حاشية مجمع الفائدة و البرهان نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حاشية مجمع الفائدة و البرهان - نسخه متنی

محمد باقر بن محمد اکمل بهبهانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: حاشية مجمع الفائدة والبرهان
المؤلف: الوحيد البهبهاني
الجزء:
الوفاة: 1205
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: صفر المظفر 1417
المطبعة: أمير
الناشر: منشورات مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني
ردمك:
ملاحظات:
منشورات مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني (رحمه الله)
" 8 "
حاشية مجمع الفائدة والبرهان
للعلامة المجدد المولى
محمد باقر الوحيد البهبهاني (رحمه الله)
(1117 - 1205 ه‍ ق)
تحقيق ونشر
مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني (رحمه الله)

تعريف الكتاب 1
حاشية مجمع الفائدة والبرهان
العلامة محمد باقر الوحيد البهبهاني (رحمه الله)
تحقيق ونشر: مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني (رحمه الله)
الطبعة: الأولى - صفر المظفر 1417 ه‍
المطبعة: أمير
الكمية: 1500
السعر: 15000 ريال
* جميع الحقوق محفوظة للمؤسسة *
قم: خيابان معلم، كوچهء شماره ء 14، پلاك 8 ص. ب: 3877 - 37185، تلفن: 732367

تعريف الكتاب 2
بسم الله الرحمن الرحيم

تعريف الكتاب 3
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله
على أعدائهم إلى يوم الدين.
وبعد:
إن من كان له أدنى إلمام بالتعاليم الإلهية في الشريعة المحمدية، يعلم أن قسما
كبيرا منها يرتبط بما يرجع إلى القلب والفكر، أي إن درك المبادئ الدينية،
وتصحيح المسائل الاعتقادية وكل ما يرتبط بالمبدأ والمعاد، والنبوة والإمامة إنما
ينشأ من تلقيها بشكل صحيح وواضح. هذا من جانب.
ومن جانب آخر، فهناك من التعاليم ما يتكفل ويرجع فيه إلى التربية
الأخلاقية للمجامع البشرية، بمعنى الخصال المعنوية، والأخلاق الإنسانية،
والآداب البشرية التي تسيره وتأدبه بشكل قويم، مما يوجب تعديلا لهذه القوى
المودعة من البارئ عز اسمه، ومنعا من طغيانها أو فتورها، وتحت ظل هذه
الآداب تتحقق عدة السماء في قوله عز من قائل * (وكذلك جعلناكم أمة
وسطا) * (1).
فالعدالة، والتقوى، والصبر، والتواضع، والسماحة، والكرم،.. ما هي إلا
صغريات لما ذكرناه.



(1) البقرة (2): 143.
مقدمة التحقيق 5
ومن جانب ثالث، التعاليم التي تربط العبد بأعماله الفردية، وحركاته
الخارجية، مما يجب أو لا يجب عليه في تعيين كيفية سيره العملي الخارجي.
وهذا القسم الأخير، عبر عنه علماء الإسلام وموضحوا الشريعة المقدسة
ب‍: الفقه، إلا أن هذه الكلمة من الوجهة الشرعية - كتابا وسنة - تعطي مدلولا
آخر غير التلقي العميق لجميع المقررات والمعارف الإلهية.
ولعله من هنا جاء ما تعارف عند القدماء من فقهاء الشيعة من طرح
المسائل الاعتقادية والأصول الدينية في مدخل الرسائل العملية والكتب الفقهية،
إلا أنه - وكما سنشير إليه - تدرجت هذه اللفظة، وتلبست بقالب جديد واصطلاح
خاص، بحيث صارت تنظر إلى مجموعة مدونة من المقررات والقوانين الإلهية التي
ترتبط بالأعمال الفردية، والسلوك الخارجي لكل مكلف في مسيره اليومي، مما
يلزم أو لا يلزم عليه، سواء كان فرديا أو اجتماعيا.
وبتعبير عصري، إن علم الفقه يشمل جميع الحقوق الأساسية، الفردية منها
والاجتماعية، الجزائية والمدنية، العائلية والسياسية، مما تكون له دائرة شمولية
أوسع من المباحث التي تطرح اليوم تحت عنوان: (الحقوق).
عصر التشريع:
ومما لا شك ولا ريب فيه، أن المشرع الواقعي هو الله سبحانه وتعالى، وهو
الأول والآخر، والظاهر والباطن، فمنه التشريع وإليه الشريعة، والتعبير عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكونه شارعا إنما جاء في مقام الاحترام، إذ هو يمثل الامتداد
الطبيعي لرسالة السماء: * (وما ينطق عن الهوى) * (1)، * (وما آتاكم الرسول



(1) النجم (53): 3.
مقدمة التحقيق 6
فخذوه..) * (1)، * (ولو تقول علينا..) * (2)، فهو الرسول، وهو المرسل، وهو
المبين، وهو البيان من رب العزة والكمال..
فتأتي هذه القوانين تارة بواسطة وحي إلهي في إطار الآيات القرآنية بلاغا
للناس ورحمة، وأخرى ضمن السلوك العملي لصاحب الرسالة المعبر عنه ب‍:
السنة النبوية..
وحيث كان مقام النبوة والولاية - بحكم البرهان والدراية - ملازما لمرتبة
العصمة، فكان كلما يترشح من رسول الله والأئمة المعصومين - صلوات الله عليهم
أجمعين - من بيان قولي أو سلوك عملي أو إمضاء تقريري - بما لها من شروط -
يتسم بصفة قانونية - إلزامية كانت أو غيرها - وبحكم البلاغ من جانب الشارع
المقدس - جلت عظمته -.
ومن هنا، كان عصر الرسالة ومحضر أئمة الهدى - سلام الله عليهم - يعد
عندنا عصر تشريع وتبيين، ولذا كان المسلمون - خاصة الشيعة منهم - ينهلون من
معين تلك العين الطاهرة، فلا حاجة - والحال هذه - إلى تجميع وتدوين القوانين
بشكل ما كان متداولا عليه في الأحقاب اللاحقة.
هذا، مع غض النظر عن أن هناك فروق جوهرية بين الشيعة الإمامية
وسائر الفرق الإسلامية، وهذا بحث دقيق طويل الذيل، يتطلب استدلالا وتتبعا،
قد يحالفنا الحظ للتعرض له بحول الله وقوته في مقدمتنا على كتاب: " مصابيح
الظلام في شرح مفاتيح الشرائع " للمولى محمد باقر الوحيد البهبهاني - طاب
ثراه - إلا أننا نجد أن ذكر هذه الملاحظة ضروري فعلا، وذاك أن اعتقاد الفرقة



(1) الحشر (59): 7.
(2) الحاقة (69): 44.
مقدمة التحقيق 7
المحقة بعصمة الأئمة - سلام الله عليهم - يستدعي أن يحظوا ويتمتعوا بمصادر غنية
وشاملة من الأحكام والقوانين الإلهية خلال ثلاث قرون - أي: إلى نهاية الغيبة
الصغرى سنة 329 ه‍ - مما يبعث فيهم قوة على استنباط الأحكام الشرعية مصدرا
وسعة وبناءا ومبنى في قبال العامة.
ومن هنا، فمن الراجح أن نعتبر مبدأ التدوين والتجميع، ومن ثم التبويب
للقوانين الإلهية والترتيب هو أوائل الغيبة الكبرى، ولا ننسى ما لتدوين " كتاب
الجامعة " المنسوب لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وكتب الأصحاب، والأصول الأربعمائة
لأصحاب الأئمة (عليهم السلام) من دور مهم ومقام في تدوين الفقه.
تدوين الفقه وتطوره:
كانت روية أصحاب الأئمة (عليهم السلام) أيام تشرفهم بمحضر الأئمة - سلام الله
عليهم - وديدنهم خلال الغيبة الصغرى هو بيان نص كلماتهم (عليهم السلام) في جواب أسئلة
السائلين، أو طرح الأبواب المتفرقة العملية، وكذا في مقام إرشاد الجاهلين، ومن
ثم نجد أن هذه الروية سار عليها في زمن الغيبة الكبرى جل علماء الدين وفقهائهم
- رضوان الله تعالى عليهم - مع فارق جمع تلك النصوص وتدوينها، حيث كانوا
يقومون بذلك ويتلقونه كفريضة إلهية، حفظا له من الضياع والتلف أولا، وتسهيلا
للعوام، كي يصلوا إلى ما يبتغونه من الأحكام من منابعها الأولية ثانيا.
وهذان الجانبان يظهران بكل وضوح من العناوين التي وصلتنا لأسماء
الكتب والموسوعات المدونة إبان ذلك العصر.
فمثلا، شيخنا الصدوق - طاب ثراه - مع ما له من رسائل ومجاميع في تدوين

مقدمة التحقيق 8
الأحاديث - حتى ذكر المحدث القمي وسمى منها ثلاثمائة كتاب (1) - ومع هذا بادر
إلى تنظيم وتدوين الموسوعة الحديثية التي فيها ما يقارب الستة آلاف حديث في
أبواب مختلفة من الفقه، وجعله تحت اختيار المكلفين، وانتخب له اسما على مسمى،
وهو: " من لا يحضره الفقيه "، وذكر في مقدمته مذعنا سلفا:.. قصدت إلى إيراد
ما أفتي به، وأحكم بصحته، وأعتقد أنه حجة في ما بيني وبين ربي - تقدس ذكره
وتعالت قدرته - (2)..
أو ملاحظة الموسوعة الحديثية الرائعة المسماة ب‍ " الكافي " - أصولا
وفروعا، وروضة - الحاوية على ما يزيد على ستة عشر ألف حديث، التي قام
بجمعها وتدوينها، ثم تبويبها وتنظيمها العالم الجليل والمحدث الفقيه شيخنا الكليني
- طاب رمسه -، وها هو يقول في مبدئها:.. كتاب كاف، يجمع من جميع فنون علم
الدين ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين
والعمل به وبالآثار الصحيحة عن الصادقين (عليهم السلام) والسنن القائمة عليها العمل، وبها
يؤدى فرض الله عز وجل، وسنن نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) (3).
فكانت هذه روية علماء ذلك العصر وطريقتهم المتبعة إلى أوائل القرن
الرابع.. فكان أن وصلنا منها مجموعات ثمينة من آثار أئمة الهدى - سلام الله
عليهم - بقيت لنا ذكرا وتذكارا، ومدرسة ونبراسا.
ولو أن هذه البرهة قد أبقت لنا فقهاء عظام أمثال: ابن عقيل وابن الجنيد
الإسكافي - القديمان - حيث اتخذوا طريقة الاجتهاد، وناقشوا النصوص،
وشرحوا المتون، إلا أنهما حيث كانا قائلين بحجية القياس والرأي - اعتقادا أو



(1) الكنى والألقاب: 1 / 221.
(2) من لا يحضره الفقيه: 1 / 3.
(3) الكافي: 1 / 8.
مقدمة التحقيق 9
تقية - فلذا لم يكن لهما المقام اللائق في تطور تأريخ الفقه، وإن كانت تعد هذه
الدورة مهمة في رشد ونمو الفقه من خلال تدوين هذه المجاميع القيمة الحديثية.
والملاحظ، أنا نجد في أواسط القرن الرابع الهجري تحولا ملحوظا في
الأسلوب الفقهي، وذلك بدخول الاستدلال العلمي بشكل مؤثر لاستنباط
الأحكام الجزئية، وإعمال الصناعة العلمية بديلا عن الاقتصار على نقل النصوص
الحديثية، ولعل منشأ هذا التحول - بل الانقلاب - هو تتلمذ الشيخ الأعظم، الفقيد
المفيد - رضوان الله عليه - على يدي العلمين: ابن الجنيد، وابن قولويه، اللذين
كانا يمثلان قطبين متضادين في عصر واحد، مما أولد شخصية نادرة وثمينة مثل
الشيخ المفيد الذي يتمتع بمثبتات هذا التقارن، الذي هو بدوره - عدا ماله من
أفضال علمية وعملية للطائفة الحقة الإمامية - قد نشأ وتربى في مدرسته
الأعاظم، أمثال: السيد المرتضى، والشيخ الطوسي اللذين وفقا - وبجدارة -
ولأول مرة إلى تفكيك المبادئ الأصولية عن القواعد الفقهية، وسلطا الأضواء
عليهما وبشكل مستقل ومنحاز، تدوينا وتدريسا، ونقدا وتحكيما.
وكان وليد ذلك، تفريع الفروع الفقهية وبسطها، ومعارضتها بالآراء الفقهية
عند العامة، الذي يعد بذرة لتأسيس الفقه المقارن، وهذان الأثران العظيمان
يظهران بشكل بارز في الفقه الشيعي في كتاب " المبسوط "، " والخلاف " لشيخ
الطائفة، الذي يعد بحق رائد هذه المسيرة المباركة خلال تلك البرهة.
وها هو الشيخ الأعظم يحدثنا في مقدمة " مبسوطه " كيف انتزع الفقه من
البساطة ونقل النصوص! مما كان له أثر كبير في استنقاذ الخط العلمي للمذهب
الشيعي من تنقيص العامة له، وتجميع القدرات والإمكانات الكامنة بالقوة في
أصول الاستنباط إلى مرحلة الفعلية، وبكل جرأة وشجاعة، وذلك بإثبات القولة

مقدمة التحقيق 10
المشهورة: (علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع).. بتنزيه الطائفة من تهمة العجز
والجمود، بإيكال رفع هذه النقيصة للأفراد الذين كانت لهم الجرأة الكافية مع
الأهلية التامة من تجاوز قوالب الألفاظ إلى حاق المعاني من فقه الحديث الذي
أولد لنا حديث (الفقه)..
فكان شيخنا الطوسي (رحمه الله) قد أبدى قابلية علمية رائعة في هذا المسير، مما
خلق له هالة من التقديس والتبجيل في الأحقاب اللاحقة له، بحيث كمم الشفاه،
احتراما وتقديسا.. إلى أن سطع في أفق المعرفة شخصية عظيمة، وعالم فطحل
نقاد، ألا وهو: محمد بن إدريس الحلي - صاحب " السرائر " - المعروف ب‍: السيد
اسما ووصفا، مقابل (الشيخ) مقاما ومنزلة، فكان أن بزغ في سماء الفقاهة، وبدأ
بمعارضة شيخ الطائفة، فكسر طوق الجمود الحاصل بعد الشيخ (رحمه الله)، فكان أن
صارت هناك أرضية لدخول الفقه في مرحلة جديدة.
والعلامة المميزة في هذه الدورة هي: تهذيب الفقه، وتنظيمه بعد تبويبه،
لا ننسى ما لشيخنا المحقق الأول - صاحب " الشرائع " - من أياد بيضاء في هذا
المجال، ومن بعده لابن أخته العلامة الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي، الذي كان
له السهم الأوفى في تشييد أركان هذه المرحلة الفقهية، خاصة في جانب الفقه
المقارن.
فالمدرسة التي أنشئت بواسطة المحقق، وتكاملت وتحكمت على يد العلامة،
ربت في أحضانها شخصيات ثمينة من فقهاء الطائفة كان لكل واحد منهم دور كبير
ومساع مشكورة في نمو الفقه الشيعي، بما كانت لهم من ملاحظات دقيقة وأدلة
قويمة، كان للشهيد الأول محمد بن مكي - طاب ثراه - القدح الأوفى فيها.
وبمرور الأيام واستمرار الزمن بهذه الدورة ازداد غناؤها العلمي، وبرزت

مقدمة التحقيق 11
فضيلتها، وعلا فضلها على سائر المذاهب، خاصة أنا نجد في كل مقطع زمني
شخصية علمية قويمة تبرز قدرتها العلمية في مسير التكامل الفقهي وتعاليه،
أمثال: المحقق الثاني، والمقدس الأردبيلي، وصاحبي " المدارك " و
" المعالم ".. ونظائرهم.
وفي غروب القرن الثاني عشر، كان طلوع شمس الفقاهة: العلامة المجدد
الوحيد البهبهاني - طاب رمسه - له أبلغ الأثر في هذا الميدان، إذ بلغ الأوج في
كمال عملية الاستنباط، خاصة بعد تطهير ساحة الفقه والتفقه من براثن الجمود
والتحجر الحاصل من هيمنة الأخباريين وأفكارهم لفترة قصيرة.
فعلم الأصول، الذي كان مهجورا متروكا برهة من الزمن، أصبح في ظل
مساعي ذلك الرجل العظيم وتنور أفكاره بالغا محله الأصلي، ومعيدا واقعه
العلمي، بسطا وتوسعة، وعمقا وتقوية.
وعلى كل حال، فإن المدرسة التي بناها شيخنا الوحيد - طاب رمسه -
وتبناها أعادت للفقه حياة جديدة في إطار قوانينه وقواعده، وقدرته على
الانطباق مع حاجات البشر وتطور أفكاره خلال القرون والأعصار، أي: تخليد
المذهب المقدس الإسلامي في جميع أبعاده وزواياه، الفردية منها والاجتماعية،
خاصة الفروع الفقهية والمسائل العملية المبتلى بها، مع إثبات وإبراز ما للشرع
الأنور من قدرات في الإجابة على ما يحتاجه البشر.. ولإثبات هذه الدعوى
شواهد وأدلة.
ولا يخفى، أن المدونات الفقهية عند الشيعة الإمامية اليوم تعد - وبحق،
وبدون تعنت - في أوج الكمال العلمي، لا قياسا بفقه العامة فحسب، بل تتحدى
جميع القوانين المدونة الوضعية منها والإلهية، التي هي محصول مسائل أعلامنا

مقدمة التحقيق 12
الفقهاء وتفريعات فقهائنا الأعلام، الذين انتهت النوبة بهم إلى مدرسة العلامة
الوحيد - طاب ثراه - والتي خرجت فطاحل من تلامذته، أمثال: السيد
بحر العلوم، وكاشف الغطاء، وصاحبي " الرياض " و " القوانين "، والنراقي
الأول.. وأشباههم، الذين كانوا أساتذة لتربية من لحقهم من جهابذة الفن، أمثال:
صاحب " الجواهر "، والشيخ الأنصاري، والآخوند الخراساني.. وأمثالهم -
رضوان الله تعالى عليهم -.
فعلم من مجموع ما ذكر في تأريخ تطور الفقه الشيعي تأسيسا وتأصيلا
وتدوينا ومقارنة، أنه لم يمر بمرحلة الجمود والركود، بل كان - وما زال - يطوي
مدارج التكامل، وإتقان القواعد، وتحكيم المباني أصولا وفروعا، وما كان ذاك
إلا رهينة الأصل الأصيل في باب الاجتهاد وانفتاحه في عصر غيبة المعصوم -
سلام الله عليه -، وذاك - بحق - أحد مفاخر وامتيازات فقه الطائفة الإمامية،
حيث فتح لهم طريق الاستنباط لكل السالكين على دربه، وأبعدهم عن الجمود
والاقتصار على أقوال السلف، كما هي طريقة أبناء العامة وديدنهم.
ثم إن دراسة الأحقاب التي مرت بها أدوار الفقه، تظهر لنا - وبكل وضوح
- اختلاف المسالك، وتعدد السبل والطرق في الاستنباط، وإن كانت - في حد
نفسها - في رشد أكثر وتكامل أسمى، إلا أنه قد نلاحظ في فترات متقطعة حصول
نوع من الانحراف عن المسير الأصلي في الاجتهاد - الذي هو استخراج حكم
الشارع المقدس - كان للموقف المشرف لعلماء الطائفة الأثر الكبير في الوقوف -
وبشدة - أمام أمثال هذه التيارات المنحرفة، حيث أن تحصيل الحكم الشرعي إنما
يكون في إطار القواعد والمقررات المتداولة المعروفة، ولو قدر التجاوز عن هذا
الخط، فلا يمكن أن يطلق عليه أنه: حكم الله.

مقدمة التحقيق 13
والذي نعنيه من القواعد والأسس هنا، هو ما يعبر عنه ب‍: علم أصول
الفقه، الذي نطمئن بضرورة معرفته والوقوف على مبادئه ومسائله وقواعده،
مقدمة للدخول إلى علم الفقه، وأن الخروج عنه يستلزم تأسيس فقه جديد محللا
لحرام الله، ومحرما لحلاله.
وحيث كان مؤلف سفرنا الحاضر العلامة المجدد الوحيد البهبهاني (رحمه الله) فطحل
ميدان الأصول، ومؤسس مدرسته الجديدة، فمن هذا المنطلق نجده هنا قد حقق
وانتقد كثيرا من الكتب الفقهية للسلف الصالح (رحمهم الله)، وادعى تطهيرها مما عرضها
من شوائب وزلات، ومنها: كتاب " مجمع الفائدة والبرهان " تأليف المحقق
الأردبيلي - طاب ثراه -.
فها هو يقول في مقدمة حاشيته:.. رأيته (قدس سره) قد كبى جواده في بعض
الميادين، فأخذ يعترض على علمائنا الأساطين، وذلك لما اعترف به طاب
مضجعه وعلا مقعده، من عدم عثوره على أستاد يقيمه ويسدده، فرأيت أن
أتدارك ما فاته (رحمه الله) من دليلهم، وغفل عن سواء سبيلهم (1)..
فيظهر - وبكل جلاء - أن المحشي يعتقد - بعد اعتراف الماتن بذلك - بعدم
حظوته بأستاد قوي في الفقه كي يطرح عليه عصارة أفكاره، كي يقومها له
ويهذبها، فلذا نجده قد تفرد في موارد متعددة، قد تخرجه - نادرا - عن المسير
المتعارف للاستنباط، ولذا قال فقيدنا المحشي الوحيد (رحمه الله) في مبحث خيار الشرط:
فلو صح مناقشاته، لم يبق للشرع والفقه أثر أصلا، ولم يوجد حكم شرعي، إلا في
غاية الندرة، وأين هذا من الدين والشريعة (2)؟!..



(1) حاشية مجمع الفائدة والبرهان: 3.
(2) حاشية مجمع الفائدة والبرهان: 253.
مقدمة التحقيق 14
وقد نجده يلوح أحيانا باتهامه باتباعه الاستحسان!، كما في ذيل فتواه
بعدم جواز أخذ الزكاة عن السلطان الجائر، قال:.. فيه ما فيه، إذ لا نعلم مأخذه،
ولا ما يشير إليه ويوهمه، ولا أحدا ذكره.. (1).
ولعل من مصاديق ما سلف عدم أخذه بظواهر كلمات الأصحاب، أو حملها
على الفروض البعيدة النادرة.. وغير ذلك، مع أن حجية الظواهر أصل عقلائي
مسلم قامت عليه جميع المحاورات العادية والعلمية، ولا شك أن الخروج عن هذا
المبنى يفتقر إلى قيام قرينة خاصة صارفة له.
وعليه، فقد صرح شيخنا المحشي (رحمه الله) كرارا، بتخلف المولى المقدس
الأردبيلي في أكثر من مورد، وذلك بعدم اعتنائه بكثير من الأصول المسلمة
العلمية المقبولة عند العلماء والعقلاء، فمثلا، يقول في ذيل صحيحة أبي
عبيدة (2) - المستدل بها لإباحة المقاسمة -:.. ولا يدل على جواز شراء الزكاة بعينها
صريحا، نعم ظاهرها ذلك، ولكن لا ينبغي الحمل عليه، لمنافاته للعقل والنقل (3).
ويقول العلامة الوحيد (رحمه الله):.. الظهور يكفي للاستدلال ولا يشترط
الصراحة (4).. وأما ادعاء التنافي حيث لم يشر إلى المنقول، فهو ليس قابلا للقبول
ولا طريق للعقل في الورود له.
وأيضا، فإن من القواعد المتلقاة بالقبول في علم الأصول، هو تقديم ذي
المزية على غيرها في باب مرجحات باب التعارض، إلا أن الماتن في موارد
متعددة أغمض النظر عن هذا الأصل، كما في باب بيع الصرف، حيث رجح



(1) حاشية مجمع الفائدة والبرهان: 35.
(2) وسائل الشيعة: 17 / 219 الحديث 22376.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 102.
(4) حاشية مجمع الفائدة والبرهان: 40.
مقدمة التحقيق 15
الرواية الموثقة على الصحيحة (1).
ونجده أحيانا يرجح الرواية الحسنة على الصحيحة المفتى بها، وأشكل
المحشي عليه، كما في بابه (2).
والحاصل، لعلنا وفقنا بما سلف إلى الإشارة - ولو مجملا - إلى طريقة المحقق
المحشي وكيفية تلقيه من استدلال، وأسلوب الاستنباط عند المرحوم الماتن، طاب
ثراهما، كي نعطي صورة عن كتابنا الحاضر " حاشية مجمع الفائدة والبرهان ".
ومع كل ما أورده (قدس سره) عليه من نقود وإشكالات، وحتى طعون علمية
أحيانا، نراه قد حفظ لنا حريم (المقدس) وشيخوخته وقداسته، فهو عندما يرميه
بعدم تلقيه من أساتذة الفقه والارتواء من معينهم يقول:
.. ومع ذلك، فلعمري لم أر في مصنفات أصحابنا المتقدمين، ولا في مؤلفات
علمائنا المتأخرين - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - مؤلفا يشبهه في جمعه
وتحريره، أو يدانيه في تحقيقه وتحبيره، فلله دره، قدس سره، فلقد أتى بالشئ
العجاب، بل بما يحير لب ذوي الألباب، ولا عجب ممن كانت تخدمه ملائكة
الرحمان، وكان يخاطبه الإمام صاحب الزمان، وتلقى المسائل شفاها من الإمام
عليه أفضل الصلاة والسلام (3).
وللحق نقول: إن مثل هذه الكلمات تعد لنا - أبناء العلم وطلابه - درسا
ومدرسة عندما نواكب هذه الرحلة العلمية لمولانا (المقدس) وشيخنا (الوحيد)،
إذ نرتوي من معينهم العذب ونغتذي من مائدة فضائلهم وملكاتهم الأخلاقية
علما وعملا..



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 305.
(2) لاحظ! حاشية مجمع الفائدة والبرهان: 275.
(3) حاشية مجمع الفائدة والبرهان: 3 - 4.
مقدمة التحقيق 16
ونكرر القول بأن تتبعنا في هذا الكتاب وسائر الكتب الفقهية لشيخنا
الوحيد تطلعنا - وبكل وضوح - على مبتكراته ومستجداته الكثيرة في الأبواب
الفقهية المتفرقة التي حصلنا عليها، وسندرجها في مقدمتنا لموسوعته الفقهية
" شرح المفاتيح "، كما سردنا لك بعض إبداعاته الأصولية في مقدمة كتابه
" الرسائل الأصولية " (1).
وحيث كنا على أبواب مؤتمر المقدس الأردبيلي - طاب ثراه - فنكتفي في
هذه العجالة بوضع هذه البصمات، على أمل أن نوفق للتوسع أكثر في هذا الباب،
وإعطاء الموضوع حقه في فرضة أخرى بعون الله.
ولنختم الموضوع بإعطاء نبذة مجملة عن حياة هذين العلمين الفطحلين،
اللذين كان لهما الشرف والتوفيق للمثول بين يدي الحجة - أرواحنا لتراب مقدمه
الفداء - فكان أن بلغا ما بلغا بذاك، وكفى بذاك فخرا، وشرفا وعزا، وسؤددا
وكرامة..



(1) الرسائل الأصولية: 33 - من المقدمة -.
مقدمة التحقيق 17
مقتطفات من ترجمة الفقيد المقدس الأردبيلي (رحمه الله):
صرح الكل بولادته في بلدة أردبيل من بلاد آذربايجان إيران، كما جاء في
" ريحانة الأدب "، فقد قال: أحمد بن محمد الآذربايجاني، أردبيلي الأصل
والولادة، نجفي المسكن والمدفن (1).. وغيره.
ولد من أبوين نجيبين، نجهل عنهما ما يعرفهما، كما لا نعرف عن تأريخ
ولادته (رحمه الله) ما يشفي الغليل، أو يأخذ بنا إلى حق، إلا من تحديد كونه من أعاظم
أعلام القرن العاشر.
وشيخنا المقدس المولى أحمد بن محمد.. غني عن التعريف، علم برأسه،
ويقصر من يكتب عنه في إعطاء صورة واضحة عنه، خصوصا مع لزوم كون
المعرف أجلى، ولذا نمد يد الاستعانة بمن عاصره أو عرفه..
فها هو العلامة المحقق السيد مصطفى الحسيني التفريشي (رحمه الله) - المتوفى سنة
1015 ه‍ - حيث يقول في " نقد الرجال ":
.. أمره في الجلالة والثقة والإمامة أشهر من أن يذكر، وفوق ما يحوم حوله
العبارة، كان متكلما فقيها، عظيم الشأن، جليل القدر، رفيع المنزلة، أورع أهل
زمانه وأعبدهم وأتقاهم (2).



(1) ريحانة الأدب: 5 / 366.
(2) نقد الرجال: 29 برقم 126.
مقتطفات من حياة الأردبيلي 18
وصرح العلامة المولى الأردبيلي محمد بن علي (رحمه الله) - المتوفى سنة 1101 ه‍ -
في " جامع الرواة " بقوله:
.. أمره في الجلالة والثقة والأمانة أشهر من أن يذكر، وفوق ما يحوم حوله
العبارة، كان متكلما، فقيها، عظيم الشأن، جليل القدر، رفيع المنزلة، أورع أهل
زمانه وأعبدهم وأتقاهم (1).
وانظر إلى ما ذكره شيخنا الحر العاملي (رحمه الله) - المتوفى سنة 1104 ه‍ - في " أمل
الآمل "، حيث يقول:
.. المولى الأجل الأكمل، أحمد بن محمد الأردبيلي، كان عالما، فاضلا،
مدققا، عابدا، ثقة، ورعا، عظيم الشأن، جليل القدر، معاصرا لشيخنا البهائي (2).
وذكر المولى الميرزا محمد باقر الموسوي الخوانساري (رحمه الله) - المتوفى سنة
1313 ه‍ - في " روضات الجنات " ما نصه:
أمره في الثقة والجلالة، والفضل والنبالة، والزهد والديانة، والورع
والأمانة، أشهر من أن نؤدي مكانه، أو نتصدى بيانه، كيف! وقدسية ذاته،
وملكية صفاته مما يضرب به الأمثال في العالم، كالخلق الجميل من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)،
وشجاعة الوصي الولي (عليه السلام)، وسماحة الحاتم (3)؟!
وقال المحدث النوري (رحمه الله) - المتوفى سنة 1320 ه‍ - في " خاتمة المستدرك ":
العالم الرباني، والفقيه المحقق الصمداني، المولى أحمد بن محمد الأردبيلي،
المتوفى سنة 993 ه‍، الذي غشى شجرة علمه وتحقيقاته أنوار خلوصه



(1) جامع الرواة: 1 / 61.
(2) أمل الآمل: 2 / 23، كما نقله - أيضا - السيد الخوئي في: معجم رجال الحديث:
2 / 225.
(3) روضات الجنات: 1 / 79.
مقتطفات من حياة الأردبيلي 19
وكراماته.. (1).
وقال المحدث القمي (رحمه الله) - المتوفى سنة 1359 ه‍ - في كتابه " الكنى
والألقاب ":
المولى الأجل، العالم الرباني، والمحقق الفقيه الصمداني، مولانا أحمد بن
محمد الأردبيلي النجفي، أمره في الثقة والجلالة، والفضل والنبالة، والزهد والديانة،
والورع والأمانة، أشهر من أن يحيط به قلم، أو يحويه رقم، كان متكلما فقيها،
عظيم الشأن، جليل القدر، رفيع المنزلة، أورع أهل زمانه وأعبدهم وأتقاهم،
وكفى في ذلك ما قال العلامة المجلسي (رحمه الله): المحقق الأردبيلي في الورع والتقوى،
والفضل والزهد، بلغ الغاية القصوى، ولم أسمع بمثله في المتقدمين والمتأخرين، جمع
الله بينه وبين الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) (2).
ولنختم هذا البحث بما ذكره شيخنا الطهراني رحمه الله - المتوفى سنة 1389
ه‍ - في " إحياء الداثر ":
شيخنا المقدس، المولى أحمد بن محمد.. أستاذ صاحبي " المعالم " و
" المدارك "، وغيرهما من الأعلام، وصاحب المصنفات الكثيرة (3)..
وما قيل - أو يمكن أن يقال - عن مكارم مولانا الأردبيلي وسمو أخلاقه
عدا ما له من موقعية علمية: امتيازه بالواقع العملي، المتمثل بأن يوصف ويوسم
ب‍: المقدس، بحيث ينصرف إليه ولا يعرف إلا به، مما أهله لأن يحظى بالتشرف
بزيارة بقية الله الأعظم - أرواحنا لتراب مقدمه الفداء -.
فلقد حكى العلامة المجلسي (رحمه الله) - المتوفى سنة 1111 ه‍ - قصة تشرفه - طاب



(1) خاتمة مستدرك الوسائل: 3 / 392.
(2) الكنى والألقاب: 3 / 200 - 201.
(3) طبقات أعلام الشيعة (إحياء الداثر من أعلام القرن العاشر): 8.
مقتطفات من حياة الأردبيلي 20
ثراه - بلقاء الإمام (عليه السلام)، فقال:
أخبرني جماعة عن السيد الفاضل أمير علام قال: كنت في بعض الليالي في
صحن الروضة المقدسة بالغري - على مشرفها السلام - وقد ذهب كثير من الليل،
فبينا أنا أجول فيها، إذ رأيت شخصا مقبلا نحو الروضة المقدسة، فأقبلت إليه، فلما
قربت منه عرفت أنه أستاذنا الفاضل العالم التقي الذكي مولانا أحمد الأردبيلي،
قدس الله روحه، فأخفيت نفسي عنه، حتى أتى الباب - وكان مغلقا - فانفتح له
عند وصوله إليه، ودخل الروضة، فسمعته يتكلم كأنه يناجي أحدا ثم خرج،
وأغلق الباب، فمشيت خلفه حتى خرج من الغري وتوجه نحو مسجد الكوفة.
فكنت خلفه بحيث لا يراني، حتى دخل المسجد وصار إلى المحراب الذي
استشهد أمير المؤمنين صلوات الله عليه عنده، ومكث طويلا ثم رجع وخرج من
المسجد وأقبل نحو الغري.
فكنت خلفه حتى قرب من الحنانة، فأخذني سعال لم أقدر على دفعه،
فالتفت إلي فعرفني، وقال: أنت مير علام؟ قلت: نعم، قال: ما تصنع هاهنا؟
قلت: كنت معك حيث دخلت الروضة المقدسة إلى الآن، وأقسم عليك بحق
صاحب القبر أن تخبرني بما جرى عليك في تلك الليلة، من البداية إلى النهاية!
فقال: أخبرك على أن لا تخبر به أحدا ما دمت حيا، فلما توثق ذلك مني
قال: كنت أفكر في بعض المسائل وقد أغلقت علي، فوقع في قلبي أن آتي أمير
المؤمنين عليه السلام وأسأله عن ذلك، فلما وصلت إلى الباب فتح لي بغير مفتاح
كما رأيت، فدخلت الروضة، وابتهلت إلى الله تعالى في أن يجيبني مولاي عن
ذلك، فسمعت صوتا من القبر: أن ائت مسجد الكوفة وسل عن القائم (عليه السلام)، فإنه

مقتطفات من حياة الأردبيلي 21
إمام زمانك، فأتيت عند المحراب، وسألته عنها وأجبت وها أنا أرجع إلى بيتي (1).
ومن هنا قال العلامة البحراني (رحمه الله) - المتوفى سنة 1186 ه‍ - في " لؤلؤة
البحرين " أنه:
لم يسمع بمثله في الزهد والورع. له مقامات وكرامات، ذكره شيخنا
المجلسي (رحمه الله) في " البحار " في جملة من رأى القائم (عليه السلام)، وأنه قد انفتحت له أقفال
الروضة المقدسة الغروية وكلمه الإمام (عليه السلام) (2).
هذا، ولم تنحصر كرامات شيخنا المولى الأردبيلي (رحمه الله) بما ذكرنا، وإليك
بعض ما ذكره الأعلام في ترجمته..
منها: ما جاء به الجزائري (رحمه الله) - المتوفى سنة 1112 ه‍ - في " الأنوار
النعمانية ":
.. وكان عام الغلاء يقاسم الفقراء في ما عنده من الأطعمة ويبقي لنفسه مثل
سهم واحد منهم، وقد اتفق أنه فعل في بعض السنين الغالية هكذا، فغضبت عليه
زوجته وقالت: تركت أولادنا في مثل هذه السنة يتكففون الناس! فتركها ومضى
عنها إلى مسجد الكوفة للاعتكاف، فلما كان اليوم الثاني جاء رجل مع دواب
حملها الطعام الطيب من الحنطة الصافية والطحين الناعم، فقال: هذا بعثه إليكم
صاحب المنزل وهو معتكف في مسجد الكوفة.
فلما جاء المولى من اعتكافه أخبرته زوجته بأن الطعام الذي أرسلته مع
الأعرابي طعام حسن، فحمد الله تعالى، وما كان له خبر فيه (3).
ومنها: ما ذكره في " روضات الجنات " في ما يرجع إلى زهده وتواضعه،



(1) بحار الأنوار: 52 / 174 - 175.
(2) نقله عنه: منتهى المقال في أحوال الرجال 1 / 311، روضات الجنات: 1 / 79.
(3) الأنوار النعمانية: 2 / 302 - 303.
مقتطفات من حياة الأردبيلي 22
فقال:
.. وحكي أيضا من غاية زهده: أن بعض زوار النجف أصابه في الطريق
فلم يعرفه لرثاثة أثوابه، فطلب منه أن يغسل ثياب سفره، وقال: أريد أن تزيح
عنها درن الطريق وتجيئني بها، فتقبل منه ذلك وباشر بنفسه قصارتها وتبييضها
إلى أن فرغ منها، فجاء بها إلى الرجل ليسلمها إياه، فاتفق أن عرفه الرجل في
هذه المرة وجعل الناس يوبخونه على ذلك العمل، وهو يمنعهم عن الملامة ويقول:
إن حقوق إخواننا المؤمنين أكثر من أن يقابل بها غسل ثياب.
قال: وكان يأكل ويلبس ما يصل إليه بطريق الحلال، رديا كان أم سنيا،
ويقول: المستفاد من الأحاديث الكثيرة وطريقة الجمع بين الأخبار أن الله يحب
أن يرى أثر ما ينعمه على عباده عند السعة كما يحب الصبر على القناعة عند
الضيق، فكان لا يرد من أحد شيئا، ومتى التمس أحد منه أن يلبس شيئا من
الأثواب النفيسة يلبسها.
وتكرر أنه يهدى إليه شئ من العمامات الغالية - التي تعادل قيمتها ما
يكون من الذهب الخالص - فيخرج به إلى الزيارة، ثم إذا طلب أحد من السائلين
شيئا منه يخرق قطعة منه لأجله، وهكذا إلى أن يبقى على رأسه ذراعا من ذلك
الثوب النفيس عند وروده إلى بيته (1).
وهذا غيض من فيض مما جاء في حياة هذا النموذج الإنساني الفذ.
وختاما لحديثنا نورد ما حكاه صاحب " الروضات " - بعد نقله لجملة من
الكرامات -:.. إلى غير ذلك مما حكاه الثقات من كراماته العجيبة، واحتياطاته



(1) روضات الجنات: 1 / 81 - 82.
مقتطفات من حياة الأردبيلي 23
الغريبة، التي لا تسعها هذه العجالة، ونخرج بتفصيلها عن وضع الرسالة (1).
هذا، ويمتاز شيخنا المصنف - طاب ثراه - بالإضافة إلى موقعيته الاجتماعية
المتميزة، أنه كان بحق مثال الخلق الرفيع، والأدب المحمدي، ومصداقا لقوله (عليه السلام):
" كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم "، فضلا عن كونه مثالا عاليا للتقوى وكمال النفس
وسمو الروح، تجده بأشكاله المختلفة في رواد مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
ولنذكر في هذه العجالة بضعة نماذج أبقاها لنا التأريخ وكتب التراجم، منها
ما كتبه صاحب " الروضات "، حيث قال:
وكان الشاه عباس الصفوي الموسوي يبالغ في تعظيمه وتبجيله في الغياب،
ويرسل إليه بكل جميل من المرسول، ويستدعي من جنابه في ذيل تلك الأبواب
التوجه إلى أرض إيران، وهو (رحمه الله) يكتب إليه في الجواب التحاشي الشديد عن
قبول ذاك والرضا بما أنعم عليه الله من التوفق للمقام هنالك (2).
وقال أيضا:
وله كتابة مختصرة إلى الشاه عباس الأول على يدي رجل - كان مقصرا في
الخدمة - التجأ إلى مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) وطلب من الأردبيلي - نور الله
ضريحه -، أن يكتب إلى السلطان المذكور طلب أن لا يؤذيه، والكتابة بالفارسية
هكذا: باني ملك عاريت عباس بداند! اگر چه أين مرد أول ظالم بود اكنون
مظلوم مينمايد، چنانچه از تقصير أو بگذرى شايد كه حق سبحانه وتعالى از پاره ء
از تقصيرات تو بگذرد. كتبه بنده ء شاه ولايت: أحمد الأردبيلي (3).



(1) روضات الجنات: 1 / 82.
(2) روضات الجنات: 1 / 83.
(3) وترجمته:.. وليعلم من أعير الملك: عباس، وإن كان هذا الرجل ظالما أولا إلا أنه يظهر
منه اليوم كونه مظلوما، فلو تجاوزت اليوم عن تقصيره وذنبه لعل الله سبحانه وتعالى أن
يتجاوز عن بعض تقصيراتك. كتبه: عبد سلطان الولاية (الإمامة) أحمد الأردبيلي.
وترجمة الجواب: يعرض عباس بخدمتكم أن أوامركم التي أصدرتموها نفذتها بكل امتنان،
المأمول أن لا ينسى هذا المحب من دعواتكم الصالحة. كتبه: كلب باب مقام علي - (عليه السلام) -:
عباس.
مقتطفات من حياة الأردبيلي 24
جواب: (بعرض مى رساند عباس: كه خدماتي كه فرموده بوديد بجان
منت داشته بتقديم رسانيد، اميد كه أين محب را از دعاى خير فراموش نكنند.
كتبه كلب آستانه ء علي: عباس) (1).
أما أساتذته - طاب ثراه -، فلم نعرف منهم إلا القليل، فلقد جاء في
" حدائق المقربين " - كما حكاه السيد الأمين -: أنه قرأ في المنقول والمعقول
على بعض تلاميذ الشهيد الثاني (رحمه الله) وفضلاء العراقين والمشاهد
المشرفة (2).
ثم ذكر فيه:.. ومن مشايخه المولى جمال الدين محمود تلميذ جلال الدين
الدواني، وكان شريكا في الدرس عنده مع المولى عبد الله اليزدي صاحب
" حاشية تهذيب المنطق " للتفتازاني والمولى ميرزاجان الباغندي.
هذا، ويظهر منه - طاب رمسه - في مبحث القبلة من " شرح الإرشاد " أنه
تتلمذ في الهيئة عند خاله العلامة، قال: وأهل هذا العلم - علم الهيئة - في هذا
العصر قليل جدا، رأيناه منحصرا في خالي الذي ما سمح الزمان بمثله بعد نصير
الملة والدين..
وقال في " الروضات ": وله الرواية عن السيد علي الصائغ، الذي هو
من كبار تلامذة الشهيد المبرور، كما يظهر من فواتح أربعين سمينا



(1) روضات الجنات: 1 / 84 - 85.
(2) أعيان الشيعة: 3 / 81 وقد أخذه من روضات الجنات: 1 / 84 - 85.
مقتطفات من حياة الأردبيلي 25
المجلسي (رحمه الله) (1).
أما معاصروه، فإن مقتضى تنقل شيخنا المترجم (رحمه الله) في المعاهد العلمية
آنذاك يقتضي معاصرته لجمع كبير من الأعلام، صرح باسم بعضهم في كتب
التراجم وأهمل الكثير، كما قال صاحب " الروضات ": وكان معاصرا لشيخنا
البهائي (رحمه الله) وبينهما أيضا حكايات (2). وحكي معاصرته للميرزا محمد
الأستر آبادي وغيرهما (3).
وأما تلامذته، فلا شك أن الغموض المحيط بترجمة المقدس سبب لنا
الحرمان عن معرفة كثير من تلامذته، كما جهلنا أساتذته وغالب معاصريه.
ولا شك أنه من خير أعلام عصره، بل على قول شيخنا المحدث القمي، كما
في " الفوائد الرضوية " كلهم كانوا من فرسان ميدان العلم والعبادة، والتقوى
والزهد (4).
ومع هذا، فالذي حصلنا عليه من مجموع ما ذكر في ترجمته، وما ذكره
صاحب " أعيان الشيعة " في أعيانه، وقد أخذه من صاحب " الروضات "
قال (5):
.. قرأ عليه جملة من الأجلاء كصاحبي " المعالم " و " المدارك "، ويقال:
إنهما لما وردا العراق طلبا منه درسا خاصا بهما وأن يبين لهما نظره فقط - إن كان له
نظر مخالف في المسألة - فأجابهما إلى ذلك، فكانا يقرءان كثيرا من المسائل بدون أن



(1) روضات الجنات: 1 / 82، وكلاهما اسمه: محمد باقر، ولذا كان سميه.
(2) أعيان الشيعة: 3 / 81 - 82.
(3) كما في مقدمة حديقة الشيعة: ز، وريحانة الأدب: 5 / 369..
(4) الفوائد الرضوية: 28.
(5) أعيان الشيعة: 3 / 81 - 82.
مقتطفات من حياة الأردبيلي 26
يتكلم فيها بشئ، فكان طلبة العجم من تلامذته يهزأون بهما، فيقول لهم
الأردبيلي: قريبا يذهب هذان إلى جبل عامل ويصنفان المصنفات، وتقرأون
فيها، فكان كما قال، صنف الشيخ حسن " المعالم " والسيد محمد " المدارك "
وجاءت إلى العراق وقرأ فيها الناس.
ومن تلاميذه، المولى عبد الله التستري، قال التقي المجلسي في " شرح
مشيخة الفقيه ": كان ملا عبد الله التستري قد قرأ على شيخ الطائفة - أزهد الناس
في عهده - مولانا أحمد الأردبيلي (1).
وقال في " الروضات ": نقلا عن السيد الجزائري (رحمه الله): إن أفضل تلاميذه
وأتقاهم السيد أمير علام الذي رويت عنه قضية رؤية المقدس الأردبيلي (رحمه الله)
لمولانا الحجة (عليه السلام)، ولما سئل المولى المقدس الأردبيلي عمن يستحق أن يرجع إليه
بعده، قال: أما في الشرعيات فإلى الأمير علام، وأما في العقليات فإلى الأمير
فضل الله (عليه السلام) (2).. ومنه يعرف أن من تلامذته الأمير فضل الله.
وعلى كل، فإن عمدة تلامذته هما صاحبا " المعالم "، و " المدارك "، بحيث
يعرف بهما ويعرفان به، وبذا عرفه شيخنا صاحب " الذريعة " في طبقاته (3).
مصنفاته:
أما مؤلفات شيخنا المقدس - طاب ثراه - فهي مع ما تمتاز به من روعة
وخلاقية فقد تطرق إلى أبواب متعددة من علوم شتى، وموضوعات مختلفة، فيها
الرسائل المختصرة، والأجوبة المجملة، والشروح المفصلة، ما قدر لأكثرها أن



(1) أعيان الشيعة: 3 / 81 - 82.
(2) كما جاء في روضات الجنات: 1 / 80 - 81، خاتمة المستدرك: 3 / 395، الفوائد
الرضوية: 28.
(3) طبقات أعلام الشيعة القرن العاشر: 8.
مقتطفات من حياة الأردبيلي 27
يطبع بطبعات متعددة، نتعرض إلى بعض منها.
1 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، فإن شرح الإرشاد
طبع أكثر من مرة. وهو المتن لكتابنا هذا، وقد شرع فيه بكربلاء في شهر رمضان
977 ه‍، وفرغ منه في سنة 985 ه‍ (1).
2 - إثبات الإمامة، باللغة الفارسية.
3 - حديقة الشيعة في تفصيل أحوال النبي والأئمة (عليهم السلام)، فارسي مطبوع (2).
4 - إثبات الواجب تعالى، فارسي في أصول الدين، بسط الكلام فيه في
بحث الإمامة، وتعرض في أول أبوابه الأربعة إلى إثبات الواجب مختصرا، عبر
عنه في كتابه حديقة الشيعة، ب‍: رسالة إثبات الواجب، وفي فهرست الخزانة
الرضوية، ب‍: رسالة أصول الدين.
قال في أعيان الشيعة: ولكن كلامه المنقول عن حديقة الشيعة يدل على أن



(1) كما صرح به شيخنا الطهراني في الذريعة: 20 / 35.
(2) قد فصل في الذريعة البحث حول الكتاب، وهل هو من تأليف المترجم، لما نسبه إليه الحر
العاملي - المتوفى سنة 1104 ه‍ - وصاحب اللؤلؤة - المتوفى سنة 1186 ه‍ - وغيرهما، أم هو
تأليف معز الدين مير ميران الأردستاني - كما جاء عن المحقق السبزواري - المتوفى سنة
1090 ه‍ - ألفه للقطب شاه الهندي سنة 1085 ه‍ باسم: كاشف الحق، لاحظ! الذريعة:
17 / 236، أو: كشف الحق، كما في الذريعة: 18 / 32، أو: الإمامة، كما في الذريعة:
2 / 322، أو: هداية العالمين، كما في الذريعة: 25 / 182.
أقول: وجاء في طبقات أعلام الشيعة (القرن العاشر): 8 - 9 - لو كان الكلام لشيخنا
الطهراني لا لمخرج الكتاب!! - قال: وإن المهوسين ضد التصوف في القرن الحادي عشر بعد
ثورة الشاه عباس الصفوي ضد الصوفية بقزوين عام 1002، وبعد نقله العاصمة إلى
أصفهان أخذوا نسخة الكتاب هذا وزادوا عليه رسالة ضد الصوفية، وسموها " حديقة
الشيعة " ونسبوها إلى المقدس المترجم له، للاستفادة من مكانته عند الناس للدعاية ضد
الصوفية، دعايات قام بها الحكومة الصفوية في ذلك القرن.. إلى آخره.
مقتطفات من حياة الأردبيلي 28
رسالة أصول الدين غير رسالة إثبات الواجب (1).
5 - زبدة البيان في شرح تفسير آيات أحكام القرآن، مطبوع.
6 - شرح إلهيات التجريد، عبر عنها في الطبقات بالحاشية على الإلهيات،
والشرح الجديد للتجريد، تأليف علي بن محمد القوشجي المتوفى سنة 879، فرغ
منها في 13 ربيع الأول 989 ه‍.
قيل: وقد ذهب المقدس فيها إلى القول بوحدة الوجود (2).
7 - النص الجلي في إمامة مولانا علي (عليه السلام).
8 - تعليقات على شرح المختصر للعضدي.
9 - تعليقات على رسالة الخراجية للمحقق الثاني الكركي، مطبوع.
10 - استيناس المعنوية، لا يعرف موضوعه، قد حكاه في " الذريعة " عن
فهارس بعض مكتبات الهند (3).
هذا، والذي يظهر لنا من تضاعيف كلماته - طاب ثراه - في موارد متعددة
من رسائله وشروحه أن له كتبا وتعاليق فقهية وغيرها، كما جاء في شرح
الإرشاد: أن له تعليقات على قواعد العلامة الحلي - طاب ثراه - لاحظ: بحث
التيمم منه!
ثم كان لهذا العالم الكبير والأخلاقي الجليل، المتأدب بآداب أهل البيت (عليهم السلام)
أن يكون له الشرف والفخر، بمجاورة قبر مولاه أمير المؤمنين - سلام الله عليه -
في آخر أيام حياته، بل كان - طاب رمسه - يأبى مفارقة ذلك الجوار الطاهر -
وحق له ذلك - فها هو يكتب في جواب رسالة الشاه عباس الصفوي - حيث دعاه



(1) أعيان الشيعة: 3 / 82.
(2) الذريعة: 25 / 55 و 183.
(3) الذريعة: 2 / 37.
مقتطفات من حياة الأردبيلي 29
إلى إيران - بالتحاشي عن قبول ذلك، والرضا بما أنعم عليه الله من التوفيق في
المجاورة (1).
فكان أن عرج بروحه الطاهرة - كما نص عليه أعلام الرجاليين - في شهر
صفر من سنة 993 ه‍..
يقول في " أعيان الشيعة ":.. ودفن في الحجرة التي عن يمين الداخل إلى
الروضة المقدسة، وكل من يدخل إلى الروضة أو يخرج لا بد أن يقرأ له الفاتحة،
كالعلامة الحلي المدفون في الحجرة التي عن يسار الداخل (2).
فتغمد الله فقيدنا الغالي برحمته ورضوانه.. وحله محل سادته وأوليائه..
ووفقنا للسير على منهجه وبرهانه.. آمين رب العالمين..



(1) لاحظ! روضات الجنات: 1 / 83.
(2) أعيان الشيعة: 3 / 80.
مقتطفات من حياة الأردبيلي 30
لمحة من حياة العلامة الوحيد البهبهاني طاب ثراه
مؤلفنا العظيم، أستاد الكل، العلامة المجدد الآقا محمد باقر بن محمد أكمل
ولد سنة 1117 في أصفهان، كما نقل لنا حفيده العالم آقا أحمد (1).
نسبه:
ينتهي نسب شيخنا المعظم - كما نقله لنا سيد الأعيان، وشيخنا الطهراني في
" الكرام البررة " - بثلاث عشرة واسطة من طرف أبيه إلى الشيخ الأعظم محمد
بن محمد بن النعمان المفيد (قدس سره)، ومن جهة أمه بثلاث وسائط إلى المحدث الكبير
والعالم الرباني المجلسي الأول، ومن هنا نراه قد عبر في تآليفه عن المجلسي الأول
ب‍ (الجد)، وعن المجلسي الثاني ب‍ (الخال)، كما وأن في ضمن حلقاته السببية نجد
أمثال العالم الصالح العلامة ملا صالح المازندراني طاب رمسه.
وعلى هذا، فمترجمنا ولد وترعرع وشب وشاب وانحدر من أبرز وأعرق
البيوتات العلمية في الطائفة الإمامية.
أبوه:
العالم الفاضل الكامل الماهر المحقق المدقق الباذل، بل الأعلم الأفضل



(1) مرآة الأحوال: 1 / 130.
لمحة من حياة البهبهاني 31
الأكمل أستاد الأساتيذ والفضيلة، وشيخ مشايخ الفقهاء الآقا محمد أكمل بن محمد
صالح.. كذا عبر مصنفنا الوحيد (قدس سره) عن أبيه في إجازته المختصرة التي منحها للسيد
بحر العلوم، وهي تعد - بحق - خير ما يستشهد به لإثبات وتثبيت مراتبه العلمية
والعملية.
صباه:
مرت مراحل صبا مترجمنا وشبابه في أصفهان - كما حكاه لنا في " مرآة
الأحوال " - في أحضان والده العظيم ورعايته بتعلم مبادئ العربية والعلوم العقلية
والنقلية.
ثم بعد أن حرم من والده العظيم واكتسحت أصفهان موجة من
الاضطرابات ألجأت شيخنا إلى الهجرة إلى النجف الأشرف، وتهيأت له الأسباب
هناك لتحصيل وتكميل ما تعلمه من العلوم العقلية والنقلية عند العالمين العلمين
السيد محمد الطباطبائي البروجردي - جد السيد بحر العلوم - والسيد صدر الدين
القمي المشهور ب‍: (الهمداني) شارح كتاب " وافية الأصول " (1).
أساتذته:
كل من تعرض إلى حياة شيخنا الأعظم ذكر بالاتفاق في عداد أساتذته
المولى محمد أكمل والسيد محمد الطباطبائي، والسيد صدر الدين القمي، إلا أنا
نجده طاب ثراه قد أشار في إجازته التي منحها للسيد بحر العلوم والأخرى التي
شرف بها ملا محمد باقر الأستر آبادي إلى جمع آخر من مشايخه، الذين عبر



(1) مرآة الأحوال: 1 / 130.
لمحة من حياة البهبهاني 32
عنهم ب‍:
أستادنا ومن هو في العلوم العقلية والنقلية استنادنا، العالم الكامل الفاضل،
المحقق المدقق، الأوحد المؤيد، الحاج الشيخ محمد بن الحاج محمد زمان
القاساني (قدس سره).
شيخنا العالم الفاضل الجليل، الفقيه المتفقه النبيل، الآميرزا إبراهيم
القاضي.
شيخ الإسلام ومعاذ المسلمين، الأمير محمد حسين ابن العلامة الأمير محمد
صالح الإصبهاني.
السيد الحسيب، ذي المناقب والمفاخر، الآميرزا محمد باقر بن السيد المحقق
الآميرزا علاء الدين گلستانه، شارح " نهج البلاغة ".
وأضاف قوله: عن الأخ الأفخم، والأستاد الأعظم، سمي خاتم الأولياء،
السيد محمد مهدي عن الوالد المسدد والحبر المؤيد...
مشايخ إجازاته:
الذي يظهر من مجموع إجازات الوحيد (قدس سره) لمن أجازهم، أن مشايخه في
الإجازة من أساتذته وغيرهم هم كالآتي:
الفقيه المتفقه النبيل الآميرزا إبراهيم القاضي.
الآميرزا محمد باقر بن السيد المحقق الآميرزا علاء الدين گلستانه (شارح
نهج البلاغة).
الشيخ محمد بن الحاج محمد زمان القاساني.
الأمير محمد حسين بن العلامة الأمير محمد صالح الإصبهاني.

لمحة من حياة البهبهاني 33
وعلى رأسهم والده المعظم - طاب ثراه - كما قد سلف.
الذين أجازهم:
لقد منح شيخنا الوحيد - طاب ثراه - جمعا من الأعلام ممن استجازه
فأجازه، والذي وصل إلينا منهم ندرجه ذيلا:
إجازة للشيخ أبي علي الحائري.
إجازة للسيد علي بن محمد علي الطباطبائي.
إجازة لحسين خان.
إجازة لسعيد بن محمد يوسف القراچه داغي النجفي.
إجازة لعلي بن كاظم التبريزي.
إجازة لمحمد بن يوسف بن عماد مير فتاح الحسني الحسيني.
إجازة للسيد محمد مهدي بحر العلوم.
وسنعرض لك نماذجا من تلك الإجازات التي وصلنا بعضها بخطه طاب
ثراه في آخر هذه الترجمة.
عصره:
تمتاز الفترة الزمنية التي عاصرها شيخنا المصنف - طاب ثراه - بكونها
مليئة بالحوادث المرة المؤلمة، فنجد التهاجم الروسي والتركي والأفغاني على بلاد
إيران وحاكمية محمود أفغان سنة 1135 ه‍، واستئصال الشيعة ومحاولة إبادتهم
بواسطة التهاجم من أبناء العامة عليهم آنذاك، وبعدها سلطنة نادر شاه وتحميل
معاهدة دشت مغان لتضعيف المذهب الشيعي.

لمحة من حياة البهبهاني 34
ومن جانب آخر رواج المذهب الأخباري مع تموج الهجرة والتعصب
والانزواء من أعلام علماء الشيعة ومفكريهم.
ومن جهة أخرى رشد وانتشار التصوف واللادينية باسم الدين.
هذا وغيره من الزوابع التي ينتظر من فقيدنا الوحيد - طاب ثراه - أن يقف
أمامها كي يحيي شريعة سيد الرسل (صلى الله عليه وآله)، ومن ثم أن يوجد الحل المناسب مع ما
تمليه عليه وظيفته الشرعية من الطرق العلاجية لأمثال هذه الحوادث.
وكانت أول قدم رفعها في هذا السبيل - كما يحدثنا بذلك في " مرآة
الأحوال " - أنه غادر مسقط رأسه، بعد أن فقد عماده ووالده المعظم، كي يترك
آنذاك المحيط المشوب بالفتن والاضطرابات، وليستغل هجرته لكي يعطي المجتمع
الشيعي جملة من مؤلفاته ورسائله في باب الإمامة وغيره، وليربي ثلة طاهرة من
الأعلام يبثهم في بلاد الإسلام، كي يحفظوا المعتقدات الشيعية، ويسعوا في حماية
مبادئ الدين القويم.
وعندما يجد مترجمنا - طاب ثراه - الأرضية المساعدة للعودة إلى بلده
إيران يتوجه إلى بلدة بهبهان - التي كانت تعد آنذاك معقلا مهما للأخباريين -
ويلبث هناك ثلاثين سنة يسبغ فيها رعايته وعنايته العلمية، ويدفع خلالها الخطر
الكبير المتوجه إلى العالم الشيعي - أعني تفريغ المذهب من القدرة العقلية والتفكر -
ومن ثم حك تهمة الجمود والتحجر اللتين وسمت بهما الطائفة - ويا للأسف! - وبعد
ذاك يهاجر مجددنا مجددا إلى كربلاء كي يرعى ويحنو على حوزتها العلمية، ليبدأ
جهادا جديدا وبشكل آخر.
ولم يغفل شيخنا - طاب ثراه - عن خطر رسوخ فكرة التصوف واستغلال
وساطة بعض جهال الطائفة من قبل هذه الفرقة، مما حدى به إلى إرسال ولده

لمحة من حياة البهبهاني 35
الأرشد العالم المجتهد الآقا محمد علي لإطفاء هذه الغائلة التي تمركزت - آنذاك - في
كرمانشاه وحواليها، فكان ذلك الشبل جديرا - وبكل كفاءة - بالقيام بهذه المهمة
الصعبة، ولا غرابة، إذ تربى في ذلك الحضن الطاهر، ورعي من ذلك الأب الكبير.
وسنرجع للحديث عنه وما قام به من خدمات ومساعي جميلة في هذا الباب في
مقدماتنا لكتبه إن شاء الله تعالى.
نزوله بلدة بهبهان:
الذي يظهر مما أفاده في كتاب " مرآة الأحوال " أن شيخنا - طاب ثراه -
بعد أن هاجر من أصفهان إلى النجف الأشرف، وتزود من معين تلك الحوزة
الطاهرة علما وعملا، واستفاد من محضر أساتذة الفن آنذاك، وصاهر أستاذه
السيد محمد الطباطبائي على ابنته، كر راجعا إلى بهبهان - كما قلنا - ولبث هناك ما
يزيد على ثلاثين سنة، ومن هنا اكتسب لقب: البهبهاني واشتهر به.
ويمكن القول، أن مبدأ ذياع صيته العلمي ومقامه الفقهي إلى الأطراف
والأكناف كان خلال توقفه في هذه البلدة التي أقام فيها، بالإضافة إلى دوره
التربوي في إرشاد العوام وتربية الطلاب، مع مساعيه الحثيثة والجادة في التأليف
والتصنيف، إلا أن روحه العالية وصدره المواج بالعلوم والفنون لم يسمحا له
بالبقاء أكثر من ذلك في تلك البلدة، لذا كر راجعا إلى بلدة كربلاء المقدسة (1).
هجرته إلى كربلاء:
يحدثنا المرحوم العلامة المامقاني في رجاله " تنقيح المقال " عن المصنف،



(1) مرآة الأحوال: 1 / 130 - 131.
لمحة من حياة البهبهاني 36
فيقول:
وقطن مدة ببهبهان، فلما استكمل على يد والده انتقل إلى العراق فورد
النجف الأشرف وحضر مجلس بحث مدرس ذلك الوقت فلم يجده كاملا، فانتقل
إلى كربلاء المشرفة، وهي يومئذ مجمع الأخباريين، ورئيسهم يومئذ الشيخ
يوسف صاحب " الحدائق "، فحضر بحثه أياما، ثم وقف يوما في الصحن الشريف
ونادى بأعلى صوته: أنا حجة الله عليكم، فاجتمعوا عليه وقالوا: ما تريد؟ فقال:
أريد أن الشيخ يوسف يمكنني من منبره ويأمر تلامذته أن يحضروا تحت منبري،
فأخبروا الشيخ يوسف بذلك، وحيث أنه يومئذ كان عادلا عن مذهب الأخبارية
خائفا من اظهار ذلك من جهالهم طابت نفسه بالإجابة... (1).
يعد هذا مبدأ تحول عظيم في تأريخ التشيع، إذ اتفق الجل - إن لم نقل الكل -
على أنه لولا هذه الحركة المباركة والهجرة العلمية لكان اليوم مسير الفقه الشيعي
وتأريخ الاجتهاد والاستنباط بشكل آخر.
يحدثنا تلميذ المترجم المولى الحائري في كتابه " منتهى المقال " عن هذه
الهجرة فيقول:
وكلما يخطر بخاطره الشريف الارتحال منها إلى بعض البلدان تغير الدهر و
تنكد الزمان، فرأى الإمام (عليه السلام) في المنام يقول له: (لا أرضى لك أن تخرج من
بلدي)، فجزم العزم على الإقامة بذلك النادي، وقد كانت بلدان العراق - سيما
المشهدين الشريفين - مملوءة قبل قدومه من معاشر الأخباريين، بل ومن
جاهليهم والقاصرين، حتى أن الرجل منهم كان إذا أراد حمل كتاب من كتب
فقهائنا رضي الله عنهم حمله مع منديل، وقد أخلى الله البلاد منهم ببركة قدومه



(1) تنقيح المقال: 2 / 85.
لمحة من حياة البهبهاني 37
واهتدى المتحيرة في الأحكام بأنوار علومه. وبالجملة، كل من عاصره من
المجتهدين، فإنما أخذ من فوائده واستفاد من فرائده... (1).
نعم، تعد هذه الهجرة المباركة - بحق - منشأ لخدمات كبيرة وآثار عظيمة في
عالم الإسلام.
أياديه في كربلاء:
لعل أكبر خدمة وأنفس موقف يمكن أن يختص به وحيدنا الوحيد (رحمه الله) في
كربلاء هو تطهيره الفقه الشيعي والسير الاجتهادي من براثن التحجر والجمود،
وإنقاذ المذهب من الانحراف والاعوجاج الفكري الذي أولده بعض
الأخباريين (2).
ولا يمكن أن تعد هذه العطية الإلهية والمنحة الربانية - أعني وجود شيخنا
الوحيد - منحصرة بأيام حياته طاب ثراه، إذ أن دوره العظيم - باعتراف جميع
المؤرخين وأصحاب السير - قد استغل من قبل كل من عاصره ولحق به على مد
التأريخ متنعما بما بسطه على موائده العلمية من علوم عقلية ونقلية.
قال في " نجوم السماء " - ما ترجمته -:
.. هو من أعاظم مشايخ علماء الدين المبين، وكبار الفقهاء والمحدثين، تنتهي
سلسلة أسانيد أكثر العلماء ممن جاء من بعده وإلى الآن به، بل سلسلة تتلمذ جميع
المشاهير إليه، ولذا لقب ب‍: أستاذ الكل في الكل (3).



(1) منتهى المقال: 293.
(2) من المستحسن مراجعة الرسائل الأصولية: 215 - 229، للاطلاع على آثار هذا النوع
من التفكر.
(3) نجوم السماء: 303.
لمحة من حياة البهبهاني 38
بالإضافة إلى ذلك فقد وفق شيخنا المترجم إلى تربية باقة من المجتهدين،
كل واحد منهم يعد آية ونجما يتلألأ في أفق تأريخ الفقاهة ويفيض في ساحته، كما
وقد وفق إلى تأليف رسائل وكتب تعد جلها - إن لم نقل كلها - من خير ما كتب في
ذلك الفن في تلك البرهة، وسنأتي لعدها وتعدادها قريبا.
ما قيل فيه:
لعلنا لا نغالي لو قلنا: إنه قل بين علماء وأعاظم الشيعة من وفق لأن تتفق
عليه أنظار معاصريه في جميع أبعاده العلمية والعملية، وتوفيقاته الوافرة في
ترويج الدين الحنيف وتحكيم مباني الشرع المنيف، ولنذكر لك نزرا يسيرا مما قيل
فيه:
أ: قال العلامة المحقق الشيخ عبد النبي القزويني (رحمه الله) - الذي كان ممن عاصر
المصنف طاب ثراه - ما نصه:
آقا محمد باقر بن أكمل الدين محمد الإصبهاني البهبهاني الحائري، فقيه
العصر، فريد الدهر، وحيد الزمان، صدر فضلاء الزمان، صاحب الفكر العميق
والذهن الدقيق، صرف عمره في اقتناء العلوم واكتساب المعارف والدقائق
وتكميل النفس بالعلم بالحقائق، فحباه الله باستعداده علوما لم يسبقه أحد فيها من
المتقدمين ولا يلحقه أحد من المتأخرين إلا بالأخذ منه، ورزقه من العلوم ما لا
عين رأت ولا أذن سمعت، لدقتها ورقتها ووقوعها موقعها، فصار اليوم إماما في
العلم، وركنا للدين، وشمسا لإزالة ظلم الجهالة، وبدرا لإزاحة دياجير البطالة،
فاستنارت الطلبة بعلومه، واستضاء الطالبون بفهومه، واستطارت فتاواه كشعاع
الشمس في الإشراق، مد الله ظلاله على العالمين، وأمدهم بجود وجوده إلى يوم

لمحة من حياة البهبهاني 39
الدين.
ومن زهده في الدنيا أنه دام ظله اختار السدد السنية والأعتاب العلية،
فجعل مجاورتها له أقر من رقدة الوسنان، وأثلج من شربة الظمآن، وأذهب
للجوع من رغفة الجوعان، فصير ترابها ذرورا لباصرته، وماءها المملح الزعاق
أحلى من السكر لذائقته، وهمهمة الزوار مقوية لسامعته، ورمالها وجنادلها مفرشا
لينا للامسته، ورياح أعراق الزائرين غالية لشامته. مع أنه لو أراد عراق العجم
وخراسان، وشيراز وأصبهان، لحملوه إليهم بأجفان العيون، وجعلوه إماما
يركنون إليه وإليه يوفضون، يصرفون له نقودهم وجواهرهم ويجعلون أنفسهم
فداءا له ظاهرهم وباطنهم (1).
ب: ويحدثنا تلميذه صاحب كتاب " منتهى المقال " في كتابه عنه بقوله:
أستادنا العالم العلامة، وشيخنا الفاضل الفهامة، دام علاه، ومد في بقاه،
علامة الزمان، ونادرة الدوران، عالم عريف، وفاضل غطريف، ثقة وأي ثقة،
ركن الطائفة وعمادها، وأورع نساكها وعبادها. مؤسس ملة سيد البشر في رأس
المائة الثانية عشر، باقر العلم ونحريره، والشاهد عليه تحقيقه وتحبيره. جمع فنون
الفضل فانعقدت عليه الخناصر، وحوى صنوف العلم فانقاد له المعاصر، والحري
أن لا يمدحه مثلي ويصف، فلعمري تفنى في نعته القراطيس والصحف، لأنه المولى
الذي لم يكتحل عين الزمان له بنظير، كما يشهد له من شهد فضائله، ولا ينبئك
مثل خبير (2).
ج: وصفه تلميذه السيد محمد مهدي بحر العلوم في بعض إجازاته بقوله:



(1) تتميم أمل الآمل: 74 - 75.
(2) روضات الجنات: 2 / 94.
لمحة من حياة البهبهاني 40
شيخنا العالم العامل العلامة، واستاذنا الحبر الفاضل الفهامة، المحقق
النحرير، والفقيه العديم النظير، بقية العلماء، ونادرة الفضلاء، مجدد ما اندرس من
طريقة الفقهاء، ومعيد ما انمحى من آثار القدماء، البحر الزاخر، والإمام الباهر،
الشيخ محمد باقر ابن الشيخ الأجل الأكمل والمولى الأعظم الأبجل المولى محمد
أكمل أعزه الله تعالى برحمته الكاملة وألطافه السابغة الشاملة (1).
د: ويقول عنه تلميذه الشيخ أسد الله الكاظمي الدزفولي:
الأستاذ الأعظم، شيخنا العظيم الشأن، الساطع البرهان، كشاف قواعد
الإسلام، حلال معاقد الأحكام، مهذب قوانين الشريعة ببدائع أفكاره الباهرة،
مقرب أفانين الملة المنيعة بفرائد أنظاره الزاهرة، مبين طوائف العلوم الدينية
بعوالي تحقيقاته الرائقة، مزين صحائف رسوم الشريعة بلآلئ تدقيقاته الفائقة،
فريد الخلائق، واحد الآفاق في محاسن الفضائل ومكارم الأخلاق، مبيد شبهات
أولي الزيغ واللجاج والشقاق على الإطلاق، بمقاليد تبيانه الفاتحة للأغلاق،
الخالية عن الإغلاق، الفائز بالسباق، الفائت عن اللحاق، شيخي وأستاذي في
مبادئ تحصيلي، وشيخ مشايخي، المحقق الثالث والعلامة الثاني، الزاهد العابد،
الأتقى الأورع، العالم العلم الرباني، مولانا آقا محمد باقر بن محمد أكمل الاصفهاني
الحائري، الشهير بالبهبهاني قدس الله نفسه الزكية، وأحله في الفردوس في المنازل
العلية (2).
ه‍: قال الفاضل الدربندي:
ولا يخفى عليك أن العلامة مجدد رسوم المذهب على رأس المائة الثانية



(1) أعيان الشيعة: 9 / 182.
(2) مقابس الأنوار: 18.
لمحة من حياة البهبهاني 41
عشر، وكان أتقى الناس في زمانه، وفي هذه الأزمنة، وأورعهم وأزهدهم،
وبالجملة، كان في الحقيقة عالما عاملا بعلمه، متأسيا مقتديا بالأئمة الهداة صلوات
الله عليهم. فلأجل خلوص نيته وصفاء عزيمته وصل كل من تلمذ عنده مرتبة
الاجتهاد، وصاروا أعلاما في الدين (1).
و: وجاء في " طرائف المقال ":
... وبالجملة، جلالة الشيخ الوحيد واضحة على كل أحد، ويكفي في تبحره
وفضله في أغلب العلوم تأليفه وتلميذه، إذ الأول مصدر التأليف لكل من تأخر،
والثاني منتشر في البلاد وصار كل من تلاميذه من أساطين العلماء وجهابذة
الفضلاء... (2).
ز: وصرح في " روضات الجنات " بقوله:
مروج رأس المائة الثالثة عشرة من الهجرة المقدسة المطهرة، كما أن سميه
المتقدم (3) كان مروجا على رأس المائة قبلها، وقد بقي إلى الثامنة من الثالثة كما قد
بقي الأول إلى العاشرة من الثانية، وكذلك ارتفعت بميامن تأييداته المتينة أغبرة
آراء الأخبارية المندرجة في أهواء الجاهلية الأخرى من ذلك البين، كما انطمست
آثار البدع الألوفية المنتشرة من جماعة الملاحدة والغلاة والصوفية ببركات
انتصار المتقدم منهما لأخبار المصطفين (عليهم السلام)، وقد سمي كلاهما أيضا بآية الله تعالى
من غاية الكرامة غب ما سمي بهذه المنقبة إمامنا العلامة (4).
ح: وقص علينا في " قصص العلماء " فقال: - ما ترجمته -:



(1) لاحظ: معارف الرجال: 1 / 121.
(2) طرائف المقال: 2 / 385.
(3) إشارة إلى العلامة محمد باقر المجلسي، صاحب " بحار الأنوار ".
(4) روضات الجنات: 2 / 94.
لمحة من حياة البهبهاني 42
الآقا محمد باقر بن ملا محمد أكمل البهبهاني، علامة الدهر ونادرة الزمان،
فاضل بلا ثاني، مشيد الأصول والفروع والمباني، عالم صمداني، وعيلم رباني،
سائر مسالك الألفاظ والمعاني، مقتدى الأقاصي والأعالي والأداني، صاحب
الكرامات الباهرة، والمؤسس في الأصول والفروع والرجال، محط رحال
الرجال، الوحيد الفريد في التحقيق والتدقيق والتفريع والاستدلال (1).
ثم قال - بعد أن عرف لنا جمع من تلامذة العلامة الوحيد وتبحرهم في بعض
الفنون، ما ترجمته -:
.. يمكن أن يستكشف مما ذكرنا مجملا: أن نفس (الآقا) كان ذو فنون
عديدة، له يد في كل واحد منها، مما سبب أن يكون تلامذته مظهرا لواحد أو أكثر
من تلك الفنون، وكان (الآقا) في تأسيسه للقواعد الكلية (وحيد)، وفي كثرة
إجراء الأدلة في المسائل حتى تصبح المسألة بديهية (فريد)، وفي تفريعه الفروع
وإحاطته الفقهية بطل صنديد (2).
ت: قال العلامة الوحيد والرجالي الكبير المولى علي بن عبد الله العلياري
التبريزي بعد قوله:
والبهبهاني معلم البشر *.................
محمد باقر بن محمد أكمل، كان هذا العالم الرباني، والعلم العامل الصمداني،
والقمر الطالع الشعشعاني، مروج المذهب والدين، ومعلم الفقهاء المجتهدين،
أصفهاني الأصل، ثم الفارسي البهبهاني قدس الله نفسه وطيب رمسه، روج في
رأس العام الثاني عشر بناء على ما روى الفاضل النيسابوري... (3).



(1) قصص العلماء: 198.
(2) قصص العلماء: 202.
(3) بهجة الآمال في شرح زبدة المقال (نخبة المقال): 6 / 572.
لمحة من حياة البهبهاني 43
ي: وقال العلامة النوري صاحب " المستدرك ":
أولهم وأجلهم وأكملهم: الأستاذ الأكبر مروج الدين في رأس المائة الثالثة
عشر المولى محمد باقر الإصبهاني البهبهاني الحائري، قال الشيخ عبد النبي
القزويني في " تتميم أمل الآمل " بعد الترجمة: (فقيه العصر إلى يوم الدين - إلى أن
قال -: وبالجملة، ولا يصل إليه مكثنا وقدرتنا) انتهى.
قلت: وما ذكره من العجز عن شرح فضله هو الكلام الفصل اللائق بحاله،
والميرزا محمد الأخباري المقتول - مع ما هو عليه من العداوة والبغضاء لجنابه -
ذكره في رجاله بكلام تكاد ترجف منه السماوات وتهتز منه الأرض، عده في
الفائدة الحادية عشر من الباب الرابع عشر من كتابه المعروف ب‍ " دوائر العلوم "
من الذين رأوا القائم الحجة عجل الله تعالى فرجه (1).
ل: قال الشيخ آغا بزرك الطهراني صاحب " الذريعة ":
وعلى أي، فإن المترجم لما ورد كربلاء المشرفة قام بأعباء الخلافة، ونهض
بتكاليف الزعامة والإمامة، ونشر العلم بها، واشتهر تحقيقه وتدقيقه، وبانت للملأ
مكانته السامية، وعلمه الكثير، فانتهت إليه زعامة الشيعة ورئاسة المذهب
الإمامي في سائر الأقطار، وخضع له جميع علماء عصره، وشهدوا له بالتفوق
والعظمة والجلالة، ولذا اعتبر مجددا للمذهب على رأس هذه المائة، وقد ثنيت له
الوسادة زمنا، استطاع خلاله أن يعمل ويفيد، وقد كانت في أيامه للأخبارية
صولة، وكانت لجهالهم جولة، وفلتات وجسارات وتظاهرات أشير إلى بعضها في
" منتهى المقال " وغيره. فوقف المترجم آنذاك موقفا جليلا كسر به شوكتهم، فهو
الوحيد من شيوخ الشيعة الأعاظم الناهضين بنشر العلم والمعارف، وله في التأريخ



(1) مستدرك الوسائل: 3 / 384.
لمحة من حياة البهبهاني 44
صحيفة بيضاء يقف عليها المتتبع في غضون كتب السير ومعاجم الرجال. والحق،
أنا وإن أطنبنا في ذكره وأشدنا به، فلا شك أنا غير واصفيه على حقيقته، وقد
أحسن وأنصف الشيخ عبد النبي القزويني في " تتميم الأمل " حيث اعترف بالعجز
عن توصيفه وتعريفه، فكيف يوصف، وبأي مدح يمدح من خرج من معهد درسه
جمع من أعلام الدين، وعباقرة الأمة، وشيوخ الطائفة، ونواميس الملة، كالمولى
مهدي النراقي، والميرزا أبي القاسم القمي، والميرزا مهدي الشهرستاني، والسيد
محسن الأعرجي، والشيخ أبي علي الحائري، والشيخ الأكبر جعفر كاشف الغطاء،
والسيد مهدي بحر العلوم، والشيخ أسد الله الدزفولي، والسيد أحمد الطالقاني
النجفي، والسيد محمد باقر حجة الإسلام الاصفهاني، وغيرهم من مشيدي دعائم
الدين، ومقومي أركان المذهب أعلى الله درجاتهم جميعا (1)؟!
اهتمام معاصريه وتلامذته ومن تأخر عنه بنظرياته طاب ثراه:
لقد سلف أن ذكرنا كلام المرحوم الشيخ عبد النبي القزويني في حق المؤلف،
حيث قال: فحباه الله باستعداده علوما لم يسبقه أحد فيها من المتقدمين ولا يلحقه
أحد من المتأخرين إلا بالأخذ منه (2).
وقال أبو علي في رجاله: جمع فنون الفضل، فانعقدت عليه الخناصر،
وحوى صنوف العلم فانقاد له المعاصر... ونبه على فوائد وتحقيقات لم يتفطن بها
المتقدمون، ولم يعثر عليها المتأخرون (3).
ويقول شيخنا الطهراني: وخضع له جميع علماء عصره، وشهدوا له بالتفوق



(1) الكرام البررة: 1 / 171 - 172.
(2) تتميم أمل الآمل: 74.
(3) روضات الجنات: 2 / 14 و 16.
لمحة من حياة البهبهاني 45
والعظمة والجلالة (1).
وصرح في " طرائف المقال ":.. إذ الأول [أي تآليفه] مصدر التأليف لكل
من تأخر، والثاني [أي تلاميذه] منتشر في البلاد، وصار كل من تلاميذه من
أساطين العلماء، وجهابذة الفضلاء، قد سلط كل في أحد علومه، وأعلى منهم
المولى الفريد بحر العلوم، فإنه قد خاض في الجميع، ولذا سمى بهذا اللقب قدس الله
أرواحهم الشريفة (2).
.. وغيرهم في غيرها، ولا يسعنا عدها وتعدادها.
ولقد أطلق جمع من أعلامنا رضوان الله عليهم على شيخنا المترجم طاب
رمسه لفظ (المجدد) (3)، منهم:



(1) الكرام البررة: 1 / 171 - 172.
(2) طرائف المقال: 2 / 385.
(3) معجم الرموز والإشارات: 317، قال فيه - موضحا معنى اصطلاح المجدد -: الفائدة
الثالثة: لفظ " المجدد " مصطلح محدث، ولعل وجه التسمية فيه مجملا ما ورد من طريق
العامة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) - بألفاظ مختلفة - من أنه: إن لله في كل عصر حجة قائمة يرد كيد
الخائنين، وإن على رأس كل مائة مجددا للدين، أو: إن الله يرسل على كل مائة سنة رجلا
يحيى الدين ويجدد المذهب....
وقد ذهب شيخنا النوري في ظهر المجلد الأول من المستدرك إلى أن هذا الحديث لم يصل لنا
عن طريق الخاصة... ومع كل هذا فقد تلقي بالقبول، وقد عين كل من السنة والشيعة رجلا
على كل مائة سنة، بل قد عينت كل فرقة منهم أو طائفة رجلا، فهم عينوا علماء المذاهب
الأربعة وكذا جمهور المحدثين أو القراء أو الوعاظ... وغيرهم عينوا منفردين أشخاصا منهم.
وناقشوا في تعيين سواهم!!
وقد قيل إنه اتفق علماء الإسلام بأن المجدد على رأس المائة الثانية هو الإمام محمد بن
علي (عليهما السلام)، وعلى القرن الثالث الإمام الثامن علي ابن موسى الرضا (عليهما السلام)، والمجدد للقرن
الرابع ثقة الإسلام الكليني.. إلى آخره.
وعلى هذا قالوا: إن المجدد للقرن الرابع عشر الميرزا محمد حسن الشيرازي المتوفى
سنة 1312 ه‍.
والمراد برأس المائة هو تمامها، فيكون من مروجين تلك المائة، ويلزم كون المجدد حيا على
رأس تلك المائة ووفاته بعد دخول المائة البعدية ودركه لها.
لمحة من حياة البهبهاني 46
الشيخ أبو علي الحائري (1) (رحمه الله) في " منتهى المقال ".
صاحب كتاب " نخبة المقال " في أرجوزته الرجالية (2).
العلامة الدربندي طاب ثراه (3).
السيد الخوانساري، في " روضاته " (4).
العلامة الميرزا حسين النوري (5) (رحمه الله) في " المستدرك ".
العلامة العلياري، في " رجاله " (6).
العلامة المامقاني، في " تنقيحه " (7).
المحدث القمي، في " فوائده " (8).
العلامة الطهراني، في " الكرام البررة " (9).
وغيرهم في غيرها.
فضائله الأخلاقية وملكاته النفسية:
إن من حظى بلقيا شيخنا المصنف طاب رمسه انبهر بما امتاز به من سلوكية



(1) روضات الجنات: 2 / 94.
(2) أعيان الشيعة: 9 / 182.
(3) معارف الرجال: 1 / 121.
(4) روضات الجنات: 2 / 94.
(5) مستدرك الوسائل: 3 / 384.
(6) بهجة الآمال: 6 / 572.
(7) تنقيح المقال: 2 / 85.
(8) الفوائد الرضوية: 404.
(9) الكرام البررة: 1 / 172.
لمحة من حياة البهبهاني 47
رائعة، وخلوص تام وطهارة بينة، نلمسها مما كتبوه عنه، فهاك العلامة الدربندي
إذ يقول: كان أتقى الناس في زمانه وفي هذه الأزمنة، وأورعهم وأزهدهم.
وبالجملة، كان في الحقيقة عالما عاملا بعلمه، متأسيا مقتديا بالأئمة الهداة صلوات
الله عليهم، فلأجل خلوص نيته وصفاء عزيمته، وصل كل من تلمذ عنده مرتبة
الاجتهاد، وصاروا أعلاما في الدين (1).
ومع كل ما امتاز به من عظمة وغور علمي وفكري، نجده أمام النص وأئمة
الهدى سلام الله عليهم ذليلا خاضعا، كما قال لنا في " معارف الرجال ": كان
يراعي في أواخر عمره ما كانت عادته عليه من زيارة قبر الحسين (عليه السلام)، وإحراز
غاية الآداب، ونهاية الخضوع والخشوع، حتى أنه كان يسقط على وجهه في مخلع
النعال، وتقبيل الأرض الطاهرة، ويسقط في أبواب الحرم الحسيني الشريف على
وجهه ويقبلها ويدخل الحرم، وكان أيضا يراعي تلك الآداب ويفعل هذه الأفعال
عند زيارة أبي الفضل العباس (عليه السلام) (2).
وينقل لنا نظير هذه الواقعة التنكابني في " قصص العلماء " في خضوعه
وخشوعه في حريم أهل البيت (عليهم السلام).
ومن الطريف أنه مع كل تذلله وخضوعه بين يدي ربه وأوليائه، نراه أبي
النفس أمام أصحاب القدرة والسلطان، غنيا عنهم.
يقول عنه في " الفوائد الرضوية " - ما ترجمته -:... أهدي له طاب ثراه من
حاكم الوقت - آغا محمد خان قاجار - قرآنا نفيسا بخط الميرزا النيريزي، مرصعا
بالياقوت والألماس والزبرجد وغيرها من الأحجار الكريمة، فما كان من شيخنا



(1) لاحظ: معارف الرجال: 1 / 121.
(2) معارف الرجال: 1 / 121 - 123.
لمحة من حياة البهبهاني 48
إلا أن صد رسل السلطان وأنبهم على ترصيعهم وتذهيبهم للقرآن الكريم، وأمر
ببيع هذه الجواهر والأحجار الكريمة وتوزيع ثمنها بين الطلاب والمساكين (1).
وكان - طاب ثراه - يجل نفسه عن موائد السلاطين ولا يعتني بصولتهم
الظاهرية، مع ما تراه خاضعا في ساحة أئمة الهدى (عليهم السلام). ليس هذا فحسب، بل يعد
سر توفيقه وعلة ترقيه من جهة تجليله وتبجيله للعلماء، يقول في " روضات
الجنات ": إنه كتب في الجواب - لما سئل عن سر وصوله إلى هذه المرتبة العالية -:
لا أعلم من نفسي شيئا أستحق به ذلك، إلا أني لم أكن أحسب نفسي شيئا أبدا، ولا
أجعلها في عداد الموجودين، ولم آل جهدا في تعظيم العلماء والمحمدة على أسمائهم،
ولم أترك الاشتغال بتحصيل العلم مهما استطعت، وقدمته على كل مرحلة دائما (2).
كان بحق نزيها منزها من جميع التعلقات الظاهرية والزخارف الدنيوية،
يقول لنا في " مرآة الأحوال " (3) - ما ترجمته -: لم يصرف همته العالية طوال
عمره الشريف لجمع الزخارف الدنيوية التي كان يسع أقل تلامذته تحصيلها، بل لم
يكن أصلا عارفا بأنواع المسكوكات المختلفة من دراهم ودنانير والفرق بينها، بل
استولى عليه الابتعاد عن أصحاب المقامات الدنيوية، وأبعد نفسه الشريفة عن
معاشرة أولئك إلى مصاحبة الفقراء والمساكين، حيث كان يلتذ بذلك.
ونقل في " قصص العلماء " - ما ترجمته -: إن في سنة من السنين خاطت له
زوجته جبة في أيام الشتاء فلبسها طاب ثراه، ولما حان وقت المغرب ذهب إلى
المسجد، فبادر أحد الأراذل إلى تعرية رأسه ومشى حافيا إلى الشيخ (رحمه الله) وعرض
له حاله وعريته وبرودة الهواء، وطلب منه أن يفكر له بتغطية رأسه، فسأله



(1) لاحظ! الفوائد الرضوية: 406، باختصار.
(2) روضات الجنات: 2 / 98.
(3) مرآة الأحوال: 1 / 129.
لمحة من حياة البهبهاني 49
الشيخ (قدس سره): هل معك سكين؟ فأجاب: نعم، فأخذ السكين منه وقص أحد كميه
وأعطاه إياه، وقال: خذ هذا الكم وضعه على رأسك هذه الليلة كي أجد لك حلا
غدا، وعند عودته إلى البيت رأت زوجته أن جبته بدون الكم، فتأثرت منه،
حيث أنها قضت مدة طويلة لتهيئة هذه الجبة فأنقصها بقطع كمها (1).
ولعل نتيجة هذا النوع من الورع والتقوى والتنزه عن الماديات كان له
الأثر في تقويته الروحية وتعاليه في الكمالات المعنوية، بحيث أن الميرزا محمد
الأخباري عده في كتابه " دوائر العلوم " في عداد من حظي بلقيا إمام العصر
والزمان أرواحنا فداه.
وقال آخرون عنه - بالإضافة إلى ما مر -: إنه كان مطلعا على ما في ضمائر
الآخرين.
نقل لنا في " قصص العلماء " عن العالم الثقة السيد عبد الكريم بن السيد زين
العابدين اللاهيجي - ما ترجمته - أنه قال: كان أبي يقول: كنا حين تحصيلنا للعلوم
الدينية في العتبات المقدسة في أواخر زمان المرحوم البهبهاني (رحمه الله)، وكان (الآقا)
بسبب شيخوخته وكبر سنه قد استعفى من التدريس لما كان ينتابه من الفتور
والضعف، فكان تلامذته يدرسون وكان (للآقا) مجلس درس يدرس فيه " شرح
اللمعة " في السطوح، وكنا عدة أشخاص نتشرف، تيمنا وتبركا بحضور درسه،
وصادف أن احتلمت في المنام يوما مما سبب أن تفوتني صلاة الصبح، فحل وقت
درس (الآقا)، فقلت في نفسي: أبادر بحضور الدرس كي لا يفوتني ثم أذهب
للاغتسال في الحمام، فحضرت مجلس الدرس قبل أن يشرفه شيخنا الأستاد،
وبعد أن حل فيه نظر ببشر وابتهاج إلى أطراف المجلس، وفجأة ظهرت عليه آثار



(1) قصص العلماء: 202.
لمحة من حياة البهبهاني 50
الهم والغم وتغير وجهه الشريف ثم قال: اليوم قد عطل الدرس اذهبوا إلى
بيوتكم، فقام التلاميذ واحدا واحدا وغادروا مجلس الدرس، وعندما أردت
القيام قال لي (الآقا): اجلس، فجلست، وحيث فرغ المجلس قال لي: إن تحت
البساط الذي أنت جالس عليه مقدارا من المال خذه واذهب واغتسل ولا تحضر
بعد هذا في أمثال هذه المجالس وأنت مجنب، فأخذت المال متعجبا وذهبت إلى
الحمام واغتسلت (1).
ومن الواضح، أن أمثال هذه التوفيقات لا تتأتى هينا، ولا تحصل لأحد
جزافا، إذ هو يقول - كما سلف - (.. لا أحسب نفسي شيئا أبدا..)، والذي يثبت
هذه الدعوى تركه لمنصب التدريس والإفتاء في أواخر عمره وإيكاله إلى
تلامذته.
والمعروف، أنه كان يتقبل أحيانا الأجرة على العبادات كالصلاة والصوم،
ويؤديها ويدفع الأجرة إلى بعض تلامذته، ليدفع عنهم العسرة ويفرغهم للدراسة
والتسلح بسلاح العلم للدفاع عن حياض الدين.
معاصروه:
لا بأس بالتعرض إلى جمع من مفاخر أعلامنا الذين عاصروا المرحوم
الوحيد، نذكر بعض المشاهير منهم:
الآقا محمد باقر الهزار جريبي المازندراني (المتوفى: 1205).
الشيخ عبد النبي القزويني (المتوفى: 1208).
السيد جعفر السبزواري، (المتوفى: 1218).



(1) قصص العلماء: 201.
لمحة من حياة البهبهاني 51
الآقا السيد حسين القزويني (المتوفى: 1218).
الشيخ محمد مهدي الفتوني (المتوفى: 1183).
الشيخ يوسف البحراني، صاحب " الحدائق الناضرة " (المتوفى: 1186).
الآقا السيد حسين الخوانساري، صاحب " مشارق الشموس " (المتوفى:
1191).
الشيخ محمد تقي الدورقي النجفي.
الميرزا محمد باقر الشيرازي.
مير عبد الباقي الخاتون آبادي الإصفهاني.
تلامذته:
تربى في مدرسة هذا الرجل العظيم مفاخر قل نظيرهم في العصور المتأخرة،
يعد كل واحد منهم نجما لا معا في سماء العلم والفكر، يمثل جانبا من ذاك البحر
المواج الذي كان يتمتع به الأستاد، حيث ترى أحدهم فقيها فطحلا، وذاك
أصوليا فحلا أو رجاليا فردا، منهم:
السيد محمد شفيع الشوشتري (المتوفى: 1206).
السيد أحمد الطالقاني النجفي (المتوفى: 1208).
المولى مهدي النراقي (المتوفى: 1209).
السيد محمد مهدي بحر العلوم (المتوفى: 1212).
السيد علي الطباطبائي (المتوفى: 1213).
الشيخ أبو علي الحائري (المتوفى: 1215).
السيد أحمد العطار البغدادي (المتوفى: 1215).

لمحة من حياة البهبهاني 52
الشيخ عبد الصمد الهمداني الشهيد (المتوفى: 1216).
الآقا محمد علي - الولد الأكبر للوحيد (رحمه الله) - الذي عبر عنه أبوه بقوله: (محمد
علي) نا شيخ البهائي عصرنا (المتوفى: 1216).
المولى محمد كاظم الهزار جريبي، الشهيد في حملة الوهابيين على كربلاء
(المتوفى: 1216).
الميرزا محمد هادي الشهرستاني (المتوفى: 1216).
الميرزا مهدي بن هداية الله بن طاهر الخراساني (الشهيد) (المتوفى:
1218).
السيد ميرزا محمد تقي القاضي الطباطبائي (المتوفى: 1222).
السيد جواد العاملي (المتوفى: 1226).
الميرزا أبو القاسم القمي (المتوفى: 1227).
الشيخ جعفر كاشف الغطاء (المتوفى: 1227).
السيد محسن الأعرجي الكاظمي (المتوفى: 1227).
مير محمد حسين بن المير عبد الباقي خاتون آبادي (المتوفى: 1233).
الشيخ أسد الله التستري الدزفولي الكاظمي (المتوفى: 1234).
السيد دلدار علي نصير آبادي الهندي (المتوفى: 1235).
الآقا عبد الحسين - الولد الثاني للوحيد (رحمه الله) - (المتوفى: 1240).
السيد ميرزا يوسف التبريزي (المتوفى: 1242).
المولى أحمد النراقي (المتوفى: 1245).
السيد محمد حسن الزنوزي الخوئي (المتوفى: 1246).
شمس الدين بن جمال الدين البهبهاني (المتوفى: 1247).

لمحة من حياة البهبهاني 53
الشيخ محمد تقي الإصفهاني (المتوفى: 1248).
السيد محمد القصير الخراساني (المتوفى: 1255).
الحاج محمد إبراهيم الكلباسي الإصفهاني (المتوفى: 1261).
الميرزا أحمد حسن القزويني.
المولى عبد الجليل الكرمانشاهي.
الشيخ محمد حسين الخراساني.
الحاج ملا محمد رضا الاسترآبادي.
تآليفه القيمة:
تضاهي مؤلفاته - طاب ثراه - المائة وثلاثة، ما بين رسائل مختصرة وكتب
مفصلة، ندرجها مجملا معجميا، وهي:
آية النفر [رسالة...].
إبطال القياس = القياس [رسالة...].
إثبات التحسين والتقبيح العقليين [رسالة...].
إجازات الوحيد البهبهاني (رحمه الله) [رسالة...].
الاجتهاد والأخبار = الاجتهاد والتقليد [رسالة...].
إجماع الضروري والنظري وحجية الشهرة [رسالة...].
استحالة رؤية الله [رسالة...].
استحباب صلاة الجمعة [رسالة...].
الاستصحاب [رسالة...].
أصول الإسلام والإيمان وحكم الناصب... [رسالة...].

لمحة من حياة البهبهاني 54
أصول الدين (عربي) [رسالة...].
أصول الدين (فارسي) [رسالة...].
أجوبة المسائل الفقهية الخراسانية [رسالة...].
أجوبة المسائل المتفرقة [رسالة...].
أحكام الحيض [رسالة...].
أصالة البراءة [رسالة...].
أصالة الصحة في المعاملات [رسالة...].
أصالة الصحة والفساد في المعاملات.
أصالة الطهارة [رسالة...].
الإفادة الجمالية = العبادات المكروهة [رسالة...].
الإمامة 1 مفصل (فارسي).
الإمامة 2 متوسط (فارسي).
الإمامة 3 مختصر (فارسي).
بطلان عبادة الجاهل [رسالة...].
تحريم الغناء [رسالة...].
التحفة الحسينية [رسالة عملية...] (عربي).
التحفة الحسينية [رسالة عملية...] (فارسي).
تعليقة على رجال الميرزا محمد الاسترآبادي (الوسيط).
تعليقة على منهج المقال.
تعليقة على نقد الرجال للتفريشي.
التقريرات في الفقه.

لمحة من حياة البهبهاني 55
التقية [رسالة...].
توجيه تسمية أولاد الأئمة باسم الجائرين.
الجبر والاختيار [رسالة...].
الجمع بين الأخبار [رسالة...].
الجمع بين الفاطميتين [رسالة...].
حاشية المعالم 1.
حاشية المعالم 2.
حاشية المعالم 3.
حاشية الوجيزة.
الحاشية على الحاشية الخفرية على شرح التجريد.
الحاشية على الذخيرة.
الحاشية على الكافي.
الحاشية على تهذيب الأحكام.
الحاشية على حاشية الملا ميرزا جان.
الحاشية على ديباجة مفاتيح الشرائع = الرد على مقدمات مفاتيح الشرائع.
الحاشية على شرح الشرائع.
الحاشية على شرح القواعد.
الحاشية على قوانين الأصول.
الحاشية على كفاية المقتصد.
الحاشية على مجمع الفائدة والبرهان.
الحاشية على مدارك الأحكام.

لمحة من حياة البهبهاني 56
الحاشية على مسالك الأفهام.
حاشية على مقدمة المعالم 4.
الحاشية على منتهى المقال.
حجية الإجماع [رسالة...].
حجية الأدلة الأربعة [رسالة...].
حجية الشهرة [رسالة...].
حجية الظن [رسالة...].
حجية المفهوم بالأولوية [رسالة...].
حجية خبر الواحد [رسالة...].
حجية ظواهر الكتاب [رسالة...].
الحقيقة الشرعية [رسالة...].
الحكم الشرعي وتحديده [رسالة...].
حكم العصير العنبي والتمري والزبيبي [رسالة...].
خطاب المشافهة [رسالة...].
الخمس والزكاة (عربي) [رسالة...].
الخمس والزكاة (فارسي) [رسالة...].
الدماء المعفوة [رسالة...].
الرد على شبهات الأخباريين [رسالة...].
شرح الفوائد الرجالية.
شرح الوافي = الحاشية على الوافي.
شرح تحرير مسائل مصابيح الظلام.

لمحة من حياة البهبهاني 57
شرح حديث " بم يعرف الناجي " [رسالة...].
الصحيح والأعم [رسالة...].
صلاة الجمعة، استحبابها ونفي الوجوب العيني عنها 1 [رسالة...].
صلاة الجمعة 2 [رسالة...].
صلاة الجمعة 3 [رسالة...].
صيغ العقود [رسالة...].
الطهارة والصلاة (فارسي) [رسالة...].
عدم اعتداد رؤية الهلال قبل الزوال [رسالة...].
عدم توقيفية الموضوعات.
عدم جواز العقد على البنت الصغيرة [رسالة...].
عدم جواز تقليد الميت [رسالة...].
الفوائد الأصولية [رسالة...].
الفوائد الحائرية الجديدة.
الفوائد الحائرية القديمة.
الفوائد الرجالية [رسالة...].
الفوائد الفقهية [رسالة...].
قاعدة الطهارة [رسالة...].
القرض بشرط المعاملة المحاباتية = حيل الربا [رسالة...].
القياس [رسالة...].
الكر ومقداره [رسالة...].
كفر النواصب والخوارج [رسالة...].

لمحة من حياة البهبهاني 58
المتاجر [رسالة...].
المزار [رسالة...].
مصابيح الظلام = شرح مفاتيح الشرائع.
مناسك الحج (عربي).
مناسك الحج (فارسي).
النسخ [رسالة...].
النقد والانتخاب.
النقض والإبرام.
النكاح [رسالة...].
وفاته:
يحدثنا حفيد العلامة الوحيد (قدس سره) الآقا أحمد الكرمانشاهي عن تأريخ وفاة
جده في " مرآة الأحوال "، فيقول - ما ترجمته -:
وعندما بلغ عمره الشريف التسعين، في يوم التاسع والعشرين من شهر
شوال سنة ألف ومائتين وخمس من الهجرة النبوية، حلقت روحه الطاهرة إلى
الجوار الربوبي، وتشرف بالدفن على أعتاب أقدام شهداء الطف، اللهم احشره
وإيانا معهم بمحمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين، وبسبب الإصلاحات
والتعمير الذي حدث في الروضة الحسينية المباركة تشرف بأن اتفق دخول قبره
الشريف داخل حرم سيد الشهداء (عليه السلام)، ونصبت على جدار الرواق صخرة علامة
لمرقده الشريف. قال الوالد الماجد طاب ثراه (1) في تأريخ وفاته طاب رمسه:



(1) المقصود به ولد الوحيد المرحوم الآقا محمد علي.
لمحة من حياة البهبهاني 59
(رفتى زدنيا باقر علم) (1).
ويقول العلامة المامقاني في " تنقيح المقال ":.. وقد عمر وجاوز التسعين،
واستولى عليه الضعف أخيرا، وترك البحث وأمر بحر العلوم بالانتقال إلى النجف
الأشرف والاشتغال بالتدريس فيه، وأمر صهره - صاحب " الرياض " -
بالتدريس في كربلاء المشرفة، وتوفي في كربلاء المشرفة سنة ثمان ومائتين بعد
الألف، وقيل: سنة ست عشرة بعد الألف ومائتين، ودفن في الرواق الشرقي
المطهر قريبا مما يلي أرجل الشهداء رضوان الله عليهم أجمعين... (2).
والذي يظهر من مجموع العبارتين المذكورتين قريبا أن الأقوال في وفاته
طاب رمسه أربعة:
الأول: سنة 1205، كما نقلناه عن كتاب " مرآة الأحوال ".
الثاني: سنة 1208،
الثالث: سنة 1216، نقله المرحوم المامقاني قولا.
القول الرابع: سنة 1206، كما حدثنا به المرحوم المحدث القمي في " الفوائد
الرضوية "، حيث قال: قال صاحب " التكملة ": لقد رأيت بخط السيد صدر
الدين العاملي والسيد محمد باقر الرشتي - وكان كلاهما تلميذا الوحيد البهبهاني (رحمه الله)
أن وفاة ذلك العظيم 1206 لا مائتين وثمان كما نقله العلامة النوري (رحمه الله) (3).
وأصح الأقوال - في نظرنا - ما ذكره حفيده في " مرآة الأحوال "، وهي
سنة 1205، لما قيل: من أن أهل الدار أدرى بما في الدار.
وعلى كل حال، فقد أجاب الوحيد (رحمه الله) دعوة ربه في كربلاء، مما أقرح



(1) يعني: رحلت من الدنيا يا باقر العلم (1205)، أنظر: مرآة الأحوال: 1 / 132.
(2) تنقيح المقال: 2 / 85.
(3) الفوائد الرضوية: 405.
لمحة من حياة البهبهاني 60
جفون أوليائه، وأجرى دموع أحبائه، فرثاه جمع من تلامذته وأعزائه، منهم ما
حكاه صاحب " الأعيان ":
جفون لا تجف من الدموع * ولم تعلق بها سنة الهجوع
لرزء شب في الأحشاء نارا * توقد بين أحناء الضلوع
يكلفني الخلي له عزاء * وما أنا للعزا بالمستطيع
قضى من كان للإسلام سورا * فهدم جانب السور المنيع
وشيخ الكل مرجعهم جميعا * إليه في الأصول وفي الفروع
خلت منه ربوع العلم حتى * بكته عين هاتيك الربوع
بكاء كل تلميذ وحبر * من العلماء ذي شرف رفيع
بكوا أستاذهم طرا، فأرخ * وقل: (قد فات أستاد الجميع) (1)
(1205)



(1) أعيان الشيعة: 9 / 182.
61
بين يدي الكتاب:
كتابنا الحاضر هو: حاشية كتبها علامتنا الوحيد البهبهاني - طاب ثراه -
على كتاب " مجمع الفائدة والبرهان "، وقد حققتها مؤسستنا التي تنتسب إلى
العلامة المجدد (قدس سره)، والتي تتبنى تحقيق ونشر تراثه وإحياء آثاره مع من ينتسب إليه
من ذريته.
النسخ التي اعتمدناها في تحقيق هذه الحاشية:
بلغ ما أحصينا من النسخ الخطية (12) نسخة في مكتبات مختلفة، حيث
كانت متابعتنا لهذه النسخ إما مشافهة أو اعتمادا على الفهارس، وقد اخترنا منها
خمس نسخ.
والنسخ المختارة هي:
1 - نسخة (ألف): وهي في مكتبة إلهيات طهران، تحت رقم (153)،
نسخت في سنة 1206 ه‍ ق.
2 - نسخة (ب): وهي في المكتبة الرضوية في مشهد تحت رقم
(2 / 1437)، نسخت في سنة 1189 ه‍ ق.
3 - نسخة (ج): وهي في مكتبة إلهيات مشهد تحت رقم (1632)، بخط
حسن بن أحمد بن محمد بن معصوم.

منهج التحقيق 62
وهذه النسخة قريبة جدا من نسخة (ب)، وتمتاز هذه النسخة بأنها تحمل
تأييد المؤلف رحمه الله بخط يده، وسنعرض صورة لهذا التأييد مع صور النسخ.
4 - نسخة (د): وهي في مكتبة وزيري يزد، تحت رقم (1 / 23) نسخة في
سنة 1280 ه‍ ق.
5 - نسخة (ه‍): وهي في مكتبة الدكتور التويسركاني بأصفهان، بخط محمد
باقر الموسوي سنة 1235 ه‍ ق.
وسنعرض في نهاية هذه المقدمة نماذج مختارة من النسخ التي اعتمدناها في
تحقيق هذه الحاشية.
منهجنا في التحقيق:
اعتمدنا في تحقيق هذه الحاشية - كما هي خطة المؤسسة - على العمل
الجماعي، فقد كانت مراحل العمل كما يلي:
1 - تقطيع النصوص:
وقد أنيطت هذه المهمة بكل من: الشيخ عبد الله المحمدي، والشيخ رعد
الجميلي.
2 - مقابلة النسخ الخطية:
وتشكلت لجنة للقيام بهذا العمل، وتألفت من حجج الإسلام: الشيخ رعد
الجميلي، والشيخ مهدي هوشمند، والسيد محمد مهدي إمام، والسيد أحمد
مرعشي، محمد علي أصفيائي، والسيد محمد حسيني، والسيد محمد باقري، والسيد

منهج التحقيق 63
محسن باقري، والسيد رحيم حسيني.
3 - تخريج الأحاديث والنصوص:
وقام بذلك كل من حجج الإسلام: الشيخ محمد علي أصفيائي، والشيخ
يوسف تقي زاده، والشيخ مهدي هوشمند، والسيد محمد مهدي إمام، والسيد أحمد
مرعشي، والشيخ علي آية اللهي، والسيد رحيم حسيني، والسيد محمد حسيني،
والشيخ على أكبر أحمدي.
4 - المراجعة الأولية وكشف المجاهيل:
واعتمدنا في هذه المرحلة على كل من حجج الإسلام: السيد حسن
اللطيفي، والسيد تقي حسيني گرگاني، والأخ الفاضل محمد حسين رحيميان.
5 - تنظيم الهامش:
وقام بهذه المهمة حجة الإسلام: الشيخ رعد الجميلي.
6 - المراجعة النهائية وتقويم النص:
وهي آخر مرحلة من مراحل العمل في تحقيق هذه الحاشية، وقد أوكلت
المراجعة النهائية للنسخ المحققة لحجج الإسلام الشيخ عبد الله محمدي، الشيخ محمد
آية اللهي، والشيخ رعد الجميلي.
وقد كان الاشراف على تحقيق هذه الحاشية - بجميع مراحله - لحجة الإسلام
الشيخ عبد الله المحمدي.

منهج التحقيق 64
فلله درهم وعليه أجرهم
ونحن إذ نشكر الله سبحانه وتعالى أن وفقنا والعاملين لإخراج هذه
الحاشية التي كانت - وإلى حد ما - حلقة مفقودة في سلسلة الدراسات الفقهية، لما
تبرزه من عمق وتطور في الفكر الفقهي لفقيدنا العظيم - طاب ثراه - الذي تتشرف
المؤسسة بالانتساب إليه، ويعد سفرنا هذا باكورة ما أصدرنا له (قدس سره) من الكتب
الفقهية، بعد أن نشرنا له كتاب " الرسائل الأصولية " من قبل.
مذعنين سلفا بوجود نواقص وزلات، آملين - وبكل تقدير - أن يسعفونا
أبناء الفضيلة العلماء الأعلام بارشاداتهم وملاحظاتهم، شاكرين لهم وللإخوة
المحققين - من منتسبين أو مرشدين - ما قدموه لإخراج هذه الحاشية بهذه الحلة
القشيبة.
والله الموفق لما فيه خير الدارين، وهو يهدي السبيل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قم المقدسة
25 / صفر المظفر 1417 ه‍
المير السيد محمد اليثربي الكاشاني

منهج التحقيق 65
منابع المقدمة ومآخذها
- القرآن الكريم.
- أعيان الشيعة / دار التعارف للمطبوعات - بيروت.
- أمل الآمل / دار الكتاب الإسلامي - قم المقدسة.
- الأنوار النعمانية / مطبعة شركة الطبع - تبريز.
- بحار الأنوار / مؤسسة الوفاء - بيروت.
- بهجة الآمال في شرح زبدة المقال (نخبة المقال) / مؤسسة الثقافة
الإسلامية - قم المقدسة.
- تتميم أمل الآمل / مكتبة آية الله المرعشي - قم المقدسة.
- تنقيح المقال / المطبعة الرضوية - النجف الأشرف.
- جامع الرواة / مكتبة آية الله المرعشي - قم المقدسة.
- حاشية مجمع الفائدة والبرهان / مؤسسة العلامة الوحيد البهبهاني (رحمه الله) - قم
المقدسة.
- حديقة الشيعة / المنشورات العلمية الإسلامية - طهران.
- خاتمة مستدرك الوسائل / الطبعة الحجرية.
- الذريعة إلى تصانيف الشيعة / مؤسسة إسماعيليان - قم المقدسة.
- الرسائل الأصولية / مؤسسة العلامة الوحيد البهبهاني (رحمه الله) - قم المقدسة.
- روضات الجنات / مؤسسة إسماعيليان - قم المقدسة.

مصادر المقدمة 67
- ريحانة الأدب / مكتبة خيام - طهران.
- طبقات أعلام الشيعة / مؤسسة إسماعيليان - قم المقدسة.
- طرائف المقال / مكتبة آية الله المرعشي - قم المقدسة.
- الفوائد الرضوية / طبع إيران.
- قصص العلماء / دار الكتب العلمية الإسلامية - قم المقدسة.
- الكافي / دار الكتب الإسلامية - طهران.
- الكرام البررة / دار المرتضى للنشر - مشهد المقدس.
- الكنى والألقاب / مكتبة الصدر - طهران.
- مجمع الفائدة والبرهان / جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم المقدسة.
- مرآة الأحوال / مؤسسة العلامة الوحيد البهبهاني (رحمه الله) - قم المقدسة.
- مستدرك الوسائل / مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) - قم المقدسة.
- معارف الرجال / مكتبة آية المرعشي - قم المقدسة.
- معجم رجال الحديث / مركز نشر آثار الشيعة - قم المقدسة.
- معجم الرموز والإشارات / طبع قم المقدسة.
- مقابس الأنوار / مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) - قم المقدسة.
- منتهى المقال في أحوال الرجال / مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) - قم المقدسة.
- من لا يحضره الفقيه / دار الكتب الإسلامية - طهران.
- نجوم السماء / مكتبة بصيرتي - قم المقدسة.
- نقد الرجال / منشورات الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) - قم المقدسة.
- وسائل الشيعة / مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) - قم المقدسة.

مصادر المقدمة 68
نماذج
من صور إجازاته (رحمه الله)
والنسخ الخطية للحاشية المحققة

النسخ الخطية للحاشية 69
صورة من إجازته رحمه الله للمولى أبي علي بن محمد إسماعيل الحائري رحمه الله

النسخ الخطية للحاشية 71
صورة من إجازته رحمه الله المختصرة للعلامة السيد بحر العلوم رحمه الله

النسخ الخطية للحاشية 72
صورة من إجازته رحمه الله للمولى ملا محمد صالح الاسترآبادي رحمه الله

النسخ الخطية للحاشية 73
صورة الصفحة الأولى من نسخة (ألف)

النسخ الخطية للحاشية 74
صورة الصفحة الأولى من نسخة (ب)

النسخ الخطية للحاشية 75
صورة تأييد المصنف رحمه الله على نسخة (ج) وإجازته للناسخ رحمه الله بخطه الشريف

النسخ الخطية للحاشية 76
صورة الصفحة الأخيرة من نسخة (ج)

النسخ الخطية للحاشية 77
صورة الصفحة الأخيرة من نسخة (د)

النسخ الخطية للحاشية 78
صورة الصفحة الأولى من نسخة (ه‍)

النسخ الخطية للحاشية 79
حاشية
مجمع الفائدة والبرهان
للعلامة المجدد المولى
محمد باقر البهبهاني رحمه الله
(1117 - 1205 ه‍)

1
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحشي
نحمدك اللهم على نعمك المتواترة وآلائك المتكاثرة، ونصلي ونسلم على
سادة أهل الدنيا والآخرة، محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعترته الطاهرة.
أما بعد:
فيقول العبد الجاني، والقن الفاني، المتعطش إلى فيض ربه السبحاني،
راجي عفو ربه الغافر، ابن محمد أكمل محمد باقر، أوتي كتابه بيمناه، وجعل عقباه
خيرا من دنياه:
إني لما وقفت على " شرح الارشاد " للعالم الرباني، والفاضل الصمداني،
الحبر (1) المحقق، والمولى المدقق، صاحب الكرامات المشهورة، والفضائل
المأثورة، مؤسس أحكام العترة الطاهرة، في رأس المائة العاشرة، الأجل الأمجد،
مولانا المقدس أحمد، قدس الله فسيح تربته، وأسكنه بحبوحة جنته، رأيته قدس سره قد
كبا جواده في بعض الميادين، فأخذ على علمائنا الأساطين، وذلك لما
اعترف به طاب مضجعه، وعلا مقعده، من عدم عثوره على أستاذ يقيمه
ويسدده، فرأيت أن أتدرك ما فاته رحمه الله من دليلهم، وغفل عن سواء سبيلهم.
ومع ذلك، فلعمري لم أر في مصنفات أصحابنا المتقدمين، ولا في مؤلفات
علمائنا المتأخرين، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، مؤلفا يشبهه في جمعه
وتحريره، أو يدانيه في تحقيقه وتحبيره، فلله دره، قدس سره، فلقد أتى بالشئ



(1) في ألف، ب، ج: (البحر).
3
العجاب، بل بل بما يحير لب ذوي الألباب، ولا عجب ممن كانت تخدمه ملائكة
الرحمان، وكان يخاطبه الإمام صاحب الزمان، وتلقى المسائل شفاها من الإمام،
عليه أفضل الصلاة والسلام، فجزاه الله عنه وعن رسوله وعن أئمته وعن الكتاب
والسنة وعنا خير جزاء المحسنين، إنه أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، رؤوف
رحيم، عطوف كريم.

4
كتاب
المتاجر

5
قسم العقود (1)
قوله: ويدل عليه أيضا الآيات والأخبار الكثيرة جدا.. إلى آخره (2).
في " الفقه الرضوي ": (إعلم يرحمك الله، أن كلما يتعلمه العباد من أصناف
الصنائع، مثل: الكتاب، والحساب، والتجارة، والنجوم، والطب، وسائر
الصناعات والأبنية، والهندسة، والتصاوير ما ليس فيه مثال الروحانيين،
وأبواب صنوف الآلات التي يحتاج إليها مما فيه منافع وقوام معايش (3)، وطلب
الكسب فحلال كله، تعليمه والعمل به، وأخذ الأجرة عليه، وإن قد تصرف بها
في وجوه المعاصي أيضا، مثل استعمال ما جعل للحلال ثم يصرفه (4) إلى أبواب
الحرام، في مثل: معاونة الظالم وغير ذلك من أسباب المعاصي، مثل الإناء
والأقداح وما أشبه ذلك، ولعلة ما فيه من المنافع جائز تعليمه وعمله، وحرم على
من يصرفه إلى غير وجوه الحق والصلاح التي أمر الله بها دون غيرها. اللهم، إلا
أن يكون صناعة محرمة أو منهيا عنها، مثل الغناء).. إلى آخر ما قال (5).



(1) هذا العنوان وما بعده من العناوين الرئيسية والجانبية أثبتناها من مجمع الفائدة والبرهان،
وبعض منها من النسخة: ج.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 4.
(3) كذا، وفي المصدر: (المعايش).
(4) كذا، وفي المصدر: (يصرف).
(5) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام): 301، بحار الأنوار: 100 / 52 الحديث 14، مستدرك
الوسائل: 13 / 64 الحديث 14757.
7
في كسب الصرف
قوله: أما علمت أن أصحاب الكهف كانوا صيارفة.. إلى آخره (1).
ويؤيده - أيضا - أن جمعا من ثقات أصحابهم (عليهم السلام)، وأجلتهم كانوا
صيارفة، مثل مؤمن الطاق (2)، وإسحاق بن عمار الثقة (3)، وسدير الصيرفي
الجليل (4) وغيرهم، ومر عن عبارة " الفقه الرضوي " ما يدل أيضا، بل الظاهر
منها ومن الروايتين (5) - أيضا - عدم الكراهة، فتأمل.
قوله: لعله يريد بالحرام فيها الكراهة.. إلى آخره (6).
لكن مع ذلك ربما يظهر من طريقة الجواب عدم الكراهية أيضا، فتأمل.
وربما يظهر أن الكراهة أو الحرمة من قول العامة، وأن ما ورد - مما



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 12، وهي من رواية سدير الصيرفي.
(2) مؤمن الطاق هو: أبو جعفر الأحول، محمد بن علي بن النعمان بن أبي طريفة، منهج المقال
في تحقيق أحوال الرجال: 310، رجال النجاشي: 325 / 886، رجال الكشي: 2 / 422
الرقم 324.
(3) إسحاق بن عمار الكوفي الصيرفي، منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال: 52، الفهرست
للطوسي: 15 / 52، رجال النجاشي: 71 / 169، رجال الكشي: 2 / 705 الرقم 752.
(4) سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي، رجال الشيخ الطوسي: 91، 125، 217، رجال
العلامة الحلي: 85، منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال: 157، تحفة الأحباب:
175 / 235، جامع الرواة: 1 / 350.
(5) أي: روايتي ابن فضال عن الرضا (عليه السلام)، ورواية سدير الصيرفي عن أبي جعفر (عليه السلام)، راجع:
مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 12، وسائل الشيعة: 17 / 135 الحديث 22185 و 139
الحديث 22192.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 14، وفيه إشارة إلى رواية حنان بن سدير.
8
تضمنها - محمول على التقية، فتأمل.
قوله: وروى زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام)، " إنه أتاه رجل فقال له:
يا أمير المؤمنين! والله إني أحبك لله، فقال له: لكني أبغضك لله، قال: ولم؟ قال:
لأنك تبغي في الأذان وتأخذ على تعليم القرآن أجرا ".. إلى آخره (1).
سيذكر عن الصدوق أنه روى هذه الرواية هكذا: " لأنك تبغي في الأذان
كسبا، وتأخذ على تعليم القرآن أجرا " (2).
تحريم الاحتكار وكراهته
قوله: والأصل يقتضي حمل الكراهة على معناه الحقيقي.. إلى آخره (3).
هذا، على تقدير ثبوت الحقيقة الشرعية، حتى في مثل لفظ الكراهة، وهو
محل تأمل، بل ثبوتها فيه في كلام قدماء الأصحاب - أيضا - لعله محل تأمل، فضلا
عن كلامهم (عليهم السلام).
وأما في اللغة، فمعناها المرجوح المعتد به، فيشمل الحرمة، إلا أن يقال:
التعبير عن الحرام بما هو ظاهر في الأعم منه ومن الكراهة خلاف الظاهر، لأن
الحرمة يحتاج التعبير عنها إلى التصريح بعدم جواز الفعل، ولا يناسبه المسامحة في
الإفهام، بل يناسبه التشديد والتأكيد، والتصريح، والتوضيح، كي لا يتحقق



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 17، والحديث في: تهذيب الأحكام: 6 / 376
الحديث 1099، الاستبصار: 3 / 65 الحديث 215، وسائل الشيعة: 17 / 157 الحديث
22234.
(2) من لا يحضره الفقيه: 3 / 109 الحديث 461.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 21.
9
الغفلة، وتوهم المعنى الأعم، بل وتوهم الكراهة، لأنها يناسبها المسامحة في
التعبير، والاكتفاء بمجرد المرجوحية، ففي التعبير بلفظ الكراهة إشعار بالكراهة
بالمعنى المصطلح عليه، فتأمل.
لكن الأخبار المعارضة (1) لهذه الحسنة (2) دلالتها على الحرمة في غاية
الظهور، فلا يقاوم دلالة هذه الحسنة دلالتها، ومن تلك الأخبار ما هو صحيح (3)،
كما سيذكره الشارح (4)، فتأمل.
قوله: فكأنهم نظروا إلى اختصاصه بحكيم بن حزام، فلا يظهر دلالتها على
المطلوب.. إلى آخره (5).
لا يخفى أن الرواية ظاهرة في التحريم، على كل من فعل فعل الحكيم، ولذا
سأل المعصوم (عليه السلام) بقوله " يبيعه أحد غيرك؟ " (6).
ويؤيده - أيضا - قوله: " وإنما كان ذلك.. إلى آخره " (7)، فإن الظاهر منه
أن المراد الاحتكار الممنوع المشهور عند المسلمين، كما لا يخفى.
قوله: الثاني، إن الخلاف مع عدم الضرورة، مثل المخمصة، وإلا فيحرم
بالإجماع ظاهرا (8).



(1) وسائل الشيعة: 17 / الباب 27 من أبواب آداب التجارة.
(2) المراد، حسنة الحلبي. وسائل الشيعة: 17 / 424 الحديث 22901.
(3) وسائل الشيعة: 17 / 424 الحديث 22902 و 426 الحديث 22911.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 21.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 23.
(6) وسائل الشيعة: 17 / 428 الحديث 22915.
(7) قال: " لا بأس، إنما كان ذلك رجل من قريش ". وسائل الشيعة: 17 / 428 الحديث
22915.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 23.
10
إذ الضرورة لا خصوصية لها بالأجناس المعهودة المعدودة، بل لا
خصوصية لها بالمأكولات، فضلا عن الأمور المعدودة المعهودة، بل لا خصوصية
لها بالشرائط، ولا يمكن أن تصير محل النزاع.
قوله: وظاهر ما في رواية حذيفة بن منصور.. إلى آخره (1).
ظاهر هاتين الروايتين (2) تحريم الاحتكار، وضعف سندهما منجبر
بالشهرة وغيرها، فلا يحسن أن يقال: لعل بناء عملهم على أمثال هذه الأخبار
على التسامح في أدلة السنة والكراهة، فلا تغفل.
في الكسب الحرام
قوله: هو التكسب بما اشتمل على وجه قبيح.. إلى آخره (3).
في " الفقه الرضوي ": " كل مأمور به مما هو من على العباد (4) وقوام لهم في
أمورهم، من وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون، ويشربون،
ويلبسون، وينكحون، ويملكون، ويستعملون، فهذا كله حلال بيعه وشراؤه



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 24.
(2) الروايتان هما: رواية حذيفة بن منصور: الكافي 5 / 164 الحديث 2، تهذيب الأحكام:
7 / 159 الحديث 705، الاستبصار: 3 / 114 الحديث 407، وسائل الشيعة: 17 /
429 الحديث 22916.
وما روي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام): من لا يحضره الفقيه: 3 / 168 الحديث 745،
تهذيب الأحكام: 7 / 161 الحديث 713، الاستبصار: 3 / 114 الحديث 408، وسائل
الشيعة: 17 / 430 الحديث 22917.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 28.
(4) كذا، وفي المصدر: (مما هو صلاح للعباد)، وما في المتن موافق لما في مستدرك الوسائل.
11
وهبته وعاريته. وكل أمر يكون فيه الفساد مما قد نهي عنه، من جهة أكله وشربه
ولبسه ونكاحه وإمساكه لوجه الفساد، مثل: الميتة والدم ولحم الخنزير، والربا
وجميع الفواحش، ولحوم السباع، والخمر، وما أشبه ذلك فحرام ضار للجسم
وفساد للبدن (1) " انتهى (2).
وقوله: " وما أشبه ذلك " لعله شامل لجميع النجاسات والمتنجسات التي لا
تقبل التطهير، وكذا أمثالها، فتأمل.
هذا، وفي " العوالي " عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " إن الله إذا حرم على قوم أكل شئ
حرم ثمنها " (3).
وفيه أيضا عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) " لعن الله اليهود، حرم عليهم الشحوم فباعوها،
وأكلوا ثمنها " (4).
وفي أخبار الكتب الأربعة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخمر: " إن الذي حرم شربها حرم
ثمنها " (5).



(1) كذا، وفي المصدر: (وفاسد للنفس)، وفي مستدرك الوسائل: (وفساد للنفس).
(2) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام): 250 الباب 36، وعنه: مستدرك الوسائل: 13 / 64
الحديث 14757.
(3) عوالي اللآلي: 2 / 110 الحديث 301 مع اختلاف يسير في العبارة، وذكره أيضا: مسند
أحمد بن حنبل: 1 / 483 الحديث 2673، مستدرك الوسائل: 13 / 73 الحديث
14787.
(4) عوالي اللآلي: 2 / 110 الحديث 302، وذكره: صحيح البخاري: 3 / 40 باب لا يذاب
شحم الميتة، صحيح مسلم: 11 / 7 باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير.
(5) الكافي: 5 / 230 الحديث 2، تهذيب الأحكام: 7 / 136 الحديث 72، وسائل الشيعة:
17 / 223 الحديث 22383.
12
بيع الأعيان النجسة
قوله: وتحريم الأعيان يستلزم تحريم (1).
ربما يظهر هذا من بعض الأخبار، وهو خبر جابر عن الباقر (عليه السلام) أنه منع
رجلا عن أكل السمن والزيت الذي مات فيه الفأرة، فقال الرجل: الفأرة أهون
علي من أن أترك طعامي لأجلها، فقال (عليه السلام): " إنك لم تستخف بالفأرة، وإنما
استخففت بدينك، إن الله حرم الميتة من كل شئ " (2)، فتأمل.
قوله: وجوه الاستمتاع، و * (وإنما الخمر) * الآية (3).
وأيضا، المسكر ليس ملكا لمسلم ولا يملكه، فكيف يتحقق بيعه (4)؟! فإن
البيع نقل الملك إلى آخر - كما سيجئ - وأيضا مأمور بصبه من باب النهي،
ومنع (5) الشارب وضربه، فكيف يبيعه منه؟ فتأمل.
قوله: مثل رواية السكوني.. إلى آخره (6).
ربما يستفاد من ظاهر بعض الأخبار، وصريح بعضها جواز بيع مثل الخمر



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 28.
(2) تهذيب الأحكام: 1 / 420 الحديث 1327.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 29، والآية في سورة المائدة (5): 90.
(4) في ألف: (فكيف يتحقق معه البيع).
(5) في د، ه‍: (نهي).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 29. وورد في: د، ه‍: (لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الخمر
وغارسها.. إلى آخره).
ورواية السكوني: وسائل الشيعة: 17 / 93 الحديث 22061.
13
والخنزير لأجل قضاء دين المسلم، وكذا تملك المسلم لثمنها (1) في الجملة، والأخبار
مذكورة في كتاب الدين (2)، وسنذكر في هذا الكتاب مع توجيههم لها، فليلاحظ.
قوله: [تحريم الميتة] وعدم جواز استعمالها في شئ بوجه.. إلى آخره (3).
وورد في الأخبار المنع عن الانتفاع بالميتة مطلقا (4)، وأما الأكل ففي القرآن
والأخبار ورد حرمته (5)، مضافا إلى الإجماع (6)، بل الضرورة.
قوله: [وفي حكم النجس العيني] ما ينجس به ولم يقبل التطهير.. إلى آخره (7).
قد مر في الحاشية السابقة عن " الفقه الرضوي "، وغيره ما يشير إلى
ذلك (8).
قوله: [الأعيان النجسة الجامدة] كالثوب وشبهه يجوز بيعها إجماعا.. إلى
آخره (9).
هذا القيد لخروج مثل العجين النجس، لأن الظاهر أن حكمه حكم المائع



(1) في ج: (ثمنهما).
(2) راجع! وسائل الشيعة: 17 / 226 الباب 57 من أبواب ما يكتسب به، و 17 / 232
الباب 60 من أبواب ما يكتسب به، و 18 / 370 الباب 28 من أبواب الدين والقرض.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 30.
(4) راجع! وسائل الشيعة: 17 / 92 الباب 5 من أبواب ما يكتسب به.. وغيرها.
(5) البقرة (2): 173، المائدة (5): 3، النحل (16): 115، ومن الأخبار ما ورد في: وسائل
الشيعة: 17 / 92 الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، و 24 / 99 الباب 1 من أبواب
الأطعمة المحرمة، و 24 / 178 الباب 32 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(6) راجع! كفاية الأحكام: 250، مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 266.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 31.
(8) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام): 250، مستدرك الوسائل: 13 / 64 باب جواز
التكسب بالمباحات.
(9) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 31 و 32.
14
الذي لا يقبل التطهير، كما يظهر من الأخبار (1)، إلا أن يقال بجواز (2) التطهير بجعله
خبزا يابسا غاية اليبوسة، ثم غسله بالماء الجاري أو الكر، كما سيذكر الشارح.
قوله: [وفي عدم تطهير الخل مطلقا] وكذا بعض المائعات تأمل.. إلى آخره (3).
في التطهير إشكال ظاهر، لتوقفه على وصول الماء إلى جميع أجزاء الخل،
وهو باق على حقيقته، وصدق كونه ماء، أو مع ذلك يكون متصلا بالكر ومثله،
حتى لا ينفعل بالملاقاة، وظاهر عدم البقاء وعدم الاتصال، وأقلا عدم العلم
بالأمرين والنجاسة مستصحبة، حتى يحصل العلم بالطهارة، ويظهر من أخبار
الدهن النجس والمرقة النجسة وغيرهما عدم القبول للطهارة (4)، مضافا إلى
الإجماع المنقول (5).
قوله: لأنه المتبادر منها، وإن ذكر الاستصباح [لكونه نفعا].. إلى آخره (6).
لم أعرف وجه التبادر ولا نفسه، إلا أنه في الظن العقلي عدم الفرق بينه وبين
غيره، أو عدم تعقل فرق، لكن ربما لعل هذا قياس حرام لا دلالة اللفظ، وربما
يضعف التبادر الذي ادعاه، أنا الآن إذا قلنا للناس: أسرجوا به، حين يستفتون
عن حاله وأنهم ماذا يصنعون، لأنهم ما يدرون ما يصنعون به، فالظاهر أنهم لا
يفهمون العموم، بل ربما يسألون: هل يجوز لنا غير هذا؟ وأما العلماء فحالهم كما



(1) راجع! وسائل الشيعة: 17 / 9 الباب 7 من أبواب ما يكتسب به.
(2) في د، ه‍: (يجوز).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 32.
(4) راجع! وسائل الشيعة: 1 / 205 الباب 5 من أبواب الماء المضاف والمستعمل و 17 / 97
الباب 6 و 7 من أبواب ما يكتسب به، و 24 / 194 الباب 43 - 45 من أبواب الأطعمة
المحرمة.
(5) لاحظ: السرائر: 3 / 120، كشف اللثام: 2 / 269، مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 28.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 33.
15
أشرنا.
ومما يضعف، ما ادعاه أنه ورد أخبار كثيرة في هذا المعنى، وكلها بلفظ
الإسراج ومرادفه (1)، ولم يتفق الإشارة إلى أمر آخر أصلا مع كثرته، سيما
صحيحة معاوية بن وهب، حيث ذكر في أولها: " وأما الزيت فليستصبح به " (2)،
وكرر ذلك بأن ذكر في آخرها أيضا، بل ما في آخرها له ظهور في الاختصاص،
لأن المقام ليس مقام زيادة قوله: " ليستصبح به " لولا الاختصاص.
هذا، مضافا إلى أن المقام في هذه الأخبار مقام الحاجة إلى معرفة وجوه
الاستعمال المحللة، فالمناسب التصريح والتوضيح للراوي، لا أن يأتي بعبارة لا
يكاد يفهم العموم، بل ربما يفهم الخصوص، كما أشرنا، مضافا إلى الإتيان بصيغة
الأمر الظاهرة في الوجوب العيني المذكورة في محل الحظر ومورد توهمه، فربما
يظهر من هذا أن عدم الحظر والإباحة مختص بما ذكر فتدبر، مع أن الفقهاء أيضا
فهموا الاختصاص إلا نادرا منهم، فتأمل.
وأما قوله: " لا تأكل " فلعله كناية عن النجاسة، كما هو في المواضع التي
يثبتون النجاسة منها، فإن المذكور فيها ليس إلا عدم الأكل، أو عدم الشرب، أو
عدم الوضوء، ولذا لا يجوز الاستعمال في كل ما يشترط فيه الطهارة جزما، فتأمل.
قوله: [والإجماع بعدم جوازه تحت السقف] غير ظاهر، لوجود الخلاف
والدليل.. إلى آخره (3).
فيه، أن هذا لا يصلح للعلية، لأنه لو خرج الماء لم يضر، كما صرح به في



(1) راجع! وسائل الشيعة: 17 / 98 الأحاديث 22076 - 22079 و: 24 / 195
الأحاديث 30325 - 30327.
(2) تهذيب الأحكام: 9 / 85 الحديث 359، وسائل الشيعة: 24 / 194 الحديث 30323.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 35.
16
موضعه، وكذا وجود الإطلاقات، لأن المطلق يحمل على المقيد، نعم يشترط
المقاومة إلى حد يتعين التقييد، ولعله ربما لا يفي لذلك، فتأمل.
قوله: ولعدم الفرق، [بل الاستعمال في نحو الصابون وأدهان الحيوانات]
واستعمال الجلود والخشبات وغيرها أبعد [من شبهة وصول دخانه].. إلى آخره (1).
ما ذكره لا يخلو عن قوة ظن عند العقل، إلا أنه ربما يشكل الاعتماد عليه في
مقام الفتوى بملاحظة ما أشرنا إليه، فتأمل.
قوله: [بل مجرد] الاجتهاد على ما يظهر، فالظاهر جواز سائر الانتفاعات
[في سائر المتنجسات].. إلى آخره (2).
فيه، أن ابن إدريس ادعى الإجماع (3)، والإجماع المنقول بخبر واحد حجة
على ما هو المشهور المعروف، بل هو أيضا خبر واحد، لأن الإجماع عندنا كاشف
عن قول المعصوم (عليه السلام).
وأما ما ذكره من الاجتهاد، فهو لا يقتضي المنع مطلقا، كما قالوه، بل لا
يقتضي المنع أصلا، لأن الطهارة مستصحبة حتى يعلم النجاسة ويستيقن، ولا
يكفي الظن، مع أن الحكم بحرمة التنجيس أيضا مشكل، والله يعلم.
نعم، كون إجماع ابن إدريس بحيث يقاوم إطلاقات الأخبار الصحيحة،
ويترجح عليها حتى يقيدها محل نظر، والشهيد الثاني تنظر في نفس دعواه
الإجماع (4)، ولم يعلم وجهه، فتأمل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 35.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 35.
(3) السرائر: 2 / 222.
(4) مسالك الأفهام: 1 / 128، حيث قال: بل ادعى عليه ابن إدريس الإجماع، وفي الحكم
بالتخصيص نظر، وفي دعوى الإجماع منع.
17
مضافا إلى أن العلامة [نقل] في " المختلف " (1) عن الشيخ في " المبسوط "
أنه قال: (وروى أصحابنا أنه يستصبح به تحت السماء دون السقف) (2)، إلا أن في
نسبة الرواية إلى الأصحاب وعدم نقله في " التهذيب " و " الاستبصار " ربما
يوهن ذلك.
قوله: كما في النجاسات العينية مطلقا، حتى في ألية الميتة.. إلى آخره (3).
قد أشرنا إلى أنه ورد في الأخبار المنع عن الانتفاع من الميتة مطلقا، وسئل
عن الصادق (عليه السلام) عن قطع أليات الغنم، فقال: " لا بأس به " ثم قال: " في كتاب
علي (عليه السلام): إن ما قطع منها ميتة لا ينتفع به " (4).
وفي خبر آخر عنه (عليه السلام) أنه قال في أليات الضأن تقطع (5): " إنها ميتة " (6).
وفي خبر آخر: " حرام هي، إنها ميتة " فقيل له (عليه السلام): فنستصبح بها؟
فقال: " أما علمت أنه يصيب اليد والثوب، وهو حرام! " (7)، فتأمل.
قوله: [وموجبا للخيار لا غير]، لأن غايته نهي في غير العبادة، وهو ليس
بمقتض للفساد، كما حقق في موضعه.. إلى آخره (8).



(1) مختلف الشيعة: 2 / 685.
(2) المبسوط: 6 / 283.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 35.
(4) الكافي: 6 / 254 الحديث 1، من لا يحضره الفقيه: 3 / 209 الحديث 967، تهذيب
الأحكام: 9 / 78 الحديث 330، وسائل الشيعة: 24 / 71 الحديث 30024، مع
اختلاف يسير في العبارة.
(5) في المصدر: (تقطع وهي أحياء).
(6) الكافي: 6 / 255 الحديث 2، وسائل الشيعة: 3 / 504 الحديث 4295.
(7) الكافي: 6 / 255 الحديث 3، تهذيب الأحكام: 9 / 77 الحديث 329، وسائل الشيعة:
24 / 71 الحديث 30025 مع اختلاف يسير في الألفاظ.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 36.
18
لا يخفى أن الصحة في المعاملات عبارة عن ترتب الأثر الشرعي عليها،
والأصل عدم الترتب حتى يثبت بدليل، فلا بد من دليل ومقتض للصحة لا ينافيه
النهي، والمقتضي ليس إلا مثل: * (أحل الله البيع) * (1)، و * (أوفوا بالعقود) * (2)،
والنهي ينافي الأول جزما، والثاني ظاهرا، فإن الحلية والحرمة لا يجتمعان قطعا،
وكذا وجوب الوفاء وحرمة الارتكاب لا يجتمعان على الظاهر، بل إذا حصل
الشك والاحتمال، يشكل الحكم بالصحة، للإشكال في وجود المقتضي، وقد
عرفت أن الأصل عدمه، فتأمل.
قوله: نعم يمكن أن يقال: البيع الصحيح.. إلى آخره (3).
مراده، أن البيع لو لم يكن للاستصباح يكون فاسدا البتة، كما هو المسلم
عندهم، فظهر وجه تخصيص بالاستصباح، فإذا كان فائدة الاستصباح علة
للصحة ومؤثرة فيها، فكيف يصح بدون الإعلام؟ لعدم العلم حينئذ بحصول
الفائدة التي هي المصححة للبيع والمؤثرة في الصحة، بل المظنون حينئذ عدم
الفائدة إذا كان سمنا، بل وزيتا أيضا، لعدم التعارف في الإسراج، بل وتعارف
عدم الإسراج، فتأمل.
قوله: ومجرد كونه نجسا [لا يصلح لذلك].. إلى آخره (4).
لا يخفى أنه ورد في الأخبار: " إن الله إذا حرم أكل شئ حرم ثمنها "، وقد
تقدم (5). رواها المصنف في بحث تحريم بيع الأعيان النجسة، أنه قال: (لعن



(1) البقرة (2): 275.
(2) المائدة (5): 1.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 36.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 37.
(5) عوالي اللآلي: 2 / 110 الحديث 301، مسند أحمد بن حنبل: 1 / 483 الحديث
2673،
مستدرك الوسائل: 13 / 73 الحديث 14787، وقد تقدم في الهامش 3 من الصفحة 12
19
الخمر (1) وغارسها - إلى أن قال في ذيلها - وكل مسكر، لأنه نجس) (2)، وهذه
العلة تقتضي تحريم النجس من باب القياس المنصوص العلة، فتأمل (3).
قوله: [الذي] لا نفع فيه غير الكلاب الأربعة، فتأمل.. إلى آخره (4).
لا يخفى، أن الأخبار الواردة في منع بيع الكلب وحرمة ثمنه، واستثناء
خصوص كلب الصيد (5) في غاية الوضوح في منع بيع الكلاب الثلاثة وحرمة ثمنها،
ولا يجوز أن يقال: لعل ندرة وجودها صارت منشأ لعدم التعرض لحالها
بالخصوص، والحكم بجواز بيعها أيضا، لأن وجود هذه الكلاب الثلاثة أكثر من
وجود كلب الصيد بمراتب. سلمنا، لكن ليس أندر قطعا، فوضوح الدلالة بحاله.
قوله: [ولا يجوز بيع السرجين النجس] إجماعا منا، ويفهم من " المنتهى
" (6) أن الإجماع على عدم جواز بيع النجس [عينا].. إلى آخره (7).
ومضافا إلى هذا الإجماع، أنه ورد المنع عن بيع العجين النجس (8)، فنجس
العين أولى (9)، ولأن صحة البيع تحتاج إلى ثبوت المملوكية، والأصل عدمها حتى



(1) في المصدر: (لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شارب الخمر).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 29.
(3) أثبتنا هذه الحاشية - من قوله: ومجرد كونه نجسا - من: د، ه‍.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 37.
(5) راجع: وسائل الشيعة: 17 / 118 الباب 14 من أبواب ما يكتسب به.
(6) منتهى المطلب: 2 / 1008.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 39.
(8) تهذيب الأحكام: 1 / 414 الحديث 1306، الاستبصار: 1 / 29 الحديث 77، وسائل
الشيعة: 1 / 243 الحديث 629.
(9) في د، ه‍: (بطريق أولى).
20
تثبت، ولم يثبت، ومر أيضا " ما حرم الله تعالى أكلها حرم ثمنها " (1) وغير ذلك،
فليلاحظ.
قوله: ولهذا ترى أن عذرة الإنسان تحفظ، بل تباع وينتفع بها في
الزراعات.. إلى آخره (2).
أما البيع فلا، بل الذي نشاهد منهم أنهم يضمنونها بتراب، أو مثله مما
يصح بيعه، ويقولون: نبيع ذلك لا العذرة، ويعترفون بالمنع عن بيعها.
عدم جواز اقتناء المؤذيات
قوله: وأما تحريم اقتناء المؤذيات [فليس بواضح الدليل].. إلى آخره (3).
ربما ورد الأمر بقتل المؤذيات (4)، فكيف يجوز الاقتناء مع ذلك؟! سيما عند
الشارح ومن يقول بمقالته من أن الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده، مع أن
المقام غير متوقف عليها، فتأمل.



(1) عوالي اللآلي: 2 / 110 الحديث 301 مع اختلاف يسير في العبارة، مسند أحمد بن
حنبل: 1 / 483 الحديث 2673 مستدرك الوسائل: 13 / 73 الحديث 14787.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 39.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 40.
(4) راجع! وسائل الشيعة: 12 / 544 الباب 81 من أبواب تروك الإحرام.
21
ما قصد به المحرم
قوله: وفي رواية.. إلى آخره (1).
في رواية جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)، رواها الشيخ في كتاب المكاسب (3).
قوله: ومعلوم تحريم التكسب بما هو المقصود منه حرام.. إلى آخره (4).
مر الإشارة إلى دليله (5)، ومر في بحث الحجامة رواية مقتضاها ومضمونها
أن الحجامة لو كانت حراما لما احتجم الرسول، وما أعطى الأجر (6)، فيظهر منها
أن كل عمل حرام لا يجوز إعطاء الأجر فيه، وأشار إليه الشارح.
قوله: فإن الله تعالى يدفع بهم عدونا وعدوكم.. إلى آخره (7).
يؤمي هذا التعليل إلى اعتبار الغرض الصحيح في البيع، فتأمل، ويدل على
حرمة الإعانة في الإثم.
قوله: لعدم القدرة بسببه على ذلك، وهو فساد عظيم.. إلى آخره (8).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 41، وفيه: (وفي الرواية).
(2) الكافي: 5 / 122 الحديث 2، وسائل الشيعة: 17 / 165 الحديث 22257.
(3) تهذيب الأحكام: 6 / 371 الحديث 1075، وقد أثبتنا هذه الحاشية - من قوله: وفي
رواية.. المكاسب - من: د، ه‍.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 42.
(5) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 41.
(6) الكافي: 5 / 115 الحديث 2، تهذيب الأحكام: 6 / 354 الحديث 1009، الاستبصار:
3 / 58 الحديث 191، وسائل الشيعة: 17 / 105 الحديث 22097.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 44، وهو مقطع من حديث عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام)،
وسائل الشيعة: 17 / 101 الحديث 22087.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 45.
22
قيل: يمكن أن يقال أنه سبب لحفظ النفس، وحفظها من كل فتنة مشروع،
دون حربهم، فتأمل.
أقول: فيه نظر ظاهر، لأن حفظ النفس ربما يؤدي إلى تلف النفوس
المقدسة، ولا أقل من المؤمنة والمستضعفة، ويؤدي إلى الفتنة التي هي أشد من
القتل، بل إلى مفاسد عظيمة، كما قال الشارح (رحمه الله).
قوله: بل جواز ذلك حين حرب إحدى الفئتين من الكفار مع الأخرى
منهم، [وهو صريح في ذلك].. إلى آخره (1).
ربما يكون الظاهر من أهل الباطل هنا هم المسلمين غير الناجين، وكثيرا
ما يكون فيهم مستضعفون، مع أن الأصحاب لا يحكمون بحلية قتل غير
المستضعفين منهم أيضا، فتأمل.
قوله: [فكأن المبيع لا يصلح لكونه مبيعا لهم] كما في بيع الغرر (2).
فيه تأمل ظاهر.
قوله: وإجارة المساكن لوضع المحرمات.. إلى آخره (3).
قد أشرنا إلى دليل ذلك (4)، ومر في بحث حكم الحجامة أيضا ما يدل على
ذلك، فلاحظ.
قوله: ويدل على الكراهة صحيحته عنه (5) أيضا.. إلى آخره (6).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 46.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 46.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 46.
(4) راجع! الصفحة 22، عند قوله: (ويدل على حرمة الإعانة في الإثم).
(5) أي: صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام)، تهذيب الأحكام: 7 / 137 الحديث 605،
الاستبصار: 3 / 106 الحديث 375، وسائل الشيعة: 17 / 231 الحديث 22406.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 49.
23
الظاهر، أن الأخبار بجعلهم خمرا إنما هو على سبيل المظنة، لأن حصول
اليقين بأنهم يجعلون خصوص هذا الشخص من العنب أو العصير خمرا مما لا يكاد
يتحقق عادة، إلا على فرض نادر، والأخبار واردة مورد المتعارف الغالب، لا
يجوز حملها على الفروض النادرة بغير قرينة، كما حقق في محله.
مع أنه متعارف التعبير بهذا النحو من جهة المظنة، في أمثال المقامات،
ويمكن حمل أمثال هذه الصحاح على الاتقاء، بناء على أن المراد من الخمر هو
العصير العنبي الذي ينش أو يغلو بالنار، فإن المتعارف عند الشيعة أنهم في زمان
الأئمة (عليهم السلام) كانوا يعبرون عنه بلفظ الخمر بسبب ما سمعوا من الأئمة (عليهم السلام)، ينبه على
ذلك ملاحظة " الكافي " باب أصل حرمة الخمر وبدئها (1)، وكذا ملاحظة
" الفقيه " باب حد شرب الخمر (2)، وغير ذلك.
وهذا هو السبب في حكمهم بالنجاسة، وأنه يجب حد شاربه حد شرب
الخمر والمسكر، وغير ذلك من الأحكام، وبسطنا الكلام في رسالتنا في حكم
العصير، فليلاحظ.
وما ذكرناه ربما يظهر من التأمل في هذه الصحاح وما وافقها.
والمراد على الاحتمال الأول أنه لا بأس إذا بعته، وهو حلال وإن ظننت أنه
يجعله حراما واتفق مطابقة ظنك للواقع، فتأمل.
قوله: وهي حسنة ابن أذينة وقال: كتبت إلى أبي عبد الله (عليه السلام).. إلى
آخره (3).



(1) الكافي: 6 / 393 باب أصل تحريم الخمر.
(2) من لا يحضره الفقيه: 4 / 39 باب حد شرب الخمر.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 51، وحسنة ابن أذينة هي: " كتبت إلى أبي عبد الله (عليه السلام)
أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه برابط! فقال: لا بأس به، وعن رجل له خشب
فباعه ممن يتخذه صلبانا! قال: لا "، الكافي: 5 / 226 الحديث 1، تهذيب الأحكام:
6 / 373 الحديث 1082 و 7 / 134 الحديث 590، وسائل الشيعة: 17 / 176 الحديث
22287
24
يمكن توجيه الفرق مع توجيه الحديث بأن ضمير " منه " راجع إلى مطلق
الخشب لا المبيع، والظاهر أن متخذ البرابط هنا من المسلمين، للشيوع والغلبة
وانصراف الذهن. وأما متخذ الصلبان، فالظاهر أنه من النصارى كما لا يخفى،
والأصل في المسلم حمل أفعاله على الصحة، ولا يوجد هذا الأصل بالنسبة إلى
النصراني، فتأمل.
ما لا انتفاع فيه
قوله: وكذا الكلام في بيع المسوخ إن كان مما لا ينتفع به كالقرد.. إلى
آخره (1).
لا يخفى، أنه سيظهر من كلامه في ذكر شرائط العوضين في البيع، أن المنع من
جهة عدم كون ما لا انتفاع به (2) ملكا، والبيع نقل ملك إلى آخر، وسنذكر تمام
الكلام هناك.
قوله: [سواء] كان مما يصاد عليها، كالفهد والهر والبازي.. إلى آخره (3).
يظهر من بعض الأخبار صحة بيع السنور، فإن رجلا تزوج بشرط أن
يكون (4) يبيع الدواب، فظهر أنه يبيع السنور، فأجاز أمير المؤمنين (عليه السلام) شرطه،



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 52.
(2) في د، ه‍: (ما لا ينتفع به).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 53.
(4) لم ترد (يكون) في: ب.
25
حيث قال: " السنور دابة " (1) هذا على ما هو في بالي.
قوله: [مع ضعفها] بعدة عن سهل وغيره.. إلى آخره (2).
العدة ثقات أجلة، فلا وجه لذكرهم، والحمل متعين، لأن الأخبار واردة
على ما هو الغالب المتعارف لا الفروض النادرة.
ما هو حرام بنفسه
قوله: والظاهر أن للنقش أقساما.. إلى آخره (3).
ذكرنا في أول الكتاب عن " الفقه الرضوي " ما يدل على الاختصاص بذي
الروح (4).
قوله: لأن الظاهر أن الغرض من التحريم [عدم خلق شئ يشبه بخلق
الله].. إلى آخره (5).
في الدلالة نظر، إذ على تقدير تسليم ظهور الغرض، فهو عدم الخلق لا
البقاء، سيما إذا صار منشأ لإتلاف (6) مال محترم، وأن الصور توطأ وتفرش.
ولعل الغرض أن لا يشابه أحد نفسه مع الله تعالى في خلق صورة الخلق



(1) الكافي: 5 / 561 الحديث 22، معاني الأخبار: 413 الحديث 104، تهذيب الأحكام:
7 / 433 الحديث 1728، وسائل الشيعة: 21 / 235 الحديث 26980. وفيها " السنانير
دواب ".
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 54، وسائل الشيعة: 17 / 171 الحديث 22276.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 54.
(4) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام): 301.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 56.
(6) في ب، ج: (إذا ينشأ إتلاف).
26
وشكلهم، مع تأمل في هذا أيضا، لأنه يقتضي المنع عن صورة الأشجار والجن
والشياطين (1)، بل كل صورة وشكل، فتأمل.
قوله: المشتمل على الترجيع المطرب، الظاهر أنه لا خلاف حينئذ في تحريمه
وتحريم الأجرة عليه.. إلى آخره (2).
وقيل: المحزن داخل في المطرب (3)، وقيل: مد الصوت (4)، ومنهم من
اقتصر على الصوت المشتمل على الترجيع (5)، ومنهم من اقتصر على المطرب (6)،
وقيل: هو تحسين الصوت (7)، وقيل: رفع الصوت مع موالاته (8)، والأظهر
الرجوع إلى العرف، لتقدمه على اللغة عند التعارض على الأظهر، سيما مع
الاضطراب في اللغة، فتأمل.
قوله: [إطلاقه على غير المرجع] والمكرر في الحلق.. إلى آخره (9).
والنوحة ليس غناء في العرف وإن اشتمل على ترجيع ما، فتأمل.
قوله: ولكن مدلول الأدلة أعم، مثل: " المغنية ملعونة.. " (10).. إلى



(1) في ج، د، ه‍: (الشيطان).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 57.
(3) راجع! القاموس المحيط: 1 / 101، المصباح المنير: 370.
(4) السرائر: 2 / 120.
(5) مسالك الأفهام: 2 / 322، الحدائق الناضرة: 18 / 101.
(6) شرائع الإسلام: 4 / 128، الدروس الشرعية: 2 / 126، جامع المقاصد: 4 / 23.
(7) كتاب الأم (مختصر المزني): 311، المجموع شرح المهذب: 20 / 231، المغني لابن
قدامة: 10 / 178.
(8) النهاية في غريب الحديث والأثر: 3 / 391.
(9) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 57.
(10) الكافي: 5 / 120 الحديث 6، تهذيب الأحكام: 6 / 357 الحديث 1020، الاستبصار:
3 / 61 الحديث 203، وسائل الشيعة: 17 / 121 الحديث 22147.
27
آخره (1).
لا يخفى أنه لا عموم في هذه الأخبار وما شاكلها على حرمة الغناء بحيث
يتناول مراثي الحسين (عليه السلام) جدا، فتنبه وتدبر مليا!، ولا إجماع أيضا، وهو
واضح (2).
قوله: ويمكن أن يقال: الأخبار ليست بحجة.. إلى آخره (3).
الخبر المنجبر بعمل الأصحاب حجة - كما حققناه - بل المنجبر بالشهرة
أيضا حجة، ولا تأمل في أنهم يتمسكون بهذه الأخبار ويروون ويعتمدون،
بحيث لا تأمل في أنهم يعتمدون.
قوله: قد استثني الحداء - بالمد -.. إلى آخره (4).
ظاهر كلامه أنه ليس له دليل، كما اعترف به (5) وصرح به غيره (6)، وببالي
أن المستثني اعتمد في استثنائه على رواية أهل السنة، وهي: أنه " زاد المسافر "،
أو أنه " نعم زاد للمسافر "، والتمسك بمثله مشكل.
قوله: مثل صحيحة أبي بصير (7).. ورواية الحكم الحناط - المجهول - عن
أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " المغنية التي تزف العرائس.. ".. إلى



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 57.
(2) الحاشية - من قوله: ولكن مدلول.. - أثبتناها من: د، ه‍.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 59.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 59.
(5) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 61.
(6) لاحظ! كفاية الأحكام: 86.
(7) الكافي: 5 / 120 الحديث 2، من لا يحضره الفقيه: 3 / 98 الحديث 376، تهذيب
الأحكام: 6 / 357 الحديث 1022، الاستبصار: 3 / 62 الحديث 205، وسائل الشيعة:
17 / 121 الحديث 22146.
28
آخره (1).
مقتضى الروايتين الاختصاص بالزفة، ولا يعارضهما الرواية الأخيرة (2)،
لاحتمال أن يكون المعهود الدعاء للزفة، فتأمل.
وكيف كان، مختص بالمغنية، فلا يشمل المغني، فتدبر.
قوله: نعم، يمكن كون خبر أبي بصير صحيحا، كما أشرنا.. إلى آخره (3).
الظاهر أنه صحيح، لما حققناه، ومراد شارح " الشرائع " أن الموضع الذي
يكون فيه صحيح يدل على الجواز (4)، فلا وجه للمنع، لعدم المانع من الإجماع
والأخبار، لا أن في كل ما استثني ورد صحاح دالة، فيمكن أن يكون مراده ما
دل من جملة الأخبار الصحيحة، فتأمل.
قوله: [إلى زماننا] هذا من غير نكير وهو يدل على الجواز غالبا.. إلى
آخره (5).
في أمثال زماننا نرى النكير، ونرى أنه لا ينفع ولا ينجع، ونرى أنه ربما
يتقون من الناس والعوام، فلعل السابق كان كذلك، بل لا ندري أنه فيما سبق كانوا
يغنون في المراثي، فضلا عن تعارف ذلك بينهم، وخصوصا مع دعوى عدم



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 59 - 60 والرواية وردت في: الكافي: 5 / 120 الحديث 3،
تهذيب الأحكام: 6 / 357 الحديث 1023، الاستبصار: 3 / 62 الحديث 206، وسائل
الشيعة 17 / 121 الحديث 22145.
(2) أي رواية نضر بن قابوس: مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 57، الكافي: 5 / 120 الحديث
6، تهذيب الأحكام: 6 / 357 الحديث 1020، الاستبصار: 3 / 61 الحديث 203،
وسائل الشيعة: 17 / 121 الحديث 22147.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 61.
(4) مسالك الأفهام: 1 / 129 في تفسير الغناء.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 61.
29
النكير، مع أن المشايخ صرحوا في كتبهم بالحرمة، من غير استثناء أصلا، واستثنوا
الحداء والزفة والعرس للمغنية، ولم يستثنوا شيئا إلا ما نسب إلى نادر منهم.
وربما يتمسك بقول الصادق (عليه السلام) للمنشد الذي كان يقرأ عنده: " إقرأ كما
كنت تقرأ عندكم بالعراق " (1)، وفيه أيضا تأمل ظاهر، لعدم معلومية المراد، وأنه
كان يغني بالعراق، فتدبر.
قوله: ويؤيده جواز النياحة بالغناء، وجواز أخذ الأجرة عليها، لصحيحة
أبي بصير (2).. إلى آخره (3).
لا تأمل في أن النوحة حلال على كل ميت، سيما على الحسين (عليه السلام)، فلو كان
داخلا في الغناء فهو مستثنى، وإلا فلا استثناء ولا معارضة، ولعله كذلك، إذ لا
يقال في العرف: إنه يغني، وإن النوحة غناء، والعرف مقدم على اللغة، كما
حقق، مع أن (4) جواز النوحة بلا مضايقة، وعدم جواز الغناء مطلقا يؤيد التقديم
هنا.
وبالجملة، لم يظهر كون النوحة غناء حتى يتوجه ما يقوله، ويحتاج إلى
ارتكاب خلاف الظاهر، والتخصيص الذي هو مخالف للأصل، ومجرد كونه معينا
على البكاء لا يصلح للتخصيص، إذ ربما يحصل الإعانة بالأفعال المحرمة.
قوله: [ولا يضر القول في] حنان [بأنه واقفي] (5).



(1) كامل الزيارات: 104 - 105 الحديثان 1 و 5 مع تفاوت يسير.
(2) من لا يحضره الفقيه: 3 / 98 الحديث 376، تهذيب الأحكام: 6 / 359 الحديث
1028، الاستبصار: 3 / 60 الحديث 199، وسائل الشيعة: 17 / 127 الحديث
22162.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 61.
(4) لم ترد (أن) في: ج، د، ه‍.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 62.
30
قد عد المحقق (1) [و] العلامة (2) م ق (3) حديثه من الموثق، وقال السيد
مصطفى (رحمه الله): (وهو كوفي ق م له كتاب روى عنه إسماعيل بن مهران. النجاشي (4):
ثقة، له كتاب روى عنه الحسن بن محبوب. " الفهرست " (5): واقفي، ق م
" جخ ") (6).
وذكر المولى ميرزا محمد (رحمه الله): (إنه واقفي ظم، ثقة، " فهرست " (7)) انتهى.
قوله: وعدم التصريح بتوثيقه.. إلى آخره (8).
لا تأمل في كونه موثقا، لأن الشيخ صرح في " الفهرست " بكونه ثقة وأنه
يروي عنه ابن أبي عمير (9)، وصرح في " العدة " بأنه لا يروي إلا عن الثقة (10).
قوله: كما تدل عليه الأخبار الكثيرة، مثل: حسنة وليد بن صبيح (11).. إلى
آخره (12).
أقول: وهذا الخبر يدل على أن في زمان المعصوم لو كانوا يمنعون على



(1) المعتبر: 2 / 667.
(2) مختلف الشيعة: 4 / 189.
(3) ق: أي من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، م: أي من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)،
لاحظ! الرجال لابن داوود: 26، نقد الرجال: 3.
(4) رجال النجاشي: 146 الرقم 378.
(5) الفهرست للطوسي: 64.
(6) رجال الطوسي: 346، نقد الرجال: 121.
(7) رجال المولى ميرزا محمد الأستر آبادي: 127.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 62.
(9) الفهرست للطوسي: 64 الرقم 244.
(10) عدة الأصول: 1 / 386 و 387.
(11) الكافي: 5 / 105 الحديث 2، تهذيب الأحكام: 6 / 330 الحديث 917، رجال
الكشي: 1 / 368 الحديث 247، وسائل الشيعة: 17 / 187 الحديث 22314.
(12) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 64.
31
المعاونة الحلال كان يضيق عليهم، لأنهم كانوا ظلمة.
قوله: وأنه غيبة، والظاهر أن عموم أدلة تحريم الغيبة [من الكتاب والسنة
يشمل المؤمنين وغيرهم].. إلى آخره (1).
وأنه أذية للمؤمن، بل والمؤمنين الذين هم أقرباؤه وأحباؤه، وكذا تنقيص
له، بل إهانة له ولهم، وربما يبقى دهرا طويلا، فهو أشد من الغيبة بمراتب.
قوله: وبالجملة، عموم أدلة الغيبة [وخصوص ذكر المسلم يدل على
التحريم مطلقا].. إلى آخره (2).
الأدلة وإن كانت عامة، إلا أن المراد من الغيبة لا بد أن يكون معلوما،
والقدر الذي يفهم من الأخبار حرمتها بالنسبة إلى من له حرمة، والظاهر منه
الشيعة، كما يؤمي إليه قوله تعالى: * (لحم أخيه) * (3)، فإن المخالف الذي أنكر أصلا
أو أصلين من أصول الدين - وهما الإمامة والعدل - بل وكثيرا من صفات الله
تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) أنكرها وبدلها، بل ربما قال بتعدد الآلهة وأمثاله من شنائع
أصول الدين، كافر بلا شك بالكفر المقابل للإيمان، وإن لم يكن كافرا بالكفر
المقابل للإسلام، بل ورد في الأخبار أنه شر من اليهود والنصارى وغيرهما (4)،
واللعن والطعن والقدح والإنكار والبراءة منه، ورودها في شأنه أزيد وأشد وآكد
وأكثر مما ورد في الكفار بمراتب شتى، لا يخفى على من له أدنى اطلاع وفطنة.
فكيف يكون مثل هذا له حرمة تمنع عن الغيبة ولا تمنع عما ذكرنا، وغيره



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 76.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 78.
(3) الحجرات (49): 12.
(4) الكافي: 2 / 409 الحديث 3 و 4 و 5، المحاسن للبرقي: 1 / 173 الحديث 49 و 176
الحديث 55، بحار الأنوار: 27 / 221 الحديث 4 و 69 / 134 الحديث 13.
32
مثل: أنهم أولاد بغايا (1)، وأنه ليس عندهم من الحق والملة الحنيفية أصلا (2) وأنهم
أعداء الله وأعداء رسوله (صلى الله عليه وآله) وأعداء الأئمة (عليهم السلام) (3) وأن إجراء أحكام الإسلام
فيهم لأجل التقية والمداراة وإبقاء الشيعة (4) وأمثال ذلك؟! وإلا ففي الحقيقة هم
كفار يعامل معهم صاحب الأمر - عجل الله تعالى فرجه - عند ظهوره معاملة
الكفار، وأن حالنا معهم إلى زمان ظهوره (عليه السلام) حال أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) في
مكة، في بدء أمرهم مع الكفار إلى زمان تسلط الرسول (صلى الله عليه وآله) في الجزية ومقاتلته.
وبالجملة، بورود هذه الأمور في شأنه وأشد منها، كيف يبقى تأمل في أن لهم
حرمة تمنع عن الغيبة؟! بل ربما يحصل القطع بخلاف ذلك، سيما بملاحظة قوله
تعالى: * (لحم أخيه) * (5) وكذا قوله (صلى الله عليه وآله) في آخر الرواية التي رواها عن " الفقيه ":
" ومن اصطنع إلى أخيه معروفا " (6) مع أنه في صدرها قال: " من اغتاب
مسلما " (7)، إذ يظهر أن المراد من المسلم هو المؤمن، واستعماله فيه في غاية الكثرة،
والقرينة واضحة إن قلنا بكونه ظاهرا في المعنى الأعم، وإلا ففيه أيضا تأمل،
لنهاية كثرة الاستعمال في كل واحد منهما في الأخبار، وكذا الحال عند المتشرعة،
بل ربما يظهر أن الشيعة كانوا يقعون فيهم (8) على سبيل الشيوع والتداول، بل



(1) لاحظ! المحاسن للبرقي: 1 / 232 الأحاديث 24 و 25 و 26، بحار الأنوار: 27 / 145
باب أن حبهم (عليهم السلام) علامة طيب الولادة...
(2) لاحظ! المحاسن للبرقي: 1 / 242 الحديث 52 و 243 الحديث 54 و 55، بحار الأنوار:
23 / 87 الحديث 30.
(3) لاحظ! بحار الأنوار: 27 / 88 الحديث 38.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 16 / 219 الباب 26 من أبواب الأمر والنهي.
(5) الحجرات (49): 12.
(6) من لا يحضره الفقيه: 4 / 10 باب ذكر جمل من مناهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
(7) من لا يحضره الفقيه: 4 / 8.
(8) في ب، ج، وهامش د، ه‍: (يتقون منهم).
33
الأئمة (عليهم السلام) أيضا، وفيما ذكرنا - أيضا - إشارة إلى ذلك، فتأمل.
والأخبار التي نقلها من العامة أيضا ظاهر في أن المراد من المسلم من هو
أخ في الدين (1)، فتدبر.
قوله: ويدل على الجواز ما في رواية إبراهيم بن هاشم (2).. إلى آخره (3).
هذه ظاهرة في جواز العمل بالسحر لا التعلم، والعمل حرام إجماعا
ونصوصا، فلا بد من التوجيه، وهو أن الإبطال والحل يكون بغير السحر، بأن
مبطل السحر لا يجب أن يكون سحرا، بل ليس بسحر البتة، كما يظهر من
تعريفه (4). نعم، هو مما يتعلق بالسحر، ولذا يعرفه السحرة، وربما يعد في السحر
لذلك، مع أن الرواية لو كانت صحيحة لم تصلح لمقاومة ما دل على الحرمة
وإجماعهم عليها، فضلا عن أنها ضعيفة.
قوله: لأنه تدليس في الجملة، ولأنه قد يغفل عنه المشتري.. إلى آخره (5).
وسيجئ في بحث البيع في الظلمة صحيحة هشام بن الحكم في " الفقيه " (6)
وحسنته في " التهذيب " (7) عن الكاظم (عليه السلام): " إن البيع في الظلال غش، والغش لا
يحل " (8)، ويظهر هذا من أخبار كثيرة رويت في " الكافي " وغيره في باب وجوب



(1) لاحظ! اتحاف السادة المتقين: 6 / 269، الدر المنثور: 6 / 101.
(2) الكافي: 5 / 115 الحديث 7، من لا يحضره الفقيه: 3 / 110 الحديث 463، تهذيب
الأحكام: 6 / 364 الحديث 1043، وسائل الشيعة: 17 / 145 الحديث 22207.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 79.
(4) لاحظ: مسالك الأفهام: 1 / 129.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 82.
(6) من لا يحضره الفقيه: 3 / 172 الحديث 770.
(7) تهذيب الأحكام: 7 / 13 الحديث 54.
(8) وسائل الشيعة: 17 / 280 الحديث 22521 و 466 الحديث 23007.
34
نصيحة المؤمن أو المسلم، وحرمة ترك النصيحة والغش وغيره من أبواب
المعاشرة مع المسلم والمؤمن، والمعاملة معهم، والمكر بهم والخدعة، وحقوقهم (1)،
فلاحظ.
قوله: وللأخبار، مثل رواية محمد بن مسلم.. إلى آخره (2).
في دلالة الروايتين على ما ذكره نوع تأمل، أما الثانية (3) فظاهر، وأما
الأولى (4) فلأن الظاهر منها عدم البأس فيما إذا رأينا جميعا رؤية ظاهرة
بلا تجسس، فلا فرق بين شوب اللبن بالماء ومزج الحنطة بالتراب، إذا رأينا
جميعا، لا يكون به بأس مع كراهة، وإلا فالحرمة، وإن كان بالتفتيش والتجسس
سيعلم حاله ويظهر، فتأمل.
قوله: وعن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5).. إلى آخره (6).
والروايتان السابقتان أيضا تدلان مع صحة أحدهما وحسن الآخر.
قوله: [الظاهر] لا، لأن الغرض من النهي في مثله عدم صلاحية بيع مثله
[على أنه غير مغشوش].. إلى آخره (7).
لم يفهم الغرض، ولو كان يفهم لكان الحق مع من يقول: إن النهي في



(1) لاحظ! الكافي: 2 / 166 الحديث 3 و 5.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 82.
(3) حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 82، وسائل الشيعة:
18 / 112 الحديث 23264.
(4) رواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 82، وسائل الشيعة:
18 / 112 الحديث 23263.
(5) الكافي: 5 / 160 الحديث 5، من لا يحضره الفقيه: 3 / 173 الحديث 771، تهذيب
الأحكام: 7 / 13 الحديث 53، وسائل الشيعة: 17 / 280 الحديث 22522.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 83.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 83.
35
المعاملات أيضا يقتضي الفساد، وهو مع أنه ليس كذلك - كما حقق في محله - ليس
مذهب الشارح، كما مر، ولذا قيد بقوله: (في مثله).
نعم، القول بأنه ليس مما وقع به التراضي له وجه، لكن يقتضي ذلك الفساد
في كل مبيع معيوب وثمن معيوب، وكذا ما هو دون الشرط، وهو فاسد قطعا - كما
ستعرف - والموافق لقواعدهم الصحة، لأن المشتري بعد العلم بالغش ربما يرضى
بالبيع، فيجب على البائع الوفاء بعقده، وسيجئ تمام الكلام.
نعم، على البائع حرام أكل عوضه وأخذه، لأنه أكل مال بالباطل، وأخذ
بغير طيبة نفس صاحبه.
قوله: قيل: ومنه تزيينه بما يختص بالنساء.. إلى آخره (1).
ببالي أنه ورد ذم النساء المتشبهات بالرجال والرجال المتشبهين بالنساء،
ولعنهم أو شدة ذمهم، بحيث كان في غاية الظهور في الحرمة (2)، مع أن مما ذكر
لباس الشهرة المذمومة، مضافا إلى الدناءة والرذالة والخفة والمهانة، ولا يجوز له
أن يذل نفسه، فتأمل.
ما يجب فعله
قوله: وأيضا، إنه لما استحق فعله [لله لغير غرض آخر] (3).
ولأنه إذا خوطب بفعل شئ بعنوان الوجوب، فالقول بأني لا أفعله إلا أن



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 85.
(2) الجعفريات: 147، علل الشرائع: 602 الحديث 63 - 65، مستدرك الوسائل:
3 / 461 الحديث 3997 و 13 / 202 الباب 70 من أبواب ما يكتسب به.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 89.
36
تعطوني أجرا عصيان، كما لو قال: لا أصلي الظهر إلا كذلك، مع أنه لا يصير عمله
ملكا والأخذ حتى يأخذ عوضه منه، بل لا يخرج عن ملكه، فكيف يأخذ
العوض، ويجمع بين العوض والمعوض؟! فلا معنى لكون ما يأخذ عوضا ولا
أجرة وأجرا وملكا والأخذ تملكا.
نعم، لو وهبه واهب بغير عوض أصلا ولا معاوضة مطلقا فهو أمر آخر،
وأما وجوب الصناعات فإنما هو لحصول النظام، وهو كما يتحقق مجانا كذا يتحقق
بعنوان أخذ الأجرة، بل تحققه بالأول بعنوان عدم جواز أخذ الأجرة محل نظر،
بل غير خفي عدمه، والمتحقق المشاهد تحققه بالثاني، كما لا يخفى، فتأمل.
وبالجملة، حاله حال من عنده الطعام والناس مضطرون إليه، كما في
المخمصة، كما مر في حكاية الاحتكار، إذ لا شك في أنه لا يجب أن يبذل مجانا.
نعم، لو وجد مضطر غير قادر على العوض بوجه من الوجوه، حتى على سبيل
الاقتراض يجب حينئذ حسبة وكفاية، ولو تعين عليه فعينا (1)، لكن هذا أمر آخر،
فتدبر.
والحاصل، أنه لا فرق بين وجوب إعطاء الأعيان ووجوب إعطاء المنافع،
ولا بين الوجوب العيني والوجوب الكفائي، ولا بين العبادات - وهي التي لا تصح
إلا بالنية - وبين غير العبادات - وهي التي تصح بغير النية - في أنه إذا خوطب
بفعله وثبت وجوب تحققه لا يجوز توقيفه على أخذ الأجرة، فيكون الأخذ حراما
أيضا، لما عرفت.
وأما الواجبات الكفائية التي هي من قبيل الصناعات وبيع الأعيان، مما هو
واجب لحصول النظام، ودفع الضرر، وكذا الواجبات العينية التي هي من هذا



(1) في ألف، ب: (معينا).
37
القبيل، فالوجوب الحاصل فيها إنما هو القدر المشترك بين الإعطاء مجانا أو
الإعطاء بالعوض، مع أن النظام لا يحصل غالبا إلا بالثاني.
ومما ذكرنا ظهر ما في قوله (رحمه الله): (ولكن يرد الإشكال.. إلى آخره) (1) وكذا
قوله (رحمه الله): (ويمكن أن يقال.. إلى آخره) (2). مع أن الذي ثبت حرمة أخذ الأجرة
فيه من الدليلين اللذين ذكرهما هو العبادات الواجبة، وغير العبادات الذي وقع
الإجماع فيه (3)، ومثل الصناعات غير داخلة في ذلك قطعا، إذ ليست من العبادات
قطعا، لعدم اشتراط النية فيها جزما، ولم يتحقق الإجماع على عدم جواز أخذ
الأجرة فيها، بل الإجماع (4) حاصل بالجواز، بل الضرورة من الدين، مضافا إلى
الأخبار المتواترة.
والفرق بين العبادات وغيرها في اشتراط النية في الأول دون الثاني قد
كتبناه مشروحا في " حاشيتنا على المدارك " في مبحث الوضوء (5).
ومما ذكر ظهر أنه لم يظهر إشكال أصلا حتى يحتاج إلى دفعه، سيما وبما
ذكره، فتأمل.
قوله: يحرم عليه فعله لذلك الغرض [ويحرم الأجر عليه].. إلى آخره (6).
هذا الدليل إنما هو في العبادات خاصة.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 89.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 89.
(3) لاحظ: مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 89.
(4) لاحظ: مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 89.
(5) حاشية مدارك الأحكام (مخطوط). نسخة المكتبة الرضوية: 32 / (قوله: واعلم أن
الفرق.. أقول: لا يخفى أن الواجب ما يكون على تركه العقاب، فإن كان عبادة..).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 89.
38
قوله: ألا ترى جواز الأجرة على الحج [وسائر العبادات].. إلى آخره (1).
ولعله لا يضر اشتراط نية الإخلاص، لأن بعد الإجارة يجب على
المؤجر (2) كما لو وجب ابتداء، فتأمل.
ومما ذكرنا اندفع ما يتوهم وروده على الشارح (قدس سره) من أن ما ذكره هنا
مناف لما استدل به لحرمة أخذ الأجرة بقوله: (وأيضا إنه لما استحق فعله.. إلى
آخره) (3)، فتدبر.
ومما ذكر ظهر - أيضا - عدم الفرق بين الحج وغيره من العبادات، فما توهم
بعضهم من الفرق بأن الحج مشوب بالمالية بخلاف غيره فإنها بدنية محضة فاسد،
لأن المنافاة بين قصد القربة وأخذ الأجرة إن كانت حاصلة فلا فرق بين الحج
وغيره، ولا بين الواجب والمستحب، فلا المشوبية بها ينفع، ولا عدم الوجوب،
وقد عرفت عدم المنافاة، وصحة فعل العبادات عن الميت كما يظهر من أخبار
كثيرة (4)، وعمومها يقتضي صحة الإجارة في كل عبادة للميت، ومثل إجارة
الحج وغيره مما ورد النص فيها، والإجماع شاهد أيضا، فتدبر.
قوله: ولا دلالة فيها أيضا على إباحة المقاسمة.. إلى آخره (5).
قوله (عليه السلام): " إن كان ما قبضه.. إلى آخره " (6) يدل على إباحة شراء



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 91.
(2) كذا، والظاهر أن المقصود الأجير.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 89.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 8 / 276 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 101.
(6) الكافي: 5 / 228 الحديث 2، تهذيب الأحكام: 6 / 375 الحديث 1094، وسائل
الشيعة: 17 / 219 الحديث 22377، وفيها: " إن كان قبضه.. "، وما هنا موافق لما في:
مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 101.
39
المقاسمة، لوقوعه جوابا عن سؤاله: " يجيئنا المقاسم "، لأن ترك الاستفصال مع
قيام الاحتمال يفيد العموم، بل المدار في أراضي العراق كان على المقاسمة غالبا،
والسائل عراقي وأرض العراق مفتوحة عنوة، والمدار فيها على المقاسمة، مع أنه
عبر عن آخذ الزكاة بالمصدق (1)، فإذا جاز الشراء منهم جاز الأخذ منهم بعنوان
الهبة بطريق أولى، لأن إعطاء العوض للظالم الجائر المخالف كيف يصير منشأ لحلية
أخذ العوض؟! بل إعطاء العوض يوجب إعانة الظالم والإعانة على الإثم، بخلاف
الأخذ بغير عوض.
قوله: نعم، ظاهرها ذلك، ولكن [لا ينبغي الحمل عليه].. إلى آخره (2).
الظهور يكفي للاستدلال، ولا يشترط الصراحة، ومداره - حينئذ - على
الاستدلال بالظواهر، مع أن الظهور إنما هو في صدر الحديث (3)، وأما وسطه
وذيله فهما صريحان غاية الصراحة (4)، مع أن ظهور الصدر أيضا في غاية القوة،
وما دل على المنع - على تقدير التسليم - فإنما يكون دلالته بعنوان العموم،
والخاص مقدم سيما إذا عاضده الشهرة، بل الإجماع المنقول (5) وإن كان بخبر
الواحد، فإنه أيضا حجة، ولا يضر خروج معروف النسب إن كان، فكيف إذا لم
يعرف خارج؟!
هذا، مضافا إلى أن الخاص صحيح ومتعدد ومتكثر، كما ستعرف.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 102.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 102.
(3) أي قوله (عليه السلام): " لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه ". وسائل الشيعة: 17 / 219
الحديث 22376.
(4) أي قوله (عليه السلام): " إن كان قبضه بكيل.. ". وسائل الشيعة: 17 / 219 الحديث 22376.
(5) مسالك الأفهام: 1 / 132، الحدائق الناضرة: 18 / 243.
40
قوله: ويحتمل أن يكون سبب الإجمال التقية. ويؤيد عدم الحمل على
الظاهر أنه غير مراد [بالاتفاق].. إلى آخره (1).
التفصيل والتحقيق في مقام الجواب وذكر شرائط الصحة، وأنه إن كان بهذه
الشرائط يصح وإلا فلا مما لا يلائم الحمل على التقية كما لا يخفى، وكذا لا يلائم
التوسعة والحلية (2) بقوله (عليه السلام): " لا بأس حتى يعرف الحرام بعينه "، مع أن الحمل على
التقية خلاف الأصل، والظاهر لا داعي إليه سيما مع كون الحكم من المسلمات عند
الشيعة، ولا أقل من كونه من المشهورات عندهم على فرض وجود مخالف منهم،
مع أنه لم يوجد أصلا، وأخذه ليس بحلال له لا لنا، وأخذه حرام لا نفسه، وهو ظاهر.
قوله: ألا ترى أن أخذ الزكاة لا يجوز منهم مطلقا.. إلى آخره (3).
فيه ما فيه، إذ لا نعلم مأخذه، ولا ما يشير إليه ويوهمه، ولا أحدا ذكره.
نعم، إذا صار منشأ لذلته واستخفافه ومهانته لا شبهة في المنع عنه في حال
الاختيار، لأن الله تعالى لم يرخص المؤمن في إذلال نفسه، لكن هذا غير مختص
بأخذ الزكاة منهم، ولا كل أخذ الزكاة منهم يوجب الذلة، سيما إذا أعطوه بعنوان
الهبة والجائزة والهدية.
ومع ذلك ربما كانت الذلة تحصل له إذا أخذ من الشيعة، بل لا نجد فرقا في
حصوله بين أن يأخذ منهم أو من الشيعة، فتأمل.
قوله: [على العموم] الذي تقدم، والعجب أنه قال في الرسالة المنفردة
[: هذا نص في الباب].. إلى آخره (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 102.
(2) في ب: (في الحلية).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 103.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 104.
41
لا يخفى أن بيت المال مجمع هذه الأموال، بل غالبه هذه الأموال لو قلنا
بوجود غيرها فيه، لأنه الذي عند الخلفاء الأموية والعباسية، وتدل هذه على
جواز أخذ ما هو من بيت المال منهم على العموم، وإن لم تدل على العموم الذي
ذكره (1)، إذ الأدلة الفقهية لا يجب أن يكون كل واحد منها وافيا لتمام المطلب، بل
يكفي الحصول من المجموع. هذا مع أنه لا قائل بالفصل، فتأمل جدا.
وبالجملة، تخصيص بيت المال بالفروض البعيدة غاية البعد وإخراج
الفروض المتعارفة الشائعة الغالبة المعروفة المعهودة.. فيه ما فيه.
قوله: والظاهر أنها صحيحة، ولكن لا دلالة فيها أصلا على المطلوب.. إلى
آخره (2).
لا يخفى أن ظاهر الرواية (3) العموم، إذ يشمل ما إذا علم أنها من عمله، سيما
وبعض العمال دراهمه منحصرة في الأخذ مما يعمله معروف بذلك.
وأيضا، لو كان مراد السائل ما ذكره الشارح، لكان المناسب أن يأتي بلفظ
الدراهم منكرا غير معرف باللام، فتأمل.
على أن الظاهر من الرواية عدم الكراهة أيضا، فهذا يؤيد كون السؤال عن
خصوص الدراهم التي هي محصول عمله، فتأمل.
قوله: وإن سلم أنه أحمد بن محمد بن عيسى الثقة، والحسن بن علي بن
فضال.. إلى آخره (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 104 قوله: (والتعدي إلى الأعم مما في الأصل).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 105.
(3) من لا يحضره الفقيه: 3 / 108 الحديث 450، تهذيب الأحكام: 6 / 338 الحديث
942، وسائل الشيعة: 17 / 213 الحديث 22357.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 106، وورد في ب، ج، حاشية د: (مع ضعف الطريق
والإضمار) بدلا من قوله: (وإن سلم... علي بن فضال).
42
لا وقع لهذه الاعتراضات، إذ لا تأمل في كون أحمد هذا ابن محمد بن
عيسى، أو محمد بن خالد وكلاهما ثقتان (1)، والحسن بن علي ممن أجمعت العصابة،
وممن لم يعثر له على زلة (2)، وأبان ممن أجمعت العصابة (3)، بل من الأعاظم الأجلة
كما حققنا، وإن نسبه إلى الناووسية علي بن الحسن الفطحي (4)، وإسحاق
موثق (5)، بل ربما كان الثقة كما حققنا.
والدلالة واضحة، إذ لم يقل: يشتري من العامل شيئا، بل قال: " من
العامل وهو يظلم " (6)، وهذا ظاهر في أنه يعتقد أن مجرد كونه عاملا، ومن حيث
عامليته ليس بظلم، وأن مراده من ظلمه غير عمله، وأظهر منه جواب
المعصوم (عليه السلام).
على أن السند والدلالة ينجبران بعمل الأصحاب، وطريقة الشيعة
الظاهرة، وتعاضد الأخبار الكثيرة بعضها ببعض سندا ودلالة، ومنه يظهر
الجواب عن أكثر اعتراضاته.
قوله: فعلم (7) أن لا إجماع.. إلى آخره (8).
هذا لا ينافي كون غير محل الخلاف إجماعيا، بل يعضده ويشهد له.



(1) جامع الرواة: 1 / 63 و 69.
(2) جامع الرواة: 1 / 214.
(3) جامع الرواة: 1 / 12.
(4) جامع الرواة: 1 / 12.
(5) جامع الرواة: 1 / 82 - إسحاق بن عمار -.
(6) وسائل الشيعة: 17 / 221 الحديث 22379.
(7) كذا، وفي المصدر: (فيعلم).
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 107.
43
قوله: وأما إذا لم يعلم أحدهما فهو محل الخلاف.. إلى آخره (1).
مقتضى كلام الطرفين أنه مسلم عند الطرفين جميعا أنه لا بد من إذن
صاحب المال ورضاه، حتى يصير حلالا، وهذا هو القاعدة المسلمة عندهم، فمع
عدم العلم بالإذن كيف يصير محلا للخلاف؟! بل لا بد من الحكم بالمنع حتى يثبت
الإذن.
إلا أن يكون مراده (رحمه الله) من عدم العلم عدم ظهور الأمر من الخارج، لكن
ربما يشكل حينئذ الاستدلال بالحديث، لأنه إن ظهر من كلام صاحب المال الإذن
والرضا يكون الأخذ حلالا البتة، فكيف يستدل بالحديث على الحرمة؟! وإن لم
يظهر منه إذن يكون حراما لا محالة، فكيف يحتج بالحديث على الحرمة؟!
فالعبرة - حينئذ - بدلالة كلامه وعدمها، ولا بد من حمل أخبار الطرفين
على ما يوافقه ويطابقه، إلا أن يكون المراد الاستدلال بالحديث على دلالته
وعدمها، فتدبر.
قوله: لأن ظاهر الأمر بالدفع يقتضي الدفع إلى غيره.. إلى آخره (2).
هذا، مضافا إلى أصالة عدم الجواز، وعدم الإباحة، وعدم الانتقال،
وعدم الملكية ما لم يثبت شئ منها.
أما بالنسبة إلى غير مثل الزكاة مما هو تبرع ومحض جعل المالك وإعطائه
فظاهر، لأنه " لا يحل مال امرئ مسلم إلا من طيب نفسه " (3)، فما لم يظهر الطيب
ولم يعلم - كما هو المفروض - لا يكون حلالا، فضلا عن الانتقال والملكية.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 110.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 110.
(3) عوالي اللآلي: 2 / 240 الحديث 6، مسند أحمد بن حنبل: 6 / 69 ضمن الحديث
20172 مع اختلاف يسير، وبمعناه: وسائل الشيعة: 25 / 386 الحديث 32190.
44
وأما بالنسبة إلى مثل الزكاة، فلأن مجرد تحقق الزكاة - مثلا - في مال لا
يتعين قدر في كونه الزكاة، ولا يتعين مستحق في كونه المالك لذلك القدر ويجوز له
التصرف، بل يتوقف كل واحد من الأمرين على رضاه وتعيينه وإعطائه، أو من
هو بحكم المالك، وهذا ظاهر ومسلم عند الكل.
قوله: غير صحيحين ولا صريحين، وفي أحدهما دلالة.. إلى آخره (1).
السند منجبر بعمل الأصحاب أكثرهم، والظهور يكفي، بل لا تأمل في
الدلالة على المنع ووضوحها، ومع ذلك ينجبر السند والدلالة بالقاعدة المسلمة
المقطوع بها، الثابتة من الكتاب والسنة والإجماع والأصول المسلمة، وهي عدم
جواز التصرف في ملك الغير ما لم يثبت إذنه، وما نحن فيه منها كما هو المفروض،
إذ بعد ثبوت الإذن لا نزاع، وقد عرفت من ذلك ومما تقدم أنه لا حاجة إلى
دعوى ظهور التغاير كما ادعاه المحقق الشيخ علي (2)، وإن كان دعواه حقا ظاهرا لا
سترة فيه، بل يكفي عدم ظهور عدم التغاير، وأنه لا بد للعموم والصحة في المقام
من ظهور الدخول والعموم (3) بلا شك ولا شبهة.
على أنه إن اعترض صاحب المال بأني ما قلت: اشتر من نفسك أو بع من
نفسك أو خذ لنفسك، فهل يجوز أن يقال في جوابه: كذبت بل قلت؟! ولو أجاب
مجيب كذلك كذبه أهل العرف بلا تأمل.
قوله: ولأن ظاهر قوله: اشتر أو بع أعم، والظاهر.. إلى آخره (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 110، تهذيب الأحكام: 6 / 352 الحديثان 998 و 999.
(2) أي الشيخ علي بن الحسين الكركي، المحقق الثاني المتوفى سنة 940 ه‍. جامع المقاصد:
8 / 110.
(3) في د، ه‍: (في العموم).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 110 - 111.
45
دعوى الظهور لا يخلو عن إشكال، بل الظاهر خلافه، إذ لا يفهم منه
الاشتراء أو البيع من نفسه، ولا ينصرف الذهن إليه، ولا يتبادر إلى الذهن قطعا،
سيما إذا عرف الموكل أن عند الوكيل يكون المبيع أو الثمن، وأنه يبيع أو يشتري،
مع أنه كثيرا لا يؤمنون عليه في الشراء من نفسه أو البيع منه، لأن النفس أمارة
بالسوء، إلا ما رحم ربي (1)، غدارة لا وثوق عليها إلا بعد مجاهدات ورياضات،
وقل من ينجو منها ويتسلط عليها، فتأمل.
هذا كله، على القول بجواز اتحاد طرفي العقد، وأما على القول بعدم الجواز
أو التوقف فيه وكون العامل عالما بذلك أو متوقفا، فلا شبهة في عدم العموم.
قوله: وفيه تأمل، للإضمار.. إلى آخره (2).
لا تأمل في أن مثل هذا الجليل الثقة (3) لا يسأل مثلها عن غير الإمام.
وقال العلامة في " التحرير ": إنه رواها عن الصادق (عليه السلام) (4)، فلاحظ.
قوله: لدخوله تحت عموم اللفظ، والأصل عدم التخصيص.. إلى آخره (5).
محل نظر، لأن المدار في العموم على الفهم والتبادر، لا على ما وضع له اللفظ
على الأظهر، لعدم دليل على حجية اللفظ في أزيد من المتبادر، وربما لم يتبادر
العموم حال كونه مخاطبا ودافعا (6)، ومع القرينة يفهم جزما، ودخوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في
الذين آمنوا وغيره من دليل من الخارج لا يقتضي كونه متبادرا أيضا، بل لا تأمل



(1) أثبتنا عبارة (إلا ما رحم ربي) من: ألف.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 111.
(3) أي: عبد الرحمان بن الحجاج. وسائل الشيعة: 17 / 277 الحديث 22514.
(4) تحرير الأحكام: 162.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 112.
(6) في ألف، ب، ج، ه‍: (وواقعا).
46
في عدمه.
والوكيل بمنزلة الموكل فيما ثبت وكالته فيه، لا ما لم يثبت، مع أن الأصل
العدم حتى يثبت وبعد الثبوت لا كلام لأحد.
على أن ما ذكره يتمشى فيما إذا قال صاحب المال: هذا مال المستحقين -
مثلا - ومنوط برأيك ونظرك، وأمثال هذه العبارة، لا أن يقول: أعطه الفقراء
وقسمه عليهم، فإنه في غاية الظهور في الإخراج عن نفسه والإعطاء لغيره.
وهذا وأمثاله هو محل النزاع كما لا يخفى على المتأمل، بل وعلى فرض كون
محل النزاع أعم لا يتم أيضا ما ذكره إلا فيما أشرنا إليه.
قوله: [ولأنه وكيل] فهو بمنزلة الموكل فكما يجوز له إعطاؤه.. إلى آخره (1).
لا شك في أن الوكيل بمنزلة الموكل فيما هو وكيل فيه لا في غيره، بل يحرم
تصرفه في الغير، والوكالة ليست الإذن والرخصة - كما سيجئ - فما ثبت الإذن
فيه والرخصة فلا نزاع، وما لم يثبت كان اللازم عدم النزاع في عدم صحة تصرفه
فيه، وعدم جوازه وحرمته وضمانه، فما أدري لم وقع النزاع فضلا عن ترجيح
جواز التصرف وصحته، فإن كان الإذن والرخصة في أن يأخذ لنفسه ثابتا فلا
نزاع لأحد فيه كما صرح به، وإلا فكيف يتصور النزاع بالنحو الذي ذكروه، بل
بغير ذلك النحو أيضا؟!
فإن قلت: لعل محل النزاع هو ما إذا ظهر الدخول وظن، لا ما إذا تيقن.
قلت: ليس كذلك، فإن ظهور الدخول ليس محل نزاعهم، كما لا يخفى على
من لاحظ كلامهم وتأمل فيه حتى كلام الشارح أيضا، مع أنه على هذا أيضا لا
وجه للنزاع، فتأمل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 112.
47
قوله: وعبد الرحمان رمي (1) بالكيسانية.. إلى آخره (2).
لا ضرر فيه أصلا، إذ لا يسلم جليل من قدح، حتى مثل زرارة ومحمد بن
مسلم وأضرابهما، وهشام بن الحكم وأضرابه ورد فيهم مطاعن كثيرة، كلها
أجابوا عنها، كما أجابوا عن هذا الرمي (3)، ولا شك في أنه ليس من الكيسانية، بل
هو من أعاظم الفرقة المحقة.
قوله: [أو على] ما علم إرادة عدم دخوله بقرينة.. إلى آخره (4).
لا يتوقف على العلم، بل يكفي الظن والظهور أيضا، بل يكفي عدم ظهور
الدخول، لما عرفت.
قوله: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها
ويضعها.. إلى آخره (5).
يمكن أن يقال: إن مقتضى ظاهر مضمون هذه الرواية والرواية السابقة (6)
من كلام صاحب المال العموم بحيث يشمل الوكيل فيخرج عن محل النزاع، وعلى
تقدير تسليم عدم ظهور الشمول لا بد من حملها على صورة ظهوره، لما عرفت
سابقا.
قوله: [لا يجري فيه إلا] تأويل واحد في أخبار كثيرة بحملها على الجواز
مع الإذن.. إلى آخره (7).



(1) كذا، وفي المصدر: (يرمى).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 112.
(3) جامع الرواة: 1 / 447.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 112.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 113، والرواية في: وسائل الشيعة: 9 / 288 الحديث 12041.
(6) وسائل الشيعة: 9 / 288 الحديث 12040.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 113 - 114.
48
لا يخفى أن المراد من الإذن ما هو ظاهر من إطلاق العبارة، فلا ينافيه ما
ذكره أنه لا يجوز له أن يأخذ، فتأمل.
على أنه قد عرفت أن هذا الحمل لا بد منه قطعا، وأنه لو لم يظهر من كلامه
الإذن يكون حراما جزما ووفاقا، وأن ذلك مقتضى القاعدة المسلمة الثابتة.
قوله: [ما قبله هو الذي] ما سمي فيه موضعا.. إلى آخره (1).
لا يبعد أن يقال: إن مثل قوله أعطه الفقراء مما هو ظاهر في الإعطاء لغيره،
والإخراج عن يده داخل في قوله: " إذا أمره أن يضعها.. إلى آخره " (2)، إذ لا
فرق بين ذلك وبين أن يقول: أعطه غيرك وأخرجه عن يدك، إلا الظهور
والصراحة، وهذا داخل جزما في قوله: " إذا أمره.. إلى آخره "، ولا فرق بين
الظهور والصراحة في الأدلة اللفظية من حيث الحجية ووجوب العمل به.
قوله: ولا شك أن قوله: أعط الفقراء [وفرقه فيهم يدل على إعطاء
نفسه].. إلى آخره (3).
فيه أيضا تأمل، والاحتمال باق لو لم نقل بكون ما ذكره خلاف الظاهر، مع
أن الأخذ يحتاج إلى إذن ثابت يوثق به، إذ " لا يحل مال امرئ مسلم إلا من طيب
نفسه " (4) فتأمل.
قوله: ثم إن الظاهر أنه لا كلام في جواز إعطائه لأهله وعياله.. إلى آخره (5).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 114.
(2) وسائل الشيعة: 9 / 288 الحديث 12041.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 1 / 114.
(4) عوالي اللآلي: 2 / 240 الحديث 6، مسند أحمد بن حنبل: 6 / 69 ضمن الحديث
20172 مع اختلاف يسير، وبمعناه: وسائل الشيعة: 25 / 386 الحديث 32190.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 114.
49
إذا لم يكن تهمة ولا دناسة ودناءة، ولم يكن ظهور وتبادر في إعطاء
غيرهم، والظاهر أن الصحيحة (1) محمولة على ما ذكرنا، فتأمل.
قوله: وفي الوصية لو كان دليل خاص [يتبع، ولا يقاس، وإلا يناقش
هناك أيضا].. إلى آخره (2).
لا دليل لها سوى تبادر التسوية وظهورها من كلام الموصي، فلا يمكن
المناقشة، كما إذا قال: نذرت لفلان وفلان عشرة فأعطوهما إياها، أو قال: عينت
لهما عشرة فأعطوهما، أو قال: هذه العشرة حصة فلان وفلان، أو حق فلان
وفلان، أو سهم فلان وفلان فأعطوهما، أو أعطي عشرة، أو قال: قسمها بين
فلان وفلان، فإن المتبادر من جميع ما ذكر التسوية، وإذا قال: خذ هذه العشرة
وهي زكاة وأعطها فلانا وفلانا، أو قسمها بين فلان وفلان، فلا يبعد أن يكون
المتبادر - أيضا - التسوية، مع احتمال كون الأمر في الإعطاء والتقسيم إلى نظره كما
وكيفا، لكن الأول لعله أظهر، وعلى تقدير عدم كونه أظهر كون الثاني أظهر غير
ظاهر، فالأول متيقن (3)، والثاني مشكوك فيه فيها، فكيف [المتيقن] صحته يصح
العدول عنه إليه؟! نعم لو كان قرينة فلا كلام، فتأمل.
قوله: على أنه يمكن أن يكون معنى قوله [(مثل ما يعطي غيره) تشبيها في
محض الإعطاء].. إلى آخره (4).
هذا بعيد، سيما بالنسبة إلى الخبر الأول، مع أن فتح هذا الباب للنفس
الأمارة الغدارة ربما يكون مشكلا، بأنه ربما يأخذ لنفسه الكل أو إلا شيئا قليلا،



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 115، وسائل الشيعة: 17 / 277 الحديث 22513.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 115.
(3) في د، ه‍: (متيقن صحته).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 115.
50
والمناسب لطريقة الشرع سد هذا الباب، ولهذا أمروا (عليهم السلام) بأن يأخذ مثل غيره،
فتأمل.

51
آداب التجارة
قوله: يستحب التفقه، لما كان من التجارة ما هو حرام ومكروه.. إلى
آخره (1).
لا شك في وجود واجبات ومحرمات في التجارة، ويجب الامتثال،
ويتوقف على المعرفة، وما لا يتم الواجب المطلق إلا به فهو واجب، فكيف يحكم
بالاستحباب؟!
وخلاصة عذر الشارح، أن الواجب والحرام معلومان للمتعارف والغالب
من الناس، والأحكام الفقهية إنما تكون بالنسبة إلى الغالب لا النادر (2).
وفيه، أن الأحكام الفقهية إنما تذكر لجميع المكلفين، وتكون بالنسبة إلى
الكل، ولذا يتعرض الفقهاء لحال الفروض النادرة غاية الندرة، حتى أنه ربما لم
يكن في الدهر لها مصداق، بل ربما لم يوجد لها مصداق أصلا، كما لا يخفى.
مع أن الغالب يكونون عالمين بجميع المحرمات والواجبات فاسد خلاف
المشاهد، مع أن كثيرا من العبادات ربما يكون كثير من أحكامها معلوما عند
الأكثر، ومع ذلك يتعرض الفقهاء، بل ربما يتعرضون للضروريات فضلا عن
النظريات.
ويمكن أن يعتذر بأن ما ذكر بناء على عدم وجوب مقدمة الواجب، كما هو



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 116.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 116.
52
أحد القولين، بل هو الأقوى بالنظر إلى الدليل، لكن المعروف من المشهور حكمهم
بوجوبها شرعا، إلا أن يقال: غير ظاهر أن الواجب هنا مطلق، حتى تكون
مقدمته واجبة، بل ربما يقيد بقيد العلم والمعرفة، ويكون الجاهل معذورا، لكن
هذا أيضا خلاف ما عليه المشهور، بل جميع الفقهاء، فإن الجاهل ليس عندهم
معذورا إلا في قليل من المواضع التي نص الشرع على المعذورية (1).
وهذا هو مقتضى الأدلة كما حقق في محله وإن توقف فيه شاذ غفلة، إلا أن
يقال: واجبات التجارة ومحرماتها في الغالب وجوبات (2) شرطية لصحة التجارة،
لا شرعية على تركها العقاب، وأما الوجوبات (3) الشرعية فأكثرها من عوارض
التجارة، وليست من أحكامها بنفسها، مثل الاكتساب لحفظ النفس وحفظ نفس
واجب النفقة وأداء الدين.. إلى غير ذلك.
وأما القليل منها وإن كان من أحكام التجارة مثل: حرمة الربا ووجوب
الوفاء بالعقد الصحيح، فلعله من ضروريات الدين الآن.
أو يقال: مراده من استحباب التفقه معرفة جميع أحكام التجارة، لا
خصوص الواجب والحرام، فإن وجوب معرفته معلوم من قولهم: يجب الوفاء،
وقولهم: حرم الربا، فتأمل.
قوله: على الجواز وعدم (4) الغبن الفاحش.. إلى آخره (5).
لعل الأولى الحمل على ما إذا وقع المعاملة مع غير المؤمن ممن لا حسن في



(1) في ب: (معذوريته).
(2) في د، ه‍: (واجبات).
(3) في د، ه‍ (الواجبات).
(4) كذا، وفي المصدر: (وعلى عدم).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 118.
53
المساهلة معه في إعطاء المال له ولا ثواب، ولهذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا محمود ولا
مأجور " (1)، بخلاف ما إذا وقع مع المؤمن، فإن المساهلة معه في ما ذكر محمودة
ومأجورة.
نعم، المعاملة مع غيره ربما تكون المساهلة مطلوبة إذا أدى المماسكة إلى
استخفاف ودناءة عند أهل ذلك الزمان والمحل بالنسبة إليه، فتأمل.
قوله: ولهذا ما قالوا بوجوب التسوية بين الإخوان في الأموال والجوع
والشبع وغير ذلك، للأصل.. إلى آخره (2).
ولأن الظاهر من أحوال أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) والفقهاء
المتقدمين والمتأخرين في الأعصار والأمصار عدم الإلزام والالتزام على سبيل
الوجوب والحرمة، حتى أنه نقل أن بعضا من الأئمة (عليهم السلام) - مثل الحسن (عليه السلام) - فعل
ذلك في عمره مرة أو مرتين أو ثلاثا (3)، وأيضا ثبت من الأخبار الكثيرة المعمول
بها أن الذي يجب نفقته هو الوالدان والولد والزوجة والمملوك (4)، وفي شاذ منها
الوارث الصغير (5) أيضا، وإجماعي أنه لا يجب نفقة غير هؤلاء (6)، مع أن هؤلاء
إنما يجب نفقتهم لا التقسيم والمواساة، والمساواة، وأيضا ثابت من الأخبار



(1) الكافي: 4 / 496 الحديث 3، تهذيب الأحكام: 5 / 209 الحديث 702، الاستبصار:
2 / 267 الحديث 947، وسائل الشيعة: 14 / 123 الحديث 18776.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 132.
(3) أسد الغابة: 2 / 13، بحار الأنوار: 43 / 339 الحديث 13.
(4) راجع! وسائل الشيعة: 21 / 525 الباب 11 و 528 الباب 13 من أبواب النفقات.
(5) من لا يحضره الفقيه: 3 / 59 الحديث 209، تهذيب الأحكام: 6 / 293 الحديث 813،
الاستبصار: 3 / 44 الحديث 148، وسائل الشيعة: 21 / 512 الحديث 27723.
(6) نهاية المرام: 1 / 472، مسالك الأفهام: 1 / 466.
54
المتواترة (1) وإجماعي (2) - بل ضروري الدين - أن الذي يملك الأموال إذا كان ماله
من جملة الأصناف التي تجب فيها الزكاة لا يجب عليه للفقراء المؤمنين سوى قدر
الزكاة - وهو العشر أو نصف العشر أو ربع العشر - لا أزيد، ومع ذلك وجوب
ذلك القدر بعد تحقق شرائط كثيرة لو اختل واحد منها لم يجب شئ أصلا، وأما
سوى الأصناف فلا يجب عليه لهم شئ أصلا. نعم، في بعضه يستحب ذلك المقدار
بالشرائط، وأما ما بقي فلا وجوب ولا استحباب، فتأمل.
وورد أن الله جعل في أموال الأغنياء للفقراء القدر المذكور خاصة (3)، وفي
بعض الأخبار أن ذلك هو الزكاة الظاهرة، وأما الباطنة فهو أن لا تؤثر على أخيك
ما هو إليه أحوج (4)، وأمثال هذه العبارة.
ومنه يظهر وجه الجمع وأن الظاهر من الباطن هو الاستحباب، أو بالقياس
إلى المقربين مطلقا أو بالنسبة إلى المقربين، أو الأعم من الأول والثاني، الثاني:
بالنسبة إلى المقربين مطلقا أو بالنسبة إلى المقربين، والأول على عمومه، فتأمل جدا.
قوله: يكره للبلدي - وهو المراد بالحاضر - [أن يقول: أنا أبيعه لك].. إلى
آخره (5).
مقتضى هذا، اختصاص المنع بالبيع للبادي، وصرح في " التحرير " بعدم
البأس بالشراء له (6)، لكن عبارة المتن - كغيرها من عبارات بعض الفقهاء -



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 9 / 53 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه.
(2) منتهى المطلب: 1 / 497.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 9 / 10 الأحاديث 11389 و 11392 و 11395.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 9 / 50 الحديث 11494.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 133.
(6) تحرير الأحكام: 159.
55
مطلقة (1).
وفي " الغوالي " بعد ما أورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " ذروا الناس في
غفلاتهم يعيش بعضهم مع بعض " (2) قال: (هذا يدل على كراهة (3) توكل الحاضر
للبادي لينقص له في (4) السعر أو يزيد، فإن ذلك مما (5) يحرم الناس التوسعة في
الرزق.. إلى آخر ما قال) (6).
ووجه الاختصاص، كون الأخبار المروية في كتبنا واردة بلفظ: " لا
يبيع " (7)، ولما في رواية يونس بن يعقوب من التفسير (8)، فتدبر.
قوله: وفيه تأمل، لوجود العلة، وهو مستفاد من الدليل.. إلى آخره (9).
لا يخفى أن المتبادر من الأخبار الواردة في هذا الباب كون الخروج بقصد
الشراء أو البيع (10) أيضا على احتمال، وإذا خرج بقصد التلقي والشراء وندم عن
الشراء ولذا لم يشتر فلعله - أيضا - ليس من الأفراد المتبادرة.
قوله: ويمكن فهمه من العلة [وإن لم يكن في الرواية].. إلى آخره (11).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 133.
(2) عوالي اللآلي: 2 / 246 الحديث 15.
(3) كذا، وفي المصدر: (كراهية).
(4) كذا، وفي المصدر: (من).
(5) لم ترد (مما) في المصدر.
(6) عوالي اللآلي: 2 / 247، الهامش رقم (2).
(7) عوالي اللآلي: 3 / 206 الحديث 40 و 41، وسائل الشيعة: 17 / 444 الباب 37 من
أبواب آداب التجارة.
(8) الكافي: 5 / 177 الحديث 15، وسائل الشيعة: 17 / 445 الحديث 22956.
(9) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 135.
(10) لاحظ! وسائل الشيعة: 17 / 442 الباب 36 من أبواب آداب التجارة.
(11) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 135.
56
ويمكن أن يقال بعدم تبادر تلك الصورة من الأخبار.
قوله: فالقول بالتحريم بمثله (1) مشكل، ولهذا اختار المصنف الكراهة.. إلى
آخره (2).
لأن الأخبار ضعيفة السند فلا تصلح لإثبات التحريم.
لا يقال: الضعف منجبر بعمل الأصحاب، لأن عمل الأصحاب بها لعله
من تسامحهم في أدلة السنن والكراهة، بل الظاهر كونه كذلك، لأن المشهور
يقولون بالكراهة، فالأكثر هو المعتبر في حكاية ضعف السند، ولا يكفي عمل
البعض، سيما مع مخالفة البعض الآخر له، وخصوصا مع مخالفة الأكثر له.
وشمول هذه الأخبار للصلح والهبة المعوض عنها، من جهة إطلاق النهي
عن التلقي مع شمول العلة الظاهرة، وعلى تقدير وقوع البيع لا تأمل في صحته،
وإن قلنا بحرمة التلقي، وقلنا بأن النهي في المعاملات يقتضي الفساد، لأن النهي
تعلق بما هو خارج عن البيع، وهو التلقي.
نعم، إن وقع غبن فاحش فللبائع الخيار، إذ " لا ضرر ولا ضرار " (3)،
وهو على الفور، لأنه لرفع الضرر، وهو حاصل به فلا يرفع اليد عن مقتضى
الأدلة الدالة على صحة البيع، ولزومه أزيد من القدر الضروري، ولو رضي البائع
بالبيع بعد اطلاعه على الغبن يجب على المشتري الوفاء، لآية * (أوفوا بالعقود) * (4)
وغيرها، ولا يمكنه فسخه بأنه وقع غبن البائع فيه، وهو ظاهر، ومما ذكر ظهر



(1) كذا، وفي المصدر: (لمثلها).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 136.
(3) عوالي اللآلي: 1 / 220 الحديث 93، وسائل الشيعة: 25 / 428 الحديثان 32281
و 32283.
(4) المائدة (5): 1.
57
حكم النجش، فتدبر.
قوله: ويحتمل الكراهة، لأنه وإن كان ذلك [، لكن ما ستروا في المبيع
شيئا].. إلى آخره (1).
هذا الاحتمال فاسد، إذ لا تأمل في حرمة غش المؤمن، كما يظهر من أخبار
كثيرة (2)، وليست الحرمة منحصرة في الستر في المبيع، بل حرمة الستر فيه من
جهة حرمة الغش. نعم إن اطلع المشتري على الغش ورضي بالبيع كما وقع يجب
على البائع الوفاء به، ولا يمكنه الاعتذار بوقوع الغش منه.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 137.
(2) لاحظ! الكافي: 5 / 160 باب الغش، تهذيب الأحكام: 7 / 12 الأحاديث 48 - 51،
وسائل الشيعة: 17 / 279 الباب 86 من أبواب ما يكتسب به.
58
في العقد
قوله: [يكفي كل ما يدل على قصد ذلك مع الإقباض]، وهو المذهب
المنسوب إلى الشيخ المفيد من القدماء.. إلى آخره (1).
قال في " المختلف ": كلام المفيد يوهم ذلك (2)، والشهيد الثاني ادعى
الإجماع على عدم كونها بيعا وكرر الدعوى، بل صرح بأنه لولا الإجماع لكان ما
نسب إلى المفيد وبعض معاصريه متينا غاية المتانة (3)، فتأمل فيما سنذكره في
الحواشي الآتية، وعند قول المصنف: (ولا ينعقد إلا بلفظ الماضي) (4)، وغير
ذلك، إذ بملاحظة الجمع والتأمل فيها ربما يظهر التأمل في المتانة التي ادعاها، فتأمل.
قوله: وهو المفهوم عرفا من البيع، لأنه كثيرا [ما يقال في العرف ويراد
ذلك].. إلى آخره (5).
المستفاد من العبارة، أن بعد ما تحقق الأمر الدال على قصد ذلك لم يتحقق
البيع بعد حتى يتحقق الإقباض، وفيه ما لا يخفى، لأن الإقباض أمر خارج عن
البيع وليس شرطا في تحققه أيضا. نعم ربما يكون شرطا في صحته في خصوص



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 139.
(2) مختلف الشيعة: 348.
(3) مسالك الأفهام: 1 / 132.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 145.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 139.
59
بعض أفراد البيع مثل الصرف أو إقباض أحد العوضين مثل السلف والنسيئة حتى
لا يتحقق بيع الدين بالدين، أو الكالي بالكالي، فهو أيضا بيع إلا أنه فاسد شرعا.
وبالجملة، للبيع ماهية وأحكام، وللاقباض ماهية وأحكام مثل تلف المبيع
قبل القبض وبيعه قبل القبض.. إلى غير ذلك مما سيجئ جله.
اللهم إلا أن يكون المراد أنه ربما يكون الدال على قصد ذلك نفس التقابض
بمعونة القرائن، ويكفي ذلك، وإن كان ما سيجئ من مباحث الإقباض
والأحكام غير جار في هذه الصورة، لكن ربما يظهر منه ومن مشاركيه أن جميع
الصور التي هي معاطاة عند المشهور بيع مع الإقباض، ولا يخفى ما فيه من التحكم
والخروج عن الأدلة.
ومع ذلك نقول: كون إطلاق لفظ البيع أو العقد على نفس التقابض المذكور
بعنوان الحقيقة وعند جميع أهل العرف العام لا بد من ثبوته، لأن الاستعمال أعم
من الحقيقة، وبعض أهل العرف لا يكفي، ومع ذلك لا بد من كونه من الأفراد
المتبادرة إلى الذهن عند استماع اللفظ على الإطلاق، على ما هو المحقق في موضعه.
مع أنه بمجرد اللفظ ربما يتأمل أن المراد بيع الخطير أو الحقير، ومع ذلك ربما
لا يوافقه الأخبار الواردة في مباحث الإقباض (1)، بل ربما يحصل التأمل عند
استماعنا لفظ البيع أو العقد على الإطلاق في انصراف ذهننا إلى تلك الصورة.
نعم، إذا استمعنا أن فلانا اشترى شيئا من الأشياء التي تعارف الآن شراؤه
بغير صيغة ينصرف ذهننا دون الأشياء التي تعارف وقوعها بالصيغة، فتأمل
جدا.



(1) تهذيب الأحكام: 6 / 339 الحديث 945، وسائل الشيعة: 17 / 333 الحديث
22693.
60
على أنا نقول: بتتبع الأخبار الواردة في تضاعيف مباحث الإقباض وغيره
لعله يظهر أن غالب أفراد بيوعهم في ذلك الزمان، بل المتداول بينهم البيع الذي
كان الإقباض خارجا عنه مترتبا عليه، بل لعله لا يظهر من خبر كون البيع بنفس
التقابض مع القرينة.
فعلى هذا، حمل المطلقات الدالة على اللزوم على هذه الصورة أيضا يحتاج
إلى نظر، فليلاحظ الأخبار (1) وليتتبع وليتأمل!
وتداولها في زمان الشارع - على تقدير التسليم - لعله يكون نظير تداولها
في زمان الفقهاء وعصرهم، بل الظاهر أن الحال واحد، كما أشار إليه بقوله: (من
زمانه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الآن من غير نكير.. إلى آخره) (2)، فإن الفقهاء كانوا يرون ولا
يمنعون، بل هم بأنفسهم كانوا يرتكبون ويكثرون، والناس مقلدون لهم وتابعون،
لا أنهم في خصوص هذا مجتهدون، ومستندون بأنهم كانوا يعرضون عنهم
ويتبعون ظاهر عبارة المفيد (رحمه الله) (3)، أو غير ذلك، فتأمل جدا.
وأما حكاية * (أوفوا بالعقود) * (4)، فغير ظاهر كون ذلك من الأفراد
المتبادرة للعقد، بل الظاهر خلاف ذلك، إذ عند الإطلاق والتعري عن القرينة لا
ينصرف الذهن إلى مثل هذه، فتأمل.
وأيضا، سيجئ أن المعاملة التي هي مورد النزاع لا يرضى بها الشارع،
ورفع النزاع بالشهود، ولا يمكن الإشهاد، لأن بناء القرينة على الحدس، فتأمل.



(1) تهذيب الأحكام: 6 / 339 الحديث 945، وسائل الشيعة: 17 / 333 الحديث
22693.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 140.
(3) المقنعة: 592.
(4) المائدة (5): 1.
61
ويظهر من الآية والأخبار أن كل بيع يصير محل الإشهاد ومتعلقه،
والشهادة إنما تكون في الحسيات على المشهور، أو اليقيني مطلقا على غير
المشهور.
قوله: الإطلاق واضح عرفا، وليس ذلك المعنى المشهور.. إلى آخره (1).
إذا كان الإطلاق واضحا والعرف مرجعا في الألفاظ عند الفقهاء - رضوان
الله تعالى عليهم - قطعا على ما صرحوا به في كتبهم الأصولية والاستدلالية
والفقهية، وما هو مشاهد من طريقتهم فيها، والأصل عندهم في البيع والعقود
اللزوم وهم متفقون في ذلك قطعا وسيصرح به، فمع ذلك كيف اتفقوا هذا الاتفاق
حتى أنه كاد أن لا يكون بينهم خلاف؟! إذ غاية ما يكون أنه نقل بعض أن ظاهر
عبارة المفيد (رحمه الله) خلاف ذلك، والعبارة ليست عندنا ولم يذكروها حتى نلاحظ
ونرى أنها ظاهرة أم لا.
وعلى تقدير التسليم - أيضا - كيف اتفق الباقون هذا الاتفاق مع نهاية
كثرتهم، وغاية تتبعهم وتطلعهم ومهارتهم وعدالتهم، بل وشدة تقواهم وقواهم
القدسية لا خفاء فيها، ونهاية بذل جهدهم في أخذ الأحكام وغاية احتياطهم في
مقام الإفتاء وتوصيتهم بذلك، مع كون الحكم مخالفا للأصل والأدلة التي ذكرتها،
ونهاية وضوح تلك الأدلة وقربها إلى النظر والفهم، بل وديدنهم الاستدلال بها
في المقامات، ومع كثرة تلك الأدلة وعدم أمر من الشارع بما يخالفها، بل وعدم
وجدان ما يشير إلى المخالف كما ذكرت، ومع اطلاعهم بالخلاف الذي بين العامة،
بل والخلاف الذي من المفيد - على ما ذكرت - واطلاعهم بما هو المتداول بين
المسلمين من زمانه (صلى الله عليه وآله) إلى زمانهم، وحكمهم بالأحكام التي ذكرت عنهم، مثل:



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 139.
62
جواز البيع ثانيا، وكذا وطء الأمة.. إلى غير ذلك مما ذكرت ومما لم تذكر.
وبالجملة، جميع الأحكام والأدلة التي ذكرت صادر منهم ومد نظرهم، بل
هي في غاية القرب إلى نظر من له أدنى ملاحظة وفهم، فكيف مثلهم؟! ومع ذلك
كيف اتفقوا هذا النحو من الاتفاق على مخالفة مقتضى أحكامهم التي هم حكموا
بها، ومقتضى أدلتهم التي هم أسسوها وأتقنوها ومهدوها، وأجروا أحكامهم التي
لا تحصى عليها، حتى في كتاب البيع وغيره من كتب المعاوضات، سيما مع كون
وضوح تلك بمرتبة لا ينبغي النزاع حينئذ ولا يبقى له مجال كما ذكرت وأشرت؟!
إذ كلما كان الوضوح والكثرة وخفاء ما يخالف أزيد يصير الاستغراب
أشد.
فكيف يمكن الاجتراء عليهم وعلى مخالفتهم، سيما مع قرب عهدهم بعهد
الشارع وبعد عهدنا غاية البعد؟! وخصوصا بعد ملاحظة أن كثيرا من أحكامهم
التي لم يظهر لنا منشؤه بعد بذل الجهد التام والتطلع الزائد اطلعنا عليه إلى حد لم
يبق لي وثوق في مقام من المقامات التي لم يظهر المنشأ بالحكم بخطئهم.
بل الظاهر عندي عدم اتفاقهم بمثل هذا الاتفاق على الخطأ، ونعم الطريقة
طريقة الشارح (رحمه الله)، فإنه أيضا ما يحكم بخطئهم أصلا، بل ويقول: إني ما أفهم،
وليس من الفقهاء أحد موجود حتى أستفهم وأستعلم الحال، ولهذا قال هنا:
(الاحتياط حسن.. إلى آخره) (1)، فتأمل، فإني قاصر، والقصور مني، فلا
تكتف بما ذكرت، بل تدبر.
واستدلاله (رحمه الله) بقول أهل العرف (2)، مثل الاستدلال على كون صيغة



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 142.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 139.
63
(إفعل) حقيقة في الطلب أو الاستحباب - مثلا - وكذا لا تفعل في الكراهة، ولفظ
العام في الخاص.. إلى غير ذلك، لكثرة استعمالهم وقولهم غاية الكثرة، بل وربما
كان أكثر من الحقيقة، ولا شك في أن الاستدلال باطل.
وأيضا، لا نزاع في أن البيع الذي هو في مقابل الشراء معنى يعبر عنه بلفظه
المختص به، وهو البيع، أو المشترك بانضمام القرينة مثل التمليك، أو مجرد القرينة.
وإنما النزاع في البيع الذي هو عقد مشتمل على الإيجاب والقبول بالنحو
الذي يقتضي النقل من الطرفين جميعا أنه هل يكفي تحققه بمجرد القرينة المظهرة
للمعنى الأول، وقبوله بالنحو المذكور أم لا؟ وعلى الأول هل القرينة معتبرة
شرعا أم هي مثل الرمل والجفر والأسطرلاب وأمثالها؟ فتأمل.
قوله: [ما كان يليق من الشارع] إهماله مع تبادر غيره، وكمال اهتمامه
بحال الرعية.. إلى آخره (1).
قلت: قد ورد عنهم (عليهم السلام) أن المحلل والمحرم هو اللفظ (2)، ورد عنهم في مقام
إفادة العقد اللزوم، فليلاحظ وليتأمل.
وورد في أخبار معتبرة، وأيضا ورد في مقام تعليم العقد بقول كذا وكذا فإذا
قال: كذا يصير كذا، ورد كذلك كثيرا (3)، هذا وغيره، مع اشتهار الفتاوي
واتفاقها، فإن عبارة " المقنعة " (4) في غاية الظهور في الموافقة لسائر الفقهاء
المتقدمين، مع أن كثيرا مما هو مثل المقام، بل وأشد لم يرد فيه نص واف، بل لم يرد



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 140.
(2) الكافي: 5 / 201 الحديث 6، تهذيب الأحكام: 7 / 50 الحديث 216، وسائل الشيعة:
18 / 50 الحديث 23114.
(3) راجع! الكافي: 5 / 198 الحديث 7 و 208 الحديث 3، من لا يحضره الفقيه: 3 / 134
الحديث 583، تهذيب الأحكام: 7 / 47 الحديث 203 و 56 الحديث 245 و 59
الحديث 254، وسائل الشيعة: 18 / 82 الباب 25 من أبواب أحكام العقود.
(4) المقنعة: 831.
64
مطلقا، مثل نجاسة المياه المضافة، ولم يرد فيها سوى نجاسة المرقة (1)، بل النجاسة
الشرعية أعم بلوى وأشد حاجة بمراتب، ولم يرد حديث أصلا في أنها ما هي، بل
نجاسات الأشياء لم تثبت إلا من وجوب الغسل ونحوه، مما ليس وجهه منحصرا
في النجاسة، كما اعترف به في " المدارك " (2) وغيره (3)، ولولا فتاوي الأصحاب لم
تثبت أصلا ورأسا، كما لا يخفى، ولا يمكن (4) الرجوع إلى النجاسة العرفية واللغوية
بالبديهة، فتأمل.
قوله: ومعلوم أن لا موجب له إلا عقد البيع، وهو ظاهر (5).
يحتاج إلى التأمل، إذ لعل الموجب هو ما ذكر وسيذكر مما دل على نقل الملك
حسب، فهو في الحقيقة دليل للأكثرين لا حجة عليهم، فتأمل.
قوله: ولأن الظاهر أن الغرض حصول العلم بالرضا، وهو حاصل (6).
في كثير من المواضع يجبر الحاكم ويكره المالك على بيع ماله مثل: وفاء
دينه، ونفقة واجب النفقة، وتقويم العبد على معتقه وفكه من الرق ليرث.. إلى
غير ذلك مما لا تحصى، فالرضا غير حاصل قطعا، فإذا كان الغرض من العقد هو
العلم بالرضا ليس إلا، يلزم أن يكون فعل الحاكم عبثا لغوا محضا، بل وحراما
أيضا.
وأيضا، كثيرا ما يقطع بالرضا أشد الرضا، بل وتمني ذلك، بل ويصرحان



(1) لاحظ! الكافي: 6 / 261 الحديث 3، تهذيب الأحكام: 9 / 86 الحديث 365،
الاستبصار: 1 / 25 الحديث 62، وسائل الشيعة: 1 / 206 الحديث 529.
(2) مدارك الأحكام: 2 / 259.
(3) جامع المقاصد: 1 / 165.
(4) في ألف، ب، ج: (ويمكن).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 141.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 141.
65
بذلك بأن يقول البائع: أنا راض بأن يكون الشئ الفلاني مبيعا ملكا للمشتري،
والمشتري أيضا يقول: أنا راض من غير أن يتحقق منهما عقد، ومع ذلك لا شك
في عدم حصول النقل بمجرد هذا، كما أن هند - مثلا - راضية بأن تكون زوجة
زيد، بل وتتمنى ذلك، لكونها عاشقة له، وزيد أيضا كذلك، ولا شك في أنه بمجرد
هذا ليسا بزوجين يترتب عليهما أحكام الزوجية، وكذا ربما يتمنى الزوج أن
تكون زوجته (1) الفلانية طالقا، ويظهر ذلك عند العدلين، وكذا الحال في سائر
المعاملات، مثل: الهبة والصلح وغيرهما.
إلا أن يكون مراده الرضا بمدلول العقد، والظاهر أن مراده هو هذا.
لكن يرد عليه أيضا - مضافا إلى ما سبق من حكاية إكراه الحاكم - أنه لو
قال البائع: إني قصدت مدلول العقد الفلاني في اليوم الفلاني من السنة الفلانية من
السنين الماضية والقرون الخالية، وما أظهرت أصلا إلى الآن، والمشتري أيضا
يقول كذلك، يلزم من هذا أن يكون مبيع ذلك العقد من تلك الساعة من اليوم
الفلاني المذكور ملكا للمشتري، وكذا ثمن ذلك العقد ملكا للبائع مترتبا عليهما
أحكامهما من تلك الساعة إلى ساعة الإظهار والقول وما بعدها، ويكون قولهما
ذلك كاشفا عن ذلك.
والتزامه (رحمه الله) ذلك لعله لا يخلو عن غرابة وإشكال، فلعله لا يلتزم، ولو
التزم ملتزم فحكمه بصحته مشكل الثبوت، مضافا إلى الغرابة بالنسبة إلى
الأحكام الشرعية في المعاملات، ويلزم ذلك الملتزم الالتزام في جميع المعاملات
حتى النكاح، لاتحاد المقتضي وعدم المانع، بل وربما يسري ذلك في الإيقاعات
أيضا، فتأمل جدا.



(1) في ألف، ب، ج: (الزوجة).
66
وأيضا، سيجئ في بحث القرض أن المفسد للزيادة والمحرم لها إنما هو
الشرط وبدونه يصح وإن كان من نيتهما، فتأمل.
قوله: ولأن الظاهر أنه يصدق أنه تجارة عن تراض وهو كاف.. إلى
آخره (1).
كون التجارة عبارة عن مجرد التراضي غير ظاهر، وكون إفادتها اللزوم
مطلقا أيضا كذلك، لكن الظاهر أنه (رحمه الله) في هذا المقام غرضه إثبات الإباحة ومجرد
الملكية، لا اللزوم أيضا، وبعد هذا يتصدى لإثباته، حيث يقول: (ووجهه أن
هذا العقد.. إلى آخره) (2).
قوله: ولكن ظاهر كلامهم اللزوم، فتأمل (3).
لا خفاء في أن الإباحة كانت حاصلة، بل والملكية أيضا عند الأكثر بمقتضى
الأدلة، فلا وجه لضمان التالف ولا لجواز الرجوع، لأنه عوض عن التالف، فله أن
يقول: ائتني بمالي الذي كان عوض مالك حتى أعطيك العوض، وهذا هو مرادهم
من اللزوم، فتأمل.
قوله: أربعة عشر دليلا من الكتاب والسنة والإجماع وترك البيان.. إلى
آخره (4).
أما الإجماع فدعواه عجيب، وأما الكتاب والسنة فقد مر الكلام، مضافا
إلى أنه لا عموم فيهما، بل الموجود هو المطلقات في غير مثل: * (أوفوا



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 141.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 141.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 141.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 142.
67
بالعقود) * (1) وأما فيه فقد مر ما عرفت، وسيجئ أيضا، والمطلق لا يرجع إلى
العموم إلا فيما إذا كان إرادة البعض من دون بعض آخر ترجيحا من غير مرجح،
وحيث حصل اليقين بأن المقرون بالصيغة المعتبرة مراد قطعا من دون شائبة وريبة
فالحكم بالعموم حينئذ من أين؟
وأيضا، قيل: العمل بالظن في مقام التمكن من اليقين وعدم مانع منه أصلا
حجيته وجوازه محل نظر، لعدم دليل يقيني حينئذ، والظن ليس بحجة حتى ينتهي
إلى اليقين، وهو مسلم عند الفقهاء، فتأمل.
قوله: والضيق المنفي عقلا ونقلا.. إلى آخره (2).
هذا كسابقه، يناسب عدم المضايقة، لا صيرورة الشئ شرعيا يترتب
عليه الأحكام المخالفة، للأصل والسهولة والضيق، فتدبر.
قوله: [ووجهه] أن هذا العقد أفاد الملك.. إلى آخره (3).
لو ثبت كونه عقدا حقيقيا كان كذلك، لكن الشأن في ثبوته.
قوله: [ولا دليل فيه]، والأصل عدمه، ولما مر.. إلى آخره (4).
هو معارض بأصالة عدم اللزوم، بل يمكن أن يقال: القدر الثابت الملكية
التي لا تنافي عدم اللزوم، فتبقى أصالة عدم اللزوم من غير معارض، لكن يبقى
الإشكال في أن جميع موارد الاستصحاب يمكن للنقض (5) بهذا النحو، ودفع
الإشكال بحيث لا ينفي حجية الاستصحاب، ربما لا يخلو عن إشكال، وتحقيق



(1) المائدة (5): 1.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 142.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 142.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 142 - 143.
(5) في ألف، ه‍: (النقض).
68
المقام في علم الأصول.
لكن على تقدير عدم الحجية - كما هو مذهب الأكثر - فلعل الاعتراض
وارد بلا إشكال، لأن الحكم بالاستصحاب في خصوص موضع إنما يستند إلى
إجماع أو غيره من الأدلة الشرعية، فتأمل جدا.
قوله: [وينبغي أن لا ينازع]، بل يقول عقد غير لازم، مع أن الظاهر
اللزوم [بعد تحقق الملك].. إلى آخره (1).
أقول: من المسلمات والمحققات - التي لا تأمل لأحد فيها - أن اللغات لا
تثبت بالدليل، فما ظنك بما ذكره مما ليس بظني (2) أيضا، بل ظاهر أنه (رحمه الله) لم يذكر
أمرا يورث شيئا، سيما أن يكون ظهورا، مع أنها لا تثبت بالدليل، بل تثبت
بالتبادر (3) أو عدم صحة السلب، كما هو المحقق المسلم عند المحققين بلا خفاء.
ومن مجرد المعاطاة لا يتبادر أنه عقد، ولا يقول أحد: إنه عقد البيع، أو
وقع بينهما عقد البيع ونحو ذلك، بل يصح سلب العقد كما لا يخفى، ولذا نرى الفقهاء
الفحول الماهرين يقولون: ليس بعقد (4)، بل اتفقوا على السلب وصحته كل
الاتفاق، حتى المفيد (رحمه الله) كما عرفت (5)، ومن هذا اتفقوا على عدم اللزوم، مع أنهم
اتفقوا كل الاتفاق على أن كل ما هو عقد يكون لازما والوفاء به واجبا، لعموم:
* (أوفوا بالعقود) * ونحوه، وهذا غير خفي على من له أدنى اطلاع وتتبع في كلماتهم
في العقود اللازمة وغيرها، وكلام الشارح صريح فيما ذكرنا، فتتبع مباحث العقود.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 143.
(2) في ألف: (من الظنيات).
(3) ورد في: ألف: (في غاية الظهور عدم اظهاره أمرا ظنيا يورث مظنة، بل ثبوت اللغات
منحصر في نص الواضع أو التبادر) بدلا من: (ظاهر أنه.. بل تثبت بالتبادر).
(4) لاحظ! الدروس الشرعية: 3 / 192، الروضة البهية: 3 / 222.
(5) راجع الصفحة: 64 من هذا الكتاب.
69
وما ذكره بقوله: (وكذا ما كانت.. إلى آخره) (1) تحقق ما ذهب إليه الفقهاء،
لأن العوام لا يجوز (2) لهم سوى تقليد الفقهاء، ولا يمكنهم غيره بلا شبهة، وهم
أيضا ما كانوا يبنون أمورهم الشرعية إلا عليه، ففي زمان العلماء إلى زماننا هذا
يكون الأمر على ما ذهب إليه الفقهاء قطعا، فكذا قبل زمانهم إلى زمانه (عليه السلام)،
لاتحاد حالهما كما اعترف به.
مضافا إلى أصالة عدم التفاوت وعدم النقل، بل اليقين بذلك، لاستحالة أن
يكون الأمر قبل زمانهم إلى زمانهم بنحو آخر بالاتفاق والمعلومية، ومع هذا
يكونون بأجمعهم يتفقون على خلافه (3) مع كمال تبحرهم واطلاعهم وديانتهم
وتقواهم.. إلى غير ذلك، وإن بني على أن الأمر كان من الضروريات من الدين،
ولذا خالف العوام فقهاءهم وكان الحق مع العوام عنده، فيلزم من ذلك كفر جميع
الفقهاء رضوان الله [عليهم] - العياذ بالله منه - مع أن الوارد في الأخبار أنهم حجج
الله على الفقهاء، والفقهاء حجج على الخلق (4).. إلى غير ذلك مما هو أشد منه
وأظهر.
وبالجملة، الفقهاء متفقون على أن كل عقد يجب الوفاء به إلا أن يثبت
خلافه، وإن كان العقد من الأفراد النادرة والفروض الغريبة، والكلي إذا كانت له
أفراد متبادرة شائعة وأفراد ليست كذلك، ففي مقام الحكم عليه بالعموم، منهم من
خصه بالمتبادرة، ومنهم من عممه، ومنهم من فصل بأن العموم إن كان من طريق



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 143.
(2) ورد في د، ه‍: (لأن ما ذكره إن كان من البديهيات فيلزم كفر الفقهاء - العياذ بالله - منه،
وإن كان من النظريات فلا يجوز) بدلا من: (لأن العوام لا يجوز).
(3) ورد في د، ه‍: (لاستحالة كون الأمر في أزمنة ظهورهم (عليهم السلام) على خلاف ما اتفقوا عليه مع
اتصال زمانهم بتلك الأزمنة) بدلا من: (لاستحالة أن.. على خلافه).
(4) كمال الدين وتمام النعمة: 484 - 485، الإحتجاج للطبرسي: 470.
70
الوضع فالثاني، وإلا فالأول.
هذا بحسب القاعدة لا خصوص مادة، وإلا فربما يعمم أو يخصص لأمور
خارجة، والأكثر في المقام بنوا على التعميم، إما لقولهم به مطلقا أو مفصلا، أو
لظهور صحة البعض من النادرة من قبيل الفضولي وغيره من الدليل، أو
لاستشمامهم العلة، كما في قولهم: أكرم العالم، ولعلها من أن مقتضى التدين والإيمان
الوفاء بالعهد والشرط استنبطوها من مظانها، والله يعلم.
قوله: وأن ليس ذلك بعقد بغير دليل بعيد.. إلى آخره (1).
فيه، أنك قد ذكرت الدليل، فكيف يصير بغير دليل، والإرادة من البيع
والعقد ذلك لا ينفع، بل النافع ثبوت كونه من الأفراد الحقيقية المتبادرة لهما في
زمن الشارع، وظهور الملك في اللزوم فيه ما فيه، مضافا إلى ما مر، فتدبر.
قوله: وهذا إشارة إلى عدم حصول الملك [بالمعاطاة].. إلى آخره (2).
فيه تأمل ظهر وجهه.
قوله: وليس هذا مثل الصلاة، لعدم جواز التوكيل [فيها].. إلى آخره (3).
لا يخفى أن طلاق الأخرس بالإشارة، ولا شك في اعتبار الصيغة وعدم
كفاية مجرد الرضا، بل الشيعة متفقون على عدم كفاية لفظ السراح والفراق، وإن
عبر عن الطلاق بهما في القرآن الكريم، ومع ذلك لم يجب عليه التوكيل، مع أن
التوكيل أيضا عقد.
وكذا الكلام في العجمية، إلا أن الظاهر أنها عقد حقيقة، بل لا شك في ذلك
فيشملها العمومات، ولا مخصص، ويعضده العمل المستمر في الأعصار



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 144.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 144.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 144.
71
والأمصار، وعدم نصب الشارع من يعلم العربية ولا الأمر به، وإلا لنقل إلينا،
لعموم البلوى ووفور الدواعي، والبناء على أن جميع العقود العجمية كانت
معاطاة، ولم يكن في العجم في عصر ولا مصر عقدا لازما إلا ما كان بالعربية أو في
خصوص صورة العجز عن تعلمها لعله خلاف الإنصاف، وورد: " لكل قوم
نكاح " (1)، وهذا أيضا مطلق، وكذا تحكم أيضا، فتأمل جدا.
قوله: لا دليل عليه واضحا، إلا أنه مشهور.. إلى آخره (2).
دليلهم أصالة عدم ترتب الأثر الشرعي ما لم يثبت، والقدر الثابت من
الإجماع والأدلة ما هو بلفظ الماضي، وهو حقيقة في الإنشاء للعقد في مقام العقد،
وأما غيره فمجاز لم يثبت صحته ودخوله في العقد وغيره مما دل على الصحة، وفي
بعض العمومات لو كان ظهور في الشمول، إلا أنه بملاحظة الإجماع المنقول
المذكور في كلام الشارح، وأنه ورد في الآية (3) والأخبار (4) كون البيع محل
الشهادة، ومحل الشهادة حسي يقيني عندهم كما سيجئ، وأنه لم يرض
الشارح (رحمه الله) بما هو محل النزاع، فإن البائع لو أنكر البيع لا يمكن إثباته، وكذا
المشتري الشراء، مضافا إلى الفرد الشائع المتعارف عند العرب والعجم في جميع
العقود، وهو لفظ الماضي، فربما يكون الإطلاق والعموم مبنيين على المتعارف
المعهود.
مضافا إلى ما سنذكره من أنه لو بقي عموم مثل: * (أوفوا بالعقود) * (5) على



(1) لاحظ! الكافي: 2 / 324 الحديث 5.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 145.
(3) البقرة (2): 282.
(4) راجع تفسير البرهان: 1 / 262 و 263.
(5) المائدة (5): 1.
72
ما هو مقتضى اللغة، ولا يقال: برجوعه إلى المعهود يلزم أن يكون الشارع جوز
أي عقد معاملة يتحقق من أي كافر أو مسلم مكلف في أي موضع بأي نحو وأي
اعتبار وأي اختراع، ولا تكون المعاملات بحسب الشرع منحصرة في الطرق المقررة
المعهودة عند الفقهاء والكتب الفقهية، ولا تكون توقيفية - موقوفة على الثبوت من
الشرع - بل يكون الشرع تابعا لاعتبار أي معتبر واختراع أي مخترع إلا في
المواضع القليلة التي ثبت المنع من الشرع، مثل الربا والصرف قبل القبض وغيرهما.
وأما دليل غير المشهور، فهو العمومات والإطلاقات، وأن المدار في
المقامات على الاستناد إليهما والاحتجاج بهما، وعدم ثبوت الإجماع المنقول لا
آحادا ولا تواترا ولا من القرائن، أو كانوا غافلين عن الإجماع، أو لا يقولون
بحجية الإجماع المنقول بخبر الواحد وإن ظهر عليهم، فتأمل.
قوله: [ينبغي أن يكون بلفظ لا يكون سببا] لتعليق العقد بأن يقول: بعتك
[إن قصرت ثوبي].. إلى آخره (1).
لا شك في صحة الثاني، بل مدار الشروط في العقود الصحيحة عليه حتى
النكاح، لأن المعنى: بعتك بالثمن المعلوم بشرط كون قصارة الثوب حقا من حقوقي
ملكا لي على قياس الثمن المذكور، فإن الشرط جزء العوض كما هو معلوم
ومسلم، ولعل مراده: بشرط فعلية قصارة، يعني: تحقق القصارة، وفعليته: بعتك
لا الآن، فلو جعل الثمن كذلك يكون البيع باطلا.
والحاصل، أن البيع هو انتقال الملك والحق من كل من الطرفين إلى الآخر
لا الفعلية في القبض، إذ ربما يكون الملك (2) لنا لكن بيد الآخر، وربما يكون بيدنا



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 147.
(2) في د، ه‍: (المال).
73
وليس ما لنا وملكنا، والبيع هو انتقال الملك والحق حسب، والقبض والإقباض
خارجان عنه بلا شبهة كما عرفت وستعرف، وكل من الإيجاب والقبول مشروط
بالآخر معلق عليه، ولذا يكون كل عقد مشارطة بثبوته من قوله (عليه السلام): " المؤمنون
عند شروطهم " (1)، والشرط جزء العوض وفاقا من دون فرق بين أن يذكر
بصورة الشرط أو بصورة الجزء، كما سينبه عليه الشارح.
نعم، يصح اشتراط فعلية الثمن وإقباضه وكذا بعض الثمن، وكذا الحال في
المبيع، لكن على هذا يصير الإقباض حقا من حقوق المشترط، له إبراء الذمة عنه
والإلزام به، وبعد العجز: إمضاء البيع بالعقود الإبراء عنه، وفسخه بعدم الإبراء،
كما ستعرف.
قوله: [كما هو مقتضى الشرط]، فإنه يقتضي توقف الصحة على الشرط (2)
يقتضي ذلك، فتأمل.. إلى آخره (3).
فيه ما فيه، فإنه فساد كل عقد فيه شرط فعل لكونه معلقا عليه، لأنه إن
فعله باعه منه بعد فعله وإلا فلا، فعلى هذا فعل أو لم يفعل يكون العقد باطلا، وإن
جعل شرط العتق حقا من حقوق البائع وبعضا من عوض مبيعه، فلا شك في أن
البائع له أن يبرئ ذمة المشتري عن هذا الحق مع تمكن المشتري من الوفاء به
وإرادته وعزمه عليه، بل له رفع اليد عنه بعد العقد بلا فصل، والتزام المشتري
بالباقي، ولا يمكن للمشتري أن يقول: وهبت لي بعض حقك فعقدنا صار باطلا،



(1) عوالي اللآلي: 1 / 218 الحديث 84.
(2) كذا، وفي المصدر: (الشرط، لا اللزوم حتى يلزم التخيير، ولعل كونه لعدم صورة الشرط
وعدم صحة تعليق البيع على الشرط).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 149.
74
لأن التراضي لم يقع إلا بكل الحق (1)، فاتضح - غاية الوضوح - رجوعه إلى
اللزوم وتوقف اللزوم عليه خاصة.
في المتعاقدين
قوله: فإن ظاهر الآية كون الاختيار قبل البلوغ، ولئلا يلزم التأخير في
الدفع.. إلى آخره (2).
كون الابتداء بعنوان مبايعته هو بنفسه مبتدأ ومع ذلك يكون صحيحا محل
نظر، وظهور ذلك من الآية فيه ما فيه، بل لا نسلم الظهور بالقياس إلى كل واحد
واحد من القيود، سيما وأن يكون بحيث يثبت به أحكاما مخالفة للأصل، بل
والأصول، إذ الأصل - مثلا - عدم الصحة والأصل عدم ثبوتها، لأنها حكم
شرعي فيتوقف على دليل شرعي، والأصل بقاء ما كان على ما كان، والعمومات
الدالة على عدم جواز الحكم شرعا ما لم يكن برهان شرعي في غاية الكثرة، بل
التهديدات الهائلة في ذلك.
سلمنا، لكن يمكن أن يكون الحكم بالصحة بعد ثبوت الرشد، لما سيجئ
من أن معاملة غير الرشيد فاسدة.
قوله: لا يبعد جواز بيعه وشرائه وسائر معاملاته.. إلى آخره (3).
لا يخفى أنه - مع كونه خلاف ما ورد في النص الذي هو حجة بلا شبهة كما
ستعرف، بل خلاف نصوص كثيرة - قياس لا نقول به، ومع ذلك مع فارق



(1) في د، ه‍: (العقد).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 152.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 152.
75
موجود، لما ستعرف أن صحة البيع والشراء مجمع تكليفات كثيرة لا تحصى،
واجبات ومحرمات، مثل: وجوب الإقباض والتقبض، وإعطاء الأرش في
مواضعه، ورد الثمن في مواضعه، وتحمل مقدمات القبض والإقباض، وإسقاط
الخيارات، وغير ذلك مما لا يخفى على المطلع، بخلاف الوصية، فإنها تثمر بعد
موت الموصي، والعتق، فإنه من الإيقاعات ومع ذلك من العبادات، لعدم تحققه
بغير نية القربة، وتحقق في محله أن الصبي مكلف بالمستحبات، وهي صحيحة
شرعية إذا صدرت منه، ومع ذلك قهري، ذلك في أكثر الموارد.
ومما ذكر ظهر حال الصدقة بالمعروف، مع أنها من العقود الجائزة، ومع
ذلك القبض شرط في صحتها على الأقوى، أو مثل صحتها.
وبالجملة، الفارق كثير، مضافا إلى أن عدم جواز بيعه وشرائه منصوص
بالنص الذي لا تأمل في حجيته - كما ستعرف - ولا معارض له، بخلاف ما ذكره
إن ثبت من نص يكون حجة، ولا شبهة في كونه محل تأمل وشبهة، كما سيجئ في
مواضعه.
قوله: وبالجملة، ظاهر عموم الآيات والأخبار [والأصل] (1).
الاستدلال بعموم الآيات مشكل، بل لا وجه له، لأن * (أوفوا
بالعقود) * (2) أمر واجب، وبناء الصحة على كون الوفاء واجبا والصبي ليس
مخاطبا بالخطاب الواجبي إجماعا ونصا.
وكذا الكلام في قوله تعالى: * (إلا أن تكون تجارة) *، لأنه استثناء من
قوله: * (لا تأكلوا أموالكم) * (3)، وأما * (أحل الله البيع) * (4) فهو أيضا مشكل



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 153.
(2) المائدة (5): 1.
(3) النساء (4): 29.
(4) البقرة (2): 275.
76
بقرينة السياق، وهو قوله: * (وحرم الربا) * (1) مع أن الظاهر من الحلية أنها
متوجهة إلى من هو أهل للتحريم عليه وقابل له، مع أنه لا يدل على اللزوم،
والصحة فرع اللزوم، فتأمل.
مع أنه مطلق، والمطلق ينصرف إلى الأفراد الغالبة، فتأمل، إذ يمكن
الاستشكال بمثله في الأخبار أيضا، فلاحظها وتأمل فيها.
وبالجملة، البيع من العقود اللازمة بالبديهة، واعترف به الشارح من أول
مبحثه إلى آخره، بل وزاد على الفقهاء في ذلك في مبحث اشتراط الصيغة (2)، كما
عرفت.
فبعد تحققه يكون آثاره لزوميات وإن كان اشتراط خيار في بعض أوقات
لا مطلقا، لمنافاته للزوم الوفاء بكل شرط فيه، حتى أنه يلزم على صاحب الخيار
الوفاء به بالنحو الذي شرطه ولولاه لما أمكنه، والشرط في ضمن العقد (3) لا يجب
أن يكون من مقولة ذلك العقد وثمراته، بل لا يكون كاشتراط عقد في عقد آخر.
وبالجملة، لا خفاء في كون البيع عقدا لازما وثمراته حالا لازميات، بل كل
من حيث كونها ثمرة نفس البيع، فاللزوم إن كان تكليفا فالصبي غير مكلف
بالبديهة، مع أن المراد من الصبي غير المكلف، وإن قهرنا فالتكليف يرجع إلى
الولي أو غيره، وفيه ما فيه، وستعرف فساده مع عدم دلالة آية أو حديث على
القهري.
وإن عاد لا على الصحة، فلا يدل الصحة عليه، لأن العام لا يدل على



(1) البقرة (2): 275.
(2) راجع: مجمع الفائدة والبرهان: 139.
(3) في د، ه‍: (عقد).
77
الخاص، مع أنه مطلق فينصرف إلى المتعارف، وهو غير القهري، فتأمل جدا.
قوله: هو الجواز مع التميز التام وإذن الولي، لعدم المانع الصريح.. إلى
آخره (1).
لا يخفى أنه لم يدع أحد أنه حرام على الصبي، بل يقولون: إن ما فعله لا
يثمر شرعا، وقد عرفت أن الأصول تقتضي عدم الإثمار أصلا، لأن الانتقالات
في الأملاك واللزومات وغيرها من الثمرات والأحكام أحكام شرعية، كيف
تثبت من غير دليل شرعي، وأصل الإباحة والجواز يقتضي عدم تلك الأحكام لا
ثبوتها بالنسبة إلى البالغ فضلا عن الصبي؟!
والعمومات التي ادعاها منها مطلقات، والمطلق يرجع إلى العموم إذا كان
حمله على فرد دون فرد ترجيحا من غير مرجح، وقطعية إرادة البعض مرجح
- كما ذكرنا سابقا - مع أن المطلق ينصرف إلى الأفراد الشائعة، وهذا أيضا مرجح
آخر، ومعلوم أن الفرد الشائع معاملة البلغ، سيما في بلاد الحجاز.
على أنه في كل واحد واحد من العمومات والمطلقات قرائن ظاهرة في
الظهور في البلغ، مثل: * (أوفوا بالعقود) * (2)، و " المؤمنون عند شروطهم " (3)،
و * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * (4)،
و * (أحل الله البيع وحرم الربا) * (5).. إلى غير ذلك، فليلاحظ وليتأمل.
مع أن الصحة لا تظهر من آية: * (أحل الله) *، بل الحلية، ومن جهتها يظهر



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 153.
(2) المائدة (5): 1.
(3) عوالي اللآلي: 1 / 218 الحديث 84.
(4) النساء (4): 29.
(5) البقرة (2): 275.
78
الصحة، والحلية تستعمل في موضع يتحقق فيه الحرمة، فتأمل.
بل صحة البيع ربما تكون متضمنة للتكليف، بأن يعطي البائع المبيع ويعطي
المشتري الثمن، وأنهما لازمان عليهما شرعا ويجبران عليه، كما سيجئ.
والمحققون يقولون بأن الأحكام الوضعية ترجع إلى التكليفية، كما أن
التكليفية ترجع إلى الوضعية بنوع من الاعتبار (1)، بل أنكر بعضهم وجود الحكم
الوضعي وادعى الانحصار في التكليفي (2)، وإرجاع التكليف إلى غير العاقد من
ولي أو حاكم أو المؤمنين حسبة يتوقف على الثبوت، سيما مع كون الأصل براءة
ذمتهم عن هذا التكليف الزائد.
ومن هذا يظهر ضعف آخر في شمول الآيات والأخبار الدالة على صحة
البيع لبيع الصبي، كما لا يخفى على المتأمل.
على أنه إذا بنى الشارع على أن الصحة من أحكام الوضع لا رجوع فيها
إلى الواجبات والمحرمات أصلا، وترجع إلى الأولياء، فلا فرق بين ما إذا صدرت
المعاملة من المميز الرشيد أو غيره، لاشتراك حكم الوضع بينهما، فتأمل.
قوله: ونقلها في " التذكرة " (3) في مقام الاعتبار حجة على العامة.. إلى
آخره (4).
روى في " الغوالي " (5) عن الكناسي، عن الباقر (عليه السلام): " إن الغلام إذا زوجه



(1) راجع! المحصول في علم الأصول: 1 / 92 و 109، المستصفى: 1 / 93، تمهيد القواعد: 1.
(2) لاحظ! فرائد الأصول: 2 / 601.
(3) تذكرة الفقهاء: 2 / 75.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 154، وفيه: (في مقام الاعتبار بالسن).
(5) عوالي اللآلي: 3 / 318 الحديث 170، وذكره أيضا: تهذيب الأحكام: 7 / 383 ضمن
الحديث 1544، وسائل الشيعة: 20 / 278 ضمن الحديث 25626.
79
أبوه ولم يدرك، كان له الخيار إذا أدرك أو بلغ خمسة عشر سنة " (1).
قوله: مع ضعفها بعبد العزيز.. إلى آخره (2).
لا يخفى أن الضعف منجبر بعمل الأصحاب لو لم نقل الإجماع، وكذا منجبر
بالأصول، والأخبار منها صحيحة، كما ستعرف في مبحث الحجر، وتعرف أيضا
أن المعارض من الأخبار محمول على التقية وغير ذلك، فلاحظ.
قوله: ولو أجازوا (3) إلا المكره [، فإن الاستثناء غير واضح].. إلى آخره (4).
لا يخفى أن المكره الذي استثنوه هو المكره الذي يستجمع جميع شرائط
الصيغة سوى الرضا، ومن الشرائط القصد قطعا، ولم يستثنوا القصد جزما،
والشارح أيضا معترف بعدم استثنائه، فلو لم يكن القصد لم ينفع الإمضاء عندهم
قطعا، وصرحوا به، مضافا إلى اعتراف الشارح، فعدم القصد مانع عن صحة
الإمضاء، وإن لم يكن مكرها، فكيف إن يكون مكرها؟! فالكره يزيد على
المفسدة عندهم، لا أنه يرفع المفسدة.
وبالجملة، ما ذكرناه في غاية الوضوح من كلامهم، مضافا إلى تصريح
بعضهم بذلك وتنبيههم، كي لا يغفل غافل غير متأمل.
فعلى هذا، إنه عقد كعقد الفضولي، بل لعله أولى، لأن الممضي هو المباشر
للعقد، وعدم الرضا حين العقد مثل عدم الرضا في الفضولي، والرضا به بعده يجعله
تجارة عن تراض، إلا أن يفسخ، فتأمل.



(1) الحاشية - من (قوله: ونقلها في " التذكرة ".. إلى: أو بلغ خمسة عشر سنة) - أثبتناها من: د، ه‍.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 154 والضمير هنا يعود على رواية حمزة بن حمران: وسائل
الشيعة: 17 / 360 الحديث 22751.
(3) كذا، وفي المصدر: (ولو أجازوا بعد الكمال).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 156.
80
ولأن عقد المكره عقد عرفا، فإذا وقع الرضا صح شرعا، لأن الرضا شرط
شرعا، ولهذا يقول الفقهاء بأن عقد الهازل لا ينفعه الإجازة لعدم كونه عقدا عرفا،
ولا يقولون: إنه وقع العقد أو أوقعه، فتأمل جدا.
وقوله: [والفرق بين كلامهم بأنه] لا اعتبار [به].. إلى آخره (1).
فيه، أنه لا اعتبار من حيث عدم الرضا لا مطلقا، وأما الصبي والمجنون
فمطلقا من حيث إطلاق كلامه، فليلاحظ وليتأمل، ولا يكتفى بمجرد الدعوى.
قوله: وعدم الأكل بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض.. إلى آخره (2).
إذا حصل الرضا حصل التراضي، وهو كاف عنده (رحمه الله) على ما مر منه، مع
إصراره ومبالغته في ذلك، هب إنه ما وقع عقد.
على أن وجود العقد كيف يصير سببا بعدمه سببا لوجوده؟! وكذلك الحال
في البيع، وهذا عجب.
وأما عند المشهور، فلأنه عقد أوقعه كرها، ورضاه شرط صحته، فإذا
حصل حصلت، لاستجماع جميع الشرائط، ولم يثبت اشتراط المقارنة، بل الثابت
خلافه بمقتضى الأصل، فيشمله العمومات، مثل: * (أوفوا بالعقود) * وغيره،
فالمقتضي موجود والمانع مفقود.
وبالجملة، عقد المكره عقد كرها وبيع كرها عندهم وعند أهل العرف، إلا
أنه فاسد شرعا، بمعنى عدم تحقق أثر من حينه إلى أوان الرضا إن حصل، وإلا
فمطلقا - والمراد من الأثر: الانتقال وغيره من الآثار الشرعية - فالرضا شرط لا
جزء كما ذكر. وإن ضايقت عن ذلك نقول: بعد تحقق الرضا تحقق العقد، لعدم



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 156.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 156.
81
ثبوت كون المقارنة جزءا، بل ثبوت عدمه كما قلنا، فتأمل.
على أن الظاهر أن عند الشارح أيضا إنه شرط الصحة، حيث قال:
(الظاهر البطلان.. إلى آخره) (1)، فتأمل.
قوله: هذا هو المشهور وما نجد عليه دليلا إلا ما روي - من طريق العامة -
عن عروة البارقي.. إلى آخره (2).
الأدلة التي ذكرها في عدم اشتراط الصيغة كلها دليل المقام، مع زيادة ما في
المقام، ويشهد أيضا حكاية بيع العقيل دار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتقريره بعد فتح مكة (3).
قيل (4): يمكن أن يكون الدليل على ذلك ما رواه الشيخ (قدس سره) في باب العيوب
الموجبة للرد من تجارة " التهذيب " في الحسن عن محمد بن قيس، عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال: " قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب،
فاستولدها الذي اشتراها، فولدت منه غلاما، ثم جاء سيدها الأول فخاصم
سيدها الآخر، فقال: وليدتي باعها ابني بغير إذني، فقال: الحكم أن يأخذ وليدته
وابنها، فناشده الذي اشتراها، فقال: خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك
البيع، فلما أخذه قال له أبوه: أرسل ابني، فقال: لا والله لا أرسل إليك ابنك حتى
ترسل ابني، فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه " (5).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 156.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 157.
(3) لاحظ! بحار الأنوار: 8 / 267، أخبار مكة: 2 / 161.
(4) في د، ه‍: (قال بعض المحشين)، ولعل المراد منه السيد الأمير رفيع الدين محمد بن حيدر
الطباطبائي النائيني، المتوفى سنة 1082.
(5) تهذيب الأحكام: 7 / 74 الحديث 319، وسائل الشيعة: 21 / 203 الحديث
26900، مع اختلاف يسير في ألفاظه.
82
ورواه الكليني أيضا في الحسن في باب شراء الرقيق من كتاب التجارة (1)،
والصدوق (رحمه الله) في الصحيح في باب البيوع من " الفقيه " (2).
ولكن فيه إشكال من حيث أن من قال بصحة الفضولي يقول بصحته
بالإجازة إذا لم يردها المالك ولم يفسخه، والظاهر من الحديث غير ذلك، ويحتمل
أن يكون المراد تجديد بيعه.
وقال أستاذي المحقق العلامة المجلسي (قدس سره): (الظاهر أنه (عليه السلام) كان عالما بأنه قد
أذن الابن بذلك، فأجرى بهذه الحيلة حكم الله تعالى، موافقا لعلمه (عليه السلام) كما يظهر
من كثير من قضاياه صلوات الله عليه) (3) انتهى كلامه، أعلى الله في الجنان مقامه.
أقول: لا حاجة إلى ما ذكره، لأن ابن الوليدة حر بلا شك، غاية ما في
الباب أنه على الأب قيمته يوم ولد، ومع ذلك له الرجوع في هذه القيمة إلى ولد
المالك، ومراد المشتري هو إرسال الابن خاصة، حيث قال: " لا أرسله حتى
ترسل ابني "، ومعلوم أن الحر لا يمكن أخذه وحبسه من جهة القيمة التي على
الأب أن يعطيها، فظهر أن الحكم الذي حكم به (عليه السلام) أولا كان تقية، وجعل هذه
الحيلة لإبطال هذا الحكم الفاسد.
والابن خائن - باعتراف الأب - عليه أن يرد ثمن الجارية، وعليه أيضا ثمن
ابنها، ولعل ثمن الجارية كان موجودا عنده، أو كان قادرا على إعطائه وإعطاء ثمن
الابن فيحل حبسه، مع أن الخائن لعله يحل حبسه حتى يخرج عن العهدة، والله
يعلم.
هذا، مع أن المالك لم يتعرض لفسخ العقد كما لم يتعرض لإمضائه، غاية ما



(1) الكافي: 5 / 211 الحديث 12.
(2) من لا يحضره الفقيه: 3 / 140 الحديث 615، مع اختلاف يسير في ألفاظه.
(3) ذكره بمعناه: ملاذ الأخيار: 11 / 44، ومثله ما ورد في: مرآة العقول: 19 / 238.
83
ظهر منه عدم الرضا بالإقباض، واسترد الجارية وابنها، ولم يمنع ذلك كونه مترددا
بين الفسخ والإمضاء، فتأمل.
قوله: [عقد صدر] من أهله في محله، وليس شئ منه بمفقود.. إلى آخره (1).
المراد من الأهل هنا هو البالغ العاقل، وهذا هو المراد في كل موضع
يقولون: إن عبارته معتبرة ولفظه معتبر، وهو أهل لإجراء الصيغة، وأمثال ذلك،
فلا يرد ما أورده الشارح (2).
قوله: [بأقوى منها دلالة وسندا]، لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحكيم بن حزام.. إلى آخره (3).
أقول: وفي " الغوالي " أيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " لا بيع إلا فيما
يملك " (4) ويمكن أن يكون " يملك " مبنيا على المفعول، فلا يظهر منه منع، وهذا
الاحتمال لو لم يكن أقرب لم يكن أبعد، كما لا يخفى على المتأمل.
إذ على الأول لا بد من تقدير العائد لكلمة " ما "، والأصل عدمه، وكذا



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 158.
(2) وردت في ب، د العبارة التالية: (مع أنه على ما ذكره يصير قولهم: (من أهله) لغوا
مستدركا، وكذا قولهم: (ليس شئ.. إلى آخر ما قالوه)، ويصير استدلالهم محض
مصادرة ومكابرة، حاشا آية الله في العالمين وباقي الفقهاء - الذين هم آيات الله في العالمين -
أن يتفقوا على مثل ذلك، مع أن اعتراضه هذا يصير اعتراض من أبطل طريقة الاستدلال
بأن الشكل الأول - الذي هو أقوى من الكل - يتضمن المصادرة، فإن مع عدم معلومية
النتيجة كيف يعلم كلية الكبرى ويدعى؟!
وبالجملة، مرادهم أنه عقد صدر ممن يصح صدور العقد منه، وهو البالغ الرشيد، وفي
محله، وهو انتقال العين المملوكة، لا المنفعة ولا ما لا يصح بيعه من الأعيان، ومع رضا
صاحب العين، وكل عقد كذلك فهو صحيح مثمر، للعمومات السالمة عن معارضة
معارض).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 158، سنن الترمذي: 3 / 534 الحديث 1232.
(4) عوالي اللآلي: 2 / 247 الحديث 16، ونقله عنه: مستدرك الوسائل: 13 / 230
الحديث 15209، وفيه: " تملك ".
84
الظاهر أيضا لا بد من تقدير الفاعل، والأصل والظاهر عدمه، مع عدم مناسبة
الحذف في أمثال المقام، سيما مع جعل المراد من البيع المعاملة، كما هو الأنسب في
المقام بالنسبة إلى كون المراد خصوص الإيجاب كما لا يخفى.
ويلزم الأول - أيضا - تخصيصات كثيرة كل منها خلاف الأصل والظاهر،
ومع الاحتمال لا يمكن الاستدلال، سيما إذا كان مرجوحا، مع أن المتبادر عرفا هو
العرفية، كما حقق وسلم.
فيكون المراد: ما دام لا يملك، ومن جهته، فيشعر ذلك بأن مع الملكية
يصح، بل لا تأمل فيه، كما ستعرف.
على أن قوله: " لا بيع " حقيقة في نفي الحقيقة، وهذا يناسب الثاني لا
الأول، لظهور عدم انتفاء الحقيقة فيه، مع أن قربية المجازات لا تقاوم العمومات
القرآنية والأخبارية التي تقتضي صحة الفضولي، لكونها حقائق فضلا عن
الأخبار الخاصة التي عرفت وستعرف، سيما مع ما في الأقربية المذكورة من
الاختلالات الواضحة مع ضعف السند، والكون مع العامة، مع الشذوذ والندرة،
مضافا إلى ما ستعرف في الجواب عن رواية حكيم.
على أن الاستدلال به من أن المحذوف المقدر هو البائع، لسبق ذكر البيع.
وفيه، أنه لعله المالك لذكر " يملك "، مع أنه أقرب لفظا ومعنى، وأنسب
بالحذف، لأن الفاعل ركن لا يحذف إلا إذا استغني عن ذكره، مع أن المذكور لا
يلزم أن يكون له فاعل، بخلاف " يملك "، على أن البائع لا نسلم كونه قارئ
الصيغة لا صاحب المال الآذن فيها، لأن الصيغة شرط صحة البيع على المشهور،
فالقارئ فاعل الشرط لا البيع.
وعلى قول الشارح وموافقته لا تكون شرطا أيضا، فالاستدلال فرع كون

85
البيع - حقيقة - هو الصيغة، وهو مخالف للعرف كما هو مخالف للمشهور بين الفقهاء،
كما هو الحال في العقود الأخر أيضا مثل: المتزوج والواهب والمؤجر وغيرها.
مع أنه على هذا ربما يكون المتبادر عدم البيع لخصوص القارئ، ولا نزاع
فيه، فتدبر (1).
ورواية حكيم (2) لا دلالة لها، كما ستعرف، فضلا عن أن يكون أقوى، وأما
كونها أقوى سندا، فلا بد - أيضا - من الملاحظة!.
قوله: ويمكن [أيضا فهم الرضا عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)].. إلى آخره (3).
فيه، أن الأصل العدم حتى يثبت خلافه، وهو مسلم سيما عند الشارح (رحمه الله).
نعم، الاستدلال برواية عروة (4) مشكل، لأنه تصرف من غير إذنه (صلى الله عليه وآله وسلم)،
وهو حرام إجماعا، ولعل هناك كانت قرينة حالية، وشاهد فحوى.
وسيجئ في مبحث الوكالة أن الوكيل لو فعل ما هو الأولى والأحسن
جزما للموكل يكون تصرفه ماضيا، وما نحن فيه منه، فتأمل (5).
وسيجئ في كتاب الوكالة ما يرشد إلى ما ذكرنا، فلاحظ.



(1) لم ترد في ب، ج: (إذ على الأول لا بد.. ولا نزاع فيه، فتدبر).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 158، سنن النسائي: 7 / 289، سنن الترمذي: 3 / 534
الحديث 1232، وبمضمونه: وسائل الشيعة: 18 / 47 ضمن الحديث 23107.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 158.
(4) عوالي اللآلي: 3 / 205 الحديث 36، مستدرك الوسائل: 13 / 245 الحديث 15260.
(5) في د: إضافة: (إذ الظاهر عدم الإشكال في دلالتها، لأن المأذون لم يكن إلا شراء شاة
بذهب، فجميع ما صدر منه فضوليات على القول بعدم صحة غير المأذون - وإن كان
الأحسن -.
وأما على القول بالصحة، فلانحصار الأحسن في معاملته الأولى، وأما الثانية فلا، سيما
مع إقباضه بغير إذنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، لعدم التفاوت أصلا بين فعلها وتركها، لظهور أن شاته كانت
بسوى الذهب، وسيجئ زيادة التحقيق، فلاحظ).
86
قوله: الأصل واشتراط التجارة عن تراض، يدل على عدم الجواز وعدم
الصحة.. إلى آخره (1).
لا يخفى أنا لم نجد أصلا لما ذكره من الأصل بعد تحقق العمومات، مثل:
* (تجارة عن تراض) * (2)، إذ لا شك في التراضي بعد حصول الإجازة، وكذا
* (أحل الله البيع) * (3)، إذ لا شك في أنه بيع وأنه باع مال غيره، غاية الأمر أنه بيع
فاسد مطلقا، أو مع عدم الإجازة، فالدخول في العموم متحقق والمخصص مفقود.
وما دل على عدم جواز التصرف غير شامل للمقام، إذ المال لو كان عند
صاحبه وأنا تكلمت كلاما من الخارج فأي تصرف تصرفت؟! سيما إذا كان
مرادي الوقوف على إجازة المالك.
نعم، يمكن تحقق ما ذكره بالنسبة إلى الغاصب، مع تأمل في ذلك أيضا، بأن
يكون مجرد تلفظه بالصيغة تصرفا فيه.
نعم، الإقباض تصرف، وهو ممنوع قطعا، مع أن النهي يكون دالا على
الفساد المقابل للصحة التي في المقام، بأنه إن رضي صاحب المال يثمر وإلا فلا، فيه
نظر ظاهر، فتأمل.
وبالجملة، ما ذكره (رحمه الله) هنا لا يلائم ما سبق منه في شرح قوله: (الأول:
العقد.. إلى آخره) (4) وغير ذلك من المتون بعده، بل لعله لا يخلو عن غرابة، لأنه
بالغ وأصر بأن مجرد الرضا كاف، ولا شك في أن الإجازة رضى، وأي رضى، بل
لا يخفى على المتأمل أنه أولى بكونه عقدا من مجرد التقابض.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 158.
(2) النساء (4): 29.
(3) البقرة (2): 275.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 138.
87
وليس المراد ب‍ * (أوفوا بالعقود) * (1) العقد الذي يكون مباشره خصوص
المالك، بل مطلق، ولذا يكون المأمور بالوفاء في العقود النيابية المنوب عنه، وأي
فرق بين الرضا السابق واللاحق في ذلك، والأمر بالوفاء لا يقتضي أزيد من
التزامهم، أعم من أن يكون بعنوان المباشرة أو الالتزام السابق، أو الالتزام
اللاحق، حيث التزم بمضمون عقده؟!
وحكاية الأظهرية وتبادر الفرد المتعارف قد مضى الكلام فيه، مع أنه ورد
في النكاح الذي مبناه على الاحتياط التام، فتأمل.
قوله: والظاهر أن النهي راجع إلى عدم صلاحيته للبيع والانتقال.. إلى
آخره (2).
هذا محل نظر ظاهر، سيما بعد ملاحظة أن بيع الإنسان ما ليس عنده صحيح
قطعا، كالسلف والبيع بالذمة (3).
وبالجملة، لم يقل (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تقع (4) الصيغة بالنسبة إلى مال الغير، بناء على
أنه إن أجاز تثمر وإلا فلا تثمر (5) وإن لم يتحقق منك إقباض، لا أمر آخر، بل
قال: لا تبع الشئ الذي ليس هو عندك حال البيع، كما هو الظاهر، وادعاء أن
المراد من هذا هو ما ذكر، فيه ما فيه.
وفي " الكافي " بسند صحيح قال: " قلت للصادق (عليه السلام): الرجل يجيئني



(1) المائدة (5): 1.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 159.
(3) في ب، د: إضافة (وبيع العين التي ليست عنده، وبيع الوكيل والوصي والأولياء والمؤمنين
حسبة).
(4) في ج: (تقرأ)، وفي د، ه‍: (تقر).
(5) لم ترد (تثمر) في: د، ه‍.
88
يطلب مني المتاع فأقاوله على الربح ثم أشتريه فأبيعه منه، فقال: أليس إن شاء
أخذ وإن شاء ترك؟ قلت: بلى، قال: لا بأس به، فقلت: فإن من عندنا يفسده،
قال: ولم؟ قلت: باع ما ليس عنده، قال: ما يقول في السلف قد باع صاحبه ما
ليس عنده؟ قلت: بلى، قال: فإنما صلح من قبل (1) أنهم يسمونه سلما، إن أبي كان
يقول: لا بأس ببيع كل متاع تجده في الوقت الذي بعته فيه " (2).
وهذه الصحيحة وردت في " الفقيه " و " التهذيب " هكذا: " سألت
الصادق (عليه السلام): الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده، فيشتري منه حالا،
قال: ليس به بأس، قلت: إنهم يفسدونه عندنا، قال: وأي شئ يقولون في
السلم؟ قلت: لا يرون به بأسا، يقولون: هذا إلى أجل (3)، فقال: إذا لم يكن أجل
كان أجود " (4) الحديث.
وورد أخبار كثيرة في جواز بيع ما ليس عنده (5)، والجميع ظاهرة في أن
المراد ليس الفضولي، بل البيع بالذمة وبعنوان الكلي حالا، أو أعم، وأن المنهي
عنه هو بيع ما لا يوجد وقت الحلول في الحال والمؤجل، فيرجع إلى وجوب
القدرة على التسليم الذي اعتبره الفقهاء (6) وسيذكره المصنف (رحمه الله)، ويظهر من
الأخبار أن رواية حكيم (7) إما مؤولة بما ذكرنا، أو لا أصل لها، فلاحظ!.



(1) في المصدر: (من أجل).
(2) الكافي: 5 / 200 الحديث 4، وسائل الشيعة: 18 / 47 الحديث 23108.
(3) في المصدرين زيادة: (فإذا كان إلى غير أجل وليس عند صاحبه فلا يصلح).
(4) من لا يحضره الفقيه: 3 / 179 الحديث 811، تهذيب الأحكام: 7 / 49 الحديث 211،
وسائل الشيعة: 18 / 46 الحديث 23106، مع اختلاف في ألفاظ الحديث.
(5) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 46 الباب 7 من أبواب أحكام العقود.
(6) راجع! الدروس الشرعية: 3 / 199 - 200.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 158، سنن النسائي: 7 / 289، سنن الترمذي: 3 / 534 الحديث 1232.
89
هذا كله، مضافا إلى ما عرفته من الأجوبة عن الاستدلال برواية
" الغوالي " (1)، مضافا إلى أن النهي لا يدل في المعاملات على الفساد، فكيف يدل
على فساد غير المنهي عنه أيضا؟!
على أن معاملات الغاصب فاسدة إجماعا ونصوصا بالنسبة إليه، لا غيره
أيضا بعد رضا المغصوب منه، بل لو رضي أحد المتعاقدين دون الآخر تكون
صحيحة له دون الآخر، بل الظاهر أن الأمر كذلك لو رضي الغاصب في بعض
الأفعال أو الأحوال.
وبالجملة، بعد الرضا ترتفع الغصبية ويحل ويصح، ومع جميع ذلك كيف لا
يمكنه التصحيح لنفسه؟ والفساد لخصوص الغاصب ما دام كذلك غير مانع أصلا،
ينادي بذلك إجماع الفقهاء.
على أن جميع معاملات الجائرين - من الإجارة والمزارعة وغيرهما - في
الأراضي المفتوحة عنوة، وجميع أنفال الأئمة (عليهم السلام)، والزكاة، ونحو ذلك حرام أشد
ما يكون، وغصب بأشد ما يكون (2)، لكون الحق للمعصوم (عليه السلام)، أو للفقهاء أيضا
مثلا في البعض، فكانت المعاملات المذكورة فاسدة أشد ما يكون بالنسبة إلى
الجائرين، ومن لم يرض المعصوم (عليه السلام)، وصحيحة بالنسبة إلى من رضي (عليه السلام)
وبالنسبة إلى أنفسهم المقدسة.
وثبت ما ذكر من الأخبار الكثيرة أيضا - كما مر في مبحثه - فالكل كانت
فضولية صحيحة وفاسدة معا، من جهة الإمضاء وعدمه منه (عليه السلام).
وينادي أيضا، ما ورد من أن الباقر (عليه السلام) صرح بصحة العقد الفضولي



(1) عوالي اللآلي: 2 / 247 الحديث 16.
(2) لاحظ! الحدائق الناضرة: 18 / 295.
90
الصادر من المملوك لنفسه، وتوقفه على إذن سيده (1)، رد بذلك على ربيعة
الرأي (2) بحكمه بفساد هذا الفضولي لكونه فضوليا، وإن علل (عليه السلام) الصحة بكون
المملوك لم يعص الله بل عصى سيده.
وتوهم منه متوهم دلالته على أن النهي في المعاملات يقتضي الفساد، فبني
على أن هذا الفضولي لم يكن حراما (3).
لكن بعد ملاحظة أن أمثال هذه التصرفات من المملوك حرام البتة - كما
سيجئ - ظهر أن مراده (عليه السلام) أن عقده لم يخالف ما قرره الله تعالى لصحة العقود،
مثل قوله: * (أوفوا بالعقود) * (4) وأمثاله، بل لم يوافق إذن المولى، فإذا حصل لم
يبق للصحة مجال.
وكيف كان، لا شك في دلالته على صحة عقود المماليك فضولية مطلقا، كما
هو الظاهر، أو إذا لم تكن حراما، ولا قائل بالفصل بينهم وبين الأحرار، بل
بالتأمل فيه يظهر صحة الفضولي من الأحرار أيضا.
وسيجئ - أيضا - أن المملوك لو عقد لغيره بغير إذن سيده يكون العقد
صحيحا وإن كان حراما.. إلى غير ذلك مما يظهر بالتتبع، ولذا صرح ابن إدريس
بوجود أخبار الآحاد الدالة على صحة الفضولي من عقد البيع، مع إنكاره الصحة،
معتذرا بأن أخبار الآحاد ليست بحجة (5).



(1) وسائل الشيعة: 21 / 114 الحديثان 26666 و 26667.
(2) هو ربيعة بن أبي عبد الرحمان، المعروف ب‍ (ربيعة الرأي) وهو من أصحاب الإمام
السجاد (عليه السلام) والإمام الباقر (عليه السلام)، وقيل: إنه أدرك الإمام الصادق (عليه السلام)، وهو فقيه عامي
مدني. راجع! جامع الرواة: 1 / 317، تنقيح المقال: 1 / 427.
(3) التنقيح الرائع: 3 / 36.
(4) المائدة (5): 1.
(5) السرائر: 2 / 275، والعبارة (هذا كله مضافا إلى ما عرفته من الأجوبة.. بأن أخبار
الآحاد ليست بحجة) أثبتناها من د، ولم ترد في ألف، ب، ج، ه‍.
91
قوله: وهو على ما أظنه ظاهر، مع أني أرى أن أكثرهم [لا يقولون إلا بأنه
كاشف، وما أرى له دليلا].. إلى آخره (1).
فيه نظر، إذ مضمون العقد إنشاء نقل المبيع إلى المشتري حين العقد عوضا
عن نقل الثمن إلى البائع ذلك الحين، أي إنشاء النقلين حين تمام العقد، إذ الإيجاب
والقبول انشائيان، والإنشاء حقيقة في الحال والفور، والرضا لم يتحقق إلا بهذا
العقد، فلو كان منشأ لثمره (2) فلا بد من تحقق الثمر الذي هو مضمونه، لا الثمر الذي
هو أجنبي بالنسبة إليه وليس هو مضمونه ومدلوله، فما ذكرت لم يتحقق عليه عقد،
وما تحقق العقد عليه هو خلاف ما ذكرت.
وكذلك الرضا، إذ ما رضي به هو ليس إلا ما هو مضمون العقد ومدلوله،
بل لو صرح بأني لا أرضى إلا بالانتقال من حين الرضا لم يكن هذا إجازة العقد
وإمضاءه، بل يحتاج إلى عقد آخر، كما لو وقع الفضولي حالا فرضي به لا بعنوان
الحلول بل بعنوان التأجيل إلى أجل عينه، وكذا لو قال: لا أرضى بالثمن بل بأزيد
منه، أو يكون الثمن أمرا آخر.. إلى غير ذلك.
فظهر أن الإجازة لو كانت مثمرة والعقد صحيحا فلا بد من القول بالكشف
ليس إلا، وإلا فلا بد من القول بالبطلان وعدم الثمر أصلا، كما هو مذهب القائل
بالبطلان ليس إلا، فتدبر.
قوله: رضا صاحب المال جزء وسبب وشرط، وله دخل.. إلى آخره (3).
لو تم ما ذكره لزم أن يكون العقد فاسدا إلى حين الرضا وبعده يصير
صحيحا، وهذا خلاف ما اتفق عليه الكل، إذ القائل بالصحة يصرح بأنه صحيح



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 159.
(2) في ألف، ه‍: (الثمرة).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 159.
92
وموقوف على الإجازة، والقائل بالفساد يصرح بأنه فاسد مطلقا، ومعلوم أن
مرادهم من الصحة هو ترتب أثر شرعي في الجملة، والفاسد هو ما لا يترتب عليه
أثر من الآثار بوجه من الوجوه، بل يكون وجوده مثل عدمه في نظر الشرع من
دون تفاوت أصلا، وما أجروا في الفاسد من بعض الآثار الشرعية - مثل: كون
الضمان على القابض - فمعلوم أنه ليس أثر العقد بل أثر القبض، كما ستعرف.
وبالجملة، هذا أمر واضح على من له أدنى اطلاع بكلام الفقهاء، ومعلوم
أنه فرق بين العقد الفاسد والفضولي إلى حين الرضا، إذ الفاسد لا أثر فيه أصلا،
والفضولي يكون بحيث لو ترتب عليه الرضا يثمر أي وقت ترتب، وهذا المعنى
أثر من الآثار الشرعية المفقودة في الفاسد أصلا.
وغير خفي على المطلع أن مرادهم من الصحة هذا الذي ذكرناه، فإن أراد
أن الرضا شرط الصحة بهذا المعنى ففاسد قطعا، وإن أراد فعلية التأثير فممنوع،
لكن لم يقل أحد بالفعلية بدون الرضا، إذ لا شك في توقفها عليه، وإن أراد أن
تقدم الأثر على الشرط الشرعي محال، فمعلوم أن المقدمة لا بد من أن تكون بينة أو
مبينة أو مسلمة، وليست كذلك، إذ الحكم الشرعي على حسب ما قرره الشرع،
فإن قرر الشرط مقدما فكذلك، وإن قرر مؤخرا فكما قرر، وليس شرطه من
العلل الواقعية كما هو مسلم عند الكل، وعلل الشرع معرفات بلا تأمل.
قوله: وإذنه بوجه من الوجوه يكون ذلك كافيا.. إلى آخره (1).
إذا علم الإذن فلا وجه للتأمل والإشكال، وأما إذا علم مجرد الرضا ففي
الاكتفاء به إشكال ما، ظهر وجهه مما ذكرناه سابقا في بحث الاحتياج إلى الصيغة،
وكذا الحال في كل تصرف في مال الغير بالقياس إلى صحة عقد ومعاملة، وأما في



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 160.
93
نفسه فيمكن أن لا يكون مانع فيه، لأنه تصرف في مال مسلم بطيبة نفسه.
لكن لو أنكر صاحب المال الرضا يتحقق الإشكال، وأما إذا لم ينكر، إلا
أنه يقول: أريد منك مالي، وكان موجودا، فلا تأمل في وجوب الرد عليه، وأما
إذا كان تالفا ففيه أيضا إشكال من جهة عموم: " على اليد ما أخذت حتى
تؤدي " (1) وأمثاله، وأنه لم يتحقق منه عهد ولا عقد ولا شرط في أنه إذا أتلف
يكون مجانا بغير استحقاق عوض، ومن أنه أتلف بسبب علمه برضاه في الإتلاف
كذلك، فتأمل.
قوله: فإن الذي يظهر من كلامهم عدمه.. إلى آخره (2).
لعل مراده (رحمه الله) إذا رضي بالتقاص بمجرد تعذر الوصول إلى حقه، وأما
الفقهاء فالظاهر من كلامهم عدم جواز التقاص بمجرد ذلك، بل لا بد - عندهم -
من العرض على حاكم الشرع واستيفاء حقه بحكمه، إلا أن لا يمكن الإثبات عنده
وتوقف حكمه على الإثبات، كما سيجئ الإشارة منه في آخر مبحث القرض في
بابه، فتأمل ولاحظ.
قوله: هو تعظيم كتاب الله العزيز، قاله في " التذكرة ".. إلى آخره (3).
لعل مراده أن جعل المصحف مملوك الكافر استخفاف به، بل جعله مملوك
المسلم أيضا استخفاف، ولذا منع عن بيعه وشرائه مطلقا، وإنما يباع الورق
والمداد والجلد، ولا يجوز أن يباع ويشترى للكافر، لأنه استخفاف، ولأن الظن
حاصل بأن الكافر يستخف بالقرآن ويستهين، وربما يلقيه في القاذورات ويبول



(1) عوالي اللآلي: 2 / 345 الحديث 10، مستدرك الوسائل: 17 / 88 الحديث 20819،
المستدرك على الصحيحين: 2 / 55 الحديث 2302.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 160.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 161.
94
ويتغوط عليه - العياذ بالله - إلى غير ذلك من أنواع الاستخفافات، بل وأشد، وما
ورد في تعظيم القرآن يمنع عن بيعه وشرائه له، فتأمل.
قوله: [لأنه] ينعتق عليه في الحال، فالبيع عليه أصلح له.. إلى آخره (1).
فإن آن تملكه هو آن انعتاقه من دون تأخر زماني أصلا، بل تأخره تأخر
المعلول عن العلة، وإن كانا في الزمان متساويين ومتحدين فلا يتحقق زمان
يكون له عليه سبيل، مع أنه أصلح له، و " الإسلام يعلو ولا يعلى " (2)، فلا يصير
إسلامه منشأ لبقائه على الرق وعدم زواله عنه وعدم صيرورته حرا.
قوله: ويقسط الثمن، لتمييز ثمن ماله، ويحتمل [البطلان].. إلى آخره (3).
لا يخفى، أن البائع جعل في عهدته إعطاء المجموع، وهو عبارة عن الأجزاء،
فالواجب عليه الوفاء بالجميع، فإن لم يمكنه الوفاء به وأمكن الوفاء بالبعض يجب
عليه، لأنه كان واجبا عليه في ضمن الجميع، ولا يمكنه الاعتذار بأني لما لم يمكنني
الوفاء بالجميع لا أوف بما كان واجبا علي في ضمن المجموع، بل الواجب عليه
الوفاء بما أمكنه، بحكم الاستصحاب، ولقول علي (عليه السلام): " ما لا يدرك كله لا يترك
كله " (4)، وقوله (عليه السلام): " الميسور لا يسقط بالمعسور " (5)، ولقول النبي (صلى الله عليه وآله): " إذا
أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم " (6)، ولأن امتثال الأمر واجب، وهو أمر



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 162.
(2) من لا يحضره الفقيه: 4 / 243 الحديث 778، عوالي اللآلي: 1 / 226 الحديث 118
و 3 / 496 صدر الحديث 15، وسائل الشيعة: 26 / 14 الحديث 32383، مستدرك
الوسائل: 17 / 142 صدر الحديث 20985.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 162.
(4) عوالي اللآلي: 4 / 58 الحديث 207.
(5) عوالي اللآلي: 4 / 58 الحديث 205 مع تفاوت يسير.
(6) عوالي اللآلي: 4 / 58 الحديث 206 مع تفاوت يسير.
95
عرفي، وأهل العرف يلزمون بالإتيان بأي جزء يمكن، ولأن العقد على الكل
بمنزلة عقود متعددة عرفا وعقلا، فتأمل.
ولعله ورد في الأخبار في السلم وغيره ما ذكرناه، فلاحظ.
ولأن البيع قبل فسخ البعض كان صحيحا بالنسبة إلى كل بعض بعض،
وبعد تحقق الفساد بالنسبة إلى بعض لا يلزم فساد الباقي، بل يكون صحيحا بحكم
الاستصحاب.
والمراد من الصحة ترتب الآثار الشرعية، إن كان على سبيل اللزوم، فعلى
اللزوم، وإن كان على سبيل الجواز، فعلى الجواز، فتدبر.
ثم لا يخفى أن المشتري لو جعل الثمن مال الغير يصير العقد فضوليا بالنسبة
إليه، وكذا إن ضم مال الغير مع ماله، فإن أجاز المالك صح وإلا بطل في الأول،
وفي مال الغير في الثاني وللبائع خيار الفسخ، لعين ما ذكرنا بالنسبة إلى المشتري.
ومما ذكر ظهر حال ما لو كان المبيع والثمن جميعا مال الغير كلا أو بعضا، بأنه
مع إمضاء المالك يصح الكل، ومع فسخه يبطل الكل في الأول، وفي خصوص
مال الغير في الثاني، ويكون للبائع والمشتري جميعا خيار تبعض الصفقة.
ومما ذكر ظهر حال ما لو خرج المبيع أو الثمن كلا أو بعضا، حرا أو خمرا، أو
غيرهما مما لا يصح تملكه.
ومما ذكرنا، إذا وقع العقد صحيحا بالقياس إلى خصوص بعض الثمن
وبعض المبيع، وباطلا بالقياس إلى البعض الآخر منهما من جهة استحالة الصحة
بالنسبة إلى المجموع منهما، وقلنا بأنه يرجع الصحة إلى النصف منهما، مثل: ما لو
باع وكيلان للبائع المبيع من مشتريين دفعة فقيل: إنه باطل رأسا، لاستحالة صحة
المجموع والترجيح بلا مرجح، وقيل: يصح كل واحد منهما على سبيل التنصيف،

96
لما ذكرنا من الاستصحاب، وحديث: " ما لا يدرك كله لا يترك كله " و:
" الميسور لا يسقط بالمعسور " و: " إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم "،
وغير ذلك، فيكون الخيار حينئذ للبائع والمشتري معا، فتدبر.
قوله: [فالبيع باطل]، فيرجع إلى عينه إن كانت باقية.. إلى آخره (1).
في يد أي شخص كان، سواء كان البائع أو المشتري أو غيرهما، لأنه عين
ماله وحقه وليس غيره حقه. نعم، لو أعطى البائع ذلك للمشتري أو غيره
وأقبضهما، له مطالبة البائع باسترداده منهما وإقباضه إياه، وهذا لا ينافي ما قال
بعضهم أنه يرجع على المشتري، لأنه مبني على كون العين (2) في يد المشتري، وأنه
على أي حال يرجع إلى عين ماله التي هي عند المشتري سواء كان الرجوع
بواسطة البائع أو بغير واسطة.
ويمكن أن يكون مراد البعض أنه يرجع إلى عين ماله التي كان مقتضى العقد
المفسوخ أنه للمشتري لو لم يفسخ، فتأمل، فإنه بعيد.
وبالجملة، لما كان صورة وجود العين في يد المشتري لها أحكاما تناسب
البيع الفضولي لهذا توجهوا إلى ذكر خصوص هذه الصورة، وإلا فغير هذه
الصورة لا مناسبة لها للفضولي، بل من فروعات الغصب من دون وساطة
الفضولي، وأن الفضولي أيضا من فروعاتها ببعض الصور.
وأما الرجوع إلى القيمة، فإنها لما لم تكن عين ماله وإنما هي حقه بسبب اليد
الضمان (3)، فالرجوع على البائع والمشتري على حد سواء، لكن لو رجع على
المشتري يرجع هو على البائع في صورة الجهل، وفي صورة العلم ذكر فيها ما ذكر،



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 163.
(2) في ب: (المبيع).
(3) في د: (الضماني).
97
فتدبر.
قوله: ولا يبيح له أن يتصرف، مثل الرشوة وعوض الخمر.. إلى آخره (1).
لا كلام في حرمة الأكل والتصرف، إنما الكلام في استحقاق المشتري
عوضه، فإن العوض عين مال البائع، و " الناس مسلطون على أموالهم " (2)، و
" لا يحل مال المسلم إلا من طيب نفسه " (3)، والانتقال حكم شرعي يتوقف على
الدليل ولو كان فهو، وإلا فالأصل عدمه، والأصل عدم الاستحقاق.
إلا أن يقال: المشتري أذن له التصرف بشرط أن يصير مال الغير ماله،
والمشروط عدم عند عدم شرطه، وفيه، أنه يعلم جزما أنه لا يمكن أن يصير ماله،
ومع ذلك أذن له التصرف جزما.
إلا أن يقال: إن المجزوم به أنه أذن التصرف إذا لم يأخذ منه عوضه، وفيه،
أنه عند التصرف ما كان مأخوذا وبعد الأخذ ما تصرف.
إلا أن يقال: كلام الفقهاء مطلق غير مقيد بما ذكر، أو يقال: القدر اليقيني
أنه أذن، إذا لم يتحقق الأخذ في وقت من الأوقات، فما لم يتحقق الشرط لم يتحقق
المشروط.
وفيه، أن ذلك خلاف ما ظهر من المشتري، إذ لم يظهر منه سوى كونه ثمنا
للمبيع، يعني: أنه مال البائع بإزاء كون المبيع ماله، وهو يعلم جزما أنه لا يمكن أن
يصير ماله، وأنه باق في ملكية صاحبه، ومع ذلك ظهر منه جزما الإذن في
التصرف من غير توقيف على ما ذكر من أنه لا يأخذه صاحبه في وقت، مع أنه
يعلم أن صاحبه مسلط على الأخذ في جميع الأوقات حتى آن العقد وبعده بلا



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 165.
(2) عوالي اللآلي: 1 / 222 الحديث 99.
(3) عوالي اللآلي: 1 / 222 الحديث 98.
98
فصل.
سلمنا، لكن يتم ما ذكره في صورة التصرف لا التلف، إذ البائع ما كان
غاصبا للثمن قطعا، والمشتري برضى نفسه سلمه إليه، وكان في يده برضى،
وسيجئ عن الشارح في مبحث المقبوض بالبيع الفاسد وغيره أن مثل ذلك أمانة
مالكية، وأن التلف من المالك، فيمكن حمل كلام " التذكرة " وغيره من الفقهاء
على هذا، مع أنك قد عرفت أن حمله على الأعم منه لا بأس به أيضا، والله يعلم.
قوله: وإنما الخلاف في الوكيل بأن يكون شخص واحد وكيل البائع
والمشتري معا [ويوقع العقد].. إلى آخره (1).
كون الوكيل متوليا لطرفي العقد على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يكون وكيلا لإجراء الصيغة فقط، فيكون البائع هو الموكل،
والمشتري هو الموكل الآخر، أو يكون أحد الطرفين هو الوكيل، بأن يبيع من
نفسه أو يشتري من نفسه، والمساومة والمراضاة معه وقع من صاحب المال، بائعا
كان أو مشتريا.
وهذا القسم لا غبار عليه أصلا، إلا كون العاقد واحدا، ولا إشكال من
جهته أيضا، لكونه عقدا لغة وعرفا بعنوان الحقيقة، لعدم صحة السلب، وكذا
الكلام في كونه بيعا وتجارة عن تراض، وغير ذلك مما ورد في العمومات الدالة
على الصحة.
والقسم الثاني: أن يكون وكيلا في نفس البيع من طرف البائع ومن طرف
المشتري في نفس الشراء، سواء كان العاقد هو وحده أو هو مع غيره، أو غيره
وحده أو مع غيره.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 165.
99
وهذا لا إشكال فيه من جهة العاقد وإن كان واحدا، لما عرفت، وإنما
الإشكال من جهة أن اللازم على الوكيل المماكسة من طرف البائع في ازدياد الثمن،
ومن طرف المشتري في نقصه وبذل جهده في نصح البائع ونصح المشتري، وفي
الغالب لا يجتمع النصحان.
القسم الثالث: أن يكون وكيلا في نفس البيع فيبيع من نفسه، أو في نفس
الشراء فيشتري من نفسه، سواء كان العاقد متعددا أو واحدا، والواحد هو أو
غيره، وعدم الإشكال من جهة العاقد، كما عرفت.
وأما من جهة كون المعاملة مع نفسه، ففيه إشكال شديد، ظهر وجهه مما
كتبناه في مسألة من أعطي مالا ليفرقه في قوم هو منهم، أنه هل يجوز أن يأخذ منه
أم لا! فلاحظ.
ونزيد هنا أن الموكل يريد من الوكيل المماكسة في البيع أو الشراء، فكيف
يرضى أن يبيع من نفسه أو يشتري منه؟ وأيضا يريد الخلوص في النصح ولا
يتحقق إلا من أوحدي الدهر إذا وقع المعاملة مع النفس.
ومما ذكر ظهر حال تولي الوصي للطرفين، وأنه لا إشكال فيه أصلا، لأن
تصرفه منوط بالمصلحة، لا إذن صاحب المال ولا إرادة المماكسة، فمتى تحققت
المصلحة يكون صحيحا، والمصلحة يعرفها أرباب الخبرة، وإن لم توجد معرفتهم
فلا بد له من الاحتياط التام إذا باع من نفسه أو اشترى كي لا يغتر، والاحتياط
هو أن يبيع فيمن زاد فيشتري - مثلا - ولذا ورد في رواية ابن إبراهيم الهمداني ما
ورد، فلاحظ وتأمل:
روى الحسن بن إبراهيم الهمداني قال: " كتبت مع محمد بن يحيى: هل
للوصي أن يشتري شيئا من مال الميت إذا بيع فيمن زاد، يزيد ويأخذ لنفسه؟

100
فقال: يجوز، إذا اشترى صحيحا " (1).
قيل: والمعنى أنه هل يشتري حال كونه داخلا فيمن زاد فيزيد ويأخذ؟
ويحتمل أن يكون متعلقا بقوله: " إذا بيع " أي إذا بيع في موضع يقال فيه: من زاد
- أي في سوق يزاد فيه -.
في العوضين
قول المصنف: يجب كونهما مملوكين، فلا يصح بيع الحر والخنافس
وشبههما.. إلى آخره (2).
أقول: قال الفاضل المحقق مولانا عبد الله التوني: قد علل في أول الكتاب
عدم صحة بيع هذه الأشياء بعدم الانتفاع بها، وقد عرفت الكلام فيه، ومنع عدم
الانتفاع بها أولا، ومنع عدم صحة بيع ما لا منفعة فيه ثانيا، وهاهنا علله بعدم
الملكية، وهو حق - إن صح عدم الملكية - لما مر، ولكن الكلام فيه، فإنا لم نقف
على دليل عليه في مثل هذه الأشياء بعد أخذها ووضع اليد عليها، وعرفت أيضا
عدم ظهور فقد المنفعة المباحة في مثلها فلا تغفل، فإن تحريم أكلها وشربها لا
يستلزم عدم جواز الانتفاع بها في غير الأكل والشرب.
ومما يؤيد تحقق الملكية بالأخذ قول أمير المؤمنين (عليه السلام): " للعين ما رأت،
ولليد ما أخذت " - وإن ورد في مورد خاص - نقله الشيخ في كتاب الصيد.



(1) الكافي: 7 / 59 الحديث 10، من لا يحضره الفقيه: 4 / 162 الحديث 566، تهذيب
الأحكام: 9 / 245 الحديث 950، وسائل الشيعة: 19 / 423 الحديث 24881.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 167 (المتن).
101
انتهى (1).
أقول: لا يخفى أن الأصل في كل شئ عدمه حتى يثبت، سيما الحكم
الشرعي، فكون الشئ ملكا شرعا يحتاج إلى دليل، لا عدم كونه ملكا، وهو
ظاهر.
وأما قوله (عليه السلام): " للعين ما رأت " لو بني على أن العبرة بعموم اللفظ، يلزم
زيادة تخصيص فاسدة لا يرضى بها المحققون، ولا تأمل في فسادها.
مع أن مثل: البق، والقملة، والخنافس، والنمل من الحشرات، والمخاط
والبصاق، ونظائرهما يكون مملوكا، شئ لا يمكن أن يتفوه به عاقل.
كيف ولو كان كذلك لزم أن واضع اليد على الأمور المذكورة ومن نشأت
تلك في ملكه أو ثيابه يكون ذا أموال كثيرة وأملاك متوافرة؟ وأن من قتل قمل
المفلس أو اليتيم يكون عاديا متلفا أموالهما؟! سيما إذا كان كثيرا وافرا يكون حينئذ
في غاية الظلم والفساد! وأن من أخذ القملة، والنملة، والخنفساء ونظائرها يكون
ملعونا عاصيا غاصبا يجب عليه الرد، وإلا يكون الواجب على حاكم الشرع
الجبر بالرد، أو الأخذ منه قهرا والرد؟ وأن من أنكر يجب على المدعي البينة
وعليه الحلف؟ وإذا أتلف يكون عليه الضمان، كما هو قاعدة الملك؟ وأنه يتحقق
الملك فيه مشاعا ومفروضا؟ وأنه إذا تحققت في يد اثنين أو الثوب المشترك أو
البيت كذلك يحكم لكل بالنسبة على حسب عددهم؟ وأن اليد مقدم أو البينة
بالملك السابق أو اليد السابق؟ وأن من لم يرد يكون من الظالمين، الذين حمد الله
نفسه على هلاكهم (2)؟ وإذا وقع المبايعة يجب على كل واحد إقباض ما في يده



(1) تهذيب الأحكام: 9 / 61 الحديث 257، وسائل الشيعة: 23 / 391 الحديث 29824.
(2) إشارة إلى قوله تعالى: * (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) *.
الأنعام (6): 45.
102
وتتحقق الخيارات والغرر في الجهالة أو الضرر؟ وأنه لا يجوز الأخذ والبيع من
اليتيم والمجنون والسفيه؟ وأن مالكه لا يكون مفلسا، لأنه ذو أموال كثيرة.. إلى
غير ذلك من الأمور التي يشنع ذكرها، فتأمل.
مع أن الألف واللام في الرواية تفيد العموم، محل تأمل، لسبق معهود، وكذا
إفادة اللام الملكية، لاحتمال الاختصاص أو الانتفاع، فتأمل.
قوله: والحشرات والفضلات.. إلى آخره (1).
لا يخفى أن مثل هذه الحشرات ليس بمال ولا ملك عرفا، فكذا لغة، ولذا لا
يقال لمن تحت يده خنافس أو في ثوبه وجسده قمل كثير: إنه ذو مال كثير وأملاك
كثيرة متعددة، ولو لم يكن له مال يقولون: ليس له مال وملك، وإن علموا أنه قمله
في غاية الكثرة، وكذلك خنافس بيته وذبابه وبقه وبرغوثه وأمثال ذلك.
وصحة السلب علامة الحقيقة، ولا شك في صحة سلب المال والملك، فضلا
عن الأموال الكثيرة والأملاك الوافرة، ولا شك أن البيع هو نقل مال وملك إلى
ملك الآخر، فلو أعطى مفلس قملة مفلسا آخر وأخذ عوضه وسخه أو برغوثه لا
يقال: إنهما متبايعان، وأن للمشتري خيار الحيوان وللبائع خيار تأخر الثمن،
وأمثال ذلك، وكذلك الحال في الخنافس وغيرها.
وإنكار ما ذكرنا مكابرة واضحة، وإن كان لكل واحد من القمل والذباب
والبق منافع مذكورة في موضعها مسلمة، لأن تلك المنافع ليست معتدا بها،
والملك والمال لا يتحققان إلا إذا كان منفعة معتدا بها، فلذا ليست الأمور المذكورة
ملكا ومالا بالحيازة، والتصرف والتولد في ملك الإنسان وجسده.
وأما مثل حبة الحنطة، فهو أيضا ليس مالا وملكا وإن كان حقا، ولذا من



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 167 (المتن).
103
كان عنده عشرة حبات أو عشرون حبة لا يقولون عنده أموال كثيرة وأملاك
وافرة، بل يقولون: ليس عنده أموال وأملاك، بل ربما يقولون: ليس عنده مال،
ولا شك في صحة سلب المالية بالنسبة إلى الحبة الواحدة، وهي أمارة المجاز وعدم
الحقيقة.
وكذلك حال عدم التبادر، إذ لو أطلق لفظ المال والملك لا يتبادر إلى
الذهن حبة الحنطة جزما، نعم يقال في حبة الحنطة: إنه حقه وإنه مستحقه، فيجوز
أن يقال: له حقوق، ولذا يجوز أن يحلف من عنده الحبة أن ليس لي مال وملك،
ولا يجوز أن يحلف: ليس لي حق شرعي أو عرفي أيضا.
وورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا بيع إلا في ملك " (1)، ويظهر من الأخبار أن البيع نقل
الملك، فلاحظ.
والبيع هو نقل المال والملك عرفا واتفاقا، ولذا لو أطلق لم يتبادر إلى الذهن
إلا نقل المال والملك، ولذا يقولون: بمجرد البيع يملك المشتري المبيع والبائع الثمن،
ولو قال المفلس: بعت هذه القملة بتلك الحبة أو بالعكس، لم يكن له خيار الحيوان
ولا للمشتري، ولا خيار تأخير الثمن وغير ذلك، وكذا لو قال: بعت هذه الحبة
بتلك الذرة من تراب ملكك.
وبالجملة، أهل العرف يحملون مثل ما ذكر على السخرية والهزء، وليس
مثل ذلك متبادرا من لفظ البيع والشراء على الإطلاق، بل ويسلبون عنه اسم
البيع والشراء الحقيقي.
وبالجملة، لا يقولون: إن تبديل مثل ذرة من التراب وذرة من الحشيش



(1) عوالي اللآلي: 2 / 247 الحديث 16، مستدرك الوسائل: 13 / 230 الحديث 15209،
وفيه: " لا بيع إلا في ما تملك ".
104
والعلف والحطب وأمثال ذلك، إنه معاملة ومبايعة، فتأمل.
ومما ذكرنا، ظهر ما في كلام الشارح (1) والمحشي الملا عبد الله (2)، فإن الحكم
بصحة البيع شرعا يحتاج إلى دليل شرعي، لا عدم الصحة، لأنه هو الأصل حتى
يثبت خلافه، كما حققنا.
وأما ما ذكره الشارح من أنه إسراف وسفاهة (3)، ففيه أنه كذلك إذا أعطى
مال كثير بإزائه بخلاف ما [لو] أعطي مثله وما يساويه، فإنه ليس كذلك، فتأمل.
ثم على تقدير أن يكون مثل الحبة مالا، بل ومثل القملة أيضا، دخول
مثلهما في العمومات الدالة على صحة البيع، وكذا ما يدل على أحكام البيع من
عدم الغرر ووجوب الإقباض والخيارات وغير ذلك مما أشرنا في الحاشية السابقة
إليه، وكذا غيره من أحكام البيع والدعاوي فيه، محل نظر ظاهر، فتدبر.
قوله: ويدل عليه الاعتبار والأخبار، مثل رواية جعفر بن حنان.. إلى
آخره (4).
لا دلالة للاعتبار، بل الاعتبار ربما دل على خلافه، لأن الوقف حق
الأعقاب إلى آخر الدنيا، فكيف يجوز لهذه الطبقة بيعه بمجرد الحاجة الشديدة؟!
وأما الأخبار، فلم يرد سوى خبر واحد (5)، ومع ذلك لا تأمل في ضعفه،



(1) راجع! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 167.
(2) حاشية الملا عبد الله التوني - صاحب الوافية - على إرشاد الأذهان: غير مطبوع.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 167.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 169، والرواية في: الكافي: 7 / 35 الحديث 23، من لا
يحضره الفقيه: 4 / 179 الحديث 630، تهذيب الأحكام: 9 / 133 الحديث 565،
الاستبصار: 4 / 99 الحديث 382، وسائل الشيعة: 19 / 190 الحديث 24412. وفي
الكافي (حيان) بدلا من (حنان).
(5) وسائل الشيعة: 19 / 190 الحديث 24412.
105
ومع ذلك دلالته أيضا ضعيفة، لأنه يدل على أن البيع إذا كان خيرا لهم باعوا إذا
رضوا، ومع ذلك ربما يظهر منه كون الوقف على الطبقة الأولى لا على أعقابهم
أيضا، وأنه ينتقل إلى ورثتهم بعنوان الإرث، فلاحظ وتأمل.
قوله: وصحيحة علي بن مهزيار (1) وسيجئ.. إلى آخره (2).
في دلالة الصحيحة على صحة بيع الوقف بالمعنى المعهود نظر لا يخفى على
من لاحظها بتمامها، فلا فائدة فيها لما نحن فيه.
قوله: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): " في رجل اشترى جارية
يطؤها، فولدت له أولادا فمات (3)، قال: إن شاؤوا باعوها في الدين الذي يكون
على مولاها من ثمنها، وإن كان لها ولد.. ".. إلى آخره (4).
الظاهر رجوع ضمير " مات " إلى المولى، بقرينة قوله (عليه السلام): " إن شاؤوا أن
يبيعوها باعوها " بلفظ الجمع الظاهر في كون المراد الورثة، ولقوله (عليه السلام): " في
الدين " وتخصيص البيع وتقييده به، لأن بعد موت الولد يجوز بيعها مطلقا،
ولقوله (عليه السلام): " يكون على مولاها "، إذ لو كان الميت هو الولد يكون البائع هو
الأب، فالمناسب أن يقول: الدين الذي عليه، ولقوله (عليه السلام): " وإن كان لها ولد.. إلى
آخره "، فتأمل.



(1) الكافي: 7 / 36 الحديث 30، من لا يحضره الفقيه: 4 / 178 الحديث 628، تهذيب
الأحكام: 9 / 130 الحديث 557، الاستبصار: 4 / 98 الحديث 381، وسائل الشيعة:
19 / 188 الحديث 24410.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 169.
(3) في الكافي، وتهذيب الأحكام، والاستبصار، ووسائل الشيعة: " فمات ولدها ".
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 170، والرواية في: الكافي: 6 / 192 الحديث 4، تهذيب
الأحكام: 8 / 238 الحديث 861، الاستبصار: 4 / 12 الحديث 38، وسائل الشيعة:
18 / 279 الحديث 23667 و 23 / 173 الحديث 29328.
106
فلعل ما في نسخة الكليني والشيخ من زيادة قوله: " ولدها " (1) بعد قوله:
" فمات " وهما من الناسخ أو أحد الرواة، فتكون الرواية حسنة، وإن كان الضعف
منجبرا بعمل الأصحاب، فتأمل جدا.
قوله: لإطلاق النص، وما رأيت نصا آخر، وفي دلالة هذه الرواية على
البيع بعد موت الولد فقط [أيضا تأمل ظاهر].. إلى آخره (2).
لعل مراده من النص صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) أنه سأله:
" لم باع أمير المؤمنين (عليه السلام) أمهات الأولاد؟ فقال: في فكاك رقابهن، قال (3): أيما
رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤد ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدى عنه أخذ
ولدها منها وبيعت وادي ثمنها، قلت: فيبعن في ما سوى ذلك من الدين؟ قال:
لا " (4).
لكن الظاهر من هذه الرواية أيضا موت المالك، بقرينة قوله: " لم يدع "،
وقوله: " بيعت "، وقوله: " فيباع "، وقوله: " لم باع أمير المؤمنين (عليه السلام) ".
قوله: (ويجب القدرة على التسليم)، أي من الشرائط القدرة على تسليم
العوضين.. إلى آخره (5).
قال المحقق مولانا عبد الله التوني (رحمه الله): المراد التسليم في الجملة، أعم من
الكل والبعض، لتصريحه بصحة بيع الآبق منضما مع انتفاء القدرة على تسليم كل



(1) أشرنا إليها في الهامشين السابقين.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 171.
(3) كذا، وفي المصادر: " قلت: وكيف ذلك؟ قال: ".
(4) الكافي: 6 / 193 الحديث 5، من لا يحضره الفقيه: 3 / 83 الحديث 299، تهذيب
الأحكام: 8 / 238 الحديث 862، وسائل الشيعة: 18 / 278 الحديث 23664.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 172.
107
المبيع حينئذ، ولعل مستنده أن الغرض من البيع والشراء - وهو الانتفاع بالثمن
والمثمن - لا يتم إلا بالقدرة على التسليم، فتكون شرطا في الصحة، وفيه تأمل.
ولم أقف على نص يدل على هذه القاعدة مع قيام احتمال الانتفاع بدون
القدرة على التسليم واحتمال صحة البيع بدون القدرة على التسليم أصلا، كما يصح
بدون القدرة على تسليم بعض المبيع فينبغي التوقف. انتهى.
أقول: لا وجه للتوقف بعد ما ورد في أخبار كثيرة من أنه لا بد من
الضميمة، معللا بأنه إن لم يحصل (1) يكون رأس ماله فيها (2)، وهذا ينادي بأنه لا بد
من التسليم، حتى لا يكون العوض خاليا عما هو بإزائه، فكيف يتوقف، وكيف
يقول: لم أقف على نص، مع أنه وجه الكلام بأن المراد التسليم في الجملة؟!
على أنا ذكرنا في بحث البيع الفضولي ما يدل على ما ذكروه من الأخبار.
وأيضا، الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة عند الفقهاء، لعموم ما دل على
حجية الخبر الواحد الشامل له من غير فرق وبدون (3) تفاوت كما حقق.
وأيضا، لا شك في أن الخبر الوارد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه: نهى عن بيع الغرر (4)
من المسلمة عند جميع المسلمين، والفقهاء اتفقوا على الفتوى بمضمونه في كثير من
مسائل الفقه وبنوا عليه الأمر، وصرحوا بأن المراد من الغرر أن يكون مجهول
الحصول، أو مجهول المقدار وهو الموافق للغة والعرف.



(1) أي: لم يحصل التسليم.
(2) لاحظ! الكافي: 5 / 209 الحديث 3، من لا يحضره الفقيه: 3 / 142 الحديث 622،
تهذيب الأحكام: 7 / 69 الحديث 296 و 7 / 124 الحديث 540، وسائل الشيعة:
17 / 353 الحديث 22734.
(3) في د، ه‍: (ومن دون تكليف و).
(4) عوالي اللآلي: 2 / 248 الحديث 17، مسند أحمد بن حنبل: 1 / 497 الحديث 2747.
108
مع أن المنع عن الثاني يستلزم المنع عن الأول بطريق أولى.
وأيضا، في الغالب يكون البيع والشراء مع عدم القدرة على التسليم سفاهة،
بل لعله كذلك كليا، فتأمل.
وسيجئ ما يؤيد وما يشيد، فلاحظ.
قوله: فلا يصح بيع الآبق منفردا، ويصح (1) منضما إلى ما يصح بيعه
منفردا من مالك الآبق.. إلى آخره (2).
قد ذكرنا في مسألة بيع الفضولي ما يدل على هذا أيضا، فلاحظ.
وأما السفاهة، فربما يرد عليها ما سيذكره الشارح في مسألة بيع الضالة.
ثم نقول: إن أراد القدرة على تسليم الكل، فالتفريع فاسد. وإن أراد
التسليم في الجملة ولو بشئ منه، فهم لا يرضون بذلك في غير مثل الآبق. إلا أن
يراد من الصحة الإثمار في الجملة، ففي مثل الآبق بالنسبة إلى الجميع، وفي غيره
فبالنسبة، فتأمل.
لكن يرد إشكال آخر، وهو: أنه إن أريد العلم بالقدرة، ففساده ظاهر،
سيما بعد الحكم بصحة بيع مثل الطائر الذي اعتاد العود، وإن أريد الظن فربما
يحصل في كثير من الآبق ظن قوي، مثل ظن الطائر، وربما يكون أقوى في بعض
الموارد.
فالحكم بعنوان الكلية في مثل الآبق محل نظر، إلا أن يقال: مراده
المتعارف، والمتعارف لا يحصل فيه ظن، فتأمل.
ولا يخفى أن الذي يظهر مما ذكرنا في مسألة الفضولي، ومن الخبرين



(1) كذا، وفي المصدر: (يصح بيعه).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 172.
109
الواردين في الآبق (1)، ومن الأخبار الواردة في بيع قصب الآجام (2)، وبيع لبن
الضرع (3)، وبيع ثمر النخل (4)، وغيرها أن القدرة على التسليم التي شرط في
الصحة ليست مجرد الظن، لحصول الظن بحصول القصب واللبن والثمر والآبق، ولذا
يعطى الجعل في تحصيله ويشتريه المشتري.
وبالجملة، الآبق الذي يظن حصوله ليس من جملة الفروض النادرة،
والأفراد غير المتعارفة، وإن كان من الأفراد المتعارفة أيضا ما لا يظن حصوله،
فكلاهما متعارف وغير نادر بالنسبة إلى أفراد الآبق وإن كان الآبق في نفسه ليس
من المتعارف الشائع.
والمعصوم (عليه السلام) حين سأل الراوي عن جواز شرائه منع مطلقا، من غير
استفصال أنه مظنون الحصول أم لا، مع أن الظاهر كونه مظنون الحصول، كما
عرفت.
فظهر أنه لا بد من وثوق تام بالقدرة على التسليم، لو لم نقل باشتراط العلم.
وما مر في مسألة بيع الفضولي - أيضا - أنه (عليه السلام) قال: " لا بأس ببيع كل متاع
تجده في الوقت الذي بعته فيه " (5)، وظاهره أيضا العلم أو الظن المتاخم، ولا ينافي



(1) وهما روايتا: رفاعة النخاس: مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 172، الكافي: 5 / 194
الحديث 9، تهذيب الأحكام: 7 / 124 الحديث 541، وسائل الشيعة: 17 / 353
الحديث 22733.
وسماعة: مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 172، الكافي: 5 / 209 الحديث 3، من لا يحضره
الفقيه: 3 / 142 الحديث 622، تهذيب الأحكام: 7 / 69 الحديث 296 و 7 / 124
الحديث 540، وسائل الشيعة: 17 / 353 الحديث 22734.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 17 / 354 الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 17 / 348 الباب 8 من أبواب عقد البيع وشروطه.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة 18 / 219 الباب 3 من أبواب بيع الثمار.
(5) الكافي: 5 / 200 الحديث 4، وسائل الشيعة: 18 / 47 الحديث 23108، وقد مرت
الإشارة إليه في الصفحة: 89.
110
ذلك قولهم: (لا بأس ببيع الطائر إذا اعتيد.. إلى آخره) (1)، لأن العادة بمنزلة
المتحقق.. إلى آخر ما سيذكره الشارح، فتأمل.
فظهر مما ذكرنا أن الفقهاء أيضا لا يكتفون بالظن، كيف وهم متفقون على
عدم صحة بيع الأمور المذكورة بغير الضميمة؟! بل والمشهور لا يجوزون
بالضميمة أيضا في غير الآبق.
ومعلوم أن حصول القصب في الآجام، واللبن في الضرع مظنون بظن قوي
غاية القوة بمقتضى العادة الإلهية، بل من جملة الآبق أيضا من هو مظنون الحصول
بظن في غاية القوة، والمعصوم (عليه السلام) لم يستفصل أصلا، وكذا الحال في غير ما ذكرنا،
فتأمل.
فإن قلت: لعل المنع عن بيع الآجام من جهة عدم وجود المبيع، ويكون
المراد البيع حالا.
قلت: لا نسلم ما ذكرت، كيف والراوي سأل عن حكم شراء الأجمة
مطلقا، والإمام (عليه السلام) ما استفصل في الجواب؟! فتأمل.
قوله: ورضاه بشراء ما يصح قبضه فقط.. إلى آخره (2).
ليس هذا دليلا لهم بلا شبهة، للزوم صحة بيع غير الآبق أيضا مما لا يقدر
على تسليمه، وهم لا يقولون إلا في الآبق، لصحة سنده، ووقوع الوفاق.
قوله: فكأنه أقدم على أن ما دفعه في مقابلة المقدور.. إلى آخره (3).
لا شك في أنه دفعه بإزاء المجموع، فإن كان عهدة التسليم على البائع في



(1) راجع! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 174.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 172.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 173.
111
استحقاقه الثمن يرجع بما يقابل غير المقدور، وهو (رحمه الله) سيصرح في مسألة الضالة
بالرجوع، ورواية سماعة (1) لا تصلح للخروج بها عن القاعدة الثابتة،
والصحيحة (2) أيضا لا تصلح، لعدم ظهور الدلالة.
نعم، يمكن أن يقال: إنه أقدم على أن يكون الثمن في مقابل المجموع، ويكون
غير المقدور أيضا ملكه، ومجموع الثمن للبائع، والمعاقدة والمعاهدة والمشارطة
وقعت على هذا فيجب عليه الوفاء، فكيف يقول: رد علي ما بإزاء غير المقدور
الذي هو ملكي؟ ولا شك في كونه قبل ملكه ولم يتحقق ما يخرجه عن ملكه، ولا
في أنه في أي وقت حصل يكون ملكه، وقبل الحصول والتمكن منه يمكنه العتق
وأمثاله من التصرفات.
فإن قلت: سيجئ أن كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، وهذا
يقتضي أن يكون عهدة التسليم على البائع في خروجه عن الضمان.
قلت: لم يتحقق هنا تلف، فإن كان عدم التمكن منه تلفا فالمبيع كان تالفا
من أصله، فالمعاملة باطلة من أولها، لوقوعها على التالف، وإلا فلا يتحقق التلف
حتى يثبت الهلاك، فظهر أن رواية سماعة موافقة للقاعدة، وكذا الصحيحة،
لظهورها في عدم الرجوع على البائع مطلقا، ومخالفة القاعدة لم يكن سوى الغرر،
ولا ضرر له في المقام، للصحيح واتفاق الأصحاب.
وأما السفاهة، فغير متحققة في المقام كما عرفت، مع أنها إن تحققت لزم
فساد المعاملة من أصلها، لما عرفت.
قوله: ولما في رواية سماعة المتقدمة، ولا يضر ضعفها، فتأمل. والظاهر أن



(1) وسائل الشيعة: 17 / 353 الحديث 22734.
(2) أي: صحيحة رفاعة النخاس: وسائل الشيعة: 17 / 353 الحديث 22733.
112
لا يقاس على الآبق الضالة من البعير.. إلى آخره (1).
إعلم أن بيع الضالة عند الفقهاء صحيح البتة، إما مطلقا أو على طريقة بيع
الآبق.
وجه الأول، أن الضرر ليس إلا من جهة الغرر، وهو مجهولية الحصول،
لعدم القدرة عليه، والضالة بحسب العادة مقدور عليها، وبحسب الغالب الشائع
المتعارف يجدها ويأخذها بعد التفتيش والتجسس البالغ، وعدم المسامحة
والمساهلة، بل من هذه الجهة أولى من الطير المعتاد الرجوع في حكاية القدرة على
التسليم وظهور الحصول (2).
ولو سلم عدم الأولوية، فليس بأضعف منه، وعلى فرض تسليم الأضعفية
فليست إلى حد يدخل به في مجهول الحصول كالآبق، لأن له شعورا وتدبرا (3)
وحيلة في إخفاء نفسه وإخراجها عن أن يتمكن منه ويتسلط عليه، ولذا - بحسب
العادة - ليس مقدور التسليم.
ووجه الثاني، أنها غير مقدور التسليم حين الضلال، وغير معلوم الحصول
بعده، فهو مثل الآبق، وإن كان القدرة على التسليم فيه أزيد وظن الحصول
أقوى، فإذا حكم الشارع في الآبق بما حكم يكون ذلك الحكم فيها بطريق أولى.
ولو لم تكن هذه الأولوية لحكمنا فيها ببطلان البيع، لعدم القدرة على التسليم
وحصول الغرر، ولذا لم نقل بالصحة في غير الآبق والضالة مما هو مجهول الحصول.
واحتمل الشارح البطلان بناء على عدم الأولوية أيضا، وفيه ما فيه،
فتأمل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 173.
(2) في ب: (الحال).
(3) في ب، د، ه‍: (تدبيرا).
113
قوله: ومن هذا علم أن الدليل في الأول هو النص والإجماع.. إلى آخره (1).
يظهر من هذا أن القدرة على التسليم ليست شرطا، وفيه ما فيه، مع أنه
سيذكر في بحث النقد والنسيئة ما يظهر منه أنه جعل نفس التسليم داخلا في ماهية
البيع وشرطا لتحقق الانتقال، وأن البائع لا يرضى بالانتقال إلا بشرط التسليم،
وما أبعد ما بين ما يذكر هنا وهناك، فتأمل.
مع أنه يظهر من كلامه أن الغرر مضر، وأنه غير متحقق في بيع الآبق
مطلقا، وفيه ما فيه.
وأيضا، الضالة ليست على نهج واحد، منها ما لا غرر ولا سفاهة في بيعها
أصلا، والقدرة على التسليم فيها مظنونة بالظن القوي غاية القوة، بل وأولى من
الطير المعتاد.
ومنها، ما ليست كذلك، بل حصولها غير مظنون على نحو الآبق، وربما
يكون حصولها في غاية البعد، ففيها السفاهة، ولا ينفع الرجوع بالثمن، لأن مرجع
السفاهة إلى العقلاء، فربما يعدون الفعل سفاهة لعدم غرض معتد به عندهم، وربما
لا يتأتى الرجوع أو لا يحصل من البائع شئ، فيتحقق فيه الغرر أيضا، فتأمل.
وأيضا، إذا كان البيع صحيحا يكون لازما، للأصل والعمومات، فالحكم
بالرجوع إلى الثمن يتوقف على دليل ولو لم يكن فلا رجوع، بمقتضى الأصل
والعمومات، فتأمل جدا.
قوله: [معلومية العوض] عند المتبايعين.. إلى آخره (2).
وأما التعيين بحسب الواقع، فلا شك في اعتباره، لاستحالة الانتقال بدونه،



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 173.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 174.
114
ومعلوم أن بمجرد العقد ينتقل العوضان إلى ملك الآخر (1).
قوله: ليرتفع الجهل الموجب للغرر والسفه.. إلى آخره (2).
ولورود النهي عن المعاملة التي تكون معرضا للنزاع والاختلاف في
مواضع غير عديدة، مثل: السلف، وبيع الثمر، والدينار غير الدرهم، وبغير بعض
من الشروط الآتية، وغير ذلك، فليتتبع وليتأمل.
مع أنه يظهر من العلة المنصوصة وفي بعضها العموم، فلاحظ!
قوله: ولكن تأويلها مشكل، وكذا ردها، فيمكن أن يكون حكما في قضية
ولا يتعدى.. إلى آخره (3).
ربما يظهر من الرواية (4) أن البائع ما كان راضيا بأي ثمن يختاره المشتري،
ولذا رد الألف وأخذه المشتري ساكتا عليه، ورجع إلى ما قال المعصوم (عليه السلام)، وما
نازعه أصلا، وأي عاقل يجوز أن البائع كان راضيا بأي شئ يعطي المشتري ولو
مثل درهم أو أدون منه؟!
بل الظاهر أنه كان راضيا بالمتعارف وما قاربه من القيمة، بعد ما عرف أن
رفاعة نخاس والنخاس يعرف المتعارف وما قاربه، ولعل مثل هذا متعارف في
زماننا أيضا، بأن البائعين إذا رأوا المشتري عارفا ماهرا يقولون: أي شئ
تعطي، يكون مقصودهم أنك عارف بالقيمة، ماهر، فلا يحتاج إلى أن نعين الثمن



(1) الحاشية (من قوله: عند المتابعين.. إلى قوله: إلى ملك الآخر) أثبتناها من ب، ووردت
في موضع متأخر في كل من د، ه‍.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 174.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 176.
(4) رواية رفاعة النخاس: الكافي: 5 / 209 الحديث 4، من لا يحضره الفقيه: 3 / 145
الحديث 640، تهذيب الأحكام: 7 / 69 الحديث 297، وسائل الشيعة: 17 / 364
الحديث 22758.
115
لك.
لكن المتعارف أيضا أن في قيمة أمثال ذلك ربما يكون تفاوت ما، بالقياس
إلى معتقد البائع والمشتري، وأن البائع من طمعه الزيادة وميل قلبه إليها يعتقد
زيادة عما يعتقده المشتري، كما أن المشتري من طمعه النقص وميل قلبه إليه يعتقد
أنقص.
ولعله متعارف أيضا أنهم ربما يسامحون في هذا القدر من التفاوت بعد ما
حصل لهم الرغبة في المبيع أو في الثمن، فلعل البائع لما وكل الثمن إلى حكم المشتري
العارف الماهر وقال: أي شئ تعطي مع أنك تعرف القيمة، ورأي المشتري أيضا
قبل هذا المعنى من غير مضايقة ولا مماكسة رضي بما قبله، من حيث أنه وجده
راغبا وساكتا وقابلا وراضيا، فباعتقاده أنه يعطي ما طمعه وتوقعه، ويسامح بما به
التفاوت المذكور، من حيث أنه ما ضايق أصلا، ويعرف أن معتقد البائع
والمشتري لا يكاد يتفقان في قدر معين مشخص بحيث لا يزيد ولا ينقص أصلا،
فظن أنه يعطي ما طمعه وتوقع منه في صورة وكول الأمر إليه، كما هو دأب أرباب
السماحة، من أنه لو وكل الأمر إليهم لا ينقصون عن المتوقع، بل وربما يزيدون
أيضا، سيما إذا كانوا راغبين، والآن في أمثال زماننا نشاهد أمثال ما ذكرنا.
فلهذا قال المعصوم (عليه السلام) ما قال، وما قال: إنك (1) إن أعطيت الزائد فهو الثمن
الذي عينت ورضيت، وإلا فلا تنقص عن القيمة السوقية، للعلم بأن البائع ما كان
راضيا بأنقص من ذلك وأن القيمة السوقية إذا تحققت وتعينت وظهرت على
حسب الواقع يكون راضيا أيضا، لا علاج بعد ما ضايقت وما أعطيت ما طمع
وتوقع، فتأمل.



(1) في ج: (بأنك).
116
والحاصل، أن المتعارف في المبايعة التي فيها هذه المسامحة أن كل واحد من
البائع والمشتري راض بالقيمة العادلة إذا تحققت وثبتت، فالثمن معين واقعا، وإذا
كان في معتقد كل منهما أنه كذا، ويكون بينهما مخالفة تكون المخالفة قليلة، لعلها مما
يتسامح به في مثل هذه المعاملة إذا كان الطرفان من أهل الخبرة، فلا يكون غرر
وسفاهة أيضا، والبائع متوقع، فإذا حصل توقعه تعين، فتأمل.
قوله: ما رأيت له دليلا صالحا، وأدل ما رأيته حسنة الحلبي في " الكافي " (1)
عن أبي عبد الله (عليه السلام).. إلى آخره (2).
يمكن أن يقال: إذا كان بناء المعاملة في شئ على الكيل أو الوزن أو العدد،
يكون بغير الكيل أو الوزن أو العد عند المتعاملين غير معلوم القدر، ويقولون: لا
نعلم قدره، أو تخمينا قدره كذا، إذا خمنوا كذا، فيكون بيعه كذا غررا منهيا عنه، لما
عرفت من أن الغرر هو مجهول الحصول أو مجهول المقدار.
وبالجملة، إذا كان شئ يتفاوت مقداره زيادة ونقيصة، ويتفاوت الثمن
بتفاوت ذلك المقدار، ونسبة الثمن بنسبة ذلك المقدار عند المتعاملين.
ولذا صار المدار في الأقطار والديار (3) على اعتبار الكيل أو الوزن أو العد
عند العقلاء وأهل الخبرة، بل وعامة المعاملين.
فلا بد أن يكون مقدار الثمن ومقدار المثمن معلومين حتى لا يلزم الغرر،
بخلاف مثل الفرس والجارية، فإن تفاوت الثمن ليس بتفاوت وزنهما، بل بأمر
آخر، وسيجئ في كتاب الإجارة زيادة توضيح منا.



(1) الكافي: 5 / 179 الحديث 4.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 176.
(3) في ب: (في الأعصار والأمصار).
117
قوله: وهي مروية (1) فيه بطريق آخر صحيح من غير وقوع مشترك فيه،
مثل ابن مسكان وغيره (2)، وبقي في المتن شئ، لأنه يدل بظاهره (3) على عدم
الاعتبار [بخبر البائع بالكيل].. إلى آخره (4).
لا تأمل في سندها، أما المتن فالظاهر منه الفساد، لأن الصلاح مقابل له،
مع أن الظاهر من سؤال السائل: أنه فاسد أم لا؟ فهو أيضا قرينة، وفهم الفقهاء
أيضا مؤيد، وكذا ما سيجئ من الأخبار عند قول المصنف: (ولو تعذر العد) (5)
وفي هذا العنوان.
قوله: لاحتمال إرادة الكيل والوزن المتعارف عرفا عاما.. إلى آخره (6).
هذا الاحتمال هو مقتضى ظاهر الحسنة المذكورة (7)، وما أشرنا إليه من
حكاية الغرر.
نعم، مقتضى إشعار روايتي الحلبي الآتيتين، والروايات التي ستذكر في
بحث تعذر العد، كون العبرة بالمكيل والموزون في زمان صدور هذه الروايات
وعهده، فتأمل.
ويمكن الحمل بأنه (8) بناء على أنه سمي فيه الكيل والوزن في ذلك الزمان، لا
من حيث أن اللفظ لا بد أن ينصرف إلى المعهود في اصطلاح الشارع الذي صدر



(1) كذا، وفي المصدر: (وهو مروية).
(2) قوله (من غير وقوع مشترك فيه مثل ابن مسكان وغيره) أثبتناه من المصدر.
(3) كذا، وفي المصدر: (لأنها تدل بظاهرها).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 177.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 184 - المتن - وسيأتي في الصفحة 127.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 177.
(7) وسائل الشيعة: 17 / 342 الحديث 22707.
(8) لم ترد (بأنه) في: ب.
118
الروايات عنه، فتأمل.
لكن لا تفاوت بحسب الثمرة، لأن ما ثبت فيه الكيل أو الوزن في زمانه (عليه السلام)
مكيل وموزون في البلدان الآن وفي الأزمنة السابقة أيضا إلى زمانه، كما هو
الظاهر، ولأصالة الاستصحاب، مع أنه في هذه الأزمان كذلك على أي تقدير.
نعم، المكيل في زمانه (عليه السلام) وبلده في بعض البلدان صار موزونا، ولا ضرر
فيه أصلا، كما ستعرف.
قوله: وأيضا قالوا: لا بد من البيع بالكيل المشهور.. إلى آخره (1).
لفظ الكيل والوزن الوارد في الأخبار الظاهرة في اعتبارهما ينصرف إلى
المتعارف، وهو المشهور المعروف.
نعم، ربما كان منه غالب ومنه نادر، فالإطلاق ينصرف إلى الغالب، كما لو
قال لوكيله: اشتر منا - مثلا - من كذا، لأن الإطلاق ينصرف إليه، ولو قال: بأي
من، يكون يشمل غير الغالب أيضا، لا الذي ليس منا لهم أصلا ولا معروفا
مطلقا، وهو الذي ذكره الشارح بعبارة (غير المشهور)، إذ لا شبهة في عدم
اعتباره أصلا بعد ثبوت اعتبار الكيل والوزن.
قوله: فإنه لا يقاوم الأدلة العامة الكثيرة الدالة [على وجوب الإيفاء
بالعقود] (2).
لا يخفى أنه غرر بلا شبهة، والنهي عنه إجماعي منصوص.
قوله: لا يصلح إلا مد واحد.. إلى آخره (3).
ربما يشعر هذا بأن تعدد المد - مثلا - ربما يوجب الغرر والضرر، لأنه في



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 178.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 178.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 178، وهو من قول الصادق (عليه السلام) في رواية الحلبي: وسائل
الشيعة: 17 / 377 الحديث 22787.
119
معرضه، فيكون ما ذكره (عليه السلام) سرى لما حكم به من عدم الحلية، لا أنه لا يحل في
صورة التدليس خاصة، فتأمل.
ومع ذلك، لا يوجب هذا تقييدا في حسنة الحلبي أيضا، ففي الحسنة دلالة
على المنع في صورة الجزاف أيضا، لأنه إذا قيل: لا تبع بغير صاع البلد، وقيل
أيضا: إذا بعت بالصاع، فلا يكون إلا بصاع البلد، لأن المفهوم من الصاع هو
صاع البلد فلا تعط إلا به ولا تدلس، كيف يكون بينهما تعارض الدلالة على المنع
في صورة الجزاف (1)؟ لأنه إذا لم يكن مانع من الجزاف، ولا يكون الكيل والوزن
شرطا للجواز فلا مانع من اشتراط الصاع المشاهد الذي ليس بصاع المصر، ففي
رواية الحلبي أيضا شهادة.
وسيجئ في مسألة تعذر العد والكيل والوزن ما يدل أيضا، ويعترف
الشارح بالدلالة (2).
قوله: والظاهر عدم دليل على عدم جواز بيعه إلا عدا.. إلى آخره (3).
سيعترف بالدليل في مسألة تعذر العد، فلاحظ.
قوله: ويفتقر ما يراد منه الطعم أو الريح [إلى اختباره].. إلى آخره (4).
قال المحقق مولانا عبد الله التوني (رحمه الله): يدل عليه ما رواه محمد بن العيص
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يشتري ما يذاق، أيذوقه قبل أن
يشتري؟ قال: نعم، فليذقه ولا يذوقن ما لا يشتري " (5). رواه الشيخ في



(1) العبارة: (لأنه إذا قيل.. في صورة الجزاف) لم ترد في ب، ج.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 184.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 178.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 179 - المتن -.
(5) وسائل الشيعة: 17 / 375 الحديث 22783.
120
الزيادات من " التهذيب " (1).
أقول: وجه الدلالة أنه (عليه السلام) أمر بالذوق بعنوان التأكيد بعد تجويزه بقوله:
" نعم ".
ويؤيد الدلالة كونه جوابا لقول الراوي في سؤاله: " يشتري ما يذاق "، إذ
الظاهر منه تعارف شرائه بالذوق، فإنه (عليه السلام) فرع جوابه - المؤكد على السؤال
المذكور - بكلمة: " فاء "، حيث قال: " فليذقه "، فتأمل جدا.
قوله: [يعني يفتقر] لزوم البيع فيما المطلوب منه الطعم ويختلف طعمه إلى
اختباره بطعمه.. إلى آخره (2).
إذا كان المقصود من المبايعة حصول الطعم أو الرائحة، فلا بد من الاختبار
حتى يرتفع الغرر والجهالة.
نعم، لو أمكن وصف ما هو المقصود، وتحقق خيار - على قياس ما مر في
اشتراط الكيل والوزن أن البائع لو أخبر بها جاز - وكذا لو كان المقصود هو الفرد
الصحيح الذي هو الأصل ووقع المبايعة على ذلك الأصل.
ولا يلزم من الذي ذكر أن يكون الاختبار مستحبا أو ملزما مطلقا، إذ
كثيرا ما لا يمكن الضبط بالوصف بحيث يرتفع به الجهالة ليحصل التعين (3) ويحصل
[ما] يرتفع به النزاع، إذ ربما لا يمكن الضبط، وربما أمكن لكن لا يرتفع الغرر
والنزاع والضرر بالرجوع إلى أهل العرف بعد حصول ذلك منه كما هو المشاهد،
وربما أمكن لكن لم يرتفع الوصف الرافع، ولم يكن أيضا أصل له بحيث يحصل
المقصود، كما هو الحال في كثير، وربما كان له أصل لو بنى المعاملة لصحت، لكن لم



(1) تهذيب الأحكام: 7 / 230 الحديث 1004.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 179.
(3) في ه‍: (اليقين).
121
تبن عليها، بأن وقع التصريح عندها بعدم البناء، أو ظهر من القرائن، فتأمل جدا.
قوله: [تخير بين الرد وإعادة الثمن]، والإمساك وأخذ الأرش، كما هو
المقرر في سائر المعيبات.. إلى آخره (1).
قيل: ما وقفت على رواية على هذا التخيير إذا خرج المبيع معيبا، بل ظاهر
بعض الروايات في العيب أن الحكم الرد مع عدم التصرف والأرش معه، وقد مر
رواية عمر بن حنظلة الدالة على تخيير المشتري إذا خرج المبيع ناقصا (2).
انتهى.
قاله مولانا ملا عبد الله (رحمه الله).
أقول: الدليل عموم * (أوفوا بالعقود) * (3)، فإنه يقتضي وجوب الوفاء
بالأبعاض أيضا، فيجب أن يعطي ما تحقق وعوض ما لم يتحقق، ويؤيده روايتا:
" الميسور لا يسقط بالمعسور " (4)، و " ما لا يدرك كله لا يترك كله " (5) المرويتان
عن علي (عليه السلام)، فتأمل.
وأما اختيار الرد فظاهر، لعدم وفاء البائع بتمام ما باعه، وسيجئ التحقيق
في ذلك.
قوله: وفيه تأمل، إذ لا يعلم.. إلى آخره (6).
لا يخفى أنه (رحمه الله) علل بأن المانع هو الجهل والغرر، فإذا تراضيا على المجهول



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 180.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 27 الحديث 23064.
(3) المائدة (5): 1.
(4) عوالي اللآلي: 4 / 58 الحديث 205 مع اختلاف في المتن.
(5) عوالي اللآلي: 4 / 58 الحديث 207.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 182، مع اختلاف في اللفظ، إذ ورد في المصدر: (وفيه
تأمل، إذ لم يقم دليل على اعتبار هذا المقدار من العلم).
122
كيف يصح المعاملة؟! لأن اشتراط العلم والمنع عن الغرر من طرف الشرع، فلا
ينفع تراضيهما أصلا ولو كانا في غاية الرضا ونهاية الشوق وشدة الامتثال مع
تساوي القيمة، بل والرغبة أيضا، بل وسائر الصفات، مثلا: إذا كان رطل من
دبس التمر بدرهم ورطل من دبس العنب أيضا بدرهم، والدبسان متحدا
الأوصاف، واتحد الرغبة أيضا، وعلم كل واحد من الطرفين بتحقق الدبسين
الموصوفين، وأوقعا المعاملة على رطل متردد بينهما بدرهم من دون تعيين أحدهما
لعدم التفاوت عندهما في الرغبة وعدم التفاوت في القيمة. أيضا لا ينفع ما ذكر
للخروج عن الجهل والتصحيح، لتحقق المانع الشرعي - وهو الجهل والغرر ونهي
النبي (صلى الله عليه وآله) عنه مطلقا (1) - وإن كان الطرفان في غاية الشوق.
والطبيعة الكلية وإن كانت معلومة من حيث الطبيعة الكلية، ومتعينة من
هذه الحيثية، إلا أنها غير متعينة بالنظر إلى تحققها في ضمن الفرد في الخارج، وهي
إنما تصير مبيعا وثمنا باعتبار تحققها في الفرد الخارجي.
ومعلوم أن الجريب الواقع في شرقي الأرض غير الجريب الواقع في غربيها
- مثلا - كما أن الدبس التمري غير الدبس العنبي - مثلا - خرج متماثل الأجزاء
بدليل، وهو الإجماع، وأن رطلين منها - مثلا - من جهة التماثل والاتحاد من جميع
الوجوه لم يكونا عند العرف والمعاملين والعقلاء الماهرين شيئين متغايرين بحيث
يكون التردد بينهما غررا عندهم وجهلا، ومرجع الغرر إلى العرف كما عرفت، ولا
هكذا مختلف الأجزاء وغير متماثلها، فيبقى تحت عموم المنع، فتأمل.
فإن قلت: إذا جعل رطل مشخص من المتماثل - مثلا - مبيعا لا بد أن يكون
متعينا، وإلا يكون البيع باطلا، فلو كان خصوصية شخصها غير داخل في الغرر



(1) لاحظ! عوالي اللآلي: 2 / 248 الحديث 17.
123
أصلا، فلم يكون البيع باطلا؟!
قلت: لما وقع البيع على الشخص المخصوص لا بد أن يكون متعينا، إذ البيع
سبب لنقل المبيع من حينه إلى المشتري، وغير المتعين محال انتقاله، وانتقال الكلي
المتماثل من جهة تعينه، إذ يصير الكلي مبيعا ودينا وغير ذلك جزما، فالكلي ينتقل
إلى ذمة شخص إذا كان متماثلا، بخلاف الشخصي.
وأيضا إذا أوقعا العقد على الشخص فلا جرم يكون خصوصية التشخص
مطلوبة في ذلك العقد، فلو لم يعينا لزم الغرر والجهل، بخلاف ما إذا لم يجعلا
الخصوصية داخلة، فتأمل.
قوله: فكيف يكفي المشاهدة؟ إلا أن يقال: المراد به - هنا - المخيط.. إلى
آخره (1).
قد عرفت أن الغرر المنهي هو أن يرجع فيه إلى أهل العرف، وهو الذي
يكون مجهول الحصول أو المقدار عندهم، وهو المقدار الذي يكون بناء تفاوت
القيمة أو الرغبة في المعاملة عليه، كالحنطة والسمن وأمثالهما مما يكال أو يوزن،
فإن بناء تفاوت الثمن على الكيل أو الوزن - مثلا - عليه جزما وعلى تفاوت
الأوصاف - أي الأنواع - بل الأصناف أيضا في الموضع الذي يكون البناء عليه
أيضا، وهو الأغلب. وأما تفاوت الرغبة، فهو اعتباري بحسب اعتبار المعاملين.
إذا عرفت هذا، فنقول: الحيوان - مثلا - لا غرر في الجهل بمقدار وزنه
كالفرس، وأما مثل الغنم - مما يكون المطلوب فيه مقدار اللحم وزنا - فرفع الغرر
فيه إنما هو بالتخمين. وأما إذا لم يكن المطلوب فيه مقدار اللحم، فإن كان
المطلوب فيه المساحة - كالفيل عند أهل الهند - فرفع الغرر بالمساحة، وإن لم يكن



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 182.
124
المطلوب المساحة أيضا فيرفع بالأوصاف.
وأما الثوب المخيط، فالمطلوب - غالبا - ليس الذرع، فإن كان مطلوب
المعاملين الذرع فلا بد من الذرع بحسب ما هو المطلوب. وأما غير المخيط،
فالغالب منه يكون المطلوب الذرع، وتفاوت القيمة بنسبته، كالحنطة بالنسبة إلى
الكيل أو الوزن، لكن في كثير من الثياب الغير المخيطة المطلوب القماش، وكونه
طاقة من غير ملاحظة الذرع، ولعل نظر المشهور إلى أن الثوب من حيث هو هو
لما لم يكن الذرع هو المطلوب بحيث يكون تفاوت القيمة عليه جزما وألبتة، حتى
يكون الجهل فيه غررا منهيا عنه قالوا بكفاية المشاهدة، أو يكون المطلوب فيه
الذرع بالمقدار الذي يحصل بالتخمين أيضا، مثل ما قلنا في الغنم.
وأما إذا كان مقصود المعاملين الذرع الواقعي ويكون تفاوت القيمة عليه
عندهم البتة، فالغرر لا يندفع إلا بالذرع، ولعلهم نقلوا الإجماع أيضا.
قوله: [ثبوت الخيار للمشتري] إذا لم يكن المبيع بالوصف الذي اشترى
به هو المشهور بينهم.. إلى آخره (1).
قال بعض المحشين: ويدل عليه صحيحة جميل بن دراج، عن أبي عبد
الله (عليه السلام): " سألته عن رجل اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها فلما آن نقد
المال صار إلى الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال (2) فلم يقله، فقال (عليه السلام): لو أنه قلب
منها أو نظر إلى تسعة وتسعين قطعة ثم بقي منها قطعة ولم يرها لكان له في ذلك
خيار الرؤية ".
روى الشيخ ذلك في آخر باب عقود البيع من " التهذيب " (3)، لكنها واردة



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 182.
(2) كذا، وفي المصدر: (فاستقال صاحبه).
(3) تهذيب الأحكام: 7 / 26 الحديث 112.
125
في خيار المشتري، إلا حملها على التغير غير بعيد. انتهى كلامه (رحمه الله).
وبل متعين بملاحظة الفتاوي، بل الإجماع، ويدل عليه - أيضا - ما ذكرناه
فيما لو خرج معيبا من عموم * (أوفوا بالعقود) * (1) بالتقريب الذي عرفت (2)، فما ذكره
من أن (مقتضى القاعدة بطلانه) (3) فيه ما فيه.
قوله: وحينئذ ينقلب مدعيا والبائع منكرا [فالقول قوله].. إلى آخره (4).
لا يخفى فساد ما ذكره من الفرق بين الشخصي والكلي، وأن الحال فيها
واحد من دون تفاوت أصلا.
وأيضا، ظاهر عبارة المصنف كون البيع شخصيا خاصة، لأنه الذي يظهر
كون مبيعه بغير الوصف المذكور، فلا وجه لذكره في المقام، إلا أن يكون مراده
ذكر ما لا أصل له أيضا استطرادا.
وأيضا، ظاهر عبارة الشارح أن المشتري مدع شرطا والبائع ينكره، ولا
تأمل - حينئذ - في كون المشتري مدعيا، فيقدم قول البائع.
ولا شبهة في أنه غير ما ذكره المصنف، لأن الذي ذكره هو أن البيع صار
بعنوان الوصف الرافع للجهالة لا المشاهدة، فإن ظهر كون المبيع بغير ذلك الوصف
ثبت الخيار، وإن لم يظهر لكن اختلفا فيه، بأن ادعى البائع كونه بذلك الوصف
وأنكره المشتري قدم قوله، لكونه المنكر، فإن أثبت البائع فهو، وإلا يتوجه على
المشتري الحلف، فإن كان شخصا بطل البيع.
ففي الحقيقة، يرجع إلى ادعاء البائع اشتغال ذمة المشتري بحق البائع - أي



(1) المائدة (5): 1.
(2) راجع الصفحة: 122 من هذا الكتاب.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 183.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 183.
126
الثمن - والمشتري ينكره، كما لا يخفى.
والظاهر أنه يرجع ما ذكر إلى ما ذكرنا، فتدبر (1).
قول المصنف (رحمه الله): ولو تعذر العد.. إلى آخره (2).
لعل المراد التعذر آن العقد وحينه، والمتعارف أنهم يقولون: لا نقدر ولا
نستطيع، ومرادهم: الآن، ونظره - حينئذ - في هذه الفتوى إلى الصحيحة الآتية،
ولذا عبر كذلك.
وهل التعذر شرط بناء على أن الأدلة اقتضت الكيل والوزن والعد - خرج
هذه الصورة بالدليل وبقي الباقي - أم لا؟ لأن غاية ما ثبت من الأدلة تحقق كيل أو
وزن أو عد يظهر به المقدار ويخرج عن الغرر.
وهذا المعنى متحقق هنا، لعدم التفاوت بين التفاوت القليل الذي يحصل في
الموازين والذي يحصل هنا، ولإطلاق الروايتين الأخيرتين (3)، وكون القيد في
الصحيحة (4) في سؤال الراوي. ولعل الثاني أقوى.
قوله: وليست بصريحة، بل ظاهرة، مع عدم الصحة، إلا الأولى (5).
الظهور يكفي في الأدلة الشرعية من الآيات والأخبار، ولا يشترط
الصراحة، ولعل الضعف منجبر بالشهرة.



(1) هاتان الحاشيتان - من قوله: إذا لم يكن البيع.. إلى: يرجع ما ذكر إلى ما ذكرنا، فتدبر -
أثبتناهما من: د، ه‍.
(2) إرشاد الأذهان: 1 / 362، مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 184.
(3) أي: رواية عبد الملك بن عمرو: وسائل الشيعة: 17 / 343 الحديث 22710 ورواية
عبد الرحمان ابن أبي عبد الله: وسائل الشيعة: 17 / 342 الحديث 22709.
(4) أي: صحيحة هشام بن سالم وابن مسكان: وسائل الشيعة: 17 / 348 الحديث 22721.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 185، وفيه: (ولكن ليست بصريحة..).
127
ثم الصحيحة (1) ظاهرة في التعذر العرفي، والثانية (2) في تعسر ما، والثالثة (3)
في عدم اعتبار التعذر ولا التعسر، ولعل عدم القول بالفصل يقتضي اتحاد الحال في
الكل، وأن العد والوزن والكيل على حد سواء، فتأمل.
ويمكن حمل الثالثة - أيضا - على تعسر ما، لأن المتعارف عدم ارتكاب
أمثال ذلك إلا لتعسر، ولو كان قليلا، فتأمل.
قوله: الظاهر عدم الفرق، فإن ما جزؤه مجهول مطلقا [فهو مجهول].. إلى
آخره (4).
لا يخفى أن المجهولية لا تضر إلا من جهة الغرر، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن بيع
الغرر (5)، لا عن المجهول. نعم، الغرر لا يتحقق إلا من جهل البتة، إذ لو لم يكن
جهل أصلا فلا معنى للقول بأنه مغرور.
وأيضا، الجاهل - من حيث هو هو - لا يصير مكلفا، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن
الغرر، فيكون مكلفا بترك المعاملة التي تكون معرضا للغرر، والمعرض له إما
مجهولية أصل العوض أو قدره، أو حصولهما لكن لا مطلقا، بل بحيث يعد في
العرف وعند أهل الخبرة غررا، ولذا لا عبرة بتفاوت المكاييل والموازين
وأشباهها.
ومما لا عبرة به جهل ما ليس مقصودا بالذات في المعاملة، مثل: عروق
الأشجار وأصول الأساطين وأمثالهما، إذ لا شك في المجهولية وعدم العبرة بجهله



(1) أي: صحيحة هشام بن سالم وابن مسكان الآنفة الذكر.
(2) أي رواية عبد الملك بن عمرو: مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 184، وسائل الشيعة:
17 / 343 الحديث 22710.
(3) أي رواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله: مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 184، وسائل
الشيعة: 17 / 342 الحديث 22709.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 186.
(5) لاحظ! عوالي اللآلي: 2 / 248 الحديث 17.
128
عند جميع أهل العرف وأهل الخبرة منهم، فلا يمكن أن يقال: إن الجهل المذكور
يوجب الغرر، بل ذلك من البديهيات.
فكيف يمكن دعوى عدم الفرق الذي ذكره؟! وكيف يخفى الفرق على
متأمل، فضلا عن دعوى ظهور عدمه؟!
والله يعلم.
قوله: وفيه تأمل، إلا أن يريد [جعله شرطا خارجا عن المبيع].. إلى آخره (1).
فيه، ما سنذكر في بيع الثمر قبل ظهوره فلاحظ! ولما كان جهل مثله غير
مضر، فلا مانع من اشتراطه أصلا، فكونه جزءا أو خارجا شرطا صريحا أو
لازم العقد، لا ضرر فيه أصلا.
قوله: وقد جوزوا بيعه مع مشاهدة الفأرة في المسك من دون مشاهدته
وشمه، ولعله لإجماع أو نص.. إلى آخره (2).
الظاهر أن الحكم بالصحة بناء على أصل السلامة - كما أشار إليه في " شرح
الشرائع " (3) - وهو ظاهر أيضا، وأن السلامة كافية للصحة، لعدم الغرر وفقدان
الجهل بالنسبة إلى ما هو سالم، ولا يشترط أزيد من هذا إذا وقع التراضي عليه،
وكذا لا سفاهة إذا كان كذلك (4).
نعم، لو أريد نوعا خاصا من المسك فهو أمر آخر، ولا بد من الاختبار
حينئذ، لتحقق ما به التراضي، فتأمل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 186.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 189، مع تقديم وتأخير في العبارة.
(3) مسالك الأفهام: 1 / 140.
(4) لم ترد (كذلك) في: ب.
129
قوله: وكذا لا يجوز النقيصة إلا بالمراضاة، فتأمل.. إلى آخره (1).
وذلك لأن جواز الإندار إذا كان للمشتري خاصة، يكون على سبيل
القهر، من دون توقف على التراضي، كما هو مقتضى عباراتهم، يعني عبارة كل
من يقول هنا ولا يجوز له الزيادة إلا برضا البائع أو إلا بالمراضاة، أو يضم إلى
ذلك (قوله: وكذا لا يجوز النقيصة.. إلى آخره)، ومن جملتهم الشارح المورد
ومن شاركه في هذا الإيراد، ومثل المحقق الشيخ علي (2).
فلا شك أن جواز الإندار بالنقيصة للمشتري لا يكون موقوفا على
التراضي، لأن القدر الذي يحتمل الزيادة والنقيصة أزيد من قدر النقيصة قطعا،
فلا معنى لأن يكون للمشتري إندار القدر الزائد عن قدر النقيصة من دون توقف
على رضا البائع أصلا، ولا يكون إندار ما هو أقل منه وأنقص منه إلا برضا
البائع، مع أن معنى جواز الإندار أنه يجوز عدم الإندار أيضا كلا أو بعضا،
فالنقيصة مذكورة ضمنا والتزاما.
فإن قلت: لعل المورد لا يخصص الإندار القهري - الذي هو ما يحتمل
الزيادة والنقيصة - بخصوص المشتري، بل يجعله مشتركا بينه وبين البائع.
قلت: على هذا لا يستقيم قوله: (ولا يجوز له إندار الزيادة إلا برضا
البائع) (3)، وكذا قوله: (ولا يجوز النقيصة إلا بالمراضاة) (4)، لأنه إن جعل الإندار
لهما معا فلا يستقيم إطلاق الكلامين معا، بل لا بد أن يقول: الإندار إن وقع من
المشتري فقط ففي الزيادة يتوقف على رضا البائع فقط، وإن كان من البائع فلا



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 190.
(2) جامع المقاصد: 4 / 115.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 190.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 190.
130
يتوقف على رضا المشتري أصلا، لعين ما ذكرنا، وفي جانب النقيصة نقول بعكس
هذا. وإن وقع منهما معا، فلا فرق بين ذلك القهري والزيادة والنقيصة أصلا،
لصحة الكل، فتأمل.
على أنا نقول: كون الإندار القهري مشتركا بينهما خلاف ما يظهر من
عبارات من أورد الإيراد عليه، ولعله لا يقول به ويخصصه بالمشتري - كما هو
ظاهر العبارة - فلا إيراد عليه، لأن فتواه إنما هو على حسب رأيه، ومع ذلك هو
في نفسه محل نظر، لعدم دليل عليه، لأن ما علل به من قلة التفاوت والتسامح لا
يقتضي القهرية، لأن أحدا لا يتسلط على أخذ مال الغير وإن كان قليلا غاية القلة
قهرا، بل ولا يتسلط على أخذ حبة من حنطة - مثلا - ولا ذرة من تراب - مثلا -
وإن لم يكن مالا، فضلا عن المال، غاية ما ينفع تلك العلة رفع ضرر الجهل والغبن
والضرر والسفه بعد التراضي.
وأما رواية علي بن أبي حمزة (1)، فمع الضعف، عدم دلالتها واضح، بل
مقتضاها نفي الإندار القهري رأسا.
وأما رواية حيان (2) وإن لم تكن صحيحة أيضا، إلا أنها منجبرة بعمل
الأصحاب، مضافا إلى أنها موثقة، والموثق حجة على الأصح، فمقتضاها حصول
القهري للمشتري خاصة، لا يثبت منها أزيد من هذا.
ولا يمكن حملها على صورة التراضي، لاتفاق الطرفين على جواز الأخذ،
وإن كان يزيد ولا ينقص بعد رضا البائع، بل الظاهر أنه وفاقي بين كل الفقهاء،
فظهر منها أن الرواية إنما هي في صورة عدم الرضا، فتأمل.



(1) وسائل الشيعة: 17 / 366 الحديث 22760.
(2) وسائل الشيعة: 17 / 367 الحديث 22763.
131
ثم إن القهري يتوقف على معرفة ما يحتمل الزيادة والنقيصة ولو بالظن،
فلو ظهر الخطأ بما لا يتسامح به، فالظاهر وجوب الرد إلى صاحب الحق فلو سمح به
ولم يأخذه لم يجب على الآخر القبول.
نعم، صيرورته ملكا له يتوقف عليه، وكذا الحال لو سمح بالاندار القهري
وغيره.
ومجرد الجواز لا يقتضي الملكية قهرا إن لم يندر، والكلام في المقام إنما هو في
مجرد الجواز، فتأمل.
قوله: - سؤال الراوي من المعصوم (عليه السلام) - " ويحسب لنا فيه نقصان لمكان
الزقاق، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه.. " (1).. إلى
آخره (2).
الظاهر أن الحساب من المباشر للوزن أو الكيل - أي الوزان أو الكيال، كما
هو المتعارف الآن في البلاد الكبيرة، بل وغير الكبيرة أيضا - لا من البائع، فإنه
حينئذ يكون حلالا بالاتفاق الظاهر من الأصحاب، ولقولهم (عليهم السلام): " الناس
مسلطون على أموالهم " (3)، وقولهم (عليهم السلام): " لا يحل مال امرئ مسلم إلا من طيب
نفسه " (4)، فالظاهر من هذه الرواية تداول الحساب وقهريته، والشارع صحح ما
كان يزيد وينقص لا ما يزيد ولا ينقص.
فالظاهر من هذه الرواية تداول الأعم، ولذا صحح الشرع البعض دون
البعض والمتداول في زماننا الآن - أيضا - الأعم.



(1) وسائل الشيعة: 17 / 367 الحديث 22763.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 191.
(3) عوالي اللآلي: 2 / 138 الحديث 383 و 3 / 208 الحديث 49.
(4) عوالي اللآلي: 1 / 222 الحديث 98 و 3 / 473 الحديث 3، مع اختلاف يسير.
132
ومن هذا يظهر وجه اشتراط كون ذلك عن تراض منكم في الرواية
السابقة، لأنه (عليه السلام) ما استفصل في الجواب، فلا معارضة بين الروايتين إلا من جهة
البأس في عموم المفهوم، ولا يعارض المفهوم المنطوق، فضلا عن عمومه، مع
إمكان حمل البأس على الكراهة وكون الأولى عدم الاكتفاء بالقهري.
قوله: وصحتهما غير ظاهر، والأصل يقتضي العدم.. إلى آخره (1).
لا يخفى أن ديدن الفقهاء العمل بمضمون هذا الخبر (2) بهذا المضمون في مواقع
كثيرة، بل كل موقع كان من قبيل ما نحن فيه عملوا به، فمجرد الشهرة يجبر
الضعف حتى عند الشارح أيضا، فضلا عن مثل هذه الشهرة.
وأما القاعدة (3)، فمعلوم أن القابض أقدم حين القبض والأخذ على أن
يكون الضمان عليه، فالتضمين ليس من جهة العقد الفاسد - الذي هو بعينه كعدم
العقد أصلا عند الشرع - بل من جهة القبض كذلك.
فإن قلت: الإقدام على الضمان إنما هو من حيث اعتقاده أنه ماله، لا مطلقا،
فبعد ما ظهر أنه ليس ماله فلا إقدام ولا رضى، لأن ما رضي به لم يتحقق، وما
يتحقق لم يتحقق له رضى به.
قلت: هذا وارد في إذن صاحب المال في أخذ ماله بل وأشد، فإنه لم يرض
بأخذ ماله والتصرف فيه وتسليط اليد عليه إلا بأن يكون مال الآخذ والضمان



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 192.
(2) أي خبر: " على اليد ما أخذت حتى تؤدي "، مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 192، عوالي
اللآلي: 1 / 224 الحديث 106 و 389 الحديث 22 و 2 / 345 الحديث 10 و 3 / 246
الحديث 2 و 251 الحديث 3، مستدرك الوسائل: 17 / 88 الحديث 20819.
(3) وهي قاعدة: (كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، وما لا يضمن بصحيحه لا
يضمن بفاسده). راجع! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 192.
133
عليه، وكون العوض ماله.
وقد ظهر أن الأمر لم يكن كذلك، فلا رضا، لأن ما رضي به لم يتحقق وما
تحقق لم يكن ما رضي به، فأخذ مال الغير بغير إذنه ورضاه غصب، بل إذا أخذ
برضا بعنوان الأمانة ثم نوى أن لا يعطيه يصير ضامنا به وبأمثاله، بل وبأدون من
ذلك أيضا.
والحاصل، أن شائبة تغير ما أذن له يصير ضامنا، فضلا عن مثل ما نحن
فيه.
والحاصل، أن الأمانة عبارة عن التماس صاحب المال من الأمين أن يحفظ
ماله، والحفظ ليس إلا لمصلحة صاحب المال يسألها ويلتمسها ويجعل الأمين نائبا
عن نفسه في التعب في المحافظة، وهي إحسان من الأمين وتبرع منه، وليس
الأمانة في العرف إلا ما ذكر، ولذا يحكم الفقهاء بالضمان في غير ذلك، لأنه خرج
من عموم الحديث (1) خصوص الأمانة الشرعية والأمانة المالكية، وبقي الباقي،
فتأمل جدا.
وسيجئ عن الشارح في آخر بحث الرهن اعترافه بما ذكرنا في الجملة،
فلاحظ!
وأما قاعدة الإقدام، فإنه أقدم على أن يكون العوض للمشتري والثمن له،
والمشتري أقدم بالعكس، فكيف يجمعان بين العوض والمعوض عنه جميعا؟! إذ
للآخر أن يقول: أعطيتني العوض على أن يكون التلف من مالك والضمان عليك،
فكيف تجعل الضمان علي وتأخذ الثمن مني؟ رد علي ما أخذت مني وخذ مالك،
وإن لم يمكنك فعوضه، كما مر الإشارة في البيع الفضولي، فتأمل جدا.



(1) أي: حديث " على اليد ما أخذت حتى تؤدي "، وقد مرت الإشارة إلى مصادره آنفا.
134
قوله: وإن لم يكن بسبب البيع، بل بسبب الإذن المفهوم مع البدل.. إلى
آخره (1).
ما ذكره يحقق كون الضمان على القابض - كما ذكره الفقهاء - لا على صاحب
المال كما ادعاه (رحمه الله)، فدليله يثبت خلاف مطلوبه كما لا يخفى، فالضمان على القابض
ثبت منه.
ورجوع كل إلى عين ماله هو مقتضى فساد المعاملة، إذ ليس معناه إلا
ذلك، ويجتمع الضمان على القابض مع الفساد شرطا، فتأمل جدا.
قوله: ويحتمل أعلى القيم كما في الغصب، وهو بعيد.. إلى آخره (2).
الذي يظهر من كلامه في كتاب الغصب أن الغاصب أيضا لا يضمن القيمة
السوقية إذا تفاوتت (3).
فعلى هذا، يكون أعلى القيم بالنظر إلى غير التفاوت السوقي، بل يكون
بالقياس إلى تفاوت أحوال المبيع، وهذا هو الظاهر من القواعد أيضا، بل وربما
كان غيره من كتب الفقهاء أيضا ظاهرا فيه.
فعلى هذا، لا شك في كون هذا الاحتمال هو الصواب، لأن كل ما تلف تحت
اليد يكون على اليد أن تؤديه إلى صاحبه، سواء كان من الأعيان أو المنافع، لكن
لا خفاء في أن المراد من القيمة في كلامهم هو القيمة السوقية، فيكون المراد من
القيمة يوم القبض القيمة السوقية ذلك اليوم، وكذا المراد من القيمة يوم التلف،
فيكون أعلى القيم هو القيمة السوقية لا غير.
فعلى هذا، يبعد هذا القول - كما ذكره الشارح - بل لا وجه له، لأن الغاصب



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 193.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 195.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 521.
135
يؤخذ بأشق الأحوال عندهم، وهذا ليس بغاصب جزما، وأما الزيادة التي
وقعت في المبيع ولا تكون من فعل المشتري، فهي من البائع جزما، فعليه
عوضها، والنقيصة عليه أرشها، وهما خارجان عن قيمة المبيع جزما، ولذا
يكونان على المشتري جزما، على تقدير تسليم عين المبيع.
فعلى ما ذكر، يكون الفرق بين القول بيوم القبض والقول بيوم التلف في
غاية الوضوح، فمن قال بقيمة يوم القبض يقول بعدم اعتبار تفاوت السعر السوقي
بعده، ومن قال بيوم التلف يقول بعدم اعتباره قبله وبعده أيضا، وعدم اعتبار
تفاوت السوق لا يلائم القول بأعلى القيم، إلا أن يقال: مراده الأعلى بالقياس إلى
حالة المبيع، لا تفاوت السوق كما أشرنا، أو بعدم اعتباره بعد يوم التلف، وهو
بعيد.
في بيع الثمار
قوله: ولأنه بيع معدوم، غير معلوم ولا موصوف، وليس معه شئ.. إلى
آخره (1).
المانع أمران:
الأول: معدوميته، لأن البائع إن أراد البيع الحال - كما هو مقتضى
الإطلاق، أو صرح به - فليس شئ ينتقل الآن إلى المشتري، وإن أراد الانتقال
بعد الوجود فالمدة مجهولة، وإن أراد السلف بأن يكون ذمته حين العقد مشغولة
فالفساد من وجهين: مجهولية المدة، واشتراط كون المبيع من شجرة معينة، بل



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 196.
136
كون المبيع شخص الثمرة المعينة.
والأمر الثاني: أن المعدوم حين العقد مجهول الحصول ومجهول المقدار
جزما، ولو فرضنا حصول الظن بالحصول من مقتضى العادة، وأن ذلك يكفي
لدفع الغرر من جهة الحصول، فالغرر من جهة المقدار موجود لا رافع له أصلا،
لعدم العادة في تعيين المقدار، وقد مضى أن الرافع له المشاهدة أو الوصف أو الكيل
والوزن.
وأما بيع مثل الخرطة والخرطات بعد ما وجد الخرطة الأولى وشوهدت،
فهو مبيع واحد، ملفق من الموجود والمعدوم، والمجهول والمعلوم، وبيع حال
بالقياس إلى الموجود، ولعله بالقياس إلى المعدوم أيضا حال بتعلقه بالعهدة، ولذا
لو لم يأت المعدوم يأخذ ما بإزائه من الثمن من البائع - على ما هو الظاهر ومقتضى
الأدلة - وإن كان بعد الإقباض، لأن القبض في مثله التخلية، فلا غرر، لأنه حين
العقد ظاهر الحصول، بل جزء مبيع حصول بعضه يقيني موجود حين العقد،
وحصول الأبعاض متصل بعضها ببعض مختبط، وإذا لم يحصل فيأخذ ما بإزائه.
وجهل المدة غرر في غير مثل الموضع، لما عرفت من كون الغرر معنى
عرفيا، والمجموع الذي ابتداؤه من حين العقد، وباقي الأجزاء مختبط الحصول
متصل الوجود إلى الآخر، ليس فيه جهل المدة - الذي [هو] غرر عند أهل الخبرة
والعقلاء والعرف - وكذا الحال في مقدار المعدوم، فإن الظاهر عندهم كونه على
حد متعارف عندهم بعد ملاحظة الخرطة الأولى، بحيث لا يعدون التفاوت
المحتمل غررا.
ومما ذكر، ظهر أنه لو كان الانتقال بالنسبة إلى المعدوم بعد وجوده لا
يضر أيضا.

137
والحاصل، أنه لو كان فيه مخالفة الأصل في الجملة لا يضر بعد وجود
النص المنجبر بعمل الأصحاب، والله يعلم.
قوله: ويدل عليه - أيضا - بعض الروايات.. إلى آخره (1).
لا يخفى أن الأخبار متواترة في المنع.
قوله: وهو يحيى بن القاسم (2) الواقفي أيضا.. إلى آخره (3).
الحسن بن سماعة موثق كالصحيح، وعلي بن أبي حمزة، ادعى الشيخ إجماع
الشيعة على العمل بروايته (4)، ويحيى بن القاسم ثقة غير واقفي (5) - كما حقق في
محله - والقطع غير مضر، لأن الرواية (6) من كتابه - كما هو ظاهر - وكتابه معتمد
عليه، مع أن الضعف منجبر بعمل الأصحاب.
قوله: قال محمد بن الحسن: الأصل في هذا [أن الأحوط أن لا يشتري
الثمرة سنة واحدة إلا بعد أن يبدو صلاحها] (7).
لا يخفى أنه فرق بين تجويز البيع قبل بدو الصلاح وتجويزه قبل أن يوجد في
حال العدم، فلم يظهر مخالفة للإجماع، وسيجئ ما يعضد ذلك، فتأمل.
قوله: فإن اشتريت فلا تشتر إلا بعد أن يكون معها شئ آخر، فإن خاست
كان رأس المال.. إلى آخره (8).
لعل المراد: إن اشتريت قبل البدو وبعد الوجود في الجملة، بقرينة قوله:



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 197.
(2) كذا، وفي المصدر: (ابن أبي القاسم).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 197.
(4) لاحظ! عدة الأصول: 1 / 381.
(5) لاحظ! رجال النجاشي: 441 الرقم 1187، ورجال العلامة الحلي: 264.
(6) وسائل الشيعة: 18 / 214 الحديث 23522.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 198، عن: تهذيب الأحكام: 7 / 88.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 198، تهذيب الأحكام: 7 / 88.
138
(فإن خاست كان رأس المال فيما بقي) ولعل بطلان بيع المعدوم رأسا كان من
المسلمات الواضحات عنده بحيث لا يجعله محل توهم فيه، كما يظهر من ملاحظة
كتب الفقهاء حتى الشيخ، كما لا يخفى على المطلع.
ولذا لم ينسب أحد من الفقهاء إلى الشيخ ما نسبه إليه الشارح (رحمه الله)، مع أنهم
لعله رووا ألف مرة هذه العبارة من " التهذيب "، ولم يشر أحد إلى خلاف من
أحد، مع أنهم يذكرون القول الشاذ شديد الشذوذ، بل واحتمال خلاف (1) بأن
يقولوا: لو كان كذا لكان في المسألة قولا آخر، وربما يذكرون المخالف للإجماع، بل
والمخالف للضرورة، ومع ذلك اتفق الكل في المقام كل الاتفاق، كما ذكرنا، فإن
عمله برواية ثعلبة (2) يقتضي تجويزه بيع المعدوم بالمرة على كراهة حتى يطلع فيه
شئ.
قلت: فعلى هذا، يلزم قوله بعدم الكراهة أصلا بعد طلوع شئ منه، مع أنه
صرح بكراهة البيع قبل أن يبدو صلاحها، وصرح بذلك في صحيحة الحلبي (3)
التي عمل بها واستشهد بها (4)، فظهر أنه فهم الروايتين على نهج واحد، لأنه قال:
(وكذلك ذكر ثعلبة.. إلى آخره) (5).
فظهر أنه فهم من " الطلوع " بدو الصلاح، كما فهم من رواية يعقوب أيضا.



(1) في د، ه‍: (خلافه).
(2) تهذيب الأحكام: 7 / 86 الحديث 366، الاستبصار: 3 / 88 الحديث 301، وسائل
الشيعة: 18 / 209 الحديث 23511.
(3) تهذيب الأحكام: 7 / 85 الحديث 364، الاستبصار 3 / 87 الحديث 299، وسائل
الشيعة: 18 / 210 الحديث 23512.
(4) لاحظ: تهذيب الأحكام: 7 / 88، الاستبصار: 3 / 88.
(5) تهذيب الأحكام: 7 / 88، الاستبصار: 3 / 88، وعنهما: مجمع الفائدة والبرهان:
8 / 198.
139
على أنا نقول: مجرد الاحتمال كاف، بل ولو كان مرجوحا، لما عرفت.
مع أن أمثال هذه الاضطرابات غير عزيز في كلام الشيخ، إن لم يبن الأمر
على أمثال ما ذكرنا، وبعد البناء لا اضطراب، وكذلك الحال في كلام غيره من
الفقهاء.
قوله: ولكن قال في آخرها: " وسئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من
أرض فتهلك ثمرة تلك الأرض كلها.. ".. إلى آخره (1).
لا يخفى، أن الظاهر منه بيع الكلي المشترط كون المبيع من أرض كذا، فلا
مخالفة بين صدرها وآخرها، ولا مخالفة بين الروايات أصلا، لأن المستفاد من
رواية ثعلبة أيضا المنع، فإن الشيخ والشارح سلما المنع فيها، لكن بالنسبة إلى ذلك
العام بعينه دون غيره من الأعوام، وظاهر أن عام الخصومة وقع شراؤهم وقعد
النخل، ولذا كانوا يتخاصمون، وسائر الأعوام لم يقع نهي منه (عليه السلام) فيها كما قالا.
فأي معنى للقول بأن نهيه كان لذلك العام بعينه، مع أنه غير خفي منعه (2) في
سائر الأعوام أيضا كما يظهر من كثير من الأخبار والإجماعات وفتاوي باقي
الفقهاء حتى الشيخ والشارح أيضا؟!
فلعل ضمير " لم يحرمه " راجع إلى بيع ثمر النخل، لأن ابن مسلم سأله عما
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في النخل، فأجاب بما أجاب.
فالظاهر، أن أمثال هذه السؤالات منهم لأجل الخصومة مع العامة، كما
صرح به المحققون، وحيث لم يسأل إلا عما قاله الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يناسب في الجواب
إلا ما ذكرنا، كما لا يخفى على المتأمل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 199، وفيه ذكر لرواية الحلبي المشار إليها في الهامش
المرقم (3) من الصفحة 139.
(2) في ب: (نهى من بيعه) بدلا من (غير خفي منعه).
140
فالروايات الكثيرة متفقة في المنع، وإنما ادعينا ظهور ذلك منه لأمور:
الأول: مفاد قوله: " الثمرة المسماة من أرض " (1) أن تعيينها إنما وقع بهذا
القدر لا أزيد منه، وأين هذا من تعيين الشجرة وتشخيصها؟!
الثاني: صريح قوله: " فتهلك " أن الثمرات بأجمعها ليست مبيعا، وظاهر
قوله: " ثمرة تلك الأرض كلها " عدم كون المبيع ثمرة شجرات بعينها وشخصها، إذ
يلزم منه كون ذلك الكلام بأجمعه لغوا لا فائدة فيه للمقام أصلا، لعدم مدخلية
هلاك غير المبيع في السؤال والإشكال - حينئذ - أصلا، لأن العبرة إنما هي بهلاك
المبيع المعين.
الثالث: إن الظاهر من قوله: " قال: وسئل عن الرجل.. إلى آخره " وقوع
هذا السؤال عقيب السؤال الأول، فبعد نهيه (عليه السلام) الصريح وتعليله عدم البأس بما
علل، كيف يبقى مجال لهذا السؤال؟!
فإن قلت: لعل سؤالهم كان عن صحة المنهي عنه، وفساده، وكيفية العلاج،
على فرض الوقوع والهلاك.
قلت: هذا فاسد، إذ معلوم أن سؤال الرواة عن أمثال هذه المعاملات إنما
يكون غرضهم معرفة الصحة والفساد والسلطنة الشرعية في الدنيا، لا أنه هل فيها
ثواب أم لا! عقاب أم لا! ولذا إذا كانوا يجابون بالمنع كانوا يفهمون عدم الصحة
من جهة قرينة سؤالهم، وإن كانوا ربما يفهمون الحرمة أيضا معه، ولذا لم يعهد من
أحد منهم في مقام من المقامات السؤال عن الصحة والفساد بعد ما سمعوا المنع عن
المعاملة، وما ذكرنا ظاهر على المتتبع جزما.
مع أن تعليلهم عدم البأس في المقام - بما عللوا - ظاهر في أن ذلك للصحة،



(1) تهذيب الأحكام: 7 / 85 الحديث 364، وسائل الشيعة: 18 / 210 الحديث 23512.
141
لا لترتب الثواب مثلا، وهذا أيضا ظاهر.
وأيضا، لو كان مراد السائل في السؤال الثاني ما ذكرت، لكان يسأل على
نحو ما ذكرت، لا على نحو ما سأل، ويطول الكلام ويغير تعبير المرام، ويبدل
المقام إلى غير المقام.
الرابع: حصول التناقض في صدر الحديث وذيله لو كان المراد ما ذكره
الشارح، والجمع بالحمل على أن المراد من الصدر الكراهة لا يرفع الحزازة، لما
عرفت من أن مراد السائلين في مبحث المعاملات إنما هو الأمر الدنيوي لا الثواب
الأخروي على حسب ما ذكرناه، ولأن التعليل لا يناسب الكراهة كما لا يخفى على
المنصف، ولأنه لا يناسب التشديد الشديد من أول الأمر ثم القول بعدم البأس،
وأن النهي لم يقع عنه من الرسول (صلى الله عليه وآله) بل وقع بالقياس إلى جماعة خاصة وفيهم،
وبالنسبة إليهم لعلة خاصة، وأن ذلك لأجل خصومتهم فقط.
مع أن السائل في السؤال الأول لم يتعرض لذكر الجماعة المعاملين أصلا،
وأنهم من هم، وأنه يقع منهم خصومة أم لا، فضلا عن أن يقولوا: ما كان المعامل
يترك الخصومة، وأمثال ذلك.
ومما ذكر، ظهر أن قوله (عليه السلام): " نهاهم عن ذلك البيع.. إلى آخره " (1) لا
ظهور له فيما ذكره الشارح، بناء على أن الفقهاء لم يذكروا كراهة السلف قبل
البلوغ، وذلك لأن النهي لم يكن عن السلف بل ولا عن المعاملة، بل لجماعة
خاصة من جهة خاصة، ومثل ذلك لا يتعرض الفقهاء [له]، بل كثير من المواضع
يظهر من حديث كراهة شئ أو استحبابه ولا يتعرض الفقهاء لهما، فتأمل جدا.



(1) تهذيب الأحكام: 7 / 85 الحديث 364، الاستبصار: 3 / 87 الحديث 299، وسائل
الشيعة: 18 / 210 الحديث 23512.
142
مع أن المعتبر عند الفقهاء وجود المبيع في البيع الحالي وعموم وجوده في
السلف، فإن كان المراد من هذا البيع الكلي هو السلف فلعل أرض كذا كان عام
الوجود ولذا لم يحرم، أو البيع الحالي بعد وجود الثمر قبل بلوغه، وهذا هو الأظهر
من الرواية، وكذا غيرها من الروايات، إذ بعضها (1) يدل على الجواز بعد الوجود
وقبل البلوغ، وبعضها على المنع، فتأمل جدا.
قوله: [هو أيضا] موافقا للشيخ، فكيف يتحقق الإجماع؟.. إلى آخره (2).
مخالفة ما ذكره في " التهذيب " و " الاستبصار " (3) للإجماع محل نظر، بعد
أن يكون في كتب فتاويه رجع عن ذلك ولم يقل به.
وأما الصدوق (رحمه الله)، فقد ذكر عدم ظهور المخالفة (4)، مع أن مخالفة كلامهما في
خصوص كتاب - لما ذكره من الإجماع، وكونه مضرا في تحققه - محل نظر ظاهر،
بل ربما قيل: إن ما ذكره الشيخ في الكتابين في مقام ليس مذهبا له، فتأمل.
قوله: [غير معلوم] فلا يجوز بيعه، فقد يقال: إنه قد جوز في الرواية
[وليس بمعدوم بالكلية].. إلى آخره (5).
قد عرفت عدم التجويز، ومعلوم أنه معدوم بالكلية، فيكون داخلا في بيع
الغرر المنهي عنه.
وأما الجواز مع التعدد - على تقدير الصحة - فالفرق واضح، لأنه أقرب إلى
الحصول، بل وبعيد غاية البعد عدمه، كما ورد التعليل به في الرواية.



(1) في النسخ: (أو بعضها)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 200.
(3) تهذيب الأحكام: 7 / 88 ذيل الحديث 375، الاستبصار: 3 / 88 ذيل الحديث 301.
(4) في د، ه‍: (مخالفته).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 200.
143
قوله: وإذا صرحت (1) في الرواية [فلا مجال للرد بمثله].. إلى آخره (2).
الرواية إذا خالفت الأصل والقاعدة الثابتة شرعا لا يجوز تخصيصهما بها،
إلا إذا قابلتهما وقاومتهما، لأن ذلك من باب تخصيص العام فيعتبر فيه ما يعتبر
فيه، سيما مع ما ورد في النصوص بأن الخبر الذي خالف السنة مردود، وأنه
يعرض على سائر الأحكام الشرعية فإن شابهها فيقبل، وإلا فيرد (3).
هذا، مع أن القاعدة من الخبر المتواتر أو المقطوع بعمله المتفق عليه من نهي
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر (4)، وغير ذلك مما مر، والرواية ليست مقبولة ومعمولا
بها إلا عند شاذ من الأصحاب، وإن كانت صحيحة، فالمقابلة والمقاومة مشكلة،
سيما مع معارضتها لأخبار خاصة، موافقة للأصل والقاعدة، وانجبرت
واعتضدت بعمل الأصحاب إلا من شذ.
هذا، على تقدير وجود الشاذ، ومع ذلك قد عرفت رجوعه - على تقدير
قوله به -، وادعوا الإجماع على عدم الجواز.
هذا كله، على تقدير دلالة الرواية، وقد عرفت الكلام فيها، فتأمل.
قوله: [إلا أن يكون] المراد بالتبعية أن لا يذكر ولا يسمى في المبيع،
ويكون ذلك داخلا [في الضمن].. إلى آخره (5).
لا يخفى أن ما هو المقصود بالتبع لا يضر جهالته وإن ذكر حين البيع، مع أنه
لا فرق بين الذكر وعدمه بعد القطع بكونه مقصودا، ولا شك في كونه مقصودا،



(1) كذا، وفي المصدر: (صرح).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 200.
(3) راجع! وسائل الشيعة: 27 / 106 الباب 9 من أبواب صفات القاضي.
(4) عوالي اللآلي: 2 / 248 الحديث 17، مسند أحمد بن حنبل: 1 / 497 الحديث 2747.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 202.
144
فالدلالة الالتزامية كافية، وأدلة عدم جواز الجهل في العوضين غير شاملة له، لأن
الإجماع غير متحقق، بل لعل الإجماع على خلافه، ولا ضرر ولا غرر ولا سفه.
مع أنه لو كانت شاملة لم يتحقق البيع في الأشجار والبيوت، والحمامات
والخانات، والخضر والزروع وأمثال ذلك، ولا شك في تحققه فيها بالإجماع
والنصوص، بل والضرورة من الدين، فتأمل.
ومما ذكر ظهر فساد ما ذكره (رحمه الله)، فتدبر.
قوله: ووجه الحمل على الكراهة ما تقدم من الجمع بين الأدلة، وصراحة
الكراهة.. إلى آخره (1).
لا يخفى عدم الصراحة، لظهور كون المراد الكراهة اللغوية، فلا يعارض
الأخبار الواضحة الدلالة على المنع والإجماعات، مع أنك بملاحظة الأخبار
وغيرها لا يبقى لك تأمل في بقاء الكراهة بعد الطلوع أيضا قط، بل وشدة
الكراهة، لو سلمنا عدم الحرمة.
فظهر أن المراد منها فيها الحرمة، بل عرفت عدم تأمل الشيخ أيضا فيها
قبل الطلوع، فتأمل جدا.
قوله: أن يكون المراد العام الواحد.. إلى آخره (2).
لا وجه لمناقشة بعد الصحة والفتاوي وتقديم الخاص، المسلم عنده أيضا.
قوله: [لا دليل على الجواز] بشرط القطع بخصوصه.. إلى آخره (3).
الظاهر أن مراد من يقول بشرط القطع، أن يكون المقطوع فيه نفع معتد به
عند العقلاء، بحيث يخرج عن السفاهة والغرر والضرر، لأن ذلك شرط مطلقا، بل



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 204.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 204.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 204.
145
صرح في " التنقيح " بما ذكرنا (1)، بل هو من الظهور بحيث لا يحتاج إلى ذكر في
المقام، بل بعد ما ذكره بقوله: (بل في البعض.. إلى آخره) (2) لا وجه لهذا الإيراد
أصلا ورأسا.
قوله: [أحد المجوزات للبيع] عند المانع بعد الظهور.. إلى آخره (3).
قد عرفت أن مذهب الشيخ في " التهذيب " هو هذا بلا تأمل (4).
قوله: فقول شارح " الشرائع ": (واكتفى الأكثر به، لصحة دليله) (5) محل
التأمل.. إلى آخره (6).
قد عرفت اعترافه بصحة رواية الوشاء في " الفقيه " (7)، فتأمل، مع أنه
قال: صحة دليله، ولم يقل: صحة سند روايته، وبينهما فرق ظاهر، سيما بعد
ملاحظة ما سيقول من قوله: (فإن أريد.. إلى آخره) (8)، مع أن الحسن حجة على
المشهور، إذا كان الحسن من قبل التبيين (9)، وحسن الوشاء (10) لعله منه، سيما بعد
ملاحظة الشهرة، فإنها جابر للسند.
على أن بدو الصلاح المعتبر لا شبهة في انحصاره فيما ذكر من الاحتمالات
والأقوال.



(1) التنقيح الرائع: 2 / 106.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 204.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 204.
(4) راجع: تهذيب الأحكام: 7 / 88.
(5) مسالك الأفهام 1 / 163 مع اختلاف يسير.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 205.
(7) من لا يحضره الفقيه: 3 / 133 الحديث 580.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 206، وفيه: (فإن أراد بالتلون..).
(9) في د، ه‍: (التبين).
(10) وسائل الشيعة: 18 / 211 الحديث 23513.
146
والمشهور أصح دليلا من البواقي، وصحيحة يعقوب بن شعيب (1) ستعرف
حالها، فتأمل.
قوله: [فلا بأس] ببيعها جميعا، وقريب منه [رواية إسماعيل بن الفضل] (2).
لعل الظاهر كون المراد إدراك وقت صحة البيع منفردا، فإنه حينئذ يصح
بيعه جميعا ومنضما، والظاهر كون الوقت المذكور ظاهرا عندهم.
ولعله لما ذكرنا قال في " شرح الشرائع ": (واكتفى الأكثر به، لصحة
دليله) (3)، فتأمل.
ويعضد ما ذكرنا ما سيذكره الشارح بقوله: (والظاهر أنه لا فرق.. إلى
آخره) (4)، فتدبر.
قوله: والظاهر من التلون بالاحمرار والاصفرار أنه أعم من الإطعام
[والإدراك].. إلى آخره (5).
لا يخفى على المطلع أن بعد الاحمرار والاصفرار مأكول عادي شائع ذائع،
بل ربما كان التمر بسرا أطيب منه رطبا، كما هو ضرب المثل المشهور، وعلى فرض
أن يكون بينهما تفاوت فلعله لعلة ليس بحيث يصير منشأ لاختلاف الأخبار
والأقوال، فتأمل جدا.
بل لا يبعد كون الإدراك أيضا مثل الإطعام، بل غير خفي كونهما مقولين
بالتشكيك، لو لم يكن المراد منهما الاحمرار والاصفرار، ومقولتيهما بالتشكيك



(1) وسائل الشيعة: 18 / 217 الحديث 23533.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 205، وسائل الشيعة: 18 / 217 الحديث 23534.
(3) مسالك الأفهام 1 / 163 مع اختلاف يسير.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 207.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 206.
147
بحيث لا يصير مجوزا ومصححا للنوع فيه، بل ربما كان مثلهما الأمن عن العاهة
أيضا.
وبالجملة، الاحمرار والاصفرار أمر واضح غاية الوضوح لا وهن فيه
أصلا دلالة، بل وفتوى أيضا.
وأما سائر العبارات، فليس مثل الاحمرار والاصفرار بلا شبهة، فلا يمكنه
أن يعارضهما ويقاومهما إلى أن يرجعا إليه في مقام الجمع، بل العكس أولى ثم أولى
- كما لا يخفى - لو قلنا بظهور التفاوت، بل الظهور ربما يصير حقنا بملاحظة أهل
بلاد النخيل، فليلاحظ.
ويؤيد ذلك ملاحظة النصوص والفتاوي في زكاة التمر، فلاحظ.
قوله: وبالجملة، هذا ليس بواضح كونه ضابطا.. إلى آخره (1).
على أن لفظ الثمار جمع محلى باللام، ومن البديهيات أن كل ثمرة لها حالة فيما
ذكروا، وأنها مختلفة جدا فيه، وجعل المراد منها ثمرة النخيل فيه ما فيه، فما ذكره
الشارح بقوله: (فإنه قد يطلع.. إلى آخره) (2) فيه ما فيه، إلا أن يكون مراده أن
ثمرة النخل من جملتها، وفيه أنه لا وجه للاعتراض بخصوص ثمر النخل، بل الثمار
في غاية الاختلاف في ذلك.
ومع ذلك يمكن للخصم أن يقول: المراد ثمار خاصة يكون أمنها من
العاهات بطلوع الثريا من جهة القرينة المذكورة، وهذا التوجيه أقرب مما ذكره
الشارح، بل ينتقل.
والظاهر من الشارح جعل المراد من الثمار خصوص ثمر النخل لم نعرف



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 206، ولم ترد فيه: (هذا).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 206.
148
وجهه، سيما بعد تصريحه بقوله: (مطلق.. إلى آخره) (1).
قوله: فإن الحصرم يحصل بعد انعقاد الحب بكثير، فالأول أولى.. إلى آخره (2).
لكن على هذا، ربما يصير قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إذا عقد " (3) لغوا مستدركا، بل
موهما بخلاف المقصود، لظهور مدخلية العقد، وكونه هو الشرط والعلة.
فلاحظ ما ذكر، ربما يظهر كون المراد من الحصرم هذا - كما يقال: إذا انعقد
النطفة صارت إنسانا أو حيوانا - أول درجة الحصرمية، وإن كان المطلق منه
ينصرف إلى الكامل، فتأمل.
مع أن الكامل مقول بالتشكيك بحيث لا يكاد يمكن جعله حدا للتجويز
والخروج عن حد التحريم.
وقد عرفت أن ما هو محل النزاع لا يمكن جعله المجوز للمعاملة التي لم تكن
جائزة، فتأمل.
ويؤيد ما ذكرناه، فتاوي الأصحاب، وعدم فتوى أحد بما ذكره، فتدبر.
وأما اختصاصه بالكرم، فلعدم قائل بالفصل، والمدار في الفقه على ذلك.
قوله: [يلاحظ التبعية والأصالة على رأي المصنف]، لما صرح به.. إلى
آخره (4).
لا يخفى أن الظاهر منهم عدم ملاحظة ما ذكرنا في المقام.
قوله: [ما فرق هنا] بين ثمر النخل وغيره، والموجود في أكثر الكتب
[الفرق بينهما].. إلى آخره (5).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 206.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 207.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 206، وسائل الشيعة: 18 / 212 الحديث 23516.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 207.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 207.
149
وقال في " القواعد ": إذا ظهر بعض الثمر جاز بيع الجميع (1).
لعله قياس على جواز البيع أزيد من سنة بعد الظهور بطريق أولى، أو أنه
قاس الظهور على الإدراك والإطعام الواردين في الأخبار، بناء على اتحاد
حكمهما عنده، وأن المناط لصحة البيع هو الظهور والإدراك، للاستحباب
والفضل، فتأمل.
قوله: ويمكن الفرق، فالظهور [يكون بظهور أثره].. إلى آخره (2).
لعل مجرد الإمكان لا يكفي لثبوت الفرق والخلاف، مع كونه خلاف الأصل
والقاعدة، سيما مع كون ظهور نفس الشئ أقرب وأظهر من ظهور أثر منه،
فتأمل.
قوله: والإجماع وسائر الأدلة، ولأنه خارج [مخرج المتداول].. إلى آخره (3).
قال المحشي: إن الأخبار خالية عن ذكر كونها على الشجرة، فيمكن للقائل
بتخصيص الحرمة بالطعام القول به مطلقا، إلا إذا عمم الطعام بحيث يشمل كل
مأكول، كما يظهر من بعضهم (4)، فتأمل.
أقول: لا يخفى أن المانع هو العلة المنصوصة، وهي كون الطعام مكيلا، لا
تعميم الطعام، لعدم الثبوت.
قوله: فإن في بيع الطعام - بل المكيل والموزون - قبل القبض كلاما
سيجئ.. إلى آخره (5).



(1) قواعد الأحكام: 1 / 131.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 209.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 213.
(4) راجع! مجمع البيان: 2 / الجزء 6 / 32، مجمع البحرين: 6 / 105.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 213.
150
لا يخفى أن الطعام بعد التصفية يكون مكيلا وموزونا، وكذا كل مكيل
وموزون، وعدم الجواز في البيع ثانيا لعله بعد التصفية، وما نحن فيه هو بيع الثمار
والزروع، ومعلوم أنه قبل التصفية، فتأمل.
قوله: [لا يباعان كيلا] بل بالمشاهدة، والظاهر أنه لم يكف كونه من جنس
المكيل، للأصل وسائر ما تقدم.. إلى آخره (1).
وإن كانا يباعان بالمشاهدة، لكن بالكيل والوزن الخرصي والتخميني،
والوارد في الأخبار أنه لا بأس بمعاوضة المتاع ما لم يكن كيلا ولا وزنا (2)،
والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، إلا أن يقال: الكيل والوزن التحقيقي الفعلي
هو المتبادر، لكن سيجئ في بيع لحم الغنم بالشاة موثقة عن علي (عليه السلام)، أنه كره
ذلك (3)، وورد أنه (عليه السلام) ما كان يكره الحلال (4)، وأنه (عليه السلام) كره فنحن نكرهه (5).
والمشهور عملوا بالموثقة فتكون حجة، وإن قلنا بعدم حجية الموثق، مع أن
الحق أنه حجة، وهذا ربما يؤيد كون المنفي في الأخبار هو العموم المذكور.
نعم، ورد في بعض الأخبار أنه " لا ربا إلا فيما يكال أو يوزن " (6)، وظاهره
التحقيقي الفعلي، إلا أن يمنع ذلك ويقال بكفاية التحقيقي في الجملة، سيما بواسطة
القرينة المزبورة، ولعل هذا منشأ تعميم المشهور، مضافا إلى ظاهر رواية



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 214.
(2) راجع! وسائل الشيعة: 18 / 155 الحديث 33374.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 143 الحديث 23341.
(4) الكافي: 5 / 188 الحديث 7، تهذيب الأحكام: 7 / 96 الحديث 412، وسائل الشيعة:
18 / 151 الحديث 23361.
(5) تهذيب الأحكام: 7 / 120 الحديث 521، وسائل الشيعة: 18 / 154 الحديث
23371.
(6) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 132 الباب 6 من أبواب الربا.
151
العامة (1)، ورواية عبد الرحمان (2) الآتية.
وأن استثناء العرية إنما يتمشى على القول بالعموم، والاستثناء إجماعي،
يعني: أن الاستثناء مختص بها بالشروط الآتية.
وأما حسنة الحلبي، فظاهرها غير مراد وفاقا، فيمكن حمل الحسنة
الأولى (3) على العرية، والثانية (4) على التقييد أو غير ذلك، والشهرة أيضا من
المؤيدات.
هذا غاية ما يمكن أن يقال من قبل المشهور، وأما من قبل بعض، فهو الذي
ذكره الشارح (رحمه الله) (5)، فلا بد من ملاحظتهما معا والتأمل التام، ثم تشخيص
الراجح.
ومما يؤيد المشهور، إطلاق لفظ " تمر " في الروايتين الواردتين في العرية (6)،
وباقي الكلام سيجئ فيها، فتأمل.
ومما يؤيد المشهور، أن اتحاد الثمن والمثمن مخالف لماهية البيع كاتحاد البائع
والمشتري، فكما أنه لا يمكن أن يصير شخص واحد بائعا ومشتريا معا - بمعنى أنه
بحسب الحقيقة هو البائع وهو المشتري - فيكون يبيع من نفسه ويشتري من نفسه،
وأنه باطل قطعا أعم من أن يكون منضما مع آخر أم لا، كذلك لا يمكن أن يكون
شئ واحد ثمنا ومبيعا من البائع إلى المشتري بشرط أن يكون منتقلا من المشتري



(1) صحيح البخاري: 3 / 30، صحيح مسلم بشرح النووي: 10 / 183، سنن ابن ماجة:
2 / 762 الباب 55.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 216، وسائل الشيعة: 18 / 239 الحديث 23586.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 214، وسائل الشيعة: 18 / 223 الحديث 23546.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 214، وسائل الشيعة: 18 / 237 الحديث 23582.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 214 - 217.
(6) وسائل الشيعة: 18 / 241 الحديثان 23591 و 23592.
152
إلى البائع بمجرد العقد ومن حينه، وأن يكون عوضا ومعوضا عنه، وأن يكون
مالا للبائع منتقلا إلى المشتري بعوض، وأن يكون مالا للمشتري منتقلا إلى
البائع عوضا عن مال البائع المنتقل إلى المشتري، فإن البيع من العقود المعاوضة
ومعنى قولك: (بعت هذا بهذا) ليس إلا أني جعلت هذا مالك بإزاء أن يكون ذاك
مالي، ونقلت هذا مني إليك بإزاء أن يكون ذاك ينتقل إلي، ولا شك أن البيع
بحسب اللغة والعرف والشرع هو الذي ذكرنا، فلا يمكن اتحاد العوض والمعوض
عنه، وانتقال أحدهما بسبب انتقال الآخر، مع كون أحدهما عين الآخر وإن كان
منضما معه شئ آخر أيضا على بعض الوجوه.
هذا، مضافا إلى المفاسد الأخر التي سيذكرها الشارح (رحمه الله).
فعلى هذا، لا يتأتى هذا في بيع شئ من الأشياء قطعا، فلا وجه للتخصيص
بثمر النخل وحب الزرع وتسمية الأول بالمزابنة، والتوجه إلى النهي عنها
بخصوصها، والثاني بالمحاقلة والنهي عنها بخصوصها، فتأمل.
مع أنه ربما كان في اللغة والعرف هو المعنى الأعم، بل متعين أنه كذلك، لما
عرفت، فتأمل.
قوله: وأما النص، فهو الرواية من العامة والخاصة.. إلى آخره (1).
لا يخفى أن الرواية العامية منجبرة بفتاوي الأصحاب، وكذلك الحال به من
الاحتمال، مع أن الصدوق رواها في " معاني الأخبار " بسنده إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)،
وجعله معنى الخبر (2)، فتدبر.
مع موافقة ذلك اللغة والعرف، مع عدم وجود معارض بسند الصحيحة.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 216.
(2) معاني الأخبار: 277، وعنه: وسائل الشيعة: 18 / 240 الحديث 23590.
153
قوله: أن يشتري حمل النخل بالتمر، والزرع بالحنطة.. إلى آخره (1).
يمكن الحمل على اللف والنشر الغير المرتبين، لما عرفت، ولعدم وضوح
الدلالة على خصوص المرتب.
غاية ما في الباب أنه أقرب في الثاني، ولذا استدل الأصحاب على
مطلوبهم.
لكن روي بطريق آخر عنه، عن الصادق (عليه السلام) قال: " نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
عن المحاقلة والمزابنة. فقال: المحاقلة بيع النخل بالتمر، والمزابنة بيع السنبل
بالحنطة " (2) ولعله توهم من اللف بالنشر المذكورين.
ويظهر منها أن المراد من الزرع خصوص السنبل، كما عبر في بعض
العبارات (3).
قوله: والقرائن تدل على أنه ابن عثمان الأحمر.. إلى آخره (4).
والحق، أنه ثقة جليل، كما حققته في الرجال (5)، ولذا كثيرا ما يتحقق من
الفقهاء الحكم بصحة حديثه، ومنهم شارح " الشرائع " (6) في المقام.
مع أنها منجبرة بالشهرة، وعمل الأصحاب، وموافقة رواية العامة، وغير
ذلك مما أشرنا، فتأمل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 216، وسائل الشيعة: 18 / 239 الحديث 23586.
(2) تهذيب الأحكام: 7 / 143 الحديث 635، وسائل الشيعة: 18 / 239 الحديث
23587.
(3) راجع! مسالك الأفهام: 1 / 164، حيث قال: (ويظهر من كلامهم على أن المراد به
السنبل، وإن عبروا بالأعم)، مفتاح الكرامة: 4 / 386.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 216.
(5) راجع! تعليقات على منهج المقال: 17.
(6) مسالك الأفهام: 1 / 164.
154
قوله: [الألف واللام عوضا] عن المضاف إليه بل هو [المتبادر].. إلى آخره (1).
فيه تأمل ظاهر.
قوله: يمكن التعميم والتعدي إلى كل شئ يكون الثمن من المثمن.. إلى
آخره (2).
لا يخفى أن ما ذكره (رحمه الله) - إلى آخره - علة موجبة للتعدي قطعا، كما أشرنا،
لا أنه يمكن التعدي وأنه على هذا لا وجه للحكم بحرمة المحاقلة والمزابنة خاصة كما
أشرنا، وأنه كيف خص ذلك بالتمر والحب، وجعل لكل واحد اسما مخصوصا دون
سائر العروض والأجناس، مع أن العلة مشتركة وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) توجه إلى النهي
عنهما بخصوصهما دون الإشارة إلى موضع آخر أصلا؟ وأنه على ذلك قطعي أنه
ليس ببيع لغة وعرفا، ولا يمكن أن يصير بيعا كما أشرنا، فكيف اتفق أهل اللغة
والعرف وأهل الشرع على كونهما من البيوع المنهي عنها؟!
وأيضا، الظاهر - بحسب اللغة والعرف - هو المعنى الأعم، وهو حجة في
موضع الحكم، فليلاحظ وليتأمل.
قوله: لظهور العلة وهي الربا، وذلك مما يضعف القول به.. إلى آخره (3).
من حكم بكون العلة هي الربا يتعدى إلى ثمرة كل شجر، كالعلامة في
" القواعد " (4)، ويمكن أن يكون عدم تعديه بسبب الإجماع، لأنه يرى أن من
تقدم عليه من القدماء (5) اتفقوا على التخصيص بالتمر والحب، فيكون من



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 217.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 218.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 218.
(4) قواعد الأحكام: 1 / 131.
(5) في د، ه‍: (الفقهاء).
155
المستثنيات من الربا، لكنه بعيد.
والأقرب أن العلة ليست هي الربا - كما ذكره (رحمه الله) - بل الإجماع والنص،
لكن عرفت الإشكال في التعميم والتخصيص، وأن الأظهر هو التعميم، لو لم نقل
بتعيينه، فتدبر.
قوله: وإثبات التحريم بخبر واحد غير متفق على صحته.. إلى آخره (1).
فيه، أنه لو قال بأن العلة هي الربا لم يكن إثباته بمجرد هذا الخبر، بل
لكونهما ربا، وأيضا هذا الخبر موافق للقاعدة عنده، مع أن هذا الخبر منجبر بعمل
الأصحاب، وغير ذلك.
مع أن خبر الواحد حجة يعدل به عن الأصل، ويخصص الكتاب والسنة به
على المشهور وعند الشارح أيضا، ولا يجب أن يكون صحته متفقا عليه، إذ قلما
يكون كذلك، وليس هاهنا إجماع يخالف مضمون الخبر، وظاهر حسنة الحلبي (2)
غير معمول به قطعا، فهو متروك، سيما بعد معارضة هذا الخبر.
وأما صحيحة يعقوب (3)، فلا دخل لها في المقام، والتقبيل متفق عليه، وهو
مضمونها.
ورواية أبي الصباح (4) أيضا لا دخل لها في المقام أصلا، لأن رد الدين على
الديان ليس ببيع قطعا، بل وليس فيه شائبة ربا وإن وقع فيه الزيادة والنقصان كما
ستعرف، ولأن الزيادة لم تقع شرطا عند المعاوضة، وكذا النقيصة.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 218.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 210 الحديث 23512.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 213 الحديث 23518.
(4) تهذيب الأحكام: 7 / 91 الحديث 390، الاستبصار: 3 / 92 الحديث 312، وسائل
الشيعة: 18 / 224 الحديث 23548.
156
وهذا هو وجه عدم كونه ربا، لا ما ذكره الشارح، لأنه ليس بمعلوم،
فتأمل.
قوله: والظاهر أن نفي الربا وجواز القبول هنا من جهة عدم كونه من
المكيل، لا من جهة الموافقة.. إلى آخره (1).
الظاهر، أن نفي الربا من جهة كون ذلك أداء للقرض وإعطاء له من غير
تحقق مشارطة، فإن المحرم والموجب لكونه ربا هو المشارطة، ولذا لو أعطى
المستقرض أزيد يكون حلالا، بل يكون مستحبا - كما سيجئ - ولو أخذ
المقرض أقل يكون أيضا حلالا، لأنه إبراء وإسقاط لبعض حقه، ولعله مستحب
أيضا.
وورد في غير واحد من الأخبار في قرض الخبز وعدد الجوز أن المقترض ربما
يرد أكبر وربما يرد أصغر: أن كل ذلك لا بأس به (2).
والمقترض في هذا الخبر اعتقاده أن ما في نخله يفي ويقابل ما طلبه، وعلى
تقدير عدم اعتقاده لا ضرر فيه، لأنه يلتمس.
والأمر دائر بحسب نفس الأمر في صور ثلاث:
الأولى: المقابلة، وعدم الضرر حينئذ واضح.
والثانية: كونه أزيد، وعدم الضرر فيه أيضا واضح، لأنه محض تبرع
وإحسان، بل وارتكاب المستحب الشرعي.
الثالثة: كونه أقل، ولا ضرر فيه أيضا، إذ غايته التماس عفو وإبراء
وإسقاط، بل واستدعاء مستحب، لأن الإحسان بالنسبة إلى الأخ المؤمن



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 219.
(2) راجع! وسائل الشيعة: 18 / 361 الباب 21 من أبواب الدين والقرض.
157
والمساهلة في الاقتضاء يحبه الله تعالى، فلا طريق إلى توهم الربا أصلا.
قوله: عدم الزيادة عند البيع ولا يضر عند الجفاف.. إلى آخره (1).
المنع من الزيادة عند البيع من جهة النص والفتاوي، وإلا فالأصل عدم
المنع، لعدم كونها ربوية، لكونها على الشجر.
نعم، لو قلنا بأنها ربوية، فالأصل المنع أيضا. وجواز الخرص فيها باعتبار
استثنائها، وربما كان عدم الضرر عند الجفاف أيضا باعتباره، وربما كان باعتبار
ظاهر النص والفتاوي، فتأمل.
وأما اشتراط الحلول والتعجيل، فلئلا يصير بيع الكالي بالكالي أو السلف،
لعدم تحقق شرطه.
ومن هذا ظهر عدم اشتراط التقابض كما قال الشيخ (رحمه الله) (2).
قوله: [ولو وجدت صحيحة صريحة] لجاز الاستثناء من المزابنة بالمعنى
الذي قلناه [أيضا تعبدا].. إلى آخره (3).
قد عرفت فساد ذلك، وأنه لا يمكن إلا أن يقال: إنه ليس ببيع حقيقة، بل
صورة بيع، ويدفعه كلام أهل اللغة، وظاهر الخبر الذي رواه، وظاهر فتاوي
الأصحاب، بل لو لم يكن بيعا لم يكن فيه استثناء أصلا.
وأنه حينئذ لا خصوصية له بالعرية، إذ كل شئ غير العرية أيضا يكون
صحيحة إن لم يكن فيها مبايعة أو معاوضة أصلا، فتدبر.
ثم، إن شمول العرية لما هي في البستان لعله هو المستفاد من كلام أهل اللغة،
فيشملها إطلاق بعض الأخبار، مثل ما رواه في " معاني الأخبار " (4)، ولعل هذا



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 220.
(2) المبسوط: 2 / 119.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 221.
(4) معاني الأخبار: 277، وسائل الشيعة: 18 / 241 الحديث 23592.
158
مستند الاتفاق، مع أن الاتفاق كاف، لأن الظاهر أنه الإجماع، فتدبر.
ويمكن أن يكون الضعف منجبرا بعمل الأصحاب، بناء على أن التقييد
بالدار من باب المثال، أو أن أصل الحكاية كان مما في الدار، أو أنه الغالب أو كونه
في البستان نادر، فتأمل.
قول المصنف: والتقبيل بشرط السلامة.. إلى آخره (1).
سيجئ في كتاب المزارعة ما يظهر منه وجه التقييد بشرط السلامة
واعتراف الشارح به وبظهور وجهه (2)، وورد أخبار كثيرة في حكاية تقبيل
رسول الله ثمار خيبر وأرضه، وبعثه (صلى الله عليه وآله وسلم) عبد الله بن رواحة وخرصه عليهم بأن
يعطوا نصف تلك الثمار بحسب خرصه أو يأخذوا النصف (3)، فيظهر منها أن حق
المقبل إنما هو في عين تلك الثمار لا قيمتها.
والفقهاء في مبحث الزكاة وخرصها يذكرون حكاية عبد الله بن رواحة،
ويستدلون بها، مع اتفاقهم في كون ذلك الخرص مشروطا بالسلامة، بل ربما
ذكروا أن أصل التقبيل من فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أهل خيبر، فليلاحظ
وليتأمل، وكذا يلاحظ الأخبار ويتأمل فيها!
قوله: [ويختلف ذلك بحسب اختلاف كثرة الثمرة وقلتها]، وكثرة المارة
وقلتهم، أو يهدم حائطا، أو يكسر غصنا يتوقف الأكل عليه.. إلى آخره (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 221 - المتن - وقد ورد في د، ه‍: (قوله: لا على سبيل البيع،
بل هو على سبيل القبول) بدلا من العبارة المذكورة.
(2) راجع! مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 116.
(3) الكافي: 5 / 266 الحديث 1 و 2، تهذيب الأحكام: 7 / 193 الحديث 855 و 856،
وسائل الشيعة: 19 / 40 الباب 8 من كتاب المزارعة والمساقاة.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 224، مع اختلاف يسير في الألفاظ.
159
بعض المواضع يكثر المارة غاية الكثرة، بحيث لو أخذ كل واحد منهم
سنبلة أو حبة عنب أو تمر وأمثال ذلك ليتحقق ضرر عظيم وإفساد زائد، ففتح
الباب لهم يوجب الإضرار المنفي قطعا، والفساد في الأرض المنهي عنه جزما،
ويوجب اختلال نظام المعاش بالقياس إلى أرباب البساتين وأهل البلد والمارة
فيهم، ولذا لو وقع ذلك من جراد أو نهب من عسكر وأمثال ذلك تخرب تلك
الديار أو تشتد أحوالهم غاية الاشتداد.
فلعل ما ورد في المنع ورد بالنسبة إليها، وما ورد في الجواز ورد في القرى
البعيدة عن الطرق المسلوكة كثيرا، وقلما يتحقق فيهم المارة، بل المشاهد الآن أن
في أمثال المواضع لا يبيعون ولا يشترون، مدارهم على الأكل بلا عوض
وعادتهم التحليل وعدم المضايقة، والله يعلم.
في بيع الحيوان
قوله: هو عدم إمكان الانتفاع به، وكأنه الإجماع أيضا.. إلى آخره (1).
ففيه الضرر والغرر والسفاهة، بل ربما كان الجهالة - أيضا - في بعض
المواضع.
هذا، فيما لا انتفاع فيه أصلا، أو لا يكون انتفاعه حكميا صحيحا عند
العقلاء، وأما إذا كان فيه انتفاع حكمي - كما إذا أريد ذبحه، أو يكون مذبوحا وبيع
حالا أو مؤجلا بأجل معين ويكون فيه الانتفاع الحكمي بعد أخذه وتسلمه، ولا
يكون مقداره مجهولا بالجهل الذي يحصل به الغرر المنهي أو استحالة الانتقال - فلا



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 226.
160
مانع من الصحة كما سيجئ، فتأمل.
قوله: لحصول العلم في الجملة، وعدم معلومية الجهل المانع، مع ما مر،
وما نجد فرقا [بين المذبوح وما يراد ذبحه].. إلى آخره (1).
لأن هذا القدر القليل من التفاوت بالنسبة إلى مجموع الحيوان مما يتسامح فيه
عادة، ولعدم الضرر والغرر والسفاهة، بخلاف ما لو كان المبيع هو الرأس أو
الجلد، لأن التفاوت بالنسبة إلى هذا القدر القليل من المبيع ليس مما يتسامح به
وغرر وضرر وسفه.
وأما الجلد، فالفساد فيه أظهر، لأن المعتبر فيه الضخامة، فلا بد من
ملاحظتها.
وبالجملة، القلة والكثرة تتفاوت بالقياس إلى المبيع بحسب العادة، وهو
ظاهر، فتأمل.
قوله: والإجماع في تلف الكل، لا العيب.. إلى آخره (2).
لا يخفى أن رواية عقبة بن خالد ظاهرة في أن المشتري لا يصير ضامنا لماله
إلا بعد قبضه - وسيذكر الرواية في مبحث الخيارات (3) - والسند منجبر بعمل
الأصحاب، مضافا إلى استبعاد الفرق بين الكل والبعض، كما لا يخفى على
المتتبع، فتأمل.
قوله: نعم، الحكم مشهور بينهم من غير ذكر خلاف، والعيب ما تقدم..
إلى آخره (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 228.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 243.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 406.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 243.
161
ما في الصحيح: " عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط إلى يوم أو
يومين فيموت العبد أو الدابة (1) أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ قال (2):
على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام، ويصير المبيع للمشتري " (3)، وفي
معناه أخبار كثيرة (4).
والدلالة في غاية الوضوح، وإن كان ظاهرها أن المبيع ينتقل بعد الثلاثة،
إلا أن الأدلة دالة على الانتقال حين العقد، كما سيجئ ويسلمها الشارح أيضا.
فالأخبار محمولة على الانتقال اللزومي، وسيجئ تمام الكلام في مبحث
الخيارات.
قوله: تملك العبد، قال في " التذكرة ": المشهور عدمه.. إلى آخره (5).
ورد أخبار كثيرة في أن المملوك لا يورث (6)، كما سنذكرها في باب
الميراث، أو نشير إليها، وهي ظاهرة في عدم المالكية، سيما بملاحظة العمومات من
الكتاب والسنة في إرث الورثة مال المورث.
والمحققون وجهوا تلك الأخبار بأنها من جهة عدم مالكية العبد، إلا أن
يقال بأن كل من قال بأن العبد يملك يقول بمضمون هذه الأخبار فيجعل المملوكية
مانعة عن التوارث بين ورثة الحر وبينه.



(1) في من لا يحضره الفقيه: (فمات العبد أو نفقت الدابة).
(2) في الكافي ووسائل الشيعة: (فقال).
(3) الكافي: 5 / 169 الحديث 3، من لا يحضره الفقيه: 3 / 126 الحديث 551، وسائل
الشيعة: 18 / 14 الحديث 23036.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 14 الباب 5 من أبواب الخيار.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 246، وورد في ب، ج، د: (واستدل على الأول في
" التذكرة " بالآيتين). بدلا من (تملك العبد.. إلى آخره).
(6) راجع! وسائل الشيعة: 26 / 43 الباب 16 من أبواب موانع الإرث.
162
وأما ورثته المماليك، فإنهم لا يرثون قطعا، لأن المملوكية حاجبة.
وفيه، أنه على هذا لا يرثه المالك أيضا، وهو خلاف مدلول الأخبار من
كون المال مال مولاه، إلا أن يقال: كون المال له من جهة الملك لا من جهة
الإرث، كما صرح بعض المحققين (1)، فتكون دالة على عدم المالكية - كما قلنا - لكن
يظهر من " المسالك " أن القائل بأن العبد يملك يقول بأنه ملك غير مستقر يعود إلى
السيد إذا زال الملك عن رقبته، كما إذا باعه (2)، أو أنه (رحمه الله) يوجه كلام القائل بذلك،
وسيجئ تتمة الكلام في كتاب الإرث إن شاء الله.
وعلى هذا، لا يكون في الأخبار التي استدل بها الشارح (3) على عدم
مالكية العبد دلالة، بل ولا في الآية (4)، لأن الملكية نوع سلطنة، فهي منفية عن
العبد ما دام مملوكا مطلقا، وبعدها يخرج عن ملكه، فتأمل.
ومع ذلك، ما دل على مالكية (5) العبد بعضها صريح في خلاف ما ذكره في
" المسالك " (6)، وبعضها ظاهر فيه غاية الظهور.
قوله: ورواية (7) أخرى عنه، عن جعفر، عن أبيه.. إلى آخره (8).
هذا يدل على خلاف المطلوب.



(1) لاحظ! كشف اللثام: 2 / 281.
(2) مسالك الأفهام: 2 / 254.
(3) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 249.
(4) أي الآية: * (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) *. النحل (16): 75.
(5) في ألف، ب: (ملكية).
(6) مسالك الأفهام: 2 / 254.
(7) كذا، وفي المصدر: (وفي رواية).
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 250، والرواية في: وسائل الشيعة: 23 / 49 الحديث
29085.
163
قوله: حيث يفهم عدم صلاحية المنفرد [للبيع].. إلى آخره (1).
فيه تأمل ظاهر.
قوله: [فهي بعيدة] عن قانون الأصحاب (2) وهو ظاهر، فكأنه للتقية..
إلى آخره (3).
لا يخفى أن هذا في مقام التقية، ويظهر منه أن العامة في ذلك الزمان كانوا
يجوزون، فيظهر منه أن روايته عن الكاظم (عليه السلام) (4) كان تقية، ويؤيده نهاية شدة
التقية في زمانه (عليه السلام)، ولذا قد كثر منه ما يوافق التقية، ويؤيده عدم مناسبة هذا
الفعل للحكيم وأهل العفة.
قوله: صحيحة جميل بن دراج.. إلى آخره (5).
في الطريق معاوية بن حكيم، وهو فطحي موثق (6).
قوله: وقد تصدى لتوجيه ظاهرها بعض، وليس بتمام، فالترك أولى، لما
مر (7).
في " الغوالي ": (وحملها بعض الأصحاب على أن الرد على البائع ردها (8)
على أربابها لا لتكون عنده، لأنه أعرف بهم، وأما استسعاؤها فإنه جمع بين



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 255.
(2) كذا، وفي المصدر: (المذهب) بدلا من (الأصحاب).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 276.
(4) تهذيب الأحكام: 7 / 468 الحديث 1878، وسائل الشيعة: 21 / 92 الحديث
26610.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 289، والرواية في: وسائل الشيعة: 21 / 205
الحديث 26904.
(6) راجع! جامع الرواة: 2 / 236.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 291.
(8) كذا، وفي المصدر: (ليردها).
164
الحقين، حق المشتري بعد ضياع ثمنه، وحق مولى الجارية في حفظ عينها.
وإنما جاز هنا لأن مال المسلم معصوم بالأصل، ومال أهل الصلح إنما كان
معصوما لعارض الصلح، وإذا عارض الأصلي العارض قدم (1)، فرجح حفظ مال
المسلم) (2).
أقول: فيه ما فيه، ويمكن حمل الرواية على صورة تهمة السرقة، لا بثبوتها
ومعلوميتها، وحمل الاستسعاء وغير ذلك على الاستحباب، ويكون مخصوصا
بصورة تمشي ذلك الاستحباب وإمكان استحصاله، فتأمل.
قوله: وإن لم يكن دليله واضحا، هذا إن لم يقصر.. إلى آخره (3).
الدليل، عموم: " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " (4)، خرج منه الأمانة
بالنص والإجماع وبقي الباقي، وليس كل ما يسلم صاحب المال أمانة واستئمانا،
بل الأمانة التماس من صاحب المال أن يأخذ الأمين ويحفظه، من حيث أن
صاحب المال لا يتيسر له الحفظ ويتيسر للأمين، ولصاحب المال وثوق بحفظه،
فهذه مصلحة لصاحب المال والتماس منه وتعب على الأمين، وليس فيه مصلحة
دنيوية بحسب الأصل.
هذا بخلاف المقبوض بالسوم وما ماثله، فإن حكاية المصلحة والالتماس
بحسب الأصل بالعكس، ومع ذلك ليس الإعطاء (5) من جهة الاستئمان والوثوق



(1) كذا، وفي المصدر: (وإذا تعارض الأصلي والعارض قدم الأصلي).
(2) عوالي اللآلي: 2 / 249 - الهامش رقم 6.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 294.
(4) عوالي اللآلي: 1 / 224 الحديث 106 و 389 الحديث 22، مستدرك الوسائل: 17 / 88
الحديث 20819.
(5) في ألف، د، ه‍: (اللفظ).
165
بالحفظ، كما هو ظاهر، والله يعلم.
قوله: والأولى تركها، لعدم الصحة، والعمل بالأصول (1) وقوانين
المذهب، وهو ظاهر.. إلى آخره (2).
لأن الخبر إذا خالف الأصل والقاعدة الثابتة من الشرع لا شبهة في
صيرورته معارضا له ولها، فيصير التعارض من باب التعارض بين العام
والخاص، فيعتبر في الجمع بينهما والعمل بمجموعهما ما يعتبر في التعارض بين العام
والخاص من كون الخاص مستجمعا لشرائط العمل، ومع ذلك يكون بحسب القوة
والمقاومة مقاوما ومقابلا له.
هذا حال المخالفة لأصل واحد، فكيف المخالفة لأصول متعددة؟! وورد في
الخبر أن الخبر إذا كان موافقا لسائر أحكام أهل البيت (عليهم السلام) ومشابها له يكون
حجة، وإلا فلا يكون حجة (3)، بل يجب طرحه. وقد حققنا في موضعه.
قوله: من جهة كون أن ظاهرها أنه مأذون في التجارة فقط.. إلى آخره (4).
لا يخفى أن ما ذكره من أن ظاهرها أنه مأذون للتجارة فقط حق، لكن
قوله: (فكيف يصح.. إلى آخره) (5)، ليس بشئ، إذ لا يظهر من الرواية أن
وكالته كانت حلالا جائزا في الواقع، إذ ربما كان الدافع غير عالم بأنه عبد، أو كان
عالما لكن أمره إياه بهما لم يكن على قانون الشرع، بأن كان جاهلا بالمسألة، أو
كان معتقدا أنه مأذون في الوكالة أيضا، وإن كان خطأ، أو كان آثما في هذا الأمر،



(1) كذا، وفي المصدر: (بأصول).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 295.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 123 الحديث 33381.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 296.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 296.
166
ولم يظهر من الرواية ما يخالف هذا، أو كان مأذونا واقعا، إلا أن ورثة المأذون
كانوا يدعون عدم الإذن، كما يظهر من آخر الخبر، ولذا قال: (مأذون في
التجارة).
ومما ذكرنا ظهر ما في قوله: (فكيف.. إلى آخره)، إذ حاله حال وكالته فيما
ذكرنا.
وأما قوله: (وإن كان وكيلا فكيف.. إلى آخره) (1)، ففيه أنه يمكن أن
يكون حاله حال الوكالة، بأنه لم يكن مشروعا واقعا، أو عند المدعيين، وأن
يكون " حج عني بالباقي " (2) وصاية، وأما أنه فعله بالألف المأخوذ من الآمر، فهو
فرض المسألة بحسب الواقع، لا بحسب ظاهر الشرع وحكمه عند مخاصمة
المتخاصمين.
وقوله: (ما كان لمولى الأب شئ في يد المأذون) (3)، فكيف يدعي
[ذلك]؟ ففيه أنه لا مانع من الدعوى، إذ لا يلزم أن يكون كل دعوى حقا، بل
الدعاوي لا يخلو عن دعوى باطل البتة، لأن اجتماع الضدين أو النقيضين محال
جزما، مع أنه ربما كان عنده مال أو عثر على مال له فأخذه واشترى.
وأما (أنه لا يمكن شراء مال شخص.. إلى آخره) (4)، فيه أنه يدعي أنه
ظهر كون الثمن ماله بعد تحقق المعاملة، لا أن حال المعاملة كان ظاهرا له.
وبالجملة، لا ضرر من جهة الأمور التي ذكرها أصلا إلا ما ذكره من (أن



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 296، وفي المصدر: (وأنه كان وكيلا له، فكيف..).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 295، وسائل الشيعة: 18 / 280 الحديث 23670.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 296.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 296.
167
الحج كيف يصح.. إلى آخره) (1)، وأن الأصل صحة المعاملة، فكيف حكمه (عليه السلام)
بالفساد؟!
والإشكال الأول أيضا ليس بشئ، لأن الأب المعتق حج عن الميت
باعتقاد كونه معتقا وأجيرا، كما هو الظاهر من الرواية، غاية الأمر أنه ظهر بعد
ذلك كونه مملوكا حال الحج، ولا شك في أن حجه كان حلالا لا نهي فيه أصلا، لما
ذكرنا، ولأن مولاه باعه ورخصه، غاية الأمر أنه ظهر بعد ذلك أن بيعه كان
باطلا، فالعبادة الخالية عن النهي تكون صحيحة قطعا.
ولو كان أحد أجنبي تبرع عن الميت بالحج عنه لكان صحيحا ويبرئ (2)
ذمة الميت البتة، كما حقق في محله، فهذا أولى، لأنه بحسب ظاهر اعتقاده أنه نائب
وحج نيابة عنه ولم يظهر ما يفسد هذا الفعل.
نعم، لمولاه أجرة الحج التي أخذها، والعبد وما في يده لمولاه، وكذا ما أنفق
في الحج، مع أنه ساكت عن الأجرة راض بما فعله وأخذه، إنما كلامه في مملوكيته
لغيره وانتقاله إليه، كما هو الظاهر من الرواية.
وأما الحكم بفساد المعاملة، فلأن الذي يقتضي الحكم بصحتها - إذا نوزع في
كونها صحيحة - حمل أفعال المسلم على الصحة، وهنا إن حملنا على الصحة يلزم
أن يصير الأب مملوك الدافع ومعتقا، لأن العبد يدعي الصحة بهذا النحو، فلو كان
من جهة كونه مسلما فعله محمولا على الصحيح يلزم ما ذكرناه، وإلا فلا دليل على
صحة المعاملة عند النزاع سوى ما ذكرنا.
وهنا لا يمكن الحكم بصحة فعله من حيث كونه مسلما، لأنه محجور شرعا



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 296، وفي المصدر: (كيف يكون الحج صحيحا).
(2) في ب، ج، د: (وبرئ).
168
جزما، والمولى ينكر رفع حجره فيما ادعاه ويقول: ما أذنت له سوى التجارة
لنفسي، والعبد يدعي رفع حجره في الشراء لغيره والعتق عنه، فلا يسمع منه ما لم
يثبت بالبينة، لا بأنه مسلم والأصل في فعله الصحة.
ولذا لو تزوج العبد والمولى ينكر إذنه فيه ولا يرضى، يصير باطلا جزما،
وكذا إن وهب أموال السيد، أو تصرف في نفسه أو أموال المولى والمولى لا يرضى
يكون باطلا جزما، وإلا يفسد على المولى أموره.
وأيضا، المحجور بالسفه أو الفلس لو ادعى رفع حجره في معاملة وعامله،
وأنكر الولي والحاكم الإذن يكون باطلا حتى يثبت الإذن، والله يعلم.
في بيع الصرف
قوله: ولهذا يصح بيع بعضه ببعض.. إلى آخره (1).
وسيجئ في بيع تراب الصياغة أنه (عليه السلام) قال: " بعه بطعام " (2).
قوله: وفيه تأمل، إذ الإثم بذلك [مشكل].. إلى آخره (3).
لا يخفى أنه ورد النهي عن ذلك (4)، وهو حقيقة في الحرمة عنده وعندهم،
وورد في بعض الأخبار أنه ربا (5)، فليلاحظ.
قوله: [ما أحب] أن تفارقه حتى تأخذ الدنانير، فقلت: إنما هم.. إلى



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 301.
(2) الكافي: 5 / 250 الحديث 24، وسائل الشيعة: 18 / 202 الحديث 23493.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 302.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 168 الحديث 23403 و 169 الحديث 23407.
(5) لاحظ: وسائل الشيعة: 18 / 198 الحديث 23482.
169
آخره (1).
الظاهر من هذا التفريع، وقوله: " وهذا يشق عليهم " أن الراوي فهم من
قوله (عليه السلام): " ما أحب " أنه حرام، ويظهر ذلك من جواب المعصوم (عليه السلام) أيضا،
وأنه (عليه السلام) قرره على فهمه، بل ويظهر منه إرادته الحرمة، كما هو الحال في كثير من
المواضع من أنهم لا يريدون منه ومن لفظ الكراهة إلا الحرمة، ومر: " إن عليا (عليه السلام)
ما كان يكره الحلال " (2)، وغير ذلك، والعرف أيضا كثيرا ما يعبرون كذلك،
فتأمل.
قوله: وأصل الصحة، وعموم الأدلة أيضا يقتضي عدم البطلان بالمفارقة
.. إلى آخره (3).
قد عرفت أن هذا الأصل لا أصل له، لأن الصحة عبارة عن ترتب الأثر
الشرعي والأصل عدم الترتب حتى يثبت بدليل، وكذا الأصل بقاء الحالة السابقة
حتى يثبت خلافه، فظهر أن الأصل عدم الصحة.
وأما العمومات، فلا تقاوم الخصوصات الصحيحة السند المفتى بها عند جل
العلماء - بل كاد أن يكون الكل - والدلالة واضحة، لأن النهي حقيقة في الحرمة
وأما " لا أحب " فإنه ليس حقيقة إلا في القدر المشترك، وإن كان مشعرا
بالاستحباب، مع أن تفريعه (عليه السلام) بقوله: " فلا تفعله "، قرينة على أن مراده كان هو
المعنى الأعم الذي هو حقيقة فيه، مع أنا قد أشرنا إلى أن الراوي فهم الحرمة



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 303، الكافي: 5 / 252 الحديث 32، تهذيب الأحكام:
7 / 99 الحديث 429، وسائل الشيعة: 18 / 167 الحديث 23401 وفي المصادر: (أن
يفارقه حتى يأخذ الدنانير).
(2) وسائل الشيعة: 18 / 151 الحديث 23361، وقد مرت الإشارة إليه آنفا.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 304.
170
والمعصوم (عليه السلام) قرره، بل جوابه أيضا ظاهر في إرادته الحرمة، كما هو الشأن في
كثير من المواضع.
مع أن المراد لو كان مجرد نفس الصحة لكان يقول: إن شئت أن ترتب على
فعلك الأثر على سبيل اللزوم فافعل كذا، وأين هذا من دلالة الأخبار؟ بل
قوله (عليه السلام): " لا أحب " أيضا لا يوافق هذا.
وأما الدلالة على الاشتراط، فلما عرفت من عدم دليل على صحة هذا البيع
المنهي عنه، لأن الدليل هو: * (أحل الله البيع) * (1)، و * (أوفوا بالعقود) * (2)، و
* (إلا أن تكون تجارة) * (3)، وشئ من ذلك لا يشمل الحرام، كما هو ظاهر على
من تأمل أدنى تأمل، مضافا إلى ما ورد من أنه ربا.
على أنه (رحمه الله) صرح في بحث بيع الفضولي أن الظاهر أن النهي إنما هو لعدم
قابليته للبيع وعدم صلاحيته له (4).
وغير خفي على المتأمل أنه لو كان كما ذكره، فما نحن فيه أولى، كما لا يخفى
على من تأمل في هذه الأخبار، مثل قوله (عليه السلام): " إن نزا جدارا فانز معه " (5)،
وقوله: " فليأمر الغلام.. إلى آخره " (6)، وغير ذلك (7)، فتأمل.



(1) البقرة (2): 275.
(2) المائدة (5): 1.
(3) النساء (4): 29.
(4) راجع! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 159.
(5) تهذيب الأحكام: 7 / 99 ضمن الحديث 427، وسائل الشيعة: 18 / 169 ضمن
الحديث 23408، وفيها (حائطا) بدلا من (جدارا).
(6) الكافي: 5 / 252 ضمن الحديث 32، تهذيب الأحكام: 7 / 99 ضمن الحديث 429،
وسائل الشيعة: 18 / 167 ضمن الحديث 23401.
(7) لاحظ! مستدرك الوسائل: 13 / 348 الحديث 15567.
171
مضافا إلى ما ورد من أنه ربا (1)، ولو لم يكن ربا حقيقة إلا أنه في حكمه،
لأن الإطلاق إما على سبيل الحقيقة أو المجاز، وعلى الأول، فالأمر ظاهر، وأما
على الثاني، فلأن العلاقة هو الحكم الشرعي، وهو الحكم الظاهر الشائع الذي في
الربا، فتأمل.
ومما يؤيد، الإجماع الذي نقله.
وأما المعارض، ففيه ما ذكره (رحمه الله)، بل وأزيد، مثل: شذوذها، وكون الراوي
مثل عمار، فلا بعد فيما ذكره من كون النسيئة قبل القبض، من جهة أن الروايات
روايات عمار، فكثيرا ما يكون في رواياته عدم الضبط التام (2)، فتأمل.
قوله: مثل حسنة عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام).. إلى آخره (3).
لا يظهر من الحسنتين (4) أن المراد منهما ما ذكره، بل يحتمل أن المراد منهما هو
الإنفاق بجعله ثمنا أو مبيعا، لا أنه يعاوض بمثله، بل في " التهذيب " صرح بلفظ
الإنفاق في الحسنة الأولى في آخر الرواية (5) أيضا، وسيعترف الشارح (رحمه الله) بما قلنا
في قول المصنف (رحمه الله): (ويجوز إخراج الدراهم المغشوشة) (6).
قوله: ولكن إنه يحيى بن أبي القاسم المكفوف.. إلى آخره (7).



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 198 الحديث 23482.
(2) لاحظ! تعليقات على منهج المقال: 243.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 308، وحسنة عمر بن يزيد في: الكافي: 5 / 252
الحديث 1، وسائل الشيعة: 18 / 186 الحديث 23450.
(4) أي حسنة عمر بن يزيد - التي مر ذكرها في الهامش السابق - وحسنة علي بن رئاب:
وسائل الشيعة: 18 / 185 الحديث 23449.
(5) تهذيب الأحكام: 7 / 108 الحديث 464.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 321.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 311.
172
هو ثقة إمامي، كما حققناه في الرجال. وإن الحكم بالوقف سهو واشتباه (1).
قوله: من جهة أنه - حينئذ - بيع دين بدين، والظاهر عدمه.. إلى آخره (2).
لا تأمل في أنه لا يجوز.
قوله: ولهذا لم يسم الأخبار التي هو فيه بالصحة.. إلى آخره (3).
بل يسمي بالضعف، وإن ذكرنا في الرجال فيه توثيقا من موضع (4)، فليلاحظ!
قوله: بل جعل [صياغة خاتم الصائغ في مقابلة] تبديل درهم جيد بدرهم
ردئ.. إلى آخره (5).
بل لا خفاء في أن الظاهر أنه جعل مجرد التبديل أجرة الصياغة، وأنه ليس
ببيع أصلا.
قوله: ولكن بقي أنه قد يكون صياغة الخاتم [مقابلا لرداءة الدرهم].. إلى
آخره (6).
مع أن المذكور في الرواية (7) ليس إلا مجرد الوعدة، لا المشارطة والمعاقدة، مع
أنه لا يظهر منها مساواة الوزن.
وسيجئ في كتاب القرض رواية متضمنة لكون الدراهم السود أثقل من



(1) تعليقات على منهج المقال: 371 - 373.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 313، وفيه: (والظاهر عدم جوازه).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 315.
(4) تعليقات على منهج المقال: 315 - 316 محمد بن الفضيل.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 315.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 315.
(7) أي رواية محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني: وسائل الشيعة: 18 / 195 الحديث
23474.
173
البيض (1)، وأيضا الدراهم كانت توزن، فكانت ثقيلة وخفيفة قطعا، فتأمل.
قوله: ولهذا لا يتحقق الربا بين الجيد [في غاية الجيادة والردئ].. إلى
آخره (2).
هذا فيما إذا كان التمام فضة إلا أنها رديئة، أما إذا كان بعضها غير فضة إلا
أنه غش ودخل في الفضة وخلط بها، أو يكون طبقة من فضة وطبقة من نحاس
- مثلا - فلا.
وقد مر في حسنتي علي بن رئاب وعمر بن يزيد (3) ما يدل على وجود هذا
الدرهم في ذلك الزمان، وأنه لا مانع من إنفاقه إذا كان جاريا بين الناس.
وسيجئ رواية حريز (4) أيضا، عند قول المصنف: (ويجوز إخراج
الدراهم المغشوشة) (5).
قوله: [ولأن العقد على كل بمنزلة العقد على كل جزء جزء] ولعله لا خلاف
بينهم.. إلى آخره (6).
لأن البائع جعل في ذمته وعلى عهدته أن يؤدي جميع ما أوقع عليه العقد،
فيجب عليه الوفاء كذلك، ومقتضى ذلك أن يؤدي كل جزء جزء، فإذا حصل



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 65، الكافي: 5 / 253 الحديث 1، وسائل الشيعة:
18 / 191 الحديث 23464.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 316.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 308، والحسنتان في: وسائل الشيعة: 18 / 185 الحديث
23449 و 186 الحديث 23450.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 321، الكافي: 5 / 253 الحديث 3، وسائل الشيعة: 18 /
188 الحديث 23457.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 321.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 318.
174
المانع بالنسبة إلى البعض ليس له أن يقول: لا أؤدي الباقي، ولقوله (عليه السلام): " الميسور
لا يسقط بالمعسور " (1)، وقوله (عليه السلام): " ما لا يدرك كله لا يترك كله " (2)
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم " (3)، فتأمل.
قوله: لأن الغرض هو التساوي بين الجنسين [، والأرش زيادة جزء].. إلى
آخره (4).
فإذا اختلف الجنسان يجوز أخذ الأرش، لعدم الربا، فإن كان مقبوضا قبل
مفارقة المجلس فلا كلام، وإلا فإن قلنا: إن الأرش منحصر بحسب وضع الشرع
في الأثمان السليمة أو المسلوكة بين الناس أو الأعم منها ومن المعيبة، فالأرش
باطل، لفوت شرط الصحة، لأن الأرش جزء المبيع أو الثمن، فلا بد فيه من القبض
قبل مفارقة المجلس.
وإن قلنا: إن الأرش هو تفاوت القيمة صحيحا ومعيبا مطلقا - أعم من أن
يكون من الأثمان أو من العروض، كما هو ظاهر عبارة " القواعد " (5) - فالأرش
صحيح، وينصرف إلى العروض، ومتعين فيها.
ويمكن توجيه عبارة " القواعد "، بأن الأرش وإن كان بحسب أصل
الوضع هو الأثمان السليمة، إلا أنه يجوز أن يأخذ مستحقه عوضه بالتراضي
وبحسب الشرط في ضمن عقد المبايعة، سيما ومع أداء الحاجة إليه، لأن تعيين
الأخذ مجانا ضرر، كتعيين الرد، ولذا عمم الأرش، فتدبر.



(1) عوالي اللآلي: 4 / 58 الحديث 205، مع اختلاف يسير.
(2) عوالي اللآلي: 4 / 58 الحديث 207.
(3) عوالي اللآلي: 4 / 58 الحديث 206 مع اختلاف يسير.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 319.
(5) قواعد الأحكام: 1 / 132 - 133.
175
هذا، ثم إنه على تقدير عدم إمكان الأرش في المختلفين، هل يكون الحكم
مثل المتفقين من انحصار التخيير بين الرد والإمساك بغير أرش؟ أم يكون ما
يقابل الأرش من العوض باطلا، فيأخذ بالنسبة؟ أو يرد، على ما سيجئ من
اختيار الشارح في السلف معللا بأن الأرش جزء من الثمن (1)؟
وسيجئ تمام الكلام في أحكام العيب، فلاحظ.
قوله: فإنه قد يشم منه رائحة المخالفة، لما تقدم.. إلى آخره (2).
لا مخالفة، لأن المبيع في الحقيقة مجموع أجزاء كل جزء موصوف بالصحة،
ونفس الصحة أيضا جزء، وعلى البائع أن يؤدي جميع ما أمكنه أن يؤدي، لأن
التكليف بالمجموع تكليف بمجموع أجزاء كل جزء في ضمن الكل، فالتكليف بكل
جزء مستصحب حتى يثبت خلافه، ومجرد عدم التمكن من الجزء الآخر لا يرفع
التكليف ولا يثبت خلافه، للاستصحاب وللاطلاق، والعموم في الوفاء بكل جزء
جزء، وللأخبار، مثل: " الميسور لا يسقط بالمعسور " (3) وغيره.
وجميع ما ذكر إنما هو بالقياس إلى ما لا يمكن، وأما الأجزاء الممكنة
فالواجب على المشتري إما أخذ الجميع أو رد الجميع، ولا يمكنه أن يقول: أرد
بعض الممكن وأمسك بعضه من جهة أن بعضا منه لا يمكن الحصول، وللبائع أن
يقول: الجزء المعيب إن كان داخلا في عقدك ومن جملة الأجزاء لمبيعك، فكيف
ترده علي بخصوصه، من جهة عدم تمكني من الجزء الآخر الذي هو صحة ذلك
الجزء؟ وإن لم يكن داخلا ولا جزءا من مبيعك، فكيف تأخذه مني قهرا عند
اختيارك الإمساك والأرش؟ وهذا تحكم بحت منك، بالنظر إلى مقتضى العقود
والعهود والشروط، فتدبر.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 364.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 319.
(3) عوالي اللآلي: 4 / 58 الحديث 205، مع تفاوت في الألفاظ.
176
في النقد والنسيئة
قوله: فإن كان الثمن حالا بأن (1) شرط الحلول.. إلى آخره (2).
مقتضى العقد حلول اشتغال الذمة إذا كان مطلقا، فلو شرط ذلك لم يفد
سوى التأكيد، ولو شرط تعجيل الثمن - أي فعلية إقباضه بعد العقد بلا فصل
عرفي - فلا شك في أن هذا مغاير للأول، وكذا فعلية الإقباض في زمان معين، ولا
يخفى أنهما شرطان صحيحان.
نعم، لو شرط فعلية الإقباض بلا تعيين زمانه فالشرط باطل إن لم يفهم من
هذا الإطلاق تعجيله، وإلا فهو أيضا صحيح، وشرط مثل الصورتين السابقتين
وثمره ثمرهما، وهو أنه إذا أخل المشتري به يكون للبائع خيار الفسخ، لأن
المشتري ما وفى بجميع الشروط وما أدى جميع ما شرط كونه بإزاء المبيع، وكل ما
وقع العقد عليه، ولا يمكنه تدارك ما أخل به حتى يمنع البائع عن الفسخ ويلزمه
بالوفاء بما عقد عليه، لأن فعلية الإقباض من المشتري في أي وقت يكون - سوى
الوقت الذي وقع العقد والشرط عليه - لا ينفعه أصلا، لأنه مغاير للشرط.
فالشرط في صورة الإخلال به متعذر الحصول، محال الوجود، لما عرفت
من أن كل ما يمكن أن يوجد فهو أمر غير الشرط، والقاعدة المسلمة عند الكل
والصحيحة بالأدلة التي أشرنا إليها مكررا أنه عند تعذر مجموع ما جعل عوض
الشئ في المعاملة تكون المعاملة غير صحيحة، وعند تعذر بعضه يحصل خيار



(1) لم ترد: (كان الثمن حالا بأن) في المصدر.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 323.
177
الفسخ، وهذا الرضا من البائع غير رضاه حين العقد، بل حدث منه بعد تعذر
الشرط وإمكان المشروط وجواز التزامه المشتري بالقدر الممكن وبحسب ما
اقتضاه الأدلة، فهو صحيح من جهة دلالة الأدلة. والله يعلم.
قوله: فكأنه عقد وشرط، وقصد لزوم العقد معه من صاحبه مع إتيان
الآخر به.. إلى آخره (1).
لا يخفى أن البيع من العقود اللازمة والأصل فيه اللزوم، فإن أردت أن
الشرط مؤكد للزومه، فمع فساده في نفسه، محذورك باق على حاله، وإن أردت أنه
لا يفيد اللزوم إلا من جهة الشرط، فقد عرفت فساده، وإن أردت أن مثل هذا
البيع يكون المراد من نفس البيع مجرد الانتقال واللزوم يراد فيه من خصوص
الشرط، فهو أيضا فاسد، فإن المتبايعين حالهما بالنسبة إلى الشرط بعينه حالهما
بالنسبة إلى الثمن، فكما لا يرضى البائع أن يكون مبيعه ملكا للمشتري مجانا بغير
عوض ومن دون ثمن، بل جعله ملكا له بالثمن والعوض قطعا والمشتري أيضا
أقدم على ذلك جزما، فكذا لا يرضى أن يصير ملكا له بدون الشرط المذكور،
والمشتري أيضا أقدم على ذلك جزما، من دون فرق بين الثمن والشرط فيما ذكرنا
أصلا، لا بحسب عبارتهما في العقد، ولا بحسب مدلول عبارتهما، ولا بحسب
إرادتهما وقصدهما بالوجدان والمشاهدة، ولذا يكون الشرط من جملة الثمن،
واتفق الفقهاء على ذلك، بل لو ألقى ما ذكره الشارح إلى المتعاقدين لا يكاد يمكنهما
فهم ذلك ودركه، فكيف يحكم بكون ذلك مرادهما؟ وإن شئت فجرب.
وبالجملة، لا شبهة في فساد ما ذكره بالنسبة إلى مقصود المتبايعين.
وإن أردت أن الفقهاء يقولون أنه لا بد للمتبايعين أن يفعلا كذلك في مثل



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 324.
178
هذا البيع، فهو أيضا فاسد قطعا، بل لا يتوجهون إلا إلى حكم معاملة المتبايعين لا
أنهم يخترعون معاملة وينكرون معاملتهما.
وما ذكر لا يخفى على من له أدنى تأمل، ولهذا قال الشارح (رحمه الله): (وأما
عباراتهم.. إلى آخره) (1).
وأيضا، إن أراد الشارح أن هذا البيع بيع بعوضين جوازا ولزوما، جوازا
بكذا، ولزوما بكذا، فهو باطل جزما، للجهل وعدم التعيين، كما هو الحال في البيع
بثمنين إلى أجلين، مع أنه يلزم - على هذا - أنه لو اختار المشتري العوض
الجوازي لا يكون عليه شئ أصلا، ولا اعتراض مطلقا، وهو خلاف ما اقتضته
الأدلة، كما صرح به (2)، بل خلاف فتوى الفقهاء أيضا كما عرفت، وخلاف ما
عليه المتبايعان البتة، وخلاف الطريقة المسلوكة من المسلمين.
مع أنه يلزم على ذلك أن يكون للمشتري أيضا خيار الفسخ كالبائع، وهو
خلاف ما اتفق عليه الفقهاء في جميع مواضع الخيار، مع أن البيع الجوازي غير
موجود شرعا، لأن البيع لزومي. نعم، ربما يعرضه جواز بقدر قليل ثبت من
طرف الشرع، وإلا فالأصل فيه اللزوم، ولا بد من اللزوم فيه على أي حال.
وإن أراد أن البيع بيع واحد لزومي فقط وليس التراضي إلا به، فمع اختلال
الشرط عند الشارح يصير فاسدا، لعدم تحقق الشرط، وإن قال عند تعذر الشرط
يتحقق خيار الفسخ لعدم تحقق جميع العوض والإمضاء، لإمكان إلزام المشتري
بالقدر الممكن، كما هو الحال في تبعض الصفقة وخيار العيب وأمثالهما، فمع أنه
خلاف ما اختاره، لأنه يناقش فيما ذكروا بما يرجع إلى ما ذكرناه بعينه، فلا حاجة



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 324.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 324.
179
إلى العنايات الفاسدة، فتدبر.
قوله: وأما عباراتهم في ذكر الشروط.. إلى آخره (1).
قد عرفت من الحاشية أنه لا غبار في كلماتهم، وأن مطلوبهم واحد، وأن
الشرط شرط نفس العقد، وأن الرجوع إلى الجواز إنما هو بعد تعذر الشرط،
لقاعدتهم الصحيحة الثابتة، وأن الجواز إنما هو بالنسبة إلى أحد طرفي العقد، وهو
الذي له الشرط المتعذر لا الذي عليه ذلك الشرط، وأن ذلك عند التبعض لا تعذر
جميع العوض، وأن اختيار الإمضاء برضا جديد منه لا الرضا الذي كان حين
العقد، وظهر الإشارة إلى الوجه في جميع ما ذكر، فتدبر.
قوله: [فالظاهر عدم الفرق بينه وبين عدمه مع التعجيل] والإطلاق، بل
مع التأجيل أيضا.. إلى آخره (2).
لقائل أن يقول: مقتضى الإطلاق انتقال كل واحد من العوضين إلى الآخر
وصيرورته حقا له وملكا من أملاكه، فإذا لم يعطه يكون غاصبا آثما ولصاحب
الحق أن يأخذه قهرا إذا تمكن منه، وكذا خفية إذا تمكن منه، وإلا فله أن لا يعطي
العوض، بل يأخذه تقاصا، هذا بخلاف ما لو شرط تعجيل الإعطاء والمسارعة
إلى الإقباض، فالظاهر أنه شرط زائد عن مقتضى الإطلاق، وأنه داخل في
الشروط وحكمه حكمها، ويكون معنى العقد أن المبيع ملكك بشرط تعجيل الثمن.
فوجوب الوفاء إنما هو بعد تحقق الشرط.
وأما كون هذا موجبا للخيار لا أنه مبطل لو لم يتحقق الشرط، فلأنه حق
من حقوق البائع جعله بإزاء المبيع، فكأنه قال: المبيع ملكك بشرطين، الثمن
المعين، وكونه يصل إلي معجلا، والمشتري رضي بذلك، فيجب عليه الوفاء



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 324.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 324.
180
بالشرطين، فإذا لم يف بالتعجيل ورضي البائع بالشرط الآخر فقط، يجب على
المشتري الوفاء بإعطائه، لأنه كان واجبا عليه في ضمن المجموع، وكان هو واجبا
وغيره، فلا معنى لأن يعتذر بأني لما لم أعط الشرط الآخر وفات، فلي أن لا أعطي
الشرط الممكن أيضا وأفسخ البيع.
وهذا مثل خيار تبعض الصفقة، بل وأولى منه، كما لا يخفى.
ومن هذا ظهر ما في قوله: (وإذا سلم في الشروط.. إلى آخره) (1)، إذ ظهر
الدليل، وأنه لا حاجة إلى الإجماع، وأنه لا وجه لتوقفه في الشروط أيضا، وأن
دليله جار فيما نحن فيه، فتأمل.
قوله: [المقصود والمفاد وصريحة] لزوم الإعطاء بعد العقد بلا فصل.. إلى
آخره (2).
فيه، أنه على هذا يكون الإقباض داخلا في ماهية البيع وحقيقة العقد، وأن
به يتحقق الانتقال في الملك (3) لا بالعقد، وأن القبول لا فائدة فيه، وأن الركن هو
الإقباض، بل الإيجاب أيضا لا فائدة فيه، لأن المشتري أيضا لا يرضى بغير
الإقباض كالبائع، فيكون ركنا البيع هما الاقباضان، فيبطل جميع الأحكام
المتعلقة بعدم الإقباض بعد البيع، مثل: تلف المبيع قبل القبض، وغير ذلك.
وأيضا، قد مر أن القدرة على التسليم في الجملة شرط للبيع، فكيف يكون
نفس التسليم ركنا ومحققا للماهية؟!
وبالجملة، إن جعل معنى البيع والشراء وعقدهما هو أن المبيع - مثلا -
ملكك بشرط أن يكون الثمن ملكي وأن تقبضني إياه حتى يصير ملكك - وكذا



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 324.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 324.
(3) في ب: (والملك)، بدلا من: (في الملك).
181
الحال (1) في جانب المشتري - فالأمر كما ذكرناه.
وإن جعل المعنى أن المبيع - مثلا - ملكك بإزاء أن يكون الثمن ملكي، فلا
وجه لما ذكره الشارح (رحمه الله)، لأن الذي لم يقبض يكون آثما غاصبا، كما ذكرناه،
فتأمل.
قوله: ويؤيده الأصل، وعدم الضرر على الممتنع، وحصوله.. إلى
آخره (2).
قد عرفت الفرق بين اشتراط فعلية الإقباض وعدم الاشتراط، وكذا
الفرق بين تعذر العوض واستحالته وعدم تعذره واستحالته، وكذا الفرق بين تعذر
الجميع وتعذر البعض، وحكم كل واحدة من الصور، وأن الحكم هو الذي حكم
به الفقهاء لا غير، وحكمهم صحيح ثابت من الأدلة، وأشرنا إلى الأدلة.
فلا وجه لما ذكره، وكذا لا وجه لقوله: (إلا أن في صحيحة علي.. إلى
آخره) (3)، إذ هو الخيار (4) في التأخير المسلم عند الفقهاء بصورته المذكورة في
الأخبار، وشروطه الظاهرة منها.
قوله: وكأنه محمول على الخيار وعدم اللزوم، لكن مع عدم قبض المبيع
أيضا.. إلى آخره (5).
إن شاء الله سيذكر في بحث الخيارات أن ظاهرها عدم اللزوم للمشتري (6)،



(1) في ألف: (وكذا حال العوض).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 325.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 325، وصحيحة علي بن يقطين في: وسائل الشيعة:
18 / 22 الحديث 23052.
(4) في ب: (بالخيار).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 326.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 406.
182
فلاحظ!، وادعوا على ذلك الإجماع أيضا.
قوله: وفي سند الأخيرة أبو إسحاق (1)، وهو مذكور.. إلى آخره (2).
هو إبراهيم بن هاشم، وهو من الأعاظم المعروفين (3)، ولذا ذكره في الأول،
ولم يتعرض لوجهه.
وأما محمد بن أبي حمزة، فالظاهر عدم الاشتراك، كما حقق (4).
قوله: [بين البجلي الثقة] والثمالي المهمل، فحمل الشيخ غير بعيد.. إلى
آخره (5).
لا شبهة في أن الثقة هو محمد بن أبي حمزة الثمالي، والمهمل - إن كان - فهو
محمد بن أبي حمزة التيملي (6).
وأما محمد بن أبي حمزة البجلي، فغير مذكور أصلا، لا في كتب الرجال، ولا
في غيرها، وهو توهم من الشارح (رحمه الله).
قوله: ولأنه قد يؤول إلى النزاع والتشاجر [فيبطل حينئذ].. إلى آخره (7).
ولأن مقتضى العقد الانتقال من حين العقد، وغير المعين لا ينتقل البتة، فتأمل.
قوله: لأنه مردد، ويؤيده [ما نقل عن العامة والخاصة] (8).
ولأن العقد يقتضي الانتقال - كما قلنا - وهذا فرع التعيين، إذ لم يتعين



(1) كذا، وفي المصدر: (وفي السند أبو إسحاق).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 326.
(3) تعليقات على منهج المقال: 29. راجع! تنقيح المقال: 1 / 41.
(4) تعليقات على منهج المقال: 274، وكذا في صفحة 111 منه في ترجمة حسين بن أبي حمزة.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 326.
(6) راجع: رجال الشيخ الطوسي: 306 الرقم 417.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 327.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 327.
183
انتقاله، لأنه لم يتعين المنتقل، فأي شئ انتقل وأيهما تحقق؟!
قوله: [من النهي عن بيعين] في بيع واحد، وقد فسر بمثل ذلك.. إلى آخره (1).
الدال بإطلاقه على النهي فيما نحن فيه، وإن احتمل معنى آخر، لأن الاحتمال
من باب شمول الإطلاق والعموم، فتأمل.
قوله: لعدم الفرق، وهي رواية النوفلي.. إلى آخره (2).
هذا بناء على ما سيذكره من أن الأجلين تغليب، لكن يشكل التعدي على
هذا، لأن الظاهر أنه قياس، والأولى التمسك بعدم القول بالفصل إن كان إجماع
مركب، أو البناء على أن العدول من قوله: (نسيئة)، مع غاية اختصاره،
ووضوح دلالته، ومطابقته لما ذكر في صورة المسألة، ومناسبته له إلى القول
الطويل المخالف لما ذكر، لفائدة اظهار التعميم وجعل القاعدة كلية، كما فهم
الجماعة، فتأمل.
قوله: فخذها بأي ثمن شئت، واجعل صفقتها واحدة.. إلى آخره (3).
لا يخفى أن الظاهر من هذا الكلام عدم تحقق المبايعة، لأن المشتري أحد
طرفي العقد والآن يقول البائع له: خذها بأي ثمن شئت واجعل الصفقة - أي بعد
الأخذ والاختيار - كما هو ظاهر أيضا، فالمشتري إن أخذ بالثمن الذي شاء فلا
شك في أنه معين فتصير الصفقة على ذلك المعين، وإلا فلم يقع بيع كما هو ظاهر



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 327، وسائل الشيعة: 18 / 37 الحديثان 23085 و 23086.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 328، ورواية النوفلي في: تهذيب الأحكام: 7 / 53
الحديث 230، وسائل الشيعة: 18 / 37 الحديث 23083.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 328، وهو من رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام):
الكافي: 5 / 206 الحديث 1، من لا يحضره الفقيه: 3 / 179 الحديث 812، تهذيب
الأحكام: 7 / 47 الحديث 201، وسائل الشيعة: 18 / 36 الحديث 23082.
184
الرواية، فكيف يتأتى الاستدلال بها للمقام؟!
ويمكن المناقشة بمثل ذلك في الرواية الأولى أيضا، فتأمل.
قوله: لعل معناه أنه يبين كل واحد منهما [قبل وقوع البيع].. إلى آخره (1).
هذا بعيد، بل الظاهر أن المراد أنه لا بد من تعيين أحدهما قبل البيع وإيقاع
البيع بذلك المعين، وأما إذا لم يعين (2) فليس له إلا أقلهما وإن كانت نظرة، وهذا إما
انتقام ومؤاخذة منه بسبب تقصيره في التعيين حين الصفقة وعدم مراعاته فقه
التجارة وآدابها، أو محمول على الاستحباب من جهة مسامحته في الفقه فيها، أو
المراد أنه لا يعطى غالبا إلا أقلهما - وإن كانت نظرة - من جهة أنه لما لم يقع ضبط
وتعيين تقع منازعات ومخاصمات وتعليلات من المشتري في اختياره الأقل، وأن
بناءه كان على الإعطاء عاجلا، فحصل التأخير من طرف البائع والتقصير من
جهته.
هذا وأمثال هذا، حتى أن المشتري ربما يصرح باختيار النقد والعاجل إلا
أنه مما طل بدعوى اختياره الأجل بعد الاختيار الأول ويبني أمره على
التزلزل، فتأمل.
ويمكن أن يكون ذلك اظهارا لفساد العقد ووقوع التسليط على الإتلاف
بإزاء أن يعطي أحد الثمنين، فلا تسلط له في أخذ الأكثر بعد أن رضي بالأقل
أيضا، وكون الأقل بقيد التعجيل والحلول غير نافع، لعدم تحقق حلول في الفاسد،
وكذا المؤجل الفاسد لا يتحقق فيه تأجيل شرعا، فيأخذ العين من الحين والعوض
كذلك إن تلفت، تأمل فيه.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 328.
(2) في ه‍: (يبين).
185
قوله: وهذه ما ذكرها في " التذكرة "، وأظن حسن سندها، لأن الظاهر أن
محمد بن قيس هو الثقة الذي ينقل عنه.. إلى آخره (1).
لا يخفى أن هذه الرواية (2) لا يمكن أن تصير دليلا للجماعة، لأن مقتضاها
تسلط البائع على أخذ الأقل حالا أيضا، حيث جعل النظرة هي الفرد الأخفى،
فالأصلي هو الحال، وظاهرها أن البائع ليس له إلا الأقل وإن أخر الأخذ إلى
الأجل طمعا في أخذ الأكثر الذي شرطه، مع أن ظاهرها عدم وقوع المبايعة، بل
مجرد المساومة، بل قوله: " فخذها بأي ثمن شئت، واجعل صفقتها " ظاهر في
جعل العقد والمبايعة بالنسبة إلى خصوص أحد الثمنين، لأن الصفقة هي العقد
والمبايعة، وقال: اجعل صفقة تلك السلعة واحدة، لأن ظاهر السياق أن قوله:
" اجعل " أمر كلفظ: خذ، وخذ بأي ثمن تعيين لا ترديد، لأنه إما أن يأخذ بالأقل
أو يأخذ بالأكثر حتى يطابق أمر البائع وطلبه، وظاهرها أن جعل الصفقة واحدة
هو بعيد الأخذ والاختيار. فيكون الظاهر ما ذكرناه، وإن قلنا أن قوله: " أجعل "
- على صيغة المتكلم - فتأمل!
والحاصل، أنه لم يظهر من الرواية أن المعاملة وقعت بأزيد مما تكلم به
البائع، فيقول المعصوم (عليه السلام): إذا وقعت بمجرد ما تكلم به البائع من غير تعيين قبل
البيع وإيقاع الصفقة بذلك المعين، وأراد البائع أن يأخذ من المشتري ثمن هذه
المعاملة الواقعة بمجرد ما ذكره البائع، فليس للبائع تسلط على أن يأخذ من
المشتري الثمن الأكثر وإن كان أنظره إلى الأجل، إذ بمجرد الإنظار - الذي هو
فعله - لا يستحق أن يأخذ من المشتري ذلك الثمن.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 328، تذكرة الفقهاء: 1 / 491.
(2) أي: رواية عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام)، الكافي: 5 / 206
الحديث 1، وسائل الشيعة: 18 / 36 الحديث 23082.
186
وأما المشتري وإن وعد وشرط أن يعطي الأكثر بعد النظرة إلا أنه لا يلزم
عليه الوفاء، بحيث يتسلط على الأخذ منه بائع المتاع أو غيره، بل لا يجب عليه
الوفاء. نعم، يستحب عليه الوفاء، لأن كل شرط ووعد يتحقق من المسلم لا يجب
عليه الوفاء ولا يتسلط على الأخذ منه آخذ ما لم يقع في ضمن عقد لازم، ولم يقع
هاهنا في ضمن العقد اللازم، إذ لم تقع المعاملة بأزيد مما ذكره البائع في مقام
المساومة.
على أنه على تقدير أن يقدر في الحديث حكاية وقوع المعاملة بصفقة
واحدة بعنوان الترديد بين الشقين (1) - كما فهمه الشارح - وإن كان خلاف ما يظهر
من الحديث.
فحكم المعصوم أيضا - كما ذكرنا - موافق للقاعدة، لعدم صحة المعاملة، كما
هو المشهور عند الأصحاب، فإذا أراد أن يعطي متاعه للمشتري ويأخذ ثمنه منه
فليس له - على سبيل التسلط - إلا أخذ الأقل، فتأمل.
قوله: ولا يحل مال امرئ إلا بطيب النفس (2) منه.. إلى آخره (3).
ولقوله تعالى: * (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * (4)، وقوله:
* (أوفوا بالعقود) * (5)، و * (أوفوا بالعهد) * (6)، و * (أحل الله البيع) * (7)، و



(1) في ألف: (الشيئين).
(2) كذا، وفي المصدر: (نفس).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 329، والحديث بمعناه في: عوالي اللآلي: 1 / 222 الحديث
98 و 2 / 113 الحديث 309 و 2 / 240 الحديث 6 و 3 / 473 الحديث 3.
(4) النساء (4): 29.
(5) المائدة (5): 1.
(6) الإسراء (17): 34.
(7) البقرة (2): 275.
187
" المسلمون عند شروطهم " (1)، وغير ذلك مما يظهر من تتبع تضاعيف أحاديث
الأحكام.
وورد منهم (عليهم السلام) أنه: إذا ورد إليكم حديث فاعرضوه على سائر أحكامنا،
فإن وجدتم موافقا لها فاقبلوا، وإلا فلا (2)، والعبارة ليست ببالي، إلا أنها بهذا
المضمون.
قوله: [فكيف العمل بها] مع كونها حسنة؟!.. إلى آخره (3).
بل وغير معمول بها أيضا، كما عرفت.
قوله: [دخوله تحت الغرر المنفي والجهل الممنوع غير ظاهر]، لأن الاختيار
إليه، وعلى كل من التقديرين الثمن معلوم.. إلى آخره (4).
لا يخفى، أن الكلام في وقوع المبايعة كذلك، لا أن يكون خصوص الإيجاب
كذلك، والمشتري يقبل أحد طرفي ذلك، فيحصل التعيين لذلك، ويقع العقد
- الذي هو مجموع الإيجاب والقبول - على المعين مع الإشكال في الإيجاب أيضا،
فإنه ما أوجب معينا، وغير المتعين لا يمكن تحققه ووقوعه وانتقاله، فإن العقد
ناقل ومملك، والنقل والملك لا يتحقق إلا به، والاختيار ليس مملكا
وناقلا.
قوله: ولزوم العقد موقوف (5) لا صحته، وإلا يشكل الأمر.. إلى



(1) الكافي: 5 / 169 الحديث 1، عوالي اللآلي: 2 / 258 الحديث 8، وسائل الشيعة:
18 / 16 الحديث 23040 و 23041.
(2) لاحظ: بحار الأنوار: 2 / 244 الحديث 52، وسائل الشيعة: 27 / 121 الحديث
33373.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 329.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 329.
(5) كذا، وفي المصدر: (ولزوم العقد على ذلك الشرط).
188
آخره (1).
قد عرفت فساد جعل الشرط شرطا للزوم العقد دون صحته وانتقال
العوض.
ونزيد توضيحا هنا بأن: جميع الفقهاء - حتى الشيخ علي، والشهيد، ومن
وافقهما في جعل المتوقف على الشرط هو اللزوم خاصة (2) - اتفقوا على أن الشرط
من جملة العوض وتتمته، وكذلك كل من يوقع عقد البيع متفق على إرادة كونه من
الجملة والتتمة.
والأدلة أيضا تقتضي ذلك، بلا شك ولا شبهة.
وأيضا، قولك: بعت هذا بالثمن المعين والشرط المعين، صريح في ذلك، لأن
المعطوف في حكم المعطوف عليه، والعامل فيهما كلمة (بعت)، وحرف الباء.
إذا عرفت جميع ذلك، فنقول: إن مجموع العوض الذي هو مدخول حرف
الباء - أي الثمن والشرط - إما يكون بإزاء الانتقال خاصة، أو بإزائه وإزاء اللزوم
أيضا، أو بإزاء اللزوم خاصة:
والأولان، يوجبان الدور في المقام بلا شبهة.
والثالث، يوجب كون الانتقال في البيع بلا عوض، وهو فاسد قطعا، لأن
الانتقال بلا عوض من خواص الهبة، فكيف يجوز كون البيع هبة؟! ثم كيف يصير
منشأ اللزوم موجبا لقلب ماهية الهبة إلى البيع؟! وكيف مع عدم الوفاء بالملزم (3)
يصير معا جائزا؟



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 330.
(2) راجع: جامع المقاصد: 4 / 204، الروضة البهية: 3 / 515 - 516، مفتاح الكرامة:
4 / 433.
(3) في ه‍: (بالملزوم).
189
بقي أن يكون بعض العوض المذكور بإزاء الانتقال والبعض الآخر بإزاء
اللزوم - كما اختاره الشهيد ومن وافقه - فمع أنه خلاف مدلول عبارة العقد، لاتحاد
اللفظ والعبارة، واتحاد المدلول والدلالة، واتحاد القصد والإرادة، لأن مقصود
المتعاقدين ليس سوى مدلول العبارة، فالتفكيك المذكور تحكم بحت، وترجيح بلا
مرجح.
ومع ذلك، إن أرادوا كون هذا البيع بثمنين على تقديرين - أي عوضين،
عوض على تقدير اختيار مجرد الانتقال، وعوض على تقدير اختيار لزوم
الانتقال - فهذا البيع فاسد عند جميع الفقهاء، حتى الشهيد والشيخ علي (رحمهما الله)
وأمثالهما (1)، بل فساده من وجوه متعددة، كما عرفت مما كتبناه في حاشيتنا عند
قول المصنف: (من باع مطلقا أو شرط التعجيل) (2).
ومع ذلك لا ينفع في المقام، إذ لو اختار اللزوم فالدور بحاله، وإن اختار
الجواز فلا وجه إذن للشرط.
وإن أرادوا كون البيع بثمن واحد على تقدير واحد إلا أن بعض الثمن بإزاء
الانتقال وبعضه بإزاء اللزوم، ففيه أنه على هذا كيف يتصور تفكيك أجزاء البيع
الواحد على الفرض الواحد، حتى يقال: يؤثر أولا انتقاله، ثم يبقى لزومه
متزلزلا، إن وفى بثمنه وعوضه يتحقق اللزوم أيضا، وإلا فيبقى الجواز والانتقال
خاصة؟!
فإن قلت: الفقهاء صرحوا بأنه عند فقدان الشرط يكون للمشترط خيار
الفسخ، وهذا صريح في كون الشرط بإزاء اللزوم، وأنه المتوقف عليه.



(1) راجع! تحرير الأحكام: 1 / 173، جامع المقاصد: 4 / 204، الروضة البهية: 3 / 514.
(2) مر في الصفحة: 178 من هذا الكتاب.
190
قلت: الفقهاء ما خصصوا خيار الفسخ بفقدان الشرط، بل قالوا بخيار
الفسخ بفقدان أي جزء من أجزاء الثمن، وأي جزء من أجزاء المبيع، وأي وصف
من أوصافهما، ومن جملة ذلك فقدان الشرط.
ومعلوم أنه ليس جزء من أجزاء المبيع بإزاء اللزوم، بل الجميع بإزاء الثمن
على حد سواء، وكذا الحال في أجزاء الثمن والأوصاف، وأيضا خيار الفسخ في
المشروط عند فقد الشرط إنما يكون للمشترط فقط.
وأما الذي عليه الشرط فلا خيار له أصلا باتفاق جميع الفقهاء حتى الشيخ
علي والشهيد (1) وأمثالهما، فلو (2) كان المتوقف على الشروط هو اللزوم خاصة
لكان للمشتري أيضا خيار الفسخ.
وأيضا، قد عرفت سابقا أن الخيار في الفسخ للمشترط، وإن كان بسبب
التراضي الواقع حين العقد، لكن خياره في الإمضاء ليس بذلك الرضا منه، بل
رضا جديد يحدث منه، ويلحق العقد وله هذا الرضا اللاحق بمقتضى الأدلة التي
عرفت.
فإن قلت: لعل نظر المحقق الشيخ علي والشهيد (رحمهما الله) والغير إلى ما ذكرت.
قلت: لا يدفع الدور، بل يحققه ويؤكده ويتفرع عليه، لأن فقدان الشرط
هنا من جهة الاستحالة الكائنة من الدور، ومع ذلك لا خيار للمشتري أصلا كما
عرفت.
والدور إنما حصل من جهة المشتري بأن تملكه فرع تمليكه، وتمليكه فرع
تملكه. ومع ذلك، الكلام في صحة العقد مع تحقق الشرط كما اختاره الشهيد (رحمه الله) (3)



(1) مسالك الأفهام: 1 / 142.
(2) في ألف، د، ه‍: (ولو).
(3) الدروس الشرعية: 3 / 203.
191
وموافقوه، لا مع رفع اليد عنه لاستحالته.
فإن قلت: ما تقول في البيع بشرط العتق؟
قلت: لم يثبت توقف عتق المشتري - على أي حال يكون - على تمامية
ملكه، إذ لعل ما نحن فيه خرج عن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا عتق إلا في ملك " (1) بسبب
النص وإجماع الأصحاب (2)، أو يكون العتق من جهة البائع الآمر، أو يكون
النص والإجماع قرينة على أن المراد من الشرط هنا غير معناه الظاهر، بخلاف ما
نحن فيه، بل الأمر فيه بالعكس.
فإن قلت: ما تقول في البيع بشرط أن يبيع من الغير؟
قلت: لم يظهر بعد صحة هذا، ولا القائل بالصحة - كما لا يخفى على المطلع -
ومع ذلك نقول: بيع المشتري - على أي تقدير - لم يثبت توقفه على تمامية ملكه، إذ
لعله يكون البيع من جهة البائع الآمر الشارط، ولا يمكن البيع من جهة على نفسه
كما هو ظاهر، فتأمل جدا.
وبهذا الجواب صرح العلامة، مع ادعائه صحة اشتراط البيع من الغير
عندنا (3).
فإن قلت: البائع يريد الانتقال من حين العقد، فكيف توقفه على الشرط؟
قلت: لعله يريد الانتقال المتزلزل إلى أوان الشرط، فإن وقع يكشف عن



(1) عوالي اللآلي: 2 / 299 الحديث 4 و 3 / 421 الحديث 3، وفي: الكافي: 6 / 179
الحديث 2، تهذيب الأحكام: 7 / 217 الحديث 774، الاستبصار: 4 / 5 الحديث 15،
وسائل الشيعة: 23 / 15 الحديث 28998 ورد لفظ الحديث هكذا: " لا عتق إلا بعد
ملك ".
(2) راجع: مفتاح الكرامة: 4 / 739.
(3) تذكرة الفقهاء: 1 / 490، حيث ذكر فيه: (أما لو شرط أن يبيعه على غيره صح عندنا).
192
تحققه ولزومه من حين العقد، وإلا فلا، فتأمل.
فإن قلت: الفقهاء لم حكموا هنا بالبطلان، ولم يقولوا بالصحة بعد رفع اليد
عن الشرط وتحقق خيار الفسخ؟
قلت: طريقتهم في كثير من أمثال المواضع الحكم بالبطلان، مثل اشتراط
الأجود، وغير ذلك مما هو كثير.
قوله: فقال: ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك.. إلى آخره (1).
لا يخفى، أن المتاع غير الطعام وما يكال بحسب الظاهر، والمراد من
الحديث أن الرجل إذا أمر رجلا آخر أن يشتري متاعا ليشتري منه ويعطيه
الربح يخاف أن يكون هذا ربا، فأجاب (عليه السلام): إن البيع صار واسطة، والثاني إذا
اشتراه وأربحه إنما يشتريه ما اشتراه الأول، فلا ربا، بل هو ربح المعاملة.
فلا دلالة في الروايتين (2) على الصحة فيما يكال أيضا، لما ستعرف أن المانع
هو كونه يكال، لا تحقق الربا وكون الربح من غير جهة المعاملة، ولذا صرح في
صحيحة الحلبي (3) الآتية بالصحة في المتاع، والفساد في الطعام معللا بأنه يكال،
فتأمل.
قوله: يشتري الثمرة ثم يبيعها قبل أن يأخذ.. إلى آخره (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 337، تهذيب الأحكام: 7 / 51 الحديث 220، وسائل
الشيعة: 18 / 51 الحديث 23118.
(2) أي: الرواية السابقة المشار إليها بقوله: " فقال: ابتع لي متاعا.. "، والرواية الآتية في
قوله: " يشتري الثمرة ثم يبيعها.. ".
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 339، من لا يحضره الفقيه: 3 / 136 الحديث 594،
تهذيب الأحكام: 7 / 55 الحديث 240، وسائل الشيعة: 18 / 67 الحديث 23162.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 337، من لا يحضره الفقيه: 3 / 132 الحديث 576،
تهذيب الأحكام: 7 / 88 الحديث 376، وسائل الشيعة: 18 / 225 الحديث 23550.
193
لعل المتبادر من الثمرة في الحديثين (1) كونها على الشجر، وعدم كونها مما
يكال، سيما بملاحظة صحيحة الحلبي الآتية (2).
وبالجملة، لا يقاوم دلالة هذين دلالة الصحيحة وغيرها، وذكر الشارح
هذين الصحيحين عند قول المصنف: (وأن يبيع ما ابتاعه) (3) - في بحث بيع الثمار -
وأنه يجوز عند الفقهاء قبل القبض وبعده من دون تأمل، فلاحظ.
قوله: " لا يصلح " من عبارات الكراهية.. إلى آخره (4).
عدم الصلاح له ظهور في المنع، سيما بملاحظة أن مقابل الصلاح الفساد،
وهو المناسب في أمثال المقام، مع أن النهي حقيقة في الحرمة، وليس هاهنا
معارض، لما عرفت من أن ما في الصحاح غير محل النزاع، وما في الضعيف (5) -
مع ضعف السند - لا يقاوم دلالته النهي، بل وعدم الصلاح أيضا. هذا في رواية
أبي بصير (6).
وأما رواية الحجاج (7)، فيمكن اختصاصها بموردها.



(1) المراد منهما: الحديثان 376 و 377 من تهذيب الأحكام: 7 / 89، ومجمع الفائدة
والبرهان: 8 / 337 الحديثان 2 و 3.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 339، وسائل الشيعة: 18 / 67 الحديث 23162.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 212.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 339.
(5) أي رواية أبي بصير التي سنشير إليها في الهامش التالي.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 337، تهذيب الأحكام: 7 / 37 الحديث 154، وسائل
الشيعة: 18 / 69 الحديث 23168.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 338، من لا يحضره الفقيه: 3 / 131 الحديث 569،
تهذيب الأحكام: 7 / 39 الحديث 164، وسائل الشيعة: 18 / 69 الحديث 23171،
إلا أن صاحب " الوسائل " حذف آخر الحديث من دون إشارة إليه، ولكن استدرك في
جامع أحاديث الشيعة: 17 / 489 الحديث 5، فلا تغفل!، وفي المصادر: (ابن الحجاج).
194
ورواية جميل (1)، يمكن حملها على عدم البأس بالبيع في الجملة، فتأمل.
وكيف كان، لا نجد معارضا مطلقا من جهة ضعف السند، مع أنه سيجئ في
بحث السلف عدم جواز بيعه قبل الحلول إجماعا، فرواية الحجاج مخالفة للمجمع
عليه عندهم.
قوله: [جواز المواضعة أيضا]، لكن الأوليين ينفيانها أيضا.. إلى آخره (2).
يمكن حمل الأول على ورود الشرط مورد الغالب من عدم البيع وضيعة، أو
أن البيع قبل القبض لا يكون بالوضيعة غالبا، مع أنه يشعر بحرص وشدة رغبة
فيه، ولا يكون غالبا إلا بالمرابحة وبعدها التولية. وبما ذكرنا يتفق الأخبار وأجزاء
هذا الخبر.
قوله: وهذه جعلت المنفي فيها مرابحة [والجواز التولية].. إلى آخره (3).
قد عرفت عدم المخالفة والتفاوت، وعدم ضرر أصلا، وعدم شئ مطلقا
بمقتضى القواعد.
قوله: [ثم إنه] يمكن حمل أخبار المنع مع ما عرفت فيها.. إلى آخره (4).
بعيد جدا، مع أنه لا مقاومة بحسب السند، فلا وجه للحمل، مع أنه ربما
يستفاد من الروايات أن القبض ثم البيع للتبعد (5) عن شباهة الربا، فتأمل.
قوله: [في اشتراط الوزن والكيل] تأملا، وعلى تقدير التسليم.. إلى آخره (6).



(1) الكافي: 5 / 179 الحديث 3، تهذيب الأحكام: 7 / 36 الحديث 151، وسائل الشيعة:
18 / 66 الحديث 23158.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 341، وفي المصدر: (لكن الأولتين تنفيانها أيضا).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 341.
(4) مجمع الفائدة: 8 / 341.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 65 الحديث 23153 وباقي أحاديث الباب.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 342.
195
قد مر ما في تأمله، مع أنه لا مانع من أن يكون ما يكال أو يوزن لا يجوز
بيعه قبل القبض وقبل الكيل والوزن، وإن لم يكن شرطا.
قوله: وأظن (1) أن هذا توجيه لا بأس به.. إلى آخره (2).
لا نفع في هذا التوجيه، لعدم القائل بالفصل، مع أنه بعيد بالنسبة إلى ظواهر
الأخبار الأخر، ولا داعي لارتكاب البعيد، لأن إثبات الشئ لا ينفي ما عداه.
وبالجملة، الأخبار ظاهرة في المنع في المكيل والموزون وغير التولية بلا
مانع ولا معارض، فتأمل جدا.
في السلف
قوله: من لزوم الغرر المنفي [لولا الذكر].. إلى آخره (3).
وللعلة المنصوصة في رواية جابر الآتية (4) في قول المصنف: (ولا يصح
المذروع) (5)، وكذا السفه والضرر والتعيين لرفع النزاع، وغير ذلك.
قوله: وفي الإثم تأمل، كما مر في الصرف.. إلى آخره (6).
في تأمله في خصوص الإثم نظر ظاهر، بعد اعترافه بأنه ظاهره أنه يحصل



(1) كذا، وفي المصدر: (أظن).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 342.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 347.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 351، الكافي: 5 / 222 الحديث 12، وسائل الشيعة:
18 / 287 الحديث 23684.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 351.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 347.
196
الإثم أيضا، فإن الإجماع المنقول (1) إن كان حجة - بناء على أن ما دل على حجية
الخبر الواحد يشمله عند النظر والتأمل، ولذا لم يتحقق من الفقهاء نزاع في
حجيته، بل النزاع وقع من شاذ من علمائنا المتأخرين الذين ليس لهم تعرق (2) في
الفقه وأصول الفقه - فمقتضى ما يستفاد منه حصول الإثم أيضا، وإلا فلا بد من
التأمل في اعتبار القبض أيضا كما وقع من الشاذ.
بل الظاهر أن سائر الفقهاء شاركوا العلامة في الإجماع المذكور، لأنهم
اتفقوا في الفتوى من غير تأمل أصلا في اشتراط القبض بطريقة العلامة، ولا يخفى
أن مستندهم - أيضا - هو الإجماع نفسه، لا نقل العلامة إياه، لتقدمهم عليه.
بل لعل المتأخر عنه ومن هو في رتبته استناده على نفس الإجماع أيضا،
فبملاحظة ما ذكر يصير الإجماع - في القوة - من قبيل الإجماع المتواتر أو اليقيني
علينا أيضا.
فإن قلت: نظر الشارح في تأمله إلى أن العلامة نسب البطلان إلى علمائنا
دون عدم الجواز.
قلت: إنه (رحمه الله) حكم أولا بعدم الجواز ثم فرع عليه البطلان عند جميع علمائنا،
وهذا ينادي بأن البطلان عندهم على سبيل التفريع على عدم الجواز، فتأمل جدا!
هذا، مضافا إلى ما ذكرناه أيضا في الصرف، ويظهر من كلام الشارح أن
تأمله في المقام تأمله في الصرف، فلاحظ تأمله هناك كما أمر (3).
قوله: ولكن يؤيده أيضا ما تقدم من الأدلة الدالة [على اشتراطهما
فيهما].. إلى آخره (4).



(1) لاحظ: تذكرة الفقهاء: 1 / 556 - البحث السادس -.
(2) في ألف: (تعرف)، وفي د، ه‍: (تصرف).
(3) راجع: مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 302.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 348.
197
بل يؤيده ما مر في ذكر الجنس والوصف، بل يدل عليه، فتأمل.
وفي الروايتين (1) ظهور في البأس إذا لم يكن بكيل معلوم، ولعل الظاهر منه
هنا المنع، سيما بملاحظة الضم إلى الأجل المعلوم.
بل رواية جابر (2) المتضمنة للمنع عن السلف في روايا الماء في غاية الظهور
في اشتراط الكيل والوزن.
وبالجملة، مجموع ما أشرنا يكفي لكونه دليلا، سيما بعد عدم الخلاف من
الأصحاب، مع أن المتعارف في الأعصار والأمصار ضبط المكيل والموزون
بالكيل والوزن لتعيين المبيع، وإن كانوا ربما يكتفون بالمشاهدة في الحال في بعض
الأحوال، وفي السلف لا يتأتى المشاهدة، فتأمل.
قوله: والخبر كأنه محمول على كونه أصغر.. إلى آخره (3).
في الحمل نظر، ومر الكلام في ذلك (4)، وفي رواية الحلبي (5)، وحمل الكيل
وصرفه إلى المعهود المتعارف ظاهر.
قوله: [إلا أن] دليله غير واضح، بل الظاهر عدم ذلك (6).



(1) أي: رواية غياث بن إبراهيم: الكافي: 5 / 184 الحديث 1، من لا يحضره الفقيه:
3 / 167 الحديث 740، تهذيب الأحكام: 7 / 27 الحديث 116، وسائل الشيعة:
18 / 289 الحديث 23690، مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 348، ورواية محمد الحلبي:
الكافي: 5 / 185 الحديث 2، تهذيب الأحكام: 7 / 28 الحديث 121، وسائل الشيعة:
18 / 295 الحديث 23702، مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 348.
(2) الكافي: 5 / 222 الحديث 12، وسائل الشيعة: 18 / 287 الحديث 23684.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 350.
(4) مر في الصفحة: 117 وما بعدها.
(5) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 178، وسائل الشيعة: 17 / 377 الحديث 22787.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 352.
198
دليله واضح، وقد أشرنا إليه في مسألة القدرة على التسليم (1)، وذكرنا هناك
أن القدرة على التسليم عند جميع الفقهاء ليست مجرد الظن بالقدرة على التسليم،
فمن اعتبر غلبة الوجود لم يرد سوى القدرة على التسليم، لأنها في السلم منحصرة
في الغلبة لا طريق لها إلى غيرها، ومجرد الظن لو كان كافيا لزم صحة بيع ما في
الضرع من اللبن، وقصب الآجام، وثمرة النخل والأشجار في السنة الآتية، وغير
ذلك مما هو مسلم عند الجميع - إلا شاذ منهم - بطلانه، فتأمل جدا.
وفي " التحرير ": يجب كون المسلم فيه عام الوجود عند الحلول بلا
خلاف (2) انتهى، فتأمل.
قوله: والاكتفاء بإمكان وجوده (3).
لا يخفى أن عقد البيع ليس معلقا على اتفاق الوجود، بل لا يصح التعليق
فيه، فبمجرد إمكان الوجود كيف يجعل البائع على عهدته، وفي ذمته إعطاء المبيع
مطلقا، وعلى أي حال؟! مع أنه مكلف بوجوب الوفاء بعقده وعهده وشرطه، سيما
وأنه جعل إعطاء المبيع مطلقا بإزاء ثمن المشتري، الذي يأخذه حالا ويتصرف
فيه تصرف الملاك في أملاكه، ويتلفه كيف يشاء.
والمشتري أيضا ما أعطى الثمن ولا رضي بأن يصير ملكه يتصرف كذلك
ويتلف كيف ما أراد إلا بإزاء المبيع المشترط إعطاؤه البتة.
وعلى أي حال، فيما لم يكن هناك وثوق تام، كيف يتأتى جميع ما ذكر؟!
هذا، مضافا إلى ما مر وسيجئ، فلاحظ!



(1) راجع الصفحة: 109 - 111 من هذا الكتاب.
(2) تحرير الأحكام: 1 / 195.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 352.
199
قوله: كما هو عبارة " القواعد " (1)، و " التذكرة " (2) على ما نقل في " شرح
الشرائع " (3).. إلى آخره (4).
لا يخفى أن عبارة " القواعد " صريحة في اعتبار الغلبة (5)، لأنه كثيرا ما
يحكم بالبطلان من جهة عزة الوجود، فبعبارته الواضحة (6) فيما ذكرنا من أن
القدرة على التسليم عندهم في غلبة الوجود، كأنه (7) يريد من عزة الوجود ما
يقابل عموم الوجود، فلاحظ عبارته.
وأما عبارة " التذكرة " (8)، فليست عندي، وفي الظن أنها مثل " القواعد "،
سيما بعد ملاحظة ما سيذكر الشارح عنه من قوله: (ولو غلب على الظن.. إلى
آخره) (9)، فلاحظ.
قوله: وهما يدلان على جواز اشتراط [القرية المعينة].. إلى آخره (10).
لا يبعد حملهما (11) على القرية العظيمة التي يغلب وجود طعامها، كما
حملوهما (12) على ذلك.



(1) قواعد الأحكام: 1 / 137.
(2) تذكرة الفقهاء: 1 / 554.
(3) مسالك الأفهام: 1 / 170.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 352.
(5) قواعد الأحكام: 1 / 134 - 135.
(6) في ألف، ج: (بعبارته الواضحة)، وفي د، ه‍: (فبعبارته واضحة).
(7) في ألف، ج: (لأنه).
(8) تذكرة الفقهاء: 1 / 549 - 550.
(9) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 354.
(10) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 353.
(11) مراده: صحيحة زرارة، ورواية خالد بن الحجاج. لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان:
8 / 352، وسائل الشيعة: 18 / 313 الحديث 23745 و 314 الحديث 23747.
(12) في ألف، د: (حملهما).
200
قوله: أرضا معينة قليلة، ولهذا يتكل صاحبها على غلة [تلك الأرض]..
إلى آخره (1).
لا يخفى أن جميع ما ذكر متحققة في مثل حمل البطون، ولبن الضرع، وقصب
الآجام، وغير ذلك مما أشرنا إليه في مسألة القدرة على التسليم، ومع ذلك صريح
الأخبار، وكلام الفقهاء أنه مجهول الحصول وفيه الغرر، ولا يجوز لذلك بيعه إما
مطلقا أو منفردا (2)، والشارح (رحمه الله) أيضا وافقهم (3)، فلاحظ.
قوله: ولهذا يكتب إليها كتابة ويبعث إليها [بهدايا].. إلى آخره (4).
كما أن حياتها مستصحبة بقاعدة الاستصحاب، كذا عدم تحقق عزلها
مستصحب بقاعدة الاستصحاب، بل ربما كان استصحاب حال العدم اليقيني
أقوى، ولذا يقول باستصحاب العدم وأصل العدم كل من يقول بالاستصحاب
ومن ينكره - كما لا يخفى على المطلع - ولذا لا يكتبون الكتابة إلى من كان معدوما
ثم احتمل وجوده، ولا يبعثون إليه بهدايا بعد الغيبة بمدة طويلة، فإمكان موتها
مثل من الأمثال المانعة عن حصول العزل، فتأمل.
قوله: [يكون ذلك دينا على البائع] والمناسب للقوانين بطلانه.. إلى آخره (5).
والحديث المخالف للقانون الشرعي ليس بحجة ما لم يكن مكافئا مقاوما له،
لأنه من باب تعارض العام والخاص، والمقاومة ليست حاصلة إلا من عمل



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 353.
(2) لاحظ: وسائل الشيعة: 17 / 348 و 349 و 351 الأبواب 8 و 10 و 12، مفتاح الكرامة:
4 / 282 - 284.
(3) راجع: مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 185.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 353.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 353.
201
الفقهاء، ولو لم يكن معمولا به عندهم يتعين تأويله بما يوافق القانون، ولذا أوله
الشارح بما أوله، فلا يتحقق ضرر من جهة الحديث المخالف على فتاوى
الأصحاب، فتأمل جدا.
قوله: [وهذه] كالصريحة في عدم اشتراط الغلبة، بل عدم الظن أيضا،
فتأمل (1).
وجه التأمل ظاهر، لأن الوجود في البلد الآخر يكفي لغلبة الظن، إذ في
عهدة البائع استحصاله وتسليمه، وفي " القواعد ": إن النقل لغرض المعاملة (2)،
ومنه يظهر اشتراط كون النقل عاديا، فتأمل.
في أحكام السلف
قوله: [فإن كان مقتضى العادة أو القرينة شيئا،] وإلا ينصرف إلى موضع
الحلول (3).
لا أفهم هذا ولا تعليله، بل الظاهر ما ذكره الأصحاب، لكن في الغالب
وجود القرينة على أن موضع التسليم هو بيت البائع ومكانه حين العقد، فتأمل.
وبالجملة، النقل إلى بيت المشتري أو مكانه ليس داخلا في العقد ولم يجعل
البائع على عهدته، فليس عليه إلا تسليم المبيع عندما طلبه منه المشتري،
وتسليمه ذلك من بيته أو موضع العقد.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 354.
(2) قواعد الأحكام: 1 / 137.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 360.
202
قوله: لأن مقتضى العقد وجوب تسليم المبيع [عند الحلول].. إلى آخره (1).
لو كان مقتضى العقد ذلك يلزم جهالة عظيمة، أعظم من التأجيل إلى وقت
الحصاد مثلا، بل الأصحاب جعلوا التأجيل إلى نفر الحاج من منى جهالة مبطلة،
مع أن التفاوت ليس إلا يوم واحد، ويلزم ضرر عظيم ونزاع عظيم، بل وسفاهة كذلك.
مع أن التسليم في أي مكان ليس جزءا للعقد ولا لازما له، أما الأول
فظاهر، وأما الثاني فلاشتراط اللزوم الذهني، وقياسه على القرض قياس فاسد.
وبالجملة، ما ذكره هنا مخالف لما ذكره أولا.
قوله: [يحتمل مكان الطلب] بعد الحلول خصوصا.. إلى آخره (2).
لا أي موضع كان. نعم، لو كان عادة أو قرينة مثل: الماء والحطب، وعادة
أهل القرى إن كانت معهودة عند المتبايعين، فتأمل.
قوله: أي لا يجوز بيع ما اشتري بالسلم قبل حلول أجله.. إلى آخره (3).
نقل الشارح رواية عن خالد بن الحجاج متضمنة لجواز البيع قبل الحلول،
في بحث بيع ما يكال قبل القبض (4)، واستند إليها، ولم يتأمل فيها أصلا!
قوله: وفيه بنان بن محمد، وقد نقل عن الصادق (عليه السلام).. إلى آخره (5).
قال المحشين: الظاهر أن المنقول لعنه، غير بنان بن محمد المذكور، لأنه -
على ما هو الظاهر - روى عن علي بن مهزيار، كما ذكر الكشي (6) في ذكر محمد بن



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 360.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 360.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 360.
(4) مجمع الفائدة ة والبرهان: 8 / 338، وسائل الشيعة: 18 / 69 الحديث 23171.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 361.
(6) رجال الكشي: 245 الحديث 450 - من منشورات جامعة مشهد - والسند فيه هكذا: (علي
بن محمد قال: حدثني بنان بن محمد، عن علي بن مهزيار، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع..).
203
إسماعيل بن بزيع، وهو لم ير الصادق (عليه السلام) (1)، فتأمل. انتهى.
أقول: الظاهر أنه أخو أحمد بن محمد عيسى الذي يروي عنه أحمد كثيرا (2)،
وفيه إشعار بوثاقته كما لا يخفى على العارف بحال أحمد.
ومثل علي بن جعفر - الجليل غاية الجلالة - لا يروي عن غير المعصوم (عليه السلام).
ومع ذلك، للأخبار الكثيرة (3).
قوله: لأن الأرش جزء من الثمن وله جزء من المبيع.. إلى آخره (4).
الأرش عوض الصحة والسلامة الكائنة في الثمن بسبب فوتها وعدم التمكن
منها، فإذا كان هذه الصحة جزءا حقيقيا من الثمن لكان فواتها موجبا لبطلان ما
قابلها من المبيع، فيكون العقد صحيحا بالنسبة إلى الباقي خاصة، وكان المشتري



(1) حاصل الاستدلال - بتوضيح منا - أن بنان الملعون على لسان الباقر والصادق (عليهما السلام) هو
بنان التبان الذي قتل في زمان الصادق (عليه السلام) أو قبله، كما يظهر من رواية ابن سنان وعلي بن
حمزة وأبي يحيى الواسطي وغيرها، (رجال الكشي: 2 / 593 الرقم 549 و 778 الرقم
909 و 591 الرقم 544).
ولكن بنان بن محمد كان من تلامذة علي بن مهزيار، الذي كان من أصحاب الإمام الرضا
والجواد والهادي عليهم السلام، (رجال النجاشي: 253 الرقم 664)، وادعى بعض أنه
أدرك مولانا صاحب الزمان - عجل الله فرجه - أيضا. فعلى هذا، كان بنان بن محمد حيا بعد
الإمام الصادق عليه السلام، وتلمذ على علي بن مهزيار وغيره، ولا يمكن أن يكون اللعن
متوجها إليه.
(2) ذكر في: تعليقات على منهج المقال: 73: (بنان بن محمد، يروي عنه محمد بن أحمد بن
يحيى، ولم يستثن روايته، وفيه إشعار بالاعتماد عليه، بل لا يبعد الحكم بوثاقته أيضا)،
ولعل مراده هنا أيضا محمد بن أحمد، سقط لفظ (محمد)، أو المراد: أحمد بن يحيى، وليس
أحمد بن محمد بن عيسى الذي كان أخا ل‍ (بنان محمد)، لأن العلمين: الأردبيلي والخوئي لم
يعثرا على رواية واحدة من أحمد بن محمد بن عيسى من أخيه، فكيف بالكثير؟!
راجع! جامع الرواة: 1 / 131، معجم رجال الحديث: 3 / 367 و 10 / 311.
(3) لاحظ: وسائل الشيعة: 18 / 303 الباب 11 من أبواب السلف.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 364.
204
مخيرا بين الرد والأخذ بالنسبة من الثمن، كما هو الحكم في خيار تبعض الصفقة، فلا
وجه للأرش أصلا، ويكون الحكم بالأرش فاسدا مطلقا. لا أن الحكم هو الأرش
بعد اختيار الإمساك، وبعد العجز عن الأرش خيار تبعض الصفقة.
ومر تحقيق الكلام في خيار تبعض الصفقة، وسيجئ في خيار العيب من
أنه (1) له الرد والأرش، كما أشار إليه الشارح من أنه هو المقرر في كل المعيبات (2)،
فلاحظه، ولاحظ ما عللنا به، وتأمل جدا!
قوله: يعني إذا حصل العقد واتفقا على قبض الثمن المسلم فيه.. إلى
آخره (3).
أما لو اختلفا في اشتراط الأجل، فالقول قول المنكر، إذا اتفقا على وقوع
العقد بلفظ (بعت) وما شابهه، ولو اتفقا على وقوعه بلفظ: (أسلمت)، أو
(أسلفت)، فالقول قول المدعي، لأن اللفظ المذكور حقيقة في السلم، والأصل في
الاستعمال الحقيقة، فهما متفقان على وقوع البيع بتأخير، فالمنكر يدعي فساد البيع
والمدعي صحته.
لكن لا يخلو بعد عن إشكال، لاحتمال كون ذكر الأجل من محققات ماهية
السلم، كما أن كل واحد من الإيجاب والقبول وأمثالهما من محققاتها ومحققات
ماهية كل عقد وبيع، فلعل المنكر ينكر تحقق نفس السلم، فإذن الأصل معه.
لكن الحق والأقرب أنه من شرائط صحته الشرعية، لأصالة الحقيقة
وأصالة الصحة المذكورتين.
هذا، إن قلنا بعدم جواز البيع بلفظ السلم ولو مجازا، وعلى القول بجوازه



(1) في ب: (أن).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 424 و 425.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 364، وفي المصدر: (يعني إذا اتفقا على قبض الثمن).
205
فلأصالة الحقيقة فقط.
ولو ادعى وقوع العقد بلفظ البيع والمدعي بلفظ السلم، فالظاهر أن الحكم
حينئذ يخالفهما، مع احتمال كون الحكم في الصورة الأولى أيضا كذلك، ولعل الأول
أولى.
هذا إذا كان النزاع من أول الأمر، أما لو اتفقا على وقوع عقد السلم وبيعه،
ثم ادعى المنكر عدم الاشتراط وعدم ذكره، فهو إنكار بعد الإقرار، لا يسمع منه
بظاهر الشرع، إلا أن يدعي علم المدعي بذلك فهو دعوى آخر، ويكون له تسلط
حلف نفي العلم، وإن أنكر ذلك بعض الفقهاء مدعيا أنه مكذب لإقراره فلا يسمع
أصلا، والحق هو الأول.
وإذا اتفقا على ذكر الأجل وادعى أحدهما زيادته، فالقول قول منكرها.
قوله: وتكافؤ الدعوى والبينة.. إلى آخره (1).
يشكل، بأنه يقتضي تقديم بينة الداخل - كما عليه بعض الأصحاب - وهو
خلاف المشهور وخلاف ما هو الأظهر من الأدلة، كما سيجئ في كتاب القضاء إن
شاء الله.
وإذا ادعى البائع قبض الثمن، فالقول قوله مع اليمين، أما قبل التفرق
فظاهر، وأما بعده فلا يخلو عن إشكال، لاستلزامه فساد البيع، وهو مخالف
لأصالة الصحة.
وفي " القواعد " حكم بما ذكر معللا بأنه منكر (2)، وفيه أن جميع المواضع
التي يحكم فيها بأصالة الصحة يكون فيها منكر ينكر شرطا من شروط البيع



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 365.
(2) قواعد الأحكام: 1 / 138.
206
ومقدمة من مقدماته.
ومع ذلك نقول: الأصل مع من يدعي الصحة، ونجعله المنكر، لأن المنكر
من يدعي موافق الأصل أو الظاهر أو الذي لم يترك إذا سكت، إلا أن يكون مراد
العلامة أنه ينكر نفس القبض من غير تأمل منه في الصحة، بل ربما كان متفرعا
على الصحة، إذ لولا الصحة لم يكن هناك ثمن يستحقه البائع، ويكون حقه،
والأصل عدم وصول حقه، فتأمل.
فعلى هذا نقول: لا مانع من الحكم بعدم وصول حقه إليه والحكم بصحة
البيع معا، نظير ما حكم (رحمه الله) من عدم نجاسة الماء القليل الذي وقع فيه صيد خرج
روحه، ولا يعلم أن الخروج كان من جرح الاصطياد أو من وقوعه في الماء، ومع
ذلك حكم بنجاسة ذلك الصيد وكونه ميتة، لأصالة عدم التذكية (1).
ونظير ذلك قول بعض العلماء بنجاسة الثوب المغسول الذي وقع الشك في
إزالة النجاسة عنه، للحكم ببقاء نجاسة مثله حتى يحصل اليقين أو الدليل الشرعي
على طهارته، وطهارة الأشياء الملاقية له حال الرطوبة، للحكم ببقاء الطهارة
حتى يتيقن النجاسة (2).. إلى غير ذلك من أمثال هذه الأحكام.
ويحتمل أن يكون (رحمه الله) يرجح أصل الصحة على أصل العدم في موضع يكون
محط الدعوى الصحة والفساد، فتأمل.
قوله: ولا خيار للمسلم في الإلزام وأخذ الثمن (3)، والمشهور أن له الصبر
إلى أن يوجد.. إلى آخره (4).



(1) قواعد الأحكام: 1 / 7.
(2) راجع! مدارك الأحكام: 1 / 108، الحدائق الناظرة: 1 / 512.
(3) في المصدر: (في الإلزام والفسخ وأخذ الثمن).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 365.
207
هذا الخيار من قبيل خيار الشرط يكون المبيع الجنس المعلوم، بشرط كونه
في السنة المذكورة في الشهر المذكور، فإذا تعذر الشرط فللمشتري أن يرفع اليد
عنه، ويلزم بأصل المبيع برضا جديد منه، وأن يفسخ العقد لعدم وصول حقه
إليه، على قياس ما قلنا في خيار تبعض الصفقة وخيار الشرط وغيرهما.
والموثقة المنجبرة بالشهرة الموافقة للقاعدة أيضا دليل (1)، مع أنها موثقة
كالصحيحة، بل ربما كانت صحيحة، لما علم في علم الرجال أن الفطحية كلهم
رجعوا في قرب من الزمان إلا طائفة عمار (2)، ومقتضاها أعم من الانقطاع، كما أن
مقتضى القاعدة أيضا كذلك.
قوله: ولكن مقتضى القاعدة (3) أن يكون له حينئذ [المسلم فيه].. إلى
آخره (4).
قد عرفت أن مقتضى العقد أنه ليس في ذمة البائع سوى الجنس المعلوم في
الوقت المعلوم.
ولو لم يوجد فيه، لم يكن له سوى الخيار بين الصبر، والفسخ وأخذ عين ما
له إن كان موجودا وإلا فعوضه.
وإن وجد فيه ثم وقع التأخير من غير تقصير من البائع ففقد، فحكمه كما
ذكر، وأما بتقصيره - كأن كان غاصبا - فحكمه حكم الغاصب.



(1) أي: موثقة عبد الله بن بكير: مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 365، من لا يحضره الفقيه:
3 / 165 الحديث 728، تهذيب الأحكام: 7 / 31 الحديث 131، وسائل الشيعة:
18 / 309 الحديث 23734.
(2) لاحظ! الكافي: 1 / 352 ذيل الحديث 7، رجال الكشي: 2 / 567 الحديث 502،
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: 2 / 223، بحار الأنوار: 47 / 345 الحديث 35.
(3) كذا، وفي المصدر: (القاعدة الفقهية).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 366.
208
في المرابحة والمواضعة
قوله: [وينبغي أن لا يكون الغرض مجرد الإخبار برأس المال حيلة]
ليتحقق البيع الحقيقي، فتأمل (1).
بل لو كان البيع الحقيقي يكون أيضا مشكلا، لانصراف الذهن إلى غير هذا
البيع، إذ ينصرف إلى البيع الأول الذي وقع المماكسة فيه وعدم المسامحة، بل ربما
كان المشتري إذا اطلع بأن مراده البيع الثاني الذي أوقعه مع غلامه وشراؤه الثاني
منه بعده لم يرغب إلى البيع ولم يرض بهذه المرابحة، وإن لم يكن في الشراء الثاني
تفاوت أصلا بالنسبة إلى الشراء الأول.
قوله: يوجب إثما وخيارا له، فرد المبيع (2) إلى صاحبه لخيانته وغشه،
فتأمل.. إلى آخره (3).
لا شبهة في الإثم وحرمة الثمن على البائع، لكونه أكل مال بالباطل وعدم
طيب نفس من صاحبه، إلا أن المشتري إذا اطلع بالحال ورضي بالعقد يجب على
البائع الوفاء به، ولا يمكنه أن يقول: إني بعته بهذا الثمن بشرط أن يكون هو الثمن
الذي وقع عليه العقد أولا وليس كذلك لأني كذبت وخنت، إذ للمشتري أن
يقول: رفعت يدي عن هذا الشرط ورضيت بكون هذا ثمنا. ومعنى صحة البيع هو
ما ذكرنا، فتأمل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 373.
(2) كذا، وفي المصدر: (يوجب إثما وبين رد المبيع).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 373.
209
قوله: كما يدل عليها (1) رواية الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام).. إلى آخره (2).
ظاهر هذه الرواية أن البيع وقع مرابحة بغير نسبة الربح إلى رأس المال،
لأن التجار قالوا: " نأخذ به ده دوازده "، والمعصوم (عليه السلام) سأل: " كم يكن ذلك " -
أي ده دوازده -؟ قالوا: " في كل عشرة آلاف ألفين "، فقال: " أبيعكم هذا باثني
عشر ألفا ".
وظاهر هذا أن التجار ما اشتروا إلا مرابحة، وما وقع شراؤهم إلا كذلك،
وهو (عليه السلام) أيضا ما منعهم عن ذلك، بل قررهم عليه، إلا أنه (عليه السلام) نسب لاثني عشر
ألفا - الذي هو مجموع ثمن المرابحة - إلى المتاع، وهذا بعينه هو الذي يقوله الفقهاء.
وأيضا، يظهر من التأمل في الرواية أن متاع المعصوم (عليه السلام) كان عشرة
آلاف، والألفين كان ربحه، فظهر الإخبار برأس المال من قوله (عليه السلام): " أنا أبيعكم..
إلى آخره "، متفرعا على ما قالوا: في كل عشرة ألفين، وهذا معنى بيع المرابحة،
فتأمل.
على أنه لو لم يكن كل واحد مما ذكر دليلا على المرابحة، فالمجموع له ظهور
فيها.
وأيضا، الكراهة في المرابحة - مع أنه لم يقل بها أحد، وورد عدم البأس
عنها مطلقا (3) - لو كانت، فمن جهة عدم الاحتياط في ضبط رأس المال
والاخراجات، وهذا مأمون من المعصوم (عليه السلام)، فكيف يقول: " وعظم ذلك علي " (4)،



(1) كذا، وفي المصدر: (عليه).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 374، والرواية في: الكافي: 5 / 197 الحديث 2، تهذيب
الأحكام: 7 / 54 الحديث 234، وسائل الشيعة: 18 / 61 الحديث 23146.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 60 و 61 الباب 12 و 13 من أبواب أحكام العقود.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 374، وسائل الشيعة 18 / 63 الحديث 23149، وفيها:
(وعظم علي).
210
سيما وأن يقول لغيره: لا بأس أصلا؟ مع أن الغير أولى بالكراهة من جهة عدم
مأمونية الاحتياط.
وأيضا، الكراهة في الروايتين الأوليين (1) إنما تعلقت بخصوص " ده يازده
وده دوازده "، لا مطلق المرابحة، فإن المرابحة لا تنحصر فيه، بل هو قسم من
المرابحة، وكراهة قسم من الشئ لا يستلزم كراهته مطلقا، ولو كان المطلق
مكروها لكان يقول بكراهته مطلقا، لا أن يخصه بخصوص هذا القسم.
وقوله (عليه السلام) في رواية جراح (2): " ولكن.. إلى آخره " لا يدل على كونه بيعا
بغير مرابحة، بل ظاهره أنه غير " ده يازده ودوازده " حسب.
وأما الرواية الأولى (3)، فلم يثبت الحقيقة الشرعية في المساومة، فلعلها
تعيين قيمة المتاع وجعل القيمة قيمته، وهو أعم من المصطلح عليه، مع أن
قوله (عليه السلام): " ولكن.. إلى آخره " لا يقتضي انحصار المرابحة في مثل " ده يازده "،
وهو ظاهر، ولا عموم الكراهة في كل مرابحة بعد النص بأن المكروه هو خصوص
مثل " ده يازده "، إذ لا مانع من أنه (عليه السلام) عدل عن المكروه إلى ما هو الأفضل،
فتأمل.
وبما ذكرناه لعل الفقهاء حكموا بكراهة نسبة الربح لا مطلق المرابحة،
فتأمل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 374، وسائل الشيعة: 18 / 62 الحديثان 23147
و 23149.
(2) تهذيب الأحكام: 7 / 55 الحديث 237، وسائل الشيعة: 18 / 62 الحديث 23147.
(3) أي رواية محمد عن أبي عبد الله (عليه السلام): مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 374، وقد مرت
الإشارة إليها.
211
قوله: لعل عنده دليل غير ما نقلناه.. إلى آخره (1).
لعل المنشأ هو قوله (عليه السلام): " وعظم ذلك علي " (2)، مضافا إلى قوله: " أكره "،
لعدم ثبوت كون الكراهية حقيقة في المصطلح عليه، لكن فيه أنه وإن لم يثبت إلا
أن الأصل عدم الحرمة، وإن قال: " عظم علي "، فتأمل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 375.
(2) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 374، وقد مرت الإشارة إليه.
212
في أقسام الخيار
قوله: [فهو مؤيد]، لما قلناه من اللزوم في بيع المعاطاة، فتذكر (1).
هذا فرع كون المعاطاة عقدا، بل وربما يشكل لو لم تكن متبادرة من لفظ
العقد وإن كان عقدا.
وأما " المسلمون عند شروطهم " (2)، فمحمول على الاستحباب أو الطلب
عند الفقهاء.
خيار المجلس:
قوله: [وفي حديث آخر]: " التاجران "، بدل " البائعان ".. إلى آخره (3).
لما كان المتعارف في فعل التاجر المبايعة فلا معارضة ولا مغايرة أصلا.
قوله: ولم يبين معناه شرعا.. إلى آخره (4).
لا شبهة في أن موضوعات الأحكام يرجع فيها إلى غير الشرع سوى
العبادات، وسوى ما ثبت من الشارع اصطلاح خاص يكون تكلمه عليه، ولم
يثبت، فلا حاجة إلى الاعتذار بهذا العذر في المقام.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 383.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 16 الحديثان 23040 و 23041.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 383، وفيه إشارة إلى رواية زرارة: وسائل الشيعة: 18 / 7
الحديث 23016.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 384.
213
وظاهر أن بين الصدق اللغوي والعرفي فرق، إذ بأدنى شئ يصدق بحسب
اللغة، بخلاف العرف.
والظاهر، أن العرف مقدم على اللغة، كما هو الحال في سائر المقامات، فعلى
هذا يحتاج إلى قدر معتد به عند أهل العرف، وبالخطى يتحقق قطعا، كما هو
الظاهر من الأخبار (1) أيضا، وأما الخطوة الواحدة فمحتمل.
قوله: لعل فيها دلالة على جواز بيع ما في الذمة [قبل القبض].. إلى آخره (2).
لم نجد دلالة فيها أصلا.
قوله: وفيه تأمل، لعدم صدق البائع والتاجر المذكور في الأخبار
[عليهم].. إلى آخره (3).
مقتضى الإجماع والأخبار والاستصحاب بقاؤه إلى حين الموت، وأما بعده
فنقله إلى الوارث، من العمومات الدالة على أن كل حق من الميت ينتقل إلى
وارثه (4)، فلاحظ وتأمل!
ولهذا ذكر الفقهاء أن جميع أنواع الخيارات يرثها الوارث لا خصوص هذا
الخيار (5).



(1) راجع! وسائل الشيعة: 18 / 8 الباب 2 من أبواب الخيار.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 385.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 385.
(4) مراده (رحمه الله) أن عمومات آية الإرث، والروايات تشمل الحقوق أيضا، بالإضافة إلى المرسلة
المشهورة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " ما ترك الميت من حق فلوارثه ". لاحظ! مسالك الأفهام:
2 / 246، مفاتيح الشرائع: 3 / 82، مفتاح الكرامة: 4 / 590، وغيرها.
وقال في مفتاح الكرامة - عند بحث توريث الخيارات - ما نصه: (ويدل عليه النبوي
المنجبر بعمل العلماء: " ما ترك ميت من حق فهو لوارثه " المؤيد بعمومات الإرث كتابا
وسنة)، مفتاح الكرامة: 4 / 590.
(5) راجع! مفتاح الكرامة: 4 / 590.
214
قوله: والظاهر أن الثبوت لمن أوقع العقد.. إلى آخره (1).
الظاهر ثبوته لمن هو البائع والمشتري حقيقة، لا من هو وكيل في مجرد
إجراء الصيغة، والظاهر أن ما سيذكره عن " التذكرة " (2) إشارة إلى ما ذكرنا،
فتأمل جدا.
قوله: ولعله لا خلاف عندنا أيضا، * (وأوفوا بالعقود) *.. إلى آخره (3).
ليس كذلك، بل الخلاف واقع، نسب إلى البعض بأنه لا يسوغ ذلك، لأنه
خلاف الكتاب والسنة، لأن مقتضاهما ثبوت الخيار فيه مطلقا، كما هو الظاهر
منهما.
ويمكن الجواب بأن الظاهر منهما أن العقد المطلق يقتضي ذلك، لا مطلق
العقد كما هو الحال في سائر الشرائط الجائزة وفاقا، فالعقد المشروط صحيح
أيضا، لدخوله في عموم * (أوفوا بالعقود) * (4)، و * (وأوفوا بالعهد) * (5)، و
* (تجارة عن تراض) * (6)، وغير ذلك.
والحاصل، أن كل أمر يصح للمكلف أن يفعله بعنوان شرط أو عقد أو عهد
أو غيرها، يصح أيضا أن يدخله في العقود، وليس شرطا مخالفا للكتاب والسنة،
بل موافق لهما كما عرفت.
وكل أمر لا يمكن شرعا وليس له أن يفعله أصلا لا يجوز له إدخاله في



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 385.
(2) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 386.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 386.
(4) المائدة (5): 1.
(5) الإسراء (17): 34.
(6) النساء (4): 29.
215
العقود ولا يصح أصلا، مثل: أن لا يرث فلان عن أبيه، أو يكون الحر الفلاني
عبدا، أو تكون فلانة خارجة عن حبالة زوجها، أو لا يكون له وطؤها، وأمثال
ذلك، فتأمل جدا.
قوله: [إذ الظاهر أن مفارقة أحدهما] يسقط خيار الآخر أيضا، كما مر في
الخبرين (1)، فالفسخ بيده.. إلى آخره (2).
يسقط خيار الآخر إذا ثبت مقامه ولم يتبعه، ولم يظهر من الخبرين أزيد
من هذا، كما لا يخفى على من تأمل فيهما.
وحين المتابعة إن وقع الافتراق اللغوي الحقيقي فقد عرفت أنه غير مضر،
وإن وقع الافتراق العرفي فهو أيضا غير مضر إذا كان من جهة غفلة الآخر، أو
عدم تمكنه من العدو معه، لأصالة بقاء الخيار، وعدم ثبوت القاطع من إجماع أو
خبر، أما الإجماع فظاهر، وأما الخبر فستعرف الكلام في العموم.
فما ذكره (رحمه الله) مؤيد، بل دليل، لأن الأصل في البيع اللزوم بلا تأمل، فالخيار
إنما هو للخلاص عن مقتضي هذا الأصل.
فإذا كان الافتراق الكرهي يوجب اللزوم، فهو أمر ممكن لكل عاقد،
وميسر للأكثر، فأي فائدة في الخيار؟ ومعلوم أن الأخبار واردة بالقياس إلى
الأفراد الشائعة والغالبة، سواء كانت واردة بالقياس إلى غيرها أم لا، فتأمل جدا.
قوله: وظاهر الأخبار عام، فلو لم يكن إجماع ونحوه [يمكن القول
بالسقوط] (3).



(1) أي خبري محمد بن مسلم: مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 384، وسائل الشيعة: 18 / 8
الحديثان 23019 و 23020.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 388.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 388.
216
لم يفهم العموم، إذ المتبادر الافتراق المستند إلى إرادتهما بأن يفترق كل
منهما موضع العقد أو حكم الموضع، أو يذهب أحدهما ويثبت الباقي بإرادتهما،
فلو هرب أحدهما - لأنه يريد اللزوم - حين غفلة الآخر، فبعد تفطنه إن ثبت
مكانه تحقق الافتراق المذكور، وإن تبعه فلم يعلم بعد تحقق الافتراق المذكور،
فالخيار اليقيني مستصحب حتى يثبت الناقل عنه بإجماع أو خبر.
نعم، العموم المذكور يشمل صورة علمهما بالمسألة، وجهلهما، وعلم
أحدهما.
قوله: ويؤيده أن الأمر بيده، لو أراد الفسخ لقال: فسخت.. إلى آخره (1).
لا تأييد أصلا، لأن المتعارف أن المتعاملين مترددان متأملان في أن
مصلحتهما في الفسخ والإمضاء، ولو لم يكن لهما تردد أصلا لم يبقيا على هذا الحال،
بل يقولان: فسخنا أو التزمنا، وكذا الحال في واحد منهما، وربما يريد أحدهما
اللزوم دون الآخر.
قوله: لقال: التزمت.. إلى آخره (2).
قول: التزمت لا يفيد اللزوم إلا بالنسبة إلى القائل فقط، فأي فائدة فيه؟
بل ربما كان خلاف الفائدة!
قوله: [جعل هذا الخيار للطرفين في يد الولي دائما] ما لم يسقط بالشرط (3)،
مع أن في الأصل المنصوص عليه ما كان كذلك.. إلى آخره (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 388.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 388، وفي بعض نسخ مجمع الفائدة والبرهان (فسخت) بدلا
من (التزمت).
(3) كذا، وفي المصدر: (بالشرط والتخاير).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 389.
217
الذي ذكر في " القواعد " أن مسقطاته هو التزام عنهما، أو اشتراط
السقوط، أو تفارق المجلس (1) - على قول - ومراده من الالتزام بالبيع هو الإسقاط
للخيار بعده، أو التصرف المسقط، كما لا يخفى على من تأمل كلامه.
مع أن كون التصرف مسقطا مما لا ريب لأحد فيه بالنسبة إلى أحد من
فقهائنا - سيما العلامة - ولذا قال الشارح: (ما ذكر التصرف، ولعله.. إلى
آخره) (2).
وأما نسبته (رحمه الله) مفارقة المجلس إلى قول، فلأنه لم يرد في الخبر لفظ المجلس،
بل الوارد " مفارقة الأبدان "، ولم يعتبر العلماء سوى ما في الأخبار، فلا وجه
لاعتباره، سيما جعله نازلا منزلة الرفيق، فلأنه لا ربط له بالرفيق ولا خصوصية.
هذا حال " القواعد "، وأما " التذكرة " فقد ذكر فيه السقوط بالشرط
والتخاير (3)، فلا يبقى سوى التصرف المسقط، فقد اعتذر الشارح بما اعتذر، فلا
وجه للاعتراض عليه، مع أن العذر واضح، سيما ومن " القواعد " يظهر إدخاله في
الالتزام (4)، فتأمل.
ثم لا يخفى أن الاختيار بيد الولي أي وقت يريد أن يفسخ يفسخ، فأي
فائدة في اشتراطه السقوط، مع أن هذا الخيار للعاقد فقط على ما مر؟! مع أن
المصلحة للطرفين في بقاء الخيار، والخيار ليس إلا لأجل المصلحة، فكون شرط
الإسقاط مصلحة لا يخلو عن إشكال مع كون الأمر بيده، فتأمل!



(1) قواعد الأحكام: 1 / 142.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 388.
(3) تذكرة الفقهاء: 1 / 517.
(4) قواعد الأحكام: 1 / 142.
218
قوله: [لم يعهد في الشرع] عود المعتق رقا.. إلى آخره (1).
مآل هذا إلى الاستقراء، وربما كان إجماعيا أيضا.
خيار الحيوان:
قوله: مثل صحيحة علي بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " الشرط في
الحيوان ثلاثة أيام للمشتري.. ".. إلى آخره (2).
هذه الصحيحة واضحة الدلالة في الاختصاص بالمشتري، بل ومسلمة
الدلالة كما سنشير إليه، ويؤيد الدلالة التأمل في باقي أجزائها إلى الآخر، إذ فيها
مؤيدات ومخصصات بالمشتري، كما لا يخفى على المتأمل.
وكذا صحيحة الحلبي (3)، وربما يؤيدها قوله: (وهو بالخيار.. إلى
آخره) (4)، فتأمل جدا.
ومن العجب أن صاحب " المسالك " مثل باقي الفقهاء عادته حمل المطلق
على المقيد من أول الفقه إلى آخره، ولا يتأمل أن هذا ينافي ما توهمه من عدم
اعتبار القيد مطلقا، بل أكثر مقيداته ليس بقوة ما نحن فيه، بل ربما كان أضعف
بمراتب، حتى أنه في مبحث اغتسال الجنب في البئر ذكر أخبارا كثيرة متضمنة
لنزح سبع دلاء لمجرد دخول الجنب فيها، ثم نقل خبرا واحدا يتضمن نزح السبع
لاغتساله فيها (5)، فقال: تحمل تلك الأخبار الكثيرة على اغتساله فيها، حملا



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 390.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 391، والصحيحة وردت في: الكافي: 5 / 169 الحديث 2،
تهذيب الأحكام: 7 / 75 الحديث 320، وسائل الشيعة: 18 / 13 الحديث 23032.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 391، من لا يحضره الفقيه: 3 / 126 الحديث 549،
تهذيب الأحكام: 7 / 24 الحديث 101، وسائل الشيعة: 18 / 10 الحديث 23023.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 391.
(5) وهو خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)، روض الجنان: 154، تهذيب الأحكام:
1 / 244 الحديث 702، وسائل الشيعة: 1 / 195 الحديث 505.
219
للمطلق على المقيد (1). وأين هذا من مثل ما نحن فيه؟ فتأمل جدا.
والحاصل، أنه لو كان في الأخبار أن للمشتري خيار الحيوان، فهذا هو
الذي لم يعتبره المشهور من فقهائنا، لأن إثبات الشئ لا ينفي ما عداه.
وأما إذا كان في الأخبار أن خيار الحيوان للمشتري، فهذه العبارة - مع
قطع النظر عن القرائن - تفيد اختصاص خيار الحيوان للمشتري وانحصاره فيه،
كقول: والزكاة في السائمة (2)، فإنه يفيد انحصارها فيها، ولو قيل - مع ذلك - بأن
للبائع خيار الحيوان، عدا متناقضين عرفا، فراجع إليهم يظهر لك.
وأيضا، قوله (عليه السلام): " الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري " (3)، الشرط
مفرد محلى باللام يفيد العموم، كما هو مسلم في الأحكام الشرعية، فتأمل.
وأيضا، كما أنه (عليه السلام) بين أن خيار الحيوان ثلاثة، كذا بين أنه للمشتري، فكما
لا يجوز أن يجعل ثلاثة في المقام مفهومها غير معتبر بأنها وصف، ومفهوم الوصف
ليس بحجة، فلعل غير الثلاثة أيضا يكون خيار الحيوان، فكذا لا يجوز أن يجعل
للمشتري مفهومه غير معتبر.
وبالجملة، كما أن " ثلاثة " له مدخلية تامة في بيان خيار الحيوان، فكذلك
قوله: " للمشتري "، وجعل الأول داخلا في البيان دون الثاني، فاعتبار قوله:
" للمشتري " ليس إلا من أنه من تتمة بيان خيار الحيوان، وما يذكر في مقام بيان
شئ لا بد أن يكون داخلا فيه جزما ومن تتمته قطعا.



(1) روض الجنان: 154، وجاء فيه - بعد ذكر خبر أبي بصير المذكور آنفا -: (فيحمل مطلقها
عليه، جمعا بين الأخبار).
(2) لاحظ: وسائل الشيعة: 9 / 118 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام.
(3) الكافي: 5 / 169 الحديث 2، تهذيب الأحكام: 7 / 24 الحديث 102، وسائل الشيعة:
18 / 13 الحديث 23032.
220
وكذا الكلام في صحيحة الحلبي (1).
والحاصل، أن خيار أمر من خصائص الشرع ومن أحكامه الوضعية، ولا
يمكن معرفته إلا من بيانه، فحيث بينوا (عليهم السلام) يجب الاقتصار على ما بينوا، وعلى
كل ما ذكروه (عليهم السلام) في مقام البيان، ولا يمكن التعدي أصلا، ولا يفهم غير أنه داخل
بلا تأمل وشبهة مطلقا.
وأوضح من هذا، أن المعصوم (عليه السلام) في مقام تعريف موضوع هذا الحكم
الشرعي - وهو أنه للعقد يكون خيار الحيوان - فهو في مقام تعريف أن خيار
الحيوان ماذا، لأن المكلفين ما كانوا يعرفونه، فقال: هو ثلاثة للمشتري،
فعرفنا (2) من لفظ " ثلاثة " أنه ليس أقل منها ولا أكثر، ومن لفظ " للمشتري "
أنه ليس لغيره، وهو القانون في التعريفات، بأن القيود احترازية بلا تأمل ولا
تزلزل.
وأيضا، الخيار معناه الرخصة في الفسخ، وهو ظاهر، والرخصة لا تكون
إلا عن منع، وزوال المنع متقدر بقدره (3)، وإذا كان مقيدا بقيد يجب القصر فيه
والحصر، كما يقول المولى لعبده: رخصتك في كذا وكذا إلى كذا بنحو كذا، وكذا
الزوج امرأته، والأب ابنه.
وعلى أي حال، ليس هذا من باب المفهوم الذي لم يعتبره المشهور كما لا
يخفى، ولهذا اتفقوا على الحجية بلا تأمل من أحد منهم، فلاحظ مقامات
استدلالاتهم، مع اتفاقهم في الفتوى.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 391، من لا يحضره الفقيه: 3 / 126 الحديث 549،
تهذيب الأحكام: 7 / 24 الحديث 101، وسائل الشيعة: 18 / 10 الحديث 23023.
(2) في ب: (فعلمنا).
(3) في ألف، ب، ج: (متعذر بعذره).
221
هذا كله، مع قطع النظر عن القرائن المذكورة في الأخبار والإجماع الذي
ادعي.
قوله: لعل فيها دلالة على جواز النظر إلى وجه الأمة مطلقا، فافهم.. إلى
آخره (1).
قد ورد في الأخبار جواز النظر إلى وجهها لأجل شرائها وأنه المرخص
لذلك (2)، وفيه دلالة واضحة على المنع من النظر إلى وجهها، ويمكن أن يكون
حال زمان الخيار حال وقت الملاحظة لأجل الشراء، ويؤيده أن الحكمة في الخيار
كون الحيوان مظنة العيب ويختفي عيبه كثيرا، كما ستعرف به، ووقت الملاحظة من
جملة أوقات قبل الشراء، فتأمل جدا.
قوله: على من ضمان ذلك؟ فقال: على البائع.. إلى آخره (3).
وجه الدلالة ظاهر، سيما بملاحظة ما سيجئ من أن التلف ممن لا خيار له،
فتأمل.
ومثل صحيحة ابن سنان (4)، مرسلة الحسن بن علي بن رباط (5)، رواها
الصدوق في " الفقيه " (6) والشيخ في " التهذيب " (7)، فلاحظ!



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 391.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 273 الباب 20 من أبواب بيع الحيوان.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 391، والرواية في: الكافي: 5 / 169 الحديث 3، من لا
يحضره الفقيه: 3 / 126 الحديث 551، تهذيب الأحكام: 7 / 24 الحديث 103، وسائل
الشيعة: 18 / 14 الحديث 23037.
(4) مرت مصادرها في الهامش السابق.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 15 الحديث 23039.
(6) من لا يحضره الفقيه: 3 / 127 الحديث 555.
(7) تهذيب الأحكام: 7 / 67 الحديث 288.
222
قوله: وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام.. إلى آخره (1).
قال بعض المحققين (رحمهم الله) (2): يفهم منها ثبوت الخيار لأحدهما لا لكليهما، ولا
يكون مختصا بالبائع بالإجماع، فيكون للمشتري خاصة، فتأمل (3). انتهى.
أقول: ولما ورد في رواية ابن فضال عن الرضا (عليه السلام) من قوله: " صاحب
الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام " (4).
ومراد الشارح، أن التعبير بعبارة " صاحب الحيوان " لأجل التعميم في
الحكم بأنه بالخيار، أعم من أن يكون هو البائع أو المشتري أو كليهما (5)، فما في
رواية ابن فضال يكون واردا مورد الغالب، ويمكن أن يكون بالعكس والشارح
رجح الأول بما ذكره من العلة، مع الغفلة عما في رواية ابن فضال، أو عدم
الاعتناء به لكونها موثقة، لكنها موثقة كالصحيحة، لما ذكر في شأن ابن فضال،
حتى أن بعضهم عده من الثقات الأجلة (6)، مع أن الرواية عالية السند، مضافا إلى
ما حققناه من أن الموثق حجة، وليست معارضة للصحيحتين، لما عرفت.
فيمكن ترجيح الثاني بالأصل وظاهر الفتاوى من الأصحاب، لأنهم
يلاحظون هذه الدقائق، وللتأمل في عموم صاحب الحيوان، لأن الإضافة -
حيث لا عهد - تفيد العموم، إلا أن ما ذكره من التعليل قوي، ويعضده كون
الغالب من " صاحب الحيوان " هو المشتري، فتأمل جدا.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 392، والرواية في: الكافي: 5 / 170 الحديث 5، وسائل
الشيعة: 18 / 5 الحديث 23011.
(2) في ب، ج: (قيل) بدلا من (قال بعض المحققين).
(3) راجع: مفتاح الكرامة: 4 / 555.
(4) تهذيب الأحكام: 7 / 67 الحديث 287، وسائل الشيعة: 18 / 10 الحديث 23023.
(5) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 394.
(6) جامع الرواة: 1 / 214.
223
لكن ما في صحيحة الفضيل الآتية (1) كالصريح في التخصيص بالمشتري، كما
أنه كالصريح في النفي عن البائع، فتدبر.
ويؤيدها صحيحتا علي بن رئاب (2) والحلبي (3) السابقتان، وغير ذلك مما
ذكرناه في ترجيح المذهب المشهور على مذهب السيد (رحمه الله).
ثم إنه من العجب استدلال البعض بهاتين الصحيحتين على مذهب
السيد (رحمه الله)، ولا يخفى أنه غفلة منه، فتدبر.
قوله: وما في صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام): " عهدة
البيع في الرقيق ثلاثة أيام ".. إلى آخره (4).
الظاهر أن المراد، أن الشارع قرر في الحيوان خيار ثلاثة أيام من جهة أنه
ربما يكون به عيب مستور لا يتيسر إثباته بحيث يرفع النزاع بالمرة، أو إن تيسر،
إلا أنه حسما لمادة الدعوى والنزاع جعل الخيار.
فيظهر من هذه الصحيحة - أيضا - أن خيار الحيوان للمشتري، وهذه
الصحيحة وصحيحة علي بن رئاب كالنص في رد مذهب أبي الصلاح من أن
الخيار في الوصيفة مدة الاستبراء (5).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 393، الكافي: 5 / 170 الحديث 6، وسائل الشيعة:
18 / 11 الحديث 23027.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 391، الكافي: 5 / 169 الحديث 2، تهذيب الأحكام:
7 / 24 الحديث 102، وسائل الشيعة: 18 / 13 الحديث 23032.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 391، من لا يحضره الفقيه: 3 / 126 الحديث 549،
تهذيب الأحكام: 7 / 24 الحديث 101، وسائل الشيعة: 18 / 10 الحديث 23023.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 393، والرواية في: الكافي: 5 / 172 الحديث 13، تهذيب
الأحكام: 7 / 25 الحديث 105، وسائل الشيعة: 18 / 12 الحديث 23029.
(5) الكافي في الفقه: 353.
224
قوله: [وبمفهوم الأخبار المتقدمة]، وإن لم يكن المفهوم حجة مطلقا،
ولكن يفهم من سوق الأخبار كونه حجة [هنا].. إلى آخره (1).
المفهوم الذي وقع النزاع في حجيته والمشهور ينكرونها هو مفهوم مثل
قوله (عليه السلام): في السائمة زكاة (2)، أما مثل قول: أعتق رقبة مؤمنة، فالاتفاق واقع على
أنه معارض لقول: أعتق رقبة (3)، والمعارضة فرع دلالة المقيد على عدم وجوب
عتق غير المؤمنة.
هذا، في صورة اتحاد موجب العتق، وكون العتق المأمور به فيهما
عتقا واحدا لا تعدد فيه جزما، وظاهر أن خيار الحيوان أيضا واحد جزما
بحسب الشرع، إن كان مختصا فمختص، وإن كان مشتركا فمشترك، فتأمل
جدا.
بل الفقهاء بأجمعهم يجعلون دلالته أقوى من دلالة المطلق، بحيث يعينون
حمله على المقيد ويرجحون المقيد عليه مطلقا، كما لا يخفى على المطلع بطريقتهم.
نعم، وقع من بعض من المتأخرين في تعيين الحمل عليه تأمل، بدعوى أنه
كما يجوز الجمع كذلك، كذا يجوز بنحو آخر، وهذا منه أيضا اعتراف بحجية المقيد،
لكنه متأمل في كونه أقوى من دلالة المطلق بحيث يتعين حمله على المقيد مطلقا.
لكن الحق مع الفقهاء، بشهادة فهم العرف والتعارف في الفهم، ولذا لم يقع
من أحد من الفقهاء - مع شدة الاختلاف في أفهامهم - تأمل في التعيين المذكور
سوى ما صدر من بعض المتأخرين غفلة منشؤها قضية كون الجمع مهما أمكن



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 393.
(2) راجع! معالم الدين وملاذ المجتهدين: 80، قوانين الأصول: 182.
(3) راجع! قوانين الأصول: 181.
225
لازم، وأنه بأي نحو أولى من الطرح، وقد بينا فساده في رسالتنا في " الجمع بين
الأخبار " (1)، فليلاحظ!
وبالجملة، فرق بين قولنا: في السائمة زكاة، وقولنا: الزكاة في الغنم السائمة،
أو الزكاة في السائمة، فإن الظاهر من الثاني الحصر والاختصاص، والحكم يرجع
إلى القيد قطعا ووفاقا، سواء قلنا برجوعه إلى المقيد أيضا أم لا.
هذا، مع أن اللام في قوله (عليه السلام): " ثلاثة أيام للمشتري " (2) لعلها لام
الاختصاص، بل ربما كان هذا هو الظاهر، مثل: الجل للفرس، وأيضا قوله (عليه السلام):
" للمشتري "، من تتمة المحمول وقوله: " ثلاثة أيام "، وكما لا يحسن أن يقال:
دلالة ثلاثة أيام على غير ثلاثة أيام بالمفهوم، كذا لا يحسن أن يقال ذلك في تتمته،
فتأمل.
هذا، مضافا إلى ما ذكره الشارح (رحمه الله)، وسيجئ أيضا في بحث التلف في
زمان الخيار ما ينبغي أن يلاحظ، ومر وسيجئ أيضا أن المعصوم (عليه السلام) في مقام
تعريف خيار الحيوان، وكل قيد في مقام التعريف معتبر يقينا، لأنه احترازي
داخل في العرف فيعتبر في المعرف قطعا، فلا وجه للتأمل أصلا.
مع أن التعليق بالوصف يشعر بالعلية، فإذا انضم مع هذا الإشعار أدنى
شئ وأضعف قرينة يتحقق الدلالة - كما حقق في محله - فكيف إذا ضم إليه جميع ما
ذكرنا وما سنذكر؟! فتدبر.
قوله: [و] هو كالصريح في النفي عن البائع، فليس الاستدلال بمفهوم
اللقب.. إلى آخره (3).



(1) راجع! الرسائل الأصولية: 445 - 486، الفوائد الحائرية: 233 - 237.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 391، وسائل الشيعة: 18 / 10 الحديث 23023.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 394.
226
لأن الراوي سأل الإمام (عليه السلام) أن يبين له خيار الحيوان، فبين (عليه السلام) له أنه ثلاثة
أيام للمشتري، فكما بين أنه ثلاثة أيام كذا بين أنه للمشتري من دون تفاوت،
فيكون حكمه حكم ثلاثة أيام من دون تفاوت، فكما أنه لا يمكن أن يقال: ثلاثة
أيام لا خصوصية له في البيان، فكذا لا يمكن أن يقال ذلك في قوله: للمشتري،
فتدبر.
ثم لما سأل عن خيار غير الحيوان بين (عليه السلام) له أنه مخالف لخيار الحيوان في
المقدار وفي صاحب الخيار، فكما بين أنه مخالف له بحسب المقدار كذا بين أنه مخالف
له بحسب صاحب الخيار، فكيف يبقى للمجتهد تأمل في الدلالة، مع أن السند في
غاية الصحة؟!
هذا، مضافا إلى الصحاح الماضية (1)، ودلالاتها (2) القوية غاية القوة كما
أشرنا وأشار إليه الشارح (رحمه الله).
مضافا إلى الموافقة للأصول والإجماع والعمومات، فكيف يبقى له مجال
التأمل في الحكم بمجرد رواية ابن مسلم (3)؟! مع أن هذا الراوي بعينه روى ما
يخالف روايته (4)، فربما كانت الروايتان واحدة وقع في إحداهما وهم ونقل
بالمعنى، كما سنشير، فتأمل.
وسيجئ صحيحة الصفار الظاهرة في اختصاص الخيار بالمشتري (5).



(1) أي صحيحة علي بن رئاب وصحيحة الحلبي وصحيحة عبد الله بن سنان والفضل، وقد
مرت الإشارة إليها.
(2) في ب، ج، ه‍: (ودلالتها).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 392، وسائل الشيعة: 18 / 5 الحديث 23011.
(4) تهذيب الأحكام: 7 / 23 الحديث 99، وسائل الشيعة: 18 / 10 الحديث 23025.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 397، تهذيب الأحكام: 7 / 75 الحديث 320، وسائل
الشيعة: 8 / 13 الحديث 23033.
227
قوله: [وظاهر صاحب الحيوان] هو الصاحب الآن.. إلى آخره (1).
وفي " التهذيب " في باب ابتياع الحيوان: الحسين بن سعيد، عن الحسن بن
علي بن فضال قال: " سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: صاحب
الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام " (2)، فتدبر.
قوله: لاحتمال أن يكون لواحد منهما الخيار لا لكل واحد، وهو المشتري،
لما تقدم، ولاحتمال أن يكون لأحدهما [وعلى الآخر القبول].. إلى آخره (3).
ربما يقربه ما سيجئ في خيار التأخير أنه بين البائع والمشتري على ما ورد
في بعض الأخبار (4)، مع أنه لا تأمل في كونه للبائع خاصة.
وبالجملة، لما كان الخيار أمر متحقق بين البائع والمشتري صح أن ينسب
إليهما، وإن كان لواحد منهما، بواسطة ما ظهر من الخارج من أن خيار الحيوان
لخصوص صاحب الحيوان.
هذا وإن كان خلاف الظاهر، إلا أنه في مقام الجمع بين الأدلة تأويل لا
بأس به، كما ذكره الشارح.
وربما يؤيد التأويل زيادة قوله: " من بيع "، مع عدم التعرض لها أصلا في
قوله: في " ثلاثة في الحيوان " (5)، وأن هذا الراوي بعينه روى عن هذا المعصوم
بعينه هذا المضمون بعينه - أعني ثبوت الخيار في الحيوان، وثبوت الخيار لتفارق
الأبدان، وفي كل شئ حتى في الحيوان - بعبارة صحيحة مضبوطة موافقة لسائر



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 394.
(2) تهذيب الأحكام: 7 / 67 الحديث 287، وسائل الشيعة: 18 / 10 الحديث 23024.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 394.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 405، وسائل الشيعة: 18 / 22 الحديث 23052.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 394، وسائل الشيعة: 18 / 10 الحديث 23025.
228
الأخبار سالمة عن الزيادة المذكورة، سيما في موضع دون موضع (1).
ومع جميع ما ذكر، فهم ذلك المضمون من العبارة الغير المضبوطة في غاية
البعد، لكونها في غاية الظهور في عدم تحقق خيار المجلس في الحيوان أصلا، وهو
باطل إجماعا، للتصريح بأن خيار المجلس فيما سوى بيع الحيوان (2)، فتأمل جدا.
قوله: فيحتمل أن يكون المراد كل المتبايعين بالخيار في الحيوان الذي انتقل
إليه أو في حيوانه، سواء كان لهما الخيار في عقد واحد.. إلى آخره (3).
لا يخفى بعد جميع الاحتمالات، ويمكن أن يقال: لعل هذه الرواية من ابن
مسلم (4) هي بعينها الرواية التي نقل عنها سابقا من أن " البائعان بالخيار حتى
يفترقا، وصاحب الحيوان ثلاثة أيام " (5) على وفق ما رواه زرارة، والحلبي،
وفضيل وغيرهم من نظرائه، إلا أنه وقع هنا وهم من جهة النقل بالمعنى، ولعله
من جهة فهم صاحب الحيوان أعم من البائع والمشتري، ولعل هذا الاحتمال غير
بعيد عند المنصف المتأمل، فتأمل.
وكيف كان، حمل هذه الرواية على المحامل البعيدة التي ذكرها الشارح (رحمه الله)
أيضا أولى وأقرب من حمل الأخبار الكثيرة الصحيحة الواضحة الدلالة الموافقة
للأصول، والعمومات، وفتاوى الفقهاء، والإجماع المنقول (6)، فتأمل.
سيما مع ما أشرنا إليه من الاختلالات في عبارة هذه الرواية، ومنها زيادة



(1) وسائل الشيعة: 18 / 5 الحديث 23011.
(2) لاحظ: وسائل الشيعة: 18 / 6 الحديث 23015 و 10 الحديث 23025 و 11 الحديث
23028.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 395.
(4) وسائل الشيعة / 12: الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث 3.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 392، وسائل الشيعة: 18 / 5 الحديث 23011.
(6) لاحظ! الدروس الشرعية: 3 / 272.
229
كلمة " في " في قوله: " في ثلاثة أيام ": لكونها لغوا لا حاجة إليها أصلا، بل ربما
صارت منشأ للحزازة، كما أن زيادة قوله: " من بيع " صارت منشأ للحزازة، كما
لا يخفى على المتأمل، وعمدة الحزازات فيها صراحتها في نفي خيار المجلس في
الحيوان المخالف لإجماع الكل، بخلاف سائر الروايات، لأن الظاهر منها تعدد
الخيار، أحدهما في الحيوان، والثاني في كل شئ حتى الحيوان - كما فهمه جميع
الأصحاب - سيما صحيحة ابن مسلم، حيث كرر فيها ذكر لفظ " بالخيار " تنبيها
على ذلك، فتدبر.
ومما يؤكد ما ذكرناه، أن الكليني (رحمه الله) روى صحيحة ابن مسلم بالعبارة
الصحيحة (1)، والشيخ رواها بالعبارة السقيمة (2)، والكليني أضبط بلا شبهة،
والشيخ وإن رواها كذلك إلا أنه لم يعمل بها، فتدبر.
فهذه الصحيحة لا تقاوم صحيحته الأخرى السليمة أصلا، بل لا تقاوم من
وجوه شتى، فكيف تقاوم هذه وغيرها من الأخبار الصحاح، مع ما فيها من
نهاية قوة الدلالة؟! مضافا إلى غاية الكثرة كما عرفت وستعرف، سيما ومع
موافقتها للأصول والعمومات والإجماعات.
وعلى تقدير تسليم المقاومة، فرجحانها عليها من أين؟! بل لا شبهة في
فساده، فيرجع أصل العدم سالما، فتأمل جدا.
وسيجئ في بحث التصرف صحيحة الصفار (3) الواضحة الدلالة في
اختصاصها بالمشتري.



(1) الكافي: 5 / 170 الحديث 5.
(2) تهذيب الأحكام: 7 / 23 الحديث 99.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 397، تهذيب الأحكام: 7 / 75 الحديث 320، وسائل
الشيعة: 18 / 13 الحديث 23033.
230
قوله: ولا فرق بين أن يكون التصرف لازما كالبيع، أو غير لازم كالهبة
قبل القبض.. إلى آخره (1).
والبيع وغيره صحيحان من دون توقف على إدخال في ملكه، ثم البيع
وغيره بعده كما توهم، إذ لا مانع من أن يكون البيع - مثلا - يؤثر أثرين،
الانفساخ، والنقل إلى ملك الآخر بكونه تصرفا في ملكه، كما هو الحال في سائر
التصرفات مثل الأكل وغيره، بل الأمر في مثل البيع أسهل فلا وجه للتوهم فيه
دون غيره.
وكون نفس التصرف مسقطا للخيار وملزما للبيع، أو فاسخا (2) للعقد هو
الظاهر من الأخبار، فتأمل فيه، لأن التصرف مسقط وملزم ظاهر من
الأخبار (3)، بل ربما كان الظاهر أنه دليل على الرضا والإمضاء، وأما كونه بنفسه
فاسخا للعقد وتصرفا في ملك نفسه معا فلم يظهر بعد.
قوله: بخلافه، لحصره في الجارية باللمس والتقبيل والنظر، فيمكن ما كان
مثلها أو أعلى كذلك.. إلى آخره (4).
يمكن أن يكون الغرض من ذكر هذه الأمور الإتيان بأمثلة التصرفات التي
ليست للاختبار، اظهارا لكون التصرفات المسقطة هي أمثال هذه دون ما يكون
للاختبار مثل الأمر بالخدمة، فتأمل.
والحاصل، أن إسقاط الخيار قد يكون بالقول، وقد يكون بالفعل، وهو
الذي يظهر منه رضاه بالعقد ونقله الملك وكونه ملكا له، على تقدير أن يكون فعله



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 397، عن تذكرة الفقهاء: 1 / 519.
(2) في ه‍: (ناسخا).
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 13 الباب 4 من أبواب الخيار.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 397.
231
صحيحا موافقا للشرع، حملا لأفعال المسلمين على الصحة، يشير إلى ذلك ما ورد
في بعض الأخبار أن تصرف صاحب الخيار رضا منه بكون عقده لازما (1)،
فلاحظ.
وعلى فرض أن لا يكون كذلك، فالذي يظهر هو التصرف الذي يكون من
باب تصرف الملاك في ملكه، كما اعترف به الشارح (2).
قوله: فقد وجب الشراء إن شاء الله (3).
ظاهر هذا، أن الخيار للمشتري خاصة، فتدبر.
قوله: [كل حدث مسقط للخيار]، إلا أن الحدث مجمل.. إلى آخره (4).
العبرة بجواب المعصوم (عليه السلام)، والعموم ظاهر، والمعنى أيضا، لأنه كلما يعد في
العرف حدثا، وهو هنا الفعل الجديد المغاير للأفعال الكائنة في حفظها، وكذا
المغاير لمثل النظر إليه، فتأمل جدا.
قوله: قد لا يكون السقي محتاجا إلى الركوب، فتأمل، فإن المسألة مشكلة
كسائرها (5).
لعل العادة صارت أنهم يركبون غالبا في مقام السقي من بعيد، ولعله لكونه
أسهل وأحفظ وأسرع.
خيار الشرط:
قوله: رواية إسحاق بن عمار، قال: " أخبرني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) قال:



(1) الكافي: 5 / 169 الحديث 2، وسائل الشيعة: 18 / 13 الحديث 23032.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 397.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 397، تهذيب الأحكام: 7 / 75 الحديث 320، وسائل
الشيعة: 18 / 13 الحديث 23033.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 398، وفي: ألف، د، ه‍ إضافة (على أن ظاهرها أن الركوب
لا يسمى حدثا).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 399.
232
سأله رجل وأنا عنده، فقال: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره، فمشى إلى أخيه،
فقال: أبيعك داري هذه، وتكون لك أحب إلي من أن تكون لغيرك.. ".. إلى
آخره (1).
يظهر من (2) استدلاله بها أن مدلول هذه الأخبار فرد من المقام، ليكون
قولهم بعد ذلك: ويجوز اشتراط ارتجاع المبيع.. إلى آخره (3) عطفا للخاص على
العام، وكون ذكره على حدة، لكونه مورد أخبار خاصة، وفيه أنه خلاف طريقة
الفقهاء، فإنهم لا يقتصرون على مورد النص إذا اعتقدوا العموم والتعدي، حذرا
من أن المعهود عدم التعدي، كما يفهم الكل من الصدوق ومثله ممن كان فتواه
مضمون الأخبار.
ولذا يفهم من كان من أهل الفهم اقتصار الفقهاء على خصوص ما ذكروه
من غير تعد أصلا، والشارح (رحمه الله) لا يدعي، ولظهور كلام الفقهاء في جواز عكس
هذه الصورة، بل مراده ليس إلا ظهور الجواز في نظره في حكم المسألة من عموم
ما دل على لزوم الوفاء بالشروط، كما لا يخفى على الفطن، بل كيف يمكنه دعوى
ذلك مع ما يرى من أنهم عطفوا الثاني على الأول، بأن قالوا: واشتراط ارتجاع
المبيع.. إلى آخره؟! فإنه في غاية الظهور في كونه قسيمه، في كونه شرطا متحققا
من العاقد لا ثابتا بأصل الشرع.
كما أن مدة الخيار فيه أيضا كذلك، بل لو كان الأول أعم يكون كذلك، مثل



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 399، والرواية في: الكافي: 5 / 171 الحديث 10، من لا
يحضره الفقيه: 3 / 128 الحديث 559، تهذيب الأحكام: 7 / 23 الحديث 96، وسائل
الشيعة: 18 / 19 الحديث 23047.
(2) في النسخ: (منه)، والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه.
(3) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 401.
233
قولهم: الحيوان كذا والإنسان كذا، إذ لا شك في كون المراد منه ما سوى الإنسان،
مع أنه ليس كذلك، بل مغاير من دعوه (1)، لأن المعتبر في الأول ليس إلا الخيار في
فسخ المبايعة، أعم من أن الخيار لخصوص البائع أو المشتري، أو كليهما، أو
الأجنبي منفردا أو منضما إليهما، أو إلى أحدهما من دون اشتراط مدخلية رد الثمن،
واشتراط فعلية الرد، وكونهما في مدة الخيار وبعدها من دون اشتراط خصوصية
طرف من العوضين وكونه خاصة ملحوظ النظر.
كما أن الأمر في الثاني بالعكس، بأن ملحوظ النظر ارتجاع المبيع لا غير
المبيع، وباشتراط رد الثمن وفعلية الرد في المدة وتحققه فيها كون المراد الثمن (2) أو
مثله لا أنقص منه ولا أكثر، ولا المتباين منه يقع وأراد غيره، ولا اشتراط عدم
رد شئ أصلا بأن يكون الفسخ مجازا من دون [حقيقة] (3) مثل: أن يقرأ لنفسه
دعاء، أو إن قدم ولدك - مثلا - من السفر وأمثال ذلك، أو لم يصدر منه شئ
أصلا، للقطع بأن الخيار خيار الفسخ، وأن الفسخ ليس معناه إلا إزالة المبايعة
ورجوع العوضين إلى مالكهما قبل المبايعة، وليس الفسخ في جميع موارده المتحققة
شرعا إلا ما ذكر، وكذا الحال في جميع الموارد التي لا يمكن الفسخ من جهة
التصرف، أو يظهر منها أن المانع هو التصرف مع تضاعيفها، وخرج خصوص
خيار رقبة المثل بالنصوص (4) والإجماع (5).



(1) كذا، والظاهر أن الصحيح: (لما ادعوه).
(2) في النسخ: (والثمن)، والصحيح ما أثبتناه.
(3) في النسخ: بدلا من كلمة [حقيقة] يوجد فراغ يستوعب كلمة واحدة، فقدرنا أنها كذلك.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 21 / 203 الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء و
25 / 390 الحديث 31199 و 25 / 468 الباب 23 من كتاب اللقطة، ولزيادة الاطلاع
على الأحاديث ودلالاتها راجع! جواهر الكلام: 37 / 88.
(5) لاحظ! جامع المقاصد: 4 / 293.
234
ولعله لما ذكر اقتصر الفقهاء فيما اقتصروا مع استنادهم في الأول على
الإجماع والعمومات.
سلمنا ذلك، لكن على هذا لم يقول الشارح مما سيجئ من خيار اشتراط
ارتجاع المبيع: (والظاهر جواز العكس) (1)؟ لأن صورة العكس كانت مذكورة
فيما تقدم - يعني هذا المقام - صريحا من دون فرق بينها وبين سائر أفراده، فلم
تعرض له هناك أيضا بعنوان قوله: (والظاهر جواز العكس)؟ فإن العكس - مثل
الأصل - كان فردا للمقام.
ولا تأمل أصلا في جواز المقام - أي فرد منه - فإن كان تزلزله من جهة أن
التصرف مسقط للخيار عند الأصحاب وغيره، مما ظهر من الأخبار فاشتراط
عدم كونه مسقطا مخالفا لفتاوي الأصحاب، ومقتضى الأخبار أو غير ذلك مما
سنشير [في] الحاشية أو غيره.
ولذا اقتصر الأصحاب على أن خصوص ظهوره الأصل (2)، فكيف يقول:
(الظاهر جواز العكس أيضا)؟! فإن كان السبب عدم ثبوت ما يخصص عموم ما
دل على وجوب الوفاء بالشرط، ولا يكفي للتخصيص اتفاق فتاويهم أو غيره (3)
وإن أورث تزلزل ما بحيث أخرجه من أفراد العمومات، بحسب تزلزل ما لا
بحسب الواقع، بحيث يمنع من الظهور من العموم، إلى أن لا يمكن الاستدلال، بل
يمكن الاستدلال (4) ظاهرا.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 401.
(2) أي: خصوص ظهور خبر إسحاق بن عمار في صورة الأصل التي هي اشتراط استرجاع
المبيع من البائع.
(3) في النسخ: (أو غير)، والصحيح ما أثبتناه.
(4) لم ترد (بل يمكن الاستدلال) في ألف.
235
ففيه، أنه لم اقتصر على خصوص صورة العكس مع خصوص صورة
الأصل، مع ما فيها من القيودات الكثيرة المخصصة للظاهر؟ وأن العام ضد
الخاص، فكيف يدل عليه، فيدل على صحة صور لا تحصى، منها ما عرفته في
إخراج كل قيد قيد؟! وغير ذلك مما لا يتناهى، بل اظهارها أولى، لكونها
أخفى.
ودعوى خروج الكل بالإجماع فاسد، لتساوي نسبتها مع صورة العكس
إلى فتاوى الأصحاب وطريقة الشيعة المتداولة بينهم في الأعصار والأمصار (1) مما
ظاهره الإجماع، فعلى خلاف ذلك فيه ما فيه.
ولو سلمنا عدم الظهور، فالظهور في خلافه فيه ما فيه، سلمنا الظهور: لكن
الإجماع من اليقينيات، فكيف يكفيه الظهور، وأن يقول الظاهر جواز العكس،
وأن يدعي اليقين بعدم (2) جواز غير هذه الصورة، مع ما رأيت من الفتاوى
وطريقة الشيعة والأخبار؟! بل صرح بعض الفقهاء بمنع رد المثل في المبيع شرطا
وفعلية، على وجه يظهر كونه من المسلمات، مع أخبار جواز العكس
أيضا.
ولعل هذا مراد الشارح (رحمه الله) أيضا، إلا أنه لعله لا يرفع الإشكال في صورة
اتفاق الفقهاء على خصوص صورة الأصل لا غير، وأنه لم يعهد من أحد من
الشيعة في الأعصار والأمصار، ولم يشر إليه في الأخبار.
هذا، مع أن الأخبار الواردة في سقوط الخيار بمجرد التصرف (3) ظاهرة
[في] عدم جواز اشتراط عدم كونه مسقطا، إذ [أنها] ظاهرة في أن أي تصرف



(1) في د، ه‍: إضافة (مع أن دعوى الإجماع).
(2) في د، ه‍ (بعد).
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 13 الباب 4 من أبواب الخيار.
236
بأي نحو يكون - سواء بعنوان سقوط الخيار أو لا بعنوانه، أو بعنوان عدم
السقوط - يكون مسقطا، كما لا يخفى على المتأمل.
على أنه لو كان بعنوان عدم السقوط مطلقا لا يكون داخلا فيما ذكرنا،
ويكون غير مانع عن الرد، للزم أن يقولوا ذلك في مقام من تلك المقامات الكثيرة
لو لم نقل باللزوم في كل مقام، حذرا عن أن لا يفهموا كون التصرف مسقطا في
هذه الصورة أيضا كما فعلوا أصلا في مقامات الخيارات الثابتة شرعا، إذا ظهر،
فإذنها ثابتة ما لم يشترط السقوط، ولذا فهم الكل كذلك وأفتوا كذلك، بخلاف
كون التصرف مسقطا له، فإن الكل فهموا الإسقاط مطلقا، وإن كان بعنوان عدم
الإسقاط، كما هو ظاهر من التأمل في أخبارهم، مضافا إلى عدم تعرضهم لخلافه
في مقام من المقامات، مع كونه مقام الحاجة، كمقام ثبوت الخيار شرعا.
فلذلك (1) ترى كلمات الفقهاء مطبقة في كون التصرف مسقطا ومانعا مطلقا،
من دون تعرض واحد منهم في مقام منها لكون الشرط في عدم المسقطة نافعا
ومانعا عنها، وغير المانعية.
ولو اعتقدوا الصحة من عموم ما دل على لزوم الوفاء بالشرط لصرحوا
بذلك عذرا من فهم خلاف (2)، بل عادتهم التعرض لكل موضع يصح (3) عندهم
الشرط ويجوز أو يلزم، ومنها المقام - وهو خيار الشرط - لانحصار الدليل حقيقة
في العموم، على حسب ما عرفت.
مع أن كلماتهم تنادي بأن التصرف مسقط ومانع مطلقا من دون استثناء



(1) في د، ه‍: (ولذا).
(2) كذا، والظاهر أن الصحيح: (خلافه).
(3) في د، ه‍: (يصلح).
237
من أحد (1) منهم، بل سيجئ التصريح منهم بسقوط خيار الشرط بمجرد
التصرف (2)، فلاحظ! ولاحظ ما ذكرناه هناك!
وبالجملة، لا يتعرض فقيه في مقام لصورة اشتراط عدم الإسقاط مطلقا في
موضع من المواضع الكثيرة، مع أن عادتهم التعرض للاستثناء لو صح عندهم،
حذرا عن التغرير، ولذا فهم الكل العموم من دون استثناء أصلا.
على أنه لو لم يكن ما ذكرنا مستندهم، لكان لصورة التخصيص بالصورتين
مستند جزما، وأين من التخصيص بخصوص الصورتين، كما ذكرنا وسنذكر؟
فتأمل جدا، والله يعلم.
قوله: ولا يخفى أن فيها عدم سقوط الخيار [بالتصرف].. إلى آخره (3).
لا يخفى أن التصرف من صاحب الخيار فيما وقع فيه الخيار يوجب سقوط
الخيار، فلا دخل له في المقام، أو صاحب الخيار هو البائع ولا يمكنه التصرف في
المبيع قبل رد الثمن، وبعده تصرفه فسخ مطلقا، أو إن كان بقصد الفسخ.
وما سيجئ أنه: (لو تصرف أحدهما سقط خياره خاصة) (4) إنما هو في
الخيار المشترك لا المختص، كما صرحوا به.
قوله: والظاهر جواز العكس أيضا، وأن التعدي إلى المثل.. إلى آخره (5).
الظاهر منه أنه يجوز للمشتري أن يشترط أنه إن أكل المبيع أو أتلفه أو
عوضه بثمن أو عين بمعاملة أنه إن أعطى عوض المبيع يكون له خيار الفسخ في



(1) في د، ه‍: (واحد).
(2) لاحظ الصفحات: 252 - 255 من هذا الكتاب.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 400.
(4) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 412.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 401.
238
أخذ ثمنه إلى مدة كذا، سواء كان عين ثمنه أو عوض ثمنه، فيرجع هذا إلى صحة
معاملتهم واشتراط معاملة أخرى إن طلب هذه المعاملة، فيرجع إلى اشتراط
معاملة أخرى في المعاملة والتسلط عليها إلى مدة معينة، فلعله يرجع إلى نحو من
يتعين في المنهي عنه عندهم، ومع تسميته يفسخ المعاملة الأولى، فيه ما فيه.
وبيع المعاطاة معاطاة، وخيار اشتراط رد المبيع برد عوض الثمن من حين
إلى مدة معينة فيكون فسخا في خصوص المبيع لا الثمن، لأن الثمن يتصرف فيه
البائع بلا شبهة، وهو فرع الصحة، وإعطاء العوض هو عين صحة المعاوضة،
وعدم فسخ من جهته، فكيف يكون فسخا وعدم فسخ؟!
والبناء على كون صحة هذا من قبل عموم " المؤمنون عند شروطهم " (1) مع
ما عرفت ما فيه من عدم الدلالة على اللزوم عند الفقهاء، وعدم جعلهم دليلا
عليه، بل جعلوه من المستحبات، وإلا لزم وجوب الوفاء بكل عدة، ولم يقل به
أحد، فاستدلالهم به ليس إلا من قبيل الاعتضاد، لا أنه دليل حقيقي، كما عرفت.
مع أنه مر عن الشارح عند شرح قول المصنف: (وكلما يذكر في متن العقد)
أنه قال: (وظاهرهم عدم انعقاد المعلق) (2)، فلاحظ وتأمل.
وبالجملة، تقييد الشروط بكونها في ضمن العقد، واللازم خلاف الأصل
والظاهر، مضافا إلى أن لزومها إن كان من خصوص هذا العموم فهو دور محال،
مع لزوم عدم الاقتصار في الصورتين، بل كون الصور لا تحصى، بل لا تتناهى إلى
حد، والاعتذار بخروج الغير بالإجماع - مع فساده، كما ستعرف - فاسد بالبديهة،
لصراحة كلمات الفقهاء في صحة صور خيار الشرط، وأنه على حسب ما اشترط



(1) عوالي اللآلي: 1 / 293 الحديث 173 و 2 / 258 الحديث 8.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 147.
239
من دون تعيين، لا اختصاص بصورة، ولا تفاوت، فكيف يلحق صورة (1) فقط
ويقول: (الظاهر جواز العكس)؟!
أو لم يكن تأمل في صحة الكل، ولا في التفاوت أصلا؟
فإن قلت: تعرضهم لاشتراط ارتجاع المبيع (2) بالنحو المذكور ليس إلا من
جهة [أنه] ورد في الأخبار، وإلا فلا تفاوت أصلا بينه وبين سائر الشروط بالمرة
رأسا.
قلنا: إن هذا يوجب جعل صورته صورة العكس أيضا من جملة سائر
صور الشروط البتة من دون تفاوت أصلا، لعدم ورودها في خبر من الأخبار
أصلا، مع كونها من شروط خيار الشرط، وعدم فرق بينها وبين غيرها، ومع
ذلك كيف يقول: (والظاهر.. إلى آخره)؟ هل كان له تأمل في صحة تلك
الشروط وجوازها؟ وهذا ينادي منه بالبناء على التفاوت بين المقام، وبين
شروط خيار الشرط.
فإن قلت: لزوم العقد من عموم * (أوفوا بالعقود) * (3) أو غيره.
قلت: فلا حاجة إلى عموم " المؤمنون.. إلى آخره " (4)، سيما وأن يجعل
ذلك هو العلة كما اقتضاه كلامه، إلا أن يكون مراده الاعتضاد لا غيره، فتأمل.
ومع ذلك كيف يثبت من عموم * (أوفوا) * ونحوه تحقق عقد لازم يكون
غير لازم إلى انقضاء مدة معينة، مع اللزوم بالالتزام في ذلك الزمان، مثل: أن
يشتري أحد شخصا من المأكول لاضطراره إلى الأكل، وبناؤه على أكله ويأكله



(1) في ألف: (صورة واحدة).
(2) في ألف: (لاشتراط خصوص ارتجاع البيع).
(3) المائدة (5): 1.
(4) عوالي اللآلي: 1 / 293 الحديث 173 و 2 / 258 الحديث 8.
240
البتة، ومع ذلك يشترط على بائعه أن يكون له الفسخ من حين العقد والاضطرار،
مع البناء على الأكل قطعا وأكل جزما، دفعا لاضطراره، ويمتد خيار فسخه إلى
زمان الأكل، وبعده إلى انقضاء مدة الخيار ومدة الفسخ؟! وهل يتفوه به عاقل؟!
فضلا عن وضوح الثبوت.
واشتراط إعطاء عوض للمأكول التالف - إن اختاره - واسترداد الثمن أو
عوضه لا دخل له في المقام، لكونه اشتراط معاوضة، فعلى تقدير الصحة ليس
محلا لنظر الفقهاء في المقام، ومع ذلك لا وجه للاختصاص بصورتين لا غير، على
حسب ما ظهر لك.
فإن قلت: عموم " المؤمنون.. إلى آخره " ظاهر في وجوب الوفاء بأي
شرط وبأي عقد.
قلت: هذا تخريب لفقه الفقهاء، لو لم نقل بأنه تخريب الشرع بالبديهة،
لانحصار العقود اللازمة في الصور المعروفة القليلة، فضلا عن الشروط الأخر،
لانحصارها في الندرة ونحوه.
فإن قلت: خرج من الخارج ما خرج، وبقي الباقي.
قلت: هذا تخصيص العام الفاسد، باستعمال لفظه في نادر من الأفراد،
وإخراج للأكثر، ومع ذلك ليس أولى من إرادة الواجبات والمكملات في الإيمان
لو لم نقل بشيوع استعمال الإيمان في ذلك - كما لا يخفى - مع أن دلالته ليست إلا من
جهة نفي الإيمان من نفي الوفاء. فالمراد، إما نفي حقيقته، أو نفي صحته، أو نفي
كماله، كما هو المعروف من الفقهاء واقعا، والأولان فاسدان، لصحة إيمانه كما هو
المسلم عندهم من دون (1) مدخلية الفروع فيه، فيتعين الثالث.



(1) في ألف: (عدم).
241
وادعاء معنى آخر، فيه ما فيه إن كان على التعيين، لعدم الثبوت بحيث
يثبت على الخصم، سيما بملاحظة توقفه على تقدير قيد في الحديث يكون الأصل
والظاهر يقتضيان عدمه، وخصوصا بملاحظة كثرة وروده في الأخبار في الأعم
من الواجب وكثرة التداول بين الناس في ذلك.
ومع جميع ما ذكر، يكون دلالته على صحة خصوص الصورة التي ذكرها
الفقهاء وخصوص عكسها، مع اعتبار قيود كثيرة في كل من الصورتين مثل
اشتراط رد خصوص الثمن على النحو الذي سنذكر، وخصوص ارتجاع المبيع،
وخصوص رد الثمن الذي اشترط، وغير ذلك، من دون ضميمة المخصص ولا
معروفية أصلا، سوى فتاوى الفقهاء، والأخبار، وتداول حصول خصوص هذه
الصورة بين الشيعة في الأعصار والأمصار فيه ما فيه، لاقتضاء ذلك التخصيص
بالصورة الأولى كما أفتى بها الفقهاء، والإجماع والبداهة يفيدان اليقين لا الظن، مع
أن الإجماع اتفاق الفقهاء لا عدمه، فتدبر!
وأيضا، التصرف مسقط للخيار، سيما إذا كان بعنوان الإتلاف بالمرة، كما
هو الحال في المقام، لأنه شرع لاحتياج البائع إلى الثمن، وعدم خروج الملك عنه
قهرا مطلقا، وكون الإتلاف المذكور مسقطا له، لأن الفسخ ليس إلا إبطال المعاملة
والإرجاع إلى ما قبلها بأن يكون عين العوضين يرجعان إلى ما كانا قبل هذه
المعاملة لا مثلهما وبدلهما، فإن البدل عوض لم يقع العقد عليه، فاشتراطه معاوضة
أخرى في ضمن الأولى، فكيف يصير فسخا للأولى؟! بل هو إلزام لها وحفظ
لصحتها عن تطرق الفساد، فكيف يكون فسخا؟!
هذا إذا كان العوضان كذلك، فإنه شرط معاملة في معاملة، وأما إذا كان
عين أحد العوضين اشترط ارتجاعه، فإلزام من جهة وفسخ من جهة لا بد ثبوت

242
صحته مطلقا من دليل، سيما بملاحظة ما بين الإلزام والفسخ من التوابع الظاهرة،
والوارد في النص والفتاوي هو الذي ذكره المصنف لا غير.
وعموم " المؤمنون.. إلى آخره " - مع ما عرفت - يقتضي صحة صور
كثيرة، مثل أن لا يكون مثلا، بل أقل ولو بمراتب، كالأكثر، وغير الجنس، وغير
مقصود العوضية، مثل إعطاء مد من الحنطة أو قراءة سورة، إلا أن يدعي الإجماع
من الفقهاء على الفساد فيهما.
ولم نجد من كلامهم سوى ما ذكرنا من ظهور اشتراط ارتجاع خصوص المبيع،
ويجوز أن يكون مراد الشارح من جواز العكس هو استرجاع المبيع أولا ثم رد
الثمن بعده ولو مدة، لقوله (1) - بعد ذلك -: (والعمدة في ذلك.. إلى آخره) (2)، فتأمل!
فلا يتوجه على قوله إيراد أصلا، ويكون موافقا لغيره من الأصحاب،
والله يعلم.
وسيجئ تتمة للمقام في الحاشية الآتية.
قوله: [وأن التعدي إلى المثل] والقيمة بحسب الشرط والعقد قبلها.. إلى
آخره (3).
لا يخفى أن القيمة ربما تتفاوت كثيرا فيما بين وقت العقد ومنتهى انقضاء مدة
الخيار، فلزم الجهل والغرر، لعدم المعلومية المعينة.
فإن قلت: عموم " المؤمنون عند شروطهم " يقتضي الصحة.
قلت: فعلى هذا لا حاجة إلى تعيين المدة أيضا، والجواب الجواب، بل
ضرورة عدم تعيين القيمة أشد عند الفقهاء بلا شبهة، للنهي عن الغرر (4)، ولم يقل



(1) في الأصل: (قوله)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 402.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 401، ولم يرد في المصدر: (والعقد قبلها).
(4) عيون أخبار الرضا: 2 / 50 الحديث 168، بحار الأنوار: 70 / 304 الحديث 19
و 100 / 81 الحديث 4 و 8.
243
أحد منهم بالتعيين في المقام، بل صرحوا بالتعيين في المدة (1).
وأما الثمن، فقد اكتفوا بقولهم: إذا اشترط رد الثمن (2)، كما هو مدلول
الأخبار والظاهر منها أيضا، فالظاهر من الأخبار (3) والفتاوي (4) هو الثمن الكلي
الذي يكون في الذمة، لا الشخص المعين الخارجي، لأنه إذا أتلفه البائع لا يصدق
على خصوص إعطاء العوض الذي [هو] قيمة رد الثمن، لأنه ليس بثمن أصلا.
نعم، الكلي المقرر على الذمة، كما هو المتعارف في المبايعات - إذا وقع الثمن
في المبايعة - لا شك في صلاحية إطلاق الثمن على كل فرد منه، لأن الكلي لا يوجد
في الخارج إلا في ضمن الفرد، والفرد الذي سلمه المشتري إلى البائع يصير ثمنا
بتعينهما وتراضيهما فيه، فإذا اشترط البائع حين العقد: إن رديت الثمن في مدة كذا
يكون بالفسخ، وأراد منه هو الكلي الذي وقع العقد عليه - أي فردا منه - دون
الشخص الذي بعد تمامية العقد اختاره المشتري وسلمه إليه، بل ويصرح بأني
أتلف هذا الذي تسلمه إلي، أو يظهر من القريب (5)، وأراد الذي وقع عليه العقد لم
يكن به بأس ولا فيه حزازة، بخلاف ما لو كان الذي وقع عليه هو الشخص المعين
لا غير، كيف يتأتى أن يقول بقول مطلق: إن رديت الثمن، سيما بملاحظة الشخص
لا يجعل ثمنا إلا للغرض الخاص به بلا شبهة؟!
[و] فيما ذكر قرينة واضحة على أن ما في الفتاوي والأخبار (6) هو الذي



(1) مفتاح الكرامة: 4 / 561.
(2) مفتاح الكرامة: 4 / 564.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 18 الباب 7 من أبواب الخيار.
(4) لاحظ! قواعد الأحكام: 1 / 142، إرشاد الأذهان: 1 / 374.
(5) في ألف، د: (القرب).
(6) مر آنفا.
244
ذكرنا، فتدبر.
قوله: فإن أقامه في السوق.. إلى آخره (1).
فيه إشارة إلى أنه بالعرض على البيع لا يسقط الخيار، فتأمل جدا (2).
خيار الغبن:
قوله: ولقوله [تعالى]: * (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * (3).. إلى
آخره (4).
ولقوله: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا من طيب نفسه " (5)، ولما مر في بحث
كراهة الربح على المؤمن من الرواية المتضمنة لقوله (عليه السلام): " غبن المؤمن حرام " (6)،
ولما مر من حرمة غش المؤمن (7) الوارد في الروايات، وكذا المنع عن النجش (8)،
وأمثال ذلك.
وأما رجوع ذلك إلى خيار المشتري، فلأنه لو اطلع بالحال ورضي بالعقد
يجب على البائع الوفاء به، لعموم * (أوفوا) * (9) وغيره، ولا يتأتى للبائع أن يقول:



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 402، والرواية في: الكافي: 5 / 173 الحديث 17، تهذيب
الأحكام: 7 / 23 الحديث 98، وسائل الشيعة: 18 / 25 الحديث 23059.
(2) هذه الحاشية أثبتناها من نسخة: ب.
(3) النساء (4): 29.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 403.
(5) عوالي اللآلي: 2 / 240 الحديث 6.
(6) الكافي: 5 / 153 الحديث 15، تهذيب الأحكام: 7 / 7 الحديث 22، وسائل الشيعة:
18 / 32 الحديث 23072.
(7) لاحظ! الكافي: 5 / 160 باب الغش، تهذيب الأحكام: 7 / 12 الحديث 48، وسائل
الشيعة: 17 / 279 باب تحريم الغش..
(8) لاحظ! الكافي: 5 / 559 الحديث 13، وسائل الشيعة: 17 / 458 الباب 49 من أبواب
آداب التجارة.
(9) المائدة (5): 1.
245
العقد باطل لأني غشيتك، وفعلت الحرام، وبعتك بأزيد من قيمته زيادة فاحشة.
قوله: [فلا يزول عنه إلا بسبب شرعي] لعله الأظهر بعد الثبوت، لما مر (1).
ربما يتراءى، ويظهر في نظري كون الأول أظهر، لعموم ما دل على وجوب
الوفاء ولزوم العقد، وعدم مانع منه، لأن المانع هو الضرر والنقص، وليس هاهنا
ضرر ولا نقص أصلا، ولم يثبت خيار مطلق حتى يقال باستصحابه، بل خيار
مشروط بعدم إعطاء التفاوت، ولعدم قيام دليل على أزيد من هذا، لا من
الإجماع، ولا من: " لا ضرر ولا ضرار " (2) وأمثاله، فتأمل.
قوله: نعم، لا شك أن الأحوط ذلك.. إلى آخره (3).
قد عرفت أن أكل البائع الثمن أكل مال بالباطل، فالأحوط أن يرد البائع
التفاوت، بل المعين ذلك، بالنظر إلى الأدلة، فتأمل.
خيار التأخير:
قوله: [حمولها على عدم لزوم بيع له]، لأصل البقاء من غير فاسخ،
والأصل متروك بالأخبار، ولا إجماع [هنا].. إلى آخره (4).
وللإشعار الكائن من قيد " له " في قولهم (عليهم السلام): " فلا بيع له " (5)، فتأمل.
ومر في اشتراط ارتجاع المبيع قول الباقر (عليه السلام): " وإلا فالبيع لك " (6)، وفي



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 404.
(2) الكافي: 5 / 294 الحديث 8، عوالي اللآلي: 1 / 220 الحديث 93، وسائل الشيعة:
18 / 32 الأحاديث 23073 - 23075.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 404.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 406.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 406، الكافي: 5 / 172 الحديث 16، تهذيب الأحكام:
7 / 21 الحديث 90، وسائل الشيعة: 18 / 21 الحديث 23051.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 402، تهذيب الأحكام: 7 / 23 الحديث 97، وسائل
الشيعة: 18 / 18 الحديث 23046.
246
صحيحة الفضيل (1): " أرى أنه لك إن لم يفعل " (2)، وظاهر أن المراد من " لك "
فيهما انقضاء الخيار وعدمه، لأن البيع كان له كما هو المشهور عند الأصحاب،
وثبت من الأدلة، منها النص عنهم (عليهم السلام).
وسيجئ في الخيار فيما يفسد إلى الليل أيضا أنهم (عليهم السلام) قالوا: " فلا بيع
له " (3)، مع أنه ضرر عظيم على البائع من غير تقصير منه، فلا معنى لبطلان البيع،
بل في المقام أيضا مجرد تأخير المشتري كيف يصير سببا لبطلان البيع من طرف
البائع أيضا، مع أنه لا تقصير له أصلا؟!
والظاهر أنه إرفاق للبائع، لا أنه إضرار عليه، ولذا قال: " لا بيع له " مع
أن البيع المطلق مأخوذ فيه قيد اللزوم، والمركب ينتفي بانتفاء جزئه.
مع أن صحة البيع الفضولي تقتضي صحة هذا البيع بطريق أولى، فلا مانع
من أن يتحقق التراضي من الطرفين الآن فتشمله أدلة صحة البيع، ولعله لما ذكرنا
أفتى المعظم بالخيار (4)، وفهم المعظم مؤيد عظيم، والله أعلم.
على أنا نقول: ليس المراد نفي ماهية العقد قطعا، لتحققها جزما، بل نفي الثمر
الشرعي، ولذا عبر بلفظ النكرة في سياق النفي، فالمعنى: لا ثمر للعقد بالقياس إلى
المشتري، لأنه قال: " لا بيع "، فحيث حكم بانتفاء الثمر لخصوص المشتري ظهر
وجود الثمر للبائع وبقاء الثمر اليقيني له، مضافا إلى أصالة بقاء ذلك اليقيني وشمول



(1) كذا في كافة النسخ، والصحيح أنه: سعيد بن يسار، وليس الفضيل.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 400، الكافي: 5 / 172 الحديث 14، من لا يحضره الفقيه:
3 / 128 الحديث 558، تهذيب الأحكام: 7 / 22 الحديث 95.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 409، الكافي: 5 / 172 الحديث 15، تهذيب الأحكام:
7 / 25 الحديث 108، وسائل الشيعة: 8 / 24 الحديث 23057.
(4) راجع! مفتاح الكرامة: 4 / 565.
247
العمومات الدالة على الصحة.
فظهر من نفس عبارة الخبرين (1) صحة البيع، فضلا عن انضمام الأصل
والعمومات، لأن الصحة عبارة عن ترتب الأثر ولو في الجملة، فكيف يدل على
البطلان؟!
وأما صحيحة ابن يقطين (2)، فيمكن أن يكون المراد بالبيع المنفي المبيع،
لقوله: " يبيع البيع " (3)، وقوله: " فإن قبض بيعه " (4)، وظاهر أن المنفي هو الأثر،
لما عرفت، وأثر المبيع وثمره إنما هو للمشتري، وما نفي ثمر الثمن، فيمكن إرجاعها
إلى الروايتين (5) وما عاضدهما، فتأمل.
وفي كثير من الأخبار: إن المبيع يصير للمشتري بعد انقضاء الخيار (6)، مع
أنه يصير بمجرد العقد ملكه، فالمراد على سبيل اللزوم، فتأمل.
والحاصل، أن نفي الحقيقة غير مراد جزما، لبقاء الحقيقة يقينا، لأن البيع
من المعاملات بلا شبهة، وحقيقة المعاملة موجودة بلا خفاء، ومسلم عند جميع
الفقهاء وأرباب الفهم، وثابت بالقاعدة الثابتة المسلمة، فالمنفي إما الصحة، أو
اللزوم، أو الكمال، والأول أقرب المجازات، ثم الثاني، والثالث أبعد الكل، مع أن



(1) المراد بهما: خبر زرارة: " فلا بيع له "، وخبر أبي الجارود: " وإلا فالبيع لك ".
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 405، تهذيب الأحكام: 7 / 22 الحديث 92، الاستبصار:
3 / 78 الحديث 259، وسائل الشيعة: 18 / 22 الحديث 23052.
(3) أنظر: الهامش السابق.
(4) أنظر: الهامش السابق.
(5) أنظر: الهامش رقم 1 من هذه الصفحة.
(6) ويستفاد هذا الذي ذكره من أكثر روايات الخيار تضمنا، ومن رواية ابن سنان صريحا،
لاحظ! الكافي: 5 / 170 الحديث 3، تهذيب الأحكام: 7 / 24 الحديث 103، وسائل
الشيعة: 18 / 14 الحديثان 23036 و 23037.
248
القرينة قائمة على عدم إرادته قطعا، مضافا إلى الإجماع، فتعين الأول لو لم يكن
مانع، لكن المانع موجود - كما ذكرنا - بل الموانع موجودة، منها التقيد بقوله:
" له " (1).
ومن المسلمات التي لا تأمل فيها أن القيد في الكلام المنفي يرجع النفي إليه،
وهو المفهوم لغة وعرفا، فمقتضى العبارة أن النفي للمشتري خاصة، ويعضده
القرائن التي أشرنا إليها.
ومنها: الأصل، لأن الأصل في البيع الصحة واللزوم إلا فيما يثبت خلافه،
ولم يثبت إلا في جانب المشتري.
ومنها: الإجماع المنقول والأدلة الدالة على حجيته، كما حقق في محله،
ومسلم عندهم حتى الشارح أيضا.. إلى غير ذلك من الأمارات.
فإذا ظهر وثبت أن النفي إنما هو بالنسبة إلى خصوص المشتري ثبت كون
المراد نفي اللزوم، إذ لا معنى لنفي الصحة له خاصة كما لا يخفى، فتأمل جدا.
قوله: ويدل بقاء البيع (2) إلى شهر خبر آخر (3).. إلى آخره (4).
قال المحقق المحشي: هو ما رواه علي بن يقطين، قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن رجل اشترى جارية، وقال: أجيئك بالثمن، فقال: إن جاء فيما بينه وبين شهر
وإلا فلا بيع له " (5)، ولا أدري وجه ضعفه، لأن سنده هكذا - على ما رواه



(1) أي في قوله (عليه السلام): " فلا بيع له "، وقد مرت مصادره سابقا.
(2) كذا في كافة النسخ، وفي المصدر: (ويدل على بقاء البيع).
(3) لم ترد: (آخر) في المصدر.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 406.
(5) تهذيب الأحكام: 7 / 80 الحديث 342، وسائل الشيعة 18 / 23 الحديث 23055.
249
الشيخ (رحمه الله) -: أحمد بن محمد بن يحيى (1)، عن أبي إسحاق، عن ابن أبي عمير، عن
محمد بن أبي حمزة، عنه.
أقول: ومر في باب النقد والنسيئة عن الشارح (رحمه الله) وجه تضعيفه (2)، وأظهر
ما توهم في ذلك، فلاحظ!
قوله: وإنما النزاع في القبل، فإنه من البائع على القاعدة المقررة (3)، ومن
المشتري، لأنه ما له ولم تثبت القاعدة.. إلى آخره (4).
القاعدة ثابتة بالخبرين المنجبرين بعمل الأصحاب (5)، كما اعترف الشارح
مكررا، منها: ما قاله هنا، حيث قال: (ما تقرر عندهم.. إلى آخره) (6).
ولذا قال هذا المنازع بأن التلف قبل القبض من مالكه الأول في غير هذا
المقام، ودليله ليس إلا القاعدة المقررة (7)، فإذا كان القاعدة مقررة مقبولة فلا
وجه للتأمل في المقام، فضلا عن أن يرجح خلافها عليها، خصوصا بالعذر
المذكور، لفساده قطعا، لأن جميع المقامات التي أخذوا فيها بالقاعدة واتفقوا على
الأخذ (8)، حتى أن المنازع من جملتهم جزما متحقق فيها العذر المذكور من دون
خفاء، فكيف يرفع عنها اليد في خصوص المقام بالعذر المذكور؟!



(1) كذا في كافة النسخ، وفي المصدر: (محمد بن أحمد بن يحيى).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 326.
(3) كذا، وفي المصدر: (بناء على القاعدة المقررة).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 407.
(5) المراد منهما: روايتي: عقبة بن خالد - مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 406، وسائل الشيعة:
18 / 23 الحديث 23056 - والمرسلة التي نقلت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - مجمع الفائدة
والبرهان: 8 / 407، عوالي اللآلي: 3 / 212 الحديث 59 -.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 406.
(7) وهي القاعدة القائلة: (إن المال إذا تلف قبل القبض فهو من مال مالكه الأول).
(8) في ألف: (بالأخذ).
250
وكذا العذر الذي اعتذر لكون التلف بعدها من البائع (1) لا شك في فساده،
لأنه يقتضي أن يكون التلف في زمان الخيار ممن له الخيار، وهو خلاف النصوص
الكثيرة (2) والإجماع (3).
على أن التلف في أيام الخيار ممن لا خيار له، بل إذا كان مع الإجماع
والنصوص المذكورين يترجح القاعدة، فبدونهما بطريق أولى، فتأمل.
قوله: لو قلنا ببطلان العقد، كما هو ظاهر الأخبار (4)، فلا شك [في كون
الضمان من البائع].. إلى آخره (5).
ليس كذلك قطعا، بل ظاهرها الصحة واللزوم في الثلاثة، وعدم اللزوم
بالنسبة إلى خصوص البائع بعد الثلاثة.
قوله: في الرجل يشتري الشئ الذي يفسد من يومه.. إلى آخره (6).
لعل المراد أنه لا يبقى إلى اليوم الآخر صحيحا، وهذا هو الظاهر منه، فلا
حاجة إلى التأويل في قوله: " بينه وبين الليل " (7)، فإن البائع بالخيار إن شاء أن
يبيع أو يصرفه في الليل فعل، وإلا ترك، ويحتمل أن يكون المراد من يومه أوقات
قليلة مجازا وكناية، وهو متعارف، فتأمل.



(1) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 407.
(2) راجع! وسائل الشيعة: 18 / 14 الباب 5 من أبواب الخيار، وغيره.
(3) راجع! مفتاح الكرامة: 4 / 598.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 21 الباب 9 من أبواب الخيار.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 408.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 409، والرواية في: الكافي: 5 / 172 الحديث 15، تهذيب
الأحكام: 7 / 25 الحديث 108، وسائل الشيعة: 18 / 24 الحديث 23057.
(7) لاحظ الهامش السابق!.
251
في أحكام الخيار
قوله: وبالجملة، الإجماع والنص دليل الجواز واللزوم.. إلى آخره (1).
ولعل تتبع تضاعيف الأحاديث الواردة في أحكامها (2) يؤيده ويعضده،
فتأمل.
قوله: (ويسقط بالتصرف) (3)، ظاهره أن التصرف مطلقا يسقط خيار
الشرط.. إلى آخره (4).
هذا الكلام منهم صريح فيما ذكرناه في الحواشي السابقة من أن علة اقتصار
الفقهاء في صور اشتراط ارتجاع المبيع على خصوص اشتراط رد الثمن، وكون
ذلك الرد في مدة الخيار، وكون المبيع (5) هو الذي اشترط ارتجاعه لا غيره، وأنه لا
يصح إذا اشترط عدم رد أصلا، أو رد لمن هو أجل أو أكثر، أو بيان، أو مثل
صحة المريض، أو القدوم من السفر.. إلى غير ذلك مما لا خفاء في فساده، وأن
قبول مثل الثمن في خصوص الارتجاع للمبيع من جهة النصوص والإجماع.
قوله: [إلا ما استثني]، مثل ركوب الدابة للسقي والعلف والحفظ
والركوب للرد.. إلى آخره (6).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 411.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 16 - 20 الأبواب 6 و 7 و 8 من أبواب الخيار.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 411، إرشاد الأذهان: 1 / 375.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 411.
(5) هذا المقطع ساقط من ب، ج، ه‍، وفي ألف، ب: (وكون المنع)، والظاهر أن الصواب ما
أثبتناه.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 412.
252
بناء على أن الخيار في الفسخ ليس إلا رجوع العوضين كما كانا قبل
المبايعة، أعم من وقوع العقد على العوض الكلي أو الشخصي، فإن الشخصي
ظاهر.
وأما الكلي، فلما استحال وجوده في الخارج إلا في الشخص، فيرجع العقد
إلى الشخص الذي تعين الكلي فيه ووجد بعد العقد، والتصرف فيه تصرف فيما
وقع العقد، فإن التصرفات المنافية للفسخ كلها كذلك في العوضين الكليين، كما هو
المتعارف في العقود، سيما بالنسبة إلى الثمن.
هذا حال خيار الشرط، وأما ارتجاع المبيع فهو على قسمين:
قسم منه يكون خيار الشرط البتة داخل فيه بالبديهة، وهو أن يكون
العوضين لا يتصرف فيهما أصلا، يعني الرجوع إلى نفس العوضين - جزئيين أو
كليين - على ما عرفت من رجوعهما إلى الحالة السابقة على العقد، وهي عدم
تسلط أحد في تصرف فيه بغير إذن صاحبه، أو تصرف فيه تصرف الملاك في
ملكه.
مضافا إلى الأخبار الكثيرة، مثل رواية السكوني (1)، وغيرها مما ستعرف،
مع كونه متفقا عليه عند الفقهاء، مثل بطلان المغارسة وغيرها مما لم يناقش فيه
الشارح المناقشة التي ناقش في المقام، مع اتحاد الحال في الكل كتابا وسنة
وإجماعا.
مع أنه وجد في المقام الأخبار الكثيرة والأصول والقواعد الواضحة مما
أشرنا إليه في الحواشي السابقة واللاحقة، فليلاحظ.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 402، الكافي: 5 / 173 الحديث 17، تهذيب الأحكام:
7 / 23 الحديث 98، وسائل الشيعة: 18 / 25 الحديث 23059.
253
وبالجملة، لا يتصرف فيه أصلا، فإن التصرف مناف للفسخ، مسقط لخيار
الشرط البتة عندهم.
والقسم الثاني - وهو المعبر عنه باشتراط ارتجاع المبيع المعدود قسما آخر
كما عرفت في الحواشي السابقة - هو الرجوع في الثمن، أعم من أن يكون في نفس
الثمن أو في مثله لا أزيد ولا أنقص ولا المباين، بالنحو الذي عرفت فيما سبق، لكن
في طرف المبيع يكون على نهج خيار الشرط، يعني نفس المبيع خاصة لا مثله،
فالتصرف فيه من طرف الثمن غير مضر، بل من طرف المبيع أيضا، لكن نفس
المبيع لا عوضه، بل لا يعامل هذه المعاملة إلا من جهة التصرفين، فهو غير داخل
في خيار الشرط.
ولا يعبر أحد من الفقهاء عنه، ولا أحد من المتشرعة إلا بخيار ارتجاع
المبيع، وإن صح - لغة - التعبير عنه بخيار الشرط، إلا أن اصطلاح الفقهاء هو ما
ذكرناه، ولذا يحكمون بأن خيار الشرط يسقط بالتصرف من دون تأمل وتزلزل
ولا استثناء أصلا.
والمناقشة في كون الثاني أيضا خيار الشرط فاسد، إذ لا مشاحة في
الاصطلاح، ومن هذا ترى أن الشهيد الثاني حينما ألحق صورة عكس اشتراط
ارتجاع المبيع به اشترط أن يكون نفس المبيع لا مثله (1)، وكذلك غيره من المحققين.
ومعلوم أن هذا بعينه اشتراط خيار الشرط، لعدم اعتبار التصرف في الثمن
ولا في المبيع، فلا اعتبار (2) عليه أصلا، إلا أن يكون مراده جواز التصرف فيهما لا
بتصرف غير متلف يرجع إلى اشتراط رد المثل وجوازه.



(1) مسالك الأفهام: 1 / 142.
(2) في د: (فلا غبار)، وفي ه‍: (فلا خيار).
254
وفهم كلام الأصحاب كذلك، وإلا أشكل الحكم فيما اختاره (1)، لكن لم
يظهر لي بعد مخالفة منه للفقهاء، بل كلامه في " المسالك " صريح (2) غاية الصراحة في
موافقته الفقهاء غاية الموافقة (3)، بل في غاية الإصرار فيها، ولم يتأمل أحد إلا
الشارح، لما ذكره من عدم فهمه (4)، وأن الله أيضا لم يفهمه.
قوله: [كلما صدق عليه أنه تصرف] فهو مسقط عندهم. قال في
" التذكرة ": ولو كان شيئا [خفيفا].. إلى آخره (5).
وقد مر دليله ووجهه عند ترجمة قول المصنف: (ولو شرطا سقوطه.. إلى
آخره) (6).
قوله: ما رأيت دليلا على كون التصرف مطلقا [مسقطا].. إلى آخره (7).
قد عرفت الدليل، وبيان التصرف المسقط، والمراد من الرواية جميعا.
قوله: [لما تقدم] من أن التصرف في خيار الغبن وخيار المجلس ليس
بمسقط.. إلى آخره (8).
لم يظهر عدم مسقطية التصرف لخيار المجلس، وأما عدم مسقطيته لخيار
الغبن ما دام المغبون جاهلا فظاهر، لعدم دلالة التصرف حينئذ على الرضا بالبيع
حين معرفة الغبن وبعدها، فإن التصرف المسقط لا بد أن يكون دليلا على الرضا



(1) في د، ه‍: (فيما ذكره واختاره).
(2) في النسخ (تصريح)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(3) مسالك الأفهام: 1 / 142.
(4) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 412.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 412، تذكرة الفقهاء: 1 / 530.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 396، وقد مر في الصفحة: 231.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 412.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 412.
255
والإسقاط كما عرفت، فتأمل.
قوله: إن كان التصرف من المشتري في المبيع [فمعنى سقوط الخيار
واضح].. إلى آخره (1).
لا يخفى أن المتبادر من العبارة هذه وما يقول بعد هذه: (ولو تصرفا أو
تصرف أحدهما.. إلى آخره) (2)، أنه يتصرف المتصرف فيما هو تحت تصرفه من
جهة كونه ملكه المتزلزل من جهة خياره في الفسخ والإمضاء، فإنه إذا تصرف
يكون تصرفه مسقطا لخياره، ورفع التزلزل عن ملكه ولزومه على قياس ما مر
في الخيارات المختصة، بل ما ذكره في موضع آخر صريح فيما ذكرناه، لاحظ
" القواعد " (3) وغيره.
والمراد من سقوط الخيار، بقاء العقد على حاله إلا أنه يسقط الخيار
الذي يترتب على ذلك العقد، لا أنه يبطل ذلك العقد ويزول أثره
بالمرة.
وكون المراد ما ذكرناه مقطوع به من ملاحظة كلام الأصحاب في جميع
مباحث الخيارات، فالاعتراض على هذه العبارة لا وجه له أصلا ورأسا، ولا
حاجة إلى جواب الشارح، بل جوابه أيضا لا وجه له أصلا، إذ لو فسخ أحدهما
البيع انفسخ من الطرفين، فلا يبقى لقوله: (خاصة) (4) معنى.
وبالجملة، تصرف كل واحد منهما في ملكه مسقط للخيار، أما التصرف في



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 412، وورد في ج: (قول المصنف: فلو تصرف أحدهما.. إلى
آخره) بدلا من هذه العبارة.
(2) مجمع الفائدة: 8 / 415، إرشاد الأذهان: 1 / 375.
(3) قواعد الأحكام: 1 / 143.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 412، إرشاد الأذهان: 1 / 375.
256
ملك الآخر فحرام غير جائز، إلا أن يجعل ملك نفسه ويتصرف في ملك نفسه، لا
أنه (1) بعد التصرف يتحقق سقوط الخيار، كما هو الظاهر أيضا من هذه العبارة، مع
أن التصرف في ملك الغير له وجوه:
منها، أن يكون بإذنه عارية، وهذا لا يوجب الفسخ جزما.
ومنها، أن يكون غصبا، وهذا أيضا غير ظاهر في الفسخ، بل ظاهر في عدم
الفسخ، إلا أن يدل دليل على كونه فسخا بعنوان، وما وجدنا.
ثم لا يخفى أن هذه العبارة بالنسبة إلى الخيار المشترك لا المختص، كما هو
الظاهر منها وصرح في " القواعد " وغيره (2)، فلا وجه لما ذكره الشارح بقوله:
(على أن الظاهر.. إلى آخره) (3)، كما أشرنا إليه سابقا.
وأعجب من هذا قوله: (ودلت على أنه لو تصرف المشتري أيضا فيه.. إلى
آخره) (4)، إذ المراد من التصرف التصرف ممن له الخيار جزما، لا ممن ليس له
الخيار أصلا أيضا، فتأمل جدا.
قوله: وقد عرفت عدم فهمنا دليلها.. إلى آخره (5).
لا شبهة في عدم فهمكم، وإلا لما كان يطعن أو يتأمل، ولما احتاج إلى
توجيه كلماتهم، لكن عالما يعجز عن التوجيه، ويقول: (هم أعرف مني) (6)،
(وظني لا يغني من جوعي، فكيف جوع غيري).. وغير ذلك؟!



(1) في د، ه‍: (إلا أنه).
(2) قواعد الأحكام: 1 / 143، تذكرة الفقهاء: 1 / 528.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 413.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 413.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 413.
(6) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 404.
257
قوله: ويؤيده ما تقدم من مرسلة إسحاق بن عمار (1).. إلى آخره (2).
الأمر كما ذكره، وهو الذي أشرنا إليه من أن رفع حاجة الناس بالنحو
الذي يذكره الشارح صار مقتضيا، فصحة ما ورد في مرسلة إسحاق المنجبرة
بالشهرة بين، وغيرها من جواز الفسخ مع التصرف من المشتري في المبيع والبائع
في الذي أخذه فردا للكلي الذي هو الثمن، كما عرفت مما ذكرنا سابقا، فصار من
قبيل المستثنى من قاعدة كون التصرف مانعا.
وأشرنا إلى ما يصلح لكونه مستندا للفقهاء، وإلا فلا شك في أن ما اتفقوا
عليه من كون التصرف مانعا حتى في خصوص خيار الشرط أيضا، ولذا صرحوا
بذلك دفعا للتوهم الذي صدر من الشارح من جعله خيار ارتجاع المبيع برد الثمن
بالنحو الذي [يجعله] داخلا في خيار الشرط الذي ذكروه أولا، ثم عطفوا عليه
خيار ارتجاع الثمن، وصرحوا في كلماتهم بأنه اشتراط ارتجاع المبيع لا غيره برد
الثمن على حسب ما ذكرناه.
وعرفت أنه مستثنى من قاعدتهم في كون التصرف مسقطا، ولذا ذكروا ما
ذكروا بأن خصصوا بما خصصوا، لكونه بخصوصه مورد الإجماع (3) والنصوص (4)،
والله يعلم.
وفي " المسالك " أظهر الشهيد ذلك (5)، بل بعضهم ما اعتبر هذا الخيار من
جهة المنافاة، لكون التصرف مسقطا، المسلم الثابت عند الفقهاء، ولم يعتبر



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 399، وسائل الشيعة: 18 / 19 الحديث 23047.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 413.
(3) راجع! مفتاح الكرامة: 4 / 565.
(4) راجع! وسائل الشيعة: 18 / 18 الباب 7 من أبواب الخيار.
(5) مسالك الأفهام: 1 / 142.
258
الإجماع عليه.
قوله: [للأصل] والأدلة المتقدمة مع عدم دليل في السقوط بالتصرف
مطلقا.. إلى آخره (1).
كلمات الشارح في هذا المقام أيضا واضحة في اعتبار مثل الثمن، ومثل المبيع
لا أزيد منهما ولا أنقص أصلا ولا المباين، ولا اشتراط عدم رد عوض أصلا..
إلى غير ذلك مما كتبناه في الحواشي السابقة وألزمناه بالقول بصحة جميع هذه
الصور الفاسدة، والبناء على أن المقام مقام خيار الفسخ، والفسخ ليس معناه إلا
رد كل من العوضين إلى صاحبهما بالنحو الذي كان قبل العقد يلزمه عدم اعتبار
جميع ما يصححه في المقام، والقول بما أفتى الفقهاء به لا أزيد، والاعتراف بأن
التصرف والتبديل يوجب عدم كون عوض العوضين واحدا أصلا، لأن اشتراطه
التزام بالعقد لا فسخ له، كما عرفت مبسوطا.
فيكون دليل كون التصرف مسقطا في غاية الوضوح، ولا أحتاج إلى
تأويل كلمات الفقهاء مما هو ظاهر الفساد، بل لا يفهم منه معنى، وتعين كون
التصرف مسقطا لخيار الشرط لا خيار ارتجاع المبيع، فكلام في غاية الوضوح (2)
في إرادتهم من خيار الشرط هو الذي ذكروه بهذا العنوان، لا ما ذكروه بعنوان
اشتراط ارتجاع المبيع، كما لا يخفى.
قوله: ويمكن حمل كلام الأصحاب، من (3) أن التصرف في خيار الشرط
مسقط [على غير الصور التي ذكرناها].. إلى آخره (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 414.
(2) في د، ه‍: (فكلام في المقام في غاية الوضوح).
(3) لم ترد (من) في المصدر.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 414.
259
كلام الأصحاب إنما يحمل على ما يفهم من ألفاظ، وبناء معهم (1) إنما يكون
عليه سيما إذا اتفقت كلماتهم، ودعوى القرينة الصارفة من جهة أنه ما فهمه فيه ما
فيه، فإن كلماتهم جلها شامل فيها، ولذا يقول: (لا أفهم، الله يفهمني الدليل) (2)..
إلى غير ذلك مما صرح به ويصرح، و (هو أعلم مني (3)، وأعلم بمزيات لا
تحصى)، ومر منه (قدس سره) عند شرح قول المصنف: (وكلما يذكر في متن العقد) التصريح
بأن ظاهر الفقهاء عدم الانعقاد (4)، فلاحظ كلامه ومراده من المعلق!.
قوله: هذا كله مع عدم الدليل أصلا على ما رأيناه (5).
الدليل - على حسب اطلاعي القاصر - مضافا إلى ما مر في الحواشي
السابقة رواية السكوني، عن الصادق (عليه السلام): " إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى فيمن (6)
اشترى ثوبا فيشترط (7) إلى نصف النهار، فعرض له ربح فأراد بيعه، قال: ليشهد
أنه قد رضيه واستوجبه (8)، ثم ليبعه (9)، فإن أقامه في السوق ولم يبعه (10) فقد وجب
عليه " (11)، والدلالة في غاية الوضوح مع شدة التأكيد بقوله: " ليشهد أنه قد رضيه



(1) كذا، والظاهر أنها: (وبناء فهمهم).
(2) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 412.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 415، مع اختلاف يسير.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 147.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 414.
(6) كذا، وفي المصدر: (في رجل).
(7) كذا، وفي المصدر: (بشرط).
(8) كذا، وفي المصدر: (فاستوجبه).
(9) في المصدر: (ثم ليبعه إن شاء).
(10) كذا، وفي المصدر: (ولم يبع).
(11) الكافي: 5 / 173 الحديث 17، تهذيب الأحكام: 7 / 23 الحديث 98، وسائل الشيعة:
18 / 25 الحديث 23059.
260
واستوجبه "، لأنه ربما تعرض عارضة تمنع من معرفة الإسقاط، فيحصل مخالفة
للشرع عظيمة، بل وربما يبني على المسامحة فيرد طمعا في الرد، ويتوهم أن مجرد
الإقامة في السوق لا يكون تصرفا مسقطا فيغلط، لأنه يكفي في السقوط، فلا بد
من الإشهاد بالاستصحاب، ولو لم يكن كافيا لما وجب عليه الإشهاد ولا دفع
السقوط إلا بعد المنع.
والسند منجبر بعمل الأصحاب، وغيره من الجوابر:
منها، الأخبار المتواترة من الصحاح، والمعتبرة الواردة في أن: من
تصرف في المبيع ثم ظهر عليه عيب لا يمكنه الفسخ، وليس له [إلا] الأرش (1).
ولو لم يكن إسقاط التصرف في غاية شدة في الشرع، لما سقط خيار الرد
فيه، لأن المشتري مغرور جاهل بالموضوع، وهو معذور بالبديهة، وما عامل
على المعيب أصلا، بل لعله في غاية الإباء والتوحش فيه، ومع ذلك لزمه المعيب (2)
المذكور قهرا من جهة أدنى تصرف جهلا، فيكون السقوط من تصرف من
اشترط هو الخيار بطريق أولى، ثم أولى كما لا يخفى.
وأيضا، ورد منهم (عليهم السلام) أن الإقالة في المبايعة لا يمكن أن تتحقق بالزيادة
والنقيصة (3)، وليس ذلك إلا لأنهما تصرف.
وورد أيضا منهم (عليهم السلام) أنهم قالوا: لا يواجب قبل أن تستوجب (4).. إلى
غير ذلك.



(1) وسائل الشيعة: 18 / 102 الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، وغيره.
(2) في ألف: (لزمه تصرف المعيب).
(3) وسائل الشيعة: 18 / 71 الباب 17 من أبواب أحكام العقود.
(4) بمعناه: وسائل الشيعة: 18 / 25 الباب 12 من أبواب الخيار.
261
ومنها، صحيحة علي بن رئاب الواردة في خيار الحيوان (1)، وجعلها في
" المسالك " دليلا في المقام (2)، لأن قوله (عليه السلام): " فإن أحدث المشتري حدثا فذلك
رضا منه " (3)، أو في معناه أن الحدث يكون رضا التزاما شرعا، وليس معناه إن
رضي فأحدث من جهة رضاه فذلك رضاه، إذ العاقل لا يتكلم كذلك، فضلا عن
المعصوم (عليه السلام).
وأيضا، اشتراط بقاء الخيار مع تحقق الفسخ باطل يقينا، لأن الخيار
- حينئذ - (4) بالنسبة إلى الفسخ تحصيل للحاصل، وبالنسبة إلى الالتزام جمع بين
الضدين، وكذا الحال في تحقق الالتزام من دون تفاوت، والإلزام (5) يكون بالقول
وبالفعل، وهو أن يتصرف تصرف الملاك في ملكه، فإن هذا التصرف إذا كان
بعنوان الإتلاف رأسا فهو إلزام، وكذلك بعنوان إتلاف جزء منه أو منفعة، فكيف
يقول: يكون في الخيار في الفسخ أو الإلزام (6) حين تصرفي في المبيع واتلافي شيئا
منه على سبيل تصرف الملاك في ملكه؟! إذ القدر الذي استوفى كيف يتدارك في
الفسخ أو الإلزام (7) بعد ذلك؟! فتأمل جدا.
وبالجملة، تتبع تضاعيف ما ورد فيه وغير ذلك! مع أن الظاهر أنه
إجماعي، والله يعلم.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 413، وسائل الشيعة: 18 / 13 الحديث 23032.
(2) مسالك الأفهام: 1 / 142.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 13 الحديث 23032.
(4) في النسخ الخطية: (لأن الخارج) بدلا من (لأن الخيار حينئذ)، والظاهر أن الصواب ما
أثبتناه.
(5) في ه‍: (والالتزام).
(6) في ه‍: (أو الالتزام).
(7) في ه‍: (أو الالتزام).
262
قوله: [على سقوط] خيار الشرط بالتصرف مع ثبوته بالدليل اليقيني (1).
عدم اطلاعه على الدليل لا يقتضي عدمه، فإنه (رحمه الله) في غالب المواضع
يناقش ويقول كذلك، فلو صح مناقشاته لم يبق للشرع والفقه أثر أصلا، ولم
يوجد حكم شرعي إلا في غاية الندرة، وأين هذا من الدين والشريعة؟!
وقد أشرنا إلى دليل أكثر المواضع - لو لم نقل كلها - بحيث يظهر منه غفلته (رحمه الله)
على ما لا يخفى على المتأمل، وكيف يجوز عاقل اتفاق الفقهاء على الخطأ؟ سيما وأن
يستدل بخطئهم على تحقق الإجماع على خلاف ما قالوا؟!
وقد عرفت فساده، وفساد الاستدلال بالكتاب والسنة عليه، إذ لا كلام
لهم في مضمون المرسلة، بل كلهم أفتوا بها، بل كلامهم في غيره، وهذا يشهد على
ما ذكرناه، ومع ذلك هو أعلم، إلا أنا نعلم أن الفقهاء أعلم من الشهيد الثاني، وهو
أعلم من الشارح، والله يعلم.
قوله: من الكتاب والسنة والإجماع.. إلى آخره (2).
قد عرفت أن عموم الكتاب يقتضي عدم اشتراط رد الثمن أصلا، فضلا أن
يكون مثله أو قيمته لا أزيد ولا أنقص ولا غير ذلك مما ذكرناه في الحواشي، وأي
عذر معتذر به فهو عذر الفقهاء بلا خفاء، كما أشرنا إليه مكررا، فتأمل.
قوله: واشتراط العين في الثاني في " شرح الشرائع " (3) مبني عليه، وهو
أعلم (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 414.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 414.
(3) مسالك الأفهام: 1 / 142.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 415.
263
لا غبار أصلا، فماله (1) إن أراد عين المبيع وعين الثمن لعدم تصرف مسقط
للخيار أصلا.
نعم، إن أراد مثل الثمن، ففيه إشكال، لتحقق المسقط (2) عندهم، لكن
عرفت أنه (رحمه الله) ما خالف الفقهاء أصلا، بل أصر وبالغ في الموافقة، فلاحظ
" المسالك " (3).
قوله: [لعدم] ظهور الدلالة، خصوصا [إذا كان التصرف غير مستلزم
للزوم المال للمتصرف].. إلى آخره (4).
لعل الظهور بحسب فهم العرف، فإن الإذن هو الرخصة، والرخصة رفع
المانع من طرف الآذن، ولم يكن مانع من طرفه سوى اختياره للفسخ، فيرجع
المال إلى مالكه، فلم يفهم من رفعه المانع الذي كان من قبله سوى ما ذكر.
قوله: ولعل دليله أنه [حق] من الحقوق المالية قابل للانتقال، فينتقل إلى
الوارث كالمال، مثل الشفعة.. إلى آخره (5).
وهل ترث المرأة الخيار في الأرض التي اشتريت بالخيار؟ فيه إشكال، من
جهة أن الخيار تابع للملك للأرض، ولأن ثمن الأرض ليس مما تركه الزوج،
والذي تركه هو الأرض، وهي لا ترث منها، وأن ذلك حق من الحقوق المالية
فيشمله عموم أدلة الإرث، ولأنه تابع الأرض، والتابع منفعة من منافع المتبوع،
ومنافع الأرض ترثها الزوجة.
وأما إذا بيعت بالخيار، فلا ترث الخيار قطعا، لأن الخيار حينئذ إضرار



(1) في د، ه‍: (فما قاله).
(2) في النسخ الخطية: (السقط)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(3) مسالك الأفهام: 1 / 142.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 415.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 415.
264
وتفويت حق وملك للمرأة، وليس من الحقوق المالية حتى ترثها، لأن الوارث
يرث الحق والمال، لا الضرر وعدم الحق وسلب المال، كل ذلك في المرأة التي
لا ترث الأرض.
قوله: وللآخر البقاء، للتبعيض المنفي، فلو اختلفا قدم الفسخ.. إلى آخره (1).
مع احتمال التبعيض، لكن للآخر خيار تبعض الصفقة، فتأمل فيه، لأن
الخيار الذي كان للمورث هو بالنسبة إلى الكل لا البعض أيضا، فتأمل.
قوله: ولما مر في بعض الأخبار الصحيحة هنا أيضا [أنه] يجوز البيع قبل
القبض.. إلى آخره (2).
وللأخبار الصريحة في أن النماء في مدة الخيار للمشتري والتلف أيضا منه:
منها: رواية إسحاق بن عمار الماضية عند شرح قول المصنف: وخيار
الشرط [، وهو] ثابت.. إلى آخره (3).
ومنها: رواية رواها في " الغوالي " عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنه قضى بأن الخراج
بالضمان، معناه أن العبد - مثلا - يشتريه المسلم فيأخذ ضريبته حينا (4)، ثم يظهر
على عيب به فيرده به (5): أنه لا يرد ما صار إليه من غلته (6)، لأنه كان ضامنا له،
ولو مات مات من ماله " (7). انتهى.
ولغير ذلك من الأخبار.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 416.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 417.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 399، وسائل الشيعة: 18 / 19 الحديث 23047.
(4) كذا، وفي المصدر: (يشتريه المشتري فيغتله حينا).
(5) في المصدر: (فيرده بالعيب).
(6) في المصدر: (ما صار إليه من غلته وهو الخراج).
(7) عوالي اللآلي: 1 / 57 الحديث 83.
265
قوله: ولعل دليل القول الأصل.. إلى آخره (1).
دليل هذا القول الأخبار المستفيضة المتضمنة لصيرورة المبيع للمشتري بعد
انقضاء الخيار (2)، وسيذكر الشارح بعض هذه الأخبار ويعترف بالدلالة (3)، لكن
ينسب العامة بأجمعهم إلى القول بهذا، فهذا يرجح كون هذه الأخبار على سبيل
التقية، للقاعدة الثابتة من العقل والأخبار الكثيرة.
وعلى تقدير عدم كونها على سبيل التقية حملت على صيرورته بعنوان
اللزوم.
وكيف كان، الأقوى ما هو المشهور، ووجهه ظاهر مما ذكره الشارح ومما
ذكرنا.
قوله: كأنه الإجماع المستند إلى بعض الأخبار.. إلى آخره (4).
سيجئ الخلاف في أن القبض ماذا، هل هو التخلية مطلقا، أو في غير
المنقولات!
فعلى هذا، إذا كان عدم القبض هو عدم التخلية إما مطلقا - كما هو رأي
بعض (5) - أو في غير المنقول - كما هو عند آخرين (6) - يكون البائع مقصرا، بل
غاصبا أيضا، فلا وجه لما ذكره الشارح بعنوان الإطلاق، فتأمل.
وما ذكره دليل آخر على الحكم بالضمان، لا على البطلان أيضا.



(1) مجمع الفائدة البرهان: 8 / 417.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 14 الباب 5 من أبواب الخيار، مفتاح الكرامة: 4 / 594 - 595.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 438.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 418.
(5) راجع! مفتاح الكرامة: 4 / 696 - 706، مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 505 - 513.
(6) راجع! مفتاح الكرامة: 4 / 696 - 706، مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 505 - 513.
266
قوله: والبائع (1) غير مقصر، والقاعدة تقتضي كونه من ماله.. إلى
آخره (2).
لا يخفى أنه يكفي للخروج عن القاعدة الخبر المنجبر بعمل الأصحاب، بل
الإجماع على الظاهر، لعدم وجدان المخالف، وأما الدليل على كون ذلك فسخا
ظاهر قوله (عليه السلام) " من مال بائعه " (3)، فإن المال التالف ظاهر في كونه مالا للبائع
وتالفا منه، فيظهر منه الفسخ، ولو لم ينفسخ لكان التالف هو مال المشتري، وكان
عليه أن يقول: على البائع عوض مال المشتري، لا أن يقول: التالف من مال
البائع.
ومر عن الشارح أن رواية عقبة مقبولة عند الأصحاب في مسألة التلف بعد
الثلاثة (4)، ولا يخفى أن خبر " كل مبيع تلف.. إلى آخره " (5) أيضا مقبول عندهم،
ورواية عقبة أيضا تدل على أن التلف من مال البائع كما لا يخفى، بل هي أوضح
دلالة.
قوله: [فإن كان المتلف هو المشتري]، فذلك قبض منه، فتلف من ماله،
ولا ضمان على البائع.. إلى آخره (6).
أما إذا تلف (7) بقبضه وتحت يده فظاهر، لأنه إتلاف بعد القبض، وأما غير



(1) كذا، وفي المصدر: (فالبائع).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 419.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 419، عوالي اللآلي: 3 / 212 الحديث 59، مستدرك
الوسائل: 13 / 303 الحديث 15430.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 406، وسائل الشيعة: 18 / 23 الحديث 23056.
(5) راجع الهامش (3) من هذه الصفحة.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 419.
(7) في ج: (أتلف).
267
ذلك فلأن مقتضى الأدلة والقواعد كون التلف من المشتري والضمان عليه مطلقا،
خرج التلف الذي من غير إتلاف المشتري بالنص والإجماع وبقي الباقي، أما
الإجماع فظاهر، وأما النص فلأن القدر الذي يتبادر منه كون التلف من غير
إتلاف المشتري - وأيضا فسخ المشتري - إنما يكون من جهة أن البائع ما وفى
بعهده وعقده وشرطه، فله أن يقول: ما وفيت في التسليم وما أعطيتني الذي
عهدت وعقدت وشرطت فأنا أيضا لا أوفي، وللبائع أن يقول في صورة إتلاف
المشتري: إني أوفيت لولا المانع منك، فتأمل.
وأيضا، للبائع أن يقول: رد علي ما لي سليما تاما حتى أعطيك الثمن،
فتأمل.
قوله: ولكن دليل المسألة بفروعها غير ظاهر سوى ما يتخيل [في البعض
من الاعتبار].. إلى آخره (1).
لا يخفى أن رواية عقبة المقبولة تدل على أن المشتري ضامن لماله بعد القبض
مطلقا، ومر عن الشارح الاعتراف بذلك في بحث التلف بعد الثلاثة (2)، وتدل على
ذلك أيضا الروايتان اللتان نقلناهما في بحث تملك المشتري بالعقد (3)، مع أنه مر
عن الشارح مكررا أن الضمان لا بد أن يكون من المشتري على أي حال، لأنه
ماله، مع أن هذا ظاهر بلا شبهة، لا حاجة إلى الاستدلال عليه بظهور (4) أن مال
شخص لو تلف يكون التلف منه، إلا أن يثبت من الخارج ما يقتضي كون تلف
مال شخص من شخص آخر ويكون ضمانه على الآخر، لكن خرج عن القاعدة



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 420.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 406.
(3) راجع! الصفحة: 265 من هذا الكتاب.
(4) في ج: (لظهور).
268
صورتان:
الأولى: تلف المبيع قبل قبض المشتري، وقد عرفت أنه من البائع، وظهر
دليله.
الثانية: التلف منه مع كون الخيار للمشتري خاصة، ويدل على ذلك
الأخبار المستفيضة - التي بعضها صحيح - المتضمنة لكون التلف في الحيوان من
البائع في الثلاثة أيام حتى تنقضي ويصير المبيع للمشتري (1)، وقد أشرنا في باب
بيع الحيوان وجه الدلالة أنه مر في بحث أن المشتري يملك بالعقد ما دل على
الانتقال في ملك المشتري من حين العقد وبسببه، ومسلم ذلك عند الشارح أيضا.
فذلك قرينة على أن المراد في الأخبار المستفيضة صيرورة المبيع للمشتري
بعنوان اللزوم وعدم الخيار، فكأنه صار الآن ماله، فيكون الضمان عليه، ومر عن
الشارح أيضا في مبحث خيار الحيوان أنه للمشتري خاصة، للأخبار الكثيرة
الواضحة الدلالة (2)، بل ربما يكون بالإجماع (3) أيضا.
فدلت الأخبار المستفيضة على كون الضمان على البائع مع كون الخيار
للمشتري خاصة (4).
وبالجملة، الذي يظهر من الأخبار الموافقة لفتاوي الأصحاب أن ضمان
مال المشتري إنما يكون على نفسه بشرطين:
الأول: خروجه عن البائع ودخوله في قبضه.
والثاني: أن لا يكون له خيار مختص به.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 391، وسائل الشيعة: 18 / 14 الحديث 23036.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 391، وسائل الشيعة: 18 / 10 الباب 3 من أبواب الخيار.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 391، تذكرة الفقهاء: 1 / 519.
(4) راجع! وسائل الشيعة: 18 / 14 الباب 5 من أبواب الخيار.
269
فإنه حينئذ وإن كان ماله بالقياس إلى بعض الثمرات الشرعية - مثل كون
النماء له - إلا أنه ليس ماله بالنظر إلى بعض الثمرات - مثل كون الضمان عليه والتلف
منه - وإن شئت قلت: يشبه أن يكون مال البائع، ووجه الشبه هو الذي مر.
وبهذا جمع بين الأخبار والأدلة، وظهر وجه المخالفة بينها، حيث ظهر من
بعضها كون المال للمشتري ومن بعضها كونه للبائع، وصار منشأ للخلاف بين
الفقهاء.
والحاصل، أن الضمان حينئذ على البائع عند الكل، أما عند المشهور فلما
ذكرنا، وأما عند غيرهم فلعدم الانتقال إلى المشتري، كما هو ظاهر المستفيضة (1)،
وهو دليلهم كما أشرنا، ويدل على كون التلف من المشتري إذا كان الخيار للبائع
خاصة موثقة إسحاق بن عمار (2)، واعترف به الشارح أيضا (3).
وبالجملة، دليل المسألة واضح، فلا وجه لما ذكره الشارح.
فإن قلت: ما ذكرت من الأخبار واردة في موارد خاصة.
قلت: ما ذكروه (عليهم السلام) في مقام الجواب في حكم التعليل، ويفهم منه العموم
كما فهمه أرباب الفهم المستقيم - أي الفقهاء - والشارح (رحمه الله) لم يتفطن بتلك
المستفيضة وإلا كان يفهم كما يفهم القوم، ولذا فهم من رواية عقبة العموم، وكذا
من رواية إسحاق.
ويشهد على عدم تفطنه أنه ما ذكر في باب بيع الحيوان غير حديث ضعيف،
وما ذكر المستفيضة دليلا للشيخ وابن الجنيد (4).



(1) أي: رواية عبد الله بن سنان: وسائل الشيعة: 18 / 14 الحديث 23036.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 19 الحديث 23047.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 400.
(4) أي لم يستدل للشيخ برواية عبد الله بن سنان - المذكورة في هامش (1) - وغيرها، مع أنه
صرح فيها بأن المبيع يصير للمشتري بعد انقضاء الخيار.
270
فإن قلت: للمشتري خيار الفسخ في صورة كون الخيار لهما، فأي فائدة في
الخيار؟
قلت: الفائدة الرجوع إلى ثمنه إذا فسخ، إلا أنه عليه قيمة المبيع للبائع، كما
هو الحال في سائر مواضع الخيار.
ومما يشير إلى فهم العموم أن الشيخ (رحمه الله) استدل بها على رأيه (1)، فتأمل.
على أنه سيذكر الشارح (رحمه الله) في شرح قول المصنف (رحمه الله): (إلا وطء الحامل) (2)
بعض هذه الأخبار المستفيضة، ويعترف بالدلالة على العموم، فلاحظ! فلا وجه
لتأمله في المقام، فتأمل.
ويدل أيضا على العموم، أن القول بالاختصاص في مورد خاص معدوم،
لكن روى في " التهذيب " أن الضمان على البائع في صورة يكون الشرط بينهما (3)،
ويمكن حملها - من جهة عدم وجدان عامل بها - على صورة يكون الخيار
للمشتري خاصة، على طريقة ما مر في بحث أن الخيار في الحيوان للمشتري،
فتأمل.
قوله: وفيه تأمل، مع أنهم لا يجعلون هذا [من ذلك القبيل].. إلى آخره (4).
لا يخفى، أن العلة هي ما ذكره من أنه (له أن ينقص.. إلى آخره) (5)، إذ
حينئذ لا يبقى لوجوب الوفاء على البائع تأمل، لأنه عقد عليه فيجب الوفاء به،



(1) الخلاف: 2 / 10 المسألة 29.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 430.
(3) تهذيب الأحكام: 7 / 24 الحديث 103.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 421، هامش الصفحة.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 421.
271
وهو كان عالما، فكيف يمكنه أن يقول: أنا لا أفي به لأنه أنقص من حقك الذي
عقدت العقد عليه؟
فليس هذا من الفضولي الذي وقع النزاع فيه، لأن منكر الفضولي كان
يستدل بمثل: " لا تبع ما ليس عندك " (1)، وغير ذلك مما مر في بيع الفضولي،
وشئ من ذلك غير جار فيما نحن فيه، لكن عرفت أنه لو ظهر بعد التصرف يكون
للمشتري أخذ ما بإزاء وصفه المفقود، إذ " لا ضرر " (2)، ولرواية يونس (3).
العيب وأحكامه
قوله: واعترض عليه بأن عدمه أولى، كما في " الشرائع " (4) والمتن (5)، إذ
قد يكون (6) عيبا مع الزيادة المالية، كما في الخصي والمجبوب (7).
فيه، أنها ليست بزيادة مالية، بل هي زيادة قيمة (8)، والمراد بالمالية هنا هو



(1) وسائل الشيعة: 18 / 47 - 48 الحديثان 23107 و 23110، مع اختلاف
يسير.
(2) عوالي اللآلي: 1 / 220 الحديث 93، وسائل الشيعة: 25 / 427 الباب 12 من كتاب
إحياء الموات.
(3) الكافي: 5 / 216 الحديث 14، وسائل الشيعة: 18 / 108 الحديث 23257.
(4) كذا هنا وفي المصدر، والظاهر أن الصواب: (في شرح الشرائع)، لاحظ: مسالك الأفهام:
1 / 155.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 422.
(6) كذا، وفي المصدر: (يكونان).
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 423.
(8) في ج: (قيمية).
272
مقابل القيمة كما يظهر من عبارة " القواعد " (1) و " التذكرة " (2)، ويقتضيه الدليل
والقاعدة.
وتفصيل الكلام، أن التفاوت إما بحسب الرغبة أو القيمة أو المالية:
والأول، لا يتعلق به خيار إلا مع الشرط.
وأما الثاني، ففيه الخيار، وهو خيار الغبن، وقد ذكر.
والثالث، فيه خيار العيب.
والمراد أن المعتبر في المقام هو نقصان المالية، كما صرح به في " القواعد " و
" التذكرة "، أعم من أن يكون سببا لنقصان القيمة أم لا، بل ولو كان سببا لمزيد
القيمة، والقيمة ليست جزءا من المبيع، ولذا يتخير المغبون بين الإمضاء مجانا
والرد، والغاصب لا يضمن عندهم القيمة السوقية.. إلى غير ذلك.
بخلاف المال، فإن نقصه نقص جزء من المبيع، ولذا يتخير عندهم بين
الأرش والرد، أما الرد فظاهر، وأما الأرش فلأن ما أعطاه البائع بعض المبيع
فللمشتري أن يلزمه بالوفاء به وبما بقي، وأما زيادة قيمة الباقي فلا يجبر النقص
المالي، كما هو الحال عند تبعض الصفقة، فلا يمكن للبائع أن يقول: قيمة الباقي
أعلى فلا علي أن لا أعطي ما بقي مما لم يوجد ولا الثمن الذي بإزائه.
وكذا الغاصب إذا ضاع بعض المال في يده، وصار سببا لزيادة قيمة الباقي
لا يمكن له أن يقول: لا أعطي القدر الضائع، وذلك ظاهر، فتأمل.
وما قلنا من أن الثمن موزع على أجزاء المبيع، يشير إليه أحكام كثيرة، منها
ما اعترف به الشارح (رحمه الله) في بحث بيع المرابحة (3)، وعند التجار وأهل العرف أيضا



(1) قواعد الأحكام: 1 / 145.
(2) تذكرة الفقهاء: 1 / 524.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 369.
273
كذلك، ولذا لا يبطل لو خرج بعض المبيع مستحقا للغير، أو غير ما يصح ملكه،
وهذا وفاقي عند الفقهاء.
وأما إلزام البائع بإعطاء ما بقي، فلأن وجوب الوفاء بمجموع شئ وجوب
الوفاء بجميع أجزائه، وجعل المجموع في الذمة والعهدة جعل كل واحد واحد من
الأجزاء بأجمعها، ولذا لا يمكنه أن يقول: لا أفي بما بقي لأني ما وفيت بما ذهب، إلا
أن يكون البائع جاهلا، فله الخيار أيضا كما أشرنا.
ومما يدل على ما ذكر، قول علي (عليه السلام): " الميسور لا يسقط بالمعسور " (1)،
وقوله (عليه السلام): " ما لا يدرك كله لا يترك كله " (2)، وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " إذا أمرتكم
بشئ فأتوا منه ما استطعتم " (3).
ومما ذكر ظهر حال أنواع الخيارات، مثل خيار التدليس، فإن حاله حال
خيار الغبن كما صرح به الفقهاء، وقس على هذا، وسيجئ زيادة كلام في ثبوت
الأرش وتحقق خيار العيب، فانتظر.
فإن قلت: لم لا يلزم مما ذكرت هنا خيار تبعض الصفقة، وفساد البيع
بالنسبة إلى الجزء الذي لا يمكن، بل لزم خيار العيب، وصحة البيع، ولزوم
الأرش الذي هو تفاوت ما بين قيمة المبيع صحيحا ومعيبا؟
قلت: الفائت هنا ليس إلا الصحة، والصحة وصف لا عين، وإن لوحظ
بإزائها مال وزيادة في الثمن، والمراد من الوصف ما لا يصح أن يصير مبيعا برأسه
سواء كان صفة أو عينا، كيد العبد مثلا، والمراد من العين ما يصح.
فإن قلت: تنتقض القاعدة بخيار الوصف.



(1) عوالي اللآلي: 4 / 58 الحديث 205 مع اختلاف يسير.
(2) عوالي اللآلي: 4 / 58 الحديث 207.
(3) عوالي اللآلي: 4 / 58 الحديث 206 مع اختلاف يسير.
274
قلت: ليس كذلك، لأن البائع إذا باع عبدا - مثلا - فظاهر أن معناه العبد
الصحيح، لانصراف الإطلاق إليه، فيكون الصحة داخلة في مفهوم المبيع وجزءا
من أجزائه، والثمن موزع على أجزاء المبيع على حسب ما مر من أن الصحة جزء
من أجزاء المبيع كما عرفت، والأرش تفاوت ما بين قيمة الصحيح والمعيب، وهو
جزء من الثمن كما صرحوا وسيصرح المصنف به (1)، فخيار العيب بعينه مثل خيار
تبعض الصفقة، وحكمه حكمه، إلا ما ذكر من أن الجزء هناك مما يصح بيعه بخلاف
الصحة.
وأما إذا باع عبدا أبيض - مثلا - فللبائع أن يقول: البياض وصف اعتبر في
المبيع لزيادة ثمنه فلعله شرط لذلك لا أنه شطر المبيع، سيما وأن يكون الثمن موزعا
عليه وعلى المبيع، على حسب ما مر في تبعض الصفقة، فتأمل جدا.
وبالجملة، شرط الوصف علة للزيادة، والعلة خارجة عن المعلول، وأيضا
الثمن لم يجعل إلا بإزاء نفس المبيع، وهو واضح، فإذا كان موصوفا بوصف فالمبيع
هو ذات الموصوف وعينه، وإن كان مشروطا بشرط موصوفا بوصف، لأن ذلك
لا يقتضي أن يكون الشرط والوصف داخلين في المبيع، لأن الموصوف غير الصفة
والمشروط غير الشرط قطعا.
وعلى هذا، فكل شئ يكون فقده نقصا في نفس المبيع بحسب العرف، فقده
يصير سببا لتبعض الصفقة أو خيار العيب كما قلناه، لأن البائع ما وفى بتمام نفس
المبيع عرفا، فكيف يأخذ تمام ما جعل بإزائه؟ وكل شئ لا يكون كذلك يكون
الأمر فيه، كما قلناه في خلاف الوصف، فتأمل جدا.



(1) إرشاد الأذهان: 1 / 376، مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 426.
275
لكن بالتصرف يكون له الأرش، لرواية يونس (1)، وعموم " لا ضرر ولا
ضرار " (2) إذا كان تصرفه جهلا بالنقص، فتأمل.
قوله: وعدم الشعر على العانة.. إلى آخره (3).
في كونه سببا للزيادة المالية تأمل.
قوله: ويمكن أن يقال المراد [كون ذلك موجبا بالنسبة إلى التجار].. إلى
آخره (4).
قد عرفت مما ذكرناه أنه لا حاجة إلى ما ذكره الشارح، بل ولا يتمشى ثم.
قوله: لأن فقد الشرط موجب لفقد المشروط، وهو صحة العقد، ولكن
ذكروا [أن الشرط للزوم لا للصحة] (5).
لا يخفى أن الشرط بمنزلة جزء المبيع، فليس فقده فقد كل المبيع حتى يلزم
عدم الصحة كما أشرنا إليه مرارا، وقد عرفت في الحاشية السابقة وستعرف أيضا.
قوله: وإلا يلزم الدور في الشروط (6)، فلو قصد ذلك فلا بأس.. إلى
آخره (7).
قد عرفت أن الدور لا يلزم إلا في صورة خاصة. وعرفت أيضا أن الشرط
شرط الصحة لا اللزوم، على ما هو مقتضى إرادة المتعاقدين، والأدلة الشرعية



(1) وسائل الشيعة: 18 / 108 الحديث 23257.
(2) عوالي اللآلي: 1 / 220 الحديث 93، وسائل الشيعة: 25 / 427 الباب 12 من كتاب
إحياء الموات.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 423.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 423.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 425.
(6) كذا، وفي المصدر: (في بعض الصور).
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 425.
276
مثل: * (أوفوا بالعقود) * (1) وغيره. وعرفت أيضا أنه إذا لم يتأت الشرط ولم يمكن
حصوله يرجع العقد اللازم إلى الجائز بالنسبة إلى خصوص من له الشرط لا من
ليس له الشرط، فإن العقد بالنسبة إليه باق على لزومه. وعرفت أيضا أن رجوع
اللازم إلى الجائز بالنسبة إلى خصوص من له الشرط إنما هو من قاعدة أخرى
جارية في تبعض الصفقة وأمثاله مما يكون المعدوم فيه بإزاء الآخر واعتباره
لأجل الصحة قطعا، لا لأن اعتباره لأجل اللزوم دون الصحة، فلا تقتضي تلك
القاعدة كون الشرط شرطا للزوم خاصة، فتدبر.
قوله: قيمة عادلة بنظر أهل الخبرة المعتبرين.. إلى آخره (2).
الذين يحصل من قولهم الظن، فإن كان شهادة العدلين ميسرة تكون أولى
وأحوط، وإلا فلا يتوقف عليها ولا على تحقق العدالة، لأن المدار في أمثال المقام
على الظنون، هذا إذا عرف القيمتان، وأما إذا لم تعرفا من جهة الاختلاف وعدم
مرجح يرجح، أو لم تتيسر لهم فالعلاج المصالحة، كما هو الحال في أمثال المقام،
والله يعلم.
قوله: لو قال: أنا برئ من عيبه.. إلى آخره (3).
بيع المعيوب عالما مع جهل المشتري حرام وغش، فلا بد من اظهار، ولو
بالتبرؤ عن المعيوب إجمالا، وأولى منه التبرؤ تفصيلا، وأولى منهما اظهار العيب
إجمالا، وأولى من الكل اظهاره تفصيلا.
ثم لا يخفى أن من العيوب قتل العبد أحدا أو جنايته، وسنشير إلى حكمه في
بحث الجنايات، فلاحظ! والله يعلم.



(1) المائدة (5): 1.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 426.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 426.
277
قوله: إذ لا نقص في المالية هنا.. إلى آخره (1).
مراده أن الأرش نقصان مالي خاص، وهو كونه نقصانا من القيمة التي
للصحيح - أي تفاوت ما بين قيمة الصحيح والمعيب - فلا يتحقق هنا، لأن قيمة
المعيب أزيد من الصحيح، فكيف يتحقق الأرش.
وفيه، أن كون الأرش مطلقا كذلك ممنوع، لجواز تحققه كما ذكره الشارح
إذا اقتضاه الدليل، والدليل يقتضيه، لأن الخصي إن لم يكن شيئا من المبيع - بناء
على أن الإطلاق منصرف (2) إلى الصحيح، والخصي ليس من الصحيح في شئ -
فالبيع باطل، وإن كان هو المبيع من دون تغير أصلا فالبيع صحيح من دون خيار،
وإن كان بعض المبيع، بسبب أن المبيع زائد عليه وهو ناقص عنه، كما هو الحق
ومفروض المسألة، ولذا يتحقق فيه الخيار.
ومر التحقيق في ذلك، فنقول: إن أردت أن الناقص لا قيمة له أصلا، ففيه
أنه فاسد قطعا، ولذا لو قطع أحد ذكر عبد يكون للمالك أخذ الدية قطعا، بل
ويأخذ دية عالية.
وبالجملة، لا شك في أنه بإزائه في نفسه شئ البتة وليس بحيث لا حرمة
ولا قيمة له أصلا.
وإن أردت أن زيادة قيمة الباقي تجبره، فهو مخالف للقاعدة قطعا، كما أشرنا
إليه.
وإن أردت أن البائع يتضرر من جهة القيمة - كما أشار إليه الشارح - ففيه
أن البائع إن كان عالما بالحال وعقد البيع فهو أقدم على الضرر، فللمشتري أن



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 428، تذكرة الفقهاء: 1 / 528.
(2) في د، ه‍: (ينصرف).
278
يلزمه به، لعموم * (أوفوا) * (1) وغيره، وإن كان جاهلا فلا شك في أن له الخيار،
ولا تأمل فيه، فلا ضرر من هذه الجهة أيضا.
وبالجملة، ما يقتضي الخيار في غيره هو بعينه مقتضي الخيار فيه، لعدم
النص بالخيار بحيث يختص بغير ما نحن فيه، فتأمل جدا.
والظاهر من عبارة " القواعد " ثبوت الأرش هنا أيضا (2).
ومما ذكرنا ظهر أن لا مخالفة بين أول كلام " التذكرة " وآخره، لتقييده بلفظ
(هنا) (3) هاهنا دون ما سبق، ولتعليله عدم تحقق الأرش بما ذكر.
قوله: ثم ينظر في دليل جواز الرد [فإن شمله يرد].. إلى آخره (4).
قد عرفت الدليل وأنه لا مجال للمناقشة فيه، وأن الظاهر شموله لما نحن فيه.
قوله: نعم، يوجد في الأخبار ما يدل على الرد بالعيب [قبل الحدث
والتصرف، والأرش بعده].. إلى آخره (5).
لا يخفى أن دليلهم هو القاعدة التي ذكرناها في الحاشية السابقة، عند شرح
قول المصنف، (العيب، وهو كل ما يزيد أو ينقص) (6)، مضافا إلى عبارة " الفقه
الرضوي "، وهي هذه: " فإن خرج في السلعة عيب وعلم المشتري، فالخيار إليه،
إن شاء رد وإن شاء أخذه ورد عليه بالقيمة أرش العيب " (7)، وهي منجبرة بعمل
الأصحاب مع أن " الفقه الرضوي "، معتبر عندهم، ولذا كثير من أحكامهم نفس



(1) المائدة (5): 1.
(2) قواعد الأحكام: 1 / 145 - 146.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 428، تذكرة الفقهاء: 1 / 528.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 428.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 430.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 422.
(7) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام): 253.
279
عبارة " الفقه الرضوي "، سيما المفيد والصدوق (رحمهما الله)، فلاحظ.
وأما الرواية المرسلة (1)، فمع ضعفها محمولة على الغالب من عدم الرغبة في
المعيب وعدم الرضا به، وكذا ما يؤدي مؤداها، مع أن الأمر الوارد فيها وارد في
محل توهم الحظر، ومثل هذا الأمر لا يفيد أزيد من رفع الحظر، وجواز الفعل،
والعلامة لم يستدل بالروايتين على تمام مدعاه، بل عليه في الجملة (2) كما لا يخفى.
قوله: ويمكن حملها على كونها مع البكارة، لما تقرر عندهم.. إلى آخره (3).
حمل بعيد غاية البعد، لأن الإطلاق ينصرف إلى الأفراد الغالبة لا الفروض
النادرة، فكيف أن يكون المراد خصوص النادرة ليس إلا؟ مع أن الكليني
والصدوق رويا عن عبد الملك بن عمرو - راوي هذه الرواية - عن الصادق (عليه السلام)
هذه الحكاية بعينها وأن الصادق (عليه السلام) قال: " يرد معها نصف عشر قيمتها " (4)، بل
رواية الصدوق متنها عين متن هذه الرواية، وفيها تلك الزيادة، فتعين الحمل على
الغلط والسقط من القلم، لأنهما أضبط، وللموافقة لسائر الأخبار، ولأن الظاهر
السقط دون الزيادة.
نعم، في " الكافي " بعد هذه الرواية قال: وفي رواية أخرى: " إن كانت
بكرا فعشر قيمتها (5)، وإن لم تكن بكرا فنصف عشر ثمنها " (6).
ومن هذا يترجح ما احتمله العلامة في " القواعد " بأن البكر يرد عليه



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 429، وسائل الشيعة: 18 / 30 الحديث 23069.
(2) تذكرة الفقهاء: 1 / 524.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 432.
(4) الكافي: 5 / 214 الحديث 3، من لا يحضره الفقيه: 3 / 139 الحديث 609، وسائل
الشيعة: 18 / 107 الحديث 23254.
(5) كذا، وفي المصدر: (ثمنها).
(6) الكافي: 5 / 214 الحديث 3، وسائل الشيعة: 18 / 106 الحديث 23251.
280
عشر قيمتها (1).
ويؤيده، الأخبار الواردة فيمن جامع جارية رجل أنه عليه عشر قيمتها
إن كانت بكرا وإلا فنصف العشر، وردت فيمن اشترى جارية رجل من غير
صاحبها ثم ظهر أنها ليست للبائع (2)، وفي غير هذا الموضع أيضا (3)، على ما أظن.
واحتمل - أيضا - أن يكون مثل الثيب يرد نصف عشر قيمتها، ولعله من
جهة الإطلاقات، وفيه ضعف، لما عرفت من انصرافها إلى الأفراد الشائعة.
أو من أنه إذا كان عليه نصف العشر في الثيب ففي البكر بطريق أولى.
وفيه، أنه فرع ثبوت جواز الرد في هذه الصورة أيضا، وعدم حجية ما
رواه " الكافي "، ولعلهما محل تأمل، سيما الأول، إذ الرد خلاف الأصل.
وكذا إعطاء شئ للبائع، فيجب الاقتصار فيما خالف الأصل على موضع
الوفاق وما يتبادر من النصوص، وللبائع أن يقول: أخذتها باكرة، فكيف تردها
علي ثيبا؟ ردها علي كما أخذتها مني وخذ ثمنك، ولا ينفع الجواب بأن بكارتها
صارت في معرض الزوال، لأنها ملك ومال بلا شبهة، بل هي أولى بالملكية من
العبد المرتد الفطري وأمثاله، مع أنها ليست من المنافع الحادثة في ملك المشتري،
بل من الصفات الكائنة في ملك البائع، ومال وملك.
قوله: لعل الأخيرة حسنة، والأولى [يحتمل كونها صحيحة].. إلى آخره (4).
لا حاجة إلى التعرض لذكر حال السند بعد الانجبار بعمل الأصحاب، كما



(1) قواعد الأحكام: 1 / 146.
(2) الكافي: 5 / 404 الحديث 1، تهذيب الأحكام: 7 / 349 الحديث 1426، الاستبصار:
3 / 216 الحديث 787، وسائل الشيعة: 21 / 185 الحديث 26859.
(3) وسائل الشيعة: 21 / 132 الحديث 26713.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 432.
281
هو مسلم وحققناه في محله.
قوله: واستلزام الوطء لمسها (1) غالبا.. إلى آخره (2).
ولأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يفيد العموم، سيما وأن يكون
الاحتمال أظهر الاحتمالات، بل وغيره في غاية البعد.
قوله: [لأنها قد تزول] بوضع الحمل.. إلى آخره (3).
قد عرفت الكلام في ذلك وما بعده.
قوله: [غير مجمع عليه]، بل ولا منصوص عليه بخصوصه.. إلى آخره (4).
قد عرفت أيضا أن الحق مع المشهور من أن الانتقال يقع من حين العقد،
وأن النماء للمشتري بعد العقد، والشارح أيضا رجح ذلك، ولا يجب أن يكون كل
حكم منصوصا عليه بالخصوص، مضافا إلى أن أكثر الأحكام الفقهية تثبت
بضميمة عدم القول بالفصل.
على أنه سيصرح الشارح بأن كون المبيع في زمن الخيار للبائع مذهب
العامة (5)، فربما يكون أمثال هذه الروايات الظاهرة في كون الانتقال بعد زمان
الخيار موافقا لمذهبهم، وما دل على الانتقال من حين العقد موافقا للحق، مع أنه
مضى في خيار التأخير ما يمكن التوجيه بملاحظته.
قوله: فهو يدل على أن هذا أيضا عن الحلبي (6)، فيكون صحيحا.. إلى



(1) كذا وفي المصدر: (لها).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 432.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 432 - 433.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 433.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 438 - 439.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 433، من لا يحضره الفقيه: 3 / 126 الحديث 549 و 551،
وسائل الشيعة: 18 / 10 الحديث 23023 و 15 الحديث 23036.
282
آخره (1).
الأولى أن يستدل بصحيحة عبد الله بن سنان التي ذكرها في بحث كون
خيار الحيوان للمشتري (2)، بل في الظن أن ما في " الفقيه " (3) هو هذه الصحيحة إلا
أنه سقط فيه قوله: " ثلاثة أيام " بعد قوله: " حتى ينقضي الشرط "، فعلى هذا لا
دلالة في الرواية على ما ذكره من أن التلف والعيب في زمن خيار البائع منه، كما
هو ظاهر.
ومما ذكرنا ظهر أنه لا تأمل في قوله (عليه السلام): " يوما أو يومين " (4)، وهذا أيضا
يؤيد الاتحاد، فتأمل.
قوله: وفيها دلالة على أن التلف والعيب في زمان الخيار للبائع (5).. إلى
آخره (6).
لم أجد الدلالة، ولعل العبارة سقيمة، لأن قوله (عليه السلام): " ينقضي الشرط " (7)
لعل اللام للعهد، بل هو الأظهر، سيما بملاحظة صحيحة ابن سنان (8)، وخصوصا
بعد ما ذكرنا من أن الظاهر اتحادهما.
قوله: [ذلك الرد جبرا] لذلك، وما أجد هنا [شيئا من المخالفة غير ما
تقدم].. إلى آخره (9).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 433.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 391.
(3) من لا يحضره الفقيه: 3 / 126 الحديث 551.
(4) من لا يحضره الفقيه: 3 / 126 الحديث 551.
(5) كذا، وفي المصدر: (في زمان خيار البائع منه).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 433.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 433، وسائل الشيعة: 18 / 15 ذيل الحديث 23036.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 434، وسائل الشيعة: 18 / 14 الحديث 23036.
(9) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 434.
283
سيما في صورة البكارة، إذ لا شك في كون زوالها نقصا في المبيع.
قوله: لما ثبت عندهم من كون التلف بالكلية - حينئذ - على البائع.. إلى
آخره (1).
الدليل على الخيار بين الرد والأرش كون التلف من البائع بمقتضى رواية
عقبة بن خالد (2) المعمول بها عند الأصحاب، لا الرواية المتقدمة (3)، لما عرفت،
مضافا إلى أنها لا دخل لها بحكاية القبض، بل مقتضاها كون الضمان من جهة أن
التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، وهو واضح.
فإذا كان التلف من البائع، فالمشتري مخير بين أن يرضى بالعقد ويلزم
البائع بالوفاء بما عقد وعهد وشرط مع الأرش، بالدليل الذي ذكرناه في خيار
العيب، ورد المبيع، بأنه لم يوف بما عقد وعهد، كما مر في خيار العيب، ولعدم
الخلاف فيه، فتأمل.
ولأن الغرض من العقد والشرط أن يسلمه إليه لينتفع به كما أراد وشرط،
على ما هو عند التجار والمتعاملين، والتراضي وقع على ذلك، فتأمل.
ولأن ما ذكرناه عن " الفقه الرضوي " (4) يشمل هذه الصورة أيضا،
فلاحظ!
قوله: فهو بمنزلة بيعين مع كل واحد بيع.. إلى آخره (5).
بأنه سلط كل واحد منهما على قدر حصته يتصرف فيه ويتسلط عليه



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 435.
(2) الكافي: 5 / 171 الحديث 12، وسائل الشيعة: 18 / 23 الحديث 23056.
(3) أي: رواية من لا يحضره الفقيه: 3 / 126 الحديث 551.
(4) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام): 253.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 436.
284
تسلط الملاك في ملكه، فكأنه أقدم على ذلك.
قوله: ومستنده عموم أدلة ثبوت الخيار من غير [قيد].. إلى آخره (1).
لم نجد العموم، اللهم إلا بضميمة الاستصحاب. نعم، ربما كان عبارة " الفقه
الرضوي " فيها عموم، فتأمل بعد الملاحظة.
وكذا الأوامر الواردة في الرد متى كان المبيع قائما بعينه (2)، وذكرنا أن المراد
منها رفع الحظر المتوهم.
قوله: إذا كانت التصرية معلومة بإقرار البائع.. إلى آخره (3).
روي في " الغوالي " عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار
ثلاثة أيام، إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر " (4).
وقال (عليه السلام): " من ابتاع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها لبنها
أو مثل لبنها قمحا " (5).
قوله: الإشكال في البقرة والناقة.. إلى آخره (6).
وادعي الإجماع على ثبوت التصرية فيهما أيضا (7).
قوله: فكأنه عالم به واشترى، فلا خيار.. إلى آخره (8).
ليس كذلك، إذ لا معنى لقوله: (كأنه)، إذ كيف يصير دليلا شرعيا، بل



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 436.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 29 الباب 16 من أبواب الخيار.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 439.
(4) عوالي اللآلي: 1 / 219 الحديث 87، مستدرك الوسائل: 13 / 305 الحديث 15435.
(5) عوالي اللآلي: 1 / 219 الحديث 88، مستدرك الوسائل: 13 / 305 الحديث 15436.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 442.
(7) لاحظ! مفتاح الكرامة: 4 / 648.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 447.
285
الظاهر أنه ليس عيبا، بل لا خفاء فيه.
قوله: كما مر إليه الإشارة في صحة العقد عليه.. إلى آخره (1).
قد مر فساد هذا التأمل في مبحثه، بل مر مرارا.
قوله: إذ ليس من فيه شئ [إلا الحسن بن علي الوشاء].. إلى آخره (2).
ليس كذلك، لأن الحسن حسن كما هو المحقق (3)، فلا يقاوم الصحيحة المفتى
بمضمونها (4).
هذا، مع أن الدلالة أيضا لا تقاوم، لأن البرص الموجود غير الحادث عند
المشتري، والمعصوم (عليه السلام) في صدد اظهار العلة بجعل خيار الحيوان للمشتري، بأنه
ربما كان به عيب خفي لم يطلع عليه حين العقد وما يقاربه، فجعل العهدة إلى ثلاثة،
لأجل هذا، فنقل في جملة العلل الموجودة الخفية البرص أيضا، على سبيل المثال،
وإثبات الشئ لا ينفي ما عداه، إذ كون البرص الموجود من جملة الدواعي
والعلل لجعل العهدة والخيار ثلاثة أيام لا ينافي كونه من جملة أحداث السنة أيضا
إذا حدث بعد ذلك.
مع أنه لا مانع من اجتماع الخيارين فما زاد في شئ واحد كالحيوان، فإنه
يجتمع فيه خيار المجلس، وخيار الثلاثة، وخيار العيب، والشرط، وغير ذلك،
مع أنه معلوم أن خيار الحيوان غير مقصور في صورة العيب، بل الخيار للمشتري
ثابت وإن لم يكن عيب أصلا، وخيار العيب في الثلاثة، بلا شبهة، فذكر أمر على
سبيل النكتة واللمية ليس فيه دلالة تعارض الدليل، فتأمل جدا.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 447، وفيه: (كما مر إليه الإشارة عدم صحة العقد عليه).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 450، وفي المصدر: (إذ ليس فيه من به شئ).
(3) تعليقات على منهج المقال: 104.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 98 الحديث 23232.
286
الربا
قوله: وهذا مؤيد للمصنف في تخصيص (1) التحريم [بالبيع].. إلى آخره (2).
بل ربما يؤيد المشهور من كون الربا أعم، لأنه قال: (فيه الربا) (3)، وآية
التحريم غير منحصرة في هذه الآية (4)، وكذا أدلة حرمتها.
قوله: ويمكن في القرض أيضا.. إلى آخره (5).
لا شبهة في ذلك، كما يدل عليه الأخبار (6)، بل ربما يكون ضروري الدين
أنه الربا.
قوله: وليس بمعلوم نقله عنه في اصطلاح الشرع.. إلى آخره (7).
بل هذا موافق للقاعدة، وهي أن المعاملات ليست توقيفية يرجع فيها إلى
اللغة أو العرف أو غيرهما مما هو مأخذه، كما حقق في محله، ولا شبهة في أن الربا
ليس من الأمور الحادثة في شرعنا، بل من القديمة وكان من معاملات الجاهلية،
نهى الله تعالى عنه (8)، وكانوا لا ينتهون إلى أن نزل: * (فإن لم تفعلوا) * (9)، كما



(1) كذا، وفي المصدر: (من تخصيص).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 451.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 451، مجمع البيان: 1 / الجزء الثالث / 360.
(4) البقرة (2): 275، مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 451.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 452.
(6) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 160 الباب 18 من أبواب الربا و 352 البابين 19 و 20 من
أبواب الدين والقرض، وغيرها.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 452.
(8) لاحظ! البقرة (2): 275 و 278، آل عمران (3): 130، النساء (4): 161.
(9) البقرة (2): 279.
287
سنذكر.
قوله: [لأخذ الزيادة] بتبديل صيغة بعت ب‍ (صالحت) ونحو ذلك، وهو
ظاهر.. إلى آخره (1).
وبغير صيغة أصلا، بل يكون المشارطة بالأمارات والإشارات، فلا يكون
- حينئذ - منع في الزيادات أصلا، بل يكون المنع في خصوص عبارة بعت
واشتريت وما ماثلهما، وتكون التشديدات والتهديدات البالغة الهائلة المتكاثرة
المتواترة دائرة مع هذه العبارة وجودا وعدما، بل واقعة من جهتها لا غير.
فلم يقع فائدة أصلا في منع الربا ولا ثمرة مطلقا في التشديدات الهائلة مثل
كون الدرهم منه أشد من سبعين زنية بذات المحرم مثل الأم والأخت في جوف
الكعبة (2).. إلى غير ذلك مما هو آكد وأشد وأزيد تهديدا، فإن الكل يكون حينئذ
راجعة إلى العبارة الميشومة خاصة، ولو تركت لا يكون منع أصلا ورأسا، فأي
مجنون يكون عاشقا لتلك العبارة الميشومة، حتى لا يصدر منه من عشقه لها
اصطناع المعروف وغيره مما حرم الربا لأجله (3)؟! وورد في الأخبار الكثيرة (4)،
نقل الشارح قليلا منها (5).
وأيضا لما نزل آية تحريم الربا (6)، من جهة غاية حرص الناس في أكلها



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 453.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 121 الأحاديث 23281 و 23287 و 23288 و 23290.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 118 الأحاديث 23272 و 23274 و 23277 و 23278
و 23279 و 23280.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 117 - 125 الباب 1 و 2 من أبواب الربا، مستدرك الوسائل:
13 / 329 - 334 الباب 1 و 2 من أبواب الربا.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 452 - 458.
(6) الروم (30): 39.
288
ونهاية حبهم لأخذها وجمعها، لم يرتدعوا، ولم ينتهوا، ولم يتركوا، حتى نزلت
آية أخرى (1) تأكيدا لما سبق، وتزييدا في التشديد والتهديد كي يرتدعوا، وهم
من غاية توغلهم في الحرص والحب لم يرتدعوا من الآية الثانية أيضا، حتى نزلت
آية أخرى ثالثة (2)، ومع ذلك لم يرتدعوا أيضا، حتى نزلت آية أخرى (3)، فلم
يرتدعوا حتى نزلت: * (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) * (4).
ومعلوم بالبديهة أن جميع هؤلاء ما كانوا مجانين، بل كانوا مكلفين، ومعلوم
أيضا بالضرورة أنهم ما كانوا عشاقا لهذه العبارة والهين مضطرين إلى أن ينزل
آيات متتالية وتهديدات متتابعة هائلة، ومع ذلك لم يتملكوا رفع اليد عن ذكر
تلك العبارة الميشومة حين المشارطة في أخذ الزيادة التي لو كانوا يتركون تلك
العبارة لكان حلالا لهم أن يأخذوا أضعاف تلك الزيادة أضعافا مضاعفة، ولو
كانوا يذكرون تلك لكان يحرم عليهم الفلس زائدا، بل عشر معشار الفلس، بل
أنقص منه، ومع ذلك لم يتركوا العبارة وآثروا مخالفة الله تعالى ورسوله مرارا
متكررة مع إطاعتهم لجميع الشرع سوى رفع اليد عن خصوص العبارة.
وهذا مما لا يرضى العقل أن ينسبه إلى من هو أحمق من ابن هبا النقة (5)،
فضلا أن ينسب إلى هؤلاء جميعا.
ومع ذلك كان اللازم على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) - بعد الله تعالى - أن يصرح بأن



(1) البقرة (2): 275.
(2) البقرة (2): 276.
(3) البقرة (2): 278.
(4) البقرة (2): 279.
(5) كذا، والصحيح: (هبنقة)، وهو لقب ذي الودعات يزيد بن ثروان، وكان يضرب به المثل
في الحمق. راجع: لسان العرب: 10 / 365، تاج العروس: 7 / 93.
289
المانع ليس إلا في هذه العبارة في هذا المقام ويوضح ويكرر ويؤكد، لأنه * (رحمة
للعالمين) * (1)، * (عزيز عليه ما عنتم) * (2) الآية.
ولو كان فعل لاشتهر اشتهار الشمس، وكان المطيعون للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
والأئمة (عليهم السلام) لم يرفعوا اليد عن الربا، بل كانوا يقيمون على العادة السابقة والطريقة
المرغوبة عند المكتسبين من الكسب في غاية السهولة ومن دون تعب أصلا مع تمام
الوثوق ببقاء رأس المال، وكانوا يقتصرون على ترك العبارة، وكانت الطريقة
كذلك في الأعصار والأمصار، ويشتهر اشتهار الشمس في وسط النهار، لا أن
يكون الأمر بخلاف ذلك، بأن يكون جميع المسلمين من القدماء والمتأخرين من
علماء الشيعة والسنة يقول بخلاف ذلك.
ولم يبق سوى العلامة ولم يشاركه أحد أصلا، حتى هو (رحمه الله) في سائر المواضع
مضطرب متردد (3)، بل ربما يظهر المنع، بل قويا.
بل متأمل حال المسلمين في الربا يقطع بأن الممنوع منه عندهم هو أخذ
الزيادة معاملة ومشارطة في القرض وغيره، لا خصوص عبارة (بعت
واشتريت)، بل عند اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الملل في غاية
الوضوح أن الممنوع منه في الإسلام هو الزيادة لا العبارة.
هذا كله، مع ما يظهر من الأخبار الكثيرة غاية الكثرة، بل الإطلاقات
المتواترة، فلاحظ وتأمل جدا!
وما ذكرنا يشمل الحيل التي تكون من هذا القبيل بأن يقرض - مثلا -



(1) الأنبياء (21): 107.
(2) التوبة (9): 128.
(3) قواعد الأحكام: 1 / 184 و 204، ولزيادة الاطلاع راجع! مفتاح الكرامة: 4 / 502 -
503، مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 458 - 459.
290
بشرط أن يهب الزيادة، وكذا يبيع بشرط أن يهب الزيادة، وهكذا، والفقهاء
صرحوا بالمنع من هذا أيضا (1)، وكذا القرض بشرط المعاملة المحاباتية أو البيع
كذلك (2)، كما سنذكر في بحث القرض.
نعم، الحيل التي لا تكون من هذا القبيل لا مانع منها، مثل: القرض بطمع
الزيادة من غير وقوع مشارطة، ومثل: بيع دينار بدينار فيها خلط، وكذا درهم
بدرهم كذلك، كما هو شأن الصرف وأمثاله بضم غير الجنس في الطرفين عند جهل
حالهما، أو طرف واحد عند العلم بحاله، وليس في هذه الحيلة جر نفع أصلا، بل
تصحيح للمعاملة التي هي كسائر المعاملات (3) بلا تفاوت، فتأمل جدا.
قوله: بل هذا يدل على عدم جواز أكثر الحيل التي تستعمل في إسقاط
الربا، فافهم.. إلى آخره (4).
لا يخفى أن الحيل التي ذكرها الفقهاء ليس فيها سد باب اصطناع المعروف،
ولا تعطيل المعاش والاجلاب وأمثاله، ولا ما ذكرناه في الحاشية السابقة، بل
ليست إلا لمجرد تصحيح المعاملة المتعارفة، جبرا لضرر جهالة المقدار - التي في
مبحث الربا تضر بسبب احتمال الزيادة - ولا شك في أن هذا ليس أمرا مطلوبا
لآكلي الربا، إذ احتمال الزيادة ليس فيه منفعة مطلقا سيما عندهم، إذ ليس الزيادة
المحتملة من المنافع العادية، سيما لهم.
نعم، لما منع الشارع عنه - حسما لمادة الربا - أبيح بالحيلة النافعة، ومن جملة
الحيل رفع اليد عن المشارطة، فلا يكون ربا بها أصلا، لأن الربا مشارطة الزيادة.



(1) راجع! مفتاح الكرامة: 5 / 40.
(2) راجع! مفتاح الكرامة: 5 / 40.
(3) في ب: (العقود والمعاملات).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 453.
291
نعم، حدث الآن - عند بعض من لا تأمل له - حيلة هي بعينها فرد من الربا
المنهي عنه بلا تأمل، كما حققته في رسالتي في " الحيل الربوية " (1)، وإن كان
الأولى التجنب عن جميع الحيل، كما سيجئ.
قوله: فإنه حسين (2) بن عبيد الله.. إلى آخره (3).
بل هو أحمد ابنه، كما حققناه (4).
قوله: وكأنه لذلك [ما ظهر الخلاف في القرض].. إلى آخره (5).
فيه تأمل ظاهر، لأن منفعة القرض حرام قطعا، سواء قلنا بأنها ربا أم لا،
كما سيجئ، لا لأنه ربا، فتأمل.
قوله: [فإن حمل الربا في الآية على البيع فقط] لم يحسن، بخروجهما (6) مع
التحريم.. إلى آخره (7).
أي خروجهما عن البيع مع حكمه بتحريمهما، ويبعد حمل الربا في الآية على
خصوص البيع وخصوصهما فقط، فتأمل.
قوله: [والدابة بالدابتين يدا بيد] ليس به بأس، ويمكن أن يقال [: لا
دلالة فيها].. إلى آخره (8).
لا يخفى أن البأس في أمثال المقام ظاهر في المنع، وكذا لا يصلح مع أن
الصلاح في مقابل الفساد، إلا أن يقال: ظهورهما ليس بأقوى من ظهور الخبر



(1) لاحظ! " الحيل الربوية " المعروفة ب‍ " القرض بشرط المعاملة المحاباتية "، مخطوط.
(2) كذا، وفي المصدر: (الحسين).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 455.
(4) لاحظ! تعليقات على منهج المقال: 35.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 455.
(6) كذا، وفي المصدر: (لخروجهما).
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 457.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 462.
292
المشهور المعتبر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم " (1)، وما
وافقه من الأخبار الخاصة عن الأئمة (عليهم السلام)، مثل: صحيحة ابن مسلم " إذا اختلف
الشيئان فلا بأس مثلين بمثل " (2)، وكذا صحيحة الحلبي (3)، ورواية منصور بن
حازم (4)، وصحيحة ابن مسلم الأخيرة (5)، والتعليل الوارد في منع التفاضل في بيع
الحنطة بالشعير بأنه من الحنطة (6)، وغير ذلك (7).
مع تعاضد هذه بالعمومات والأصل والأخبار الواردة في السلف (8)
والأخبار الواردة في النسيئة (9).
قوله: ولقوله (عليه السلام): " كره ذلك ".. إلى آخره (10).
فيه، أنه ورد أن عليا (عليه السلام) ما كان يكره الحلال (11).
قوله: قال في " الاستبصار ": ولأجل أنه مكروه، قال: لا يصلح.. إلى
آخره (12).



(1) عوالي اللآلي: 3 / 221 الحديث 86، مستدرك الوسائل: 13 / 341 الحديث 15547.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 460، وسائل الشيعة: 18 / 144 الحديث 23343.
(3) تهذيب الأحكام: 7 / 93 الحديث 396، وسائل الشيعة: 18 / 145 الحديث 23344.
(4) تهذيب الأحكام: 7 / 119 الحديث 517، وسائل الشيعة: 18 / 153 الحديث
23367.
(5) تهذيب الأحكام: 7 / 95 الحديث 404، وسائل الشيعة: 18 / 144 الحديث 23343.
(6) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 137 الحديث 23326.
(7) وسائل الشيعة: 18 / 178 الباب 6 من أبواب الصرف.
(8) وسائل الشيعة: 18 / 301 الحديثان 23716 و 23717 وغيرهما.
(9) وسائل الشيعة: 18 / 54 الباب 9 من أبواب أحكام العقود.
(10) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 462، وهو من رواية محمد بن مسلم: وسائل الشيعة:
18 / 154 الحديث 23371.
(11) الكافي: 5 / 188 الحديث 7، وسائل الشيعة 18 / 151 الحديث 23361.
(12) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 462، الاستبصار: 3 / 79 ذيل الحديث 265.
293
في دلالة " لا يصلح " على الكراهة تأمل ظاهر، لأن الصلاح في مقابل
الفساد، ولهذا يستدل الفقهاء به على الحرمة، فتأمل!
قوله: [وإن كان متحدا لغة، بل الحقيقة أيضا]، فإن للحم البقر خاصية غير
[لحم الجاموس].. إلى آخره (1).
فيه تأمل، لأن التمور مثلا خواصها مختلفة، وكذا الأعناب، وكثيرا مما هو
متحد الجنس، إلا أن يريد المغايرة التامة، وفيه تأمل.
قوله: لودعت الضرورة [إلى بيع الربويات مستفضلا].. إلى آخره (2).
ويدل على ما ذكره: ما ورد في بعض الأخبار من قولهم (عليهم السلام): " إن كنت
لا بد فاعلا فافعل كذا " (3)، فتأمل.
قوله: [ونقل الإجماع عن السيد] بعد خلافه في ثبوت الربا.. إلى آخره (4).
الخلاف الذي يرجع عنه لا عبرة به، مع أن الشهرة كافية لجبر ضعف
السند، بل قيل: لا نزاع إلا عن ابن الجنيد (5)، ودعوى إجماع السيد (6) لا يقصر
عن الحديث الصحيح.
قوله: فالإجماع ليس بظاهر (7)، ولهذا ذهب السيد أولا إلى الثبوت (8).. إلى
آخره (9).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 470.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 488، تذكرة الفقهاء: 1 / 484.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 189 الحديث 23461.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 488، وفي المصدر: (بعد خلافه على عدم ثبوت الربا).
(5) مختلف الشيعة: 353.
(6) الانتصار: 212 - 213.
(7) كذا، وفي المصدر: (والإجماع غير ظاهر).
(8) الانتصار: 212 و 213.
(9) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 489.
294
لا يخفى ما فيه، فإن كل خبر واحد ليس بظاهر إلا من نقل المخبر، فإن كان
ثقة يكون خبره حجة، لعموم ما دل على حجيته.
والتعليل بقوله: (ولهذا ذهب السيد أولا إلى الثبوت) (1)، فيه أيضا ما فيه،
فإن خبر الواحد لا يجب أن يكون معلوما له في جميع أوقاته وبعد ما اطلع أخبر،
وهذا ينادي بأنه كان لا يعلم أولا وأنه بعد ذلك علم بالإجماع، ولهذا رجع عما
اعتقده سابقا، فلولا اعتقاده الإجماع لما كان يرجع عما اعتقده، لأنه ما كان إلا
عن دليل، ودليله واضح، وهو العمومات القرآنية والأخبار المتواترة.
مع أن السيد لا يعمل بخبر الواحد أصلا، فكيف يخصص العمومات اليقينية
بغير علم له وجزم منه؟! وخبر الواحد المنجبر بالشهرة يكفينا لتخصيص
العمومات، سيما مع انضمامه بالإجماع، الذي هو خبر صحيح، ومدار الشارح
أيضا التخصيص بالخبر الواحد الظني.
قوله: [وابن الجنيد ذهب إلى عدم الثبوت] من جانب الوالد فقط.. إلى
آخره (2).
واشترط - مع ذلك - أن لا يكون للولد وارث ولا عليه دين (3)، وهذا
غريب بالنظر إلى الأخبار (4).
قوله: [وهو أخذ الوالد] عن الولد الصلبي.. إلى آخره (5).
هذا أيضا غريب، حتى بالنظر إلى الأقوال أيضا، لأن ابن الجنيد ما قال
كذلك.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 489.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 489.
(3) مختلف الشيعة: 353.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 135 الحديثان 23319 و 23321.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 489.
295
قوله: وفي بعض الروايات الصحيحة [تسلط الزوج على مالها] (1).. إلى
آخره (2).
غير معمول بها بظاهرها، بل بعنوان الاستحباب، ومع ذلك لا نجد مناسبة
للتأييد فيها.
قوله: ويمكن حمل الأخيرة على ما كان له [فيئا].. إلى آخره (3).
الظاهر ذلك، لأنه (4) لا تعارض ولا حاجة إلى الاستثناء أيضا حتى
بالنسبة إلى المأمون، لعدم ثبوت حرمة ماله على المسلم حينئذ بعنوان إعطائه
برضاه وطيبة نفسه، سيما مع كون دينه واعتقاده حلية الربا، إذ ورد أخبار كثيرة
أن كل قوم دانوا بدين لزمهم أحكامه (5)، فتأمل جدا.
قوله: إذ ليس فيه إلا محمد بن أحمد، عن محمد بن عيسى.. إلى آخره (6).
لا يخفى أنه أحمد بن محمد، وهو البرقي، يروي عن محمد بن عيسى بن عبد
الله الأشعري، وأحمد ثقة، وابن عيسى ممدوح مدحا عظيما (7). نعم، في السند
ياسين الضرير، وهو مجهول على المشهور، لكن " الكافي " رواه (8)، وقال في أوله



(1) راجع! وسائل الشيعة: 21 / 516 الباب 5 من أبواب النفقات.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 490.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 490، وفيه: (على من كان ماله فيئا).
(4) في ألف، د، ه‍: (وأنه).
(5) وسائل الشيعة: 22 / 73 الأحاديث 28056 و 28057 و 28058 و 28061 و 28062،
وورد بهذا اللفظ في: رجال الكشي: 2 / 863 الرقم 1123، بحار الأنوار: 101 / 140
الحديث 17.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 491، وفيه: (إذ ليس فيها..).
(7) جامع الرواة: 2 / 165، تعليقات على منهج المقال: 312 - 313.
(8) الكافي: 5 / 147 الحديث 3، وفيه: سند الحديث كما في مجمع الفائدة والبرهان - أي محمد
بن أحمد - وليس كما ذكره المحشي (رحمه الله) من أنه أحمد بن محمد.
296
أنه لا يروي إلا ما هو يقيني قطعي (1).
قوله: ولكن الخروج عن الأدلة القطعية التي [تقدمت بمثله مشكل].. إلى
آخره (2).
مضافا إلى أن ظاهر الخبر لا يقولون به، وهو وهن آخر، ومن هذا ظهر أن
الصدوق لا يظهر منه إفتاؤه به، لأنه ما قيد بما ذكر، وإن قلنا: إن كل ما أورد في
" الفقيه " يكون فتواه، مع أنه فيه أيضا تأمل.
صرح جدي (رحمه الله) بأنه ليس كذلك (3)، لأنه يروي كثيرا مما لا يفتي به، فلعله
ندم مما ذكره في أول كتابه وبدا له، فتأمل.
وصرح في " شرح اللمعة " بأن موضع الخلاف ما إذا أخذ المسلم
الفضل (4)، فيظهر منه أن حرمة إعطائه الفضل لا خلاف فيها، وكذا يظهر من كلام
غيره (5) أيضا، ومنهم الشارح (6).
ما يندرج في المبيع
قوله: [العرف يقضي بالشمول، لأن الغصن] مطلقا رطبا ويابسا،
والورق كذلك.. إلى آخره (7).



(1) الكافي: 1 / 7 - 8.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 491.
(3) روضة المتقين: 1 / 17.
(4) الروضة البهية: 3 / 440.
(5) لاحظ! مفتاح الكرامة: 4 / 532.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 490.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 499.
297
وإن كان توقف في " القواعد " في دخول اليابس (1)، ولعله ليس في محله.
قوله: لصدق البيع بعد التأبير.. إلى آخره (2).
في الصدق بالنسبة إلى غير المؤبر إشكال، ولعل الأوفق بالقياس إلى لفظ
الأخبار (3) دخول القدر الذي لم يؤبر في المبيع دون القدر الذي أبر، وإذا وقع
المزج الموجب لعدم التميز، فالعلاج الصلح.
التسليم
قوله: ثبوت الانتقال بالعقد يقتضي وجوب الدفع على كل واحد منهما..
إلى آخره (4).
الحكم بوجوب الدفع يحتاج إلى دليل، لأن العوض يصير بعد العقد منتقلا
إلى الآخر وملكا له، ولا يجب أزيد من عدم منعه من التصرف في ملكه والتخلية،
لأن صاحب مال إذا علم أن ما له عند أحد عليه أن يأخذ ماله، أي [أن] مؤنة
الأخذ عليه، وعلى الآخر أن يمكنه منه ولا يمنعه، أما أن يكون عليه أن يعطيه
ومؤنته يكون عليه فلا.
نعم، الغاصب إذا أخذ يجب عليه الدفع، ويمكن أن يكون مراد الشارح من
الدفع هو ما ذكرنا.
قوله: [ومنع أحدهما حق الآخر وظلمه] لا يستلزم جواز الظلم للآخر



(1) قواعد الأحكام: 1 / 149.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 501.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 92 الحديث 23222 و 93 الحديث 23224.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 504.
298
ومنعه من حقه فيجبرهما الحاكم.. إلى آخره (1).
هذا مع وجود الحاكم وتمكنه من ذلك، أما مع عدم ذلك، فالأوجه جوازه عند
توقف حصول حقه عليه، بل ما في " التذكرة " لا يخلو عن قرب من أن البائع له
حق الحبس.. إلى آخره (2)، فتأمل.
قوله: إذ الظاهر عدم اعتبار الإخراج من بيت المالك اتفاقا.. إلى آخره (3).
فذكر الإخراج لعله خارج مخرج الغالب.
قوله: [فالانتقال إليه] قبل التلف يحتاج إلى ناقل.. إلى آخره (4).
قد عرفت أن رواية " كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه " (5) ظاهر
في ذلك، والأصحاب اتفقوا عليه.
قوله: وأما على احتمال البطلان حين التلف وانتقاله إلى المالك الأول قبله
بقليل [، فلأن البطلان - في أي وقت كان - في أحد الطرفين يستلزم البطلان في
الطرف الآخر].. إلى آخره (6).
لا ريب في أن البطلان إنما هو من حين التلف، لا أنه من الرأس، كما هو
مقتضى دليل البطلان، لأن العقد كان صحيحا لازما بلا شك، ولمقتضى الأدلة إلى
حين التلف، فلذا يكون ثمرة المبيع إلى الحين للمشتري بلا تأمل.
والشارح قال: حين التلف تلف من مال بائعه، واتفاق الأصحاب أيضا
وقع على ذلك، ولم يقل أحد منهم بالبطلان من الرأس، فلا وجه للتأمل الذي



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 504.
(2) تذكرة الفقهاء: 1 / 473.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 506، وفيه: (عن بيت المالك).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 518.
(5) عوالي اللآلي: 3 / 212 الحديث 59.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 521.
299
ذكره (1) أصلا، ولا لما قال من أن بطلان أحد الطرفين يستلزم البطلان في
الآخر (2)، إذ لا تأمل فيه أيضا، إذ لجهة البطلان يجب على القابض المثل أو القيمة،
ولما كان البطلان من الحين - كما عرفت - يلزم أن يكون البيع في زمن صحة البيع،
ولزومه صحيحا لازما بمقتضى الأدلة، كما ذكر واعترف، فلا يمكن من هذه الجهة
استرداد العين كما ذكر (3).
وليس هذا من خصائص المقام، بل في مقامات كثيرة يكون الحكم كذلك،
مثل: إن اشترى ثم أعتق ثم بطل البيع والشراء، أو مات ثم بطل.. إلى غير ذلك
من مواضع كثيرة، فتأمل جدا.
قوله: [والصبر حتى تحصل] بغير أجرة على البائع، للأصل، ولأن البائع
.. إلى آخره (4).
ولأن البائع ما أوقع العقد على الثمرة والمنفعة والنماء، بل أوقعه على العين،
فعهدة العين عليه.
قوله: [ثبوت الخيار للمشتري في إتلاف الأجنبي والبائع] غير واضح
الدليل، فتأمل (5).
رواية عقبة بن خالد (6) - المنجبرة بعمل الأصحاب - دليل ذلك، ودلالتها
واضحة، فلاحظ!.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 520.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 521.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 520.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 522.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 524.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 406، وسائل الشيعة: 18 / 23 الحديث 23056.
300
نكت متفرقة
قوله: إذ الظاهر وصول حق المشتري إليه حينئذ وعدم غفلته وسهوه (1).
لأن المشتري حين الحضور لم يتحقق منه تأمل، لا في الميزان، ولا في
العيار، ولا في عدد الوزنات، ولا في غير ذلك، وإنما حصل منه الدعوى بعد ذلك،
والأصل صحة تصرفات المسلم حتى يثبت خلافها، وهذا الأصل كان جاريا
حين الحضور، والتقبض شاملا له بلا تأمل، فدعوى المشتري بعد ذلك دعوى
خلاف أصل الصحة، بخلاف ما لو لم يكن حاضرا، فإن المشتري أيضا مسلم
يدعي عدم وصول حقه إليه، والبائع وإن كان مسلما يدعي الوصول، فلا دخل
هنا في حكاية صحة التصرف وعدمها، كما لا يخفى، فتأمل جدا.
قوله: وعدم الغلبة التي يقتضي العرف الانصراف إليها.. إلى آخره (2).
إذا كان المتعدد المتساوي في الغلبة متفاوتة في القدر أو القيمة أو المالية،
فالتعيين متعين، لما مر في تعيين العوضين، وإن لم يكن متفاوتة فيما ذكر، بل
متفاوتة في الرغبة خاصة، فلم يظهر دليل على التعيين.
نعم، لو أراد أحد المتعاقدين أو كلاهما التعيين فيها أيضا تعينا، ويصير من
قبيل الشرط في العقد، لكن ظاهر عبارة المصنف في الكتاب وفي غيره لزوم
التعيين مطلقا سواء تفاوتت فيما ذكر أو لا (3)، والشارح حملها على الأول خاصة،
ولعله لما ذكرنا.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 533.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 534.
(3) إرشاد الأذهان: 1 / 383، قواعد الأحكام: 1 / 154.
301
وأما ما احتمله الشارح، فلا شك في فساده وإن لم يكن خلاف الإجماع،
لما مر.
قوله: [وأما مع العدم] (1)، فالظاهر تقديم قول المشتري مطلقا، لأنه منكر
على ظاهر تعريفه.. إلى آخره (2).
هذا على إطلاقه محل تأمل، مثل أن المشتري بعد ما أعطى الثمن وأقبض
البائع ادعى السهو والغلط، أو أن المبيع يسوى آلاف ما ادعاه المشتري، مثل:
أن البائع باعه دارا بألف درهم يسوى آلاف بل أزيد، والمشتري يدعي أني
اشتريت بدرهم أو فلس، بل ربما يكون البائع على ما ادعاه المشتري سفيها،
فيصير عقده باطلا، ومثل: أن يدعي البائع كون الثمن مائة درهم، والمشتري
يدعي كونه غنما أو دجاجة.
ثم لا يخفى أنهم لم يتعرضوا فيما لو اختلفا في قدر المبيع واتفقا في الثمن لهذا
الاحتمال ولا للتخالف، مع أن حال التخالف فيها واحد، ويحتمل اتحاد هذا
الاحتمال أيضا، كما نرى فعلهم في بعض المواضع، فتأمل.
قوله: [ابن أبي نصر الذي] أجمع العصابة على تصحيح ما يصح عنه.. إلى
آخره (3).
والشيخ صرح في " العدة " بأنه لا يروي إلا عن الثقة (4).
قوله: وإلا تعين ذلك.. إلى آخره (5).



(1) أي: مع عدم البينة.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 534.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 535، وفيه: (ما صح عنه).
(4) عدة الأصول: 1 / 386.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 536.
302
لا تأمل في التعين (1)، لأن الخبر المنجبر بالشهرة حجة سيما مثل هذه الشهرة
كما حقق في محله، وكذا الإجماع المنقول بخبر الواحد، لعموم ما دل على حجية
خبر الواحد، سيما إذا انضم إلى مثل هذا الخبر (2)، ويؤيده ما أشار إليه من النكتة،
فتأمل.
وأما التقوية في " التذكرة " (3)، فإنما هي بحسب القاعدة، مع أنك عرفت
أيضا ما فيها.
وأما احتمال " القواعد " (4)، فإنما هو بعد إفتائه (5) بما أفتى به القوم، واحتمل
هذا، والتحالف أيضا، وكثيرا ما يأتي فيه بالاحتمالات التي لا تأمل في فسادها
ولم يقل أحد من الشيعة بها، كما لا يخفى على من اطلع.



(1) أي تعين القول بتقديم قول البائع.
(2) أي مرسلة ابن أبي نصر: مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 535، وسائل الشيعة: 18 / 59
الحديث 23140.
(3) تذكرة الفقهاء: 1 / 575.
(4) قواعد الأحكام: 1 / 154.
(5) في ألف، د، ه‍: (إثباته).
303
كتاب
الديون

305
كراهة الاستدانة
قوله: وآية الرهن (1)، وأدلة جواز السلف (2) والنسيئة (3) [دليل الجواز]..
إلى آخره (4).
لا يخفى أنه " لا يحل مال امرئ مسلم إلا من طيب نفسه "، كما ورد
عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) (5)، ووقع عليه الإجماع، ودل عليه العقل، فالموافق للقاعدة مراعاة
حال المقرض إلا أن يدل من الخارج دليل، فإذا رضي المقرض بالقرض مع علمه
بحالة المقترض يحل القرض، وإن لم يتمكن من الأداء مطلقا، لأن الصاحب سلطه
على إتلاف ماله مع علمه بحاله وإن صرح بأنه يكون على ذمتك، إذ معناه حينئذ
أنه إن اتفق - بعنوان الفرض البعيد النادر - أنك تمكنت من الأداء أد وإلا فليس
عليك شئ، أو أنه يحسبه زكاة ماله، أو غير ذلك من وجوه البر، أو زكاة مال
الغير، أو يأخذ من الغير، وأمثال ذلك.
واحتمال أن يكون مراده أنه إن اتفق الأداء أو الاستيفاء وإلا فأنت مؤاخذ،



(1) البقرة (2): 283.
(2) راجع! وسائل الشيعة: 18 / 283 أبواب السلف.
(3) راجع! وسائل الشيعة: 18 / 15 الباب 1 من أبواب العقود.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 52.
(5) عوالي اللآلي: 1 / 222 الحديث 98 و 2 / 240 الحديث 6 و 3 / 473 الحديث 3، مع
اختلاف يسير.
307
لعله بعيد كما لا يخفى، إلا أن يظهر ذلك للمقترض.
وأما إذا صرح بما ذكرنا، فلا شك في الحلية، ولم يظهر من خبر يظهر منه
الحرمة ما يشمل ما نحن فيه.
وأما الكراهة، فإن تضمن ذلك منه ولم يكن اضطرار يكره للمنة، وإلا فلا
كراهة أيضا، لعدم المنة، ولا إرادة الأداء كيف كان.
وأما إذا لم يعلم بحاله وهو غير متمكن من الأداء - لا حالا ولا مؤجلا -
فالظاهر الحرمة، لعدم تحقق الرضا والطيبة، لأن الظاهر من حال المقرضين
ومقتضى كلامهم من قول: أقرضت وأمثاله، أنهم يريدون الأداء على أي حال
على طريقة المتعارف الشائع، لا على الفروض النادرة الخارجة عن العادة
المتعارفة، بل لا بد أن يكون متمكنا من الأداء بالنحو المعهود المتعارف، لعدم
ظهور الرضا بغير ذلك.
والأخبار الدالة على الحلية غير ظاهر شمولها لما ذكر، بل الظاهر عدمه، مع
أن الظاهر عدم كفاية الظهور والظن، لما عرفت من الأدلة اليقينية.
والحاصل، أنه لا بد من ظهور الرضا وثبوته بالطريقة الشرعية.
قول المعصوم: ".. إلا أن يكون له ولي يقضي [دينه] من بعده، [و] ليس
منا.. ".. إلى آخره (1).
فيه شهادة على أن مراده (عليه السلام) من قوله: " وعنده وفاء " (2) أن يكون متمكنا
من الوفاء وإن كان بواسطة الولي بعده، فالحديث باق على ظاهره لا يحتاج إلى



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 54، الكافي: 5 / 95 الحديث 2، تهذيب الأحكام:
6 / 185 الحديث 383، وسائل الشيعة: 18 / 321 الحديث 23762، وما بين المعقوفين
أثبتناه من المصادر.
(2) أنظر: الهامش السابق.
308
الحمل على الكراهة، لما عرفت من الحاشية السابقة.
قوله: ويكون فعله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفعلهما (عليهما السلام) [مستثنى، أو لرفع الحرمة والشدة] (1).
الظاهر أنهم (عليهم السلام) ما كانوا يتدينون إلا لداع يقابل الكراهة ويجبرها، فعلى
هذا يكون غيرهم أيضا كذلك، فتأمل.
قوله: بل بالعلة والرواية، فتأمل (2).
فيه ما عرفت، فلاحظ.
شرط النفع
قوله: الظاهر أن تحريم شرط النفع في القرض عينا إجماعي بين المسلمين..
إلى آخره (3).
أقول: لكن وقع النزاع في مقامات:
الأول: ما أشار إليه من حكاية الصحيح عوض المكسر.
الثاني: أنه هل الحرام مطلق ما هو منفعة - أعم من أن يكون زيادة في
المال، إما في قدره مثل: أن يكون العشرة اثني عشر، أو في وصف مثل: الصحيح
عوض المكسر أو الجيد عوض الردئ، أو يزيد على القدر منفعة مالية، مثل:
سكنى بيت وخدمة عبد وعمل حر وأمثال ذلك مما هو مالية وبإزائه عوض مالي،
أو يكون زيادة غير مالية أيضا مثل: البيع بثمن المثل والإجارة بأجرة المثل
والنكاح بمهر المثل والقرض والرهن بدين آخر - إذ بذلك الدين إجماعي



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 54.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 55.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 60.
309
ومنصوص على جميع المذاهب؟
أو الحرام مخصوص بما هو زيادة في المال بأقسامه، لا بما هو ليس زيادة في
المال، وإن كان زيادة ومنفعة إلا أنه خارج عن زيادة المال، كما أشرنا إليه في
الأمثلة الأخيرة وأمثال تلك الأمثلة، إذ ليس مخصوصا بتلك الأمثلة؟
ظاهر عبارات الأكثر هو الأول، وصريح بعض العبارات، لكن صرح جمع
بالثاني، كما سنشير إليه في الحاشية الآتية مع الإشارة إلى أدلة الطرفين.
الثالث: أن الحرام مخصوص بما إذا كانت المنفعة عائدة إلى المقرض فقط، أم
أعم من أن تعود إلى المقرض أو المستقرض؟
المشهور الأول، وقيل بالثاني (1)، والظاهر أنه لا نزاع في المنفعة العائدة إلى
غير الطرفين - يعني الأجنبي - مع احتمال ذلك أيضا بملاحظة ما هو مستندهم (2).
الرابع: أن المنفعة إذا كانت معاملة محاباتية، فهل الحرمة مخصوصة بما إذا
وقعت شرطا في القرض، أم أعم منه ومن صورة العكس، بأن يكون القرض
شرطا في المعاملة المحاباتية؟
(اختار الأول العلامة (3)، والمحقق اختار الثاني (4))، كذا في شرح ابن المفلح
الصيمري على " الشرائع " (5)، محتجا للعلامة بأن ما ورد حرمة القرض الذي يجر
المنفعة لا المنفعة التي تجر القرض، وبالأخبار.



(1) لاحظ! الدروس الشرعية: 3 / 319، جواهر الكلام: 25 / 13.
(2) أي: إذا كان مستند التحريم جر النفع مطلقا فهو يشمل هذه الصورة أيضا، وأما إذا قلنا
بأن الأدلة منصرفة عن هذه الصورة فلا تشملها.
(3) مختلف الشيعة: 397.
(4) شرائع الإسلام: 2 / 67.
(5) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام: غير مطبوع.
310
وغير خفي أن الأول محل نظر ظاهر، والثاني لا بد من ملاحظتها وملاحظة
دلالتها، ومع التحقق ملاحظة المقاومة بحيث تصلح للتخصيص والتقييد، وأن
الجمع منحصر فيهما ظاهرا، فتأمل.
وكيف كان، معلوم أنه لا نزاع في الحرمة في الصورة الأولى على حسب ما
ذكره ابن المفلح، ويظهر من الشارح (رحمه الله) أيضا - كما سيجئ في آخر الباب (1) -
ويظهر من المحقق الشيخ علي في " شرح القواعد " عندما ذكر العلامة أنه يحرم
شرط زيادة العين أو الصفة، وفرع على ذلك أنه لو تبرع أو شرط النقص بالنسبة
إلى أحدهما أو الزيادة، لكنها ليست بعين ولا صفة بل منفعة أخرى، مثل القرض
بشرط القرض، أو بشرط البيع بالثمن المساوي أو أنقص - يعني لا الأزيد، لأنه
زيادة العين أو الصفة - فإن المحقق الشيخ علي ذكر عند ذلك خلافا من بعض في
صورة البيع بأنقص، بأنه منع من حيث وصول نفع للمستقرض، مع أنه خلاف
شاذ في غاية الشذوذ، ومع ذلك تعرض لذكره، بل تعرض لذكر الخلافات الشاذة
في ذلك المقام، ومع ذلك لم يشر أصلا إلى خلاف بالنسبة إلى البيع بالثمن الأزيد،
بل وافق المصنف وسكت (2).
وربما يظهر ذلك من فخر المحققين (3) أيضا، وكذا من صاحب " المفاتيح "،
حيث ذكر حرمة اشتراط الانتفاع على سبيل الإطلاق، ونقل بعض الخلافات،
قال: وبالشرط وعدمه يجمع بين الأخبار المعتبرة، وسكت ولم يشر إلى خلاف في
هذا المقام أصلا (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 110.
(2) جامع المقاصد: 5 / 21 - 25.
(3) إيضاح الفوائد: 2 / 4.
(4) مفاتيح الشرائع: 3 / 125.
311
وفي كتاب البيع صرح بالخلاف الواقع بين المحقق والعلامة في عكس هذه
الصورة، واختار رأي العلامة (1)، وفي كتاب القرض ذكر ما ذكر، فتدبر.
وليس عندي من الكتب غير ما ذكر حتى أحقق الحال، ومع ذلك متون
كتب الفقه متفقة على ما ذكر المصنف في هذا الكتاب من أن النفع مطلقا يحرم
شرطه، والحلال هو المتبرع به (2).
فإن قلت: لا نسلم كون المحاباة نفعا.
قلت: المحاباة عبارة أخرى عن النفع، وكيف يمنع مع أنه نفع لغة وعرفا؟
ومن أقرض - مثلا - ألف تومان بألف تومان وزيادة وهي أن يشتري فلس
المقرض بألف تومان أخر، ولا شك في أن الألف تومان الأخر نفع عظيم يحصل
للمقرض وينتفع به، وهو أعظم من فلس واحد إذا شرطه زائدا على الألف
الأول، وهو نفع مسلم لا شبهة فيه، ويقال في العرف: إنه انتفع من قرضه ألف
تومان بفلس، وكذا في البيوع وغيرها والربا في المعاوضات، وأين الفلس الواحد
من الألف تومان بفلس واحد؟!
فإن قلت: لا شبهة في كونه نفعا، إلا أنه نفع المعاملة لا القرض.
قلت: إن المشروط في القرض هو نفس المعاملة والبيع اللا بشرط، وإنما
النفع يحصل منه، فهو خلاف مفروض المسألة، إذ المفروض أنه كما أن نفس البيع
شرط، فكذا خصوصيته ونفعه الخاص أيضا شرط شرطه المقرض، بل الغالب
والمتعارف أن الشرط ليس إلا الخصوصية والنفع الخاص، والحكم يرجع إلى
القيد، وإلا فخصوص البيع ليس شرطا، لأنه لو كان مكانه الصلح أو غيره لكفى،



(1) مفاتيح الشرائع: 3 / 66.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 60 - 67.
312
لأن الغرض والمقصود بالشرط هو النفع الخاص وبأي عقد يحصل هو راض،
فذكره البيع لأجل أنه أخذ ما به يحصل الغرض، لا لأنه مقصود في نفسه في مقام
الاشتراط.
فإن قلت: لا كلام في كون النفع شرطا، إنما الكلام في كونه نفع القرض، بل
هو نفع المعاملة.
قلت: الفقهاء ما زادوا على حكاية الاشتراط أمرا، بل جعلوا المناط في
التحريم هو الاشتراط خاصة، ولذا في مبحث التخلص من الربا قالوا: لا يشترط
في البيع هبة الزيادة (1)، لأنه أيضا ربا.
فلو كان الزيادة منسوبة إلى الهبة، فلا وجه لمنعهم وحكمهم بكونه حراما
وربا، مع أن الحال في القرض أفحش، لأن صريح كلام الفقهاء وصريح أحاديثهم
في هذا الباب أن المناط في التحريم هو الاشتراط لا غير (2) - كما لا يخفى -
وسيجئ الكلام فيه مشروحا في طي الأخبار.
على أن منع كونه نفع القرض أيضا فاسد، فإن من تزوج امرأة بعشرة
توأمين وشرط هبة دار - مثلا - والعقد صحيح عند الفقهاء، متعارف في البلدان،
فلا شك في أنها ملكت الدار بالمناكحة وعوضا عن بضعها، لأنها ما رضت في إزاء
بضعها بالعشرة فقط، بل بها وبالدار الموهوبة، ومعلوم أنها لا تملك بإزاء البضع إلا
بعقد المناكحة، وسيجئ تمام التحقيق، فتأمل.
ومما يؤيد دخول ما نحن فيه في عبارتهم، أنهم قالوا: الأجل ليس بلازم إلا



(1) لاحظ! مفاتيح الشرائع: 3 / 63.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 190 الحديثان 23463 و 23465، 357 الأحاديث
23840 - 23842 و 359 الحديث 23847.
313
أن يشترط في عقد لازم (1)، ومعلوم أن العقد اللازم أمر خارج، ومع ذلك
تعرضوا، وفي المنفعة منعوا مطلقا، واستثنوا التبرع خاصة، وما قالوا في صورة
الشرط: إلا أن يشترط في عقد آخر، فتدبر.
ومن المؤيدات، أنهم ذكروا طرق التخلص من الربا في البيع (2)، وهنا ما
أشاروا أصلا، فإن اكتفوا بما ذكروه سابقا فالحال حاله جزما، وقد عرفت أنهم
منعوا من الاشتراط صريحا والشارحون عللوا بما عللوا، وإلا فيظهر أن الحال فيما
نحن فيه أشد، وأنه لا يقبل الحيل عندهم.
ومن المؤيدات، أنهم يذكرون المذهب الضعيف عندهم، مثل: الصحيح
عوض المكسر (3)، من حيث لا دليل عليه أصلا، ومعظم محققيهم قالوا بحرمة النفع
التي هي المعاملة المحاباتية (4) أيضا، فكيف لم يتوجهوا إلى ذكر هذا الخلاف ورده،
بل ذكروا عبارة ظاهرة في الموافقة معهم، وأقل ما في الباب موهمة فيها؟
وأيضا، أنهم يتعرضون إلى الفروض النادرة والأمور الغير المهمة، فإذا
كان رأيهم في المقام الحلية فكيف ما تعرض أحد منهم، بل تعرض معظم المحققين
بالحرمة على وجه ظاهر أو صريح في عدم الخلاف؟! فتدبر.
والشيخ في " الاستبصار " أيضا صرح بالحرمة مع الشرط، وبالكراهية مع
عدمه (5)، فلاحظ وتأمل!.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 82، جامع المقاصد: 5 / 25.
(2) مفاتيح الشرائع: 3 / 63.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 62، جامع المقاصد: 5 / 21.
(4) راجع! مفتاح الكرامة: 5 / 40.
(5) الاستبصار: 3 / 10 ذيل الحديث 23.
314
الخامس: الظاهر (1) عدم الخلاف في عدم حرمة المنفعة إذا كانت متبرع بها
إلا في الضيافة بعد ثلاثة أيام، على ما سنذكر.
نعم، ربما يظهر وقوع الخلاف في الكراهة وعدمها، مع احتمال كونها
مكروهة على الآخذ وغير مكروهة على المعطي، بل وتكون مستحبة عليه أيضا،
فتأمل، بعد ملاحظة الأخبار (2).
ثم اعلم أن الشرط المحرم أعم من وقوعه في متن عقد القرض أو بعده
للعموم، ولما مر في كتاب البيع في مسألة تأخير الأجل بزيادة في الدين.
واعلم أيضا، أن الذكر في متن العقد أعم من أن يكون بلفظ مذكور فيه، أو
يكون الإطلاق منصرفا إليه ومشيرا ومشعرا به، بأن يكون قبل العقد صرحا
بالشرط إلا أنهما في متن العقد ما ذكراه صريحا، بل اكتفيا بما ذكراه قبل، ويكون
ذلك مرادهما البتة، لا أنه بدا لهما.
قوله: وأما اشتراط الزيادة وصفا، مثل: أن يشترط الصحيح عوضا عن
المكسور.. إلى آخره (3).
ظاهر العبارة أنه وقع النزاع في الزيادة الوصفية مطلقا، وليس كذلك، بل
النزاع إنما هو في اشتراط الصحيح عوض المكسر خاصة في مبحث القرض، فما
أتى به من الأدلة غير مرضي عند الفريقين، بل ليس بشئ أصلا، لأن الأصل لا
يبقى مع الدليل، وأدلة حرمة الربا عامة بلا شبهة، وشمولها للزيادة الوصفية ليس
بحيث يمكن أن يتأمل فيه متأمل، ولهذا لم يتأملوا، لأن الزيادة الوصفية لا شك في
كونها مالا كالمنافع.



(1) لم ترد (الظاهر) في: ب، ج، ه‍.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 17 / 285 الباب 88 من أبواب ما يكتسب به.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 62.
315
ولا شبهة ولا نزاع في أن الزيادة المالية هي ربا، والربا هو الزيادة في المال
لغة وعرفا وشرعا، والروايات التي أتى بها (1) لا تأمل ولا نزاع في كونها محمولة
على عدم الشرط، كما ستعرف، ويصرح ويأتي بدليله.
نعم، وقع النزاع في أن كل ما هو منفعة حرام إذا كان شرطا، أم الحرام إنما
هو الزيادة المالية، إما في القدر - مثل: أن يكون عشرة اثني عشر - أو زيادة
المنفعة - مثل: أن يزيد على العشرة سكنى بيت أو ركوب دابة أو عمل عبد أو حر
وأمثال ذلك - أو الجيد عوض الردئ، أو غير ذلك مما هو من الأمور المالية
سوى الصحيح عوض المكسر، أو بغير استثناء هذا أيضا؟
ظاهر عبارات الأكثر هو الأول، بل صرح بعضهم بذلك (2)، ومنهم من
صرح بالثاني مع عدم الاستثناء، ومنهم العلامة في بعض كتبه (3)، ولعل رأيه في
هذا الكتاب أيضا ذلك، فتأمل، ومنهم ولده فخر المحققين (4)، والمحقق الشيخ علي (5).
ودليل الأولين ظاهر رواية العامة المشهورة (6) المعمول بها المستند إليها
عند الأكثرين المطابقة لبعض الروايات الخاصية مع الصحة، بل ومع استفادة
صحة الرواية العامية من مضمونها وإشارتها إليها، مثل: صحيحة يعقوب بن
شعيب (7)، وحسنة ابن مسلم (8) لا تدل على كذب، بل على عدم حقية ما يظهر من



(1) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 63 - 66.
(2) شرائع الإسلام: 2 / 67، إرشاد الأذهان: 1 / 390.
(3) قواعد الأحكام: 1 / 156.
(4) إيضاح الفوائد: 2 / 4.
(5) جامع المقاصد: 5 / 21.
(6) أي خبر: (كل قرض يجر منفعة فهو حرام): كنز العمال: 6 / 238.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 63، تهذيب الأحكام: 6 / 204 الحديث 462، وسائل
الشيعة: 18 / 356 الحديث 23838.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 62، الكافي: 5 / 255 الحديث 1، وسائل الشيعة:
18 / 354 الحديث 23833.
316
ظاهرها، لأنها مقيدة بصورة الشرط كما صرحوا به في الروايات الخاصية (1).
ولعل دليل الآخرين - من أن القرض الذي يجر المنفعة هو ربا، والربا هو
الزيادة خاصة، فهو قرينة على كون المراد بالمنفعة الواردة في الخبر العامي وما
يؤدي مؤداه من الأخبار الخاصية - هو المنفعة الربوية التي هي عبارة عن زيادة
مالية، ولورود أخبار دالة على إباحة المنافع التي ليست بمالية (2)، فليلاحظ
وليتأمل حتى يظهر الحال، فإن المقام مقام إشكال.
وأما استثناء خصوص الصحيح عوض المكسر، فلم نجد عليه دليلا.
قوله: بل هذه ترد رواية العامة.. إلى آخره (3).
ليس كذلك، كما أشرنا في الحاشية [السابقة] من ظهور الحقية من
الأخبار الخاصية (4) المطابق مضمونها لمضمون هذه العامية، بل واستشعار ذلك
من مضمون بعضها، بل الظاهر تخطئتهم في العمل بظاهر هذه، خاصة مع روايتهم
أيضا عنه (عليه السلام): " إن خير القرض ما جر منفعة " (5)، واشتهارها عنه (عليه السلام)، فتدبر.
قوله: " خير القرض [الذي] يجر المنفعة ".. إلى آخره (6).



(1) الكافي: 5 / 103 الحديث 3، وسائل الشيعة: 18 / 354 الحديث 23832 و 160
الحديث 23389.
(2) لاحظ! تهذيب الأحكام: 6 / 201 الحديث 452، وسائل الشيعة: 18 / 354 الحديث
23833.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 63.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 352 الباب 19 من أبواب الدين والقرض.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 354 الأحاديث 23833 و 23834 و 23835 و 23837.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 63، وهي رواية محمد بن عبدة: تهذيب الأحكام: 6 / 202
الحديث 453، وسائل الشيعة: 18 / 355 الحديث 23834، وما بين المعقوفين أثبتناه من
المصادر.
317
بل هي ظاهرة في عدم الاشتراط، ولو سلم فلا ظهور في الاشتراط، فلا
وجه للاستدلال بوجه من الوجوه، إذ لا نزاع في الحلية والصحة إذا لم يكن شرط.
وإنما قلنا: هي ظاهرة في عدم الاشتراط، لأن قوله (عليه السلام) " خير القرض ما
جر منفعة " [يعني] أن القرض من قبل نفسه يجر المنفعة، وأنه هو الجار لها، لا أن
جره من قبل اشتراط المقرض وإلزامه وانتقالها إلى ملكه وكونها ملكه بمعاملة أو
مشاركته، لأنه أسند الجر إلى خصوص القرض وجعل الفاعل إياه بلا مشاركة الغير.
وأما باقي الأخبار، فظهورها في عدم الاشتراط غير خفي، وفيها شهادة
واضحة على أن المراد من الجر هو عدم المشارطة، وكون القرض من قبل نفسه
يجر، وأخبارهم يكشف بعضها عن بعض.
وبما ذكرنا اتفقت الأخبار وتطابقت، مضافا إلى الظهور في نفسه كما أشرنا،
مع أن قوله (عليه السلام): " خير القرض " ينادي بما ذكرناه، لأنه يكره على المقرض أخذ
المنفعة، كما عليه الفقهاء ودل عليه الأخبار، مثل: " لا أحب أن يأخذ " (1)،
وغيره مما سيجئ بعضه.
ومنه، صحيحة ابن شعيب الآتية في القرض مع السلف أنه لا يصلح إذا جر
نفعا (2)، وأقل مراتب عدم الصلاح الكراهة، بل وشدة الكراهة، فمع الكراهة كيف
يكون الخير أن يأخذ المنفعة؟!
ويدل على أن الأولى أن لا يأخذ منفعة قوله تعالى: * (من ذا الذي يقرض



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 358 الحديث 23844.
(2) تهذيب الأحكام: 6 / 204 الحديث 462، وسائل الشيعة: 18 / 356 الحديث
23838.
318
الله) * (1) الآية، والأخبار المتواترة في مدح القرض الحسنة (2)، وأن الإعانة
والإحسان إلى الأخ المؤمن في غاية التأكيد، بل ورد في كثير من الأخبار أن علة
تحريم الربا أن يعطوا القرض الحسنة (3).
قوله: وهي أكثر منها، قال: " لا بأس، إذا كان معروفا بينكما ".. إلى
آخره (4).
الظاهر أن المراد أن إعطاء الأكثر وأخذه محض الإحسان والمعروف
الصادر عنكما - أي واحد منكما الآخذ، وأي واحد منكما المعطي - أو مجرد
المعلومية بينكما، أنه كيف يعطى وكيف يؤخذ، وعلى التقديرين إشارة إلى عدم
الاشتراط، فتأمل.
قوله: ويطيب نفسه أن يجعل له فضلها.. إلى آخره (5).
لأن الأصل في الألفاظ الحمل على المعنى الحقيقي، ويعضده أن طيب النفس
لا يحصل منه أزيد من إباحة التصرف، وأما نقل الملك فلا بد من عقد مملك من
العقود المقررة شرعا، ولا يقبل ما نحن فيه إلا الهبة، والهبة غير المعوض عنها من
العقود الجائزة فيكفي فيه كل ما دل على المقصود، وهو نقل الملك بغير عوض
بعنوان التبرع، وهو معنى الهبة، وإن كان ظاهر كلامهم عدم الكفاية.
والظاهر منهم - فيما نحن فيه - الانتقال بمجرد التبرع، ولعل هذا مستثنى



(1) البقرة (2): 245.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 329 الباب 6 من أبواب الدين والقرض.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 118 - 21 (عدة أحاديث).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 64، وسائل الشيعة: 18 / 301 الحديث 23717.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 65، الكافي: 5 / 253 الحديث 1، وسائل الشيعة:
18 / 191 الحديث 23464، وفيها: (وتطيب نفسه..).
319
عندهم.
وكيف كان، فلا خفاء في ظهور الحديث في كونه هبة، وترجيح صاحب
" شرح الشرائع " (1) وحكم الشارح (2) دليلان على عدم اعتبار الصيغة في
خصوص المقام وكونه من المستثنيات، فتأمل.
فظهر من الحديث أن هبة الزائد إذا كانت شرطا في القرض تكون حراما
وفاسدة، كما أفتى به الفقهاء (3)، وظهر أن المعتبر في الحرمة هو الاشتراط وإن كان
يصح النسبة إلى الهبة.
فظهر فساد ما توهم بعض من أن الهبة والبيع المحاباتي من الحيل لاستحلال
الربا وإن وقعتا شرطا (4)، خلافا لفتوى الفقهاء وأدلتهم وقواعدهم (5).
ويدل على الفساد أيضا أن لفظ " شرط " في الحديث نكرة في سياق النفي،
فيفيد العموم، ويشمل ما ذكره المتوهمون من الشرط، والأحاديث الواردة بهذا
المضمون مستفيضة جدا ومعتبرة (6).
ويدل عليه صحيحة محمد بن قيس المزبورة (7)، فإن النهي حقيقة في
الحرمة، والحصر فيها يحرم كل شرط زائد عن اشتراط المثل ومغاير له.
ثم اعلم أنه (عليه السلام) عدل عن الجواب بقوله: " لا بأس، إذا لم يشترط " إلى



(1) مسالك الأفهام: 1 / 175.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 65.
(3) لاحظ! مفتاح الكرامة: 5 / 36.
(4) مفاتيح الشرائع: 3 / 63.
(5) لاحظ! مفتاح الكرامة: 5 / 38 - 43.
(6) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 354 - 358.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 65، تهذيب الأحكام: 6 / 203 الحديث 457، وسائل
الشيعة: 18 / 357 الحديث 23840.
320
قوله: " لا بأس، إذا لم يكن فيه شرط " في حسنة الحلبي (1)، [وفيه] شهادة
واضحة على أن مجرد عدم شرط الإعطاء لا يكفي في الحلية، بل لا بد أن لا يكون
هناك شرط أصلا وبوجه من الوجوه حتى يكون مجرد التبرع ومحض التطوع،
فيكون من قبيل العطيات الصادرة من الخارج ابتداء، والهبات التي هي مجرد
الإحسان، وإن كان للإحسان جزاء، وغير خفي أنه إذا كان كذلك كلما زاد في
العطية كان أحسن، ولو وهبه الكل كان أصلح.
وقس على ما ذكرنا حال حسنته الأخرى، وما يؤدي مؤداهما من
الأخبار المعتبرة المستفيضة، ويرجع الكل إلى مضمون صحيحة محمد بن قيس،
وترجع الصحيحة إلى مضمونها، فجميعها على نهج واحد - والحمد لله - وعلى
طبق فتوى الفقهاء - رضوان الله عليهم -.
قوله: وعدم جواز أخذ عارية للقرض، وقد تقدم الجواز في الانتفاع
بالرهن.. إلى آخره (2).
يعني بعنوان الشرط، كما هو مدلول الصحيحة (3)، ولا يخفى أن العارية أيضا
من العقود.
فظهر أن شرط النفع في القرض حرام وإن كان بعنوان عقد، وإن كان النفع
ينسب إلى العقد المشروط، وأن المناط في الحرمة هو الاشتراط في القرض لا
الانتساب، وإن سلمنا عدم الانتساب إلى القرض.
فظهر فساد ما توهم البعض من أنها من الحيل للربا، وإن وقعت شرطا في



(1) الكافي: 5 / 254 الحديث 3، وسائل الشيعة: 18 / 191 الحديث 23465.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 66.
(3) أي صحيحة محمد بن قيس، التي مرت الإشارة إليها آنفا.
321
القرض (1) خلافا لفتوى الفقهاء (رحمه الله).
وظهر من هذا أيضا قوة دلالة الحصر وشمولها للعقود أيضا، وعدم
اختصاصه بغير العقد، مضافا إلى دلالته الظاهرة الكائنة لنفسه.
وكذا الحال في حسنة الحلبي السابقة (2)، فإنه يظهر قوة دلالة العموم وظهور
عدم الاختصاص بغير العقد، وقد مر في الحاشية السابقة ما مر، فتدبر.
قوله: وجوب أخذ الأجود، ذكره في " التذكرة " (3).. إلى آخره (4).
ينبغي التقييد بما إذا لم يكن للمقرض عذر وجيه، وإلا فإنه ربما يتضرر
بالأجود من غصب غاصب أو غير ذلك.
قوله: إنه يلزم قيمة وقت تسليم القرض مطلقا. لعل دليله أن القيمي إنما
خرج عن ملك المالك بالعوض، وليس له العوض إلا القيمة.. إلى آخره (5).
سيأتي - في مبحث أنه لو دفع المديون عروضا للقضاء.. إلى آخره - رواية
بمضمونها، وهي صحيحة محمد بن الحسن الصفار قال: " كتبت إليه في رجل كان
له على رجل مال، فلما حل عليه المال أعطاه به طعاما أو قطنا أو زعفرانا ولم
يقاطعه على السعر، فلما كان بعد شهرين أو ثلاثة، ارتفع الطعام والزعفران
والقطن أو نقص، بأي السعرين يحسبه لصاحب الدين، سعر يوم (6) الذي أعطاه



(1) لاحظ! مفاتيح الشرائع: 3 / 63.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 65، الكافي: 5 / 254 الحديث 3، وسائل الشيعة:
18 / 191 الحديث 23465.
(3) تذكرة الفقهاء: 2 / 4.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 66.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 69.
(6) كذا في النسخ وفي مجمع الفائدة والبرهان، وفي: تهذيب الأحكام ووسائل الشيعة: (بأي
السعرين يحسبه، قال: لصاحب الدين سعر يومه..).
322
وحل ماله عليه أو السعر الثاني بعد شهرين أو ثلاثة، يوم حاسبه؟ فقال (عليه السلام) (1):
ليس له إلا على حسب سعر وقت ما دفع إليه الطعام إن شاء الله " (2)، فلاحظ.
أحكام الدين
قوله: وبالقبض هو المشهور.. إلى آخره (3).
يدل على المذهب المشهور الأخبار الواردة في كتاب الزكاة في أن زكاة
القرض على المستقرض (4)، فلاحظ.
قوله: مما يدل على وجوب الوفاء بالوعد والعقد، مثل: * (أوفوا) * (5)،
و * (لم تقولون ما لا تفعلون) * (6)، و " المسلمون عند شروطهم " (7).. إلى آخره (8).
لو دخل عقد القرض في العموم لوجب الوفاء بمجرد العقد من حينه على
الطرفين، وتحقق بهذا النحو التسلط من كل منهما على الآخر إذا وقع العقد مطلقا،
بل والانتقال القهري، كما هو شأن العقود اللازمة، بل والتقاص القهري أيضا من
الحين، لتساوي الحقين من جميع الوجوه، بل وعدم الانتقال أصلا، لما ذكر في



(1) كذا، وفي المصدر: (فوقع (عليه السلام)).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 99، تهذيب الأحكام: 6 / 196 الحديث 432، وسائل
الشيعة: 18 / 85 الحديث 23208.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 73، أي: حصول التملك بالقبض.
(4) وسائل الشيعة: 9 / 100 الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
(5) المائدة (5): 1.
(6) الصف (61): 2.
(7) عوالي اللآلي: 2 / 258 الحديث 8.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 80.
323
التقاص القهري، على أنه على أي تقدير لا يبقى للعقد فائدة مثمرة شرعا، بل لا
فائدة أصلا شرعا، وإن لم نقل بالتقاص القهري، فتأمل.
فعلى هذا، تكون فائدة القرض مترتبة على نفس القبض وتحته، من غير
مدخلية العقد، وفيه ما فيه، مع أن ما يترتب على نفس القبض ظاهر أنه ماذا،
فتأمل.
فإن قلت: الفقهاء ذكروا أن القبض أو التصرف شرط (1).
قلت: من ذكر ذلك ذكر أن القرض لا لزوم في أجله، فلو كان حجة لكان
حجة في المقامين.
ومع ذلك يبقى بعض الإشكال، وهو أنه يجب على المستقرض رد العوض
من حين العقد على طريقة المعاوضات اللزومية الحالية.
ومع ذلك، إن كان الواجب عليه والمنتقل من ماله إلى ملك المقرض هو
عين مال المقرض، ففيه ما فيه.
وإن كان غير ماله على التعيين، ففيه أيضا ما لا يخفى، إذ يصير القرض من
المعاوضات الصرفة، يجري فيه لوازمها.
وإن كان لا على التعيين، ففيه أيضا ما فيه، فتأمل.
فإن قلت: القرض ليس من المعاملات الحلولية وإن وقع مطلقا، لأن
المستقرض إنما يستقرض بتأخيره رد العوض، والمقرض أيضا يقدم على ذلك،
وهذا أمر بين لا سترة فيه، ولهذا ورد الثواب العظيم على القرض (2)، وغير خفي
أنه ليس هذا الثواب لأجل إجراء الصيغة فقط من دون قبض، ولا له مع القبض



(1) لاحظ! الدروس الشرعية: 3 / 323، مفتاح الكرامة: 5 / 49.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 329 الباب 6 من أبواب الدين والقرض.
324
والاسترداد من الحين بغير مهلة أصلا ولا تأخير مطلقا، والأخبار أيضا تنادي
بذلك (1)، فالتأخير مأخوذ في حقيقة القرض ونفس المعاملة، ولهذا لو أخذ بإزاء
تأخيره ما زاد عن ماله يكون منفعة قرضه البتة، والأخبار أيضا تنادي بذلك،
ويكون حراما إن كان شرطا، وإلا فلا.
قلت: على هذا يجب تعيين الأجل وانضباطه على طريقة المعاملات
اللزومية، لاتحاد العلة، فتأمل جدا.
وأيضا، المستفاد من الأخبار المتواترة أن القرض مستحب (2)، ولا شك أن
الاستحباب يرجع إلى التأخير كما اعترفت، واستحباب التأخير يقتضي جواز
الرجوع البتة (3)، والدال عليه يدل عليه بالبديهة، فعموم تلك الأخبار وإطلاقها
يقتضي كون ذلك التأخير مستحبا مطلقا.
وبالجملة، الوارد في الآية والأخبار - مع نهاية كثرتها - ليس سوى المدح
والترغيب والثواب من دون شائبة لزوم وعقاب على الترك أصلا ورأسا،
ومقتضى ذلك ليس سوى الاستحباب بالبديهة، كما لا يخفى على المتأمل في الآية (4)
والأخبار، وأن المقرض محسن إلى المقترض متبرع، و * (ما على المحسنين من
سبيل) * (5).
فلو كان القرض من العقود الواجبة لكان الأهم فيه لزوم الوفاء ووجوبه،



(1) ثواب الأعمال: 166 الحديث 1 و 4 و 5، وسائل الشيعة: 18 / 330 الحديث 23785
و 366 الباب 25 من أبواب الدين والقرض.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 329 الباب 6 من أبواب الدين والقرض.
(3) في ب، ج: (إليه).
(4) البقرة (2): 280.
(5) التوبة (9): 91.
325
لا الاستحباب الدال على رجحان الفعل وجواز الترك - بل هو معناه - ولو لم يجز
الترك لكان واجبا لا مستحبا، ويكون العقاب على الترك وعلى استرداد العوض
ومطالبته، لا اظهار ترتب الثواب خاصة من دون شائبة عقاب.
مع أنه لو كان من العقود اللازمة، لوجب على المقرض التأخير إلى وقت
غير معين، لكون مقتضى العقد التأخير، كما قلت، ولعدم ذكر الأجل كما هو
المفروض، فلا يجوز له المطالبة، بل ولا يجوز للمستقرض أيضا الرد قبل ذلك
الوقت الغير المعين، فإما لا يجوز لهما ما ذكرنا مطلقا - بل ولا لوارثهما أيضا إلى
انقراض الدنيا - وهو بديهي البطلان، أو يجوز في وقت غير معين عند الله تعالى
وعندهما، وهو أيضا بديهي البطلان، بل ويلزم تحقق الانتقال في وقت خاص لا
تعيين فيه أصلا - لا عند الله ولا عندهما - وهو أيضا بديهي البطلان، بل ويلزم
التقاص القهري أيضا في ذلك الوقت، وهو أيضا بديهي البطلان.
وإن بني على التعيين لذلك الوقت، ففيه أنه ترجيح من غير مرجح أصلا
ورأسا، وهو أيضا بديهي البطلان.
هذا كله، مضافا إلى لزوم الغرر والضرر المفسدين للمعاملة اللزومية،
ومضافا إلى أنه لا يثمر سوى نزاع المتعاقدين ومخاصمتهما بنحو لا ترتفع تلك
المخاصمة أصلا، و [قد] وضع الشرع لرفع التخاصم لا لوضعه.. إلى غير ذلك من
مفاسد عدم التعيين، كما مر في البيع وغيره.
ويدل أيضا على عدم لزومه، الإجماع المنقول عليه، وهو حجة كما حقق في
محله (1)، بل الظاهر أنه الإجماع الواقعي، لأن القرض مما يعم به البلوى،
والمسلمون في الأعصار كان يكثر منهم الإقراض والاقتراض، حتى من نسائهم



(1) لاحظ! نهاية الأصول: 2 / 170.
326
وصغارهم، فضلا عن الرجال والكبار.
فلو كان من العقود اللازمة لاشتهر اشتهار الشمس، وظهر على النساء
والصغار بحيث لا يبقى ريبة، فكيف صار الأمر بالعكس؟! إذ جميع الفقهاء أفتوا
بالجواز، وغير الفقهاء يكونون تابعي الفقهاء ومقلديهم، مع أن المتعارف الشائع
وقوع القرض الذي لا أجل له أو له أجل لكن ليس بأجل شخصي لا يقبل
التفاوت أصلا ورأسا، سيما في مثل قرض الخبز والخمير والجوز وأمثالها، وتحقق
اللزوم في هاتين الصورتين فاسد بالبديهة، كما أشرنا.
فظهر أن القرض من حيث هو هو وفي نفسه ليس من العقود اللازمة، بل
من الجائزة، والأجل المشخص لا يمكن أن يصير سببا للزوم، لأن الأجل ليس
إلا تعيين مدة شئ، فإن كان الشئ واجبا يصير الأجل أجل شئ واجب،
ومعناه أن ذلك الواجب إلى مدة كذا، وإن كان جائزا يصير أجل جائز، يكون
المعنى أن مدة ذلك الجائز كذا، وإن كان حراما يصير أجل الحرام، ويصير أن مدة
الحرام كذا، وقس على هذا.
فالعبرة بما وقع الأجل له، لا بنفس الأجل، وهذا أيضا واضح، وليس
الأجل المشخص شرطا لتحقق القرض أو لصحته، للإجماع والأخبار المتواترة
الدالة على صحة مطلق القرض (1)، بل وصحة القرض الغير المؤجل بالأجل
الشخصي.
فحال مضمرة الحسين بن سعيد (2) حال ما ورد في البيع بثمنين إلى أجلين،



(1) أي أن أخبار الدين مطلقة ولم يشترط فيها قيد الأجل. لاحظ! وسائل الشيعة:
18 / 315 أبواب الدين والقرض.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 81، تهذيب الأحكام: 6 / 190 الحديث 409، وسائل
الشيعة: 18 / 344 الحديث 23811.
327
بأنه يكون للمشتري بأقل الثمنين وأبعد الأجلين (1)، واشتراء (2) الدين بأقل منه،
وبأن ليس للمشتري سوى قدر الثمن (3) وغيرهما، بل وأضعف منه بوجوه:
الأول: التعدد هناك، والوحدة هاهنا.
الثاني: الصحة هناك، والضعف هاهنا.
الثالث: وجود القائل هناك، بل وجماعة من الأعاظم (4)، وعدم الوجود
هاهنا أصلا.
الرابع: الصراحة هناك، وعدمها هاهنا، وذلك لأنه صرح في " القاموس "
بأن القرض ما لا أجل له والدين ما له أجل (5)، وأشار إلى هذا القول أيضا
الشارح (6).
فعلى هذا، قيد (إلى أجل) يكون قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي، معينة
للمجازي الذي هو الدين، فلا وجه للاستدلال أصلا، كما هو الشأن في كل موضع
يكون مع اللفظ قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي.
فإن قلت: لعل مراد " القاموس " لا أجل له مثمرا، لأن الأجل غير المثمر
ليس بأجل حقيقة، وإلا فالقرض المؤجل قرض حقيقة.
قلت: إن أردت الثمرة الشرعية، فلا دخل لها في اللغة، وإن أردت اللغوية



(1) لاحظ! تهذيب الأحكام: 7 / 53 الحديث 230، وسائل الشيعة: 18 / 37 الحديث
23083.
(2) في النسخ الخطية (واشتراه)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(3) لاحظ! الكافي: 5 / 100 الحديثين 2 و 3، وسائل الشيعة: 18 / 347 الحديثين 23819
و 23820.
(4) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 100، مختلف الشيعة: 3 / 413.
(5) القاموس المحيط: 4 / 226.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 80.
328
بأن القرض لغة معاملة تبرعية كالهدية والعطية، فالتأخير المعتبر فيه تضمنا أو
التزاما تبرعي من تبرع ما اعتبر هو فيه، ومعنى التبرع أنه في قوة أن يقول:
عهدت ووعدت ولي أن أوفي وأن لا أوفي، فكما أن نفس التأخير تبرعي فكذا
كونه إلى غاية معينة، إذ بديهي أن مجرد ذكر غاية لذلك التأخير لا يوجب تغير
الدلالة والمراد من حيث اللزوم والتبرع، فلا فرق بين أن يقول: أقرضتك، وأن
يقول: ملكتك وعليك عوضه وأصبر عليك في رد العوض تبرعا - قيدا للتمليك
والصبر - وكذا بين أن يقول: أقرضتك إلى كذا، أو ملكتك وأصبر عليك في رد
العوض إلى كذا تبرعا.
وعدم الفرق بحسب المفاد لغة، فهذا الأجل ليس بأجل حقيقة من حيث
إفادته أن لي أن أوفي وأن لا أوفي.
وبالجملة، إن أردت هذا، فهذا يشيد أركان الفقهاء ويوهن استدلالك
بالحديث، ويمنع احتجاجك بالعمومات، لأن الأمر بالوفاء بالعقد إنما هو على
حسب ما تضمنه، وكذا العهد والوعد والشرط، بل اللازم حينئذ ما ذكره الفقهاء،
لأن الطرفين أقدما عليه، فاللازم على المستقرض الرد متى طالبه المقرض.
على أنه على تقدير خلو عقد القرض عن قيد التبرع المزبور، وعدم الإفادة
مطلقا بحسب اللغة، فإن حكمت بعدم التبرع شرعا أيضا مطلقا، ففساده كما ترى،
مضافا إلى ما سيذكر. وإن حكمت بالتبرع وعدم اللزوم مطلقا، فهو مطلوب
الفقهاء. وإن فككت (1) وفرقت بين ما إذا ذكر لتأخيره غاية وما لم يذكر، بالحكم
باللزوم في الأول ودخوله تحت العمومات، وعدم اللزوم في الثاني وخروجه،
فلعله تحكم بالقياس إلى العمومات، عموم ما دلت على اللزوم وعموم ما دل على



(1) في ب، ج: (حكمت).
329
عدمه، ومناف لما دل على وجوب تعيين الأجل في العقود اللازمة، وموجب
لجواز التفكيك بهذا النحو في جميع العقود اللازمة.
فظهر مما ذكر وهن آخر في استدلالك بالمضمرة (1)، فتأمل.
على أنا نقول: معنى قولهم: (العقد المؤجل من القرض جائز أيضا قبل
حلول الأجل) أنه يجوز لكل من الطرفين الفسخ، وما لم يفسخا يكون العقد باقيا
على حاله، مثمرا ثمر اللزوم ما دام باقيا على حاله على طريقة غيره من العقود
الجائزة، فلو اتفق عدم الفسخ - إما لمانع كالغيبة ونحوه، أو مجرد اتفاق - هل الموت
يوجب الفسخ ويتحقق أحكام الحلول وثمراته به، أم لا يوجب، بل المتحقق
ثمرات عدم الحلول؟ فسأل الراوي عن الحال، فأجاب بالأول، فتأمل.
وبالجملة، أمثال هذه السؤالات عن المعصوم كثيرة، وليست بغريبة، سيما
من فقهاء الأصحاب مثل: الحسين بن سعيد.
هذا كله، منضما إلى ضعف دلالة التقرير، سيما ورأي المالكي رأيه (2)،
والمعصوم (عليه السلام) كان يتقي من أهل الحجاز كثيرا، فتأمل!
وأيضا، أنه لم يذهب أحد من العامة إلى أن البيع بثمنين إلى أجلين يكون
للمشتري أبعدهما مع أقلهما، مضافا إلى الصراحة التامة، فتأمل!
على أنا نقول: قد عرفت أن القرض من العقود المتبرع بها حتى بالقياس
إلى الأجل المأخوذ فيه، بل المتبرع به - في الحقيقة وما هو المقصود بالذات - إنما
هو الأجل، فلو كان الأجل المذكور في الحديث هو هذا الأجل فلا محيص عما
ذكرنا من أن المراد قبل تحقق الفسخ، وإن ادعيت ظهور كون الأجل المذكور فيه



(1) أي مضمرة الحسين بن سعيد: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 81، تهذيب الأحكام:
6 / 190 الحديث 409، وسائل الشيعة: 18 / 344 الحديث 23811.
(2) لاحظ! تذكرة الفقهاء: 2 / 5.
330
غير مرعي (1)، فلا جرم إما أن يكون المراد من القرض الدين - كما أشرنا - أو
يكون شرطا في عقد لازم.
هذا، على تقدير تسليم ما ادعيت من الظهور، وإلا فالظاهر عدم الظهور،
سيما بعد ظهور كون أجل القرض من الأمور التبرعية المحضة كما أشرنا، فتدبر.
قوله: " فقد حل مال القارض " (2)، ولا يضر إضمار مثله.. إلى آخره (3).
ويمكن أن يقال: في هذا الخبر - مضافا إلى ما مر - أنه (عليه السلام) حكم بأن موت
المستقرض سبب لانعدام الأجل والرخصة في التأخير إلى ذلك الأجل، وذلك
لأنه لا تأمل في أن القرض يصير مؤجلا.
نعم، الفقهاء يقولون: التأجيل ليس بلازم (4)، بل هو تبرع محض ورخصة
غير لازمة الوفاء، وتلك الرخصة لم تكن إلا للمستقرض فبموته تنعدم، لأنها
وأجلها لم يكونا إلا بحسب التبرع، فلا يكونان حق المستقرض وملكا له حتى
يتصور انتقالهما إلى الورثة، فيجب على الورثة المبادرة في أداء ذلك القرض إلا أن
يرخصهم القارض ويجعل لهم أجلا مستأنفا، فتأمل.
قوله: (إلا أن يشترط في لازم) (5) يعني لا يلزم تأجيل [الحال].. إلى آخره (6).
وقيل: ينقلب العقد اللازم جائزا حينئذ (7)، ومقتضى ظاهر العبارة أن



(1) في ألف: (تبرعي)، وفي ه‍: (شرعي).
(2) ذيل مضمرة الحسين بن سعيد، وقد مرت آنفا.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 81.
(4) لاحظ: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 80، جامع المقاصد: 5 / 35، الروضة البهية:
4 / 17، مفتاح الكرامة: 5 / 53.
(5) من قول المصنف: إرشاد الأذهان: 1 / 390.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 82.
(7) لاحظ! مسالك الأفهام: 1 / 177، مفتاح الكرامة: 5 / 54.
331
النزاع فيما إذا جعل أجل القرض شرطا في عقد لازم كما ذكره الفقهاء، وذكر في
" الشرح " (1): أما لو أقرض بشرط بيع مثلا ويكون القرض مؤجلا لم يلزم الأجل
ولا القرض، بمقتضى ما ذكروه من الحصر، ولأن جزء عقد جائز جائز، من
حيث أن الاعتبار بالعقد، والجزء تابع للكل.
فإن قلت: إذا كان القرض بشرط البيع كان البيع أيضا بشرط القرض،
فإذا كان مؤجلا لزم - على قول المصنف ومن وافقه (2) - ويدخل تحت محل النزاع.
قلت: الملازمة ممنوعة، وسيما على رأي المصنف ومن تبعه، من الفرق بين
القرض بشرط البيع المحاباتية وبيع المحاباة بشرط القرض - كما مر في صدر
الباب (3) - ومع ذلك لا يلزم صيرورة ذلك داخلا في محل النزاع، إذ محل النزاع هو
جعل نفس الأجل شرطا في عقد لازم، لا أن يكون كل واحد من العقدين شرطا
بالنسبة إلى الآخر وجزءا وتابعا، مع أنه ربما لا يخلو عن رجحان أصلية القرض،
فليتأمل.
قوله: [عند] الإمكان الشرعي والطلب، وكأنه إجماعي.. إلى آخره (4).
لا وجه للتعبد بالطلب، إذ الغريم ربما كان غير رشيد ولا ولي له، أو يكون
جاهلا بحقه أو غافلا أو مسامحا أو مساهلا أو موسعا عليه، فيجب حينئذ بوجوب
موسع، إن لم يكن [هناك] دواعي للمبادرة من طرف نفسه، مثل: عدم التمكن
من الأداء بعد ذلك أو خوف ذلك، فيجب فورا، إلا أن يريد من الطلب عدم رفع
اليد عن حقه بعدم إبراء ذمته، أو يكون مراده من الوجوب المضيق.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 82.
(2) لاحظ! إرشاد الأذهان: 1 / 390، مفتاح الكرامة: 5 / 54.
(3) راجع! الصفحة: 310 من هذا الكتاب.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 84.
332
وفي الكل نظر ظاهر، حتى الأخير، فتأمل!
والمراد من النية هو العزم والداعي، سواء كان مخطرا بالبال أو لا، كما
حققناه في مبحث النية في العبادات.
قوله: وبعيد عن تصرف الغير.. إلى آخره (1).
وأنه لو لم يفعل يثمر عادة إلى التلف، أو ربما يثمر، ومقدمة الواجب
واجب عند الفقهاء.
قوله: [الإيجاب بمثل هذا مشكل] إلا أن يكون إجماع أو نحوه.. إلى آخره (2).
مثل الأخبار (3)، فإن ظاهره في الوجوب على القول بوجوب المقدمة، كما
هو المشهور، مع أن إطلاقه على الوجوب الشرطي لعله لا إشكال فيه في أمثال
المقام، فتأمل.
قوله: والأصل عدم ظهور المانع (4)، لأن صرف المال في وجه الله،
ولبراءة الذمة [، ولو احتياطا، لا يسمى إسرافا ولا تبذيرا] (5).
هذا كذلك إن لم يرفع اليد عن الطلب والجد فيه للوصول إلى صاحبه،
والظاهر أن ابن إدريس لا يمنع من ذلك (6).
وأما مع اليأس بالمرة وحصول العلم العادي بعدم الوصول إليه، فمع
التصدق إشكال، لدوران الأمر بين انقراض الصاحب أو وجود صاحب، فعلى



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 86.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 86.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 19 / 257 الباب 1 من كتاب الوصايا.
(4) كذا، وفي المصدر: (والأصل، وعدم ظهور المانع).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 88.
(6) السرائر: 2 / 37.
333
الأول يصير مال الإمام (عليه السلام)، وعلى الآخر الإمام ولي الغيب، فمع التمكن
والإيصال إلى حاكم الشرع يشكل أيضا، لا مع اليقين بعدم التمكن منه أيضا،
ولعل الأمر بالتصدق من جهة أن الأمر إلى الإمام (عليه السلام) فأمر به، ولعل الأمر
بالإيصال إليه كان فيه مانع، فهو أمر، فتدبر.
قوله: ولأن النص في مال الغير إذا لم يعلم صاحبه [كثير جدا].. إلى آخره (1).
أشار في " المفاتيح " (2) إلى النص في التصدق، وفي " بداية الشيخ
الحر (رحمه الله) " (3): (وروي تدفع إلى المساكين، وروي: يوصى بها فإن جاء طالبها،
وإلا فهي كسبيل مالك) (4): انتهى، فتدبر.
قوله: ويمكن حملها على عدم اليأس بالكلية، لأن الأمر بالطلب معه لا
يحسن من الحكيم، وهو ظاهر.. إلى آخره (5).
ليس ما ذكره حملا، بل هو الظاهر، إذ لم يرد السائل على قوله: " لا
يدري " (6)، وهو لا يستلزم اليأس بالبديهة، وكذلك سؤاله عن حاله شرعا، إذ لم
يكن فقيها، ولذا سأل، وكذلك طول زمان عدم درايته.
نعم، ربما يظهر منه بعد ما في حصول المعرفة، وعسر في الجملة فيه، فلذا
قال: يكفي هذا لأن أتصدق عنه وأخلص من العسر في التعب في الطلب؟
فأجاب (عليه السلام) بعدم الكفاية ولزوم الطلب في إيصال حق الناس إليهم (7)، لما فيه من



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 88.
(2) مفاتيح الشرائع: 3 / 129.
(3) لم نعثر على ما ذكره في بداية الهداية!
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 362 الحديث 23855.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 88.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 88، وسائل الشيعة: 18 / 362 الحديث 23854.
(7) وسائل الشيعة: 18 / 362 الحديث 23854.
334
التأكيدات والتشديدات التي لم تكن في حقوق الله تعالى، وإن كانت مثل الصلاة
الفريضة، بل ميزان عدل الله إنما هو في حقوق الناس (1)، وإلا ففي حقوق الله (2) هو
أكرم وأرحم من أن يعذب بنار جهنم، حيث قال: * (يغفر الذنوب جميعا) * (3)،
وأمثال ذلك، ما لم يؤد إلى الكفر، فإنه * (لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك
لمن يشاء) * (4).
قال ذلك، حتى لا يجترئ على ترك مثل الفريضة أحد، ومقتضى وعيده
التهديد، وله أن يفعل وله أن يترك، بخلاف حقوق الناس.
وقد عرفت رواية سلمة (5) ونحوها في الجملة، وأما رواية زرارة فما قال: لم
يفعل أو لم أقدر، ولا قال (6) أيضا: ما قدرت إلى الآن وأمثاله، بل قال: قال " لا
يقدر.. إلى آخره " (7)، فما قال ينادي بيأسه، فلا تعارض أصلا، فلا حاجة إلى
الحمل أصلا، فتأمل جدا.
مع أن رواية زرارة غير دالة على عدم الطلب، بل ربما كان الظاهر منه
الطلب بقدر تيسره، وأن زرارة كان كذلك لكن كان خائفا من التكليف بأشد
منه.



(1) لاحظ! بحار الأنوار: 72 / 311 - 334.
(2) في ألف: (حقوق نفسه).
(3) الزمر (39): 53.
(4) النساء (4): 48.
(5) أي: رواية سلمة التي مرت في: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 53، تهذيب الأحكام:
6 / 185 الحديث 383، وسائل الشيعة: 18 / 326 الحديث 23773.
(6) ما أثبتناه هو الصحيح، وأما في النسخ: ألف، د، ه‍ فالعبارة هكذا: (قال قال لم يفعل لم
يقدر ولا قال)، وهذه العبارة ساقطة من نسختي ب، ج.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 88، وسائل الشيعة: 18 / 362 الحديث 23853.
335
نعم، الروايتان تعارضان ما دل على التصدق، سيما رواية زرارة، فالشأن
في ملاحظة ما دل على التصدق، ثم الجمع بأي نحو يكون أقرب، وربما كان مع
اليأس بالمرة مال الإمام (عليه السلام)، فأمر بالتصدق لذلك.
قوله: ولا يخفى بعده.. إلى آخره (1).
لا يخفى ما في كلام الشارح من التدافع.
قوله: وحصول الثواب له، ولا ضرر عليه.. إلى آخره (2).
لا يخفى، أن هذا لا كلام فيه، ولا مدخل لتأمل أحد فيه، حتى ابن إدريس،
لأن " الناس مسلطون على أموالهم " (3)، وهو ما يتصرف إلا في مال نفسه، ومجرد
قصد التصدق المذكور لا يخرجه عن ملكه ولا يدخله في ملك الغريم بالبديهة.
نعم، مجرد إحسان إليه - كما قال - لكن لا سبيل إلى سبيل عليه حتى يقال:
* (ما على المحسنين من سبيل) * (4) بعد ما بنى على نفسه أن صاحبه إن لم يرض
يأخذ ماله، لأن ذلك لم يكن عين ماله، بل عين ماله إنما هي في ذمته.
ومنع المعصوم (عليه السلام) عن التصدق في الصحيحة (5) ليس من قبيل المقام، لأن
غرض الراوي هو تخلص نفسه عن تعب الطلب، لأنه يتصدق ويكون وجوب
طلبه باقيا على حاله بعد، من دون تفاوت أصلا، ولذلك أمره المعصوم (عليه السلام)
بالطلب ساكتا عن حكاية التصدق.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 88.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 89.
(3) عوالي اللآلي: 1 / 222 الحديث 99 و 457 الحديث 198 و 2 / 138 الحديث 383
و 3 / 208 الحديث 49.
(4) التوبة (9): 91.
(5) أي صحيحة معاوية بن وهب السابقة.
336
وهذا في غاية الظهور، وذكره الطول ليس إلا للرضية (1) في عدم الطلب،
لاستلزامه - عادة - مشقة بالبعد ما في (2) الحصول، ومعلوم أن المعصوم (عليه السلام) لم يكن
مناعا للخير - العياذ بالله منه -.
قوله: وبعض الأخبار عدم جواز الأخذ، وإن حملت على الذمي، فقوله:
" للبائع حرام " (3) محل التأمل.. إلى آخره (4).
لا وجه للتأمل، لأن الكفار عندنا مكلفون بالفروع أيضا قطعا (5)، والصحة
وترتب الأثر شرعا لا تنافي الحرمة - كما حقق في محله (6) - فلا وجه للحرمة على
القابض بعد استتار البيع من البائع وإن وقع الاطلاع بحسب الاتفاق لخصوص
القابض، ولا شك في أن هذا لا ينافي الاستتار.
وغير خفي أنه - بحسب العادة - في ذلك الزمان ما كان يتحقق بيع خصوص
الخمر والخنازير إلا من أهل الذمة، بل ومع الاستتار أيضا، فارتفع الإشكال في
هذا الحديث (7) رأسا، وكذا في الأحاديث الآتية، سيما ومع التصريح في بعضها
بالذمي ووقوع الإجماع من الخارج، وكذا الأخبار في أن ذلك حرام على المسلم
ولا يملك الثمن أيضا (8)، وكذا على أهل الذمة مع عدم الاستتار (9)، فتدبر.



(1) في د، ه‍: (للوصية).
(2) في ألف: (باقي).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 90، وسائل الشيعة: 18 / 370 الحديث 23871.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 91.
(5) لاحظ! الذريعة: 1 / 75.
(6) لاحظ! معالم الدين: 96.
(7) أي حديث داود بن سرحان: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 90، وسائل الشيعة:
18 / 370 الحديث 23871.
(8) لاحظ! وسائل الشيعة: 17 / 223 - 229 الأبواب 55 - 58 من أبواب ما يكتسب به.
(9) لاحظ! المبسوط: 2 / 44، السرائر: 1 / 474.
337
قوله: فقال أبو جعفر (عليه السلام): " يرد عليه الرجل الذي عليه الدين ماله الذي
اشترى به من الرجل الذي له عليه الدين " (1)، وفيهما مع ضعف السند - كما قاله
في " التذكرة " (2) -.. إلى آخره (3).
إشارة إلى عدم ثبوت ضعفه من الرجال، بل أثبتنا قوته (4)، بل كمال قوته
- كما اختاره جدي (5) - مع أن الشيخ هو المضعف (6) وقد رجع في علم الرجال،
عمل (7) الشيخ وغيره رواية في المقام تنادي بما ذكرناه.
مع أن تضعيف العلامة إنما هو من تضعيف الشيخ، حيث قال: يرمى
بالغلو، كما صرح هو أيضا بذلك في " الخلاصة " (8)، و " ابن داود " (9)، والمضعف
هو الذي عمل بها هنا إلى أن قدمها على الأحاديث والقواعد القطعية.
والظاهر أن المنع في روايته عن الرضا (عليه السلام) (10) حسما لمادة الربا - ورواية أبي



(1) الكافي: 5 / 100 الحديث 2، تهذيب الأحكام: 6 / 189 الحديث 401، وسائل
الشيعة: 18 / 347 الحديث 23819.
(2) تذكرة الفقهاء: 2 / 3، والمقصود من ضعف السند هنا هو ضعف محمد بن الفضيل
الأزدي.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 95.
(4) راجع! تعليقات على منهج المقال: 315.
(5) روضة المتقين: 14 / 447.
(6) رجال الطوسي: 360 الرقم 25 و 389 الرقم 35.
(7) هذه العبارة ساقطة من ب، ج، وفي باقي النسخ كما هي مثبتة، والظاهر أن الصواب:
(ونقل) بدلا من (عمل).
(8) رجال العلامة الحلي: 251 الرقم 19.
(9) رجال ابن داود: 275.
(10) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 94، الكافي: 5 / 100 الحديث 3، تهذيب الأحكام:
6 / 191 الحديث 410، وسائل الشيعة: 18 / 348 الحديث 23820.
338
حمزة (1) إن كانت دالة - والمتشبه بالربا، كما ورد منهم (عليهم السلام) في غير موضع،
والشيخ أو غيره أيضا أفتوا به (2)، فتدبر.
قوله: وبضعف السند، وبالحمل على ما إذا حصل [الربا].. إلى آخره (3).
وحملها الشهيد الثاني على الضمان، وحمل على بطلان العقد (4)، فلعله يرجع
إلى الإبراء وعلى الاستحباب.
قوله: وهو أيضا مجهول، وأبي بصير مشترك، وفي خلف أيضا قول وإن
كان ضعيفا.. إلى آخره (5).
ويزيدها (6) ضعفا الشهرة بين الأصحاب في خلافها وترك العمل بما يستفاد
منها، مضافا إلى المخالفة لظاهر القرآن، مثل قوله تعالى: * (أوفوا بالعقود) * (7)، و
* (أوفوا بالعهد) * (8)، وغيرهما، والمخالفة للمطلقات والعمومات الواردة في
النسيئة والسلم (9) وغيرهما.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 94، وقد مر سابقا.
(2) لاحظ! مفتاح الكرامة: 5 / 22.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 95.
(4) الروضة البهية: 4 / 21.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 101.
(6) الضمير هنا يعود على رواية خلف بن حماد عن إسماعيل بن أبي قرة عن أبي بصير عن
الصادق (عليه السلام): مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 101 - 102، الكافي: 5 / 99 الحديث 1،
تهذيب الأحكام: 6 / 190 الحديث 407، وسائل الشيعة: 18 / 344 الحديث 23810.
(7) المائدة (5): 1.
(8) الإسراء (17): 34.
(9) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 35 - 40 الأبواب 1 - 5 من أبواب أحكام العقود،
و 288 - 292 الأبواب 3 - 5 من أبواب السلف.
339
مع أنه ورد في أخبار كثيرة أن ما خالف الكتاب زخرف (1)، و " اضربوه
على الحائط " (2).. وغير ذلك.
وأيضا، ورد أنه " إذا ورد خبر فاعرضوه على سائر أحكامنا، فإن لم
يوافقها فلا تعملوا به " (3).
وأيضا، ورد الأمر بترك الشاذ (4)، فلعلها من الشاذ، فتأمل.
وأيضا، حال الحياة لا شك في عدم الحلول، فهو مستصحب حتى يثبت
خلافه.
ولما ذكره الشارح دخل أيضا في الضعف، وجميع ما ذكر، وإن ورد في
صورة العكس - إلا حكاية الاشتهار، فإنها بالعكس - إلا أن الإجماع كاف
للحكم.
مع أن العصابة اتفقوا على العمل برواية السكوني، كما ذكره في " العدة " (5)
وفي خصوص قد عرفت الاشتهار، بل الاتفاق بين القدماء والمتأخرين، مضافا
إلى صراحة الدلالة، وضعف الدلالة في هذه الرواية (6)، لأن اللام ليست نصا في
الملكية، لاحتمال كونها للانتفاع والاختصاص في مثل السكنى والعمرى والحبس
والعارية وأمثالها، فتأمل.



(1) إشارة إلى ما ورد في: الكافي: 1 / 69 الحديثان 3 و 4، وسائل الشيعة: 27 / 110
الحديثان 33345 و 33347.
(2) التبيان في تفسير القرآن: 1 / 5، مع اختلاف يسير.
(3) وسائل الشيعة: 27 / 123 الحديث 33381، مع اختلاف يسير.
(4) الكافي: 1 / 67 الحديث 10، بحار الأنوار: 2 / 245 الحديث 57، وسائل الشيعة:
27 / 106 الحديث 33334.
(5) عدة الأصول: 1 / 380.
(6) أي: رواية أبي بصير آنفة الذكر.
340
وأيضا، رواية السكوني موافقة لما ذكره الشارح من القاعدة وظواهر
بعض الأخبار المقبولة المسلمة، أو الصحيحة، أو المعتبرة (1)، فتدبر.
قوله: حمل الأولى (2) مع عدم الصحة على الكراهة.. إلى آخره (3).
والحلبي منع بعد الثلاثة أيام (4)، ولعل دليله أن الخاص مقدم، والمطلق
مقيد.
قوله: وقد مر أن المراد مع الاشتراط، وعليه يحمل الأخبار المطلقة.. إلى
آخره (5).
يظهر من هذا أنه (رحمه الله) قائل بحرمة النفع المشروط في القرض إذا كان نفع
المعاملة المحاباتية، والظاهر منه عدم الخلاف فيها، إذ لو كان خلاف لتعرض إليه
ولم يحكم بها جزما من دون اعتناء إلى مخالفة الفقهاء أصلا، إذ ليس طريقته
هكذا، بل تعرض في هذه الفروع إلى أحكام غريبة وخلافات غير مهمة، ومع
ذلك لم يتعرض في المقام أصلا، فظهر أنه (رحمه الله) مشارك مع غيره ممن دل كلامه على
عدم الخلاف، وقد مر في صدر الباب (6)، فلاحظ!.
قوله: مثل ما في صحيحة يعقوب بن شعيب الثقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)..
إلى آخره (7).



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 8 / 344 الحديث 23811.
(2) أي رواية سماعة: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 109، وسائل الشيعة: 18 / 351 الحديث
23828.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 109.
(4) الكافي في الفقه: 331.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 110.
(6) راجع الصفحة: 311 من هذا الكتاب.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 110، وسائل الشيعة: 18 / 356 الحديث 23838.
341
والشيخ (رحمه الله) في " الاستبصار " فهم من هذا الحديث المنع والحرمة (1)، ولهذا
تصدى لتأويله تارة بالحمل على الكراهة، وتارة بالحمل على صورة الشرط - كما
فهمه الشارح وصاحب " المفاتيح " (2) وغيرهما - وصرح بالحرمة في هذه
الصورة، فإنه قال: (إذا شرط ذلك فلا يجوز على ما بيناه، ويزيده بيانا ما
رواه..) ثم أتى برواية دالة على الحلية ما لم يكن شرط (3)، وأشار بقوله: (على ما
بيناه) إلى قوله سابقا من أنه إذا اشترط على المستقرض الهدية فلا يجوز أخذه (4)،
واستدل على ذلك بالأخبار (5).
وكلامه في غاية الظهور في أنه لا فرق بين صورة السلم وغيرها، وأن
المناط هو الشرط وعدمه لا غير، فتدبر!.
قوله: ويمكن حملها على الشرط أيضا - كما مر - ويمكن حمل بعض المطلقات
عليها، ويدل عليهما أيضا.. إلى آخره (6).
حمل (رحمه الله) صدر الخبر، وهو قوله (عليه السلام): " لا يصلح، إذا كان قرضا يجر شيئا
فلا يصلح " (7) على الاشتراط، على سبيل البت والجزم والتعيين، وذيلها على
سبيل الإمكان والاحتمال، لأن الأول من باب المطلق والمقيد، فالحمل عليه
متعين، لأن الأخبار في حكاية النفع على ثلاثة أقسام:



(1) الاستبصار: 3 / 10 الحديث 27.
(2) مفاتيح الشرائع: 3 / 126.
(3) الاستبصار: 3 / 10 ذيل الحديث 27 والحديث 28.
(4) الاستبصار: 3 / 9 ذيل الحديث 23.
(5) الاستبصار: 3 / 9 الأحاديث 24 - 26.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 111.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 111، وسائل الشيعة: 18 / 356 الحديث 23838.
342
منها: المنع مطلقا، مثل الحديث النبوي المشهور (1)، وما يؤدي مؤداه من
الأخبار الخاصية، وهي متعددة، ومن جملتها هذا الخبر (2)، لأن ظاهر عدم
الصلاح الفساد والمفسدة، وظاهر ذلك الحرمة وعدم ترتب الأثر سيما في أمثال
المقام، مضافا إلى أن قوله: " إذا كان يجر شيئا " ظاهره الإشارة والإيماء إلى
الحكم المشهور عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أن القرض إذا كان يجر شيئا فهو حرام، وظهر
ذلك واشتهر من عموم حرمة الربا، والأخبار الخاصة التي أشرنا إليها، ولهذا فهم
الكل المنع، سيما مع تأكد قوله: " لا يصلح " وتكرره.
والقسم الثاني: الجواز مطلقا، مثل: " خير القرض ما جر منفعة " (3).
والقسم الثالث: التفصيل، وهو الحرمة مع الشرط والعدم بدونه، وهو
الجامع بين المطلقات المانعة والمطلقات المبيحة، ووجه جمع صدر منهم (عليهم السلام)،
والفقهاء أيضا تلقوا بالقبول، بحيث لم يتأمل أحد منهم في ذلك - كما لا يخفى على
المتتبع - ولذا اتفق فتاويهم على ذلك. نعم، وقع منهم بعض نزاعات، في خصوص
بعض أمور أشرنا إليه سابقا.
وأما ذيل الخبر، فقد اختلف فهمهم فيه، من حيث أن قوله: " وإن كان إنما
يقرضه.. إلى آخره " (4) ربما كان أظهر في عدم الاشتراط، فيكون المنع محمولا
على الكراهة، للاتفاق على الحلية وظهورها من الأخبار الكثيرة، ولذا ربما
احتمل بعضهم التقية (5)، لكن بملاحظة أن قوله (عليه السلام): " إن كان معروفا بينهما " (6)



(1) أي: حديث: " كل قرض جر منفعة فهو ربا ". كنز العمال: 6 / 238 الحديث 15516.
(2) أي: خبر يعقوب بن شعيب المتقدم: وسائل الشيعة: 18 / 356 الحديث 23838.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 355 الأحاديث 23834 و 23835 و 23837.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 111، وسائل الشيعة: 18 / 356 الحديث 23838.
(5) لاحظ! الوافي: 18 / 659 ذيل الحديث 18060.
(6) مر آنفا.
343
جواب في مقابل سؤال السائل، وهو أنه سأل: إن الرجل يأتي حريفه وخليطه
يستقرضه فيقرضه، ولولا أنه حريفه وخليطه ويصيب عليه لم يقرضه، ومعلوم
أن سؤاله في صورة أنه إن لم يصب عليه لم يقرضه، فضمير كان راجع إلى
المسؤول، ربما يظهر أن التفصيل في الجواب وارد في الصورة المذكورة.
فيصير المعنى على ذلك، أنه إن كان ما سألته مجرد المعروفية والمعلومية بينهما
فلا بأس، وإن كان أزيد من ذلك بأن إقراضه بشرط أن يصيب عليه، فلا يصلح.
فعلى هذا، لا غبار على الحديث أصلا، فلا وجه للحمل على الكراهة ولا
التقية أصلا، ويكون مثل صدر الحديث.
مع أن الحمل على التقية مع تأتي الحمل الوجيه، خلاف ما عليه الفقهاء،
وإطراح للخبر بغير وجه، فتأمل.
ومما ذكر ربما يتقوى دلالة صدر الخبر أيضا، فتدبر.
فالحديث - على ما ذكر - طابق فتوى الفقهاء من أن المعاملة المحاباتية إذا
صارت شرطا في القرض يحرم وتفسد (1)، وظهر منه حقية فتواهم وفساد ما توهم
بعض من الصحة والحلية، وكون ذلك من الحيل المحللة للربا (2).
على أنه ظهر فساد ذلك من طريقين آخرين:
الأول: إن الحديث يدل على أن نفع المعاملة المزبورة (3) قد جره القرض،
وهذا القدر يكفي حجة عليهم، وإن قلنا بعدم دلالة لا يصلح على الحرمة، وذلك
لأنهم ينكرون كونه قد جره القرض ويتحاشون.



(1) راجع! مفتاح الكرامة: 5 / 40 - 44.
(2) لاحظ! مفاتيح الشرائع: 3 / 63.
(3) إشارة إلى المعاملة المذكورة في صدر حديث يعقوب بن شعيب.
344
ومع ذلك نتم التقريب ونقول: هذا نفع قد جره القرض، وكل نفع جره
القرض حرام إن كان شرطا وحلال إن كان محض التبرع، فالصغرى من هذا
والكبرى من الأحاديث الخارجة.
الثاني: إنهم يدعون الحلية، متشبثين بعموم * (أحل الله) * (1) وغيره،
ويقولون: هذا بيع، وكل بيع حلال، فهذا حلال، وغير خفي أن مقتضى العمومات
وما يظهر منها كون البيع حلالا بحتا، ومباحا صرفا، وأمرا صالحا، بل ويظهر
منها الأجر العظيم، والمدح الجسيم، إذا كان الغرض اكتساب المال، وغير خفي أن
ما نحن فيه نوع من اكتسابه.
وهذا الحديث نص في أن ما نحن فيه أمر غير صالح، ويظهر أن القرض أثر
فيه هذا الأثر، وأخرجه عن العمومات، لأن الأمر الغير الصالح لا يكون داخلا
في الأمر الصالح، فضلا عن أن يكون ممدوحا ومأجورا عليه.
فإن قلت: نؤول العمومات وظواهرها بما يلائم.
قلت: منها ما لا يقبل التأويل، مع أن التأويل ارتكاب خلاف الظاهر،
والاستدلال إنما هو بالظاهر، والكلام إنما هو في الاستدلال.
مع أن العمومات يعارضها ما دل على أن كل قرض يجر المنفعة فهو حرام
وما يؤدي مؤداه، وغير خفي أن بملاحظة هذا الحديث يرجح دخول ما نحن فيه
في هذه العمومات لا ما ذكرتم، مع أن تأويلكم للعمومات فاسد، لأن التأويل
فرع تحقق التعارض، ولا تعارض قطعا، إذ لا منافاة بين أن يكون البيع في نفسه
أمرا صالحا، وإذا صار شرطا في القرض أو البيع الربوي يصير أمرا غير صالح،
وهذا ظاهر.



(1) البقرة (2): 275.
345
فعلى هذا، لا عموم للصحة ولا إجماع، لو لم نقل بالإجماع على عدمها، فلا
يمكن الحكم بالصحة، لأنها عبارة عن ترتب الآثار شرعا، والأصل عدمه حتى
يثبت بدليل شرعي ولا دليل.
واستدلوا ببعض أخبار خاصة (1) لا دلالة [فيها] على مطلوبهم، مع قطع
النظر عن السند والتعارض وعدم الفتوى وسنذكرها، فتدبر.
ومما ذكر ظهر أنه - مع قطع النظر عن هذا الحديث - لا يمكنهم الاستدلال
بالعمومات، لتعارضها بعمومات كل قرض يجر منفعة، وما يؤدي مؤداها، بل
أظهرية الدخول فيها، وكذا عموم ما دل على حرمة الربا، لأنه الزيادة لغة.
فإن قلت: ليس الحرام مطلق الزيادة اللغوية.
قلت: ليس الحلال مطلق البيع اللغوي، فإن للحلية شرائط، مع أن
شرائطها أكثر من شرائط حرمة الربا، فتأمل.
قوله: وقد ورد أخبار بعضها صحيحة في [أنه يجوز القرض].. إلى آخره (2).
يظهر منه أنه (رحمه الله) اختار رأي العلامة ومن تبعه من أن الحرام شرط زيادة
العين أو الصفة لا مطلق المنفعة (3)، ويظهر هذا أيضا منه في الفرع الثالث عشر (4)،
ولعله الأقوى، بالنظر إلى ما يظهر من الأخبار، فتأمل.
قوله: إنه يجب دفع جميع ما يملكه في الدين، عدا دار السكنى، وعبد
الخدمة وفرس الركوب - إن كان من أهلهما - وقوت يوم وليلة له.. إلى آخره (5).



(1) لاحظ! الوافي: 18 / 721 الباب 112.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 111، وفيه: (وقد ورد في أخبار بعضها صحيح).
(3) تحرير الأحكام: 1 / 199.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 124.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 114.
346
الظاهر من كلامه كون استثناء المذكورات من المقبولات والمسلمات،
بخلاف مثل الكتب العلمية لا ظهار لعل الأول من إجماع أو غيره كان ظاهرا
عليهم، والثاني من العلة المنصوصة، وحجيتها غير مسلمة عند الكل، سيما مع
عدم صحة السند، وإن كان إبراهيم كالثقة عندهم (1)، لأن حجية مثله في مثل
المقام محل كلام عندهم، لعدم المقاومة مع ما دل على وجوب أداء الدين، فضلا
عن أن يغلب عليها.
فربما يشكل الأمر في أمثال زماننا بالنسبة إلى فرس الركوب أيضا، بل
وعبد الخدمة أيضا، والاحتياط واضح، والله يعلم.
قوله: ولا يخفى المبالغة فيها من وجوه.. إلى آخره (2).
ومنها أنه لا يخليه يبيع داره لإعطاء دينه، بل ولا يرضى بذلك أبدا وإن لم
يجبره على البيع، كما هو الظاهر من سؤاله من أن المديون أراد البيع من قبل نفسه
من دون إجبار وإكراه من الديان.
قوله (3): فإن هو باع الدار وقضى دينه بقي لا دار له.. إلى آخره (4).
هذه النكرة في سياق النفي تدل على أنه لا دار أصلا، فقوله: " ما يكفيه
وعياله " يعني من حيث الدارية، ويؤيده أنه ليس المراد كفاية مؤنته ومؤنة عياله
مطلقا وأبدا قطعا، كما لا يخفى على المتأمل، إلا أن يحمل على كفاية مؤنة اليوم، كما
ذكره الفقهاء.
وكيف كان، لا يظهر من الرواية ما يخالف فتوى الفقهاء، فتدبر.



(1) راجع جامع الرواة: 1 / 38.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 115.
(3) في د، ه‍: (قول الراوي).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 117، وسائل الشيعة: 18 / 342 الحديث 23807.
347
قوله: فتأمل، فإنها منافية لقول الأصحاب.. إلى آخره (1).
فيه تأمل، لأن الظاهر أنه قال: " لأيتام " (2)، وأن ذكر ذلك تعرض، وهو
أن اليتيم بنفسه لا يمكنه ضبط ماله، ولعله لم يكن له ولي، كما هو الأظهر من هذا
القول، فكيف مسلمة (3) الدين حتى يبيع ضيعته التي هي معاشه لأداء دينه.
وعلى تقدير أن يكون له ولي، فالمتعارف أن الولي إذا أخذ [الدين]
يصرفه عليه شيئا فشيئا مدة مديدة، ولعل دينه لا يخلو ولا يسلم عن الخطر
والضرر، وإن كان الولي في غاية الأمانة، ولا يخرج من الشرع بالمرة.
مع أن كونه كذلك أيضا لا يخلو عن الندرة، إذ ليس من الأفراد الغالبة
الشائعة، وأندر من ذلك أن يكون بحيث يعامل بهذا الدين الذي أخذه لليتيم حتى
النفع (4)، ومع ذلك يؤمن تلك المعاملة عن الضرر والتلف، بحيث لم يضر في الدين
ضررا أصلا ورأسا.
فمع جميع ما ذكر سأل أنه: هل يجب علي أن أبيع ضيعتي وأبقى ولا شئ لي
أصلا؟ مع أنه لا ينفع ذلك للأيتام لو لم يضرهم، بل احتمال ضررهم في جنب أن
لا أبيع ضيعتي وأبقى أنتفع منها وأتعيش وأعطي دينهم شيئا فشيئا على حسب ما
احتاجوا أقوى وأظهر؟ فأجاب (عليه السلام) باختياره ما هو الأولى للمديون والأيتام بلا
شبهة.
هذا كله، مضافا إلى ما ستعرف، والله يعلم.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 117.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 117، وسائل الشيعة: 18 / 340 الحديث 23802.
(3) كذا في النسخ، والظاهر أن الصواب: (يسلمه).
(4) كذا في النسخ، والظاهر أن الصواب: (حتى يحصل النفع به).
348
قوله: ويمكن حملهما على عدم الطلب.. إلى آخره (1).
لا يخفى أنه ليس ذلك بحمل، بل هو الظاهر كما لا يخفى، ولو سلمنا عدم
الظهور فلا شك في عدم ظهورهما في خلاف ذلك:
أما الأولى (2)، فلا يظهر طالب فضلا عن المضيق.
وأما الثانية (3)، فالظاهر أن اقتضاءها ما كان على التضييق، ولهذا بمجرد أن
قال: يأتينا، خطر (4) فنعطيك، رضي بالتأخير والتمس منه (عليه السلام) وعدة يأتيه
عندها، فلا يأتي قبلها، وبمجرد ما قال (عليه السلام): " كيف أعدك.. إلى آخره " (5) رضي
وسكت وصار (عليه السلام) من جملة الذين خرج من عندهم الدائنون وهم راضون، لا
من جملة من خرج من عنده الدائن وهو غير راض.
مع أنه (عليه السلام) ورد منه ما ورد بالنسبة إلى مثل هذا المديون وغير ذلك من
التهديدات والتخويفات (6)، مع أنه قال تعالى: * (أتأمرون الناس بالبر) * (7)
الآية، و * (لم تقولون ما لا تفعلون) * (8) الآية، وعنهم (عليهم السلام) أزيد وأشد وآكد (9)،
فتأمل ما سيجئ في آخر الباب.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 118.
(2) أي صحيحة بريد العجلي: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 117، وسائل الشيعة:
18 / 340 الحديث 23802.
(3) أي رواية عمر بن يزيد: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 117، وسائل الشيعة: 18 / 329
الحديث 23781.
(4) الخطر: هو نبات يجعل ورقه في الخضاب الأسود يختضب به. لسان العرب: 4 / 253.
(5) من رواية عمر بن يزيد، آنفة الذكر.
(6) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 348 الباب 16 من أبواب الدين والقرض.
(7) البقرة (2): 44.
(8) الصف (61): 2.
(9) لاحظ! بحار الأنوار: 2 / 26 - 40 الباب 9.
349
مع أنه حمل بعض الأصحاب قوله: " يقتضيه " - ومعناه أنه طلب منه قضاء
دينه - أنه طلب منه (عليه السلام) ما يقضي دينه.
وعلى تقدير أن يكون ما ذكره خلافا للظاهر، فوجهه هو ما ذكرناه مما
ظهر منه (عليه السلام)، ومن غيره من الأئمة (عليهم السلام) أيضا من الخارج، مضافا إلى ما يظهر من
نفس الرواية مما أشرنا إليه، والله يعلم.
مع أن الرجل إن كان من شيعة جعفر (عليه السلام)، فمعلوم حاله بالنسبة إلى إمامه،
بل يفدي نفسه له فضلا عن ماله، وإن كان من أهل السنة فلزمه أحكامهم كما ورد
عنهم (عليهم السلام) في أخبار كثيرة (1)، وليس حكمهم في المقام مطابقا لحكم الشيعة من
الأئمة (عليهم السلام)، مع أن العامة أيضا في غاية التعظيم للأئمة (عليهم السلام)، حتى خلفاء بني أمية
وبني العباس دورانهم، فتدبر.
قوله: ويؤيده في الأولى [أنه قال: " لأيتام "].. إلى آخره (2).
لا شك في ذلك، لما ذكرنا وما سيجئ في آخر الباب من أن عدم رضا
الغريم ظلم في كل يوم وكل ليلة.
قوله: لا دليل عليه نصا خاصا.. إلى آخره (3).
العموم يكفي للدلالة، وقد اعترف بوجوده، فقوله: فيمكن.. إلى آخره (4)،
فيه تأمل لا يخفى، والظاهر أن مراده أن العمومات لا تكفي لمعارضة ما يظهر من
الأخبار الخاصة، والحق أنه لا يظهر منها ما يخالفها، كما مر.



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 22 / 72 الباب 30 من أبواب، مقدمات الطلاق وشرائطه.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 118، وفيه إشارة إلى رواية بريد العجلي آنفة الذكر.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 118.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 118.
350
مع أنه ورد الخاص المعارض لهذه الأخبار، منها رواية سلمة (1) المذكورة
في شرح قول المصنف: تكره الاستدانة (2)، وسندها معتبر كما لا يخفى على المتأمل
المطلع.
قوله: في بعض الكتب مثل " التذكرة "، لعموم دليل المنع.. إلى آخره (3).
فيه ما فيه، لأن الإطلاق ينصرف إلى ما هو المتعارف الشائع، سيما بعد
ملاحظة ما ورد من التهديد والتشديد، والتحذير الشديد في عدم أداء الدين،
وعدم إرضاء صاحب الدين (4)، وغير ذلك مما ورد في حقوق الناس (5)، ويظهر
ذلك من الرؤيا كثيرا، بل ونهاية شدة الأمر، فلعل (6) شدة الأمر في أداء الدين
صارت سببا لعدم اعتبار الفقهاء للعلة المنصوصة في حسنة الحلبي المتقدمة (7) مع
عملهم بها في الجارية، فتأمل!
واقتصروا في بيع الدار على ما اقتصروا من الخبر على البيع، مع ما ورد من
المنع في موثقة زرارة (8) وغيرها (9).



(1) تهذيب الأحكام: 6 / 185 الحديث 383، وسائل الشيعة: 18 / 325 الحديث 23773.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 53.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 119.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 327 الباب 5 من أبواب الدين والقرض.
(5) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 324 الباب 4 من أبواب الدين والقرض.
(6) في النسخ الخطية: (فتأمل)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه، علما أن العبارة ساقطة من
نسختي ب، ج.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 115، وسائل الشيعة: 18 / 339 الحديث 23801.
(8) تهذيب الأحكام: 6 / 187 الحديث 390، الاستبصار: 3 / 6 الحديث 13، ولكن في:
الكافي: 5 / 97 الحديث 8، وسائل الشيعة: 18 / 340 الحديث 23803 ورد: (عثمان بن
زياد) بدلا من: (زرارة).
(9) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 341 الحديث 23804.
351
ويشير إلى عدم العموم، أن زرارة لم يقل: إني لا أخرجه من ظل رأسه لأنه
يبيع القدر الذي لا يحتاج إليه فيه أو يشتري ظل رأسه ويسكن ولا يخرج،
وحسنة الحلبي (1) أظهر في عدم العموم، بملاحظة العلة المنصوصة فيها، فتدبر.
قوله: والظاهر أنه عمل بها شيخه أيضا، فتأمل (2).
لا تأمل في أنهما جميعا عملا بهما كما لا يخفى، والروايتان (3) موافقتان
للعمومات وغيرها.
قوله: وهما يدلان على أن الضمان ناقل.. إلى آخره (4).
بعد تحقق الضمان الشرعي بحمل رواية إسحاق (5) على رضا الغرماء، كما
ورد في الخبر الصحيح السابق (6).
قوله: ماله الذي ذهب به منه ذلك الرجل، قال: نعم، ولكن لهذا كلام..
إلى آخره (7).
استدرك ذلك مع عدم الوجوب، ولم يستفصل أنه هل صيرورته إليه من
جهة الأمانة أم لا، كما أن الأمر في الصحيحة أيضا كذلك، وترك الاستفصال في
المقام يفيد العموم، إلا أن يقال: الخاص (8) مقدم، لكونه أقوى دلالة، فتأمل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 115، وسائل الشيعة: 18 / 339 الحديث 23801.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 120.
(3) أي رواية مسعدة بن صدقة: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 117، وسائل الشيعة:
18 / 342 الحديث 23807، ومرسلة الصدوق: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 119،
وسائل الشيعة: 18 / 342 الحديث 23806.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 120.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 120، وسائل الشيعة: 18 / 346 الحديث 23817.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 120، وسائل الشيعة: 18 / 46 الحديث 23816.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 125، وسائل الشيعة: 17 / 274 الحديث 22503.
(8) المراد بالخاص في هذا المقام: صحيحة معاوية بن عمار: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 126، وسائل الشيعة: 17 / 275 الحديث 22509 وصحيحة سليمان بن خالد: مجمع الفائدة
البرهان: 9 / 126، وسائل الشيعة: 17 / 274 الحديث 22505.
352
في عقد الرهن
قوله: قال في " التذكرة ": الخلاف في [الاكتفاء بالمعاطاة].. إلى آخره (1).
قد مر في كتاب البيع ما يظهر منه الحال.
قوله: إن الاستقبال (2) إذا فهم منه [الرضا بالقبول].. إلى آخره (3).
أو الاستحباب، وهذا هو الظاهر.
قوله: وأن دلالة الآية (4) غير ظاهرة، لكونها بالمفهوم.. إلى آخره (5).
لا يخفى أن القدر الثابت من الآية هو الرهن المقبوض، وإن قلنا بعدم حجية
هذا المفهوم، لكن هذا المفهوم له ظهور، لأن الحكم يرجع إلى القيد، فالظاهر من
الآية أن الرهن الذي قرر وشرع هو المقبوض، وهذا القدر من الظهور يكفي
للحجية، فتأمل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 130، تذكرة الفقهاء: 2 / 12.
(2) في ألف: (الاستحباب)، وفي المصدر: (الاستيجاب).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 132.
(4) البقرة (2): 283.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 136.
353
قوله: فالقيود أيضا كذلك، ألا ترى [أن السفر غير شرط؟].. إلى آخره (1).
مفهوم القيد حجة قطعا، لأن القيد للاحتراز، فكيف لا يكون مفهومه
حجة؟! سلمنا أنه ليس مفهوم القيد، لكن نقول: المنطوق لا عموم فيه، فإن من
يقول بعدم حجية المفهوم لا يقول بأن المنطوق عام، لأنه فاسد بالبديهة، مثلا
يقول قوله (عليه السلام): " في السائمة زكاة " (2) لا يدل على أن غير السائمة ليس فيها زكاة،
لأن إثبات الشئ لا ينفي ما عداه، فليس هاهنا إلا حكم واحد - وهو حكم
المنطوق خاصة - وهو ثبوت الزكاة في السائمة لا نفيها عن غيرها، لكن لا يقول:
هذا الحديث يدل على ثبوت الزكاة في غير السائمة أيضا، لأنه فاسد، لعدم
الدلالة، فلا يمكن التعدي.
فنقول في المقام: إن القدر الثابت هو حكم المنطوق خاصة، وهو صحة
رهن المقبوض خاصة، لعدم الدليل على الصحة سواه، ولا يثبت منه سوى حكم
المنطوق، وهو لا يشمل غير المقبوض قطعا، إلا أن يقال بأن العمومات تدل على
العموم، ولا يضرها هذا المنطوق.
نعم، لو كان المفهوم حجة، ونقول بأن المفهوم يعارض المنطوق (3) ويخصصه
يكون الحكم منحصرا ومختصا بعدم العموم دالا بالعموم أقوى (4)، لكن الكلام في
العمومات.
قوله: والإرشاد يقتضي تمام التوثيق.. إلى آخره (5).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 136.
(2) دعائم الإسلام: 1 / 257، مستدرك الوسائل: 7 / 63 الحديث 7654.
(3) المراد منه هنا: منطوق العمومات.
(4) في ألف، ه‍: (وإلا بالعموم أقوى).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 136.
354
لا يخفى أن الشرعية والصحة إذا ثبتت من هذا الإرشاد - كما هو الظاهر -
فمقتضى ظاهرها أن الشرعية والصحة تكون بهذه الطريقة، فتأمل جدا.
قوله: بل وجوده وعدمه سواء، وقيل: معلوم [عدم اشتراط ذلك].. إلى
آخره (1).
لا يخفى أنه فرق بين الأخذ من الراهن ثم الإعطاء إليه يحفظه على سبيل
الوكالة والأمانة إن كان للمرتهن وثوق به في ذلك، وبين أن لا يقبض منه أصلا،
بأن يكون عند الراهن باقيا على حاله وكما كان بيده، إذ ذلك ينافي الاستيثاق
غالبا بالنسبة إلى المديون الذي لا وثوق لصاحب المال عليه في أدائه (2)، ولأجل
ذلك يأخذ الرهن منه، فتأمل.
قوله: والخبر (3) ضعيف، لأنه منقول.. إلى آخره (4).
والذي ببالي أنها مروية بسند صحيح أيضا (5)، فلأجل هذا حكم القائل
بضعفه أنه بسبب اشتراك محمد بن قيس خاصة (6)، فالخبر صحيح، لظهور كونه



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 136.
(2) في ب، ج: (في أدائه ماله).
(3) أي خبر ابن زياد، الذي مر آنفا.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 137.
(5) لم نعثر على هذه الرواية بسند صحيح، وما نقل في كتب الأخبار والفقه هو رواية محمد بن
قيس ومرسلة العياشي، وفي طريق الأولى حسن بن محمد بن سماعة الذي كان من شيوخ
الواقفة وكان يعاند ويتعصب في الوقف. لاحظ! منهج المقال: 107! والمحشي (رحمه الله) أيد ما في
منهج المقال في تعليقاته: تعليقات على منهج المقال: 107.
فعلى هذا، تكون هذه الرواية من الموثقات. لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 383
الباب 3، جامع أحاديث الشيعة: 18 / 353 الحديث 1190، والحدائق الناضرة:
20 / 225 - 226، مفتاح الكرامة: 5 / 139، وغيرها.
(6) وقد وثق المولى الأردبيلي محمد بن قيس هذا أيضا في: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 137،
ولكن ضعف هذه الرواية من جهتين أخريين:
الأولى: إن الطريق بين الشيخ وحسن بن محمد بن سماعة مبهم، ولم تثبت وثاقة جميع لوسائط.
الثانية: إن حسن بن محمد بن سماعة واقفي، ورواية الواقفي ليست بحجة.
وقد أعرض المحشي (رحمه الله) عن هذين الإشكالين وادعى أن سبب تضعيف هذه الرواية هو
اشتراك محمد بن قيس لا غير. فلاحظ!.
355
البجلي الثقة (1).
وأما الدلالة، ففي غاية الظهور، كما هو غير خفي، ولذا قال الشارح (رحمه الله):
(ويمكن تأويله) (2).
وفيه، أن تأويل الحديث غير جائز إلا عند وجود معارض أقوى، لأنه لو
لم يكن أقوى فيجوز التأويل فيه، فمع تساوي الاحتمالين فالأصل عدم الصحة
وترتب الأثر، لأن الصحة حكم شرعي يتوقف على الثبوت من دليل شرعي،
فالاحتمال لا يكفي، سيما مع كونه قبل العقد غير صحيح قطعا، فيستصحب حتى
يثبت خلافه.
ولا يخفى أن المعارض هاهنا غير موجود لا المساوي ولا الأقوى، لأن
العام والخاص إذا تعارضا فالخاص مقدم قطعا ووفاقا، أما عند من يقول
بتخصيص الكتاب بالخبر الواحد فظاهر، وأما عند من لا يقول فغير خفي أن هذا
الخبر معتضد بمفهوم الآية (3)، والاستصحاب المذكور اعتضادا يكفي للمقاومة،
فتأمل!
قوله: فيدخل تحت نحو * (أوفوا بالعقود) * (4) و " المسلمون عند



(1) لاحظ! معجم رجال الحديث: 17 / 175 - 176.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 137.
(3) البقرة (2): 283.
(4) المائدة (5): 1.
356
شروطهم " (1).. إلى آخره (2).
لا يخفى أن " المسلمون عند شروطهم " لا يدل على الوجوب، وإلا لزم
تخصيص العام بالقدر الذي لا يرضى به المحققون، لخروج الأكثر بمراتب شتى.
وأما * (أوفوا بالعقود) *، فإن جعلنا المعنى أن العقد إذا وقع بين متعاقدين
يجب عليهما جميعا الوفاء - كما هو الظاهر المتبادر، وعليه العلماء - يخرج منها عقد
الرهن، لعدم الوجوب عليهما جميعا.
وإن جعلنا وجوب الوفاء في الجملة، أعم من أن يكون من الطرفين أو من
طرف واحد، فلا يمكن إثبات العقود اللازمة منها، لأن العام لا يدل على الخاص:
أما الملازمة من الطرفين فظاهر، لأن وجوب الوفاء في الجملة لا يقتضي
وجوب الوفاء من الطرفين، وهو ظاهر.
مع أنه لو اقتضى لكان يرجع إلى الشق الأول من الترديد، وظهر حاله.
وأما اللازم من طرف واحد خاصة، فلأنه يمكن تحقق - في الجملة - في
اللازم من الطرفين، مضافا إلى أن الطرف الواحد غير معين أيهما هو، فلا بد من
المعين من الخارج.
فالآية بنفسها لا تفي للدلالة، مع أن العلماء يستدلون بها نفسها، بل
يستدلون على اللازم من الطرفين بلا شبهة ويثبتونه من الآية في جميع اللازمات
من الطرفين من غير ضميمة، بل ولا يتأتى الضميمة كما لا يخفى، فينسد باب
إثباتها منها، لو لم نقل باب إثبات الكل، فتأمل جدا.
ثم إنه على فرض الشمول للرهن خرج بدليل عرفته، وسيجئ في بحث



(1) عوالي اللآلي: 1 / 293 الحديث 173، وسائل الشيعة: 18 / 16 الأحاديث 23040
و 23041 و 23044.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 137 - 138.
357
وضع الرهن على يد الأجنبي ما ينبغي أن يلاحظ.
قوله: والأخبار الصحيحة في جواز الوطء، والضمان على المرتهن، وعلى
حكم الاختلاف في الزيادة والنقصان.. إلى آخره (1).
لا يخلو ما ذكره من تأمل، لأن المستفاد منها جلا أو كلا أن الرهن عند
المرتهن وفي قبضه، مضافا إلى أن المتعارف الغالب القبض، وعدم الاستيثاق
والوثوق وغيره، والمطلقات في الأخبار محمولة على الغالب منصرفة إليه،
والسؤال وقع فيها عن أمر آخر، مع ظهور القبض، فوجوب التفصيل محل نظر (2)
ظاهر، ولو وجب وجب التفصيل في سائر أحكام الرهن أيضا، بل في كل
الأحكام الشرعية لم يتحقق أمثال هذا التفصيل، فتأمل.
قوله: ويكفي لقبضه قبض فرد من أفراد ما يصدق عليه، ولا يجب كون
المقبوض قبله مشخصا، وهو ظاهر.. إلى آخره (3).
لا يخفى أن الظاهر والمتبادر من الرهن الوارد في الآية والأخبار هو العين،
والتبادر من المقبوض كونه بنفسه مقبوضا هنا، لا فرد من أفراد ما يصدق عليه.
وقياسه على البيع فاسد، لأن الجواز فيه بدليل لا يقتضي الجواز هنا،
للإجماع والأخبار على جواز بيع الكلي وشرائه، مع أن القبض ليس شرطا فيه
أصلا، وهو شرط في الرهن على الأصح، مع أن الرهن شرع للاستيثاق بالنسبة
إلى ما في الذمة، فكيف يصير ما في الذمة وثيقة لما في الذمة، مع أن المتبادر كون
غير ما في الذمة وثيقة لما في الذمة؟! فتأمل جدا!



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 138.
(2) لم ترد: (محل نظر) في: ألف، ب، د، ه‍.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 142.
358
قوله: وإن كان أخذ ثمنه جائزا بعد بيعه.. إلى آخره (1).
قد مر في كتاب البيع أن الوجه حرمة التجاهر، والدليل عليه أن الكافر
مكلف بالفروع عندنا، لعموم الأدلة وخصوصها، كما كتبناه في " حاشية الوافي "،
خرج منه ما إذا لم يتجاهروا وباعوا، فإنهم يملكون الثمن، كما أنهم يملكون المبيع
بحسب حكمهم في مذهبهم، وأقروا على ذلك بالإجماع والأخبار، فتأمل.
قوله: [وإن ورد رواية دالة] على جواز بيع خدمته.. إلى آخره (2).
والظاهر أنه مجاز في الإجارة لغة وعرفا.
قوله: لزم عدم صحة الرهن، لوجود التدبير قبله، وعلى تقدير بطلان
التدبير بالرهن.. إلى آخره (3).
التدبير من العقود الجائزة إلى أن يتحقق الموت والعتق، فعلى تقدير المنافاة
يتعين الرجوع عنه وصحة الرهن، والرهن إنما وقع على ذات المدبر، لا وصفه
وكونه بشرط التدبير، ولو كان كذلك لكان المنافاة ظاهرة، لا منفية.
ومما ذكر ظهر أنه لا وجه في التأمل في نفس الصحة.
قوله: ولكن اشتراط الثبوت حال الرهن ينفيه، وإن كان في تحققه.. إلى
آخره (4).
إن أراد ثبوت ما في الذمة، ففي الأولى أيضا غير ثابت، إذ متى كان العين
موجودة يكون العين نفس حقه، فالعبرة بالأول إلى ما في الذمة.
نعم، إن كان مع وجودها غير ممكن الأخذ يتحقق للرهن نفع، بالقياس إلى



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 143.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 146، والرواية في: وسائل الشيعة: 23 / 119 الباب 3 من
أبواب التدبير.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 147.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 149.
359
نفس العين، مع تأمل في ذلك أيضا، لأن النفع إنما هو بالنسبة إلى عوض العين، مع
جريان ذلك في الثانية أيضا، مع تأمل في كونه رهنا بالمعنى المصطلح عليه،
المدلول في الأخبار، فتأمل.
قوله: ولهذا تجد تجويزهم في الدرك على الثمن والمبيع.. إلى آخره (1).
لا يخفى أن الدرك على الثمن والمبيع وأمثالهما لا إشكال فيه أصلا، ولا
شهادة له على ما ذكره الشارح مطلقا، لأن الحق ثابت حين الرهن وإن وقع البيع
بشرطه، على ما قاله الشارح من أن هذه الشروط شروط اللزوم.
قوله: ولا ينافي تعلق حق الغير به [كونه في يده].. إلى آخره (2).
لا يخفى أن هذا الحق هو الاستيثاق المأخوذ في مفهوم الرهن لغة وعرفا،
ويدل عليه الأدلة الشرعية، وأن الرهانة عقد شرع للاستيثاق، فإذا كان المرتهن
لا وثوق له في أداء ماله وطلبه، ولأجل ذلك يأخذ الرهن، وبه شرع له الرهن،
فإذا لم يكن استيثاق في الرهن أيضا يكون العقد لغوا محضا، ويكون هذا الرهن
محتاجا إلى رهن آخر واستيثاق، وهكذا.
وبالجملة، لا شبهة في كون حق الغير هنا استيثاق ماله، ولا يتحقق
الاستيثاق إلا بأن يقبضه من الراهن أو يدعه عنده على فرض أن يكون له وثوق
واعتماد في أنه يأخذ ماله من الرهن وإن كان عند الراهن، والاستيثاق والوثوق لا
يتحقق إلا بأن يكون عند المرتهن أو عند الراهن برضاه وتجويزه، لا بغير رضاه
وعدم تجويزه وعدم الرخصة منه، وإن قلنا بأن القبض ليس بشرط، لأن
الاستيثاق شرط قطعا، بل وبه يتحقق ماهية الرهانة، والاستيثاق لا يتحقق إلا



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 150.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 153.
360
بكونه مقبوضا من الراهن أو مودعا عنده برضا صاحب المال، كما لا يخفى.
قوله: وما شرطه أحد على الظاهر، ويحتمل أن يكون عطفا على الوكالة..
إلى آخره (1).
عدم شرطهم الدوام ليس على ما ذكره، ولم يجوزوا أخذ ذلك منه قهرا، بأن
يكون للراهن التسلط على أخذ الرهن من المرتهن قهرا بعد أن يكون دقيقة عنده،
لتحقق شرط الصحة، بل مرادهم أن المرتهن لو أعطى وسلم برضاه، يجوز
ويتحقق الشرط، إذ الدوام عنده ليس بشرط.
قوله: والظاهر الجواز (2).
فيه، ما مر، فتفطن.
قوله: والاستصحاب يقتضيه، وكونه مالكا.. إلى آخره (3).
فساد هذا الاستصحاب على تقدير اشتراط القبض ظاهر، بل
الاستصحاب - حينئذ - يقتضي خلاف ما ذكره، وأما على القول بعدم الاشتراط،
فقد عرفت أن الاستيثاق لا يتحقق إلا بأن يكون حفظ الرهن برخصة المرتهن
البتة، ولم يتأمل أحد في ذلك.
قوله: ويحتمل جواز دفنه.. إلى آخره (4).
إن كان مما يجوز دفنه.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 153.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 154.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 154، وفيه: (والاستصحاب وكونه مالكا يقتضيانه).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 154.
361
في أحكام الرهن
قوله: ولكن سندهما غير صحيح.. إلى آخره (1).
ومع الضعف يعارضان العمومات والإطلاقات والاستصحاب، ويخالفان
ظاهر الكتاب والمشتهر بين الأصحاب، والأصل والقاعدة في صحة الرهن،
وعموم الوفاء بالعهد والشرط، وفي الخبر: " إذا ورد عليكم حديث فاعرضوه
على سائر أحكامنا، فإن وجدتموه يشبهها وإلا فاتركوه "، أو " ليس منا " (2)
وليس المتن ببالي، وكذا ورد في الأخبار: " ما لم تجدوا للخبر شاهدا من كتاب الله
لا تعملوا به، والذي جاءكم أولى " (3) وكذا عموم " الناس مسلطون على
أموالهم " (4)، وغير ذلك.
قوله: وعليه يحمل صحيحة إسحاق بن عمار.. إلى آخره (5).
قلت: وبعد الحمل يكون إشكال أصل التراد باقيا، لأن حق المرتهن ثابت
إلى أن يبرئ ذمة الراهن، فمجرد اشتغال ذمته بالرهن أو عوضه لا يبرئ ذمته،
كما أن الأمر في طرف المرتهن أيضا كذلك، فإما أن يكون ما ذكر صلحا إرشاديا
- يعني الأولى والأصلح بحالهما أن يفعلا كذلك - أو يكون محمولا على الأفراد
الغالبة من أن حق المرتهن هو الدراهم أو الدنانير، وأن الرهن أمر قيمي، وأن



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 156، وفيه إشارة إلى روايتي عبد الله بن الحكم وسليمان بن
حفص، وسائل الشيعة: 18 / 405 الحديثين 23938 و 23939.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 121 الحديث 33373.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 110 الحديث 33344.
(4) عوالي اللآلي: 1 / 457 الحديث 198.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 159، وسائل الشيعة: 18 / 391 الحديث 23910.
362
الحقين مع التساوي يتحقق [فيهما] التقاص القهري، فتأمل.
أو أن التقاص في المقام ثبت من الشرع لكنه موقوف على وجود القائل، أو
عدم كونه خلاف ما يقول به الأصحاب، فتأمل.
قوله: لما يظهر من الإجماع على عدم ضمانها.. إلى آخره (1).
لا يخفى ما فيه، فإنهم إذا قالوا بأعلى القيم في الغاصب، فكيف يكون
الإجماع على عدم ضمان القيمة السوقية؟!
وحمل كلامهم على الأعلى بالقياس إلى أجزاء المغصوب أو سنه، ففيه أنه
غير مختص بالغاصب، وصرحوا بأن الغاصب مأخوذ بأشق الأحوال (2)، وهذا
أيضا دليل واضح على كون المراد من الأعلى بحسب القيمة السوقية.
فمرادهم من الإجماع - إن تم - هو أن يكون نفس المغصوب موجودا
ومردودا بلا تفاوت حصل فيه سوى القيمة السوقية، مع التأمل في هذا أيضا، كما
سيجئ.
قوله: وأما المقاصة (3) من مال الراهن رهنا كان أو غيره.. إلى آخره (4).
حمل إطلاق هذا الكلام على ما إذا اجتمع شرائط المقاصة بعيد، فيمكن أن
يكون الإطلاق واردا مورد المتعارف، فإن الرهن - بحسب التعارف - يكون عند
المرتهن، فإذا احتاج إلى النفقة والخدمة يعسر على الراهن ارتكابهما في كل ساعة
ودقيقة، كما هو الحال في الحمولة، فمن هذا يكلونهما على المرتهن، وارتكاب
المرتهن إياهما بعوض معين عن معوض عنه معين مضبوط لا يزداد ولا ينقص،



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 160.
(2) لاحظ! رياض المسائل: 2 / 304 و 308.
(3) كذا، وفي المصدر: (وأما المقاصة به).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 160.
363
ويتحققان جميعا دائما أيضا يكون عسرا عليهما.
فمن تلك الجهة يتحقق التسامح منهما، سيما مع كون المنافع تذهب من
الراهن، ويخسر من هذه الجهة أيضا إن لم يستوفها المرتهن.
وإن كان اللازم على المرتهن استيفاؤها بالعوض - استوفى أم لم يستوف -
فهو ضرر عظيم على المرتهن.
وإن كان من غير عوض أصلا، فهو ضرر عظيم على الراهن.
وإن كان إن استوفى يعطي المستوفي وإلا فلا يعطى شيئا أصلا، فربما لا
يستوفي شيئا مطلقا ومع ذلك يأخذ عوض النفقة والخدمة مطلقا، فهو أيضا ضرر
عظيم عليه.
وبالجملة، من جهة تلك الأمور وغيرها يتحقق المسامحة في النفقة
والانتفاع من المرهون، ورواية السكوني أيضا لعلها وردت كذلك (1)، وأن الأولى
والأصلح بحال الطرفين كذلك، وأن التقاص إرشادي كما قلنا فيما سبق (2)، وأنه
صلح ما استصلاح (3) من حال الطرفين، وأمثال ذلك من أمير المؤمنين، بل
الرسول - صلوات الله عليهما وآلهما - كثير، فتأمل.
قوله: إن خاف جحودهما خوفا ما (4)، سواء أمكن له الإثبات عند الحاكم
أم لا.. إلى آخره (5).



(1) من لا يحضره الفقيه: 3 / 195 الحديث 886، تهذيب الأحكام: 7 / 175 الحديث
775، وسائل الشيعة: 18 / 398 الحديث 23925.
(2) راجع! الصفحة: 362 من هذا الكتاب.
(3) كذا، والظاهر أن المراد: (لا استصلاح).
(4) كذا، ولم ترد في المصدر: (ما).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 161.
364
لا يخفى أن مجرد الخوف لا يصير سببا لاستحلال مال امرئ مسلم ومثله،
إذ لا يجوز إلا بطيب نفسه (1)، بل الظن أيضا لا يكفي، لعدم الدليل على اعتباره،
بل لدليل العدم، وهو كثير مسلم، فلا بد من العلم بالجحود، بأن يعرض على
الورثة بأن لي على مورثكم كذا وكذا، ويجد في المطالبة من غير أن يظهر الرهن
عنده، فإن علم جحودهم أخذ مما في يده.
وأما مجرد الوهم والخوف والظن فلا، فلعل المورث أوصى بإعطاء دينه
وغفل عن الرهن، أو أوصى بأن من طالبكم بكذا وكذا فاعطوه، أو أوصى بأن
كل من يطالبكم فاعطوه، أو أن الورثة يسامحون كما هو الحال في بعض من
الوراث.
وبالجملة، * (إن بعض الظن إثم) * (2)، * (وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) * (3).
وفي " القواعد " صرح بأن جواز الأخذ مع العلم بالجحود (4)، وهو كذلك
كما عرفت.
فإن لم يمكن الاستعلام - مثل أن يكون الوارث صغيرا أو مجنونا أو غائبا -
فالمسألة لها حكم على حدة، وليست مما نحن فيه، لعدم جحود أصلا.
قوله: إن كان له على الميت مال ولا بينة له [عليه]، فليأخذ ماله مما في يده
وليرد الباقي على الورثة (5).. إلى آخره (6).



(1) أنظر! عوالي اللآلي: 2 / 113 الحديث 309.
(2) الحجرات (49): 12.
(3) النجم (53): 28.
(4) قواعد الأحكام: 1 / 164.
(5) كذا، وفي المصدر: (ورثته).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 162، وسائل الشيعة: 18 / 406 الحديث 23940، وما
بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.
365
يعني: إن كان يستحق من الميت مالا ولا يمكن الإثبات، فله أن يأخذ من
الرهن من غير ضرورة إلى دعوى الورثة وإظهار أن عنده رهنا، لأنه يؤخذ منه
الرهن ولا يمكنه الإثبات، فيذهب حقه.
ويمكن حملها على العلم بعدم إعطاء الورثة وجحودهم، كما هو الغالب في
حال الوراث أنهم لا يعطون إلا بالثبوت، وأن المورث إن أوصى أوصى بأخذ
الرهن أيضا.
أو أن هذا الحكم منه (عليه السلام) في مقام لا يعطون إلا بالبينة، بقرينة قوله: " ولا
بينة له عليه "، فتأمل!
قوله: ويمكن الجواز والتأويل، كما في: " لا بيع إلا في ما يملك " (1).. إلى
آخره (2).
قد عرفت الكلام فيه في بحث بيع الفضولي (3)، وأنه ليس كما ذكره الشارح.
قوله: بل وردت روايات معتبرة بجواز وطئها للراهن [إن تمكن].. إلى
آخره (4).
في هذه الروايات (5) إشكال، إذ - مضافا إلى ما سيجئ عن " التذكرة "
والشيخ - أنه لو كان الوطء حلالا لا مانع منه شرعا فكيف يكون القوم يحولون
ويمنعون ما ليس بممنوع شرعا أصلا؟!



(1) عوالي اللآلي: 2 / 247 الحديث 16، مستدرك الوسائل: 13 / 230 الحديث 15209،
وفيهما: " لا بيع إلا فيما تملك ".
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 163.
(3) راجع الصفحة: 84 من هذا الكتاب.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 164.
(5) راجع! وسائل الشيعة: 18 / 396 الباب 11 من أبواب كتاب الرهن.
366
فإن كانوا من الشيعة، فاللازم عليهم (عليهم السلام) منعهم عن الحيلولة وإبلاغ الحكم
إليهم ومنعهم عن الظلم، وإن كان حيلولتهم من جهة أن الرهن ربما يصير عليه
الضرر ويؤول إليه، فكيف يحلل المعصوم (عليه السلام) مطلقا، مع أن الظاهر أن الحيلولة
من هذه الجهة، مع أن الظاهر أن الوطء ء يجعلها في معرض الضرر والموت أو نقص
القيمة؟!
وإن كانوا من المخالفين، فمع بعده، حيث لم يشر الراوي إلى ذلك أصلا - مع
أن الأصحاب متفقون على حرمة مالهم كحرمة دمهم، والأخبار متظافرة في
ذلك (1) - ربما يتضمن خلاف التقية البتة، لاتفاقهم على المنع (2) بحسب الظاهر،
والعلم عند الله وعندهم (عليهم السلام).
قوله: [وهذه القاعدة مشهورة في عباراتهم] ولا نعرف دليلها.. إلى آخره (3).
قد مر الدليل، وتحقق الحال (4).
قوله: فإذا رضي بالرهن وكونه عند الغاصب صار يده عليه بإذن المالك..
إلى آخره (5).
مفروض مسألة الفقهاء أنه رهن فقط، لا أنه رضا بكونه عند الغاصب
وظهر ذلك منه، ويشهد على ذلك اتفاقهم على أن الذي عنده الرهن إن كان (6)
عادلا وقع تراضي الراهن والمرتهن ومشارطتهما على كون الرهن بقبضه، [فإن]



(1) لاحظ! الكافي: 2 / 24 الحديث 1، بحار الأنوار: 65 / 242 الحديثين 2 و 3 و 264
الحديث 21 و 282 الحديث 35.
(2) لاحظ! مسالك الأفهام: 1 / 126.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 169.
(4) راجع الصفحة: 133 من هذا الكتاب.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 170.
(6) في النسخ: (وإن كان)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
367
خرج فاسقا أو متعديا في الرهن، أو ظهر عداوته يخرج عن يده ولا يترك عنده،
وفي المقام عللوا بعدم المنافاة بين الرهن والضمان، ولذا لو تعدى في الرهن لم يخرج
عن الرهانة وإن كان ضامنا، فتأمل.
قوله: ويحتمل أن يرفع إلى الحاكم.. إلى آخره (1).
لا وجه لهذا الاحتمال أصلا، بناء على عدم تصرفه بغير إذن المرتهن مطلقا،
كما لا يخفى.
قوله: والدلالة أيضا غير واضحة، لكن لا يضر.. إلى آخره (2).
الدلالة ظاهرة، بل واضحة كما لا يخفى على المتأمل، والسند منجبر بعمل
الأصحاب، بل الإجماع، مضافا إلى ما ذكره من أن الزرع نماء الحب (3)، فلا وجه
للمناقشة ثم القول بأنه لا يضر.. إلى آخره.
قوله: فيحتمل كون مقدار الحب [من الزرع رهنا].. إلى آخره (4).
هذا بعيد، مخالف للقاعدة، لا مناسبة بينه وبين صورة المزج.
قوله: لو اتفقا على رجوع المرتهن عن الإذن للراهن.. إلى آخره (5).
مقتضى ذلك أن مجرد الإذن في البيع ليس فسخا للرهانة وإسقاط حق فيها،
لا في العين ولا في العوض، ومنشؤه عدم الدلالة الالتزامية أيضا، بخلاف ما إذا
وقع البيع، فإن الرهن خرج عن ملك الراهن فلا يصلح لكونه رهنا، وعوضه لم
يكن رهنا.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 172.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 176.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 176.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 176.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 177.
368
لكن يمكن أن يقال: الرخصة في البيع إن دل بحسب العرف على إسقاط حق
العين، فبمجرد الرخصة يسقط، وإن لم يدل فلم لا يجوز أن يكون المبيع رهنا وإن
انتقل إلى الغير؟! لعدم المنافاة، ولأن مال الغير يصح أن يصير رهنا ابتداء،
فبعد ما صار رهنا بطريق أولى، فتأمل جدا.
قوله: وأن الأصل عدم البيع قبل الرجوع (1).
هذا الأصل لم نجد له أصلا، لأن كل واحد من البيع والرجوع أمر حادث
يجوز تأخر كل منهما عن الآخر، فتعارضا وتساقطا، ولم (2) يتحقق فيهما
استصحاب، وأما الرهانة، فالأصل بقاؤها.
ويمكن أن يقال: الأصل بقاء الإذن أيضا إلى أن يتحقق المزيل ولم يتحقق
إلا بعد البيع، إذ قبله مشكوك فيه، وبقاء الإذن وإن اقتضى تقديم البيع على
الرجوع، إلا أن بقاء الرهانة اقتضى عكسه، فهاهنا استصحابان تعارضا.
إلا أن يقال: استصحاب بقاء الإذن وارد على استصحاب بقاء الرهانة،
فيترجح الثاني، لثبوت خلاف الرهانة بالاستصحاب الطارئ.
لكن في كون الطارئ قاطعا للسابق محل كلام، والتحقيق في الأصول.
مع أن استصحاب الرهانة استصحاب في موضوع الحكم الشرعي الذي
ليس محل تأمل المحققين أصلا حتى الأخباريين، بخلاف استصحاب الإذن، فإنه
محل كلام، والتحقيق في الأصول (3).
قوله: وأيضا، الأصل صحة البيع.. إلى آخره (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 177.
(2) في ب، ج: (أو لم).
(3) لاحظ! الحدائق الناضرة: 1 / 53.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 178.
369
لا يخفى أن هذا الأصل لا يتمشى كليا، إذ لو باع أحد مال شخص بادعاء
الوكالة والرخصة، والشخص منكر، فلا شك في أن الأصل معه، وإلا لزم أن
يكون تصرف كل أحد في مال غيره صحيحا وإن أنكر الغير الإذن في التصرف،
بل في المقام لو باع الراهن الرهن بمحض ادعاء الإذن وأخرجه عن الرهانة
والمرتهن ينكر الإذن مطلقا، فلا شك في كون الأصل مع المرتهن.
فالعبرة إنما تكون باستصحاب بقاء الإذن، لا أن الأصل صحته. نعم، لو
قال: أذنت في البيع الفاسد، أو قال: أوقعت الفاسد وأنا أذنت في الصحيح، يكون
الأصل الصحة.
قوله: [مثل صحيحة محمد بن مسلم (1)]، فلا يلتفت إلى ما يخالفها مع
الضعف (2).
رواية عباد بن صهيب (3) - على ما هو ببالي - صحيحة، لأن ابن صهيب
ثقة، والضعيف هو ابن كثير، فالشيخ لعله وقع منه الاشتباه (4)، بل الظاهر أنه
كذلك، حيث حكم بضعف ابن صهيب، وقد حققناه في الرجال (5).
قوله: مع أن الفرق حاصل، لأنه أخذ عوضا عن الدين.. إلى آخره (6).
ومن هذا ظهر أن كلما أخذ من صاحب المال بإذنه لا يصير أمانة مالكية كما
ادعاه الشارح في مواضع متعددة، واعترض على الفقهاء حيث حكموا بضمان



(1) الكافي: 5 / 237 الحديث 2، وسائل الشيعة: 18 / 402 الحديث 23933.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 179.
(3) الكافي: 5 / 238 الحديث 4، من لا يحضره الفقيه: 3 / 195 الحديث 888، تهذيب
الأحكام: 7 / 176 الحديث 776، وسائل الشيعة: 18 / 401 الحديث 23932.
(4) راجع! معجم رجال الحديث: 9 / 214.
(5) تعليقات على منهج المقال: 187.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 179.
370
الآخذ مثل ما قال في المأخوذ للمساومة والمقبوض بالبيع الفاسد وغيرهما (1).
قوله: [ويمكن أن يعتذر بأن الكلام] مع عدم الإسقاط.. إلى آخره (2).
مع أن الراهن أقر بأن عنده رهن المرتهن، و " إقرار العقلاء على أنفسهم
جائز " (3)، فلا يمكنه التصرف فيه إلا بعد أداء حق المرتهن، والمرتهن ما أسقط، لما
ذكره الشارح، فتأمل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 192 - 193.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 180.
(3) عوالي اللآلي: 2 / 257 الحديث 5، وسائل الشيعة: 23 / 184 الحديث 29342.
371
في أسباب الحجر
قوله: [وأما عن جميع التصرفات]، فالظاهر أنه لا دليل عليه.. إلى
آخره (1).
هذا يخالف ما سيذكر من عموم المنع بالكتاب (2) والسنة (3)، بل
الإجماع.
قوله: ويؤيده عموم أدلة الوصية (4)، فيخصص بها ما يدل على عدم جواز
تصرف الغلام.. إلى آخره (5).
لا يخلو من تأمل، فإن العامين إذا تعارضا من وجه فلا بد - للحكم
بتخصيص أحدهما بالآخر - من مرجح ومؤيد، والتأييد بالصحيحة (6) يوجب
الدور، فتأمل.
قوله: بموسى بن بكر.. إلى آخره (7).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 182.
(2) النساء (4): 6.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 409 الباب 1 و 2 من أبواب كتاب الحجر.
(4) وسائل الشيعة: 19 / 257 الباب 1 من أبواب كتاب الوصايا.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 184.
(6) أي صحيحة محمد بن مسلم: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 184، من لا يحضره الفقيه:
4 / 146 الحديث 504، وسائل الشيعة: 19 / 360 الحديث 24761.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 184، وفيه (لموسى بن بكر).
372
موسى بن بكر قوي، كما ذكرناه في الرجال (1).
قوله: فقال في " التذكرة ": هو مختص بشعر العانة الخشن.. إلى آخره (2).
ووافقه الشهيد في " المسالك "، بل قال: (لا عبرة بشعر غير العانة عندنا،
وإن كان الأغلب تأخره عن البلوغ، إذ لم يثبت كون ذلك دليلا شرعا، خلافا
لبعض العامة (3)) (4).
أقول: رواية يزيد الكناسي تدل على اعتبار شعر الوجه، حيث قال (عليه السلام)
فيها: " أو شعر في وجهه أو نبت في عانته قبل ذلك " (5)، ولذا استقرب في
" التحرير " كون نبات اللحية دليلا (6)، وكذا هو في " الروضة " (7) مع الحاقه
اخضرار الشارب أيضا، وهو (رحمه الله) اعترف بأن الأغلب تأخره، وظاهر أن
الأغلب هنا هو مقتضى العادة لا مجرد الأكثرية، فتأمل جدا.
قوله: والمشهور بين علمائنا أنه يبلغ الذكر [بإكمال خمس عشرة سنة]..
إلى آخره (8).
بل قال في " المسالك ": (بل كاد أن يكون إجماعا) (9)، والمستفاد من كلام
المقداد (رحمه الله) في " كنز العرفان " أنه إجماعي وأنه من شعار الشيعة والشافعية (10)،



(1) تعليقات على منهج المقال: 347.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 187.
(3) لاحظ! المغني لابن قدامة: 4 / 297.
(4) مسالك الأفهام: 1 / 196، مع اختلاف يسير في الألفاظ.
(5) تهذيب الأحكام: 7 / 382 الحديث 1544، الاستبصار: 3 / 237 الحديث 855،
وسائل الشيعة: 20 / 278 الحديث 25626، مع اختلاف يسير في الألفاظ.
(6) تحرير الأحكام: 1 / 218.
(7) الروضة البهية: 2 / 145.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 187.
(9) مسالك الأفهام: 1 / 197.
(10) كنز العرفان: 2 / 102.
373
وسنشير إلى ما يؤيده، فلاحظ وتأمل.
ومن هذا يظهر أن ما دل على خلافه وارد على التقية، لاتفاق الشيعة
وكونه من شعارهم، وكون الشافعية في غالب الفتاوى موافقين للشيعة كما لا يخفى
على المطلع، ولما حقق في موضعه من أن التقية إنما تكون من المذهب المتداول في
ذلك الزمان، ومعلوم أن الشافعي وجد في زمان الكاظم (عليه السلام) واشتهر مذهبه بعد
زمانه بمدة، وأيضا ورد عن الصادق: " إن أصحاب أبي كانوا يأتون أبي غير
شاكين فكان يفتهم بمر الحق، وإن أصحابي يأتوني شكا فأفتيهم بالتقية.. " (1).
والروايتان اللتان ذكرنا دليلا للمشهور، هما عن الباقر (عليه السلام) (2).
وأيضا، الباقر (عليه السلام) ما كان يتقي من وجوه أخر:
منها، أن بني أمية وبني العباس كانوا مشغولين بأنفسهم في المحاربة، وأوائل
زمان الصادق (عليه السلام) أيضا كان كذلك، إلا أن أواخره صار دولة بني العباس بلا
محاربة، وزمان المنصور اشتدت التقية، لما ذكر في محله.
ومنها، أن العامة كانوا يقولون: فتاويه مأخوذة عن جابر، عن
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومنها، أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أبلغ إليه السلام، وصرح بأنه باقر العلوم (3).
ومنها، أنه ما ظهر مذهب الشيعة، والعامة كانوا في غاية الاختلاف في



(1) الكافي: 3 / 339 الحديث 1، تهذيب الأحكام: 2 / 91 الحديث 341، وسائل الشيعة:
6 / 263 الحديث 7910، مع اختلاف في الألفاظ.
(2) أي رواية يزيد الكناسي: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 187، وسائل الشيعة: 28 / 20،
الحديث 34116 ورواية حمران: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 188، وسائل الشيعة:
1 / 43 الحديث 72.
(3) لاحظ! أمالي الصدوق: 289 الحديث 9، بحار الأنوار: 46 / 223 الحديث 1.
374
الفتاوي، وما كان العصبية ومذهب أهل السنة مشتدة.
ومنها، غير ذلك.
ومن الشواهد، أن الصادق (عليه السلام) أيضا وافق الباقر (عليه السلام) في الخبر الصحيح،
من دون عكس (1).
هذا كله، مضافا إلى أن الكتاب والسنة المتواترة والإجماعات المنقولة
الكثيرة، بل الإجماع اليقيني بلا شبهة، والاستصحاب وأصل براءة الذمة،
مقتضاها عدم التكليف حتى يتحقق العلم واليقين بالتكليف، ووافق الجميع
العقل، فتدبر!
قوله: والدليل عليه أن الأصل والاستصحاب.. إلى آخره (2).
الأصل هو أصالة البراءة، والاستصحاب متعدد، وهو استصحاب عدم
البلوغ، واستصحاب عدم التكاليف، واستصحاب عدم صحة العقود
والإيقاعات.
قوله: ويؤيده بعض الأخبار، مثل: ضعيفة حمران الممدوح.. إلى آخره (3).
النجاشي نقل ضعفه (4) عن ابن نوح وأسنده إليه، ثم ذكر أن (له كتابا يرويه
جماعة.. إلى آخره)، وذكر أن الحسن بن محبوب ممن يرويه (5)، والحسن لعله ممن
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم (6).



(1) الكافي: 4 / 125 الحديث 2، وسائل الشيعة: 10 / 233 الحديث 13297.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 187.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 187، والرواية في: وسائل الشيعة: 1 / 43 الحديث 72.
(4) المقصود: ضعف عبد العزيز العبدي. راجع: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 187.
(5) رجال النجاشي: 244 الرقم 641.
(6) راجع! رجال الكشي: 2 / 830 الرقم 1050.
375
وفي كلام " النجاشي " إشارة إلى تأمل منه في ضعفه، وأن كتابه معتمد
معتبر، والظاهر أن هذه الأخبار من كتابه هذا.
والظاهر أن موضع حمران حمزة ابنه، وفي نسخة الشارح وقع سقط (1).
وحمزة أيضا ذكرنا له أسبابا كثيرة للاعتداد بقوله في التعليقة (2).
قوله: وعدم توثيق حمران.. إلى آخره (3).
مدحه كالتوثيق.
قوله: وبريد مجهول (4).
ذكر الدارقطني أنه شيخ من شيوخ الشيعة (5)، ويروي عن الباقر
والصادق (عليهما السلام)، بل لا يبعد اتحاده مع أبي خالد القماط الثقة، وإن ذكرهما الشيخ في
رجاله (6)، كما لا يخفى على من لاحظ طريقته فيه، ويروي عنه الأجلة مثل:
هشام بن سالم، وأبي أيوب الخزاز (7).
قوله: وهذه أيضا ضعيفة، مع عدم الدلالة فيها (8).
الضعف منجبر بالشهرة على تقدير تسليم الضعف وعدم كون الشهرة
إجماعا، فإن الضعيف ينجبر بالشهرة، سيما التي كادت أن تكون إجماعا.



(1) سند الرواية في كل من الكافي ووسائل الشيعة هكذا: (محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد،
عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن حمزة بن حمران، عن حمران)، ولكن في
السرائر: 3 / 596 ذكر هذا الحديث دون أن يذكر (حمران) في سنده.
(2) تعليقات على منهج المقال: 126.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 187، وفيه: (وعدم توثيق حمزة بن حمران).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 188، وفيه: (ويزيد مجهول).
(5) نقله عنه: لسان الميزان: 2 / 14 الرقم 1552.
(6) رجال الطوسي: 336 الرقم 50.
(7) جامع الرواة: 2 / 341.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 188.
376
والدلالة ظاهرة واضحة، سيما في الرواية الأولى (1)، وأما الرواية الثانية (2)،
فبملاحظة ما سيجئ من صحيحة معاوية (3) وما تتضمنه، وما سيذكر فيها،
فلاحظ!.
وأما الإكمال، فلعله هو الظاهر أيضا، لأن خمس عشرة سنة ظاهر في
الكامل، بل لا تأمل فيه، والظاهر من البلوغ هو الإدراك، ولذا فهم المشهور،
وفهمهم قرينة ومؤيد، فتأمل.
قوله: وبالجملة، ما رأيت خبرا صحيحا صريحا في الدلالة [على خمسة
عشر سنة].. إلى آخره (4).
صحيحة معاوية الآتية واضحة الدلالة في عدم تحقق البلوغ قبل خمس
عشرة سنة لا غبار عليها، كما ستعرف.
قوله: فالوجه في هذه الأخبار (5) أن نحملها على ضرب من الاستحباب
والندب.. إلى آخره (6).
الحكم بمجرد هذا بكونه مذهبه مشكل إذا كان مخالفا لما ذهب إليه في كتب
فتاويه، وسيما إذا لم يتعرض له في كتابه " الخلاف " (7)، بل الحكم بمجرد هذا
مشكل وإن لم يفت بخلافه في كتب فتاويه، فإن الظاهر منه أن ما ذكره لمجرد الجمع



(1) أي رواية حمران: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 187، وسائل الشيعة: 1 / 43 الحديث 72.
(2) أي رواية يزيد الكناسي: مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 188، وسائل الشيعة: 28 / 20
الحديث 34116.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 189، وسائل الشيعة: 10 / 233 الحديث 13297.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 188.
(5) لم ترد في المصدر: (الأخبار).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 189.
(7) لاحظ! الخلاف: 2 / 120.
377
ورفع التعارض، لا أنه فتواه أيضا، كما لا يخفى على المتتبع المتأمل، ولذا قال بعض
الفقهاء: إن مذهبه في كتابه غير ظاهر من مجرد ما ذكره في الجمع (1)، فتأمل.
مع أن كون وجوب الصلاة بلوغا أيضا محل تأمل، سيما مع تصريح الشيخ
فيهما بأن الوجوب عندنا على ضربين، ضرب على تاركه العقاب (2)، ومقتضى
ظاهر الآية والسنة أنه لا يحصل إلا بالحلم، خرج ما خرج بالإجماع وبقي الباقي،
وعموم أدلة التكليف مخصص بالبالغ العاقل إجماعا، إذ لا تأمل لأحد من
المسلمين أن غير البالغ غير داخل فيه، فالمشكوك فيه لا دليل على الحاقه بالعام،
فتأمل.
ويظهر من كلام الشارح فيما سيأتي في بلوغ الأنثى أن بلوغها بتسع سنين،
ولا تأمل فيه، بل وأنه إجماعي (3)، وهذا شاهد على ما ذكرناه من أنه ليس مذهب
الشيخ.
قوله: [ومعارض] بعموم أدلة التكليف (4).
عموم أدلة التكليف مخصص بالمكلفين بالنصوص والإجماع، بل الضرورة
من الدين، فلا بد من ثبوت كونه مكلفا حتى يثبت الدخول، مع أن عموم ما دل
على رفع القلم عن غير المكلف (5) شامل، خرج منه ما اتفق على إخراجه أو دل
دليل.
وهذا أولى مما ذكره، لأن الأصل براءة الذمة حتى يثبت شغل الذمة، لا أن



(1) السرائر: 1 / 53 و 110.
(2) لاحظ! تهذيب الأحكام: 2 / 381، الاستبصار: 2 / 123.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 192.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 189.
(5) لاحظ! الخصال: 1 / 93 الحديث 40، وسائل الشيعة: 1 / 45 الحديث 81.
378
الأصل شغل الذمة حتى يثبت البراءة، فتأمل.
قوله: فخرج منها ما اتفق على إخراجه.. إلى آخره (1).
سيجئ من الشارح في مسألة الخنثى المشكل ما يخالف ما ذكره هنا (2)،
فلاحظ!.
قوله: في " التهذيب " و " الاستبصار " و " الفقيه "، قال: " سألت أبا عبد
الله (عليه السلام) في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال (3): فيما بين خمس عشرة سنة.. ".. إلى
آخره (4).
الرواية هكذا: " فقال: ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة (5)، فإن
هو صام قبل ذلك فدعه، ولقد صام " (6) الحديث.
هذه الرواية تنادي بأن الصبي لا يجب عليه الصيام قبل خمسة عشر سنة،
إذ ظاهر منها أنه لا يؤخذ بفعل الصوم قبل أربعة عشر أو خمسة عشر، وكلمة
" أو " تفيد التخيير، فهي صريحة في أن أخذه به قبل خمسة عشر ليس على سبيل
اللزوم والتعيين، وأنه يجوز عدم أخذه به قبل خمسة عشر، ولا حرج في ذلك ولا
مانع له.
والوجوب التخييري لا معنى له قطعا، ولم يقل به أحد، بل هو خلاف



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 189، وقد وردت هذه الحاشية في كافة النسخ قبل سابقتها
إلا أننا رتبناها حسب ترتيبها في مجمع الفائدة والبرهان.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 192.
(3) كذا، وفي المصدر: (فقال).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 189.
(5) في: من لا يحضره الفقيه ووسائل الشيعة: (وأربع عشرة سنة).
(6) الكافي: 4 / 125 الحديث 2، من لا يحضره الفقيه: 2 / 76 الحديث 332، تهذيب
الأحكام: 2 / 381 الحديث 1590، وسائل الشيعة: 10 / 233 الحديث 13297.
379
ضروري الدين، فتعين كون المراد تفاوت مرتبة الأخذ في الأربعة عشر والخمسة
عشر، فتدبر.
قوله: وبذلك يمكن الجمع بين الأخبار، ويحتمل الشروع بالأربع عشرة (1)
وإكمال ثلاث عشرة.. إلى آخره (2).
فيه ما فيه، وكذا في قوله: (ويحتمل.. إلى آخره) (3)، ولعله بناء على كون
رواية عبد الله (4) صحيحة، وفيه تأمل ظاهر، وبعد التسليم بكون مثلها يقاوم
ويرجح على المنجبر بعمل الأصحاب محل تأمل، سيما ولم يظهر بعد عامل بها، إذ
ما نقله عن الشيخ (5) قد عرفت التأمل فيه.
وعلى تقدير أن يكون مذهبه فيهما، فرجوعه عنه يضعفه ويخرجه عن
الاعتبار، لأنه لو لم يظهر عليه فساده لم يرجع عنه، فتأمل.
ومما يضعف معارضتها لصحيحة ابن وهب (6).
وما ذكره من الجمع بعيد أيضا، بل ولا يكاد يصح، كما لا يخفى على
المتأمل.
قوله: وكثرة الأخبار، وصراحة الدلالة.. إلى آخره (7).
وإن كانت كثيرة، إلا أنها متعارضة (8)، بل وبعضها يشمل الأنثى أيضا،



(1) في المصدر: (في الأربع عشرة).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 190.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 190.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 190، وسائل الشيعة: 19 / 364 الحديث 24771.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 189.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 189، وسائل الشيعة: 10 / 233 الحديث 13297.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 191.
(8) في ه‍: (معارضة).
380
والشارح لا يقول به، ويظهر منه قبوله الإجماع على التسع فيها، والتعارض
يضعف الدلالة.
ولو سلم ما ذكره من الصراحة، فلازم ذلك سقوط الكل عن درجة
الاعتبار، لعدم إمكان الجمع معتدا به، إلا أن يقول بتعين العمل برواية الوشاء (1)
للأوفقية بعمومات التكاليف.
وفيه - مضافا إلى ما سبق - أن غيرها أصح منها قطعا، وأوفق
بالاستصحاب وفتاوي الأصحاب، لو لم نقل بالإجماع، بل الصحيح غير مناف
لفتاوي الأصحاب، لأن الأخذ بالصوم لا يستلزم الوجوب الشرعي، بل
الاختلاف يؤيد ويعين الفتاوي بأن البناء على تفاوت مرتبة الاستحباب
والطلب، فتأمل.
وسيجئ من الشارح في الخنثى المشكل أن الأصل عدم البلوغ وعدم
التكليف ويدعي أنه ظاهر (2)، وهذا يؤيد الفتاوي ويعينه، ويخالف ما ذكره من
أن العمومات الدالة على التكليفات شاملة للكل إلا ما خرج بدليل، فتفطن.
ومما يضعف العمل بهذه الأخبار أن الناقلين لها أبصر بحالها منا قطعا، إذ لا
اطلاع لنا بحالها أصلا إلا من قولهم، وهم اتفقوا على الفتوى بخلافها، ويشهد هذا
على صحة دعوى الإجماع، وكون هذه الأخبار على التقية، كما أشرنا سابقا (3)،
فتأمل.
قوله: وأن ليس خامس عشر بواقع في كتاب، ولا سنة معتبرة، ولا



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 190، من لا يحضره الفقيه: 4 / 164 الحديث 571،
وسائل الشيعة: 19 / 364 الحديث 24771.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 192.
(3) تقدم في الصفحة: 374 من هذا الكتاب.
381
إجماع.. إلى آخره (1).
فيه، ما عرفت، ويظهر من كلامه اعترافه بما ادعيناه من الظهور من لفظ:
بلغ خمس عشرة، فيسقط ما ذكره، لما عرفت من أن الحجة هو الخبر الذي أفتوا
به، لا الذي لم يظهر لنا مفت بمضمونه ولو كان فشاذ من الأصحاب، مع أنه رجع
عنه في جميع كتب فتاويه، لأن كتب فتاويه بعد كتابي الأخبار صنفها، فتأمل.
قوله: وقد مر ما يدل على الأول في الآيات والأخبار، ويمكن فهم الثاني
من الأخبار المتقدمة.. إلى آخره (2).
لا دلالة في الآيات وما ذكر من الأخبار على كون الاحتلام دليلا للأنثى
أيضا، كما لا يخفى، وأما فهم الثاني فأضعف، فالمعتبر هو الإجماع.
وأما السن، فالظاهر أن حاله وحال السن في الذكور واحد بحسب الفتاوي
والأخبار (3)، فتأمل.
قوله: وهو ظاهر، وقد يقال: يعلم بحصول المني من فرج الذكر مع بلوغ
التسع.. إلى آخره (4).
هذا يشهد على ما ذكرناه من أن العمومات والتكاليف مخصصة بالبالغين،
وثبوت البلوغ لا بد منه، والشك لا يكفي، ولا دليل على إلحاق المشكوك فيه
بالعام، فلاحظ.
قوله: ولكن غير معلوم كون ذلك قولا لعلمائنا.. إلى آخره (5).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 191.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 192.
(3) راجع! وسائل الشيعة: 1 / 42 الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 193.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 193.
382
الظاهر، أنهم اعتبروا الخروج عن الموضع المعتاد للحكم بالبلوغ، بل
صرح في " القواعد " بذلك (1)، فعلى هذا لا يكفي مجرد الخروج حتى يعلم كونه من
المعتاد، ولذا لم يقل أحد منهم بما ذكره الشارح.
نعم، ما ذكره بقوله: (وقد يقال) (2) وجيه، ولعلهم لا يأبون عنه، بل ربما
يرضون، ووجهه ظاهر، وكذا وجه اعتبارهم الاعتياد في الموضع، لأن المطلقات
محمولة على الأفراد المتعارفة، كالبول والغائط وأمثالهما، فلا دليل على أن المني
بأي وجه يخرج يوجب البلوغ، ويؤيده ما ورد من أن غسل الميت لأجل خروج
المني الذي يكون منه (3).
قوله: وأنه ما نقل في الروايات وفعل العلماء وأقوالهم.. إلى آخره (4).
بل الظاهر أن المدار في الأعصار والأمصار كان على مجرد حفظ المال وعدم
الإفساد، وإن لم يكونوا عدولا، وما كانوا يحجرون الفساق وغير العادلين ومن لم
يثبت عدالته، بلا تأمل.
قوله: [والرواية - على تقدير الصحة -] محمولة على أمور.. إلى آخره (5).
مع أن الإطلاق أعم من الحقيقة، والمجاز أغلب.
قوله: قال في " مجمع البيان ": وليس ذلك مخصوصا بهم، بل كل مؤمن
يفعل ذلك.. إلى آخره (6).



(1) قواعد الأحكام: 1 / 168.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 193.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 2 / 478 الحديث 2692 وذيل الحديث 2693.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 196.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 198، والرواية في: وسائل الشيعة: 25 / 311
الحديث 31984.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 201.
383
الذي ببالي، أنه ورد في أخبارنا منعنا عما فعل أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل أمرونا
برفع احتياج العيال أولا ثم التصدق (1)، ولا بأن يعطي الجميع، ووجهه ظاهر، إذ
نفوس عياله (عليه السلام) كانت في أعلى درجات القوة، بخلاف نفوسنا، فضلا عن نفوس
العيال، والله يعلم.
لكن لو فعل ذلك أحد منا باعتقاد حسنه بالنسبة إليه أيضا، أو اقتداء بأمير
المؤمنين (عليه السلام)، لم يصر بذلك سفيها بلا شبهة.
قوله: وأن الظاهر صحة المعاملات والتصرفات التي وقع في حال
الاختبار.. إلى آخره (2).
لا يخفى أن لفظ الاختبار لا يدل على الصحة، بل ربما كان ظاهرا في عدم
الصحة إن كان المعامل هو الطفل بنفسه ومستقلا، لا بنظر الولي وعند حضوره
واختياره الإجراء، لأن معنى الابتلاء امتحانه في أنه يفسد أو يصلح، فإن أفسد
فلا يكون صحيحة البتة، فلا بد من ملاحظة أموره ووقوعها بنظر الولي، فيكون
هو المعامل حقيقة، فيكون صحيحة قطعا.
وكما أن البلوغ شرط، فكذلك الرشد أيضا، وبعد العلم بالرشد لعله حصل
عند العلم أو قبيله، مع أن الظاهر عدم الصحة قبل استئناس الرشد والصحة بعده،
لا بعد الرشد، فتأمل جدا.
قوله: ولا يعارض ذلك بأصل الصحة وعدم الفساد، لكثرته، ولأنه قد
يمنع كون الصحة أصلا.. إلى آخره (3).



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 9 / 460 الباب 42 من أبواب الصدقة.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 208.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 209، وفيه: (فلا يعارض..).
384
لأن الذي يقول به الفقهاء ويظهر من الأخبار صحة تصرفات المسلم (1)،
ولم يعلم ولا يظن كونه حين التصرف مسلما، بل يظن خلافه، للاستصحاب.
نعم، الراجح في النظر أن من باع شيئا وما كس واعتبر شرائط البيع
والصيغة وأركانه كونه عاقلا، إلا أن يدعى عدم تحقق الأمور المذكورة، فحينئذ
يكون منكرا لتحققه، فالأصل معه جزما، وإن سلم تحققه لكن منع تحقق الشرائط
المعتبرة، فحينئذ يصح أن يقال: الأصل الصحة.
وبالجملة، فرق بين إنكار ماهية البيع أو إنكار صحته بعد الاعتراف بتحقق
ماهيته، إذ في الأول ينكر نفس التحقق ولا تأمل في أن الأصل معه، دون الثاني،
إذ فيه تأمل أشير إليه.
قوله: [إذ قد يسامح] في ماله دون مال غيره، وكذا في ماله.. إلى آخره (2).
لا يخفى أن هذا فرع الرشد، وغير الرشيد لا يميز ذلك، وإن كان يدري أنه
لا بد من عدم المسامحة، ويعرف عدمها فهو رشيد، إذ يعرف - حينئذ - أنه لا بد من
عدم المسامحة في ماله أيضا، لكونها ممنوعا عنها إلا أن تكون المسامحة لغرض
شرعي فلا يكون - إذن - سفاهة.
قوله: فالظاهر العوض، بناء على قوانينهم، فافهم (3).
لا يخلو عن إشكال، فإنه إن سلطه على إتلاف ماله مجانا فلا يستحق
العوض، وإن سلطه على الإتلاف بعوض، فأي قاعدة أو دليل صحح ذلك وأبطل
معاملته وأخذ العوض عنه بها.
نعم، إن أتلف السفيه بنفسه من غير تسليط من المالك يلزم الولي إعطاء



(1) لاحظ! الكافي: 2 / 362 الحديث 3.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 210.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 212.
385
العوض من ماله، لأنه أتلفه، كما أن المجنون لو أتلفه يكون كذلك، ولا يصير هذا
منشأ، لأنه لو سلطه على إتلاف ماله بالعوض [له] أن يأخذ العوض، وبلا عوض
أن لا يأخذ أصلا، فتأمل.
قوله: بين القول بأنه يملك أم لا.. إلى آخره (1).
الحجة إنما هو على القول بالمالكية، وإلا فجميع الناس محجورون في مال
غيرهم، إلا مع الإذن المالكي أو الشرعي، إذ " لا يحل مال امرئ مسلم إلا من
طيب نفسه " (2).
قوله: ولا نعلم ذلك، والحكم غير واضح فيما يملكه - على تقدير القول بأنه
مالك - وهو الظاهر، كما مر.. إلى آخره (3).
الدليل - بعد الإجماع - هو الآية، قوله تعالى: * (عبدا مملوكا لا يقدر على
شئ) * (4)، لكون * (شئ) * نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم بلا تأمل.
ويدل عليه الأخبار أيضا، [و] سنشير إليها في الجملة في كتاب
الإجارة (5)، فلاحظ.
قوله: ودليله أخبار كثيرة مع الشهرة العظيمة.. إلى آخره (6).
وخلاف والد الصدوق شاذ ضعيف (7) كمستنده (8).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 213.
(2) عوالي اللآلي: 2 / 113 الحديث 309.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 213.
(4) النحل (16): 75.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 11.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 213.
(7) لاحظ! مختلف الشيعة: 2 / 510.
(8) أي: رواية عمار بن موسى عن الصادق (عليه السلام): تهذيب الأحكام: 9 / 187 الحديث 753،
وسائل الشيعة: 19 / 281 الحديث 24598.
386
قوله: وسيجئ عدم التوقف، فإن كانت حجة لا بأس بالعمل بها.. إلى
آخره (1).
مضمون الرواية (2) ليس إلا أنه لا يحاصه الغرماء، وقبل الحجر لا محاصة،
بل الاختيار بيد المفلس يفعل ما يشاء، وليس للغرماء منعه من شئ من
التصرفات - كما قال الآن - ويظهر منهم أنه مسلم عندهم، فتأمل.
وسيجئ أن هذه الرواية خصت بالمحجور بالفلس، بالإجماع والإشعار
الذي فيها (3)، فلاحظ.
قوله: ثم إن الظاهر زوال الحجر بالأداء لزوال سببه، فإن سببه (4) هو الدين
والمطالبة، وهو ظاهر.. إلى آخره (5).
لا يخفى أن الحاكم إن كان حجره عن التصرف في ماله الموجود خاصة، فبعد
قسمته بين الغرماء وعدم بقائه لا معنى لبقاء الحجر، لانحصاره (6) في مال
مخصوص، كما سيجئ.
نعم، إن كان حجره كلية، يكون الأمر كما ذكره الشارح، ومع ذلك يقول:
إن كان حجره إلى أن يؤدي الديون، فلا معنى لبقاء حجره، لأنه مقيدا بقيد مغيا
بغاية.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 217.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 251، تهذيب الأحكام: 6 / 193 الحديث 420، وسائل
الشيعة: 18 / 415 الحديث 23955.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 251.
(4) كذا، وفي المصدر: (فإن السبب).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 218.
(6) في ب، ج: (وانحصاره).
387
وإن كان حجره مطلقا - أي أعم من أن يكون أدى ديونه أم لا - فلا نسلم
جواز حجره كذلك، لعدم الدليل، بل دليل العدم، لأن الحجر ليس حقه بل حق
الغرماء خاصة، كما مر وسيجئ.
وإن كان حجره مطلقا - أي غير مقيد بالعموم ولا الخصوص - فلا نسلم
صحة رجوعه إلى العموم الذي يشمل ما بعد أداء الديون، لما عرفت، ولما
سيجئ أيضا.
في أحكام السفيه والمفلس
أولا: السفيه:
قوله: وتسلط الناس على أموالهم عقلا ونقلا، وشمول أدلة التصرفات،
تصرفاته التي فعلها (1) في زمان سفهه.. إلى آخره (2).
حكم العقل بصحة تصرفات السفهاء وجوازها مشكل، لو لم نقل بحكمه
بخلافه، لأن السفيه من يفسد ماله، أو لا يؤمن من الإفساد.
وأما النقل (3)، فلا يثبت من العموم إلا نفس التسلط، لا صحة تصرفاته،
مع أن الأصل عدم الصحة، لما عرفت مرارا، مع أنه بملاحظة ما دل على عدم
تسلط السفيه، مثل: * (لا تؤتوا السفهاء) * (4)، ومثل قوله تعالى أيضا: * (فإن



(1) كذا، وفي المصدر: (تصرفه الذي فعله).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 219.
(3) لاحظ! عوالي اللآلي: 1 / 222 الحديث 99 و 457 الحديث 198.
(4) النساء (4): 5.
388
كان الذي عليه الحق سفيها) * (1)، وغير ذلك.
والحديث الوارد في منع معاملة السفيه في شارب الخمر (2)، وغير ذلك مثل
" لا ضرر ولا ضرار " (3)، يظهر خروج السفيه، لأنه إذا ورد عام وخاص متنافيا
الظاهر فالخاص مقدم.
فالفرق بين السفيهين لا يظهر من الأدلة العقلية والنقلية، بل الظاهر منهما
عدمه، بل تنقيح المناط يقتضي عدم الفرق لو كان الأدلة مخصوصة بالسفيه
المتصل، للقطع بأن المنشأ سفاهته وإفساده للمال.
مع أن ما ذكره لو تم لاقتضى أن كل سفيه يكون حجره بحكم الحاكم، إذ لا
خصوصية لشئ مما ذكره بالسفه المنفصل سوى ما ذكر فيما فهم من شرح
الشهيد (4)، والشارح لا يعتني بمثل ذلك، مع أن باقي ما ذكره - وهو العمدة -
مشترك، مع أنه لو لم نقل بانحصار العمدة فيه أيضا يلزم المفسدة المذكورة.
على أنه لو تم ما ذكره يلزم عدم جواز الحجر عليه، لأن الحاكم ما يمكن أن
يحجر إلا بسبب وداع شرعي، وجميع ما ذكره موانع شرعية عن الحجر، ولا داعي
إلا إفساده المال، وهو مع جميع ما ذكره موجود غير مؤثر ولا مانع ولا معارض،
فكيف يمكن للحاكم أن يجعله معارضا للكل، بحيث يترجح على الكل ويغلب؟!
فتدبر.
على أنه (رحمه الله) اختار أن المعامل مع السفيه يأخذ عوضه بعد التلف،



(1) البقرة (2): 282.
(2) من لا يحضره الفقيه: 4 / 168 الحديث 586، وسائل الشيعة: 19 / 379 الحديث
24802.
(3) عوالي اللآلي: 1 / 220 الحديث 93، وسائل الشيعة: 25 / 399 الحديث 32217.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 219، مسالك الأفهام: 1 / 198.
389
ومعلوم أنه يأخذ عينه بعد الوجود، وقال: هذا مقتضى القوانين (1)، فتأمل
جدا.
على أن السفاهة إن كانت عليه لحجر الحاكم، فاللازم عليه حجره، فيلزم
من حجره الحرج والمفاسد التي ذكرها، إذ لا معنى لأن الحاكم يحجر بمجرد
الاشتهار بسفه (2)، سيما بعد ما ذكره من أسباب عدم الحجر.
وإن كان السفاهة الشديدة تصير سببا لحجره، فمع أنه خلاف الفتوى ينقل
الكلام إليها.
قوله: وبالجملة، التنزه عنه متعسر جدا، فإنه لو لم يعامل السفيه فإنه
يعامل من يعامله، ويصعب ذلك أيضا.. إلى آخره (3).
لا يخفى أن جميع ما ذكره يقتضي أن لا يكون هؤلاء سفهاء كما اختاره، وهو
الحق أيضا، وكذا ما ذكره من أن الرشد الابتدائي شرط.. إلى آخره (4) أبطل جميع
ما ذكره من حصول الحرج لو كان السفيه محجورا عليه في نفسه، مع أن السفه
المتصل الأصل بقاؤه حتى يثبت خلافه، بخلاف المنفصل، فإن الأصل عدمه وبقاء
الحالة السابقة حتى يثبت خلافها.
وبالجملة، أطال الكلام، ثم أظهر أنه لا ضرر أصلا، وأن ما ذكر لم يكن
تحته طائل لما استدل عليه، وإن كان في نفسه فائدته عظيمة.
قوله: ويحتمل كونه في الابتداء والمحجور عليه بحكم الحاكم، ولهذا قال في



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 212.
(2) في د، ه‍: (بمجرد اشتهاء نفسه).
(3) مجمع الفائدة البرهان: 9 / 221.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 221.
390
" الخلاف " (1): المحجور عليه، فتأمل.. إلى آخره (2).
قد عرفت أن ما ذكره أولا من أن دليلهم قوي (3) لم يكن فيه قوة أصلا، بل
بعد التأمل لا وجه له أصلا.
وما ذكره هاهنا من المؤيدات لا نفع فيها، بعد ما عرفت مما أشرنا وما
ذكره (رحمه الله)، فإنه كان في غاية المتانة، بل ظهر مما حققه (رحمه الله) أن الفقهاء في جميع
المعاملات يعتبرون الرشد من حيث هو رشد، فما ذكره العلامة (4) وبعض آخر (5)
في المقام خلاف المشهور المعروف منهم في غير المقام، وخلاف ما عليه سائر
الفقهاء في سائر المقامات، بل والجميع.
قوله: فإنه لا دليل على الثاني، ولا يلزم الأول (6)، ولأن العلة هو السفه
فلا يبقى المعلول بعد زوالها.. إلى آخره (7).
فيه، أن الاستصحاب جار في المواضع التي تتغير العلة، مثل: تيمم فاقد
الماء مع وجدان الماء في أثناء الصلاة، والماء المتغير بالنجاسة بعد زوال التغير من
قبل نفسه، وغير ذلك.
فالأولى أن يقال: مقتضى الأدلة عدم الحجر إلا على من هو سفيه ما دام
سفيها وشرط السفاهة (8)، وأيضا خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي، وأيضا



(1) الخلاف: 2 / 124.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 225.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 219.
(4) مختلف الشيعة: 423.
(5) لاحظ! المقنعة: 667، إيضاح الفوائد: 2 / 52.
(6) كذا، وفي المصدر: (ولا يلزم من الأول).
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 226.
(8) كذا، والظاهر أن الصواب: (وبشرط السفاهة).
391
الضرورة تتقدر بقدرها، وأيضا إذا انتفى الشرط انتفى المشروط، فتأمل جدا.
قوله: [فإن المجنون بعد البلوغ والرشد] أمر ماله إلى الحاكم على المشهور،
مع أن ثبوت حجره ليس بحكم الحاكم، بل بمجرد الجنون.. إلى آخره (1).
فمع عدم الحاكم يكون الأب والجد وليا، لظاهر * (ولا تؤتوا السفهاء) * (2)
الآية، و * (فإن كان الذي عليه الحق سفيها) * (3) الآية، و * (فإن آنستم منهم
رشدا) * (4) الآية، وللزوم الضرر والحرج لو لم يكونا وليين، وأيضا السفيه المتصل
يكون هما وليه بمقتضى الأصل، فكذا المنفصل، لاتحاد أدلة الحجر فيهما الظاهر في
اتحاد الحال، فتأمل!
ومع عدمهما وعدم الوصي، يكون الحاكم، كما هو مقتضى القاعدة والأدلة،
ومنها: عدم الضرر والحرج.
ومع اجتماعهما وتصرف كل منهما بإذن الآخر لا إشكال، ومع عدم الإذن
فيه الإشكال المشهور وسيجئ، فلاحظ!.
قوله: [وأما مع الجهل] فكأنه كذلك لتقصيره، فإنه كان ينبغي أن لا
يعامل حتى يعرف.. إلى آخره (5).
هذا مخالف لما ذكره في الحاشية السابقة من الاكتفاء بأصالة عدم السفاهة
وغيره (6)، مع أنه ليس بتقصير، والجاهل في موضوعات الأحكام معذور وفاقا،



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 227.
(2) النساء (4): 5.
(3) البقرة (2): 282.
(4) النساء (4): 6.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 228.
(6) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 219.
392
والدليل على ذلك ليس ما ذكره من التقصير قطعا، بل ظهور فساد المعاملة وكون
ما في يده عين مال السفيه، فإذا كانت باقية يجب رده، وإذا تلفت فعوضه، لما
ذكره من عموم " على اليد " (1)، و " ما يضمن بصحيحه " (2)، وقد مر التحقيق في
كتاب البيع وأنهما صحيحان، فلاحظ!
قوله: والظاهر ذلك، لعموم دليل الضمان وكونه سفيها.. إلى آخره (3).
في العموم تأمل، بعد ملاحظة مثل قوله تعالى: * (ولا تؤتوا السفهاء
أموالكم) * (4)، وغيره، مع اليقين بأن علة المنع كونه سفيها ولا يؤمن من الإفساد
والإتلاف، ومن ذلك يظهر أن ما ذكره من أن (له أهلية الضمان.. إلى آخره) (5)
محل تأمل، وكون البلوغ وهذا القدر من العقل يكفي، محل نظر، سيما بملاحظة أنه
محجور عن ماله باعتبار عدم أهليته للحفظ والتصرف.
فعلى هذا، يكون المالك هو المضيع بحسب العرف وعند العقلاء، وشرعا
أيضا بملاحظة نهي الشارع، لسفاهته وإفساده، وغير ذلك مما ذكر.
قوله: ويدل عليه قوله تعالى: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي
أحسن) * (6).. إلى آخره (7).
مقتضى ظاهرها الجواز بالتي هي أحسن مطلقا، سواء كان له ولي حاضر
متمكن من التصرف أم لا، لا أن ذلك بعد التعذر عن ذلك كله، كما قال.



(1) عوالي اللآلي: 1 / 224 الحديث 106 و 389 الحديث 22.
(2) لاحظ! مسالك الأفهام: 1 / 185.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 229.
(4) النساء (4): 5.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 229.
(6) الإسراء (17): 34.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 232.
393
إلا أن يدعي الإجماع على أن ذلك بعد التعذر المذكور، لكن الظاهر من
كلام الأصحاب انحصار صحة التصرف في الأولياء المذكورين.
نعم، في حال الاضطرار يجوز حسبة، كما هو الحال في جميع الضروريات
والواجبات، على أنه على ما ذكره يكون خلاف الظاهر من الآية مرادا، فكما
جاز أن يكون ما ذكره، جاز أن يكون المراد بالتي هي أحسن ما فعله الولي
الشرعي، إلا أن يقول: إذا تعذر الحقيقة فأقرب المجازات حجة.
قوله: وظاهر أن القاضي هو قاضي الجور، وفيه إشارة إلى عدالة محمد..
إلى آخره (1).
لكن كون قاضي الجور لا عبرة بنصبه القيم أصلا يتوقف على دليل، إذ
يجوز أن يكون الأئمة (عليهم السلام) يجيزون أمثال ذلك منهم، ويجعلونهم بمنزلة قاضي
الحق، لرفع الحرج، وللمداينة معهم بما يدينون، كما فعلوا في حملية الخراج
وأمثاله (2).
هذا، مع احتمال أن المعصوم (عليه السلام) أجاز ذلك، ويكون الاستناد إلى
تجويزه (عليه السلام).
إلا أن يقال: العمومات الدالة على فساد أمور القضاة من العامة وأحكامه
تقتضي عدم العبرة مطلقا إلا ما ثبت اعتباره، ولم يثبت هنا.
وأما كون الإمضاء في خصوص المقام منه (عليه السلام)، فبعيد.
نعم، يتوقف حجيته على وجود قائل به (3)، أو على أن [لا] يكون مخالفا لما
يقول به الأصحاب، فيحتمل أن يكون البيع لأجل الضرورة، فتأمل!



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 233.
(2) وسائل الشيعة: 17 / 213 - 221 الأبواب 51 و 52 و 53 من أبواب ما يكتسب به.
(3) في ب، ج: (على وجود القائل به).
394
قوله: [فيجب الصوم بدل الدم]، والكل في محل المنع (1).
لكن ما ذكره - من عدم منعه.. إلى آخر ما قال - لعله أيضا محل المنع،
لعدم دليل يعتمد عليه، لأن العمومات لم يظهر شمولها لمثله، مع أنه لو ظهر
لظهر شمول الضيافة والصدقة والسهولة في الاقتضاء والبيع والشراء
وصلة الأرحام، وأمثال ذلك مما لا يحصى، والالتزام في الجميع فيه ما
فيه.
والاستناد إلى الإجماع مشترك، لإطلاق كلام الفقهاء، مع أن الظاهر من
حجره في تصرفاته عدم جواز أمثال هذه الأمور عنه، فتأمل.
قوله: وأما عدم جواز العفو عن الدية.. إلى آخره (2).
لا يخفى أن العفو عنه أيضا من المستحبات، وقد أجاز الشارح صرف ماله
في المستحبات، وفيه شهادة على ما ذكرناه، فتأمل.
قوله: فإن العبد المأذون محجور عليه بالإجماع (3) مع جواز تصرفه.. إلى
آخره (4).
لا يخفى أن العبد رشيد، والحجر فيه من جهة أخرى، وهي كون الإذن حق
المولى، فإذا رفع يده فلا مانع أصلا.
وأما السفيه، فلا يجوز تسليطه على ماله، بدلالة الأدلة، وكذلك غير البالغ



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 238، ولم ترد هذه العبارة في كل من: ألف، د، ه‍، بل ورد
بدلا عنها العبارة التالية: (الظاهر أنه لا مانع من انعقاد يمينه ونحوه، إذا لم يكن متعلقا
بالمال، ويتعين الصوم في كفارته.. إلى آخره).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 238.
(3) كذا، ولم ترد في المصدر: (بالإجماع).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 240.
395
على ما هو المشهور بينهم، وورد ما يظهر منه من الأخبار (1)، وقد ذكر (2).
نعم، إن كان مأذونا بأن يفعله بحضرته فيرى ما يصلح وما يفسد ويختار،
ففي الحقيقة يكون المتصرف هو الولي. نعم، إن أذن لهما في التصرف في ماله يمكن
بعد ما اعتمد على صحة فعلهما، لكن في السفيه مشكل جزما. نعم، إن ثبت صحة
تصرف الصبي المميز - كما يشير إليها بعض الأخبار (3) - فالأمر كما ذكره، لكن مر
عن الشارح أن العمل به مشكل، مع عموم المنع من الكتاب والسنة، بل الإجماع (4).
ومع ذلك توقفه على إذن الولي يحتاج إلى دليل، ومر الكلام في بحث حجر
الصبي وتحقق البلوغ.
ثانيا: المفلس:
قوله: ويثبت في ذمته مال (5) يجب أداؤه، فإقراره مقبول، ل‍ " إقرار العقلاء
على أنفسهم جائز " (6).. إلى آخره (7).
وفي " القواعد " احتمل القبول في حق الغرماء أيضا، معللا بأن الإقرار
كالبينة، ولا تهمة (8)، ولعل مراده أنه مثلها حين تحقق الحجر، إذ لا فرق بين إثبات



(1) لاحظ، وسائل الشيعة: 17 / 360 الباب 14 من أبواب عقد البيع وشروطه و
19 / 366 الباب 45 من أبواب الوصايا.
(2) لاحظ! الصفحة: 368 - 369 من هذا الكتاب.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 19 / 360 الباب 44 من أبواب الوصايا، مستدرك الوسائل:
13 / 240 الحديث 15243.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 185.
(5) كذا، وفي المصدر: (بأن في ذمته مالا).
(6) عوالي اللآلي: 1 / 223 الحديث 104 و 2 / 257 الحديث 5 و 3 / 442 الحديث 5،
وسائل الشيعة: 23 / 184 الحديث 29342.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 242.
(8) قواعد الأحكام: 1 / 172.
396
الغرماء حقوقهم وإقرار المديون، وتصديقه قولهم دفعة أو على التعاقب قبل تحقق
الحجر، فكذا بعده، استصحابا، ولا يخفى ضعفه، لأن بعد الحجر تعلق حقهم،
فإقراره في حقهم بخلاف ما قبله.
قوله: دليله أن المال المحجور عنه صار بسبب الحجر [للديان الذين حجر
بسبب ديونهم].. إلى آخره (1).
ولعل مراده أنه تعلق به حقهم، وإلا فإنه لم يصر لهم بعد.
قوله: ويحتمل - بعيدا - السماع، ويسلمها إلى المقر له (2).
هذا الاحتمال احتمله في " القواعد " (3)، ووجهه تقدم وكذا ضعفه، لكن
استشكل على هذا الاحتمال تسليم العين إلى المقر له لو كان مبيعا بأن أقر أنه باعه -
يعني قبل الحجر - ولم يقبضه إلى الآن.
ولعل وجه الإشكال أن المبيع يحتمل أن يكون بعنوان الخيار، ومثل هذا
يحتمل أن لا ينتقل إلى المشتري بمجرد العقد، بل بعد انقضاء الخيار، وهذا إشكال
ليس بقوي عنده بل ضعيف، وعبارته ربما يكون فيها إشارة إلى أنه ليس إشكالا
معتدا به، فلاحظ وتأمل! ولا يوجب إلزامه بالتعيين والتشخيص في إقراره، كما
لا يخفى على المطلع.
قوله: والظاهر أن مرادهم غير الأول.. إلى آخره (4).
بل عبارة " القواعد " كالصريحة في غير الأول (5).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 243.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 243.
(3) قواعد الأحكام: 1 / 172.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 244، والمراد بالأول: قوله: (إن كان المراد شمول حجر
الحاكم لذلك المال..).
(5) قواعد الأحكام: 1 / 172 - 173.
397
قوله: وجهه التسلط والأصل.. إلى آخره (1).
وأنه لا بد من أحد الأمرين قطعا، وكل منهما تصرف - يعني الفسخ
والإبقاء - فتأمل.
قوله: [ينبغي أن يكون عدم الغبطة مقيدا بما] إذا لم يصر به سفيها وهو
ظاهر.. إلى آخره (2).
بل الظاهر بغير الإضرار على الغرماء أيضا بأن يختار ما فيه نقصان مال،
بالقياس إلى الشق الذي ما اختاره، وإن لم يصر سفيها.
قوله: لا رجوع له إلى العين، إذ سبب الرجوع [إنما هو تعذر الثمن].. إلى
آخره (3).
لكن ظاهر عبارة " القواعد " جواز الرجوع (4)، والمعتبر عدم الوفاء حال
الحجر، ولعله بني على استصحاب جواز الرجوع، وأن حقه تعلق بالعين أولا
فيستصحب، فتأمل.
قوله: فله أن يترك ويشارك الغرماء، رضوا أم لا.. إلى آخره (5).
لأن " الناس مسلطون على أموالهم " (6)، لكن هذا مع رضا الغرماء واضح،
أما مع عدم الرضا فيمكن أن يقال: إن المفهوم من النص عدم المحاصة على سبيل
التسلط (7) لا مطلقا، فله أن يلزم المفلس والغرماء بالعقد السابق ولا يفسخ، فتأمل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 244.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 244.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 249.
(4) قواعد الأحكام: 1 / 174.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 250.
(6) عوالي اللآلي: 1 / 222 الحديث 99.
(7) في ألف، د: (التسليط).
398
قوله: " قال لا يحاصه الغرماء " (1)، وكأنه خص بالمحجور عليه.. إلى
آخره (2).
قد مر منه في صدر المبحث دعوى ظهور هذه الرواية في جواز رجوع
صاحب العين إلى عينه من غير توقف على حجر، مع دعواه الإجماع على عدم
جواز منعه من التصرف قبل الحجر (3).
قوله: [الفسوخ] إنما يبطل (4) العقد من حين وقوعه، لا من رأسه.. إلى
آخره (5).
لا تأمل لهم في أن الفسخ من الحين لا من الأصل، ولذلك كان النماء
للمفلس إجماعا.
نعم، النماء بعد الفسخ يكون له، لكن معنى الفسخ أن يصير كل واحد من
العوضين راجعا إلى ما كان قبل العقد، فيصير الثمن للمشتري، والمبيع للبائع،
ومعلوم أن المبيع كان العبد الذي يداه صحيحتان والآن ليس له إلا يد واحدة،
فلم يرجع إلى البائع مجموع ماله وتمامه بل بعضه والناقص منه، ولا شك في أنه في
مقابل التالف كان جزء من الثمن - كما قلناه في خيار العيب - فكيف يأخذ المشتري
مجموع الثمن الذي كان عوض العبد الصحيح ولا يوفيه مجموع المعوض عنه؟!
وبالجملة، لا فرق عند الفرق بينه وبين العبد والعبدين، وبسطنا الكلام في
بحث خيار العيب، فلاحظ!.



(1) تهذيب الأحكام: 6 / 193 الحديث 420، وسائل الشيعة: 18 / 415 الحديث 23955.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 251.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 217.
(4) كذا، وفي المصدر: (تبطل).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 255.
399
قوله: ويحتمل كون الزيادة له، فيأخذ قيمته من صاحب المال.. إلى
آخره (1).
هذا الاحتمال أجود بل هو الصواب، لأنه مال حصل له فاستحقه مثل
المنفصل، والمتبادر من: متاع الرجل بعينه، هو ما إذا لم يحصل فيه زيادة يكون
ملك المشتري قطعا قبل، فكذا بعد، للاستصحاب، ولعدم ناقل شرعي، سيما وأن
ينتقل قهرا بغير عوض أصلا، مع أنه ضرر بلا تأمل، وأشد من هذا أن يكون
الزيادة حصل بفعل المشتري وخروجه.
قوله: الخبر المتقدم، لأنه متاعه يشمله أيضا.. إلى آخره (2).
فيه تأمل، لأنه خلاف الظاهر والمتبادر، إلا أن يلاحظ العلة، ويقال: إنها
من باب تنقيح المناط لا القياس.
قوله: ويحتمل ظهور غريم آخر [لا يقبل ذلك].. إلى آخره (3).
هذا أيضا محل نظر، إذ الأخذ والرجوع إلى العين خلاف الأصل والقاعدة
كما مر، فيحتاج إلى دليل.
قوله: وإن اختار الإبقاء والصبر - والفرض أنه محجور عليه - فكل يطلب
حقه، والفرض عدم إمكان حصول المسلم فيه.. إلى آخره (4).
فيه تأمل، إذ مر في بحث السلم أنه عند التعذر يتعين الصبر أو الفسخ، وأنه
إذا أخذ المشتري عوض ماله ولم يصبر لا يأخذ أزيد من رأس ماله، كما نطقت به



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 256.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 257.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 258.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 260.
400
الصحاح (1) وسلمه الشارح (2)، فكيف يجوز هنا أن يأخذ أزيد؟!
وأيضا، ذمة المفلس لم تكن مشغولة بالعوض قطعا، لعدم عقد أو عهد أو
شرط أو تراض أصلا، بل ذمته ليست مشغولة إلا بالمتعذر، فكيف يمكن
للمشتري الضرب مع الغرماء بما لم يكن ذمة المفلس مشغولة به أصلا، وكانت
ذمته فيه بريئة مطلقا؟!
ولو كان يجوز له أخذه بالعوض عند التعذر، لكان مخيرا في أخذ العوض
أيضا مع عدم الحجر أيضا، إذ الحجر لم يتحقق إلا بالقياس إلى ما اشتغل ذمة
المفلس، لا ما لم يشتغل (3)، ولذا لم يشارك الغرماء من لم يحل دينه، ولم يجز الحجر
على المؤجل قبل حلول الأجل، بل لو كان الغرماء كلهم مشترين السلم المتعذر لا
نسلم تسلطهم على الحجر، بل لم يتحقق الحجر من جهتهم بمقتضى الأصل
والدليل.
لا يقال: يجوز للغرماء أخذ العوض عوضا عن حقهم، فلا يتعين أن يكون
ما يأخذون عن المفلس نفس حقهم.
قلت: يجوز مع التراضي، لا قهرا، فتأمل.
قوله: فكأنه ترك للإجماع.. إلى آخره (4).
في " القواعد " حكم بوجوب الإنفاق عليه في السفر إلى أن يصل إلى بيته،
إن وقعت القسمة في السفر (5).



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 307 الحديث 23729 و 309 الحديث 23735.
(2) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 365.
(3) في ألف: (إلى ما أشغل ذمة المفلس، لا ما لم يشغل).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 267.
(5) قواعد الأحكام: 1 / 173.
401
قوله: وكذا كفن زوجته ومملوكه (1)، دون قريبه.. إلى آخره (2).
لم يظهر وجهه، لأن المتبادر من المطلق كفن نفسه (3)، والعمومات تقتضي
وجوب أداء الدين، وتعلق الحجر وحق الغرماء أيضا كذلك، ولعل وجه التقديم
أن كسوتهم حال الحياة مقدمة فكذا بعد الموت، لأن حرمة المؤمن حيا وميتا
واحدة (4)، ويؤيده العلة المنصوصة في منع بيع دار سكناه (5)، والله يعلم.
قوله: [فينقض القسمة ويجمع المال ثم يقسم من الرأس]، لظهور بطلان
القسمة الأولى، لتعلق حق هذا الغريم أيضا.. إلى آخره (6).
فعلى هذا يكون النماء الحاصل بعد القسمة الأولى للمفلس، وأما التلف
فلعله ممن هو في يده وتلف عنده، لأن يده يد ضمان، لعموم: " على اليد ما أخذت
حتى تؤدي " (7).
ويحتمل - على بعد - كونه من المفلس، لانكشاف كون المال ماله واليد
ليست يد غصب، وفيه أن الضمان غير منحصر في الغصب. نعم، الأمانة لا ضمان
فيها.



(1) لم ترد في المصدر: (ومملوكه).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 269.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 345 الباب 13 من أبواب الدين والقرض و 19 / 328
الباب 27 من أبواب الوصايا.
(4) لاحظ! بحار الأنوار: 76 / 79 الحديث 1 و 78 / 328 الحديث 27، وسائل الشيعة:
3 / 55 الحديث 3010.
(5) لاحظ! الكافي: 5 / 96 الحديث 3، علل الشرائع: 529 الحديث 1، تهذيب الأحكام:
6 / 86 الحديث 387، وسائل الشيعة: 18 / 339 الحديث 23801.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 269.
(7) عوالي اللآلي: 1 / 224 الحديث 106، السنن الكبرى: 6 / 95 باب رد المغصوب.
402
قوله: فيمكن الشهادة على الأول دون الثاني، وفيه تأمل.. إلى آخره (1).
لا يخفى أنه لم يثبت - بعد - أن مجموع المال لهم، ولم يثبت أيضا أن مالهم أي
قدر، والأصل عدم انتقال الجميع إليهم، وعدم كونه حقهم حتى يثبت، وكذا
الكلام في القدر - أي قدر فرض - وأصالة عدم وارث آخر يعارضها الأصل
الذي ذكرناه.
ومما ذكر ظهر الكلام في آية الإرث (2) أيضا.
على أنه لو تم ما ذكره لم ينفع المظنة أيضا، لأنه لا يعدل عن الأصل بمجرد
المظنة، لقولهم (عليهم السلام): " لا تنقض اليقين إلا بيقين مثله " (3)، ولذا يقدمون الفقهاء
الأصل على الظاهر إلا فيما ثبت شرعا تقديم الظاهر عليه.
لكن في حكاية الغرماء لا يمكن ثبوت الانحصار غالبا لو لم نقل كليا، إذ
إقرار المديون لا ينفع، والشهادة على النفي لا تسمع، ورجوعه إلى الإثبات مما لا
يكاد يتحقق، فتأمل جدا.
قوله: [وظاهر أنه ينكر الحال] وهم يدعون وجوده عنده، والأصل عدمه
.. إلى آخره (4).
هذه الدعوى كيف تجتمع مع احتمال الوجود؟! لأن الاحتمال شك في
وجوده، إلا أن يجعل المراد من الدعوى أنه يحتمل وجود المال كذلك، فتأمل.
قوله: لا دليل على الكل بخصوصه، إلا أن يكون إجماعا.. إلى آخره (5).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 271.
(2) النساء (4): 11 و 12.
(3) وسائل الشيعة: 1 / 245 الحديث 631، مع اختلاف في الألفاظ.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 276.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 281.
403
ربما يدل على الكل العلة المنصوصة (1) - على ما هو ببالي - فليلاحظ.



(1) لاحظ! الكافي: 5 / 96 الحديث 3، تهذيب الأحكام: 6 / 86 الحديث 387، وسائل
الشيعة: 18 / 339 الحديث 23801.
404
الضمان
قوله: إعلم أن الضمان لفظ مشترك عند الفقهاء بين المعنى الأعم من الضمان
بالمعنى الأخص.. إلى آخره (1).
ليس الضمان ضم ذمة إلى ذمة كما توهمه العامة (2)، بل هو جعل ما في ذمة في
ضمن ذمة أخرى، فمعنى ضمنت - مثلا -: جعلت ما في ذمة فلان في ذمتي،
وتعهدت أن أعطي، وعلي أن أعطي كما عليه أن يعطي، ولك التسلط علي
كتسلطك الذي كان عليه، وأمثال هذه المضامين.
فإذا كان ذلك صحيحا شرعا، لزمه أن يعطي كما كان يلزم المديون، وينتقل
من ذمة المديون إلى ذمته وتبرأ ذمته، وينتقل تسلطه إلى الضامن بأن يكون
التسلط عليه خاصة.
هذا محل وفاق الشيعة، ومقتضى الصيغة والعقد، ويصير الانتقال
والاشتغال من حين العقد وبعنوان اللزوم، لعين ما ذكرنا.
والأصل عدم الصحة إلا أن يثبت الصحة من الشرع، والقدر الثابت من
الإجماع والأخبار (3) هو ما ذكرناه، ولا ينفع مثل: * (أوفوا بالعقود) * (4) للصحة



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 282.
(2) راجع! المغني لابن قدامة: 4 / 344 المسألة 3570.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 422 الأبواب 2 و 3 و 4 من أبواب الضمان.
(4) المائدة (5): 1.
405
بأي وجه كان، لما ستعرف في كتاب الشركة مما سنذكره هناك (1).
مع أن عقد الضمان مقتضاه ومعناه هو الذي ذكرنا، فلا يقبل خيار الفسخ،
لمنافاته لمقتضى العقد والتعهد اللزومي، إذ يصير معنى العقد حينئذ: جعلته في
ذمتي إن اشتهيت، وعلي أن أعطي إن رضيت واشتهيت، فكل وقت يطالبه الديان
له أن يعطي وله أن لا يعطي، فلا ثمرة للضمان والتعهد، إذ له قبل هذا أيضا أن
يعطي وأن لا يعطي، وإن مات فلوارثه أيضا ذلك، لأنه حق من حقوقه وكل حق
منه ينتقل إلى الوارث.
وبالجملة، لا شبهة في عدم مناسبته للضمان والتعهد.
وأيضا، إذا انتقل المال إلى ذمته وبرئت ذمة المضمون - كما هو عند الشيعة
ومقتضى الظاهر من العقد والأدلة، بل مقتضى معنى العقد - فحينئذ عوده يحتاج
إلى دليل.
وليس كذلك البيع، إذ بمجرد العقد ينتقل العوضان، فترتب آثار العقد قبل
الفسخ، والإجماع والأخبار تدل على الصحة.
ومما ذكر ظهر أنه لا يناسبه التعليق على الوقت المستقبل وإن كان معينا
كرأس الشهر، لأن معناه ومقتضاه الانتقال والجعل على العهدة من الحين،
فبالتعليق يصير وعدة لا إنشاء، كما لا يخفى على المتأمل.
وليس كذلك الإجارة، لأن المنافع الآتية ملك المؤجر، بحيث يقبل نقلها
الآن، بل لا تتحقق الإجارة إلا في المنافع الآتية، التي توجد بعد العقد شيئا فشيئا،
وكذا الحال فيما هو مثل الإجارة.



(1) يأتي في الصفحة: 538 من هذا الكتاب.
406
في شرائط الضامن
قوله: [لم يصرح كونه من مال المولى] ولا في ذمته فينصرف إلى الظاهر -
وهو الكسب - والظاهر أنه مع عدم القرينة ينصرف إلى ذمته.. إلى آخره (1).
لأن الإذن لا يستلزم النقل إلى ذمته والرضا به، فضلا عن أن يكون العقد
كذلك، والأصل براءة ذمته، وكذا الاستصحاب، إلا أن يقال: الإذن فيه إذن في
لوازمه، ومنها إفراغ الذمة ولزوم الإفراغ الآن، كما هو الظاهر من اللوازم، لا أنه
إن اتفق العتق يؤثر الضمان، وإلا فلا أثر له في الدنيا، بل في الآخرة أيضا.
مع أن معنى الضمان أن مالك في ذمتي أعطيك كما على المضمون عنه أن
يعطيك، ولك التسلط علي كما لك التسلط على المضمون، لا أنه لا أعطي إلا أن
يتفق وجوب الإعطاء علي، مع كونه فرضا خلاف الأصل بعيدا بملاحظة حال
الاستصحاب.
فعلى هذا، يتعلق بكسبه، إلا أن يقال: الآن ليس له ذمة غير ذمة المولى
فينتقل إلى ذمة المولى، وهو بعيد غاية البعد، وخلاف الأصل والقاعدة، إذ للعبد
يكون ذمة بالمعنى المذكور.
قوله: وإن كان مذهب الأصحاب في غير هذه الصورة أنه ناقل، ويدل
عليه [رواياتهم].. إلى آخره (2).
لا يخفى أن الذي يقتضيه كلام أكثر الأصحاب أنه في هذه الصورة أيضا



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 286.
(2) في مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 286.
407
ناقل، لأنهم يجعلون تعلق الدين به تعلقه بالرهن لا تعلقه بأرش الجناية، على أنه
لو كان تعلقه تعلق أرش الجناية لكان النقل أيضا متحققا، لأن المال المعين هو حق
الضامن وماله، وكيف يتعلق به مع بقائه على ذمة الضامن؟ فتأمل!
ولإطلاق قولهم: إن الضمان ناقل عندنا، ولأنه لو لم يكن ناقلا لكان الدين
في ذمة المضمون عنه باقيا كما هو، فلا معنى لعدم تسلط صاحب المال على
المضمون عنه أصلا وتسلطه على رجل آخر غير مشغول ذمته بحقه مطلقا، بل
لا بد أن يرجع إلى المضمون عنه لو لم ينتقل الحق، كما صرحوا به (1).
والحاصل، أنه على تقدير صحة هذا الضمان لا بد أن يكون نقلا خاصا، وأن
يكون اشتغال ذمة الضامن بهذا النحو، كما إذا باع سلفا نوعا خاصا من المبيع
فاتفق عدم مجيئه في السنة التي باعه.
على أن الفقهاء جعلوا شغل ذمة الضامن مطلقا من المحتمل، بأنه لو تلف
ذلك المال بغير تفريط منه يكون ضامنا أن يعطي من غيره، وإن كانوا جعلوا
بطلان الضمان في صورة التلف احتمالا آخر.
ومما ذكر ظهر ما في قوله: بل معه أيضا (2).
قوله: لعدم الصراحة في كون هذا القول بعد قول المعطي بحمل بعير، مع
أنه جعالة.. إلى آخره (3).
لا يخفى ظهور تعلقه بحمل بعير، وكونه جعالة لا يضر، لقول بعض أصحابنا
بصحة الضمان في مال الجعالة أيضا، منهم العلامة في " القواعد "، لأنه كان في ذمته



(1) مسالك الأفهام: 1 / 200.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 286.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 287، وقد وردت هذه العبارة مرتبكة ومختلفة في النسخ
الخطية فرتبناها على ما هي مرتبة عليه في المصدر.
408
وعهدته إن فعل له الفعل أن يعطي مال الجعالة (1)، وهذا القدر انتقل إلى ذمة
الضامن، فتأمل.
وكونه مذهب من قبلنا أيضا لا يضر، لأصالة البقاء حتى يثبت خلافه ولم
يثبت، إذ لم يثبت أن شرع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نسخ كل حكم من أحكام الشرع
السابق، بل الثابت من الآيات (2) والأخبار (3) خلاف ذلك.
قوله: والأولى تدل على اعتبار رضا الغريم، وغيرها.. إلى آخره (4).
الظاهر أن القرينة كانت موجودة في رضا الغريم، لأن حقه كان غير
موجود، لعدم التركة ظاهرا، وأن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان في غاية مرتبة الوفاء



(1) قواعد الأحكام: 1 / 200.
(2) لاحظ الآيات:
أ - * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم
تتقون) *. البقرة (2): 183.
ب - * (قل آمنا بالله وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما
أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) * آل
عمران (3): 84.
ج - * (قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) * آل عمران (3):
95.
د - * (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) *
المائدة (5): 48.
ه‍ - * (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم
وموسى وعيسى) * الشورى (42): 13، وغيرها من الآيات.
(3) لاحظ! الأحاديث: أ - تفسير البرهان: 1 / 180 الحديث 1. ب - تفسير البرهان:
4 / 119 الحديث 10. ج - بحار الأنوار: 73 / 67 باب السنن الحنيفية. وراجع - أيضا -
الفوائد الحائرية: 413 الفائدة 13.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 287.
409
والوثوق به (1).
قوله: وزيادة الفرع على الأصل بالدليل لا قصور فيه، ومعلوم أن المال
واجب على المضمون عنه وذمته مشغولة.. إلى آخره (2).
لا تأمل لهم في ذلك، ولذا يجوزون الضمان مؤجلا، لأن الذي في ذمته
وذمته مشغولة إن يعطي في الأجل، فينتقل في ذمة الضامن هكذا، والأجل حق
من حقوقه، فالدين بهذا الحق يتعلق بذمة الضامن، كما إذا كان دينار يصرف
الدينار تسعة دراهم، وإذا رفع اليد عن هذا الحق بأن قال: أعطي المال الآن،
فبمجرد هذا لا يصير حالا ولا يتسلط الديان على الأخذ حالا.
وأيضا، للأجل قسط من الثمن، فإذا قال: أعطي الثمن زائدا عن الحق، لا
يصير مشغول الذمة بالزائد، وبمجرد التبرع لا يكون في الذمة شئ، وكذا بمجرد
الوعد، فكيف يصلح للضمان؟!
وقوله: (وإنما الأجل للطلب وجواز التأخير.. إلى آخره) (3) لو تم لكان
اللازم إعطاء المؤجل أيضا في المفلس وضربه مع الغرماء وتقسيم ماله على الحالة
والمؤجلة معا، ومر أنه ليس كذلك وإن كان المفلس راضيا أشد الرضا، ومر أنه
لاحق للمؤجل.. إلى غير ذلك من الأحكام، مثل: أن المديون لو تبرع به قبل
الأحكام لم يجب على الديان أخذه.. إلى غير ذلك.
إلا أن يقال: شرط جائز في نفسه بعد رضا الطرفين، فإن كان في ضمن عقد
لازم يصح ويصير لازما، وهذا يتوقف على كونه عقدا، فتأمل، وعلى أن



(1) إشارة إلى حديث أبي سعيد الخدري في ضمان أمير المؤمنين (عليه السلام): مجمع الفائدة والبرهان:
9 / 287، وسائل الشيعة: 18 / 424 الحديث 23968.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 290.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 290.
410
الشروط الجائزة تصير لازمة، لا أن العقد يصير جائزا، والظاهر أنه كذلك.
نعم، يتوقف على عدم كونه منافيا لمقتضى العقد من حيث أن الضمان إنما هو
في الحق الثابت - كما سيجئ - وضمان ما لم يجب ليس بصحيح، أوليس بضمان،
ومر ما به يظهر الحال.
قوله: وإن قالوه، إلا أن ينضم إليه قرينة، ويعلم من " التذكرة " (1)
الإجماع على الرجوع مع الإذن في مجرد الضمان، فتأمل.. إلى آخره (2).
يمكن أن يقال: مرادهم من الضمان بالإذن كونه بسبب الإذن، بحيث لو لم
يأذن لم يصر ضامنا، ولما كان الإذن غير معتبر في نفس الضمان أصلا، ويتأتى
للضامن أن يضمن من دون إذن أصلا، بل مع عدم اطلاع المضمون عنه مطلقا،
بل مع منع المضمون عنه وعدم رضاه به، يصير التوقيف على الإذن قرينة على
إرادة العوض، وكذا لو كان بالتماس المضمون عنه، لدلالة العرف على العوض
هنا، فكذا في السابق، فتأمل.
قوله: وجه الكل ظاهر.. إلى آخره (3).
مضى الكلام فيه (4).
قوله: ولو قيل بثبوت الحاضرة بمجرد طلوع الفجر.. إلى آخره (5).
حكم في " القواعد " بصحة الضمان في الحاضرة (6)، ولعل مراده بعد



(1) تذكرة الفقهاء: 2 / 94.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 291.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 292.
(4) راجع الصفحة: 408 من هذا الكتاب.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 293.
(6) قواعد الأحكام: 1 / 178.
411
الثبوت، أو أنها تؤول إلى الثبوت قطعا عادة، فتأمل.
قوله: إذ الضمان عندهم ناقل، ووجوب الرد لا ينتقل، بل يجب على
القابض أيضا.. إلى آخره (1).
يمكن أن يقال: إن الضمان جعل الشئ في ذمة أحد وعهدته في ذمة الضامن
وعهدته، ومعلوم أن نفس العين - من حيث أنها عين، ومن حيث هي هي - لا
تكون في عهدة، ولا يمكن أن تصير في عهدة شخص وذمته.
بل الذي في العهدة والذمة حفظها وأخذها وحملها ونقلها إلى مالكها، فإن
كانت هذه الأمور في عهدة شخص وضمن آخر، بأن قال: جعلت ما في عهدة
فلان في ضمن عهدتي - كما مر في معنى الضمان - ورضي المضمون له بذلك، لم نر
مانعا من أن تنتقل هذه الأمور في عهدة الضامن وبرء ذمة المضمون عنه لرضا
المضمون له، فإنه إبراء له ولذمته بالنسبة إلى [هذه] الأمور، فتكون هذه الأمور
لازمة على الضامن غير لازمة على المضمون عنه، فاللازم - حينئذ - على الضامن
أخذها من المضمون عنه وحفظها ونقلها إلى مالكها.
وإن أراد من الحفظ أعم من أن يكون بنفسه أو نيابته أي شخص - كما هو
المتعارف - فلا يجب عليه أخذها من المضمون عنه إذا رضي بأن يكون عنده.
وكذا الحال إذا كان المراد من الحمل والنقل والتسليم إلى المالك أعم من
المباشرة بالنفس أو بالنائب والوكيل والحمال - كما هو المتعارف - فلا تسلط
لصاحب المال حينئذ على المضمون عنه في الأمور أصلا، بل تسلطه على الضامن
خاصة وحقه فيها عنده.
نعم، إن وجد عين ماله عند المضمون عنه، له أن يأخذها من يده، وهذا



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 294.
412
غير الأمور المذكورة، ولا يدخل تحت العهدة، ولا يشتغل به الذمة، لأن الأخذ
فعل صاحب المال، وأما من المضمون عنه فعدم المانعية وهو أمر عدمي، فلو قال
له: ارفع أو خذ وسلم بيدي، لا يكون له تسلط عليه فيه، لإسقاط حقه منه.
نعم، إن حفظ وأخذ وحمل ونقل وسلم المضمون عنه، يكون جائزا
صحيحا وإن لم يشغل ذمته بها أصلا، لأن أداء المال والحق من طرف من عليه
الحق والمال صحيح وإن لم يكن برضاه وإذنه، بل ومع منعه عنه كما مر، ولذا في
صورة المال إن أدى المضمون عنه عن الضامن برئ الضامن وإن لم يكن الأداء
بإذنه ورضاه، بل ومع منعه كما أن الضامن - تبرعا - كان حاله كذلك، وكذا حال
كل من أبرأ ذمة شخص.
هذا، إذا لم يصر المضمون عنه غاصبا بأن منع المال عن الضامن والمضمون
له جميعا، أما إذا صار غاصبا بالمنع المذكور أو بالتفريط في الحفظ وغيره يكون
اللازم عليه الحمل والنقل والتسليم والحفظ حال تلك الأمور.
وهذا حكم على حدة، حتى أن الغاصب المتقدم على الضمان إذا أبرأ ذمته
صاحب المال وجعل على ذمة الضامن خرج عن الغصب ما لم يصر غاصبا،
فتأمل.
وسيجئ في ضمان عهدة الثمن ما يحقق صحة ضمان الأعيان، وعدم المانع
منه (1).
قوله: [والقيمة] غير ثابتة حين وجود العين، ولا معنى لضمان العين
بدونها، ويحتمل الثبوت، لصدق الضمان عرفا.. إلى آخره (2).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 297.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 294.
413
يمكن أن يقال: العين كانت بحيث لو تلفت يتبدل بالقيمة وأنه يجب حينئذ
القيمة، فيجري فيها ما ذكرناه في مال الجعالة، بل والديون المؤجلة قبل الحلول،
فتأمل.
ويشهد على صحة ضمان القيمة ما سيجئ في ضامن عهدة الثمن، كما أن
ذلك يشهد على صحة ضمان العين أيضا، فقولهم: شرطه أن يكون مالا ثابتا في
ذمة المضمون، إما شرط الضمان المتفق عليه غالبا، أو المراد من المال الثابت في
الذمة ما يعم ما ذكرناه، بأن يكون المراد ما يصح وما يستحق بإزائه مال.
والأفعال التي أشرنا إليها وإلى أنها تدخل تحت العهدة يصح الجعالة بها
والإجارة عليها، ولها حرمة وقيمة أي عوض، فتأمل.
قوله: والحلف لا يؤثر في ثبوت حق على الغير.. إلى آخره (1).
نقل عن المفيد تأثير حلف المضمون له مطلقا (2)، وعن الشيخ مع رضا
الضامن (3)، وعن الحلبي (4).
قوله: [ويردها إلى أهلها] إن ثبت النقل بالدليل مطلقا.. إلى آخره (5).
قد مر الكلام، وأن الظاهر صحة الضمان على سبيل النقل، كما هو مذهب
الشيعة.
قوله: فلوجود العين في يده أو تلفها فيها، وفي العهدة إن شاء المشتري



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 295.
(2) المقنعة: 816.
(3) النهاية للطوسي: 316.
(4) كذا في كافة النسخ، والظاهر أن الصحيح: (القاضي) بدلا من (الحلبي). لاحظ: مختلف
الشيعة: 5 / 462!.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 297.
414
طالب البائع وإن شاء طالب الضامن.. إلى آخره (1).
قد عرفت أن الأخذ ممن توجد العين عنده ليس متعلقا للضمان، إذ الطفل
والمجنون إذا وجد العين عندهما يؤخذ منهما، والضمان إنما يكون فيما تعلق بالذمة
والعهدة، ولا نسلم أن في ذمة المضمون عنه مؤنة الحمل والنقل والتسليم حتى
الأخذ باليد والإعطاء بل الأخذ باليد - لئن يؤخذ من يده - أيضا ليس عليه، بل
قوله: تعال خذ أوخذ أيضا ليس عليه، إنما عليه عدم المنع عن الأخذ، وليس
ذاك إلا أمرا عدميا صرفا.
قوله: [" المسلمون عند شروطهم "] يشمل الأعيان أيضا.. إلى آخره (2).
فيه تأمل ظهر وجهه مما قلنا في صدر مبحث الضمان (3).
قوله: بسبب تفريط من البائع، فإنه كان يمكنه الإعلام.. إلى آخره (4).
الجاهل معذور في موضوعات الأحكام إجماعا، لا في نفس الحكم، إلا ما
خرج بالدليل، ولا وجه للحكم بالتفريط بمجرد الجهل.
على أنه مع الحكم بالتفريط لا وجه للتأمل في بقاء الأرش عند البائع بلا
وجه ولا عوض، فالتفريط لا يصير منشأ لذهاب الحق الذي وقع العقد والشرط
على أن يكون له عوض قطعا، ولا منشأ لثبوته، بل المنشأ هو العقد وأخذ العوض
بلا مقابل.
قوله: سبب رجوعه إلى الضامن ثبوت الأرش في الذمة وقت الضمان.. إلى



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 297، تذكرة الفقهاء: 2 / 92.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 298.
(3) راجع الصفحة: 408 من هذا الكتاب.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 299.
415
آخره (1).
لا يخفى أن العيب في المبيع نقص فيه، ففي الحقيقة ما أوفى البائع بتمام المبيع
وما استوفى المشتري تمام حقه وخياره - مثل خيار تبعض الصفقة فيما ذكرنا - فعلى
البائع إعطاء هذه النقيصة عينا كما في تبعض الصفقة، إن كان المبيع كليا لا شخصا
ويوجد القدر من العين، ولا يكون حينئذ خيار في الفسخ أو عوض النقيصة بأن
يرد القدر من الثمن المقابل لها، لأنه أخذه بغير إعطاء عوض، بأن (2) كان المبيع
شخصا، أو لا يوجد القدر من العين فيصح الضمان حينئذ، فتأمل.
قوله: وإنما يزول بالفسخ والرجوع إلى الثمن، أو أن سببه - وإن كان
حاصلا - لا يثبت إلا باختياره.. إلى آخره (3).
قد عرفت أن القدر من الثمن الذي بإزاء العيب - وهو الأرش - كان عند
البائع من غير استحقاق، بل هو عين مال المشتري، لأن استحقاق البائع إياه إنما
هو بعد وجود العوض والقدرة على تسليمه، وليس، فكيف استحقه من
المشتري؟
وأما الذي يثبت من خياره، [فهو:] رد المبيع، واستحقاق جميع الثمن - إن
اختار الفسخ - وإسقاط العوض للناقص، وإبراء ذمة البائع منه، بل في الحقيقة
يرجع إلى هبته إن أسقط الثمن المقابل، وإن أسقط مقابل الثمن فابراء.
والذي في عهدة البائع من جهة العقد هو الناقص، لكن بملاحظة أن الناقص
غير ممكن الوجود والتسليم، يظهر أن الذي كان عليه هو الأرش، إلا أن يبرئ
ذمة البائع، فهو إسقاط حقه الثابت، أو يفسخ فيستحق ما بقي من الثمن أيضا،



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 302.
(2) كذا في كافة النسخ، والظاهر أن الصحيح: (وإن).
(3) مجمع الفائدة والبرهان 9 / 302، مسالك الأفهام: 1 / 204.
416
فبالخيار يثبت ما بقي، لا قدر الأرش، فإنه كان ثابتا على كل حال، فتأمل.
قوله: [فلو علم ولم يطالب] يحتمل السقوط.. إلى آخره (1).
بعيد، إذ بمجرد عدم المطالبة كيف يسقط الحق الثابت؟!
قوله: فلا تهمة، وأما التهمة بأن يكون ضامنا بغير إذنه.. إلى آخره (2).
فيه تأمل، إذ ربما وقع بينهما مواطأة في هذا المعنى، لأن الضامن كلما يعطي
يأخذ من المضمون عنه، وما لا يعطي لا يأخذ عادة.
إلا أن يقال: هذا القدر لا يكفي للتهمة، لأن المضمون عنه برأت ذمته عن
المستحق مطلقا بظاهر الشرع، واشتغل ذمته للضامن مطلقا كذلك، وعدم النفع في
ظاهر الشرع يكفي لعدم التهمة، وإمكان المواطأة لو كان تهمة لكان في جميع
الشهود، فتأمل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 303.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 303.
417
الحوالة
قوله: والروايتان (1) تدلان على عدم اشتراط شغل ذمة المحال عليه في
تحقق الحوالة كما شرطه الأكثر.. إلى آخره (2).
دلالة الرواية فرع أن يكون الحوالة لغة وعرفا أعم من أن يكون على
البرئ وغير البرئ، مع أنه في " القاموس ": (أحال الغريم: زجاه [عنه] إلى
غريم آخر، والاسم: الحوالة، كسحابة) (3). انتهى.
وأما العرف، فلم يتعارف الحوالة على البرئ، بل المتعارف الالتماس منه
في قبوله انتقال المال إلى ذمته، وبعد قبوله يحال الغريم عليه، ومعلوم أنه بمجرد
رضاه يصير ضامنا عندهم، بل وشرعا أيضا، كما ستعرف.
مع أنه لو كان الصيغة شرطا في الضمان، فهو شرط شرعا بلا تأمل، فمجرد
الرضا بالضمان ضمان عرفا البتة، ثم بعد الضمان يقولون: جعل حوالة الدين الدين
عليه.
على أنا لو سلمنا العموم، لكن غالب ما يتحقق إنما هو على غير البرئ،



(1) والروايتان هما: الأولى: العامية المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): مجمع الفائدة والبرهان:
9 / 305، سنن أبي داود: 3 / 247 الحديث 3345، سنن ابن ماجة: 2 / 803 الحديث
2404.
الثانية: رواية منصور بن حازم عن الصادق (عليه السلام): مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 305،
وسائل الشيعة: 18 / 434 الحديث 23992.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 305، وفيه: (والتعريف والروايتان يدلان..).
(3) القاموس المحيط: 3 / 374، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
418
والروايات محمولة على الأفراد الغالبة.
على أن الذي يظهر من الروايتين عدم اعتبار رضا المحال عليه، فيظهر كونه
مشغول الذمة، إلا أن يقول: الإجماع واقع على اعتبار رضاه، وإن ما قال الشهيد
الثاني (1) باطل.
لكن، على هذا نقول: لعل الوارد في الروايتين غير الحوالة، ولذا لم يظهر
منهما اعتبار رضا المحتال أيضا، سيما الرواية المروية بطريق العامة، فإنها في غاية
الوضوح، ويمكن أن يكون مضمونها توكيل في استيفاء الحق، فتأمل.
وأما رواية الخاصة، فيمكن أن يقال: القدر الثابت هو القدر المشترك بين
الضمان والحوالة، وهو عدم الرجوع، فتأمل.
على أنه على ما اختار الشارح في الضمان من عدم اعتبار صيغة له، بل يكفي
ما يدل على الرضا (2)، يكون الحوالة على البرئ هي الضمان لا غير، إذ بمجرد
الرضا من البرئ ينتقل المال إلى ذمته من غير توقف على إحالة المحيل ولا رضاه
أيضا، بل لا يعتبر رضاه أصلا، وإن وقع العقد من المحيل ورضاه يكونان لغوا، إذ
ما لم يرض البرئ لا يكون لهما أثر أصلا.
وبعد الرضا لا حاجة إليهما مطلقا، إذ رضاه علة تامة في الأثر المذكور -
وهو الانتقال وعدم جواز الرجوع إلى المحيل - فجعل ذلك من أقسام الحوالة
فاسد.
قوله: دليل كونها لازمة [مثل * (أوفوا بالعقود) *].. إلى آخره (3).



(1) مسالك الأفهام: 1 / 205.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 288.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 307.
419
قد مر في الضمان ما به يستعلم الحال في المقام (1).
قوله: وأما اشتراط الإيجاب والقبول، فدليله غير ظاهر.. إلى آخره (2).
قد مر في بحث البيع ما ينبغي أن يلاحظ لتحقيق ما في المقام وأمثاله (3)، مع
أنا لم نر من الروايتين (4) ظهورا في أنهم ما أحالوا بلفظ وعبارة، بل أحالوا بقرينة
أو إشارة، بل يمكن أن يكون باللفظ، بل هو الأظهر.
والفقهاء اكتفوا بكل لفظ يدل على النقل، فإطلاق الروايتين يمكن أن يكون
محمولا على الفرد الشائع، مع أن الروايات كثيرة وأصح سندا، بل وأظهر متنا، فما
وجه القصر في الروايتين؟!
قوله: والفرق بين الوكالة والبيع والحوالة واضح، فعلى تقدير علمه (5)
[فيحتمل كون الفارق هو الإجماع].. إلى آخره (6).
الفرق في غاية الوضوح، لأن الحوالة هي نقل ما في ذمة المحيل إلى ذمة
المحال عليه، فيبرأ المحيل ولا تسلط للمحتال عليه ولا للمحيل على المحال عليه..
إلى غير ذلك من أحكام الحوالة، وشئ منها لا يتحقق في الوكالة.
وأما بيع ما في الذمة، فهو - مع فساده في نفسه، لأنه بيع الدين بالدين -
فرق واضح بينه وبين الحوالة، وأحكامهما في غاية التفاوت، والأصل عدم ترتب
أثر من آثار الحوالة حتى يثبت بدليل، ولم يثبت، بل الثابت العدم، لأن الإجماع



(1) راجع الصفحة: 405 من هذا الكتاب.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 307.
(3) راجع الصفحة:
(4) مرت الإشارة إليهما آنفا.
(5) كذا، وفي المصدر: (وعلى تقدير عدمه).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 308.
420
المنقول بخبر الواحد حجة مثل خبر الواحد، لأنه خبر الواحد العادل، فيشمله ما
دل على حجيته.
وما قيل من أنه خبر مرسل فلا يكون حجة لجهالة الواسطة، فبطلانه في
غاية الوضوح، لأن العادل يدعي يقينه بالإجماع - كما هو مقتضى اصطلاحه،
وظاهر من القرائن الخارجة أيضا - ولا يدعي أنه أخبر مخبر بالإجماع وأخبر
ذلك المخبر مخبر، وما أعرف كم الوسائط، إذ القطع حاصل بفساد هذا، وأنهم كان
يحصل لهم اليقين في زمانهم بالإجماع، كما يحصل لنا اليقين الآن كثيرا، إذ لم نر
أحدا من الفقهاء - حتى الطاعن المذكور - إلا وأنه قد أكثر من دعوى الإجماع على
سبيل اليقين.
والخبر لا يجب أن يكون علمه حسيا، إذ غالب أخبار الآحاد مناطه
الحدس، كالمكاتبة والرواية بالقراءة على الأستاد والإجازة، وأمثال ذلك، مع أنه
ربما كان في السند سقط أو اشتباه وأمثال ذلك ويتمسك في نفيها بالأصل والظاهر.
مع أن ما دل على حجية خبر الواحد عام يشمل القسمين، على أن واسطة
نقل الإجماع لا شبهة في كونه من الفقهاء.
قوله: في عدم الرجوع بعد الرضا، فلا بد من تأويلها.. إلى آخره (1).
كون المراد من الإبراء نفس القبول ليس بذلك البعيد، وأظهر من ذلك حمل
الرواية (2) على صورة تحقق الحوالة العرفية، بأن قال للمحتال: خذ طلبك من فلان،
من دون اظهار معاوضة دينه عليه بدين على المحال عليه، والمحتال أيضا رضي
بأخذ طلبه من فلان، من دون معاوضة دين بدين والرضا فيها.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 310.
(2) أي: رواية عقبة بن جعفر: وسائل الشيعة: 18 / 434 الحديث 23993.
421
قوله: إلا أن يقال بعدم الضمان بلفظ الحوالة في هذه الصورة أو مطلقا.. إلى
آخره (1).
لما كان في المسألة خلاف عظيم، لا يمكن إثبات شغل ذمة المحال عليه
بمحض إطلاق لفظ الحوالة، إذ لعله اجتهد فرأى جريان الحوالة في المشغول
وغيره، أو قلد من رأى ذلك، أو لم يجتهد ولم يقلد إلا أنه اعتقد كذلك، أو كان
يعتقد عدم الجريان إلا أنه باعتقاد أن المحيل كان يعتقد الجريان، ولذا قال:
أحلت، وأمثاله ما أمكن عليه في إطلاقه، أو غير ذلك.
نعم، إن اعتقد أن الحوالة لا تكون بالبرء وصرح - مع ذلك - بأن معاملتنا
كانت حوالة ثم ادعى أن مرادي من الحوالة كان معناه المجازي من دون نصب
قرينة، أمكن أن يقال: إنك اعترفت بشغل ذمتك فلا يسمع منك دعوى المجاز من
دون قرينة، كما هو الحال في سائر الأقارير.
قوله: وإلا يلزم عدم الرجوع إلى المحتال، ولا المحال عليه.. إلى آخره (2).
لا وجه لما ذكره أصلا، إذ على تقدير صحة الحوالة وعدم طروء الفساد
أصلا يلزم أن يكون المحتال مشغول الذمة برد الثمن، فإذا عاوضه دين المحال عليه
صار ملكا له بإزاء ثمن المبيع الذي اشتراه المشتري، فاستحقاقه إنما هو من جهة
المبيع الذي كان ملكا له وجعله ملكا للمشتري، فإذا رد المشتري ملكه بوجه
صحيح شرعي استحق ما أعطاه بإزاء المبيع، ولا يمكن الجمع بين العوض
والمعوض عنه، ومعنى فسخ البيع: جعلت مال البائع راجعا إليه بإزاء رجوع مال
المشتري إليه.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 311.
(2) في مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 312.
422
وبالجملة، لا فرق بينه وبين أن يأخذ البائع الثمن ويشتري به شيئا أو يتلفه
بأي نحو كان، فإن المشتري عند الفسخ يأخذ عوض ثمنه البتة، وسيجئ في
الحاشية [التالية] ما له دخل في المقام.
قوله: ويفهم ذلك من " الشرائع " (1)، وقد نقل في " شرحه " (2) الإجماع
عن الشيخ [في الصحة هنا].. إلى آخره (3).
وصرح به في " القواعد " (4)، مع أنه واضح أيضا، فإن البائع لو أخذ الثمن
من المشتري وقضى به دينه، أو اشترى به شيئا، أو تزوج بامرأة وجعله المهر، أو
غير ذلك ثم انفسخ البيع، لا يمكن للمشتري الرجوع إلى البائع إلا بعوض ثمنه،
ولا تسلط له على عين ثمنه قطعا.
وأما إذا ادعى عوض ثمنه شيئا برضى من البائع، مثلا: كان الثمن دراهم
فاعطي دنانير، أو حنطة، أو غيرهما، فإذا فسخ البيع (5) يحتمل أن يكون له
الرجوع بعين ما أداه، إذ في الحقيقة هو صار عوض مبيعه، وهو الذي وصل إلى
البائع عوض ملكه، وهو الذي وصل المبيع إليه بإزائه، وهو الذي وقع التقابض به
والتسليم به.
فللمشتري أن يقول: رد علي ما سلمت عوض المبيع وقبضتك وقبضت
مبيعك بإزائه، إذ لولا البيع لما سلمت وأقبضت.
وبالجملة، المتعارف في الديون أن الديان يأخذ حقه بأي نحو كان، ويصل
إلى حقه بأي وسيلة، سواء كان عين حقه أو مثله أو عوضه برضى منهما، لكن إذا



(1) شرائع الإسلام: 2 / 114.
(2) مسالك الأفهام: 1 / 208.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 313.
(4) قواعد الأحكام: 1 / 181.
(5) في كافة النسخ: (فسخ العيب)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
423
طرأ الفساد يردون عين ما أخذوا، وللديان التسلط في رد عين ما أخذ،
وللمديون أيضا التسلط في أخذ ما أعطاه إن كان باقيا، لأن إعطاء العوض لم
يكن إلا أنه عوض حقه الذي استحقه، ولولاه لما كان يعطي ولا يعاوض أيضا،
بل ما أعطاه إلا خروجا عن حقه وبراءة منه، فإذا ظهر عدم الحق ظهر أن
الإعطاء حاله حال الحق.
قوله: [وهذا هو الفرق بين الصورتين]، فتأمل فيه.. إلى آخره (1).
لا تأمل فيه ظاهرا، لأن مدار الفقهاء في الفرق بين صور البطلان من
الأصل، والبطلان من الحين على ما ذكر، والشارح أيضا وافقهم في المواضع
الأخر، على ما هو ببالي.
قوله: على أنا ما نعرف سبب منع ذلك، إذا كان بالرضا.. إلى آخره (2).
قد مر في الضمان ما به يعرف (3)، وذلك لأن اشتغال ذمة المحيل شرط كذمة
المضمون عنه، فقبل الأجل لم يصر مشغول الذمة (4).
نعم، يصح مؤجلا كالأصل، لأنه كان كذلك في ذمة المحيل، فينتقل كذلك في
ذمة المحال عليه، وأما العكس فجائز بلا غبار، وهو ظاهر، وقد كتبنا في الضمان ما
به ينقح الحال، فتأمل.
قوله: وأيضا، غير ظاهر اشتراط التساوي جنسا، إلا أن يكون مجمعا
عليه، إذ قد يجوز ذلك أيضا بالرضا.. إلى آخره (5).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 313.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 314.
(3) في د، ه‍: (بأنه يعرف).
(4) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 292.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 314.
424
قد عرفت أن الحوالة نقل ما في ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فلو كان في
ذمة المحيل دراهم - مثلا - وفي ذمة المحال عليه حنطة، فالحوالة على المحال عليه بما
هو في ذمة المحيل مثل الحوالة على البرئ، لأن ذمته كانت بريئة من الدراهم،
فإن كان رضي بمجرد صيغة الحوالة يصير ضامنا كما مر، وله الرجوع على المحيل بما
ضمنه، وللمحيل الرجوع عليه بما في ذمته.
وإن رضي بشرط أن يكون عوض ما في ذمته، فهو ضمان بشرط، ولا
يصلح أن يقال: لعله حوالة بشرط، لما عرفت من أن نقل ما في ذمة المحيل إلى ذمة
المحال عليه مع براءة ذمته وعدم اشتغالها لا وجه له، إلا أن يكون ضمانا في المعنى.
على أنا نقول: شرط التساوي تحقق هنا أيضا، لأن المراد تساوي ما في
ذمة المحيل الذي انتقل إلى ذمة المحال عليه، وصار عوضا عنه فيما في ذمة المحال
عليه الذي اشتغل ذمته به مساو جنسا ووضعا وقدرا، فالعوضان متساويان في
الأمور، ومرادهم تساوي العوضين.
وأما ما كان في ذمة المحال عليه وتبدل بالعوض الذي صار عليه من عقد،
فهو أمر خارج عن الحوالة، غير داخل في عوضها ولا في ثمرة الحوالة وأثرها،
وهو الانتقال من ذمة إلى ذمة أخرى.
وأما إذا رضي المحتال بما في ذمة المحال عليه فوقع معاوضته مع المحيل، وإذا لم
يقع معاوضة معه بأن قال المحيل: خذ مالك في ذمتي عوض حنطة من فلان، وقبل
ورضي، فليس من الحوالة، إذ ليس نقل ما في ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، بل
هو استيفاء حق بحت، ومفاوضة في مقام الاستيفاء، كسائر الاستيفاءات للديون،
كما عرفت فيما سبق.
وبالجملة، الحوالة التي ذكرها الفقهاء وعرفوها، وظهر معناها من اللغة

425
والعرف - على ما عرفت في أول البحث - وثبت صحتها وأحكامها من الأدلة، لا
تتحقق بغير التساوي في الأمور المذكورة، مثلا إذا أحال المحيل بأكثر ما في ذمته لم
يكن الزائد في ذمته، فكيف ينتقل من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه؟!
ولو كان الأمر بالعكس، بأن يكون ما في ذمة المحيل أكثر مما في ذمة المحال
عليه، فيكون الزائد حوالة على البرئ، وقد عرفت أنها في الحقيقة والمعنى
ضمان، ومع ذلك عرفت تحقق التساوي، إذ على تقدير دخول الحوالة على البرئ
في الشرط المذكور، فلا جرم مرادهم من التساوي تساوي ما في ذمة المحيل مع ما
في ذمة المحال عليه بعد تحقق الحوالة ومن جهة الحوالة، كما لا يخفى.

426
الكفالة
قوله: أو يتمكن بمشقة عظيمة وما طلبه المكفول له منه.. إلى آخره (1).
لم يشر أحد إلى عدم التجويز، مع أنهم لو لم يجوزوا هنا لزمهم فهم عدم
التجويز في الضمان وأداء الدين وأمثالهما بطريق أولى، لأنه ضرر من أول الأمر،
والكل جوزوا، وورد به الأخبار (2)، وفعله الأئمة (عليهم السلام) (3).
سلمنا عدم تجويزهم، لكن لا يقتضي ذلك الاشتراط.
أما في صورة عدم الضرر - وهو الغالب الشائع - فظاهر، وأما في
الصورة النادرة، فلأن غاية ما اقتضاه عدم التجويز هو عدم الضرر، وذلك لا
يقتضي اشتراط الإذن، إذ وجه عدم الضرر غير منحصر في الاشتراط، مع أن
المعروف من كلام الفقهاء أن الكفيل يرجع بما اغترمه على المكفول، وإن كان
الكفالة بغير إذنه.
قوله: ولهذا لا يجوز للمكفول له منعه عن ذلك السفر إذا كان دينه مؤجلا
بأجل قليل جدا.. إلى آخره (4).
هذا علة لعدم جواز منع الكفيل، وإن وقعت الكفالة بإذنه وقلنا بأن الإذن
والرضا للمكفول شرط، فلا يناسبه أن يجعل ما ذكره من عدم تجويز مثل هذا



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 316.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 430 الباب 18 من أبواب الضمان.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 423 الباب 3 من أبواب الضمان.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 316.
427
الضرر علة لاشتراط رضاه، وإن كان علة للاشتراط فليس إلا أن العقد معه
صحيح وبدونه لا دليل على صحته، إذ لا إجماع ولا عموم، لأن الإطلاق
ينصرف إلى الفرد المتعارف، ولم يتعارف الكفالة بغير رضا المكفول، إلا أن
يدعي كونه أيضا من الأفراد المتعارفة، أو أن إطلاقه ظاهر في العموم، فليلاحظ
وليتأمل!
قوله: إن جاء زيد فأنا كفيل به، أو إن طلعت الشمس، وبذلك كله [قال
الشافعي].. إلى آخره (1).
لا يخفى أن قول: كفلت، وأنا كفيل، وأمثالهما إنشاء للكفالة من حين العقد،
يعني: أنا صرت كفيله، أو الآن كفيله، على ما هو مقتضى العقود، فإذا ضم إلى
ذلك قوله: بعد شهر، أو إن طلعت الشمس، وأمثالهما، يعني المعنى: أنا الآن ما
صرت كفيله، ولست الآن كفيله، وأمثالهما، فيحصل التدافع، لأن العقد إنشاء
الأمر بمحض التكلم ومن حينه فيثبت من الحين، وقوله: بعد شهر، معناه لم يحدث
ولم يحصل من الحين.
اللهم، إلا أن يرفع اليد عن الإنشاء، ويجعل خبر أو عدة لا عقدا، فيبطل
إن أريد العقد، أو يجعل المعنى: أنا الآن كفيل إلا أنه لي أن لا أسلمه إلا بعد شهر،
فيصح العقد.
وأما صحة إجارة الشهر الآتي غير متصل بالعقد، فعلى القول بالصحة،
لكونه ملكا له حين العقد، من غير فرق بينه وبين المتصل، كما مر تفصيله.
قوله: [ولو قال: أنا أحضره أو أؤدي ما عليه] لم يكن كفالة (2).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 317.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 317.
428
بل وعدة وشرط غير داخل في عقد الكفالة، ولا غيره من العقود المعهودة
المذكورة في كتب الفقهاء، وعقودهم منحصرة فيما ذكروه، كما لا يخفى، مع أن
الوعدة لا تكون عقدا، كما عرفت وستعرف.
ومراد المصنف أن الكفالة وإن كان حكمها ما ذكر إلا أنه لا يصح أن يكون
عقدها كذلك، لعدم التعيين في الكفالة.
قوله: لعموم أدلة صحتها، خصوصا: " المسلمون عند شروطهم "،
الثابت (1) بالرواية الصحيحة (2)، والقول به للعامة (3) والخاصة.. إلى آخره (4).
قد عرفت [أن] حمل مثله على سبيل اللزوم والعموم يوجب تخصيص
العام بالقدر الذي لا يرضى به المحققون، إذ الشروط والعهود التي يجب الوفاء بها
عند الفقهاء منحصرة في النواقل الشرعية المعهودة المضبوطة في كتب الفقه.
سلمنا الوجوب، لكن غاية ما ثبت منها وجوب الوفاء بما شرط وعهد،
ومقتضى ذلك ليس إلا العقاب على الترك، لا تحقق ثمرات الكفالة، وإن جعل
ثمراتها شرطا وعهدا، فتأمل جدا.
وأما عموم: * (أوفوا بالعقود) * (5)، فسيجئ في كتاب الشركة بعض ما
ينبغي أن يلاحظ ويتأمل (6)، مع أنه يمكن أن يقال: بمجرد العقد صار الإحضار
حقا للمكفول له، فإن كان معينا ثبت المطلوب، وإن كان غير معين، فمن المعلوم



(1) كذا، وفي المصدر: (الثابتة).
(2) الكافي: 5 / 169 الحديث 1، وسائل الشيعة: 18 / 16 الحديثان 23040 و 23041.
(3) لاحظ! كنز العمال: 4 / 363 الحديثان 10918 و 10919.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 317.
(5) المائدة (5): 1.
(6) أنظر الصفحة: 538 من هذا الكتاب.
429
أن غير المعين لا يتحقق في الخارج، فكيف يكون غير المتحقق في الخارج حقا
ثابتا في الخارج بمجرد العقد ومن حينه؟!
نعم، يصير الكلي ثابتا في الذمة، لتحققه بتحقق فرده، وأما غير المعين فلا
يوجد ولا يتحقق، فلو جاز كفالة غير المعين لجاز بيع غير المعين وإجارته، فتأمل
جدا.
نعم، يمكن أن يقال: جعلت هذا حقك فإن لم أسلم فعلي كذا، لا أن يقول:
فإن لم أجعله حقك فعلي كذا.
فعلى هذا، يصح أن يقول: كفلت زيدا فإن لم أحضره أؤدي ما عليه، وبعد
الأداء يسقط حق الكفالة، بخلاف أن يقول: كفلت زيدا فإن لم أحضره فعلي أن
أحضر عمروا، أو: فأنا كفيل بعمرو.
فإن كان المراد الكفالة عنهما، أحدهما بالأصالة والثاني بالشرط في ضمن
العقد لا بعقد الكفالة لعدم صحة التعليق، يكون صحيحا، وإن أراد أن حق كفالة
زيد يكون ساقطا فلا يكون صحيحا بالنسبة إلى كفالة زيد ولا بالنسبة إلى كفالة
عمرو، وذلك ظاهر.
قوله: لأن المتلقاة صحة الكفالة مجملة، بحيث يصدق عليه.. إلى آخره (1).
هذا يتوقف على ثبوت الكلية بدليل ظاهر، وقد عرفت التأمل في العموم
الذي ادعاه، إلا أن يقال: عموم * (أوفوا) * (2) لا تأمل فيه بحيث يشمل ما ذكر،
لأنه عقد يدل على كفالة بمعونة القرينة، إن كانت قرينة واضحة لا يكون تأمل
فيها، إذ حمل كلام العاقل على الممكن لا يقتضي تعيين ما ذكره، إذ لعل مراده



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 318.
(2) المائدة (5): 1.
430
اظهار عدم الكفالة الشرعية (1) أو المزاح والمطايبة.
وأيضا، لا بد من صحة الإطلاق، إذ ليس كل جزء يصح أن يعبر عن الكل
بلفظه، ومر الكلام في أمثال المقام في كتاب البيع (2).
قوله: الأصل وعموم أدلة الكفالة دليله، والظاهر أنه لا خلاف في
المؤجل.. إلى آخره (3).
قد علمت - مكررا - أن الصحة عبارة عن ترتب الأثر الشرعي، وهذا
يتوقف على الدليل قطعا، وإن لم يكن دليل فالأصل بقاء الحال على ما كان سابقا
على العقد، للاستصحاب وقولهم - صلوات الله عليهم -: " لا تنقض اليقين
بالشك " (4) وغيره، فالأصل عدم الصحة.
مع أن معنى كون الأصل الصحة، كون كل عقد يتحقق من أي شخص بأي
نحو أراد وأي كيفية فعل يكون شرعيا أو صادرا من الشرع وثابتا منه، ولا يخفى
فساده وانحصار العقود الثابتة من الشرع - بإجماع المسلمين، والضرورة من
الدين - في عقود معروفة.
شرائط الكفالة وأحكامها
قوله: لأن ذلك (5) مقتضى الكلام عرفا، وهو المتبادر عند الإطلاق.. إلى



(1) في ب، ج: (المشروعية).
(2) راجع الصفحة:
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 318.
(4) تهذيب الأحكام: 1 / 8 الحديث 11، وسائل الشيعة: 1 / 245 الحديث 631.
(5) في المصدر: (لأنه) بدلا من: (لأن ذلك).
431
آخره (1).
قد عرفت أن العقد إنشاء، وتحقق الإنشاء من الحين ولا يمكن غيره، لا أنه
مقتضى الكلام عرفا وأنه المتبادر، بل المتبادر منه أنه يحضره من الحين إن شاء،
وهو مقتضى إطلاق العقد، لأنه لم يقيده بأجل ووقت.
قوله: مثل إدراك الغلات ومجئ القوافل (2).
لا يخفى أنهما معينين عند المتعاقدين، وإلا فهما متعينان في الواقع، فإذا كان
غير معين في الواقع أيضا، مثل: هذا الشهر أو الشهر الآتي، فضرره أزيد، للغرر
وعدم التعين (3) المنافي للعقد اللزومي، كما عرفت.
وإذا كان مثل إدراك الغلات غررا ومضرا، فمثل أحد هذين أيضا غرر
ومضر، فكيف حكم الشارح بصحته؟!
قوله: وعن الصادق (عليه السلام) أيضا (4) قال: " قلت له: رجل كفل بنفس رجل
فقال: إن جئت به وإلا فعلي خمسمائة درهم، قال: عليه نفسه.. ".. إلى آخره (5).
أي بعد ما صار كفيلا، يعني: قال ذلك بعد تمام العقد، فأجاب (عليه السلام) بأنه
حينئذ كفيل أبدا ولا عليه شئ من الدراهم، إذ لا وجه لاشتغال ذمته بها بمجرد
هذا الشرط من الخارج، فلو قال: علي خمسمائة درهم إن لم أدفعه إليه حين عقد
الكفالة وابتداء أمره يلزمه الدراهم إن لم يدفعه إليه، لأنه شرط في ضمن عقد



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 319.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 319.
(3) في ج، د، ه‍: (التعيين).
(4) لم ترد (أيضا) في المصدر.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 321، الكافي: 5 / 104 الحديث 3، وسائل الشيعة:
18 / 432 الحديث 23988.
432
لازم من طرفه.
والمشعر بما ذكرناه، كون الأول عقيب الكفالة، بمقتضى دلالة الفاء، وظهور
تحقق تمامية الكفالة من قوله: " رجل كفل بنفس رجل "، فظهر بقرينة المقابلة أن
الثاني مفروض في خلاف الأول، وهو عدم كون قول: علي خمسمائة درهم.. إلى
آخره، بعد تمامية عقد الكفالة وعقيبه، بل يكون حينه، وابتداء أمره فيه.
وقوله: (إلا أن يبدأ بالدراهم) (1) أيضا مشعر كما سنذكر، إذ الظاهر أن
الحديثين (2) واحد، كما صرح به الشارح (رحمه الله) (3)، وحكم به الذوق السليم، وأن
تفاوت المتنين حصل من تأدي المقصود بعبارة الراوي ونقله الحديث بالمعنى، إذ
هو صحيح عندهم (4)، ورووا في صحته أخبارا (5)، كما هو ببالي، وبالتتبع يحصل
القطع بما ذكرناه.
لكن ذكر أن في نسخة " الكافي " هكذا: فقال: " إن جئت به، وإلا فعليك
خمسمائة درهم " (6). الحديث، بعد قوله: " رجل كفل لرجل بنفس رجل "، فيظهر
من هذا أن الضمير في " قال " راجع إلى الرجل المكفول له المذكور في الحديث،
فالحكم - حينئذ - واضح، لأن بمجرد قول المكفول له ذلك لا يلزم على الكفيل
شئ.
نعم، إن قال الكفيل ذلك من قبل نفسه، بأن قال هو - يعني الكفيل -: علي



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 321، وسائل الشيعة: 18 / 432 الحديث 23989.
(2) أي: حديثي أبي العباس البقباق المشار إليهما في الهامشين السابقين.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 324.
(4) راجع: معالم الدين: 212.
(5) لاحظ! الكافي: 1 / 51 الحديثان 2 و 3، بحار الأنوار: 2 / 161 الحديث 17 و 164
الحديث 24.
(6) الكافي: 5 / 104 الحديث 3، وفيه: (وإلا عليك..).
433
خمسمائة درهم إن لم أدفعه إليه، قال ذلك ابتداء من قبل نفسه، يلزمه الدراهم،
قال ذلك حين العقد كما هو الظاهر، فيكون شرطا في ضمن عقد، ولا مانع منه.
ولا يلزم من ذلك كون الكفالة معلقة كما لا يخفى، والدراهم المذكورة إما
نفس حق المكفول له أو غيرها، بأن يكون نذرا أو جعالة على حسب ما سيشير
إليه الشارح (رحمه الله) (1).
ويمكن أن يكون ذلك القول بعد العقد أيضا، لكن حصل التراضي ذلك
الحين إذا احتاج إلى التراضي، لكن لا بد من تحقق شرائط النذر أو الجعالة،
فليتأمل، مع أنه بعيد إرادتهما، سيما الثاني.
نعم، النذر لا يخلو عن قرب على رواية الكليني (2)، فتأمل.
ولا يخفى أن الرواية الثانية رواها الشيخ، عن الكليني، وقد عرفت أن
الكليني كيف رواها، فالظاهر أن ما في " التهذيب " (3) فيه خلل، والظاهر أن
الروايتين واحد كما أشرنا، وأنها كما رواها الكليني، لأنه أضبط، وهو ما روى
غيرها لما عرف فيه من الخلل، فلا حاجة إلى التوجيه، فتأمل!.
قوله: وجهه ظاهر، وكأنه مجمع عليه للأصحاب، والغرض منه الرد (4)
على بعض العامة [حيث أوجبوا المال على الكفيل].. إلى آخره (5).
إن كان الوجه الظاهر عدم إمكان الإتيان به وإحضاره، فيلزم من هذا أن
لو كان محبوسا عند ظالم مانع مدة عمره، أو الوقت الذي جعل في ذمته إحضاره



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 325.
(2) الكافي: 5 / 104 الحديث 3، وقد تقدم آنفا.
(3) تهذيب الأحكام: 6 / 209 الحديث 493.
(4) كذا وفي المصدر: (والغرض الرد).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 326.
434
فيه، أو كان مريضا لا يمكن إحضاره كذلك، أو غائبا لا يدرى موضعه، أو أمثال
ذلك، ومنها عدم قدرته على إحضاره - من تغلبه وتسلطه - يصير بريئا أيضا، فلا
وجه للتخصيص بالموت.
والبناء على أن ذكره من باب المثال بعيد، مع أن المناسب في المثال ذكر ما
هو أخفى، إذ يحتمل أن يكون الوجه فوت ما وقع عليه العقد وانعدامه، وإن كان
الظاهر في النظر عدم الفرق بينه وبين ما لا يمكن إحضاره.
وربما يظهر من كلام البعض أن الكفيل إذا لم يتمكن من الإحضار ولم يكن
مقصرا لم يكن عليه شئ، حيث قال: (ولو انقطع خبر المكفول لم يكلف
الإحضار، لعدم الإمكان، فلا شئ [عليه]، لأنه لم يكفل المال ولم يقصر في
الإحضار، وكذا إذا مات أو سلم نفسه أو سلمه أجنبي) (1) انتهى.
لكن في " القواعد " في صورة الهرب أو انقطاع الخبر حكم بإلزام الكفيل
بأحد الأمرين - الإحضار أو إعطاء ما عليه - واحتمل براءة ذمة الكفيل،
واحتمل أيضا الصبر (2).
والأصل في ذلك أن مضمون العقد إن كان الإحضار مطلقا سواء أمكنه أم لم
يمكنه، تصير صورة عدم الإمكان - في الحقيقة - راجعة بالمآل إلى إعطاء حقه،
وما ادعاه على المكفول، فحينئذ يلزم بأحد الأمرين - كما ذكره العلامة - والميت
خرج بالإجماع، إن تم.
وإن كان مضمونه الإحضار إن أمكن وتيسر، لا إن لم يمكن، كما هو الحال
في سائر العقود، فإن كان الكفالة لم يكن لنهايتها حد محدود - وإن كان لبدايتها



(1) مسالك الأفهام: 1 / 210، مع اختلاف يسير.
(2) قواعد الأحكام: 1 / 183.
435
حد محدود - فالصبر متعين، وإن كان لها حد محدود ولم يتيسر الإحضار إلى
انقضاء الحد، فبراءة ذمته متعينة، مع احتمال الصبر حينئذ أيضا، بأن يقول
المكفول له: لي حقان، حق الإحضار، وحق كون ذلك في الوقت المعين، فإذا لم
يتيسر أحد الحقين لم يسقط الآخر، فتأمل.
فيمكن أن يكون تعيين أحد الأمرين حين العقد لازما للخروج عن
الإجمال المنافي له والإشكال الوارد عليه، فتأمل جدا.

436
الصلح
قوله: ثابت بإجماعهم من غير نقل نزاع عنهم فيه.. إلى آخره (1).
والدليل على ذلك - بعد الإجماع - أن الصلح والإصلاح لغة وعرفا هو إزالة
الفساد، لا إزالة الخصومة والنزاع بخصوصه، ومعلوم أن الصلح إذا لم يتحقق
يكون هناك إفساد من جهة عدم ترتب أثر شرعي، لأن الفساد في مقابل الصحة،
والصحة في المعاملات عبارة عن ترتب الأثر الشرعي، فتأمل.
قوله: ولأن (2) للناس ما يفعلون في أموالهم عقلا ونقلا.. إلى آخره (3).
لا يدل هذا على الصحة شرعا، فإن الصحة حكم شرعي يحتاج إلى دليل،
وتسلط الناس على أموالهم يقتضي إباحة تصرفاتهم، وعدم المنع شرعا.
أما كونها مثمرة الثمرات الشرعية، فإن الناس لا يسلطون على الجعل في
الشرع، بأنهم متى ما أرادوا أن يصير شئ شرعيا يصير شرعيا بمحض اشتهائهم
وإرادتهم.
قوله: وصحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الرجل يعطي أقفزة من
حنطة معلومة يطحنها بدراهم.. إلى آخره (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 331.
(2) كذا، وفي المصدر: (وأن).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 332.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 333، من لا يحضره الفقيه: 3 / 21 الحديث 56، وسائل
الشيعة: 18 / 449 الحديث 24021.
437
لا دلالة فيها على الصلح، بل على أن شيئا إذا صار اصطلاحا بينهم
وقاعدة منهم فيمشون على اصطلاحهم لا يكون له مانع شرعي.
قوله: [يدفعون] وهم من يتوهم من الجهال.. إلى آخره (1).
بل توهم غير الجهال أيضا، فإن النهي عند المحققين في المعاملات لا يقتضي
الفساد (2)، فيتوهم صحة الصلح على الحرام.
قوله: ولعل المراد أنه إذا لم يكن أحدهما [عالما] ببطلان دعواه.. إلى
آخره (3).
يمكن أن يكون المعنى أن المنكر مع إنكاره يصح أن يصالح، وليس هذا
الصلح مخالفا لإقراره ومنافيا له، إذ إنكاره يقتضي أن لا يكون في ذمته حق أو
مال أو عين، والصلح عن دعواه ربما يوهم الإقرار بحق أو غيره، إذ لولاه لما
صالح، والمراد من الصحة ليس إلا ترتب أثر شرعي في الجملة، فتأمل!
قوله: ويشترط فيهما التملك، فلو كان غير مملوك.. إلى آخره (4).
إن كان مالا، لا مطلقا، إذ يصح الصلح على أي حق يكون.
قوله: [إلا أن يعلمه] ويصرح ب‍ (مهما كان).. إلى آخره (5).
ربما كان بعض المقامات في التصريح ب‍ (مهما كان) إشكال، إذ ربما يتوهم
الوصول إلى مقدار ولذا يرضى، ولو علم أنه أزيد لا يرضى.
وبالجملة، يظهر على المعامل أنه إن كان يصرح بأنه أي قدر لا يرضى أن



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 335.
(2) لاحظ! معالم الدين: 96.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 336.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 336.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 337.
438
يصالح بالنحو المعهود بينهم، ولذا يجعل قوله: (مهما كان) حيلة لاستحلاله.
نعم، إن علم يقينا أنه إن أخبر بالواقع أيضا يرضى على طريقة رضاه
بقول: (مهما كان)، من دون فرق يمكن أن يكون كافيا، مع إشكال ما فيه أيضا،
إذ ربما يكون يقينه خطأ، كما يتحقق كذلك كثيرا، ولذا يقين كل عالم أو فقيه لا
يصير حجة على غير المقلد، وأما المقلد في الفروع الفقهية فيكفيه ظنه أيضا،
فتأمل.
قوله: بأنه البطائني الواقفي المردود.. إلى آخره (1).
لكن الشيخ في " العدة " ادعى إجماع الشيعة على العمل بروايته (2).
قوله: ولعل وجه جواز الإبطال بالتراضي والتقايل الإجماع.. إلى آخره (3).
ويدل عليه - أيضا - عموم قوله (عليه السلام): " من أقال نادما أقال الله عثرته يوم
القيامة " (4)، ويدل في سائر العقود أيضا.
قوله: على أن في إشعار الخبر بكونه في الانتهاء مناقشة.. إلى آخره (5).
لعل مراده من الإشعار قوله: " إذا اشترط.. إلى آخره " (6)، فإن كلمة
(إذا) إذا دخلت على الماضي ربما يفيد أن الشرط يكون الآن لا من حين العقد،
لأنه مخالف لمقتضى العقد، فيكون مخالفا للكتاب كما قال المعصوم (7)، لأن مقتضى



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 338.
(2) عدة الأصول: 1 / 381.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 340.
(4) وسائل الشيعة: 17 / 387 الحديث 22808، مع اختلاف يسير.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 342.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 341، الكافي: 5 / 258 الحديث 1، وسائل الشيعة:
18 / 444 الحديث 24012.
(7) لاحظ الهامش السابق!.
439
الشركة أن يكون النماء تابعا للعين، وكذا التوي.
وما ذكر إنما هو بعد فسخ الشركة.
في أحكام الصلح
قوله: ويد الثالث كيدهما [إلى قوله:] ظاهر أن (1) لكل واحد منهما حلف
صاحبه.. إلى آخره (2).
مفروض المسألة، كون الدرهمين في يدهما، ومقتضى اليد الملكية، فظاهر
الشرع - مع قطع النظر عن الدعوى - أن الدرهمين بينهما بالمناصفة.
فمدعي المجموع مدع للقدر الذي هو في يد الآخر وملكه بظاهر الشرع من
جهة اليد، ومدعي الواحد منكر خالص، فكيف ينقسم حقه بنصفين، نصف
لمدعي الكل، والآخر له؟!
بل لا بد من البينة من المدعي، وعلى المنكر اليمين، وبالرد اليمين على
المدعي، فلو نكل لا يكون له حق إن لم يقض بالنكول، وإلا فبمجرد نكول المنكر
يصير الدرهم مال المدعي، فإن حلف فلا حق للمدعي.
نعم، ما ذكره حق إذا لم يكن الدرهم في يدهما ولا يد غيرهما ممن
يصدقهما، إلا أن يقال: إقرار المنكر بأن نصف الدرهمين للمدعي أخرج النصف
عن محل النزاع، وبقي النصف الآخر، ولما كان ذلك النصف أيضا في يدهما على
السواء، قسم بينهما بنصفين.



(1) كذا، وفي المصدر: (والظاهر أن).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 342.
440
لكن ينبغي تقييد المسألة بالإقرار المذكور، ومع جريانها في صورة
الإشاعة لا يخلو عن إشكال، فتأمل!.
قوله: أي لو تداعى اثنان الغرفة التي على بيت أحدهما ولها باب إلى الجانب
الآخر، الذي هو في تصرف المدعي الآخر.. إلى آخره (1).
إعلم أن الغرفة إما أن يكون لها باب إلى جانب صاحب الأسفل وباب إلى
جانب الآخر، أو بابها منحصر إلى جانب الآخر، بأن لا يكون لها باب أصلا إلى
جانب الأسفل - أعم من أن يكون لها بابا آخر إلى جانب شخص آخر لا يدعي
الملكية أم لا - والأول يكون الحكم كما ذكره، ووجهه ظاهر.
وأما الثاني، فالحكم بترجيح صاحب الأسفل مشكل، لأن انحصار الباب
إلى جانب الآخر علامة كونها في تصرفه بلا شبهة، وهم بين قائل بكون هذه
مساوية لتبعية الهواء بالملك، وقائل بكونها أقوى، لكون يده عليها بالذات ويد
مالك الهواء بالتبعية والذاتية.
بل المتعارف في عرفنا - في أمثال هذه الأزمان - عدم كون مثل هذه الغرفة
لصاحب السفل، بل تكون لصاحب الباب، فتأمل.
ويمكن تنزيل كلام الشارح (رحمه الله) على الأول، حيث قال: (ولها باب إلى
الجانب الآخر) (2)، بعنوان النكرة، مضافا إلى تعارف كون الباب إلى جانب
صاحب السفل، وندرة انحصار الباب إلى جانب الآخر، فتأمل.
وبالجملة، إذا لم يكن لصاحب الأسفل طريق إلى دخول الغرفة ولا يتمكن
من التصرف فيها بالدخول ووضع شئ فيها، وغير ذلك من التصرفات التي



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 352.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 352.
441
وضع الغرفة لها وهي المقصودة منها، ويكون للآخر الجار منعه من الدخول
والخروج وغيرهما من تلك التصرفات، فكيف يحكم بكون الغرفة للأسفل بغير
إشكال؟! لو لم نقل لا يمكن الحكم بكونها له، فتأمل!.
قوله: فالمشهور لا بأس به، ولا اعتبار بما تقدم من " شرح الشرائع " (1)..
إلى آخره (2).
لا بأس بما قال، لأن الشهرة جابرة، ولعل الأصحاب عملوا بها، كما نقله
ويظهر من نقله.
نعم، ما ذكره من كونه حكمه حكم الجدار، فيه ما فيه، واحتمال كونها
قضية في واقعة، أيضا فيه ما فيه.
قوله: (أو يحفر بالوعة أو مرتفعا يجر ماءه (3) إلى بئر جاره) (4)، لما تقدم..
إلى آخره (5).
غير بعيد، لأن قولهم - صلوات الله عليهم -: " الناس مسلطون على
أموالهم " (6) وأمثاله وإن كان عاما، إلا أن قولهم (عليهم السلام): " لا ضرر ولا ضرار " (7)
وأمثاله أيضا عام، بل يظهر من غير واحد من الأخبار التأكيد والتشديد في



(1) مسالك الأفهام: 1 / 216.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 355.
(3) كذا، وفي تذكرة الفقهاء: (يجري ماؤه).
(4) تذكرة الفقهاء: 2 / 189.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 358.
(6) عوالي اللآلي: 1 / 222 الحديث 99.
(7) عوالي اللآلي: 1 / 220 الحديث 93.
442
التهديد في أذية الجار (1)، والمؤمن، والأخ المسلم (2)، وسيجئ عن العلامة أن ما
ذكره ليس من الاجماعيات ولا ثابتا من إجماع، بل إنما هو عن اجتهاد اجتهده
من العموم (3).
نعم، إن تضرر بعدم تصرف في ملكه بذلك التصرف أزيد من الضرر الذي
يحصل على جاره أو مساو له يمكن أن يقال بالجواز، وإن كان تحمل هذا الضرر
أيضا أولى وأحوط، والله يعلم.
قوله: [أن تكون الأجرة] بعد حذف الأرش، فافهم! وأما الأرش،
فيحتمل أن يكون هو عوض [ما نقص آلات الوضع].. إلى آخره (4).
لعله بناء على ما ذكره من أنه ليس له القلع مجانا (5)، إذ على تقدير عدم
الأرش يكون اللازم عليه إبقاؤه، ومع اللزوم والوجوب كيف يستحق الأجرة؟!
وفيه تأمل، لأن مثل هذا اللزوم لم يثبت مانعيته عن أخذ الأجرة، إذ كثيرا
ما يجب أن يؤاجر المسلم لاضطراره، ومع ذلك يجوز أخذ الأجرة، وكذا الحال في
بيع شئ منه وغيره لاضطراره إليه، وقد مر التحقيق في كتاب المتاجر (6).
قوله: والتزم ذلك فصار لازما، لأن " المسلمون عند شروطهم ".. إلى
آخره (7).



(1) لاحظ! الكافي: 2 / 666 باب حق الجوار، بحار الأنوار: 71 / 150 حق الجار.
(2) لاحظ! الكافي: 2 / 350 باب من آذى المسلمين واحتقرهم، بحار الأنوار: 72 / 142
باب من أذل مؤمنا أو أهانه.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 369، تذكرة الفقهاء: 2 / 182.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 359.
(5) تذكرة الفقهاء: 2 / 184.
(6) تقدم في الصفحة:
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 360.
443
فيه تأمل، إذ لا تأمل لهم أن العارية بنفسها من العقود الجائزة البتة
خارجة عن العقود اللازمة بلا تأمل، بل هو مجمع عليه عندهم، لا أنه مثل البيع
وغيره من العقود اللازمة إلا أنه يعرضه جواز في الجملة.
فالأولى ما قاله من أنه يستلزم الضرر " ولا إضرار في الإسلام " (1)، وهو
بعمومه يشمل ما نحن فيه، لأنه يقال عرفا: إنه أضره، لأنه وثق بكلامه وعهده
وعهدته، وهو يعرف أنه لا يفعله إلا ثقة بقوله، وأنه لا يرجع وإن كان يعرف أن
له تسلط الرجوع، وهذا معنى آخر.
مع أنه أيضا محل نظر، لأن دليل جواز العارية إن كان الإجماع فهو غير
منعقد في مثل هذه الصورة، وإن كان الأخبار فلعله لا يسلم شمولهما لمثل ما نحن
فيه، بأن يرجع بالإضرار والإفساد والإتلاف للحقوق المحترمة مجانا بغير تدارك
أصلا.
وأما مع التدارك والأرش، فلعله له وجه، لكونه جمعا بين الحقين مهما
أمكن، مع أنه يمكن التأمل فيه من جهة ما ذكره الشارح، لكن ربما يعرض المالك
اضطرار شديد (2) إلى ماله وضرر عظيم في الإبقاء.
قوله: مع أن العادة قاضية بأن مثل هذه العارية [إنما تكون للدوام].. إلى
آخره (3).
فيه، أنه لا كلام في أنه أعاره للدوام، ومحل النزاع ليس إلا هذا، إنما الكلام
من جهة أن العارية من العقود الجائزة يجوز الرجوع فيها، وأما أن العارية لا
تكون على سبيل الدوام بل إلى مدة، فلا شك في أنه بعد انقضاء المدة له أخذ ملكه،
والمستعير يجب عليه رده، وكذا إذا لم يعلم الشمول إلى هذا الوقت، فإن الأصل



(1) عوالي اللآلي: 1 / 383 الحديث 11.
(2) في ب، ج: (إضرار شديد).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 360.
444
عدم الشمول.
والملك إذا لم يكن عارية يجب رده على مالكه قطعا إذا طلبه أو لم يطلب،
لكن عين وقت كونه عنده وينتفع، ومع ذلك يحرم عليه الانتفاع قطعا، لأن
الانتفاع إنما هو من جهة العارية، فتأمل!.
قوله: على تقدير جواز الرجوع [لا يكون النبش حينئذ حراما].. إلى آخره (1).
الظاهر الإجماع [على] حرمة النبش، إلا في الصور المعهودة (2)، ومع ذلك
لا شبهة في أنه مثلة شديدة قبيحة بالنسبة إلى الميت، وربما يحصل من ملاحظة
الأخبار (3) وعناية الشرع بحال المؤمن القطع بعدم جواز النبش حينئذ.
قوله: ما كان ينبغي وجوب الأرش.. إلى آخره (4).
قد عرفت أن الأرش إنما هو جمع بين الحقين مهما أمكن، فتأمل!
قوله: بل يمكن أن يتصور الضرر في الاستناد دونه، ويفهم ذلك مما تقدم،
وفي دليله ودليل [الدروس إشارة إليه].. إلى آخره (5).
لا يخفى أن مراده (رحمه الله): الاستناد الشائع والغالب عدم ضرر فيه أصلا، لا
الفرد النادر المضر ولو ضررا قليلا غاية القلة كالاستضاءة بسراجه، ولذا قيد في
" التذكرة " بقوله: (إذا لم يتضرر به) (6)، وأما أخذ أقل التراب فهو أخذ عين مال
شخص وإتلافها والتصرف فيها، كأكل حبة من حنطة أو حمص أو سمسم



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 360.
(2) لاحظ! مفتاح الكرامة: 1 / 508.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 3 / 208 الباب 43 من أبواب الدفن، مستدرك الوسائل:
2 / 346 الباب 38 من أبواب الدفن.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 360.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 363.
(6) تذكرة الفقهاء: 2 / 185، مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 362.
445
وأمثالها، فإن الظاهر من الفقهاء منع ذلك، وأنه غصب كما مر التحقيق في ذلك في
شرائط البيع (1).
مع أنه لو جاز ذلك لجاز لكل أحد، فإذا كان كل أحد يأخذ حبة أو ذرة أو
قطعة صغيرة لذهب ماله، أو مال معتد به، أو القدر الذي يقع [من أخذه]
المضايقة لا أقل، والغالب المتعارف عدم تحقق العلم بكل أخذ بأن هذا الأخذ منه
يوجب الضرر الذي لا يرضى، ويتحقق بسببه المضايقة، والجاهل معذور، مع أنه
إذا لم يكن معذورا يلزم المفسدة أيضا والمنع، ولا بد - من باب المقدمة، أو أصالة -
أن لا يتصرف أحد أصلا، فتأمل.
ثم إن عدم المضايقة - إن كان - هو إذن الفحوى، فلا بد من أن يحصل العلم
واليقين، لعدم ثبوت كون الظن حجة، بل وثبوت العدم، للآيات (2)، والأخبار (3)
في منع العمل بالظن، ولم يثبت المخرج.
وبعد ثبوت اليقين، فلا بد من حصول اليقين بأن صاحب المال ليس بطفل
ولا مجنون ولا سفيه ولا عدو معاند، ومن أين يحصل هذا اليقين؟! حتى أنه لا بد
من حصول اليقين بأنه ليس لهؤلاء ولا لأحد منهم فيه شركة وحق بوجه من
الوجوه!
وإن كان المراد عدم مضايقة الشارع، فمن أين ظهر وثبت ذلك؟! إلا أن
يقال: من تصرف المسلمين كذلك في الأعصار والأمصار من غير نكير من أحد
من الفقهاء أو أحد من العوام، لكن ثبوت ذلك في مثل أخذ أقل التراب أو حبة



(1) تقدم في الصفحة:
(2) الأنعام (6): 116 و 148، يونس (10): 36 و 66، النجم (53): 28.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 26 الحديث 33118 و 29 الأحاديث 33128 و 33130
و 33131 و 33132.
446
سمسم وأمثالهما محل نظر ظاهر، بل ليس كذلك، كما هو الظاهر.
نعم، ورد في بعض الأخبار التيمم بحائط اللبن من الناس، أو مسح اليد به
من غير اشتراط عدم لصوق شئ منه (1)، سيما في التيمم بعد ملاحظة اشتراط
العلوق، كما حقق في محله (2).
قوله: [بجواز البناء المتصل] مع وقوع ثقله على جدار الغير.. إلى آخره (3).
فيه تأمل ظاهر، لأنه إضرار بالغير وتصرف في ملكه عرفا بلا تأمل، مع
أنك عرفت التأمل في أصله.
قوله: فليس ببعيد الاكتفاء في أمثاله بهذا المقدار.. إلى آخره (4).
لا يخفى أن نفي الضرر والإضرار شرعا يقتضي أن يكون جميع ما تضرر
بالهدم يلتزمه، ومنه صرف مدة من عمره أو عمر وكيله على تسوية الجدار،
فالمناسب وجوب الإعادة كما كان أولا عند أهل العرف والعقلاء، بحيث لم
يحصل (5) تفاوت في القيمة ولا في الرغبة، مع أنه ربما لا يمكنه التوجه إلى إتيان بناء
وعمله، ولا يتخرج عن أكلهم مثل الغذاء المتعارف ومن تحصيل آلات البناء وما
يتوقف، وربما يمكنه ولكن في غاية الصعوبة أو غاية البط ء أو غير ذلك.
قوله: خرج مع الضرر بالمارة بالإجماع.. إلى آخره (6).
فيه، أن ذلك عام كما يشمل الضرر بالمارة يشمل غيره أيضا، وقوله:



(1) الكافي: 3 / 178 الحديث 5، تهذيب الأحكام: 3 / 203 الحديث 477، وسائل
الشيعة: 3 / 111 الحديث 3162.
(2) راجع! الحدائق الناضرة: 4 / 332.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 363.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 364.
(5) في ب: (يجعل).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 369.
447
(ويؤيده.. إلى آخره) (1) فيه أن المفروض كان الاضرار بالغير كالاضرار
بالمارة، ولذا قلت: إن قيد (بالمارة) لإخراج الغير، وإن جواز ذلك في ملك نفسه
فقدانه محل تأمل أيضا.
اللهم، إلا أن يكون إجماع، فلا يصير - حينئذ - علة الجواز في المقام، إلا أن
يقاس عليه، والقياس حرام فاسد، مع أنه مع الفارق، لأنه ملكه ومختص به
وليس لغيره فيه سبيل وهو مسلط عليه، بخلاف المقام، فإن الناس فيه شرع،
فتأمل جدا.
وأما ما ادعي بأنه له في المباح، فإنه أيضا محل نظر، لأن " لا ضرر ولا
ضرار " ثابت قطعا، بخلاف ما ذكرت، ولا إجماع فيه.
قوله: ولست أعرف في هذه المسألة بخصوصها نصا من الخاصة ولا من
العامة.. إلى آخره (2).
قد ظهر من هذا أنه ليس بثابت من الإجماع، بل من اجتهاده، وقد عرفت
سابقا ما في اجتهاده من عدم التمامية الظاهر، فالأحوط المنع بلا شبهة، لو لم نقل
الأظهر والأقرب.
قوله: إذ قد لا يمكن ذلك، لكثرة الفرسان.. إلى آخره (3).
فيه، أن مجرد الإمكان لا يصير منشأ لسقوط الحق، إذ يمكنهم المشي
منحنيا، أو بانخفاض الرأس وميل العنق، راكبين أو ماشين، وأمثال ذلك مثل
المشي في الظلمة بالعصى، وغير ذلك من أمثال ما ذكر، ولا تأمل في أن هذا ليس
مسقطا.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 369.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 369.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 370.
448
قوله: كون الأمر بالشئ مستلزما للنهي عن ضده الخاص.. إلى آخره (1).
مر الكلام منا وذكرنا التحقيق في ذلك، وأن الأمر لا يستلزم النهي عن
الضد، لكن الأمر والنهي لا يجتمعان.
قوله: إذ لا فرق بين المسكوك (2) والمرفوع في الحصول، إلا أن المترددين في
الأول أكثر.. إلى آخره (3).
لا يخفى أن الطريق المرفوع إذا اتفق أن يصير مجموع ما في هذا الطريق من
الأبواب ودورها ملكا لشخص، أو اتفق أن أرباب هذه الأبواب رضوا بأن
يكون الكل مال شخص يتصرف فيه كيف يشاء، أو صالحوه على ذلك، فالظاهر
أن ذلك الشخص يمكنه أن يتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم، بإدخال
الطريق في بيته أو جعله دكاكين أو غير ذلك، فليس مثل الطرق النافذة، والله
يعلم، فتأمل!.
قوله: ما قال في " التذكرة ": إنه محدود بسبع أو خمس، ولو كان مملكا لجاز
لهم.. إلى آخره (4).
هذا السبع والخمس ما دام التشاح كما يظهر من كلامه (5)، فعلى هذا لا مانع
بعد الاتفاق والتراضي، فلا دليل على عدم الملكية، فتأمل.
قوله: والظاهر أن هذا أعم من أن يكون الطريق مرفوعا أم لا.. إلى



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 371.
(2) كذا، وفي المصدر: (المسلوك).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 375.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 375.
(5) أي كلام: تذكرة الفقهاء: 2 / 182، الذي قال فيه: (حد الطريق المتخذ في الأرض
المباحة إذا تشاح أهله في وضعه وسعته وضيقه سبع أذرع).
449
آخره (1).
الظاهر أن مراده منه الطرق عند إنشاء الأحياء وذلك الحين، لا الطرق
المتداولة في البلدان المتعارفة - على ما أظن - فلا بد من ملاحظة عبارته، وأن
مراده غير المرفوعة، لحكمهم بكونه ملكا لهم.
قوله: وهذا صريح في أن ليس هنا ملكية.. إلى آخره (2).
لم نجد صراحة، بل ربما كان المراد أن الملكية تابعة لمحل التردد، ومن جهة
التردد صار مالكا.
وبالجملة، أمثال ما ذكره لا يقاوم تصريحهم بالملكية، فكيف أن يغلب
عليه؟!
قوله: وأيضا يدل عليه أن كل أحد يدخل هذه المرفوعة من غير إذن
أهلها.. إلى آخره (3).
لا يخفى أن الخانات وأراضي الصحارى وغيرها من أمثال ما ذكر، سيما
الأراضي المفتوحة عنوة، بل الوقف، فإنها ملك الموقوف عليهم - على المشهور -
يجوز الدخول من غير إذن، والإجماع حاصل على الجواز، والدليل والمنشأ في
الكل واحد.
قوله: [ولو بأخذ تراب قليل ينشره على الكتابة]، ومعلوم أن الداخل فيها
والخارج عنها لا ينفك عن ذلك.. إلى آخره (4).
غير معلوم، وعلى فرض المعلومية يكون هذا القدر خارجا بالإجماع



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 376.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 376.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 377.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 377.
450
وغيره كسائر الأراضي المملوكة.
قوله: على أنه قد يصرح واحد منهم بالمنع.. إلى آخره (1).
هذا أيضا وارد في أمثال ما أشرنا.
قوله: (إلا مع إذن الجميع فيه) (2)، هذا موافق لما قاله.. إلى آخره (3).
فيه شهادة واضحة على ما ذكرناه من أنه ليس ما ذكره من لوازم كل ملك.
قوله: إذ اليد ليس بملك، وهو ظاهر.. إلى آخره (4).
ظاهر اليد الملكية، ولا أقل من أنه شاهد عليها، كما هو ظاهر من النص (5)،
سيما مع فتاوي الأصحاب (6)، فتأمل!.
قوله: في ملكه بمثله تأمل واضح، ولهذا قال في " التذكرة " في الذي لا
باب له... إلى آخره (7).
التأمل ليس بمكانه، إذ بحسب العادة والمشاهد أن أمثال هذه تؤدي إلى
التصرف في ملك الغير بغير حق منجر إليه، ولا ينفع الشهود ولا الخطوط أيضا،
وهو واضح لمن لاحظ العادة والتعارف بين الناس، فعموم " لا ضرر " (8) يشمله،
لأن الظن المتاخم، بل العلم العادي حاصل بالانجرار إليه، والإمكان الذي ذكره



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 377.
(2) تذكرة الفقهاء: 2 / 184.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 378.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 378، وفيه: (إذ السد ليس بمملك..)، ويبدو من عبارة
المحشي (رحمه الله) أن نسخته من مجمع الفائدة والبرهان مختلفة.
(5) لاحظ! دعائم الإسلام: 2 / 505 الحديث 1810.
(6) راجع! جامع المقاصد: 5 / 415، مفتاح الكرامة: 5 / 476، الحدائق الناضرة:
21 / 118.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 380.
(8) عوالي اللآلي: 1 / 383 الحديث 11.
451
في " التذكرة " (1) ضعيف، إذ فرق واضح بين رفع الجدار وفتح الباب، بل لو
فرض أن في رفع الجدار يقع أمثال هذه الشبهة، فلا نسلم تسلطه عليه أيضا، بل
ورد في الأخبار من أنه لا بد للناس من حفظ أموالهم، بل ربما ورد الأمر به، على
أنه يكون ذلك لهم لا تأمل فيه من ملاحظة الأخبار (2) والفتاوي (3).
ومن الأخبار: " إن الناس مسلطون على أموالهم " (4)، ولأنه نوع سلطنة،
بل ربما كان عدم المنع موجبا للسفاهة ويعد غير المانع سفيها عرفا إذا لم يكن هناك
غرض مصحح عند العقلاء، فتأمل!.
قوله: [ودليله تسلط الناس على أموالهم] الثابت بالعقل والنقل (5).
قد مر التأمل في ذلك، وفي دلالة النقل، لوجود المعارض المقابل لو لم نقل:
إنه أقوى.
وأما العقل، فهو مانع عن إضرار الجار كالنقل، بل ربما كان أشد منعا،
فتأمل.
على أنه لو لم يمنع، فلا نسلم حكمه بعدم المنع، كما هو ظاهر.
نعم، ربما كان في بعض الصور الأمر كما ذكره، وإن كان الأحوط مطلقا، كما
مر.
قوله: لكان الفاضل في آخر المرفوعة ملكا لآخر (6)، ولأنه قد يكون



(1) تذكرة الفقهاء: 2 / 183.
(2) أنظر! وسائل الشيعة: 15 / 119 الباب 46 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه.
(3) لاحظ! السرائر: 2 / 19، جواهر الكلام: 21 / 16.
(4) عوالي اللآلي: 1 / 222 الحديث 99.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 380، وفيه: (الثابت بالنقل والعقل).
(6) كذا، وفي المصدر: (ملكا للأدخل).
452
المرفوعة واسعة.. إلى آخره (1).
لا وجه لكون الفاضل ملك الآخر، لعدم الترجيح، مع كونه ملكا عندهم
كما مر، فلا بد من الاشتراك، ولو كان المرفوعة واسعة يكون للأدخل المرور من
كل موضع، كما أن الأقدم أيضا كذلك، وإذا كان في مقابله باب فلا شك في
الاشتراك بينهما.
والفقهاء لم يتعرضوا لذكر غير البابين، اكتفاء بذكرهما عن ذكر غيرهما، إذ
الفروض كثيرة، والكل حكمه حكم البابين، وذكر البابين على سبيل المثال،
لظهور عدم تفاوت الحال.
قوله: فكأنهم جوزوا جميع ما حرموا، وأيضا إذا كان الفاضل مشتركا وقد
جوز إخراج الباب في المشترك.. إلى آخره (2).
إنهم ما جوزوا ما ذكره. نعم، جوز بعضهم إحداث باب آخر أخرج من
الأول، بناء على أن لصاحب الباب حق الاستطراق (3)، ولا فرق عنده بين أن
يكون هذا الحق بباب واحد أو متعدد، كما إذا كان بابه أضيق فيجعله أوسع، وإن
كان أوسع بمراتب، فإن (4) هذا لا يوجب تفاوتا في حق الاستطراق.
واحتمل العلامة إدخال الباب (5)، بناء على أنه حين الإحياء والإحداث
كان له ذلك وهو مستصحب، وأن إحداث الباب الأدخل أو إدخاله ليس بأشد
من رفع الحائط، ومعلوم أن له رفع مجموع الحائط، فبعضه بطريق أولى.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 382.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 383.
(3) جامع المقاصد: 5 / 421.
(4) في ب، ج: (وأن).
(5) تذكرة الفقهاء: 2 / 183.
453
ومع هذا ذكر ذلك بعنوان الاحتمال، وكثيرا ما يذكر الاحتمالات الضعيفة
غاية الضعف في " القواعد " وغيره، بحيث يمكن الظن القوي بأنه لا يرضى به، بل
ربما يحصل العلم، لأنه احتمال بحسب قواعد العامة، بل وبعض العامة، ولذا أكثر
العامة لا يقول به.
وما ذكرنا ظاهر على من لاحظ عادته (رحمه الله).
سلمنا، لكن مجرد تجويز ما ذكر لا يقتضي تجويز جميع ما حرموا.
نعم، تجويز ما حرموا ربما يتحقق بالنسبة إلى ما بين البابين، والظاهر أن
هذا مراد الشارح، لكن لا ضرر فيه، لما عرفت.
والحق، أن ما ذكر من جواز الإدخال مشكل قطعا، سيما على قاعدتهم من
اختصاص الإدخال بما بين البابين بأنه ملكه خاصة، إذ يوجب التصرف في ملك
الغير وجعله ملكا له بغير حق، بل وإحداث الباب أيضا مشكل، لاقتضائه زيادة
حق في الاستطراق، كما يشكل مثل هذا في الملك المشترك.
نعم، يجوز الإخراج (1) بلا تأمل وفتح باب أخرج أو مساو مع سد الآخر،
ووجهه ظاهر، فتأمل.
وهذا موافق لرأي الشيخ (رحمه الله) (2).
وأما كون ما بين البابين مختصا بالأدخل، فهو مشكل أيضا كما ذكره (رحمه الله)،
فإن دليلهم أن التصرف دليل الملكية، وليس للأقدم تصرف فيه، فلا يكون له
شركة. ففيه، أن الطرف الآخر الداخل مشترك بينهما كما ذكره، فيلزم أن يكون
للأقدم الاستطراق إليه، فتأمل جدا.



(1) في ب، ج، د: (تجويز الإخراج).
(2) الخلاف: 2 / 128 مسألة 12.
454
الإقرار
قوله: واحتماله مشكل، لوجوب العمل بإقراره بأدلته المتقدمة، ومع عدم
القبول يكون وصية، وجهه [أنه قصد إعطاءه إياه].. إلى آخره (1).
لم يثبت من الأدلة السابقة إلا وجوب العمل بإقرار المقر على نفسه، لا على
غيره مثل الديانين والغرماء والورثة، والمقصود في المقام هو الثاني لا الأول، كما
لا يخفى على من تأمل كلامه بأدنى تأمل، سيما قوله: (مثل إن علم من حاله.. إلى
آخره) (2).
نعم، لو ظهر من حاله أنه يريد الإخراج منه حين إقراره وتسليمه للمقر له
ذلك الحين، بأن يأخذه ويجعله في عرض ماله ويتصرف فيه لنفسه تصرف الملاك
في ملكهم ومالهم، فيصير - حينئذ - إقرارا على نفسه فيجب العمل به، إلا أن يثبت
أن هذا الإظهار حيلة وتدبر لإضرار الورثة أو الغرماء.
على أن في ظهور ما ذكر من حاله كافيا لإضرار الغرماء محل إشكال حقق
الأمر فيه في محله، فلاحظ!.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 396.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 395 - 396.
455
الوكالة
قوله: لأن الفضولي خلاف الأصل، وظاهر الآية والحديث من لزوم
التجارة (1) عن تراض، وهذه غير صحيحة، لأنها منقولة من طرق العامة.. إلى
آخره (2).
لم نجد أصلا سوى أصالة عدم الصحة حتى يثبت بدليل شرعي، وهو
كذلك، إلا أن الأدلة التي استدل بها الشارح على عدم اشتراط الصيغة في البيع
- مع مبالغته فيها - يشمل الفضولي، بل بطريق أولى، لأن جميع ما اعتبر في البيع
موجود فيه مع زيادة العقد والصيغة، ولا شك في كونه عقدا، بخلاف البيع بغير
الصيغة، ويكون بمجرد التقابض، لعدم كونه عقدا، أو عدم ثبوت كونه عقدا لا
أقل.
وظاهر الآية (3) أيضا يشمل الفضولي أيضا، لأنه بالتراضي من صاحب
المالين البتة، وبغير التراضي منهما لا ثمرة له أصلا، ومن جهة كونه عقدا لا تأمل في
كونه تجارة، بخلاف مجرد التقابض.
وهذه الرواية (4) وإن لم تكن صحيحة، إلا أنها منجبرة بعمل الأصحاب



(1) كذا، وفي المصدر: (من لزوم تجارة).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 489.
(3) النساء (4): 29.
(4) أي رواية عروة البارقي: عوالي اللآلي: 3 / 205 الحديث 36، مستدرك الوسائل:
13 / 245 الحديث 15260.
456
والموافقة مع تلك الأدلة.
وكون البارقي وكيلا على العموم خلاف الأصل وخلاف ما يظهر من الخبر،
وكذا احتمال أن يكون فهم منه (صلى الله عليه وآله وسلم) الرضا بما فعله.
والظاهر من " شاة " الشاة الواحدة بلا شبهة، مع أن في آخر الخبر أيضا
قرينة واضحة على ذلك.
والوكيل من أين يعلم أن الشاة التي أرادها (صلى الله عليه وآله وسلم) بدينار كانت مساوية
لإحدى الشاتين اللتين اشتراهما؟ فإن الشياه متفاوتة قطعا.
إلا أن يقال: يكون البارقي وكيلا على الإطلاق، لكن مقتضى مثل هذه
الوكالة على الإطلاق أن يشتري شاة واحدة وبأي قيمة تكون ويرد باقي الثمن
على صاحبه، لا أن يشتري شاتين ثم يبيع إحداهما، لعدم دلالة الصيغة، وعدم
إذن الفحوى أيضا، لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يريد باقي الدينار، كما هو مقتضى تلك الوكالة،
لا أنه كان يريد شاة أخرى أيضا جزما أو ظنا، على تقدير تجويز كفاية الظن في
إذن الفحوى.
نعم، يتوجه عليه أن البارقي سلم الشاة، وهم لا يقولون بجواز التسليم، إلا
أن يقال: لعل المشتري كان معه، أو أنه سلمه إليه لا بعنوان الإقباض في المبايعة
بل بعنوان النيابة إلى أن يستأذن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو أن بيعه الشاة وتسليمه كان
بإذن الفحوى، لحصول الظن، بل العلم بأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لو كان راضيا ببعض الدينار
فرضاه بالكل بطريق أولى، وهذا هو الظاهر، واستدلالهم بشرائه لا ببيعه،
فتأمل!

457
الموكل
قوله: لعدم الاعتداد بعبارته، وإن كان ذلك [محل التأمل].. إلى آخره (1).
صرح بعض الفقهاء بأنه يجوز أن يتولى العقد للبيع وغيره لغيره (2)،
فالاعتداد بعبارته ثابت عندهم، وستعرف في قول المصنف: (والمحجور.. إلى
آخره) (3)، ولعله ليس محل التأمل عندهم، فتأمل!.
قوله: بحيث يعلم عدم خيانته فيه مع عدم العدالة والاستئمان.. إلى
آخره (4).
حصول العلم مشكل، بل إن كان يحصل فالظن القوي غاية القوة، وحجية
كل ظن محل تأمل عندهم، سيما مع الأمر بالتثبت في خبرهم (5)، والأمر
بالعدالة (6)، ويحصل العدل في مواضع لا تحصى، فتأمل.
قوله: فإنه غير مقيد بالعدالة، وترك التفصيل في (7) دليله.. إلى آخره (8).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 494.
(2) شرائع الإسلام: 2 / 101، مسالك الأفهام: 1 / 198.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 508.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 497.
(5) لاحظ! بحار الأنوار: 2 / 158 - 168.
(6) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 138 الحديث 33419 و 140 الحديث 33424.
(7) لم ترد: (في) في المصدر.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 498.
458
لا شبهة في أن كون الظن حجة وكذا التقليد يحتاج إلى دليل شرعي، لأن
الأصل عدم الحجية، وللأدلة الكثيرة على المنع عن العمل من الكتاب (1)،
والسنة (2)، والإجماع، فإن كل من يقول بحجية ظن إنما يقول بها بدليل قطعا، ولا
يخفى على المتتبع.
وفي هذه المواضع دل دليل، والمواضع التي دل الدليل على اعتبار العدلين
وما ماثله أكثر من أن تحصى.
قوله: وقبول كرية الماء ومن الحمامي (3).. إلى آخره (4).
الأصل طهارة الماء حتى يثبت خلافها، وهذا يكفي للحكم بالطهارة، إلا
أن يقال: مع إمكان الاستعلام لا يكفي الأصل، ويمكن استعلام كرية مائه، فتأمل
فيه.
ما تصح به الوكالة
قوله: [على تقدير صحة التوكيل] والقول به ظاهر كونه إقرارا.. إلى آخره (5).
عموم " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " (6) شامل لذلك، إذ أهل العرف
يعدونه إقرارا بلا تأمل، فلا يبقى ثمرة حينئذ، إذ التوكيل في الإقرار لا بد من ثبوته



(1) لاحظ! بحار الأنوار: 2 / 111 - 113.
(2) لاحظ! بحار الأنوار: 2 / 111 الباب 16 من أبواب كتاب العلم.
(3) في المصدر: (من الحمامي).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 498.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 521.
(6) عوالي اللآلي: 1 / 223 الحديث 104، وسائل الشيعة: 23 / 184 الحديث 29342.
459
فيثبت إقراره البتة، أقر أو لم يقر.
وإن أقر وكالة، لم يسمع منه حتى يثبت الوكالة، فإذا أثبت سمع منه.
صيغة الوكالة
قوله: ففيه إشارة إلى ما قدمناه من جواز المعاطاة والتملك بها.. إلى
آخره (1).
لا يخفى أن الوكالة عرفا ليست إلا استنابة في الفعل، ورخصة فيه، ووكول
الأمر عليه، وهذا القدر يكفي في تحققه ظهور الرخصة والإذن والاستنابة كيف
كان.
فيجب على الموكل إمضاء جميع ما فعله الوكيل بإذنه ورخصته، فهو مأمور
بالوفاء بالعقود اللازمة الصادرة عن الوكيل، لأنها عقده وعهده وشرطه، بخلاف
نفس العقود اللازمة، فإن الأصل فيها عدم الصحة حتى تثبت بدليل إجماع أو
نص، وتحققهما في المعاطاة لا يخلو عن صعوبة وتأمل، كما مر الإشارة في كتاب
البيع (2)، سيما مع دعوى الشهيد الإجماع على وجوب مراعاة الصيغة لأجل اللزوم
وسائر ثمرات البيع (3)، فتأمل!.
قوله: بل إذنه باق بحكم الاستصحاب الذي كاف في أمثال هذه الأمور
بغير شك.. إلى آخره (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 529.
(2)
(3) لاحظ! مسالك الأفهام: 1 / 132.
(4) مجمع مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 529 - 530.
460
ويقال: إنه فعل بإذنه، ويصدق ذلك عرفا، ولا يمكن للموكل الاعتراض
عليه بأنك لم فعلت هذا بغير إذني؟ إذ لا شك في أنه للوكيل أن يقول: ما فعلت إلا
بإذنك، وظاهر أنه لا فرق في أنه يستأذنه مرة أخرى أم لا، وأنه إذنه ثانيا لا يفيد
سوى التأكيد، وعدم الإذن سوى الفسخ، فتأمل.
وبعد إذنه إذا باع أو اشترى أو عامل معاملة أخرى بالإذن تكون صحيحة
ولازمة، كما أن العبد المأذون في التجارة وغيرها كذلك.
قوله: [فقال: ما آكل ثم أكل] فالظاهر الجواز، ولأنه.. إلى آخره (1).
لا يخفى ما فيه.
قوله: حيث كان حاضرا، فإنه بمنزلة إن قال: رضيت بالرد.. إلى آخره (2).
ومطلقا، لكن يشكل، لعدم الوثوق ببقاء الإذن، ولأنه لو أنكر على الوكيل
بأنك رددته علي فلم فعلت بعد ذلك؟ لعله يكون مقبولا وجيها عند العقلاء، ولو
قال: بعد ما رددت علي ظهر لي رأي آخر، يقبلون قوله وعذره، فتأمل.
قوله: ولهذا قيل [بوجوب قبول الوصية].. إلى آخره (3).
فيه تأمل ظاهر.
قوله: وعموم أدلة التوكيل، وكونه جائزا، ومبناه على المساهلة دون
الضيق.. إلى آخره (4).
العموم ما وجدناه. نعم، وجدنا إطلاقات، مثل ما ذكر من أن " الوكيل



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 530.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 530.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 530.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 533.
461
وكيل حتى يبلغه العزل " وأمثاله من الأخبار (1)، والقاعدة أن ينصرف إلى
الأفراد الشائعة، وكون ما نحن فيه منها محل تأمل.
والأصل ما نعرفه، لأن الحكم الشرعي وترتب الآثار الشرعية يحتاج إلى
دليل شرعي، ومجرد الجواز لا يقتضي ترتب الآثار سوى إباحة التصرف،
فتأمل!.
قوله: ولأنه إنما يلزمه الأجرة لو فعل ما وكل فيه على ما أمر وقد بطل
أمره.. إلى آخره (2).
يمكن أن يقال: إن فهم منه الرخصة (3) في التصرف البتة أو ظاهرا،
فالإباحة موجودة، ويستحق الجعل الذي قرره بإزاء هذا التصرف، وإن فهم منه
أن الرخصة بقيد الوكالة الشرعية التي يترتب عليه الآثار الشرعية ولم يتحقق فلا



(1) تهذيب الأحكام: 6 / 213 الحديث 502، وسائل الشيعة: 19 / 161 البابان 1 و 2 من
أبواب الوكالة.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 535.
(3) ورد في حاشية النسخ: ب، ج، د العبارة التالية: (بأن يفهم منه أن مراده حصول المأذون
فيه بإذنه ورخصته كيف كان، فإنه حينئذ يصدق أن المأذون فعل بإذنه، ولا يمكنه أن يقول:
ما فعلت بإذني، ويجب عليه الوفاء بعقود المأذون ومعاملاته، لأنها عقوده ومعاملاته يجب
عليه الوفاء أيضا، لصدورها بإذنه ورخصته، فيشملها عموم * (أوفوا) * وغيره. وإن كان
يفهم منه أن مراده الحصول بقيد كونه بعنوان الوكالة الشرعية، لا مطلقا، وثبت بإجماع أو
بنص بطلان الوكالة المعلقة - على ما يقول الفقهاء - فلا يمكن فهم مطلق الإذن، ولا صحة
التصرف، بل إن لم يثبت ما ذكره الفقهاء (رحمهم الله) يشكل أيضا فهم مطلق الإذن وصحة
التصرف، لاحتمال الفساد شرعا، وجواز حقية ما ذكره الفقهاء، إلا أن يقال: إن المعلقة
وكالة لغة وعرفا. والأصل عدم شرط للصحة شرعا حتى يثبت بدليل، ولم يثبت، لعدم
ثبوت الإجماع، ولا نص، فيشملها عموم ما دل على صحة الوكالة ووجوب الوفاء بالعقود
وأمثالهما. وعلى تقدير عدم الصحة وكون المأذون جاهلا معذورا ومغرورا يستحق أجرة
المثل ظاهرا، فتأمل. " منه مد ظله ".).
462
يستحق الجعل، ولا إباحة أيضا في التصرف.
نعم، الجاهل لا يتوجه إليه الخطاب والتحريم بعد اعتقاده الإذن في
التصرف، إلا أنه غير معذور في هذا التصرف، لعدم معذورية الجاهل بنفس
الحكم عند الفقهاء إن كان مقصرا في ترك التعلم، إلا أن يكون الموكل يظهر على
الوكيل أن هذا وكالة صحيحة فتصرف من هذه الجهة، فيكون الوكيل مغرورا
فيه، فتأمل جدا.
قوله: في مطلق التوكيل، إذ لا دليل إلا الإجماع [، ولا إجماع].. إلى آخره (1).
المفهوم من لفظ الوكالة كون الفعل نيابة عن الموكل ومن طرفه وجانبه،
والمفهوم من لفظ الإذن هو الرخصة في الفعل ورفع المنع عنه، كالإذن في أكل
طعامه ولبس لباسه وسكنى بيته وأمثال ذلك، ولا معنى لكون مثل هذه وكالة.
نعم، لو أذن أن يشتري له أو يبيع له وأمثال ذلك، يرجع إلى الوكالة،
بخلاف أن يأذن أن يشتري أو يبيع لنفسه لا لمن يأذن، فهو وأمثاله ليس وكالة
قطعا.
وأيضا، خدمة البيت وأمثالها لعلها ليست وكالة، والأمر بها لا يكون
توكيلا بل إذنا، وكذا إجارة العبد وأمثالها ليست وكالة بل كسبا، وكذا إذن العبد
في أن يصير وكيلا لشخص أو يفعل أمور شخص إذن.. إلى غير ذلك من أمثال ما
ذكر إذن لا وكالة، لكن إن تصرف بالإذن يصير لازما كما ذكرنا، وأنه لا فرق بين
هذا الإذن وإذن العبد المأذون في التجارة وغيرها.
ومما ذكرنا ظهر أنه إذا أذن لعبده فعلا، يكون فعل الإذن يصير بهذا وكيلا
في المعنى، فإذا باعه أو أعتقه ربما يكون الإذن باقيا، لكونه وكالة في المعنى،



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 537.
463
والوكالة لا تبطل بهما إلا أن يكون قرينة يظهر منها كون الإذن ما دام عبدا،
فتأمل!.
في أحكام الوكالة
قوله: [منقوض بما مر]، وإن الجاهل لا يعذر إلا نادرا عندهم.. إلى آخره (1).
لا يخفى أن الجاهل في موضوع الحكم الشرعي ومتعلقه معذور عندهم بلا
شك، وغير المعذور عندهم إنما هو الجهل في نفس الحكم الشرعي، ووجه الفرق
ظاهر، ودأبهم وطريقتهم عليه غير خفي (2).
قوله: [وما ثبت صحة طريقه إليه] وإن قال ذلك في " الخلاصة ".. إلى آخره (3).
التأمل فيهما لا وجه له، كما حققناه في الرجال (4)، مع أن ابن طاووس وثق
الحسين (5)، وهو مذكور في " الخلاصة " في القسم الأول (6).
قوله: والعمل بمثل (7) هذه الروايات في مثل هذا، فيه ما فيه، ويؤيده أنه
يجوز للموكل إبطال ما وكل فيه بأن يفعله بنفسه.. إلى آخره (8).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 541.
(2) راجع! الحدائق الناضرة: 1 / 77 - 87.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 544، رجال العلامة الحلي: 276.
(4) تعليقات على منهج المقال: 382.
(5) فرج المهموم: 97.
(6) لم نعثر في القسم الأول من الخلاصة على ذكر الحسين بن عبيد الله الغضائري - شيخ
النجاشي والطوسي - بل الموجود فيه هو الحسين بن عبيد الله بن حمران السكوني، ولم يكن
من مشايخ الطوسي قط، فلاحظ!.
(7) كذا، وفي المصدر: (بأمثال).
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 548.
464
لا يخفى أن صحة بعض تلك الأخبار، واعتبار سند بعض آخر،
واستفاضتها (1)، وشهرة الفتوى بمضمونها (2) يكفي للحكم قطعا، بل أقل من ذلك
يكفي، لأن ظن المجتهد الحاصل بشرائط الاجتهاد بمنزلة اليقين، كما حقق في
محله (3).
ويؤيده الاعتضاد والموافقة بعموم مثل * (أوفوا بالعقود) * (4) وغيره، على
حسب ما أشرنا إليه سابقا، مع عدم معارض أصلا سوى كون العقد من العقود
الجائزة.
وفيه، أن ثبوت جوازه إلى حد يقتضي العزل من دون إعلام محل نظر،
لعدم الإجماع ولا النص على ذلك، بل الدليل على عدم ذلك، ويعضده أيضا أنه
ربما يترتب على العزل مفاسد مثل: إن طلق امرأته - بعد العزل - الغائب المجهول
فتزوجت وأتت بأولاد وهي مزوجة تحت عصمة الزوج الأول، ثم علم بأن الأمر
كذلك.
وقس على ذلك سائر التوكيلات في سائر الأمور، فربما يؤدي إلى الهرج
والمرج، وأشده الوقوع في الفرج، ويقع التوكيل - في الغالب - في المحن والمخاصمات
والمنازعات والمفاسد، بل الخسرانات عادة، فتأمل.
قوله: وإن كان دليل الجواز لا يخلو عن قوة، فتأمل.. إلى آخره (5).
ليس كذلك، لأن الأصل عدم الصحة حتى يثبت الإذن، وهو غير ثابت،



(1) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 541 - 547.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 548، مفتاح الكرامة: 7 / 617.
(3) راجع! معالم الدين وملاذ المجتهدين: 27، الفوائد الحائرية: 127 و 137.
(4) المائدة (5): 1.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 564.
465
لاحتمال إرادة البيع من الغير كما هو المتبادر والظاهر، وعلى تقدير أن لا يكون
ظاهرا فخلافه ليس بظاهر، إذ الشك لا أقل منه.
ويؤيده ما ورد في أن امرأة وكلت رجلا على تزويجها، فقال: لا أفعل حتى
تشهدين بأن أمرك بيدي واختيار تزويجك إلي، فأشهدت على ذلك فزوجها من
نفسه، فما رضيت بذلك، فقال المعصوم (عليه السلام): " تؤخذ منه ويوجع رأسه " (1)،
فتدبر!.
قوله: في النفس فيه (2) وهو ظاهر، ولم يفرق بعض العامة.. إلى آخره (3).
الظاهر عدم الفرق بين نفسه وبين عبده ووكيله أيضا إذا كان وكيلا في
شرائه له، لأنه حقيقة بيعه من نفسه، وأما غير ذلك فلعله كما يقول، مع أنه أيضا
لا يخلو عن غبار ما، إذ لعله ببيعه منه لا يماكس المماكسة التي يفعلها بالنسبة إلى
غيره، فتأمل.
قوله: بحيث لا يجوز للموكل وغيره منعه، فيجب عليه التسليم كالموكل،
وإن لم يكن وكيلا في التسليم صريحا.. إلى آخره (4).
لعل مراده في الصورة التي يكون البيع بيد الوكيل، مع أنه مر عنه في كتاب
البيع أنه إذا وقع المبايعة يجب على البائع تسليم المبيع للمشتري والمشتري الثمن
للبائع (5)، فمقتضى هذا وجوب التسليم قبل إعطاء الثمن - سيما إذا كان الثمن بيده -



(1) من لا يحضره الفقيه: 3 / 50 الحديث 171، تهذيب الأحكام: 6 / 216 الحديث 508،
وسائل الشيعة: 19 / 167 الحديث 24373.
(2) كذا، وفي المصدر: (دليل المنع في النفس فيهما..).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 564.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 566.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 503 - 504.
466
ويقول: سلم المبيع وخذ الثمن، ويعلم أنه إن سلم يعطي الثمن البتة، وخصوصا إذا
علم أنه يسلم الثمن بيد البائع الموكل، فتأمل فيه.
وما في " التذكرة " (1) و " القواعد " (2) لعله محمول على وقوع التعارف
وكونه مبنيا عليه.
والوكالة في التسليم لا تقتضي جواز التسليم قبل توفية الثمن، إذ لعله يكون
وكيلا في التسليم، لكن بعد توفية الثمن، كما أنه لو وكل أحدا صريحا في التسليم
فإن الوكيل تصرفه لا بد أن يكون منوطا بمصلحة الموكل. نعم، إن أذن التسليم
قبل التوفية يجوز له ذلك.
وبالجملة، الإذن في التسليم أمر على حدة، والتسليم قبل التوفية أو بعدها
أمر آخر، وحرمة منع المالك عن التصرف في ماله أمر آخر، فتأمل!.
قوله: إذ الجواز مبني على الإذن المفهوم من كلام الموكل، فينبغي عدم
الضمان، وإن لم يفهم ينبغي عدم الجواز، حيث أنه تصرف في مال الغير من غير
الإذن.. إلى آخره (3).
يمكن أن يقال: لعل الفهم هنا يكون من إذن الفحوى، وإلا فهو لم يأذن
صريحا، وإذن الفحوى دائر مع وقوع الأمر بوجه شرعي صحيح، لأن الذي يعلم
رضاه هو هذا. وأما إذا وقع فاسدا، فلم يكن فيه إذن فحوى، إذ لا شك في أنه
راض إذا وقع صحيحا، وإذا وقع فاسدا فيعلم عدم رضاه.
ولا يجوز أن يقال له: إنك إذا رضيت بوجه الصحة يلزمك الرضا أيضا إن
ظهر فاسدا، لأنه له أن يقول: رضائي إنما هو من جهة أنه يحقق مصلحتي، فلا



(1) تذكرة الفقهاء: 2 / 123.
(2) قواعد الأحكام: 1 / 255.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 575.
467
يلزمني الرضا في صورة تحقق مفسدتي، ولا يلزم هذا في الإذن الصريح، لأنه
صرح بالرخصة (1)، والإذن من غير شرط ضمان، والوكيل [هو] الذي صرح به،
فإذا تلف في يده فلا يمكن الاعتراض عليه ب‍: لم فعلت، ولا ب‍: لم صار في مالي
كذا، والضمان إنما يكون إذا وقع التصرف بغير إذن المالك، وهنا وقع بإذنه قطعا.
وأيضا، ظاهر كلام الموكل ومقتضاه أنه لا ضمان على الوكيل، و " المؤمنون
عند شروطهم " (2)، ويجب عليهم الوفاء بما عاهدوا وعقدوا، وشئ من ذلك لم
يتحقق في إذن الفحوى، كما هو ظاهر، فتأمل!.
قوله: وليس (3) في رواية البارقي (4) التي جعلت دليل هذا الحكم، وجعلت
دليلا على جواز الفضولي في البيع، بل الشراء أيضا.. إلى آخره (5).
لأن مضمونها حكاية حال لا عموم فيها، كما هو المحقق، ولا تعيين هاهنا
أيضا، لاحتمال كونه فضوليا فيحتاج إلى الإجازة، واحتمال الحمل على الظاهر
والعرف، واحتمال كونه وكيلا.
مع أن الظاهر هو الاحتمالان الأخيران، بقرينة أنه (سلم الشاة.. إلى آخر
ما قال) (6)، ولأن الظاهر والعرف يقتضي الرضا والإذن، كما هو المشاهد الآن من
العرف وظاهر مقاصدهم، ولكونه محسنا و * (ما على المحسنين من سبيل) * (7)،
ولأنه لو كان فضوليا لوقع فيه النزاع، لأن الفضولي محل النزاع، مع أن هذا



(1) في د، ه‍: (لأنه صريح بالرخصة).
(2) عوالي اللآلي: 1 / 218 الحديث 84.
(3) كذا، وفي المصدر: (فليس).
(4) عوالي اللآلي: 3 / 205 الحديث 36، مستدرك الوسائل: 13 / 245 الحديث 15260.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 577.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 577.
(7) التوبة (9): 91.
468
إجماعي، كما ظهر من عبارة " التذكرة " (1).
وأيضا، المعاطاة محل النزاع، كما مر في أول الكتاب، والفضولي هو عقد
مال الغير وبيعه، مع أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يستفصل أنه اشترى وباع معاطاة أو
بالصيغة، لو لم نقل أن الظاهر الوقوع معاطاة.
ومما ينادي بعدم الفضولية أن البارقي سلم دينار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) - مع أنه غير
جائز في الفضولي قطعا - وأقره الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في تسليمه الحرام.
وأيضا، كان يقول للبائع: إني أشتري فضولا إن رضي صاحب الدينار،
وإلا أرد الشاتين عليك.
وأيضا، لو اشترى كذلك فكيف كان يبيع أحدهما في الطريق؟!
وأيضا، لو باع في الطريق فضوليا كان يقول: أبيعك فضولا إن رضي
صاحبه الفضولي أو رضي صاحبه الأصلي وإلا أرد الثمن وأبطل البيع.
وأيضا، كان حين ما جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان يقول: فعلت كذا وكذا
فضولا إن رضيت وإلا رددت.
ولا شك في أن من تأمل الرواية (2) يرى الرواية ظاهرة في خلاف كل واحد
واحد مما ذكرنا.
وأيضا، مسألة الفضولي في غاية الإشكال ترجيحها، فكيف كان البارقي
يجترئ؟ إلا أن يكون مطلعا عليها من طرف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والأصل عدمه،
فأي فرق بينه وبين تحقق الوكالة والعلم بالرضا، على فرض أن لا نقول بأن
العرف والعادة والظاهر تدل عليه؟! فتأمل!



(1) تذكرة الفقهاء: 2 / 125.
(2) أي رواية عروة البارقي، وقد مرت الإشارة إلى مصادرها آنفا.
469
قوله: فما حصل الغرض من الفعل (1)، وليس هنا شئ يقال: إنه صحيح في
ذلك.. إلى آخره (2).
يمكن الفرق بين أن يقول: صالح عوض أن أتملك منه الخمر أو عوض أن
نخرج من بيته خموره ونسلمه بيدك، إذ لعل غرضه إهراق خموره، أو لأجل أن
يصيره خلا أو غير ذلك، مثل إساغة اللقمة أو التداوي، على القول بصحة
التداوي مطلقا أو على بعض الوجوه.
قوله: ويمكن أن يقال هنا: لا شك أنه عفى عن الدم.. إلى آخره (3).
ليس بشئ، كما ذكره، لأنه لم يعف مطلقا، بل عفى بشرط وقيد لم يتحقق.
قوله: [لا كلام] في كونهما وكيلين مجتمعين.. إلى آخره (4).
إذا قال: إفعلا هذا، فالظاهر كونهما وكيلين بالاجتماع، ولعل قوله: وكلتكما
في فعل كذا أيضا ظاهر في الاجتماع، ولو لم يكن ظاهرا فظاهر أنه ليس بظاهر في
استبداد كل واحد منهما، فلا يثبت صحة ما فعله بالاستبداد، كما أشار إليه
الشارح (5).
وأما إذا قال لأحدهما: أنت وكيلي في كذا، ثم قال للآخر بمثل ما قال للأول
فالظاهر منه استبداد كل واحد منهما، فتأمل!
قوله: بأنه قد يتعدد الإنشاء لغرض من الأغراض.. إلى آخره (6).



(1) كذا، وفي المصدر: (فما يحصل الغرض من العفو).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 579.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 579.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 586.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 587.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 595.
470
ما ذكر بعيد، ولعل مثل هذا يورث التهمة، فلا يثبت المطلوب، لأن الثبوت
يحتاج إلى ظهور وعدم تدافع ظاهر، فتأمل!
قوله: والقوانين الأصولية [تقتضي البطلان].. إلى آخره (1).
لم نجد قاعدة تقتضي البطلان، كما حقق في الأصول.
قوله: وفي فتح باب مثل هذا سد لباب قبول الوكالة.. إلى آخره (2).
هذا مناف لما سيذكره عند قول المصنف: (وقول الموكل) من أنه لا يلزم
سد الباب، لإمكان الإشهاد (3)، فلاحظ!
قوله: وفيه تأمل، إذ قد يكون خفاء القضاء أيضا مطلوبا بخلاف
الوديعة (4).. إلى آخره (5).
الظاهر، أن نظره إلى الغالب المتعارف، لا الفروض النادرة، لأن المدار في
الفروض على القرائن إن وجدت فيها، وإلا فيحمل الإطلاق على المتعارف، لأن
هذا هو المدار فيه.
والبناء في التقصير وعدمه إنما هو على ما يفهم من عبارة الموكل، لكن الحق
أن الحكم بالغرامة في قضاء الدين أيضا مشكل، لعدم تحقق تعارف في أخذ
الشاهد بحيث يكون الإطلاق منصرفا إليه البتة، بل لا يصح الغفلة عنه أيضا، أو
لا يكون مقصرا في الغفلة إلا أنه ضامن، بل ظاهر أنه ليس كذلك وأن الموكل إذا
كان لم يشترط على الوكيل الإشهاد فالتقصير منه، فتأمل!.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 596.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 598.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 607.
(4) كذا، وفي المصدر: (مطلوبا كالوديعة).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 599.
471
مسائل النزاع
قوله: مبنيا على عدم ثبوت أصل التوكيل [غير ظاهر].. إلى آخره (1).
الوكيل مقر بثبوت الوكالة وصحة العقد وأنه لا يستحق أن يأخذ من
المشتري أزيد من الثمن المسمى. وأما إذا كان ما أخذه الموكل من الوكيل أقل من
الثمن، فيمكن للمشتري أن يقول: لم يثبت بمجرد قولك صحة المعاملة، لأنها لعلها
تكون باطلة وأكون أنا تالفا لمال الموكل، وهو ما أخذ عوض ماله إلا كذا،
فتأمل!.
قوله: ويحتمل العدم هنا، لأن الأصل عدم الفعل وبقاء الملك لمالكه.. إلى
آخره (2).
لا يخلو من إشكال، بالنظر إلى القاعدة المسلمة عند الفقهاء في أبواب الفقه،
من (أن الأمين ليس عليه إلا اليمين) (3)، إذ في تلك المواضع - أيضا - ما يدعيه
ليس إلا خلاف الأصل، مثل أن يقول: تلفت العين وأمثال ذلك، فتأمل!.
قوله: ولا يلزم سد باب قبول الوكالة، إذ الإشهاد [على الرد ممكن].. إلى
آخره (4).
يلزم من ذلك صعوبة الأمر على الوكيل، سيما في كثير من المواضع، لتعسر
الاستشهاد، سيما مع ما ذكره الشارح في قول المصنف: (ويجب التسليم)، وقد



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 604.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 606.
(3) راجع! جامع المقاصد: 8 / 318، الروضة البهية: 4 / 362.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 607.
472
مر (1) فلاحظ، بل ربما لا يمكن.
مع أنه على ما ذكره لم يكن فرق بين الأمين وغيره - يعني من استأمنه
الموكل -، والظاهر من الطريقة المسلوكة من الفقهاء في أبواب الفقه الفرق، فتأمل.
ومضى منه (رحمه الله) في المسألة السابقة أنه يلزم السد (2)، فلاحظ!.
قوله: [فالقول قول الموكل،] وإلا فقول الوكيل، فإن التصرف كان
لمصلحة المالك.. إلى آخره (3).
الظاهر أن ذلك لأنه محسن، و * (ما على المحسنين من سبيل) * (4)، ولأنه
أمين محض، فيكون حاله حال الودعي، فتأمل!.
قوله: لأنه ضيع حقها وقصر بترك الإشهاد.. إلى آخره (5).
ولأنه ورد رواية ظاهرة في أخذ كل المهر، رواها في " التهذيب " (6).
قوله: لأن الأصل عدم الأخذ، ولا يلزم الخيانة، ولا يلزم (7) سد الباب،
وأصل عدم الغرامة [يضمحل مع وجود الدليل عليه] (8).
جميع ما علل به في الصورة الأولى جار في هذه الصورة، لأنه أمين والأصل
عدم الغرامة، ولأنه لو لم يقبل يلزم سد باب التوكيل، ولأن دعوى الموكل بأنك ما
أخذت وأنت كاذب في الأخذ، يستلزم خيانته، فإن الكذب أيضا يخرج عن



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 595 - 596.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 598.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 608.
(4) التوبة (9): 91.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 608.
(6) تهذيب الأحكام: 7 / 483 الحديث 1944.
(7) كذا، وفي المصدر: (ولا يستلزم).
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 610.
473
الأمانة، كما صرح به الفقهاء في مواضع لا تحصى (1).
وبالجملة، التفاوت بين الصورتين ليس إلا أن الموكل يستلزم دعواه خيانة
الوكيل في التصرف في الصورة، وفي هذه الصورة خيانته في الكذب، وعلى
التقديرين يكون الأصل مع الوكيل، ليس عليه إلا اليمين، لما ذكر من الوجوه،
ولأنه محسن و * (ما على المحسنين من سبيل) * (2).
مع أنه ظاهر عدم خيانته في إقباضه المبيع قبل الثمن، لأن هذا هو الظاهر
المتعارف المتداول في المعاملات، وإطلاق اللفظ ينصرف إلى المتعارف، على أنه
ليس بمتعارف عكس هذا حتى يدعى انصراف الإطلاق.
وليس دليل شرعي يقتضي إيجاب إقباض المبيع بعد قبض الثمن - لا معه
ولا قبله - سيما إذا كان جاهلا، وأولى منه أن لا يكون مجتهد حاكم بذلك، أو
يكون لكن لم يتمكن من الأخذ عنه.
وبالجملة، لم نجد دليلا على غرامة الوكيل أصلا، سيما أن تكون أدلة عدم
الغرامة تضمحل به، غاية ما في الباب أن الموكل يمكنه أن يدعي على الغريم ببقاء
حقه عنده، ويتسلط على حلفه، ويحلفه على الإقباض.
لكن إن أمكنه هذه الدعوى هنا أمكنه في الصورة الأولى أيضا، لعدم
التفاوت أصلا، سوى ما ذكر من التفاوت في دعوى الخيانة، وأن في الصورة
الأولى يزيد دعواه الخيانة على الثانية، بأنه يدعي خيانة فيما سبق وكذبا الآن،
بخلاف الثانية، فإنه يدعي الخيانة الآن، وغير أنه لا فرق بحسب القواعد
الشرعية، فتأمل!.



(1) لاحظ! تذكرة الفقهاء: 2 / 137، جامع المقاصد: 8 / 263.
(2) التوبة (9): 91.
474
قوله: [لا تسمع دعواه] ولا بينته، لأنها مكذبة لدعواه، وسماع البينة فرع
سماع الدعوى.. إلى آخره (1).
لا يخفى أن بينته لم تكذب دعواه ثانيا، بل كذب الدعوى الذي رجع عنه
وأكذبه وأظهر أنه كان كاذبا فيه وأبطله بالمرة، بل الأول ما كان دعوى بل محض
الإنكار، والدعوى هو الثاني ليس إلا.
وعموم ما دل على قبول شهادة العدلين شامل لما نحن فيه، وليس هاهنا
تهمة وتحقق ريبة، لأن العبرة بقول الشاهدين، ولم يفهمهما إلا دعواه لا على
إنكاره، مع أن الإنكار لا يثبت بالبينة، وليس شأنه الإثبات. اللهم إلا أن يكون
إجماع على عدم قبول مثل هذه الشهادة، ولم ينقل إجماع، سيما إذا أظهر عذرا
لإنكاره أولا، فتأمل!
وربما يحصل الظن القوي غاية القوة أن الأمر كذلك، بل ربما يحصل العلم،
فتأمل!



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 610.
475
كتاب
الإجارة

477
في شرائط الإجارة
قوله: [الإيجاب والقبول الدالين صريحا] بنقل المنفعة المعينة بعوض
معين، فالإيجاب مثل: آجرتك وأكريتك، وما يؤدي معناهما.. إلى آخره (1).
لا يخفى أن المراد بالمنفعة هنا ما يقابل العين، فلا يصح إجارة البساتين
لأجل الثمرة ولا غيرها لأجل عين، وإن كانت منفعة بالقياس والإضافة إلى عين،
كما هو المراد في بحث الوقف، وذلك لأن الإجارة لغة هي ما ذكرناه، ولا يتبادر
عرفا إلا ذلك، ويصح سلبها عن نقل الأعيان، ونقل الأعيان ليس إلا بالبيع
والهبة والصلح.
والحاصل، أن العرب وضع لنقل الأعيان بعنوان العوض واللزوم: لفظ
البيع، ولا بهذا العنوان لفظ الهبة، ولنقل المنافع بعنوان العوض واللزوم: لفظ
الإجارة، ولا بالعنوان المذكور، بل وبعنوان الإمتاع لفظ العارية، وبعنوان اللزوم
بعد العمل: لفظ الجعالة، ووضع لرفع الفساد في جميع ذلك: لفظ الصلح، وهذا هو
المتبادر الثابت منهم.
وقد يطلق لفظ أحدها في معنى الآخر مجازا، بمعونة القرينة ووجود العلاقة
المصححة، مع وجود الأمارات المقررة للمجاز.
فعلى هذا، استئجار المرأة للرضاع - يعني لخصوص اللبن - مجاز جزما،
وللارضاع أو الحضانة مع الإرضاع حقيقة، لأن اللبن حينئذ ليس داخلا في



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 7.
479
الماهية، بل شرط لتحقق المنفعة، أو يكون مقصودا بالعرض كمنافع المبيع والثمن
في البيع.
فما ورد في بعض الأخبار من إجارة البساتين (1) إما مجازا، أو تقية، لما
ستعرف، أو محمول على كون الثمرة مقصودة بالعرض، فتأمل جدا!.
فما اعتذر من الحاجة ربما تدعو إلى الإجارة بالنسبة إلى اللبن ومثله، إن
كان مرادهم ما ذكرناه فلا بأس به، وإن كان مرادهم كونه إجارة حقيقة، ففيه ما
لا يخفى، لأن الحاجة لا تصير منشأ لقلب الماهية، غاية ما يكون أن تصير منشأ
لاشتراك الحكم الشرعي.
وليس نفس المعاملة من مستحدثات الشرع، بالاتفاق والضرورة، بل
أحكامها من الشرع، كما لا يخفى على من له أدنى فطنة، ويعضد ذلك أن المتعارف
أخذ الأجرة بإزاء الإرضاع، كما هو ظاهر الآية، قوله تعالى: * (فإن أرضعن لكم
فآتوهن أجورهن) * (2)، ولم يتعارف أخذ العوض من جهة اللبن، كما هو الحال في
ضراب الفحل أنهم يأخذون بإزاء الضراب لا المني، فتأمل جدا!.
قوله: [لزوم ما ادعى لزومه] في العقود اللازمة من العربية.. إلى آخره (3).
قد مر الكلام في ذلك في كتاب البيع (4).
قوله: [مشكل]، إذ يلزم رد جميع المختلفات مثل تقديم القبول.. إلى آخره (5).
ليس إجماعنا هو اتفاق الكل حتى يلزم ما ذكره، بل إجماع أهل السنة



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 19 / 61 الحديثان 24155 و 24156.
(2) الطلاق (65): 6.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 7.
(4) راجع الصفحتين: 71 - 72 من هذا الكتاب.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 8.
480
أيضا ليس كذلك، لأنه اتفاق الكل في عصر، فلا ينافيه الخلاف في عصر آخر،
إلا أن يقال: الآن لا يظهر لنا الإجماع إلا إذا اتفق الكل، وفيه تأمل.
على أنه يجوز تصحيح الخلافيات بخبر خاص أو عام، أو آية عامة أو
غيرهما، إذ لم يقل بأن الدليل منحصر في الإجماع، بل مراده أنه لا دليل على
الصحة بغير تحقق صيغة، لأن القدر المجمع عليه هو ما إذا تحقق صيغة، وإذا لم
يتحقق لم يكن دليل على صحته، لا أنه لا دليل أصلا على الصحة سوى الإجماع.
قوله: كما في لفظة ملكتك. نعم، لو ثبت كون صيغة الإجارة متلقاة من
الشرع وليس هذه منها.. إلى آخره (1).
التمليك أعم من تمليك العين أو المنفعة، فهو حقيقة في القدر المشترك، ففي أي
منهما يستعمل يكون حقيقة من دون تفاوت.
نعم، إذا قال: ملكتك الدار، يكون حقيقة في تمليك العين، لأن الدار اسم
للعين، وإذا قال: ملكتك منفعة الدار أو سكناها يكون حقيقة في الإجارة، لا
مجازا.
والحاصل، أن التمليك مستعمل في المعنى الحقيقي وكذلك السكنى والدار،
وإذا قال: أعرتك بهذا المبلغ، يكون منتهى مدلوله أن الإعارة صارت بالعوض
وأنها صارت خالية عن قيد عدم العوض، أما صيرورتها إجارة فلا دلالة فيها
بوجه.
أما على تقدير عدم كون الإعارة ناقلة - كما هو الأظهر، ولعله الأشهر
أيضا - فظاهر، إذ غايته أن القائل رضي بالتصرف في ملك نفسه بالعوض.
وأما على تقدير كونها ناقلة - وإن لم يثبت ذلك بدليل ولا هو مسلم -



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 9.
481
فغايته نقل المنفعة بعوض، وهذا أعم من الإجارة، لتحققه في الصلح وغيره من
العقود مثل النكاح.
مع أنه لا يلزم أن يكون العقد من العقود المعروفة، بل ربما كان عقدا
اختراعا.
والحاصل، أن العقد إنما هو للاطلاع على ما في الضمير، فلا يدل إلا على
مقصود عام، والعام لا يدل على الخاص، فلا يمكن إجراء أحكام الإجارة فيه،
بل لا يمكن الحكم بالصحة عند الفقهاء، لأن العقود وطريقة نقل الأملاك والمنافع
عندهم منحصرة في العقود المعهودة، فتأمل جدا، إذ لو أتى بقرينة يظهر منها إرادة
الإجارة ويكون الاستعمال صحيحا، لتحقق العلاقة المعتبرة، فعلى فرض صحة
الاستعمال الحكم بصحة مثل هذا العقد ولزومه يحتاج إلى دليل.
أما عموم * (أوفوا) * (1)، فقد عرفت وستعرف ما فيه من المناقشة في شموله
للأفراد الغريبة العجيبة.
وأما الإطلاقات، فظاهر أنها محمولة على الأفراد الشائعة، لا الفروض
النادرة، فتأمل!.
قوله: ولا العبد إلا بإذن المولى، وإن قلنا: إنه يملك - كما هو ظاهر الأدلة -
كما مر غير مرة.. إلى آخره (2).
يدل عليه ما رواه في " الكافي " في الصحيح عن عبد الله بن سنان، عن
الصادق (عليه السلام)، قال: " لا يجوز للعبد تحرير ولا تزويج ولا إعطاء من ماله، إلا
بإذن مولاه " (3).



(1) المائدة (5): 1.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 11.
(3) الكافي: 5 / 477 الحديث 1، وسائل الشيعة: 21 / 113 الحديث 26663.
482
وما رواه هو فيه، والصدوق في " الفقيه "، في الصحيح عن ابن وهب،
عنه (عليه السلام): " في رجل كاتب عبده على نفسه وماله وله أمة، وقد شرط عليه أن لا
يتزوج، فأعتق الأمة فتزوجها، فقال: لا يصلح له أن يحدث في ماله إلا الأكلة
من الطعام، ونكاحه فاسد " (1).
والأخبار الدالة على عدم جواز تزويجه من ماله، أو يشتريه إلا بإذن
مولاه كثيرة (2).. إلى غير ذلك من الأخبار، مضافا إلى الآية، لأن * (شئ) * في
قوله تعالى: * (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) * (3) نكرة في سياق النفي تفيد العموم
بلا تأمل.
قوله: [أن يكون وقفا، مع القول] بعدم تملك الموقوف عليهم (4).
لو وجد قائل به يلزمه القول بأن الإجارة هنا فضولية، لأن الملك يكون
لغيره، لأن بقاء الملك بلا مالك محال عند الفقهاء، فإن الملك قبل الوقف كان
للواقف، وبعده لو لم ينتقل منه ويكون من باب الإمتاع للموقوف عليهم، يكون
باقيا على ملك الواقف قطعا، وبعده ينتقل إلى الورثة.
وإن كان الوارث هو الإمام (عليه السلام)، فالعقد يكون فضوليا محتاجا إلى مجيز،
وإجازة الواقف على سبيل الإطلاق والعموم لا تنفع إلا إذا كان باقيا في ملكه، مع
أن إجازته أيضا غير ظاهرة، إذ غاية ما صدر منه إمتاع الموقوف عليه، بل يلزم



(1) الكافي: 5 / 478 الحديث 6، من لا يحضره الفقيه: 3 / 76 الحديث 271، وسائل
الشيعة: 21 / 113 الحديث 26665، مع اختلاف يسير في الألفاظ.
(2) راجع! وسائل الشيعة: 18 / 413 الباب 4 من أبواب كتاب الحجر، مستدرك الوسائل:
13 / 429 الباب 3 من أبواب كتاب الحجر.
(3) النحل (16): 75.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 12.
483
على هذا مفاسد أخر، فتدبر.
فالإجارة لا تتحقق إلا بأن تكون المنفعة ملكا للمؤجر أو فضوليا، وهو
ظاهر، إلا أن يبنى على أن الإجارة ليس تعريفها أو ثمرتها انتقال الملك، بل يبنى
على أنه ليس فيها انتقال أصلا، وفيه ما فيه.
قوله: وفيه تأمل، إذ لا دليل عليه إلا رواية عروة.. إلى آخره (1).
الدليل ليس رواية عروة، بل القاعدة التي ذكرناها في بحث البيع (2)، وهي
جارية في كل العقود.
والعجب من الشارح أنه يجوز في العقد كل شئ يدل على الرضا بالانتقال
والملكية، أو جواز التصرف في ماله (3)، ومع ذلك لا يرضى في خصوص
الفضولي (4)، مع أن الدلالة على الرضا في غاية الوضوح، بل هو رضى بالعقد
ووقع العقد، وتم جميع ما هو معتبر، غاية الأمر أن إجراء الصيغة من غير صاحب
المال، لكن صاحب المال رضي بتلك الصيغة وجعلها صيغة نفسه، كما هو الحال في
صيغة الوكيل، فتدبر.
وتمام الكلام مر هناك، فلاحظ!.
قوله: ولعل دليله ذلك، ولا يبعد الإجماع، وذلك إما بتقدير العمل
المطلوب.. إلى آخره (5).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 12، وقد مرت الإشارة إلى مصادر رواية عروة البارقي.
(2) مرت في الصفحة: 81 من هذا الكتاب.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 139 - 143.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 158 - 159.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 12.
484
ونقل في " المسالك " حديث نهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الغرر (1)، وظاهر أن المراد
الحديث الوارد في النهي عن بيع الغرر لا مطلق الغرر، ولذا أعرض الشارح
عنه (2)، وكذا غيره من الفقهاء، بل وصرح بأن الوارد هو النهي عن بيع الغرر لا
مطلقا (3)، فربما يكون مراد " المسالك " ومن وافقه تنقيح المناط.
ومر في كتاب البيع ما يستفاد منه دليل المعلومية في المقام (4).
وأما التعيين بحسب الواقع، فلا خفاء في اشتراطه، لما سيجئ من أنه بمجرد
عقد الإجارة ينتقل العوضان، وغير المعين لا يتأتى انتقاله، وأما ما يخرج العاقد
عن الرشد ويصير منشأ للحكم بسفاهته، فلا شك في أنه مضر.
ولعل مطلق الغرر ارتكابه بلا داع ولا مصلحة يوجب السفاهة وعدم
الرشد، كما مر في كتاب الحجر (5)، وأما مع المصلحة والداعي فليس بغرر.
والحاصل، أن الظاهر اتحاد حال الإجارة والبيع في اشتراط المعلومية كما
اتفق عليه الفقهاء (6)، ويؤيده - أيضا - عموم " لا ضرر " (7)، ويدل عليه أيضا ما
ذكرناه في كتاب البيع من ورود النهي عن المعاملة التي تصير منشأ للنزاع (8).
وجميع ما ذكر يشهد على ما ذكرنا من تنقيح المناط، ويعضده اتفاق الفقهاء
وغيره مما ستعرف.



(1) مسالك الأفهام: 1 / 255.
(2) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 26.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 25.
(4) تقدم في الصفحة: 107 والصفحة 121 من هذا الكتاب.
(5) تقدم في الصفحة: 385 من هذا الكتاب.
(6) لاحظ! مفتاح الكرامة: 7 / 102.
(7) وسائل الشيعة: 25 / 427 الباب 12 من أبواب إحياء الموات.
(8) راجع الصفحة: 115 من هذا الكتاب.
485
قوله: [فعل] ينافي العمل الذي [استؤجر عليه لا مطلقا] (1).
ومع ذلك يكون الإجارة لما لا يجتمع أيضا صحيحة، إلا أنه عقد فضولي
يقف على إجازة المالك، فإن أجاز صح وإلا بطل.
قوله: فيجوز للخياط التعليم والتعلم مع الخياطة.. إلى آخره (2).
هذا إذا استأجر خياطته خاصة، لا عمله مطلقا لأجل خياطته، مثل
استئجار البيت لأن يضع فيه شئ لا ينافي سكنى صاحب البيت فيه، فتأمل جدا.
قوله: عن الرجل يستأجر الرجل بأجر معلوم.. إلى آخره (3).
هذا ظاهر في أنه إذا وقع الاستئجار للعمل يصير مطلق العمل ملكا
للمستأجر وإن كان الغرض هو البعث في أمر خاص، كما قلنا في إجارة البيت
لوضع شئ، فتأمل جدا!.
قوله: في غير القرينة وعدم تعيين الزمان والمباشر.. إلى آخره (4).
إن قلنا بأن وجوب العمل بعد الفراغ من جهة أن الإطلاق ينصرف إليه،
فهو أيضا مثل القرينة وتعيين الزمان، وإن قلنا بأن ذلك الوجوب من جهة
وجوب تفريغ الذمة عن حق الغير فورا بحسب حكم الشرع، فالأمر على ما
ذكره (رحمه الله)، لكن ستعرف بأن ذلك بناء على العرف وانصراف الإطلاق، فلاحظ!.
قوله: ومرجعه أن الأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده.. إلى آخره (5).
ليس ما ذكره هو المنشأ، لأنهم لا يقولون بالاستلزام، ومن قال بالاستلزام



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 13.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 13.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 13، وسائل الشيعة: 19 / 112 الحديث 24261.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 14.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 14.
486
لا يقول بأن النهي في المعاملات يقتضي الفساد، بل المنشأ أن المنفعة صارت ملكا
للمستأجر، فلا يجوز صرفها إلى الغير، فإنه غصب، وكلما قالوا في الغصب
يقولون هنا، لأنه نوع من الغصب.
فمن صحح الفضولي يصحح مع الإمضاء لا مطلقا، والإمضاء لا يتحقق إلا
في العقد، لا نفس الإعطاء، فإن إعطاء مال الغير لغيره بغير إذنه فاسد البتة،
فتدبر!.
قوله: فلا ينبغي منع ذلك من القائل به (1).
لا وجه لما ذكره بعد ما حققه من الفرق بين القرينة وتعيين الزمان وغيرهما
مما هو بأمر الشرع، ولعل أمره بالتأمل من هذه الجهة، إلا أنه لا وقع لما ذكره أصلا
وإن أمر بالتأمل.
قوله: والأصل وعموم الأدلة دليله.. إلى آخره (2).
الأصل لا أصل له، بل الأصل عدم الصحة بلا ريبة، لأن ترتب الأثر
شرعا بغير دليل ضروري الفساد. وأما العمومات، فلا بد من ثبوتها بحيث
يشمل، بل وكون ما نحن فيه من الأفراد المتبادرة أو المتعارفة، إلا أن يكون عموم
لغوي غير مخصص بتخصيص لا يرضى به المحققون، وهو محل تأمل كما عرفت
وستعرف.
مع أن مقتضى الإجارة الانتقال من حين العقد، وغير المعين كيف ينتقل؟!
قوله: ويحتمل في الإطلاق كون الابتداء بعد خروج تلك المدة.. إلى
آخره (3).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 14.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 15.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 16.
487
هذا الاحتمال ليس بشئ، بعد ثبوت أن الإطلاق ينصرف إلى الاتصال،
وفرض ذلك، إلا في صورة يعلم المؤجر والمستأجر باستحقاق الغير وكونه حقه
وملكه، فيصير علمهما قرينة على إرادة كون الابتداء بعد الخروج، فتدبر!.
قوله: [بعد كمال العمل،] بل قيل (1) بعد تسليم الثوب إلى مالكه.. إلى آخره (2).
إن كان عادة، فالإطلاق ينصرف إليها فيتبع، وإلا فمقتضى العقد ليس إلا
أن العامل عليه العمل خاصة والتسليم، وغيره غير واجب عليه، إلا أن المالك إذا
ذهب إليه وطلب منه الثوب يجب عليه تسليمه، وأما الأجرة فيجب على المالك
تسليمها بعد إكمال العمل مطلقا، كما أشار إليه الشارح (رحمه الله).
قوله: والأصل دليله مع عدم ظهور [الخلاف].. إلى آخره (3).
لكن ربما يشكل الحكم من جهة عموم " لا ضرر ولا ضرار ".
قوله: [عدم كون الأصل وقفا،] وما نعرف اشتراطه.. إلى آخره (4).
الأدلة الدالة على أحكام المساجد شمولها لمثل هذا محل تأمل، لعدم تبادر
مثله، لكونه من الفروض الغريبة العجيبة، وإن كان الأحوط المراعاة.
قوله: ويحتمل ضمان الجميع.. إلى آخره (5).
هذا الاحتمال أقوى، بالنظر إلى الأدلة، لعموم " لا ضرر " (6)، والمضر في
العرف هو الذي زيد، وهو الظالم، وهو الآثم، وهو الغاصب، ولا ينسب إلى



(1) كذا، وفي المصدر: (وقيل) بدلا من (بل قيل).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 16.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 18.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 22.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 22.
(6) مرت الإشارة إلى مصادره آنفا.
488
الأصل أصلا، بل ينسب إلى الزائد بعد ما ظهر أن القدر العادي لا ضرر فيه
عادة.
وعموم أدلة الغصب يقتضي ويعين الباقي، وقد أشرنا إليها في كتاب
الغصب (1)، فلاحظ. والقدر الأصلي كان بإذن المالك وإذن الشارع وإذن
المستأجر، بخلاف الزائد، فإنه لم يكن بإذن أحد.
قوله: وقيل: صح في شهر، وله [في الزائد أجرة المثل].. إلى آخره (2).
مقتضى عقد الإجارة عندهم انتقال المنفعة من حين العقد وبمجرده من ملك
المؤجر إلى ملك المستأجر، والأجرة من ملك المستأجر إلى ملك المؤجر، إلا أنه
لا يتسلط على أخذ الأجرة إلا بعد استيفاء المنفعة على النهج الذي ذكروا.
وأيضا، معنى العقد: ملكتك المنفعة بإزاء أن أتملك منك الأجرة، والقبول:
ملكتك بإزاء تملكي للمنفعة، ويجب الوفاء بالمعنى والمضمون، وهو صحيح من
جهة وجوب الوفاء.
فعلى هذا، إذا لم يكن العوضان أو أحدهما معينا فكيف يتحقق انتقاله
بالعقد؟ وأي شئ يملكه بالعقد ويجب الوفاء به؟!
ومثل صحيحة الثمالي الآتية (3) كيف يمكن حمله على الإجارة الحقيقية،
بالنظر إلى قوله: " فإن زدت.. إلى آخره " (4)؟ وعدم البأس لعله من جهة أنه
تصرف في مال المسلم بطيبة نفسه، وكذا أكل الأجرة أكل ماله بطيبة نفسه، لا أنه



(1) لاحظ! الصفحتين: 609 و 610 من هذا الكتاب.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 23.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 25، الكافي: 5 / 289 الحديث 2، تهذيب الأحكام:
7 / 214 الحديث 938، وسائل الشيعة: 19 / 111 الحديث 24260.
(4) كذا، وفي المصدر: " فإن جاوزته ".
489
بمجرد هذا الكلام صار الزائد مال المستأجر، ويكون يتسلط تسلط الناس على
أموالهم، وينتقل إلى الوارث إن مات، وغير ذلك من أحكام الملك وأحكام
الإجارة.
وكذا الكلام في الزائد من الأجرة، والفقهاء لا ينكرون التصرف في ملك
الغير بطيبة نفسه، فتأمل.
قوله: [ولا غرر ولا ضرر]، إذ كلما جلس شهرا [يعطي ذلك].. إلى آخره (1).
في هذا التعليل ما فيه، لأنه ليس مقتضى الإجارة، بل غير الإجارة أيضا
حاله كذلك، كما عرفت.
قوله: [احتمال كونها جعالة،] لا إجارة باطلة مستلزمة للضمان.. إلى آخره (2).
بطلان العقد لا يستلزم الضمان عند الفقهاء، لأن كل واحد من الطرفين
راض بالتصرف في ملكه، إلا أن يعلم أن رضاهم بشرط كون عقدهم إجارة
- حقيقة - صحيحة، وإلا لا يكونان راضيين، ومع ذلك أيضا يقولون: إن كل عقد
يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده (3)، ولا
تأمل في أن مثل صحيحة الثمالي (4) محمول على الصورة الأولى، ولا يمكن حملها
على الثانية، فتأمل!.
قوله: وصحيحة أبي حمزة، كأنه الثمالي الثقة.. إلى آخره (5).
يمكن حملها على الإجارة والحكم بصحتها، لأن قوله: أكريت إلى كذا، هو



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 24.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 24.
(3) راجع! الحدائق الناضرة: 18 / 466.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 25.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 25، وقد مرت الإشارة إلى مصادر الرواية قريبا.
490
الذي وقع عليه عقد الإجارة، فتنتقل هذه المنفعة بهذا النحو إلى ملك المستأجر
ومقابله من الأجرة إلى المؤجر.
وأما قوله: " فإن جاوزت.. إلى آخره " (1)، فشرط في ضمن عقد
الإجارة، وربما لا يجب أن يكون تعيين الشرط مثل الإجارة، لعدم ضرورة النقل
إلا بعنوان استحقاق هذا الشرط، بأنه صار حقا للمستأجر فصار مستحقا له،
فتأمل!.
قوله: [بطلان القياس]، وكون الإجارة غير بيع عندنا.. إلى آخره (2).
ربما يظهر من هذا الكلام أن ما ورد في بعض الأخبار من إجارة الثمرة
محمول على التقية، لأن الإجارة عندهم بيع (3).
قوله: وقد عرفت عدم إمكان إثبات الاتحاد بحيث لا يكون قياسا باطلا..
إلى آخره (4).
قد مر في كتاب البيع منا تحقيق يمكن بناء اتحاد الطريق عليه (5)، ونشير هنا
بالاحتمال بأن الغرر أمر عرفي، وكذا عدم الضرر والتغابن، فإنهما على حسب ما
اعتبره العقلاء من العرف، ومعلوم أنهم في المكيل والموزون التزموا برفع الغرر
بالكيل والوزن في البلاد في غالب ما يكال أو يوزن، وليس اعتبارهم للكيل
والوزن من جهة الشرع بلا شبهة، فإنهم قبل الشرع كان بناؤهم على الكيل
والوزن، لأجل التعيين، وكذا الحال الآن عند غير المتشرعين بشرعنا، بل ومطلقا



(1) كذا، وفي المصدر: (فإن جاوزته)، مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 25.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 26.
(3) لاحظ! المغني لابن قدامة: 5 / 250 الرقم 4153.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 26.
(5) راجع الصفحة: 115 من هذا الكتاب.
491
أيضا.
ومما ذكرنا ورد أن كل شئ سمي فيه كيل أو وزن لا يصلح بيعه مجازفة،
وبناء الفتاوي أيضا على ذلك، لا أن الشارع قرر كون الشئ الفلاني بالكيل أو
الوزن، وكون الشئ الفلاني بغير الكيل والوزن، ولذا صار الحوالة في المكيل
والموزون على عادات البلاد فيما لم يكن في عهد الشارع مكيلا أو موزونا.
وعند الشارح أن الأظهر الحوالة على العادات مطلقا، كما مر في كتاب
البيع (1).
ومعلوم أيضا أن المعهود في عرف زمان لم يكن من الشارع بل كان منهم،
إلا أن الشارع أمر بمراعاة معهودهم بحيث لم يجوز بغير الكيل والوزن، وهو
ظاهر، فتأمل.
ومعلوم أن رفع الغرر في المقام معتبر أيضا، وكذا عدم الضرر والسفه، إلا
أن يقال: لعل الغرر والضرر عند أهل يتفاوت في المقامين، فلا بد من ملاحظة
حالهم، فتأمل!.
قوله: ولأنه كثمن المبيع وعوض سائر العقود، فيجب التسليم [مع الطلب
بلا تأخير عرفي].. إلى آخره (2).
ولأن عقد الإجارة يوجب انتقال كل من العوضين إلى مالك الآخر، كما مر
في شرح قول المصنف: (ويملك المنفعة.. إلى آخره) (3)، إذ لا شبهة في أن العوضين
حالهما واحد بالنظر إلى العقد ومقتضاه ومدلوله، فيتسلط كل واحد من
المتعاقدين على استيفاء حقه من الآخر بمجرد العقد وبعده بلا فصل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 177.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 27.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 16.
492
اللهم إلا أن يتحقق اشتراط التأجيل، فيجب الوفاء بالشرط، ومثل
الشرط ما إذا كان معهود متعارف ينصرف الإطلاق إليه.
قوله: قلت: إن ثبت هناك عرف أو قرينة فلا كلام، وإلا فينبغي نفيه
بأصل براءة الذمة.. إلى آخره (1).
قد عرفت أن مقتضى مدلول العقد انتقال العوضين من حين العقد، فتصير
المنفعة ملكا للمستأجر بعد العقد بلا فصل، ومقتضى ظاهر هذا كون المنفعة المتصلة
به ملكا له.
اللهم إلا أن يكون شرطا أو عادة ينصرف الإطلاق إليها، أو قرينة فحينئذ
لا مجال للتأمل، وإلا فالأمر كما قاله الشهيد (2)، لا لأن الأمر يقتضي الغرر، بل
لأنها حينئذ ملك المستأجر، فكيف يؤجره الغير؟! إلا أن يقول بأنه فضولي
موقوف على إذن المالك فإن أذن صح وإلا فغصب، إن عمل للغير يعامل فيه
معاملة الغصب.
نعم، لو كان الوجوب من جهة ما مر، فالأمر كما ذكره " شرح الشرائع "،
وسيجئ في شرح قول المصنف (رحمه الله): (ونفقة الأجراء) (3) أخبار كثيرة تؤيد
الشهيد (رحمه الله).
قوله: ويؤيده الأصل والشهرة والآية والأخبار.. إلى آخره (4).
هذا الأصل لا أصل له، بل عرفت أن الأصل عدم الصحة حتى يثبت بدليل



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 28.
(2) مسالك الأفهام: 1 / 254.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 79، وفيه: (ونفقة الأجير)، وكذلك في إرشاد الأذهان:
1 / 425.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 30.
493
شرعي، لأن الصحة عبارة عن ترتب الأثر الشرعي عليه، وكيف يكون الأصل
في كل عقد أن يكون موافقا للشرع، ويترتب عليه الآثار الشرعية. اللهم إلا أن
يكون المراد منه العموم فيرجع إلى الآية (1) والأخبار (2).
نعم، لو علم العقد الصحيح وغير الصحيح ووقع النزاع في صدور أيهما من
مسلم، فالأصل صحة تصرفات المسلم، لكن هذا لا ينفع المقام قطعا.
قوله: [وأن تسليمه في الأمر الكلي الذي] هو الضد العام عنده - كما فسره
- مستلزم للضد الخاص.. إلى آخره (3).
لا يخفى أن الضد العام له معنيان:
الأول: المرادف لقولهم: الضد الخاص، يعني هذا المفهوم الكلي الذي كل
واحد واحد من الأضداد الخاصة فرد له، وهذا بعينه يرجع إلى الضد الخاص،
وليس هذا مراد الشهيد (رحمه الله).
والثاني: ما هو بمعنى ترك المأمور به، ولا شك في أن الأمر بالشئ يقتضي
النهي عن تركه، وهذا هو مراده، فلا يستلزم الضد الخاص، وهو واضح.
قوله: نعم، يمكن المنع أولا كما فعله، فتأمل! فهو كالأجير الخاص (4).. إلى
آخره (5).
لا يخفى أنه سلم كون العقد بعده بلا فصل منهيا عنه، وكذا العمل، إلا أنه لم
يسلم فساد ذلك العقد وذلك العمل، لأن النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد،



(1) إشارة إلى قوله تعالى: * (فآتوهن أجورهن) *. الطلاق (65): 6.
(2) وسائل الشيعة: 19 / 104 الباب 4 من أبواب كتاب الإجارة.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 30.
(4) كذا، وفي المصدر: (وهو كما في الأجير الخاص).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 30.
494
كما هو الحق المحقق.
قوله: ويمكن اختصاص المبيع المعيب بالحكم لدليله.. إلى آخره (1).
لا وجه لما ذكره بقوله: (ويمكن.. إلى آخره)، لأن ما ذكره في المبيع المعيب
جار هنا بلا تأمل، ومر من الشارح في المبيع المعيب وأمثاله اختيار انفساخ العقد
وبطلانه (2)، وأظهرنا هناك أنه ليس كذلك، وأن الحق مع القوم، والحال في المقام
وفيه واحد بلا تأمل (3).
قوله: [حتى لا يكون ضامنا لها]، وما عرفت دليله، فتأمل، والظاهر عدم
الاشتراط وعدم الضمان [بدونه].. إلى آخره (4).
لعل مراده يستقيم دليله، وإلا فدليله واضح وصرح به، وهو عدم جواز
التصرف في مال المسلم إلا من طيب نفسه، وكذا من هو بحكم المسلم، وأن مجرد
جواز الإجارة لا يستلزم تجويز التصرف، لا مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما، كما
هو الحال في بيع المشاع ممن باع حصته منه.
نعم، سيجئ الصحيحة الظاهرة في جواز التسليم وعدم الضمان وأنه إن
علم المؤجر جواز إجارته للغير ومع ذلك أطلق العقد ولم يشترط، فلعل الظاهر
تجويز التصرف، كما ذكره الشارح (5).
قوله: ولكن دلالتها بالمفهوم، وقريب منها (6) رواية إسحاق بن عمار (7)..



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 31.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 425.
(3) راجع الصفحة:
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 32.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 32.
(6) كذا، وفي المصدر: (وقريب منه).
(7) تهذيب الأحكام: 7 / 223 الحديث 979، وسائل الشيعة: 19 / 129 الحديث 24292.
495
إلى آخره (1).
قوله (عليه السلام): " قد عمل فيه " (2) علة لعدم البأس، كما هو ظاهر، فليس الدلالة
بالمفهوم الذي ليس بحجة، لأن مفهوم العلة حجة.
ويدل عليه أيضا صحيحة أبي حمزة (3)، ولا تأمل في كونه الثمالي.
قوله: [يكفي أدنى العمل، وما يصدق عليه]، لا الذي نقل عن الشيخ..
إلى آخره (4).
ما نقله عن الشيخ (رحمه الله) لا يبعد حمله على ما ذكره، بل الظاهر ذلك، بقرينة
أدلته.
قوله: ولكن ظاهرها أنها في الأجير المعين.. إلى آخره (5).
حملها عليه مشكل، إذ لا معنى للاستثناء حينئذ، سيما على الإطلاق.
قوله: وليست كذلك في الأصول.. إلى آخره (6).
وكذا رواية حكم الخياط (7).
قوله: فهي تدل على جواز ما نحن فيه.. إلى آخره (8).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 34.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 34، وسائل الشيعة: 19 / 133 الحديث 24303.
(3) تهذيب الأحكام: 7 / 210 الحديث 923، وسائل الشيعة 19 / 133 الحديث
24302.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 36.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 38، وهو إشارة إلى رواية محمد بن الحسن الصفار: وسائل
الشيعة: 19 / 146 الحديث 24334.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 40.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 35، الكافي: 5 / 274 الحديث 2، تهذيب الأحكام:
7 / 210 الحديث 925، وسائل الشيعة: 19 / 132 الحديث 24300.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 44، وفيه إشارة إلى صحيحة أبي حمزة.
496
وقد عرفت الكلام في ذلك، وكذا الفرق بين ما في الصحيحة (1) وما ذكره
الشارح.
قوله: [باشتراط] تقديم الإيجاب في الإجارة، بل غيرها أيضا غير واضح
.. إلى آخره (2).
الإيجاب غير مذكور (3)، فلعله كان مقدما، ونسبة الشرط إلى المكتري
وذكره منه لأنه منه، فلعل إنشاء هذا الشرط لا إنشاء صيغة نفس الإجارة وأن لها
ظهورا ما فيما ذكره الشارح، لكن كفاية هذا القدر محل إشكال، إذ لا شك في أن
السائل غرضه أمر آخر وهو مد نظره، وأما حكاية التقديم والتأخير فليس مد
نظره، بل حكايته على سبيل الإجمال.
فلا وثوق إذا ظهر أن الغرض أمر آخر، وأن الذكر كذلك بالغرض وعلى
سبيل الإجمال، إذ المتعارف في المحاورات أنهم يجملون ويهملون، بحيث لا وثوق
في التقديم والتأخير بمحض الحكاية المسوقة لغرض آخر وليس حالها مقصودا في
المقام، فتأمل!.
قوله: ما نعرف دليله، على أنه قال: مستند أكثر الأصحاب الروايتان
الصحيحتان (4) عن الحلبي (5) ومحمد بن مسلم (6).. إلى آخره (7).
لا يخفى أن اشتراط التعيين دليله في غاية الوضوح، لما عرفت من أنه بمجرد



(1) أي صحيحة أبي حمزة الثمالي: وسائل الشيعة: 19 / 111 الحديث 42260.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 44.
(3) أي أنه غير مذكور في صحيحة أبي حمزة الثمالي.
(4) كذا، وفي المصدر: (روايتان صحيحتان).
(5) الكافي: 5 / 290 الحديث 5، وسائل الشيعة: 19 / 116 الحديث 24268.
(6) الكافي: 5 / 290 الحديث 4، وسائل الشيعة: 19 / 116 الحديث 24267.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 46.
497
العقد وبنفسه ينتقل العوضان، وغير المعين كيف ينتقل؟! والشرط بمنزلة العوض
وجزئه.
لكن الظاهر أن بناء المشهور على أن العوضين معينان، وهما الحمل إلى
الموضع المعين والأجرة المعينة، فينتقل كل منهما من حين العقد، إلا أن المستأجر
شرط أن يكون الوصول في يوم معين بحيث لو لم يف بالشرط يكون له التسلط
على إسقاط بعض الأجرة بنحو كذا وكذا، ولفظ الإسقاط شاهد على ما ذكرنا.
وأما الأخبار، فلم يظهر منها كون المراد الإجارة الصحيحة اللازمة، بل
يمكن أن يكون مراضاة ومعاطاة، كما يشير إليه صحيحة ابن مسلم عن
الباقر (عليه السلام) (1)، مع أنها على تقدير ظهورها في الإجارة الصحيحة يمكن توجيهها بما
وجه كلام المشهور.
قوله: وإن لم يكن سلم العين إلى المستأجر.. إلى آخره (2).
قد مر أن ذلك هو الحق بشرط عدم تحقق عادة على خلافه، إذ معه يتبع
العادة، لأن الإطلاق ينصرف إليها، ونظر العلامة إلى وقوع العادة في بلده، كما
ذكره (3).
قوله: [ولا يبعد أيضا صحة الإجارة] مع انضمام شئ مقصود معه، بحيث
يخرج عن السفه والغرر، كما مر في البيع.. إلى آخره (4).
لا يخفى أن الضميمة لا تنفع إلا أن تكون مقصودة بالذات وغيرها مقصودا
بالعرض، وإلا فإن كان إعطاء شئ عوض غير المقدور عليه سفها وغررا يكون



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 45، وقد مرت الإشارة إلى مصادرها آنفا.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 47.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 26 - 30.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 59.
498
كذلك مع الضميمة، فإنها تنفع لإعطاء شئ عوضها، لا عوض غيرها، وإن لم
يكن سفاهة فلا حاجة إلى ضم الضميمة، ولا يصح قياسها على البيع، لورود
الأخبار فيه (1)، مع كونه خلاف القاعدة، والخروج عن السفاهة لا يتوقف عليها.
نعم، يمكن أن يكون في بعض الفروض الخروج عنها من جهته، وليس ذلك
كليا، فتأمل، فإنه ربما كان بعد الانضمام السفاهة باقية، مثل أن يعطي دنانير كثيرة
بضميمة شئ دون شئ، وربما كان بغير الضميمة السفاهة منتفية، بأن يعطي
فلسا بإزاء منفعة طويلة يرجى حصولها، إلا أن يكون البائع - حينئذ - سفيها،
لكن يمكن الفرض بحيث يخرجان عنها، وإلا ففاسدة مطلقا، ولا تنفع الضميمة
أيضا، فتأمل!.
قوله: سقطت الأجرة - أي تبطل الإجارة - فليس للمؤجر مطالبة
الأجرة.. إلى آخره (2).
لا يخفى أن الشرط لم يكن إلا القدرة على التسليم، لا نفس التسليم، إذ
بمجرد العقد صار المنفعة ملك المستأجر، فله تسلط الأخذ من المؤجر قهرا، لأن
الناس على أموالهم مسلطون، فمع المنع لا يصير إلا غاصبا تجري عليه أحكام
الغاصب، فلا ينفسخ العقد بمجرد الغصب والإتلاف، والتلف غير الإتلاف.
نعم، له خيار الفسخ لعيب الإتلاف ولأنه ما وفى بعقده، فللمستأجر أيضا
أن لا يفي، لأن لزوم وفائه إنما هو فيما إذا وفى المؤجر.
هذا، إذا تلف الكل بإتلافه. وإن لم يتلف الكل، فله خيار تبعض الصفقة،



(1) وسائل الشيعة: 17 / 351 - 356 الأبواب 10 و 11 و 12 من أبواب عقد البيع
وشروطه.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 59.
499
على حسب ما مر في البيع (1)، لاشتراك الدليل والعلة.
قوله: (ولو منعه ظالم قبل القبض) أي منع المستأجر (2) قبل قبض العين
المستأجرة عن انتفاعها.. إلى آخره (3).
لا يخفى أنه بمجرد العقد تصير المنفعة ملكا للمستأجر، ولو منعه ظالم يقع
الظلم على المستأجر، فكيف يكون مختارا في فسخ العقد؟! إذ حكمه حينئذ حكم
المنع بعد القبض، وقياسه على البيع قياس.
غاية ما في الباب، أنه كان على المؤجر أن يسلم العين ولا يحول بينها وبين
المستأجر حتى يستحق أخذ الأجرة ويتسلط عليه، وعدم الحيلولة هنا واقع،
والمانع عن حقه غيره.
إلا أن يقال: إن الإعطاء كان واجبا عليه، ورفع المانع عن الانتفاع كان
لازما عليه، وهو مستصحب حتى يثبت خلافه، فلو رفع المانع بحيث لم يفت عن
المستأجر منفعته وملكه أصلا، أو فات ما لا اعتداد به - كما سيجئ في انهدام
المسكن - لم يكن للمستأجر فسخ، وإن لم يرفع بحيث فات بعض منفعته يكون له
الفسخ، للعيب، ولتبعض الصفقة، فإن الواجب على المؤجر أن يسلم ويقبض ما
عقد وعهد وشرط، كما أن الواجب على المستأجر أن يسلم ويقبض الأجرة التي
عقد عليها وعهد وشرط.
نعم، إذا أمكن للمستأجر أن يأخذ العين من الغاصب بحيث لم يفت منه
منفعة معتد بها ولا يكون ضرر ولا تعب لا يمكنه الفسخ، وإن لم يتمكن يجوز له
الفسخ، لما ذكرنا، بل على تقدير التمكن، لعله يقول: ما أريد الأخذ من الغاصب،



(1) راجع الصفحة:
(2) كذا، وفي المصدر: (أي لو منع المستأجر).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 60.
500
وإن العين لو كانت مال الغاصب ما كنت أستأجر منه، وإني استأجرت منك لعدم
كراهتي من الأخذ منك، فعلى هذا التقدير - أيضا - لعله له اختيار الفسخ، فتأمل.
والحاصل، أن الإطلاق كما ينصرف إلى الصحيح فيختار الفسخ لو خرج
معيبا، كذا ينصرف إلى أن يكون المعطي والمسلم هو المؤجر بنفسه أو بوكيله أو
عبده أو الأجنبي، على فرض كونه أيضا داخلا في المعهود الغالب إن أعطى، لا أن
يكون بيد غاصب سابقا على العقد، أو لاحقا عليه ولما يقبض.
نعم، بعد القبض أخذ الحق منه وخرج المؤجر عن العهدة، لأن وجوب
الإعطاء الذي يفهم من عقده وعهده وشرطه لا يزيد على إعطاء العين بحيث يمكن
الانتفاع بها، أو إعطاء منفعتها بتسليم العين إليه بلا مانع، أما إعطاء جميع المنافع
من أول المدة إلى آخرها بتسليم العين وكونها عنده خالية عن الموانع في جميع
المدة، فلا، فتأمل جدا!.
قوله: فيطالب [المالك] الظالم بالعين المنتفع بها، ويأخذ أجرة المثل.. إلى
آخره (1).
مقتضى العبارة أنه ليس له الرجوع على المؤجر بمطالبة العين ولا أجرة
المثل.
أما الثاني، فظاهر، لأن حقه وملكه ليس إلا المنفعة وقد استوفاها
الغاصب، ولم يترتب عليه يد المؤجر حتى يكون للمستأجر تسلط الرجوع إليه
أيضا، وإن كان قرار الضمان على الغاصب، كما هو الحكم في غصب الأعيان.
وأما الأول، فلعله مبني على عدم تمكن المؤجر من الأخذ من الغاصب، إذ
لو كان متمكنا لما غصب منه، والمفروض أنه غصب منه.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 60.
501
قوله: [وله أيضا الصبر وعم الفسخ]، فيلزمه (1) كل الأجرة، وهو ظاهر،
ودليل جواز الفسخ ظاهر على تقدير خروج المستأجر.. إلى آخره (2).
هذا محل نظر، بل الظاهر خلافه، لما مر في كتاب البيع في خيار تبعض
الصفقة وخيار العيب (3)، فإن العلة المذكورة هناك جارية هاهنا، والمؤجر إنما أخذ
الأجرة بإزاء جميع المنفعة، فكيف يأخذها بإزاء البعض، وهل هو إلا أكل مال
بالباطل وبغير ما وقع عليه التراضي والعقد والعهد والشرط؟!
وبالجملة، تمام التحقيق يظهر مما ذكرناه.
ومن العجائب أنه يقول في الصورة الأخيرة بنقص الأجرة المقابلة لبقائه
غير منهدم، ويقول في هذه الصورة بعدم النقص، مع أنه واضح أن هذه الصورة
أولى بالنقص من الصورة الأخيرة، ومر من الشارح في بحث عيب الأجرة أنه
اختار الأرش مع إمضاء العقد (4)، ولا شك في اتحاد حال العوضين في ذلك.
نعم، لو كان الناقص صفة خارجة لازمة أو غير لازمة لم يوزع عليها
الأجرة، ولم يقرر بإزائه عند أهل الخبرة، فلعله لم ينقص من الأجرة شئ على
تقدير عدم الفسخ، بل الظاهر حينئذ أنه كذلك، والله يعلم.
وسيجئ في قول المصنف: (ولو وجد في العين عيبا) (5) ما يشير إلى
التحقيق (6).



(1) كذا، وفي المصدر: (فيلزم).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 61
(3) راجع الصفحة:
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 31.
(5) كذا، وفي المصدر: (ولو وجد بالعين).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 70.
502
قوله: وأن لزوم الأجرة مشروط ببقاء العين في يد المستأجر منتفعا بها،
فإنها ليست إلا في مقابلة الانتفاع.. إلى آخره (1).
لا يقال: بمجرد العقد صار المنفعة ملكا للمستأجر منتقلة إليه، كما أن
الأجرة صارت ملكا للمؤجر منتقلة إليه، فلازم ذلك أن يكون التلف من
المستأجر، فيلزم صحة العقد ولزوم الأجرة.
لأنا نقول: المنفعة التي توجد صارت ملكا له منتقلة إليه، لا المعدوم بالمرة،
فإن المعدوم لا يكون ملكا أبدا، والأجرة إنما هي بإزاء الملك الموجود لا المعدوم
بالمرة، كما أن المنفعة إنما هي بإزاء الأجرة الموجودة، لا المعدومة التي لا توجد
أصلا، والمستأجر شرط وعقد وعهد أن يعطي الأجرة بإزاء أن ينتفع من المنفعة -
أي توجد عنده المنفعة حتى ينتفع إن أراد أن ينتفع - والمؤجر أيضا إنما أخذ
الأجرة واستحقها بذلك الشرط والعقد والعهد، وبمجرد العقد تنتقل إلى المستأجر
المنفعة التي توجد شيئا فشيئا، لا التي لا توجد أصلا، ولا القدر الذي لا يوجد
مطلقا، كما أن بعقد السلف ينتقل إلى ملك المشتري المبيع الذي يوجد في أوانه لا
المعدوم في ذلك الأوان وإن كان في وقت العقد معدوما وبمجرد العقد صار مال
المشتري وحقه، ومن حينه.
وبالجملة، المنفعة أحد أركان العقد، فلا بد من وجودها وتحققها حتى يصح
العقد.
نعم، إن تحقق المنفعة ولم ينتفع اتفاقا أو منعه مانع عن الانتفاع، فالعقد
صحيح، كما مر في مسألة الغصب.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 61.
503
قوله: فالظاهر ذلك، لعموم الأدلة (1).
بل لا تأمل في ذلك، لأنه مقتضى القواعد الشرعية وأدلتها.
في أحكام الإجارة
قوله: ولا يضر عدم التصريح بتوثيق محمد (2).. إلى آخره (3).
ربما يروي عنه أحمد بن محمد بن عيسى (4)، مع أنه أخرج عن قم من كان
يروي عن المجاهيل بسبب أنه روى عنهم (5)، ففيه شهادة تامة على أنه كان عادلا
عند أحمد، فتأمل.
قوله: ولا يضر عدم صحة سندها.. إلى آخره (6).
في هذه الرواية (7) شهادة على أن وقت صدورها كان الناس ربما يؤجرون
ويستأجرون من دون تعيين وقت.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 62.
(2) أي محمد بن سهل، الذي استدل الشارح بروايته: وسائل الشيعة: 19 / 110
الحديث 24259.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 63.
(4) لاحظ! جامع الرواة: 2 / 129.
(5) يدل عليه ما ورد من طرد أحمد بن محمد بن عيسى لأحمد بن محمد بن خالد البرقي.
لاحظ! رجال العلامة الحلي: 14، جامع الرواة: 1 / 63، منهج المقال
وتعليقاته: 42 - 43.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 65، وقد وردت في: ألف، د، ه‍ العبارة هكذا: (وهذه
صريحة في المطلوب، ولا يضر عدم..)، وما أثبتناه من ب، ج، وهو الموافق للمصدر.
(7) أي رواية إبراهيم بن محمد الهمداني: مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 65، وسائل الشيعة:
19 / 136 الحديث 24311.
504
قوله: [ما نقل في الشرح من الإجماع] وأنت تعلم ضعفه في مثله.. إلى
آخره (1).
لكونه موضع ريبة، على أنه على تقدير الصحة، فأقصى ما يكون أنه خبر
واحد، فكيف يقاوم ما ذكر من الأدلة، سيما وأن يغلب عليها؟!
قوله: وبعد العتق لا ملك، ومحتمل (2) كونها على بيت المال والزكاة، ومع
التعذر على الأغنياء كفاية.. إلى آخره (3).
لا يخفى أنه بعد العتق مالك لمنفعته التي عوضها بالأجرة، ولا يملك الأجرة
إلا من جهة كونها عوض ملكه وبدله، وعرفت أن وجود المنفعة في كل آن شرط
لاستحقاق الأجرة في ذلك الآن.
فعلى هذا، يمكن أن يقال: استصحاب وجوب النفقة عليه حتى يثبت
خلافه، ولم يثبت، إذ القدر الثابت أنه إذا خرج عن ملكه بالمرة بحيث لم يكن
بملكيته علاقة باقية بوجه من الوجوه، لم يكن حينئذ عليه نفقته.
ويؤيده أيضا، عموم " لا ضرر ولا ضرار " (4)، إذ في جعل نفقته على بيت
المال وأمثاله خفة ومهانة وضرر عليه عادة.
ويؤيده أيضا، ما سيجئ في قول المصنف (رحمه الله): (وكلما يتوقف استيفاء
المنفعة عليه.. إلى آخره) (5).
قوله: ولكن يحتمل عدم البطلان [وكونه موقوفا على إجازته].. إلى آخره (6).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 66.
(2) كذا، وفي المصدر: (ويحتمل).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 67.
(4) وسائل الشيعة: 25 / 400 الحديث 32217 و 427 الباب 12 من أبواب كتاب إحياء الموات.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 85.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 67.
505
لا شبهة في أن هذا الاحتمال متعين على القول بصحة الفضولي، فإن صحته
تقتضي الصحة هنا بطريق أولى، والمصنف قائل به، وكثيرا ما يعبر عن عدم
اللزوم في مثل المقام بالبطلان، إذ لا مشاحة في الإطلاق.
قوله: فكل ما يصح فيه أحدهما يصح [فيه] الآخر.. إلى آخره (1).
يظهر من كلام العلامة في " القواعد " أن العارية ليست تمليك المنفعة بل
تبيح التصرف (2)، وهذا هو الظاهر من الفقهاء والأدلة، إذ لا يظهر منها سوى
جواز الانتفاع فقط، والأصل عدم الانتقال وبقاء ما كان على ما كان، وأنه لا
يجوز إعطاء العين لغيره ينتفع بها ما لم يأذن له صاحبها، فإنه لو ملك المنفعة
لكانت ملكا له كسائر أملاكه، و " الناس مسلطون على أموالهم " (3).
وفي الإجارة جوزوا الإعطاء للغير، لما ذكر، والفرق بين اللزوم والجواز
فيما ذكر لا معنى له، فتأمل!.
قوله: إن نقص الطعام فعليه، قال: جائز، قلت: إنه ربما زاد الطعام! قال:
فقال: يدعي الملاح أنه زاد فيه شيئا؟.. إلى آخره (4).
لا يبعد أن يقال: إن المراد أنه إن نقص بغير آفة سماوية أو أرضية خارجة
عن تحت قدرة الملاح واختياره، وأن هذا الشرط (5)، إنما يفعلون من جهة كون
الملاحين - غالبا - متهمين بالسرقة أو بعدم المحافظة وبعدم المبالاة، أو من جهة



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 67.
(2) قواعد الأحكام: 1 / 191.
(3) عوالي اللآلي: 3 / 208 الحديث 49.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 69 - 70، وهو من رواية موسى بن بكر: وسائل الشيعة:
19 / 139 الحديث 24313 مع اختلاف يسير.
(5) في ب، ج: (وأما هذا الشرط).
506
عدم إمكان إثبات الخيانة غالبا، وإلا فالحمل على التضمين من الآفات المعلومة
الثابتة الخارجة عن اختيار الملاح فبعيد، كما لا يخفى على المتأمل.
وعلى تقدير تسليم الدلالة على العموم، فلا بد من تخصيصه بالأدلة الدالة
على أن الأمانة المالكية لا يضمن الأمين إذا تلفت من غير تقصير منه أصلا، وأنه
لا معنى لأن يكون ذهاب مال أحد وتلفه من مال الآخر من دون إتلاف ولا
تقصير.
فالخبر - على ذلك التقدير - مخالف للقاعدة الشرعية الثابتة المتفق عليها،
فلو كان صحيحا بحسب السند، صريحا بحسب الدلالة فيما ذكره، لكان الواجب
طرحه أو تأويله، لكونه من الشواذ، والشاذ يجب تركه، مع أن العام إنما يجوز
تخصيصه بالخاص الذي يكون مقاوما، لا أن يكون مرجوحا، فإن ارتكاب
التوجيه والتأويل في الراجح من جهة المرجوح فاسد، كما حقق في محله.
والخبر ضعيف السند، ضعيف الدلالة، مخالف لفتاوي جميع المسلمين، لو لم
نقل ضروري الدين.
قوله: ولأن العقد يقتضي الصحة.. إلى آخره (1).
ولأن التراضي وقع بقيد الصحة، فلا يجب الوفاء بالأجرة والالتزام.
قوله: [كان البطلان] رأسا متوجها، فيجب عدم لزومه، وكذا له الالتزام
أيضا.. إلى آخره (2).
ليس كذلك، لما عرفت فيما سبق في كتاب البيع، في بحث خيار تبعض
الصفقة وخيار العيب وغيرهما (3)، مع أن هذا ينافي تعليله للإلزام بقوله: (فإنه



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 70، وفيه: (ولأن العقد يقتضي الصحيحة).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 70.
(3) تقدم في الصفحة:
507
ينقص حقه.. إلى آخره) (1).
قوله: وليس له الرضا والالتزام به مع الأرش، كما قاله المحقق الثاني في
البيع (2)، لعدم الدليل.. إلى آخره (3).
إذا عقد المؤجر وعهد أن يعطي العين بقيد الصحة ووقع التراضي عليه،
يمكن للمستأجر أن يقول: وصلني بعض حقي وعليك أن تعطي الباقي، لأنك
عقدت وعهدت وشرطت أن تعطي الكل فإن لم يوجد فأنقص حقك بقدره، فإن
أجاب بأن التراضي ما وقع إلا بالأجرة التامة، أجابه بأن التراضي ما وقع إلا
بالعين الصحيحة.
فإن بنى على أن الصحة ليست داخلة فيما وقع عليه التراضي، يلزم لزوم
العقد، وإن بنى على أنها داخلة لكن من جهة عدم إمكان الحصول، فالتكليف بها
تكليف بما لا يطاق، والتكليف بشئ آخر عوضها تكليف بما لا منشأ له،
والتكليف برفع اليد عن بعض الأجرة خلاف ما وقع العقد والعهد، فإما [أن]
يأخذ بالكل أو يدع.
فيمكن أن يقال: عموم " لا ضرر " يقتضي رفع اليد والأرش.
وأيضا، كيف يأكل ما هو بإزاء مجموع الحق ببعض الحق؟ فإنه أكل مال
بالباطل.
وأيضا الفقهاء كثيرا ما يعوضون الحق بمثله، فتأمل فيه.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 70.
(2) جامع المقاصد: 4 / 405، وقال في كتاب الإجارة - جامع المقاصد: 7 / 93 -: (إن
الأصح وجوب الأرش).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 71.
508
على أنه مر في قوله: (لو حفر البعض) (1)، وقوله: (لو انهدم المسكن) (2)
أنه يرجع بالنسبة، بل معلوم - بحيث لا شبهة فيه - أنه لو لم يتمكن المؤجر من
إعطاء جميع المنفعة المشترطة أنه يرجع بالنسبة، ولا يمكن للمؤجر أن يقول: إما
يأخذ البعض بمجموع الأجرة المسماة أو يفسخ، والدليل في الكل واحد.
ومر في كتاب البيع في بحث خيار العيب وخيار تبعض الصفقة ما يحقق
المقام (3)، ومر في شرح قول المصنف: (ولو انهدم المسكن) (4) ما عرفت.
قوله: [إذا استأجر دابة] ولم يكن صاحبها معها، والدابة في يده.. إلى آخره (5).
هذا التقييد خلاف ظاهر عباراتهم (6)، لإطلاقها ولعله لغاية استبعاد
الإطلاق قيد، وفيه، أن الاستبعاد مبني على كون النفقة على المؤجر، على ما هو
مقتضى الأصل، وقد ظهر أن بناءهم على أن النفقة من مال المستأجر، فالذي
دعاهم إليه لعله دعاهم مطلقا، ولم نجد سوى احتمال كون ذلك عادة في زمانهم في
بلدهم، بحيث ينصرف إطلاق العقد إليه، أو أنهم حملوا ما سيجئ في نفقة
الأجراء على ما يشمل المقام، وسيجئ الكلام في ذلك (7).
قوله: قيل: فلا أجرة له [حينئذ] كما، صرح به في " الشرح ".. إلى
آخره (8).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 20.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 60.
(3) تقدم في الصفحة:
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 60.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 71.
(6) في ألف، ج، د، ه‍: (ظاهر عبارتهم).
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 79.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 73، وفيه: (كما صرح به في " القواعد ")، والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه من النسخ الخطية، لأن المراد بالشرح هو شرح القواعد، وقد صرح بهذا الحكم: جامع المقاصد: 7 / 182، في حين أنه لم يحكم به في قواعد الأحكام.
509
ليس بشئ، لما ذكرناه في أول كتاب التجارة والمكاسب من أنه لا مانع من
أخذ الأجرة على الواجبات الكفائية والعينية التي وجوبها من جهة احتياج
الناس ورفع الحاجة عنهم (1)، فلاحظ!
قوله: [التضمين] مع الإيجاب بعيد، وهو جار في كثير من الأمور، فتأمل،
ويدل على ضمان الصائغ [المفسد].. إلى آخره (2).
الاستبعاد غير مضر في مقام اقتضى الدليل الضمان، لأنه من الأحكام
الوضعية لا التكليفية، ولذا يضمن الطفل والمجنون إجماعا.
وإن لم يكن دليل، فالأصل العدم، والأصل براءة الذمة، فلا حاجة إلى
الاستبعاد، فتأمل!
قوله: وهي تدل على عدم الضمان [على المتبرع].. إلى آخره (3).
الدلالة ضعيفة، بل غير معتبرة على المشهور، وعند المحققين في الأصول.
قوله: وكونه أمينا، وتدل عليه صحيحة معاوية بن عمار (4).. إلى آخره (5).
ليس كل أجير أمينا، وليس إعطاء شئ إياه للاستصلاح ولأغراضهم
استئمانا، إذ لا شبهة في أن الناس ما يستأمنون أكثر الأجراء، كما أن الحال في
الواقع أيضا كذلك أن غالبهم غير أمين بل خائن بيقين، إلا أنه من جهة الاضطرار



(1) راجع الصفحة: 37 من هذا الكتاب.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 73.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 73.
(4) تهذيب الأحكام: 7 / 220 الحديث 964، وسائل الشيعة: 19 / 145 الحديث
24330.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 73.
510
وعدم العلاج يعطونهم شيئا للاستصلاح وغيره، كما هو مشاهد، ومن هذا ورد في
الأخبار أن الأجير المتهم ضامن (1)، إلا أن يثبت عدم ضمانه.
قوله: وصحيحة داود بن سرحان (2) الثقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام).. إلى
آخره (3).
لا وجه لاستدلاله بهذه الصحيحة، والصحيحة الآتية (4)، وكذا الحسنة (5)
على مطلوبه، لأن الظاهر منها كون التلف بفعل الأجير، بل هذه الصحيحة صريحة
في ذلك، فتكون الأدلة على القسم الأول الذي ادعى شارح " القواعد " (رحمه الله) عليه
النص والإجماع (6)، فلا وجه لتأمل الشارح فيه، فتأمل!.
قوله: ولا يبعد أيضا الجمع على الاستحباب والاحتياط.. إلى آخره (7).
إن أراد أن الحكم بضمان غير الثقة حين فقد البينة محمول على الاستحباب،
ففيه أن استحباب مثل هذا بعيد في نفسه، ومع ذلك بعيد بالنظر إلى هذه الأخبار
أيضا، وما ذكره من الإشعار لم نجده، فإن الاحتياط في رواية أبي بصير ليس
بمعنى الاستحباب كما لا يخفى، وليس معناه الاستحباب، لا مطابقة، ولا تضمنا،



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 19 / 144 الحديث 24327 و 146 الحديثان 24332
و 24333.
(2) تهذيب الأحكام: 7 / 222 الحديث 973، وسائل الشيعة: 19 / 152 الحديث
24350.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 74.
(4) أي صحيحة أبي بصير: مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 75، وسائل الشيعة: 19 / 145
الحديث 24328.
(5) أي حسنة الحلبي: مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 75، وسائل الشيعة: 19 / 142
الحديث 24320.
(6) جامع المقاصد: 7 / 267.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 75.
511
ولا التزاما.
نعم، عند الفقهاء يكون الاحتياط مستحبا في الموضع الذي يجوز التمسك
فيه بالبراءة الأصلية، ووجهه ظاهر.
وإن أراد أن الحكم بضمان الأمين مستحب، ففيه - مع بعده في نفسه - أنه
خلاف مدلول صحيحة أبي بصير وحسنة الحلبي، إذ الظاهر منهما أن العفو عن
الأمين مستحب.
والظاهر أن الروايتين تتضمنان حكم خيانة القصار والصائغ، وأن التفضل
على المأمون إنما هو في هذه الصورة فضمان المأمون في هذه الصورة، لا فيما تلف
بغير فعله، فإنه ليس بضامن فيه البتة، فجمع الشيخ (1) أظهر، بل متعين.
قوله: لما روي عن علي (عليه السلام) " من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من
صاحبه ".. إلى آخره (2).
هذا الخبر أيضا يدل على ما ذكره الفقهاء من ضمان الأجير وإن كان طبيبا
أو بيطارا (3)، بل يدل على ضمان من أتلف وإن لم يكن أجيرا، كما قاله الفقهاء
أيضا (4).
قوله: إلا أن يجعل الإذن تحليلا، أو من قبل النظر (5) لمريد النكاح
والشراء.. إلى آخره (6).



(1) تهذيب الأحكام: 7 / 220 ذيل الحديث 964.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 77، الكافي: 7 / 364 الحديث 1، وسائل الشيعة:
29 / 260 الحديث 35582.
(3) لاحظ! شرائع الإسلام: 4 / 248، الروضة البهية: 10 / 108.
(4) لاحظ! المهذب البارع: 5 / 260.
(5) كذا، وفي المصدر: (أو من قبيل النظر).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 79.
512
الظاهر أنه تحليل، لدلالة الأخبار على ذلك (1)، وأما ما ذكره بقوله: (أو من
قبل.. إلى آخره) (2)، فلا شك في فساده.
قوله: والأخيرة تدل على أن الجهالة في المدة أيضا [في الجملة لا تضر] (3).
لا دلالة فيها، بل ظاهرها أن الإجارة وقعت على الثماني، وأن إتمام العشر
تكلف منه وتبرع وإحسان، إن أراد فعل.
قوله: وأن معنى الآية (4) ذلك، وأن حكمها باق [في شريعتنا].. إلى آخره (5).
هذا، مضافا إلى الاستصحاب، وظواهر أخبار أخر (6).
قوله: والكل يدل على جواز الإجارة مطلقا.. إلى آخره (7).
في الدلالة نوع تأمل، لأن المطلق ذكر لإفادة حكم آخر لا حكم نفسه من
حيث الإطلاق، فتأمل.
قوله: وأنه لا مكافأة، لأنه متبرع.. إلى آخره (8).
لم يدل على أنه لا بد من مكافأته، بل على أن المؤجر كافأه اتفاقا لجزاء
إحسانه وخروجه عن الخجالة والمنة، فسأل أن هذه المكافأة من مال من
يحسب؟ واحتسابه من مال المستأجر إذا كان مصلحة له، لعله بناء على كونه
مرخصا في فعل ما هو صلاحه بأي نحو أراد، فتأمل فيه.



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 21 / 132 الباب 35 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 79، وفيه: (أو من قبيل..).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 81.
(4) القصص (28): 27.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 81.
(6) لاحظ! وسائل الشيعة: 19 / 111 الباب 8 من أبواب كتاب الإجارة.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 81.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 83.
513
في أركان المزارعة
قوله: [من الحيل الشرعية]، مثل جعل البذر منهما.. إلى آخره (1).
كون البذر منهما كيف ينفع في تحقق هذه المعاملة؟! إلا أن يكون تصحيح
كون النماء لهما، لا أنه لتصحيح هذه المعاملة، فتأمل.
قوله: مع عدم الدليل، كما تقدم في البيع (2) ونحوه.. إلى آخره (3).
لا يخفى أن الأصل عدم صحة المعاملة حتى تثبت بدليل، لا أن الصحة
عبارة عن ترتب الأثر الشرعي أو الآثار الشرعية، وتحقق الأثر وثبوته يحتاج
إلى دليل، وإلا فالأصل العدم، والأصل بقاء ما كان على ما كان، فلا وجه
للتمسك بالأصل، بل لا بد من إثبات المعاملة وصحتها من دون العقد على حسب
ما ذكر، ومع العقد بالنحو المذكور وقع الإجماع على الصحة، وبدونه يحتاج إلى
دليل، فالعبرة بوجود الدليل لا الأصل.
قوله: لصدق العقد، فلا يبعد [الصحة بغير العربية].. إلى آخره (4).
في دعوى صدق العقد بأي نحو يعلم الرضا بالمعاملة، محل نظر، كما مر في



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 94.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 142.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 96، وفيه: (والأصل ينفيه، مع عدم الدليل).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 96.
514
بحث البيع (1).
قوله: عدم صحة الاستدلال بكونه عقدا لازما.. إلى آخره (2).
فيه نظر، لأن مجرد تجويز العلامة في كتاب واحد (3) لا يصير دليلا على عدم
إمكان الاحتجاج، سيما والعلامة ما أظهر الوجه، فلعله من خصائص المقام، كما
هو الظاهر منه.
والبناء على العلم بعدم الفرق غلط، كيف وفي المقام يجوز الجهل والغرر في
العوض، وبه يشبه الجعالة؟ فلا يمكن القياس مع أنها والمساقاة بحالة واحدة،
وورد الصحيح في المساقاة (4).
ومرادي مما ذكرت منع جريان تنقيح المناط، لا أن ما ذكر علة، بل العلة
لعلها أمر آخر.
قوله: [من أن غيره] بعيد عن كونه لإنشاء العقد، وهو كما ترى، فعموم
الأدلة وعدم دليل مانع [دليل الجواز].. إلى آخره (5).
لا يخفى أن الأمر من حيث هو أمر لا يدل على الإنشاء في العقود الأخر،
مثل: بعني، أو اشتر مني، أو هب، أو صالح، لأن الأمر فيها صريح في طلب العقد
والمعاملة بعد الأمر، بخلاف: إزرع، فإنه صريح في طلب العمل بالشرط المعلوم،
لا طلب المعاملة، فيصلح للعقد، بل ظاهر فيه وفي إنشاء نفس المعاملة كما لا يخفى،



(1) راجع الصفحة: 65 من هذا الكتاب.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 96.
(3) قواعد الأحكام: 1 / 237.
(4) أي صحيح يعقوب بن شعيب: مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 97، الكافي: 5 / 268
الحديث 2، وسائل الشيعة: 19 / 44 الحديث 24119.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 96 - 97.
515
وغير ذلك.
وفي المقام يمكن أن يفهم من نفس الأمر بازرع إنشاء العقد، فله قابلية الفهم
منه، فلعل هذا منشأ استشكاله من أنه يصلح للإنشاء في المقام كما يصلح في
المساقاة أيضا وثبت هناك، ومن أنه من العقود اللازمة، والأصل والقاعدة فيها
عدم الجواز، وهذه طريقته سيما في " القواعد ".
وليس في المقام انتقال العوض من حين العقد وبنفس العقد حتى يحتاج إلى
القبول اللفظي، وغير خفي أنهم يريدون اللفظ لهذا المعنى، ولعله يظهر وجهه مما
مر في عقد البيع (1)، فليلاحظ وليتأمل!.
وأما الدلالة من جهة القرينة، فلم يعتبرها كلهم، ومن اعتبرها لعل مراده
أن نفس اللفظ لا يصلح للعقد، أو يقول: إن القرينة في مثل الأمر تصير خفية،
ويصير منشأ للنزاع والاختلاف، والعقود إنما هي لرفع النزاع، لا لإنشاء النزاع،
فتأمل!
فإن قلت: إذا قال المؤجر: أسكن في بيتي بكذا، أو إعمل لي بكذا، يجوز أن
يصير عقد الإجارة، مع أن الظاهر من العلامة عدم الرضا بذلك بعنوان الاحتمال
أيضا (2).
قلت: أسكن في بيتي، لا يدل على نقل المنفعة من المؤجر إليه بنفس اللفظ،
بل ظاهره إباحة التصرف بإزاء شئ، فهو - مع عدم الدلالة على الإعطاء
والنقل - لا خصوصية له بالإجارة، إذ يصح كونه مراضاة أو صلحا أو هبة لو دل
على النقل.



(1) راجع الصفحات: 63 - 65 من هذا الكتاب.
(2) لاحظ! قواعد الأحكام: 1 / 224.
516
وقول: إعمل لي كذا بكذا، قبول في الإجارة، لا إيجاب، ومع ذلك لا يدل
على نقل منفعة.
وأما المزارعة، فلعل العلامة يستشكل في كونها من العقود الناقلة بمجرد
اللفظ والصيغة (1).
وقول: أزرعك، ظاهر في طلب المزارعة (2)، كقول: زارعتك، فتأمل.
وسيجئ عن الشارح عند قول المصنف: (ولو أهمل الزراعة)، ما يشير
إلى عدم النقل، حيث يقول: لأنه فوت المنفعة على المالك (3)، فتأمل!
قوله: ويدل عليه ما في صحيحة يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)..
إلى آخره (4).
لا دلالة فيها على المزارعة، لأن قوله: " أعمرها وهي لك ثلاث سنين " (5)،
ليس بمزارعة قطعا، بل نوع مراضاة ربما يكون مصالحة، فتأمل.
مع أنه لا دلالة فيها على كون هذا عقدا، فتأمل.
قوله: وهي صريحة في جواز القبول بلفظ المضارع، فلا يبعد انعقاد
الإيجاب.. إلى آخره (6).
لا ظهور فيها في كون ما ذكر قبول الصيغة، فضلا عن الصراحة، بل غير
خفي أنه بعيد، إذ لا إشارة إلى إيجاب أصلا لا مقدما ولا مؤخرا، مع أن قوله: " إن



(1) لاحظ! قواعد الأحكام: 1 / 237.
(2) في ألف، ج، د، ه‍: (في طلب الزراعة).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 105.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 97.
(5) من رواية يعقوب بن شعيب: مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 97، الكافي: 5 / 268
الحديث 2، وسائل الشيعة: 19 / 46 الحديث 24122.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 97.
517
شئت نصفا، وإن شئت ثلثا " (1)، من تتمة مقول القول، فكيف يناسب هذا كونه
قبول الصيغة وتتمة العقد؟!
وبالجملة، لا شبهة في أنه ليس قبول الإيجاب وذكر صورة العقد، بل هو
تقرير المقاولة بينهما، وتصحيح المعاملة بأنها بأي نحو تقع، فتأمل!
مع أن عدم البعد لا يصير دليلا، بل لا بد من الدليل.
وكذا الكلام في رواية أبي الربيع (2)، مع ضعفها عندهم (3).
قوله: لصحيحة الحلبي المتقدمة (4)، كما قال في " شرح الشرائع " (5).. إلى
آخره (6).
حكمه بالقوة من جهة صحة السند ووضوح الدلالة، لأنها مطلقة، فلا
يعارضها رواية الفضيل (7)، وأبي بردة (8)، لعدم المقاومة، وهذه الطريقة مرضية
عند الشارح أيضا، فلا وجه لقوله: (لإمكان حملها.. إلى آخره) (9)، وكذا قوله:



(1) من صحيحة عبد الله بن سنان: مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 97، الكافي: 5 / 267
الحديث 4، وسائل الشيعة: 19 / 41 الحديث 2411.
(2) مجمع الفائدة البرهان: 10 / 97، تهذيب الأحكام: 7 / 94 الحديث 857، وسائل
الشيعة: 19 / 43 الحديث 24116.
(3) أنظر! مفتاح الكرامة: 7 / 299.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 100، تهذيب الأحكام: 7 / 195 الحديث 863، وسائل
الشيعة: 19 / 54 الحديث 24137.
(5) مسالك الأفهام: 1 / 232.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 101.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 101، الكافي: 5 / 265 الحديث 6، وسائل الشيعة:
19 / 55 الحديث 24139.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 101، تهذيب الأحكام: 7 / 209 الحديث 917، وسائل
الشيعة: 19 / 56 الحديث 24143.
(9) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 102.
518
(بل لا ينبغي الخلاف) (1)، مع أن العام لا يعارض الخاص، ولذا جعل العموم
مؤيدا (2).
والحق في الجواب، أن الرواية إذا انجبرت بشهرة العمل تصير حجة، كما هو
المشهور بين الفقهاء، وبينا وجهه في موضعه، فلا تقاومها الصحيحة من جهة
الدلالة، فتعين الحمل على الاستحباب أو التقييد، ويؤيده الرواية تعددها
وموافقتها للعمومات وغيرها.
قوله: [مع المعارضة]، إذ ما نقلناه عن " الفقيه " (3) ينافيها [صريحا]..
إلى آخره (4).
منافاتها إنما تكون إذا ثبت كونها بلا " لا " ولم يثبت، بل الظاهر من
السياق ومن نقل الشيخ والكليني، وشهرتها بين الأصحاب - كما نقلا (5) - هو
السقوط [في ما نقله عن الفقيه].
وروايتا الفضيل وأبي بردة قد عرفت حالهما. ويتقوى صحيحة الحلبي بهذه
الصحيحة وغيرها.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 100.
(2) إشارة إلى قول الشارح: (وعموم أدلة الإجارة مؤيدة): مجمع الفائدة والبرهان:
10 / 100.
(3) يبدو أن المقدس الأردبيلي (رحمه الله) نقل صحيحة الحلبي عن: من لا يحضره الفقيه هكذا: " عن
أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: تستأجر الأرض بالحنطة.. "، ولذا قال: هذا النقل مناف لنقل
الرواية في غير الفقيه. إلا أن ما ورد في: مجمع الفائدة والبرهان، ومن لا يحضره الفقيه
المطبوعين هكذا: " لا تستأجر الأرض.. ". لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 101،
من لا يحضره الفقيه: 3 / 159 الحديث 695، وسائل الشيعة: 19 / 54 الحديث
24137.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 102.
(5) الكافي: 5 / 265 الحديث 3، تهذيب الأحكام: 7 / 195 الحديث 863.
519
ومن هذا يتقوى قول ابن البراج (1)، لكن المشهور لعله أقوى، لما عرفت.
قوله: ورواية الفضيل وأبي بردة غير صحيحة لكان واضحا، ولكن قد
عرفت غيرهما أيضا.. إلى آخره (2).
غيرها لا دخل لها في المقام، ومجرد مناسبتها لا يكفي، وإن أراد العموم فهو
مؤيد للخبر المعارض المقاوم.
قوله: ولأنه لا عموم في الصحيحة (3)، والقول بأن لا قائل بالفرق غير
واضح.. إلى آخره (4).
لا شبهة في الإطلاق، وهو يرجع إلى العموم عند الفقهاء والشارح، إلا أن
يدعى أن المتداول أنهم كانوا يؤاجرون لطعامها (5)، وإلا لم يكونوا يشترطون
خصوص الطعام، مع أن المتداول في الأجرة الذهب والفضة، فتأمل!
قوله: إلا أنه ينبغي أولا تكليف المالك [للمزارع].. إلى آخره (6).
في الإلزام بهذه الأمور نظر، لمنافاتها لقوله (عليه السلام): " الناس مسلطون " (7)
وغيره، إلا أن يقال: إنه للخروج عن الخلاف والاحتياط، ولذا قال: (ينبغي).
قوله: وظاهره أن لا أرش عليه حينئذ مع احتماله.. إلى آخره (8).



(1) المهذب لابن البراج: 2 / 10.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 103.
(3) كذا، وفي المصدر: (وأنه لا عموم للصحيحة)، والمقصود من الصحيحة: صحيحة الحلبي
آنفة الذكر.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 103.
(5) في ب: (لطعامهم).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 104.
(7) عوالي اللآلي: 3 / 208 الحديث 49.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 104.
520
لعل بناء الأرش على أنه ليس بغاصب، بل زرع بإذن المالك، وإن وقع منه
التأخير الذي ليس يقطع به عدم وصول الزرع وإدراكه في المدة المسماة، لأنه
أعطاه الأرض للزرع ولم يشرط عليه كيفية، وتخلف الظن ليس باختياره،
فتأمل.
قوله: [بطل العقد] لأنه يعود إلى الجهالة في المدة، فتأمل (1).
أو الجهالة في الشرط الموجبة للغرر، ولأن الشرط في حكم أحد العوضين.
قوله: ما لا يحتاج إلى الماء، فعدم الماء لا يستلزم عدم إمكان الانتفاع.. إلى
آخره (2).
فيه، ما لا يخفى على المتأمل، إذ لو أمكن أن يزرع بالهواء أو الظل أو الريح -
كما هو الحال في بعض المواضع - فلا خيار له في الفسخ إن لم يشترط كون الزرع
بالماء، وإلا يعود المحذور.
قوله: وهو صحيح، على القول بجواز التخطي إلى غير المنفعة المشروطة..
إلى آخره (3).
لا يخفى أن من يقول بالتخطي يجعل ما وقع العقد عليه هو المنفعة، وكونها
خصوص الزرع شرطا في ضمن العقد وبعد فقدان الشرط يجوز له أن يرفع اليد
عن الشرط، ويكتفي بالمنفعة التي كان يمكنه أن ينتفع بها مع وجود الشرط.
مثلا: لو كان الماء موجودا ورفع اليد عن الزراعة وجلس على تلك
الأرض، أو مشى عليها أو نام، فلعله لا يمكن لصاحب الأرض أن يقول: لا
تجلس على أرضي ولا تمش عليها، أو لا تقعد ولا تيمم، لأنه حال الزرع يمكنه أن



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 105.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 106.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 107، جامع المقاصد: 7 / 322.
521
يفعل أمثال ذلك، إلا أن تكون مصلحة المالك هي الزرع لا ما ذكر، فتأمل.
لكن الأمر في المزارعة لا يخلو عن الإشكال، بل مشكل.
قوله: وفي الأجرة تأمل، إذ الفسخ بسبب انقطاع ما هو شرط للصحة (1)،
ولا أجرة لها سواها.. إلى آخره (2).
بناء الأجرة على أن المنفعة ملك من أملاك المالك استوفاها العامل، ولم
يكن مجانا وعارية بغير عوض، وانقطاع الماء لم يكن من المالك بل من الله.
نعم، لو كان المالك عالما أو ظانا بالانقطاع ومع ذلك غره، يلزمه بتغريره
جميع ما خسر العامل أيضا، فتأمل!
قوله: ثم إن وجه التخيير أيضا غير واضح، إذ الإجارة والمزارعة عقد
لازم.. إلى آخره (3).
الظاهر أن تعيين الزرع شرط من شروط المعاملة اللازمة، فبعد فقدان
الشرط له خيار الشرط، كما ذكرنا في كتاب البيع (4)، فلاحظ!
وبالجملة، الشرط حق من حقوقه، له أن يرفع اليد عنه ويلزم المستأجر
بإعطاء المسمى، وليس له أن يقول: ما أعطي المسمى لأنك رفعت اليد عن بعض
حقك، وله أن يفسخ بأن ما وقع التراضي إلا على هذا الشرط.
هذا في الإجارة واضح.
وأما المزارعة، فيمكن أن يقال: إنه وقع المعاملة على النصف أو الثلث
- مثلا - لكن بشرط أن يكون زرع كذا، فيجوز له رفع اليد عن شرطه، وليس



(1) كذا، وفي المصدر: (ما هو شرط للحصة).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 108.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 109.
(4) راجع الصفحة:
522
للعامل أن يقول: ما أعطي النصف أو الثلث لأني ما وفيت بالشرط وأنك عفوت
عن الشرط.
مع أن الغاصب مؤاخذ بأشق الأحوال بالقياس إلى المغصوب منه،
وللمغصوب منه مؤاخذته بذلك، وله ما هو أرضى به وأرفق، إلا أن يمنع من
الخارج مانع، من إجماع أو نص.
وما ذكر من أنه له إما المسمى أو أجرة المثل، فهو بعينه ثمر جواز، وإلا فلا
وجه لما ذكره، إذ كون العقد صحيحا قهرا لا وجه [له] قطعا، والغاصب أقدم على
أن يعطي ما يزيد عن أجرة المثل، فلا وجه لأن يصير غصبه نافعا له، مسقطا عنه
بعض ما أقدم ورضي، بل الغصب لو لم يزد عليه لا ينقص منه، فتأمل!
قوله: وأدلة الإيفاء بالعقود والشروط، مع عدم منع ظاهر.. إلى آخره (1).
إن جعل (2) المستند عموم * (أوفوا) * (3) وغيره، لزم المعاملة على البذر من
دون أرض، بأن يكون الزرع في أرض يباح فيها الزرع أو عارية أو إجارة
استأجرها الطرفان أو غير ذلك، وكذا الحال في العمل، وفي العوامل، وفي النفقة،
وفي الفدان وفي المسحاة وغيرهما من الآلات، ولم يعتبر جميع ذلك أحد إلا أن
يقول بأن ما ذكر باطل بالإجماع، فتأمل!
قوله: بل هو أعم، [بل الظاهر] إن أهل خيبر كانوا كثيرين، فوقع
بينه (صلى الله عليه وآله وسلم).. إلى آخره (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 118.
(2) في ب، ج: (إن جعلوا).
(3) المائدة (5): 1.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 119، وفيه إشارة إلى خبر حكاية خيبر: الكافي:
5 / 268 الحديث 2، وسائل الشيعة: 19 / 45 الحديث 24121.
523
المراد أن العقد يقع بين طرفين متعاقدين وإن كان كل واحد من الطرفين
جماعة، لا أن يكون أطرافا للعقد وجماعة متعاقدين لكل واحد منهم شرط على
حدة وعقد سواء في عقد واحد كما هو المفروض.
في أركان المساقاة
قوله: وإن كان ما حصل له أقل مما أخذ من الذهب (1) أو الفضة [مع
حصول التعب].. إلى آخره (2).
بشرط أن لا تتحقق سفاهة بهذه المعاملة، بأن يكون في ذلك غرض معتد
به عند العقلاء، وإلا فمعاملة السفيه باطلة، وسيشير إليه الشارح (3).
قوله: وكذا يبطل لو شرط للعامل جزءا من الأصل [مع الحصة].. إلى
آخره (4).
وفي " القواعد " استشكل في ذلك (5).



(1) كذا، وفي المصدر: (أقل مما أخذ منه من الذهب).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 130.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 131.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 132.
(5) قواعد الأحكام: 1 / 240.
524
الجعالة
قوله: ويمكن حملها على كون التعيين بأمر المالك.. إلى آخره (1).
بعيد، ويمكن حملها على الإرشاد، وعلى وجه الاستصلاح، فتأمل جدا!
قوله: [وتفصيل هذه المسألة] يحتاج إلى تطويل، وقد مر.. إلى آخره (2).
قد مر في كتاب البيع تحقيق ينفع (3) المقام (4).
قوله: إلا بدليل يفيد ذلك، وأن الثاني إنما يتم إذا كان العوض مجهولا.. إلى
آخره (5).
لعل ما مر في كتاب البيع صار منشأ لحكمهم، فإن التعيين بحسب نفس الأمر
لازم بلا شبهة حتى يصير بعد العمل حقا له منتقلا إليه، فإن غير المعين لا ينتقل
ولا يستحق، مع أنه يصير محل النزاع، كما اعترف.
وأما التعيين عندهما، فالظاهر أنه لا بد منه بالقدر الذي يخرج به عن
السفاهة، فيصير حاله حال الصبي والمجنون، أو السفيه، إذ الظاهر أنه حينئذ
يستحقون أجرة المثل، كما هو الحال في جعل الجعل منهما بالمرة، فلا بد من تعيين
يخرج به عن السفاهة عرفا، وكذا لا بد من تعيين يرفع النزاع والمشاجرة، كما مر



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 146.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 148.
(3) لم ترد (ينفع) في ب، ج.
(4) راجع الصفحة: 39 من هذا الكتاب.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 149 - 150.
525
في البيع (1).
وأما التعيين الذي يرفع الغرر، فربما كانوا يقولون بلزومه بناء على أنهم
يفهمون من نهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر (2) الشمول لغير البيع أيضا من
المعاملات، ولعله لتنقيح مناط عندهم (3)، وإلا فالآن نحن لا نفهم، سيما مع عموم
أدلة الجعالة (4)، وخصوص بعض الأدلة، مثل: " من قتل قتيلا فله سلبه " (5)،
ولهذا جعل ما ذكر محتملا (6)، واستحسنه أيضا في " القواعد " (7).
قوله: إن احتاج إليه لتحصيل ماله وما أوجب الجهل، حتى لا يتمكن من
جوز الجهل (8).. إلى آخره (9).
مراده (رحمه الله)، أن الحاجة ماسة إلى أمثال هذه المعاملات، والنظام يتوقف
عليها، ولهذا جعلها الشارع (10) مشروعة، كما ظهر من كلامه، وأيضا فعل الحكيم
يناسب أن يكون تام الفائدة.
فعلى هذا، لو لم يجعل التعيين معتبرا لم يحصل المطلوب من النظام، ولم
تتحقق الحاجة الماسة، لكن لا يخفى أن ما ذكره يصلح نكتة للفرق لا دليلا عليه،



(1) راجع الصفحة: 115 من هذا الكتاب.
(2) عوالي اللآلي: 2 / 248 الحديث 17.
(3) لاحظ! مسالك الأفهام: 1 / 255.
(4) وسائل الشيعة: 23 / 86 الباب 50 من أبواب كتاب العتق و 189 الباب 1 من أبواب
كتاب الجعالة و 20 / 466 الباب 21 من أبواب كتاب اللقطة.
(5) عوالي اللآلي: 1 / 403 الحديث 60.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 150.
(7) قواعد الأحكام: 1 / 200.
(8) كذا، وفي المصدر: (حتى لا يتمكن، بل جوز الجهل).
(9) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 150.
(10) في كافة النسخ: (ولهذا جعل الشارع)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
526
ولعل مراده (رحمه الله) ذلك، والظاهر أن هذا مراده، كما لا يخفى على المطلع بحاله، فتأمل!
قوله: بخلاف من رده فله ثوب، لأن جهالة الثوب.. إلى آخره (1).
قد عرفت أن مراده كونه بحيث ينتقل إليه ويستحقه بعد تمام العمل، ولا
يتحقق هذا المعنى في الثوب المذكور كما لا يخفى، إذ ليس له أقل معين يدخل تحت
الضابطة.
وأيضا، لا شك في أن مثله محل النزاع، كما مر في البيع (2)، فلاحظ!
قوله: متبرع، ولما بطل المعين يستحق ما هو بمقداره.. إلى آخره (3).
وصرح في " القواعد " بذلك (4)، ولا تأمل في كونه هو الحق، ولا خفاء في
الدليل، وأن الأمر كذلك في كل موضع يكون مثل الموضع، إذ يحلف كل منهما على
نفي ما يقوله الآخر، وإن كان يبطل الأجرتان، إلا أن دعوى كل واحد يوجب
الإقرار على نفسه بعدم استحقاقه أزيد مما ادعى.
قوله: ويمكن أن يكون المراد الإمكان شرعا وصحته.. إلى آخره (5).
الظاهر، أن مرادهم الأعم، ومر وجهه في بيان الجهة الثالثة للفرق بين
الأجرة والعمل في الحاجة إلى العلم (6)، فتأمل!
وأيضا، شرط لتحقق العقد، ولثمره (7) بحسب نفس الأمر، إذ لو لم يكن
لكان العقد لغوا بحتا فلا يكون صحيحة، فتأمل!



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 150.
(2) راجع الصفحة: 115 من هذا الكتاب.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 151.
(4) قواعد الأحكام: 1 / 200.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 152.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 149.
(7) أي: ولاثماره.
527
قوله: لم يستحق شيئا، لأنه متبرع حيث فعل [من غير الشرط].. إلى آخره (1).
وإن اعتقد أنه يستحق الجعل كما يستحقه الغير، لجهله بالمسألة، فإن
الجاهل بسبب جهله لا يستحق شيئا من أمثال ذلك.
قوله: [من رد عبدي] إلى هذا البلد فله كذا.. إلى آخره (2).
بشرط (3) أن يكون له فائدة، حتى لا يصير الجاعل سفيها فيبطل عقده،
ولا يستحق أخذ الأجرة منه، فتأمل جدا!
قوله: والظاهر أنه يستحق بالعمل، فإن العوض جعل في مقابلة العمل..
إلى آخره (4).
بشرط أن لا يكون عرف وعادة يعرف من الإطلاق إرادته، وينصرف
إليه.
قوله: [شرط الأجرة تمام العمل] فلا أجرة له قبله وقد فسخ بنفسه.. إلى
آخره (5).
وإن كان اعتقاده أنه يستحق شيئا - كما عرفت - فإنه باعتقاده ما أدخل
النقص على نفسه، إلا أنه في الواقع أدخل، والجهل لا يصير سببا للعذر في
استحقاقه، والله يعلم.
بل الجاعل - أيضا - لو كان معتقدا استحقاقه لا يصير ذلك منشأ
لاستحقاقه، إلا أن تقع المشارطة، فإنه حينئذ ما استوفى منفعته مجانا، وهو أيضا
ما تبرع، فتأمل جدا!



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 153.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 153.
(3) في ب، ج: (يشترط).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 153.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 153.
528
قوله: أما لو فعل بعد موت الجاعل فهو متبرع، كما إذا فعل بعد فسخ
الجاعل.. إلى آخره (1).
لكن للجاعل أن يقول: ما جعلت الجعل إلا على الفعل والعامل أقدم على
ذلك ولم يتحقق الفعل، إلا أن يكون عادة ينصرف الإطلاق إليها، فتأمل!
وعلى تقدير استحقاقه يحتمل بالنسبة كونها بالنسبة إلى أجرة المثل، لما
ذكر، ويحتمل المسمى، وهو الظاهر من عبارة الشارح.
قوله: فلا يستحق شيئا من الجعل، بل يجب عليه [رد ما في يده إلى
مالكه].. إلى آخره (2).
لم يظهر من أدلة الجعالة، ولا عقد الجاعل، ولا عمومات أخر الاستحقاق
في هذه الصورة، مضافا إلى ما كتبناه في كتاب البيع، ومراد الفقهاء عدم
الاستحقاق من جهة نفس الرد، لا من جهة أمر آخر أيضا.
قوله: كما قاله المحقق (3)، والمصنف في " التذكرة " (4).. إلى آخره (5).
لعل مراد المحقق كون الأمر في الجعل فيها على سبيل الإرشاد، كما أشرنا (6)،
أو أنه ربما يكون الرواية صحيحة (7)، سيما مع انجبارها في الجملة، فالاحتياط
يقتضي عدم مخالفتها بالنسبة إلى الجاعل والعامل جميعا.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 154.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 155.
(3) شرائع الإسلام: 3 / 164.
(4) تذكرة الفقهاء: 2 / 289.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 156.
(6) تقدم في الصفحة: 525 من هذا الكتاب.
(7) أي رواية مسمع بن عبد الملك: مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 146، تهذيب الأحكام:
6 / 398 الحديث 1203.
529
قوله: ولكن العادة في مثله تقتضي العوض، ويؤيده.. إلى آخره (1).
دعوى الكلية محل نظر، بل العادة مختلفة بالنسبة إلى الأشخاص العاملين
والجاعلين في المقامات، فلعل مرادهم عدم الأجرة إلا في صورة ظهور الأجرة
من قرينة، إذ العادة من جملة القرائن، والإطلاق ينصرف إليها، وبهذا يجمع بين
كلامي المصنف، فتأمل!
قوله: فإن الجعل إنما جعل (2) للرد من بغداد، ولا يلزم منه جعل جزء الجعل
لبعض الطريق (3)، وهو ظاهر.. إلى آخره (4).
لا يخفى أن المتعارف غرض الجاعل الحصول، لكن لما كان اعتقاده أنه في
بغداد قال ما قال، والعامل ما خرج إلا إلى بغداد، استحصالا لمطلوبه بعقده
وعهده وعلمه بذلك، إلا أنه اتفق وجدانه في بعض الطريق، فالقدر من المسافة
كان داخلا في العقد، وكذا رد العبد.
غاية ما في الباب، أنه لم يتحقق بعض المسافة المعقود عليها، بل في هذه
الصورة لا يكون من جملة المعقود عليها، لأن المعقود عليها ما هو لأجل وجدان
العبد.
وبالجملة، عدم طي بعض المسافة ليس بتقصير منه، لخروجه عن
الإمكان، ولم يصر بذلك عاملا بغير ما عقد عليه، ولم يخرج بذلك عما وقع العقد
عليه أصلا عرفا، بل يقال عرفا: إنه أتى بالمطلوب من العقد القدر الممكن منه.
وهذه الصورة أولى من صورة موت العامل بعد قدر من العمل، واختار



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 156.
(2) كذا، وفي المصدر: (حصل).
(3) كذا، وفي المصدر: (ولا يلزم منه جعل الجزء لبعض الطريق).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 159.
530
هناك استحقاقه مع عدم إتيانه بالعمل وعدم رده العبد وعدم تسليمه (1)، فكيف
يقول في المقام ما يقول؟! فتأمل!
قوله: إذ الأصل عدم التبرع وعدم وقوع الضالة بيد العامل حتى يعلم،
ومعلوم بعد الجعل لا قبله.. إلى آخره (2).
لا يخفى أن التبرع لا يحصل بأمر حادث زائد عن الفعل، بل يكفي عدم
قصد الأجرة، فكيف يصير الأصل عدم التبرع مع أنه لا تفاوت بينه وبين عدم
التبرع؟ إلا أن يكون مراده من الأصل معنى آخر، أي الظاهر أو القاعدة.
والأول لا يعارض الأصل، والثاني يتوقف ثبوته على دليل، فإن كون الأصل أن
يكون المنفعة المستوفاة عوض ولا يكون مجانا يحتاج إلى دليل ظاهر يعارض
أصالة عدم شغل الذمة، فتأمل.
وأما أصالة عدم وقوع الضالة بيده قبل العلم، فلعله المراد منها أصل تأخر
الحادث، فإن وقت العلم مضبوط معين لا يتمشى فيه أصل التأخر، بخلاف
الوقوع بيده إلا أن معارضتها لأصالة عدم اشتغال الذمة أصلا ورأسا، وبعدمه
عليها محل نظر، بل ربما كان الأصل الأول (3) أقوى، فتأمل!
ومما ذكر ظهر ما في قوله: (إلا أن التعريف.. إلى آخره) (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 154.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 160.
(3) في ب، ج: (أصل الأول).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 160.
531
السبق والرماية
قوله: وعلى تقديرها بشرع من قبلنا، ليس بحجة [علينا].. إلى آخره (1).
ليس كذلك، فإن الاستصحاب حجة ويقتضي البقاء حتى يثبت النسخ، ولم
يعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نسخ جميع الشرائع بحيث لا يشذ عنها شئ، بل الثابت من
الأخبار الكثيرة بقاء كثير:
منها: ملة إبراهيم وسنته (2).. وغير ذلك.
ومنها: ما ورد مدحه، بحيث يظهر كونه حسنا بذاته (3).
ولهذا طريقة الفقهاء - رضي الله عنهم - الاستدلال بأمثال ذلك في مقامات
كثيرة، وكثيرا ما يحتج المعصوم (عليه السلام) بإباحة شئ - مثلا - بأن الشئ الفلاني مثل
شق الثوب على الأب والأخ بأن موسى شق على هارون (4).. وغير ذلك.
يظهر ما ذكرنا من تتبع الأخبار.
وظهر كونه مشروعا في ذلك الشرع أن أولاد يعقوب (عليه السلام) أظهروا عنده (عليه السلام)
بأنا * (ذهبنا نستبق) * (5)، فإن فيه ظهورا، كما لا يخفى على المنصف، سيما مع عدم
إنكار يعقوب عليهم، ولا [يخفى] كون المراد هو العقد، لعدم تأتي الاستباق من



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 164، وفيه: (وعلى تقديرها، شرع من قبلنا..).
(2) بحار الأنوار: 73 / 67 باب السنن الحنيفية.
(3) بحار الأنوار: 73 / 97 الحديث 701.
(4) وسائل الشيعة: 3 / 274 الحديث 3636.
(5) يوسف (12): 17.
532
دون مراهنة أو مقاولة، فتأمل!
قوله: والآية الثانية (1) أبعد، وهو ظاهر (2).
وجه الاستدلال بها إنما هو بتفسير القوة بالرمي، والظاهر من إعداد هذه
القوة هو تعلمه، فيدل على إباحة هذا التعلم، بل ورجحانه ووجوبه، فيصح العقد
الواقع عليه، لعموم * (أوفوا) * (3)، وعدم مانع، بل ويمكن الاستدلال بإطلاق
الإعداد، لأن المتعارف والغالب كان تحققه بالعقد، فتأمل!
قوله: والثاني (4) أيضا غير معلوم صحة سنده.. إلى آخره (5).
ضعف السند منجبر بعمل الأصحاب.
قوله: [ما لم يقل به الأصحاب] من جواز القمار بالريش أي الطير (6).
وربما حمل الريش على ما هو في رؤوس السهام، عادة وتعارفا، فيكون
المراد الإشارة إلى السهام.
قوله: [الإجماع المستند] إلى ما تقدم، والأصل.. إلى آخره (7).
الأصل يدل على عدم منع منه، لا على الصحة.
قوله: فالظاهر الجواز، للأصل، ويدل بعض الروايات (8).. إلى آخره (9).



(1) الأنفال (8): 60.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 164.
(3) المائدة (5): 1.
(4) أي الخبر المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من لا يحضره الفقيه: 4 / 42 الحديث 136، وسائل
الشيعة: 19 / 251 الحديث 24524.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 165.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 166.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 166.
(8) لاحظ! أمالي الصدوق: 361 الحديث 7 من المجلس 68.
(9) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 168.
533
وقراءة السكون مجرد احتمال، وبالاحتمال لا يثبت التكليف وما خالف
الأصل، سيما مع كونه مرجوحا بسبب أن المشهور قرأوا بالفتح، مع أنه على تقدير
السكون لا دلالة أيضا كما ذكره، بل ظاهر القرآن عدم حرمة اللعب مطلقا، حيث
قال إخوة يوسف ليعقوب: * (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب) * (1)، فبعثه معهم
للعب، وكون الأصل بقاء المشروعية، كما ذكرنا سابقا.
وورد في الأخبار أن جماعة كانوا يرفعون صخرة بحضرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
ويقولون: نريد نمتحن قوتنا وأنه أينا أشد قوة، فلم ينكر عليهم، بل قال لهم كلام
آخر (2).
وروى العامة أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سابق بالقدم بعض أزواجه (3)، والعلم عند
الله تعالى.
قوله: فلا يلزم بمجرد الإيجاب والرضا، فيكون مثل الجعالة قبل العمل.
نعم، يلزم السبق [بعد العمل الموجب لذلك].. إلى آخره (4).
ومما يؤيد عدم كونه من العقود اللازمة، أن الفقهاء ما عينوا له صيغة،
وطريقتهم في العقود اللازمة تعيين الصيغة، سيما من يقول منهم بكون صيغها
توقيفية، موقوفة على النص وتعيين الشارع.
ويؤيد أيضا، أن المسلمين - بل وغيرهم - في الأعصار ما يقرؤون صيغة
مركبة من الإيجاب والقبول على طريقة الإنشاء وبالأمور التي يراعونها في العقود
اللازمة، ولا يلزمون بمجرد العقد والصيغة بحيث لا يجوز للآخر رفع اليد بالنحو



(1) يوسف (12): 12.
(2) بحار الأنوار: 72 / 28 الحديث 16.
(3) سنن ابن ماجة: 1 / 636 الحديث 1979، المغني لابن قدامة: 9 / 368.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 171 - 172.
534
الذي يفعلون ويراعون في العقود اللازمة، بل الظاهر أنه في أيام الجاهلية عند
العرب وغيرهم كان البناء على ذلك، فلا ينصرف الذهن من حديث: " لا سبق..
إلى آخره " (1)، وغيره إلا إلى ذلك.
فإذا كان المراد من * (أوفوا بالعقود) * (2) العقود المتحققة المتعارفة في ذلك
الزمان، فلا يثبت من الآية لزوم هذا العقد، مضافا إلى ما أشرنا إليه من أن البناء
على العموم اللغوي يوجب الإخراج من هذا العموم أزيد مما يبقى بكثير، فتأمل!
على أن الصيغ التي ذكرها الفقهاء هنا قولهم: من سبق فله كذا، وهذا لا
يناسب العقد اللازم قطعا، بل هو بعينه عقد الجعالة، ولعله في الحقيقة نوع من
الجعالة، فتأمل.
قوله: وعموم الأدلة يقتضي الجواز مع الوصف.. إلى آخره (3).
لم نجد العموم الذي ادعاه، مع أنه (رحمه الله) في صدر المبحث تأمل في أدلة السبق
سوى الإجماع (4)، فكيف يدعي العموم؟ فتأمل!



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 164، الكافي: 5 / 48 الحديث 6، وسائل الشيعة:
19 / 253 الحديث 24530.
(2) المائدة (5): 1.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 174.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 166.
535
في أحكام الشركة
قوله: إلا الممنوع شرعا (1)، وليس هنا منع واضح، فيلزم كسائر الشروط
في سائر العقود.. إلى آخره (2).
إذا تساوى المالان ولم يكن عمل منهما أصلا، فإعطاء الزيادة من دون
عوض في المعاملات سفاهة، إلا أن يكون الغرض مجرد الإحسان والتبرع،
فالظاهر أنه قبل وجود النماء وعد بالهبة، وبعده هبة، فيجوز إعطاء كل حقه
وحصته بهذا النحو.
والكلام إنما هو في المعاملة كذلك واللزوم في الإعطاء بعد الوجود، وما
اعتبر الشارح وغيره في المعاملات - مثل البيع وغيره - هذا المعنى، بل جعل هذا
المعنى أكل مال بالباطل، من حيث كونه بغير عوض أصلا، وليس في مقابلته شئ
مطلقا (3)، ويمكن أن يقال بمثل ذلك فيما إذا كان عملان متساويان (4).
إلا أن يقال في الصورتين: الزائد الذي يعطيه في مقابلة الناقص من حق
الشريك في المشاع، ويكون هناك غرض صحيح يخرج بسببه عن السفاهة.



(1) كذا، وفي المصدر: (إلا الممنوع منه شرعا).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 199، تذكرة الفقهاء: 2 / 225.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 453 - 454.
(4) في ب، ج: (يتساويان).
536
لكن الكلام في ثبوت صحة هذه المعاملة شرعا، بمعنى أنها تؤثر اللزوم
وسائر الثمرات، والأصل عدم الصحة، لأنها حكم شرعي يحتاج إلى الثبوت، فما
لم يثبت يكون المالان باقيين على حالهما الذي كان قبل العقد جزما.
ومثل " المسلمون عند شروطهم " (1) لا يفيد اللزوم والصحة شرعا باتفاق
العلماء، وصرح الشارح بذلك (2) - وإن كان تمسك به أيضا غفلة - بمعنى أنه لا معنى
لأن يقال: إن كل مسلم شرط شرطا بأي نحو وأي وجه، يكون لازما شرعا
وصحيحا مثمرا للثمرات التي ليست مدلول ذلك الشرط.
والبناء على تخصيصه بمخصصات إجماعية أو نصية توجيه وتأويل، لا
استدلال، لجواز أن يكون المراد الأولوية والأهمية عند الشارع، كما صرحوا به،
بل هو أولى من تخصيصه بما هو أزيد من الباقي بمراتب شتى، فإنه غير صحيح عند
معظم الأصوليين (3).
وأما من يجوز ذلك، فلا شك في أنه يراعي الأولوية - يعني أن يكون هذا
التخصيص أولى - ففي المساوي لا يجوز البناء عليه والفتوى به، فضلا أن يكون
مرجوحا (4).
مع أن هذا العقد من العقود الجائزة قطعا، فكيف يناسبه الوجوب
والإلزام؟! فغير ظاهر شمول هذا، و * (أوفوا بالعقود) * (5) وغيره للعقد الجائز، إلا
أن يقال: يجب الوفاء بما يقتضيه العقد، إن كان اللزوم فباللزوم، وإن كان الجواز



(1) وسائل الشيعة: 18 / 16 الحديثان 23040 و 23041.
(2) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 123.
(3) لاحظ! معالم الأصول: 110 - 113، قوانين الأصول: 1 / 241 - 247.
(4) لاحظ الهامش السابق!
(5) المائدة (5): 1.
537
فبالجواز، وغير ذلك مما يقتضيه.
لكن الكلام فيما يقتضيه عقد الشركة، فلا يمكن الإثبات بمجرد * (أوفوا
بالعقود) * وغيره.
مع أنه إن بنى على ما هو معناه لغة، أي عقد عاقدتم بأي نحو اخترعتم
وتخيلتم وأحدثتم يجب الوفاء، ويصير حكما شرعيا وداخلا في الدين، وشرعا
من شرع خير المرسلين من غير حد وضبط، يلزم أن لا يكون العقود والمعاملات
على النهج المقرر في الفقه والمسلم عند الفقهاء، بل يلزم عدم الانضباط في
المعاملات أصلا، فتأمل فيه، إذ يمكن أن يقال: خرج ما خرج بالإجماع وغيره
من الأدلة وبقي الباقي.
لكن، لا بد من التأمل في صحة هذا القدر من الإخراج والتخصيص، كما
أشرنا، ومع ذلك يشكل رفع اليد عن الاستدلال بها في المسائل الخلافية، لأن
المدار في الفقه عليه.
إلا أن يقال ببطلان الاستدلال بها على صحة المعاملة التي اخترعت من
المتعاملين، وصحة الاستدلال بها على صحة البيع اللغوي والعرفي، وكذلك صحة
الهبة اللغوية والعرفية، والصلح اللغوي والعرفي، والإجارة اللغوية والعرفية،
وغير ذلك من العقود التي كانت متعارفة حين نزول الآية، لأن الخطاب مختص
بالحاضرين - على ما هو الحق والمحقق - والعقود المحققة والمتعارفة والمتداولة يفهم
جزما، أما الفرضية والتقديرية، ففهمها ربما لا يخلو عن الإشكال.
هذا، مضافا إلى ما عرفت من المفسدة، لكن قد عرفت الإشكال في
الشمول للعقود الجائزة.

538
نعم، ادعى السيد الإجماع على صحة هذا الشرط (1)، وربما يظهر من بعض
الأخبار (2) أيضا، لكن الظاهر منه أن يكون العمل متحققا، وربما كان إجماع السيد
أيضا في هذه الصورة.
وبالجملة، لا بد من ملاحظة ذلك الإجماع كيف ادعي، وأنه لا يظهر ما
يورث الريبة في ثبوته، وكذا ملاحظة الخبر ومضمونه، وأنه كيف، فتأمل!
وأما ما ذكره من أن (لصاحب المال.. إلى آخره) (3)، فيه أنه لا كلام في
هذا، إنما الكلام في النقل شرعا واللزوم، وغير ذلك من الثمرات الشرعية، فإن
شيئا من ذلك ليس بيد صاحب المال واختياره قطعا، بل بيد الشارع، ولا خفاء
فيه.
قوله: ولأن هذا كالمضاربة، وكما (4) يجوز التفاوت فيها مع الشرط،
وبدونه محمول على التناصف.. إلى آخره (5).
لا تأمل في أنه يجوز جعل الشئ من المال والربح بإزاء العمل، وأن العمل
ليس مثل المال قطعا، كيف وربما يكون المال في غاية الكثرة والعمل في غاية
القلة، بحيث لو بطل المضاربة يستحق أجرة المثل القليلة؟
كما أن الأمر ربما يكون بالعكس، فكيف يكون أجرة العمل دائما في مقابل
ربح المال، ويكون المقتضي هو التنصيف؟!
واقتضاء الإطلاق إنما هو من جهة قولهما: الربح بيننا أو لنا، لظهوره في



(1) الانتصار: 227 - 228.
(2) الكافي: 5 / 212 الحديث 16، وسائل الشيعة: 19 / 8 الحديث 24038.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 199.
(4) كذا، وفي المصدر: (فكما).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 199.
539
التنصيف، لعدم ترجيح وعدم مرجح، لا لأن العمل نماؤه وأجرته دائما مقابل
ومساو لأجرة المال وربحه.
وبالجملة، لعل قياسه على المضاربة قياس مع الفارق، فتأمل، سيما بالنظر
إلى ظواهر الأخبار، فإن الظاهر من الأخبار الواردة في الشراكة كون الربح
والخسران بالنسبة إلى رأس المال (1)، ولا كذلك أخبار المضاربة (2)، فلاحظ
أخبارهما وتأمل جدا!
قوله: فالشرط هنا باطل، لأنه بمنزلة أن يشترط كون تلف مال نفسه
الخاص من غيره.. إلى آخره (3).
إن كان مقتضى الشراكة كون نسبة النفع والخسران إلى المال مطلقا - شرط
أم لم يشرط أو شرط خلاف ذلك - فهو بعينه ما علل به كلام الشيخ من أن (شرط
صحة العقد.. إلى آخره) (4)، ولا وجه لمنع ذلك.
وإن كان مقتضاها في صورة الإطلاق ذلك، لا مطلقا، فمع الشرط لا يلزم
أن يكون تلف مال نفسه من غيره، إذ لا يلزم كون التلف من ماله حينئذ حتى
يلزم ذلك، فتأمل!
سلمنا، لكن معنى قوله: التلف على التساوي، ضمان الشريك ما به
التفاوت، يعني يعطي الشريك عوضه من ماله، فيجري فيه جميع ما ذكره بالنسبة
إلى الربح، فتأمل.
قوله: لأنه ما قبض إلا لنفسه مال الغريم بغير إذن الشريك، فتأمل.. إلى



(1) وسائل الشيعة: 19 / 6 الحديث 24034، وغيره من أحاديث الباب.
(2) وسائل الشيعة: 19 / 16 الحديثان 24050 و 24051 و 25 الحديث 24074.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 199.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 199.
540
آخره (1).
لا يخفى أن الدين يكون كليا مشاعا، والأصل بقاؤه كذلك شرعا حتى
يثبت صيرورته جزئيا ومفروضا ومختصا حصة كل واحد منهما بصاحبه ثبوتا
تاما لازما لا تزلزل فيه أصلا، يثبت كل واحد مما ذكر بالدليل الشرعي، ويكون
كذلك شرعا، والمثبت هو الإجماع والخبر.
ولا إجماع هنا قطعا - لو لم نقل بالإجماع على خلافه كما نقل (2) - والإجماع
المنقول بخبر الواحد حجة عند فقهائنا.
وأما الخبر، فلم يوجد خبر يدل، بل الأخبار المتعددة المستفيضة تدل على
خلافه (3) كالإجماع، والأخبار منجبرة بعمل الأصحاب، فتأمل!
قوله: [فإن المسألة من مشكلات الفن]، فإن الحكم غير موافق لقاعدة
العقل، ولا تدل عليه الروايات مع ضعفها.. إلى آخره (4).
لم نجد للعقل هنا قاعدة ثابتة ظاهرة، مع أن قاعدة الاستصحاب تقتضي
عدم صحة القسمة، لأن الصحة حكم شرعي يتوقف على دليل شرعي وليس، بل
الأدلة الشرعية على خلافها كما أشرنا، وضعف السند إن كان فغير مضر بعد
الانجبار.
والظاهر من الروايات عدم صحة القسمة، لا عدم لزومها (5)، إذ لا خفاء



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 207.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 206.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 370 الحديث 23872 و 435 الباب 13 من أبواب كتاب الضمان
و 19 / 12 الباب 6 من أبواب كتاب الشركة.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 210.
(5) مرت الإشارة إلى الروايات.
541
في أن ظاهرها عدم تأثير القسمة لا أنه يجوز لهما فسخ القسمة، والظاهر منها أيضا
عدم مدخلية تلف البعض، والعبرة بعموم الجواب، لا خصوص السؤال، وعموم
الجواب واضح على المتأمل، ولذا فهم الأصحاب العموم.
مع أنه إذا رضي الشريكان بأن يأكل كل واحد منهما قدرا من الدين، فلا
شبهة في الحلية والإباحة، كما أنه إذا رضي أحدهما أن يأكل الآخر كله يكون
حلالا أيضا، لكن ليس هذا قسمة شرعية، بل أكل مال بطيب نفس صاحبه،
فتأمل جدا.
وما نقل عن ابن إدريس (1) لا ينافي كون المسألة إجماعية، لأن خروجه
غير مضر، فتأمل.
في القسمة
قوله: [ويراد به هنا ما لا يتضرر بقسمته]، وهو بعيد، فتأمل. فمع عدم
الضرر يجبر الممتنع على القسمة مطلقا.. إلى آخره (2).
لعله لا بعد فيه، بل هذا هو الظاهر، بل الظاهر عدم تحقق ضرر معتد به
بحيث يقاوم ضرر عدم القسمة الحاصل للشريك غالبا.
والحاصل، أن ضرر عدم القسمة ضرر متعارف شائع معتد به، وأما ضرر
القسمة في المثلي فمن الفروض النادرة غاية الندرة - لو لم نقل: إنه مجرد فرض
- وبعد تحقق الضرر فليس بضرر معتد به عند العقلاء بحيث يعد ضررا عندهم،



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 205.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 217.
542
سيما وأن يقاوم ضرر العدم ويغلب عليه، ولذا أفتى الفقهاء على سبيل الإطلاق (1)،
فتأمل!



(1) لاحظ! مفتاح الكرامة: 10 / 183.
543
المضاربة
قوله: [وله أحكام خاصة] والفرض عدم وجودها من المالك، وقصدوا
كلا من العامل (1).. إلى آخره (2).
إذا كان المال باقيا على حاله، فلا شبهة في أن النماء يكون ملكا لصاحب
العين، وبمجرد جعله للغير قبل وجوده لا يتحقق النقل إلى الغير وصيرورته ملكا
له، لأن النقل يحتاج إلى ناقل شرعي، ومجرد الوعدة ليس من النواقل الشرعية،
وليس هذا من العقود المملكة.
فلعل المراد أنه إذا جعلا الربح للعامل بحيث يكون له شرعا، لا يكون إلا
بأن كان المال دينا وقرضا، والربح والخسران عليه.
مع أنه يظهر من الأخبار أنه إذا جعل الخسران على شخص فالربح له (3)،
فإذا كان المال باقيا على ملك صاحبه فأي معنى لكون خسران مال شخص على
شخص آخر - كما قال به الشارح في مسألة الشركة (4) - وكون الربح والخسران
تابعين لرأس المال أم لا؟! فتأمل!
على أن المال لا يبقى بعينه في المعاملات حتى يكون مال المالك، فإن الظاهر
أن المالك إذا جعل كل الربح للعامل لا يريد أن العامل يشتري بهذا المال للمالك



(1) كذا، وفي المصدر: (من المالك وقصده، وكذا من العامل).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 227.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 19 / 22 الحديثان 24070 و 24071.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 198 - 199.
544
ويبيع أيضا للمالك، بل يريد أن يشتري ويبيع العامل لنفسه ويأخذ الربح ويرد
رأس المال، وهذا بعينه معنى القرض، فتأمل.
على أنه على فرض أن يريد من العامل أن يجعل معاملاته للمالك، يشتري
له ويبيع له - مع بعده في نفسه غاية البعد - معلوم أن العامل إذا اشترى للمالك
يصير المبيع ملك المالك، وهو وكيل المالك في الشراء، وبعد ما يبيعه للمالك
بالوكالة يصير مجموع الثمن مال المالك.
وهكذا في كل معاملاته إلى آخرها يصير مجموع الربح مال المالك بسبب
سؤال المالك وإرادته، ورضا العامل وإيقاعه المعاملات كذلك، فأراد المالك أن
يكون الربح الحاصل لنفسه لا للعامل وجعل الربح لنفسه لا للعامل، فإذا أراد أن
يكون، بعد ما جعل الربح لنفسه، أن يكون للعامل، فمع ما فيه من الحزازة
والاستبعاد وكونه خلاف ظاهر كلام العلامة (1)، معلوم أنه لا ناقل - بحسب
الشرع - ينقله إلى ملك العامل، ومجرد الوعد يكون ناقلا بعد سؤاله أن يجعله
لنفسه، وتأكيده في ذلك لا يخفى فساده على من له أدنى تأمل، فتأمل!
قوله: وفي محمد بن عيسى كلام، وهما (2) مشتركان.. إلى آخره (3).
مجرد كون كلام فيهما لا يضر، إذ لا يسلم جليل عن كلام، وكذا الكلام في
أبان - كما حققناه في الرجال (4) - مع أن أمثال هذه الروايات منجبرة بعمل
الأصحاب وغيره.



(1) تذكرة الفقهاء: 2 / 229.
(2) يعني: أبان ويحيى المذكورين في سند رواية الحلبي: وسائل الشيعة: 19 / 16
الحديث 24051.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 228.
(4) تعليقات على منهج المقال: 17 - 19 و 313 - 314.
545
قوله: في " التهذيب " عن النوفلي، عن السكوني، وهما ليسا بموثقين.. إلى
آخره (1).
الشيخ في " العدة " صرح بكون السكوني هذا ثقة، وادعى أيضا إجماع
الشيعة على العمل برواياته وكونها حجة (2)، واختار جدي العلامة المجلسي (رحمه الله)
كونه إماميا أيضا، لكون رواياته في الغالب مخالفة للعامة موافقة للخاصة، وأنه لا
يكاد يخلو باب من أبواب الفقه إلا وهو روى عن الأئمة - صلوات الله عليهم -
رواية فيه (3).
مع أن الرواية المذكورة منجبرة بعمل الأصحاب، بل الإجماع أيضا،
فتأمل!
قوله: فإما أن يشتري بالعين أو في الذمة، بمعنى أن يقصدوا أداءه (4) من
مال المضاربة، فتأمل، إذ قد لا يفهم ويتلف قبل الأداء.. إلى آخره (5).
الفهم حاصل، لقضاء العرف والعادة، وكون غالب المعاملات على الذمة،
ولم يرد في خبر من الأخبار المتعددة الكثيرة ما يشير إلى اشتراط ذلك،
والإطلاقات والعمومات تقتضي الصحة، والتلف قبل الأداء من الفروض
البعيدة، لا يضر بعد ظهور الإرادة، وكون الإطلاق منصرفا إلى المتعارف، وعدم
شرط وقيد، على أنه يجوز أن تكون الصحة دائرة مع البقاء والأداء، فتأمل!



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 235، تهذيب الأحكام: 6 / 195 الحديث 428
و 7 / 192 الحديث 848.
(2) عدة الأصول: 1 / 380.
(3) روضة المتقين: 14 / 59.
(4) كذا، وفي المصدر: (بمعنى أن يقصد الآن أداءه).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 245.
546
وسيجئ عند ذكر قول المصنف: (ولو اشترى العامل.. إلى آخره)
التصريح بأنه إن اشترى في ذمة المالك يصح ويلزمه العوض (1)، وذكر الفقهاء أنه
يصير ذلك مضاربة وداخلا في مضاربة، وذكروا أمثال ذلك كثيرا، فلاحظ
" شرح القواعد " (2) وغيره (3)، حتى يظهر لك.
على أنه يجوز أن يصير جعالة بشروط المضاربة، فيصح ويلزم، وإن ذكروا
المضاربة بعد ما يظهر أن مراد الطرفين ليس إلا ثمرات المضاربة، فتأمل!.
قوله: فإن كان هذا صحيحا فلا إشكال في النقرة وإلا فإشكال.. إلى
آخره (4).
الإجماع المنقول بخبر الواحد العادل حجة، كما حقق في محله، والقول بأنه
خبر مرسل فلا يكون حجة أثبتنا بطلانه في " الفوائد "، وغيرها (5).
قوله: مثل: * (أوفوا) * (6)، و " المسلمون عند شروطهم " (7)، وتسلط
الناس على أموالهم (8).. إلى آخره (9).
الاستدلال بالأدلة الثلاثة فاسد، لأن المقام من العقود الجائزة، ولأن



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 265، وفيه عبارة المصنف هكذا: (وإن اشترى في الذمة
بالإذن)، راجع: إرشاد الأذهان: 1 / 436.
(2) جامع المقاصد: 8 / 93.
(3) مفتاح الكرامة: 7 / 462.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 247.
(5) الفوائد الحائرية: 300 - 307 و 387 - 389، الرسائل الأصولية: 292 - 302.
(6) المائدة (5): 1.
(7) وسائل الشيعة: 18 / 16 الأحاديث 23040 و 23041 و 23044.
(8) لاحظ! عوالي اللآلي: 1 / 22 الحديث 99 و 457 الحديث 198 و 2 / 138 الحديث
383 و 3 / 208 الحديث 49.
(9) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 248.
547
" المسلمون عند شروطهم " محمول على الاستحباب، وتسلط الناس على أموالهم
يقتضي إباحة تصرفاتهم لا النقل وغيره من الثمرات الشرعية، ومر الكلام مفصلا
في مبحث الشركة (1)، فلاحظ!
قوله: وإن كان فيها ربح فله. للمضارب أن يطأها؟ قال: نعم.. إلى
آخره (2).
يظهر منه أنها ليست داخلة في مال المضاربة، لأن مال المضاربة يكون
الربح فيه بينهما، فيكون الحديث دالا على التحليل من قول صاحب الجارية:
" تكون معك "، فالظاهر أنه ظاهر فيه، وأنه لا حاجة فيه إلى أزيد من ذلك من
الإيجاب والقبول، فتأمل!
قوله: وإن لم يكن هناك ربح، قال الشيخ (رحمه الله) يجب على العامل جبايته أيضا
.. إلى آخره (3).
مقتضى عقد المضاربة أن العامل عليه العمل في التجارة فقط، ومع ذلك
عليه ذلك العمل ما دام مضاربا وكائنا تحت العقد، لا مطلقا، إذ بعد العقد
وانفساخه وزواله هو والأجنبي سواء، كما أن الحال حال عدم العقد، وحال بعد
انفساخه وزواله سواء، وعدم العقد أولا وانعدامه ثانيا لا تفاوت بينهما بالنظر إلى
القواعد.
اللهم إلا أن يكون دليل شرعي يقتضي الفرق، ومن الدليل الشرعي: أن
يكون عادة ينصرف الإطلاق إليها ولم يتحقق من الشرع مانع عنها، فتأمل!



(1) مر في الصفحات: 537 - 539 من هذا الكتاب.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 261، وهو من رواية الكاهلي: وسائل الشيعة: 19 / 27
الحديث 24078.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 266 - 267.
548
الوديعة
قوله: وقد يمنع اشتراط اللفظ في القبول مع كونه عقدا، وقد فهم جواز
كونه فعلا.. إلى آخره (1).
قد مر في كتاب البيع منا كلام يمكن تحقيق أمثال المقام منه، فلاحظ (2)!
مع أن الإذن لا يحتاج تأثيره إلى قبول أصلا، لا فعلا ولا قولا، إذ صحة
التصرف تحصل بمجرد الإذن، بخلاف أن لو كانت عقدا، إذ الصحة حينئذ تتوقف
على القبول، فلو لم يقبل الإيجاب لم يصح تصرفه، من باب الأمانة المالكية
الشرعية، والمالك لم يأذن إلا بعنوان هذه الأمانة، فتأمل.
وأيضا، لو كان عقدا، فبمجرد الفسخ ينفسخ، والرضا بعد الفسخ لا ينفع
في تحقق الأمانة الشرعية المالكية، بل يكون أمانة شرعية صرفة، وحكمها غير
حكم الأمانة المالكية.
وإن كان مجرد الإذن، فبعد وجود الإذن من المالك تتحقق الأمانة، فسخ
الودعي أم لم يفسخ، إذ فسخه لا عبرة به أصلا، بل العبرة بعدم تغير رأي المالك،
وعدم رفعه إذنه.
وأيضا، يظهر الثمر لو حلف أن لا يعقد أو أن يعقد عقدا.
وأيضا، ربما يظهر الإذن من الفحوى بالأخذ والحفظ من دون اظهار من



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 272.
(2) راجع الصفحة: 71 من هذا الكتاب.
549
المالك أصلا، فإذا أخذ وحفظ من جهة الفحوى خاصة، لا يقال: إنه ودعي، وإن
المال وديعة عنده، ولم يجر فيه أحكام الوديعة عندهم، كما هو الظاهر، ولا دل
عليه دليل، وعموم " على اليد " (1) شامل من غير مخرج، ومر منا في كتاب البيع
زيادة التحقيق، فلاحظ!
قوله: فمع القبول تحصل الوديعة، لما مر.. إلى آخره (2).
حصول الوديعة بمجرد هذا لا يخلو عن إشكال، لما عرفت في الحاشية
السابقة، فتأمل!
قوله: ولكن (3) بأجرة ليتم به المعاش، كما في سائر الأمور.. إلى آخره (4).
الأمر كما ذكره (رحمه الله)، إلا أنه ربما لا يتمكن من الأجرة أيضا، وهو أيضا نوع
اضطرار، فيجب - حينئذ - بذل الأجرة بالوجوب الكفائي أو الحفظ، فلا أجرة (5)،
وربما يصل الأمر إلى أنه لا يكون باذل لها، فيتعين الحفظ بلا أجرة، والحال في
الواجبات الكفائية - بل العينية أيضا - كذلك.
لا يقال: يمكن أن يشغل (6) ذمته بالأجرة إلى أن يرزقه الله إياها، لأنا
نقول: يمكن أن لا يتحقق أجير يرضى بهذا، أو يحصل العلم العادي بعدم حصول
الأجرة له، على أنه ربما كان ذلك حرجا، والحفظ ليس فيه حرج، فتأمل جدا!
ولعله إلى ما ذكرنا أشار بقوله: (دائما) في قوله: (بلا عوض دائما) (7)،



(1) عوالي اللآلي: 1 / 224 الحديث 106.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 274.
(3) لم ترد (ولكن) في المصدر.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 275.
(5) في ب: (أو الحفظ بلا أجرة).
(6) في ألف، ب، ه‍: (يشتغل).
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 275.
550
وبقوله: (فتأمل) (1) إلى أنه لم يظهر منه دعوى الدوام، بل لا تأمل في أن مراده (رحمه الله)
في الجملة وفي بعض الصور، ولذا قال: (وربما تعذر ذلك) (2)، فتأمل!
قوله: فيضمن القابض مطلقا فرط أو لم يفرط، فلا يخرج عن الضمان.. إلى
آخره (3).
وذلك لأن كون المال في يد الصبي والمجنون في محل التضييع، فيجب حفظه،
كما لو أطار الريح ثوبا إلى بيته، فيجب عليه إعلام الولي ورده عليه، فلو لم يعلم
يصير ضامنا مطلقا، أما مع الإعلام وعدم تقصير أصلا لا في الحفظ ولا في
الإعلام والرد ولا في الأخذ عن الصبي والمجنون، فالحكم بالضمان مع عدم التفريط
مطلقا محل نظر ظاهر، اللهم إلا أن تكون العبارة سقيمة.
قوله: والظاهر أنه لا ينبغي هنا الحكم بالضمان.. إلى آخره (4).
في مبحث الحجر اختار ضمان السفيه، بالعلة التي ذكرها هاهنا (5)، وأجبنا
عنها هناك (6)، فلاحظ!
قوله: وظاهر كلامهم عدم الوجوب.. إلى آخره (7).
قد مر الكلام في مبحث المفلس، وأن الظاهر أن الحق مع الأصحاب (8)،
فلاحظ!



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 275.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 275.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 276.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 277.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 212.
(6) لاحظ! الصفحة:
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 278، وفيه: (وظاهر كلام البعض عدم الوجوب).
(8) لاحظ! الصفحتين:
551
قوله: [على ما يقتضي العرف حفظه] مثل تلك الوديعة، بأن يحفظ
الدراهم في الصندوق.. إلى آخره (1).
لأن الوديعة استنابة في الحفظ، فإطلاقها ينصرف إلى العرف، فالمراد منها
الحفظ على ما يعد عرفا حفظه، كما هو الحال في موضوعات الأحكام، والمدار
على اصطلاح المتعاقدين إن لم يكن موافقا للعرف العام، أو لم يكن فيه عرف عام.
قوله: لا خفاء في أن هذا الكلام يدل على أن مجرد المخالفة ليس بسبب
للضمان.. إلى آخره (2).
لا شك في أنه يدل على أن المخالفة تضر وتوجب الضمان، إلا أن يكون
محسنا، و * (ما على المحسنين من سبيل) * (3)، فإن المالك إذا قال: لا تحفظه في حرز
بل اتركه في محل التضييع وبنحو لا يؤمن من التلف ولا وثوق بالحفظ، وهو حفظه
عن التلف ووضعه في حرز وضبطه أشد ضبط، فلا شك في أنه محسن عرفا
وواقعا، وصادق أنه حفظ للمالك واستوثق له وضبط واحتاط لأجله، ويصدق
عليه أنه أمين عرفا وودعي ومستودع كذلك، مع أنه كذلك شرعا، لما عرفت.
مع أن الذي ذكره العلامة (4) (رحمه الله) إنما هو في صورة يأمر المالك بحفظ ماله
وحرزه وضبطه، إلا أنه معتقد أن حفظه هكذا أولى وأصوب، والأمين رضي
بذلك من أول الأمر وعندما أخذه ووافقه في معتقده، إلا أنه ربما تحدث أمور
وأحوال يتغير بذلك الحال، فاعتقد أن ضبطه كذا أولى وأصوب، ولذا ضبط كذا،
وليس هذا الضبط إلا بأمر المالك، كما لا يخفى.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 280.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 281.
(3) التوبة (9): 91.
(4) تذكرة الفقهاء: 2 / 203 و 204.
552
وما ذكرناه ظاهر من كلامه عند التأمل، والشارح سيصرح بأن مثل هذا
لا يخرج عن الأمانة وعن إذن المالك (1)، فلاحظ.
ولم يظهر من هذا مخالفة لما سيذكره من الإجماع (2)، وما سنذكره من الأدلة،
فما ذكره (رحمه الله) إلى آخره محل تأمل ظاهر غاية الظهور، إذ لم نجد مما ذكره من الآية
والأخبار عينا ولا أثرا.
قوله: وبالجملة، ظاهر الأدلة يقتضي عدم الضمان، إلا بالتلف في الصورة
المخالفة أيضا (3).. إلى آخره (4).
لا يخفى أنه كان مأذونا في الحفظ بنحو خاص، لا مطلقا، فإذا كان حفظه لا
بطريق الإذن (5)، لا جرم يده حينئذ يد غصب، لأن المأذون ما فعله، والذي فعله
ليس بمأذون فيه، فأي فرق بينه وبين من يكون في يده بغير إذن المالك؟ بل ربما
يكون هذا أشد، لأن الظاهر من كلام المالك: أنك غير مأذون ولا أرضى أصلا
بغير هذه الصورة بحفظ وبتصرف، وأين هذا ممن لم يظهر من المالك عدم الرضا
وعدم الإذن؟! وإنما هو أخذ وحفظ وتصرف بغير إذن منه.
والحاصل، فرق بين مجرد عدم الإذن، وإظهار المالك بالمنع عن الحفظ
والتصرف.
وأيضا، عموم " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " (6) شامل لهذه الصورة



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 280.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 282.
(3) كذا، وفي المصدر: (في صورة المخالفة أيضا).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 282.
(5) في ألف، ب، ج: (لا بطريق الحفظ).
(6) عوالي اللآلي: 1 / 224 الحديث 106، مستدرك الوسائل: 17 / 88 الحديث 20819.
553
قطعا من غير دليل على الإخراج، ولا شك أن هذا الحديث حجة عند الأصحاب
بأجمعهم، فيكون منجبرا بعملهم وفتواهم، فيكون حجة قطعا وفاقا، لما حقق في
محله.
وأما الرجوع إلى ما أمر به، فيشمله أيضا عموم هذا الحديث، مع أنه لم
يعلم الآن أنه مأذون من المالك في حفظه، إذ لم يثبت من كلامه عموم يشمل هذه
الصورة بحيث يوثق به، بل للمالك أن يقول: بعد ما خالفتني لم حفظت ولم لم ترد
إلي؟ أو ما كنت راضيا؟! ويصح هذا منه عند العقلاء.
وأيضا، بعد المخالفة خرج عن كونه أمينه قطعا.
وصدق الآن أنه ليس بمأذون فيه، وليس بأمينه، بل وأنه خائن بلا تأمل،
وهو مستصحب حتى يثبت خلافه، فتأمل جدا!
هذا كله، مضافا إلى الإجماع الذي ذكره (1)، والإجماع حجة، كما حقق، بل
ظاهر أنه إجماع واقعي من كل الفقهاء كما لا يخفى.
قوله: [بل نهى عن ذلك الفعل]، فكيف لا يكون ضامنا؟.. إلى آخره (2).
قد ظهر الجواب عن ذلك، مع أنه غاية ما في الباب أن يكون العلامة أخطأ
في هذه الصورة، ولا يلزم منه مخالفة ما نقله من الإجماع (3)، ولا تدافع بين
ظاهري كلاميه، كما هو ظاهر، بل كلاماه (4) في غاية التوافق.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 282.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 284.
(3) تذكرة الفقهاء: 2 / 198.
(4) أي كلاما العلامة، في تذكرة الفقهاء: 2 / 197 - 198 و 2 / 203 - 204، وقد رد
المحشي (رحمه الله) بكلامه هذا على المقدس الأردبيلي (رحمه الله)، حيث قال: (فبين هذين الكلامين
تدافع ظاهر) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 282.
554
قوله: فيشكل التوجيه والتخصيص بما لم ير أنه أحوط (1).. إلى آخره (2).
لا إشكال أصلا، لأن أحد الكلامين يصير مقيدا للكلام الآخر قطعا
ووفاقا، وبناء المكالمات والمخاطبات على ذلك عرفا وشرعا ولغة، ومدار الكل
على ذلك.
قوله: لأن القبول اللفظي غير كاف في تحقق الوديعة.. إلى آخره (3).
بناء كلامه (رحمه الله) على أن الوديعة عقد، والعقد لا يتحقق عندهم إلا بالإيجاب
والقبول، والمتبادر من العقد ما هو باللفظ، ومر الكلام في ذلك في البيع (4)،
فيشكل الاكتفاء بالقبول الفعلي، إلا أن يقال: العمدة في مثل هذا هو الإيجاب،
لحصول الإذن.
وأيضا، يتعارف القبول الفعلي، وكون مثل هذا العقد وديعة، بحيث إذا
أطلق لفظ الوديعة يحتمل هذا أيضا، فتأمل!
قوله: [وضع اليد على مال الغير على وجه شرعي] بدون إذن المالك، هو
الأمانة الشرعية على ما عرفت.. إلى آخره (5).
الأمانة الشرعية هي ما وقع تحت يده وفي ملكه بغير إذن المالك مطلقا، لا
بغير إذن المالك بعنوان عقد الوديعة وإن كان بإذنه بعنوان آخر، مثل ما ذكره من
الطرح عنده، ومثل إذن الفحوى، فنفي الواسطة بالمرة محل تأمل.
قوله: إن كان عالما بالتلف مع الانتهاء بالنهي، فيجب حينئذ حفظ هذا



(1) كذا، وفي المصدر: (وتخصيصه بما إذا لم ير أنه أحوط).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 284.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 285.
(4) راجع الصفحتين: 65 - 66 من هذا الكتاب.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 285.
555
المال.. إلى آخره (1).
هذا، إذا لم يكن له غرض معتد به عند العقلاء، وإن كان في غرضه خاطئا،
إذ لا يلزم أن يكون كل غرض مطابقا للواقع حتى يخرج عن السفاهة، وإلا يلزم
أن يكون كل الناس سفهاء، إذ قل من يكون جميع أغراضه في جميع أفعاله في
أمواله مطابقا للواقع، بل لعله لا يوجد مثله عادة.
مع أنه ربما يكون غرضه مطابقا للواقع، بأن بعد النشر ربما يطلع عليه
الجائر الظالم فيضره ضررا أكثر أو مساويا، إلا أن هذا أقرب حصولا أو يكونان
متساويين، فلا داعي إلى التعب في النشر، أو مع الداعي يصيران متساويين، أو
يكون ضرر النشر أرجح إلا أنه ليس برجحان معتد به عند العقلاء.
قوله: وما نعرفه إلا فيما قلناه، ويحتمل ترتب الضمان على التلف بالترك
مطلقا.. إلى آخره (2).
قد عرفت أن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " على اليد ما أخذت " (3) عام عند الفقهاء
وبحسب ظاهر اللفظ، خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي، مع أن مقتضى الأدلة
وعند الأصحاب أن الجاهل غير معذور في نفس الأحكام الشرعية - كما حقق في
محله (4) - وأيضا إتلاف مال الغير موجب للضمان مطلقا، كما سيجئ إن شاء الله،
فتأمل جدا!
قوله: وهو أيضا خلاف ما سبق [من الضابطة].. إلى آخره (5).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 286.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 287.
(3) عوالي اللآلي: 1 / 224 الحديث 106، مستدرك الوسائل: 17 / 88 الحديث 20819.
(4) الفوائد الحائرية: 415 - 429.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 287.
556
فيه ما فيه، لأن مرادهم ظاهر، مع أن مثل هذا المفهوم لا عبرة به، فتأمل
جدا!
قوله: واعلم أن هذا الكلام أيضا صريح في أن التقصير مطلقا لا يوجب
الضمان دائما، بل مع التلف به أيضا.. إلى آخره (1).
لم نجد دلالة، فضلا عن الصراحة، بل ظاهر هذا الكلام تحقق معنى التقصير
ومورده، إذ لم يظهر من كلامه أن العقد كان مقيدا بهذا القيد، بأنه ما رضي بالحفظ
إلا بأن يفعل ما أمره به بمجرد أمره به وعند أمره ومن حينه.
والذي يضر العقد والحفظ أن يكون بها جوع أو عطش ولم يزله عنها مع
علمه بذلك، بل مع جهله أيضا، ويظهر هذا من قوله: (إن لم يكن بها جوع.. إلى
آخره) (2)، وظاهر أن مراده من ذكر الموت على سبيل المثال، وإلا فالضرر
الآخر أيضا مثل الموت عندهم قطعا، لأن الإتلاف عندهم أعم من إتلاف
المجموع أو الأبعاض، من غير فرق بينهما في الدوام واللا دوام، فتأمل جدا!
وإن كان أول كلامه له ظهور، مع قطع النظر عما أشرنا.
قوله: وبالجملة، أدلة عدم الضمان قوية حتى يثبت الناقل، وعلى تقدير
الضمان [ينبغي التقسيط].. إلى آخره (3).
قد عرفت عدم وجدان عموم في عدم الضمان يشمل ما ذكره، بل الموجود
العموم في الضمان، مثل: " على اليد ما أخذت " (4)، و " لا ضرر ولا ضرار " (5)،



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 288.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 288.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 289.
(4) مر آنفا.
(5) الكافي: 5 / 292 باب الضرار، عوالي اللآلي: 1 / 220 الحديث 93، وسائل الشيعة: 205 / 400 الحديث 32217 و 420 الحديث 32257 و 427 الباب 12 من أبواب إحياء
الموات.
557
وغيرهما.
قوله: [ظاهر] عبارات الأصحاب مثل الكتاب.. إلى آخره (1).
بل في " القواعد " أظهر ذلك (2)، والصواب ما ذكره الشارح بقوله: (فكأنه
مقيد.. إلى آخره) (3).
قوله: فالأقرب عدم الضمان، لقضاء العادة بالاستنابة.. إلى آخره (4).
وجهه أنه يمكن أن يتصرفا فيه ما ينافي الحفظ العادي، فمجرد البعث على
يدهما يخرج عن الإذن الظاهر من المالك فيصير غاصبا، إلا أن يكون هذا البعث
أيضا داخلا في إذن المالك صريحا، أو بمقتضى العادة الكائنة فيما بينهما، مثل كون
المستودع ممن لا يتعاطى ذلك بنفسه، بل بمثل هؤلاء الذين ليسوا بمأمونين غالبا،
فإن البعث حينئذ بإذن المالك، لانصراف قوله: إحفظ، أو وديعة.. إلى غير ذلك،
كما أشرنا سابقا.
قوله: فإن التكليف الخارج (5) عن العادة بلا دليل واضح ونص [لا يخلو
عن إشكال].. إلى آخره (6).
بل الظاهر عدم الإشكال في عدم التكليف بأزيد منه إذا دل العادة عليه،
لانصراف كلام المالك إليه كما أشرنا، فبعد ظهور الرخصة منه، فأي إشكال؟



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 291.
(2) قواعد الأحكام: 1 / 193.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 291.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 292.
(5) كذا، وفي المصدر: (بمثل هذا التكليف الخارج).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 293.
558
والرخصة إن كانت حاصلة من جهة العادة وانصراف الكلام وإطلاقه
إليه، ففي جميع العاديات لا إشكال، وإلا ففي الكل إشكال، لاتحاد المقتضي
والمانع.
اللهم، إلا أن يكون في بعض العاديات إجماع أو نص في الضمان، وإن ظهر
الرخصة من المالك، ودون ثبوته خرط القتاد، بل قدماؤنا لم يتعرضوا أصلا
لأمثال هذه الأمور، اتكالا على القاعدة، مضافا إلى عدم الصدور من الشرع ما
ينافي القاعدة (1)، فتأمل!
قوله: ويمكن مع الجهل أيضا (2)، حيث قصر في التحقيق.. إلى آخره (3).
لا يخفى أنهم يحكمون بالضمان جهلا، بل ونسيانا أيضا، لأن الضمان
بالإتلاف من الأحكام الوضعية والمسبب المترتب على السبب، ولذا يحكمون
بضمان المجنون والصبي، فلا حاجة إلى التقييد بالتقصير في التحقيق.
قوله: ولا يكون حينئذ هذا الكذب قبيحا ولا مضرا، بل يصير واجبا ونفعا
محضا.. إلى آخره (4).
إن أراد (رحمه الله) أنه حينئذ مثل الصدق الذي يصير سببا لنجاة النبي من القتل من
دون تفاوت، ففيه ما فيه، ألا ترى أن النظر من الطبيب الأجنبي إلى فرج المرأة
الأجنبية ولمسها وإدخال اليد فيها لإخراج الطفل الميت عند الضرورة واجب!
وليس هذا مثل النظر إلى يد الرجل الكبير ولمسها عند الضرورة.
وكذا قتل الزهاد والعباد من المؤمنين ونسائهم وأطفالهم عند تترس الكفار



(1) كذا في كافة النسخ، والظاهر أن المراد: (عدم صدور ما ينافي القاعدة من الشرع).
(2) لم ترد (أيضا) في المصدر.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 294.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 301.
559
إياهم واجب، وليس هذا مثل قتل الكفار الفجار، الظلمة المفسدين في الأرض،
القاتلين للمؤمنين، والآخذين لأموالهم ونسائهم وأطفالهم أسراء يزنون بهن
ويلوطون بهم ويبيعونهم، ويكسرون بيضة الإسلام، ويحرقون القرآن، ويخربون
المساجد، ويفعلون غير ذلك من الفحشاء والمنكر.
وبالجملة، فرق بين بين المحذورات التي أباحتها الضرورات وأوجبتها،
وبين الواجبات التي [هي] حسن فقط، مثل الفرائض اليومية، والجهاد، وأداء
الدين، ورفع الظلم بالوجه الأحسن، فإن الثاني حسن محض، بخلاف الأول،
فإنه حسن مشوب بالقبح.
وأما حكاية الاجتماع، ففيه أن الحسن ليس إلا رفع القتل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
وإنقاذه عنه، وهذا ليس عين الكذب، بل يحصل به وهو مقدمته، فعلى القول بأن
مقدمة الواجب المطلق لا يجب أن تكون واجبا، وإيجابه ليس إيجابها، فالأمر
واضح، فإن الكذب قبيح، وما يحصل به حسن، لا هو نفسه، وأحدهما غير
الآخر قطعا، وعدم إمكان الامتثال لكل من التكليفين من جهة التلازم في صورة
انحصار المنقذ في الكذب غير مضر، لأنه غير مكلف بهما قطعا، بل مكلف بالانقاذ
خاصة.
وأما على القول بوجوب المقدمة أيضا، فوجوبها توصلي، والوجوب
التوصلي يجتمع مع الحرمة قطعا ولا تضاد بينهما، كإنقاذ الغريق وإطفاء الحريق
بوجه قبيح، وكقطع طريق الحج بوجه حرام، والقبح الذاتي إنما يضاد الحسن
الذاتي لا التوصلي، ألا ترى أن الوضوء مستحب لنفسه وواجب لغيره، والغسل
واجب لنفسه - على رأي جماعة - ومستحب لغيره، والصلاة في الحمام واجبة أو
مستحبة لكنها مكروهة للغير، كما حققنا.. إلى غير ذلك، مع أن الأحكام الخمسة

560
بأسرها متضادة، فتأمل جدا!
قوله: والغياب أيضا، إذا لم يوجد من يحفظه، وهنا يمكنه الحفظ بنفسه،
بعدم السفر.. إلى آخره (1).
قد مر أن الحاكم وكيل الغياب، وولي السفهاء وأمثالهم، بدليل استدل
الشارح به، ومقتضاه أنه أولى بأنفس المؤمنين وأموالهم وأمثال ذلك، أعم من أن
يباشر بنفسه أو بالحكام من قبله، وإن كان مثل قوله (عليه السلام): " فإني قد جعلته عليكم
حاكما " (2) بالعنوان الكلي (3)، فلاحظ وتأمل!
وإذا كان وليا ووكيلا للغائب، فمال الغائب يدفع إلى وكيله، فلاحظ
وتأمل!
قوله: على أنه قد يناقش في الأول في رجوع المودع إلى الثاني، فتأمل.. إلى
آخره (4).
لعله ليس بمكانه، لعموم " على اليد ما أخذت " (5)، وفتوى الأصحاب.
قوله: مع إمكان الدفع إلى المالك أو الوكيل أو الحاكم أو الثقة، بالترتيب
المتقدم، كأنه لا خلاف فيه.. إلى آخره (6).
أما مع إمكان الدفع، فلا تأمل في جواز السفر وفي تعليله، لأن الوديعة من



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 303.
(2) الكافي: 7 / 412 ضمن الحديث 5، الإحتجاج للطبرسي: 356، وسائل الشيعة: 27 /
136 ضمن الحديث 33416.
(3) راجع: مجمع الفائدة والبرهان: 8 / 160 - 161.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 310، وفيه: (على أنه قد يناقش في الأول في الرجوع إلى
الثاني مطلقا، فتأمل).
(5) مرت الإشارة إليه آنفا.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 310.
561
العقود الجائزة إجماعا، ووجوب القبول ينافي ذلك، بل هو في الفروض النادرة أو
الأمور العارضة، فلا ينافي مقتضى العقد من حيث هو هو، فالودعي من حيث هو
هو متبرع.
على أنه في الفروض النادرة يجوز الفسخ أيضا، ويجب الحفظ من باب
الأمانة الشرعية وبنحوها، إلا أن الظاهر أنه لا يجوز مخالفة المالك فيما شرط عليه
من كيفية الحفظ - على حسب ما ذكر في الوديعة - فالمودع متبرع مطلقا، فتأمل
جدا!
قوله: وأن التقصير موجب للضمان، ولعل مرادهم بالتأخير.. إلى آخره (1).
ولأن المالك بعد ما طلب الوديعة لم يرض بكونها عنده، كما هو الظاهر، فلا
يكون بعد عدم الرضا نائبا في الحفظ، أمينا في ذلك، بل يكون معزولا عنه، فلا
يكون يده عليها حينئذ يد أمانة.
قوله: وتحقيق الأمر في ذلك، فتذكر وتأمل (2).
والحق أن الأمر بالشئ لا يستلزم النهي عن الضد.
قوله: [التقصير مطلقا حرام] وموجب للضمان بالإجماع، وإذا ضمن لم
يسقط بالرجوع إلى الأمانة ما لم يؤدها إلى المالك.. إلى آخره (3).
ولخروج الودعي عن الأمانة والاستئمان، لأن يده - حينئذ - ليس اليد
المأذون فيها، وتصرفه ليس ما هو رخص فيه.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 316.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 317، وفيه: (وقد مر البحث في هذه المسألة مرارا، فتذكر
وتأمل).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 318.
562
قوله: لما فيه من تضييع المال المنهي عنه، وفيه منع ظاهر.. إلى آخره (1).
الظاهر أنه ورد في الأخبار النهي عن تضييع المال (2) - على ما هو في البال -
والعقل أيضا حاكم، مع أنه يوجب الخروج عن الرشد والدخول في السفاهة،
فتأمل.
ولعل مراده (رحمه الله) من المكروه معناه اللغوي والعرفي، لا الاصطلاحي.
قوله: فالأقرب عدم الضمان، وإن فتح القفل (3) وفض الختم من الكيس
والصندوق (4) فالأقوى ضمان ما فيه (5)... إلى آخره (6).
مشكل، لأن مثل هذا خيانة عرفا، وأيضا يده في هذه الحالة يمكن أن
تكون بغير إذن، والمالك لو كان يعلم هذا لما كان يعطيه للحفظ ولما كان يرضى
بأخذه وتصرفه عادة، وكذا الكلام في أمثال ما ذكر، فتدبر!
قوله: والظاهر التساوي في عدم الضمان، لما مر.. إلى آخره (7).
بل الظاهر التساوي في الضمان، لما عرفت.
قوله: فالضمان حينئذ محل التأمل، وسيجئ في مسألة أنه إذا أتلف
المستودع من المودوعة جزءا متصلا.. إلى آخره (8).
لا يخفى أن الشركة عيب في الكل، بحيث لا يترجح أحد الجزأين أو



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 318.
(2) لاحظ! معاني الأخبار: 279 - 280، بحار الأنوار: 72 / 304 الحديث 4.
(3) كذا، وفي المصدر: (وإن كسر القفل).
(4) لم ترد (والصندوق) في المصدر.
(5) كذا، وفي المصدر: (فالأقوى الضمان لما فيه).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 327.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 328.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 330.
563
الأجزاء به أصلا، بخلاف الجزء المقطوع، فتأمل جدا!
قوله: فلو تلف يأخذ منه تمام القيمة، لا أن يقسط على المأذون وغيره،
ولو ذكر هذه في العارية [لكان أولى].. إلى آخره (1).
فيه إشكال، إذ يشكل تحقق مأذون في هذه الصورة، إذ صاحبها ما أذن إلا
بنحو خاص، ولم يتحقق النحو الخاص.
قوله: وقد مر فيه التأمل، وأشار إلى الخلاف في " التذكرة " بقوله:
(فالأقوى الضمان لما فيه من الثياب والدراهم) (2).. إلى آخره (3).
الظاهر أنه ليس محل التأمل، لأنه خيانة عرفا، فيده يد خائن، ولم يرض
المالك بمثل هذه اليد.
قوله: وعدم تصرف وتقصير في الحفظ، وغير ثابت كون هتك الحرز
موجبا للضمان ولا بد له من دليل، فتأمل.. إلى آخره (4).
الدليل ظاهر، وهو عدم كونه أمينا وكونه خائنا، وعدم كون يده يد أمانة،
وعدم رضا صاحب المال بمثل هذا، ولو كان يعلم من أول الأمر لما استنابه للحفظ
عرفا وعادة.
قوله: فتأمل، وظاهره أن لا خلاف عندنا في عدم ضمان الباقي.. إلى
آخره (5).
لم نجد الظهور، مع أنه لا يخلو الحكم عن إشكال، لما أشرنا غير مرة.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 331.
(2) تذكرة الفقهاء: 2 / 198.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 331.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 331.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 332.
564
قوله: والعلم محل التأمل، وأما لو أعاد بدل المضمون ولم يمازجه مزجا
يسلبه الامتياز.. إلى آخره (1).
ربما يحكمون في مثل هذا حكم المشاع والممتزج، من باب الصلح القهري،
فإن الترجيح من غير مرجح شرعي محال أو فاسد، فلا بد أن يصير النقص من
المجموع بالنسبة، مع احتمال القرعة أيضا عند القائلين بالقرعة في أمثال ذلك.
وسيجئ التفصيل في كتاب القضاء.
قوله: وأنه لا خلاف ظاهرا عندنا، وهو مؤيد لما قلنا أنه لو سهى ونسي
حفظ شئ - مثل النشر والتعريض للريح - لم يكن ضامنا.. إلى آخره (2).
لم نجد مما ذكر نسبة الحكم إلى جميع الأصحاب حتى يظهر ما ذكره، بل غاية
ما ظهر أنه رجح طرفا ونسبه إلى جماعة من الشافعية، ونقل عن جماعة أخرى
منهم خلافه (3).
قوله: فهو ليس بجيد على إطلاقه بالنسبة إلى ما قال.. إلى آخره (4).
لعل نظره (رحمه الله) هنا إلى صورة عدم تلف الكيس وأنه لم يصر أمر سوى
الحرق، فتأمل!
قوله: ولكن الضمان مع التأخير من غير تصرف.. إلى آخره (5).
لا خصوصية للتصرف في التقصير، وكون اليد عدوانا، بل تأخير الإعلام
مع الإمكان تقصير بلا شبهة، والشارع لا يرضى بهذا التقصير، لأن إيصال الحق



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 333.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 333.
(3) تذكرة الفقهاء: 2 / 199.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 333.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 340.
565
إلى مستحقه أو وصوله إليه لازم في أي وقت، وهو لا يتحقق إلا بذلك الإعلام.
وأما وجوب الدفع، ففيه ما ذكره الشارح.
قوله: فإن الظالم لا يحل ماله لكونه ظالما، وهو ظاهر. فإن كان المزج
بالأدنى بحيث ما بقي لمال المالك قيمة، يمكن تسليمه إلى الغاصب، ويجب عليه رد
مال المالك مثلا.. إلى آخره (1).
وإن كان لا يحل ماله، إلا أنه لما مزج مال المغصوب منه بماله ظلما وعدوانا
لم يكن له حق مثل حق المغصوب منه المظلوم، ولم يكن حرمته حرمته، فرد مال
المظلوم إليه واجب بلا شبهة ولا ريبة، لعموم الأدلة (2).
وهذا وإن استلزم أن يصير مال الغاصب أيضا عنده مع أنه يجب رده إلى
الغاصب، إلا أنه إن أمكن التخليص والرد إليه لزم، وإلا فهو شريك المغصوب،
يأخذ حقه منه، وعدم رد حقه إليه حينئذ من جهة عدم إمكانه، الناشئ من
تقصيره وعدوانه، و " ليس لعرق ظالم حرمة " (3)، بل يجب رد مال المظلوم،
لمقتضى الأدلة، وعدم المانع من الجهة التي ذكرت، بل يجب رد مال الغاصب إلى
المظلوم من باب المقدمة، من جهة مزجه بماله.
نعم، هو الآن أيضا مال الغاصب، فيصير شريكه، وسيجئ في كتاب
الغصب تحقيق أمثال ذلك إن شاء الله (4).
وبالجملة، الغاصب عرض ماله لما ذكرناه، لأنه يعلم يقينا أنه يجب وصول



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 343.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 25 / 385 - 393 الأبواب 1 - 9 من أبواب كتاب الغصب.
(3) تهذيب الأحكام: 7 / 206 ضمن الحديث 909، وسائل الشيعة: 19 / 157 ضمن
الحديث 24363.
(4) لاحظ! الصفحات: 629 - 633 من هذا الكتاب.
566
المال المحترم إلى صاحبه فورا بلا تأخير أصلا، ويجب تسليطه عليه، وتمكينه منه،
ومع ذلك خلط ماله بماله، فهو بنفسه أقدم على ما ذكرناه وأذهب الحرمة التي
ذكرناها، وأوجب المقدمة التي أشرنا إليها.

567
العارية
قوله: قال في " شرح القواعد ": قيل عليه: إن كان قوله: (وثمرته التبرع
بالمنفعة) [جزء التعريف].. إلى آخره (1).
لا يخفى أن الاعتراض وارد على كل تقدير، غاية ما في الباب أنه لا يرد
على التعريف، بل على قوله: (وثمرته التبرع)، على تقدير الخروج عن التعريف.
قوله: ويمكن أن يجاب بكونه جزءا، ولا يرد ما ذكره، لأن هذا الفرد من
العارية [مقتضاها التبرع].. إلى آخره (2).
لا يخفى أنه جزء كما يستفاد من اللغة والعرف، والمعاملات يرجع فيها
إليهما في معرفة الماهية، لا الحكم الشرعي والشرائط الشرعية والموانع
الشرعية.
ويستفاد أيضا من تعريف " التذكرة " (3) وكلام الفقهاء (4).
إلا أن يقال: المراد من التبرع عدم العوض في العقد، لا عدم الشرط أيضا،
فإن الشرط في العقد ليس بعوض، بل هو بمنزلة العوض، فتأمل!
قوله: (وإنما جاء العوض من أمر زائد على العقد، وهو الشرط، فإنه عقد



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 347، جامع المقاصد: 6 / 57.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 347.
(3) تذكرة الفقهاء: 2 / 209.
(4) لاحظ! مفتاح الكرامة: 6 / 52.
568
مع شرط) (1)، ويمكن أن يقال: إن أخذ اللفظ غير جيد (2).
فيه، أنه على هذا يكون الشرط منافيا لمقتضى العقد، فيكون أحدهما
فاسدا البتة، بل كلاهما على الأقوى، لأن الرضا لم يتحقق إلا بالعارية المشروطة
بالانتفاع وعدم التبرع.
مع أن الشرط أيضا عارية ومقتضاها التبرع، فيصير المعنى: أتبرع بشرط
أن تتبرع فيحصل التناقض، إلا أن يجعل المعنى: أعطي بغير عوض بشرط أن
تعطي بغير عوض - كما أشرنا - أو يكون المعنى التبرع مطلقا سوى هذا الشرط،
بخلاف أن يكون بشرط الدرهم أو الدينار، مثلا.
وكيف كان، هذا مناف لظاهر كلامهم في التعريف، أو نقل الثمرة من كون
العارية على جهة التبرع وهو ثمرتها، فإن الظاهر من التبرع عدم هذا الشرط
أيضا، إلا أن يجعل: (أعرتك حماري.. إلى آخره) (3) قرينة، وفيه ما فيه.
مع أنه يشكل كون هذا عارية داخلا في العارية الصحيحة شرعا، لعدم
ظهور عموم من اللغة أو العرف من إطلاق لفظ العارية من دون انضمام قرينة،
لعدم تبادر مثل ذلك، والتبادر هو أمارة الحقيقة، ومجرد الاستعمال لا يكفي، لأنه
أعم.
وعموم * (أوفوا بالعقود) * (4) وأمثاله، أيضا لا يشمل، للإجماع وغيره



(1) جامع المقاصد: 6 / 57.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 348، وهذه العبارة أثبتناها من مصادرها بهذا الترتيب،
أما في النسخ الخطية فهي هكذا: (فإنه عقد مع شرط، وإنما جاء العوض من أمر، ويمكن أن
يقال..).
(3) جامع المقاصد: 6 / 57.
(4) المائدة (5): 1.
569
على كونها من العقود الجائزة، مع أنه على فرض الشمول لا يلزم كونها عارية،
كما مر مرارا.
مع أنه لم يظهر من الفقهاء أن هذا عارية، وأنه من المسلمات عندهم، بل
ظاهر " القواعد " (1) أنه ليس كذلك، بل الظاهر منه أنه ليس بعارية إلا أنه جائز،
وهو كذلك، لحصول طيبة النفس من صاحب المال، وعدم منع من الشرع، لكن
لو لم يف بإعارة الفرس عمدا، أو من جهة العذر، يكون عليه أجرة مثل الحمار،
لاستيفائه المنفعة بغير طيبة نفس صاحبه.
مع احتمال أن يكون في صورة العمد له التسلط في أخذ الفرس عارية، لأنه
ما رضي بعارية الحمار إلا بهذا الشرط، فتأمل.
ويحتمل أيضا أن يكون في صورة العذر لا أجرة له، لأن العارية الحقيقية لا
أجرة فيها، والذي شرط هو العارية التي تعذر تحققها، والرجوع إلى العوض
يحتاج إلى دليل، فتأمل!
قوله: لأن العارية قد تحصل بغير اللفظ، وهو ظاهر، قال في " التذكرة ":
(وهي تحصل بغير عقد، كما لو حسن ظنه بصديقه كفى في الانتفاع عن العقد) (2)..
إلى آخره (3).
لا يخفى أنه إذا علم الرضا من الصاحب بالتصرف في ماله مجانا، فلا شبهة
في جواز التصرف، بشرط أن تكون نفس المتصرف خالية عن الشوائب
والمعائب، إذ ربما يكون له حرص شديد ورغبة زائدة، بأدنى شئ يجزم بأنه
صاحبه راض مع أنه ليس كذلك وليس يعلم.



(1) قواعد الأحكام: 1 / 191.
(2) تذكرة الفقهاء: 2 / 211، مع اختلاف يسير.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 348.
570
وأما إذا حصل لمثله الظن، ففي جواز اعتماده عليه نظر، لعموم ما دل على
المنع من العمل بالظن (1)، مع عدم دليل يدل على حجية مثل هذا الظن.
مع أن الأصل عصمة مال المسلم ومن في حكمه.
ثم، إنه في صورة العلم لا يكون هذا عارية لغة وعرفا، فكذا شرعا، لما
عرفت.
على أنه لا نعلم كونه عارية، لعدم دليل عليه أصلا، إلا أن يريد من العارية
ما يفيد إباحة التصرف والرخصة فيه، وإن لم يصدق عرفا أنه عارية ولا عند
الفقهاء، لكونها من العقود لا الإيقاعات.
مع أن الإيقاعات عندهم بالألفاظ، فإذا رضي الصاحب بأن يكون الطفل
أو المجنون أو السكران والغافل والجاهل يتصرف، يكون عارية بالمعنى الذي
ذكر، مع أن اتحاد ثمرته مع ثمرة العارية وأحكامه مع أحكامها محل نظر، إذ يحتمل
أن يكون مع التلف ضامنا وإن لم يكن ذهبا ولا فضة، لعموم " على اليد " (2)، مع
عدم مخرج، وعدم العقاب لا ينافي ذلك، سيما بالنسبة إلى الكبير الرشيد.
ويحتمل عدم الضمان ولو في الذهب والفضة، سيما بالنسبة إلى المجنون
والصغير والسفيه، والأول أقرب.
قوله: قال في " التذكرة ": لو قال: آجرتك (3) حماري لتعيرني فرسك، فهي
إجارة فاسدة.. إلى آخره (4).



(1) لاحظ! بحار الأنوار: 2 / 111 الباب 16.
(2) عوالي اللآلي: 1 / 389 الحديث 22، وقد مرت الإشارة إليه.
(3) كذا، وفي المصادر: (أعرتك).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 349، تذكرة الفقهاء: 2 / 211.
571
لكن في " القواعد " قال: (هذا جائز، لكن ليس بواجب (1)، وليس على
واحد منهما أجرة، ولو لم يعر (2) الثاني فالأقرب الأجرة، ولو قال: أعرتك الدابة
بعلفها، فهي إجارة فاسدة تقتضي أجرة المثل، وكذلك: أعرتك الدابة بعشرة
دراهم) (3). انتهى.
قوله: [أن يكون محض الإيجاب عقدا]، ويمكن التزامه، فتأمل (4).
فيه ما عرفت.
قوله: كما قيل مثل ذلك في مواضع مثل الهبة، والبحث في أمثاله خارج عن
المقصود.. إلى آخره (5).
لا يخفى أن الهبة تمليك عين من غير عوض، يعني من غير مراعاة عوض،
لا مراعاة عدم العوض، وحمل عبارة العارية على مثل ذلك بعيد. مضافا إلى ما
عرفت.
قوله: ولا تصح الوكالة، بل تصير إعارة منه، كما إذا أعار الدار للسكنى
فيعطي غيره ليسكن فيه، وكذا ركوب الدابة وحملها.. إلى آخره (6).
لا يخفى أن مراده (رحمه الله) أن القدر وأمثاله - مثلا - يؤخذ عارية، مع أن الطباخ
ليس هو المستعير بل خادمه أو خادمته وأمثالهما، وكذا الماعون يصب فيه المياه
أو المائعات أو المطبوخات وأمثال ذلك، والفاعل غير المستعير غالبا، وكذلك



(1) كذا، وفي المصدر: (فالأقرب الجواز، لكن لا يجب).
(2) كذا، وفي المصدر: (أما لو لم يعر).
(3) قواعد الأحكام: 1 / 191.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 349.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 349 - 350.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 355.
572
الحال في غالب الآلات والأدوات التي تؤخذ عارية بحسب العادة.
قوله: فالظاهر هو المعنى الأول، للتبادر، ولئلا يلزم الإجمال الذي الأصل
عدمه، وعدم الفائدة.. إلى آخره (1).
لا يخفى أنه ليس المتبادر من قوله: أعرت أحدكما، سوى الثاني. نعم، إن
قال: أحدكما لا بعينه، فأيهما يتصرف جاز، لكن لا يتصرف بعد ذلك الآخر
منهما، لأنه قال: أحد كما، ولم يقل: أيا منكما، فالفرق بينه وبين العام أيضا
واضح، إلا أن يقول ما يفيد العموم، مثل ما ذكرنا وأمثاله.
والأصول التي ذكرها الشارح - يعني أصل عدم الإجمال وغيره - لم نعرف
مأخذهما، لأنه إن أراد أن الحكيم لا يتكلم لغوا - كما هو ظاهر عبارته - فهو أصل
واحد بمعنى الظاهر، ومع ذلك لا شك في أن الإجمال أيضا له فائدة معتد بها، ولذا
تكلم سبحانه في القرآن كثيرا ونص على أن منه آيات متشابهات (2)، إلا أن
يقول: الظاهر عدم الفائدة أصلا في هذا الإجمال.
لكن الاكتفاء بهذا في إثبات عقد شرعي يثمر مخالف الأصول والقواعد محل
نظر، كما مر في بيع أحد هذين العبدين (3)، وأمثال ذلك في جميع أبواب الفقه،
وجميع العقود، فإن الفقهاء لا يرضون، ومنه لو قال: زوجتك إحدى هاتين
الامرأتين، أو الجاريتين، وأمثال ذلك مما لا يخفى.
قوله: مع علم المالك بأن الصيد إذا وقع بيد المحرم يجب عليه (4) إرساله



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 357.
(2) آل عمران (3): 7.
(3) راجع الصفحة:
(4) لم ترد (عليه) في المصدر.
573
مطلقا.. إلى آخره (1).
لا يخفى أن المالك وإن علم أنه يجب عليه الإرسال، إلا أنه قال: ما أسلم
إليك إلا عارية، تعامل معي معاملة العارية ولا أرضى بغير ذلك، والمحرم أخذ
كذلك وأقدم بذلك، فعليه العوض لو أرسل، لعموم " على اليد "، والنهي في
المعاملات لا يقتضي الفساد، ولأنه أقدم على الضمان، ولأن المباشر أقوى إذا
اجتمع مع السبب، إلا أن يكون هو أقوى، وليس ما نحن فيه منه، فتأمل جدا.
قوله: وهي تحصل (2) بغير عقد، كما لو حسن ظنه (3) بصديقه كفى في
الانتفاع عن العقد، وكما في الضيف، بخلاف العقود اللازمة، فإنها موقوفة على
ألفاظ خاصة اعتبرها الشرع.. إلى آخره (4).
قد عرفت أن مثل هذا لا يسمى عارية عرفا ولغة، وأنه لا يكفي الظن،
لشمول ما دل على المنع من اتباعه، وأنه مع العلم لو تلف يمكن الضمان، لعموم
" على اليد "، مع عدم مخرج، إذ لا ملازمة بين عدم حرمة التصرف والضمان.
مع أن الغالب أن تجويز التصرف المعلوم بالفحوى دائر مع عدم تلف العين،
بل وعدم نقصه أيضا، وأنهم يقولون: إنما كنا نرضى إذا لم يتلف ولم ينقص أما مع
أحدهما فما كنا راضين، والظاهر من حالهم أيضا ذلك، فتأمل جدا!
ومما يدل على أن العارية عقد لا مجرد إباحة التصرف، أن المستعير إذا
تعدى عن المأذون أو في الحفظ - مثلا - ثم رجع عن التعدي لا يخرج عن الضمان
بمجرد الرد إلى المأذون أو إلى الحفظ، ولا يكون أيضا مستعيرا والعين عنده



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 358.
(2) في التذكرة: (وهي قد تحصل).
(3) كذا، وهو موافق لما في التذكرة، وفي مجمع الفائدة والبرهان: (كما لو حصل ظنه).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 360، تذكرة الفقهاء: 2 / 211.
574
عارية، وهذا محل الوفاق عند الفقهاء ظاهرا (1)، فلاحظ!
قوله: ففي كلامهم مساهلة ومسامحة (2)، فتأمل، فلعل تعريفها وجعلها من
العقود، وتعريفها بأنه عقد كذا.. إلى آخره (3).
يمكن أن يقال بإنشاء القبول الفعلي - أي بالشروع - يتحقق القبول وتجويزه
من طلب القبول الذي أعم من القول والفعل، ثم بعد آن الشروع (4) وأوله الحقيقي
يصير الفعل ثمره أو أنه بإرادة الشروع وإقدامه عليه يتحقق العقد، وأنه المراد
بالقبول الفعلي ويمكن التداخل أيضا.
وبالجملة، لا تأمل في كون العقود المذكورة من العقود عندهم، لا من
الإيقاعات، لما عرفت.
قوله: وبالجملة، ينبغي أن يكون العلم متبعا في الكل، بل الظن الغالب
القائم مقامه، بحيث لا يكون دلالته أضعف من اللفظ المحتمل عدم إرادة معنى له
أصلا.. إلى آخره (5).
قد عرفت في كتاب البيع أن مجرد الرضا لا يصير منشأ لانتقال الأموال
وغيرها، وإن كان في غاية من المرتبة، وكذا في النكاح، والطلاق، وغير ذلك،
كما هو بديهي، وأن العبرة إنما هي بالعقود، وأن المتبادر منها المجمع على صحتها ما
هو باللفظ، وأن غير اللفظ يحتاج إلى مثبت (6)، فلاحظ.



(1) لاحظ! تذكرة الفقهاء: 2 / 212.
(2) كذا، وفي المصدر: (مسامحة ومساهلة).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 361.
(4) في ب: (ثم إن بعد الشروع).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 362.
(6) راجع الصفحة: 71 من هذا الكتاب.
575
فظهر أن كل ظن لا يكفي، بل ربما يكون في الظنون المحرمة.
وعرفت أيضا أن ثمرة العقد غير ثمرة مجرد إباحة التصرف، سيما الإباحة
التي لا تظهر من لفظ ومثله، بل من مجرد الفحوى أو القرينة.
قوله: والجواز غير بعيد، مع القرينة بأن المقصود غير متعلق بالمستعير
المعين (1)، والقرينة المفيدة (2) متبعة.. إلى آخره (3).
مع وجود القرينة لا وجه للقول بعدم البعد، سيما بعد الإصرار بعدم الحاجة
إلى لفظ أصلا ورأسا، بل لا تأمل أصلا حينئذ.
وأما مع عدمها، فإن كان دلالة عرفية فهي كوجود القرينة لا وجه للتأمل
فيه، وإلا فلا وجه للتأمل في عدم الجواز.
ومجرد عدم غرض يتعلق بالمعين غالبا، كيف يكفي لتجويز الرخصة؟ إلا
أن مراده (رحمه الله) (4) ظهور عدم الغرض بالمعين، بحيث يظهر تجويز المالك التعدي، لكن
هذا مقصور في القرينة أو دلالة العرف، لكن مع وجود القرينة، فالقرينة متبعة،
أي شئ يقتضي، إذ ربما يقتضي التعدي إلى الأكثر ضررا أيضا، وربما يقتصر
على الأدون خاصة، ودلالة العرف ليست كلية، بل هي مقصورة في جزئيات،
فتأمل!
قوله: ويؤيده جواز ركوب المساوي للدابة المستأجرة وإجارتها للمساوي
والأدنى، والاحتياط العدم (5)، لعدم جواز تسليط أحد على مال الغير إلا بإذنه



(1) كذا، وفي المصدر: (متعلق بالمستعير والمعير).
(2) كذا، وفي المصدر: (المقيدة).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 364.
(4) في ه‍: (إلا أن يكون مراده (رحمه الله)).
(5) في النسخ الخطية: (للدابة المستأجرة للمساوي والأولى، والاحتياط: العدم)، وما في
المتن أثبتناه من المصدر.
576
المعلوم، والفرض عدمه، فتأمل.. إلى آخره (1).
لا يخفى أن البناء في الإجارة على أن المنفعة تصير ملك المستأجر، و
" الناس مسلطون على أموالهم " (2)، بخلاف العارية، فإنها من باب الإمتاع، كما
هو الظاهر من الأدلة وأقوال الفقهاء.
قوله: كأنه لا خلاف فيه عندنا، ولأنه لا مانع منه عقلا ولا نقلا (3)،
والأصل الجواز.. إلى آخره (4).
إن هذه الأدلة تدل على صحة نفس الفعل وجوازه، ولا تأمل في أن
صاحب المال بأي نحو يرضى أن يتصرف أحد في ماله فهو حلال، إلا أن يتحقق
المنع من الشرع، لكن كون ذلك عارية يحتاج إلى دليل، سيما مع الاتفاق على أن
العارية في المنافع خاصة، وأن الأعيان ليست من باب المنافع.
قوله: ومن طريق الخاصة ما رواه الحلبي في الحسن، عن الصادق (عليه السلام):
" في الرجل يكون له الغنم يعطيها بضريبة سمنا شيئا معلوما (5) أو دارهم معلومة،
من كل شاة كذا وكذا، قال: لا بأس بالدراهم، ولست أحب أن يكون
بالسمن " (6).. إلى آخره (7).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 365.
(2) عوالي اللآلي: 1 / 457 الحديث 198.
(3) كذا، وفي المصدر: (عقلا ونقلا).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 366، وفيه: (لا خلاف فيها عندنا).
(5) كذا في النسخ، وفي مجمع الفائدة والبرهان، وفي مصادر الحديث: (بضريبة سنة شيئا
معلوما).
(6) الكافي: 5 / 223 الحديث 1، تهذيب الأحكام: 7 / 127 الحديث 554، وسائل
الشيعة: 17 / 350 الحديث 22724.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 366، تذكرة الفقهاء: 2 / 210.
577
لا وجه للاستدلال بالروايتين (1) أصلا، ولا للقياس بطريق أولى، لما
عرفت سابقا أنها من باب الإمتاع بخصوص المنفعة، ولأنه (عليه السلام) قال: " لا بأس
بالدراهم، ولست أحب أن يكون بالسمن ".
على أن ما ذكره لو تم، لصح الاستدلال بما دل على حلية البيع وصحته،
وكذا الصلح على صحة الهبة، بل بطريق أولى، وفيه ما فيه، فتأمل!
قوله: والظاهر أن لا خلاف في الغنم للحلب، فعلم أن ليس ذلك مانعا
عقلا، وليس في الشرع أيضا مانع، وهو ظاهر.. إلى آخره (2).
في ذلك كله تأمل ظاهر، عرفته في بحث الإجارة.
وإطلاق لفظ العارية على المنحة لا يقتضي على سبيل الحقيقة، فإن
الإطلاق أعم، وكذا ذكرها في كتاب العارية، إذ كثيرا ما يذكرون ما يناسب
الكتاب فيه استطرادا أو مشابهة لشدة علاقة.
والكل اتفقوا في تعريفها بأنها تبيح الانتفاع وأمثال هذه العبارة، واتفقوا
على أن المنفعة في مقابل العين، كما ظهر لك في الإجارة (3)، وربما كان المتبادر من
إطلاق لفظ العارية عرفا هو ما ذكرناه، والتبادر علامة الحقيقة.
ومما دل على ما ذكرنا، عدم تعميم أحد منهم بحيث يشمل الأشجار
للثمرات والزروع والحيوانات للإنتاج، وأمثال ذلك، بل اقتصارهم على المنحة
ليس إلا.



(1) أي: رواية الحلبي - المشار إليها في الهامش السابق - ورواية عبد الله بن سنان: مجمع
الفائدة والبرهان: 10 / 366، وسائل الشيعة: 17 / 350 الحديث 22727.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 367.
(3) راجع الصفحة: 479 من هذا الكتاب.
578
قوله: وتجويز ذلك (1) غير معلوم، إلا أن لا يجوزوا التعدد فيه، كما لم
يجوزوا في إباحة الوطء ء، والاحتياط لا يترك.. إلى آخره (2).
بل الظاهر العدم، بل لا تأمل في ذلك بملاحظة كلماتهم في التحليل، بل
وبملاحظة أدلة التحليل، مع أن الأصل المنع، فلاحظ وتأمل!
قوله: ويكره استعارة أحد الأبوين للخدمة، لأن استخدامهما مكروه،
لمنافاته التعظيم لهما.. إلى آخره (3).
بل بملاحظة الأخبار (4) ربما احتمل الحرمة.
قوله: ويدل عليه الروايات الصحيحة أيضا، ولكن في بعضها قيد بأنه إن
كان أمينا لم يضمن.. إلى آخره (5).
لا تدل إلا أنها إن تلفت لا يكون فيه غرامة، لا أن المستعير إذا أتلفه
بالانتفاع لا يكون ضمان أيضا، مع أن عدم الضمان في العارية إنما هو بالنسبة إلى
المنفعة خاصة، إلا أن يقال: إذا توقف الانتفاع على التلف والنقص، فمطلق
الرخصة يدل على الإذن في الإتلاف بغير عوض كالمنفعة، فتأمل!
قوله: والظاهر عدمهما، ولهذا قال في " الشرائع " (6) بعد الحكم المذكور..



(1) كذا، وفي المصدر: (وتجويز مثل ذلك).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 369.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 370، تذكرة الفقهاء: 2 / 210.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 21 / 487 البابين 92 و 93 من أبواب أحكام الأولاد.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 371.
(6) كذا، وفي المصدر: (ولذا قال في شرح الشرائع)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه من
النسخ، لأن نص العبارة التي ذكرها الشارح - والتي هي: (والوجه تعلق الضمان بالغاصب
حسب) - مذكور في شرائع الإسلام: 2 / 172.
579
إلى آخره (1).
كيف يدعي ظهور عدمهما مع أن عموم " على اليد " يشمله، مع كونه
منجبرا بعمل الأصحاب، كما مر؟!
وقوله: ولو أغرم الغاصب، فمقتضى قاعدتهم المشهورة من أن ترتب
الأيدي على الغصب موجب للضمان على من تلف في يده (2)، أنه يرجع الغاصب
إلى المستعير، فتأمل.. إلى آخره (3).
للغاصب الأول أن يقول للثاني - الذي تلفت في يده -: رد الذي أخذت
مني إلى صاحبه إن كان وإلا فعوضه، لعموم " على اليد "، ولعلمك بالغصب، فإن
رده على صاحبها أخذه منه، لأنه لا يستحق غير نفس ماله أو عوضه، لا
عوضين، فتأمل!
قوله: إذا علم جواز الغرس والوضع على الحائط، فانقلاعه ليس بمبطل
للإذن، إلا أن يكون الإذن مخصوصا بزمان وخرج ذلك الزمان.. إلى آخره (4).
الظاهر أنه مبطل، لأن إذنه لم يظهر إلا للوضع والغرس الأول، مع أنك
عرفت أن العارية عقد لا مجرد إباحة التصرف، والمعقود عليه لم يكن إلا الأول.
اللهم إلا أن يقع العقد على كل وضع وغرس، ولم يتحقق الرجوع أصلا،
فتأمل.
وبالجملة، الغرس أمر سوى البقاء مغروسا، والعقد وقع على الغرس الأول
والبقاء بعده. أما الغرس الثاني، فليس متعلق العقد وما وقع العقد عليه، والتعدي



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 380.
(2) كذا، وفي المصدر: (موجب للضمان، ويستقر الضمان على من تلف في يده).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 380.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 385.
580
إلى المساوي أمر آخر، وهو أن يجعل المساوي عوض الأول لا الجمع بينهما،
فتأمل جدا!
قوله: ويمكن عدمه إذا ما علم عدم جواز الاستعمال الذي جوزه، إلا أنه
لما فرط دخل في ضمانه أو مطلقا (1).. إلى آخره (2).
فيه ما لا يخفى، إذ بعد ما صار غاصبا ضامنا لم يعلم كون العين عارية
عنده، لأن مقتضى العارية عدم الضمان، ولأن العارية حفظ العين والانتفاع بها
بعد المحافظة، لأن المتبادر منها ذلك، ولأن مقتضى العادة عدم رضا المالك بعد
التعدي، فتأمل جدا!
قوله: في الوديعة مع نقل الإجماع وما فيه، وأنه ليس بتام ما ذكر،
خصوصا في ترك الحفظ بمثل ترك العلف، لأن الإذن السابق موجود، فتأمل (3).
قد عرفت أيضا أن الوديعة ليست مجرد إباحة التصرف والإذن فيه.
قوله: إلا أن بعض الأخبار (4) يدل على أنه أمين غير ضامن، وأنه لا ضمان
عليه إلا مع الشرط.. إلى آخره (5).
مضافا إلى أنه استأمنه في الحفظ يقينا، لا في الرد، فتأمل جدا!



(1) كذا، وفي المصدر: (دخل في ضمانه إما مطلقا).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 386.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 387.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 19 / 91 الباب 1 من أبواب كتاب العارية.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 387.
581
اللقطة
في شرائط اللقطة
قوله: وإلزام بالتربية، والتفتين غير معلوم. على أنه لو كان ذلك سببا،
لكان ينبغي عدم جواز أخذ الطفل الكافر أيضا.. إلى آخره (1).
لا شبهة في التفتين، ومنه يظهر أن الشرط هو الإيمان ولا يكفي الإسلام، فما
يدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوب هداية الكافر
والضال وإخراجهما من الكفر والضلال - مع التمكن - ووجوب إعانة البر، وحرمة
إعانة الإثم، ووجوب الاستنقاذ عن الهلكة، وأمثال ذلك، يدل على عدم الجواز
وإن كان اللقيط ولد الكافر قطعا.
وكون طفل الكافر الذي ليس تحت أبويه محكوما بكفره فيه ما فيه، بل
الذي بين أبويه وتحت حضانتهما أيضا، وجريان بعض أحكام الكفر - مثل
النجاسة - لا يقتضي الحكم بكفره، سيما مع ما ورد من أن " كل مولود يولد على
الفطرة " (2). الحديث.
نعم، لو انحصر الأمر في الكافر بحيث لو لم يأخذه يهلك ويضيع، يجب عليه،
كما يجب عليه أخذ ولد المسلم أيضا حينئذ، وليس من باب الالتقاط، بل حفظ



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 399.
(2) الكافي: 2 / 13 ضمن الحديث 3، عوالي اللآلي: 1 / 35 الحديث 18، بحار الأنوار:
3 / 281 الحديث 22.
582
النفس عن التلف، فتأمل جدا!
قوله: وهذا الكلام (1) يدل على أن المسلم عدل ما لم يظهر فسقه.. إلى
آخره (2).
يدل على أن ظاهره العدالة، ولعله بناء على حمل أفعاله على الصحة، لكن
ربما يعارضه أصالة العدم، لأن العدالة أمر وجودي أو معتبر فيها أمور وجودية،
ولذا يذهب هو ولا غيره (3) من المتأخرين بكون الأصل في المسلم العدالة،
فتأمل!
قوله: وعدم حفظ ماله لا يدل على عدم الأمانة، إذ قد يكون في مال
الغير (4) ونفسه في غاية الحفظ.. إلى آخره (5).
فيه ما فيه، إذ السفيه من لم يتمكن من المحافظة، وليس له ملكتها أو قوتها،
لا أنه له القوة والملكة في مال الغير دون مال نفسه، مع أن مثل ذلك إن سامح في
مال نفسه يكون له غرض معتد به عند العقلاء فلا يكون سفيها، فتأمل!
فيمكن أن يقال: إن كان الالتقاط يتوقف على تصرف في ماله وخرج منه
على اللقيط أو صرف أوقات عمره التي يحصل بإزائها عوض مالي فالمنع، وإلا
فالجواز، فتأمل!
قوله: وكذا الحيوان الذي لا يمتنع عن صغار السباع، مثل الثعلب، وابن



(1) إشارة إلى الكلام الذي نقله عن التذكرة: 2 / 271.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 401.
(3) كذا في كافة النسخ، والظاهر أن الصواب هو: (ولذا لم يذهب هو ولا غيره..).
(4) كذا، وفي المصدر: (في حفظ مال الغير).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 402.
583
آوى، وولد الذئب، وولد الأسد، ونحوها.. إلى آخره (1).
لأن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنما هي لك " (2) تعليل لجواز الأخذ ظاهر لا خفاء فيه،
والعلة المنصوصة حجة بقضاء الفهم العرفي، وهو حجة كما حقق، ومسلم عند
الكل.
في أحكام اللقطة
قوله: [اللقيط حر مسلم،] فيحكم بهما، ما لم يظهر خلافه، مثل كونه في
بلاد الكفر ليس (3) فيه المسلم الذي يمكن استيلاده منه.. إلى آخره (4).
لكون الأصل الحرية، لأن الرقية يتوقف على أمر حادث وهو السبي، بل
وعلى الكفر أيضا - أصالة أو بالتبع - مع أنهما أيضا حادثان، والأصل في الحادث
العدم، ولأن الرقية من حيث هي هي تكليف، بل تكليفات، والأصل البراءة،
ولما ورد من أن " الناس أحرار إلا من أقر بالرق أو ثبت رقه " (5) على ما هو
ببالي، ولما سيجئ من الأخبار الصريحة في كونه حرا.
ومقتضى ما ذكر كونه حرا مطلقا، من دون تقييد بما إذا لم يقع شبهة توجب



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 406.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 405، الكافي: 5 / 140 الحديث 12، وسائل الشيعة:
25 / 457 الحديث 32347.
(3) كذا، وفي المصدر: (وليس).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 409.
(5) لاحظ! وسائل الشيعة: 23 / 54 الحديث 92 - 29، وفيه " الناس كلهم أحرار، إلا من
أقر على نفسه بالعبودية وهو مدرك، من عبد أو أمة، ومن شهد عليه بالرق، صغيرا كان أو
كبيرا ".
584
درء الحد أو القصاص أو مطلق الإضرار، بناء على أن الاحتمال بعد باق، فيتوقف
بسببه في هذه الأحكام، لأن مقتضى ما ذكر عدم العبرة شرعا بالاحتمال، كما هو
الحال في غالب الأحرار أو بعضهم، وإن كان فيه أبعد، فتأمل!
قوله: لأن دليل وجوب المعرفة عقلي.. إلى آخره (1).
الوجوب العقلي دليله عقلي، لا الشرعي، فلعله تعالى عفى عن مثله ولم
يعاتبه ولا يعاقبه، مع أنه لو تم ما ذكره يلزم أن يكون مكلفا بالفروع التي يستقل
بدركها العقل، مثل قبح الكذب مطلقا أو المضر.. إلى غير ذلك مما هو في غاية
الكثرة ونهاية الوفور، وفيه ما فيه.
على أن ما لا يستقل العقل بدركه يدرك بواسطة الشرع ومن قوله، فيلزم
أن يكون ما ذكره من المميز مكلفا مطلقا مثل البالغ، وفيه ما فيه.
مع أن العمومات المقتضية للتكاليف على سبيل العموم أكثر من أن يحصى،
بل جل التكاليف الفرعية من العمومات، فلا وجه في الاقتصار على مثل " من
قال: لا إله إلا الله فهو مسلم " (2)، وأمثاله.
وأيضا، على ما ذكره يلزم أن يكون العبرة في كل تكليف بالتميز لا بالبلوغ
مطلقا، وفيه ما فيه، فتأمل!
قوله: ولا شك أنه أحوط، وما استدل به الشيخ مؤيد، فقوله قريب.. إلى
آخره (3).
لكن رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ أو يحتلم (4) من المتواترات أو المسلمات



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 411.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 410.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 412.
(4) أنظر! الخصال: 93 الحديث 40 و 175 الحديث 233، وسائل الشيعة: 1 / 45
الحديث 81.
585
التي لا تأمل لأحد فيه، ومر في كتاب الحجر تمام الكلام (1)، فلاحظ!
قوله: ولعل دليله أيضا هو الإجماع أو النص (2)، وإلا فهو بعيد.. إلى
آخره (3).
ربما يدل على ذلك عموم " كل مولود يولد على الفطرة " (4)، و " إن الإسلام
يعلو ولا يعلى عليه " (5)، وما ماثلهما.
قوله: في صحيحة الحلبي في " الفقيه "، قال: سئل الصادق (عليه السلام)، قال قلت:
من الذي أجبر على نفقته؟.. إلى آخره (6).
في الاستدلال بها إشكال، لأنه من الفروض النادرة، ولأن الظاهر أنه من
حيث النسب والسبب من حيث هو، لا من جهة العوارض، إذ لا مانع من أنه مع
وجود من ينفق، أو إمكان النفقة من غير نفسه لا تكون النفقة عليه واجبة، وإلا
تكون واجبة عليه، فتأمل!
قوله: [ويدل على الإنفاق بنفسه،] وكذا الرجوع، فتأمل. وإن لم ينفق
يمكن بيع الكل، ويكون الزائد لقطة.. إلى آخره (7).
لعل وجهه أن المطلق دلالته على العموم، وأنه لا يحتاج إلى قيد، إنما هو إذا



(1) راجع الصفحة:
(2) كذا، وفي المصدر: (الإجماع والنص).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 414.
(4) مرت الإشارة إليه.
(5) من لا يحضره الفقيه: 4 / 243 الحديث 778، عوالي اللآلي: 1 / 226 الحديث 118 و
3 / 469 الحديث 15، وسائل الشيعة: 26 / 14 الحديث 32382.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 416، من لا يحضره الفقيه: 3 / 59 الحديث 1.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 420 - 421.
586
ذكر لبيان حكم نفسه، لا أن يذكر تقريبا لبيان حكم آخر، إذ في الثاني تضعف
دلالته غاية الضعف.
وكيف كان، فبيعه إنما هو بحسب الضرورة، والضرورة تتقدر بقدرها، فإذا
أمكن أن يباع بشرط خيار الفسخ إلى مدة معينة طويلة بحيث إذا ظهر المولى ولم
يرض يفسخ، ولا يكون حينئذ نقصان على المولى أصلا، وإلا فيباع بالنحو الذي
هو أصلح للمولى وأقل ضررا.
قوله: دليل المجوز عموم أدلة حكم اللقطة (1)، ويدل عليه صحيحة زرارة
في " الفقيه "، في باب ما جاء في ولد الزنا واللقيط، عن أحدهما (عليهما السلام)، أنه قال في
لقيطة وجدت، فقال: " حرة لا تشترى ولا تباع، وإن كان ولد مملوك لك من
الزنا (2)، فأمسك أو بع إن (3) أحببت، هو مملوك لك " (4)، وفي المتن شئ، فتأمل..
إلى آخره (5).
شمول أدلة اللقطة لما نحن فيه محل تأمل، لعدم التبادر، ولأنه على هذا يجوز
التصدق أيضا، ولم يقل أحد، وورد رواية ظاهرها متروك، وخلاف الظاهر لا
دليل على كونه حجة.
قوله: إذ لا مانع من العموم مع قبول الحاكم، كالوقف على جهات العامة،



(1) كذا، وفي المصدر: (اللقيطة).
(2) في مجمع الفائدة والبرهان: (وإن كان ولد مملوك لك، ولكن كان عن الزنا)، وما هنا موافق
لمصادر الحديث.
(3) في من لا يحضره الفقيه: (وإن)، وما هنا موافق لمجمع الفائدة والبرهان، ووسائل الشيعة.
(4) من لا يحضره الفقيه: 3 / 86 الحديث 319، وسائل الشيعة: 17 / 300 الحديث
22582.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 421.
587
فتأمل (1).
لا يكفي عدم المنع، بل لا بد من المقتضي، إلا أن يقال: العمومات تقتضي،
ولا بد من ملاحظتها والتأمل فيها.
قوله: فيه تأمل، إذ الكبرى غير بديهي، ولا مبرهنا عليه، فلا بد أن يكون
دليل (2)، وما نعرف دعوى الإجماع إلا في " شرح القواعد " (3)، ويحتمل النص.
الله يعلم.. إلى آخره (4).
الظاهر أن الدعوى حق، لأن الظاهر أن المدار في الأعصار والأمصار على
أن كل من ادعى أن ولدا ولده ولم يكن مانع هناك ولا معارض كانوا يتلقون
بالقبول، وما كانوا يطالبون بالبينة والإثبات، ويبنون ثمرات النسب عليه
ويجرون فيه، ويظهر ذلك من ملاحظة الأخبار أيضا (5).
وربما كان ذلك في دعوى المرأة ذلك أظهر، إذ ما كانوا يأخذون الولد منها
ولا يحولون بينه وبينها إلى أن يثبت الدعوى مع أنه ربما لا يمكن الإثبات، فما
سيجئ من [أن] المرأة لو ادعت ذلك لا يسمع محل نظر ظاهر، فلاحظ الأخبار،
وتتبع فيها! مضافا إلى ملاحظة أحوال جميع المسلمين في العالم، حتى القائل بأنه
لا يسمع ذلك.
وأما ما ذكره من أن الدعوى لا تضر أحدا، ففيه تأمل ظاهر، إلا أن يكون



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 423.
(2) كذا، وفي المصدر: (فلا بد أن يكون له دليل).
(3) جامع المقاصد: 6 / 118 و 9 / 349.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 425.
(5) وسائل الشيعة: 19 / 359 الباب 43 من أبواب الوصايا و 22 / 423 الباب 6 من أبواب
اللعان.
588
مراده وقت الدعوى، لكن في اعتباره تأمل ظاهر.
قوله: [جمعا بين الأدلة]، وهو أولى وظاهر (1)، ولأنه تعب فلا يعقل
إخلاؤه له ثم تكليفه بالإعطاء مجانا، وهو خلاف حكمة الواجب. وبالجملة،
الظاهر [العمل بمضمون الرواية الصحيحة] (2).. إلى آخره (3).
بل الظاهر عدم دلالة يتحقق من جهتها المعارضة، بل بملاحظة المعارض
يظهر غاية الظهور عدم الشمول، بل فتاوي الأصحاب أيضا تمنع من العمل بها في
غير اللقطة، كما لا يخفى، فتأمل.
قوله: ولعل المراد بالمال فيها دابة أخرى غير البعير لا مطلق المال، بقرينة:
" قد كلت ".. إلى آخره (4).
بل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " قد كلت.. إلى آخره " (5)، تنبيه على العلة في كونها له،
وعدم سبيل الصاحب إليه، فيقتضي العموم بالنسبة إلى كل حيوان يكون كذلك.
وقوله (عليه السلام) في الروايتين: إنه أحياها (6)، تنبيه واضح على أنها كانت ذاهبة
من يد الصاحب، تالفة منه معدومة، فالواجد حصلها من جديد، فتأمل جدا!
قوله: صحيحة الحلبي (7)، وظاهرها (8) التملك من غير ضمان وعوض،



(1) كذا، وفي المصدر: (وهو أولى، وهو ظاهر).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 432، الكافي: 5 / 140 الحديث 13، تهذيب الأحكام:
6 / 392 الحديث 1177، وسائل الشيعة: 25 / 458 الحديث 32348.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 433.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 433.
(5) من رواية عبد الله بن سنان المشار إليها في الهامش 2 من هذه الصفحة.
(6) أي روايتي مسمع، عن أبي عبد الله (عليه السلام): مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 432، وسائل
الشيعة: 25 / 458 الحديث 32349.
(7) تهذيب الأحكام: 6 / 394 الحديث 1184، وسائل الشيعة: 25 / 457 الحديث 32347.
(8) كذا، وفي المصدر: (وظاهرهما)، أي: ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة في الهامش السابق،
وصحيحة معاوية بن عمار: وسئل الشيعة: 25 / 459 الحديث 32351.
589
ومثلها حسنة هشام بن سالم (1)، واستشكل في " القواعد " (2) و " التذكرة " (3)
الضمان، ويفهم عدم الضمان من الروايات الدالة على عدم الضمان في البعير،
فتأمل.. إلى آخره (4).
الظاهر أن مراده (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أمر الشاة حينئذ دائر بين ثلاثة:
إما تتركها ولا تأخذها، فحينئذ تكون للذئب، بمقتضى الغالب من العادة.
وإما تأخذها، فتكون لأخيك إن ظهر وجاء وطلب.
أو لك إن لم يظهر أو لم يطلب.
فحكمها غير حكم البعير، ولعله لأن الغالب أن الشاة تضل عن الراعي
والراعي في صدد طلبها، بخلاف البعير الكال في غير ماء وكلأ، فإن صاحبه يرفع
اليد عنه غالبا أو يدعه كذلك في علم منه ورفع يد عنه، وإن لم يعرض عنه إلا أنه
إن أمكنه إحياؤه أو نجاته من الهلكة لما تركه كذلك من أول الأمر، وتيسر
الإحياء منه في مثله نادر، فلو تركه الملتقط لصاحبه لضاع - غالبا - وإحياؤه لا
يتيسر بسهولة من غير تعب وحرج، فلذا أبيح له، لأنه ينجيه من الهلكة ويمنعه
عن التلف، كما أشرنا، فتأمل.
والحاصل، أن حالهما ليس واحدا، فلا مانع من اختلاف حكمهما.
قوله: مثل صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) " قال: سألته عن



(1) الكافي: 5 / 140 الحديث 12، وسائل الشيعة: 25 / 457 الحديث 32347.
(2) قواعد الأحكام: 1 / 99.
(3) تذكرة الفقهاء: 2 / 257.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 435.
590
اللقطة، قال: لا ترفعها (1)، فإن ابتليت تعرفها (2) سنة، فإن جاء طالبها وإلا
فاجعلها في عرض مالك، يجري عليها ما يجري على مالك إلى أن يجئ طالب "..
إلى آخره (3).
قوله (عليه السلام): " لا ترفعها " (4) يمنع من حمل الرواية على ما يشمل الضالة، فهي
مخصوصة باللقطة بلا تأمل.
قوله: وأن تخصيص الأخبار العامة التي تدل على أنها للآخذ، بأنها بعد
التعريف وجواز التصرف فقط مع عدم اللزوم أولى من تخصيص العامة الدالة
على وجوب التعريف بغير الشاة.. إلى آخره (5).
قد أشرنا إلى أن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أو لأخيك " يشعر بأنه لا يصير ملكا لازما
للآخذ، بل لا تأمل في الدلالة، إذ لا يبقى على ذلك لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أو لأخيك "
معنى ظاهر، لكن حمل تلك الأخبار على أن المراد بعد التعريف سنة بعيد جدا،
لأنها مع كثرتها في مقام الحاجة إلى بيان حكمها (6)، ولم يشيروا (عليهم السلام) إلى حكاية
ذلك التعريف أصلا، ففيها ظهور تام في عدم التوقف على التعريف المذكور،
بخلاف المعارض.
فإن ما ورد في حكم اللقطة، فشموله للضالة بعنوان الظهور محل تأمل، سيما



(1) كذا، وفي المصادر: (لا ترفعوها).
(2) كذا، وفي مجمع الفائدة والبرهان: (فإن ابتليت بها فعرها)، وفي وسائل الشيعة: (فإن
ابتليت فعرفها).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 436، تهذيب الأحكام: 6 / 390 الحديث 1165،
وسائل الشيعة: 25 / 442 الحديث 32308.
(4) في المصادر: (لا ترفعوها).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 437.
(6) في ب، ج: (في مقام الحاجة، لا بيان حكمها).
591
أن يكون الظهور تاما.
وأما ما دل على حكم الدابة، فشموله لمثل الشاة، وصغار الإبل، والبقر
أيضا محل نظر، بل الظاهر من الأخبار أن الدابة حكمها حكم الإبل، كما مر في
رواية السكوني (1)، ورواية مسمع (2) وغيرهما، فلاحظ! مع أنها ليست مثل
الشاة وأمثالها قطعا، فكيف يصير حكمهما واحدا؟!
قوله: سوى القياس المستنبط من قوله (عليه السلام): " هي لك "، فمجرد ذلك
الحكم لا يخلو عن جرأة، إذ العقل والنقل دلا على عدم جواز التصرف في مال
الغير إلا بإذنه.. إلى آخره (3).
لا يخفى أن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " هي لك.. إلى آخره " في مقام التعليل على جواز
الأخذ له أو لأخيه، كما أشرنا سابقا، وهو ظاهر على من تأمل أدنى تأمل، فليس
القياس المستنبط، بل المنصوص العلة.
والمراد من النص: الظاهر من اللفظ، وهو حجة في الألفاظ، كما حقق في
محله، وحجية المنصوص أيضا من الفهم العرفي، وما يفهم عرفا حجة، كما حقق في
محله، فتأمل!
قوله: ولو وجد شاة في العمران حبسها ثلاثة أيام ثم تصدق بها عن
صاحبها - إن لم يأت - أو باعها ويتصدق بثمنها.. إلى آخره (4).
مع التعريف، كما هو مقتضى الرواية (5)، والقاعدة.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 432، وسائل الشيعة: 25 / 458 الحديث 32350.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 432، وسائل الشيعة: 25 / 458 الحديث 32349.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 439.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 439، تذكرة الفقهاء: 2 / 268.
(5) أي رواية ابن أبي يعفور، عن الصادق (عليه السلام): مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 440، وسائل الشيعة: 25 / 459 الحديث 32352.
592
قوله: لكن الحكم مشهور.. إلى آخره (1).
فالشهرة جابرة.
قوله: إذ قد يطعمه ما لا قيمة له، مثل أن يرعاه في الصحراء من غير
أجرة، وكذا كون الحاكم مطلقا وكيلا (2).
هذا التعليل لعله للتقوية، وإلا فالمغصوب لا يرجع بما أنفق عليه الغاصب
على صاحبه إجماعا، وهو الموافق للقاعدة أيضا، إذ تسلطه على أخذ العوض من
المالك يتوقف على دليل، والأصل عدمه وبراءة ذمة المالك.
ومجرد كون النفقة واجبة على المالك [لا يقتضي] أن يكون كل من أنفق
عليه - وإن كان بقصد الرجوع - يكون له الرجوع، وهو ظاهر، بل من أنفق عليه
أسقط الإنفاق عن ذمة المالك، والإسقاط لا يقتضي العوض، إلا أن يكون بإذن
المالك أو الشرع على نحو يكون له الرجوع، وليس أحدهما في المقام.
قوله: [حكم غير الممتنع مطلقا] حكم الشاة، لما مر.. إلى آخره (3).
ومرت الإشارة إلى دليله، وأنه الظاهر منه (4).
قوله: رواية أبي بصير، عن علي بن حمزة (5)، عن العبد الصالح موسى بن
جعفر (عليه السلام): " قال: سألته عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه، قال: بئس ما
صنع، ما كان ينبغي له أن يأخذه، فقلت: قد ابتلي بذلك، قال: يعرفه.. ".. إلى



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 440.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 441.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 442.
(4) راجع الصفحة: 589 من هذا الكتاب.
(5) كذا، وفي المصادر: (علي بن أبي حمزة).
593
آخره (1).
ظاهر هذا الحرمة، وقوله: " ما كان ينبغي "، لا ينافيه، لأنه يستعمل في
القدر المشترك، لأن معناه القدر المشترك، والقدر المشترك لا ينافي الحرمة.
ويعضده أيضا، فهم الراوي، حيث قال: " قد ابتلي بذلك "، فإنه أيضا
ظاهر في الحرمة.
ويعضده أيضا، تقرير المعصوم (عليه السلام) للراوي في فهمه، فتأمل جدا!
قوله: وعلي بن أبي حمزة، كأنه الواقفي الضعيف جدا.. إلى آخره (2).
إلا أن الشيخ في " العدة " ادعى إجماع الشيعة على العمل برواياته (3).
قوله: على أن هذه (4) غير صحيحة كما ترى، ولا صريحة في التملك، بل
وعدم التعريف فقط.. إلى آخره (5).
إلا أنها منجبرة بعمل الأصحاب، بل إجماعهم، على ما سيجئ.
وعلى تقدير تسليم عدم الإجماع، فالمنجبرة بالشهرة هي أقوى من كثير
من الصحاح، كما حقق في محله، ومسلم عند المجتهدين، وحجة واقعا، والكل
حقق في محله.
وأما الدلالة، وإن كانت غير صريحة، إلا أنها ظاهرة، ولذا فهم
الأصحاب، والظاهر حجة كما حقق، ومسلم أيضا.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 445، تهذيب الأحكام: 6 / 395 الحديث 1190،
وسائل الشيعة: 25 / 463 الحديث 32360.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 446.
(3) عدة الأصول: 1 / 381.
(4) أي رواية محمد بن أبي حمزة: وسائل الشيعة: 25 / 446 الحديث 32322.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 447.
594
نعم، يمكن منع الشمول، بملاحظة ما ورد في لقطة الحرم (1)، وكلام
الأصحاب، وأنها لعلها من الأفراد الغير المتعارفة التي لا ينساق الذهن إليها عند
الإطلاق، فتأمل!
قول المعصوم: " فلا والله (2)، ماله صاحب غيري، واستحلفه أن يدفع إلى
من يأمره، قال: فحلف، قال: اذهب (3) فاقسمه في إخوانك.. ".. إلى آخره (4).
هذا دليل واضح على أن المال الذي أصابه كان من مال الإمام، لعله أصابه
في مقام الحكومة من طرف الجائر، كما يظهر من غير واحد من الأخبار (5).
قوله: فلا شك أن عدم الأخذ أولى، ثم التعريف، فتأمل. ثم ذكر فروعا:
الأول: لو تملك ما دون الدرهم ثم وجد صاحبه، فالأقرب وجوب دفعه إليه،
لأصالة بقاء ملك صاحبه عليه.. إلى آخره (6).
على تقدير تسليم عدم ثبوت الإجماع، فلا شك في كونه إجماعا منقولا،
ولا تأمل في كونه حجة، لأن كلما دل على حجية الخبر دل على حجية الإجماع
المنقول من دون تفاوت أصلا، وما قيل من أنه خبر مرسل فلا يكون حجة (7)
فاسد، لأن الناقل لنا يدعي الإجماع، لا أنه يروي لنا معنعنا وعن غيره، بلا شك



(1) وسائل الشيعة: 25 / 439 الحديثان 32298 و 32299.
(2) كذا، وفي المصادر: (فأنا والله).
(3) كذا، وفي المصادر: (فاذهب).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 449، من لا يحضره الفقيه: 3 / 189 الحديث 854،
وسائل الشيعة: 25 / 450 الحديث 32331.
(5) لاحظ! وسائل الشيعة: 17 / 199 الباب 47 و 213 الباب 51 من أبواب ما يكتسب
به.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 450، تذكرة الفقهاء: 2 / 256.
(7) الفوائد المدنية: 134.
595
ولا شبهة، فهو المطلع على الإجماع، والاطلاع ممكن لكل من له فهم وفطنة، ولذا
ادعى الشارح وغيره - من منكري الاطلاع - الإجماع في أمثال هذه الأزمان،
ادعوا كثيرا، فما ظنك بمن هو أقرب منا إلى المعصوم (عليه السلام)، بل وأعرف وأحوط
بأقوال العلماء؟! بل مدار المدعين الآن على أقوال المتقدمين عليهم.
هذا، مع أن وسائط نقل الإجماع لا يكون سوى الفقهاء، لأنه منصبهم،
وأما الرواية المرسلة فقد أشرنا إلى كونها حجة.
قوله: ورواية الفضيل بن يسار في زيادات الحج قال: " سألت أبا
جعفر (عليه السلام) عن لقطة الحرم، فقال: لا تمس أبدا حتى يجئ صاحبها فيأخذها، قلت:
فإن كان مالا كثيرا؟ قال: فإن لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها ".. إلى آخره (1).
لعله لهذه الرواية حكم العلامة في " القواعد " باشتراط العدالة في ملتقط
لقطة الحرم مع تحريمه التقاطها (2)، ولعل الالتقاط الذي وقع سهوا أو جهلا، حتى لا
ينافي العدالة.
والظاهر من هذه أنه إذا كان مالا كثيرا فليس بحرام، إذا كان الملتقط عدلا،
فتأمل!
قوله: وإبراهيم أيضا مختلف فيه، قيل: ثقة، وقيل: ضعيف جدا
ملعون (3).. إلى آخره (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 453، تهذيب الأحكام: 5 / 421 الحديث 1461،
وسائل الشيعة: 13 / 260 الحديث 17693.
(2) قواعد الأحكام: 1 / 197.
(3) كذا، وفي المصدر: (وقيل: ضعيف مطعون جدا).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 454.
596
فيه، أن تضعيف ابن الغضائري (1) لا يقاوم توثيق النجاشي (2)، لأنه غير
معروف العدالة، ومع ذلك قد أكثر من تضعيف الأجلة، ومع ذلك النجاشي أضبط
بلا تأمل.
مع أن في المقام مرجحات كثيرة لقول النجاشي، أشرنا إليها في تعليقتنا على
الميرزا (3).
قوله: وبالجملة، لم يقدر الشرع في ذلك سوى المدة التي قلنا أنه لا يجب
شغلها به، فالمرجع حينئذ إلى العادة.. إلى آخره (4).
لا يخفى أن الغرض من التعريف، بل المراد منه إعلام صاحبه وإخباره حتى
يجئ ويأخذ، وهذا يتفاوت بحسب تفاوت المقامات، فبعض المقامات يكون
المناسب التعريف بالليل - وإن كان نادرا - وكذا الحال في باقي ما ذكر، إذ بعض
المقامات يخرج الجماعة الذين كانوا في موضع الالتقاط من يوم الالتقاط من ذلك
الموضع ثم يعودون بعد ذلك، وقس على هذا.
نعم، ما ذكر على حسب الغالب، فالعبرة بإيصال المال إلى صاحبه كيف
كان، والسعي في ذلك، ولهذا ما عرف الشارع التعريف وكيفيته، بل وكله إلى
فهمهم وعقلهم وسعيهم، فتأمل!
قوله: الأحوط الإيغال في الإبهام.. إلى آخره (5).
فيه أيضا ما ذكرناه في الحاشية السابقة، فلاحظ!



(1) لاحظ! رجال العلامة الحلي: 6، جامع الرواة: 1 / 29.
(2) رجال النجاشي: 20.
(3) تعليقات على منهج المقال: 24.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 456، تذكرة الفقهاء: 2 / 258.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 457، تذكرة الفقهاء: 2 / 258.
597
قوله: قد بينا أنه يجب المبادرة إلى التعريف، فلو أخره عن الحول الأول مع
الإمكان أثم - إلى قوله -: ولا يسقط التعريف بتأخيره عن الحول، لأنه واجب،
ولا يسقط بتأخيره (1) عن وقته كالعبادات.. إلى آخره (2).
قد عرفت أن الغرض من التعريف إيصال الحق إلى أهله، ومعلوم أنه
واجب، فلا بد من مراعاة ذلك مهما أمكن، إلا أن يكون الشرع أسقط عنا، أو
يكون حرج لم يوجبه الشرع علينا، كالتعريف في الحول، فإنه وإن كان حرجا إلا
أنه لا بد من ارتكابه، فتأمل!
قوله: فالظاهر جواز الإعطاء مع القرائن، وهو ظاهر من كثير من
الروايات فيما سبق (3)، فلا يحتاج إلى الشهود والثبوت عند الحاكم - كما أشرنا إليه
مرارا - ومع الثبوت يجب (4)، فمع التأخير ضامن كسائر الأمانات، إلا مع
العذر.. إلى آخره (5).
إذا أفادت العلم، فلا كلام ولا تأمل لأحد ظاهرا. وأما إذا أفادت الظن،
فالظاهر من الروايات جواز الإعطاء، بل ربما يظهر منها الوجوب، حيث قالوا:
فإن طالب فأعطها (6)، والظاهر أنه بمجرد الطلب لا يجوز، وأنه إجماعي، فإذا
تعذر الحقيقة فأقرب المجازات حجة، وهو ما إذا حصل المظنة.
مع أن الظاهر أن المسلمين في الأعصار والأمصار كانوا يعطون بالأمارات



(1) كذا في النسخ، وفي مجمع الفائدة والبرهان وفي التذكرة: (فلا يسقط بتأخره).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 458، تذكرة الفقهاء: 2 / 260.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 25 / 441 الباب 2 و 449 الباب 6 من أبواب اللقطة.
(4) كذا، وفي المصدر: (ومع الثبوت يجب دفعه، وكذا مع العلم بغير ثبوت شرعي..).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 460 - 461.
(6) لاحظ! تهذيب الأحكام: 6 / 397 الحديث 1195، وسائل الشيعة: 25 / 443
الحديث 32312.
598
ومعرفة العلامات من غير اقتصار على البينة، والمعصومون (عليهم السلام) كانوا مطلعين وما
كانوا يمنعون، بل كانوا يقرون.
ويظهر ذلك من بعض الأخبار، مثل الرجل وجد دنانير كثيرة في منى
والصادق (عليه السلام) أمره بالتعريف، فأول صوت صوت قال رجل: أنا صاحبه، فعرفه
بالعلامة وأعطاها بها، وحكى ذلك للصادق (عليه السلام) فقرره عليه (1)، وغير ذلك،
منها: صحيحة البزنطي التي ستجئ (2)، مع أنه لو اقتصر على البينة لا تكاد تصل
لقطة إلى صاحبها.
على أن أهل العرف إذا سمعوا العلامات الخاصة يقولون: إنه ماله، وإنه
عرفنا صاحبه ويعطون، ويقولون: أعطيناه صاحبه، فتأمل.
ولعله بما ذكرنا جوز المشهور الإعطاء بالمظنة (3)، ونقل عن ابن إدريس
المنع (4)، ولعله ليس بشئ.
ويؤيد ما ذكرنا اتفاقهم - بحسب الظاهر - على عدم اظهار العلامات عند
التعريف، بل الإيهام، بل الإيغال في الإيهام (5)، فلو كان لا يعطى إلا بالبينة لم
يكن ضررا أصلا في الإظهار بتمامه، بل إراءتهم ومشاهدتهم.
لكن حكم بعضهم بالضمان إذا ظهر صاحبه وأعطاه الملتقط غيره
بالوصف (6)، ولا يخلو عن الإشكال، لأنه إذا كان برخصة من الشرع فلم يضمن،



(1) الكافي: 5 / 138 الحديث 6، وسائل الشيعة: 25 / 449 الحديث 32330.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 462، وسائل الشيعة: 25 / 461 الحديث 32355.
(3) راجع: الروضة البهية: 7 / 115، رياض المسائل: 2 / 333.
(4) السرائر: 2 / 111.
(5) راجع! مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 457، مفتاح الكرامة: 6 / 162.
(6) الروضة البهية: 116 - 117.
599
وإلا فكيف يعطي، وسيجئ من الشارح سكوته الظاهر في رضاه بما حكموا من
جواز الإعطاء مع الضمان، فلاحظ وتأمل!
قوله: كما لو حصل الظن بالوصف، وهذا أيضا صريح في ذلك، فتأمل..
إلى آخره (1).
مما ذكرنا في الحاشية السابقة ربما يظهر الفرق بين وصف العلامات والظن
الحاصل من العدل الواحد.
قوله: على أن أبي خديجة هو سالم بن مكرم، وهو ضعيف. والظاهر أنه لا
خلاف في وجوب الرد، وإنما الخلاف في أنه هل يجب رد العين مع بقائها فيكون
ملكا متزلزلا أم لا، بل يجوز رد العوض فيكون ملكا مستقرا.. إلى آخره (2).
الظاهر أنه ثقة، كما نص عليه النجاشي مؤكدا بتأكيدين (3)، والضعيف هو
سالم بن أبي سلمة، وتضعيف الشيخ ابن المكرم لعله توهم منه واشتباه بابن أبي
سلمة كما يظهر من كلامه (4)، أو لغير ذلك، كما حقق في محله (5).
فالحديث (6) ليس بضعيف، وما تضمنه من منع التقاط العبد من جهة عدم
تمكنه من التعريف، لأنه ملك مولاه موافق للقاعدة وإن قلنا بأن العبد يملك، لأن
المانع هو ما ظهر من الحديث من أنه لا يملك التعريف، واللقطة لا يجوز بغير



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 461.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 464.
(3) رجال النجاشي: 188 الرقم 501.
(4) الفهرست للطوسي: 79، ولزيادة الاطلاع راجع! بهجة الآمال في شرح زبدة المقال:
4 / 312، معجم رجال الحديث 8 / 24 - 25.
(5) تعليقات على منهج المقال: 161 - 162.
(6) أي: حديث أبي خديجة: مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 463، وسائل الشيعة: 25 /
465 الحديث 32363.
600
التعريف.
وهذا يشعر بأن العبد لا يكون له مانع من الالتقاط سوى ما ذكر، لا أن (1)
العبد لا يملك، فإنه غير ظاهر منه أصلا، لو لم نقل بظهور خلافه، لأن المعصوم (عليه السلام)
لم يقل: إنه لا يملك المال، ولم يعلل به، بل قال: " لا يملك نفسه "، ولا شك في أنه
كذلك، ثم علل نهيه عن التعرض لها بأنه يجب التعريف.. إلى آخره، وهو أيضا
مسلم، ووفاقي أنه لا يمكنه التعريف بغير رخصة مولاه.
فيدل الحديث على أن المانع منحصر فيما ذكر، وأن المولى لو كان راضيا
بالتعريف لم يكن مانع عن نفس الالتقاط، وأن التقاطه حينئذ يصح ويعرف،
والفقهاء أيضا أفتوا بذلك (2).
فإن عرف بإذن المولى ثم نوى التملك، فعلى القول بأنه يملك يصير ملكه، إلا
أن ينوي تملك المولى، وعلى القول بأنه لا يملك يملكه المولى، كما قالوا، وإن عرف
بغير إذن المولى أو بإذنه بشرط أن ينوي تملك المولى، ثم نوى التملك لنفسه،
فالظاهر أنه يصير ملكا له، لأن النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد، إلا بأن
يقال بأنه كسب العبد، وكل كسبه للمولى، لأنه نماء ملكه، وإن كان الاكتساب
بمجرد النية لا العمل، والنية يكون لغير المولى، والله يعلم.
قوله: وهذه (3) تدل على عدم التعريف مطلقا، ويمكن أن يعرفه قبل، وعلى
جواز استعمال اللقطة في الجملة.. إلى آخره (4).



(1) في ب، ج: (لأن).
(2) لاحظ! الروضة البهية: 7 / 71.
(3) أي: رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام): مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 467، وسائل
الشيعة: 25 / 451 الحديث 32333.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 467.
601
يمكن حمل ما دل على عدم التعريف. على صورة اليأس عن الوصول إلى
المالك من جهة التعريف. وكذا الكلام فيما دل على الاكتفاء بتعريف أقل السنة على
حصول اليأس بعد القدر الذي ذكر، فتأمل.
قوله: [إذا كان يسوى درهما فما فوقها] تخير بين أن يقومه فيأخذه لنفسه،
فيكون الثمن في ذمته، أو يبيعه على غيره فيأخذ الثمن.. إلى آخره (1).
هذا، إذا كان القيمة معلومة مضبوطة، وإلا فبحسب ما اشترى في السوق،
وإن لم يكن ضبط في السوق فيسعى في القيمة، فأعلى القيم التي يشترى يشتري
به.
قوله: وفيه تأمل، للأصل، ولأن له ولاية التملك والصدقة (2) بعد
التعريف، فالبيع بالطريق الأولى، والتعريف ساقط، للتعذر (3)، ولا شك أنه
أحوط.. إلى آخره (4).
يمكن أن يقال: الأصل عدم التسلط على بيع مال محترم إلا بإذن الشارع أو
صاحبه، ولم يثبت من الشرع جوازه بدونهما، وولاية التملك والتصدق لا يستلزم
ولاية البيع، وكونها بطريق أولى محل نظر، لأن التملك والتصدق إنما يكونان
بالضمان بالقيمة السوقية وبعد التعريف.
لكن ورد فيمن وجد سفرة فيها لحم وخبز أنه يقومهما ويأكلهما، والرواية
رواها في " الكافي "، و " التهذيب " عن الصادق (عليه السلام): " إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل
عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة، كثير لحمها وخبزها وبيضها وجبنها،



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 469.
(2) كذا، وفي المصدر: (والتصدق).
(3) كذا، وفي المصدر: (والتعريف ساقط للمتعذر).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 469.
602
وفيها سكين، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يقوم ما فيها ويؤكل ما يفسد (1) وليس له
بقاء، فإن جاء طالبها أغرم له (2) الثمن " (3). الحديث.
وسيجئ عن " الفقيه " فتواه بمضمون ما ذكر، ومر صحيحة علي بن جعفر
عن أخيه (عليه السلام) (4).
قوله: [وليس بواضح دليل شدة الكراهة]، إذ يشكل إثبات حكم شرعي
بمثل ما تقدم. نعم، لا شك أنه الأحوط لهما.. إلى آخره (5).
لا يخفى أنهم يسامحون في أدلة نفس الكراهة، فضلا عن شدتها مع ظهور
وجهها.
قوله: [عدم الحكم بنجاسة] ما يوجد مطروحا من الجلود مطلقا، فتأمل،
فكأنه (6) محمول على وجود القرائن.. إلى آخره (7).
في المطلق تأمل، بل ما يوجد في طريق المسلمين وبلادهم، كما ذكرنا في
اللحم أيضا، فتأمل!
قوله: في " التذكرة " بأنه إن كان ما وجد في هذه المواضع عليه أثر الإسلام
فهو لقطة، وإلا فهو لواجده (8)، ويريدون بأثر الإسلام [اسم] النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أحد



(1) كذا، وفي المصادر: (يقوم ما فيها ثم يؤكل لأنه يفسد).
(2) كذا، وفي المصادر: (غرموا له).
(3) الكافي: 6 / 297 الحديث 2، تهذيب الأحكام 9 / 99 الحديث 432، وسائل الشيعة:
25 / 468 الحديث 32372.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 456.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 471.
(6) كذا، وفي المصدر: (وكأنه).
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 475.
(8) تذكرة الفقهاء: 2 / 265.
603
حكام الإسلام، وقيل: يجب (1) عليه الخمس والباقي للواجد، لأنه كنز، وقيل:
دليل التفصيل.. إلى آخره (2).
لعل مراده من أثر الإسلام الأثر الذي يظهر منه كون صاحبه مسلما - كما
يظهر من كلامه - فربما كان ذلك سكة الإسلام بالقياس إلى بعض البلاد وبعض
الأوقات.
وبالجملة، أي أثر يكون دليلا على كون المالك مسلما فهو المعتبر - كما يظهر
من كلامه - فلا يناسب بعض المناقشات بأن أمر كذا لا يدل على كون الصاحب
مسلما، إذ عرفت أنه إذا كان كذلك فليس بمعتبر عنده، وليس داخلا في كلامه
وتحت مرامه.
وكذا المناقشة بأنه يجوز أن يعمله كافر ليعامل به المسلم، لأنه خلاف
الظاهر وبعيد غاية البعد، مع أنه على تقدير كونه محتملا بحيث لا يظهر كون المالك
مسلما لا يكون داخلا أيضا في كلامه ومرامه.
وكذا المناقشة بأنه لعله ملك ذمي أو معاهد، لأن مجرد الاحتمال لا يضر،
ولا يتوقف على ثبوت كونه مال الحربي، إذ على هذا لا يكون الشرط ظهور كون
المالك مسلما كما اعتبره، بل ظهور كون المالك حربيا، ولم يعتبره أحد، بل لا شك
في فساده، إذ على هذا لا يكون المدفونية، ولا الخرابة، ولا جلاء الأهل وغير
ذلك لها مدخلية، ولا الاستدلال بالروايتين (3).
ولا يناسبه التعرض في خصوص المقام، بل لا شك أن الروايتين مطلقتان،



(1) كذا، وفي المصدر: (قيل: ويجب).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 476.
(3) أي: روايتي محمد بن مسلم: مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 475، وسائل الشيعة:
25 / 447 الحديثان 32324 و 32325.
604
جميع ما هو من المحتملات داخل فيهما، أعم من احتمال كونه مال المسلم أو كونه
مال الحربي أو المعاهد أو غير ذلك، فإن الشارع مع جميع الاحتمالات حلله، بل
بسبب الاحتمال حلل، وبمجرده حلل، والأصحاب عملوا بالروايتين وأفتوا
بهما (1)، غاية الأمر أنه أشكل على بعض الفقهاء صورة واحدة، وهو ما إذا ظهر
كون المال لمسلم بسبب علامة مختصة به، فإنه - حينئذ - ربما لا يكون داخلا في
إطلاق الروايتين، لعدم ظهور شمول لها لما يظهر من العلامات المختصة كونه مال
المسلم عنده، أو أنه يظهر العموم عنده إلا أنه معارض لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا يحل مال
امرئ مسلم " (2). الحديث، وأمثاله.
والتعارض من باب تعارض العموم من وجه، فلا يثبت الحلية، والأصل
بقاء الحرمة.
وأما علامة كون المال لأهل الذمة أو المعاهد بحيث يكون له حرمة إلى حين
الوجدان في الخربة ويظهر ذلك منها، فلعلها مما لا يكاد يتحقق، وعلى فرض
التحقق يتوقف على عموم يعارض الروايتين، بحيث يغلب عليهما، ويخصصهما،
ولعله لا يوجد عنده.
لكن لا يخفى أن فرض وجود أثر يظهر منه كون المال لمسلم أيضا بعيد، سيما
بأن يكون الصاحب ممن يجوز أن يعرف بالتعريف، وأن التعريف ينفع بالنسبة
إليه، وقد عرفت أن مدلول الروايتين وفتاوي العاملين بهما في الموضع الذي ليس
كذلك، وكذا كون صاحبه معلوم الوجود بحيث يتصدق عنه، فلهذا أطلق في
الروايتين بأن المال للواجد، وكذا الفتاوي، فتأمل.



(1) لاحظ! الروضة البهية: 7 / 120، جامع المقاصد: 6 / 175.
(2) عوالي اللآلي: 1 / 222 الحديث 98 و 2 / 113 الحديث 309 و 240 الحديث 6 و
3 / 473 الحديث 3.
605
ومما ذكر ظهر أيضا أنه إذا وجد مثل الثوب يكون لقطة، فتأمل جدا!
قوله: وقيل: دليل التفصيل الجمع بينهما وبين رواية محمد بن قيس، عن
أبي جعفر (عليه السلام): " قال: قضى علي (عليه السلام) في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها، فإن
وجد من يعرفها، وإلا تمتع بها " (1)، وهذه أيضا تدل على جواز التسليم.. إلى
آخره (2).
يمكن الجمع بينهما بحمل ما دل على التعريف على إمكان الوصول إلى
صاحبه ورجاء ذلك، وما دل على العدم على عدم ذلك، ولعل الظاهر من الفقهاء
أيضا ذلك - أعني من سوى الشهيد الثاني (رحمه الله) (3) - فتأمل.
على أن ما لا يحتاج إلى التعريف هو المدفون، كما أفتى به الأصحاب (4)،
وما يحتاج إليه (5) ما ليس بمدفون. وكون الورق مدفونا، وإن لم يذكر في
الروايتين، إلا أن الأصحاب فهموا كذلك، ولعله الظاهر أيضا، ولأنه الموافق
للقاعدة، إذ لو لم يكن مدفونا يكون لقطة.
وأما رواية محمد بن قيس، فيمكن حملها على كون المراد ورقا واحدا،
لذكره بعنوان المفرد المنكر، إذ الظاهر من قوله: وجدت في الدار رجلا، أنه رجل
واحد، بخلاف: وجدت الرجل أو وجدت التمر أو الحنطة، فإن المراد من هذا
الجنس. وإذا كان المراد ورقا واحدا، فالظاهر أنه غير المدفون، لأن المتعارف أن



(1) تهذيب الأحكام: 6 / 398 الحديث 1199، وسائل الشيعة: 25 / 448 الحديث
32328.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 476.
(3) الروضة البهية: 7 / 120.
(4) لاحظ! مفتاح الكرامة: 6 / 173 - 174.
(5) في النسخ الخطية: (وما ليس يحتاج إليه)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
606
الدرهم لا يكون كنزا ولا مدفونا، وأيضا عبر في الأولين بلفظ الدار، ولم يتعارف
التقاط الورق في الدار، بخلاف الخربة، فإنها ربما تكون ممر الناس ومعبرهم ومحل
الدخول والخروج، فإذا اتفق أن رجلا وجد ورقا - كما هو مضمون الرواية
الأخيرة (1) - فلعله اللقطة، كما أشرنا، فتأمل جدا!
ومما ذكر ظهر أن المراد مما وجد في المواضع الثلاثة هو مثل الذهب والفضة،
لا مثل الثوب والقلنسوة والنعل وأمثالها، إذ الظاهر أنها لقطة، فتأمل جدا!
قوله: إذ قد يحمل الأولتان (2) على ما بعد التعريف، فإن هذه مقيدة به
بخلافهما، فيجب التقييد كما تقرر.. إلى آخره (3).
لا يخفى أن الكنز الموجود في الخربة التي جلا أهلها لا ينفع التعريف فيه
ظاهرا، بل لا ينفع البتة بالنسبة إلى غالب أفراده، وحمل الحديث على الفرض
النادر فيه ما فيه، على أن حمل المطلق على المقيد إذا لم يكن بينهما تفاوت سوى
الإطلاق والتقييد - وقد عرفت التفاوت - بحيث يمكن الجمع بنحو آخر، بل لعله
أقرب.
قوله: إذ الفرض عدم مالك معروف، ولهذا قال: " أن يعرفها ".. إلى
آخره (4).
لعل مراده من المعروف من يمكن أن يعرف، على ما هو الشأن في اللقطة.



(1) أي: رواية محمد بن قيس آنفة الذكر.
(2) أي: روايتا محمد بن مسلم آنفتا الذكر.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 477.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 479 - 480.
607
في أسباب الضمان
قوله: بل يمكن أن يقال: ظاهر (بغير الحق) (1) أيضا لم يشمل صورة الخطأ
والنسيان مثل المذكور، فإنه غير ممنوع شرعا.. إلى آخره (2).
لا يخفى، أن المتبادر من قول: (بغير الحق) أنه بحسب الواقع، لا في ظنه،
وكونه مأذونا شرعا في صورة الظن محل نظر، بل غايته عدم المؤاخذة إن لم يكن
في اعتماده على ظنه مقصرا، بل العمومات الدالة على منع العمل بالظن (3) تقتضي
المنع، إلا أن يثبت عدم المنع.
نعم، إن ثبت الإذن شرعا في موضع، فالأمر كما قال فيه خاصة، فتأمل!
قوله: فإنه معلوم عدم استلزام الحفر للبئر (4) الإلقاء.. إلى آخره (5).
لعل المراد من الملزومية أن هذا الإتلاف الخاص مختص به، لا يوجد بغيره،
فتأمل!
قوله: وكذا إلقاء الصبي أو المجنون العاجز من الفرار في مسبعة، ويمكن أن



(1) تذكرة الفقهاء: 2 / 373، وفيه: (بغير حق).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 492.
(3) لاحظ! بحار الأنوار: 2 / 111 - 124.
(4) كذا، وفي المصدر: (الحفر للتردي).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 496.
608
يكون الكبير القادر أيضا كذلك.. إلى آخره (1).
لا يخفى أن في التقييد بالعاجز إشكالا، لأن المجنون ليس له عقل يفر من
جهته، فربما يبني على عدم الفرار من تلك الجهة، وكذا الحال في الصبي الذي مثله
ف " لا ضرر ولا ضرار " (2) يشمله، وعرفا يقال: إنه أتلفهما.
قوله: وكذا فك قيد العبد المجنون، وكذا فتح قفص الطائر، وإن لم يطر في
الحال، بل بعده.. إلى آخره (3).
التقييد بالمجنون أيضا مشكل، لأن العاقل إذا انهزم وضاع، أو لم يضع - إذ
ربما يكون الضياع من غفلته أو دهشته وأمثالهما، وأما عدم الضياع بأن أبق ولم
يوجد، أو تضرر في إباقه وتحصيله، فتأمل - فإن الإضرار شامل للكل، فتأمل!
قوله: [فالضمان محل التأمل]، بل خلافه قريب.. إلى آخره (4).
قد مر الكلام في ذلك في محله.
قوله: [ما يضمن بفاسده وبالعكس]، وذلك غير واضح.. إلى آخره (5).
قد مر وضوحه في الجملة في مبحثه.
قوله: إلا أن المباشر أقوى، وقد تقرر - كما سيجئ - تقديم المباشر حينئذ
في الضمان، والفرق بينه وبين دلالة السراق به بفعله غير ظاهر، لما مر (6).
لا أعرف الوجه أصلا، لأن الإضرار واقع عرفا ولغة وعقلا، وهو موجب



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 497.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 32 الأحاديث 23073 و 23074 و 23075.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 497.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 499.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 499.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 500.
609
للضمان، لعموم الخبر (1).
وكون المباشر أقوى لا أفهم معناه، وأن القوة في ماذا، حتى يظهر التفضيل!
وأن مجرد المفضولية كيف صار سببا لعدم الضمان مطلقا! مع أنهم في الأيدي
يحكمون بضمان الكل وإن كان أقوى، بل يكون مغرورا من أخر أو ناسيا أو
جاهلا، بل ربما يكون ترتب يده عليه واجبا عنده بحسب الشرع!
ومع ذلك لا تأمل في ضمان الكل، غاية ما في الباب أن المغرور يرجع على
الغار بما اغترم، وأن قرار الضمان على من تلف في يده ولم يكن مغرورا، فتأمل!
قوله: وقد استشكل في " التذكرة " ضمانه إن كان عبدا كبيرا آبقا (2)، ومنه
يظهر أن الضمان في المنع عن القعود على الفراش والبساط.. إلى آخره (3).
لا تأمل بحسب الدليل الشرعي، والقاعدة الثابتة في الضمان في جميع ما
ذكر، ولا نفهم أصلا مدخلية لما ذكر من أنه يمكنه حفظ نفسه وعدم الإباق في عدم
الضمان مع صدق الإضرار اللغوي والعرفي والعقلي بلا تأمل، وكذا الإتلاف عرفا،
فتأمل جدا!
قوله: فيكون الضمان الموجب مسندا إلى المباشر، وهو ظاهر، كأنه مجمع
عليه، إلا أن يعلم كون المباشر ضعيفا والسبب قويا، مثل أن يكون المباشر
مكرها، وحينئذ كأن المباشر ليس بمباشر، إذ لا قدرة له على عدم المباشرة فصار
السبب فقط.. إلى آخره (4).
إن أراد مجرد الإسناد، فهو ظاهر، إلا أن انحصار الضمان ليس مقتضى ذلك،



(1) أي: خبر " لا ضرر ولا ضرار " الآنف الذكر.
(2) تذكرة الفقهاء: 2 / 375.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 500.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 501.
610
وإن أراد انحصار الإسناد إليه حقيقة، فهو كذلك، وإن كان المباشر ضعيفا والسبب
قويا.
ومع ذلك، انحصار الضمان فيمن هو المباشر حقيقة من أين، مع صدق
الإضرار من غيره أيضا؟ سيما وأن يصدق المباشر على مثل العبد الآبق الكبير
دون الصغير القادر على الإباق، وخصوصا أن لا يكون على مزيل القيد ضمان
أصلا، خصوصا أنه يعلم أن هذا القيد إنما هو من خوف إباقه، وسيما مع علمه بأنه
بمجرد الفك يأبق وينهزم، وخصوصا مع علمه بأنه لا يكاد يتمكن المولى من
أخذه - بأن لحق بدار الشرك أو غير ذلك - أو أنه يتمكن بعد خسارة وتعب،
فتأمل جدا!
قوله: [إذ الغصب يتحقق بالقبض]، وليس هو منحصرا في النقل، وإلا لم
يجز بيع العقار وهبته ونحوهما، الذي يحتاج إلى القبض.. إلى آخره (1).
بل لا نسلم أن الغصب في المنقول منحصر في النقل، بل لا نسلم توقفه على
القبض وتحققه به، إذ بمجرد إثبات اليد على وجه يمنع المالك غصب، إذ [أنه] أخذ
لغة وعرفا، فيشمله " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " (2)، وعموم لفظ الغصب،
إذ صادق لغة وعرفا أنه غصبه، بل ربما كان بأقل من ذلك يصدق الغصب، وكونه
في يده وتحت تسلطه والظلم والاعتداء عرفا، فتأمل!
قوله: [بخلاف] أن يمكنه من النصف، ولا يزاحمه، ولا يسلط عليه ممتازا،
إذ لا دليل بقول (3): في كل ما يتحقق غصبيته يكون ضامنا له.. إلى آخره (4).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 503.
(2) عوالي اللآلي: 1 / 389 الحديث 22.
(3) كذا، وفي المصدر: (ولا يسلط عليه ممتازا أو لا، إذ لا دليل، بل نقول..).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 503.
611
إن كان التمكن من التصرف بعنوان المشاع، فلا شك في صدق كون المجموع
في يد الغاصب، لأنه تحت تسلطه ويده، إذ يده على كل جزء جزء وذرة ذرة ثابتة
مستحكمة، غاية الأمر أن يد المالك أيضا كذلك، فعموم " على اليد " وغيره مما
أشرنا يشمله، سيما بملاحظة ما يظهر من أن الغاصب مأخوذ بأشق الأحوال.
قوله: لا يضمن إلا ذلك إذا (1) قصد جزءا من بيت وتصرف فيه فقط
مستوليا على ذلك الحد والمتصرف منه لا غير.. إلى آخره (2).
فيه أيضا إشكال، لأن الغاصب مشى على أجزاء الأرض، وتصرف فيما
مشى بمشيه، فيصدق أنه تصرف بغير إذن المالك، و " لا يحل مال امرئ مسلم إلا
من طيب نفسه " (3)، فإذا كان بغير إذن المالك ولا إذن الشرع يكون غصبا (4)،
وتحت التسلط وتحت استيلائه، فيكون غصبا، فتأمل.
بل سيذكر أن مجرد التصرف بغير إذن المالك والشرع يكفي في الضمان وكونه
غصبا، وهو الظاهر في مباحث الكتاب.
قوله: وأيضا تحقق غصب الخيمة بالدخول فيها غير ظاهر، إذ [هو] ما
باشره، فلا يصدق أخذ مال الغير ولا إثبات اليد.. إلى آخره (5).
لا شك في صدق الغصب عرفا إذا كان بغير إذن المالك وقصد الاستيلاء
عليه، ولا حاجة في ذلك إلى أخذ وإثبات يد، ولا تأمل في أن صلاته فاسدة،
لأنها تصرف في الخيمة، والتصرف بغير إذن المالك حرام بلا شك، والتصرف في



(1) كذا، وفي المصدر: (لا يضمن إلا ذلك، إلا إذا).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 503.
(3) عوالي اللآلي: 2 / 113 الحديث 309.
(4) كذا في كافة النسخ، والظاهر زيادة (يكون غصبا).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 508.
612
كل شئ على حسب ما هو المقصود منه والمصنوع لأجله، بل الظاهر أنه أعم من
ذلك بحيث يصدق عرفا أنه متصرف فيه، بل كل ما فعل به أو فيه بغير إذن المالك
حرام، والحرمة منشأ لبطلان الصلاة.
قوله: إذ المالك أيضا متصرف، ولهذا يحكم له باليد، وقد مر مثله في
الداخل على ساكن الدار الذي يضمحل بضعفه من غير إزعاجه، فتأمل (1).
قد مر أن تصرف المالك غير مناف لتحقق الغصب، والقبض بغير إذن
المالك أو التصرف بغير إذنه، ومر من الشارح أن هذا القدر يكفي للضمان (2)،
فتأمل!
قوله: والظاهر أنه غاصب، للتعريف، فيحتمل النصف كما في الدار،
فتأمل.. إلى آخره (3).
بل الظاهر احتمال الكل إن كان مشاعا، والقدر الذي مشى عليه أو تصرف
فيه بأي نحو كان، أو تسلط عليه بأي نحو كان، إن كان مفروضا، فتأمل!
قوله: [فكأنه لم يلدغه الحية] هنا، فهو سبب كالحافر، وليس هنا مباشر
أقوى، وليس هو قادرا على دفع المهلكات عن نفسه، وعروض أمثال هذه
الأمور، فغير بعيد.. إلى آخره (4).
ما ذكره وارد في الكبير أيضا، ومجرد القدرة على الدفع لا ينفع، إذ ربما
يلدغ غفلة ويقع عليه الحائط غفلة، أو لا يمكنه الفرار، مع أن الصغير أيضا ربما
كان قادرا على الدفع، إلا أن يقيده بغير القادر وغير المميز أصلا.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 509.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 503 - 504.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 509.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 511 - 512.
613
قوله: فإن كبره (1) مع عدم قدرته على دفع الحية والعقرب، إذا لم يره في
الحبس لظلمته كالطفل، بل وكالحيوانات التي لا شعور لها.. إلى آخره (2).
غير خفي أن لدغ الحية والعقرب متعارف شائع في الكبار، بل ربما كان فيهم
أكثر، والقدرة على الدفع من الفروض النادرة البعيدة، والعقرب لدغ
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " لعنك الله، لا تدع البر ولا الفاجر " (3)، وأما وقوع الحائط
فأظهر.
نعم، لو ظهر أنه أمكنه الفرار ولم يكن غفلة ولا دهشة فبقي عمدا عالما
مختارا حتى لدغه أو وقع تحت الحائط، أمكن الفرق، لكنه حينئذ يكون مجنونا، إلا
أن يكون يريد قتل نفسه لغرض من الأغراض، والظاهر أنه لا يكون إلا من حمق
أو جنون، فتأمل!
قوله: وسبب الضمان منحصر في ذلك، بخلاف ما لو استعمله، فإنه أخذ
منه ما له عوض بلا عوض (4)، فكأنه غصب منه مالا وحقا أو أتلفه فيضمن.
لعل (5) ليس لهم فيه خلاف.. إلى آخره (6).
ليس كذلك، بل حديث: " لا ضرر ولا ضرار " (7) وما سيذكره (رحمه الله) أيضا
دليل وسبب، مع أن عمله حق وله عوض قطعا، كما اعترف به، ولذلك يستحق
بالاستخدام العوض، ويصير في الإجارة عوض الأجرة المسماة، وفي بعض



(1) كذا، وفي المصدر: (فإن الكبير).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 512.
(3) المحاسن للبرقي: 2 / 421 الحديث 2476، بحار الأنوار: 59 / 207 الحديث 2.
(4) كذا، وفي المصدر: (فإنه أخذ منه ماله بلا عوض).
(5) كذا، وفي المصدر: (ولعله).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 513.
(7) وسائل الشيعة: 18 / 32 الأحاديث 23073 - 23075، وقد مر آنفا.
614
الأوقات عوض أجرة المثل، فكيف يكون ماله عوض شرعا وعقلا وعرفا
وعادة يتلفه ويضيعه بلا عوض أصلا؟!
على أنهم قالوا في عقد الإجارة: بمجرد العقد ينتقل الأجرة من ملك
المستأجر إلى ملك المؤجر، ومن حين العقد يصير كذلك بعوض انتقال المنفعة من
المؤجر إلى المستأجر، وأن العوضين لا ينتقل كل واحد منهما إلى الآخر إلا وينتقل
الآخر منهما إلى صاحب الأول، كما هو الحال في البيع والصلح.
ولذلك كل من المتعاقدين يتسلط على أخذ ما وقع العقد عليه قهرا، وأيضا
يصير عوض البضع في النكاح وعوض كل شئ وكل ملك وكل حق، وحاله
حال الملك والمال في جميع الأحوال، ولا فرق بين المال والحق بحسب العرف
والعقل والشرع أيضا، كما أشرنا، فتأمل جدا!
وبالجملة، إن ثبت إجماع فهو، وإلا فالأمر كما ذكر.
قوله: وجزاء السيئة سيئة (1)، والقصاص، ونحو ذلك، فتأمل (2).
الأظهر التمسك ب‍ " لا ضرر ولا ضرار " أيضا، ونحو ذلك مما ذكرنا.
قوله: وأن منافع الحر لا تضمن، إذ غير واضح [الثبوت عمومه].. إلى
آخره (3).
قد عرفت عدم وضوح الثبوت أصلا، فضلا عن العموم.
قوله: والغاصب ظالم وعاص وآثم بالاتفاق، بل قالوا: الغصب كبيرة،
فتأمل.. إلى آخره (4).



(1) كذا، وفي المصدر: (وجزاء سيئة سيئة)، وفيه إشارة إلى الآية 40 من سورة الشورى (42).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 513 - 514.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 514.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 518.
615
وجهه، أن الغصب عرف بمعان متعددة، وأنه لا مشاحة في الاصطلاح،
وأن العبرة بالدليل، وكل ذلك مر منه (رحمه الله)، فلا مانع من أن لا يكون آثما ويكون
ضامنا ويسمى غاصبا، إلا أن تأمله في الدليل، والدليل هو حديث " على
اليد " (1) المنجبر بعمل الأصحاب، والدلالة واضحة، مع أنها ظاهرة، والظهور
يكفي، ويؤيد الظهور فهم الأصحاب.
قوله: (وأما أتلف، فقرار الضمان على المتلف) (2)، هذا أيضا على عمومه
ليس بجيد.. إلى آخره (3).
لا يخفى أنه لا يريد عمومه، وكلماته في غير هذا المقام صريحة في عدم
الإرادة، فلاحظ وتأمل!
قوله: وقد عرفت أيضا عدم ظهور صحته، وتواتره، وصراحته أيضا،
وعلى [فرض] صدق أنه غاصب.. إلى آخره (4).
لا يجب أن يكون متواترا ولا صحيحا أيضا، بل الانجبار بالشهرة كاف،
لأن الراوي وإن كان فاسقا يكفي التبين (5)، وفي التبيين يكفي الظن والظهور، كما
يكتفون في العدالة بالمظنة، في ثبوتها ونفس ماهيتها، وفي ترجيح التعديل، وفي
تعيين المشتركات، وأن الأصل عدم سقط في الرواية، وعدم تحريف وتغيير
وتبديل، وغير ذلك، فتأمل جدا!



(1) مرت الإشارة إليه آنفا.
(2) تذكرة الفقهاء: 2 / 377، وفيه: (أما إذا أتلفه، فإن قرار الضمان على المتلف).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 518.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 520.
(5) لاحظ! الحجرات (49): 6.
616
قوله: [فإنه مغرور]، فيجب الرجوع على الغاصب فقط، فتأمل (1).
لا يخفى أن قرار الضمان على الغاصب إذا كان مغرورا - على ما هو المشهور
- ولا معنى لعدم الرجوع على من استوفى المنفعة، فإن المنفعة ملك من أملاك المالك
استوفاها الساكن، فالمالك يرى أن ملكه استوفاه وانتفع به ويمنع منه وأتلفه
الساكن، فكيف لا يتأتى له مطالبته بملكه وعوضه؟!
بل ربما كان الغاصب مات، أو غاب، أو لم يتمكن من أخذ شئ منه، أو
يصعب عليه الأخذ، أو يكون الأخذ من الساكن أرفق له وأسهل وأحسن، إذ
ربما كان مال الغاصب شبهة وأمثالها، فتأمل جدا!
في أحكام الغصب
قوله: فإنه ما أتلف شيئا، ولا تلف في يده عين الأجزاء، ولا كل (2)، ولا
منفعة تفوته، ولا ضمان إلا بثبوت شئ (3). وإن كان العيب يتجدد يوما فيوما -
مثل نتن الحنطة - يتجدد (4) ضمانه أيضا كذلك، ففي اليوم الأول إن كان أرشه
درهما لعيبه، ثم زاد العيب بحيث صار الأرش نصف درهم آخر، وهكذا إلى أن
تلف (5)، فيضمن التالف بقيمته (6).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 520.
(2) كذا، وفي المصدر: (عين الأجزاء، لا كله ولا بعضه).
(3) كذا، وفي المصدر: (إلا بفوت شئ).
(4) كذا، وفي المصدر: (فيتجدد).
(5) كذا، وفي المصدر: (بحيث صار الأرش نصف درهم آخر، يضمن الدرهم ثم نصف درهم
آخر، وهكذا إلى أن تلف).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 521 - 522.
617
لا يخفى أن سبب الضمان ليس منحصرا في الإتلاف، فإنهم ربما يحكمون
بالضمان بسبب الإضرار، استنادا إلى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا ضرر ولا ضرار " (1)،
وقدماء فقهائنا والمحدثين لا يذكرون في باب الضمان بمثل الغصب والإتلاف سوى
هذا الحديث، وحديث: " ليس لعرق ظالم حق " (2)، ولم يذكروا حديث: " على
اليد "، فضلا عن تعريفاته.
والمتأخرون في كثير من المواضع يستندون إلى حديث " لا ضرر ولا
ضرار "، ومع ذلك لا أراهم يراعون هذا الحديث في كتاب الغصب والإتلاف، بل
يحكمون بأن الغاصب يضمن أعلى القيم وإن كان المتلف غيره، إذا كان قيميا أو
مثليا ولم يوجد، ويقولون: هو مأخوذ بأشق الأحوال، ولا دليل عليه من
الأخبار سوى هذا الحديث، بل وليس إجماع عليه، ولا دليل آخر، وحديث
" على اليد " لا يدل عليه، فإن حديث " لا ضرر ولا ضرار " حجة، فمقتضاه أن
كل نحو من أنحاء الضرر يجب تداركه ورفعه على من أضر.
وربما كان في أيام الغلاء والقحط والحصار يصير صاع من الطعام ألف
دينار، فإذا غصب غاصب ألف صاع منه من مسلم، بل ويتيم، وذلك المسلم
واليتيم يشتري بأمواله العظيمة أصوعا منه لقوته ونجاته من الهلكة، وربما يموت
من الجوع جمع من عياله ودوابه، ومع ذلك يكون ذلك الغاصب صاحب طعام
كثير يبيع طعامه بألف تومان ويتعيش بالطعام المغصوب، ثم بعد رفع الموانع
وحصول الرخص العظيم الزائد صار الطعام كل ألف صاع بدينار يرد مثل ما
غصبه من المالك بعد ما أخرج وأنفق جميع أمواله الكثيرة غاية الكثرة في شراء



(1) مر آنفا.
(2) عوالي اللآلي: 2 / 257 الحديث 6، وسائل الشيعة: 19 / 157 الحديث 24363.
618
الطعام له ولعياله ودوابه يقوتون ولم يف أمواله فتدين ديونا عظيمة زائدة على ما
أنفقه من أمواله وتلف دوابه بعد ذلك، ولو لم يغصب الغاصب طعامه، لكان
يتعيش هو وعياله ودوابه ولم يمت أحد منها من الجوع، وكان يزيد ذلك الطعام
عن الأكل، فكان يبيع الزائد بآلاف تومان، ويصير ذا أموال عظيمة فوق أمواله
السابقة، والحال أنه صار ذا ديون عظيمة بعد تلف أمواله ودوابه، وأي ضرر
أعظم من هذا، وأي فساد أشد منه؟!
اللهم، إلا أن يثبت إجماع، لكن نراهم لا يتمسكون بالإجماع، بل
يتمسكون بما ذكره الشارح (رحمه الله)، وقد عرفت ما فيه، فلو كان إجماع لكان الحجة
هو، لا ما ذكروه، وكان اللازم ذكر ذلك الإجماع.
نعم، نقلوا الاتفاق على عدم الضمان كما سيشير إليه الشارح (رحمه الله) (1)، وكون
ذلك إجماعا بالمعنى المصطلح عليه غير ظاهر، ولذا لم يتمسك الناقل، ولا غيره في
مقام إثبات عدم الضمان بحيث يعلم أنه مستندهم، وأشرنا إلى حال القدماء،
فلاحظ كتبهم وكلامهم.
فلذلك يكون ذلك الإجماع ظنيا، لكونه منقولا بخبر الواحد - على تقدير
كونه إجماعا - وهذا القدر يكون كافيا في تخصيص " لا ضرر ولا ضرار "،
ومصححا لما أشرنا من الضرر والفساد العظيم، يحتاج إلى التأمل.
ومع ذلك أقول: أنا لا أفهم، وهم أعرف، والله العالم بأحكامه!
قوله: [فإن ذراعا منه قد يسوى عثمانيا] والآخر شاهيات (2).
بل ربما لا يكون له القيمة أصلا، كما لا يخفى.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 528.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 522.
619
قوله: وبالجملة، التفاوت معلوم، وإن أريد التساوي في الجملة، وهو (1) في
القيمي أيضا موجود مثل الثوب والأرض ونحوهما (2)، وإن أريد مقدارا خاصا
فهو حوالة إلى المجهول.. إلى آخره (3).
لعل المراد: التفاوت المتعارف المعتد به عند أهل العرف، أي ما يكون
متساوي الأجزاء عرفا يكون مثليا، وغير المتساوي كذلك غير مثلي، فتأمل.
وأيضا، المثلي ما تعارف تحقق المثل له، بحيث يساويه ويماثله في الطبيعة
والمميز النوعي والصنفي وهو أقرب إليه من كل جنس، وإن كان مثل الدرهم
والدينار، فتأمل.
فالغاصب والمتلف عليهما أن يردا نفس ما أخذاه أو تلف عندهما، باتلافهما
أو بغير اتلافهما، إذا وجد، وإن لم يوجد فما هو أقرب إليه كأنه هو، ففي المثلي
مثله، وأما القيمي فلما لم يتحقق هذا المعنى ولم يمكن اكتفي بما تعارف أخذه عوضا
عن شئ، فتأمل!
ففي القيمي إذا قيل عليه أن يرد عوضه الذي هو أقرب إليه، يتبادر الدرهم
والدينار والقيمة، لتعارف كونهما عوضا، لعدم تيسر ما هو أقرب، بخلاف المثلي،
فالمثلي خرج على قانون الأصل.
أما القيمي، فلما تعذر أو تعسر الأقرب عادة اكتفي فيه بما هو العوض
عادة، فإذا قيل: عليك أن ترده على صاحبه، ونعلم عدمه وعدم ما يكون
الأقرب الذي كأنه هو، بل ومطلق الأقرب الذي يكون مثله قدرا ويوازنه بحيث
لا يزيد ولا ينقص اكتفي بالقيمة، وهو العوض الموازي المساوي، ويتبادر ذلك



(1) كذا، وفي المصدر: (فهو).
(2) كذا، وفي المصدر: (مثل الأرض ونحوها).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 523.
620
إلى الذهن، للتعارف، ومنشؤه ما ذكرنا.
وإذا أخذ مثل القيمي كما وكيفا وقيمة يؤخذ بالقيمة، ويلاحظ القيمة أولا
وبالذات، ويؤخذ بحسابه وبملاحظته، فتأمل!
قوله: فيمكن أراد ذلك (1) مع المساواة في القيمة، فإذا كان ثوبا مثل ثوب
آخر في اللون والقماش وبقيمته، يكون ذلك المثل (2).
يمكن أن يقال: مقتضى الدليل أن التالف لا بد أن يعوض بمثله، لأنه أقرب
إليه من غيره، فمتى ما أمكن تحقق هذا يكون مثليا، ومتى تعذر يكون قيميا.
ومناط الفرق بين المثلي والقيمي هو الدليل المقتضي للفرق في حكمهما، على
حسب ما عرفت في الحاشية السابقة، فتأمل جدا!
قوله: وكذا الفرس العتيق يكون خاص تحت خاص، وقيمته معينة (3)
يكون مثلها بمثلها وهكذا، وعليه يحمل ما في الكتاب والسنة والإجماع.. إلى
آخره (4).
لا يخفى أن المماثلة في هذا القسم وإن بلغت غايتها إلا أنها بملاحظة القيمة،
ويؤخذ بملاحظة القيمة وبتوسطها ونسبتها، فيكون - إذن - الأصل هو القيمة
والأخذ بالقيمة، وإن كان يؤخذ عين المثل.
فلما كان المدار على ذلك عرفا وعادة، لأن المراعاة إنما هي بحسب الغالب
الشائع، وهو المعتبر عندهم، ينصرف إطلاق العوض عندهم إلى ذلك، ولا يلزم
مراعاة الأمثل، فالأمثل في أخذ العوض بعد مراعاة القيمة وملاحظتها، كما هو



(1) كذا، وفي المصدر: (فيمكن إن أراد).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 526.
(3) كذا، وفي المصدر: (وكذا الفرس العتيق خاص يكون تحته خاص، وقيمته متعينة).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 526.
621
الحال في الأرش، فتأمل!
قوله: ويمكن تكليف الغاصب به مهما أمكن، خصوصا إن كان المثل
موجودا في بعض البلاد [القريب] إلى ذلك الموضع [و] تكون الأغراض الكثيرة
متعلقة بالعين، فتأمل.. إلى آخره (1).
مقتضى الأدلة إلزام الغاصب بعين مال المغصوب أو مثله إن تلفت في المثلي،
وإن توقفت عين المال والمثل على إخراج أموال منه لا تحصى وتعب بدن شديد.
وهذا الذي ذكره هنا مخالف لما ذكروه من غرق سفينة الغاصب بسبب
خشبة لا تسوى فلسا، وكذا هدم بيته وإن كان ما يتلف من الغاصب مال عظيم،
فتأمل!
قوله: وأما القيمة فللتعذر (2) والضرر المنفي، والتكليف بما لا يطاق غير
جائز، وإسقاط الحق غير معقول.. إلى آخره (3).
لا يخفى أن منشأ الحكم بالقيمة عند التعذر هو ما ذكره، فلا وجه لما ذكره
أولا من أن مرجع التعذر والحوالي هو العرف (4)، لأنه لم يرد هذا المعنى في حديث
أو آية، بل الحاكم هو العقل، فالعبرة بما حكم به العقل والقدر الذي حكم، والعقل
لا يحكم إلا إذا لم يمكن بحيث يصير تكليفا بما لا يطاق، فإذا أراد صاحب المال
ماله في الحال فالأمر كما ذكره، وإن أراد المثل ويصبر إلى أن يذهب الغاصب أو
وكيله إلى البلاد - وإن كانت بعيدة - ويشتري ويأتي به، فالواجب عليه ذلك.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 527.
(2) كذا، وفي المصدر: (فللتعدي).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 527.
(4) إشارة إلى ما قاله من أن المرجع، في صدق تعذر وجود المثل في البلد وحواليه، هو العرف،
لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 527.
622
وما ذكر من أن قبل الدفع يكون الواجب عليه هو المثل، فيه أن الوجوب
تكليف، والتكليف بما لا يطاق منفي عقلا ونقلا، إلا أن يكون صاحب المال لم
يلزم على الغاصب بأن يعطي، فإن القيمة إنما هي بعد إلزام صاحب المال.
ولعل هذا مراد الشارح، لكن على هذا كان اللازم أن يقول: الأمر بيد
صاحب المال وبناء التعذر على إلزامه، كما ذكرناه.
قوله: فبعد نقل الاتفاق على عدم ضمان القيمة السوقية (1) يبعد الخلاف
هنا، والقول بأعلى القيم من غير زيادة بوجه لعدم عوض (2).. إلى آخره (3).
لا يخفى أن نقل الاتفاق لو صح، فإنما هو في موضع خاص لا مطلقا، وإلا
فكون الغاصب مأخوذا بأشق الأحوال عندهم أظهر من أن يخفى، وأشهر من أن
يستر على أحد، وسيجئ دليله، وأشار الشارح إلى الظهور والمسلمية عندهم في
مقام تعريف الغصب وغيره (4).
قوله: والثالث: قيمة يوم القبض، فإنه [ضامن] حين قبض، فإذا تعذر
العين تعين تلك القيمة، وفيه أيضا منع.. إلى آخره (5).
لعل دليله رواية تضمنت حكم من استأجر بغلا إلى موضع ثم تعدى عن
ذلك الموضع، فالمعصوم (عليه السلام) قال: " عليك ضمانه يوم خالفت " (6)، هذا على ما هو
ببالي، والله يعلم.



(1) كذا، وفي المصدر: (على عدم الضمان بقيمته السوقية).
(2) كذا، وفي المصدر: (من غير زيادة بوجه تقدم).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 528.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 502.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 528.
(6) تهذيب الأحكام: 7 / 215 الحديث 943، وسائل الشيعة: 25 / 390 الحديث
32199.
623
قوله: وإن أريد ضمان قيمته حينئذ مع وجود العين والقدرة على دفعه،
فهو ممنوع، ولا يقول به أحد، فالأول هو الأظهر (1)، فتأمل (2).
ربما كان الأظهر هو أعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم الرد، لأن الرد كان
واجبا عليه في كل وقت وقت، ففي وقت ارتفاع القيمة كان الواجب عليه أن
يسلم هذه العين التي كان هكذا قيمتها.
فحينما ظلمه وحبس حقه ولم يعطه أضره وحال بينه وبين الذي كان بهذه
القيمة العالية، وكان حقه وملكه، بل ربما كان في الحصار ويرتفع القيمة إلى
آلاف، ولو كان عنده فيبيعه وينتفع ويحصل له أموال عظيمة فخسره، بل ربما كان
اشترى بأموال عظيمة لاحتياجه إليه له ولعياله، بل ربما يتلف بسبب الحبس
عياله وأمواله - مثل دوابه وغيرها - فهذا ضرر عظيم لا يناسب الشريعة القويمة،
العادلة المستقيمة، التي هي في غاية المتانة والضبط والحكمة، أن يتضرر بلا تدارك
أصلا، مع أنه لا ضرر في الإسلام.
بل تتبع تضاعيف أحكام الشرع يكشف عما ذكرنا، وأنه لا يناسب الفرقة
العدلية سوى ما ذكر.
هذا، على تقدير وجود عين ماله حينما صار في غاية الارتفاع.
وأما على تقدير العدم، فلا تأمل في أنه وقت غاية الارتفاع كان عليه أن
يعطي قيمته لو كان يطالبه المالك ويلازمه ويضيق عليه، والقيمة في غاية
الارتفاع، لما ستعرف وجهه ودليله، ومعلوم أنه واجب عليه في كل آن ودقيقة أن
يسلم إلى المالك، بلا توقف على مطالبته وتضييقه وإلزامه، فإذا كان وقت



(1) كذا، وفي المصدر: (والأظهر هو الأول).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 528 - 529.
624
الارتفاع اشتغل ذمته بإعطاء القيمة - في هذا الوقت - على سبيل الوجوب الفوري
الضيقي، لا جرم يكون هذا الاشتغال مستصحبا شرعا إلى أن يثبت خلافه، ولم
يثبت، بل الثابت أيضا هو ما ذكرناه في العين الباقية، فتأمل جدا!
ويدل أيضا، قوله تعالى: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * (1)، وقوله تعالى:
* (وإن عاقبتم) * (2) الآية، و * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم) * (3)، مع أن الفرق بينه وبين المنافع بالنسبة إلى حديث: " على اليد ما
أخذت.. إلى آخره " (4) بكون المنافع داخلة فيه، لدخولها تحت اليد، بخلاف
القيمة السوقية، لعدم الدخول تحت اليد، يحتاج إلى التأمل، فتأمل!
فمقتضى ما ذكر ضمان القيمة السوقية مطلقا، إلا أن يكون إجماع على عدم
الضمان، ففي ما نحن فيه لا تأمل في الضمان، لعدم الإجماع على عدمه، بل المشهور
الضمان، على ما هو الظاهر.
وأما الموضع الذي نقل فيه الإجماع، فأقصى ما يمكن أن يقال: إنه حجة
مثل الخبر، لكن لا بد من مقاومته لما ذكرنا، وترجيحه عليه حتى يقدم عليه،
فلاحظ وتأمل!
وبالجملة، بملاحظة جميع ما ذكرناه، مما يظهر من العقل والنقل، يظهر أن
عناية الشارع في جبر ما وقع من الغاصب، وحصول التلافي والتدارك منه إلى
حد كأنه لم يتحقق الغصب أصلا، ولم يوجد تفاوت أصلا.
أما ما ذكرنا من حديث " لا ضرر ولا ضرار " فظاهر، لأن النكرة في



(1) الشورى (42): 40.
(2) النحل (16): 126.
(3) البقرة (2): 194.
(4) عوالي اللآلي: 1 / 389 الحديث 22.
625
سياق النفي تفيد العموم، وكذا قوله تعالى: * (فمن اعتدى عليكم) * الآية، و
* (جزاء سيئة سيئة مثلها) *، وكذا * (فعاقبوا بمثل) * (1).. إلى آخره، لأن المماثلة
ظاهرة في المماثلة من جميع الوجوه.
وأما حديث " على اليد "، فلأن مدلوله ليس إلا أن الغاصب يجب عليه أن
يؤدي نفس الذي غصبه وأخذه، وأنه مشغول الذمة بذلك في كل آن ودقيقة من
آنات ما بعد الأخذ إلى وقت الأداء، وإن كان يتلف نفس ما أخذه أو ينعدم تحت
يده، إلا أن استحالة إيجاد المعدوم يقتضي أن يؤدي ما هو مثله بمساويه، بحيث
يصدق عليه أنه أدى ما أخذه عند العقلاء وأهل العرف، حتى يدخل في مضمون
هذا الحديث، فإنه إذا تعذر الحقيقة فأقرب المجازات متعين.
فمضمون الحديث - على ذلك -: إن على اليد ما أخذت أو ما هو أقرب مما
أخذت حتى تؤدي، فمقتضاه أن الذمة مشغولة بأحد الأمرين من حين الأخذ إلى
وقت الأداء، من دون تفاوت وفرق بين الأمرين أصلا ورأسا فيما ذكر، غير أنه
فيهما أمكن نفس ما أخذت وعينه فيما أخذت، وإلا فما هو أقرب إليه، بحيث يكون
عند العقلاء والعرف كأنه هو.
فنسبة الأمرين إلى كل وقت وقت ودقيقة دقيقة من أوقات ما بعد الأخذ
إلى وقت الأداء على السواء، لا أنه في خصوص وقت التلف ينقل إلى قيمة
خصوص هذا الوقت وإن كانت في غاية التنزل والانحطاط إلى آخر وقت الأداء،
وإن كان أبعد المجازات بالنسبة إلى حقيقة لفظ الحديث، وهو أداء نفس ما أخذه
وعينه من حين الأخذ إلى آخر الأداء، وتمام وقته.
وما ذكرنا من أنه مع بقاء العين يكون أعلى القيم على الغاصب، فإنما هو من



(1) النحل (16): 126.
626
غير هذا الحديث.
قوله: قول المصنف: (ولو تعذر العين) (1)، أي لو تعذر دفع العين بسبب
ضياع ونحوه، ودفع الغاصب القيمة إلى مالك المغصوب، ملكها.. إلى آخره (2).
الأوفق بقاعدة الغصب أن ضمان نفس العين على الغاصب، وكذا ضمان
منافعه من حين الغصب إلى زمان الرد على المالك، أو تحقق الموت، أو أخذ المالك
العوض مع رضاه بكونه عوض ملكه وإبراء الغاصب، فحينئذ يكون العوض
ملكه، إلا أن للغاصب أن يرد عليه عين ماله ويأخذ ما سلمه من العوض، مع
احتمال عدم صيرورة العوض ملكه، كما سيقول الشارح (رحمه الله) (3).
وكذا الحال لو لم يرض بكونه عوض ملكه ولم يبرئ الغاصب إلا أنه أخذه
للحيلولة.
وأما نماء المغصوب بعد أخذ العوض إلى حين الرد على المالك أو التلف،
فهو أيضا للمالك، لأنه نماء ملكه ولم ينتقل ملكه بمجرد العوض، بل للمالك أن
يأخذ من الغاصب جميع نماء ماله إلى أن يتحقق عدمه وهلاكه وتلفه.
وأما منافع العوض، فإنها للمغصوب منه على تقدير ملكه، وعلى تقدير
عدمه لعله أيضا يكون له إلى أن يرده على الغاصب، لأن الظاهر من أخذ العوض
أنه له أن يتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكه، مع احتمال كونها له إلى أن يأخذ
من المالك عين ماله ومنافعها ويرد عليه العوض الذي أخذه، فتأمل!
لكن يناسب هذا أن يكون جميع تصرفاته فضوليا، وفيه ما فيه.
قوله: ولو كانت تلك الزيادة بفعل الغاصب تتبع العين، أي هي مضمونة



(1) إرشاد الأذهان: 1 / 446.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 538.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 539.
627
كالأصل، بل صارت بمنزلة جزء عين موجودة في المغصوبة حين غصبها، كتعليم
صنعة أو نسج غزله أو خياطة ثوبه فما نقصت (1) تلك الزيادة بعد أن وجدت، كما
[لو] نسي العبد الصنعة التي يعلم لعبده الغاصب (2)، يكون ضامنا له.. إلى
آخره (3).
هذا في الموضع الذي يصدق عرفا أن العين زادت ونمت، لكن كل ما هو
وصف يكون كذلك - حتى مثل صياغة النقرة مما صرحوا بكونه نماء العين - ربما
يحتاج إلى التأمل، بعد حكمهم بأن الصبغ - الذي هو من الأعراض - عين مال
الغاصب، إذ الصبغ غالبا لا يبقى فيه من العين شئ أصلا ورأسا، وعلى تقدير بقاء
شئ منه فكثيرا ما لا يكون تلك العين مطلوبة ولا يبقى لها قيمة، وبقاء العين التي
تكون لها القيمة مما لا يكاد يتحقق.
فالصياغة لا شك في كونها مطلوبة ولها قيمة وعوض، ولذا يحكمون بأن
الغاصب لو كسرها يكون ضامنا، وإن كان الصياغة نفس فعله، وربما كان
الصياغة أضعاف قيمة المصوغ، بل ولو انكسرت حال كونها في يد الغاصب
يكون ضامنا، وإن كان الكسر من الله أو من أجنبي، إلا أن القرار على الأجنبي،
فتأمل!
قوله: قوله المصنف: (فلو صبغ فله قلع صبغه) (4)، إشارة إلى كون الزيادة
عينا من الغاصب، ومثله لو كان من غيره أيضا، فلو غصب ثوبا وصبغه بصبغه



(1) كذا، وفي المصدر: (فلو نقصت).
(2) كذا، وفي المصدر: (التي تعلم العبد الغاصب)، والظاهر أن المراد: (كما لو نسي العبد
الصنعة التي علمها الغاصب له).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 542.
(4) إرشاد الأذهان: 1 / 447، وفيه: (ولو صبغ..)، وكذا في مجمع الفائدة والبرهان.
628
فالثوب للمالك والصبغ للغاصب، لأنه عين ماله لا يصير ملك المغصوب منه (1)
بسبب ضمه إلى ماله المغصوب، فله قلع صبغه إن أمكن، ولكن يضمن النقص
الذي يحصل بالقلع، فيمكن (2) أن يكون للمالك منعه، [فإنه] يصير تصرفا في
ملكه بالصبغ والتبعيض (3)، مع أن سبب ما فيه فعله المنهي عنه، فكأنه ضيع
ماله، خصوصا إذا لم يكن له بعد القلع [قيمة]، أو يكون سبب لزوم نقصه
مساويا أو أنقص فلا فائدة في القلع، أو مع عدم زيادة شئ في قيمة العين بل
نقصه، فتأمل.. إلى آخره (4).
كيف يكون له هذا مع أنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه؟! فهو غصب
آخر وإضرار آخر، وأنا لا أفهم كلام المصنف ومن وافقه في كتاب الغصب، فإني
أرى - بحسب فهمي القاصر - تدافع متعدد، تارة يحكمون بأن الغاصب إذا مزج
ماله بمال المغصوب منه الذي هو أجود - ولو بمراتب شتى - يصير مال المغصوب
منه وإن كان قيمته أضعاف قيمته، ويحكمون بأن للمغصوب منه قلع أشجار
الغاصب وزروعه، وربما يكون قيمتها آلاف تومان، وكذا له قلع خشبته المرقع
بها سفينة الغاصب في وسط البحر وإن كان يغرق بسببه أموال عظيمة للغاصب لا
يحصي قيمتها إلا الله، وكذا له قلع خشبته من عمارة الغاصب، وإن كان القلع
موجبا لهدمها وكان قيمتها آلاف تومان وقيمة الخشبة تسوى فلسا، فيها وفي
السفينة.. إلى غير ذلك من أمثال هذه الأحكام، ومع ذلك يحكمون بأن الغاصب
إذا صبغ مال المغصوب منه بصبغ يصير ذلك سببا لعدم جواز تصرف المغصوب



(1) كذا، وفي المصدر: (لأنه عين ماله ما لم يصر ملك المغصوب منه).
(2) كذا، وفي المصدر: (ويمكن).
(3) كذا، وفي المصدر: (في ملكه بالتضييع والتبعيض).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 542 - 543.
629
منه في ماله وإن كان ماله يسوى آلاف تومان وصبغه لا يسوى إلا فلسا ودونه.
ومع ذلك يقولون: لو التمس الغاصب بأن يأخذ منه قيمة صبغه حتى يتمكن
من التصرف في ملكه لا يجب على الغاصب قبول التماسه، فله أن يدع ملك
المغصوب منه هكذا معلقا إلى يوم القيامة - لا يمكن للمغصوب منه أن يقرب إليه
إلى يوم القيامة - ويكون ممنوعا من التصرف فيه أصلا ورأسا.
وأعجب من هذا أنه لو كان يقول له: بع صبغك من رجل غيري، يجب
على الغاصب إجابته، وأما لو قال: بعنيه، فلا يجب، وهذا حكم عجيب بالنظر
إلى الأدلة، وتفريق غريب بالقياس إلى العلة، كما أن الأحكام السابقة أيضا كانت
كذلك.
فإن قلت: إذا تصرف في المصبوغ كان مستلزما لتصرفه في الصبغ، وهو
ملك الغاصب لا يجوز التصرف فيه بغير إذن الغاصب، ولا يظلم إذا ظلم، وليس
الأحكام السابقة تصرفا في ملك الغاصب، بل استفراغ ملك المغصوب منه وإن
تضرر الغاصب بضرر عظيم وتلف مال كثير منه، لأنه ظالم، و " ليس لعرق ظالم
حق " (1)، وهو مضار، وقد أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقلع شجر من هو مضار (2)، مع أنه كان
ملكه وحقه، ولم يكن غاصبا، وأيضا " لا ضرر في الدين " (3)، وأيضا الغاصب
أقدم على أن لا يكون لماله حق وحرمة، لأنه يعلم أن المالك متسلط على ماله
والتصرف فيه كيف شاء، فيكون له تخليص ما له وإن كان بالتخليص يتلف مال
الغاصب إلى حد لا يحصيه إلا الله، فليس بين كلامهم تدافع أصلا.
قلت: مرادي من التدافع، التدافع بالنظر إلى الأدلة ومأخذ الحكم.



(1) عوالي اللآلي: 2 / 257 الحديث 6، وسائل الشيعة: 19 / 157 الحديث 24363.
(2) لاحظ! الكافي: 5 / 292 الحديث 2، وسائل الشيعة: 25 / 428 الحديث 32281.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 18 / 32 الأحاديث 23073 - 23075.
630
فعلى هذا نقول: كيف يجوز للغاصب قلع صبغه مع أنه بغير التصرف في
المصبوغ لا يتأتى عادة؟! فكيف يجوز له هذا مع أنه ظالم غشوم، معتد معاند لله
والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والحق والدين، وليس لعرقه حق، وهو مضار في نفس الغصب،
وفي قلعه هذا أيضا، وتصرف بغير إذن صاحب الثوب المظلوم المعتدى عليه، مع
عدم شهوة ومطلوبية منه في صبغه، بل وربما كان كارها لنفس الصبغ أيضا، فضلا
عن فعله، ومطلوبه بقاء ثوبه بغير صبغ، بل وكثيرا ما يشمئز عن الصبغ ويتنفر
عنه ويكون الثوب حراما فاسدا للمالك من جهة الصبغ وإن لم ينقص قيمته، مع
أنه مع نقص القيمة ربما لا يشتهي ما هو ناقص ولا أرش النقص!
وبالجملة، كيف صح للغاصب التصرف المستلزم للتصرف في مال
المغصوب منه مع أنه غاصب لا حرمة لعرقه ومعتد ومضار، ولا يصح للمغصوب
منه المظلوم الذي نفي عنه الضرر الدين والإسلام؟!
وأي فرق بين قصر زمان التصرف وطوله بالنظر إلى الأدلة، وكذا بين نوع
من التصرف ونوع آخر؟!
هذا، مع أن اللون عرض والثوب جوهر، والتصرف في العرض - على
تقدير تسليم تحققه عرفا وشرعا - لا يكون مثل التصرف في الجوهر، فكيف
يغلب عليه؟! مع أن اللون ربما كان لا يسوى فلسا والثوب قيمته آلاف تومان!
وأيضا، المخلوط الأجود لا شبهة في كونه عين مال الغاصب، فكيف يجوز
أخذه من الغاصب قهرا والتصرف فيه وإتلافه عوضا عن الأردأ، الذي لعله لا
يسوى قيمته فلسا، والأجود يسوى آلافا، مع أنه تصرف في عين مال الغاصب
ومطلوب المغصوب منه وجوهر وعين؟! وربما كان يشتهيه أشد اشتهاء،
ومرغوب لديه نهاية الرغبة.

631
وأيضا، قلع الأشجار والزروع لا يمكن إلا بأخذها وإثبات اليد عليها،
وهو تصرف.
على أنا لو سلمنا أن أمثال ذلك لا يكون تصرفا، فلا شك في كونه غصبا،
والغصب حرام بالبديهة، فأي شئ أحل هذا الغصب، وحرم تصرف المالك في
ملكه من جهة أن لونا عرضه ولصق به، مع أنه لا يريد التصرف في ذلك أصلا ولا
يشتهيه مطلقا، وينكره ويقبحه ويشمئز عنه؟!
على أنا لو سلمنا أن أمثال ذلك لا يكون غصبا - أيضا - فلا شك في كونه
إتلافا، فكما أن التصرف في مال المسلم بغير إذنه حرام، فكذلك إتلافه، بل وأشد
حرمة، فكيف يصح إتلاف أموال عظيمة لا يحصيها إلا الله من جهة فلس، ولا
يصح إتلاف فلس من الغاصب من جهة أموال عظيمة من المغصوب منه؟!
وإذا صح إتلافه بالمرة مجانا من غير عوض أصلا، لا جرم لا يكون له
حرمة، فكيف يصح تعطيل أموال عظيمة محترمة غاية الاحترام، والحكم
بإخراجها عن يد صاحبها، بسبب اتصاله بعرض لا يسوى فلسا ولا حرمة، له
يصح إتلافه، بل ويجب شرعا على الغاصب إتلافه - لو أمكن الإتلاف - كما
اعترفوا به وصرحوا بهذه الفتوى (1).
وأيضا، لو تم ما ذكروه لكان كل من أراد إخراج مال كل أحد عن يده قهرا
شرعا، أو تعطيل ماله، يأخذ فلس صبغ أو نصف فلس ويصبغ تمام كل واحد من
تلك الأموال أو بعضا منه خفية من صاحبها أو قهرا وظلما وإن كان ذلك البعض
قدرا قليلا منه، فيقضي غرضه.
وهذا الضرر العظيم لا يرضى به الجبرية، فضلا عن العدلية، وأين هذا من



(1) لاحظ! الدروس الشرعية: 3 / 110.
632
الملة الحنفية والشرع القويم؟! فتأمل!
وأيضا، الصباغون إذا أرادوا إنفاق صبغهم - عند الكساد - يأخذون كلما
قدروا على الأخذ والاختطاف (1)، ويرمونه في مصبغهم، وإن كان ما أخذوه
العمائم البيض من الرؤوس، والثياب البيض على الأجساد، والأقمشة من
الدكاكين قهرا وقسرا، ويحصلون أجرة صبغهم وعوضه، وهذا أيضا فيه ما فيه.
وكذا ربما يصبغون جدران البيوت فيعطلونها على أربابها، ويخرجونها من يدها،
أو يأخذون قيمة صبغهم إن رضوا، فتأمل!
وبالجملة، ما أفهم - بفهمي القاصر - من التدافع والاضطراب بالنظر إلى
الدليل كثير، منه ما نبه عليه الشارح (2)، ومنه ما تعرضنا له، ومنه ما يظهر على
المتأمل، فتأمل!
قوله: لأنه أتلفه، فيضمن المثل.. إلى آخره (3).
فيه ما فيه، بل الاحتمال الذي سيذكره هو المتعين مع الضميمة التي ضمها.
قوله: فلا يبعد ما ذكره المصنف، عملا بالأصل وعدم العلم بدليل.. إلى
آخره (4).
بعيد، بالنظر إلى الدليل، لأن الضمان للأول مستصحب، والثاني نماء فعله
بلا تأمل، فلا وجه لجعله عوضا ومسقطا للضمان اليقيني المستصحب، فتأمل!
قوله: [والفرق هو الاتحاد والاختلاف]، خصوصا إذا كان السمن الثاني



(1) في النسخ: (الاحطاف)، والظاهر أن ما أثبتناه هو الصحيح.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 542 - 543.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 544.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 545، وفيه: (وعدم العلم بالدليل).
633
بحيث لو يلزم السمن كثيرا.. إلى آخره (1).
لا فائدة فيه، بالنظر إلى الدليل والقاعدة، ألا ترى أن الغاصب إذا أسقط
الجنين أو ثمرة شجرة فحملت الأم والشجرة سريعا يكون الغاصب - بل كل
متلف - ضامنا للجنين والثمرة الساقطة، وإن كان الجنين الثاني لم يحصل إلا بعد
ذهاب الأول؟!
وبالجملة، لا تأمل لهم أن مثل هذا الفرض والتقدير لا أثر له، وهو مقتضى
الدليل، فتأمل!
قوله: [وأنت تعلم ضعف] هذا الدليل، لأنه قياس مع استنباط العلة،
لعدم دليل عليه.. إلى آخره (2).
بل قياس مع الفارق الواضح.
قوله: فما روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن " لا مهر لبغي " (3) يدل على عدم المهر هنا،
وكأنه ما ثبت بالتواتر (4)، وصحيح أو مقبول عندهم [بإجماع] ونحوه، فتأمل..
إلى آخره (5).
هذا عجيب، لأن الجارية لا تستحق شيئا أصلا، بل منافعها عين مال
المولى، فالمستحق هو المولى ليس إلا، فأي معنى لإدخال الجارية في هذا الخبر،
مع أنها لا مهر لها أصلا وبوجه من الوجوه، كما عرفت؟!
مع أن الحجة في الحديث وما يجب مراعاته والعمل به ليس إلا الفرد



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 545 - 546، وفيه: (بحيث لو لم يزل السمن الأول لم
يحصل هذا).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 548.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 17 / 95 الحديث 22070.
(4) كذا، وفي المصدر: (وكأنه ثابت بالتواتر).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 549.
634
المتبادر، فكيف يمكن جعلها من الأفراد المتبادرة بعد ما عرفت؟!
مضافا إلى قوله تعالى: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (1)، فكيف يجوز
أن يصير مجرد رضا الجارية متلفا لحق المولى، مع أن الظاهر من الرواية (2) أن عدم
المهر للبغي بسبب زناها وتقصيرها؟! وأيضا قال تعالى: * (عبدا مملوكا لا يقدر
على شئ) * (3)، وجعلوا الفقهاء هذا مناطا لأحكام، فكيف تقدر على إذهاب
حق المولى؟!
وبالجملة، هذا الحكم أيضا من جملة الأحكام المتدافعة في هذا الكتاب،
على ما أفهم، والله يعلم.
قوله: وحينئذ، الظاهر أن له أرش بكارتها، لأنه نقص له عوض، فيجب
على المتلف عوضها، وهو ظاهر، وليس بسبب الوطء (4)، لو كانت زائلة عنده
لكان ذلك لازما عليه، لما مر في سبب حملها بالتحريم (5).
فيه ما فيه، لأن البغي لا أرش لبكارتها، فلو كانت الجارية داخلة في
الحديث يلزم أن يكون حكمها حكم البغي من حيث أنها بغي، فما ذكره أيضا
قرينة واضحة على عدم دخولها في هذا الحديث، وإلا لكان اللازم أن يقول: إلا
أرش البكارة إذا كانت، فإن تأخير هذا الحكم في هذا المقام لا يناسب الحكيم.
وما دل على أنه يجب على المتلف عوض ما أتلفه - إذا كان له عوض -
يشمل مهر الوطء أيضا، والمراد من المهر المنفي هو مهر المثل، ومهر الباكرة غير



(1) الإسراء (17): 15.
(2) أي: رواية عدم المهر للبغي.
(3) النحل (16): 75.
(4) كذا، وفي المصدر: (وليس سبب الوطء).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 549.
635
مهر الثيب، وعوض البكارة داخل فيه، فتأمل!
والشارح بالغ في دخول أرش البكارة في العشر، فتأمل!
قوله: وجه كون القول قول الغاصب في التلف مع كونه غاصبا غير أمين،
أنه بيده، فهو بمنزلة الأمين.. إلى آخره (1).
لا يخفى ما فيه.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 556.
636
كتاب
الصيد وتوابعه

637
في شرائط الاصطياد
قوله: في قول الله عز وجل: * (وما علمتم من الجوارح مكلبين) * (1) قال:
" هي الكلاب " (2)، فلا يحصل الحل بغيره، وإلا كان القيد لغوا، فتأمل.. إلى
آخره (3).
لعله لا تأمل في حجية مفهوم هذا القيد، لأنه من قبل القيود الاحترازية
التي مفهومها معتبر قطعا، كما حققنا (4).
قوله: وليس بمعلوم كونه في كلامهم (عليهم السلام) كذلك، فتأمل.. إلى آخره (5).
بل الظاهر أنه ليس كذلك، إلا أن تعبير التحريم بهما بعيد، والظاهر منهما (6)
الكراهة، لأن التحريم يناسبه التشديد والتغليظ، والكراهة يناسبها المسامحة
والمساهلة في التعبير، لكن ظواهر الأخبار المحرمة، وصريح بعضها (7)، وكلام



(1) المائدة (5): 4.
(2) الكافي: 6 / 202 الحديث 1، وسائل الشيعة: 23 / 331 الحديث 29667.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 6 - 7.
(4) راجع! الفوائد الحائرية: 184.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 12.
(6) أي: والظاهر من لفظتي: (لا ينبغي) و (كره)، لاحظ مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 12!
(7) لاحظ! وسائل الشيعة: 23 / 343 الباب من أبواب الصيد.
639
الفقهاء يعين البناء على التقية (1)، ولعله من جهة التقية أظهروا الكراهة وسامحوا في
التعبير.
قوله: [وربما حمل على الندرة]، وليس وجه حمله ظاهر (2).
فيه، ظهور كون مذهب الشيعة تحريم الأكل إن الكلب (3).
قوله: وقد دلت الأخبار الكثيرة على عدم الضرر بالحل أكل الكلب.. إلى
آخره (4).
أقول: السيد (رحمه الله) قال: (مما انفرد به الإمامية أن الكلب إذا أكل نادرا حل
صيده وجاز أكله، وإن كثر أكله وتكرر فإنه لا يؤكل منه، وخالفهم باقي الفقهاء،
فأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: لا يؤكل منه ويؤكل من البازي، وقال مالك
والليث والأوزاعي: يؤكل منه وإن أكل الكلب، وقال الشافعي: يؤكل (5) منه ولا
يمكن أكل البازي) (6). انتهى.
ومثل السيد ادعى الشيخ الخلاف (7)، والشيخ مقداد وغيره ادعى إجماع
الشيعة على الحرمة إن أكل (8).



(1) لاحظ! تهذيب الأحكام: 9 / 28 ذيل الحديث 113.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 33، وفيه: (ظاهرا).
(3) كذا، والظاهر أن الصحيح: (تحريم الأكل إن أكل الكلب).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 33، وسائل الشيعة: 23 / 333 الباب 2 من أبواب
الصيد.
(5) كذا في د، ه‍ والكلمة ساقطة في ألف، ب، ج، وفي المصدر: (لا يؤكل)، والظاهر أن ما في
المصدر هو الصواب. لاحظ! الأم 2 / 226.
(6) الانتصار: 185، مع اختلاف في الألفاظ.
(7) الخلاف: 3 / 244.
(8) مختلف الشيعة: 2 / 689، التنقيح الرائع: 4 / 7.
640
والظاهر أن مرادهم غير النادر، ولهذا قال في " الدروس " ما قال (1).
وغير خفي أن المتداول المشهور في زمان الصادق (عليه السلام) مذهب مالك
وشركائه، ولعل قولهم بعدم ضرر النادر لأنه كالمعدوم (2)، وأنه لا يكاد يتحقق
صيد خال عنه، وأن المتبادر من قوله تعالى: * (أمسكن) * (3) هو هذا، وكذلك
الأخبار (4)، فتأمل!
ومن هذا جمع الشيخ بين الأخبار بحمل ما دل على الحلية مع الأكل على
النادر (5)، حتى لا يخالف طريقة الشيعة أيضا.
قوله: وهذه صحيحة وصريحة في عدم اشتراط الأكل مطلقا، وأنه مذهب
العامة.. إلى آخره (6).
فيه تأمل، إذ ربما يفعلون تقية، وفي المقام شواهد ذكرناها في " حاشيتنا
على المفاتيح ".
والحاصل، أن القائل بعدم الحلية إنما قال من جهة القواعد التي أئمتنا (عليهم السلام)
أمروا بمراعاتها - مثل قولهم (عليهم السلام): " لا تنقضوا اليقين إلا باليقين " (7) - والعمل
بظاهر القرآن، فإن قوله تعالى: * (أمسكن) * ليس لغوا بحتا وجوده كعدمه، وفي



(1) الدروس الشرعية: 2 / 393، مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 33.
(2) في ألف: (كالعدم).
(3) المائدة (5): 4.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 23 / 333 الباب 2 من أبواب الصيد.
(5) تهذيب الأحكام: 9 / 28 ذيل الحديث 111.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 35، وفيه إشارة إلى رواية حكم بن حكيم: الكافي:
6 / 203 الحديث 6، وسائل الشيعة: 23 / 333 الحديث 29671.
(7) لاحظ! وسائل الشيعة: 1 / 245 الحديث 631.
641
الأخبار المتواترة أمروا بالأخذ بما وافق القرآن، بل بما هو أوفق به (1)، ومع ذلك
لعل المشهور عند الشيعة ذلك وعند العامة - في ذلك الزمان، كما عرفت - خلافه.
مع أنهم في الأخبار المتواترة أمروا بالأخذ بما اشتهر بين الشيعة (2)، وورد
أيضا في التواتر الأمر بترك ما عمله العامة (3)، وأمروا كذلك بالتجنب عن
الشبهات، وسلوك طريق الاحتياط مهما أمكن (4)... إلى غير ذلك.
ومع جميع ذلك، كيف يمنعون عن الأكل، ويقولون بأنه مذكاة حتى يقول
به: " أوليس قد جامعوكم؟ "، ويقول الراوي: " بلى " (5).
سلمنا، لكن على هذا أي حاجة إلى الرد عليهم بالقياس الواضح الفساد،
فإن القياس مع الفارق ليس عند أحد بالبديهة، سيما وأن لا يكون مناسبة أصلا
بين المقيس والمقيس عليه، فإن منعهم عن الأكل ليس إلا من جهة أنه أمسك على
نفسه، والله تعالى قال: * (أمسكن عليكم) * (6)، وأي مناسبة لذلك في ذبح الرجل
بشئ يقاس عليه، سيما مع قولهم بوقوع التذكية في القتل وأنه يكفي للتذكية، كما
قال (عليه السلام) وقال الراوي، إذ فيه تصريح بأن التذكية لا دخل لها في المقام، بل المانع
ليس إلا عدم الإمساك للصائد، كما هو صريح كلامهم (7).
ومن بديهيات الدين عدم اعتبار إمساك الكلب في ذبح الرجل، بل من



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 106 الأحاديث 33334 و 33343 و 33344 - 33349
و 33351 و 33352.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 106 الحديث 33334 و 122 الحديث 33376.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 118 الأحاديث 33362 - 33367.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 154 الباب 12 من أبواب صفات القاضي.
(5) مرت الإشارة إليه في رواية حكم بن حكيم.
(6) المائدة (5): 4.
(7) لاحظ! مختلف الشيعة: 2 / 689.
642
بديهيات العقل أيضا، فإن الأطفال، بل المجانين يجزمون بأن إمساك الصائد لا
ربط له - أصلا، ومن جميع الوجوه - بذبح الرجل في التذكية، لا في الصيد.
فإن قلت: إذا كانوا قائلين بحصول التذكية بمجرد القتل يلزمهم القول
بالحلية من جهة الأصول والعمومات.
قلت: على تقدير التسليم، فالحجة عليهم ليست سوى الأصول
والعمومات، لا ما لا ربط له (1) أصلا، بل كان قياسا مع الجامع، كان القول به
والعمل به حراما، فأي داع إلى ارتكابه، مع الأدلة الواضحة المسلمة التي لا يمكن
لأحد أن يتأمل فيها، ولم يتأمل أحد فيها؟!
مع أنه بديهي أن منعهم ليس إلا من ظاهر القرآن (2)، وصريح الأخبار
الواردة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام)، مثل ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال
لعدي بن حاتم حين سأله: إني أرسل الكلاب المعلمة؟: " إن أكل فلا تأكل، فإنه
أمسكه على نفسه " (3)، وفي حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " فإذا أرسلته فقتل ولم يأكل
فكل، فإنه أمسك على صاحبه " (4).. إلى غير ذلك من الأخبار الصريحة في المنع.
قوله: وأنه مذهب العامة، ومن جملة ما حمل الشيخ في كتابي الأخبار
غيرها مما ورد فيه ذلك على التقية.. إلى آخره (5).
صرح السيد (رحمه الله) بكون مذهب الشيعة أنه إن ندر أكله حل وإلا حرم، وأن



(1) كذا، والظاهر أن الصواب: (لأن ما لا ربط له).
(2) إشارة إلى: المائدة (5): 4.
(3) الخلاف: 3 / 244.
(4) الخلاف: 3 / 244.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 35.
643
هذا مما انفرد به الإمامية (1)، والشيخ في " الخلاف " ادعى هذا الإجماع (2)، بل
ادعى غير واحد الإجماع من الشيعة على الحرمة (3)، فكيف يكون عدم الاشتراط
مذهب العامة؟!
وظهر مما ذكرناه أن المشهور المتداول في زمان الصادق (عليه السلام) ليس إلا مذهب
مالك ونظرائه، فتعين حمل هذه الصحيحة (4) على التقية، كما سنذكر.
في أحكام الاصطياد
قوله: لأنه مكلب.. إلى آخره (5).
فيه إشارة إلى أن التعليم لا يجب أن يكون من مسلم.
قوله: لعل فيه إشارة إلى كون التعليم [هو التسمية].. إلى آخره (6).
ليس كذلك، بل إشارة إلى أن المكلب فيه مأخوذ فيه المعلمية.
قوله: في رواية القاسم بن سليمان المتقدمة.. إلى آخره (7).
ليس فيها شهادة عليه مطلقا.
قوله: وأيضا يحتمل كونه مع إصابة الآلة الصيد، وظاهره عام، ثم



(1) لاحظ! الانتصار: 185.
(2) الخلاف: 3 / 244.
(3) لاحظ! مختلف الشيعة: 2 / 689.
(4) أي: صحيحة حكم بن حكيم آنفة الذكر.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 38، وهو من رواية سليمان بن خالد: وسائل الشيعة:
23 / 360 الحديث 29746.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 39.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 39، وسائل الشيعة: 23 / 357 الحديث 29738.
644
الوجوب غير ظاهر [الدليل].. إلى آخره (1).
هذا الاحتمال لعله أولى وأقرب بملاحظة فتواه في " القواعد " (2) وغيره في
غيره، مثل " المسالك " (3)، وبملاحظة علة هذا الوجوب، وهي درك التذكية من
نفسه إن أدرك حيا، وحصول التذكية - أي العلم بها وبالحلية - إن أدرك غير حي،
بالتفصيل الذي [مر].
فالوجوب من جهة أنه فرع قوله: (فإن أدرك.. إلى آخره) (4) ظهر وجهه
وعلته ودليله، وأنه وجوب شرطي.
مع احتمال كونه شرعيا أيضا، من جهة تحريم تضييع المال، فتأمل جدا!
قوله: إذ الأصل عدم الوجوب، وتركه في ظاهر الأدلة من الآية (5)
والأخبار (6) مشعر به.. إلى آخره (7).
من نازع؟ وكيف يتأتى له المنازعة، مع القطع بأصالة عدم التذكية
والتحريم والنجاسة والمنجسية، ما لم يثبت التذكية من دليل شرعي، وليس إلا فيما
ذكروه، لانحصار الإجماع، وعدم تحقق آية أو حديث صحيح واضح الدلالة في
العموم الذي ذكره؟!
بل الأخبار منها: مطلقة، والمطلق ينصرف إلى الغالب، والغالب أن
الصيادين يسارعون وإن لم يكونوا مسلمين، بل المتبادر منها ليس إلا ما ذكرنا.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 48.
(2) قواعد الأحكام: 2 / 151.
(3) مسالك الأفهام: 2 / 179.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 49 - المتن -، إرشاد الأذهان: 2 / 104.
(5) المائدة (5): 4.
(6) وسائل الشيعة: 23 / 340 الباب 4 من أبواب الصيد.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 49.
645
ومنها: ما دل على المنع، مثل رواية عيسى بن عبد الله، عن الصادق (عليه السلام)
أنه قال: " كل من صيد الكلب ما لم يغب عنك، فإذا تغيب عنك فدعه " (1).
وصحيحة الفضلاء عن الصادقين (عليهما السلام) قالا في الكلب يرسله الرجل
ويسمي، قال: " إن أخذه فأدركت ذكاته فذكه " (2)، والمتبادر من لفظ " فأدركت
ذكاته فذكه " تحقق المنازعة من جهة كلمة " إدراك "، وكلمة " الفاء " في
الموضعين، ولما ذكرناه، ولقوله بعد ذلك: " وإن أدركته وقد قتله وأكل فكل ما
بقي، ولا ترون [ما يرون] في الكلب ".
وقوية يونس بن يعقوب، أنه قال للصادق (عليه السلام): " عن رجل أرسل كلبه
فأدركه وقد قتل، قال: كل " (3).
والمرسلة عن الصادق (عليه السلام): " إن أرسلت كلبك على شئ فأدركته ولم يكن
معك حديدة، فدع الكلب يقتله وكل " (4).
وفي " قرب الإسناد "، في الصحيح، عن علي بن جعفر، عن رجل لحق
صيدا - ظبيا أو حمارا - فصرعه بضرب السيف أنه: " [إذا] أدرك ذكاته أكل،
وإن مات قبل أن يغب عنه أكله " (5).
إلى غير ذلك من الأخبار.



(1) تهذيب الأحكام: 9 / 29 الحديث 117، وسائل الشيعة: 23 / 359 الحديث 29745.
(2) الكافي: 6 / 202 الحديث 2، وسائل الشيعة: 23 / 334 الحديث 29672، مع اختلاف
يسير.
(3) الكافي: 6 / 204 الحديث 7، تهذيب الأحكام: 9 / 23 الحديث 92، وسائل الشيعة:
23 / 334 الحديث 29674.
(4) من لا يحضره الفقيه: 3 / 205 الحديث 934، وسائل الشيعة: 23 / 348 الحديث
29712، مع اختلاف يسير.
(5) قرب الإسناد: 278 الحديث 1107.
646
مع أن الآية والأخبار المتضمنة لإمساك الكلب واشتراطه ظاهرة أيضا،
لظهور أن الكلب لا يمسك كيف كان، وأزيد من القدر الذي صاحبه يسعى إليه
ويسارع، سيما ويكون الشرط أن لا يأكل، كما هو المشهور، بل المجمع عليه، كما
عرفت.
نعم، بعض الأخبار ظاهر في عدم تعرض السائل لحكاية المسارعة
وعدمها (1)، لعدم كون ذلك مد نظره أصلا، وأي يتبع فيه (2).
نعم، في غير واحد من الأخبار في الصيد بالسلاح: إن " من جرح صيدا
بسلاح وذكر اسم الله عليه، ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع، وقد علم أن
سلاحه هو الذي قتله، فليأكل منه " (3).
وفي الصحيح عن الصادق (عليه السلام): إن الرمية يجدها صاحبها..: " إن كان يعلم
أن رميته هي التي قتلته، فليأكل " (4).
ويمكن حمل الكل على تحقق المسارعة، أو اليأس وإدراكها صارعة،
فتأمل! والظاهر عدم المضايقة في الحلية بعد العلم بالتذكية.



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 23 / 333 الباب 2 من أبواب الصيد.
(2) كذا.
(3) الكافي: 6 / 210 الحديث 2، وسائل الشيعة: 23 / 362 الحديث 29750.
(4) الكافي: 6 / 210 الحديث 3، وسائل الشيعة: 23 / 365 الحديث 29760.
647
في أركان الذبح
قوله: وأما الإجماع فقد تقدم (1).
بل الظاهر أن التحريم كان شعار الشيعة يعرفون به، كما أن التحليل شعار
العامة.
قوله: مثل موثقة سماعة، عن أبي إبراهيم (عليه السلام)، قال: " سألته عن ذبيحة
اليهودي والنصراني، فقال: لا تقربها ".. إلى آخره (2).
سماعة وإن قيل: إنه واقفي (3)، إلا أن أهل الرجال قالوا: ثقة ثقة (4)، وهو
ممن أجمعت (5)، والنجاشي حكم بكونه من الباب (6)، ولا يشك في عدم وقفه،
لموته في زمان الكاظم (عليه السلام)، ولروايته الروايات المنافية للوقف، ولغير ذلك مما



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 71.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 73، الكافي: 6 / 239 الحديث 2، وسائل الشيعة:
24 / 55 الحديث 29975.
(3) رجال الطوسي: 351 الرقم 4.
(4) رجال العلامة الحلي: 228 الرقم 1.
(5) لاحظ! عدة الأصول: 381.
(6) لم يرد هذا التعبير في رجال النجاشي: 193، ولكن ورد في جوابات أهل الموصل - للشيخ
المفيد - أن سماعة من الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام. جوابات أهل
الموصل في العدد والرؤية: 25.
648
حققته في الرجال (1)، فحديثه صحيح بلا شبهة.
على أن الموثق حجة، سيما المنجبرة بجوابر كثيرة، التي من جملتها الشهرة
بين الأصحاب، بل الأخيرة تكفي في انجبار الضعيف، فضلا عن الموثق، فضلا
عن ما ذكرنا.
قوله: ولكن الأولى أكثر، مثل رواية حمران، قال: " سمعت أبا جعفر (عليه السلام)
يقول - في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني -: لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه
يذكر اسم الله، قلت: المجوسي؟ [فقال:] نعم، إذا سمعته يذكر اسم الله عليه، أما
سمعت قول الله: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) *؟ ".. إلى آخره (2).
ومع ذلك موافقة للشهرة بين الأصحاب، وقد أمرونا بأخذ مثلها (3) - ويدل
عليه العقل أيضا - ومخالفة للعامة (4)، والأخبار متواترة في وجوب أخذ مثلها (5)،
متعاضدة بالنقل والشهرة بين الأصحاب، وموافقة لظاهر الكتاب (6)، والأخبار
في أخذ مثلها أيضا متواترة (7)، متعاضدة بما ذكرنا.
والأخبار المعارضة لهذه الأخبار على خلاف هذه الأخبار، بحيث طرحها
من وجوه متعددة مذكورة وغيرها، مثل: تضمنها حلية ذبيحة لم يتحقق في
ذبيحها شرط من الشرائط الواجبة المسلمة المتفق عليها، والثابتة من الأدلة



(1) تعليقات على منهج المقال: 174.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 75، ورواية حمران في: تهذيب الأحكام: 9 / 68 الحديث
287، وسائل الشيعة: 24 / 61 الحديث 29997، والآية في: الأنعام (6): 121.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 106 الحديث 33334.
(4) المغني لابن قدامة: 9 / 313 المسألة 7752.
(5) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 106 الباب 9 من أبواب صفات القاضي.
(6) لاحظ! الأنعام (6): 121.
(7) لاحظ! الكافي: 1 / 69 الأحاديث 1 - 5.
649
الكثيرة الصحيحة والمعتبرة، لأن اليهود والنصارى والمجوس لا يراعون الشرائط
المذكورة، لا يراعون التسمية، ولا استقبال القبلة، ولا فري الأوداج الأربعة على
النهج المعتبر عندنا، سيما النصارى والمجوس، بل يقتلون بضرب مثل الفأس
العظيم على رأس الذبيحة حتى تقع ويسلمون (1) ويأكلون، وبأمثال هذا يكون
ذبيحة المجوس.
فهذه الأخبار الموافقة للعامة والتقية، معارضة لجميع أدلة شرائط الذبح،
بل بأدلة نفس الذبح (2)، وكل واحد مما ذكرنا يكفي لمنع العمل بها، فما ظنك باجتماع
الكل؟!
بل الظاهر أن مستحل ذبيحة اليهود والنصارى والمجوس يشترط ما في
الشرائط الوفاقية الثابتة من الأدلة التي لا غبار عليها أصلا.
قوله: أو يحمل الأول على الكراهة (3)، ولكنه مذهب نادر.. إلى آخره (4).
لا يخفى أن ما ذكرنا من المضعفات والموجبات للطرح وارد على أدلة
مذهب الصدوق أيضا.
قوله: لأن كثرة الأخبار لا توجب رد القليل إلا مع عدم إمكان الجمع،
وقد عرفت الإمكان، وأيضا نقل شخص رواية لم يرو أنه منافية للأولى (5) بحسب
الظاهر لا يستلزم رد الأخيرة، بل ولا رد شئ منهما، وهو ظاهر.. إلى آخره (6).



(1) كذا، والظاهر أن الصواب: (ويسلخون).
(2) لاحظ! الدروس الشرعية: 2 / 410 - 414.
(3) كذا، وفي المصدر: (على الكراهة، للجمع..).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 79.
(5) كذا، وفي المصدر: (رواية ثم رواية منافية للأولى).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 80.
650
لا يخفى فساد ما ذكره (رحمه الله)، لأن الأئمة (عليهم السلام) أمرونا في الأخبار المتعارضة
بحسب الظاهر بمراعاة المرجحات، والأخذ بالراجح وترك المرجوح، أمرونا
بمراعاة الأعدلية والأفقهية والأشهرية، وموافقية الكتاب، والشهرة بين
الأصحاب، ومخالفة العامة.. إلى غير ذلك (1).
وورد ما ذكرناه بأجمعه منهم، وكثير منها ورد في كثير من الأخبار، بل
وربما ورد في الأخبار المتواترة الخارجة عن حد الإحصاء، بل المخالفة للعامة
والموافقة للكتاب، ولم يأمروا قط بالجمع بين الأخبار، ولا كان ذلك طريقة
فقهائنا إلى آخر زمان الشيخ، فأحدث (رحمه الله) هذه الطريقة، لا لأجل الفتوى
والعمل، بل لرجوع الهرون (2) وأمثاله، ولذا لم يكن جمعه فتواه، إلا ما شذ، وكان
طريقة الشيخ (رحمه الله) مسلوكة إلى زمان المتأخرين إلى زمان الشارح، فإنهم كانوا
يرجحون بالمرجحات ويفتون بالراجح البتة، ويجعلون المرجوح الموهوم متروكا
به - كما أمرهم المعصوم (عليه السلام) - إلا أنهم ربما يجمعون بين المرجوح الموهوم،
والراجح - الذي هو حجة - بضرب من التوجيه، حتى يوافق غير الحجة الحجة،
ويقولون: الجمع أولى من الطرح.
وهذا أيضا لا بأس به، كما حققنا في رسالتنا في " الجمع بين الأخبار "، وما
ذكر في غير العام والخاص والمطلق والمقيد، وأما العام والخاص والمطلق والمقيد،
فقد ذكرنا حالها بطول وتحقيق، وبينا أيضا وجه حجية الجمع في موضع يكون
حجة، وبينا أقسام الجمع وما هو حجة وما ليس بحجة، من أراد الاطلاع فعليه
بملاحظتها (3).



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 106 الباب 9 من أبواب صفات القاضي.
(2) كذا، وفي تهذيب الأحكام: (أبو الحسين الهاروني العلوي). تهذيب الأحكام: 1 / 2.
(3) الرسائل الأصولية: 3 - 229.
651
ومن جملة ما هو حجة، ما يكون لوجه الجمع شاهد من الحديث، كما ظهر
في المقام من أن الوجه هو التقية، مع أنه هو الوجوه (1) واضح من الخارج قطعا،
ودل عليه العقل والنقل المتواتر وطريقة الشيعة، فأي خفاء فيما ذكر؟!
قوله: ويمكن حملها على الكراهة، لما تقدم، وحمل الضرورة على المشقة في
الجملة، لا مثل حل الميتة (2)، فتأمل.. إلى آخره (3).
لا يضر ذلك للقول بالتقية، لأن العامة، وإن لم يقولوا بالاشتراط (4)، إلا أن
الآية (5) لما دلت على اشتراط التسمية - بحيث لا يمكن رد دلالتها - فلم يكن
للأئمة (عليهم السلام) مانع عن اعتبارها لذلك، فإنهم كانوا فقهاء عندهم مع مقام الفقاهة إن
قالوا كذلك - تقريبا للحق مهما أمكن - لم يكن له مانع، وكم من نظائر ذلك
صدرت عنهم (عليهم السلام).
مع أن المعني التقية في زمانهم وعدمها، لا في أمثال زماننا، ففي زمانهم لم
يكن مانع عن اعتبار التسمية، بل كان المانع منحصرا في المنع عن ذبيحتهم.
قوله: فصحيح ابن أبي عقيل (6)، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام)،
قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ذبيحة من دان بكلمة الإسلام [و] صام وصلى،
لكم حلال إذا ذكر اسم الله عليه ".. إلى آخره (7).



(1) كذا، والظاهر أن الصواب: (مع أنه هذا وجه..).
(2) كذا، وفي المصدر: (لا مثل حال حل الميتة).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 81.
(4) لاحظ! المجموع شرح المهذب: 9 / 78.
(5) الأنعام (6): 121.
(6) كذا، وفي المصادر: (ابن عقيل).
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 82، تهذيب الأحكام: 9 / 71 الحديث 300، وسائل
الشيعة: 24 / 66 الحديث 30013، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
652
يمكن أن يكون في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) كان الأمر كذلك من جهة التقية،
أو عدم وجود إمامي المذهب يذبح، فيلزم الحرج في الدين لو اعتبر الإيمان في
ذلك الزمان، ولذا لم يعتبر في ذلك الزمان الإيمان في موضع ثبت اعتباره، مثل
الشهادة وأمثالها، فتأمل جدا!
قوله: وصحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " سألته عن ذبيحة
المرجئ والحروري، قال: كل وقر واستقر حتى يكون ما يكون "، لعل فيها إشارة
إلى التقية، فتأمل.. إلى آخره (1).
هذه الصحيحة، لتضمنها حلية ذبيحة الحروري - الذي هو من النواصب -
تكون شاذة، لم يقل أحد بها، فيجب طرحها أو تأويلها، والظاهر أنها محمولة
على التقية، كما ينادي به قول: " قر واستقر "، فإنه صريح في أنها معيوبة ممنوعة،
إذ لا يقال في الحلال: قر واستقر، لعدم عيب فيه، سيما وأن يقول: " حتى يكون ما
يكون " (2)، فإنه صريح في أن عدم المنع عارضي من جهة التقية، أو لزوم العسر في
الاحتراز بعدم تيسر ذبيحة المؤمن أصلا أو غالبا.
ومن هذا قال لزكريا بن آدم: " أنهاك.. إلى آخره " (3)، لأن أهل قم ما
كانوا مبتلين بذبيحة المخالف أصلا حتى يتحقق لهم التقية أو عسر رفع اليد عن
الأكل، لأن ذبيحتهم كلها كانت من الشيعة.
ويدل على ما ذكرنا - أيضا - رواية أبي بصير، عن الصادق (عليه السلام): " عن
الرجل يشتري اللحم من السوق وعنده من يذبح ويبيع من إخوانه فيتعمد



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 83، والرواية: تهذيب الأحكام: 9 / 72 الحديث 305،
وسائل الشيعة: 24 / 68 الحديث 30020.
(2) في النسخ: (عمل يكون ما يكون)، والظاهر أن ما أثبتناه هو الصواب.
(3) تهذيب الأحكام: 9 / 70 الحديث 298، وسائل الشيعة: 24 / 67 الحديث 30017.
653
الشراء من القصاب (1)، فقال: أي شئ تسألني (2) أن أقول؟! ما يأكل إلا مثل
الميتة والدم ولحم الخنزير، قلت: سبحان الله، مثل الميتة والدم (3) ولحم الخنزير؟!
فقال: نعم، وأعظم عند الله من ذلك، فقال (4): إن هذا في قلبه على المؤمنين
مرض " (5)، فإن [في] هذا الحديث ينادي بما ذكرناه سؤال الراوي، فضلا عن
جواب المعصوم (عليه السلام).
ومما يدل على ما دل، ما ورد في الأخبار التي لا تحصى من أنهم كفار،
ونصاب، فإن كان الإطلاق على سبيل الحقيقة فهو، وإن كان مجازا فأقرب
المجازات متعين، وهو المشاركة في جميع الأحكام إلا ما أخرجه الدليل، سيما مع
ظهور ذلك من الأخبار كما عرفت، فتأمل!
قوله: وأما تحريم ذبيحة المجنون والصبي الغير المميز [فلعدم الشرط].. إلى
آخره (6).
لا ظهور لما ذكره، إذ المتبادر من الأدلة عدم كون القتل من الكافر بعد
جعل المسلم إياه في حكم المذبوح.
قوله: وما في روايتي عبد الرحمان بن الحجاج المتقدمتين: " إذا فرى
الأوداج، فلا بأس بذلك " (7)، وأنت تعلم ما فيه، إذ قد يعلم الحل بغيره أيضا من
عموم صدق الذبح ونحوه، كما ستسمع، والشهرة ليست بحجة (8).



(1) كذا، وفي المصدر: (النصاب).
(2) في النسخ: (سألني)، وما أثبتناه من المصدر.
(3) كذا، وفي المصدر: (مثل الدم والميتة).
(4) كذا، وفي المصدر: (ثم قال).
(5) تهذيب الأحكام: 9 / 71 الحديث 303، وسائل الشيعة: 24 / 67 الحديث 30016.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 86.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 91 - 92، وسائل الشيعة: 24 / 8 الحديث 29850.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 95 - 96.
654
قال ابن المفلح (رحمه الله) في شرحه على " الشرائع ": (واشترط في " المبسوط " (1)
و " الخلاف " (2) قطع الأعضاء الأربعة، وانعقد عليه الإجماع، فلو بقي من أحد
الأعضاء ولو بمقدار شعرة لم تحل الذبيحة) (3). انتهى.
قوله: وروايتا عبد الرحمان (4) ليستا بحجتين، إذ قد يكون المراد من
الأوداج: الودجين فقط، وإن سلم أنه قد يطلق على كل واحد [ودج]، فمجموع
الأربعة أوداج، وأنه ورد ذلك في اللغة، إلا أنها ليست بصريحة في ذلك.. إلى
آخره (5).
لا يخفى أن الروايتين مع صحة سند إحداهما واعتبار سند الأخرى
منجبرتان بالشهرة، وكون المراد من الأوداج الودجين - مع كونه خلاف الظاهر -
خلاف ما يظهر من صحيحة الشحام (6) من اعتبار قطع الحلقوم أيضا، مع أن
القول منحصر في: قطع الأوداج الأربعة، والاكتفاء بقطع الحلقوم. وحيث يظهر
ضعف الثاني - كما ستعرف - ينحصر في الأول، لعدم قول آخر.
مع أن دلالة الأخبار لا يجب أن تكون صريحة، بل الظهور يكفي - سيما مع
ما عرفت - وخصوصا بملاحظة كون التذكية شرطا في الحلية، والشك في الشرط
يوجب الشك في المشروط.
ولعل المتبادر من شق الأوداج - على الإطلاق - قطعها، ويشهد على ذلك



(1) المبسوط: 6 / 259.
(2) الخلاف: 3 / 248 المسألة 21 والمسألة 24.
(3) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام. غير مطبوع.
(4) مرت الإشارة إليهما آنفا.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 96.
(6) الكافي: 6 / 228 الحديث 3، وسائل الشيعة: 24 / 9 الحديث 29852.
655
صحيحة الشحام، ولا معارضة بينها وبينهما (1) - كما ستعرف - وأيضا العمومات
الدالة على الذبح تعين ما ذكر، لأن المتعارف في الذبح هو القطع، والإطلاق
منصرف إلى المتعارف.
قوله: قال في " القاموس ": (فرى يفري شقه فاسدا أو صالحا.. تفرى:
انشق) (2)، فلا يفهم منه القطع [بالكلية] - كما هو المدعى والمشهور - وهو
ظاهر، وكأنه إلى ذلك أشار في " الشرائع " بقوله: (المشهور) (3)، فتأمل (4).
يمكن أن يقال: مجرد الشق لا يكفي، وفاقا من الكل، ولأن لفظ الشق
ينصرف إلى المتعارف الشائع وولي الكامل (5)، فتأمل. وكذا الكلام في خروج
الدم.
قوله: ويمكن أن يكون قطع الحلقوم كافيا مع العلم بأنه مات به بخروج
الدم ونحوه.. إلى آخره (6).
لا يخفى أن صحيحتي عبد الرحمان - مع انجبارها بالشهرة - موافقة
للعمومات الدالة على الذبح، فإن المتعارف تحقق الذبح بفري الأوداج وقطعها،
ولا يكتفى بقطع خصوص الحلقوم، بل العمدة في الذبح قطع الودجين، وخروج
الروح بطريق الذبح منحصر في قطعهما علي أي حال، وأنه لو لم يقطعا لا يتحقق
الموت - عادة - إلا بعد مدة مديدة، على قياس ما إذا وقع جرح تحت الحلقوم أو



(1) أي: لا معارضة بين صحيحة الشحام وروايتي عبد الرحمان المتقدمتين.
(2) القاموس المحيط: 4 / 376، مع اختلاف يسير.
(3) شرائع الإسلام: 3 / 205.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 96.
(5) كذا في النسخ، والظاهر أن المراد: التتابع الكامل، لأن معنى والى: تابع. لاحظ: لسان
العرب: 15 / 412، الصحاح 6 / 2530.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 96.
656
موضع آخر يوجب هلاك الحيوان بعد مدة، وعند الذباحين أن الودجين موضع
الروح، والروح فيهما، وما لم يقطعا لم يتحقق التذكية والذبح، إلا أن يكون يفعل
بالحيوان ما يصير سببا لهلاكه بعد مدة.
ولعل ما ذكر لا يخفى على من له أدنى اطلاع وتأمل.
وأيضا، دلالة الصحيحتين المنجبرتين بالفتاوي والشهرة، التي كادت
تكون إجماعا، بل ربما لا يبقى تأمل في كونها إجماعا بملاحظة ما ذكرنا وسنذكر،
وأن المدار في الأعصار والأمصار على قطع الأوداج البتة، وأن الذبح عرفا لا
يتحقق إلا به، وأصالة عدم التذكية وعدم الحلية، وغير ذلك، دلالتهما على
اشتراط قطع الأوداج في غاية الظهور، لأن المعصوم (عليه السلام) جعل فري الأوداج
شرطا للحلية بصريح عبارته.
وأما صحيحة الشحام، فلا دلالة فيها على كون فري الأوداج غير شرط في
الحلية - كما لا يخفى - بل أقصى ما تدل أن غير الحديد إذا كان بحيث يقطع الحلقوم
ويجري الدم يكون صالحا للتذكية عند تعذر الحديد.
وذكر الحلقوم مبني على أن غيره من الأوداج في غاية السهولة من
الانقطاع، وبأدنى شئ ينقطع، بخلاف الحلقوم، فإذا كان الشئ قاطعا للحلقوم
يكون قاطعا لغيره من الأوداج بطريق أولى البتة، ولا كذلك العكس، إذ ربما كان
الشئ يقطع غير الحلقوم منها ولا يقطع الحلقوم.
وأيضا الودجان محيطان بالحلقوم والمرئ، ولعل المرئ مؤخر عن
الحلقوم، فانقطاع الحلقوم مع عدم انقطاع غيره من الأوداج مما لا يتحقق - بحسب
عادة الذباحين في الذبح - بل لا يتيسر الذبح المتعارف إلا بقطع الكل عند قطع
الحلقوم، كما أنه لا يمكن قطع الحلقوم بدون قطع الجلدة التي على الحلقوم، واللحم

657
والعروق التي تكون تحت الجلدة وفوق الحلقوم عادة، فلو كان أدخل السكين من
طرف الحلق وقطع الحلقوم بحيث لم ينقطع جلد العنق أصلا، وكذا اللحم والعروق
التي تحت ذلك الجلد صدق أنه قطع الحلقوم، ولا شك في أنه ليس بذبح، ولا يقال:
إنه ذبح البتة، ومعلوم أنه ليس مراد المعصوم (عليه السلام).
وكذلك حال الودجين، وعرفت أن الإطلاق ينصرف إلى المتعارف،
وعرفت أن المتعارف لا يتحقق قطع الحلقوم بدون قطع الأوداج الباقية.
على أنه على تقدير وجود دلالة فيها، فلا ريب في كونها في غاية الضعف،
لا تصلح لمقاومة دلالة الصحيحتين، فضلا عن كونها أقوى منها، فتأمل جدا!
على أن الحلقوم هو الحلق - على ما في " القاموس " (1) - لا مجرى النفس،
على أن إطلاقه على الحلق لا شبهة فيه، فلا يتحقق التعارض والمقاومة.
على أنه ورد في الأخبار أن: " النحر في اللبة، والذبح في الحلقوم " (2)
فظاهرها كون الحلقوم هو الحلق - كما قلنا -، والعلماء والفقهاء ذكروا في تفسير
قوله تعالى: * (فلولا إذا بلغت الحلقوم) * (3): إن المراد هو الحلق (4)، وأخبارهم
يكشف بعضها عن بعض.
فليس في الصحيحة (5) دلالة على كفاية قطع مجرى النفس خاصة حتى
يكون التعارض والتقاوم حاصلا منها، فضلا أن يغلب على حسنة عبد الرحمان



(1) القاموس المحيط: 4 / 101.
(2) الكافي: 6 / 228 الحديث 1، وسائل الشيعة: 24 / 12 الحديث 29859، وفيها
(الحلق) بدلا من: (الحلقوم).
(3) الواقعة (56): 83.
(4) لاحظ! تفسير روح البيان: 9 / 339.
(5) في النسخ: (في الصحة)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
658
وأمثالها.
قوله: قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام): النحر في اللبة، والذبح في الحلقوم "،
وحسنة صفوان، قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن ذبح البقر [من المنحر]، فقال:
لا (1)، للبقر الذبح، وما نحر فليس بذكي " (2) (3).
في " الكافي ": " الحلق " بدل " الحلقوم "، والمراد من الحلقوم الحلق - كما
عرفت - سيما في المقام، جمعا بين النسختين، ولأنه لا معنى لإرادة مجرى النفس في
مقابل اللبة، لأن مجرى النفس ممتد إلى اللبة.
وكيف [كان]، يظهر من هذه الحسنة كالصحيحة كون الذبح تحت اللحية،
كما وقع التصريح في كلام الفقهاء (4).
ويدل عليه أيضا صحيحة ابن مسلم عن الباقر (عليه السلام) التي مرت في استقبال
القبلة في الذبح، إذ في آخرها: " لا تأكل من ذبيحة لم تذبح من مذبحها " (5)،
والإضافة تفيد العهد، والمعهود هو ما تحت اللحية، لأنه المعروف الشائع
المتعارف - عرفا، وعند الذباحين - حتى أن الأطفال إذا أطلقوا الذبح يريدون ما
تحت اللحية، كما هو المتبادر من العرف.
مع أن الظاهر من الذبح كونه في العنق البتة، فالذبح الذي لا يكون من
المذبح ما يكون في العنق ولم يكن من المذبح، فتعين كونه تحت اللحية.



(1) لم ترد: (لا) في كل من: الكافي، وتهذيب الأحكام، ووسائل الشيعة.
(2) الكافي: 6 / 228 الحديث 2، تهذيب الأحكام: 9 / 53 الحديث 218، وسائل الشيعة:
24 / 14 الحديث 29862.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 98، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصادر.
(4) تحرير الأحكام: 2 / 158، الدروس: 2 / 412.
(5) الكافي: 6 / 229 الحديث 5، وسائل الشيعة 24 / 15 الحديث 29866.
659
وأيضا، يظهر من اللحية [في] اللغة وعرف الناس، حيث يطلقون الذبح على
الوجع الذي يكون تحت اللحية وفي الحلق، وكذا الذباح، والذابح ميسم يسم
على الحلق بعرض العنق، وشعر ينبت بين النصل والمذبح (1)، كذا في " القاموس " (2).
والنصل: متصل الرأس من العنق تحت اللحية (3).. إلى غير ذلك.
ومن ذلك، الإشارة إلى ما تحت اللحية إذا أرادوا الذبح - كما يظهر من
الأخبار (4) - أيضا، وأيضا المتبادر من لفظ الرأس الذي قطع بالذبح في الأخبار
هو الرأس الخالي عن الرقبة وعن بعض الرقبة، كما لا يخفى.
وبالجملة، الشواهد كثيرة، مع أن الأصل عدم التذكية حتى تثبت،
وسيجئ [أنه] شرط، والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط.
قوله: [إلى القبلة، وجهه إليها] ويمكن أن يحصل ذلك بالمذبح فقط.. إلى
آخره (5).
بعيد، بل ظاهر الأخبار مجموع الذبيحة (6)، كما لا يخفى.
قوله: وأما إذا لم يسم، فالظاهر أنه إن ترك عمدا حرم، للآية (7)
والأخبار (8)، وجهلا ونسيانا حل، للأخبار.. إلى آخره (9).



(1) كذا، وفي القاموس: (بين النصيل والمذبح).
(2) القاموس المحيط: 1 / 228.
(3) كذا في النسخ، والظاهر أن الصحيح: (النصل: مفصل ما بين العنق والرأس تحت
اللحيين). لاحظ! القاموس المحيط: 4 / 59، لسان العرب: 11 / 665.
(4) لاحظ! مستدرك الوسائل: 7 / 106 الحديث 7766 و 12 / 202 الحديث 13883.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 114.
(6) لاحظ! وسائل الشيعة: 24 / 27 الباب 14 من أبواب الذبائح.
(7) الأنعام (6): 121.
(8) وسائل الشيعة: 24 / 29 الباب 15 من أبواب الذبائح.
(9) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 116.
660
لم نجد من الأخبار ما يدل على معذورية الجاهل في المقام وحلية ذبيحته،
بل مقتضى العمومات القرآنية والأخبارية حرمة تلك الذبيحة، بل في صحيحة
ابن مسلم عن الباقر (عليه السلام) أنه سأله " عن الرجل يذبح ولا يسمي، فقال: إن كان
ناسيا فلا بأس عليه، إذا كان مسلما وكان يحسن أن يذبح " (1). وصحيحة الحلبي،
عن الصادق (عليه السلام): " من لم يسم إذا ذبح، فلا تأكله " (2)، خرج النسيان وبقي الباقي.
قوله: [وظاهر الأصحاب التحريم]، ولكنه يشكل، لحكمهم بحل ذبيحة
المخالف على الإطلاق، ما لم يكن ناصبيا.. إلى آخره (3).
حكمهم بحل ذبيحة المخالف من حيث كونه مسلما، لا من حيث اعتقاده
عدم وجوب التسمية، بل ربما ظهر من كلامهم اشتراط تسميتهم، كما ذكره في
" الدروس " (4)، فلاحظ وتأمل!
قوله: ويدل عليه أيضا حسنة فضيل، وزرارة، ومحمد بن مسلم هي
صحيحة في " الفقيه " أنهم سألوا أبا جعفر (عليه السلام) عن شراء اللحم من الأسواق، ولا
يدرون ما صنع القصابون، قال: " كل، إذا كان ذلك في سوق المسلمين، ولا
تسأل عنه " (5).. إلى آخره (6).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 117 - 118، الكافي: 6 / 233 الحديث 2، وسائل
الشيعة: 24 / 29 الحديث 29904.
(2) من لا يحضره الفقيه: 3 / 211 الحديث 980، وسائل الشيعة: 24 / 30 الحديث
29908.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 116، الدروس الشرعية: 2 / 413.
(4) الدروس الشرعية: 2 / 413.
(5) من لا يحضره الفقيه: 3 / 211 الحديث 976، وسائل الشيعة: 24 / 70 الحديث
30023.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 124.
661
هذا - مع صحة السند - يدل على ما ذهب إليه الأصحاب، أن التذكية
شرط للطهارة والحلية، وأن مع الجهل بالتذكية لا يصير طاهرا حلالا باعتبار
أصالة طهارة الأشياء وأصالة إباحتها - كما توهم من توهم (1) - وأن الشرط إذا
كان مشكوكا يوجب ذلك كون المشروط - أيضا - مشكوكا، بل الأخبار الدالة
على اشتراط التذكية متواترة (2)، وكذا الإجماعات المنقولة (3)، فإن الظاهر منها
ومن الأخبار أن الحلية والطهارة تتوقفان على تحقق التذكية وشرائطها، لا أنهما
أصل يحكم بهما، إلا أن يثبت عدم التذكية، أو عدم شرائطها، كما توهم المتوهم.
ويدل أيضا أن ما يؤخذ من سوق المسلمين فهو محكوم بالتذكية (4)،
وظاهره أن لا يكون مأخوذا من يد الكافر، لأنه المتبادر.
قوله: وضعيفة زرارة بسهل بن زياد، قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن
شراء اللحم من الأسواق ولا يدرى ما يصنع القصابون، قال: فقال: إذا كان في
سوق المسلمين فكل ولا تسأل عنه ".. إلى آخره (5).
لا يخفى أن هذه الرواية صحيحة أيضا، كما حققنا في الرجال (6)، وجماعة
من المحققين على أن ضعف سهل سهل، وأنه من مشايخ الإجازة، يذكرونه لمجرد



(1) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 124.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 23 / 365 الباب 18 والباب 19 من أبواب الصيد.
(3) لاحظ! رياض المسائل: 2 / 264.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 3 / 490 الباب 50 من أبواب النجاسات و 24 / 70 الباب 29
من أبواب الذبائح.
(5) لم نعثر على هذا المتن في مجمع الفائدة والبرهان - المطبوع - ولعله موجود في النسخة التي
كان قد اعتمدها المحشي (رحمه الله)، والرواية في: وسائل الشيعة 24 / 70 الحديث 30023
بالإسناد الرابع.
(6) تعليقات على منهج المقال: 176.
662
اتصال السند، وأنه مقبول الرواية البتة، فهي كالصحيحة عندهم، مع أنها منجبرة
بفتاوي الأصحاب أيضا.
قوله: ولا يجب السؤال، بل ولا يستحب [وإن كان البائع غير معتقد
للحق].. إلى آخره (1).
يظهر من هذا أن البائع لا بد من أن يكون من المسلمين، أو من المسلمين
بحسب الظاهر، وأنه لا يجوز الأخذ من الكافر، كما أشرنا.
قوله: ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح حتى تبرد الذبيحة.. إلى آخره (2).
الظاهر أنه ليس في هذه الصحيحة (3) قوله: " تبرد الذبيحة ".
قوله: وما روى مسعدة بن صدقة، قال: " سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن أكل
الجراد، فقال: لا بأس بأكله، ثم قال: إنه نثرة من حوت البحر (4)، ثم قال: إن
عليا (عليه السلام) قال: إن الجراد والسمك إذا خرج من الماء فهو ذكي ".. إلى آخره (5).
لعله تعليل لاتحاد حكمه مع حكم السمك، فتأمل!
قوله: وأيضا قالوا: الوجهان، فيما إذا خرج وحياته مستقرة ولكن الزمان
لا يسع التذكية فيموت قبل أن يذكى، الحل.. إلى آخره (6).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 125، الدروس الشرعية: 2 / 416.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 134، وفيه: (" ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح " يعني حتى
تبرد الذبيحة)، أي أن عبارة (حتى تبرد الذبيحة) لم ترد ضمن متن الرواية.
(3) أي صحيحة محمد بن مسلم: الكافي: 6 / 233 الحديث 2، وسائل الشيعة: 24 / 29
الحديث 29904.
(4) كذا، وفي المصدر: (من حوت في البحر).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 149، الكافي: 6 / 221 الحديث 1، وسائل الشيعة:
24 / 87 الحديث 30069.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 153 - 154.
663
المعتبر في الصحاح المستفيضة التمامية بحسب الجسد، حيث قالوا (عليهم السلام): " إن
كان قد أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أمه " (1)، فالمعتبر تمامية الأجزاء الخارجة عن
ماهية الجسد - مثل الشعر والوبر - ولم يعتبر في خبر ولوج الروح أو عدم ولوجه،
وأنه لو ولج يكون اللازم حينئذ التذكية على حدة، بل ظاهر الأخبار أن تمامية
الخلقة بالنسبة إلى مثل الشعر يكفي، ولا يحتاج إلى تذكية على حدة، وإن كان
ولجه الروح.



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 24 / 33 الباب 18 من أبواب الذبائح.
664
في حال الاختيار
قوله: قد توافق دليل العقل والنقل على إباحة أكل كل شئ خال عن
الضرر [وشربه]، وقد تبين دلالة العقل على أن الأشياء الخالية عن الضرر
مباحة، ما لم يرد ما يخرجه عن ذلك، والآيات الشريفة في ذلك كثيرة أيضا،
مثل: * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * (1)، و * (كلوا مما في الأرض حلالا
طيبا) * (2).. إلى آخره (3).
لعل مراده من الضرر العلم بالضرر، كما يظهر من باقي [كلامه]، وأنه هو
النافع، لا ما فيه الضرر واقعا، لاحتمال الضرر في كل واحد منها، إلا ما علم عدم
الضرر فيه، وقلما يكون كذلك.
قوله: ويؤيده حصر المحرمات، مثل: * (قل لا أجد) * (4) الآية. نعم، قد
يحرم المحلل بأشياء أخر مثل الغصب، ويحل المحرم بالاضطرار (5)، وذلك غير



(1) البقرة (2): 29.
(2) البقرة (2): 168.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 156.
(4) الأنعام (6): 145.
(5) كذا، وفي المصدر: (للاضطرار).
665
معتبر.. إلى آخره (1).
لعل الحصر بالإضافة إلى ما كان عادة أهل ذلك الزمان أكله، ووقع النزاع
في حرمته، أو أحدث الأحبار والرهبان والقسيسون حرمته، وإلا فيتحقق
التخصيص الذي لا يرضى به المحققون وظهر فساده في موضعه.
قوله: فالظاهر من كلامهم أنه حرام أيضا، وفيه تأمل.. إلى آخره (2).
قد مر الإشارة إلى أنه حق، وإلى دليله، وأنه حديث صحيح واضح
الدلالة، وغير ذلك، فلا وجه لتأمله.
في البهائم
قوله: وصحيحة أبي بصير، قال: " سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن الناس
أكلوا لحم دوابهم (3) يوم خيبر ".. إلى آخره (4).
سيجئ عند ذكر لبن المحرمات أخبار أخر ظاهرة في حليته، بل وعدم
كراهته (5)، فتأمل!
قوله: ولعل مقارنته بالمحرمين (6) منعه عن ذلك (7)، ولكن التقية أيضا بعيد



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 157.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 157.
(3) كذا، وفي المصادر: (لحوم دوابهم).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 159 - 160، تهذيب الأحكام: 9 / 41 الحديث 173،
وسائل الشيعة: 24 / 120 الحديث 30130.
(5) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 215.
(6) أي: الجري والضب.
(7) أي: منع " الاستبصار " عن الحمل على التقية.
666
عن غير سؤال.. إلى آخره (1).
الداعي على الحمل إن كان موجودا، فلا يمنع منه ما ذكره، إذ المقام لعله
اقتضى الأمرين كما اقتضى الحكم بخلاف الحق، وإلا فلا وجه للحمل عليها، بل
لا بد من الحمل على مر الحق، وقد عرفت ما يظهر منه الاقتضاء.
قوله: فإنه قد فهم عدم التحريم مما تقدم، وأن قوله (عليه السلام) في الأول " إنما
الحرام ما حرمه الله في كتابه " (2).. إلى آخره (3).
الذي فهم مما تقدم أن نهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المعهود المعروف (4) ما كان إلا لأجل
فناء ظهور (5)، فالنهي ما تعلق إلا به، وإلا فهي حلال، والذي ظهر من صحيحة
ابن مسكان (6) - التي هي الأصل في المقام - أن النهي المعهود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان
عن نفس طرقها، فلا يأكل إلا أن يضطر، والمعلق على الاضطرار ظاهر في كونه
بغير الاضطرار غير حلال، فالدلالة مؤكدة مضادة لدلالة تلك الأخبار.
فالحمل على التقية متعين، لكون تلك الأخبار موافقة لطريقة الشيعة
ودأبهم، وكون الصحيحة وما وافقها موافقة لطريقة أهل السنة.
والتوجيه لورود (7) نهيين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أحدهما على الكراهة - وهو



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 161، وفيه: (بعيد من غير سؤال).
(2) الكافي: 6 / 245 الحديث 10، وسائل الشيعة: 24 / 117 الحديث 30120.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 161.
(4) أي: نهيه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن لحوم الحمير يوم خيبر، لاحظ! وسائل الشيعة: 24 / 123 الحديث
30136.
(5) كذا في كافة النسخ، والظاهر أن الصواب: (ظهورها) أو: (فناء الظهور)، أي ظهور
الدواب.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 161، وسائل الشيعة: 24 / 121 الحديث 30131.
(7) كذا، والظاهر أن الصواب: (بورود).
667
المتعلق بنفس اللحوم - والآخر بإفناء الظهور، فيه ما فيه.
قوله: وبالجملة، الاجتناب عن الكل حسن، وعنهما أحسن، إلا مع
الاضطرار فيختار الأخف على الطبع.. إلى آخره (1).
في " بداية " الحر (رحمه الله) روى أنه نهى النبي عن لحوم الحمير الأهلية (2)، وليس
بالوحشية بأس.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) النهي عن أكل الفحل وقت اغتلامه (3).
وقال (عليه السلام): " لا بأس بلحوم البخت، وشرب ألبانها، وأكل لحومها، وأكل
الحمام المسرول " (4).
وقال (عليه السلام): " لا آكل لحوم البخاتي، ولا آمر بأكلها " (5).
وروي: " من تمام [حب] الإسلام حب لحم الجزور " (6).
قوله: والظاهر أن المراد بالمخلب: هو الظفر، وقد يوجدان معا في السبع،
كالسنور والأسد.. إلى آخره (7).
يمكن أن يكون المراد أنه لم يخرج بعد نابه أو سقط، ويحتمل أن يكون بعض
السباع يفترس بافتراسه من دون ناب، فتأمل!
قوله: وحصر المحرمات دليل حل أكثر الأشياء، خصوصا الأرنب، إلا أن



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 163.
(2) بداية الهداية: 2 / 315.
(3) الكافي: 6 / 259 الحديث 1، وسائل الشيعة: 24 / 187 الحديث 30307.
(4) الكافي: 6 / 311 الحديث 2، وسائل الشيعة: 24 / 189 الحديث 30312.
(5) تهذيب الأحكام: 9 / 48 الحديث 203، وسائل الشيعة: 24 / 190 الحديث 30314.
(6) المحاسن للبرقي: 2 / 266 الحديث 1847، وسائل الشيعة: 24 / 190 الحديث 30315.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 166.
668
يثبت التحريم بدليل شرعي، وليس بواضح.. إلى آخره (1).
فالحمل على التقية متعين، لحليته عند العامة، بل حلية جميع ما ذكر عند
بعض منهم (2).
في الطيور
قوله: وأن المذاهب في الغراب ثلاثة.. إلى آخره (3).
بل أربعة.
قوله: فإن المسألة مشكلة، وأيضا ما وجدت دليلا بخصوصه على تحريم
المعدودات.. إلى آخره (4).
لا إشكال في الحرمة، بعد صحة السند، وعلو (5) في الجملة، وموافقته
لأخبار أخر (6)، وعدم معارض أصلا، لما عرفت من أن مثل زرارة (7) ليس بحجة
من وجوه متعددة، كل وجه منها مستقل، فضلا عن المجموع، بل ربما كان هذه
الرواية (8) تؤيد كون الغراب مثل الجري وغيره مما هو حرام عند الشيعة، مع أن



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 171.
(2) المجموع شرح المهذب: 1719، بداية المجتهد: 1 / 489.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 171.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 173.
(5) كذا، والظاهر أن الصواب: (وعلوه).
(6) وسائل الشيعة: 24 / 125 الباب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(7) كذا، والظاهر أن الصواب: (مثل رواية زرارة).
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 172، تهذيب الأحكام: 9 / 18 الحديث 72، وسائل
الشيعة: 24 / 125 الحديث 30140.
669
أكثر الغربان من سباع الطيور، ولا تأمل في حرمة السباع، لا من جهة الأدلة،
لصحتها وكثرتها، ولا من جهة الفتاوي، لما عرفت.
وأيضا، بعض منها من الخبائث، وبعض منها صفيفه أكثر، مع عدم تأمل في
حرمته حرمة الخبيث أيضا.
ومن هذا ظهر حال الموثق (1) أيضا، مع أن الموثق وغير الصحيح كيف
يعارض الصحيح؟ سيما مع ما في الصحيح من المقويات، وفي غير الصحيح من
المفاسد.
هذا، مع أن القائل بالكراهة مطلقا (2) رجع عن رأيه كما لا يخفى، بل أفتى
بعد الرجوع بالحرمة مطلقا (3)، مع أنه تأمل بعض المحققين في كون ما يختاره في
الكتابين رأيه (4).
[و] يعضد تأمله أنه كثيرا يذكر ما هو ظاهر في كونه مختاره، ومع ذلك
ينسب ذلك في " الخلاف " وغيره من كتبه (5) إلى العامة خاصة، ويذكر أن الشيعة
على خلافه.
قوله: وإنما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا مفصلا (6) وحرم الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)



(1) الظاهر أن المراد منه: رواية غياث بن إبراهيم: مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 173،
وسائل الشيعة: 24 / 125 الحديث 30141.
(2) أي الشيخ الطوسي. لاحظ! تهذيب الأحكام: 9 / 18 ذيل الحديث 72، الاستبصار:
4 / 66 ذيل الحديث 238.
(3) الخلاف: 3 / 267 المسألة 15.
(4) العبارة ساقطة في ب، ج، ومرتبكة جدا في النسخ الأخرى، وما أثبتناه لعله هو الصواب،
وهو الأقرب إلى رسم الكلمات في النسخ الخطية.
(5) في النسخ: (وغير من كثير)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(6) كذا، وفي المصادر: (تفصيلا).
670
المسوخ جميعا، فكل الآن من طير البر ما كان له حوصلة، ومن طير الماء ما كانت
له قانصة كقانصة الحمام، لا معدة كمعدة الإنسان، وكل ما صف فهو ذو مخلب،
وهو حرام، والصفيف كما ترى بطير البازي (1) والحدأة والصقر وما أشبه ذلك،
وكل ما دف فهو حلال، والقانصة والحوصلة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف
طيرانه، وكل طير مجهول ".. إلى آخره (2).
لعل المراد من هذا الكلام اظهار أن الصفيف لا يلزم أن يكون خالصا عن
الدف، بل ما يكون الغالب هو الصف، مع أنه قلما يوجد الصفيف الخالص، بل ربما
لا يوجد أصلا، فهذا قرينة أخرى على إرادة الغلبة، فاتفق الأخبار والفتاوي (3)،
فتأمل!
قوله: واعلم أن رواية ابن بكير (4) صريحة في أنه يكفي للتحليل أحدها،
فالظاهر أنها لا تجتمع مع المحرم، ورواية مسعدة (5) تدل على أن القانصة وحدها
كافية، والظاهر أن أختيها كذلك، لكن شرط عدم اجتماعها مع علامة التحريم -
وهي المخلب - فيدل على إمكان الاجتماع، مع تغليب علامة التحريم.. إلى
آخره (6).



(1) كذا، وفي المصادر: (والصفيف كما يطير البازي).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 176، وهي قطعة من رواية سماعة بن مهران: الكافي:
6 / 247 الحديث 1، تهذيب الأحكام: 9 / 16 الحديث 65، مع تفاوت يسير في الألفاظ
بين المصادر.
(3) في النسخ (الأخبار في الفتاوي)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(4) في النسخ: (رواية أبي بكر)، وما أثبتناه من المصادر، الكافي: 6 / 248 الحديث 5،
وسائل الشيعة: 24 / 151 الحديث 30215.
(5) الكافي: 6 / 248 الحديث 4، وسائل الشيعة: 24 / 151 الحديث 30214.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 177.
671
بل ربما يظهر ذلك من رواية سماعة، حيث قال (عليه السلام): أسباب الحرمة على
سبيل الكلية - هي: الناب، والمخلب، وكونه سبعا، وكونه مسخا، وفرع على
القواعد الكلية المذكورة قوله (عليه السلام): " فكل الآن الطير من طير البر ما كان له
حوصلة، وطير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام، لا معدة كمعدة
الإنسان " (1).
يعني لما كان كل هذه الأصناف محرمة، فلا يحل أكل طير ما لم يكن خالصا
عن الأمور المذكورة، ولم يكن خالصا ما لم يكن له حوصلة في البري، وقانصة في
المائي، ولذا لو كان له معدة كمعدة الإنسان يكون مسخا أو سبعا، وكلمة الفاء
تفريع على ما تقدم، وقوله: " الآن " إشارة إلى وقت عدم التحقق الحقيقي
والتشخيص الواقعي في معرفة الأشخاص من الكليات المذكورة، والتمييز
بينها (2).
ولعل المراد أن الله تعالى جعل في البري عوض معدة الإنسان أو السباع
أيضا الحوصلة، فلا ينفك البري الحلال عنها، وفي المائي القانصة، فلا ينفك المائي
الحلال عنها، وإن كان في الأكثر منهما اجتمع العوضان.
وأما الصيصية، فلعلها لا تنفك عن أحد العوضين غالبا، فلذا لم يتعرض
لذكرها في غير هذه الرواية أيضا، وإن كان ربما تنفع معرفة الصيصية أيضا.
وبهذا ظهر الجمع بين الأخبار، بعد ما يجعل طير الماء في قوله: " فطير
الماء " - في رواية زرارة - الطير الذي يؤتى به مذبوحا، بملاحظة صدر هذه
الرواية إلى هذا القول، وأن الغالب في البلدان عدم المعرفة به إلا في صورة الإتيان



(1) مرت الإشارة إليها.
(2) في د، ه‍: (والتخيير بينهما).
672
به مذبوحا، فتأمل!
قوله: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن قتل الستة: النحلة، والنملة،
والضفدع، والصرد، والهدهد، والخطاف " (1)، فيها دلالة على كراهة الستة،
ولعل فيه أن الأمر يكون بمعنى الجواز، ويفهم أن المراد بالنهي عن القتل النهي عن
الأكل، حيث رمى به بعد أن كان مذبوحا ثم نقل النهي عن القتل، فتأمل.. إلى
آخره (2).
وظاهره التحريم - كما قال بعض الفقهاء به (3) - إلا أن ضعفه يمنع عن ثبوته.
قوله: في " الكافي " أنه رفع إلى داود الرقي أو غيره، وزاد في آخرها بعد
قوله " نهى عن قتل الستة " منها: الخطاف، وقال: " إن دورانه في السماء أسفا لما
فعل بأهل بيت محمد (عليهم السلام)، وتسبيحه قراءة * (الحمد لله رب العالمين) * (4)، ألا
ترونه يقول: * (ولا الضالين) *.. إلى آخره (5).
وورد أن " خرء الخطاف لا بأس به، وهو فيما يحل أكله (6)، لكن كره أكله،
لأنه استجار بك " (7)، وفي آخر " لا تأكلوا القبرة (8) ولا تسبوها، ولا تعطوها



(1) قطعة من رواية الحسن بن داود الرقي: تهذيب الأحكام: 9 / 20 الحديث 78، وسائل
الشيعة: 23 / 392 الحديث 29827.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 181.
(3) لاحظ! مسالك الأفهام: 2 / 193.
(4) الفاتحة (1): 2.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 182، الكافي: 6 / 223 الحديث 1، وسائل الشيعة:
23 / 392 الحديث 29826.
(6) كذا، وفي المصدر: (وهو مما يحل أكله).
(7) وسائل الشيعة: 23 / 393 الحديث 29829.
(8) كذا، وفي المصدر: (القنبرة).
673
الصبيان يلعبون بها، فإنها كثيرة التسبيح لله تعالى " (1).
في حيوان البحر
قوله: وقد ادعي إجماع المسلمين على حل السمك الذي له فلس (2)،
وإجماع الأصحاب على تحريم ما ليس بصورة السمك من سائر حيوان البحر،
وهو غير ظاهر.. إلى آخره (3).
قد مر روايات في الخز أنه: " إن كان له ناب فلا تأكله، وإلا فكله " (4)، وفي
الخبر " إنه كلب الماء " (5)، و " إنه سبع يأوي في الماء " (6).
ويمكن الحمل على أنه (عليه السلام) كان يدري أن له نابا، ويشهد على ذلك
حكمه (عليه السلام) بأنه سبع، وأنه كلب، فقوله: " انظر إن كان له ناب فلا تأكله، وإن لم
يكن فكل " إرشاد للراوي إلى ظهور حرمته من حيث أنه حرمة ذي الناب ما
كانت مخفية عليه، فتأمل!
قوله: [خرج ما أجمع على تحريمه بحيث] لا يمكن تأويله بالنص والإجماع،
مثل الجري - إن صح ما قيل فيه - وبقي الباقي.. إلى آخره (7).



(1) الكافي: 6 / 225 الحديث 1، وسائل الشيعة: 23 / 395 الحديث 29835.
(2) كذا، وفي المصدر: (الذي فيه فلس).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 187.
(4) تهذيب الأحكام: 9 / 50 الحديث 207، وسائل الشيعة: 24 / 191 الحديث 30316.
(5) تهذيب الأحكام: 9 / 50 الحديث 205، وسائل الشيعة: 24 / 191 الحديث 30318.
(6) تهذيب الأحكام: 9 / 50 ذيل الحديث 205، وسائل الشيعة: 24 / 191 الحديث
30317.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 189.
674
نقل ابن المفلح (رحمه الله) عن ابن البراج (رحمه الله) أنه قائل بكراهة الجري (1).
في المائعات
قوله: وأن النبيذ منه في الجملة، ومنه حرام، ومنه حلال، وبينه، وأن لا
تقية في بعض الأمور يحتمل، لأنه معلوم بحيث لا يمكن التقية، أو لوجود قائل
بتحريمه منهم أيضا، فتأمل.. إلى آخره (2).
وأن من الإطلاق كانوا يفهمون الحرام، وأن بزيادة المكث عما ذكر ربما
يعرضه السكر، وأنه حينئذ لا يشرب من خوف عروضه، والذي بينه أن الحلال
في صورة خاصة، ولعله لا يلائم رأي الشارح من حلية التمري والزبيبي، فتأمل!
قوله: فلو غلى ماء العنب في حبه لم يصدق عليه أنه عصير غلى، ففي تحريمه
تأمل، ولكن صرحوا به، فتأمل. والأصل والعمومات وحصر المحرمات دليل
التحليل حتى يعلم الناقل (3).
هذا مبني على كون العصير مستعملا في معناه اللغوي، وهو لا يرضى به،
بل يبني على استعماله في معنى جديد منقول عنه.
وعلى هذا، لا وجه للتأمل أصلا، لما قرر في الأصول من أن التسمية
لوجود معنى لا يقتضي الاطراد، والعلاقة في المنقول غير ملحوظة في الاستعمال،
ألا ترى أن الفرس - مثلا - دابة وإن لم يدب، والزجاج قارورة وإن لم يكن مقرا..



(1) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام للصيمري: غير مطبوع، وما نقله عن ابن البراج في:
المهذب: 2 / 439.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 193.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 200.
675
إلى غير ذلك من المنقولات، وعباراتهم تنادي بأن العصير هو ماء العنب وقع
عصر أم لا!
ولذا لا يحكمون بحرمة غير العصير، ويستشكلون في التمر والزبيب إذا غليا
بمساواتهما له في المعنى، فلو كان منحصرا في الخارج بالعصير لكان مبدأ العصر
مأخوذا فيه، فلا يتحقق المساواة له، بل المساواة لغير المعصور، وهو ليس بحرام
بالنص (1)، فلا يتحقق القياس.
مع أن المستشكلين لم يتعرضوا لحكم المطبوخ أصلا، بل حكموا بحرمة
العصير وقاسوا عليه التمر والزبيب، ثم حكموا بالحلية بناء على عدم حجية
القياس (2).
وأيضا، يلزمهم على هذا، الاستشكال في العنب المطبوخ أيضا، ثم الحكم
بالحلية، لعين ما ارتكبوا في التمر والزبيب، وهم لم يتعرضوا أصلا، مقتصرين
الاستشكال في التمر والزبيب، بل ومصرحين بحلية غيرهما من غير إشكال،
والمتعرض له حاكم بالحرمة من غير إشكال، إلا الشهيد الثاني (رحمه الله) (3)، لكنه غفلة
منه (رحمه الله) - مثل الشارح - خلط بين اللغوي والاصطلاحي، وذهولا عن مناقضة
استشكاله لما استدل به على الاصطلاح، وما بنى عليه من قصر التحريم في العنبي.
على أنه يظهر من غير واحد من الأخبار أن الحرمة باعتبار كونه عنبا من
دون مدخلية العصر، منها: ما رواه الكليني في باب أصل تحريم الخمر (4).
فظهر أنه على القول ببقاء معناه العصير على المعنى اللغوي أيضا لا إشكال



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 25 / 282 الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة.
(2) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 203.
(3) مسالك الأفهام: 2 / 197.
(4) الكافي: 6 / 393.
676
في الحرمة، وذكر العصير بناء على أنه بحسب العادة هكذا يطبخ، فتدبر!
قوله: وأن العصير بظاهر لغته تمام عن عصر العنب (1).. إلى آخره (2).
في " القاموس ": (العنب ونحوه يعصره، فهو معصور، وعصير) (3).
قوله: وحصر المحرمات، مؤيدا بالشهرة، دليل الحل حتى يعلم كون المراد
بالعصير ما يعم، فتأمل.. إلى آخره (4).
هذا مخالف للقاعدة المقررة الشرعية في جميع أبواب الفقه، المسلمة بالنسبة
إلى موضوعات الأحكام الشرعية - مثل مباحث الألفاظ وغيرها - من أن
الأصل العدم، والأصل البقاء حتى يثبت خلافه، وأنه لا ينقض اليقين إلا بيقين،
ولم نر من الشارح مخالفتها إلا في هذا الموضع، فالأصل والعمومات لا تعارض
النصوص، والشهرة ليست بحجة مع أن فيها تأملا، لأن فقهاءنا بأجمعهم حكموا
بتحريم العصير، وكلامهم بمقتضى القاعدة يفيد العموم، كالحديث (5)، ولم يذكر
عباراتهم حتى نستعلم.
نعم، كلام الفاضلين وبعض من تبعهما ظاهر في الاختصاص (6)، لكن بهذا
القدر لا يثبت، وسيجئ تمام الكلام.
قوله: لا يستلزم اشتراكه معها في النجاسة، وهو ظاهر، وعلى القول
بنجاسته قالوا: يطهر بذهاب ثلثيه، وصيرورته دبسا (7) أو خلا، وأيضا قالوا:



(1) كذا، وفي المصدر: (عام عن عصير العنب).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 200.
(3) القاموس المحيط: 2 / 93.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 200.
(5) لاحظ! وسائل الشيعة: 25 / 282 الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة.
(6) شرائع الإسلام: 3 / 225، إرشاد الأذهان: 2 / 111.
(7) كذا، وفي المصدر: (أو صيرورته دبسا).
677
إذا القي فيه شئ حال غليانه (1) أو قبله ثم نجس بالغليان نجس ذلك أيضا، وإذا
طهر يطهر ذلك أيضا معه، ولا يمنعه من الطهارة بما يطهره، كما إذا كان خمرا القي
فيها شئ ثم صار خلا، وفي ذلك كله تأمل، إذ ما نجد دليلا على ذلك إلا ما تقدم
مما يدل على الحل بذهاب ثلثيه، وهو مستلزم للطهارة، ولكن ما علم طهارته مع
وقوع شئ فيه صريحا، فتأمل.. إلى آخره (2).
إعلم أن الظاهر من بعض الأخبار أن العنب بالغليان يصير خمرا ويدخل
في حد الخمرية، مثل ما رواه الكليني في باب أصل تحريم الخمر عن أبي الربيع
الشامي، قال: " سألت الصادق (عليه السلام) عن أصل الخمر، كيف كان بدء حلالها
وحرامها؟ ومتى اتخذ الخمر؟ فقال: إن آدم (عليه السلام) لما هبط من الجنة اشتهى من
ثمارها.. إلى أن قال: فأخذ روح القدس ضغثا من نار [و] رمى عليهما، والعنب
في أغصانهما، حتى ظن آدم أنه لم يبق منهما شئ، قال: فدخلت النار حيث
دخلت، وقد ذهب ثلثاهما وبقي الثلث، فقال الروح: ما ذهب [منهما] فحظ
إبليس، وما بقي فلك " (3).
وروى أخرى عنه (عليه السلام) مثله، ثم روى عن إبراهيم، عنه (عليه السلام) هذه الحكاية
لبيان أصل تحريم الخمر، إلا أن فيها أن إبليس مكر بحواء " فأخذت عنقودا من
عنب فأعطته، فمصه ولم يأكل منه.. فلما ذهب يعضه (4) جذبته [حواء] من فيه،
فأوحى الله تعالى إليه (5): إن العنب قد مصه [عدوي وعدوك] إبليس، وقد



(1) كذا، وفي المصدر: (حين غليانه).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 200 - 201.
(3) الكافي: 6 / 393 الحديث 1.
(4) كذا، وفي المصدر: (يعض عليه).
(5) كذا، وفي المصدر: (إلى آدم).
678
حرمت عليك من عصيرة الخمر ما خالطه نفس إبليس " (1) الحديث.
ولا يخفى أنه ما حرم كل عصيرة، بل ما خالطه نفس إبليس، وهو الثلثان
على ما صرح به في الخبرين السابقين، وكذا في خبرين آخرين رواهما بعده (2)،
ويؤيده قوله: " مصه ولم يأكل "، وأن هذه الحكاية مسوقة لما سيق تلك
الحكايات له، فتأمل.
وقول الكليني: (باب أصل تحريم الخمر) لا شك في أن المراد منه الخمر
الواقعي، موافقا لما هو المستفاد من الروايتين، ووافقه على ذلك الصدوق.
قال في آخر " الفقيه " في باب حد شرب الخمر: (قال أبي في رسالته إلي:
إعلم أن أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار، أو غلى من غير أن تمسه النار
فيصير أعلاه أسفله فهو خمر، فلا يحل شربه إلى أن يذهب ثلثاه) (3)، ولم يذكر
الصدوق حرمة العصير في " الفقيه " أصلا، إلا في هذا الموضع بهذا العنوان.
فظهر أنهم يعتقدون دخول العصير في حد الخمر بمجرد الغليان، فلعل
غيرهم من القدماء أيضا على هذه العقيدة، وبها حكموا بالنجاسة، لأن الخمر عند
غير الصدوق نجس، وكذا كل مسكر، والظاهر منهم ومن النص (4) أيضا أنه
يدخل في حد المسكر أيضا، وهو أيضا عندهم نجس (5).
فإن قلت: ليس بمسكر بالوجدان، ولا يطلق الخمر عليه عرفا ولغة حتى



(1) الكافي: 6 / 393 الحديث 2.
(2) الكافي: 6 / 394 الحديثان 3 و 4.
(3) من لا يحضره الفقيه: 4 / 40 ذيل الحديث 131 مع تباين يسير جدا.
(4) لاحظ! الكافي: 6 / 419 باب العصير.
(5) لاحظ! مختلف الشيعة: 1 / 58.
679
يحكم بالنجاسة من هذه الجهة، كما حكموا في الفقاع وإن لم يسكر (1).
قلت: من المقرر أن الرجوع إلى العرف واللغة حيث لا يظهر اصطلاح من
الشرع، وقد ظهر ذلك من كلام الفقهاء والأخبار، على قياس ما قلتم في
اختصاص العصير بالعنبي، وبعروض الاجتهادات والشبهات ومرور الأيام خفي
على المتأخرين، كما خفي الاختصاص على الشارح وأمثاله وعلينا، بل مثل
الوضوء والصلاة وقع النزاع في كونها حقائق شرعية أم لا، حتى أن معظم المحققين
اختاروا العدم، فما ظنك بما نحن فيه؟!
مع أن الكليني والصدوقين في غاية القرب من عهد الشارع، بل هما من
المعاصرين، ومع ذلك قلما وقع منهم اجتهادات.
سلمنا عدم ثبوت الاصطلاح، لكن الظاهر من كلامهم ومن الأخبار
الدخول في حد السكر، وما يحكم الوجدان بانتفائه هو السكر بالمعنى الذي عرفه
بعض المتأخرين، وهو: أن لا يعرف السماء من الأرض، والطول من العرض،
لكن قصر السكر في هذا المعنى مخالف للعرف، واللغة، والحديث، والاعتبار، إذ
ربما لا يختل عقل بعض المعتادين للشرب إلا شيئا يسيرا وكلماتهم مضبوطة،
وحركاتهم منتظمة، قلما يصدر منهم شائبة اختلال، ومع ذلك إذا صدر يقولون:
هذا من سكره.
وأيضا، الخمور سكرها متفاوتة شدة وضعفا، بل بعض الخمور الرديئة
- عند الشاربين - له سكر في غاية الضعف.
وقال محقق في اللغة: (في ترتيب السكر: إذا شرب الإنسان فهو نشوان،
وإذا دب فيه الشراب فهو ثمل، وإذا ذهب من عقله فهو سكران، فإذا زاد منه



(1) لاحظ! مختلف الشيعة: 1 / 58.
680
امتلاءا فهو سكران طافح، فإذا كان لا يتمالك ولا يتماسك فهو ملتخ وملطخ، وإذا
كان لا يعقل من أمره شيئا ولا ينطلق لسانه فهو سكران) (1).
وقال في باب أوائل الأشياء: (النشو: أول السكر) (2).
وفي " النهاية ": (الانتشاء أول السكر ومقدماته) (3).
وروى الكليني، عن أبي الجارود، عن الباقر (عليه السلام): إن " ما زاد على الترك
جودة فهو خمر " (4).
وفي توقيع صاحب الأمر (عليه السلام): " إذا كان كثيره يسكر أو يغير، فقليله
وكثيره حرام " (5).
والظاهر منهما أن أدنى تغير من عالم السكر يكفي لكونه مسكرا.
وأما الاعتبار، فهو شاهد على ما ظهر من اللغة.
ويعضد ما ذكرنا قول الأطباء: السكر هو تشويش الروح الذي في
الدماغ، وقالوا في مقدار الشرب: ما دام السرور يتزايد والذهن سليما فلا يخف
من إفراط الشرب، فيه تصريح بأن مجرد السرور كاف لتحقق السكر، والعرف
واللغة والحديث أيضا ظاهرة فيه، ولعل سرور السكر سرور خاص، فتدبر.
فعلى هذا، نقول: مزاج الخمر وحالتها مخالف لمزاج العنب، ولا يصير خمرا
إلا أن يتغير عن الحالة الأولى إلى الثانية، وهذا التغير بتمامه لا يحصل دفعة، بل
يحدث شيئا فشيئا، يحدث أولا شيئا يسيرا ضعيفا غاية الضعف من الحالة



(1) فقه اللغة وسر العربية: 276، مع اختلاف يسير.
(2) فقه اللغة وسر العربية: 19، وفيه: (النشوة).
(3) النهاية لابن الأثير: 5 / 60.
(4) الكافي: 6 / 412 الحديث 5.
(5) الاحتجاج للطوسي: 2 / 491، بحار الأنوار: 76 / 167 الحديث 3.
681
الخمرية، لا يكاد يشعر به إلا الحذاق الماهرين في الفن، ثم لا يزال يزيد شيئا
فشيئا على التدريج حتى تزول الحالة الأولى بالمرة ويكمل الثانية.
مع أن الثانية أيضا درجاته متفاوتة جدا كما أشرنا، فلعل أول التغير من
الحالة الأولى إلى الثانية وعروض شئ من عالمه هو بالنشيش والغليان.
وبالجملة، يحصل به أول درجة من السكر - الدرجة الضعيفة غاية
الضعف - ويظهر ذلك من إكثار الشرب، إذ المعتبر سكر كثيره لا مطلقا.
فإن قلت: إذا ظهر السكر يكون خمرا لغة وعرفا، وليس كذلك.
قلت: الإنكار بحسب اللغة غير مسموع، وكذا العرف - إن أردت عرف
الجميع - كيف والراوي سأل عن أصل حرمة الخمر، وبجواب المعصوم (عليه السلام) سكت
ورضي! وذكرنا عن القدماء ما ذكرنا، ومع ذلك نقول: الرطب والعنب وأمثالهما
ربما يحدث في أنفسها حموضة ما بسبب حرارة الهواء، ومكث زائد، وغير ذلك مما
يفسدها في الجملة، ومع ذلك لا يسمونها - بمجرد ذلك - خلا، وليست بخل
عندهم حقيقة، بل حقيقة عندهم رطب وعنب لكن فيها حموضة، والحموضة
حالة خلية كما أن السكر حالة خمرية.
والشارع جعل السكر علة للحرمة والنجاسة من دون فرق بين درجته
القوية والضعيفة، وما يعرفه أهل الفن - أو الكل - يتحصل، وذلك من مجرد شربه،
أو من الإكثار من شربه ولو غاية الإكثار يحدث في مزاج كل من يشرب أو
الغالب أو بعض من يشرب، بل ولو كان نادرا، إذ لعل كل من يشرب مزاجه
مزاج النادر، فحرم مطلقا، حسما لمادة الفساد، ويظهر ذلك من ملاحظة
الأخبار (1) والأحكام المتعلقة بالمسكرات كما حققناه في الرسالة (2).



(1) لاحظ! بحار الأنوار: 76 / 123.
(2) أي: رسالة العصير التمري والزبيبي - مخطوطة -.
682
قوله: ويدل عليه أيضا بعض الروايات، مثل: رواية جعفر بن أحمد
المكفوف، قال: " كتبت إليه - يعني أبا الحسن الأول (عليه السلام) - أسأله عن السكنجبين،
والجلاب، ورب التوت، ورب الرمان، ورب التفاح (1)، فكتب: حلال " (2)، وفي
رواية أخرى له عنه (عليه السلام)، وزاد: " رب السفرجل إذا كان الذي يبيعها غير
عارف، وهي تباع في أسواقنا، فكتب: جائز، لا بأس بها " (3). وفيهما مع الغليان
خلاف، والمشهور الحل، ويؤيده الأصل والعمومات وحصر المحرمات في
الآية (4)، والأخبار كثيرة (5)، وقيل بالتحريم، بل يظهر أيضا القول بالنجاسة من
" الذكرى " (6).. إلى آخره (7).
بل ادعى بعض الفضلاء: عدم تحقق خلاف في التمري، وقال: بل
الأصحاب يذكرون تحريمه بعنوان الاحتمال في المسألة والاستشكال، لا نقل
القول، وأما الزبيبي ففيه - لغة - خلاف نادر.
وفيه:
أولا: إنهم نقلوا القول - مثل الشارح وغيره (8) - بل نقلوا القول بالنجاسة



(1) في المصدر إضافة: (ورب السفرجل).
(2) الكافي: 6 / 426 الحديث 1، تهذيب الأحكام: 9 / 127 الحديث 551، وسائل
الشيعة: 25 / 366 الحديث 32138، مع اختلاف يسير في ترتيب الألفاظ.
(3) الكافي: 6 / 427 الحديث 2، تهذيب الأحكام: 9 / 127 الحديث 552، وسائل الشيعة:
25 / 367 الحديث 32139.
(4) الأنعام (6): 145.
(5) لاحظ! وسائل الشيعة: 25 / 366 الباب 29 من أبواب الأشربة المحرمة.
(6) ذكرى الشيعة: 11.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 202 - 203.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 203، الروضة البهية: 7 / 322.
683
أيضا، مع أن العصيرات كثيرة، فلا وجه للتعرض للتمري والاستشكال فيه
بخصوصه، والحكم بعدم الإشكال في غيره أصلا، على أنه نقل القول بوجوب الحد
على شاربه حد شارب الخمر (1).
وثانيا: إنا لم نجد القول بحليتهما إلا من الفاضلين (2) وبعض من وافقهما (3)،
ولم نطلع على عبارات باقي الأصحاب وما نقلوها في مقام ادعاء الشهرة، حتى
ننظر إليها ونرجع ونراهم يقنعون في النسبة إلى الشهرة بمجرد ما رأوه في كتب
الفاضلين.
مع أن عبارة " دروس الشهيد " ربما تشعر بخلاف ذلك، حيث نسب القول
بحلية التمري - مع كونها مقتضى الأصل والكتاب والسنة والإجماع وحكم العقل -
إلى القيل (4)، مع أن الحلية لا تحتاج إلى التعرض لذكرها، لما أشرنا، ولأنه خلاف
طريقتهم من التعرض، لذكرها دون ذكر الحرمة، إذ التعبير بكذا يرتكبونه في
موضع يقتضي الأصل والأدلة وكلام الأصحاب الحرمة.
وأما الزبيبي، فقد حكم بالحرمة من دون إشارة إلى خلاف فيما إذا نش، بل
نقل الخلاف في صورة الغليان خاصة، وفيه شهادة على عدم اعتداده واعتنائه
بالخلاف في صورة النشيش (5).
مع أن الحلية هي الموافقة للأصل والأدلة التي أشرنا إليها، مضافا إلى



(1) لاحظ! رياض المسائل: 2 / 483.
(2) شرائع الإسلام: 4 / 169، إرشاد الأذهان: 2 / 180.
(3) لاحظ! رياض المسالك: 2 / 291.
(4) الدروس الشرعية: 3 / 17.
(5) لاحظ! الدروس الشرعية: 3 / 17.
684
شهرتها بين الأصحاب - على ما يقولون - والشهرة عند الشهيد حجة (1).
هذا كله، مضافا إلى عدم دليل على الحرمة - كما تدعون - سيما وأن يعارض
تلك الأدلة، ولعل هذا من الشهيد (رحمه الله) بناء على أنه يظهر من الفاضلين في المقام
المسامحة في نقل الأقوال والأدلة، لأن الحلية كانت في نظرهما جلية، فما اعتنيا
بقول الحرمة، ومنشئه كما وقع من الشهيد بالنسبة إلى قولهما، وكثيرا ما يفعلون
كذا، سيما في كتب فتاويهم.
ويشير إلى مسامحتهما أن الصدوق في أول " الفقيه " عند ذكر الوضوء بماء
التمر، قال: (والنبيذ الذي يتوضأ به وأحل شربه هو الذي ينبذ بالغداة ويشرب
بالعشي، وينبذ (2) بالعشي ويشرب بالغداة) (3).
وهذا الكلام في غاية الظهور في منعه عن شرب ماء التمر لو زاد مكثه عما
ذكر، ويدل عليه الأخبار المستفيضة (4).
وأهل السنة أيضا رووا في صحاحهم مضمون هذه الأخبار عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (5)، وهو مذهب الكليني (رحمه الله) أيضا كما يظهر من " الكافي " (6)، بل وربما
كان مذهب الشيخ أيضا، حيث ذكر الأخبار على وجه ظاهره الاعتماد عليها من
دون توجيه (7).



(1) لاحظ! ذكرى الشيعة: 5.
(2) كذا، وفي المصدر: (أو ينبذ).
(3) من لا يحضره الفقيه: 1 / 11 ضمن الحديث 20.
(4) لاحظ! مستدرك الوسائل: 1 / 209 الباب 2 من أبواب الماء المضاف.
(5) صحيح مسلم: 13 / 173 و 179، سنن ابن ماجة: 2 / 1126 الحديثان 3391
و 3399.
(6) الكافي: 6 / 415 الحديثان 1 و 2 و 416 الأحاديث 3 - 5.
(7) تهذيب الأحكام: 9 / 121 الحديث 522.
685
وهذا المذهب أدلته تناقض مذهب الفاضلين من وجوه:
الأول: قصرهما الحرمة في صورة السكر، وبهذا المكث لا يصير مسكرا
عندهما جزما.
الثاني: ظاهرهما أن النبيذ الحلال منحصر فيما ذكر، والباقي داخل في الحرام
الذي هو مذهب الشيعة ويظهر من أخبارهم (1).
الثالث: إذا كان حراما بمجرد ازدياد المكث، كان حراما بالنشيش بطريق
أولى، لأنه لا يحصل - عادة - إلا فيما زاد المكث عما ذكر، بل وربما كان منشأ المنع
هو مظنة النشيش، كما فهم الشهيد (رحمه الله)، حيث قال في " الدروس " عند تحريم
الفقاع: (وفي رواية شاذة حل ما لم يغل، وهي محمولة على التقية أو على ما لم يسم
فقاعا كماء الزبيب قبل غليانه، ففي رواية صفوان، عن الصادق (عليه السلام): " حل
الزبيب إذا نقع غدوة وشرب بالعشي، أو ينقع بالعشي ويشرب غدوة " (2)) (3)
انتهى.
ويظهر من كلامه أن بعد النشيش يصير فقاعا، وهو حرام بالإجماع وإن لم
يسكر، كما يظهر من فتاوي الأصحاب (4).
ولعل هذا هو السر في تخصيص الشهيد نقل الخلاف في صورة الغليان.
ومما يشير إلى مسامحتهم، جعلهم منشأ احتمال الحرمة القياس،
واستشكالهم من جهته، مع أنه حرام بالضرورة، مع أن السني العامل به لا يعمل
بمثله، لعدم ظهور الجامع بين العصير وبينهما بالخصوص، دون ماء العسل وماء



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 25 / 288 الباب 5 من أبواب الأشربة المحرمة.
(2) الكافي: 6 / 408 الحديث 7، وسائل الشيعة: 25 / 337 الحديث 32064.
(3) الدروس: 3 / 16.
(4) لاحظ! مسالك الأفهام: 2 / 196.
686
الشعير وما ماثلهما من الأنبذة.
وبالجملة، السني لا يعمل به، فضلا عن أن يخرج به عن تلك الأدلة القوية،
مضافا إلى أن مثل هذا لو صار منشأ للإشكال في مثل ما نحن فيه ليقع الإشكال في
غالب الأحكام، ولم يعهد ذلك منهم، مضافا إلى أنه ورد أخبار كثيرة تشير إلى
الحرمة، منها ما أشرنا، ومنها ما سنشير إليه، ودلالتها ظاهرة.
وعلى فرض عدم تمامية الدلالة، لم يكن أسوأ حالا من القياس الحرام
بالضرورة، الفاسد عند أهل السنة أيضا (1)، بل لا شك في أنها أولى بالتعرض إلى
ذكرها بمراتب شتى.
فإن قلت: لعل المحرم حرم بهذا القياس، وهم ذكروا تبعا له.
قلت: أولا: إنك أنكرت القائل بالحرمة في التمري، ونسبت تحريم الزبيبي
إلى الشاذ، والشاذ استدل برواية علي بن جعفر (2).
وثانيا: إنا قد أشرنا إلى قول الصدوق، والكليني، بل والشيخ أيضا (3)،
وأن دليلهم الأخبار المستفيضة، وكذا إلى قول " الدروس "، ودليله رواية
عمار (4).
وثالثا: إن الكليني والشيخ رويا ما دل على حرمتهما على وجه لم يبق
للملاحظ شك ولا شبهة في أنهما عاملين بمضمونها، وما ظهر منها، من دون
تعرض إلى توجيه، إذ لو كان غرضهم المعنى التوجيهي مثلكم لتعرضوا لذكره



(1) لاحظ! المحصول في علم أصول الفقه: 5 / 117 - 119.
(2) الكافي: 6 / 421 الحديث 1، وسائل الشيعة: 25 / 295 الحديث 31945.
(3) راجع الصفحة: 679 من هذا الكتاب.
(4) تهذيب الأحكام: 9 / 116 الحديث 502، وسائل الشيعة: 25 / 373 الحديث
32160.
687
قطعا، بل قال الكليني: باب صفة الشراب الحلال، وأتى بالأخبار الظاهرة (1).
وبالجملة، الظاهر أنهما من المحرمين بالنشيش والغليان أيضا (2)، فتأمل.
سلمنا، لكن لا وجه لنقلهم ذلك منشأ الإشكال ومتابعتهم، بل كان اللازم
عليهم الإنكار الشديد على المحرم في استدلاله هكذا، أو حكمه بالحرمة،
والإخراج من الأصل والأدلة العظيمة بمجرده.
بل كان اللازم عليهم اظهار عدم الفرق بينهما وبين غيرهما من الربوبات
المباحة، لا أن يستشكلوا ثم يقولوا: الأقرب الحل.
بل قال العلامة في جواب مسائل السيد مهنا: (وأما الزبيب، فالأقرب
إباحته مع انضمام غيره)، ويظهر منعه عن الخالص، وهو محل النزاع، واستشكاله
في المخلوط أيضا، لأن الناس في جميع الأزمان والأصقاع يستعملونه من غير
نكير.
وقال ولده (رحمه الله) في " حاشيته " أنه سأله عن العصير الزبيبي فظهر منه التوقف
والتورع.
وحكم فخر المحققين بالإباحة من جهة أن تحريمه يوجب الحرج في
الدين (3).
فظهر مما ذكر حال ما ادعاه بعض الفضلاء، مضافا إلى أن الشهرة مبنية
على كون العصير صار حقيقة في العنبي، كما أشرنا في الحاشية - وفيه مناقشة
ستعرف - وكذا مبنية على كون الأصل في النبيذ الحلية، وفيه ما مر، فتأمل!



(1) الكافي: 6 / 424.
(2) لاحظ! الكافي: 6 / 419، النهاية للطوسي: 590.
(3) إيضاح الفوائد: 4 / 512.
688
قوله: بل يظهر أيضا القول بالنجاسة من " الذكرى " (1)، والظاهر
الطهارة.. إلى آخره (2).
وقيل بأنه يحد شاربه حد شارب الخمر (3).
قوله: والمراد منه العصير العنبي، كما يفهم من كلامهم، ومن ظاهر
الأخبار، ولهذا ما قال أحد بالعموم إلا ما أخرجه الدليل، وما استدل القائل بعدم
إباحتهما بتلك العمومات، وما استدل له بها أيضا، فكأن العصير عندهم مخصوص
بالعنب بالوضع الثاني، فتأمل (4).
يخدشه أن أهل اللغة مع شدة عنايتهم في ضبط المعاني - حتى أنهم ضبطوا
المجازات المستعملة، والعبادات مع أنها وظائف شرعية - لم يتحقق لأحد منهم إلى
ذلك إشارة، وأيضا ورد في غير واحد من الأخبار التقييد بالعنبي (5)، وفيه إشارة
إلى بقاء عدم النقل، والتأكيد خلاف الأصل والظاهر.
وأيضا، لفظ " كل "، و " أي " في الأخبار ربما يشعران بعدم الاختصاص،
وإن أمكن التوجيه، لأنه توجيه، لا من الاحتمالات الظاهرة.
وأيضا، ما يظهر من الأخبار هو الاستعمال فيه، وهو أعم من الحقيقة، وإن
بلغ من الكثرة غايتها، كاستعمال العام في الخاص، حتى قيل: ما من عام إلا وقد
خص، والاستعمال في العنبي في معدود من الأخبار، مع أن استعمال الكلي في الفرد
حقيقة إذا أريد الخصوصية من القرينة. فلعل ما نحن فيه منه، سيما والأصل



(1) ذكرى الشيعة: 13.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 203.
(3) لاحظ! رياض المسائل: 2 / 483.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 203.
(5) لاحظ! الكافي: 6 / 393 الحديثان 1 و 2.
689
الحقيقة، مع أن الاستعمال في بعضها من باب استعمال الكلي في الفرد بلا شك.
وأيضا، لفظ الكلي في الغالب ينصرف عند الإطلاق إلى الفرد الغالب، أما
مع لفظ كل، وأي، والجميع، وقاطبة.. وأمثاله، فلا، كما تقول: بع بالنقد منا،
فاللفظان ينصرفان إلى الغالب، بخلاف ما لو قلت: بع بأي نقد، وكل من.
فلعل العنبي يكون من الشائع الغالب، وهذا هو الظاهر، فالظهور لعله من
هذه الجهة.
وأيضا، نظائر العصير من المشتقات، مثل: طبيخ والمطبوخ والمأكول
والمشروب وأمثالها، لا شك في انصرافها إلى ما هو الشائع الغالب، وهو أنواع
متعددة، فإذا أطلق على نوع لم يصر حقيقة فيه، كما أنه لم يصر حقيقة فيما هو
الشائع، كما إذا قلت: عندي مطبوخ أو أكلت الطبيخ.. إلى غير ذلك، وأردت
نوعا خاصا من أنواعه المتعارفة لم يصر حقيقة فيه، وإن قلت ذلك مكررا كثيرا.
فعلى هذا، لا مانع من الاحتجاج بالعموم إلا بالنسبة إلى الأفراد الغير
الشائعة، وكون التمري والزبيبي من غير الشائع محل نظر، لأنهما أكثر تحققا في بلد
الراوي والمعصوم من العنبي بمراتب شتى، وإن كان العصير في العنبي أكثر منه فيهما
بمراتب شتى، سيما مع القاعدة المقررة المرعية من الحمل على أقرب المجازات.
مع أنه لا مانع من أن يكون الإطلاق ينصرف إلى العنبي، لشيوع العصر
فيه، لكن مع لفظ " كل "، و " أي " ينصرف إلى جميع ما هو من الأفراد الشائعة
التحقق، لأولوية العنبي بالنسبة إلى مفهوم العصر.
وبالجملة، لا يجب أن يكون الأفراد الشائعة متساوية في انسياق الذهن
إليها، فإنا نرى أن لفظ الطبيخ عند الإطلاق ينصرف إلى طبيخ الأرز، والذهن
ينساق إليه، لكونه أكثر شيوعا، لكن إذا قيل: كل طبيخ، وأي طبيخ، ينساق

690
الذهن إلى الطبيخات المتعارفة.
ومما ذكر ظهر حال استدلالهم على تحقق النقل، بأنه لولا ذلك لزم زيادة
التخصيص عن القدر الذي جوزه أكثر الأصوليين، مضافا إلى أنه إثبات اللغة
بالاستدلال، وهو فاسد عندهم.
مع أن من جملة أدلة المحللين قوله تعالى: * (إنما حرم عليكم) *. الآية (1)
وأشباهه من العمومات، وفيها من التخصيص الزائد ما لا يخفى، هل يجوز لأحد
أن يثبت وضعا جديدا لكلمة الحصر بالآية؟!
مع أن منع الأصولي إن كان مطلقا، فهو فاسد قطعا، لتأتي العلاقة المصححة
لاستعمال العام في فرد - فضلا عن أكثر - بلا شبهة عند أرباب اللغة والعرف، وكثر
الاستعمال كذلك (2)، وإن كان منعهم في صورة عدم اظهار تلك العلاقة، لانسباق
الذهن إلى العلاقة المتعارفة، فلعله له وجه، إلا أنه غير مضر بالنسبة إلى أخبارنا،
لأن المعتبر حال المخاطب، فلعله اطلع على ما لم نطلع.
والمدار في الأخبار على هذا، لأن المدار على خلاف ما يظهر منها نفسها
غالبا، بل وربما كان الاحتمال بالنظر إلى نفسها بعيدا جدا.
واستدلوا أيضا، بحديث " الخمر من خمسة: العصير من الكرم.. " (3)، وفيه
ما فيه، لأن المراد هو الخمر بعينها، ولعله اسم من أساميها، كما يظهر من
الصدوقين (4).



(1) النحل (16): 115.
(2) في ألف، ب، ج: (وكثير الاستعمال كذلك).
(3) الكافي: 6 / 392 الحديثان 1 و 3، تهذيب الأحكام: 9 / 101 الحديث 442، وسائل
الشيعة: 25 / 279 الحديث 31907.
(4) من لا يحضره الفقيه: 4 / 40 ذيل الحديث 131.
691
مع أن ثبوت الوضع منه للعصير دون الخمر تعسف، وهو أحد القولين
لأهل اللغة (1)، والفقهاء والأخبار متعارضة فيه، وقد نصوا على أن خمر أهل الهند
من النارجيل، وأهل اليمن من الذرة.. وهكذا.
فعلى هذا، يتحقق ضعف آخر في احتجاجكم، لأن أكثر تلك الأخبار أن
العصير صار خمرا بأن الخمرية صارت قرينة.
وأما كلام الفقهاء، فلم نجد إلا من جمع منهم (2)، ولعله استنباط منهم من
الأخبار، كاستنباطكم مع مخالفته لطريقتكم وقواعدكم - كما ظهر مما ذكرنا -
مضافا إلى أنهم لا يحكمون بثبوت الحقيقة الشرعية بكونه الشئ حقيقة عند
المتشرعة، وإن استعمل في الأخبار فيها كثيرا.
وكلماتهم مشحونة في مقام النزاع والجدال من منع مثل كون الوجوب
حقيقة في المعنى الاصطلاحي، وكذا السنة، والطهارة وأمثالها مع كونها حقيقة
عند جميع المتشرعة، حتى النساء والصبيان في كل عصر ومصر.
والاستعمال في الأخبار أكثر من أن يحصى، ومدار المجتهدين في مقام
الاستنباط الحمل على هذا المعنى، مع أن المثبت للحقيقة الشرعية مطلقا لا يثبتها
بالنسبة إلى ما هو اصطلاح الفقهاء فقط، ولذا لا يكتفون بتعريفاتهم للعقود
والإيقاعات، وغير ذلك بأنه لغة كذا، وشرعا كذا وكذا، بل يطالبونهم بدليل كل
قيد قيد، فإن لم يثبت ينفون اعتباره.
ومما يؤيد عدم الاختصاص، أن مرادفه بالفارسية - وهو " شيره " - أعم
من العنبي والتمري والزبيبي، والإطلاق [ينصرف] إلى الأعم، فتأمل!



(1) لاحظ! مجمع البحرين: 3 / 406.
(2) لاحظ! كفاية الأحكام: 251، مسالك الأفهام: 2 / 196، كشف اللثام: 2 / 269.
692
وقوله: (ولهذا ما قال أحد بعمومه) (1)، إن أراد المتأخرين، ففيه ما مر.
وإن أراد القدماء، فهو شهادة نفي، لأنه لم يظهر حالهم، فلعل المحرم كان يعتقد
العموم.
فإن قلت: لو كان كذلك لاستدل به، ولا يقول بالقياس الحرام الفاسد عند
القائل به.
قلت: ليس هذا دليلهم، بل يجب تنزيه مثل أبي حنيفة عن مخالفة الكتاب
والسنة والإجماع والأصول المسلمة بمثل هذا القياس، فضلا عن الشيعة، فضلا
عن القدماء منهم، سيما مع وجود أدلة شرعية، كما ستعرف.
وقد أشرنا في الحاشية أن الفاضلين ومن تبعهما في المقام في مقام المسامحة (2)،
فتأمل!
قوله: وعلى تحريم عصير التمر بالقياس، فهي - مع وجود سهل بن زياد في
طريقها - غير دالة إلا بمفهوم ضعيف في كلام السائل، لا الإمام (3)، فإن قلنا (4)
بصحة الاستدلال بمفهوم كلام السائل بالتقرير (5) فالدلالة ضعيفة جدا، فإن مثل
هذه الدلالة للحكم الذي ثبت خلافه بالعقل والنقل، من الأصل والكتاب والسنة
والإجماع غير معتبر جزما.. إلى آخره (6).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 203، وفيه: (ولهذا ما قال أحد بالعموم)، وقد مرت
الإشارة إليه آنفا.
(2) راجع الصفحة: 685 من هذا الكتاب.
(3) أي في رواية علي بن جعفر، عن أخيه (عليه السلام): الكافي: 6 / 421 الحديث 10، وسائل
الشيعة: 25 / 295 الحديث 31945.
(4) كذا، وفي المصدر: (وإن قلنا).
(5) كذا، وفي المصدر: (للتقرير).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 203.
693
لا ضعف في سهل وحققناه في الرجال (1)، والدلالة وإن كانت ضعيفة، لكن
لا يخلو بعد من دلالة ما، من جهة سؤال مثل علي بن جعفر عن مثل هذا الحكم
المخالف للأصل والكتاب والسنة والإجماع - بحسب الظاهر - وفيه شهادة على
اشتهار ذلك في ذلك الزمان عند الشيعة، وأن ذلك صار منشأ لسؤال مثل هذا
الجليل، والمعصوم (عليه السلام) قرره.
ويقوي الدلالة، ورود هذا المعنى في غير واحد من أخبارهم (2)، فإن
الأخبار بعضها يعاضد بعضا، وتبين المراد منه، فتأمل!
وحكاية شرب السنة سيجئ الكلام فيها، فلاحظ!
قوله: ومثلها رواية إسحاق بن عمار، قال: " شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام)
بعض الوجع، فقلت له: إن الطبيب وصف لي شرابا، آخذ الزبيب وأصب عليه
الماء للواحد اثنين، ثم أصب عليه العسل، ثم أطبخه حتى يذهب ثلثاه فيبقى
الثلث (3)، فقال: أليس حلوا؟! قلت: بلى، قال: اشربه، ولم أخبره كم العسل " (4)،
بل يمكن فهم الحل مطلقا من قوله (عليه السلام): " أليس حلوا؟! "، فافهم.. إلى آخره (5).
الظاهر أن مراده أنه علة منصوصة. وفيه، أن العنبي أيضا حلو وليس
بحلال قطعا، فما توهم كونه العلة ليس بعلة، فالعلة غير ظاهرة، فضلا عن النصية،
لأن التخصيص من لوازم العموم، ويقتضي كون اللفظ مستعملا في خلاف ما
وضع له، ولا بد من قرينة معينة للمراد.



(1) تعليقات على منهج المقال: 176.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 25 / 288 الباب 5 من أبواب الأشربة المحرمة.
(3) كذا، وفي المصادر: (ويبقى الثلث).
(4) الكافي: 6 / 426 الحديث 4، وسائل الشيعة: 25 / 291 الحديث 31933.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 204.
694
فعلى تقدير صحة جعل العلة عاما، يكون حال تخصيصه حال تخصيص
العام، فتدبر.
على أنه ورد في الصحيح: " إذا كان حلوا يخضب الإناء، وقال صاحبه: قد
ذهب ثلثاه، فاشرب " (1)، فالظاهر أن مراده (عليه السلام) من قوله: " أليس حلوا " أن
إشرب ما دام هو حلو لم يتغير، كما ورد عنهم (عليهم السلام) في شراب السنة أنه بعد ذهاب
ثلثي العصير الذي فيه وثلثي نفس الشراب لا بأس بشربه، ما لم يتغير (2).
فظهر من هذا فساد التأويل البعيد الذي ارتكبه المحللون للتمري والزبيبي
بالنسبة إلى روايات عمار المتضمنة للأمر بذهاب الثلثين بالغليان (3)، حتى يحل
الشرب وغيره من الاستعمالات المحرمة قبل ذهاب الثلثين - على ما هو الظاهر
منها - بأن يكون الأمر بالإذهاب لأجل أنه قبل ذهاب الثلثين ربما يعرضه السكر
بسبب المكث وطوله.
وبهذا وجهوا رواية علي بن جعفر (4) أيضا، إذ قد عرفت أن بعد ذهاب
الثلثين أيضا ربما يعتريه السكر، فلذا أمروا بالشرب ما لم يتغير.
مع أنه ينافي هذا التأويل ما في إحدى رواياته، من قوله (عليه السلام): " وإن
أحببت أن يطول مكثه عندك فروقه " (5) أي صفه، وكذا قوله (عليه السلام) في تلك الرواية:



(1) الكافي: 6 / 420 الحديث 6، تهذيب الأحكام: 9 / 121 الحديث 523، وسائل
الشيعة: 25 / 293 الحديث 31939.
(2) لاحظ! الكافي: 6 / 421 الحديث 10، تهذيب الأحكام: 9 / 121 الحديث 522،
وسائل الشيعة: 25 / 295 الحديث 31945.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 204، وسائل الشيعة: 25 / 379 الحديث 32174.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 203، وسائل الشيعة: 25 / 295 الحديث 31945.
(5) الكافي: 6 / 424 الحديث 1، وسائل الشيعة: 25 / 289 الحديث 31930.
695
" فإذا كان أيام الصيف وخشيت أن ينش.. إلى آخره " (1)، إذ النشيش عندهم
مثل الغليان لا يحرم، على أن التفرقة بين ذهاب الثلثين في العنبي وذهابهما في
التمري والزبيبي خلاف الإنصاف.
مع أنه لو كان الأمر على ما قلتم لكان العنبي أولى بالأمر بإذهاب الثلثين،
لئلا يعتريه السكر، مع أنا لم نجد فيه إلا أنه لو غلا حرم حتى يذهب الثلثان،
فتأمل!
ومما يقوي دلالة هذه الروايات، بل متنها، ما يدل على الحرمة، فلاحظ،
وتأمل ما مر في حاشيتنا على نجاسة العنبي (2)، وحاشيتنا على دعوى شهرة حلية
التمري والزبيبي (3).
ويقويها أيضا، ما رواه زيد النرسي، عن الصادق (عليه السلام): " عن الزبيب يدق
ويلقى في القدر ويصب عليه الماء، قال: حرام حتى يذهب ثلثاه، قلت: الزبيب
كما هو يلقى في القدر، قال: هو كذلك إذا أدت الحلاوة إلى الماء فقد فسد، كلما غلى
بنفسه أو بالنار فقد حرم، إلا أن يذهب ثلثاه " (4) وهذه صريحة في المدعى، ومن
جهة السند يكفي لتقوية الدلالة، إذ الأحاديث الضعيفة تؤيد وتقوي، لو لم نقل
بحجيتها.
والقرائن في الأخبار بحسب دلالتها، في الغالب أمور ربما لا تخلو عن



(1) راجع الهامش السابق!
(2) راجع الصفحة: 678 من هذا الكتاب.
(3) راجع الصفحة: 683 من هذا الكتاب.
(4) بحار الأنوار: 63 / 506 الحديث 8، مستدرك الوسائل: 17 / 38 الحديث 20676،
وفيه اختلاف واضح في المتن، ولكن أورده بهذه الألفاظ - المذكورة هنا - في: الحدائق
الناضرة: 5 / 158.
696
الضعف، بل وربما كان أضعف من هذه الرواية، سيما مع انضمامها إلى ما أشرنا
سابقا وما سنشير إليه، مع أن هذه الرواية لا تخلو عن القوة، كما ستعرف.
ومما يقوي تلك الروايات، ما في " النهاية الأثيرية ": (وفي حديث النبيذ:
" إذا نش فلا تشرب "، أي إذا غلى) (1). انتهى.
وأهل السنة ليسوا متهمين في نقل مثل هذه الرواية عن الرسول، لأنهم لا
يقولون بالحرمة بمجرد النشيش، بل الرواية مناسبة لمذهب الشيعة ورواياتهم عن
الأئمة (عليهم السلام) وورد منهم (عليهم السلام) أنه " إذا ورد عليكم الرواية ما خالف القوم فخذوا
بها " (2)، وورد: " إن وجدتم من السنة ما يشبهها ويشهد لها فاقبلوا " (3).
وبالجملة، كفى في قوة هذه الرواية أن يكون الخصم المنكر بالمرة راويها.
ومما يقوي، صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه (عليه السلام): " عن الرجل يصلي إلى
القبلة، ولا يوثق به (4) أتى بشراب زعم أنه على الثلث (5)، قال: لا يصدق إلا أن
يكون مسلما عارفا " (6)، حيث قال: " بشراب " بعنوان النكرة، مع عدم صيرورة
الشراب حقيقة في العصير العنبي.
بل قال الكليني: (باب صفة الشراب الحلال) (7)، ولم يأت في الباب إلا



(1) النهاية في غريب الحديث والأثر: 5 / 56.
(2) وسائل الشيعة: 27 / 118 الحديث 33363، مع اختلاف يسير.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 123 الحديث 33381، وفيه: " إذا جاءك الحديثان
المختلفان فقسهما على كتاب الله وأحاديثنا، فإن أشبهها فهو حق.. "، حيث نقله المحشي هنا
بالمعنى.
(4) كذا، وفي المصدر: (لا يوثق به).
(5) كذا، وفي المصدر: (يزعم أنه على الثلث، فيحل شربه؟..).
(6) تهذيب الأحكام: 9 / 122 الحديث 528، وسائل الشيعة: 25 / 294 الحديث
31943.
(7) الكافي: 6 / 424.
697
التمري والزبيبي في كلامه هذا في عنوان الباب، والإتيان بتلك الأخبار دلالة
واضحة على أن الكليني من القائلين بحرمة التمري والزبيبي بالغليان، كما أشرنا (1).
ويؤيده أيضا، رواية هذا الراوي بعينه حكاية الزبيبي مع اعتقاده احتياجه
إلى ذهاب الثلثين، كما مر (2).
على أن الظاهر من الأخبار أن الشراب ليس مختصا بالعنبي، بل وربما كان
ظاهره في غيره عند الإطلاق، - كما هو الظاهر من الكليني - مثل رواية مولى حر
ابن يزيد (3)، قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) [فقلت له]: إني أصنع الأشربة من
العسل وغيره، وأنهم يكلفوني صنعتها (4)، قال: اصنعها وادفع إليهم (5)، وهي
حلال قبل أن تصير مسكرا " (6)، وبهذه الرواية احتج المحللون للتمري والزبيبي،
وسيجئ الجواب عنه (7).
ومما يقوي أيضا، موثقة عمار، عن الصادق (عليه السلام) (8): بمضمون صحيحة علي
ابن جعفر، إلا أنه أتى في موضع " بشراب " " بالشراب "، والتقريب ما تقدم،
مضافا إلى أن راوي تلك الروايات هو عمار هذا الرجل (9).



(1) راجع الصفحة: 687 من هذا الكتاب.
(2) راجع الصفحة: 687 من هذا الكتاب.
(3) كذا في تهذيب الأحكام، بيد أنه ورد في وسائل الشيعة: (مولى جرير بن يزيد).
(4) كذا، وفي المصدر: (فإنهم يكلفونني صنعتها، فأصنعها لهم؟).
(5) كذا، وفي المصدر: (فقال: اصنعها وادفعها إليهم).
(6) تهذيب الأحكام: 9 / 127 الحديث 548، وسائل الشيعة: 25 / 381 الحديث
32179.
(7) أنظر الصفحة: 703 من هذا الكتاب.
(8) تهذيب الأحكام: 9 / 116 الحديث 502، وسائل الشيعة: 25 / 294 الحديث
31942.
(9) كذا.
698
ويقوي أيضا، صحيحة ابن أبي يعفور، عن الصادق (عليه السلام): " إذا شرب
الرجل النبيذ المخمور، فلا يجوز شهادته في شئ من الأشربة، وإن كان يصف ما
تصفون " (1).
ولا يخفى أن المراد شهادته في ذهاب الثلثين، على ما يظهر من تتبع الأخبار
الكثيرة من أنه المعهود عند الشيعة، لا الشهادة على نفي السكر، لأنها أمر غريب
بالنسبة إلى الأخبار، بل بحسب الواقع أيضا، مضافا إلى أنها شهادة نفي، إذ لعله
ما أسكر في مزاجه ويسكر في مزاج غيره، أو حدث السكر حين الشهادة، أو
أسكره سكرا ضعيفا فلم يتفطن به.
وبالجملة، التغير السكري (2) يتفاوت بتفاوت الأزمنة، وكيفية السكر شدة
وضعفا، وسرعة وبطء، وقوة الدماغ وضعفه، وكمية المشروب، وغير ذلك، مثل
أنه كان أكل شيئا يمنع من تأثير المسكر، وقد صرح الأطباء بذلك.. إلى غير ذلك.
والفقهاء صرحوا بأن المعتبر في السكر هو غالب الأمزجة والأزمنة، فما لا
يغير إلا بعض الأذهان أو في بعض الأزمنة لا يحرم، أو أي مزاج يكون وأي وقت
يكون فيحرم مطلقا (3).
وعلى التقديرين لا يتأتى الشهادة على النفي.
ومما يقوي، حسنة عقبة بن خالد، عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: " ما طبخ على
ثلثه، فهو حلال " (4) جوابا عن سؤاله عن العصير المخلوط بالماء، غلى حتى ذهب



(1) الكافي: 6 / 421 الحديث 8، تهذيب الأحكام: 9 / 122 الحديث 527، وسائل
الشيعة: 25 / 294 الحديث 31941.
(2) في النسخ: (لتغير السكري)، ولعل ما أثبتناه هو الصحيح.
(3) راجع! المهذب البارع: 5 / 80، الروضة البهية: 9 / 197.
(4) الكافي: 6 / 421 الحديث 11، تهذيب الأحكام: 9 / 121 الحديث 521، وسائل
الشيعة: 25 / 295 الحديث 31944، وفيها: (ما طبخ على الثلث فهو حلال).
699
ثلثاه، وفيه إيماء إلى عدم الاختصاص بالعصير العنبي، حيث أتى بأداة العموم في
الجواب، والسؤال ليس بمخصص عند المحققين، فتأمل!
على أن ما ذكرناه أكثرها - في الحقيقة - أدلة فقهية تصلح للاستناد إليه
بخصوصه.
وبالجملة، بعد الإحاطة على جميع ما أشرنا إليه لعله لا يبقى مجال للتأمل.
والاعتراض (1) على رواية النرسي بأن أصله لم يروه الصدوق وابن الوليد،
وكان يقول: (وضعها محمد بن موسى، ومن ثم لم يذكر هذه الرواية في الكتب
الأربعة ولا أسند إليها في كتب الاستدلال) (2) انتهى. فيه، أن أصل ترك الرواية
من ابن الوليد، والصدوق قلده، لحسن ظنه به، على ما صرح به في " الفقيه " (3).
وقد حققنا في تعليقتنا على رجال الميرزا ضعف تضعيفات القميين (4)،
فإنهم كانوا يعتقدون - بسبب اجتهادهم - اعتقادات من تعدى عنها (5) نسبوه إلى
الغلو، مثل نفي السهو عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو إلى التفويض، مثل تفويض بعض
الأحكام إليه، أو إلى عدم المبالاة في الرواية والوضع، وبأدنى شئ كانوا
يتهمون - كما نرى الآن من كثير من الفضلاء والمتدينين - وربما يخرجونه من قم
ويؤذونه (6).. وغير ذلك.
وأما غيرهم، فكانوا يعملون بأحاديث هؤلاء ولا يلتفتون إلى قول



(1) في النسخ: (واعتراض)، وما أثبتناه هو الصواب ظاهرا.
(2) لاحظ! الحدائق الناضرة: 5 / 146، بيد أن العبارة ليست بالنص، وإنما نقلت بالمعنى.
(3) من لا يحضره الفقيه: 1 / 5.
(4) تعليقات على منهج المقال: 8.
(5) في النسخ: (عنه)، وما أثبتناه هو الصواب.
(6) لاحظ! تعليقات على منهج المقال: 43.
700
القميين أصلا، كالكليني والشيخ وغيرهما من المشايخ، فإنهم رووا عن سهل بن
زياد والبرقي وأمثالهما ما لا يحصى عددا، واعتمدوا عليها، وأفتوا بها، ومنها
حديث غدير خم (1)، فقد قال الصدوق ما قال، وبعده إلى الآن لم يتأمل أحد فيه.
على أنهم رووا عن زيد النرسي أكثر من أن يحصى معتمدين عليها كما لا
يخفى، مضافا إلى ما ذكروه بالنسبة إلى الأصول الأربعمائة مما لا يخفى على المطلع،
ولا تأمل في أن كتاب زيد من جملة الأصول، وصرحوا به (2).
ومع ذلك، ابن الغضائري - مع إفراطه في القدح، حتى بالنسبة إلى
الأعاظم - ما قدح عليه، بل بعد ما نقل عن الصدوق أن كتابه وكتاب الزراد
موضوعان قال: (وغلط أبو جعفر في هذا القول، فإني رأيت كتبهما مسموعة من
ابن أبي عمير) (3)، وناهيك بهذا تخطئة له، واعتمادا على كتبهما.
مضافا إلى أن الشيخ في " الفهرست " - بعد ما نقل عن ابن الوليد عدم
الرواية والوضع - قال: (وكتاب زيد النرسي رواه ابن أبي عمير عنه) (4)، وفيه -
بعد التخطئة وإظهار الاعتماد - إشارة منه إلى توثيق زيد، لأنه ذكر في " عدته " أن
ابن أبي عمير لا يروي إلا عن ثقة (5).
ويؤيد الاعتماد، بل والتوثيق أيضا، ما ذكر في ترجمته بالنسبة إلى نفسه
وكتبه ونوادره، بل ومرسلاته وأنه ممن أجمعت العصابة (6)، ويستفاد من كلام



(1) الكافي: 1 / 293 الحديث 3.
(2) لاحظ! جامع الرواة: 1 / 343.
(3) نقله عنه: جامع الرواة: 1 / 343.
(4) الفهرست للطوسي: 71 الرقم 289 - 290.
(5) عدة الأصول: 1 / 386.
(6) رجال الكشي: 2 / 830 الرقم 1050.
701
الشيخ وغيره أن عدم الرواية من خصائص ابن الوليد والصدوق، فلا يصح ما
ذكره أنه (من ثم لم يذكر هذه الرواية في الكتب الأربعة).
وأما النجاشي، فلم يتعرض لذكر عدم روايتهما وحكمهما بالوضع، ولم
يعين بذلك أصلا، بل قال: (النرسي روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له
كتاب يرويه عنه جماعة، أخبرنا - إلى أن قال: - ابن أبي عمير عنه بكتابه) (1).
وفيه - مضافا إلى ما ذكرنا - شهادة واضحة على معروفية كتابه وشهرته،
وأن جماعة من الأصحاب رووا كتابه هذا من دون اختصاص بابن أبي عمير،
والاتفاق واقع من المحققين على أن النجاشي أضبط وأعرف من الكل في الرجال،
سيما ووافقه الشيخ والغضائري، مضافا إلى ما ذكرنا.
وما ذكر من عدم الذكر في الأربعة، فيه أنه كم من خبر ذكر في غيرها
وعملوا به، بل وحكموا بصحته. ولا دليل على وجوب كون الخبر في الأربعة،
وأنه لو لم يكن لم يكن حجة، إذ أدلة الحجية عامة والمخصص غير موجود قطعا،
بل المدار على ظن المجتهد واعتماده.
وبعد ما أشرنا، لم يبق للتأمل مجال في الظن والاعتماد، وقد حققنا في
التعليقة عدم اشتراط أزيد من هذا (2)، بل لم نجد أحدا اقتصر على أخبار من نص
على توثيقه ولم يتعد، مع أنا قد أشرنا إلى استفادة توثيق زيد.
على أنا نقول: ما ورد في الأربعة شاهد لهذا الخبر بحسب السند، وهو شاهد
له بحسب الدلالة، ويكفي هذا القدر من القرينة، إذ لا يجب أن تكون قطعية، ولا
أن تكون بحيث يدل على اعتبارها بخصوصها إجماع أو سنة أو كتاب، وعدم



(1) رجال النجاشي: 174 الرقم 460.
(2) تعليقات على منهج المقال: 4.
702
الذكر في كتب الاستدلال منشؤه عدم العثور، إذ لا شك في أنه خير من القياس
الذي حرمته من ضروريات المذهب، بل وهو فاسد، والعمل بمثله حرام عند
أهل السنة أيضا.
وكم من روايات في الأربعة تركوها في مقام الاستدلال، بل وربما كانت
صحيحة في اصطلاحهم، ذكرت قدرا منها في حواشينا على " المدارك "،
و " الذخيرة " وغيرهما.
قوله: [ما يدل على حل النبيذ الغير المسكر كثير]، مثل رواية أيوب بن
راشد، قال: سمعت أبا البلاد (1).. إلى آخره (2).
فيه، أن غاية ما يستفاد أن الحلال هو ما ينبذ بالغداة ويشرب بالعشي، لا
مطلقا، بل ربما يشعر بحرمة هذه الصورة، فتأمل!
قوله: قيل: الأولى الاستدلال على تحريمه ب‍: * (الخبائث) * (3)، لأن مطلق الدم
مقيد بالدم المسفوح في قوله: * (أو دما مسفوحا) * (4)، وأنت تعلم أن المطلق إنما
يحمل على المقيد، على تقدير المنافاة، ولا منافاة بين الآيتين إلا باعتبار مفهوم
الصفة (5).
قد ورد في غير واحد من الأخبار أن الطحال حرام، من جهة كونه دما (6)،
ويظهر منها - ظهورا تاما - أن الدم حرام مطلقا، ولا يتقيد بالمسفوح قطعا،
فتدبر.



(1) الكافي: 6 / 415 الحديث 2، وسائل الشيعة: 25 / 274 الحديث 31896.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 204.
(3) الأعراف (7): 157.
(4) الأنعام (6): 145.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 210.
(6) لاحظ! وسائل الشيعة: 24 / 200 الباب 48 من أبواب الأطعمة المحرمة.
703
قوله: [فلو قيل به] وبتخصيص العام بالمفهوم، ليتم الحمل، ولكن ليس
مفهوم الحجة (1)، وعلى تقديرها في التخصيص [به بحث].. إلى آخره (2).
وعلى تقدير الحجية لا عموم له، كما قاله المعظم في مفهوم الشرط (3)، فهذا
أولى بالمنع، فلعل القيد لإخراج ما يستخلف في اللحم، لأنه لم يسفح، فتدبر!
قوله: ولكن يمكن أن يكون تحريم مطلق الدم بعد نزول الحصر (4)، كما
يجاب به عن كثير من المحرمات، على أن المنافاة حينئذ موجودة مع آية الخبائث،
فما يجاب به يجاب حينئذ، فتأمل.. إلى آخره (5).
يظهر من كثير من الأخبار عدم النسخ، وبقاء الآية بحالها، منها: ما ورد في
الجري (6)، وفي الحمر الأهلية (7)، وفي الغراب (8)، وغير ذلك، لكن التأمل في
حجيتها، وإن كانت صحاحا، لترك العمل بها، وخروج القدر الذي لا يرضى به
المحققون في مقام التخصيص، واستشعار التقية، فليلاحظ!
في الجامدات
قوله: في " القاموس ": (الطين معروف، والطينة [ال‍] قطعة منه، وتطين



(1) كذا، وفي المصدر: (لكن ليس مفهومها بحجة)، وفي نسخة: (لكن ليس مفهومها الحجة).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 210.
(3) لاحظ! معالم الأصول: 77، الوافية في أصول الفقه: 232.
(4) الأنعام (6): 145.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 210.
(6) وسائل الشيعة: 24 / 130 الباب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(7) وسائل الشيعة: 24 / 117 الباب 4 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(8) وسائل الشيعة: 24 / 125 الباب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة.
704
تلطخ به) (1)، وتؤيده صحيحة معمر بن خلاد، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: " قلت
له: ما يروي الناس بالطين وكراهيته (2)؟ قال: إنما ذاك المبلول، وذاك المدر " (3)،
وهذه تدل على أنه بعد اليبوسة أيضا حرام.. إلى آخره (4).
لا يخفى على المتتبع في الأخبار والفتاوي أن المراد من الطين في المقام هو
القطعة من المدر، بل وأعم منه ومن التراب. إن عم لا يعتبر فيه وجود الماء، كما
هو الحال في المستثنى، أي طين قبر الحسين (عليه السلام)، أو طين الأرمني.
وبالجملة، لا شك في أن المراد منه الأجزاء الأرضية من غير اعتبار ماء فيه
أصلا ورأسا، وعلى فرض وجود الماء فيه فمعلوم أنه لا دخل له في الحرمة أصلا،
وينبه على ما ذكرنا حكاية الإضرار (5)، وكون آدم خلق من الأرض، فحرم عليه
أكلها (6)، وأمثال ذلك.
وكذا ما ورد من حد طين قبر الحسين (عليه السلام) (7).
ومقتضى الأخبار والفتاوي أن التراب كلها حرام (8). نعم، التراب
الممزوج بالماء في مثل شط الفرات حلال طاهر (9)، لأن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يشربون،
وكذا المسلمون جميعا في الأعصار والأمصار كانوا يشربون من بطن الشطوط، مع



(1) القاموس المحيط: 4 / 247.
(2) كذا، وفي المصادر: (في أكل الطين وكراهيته).
(3) الكافي: 6 / 266 الحديث 7، وسائل الشيعة: 24 / 220 الحديث 30386.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 234.
(5) لاحظ! وسائل الشيعة: 24 / 220 الأحاديث 30387 و 30391 و 30392 و 30398.
(6) الكافي: 6 / 265 الحديث 4، المحاسن للبرقي: 2 / 387 الحديث 2368، وسائل
الشيعة: 24 / 221 الحديث 30390.
(7) لاحظ! وسائل الشيعة: 24 / 227 الحديث 30403.
(8) لاحظ! مختلف الشيعة: 2 / 134، المهذب البارع: 4 / 219.
(9) في د، ه‍: (حلال ظاهرا).
705
أنه بعد ما ترك في الحباب وغيرها ويصفو يبقى أجزاء أرضية كثيرة تحت الماء،
سيما في أيام الربيع، وزيادة الماء من جهة الأمطار والثلج وغيره.
على أنه روى الكليني في الصحيح عن معمر الثقة، عن الكاظم (عليه السلام)، قال:
" قلت: ما يروي الناس في أكل الطين وكراهيته؟ قال: إنما ذاك المبلول، وذاك
المدر " (1).
وفي " الوافي " - بعد نقله - قال: (وكأنه أراد بحصرها في الطينين إخراج
غيرهما مما يستهلك في الدبس ونحوه) (2).
لكن، الظاهر أنه إذا كان مطرا يكون حراما، وربما كان الإضرار بالإكثار
من الشرب أو بغاية كثرة التراب فيه - كما هو المشاهد المحسوس - يتولد من شربه
أمراض المثانة والكلية والكبد، والحصى فيها.
نعم، ربما يوجب التنزه عنه الحرج في الدين والعسر، بل وربما يصل إلى ما
لا يطاق.
ومما ذكر ظهر حال التراب في الحنطة ونحو ذلك.
وكيف كان، الأحوط الاجتناب في القدر العادي أيضا، إلا أن [لا] يمكن،
أو يلزم الحرج الشديد، والله يعلم.
قوله: قال: يحرم على الناس أكل لحومهم، ويحل لهم أكل لحومنا.. إلى
آخره (3).
وفي " الغوالي ": وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: " من أكل من تربة



(1) الكافي: 6 / 266 الحديث 7، وسائل الشيعة: 24 / 220 الحديث 30386.
(2) الوافي: 19 / 134 ذيل الحديث 19087.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 237، وهي قطعة من رواية الحسن بن فضال: تهذيب
الأحكام: 6 / 74 الحديث 145، وسائل الشيعة: 14 / 528 الحديث 19752.
706
الحسين (عليه السلام) لأجل الشفاء أزيد من قدر الحمصة، فكأنما أكل من لحومنا " (1)
الحديث.
قوله: وهل يستثنى غيرها، مثل الطين الأرمني، والطين المختوم للشفاء؟
فإنهما ذكرتا في الطب علاجا لبعض الأمراض - مثل الإسهال - وهو مبني علي
تجويز الشفاء بالمحرم، على تقدير تحريمهما، وسيجئ ذلك (2).
لا يخفى أن القاءهما في الماء لا مانع فيه أصلا، ومع ذلك ورد في طب
الأئمة (عليهم السلام) بسنده عن الباقر (عليه السلام): " إن رجلا شكى إليه الزحير، فقال له: خذ من
الطين الأرمني، وأقله بنار لينة (3) واستف منه، فإنه يسكن عنك " (4).
وعنه (عليه السلام) في الزحير: " يأخذ جزءا من خربق أبيض (5)، وجزءا من بذر
[ال‍] قطونا، وجزءا من صمغ عربي، وجزءا من الطين الأرمني يقلى بنار لينة،
ويستف منه " (6).
وفي " مكارم الأخلاق " للطبرسي، عن الصادق (عليه السلام): " سئل عن طين
الأرمني يؤخذ للكسير والمبطون، أيحل أخذه؟ قال: لا بأس به، أما أنه من طين
قبر ذي القرنين، وطين قبر الحسين (عليه السلام) خير منه " (7).
قوله: وفي حديث آخر مكان " الحياء " " الجلد " (8)، قال في الشرح:



(1) عوالي اللآلي: 4 / 38 الحديث 130.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 237.
(3) في طب الأئمة: (وقليه بنار لينة)، وما هنا موافق لما في وسائل الشيعة.
(4) طب الأئمة: 65، وسائل الشيعة: 24 / 230 الحديث 30408.
(5) في طب الأئمة: (خزف أبيض)، وما هنا موافق لما في وسائل الشيعة.
(6) طب الأئمة: 65، وسائل الشيعة: 24 / 230 الحديث 30409.
(7) مكارم الأخلاق: 167، وسائل الشيعة: 24 / 230 الحديث 30410.
(8) إشارة إلى الحديث المنقول عن الصدوق، وقد نقله عن الصدوق: مختلف الشيعة: 682،
ونقله عن المقنع: وسائل الشيعة: 24 / 176 الأحاديث 30279 - 30281. بيد أن
الصدوق ذكره في: من لا يحضره الفقيه: 3 / 219 الحديث 1010، الخصال: 433
الحديث 18، المقنع: 425 بدون أن يذكر عبارة: (وفي حديث آخر مكان " الحياء " "
الجلد ") كما نقله عنه مختلف الشيعة ووسائل الشيعة.
707
(قلت: قال أهل اللغة: الحياء - بالمد - رحم الناقة، وجمعه أحيية، ولعل الصدوق
أراد به ظاهر الفرج، وبالرحم باطنه)، ثم كلامه ليس نصا على التحريم.. إلى
آخره (1).
ومن هذا حكم شيخنا الحر بحرمة الجلد من كل ذبيحة، حتى جلد الرأس
والرجل واليد، وحتى جلد الطيور (2)، وهذا في غاية الغرابة، لعدم ورود الجلد في
حديث من أحاديث الكتب الأربعة التي هي العمدة، مع أن الذي يظهر من تلك
الأحاديث هو الحل بلا شبهة، لاتفاقها على حصر المحرم في أشياء معدودة
معروفة، وليس الجلد منها قطعا.
مع أن في هذه الرواية المجهولة ذكر الجلد مكان الحياء، يعني لم يذكر فيها
الحياء - التي لا شك في حرمتها بملاحظة الأخبار (3) والإجماعات والفتاوي (4) -
وذكر مكان الحياء الجلد، فظهر ظهور.
أما أن المراد من الجلد هو الفرج والحياء، لأنه أحد معاني الجلد، وقوله
تعالى: شهد عليهم جلودهم (5) لا شبهة في كون المراد من الجلود فيه هو الفروج،



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 238.
(2) لاحظ! بداية الهداية: 2 / 314، فقد عد (رحمه الله) من محرمات الذبيحة الجلد ولم يفصل.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 24 / 171 الأحاديث 30267 و 30268 و 30272 و 30274
و 30279.
(4) لاحظ! مختلف الشيعة: 682، المهذب البارع: 4 / 217.
(5) إشارة إلى قوله تعالى: * (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم) *. السجدة (41):
20.
708
كما ورد التفسير بذلك صريحا (1) بحيث لا يبقى [شك]، والفصحاء في مقام الحياء
ربما لا يذكرون لفظ الفرج والحياء، بل يذكرون لفظ الجلد، فلو كان المراد من
الجلد غير ما ذكرنا لزم مفاسد كثيرة، ظهر بعضها مما ذكر.
ومما ينادي بذلك، الأخبار المتواترة على حلية الطيور والسمك بعد
الآيات القرآنية، ومن الضروريات العادية عدم سلخ هذين الصنفين وطبخهما
مع الجلد، بحيث لا يبقى على النساء تأمل في ذلك، فضلا عن الرجال [ف‍] هذا
عندهم من [قبيل] كون صلاة الظهر - مثلا - أربع ركعات.
فمن الأخبار المتواترة وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار، مع كثرة
وعام البلوى (2) صار من اليقينيات، بل والبديهيات، بحيث لا يمكن إنكاره إلا من
مكابر، بل غير خفي أنهم في الأعصار والأمصار كانوا يأكلون الأرجل (3)
والرؤوس أيضا مع الجلد المطبوخ معها.
مع أنه من المعلومات أن الحديث المجهول ليس بحجة - وحقق في محله - وأنه
مذهب الشيعة وأهل السنة سواء (4)، فإذا لم يكن حجة فكيف يقاوم الأدلة
المتقدمة من الأصول والعمومات المتواترة والأدلة الواضحة في المقام، بل منها
قطعي قطعا، مع أن الصحيح لو كان شاذا لا يجوز العمل به، فضلا أن يعارض به
اليقينيات؟!
وحكم (رحمه الله) بحرمة العظم (5)، ولم يرد في الأخبار المذكورة ولا الفتاوي منه



(1) راجع! مجمع البيان: 5 / الجزء الرابع والعشرون / 14.
(2) كذا في النسخ، والظاهر أن الصواب: (مع كثرة وعموم البلوى).
(3) في النسخ: (الإبل)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(4) لاحظ! عدة الأصول: 1 / 385، الفوائد المدنية: 82.
(5) بداية الهداية: 2 / 314.
709
عين ولا أثر. نعم، إن كان لا يمكن أكله أو يمكن لكن يضر ويؤذي يكون حراما
جزما من دون تأمل، ولعل عدم [ذكر] الفقهاء لهما لغاية الظهور، يعني العظام
الغير المضر [ة] اللطيفة لا دليل على حرمتها، بل مقتضى كل واحد من الأخبار
والإجماعات والأصول والعمومات حلها بلا تأمل.
وحكم بحرمة القرن والظلف أيضا (1). وفيه، أنهما ليسا من المأكولات بلا
شبهة، ولذا لم يتعرض لاستثنائهما منهما أحد من الفقهاء كالعظم غير المأكول.
قوله: مع الإرسال سهل بن زياد، ويدل على تحريم سبعة أشياء: رواية
أبي يحيى الواسطي، يرفعه (2)، قال: " مر أمير المؤمنين (عليه السلام) بالقصابين، فنهاهم
عن بيع سبعة [أشياء] من الشاة، نهاهم عن بيع الدم، والغدد، وآذان الفؤاد،
والطحال، والنخاع، والخصي، والقضيب " (3). الخبر، وعد فيه آذان القلب من
المنهي، وما نعلم القائل به، بل قيل: إنه مكروه، فكأن له ولعدم الصحة [حمل]
على الكراهة بالنسبة إليها.. إلى آخره (4).
الإرسال من ابن أبي عمير، فلا يضر من وجوه، لقبول الأصحاب
مراسيله وجعلها كالمسانيد (5)، ولكونه مما أجمعت العصابة، ولكونه ممن لا يروي
إلا عن الثقة، كما صرح به الشيخ في " العدة " (6)، مضافا إلى كونها في
" الكافي " (7).



(1) بداية الهداية: 2 / 314.
(2) كذا، وفي المصدر: (رفعه).
(3) الكافي: 6 / 253 الحديث 2، وسائل الشيعة: 24 / 171 الحديث 30266.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 241.
(5) لاحظ! الفهرست للطوسي: 142، رجال العلامة الحلي: 140.
(6) عدة الأصول: 1 / 386.
(7) الكافي: 6 / 254 الحديث 3.
710
ويعضدها ما في " الفقيه " (1)، بل لعل ما فيه هو هذه الرواية، بل لا شك في
ذلك، فإنه روى في كتاب " الخصال " بطريق صحيح إلى ابن أبي عمير، عن بعض
أصحابنا، عن الصادق (عليه السلام) قال: " لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء: الفرث،
والدم، والطحال، والنخاع، والغدد، والقضيب، والأنثيين، والرحم، والحياء،
والأوداج، أو قال: العروق " (2) انتهى.
فظهر [أن] مستنده هو الرواية الصحيحة المذكورة، فظهر عدم الضرر من
جهة سهل بن زياد أيضا.
وأما سهل، فلا ضعف فيه أصلا، كما حققنا في الرجال (3)، ولذا لم يطعن
عليه الشيخ ولا غيره من القدماء في مقام أصلا، وقبلوا حديثه، ولو ردوا ردوا
من غير جهته البتة.
ورواية إسماعيل أيضا كالصحيحة، لأن إبراهيم بن هاشم معلوم أنه كالثقة،
وكذا إسماعيل، لأن القميين عملوا برواياته، وهم كانوا يخرجون عن قم من كان
يروي عن غير الثقة، وفي الظن أن يونس ساقط من سند الرواية.
ولعل الاختلاف في الروايات من جهة أن " لا يؤكل " قائل للكراهة (4)
أيضا، مع أنه ربما كان عدم التعرض من جهة عدم كونه مأكولا كالفرث والعلباء،
إذ لا يتيسر أكله (5)، ولو تيسر وأمكن لم يكن مأكولا - عادة - للعرب، أو من
جهة كونه في غاية القلة والخفاء، إذ مثل ذلك ربما لا يحصى في النظر من جهة نهاية



(1) من لا يحضره الفقيه: 3 / 219 الحديث 1010.
(2) الخصال: 433 الحديث 18.
(3) تعليقات على منهج المقال: 176.
(4) كذا في النسخ، والظاهر أن المراد: (قابل للكراهة)، أو: (مقول للكراهة).
(5) في د، ه‍: (لا يتيسر أكل العلباء).
711
صغره، فلذا كأنه لا اعتداد به، سيما إذا كان خفيا ومع [ذلك] يكون في الرأس لا
الجسد، فربما كان مد النظر الجسد، مع أن... ضعيف (1).
مع أن رواية أبي يحيى (2) نهي عن البيع، والقصاب لا يبيع الرأس، فضلا
عن الخرز والحدق، إذ لا قيمة لهما أصلا من جهة نهاية الحقارة.
مع أن دلالة السبعة على عدم حرمة الزائد بالمفهوم، ولا يعارض المنطوق،
فلا يعمله العمل روايتي ابن أبي عمير وإسماعيل، لما ذكرنا.
وعدم التعرض للمشيمة، لأنها قل ما يتحقق، فالنظر في رواية ابن أبي
عمير على الغالب المتعارف، وفي رواية إسماعيل على غير الغالب أيضا، مع أنك
عرفت أن في طريق الصدوق الصحيحة ذكر الرحم أيضا، وهو المشيمة،
وسيجئ عن الشارح أن الإباحة مذهب العامة.
قوله: [للإجماع المنقول، والنص المجبور ضعفه به]، ولا ينافي ذلك عدم
الحكم بتحريم جميع ما اشتمل عليه، فتأمل.. إلى آخره (3).
المنافاة ظاهرة، لأن النص بعد الانجبار يصير حجة بلا شبهة، فلا معنى
للاحتجاج ببعضه خاصة من دون وجود مانع من طرف الأدلة بالنسبة إلى ما لم
يقولوا بحرمته، فالأصل حرمة كل ما تضمنه، إلا أن يخرجه مخرج، ومع ذلك
يحصل الوهن بالنسبة إلى الباقي عند أمثال الشارح، كما لا يخفى.
قوله: والرواية ضعيفة السند (4)، وأنت تعلم أنه ينفصل من الجري أجزاء،



(1) كذا في: ألف، د، ه‍، وهذه العبارة ساقطة من النسخ الأخرى.
(2) الكافي: 6 / 253 الحديث 2، وسائل الشيعة: 24 / 171 الحديث 30266.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 242.
(4) أي: رواية عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): الكافي: 6 / 262 الحديث 1، وسائل الشيعة:
24 / 202 الحديث 30342، الدروس: 3 / 9.
712
فيحرم وإن كان طاهرا، ويشكل حال الطحال أيضا، فتأمل.. إلى آخره (1).
الرواية موثقة، وهي حجة، كما حقق في محله (2)، سيما إذا عاضدها المرسلة
التي نسبها الصدوق إلى الصادق (عليه السلام) من دون واسطة (3)، إذ هذا ظاهر في ثبوت
المضمون عنده بعنوان العلم والاطمئنان، ويعضدهما الاعتبار، بلا تأمل، لأن
أجزاء الحرام إذا اختلط بالحلال مزجا وطبخا لا جرم يصير حراما أيضا، وكذا
الجوذاب، كما هو ظاهر.
ما يحصل به الجلل
قوله: وهو قياس لا نقول به، الثاني: في مدة حصوله، وهي المدة التي يقال
بالأكل فيها: إنه حلال (4)، ولكنها غير منضبطة شرعا ولا لغة ولا عرفا (5).
على تقدير تحقق الجلل بظهور النتن، يمكن أن يكون من الخبائث، ولعله
كذلك، لما مر في تفسيرها (6)، فتأمل!
وعلى غير ذلك التقدير، إنما يكون قياسا لو لم يكن للجلال معنى عرفي أو
لغوي، أو كان لكن يكون مختصا بالعذرة، أما لو كان أعم فيمكن أن يكون
العمومات دليلا.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 246.
(2) لاحظ! مرآة العقول: 22 / 59.
(3) من لا يحضره الفقيه: 3 / 214 الحديث 997.
(4) كذا في النسخ والمصدر، والظاهر أن المراد: (إنه جلال).
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 249.
(6) راجع الصفحتين:
713
نعم، صحيحة هشام (1) مخصصتها (2)، فلعله لم يعمل بها، أو بنى على أن
التعريف ورد مورد الغالب المتعارف، على تقدير ثبوت كون العذرة حقيقة في
الغائط، فتأمل!
لكن الحق، أن المعنى العرفي لا ربط له بالنجاسة الشرعية، فالأظهر
الاختصاص بعذرة الإنسان، إلا أن يتحقق خباثة، والأحوط التنزه عن الجميع.
قوله: وفي بعض الروايات ما يدل على أنه لا بد من كون غذائها ذلك ولم
يكن له غذاء غيرها، وأنه لا بد من الاتصال، فلو خلطت لم يحرم ولم تصر جلالة،
وهي مرسلة موسى بن أكيل، عن بعض أصحابنا (3)، عن أبي جعفر (عليه السلام): " في شاة
شربت بولا ثم ذبحت، قال، فقال: يغسل ما في جوفها، ثم لا بأس به.. " (4).. إلى
آخره (5).
في دلالته على ما ذكره نظر، إذ لا يستفاد غير أن ذلك يكون غذاءها، لا
أن جميع ما دخل في حلقها من غير المشروبات يكون منحصرا فيها، بل في الدلالة
على انحصار الغذاء فيها أيضا نوع تأمل، سيما وأن يكون الحصر حقيقيا، إذ يكفي
إطلاق العرف أنه غذاؤها، فتأمل.
مع أن صحيحة هشام تفيد ما هو أعم من الغذاء، فضلا عن التمحض.



(1) الكافي: 6 / 250 الحديث 1، وسائل الشيعة: 24 / 164 الحديث 30245.
(2) في ألف، ج، د: (مخصصها).
(3) كذا، وفي وسائل الشيعة: (عن بعض أصحابه).
(4) الكافي: 6 / 251 الحديث 5، وسائل الشيعة: 24 / 160 الحديث 30239.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 249.. وفي حاشية د في مقابل قوله: (فلو خلطت لم يحرم)
عبارة: (يمكن أن يقال أن مراده من الخلط: خلط الغذاء السابق بالغذاء اللاحق، وهو
الظاهر، فتأمل!.). ووردت هذه العبارة في: ب بموضع متأخر عن هذا المكان، والظاهر
أن الأنسب كونها هنا.
714
وبالجملة، المستفاد من الصحيحة: التي تأكل العذرة، والمضارع يفيد
الاستمرار التجددي، ولعله ظاهر في التغذي لا التمحض.
وأما هذه الرواية، فعلى تقدير المقاومة سندا لا يستفاد منها ما يقاومها
ويعارضها دلالة، إذ القدر المستفاد بعنوان الوثوق الفرق بين الاعتلاف مرة أو
مرتين بعنوان الاتفاق، كما في صورة الشرب، إذ الماضي ظاهر في عدم الدوام
والاستمرار، وبين أن يكون غذاء لها، الظاهر في مداومة ما، سيما بملاحظة تركيب
العبارة، أما كون غذائها محض ذلك فلا.
وأما مرسلة ابن أسباط (1)، فظاهرها استمرار الخلط وكون ذلك هو العادة
والديدن، لا أنه وقع خلط نادر أو اتفاقا، بل لعل التي لم يتحقق منها خلط بالمرة لم
يتحقق عادة، ولو تحقق ففي غاية الندرة، وحمل الأخبار الكثيرة عليه فيه ما لا
يخفى.
وبالجملة، على تقدير العمل بالمرسلتين (2)، فالظاهر الاكتفاء بالتغذي
المحض العرفي، بحيث يطلق عليه أنها غذاؤها، وأن الغذاء غير مخلوط، ولعله مراد
الفقهاء رحمهم الله أيضا، فتأمل.
وحينئذ، لا حاجة إلى تعيين المدة، بل يحال إلى العرف كسائر ما يحال إليه،
فإن الحال واحد، والمدار على صحة الإطلاق عندهم، فتأمل.



(1) الكافي: 6 / 252 الحديث 7، وسائل الشيعة: 24 / 164 الحديث 30247.
(2) أي مرسلتي موسى بن أكيل وعلي بن أسباط آنفتي الذكر.
715
أحكام المحرمات
قوله: ".. وإنما يكره أن يؤكل سوى الإنفحة مما في آنية المجوس وأهل
الكتاب، لأنهم لا يتوقون الميتة والخمر " (1)، وهي ضعيفة بإسماعيل بن مرار،
وكأنه يونس بن عبد الرحمان (2)، وفيها ما يخالف الظاهر من المذهب، فتأمل (3).
لا يخفى أن القميين قالوا: روايات يونس كلها مقبولة صحيحة، سوى ما
رواه محمد بن عيسى عنه (4)، وهذا ينادي بأن روايات إسماعيل بن مرار عنه
وروايات صالح بن السندي عنه كلها مقبولة صحيحة، لأنهما يكثران الرواية عن
يونس غاية الإكثار، بل رواياته (5) كلها مروية منهما، ومن محمد بن عيسى إلا ما
شذ، ومحمد بن عيسى - مع كونه ثقة - لم يرضوا برواياته، ورضوا برواياتهما، وأما
يونس فلا شك في كونه ابن عبد الرحمان.
قوله: ويدل (6) على حكم البيضة: فقط ضعيفة غياث بن إبراهيم (7)، عن
أبي عبد الله (عليه السلام): " في بيضة خرجت من أست دجاجة ميتة، قال: إن كانت



(1) من رواية يونس: الكافي: 6 / 257 الحديث 2، وسائل الشيعة: 24 / 179 الحديث
30287.
(2) كذا، وفي المصدر: (وكأن يونس هو ابن عبد الرحمان).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 266.
(4) لاحظ! رجال النجاشي: 333، منهج المقال: 313.
(5) في النسخ: (بل روايات)، والصحيح ما أثبتناه.
(6) كذا، وفي المصدر: (وتدل).
(7) في المصدر: (ضعيفة غياث بن إبراهيم به).
716
اكتست (1) الجلد الغليظ فلا بأس بها " (2)، وقيدها (3) ما في رواية زرارة المتقدمة
من عدم البأس بمطلق البيض (4)، ويفيد (5) عدم أكلها بما إذا لم تكتس القشر
الأعلى.. إلى آخره (6).
السند صحيح إلى غياث، وهو ثقة عند " النجاشي " (7)، وإن قال الشيخ:
إنه بتري (8)، والظاهر أنه توهم، وإلا فالروايات الصادرة عنه، الصريحة في كون
الأئمة اثني عشر، تسعة منهم من آل الحسين (عليهم السلام) تاسعهم قائمهم، وأمثال هذه
الروايات عنه كثيرة (9).
و " النجاشي " أضبط من الشيخ بلا شبهة، مع أن " النجاشي " زاد على
توثيقه بأنه روى كتابه جماعة من الأصحاب، مع أن الذي وجدنا أنه يروي عنه
ابن أبي عمير وصفوان ممن لا يروي إلا عن ثقة، على ما نص عليه الشيخ في
" العدة " (10)، ويروي غيرهما أيضا من المشايخ، وقد حققنا في الرجال هذا



(1) كذا، وفي المصدر: (إن كانت كست البيضة)، وفي الكافي: (إن كانت البيضة اكتست)،
وفي الوسائل (إن كانت اكتست البيضة).
(2) الكافي: 6 / 258 الحديث 5، وسائل الشيعة: 24 / 181 الحديث 30291.
(3) كذا، وفي المصدر: (وقيد بها).
(4) من لا يحضره الفقيه: 3 / 216 الحديث 1006، تهذيب الأحكام: 9 / 76 الحديث
324، وسائل الشيعة: 24 / 182 الحديث 30295، مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 222.
(5) كذا، وفي المصدر: (ويقيد).
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 266 - 267.
(7) رجال النجاشي: 305.
(8) رجال الشيخ الطوسي: 132.
(9) لاحظ! عيون أخبار الرضا: 1 / 60 الحديث 25، بحار الأنوار: 36 / 373 الحديث 2.
(10) عدة الأصول: 1 / 386.
717
المعنى (1)، فلاحظ.
فالرواية صحيحة بلا شبهة، مع أن الظاهر من " عدة الشيخ " أن الشيعة
مجمعة على العمل بروايات غياث ومن ماثله عنده من العامة (2).
قوله: وما في رواية أبي حمزة الثمالي - الطويلة (3) - عن أبي جعفر (عليه السلام):
" سأله قتادة البصري عن الجبن، فقال (عليه السلام): لا بأس به، فقال: إنه ربما جعلت فيه
إنفحة الميت! قال (عليه السلام): ليس بها بأس " (4).. إلى آخره (5).
يظهر من هذه الرواية أن الإنفحة ليس فيها روح وحياة، ولهذا استقصي.
قوله: إذا كان الاشتباه في المحصور، وللرواية (6) التي ينقلونها أنه
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال " (7)، ولأنه يجب
الاجتناب عن المحرم، وما يحصل إلا باجتناب الكل.. إلى آخره (8).
هذه الأدلة منه إنما هي فيما إذا خلط، أما لو كان قطعة واحدة من لحم لا
يدري أنه ميتة أم مذكى، فدليله أصالة عدم تحقق التذكية الشرعية، لكن سيجئ
الحديث الدال على الامتحان (9).



(1) تعليقات على منهج المقال: 356.
(2) لاحظ! عدة الأصول: 1 / 380.
(3) لم ترد في المصدر: (الطويلة).
(4) الكافي: 6 / 256 الحديث 1، وسائل الشيعة: 24 / 179 الحديث 30286، ولفظ
الحديث في مجمع الفائدة والبرهان مغاير لما في المصادر.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 268، مع اختلاف.
(6) كذا، وفي المصدر: (في المحصورة، للرواية).
(7) عوالي اللآلي: 2 / 132 الحديث 358 و 3 / 466 الحديث 17، مستدرك الوسائل:
13 / 68 الحديث 14769.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 271.
(9) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 274، وسيشير إليه المحشي في الصفحة 719 - 720.
718
والمختلط أيضا على قسمين، قسم اشتبه الحلال منه بالحرام، وقسم مزج
الحرام بالحلال، والثاني حرام جزما، لوجوب التجنب (1) عن الحرام، والأول ربما
قيل أيضا.
قوله: صحيحة ضريس الكناسي الثقة، قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن
السمن والجبن نجده في أرض المشركين بالروم، فآكله (2)؟ فقال: أما ما علمت أنه
قد خلطه الحرام فلا تأكله (3)، وأما ما لم تعلم فكله حتى تعلم أنه حرام " (4) فيه
تأمل، فتأمل. والأصل والعمومات وحصر المحرمات يرجح الحل، مع أنه يمكن
قراءة " الحرام " منصوبا، ليكون مفعولا وموافقا لغيرها.. إلى آخره (5).
يظهر أن هذا في غير المحصور، وربما كان الأول (6) أيضا كذلك، لظهور حلية
الجميع من دون استثناء لقدر النص من الحرام، فإن الآكل للجميع يعلم يقينا بأكل
الحرام، بخلاف غير المحصور، فإنه لا يحصل العلم بأكل الحرام بعنوان اليقين
لشخص واحد، بل يعلم أن الجميع أكلوا الجميع، ولا ضير فيه، فتأمل!
قوله: ولكن العمل بها مشكل، لضعفها.. إلى آخره (7).
يمكن أن يقال: الضعف منجبر بعمل الأصحاب - أي المشهور -، بل الشهيد



(1) في ألف: (البحث).
(2) كذا، وفي تهذيب الأحكام ووسائل الشيعة: (أنأكله)، وفي مجمع الفائدة والبرهان: (لا
نأكله).
(3) كذا، وفي تهذيب الأحكام ووسائل الشيعة: (فلا تأكل)، وما هنا موافق لما في مجمع
الفائدة والبرهان.
(4) تهذيب الأحكام: 9 / 79 الحديث 336، وسائل الشيعة: 24 / 235 الحديث 30424.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 272.
(6) أي صحيحة عبد الله بن سنان: وسائل الشيعة: 17 / 87 الحديث 22053.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 274.
719
في " الدروس " قال: (يكاد أن يكون إجماعا) (1).
أقول: ويعضده أن " الكافي " رواه (2)، مع أنه قال في صدره ما قال، وابن
إدريس، وأمثاله من القدماء الذين لا يقولون بحجية خبر الواحد عملوا به (3).
قوله: [محل التأمل]، لما علم من الرواية (4) العلة، وهي حصول العلم
بتعيين أحدهما، وهو أعم [من المطروح والمشتبه بالميتة].. إلى آخره (5).
ليس فيها من حصول العلم عين ولا أثر. نعم، حكم فيها بالحلية
بالانضباط والحرمة بالانبساط، ولعل الغالب في المذكى الانقباض وفي الميتة
الانبساط، وكثيرا ما يكون بناء الشرع في المشتبهات على مراعاة ما هو الغالب،
مثل معرفة الحيض والاستحاضة والنفاس والمني وغير ذلك.
قوله: فإن الأخبار بعدم الانتفاع بجلد الميتة كثيرة (6).. إلى آخره (7).
والأقرب الحمل على التقية، لأن العامة يقولون بالطهارة والاستعمال إذا
دبغ.
قوله: فإن الظاهر مع العلم - بل مع الظن أيضا - بعدم الرضا والنهي لا
يجوز، للجمع بينها وبين سائر الأدلة، وهو ظاهر.. إلى آخره (8).



(1) الدروس الشرعية: 3 / 14.
(2) الكافي: 6 / 261 الحديث 1، وسائل الشيعة: 24 / 188 الحديث 30310، مجمع
الفائدة والبرهان: 11 / 274.
(3) لاحظ! السرائر: 3 / 96، الغنية - المطبوع مع الجوامع الفقهية -: 557.
(4) أي رواية شعيب، المشار إليها في الهامش (2) من هذه الصفحة.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 274.
(6) لاحظ! وسائل الشيعة: 24 / 184 الباب 34 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 303.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 305.
720
الظاهر من الآية (1)، والأخبار الواردة في مضمونها أن الأكل يجوز من
دون إذن، بقرينة قوله تعالى: * (من بيوتكم أو بيوت آبائكم) * (2)، ومن
النصوص الواردة، لأنهم (عليهم السلام) قالوا: يأكل بغير إذنه، ويأكل بغير إذنهم، والمرأة
تأكل بغير إذن زوجها، ونحو ما ذكر من العبارات (3).
وفي الموثق عن الصادق (عليه السلام) في قول الله عز وجل: * (ليس عليكم
جناح) * (4) الآية، قال: " بإذن، وبغير إذن " (5).
وبالجملة، المستفاد من الأخبار وكلام الأخيار أن الأكل المذكور لا يتوقف
على الإذن، لا أنه يجوز مطلقا وإن منع صاحب المال وصرح بعدم الرضا أصلا،
أو علم بذلك، بل وظن أيضا، لأن مقتضى الأدلة المحرمة الحرمة مطلقا، وفي غاية
التشديد إلا أن يؤذن.
ومن الآية المذكورة ونحوها من الأخبار لم يثبت أزيد من عدم التوقف،
فبهذا (6) القدر صرح لا أزيد، سيما والعقل أيضا يمنع مع عدم الرضا، فتدبر.
وفي بعض الأخبار قيد بعدم الإفساد (7)، وفي بعض الأخبار يتحقق بالتمر
ونحوه من المأدوم لا الطعام مطلقا (8)، وسيذكرهما الشارح (رحمه الله) (9).



(1) النور (24): 61.
(2) النور (24): 61.
(3) راجع! وسائل الشيعة: 24 / 280 الباب 24 من أبواب آداب المائدة.
(4) النور (24): 61.
(5) المحاسن للبرقي: 2 / 187 الحديث 1540، وسائل الشيعة: 24 / 283 الحديث 30550.
(6) في النسخ: (فهذا)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(7) لاحظ! وسائل الشيعة: 24 / 281 الحديث 30547.
(8) لاحظ! وسائل الشيعة: 24 / 282 الحديث 30549.
(9) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 307 و 308.
721
وفي " الفقه الرضوي ": " واعلم أنه جائز للوالد أن يأخذ من مال ولده
بغير إذنه، وليس للولد أن يأخذ من مال والده إلا بإذنه، والمرأة (1) أن تنفق من
مال زوجها [بغير إذنه] المأدوم دون غيره، وإذا أرادت الأم أن تأخذ من مال
ولدها، فليس [لها]، إلا أن تقوم على نفسها لترده عليه، ولا بأس للرجل أن
يأكل من بيت أبيه وأخيه وأمه وأخته وصديقه ما يخشى عليه الفساد (2) من يومه
بغير إذنه، مثل البقول والفواكه (3) وأشباه ذلك " (4).
قوله: [والاجتناب أحوط]، وأيضا لا يتجاوز عن الأكل العادي، فتأمل
.. إلى آخره (5).
ولعل قوله (عليه السلام): " ما لم يفسد " (6) في بعض الأخبار يدل عليه.
قوله: فلا يضر وجود عبد الله بن بكير.. إلى آخره (7).
لأنه ثقة على الأصح، وموثق كالصحيح على المشهور، لتوسعه، والمبالغة
فيه، وكونه ممن أجمعت العصابة (8)، لكن في الطريق قاسم بن عروة، وهو مهمل
وإن ذكر فيه بعض المقومات (9).



(1) كذا، وفي المصدر: (وللمرأة).
(2) في النسخ: (ما لا يخشى عليه الفساد)، والصحيح ما أثبتناه، وهو الموافق لما في
المصدر.
(3) كذا، وفي المصدر: (والفاكهة).
(4) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام): 255.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 306.
(6) وسائل الشيعة: 24 / 281 الحديث 30547، وفيه: (ما لم تفسد).
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 308، وفيه إشارة إلى سند رواية زرارة: وسائل الشيعة:
4 / 281 الحديث 30547.
(8) لاحظ! رجال الكشي: 1 / 217.
(9) لاحظ! تعليقات على منهج المقال: 263.
722
قوله: [وهو بعيد عن لفظة:] " لا يحل " (1)، مع أن المعارض لا يصلح
للمعارضة، لما عرفت (2)، وحملها أيضا على عدم جواز الأخذ منه (3)، فإن كان
ذلك لا يجوز على وجه.. إلى آخره (4).
من جهة عدم الصحة والمخالفة للعقل والنقل كتابا وسنة وإجماعا، وفيه أنه
كلما يزيد قوة ما ذكره، ويشتد يصير منشأ لقوة المعارض وفتاوي الفقهاء، لأنهم
الخبيرون الماهرون، يظهر أنه ظهر عليهم قوة مستند فتواهم إلى الحد الذي عدلوا
عن حكم العقل والنقل المذكور، واتفقوا على خلافه، لوثوق تام خال عن
التزلزل بالمرة، حتى أنهم ما أمروا بالاحتياط أصلا، مع كونهم بحيث يحتاطون
غالبا، بل وكليا في مقام احتمال الخطر والضرر.
مع أن المعارض فيه صحاح، مثل ما رواه البرقي، عن أبيه، عن يونس بن
عبد الرحمان، عن عبد الله بن سنان، عن الصادق (عليه السلام)، قال: " لا بأس بالرجل يمر
على الثمرة يأكل منها ولا يفسد، [و] قد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تبنى الحيطان
بالمدينة، لمكان المارة ". رواها في " محاسنه " (5)، وهو كتابه قطعا.
وروى هذه الرواية الكليني، إلا أنه رواها عن علي بن إبراهيم، عن أبيه،
عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمان (6)، عن عبد الله بن سنان، عن



(1) من رواية علي بن يقطين: مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 311، تهذيب الأحكام: 7 / 92
الحديث 392، وسائل الشيعة: 18 / 228 الحديث 23558.
(2) كذا، وفي المصدر: (على ما عرفت).
(3) كذا، وفي المصدر: (عدم جواز الأخذ معه).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 311.
(5) المحاسن للبرقي: 2 / 336 الحديث 2155.
(6) لم ترد في المصدر: (ابن عبد الرحمان).
723
الصادق (عليه السلام). الحديث (1).
ومعلوم اتحاد الروايتين، مع أن الكليني قال في أول كتابه ما قال.
مع أن إسماعيل بن مرار مقبول الحديث عند القميين (2)، مع أنهم كانوا
يخرجون عن قم من روى عن غير العادل، ولذا أخرجوا البرقي المذكور، لأنه
ربما يروي في " المحاسن " عن غير العادل (3) عندهم أيضا، والسيد الداماد حكم
بعدالة إسماعيل المذكور من الجهة المذكورة (4)، وربما كان غيره أيضا، ومنهم
الميرزا (رحمه الله) (5)، مع أن الظاهر من القدماء اتفاقهم على روايته وكونها صحيحة
عندهم.
وأيضا، نقل - في " وسائل الشيعة " - شيخنا الحر (رحمه الله) عن كتاب علي بن
جعفر، عن أخيه موسى (عليه السلام): " عن رجل يمر على ثمرة، فيأكل منها؟ قال: نعم، قد
نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تستر الحيطان " (6) - أي البساتين - ومعلوم أن علي بن
جعفر في غاية الوثاقة والجلالة، وكتابه معروف مقبول، فالحديث في غاية الصحة
وعلو الإسناد، وأي صحيح يكون مثله؟!
وأما مرسلة ابن أبي عمير (7)، فهي صحيحة البتة، وهو ممن أجمعت العصابة



(1) الكافي: 3 / 569 الحديث 1.
(2) لاحظ! تعليقات على منهج المقال: 131.
(3) العبارة: (ولذا أخرجوا... غير العادل) أثبتناها من د، حيث أنها لم ترد في النسخ
الأخرى.
(4) لاحظ! الرواشح السماوية: 49.
(5) لاحظ! منهج المقال وتعليقاته: 61 و 131.
(6) وسائل الشيعة: 18 / 226 الحديث 23553.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 310، تهذيب الأحكام: 7 / 93 الحديث 393، وسائل
الشيعة: 18 / 226 الحديث 23554.
724
على تصحيح ما يصح عنهم (1)، ومع ذلك هو ممن صرح الشيخ في " العدة " بأنه لا
يروي إلا عن الثقة (2)، ومع جميع ما ذكر، اتفق أهل الرجال على أن مراسليه
مقبولة في حكم المسانيد (3)، وذكروا وجهه، وهو في غاية الجلالة والعظم والزهد
والتقوى، سيما في ضبط الحديث، كما لا يخفى على المطلع.
ومع جميع ما ذكر انجبرت بالشهرة بين الأصحاب، والخبر المنجبر وإن كان
ضعيفا، كما هو الحق المحقق في محله، والمسلم عند الفقهاء القدماء والمتأخرين إلا
نادر من متأخري المتأخرين، لشبهة ضعيفة، ولهذا ترى الفقهاء المتقدمين
والمتأخرين في المسائل الفقهية بنوا على ذلك (4)، مثل: حد السعي لطلب الماء في
التيمم عملوا برواية السكوني (5)، وتركوا ما في صحيحة زرارة " فليطلب ما دام
[في] الوقت " (6).. إلى غير ذلك من الأحكام الفقهية، بل قل ما يكون (7) مستنده
حديثا صحيحا، سيما الصحيح السالم عن المعارض، ولعله لا يكاد يوجد على
الصحيح المذكور، فإنا لله وإنا إليه راجعون في موت الفقه، ألا ترى أن الشارح لا
تكاد توجد مسألة فقهية خالية عن الاضطراب عنده.
والحاصل، أن المرسلة مع انجبارها بالجوابر الكثيرة، منجبرة - أيضا -
بأخبار قوية كثيرة في غاية الكثرة، بل ربما وصلت التواتر:



(1) لاحظ! رجال الكشي: 2 / 830.
(2) عدة الأصول: 1 / 386.
(3) لاحظ! ذكرى الشيعة: 4، تعليقات على منهج المقال: 275.
(4) لاحظ! الفوائد الحائرية: 487 - 491.
(5) تهذيب الأحكام: 1 / 202 الحديث 586، وسائل الشيعة: 3 / 341 الحديث 3815.
(6) الكافي: 3 / 63 الحديث 2، وسائل الشيعة: 3 / 341 الحديث 3814.
(7) في ألف: (بل قال ما يكون)، وفي د، ه‍: (بل ربما قالوا يكون)، والظاهر أن الصواب ما
أثبتناه.
725
منها: صحيحة محمد بن عيسى، عن يونس، عن بعض رجاله - والظاهر
أنه عبد الله بن سنان الثقة الجليل المذكور، كما لا يخفى على الماهر، مع أن يونس
ممن أجمعت العصابة وفي غاية الجلالة (1) - عن الصادق (عليه السلام)، سأله (2) عن الرجل يمر
بالبستان، وقد حيط عليه أو لم يحط.. إلى أن قال (عليه السلام): " لا بأس أن يأكل،
ولا يحمل، ولا يفسد " (3).
والصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام): " من مر ببستان فلا بأس أن يأكل ثمرها
ولا يحمل.. " (4)، فإنه نسب الرواية إلى الصادق (عليه السلام) بعنوان المسلمية وعدم
الاتكال على الواسطة.
وما رواه الكليني والشيخ، عن السكوني، عن الصادق (عليه السلام) قال: " [قضى]
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيمن سرق الثمار في كمه، فما أكل منه فلا إثم عليه " (5)
الحديث.
[و] في " إكمال الدين " باسناد الصحيح في حصة الإمام من الخمس، عن
الأسدي (رضي الله عنه)، فيما ورد عليه من محمد بن عثمان (رضي الله عنه) في جواب مسائله، عن
الصاحب - صلوات الله عليه -: " [و] أما ما سألت [عنه] من أمر الثمار من



(1) لاحظ! رجال الكشي: 2 / 830.
(2) كذا، وفي المصدر: (سألته).
(3) تهذيب الأحكام: 6 / 383 الحديث 1135، وسائل الشيعة: 18 / 227 الحديث
23556.
(4) من لا يحضره الفقيه: 3 / 110 الحديث 464، وسائل الشيعة: 18 / 228 الحديث
23559، وفيها: (من مر ببساتين فلا بأس بأن يأكل من ثمارها ولا يحمل).
(5) الكافي: 7 / 230 الحديث 3، تهذيب الأحكام: 10 / 110 الحديث 431، وسائل
الشيعة: 18 / 226 الحديث 23552، وفي كل من الكافي وتهذيب الأحكام: (فما أكل منه
فلا شئ عليه)، وما هنا موافق لوسائل الشيعة.
726
أموالنا يمر [بها] المار فيأكل منها هل يحل أم لا؟ يحل أكله (1)، ويحرم حمله " (2).
وفي " الاحتجاج " للطبرسي: مثل ذلك (3).
وفي " قرب الإسناد " بعبد الله بن جعفر، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة
بن زياد، عن الصادق (عليه السلام): " سئل عما يأكل الناس من الفاكهة.. إلى أن قال: لا
يأكل أحد إلا من ضرورة، ولا يفسد إذا كان عليها فناء يحاط (4)، ومن أجل
[أهل] الضرورة نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبنى [على] حدائق النخل والثمار بناء،
لكي يأكل منها كل أحد " (5).
وابن إدريس في آخر " السرائر " نقل من كتاب " مسائل الرجال
ومكاتباتهم ": (مولانا علي بن محمد النقي (عليه السلام) قال: " سألته عن رجل دخل
بستانا، أيأكل [من] الثمرة من غير علم صاحب البستان؟ قال (6): نعم " (7)) (8).
إلى غير ذلك من أخبار كثيرة مذكورة في أبواب الفقه، مثل كتاب البيع،
وكتاب الزكاة، وكتاب الأطعمة، وكتاب الحدود، وابن إدريس ادعى التواتر -
ولعله كذلك - وادعى الإجماع أيضا (9)، ولعله الظاهر من القدماء والمتأخرين إلا



(1) كذا، وفي المصادر: (يمر بها المار فيتناول منه ويأكله، هل يحل له ذلك؟ فإنه يحل له
أكله..).
(2) كمال الدين وتمام النعمة: 521 الحديث 49، وسائل الشيعة: 18 / 228
الحديث 23560.
(3) الإحتجاج للطبرسي: 2 / 480.
(4) كذا، وفي المصدر: (عليها فناء محاط).
(5) قرب الإسناد: 80 الحديث 259، وسائل الشيعة: 18 / 229 الحديث 23561.
(6) في السرائر: (فقال)، وما هنا موافق لما في: وسائل الشيعة.
(7) وسائل الشيعة: 18 / 229 الحديث 23563.
(8) السرائر: 3 / 582.
(9) السرائر: 3 / 126.
727
النادر منهم، وعرفت أن كثيرا من الأخبار المذكورة صحاح باصطلاح المتأخرين
أيضا، وكلها صحاح باصطلاح القدماء، ومعمول به وحجة عند الكل، إلا عند (1)
مثل الشارح.
وأما صحيح ابن يقطين (2)، فلعله وارد بالنسبة إلى بلده - وهو بغداد - فإنه
كان في غاية الظلم، ونهاية كثرة الناس فيها، فلو جوز لهم لم يبق ثمر في يوم
واحد، وهو عين الإفساد المنهي عنه في هذه الأخبار، مع اتفاق الفقهاء، بل
وأدون منه كما مر في الشرائط، سيما مع اشتراط عدم مظنة الكراهة.
ويشير إليه ما في مرسلة متروك (3)، فإنه ظاهر أنه بالنسبة إلى مثل بغداد لا
الموضع الذي ندر الأخذ منه، مع قابلية الحمل على التقية، فإن سلاطين الجور
كيف كانوا يرضون بصدور أمثال ذلك بالنسبة إلى رعيتهم! مع أنهم أيضا
يتضررون لما كانوا يأخذون من الخراج، بل كان لهم ولسائر المنصورين (4)
والخدمة والعساكر زروع كثيرة غاية الكثرة ونحوه، فلا شك في عدم رضاهم، بل
وإبائهم، سيما وعلي بن يقطين هو الوزير من طرفهم، المأمور منهم بازدياد
مداخلهم، كما هو عادة الوزراء، والمروي عنه أيضا الكاظم (عليه السلام)، وهو (عليه السلام) كان في
شدة من التقية، ورواياته عالية فيها، إذ ربما كان العامة أيضا لا يرضون بالأكل،



(1) في ألف: (لا عند).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 311، تهذيب الأحكام: 7 / 92 الحديث 392، وسائل
الشيعة: 18 / 228 الحديث 23558.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 310، تهذيب الأحكام: 6 / 385 الحديث 1140،
وسائل الشيعة: 18 / 227 الحديث 23557، وفي تهذيب الأحكام ووسائل الشيعة:
(مروك) بدلا من (متروك)، وهو الصحيح ظاهرا.
(4) في ألف: (المتضررين).
728
بل ربما كان فقهاؤهم أيضا كذلك (1)، والله يعلم.
ولا شك في أن الأحوط الاجتناب، كما قال به الشارح، [حيث] قال:
" سألته عن الرجل يمر بالنخل والسنبل والثمرة، أفيجوز (2) له أن يأكل منها من
غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال: لا بأس " (3) هذه مرسلة..
إلى آخره (4).
وفي " الفقه الرضوي ": " فإذا مررت ببستانة (5)، فلا بأس أن تأكل من
ثمارها، ولا تحمل معك شيئا " (6).
قوله: [وهو خلاف الظاهر]، فيرد الخبر بذلك.. إلى آخره (7).
لا وجه لرده مع قابليته التوجيه الوجيه.
في الاضطرار
قوله: لا يجوز له الأكل والشرب (8) كما تقدم، فإن كان ما يندفع إلا بالشبع
يشبع.. إلى آخره (9).



(1) لاحظ! المجموع شرح المهذب: 9 / 53 - 55.
(2) كذا، وفي المصدر: (فيجوز).
(3) وسائل الشيعة: 18 / 226 الحديث 23554.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 310.
(5) كذا، وفي المصدر: (فإذا مررت ببستان).
(6) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام): 255.
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 311.
(8) كذا، وفي المصدر: (مما يجوز له الأكل أو الشرب).
(9) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 315.
729
وفي " الدعائم ": عن علي (عليه السلام) أنه قال: " المضطر يأكل الميتة وكل محرم إذا
اضطر إليه "، وقال (1) جعفر بن محمد (عليه السلام): " إذا اضطر المضطر إلى أكل الميتة أكل
شئ حتى يشبع (2)، وإذا اضطر إلى الخمر شرب حتى يروى، وليس له أن يعود
إلى ذلك حتى يضطر إليه [أيضا] " (3). ولا يخفى أن الغالب بالنسبة إلى المضطرين
الحاجة إلى الشبع والري، كما هو الظاهر.
قوله: وفي السند [جهالة] لا تضر، وهي صريحة في جواز شرب الخمر
وغيرها مع انحصار ما يدفع الضرورة فيه، ولا يبعد فهم جوازه لدفع المرض
أيضا، فتأمل.. إلى آخره (4).
مع أن الكليني رواها بطريق آخر لا إرسال فيه (5)، والصدوق رواها في
الصحيح عن محمد بن عذافر، عن أبيه، عن الباقر (عليه السلام) (6)، مع أنه لا يوجد تكليف
يقدم على حفظ النفس وإن كان وجوبه شديدا، بل لا يكون أوجب الفرائض،
مثل الفريضة اليومية وأشد منها، بل وأصول الدين يجب فيها التقية حفظا للنفس،
قال تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * (7)، وورد: " لا دين لمن لا
تقيه له " (8)، و " التقية ديني ودين آبائي " (9).. إلى غير ذلك من التشديدات فيها.



(1) كذا، وفي المصدر: (قال).
(2) في المصدر: (إذا اضطر الرجل إلى الميتة أكل حتى يشبع).
(3) دعائم الإسلام: 2 / 125 الحديث 435.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 318، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
(5) الكافي: 6 / 242 الحديث 1.
(6) من لا يحضره الفقيه: 3 / 218 الحديث 1009.
(7) النحل (16): 106.
(8) وسائل الشيعة: 16 / 210 الحديثان 21378 و 21379.
(9) وسائل الشيعة: 16 / 210 ضمن الحديث 21379.
730
مع أن التقية واجبة في شرب الخمر أيضا، كما يظهر من الأخبار (1)،
وغيرها، مع أنه من المسلمات أن لا تقية في الدماء (2)، والشيخ ألحق بها
الجراحات فقط، لما فيها من الدم (3)، ولم يلحق المقام أصلا، مع أن شاربها يعذر
إلا في الثالثة أو الرابعة على حد سائر المحرمات، ولا يقتل إلا أن ينكر تحريمها، لأن
المنكر له ينجر إنكاره إلى إنكار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد علمت أن في إنكار الرسالة
تتحقق التقية، بل وفي سب الرسول أيضا كما تحقق عن عمار، ونزل فيه * (إلا من
أكره) * الآية (4)، فإذا كان في سب الرسول وإنكاره يتحقق التقية، ففي شرب الخمر
بطريق أولى بمراتب، لما عرفت.
ومعلوم أن التقية لحفظ النفس، مع أن الأخبار التي تمسك بها الشيخ علل
فيها النهي عن الشرب بأن الشرب يقتله أو يضره، فمن جهة حفظ النفس وانعدام
الضرر نهوا (عليهم السلام) عنه، فكيف يؤمر بهلاك النفس تنزها عن الشرب؟!
وفي " المحاسن "، في الصحيح، عن محمد بن مسلم وعدة، قالوا: " سمعت (5)
أبا جعفر (عليه السلام) يقول: التقية في كل شئ، وكل شئ اضطر إليه ابن آدم فقد أحله
الله له " (6).



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 16 / 216 الحديث 21398.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 16 / 234 الباب 31 من أبواب الأمر والنهي.
(3) لم نعثر على ما ذكره في كتب الشيخ الطوسي، إنما نقله عنه الشهيدان في: الدروس
الشرعية: 2 / 48 ومسالك الأفهام: 1 / 131. وقد أفتى بذلك أيضا: الحلبي في: الكافي في
الفقه: 387، وهو الظاهر من ابن إدريس في: السرائر: 2 / 203، ولمزيد من الاطلاع
راجع: مفتاح الكرامة: 4 / 116.
(4) النحل (16): 106، لاحظ! التبيان في تفسير القرآن: 6 / 428.
(5) كذا، وفي المصدر: (سمعنا).
(6) المحاسن للبرقي: 1 / 403 الحديث 912.
731
مع أن الرواية المذكورة رواها الصدوق أيضا في " أماليه "، عن شيخه ابن
الوليد، عن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن إسماعيل
ابن بزيع، عن محمد بن عذافر، عن أبيه، عن الباقر (عليه السلام) (1).
ورواه في " العلل " عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد بن عيسى
وإبراهيم بن هاشم - جميعا - عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمد بن عذافر،
عن أبيه، عن الباقر (عليه السلام) (2).
ورواها - أيضا - بطريق صحيح عن محمد بن عذافر، عن بعض رجاله (3)،
عن الباقر (عليه السلام) (4).
ورواه في " العلل " لمحمد بن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن جده (5).
والشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن إبراهيم بن هاشم، عن
عمرو بن عثمان، مثله (6).
ورواها العياشي في " تفسيره "، عن محمد بن عبد الله، عن بعض أصحابه،
عن الصادق (عليه السلام) (7).
ورواها البرقي في " محاسنه " بالطريق الذي رواها الكليني بغير إرسال (8)،
مع أن الكليني والصدوق قالا في أول كتابيهما ما قالا.



(1) أمالي الصدوق: 529.
(2) علل الشرائع: 484 الحديث 2.
(3) في النسخ: (عن بعض رواية)، وما أثبتناه من المصدر.
(4) علل الشرائع: 483 الحديث 1.
(5) لاحظ! بحار الأنوار: 62 / 165 ذيل الحديث 2.
(6) تهذيب الأحكام: 9 / 128 الحديث 553، مع اختلاف في سنده.
(7) تفسير العياشي: 1 / 319 الحديث 15.
(8) المحاسن للبرقي: 2 / 62 الحديث 1175.
732
فظهر أن هذه في أعلا درجات الاعتبار والحجية، مضافا إلى صحتها في
بعض الطريق، مع أن الشهرة إذا صارت جابرة تكفي للحجية، إذ على ذلك المدار
في الفقه، فما ظنك إذا انجبرت بجميع ما عرفت؟!
مضافا إلى أن ثمر التكاليف إنما هو بعد بقاء المكلف، ومن جهة هذا كله،
مضافا إلى ما ذكره الشارح من العقل والنقل من نفي الحرج (1)، بل ونفي العسر، بل
وإرادة اليسر (2)، مع أن ما دل على وجوب حفظ النفس من اليقينيات، من
القرآن والأخبار المتواترة، مضافا إلى نفي الضرر والإضرار.
وفي " المفاتيح " - في المقام - قال: (وفي الخبر: " في رجل أصابه عطش
حتى خاف على نفسه، وأصاب خمرا، قال: يشرب منه قوته " (3)) (4).
والأخبار متواترة في حلية كل ما حرم الله عند الاضطرار (5)، مضافا إلى
الإجماع والعقل.
قوله: وفي رواية الحلبي، قال: " سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن دواء عجن (6)
بخمر، فقال: ما أحب أن أنظر إليه ولا أشمه، فكيف أتداوى به؟! " (7). هذه
الأخبار مع أدلة التحريم الكثيرة، الدالة على المبالغة في تحريم المسكر - خصوصا
الخمر - دليل المنع.. إلى آخره (8).



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 317.
(2) في النسخ الخطية: (وأراد باليسر)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(3) وسائل الشيعة: 25 / 378 الحديث 32170، مع اختلاف يسير.
(4) مفاتيح الشرائع: 2 / 226.
(5) لاحظ! وسائل الشيعة: 24 / 214 الباب 56 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(6) في الكافي: (يعجن).
(7) الكافي: 6 / 414 الحديث 10، وسائل الشيعة: 25 / 345 الحديث 32086.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 321 - 322.
733
وجه المبالغة: حسم مادة الفساد، فلو كانوا يرخصون لأدى ذلك إلى
شيوع شرب الخمر ونحوه مما يكون طباع الفساق في غاية الشوق [إليه]، بل
طباع الكل، لأن النفس أمارة بالسوء (1)، فكانوا يرتكبون معللين بأنا نداوي
مرضنا، بل النفس - أيضا - من جهة كونها أمارة بالسوء كثيرا ما يخفي ويغير،
ولذا لا ينجو إلا من يجاهد نفسه دائما بالعلاجات الصادرة عن الأئمة
الطاهرين (عليهم السلام) والحكماء وأرباب القوى القدسية، وقليل ما هم، و * (إن الإنسان
لفي خسر * إلا الذين آمنوا) *.. إلى آخر الآية (2)، وقال تعالى: * (أفمن زين له
سوء عمله فرآه حسنا) * (3)، وقال: * (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين
ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) * (4).
وفي " الاحتجاج " عن الطبرسي، عن هشام بن الحكم، قال: " سأل
الزنديق أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: [و] لم حرم الله الخمر ولا لذة أفضل منها؟ قال:
حرمها لأنها أم الخبائث ورأس كل شر " (5) الحديث.
والأئمة - من الجهة المزبورة - لا بد أن يبالغوا مبالغة كاملة، ألا ترى أن
الإنسان لا بد أن يكون بين الخوف والرجاء على حد سواء؟! ومع ذلك [ورد]
بالنسبة إلى المعاصي والعصاة ما ورد، بحيث يوجب اليأس التام، وورد بالنسبة
إلى الخائفين المأيوسين ما ورد، بحيث يوجب الرجاء التام، وهكذا في كل محل
ومقام، وهم (عليهم السلام) كانوا أطباء لعلاج النفوس، أنظر حال الطبيب كيف يسلك مع



(1) إشارة إلى قوله تعالى في سورة: يوسف (12): 53.
(2) العصر (103): 2 و 3.
(3) فاطر (35): 8.
(4) الكهف (18): 103 و 104.
(5) الإحتجاج للطبرسي: 2 / 346.
734
المغمرين في الشهوات وأمثالهم، وكذا حال الوعاظ والناصحين وأهل الخير في
مقام الإرشاد والإصلاح، ورأينا بعض الشاربين يعتذر بأني إن لم أشرب أضر في
مرض كذا.
وبالجملة، كلما زاد حرص المتعلمين على معصية اقتضى ذلك زيادة
التشديد في المنع وسد الباب، حسما لمادة الفساد، مع أن الذي في الأخبار أنه تعالى
لم يجعل في حرام شفاء (1)، وهو أمر محمود، حسن عقلي، فربما يأتي العقل وجوده
في الحرام مطلقا، بخلاف طلب السلامة من المفسدة، فإنه كثيرا ما تدفع الأفسد
بالفاسد، والضرورات تبيح المحذور والمحذورات، ولا غبار.
ولذا ورد في الحسن عن هارون بن خارجة (2)، عن الصادق (عليه السلام): " في
رجل اشتكى عينيه، فبعث له كحل يعجن بالخمر، فقال: هو خبيث بمنزلة الميتة،
فإذا كان (3) مضطرا فليكتحل [به] " (4).
آداب المائدة
قوله: وفي رواية أخرى: " ملعون ملعون من جلس [طائعا] على مائدة
يشرب عليها الخمر " (5).. إلى آخره (6).



(1) لاحظ! الكافي: 6 / 414 الحديث 6 و 8 / 193 الحديث 229، وسائل الشيعة:
25 / 221 الحديث 31737 و 349 الحديث 32097.
(2) كذا، وفي المصدر: (هارون بن حمزة الغنوي).
(3) كذا، وفي المصدر: (فإن كان).
(4) تهذيب الأحكام: 9 / 114 الحديث 493، وسائل الشيعة: 25 / 350 الحديث 32101.
(5) الكافي: 6 / 268 الحديث 1، وسائل الشيعة: 24 / 232 الحديث 30416.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 331.
735
وروى الصدوق - أيضا - مرسلا، عن الصادق (عليه السلام)، قال: " لا تجالسوا
شراب الخمر، فإن اللعنة إذا نزلت عمت من في المجلس " (1).
ويدل عليه الأخبار الكثيرة في المنع عن الجلوس مع العصاة، وفي مجالس
العصاة (2)، والفقهاء أفتوا بها، مع أن المحمدين الثلاث أفتوا بالمنع عن الجلوس
أيضا، كما هو غير خفي (3).
قوله: [العلامة عدى التحريم إلى الاجتماع] للهو والفساد، [و] عن ابن
إدريس أنه لا يجوز الأكل من طعام يعصى الله به، أو عليه (4)، وقال: (ولم نقف
على مأخذه) (5)، ويمكن كون المأخذ ما أشرنا إليه، فتأمل (6).
يمكن أن يقال: مستنده تحريم الإعانة على الإثم، لأنهم إن لم يجتمعوا لم
يتحقق هذا الإثم، فاللازم على الكل ترك الاجتماع، وكذا لو منعوا عن الأكل
فإنهم لا يجتمعون حينئذ، لأن العادة أن الأكل وغيره يصير سببا للفساد.
وبالجملة، الإعانة على الإثم حرام بلا شبهة.



(1) من لا يحضره الفقيه: 4 / 41 الحديث 132، وسائل الشيعة: 25 / 374 الحديث
32162.
(2) لاحظ! بحار الأنوار: 71 / 190 الباب 14.
(3) لاحظ! الكافي: 6 / 268 باب كراهية الأكل على مائدة يشرب عليها الخمر، المقنع:
452، النهاية للطوسي: 593.
(4) نقله مسالك الأفهام عن السرائر: 3 / 136.
(5) مسالك الأفهام: 2 / 203.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 333.
736
كتاب
الإرث

737
الكفر
قوله: فالقول بالصحة، كما نقله (1) في " الشرح " (2) و " المختلف " (3)
مشكل، لعل المراد إليه صحيح، ولكن لا تصلح للحجية في مثل هذه الأحكام
المخالفة للقوانين، وهو ظاهر (4).
لا يخفى أنه رواه في " الفقيه " عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم،
عن عبد الملك بن أعين ومالك بن أعين (5)، عن الباقر (عليه السلام).. إلى آخر الحديث (6)،
ففيها مؤيدات:
منها: ما قال في أول " الفقيه "، مضافا إلى أنه أفتى به (7)، كما لا يخفى.
ومنها: أن السند صحيح إلى الحسن، وهو ممن أجمعت العصابة، على
قول (8).



(1) كذا، وفي المصدر: (كما فعله).
(2) مسالك الأفهام: 2 / 252.
(3) مختلف الشيعة: 2 / 740 - 741.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 484.
(5) كذا، وفي المصدر: (أو مالك بن أعين).
(6) من لا يحضره الفقيه: 4 / 245 الحديث 788.
(7) المقنع: 452.
(8) لاحظ! رجال العلامة الحلي: 37، رجال الكشي: 2 / 830.
739
ومنها: كون هشام في غاية الجلالة (1).
ومنها: كون الرواية عن الرواة عن الباقر (عليه السلام)، وفيها وجوه من القوة نصا
واعتبارا، مثل قول الصادق (عليه السلام): " إن أبي كان يفتي بمر الحق، وإنه (عليه السلام) ما كان
يتقي " (2)، لحكاية جابر، وقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): " يبقر علم الدين " (3)، وإبلاغ
سلامه إليه (4)، وغير ذلك مما ذكرنا في موضعه.
والكليني - أيضا - رواها بطريقين إلى سهل بن زياد ومحمد - وهو ثقة،
وسهل أيضا ثقة على الأقوى، وقوي على غير الأقوى - وهما رويا عن الحسن
ابن محبوب، عن هشام بن سالم (5)، عن الباقر (عليه السلام) (6)، وهو أيضا قال في أول
" الكافي " ما قال، مع تعدد الطريق وعمله بها.
والشيخ - أيضا - روى في الصحيح، عن الحسن المذكور.. إلى آخر السند،
عن الباقر (عليه السلام) (7)، وهو - أيضا - أفتى بها، مضافا إلى الأكثر كما ذكر.
مع أنها تتضمن السعي في تحصيل إسلام أولاد صاحب المال، لأن السعي
في أصل تحقق الإسلام مطلوب (8)، وكذا إسلام خلف صاحب المال، مع أن
* (أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) * (9).



(1) لاحظ! رجال العلامة الحلي: 179، رجال النجاشي: 434.
(2) وسائل الشيعة: 4 / 264 الحديث 5108.
(3) في المصدر: (يبقر العلم بقرا).
(4) لاحظ! بحار الأنوار: 46 / 225 الحديث 5.
(5) في المصدر: (عن هشام بن سالم، عن مالك بن أعين).
(6) الكافي: 7 / 143 الحديث 1.
(7) تهذيب الأحكام: 9 / 368 الحديث 1315.
(8) في النسخ: (لا يسعى في أصل تحقق الإسلام مطلوب)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(9) الأنفال (8): 75.
740
وتبادر ما نحن [فيه] في الأخبار الدالة على عدم إرث الكافر من المسلم
المورث لعله محل تأمل ظاهر، سيما لعدم كون الصغير كافرا، ولا في حكم الكافر
من جميع الوجوه، بل القطع حاصل بعدم كونه في حكم الكافر في وجوب قتله،
وأخذ الجزية [منه]، وكونه تبعا للسابي.. إلى غير ذلك.
وما ذكر في هذا الخبر المفتى به عند الأكثر نوع من الأولوية في أولي
الأرحام، سيما بملاحظة ما اشتهر وتلقي بالقبول عند جميع الفحول ووجدوا
بالوجدان، من أنه ما من عام إلا وقد خص، وملاحظة قوله تعالى: * (وتعاونوا
على البر) * (1) وغيرهما من الكتاب والأخبار المتواترة.
مضافا إلى الأخبار المتواترة في مراعاة ما هو أوفق بالقرآن والسنة
المتواترة، وما اشتهر بين الأصحاب وغير ذلك، مثل ما ورد في السعي في إهداء
الضالة وتشييد الدين، وترويج الحق والصواب، وتأليف القلوب إلى الحق، مع
أنه تعالى جعل للمؤلفة قلوبهم قسطا من الزكاة، وما ورد في الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر.. وغير ذلك، والله يعلم.
قوله: وهو ظاهر على أن في متنه [- أيضا -] قصورا، حيث حكم أولا
بتوريث ابن الأخ وابن الأخت ولم يفصل بأنه أسلم الأولاد أم لا، وحكم [بعده]
بأنه إن أسلموا يعطى الإمام.. إلى آخره (2).
لا يخفى ما فيه، فإن المعصوم (عليه السلام) صرح بأن توريث ابن الأخ والأخت
المسلمين مطلقا إن لم يكن له ولد صغار، فإن كان له ولد كذلك فالتوريث، وإن
كان بحاله، إلا أنه عليهما أن ينفقا عليهم مما ورثا حتى يدركوا، والراوي - حين



(1) المائدة (5): 2.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 484.
741
سأل - صرح بأنه ليس له أولاد مسلمون، بل له أولاد وزوجة نصارى، فليس
هنا موضع الاستفصال بأنه مسلم الأولاد أم لا.
ثم لما سئل (عليه السلام) أنه إذا اتفق أن أولاده الصغار - إن كانوا - إن اتفق أنهم
أسلموا وهم صغار، هل حالهم مثل ما لو لم يسلموا؟ فأجاب (عليه السلام) بأنه حينئذ ليس
حالهم حال ما لو لم يسلموا، إذ يعطى حينئذ ما ترك أبوهم للإمام (عليه السلام) أولى
الظن (1) القوي غاية القوة حاصل بأنهم يبقون على إسلامهم، لا أنهم يرتدون إن
بلغوا (2).
فعلى هذا، لا يناسب إعطاء ميراثهم من أمهم لابن الأخ والأخت، فإنهم
يأكلونه ويصرفونه.
وأما سكوته عن وجوب الإنفاق عليهم، فلأنه من اليقينيات أنهم لا
يتركون جائعين عن بابين (3) مثلا، لأنهم يموتون قطعا، فلا وجه لحفظ الإمام (عليه السلام)
ميراثهم إلى أن يدركوا، بل لعله على الإمام (عليه السلام) أن ينفق عليهم من ماله أو من
بيت المال، لا خصوص أموالهم التي يورثهم (4) المسلم البتة، و [هي] حق
المسلمين جزما.
وفي صورة عدم إسلامهم، لما كان المال حق ابن الأخ والأخت وهما ورثاه
الآن، كان عليهما أن ينفقا من مالهما المذكور إلى بلوغهم، وأما الإمام (عليه السلام) فالمال
ليس ماله، مع أن الإمام يعلم يقينا أنه ماذا يصنع، فلا حاجة إلى اظهار ذلك في
المقام، ولا يقتضي المقام اظهاره، وإن كان في مقام جواب سؤال السائل كما لا



(1) كذا في النسخ، والظاهر أن الصواب: (إذ أن الظن).
(2) في ألف: (آن بلوغهم).
(3) كذا في النسخ: ألف، د، ه‍، والعبارة ساقطة من نسختي ب، ج.
(4) في النسخ الكلمة هكذا: (بربهم) - بدون تنقيط -.
742
يخفى، لأنه كان يدري أن الإمام (عليه السلام) لا يخليه حتى يموت، والله يعلم.
قوله: فلا يرد هذا التنزيل بالرد المذكور. نعم، يمكن رده بأنه حينئذ يلزم
توريث الأولاد، إلا ابني الأخ والأخت (1) والإنفاق عليهما، بل يأخذه الحاكم
وينفق، وعدم جواز الأخذ منهم بعد أن كفروا يجب حينئذ استعسار الأولاد،
فتأمل.. إلى آخره (2).
لا يخفى وضوح فساد هذا الرد، إذ لا يلزم من عدم الدخول في الكافر
الممنوع من الإرث كونه وارثا مطلقا، بل لعله يكون بالنحو الثابت من هذا الخبر
المعمول عند الأكثر، مع ما فيه من المؤيدات التي عرفت، مع أنه لعله صحيح، ولا
يبعد صحته كما عرفت، فلاحظ حال عبد الملك بن أعين من الرجال وما كتبنا
فيه (3)، مضافا إلى ما فيه من الجوابر التي عرفت، فتأمل!
الرق
قوله: ويمكن الاستدلال - أيضا - على عدم إرثه من غيره (4) بما تقدم في
صحيحة محمد بن مسلم [التي] في إسلام الوارث على ميراث، " قلت: العبد يعتق
على ميراث، فقال: هو بمنزلته " (5)، وما في حسنته: " ومن أعتق على ميراث قبل



(1) كذا، وفي المصدر: (لا ابني الأخ والأخت).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 485، ولم ترد فيه: (يجب حينئذ.. فتأمل) وورد بدلها:
(وبالجملة، إن التنزيل لا يصلح ما في هذه الرواية).
(3) تعليقات على منهج المقال: 214 - 215.
(4) كذا، وفي المصدر: (من غيره أيضا).
(5) من لا يحضره الفقيه: 4 / 237 الحديث 758، وسائل الشيعة: 26 / 21 الحديث
32401، وفيه: (قال) بدلا من (فقال).
743
أن يقسم الميراث فهو له، ومن أعتق بعد ما قسم فلا ميراث له " (1)، فيها دلالة
على إرثه إن أعتق قبل القسمة.. إلى آخره (2).
ويمكن أن يستدل - أيضا - بصحيحة منصور الآتية عند قول المصنف (رحمه الله):
(ولو تحرر بعضه) (3)، وما رواه في " الفقيه " عن الصادق (عليه السلام): " إن العبد لا
يورث " (4)، وكذا الأخبار الواردة في أن من تحرر بعضه من المكاتبين يورث بقدر
ما تحرر (5)، وما ورد في عدة أخبار من عدم التوارث بين الحر والمملوك (6).
إلا أن يقال بأن هذه الأخبار من الأخبار الدالة على أن المملوك لا يملك
شيئا، لظهورها في ذلك، فيكون الكلام فيها هو الكلام في سائر ما دل عليه.
ووجه الظهور أنه إن كان يملك، ويكون المال ماله بعد موته يصير من جملة
ما ترك جزما، فيشمله العمومات القرآنية والأخبارية في انتقاله إلى الورثة.
والقول بأن المملوكية لعلها تكون حاجبة للإرث مطلقا، يعني كما أنها
حاجبة للوارث في وارثيته وإرثه، فكذا حاجبة للمورث في مورثيته، وايراثه
يقتضي أن لا يكون المالك أيضا وارثا له، فإنه حر ولا توارث بين الحر والمملوك.
والأخبار ظاهرة في أن مال المملوك الميت مال مولاه لا مال وارثه (7)،



(1) الكافي: 7 / 144 الحديث 4، وسائل الشيعة: 26 / 21 الحديث 32400.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 487.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 500.
(4) من لا يحضره الفقيه: 4 / 247 الحديث 796، وسائل الشيعة: 26 / 44 الحديث
32456، ولم ترد فيه: (إن).
(5) لاحظ! من لا يحضره الفقيه: 4 / 247 باب ميراث المكاتب، وسائل الشيعة: 26 / 47
الباب 19 من أبواب موانع الإرث.
(6) لاحظ! وسائل الشيعة: 26 / 43 الباب 16 من أبواب موانع الإرث.
(7) لاحظ! وسائل الشيعة: 26 / 61 الباب 24 من أبواب موانع الإرث.
744
فتعين أن يكون الانتقال إلى المولى من جهة الملك، لا من جهة الإرث، كما صرح
به بعض المحققين (1).
وأيضا، ربما يظهر من كلام الشارح عدم كون عدم الموروثية مسلمة عند
الكل، متفقا عليه بين الفقهاء، سيما القائلين بالملك، وإلا لكان يشير إلى ذلك كما
أشار في مبحث الحجر وتنظر فيه (2)، فلاحظ!
والشيخ (رحمه الله) وجه هذه الأخبار وعلل من جهة أن المملوك لا يملك (3)، وكذا
غيره ممن وجدنا وعلمنا جزما أنه عمل بها ووجهها، فتأمل.
وادعى الإجماع على عدم الإرث والإيراث من الطرفين، وأن الرق مانع
عن ذلك، ولم أطلع على مخالف لهذا الإجماع، ومضمون الأخبار.
وفي " المسالك ": جعل حاجبية الرق مخصوصا بالقول بمالكية العبد، إذ لو
لم يملك لم يتحقق معنى الحجب، كما في صورة عدم ترك الميت مالا أصلا، وبعد
ما رأى أن المال على القول بالمالكية، لا بد أن يكون إرثا، وأنه ليس بإرث أصلا
وجه ذلك بأن ملك العبد غير مستقر، يعود إلى السيد إذا زال الملك عن رقبته، كما
إذا باعه (4). انتهى.
وفيه تأمل ظاهر، ومر الكلام في ذلك في كتاب البيع (5)، فلاحظ!
قوله: فلا عموم فيها، مع احتمال كون ذلك تبرعا منه (عليه السلام)، فإن المال بعد



(1) لاحظ! الروضة البهية: 8 / 38.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 213.
(3) تهذيب الأحكام: 9 / 336 ذيل الحديث 1208، الاستبصار: 4 / 177 ذيل
الحديث 13.
(4) مسالك الأفهام: 2 / 254.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 9 / 213.
745
عدم الوارث له (عليه السلام).. إلى آخره (1).
قوله (عليه السلام): " انظروا هل تجدون له وارثا؟ " (2) ظاهر في العموم، وقول
القيد (3) لا يخصصه بلا تأمل، لأنه من الاتفاقيات كما ذكره، وظهور عدم التبرع
غير بعيد.
قوله: والظاهر أنه أحوط بالنسبة إلى حال العبد، ولا شك أن الاكتفاء
بالقيمة السوقية أحوط بالنسبة إلى المالك.. إلى آخره (4).
بل الظاهر عدم كونه أحوط بعد ما ظهر من حقية ما ذكره أولا، مع أنه ربما
يؤدي إلى عدم الإعتاق، لعدم وفاء المال بمهما أراد، إلا أن يدخله في الإجحاف،
فتأمل! مع أنه كثيرا ما يتضرر بأنه يصير سائلا بالكف.
وبالجملة، ما ذكر أولا متعين، للأخبار المنجبرة بعمل الأصحاب (5)، لأن
ظاهرهم ذلك، والظهور يكفي في الأخبار وفي كلامهم.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 493.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 493، الكافي: 7 / 148 الحديث 8، من لا يحضره الفقيه:
4 / 246 الحديث 791، وسائل الشيعة: 26 / 52 الحديث 32474.
(3) في ج، د: (وقول القيل).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 11 / 498.
(5) لاحظ! وسائل الشيعة: 26 / 49 الباب 20 من أبواب موانع الإرث.
746
كتاب
القضاء

747
صفات القاضي
قوله: فيه دلالة على تجزؤ الاجتهاد والفتوى وتجويز القضاء للمتجزئ،
فافهم (1).
لا نزاع في أن العلم بجميع الأحكام ليس شرطا في الفتوى والاجتهاد، كيف
وهو من خواص الشارع؟! بل النزاع إنما هو في اشتراط الاطلاع بجميع مدارك
الأحكام والقدرة على استنباطها، ومنها التوقف، كما لا يخفى على المطلع بأحوال
المجتهدين الذين لا تأمل لأحد في اجتهادهم، بل لا يوجد مجتهد إلا ويتوقف في
بعض المسائل، بل وغير واحد منها.
فعلى هذا، لا دلالة للرواية (2) على التجزؤ في الاجتهاد، بل على أن العالم
ببعض الأحكام مجتهد، وقوله فيه حجة، والمانع للتجزؤ يمنع حصول العلم ببعض
الأحكام للمتجزئ، إلا أن يدعى ظهور حصول العلم ببعضها من دون الإحاطة
بجميع المدارك في ذلك الزمان، لكن لو تم هذا - بحيث ينفع محل النزاع - يكون هو
الدليل من دون مدخلية الرواية، إذ لا نزاع في أنه بعد تحقق العلم يكون حجة
وعالمه مجتهدا، بل هذا فوق درجة الاجتهاد، وهو فوق المجتهد، إذ يكفي للمجتهد
الظن، بل النزاع إنما هو في حصول العلم أو الظن المعتبر من دون الاطلاع بجميع
المدارك، إذ يجوز أن يكون لباقي المدارك - كلا أو بعضا - مدخلية في الفهم، فلو



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 7.
(2) أي رواية أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال: مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 7، من لا
يحضره الفقيه: 3 / 2 الحديث 1، وسائل الشيعة: 27 / 13 الحديث 33083.
749
كان مطلعا لتغير فهمه، ومع عدم الاطلاع كيف يحكم بعدم المدخلية؟! إلا أن يقلد
المجتهد في الكل، فيكون في الحقيقة مقلدا لا مجتهدا، أو ملفقا.
ولا دليل على حجية مثل هذا الظن، وقد بسطنا الكلام في المقام في
رسالتنا (1)، وظهر مما ذكر أن محل النزاع ليس ذلك الزمان، إذ لا شك في حصول
اليقين مما سمع من الشارع مشافهة، من دون حاجة إلى مقدمة وشرط من شرائط
الاجتهاد المتفق عليها عند الفريقين، إذ لا شك في أن القائل بالتجزؤ يشترط
للمتجزئ - أيضا - شرائط الاجتهاد، إذ الشرائط المعتبرة لم تعتبر للمجتهد
المطلق، بل لمطلق الاجتهاد، كما لا يخفى.
قوله: ولأنه روى الأصبغ بن نباتة أنه قال.. إلى آخره (2).
لعل المراد الخطأ في موضوع الحكم الشرعي، لا في نفسه، ولهذا أمر
بالتأمل.
قوله: [كون من روى] حديث أهل البيت (عليهم السلام) ونظر (3) في حلالهم
وحرامهم وعرفهما حاكما وقاضيا وإن لم يكن مجتهدا في الكل.. إلى
آخره (4).
فيه - مضافا إلى ما مر - أن " أحكامنا " (5) ظاهر في الكل، بل وإفادة
" حلالنا وحرامنا " البعض أيضا محل نظر.



(1) أي رسالة الاجتهاد والأخبار: الرسائل الأصولية: 67 - 71.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 7، ورواية الأصبغ بن نباتة في: من لا يحضره الفقيه: 3 / 5
الحديث 16، وسائل الشيعة: 27 / 226 الحديث 33651.
(3) كذا، وفي المصدر: (وينظر).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 11.
(5) من رواية عمر بن حنظلة: مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 8، الكافي: 1 / 67
الحديث 10، وسائل الشيعة: 27 / 136 الحديث 33416.
750
قوله: [فلا يجوز للمتصف بالشرائط الحكم بغير نصبه]، والدليل عليه
غير ظاهر إلا أن يكون إجماعيا.. إلى آخره (1).
في قوله (عليه السلام): " فإني قد جعلته [عليكم] حاكما " وقاضيا، وغير ذلك
شهادة واضحة على الاشتراط، وأن نصبهم كذلك إنما هو لعدم تمكنهم من النصب
بالخصوص، فدعوى البعد بعيد، فتأمل.
قوله: [ولم يجز] ولم ينفذ حكمه، إذ لا بد من الإذن.. إلى آخره (2).
لكن روى " الكشي " في عروة القتات ما يشير إلى الجواز (3)، مع تأمل
فيه، فتأمل!
قوله: [الإجماع أيضا،] وإلا فما أعرف له دليلا بعد جعله مخصوصا.. إلى
آخره (4).
يمكن الاستشهاد بحكاية عروة القتات، فتأمل!
قوله: فإن عرفان الأحكام بدون الاجتهاد لا يمكن، ويؤيده الاعتبار،
وفيه تأمل، لعدم حجية الاعتبار، وأن ظاهر الأخبار أنه يكفي مجرد الرواية، وأن
فهمها كاف.. إلى آخره (5).
لا يخفى أن هذا الراوي أعلى درجة من المجتهد في زماننا بمراتب، لانسداد
باب العلم، وتراكم الشبهات والاختلالات، ومقتضى الأدلة حرمة العمل بالظن
والحكم بغير عرفان، ولم يظهر من الأخبار عدم عرفان الرواة، بل وربما كان
الظاهر عرفانهم، ولا أقل من عرفان كعرفان المجتهد، وأنه كان حاصلا لهم لو لم



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 16.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 17.
(3) رجال الكشي: 2 / 669 الحديث 692.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 17.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 19.
751
نقل بأزيد منه، بل لو كان ظاهرها العدم لزم ارتكاب خلاف الظاهر، جمعا بين
الأدلة.
ولا يمكن حمل ما دل على اشتراط العرفان على مثل مجرد الرواية من دون
عرفان لقطعية السند وقوة الدلالة، لو لم نقل بالنصوصية في بعضها، مع أن مجرد
الاحتمال لا يكفي في المقام والحكم في الأموال والدماء والفروج وأمثالها بمجرده،
مضافا إلى أن العمل بغير العلم في الأحكام الشرعية خلاف الأصل والعقل، بل
الظن لا يكفي إلا أن يدل [دليل] علمي على اعتباره، كما هو في ظن المجتهد.
فإذا كان الظن لا يكفي، فكيف مجرد الاحتمال؟! سيما وإن كان مرجوحا، لو
لم نقل بالقطع بفساده، فتأمل!
على أنا نقول: ليس ظاهر الأخبار أن القاضي استند إلى الرواية، فضلا
عن اكتفائه بمجردها، بل المستفاد منها أن القاضي هو الراوي، والمحدث، وإن أراد
أنه يكفي للمدعي والمدعى على مجرد الرواية من دون قاض وقضاء وحكم، فلا
يخفى ما فيه، فتدبر (1)!
قوله: وقد يمنع لزوم ترجيح المرجوح، إذ قد يظن التساوي، بل الرجحان
في الفتوى الواحدة أو الحكم الواحد، بل أكثر من (2) كونه مفضولا، وقياسه على
حال الإمامة والرئاسة (3) غير سديد.. إلى آخره (4).
بل نقول: إن التقليد خلاف الأصل، بل منهي عنه لنفسه، ولكونه ظنا
وغير علم، مضافا إلى الثمرات مثل القتل وأخذ مال الغير وأمثالهما، خرج تقليد



(1) في ب إضافة: (والله يعلم).
(2) كذا، وفي المصدر: " مع ".
(3) كذا، وفي المصدر " والرئاسة العامة ".
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 21.
752
الأعلم بالإجماع وغيره، وبقي الباقي.
وأيضا، حكم غير الأعلم مرجوح في نظر المقلد بالنسبة إلى حكم الأعلم
إذا وقع بينهما مخالفة، ولا بد للمقلد الظن بكون حكم مجتهده حكم الشارع لا أقل
منه، والمرجوح موهوم، وأين هو من المظنون؟! فتدبر.
وظن التساوي، مع علمه بكون الآخر أعلم بالأحكام الشرعية، وعدم
اطلاعه بمدارك الأحكام وطرق استنباطها، أو عدم مهارته فيها، مع اعتقاد
مهارة الأعلم، فيه ما فيه.
وعلى فرض حصوله من غير جهة مع أنه محال، أو من جهة فاسدة - مثل
كون المفضول أعرف بالشعر أو القيافة وأمثال ذلك - فاعتباره شرعا أو عقلا فيه
ما فيه.
قوله: ولهذا قد (1) جوز إمامة المفضول [للفاضل في الصلاة].. إلى آخره (2).
لا يخفى ما فيه، والفرق بينه وبين ما نحن فيه.
قوله: [عدم الخلاف] في عدم انعزاله [بموت القاضي].. إلى آخره (3).
الظاهر ترك لفظ العدم، كما في " المسالك " (4).



(1) لم ترد: (قد) في المصدر.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 21.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 30، وفيه: (في انعزاله)، وهذه الحاشية وردت فقط في ب،
ج دون بقية النسخ.
(4) مسالك الأفهام: 2 / 287.
753
آداب القضاء
قوله: أن يحضر العلماء حال حكمه، إذ قد يسهو أو يخطأ فينبهونه فيرجع
بعد أن رأى ما ذكروه صوابا إليه، أو ربما أشكل عليه المسألة للغفلة عن دليلها
تلك الساعة.. إلى آخره (1).
في " التهذيب " بسنده إلى الصادق (عليه السلام)، قال: " إذا كان الحاكم يقول لمن
عن يمينه ولمن عن يساره: ما ترى؟ ما تقول؟ فعلى ذلك لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين، ألا يقوم من مجلسه ويجلسهما مكانه! " (2).
لعل المراد منه الجاهل بالحكم، لا المجتهد المشاور احتياطا، بل هو الظاهر.
ونقل الكشي (رحمه الله) في عروة القتات رواية عن الصادق (عليه السلام)، قال: " أي شئ
بلغني عنكم؟ قلت: ما هو؟ قال: بلغني أنكم أقعدتم قاضيا بالكناسة! قلت: نعم
[- جعلت فداك - ذاك] رجل يقال له عروة [القتات، وهو رجل] له حظ من
عقل يجتمع عنده، يتكلم (3) ويتساءل، ثم يرد ذلك إليكم، قال: لا بأس " (4).
والرواية الأولى من الأدلة على عدم جواز تقليد القاضي للمجتهد، ولا
يعارض الثانية، لأن مضمونها نوع اجتهاد، سيما في ذلك الزمان، فتدبر.
قوله: لأن هذا الحكم يجري على المذهبين، وقد ذكره الفريقان في آداب



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 37 - 38.
(2) تهذيب الأحكام: 6 / 227 الحديث 545، وسائل الشيعة: 27 / 215 الحديث
33625.
(3) كذا، وفي المصدر: (فيتكلم).
(4) رجال الكشي: 2 / 669 الحديث 692.
754
القضاء، لأن الإصابة في الاجتهاد على القائل بكون (1) كل مجتهد مصيبا إنما هي مع
موافقة الاجتهاد للدليل المناسب للحكم، والمفروض هنا الغفلة عنه.. إلى
آخره (2).
لا يخفى أن الاجتهاد واستفراغ الوسع شرط في صحة حكم القاضي، فإن
حصل صار مصيبا عند المصوبة، وحكمه حكم الله تعالى بعينه، إذ لا حكم له
[تعالى] إلا ما ظنه المجتهد بعد مراعاة شرائط الاجتهاد، فلا وجه حينئذ في
الرجوع إلى قول المنبه، لأن حكم الله تعالى في شأنه هو الذي حكم به.
وأما إذا لم يستفرغ الوسع ولم يحصل الشرائط كان حكمه باطلا، ولم يكن
حكم الله تعالى قطعا.
فلا معنى لاستحباب إحضار العلماء الدال على صحة الحكم بدون
الإحضار، إلا أنه أولى، إذ هذا يناسب مذهب المخطئة. وموافقة الاجتهاد
للدليل (3) المناسب إن كفى ظن المجتهد بها فهي حاصلة في المقام، وإلا فكيف يحكم
وإن لم يكف الظن بل لا بد من اليقين؟!
فبدون إحضارهم - إن حصل - فأي فائدة في الإحضار؟ إذ اليقين ينفي
الاحتمال. وإن لم يحصل فكيف يصح حكمه بدون الإحضار يستحب، لو لم نقل
بفساد حكمه مع الإحضار أيضا! فتدبر!
فإن قلت: الظن كاف، لكن لا يلزم من حصوله حصول الظن بنفس الحكم
حتى يكون حكمه - تعالى - تابعا له ويكون صوابا، إذ لعله يتوقف على أمر آخر
مثل ملاحظة المعارض وغيره، وحينئذ يستحب أن يجعل ظنه أقوى أو يحصل



(1) كذا، وفي المصدر: (على القول بكون).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 39، مسالك الأفهام: 2 / 288.
(3) في ب، ج: (الاجتهاد والدليل).
755
العلم.
قلت: تحصيل الأقوى أو العلم حينئذ إن كان تحت وسعه وقصر، فلا يجوز
العمل على الضعيف، كما هو الظاهر من طريقتهم والمقرر منهم في شرائط الاجتهاد
ومقدماته.
ومع ذلك لا خصوصية لذلك في إحضار العلماء، إذ المحصل لهما أمور كثيرة،
بل ربما يحصل بعد إحضار العلماء ومشاورتهم ظن أضعف بالنسبة إلى الحاصل من
أمور أخر.
ومع ذلك كلامهم إنما هو في الإحضار حال الحكم، ولا يكون ذلك إلا بعد
طي جميع المقدمات والشرائط من ملاحظة المعارض وغير ذلك، فتأمل!
كيفية الحكم
قوله: فإنا نجد أن التقييد (1) في زماننا هذا بين المسلمين قليل جدا، وهو
ظاهر، وما يدل على عدم الخروج عن اليقين إلا بيقين آخر (2).. إلى آخره (3).
وفي زماننا أقل وأقل، بل لعله لا يوجد إلا في البلاد الكبيرة وفي غاية
القلة، فعلى اشتراط التفتيش حتى يثبت العدالة يندر ما يتحقق حكم، وهو أيضا
مفسدة، كما سنشير إليه.
فمقتضى ما ذكره، ملاحظة القاضي أقل المفسدتين.
ومن هذا يظهر وجه جمع آخر بين الأخبار، وكذا بينها وبين غيرها لو لم



(1) في ج، ونسخة من المصدر: (التقيد).
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 1 / 245 الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 58.
756
يكن خرقا للإجماع المركب والشأن في ثبوته، وسيجئ - في عنوان أنه لا تقبل
شهادة الذمي - ما يشير إلى ذلك (1)، فتأمل.
مع أن ظهور العدالة كاف قطعا، والنزاع إنما وقع في أنها ما هي، فتأمل!
قوله: [وخصوص الآية، مثل:] قوله تعالى * (وأشهدوا ذوي عدل
منكم) * (2).
فيه ما لا يخفى، وسيجئ الكلام.
قوله: والأخبار، مثل صحيحة عبد الله بن أبي يعفور الثقة، في " الفقيه "
قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بما (3) تعرف عدالة الرجل بين المسلمين، حتى تقبل
شهادته لهم وعليهم؟ فقال: أن تعرفوه بالستر، والعفاف، وكف البطن والفرج
واليد واللسان.. " (4).. إلى آخره (5).
وجه الاستدلال، أن المستفاد منها أنه لو لم يحصل المعرفة بالنحو المذكور لم
يقبل أصلا.
وفيه، أن المعرفة بهذا النحو ليس بشرط إجماعا، للإجماع على عدم اعتبار
صلاة الجماعة فضلا عن معرفتها، وللاتفاق على كفاية المعرفة من شهادة العدلين،
وأنها من طرق المعرفة، بل سيجئ عن الشارح (رحمه الله) الاكتفاء بالعدل الواحد
أيضا (6).
وأيضا، إن أريد أنها تدل على أن معرفة عدالة الرجل إنما تحصل من كونه



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 303.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 58، والآية في: الطلاق (65): 2.
(3) في: من لا يحضره الفقيه: (بم).
(4) من لا يحضره الفقيه: 3 / 24 الحديث 65، وسائل الشيعة: 27 / 391 الحديث 34032.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 58 - 59.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 73.
757
معروف العدالة بين المسلمين، ساترا لجميع عيوبه عليهم، فيظهرونها على من
احتاج إلى المعرفة، ففيه - مضافا إلى ما قلنا من الحصول بالشهادة أيضا - أنها
تحصل بالمعاشرة أيضا، بل هي أقوى الطرق، بل المعرفة إنما تحصل من المعاشرة
معاشرة المحتاج، أو الشهود الماهرين له.
مع أن السائل إن كان يعرف ماهية العدالة، لكن لا يعرف كيفية الثبوت،
فكان يكفي أن يجاب بأن المثبت هو شهادة المسلمين.
وإن كان لا يعرف الماهية وكان يسأل عنها، فكيف يناسبه أن يجاب بأن
يعرفه المسلمون بكذا وكذا؟ إذ يظهر منها كون معرفة المسلمين لها مدخلية في
العدالة، ولا شك في فساده، ولم يعتبر أحد في العادل، أن يكون عادلا عند
المسلمين، بل المعتبر - مثلا - حال القاضي، فلو كان عادلا عنده كفى في قبول
شهادته وإن لم يكن عند غيره عادلا، بل ولو كان عند غيره فاسقا لكن لم يبلغه،
أو بلغه بعد حكمه، أو حكمه بها قبل البلوغ، كان صحيحا بظاهر الشرع، أو بلغه
قبل الحكم لكن لم يعتن به لعدم عدالة المبلغ، أو لغير ذلك، حتى أنه لو ترجح عنده
شهود التعديل أو بنى على أن التعديل مقدم يصح قوله.
وبالجملة، لا يشترط في العادل أن لا يظهر فسقه على أحد، فضلا عن أن
يكون عادلا عندهم حتى عند القائل بالملكة، لأن هذه الملكة مثل سائر الملكات
في عدم استحالة التخلف، وليست مرتبة العصمة ولا يشترط تحصيل القطع بعدم
الفسق، بل يكفي الظن كما سيجئ، وإن كان ظن الملكة أقوى.
وأيضا، يجوز أن يفسق الشاهد وفاقا ويتوب، فتقبل شهادته، كما
سيجئ.
وإن أريد أن المراد من المسلمين في الحديث آحاد من احتاج إلى الشهادة

758
وقبولها، مثل القاضي والمستشهد، فيكون المراد أن القاضي - مثلا - بم يعرف
عدالة الرجل حتى يقبل شهادته؟ فأجاب بأن يعرفه بالستر والعفاف.. إلى
آخره.
فهذا - مع أنه ربما كان خلاف الظاهر - لا يلائمه قوله (عليه السلام): " والدلالة على
ذلك " (1).. إلى آخره.
فإن قلت: الحديث صحيح (2)، متلقى بالقبول عند الصدوق، بل الشيخ
أيضا، فلا بد من التوجيه، حتى يرفع ما ذكرت من المفاسد، لكن على أي حال
الدلالة على المطلوب باقية، وهي عدم القبول إلا بمعرفة اجتناب الكبائر.. إلى
آخره.
قلت: الشيخ رواها بمتن مخالف لهذا المتن (3) في الجملة، وهذا أيضا علاوة لما
ذكرنا. وأما التوجيه، فلعل بارتكابه ترفع الدلالة، وأظهر التوجيهات - بل لعله
هو الظاهر من الحديث - أن الراوي سأل: بم يصير الرجل معروف العدالة بين
المسلمين حتى تصير شهادته حجة لكل من احتاج إليها منهم، وعلى كل من
أوردت عليه منهم؟ والحاصل، أن يكون شهادته متلقاة بالقبول بينهم؟ فقال:
" أن يعرفوه.. إلى آخره ".
فالكلام منتظم لا غبار عليه إلا حكاية اشتراط صلاة الجماعة، وهو محتاج
إلى التوجيه على أي تقدير.
فعلى هذا نقول: كون الشهادة متلقاة بالقبول بين المسلمين لا يتأتى إلا بما
ذكره (عليه السلام)، كما ستعرف في حاشية أخرى، وهذا لا يقتضي أن يكون قاض لا يمكنه



(1) مرت الإشارة إليه آنفا.
(2) أي حديث عبد الله ابن أبي يعفور، الذي مرت الإشارة إليه آنفا.
(3) تهذيب الأحكام: 6 / 241 الحديث 596.
759
أن يحكم في قضيته بشهادة مسلم غير ظاهر الفسق إلا بمعرفة اجتناب الكبائر،
وبينهما فرق ظاهر، فكيف يبقى دلالة الحديث على اشتراط التفتيش بحيث
يعارض الأخبار الدالة على عدم الاشتراط؟ فتأمل!
وسيجئ زيادة التوضيح على ذلك.
قوله: وكيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله
- عز وجل - ومن رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه الحرق في جوف بيته بالنار.. إلى آخره (1).
وفي " الأمالي " بسنده عن الكاظم (عليه السلام): " من صلى خمس صلوات في اليوم
والليلة في جماعة فظنوا به خيرا، وأجيزوا شهادته " (2).
وفي " الكافي " في باب علامات المؤمن، عن عثمان، عن سماعة، عن
الصادق (عليه السلام) قال: " من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم،
ووعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته، وكملت مروءته، وظهر عدله،
ووجب إخوته " (3)، ورواه الصدوق في " العيون " بسنده عن الرضا (عليه السلام) (4)، وفيه
شهادة على اعتبار المروءة.
وقال علي (عليه السلام) في قوله تعالى: * (ممن ترضون من الشهداء) * (5): " ممن
ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته، وتيقظه فيما يشهد به، وتحصيله، وتمييزه،
فما كل صالح مميزا، [ولا محصلا، ولا كل محصل مميز صالح] " (6)، والأخبار



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 59، وهو قطعة من رواية بن أبي يعفور التي مرت الإشارة
إليها آنفا.
(2) أمالي الصدوق: 278 الحديث 23، وفيه: (عن الصادق (عليه السلام)).
(3) الكافي: 2 / 239 الحديث 28.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2 / 33 الحديث 34.
(5) البقرة (2): 282.
(6) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 672 الحديث 375، وسائل الشيعة: 27 / 399 الحديث 34054، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
760
الواردة في إمام الجماعة وعدالته (1).
قوله: ورواية عبد الله بن أبي يعفور، عن أخيه عبد الكريم بن أبي يعفور،
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كن مستورات.. " (2)..
إلى آخره (3).
المكتفي بالظاهر إنما يكتفي بناء على أن الظاهر من المسلم عدم الفسق - على
ما سيجئ - وهذا المعنى في النساء غير متحقق، على ما يظهر من القرآن (4)
والأخبار الكثيرة (5)، إلا أن يقال: إنه قول بالفصل، لأنهم يكتفون مطلقا، لكن
لا بد من ملاحظة كلامهم حتى يتحقق، مع أن الأصل غير ظاهر في الظاهر.
قوله: [وجه الدلالة، أنه لو لم يكن شرطا] لزم أن يكون القيد (6) لغوا،
فتأمل فيه.. إلى آخره (7).
وجهه، أن العدالة شرط بالاتفاق، وإنما النزاع في المعنى، ومع ذلك القيد في
كلام الراوي، ومع ذلك يمكن أن يكون اعتبار العدالة على سبيل الاستحباب
أيضا.
قوله: وأيضا لا شك أن الفسق مانع من قبول الشهادة بالعقل والنقل،



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 8 / 313 الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) تهذيب الأحكام: 6 / 242 الحديث 597، وسائل الشيعة: 27 / 398 الحديث
34051.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 60.
(4) لاحظ! قوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) *. البقرة (2): 282.
(5) لاحظ: وسائل الشيعة: 27 / 350 الباب 24 من أبواب كتاب الشهادات.
(6) كذا، وفي المصدر: (التقييد).
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 60.
761
كتابا (1) وسنة - وهي أخبار كثيرة (2) - وإجماعا.. إلى آخره (3).
إن أراد الفسق الظاهر، فمسلم ولا يجدي نفعا، ويلغو إذن قوله: ولا بد..
إلى آخره (4).
وإن أراد ما هو بحسب نفس الأمر - كما هو الظاهر والمطلوب - فلا يخفى ما
في أدلته، أما الإجماع فظاهر، وأما الآية فمع أن المفهوم مفهوم وصف، ومع ذلك لا
تدل على عدم القبول، بل على التثبت والقبول في الجملة، فتأمل!
ومع ذلك، نمنع دلالتها على الفاسق بحسب نفس الأمر، وإن كان ذلك
مقتضى اللغة، لأن المتبادر عرفا وشرعا من قول: جاء الفاسق، وذهب الفاسق،
وقال الفاسق، وغير ذلك: من ظهر فسقه، لا من احتمل وإن لم يظهر منه أصلا،
بل وظهر خلافه، وإن لم يثبت بالعلم أو الظن الشرعي عدالته، ويؤيده ملاحظة
شأن نزول الآية (5)، وأنه يلزم التخصيص وارتكاب خلاف الظاهر كثيرا، بعد
المعارضة لأدلة كثيرة لو حملنا على المعنى اللغوي.
مع أن المفهوم - حينئذ - أنه إذا لم يكن فاسقا في نفس الأمر وجب القبول،
وإن لم يكن كذلك شرعا، بل كان خلاف ذلك.
وبالجملة، حمله على نفس الأمر من دون ملاحظة الشرع واعتباره فيه ما
فيه، والحمل على الشرعي أو بملاحظة الشرع في المفهوم دون المنطوق أيضا فيه
ما لا يخفى.



(1) لاحظ! آية النبأ: الحجرات (49): 6.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 373 الباب 30 من أبواب كتاب الشهادات.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 63.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 63.
(5) لاحظ! مجمع البيان: 6 / الجزء السادس والعشرون / 87.
762
هذا، مضافا إلى أن الشرع منع من النسبة إلى الفسق بمجرد الاحتمال، وأمر
بالتعزير (1)، بل أمر بالبناء على الصحة والسداد، والحكم بالحسن، وتكذيب
السمع والبصر ما يجد إليه سبيلا (2)، وادعاء الشرع وخلاف الشرع بمعنى دون
معنى في مقام الاستدلال، فيه أيضا ما فيه.
على أنا لو لم نقل بظهوره في الظاهر، فدعوى ظهوره فيما هو بحسب نفس
الأمر ممنوع، سيما بعد ملاحظة ما أشير إليه.
ومما ذكر ظهر حال السنة أيضا، بل لعله يظهر للمتتبع أنهم ما كانوا يطلقون
لفظ الفاسق بإرادة احتمال الصدور في نفس الأمر (3)، بل الأخبار متواترة في عدم
ضرر الاحتمال في المقام وأمثاله (4)، ولا يوجد خبر معارض، بل الكل متفقة،
بعضها يدل صريحا وبعضها ظاهرا.
سلمنا، لكن ورد أخبار صريحة أو ظاهرة في الاكتفاء بعدم ظهور الفسق،
مثل قوله (عليه السلام): " لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادة الأنبياء
والأوصياء، لأنهم [هم] المعصومون دون سائر الخلق، فمن لم تره بعينك يرتكب
ذنبا أو لم يشهد [عليه] بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته
مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا " (5).
رواه الصدوق في " أماليه " بسنده، عن علقمة، قال: " قلت للصادق (عليه السلام):



(1) لاحظ! الروضة البهية: 9 / 168.
(2) لاحظ! بحار الأنوار: 72 / 214 الحديث 11.
(3) في ب، ج: (وفي نفس الأمر).
(4) وسائل الشيعة: 27 / 393 الأحاديث 34034 و 34034 و 34043 و 34049.
(5) وسائل الشيعة: 27 / 395 الحديث 34044، وما بين المعقوفين أثبتناه من
المصدر.
763
أخبرني عمن تقبل شهادته ومن لا تقبل، قال (عليه السلام) (1): كل من كان على فطرة
الإسلام جازت شهادته، قلت (2): تقبل شهادة المقترف للذنوب (3)؟ فقال (4): لو
لم تقبل.. إلى آخر ما ذكر - ثم قال (عليه السلام): - ومن اغتابه كان خارجا (5) عن ولاية
الله عز وجل، داخلا (6) في ولاية الشيطان " (7).
ومثل: قوله (عليه السلام) في شهادة اللاعب بالحمام: " لا بأس، إذا كان لا يعرف
بفسق " (8).
وروي في قوله تعالى * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * (9) قال:
".. ليكونوا من المسلمين منكم، فإن الله عز وجل إنما شرف المسلمين العدول
بقبول شهاداتهم، وجعل ذلك من الشرف العاجل.. إلى آخره " (10) فتأمل!
وما ذكره الشارح (رحمه الله) في هذا الشرح (11).
وأما المطلقات والعمومات، فأكثر من أن تحصى:



(1) كذا، وفي المصدر: (فقال: يا علقمة).
(2) كذا، وفي المصدر: (قال: فقلت).
(3) كذا، وفي المصدر: (مقترف للذنوب).
(4) كذا، وفي المصدر: (فقال: يا علقمة).
(5) كذا، وفي المصدر: (ومن اغتابه بما فيه فهو خارج).
(6) كذا، وفي المصدر: (داخل).
(7) أمالي الصدوق: 91 الحديث 3.
(8) من لا يحضره الفقيه: 3 / 30 الحديث 88، وسائل الشيعة: 27 / 394 الحديث
34037.
(9) البقرة (2): 282.
(10) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 656 الحديث 374، وسائل الشيعة:
27 / 399 الحديث 34053.
(11) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 63 - 65.
764
منها: ما ورد في الأمر بأداء الشهادة وتحملها (1)، ويؤيده الأخبار الواردة
في أن قاذف المحصنات بمجرد التوبة تقبل شهادته (2)، وغير ذلك، مثل أن شهود
الزور بمجرد التوبة تقبل شهادتهم (3).
وأيضا، ربما يظهر من بعض قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان يكتفي، بل
وربما كان ذلك من غيره من المعصومين (عليه السلام) (4).
هذا، مضافا إلى ما سيذكر هو (رحمه الله) من الأخبار (5).
فإن لم يتحقق العلم ولا الظن الشرعي مما ذكر لتعين العمل بالملكة، لأنها
إجماعية، وهو خلاف ما اختاره، ولعله لما ذكر أشار بالتأمل، فتأمل!
فإن الأظهر أن الفاسق - مثل الزاني - اسم لمن صدر عنه المبدأ واقعا، ومنع
الشارع إطلاقه على من لم يثبت لا يدل على كونه موضوعا لمن ظهر فسقه وثبت
شرعا، فإنه قيد أجنبي، ولهذا، إن رأوا زانيا يزني أو فاسقا بفسق لا يمكنهم القول
بذلك عند من لم يعلم، فمقتضى ذلك إما اعتبار الملكة أو حسن الظاهر، كما لا
يخفى.
قوله: يمكن تقييده بما تقدم.. إلى آخره (6).
وخصوصا بعد قوله تعالى: * (ممن ترضون من الشهداء) * (7) وقوله تعالى:



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 309 الباب 1 من أبواب كتاب الشهادات.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 383 الباب 36 من أبواب كتاب الشهادات.
(3) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 333 الباب 15 من أبواب كتاب الشهادات.
(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 385 الباب 37 من أبواب كتاب الشهادات.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 64.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 63.
(7) البقرة (2): 282.
765
* (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * (1) والأخبار التي كادت تبلغ حد التواتر (2).
قوله: [قد استثنى المعروف بالفسق]، فلا بد من العلم أو الظن بعدم ذلك،
وليس بمعلوم حصوله بدون العدالة (3)، فتأمل.. إلى آخره (4).
لا يخفى ما فيه، لأنه ضد مدلول الخبر (5). نعم، يمكن أن يوجه بأنهم أربعة من
المسلمين المعاشرين لهم، المعروفين عندهم، اثنان منهم عدلا عند القاضي،
واثنان منهم وإن لم يعدلا إلا أنهم لم يعرفوا منهما فسقا، ولم يظهر لديهم، وفي
الحقيقة مرجع هذا إلى حسن الظاهر، لأن مع المعاشرة فيهم والمعروفية عندهم لم
يظهر منه فسق، فتأمل.
ويمكن توجيه ما دل - مثل هذا الخبر - على كفاية عدم ظهور الفسق بمثل ما
ذكر، فليلاحظ!
قوله: والاكتفاء بما يعلم من صحيحة ابن أبي يعفور (6)، بل الأقل، لظهور
حمل بعض ما فيها على المبالغة والتأكيد، للإجماع وغيره. وأيضا ما أعرف (7) دليل
اعتبار المروءات في العدالة (8)، لعل لهم دليلا ما رأيناه، فتأمل.. إلى آخره (9).
لا يخفى أنها مع تضمنها لما هو غير معتبر في العدالة بالإجماع، والأخبار



(1) الطلاق (65): 2.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 391 الباب 41 من أبواب كتاب الشهادات.
(3) كذا، وفي المصدر: (وليس معلوم حصوله من دون العدالة).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 66.
(5) أي صحيحة حريز: وسائل الشيعة: 27 / 397 الحديث 34049.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 58 - 59، وقد مرت الإشارة إليها آنفا.
(7) كذا، وفي المصدر: (وأيضا ما نعرف).
(8) كذا، وفي المصدر: (المروءات المباحات في العدالة).
(9) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 66.
766
التي كادت تبلغ التواتر (1) - لو لم نقل بالتواتر - ظاهرها وجوب الجماعة
وحضورها، وفيه ما فيه، ومع ذلك وقع الاختلاف في متنها، والاختلال في
دلالتها.
مضافا إلى مخالفة ظاهرها لظواهر الأخبار الكثيرة جدا، وظاهر طريقة
الرسول وعلي - صلى الله عليهما وآلهما -، بل وربما كان غيرهما من الأئمة (عليهم السلام)
أيضا، ومخالف للشريعة السمحة، وموجب للضيق فيها والحرج وبطلان الحقوق،
لأن العدالة مما يعم بها البلوى، ويكثر إليها الحاجة في الأمور الدنيوية والأخروية
في جميع الأوقات والأمكنة.
وما اعتبر فيها لها مما لا يكاد يتحقق في كثير من الأمكنة، بل ولا يتحقق
جزما، وفي كثير من الأمكنة قل ما يتحقق، بل لا يوجد إلا نادرا، كما سيعترف
به (2)، سيما مع اعتبار الإيمان، فإن المؤمن بعد حكاية السقيفة إلى زمان الباقر (عليه السلام)
- بل والصادق (عليه السلام) - كان في غاية القلة والندرة، وبعده كان أكثر الأمكنة خالية
منه، وفي كثير منها كان الشيعة فيها قليلين.
فيمكن الجمع بين الرواية (3) وبين غيرها بحملها على العدل الذي تقبل
شهادته البتة، وعلى أي حال - قوله لهم وعليهم - وقوله يعني كون الرجل معروفا
بالعدالة بين المسلمين، متلقى بالقبول بينهم، كما يشهد عليه قوله: " بين
المسلمين "، ويشير إليه قوله (عليه السلام): " لهم وعليهم "، وقوله: " أن تعرفوه - إلى
قوله - باجتناب الكبائر، وقوله (عليه السلام): " أن يكون ساترا لجميع عيوبه، حتى يحرم...
تفتيش ما وراء ذلك "، مضافا إلى أنه لو فتش أحد ارتكب الحرام، فلم يقبل قوله



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 391 الباب 41 من أبواب كتاب الشهادات.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 67.
(3) أي رواية عبد الله ابن أبي يعفور.
767
بفسقه، ويعضده قوله (عليه السلام): " ويجب عليهم تزكيته، وتحرم (1) عليهم غيبته " (2).
وأما لو لم تكن العدالة بهذه المثابة، بأن لا يكون ساترا لجميع عيوبه،
متعاهد الجماعة، بل يكون حسن الظاهر ولم يظهر فسقه كما هو مذكور في أخبار
أخر، أو ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق، كما يظهر من أخر، فهو غير مأمون
من أن يظهر فسقه - بل وبحسب العادة يظهر - وغير مأمون من أن يبلغ القاضي،
بل وربما يبلغه في مقام المخاصمة أو تبعيدا للقاضي عن الخطأ والخطر، فشهادة مثله
ليست بمقبولة إلا عند الجاهل بحاله ما دام جاهلا به، لا أنه لا يقبل مطلقا.
أو يكون المراد العدالة الكاملة، نظير ما ورد من الأخبار في تعريف الإيمان
الذي هو شرط في العدالة، مع أنه في كثير منها من المبالغات ما لا يخفى (3)، ويشيده
أنها مقولة بالتشكيك، كما هو مستفاد من الأخبار وكلام الفقهاء، حيث جعل
الأعدلية من المرجحات.
أو يكون المراد السؤال عن طريق معروفية عدالة الرجل بين المسلمين، بأن
يكون جماعتهم يعرفونه بالعدالة، ويصير مسلم العدالة بينهم، مقبولا لهم حتى
يحكم بقوله على أي واحد يكون، وهذا لا ينافي جواز كون الرجل عدلا عند
بعض دون بعض.
هذا، وربما استدل بهذه الصحيحة (4) على اعتبار الملكة، بناء على عدم
تحقق هذا الستر عادة، إلا بها.



(1) كذا، وفي المصدر: (وحرمت).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 59، وهي من رواية عبد الله ابن أبي يعفور، وقد مرت
الإشارة إليها آنفا.
(3) لاحظ! بحار الأنوار: 75 / 23 الأحاديث 89 - 97.
(4) أي: رواية عبد الله ابن أبي يعفور.
768
وفيه أن قوله: " يحرم تفتيش ما وراء ذلك.. إلى آخره " يأبى عن ذلك،
ومع ذلك يتحقق لمن هو في أوائل البلوغ من دون ملكة، وعدم قبول شهادته في
غاية الغرابة والبعد عن الشرع، وهذا من مبعدات القول بالملكة.
بل يظهر مما ذكرنا أن القول بها أردأ وأظهر فسادا من اعتبار ستر جميع
العيوب بالنحو المذكور في الصحيحة.
وبالجملة، هذا لا يدل على الملكة، ولا على حسن الظاهر، إذ لعله دون ما
يظهر منها، ومع ذلك يكفي عند القائل بها تحققها بالنسبة إلى القاضي خاصة، فلا
يمنع من أن يظهر فسقه عند غيره - بل وعند كثير - ويجوز ثبوته عنده بشهادة
العدلين، بل والعدل الواحد في بعض المواضع، ولا ينحصر في الشياع، ويتحقق
فيه التعارض بين الجرح والتعديل وغير ذلك، إلا أن التوجيه ظاهر، فتدبر!
قوله: [لا يدل على حصولها] وهو مع اعتبار الملكة واضح.. إلى آخره (1).
لا يخفى ما فيه، لأنه مذهب مخالف لمذهبهم.
قوله: وظهور حال المسلم لا يقتضي حصولها، على أنه معارض بما تراه من
أكثر المسلمين، فإنك إذا عاشرت الناس خصوصا في السفر، وبالمعاملة عرفت أن
أكثرهم غير عدل، وهذا لم يوجد (2) إلا نادرا.. إلى آخره (3).
لا يخفى أن الظاهر منهم أن القاعدة الشرعية اقتضت البناء على أن المسلم
ما فسق، وحمل جميع أفعاله على الصحة، على ما يشير إليه تعليلاتهم، فقوله:
(وذلك لا يقتضي.. إلى آخره) (4) فيه، أن العدالة عندهم ليست إلا نفس صدق



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 67.
(2) كذا، وفي المصدر: (ولهذا لم يوجد).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 67.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 67.
769
أنه ما فسق شرعا، لا أنه لم يتحقق الفسق في نفس الأمر.
ومقتضى صحيحة ابن أبي يعفور، أن ظهور الفسق مضر لا نفسه، وكذا
الآية (1)، على ما أشرنا إليه.
وبالجملة، لا دليل على أن الفسق النفس الأمري مانع حتى يحتاج إلى العلم
أو الظن، مع أنه لو كان لاقتضى العلم لا الظن، ولا يتحقق العلم على مذهب من
المذاهب.
فمع انتفاء العلم إما البناء على الظن أو على القاعدة الشرعية، والظن نهى
الشارع [عن] اعتباره والعمل به، مضافا إلى أن الأصل عدم اعتباره. والقاعدة
أمر الشارع باعتبارها وحث على مراعاتها وثبت حجيتها، فتأمل!
وهو (رحمه الله) بنى الأمر على أن العدالة - البتة - أمر سوى عدم ظهور فسق
المسلم ونسبته يورد عليهم ما يورد، فالأولى الاعتراض بأن آية * (ذوي
عدل) *، وبعض الأخبار تقتضي اشتراط العدالة (2)، وكونها مجرد البناء شرعا
على أنه ما فسق غير معلوم.
أو يقال: مقتضى القاعدة النهي عن نسبته إلى الفسق، لا البناء على أنه ما
فسق، فتأمل فيه.
قوله: وإطلاق الأصل على الظاهر.. إلى آخره (3).
صرح في " تمهيد القواعد " بأنه أحد معاني الأصل (4)، والظاهر أنه يطلق
عليه.



(1) الطلاق (65): 2.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 391 الباب 41 من أبواب كتاب الشهادات.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 69.
(4) تمهيد القواعد: 2.
770
قوله: وثانيا: إنك قد عرفت أن العدالة أمر زائد على ذلك، ولا يطلق
العدالة على مجرد الإسلام مع عدم ظهور الفسق (1).
لا شك أن الإسلام هو القدر المشترك بين الفسق والعدالة، وأنهما خارجان
عنه زائدان عليه، وهو مسلم عنده، ولم يدع أنها تطلق عليه ولا على عدم ظهور
الفسق ولا على المجموع من حيث المجموع، بل ادعى أنها تطلق على ظهور عدم
الفسق، يعني أن حاله يحمل على القيام بالواجبات وترك المحرمات.
وبالجملة، الإسلام حقيقة في اللابشرط (2)، وكونه شرط شئ أو بشرط لا
شئ أمران زائدان، وادعى أن الثاني منهما - الذي عبر عنه بمجرد الإسلام -
مستلزم للأول - الذي يعبر عنها بالعدالة - وإنما لا ينفك أحدهما عن الآخر أبدا.
وقوله آخرا: سلمنا أنه زائد عن الإسلام (3)، مراده مجرد الإسلام الذي لا
ينفك عن العدالة، بالمعنى الذي ادعى أولا، ومراده بالزائد هو الملكة، كما صرح
به.
قوله: ولا يفهم ذلك من هذا اللفظ بوجه من الوجوه.. إلى آخره (4).
لم يثبت بعد للعدالة معنى محققا بحسب اللغة أو العرف أو الشرع، والفقهاء
مختلفون، ذاهبون إلى مذاهب ثلاثة - كما سيصرح (5) - وكل يدعي مذهبه من
دليل، فكيف يدعي عدم الفهم من هذا اللفظ بوجه من الوجوه، مع أنه أحد
المذاهب، وعليه أدلة كثيرة؟! فتدبر.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 69.
(2) في ألف، ب: (حقيقة في الاشتراط).
(3) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 69.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 69.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 71.
771
قوله: ولم يعلم جواز الحكم بغيره، فلا يضر منع الاشتراط، بعد تسليم
الوصف، فتأمل (1).
فيه، أنه (رحمه الله) استدل عليه بالمطلقات، ولا شبهة في وجودها، بل تحققها في
غاية الكثرة، بل وجود النصوص بالخصوص، منها ما مر، فتدبر!
قوله: فبقي الظن الذي يحصل بعد الاطمئنان (2) بحصول تلك الملكة وعدم
الجرأة على الكذب الذي هو المنافي لمقصود الشهادة (3).
هذا ينافي ما سيجئ من أن العدالة تجتمع مع تهمة الفسق أو الكذب، وهو
إجماعي وارد في الأخبار الكثيرة (4)، فتأمل!
مع أن المستفاد من الصحيحة (5) حرمة التفتيش الباطني، فكيف يلائم هذا
اعتبار المعاشرة الباطنية؟! فتأمل!
قوله: وذلك يحصل بما تقدم، فتأمل.. إلى آخره (6).
وجهه، أن الأصل وما يمنع العمل شاملان لهذا الظن أيضا. نعم القاعدة
المقررة أنه لا يجوز العدول إلى الضعيف عند التمكن من القوي، لكن هذا لا يمنع من
العمل بالضعيف مطلقا، بل في صورة التمكن منه، كما هو المقرر والمعمول به في
الضوابط الاجتهادية، فلا وجه للقصر مع وجود الداعي والحاجة إلى العدالة، إذ



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 69.
(2) كذا، وفي المصدر: (يحصل معه الاطمئنان).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 73.
(4)
(5) أي: صحيحة عبد الله ابن أبي يعفور.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 73، ولم ترد هذه العبارة في كل من: ألف، د، ه‍، وورد بدلا
منها: (وأيضا، الظاهر أن ذلك قد يحصل بالاستفاضة. وأيضا، قد يحصل بإخبار العدلين
بذلك.. إلى آخره).
772
الحال في الداعي والحاجة في الصورتين واحد، فتأمل.
ومما ذكر ظهر أنه لا وجه في الاقتصار في العدالة على الملكة، لحصول الظن
بعدم الكذب في غيرها أيضا، ويؤيد ذلك ما سيجئ في قبول شهادة الصبي
وغيره، فتدبر.
في الدعوى
قوله: لعدم ثبوت الحق، لاحتمال تعظيم اليمين وكراهتها، ولا يحلف إن رد
عليه، ويكون ذلك من لوازم الدعوى الجازمة اليقينية، لا مطلقا.. إلى آخره (1).
فيه، أنه (2) بعد تسليم صحة دعواه ودخوله في العمومات ثبت له حق اليمين
عليه، فكيف يمكنه ألا يحلف ولا يؤدي حق الناس، سيما في مجلس الحكم بعد
طلب صاحب الحق، وليس هذا تعظيما، بل مخالفة لله وللرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، واستخفاف
بحقوق المسلمين وغصب، فلا بد من حبسه أو جبره عليه، فإن كان محقا فلا ضرر
عليه.
فإن كرهها وأراد التعظيم فليرض خصمه، فإن لم يرض إلا بتمام الحق
فليعط، ولعله يجوز للخصم أخذه عوض حقه اليقيني، ويمكن الحكم بالنكول،
لعموم ما دل عليه، لكن الشأن التأمل في العموم، وسيجئ.
على أنه على تقدير إمكان الرد يحكم بالنكول، فعلى تقدير عدمه فبطريق
أولى، فليتأمل.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 125.
(2) في النسخ الخطية: (أن)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
773
ويحتمل أن يكون الحكم حينئذ بالصلح، فتأمل.
قوله: ".. وقال: * (إن مع العسر يسرا) * " (1)، ولا شك أنه يفهم من هذه
الرواية عدم [استعمال الزوج ومؤاجرته في تحصيل نفقة الزوجة].. إلى آخره (2).
ويدل عليه رواية سلمة بن كهيل، المروية في " التهذيب " في باب آداب
الحكام (3).
قوله: ولعله بالإقرار أشبه.. إلى آخره (4).
فيه تأمل، يظهر بملاحظة حال الناس، وما ورد من الشارع (5).
قوله: دليلهم الخبر المشهور المتقدم: " البينة على المدعي، واليمين على
المدعى عليه " (6)، والمتبادر منه كون كل واحدة مختصة بصاحبها، خرج منه ما
ثبت بالدليل، مثل اليمين التي ردها المدعى عليه، وبقي الباقي. يمكن (7) منع
الحصر (8).
لا يمكن، لأن العبارة ظاهرة فيه عرفا، ولأن المفرد المحلى باللام يفيد
العموم في مقام إفادة الحكم الشرعي، كما هو المقرر والطريقة في الاستدلال عليه،
خرج ما خرج بالدليل، وبقى الباقي.



(1) تهذيب الأحكام: 6 / 299 الحديث 837، وسائل الشيعة: 18 / 418 الحديث
23961، والآية في: الانشراح (94): 6.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 132.
(3) تهذيب الأحكام: 6 / 225 الحديث 541، وسائل الشيعة: 27 / 211 الحديث
33618.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 138.
(5) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 241 الباب 7 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.
(6) الكافي: 7 / 361 الحديث 6، وسائل الشيعة: 27 / 233 الحديث 33667.
(7) في ب، ج: (ويمكن).
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 143.
774
أو يكون المراد أن اليمين لازم على المنكر، بأن يأتي به أو يحوله إلى المدعي،
أو أنهما كذلك بحسب الأصل أو وظيفتهما، ولم يثبت الخلاف في يمين المدعي بحكم
القاضي، إذ لو ثبت لعله لا نزاع، كما هو الحال في رد المنكر، فلا يرفع اليد عما هو
الأصل والوظيفة المقررة الشرعية بمحض ثبوت خلاف في موضع.
ومما يؤكد الدلالة، أنه على القول بعدم القضاء بالنكول يكون رد اليمين من
القاضي عمدة في فصل الدعوى، بل أقوى وأولى من يمين المنكر، فلا وجه لعدم
التعرض لذكره عند ذكرهما، سيما والأخبار كثيرة (1).
وإنما قلنا: إنه أقوى وأولى لأن يمين المنكر فعله يثبت ما هو الأصل
والظاهر، وتركه لا يثبت الحق ولا يفصل. وأما يمين المدعي فعله يثبت ما هو
مخالف الأصل والظاهر، وتركه - أيضا - يثبت ويفصل على المذهب الحق.
وأما رد المنكر، فلعله داخل في: " اليمين على من أنكر "، على حسب ما مر
فتأمل. مع أنه تعرض لذكره في أخبار كثيرة (2) بحيث لا سترة فيه، بخلاف رد
القاضي، فتأمل!
ثم إنه إذا ثبت أنه لا رد للقاضي ثبت القضاء بالنكول، لعدم القول الثالث،
ولأن عدم إمكان قطع الدعوى حينئذ خلاف الإجماع، فتأمل.
ولأن ذهاب حق المدعي، حينئذ لا وجه له، لمخالفته للقاعدة وظواهر
الأخبار، إذ لعل المنكر بالحبس أو الجبر لا يحلف ولا يرد، فتأمل!
ثم إنه ورد أخبار كثيرة في بيان كيفية القضاء واستخراج الحقوق عند عدم
البينة أو مطلقا (3)، وليس في شئ منها ذكر رد القاضي اليمين، مع أن المقام يقتضي



(1) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 236 الباب 4 من أبواب كيفية الحكم.
(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 241 الباب 7 من أبواب كيفية الحكم.
(3) لاحظ! الكافي: 7 / 416 باب من لم تكن له بينة.
775
ذكره لو كان صحيحا ومعتبرا للفصل، سيما وقد ذكر فيها ما هو معروف مشهور
كاد أن [يكون] لا سترة فيه ولا خفاء بالنسبة إلى العوام، فضلا عن الخواص.
وعدم ذكر الإقرار، لأنه - في الحقيقة - ترك النزاع، كرفع يد المدعي عنه
بإبراء أو غيره.
وأما علم القاضي، فالمتبادر من تلك الأخبار صورة عدم اطلاعه بالحق.
وأما الحكم بالنكول، فلعله يظهر منها، لأن إلزام المنكر عند عدم البينة
بأحد الأمرين خاصة - لخروج حق المدعي وقطع النزاع، وأنه ليس بعد هذا شئ
للخروج والقطع، لا على المدعي ولا على المنكر - ظاهر في حصول المطلوب به،
أعني القدر المشترك بين الأمرين وجودا وعدما.
فتكون (1) العبارة في قوة أن يقول: يحلف أو يرد أو يؤدي الحق، على
طريقة ما سيجئ في رواية عبد الرحمان (2).
وأيضا، الإجماع واقع في القضاء حينئذ إما بمجرد النكول، أو به وبرد
القاضي معا.
وحيث ظهر أن ليس بعد يمين المنكر أو رده شئ أصلا ومطلقا، ظهر أن
القضاء بالنكول وأن حصول المطلوب (3) بالقدر المشترك ليس من حيث الوجود
فقط، مع أنه إذا تعذر الظاهر فالحمل على الأقرب متعين، سيما والأبعد أجنبي
غريب بالنسبة إليه لا ربط له، والأقرب في غاية القرب، كاد أن يفهم، لو سلم
عدم الفهم على حسب ما مر.



(1) في ب، ج: (فيكون)، وفي النسخ الأخرى: (فكون)، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 144، الكافي: 7 / 415 الحديث 1، وسائل الشيعة:
27 / 236 الحديث 33673.
(3) في ب: (وإن حصل المطلوب).
776
والحاصل، أن الإجماع معارض لظاهر الأخبار، فلا بد من الجمع، وأقرب
الجموع حجة، بل والجمع لا يمكن.
مضافا إلى أن نكوله عنهما معا مشعر بحقية حق المدعي، ودال على القدر
المشترك بين إضرار الخصم وحقية حق المدعي، والإضرار منفي شرعا موجب
للتدارك.
وترك الحلف تعظيما، إنما هو في صورة الرد لا غير، إذ واجب عليه الإتيان
به من الله ومن رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحق للمسلم، وحمل أفعال المسلم على الصحة
شرعا ربما يقتضي البناء على الإقرار إن أمكن.
وأيضا، بالنكول إما يبطل الدعوى وحق المدعي، أو يصح مراعى بمشيئة
المنكر بفعل أحد الأمرين، أو يصح ويجبر ويحبس عليه، مع أن الصادر بالإجبار
خلاف ما يظهر من الأخبار، فإن صدر عنه وإلا بطل الدعوى وحق المدعي -
أعني استحقاقه لمطالبته المنكر في هذا المجلس بما يدعيه، أو في كل مجلس - ولا شك
أن الكل باطلة، مخالفة لما يظهر من هذه الأخبار وغيرها والإجماع، أو يصح لكن
لا يستخرج الحق ولا يقطع النزاع إلا بأمر زائد عليه، وهو خلاف مدلول هذه
الأخبار، إذ ظاهرها أن الدعوى على أي حال تفصل والحق يستخرج، وأن
الطريق منحصر في الأمور المذكورة، فتأمل!
مضافا إلى أن المدعي لو طلب الفصل في مجلس الحكم فذلك حقه، وشاهد
الحال قائم بأنه طلبه كذلك، مضافا إلى أنه الطريقة الجارية المعهودة المستمرة في
الحكم.
مع أن الإمهال ضرر عليه عاجل، وربما يؤدي إلى تلف الحق، وكذا الجبر،

777
على حسب ما سيذكره الشارح في مسألة سكوت المنكر (1).
ويدل على القضاء بالنكول رواية إسحاق بن عمار الآتية في مسألة تداعي
الاثنان حقا (2).
قوله: وبعد التسليم يحتمل كونه كذلك، بأن ذلك في الأصل وظيفتهما، لا
مطلقا، فلا ينافي وجود كل واحدة في الآخر بالعارض، مثل الرد، ولهذا قد
يتعارض البينتان، وقيل: بتقدم (3) بينة المدعي، وقيل بالعكس، وسيجئ البحث
في ذلك.. إلى آخره (4).
لا يخفى أن هذه الأخبار لو خليت بنفسها وقطع النظر عن جميع ما هو
خارج عنها، لكان ظاهرها القضاء بالنكول (5)، ثم بملاحظة الخارج لم يظهر سوى
أن للمنكر رد اليمين على المدعي في بعض المواضع، وهو الموضع الذي يتأتى له
ذلك أو مطلقا، إلا أنه استثنى ما لم يتأت.
وعلى التقديرين لم يظهر خلاف ما ظهر من هذه الأخبار، بل يؤكده، إذ
الظاهر (6) من (أن له الرد) (7) أنه لو نكل عن الرد أيضا يحكم عليه بالحق، كما ظهر
من (أنه عليه اليمين) (8)، وهذا بعينه معنى القضاء بالنكول.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 171.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 227، الكافي: 7 / 419 الحديث 2، وسائل الشيعة:
27 / 250 الحديث 33696.
(3) كذا، وفي المصدر: (بتقديم).
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 143 - 144.
(5) لاحظ! وسائل الشيعة: 27 / 241 الباب 7 من أبواب كيفية الحكم.
(6) في ب، ج: (بل يؤكده أن الظاهر).
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 147.
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 146.
778
وبالجملة، غاية ما يظهر من الخارج أن كلمة " على " فيها ليس مستعملا في
الوجوب العيني، بل مطلق الوجوب، أعني القدر المشترك بين العيني والتخييري
- الذي هو في الحقيقة معنى الوجوب - والواجب التخييري أحدهما واجب قطعا
لا محيص عنه.
ثم، لا يخفى أن قوله: يحتمل.. إلى آخره (1) إن أراد أن الإخبار حينئذ مجرد
الحكاية، فبعده ظاهر، وإن أراد أنه للعمل والثمر الشرعي، فمطلوب المستدل
حاصل، فتدبر.
وبالجملة، أمثال هذه المناقشات تخالف الطريقة المستمرة في الاستدلال،
وربما يؤدي إلى سد باب كثير من الأحكام، ألا ترى أنه (رحمه الله) اختار آنفا ذهاب
حق المدعي بنكوله كما عليه الأكثر، واستدل بالأخبار الدالة على أنه إن لم يحلف
فلا حق له، ومع ذلك وافق غيره في أنه إن ذكر لنكوله وإبائه عذرا محتملا لم
يسقط، بل زاد وقال: ينبغي أن يسأل الحاكم.. إلى آخره (2)، ولم يناقش في
الأخبار من هذه الجهة أصلا.
والظاهر من كلام من عثرت على كلامه من القائلين بالقضاء بنكول المنكر
أن نكوله مثل نكول المدعي في أنه بمجرد الإباء عن الحلف يقضى عليه بالحق، إلا
أن يرد على المدعي، كما أن المدعي بمجرد نكوله يقضى عليه بسقوط حقه إلا أن
يظهر عذرا محتملا، ولعل ظاهر صحيحة ابن مسلم (3)، ورواية عبد الرحمان (4)



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 147.
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 147، وفيه: (ينبغي أن يفصل الحاكم).
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 144، تهذيب الأحكام: 6 / 319 الحديث 879، وسائل
الشيعة: 27 / 302 الحديث 33799.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 144، الكافي: 7 / 415 الحديث 1، وسائل الشيعة:
27 / 236 الحديث 33673.
779
ذلك، فتأمل.
قوله: وإن كان الأول بعيدا، إلا أن يثبت الإجماع في عدم الفرق (1)، وما في
رواية عبد الرحمان ابن أبي عبد الله الآتية في اليمين على المدعي مع البينة في
الدعوى على الميت، عن الكاظم (عليه السلام)، قال: " فيمين المدعى عليه، فإن حلف فلا
حق له، وإن لم يحلف فعليه " (2).. إلى آخره (3).
لا شك في بعده، والظاهر حجة، واحتمال الفرق منفي فاسد بملاحظة الأدلة
والأقوال والطريقة في استنباط الأحكام الفقهية.
وأن مثل هذا لو كان قادحا في أمثال المقام لا نسد باب إثبات أكثر
الأحكام، لأن ورود النص بلفظ عام بحيث ينطبق على المدعي بنفسه ويسلم عن
أمثال ما ذكره من المناقشات قليل، لو لم نقل بعدمه، على أنه لو لم يجز الحكم على
المنكر بنكوله عن اليمين إذا لم يكن أخرس حتى يرد القاضي اليمين على مدعيه
ويحلف أيضا، فعدم الجواز بالنسبة إلى الأخرس العاجز بطريق أولى، فتأمل!
قوله: ولعل المقصود عدم سقوط الحق إن لم يحلف، ويؤيده ما ذكره في
آخر هذه الرواية بعينها، لو كان - أي للمدعى عليه حقا (4) - لألزم اليمين أو الحق أو
يرد اليمين.. إلى آخره (5).
لا يخفى بعد هذا الاحتمال بملاحظة لفظ " على "، وتفريعه على الشرط،



(1) كذا، وفي المصدر: (الإجماع بعدم الفرق).
(2) وسائل الشيعة: 27 / 236 الحديث 33673، وقد مرت الإشارة إليه قريبا.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 144 - 145.
(4) كذا، وفي المصدر: (ولو كان - أي المدعى عليه - حيا)، وكذلك في مصادر الحديث.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 145.
780
وترتبه عليه، وعدم الحاجة إلى البينة على البقاء، ولزوم الاستدراك، لعدم
عروض أمر يوهم السقوط بوجه من الوجوه، وبداهة بقاء الحال على ما سبق، بل
وعروض ما يؤكد عدم السقوط، بل ويشير إلى حقية الدعوى - لو لم نقل
بالدلالة - كما اعترف في المسألة السابقة.
ولا خفاء في ظهور العبارة في المطلوب، ويؤكده ما ذكر في آخر الرواية،
بملاحظة كلمة " أو "، وأنه إذا كان بناء الأمر على رد اليمين فلا وجه للإلزام باليمين
أو الحق.
وحمله على صورة الإقرار بعيد، وكذا على صورة حلف المدعي.
ومما يؤيده توسيط قوله: " أو الحق "، وتقديمه على الرد، وكذا الحال في
كون " يرد " على صيغة المجهول.
ومما يبعد، أن الراوي سأل عن حكم عدم البينة وكيفية الفصل، فلا يناسب
الاقتصار على ذكر بعض دون بعض، سيما مع أنه عمدة أيضا، أو ذكر أمر مجمل لا
يعلم منه الحال.
ومما ذكر ظهر، أن الرواية على ما ذكره الصدوق (1) - أيضا - فيها دلالة على
المطلوب في الصدر والذيل معا، فإنه نقل موضع " وإن لم يحلف فعليه "، " وإن رد
اليمين على المدعي فلم يحلف فلا حق له ".
وعلى هذا، يحتمل أن يكون سقط في كل من الطريقين (2) ما ذكر في الآخر،
فيكون موضع الدلالة ثلاثة.
ويحتمل أن يكون ضمير " عليه " راجعا إلى المدعي، يعني: وإن لم يحلف



(1) من لا يحضره الفقيه: 3 / 38 الحديث 128.
(2) في ألف، ب، د، ه‍: (كل من الطرفين).
781
فعلى المدعي اليمين، والمراد صورة الرد، بقرينة الذيل، وأنه لا وجه للاقتصار على
البعض، وأنه حينئذ نقل بالمعنى بالنسبة إلى ما ذكره الصدوق في موضعه، وأن
المقام مقام التفصيل، لا الإجمال.
ومما ذكر، ظهر أن الأخبار الدالة على القضاء بالنكول في غاية الكثرة،
فتدبر!
قوله: [عدم ثبوت الحق إلا مع حكم الحاكم، وهو ظاهر] إن كان نكوله
بمنزلة أهليته (1)، فتأمل، وظاهر بعض العبارات - كالمتن - وجوبا.. إلى
آخره (2).
لعل وجهه أن روايتي محمد بن مسلم وعبد الرحمان (3) ربما كانتا ظاهرتين
في الفورية، وكونه بمنزلة الإقرار والمؤيد، وهو الإشعار بإقراره، والحمل على
الصحة صريح فيه، والمدعي يطلب حقه فورا بقرينة الحال أو يصرح بذلك،
فتأمل!
وقوله: أما دليل الاستثناء، فهو الاعتبار المفهوم.. إلى آخره (4).
ويدل على ذلك - أيضا - رواية المروزي، المروية في باب الرهن، المتضمنة
لحكم من عنده رهن بمال ومات المديون الراهن، ولا يكون له البينة، وأنه يجوز
حينئذ أخذ طلبه مما في يده (5).



(1) كذا، وفي المصدر: (بمنزلة البينة).
(2) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 149.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 144، وقد مرت الإشارة إليهما آنفا.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 157.
(5) تهذيب الأحكام: 7 / 178 الحديث 784، وسائل الشيعة: 18 / 406 الحديث
23940.
782
قوله: وفيه (1) قول، وإن نقلت في " الفقيه " (2).. إلى آخره (3).
المناقشة في السند بعد الانجبار بالاشتهار وفتوى المشهور لا وجه له، كما
حقق في محله وسلم عند المحققين (4).
قوله: وموافقة حكم لدليل لا يستلزم كونه مستنبطا منه، وهو ظاهر.. إلى
آخره (5).
الموافقة تكفي الانجبار من دون أن يكون الشرط تلقيهم بالقبول، مع أن
الظاهر تلقيهم بالقبول، والأصل عدم سند آخر سوى هذه الرواية، وما ذكرناه في
الحاشية السابقة والصحيحة الآتية.
قوله: ومشتملة على ما يخالف بعض قواعدهم، مثل قبول شهادة الوصي
فيما هو وصي فيه، ولكن لي في ذلك تأمل.. إلى آخره (6).
المعروف من الأصحاب، أنهم إذا لم يعملوا ببعض حديث مطلقا، أو
بظاهره لا يطرحون ذلك الحديث بالمرة، بل يعملون بالباقي البتة، والأصل حجية
الحديث وحجية ظاهره، إلا أن يثبت خلافه، ولم يثبت إلا في خصوص ذلك
البعض، مع أنه لو لم يصح ذلك لم يبق حديث على الحجية إلا ما ندر، لأن الغالب
إما فيه عموم خص، أو إطلاق قيد، أو أمر حمل على غير الوجوب، أو نهي حمل
على غير الحرمة.. إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة، فتأمل جدا!



(1) أي في: محمد بن عيسى بن عبيد العبيدي، المذكور في سند رواية عبد الرحمان بن أبي عبد
الله: مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 157، وسائل الشيعة: 27 / 236 الحديث 33673.
(2) من لا يحضره الفقيه: 3 / 38 الحديث 128، بإسناده عن ياسين الضرير.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 158.
(4) لاحظ! تعليقات على منهج المقال: 313.
(5) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 159.
(6) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 160 - 161.
783
كتاب
الجنايات

785
في شرائط القصاص
قوله: إلا أن ولي الجناية إذا كانت عمدا تخير بين قصاصه وبين أخذه رقا
له، فيفعل به ما يفعل بالأرقاء. وإذا كانت خطأ يتخير مولاه بين دفعه إلى مولاه
ليرقه وبين فكه وتخليصه بدفع الأقل من أرش جنايته - وهي دية المجني عليه -
ومن قيمة الجاني، على مذهب بعض، أو بأرش الجناية خاصة، على قول آخر..
إلى آخره (1).
مقتضى هذا، أن العبد بمجرد الجناية لا يخرج عن ملك مولاه، فجميع
منافعه للمولى، كما أن نفسه ملكه، إلا أنه تعلق به حق ولي الجناية، بأن يقتله أو
يسترقه أو يعفو عنه، وعلى الأخير يكون باقيا على ملك مولاه.
ولو باعه المولى قبل اختيار ولي الجناية أحد الأمور المذكورة، يكون بيعه
صحيحا، فإن عفى الولي فالأمر واضح، وإن قتله أو استرقه فإن كان قبل القبض
يصير البيع باطلا، وإن كان بعد القبض وكان في زمان خيار المشتري خاصة
فالضمان أيضا على البائع، وإلا فعلى المشتري، لكن للمشتري الرجوع على البائع
بالأرش - وهو: التفاوت ما بين كونه مقتولا أو مسترقا في هذا القرب، وكونه
خاليا عن هذا العيب ودائما في ملكه - لو كان في ملكه، هذا على تقدير عدم إجازة
البيع.
وأما على تقدير الإجازة، فليس له إلا أقل الأمرين من قيمته والأرش،



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 61.
787
كما سيشير الشارح إلى وجهه، فتأمل.
هذا كله على تقدير جهل المشتري وعدم تبرؤ البائع من جميع العيوب
مفصلا أو مجملا، وفي الأخير تأمل، فتأمل.
قوله: فما لولي الجناية إلا الدية، والمؤدي مخير بين وجوه الأداء، فيكون
للمولى إعطاء الدية من غير عين العبد الجاني [، وكذا له أن يؤديه نفسه].. إلى
آخره (1).
مقتضى هذا، أنه إن باع المولى عبده - لكونه ماله، ولعدم خروجه عن ملكه
بمجرد هذه الجناية - يكون للمشتري أيضا أن يؤدي الدية، وكذا إن باعه
المشتري يكون للمشتري الثاني - أيضا - ذلك، وهكذا، بل الأجنبي أيضا له أن
يؤدي الدية، لأن ولي الدم ليس له إلا الدية، إلا أن يكون المؤدي يمن والولي يأبى
عن الامتنان.
ثم لا يخفى أنه لكل واحد من المشتريين أن يسلم نفس العبد، وليس له
الرجوع إلى البائع، كما في صورة إعطاء الدية.



(1) مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 62، وفيه: (من غير عين عبد الجاني).
788
المنابع والمآخذ
1 - إتحاف السادة المتقين:
تأليف: العلامة محمد بن محمد الحسيني الزبيدي (... - 1205 ه‍)، نشر دار
الفكر، بيروت.
2 - الاحتجاج:
تأليف: أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب المعروف ب‍: الشيخ
الطبرسي (.... - 588 ه‍)، نشر المرتضى، مشهد، سنة 1403 ه‍. ق.
3 - أخبار مكة:
تأليف: محمد عبد الله الأزرقي، منشورات الشريف الرضي - الطبعة الأولى
1411 ه‍.
4 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي):
تأليف: أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه‍)، نشر
مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم.
5 - إرشاد الأذهان:
تأليف: الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي (648 - 726 ه‍)، نشر جماعة
المدرسين، قم، الطبعة الأولى 1410 ه‍.
6 - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد:
تأليف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري المعروف بالشيخ
المفيد (336 - 413 ه‍)، ضمن مصنفات الشيخ المفيد، نشر مكتب الإعلام

789
الإسلامي.
7 - الاستبصار:
تأليف: أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه‍)، نشر دار
الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الرابعة، سنة 1363 ه‍. ش.
8 - أسد الغابة في معرفة الصحابة:
تأليف: عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني المعروف ب‍: ابن
الأثير، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت.
9 - الأم:
تأليف: محمد بن إدريس الشافعي (150 - 204 ه‍)، دار المعرفة، بيروت.
10 - أمالي الصدوق:
تأليف: أبي جعفر محمد بن علي الحسين بن بابويه القمي الصدوق (306 -
381 ه‍)، نشر مؤسسة الأعلمي، بيروت، الطبعة الخامسة، سنة
1400 ه‍. ق.
11 - الإنتصار:
تأليف: علي بن الحسين بن موسى علم الهدى المعروف ب‍: السيد المرتضى
(355 - 436 ه‍)، منشورات الشريف الرضي، قم.
12 - إيضاح الفوائد:
تأليف: فخر المحققين أبي طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن علي بن
المطهر الحلي (682 - 771 ه‍)، نشر إسماعيليان، الطبعة الثانية 1405 ه‍.
13 - بحار الأنوار:
تأليف: الشيخ محمد باقر المجلسي (.... - 1111 ه‍)، نشر مؤسسة الوفاء،
بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1403 ه‍. ق.
14 - بداية الهداية:

790
تأليف: الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (1033 - 1104 ه‍)، نشر
مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.
15 - بهجة الآمال في شرح زبدة المقال:
تأليف: الملا علي العلياري، نشر مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الثانية
1412 ه‍.
16 - تاج العروس من جواهر القاموس:
تأليف: محمد مرتضى الحسيني الزبيدي (1145 - 1205 ه‍)، نشر دار
الهداية، بيروت.
17 - التبيان في تفسير القرآن:
تأليف: أبي جعفر بن محمد بن حسن الطوسي (385 - 460 ه‍)، نشر دار
إحياء التراث العربي، بيروت.
18 - تحرير الأحكام:
تأليف: الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي (648 - 726 ه‍)، نشر
مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.
19 - تحفة الأحباب:
تأليف: الشيخ عباس القمي (1294 - 1359 ه‍)، نشر دار الكتب
الإسلامية، طهران، الطبعة الأولى.
20 - تذكرة الفقهاء:
تأليف: الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي (648 - 726 ه‍)، نشر
المكتبة الرضوية لإحياء الآثار الجعفرية.
21 - تعليقات على منهج المقال:
تأليف: العلامة محمد باقر بن محمد أكمل الوحيد البهبهاني (1117 -
1205 ه‍)، الطبعة الحجرية.

791
22 - تفسير روح البيان:
تأليف: إسماعيل حقي البروسوي (... - 1137 ه‍)، نشر دار إحياء التراث
العربي، بيروت، الطبعة السابعة 1405 ه‍.
23 - تفسير العياشي:
تأليف: أبي نصر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي المعروف
ب‍: العياشي (.... - 320 ه‍)، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت،
الطبعة الأولى، سنة 1411 ه‍. ق.
24 - التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري (ع):
نشر مدرسة الإمام المهدي (عج)، قم الطبعة الأولى، سنة 1409 ه‍. ق.
25 - تمهيد القواعد:
تأليف: زين الدين بن علي بن أحمد العاملي الجبعي المعروف ب‍: الشهيد
الثاني (911 - 966 ه‍.)، المطبوع مع ذكرى الشيعة.
26 - التنقيح الرائع:
تأليف: جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري (... - 826 ه‍)، نشر مكتبة
آية الله المرعشي (ره)، قم، سنة 1404 ه‍. ق.
27 - تنقيح المقال للمامقاني:
تأليف: الشيخ عبد الله بن محمد حسن المامقاني (1290 - 1351 ه‍)،
الطبعة الحجرية.
28 - تهذيب الأحكام:
تأليف: أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه‍)، نشر دار
الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الرابعة 1365 ه‍. ش.
29 - ثواب الأعمال:
تأليف: الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (306 -

792
381 ه‍)، نشر مكتبة الصدوق، طهران.
30 - جامع أحاديث الشيعة:
تأليف: إسماعيل المعزي الملايري، نشر المؤلف، الطبعة الأولى 1413 ه‍.
31 - جامع الرواة:
تأليف: محمد بن علي الأردبيلي الغروي (... - 1100 ه‍)، نشر مكتبة
آية الله المرعشي (ره)، قم، سنة 1403 ه‍. ق.
32 - جامع المقاصد:
تأليف: المحقق الشيخ علي بن الحسين الكركي (868 - 940 ه‍)، نشر
مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولى 1408 ه‍.
33 - الجعفريات المطبوع مع قرب الإسناد:
تأليف: محمد بن محمد الأشعث من أعلام القرن الرابع، مكتبة نينوى
الحديثة.
34 - جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية:
تأليف: أبي عبد الله محمد بن النعمان العكبري المفيد (336 - 413 ه‍)، مؤتمر
الذكرى الألفية للشيخ المفيد.
35 - جواهر الكلام:
تأليف: الشيخ محمد حسن بن محمد باقر النجفي (... - 1266 ه‍.)، نشر
دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثالثة 1367 ه‍. ش.
36 - الحاشية على مدارك الأحكام:
تأليف: العلامة محمد باقر بن محمد أكمل الوحيد البهبهاني (1117 -
1205 ه‍)، من مخطوطات المكتبة الرضوية - مشهد، الرقم 14799.
37 - الحدائق الناضرة:
تأليف: يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني (1107 - 1186 ه‍)، نشر

793
دار الأضواء، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1405 ه‍. ق.
38 - الخصال:
تأليف: الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (306 -
381 ه‍)، نشر جماعة المدرسين، قم، سنة 1403 ه‍. ق.
39 - الخلاف:
تأليف: أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه‍)، انتشارات
اسماعيليان، قم.
40 - الدروس الشرعية:
تأليف: محمد بن مكي بن محمد العاملي المعروف ب‍: الشهيد الأول (734 -
786 ه‍.)، نشر جماعة المدرسين، قم، الطبعة الأولى، سنة 1414 ه‍. ق.
41 - دعائم الإسلام:
تأليف: أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي (... - 363 ه‍) مؤسسة آل
البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.
42 - الذريعة إلى أصول الشريعة:
تأليف: علي بن الحسين بن موسى علم الهدى المعروف ب‍: السيد المرتضى
(355 - 436 ه‍)، نشر جامعة طهران.
43 - ذكرى الشيعة:
تأليف: محمد بن مكي بن محمد العاملي المعروف ب‍: الشهيد الأول (734 -
786 ه‍)، مكتبة بصيرتي، قم.
44 - رجال الطوسي:
تأليف: أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه‍)، انتشارات
الرضي، قم.
45 - رجال العلامة الحلي (الخلاصة):

794
تأليف: أبي منصور حسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي (648 - 726
ه‍)، انتشارات الرضي، قم، سنة 1402 ه‍. ق.
46 - الرجال لابن داود:
تأليف: حسن بن علي بن داود الحلي المعروف ب‍: ابن داود
(647 - 740 ه‍)، انتشارات الرضي، قم.
47 - رجال النجاشي:
تأليف: أبي العباس أحمد بن علي بن أحمد النجاشي (372 - 450 ه‍)،
نشر جماعة المدرسين، قم، سنة 1407 ه‍. ق.
48 - الرسائل الأصولية:
تأليف العلامة المجدد محمد باقر محمد أكمل الوحيد البهبهاني (1117 -
1205 ه‍)، نشر مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني، الطبعة الأولى
1416 ه‍.
49 - رسالة الحيل الربوية:
تأليف: العلامة المجدد الوحيد البهبهاني مخطوطة.
50 - الرواشح السماوية:
تأليف: محمد باقر بن المير الحسيني الداماد (... - 1041 ه‍)، نشر مكتبة
آية الله المرعشي (ره)، قم، سنة 1405 ه‍. ق.
51 - روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان:
تأليف: زين الدين بن علي بن أحمد العاملي الجبعي المعروف بالشهيد الثاني
(911 - 966 ه‍)، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.
52 - الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية:
تأليف: زين الدين بن علي بن أحمد العاملي الجبعي المعروف ب‍: الشهيد
الثاني (911 - 966 ه‍)، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.

795
53 - روضة المتقين:
تأليف: العلامة المولى محمد تقي المجلسي (1003 - 1070 ه‍)، نشر مؤسسة
المعارف الإسلامية، الطبعة الثانية 1406 ه‍.
54 - رياض المسائل:
تأليف: علي بن محمد بن علي الطباطبائي (1161 - 1231 ه‍)، نشر
مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، سنة 1404 ه‍. ق.
55 - السرائر:
تأليف: أبي جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلي (... -
598 ه‍)، نشر جماعة المدرسين، قم الطبعة الثانية، سنة 1412 ه‍. ق.
56 - سنن ابن ماجة:
تأليف: محمد بن يزيد القزويني (207 - 275 ه‍)، نشر دار الفكر، بيروت.
57 - سنن أبي داود:
تأليف: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (202 - 275 ه‍)،
نشر دار الفكر، بيروت.
58 - سنن الترمذي:
تأليف: أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة (209 - 279 ه‍)، نشر دار
الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1356، ه‍. ق.
59 - السنن الكبرى:
تأليف: أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384 - 458 ه‍)، نشر
دار المعرفة، بيروت، سنة 1413 ه‍. ق.
60 - سنن النسائي:
تأليف: أبي عبد الرحمان أحمد بن علي بن شعيب النسائي (215 - 303 ه‍)،
نشر إحياء التراث العربي، بيروت.

796
61 - شرائع الإسلام:
تأليف: أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن المعروف ب‍: المحقق الحلي،
نشر دار الأضواء، بيروت، الطبعة الثانية 1403 ه‍.
62 - طب الأئمة:
برواية عبد الله والحسين ابني بسطام، منشورات الشريف الرضي، الطبعة
الثانية 1411 ه‍.
63 - عدة الأصول:
تأليف: أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه‍)، نشر
مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، الطبعة الأولى، سنة 1403 ه‍. ق.
64 - علل الشرائع:
تأليف: أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (306
- 381 ه‍)، نشر المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، سنة 1385 ه‍. ق.
65 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية:
تأليف: محمد بن علي بن إبراهيم الإحسائي المعروف ب‍: ابن أبي جمهور
(.... - 880 ه‍)، انتشارات سيد الشهداء، قم، الطبعة الأولى، لسنة
1403 ه‍. ق.
66 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام):
تأليف: أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (306
- 381 ه‍)، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الأولى،
سنة 1404 ه‍. ق.
67 - فرائد الأصول:
تأليف: الشيخ مرتضى الأنصاري (1214 - 1281 ه‍)، نشر جماعة
المدرسين، قم.

797
68 - فرج المهموم في تأريخ علماء النجوم:
تأليف: السيد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن
طاووس (... - 664 ه‍)، نشر الرضي.
69 - فقه اللغة وسر العربية:
تأليف: أبي منصور إسماعيل الثعالبي (... - 429 ه‍)، منشورات إسماعيليان.
70 - الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام):
نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام)، الطبعة الأولى 1406 ه‍.
71 - الفوائد الحائرية:
تأليف: العلامة المجدد محمد باقر بن محمد أكمل الوحيد البهبهاني (1117 -
1205 ه‍)، نشر مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى 1415 ه‍.
72 - الفوائد المدنية:
تأليف: محمد أمين بن محمد شريف الاسترآبادي (... - 1033 ه‍)،
دار النشر لأهل البيت (عليه السلام).
73 - الفهرست:
تأليف: أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه‍)، منشورات
الشريف الرضي، قم.
74 - القاموس المحيط:
تأليف: مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزآبادي (729 -
817 ه‍)، نشر دار الجيل، بيروت.
75 - قرب الإسناد:
تأليف: أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري (... - القرن الثالث ه‍)، نشر
مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، الطبعة الأولى، سنة
1413 ه‍. ق.

798
76 - قوانين الأصول:
تأليف: أبي القاسم بن محمد حسين الجيلاني القمي (1150 - 1213 ه‍)،
الطبعة الحجرية.
77 - الكافي:
تأليف: أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (.... -
329 ه‍)، نشر دار الكتب الاسلامية، طهران، الطبعة الرابعة، سنة 1365 ه‍. ش.
78 - الكافي في الفقه:
تأليف: أبي الصلاح الحلبي (374 - 447 ه‍)، نشر مكتبة الإمام أمير
المؤمنين (عليه السلام)، أصفهان، الطبعة الأولى 1403 ه‍.
79 - كامل الزيارات:
تأليف: جعفر بن محمد بن قولويه (... - 367 ه‍)، نشر وجداني طبع المطبعة
المرتضوية، النجف الأشرف 1356 ه‍.
80 - كشف الغمة:
تأليف: أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي (... - 692 ه‍)،
نشر مكتبة بني هاشمي، تبريز، سنة 1381 ه‍. ق.
81 - كشف اللثام:
تأليف: محمد بن الحسن بن محمد الاصفهاني المعروف ب‍: الفاضل الهندي
(1062 - 1137)، نشر مكتبة آية الله المرعشي (ره)، قم، سنة
1405 ه‍. ق.
82 - كفاية الأحكام:
تأليف: محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري (... - 1090 ه‍)، نشر
مدرسة صدر المهدوي، أصفهان.
83 - كمال الدين وتمام النعمة:

799
تأليف: أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق
(306 - 381 ه‍)، جماعة المدرسين، قم.
84 - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال:
تأليف: علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري (.... -
975 ه‍)، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة 1413 ه‍. ق.
85 - لسان العرب:
تأليف: أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور (630 - 711 ه‍)،
نشر دار الفكر، بيروت.
86 - المبسوط في فقه الإمامية:
تأليف: أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه‍)، المكتبة
الرضوية.
87 - مجمع البحرين:
تأليف: فخر الدين بن محمد بن علي بن أحمد الطريحي (979 - 1085 ه‍)،
منشورات دار مكتبة الهلال، بيروت.
88 - مجمع البيان في تفسير القرآن:
تأليف: أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (.... - 548 ه‍)، نشر دار
مكتبة الحياة، بيروت.
89 - مجمع الفائدة والبرهان:
تأليف: أحمد بن محمد الأردبيلي المعروف ب‍: المقدس الأردبيلي (... - 993
ه‍)، نشر جماعة المدرسين، قم، سنة 1403 ه‍. ق.
90 - مجموعة مصنفات المفيد:
تأليف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري المعروف ب‍: الشيخ
المفيد (336 - 413 ه‍)، نشر المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، الطبعة

800
الأولى، سنة 1413 ه‍. ق.
91 - المحاسن:
تأليف: أبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي (.... - 274 ه‍)، نشر
المجمع العالمي لأهل البيت، قم، الطبعة الأولى، سنة 1413 ه‍. ق.
92 - المحصول في علم أصول الفقه:
تأليف: فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي (544 - 606 ه‍)،
نشر مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1412 ه‍. ق.
93 - مختلف الشيعة:
تأليف: أبي منصور حسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي (648 -
726 ه‍)، نشر مكتبة نينوى الحديثة، طهران.
94 - مرآة العقول:
تأليف: محمد باقر بن محمد تقي بن مقصود علي المجلسي الثاني (1037 -
1111 ه‍)، نشر دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثانية، سنة
1404 ه‍. ق.
95 - مسالك الأفهام:
تأليف: زين الدين بن علي بن أحمد العاملي الجبعي المعروف ب‍: الشهيد
الثاني (911 - 966 ه‍)، نشر دار الهدى للطباعة والنشر، قم.
96 - المستدرك على الصحيحين:
تأليف: أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (321 - 405 ه‍)،
دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411 ه‍.
97 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل:
تأليف: الميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي بن الميرزا علي محمد النوري
الطبرسي (1254 - 1320 ه‍)، نشر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء

801
التراث، قم، الطبعة الأولى، سنة 1407 ه‍. ق.
98 - المستصفى من علم الأصول:
تأليف: أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (445 - 505 ه‍)، نشر دار
الفكر، بيروت.
99 - مسند الإمام أحمد بن حنبل:
تأليف: أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، (164 - 241 ه‍)،
دار إحياء التراث العربي، بيروت.
100 - المصباح المنير:
تأليف: أحمد بن محمد بن علي الفيومي (... - 770 ه‍)، نشر دار الهجرة،
قم، الطبعة الثانية سنة 1414 ه‍. ق.
101 - معالم الدين وملاذ المجتهدين = معالم الأصول:
تأليف: الشيخ السعيد جمال الدين الحسن نجل الشهيد الثاني زين الدين
العاملي (959 - 1011 ه‍)، نشر جماعة المدرسين، قم، سنة 1406 ه‍. ق.
102 - معاني الأخبار:
تأليف: أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (306
- 381 ه‍)، نشر جماعة المدرسين، قم، سنة 1361 ه‍. ش.
103 - معجم رجال الحديث:
تأليف: السيد أبو القاسم بن علي أكبر الموسوي الخوئي (1317 -
1413 ه‍)، نشر مركز نشر آثار الشيعة، قم، الطبعة الرابعة، سنة
1410 ه‍. ق.
104 - مفاتيح الشرائع:
تأليف: محسن بن مرتضى بن فيض الله المعروف ب‍: ملا محسن الفيض
الكاشاني (1008 - 1090 ه‍)، نشر مجمع الذخائر الإسلامية، قم، سنة

802
1401 ه‍. ق.
105 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة:
تأليف: السيد محمد جواد الحسيني العاملي (.... - 1226 ه‍)، مؤسسة آل
البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.
106 - المقنع:
تأليف: أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (306
- 381 ه‍)، المطبوع مع الجوامع الفقهية.
107 - المقنعة:
تأليف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري المعروف ب‍: الشيخ
المفيد (336 - 413 ه‍)، نشر جماعة المدرسين، قم، الطبعة الثانية،
سنة 1410 ه‍. ق.
108 - مكارم الأخلاق:
تأليف: رضي الدين أبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي (... - 548 ه‍)،
منشورات الشريف الرضي، الطبعة السادسة 1392 ه‍.
109 - ملاذ الأخيار:
تأليف: العلامة محمد باقر المجلسي (1037 - 1111 ه‍)، نشر مكتبة آية الله
المرعشي النجفي، 1406 ه‍.
110 - منتهى المطلب:
تأليف: أبي منصور حسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي (648 -
726 ه‍)، الطبعة الحجرية.
111 - من لا يحضره الفقيه:
تأليف: أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (306
- 381 ه‍)، نشر دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الخامسة،

803
سنة 1390 ه‍. ق.
112 - منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال:
تأليف: المولى الميرزا محمد الاسترآبادي (طبعة حجرية، إيران).
113 - المهذب:
تأليف: عبد العزيز بن بحر ابن البراج الطرابلسي (400 - 481 ه‍)، نشر
جماعة المدرسين، قم، سنة 1406 ه‍. ق.
114 - المهذب البارع:
تأليف: جمال الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلي (757 -
841 ه‍)، جماعة المدرسين، قم 1407 ه‍.
115 - نقد الرجال:
تأليف: السيد المير مصطفى الحسيني التفريشي، نشر الرسول المصطفى
1318 ه‍.
116 - النهاية في غريب الحديث والأثر:
تأليف: أبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري (544 -
606 ه‍)، انتشارات إسماعيليان، قم، الطبعة الرابعة، سنة 1367 ه‍. ش.
117 - النهاية في مجرد الفقه والفتاوي:
تأليف: أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه‍)، نشر قدس
محمدي.
118 - نهاية المرام:
تأليف: السيد محمد بن علي الموسوي العاملي (946 - 1009 ه‍)، جماعة
المدرسين، قم، الطبعة الأولى 1413 ه‍.
119 - نهاية الوصول للعلامة = نهاية الأصول:
تأليف: أبي منصور حسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي (648 -

804
726 ه‍)، مخطوط.
120 - الوافي:
تأليف: محسن بن مرتضى بن فيض الله المعروف ب‍: ملا محسن الفيض
الكاشاني (1008 - 1090)، نشر مكتبة أمير المؤمنين (عليه السلام)، أصفهان،
الطبعة الأولى، سنة 1412 ه‍. ق.
121 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة:
تأليف: الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (1033 - 1104 ه‍)، نشر
مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، الطبعة الأولى، سنة 1409 ه‍. ق.

805
/ 1