في دار الحرب الضمان أيضا) للعمومات. خلافا للشيخ بناء على
أن الإسلام يجب ما قبله. وفرق بينه وبين المرتد بأن المرتد كان التزم (4) أحكام
الإسلام (5). وقيل بالفرق بين الإتلاف حال الحرب فلا يضمن وغيرها فيضمن (6).
(وإذا نقض الذمي عهده ولحق بدار الحرب فأمان أمواله باق) بلا
خلاف، كما في الخلاف (7). وفي المبسوط: لأنه لما صح أن يعقد الأمان لما له دون



(1) وسائل الشيعة: ج 17 ص 387 ب 6 من أبواب موانع الإرث ح 5.
(2) المبسوط للسرخسي: ج 10 ص 116.
(3) الشرح الكبير: ج 10 ص 100.
(4) في ق: الزم.
(5) المبسوط: ج 7 ص 288.
(6) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 555.
(7) الخلاف: ج 5 ص 361 المسألة 12.
675
نفسه - وهو أن يبعث بماله إلى بلاد الإسلام بأمان، أو يكتب من دار الحرب إلى
الإمام أن يعقد الأمان على ماله ففعل - صح أن عقد لنفسه دون ماله بأن دخل إلينا
بأمان، فإذا صح كل واحد على الانفراد فإذا انتقض أحدهما ثبت الآخر (1).
(فإن مات) ولم يكن له وارث مسلم (ورثه) ورثته الكفار (الذمي)
منهم (والحربي) للعمومات. ولم يورث الشافعي الذمي بناء على أن لا توارث
بين الحربي والذمي (2).
(فإن انتقل) المال إلى (الحربي زال الأمان عنه) إذ لا أمان لماله، ومن
عقد الأمان له فقد مات. خلافا للشافعي في أحد قوليه (3) فرأى بقاء أمانه.
(وأما أولاده الصغار) الذين عندنا (فهم على الذمة) لبقاء تبعيتهم
لآبائهم، وقد عقدوا لهم الأمان، بخلاف المال لأنه انتقل إلى الغير.
(فإذا بلغوا) زالت عنهم التبعية فلذا (خيروا بين عقد الذمة) لهم
(بالجزية وبين رجوعهم إلى مأمنهم) فيكونوا حربا.
وقد سعدت حدود الأفهام واستضاءت حدود الإسلام بكشف اللثام.
عن حدود قواعد الأحكام.
* * *



(1) المبسوط: ج 7 ص 286.
(2) كفاية الأخيار: ج 2 ص 13.
(3) المجموع: ج 19 ص 452.
676
/ 1