بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: مناهج الأحكام المؤلف: الميرزا القمي الجزء: الوفاة: 1231 المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن تحقيق: الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1420 المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ردمك: ملاحظات: مناهج الأحكام (كتاب الصلاة) تأليف الاصولي المدقق والفقيه المحقق آية العظمى الميرزا أبو القاسم القمي قدس سره المتوفى سنة 1231 ه. ق تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1 مناهج الأحكام (كتاب الصلاة) المؤلف: آية العظمى الميرزا أبو القاسم القمي قدس سره الموضوع: الفقه تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي الطبعة: الأولى المطبوع: 1000 نسخة التاريخ: 1420 ه. ق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي عجزت عن كنه معرفته العقول والأفهام، وانحسرت دون إدراك عظمته الظنون والأوهام، والصلاة والسلام على محمد سيد الأنام، وعلى أهل بيته الراسخين في العلم والصادعين بمناهج الأحكام، واللعنة على أعدائهم حملة الأوزار والآثام. وبعد، فهذا الكتاب القيم - الماثل بين يديكم - من تآليف الأصولي المدقق والفقيه المحقق العالم الرباني آية الله العظمى الميرزا أبو القاسم الجيلاني (قدس سره) وشأنه في العلم والتقوى أعرف وأشهر من أن يوصف بالبيان أو يكتب بالبنان، تغمده الله برحمته وحشره مع النبي وعترته. وأما وصف هذا الأثر المنيف والسفر الشريف وشرح نسخه فيأتي في تقدمة حاوية على موجز من حياة مؤلفه، قدمها الفاضل النبيل والعالم الجليل الحاج السيد علي الحسيني السيدي نجل سماحة الحجة آية الله الحاج السيد فخر الدين السيدي القمي، سبط المؤلف (قدس سره). ونحن نشكر له ولوالده المكرم كفاء ما تفضلا به إلينا من نسخة الأصل وبما ساعدانا وساهمانا في تحقيق المتن وتخريج المصادر، جزاهما الله عن أجدادهما الكرام في العمودين الشريفين خير الجزاء. ولله الحمد على ما وفقنا لطبعه ونشره، ونسأله المزيد من التوفيق والسداد، إنه ولي الرشاد. مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
3 موجز من حياة المؤلف: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين. وله المنة بما وفقنا لإخراج هذا الأثر المنيف والكتاب الشريف بهذه الصورة الزاهية والحلة القشيبة، الموسوم ب " مناهج الأحكام في مسائل الحلال والحرام " للفقيه المحقق والأصولي المدقق، مقنن قوانين الأصول ومبين مناهج الفروع، ومؤلف جامع الشتات والغنائم وغيرها، مولانا وجدنا الأعلى الميرزا أبو القاسم ابن مولى حسن بن نظر علي الجيلاني الشفتي القمي، أعلى الله مقامه الشريف. وهو (قدس سره) أعرف وأشهر من أن نعرفه باللفظ والتعبير، وشأنه أجل من أن نصفه بالبيان والتقرير، ولقد تكفل لذلك من قبل العلماء الأعاظم وأصحاب التراجم (1)
(1) راجع: * روضات الجنات ج 5: 369 - 380. * قصص العلماء: 180 - 183. * نجوم السماء: 340. * رياض الرضا: الروضة 22 (218 - 219 نسخة الأصل المخطوط). * مرآة البلدان 4: 19 - 20. * حدائق السياحة: 374. * الروضة البهية في الطرق الشفيعية: 25 - 29. * مآثر المعاصرين: 2 (نسخة مكتبة المسجد الأعظم بقم). * البدر التمام: 13 - 15. * خاتمة مستدرك الوسائل: 399. * الكنى والألقاب: 1: 142. * سفينة البحار 2: 430 - 431. * هدية الأحباب: 36. * تبصرة المسافرين: 22 - 23 (ش 14 مخطوطات مكتبة كلية الأدب، طهران). * منتخب التواريخ: 496. * أعيان الشيعة 8: 139 - 148. * ريحانة الأدب 4: 125 - 127. * طبقات أعلام الشيعة، في القرن الثالث بعد العشرة: 1: 52 - 54. * مصفى المقال: 35 - 36. * معجم المؤلفين 8: 116. * أعلام الزركلي 6: 18. * لغت نامه دهخدا، حرف الألف: 765. * أنوار المشعشعين 3: 406 - 427. * معجم المطبوعات: 726 - 727. * بروكلمن 2: 581. * راهنماى دانشوران 1: 189. * دائرة المعارف لجواهر الكلام، حرف ج: 3 - 5. * مختار البلاد (تاريخ قم ناصر الشريعة): 217 - 221. * مؤلفين كتب چاپى مشار 1: 280. * تاريخ علماء وشعراى گيلان: 45 - 47. * شرح حال وحيد بهبهاني: 257 - 265. * رجال قم: 86 - 87. * مكارم الآثار 3: 911 - 919. * مقالات " زندگانى ميرزاى قمي " في مجلة (رآه حق) المطبوع في رشت خلال السنوات 1336 - 1338. 4 ولكن مع هذا نقدم إليكم تيمنا ترجمة مختصرة له: هو الميرزا أبو القاسم ابن مولى حسن ابن شيخ نظر علي الجيلاني أصلا، الجاپلقي مولدا ومنشأ، نزيل قم جوارا ومدفنا. وقبر أبيه " مولى حسن " في جاپلق بقرية معروفة ب " دره باغ ". ولد (رحمه الله) سنة 1150، أو 1151، أو 1153. وتوفي (قدس سره) سنة 1231، أو 1232 بقم المشرفة وقبره هناك مزار يتبرك به في أيام السنة وهو موضع الدعاء والتوسل
5 والنذورات. وكان طول عمره الشريف معاصرا لعدة من سلاطين قاجار، منهم آغا محمد خان المعروف بخواجه، وبعده ابن أخيه فتح علي شاه قاجار، ويظهر من بعض مراسلاته معه أنه كان بينهما وداد وصداقة. ويروي عن شيخه وأستاذه " الآغا محمد باقر البهبهاني (قدس سره) ". ونقل بعض الأعلام: أن الأستاذ (قدس سره) كان يصلي ويصوم بالأجرة وينفق عليه. وهذا من البعد بمكان، والله العالم. تلاميذه (قدس سره): المحقق المدقق الشيخ أسد الله التستري صاحب المقابيس. السيد محسن الأعرجي صاحب المحصول. الكرباسي صاحب الإشارات. السيد عبد الله شبر صاحب مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار. السيد محمد مهدي الخونساري صاحب الرسالة المبسوطة في أحوال أبي بصير. السيد علي شارح منظومة بحر العلوم وكان كثير العناية لهما، شديد المحبة بهما، كثير الاعتماد عليهما، مصرحا باجتهادهما. والعالم الجليل صاحب مفتاح الكرامة السيد جواد العاملي وغيرهم (رحمهم الله). مؤلفاته: (1) القوانين المحكمة في الأصول. (2) حاشية أو شرح على شرح المختصر. (3) شرح تهذيب العلامة. (4) غنائم الأيام في الفقه. (5) مناهج الأحكام مبسوط في أبواب الفقه، إلا أنه لم يبرز منه - بالظن والتخمين - إلا سدسه على تفرق في الأبواب، والسفر الذي بين يديك مجلد منه في الصلاة. (6) جامع الشتات في أجوبة المسائل. (7) معين الخواص. (8) مرشد العوام. (9) رسالة في الأصول الخمسة الاعتقادية.
6 (10) رسالة في قاعدة التسامح في أدلة السنن. (11) رسالة في جواز القضاء والتحليف بتقليد المجتهد وينتهي إلى أربعين رسالة بل أكثر على ما ظفرت به، وقيل: إنه وجد بخطه - طاب ثراه - ما يدل على أنه كتب أكثر من ألف رسالة في مسائل شتى من العلوم. وله توقيعات مع سلطان عصره، أحدهما في إرشاده ونصحه في الرفق على رعيته، والآخر في الوصية له بثباته على مذهبه الحق وعدم ميله إلى التصوف. وهذا المختصر اقتباس من رسالة كتبها والدي الماجد سبط المؤلف (قدس سره) سماحة آية الله الحاج السيد حسن السيدي مد ظله في سنة 1397 ق. ونقدم الشكر الجزيل لاهتمامه بطبع ونشر هذا السفر الجليل، وتفضله بإرسال نسخة الأصل بخط المؤلف (رحمه الله) إلى مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة للتصحيح والمقابلة. وهذه النسخة محفوظة في مكتبة آية الله العظمى السيد فخر الدين السيدي القمي (قدس سره) (1) وهي من جملة الكتب الموقوفة التي وقفها صهر المحقق القمي آية الله الميرزا السيد أبو طالب القمي (رحمهم الله) لأولاده المحصلين والمجتهدين نسلا بعد نسل في بلدة قم الطيبة وتمتاز هذه الطبعة بمقابلتها على تلك النسخة الأصلية بخط المؤلف (قدس سره). وهذا كتاب استدلالي، مفصل، دقيق، علمي، لكن مؤلفه (رحمه الله) لم يتم كل أبواب الفقه، لخوف عدم مساعدة العمر والأسباب لإتمامه، وسيما مع قصور همم أهل الزمان عن مراجعة مثله، وعدم إقبالهم إليه بسبب الإطناب، كما يظهر من مقدمته على غنائمه، وإليك نصه: " وكنت شرعت في عنفوان الشباب في استنباط المسائل من مآخذها، وأخذت في تأليف كتاب يحتوي على مهمات مطالبها، وسميته كتاب " مناهج الأحكام في مسائل الحلال والحرام " وقصدت فيه بيان الأدلة والأقوال وذكر ما تبتني عليه الأحكام على التفصيل حسب ما اقتضاه الحال، وعاقني عن ذلك
(1) هو من أسباط المؤلف ومن أعاظم الحوزة العلمية في عصر آية الله العظمى المؤسس الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري (رحمه الله) المتوفى سنة 1363 ق. وبعد ارتحال مؤسس الحوزة بقم صلى على جنازته الشريفة. 7 بوائق الزمان وعوائق الدهر الخوان، فربما سولت لي الأيام بمخائل تبدل الحال بأرفه من الحال، وربما سوفتني النفس بتأميل حصول الفراغ والوقت الآمن من القلق والزلزال. فاستصحبتني تلك الشيمة إلى الحين، وقد جاوزت الآن من الأربعين، ولم نكتب منه بالظن والتخمين إلا مثل العشرة بالنسبة إلى الستين، على تفرق في الأبواب، حسب ما ساعدتني الأسباب، واتفق لي سهولة جمع المسائل في ذلك الباب. ثم قد رأيت ولى الشباب وألم المشيب، وولى وجه المحبوب وتدلت شدائد قهر الرقيب، وطار غراب الأمل عن الهامة وعشش البوم، وذهب يمن الأيام بإدراج رياح الخيبة وبقي منها الشوم، وخفت عدم مساعدة العمر والأسباب لختم ذلك الكتاب، وسيما مع قصور همم أهل الزمان عن مراجعة مثله، وعدم إقبالهم إليه بسبب الإطناب، فأخذت في تأليف هذه العجالة كهيئة العجلان، واقتصرت فيه بأقل ما يقتضيه الوقت، ويساعدني الزمان " (1) انتهى. ويا ليته وفق بإتمام كل أبواب الفقه بنحو استدلالي مفصل حتى يستفيد أهل التحقيق في زماننا هذا. وفي الختام نتقدم بالشكر الجزيل إلى القائمين على مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، فإن اخراج هذا السفر الجليل بهذا الأسلوب الفني الجميل وطبعه ونشره مرهون لجهودهم المتظافرة وإدارتهم الحكيمة. وندعو من الله التوفيق لتحقيق ما بقي من آثار المؤلف (رحمه الله) سيما " جامع الشتات " بشكل منقح، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 25 رجب المرجب 1419 ه. ق. 24 / 8 / 1377 ه. ش، قم المقدسة سبطه علي الحسيني السيدي
(1) مقدمة غنائم الأيام - للمؤلف (قدس سره): ج 1 ص 58. مكتب الإعلام الإسلامي فرع خراسان. 8 صورة الصفحة الأولى من نسخة الأصل
9 صورة الصفحة الأخيرة من نسخة الأصل
10 بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين محمد وآله الأطيبين وأصحابه الطاهرين. كتاب الصلاة وهو يستدعي مقدمة وأبوابا، وكل باب منه مشتمل على فصول. أما المقدمة فالصلاة في اللغة: الدعاء، وفي اصطلاح المتشرعة: هو مجموع الأفعال والصور المعهودة في ألسنة المتشرعة، المشروطة صحتها بالقبلة والقيام. أو أنها مجموع المذكورات، مع شرائطها التي لا يصح إلا بها. أو نقول: إنها مجموع المذكورات، مع كونها ذات ركوع وسجود. والأظهر ذلك، مع الاعتبار الأول من الاعتبارين، فيكون إدراج صلاة الأموات بعنوان المجاز. ويؤيده قولهم (عليهم السلام): " لا صلاة إلا بطهور " (1) و " لا صلاة إلا بفاتحة
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 33 ح 67. 11 الكتاب " (1). وهذا هو صريح العلامة في التذكرة (2). وظاهر المحقق في المعتبر (3) وظاهر بعضهم، كالشهيد في جملة من كتبه كونها حقيقة فيها (4). والنزاع في ذلك قليل الجدوى. والحق أن ذلك كذلك عند الشارع أيضا، سيما في زمان الصادقين ومن بعدهما (عليهم السلام). والصلاة تنقسم إلى واجبة ومندوبة، لاستحالة انفكاكها عن الرجحان. وأما المكروهات فيرجع إلى أحدهما عند المشهور، ويلاحظ الرجحان فيها من حيث نفس طبيعة العبادة عند غيرهم، كما هو الأقوى. ولا ينافي ذلك زوال الرجحان لعارض وإبقاء الكراهة على معناها الحقيقي في بعض الصور. وأما المنهي عنها تحريما فبعضها فاسدة أو ليس بصلاة على الأصح، كالذي كان بينها وبين المأمور به عموم وخصوص مطلقا، وكذلك ما كان بينهما تعارض من وجه لو قلنا بصدق المنهي عنه عليه على المشهور، لكن الأقوى خلافه. والتفاصيل في المذكورات محول على الأصول. ثم إن الواجبة على سبيل مطلق الاستعمال منحصرة في سبعة - بحكم تتبع تضاعيف الأحكام الشرعية -: اليومية، والجمعة، وصلاة العيدين، والآيات، والطواف، والأموات، وما يلتزم بنذر وشبهه. ويلحق باليومية متعلقاتها من الاحتياط، والقضاء، ونحوها. وصلاة الاستئجار يمكن أن يدرج في ذلك، وفي القسم الأخير. وكلاهما حسن. والمندوبة أيضا تنقسم إلى مؤقت وغيره.
(1) عوالي اللآلي: ج 3 ص 82 ح 65. (2) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 259. (3) المعتبر: ج 2 ص 9. (4) ذكرى الشيعة: ص 7 س 1، البيان: ص 48. 12 الباب الأول في جملة أحكام الفرائض وأقسامها الثانوية كالظهر والعصر، والثالثية كالقصر والإتمام، وأحكام النوافل وأقسامها. وتفصيلات كيفياتها وأجزائها ولواحقها وظيفة سائر الأبواب. وهو يستدعي فصولا: الفصل الأول في الصلاة اليومية والجمعة منهاج الصلاة اليومية خمس: الظهر والعصر كل واحد منهما أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء أيضا أربع ركعات، والفجر ركعتان. يجب ذلك في كل يوم وليلة على كل مكلف جامع لشرائط التكليف، ووجوب تلك ثابت بالضرورة من الدين. والآيات والأخبار بإيجابها والتأكيد عليها، والتهديد على تركها مشحونة ومستحلها كافر، يجب قتله من دون الاستتابة، إلا أن يمكن في حقه دعوى شبهة، وذلك في الرجل المسلم فطرة دون غيره. وتفصيل تلك الأحكام في كتاب الحدود. ووجوب هذه الصلوات في كل يوم وليلة في أوقاتها المخصوصة إجماعي، بل وضروري، إلا الظهر في يوم الجمعة فإنه يتبدل بركعتين مع الشرائط الآتية، والتفاصيل التي ستسمعها. منهاج لا ريب في مشروعية صلاة الجمعة ووجوبه في الجملة، بل وقد يقال: هو من ضروريات الدين. وإنما الكلام في أن وجوبها هل هو مطلق مطلقا، أو مشروط بالإذن الخاص من الإمام، أو نائبه، أو حضوره مطلقا، أو مشروط به عند التمكن دون غيره؟
13 وعلى تقدير كونه مشروطا، فهل جوازه مطلق مطلقا، أو مشروط بذلك كذلك، أو بالتفصيل السابق؟ وعلى تقدير الإطلاق فهل يشترط وجود فقيه جامع لشرائط الفتوى، أم لا؟ ذهب إلى كل من أكثر ما ذكر قائل. فالمشهور بين أصحابنا هو اشتراط وجوبها بذلك مطلقا دون جوازها مطلقا، فتكون مع فقد الشرط أفضل فردي الواجب التخييري، ذهب إليه الشيخ في النهاية (1) والمبسوط (2) والخلاف (3)، إلا أن كلامه فيهما تارة يشعر بأنه شرط الانعقاد فيكون حراما بدونه، وتارة بأنه شرط العينية. والثاني أظهر، لتأخره عن الأول في كلامه، وظهور ذلك في ذاك دون الأول في ذلك. وقال المحقق في المعتبر: السلطان العادل أو نائبه شرط وجوب الجمعة، وهو قول علمائنا (4). ثم قال بعد نقل الموافقة في ذلك لأبي حنيفة والمخالفة للشافعي: والبحث في مقامين: أحدهما في اشتراط الإمام أو نائبه والمصادمة مع الشافعي، ومعتمدنا فعل النبي (صلى الله عليه وآله) فإنه كان يعين لإمامة الجمعة وكذا الخلفاء بعده كما يعين القضاة، فكما لا يصح أن ينصب الانسان نفسه قاضيا من دون إذن الإمام (عليه السلام) كذا إمامة الجمعة، وليس هذا قياسا، بل استدلال بالعمل المستمر في الأعصار، فمخالفته خرق للإجماع (5). ثم قال: ويؤيد ذلك ما روي عن أهل البيت (عليهم السلام) من طرق منها رواية محمد بن مسلم (6). وساقها، وسيجئ، وأشار إلى ذلك في مواضع اخر من هذا الكتاب، وهو صريح الشرائع (7) والنافع (8). وقال العلامة في التذكرة: يشترط في وجوب الجمعة السلطان أو نائبه عند علمائنا أجمع، وبه قال أبو حنيفة، للإجماع على أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعين لإمامة
(1) النهاية: ج 1 ص 333. (2) المبسوط: ج 1 ص 143. (3) الخلاف: ج 1 ص 593 المسألة 355. (4) المعتبر: ج 2 ص 279. (5) المعتبر: ج 2 ص 279 و 280. (6) المعتبر: ج 2 ص 280. (7) شرائع الاسلام: ج 1 ص 94. (8) المختصر النافع: ص 35. 14 الجماعة، وكذا الخلفاء بعده (1). وذكر مثل ما ذكره المحقق. ثم قال: ولأنه إجماع أهل الأعصار فإنه لا يقيم الجمعة إلا الأئمة (2). وقال أيضا - كالمحقق في المعتبر -: لو كان السلطان جائرا ثم نصب عدلا استحب الاجتماع، وانعقدت جمعة على الأقوى (3). قال: ولا تجب لفوات الشرط، وهو الإمام أو من نصبه، وأطبق الجمهور على الوجوب (4). وقال أيضا في موضع آخر: وهل للفقهاء المؤمنين حال الغيبة والتمكن من الاجتماع والخطبة صلاة الجمعة؟ أطبق علماؤنا على عدم الوجوب، لانتفاء الشرط، وهو ظهور الإذن من الإمام (عليه السلام)، واختلفوا في استحباب إقامة الجمعة، فالمشهور ذلك (5)، لقول زرارة. وساق الرواية ورواية عبد الملك والفضل ابن عبد الملك. وقال في المنتهى: يشترط في الجمعة الإمام العادل - أي: المعصوم عندنا - أو إذنه، أما اشتراط المعصوم أو إذنه فهو مذهب علمائنا أجمع (6). ثم قال: ولأن انعقاد الجمعة حكم شرعي، فيقف على الشرع، والآية تفتقر إلى البيان بفعل النبي (صلى الله عليه وآله) أو قوله. ولم يقم الجمعة إلا السلطان في كل عصر، فكان إجماعا، ولو كانت تنعقد بالرعية لصلوها في بعض الأحيان (7). وهذا الكلام، وما يصرح به في موضع آخر منه صريح في التحريم (8). واختار في المختلف أيضا الجواز (9). وقال في النهاية: ويشترط في وجوب الجمعة السلطان أو نائبه عند علمائنا أجمع، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعين لإقامة الجمعة، وكذا الخلفاء. وذكر مثل ما ذكرنا سابقا. قال: والسلطان عندنا هو الإمام المعصوم، فلا يصح الجمعة إلا معه أو من يأذن له، هذا في حال حضوره. أما في حال الغيبة فالأقوى أنه يجوز لفقهاء
(1) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 19. (2) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 19. (3) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 24. (4) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 24. (5) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 27. (6) منتهى المطلب: ج 1 ص 317 س 2. (7) منتهى المطلب: ج 1 ص 317 س 11. (8) منتهى المطلب: ج 1 ص 336 س 20. (9) مختلف الشيعة: ج 2 ص 238. 15 المؤمنين إقامتها، لقول زرارة حثنا أبو عبد الله (عليه السلام)... الحديث، وقول الباقر (عليه السلام) لعبد الملك، وساق الحديث. قال: ومنع جماعة من أصحابنا ذلك لفقد الشرط، والباقر والصادق (عليهما السلام) لما أذنا لزرارة وعبد الملك جاز، لوجود المقتضي، وهو إذن الإمام (عليه السلام) (1). وقال في التحرير: من شرائط الجمعة الإمام العادل أو من نصبه، فلو لم يكن الإمام ظاهرا ولا نائب له سقط الوجوب إجماعا، وهل يجوز الاجتماع حينئذ مع إمكان الخطبة؟ قولان (2). ومثله قال في القواعد (3) والإرشاد (4) بدون نقل الاجماع. وقال الشهيد في الذكرى: وشروطها سبعة: الأول: السلطان العادل، وهو الإمام أو نائبه إجماعا منا (5). واستدل بمثل ما تقدم في كلام الفاضلين، من فعل النبي، وبالحديث النبوي (صلى الله عليه وآله) الذي سيأتي. ثم قال في شرائط النائب: التاسع إذن الإمام (عليه السلام) له، كما كان النبي (صلى الله عليه وآله) يأذن لأئمة الجمعات، وأمير المؤمنين (عليه السلام) بعده، وعليه إطباق الإمامية. هذا مع حضور الإمام (عليه السلام). وأما مع غيبته كهذا الزمان ففي انعقادها قولان: أصحهما - وبه قال معظم الأصحاب - الجواز إذا أمكن الاجتماع والخطبتان. ويعلل بأمرين: أحدهما: أن الإذن حاصل من الأئمة الماضين، فهو كالإذن من إمام الوقت، وإليه أشار الشيخ في الخلاف، ويؤيده صحيح زرارة، قال: حثنا أبو عبد الله (عليه السلام)... الحديث، ولأن الفقهاء حال الغيبة يباشرون ما هو أعظم من ذلك بالإذن، كالحكم والإفتاء، فهذا أولى. والتعليل الثاني: أن الإذن إنما يعتبر مع إمكانه، أما مع عدمه فيسقط اعتباره، ويبقى عموم القرآن والأخبار خاليا عن المعارض، وقد روى عمر بن يزيد،
(1) نهاية الإحكام: ج 2 ص 13 و 14. (2) تحرير الأحكام: ج 1 ص 43 س 33. (3) قواعد الأحكام: ج 1 ص 284. (4) إرشاد الأذهان: ج 1 ص 257 و 258. (5) ذكرى الشيعة: ص 230 س 25. 16 وساقها، ثم ذكر صحيحة منصور وموثقة زرارة عن عبد الملك. ثم قال: والتعليلان حسنان، والاعتماد على الثاني. إذا عرفت ذلك فقد قال الفاضلان: يسقط وجوب الجمعة حال الغيبة، ولم يسقط الاستحباب، فظاهرهما أنه لو أتى بها كانت واجبة مجزية عن الظهر، فالاستحباب إنما هو بالاجتماع، أو بمعنى أنه أفضل الأمرين الواجبين على التخيير. وربما يقال بالوجوب المضيق حال الغيبة، لأن قضية التعليلين ذلك، فما الذي اقتضى سقوط الوجوب؟ إلا أن عمل الطائفة على عدم الوجوب العيني في سائر الأعصار والأمصار، ونقل الفاضل فيه الاجماع. وبالغ بعضهم فنفى الشرعية أصلا ورأسا، وهو ظاهر كلام المرتضى، وصريح سلار وابن إدريس، وهو القول الثاني من القولين، بناء على أن إذن الإمام شرط الصحة، وهو مفقود. وهؤلاء يسندون التعليل إلى إذن الإمام، ويمنعون وجود الإذن، ويحملون الإذن الموجود في عصر الأئمة (عليهم السلام) على من سمع ذلك الإذن، وليس حجة على من يأتي من المكلفين. والإذن في الحكم والإفتاء أمر خارج عن الصلاة، ولأن المعلوم وجوب الظهر، فلا يزول إلا بمعلوم، وهذا القول متوجه، وإلا لزم الوجوب العيني، وأصحاب القول الأول لا يقولون به (1). إنتهى كلامه (رحمه الله). وإنما نقلناه بطوله لما فيه من الفوائد فيما نحن بصدده. وقال في الدروس أيضا باشتراط الوجوب بالإذن دون الجواز (2). وهو مختاره في البيان (3) واللمعة (4) وغاية المراد (5). وقال الفاضل المقداد: إن حضور الإمام هل هو شرط في ماهية الجمعة ومشروعيتها أم في وجوبها؟ وابن إدريس على الأول، وباقي الأصحاب على الثاني، وهو أولى، لأن الفقيه المأمون كما ينفذ أحكامه حال الغيبة كذا يجوز
(1) ذكرى الشيعة: ص 231 س 10. (2) الدروس الشرعية: ج 1 ص 186 الدرس 46. (3) البيان: ص 102. (4) اللمعة الدمشقية: ص 15. (5) غاية المراد: ص 14 س 2 (مخطوط). 17 الاقتداء به في الجمعة، وموضع البحث إنما هو استحباب الاجتماع فإنه مع الاجتماع يجب الإيقاع، ويتحقق البدلية في الظهر (1). وكلامه يشعر بأن النزاع في العينية، هذا محصل كلامه في التنقيح. وقال في كنز العرفان بأن السلطان ونائبه شرط وجوبها، وهو إجماع علمائنا. واستدل بفعل النبي (صلى الله عليه وآله) وتعيينه إمام الجمعة قال: وهو معتمد الأصحاب. قال: وروايات أهل البيت (عليهم السلام) متظافرة بذلك (2). وقال المحقق الشيخ علي (رحمه الله): أجمع علماؤنا معشر الإمامية طبقة بعد طبقة من عصر الأئمة (عليهم السلام) إلى عصرنا على انتفاء الوجوب العيني حال غيبة الإمام (عليه السلام) وحال حضوره مع عدم التصرف ونفوذ الأحكام (3). ويؤدي مؤدى ذلك كلامه في عدة مواضع من شرح القواعد وادعى فيه الاجماع مرارا (4). وقال ولده في حواشي الإرشاد: لا خلاف بين علمائنا في اشتراط وجوبها بالإمام أو نائبه، وقد نقل ذلك أجلاء فقهائنا، ويدل عليه عمل الإمامية في جميع الأعصار، وربما توهم بعض أهل هذا الزمان أن من الأصحاب من ذهب إلى وجوب الجمعة عينا مع غيبة الإمام، مستندا في نقله ذلك إلى عبارات مطلقة، وهو خطأ فاحش، لتكرر نقل الاجماع على انتفائه، والإطلاق في مثل ذلك للاعتماد على ما عرف في المذهب واشتهر حتى صار التقييد به في كل عبارة مما يعد مستدركا. وقال الشهيد الثاني في روض الجنان - بعد قول العلامة: " وفي استحبابها حال الغيبة وإمكان الاجتماع قولان " -: أحدهما: المنع، وهو قول المرتضى وسلار والشيخ في الخلاف وابن إدريس، لفقد الشرط، وهو الإمام أو من نصبه، فينتفي المشروط، ولأن الظهر ثابتة في الذمة بيقين فلا يبرأ المكلف إلا بفعلها، ولأنها لو شرعت حال الغيبة لوجبت عينا،
(1) التنقيح الرائع: ج 1 ص 231. (2) كنز العرفان: ج 1 ص 168 المسألة 2. (3) رسائل المحقق الكركي: ج 1 ص 147. (4) جامع المقاصد: ج 2 ص 375. 18 فلا يجوز فعل الظهر، وهو منتف إجماعا، ووجه اللزوم أن الدلائل الدالة على الجواز دالة على الوجوب العيني في حال الحضور، فلا وجه للعدول إلى التخييري حال الغيبة. والثاني: الجواز المعبر عنه بالاستحباب - إلى أن قال: وهو قول أكثر الأصحاب، لعموم قوله تعالى: " إذا نودي " الآية. واستدل بأخبار كثيرة، وستأتي. ثم قال: وهذا القول هو الواضح عندي (1). ثم أجاب عن أدلة المحرمين - إلى أن قال في جواب بيان الملازمة: - والدليل الدال على الوجوب أعم من الحتمي والتخييري، ولما انتفى الحتمي في حال الغيبة بالإجماع تعين الحمل على التخييري، ولولا الاجماع على عدم العيني لما كان لنا عنه عدول (2). ثم ساق الكلام في هذه المسألة إلى أن قال: فإن قيل: الأوامر الدالة على الوجوب إنما استفيد منها الوجوب العيني - كما هو موضع وفاق بالنسبة إلى حالة الحضور - ومدعاكم الوجوب التخييري وأحدهما غير الآخر، قلنا: أصل الوجوب ومطلقه مشترك بين العيني والتخييري، ومن حق المشترك أن لا يخصص بأحد معنييه إلا لقرينة صارفة عن الآخر أو مخصصة، والوجوب العيني منفي حال الغيبة بالإجماع، فيختص بالفرد الآخر (3). ويودي مؤدى ذلك كلامه في الروضة البهية (4). وكلامه في الكتابين يؤيد أن ما نسب إليه من الرسالة التي كتب في الوجوب العيني مع غاية التأكيد والتهديد ليس منه، كما بالغ في ذلك شيخنا المحقق دام ظله، وقال: إن ما فيه لا يليق أن ينسب إلى جاهل، فضلا عن مثل الشهيد (رحمه الله). والذي ظهر من هذه الأقوال هو الوجوب التخييري في حال الغيبة، إلا ما أشرنا إليه.
(1) روض الجنان: ص 290 س 2. (2) روض الجنان: ص 290 س 17. (3) روض الجنان: ص 291 س 24. (4) الروضة البهية: ج 1 ص 663 - 665. 19 وأما القول بالتحريم فقد نسب إلى الشيخ في الخلاف (1) وفيه تأمل، كما ذكرنا، وهو المنقول عن المرتضى (رضي الله عنه)، في المسائل الميافارقيات قال: صلاة الجمعة ركعتان، من غير زيادة عليها، ولا جمعة إلا مع إمام عادل أو من نصبه الإمام العادل، فإذا عدم صليت الظهر أربع ركعات (2). وقال سلار: ولفقهاء الطائفة أن يصلوا بالناس في الأعياد والاستسقاء. فأما الجمع فلا (3). وهو مذهب ابن إدريس، والظاهر أنه ادعى الاجماع على اشتراط انعقادها بإذن الإمام ونائبه (4). وأما الوجوب العيني فلم أعرف في الفقهاء من نقل عنه هذا القول. نعم يظهر من بعض عباراتهم ذلك، كالعبارة المنقولة عن أبي الصلاح (5) وعن المفيد في كتاب الأشراف (6)، والقاضي أبي الفتح الكراجكي (7). ولكنه لم ينقل ذلك القول منهم أحد، فلعل مرادهم غير ظاهر عبارتهم، فإن عباراتهم مطلقات، وقد عرفت كلام الشيخ عبد العالي في ذلك. وأصرح عبارات هؤلاء هو المنقولة عن أبي الصلاح، حيث قال: لا تنعقد الجمعة إلا بإمام الملة، أو منصوب من قبله، أو بمن يتكامل له صفات إمام الجماعة عند تعذر الأمرين (8). ثم قال بعد ذلك: وإذا تكاملت هذه الشروط انعقدت جمعة، وانتقل فرض الظهر من أربع ركعات إلى ركعتين بعد الخطبة، وتعين فرض الحضور على كل رجل (9). وحمل هذه العبارة على ما يوافق المشهور في كمال القرب، كما لا يخفى.
(1) الخلاف: ج 1 ص 626 المسألة 397. (2) رسائل السيد الشريف المرتضى (المجموعة الأولى): ص 272. (3) المراسم: ص 13. (4) السرائر: ج 1 ص 303. (5) الكافي في الفقه: ص 150. (6) الإشراف (مصنفات الشيخ المفيد): ج 9 ص 24. (7) نقله عنه الشهيد الثاني في رسائله: ص 80. (8 و 9) الكافي في الفقه: ص 151. 20 مع أن الفقهاء منهم من نسب إليه القول بالتحريم، ومنهم من نسب إليه القول بالجواز، ولم ينسب إليه القول بالعينية منهم أحد. مع أنه لا حاجة لنا إلى إثبات عدم القول بذلك، فإن بعد معلومية المشهور والمجمع عليه فالعبرة بدلالة الدليل. فلنذكر الأدلة على ما اقتضته الأقوال، ولنحقق المقال على ما هدانا إليه الكريم المتعال، ولنعقب الحجة والاستدلال بما يرد عليه من الاعتراض والإشكال. حجة القائلين بأن وجوبها مطلق، ولا يشترط فيه الشرط المذكور، وأن وجوبها في مثل هذه الأزمان عيني، وجوه: الأول: أصالة عدم الشرط. وفيه: أنها معارضة بأصالة بقاء شغل الذمة، وعدم تحقق العبادة بدون الشرط، وبأن الشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط، إلى غير ذلك، وستعرف التفصيل. الثاني: الآية، قال الله تعالى: * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) * الآية (1)، أجمع المفسرون على أن المراد بالذكر هنا الخطبة أو صلاة الجمعة، تسمية للشئ باسم أشرف أجزائه، والأمر للوجوب، وهو هنا للتكرار باتفاق العلماء، فيحتاج تقييده إلى دليل. وفيه نظر من وجوه: الأول: أن الخطاب الشفاهي مخصوص للحاضرين زمان الخطاب، لقبح خطاب المعدوم، والأصل الحقيقة، ولا دليل على المخالفة، والقياس باطل عندنا. فكون المعدومين في زمن الخطاب مكلفين بذلك أول الكلام، واشتراكهم معهم في التكاليف إنما يثبت بالإجماع، وهو هنا منتف جزما، بل خلافه هو المجمع عليه. وأما الاجماع على الاشتراك كليا فتكون هذه من أفراده، فمع أنه لم يثبت
(1) الجمعة: 9. 21 أيضا لا معنى له، لأن الاجماع من الأدلة القطعية، وهو لا يقبل التخصيص، والعام ظني، فلو فرض كون ذلك من الأفراد المندرجة قطعا تحت ما أجمع عليه لكانت هي في حد ذاتها مجمعا عليها أيضا، وليس كذلك كما لا يخفى. مع أن القياس الذي يتطرق هنا إنما هو مع الفارق، ولا يقول به القائل بحجيته مطلقا أيضا، إذ حضار مجلس الخطاب كانوا واجدين لما لم يجده المعدومون من حضور الإمام والتمكن من الإذن، ونحو ذلك. فإن قلت: الأمر بذلك كاشف عن الحسن النفس الآمري، وهو مستصحب، كما قيل في الأحكام الثابتة في الشرائع السالفة. قلت: ما يجب اتباعه بدون أمر الشارع هو حكم العقل المقطوع به عنده، وأما ما لم يقطع به فلا يجب اتباعه، إلا إذا علم من الشرع، والأمر دائر حينئذ مدار المعلومية من الشرع، وكثيرا ما نرى الشارع يأمر أحدا من المكلفين بشئ وينهى ذلك الشئ بعينه عن الآخر، وكذلك الحال بالنسبة إلى زمان دون زمان ومكان دون مكان، فكيف يبقى الوثوق بمجرد حصول العلم بحسن ذلك الفعل - الذي لا يدرك حسنه العقل مستقلا قاطعا به في نفسه - بسبب قول الشارع وطلبه إياه من شخص معين أو أشخاص معينة وفي زمان معين لنتكل عليه، ونقول بأنه حسن لشخص آخر وفي زمان آخر، سيما وبعنوان الوجوب والمؤاخذة على تركها، مع أن الأصل براءة الذمة، وعدم المؤاخذة؟ فتدبر (1). والكلام في الشرائع السالفة بعينه هو الكلام في هذا المقام، إلا ما استفيد من حكاية الشارع حسنه لنا، وظهر من كلامه حسن اتباعه. فإن قلت: يدل على ذلك قولهم (عليهم السلام): " حلال محمد (صلى الله عليه وآله) حلال إلى يوم القيامة " (2) ونحوها (3).
(1) وهذا الكلام مبنى على انكار ذاتية الحسن والقبح مطلقا، لجواز ان يكونا بالوجوه والاعتبارات كما هو مذهب الجبائي، وهو الحق. (منه غفر له). (2) الكافي: ج 1 ص 58 ح 19. (3) وسائل الشيعة: ج 18 ص 124 ب 12 من أبواب صفات القاضي ح 47. 22 قلت: لو كنت ترضى بذلك فلم تقيد سائر الحلالات بالشروط؟ فلم لا تجاهد في سبيل الله الآن، وتجعله مشروطا بوجود الإمام؟ أما كان الجهاد من حلال محمد؟ بل هو أشد الواجبات، فانظر إلى التهديدات في تركه (1)، وكذلك الكلام في كثير من الأحكام. فلا بد أن يكون المراد من مثل ذلك أن النسخ لا يتطرق بشريعته المقدسة وإن كان لا يجوز ارتكاب ما حلله في زمان أو مكان، بسبب انتفاء شرط، أو وجود مانع، أو انتهاء مدة مبينة، أو نحو ذلك. فإن قلت: يدل على ذلك قوله (عليه السلام): " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " (2). قلت: هذا فيما يصح تعلق الحكم، وهو إنما يصح في الحاضرين، ومع التسليم فمخصص بما سيجئ من الأدلة على الاشتراط، على أن " الجماعة " لا عموم فيه يشمل المعدومين، والفاقدين لما يظن اشتراطه فيه، أو يشك فيه أيضا، فضلا عما ظهر من الأدلة اشتراطه. الثاني: أنه لا عموم في الآية (3) يشمل ما نحن فيه، فإن " إذا " لا يفيد العموم لغة، وإرجاعه إلى العموم، لعدم إلغاء كلام الحكيم، ويحصل بإرجاعه إلى الفرد المتعارف المعهود، وكون ما نحن فيه منه محل تأمل. وأما ادعاء أن هذا ينافي المطلوب باعتبار أن المفهوم يفيد عدم الوجوب لو لم يناد ولا يقول به الموجبون عينا، فمنظور فيه. أما أولا: فلأن الظاهر أن المراد به دخول وقت الظهر، أو أوان انعقاد الجمعة، وهو كناية عنه، ومفهوم الشرط حينئذ لا ينافي قولهم. وأما ثانيا: فلأن الشرط وارد مورد الغالب، فلا عبرة بالمفهوم حينئذ، كما هو المحقق.
(1) وسائل الشيعة: ج 11 ص 16 ب 5 من أبواب الجهاد. (2) عوالي اللآلي: ج 1 ص 456 ح 197. (3) الجمعة: 9. 23 الثالث: أن ما ادعاه المستدل من أن الأمر هاهنا للتكرار بالاتفاق لا يتم به التقريب، لأن المحقق في الأصول عدم إفادة الأمر - من حيث هو - للتكرار، كما هو الظاهر من المستدل أيضا لتشبثه بالاتفاق، والاتفاق في ذلك غير مفيد جزما، إذ معنى الاتفاق على التكرار هو الاتفاق على وجوب الجمعة عينا الآن إن أراد من التكرار الدوام إلى يوم القيامة، أو وإن كان في زمان الغيبة وفقد الإذن والاتفاق على وجوبها حال الحضور ووجدان الإذن إن أراد من التكرار التكرار إلى زمان فقدان الإذن وزمان الغيبة. أما الأول فهو عين المتنازع وأول المدعى، بل خلافه هو المجمع عليه، كما ادعاه جماعة، وأيضا فلا حاجة حينئذ إلى التشبث بالآية، وادعاء دلالة الأمر على التكرار، كما لا يخفى. وأما الثاني فهو مسلم عندنا، ولا يفيد لك نفعا. وبالجملة: إفادة التكرار دائر مدار الاجماع على نفس الوجوب، فتغيير التقرير لا يصير حجة على المتدبر الخبير. الرابع: أن ما ذكرت من كون المراد من الذكر الخطبة أو صلاة الجمعة فلازمه كون ذلك التركيب الإضافي اسما للصلاة، فلا يبقى مجال لادعاء العموم في المصدر المضاف لو سلمنا عمومه لغة أو عرفا، إذ ليس المطلوب من الذكر معناه الحقيقي، ولم يعتبر ذلك من حيث الإضافة، بل المطلوب هو معناه العلمي، فحينئذ يكون مطلقا، ولا يفيد العموم لغة. وكون الصلاة في هذه الأزمنة من الأفراد المتعارفة محل تأمل، والمطلق لا ينصرف إلا إليها. سلمنا، لكن هذا إنما يتم لو قلنا بأن العبادات أسامي للأعم من الصحيحة، وإلا فكون تلك الصلاة صحيحة جامعة لشرائط الصحة أول الكلام. والتشبث في إثبات الماهية بأصالة عدم كون ذلك شرطا أيضا محل إشكال، لمعارضتها بأصول متعددة: استصحاب شغل الذمة، وعدم حصول يقين البراءة
24 بهذه الصلاة فقط، واستصحاب عدم تحقق ماهية العبادة بذلك، إلى غير ذلك، فإن قلنا بكونها للصحيحة فالمانع من الاستدلال منع الصحة، وإلا فالمانع فقد العموم. الثالث: الأخبار المستفيضة، كصحيحة زرارة: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة، منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة، وهي الجمعة، ووضعها عن تسعة: عن الصغير، والكبير، والمجنون، والمسافر، والعبد، والمرأة، والمريض، والأعمى، ومن كان على رأس فرسخين (1). وحسنة محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: تجب الجمعة على من كان منها على رأس فرسخين (2). وصحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل فرض في كل سبعة أيام خمسا وثلاثين صلاة، منها صلاة واجبة على كل مسلم أن يشهدها إلا خمسة: المريض، والمملوك، والمسافر، والمرأة، والصبي (3). وحسنة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجمعة، قال: تجب على كل من كان منها على رأس فرسخين، فإن زاد على ذلك فليس عليه شئ (4). وصحيحة الفضل بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)، يقول: إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر، وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين (5). وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا، فإن كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم، والجمعة واجبة
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 2 ب 1 من أبواب صلاة الجمعة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 12 ب 4 من أبواب صلاة الجمعة ح 5. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 5 ب 1 من أبواب صلاة الجمعة ح 14. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 12 ب 4 من أبواب صلاة الجمعة ح 6. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 8 ب 2 من أبواب صلاة الجمعة ح 6. 25 على كل أحد، لا يعذر الناس فيها إلا خمسة: المرأة، والمملوك، والمسافر، والمريض، والصبي (1). وصحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من ترك الجمعة ثلاث جمع متوالية طبع الله على قلبه (2). إلى غير ذلك من الأخبار، وسيجئ بعضها أيضا. أقول: ولا يخفى أن ما يعطيه ذلك الأخبار بإطلاقها هو مطلق الوجوب، وأما الوجوب المطلق فلا. سلمنا ذلك، لأن المتبادر من الأوامر والإيجابات الشرعية هو الوجوب المطلق، ولكن ذلك إنما يكون لو لم يثبت الشرط من خارج، وقد أثبته الاجماع وغيره مما سنذكره إن شاء الله. مع أنا لو سلمنا عدم الثبوت فلا أقل من حصول الشك في الشرط، والشك في الشرط يستلزم الشك في تحقق المشروط، مع أنه يجري في هذه الأخبار بعينه ما أوردناه على الآية في الوجه الرابع من الإشكال. وبالجملة: ليس المستفاد من تلك الأخبار إلا إطلاق الوجوب، وينضم إليه أصالة عدم الشرط. أما أصالة عدم الشرط فمع أن جريانه في ماهية العبادة محل إشكال عظيم، سيما إذا كان العبادة اسما للصحيحة، فلا يبقى معه ظن يعارض الظن الحاصل من استصحاب شغل الذمة وغيرها من الأصول الذي ذكرنا. وأما إطلاق الوجوب ومآله حقيقة إلى أصالة الحقيقة، وإلى أنه إذا التزمنا الشرط لزم التجوز في تلك الأخبار، فهو أيضا غير ناهض على المطلوب، إذ لا ريب أن تلك الإطلاقات غير باقية على حقائقها، لكونها مشروطة بشرائط لا تحصى، منها ما هو مذكورة فيها، ومنها ما لم يذكر.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 8 ب 2 من أبواب صلاة الجمعة صدره في ح 7 وذيله في ص 5 ب 1 منها ح 16. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 5 ب 1 من أبواب صلاة الجمعة ح 15. 26 نعم، هي بدون ذلك الشرط أقرب المجازات إلى الحقيقة، ورجحان اختيار أقرب المجازات لا يقاوم الرجحان الحاصل من الاجماعات المنقولة وغيرها في بيان إثبات الاشتراط. فإن قلت: تلك الأخبار والإطلاقات في مقام الحاجة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة قبيح، فلو كان ذلك شرطا لبينه الشارع. قلت: لا نسلم كونها في مقام بيان الحاجة، بل المقام مقام الاجمال وبيان الوجوب في الجملة، سيما مع ملاحظة صحيحة زرارة الأولى وصحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم، حيث ذكر فيهما وجوب كل الفرائض، ولم يتعرض فيها لذكر شرط من شرائطها، ولا بيان حكم من أحكامها، حتى أعداد ركعاتها، وكذلك الجمعة لها أحكام وشرائط كثيرة، فما تقول بالنسبة إلى سائر الشرائط والأحكام نقوله بالنسبة إلى هذا الشرط حرفا بحرف. فإن قلت: لعله قد كان الصحابة عالمين بغير هذا الشرط وما كانوا محتاجين إلى ذكرها، فلهذا لم يتعرض المعصومون لها. قلت: لعلهم كانوا عالمين بهذا الشرط أيضا، ولم يحتاجوا إلى التعرض لها، ويظهر ذلك من إطباق الأصحاب وإجماعاتهم المنقولة وغير ذلك. وبالجملة: فكما أنه لا يمكن الاستدلال بتلك الإطلاقات على عدم اشتراط دخول الوقت للخطبة مثلا لا يمكن الاستدلال بها على عدم اشتراط الإذن، وذلك واضح. وبالجملة: فعمدة اتكال الموجب عينا على أصالة عدم الاشتراط، والأصل لا يعارض ما يدل على الاشتراط. وادعاء أن تلك الأخبار بنفسها تحكم بنفي الاشتراط من غير جهة ذينك الأصلين مكابرة. احتج المحرمون بوجوه: الأول: الأصول، أعني أصل عدم الصحة، وعدم تحقق الصلاة، ففعلها معتقدا
27 صحتها وأنها تجزئ عن الظهر تشريع، لعدم ثبوت التعبد بذلك، ولأن الإذن شرط بالإجماع، كما نقله غير واحد من الأصحاب، فلا يصح المشروط مع انتفائه، فيكون فعله حراما، وأن الظهر ثابتة في الذمة بيقين، فلا يبرأ الذمة إلا بفعلها. الثاني: أنها لو شرعت حال الغيبة لوجبت عينا، فلا يجوز فعل الظهر، وهو منتف إجماعا، لأن ما يدل على الجواز يدل على العينية، فلا وجه للعدول إلى التخيير. الثالث: أن الذي يظهر من الأخبار أن إمام صلاة الجمعة غير صلاة الجماعة، والمتبادر منها إمام الأصل، ثبت حكم نائبه بالإجماع، فلا يجوز لغيره، ولذا استدل العلامة في المختلف (1) لهذا الشرط بأخبار ذكر فيها الإمام، منها حسنة زرارة، قال أبو جعفر (عليه السلام): لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط الإمام وأربعة. الرابع: ظواهر الأخبار الكثيرة مثل ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في خطبة طويلة اعلموا ان الله تعالى قد فرض عليكم الجمعة، فمن تركها في حياتي أو بعد موتي وله إمام عادل استخفافا بها، أو جحودا لها، فلا جمع الله شمله، ولا بارك له في أمره، ألا ولا صلاة له، ألا ولا زكاة له، ألا ولا حج له، ألا ولا صوم له، ألا ولا بر له حتى يتوب (2). والظاهر أن المراد بالإمام العادل هنا هو المعصوم، ويظهر ذلك من الأخبار. بل ويظهر من تتبع الأخبار أن المراد بالإمام هو الإمام العادل، فلاحظ باب أن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام في الكافي، وفيه رواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: إن الله أجل وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل (3). وتلك مؤيدات لحمل الإمام والإمام العادل على المعصوم والحجة، فتأمل.
(1) مختلف الشيعة: ج 2 ص 208. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 7 ب 1 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 28. (3) الكافي: لا يخفى عليك أن هذه الرواية لا توجد في هذا الباب، بل في الباب الذي يليه (باب أن الأرض لا تخلو من حجة) ج 1 ص 178 ح 6. 28 وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن بكير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم في قرية ليس لهم من يجمع بهم أيصلون الظهر يوم الجمعة في جماعة؟ قال: نعم إذا لم يخافوا (1). وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم وفي طريقه إبراهيم بن عبد الحميد، والصدوق أيضا عنه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين، ومعنى ذلك إذا كان إمام عادل، الحديث (2). وما رواه الكليني في الموثق عن سماعة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في يوم الجمعة، فقال: أما مع الإمام فركعتان، وأما من يصلي وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر، يعني: إذا كان إمام يخطب، فأما إذا لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات وإن صلوا جماعة (3). وقال الصدوق في الفقيه: قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام، فمن صلى بقوم يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها أربعا، كصلاة الظهر في سائر الأيام (4). وما رواه الشيخ في الصحيح عن البقباق، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر، وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين (5). وما رواه الشيخ في الصحيح أيضا عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن أناس في قرية هل يصلون الجمعة جماعة؟ قال: نعم يصلونها أربعا إذا لم يكن لهم من يخطب (6).
(1) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 15 ح 55. (2) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 23 ح 80. (3) الكافي: ج 3 ص 421 ح 4. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 196، ضمن ح 600 وفيه: وإنما وضعت. (5) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 238 ح 634. (6) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 238 ح 633. 29 وما رواه أيضا عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام)، قال: لا جمعة إلا في مصر تقام فيه الحدود (1). وما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) حين سأله: لم صارت صلاة الجمعة مع الإمام ركعتين وبغير إمام ركعتين ركعتين؟ فذكر له علة. ثم قال: ومنها أن الصلاة مع الأمير أتم وأكمل لعلمه وفقهه وعدله وفضله. ثم قال: لأن الجمعة مشهد عام، فأراد أن يكون الإمام سببا لموعظتهم وترغيبهم وترهيبهم وتوفيقهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفات والأحوال التي لهم فيها المضرة والمنفعة (2). وفي بعض النسخ مكان " الأمير " " الإمام ". وسياق الرواية يعين أن المراد هو الأمير والإمام الأصل، وصحة ذلك عن النائب ثبت بالدليل الخارج. وما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام): تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، ولا تجب على أقل منهم: الإمام، وقاضيه، والمدعي حقا، والمدعى عليه، والشاهدان، والذي يضرب الحد بين يدي الإمام (3). وقد تداولها المشترطون في استدلالاتهم، ولا عبرة بعدم القول بعدم اشتراط غير الإمام، لأن الظاهر أن المراد بذلك بيان لم اعتبار هذا العدد، وذلك لأنه لما كان من وظائف الحاكم والحكومة غالبا لا يتحقق مع ظهور فائدته إلا في تلك السبعة فغاية ما يمكن أن يتحقق به هو ما تحقق به الحكومة وإجراء الأحكام غالبا، وذلك وجه غير بعيد. الخامس: ما ورد في الصحيفة السجادية، في دعاء يوم الأضحى والجمعة،
(1) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 239 ح 639. (2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 110 ضمن ح 1، وسائل الشيعة: ج 5 ص 39 ب 25 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 6. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 413 ح 1224 وفيه: من المؤمنين. 30 حيث قال: اللهم إن هذا المقام لخلفائك وأصفيائك، ومواضع امنائك في الدرجة الرفيعة، التي خصصتهم بها قد ابتزوها (1). فإن الظاهر إرادة المعصوم (عليه السلام)، ويزيده بيانا قوله (عليه السلام) بعد ذلك: حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين، يرون حكمك مبدلا، وكتابك منبوذا - إلى أن قال: - وعمل الفرح والروح والتمكين (2). وحمل " المقام " على نفس الخلافة، أو الخلفاء على الأعم من المعصوم ونائبه خلاف ظاهر الكلام، ويؤيد ذلك اشتراك الدعاء بين الجمعة والأضحى، ولا ريب أن صلاة الأضحى منصبه ومنصب منصوبه. ويدل عليه ما في الأخبار من أن ذلك حق آل محمد (صلى الله عليه وآله)، فقد روى المشائخ الثلاثة عن عبد الله بن دينار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا عبد الله ما من عيد للمسلمين أضحى ولا فطر إلا وهو يجدد لآل محمد فيه حزن، قلت: ولم ذاك؟ قال: لأ نهم يرون حقهم في يد غيرهم (3). وأيضا حكم الفقهاء باتحاد الجمعة والأضحى في الشروط. السادس: ما نقلناه مرارا، في طي ذكر الأقوال، من فعل النبي وعلي والحسن (عليهم السلام)، وهو دليل على عدم الجواز بدونه، وإلا لشاع وذاع بحيث لا يبقى مجال لتوهم عدم الوجوب، فإنها مما تعم به البلوى. ويؤيده أن العامة ينسبون الاشتراط إلى الشيعة، وكذلك المطلعون الفحول من فقهائنا يدعون إجماعهم على ذلك، ولم يطعن على ذلك أحد منهم، فعلم من ذلك أنه كان شعارا لهم. وربما يقال: لو كان واجبا عينا لكان يجب على كل من كان على أزيد من فرسخين إقامة الجمعة الأخرى، وكذلك من يليه، وهكذا، وكان يجب على الرسول (صلى الله عليه وآله) إقامة من يصلي بهم في جميع الأصقاع بحسب مقدوره وقد كان
(1 و 2) الصحيفة السجادية الجامعة: ص 351. (3) الكافي: ج 4 ص 169 ح 2، من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 174 ح 2058، تهذيب الأحكام: ج 3 ص 289 ح 870. 31 مبسوط اليد، ولم يعهد ذلك من الرسول والأئمة (عليهم السلام)، بل المعهود خلافه، ولو كان كذلك لاشتهر وانتشر غاية الانتشار، وليس الأمر كذلك، كما ترى. وهذا هو الوجوه التي يمكن أن يستدل بها للمحرمين. أقول: أما الجواب الاجمالي عن جميع ذلك أن غاية ما ثبت من تلك الأدلة على سبيل التسليم هو اشتراط ذلك بذاك في الجملة. أما عموم الحكم في صورة عدم التمكن والقول بأن ذلك شرط الجواز لا التعيين وأن قيام إمام الجماعة مقام إمام الأصل ونائبه غير جائز ولم يجوزه الشرع محل تأمل، سيما وسنبين أدلة الجواز في صورة عدم التمكن مع أن غاية ما تثبته الأدلة هو عدم صحة الجمعة، أما إثبات صحة الظهر فغير مستفاد من تلك الأدلة، وأكثر الإشكالات واردة فيه أيضا. والتمسك بعدم القول بالفصل لا يخفى ما فيه. وأما التفصيلي: فأما الأصول: فأما الجواب عن الأصلين الأولين فهو أن الأصل لا يعارض الدليل، وسنبين الأدلة على الصحة والجواز، وقد مر أيضا. مع أن ذلك لا يثبت المطلوب، إذ المحرم لصلاة الجمعة يقول بتعين الظهر، والأصلان كلاهما يجريان فيه، سيما إذا كان العبادة اسما للصحيحة. مع أنا في أول الظهر مشغول الذمة بأداء فريضة، واستصحاب شغل الذمة باقية حتى تثبت خلافها، وحصول ذلك بفعل الظهر، مع قيام الدليل على وجوب الجمعة والظن بذلك أو الشك محل تأمل. وترجيح الظهر وتعيينه من دون دليل أو دليل لا يقاوم أدلة الخصم أو لا يترجح عليها - لما ستعرف من أدلة المخيرين، وعرفت من أدلة الموجبين - لا يخفى ما فيه. فإما أن يتعارض الدليلان أو يتساقطان فمسلك المجتهدين في مثله الرجوع إلى أصل البراءة وهو التخيير، ومسلك الأخباريين الاحتياط، فيجب الإتيان بهما معا من باب المقدمة، فمن أين تحكم بحرمة الجمعة وتعين الظهر؟! أو يترجح أدلة جواز الجمعة، فيضرك أيضا.
32 فإن قلت: أدلة الحرمة وتعين الظهر أرجح بالنظر فلذا نرجحه. قلت: هذا خارج عن سوق الاستدلال، فدع عنك حكاية الأصل، وسنتكلم في ترجيح الأدلة. وأما الجواب عن الأصل الثالث، فهو أن القدر الذي تثبت اشتراطه من الاجماعات هو اشتراط عينيته، لتصريح ناقليها بجواز الصلاة حال الغيبة، وكونها مسقطا للظهر، وأنها أحد فردي الواجب التخييري، فلاحظ موارد الاجماعات التي نقلناها وسياق كلماتهم تجد ما ذكرنا، وصريح الشهيد الثاني في روض الجنان (1) هو أن الاجماع على الاشتراط إنما هو في حال الحضور، وهو صريح الشهيد في الذكرى (2) وغيره أيضا. والإجماعات إنما هي دالة على توقف جواز فعلها حال الحضور بذلك الشرط، وتوقف وجوبها عينا بذلك مطلقا. وأما توقف جوازها حال الغيبة على ذلك الشرط فلم يدع الاجماع عليه أحد فيما أعلم، فدعوى الاجماع على ذلك مع ما عرفت من نقل الأقوال غير مسموع، بل المعلوم عدمه. وأما ما يظهر من جماعة من الأصحاب - كالشهيدين (3) وغيرهما - في مقام الجواب على سبيل التسليم والمماشاة أنه مع ذلك لا يلزم سد باب الجمعة، لأن الفقيه الشرعي منصوب من قبل الإمام عموما، لمقبولة عمر بن حنظلة " فإني قد جعلته عليكم حاكما " (4) وحكمهم (عليهم السلام) على الواحد حكم على الجماعة، ومن ثم تمضي أحكامه، ويجب مساعدته على إقامة الحدود، والقضاء بين الناس، وهذه الأشياء أعظم من مباشرة إقامة الصلاة فلا يتم القول بتحريمها مطلقا في حال الغيبة.
(1) روض الجنان: ص 291 س 22. (2) ذكرى الشيعة: ص 231 س 10. (3) اللمعة والروضة: ج 1 ص 662 - 665. (4) وسائل الشيعة: ج 18 ص 98 ب 11 من أبواب صفات القاضي ح 1. 33 فيتوجه عليه منع إفادة الرواية العموم حتى يشمل ما نحن فيه، سيما بعد ملاحظة ما ذكرناه هاهنا من الأخبار في طي أدلة المحرمين وغيرها من الأدلة، وما سنذكره فيما بعد إن شاء الله. سلمنا، لكنه يتوجه حينئذ دليلهم الثاني إيرادا على هذا الكلام، إذ لو كان يكفي الفقيه ويسقط به اعتبار حضور الإمام أو إذنه الخاص فلم لم يكن واجبا عينا، وما اقتضاه أدلة الوجوب حقيقة هو الوجوب العيني، فما وجه العدول إلى التخييري؟ سيما مع وجود الشرط. وأما ما أجاب به في روض الجنان (1)، وكذا المحقق الشيخ علي (2) من أن الدليل الدال على الوجوب أعم من التخييري والحتمي، ولما انتفى الحتمي في حال الغيبة بالإجماع تعين الحمل على التخييري، ولولا الاجماع على عدم العيني لما كان عنه عدول. ففيه نظر، أما أولا: فلأن ظاهر الأمر أنه حقيقة في الحتمي، إذ هو المتبادر من الأمر المطلق، كما هو المحقق، وما ذكره (رحمه الله) يعطي كون الاجماع قرينة معينة لإحدى معنيي المشترك. فالأولى في الجواب أن يقال: القرينة قائمة على التقييد، لإطلاق تلك الأدلة، فكما أن الاجماع على ثبوت اشتراط الإذن حال الحضور قيد إطلاق الوجوب بالنسبة إلى الأشخاص والأصقاع، فكذلك الاجماع على نفي العينية في حال الغيبة قيد عينيته بالنسبة إلى الأزمان والأوان. ويشكل ذلك بأن الاجماع قرينة على نفي عينية الوجوب، ولا شك أنه جزء معنى الأمر الحقيقي، وانتفاء العينية يستلزم انتفاء الوجوب العيني، لأنه لا معنى لبقاء الجنس بعد فقدان الفصل عند التحقيق، فمن أين يدعي الجواز واستحباب الفعل؟! ولعل ذلك هو الذي دعى الشهيد الثاني (رحمه الله) (3) إلى ما ذكره.
(1) روض الجنان: ص 291 س 25. (2) جامع المقاصد: ج 2 ص 375. (3) روض الجنان: ص 292 س 10. 34 فإن قلت: غاية ما ثبت مما ذكرت أن الاجماع نفي الوجوب وعينيته أيضا، لكنه لا يستلزم ذلك نفي الجواز بالمعنى الأعم، بل ولا الرجحان المطلق أيضا، فيبقى الجواز أو الاستحباب وهو المطلوب، أما الثاني فظاهر كونه محصلا للمطلوب، وأما الأول فللإجماع على أن ما جاز من العبادات تكون راجحا. قلت: أولا: غاية ما ثبت مما ذكرت استحباب ذلك، وأين هذا من كونه مسقطا للظهر، وليس معنى استحباب شئ كونه مسقطا للفريضة، ولا يتم المطلوب إلا بذلك. فإن قلت: لا قائل بالفصل. قلت: يمكن أن يقال: من يحتاط بالجمع مع كون الراجح عنده هو الظهر يقول بالاستحباب ولا يقول بكونه مسقطا. وثانيا: أن ما ذكرت إنما يصح لو قلنا بثبوت تلك المسألة، وأن الجواز يبقى بعد نسخ الوجوب، وقد بينا بطلانه في تعليقاتنا على تهذيب العلامة (1) بما لا مزيد عليه، وفصلنا تمام التفصيل هناك. وأما ثانيا: فلأنه يلزم مما ذكره استعمال لفظ المشترك في معنييه، وهو غير مقبول عند أهل التحقيق، مع أن الكلام فيما هو من قبيل الخطاب الشفاهي، واحتياجه في تعميم الحكم بالنسبة إلى مثل هذا الزمان إلى الاجماع المعلوم حاله هنا بعد باق بحالها، وجعل ما ذكر من قبيل عموم المجاز، مع أنه خلاف الظاهر من كلامه (رحمه الله) أيضا. يرد عليه - مضافا إلى ما ذكر - إلغاء الأدلة رأسا، إذ المدار حينئذ في إثبات الوجوب والجواز كليهما على الاجماع، فتأمل جدا. فالصواب في الجواب أن يتشبث بما سيجئ من الأدلة، وسيجئ تمام الكلام إن شاء الله تعالى.
(1) لا يوجد كتابه لدينا. 35 هذا وقد أجيب عن مثل ذلك الدليل للمحرمين بجوابين آخرين: الأول: أن الإذن الحاصل من الأئمة الماضين كالإذن الحاصل عن إمام الوقت، فالشرط موجود، فلم لا تجوز الجمعة وتكون حراما؟ وقد ظهر ما ذكرنا من كلام الشهيد في الذكرى (1). وهو ظاهر كلام الشيخ (رحمه الله) في الخلاف قال - بعد كلام ظاهر، بل صريح في حرمة الجمعة بدون الإذن -: فإن قيل: أليس قد رويتم فيما مضى من كتبكم: أنه يجوز لأهل القرى والسواد من المؤمنين إذا اجتمعوا العدد الذي ينعقد بهم أن يصلوا الجمعة؟ قلنا: ذلك مأذون فيه، مرغب فيه، فجرى مجرى أن ينصب الإمام من يصلي بهم (2). وهو الظاهر من كلام العلامة أيضا، سيما في النهاية فإنه قال - بعد نقل الاجماع على اشتراط الإذن -: هذا في حال حضوره، أما في حال الغيبة، فالأقوى أنه يجوز لفقهاء المؤمنين إقامتها، لقول زرارة: حثنا أبو عبد الله (عليه السلام) الحديث، وقول الباقر (عليه السلام) لعبد الملك: مثلك يهلك... الحديث، ومنع جماعة من أصحابنا ذلك لفقد الشرط، والباقر والصادق (عليهما السلام) لما أذنا لزرارة وعبد الملك جاز، لوجود المقتضي، وهو إذن الإمام (عليه السلام) (3). وفيه نظر أيضا، لمنع كون ذلك هو الإذن المدعى على شرطيته الاجماع، كما ظهر من كلام الشهيد في الذكرى، وهو غير متبادر من الإذن أيضا. فنقول حينئذ: إن أردت من كون وجوب صلاة الجمعة عينا مشروطا بالإذن كونه مشروطا بإيجاب الشارع، وبيان حكم وجوبه، كما هو شأن الأخبار المطلقة، فلم لا تقول ذلك في الفرائض الخمس وغيرها من الواجبات؟ مع أنه لا فائدة في ذلك، إذ حينئذ يصير المعنى أنه ليس وجوب صلاة الجمعة إلا من جانب الله تعالى، ومن جهة إذنه بلسان أوليائه. وحكمه بالوجوب، وهذا أمر بديهي ظاهر،
(1) ذكرى الشيعة: ص 231 س 11. (2) الخلاف: ج 1 ص 626 المسألة 397. (3) نهاية الإحكام: ج 2 ص 14. 36 ليس هاهنا مقام بيانه، ولا اختصاص له بصلاة الجمعة، ويرجع ذلك إلى بعض أدلة الموجبين عينا، وقد عرفت حالها. وإن أردت من ذلك أن الإيجاب هاهنا من البديهيات، ولا تأمل في وجوب صلاة الجمعة عند أحد، فالأخبار الواردة في هذا الباب وغيرها ليس فائدتها بيان الوجوب، بل فائدتها أنها يجب الإتيان بها دائما، وأنها مأذون فيها، جائز فعلها على الإطلاق، بدون اشتراط بشئ آخر، فتكون الفائدة حينئذ هو حصول الإذن في الفعل، رفعا لتوهم الاشتراط بتعيين شخص خاص بالخصوص أو بالعموم، فيكون هذا نازلا منزلة النيابة المخصوصة فيها، الواردة لعامة المكلفين، مع ثبوت باقي الشرائط من دليل خارج. فلم لا تقول ذلك في جانب الفرائض الخمس التي بداهتها أجلى من ذلك، ولم يعهد ذلك الكلام هاهنا أصلا، وما وجه هذا الاصطلاح هاهنا دون هناك. فإن قلت: مرادنا من الأخبار الذي ذكرنا هو مثل رواية زرارة وعبد الملك الآتيتين المشتملتين على حث الراويين على ذلك. لا مطلق ما دل على الوجوب، كما يظهر من كلام العلامة في النهاية (1)، ونحن نقول أيضا: إن الوجوب والإيجاب والمشروعية غير الإذن المتنازع فيه، وإن الإذن المتنازع هو الإذن الخاص بعد معلومية الوجوب، كما حصل في تلك الروايتين للراويين. قلت: هذا، مع أنه تخصيص لكلام المطلقين لذلك، لا يتم المطلوب، إذ من المعلوم أن الاجماع واقع على الوجوب عينا عند حضور الإمام وإذنه الخاص، كما عرفت سابقا. فإن كان الحث المذكور هو الإذن المذكور فيجب عينا، ولا يقول به المخيرون، إذ هم يستدلون بمثلها على الاستحباب، وسيجئ، مع أنه لا يتم دلالتها على الإيجاب أيضا، لما سيجئ.
(1) نهاية الإحكام: ج 2 ص 14. 37 وإن كان غيره فلم يحصل الإذن المطلوب المعهود، مع أنه لو سلمنا ذلك لثبت ذلك لزرارة وعبد الملك وأضرابهما من الحاضرين، ومن أين يثبت العموم، وقولهم (عليهم السلام) " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " (1) قد عرفت حاله. فإن قلت: مرادنا من ذلك ليس الإذن المعهود، بل المراد أن الشارع جوزها واستحبها لمن لم يكن له الإذن المعهود المعلوم، كالراويين وأضرابهما. قلت: هذا بعينه الاستدلال بالروايتين وأضرابهما، فدع عنك حكاية حصول الإذن وثبوته بذلك، إذ المعلوم المتعارف في المتنازع هو الإذن المعهود، وليس هذا من ذاك، بل هو الحكم باستحباب شئ من دون اشتراط شئ آخر، مع أن حكاية التعدي إلى غير مثل زرارة وعبد الملك بعد غير محقق، وسيجئ الكلام في الروايتين ونحوهما. فإن قلت: حثهم على ذلك يستلزم كونهم مأذونا بالإذن الخاص من باب مقدمة الواجب، إذ لا يجوز الفعل إلا بذلك، فيدخل في المتنازع، وليس كما ذكرت. قلت: إن كان للخصوصية في الإذن مدخل فيختص بهما، وأضرابهما من الحاضرين، وإلا فيرجع إلى ما ذكرنا من كون ذلك استحباب شئ بدون شرط، مع أنه لا فائدة في هذا التكلف حينئذ. وبالجملة: حاصل الكلام في هذا البحث - بعد ما ذكرنا من التكلفات - رجع إلى ادعاء عدم اشتراط الإذن المعهود المتعارف في زمان الغيبة، وعدم التمكن من الحضور، وجواز ذلك بمثل تلك الأخبار، وتفرقته مع ما سبق بأن البحث السابق كان مبتنيا على ثبوت الجواز من نفس أدلة الوجوب، وهذا مبتنى على غيرها من الأخبار، منها الروايتين المتقدمتين، وسيجئ تمام الكلام في أدلة المخيرين. الثاني: أن الإذن إنما يعتبر مع إمكانه، أما مع عدمه فيسقط اعتباره، ويبقى عموم القرآن، والأخبار خاليا عن المعارض، قاله الشهيد في الذكرى (2). ويظهر الجواب عن ذلك بالتأمل والتدبر فيما ذكرنا سابقا، فلا نعيد.
(1) عوالي اللآلي: ج 1 ص 456 ح 197. (2) ذكرى الشيعة: ص 231 س 14. 38 وأما الجواب عن الأصل الرابع، فهو أن قولك: " إن الظهر ثابتة " إن أردت من ذلك أن العمومات الدالة على وجوب الظهر ثابتة حتى يثبت المخصص والذي ثبت تخصيصه هو فيما حصل الإذن، فنقول: إن العمومات لا يثبت منها إلا وجوب مطلق بالنسبة إلى ما هو في تحت قدرة المكلف من المقدمات التي هو مطلق بالنسبة إليها، وأما بالنسبة إلى غير المقدورة فهو مشروط، ومع انتفاء الشرط - وهو عدم إمكان انعقاد الجمعة، وفقدان شرائطها جزما، أو مع ظن ذلك، أو احتماله - كيف يتأتى الإتيان بالظهر؟! فإن قلت: الأصل عدم هذا الشرط. فأنت لا ترضى به، لكونه من البديهيات في الجملة. وإن قلت: الشرط موجود، وهو عدم إمكان انعقاد الجمعة. قلت: بما أثبت ذلك؟ فإن قلت: بأصل عدم الصحة، وبأن الشرط الذي ثبت بالإجماع والأدلة هو منتف فينتفي المشروط. قلت: قد مر الجواب عن ذلك مفصلا. وإن قلت: بالإطلاقات والعمومات. فيدور الكلام، وأيضا العمومات مخصصة يقينا بفاقد شرائط الظهر، وبمن تمكن من الجمعة، وكلاهما أمران من الأمور النفس الآمرية، ولا يكفي في ذلك عدم العلم بكونه من الفاقدين والمتمكنين، بل لا بد من العلم بعدم الفقدان والتمكن. وأصالة عدم التخصيص بعدما علم التخصيص لا يخفى ما فيه، فلا يمكن التشبث به أيضا. هذا كله، مع أنه خلاف ظاهر كلامك. وإن أردت من ذلك: أن الخطاب بتلك العمومات قد تعلق بالمكلف في أول وقت الظهر، وقد صار الذمة مشغولة بها، ولا يحصل البراءة إلا بفعلها.
39 فإن أنصفت من نفسك لكنت مكذبا إياك، إذ لا ريب أن دعوى تعين الاشتغال بالظهر هو أول المسألة، وعين المتنازع، وبعد ملاحظة عمومات صلاة الجمعة، سيما مع تأخرها وكونها ناسخا للظهر في الجملة وأظهرية وجوبها، فكيف تقول: إن الذمة مشغولة يقينا بالظهر؟ بل ولا يتأتى ذلك وإن كان بتساوي الاحتمالين، بل الذمة في أول الظهر مشغول بفريضة من الفريضتين. وتعلق التكليفات واشتغال الذمة بها إنما يكون بعد حضور الوقت وسائر شرائط التكليف، فلا يكفي في ذلك إطلاق العمومات والإطلاقات، وعمومها قبل نزول الجمعة. وهذا مما لا يخفى على المنصف المتأمل. وإن قلت: - نظير ما يقوله الأشاعرة في باب خطاب المعدوم في توجيه كلام الأشعري: من أن الأمر قديم، لوحظ فيه المأمور حين الطلب، لكن التعليق إنما هو بعد وجوده - بأن العمومات، والإطلاقات وارد قبل حضور الوقت ونزول الجمعة، ملاحظا بالنسبة إلى المكلف، وقد تعلق به بعده. فمع أنه شئ لا يفهمه إلا الأشاعرة، فنقول: إن نزول الجمعة، وحرمة الظهر مع التمكن عنها، كاشف عن كون ذلك الخطاب مشروطا بعدم التمكن، فيجري فيه الكلام المتقدم، فكيف تطمئن بمثل ذلك الإطلاق؟ وبالجملة: الذمة قبل دخول الوقت برئ يقينا، وبعد دخول الوقت لا يحصل اليقين بالاشتغال إلا بشئ مجمل هو أحد الأمرين، وترجيح الظهر من غير مرجح باطل، وإن أتيت بالمرجحات فهو مقام آخر، وخارج عما نحن فيه. وإن أردت بما ذكرت الاستصحاب - بأنه كان قبل نزول الجمعة وجوب الظهر يقينيا وثبوت الجمعة بعد مشكوك فيه - فهو مستصحب حتى يثبت خلافه. فإن أردت من ذلك أن الظهر وجب عليه ووجوبه مستصحب فهذا إنما يصح في اليوم الأول الذي نزل الجمعة عن الله تعالى بعد مضي زمان من الظهر وسع لأداء الظهر، لكونه ثابتا في ذمته في أول الوقت على الظاهر، ووقع له شبهة في تحقق الوجوب في حقه.
40 وهذا، مع أنه غير معلوم وقوعه في ذلك الزمان أيضا غير نافع لنا في شئ. وبالجملة: الوجوب إنما هو بعد الوقت، فاستصحاب ما قبل حضور الوقت - بل قبل شهور وأعوام، أو مئات وألوف منها، مع عدم تحقق معنى محصل لذلك - غير جيد، بل هو واضح البطلان. وإن أردت من ذلك استصحاب كونه مستأهلا للظهر وكونه في معرض خطاب صلاة الظهر فله وجه، ولكن استصحاب شغل الذمة في أول الوقت وسائر الأصول والأدلة يعارضه، مع أن الاتكال به ضعيف، لعدم كون ذلك الاستئهال شيئا محققا في نفس الأمر، فتأمل. وإن أردت من ذلك أن الغالب كان صلاة الظهر والظن يلحق الشئ بالأعم الأغلب ففيه مع تسليمه، أنه لا يجوز الاعتماد بمثل هذا الظن في إثبات حكم شرعي. وأما الدليل الثاني، فقد مر الجواب عنه في طي الجواب عن الأصل الثالث. وأما الدليل الثالث، فالجواب عنه بمنع تبادر إمام الأصل من الأخبار، ويشهد لذلك صحيحة زرارة، قلت له: على من تجب الجمعة؟ قال: تجب على سبعة نفر من المسلمين، ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين، أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم (1). على أنا نقول: لا ينافي ذلك جوازه بدون ذلك مع عدم التمكن من حضوره، وستجئ الأدلة. وأما استفادة كون إمام الجمعة مخالفا لإمام الجماعة من الأخبار فلا يضر تسليمه، والمخالفة يكفي في مجرد اشتراط كونه ممن يخطب، أو بعض الشرائط الاخر الذي اختلف فيه، وسيجئ الكلام فيها. ولا تنحصر المخالفة بكونه إمام الأصل، أو مأذونا من قبله.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 8 ب 2 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 4. 41 وأما الدليل الرابع: فأما الخبر النبوي (صلى الله عليه وآله) (1) فله ظهور، سيما مع انضمام رواية أبي بصير (2)، وكذلك رواية ابن مسلم (3)، ولكنها مع أنها من قبيل مفهوم الصفة، مخصص بحال التمكن، للأدلة الآتية. وأما ادعاء ظهور إمام الأصل من مطلق الإمام فهو مشكل. وما ذكر من الأخبار في الكافي في الباب المذكور (4) مقرون بالقرينة، ويعارضه أخبار أبواب الجماعات، بل هي بما نحن فيه أنسب. وأما موثقة ابن بكير (5) وموثقة سماعة (6) وصحيحة البقباق (7) وصحيحة محمد بن مسلم (8) وما رواه الصدوق في الفقيه (9) فالذي يظهر منها أن شرائط الجماعة أقل من الجمعة، وأن إمام الجمعة مخالف لإمام الجماعة، فلا بد أن يكون ممن يخطب. وكونه ممن يخطب ليس معناه كونه إماما أو نائبا، إلا أن إنشاء الخطبة وإملائه كأنه لا خلاف في عدم كون القدرة عليه شرطا فيها. وأما أقل الخطبة فقل من يكون قادرا على الإمامة وعالما بفقه الصلاة والجماعة، وكان عاجزا عن قراءة أقل الواجب من الخطبة، سيما مع التمكن من التحصيل ولذلك قيل في صحيحة محمد بن مسلم (10): فكان المناسب أن يقول: أربعا إن لم يتمكن من تحصيل الخطبة. ويشكل ذلك بأن وجوب الصلاة بالنسبة إلى التمكن من الخطبة لعله يكون مشروطا، فلا دليل على وجوب التحصيل، وهو الظاهر من تلك الأخبار أيضا. وبالجملة: فلا يظهر من تلك الأخبار ظهور تام يدل على اشتراط الإمام
(1) عوالي اللآلي: ج 1 ص 456 ح 197. (2) الكافي: ج 1 ص 178 ح 6. (3) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 23 ح 80. (4) الكافي: ج 1 ص 178 ح 6. (5) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 15 ح 55. (6) الكافي: ج 3 ص 421 ح 4. (7) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 238 ح 634. (8) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 238 ح 633. (9) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 413 ح 1224. (10) وسائل الشيعة: ج 5 ص 10 ب 3 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 1. 42 أو نائبه، إلا أن يقال: إن الصلاة بالنسبة إلى تحصيل الخطبة وجوبها مطلق، وبنى تلك الأخبار على الأغلب من التمكن على أقل الواجب لمن يصح منه إمامة الجماعة، فتأمل. ومما ذكرنا يظهر الحال في التفرقة بمن يجمع وغيره، كما في موثقة ابن بكير، إذ لا اختصاص بمن يجمع بالإمام ونائبه، بل يمكن أن يراد منه ما أريد في الأخبار الباقية على ما ذكرنا، وكذلك قول الباقر (عليه السلام) فيما رواه الصدوق " فمن صلى بقوم يوم الجمعة في غير جماعة " (1) يمكن أن يكون المراد في غير جماعة معتبرة في الجمعة، التي لا بد فيها من اعتبار العدد والقدرة على الخطبة وغير ذلك. سلمنا جميع ذلك، لكنها محمول على حال الحضور. وأما رواية طلحة بن زيد فمع أنها ضعيف ظاهرها متروك عند الأصحاب. وأما رواية الفضل فيمكن حملها على حال الحضور، سيما بالنظر إلى الأدلة الآتية المجوزة. وأما رواية محمد بن مسلم فهو متروك الظاهر عند الأصحاب، ومع تسليم ظهور التوجيه الذي ذكرنا مخصص بحال الحضور، لما سيأتي. وأما الدليل الخامس: فلا يخفى أن المستفاد منه أن خلفاء الجور غصبوا حقهم، وأن ذلك حقهم، ولا يجوز لأحد غيرهم المخالف لهم الإقدام عليه إلا بإذنهم، وأما أنه لا يجوز لمن أذنوا له أو لم يكونوا من المخالفين الغاصبين وكانوا من شيعتهم ومتابعيهم فلا يفهم من ذلك المقام. فالحاصل: أن الظاهر أن مراده (عليه السلام) أن هذا الموضع وهذا المنصب لخلفائك وأمنائك لا لمخالفيهم ومعانديهم، فالمفهوم إنما يعتبر بالنسبة إلى المخالفين لمكان القرينة، لا بالنسبة إلى تابعيهم أيضا. سلمنا إفادة هذا الكلام الاختصاص، لكن الأدلة الآتية تثبت الجواز لشيعتهم أيضا، فيخصص ذلك بوقت حضورهم وزمان تمكنهم.
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 412 ضمن ح 1221. 43 وأما الدليل السادس: ففيه أن ما ذكرتم من استمرار فعلهم على ذلك فلعل ذلك مختص بزمان الحضور، كما ظهر في طي الأقوال. سلمنا، لكن ذلك شرط لعينيتها، ولم يظهر كون ذلك شرطا للجواز، ومآل هذا الكلام في الحقيقة إلى الاجماع، وقد مر الجواب عنه. وأما ما قيل: " لو كان واجبا عينا لكان يجب " إلى آخره، فيمنع أولا: حصول القطع لنا بالعدم، وثانيا: بأن ذلك لا يثبت التحريم، فما المانع أن يكون ذلك من جهة الاستحباب؟ ولم يثبت كون صلاة الجمعة بالنسبة إلى الإذن مطلقا وإن تمكن المكلفون من ذلك، ولا مانع من كونها مشروطا، فلا عقاب عليهم، ولا لوم في عدم تحصيل ذلك. وكذلك يمكن أن يقال في جانب الرسول (صلى الله عليه وآله) فإن الصلاة كان عليه (صلى الله عليه وآله) واجبا وعلى المكلفين المتمكنين عن الصلاة معه. وأما وجوب تعيينه نائبا في جميع الأصقاع فوجوبه عليه أيضا ممنوع، فحينئذ وجوب صلاة المكلفين النائين عن خدمته (صلى الله عليه وآله) لعله كان مشروطا بمشيئته وإرادته في نصب النائب، وجعله إماما لهم، فلذلك لم ينتشر ذلك في جميع الأصقاع والأعصار والأمصار، فتدبر. هذا، وما ذكرناها من الأدلة للمحرمين وإن كان أكثرها مدخولة، لكنها بمجموعها دليل مستقل على الاشتراط، بل وجملة منها أيضا مستقلة في الدلالة على ذلك، أما إثبات الحرمة فيشكل مع ذلك وإن كان لا يخلو من قوة. ومما ذكر ظهر غاية الوهن في الوجوب العيني، فبقي الكلام في أدلة الاستحباب وإثبات التخيير، فالمصادمة اذن في الحقيقة بينهما. حجة المخيرين وجوه: الأول: الاجماع، نقله جماعة من الأصحاب منهم: الشيخ (1) والسيد (2)،
(1) الخلاف: ج 1 ص 626 المسألة 397. (2) رسائل السيد الشريف المرتضى (المجموعة الأولى) ص 272. 44 والفاضلان (1) في جملة من كتبهما في مواضع كثيرة، والشهيدان (2) وابن إدريس (3)، والفاضل المقداد (4) (رحمهم الله)، والمحقق الشيخ علي (5) في عدة مواضع من كتبه، وولده في حاشيته على الإرشاد (6)، وإذا ثبت الاشتراط انتفى الوجوب عينا، ويبقى الوجوب التخييري. وقد عرفت ما يرد على ذلك من الإيرادات، وأشبعنا الكلام هنا. فلا يمكن الاتكال في الجواز بالأدلة الدالة على مطلق الوجوب. نعم، الاجماعات تنهض حجة على نفي الوجوب العيني. وبعد تقييد الإطلاقات لا يبقى دلالة على الجواز، كما حققنا سابقا، فلا بد من إثبات الجواز. وقد عرفت ما في بعض كلماتهم الاخر من جعل الروايات قائما مقام الإذن وجعل الفقيه نائبا، إلى غير ذلك مما ذكره الشهيد (رحمه الله) (7)، وسيجئ تتمة الكلام. الثاني: صحيحة زرارة قال: حثنا أبو عبد الله (عليه السلام) على صلاة الجمعة، حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدوا عليك؟ فقال: لا، إنما عنيت عندكم (8) وما رواه زرارة عن عبد الملك عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله تعالى، قال: قلت: كيف اصنع؟ قال: صلوا جماعة يعني صلاة الجمعة (9). وجه الاستدلال أن ظاهر الرواية أن زرارة ونظرائه من الأجلاء - الذين لا تحصى مدائحهم، سيما مما نقل عن الأئمة (عليهم السلام): أنهم امناء الله في الحلال
(1) شرائع الاسلام: ج 1 ص 93، المختصر النافع: ص 35، المعتبر: ج 2 ص 297، مختلف الشيعة: ج 2 ص 238، ونهاية الإحكام: ج 2 ص 14. (2) ذكرى الشيعة: ص 231 س 11، الروضة البهية: ج 1 ص 662 - 665. (3) السرائر: ج 1 ص 302. (4) التنقيح الرائع: ج 1 ص 223. (5) رسائل المحقق الكركي: ج 1 ص 146. (6) لا يوجد كتابه لدينا. (7) اللمعة: ص 15. (8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 12 ب 5 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 1. (9) وسائل الشيعة: ج 5 ص 12 ب 5 من أبواب صلاة الجمعة ح 2. 45 والحرام (1)، وأنه لولاهم لاندرس آثار النبوة (2)، وأنهم نجوم الشيعة (3)، ويكشف بهم كل بدعة (4) إلى غير ذلك مما سطر به الأساطير، وملئ به الطوامير، كما يظهر من ملاحظة الرجال وغيره - كانوا تاركين لهذه الفريضة، مع أنهم كانوا هم الذين رووا أخبار الإيجاب والتهديد والتخويف على تركها، ومع ذلك لم يزد عليهم من الحث والترغيب، ولم يهددهم ولم يخوفهم بالوعيد، ولم يعثر عليهم في ترك مثل هذه الفريضة، مع أنه لم يعهد من علماء الرجال - الجارحين للرواة والمعدلين - أخذهم بهذا الطعن، وذمهم بهذه المعصية الكبيرة والإصرار عليها. وأيضا قوله: " حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه " ظاهره أنه ظننت من ذلك الوجوب، ولما كان الوجوب موقوفا بفعله أو إذنه ونصبه، فظننت أنه يريد أن نأتيه، لكونه منصبه، فلذلك قال له: " نغدوا عليك "، وإن لم يكن الإمام أو نائبه شرطا لما كان محتاجا إلى الغدو عليه والمسألة عن ذلك، فإنه كان يجب فعله بأي نحو كان، ولما كان المعهود عندهم اشتراط ذلك بحضوره أو إذنه وكان زرارة لا يدري جوازه بدون حضوره أو إذنه لشخص خاص سأل عن ذلك وأجاب الإمام (عليه السلام) بقوله " إنما عنيت عندكم " فظهر من هذا جواز الجمعة في حال عدم التمكن من ذلك الشرط، واستحبابه. وقال بعض المتأخرين: يعني إنما عنيت أن تصلوها في بيوتكم سرا من المخالفين، من دون حضوري، وذلك لأنه (عليه السلام) كان لا يتمكن من إقامتها، لا سرا ولا علانية، لأن المخالفين كانوا يتفقدونه في جماعاتهم ويرتقبونه في أحواله وأوضاعه، وكان لا يجد بدا من حضور جمعهم، وأما أصحابه (عليه السلام) فكانوا متمكنين في بعض الأحيان، فلذا حثهم عليها. وقال في موضع آخر ما حاصله: إن السر في تهاون الشيعة بصلاة الجمعة
(1) رجال الكشي: ص 137 رقم 219 نقله باختلاف يسير. (2) رجال الكشي: ص 136 رقم 217 نقله باختلاف يسير. (3 و 4) رجال الكشي: ص 137 رقم 220 نقله باختلاف يسير. 46 ما عهد من مذهبهم من عدم الاقتداء بالفاسق، وكانت الجمعة في الأغلب من المخالفين، وخصوصا في المدن المعتبرة، فلم يتمكن الشيعة من ذلك، وزرارة وعبد الملك كانا بالكوفة، وهي أشهر مدن الاسلام يومئذ، وكان إمام الجمعة فيها مخالفا، فتهاونهما لذلك، ولما كانت الجمعة من أعظم الفرائض، ما رضي الإمام بتركها مطلقا، فلذلك حث على فعلها سرا مهما تيسر، وهذا هو السبب في تهاون أصحابنا لهذه الفريضة في زمن الغيبة، حتى آل الحال إلى تركها رأسا في أكثر الأوقات والأصقاع، مع إمكان الإتيان بها على وجهها. ونقل نظير ذلك من الشهيد الثاني (1) (رحمه الله) أيضا. أقول: أما حمل الرواية على التقية وأن المراد أنه يجب عليهم الإتيان بذلك خفية - كما ذكره - يضعفه ما يظهر من تتبع الأخبار والآثار، كمال تأكيدهم (عليهم السلام) في أمر التقية، وتحذيرهم لشيعتهم وذمهم إياهم على تركها، بل وربما نرى سأل الراوي عن حال شئ وقال: " أجب لي بغير تقية " وقال: " ما حكم هذا من دون تقية " فأجابوا (عليهم السلام) بأنه هكذا، وهو أيضا موافق للتقية، ومع هذا كيف كان يرضى لزرارة وغيره من أصحابه أن يرتكبوا مثل هذا الأمر العظيم الذي هو أظهر عندهم من كل مخالفة لهم؟ سيما وفيها داعية الرئاسة والاجتماع والتصفح عنهم والتنفر عن جمعيتهم، ويصير هذا سببا لضغنهم وعداوتهم وأذيتهم للشيعة، فإن ذلك ليس مما يختفى ويمكن اختفاءه بحيث لا يظهر على المخالفين، سيما وهم (عليهم السلام) لا يرضون بذلك في مقام احتمال الضرر فكيف بمثل هذا الأمر الذي لو لم يكن يقيني الضرر فلا أقل من مظنونه؟ ومن كل ذلك علم أن زرارة وأتباعه كانوا آمنين من الخوف، متمكنين من الصلاة، ولكنهم لا يدرون الجواز بدون إذن الإمام بخصوصه أو حضوره بنفسه، ولم يكن الإمام بنفسه يومئذ أيضا متمكنا من الإتيان بها أو نصب شخص خاص،
(1) رسائل الشهيد الثاني: ص 60. 47 لخوف انتشار ذلك، ولأن ذلك يوهم ادعاء الرئاسة والإمامة، فلذلك حثهم الإمام ورغبهم، وأذن لهم بفعلها وإن لم يكن خلفه صلوات الله عليه، ولا خلف من نصبه بالخصوص. وإذا عرفت أنهم كانوا آمنين يومئذ، غير خائفين عن مخالفتهم، قادرين على الاجتماع على الجمعة، فلو كان الصلاة عليهم واجبا عينا ولم يعهد عندهم اشتراط هذا الشرط وكان المانع عندهم منحصرا في الخوف والتقية، فلا معنى لتركهم ذلك بعد الأمن وزوال الخوف، إذ هم كانوا عارفين بالوجوب المطلق، وكانوا متحملي روايات الوجوب والتأكيد، ولم يكن الوجوب مشروطا بشئ على ما ذكرت إلا بزوال الخوف وعدم التقية، وقد زال. وأيضا لا معنى حينئذ للحث، والترغيب، ونحو ذلك مما يؤدي مؤدى الاستحباب. ولو قيل: إن الرواية محمولة على أنه (عليه السلام) أخبره بزوال الخوف، ولم يكن الراوي يعرف زواله، ولذلك كان تاركا له. قلنا: إنه لو كان كذا لاستحق الراوي الإعلام بزوال الخوف، ولم يكن محتاجا ببيان الوجوب ثانيا، سيما ولم يذكر (عليه السلام) له ما يفيد الوجوب، ومع هذا لا يلائمه " حتى ظننت أنه يريد " إلى آخره، لما عرفت. ولا يخفى على المنصف المتأمل أن قوله (عليه السلام): " إنما عنيت عندكم " من قبيل قصر القلب. وبالجملة: لا يستفاد من سياق تلك الخبر أزيد من الاستحباب، مضافا إلى أنه، على ما ذكرت، وردت في مورد الحظر، وهو لا يفيد الوجوب. ويظهر مما ذكرنا الجواب عن كلامه الآخر، مع أن ظاهره، بل صريحه نسبة الفسق إلى فقهائنا الكرام رضوان الله عليهم، فإن التهاون مع عدم المانع، وحصول التمكن إثم لا يجوز نسبته إلى أدون منهم بمراتب شتى، فكيف بهم تقدس جنابهم عن ذلك؟
48 مع أن ذلك مما لا ينبغي أن يكون سرا، ويختفي على أحد، ولا بد أن يكون ذلك منتشرا في ألسنتهم وكتبهم، وأن تركهم ذلك إنما كان من جهة التقية، وبدون التقية يجوز بلا شرط آخر، ولم يعتذر بذلك أحد من الفقهاء، ولم يجعل ذلك علة للترك أحد من الرواة. وبالجملة: حمل هذا الخبر على الوجوب عينا مع التمكن عن الصلاة سرا وخفية - كما ذكره - أصعب من خرط القتاد. الثالث: ما رواه زرارة عن عبد الملك - وفي طريقها عبد الله بن المغيرة، وهو ثقة، والعباس، ولعله العباس بن الوليد بن صبيح، بقرينة رواية الحسن بن محبوب عنه، وهو أيضا ثقة - رواها عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله تعالى، قال: قلت: فكيف أصنع؟ قال: صلوا جماعة، يعني: صلاة الجمعة (1). والتقريب ما مر من أن ظاهر ذلك أن عبد الملك كان تاركا لها، مع كونه من الأجلاء. والظاهر أن المراد ب " يهلك " يموت، كما هو حقيقة فيه، مع أن السياق سياق الاستحباب، وإلا لكان لا بد أن يؤكد. ومن أكبر الشواهد على ذلك أنه قال: " كيف أصنع؟ " فلو كان الصلاة غير مشروطة بما ذكرناه وكان واجبا عينا معلوما عند الرواة وفقهاء الأصحاب فلم كان مثل عبد الملك يسأل عن ذلك ويقول: " كيف أصنع "؟ فعلم من ذلك، أنه كان يعلم أن تلك الصلاة في الجملة مشروطة بحضور الإمام أو نائبه الخاص، ولما لم يكن الإمام (عليه السلام) حينئذ مبسوط اليد نافذ الأحكام متصديا للجمعة وغيرها مما يخص فعله بالإمام تحير في ترغيب الإمام إياه في ذلك مع عدم هذا الشرط، فقال: كيف أصنع وأنت لا تصلي معنا؟ أو كيف نصلي ولم تنصب أحدا علينا للصلاة؟ وكان عبد الملك لا يدري جواز ذلك، واستحبابه
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 12 ب 5 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 2. 49 مع فقدان ذلك الشرط، فأجابه الإمام (عليه السلام) بأن صلوا جماعة، يعني يجوز إقامة الجماعة في صلاة الجمعة، بدون أن أكون إمام الجماعة، أو من أنصبه بالخصوص. والكلام هاهنا في كون ذلك في مقام التقية بعينه هو الكلام المتقدم، والجواب هو الجواب. ونزيدك بيانا أنه لو كان ترغيب المعصوم إياه لإعلام زوال الخوف والتقية وكان عبد الملك يعرف الوجوب ولكن لا يعرف زوال الخوف المشروط به فلا مدخلية لقوله: " كيف أصنع " بعد ذلك، كما لا يخفى على المنصف. وأيضا يشعر جواب المعصوم (عليه السلام) بقوله: " صلوا جماعة " بأن تأمل عبد الملك إنما كان من جهة عدم انعقاد الجماعة بدون الإمامة، فذكر ذلك لرفع توهمه، وإلا فكون تلك الصلاة مشروطا بالجماعة أجلى شروطها وأشهرها، بل هي من البديهيات. وبالجملة: من تأمل في سياق الخبرين يجدهما ظاهرين فيما ادعيناه، وأن هذين السؤالين والجوابين إنما هما ناظران إلى ما كان معهودا عندهم من الاشتراط. وإلى ذلك ينظر ادعاء الأصحاب الاجماع على ذلك. بقي هنا كلام وهو: أن غاية ما ثبت من ذلك اشتراط الجمعة، أي وجوبها العيني بحضور الإمام ونائبه، وأنه إذا لم يحصل ذلك فيستحب صلاة الجمعة. وأما تعدي ذلك إلى حال الغيبة فمحل إشكال. وقد عرفت الجواب عما يمكن أن يجاب عن مثل ذلك، اللهم إلا أن يقال: إن الاستصحاب يثبت ذلك في هذا الزمان. ويمكن أن يقال: من قال بالاستحباب في حال عدم التمكن مع حضور الإمام يقول به في حال الغيبة، إذ المناط هو التمكن وعدم التمكن، لا إمكان مشاهدة الإمام وعدمه، فبذلك يثبت استحباب ذلك الآن أيضا. الرابع: الأخبار الدالة على مجرد الرجحان بضميمة الأصل، وعدم وضوح الدلالة على الوجوب، وما يدل بظاهره على جواز فعل غير الإمام، والمنصوب من
50 قبله، مع أصالة عدم التعين وبراءة الذمة عن ذلك، منها ما تقدم، ومنها ما سيجئ. ولا يخفى أن سبيل المناقشة في هذا الاستدلال غير منسد، بل سبيلها واضح، سيما على من تدبر فيما أسلفنا سابقا. الخامس: الأخبار التي تدل بظاهرها على الاستحباب، مثل ما رواه الصدوق في أماليه، في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: أحب للمؤمن أن لا يخرج من الدنيا حتى يتمتع، ولو مرة، ويصلي الجمعة ولو مرة (1). ورواها أيضا الشيخ في مصباح المتهجد بسنده إلى ابن أبي عمير عن هشام ابن سالم عن الصادق (عليه السلام)، ولكنه قال: وأن يصلي الجمعة في جماعة (2). وروى الصدوق أيضا في أماليه عنه (عليه السلام) أنه قال: ما من قدم سعت إلى الجمعة إلا حرم الله جسدها على النار (3). ولا يخفى أن سياق هذه الأخبار ينادي بأعلى صوته بالاستحباب، مع كمال اعتبار أسنادها. وقال بعض المتأخرين: أقول: إنما قال ذلك لأن المؤمنين كانوا في تقية، ولم يتيسر لهم المواظبة عليها فكانوا يغتنمون الفرصة في إدراكها إذا تيسرت، وإلا فلا يجوز تركها من غير علة بحال (4). وفيه أن الظاهر من الخبر الطلب بعنوان الاستحباب، لا أن الصلاة محبوبي، والمؤمن الذي يصلي مرة أنا أحبه. فإن كان مرادك مما ذكر ذلك فهو، مع أنه غير ظاهر الخبر لا ينفي ظهور الخبر في الاستحباب.
(1) لقد تصفحنا أمالي الصدوق فلم نجده، ولكن نقله الفيض الكاشاني عن أمالي الصدوق في الشهاب الثاقب ص 97، ولعل هذا الحديث من الأحاديث الساقطة في الطبعة المتوفرة لدينا. (2) مصباح المتهجد: ص 364. (3) أمالي الصدوق: ص 300 ح 14. (4) قاله الفيض الكاشاني في الشهاب الثاقب: ص 97، باختلاف، إلا أنه لم يذكر " وإلا فلا يجوز... ". 51 وإن أردت من ذلك أن من كان غالبا مبتلى بالتقية والخوف فأحب له أن يفعل الجمعة ولو مرة إذا حصل له الأمن فأنت تتحاشى عن ذلك، إذ حينئذ يصير واجبا البتة، ولا معنى للاستحباب، كما هو سياق الخبر. وإن أردت ذلك مع بقاء الخوف واحتمال الضرر فهو حرام البتة. وإن أردت تحصيل التمكن بأن يحصل أسباب الأمن ليتمكن من الجمعة فمع أنه خلاف سياق الخبر لمقابلته بالتمتع ولكونه تجوزا لا يجوز أن يصار إليه بلا دليل، فتحصيل ذلك من مقدماتها التي وجوب الصلاة بالنسبة إليها مطلقة، وعليك بإثبات كونها مشروطا بذلك. وروى أيضا في الأمالي بإسناده عن النبي (صلى الله عليه وآله): من توضأ يوم الجمعة وأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فدنا واستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام (1). إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة في الاستحباب. هذا تمام الأدلة التي أردنا ذكرها. ونقول هاهنا: حاصل ما يتخلص من هذه الأبحاث هو أن وجوب الجمعة بديهي الدين، واشتراطه بحضور الإمام أو نائبه في زمان التمكن من ذلك، وأنه بدون ذلك حرام، فلعله أيضا مما لا بد أن لا يتأمل فيه، وقد عرفت الاجماعات عليه، وأما مع عدم التمكن وإن كان الإمام موجودا ففيه النزاع بين المحرمين والمخيرين. فالمحرمون يقولون: إنه ثبت اشتراط الانعقاد والصحة بحضور أحدهما حال التمكن، وهو مستصحب حتى يثبت خلافه، ودليلهم على اشتراط ذلك بذاك هو الاجماعات والأدلة المتقدمة، فيستصحبون ذلك إلى ما بعد ذلك، مع أن بعضها مطلقة أيضا، كعبارة الصحيفة السجادية. وأما المخيرون فيقولون في جوابهم: إن الاجماعات إنما هو في حال التمكن، وإن ذلك منعقد على أن عينيتها تتوقف على ذلك الشرط، لا مطلق جوازها.
(1) لقد لاحظنا أمالي الصدوق دقيقا فلم نعثر على هذه الرواية. 52 وبعبارة أخرى: الاجماع وقع على أن الجواز حال التمكن من ذينك الشرطين، مشروط بهما لا مطلقا، فإذا لم يثبت ذلك مطلقا، فثبت الجواز من الأدلة، إذ هي أعم من العيني والتخييري، وإذا انتفى العيني في حال الغيبة بالإجماع بقي التخييري. وأيضا يدل على الاستحباب الأخبار المتقدمة هاهنا. وقد عرفت أن استدلالهم الأول ليس بشئ، لأن الجواز لا يبقى بعد رفع الوجوب، فيبقى للمخيرين أخبار الاستحباب، وللمحرمين الأصل والإجماع على الاشتراط حال التمكن، وهو مستصحب إلى حال الغيبة وعدم التمكن، ولا شك أن حال التمكن مقدم على حال عدمه، فيصح الاستصحاب وإطلاق سائر ما دل على الاشتراط. والذي يترجح في النظر هو التخيير، واستحباب الجمعة. وإن كان أدلة المحرمين أيضا قوية، لأن الأصل والاستصحاب لا يعارض الأخبار الصحيحة المعمول بها عند أكثر الأصحاب والإطلاقات التي استدلوا بها، كعبارة الصحيفة وغيرها أيضا وإن كان ظاهرها الاختصاص مطلقا، لكن يمكن تقييدها بتلك الأخبار، مع ما ذكرنا سابقا من أن مراد المعصوم (عليه السلام) ظاهرا هو الشكاية عن غصب المخالفين، لا أنه لا يجوز لمتابعيهم ذلك أيضا، سيما ومع عدم تمكنهم عن حضور خدمتهم. وأما الوجوب العيني فيدفعه الاجماعات المتراكمة أولا على اشتراط الصحة، والجواز بحضور الإمام أو نائبه مع التمكن، ولعله لم يكن قائل بالوجوب يومئذ بدون ذلك عينا، وإن كان قال قائل بذلك فهو خارق للإجماع. وثانيا على نفي العينية في زمان الغيبة وعدم التمكن، كما ظهر في طي نقل الأقوال والإجماعات. ويدفعه أيضا في حال عدم التمكن - مضافا إلى الاجماعات والأصول - الأدلة الدالة على الاستحباب، فلاحظ.
53 وأما التأكيدات - والتشديدات في الأخبار المتظافرة فلا يضر ما ذكرنا، وحكاية تلك التشديدات بعينها كالتشديد في الجهاد، وقد أشرنا سابقا، وأيضا مثل ذلك في صلاة العيد موجود أيضا، مع أن القائل بوجوبه حال الغيبة غير معلوم. وبعد ما عرفت أن أدلة العينية أضعف من أدلة المذهبين الآخرين فلا يمكن المصير إليه. وأما المذهبان الآخران، فإن كان الأمر على ما قلنا من ترجيح أدلة المخيرين فيثبت مطلوبنا من التخيير، وإلا فلا أقل من التساوي والتعارض والتساقط. والمحقق عند المحققين فيما تعارض فيه النصان الرجوع إلى أصل البراءة والإباحة، وهو يفيد التخيير، وتدل عليه الأخبار أيضا، كما هي مذكورة في مواضعها، مثل قولهم (عليهم السلام): " بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك " (1) ونحو ذلك، فيثبت المطلوب أيضا. وأما على مذهب الأخباريين فيجب الاحتياط. إلا أن ما ذكرنا من التخيير بعد اشتغال الذمة بمجمل يقينا لا يخلو من إشكال، بل يرجع فيه الكلام بعينه إلى نظير ما ذكرناه سابقا في المباحث المتقدمة. مع أن التخيير بين الوجوب والحرمة لا يتم إلا بتكلف، فلا بد من تخصيص هذه القاعدة بما أمكن التخيير فيه، وكان مما لم يعلم التكليف بالقدر المشترك بينهما إجمالا، فلو لم يظهر الترجيح لأحدهما فيجب الإتيان بهما معا من باب المقدمة وتحصيل البراءة اليقينية، فلم يبق للتحريم وجه، والاحتياط هو الإتيان بكليهما. لا يقال: كيف يحصل الاحتياط الذي هو واجب في حال ووجه ومستحب في حال ووجه بفعل الحرام؟ قلت: حرمة الجمعة عند القائل بتحريمها لعله إنما هو إذا جعلت مسقطا للظهر، وأما بدونه فغير معلوم، مع أن الحرمة إنما هو عند من رجحها، وأما من لم يترجح
(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 77 ب 9 من أبواب صفات القاضي ح 6. 54 عنده أحد الأمرين فالإتيان بها ليس إتيانا بالمحرم عمدا، الذي هو حرام. وبالجملة: القدر الثابت من حرمة الجمعة مثلا على سبيل التسليم هو ما أفاده أدلة اشتراط الإذن، من أن الجمعة التي أريد أن يجعل جمعة حقيقة - وهي التي يسقط بها الظهر - لا يجوز إلا بذلك، أما فعلها حرام مطلقا وإن لم يجعل مسقطا للظهر وجمع بينها وبين الظهر فلم يثبت. فإن قلت: سلمنا عدم ثبوت الحرمة، لكنه لا دليل على الجواز والصحة، فيكون فعله تشريعا محرما، فكيف تجعله احتياطا ومنشأ للثواب؟ قلت: سلمنا عدم الدليل، لكن التشريع والمحرم إنما هو إذا جعل هذا ما أراده الشارع وأدخل فعله في الدين بعنوان الحكم الشرعي، مع أنا لا نسلم عدم الدليل، أما على القول بوجوب الاحتياط - كما هو أحد الوجوه والأحوال - فالدليل هو وجوب المقدمة شرعا أو عقلا، وأما على القول بالاستحباب فما دل على رجحان الاحتياط من العقل والنقل. فإن قلت: العبادة توقيفية، لا بد من بيان الشارع، فما لم يثبت منه فكيف تجعله عبادة؟ قلت: لا أخترع عبادة حتى أكون مخترعا للشرع، بل أفعل ما يحتمل أن يكون هو مخترع الشارع، فلعلي أصيب بما أراده منه، والإتيان بالمحتملات ليس نفس البت بأنه هو مراده، وأنه هو في نفسه هيئة شرعية أرادها الشارع. وبالجملة: فالاحتياط أمر مرغوب فيه مندوب إليه، فلا تتركه. هذا، وقد بقي الكلام فيما ذكرناه في صدر المقال، وأنه على تقدير إطلاق الجواز هل يشترط وجود فقيه جامع لشرائط الفتوى أم لا؟ ظاهر الأكثر عدم الاشتراط، وهم بين مصرح بالعدم، كعبارة أبي الصلاح (1) وعبارة الشهيد في الذكرى (2)، وهو الظاهر من كلام الباقين، فقال الشيخ في
(1) الكافي في الفقه: ص 151. (2) ذكرى الشيعة: ص 231 س 11. 55 المبسوط في موضعين: لا بأس للمؤمنين أن يجتمعوا (1)، ولم يذكر الفقيه، وكذلك مفاد كلامه في الخلاف (2)، وقد سمعت ما نقلناه سابقا في أدلة المحرمين من الخلاف، وهو كالصريح في ذلك، وهكذا كلمات أكثرهم، وقد مر شطر منها. وادعى المحقق الشيخ علي (3) اشتراط وجود الفقيه في الجواز، وبالغ في ذلك، حتى زعم أن كل من قال بالجواز اشترط فيه حضور الفقيه، محتجا عليه بدعوى جماعة من الأصحاب الاجماع على ذلك، منهم الشهيد في الذكرى (4)، والعلامة في النهاية (5) والتذكرة (6) وغيرهما. ويظهر اعتباره من بعض عبارات الأصحاب، كعبارة العلامة في النهاية والتذكرة، وقد مرتا أيضا، وعبارة الشهيد في الدروس قال: وفي الغيبة تجمع الفقهاء، ويجزي عن الظهر على الأصح (7) وفي اللمعة قال: ولا تنعقد الجمعة إلا بالإمام أو نائبه ولو كان فقيها مع إمكان الاجتماع في الغيبة (8). وهو ظاهر كلام المقداد (رحمه الله) في التنقيح (9)، وقد مر. وربما يشعر كلام سلار (10) بذلك أيضا، وقد تقدم. وظهر بما ذكرنا أن ما ذكره المحقق الشيخ علي من أن من يقول بالجواز يشترط وجود الفقيه غير معلوم، بل المعلوم عدمه. وأما ما ذكره من أن العلامة والشهيد وغيرهما ادعوا الاجماع على ذلك، فينفيه ملاحظة كلامهم، فراجع ولاحظ وتأمل. والذي ظهر لنا من دعواهم الاجماع هو الاجماع على اشتراط الجواز بذلك حال الحضور والتمكن لا مطلقا، بل وكلماتهم مصرحة في ذلك، وكثير منهم ذكر
(1) المبسوط: ج 1 ص 151. (2) الخلاف: ج 1 ص 626 المسألة 397. (3) رسائل المحقق الكركي: ج 1 ص 158. (4) ذكرى الشيعة: ص 230 س 25. (5) نهاية الإحكام: ج 2 ص 13. (6) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 19. (7) الدروس الشرعية: ج 1 ص 186، الدرس 46. (8) اللمعة الدمشقية: ص 15. (9) التنقيح الرائع: ج 1 ص 231. (10) المراسم: ص 261. 56 أولا أن الإمام أو نائبه شرط في الوجوب بالإجماع، ثم قال: هذا في حال الحضور، أما في حال الغيبة ففي جوازه قولان (1). فعلم أن الاجماع إنما هو في حال التمكن، ومع ذلك فليس ما ادعاه بذلك البعيد، بملاحظة كلماتهم، ولعل من لم يصرح بذلك مراده أيضا ذلك، فتأمل. حجة الأكثر في ذلك - على ما ذكره في روض الجنان - إطلاق الأوامر، من غير تقييد بالإمام أو من نصبه عموما أو خصوصا، خرج منه ما أجمع عليه، وهو مع إمكان إذنه وحضوره، فيبقى الباقي على أصل الوجوب من غير شرط (2)، ومثله التعليل الثاني من التعليلين اللذين ذكرهما الشهيد في الذكرى (3). وقد عرفت ما يتطرق من الكلام في مثل هذه الاستدلالات، فيبقى لهم أن يتشبثوا في ذلك بإطلاق ما دل بظاهره على الاستحباب، منضما إلى أصل العدم، ومنها رواية زرارة وعبد الملك. وقد عرفت أن التعدي من حكم الحاضرين المخاطبين إلى غيرهم يحتاج إلى دليل، وعدم القول بالفصل إنما يتم إذا كان من لم يكن مثل زرارة وعبد الملك في حضور الإمام، وإدراك خدمته مثله في الفقه والمعرفة. ومع ملاحظة ما ذكره ذلك المحقق مع إشعار جملة من عبارات الأصحاب بذلك يشكل التعدي إلى غير الفقيه. إلا أن يقال: يدل على ذلك أن الإمام (عليه السلام) لم يعين زرارة وعبد الملك بشخصه، بل قال: " إنما عنيت عندكم " (4)، وقال: " صلوا جماعة " (5)، ونحو ذلك، وهو بإطلاقه يشمل كون الإمام لهم فقيههم أو غير فقيههم، وكذلك إطلاقات سائر الأخبار المذكورة في هذا الباب، وخصوص مثل صحيحة زرارة قال فيه: " أمهم
(1) ذكرى الشيعة: ص 231 س 10 - 11. (2) روض الجنان: ص 291 س 4. (3) ذكرى الشيعة: ص 231 س 12. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 12 ب 5 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 12 ب 5 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 2. 57 بعضهم وخطبهم " (1)، وقد مرت، والاحتياط هنا أولى وأولى. هذا، والظاهر أن مراد هذا المحقق أنه يشترط وجود الفقيه، ومباشرته للإمامة، ويحتمل أن يريد أعم من ذلك، بأن يجوز نصب الفقيه لأحد أيضا. وأما ما ردد كلامه بعض المتأخرين القائلين بعينية الوجوب بأنه إن أراد اشتراط الاستفتاء منه في فعلها لشبهة الخلاف فله وجه، وإلا فلا مأخذ له ولا برهان عليه، فليس يصح على إطلاقه. اللهم أن يقال: أراد من ذلك اشتراطه مع وجوده، وإلا فلا اشتراط، كما في سائر الواجبات، فيعمل على الاحتياط، كما يعمل في غيرها من الواجبات، فتأمل. منهاج يجب في الجمعة الجماعة بالإجماع والأخبار، ويشترط في الإمام أمور، نذكر جملة منها في مبحث الجماعات، ومنها: الإيمان، والعدالة، وطهارة المولد. أما الإيمان - أي كونه إماميا، اثني عشريا - فاعتباره إجماعي أصحابنا، ويدل عليه ما دل على بطلان صلاة المخالف، وأنه يجب القراءة خلفهم مع عدم الخوف، والتمكن من ذلك، وسيأتي جملة من ذلك في أبواب الجماعات، وستطلع على بعضها هاهنا أيضا. ويظهر من الأصحاب أيضا أن مرادهم من العدالة هو العدالة بالمعنى الأخص، فلا حاجة إلى ذكر الإيمان على حدة. فلنتكلم في العدالة، واشتراطه في صحة الجماعة مما لا خلاف فيه بين أصحابنا ظاهرا، وادعى الاجماع على ذلك جماعة منهم، بل لهم من المخالفين أيضا موافق، ويدل عليه مضافا إلى الاجماع الكتاب والسنة. أما الكتاب فقد قال الله تعالى: * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 8 ب 2 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ذيل ح 4. 58 النار) * (1)، والفاسق ظالم، لقوله تعالى: * (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * (2)، والائتمام ركون، وفي الاستدلال بها تأمل. وأما الأخبار فكثيرة: مثل ما رواه الصدوق في الصحيح عن عمر بن يزيد، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إمام لا بأس به في جميع أمره عارف، غير أنه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما، أقرأ خلفه؟ قال: لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا (3)، ورواها الشيخ أيضا عنه (4). وما رواه الشيخ في الصحيح عن سعد بن إسماعيل عن أبيه (5)، وكذا الصدوق عنه بسنده، قال: قلت للرضا (عليه السلام): رجل يقارف الذنب وهو عارف بهذا الأمر، أصلي خلفه؟ قال: لا (6). وقوله: " وهو عارف بهذا الأمر " ليس في الفقيه. وما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن إبراهيم عن خلف بن حماد عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: لا تصل خلف الغالي وإن كان يقول بقولك، والمجهول، والمجاهر بالفسق وإن كان مقتصدا (7). وربما يقال: الظاهر من المجهول هو المجهول في المذهب، وكذا من المقتصد المقتصد فيه، أي: غير غال ولا مقصر. وما رواه الشيخ والصدوق عن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: إن إمامك شفيعك إلى الله، فلا تجعل شفيعك سفيها ولا فاسقا (8). وما رواه الكليني (9) والشيخ - وفي طريقها سهل - عن أبي علي بن راشد
(1) هود: 113. (2) الطلاق: 1. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 379 ح 1113. (4) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 30 ح 106. (5) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 277 ح 808. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 380 ح 1115. (7) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 31 ح 109. (8) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 30 ح 107، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 378 ذيل ح 1102. (9) الكافي: ج 3 ص 374 ح 5. 59 الجليل، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن مواليك قد اختلفوا فاصلي خلفهم جميعا؟ فقال: لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته (1). وزاد في الكافي تتمة لم نوردها. وما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تصل خلف من يبغي على الأذان والصلاة بالناس أجرا، ولا تقبل شهادته (2). وسيجئ شطر من ذلك الأخبار في أبواب الجماعات. وما رواه الصدوق في الصحيح، وكذا الشيخ في الصحيح عن محمد البرقي، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام): جعلت فداك أتجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك أو جدك صلوات الله عليهما؟ فأجاب (عليه السلام): لا تصل وراءه (3). والأخبار في ذلك في الكثرة بحد أغنانا عن الذكر. وبالجملة: العدالة بالمعنى الأخص مما لا ريب في اشتراطه، وهو موضع وفاق، إنما الكلام في مقامين: تحقيق معنى العدالة، وبيان الكاشف عن ذلك، والقدر الذي يكتفى به في حد الشخص عادلا. أما المقام الأول فالعدالة لغة: الاستواء والاستقامة، وأما في اصطلاح الفقهاء ففيه اختلاف. فالمشهور بين المتأخرين - المذكور في كلام العلامة (4) ومن تأخر عنه - أنها ملكة نفسانية تبعث على ملازمة التقوى والمروة. والشهيد الثاني (رحمه الله) نسب ذلك - في رسالة منسوبة إليه - إلى المشهور بين الفقهاء (5)، ولم يخص ذلك بالمتأخرين. وكلام من تقدم على العلامة خال عن ذلك، وكذا الأخبار وكلام أصحاب الحديث. وربما يقال: إنهم تبعوا في ذلك أثر العامة، حيث اعتبروها في تعريف العدالة.
(1) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 266 ح 755. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 43 ح 3290. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 379 ح 1112، تهذيب الأحكام: ج 3 ص 28 ح 98. (4) تحرير الأحكام: ج 2 ص 208 س 10. (5) لم نجده في رسائله. 60 وأما المتقدمون ففي كلامهم أيضا نوع اختلاف، فظاهر جمع من القدماء كالمفيد (1) وابن البراج (2) وأبي الصلاح (3) وابن إدريس (4) أنها هو اجتناب المحارم جميعا، ويظهر ذلك من الشيخ أبي علي الطبرسي (رحمه الله)، وظاهر كلامه في تفسيره الكبير (5) ادعاء الاجماع على ذلك، حيث نسبه إلى أصحابنا رضوان الله عليهم. قيل: ويظهر ذلك عن العدة (6) أيضا. وهم بين مصرح بأن المعاصي كلها كبيرة ولا صغيرة، وبين مطلق بالورع عن محارم الله واجتناب القبائح أجمع. والمشهور بين الأصحاب، سيما المتأخرين - على ما نسب إليهم الشهيد الثاني (7) (رحمه الله) - هو الاجتناب عن الكبائر كلها وعدم الإصرار على الصغائر، أو عدم كونها أغلب، فلا يقدح الصغيرة النادرة، وهو صريح المبسوط (8)، وظاهر النهاية (9)، وصريح ابن الجنيد (10)، وابن حمزة (11). ثم، قد عرفت ما نقلنا من نسبة اعتبار عدم فعل ما يوجب سقوط المروة إلى المشهور، وهو صريح المبسوط (12) وابن الجنيد (13) وابن حمزة (14) وغيرهم من المتأخرين. ولما كان اعتماد من يفصل بين الصغائر والكبائر على ما دل عليه من الأخبار، وتقييد مطلق لزوم الاجتناب المذكور في بعضها بالكبائر، فلا بد
(1) المقنعة: ص 725. (2) المهذب: ج 2 ص 556. (3) الكافي في الفقه: ص 435. (4) السرائر: ج 2 ص 117. (5) مجمع البيان: ج 3 ص 38. (6) القائل هو السيد الطباطبائي في رياض المسائل: ج 2 ص 428 س 31. (7) مسالك الأفهام: ج 14 ص 166. (8) المبسوط: ج 8 ص 217. (9) النهاية: ج 2 ص 52. (10) كما في مختلف الشيعة: ج 8 ص 483. (11) الوسيلة: ص 230. (12) المبسوط: ج 8 ص 217. (13) كما في مختلف الشيعة: ج 8 ص 483. (14) الوسيلة: ص 230. 61 للمشترط لترك المحارم مطلقا إثبات انتفاء الصغائر، وكون المحارم كلها كبائر، أو بيان عدم التفرقة بين الصغائر والكبائر في لزوم الاجتناب بالدليل الخارج من تلك الأخبار. والظاهر أن المشترطين لتركها مطلقا بناؤهم على أن المحارم كلها كبائر، فيرجع النزاع في ذلك في الحقيقة إلى ثبوت الصغائر وعدمها. فالكلام إذن في مقامات ثلاثة: ثبوت الصغائر وعدمها، وتعداد الكبائر وأنواعها، ولزوم اجتناب ما يستلزم سقوط المروة وعدمها. المقام الأول: في أن المعاصي تنقسم على قسمين: صغيرة وكبيرة، وهو المشهور بين أصحابنا، سيما المتأخرين، وظاهر جماعة منهم، كالمفيد (1) وابن البراج (2) وأبي الصلاح (3) والشيخ في العدة (4) والطبرسي (5) وابن إدريس (6) أنها كلها كبائر، حتى قال الطبرسي في تفسيره: وإلى هذا ذهب أصحابنا رضي الله عنهم، فإنهم قالوا: المعاصي كلها كبيرة، لكن بعضها أكبر من بعض، وليس في الذنوب صغيرة إلا بالإضافة إلى ما هو أكبر (7). وقال ابن إدريس - بعد نقل القول بالتفصيل عن الشيخ في المبسوط -: وهذا القول لم يذهب إليه في غير هذا الكتاب، ولا ذهب إليه أحد من أصحابنا، لأنه لا صغائر عندنا في المعاصي إلا بالإضافة إلى غيرها. وما خرجه واستدل به من أنه يؤدي ذلك إلى أن لا تقبل شهادة أحد لأنه لا أحد ينفك من مواقعة بعض المعاصي فغير واضح، لأنه قادر على التوبة من ذلك الصغيرة، فإذا تاب قبلت شهادته، وليست التوبة مما يتعذر على انسان دون انسان، ولا شك أن القول تخريج لبعض المخالفين، فاختاره شيخنا هاهنا، ونصره وأورده
(1) مصنفات الشيخ المفيد (أوائل المقالات): ج 4 ص 83. (2) كما في مختلف الشيعة: ج 8 ص 482. (3) الكافي في الفقه: ص 435. (4) عدة الأصول: ج 1 ص 359. (5) مجمع البيان: ج 3 ص 38. (6) السرائر: ج 2 ص 117 - 118. (7) مجمع البيان: ج 3 ص 38. 62 على جهته، ولم يقل عليه شيئا، لأن هذا عادته في كثير مما يورده في هذا الكتاب (1). وبالجملة: حاصل كلامهم أن كل معصية كبيرة بالنظر إلى اشتراكها في مخالفة الله، ولكن قد يطلق الصغير والكبير بالنسبة إلى الإضافات. والأول أقرب بالنظر إلى الأخبار، والشهرة في الفتوى، وغيرها من المؤيدات. لنا قوله تعالى: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) * (2)، فإنها بظاهرها تدل على أن السيئات المكفر عنها غير الكبائر، كما لا يخفى. وقوله تعالى: * (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) * (3). وفي الاستدلال بها نظر، سيما مع ملاحظة الأخبار الواردة في تفسير الفواحش واللمم، فلاحظ. وعبارة الصحيفة السجادية (عليه السلام): وقد هربت إليك من صغائر ذنوب موبقة، وكبائر أعمال مردية (4)، وفي موضع آخر: ونعوذ بك من سوء السريرة، واحتقار الصغيرة (5)، وغير ذلك مما هو مأثور في الأدعية والأخبار في إفادة هذا المعنى يقرب من التواتر. فروى الصدوق مرسلا عن الصادق (عليه السلام): من اجتنب الكبائر كفر الله عنه جميع ذنوبه، وذلك قوله عز وجل: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) * (6). وروى مرسلا أيضا عنه (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * هل تدخل الكبائر في مشية الله تعالى؟ قال: نعم، ذاك إليه عز وجل، إن شاء عذب عليها، وإن شاء عفا (7).
(1) السرائر: ج 2 ص 118. (2) النساء: 31. (3) الشورى: 37. (4) الصحيفة السجادية الكاملة: ص 168. (5) الصحيفة السجادية الكاملة: ص 58. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 575 ح 4967. (7) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 574 ح 4966. 63 وروى الكليني في الصحيح عن ابن بكير عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * الكبائر فما سواها، قال: قلت: دخلت الكبائر في الاستثناء؟ قال: نعم (1). وروى أيضا عن يونس عن إسحاق بن عمار قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام): الكبائر فيها استثناء أن يغفر لمن يشاء؟ قال: نعم (2). وروى الكليني في الصحيح - على الظاهر - عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار (3). ومن العجب أن بعضهم جعل هذا من مؤيدات القول الآخر. وفي الموثق عن ابن مسكان عنه (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما من عبد إلا وعليه أربعون جنة حتى يعمل أربعين كبيرة، فإذا عمل أربعين كبيرة انكشف عنه الجنن (4) الحديث. وروي: أن الأعمال الصالحة يكفر الصغائر (5). وعن النبي (صلى الله عليه وآله): إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي (6). ويدل على ذلك الأخبار الواردة في تفسير الكبائر، وهي كثيرة جدا، وسيأتي شطر منها، وبملاحظة تلك الأخبار لعله يظهر أن انقسام المعصية بالقسمين كان عند أصحاب الحديث أيضا من الواضحات، ومما يدل على ذلك في الأخبار من الكثرة بمكان. ويدل على القول الآخر ما رواه ابن بابويه (رحمه الله) مرسلا عن الصادق (عليه السلام): شفاعتنا لأهل الكباير من شيعتنا، وأما التائبون فإن الله عز وجل يقول:
(1) الكافي: ج 2 ص 284 ح 18. (2) الكافي: ج 2 ص 284 ح 19. (3) الكافي ج 2 ص 288 ح 1. (4) الكافي: ج 2 ص 279 ح 9. (5) لم نعثر على هذه الرواية نصا، وقد ذكرت معنى في كنز العرفان: كتاب القضاء والشهادات ج 2 ص 385. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 574 ح 4963. 64 * (ما على المحسنين من سبيل) * (1). وفي مقابلة التائب إشعار بأن ما عدا التائب صاحب الكبيرة، ويدل على ذلك ما يدل على أن كل معصية شديدة، والتخويفات عن المعاصي على الإطلاق. وما رواه الكليني في المرسل عن الصادق (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يصغر ما ينفع يوم القيامة، ولا يصغر ما يضر يوم القيامة، فكونوا فيما أخبركم الله عز وجل كمن عاين (2). وما رواه في الموثق عن سماعة قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: لا تستكثروا كثير الخير، ولا تستقلوا قليل الذنوب، فإن قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا (3)... الحديث. ويرد على الأول بعد ضعف السند أنه لا يدل على المطلوب، بل يمكن أن يقال: إنه على خلافه أدل، فإن من لاحظ الآية السابقة، وما ورد في تفسيرها في الرواية من أن من اجتنب الكبائر كفر الله عنه جميع ذنوبه (4) يدل بالمفهوم والفحوى. على أن المنشأ في العقاب هو ارتكاب الكبائر، وفاعلها إنما هو المحتاج إلى الشفاعة، لأن غيرهم - وإن كانوا راكبين للصغائر - مغفورون مرحمون لما ذكر، ليس عليهم سبيل. فحينئذ المراد بالتائبين التائبون عن الكبائر أو الأعم، ولا يستلزم كونهم تائبين عدم كونهم راكبين للصغائر أيضا، لكونه أعم من ذلك، لعدم انحصار تحقق عنوان التائب في ذلك، فتدبر. وأما ما دل بعمومه على شدة الذنوب - كقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مرفوعة يونس: لا وجع أوجع للقلوب من الذنوب، ولا خوف أشد من الموت (5) وفي
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 574 ح 4964. (2) الكافي: ج 2 ص 456 ح 14. (3) الكافي: ج 2 ص 457 ح 17. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 575 ح 4967. (5) الكافي: ج 2 ص 275 ح 28. 65 رواية أخرى رواها الكليني عن الصادق (عليه السلام) قال: إن أحدكم ليكثر به الخوف من السلطان، وما ذلك إلا بالذنوب، فتوقوها ما استطعتم (1) - فذلك لا ينافي انقسامها قسمين أصلا، كما لا يخفى. سلمنا، لكنها يحمل على المفصل، لكونه أقوى في نفسه، ومن جهات المعتضدات الخارجية أيضا. وأما المرسلة فيجاب عنه بمثل ما يجاب عن الأول، فإن المضر في الغالب - بناء على ما اقتضته الآية وتفسيرها - هو الكبائر. سلمنا، لكنها محمولة على المفصل، ومن المعلوم أن هذه المقامات مقام الاجمال ومقام الوعظ، فكلما كان أخوف كان أردع. وأما الموثقة فهي لنا لا علينا لو أريد من القليل الصغير، ولا لنا ولا علينا لو أريد القلة في العدد. ثم إني لم أقف على ثمرة في هذا النزاع يعتد به، ولا يفيد لما نحن بصدده، إذ من يقول بأن الذنوب كلها كبائر، أي كبيرة في نفسها، لكونها جميعا مشتركة في أنها مخالفة الشارع، وإن كان بعضها أصغر من بعض بالإضافة، فكل منها كبيرة في حد ذاتها وبالنسبة إلى ما تحتها، وصغيرة بالنسبة إلى ما فوقها فقط، ويتفاوت العقاب بالنسبة إلى كل منها. ومن يقول بأنها قسمان فلا ريب أنه لا يقول أيضا بأن تلك المعاصي في حد ذاتها ليست بقبيحة أصلا، بل يقول: إن لها قبحا قليلا صغيرا، ويستحق العقاب بفعلها أيضا في الجملة، فهما مشتركان في أن تلك المعاصي سبب لاستحقاق العقاب في الجملة. فما الذي به يمتاز الاصطلاحان والإطلاقان؟ وما الفائدة في ذلك؟ اللهم إلا أن يقال: إن العبرة هاهنا بإطلاق العرف، وصدق الكبيرة عرفا لو بني على ما ذكره المفصل، كما هو المشهور، وأصالة الحقيقة أيضا يقتضي ذلك، فيكون
(1) الكافي: ج 2 ص 275 ح 27. 66 العقاب في كل من الأفراد ممتازا عن الآخر بالذات، ومعلوما حكم زيادتها ونقصانها بمعيار النظر، وملاحظة العرف وإن قطع النظر عن الإضافات. وبالإضافات وملاحظة أصناف المعاصي لو بني على ما ذكره المطلق، والعقاب حينئذ معياره الإضافات. فالنسبة إذن بين الصغيرتين والكبيرتين - سواء لوحظ موافقا أو مخالفا - بالنظر إلى الاصطلاحين عموم من وجه. هذا ما يقتضيه جليل النظر، وأما دقيقه فيقتضي كون مراد المطلق أن الصنفين كل منهما أخص من الكبيرة بالمعنى الذي أراده المفصل، ومباين للصغيرة بهذا المعنى، وأعم من الآخر من وجه. فالعقاب حينئذ ثابت في الجميع، بقدر ما يقال له: إنه كبيرة في العرف، ويزداد في البعض مضافا إلى الآخر، بعد التساوي في استحقاق أقل ما يتحقق به الكبر في العرف على قول المطلق، وأما على القول المفصل فليس كذلك، لكون البعض لم يبلغ حدا يصدق عليه الكبيرة فيستحق عقابها. هذا غاية ما يمكن أن يقال في تحقيق الثمرة، وأنت خبير بأن هذه مما لا يبتني عليه مسألة أو فرع، بل هو غير نافع لما نحن فيه. والذي ينفع في المقام هو بيان الاختلاف في الحكم من الشارع، فلا بد أن يتبين أن الشارع هل جعل شرط العدالة الاجتناب عن جميع المعاصي؟ أو مما يقول المفصل إنه كبيرة؟ ثم إنا قد ذكرنا أن النزاع - في أن العدالة مشروطة بترك المحارم أجمع أو كبائرها - يرتفع بإثبات الصغائر وعدمها. فإن اخترنا عدمها حينئذ فنقول: يجب اجتناب الجميع، لما دل من الأخبار والآيات وغيرها على عدم الاقتداء بالفاسق، وعدم قبول شهادته، وهو معنى عدم العدالة، والفسق يحصل بالمخالفة لما أمره الله أو نهى عنه، فمن صدق عليه أنه مخالف في الجملة - وإن كان بما يعده المفصل من الصغائر - فهو فاسق، فهو غير عادل لعدم الواسطة.
67 وأيضا إذا بني الأمر على ذلك فلا يبقى لما استدل به المفصل من الأخبار قوام يعتد به، فلا معارض للإطلاقات والعمومات، التي نهى فيها عن القدوة بالفاسق وشهادته وغيرهما. ونحن لما اخترنا ثبوت الصغائر وأثبتناها، فنقول: لا يتم ما ذكرتموه من وجهين: الأول: الأخبار الدالة على أنه يكفي في ذلك ترك الكبائر، وسيجئ، ولا بد من تخصيص العمومات والمطلقات بذلك. والثاني: استحالة تحقق الثمرة، إذ ليس يوجد معصوم بعد الملائكة والأنبياء والأئمة، فمن الذي هو مجتنب عن جميع المعاصي؟ ومن الذي لم يرتكب معصية أبدا؟ بل ومن الذي لم يظهر منه ذلك؟ فحينئذ، فلا يوجد عادل أصلا، ويقع الإشكال، ويلزم تعطيل أحكام الشرع، ويلزم الحرج والعسر المنفيين. واعتذر عن ذلك ابن إدريس بأنه قادر على التوبة، وإذا تاب يقبل شهادته (1)، وقد ذكرنا كلامه سابقا. وأورد عليه بأن التوبة يتوقف على العزم على عدم المعاودة، والعزم على ترك المحارم بأجمعه متعذر أو متعسر، لعدم انفكاك الانسان عنه غالبا، فكيف يتحقق العزم على الترك أبدا، إلا أن لا يعتبر فيها العزم على ذلك أبدا، كما هو منسوب إلى جمع من العلماء. وربما يقال: إن هذا الإشكال عام الابتلاء، ولا اختصاص للمطلق بذلك، فإن التوبة واجبة اتفاقا، وذلك الإشكال وارد في نفس التوبة، فتأمل. وبأن التوبة ليس محض الاستغفار، بل لا بد أن يعلم الندامة من حاله، وهذا يحتاج إلى طول مدة واصطبار، وهو أيضا مستلزم للحرج والعسر. ويمكن الجواب عن الإيرادين بأن عمومات التوبة والاستغفار يشمله.
(1) السرائر: ج 2 ص 118. 68 وروى الكليني في القوي لمحمد بن حمران - والظاهر أنه ابن أعين، بقرينة رواية ابن أبي عمير عنه - عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن العبد إذا أذنب ذنبا أجل من غدوة إلى الليل، فإن استغفر الله لم يكتب عليه (1). وفي الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من عمل سيئة أجل فيها سبع ساعات من النهار، فإن قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه - ثلاث مرات - لم يكتب عليه (2). وبمضمونهما صحيحة عبد الله بن سنان (3)، ورواية عبد الصمد بن بشير (4). وأيضا التوبة فعل من أفعال المسلمين، والأصل فيها الصحة، فعدم العلم بعدم الصحة يكفي في ذلك. اللهم إلا أن يقال: إنها من قبيل العبادات، وإنها أسامي للصحيحة، والعلم بالصحة لا يحصل لنا الآن، فإن كان يجري أصالة الصحة في مثلها فهو، وإلا فالإشكال باق بحاله. فإذا لم يتم استدلالهم على ما ذكروه بما ذكرنا فالحق هو المشهور من اشتراط ترك الكبائر فقط وعدم الإصرار على الصغائر، لأنه لا قائل بالفصل، ولما سيأتي من الخبر، ولأن المجتنب من الكبائر لا ذنب له بحكم الآية وتفسيرها، فهو في حكم التائب دائما. وأما أن الإصرار في الصغيرة يضر، فلأنها تصير كبيرة بذلك، كما نطقت به الأخبار، وقد تقدم شطر منها. ومعنى الإصرار هو المداومة على الفعل وإكثاره، أو العزم على الفعل ثانيا، والظاهر عدم التفرقة بين كون النوع واحدا أو مختلفا، وربما خص بعضهم ذلك بصورة الاتحاد وليس بشئ. وأما فعل الصغيرة مع عدم قصد العود ولا قصد العدم ولا الالتفات إلى التوبة،
(1) الكافي: ج 2 ص 437 ح 1. (2) الكافي: ج 2 ص 437 ح 2. (3) الكافي: ج 2 ص 439 ح 9. (4) الكافي: ج 2 ص 437 ح 3. 69 كما لو ذهل عنه، فمع فعله ثانيا لا يحصل الإصرار، ولا يضر بالعدالة، إلا إذا حصل الغلبة، فإذا حصل الغلبة بحيث يغلب ارتكابه لها لو عنت له على اجتنابها فهو يضر بالعدالة، ولعله اتفاقي، كما نقل العلامة في التحرير (1). وأما تفسير الإصرار بعدم التوبة بعد الذنب على الإطلاق فليس بذاك كما ذكرنا، بل لا بد إما من فعلها مكررا، أو العزم عليه ثانيا، أو الأغلبية، كما ذكرنا. وتفرقتها مع الأول بتضمن الأول للثاني بخلافها، وجواز انفكاكها عنه بخلاف الأول. وأما ما رواه الكليني عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: * (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) * قال: الإصرار يذنب الذنب فلا يستغفر ولا يحدث نفسه بتوبة فذلك الإصرار (2)، فهي مقيدة بالعزم على الفعل ثانيا أو نحوه، وإلا فيشكل بذلك الأمر، ويلزم الحرج والعسر. فتخصيصها بصورة الالتفات والعزم على فعلها ثانيا أو عدم الاعتناء بما فعله لازم. ويؤيد ذلك عبارة الصحيفة السجادية: وإن أحب عبادك إليك من ترك الاستكبار عليك وجانب الإصرار ولزم الاستغفار (3)... إلى آخره. المقام الثاني: في عدد الكبائر، وفي تحديده اختلاف شديد. فذهب جماعة إلى أنها كل ذنب توعد الله عليها بالعقاب في الكتاب العزيز (4). وقيل: ما توجب الحد (5). وقيل: ما يوجبه في جنسها (6). وقيل: ما حرم بدليل قاطع (7).
(1) تحرير الأحكام: ج 2 ص 208 س 13. (2) الكافي: ج 2 ص 288 ح 2. (3) الصحيفة السجادية الكاملة: ص 69. (4) منهم السبزواري في كفاية الأحكام: ص 279 س 29، روض الجنان: ص 289 س 6. (5) القواعد والفوائد: ج 1 ص 226 القاعدة 68. (6) القواعد والفوائد: ج 1 ص 226 القاعدة 68. (7) انظر كنز العرفان: ج 2 ص 384. 70 وقيل: كل ما توعد عليه الشارع توعدا شديدا في الكتاب أو السنة (1). وقيل: إن الكبائر سبع: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، والزنا، والفرار من الزحف، وعقوق الوالدين، وروي في ذلك حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2). وقيل أقوال أخر منتشرة. والأقوى هو الأول، وهو أشهر الأقوال، بل نسب ذلك إلى المشهور بين الأصحاب، بل وقال بعض الأصحاب: ولم أجد في كلامهم اختيار قول آخر (3). ويدل على ذلك أخبار كثيرة، سيما مع تضامنها وتلاصق بعضها ببعض والتأمل فيها. فروى الكليني في الصحيح عن الحسن بن محبوب قال: كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الكبائر كم هي؟ وما هي؟ فكتب (عليه السلام): الكبائر: من اجتنب ما وعد الله عليها النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا، والسبع الموجبات: قتل النفس الحرام، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف (4). فقوله (عليه السلام): " الكبائر " يعني هذا بيان الكبائر المسؤول عنه المذكور في الآية، بقرينة قوله (عليه السلام) " كفر عنه سيئاته ". وقوله (عليه السلام): " والسبع الموجبات " يحتمل أن يكون من قبيل عطف الخاص على العام، للاهتمام بشأنه، كما هو هكذا في بعض الأخبار الاخر. ويحتمل أن يكون مبتدأ، وخبره " قتل النفس... الخ "، فيكون هذا مبينا لموجبات الكبائر، ولكن الكبائر كلها موجبات بمقتضى بعض الروايات، فتأمل. وكلمة " الموجبات " يحتمل فتح الجيم وكسره.
(1) القواعد والقوائد: ج 1 ص 225 قاعدة 68. (2) انظر كنز العرفان: ج 2 ص 384. (3) ذخيرة المعاد: ص 304 س 19. (4) الكافي: ج 2 ص 276 ح 2. 71 وروى عن الحلبي - بطريق فيه أبو جميلة - عن الصادق (عليه السلام): في قول الله تعالى: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) * قال: الكبائر التي أوجب الله عليها النار (1). وفي الصحيح - على الظاهر - عن ابن مسكان عن محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمدا، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة، وكلما أوجب الله عليه النار (2). وفي الصحيح، والصدوق بسنده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: حدثني أبو جعفر الثاني (عليه السلام) قال: أبي (عليه السلام) يقول: سمعت موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول: دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله (عليه السلام) فلما سلم وجلس تلا هذه الآية: * (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) * ثم أمسك، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما أسكتك؟ قال: أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله تعالى، فقال: نعم يا عمرو أكبر الكبائر الإشراك بالله، يقول: * (من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة) *، وبعده اليأس من روح الله، لأن الله تعالى يقول: * (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) *، ثم الأمن لمكر الله، لأن الله تعالى يقول: * (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) *، ومنها عقوق الوالدين، لأن الله تعالى جعل العاق جبارا شقيا، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق لأن الله تعالى يقول: * (فجزاؤه جهنم خالدا فيها) * إلى آخر الآية، وقذف المحصنة، لأن الله تعالى يقول: * (لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) *، وأكل مال اليتيم، لأن الله تعالى يقول: * (إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) *، والفرار من الزحف، لأن الله تعالى يقول: * (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) *، وأكل الربا، لأن الله تعالى يقول: * (الذين يأكلون الربا
(1) الكافي: ج 2 ص 276 ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 11 ص 254 ب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 6. 72 لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) *، والسحر، لأن الله تعالى يقول: * (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) *، والزنا، لأن الله تعالى يقول: * (ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) *، واليمين الغموس الفاجرة، لأن الله تعالى يقول: * (الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة) *، والغلول، لأن الله تعالى يقول: * (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) *، ومنع الزكاة المفروضة، لأن الله تعالى يقول: * (فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم) *، وشهادة الزور وكتمان الشهادة، لأن الله تعالى يقول: * (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) *، وشرب الخمر، لأن الله تعالى نهى عنها كما نهى عبادة الأوثان، وترك الصلاة متعمدا، أو شيئا مما فرض الله، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونقض العهد، وقطيعة الرحم، لأن الله تعالى يقول: * (أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) *. قال: فخرج عمرو وله صراخ من بكائه، وهو يقول: هلك من قال برأيه، ونازعكم في الفضل والعلم (1). وروى الصدوق عن عباد بن كثير النوا (2) قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الكبائر، فقال: كلما أوعد الله عليها النار (3). وروى الكليني في الصحيح - على الظاهر - عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: سمعته يقول: * (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) * قال: معرفة الإمام، واجتناب الكبائر التي أوجب الله عليها النار (4).
(1) وسائل الشيعة: ج 11 ص 252 ب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 2، من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 563 ح 4932. (2) كذا كما في بعض نسخ الفقيه، وفي بعضها " عن عباد عن كثير النوا ". (3) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 569 ح 4944. (4) الكافي: ج 2 ص 284 ح 20. 73 ويؤيد ذلك ما رواه أيضا عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الكبائر سبعة: منها قتل النفس متعمدا، والشرك بالله العظيم، وقذف المحصنة، وأكل الربا بعد البينة، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلما، قال: والتعرب والشرك واحد (1). وعن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الكبائر: القنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، والأمن لمكر الله، وقتل النفس التي حرم الله، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف (2). وهذه الأخبار: منها ما فسرت الكبائر فيها بما توعد الله عليها النار، ومنها ما أوجب عليه، ومنها ما عد فيها بعض ما ذكر في القرآن وتوعد عليه. وما توعد عليها النار أعم من التوعد في الكتاب العزيز، وكذا ما أوجب، فيكون أعم من المدعى. وأما ما عد فيه من الأخبار فلا يشمل جميع ما أوجب الله عليه النار في القرآن، بل ولا الأعم منه، فيكون أخص من المدعى. اللهم إلا أن يتشبث في ذلك بادعاء أن المتبادر من توعد الله، وإيجابه هو التوعد والإيجاب بكلامه، فإنه هو الحقيقة فيه، وكلام رسوله وأوصيائه إنما هو كلامه مجازا، وبالواسطة. وأيضا الأخبار الكثيرة التي ذكر فيها المعاصي كذلك ما ذكر فيها هي ما توعد عليه في الكتاب العزيز، فبتبعها لعله يمكن القطع بإرادة ذلك من الإطلاق. سيما مع ملاحظة الأخبار المشتملة على حصرها في السبع، مثل ما تقدم، ومثل حسنة عبيد عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكبائر، فقال: هن في كتاب علي (عليه السلام) سبع: الكفر بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وأكل الربا بعد
(1) الكافي: ج 2 ص 281 ح 14. (2) وسائل الشيعة: ج 11 ص 255 ب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 13. 74 البينة، وأكل مال اليتيم ظلما، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، قال: قلت: فهذا أكبر المعاصي؟ قال: نعم، قلت: فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة؟ قال: ترك الصلاة، قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر، فقال! أي شئ أول ما قلت لك؟ قال: قلت: الكفر، قال: فإن تارك الصلاة كافر، يعني من غير علة (1). ويؤيد ذلك ما روي عن ابن مسعود أنه قال: اقرأوا من أول سورة النساء إلى قوله تعالى: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) *، فكلما نهى عنه في هذه السورة إلى هذه الآية فهو كبيرة (2). ويبقى الكلام في الجمع بين تلك الأخبار، والظاهر أن المراد بالسبع أو أكثر منه أو أقل منه هو أشد الكبائر، وهذا لا ينافي عدم كون الكبائر منحصرة فيها. وقد صرح في بعض الأخبار ببعض الكبائر أيضا بالخصوص. قال الصدوق: وفي خبر آخر أن الحيف في الوصية من الكبائر (3). وروي أيضا عن أبي خديجة عن الصادق (عليه السلام) قال: الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأوصياء (عليهم السلام) من الكبائر (4). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قال علي ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار (5). ولعل المذكورات أيضا غير خارجة عن ظاهر الكتاب. وعد في الأخبار الغناء منها، فروى محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الغناء مما وعد الله عليه النار، وتلا هذه الآية * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) * (6) الآية، وهذه الرواية أيضا مؤيدة لإرادة ما توعد عليه في الكتاب العزيز.
(1) وسائل الشيعة: ج 11 ص 254 ب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 4. (2) مجمع البيان: ج 3 ص 38. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 565 ح 4933. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 568 ح 4941. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 569 ح 4942. (6) وسائل الشيعة: ج 12 ص 226 ب 99 من أبواب ما يكتسب به ح 1. 75 وقد روى الصدوق في عيون أخبار الرضا أيضا - بطرق متعددة فيما كتب به الرضا (عليه السلام) للمأمون - عن الفضل بن شاذان: إن الكبائر هي: قتل النفس التي حرم الله تعالى، والزنا، والسرقة (1)... إلى آخر الحديث. والظاهر أن كلها مما توعد عليها في القرآن. المقام الثالث: في أنه يشترط عدم ظهور مسقطات المروة في العدالة أم لا؟ والمشهور بين الأصحاب كما نسب إليهم الشهيد الثاني (2) وغيره اعتبار ذلك. ثم قد يجعل ذلك شرطا في تحقق العدالة، كما هو المشهور، وقد يجعل خارجا عنها شرطا للإمامة والشهادة، وقد صرح باعتبارها الشيخ في المبسوط (3) وابن الجنيد (4) وابن حمزة (5) والفاضلان (6) وسائر المتأخرين. وهي على ما ذكره الشهيد الثاني في روض الجنان: أنها ملكة تبعث على مجانبة ما يؤذن بخسة النفس ودناءة الهمة من المباحات والمكروهات وصغائر المحرمات، بحيث لا يبلغ حد الإصرار، كالأكل في الأسواق والمجامع، والبول في الشوارع وقت سلوك الناس، وكشف الرأس عند من ليس كذلك، وأشباه ذلك مما يستهجن من أمثاله ويستنكر ممن هو على مثل حاله، وكسرقة لقمة، والتطفيف بحبة في الصغائر، ويختلف ذلك باختلاف أحوال الناس، وتفاوت مراتبهم وأزمنتهم وأمكنتهم، فقد يكون الشئ مطلوبا في وقت، مرغوبا عنه في آخر بالنسبة إلى ما ذكر. أما ما ورد الشرع برجحانه كالاكتحال بالأثمد، والحناء فلا حرج فيه وإن أنكره المعظم، واستهجنه العامة في أكثر البلاد (7)، انتهى. وقال في المسالك في وجه الإشتراط: إن طرح المروة إما أن يكون لخبل
(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 125 ح 1. (2) مسالك الأفهام: ج 14 ص 169. (3) المبسوط: ج 8 ص 217. (4) راجع مختلف الشيعة: ج 8 ص 483. (5) الوسيلة: ص 230. (6) قواعد الأحكام: ج 3 ص 495، شرائع الاسلام: ج 4 ص 126. (7) روض الجنان: ص 289 س 7. 76 ونقصان، أو قلة مبالاة وحياء، وعلى التقديرين يبطل الثقة والاعتماد على قوله، أما الخبل فظاهر، وأما قلة الحياء فلأن من لا حياء له، يصنع ما شاء، كما ورد في الخبر (1). وما ذكره (رحمه الله) وإن كان له وجه، ولكنه ليس بحيث يعتمد عليه في الحكم، نعم يتجه لو بنينا الأمر على اعتبار الملكة، كما سيتضح لك. ويمكن الاستدلال على ذلك بصحيحة عبد الله بن أبي يعفور الآتية قال (عليه السلام): أن يكون ساترا لعيوبه (2)، ونحو ذلك. ولا يعتبر في العدالة الإتيان بالمندوبات، إلا أن يؤذن تركها بالتهاون بالشرع. المقام الثاني في ما يعرف به العدالة ويكتفى به فاعلم أنه لا تأمل في أن من عرف فسقه لا يجوز الاقتداء به ولا تقبل شهادته، ولا ريب في جواز الاعتماد لو علم عدالته، وأما لو لم يعرف عدالته ولا إسلامه، فيجب أيضا التفتيش والتفحص، ولعله أيضا وفاقي. إنما الكلام في من عرف إسلامه ولم يعرف عدالته، فالمشهور بين الأصحاب - سيما المتأخرين - وجوب تحصيل الظن الغالب بحصول العدالة بالبحث والتفتيش. وذهب الشيخ في الخلاف (3) وابن الجنيد (4) والمفيد في كتاب الإشراف (5) إلى كفاية ظاهر الاسلام، مع عدم ظهور ما يقدح في العدالة، وهو ظاهر الاستبصار (6). وقال الشيخ في الخلاف - بعد اكتفائه بظاهر الاسلام، وادعائه عليه الاجماع
(1) مسالك الأفهام: ج 14 ص 169. (2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 288 ب 41 من أبواب الشهادات ضمن ح 1. (3) الخلاف: ج 3 ص 217 المسألة 10. (4) كما في مختلف الشيعة: ج 8 ص 483. (5) مصنفات الشيخ المفيد (كتاب الإشراف): ج 9 ص 25. (6) الاستبصار: ج 3 ص 14 ذيل ح 3. 77 والأخبار -: إن البحث عن عدالة الشهود ما كان في أيام النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا أيام الصحابة، ولا أيام التابعين، وإنما هو شئ أحدثه شريك بن عبد الله القاضي، ولو كان شرطا ما أجمع أهل الأمصار على تركه (1). وحاصل هذا القول أن الأصل في المسلم الإتيان بالواجبات، والاجتناب عن المحرمات وعما يضر بالعدالة حتى يثبت خلافه، كما قال ابن الجنيد: كل المسلمين على العدالة إلى أن يظهر خلافها (2). وربما نسب إلى بعض الأصحاب اختيار واسطة بين المذهبين، وهو اعتبار حسن الظاهر، لا بحد يعرف ما يشترط في العدالة. حجة من يكتفي بظاهر الاسلام أو يعتبر الحسن الظاهري أيضا عموم قوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * (3)، والأخبار الكثيرة. فروى الكليني والشيخ في الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، فعدل منهم اثنان، ولم يعدل الآخران، قال: فقال: إذا كان أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهاداتهم جميعا، وأقيم الحد على الذي شهدوا عليه، إنما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا وعلموا، وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم، إلا أن يكونوا معروفين بالفسق (4). وما رواه في الصحيح أيضا عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن البينة إذا أقيمت على الحق أيحل للقاضي أن يقضي بقول البينة من غير مسألة إذا لم يعرفهم؟ قال: فقال: خمسة أشياء يجب على الناس أن يأخذوا بها بظاهر الحال: الولايات، والتناكح، والمواريث، والذبائح، والشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه (5). وروي ذلك في الخصال في الصحيح عن إبراهيم بن هاشم عن الباقر (عليه السلام)
(1) الخلاف: ج 6 ص 217 المسألة 10. (2) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 88. (3) البقرة: 282. (4) الكافي: ج 7 ص 403 ح 5. (5) الاستبصار: ج 3 ص 13 ح 3. 78 عن أمير المؤمنين (عليه السلام): خمسة أشياء يجب على القاضي الأخذ منها بظاهر الحكم (1)... الحديث بأدنى تغير. وروى الصدوق في الحسن لإبراهيم، والشيخ في الضعيف عن عبد الله بن المغيرة قال: قلت للرضا (عليه السلام): رجل طلق امرأته وأشهد شاهدين ناصبيين، قال: كل من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته (2). وأيضا روى الصدوق بذلك الإسناد، والشيخ عن عبد الله بن المغيرة عن الرضا (عليه السلام) قال: كل من ولد على الفطرة (3)... الحديث. وروى الصدوق في الحسن للوشاء، والشيخ أيضا عن العلاء بن سيابة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام، قال: لا بأس إذا لم يعرف بفسق (4). وروى الشيخ أيضا بإسناده المتقدم قال: سمعته يقول: لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام، ولا بأس بشهادة صاحب السباق المراهن عليه (5)... الحديث. وروى الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما يرد من الشهود؟ قال: فقال: الظنين والمتهم، قال: قلت: فالفاسق والخائن؟ قال: ذلك يدخل في الظنين (6). وأيضا في الصحيح عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذي يرد من الشهود؟ قال: فقال: الظنين والخصم، قال: قلت: فالفاسق والخائن؟ قال: فقال: كل هذا يدخل في الظنين (7).
(1) الخصال: ج 1 ص 311 ح 88. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 46 ح 3298، تهذيب الأحكام: ج 6 ص 284 ح 783. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 46 ح 3298، تهذيب الأحكام: ج 6 ص 283 ح 778. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 48 ح 3303، تهذيب الأحكام: ج 6 ص 284 ح 784. (5) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 284 ح 785. (6) الكافي: ج 7 ص 395 ح 1، تهذيب الأحكام: ج 6 ص 242 ح 601. (7) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 242 ح 602. 79 وفي معناهما صحيحة أبي بصير (1) وصحيحة عبد الله بن علي الحلبي (2). وفي معناها روايات اخر. وما رواه الصدوق في الحسن للوشاء، والكليني، والشيخ أيضا عن العلاء بن سيابة عن الباقر (عليه السلام) قال: لا تقبل شهادة سابق الحاج، إنه قتل راحلته وأفنى زاده، وأتعب نفسه واستخف بصلاته، قلت: فالمكاري والجمال والملاح؟ قال: فقال: وما بأس بهم، تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء (3). وما رواه الكليني، والشيخ عن أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القاذف بعدما يقام عليه الحد ما توبته؟ قال: يكذب نفسه، قلت: أرأيت إن أكذب نفسه وتاب أتقبل شهادته؟ قال: نعم (4). وفي معناه صحيحة محمد بن الفضل عن أبي الصباح عنه (عليه السلام) (5). وفي معناهما ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام) (6). وكذلك مرسلة يونس رواها أيضا (7). ورويا في الصحيح أيضا ما يؤدي هذا المؤدى عنه، نعم في آخرها: كان أبي يقول: إذا تاب ولم يعلم منه إلا خير جازت شهادته (8). ورويا أيضا عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ليس يصيب أحد حدا فيقام عليه، ثم يتوب إلا جازت شهادته (9). وما رواه الكليني والشيخ عنه في الحسن لإبراهيم عن أحمد بن محمد بن
(1) وسائل الشيعة: ج 18 ص 275 ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 275 ح 5. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 46 ح 3297، الكافي: ج 7 ص 396 ح 10، تهذيب الأحكام: ج 6 ص 243 ح 605. (4) الكافي: ج 7 ص 397 ح 1، تهذيب الأحكام: ج 6 ص 245 ح 615. (5) وسائل الشيعة: ج 18 ص 283 ح 5. (6) الكافي: ج 7 ص 397 ح 6، تهذيب الأحكام: ج 6 ص 245 ح 616. (7) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 245 ح 617. (8) وسائل الشيعة: ج 18 ص 282 ب 36 من أبواب الشهادات ح 2. (9) وسائل الشيعة: ج 18 ص 282 ب 36 من أبواب الشهادات ح 3. 80 أبي نصر عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه قال له: جعلت فداك كيف طلاق السنة؟ قال: يطلقها إذا طهرت من حيضها، قبل أن يغشاها بشاهدين عدلين، كما قال الله تعالى في كتابه. ثم قال (عليه السلام) في آخر الرواية: من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خير (1). وما رواه في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن سلمة بن كهيل قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول لشريح في حديث طويل: واعلم أن المسلمين عدول بعضهم على بعض، إلا مجلود في حد لم يتب منه، أو معروف بشهادة زور، أو ظنين (2). ويدل على ذلك أيضا عمومات الجماعة والشهادة، وخصوصات أخبار كثيرة في أبواب الجماعات يدل بظاهرها على ذلك، سيما الأخبار الواردة فيما لو عرض للإمام عارض في أثناء الصلاة وغيرها. فمن تتبع تلك الأخبار والأخبار الذي ذكرنا هاهنا ولاحظ لزوم العسر والحرج في اعتبار أزيد من ذلك سيما مع ملاحظة ما ذكره الشيخ في الخلاف (3) يحصل له ظن قوي يتاخم العلم بعدم اعتبار أزيد من ذلك. حجة المعتبرين للفحص والتفتيش وجوه: الأول: قوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * (4) مع قوله: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * (5)، وحمل المطلق على المقيد واجب، فإن كان يكفي في ذلك الاسلام فلم يبق للتقييد فائدة، إذ ذلك مفهوم من قوله تعالى: * (رجالكم) * إذ المخاطبون هم المسلمون.
(1) الكافي: ج 6 ص 67 ح 6، تهذيب الأحكام: ج 8 ص 49 ح 152. (2) تهذيب الأحكام: ج 6 ص 225 ح 541. (3) الخلاف: ج 6 ص 217 المسألة 10. (4) الطلاق: 2. (5) البقرة: 282. 81 ويمكن أن يمنع أولا اتحاد الموجب في المطلق والمقيد. ويجاب ثانيا بأن ما اعتبرناه من عدم ظهور الفسوق بل وحسن الظاهر أيضا شئ زائد على نفس الاسلام، كما لا يخفى، فالعدل هو ما كان كذلك، كما دل عليه الأخبار. وقد يجاب عن ذلك بعد تسليم أن العدالة شئ غير ما ذكر بأنه لا يشترط العلم بوجودها، بل يكفي عدم العلم بانتفائها عن المسلم، والعدالة في الآية من قبيل مفهوم الوصف، وليس بشرط حتى ينتفي المشروط بانتفائه، فتكون الشهادة بدون ذلك باطلة. وفيه: أن ذلك يوجب انطواء باب التقييد، وقد وقع في ذلك التوهم غير هذا المجيب أيضا. والتحقيق في ذلك: أن الحمل على ذلك ليس من جهة مفهوم الوصف، بل من جهة أن الحكم إنما تعلق بالقيد، وبدونه لا يحصل الامتثال بذلك الأمر المقيد، فيبقى المكلف مشغولا ذمته بالإتيان بذلك المقيد. ومع ذلك، فلا ريب أنه يحصل الامتثال من جهة المطلق أيضا، لوجوده في ضمن المقيد، وليس كذلك العكس. وحصول الامتثال من جهة المطلق ولو في غير هذا الفرد إنما هو من جهة إطلاقه، وظاهره الذي لا يأبى عن إتيانه في ضمن المقيد، فيكون المقيد المانع عن الإتيان في ضمن غيره من أفراد المطلق قرينة على التقييد، مع أن المقيد نص، والنص مقدم على الظاهر. هذا، مع أن العلامة في النهاية (1) ادعى الاجماع على حجية مثل هذا المفهوم، وأيضا التخصيص، والتقييد أولى من سائر أفراد المجاز، مع أن حجية مفهوم الوصف إنما يجوز منعها لو لم يكن هناك قرينة على حجيته، وشاهد الحال والمقال، سيما بملاحظة الآية الأخرى، يحكمان بذلك.
(1) نهاية الوصول إلى علم الأصول: ص 98 س 25. 82 الثاني: قوله تعالى: * (إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) * (1)، مع قوله تعالى: * (فاستشهدوا شهيدين من رجالكم) * (2)، ومفهومه أنه لا بد أن يكون عدلا ليؤخذ خبره، إذ لا واسطة في نفس الأمر بين الفسق والعدالة، والشهادة من أقسام الخبر، والتقريب ما مر. ويمكن الجواب عنه بمثل ما مر، لكن العلة المنصوصة يشكل معها الاكتفاء بمثل حسن الظاهر بهذا المقدار. ولا يرد عليه ما أورده المجيب هاهنا، إذ هو من قبيل مفهوم الشرط. وأما ما يقال من أنه يدل على أن من لم يعلم فسقه يجب قبول خبره وشهادته فهو مدفوع بما ذكرنا أولا. الثالث: أن العدالة معتبرة في الإمام والشهادة، بالإجماع والآيات والأخبار. ولا ريب أن المراد من ذلك ليس معناها اللغوي، بل هي أمر شرعي، فلا تحصل براءة الذمة من هذا التكليف إلا بملاحظة ذلك، والتفتيش والتفحص حتى يحصل العلم بذلك، أو الظن الغالب. ويمكن دفعه بأن البراءة اليقينية غير لازمة، بل يكفي الظنية، وقد عرفت أن الأخبار يحكم بذلك. الرابع: ما رواه الصدوق (رحمه الله) في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال: أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عز وجل عليها النار، من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك. والدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه، حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في
(1) الحجرات: 6. (2) البقرة: 282. 83 الناس، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن، وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين، وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة، فإذا كان كذلك، لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا: ما رأينا منه إلا خيرا، مواظبا على الصلاة، متعاهدا لأوقاتها في مصلاه، فإن ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين، وذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب، وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلي إذا كان لا يحضر مصلاه، ويتعاهد جماعة المسلمين، وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلي ممن لا يصلي، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع، ولولا ذلك لم يكن لأحد أن يشهد على آخر بصلاح، لأن من لا يصلي لا صلاح له بين المسلمين، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هم بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور بجماعة المسلمين وقد كان منهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك، وكيف تقبل شهادة أحد أو عدالته بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله عز وجل، ومن رسوله (صلى الله عليه وآله) فيه الحرق في جوف بيته بالنار، وقد كان يقول (صلى الله عليه وآله): لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة (1). ورواها الشيخ أيضا مع تفاوت (2). أقول: والذي يتحقق لي من جملة أدلة الطرفين هو أن المعتبر في إجراء حكم العدل هو أن يكون معروفا عند الناس بظاهره بترك الكبائر، وفعل الواجبات. ولعل المراد من مراعاة الحضور في الجماعات والصلوات هو حصول العلم بكونه مصليا وغير تارك للصلاة، فلو علم ذلك منه ولم يحضر الجماعات من غير جهة التهاون فلا يضر. وبالجملة: المعتبر أن يعرف بكونه مطيعا لله مجتنبا عن معاصيه، ويكتفي في ذلك بالظاهر، ولا يجب تفتيش باطنه، وترقب خلواته.
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 38 ح 3280. (2) الاستبصار: ج 3 ص 12 ح 1. 84 فعلى هذا لا يجوز الاكتفاء بمجرد الاسلام مع عدم ظهور الفسق، ولا بظهور عبادة أو عبادتين، أو نحو ذلك مع ذلك، بل لا بد من كونه - مع ما ذكر - معروفا باجتناب الكبائر ومداوما على الواجبات. ويأتي على القول بالملكة مع وجوب التفتيش أن لا يكتفي بظاهر الحال، وأن يجب تفتيش الباطن حتى يحصل العلم بتلك الملكة، وهذا مما لم يدل عليه الأخبار، بل دل هذه الصحيحة على خلافه. فحينئذ، المعيار في ما اخترناه هو صحيحة ابن أبي يعفور. والأخبار التي ذكرناها في حجة الأولين منها ما يوافق ذلك أو أعم من ذلك ومنها ما يفهم خلاف ذلك. فصحيحة يونس يوافق ما ذكرنا، إذ كونه مأمونا لا يحصل إلا بما ذكر، فإن الأمانة أمر وجودي، والمراد هنا أعم من الأمانة في أمور الدين والدنيا ولا يحصل العلم بوجوده أو الظن به إلا إذا كان الرجل معروفا بما ذكر. وكذلك حسنة عبد الله بن المغيرة وما في معناها، إذ الصلاح لا يتحقق ظاهرا إلا بما ذكر، فلا بد أن يكون معروفا به. وأما صحيحة عبد الله بن سنان وما في معناها فلعله يمكن أن يقال: إن رفع التهمة أيضا لا يحصل إلا بما ذكر، ولا تنحصر التهمة فيما عرض الشبهة في حاله لعارض، بل قد يكون لعدم العلم بحاله، فتأمل. وأما حسنة العلاء بن سيابة فأيضا مثل ما ذكر، لأن الصلاح هو ما ذكرنا. وأما رواية أبي الصباح الكناني وما في معناها - صحيحة عبد الله بن سنان ومرسلة يونس اللتين ذكرتا بعدها، وكذلك حسنة أحمد بن محمد بن أبي نصر، وهذه الأخبار - إما مساوقة لما ذكرنا ومؤدية مؤداها، أو أعم منها، فإن كان الأول فهو، وهو الظاهر، وإن كان الثاني فيحمل على صحيحة ابن أبي يعفور، حملا للمطلق على المقيد والعام على الخاص، مع أن الخاص أقوى دلالة وأكثر اعتضادا لما ذكرنا، وسنذكر.
85 فيبقى من الأخبار صحيحة حريز، وحسنة العلاء بن سيابة الأولى وما في معناها، ورواية سلمة بن كهيل، وأما الآية فقد عرفت حاله. فهذه الأخبار بظاهرها تدل على الاكتفاء بظاهر الاسلام، والتي قبلها تدل - مضافا إلى ذلك - على اعتبار حسن الظاهر في الجملة، وصحيحة ابن أبي يعفور تدل على حسن الظاهر بالتفصيل الذي ذكرنا، لكن الأخبار التي تدل على اعتبار مطلق الصلاح، وحسن الظاهر فهي في غاية الظهور في إرادة التفصيل المذكور، فإن لم نقل: إنه المتبادر منها، فلا نقول: إن المتبادر خلافها، فلا يجوز للخصم الاستدلال بها، سيما مع ملاحظة استصحاب اشتغال الذمة بتحصيل العادل، غاية الأمر الظهور فتكون مطلقات، فتحمل على المقيد، لاعتضاده بالأصل والاستصحاب والشهرة العظيمة، حتى قال الشهيد الثاني (رحمه الله) - بعد ما ذكر الاكتفاء بظاهر الاسلام، وأن حال السلف يشهد به -: إن المشهور الآن بل المذهب خلافه (1)، مع أن معلومية ذلك من أحوال السلف أيضا غير معلوم. فالصدوق أورد صحيحة ابن أبي يعفور في باب العدالة، ثم ذكر باب من ترد شهادته، فعلم أن من تقبل شهادته عنده من كان متصفا بما فيها، وهو المنقول عن عبارات أكثرهم، كالمفيد (2) والشيخ في النهاية (3) والمبسوط (4) وابن البراج (5)، حيث نقل عن كل منهم: أنها أن يعرف بالستر والصلاح واجتناب الكبائر، وأن يكون معروفا بالورع عن محارم الله. ويمكن أن يكون مراد الشيخ في الخلاف (6) أيضا أن التفتيش عن الباطن وترقب الخلوات لم يكن معهودا في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) وبعده، وأن يكون مراده الطعن على من يعتبر الملكة الباطنية وتحصيل العلم بذلك. ويؤيد ما ذكرنا ما نقله المحقق في المعارف (7) عن الشيخ في أن عدم السعي
(1) مسالك الأفهام: ج 13 ص 402. (2) المقنعة: ص 725. (3) النهاية: ج 2 ص 52. (4) المبسوط: ج 8 ص 217. (5) المهذب: ج 2 ص 556. (6) الخلاف: ج 6 ص 217 المسألة 10. (7) هكذا في الأصل، ولعله من سهو القلم، والعبارة موجودة في المعارج: ص 200. 86 في تحصيل أصول الدين بالقطع خطأ موضوع عن المكلفين معفو عنه واضح باتفاق فقهاء الأعصار على الحكم بشهادة العامي مع العلم بكونه لا يعلم تحرير العقائد بالأدلة القاطعة. لا يقال: قبول الشهادة إنما كان لأ نهم يعرفون أوائل الأدلة، وهو سهل المأخذ. لأ نا نقول: إن كان ذلك حاصلا لكل مكلف لم يبق من يوصف بالمؤاخذة، فيحصل الغرض وهو سقوط الإثم، وإن لم يكن معلوما لكل مكلف لزم أن يكون الحكم بالشهادة موقوفا على العلم بحصول تلك الأدلة للشاهد منهم، لكن ذلك محال (1)، انتهى. ولا يخفى وجه التأييد، وفي كلامه محل تأمل ليس هنا موضع بيانه. وإذا عرفت أنها لا بد أن تحمل على الصحيحة، فحمل البواقي عليها أولى. ومما يؤيد ما اخترناه أن توجيه تلك الأخبار أظهر وأقرب من التوجيه في الصحيحة، وما وجهها الشيخ في الاستبصار (2) بأن المراد منها بيان منافيات العدالة، لا أنه يجب التفتيش وتحصيل العلم بذلك، وهو لا يلائم سياق الخبر، كما لا يخفى على المتدبر. وأيضا مما يضعف الاعتماد بظاهر الاسلام الأخبار الواردة في الجماعات، منها ما مر من أنه " لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته " (3)، والوثوق لا يحصل إلا بما ذكرنا، بل فوقه أيضا، ومثلها غيرها. ثم اعلم أن ما ذكر من الأدلة والأبحاث أكثرها في الشهادة، والتعدي إنما هو بالإجماع المركب. هذا، مع أن الاكتفاء بظاهر الاسلام وعدم ظهور الفسق سيما مع ظهور حسن ما لا يخلو عن قوة، سيما مع كون المسلمين محمولة أفعالهم على الصحة، ولذلك لا يجوز نسبتهم إلى الفسق والزنا وغير ذلك، فتأمل.
(1) معارج الأصول: ص 200. (2) الاستبصار: ج 3 ص 13. (3) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 266 ح 75. 87 تذنيب: إذا ظهر منافيات العدالة فهل يرجع العدالة بمجرد التوبة؟ الظاهر أنه كذلك. قال بعض الأصحاب، لا أعلم في ذلك خلافا بين الأصحاب. قال: وكذلك من حد في معصية ثم تاب رجعت عدالته وقبلت شهادته، ونقل بعض الأصحاب إجماع الفرقة على ذلك (1). ونقل عن بعض العامة اعتبار إصلاح العمل ستة أشهر (2). وعلى القول باعتبار الملكة لا بد من زمان يعود فيها الملكة وترسخ في النفس، إلا أن الظاهر من المعتبرين لها أيضا الوفاق في ذلك، كما ذكره بعض الأصحاب (3). والمعتبر في التوبة، هو التوبة الصحيحة شرعا، ولا يكفي مجرد الإظهار، وقد مر في الأخبار ما يشعر بذلك، فتأملها. ومطلقاتها في هذا الباب محمولة على الصحيحة الشرعية. ونقل عن الشيخ قوله بكفاية مجرد الإظهار (4)، ولعل نظره إلى بعض تلك الإطلاقات، والمعتمد ما ذكرنا. وتمام التفصيل في هذه المسألة وظيفة كتاب الشهادات، ولعل فيما ذكرنا هاهنا كفاية إن شاء الله تعالى، والله ولي التوفيق، وبيده أزمة التحقيق. وأما طهارة المولد: وفسر ذلك بعدم العلم بكونه ولد الزنا (5)، وقيل: يكره خلف من تناله الألسن، وولد الشبهة، ومن لم يعلم أبوه، لنفرة النفوس عنه (6). واشتراط هذا الشرط أيضا لعلة اتفاق الأصحاب، ويظهر ذلك من جماعة منهم حيث نسبوها إلى مذهبهم (7). ويدل عليه أيضا الأخبار، مثل صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
(1 و 2) ذخيرة المعاد: ص 305 س 26 و 27. (3) كنز العرفان: ج 2 ص 384. (4) ذخيرة المعاد: ص 305 س 29. (5) جامع المقاصد: ج 2 ص 372. (6) مدارك الأحكام: ج 4 ص 70. (7) مدارك الأحكام: ج 4 ص 69، ذخيرة المعاد: ص 307 س 6. 88 خمسة لا يؤمون الناس على كل حال: المجذوم، والأبرص، والمجنون، وولد الزنا، والأعرابي (1). وصحيحة محمد بن مسلم (2). وما رواها في الكافي عن محمد بن مسلم بإسقاط السند، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: خمسة لا يؤمون الناس ولا يصلون بهم صلاة فريضة في جماعة: الأبرص، والمجذوم، وولد الزنا، والأعرابي حتى يهاجر، والمحدود (3). وحسنة زرارة لإبراهيم بن هاشم عن الباقر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يصلين أحدكم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا، والأعرابي لا يؤم المهاجرين (4). ورواها الصدوق مرسلة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (5). منهاج ويشترط في وجوب الجمعة العدد، ولعله اتفاق أهل العلم، كما نقلوا عنهم، واختلفوا في التحديد، وللأصحاب قولان: أحدهما - وهو ما ذهب إليه المعظم منهم المفيد (6) والسيد (7) وابن الجنيد (8) وابن إدريس (9) والفاضلين (10) -: اعتبار الخمسة في ذلك أي، إذا اجتمع خمسة كان أحدهم الإمام وجبت الصلاة.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 399 ب 15 من أبواب صلاة الجماعة ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 399 ب 15 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (3) لم نعثر عليه في الكافي، والذي عثرنا عليه باسقاط السند موجود في الفقيه، راجع من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 378 ح 1104. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 400 ب 15 من أبواب صلاة الجماعة ح 6. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 378 ح 1105. (6) المقنعة: ص 164. (7) رسائل السيد المرتضى (المجموعة الأولى): ص 222. (8) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 207. (9) السرائر: ج 1 ص 290. (10) المعتبر: ج 2 ص 282، ومختلف الشيعة: ج 2 ص 208. 89 وثانيهما: أن هذه شرط الجواز، وأما شرط التعين فهو اجتماع السبعة، وهو قول الشيخ (1) وابن زهرة (2) وابن البراج (3) ونقل عن الصدوق أيضا (4). ولعل الثاني أقرب. فلنذكر الأخبار الواردة في هذا الباب حتى يظهر المطلوب. فروى الفضل بن عبد الملك في الصحيح قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر، وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين (5). وروى منصور بن حازم أيضا في الصحيح عنه (عليه السلام) قال: تجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا، فإن كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم، والجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها إلا خمسة: المرأة، والمملوك، والمسافر والمريض، والصبي (6). وروى زرارة في الحسن لإبراهيم بن هاشم قال: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط: الإمام وأربعة (7). وروى عبد الله بن أبي يعفور في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة (8). وروى الفضل بن عبد الملك في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أدنى ما يجزئ في الجمعة سبعة، أو خمسة أدناه (9).
(1) المبسوط: ج 1 ص 144. (2) الغنية: ص 90. (3) المهذب: ج 1 ص 100. (4) الناقل هو العلامة في المختلف: ج 2 ص 207. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 8 ب 2 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 6. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 8 ب 2 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 7. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 7 ب 2 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 2. (8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 9 ب 2 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 8. (9) وسائل الشيعة: ج 5 ص 7 ب 2 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 1. 90 وروى زرارة في الصحيح قال: قلت له (1) على من تجب الجمعة؟ قال: تجب على سبعة نفر من المسلمين، ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم (2). وصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة، وليلبس البرد والعمامة، ويتوكأ على قوس أو عصا (3)... الحديث. وروى العلاء عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) قال: تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، ولا تجب على أقل منهم: الإمام، وقاضيه، والمدعي حقا، والمدعى عليه، والشاهدان، والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام (4). أقول: والأخبار الذي اعتبر فيها الخمسة غير صريحة في الوجوب، إذ بعضها في مورد توهم الحظر، مع أنها مؤداة بالجملة الخبرية التي اختلف في دلالتها على الوجوب، وإن كان الأظهر فيها ذلك، وبعضها من باب مفهوم اللقب الضعيف، مثل حسنة زرارة. وأما صحيحة منصور - مع ما فيها مما ذكرنا - يضعفه قوله (عليه السلام) بعده: " فإن كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم " فإن التأدية ب " اللام " دون " على " يظهر منه أن ما ثبت للخمسة الجواز لا الوجوب. وأما موثقة ابن أبي يعفور فلا دلالة لها على المطلوب أصلا، كما لا يخفى. فبعد ملاحظة ضعف دلالة المذكورات وظهور الأخبار الباقية في التفصيل - سيما رواية محمد بن مسلم مع معاونة الأصل لا يثبت التعين في الخمسة، وقد مر الاعتذار عن اشتمالها بما لا يقول به الأصحاب.
(1) كذا في الفقيه ولكن في الوسائل: قلت لأبي جعفر (عليه السلام). (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 8 ب 2 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 4. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 15 ب 6 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 5. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 9 ب 2 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 9. 91 والتمسك بأن الأصل عدم تقييد الآية والأخبار، فيقتصر فيه على القدر المتيقن، وهو اعتبار الخمسة، بعد ثبوت التقييد في الجملة لا وجه له، مع أن الشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط. وبالجملة: الأقوى بالنظر إلى الأخبار، بل والأصول هو التفصيل، ولكن الاحتياط هو ما عليه المعظم، والله أعلم. منهاج ويشترط في المأمومين المعتبرين في انعقاد الجمعة: التكليف، والذكورة، والحرية، والحضر، والسلامة من العمى والمرض والهمم، بل وكل ما يؤدي إلى الحرج والعسر، وعن البعد بأزيد من فرسخين. أما التكليف فلعله إجماعي العلماء كافة، فلا يجب على الصبي والمجنون، ولو أفاق المجنون فخطابه مراعى بإفاقته إلى آخر الصلاة. وكذا الذكورية والحرية، فقال العلامة في التذكرة: إنه مذهب علمائنا أجمع، وبه قال عامة أهل العلم (1)، ونقل الاجماع على الثاني في روض الجنان أيضا، ونسب الأول إلى المشهور (2). ويدل على كل ذلك صحيحة زرارة (3) وغيرها من الأخبار المتقدمة وغيرها. وفي إلحاق المبعض بالعبد وجهان، لعدم صدق العبد عليه حقيقة، فيدخل تحت العموم، ولاحتمال ذلك، ولعل الأول أوجه. فعلى هذا يشكل ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط أيضا من أنه لو هاياه الولي فاتفقت الجمعة في نوبته يجب عليه الجمعة (4)، فإن عدم صدق العبد عليه حقيقة لا يختص بذلك اليوم. نعم يمكن الاستدلال من جهة عدم رضاء المولى وفي استلزامه البطلان، فتأمل.
(1) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 86. (2) روض الجنان: ص 287 س 22. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 2 ب 1 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 1. (4) المبسوط: ج 1 ص 145. 92 ومن هنا ينقدح الوجوب على الخنثى أيضا، لعدم صدق المرأة عليها، فيندرج في العمومات، ويشكل بأن المراد من المرأة هو من كان مرأة في نفس الأمر، فكيف يحكم بالوجوب بمجرد عدم العلم بكونها مرأة؟ فتأمل. وليس كذلك الحكم في العبد، لثبوت الواسطة. وأما الحضر فالظاهر أنه أيضا إجماعي العلماء، كما نقله في التذكرة (1). وفسر الحضر هاهنا به وبمن في حكمه. قال في روض الجنان: وضابطه من يلزمه القصر في سفره، فالعاصي وكثير السفر وناوي الإقامة عشرة ومن لا يتحتم عليه التقصير كالكائن في أحد المواضع الأربعة الموجبة للتخيير في حكم الحاضر، انتهى (2). وربما يدعي تبادر ذلك من المسافر المستثنى في الأخبار، ولا يخلو عن إشكال، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية، مع أن القول به أيضا لا يخلو عن قوة، والإشكال في أماكن التخيير أكثر، فإن التقصير فيها جائز، فهو مسافر شرعا حينئذ، وجوز التمام الدليل الخارجي، وهو لا ينفي كونه مسافرا، وجزم العلامة بالوجوب (3) حينئذ، وخير الشهيد في الدروس (4) كالقصر، ولا يخلو من قوة. إلا أن القطع في أمثال هذه المواضع - التي لا نص عليها بالخصوص، ولا ظهور للعمومات فيها بحكم مخصوص - مشكل، ومع ذلك كله فالأرجح الوجوب، والاحتياط واضح. وأما السلامة من العمى فهي أيضا إجماعي علمائنا، كما ذكره في التذكرة قال: ولا تجب عليه سواء كان قريبا من الجامع يتمكن من الحضور إليه من غير قائد، أو بعيدا يحتاج إلى القائد أو لا (5). ويدل على ذلك الإطلاقات والعمومات.
(1) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 90. (2) روض الجنان: ص 287 س 6. (3) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 92. (4) الدروس الشرعية: ج 1 ص 190. (5) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 89. 93 ونقل عن بعض الأصحاب (1) القول بتخصيص ذلك بصورة المشقة، وهو مذهب الشافعي (2) وهو تقييد النص من غير دليل. وأما المرض فالإطلاقات أيضا تقتضي التعميم، وخصصه في روض الجنان بما يشق معه الحضور، أو يوجب زيادة المرض، قال: ولا فرق بين أنواعه (3). وسائر كلمات الأصحاب، كالنصوص خالية عن ذلك، ولا يخلو عن قرب. وأما الهمم - وهو كونه شيخا فانيا - فلعل اشتراط السلامة عنه أيضا إجماعي، والمستفاد من المطلقات مطلق الكبير. قال في المنتهى: ولا يجب على الشيخ الكبير، وهو مذهب علمائنا (4)، ولم يقيد بالمزمن. وقيده في الإرشاد بذلك (5)، وقيده في القواعد بالبالغ حد العجز (6). والمنقول عن جماعة من الأصحاب (7) تقييده بالعجز أو المشقة الشديدة ولعله ليس بذلك البعيد وإن كان الأخبار مطلقة، للزوم الحرج والعسر، بل وقد يفهم من استثناء هؤلاء أن العلة هو المشقة، والحرج. ويدل عليه صحيحة زرارة المتقدمة، وما نقل في الفقيه عن خطب أمير المؤمنين (عليه السلام): الجمعة واجبة على كل مؤمن إلا على الصبي، والمريض، والشيخ الكبير، والمجنون، والأعمى، والمسافر، والعبد، والمملوك، ومن كان على رأس فرسخين (8)، وغير ذلك. وقد ذكر العرج من الشروط أيضا الشيخ (9) والفاضلان (10).
(1) الناقل هو السيد العاملي في مدارك الأحكام: ج 4 ص 50، ومسالك الأفهام: ج 1 ص 241. (2) الأم: ج 1 ص 189. (3) روض الجنان: ص 287 س 9. (4) منتهى المطلب: ج 1 ص 324 س 5. (5) إرشاد الأذهان: ج 1 ص 257. (6) قواعد الأحكام: ج 1 ص 287. (7) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد: ج 2 ص 416، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 1 ص 241. (8) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 431 ح 1263. (9) النهاية: ج 1 ص 334. (10) شرائع الاسلام: ج 1 ص 96، وقواعد الأحكام: ج 1 ص 287. 94 الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله أجمعين فصل في مكان المصلي (*) وفيه مسائل: مسألة: لا يجوز الصلاة في المكان الغير المأذون فيه بكونه مسجدا أو مملوكا أو مأذونا فيه صريحا أو فحوى أو بشاهد حال، فتبطل الصلاة في المكان المغصوب مع الاختيار، هذا هو المشهور بين الأصحاب رضي الله عنهم، ونسبه العلامة (رحمه الله) (1) إلى علمائنا، والشهيد (2) إلى الأصحاب، وظاهرهما الاجماع. ويدل عليه أيضا ما نقله في البحار من تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة، وكتاب بشارة المصطفى للطبري عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قصة لكميل: يا كميل،
(*) كذا في الأصل، ومن ملاحظة افتتاحية الكتاب (ص 11) وقوله: " الفصل الأول " في (ص 13) يبدو أن ما جمع بين الدفتين بعنوان كتاب الصلاة من المناهج - وإن كان كله بخطه الشريف - غير تام جدا. وظني أن هذا الفصل وما يليه (فصل في لباس المصلي) وجدا في مكتوباته - رسالة مستقلة أو جزء من تأليف آخر - فضما إلى هذا الكتاب لسد الفراغ، ويؤيد هذا الاحتمال عدم ذكر عنوان " منهاج " في هذين الفصلين. (1) نهاية الإحكام: ج 1 ص 340. (2) ذكرى الشيعة: ص 149 س 37. 95 انظر فيما تصلي وعلى ما تصلي إن لم يكن من وجهه وحله فلا قبول (1). وما رواه الصدوق (2) مرسلا، والكليني (3) مسندا عن الصادق (عليه السلام) قال: لو أن الناس أخذوا ما أمرهم الله به فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم، ولو أخذوا ما نهاهم عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم، حتى يأخذوه من حق وينفقوه في حق، فتأمل. وأما الاتكال على عدم جواز اجتماع الأمر والنهي، كما هو المشهور بين الشيعة والمعتزلة، فلا يتم، وتحقيقه في الأصول وقيد الاختيار إنما يناسب الاستدلال بالمسألة الأصولية كما لا يخفى. فروع: الأول: هل يعتبر شاهد الحال بعد الغصب أيضا - بمعنى الاكتفاء بشاهد الحال برضاء المالك - أم لا؟ الظاهر أن الغصب لا يمنع عن ذلك، ولا يتفاوت الحكم وإن كان المصلي هو الغاصب، لكن الأغلب في الأحوال عدم رضاء المالك بتصرف الغاصب. ففرض ثبوت شاهد الحال له محل تأمل، ولذا خصصه بعضهم بغير الغاصب. ويضعف هاهنا التمسك بالاستصحاب من هذه الجهة. الثاني: لا فرق في الغصب بين غصب الحق والملك، فلو غصب مكانا مباحا وضع الغير عليه اليد وحازه فحكمه هكذا، ويبطل الصلاة فيه بالنظر إلى المسألة الأصولية، والخبرين والإجماع أيضا لو عد هذا من الغصب، والظاهر أنه منه. ولا يمكن القول بأنه بعد غصب الحق وأخذه من يد من تقدم عليه صار هو وغيره سواء، لأنه متصرف في كل آن من الآنات في حق الغير، وهو نفس المحرم والغصب. نعم لو مات الأول أو قطع النظر عن ذلك بالمرة لأمكن القول بالصحة، فتأمل.
(1) بحار الأنوار: ج 83 ص 284. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 57 ح 1694. (3) الكافي: ج 4 ص 32 ح 4. 96 الثالث: إذا بنى على المسألة الأصولية فكل تصرف يستلزمه الصلاة وكان حراما يوجب بطلان الصلاة إذا لم يكن خارجا عنها، فيكون المراد بالمكان للتصرف حينئذ هو الفراغ الذي يشغله شئ من بدن المصلي، أو يستقر عليه ولو بوسائط على ما قيل، فلا مانع من وضع ثوب مغصوب بين مسجد الجبهة والركبتين حال السجود إذا لم يلاصقه بدن المصلي، أو أعم من ذلك أيضا. مسألة: يجب طهارة موضع الجبهة عند علمائنا، ولم يظهر منهم مخالف في ذلك، وادعى عليه الاجماع جماعة، منهم العلامة في المنتهى (1) والمختلف (2) وغيره، والشهيد في الذكرى (3)، والمحقق في المعتبر (4). والظاهر أنه إجماعي، فلا ينبغي التأمل فيه، ومخالفة الراوندي (5) وابن حمزة (6) لو ثبت في خصوص ما جففته الشمس، فلا تضر. ويمكن أن يقال في الرواية السابقة أيضا إشعار بذلك. ولا يشترط طهارة سائر المواضع والمساجد عن الغير المتعدية عند أكثر الأصحاب، وهو الأقرب، للإطلاقات والأخبار الصحيحة وغيرها، وموثقة ابن بكير محمولة على الكراهة. والسيد قال باشتراط طهارة المكان مطلقا (7)، وأبو الصلاح بطهارة المساجد السبعة (8)، ومستند الثاني غير معلوم، والأول النهي عن الصلاة في المجزرة والحمام، وغير ذلك. وربما يقال: الوجه في ذلك أنه مع المظنة إذا كره الصلاة فمع اليقين يحرم، وهو كما ترى.
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 253 س 13. (2) مختلف الشيعة: ج 2 ص 114. (3) ذكرى الشيعة: ص 160 س 37. (4) المعتبر: ج 1 ص 433. (5) نقله عنه المحقق في المعتبر: ج 1 ص 446. (6) الوسيلة: ص 79. (7) لم نعثر عليه في كتبه، ونقله عنه فخر المحققين في ايضاح الفوائد: ج 1 ص 90. (8) الكافي في الفقه: ص 140. 97 فرع: نقل فخر المحققين عن والده (رحمه الله) الاجماع على اشتراط خلو المكان عن النجاسة المتعدية وإن كانت معفوا عنها في الثوب والبدن (1)، وصرح بالصحة الشهيد في الذكرى لأنه معفو عنه (2). والظاهر ذلك، لمنع عموم دليل طهارة المحل عن النجاسة المتعدية، وعدم مضرة ما عفي عنه من جهة البدن واللباس. مسألة: يستحب مؤكدا للرجل الصلاة في المسجد إلا ما استثني، ومنه النافلة مطلقا عند أكثر الأصحاب. ويظهر من العلامة (3) والمحقق (4) الاجماع على أفضليتها في البيت، ويدل عليه الآية والأخبار. والشهيد الثاني على عموم الاستحباب في المسجد (5)، ويدل عليه الإطلاقات وفعل النبي (صلى الله عليه وآله). والجمع بملاحظة الإخلاص والرياء، فيستحب إذا تخلص عن الرياء، والبيت أفضل إذا لم يتخلص. أما المرأة فالمعروف من الأصحاب أفضلية الاستتار، فكلما كان أستر فهو أحسن، قال (عليه السلام): خير مساجد نسائكم البيوت (6). مسألة: يستحب السترة للمصلي بإجماعنا، بل وإجماع أهل العلم، كما في المنتهى (7)، ويدل عليه الأخبار المستفيضة، ويكتفى فيها ولو بعنزة أو مرحل أو قلنسوة أو كومة من التراب أو خط بين يديه. ولا يقطع الصلاة مرور شئ عنده، كما في الأخبار، لكن ورد فيها " ادرأوا
(1) ايضاح الفوائد: ج 1 ص 90. (2) ذكرى الشيعة: ص 150 س 25. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 244 س 4. (4) المعتبر: ج 2 ص 14. (5) روض الجنان: ص 231 س 8. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 510 ب 30 من أبواب أحكام المساجد ح 2. (7) منتهى المطلب: ج 1 ص 247 س 14. 98 ما استطعتم " (1)، وفسره بعضهم بأنه يعني ادفعوا آفة المارة بالاستتار، ويمكن التعميم بحال الصلاة أيضا بعد الاستتار، فتأمل. مسألة: ادعى الشيخ إجماع الفرقة على عدم جواز أن يصلي الرجل وإلى جنبه امرأة تصلي أو قدامه، سواء صلت بصلاته أو لا، وإن فعلا بطلت صلاتهما (2). والمفيد قال به (3) أيضا إلا أنه ترك ذكر التقدم. واعتبر الجعفي في صحة صلاة من بحياله امرأة تصلي قدر عظم الذراع (4). والسيد (5) وابن إدريس (6) وأكثر المتأخرين على الكراهة. وهو الأظهر من ملاحظة الأخبار، ويحمل مراتب التفاوت في تحديد الفضل على مراتب الكراهة. وقد يقال: إن الأخبار الدالة على عدم جواز المحاذاة إلا بالحاجز المقرر في الأخبار لما كان معارضا بالأخبار الدالة على عدم البأس بدونها (7) فحملناها على الكراهة، جمعا لأكثريتها وأصحيتها واختلافها في أنفسها، لكن ما يدل على عدم جواز التقدم لا معارض له، كموثقة عمار " لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع " (8)، فلا مانع من إبقائها على ظاهرها، وهو الحرمة. أقول: ويمكن أن يقال: اختلاف التحديد في الأخبار في صور التقديم بشبر، وبصدر المصلي، وبجعل سجودها مع ركوعه، وبغير ذلك يدل على استحباب التقدم، ويدل عليه أيضا قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن أبي يعفور " أصلي والمرأة إلى جنبي وهي تصلي؟ فقال: لا، إلا أن تتقدم هي أو أنت " (9)، وجعلها عبارة عن
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 435 ب 11 من أبواب مكان المصلي ذيل ح 9. (2) الخلاف: ج 1 ص 423 المسألة 171. (3) المقنعة: ص 152. (4) لا يوجد كتابه عندنا، ونقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 150 س 34. (5) ذكره في المصباح وهو غير موجود عندنا، ونقله عنه المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 110. (6) السرائر: ج 1 ص 267. (7) كذا في الأصل، ولعل الصحيح " بدونه ". (8) وسائل الشيعة: ج 3 ص 431 ب 7 من أبواب مكان المصلي ح 1. (9) وسائل الشيعة: ج 3 ص 428 ب 5 من أبواب مكان المصلي ح 5. 99 التقدم بالصلاة يحتاج إلى الإضمار، وهو خلاف الأصل. فالأولى جعلها عبارة عن التقدم بالنفس، فتأمل على أنه لا قائل بالفصل، وهذا قول ثالث. فروع: الأول: يزول المنع كراهة، وتحريما بالحاجز، وببعد أكثر من عشرة أذرع للإجماع، ولصحيحة ابن مسلم (1) في الأول، وموثقة عمار (2) في الثاني، وكذا بالتقدم بحيث لا يحاذي جزء منه جزء منها. وادعى الاجماع على نفس العشرة أيضا العلامة في المنتهى (3)، بل وعلى التقدم ولو بقدر شبر، ووافقه غيره أيضا. والظاهر الاكتفاء بشبر ونحوه في التأخر، للأصل والخبر (4) أيضا. الثاني: هل يعتبر في الحاجز المنع عن الرؤية أم لا؟ صحيحة ابن مسلم مطلقة ظاهرها اعتبار كونه حاجزا عن الرؤية، لكن صحيحة علي بن جعفر (5) يدل على عدم اعتباره، فإنه اكتفى فيها بالحيطان التي فيها كواء (6)، بحيث يرى الرجل المرأة. والأظهر أن هذه قرينة على الكراهة، وعلى القول بالحرمة يشكل التخصيص، فتأمل. ولا يعتبر الظلمة وغمض العين والعمى وأمثال ذلك، لعدم النص. الثالث: الحكم في الأخبار معلق على الرجل والمرأة، فلا عبرة بالصبية والصبي. الرابع: اعتبار صحة الصلاة وفساده يرجع إلى كون الصلاة اسما للصحيحة
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 431 ب 8 من أبواب مكان المصلي ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 430 ب 7 من أبواب مكان المصلي ح 1. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 243 س 24. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 427 ب 5 من أبواب مكان المصلي ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 431 ب 8 من أبواب مكان المصلي ح 1. (6) كواء بالمد جمع الكو والكوة، والكو: الخرق في الحائط. 100 أو أعم، وأما اعتبار التقدم والتأخر في البطلان أو الحكم به مطلقا ففيه وجهان، الأظهر بطلانهما إذا اقترنا، والمتأخرة إذا لم يقترن. ويدل عليه رواية علي بن جعفر في اقتداء المرأة في صلاة العصر، مع تقدمه (1) على القوم، وبطلان صلاتها دونهم (2)، وأما مع عدم العلم فإن قلنا بكون ذلك من الأحكام الوضعية فيمكن الحكم بالبطلان، وإلا فلا. مسألة: يكره الصلاة بين المقابر، كما يقتضيه الجمع بين الموثقة والصحيحين، ويزول بتباعد عشرة أذرع من القبر في أي جهة كان، للموثق (3) المتقدم، ويتأكد في جانب القبلة، لخبر معمر بن خلاد (4) واحتج به المفيد على الحرمة (5)، ولا ينهض دليلا. والمذكور في الأخبار القبور والمقابر، ففي إلحاق القبر والقبرين بها تردد، والأظهر عدم الإلحاق إلا في جانب القبلة، لما يشعر به رواية معمر (6)، ويستشم من صحيحة الحميري (7) من جهة التقرير على مفهوم ضعيف، ومع ذلك ففي اعتبار الفصل بمثل ما مر أيضا وجهان. والمفيد (رحمه الله) عمم المنع بالنسبة إلى قبور الأئمة أيضا، ومنع عن الصلاة إليها (8). ويدفعه صحيحة الحميري: عن الرجل يزور قبور الأئمة (عليهم السلام) هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر، ويجعل القبر قبلة، ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي
(1) كذا في الأصل، ولعل الصحيح " تقدمها ". (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 432 ب 9 من أبواب مكان المصلي ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 453 ب 25 من أبواب مكان المصلي ح 5. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 453 ب 25 من أبواب مكان المصلي ح 3. (5) المقنعة: ص 151. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 453 ب 25 من أبواب مكان المصلي ح 3. (7) وسائل الشيعة: ج 3 ص 454 ب 26 من أبواب مكان المصلي ح 1. (8) المقنعة: ص 151 - 152. 101 خلفه أم لا؟ فأجاب، وقرأت التوقيع، ومنه نسخت: أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة، بل يضع خده الأيمن على القبر، وأما الصلاة فإنها خلفه يجعله الإمام، ولا يجوز أن يصلي بين يديه، لأن الإمام لا يتقدم (1). ونسب الرواية إلى الشذوذ (2)، ومنعه المتأخرون. أقول: ويمكن استنباط عدم جواز التساوي أيضا من هذه الرواية، لأن الفقيه (عليه السلام) أجاب عن تفصيل سؤاله عن الصلاة ب " أنها خلفه "، وهو ظاهر في عدم جواز غيره، ويكون ذكر التقدم للتأكيد، فتأمل. على أنه روى في الاحتجاج هذا الخبر مع زيادة " ولا يساوي " (3) في آخره، وهو أظهر صحة بالنظر لإطباق السؤال والجواب، والأحوط عدم التقدم مطلقا، لعموم العلة، فتأمل. وأما ما رواه الصدوق مرسلا عن النبي (صلى الله عليه وآله) " لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا، فإن الله عز وجل لعن اليهود لأ نهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " (4) فقد يوجه بأن المراد جعله قبلة أينما كان المصلي، ووضع الجبهة عليه، وقد عرفت المنع. وضم الأصحاب إلى تباعد عشرة أذرع الحائل، واكتفوا فيه ولو بعنزة. ونفس الحائل لا بأس به وإن لم يصرح به في النص، لكن التحديد بذلك منظور فيه، فتأمل. وورد في الأخبار المنع عن الصلاة في مواضع، وحمل على الكراهة. فمنها: ما قيل فيها بالتحريم أيضا، وهو جوف الكعبة (5)، وسيأتي الكلام. وجواد الطرق، ومرابض الخيل والبغال، وبيت فيه خمر، وفيما تجاهه نار، أو تمثال، أو مصحف مفتوح.
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 454 ب 26 من أبواب مكان المصلي ح 1. (2) الناسب هو المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 115. (3) الاحتجاج: ج 2 ص 490. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 178 ح 532. (5) القائل هو الشيخ في الخلاف: ج 1 ص 439 المسألة 186. 102 وألحق أبو الصلاح به كل مكتوب وباب مفتوح (1). ولا بأس به، والأقوى الكراهة، ويتأكد في النار. ومنها: ما لم يخالف فيها، كسطح الكعبة وسيأتي - والبيداء، وذات الصلاصل، وضجنان، ووادي الشقرة، ومعاطن الإبل، ويرش بالماء، والبيت الحار من الحمام مطلقا، أو المسلخ أيضا إذا لم يكن نظيفا. ويحتمل كون التقييد بالنظافة في صحيحة علي بن جعفر (2) وموثقة عمار (3) بالنظر إلى مطلق الحمام، نظرا إلى إطلاق الأخبار، ولم يعهد قائل به. هذا إذا جعل النظيف بمعناه اللغوي، وإلا فيدل على الكراهة مطلقا، مع ملاحظة خبر المنع، وهو قضية الجمع بين الأخبار. وبيوت المجوس، والبيع، والكنائس، ويرش بالماء، وبيوت النيران، وبيت فيه مجوسي أو كلب أو يهودي أو نصراني. وفي بعض الأخبار المنع عن البيت الذي فيه المجوسي دونهما (4)، وزادوا بيت اليهودي والنصراني، والخبر أعم، إذ كونه " في البيت " أعم من كونه له، والأول هو مورد الخبر. وبيت فيه إناء يبال فيه، والمعد للبول والغائط، أو أثر حائط قبلته من بالوعة، والطين، والماء، ومجرى المياه، وقرى النمل، والسبخة، وفي الخبر: إذا كان فيها أرض مستوية فلا بأس (5) وعلل المنع بعدم استقرار الجبهة، وفي الثلج اختيارا. مسألة: لا نعرف مخالفا من أصحابنا في عدم جواز صلاة الفريضة راكبا، وماشيا، سفرا وحضرا مع الاختيار.
(1) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 2 ص 109، ولم نعثر على هذه العبارة في الكافي في الفقه، والظاهر أنها سقط كما في هامش الكافي في الفقه: ص 141. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 466 ب 34 من أبواب مكان المصلي ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 466 ب 34 من أبواب مكان المصلي ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 442 ب 16 من أبواب مكان المصلي ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 448 ب 20 من أبواب مكان المصلي ح 7. 103 وقال في المعتبر: إنه مذهب العلماء كافة (1). ويدل عليه الأصول والنصوص المستفيضة. ويجوز مع الاضطرار من مرض أو خوف أو وحل أو مطر أو غيره، للإجماع، كما يظهر في المعتبر (2). ويدل عليه الصحاح المستفيضة (3). ويظهر من إطلاق الأصحاب والأخبار سيما من بعضها تعميم الفريضة، لكن انصرافها إلى الأفراد الشائعة - وهي اليومية - يضعف الاتكال عليها في غيرها. نعم استصحاب شغل الذمة وظواهر بعض النصوص يعين التعميم. وكذا الكلام في ما وجب بالنذر وغيره. أما ما نذره راكبا فظني أنه يجوز فعله كذلك، لأنه فعل راجح، كما سيأتي، وقد وقع عليه النذر، ويدل عليه الخبر الآتي من باب مفهوم الموافقة. وما قاله بعض الأصحاب في عدم الفرق بين النذر مطلقا أو كذلك بأنها بالنذر أعطيت حكم الواجب محل تأمل. وفي جواز فعله مستقرا على الأرض مع ذلك وجهان. وأما لو لم يقيد بذلك فيشكل مع الاختيار، نظرا إلى الإطلاقات وغيرها مما ذكرنا، وبالنظر إلى رواية علي بن جعفر: عن رجل جعل لله عليه أن يصلي كذا وكذا هل يجزئه أن يصلي ذلك على دابته وهو مسافر؟ قال: نعم (4). ويجب على المصلي كذلك الاستقبال مطلقا مع المكنة، للآية (5)، وظاهر صحيحة عبد الرحمن (6)، وفي أخرى في الخائف عن اللص، والسبع يستقبل بأول تكبيرة، وفيها: يصلي صلاة المواقفة إيماء على دابته (7). وكذا يجب سائر الأفعال،
(1) المعتبر: ج 2 ص 75. (2) المعتبر: ج 2 ص 75. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 237 ب 14 من أبواب القبلة. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 238 ب 14 من أبواب القبلة ح 6. (5) البقرة: 144. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 236 ب 14 من أبواب القبلة ح 1. (7) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 466 ح 1345. 104 ووضع جبهته على ما أمكن من شئ إذا كان مريضا، كما في الصحيح (1). والضابط: أن الميسور لا يسقط بالمعسور، وتنزيل الأخبار على مراتب الضرورة، فتدبر. وأما النوافل فيجوز فعلها راكبا وماشيا، سفرا وحضرا، للإجماع في الراكب المسافر، كما في المعتبر (2)، وللصحاح المستفيضة وغيرها فيه وفي الماشي والحاضر. ويستحب الاستقبال فيها بالتكبيرة. وقيل: بل يجب (3). ويدفعه الإطلاقات. ويكفي في الركوع والسجود الإيماء وليكن السجود أخفض من الركوع. ولا ضرورة إلى وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه. كل ذلك معلوم من الصحاح. وفي الصحيح: إذا أراد أن يركع حول وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثم مشى (4). ويستحب إيثار الاستقرار مع التمكن، للصحيح (5). فرعان: الأول: هل يعم النهي عن الصلاة راكبا ما لو فرض التمكن من جميع الأفعال حينئذ؟ المشهور نعم. وفيه إشكال، من جهة إطلاقات الأخبار بالمنع، وانصراف الأمر بالصلاة إلى القرار الغالب الشائع، ومن جهة عدم ذكر القرار في الأمر بها والتمكن منها بتمام أفعالها.
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 236 ب 14 من أبواب القبلة ح 1. (2) المعتبر: ج 2 ص 75 و 76. (3) القائل هو ابن عقيل، ونقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 2 ص 73. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 244 ب 16 من أبواب القبلة ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 241 ب 15 من أبواب القبلة ح 12. 105 ويؤيد الأول: * (حافظوا على الصلوات) * (1)، وهو يعم دفع احتمال الضرر. والثاني: صحيحة علي بن جعفر: في الرف المعلق بين نخلتين إن كان مستويا يقدر على الصلاة عليه فلا بأس (2)، بل يمكن جعلها دليلا لفهم العلية، فلا يخلو الصحة من رجحان ما. الثاني: هل يجوز صلاة النافلة على غير قبلة اختيارا مستقرا على الأرض؟ ظاهر المحقق جوازه (3)، وجماعة من الأصحاب على المنع (4)، وهو أقرب. لنا: استصحاب شغل الذمة، وكون الصلاة توقيفية، ولم يثبت، ولم يظهر كون القبلة شرطا خارجيا، بل الثابت عدمه، والصحيح " لا صلاة إلا إلى القبلة " (5) وسائر العمومات والإطلاقات. وللخصم * (فأينما تولوا فثم وجه الله) * (6)، وقال جماعة منهم المحقق (7) والعلامة (8): ورد في الأخبار أنها نزلت في النافلة. وقال في الوافي: وردت في أخبار اخر أنها وردت في النافلة في السفر، رواها العياشي وعلي بن إبراهيم في تفسيريهما، والشيخ في التبيان (9). وقال في الفقيه: ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير (10)، والظاهر أنه من تمام صحيحة ابن عمار التي ذكرها (11)، ويؤيده أخبار اخر (12).
(1) البقرة: 238. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 467 ب 35 من أبواب مكان المصلي ح 1. (3) شرائع الاسلام: ج 1 ص 67، والمعتبر: ج 2 ص 77. (4) منهم السيد العاملي في مدارك الأحكام: ج 3 ص 147، وابن أبي عقيل نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 2 ص 73. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 217 ب 2 من أبواب القبلة ح 9. (6) البقرة: 115. (7) المعتبر: كتاب الصلاة ج 2 ص 76. (8) منتهى المطلب: ج 1 ص 222 س 12. (9) الوافي: ج 7 ص 549. (10) من لا يحضره الفقيه: ذيل ح 848 ج 1 ص 276. (11) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 276 ح 848. (12) وسائل الشيعة: ج 3 ص 228 ب 10 من أبواب القبلة. 106 وبالجملة: لا يتم الاستدلال به، لظهور كون المراد من تلك الإطلاقات لو سلمت خصوص السفر، ولقوة احتمال كونها في المتحير، فلا يقاوم لأدلتنا. مسألة: يجوز الصلاة في السفينة مع عدم الاستطاعة على الخروج، بالإجماع والصحاح المستفيضة وغيرها، ويجب الاستقبال مطلقا إن أمكن، وإلا فبالتكبيرة وبما أمكن، ثم حيث توجهت به، وتحري القبلة، وكذلك القيام والقعود والركوع والسجود فمع العجز يومئ. كل ذلك يستفاد من النصوص. وأما مع الاستطاعة ففيها قولان، يدل على الجواز بعد الإطلاقات روايات منها الصحيح (1)، وعلى العدم الحسن لإبراهيم (2) ورواية أخرى، واستصحاب شغل الذمة، سيما إذا أوجب نقصا فيها، ويؤيده مراعاة ترتيب مراتب العجز في تلك الأخبار قياما وقعودا وركوعا، وإيماء واستقبالا واستدبارا، إلى غير ذلك. ويضعف الجواز التعليل بأنها صلاة نوح، إذ المعلوم منها الغالب هو مع عدم القدرة، وأن الإطلاقات أيضا تنصرف إلى الشائع، وهو غير صورة التمكن، ولكن التعليل ورد في خصوص صورة القدرة أيضا في منزلتها، مثل صحيحة جميل (3) وغيرها، فيشكل القول بالجواز، مع أن القول به أيضا لا يخلو عن قوة ما. خاتمة يستحب اتخاذ المساجد للكتاب والإجماع والنصوص، وأن يكون مكشوفة، فيكره التسقيف، ولم يظهر كراهة التظليل مطلقا. وفي الحسن: والمساجد المظللة يكره المقام فيها؟ قال: نعم، ولكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم، ولو كان العدل لرأيتم أنتم كيف يصنع في ذلك (4).
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 233 ب 13 من أبواب القبلة ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 235 ب 13 من أبواب القبلة ح 14. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 233 ب 13 من أبواب القبلة ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 488 ب 9 من أبواب أحكام المساجد ح 2. 107 والظاهر منه المسقفة، لأنه هو الشائع الغالب، لما يظهر من الأخبار من جواز جعل العريش، وأن القائم يكسر السقوف فيجعل عريشا كعريش موسى (1). ويستحب جعل الميضاءة للحدث، والخبث في أبوابها، للنص (2)، لا في وسطها، ويحرم التوسيط لو كان بعد البناء. ويكره التوضي من البول والغائط في داخل المسجد، للرواية (3). وقيل: بالمنع (4). وربما فسر بالاستنجاء عنهما فيه (5)، وليس بشئ، إذ الظاهر ثبوت الحقيقة الشرعية في الوضوء، ويؤيده الموثق: إذا كان الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد (6)، إذ الظاهر عدم كونهما مما يقع فيه، وكذا ما ورد من فضل التوضي في البيت لمن أراد المسجد (7)، فتدبر. وجعل المنارة مرتفعا في الوسط، بل يجعل مع السطح، فإن عليا (عليه السلام) مر على منارة طويلة فأمر بهدمها، ثم قال: لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد (8). وفي الدلالة على كراهة التوسيط تأمل. هذا إذا لم يسبق عليه المسجد، وإلا فلا يجوز توسيطها. ويستحب تقديم الرجل اليمنى عند الدخول واليسرى عند الخروج، والدعاء بالمأثور، وتعاهد النعل، والتحفظ عن القذر، والاختلاف إلى المساجد، والعبادة، ولا يتأكد إذا كان الأرض مبتلة بالمطر، فإذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال،
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 488 ب 9 من أبواب أحكام المساجد ح 4. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 505 ب 25 من أبواب أحكام المساجد ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 1 ص 345 ب 57 من أبواب الوضوء ح 1. (4) القائل هو الشيخ في النهاية: ج 1 ص 341، وابن إدريس في السرائر: ج 1 ص 279. (5) فسره السيد العاملي في مدارك الأحكام: ج 4 ص 393. (6) وسائل الشيعة: ج 1 ص 345 ب 57 من أبواب الوضوء ح 2. (7) وسائل الشيعة: ج 3 ص 515 ب 39 من أبواب أحكام المساجد ح 1. (8) وسائل الشيعة: ج 3 ص 505 ب 25 من أبواب أحكام المساجد ح 2. 108 وكنسها، سيما في يوم الخميس وليلة الجمعة، والإسراج فيها. كل ذلك للنصوص (1). ويستحب مرمتها، لعموم الآية (2). ويكره الدخول فيها مع الرائحة المؤذية، كالثوم والبصل وغيرها، ويتأكد في الثوم، والبصاق فإنها خطيئة، وكفارته الدفن. وفي الروايات فعل الباقر (عليه السلام) ولم يدفن حتى في مسجد الحرام (3). والتنخم، ويردها في جوفه ليبرئه عن الداء، وقتل القمل فيدفنه، وإنشاد الشعر إلا مالا بأس به. فقال الكاظم (عليه السلام) وقد سئل عن الشعر في الطواف: إن ما لا بأس به لا بأس به (4)، وعن الكاظم (عليه السلام) " لا بأس به " (5) على الإطلاق، ويحمل على ما لا بأس به. والبيع والشراء، وتمكين المجانين والصبيان، وقد يخصص الصبي بغير المميز، وليس ببعيد. وإنفاذ الأحكام، وذهب جماعة إلى عدم الكراهة لكونه عبادة (6)، وحكاية دكة القضاء مشهورة، فربما يخصص بما فيه جدل وخصومة، وقيل: ذلك مع الإدمان (7)، أو إذا كان الجلوس لأجل ذلك، ويدفعهما ظاهر الحكاية، فالوجه الأول ليس بذلك البعيد. وإنشاد الضالة، بل وتعريفها، ورفع الصوت العادي عن المعتاد، وعمل
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 517 ب 40 من أبواب أحكام المساجد ح 2، وص 517 ب 41 منها ح 1 و 2، وص 504 ب 24 منها ح 1 و 2، وص 480 ب 3 منها ح 1 و 4، وص 478 ب 2 منها ح 4، وص 511 ب 32 منها ح 1، وص 513 ب 34 منها ح 1. (2) التوبة: 18. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 498 ب 19 من أبواب أحكام المساجد ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 9 ص 464 ب 54 من أبواب الطواف ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 493 ب 14 من أبواب أحكام المساجد ح 2. (6) منهم العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 92، والشيخ في الخلاف: ج 6 ص 210 المسألة 3، وابن إدريس في السرائر: ج 1 ص 279. (7) قاله المحقق الكركي في جامع المقاصد: ج 2 ص 150. 109 الصنائع، وحديث الدنيا. ورمي الحصى خذفا، وفسر بالرمي بالأصابع مرة، وبوضع طرف الإبهام على السبابة أخرى، وبغيرها أيضا، فإنه من عمل قوم لوط، وهو يفيد عموم الكراهة. وإخراج الحصى منها، فيردها لو أخرج لتسبح، وهذه غير ما يستخرج بالكنس. ويكره تشريفها، وجعل المحاريب الداخلة لها، فإن عليا (عليه السلام) كان يكسرها، ويقول: كأنها مذابح اليهود (1) وقد يخرج القيد من الكسر، فتأمل. ولا يكره النوم إلا في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)، وما كان من مسجد الحرام على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2). وقد يعمم الكراهة، والحسن لإبراهيم (3) يدفعه. يدل على كل ما ذكر النصوص (4). وقيل: يحرم الزخرفة، والنقش بالصور (5)، واختلفوا في تفسير الصور، فيرجع فيه إلى الكلام في نفس الكسب. وقيل: يكره (6). وأدلة الحرمة مدخولة، ففي الرواية عن المساجد المصورة، فقال: أكره ذلك، ولكن لا يضركم اليوم (7)... الحديث. ويكره كشف العورة مع الأمن عن المطلع للوقار والستر وعدم الاستخفاف، وفي الرواية: قال النبي (صلى الله عليه وآله): كشف السرة والفخذ والركبة في المسجد من العورة (8).
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 510 ب 31 من أبواب أحكام المساجد ح 1. (2 و 3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 496 ب 18 من أبواب أحكام المساجد ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 514 ب 36 ح 2، وص 506 ب 26 ح 4 من أبواب أحكام المساجد. (5) قاله العلامة في قواعد الأحكام: ج 1 ص 262، إرشاد الأذهان: ج 1 ص 250. (6) قاله السيد العاملي في مدارك الأحكام: ج 4 ص 398. (7) وسائل الشيعة: ج 3 ص 493 ب 15 من أبواب أحكام المساجد ح 1. (8) وسائل الشيعة: ج 3 ص 515 ب 37 من أبواب أحكام المساجد ح 1. 110 ويحرم إدخال النجاسة فيها مطلقا، وادعى ابن إدريس عليه الاجماع (1)، وهو مذهب جماعة، حتى قال العلامة في التذكرة: لو كان معه خاتم نجس وصلى في المسجد لم يصح صلاته (2). ويدل عليه قوله تعالى: * (فلا يقربوا المسجد الحرام) * (3)، فإن النهي فرع على النجاسة، وقوله (صلى الله عليه وآله): جنبوا مساجدكم النجاسة (4)، وفي الموثق: فلا تدخله إلا طاهرا (5)، وقد يستشم ذلك من روايات اخر. وخصصه جماعة من المتأخرين بالمتعدية، للأصل، وعدم نهوض الأدلة سندا ودلالة، مؤيدا بالأخبار الدالة على جواز دخول المستحاضة، والحائض الغير المنفك عنهما النجاسة غالبا، وفي بعضها إن لم يثقب الكرسف (6) الدال على التفصيل، وكذا عدم استثناء من به قرح أو جرح من المكلفين بصلاة الجمعة، ونحو ذلك. ويمكن القول باستثناء المذكورات، وبقاء الباقي تحت العموم. وبالجملة: الحكم بالحرمة مع عدم التعدية مشكل، كما أن القول بالحرمة أيضا لا يخلو عن قوة. ومما ذكرنا يظهر حال إزالة النجاسة منها أيضا، فتفكر.
(1) لم نعثر عليه في السرائر، لكن نقله عنه السيد الطباطبائي في رياض المسائل: ج 4 ص 387. (2) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 482. (3) التوبة: 28. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 504 ب 24 من أبواب أحكام المساجد ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 516 ب 39 من أبواب أحكام المساجد ح 2. (6) وسائل الشيعة: ج 2 ص 604 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 1. 111 فصل في لباس المصلي (*) وفيه مسائل: مسألة: يجب ستر العورة في الصلاة بإجماع العلماء كافة، ويشترط صحتها به بإجماعنا وأكثر أهل العلم وبالنصوص المستفيضة. والكلام في تحديدها، فالمشهور بل المجمع عليه، على ما ادعاه ابن إدريس أنها القبل - القضيب والأنثيان - والدبر، دون الفخذين والأليتين (1). وقيل من السرة إلى الركبة (2). وقيل: إلى نصف الساق (3). والأصل والنصوص يدفعهما، ولا حجة لهما يعتد بها. ومن المرأة هاهنا تمام البدن عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين عند الأكثر. وقيل: عدا الوجه فقط (4). ويظهر من ابن الجنيد تسويتها مع الرجل في العورة (5) وقال بجواز صلاة الحرة المسلمة مكشوفة الرأس كغيرها إذا أمن من ناظر غير محرم (6). والأول أقرب، بل المستفاد من الأخبار استثناء الوجه والكفين والقدمين )
(*) راجع ما كتبناه في هامش ص 95. (1) السرائر: ج 1 ص 260. (2) المهذب: ج 1 ص 83. (3) الكافي في الفقه: ص 139. (4) قاله الشيخ في الاقتصاد: ص 258. (5) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 98. (6) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 96. 112 مع العقب، ففي الصحاح الاكتفاء بالدرع والمقنعة (1)، وبه والملحفة (2)، وغير ذلك. والاستدلال للقول الثاني بأن بدن المرأة عورة، فيجب ستره مصادرة فيما نحن فيه، وفي غيره لا يفيد. وتمسك ابن الجنيد ببعض الروايات مردود، لمعارضتها بما هو أقوى منها. وأما الشعر فربما يقال: إنه لا يظهر من الأخبار وجوب سترها، فيكتفى بالقدر اليقيني. ويمكن أن يقال: صحيحة زرارة - قال: درع وملحفة تنشرها على رأسها، وتجلل بها (3) - تدل على ذلك، إذ التجليل التعميم والتطبيق، سيما مع ملاحظة الأصول. واستدل عليه الشهيد (رحمه الله) برواية فضيل في صلاة فاطمة (عليها السلام) " وليس عليها أكثر مما وارت به شعرها وأذنيها " (4). وهي مع سلامتها في دلالتها تأمل. والأمة والصبية تصليان مكشوفة الرأس، للإجماع من العلماء، إلا من بعض العامة، نقله غير واحد من أصحابنا (5)، وللنصوص المستفيضة، منها الصحاح (6). وقيل: يستحب الستر لهما (7)، ولا دليل له، بل يمكن القول باستحباب الكشف في الإماء، كما يستفاد من النصوص، ليتميزن عن الحرائر. وإطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يعطي عدم التفرقة بين القن والمدبرة، والمكاتبة المشروطة أو المطلقة التي لم يؤد شيئا، وأم الولد. والصحيح ناطق بأكثرها (8).
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 281 ب 21 من أبواب لباس المصلي ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 294 ب 28 من أبواب لباس المصلي ح 5. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 295 ب 28 من أبواب لباس المصلي ح 9. (4) ذكرى الشيعة: ص 140 س 17. (5) نقله المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 103. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 297 ب 29 من أبواب لباس المصلي ح 1. (7) قاله المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 103. (8) وسائل الشيعة: ج 3 ص 298 ب 29 من أبواب لباس المصلي ح 7. 113 وأما صحيحة ابن مسلم: ولا على أم الولد أن تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد (1)، فلا يعارض إطلاقات الأخبار، لضعف الدلالة، مع أن القول به لا يخلو عن قوة أيضا. ولو تشبثت بالحرية بانعتاق بعضها، فحكمها حكم الحرة، لدخولها في المرأة، وعدم صدق الأمة عليها. وهل يعتبر الذكر في اشتراط الستر أو لا؟ قيل: نعم مطلقا (2)، وقيل: لا مطلقا (3)، وقيل بالتفصيل بالنسبة إلى القبل والأثناء، فيشترط في الصحة في الأول دون الثاني (4). والحق أن المفهوم من الأدلة والمتبادر منها هو الوجوب، والاشتراط قبل الشروع، ولا يشمل من تلبس به وتكشف في الأثناء وهو لا يعلم. ويدل عليه أيضا رواية علي بن جعفر: عن الرجل يصلي وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه الإعادة؟ قال: لا إعادة عليه، وقد تمت صلاته (5). وقد يقال: إنها صحيحة، لكونها مأخوذة عن كتابه، فلا عبرة بالوسائط. هذا إذا جعلنا الستر من الأحكام الوضعية، كما أن الظاهر أنه منها وأما لو جعلناه حكما إيجابيا وقلنا بعدم كونه ركنا من الصلاة وجزء منها كما هو كذلك فيمكن تعميم الحكم، لقبح تكليف الغافل، وقد يعمم في الصورة الأولى أيضا، نظرا إلى التعليل المذكور في الرواية، فتأمل. وأما لو لم نقل به فلا يمكن التفصيل أيضا، لعدم الفهم من الأدلة. والحاصل: أن مستند المبطل مطلقا ضعيف، لمنع عموم الشرطية، ومستند
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 297 ب 29 من أبواب لباس المصلي ح 4. (2) قاله العلامة في مختلف الشيعة: ج 1 ص 100. (3) قاله المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 104. (4) قاله الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 141 س 6. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 293 ب 27 من أبواب لباس المصلي ح 1. 114 المصحح مطلقا لا تقاوم مستند التفصيل. ثم إن الذي يقوى في نفسي تساوي الثوب والحشيش والورق وأمثالها في الستر إذا كان ستره مثل الثوب، ولا ترتيب فيها، ويركع ويسجد، ومع التعذر فيستتر بالطين ونحوه. وفي وجوب الستر بالطين بعد تأمل، لعدم الانصراف اليه أصلا، لعدم تحقق الستر فيه على ما ينبغي، وإلا فالتستر بالورق أيضا نادر. نعم من غير جهة الصلاة يمكن القول به. وقيل بالتخيير في الجميع (1). وقيل بالترتيب، فالثوب أولا، ثم الحشيش وأمثاله، ثم الطين (2). وقيل: الثوب أولا، ثم غيره (3). وذكر الثوب في الأخبار إنما هو محمول على الغالب، مع أنه مفهوم اللقب، إذ المراد من قولهم (عليهم السلام) أدنى ما يجزئ درع وملحفة (4) وغير ذلك هو القدر والمقدار، لا الجنس والذات. ولا دليل للأقوال يعتمد عليه. ثم لو لم يوجد إلا الطين وقلنا بوجوب الستر به ففي الركوع والسجود والإيماء تأمل، والصحيح - على المشهور - يدل على الانتقال إلى الإيماء بعد تعذر الحشيش ونحوه، وهو مؤيد لما ذكرنا من عدم الوجوب، وإذا فقد الساتر مطلقا، فيصلي عريانا قائما، ويومئ للركوع والسجود إن أمن المطلع، وإلا فيقعد كذلك، للمرسل (5)، وبه يجمع بين الصحاح.
(1) قاله الشيخ في المبسوط: ج 1 ص 87، وابن إدريس في السرائر: ج 1 ص 260. (2) قاله الشهيد الأول في الدروس: ج 1 ص 148. (3) قاله الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 141 س 14. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 295 ب 28 من أبواب لباس المصلي ح 9. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 326 ب 50 من أبواب لباس المصلي ح 3. 115 وقيل بالقيام مطلقا، ويومئ (1). وقيل بالقعود مطلقا كذلك (2). وقيل: بالتخيير (3). والأول أقوى، لعمل الأكثر والجمع بين الأخبار، وأحوط من الأخيرين أيضا. وهل الإيماء للقائم لسجوده في حال القيام أم يجلس ويومئ؟ قيل بالثاني، للإتيان بالمأمور به بقدر الاستطاعة، ولأن الميسور لا يسقط بالمعسور (4). ويدفعه الصحيح: " يومئ وهو قائم " (5)، ويمكن القول بعدم التنافي، فتأمل. ولا يكتفى بدخول الحفيرة، إذ المفهوم من الساتر هو ما يلاصق بدن المصلي، وقال به العلامة في التحرير (6)، لمرسلة أيوب بن نوح (7). ويدفعه ما يدل على الانتقال إلى الإيماء بعد فقد الثياب وما جرى مجراه، فليتأمل. والستر يراعى من الجوانب الأربع، بل الفوق والتحت أيضا لو فرض الرؤية للغير. وفي اعتباره بالنظر إلى نفس المصلي نظر، من جهة الأصل وتبادر الستر عن الغير من الأدلة، ومن احتمال الشمول، وخصوص بعض الأخبار: قال: لا يصلي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار (8)، وفي معناه أخبار اخر في بعضها نفي البأس (9)، وفي بعضها " لا ينبغي " (10).
(1) قاله ابن إدريس في السرائر: ج 1 ص 260. (2) قاله السيد المرتضى في رسائله (المجموعة الثالثة): ص 49، والعلامة في مختلف الشيعة: ج 2 ص 100. (3) قاله المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 105. (4) القائل هو الشيخ عميد الدين، ولم يوجد كتابه عندنا، ونقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 142 س 8. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 326 ب 50 من أبواب لباس المصلي ح 1. (6) تحرير الأحكام: ج 1 ص 32 س 2. (7) وسائل الشيعة: ج 3 ص 326 ب 50 من أبواب لباس المصلي ح 2. (8 و 9 و 10) وسائل الشيعة: ج 3 ص 286 ب 23 من أبواب لباس المصلي الأحاديث 3 - 5. 116 وفي دلالتها على ما نحن فيه تأمل، إذ يمكن أن يكون النهي من جهة عدم الاستتار عن الغير. مسألة: يجب طهارة الثوب والبدن في الصلاة، ويشترط صحتها بها، وتبطل بدونها بالإجماع نقله غير واحد من أصحابنا (1) والكتاب والسنة، هذا إذا كان عالما عامدا، ولا فرق بين بقاء الوقت وخروجه، ولا بين العالم بالمسألة والجاهل على الأقوى، إلا أن لا يتفطن للمسألة لا إجمالا ولا تفصيلا، والضابط التقصير. وأما في غيره فلا يخلو إما أن يكون عالما بالنجاسة قبل الشروع في الصلاة ونسي غسله ويتذكر بعد الصلاة أو في الأثناء أو لا، وعلى الثاني فإما أن يعلم به بعد الصلاة أو في الأثناء، وعلى كل واحد منهما إما أن يعلم السبق على الصلاة أو لا، وعلى الثاني إما أن يعلم عدمه أو يشك فيه. أما لو نسي غسله وصلى فالشيخ في جملة من كتبه (2) والمفيد في المقنعة (3) والمرتضى في المصباح (4) وابن إدريس (5) إلى أنه كالعامد تجب عليه الإعادة في الوقت وخارجه، وادعى ابن إدريس عليه الاجماع، كما قيل (6). ونقلوا عن الشيخ القول بعدم وجوب الإعادة مطلقا في بعض أقواله (7). وقال في الاستبصار: يعيد في الوقت دون خارجه (8). والأول هو المعتمد. لنا الاجماع المنقول والنصوص المستفيضة المتكثرة غاية الكثرة منها الصحاح.
(1) نقله السيد صاحب رياض المسائل: ج 2 ص 372. (2) المبسوط: ج 1 ص 38، النهاية: ج 1 ص 267، الخلاف: ج 1 ص 479 المسألة 221. (3) المقنعة: ص 149. (4) لم يوجد هذا الكتاب عندنا، نقله عنه المحقق في المعتبر: ج 1 ص 441. (5) السرائر: ج 1 ص 183. (6) قاله السيد العاملي في مدارك الأحكام: ج 2 ص 345. (7) نقله عنه العلامة في تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 490. (8) الاستبصار: ج 1 ص 184 ذيل ح 14. 117 ففي صحيحة زرارة الطويلة: نسيت أن بثوبي شيئا وصليت، ثم إني ذكرت بعد ذلك، قال: تعيد الصلاة وتغسله (1). وفي صحيحة ابن أبي يعفور: فيغسله ويعيد الصلاة (2). وفي موثقة سماعة قال: يعيد صلاته كي يهتم بالشئ إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه (3). والعلة عامة، والأصول يؤيده ويعاضده، وكذا الإطلاقات والعمومات في وجوب غسل النجاسة للصلاة. والقول بأن الإعادة ظاهرة في بقاء الوقت ليس على ما ينبغي، إذ ليس ذلك إلا اصطلاح الفقهاء. ولفظ الإعادة في الأخبار مستعملة في الخارج عن الوقت في غاية الكثرة، منها الخبران المفصلان اللذان استدل بهما الخصم، فلو احتج علينا بذلك فهو حجة عليه. وللقول الثاني الأصل، وفي صحيحة علاء قال: لا يعيد، قد مضت الصلاة وكتبت له (4). فإن التعليل يفيد العموم، ولأنه صلى صلاة مأمورا بها، والأمر يقتضي الاجزاء. والأصل لا أصل له، وهو معنا. والخبر وإن كان صحيحا لكنه ليس بأظهر دلالة من أخبارنا، ولا يقاومها، لكثرة صحاحها، فضلا عن غيرها، واعتضادها بالشهرة والإجماع المنقول والأصول، فلا بد من توجيهها أو طرحها، إذ لا دليل على الجمع بعنوان العموم، مع أن الشيخ حملها على الشذوذ (5)، وهو أعرف.
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1063 ب 42 من أبواب النجاسات ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1026 ب 20 من أبواب النجاسات ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1064 ب 42 من أبواب النجاسات ح 5. (4) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1063 ب 42 من أبواب النجاسات ح 3. (5) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 360 ذيل ح 24. 118 وللقول الثالث مكاتبة علي بن مهزيار قال: كتب إليه سليمان بن راشد يخبره أنه بال في ظلمة الليل، وأنه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه أصابه ولم يره، وأنه مسحه بخرقة، ثم نسي أن يغسله، وتمسح بدهن فمسح به كفيه ووجهه ورأسه، ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى، فأجابه بجواب قرأته بخطه: أما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشئ إلا ما تحقق، فإن تحققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات التي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها، من قبل أن الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت، وإذا كان جنبا أو صلى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته، لأن الثوب خلاف الجسد (1). وهي مع كونها مكاتبة فيها تشويشات واختلاطات لا يرضى به الفقهاء ولا يصح، وذلك يضعفها، وجمع من المتأخرين حكموا بتهافته (2)، ولا يقاوم أدلتنا. وأحسن ما وجه هذا الخبر هو ما أفاده شيخنا المحقق دام ظله: أن لفظة: " من قبل " ظرف محذوف الإضافة، أي من قبل أن تتحقق وتجزم به، فيكون مرتبطا بما تقدم. و " ان الرجل " ابتداء كلام، وتحقيق في الفرق بين الثوب والجسد، وتعليل للحكم السابق، وتأكيد له (3)، انتهى ملخصا. قال: المراد من الثوب والجسد النجاسة الحدثية والخبثية. وأما لو تذكر في الأثناء فلم أجد في كلامهم تصريحا في حكمه، ويمكن القول بأن حكمه حكم الجاهل، وسيأتي أنه يعيد إذا علم في الأثناء، فيعيد الناسي بطريق أولى، ويؤيده العمومات والإطلاقات في الإعادة، وهي كثيرة جدا. ويدل عليه خصوص التعليل في موثقة سماعة المتقدمة. وربما يستدل عليه بصحيحة علي بن جعفر: عن رجل ذكر وهو في الصلاة أنه
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1063 ب 42 من أبواب النجاسات ح 1. (2) منهم السيد العاملي في مدارك الأحكام: ج 2 ص 348، والفيض الكاشاني في كتاب الوافي: ج 6 ص 154. (3) لا يوجد كتابه لدينا. 119 لم يستنج من الخلا، قال: ينصرف ويستنجي ويعيد الصلاة. لكن في آخره " وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك، ولا إعادة عليه " (1)، وهو مناف لما حققناه. ويمكن حمله على ما يوافق التفصيل الذي اختاره الشيخ في الاستبصار، فتأمل. وأما صحيحته الأخرى: عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به؟ قال: إن كان دخل في صلاته فليمض، وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه، إلا أن يكون فيه أثر فيغسله (2)، فلا ينافي ما ذكرنا إن لم يؤيده. والعجب من بعض الأصحاب أنه استدل بهذا الخبر على لزوم المضي في الصلاة في صورة الجهل بالنجاسة، والعلم به في الأثناء مع العلم بالسبق (3)، كما سيأتي. ولا دلالة له بوجه، لأن الظاهر رجوع الاستثناء إلى الحكمين، كما يشهد به اعتبار النضح قبل الدخول في الصلاة. وأما الحكم بعد الغسل فغير معلوم من الخبر. وبالجملة: الأحوط، بل الأقوى الإعادة، والله يعلم. وأما إذا لم يكن عالما به وعلم به بعد الفراغ سواء حصل له العلم بالسبق على الصلاة - كما يقتضيه إطلاق كلام الأصحاب - أم لا، المشهور عدم الإعادة مطلقا، وللشيخ قول بالإعادة في الوقت دون خارجه (4)، وللشهيد احتمال تفصيل آخر، وهو أنه لا إعادة على من اجتهد قبل الصلاة ويعيد غيره (5)، والأول أقرب. أما لو خرج الوقت، فادعى العلامة (6) وابن إدريس (7) وابن فهد (8) عليه
(1) وسائل الشيعة: ج 1 ص 224 ب 10 من أبواب الخلوة ح 4. (2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1017 ب 13 من أبواب النجاسات ح 1. (3) استدل به السيد العاملي في مدارك الأحكام: ج 2 ص 352. (4) المبسوط: ج 1 ص 38. (5) ذكرى الشيعة: ص 17 س 17. (6) لم نعثر على الاجماع في كتبه المتوفرة لدينا. (7) السرائر: ج 1 ص 183. (8) المهذب البارع: ج 1 ص 247. 120 الاجماع، ونسبه في المنتهى إلى علمائنا وأهل العلم (1). ويدل عليه أيضا أنه صلى صلاة مأمورا، والأمر يقتضي الاجزاء، وإيجابها ثانيا يحتاج إلى دليل، فتأمل. ويدل عليه الصحاح وغيرها. ففي صحيحة ابن مسلم: قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، وإن نظرت في ثوبك فلم يصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك، وكذا البول (2). وفي صحيحة الجعفي الآتية: وإن لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد الصلاة (3). والمنقول عن الشيخ في الاستدلال على القول الثاني بأنه لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة وجب الإعادة (4)، فكذا إذا علم في الوقت بعد الفراغ، والملازمة ممنوعة. وقد يستدل له بما رواه الشيخ في الصحيح عن وهب بن عبد ربه: في الجنابة يصيب الثوب ولم يعلم بها صاحبه، ويصلي فيه ثم يعلم بعد، قال: يعيد إذا لم يكن علم (5). وحمله في التهذيب على أنه إذا لم يعلم في حال الصلاة وكان قد سبقه العلم بحصول النجاسة في الثوب (6). والذي أظنه في التوجيه أن يكون الإعادة من جهة وجدان المني، ولزوم الغسل، لكون الصلاة بلا طهور حينئذ، ولزوم إلغاء المفهوم مشترك الإلزام. وقد يقال: كلمة " لا " ساقطة في " يعيد ". وقد يحمل على الاستحباب.
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 183 س 28، وفيه: وأكثر علمائنا على أنه لا يعيد خارج الوقت وهو قول أكثر أهل العلم. (2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1062 ب 41 من أبواب النجاسات ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1026 ب 20 من أبواب النجاسات ح 2. (4) الاستبصار: ج 1 ص 183 ح 641. (5) الاستبصار: ج 1 ص 181 ح 635. (6) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 360 ح 23. 121 ويدل على مذهب الشيخ القوي: سألته عن رجل صلى وفي ثوبه بول أو جنابة، فقال: علم به أو لم يعلم فعليه الإعادة إعادة الصلاة إذا علم (1). ولا بد من التوجيه أيضا. ويدل على التفصيل الذي احتمله الشهيد على ما استدل به في الذكرى (2) وصحيحة ابن مسلم المتقدمة (3) والحسن - لإبراهيم - عن ميسر: في المني تغسله الجارية فلا تبالغ فيصلى فيه فإذا هو يابس، قال: أعد صلاتك، أما أنك لو غسلت أنت لم يكن عليك شئ (4)، وقال بإمكان ذلك إن لم يكن قولا ثالثا. وقد يستدل له أيضا برواية ميمون الصيقل: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل، فلما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة، فقال: الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلا وقد جعل له حد، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة (5). وفي الثلاثة نظر. أما الأولى فلورود الشرط مورد الغالب، ولا حجة فيه. وأما الثانية فظاهر، لأن العلة هنا عدم تحقق الغسل شرعا، يعني لو أنت غسلت لكنت غسلت صحيحا، فلم يحتج إلى الإعادة، ولا دخل له بما نحن فيه. وأما الثالثة فضعيفة، لا يعارض الأخبار المعتبرة المعتضدة بالشهرة. فرع: إذا وقع عليه النجاسة بين الصلاة وزال ثم اطلع عليها، الظاهر عدم البطلان، للأصل وعدم شمول الأدلة. وأما إذا لم يكن عالما به وعلم به في الأثناء وعلم السبق، أي ظهر له أن وصول النجاسة كان قبل الصلاة، فذهب جماعة من الأصحاب (6) إلى وجوب إزالة
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1061 ح 2. (2) ذكرى الشيعة: ص 17 س 17. (3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1022 ب 16 من أبواب النجاسات ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1024 ب 18 من أبواب النجاسات ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1062 ب 41 من أبواب النجاسات ح 3. (6) كالشيخ الطوسي في النهاية: ج 1 ص 325، والمحقق الحلي في الشرائع: ج 1 ص 54. 122 النجاسة وستر العورة مع الإمكان، وعدم تحقق المبطل، وبالبطلان ووجوب الإعادة لو لم يمكن. وبنى جماعة (1) الإعادة هنا على القول بإعادة الجاهل، وعدمه في الوقت بعد الفراغ. والذي يقوى في نفسي - من جهة الأخبار - هو البطلان مطلقا ووجوب الإعادة. ففي صحيحة زرارة الطويلة: قلت: إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال: تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته (2). وقد تقدم صحيحة محمد بن مسلم أيضا. وفي حسنته أيضا: قلت: الدم يكون في الثوب علي وأنا في الصلاة، قال: إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل في غيره، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم (3)، تدل بالمفهوم على عدم جواز المضي، وعدم انتفاء الإعادة لو كان زائدا على مقدار الدرهم. وأصالة عدم رجوع المخصص إلا إلى الجملة الأخيرة - مع أنه لا يعارض الظاهر - يوجب قولا لم يقل به أحد. وفي صحيحة أبي بصير: في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به، قال: عليه أن يبتدي الصلاة (4). وربما يمكن الاستدلال عليه بالإطلاقات أيضا، ويؤيده أيضا رواية أبي بصير المتقدمة لإطلاق قوله (عليه السلام): " إذا علم "، ولم يظهر من الأخبار دليل على التفصيل المذكور.
(1) كالشيخ في المبسوط: ج 1 ص 38، 90، والمحقق الحلي في المعتبر: ج 1 ص 443. (2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1065 ب 44 من أبواب النجاسات ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1027 ب 20 من أبواب النجاسات ح 6. (4) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1059 ب 40 من أبواب النجاسات ح 2. 123 والبناء على إعادة الجاهل في الوقت بعد الفراغ مشكل، لما عرفت من الأدلة في المقامين، فتدبر. وأما موثقة داود بن سرحان: عن الرجل يصلي وأبصر في ثوبه دما، قال: يتم (1) فمحمولة على الأقل من الدرهم، لعدم مقاومتها للأخبار السابقة. وهذا أيضا مما يؤيد ما نقلناه عن بعض الأصحاب، وقد ظهر لك الحال، والحمد لله. ويظهر من السيد في المدارك الحكم بالمضي في الصلاة، لحسنة ابن مسلم المتقدمة (2)، وقد عرفت. وأما إذا كان مع ذلك غير عالم بالسبق أيضا بأن كان شاكا أو علم العدم والأقوى (3) هاهنا التفصيل المتقدم، للصحاح المستفيضة وغيرها. ففي صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق: فيعرض له رعاف كيف يصنع؟ قال: يخرج فإن وجد الماء قبل أن يتكلم فليغسل الرعاف ثم ليعد فليبن على صلاته (4). وصحيحة ابن مسلم: عن الرجل يأخذه الرعاف والقئ في الصلاة كيف يصنع؟ قال: يصلي ويغسل أنفه ويعود في صلاته، وإن تكلم فليعد صلاته (5). والظاهر أن التكلم هاهنا بعنوان المثال من جملة الأفعال المبطلة للصلاة، فلا يرد أنهما يقتضيان صحة البناء مع عدم الكلام مطلقا، ولم يقل به أحد، فتدبر. وفي الحسن لإبراهيم: عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة، فقال: إن قدر على ماء عنده - إلى أن قال: - وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1066 ب 44 من أبواب النجاسات ح 2. (2) مدارك الأحكام: ج 2 ص 352. (3) كذا في الأصل والظاهر: فالأقوى. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1246 ب 2 من أبواب قواطع الصلاة ح 12. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1245 ب 2 من أبواب قواطع الصلاة ح 9. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1245 ب 2 من أبواب قواطع الصلاة ح 6. 124 وفي صحيحة ابن أذينة: عن الرجل يرعف وهو في الصلاة - إلى أن قال: - وإن لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة (1). إلى غير ذلك من الأخبار. وهذه الأخبار وإن كان وردت في الرعاف وبعضها فيه وفي القئ لكن عدم القول بالفصل يتم المطلوب. فإن قلت: الأخبار المتقدمة في المسألة السابقة يشمل بعمومها لهذه الصورة فما وجه التخصيص؟ قلت: هذه الأخبار ظاهرة في صورة العلم بالسبق، كما يظهر لمن تأمل فيها. ثم اعلم أن ما ذكرنا من الأخبار إنما يدل على صورة العلم بعدم السبق، ويمكن الإشكال في صورة الشك، ولم أجد في كلام الأصحاب تفرقة في ذلك، ولعله يكون إجماعا، وإن لم يثبت، فيمكن الإلحاق بصورة العلم بالسبق نظرا إلى الإطلاقات، وعدمه نظرا إلى ظهورها في العلم بالسبق. والذي يقوى في نفسي هو الأخير ويدل عليه صحيحة زرارة الطويلة، قال (عليه السلام) في آخرها: وإن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة، لأ نك لا تدري لعله شئ أوقع عليك، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك (2). وأما لو كان الشك في أن النجاسة هل كان معه في تمام الصلاة أو بعده، بعد الصلاة؟ فالأصل يقتضي عدم الالتفات، وظاهر المنتهى عليه الاجماع بين أهل العلم (3). فائدة: لو علم بالنجاسة في الأثناء وضاق الوقت عن الإزالة والاستئناف فقد يستشكل فيه، بالنظر إلى إطلاقات الإعادة، وإطلاقات وجوب إزالة النجاسة للصلاة وإلى منع شمول الإطلاقات لهذه الصورة.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1244 ب 2 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1065 ب 44 من أبواب النجاسات ح 1. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 184 س 17. 125 ولا يمكن القول بأن الاستمرار والدوام أقوى، لأن الذي يقتضيه الأدلة وجوب إزالة النجاسة للصلاة، وأن وجوبها للغير، ومع عدم التمكن منها فلا وجه للوجوب، سيما ووجوب القضاء بفرض جديد، وهو واجب على حدة. ويؤيده سقوط القبلة والقراءة والركوع والسجود في أوقات الضرورة، لمراعاة الوقت. وبالجملة: وجوب إيقاع الصلوات الخمس في الأوقات المخصوصة يقيني، ولا دليل على جواز الترك هنا، فمن أراد الاحتياط فليجمع بين الأداء والقضاء، والله يعلم. مسألة: وقد عفي في الصلاة عن نجاسات: منها: دم القروح والجروح، والأقرب العفو عنه مطلقا ما لم يبرأ، للأصل وللصحاح وغيرها. وقيل: إذا كان سائلا دائما (1). وربما زاد بعضهم: أو لم يكن الفترة بمقدار أداء الفريضة (2). وقيل: إذا لم يكن شاقا (3). وفيه أن هذا لا خصوصية له بهذا الدم. وقيل: باعتبارهما معا (4). والأخبار مطلقة، والإطلاقات لا يعارضها. ولا يجب تبديل الثوب، كما قاله العلامة (5)، لصريح قوله: ولا يغسلهما ولا شئ عليه (6)، ولا عن تعصب الموضع، ولا غسل الثوب كل يوم مرة. ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير، والثوب والبدن، لترك الاستفصال والإطلاق. نعم يستحب الغسل كل يوم مرة، لخبر سماعة (7). وقد يقال: ينبغي أن يراد بالبرء الأمن من خروج الدم وإن لم يندمل، وهو حسن، ويظهر من بعض الأخبار أيضا.
(1) كالمفيد في المقنعة: ص 69. (2) المعتبر: ج 1 ص 429. (3) شرائع الاسلام: ج 1 ص 53. (4) منتهى المطلب: ج 1 ص 172 س 13. (5) نهاية الإحكام: ج 1 ص 286. (6) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1029 ب 22 من أبواب النجاسات ح 5. (7) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1029 ب 22 من أبواب النجاسات ح 2. 126 ومنها: الدم المسفوح الأقل من الدرهم، للإجماع نقله غير واحد منهم (1)، كما أن عدم العفو عن الأزيد منه أيضا إجماعي، قاله العلامة في غير واحد من كتبه (2). واختلفوا في مقدار الدرهم، فجماعة (3) من الأصحاب على عدم العفو، للعمومات خرج الأول بالإتفاق وبقي الباقي، وللصحيح (4) وغيره (5) صريحا. وقيل بالعفو (6)، للأصل، وإطلاق الأمر بالصلاة، وللحسن (7) وغيره (8)، وليسا بذلك الصريح. فالأول أقوى، لكن عدم انضباط مقدار الدرهم ينفي فائدة الخلاف، لعدم النص والحقيقة العرفية والشرعية. وقد يفسر بعقد الإبهام الأعلى (9)، وبأخمص الراحة (10)، وغيره (11). ففي المحتمل يحتمل العفو، للأصل، وعدم إفادة العمومات وجوب الإزالة في هذا الفرد، وعدمه بالنظر إلى العمومات، وعدم ثبوت التخصيص، والأحوط الاقتصار على الأقل والمتيقن.
(1) مدارك الأحكام: ج 2 ص 311. (2) مختلف الشيعة: ج 1 ص 477، منتهى المطلب: ج 1 ص 172 س 27، تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 8 س 22. (3) كالشيخ المفيد في المقنعة: ص 69، والشيخ الطوسي في المبسوط: ج 1 ص 36، وابن إدريس في السرائر: ج 1 ص 177 - 178. (4) الاستبصار: ج 1 ص 176، ح 611. (5) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1026 ب 20 من أبواب النجاسات ح 4. (6) كالديلمي في المراسم: ص 55 وهو محكي عن السيد المرتضى (قدس سره) ولعله الظاهر من عبارة الانتصار: ص 13 - 14. (7) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1027 ب 20 من أبواب النجاسات ح 6. (8) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1026 ب 20 من أبواب النجاسات ح 2. (9) كما في المعتبر: ج 1 ص 430. (10) كما هو عند ابن إدريس في السرائر: ج 1 ص 177. (11) كتقديره بسعة الدينار، نقله عن ابن عقيل في المعتبر: ج 1 ص 430. 127 واستثنى الأصحاب عن ذلك دم الحيض من ذلك قليلا وكثيرا، للرواية (1) المنجبرة بالعمل، والاستثناء مذكور في فقه الرضا (2) أيضا، وقد يلحق به أخواه. ويدل عليه الاجماع والأخبار الدالة على وجوب تغيير القطنة والخرقة للمستحاضة مع وصول الدم. أما الاجماع فيظهر من المنتهى (3). وأما الأخبار: ففي الصحيح: فتدخل قطنة بعد قطنة (4). وفي رواية: فإذا ظهر الدم أعادت الغسل وأعادت الكرسف (5). وفي أخرى: واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة (6). وقد يتأمل في دلالة الأخبار على وجوب التغيير للصلاة، وستعرف أيضا أن ما لا يتم به الصلاة مطلقا يجوز الصلاة مع نجاسته أنه نجاسة كانت للإطلاقات، إلا أن يقال باستثناء ذلك، ولا بد من التأمل. نعم نقل عن الشهيد الثاني (رحمه الله) أنه قال: إن به نصا (7)، فإن كان هو من جملة ما ذكرنا فقد عرفت الحال، وإلا فلا بد من الملاحظة، فعمدة الاتكال على الاجماع، ويكون الاستدلال من باب الأولوية، فتأمل. وإذا ثبت الحكم في الاستحاضة فيظهر الحكم في الحيض والنفاس بطريق أولى أيضا. ومما يؤيده ما دل على اتحاد النفاس مع الحيض. وقد يلحق بها دم نجس العين، ولم نقف فيه على مستند يعتد به، ولعل نظره إلى نجاسته بملاقاة نجس العين وهو غير معفو، وعدم الدليل على نجاسة المائع بالملاقاة مطلقا، عدا الاجماع ومنعه فيما نحن فيه يدفعه، وكذا الاجماع الذي
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1028 باب 21 من أبواب النجاسات ح 1. (2) الفقه الرضوي: ص 95. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 120 س 4. (4) وسائل الشيعة: ج 2 ص 604 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 2 ص 607 ب 1 من أبواب الاستحاضة ح 10. (6) وسائل الشيعة: ج 2 ص 611 - 612 ب 3 من أبواب النفاس ح 2. (7) لم نجده في كتبه المتوفرة لدينا نصا ولم يذكر في الكتب الفقهية الاستدلالية. 128 ادعاه ابن إدريس (1) للإمامية على خلافه، ومع ذلك لا يخلو الحكم بالعفو عن إشكال، ولا شك أنه أحوط. واعلم أن الظاهر من الأخبار العفو إذا كان الدم في الثوب، لكنهم لم يفرقوا بينهما، وربما يستشهد له برواية مثنى: إن اجتمع منه قدر حمصة فاغسله، وإلا فلا (2). والظاهر أن الاعتماد هنا على الاجماع. ثم إن لاقى ذلك الدم جسم طاهر رطب فهل يستصحب الحكم أم لا؟ فيه وجهان، ويمكن القول بأن العفو أقوى. وهل يكون حكم المتفرق من الدم - بحيث يكون مجتمعه مقدار الدرهم - حكم المجتمع؟ قيل: نعم (3)، وقيل: لا (4)، وقيل: نعم إن تفاحش (5). والأول أوسط، لصحيحة ابن أبي يعفور: في ثوب فيه نقط الدم لا يعيد صلاته، إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا (6). والظاهر أن الحال مقدرة، بل رواية جميل أيضا (7) ظاهرة فيه، ويؤيده العمومات. واحتج الخصم بصحيحه الأولى (8)، وهي حجة عليه، ولم نجد للقول الأخير ولا لتحديد قيده وجها. ومنها: نجاسة ما لا يتم الصلاة فيه منفردا، سواء كان من الملابس أو غيرها، في محالها كانت أم لا، للأصل، وعدم شمول الأدلة على وجوب طهارة الثوب لغير الملابس، بل لها أيضا، لعدم إطلاق الثوب عليها، وللنصوص المستفيضة فيها.
(1) السرائر: ج 1 ص 177. (2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1027 ب 20 من أبواب النجاسات ح 5. (3) المبسوط: ج 1 ص 36. (4) الوسيلة: ص 77، المراسم: ص 55. (5) النهاية: ج 1 ص 266. (6) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1026 ب 20 من أبواب النجاسات ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1026 ب 20 من أبواب النجاسات ح 4. (8) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1026 ب 20 من أبواب النجاسات ح 1. 129 وابن إدريس خص الحكم بالملابس (1)، وزاد العلامة مع ذلك كونها في محالها (2)، وحصر القطب الراوندي في القلنسوة والتكة والجورب والخف والنعل (3) ولا وجه لها، لما ذكرنا. وألحق الصدوق العمامة (4) بما ذكرنا. وقد يوجه بأن المراد العمامة الصغيرة كالعصابة، فإن سلب اسم الثوب عن الكبيرة محل تأمل. ثم إنه يمكن تقوية ما ذهب إليه ابن إدريس لما ورد في بعض الأخبار في كراهة صلاة المختضب، نعم إذا كانت خرقته طاهرة (5). وربما يقال: إن الظاهر أنه لا ينفك غالبا نجاسة الخرقة عن نجاسة اليد، فيرجع إلى اشتراط طهارة البدن. وبالجملة: لا ظهور له بحيث يقاوم الإطلاقات وغيرها، وفي بعض الأخبار: صل في نعليك إذا كانت طاهرة (6). ومنها: ثوب المربية للصبي، فإنها يكتفى بغسلها كل يوم مرة، لرواية أبي حفص (7) المنجبرة بالشهرة. والمذكور فيها المولود، فلا وجه لتخصيص الصبي، بل ويمكن التعدي إلى المربي مع وجود العلة فيه، وكذا إلى أزيد من ثوب لو اضطر إلى ذلك، وإلى أزيد من ولد، وهكذا إلى الغائط، سيما مع شيوع إطلاق البول عليهما للاستهجان. والظاهر من اليوم: اليوم والليلة.
(1) السرائر: ج 1 ص 184. (2) قواعد الأحكام: ج 1 ص 193، منتهى المطلب: ج 1 ص 174 س 35، تحرير الأحكام: ج 1 ص 24 س 24. (3) كما في مختلف الشيعة: ج 1 ص 484. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 73. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 312 ب 39 من أبواب لباس المصلي ح 2. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 308 ب 37 من أبواب لباس المصلي ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1004 ب 4 من أبواب النجاسات ح 1. 130 ويمكن التعدي إلى البدن، وفيه إشكال. وفي وجوب الغسل والاكتفاء بالصب فيما لو كان صبيا وجهان، والأقوى الأول، لظاهر الخبر (1). وجعل جماعة (2) من أصحابنا إيقاعه في آخر النهار ليقع الصلاة الأربع على الطهارة بحسب المقدور أولى، ولا بأس به. منهاج لو لم يقدر على تطهير الثوب ولم يكن له غيره، ففي طرحه والصلاة عريانا والصلاة فيه والتخيير بينهما أقوال ثلاثة. ذهب إلى أولها الشيخ (3) وابن البراج (4) وابن إدريس (5) وجماعة (6) من الأصحاب على ما نقل عنهم والمحقق في الشرائع (7) والعلامة في أكثر كتبه (8). وإلى الثالث المحقق في المعتبر (9) والعلامة في المنتهى (10) والشهيدان (11) وجماعة (12) من المتأخرين على ما نقل عنهم. وإلى الثاني ابن الجنيد (13) بعنوان الأفضلية وتبعه الشهيدان (14).
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1004 ب 4 من أبواب النجاسات ح 1. (2) مدارك الأحكام: ج 2 ص 355، منتهى المطلب: ج 1 ص 176 س 35، والبيان: ص 41. (3) الخلاف: ج 1 ص 398 المسألة 150. (4) كما عن الكامل كما في كشف اللثام: ج 1 ص 56. (5) السرائر: ج 1 ص 186. (6) مختلف الشيعة: ج 1 ص 487، رياض المسائل: ج 2 ص 407. (7) شرائع الاسلام: ج 1 ص 54. (8) منتهى المطلب: ج 1 ص 182 س 15، المختلف: ج 1 ص 487، قواعد الأحكام: ج 1 ص 94. (9) المعتبر: ج 1 ص 445. (10) منتهى المطلب: ج 1 ص 182 س 27. (11) اللمعة والروضة: ج 1 ص 527. (12) كشف اللثام: ج 1 ص 56 س 14، نهاية الإحكام: ج 1 ص 282. (13) كما في مختلف الشيعة: ج 1 ص 490. (14) البيان: ص 42، روض الجنان: ص 169 س 17. 131 والآخر أوسط. لنا الجمع بين الأدلة. وللأولين الاجماع، نقله في الخلاف (1) والعلامة في المنتهى (2)، وان النجاسة ممنوع عنها في الصلاة، ورواية سماعة (3) والحلبي (4)، وضعفهما منجبر بالعمل والشهرة والإجماع المنقول، مع أن العلامة المجلسي (رحمه الله) عده في شرح الفقيه (5) من الصحاح. وللوسط الصحاح وغيرها، ففي صحيحة الحلبي: عن رجل أجنب في ثوبه وليس معه غيره، قال: يصلي فيه، وإذا وجد الماء غسله (6). وفي أخرى: عن الرجل يجنب في ثوب وليس معه غيره ولا يقدر على غسله، قال: يصلي فيه (7). قال في الفقيه بعد هذا الخبر: وفي خبر آخر: يصلي فيه فإذا وجد الماء غسله وأعاد الصلاة (8). وأما ثبوت الأفضلية - بسبب أنه يوجب الإتيان بالصلاة مع الشرائط، ولحصول الستر، وللتحتم، والتأكد المستفاد من الأخبار في الصلاة فيه - فلم يثبت، لقوة الخبرين المعمول بهما عند الأكثر، مع تعاضدهما بالإجماعين، غاية الأمر التساوي، بل لا يبعد التوقف في هذا الحكم، والاحتياط الجمع بين الصلاتين، والله يعلم.
(1) الخلاف: ج 1 ص 398 المسألة 150. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 182 س 29 - 30، وفيه دلالة على تسليم العمل بالروايات الدالة على الصلاة عريانا في المقام. كما أشار إليه الطباطبائي في رياض المسائل: ج 2 ص 407. (3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1068 ب 46 من أبواب النجاسات ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1068 ب 46 من أبواب النجاسات ح 4. (5) روضة المتقين: ج 2 ص 128. (6) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1066 ب 45 من أبواب النجاسات ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1067 ب 45 من أبواب النجاسات ح 4. (8) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 248 ح 754. 132 فرع: إذا اضطر ذلك الفاقد إلى لبس الثوب الموصوف صلى فيه اتفاقا. وقال الشيخ (1) وجمع من الأصحاب: يعيد مع ذلك أيضا. وقيل (2): لا يعيد، وقر به المحقق (3) واستند بعض المتأخرين عدم الإعادة إلى المشهور (4). واستدلوا على وجوب الإعادة بموثقة عمار: عن رجل ليس عليه إلا ثوب ولا يحل له الصلاة فيه وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال: يتيمم ويصلي، فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة (5). أقول: وقد مر كلام الفقيه أيضا، ولعله يكون إشارة إلى ذلك الموثق، وحملها في الاستبصار على حال الضرورة (6)، ولا دلالة عليه، مع أنه لو ثبت إنما يدل إذا كان متيمما لا متطهرا بالماء. وما أشار إليه في الفقيه إن كان هذا فهو الجواب، وإلا فلم يثبت صحته. ويدل على العدم الأصل والإطلاقات الخالية عن التعرض لها. ولا يبعد القول باستحباب الإعادة، مع أن الاحتياط عدم الترك. منهاج لو كان مع المصلي ثوبان وأحدهما نجس ولا يعلمه بعينه، فالشيخ (7) وأكثر الأصحاب على وجوب الصلاة في كل واحد منهما منفردا، ذهب ابن إدريس على أنه يطرحهما ويصلي عريانا (8)، ونسبه الشيخ إلى بعض الأصحاب (9) أيضا. والأول أقرب. لنا التمكن من الصلاة مع الشرائط، فلا يجوز التجاوز إلى غيره، وللحسن لإبراهيم: عن رجل كان معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم يدر
(1) المبسوط: ج 1 ص 91. (2) مدارك الأحكام: ج 2 ص 362. (3) المعتبر: ص 445. (4) رياض المسائل: ج 2 ص 408. (5) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1067 ب 45 من أبواب النجاسات ح 8. (6) الاستبصار: ج 1 ص 169. (7) المبسوط: ج 1 ص 90 - 91. (8) السرائر: ج 1 ص 185. (9) الخلاف: ص 481 المسألة 224. 133 أيهما هو وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يصلي فيهما جميعا (1). قال ابن بابويه (رحمه الله): يعني على الانفراد (2). وقد يستدل عليه بأنه إذا ساغ الصلاة في المتيقن النجاسة - كما مر - ففي مشكوكها بطريق أولى. وفيه نظر، إذ غاية ما ثبت هنا التخيير أو الأفضلية، والمطلوب هنا التحتم والوجوب، ومع مقابلة المعنيين فلا أولوية، مع أن الذي يقتضيه ذلك هو الاكتفاء بأحدهما، إلا أن يقال: إن ذلك في صورة فقدان الطاهر مطلقا، لا في علم المكلف. والذي يختلج بالبال أن من مؤيدات ذلك القول أن فيه جمعا بين العمل بقاعدة الاجتناب عن الشبهة المحصورة - كما هو مقرر عندهم - والإتيان بالصلاة على شرائطها بحسب المقدور، فتدبر. وإن أبيت عن ذلك وقلت باشتراط القطع فالخبر مخصص للقاعدة. واستدل ابن إدريس بأن اقتران وجوه الأفعال بها واجب، ولا يمكن هنا، لعدم اليقين، وكذا فعل كل فريضة مع الطهارة حين فعلها، وهو منتف (3). والجواب عن الأول، المنع عن وجوب الاقتران أولا، وثانيا في خصوص المقام، وثالثا أن الواجب حينئذ كلاهما لا أحدهما، وفعلهما حكم الله الظاهري الذي حصل وجوبه من باب وجوب المقدمة إن قلنا بوجوبه - كما هو المشهور - أو من استصحاب شغل الذمة الذي لا يحصل اليقين بالبراءة عنه إلا بفعلهما إن لم نقل به - كما هو التحقيق - فلا مانع من اقتران الوجه. وعن الثاني أن المكلف به هنا غير المكلف به في سائر الأحيان، ولزوم ما ذكر فيه في محل المنع. ويجب مراعاة الترتيب لو كان الصلاة متعددة، فلو كانت ظهرا وعصرا يجب إتيان الظهر أولا فيهما، ثم العصر، ويجوز إتيانهما في ثوب ثم إتيانهما في آخر
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1082 ب 64 من أبواب النجاسات ح 1. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 249. (3) السرائر: ج 1 ص 185. 134 أيضا، وأما لو أتى بالظهر في أحدهما ثم بالعصر في آخر ثم بالظهر في ذلك الآخر ثم بالعصر في الأول فلا يصح إلا الظهر. هذا كله إذا فرض انحصار الساتر في الثوبين، وأما لو كان معه ثوب طاهر أيضا فالأقرب تعين الصلاة في الثوب الطاهر، نظرا إلى تحصيل الوجه، وعدم شمول الخبر لهذه الصورة، بل وظهور عدم الجواز من الأخبار، فلا وجه لتأمل بعض الأصحاب في وجوب ذلك. ومع ضيق الوقت عن الصلاة في الأثواب المشتبهة كان مخيرا، إلا إذا ظن بطهارة أحدها، ويمكن إعمال القرعة أيضا، وكذلك لو تكثرت الثياب بحيث توجب الحرج المنفي. وينقدح على القول بلزوم الصلاة عريانا في المسألة السابقة، احتمال الصلاة عريانا هاهنا أيضا، وأفتى بهذا في الشرائع لو ضاق الوقت وتكثر الثياب (1). تذنيب: إذا اشتبه موضع النجاسة في الثوب فيجب غسل كل موضع يحتمل النجاسة، حتى أنه لو كان الكل محتملا يجب غسل الكل، وهو مذهب علمائنا، قاله في المعتبر (2). ويدل عليه النصوص المستفيضة منها الصحاح. ففي الصحيح: فإن خفي عليك مكانه فاغسله كله (3). وفي آخر: تغسل ثوبك من الناحية التي ترى أنه قد أصابها، حتى تكون على يقين من طهارتك (4). وإن كان في أزيد من ثوب فيرجع إلى قاعدة المحصور وغير المحصور، وقد ذكر بعض المحققين (5) أنه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب الاجتناب في الأول، ونقله عن جماعة، وقال: لعله كان إجماعيا، وعدمه في الثاني.
(1) شرائع الاسلام: ج 1 ص 54. (2) المعتبر: ج 1 ص 437. (3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1022 ب 16 من أبواب النجاسات ح 6. (4) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1006 ب 7 من أبواب النجاسات ح 2. (5) هو الفاضل السبزواري في الذخيرة: ص 165 س 33. 135 والأقرب تحديده بالحرج والعسر، وإلا فليس هذا اللفظ مذكورا في خبر أو آية حتى يكون المحكم هو العرف واللغة، فتدبر. وعلى تقدير وجوب الاجتناب الأظهر أن حكمه ليس مثل حكم النجاسات، فيلزم نجاسة الملاقي لهما، بل الحكم مقصور فيها. منهاج أجمع علماؤنا على عدم جواز الصلاة في جلد الميتة، سواء دبغ، أو لم يدبغ، ولا فرق بين كونه ساترا للعورة أم لا. ويدل عليه النصوص المستفيضة. ففي صحيحة ابن أبي عمير: لا تصل في شئ منها ولا في شسع (1). وصحيحة ابن مسلم: أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال: لا، ولو دبغ سبعين مرة. إلى غير ذلك. وقول ابن الجنيد بطهارتها بالدباغ (2) - مع ضعفه، لمخالفته النصوص المستفيضة، والإجماعات المنقولة، ومخالفته للأصحاب - لا يفيد جواز الصلاة. وجريان هذا الحكم إنما هو إذا علم كونها ميتة، أو اخذ من يد كافر، أما لو لم يكن كذا - بأن اخذ من سوق المسلمين، أو من يد مسلم - فليس كذا وإن لم يعلم التذكية، سواء أخذها من يد من يستحلها بالدباغ أم لا، بل وسواء كان ممن يستحل بدباغة أهل الكتاب أم لا، للنصوص المستفيضة. ففي صحيحة الحلبي عن الخفاف التي تباع في الأسواق، فقال: اشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميت بعينه (3). وفي أخرى: أنا أشتري الخف من السوق ويصنع لي واصلي فيه، وليس عليكم المسألة (4).
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 249 ب 1 من أبواب لباس المصلي ح 2. (2) كما في مختلف الشيعة: ج 1 ص 501. (3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1071 ب 50 من أبواب النجاسات ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1072 ب 50 من أبواب النجاسات ح 6. 136 وفي أخرى: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إن الدين أوسع من ذلك (1). وأما حكاية إلقاء علي بن الحسين (عليهما السلام) جبته، لأن أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة، ويزعمون أن دباغة ذكاته، كما في رواية أبي بصير (2)، ورواية عبد الرحمن: إني أدخل سوق المسلمين، أعني هذا الخلق الذين يدعون الاسلام، فأشتري منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها: أليس هي ذكية؟ فيقول: بلى، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية؟ فقال: لا، ولكن لا بأس أن تبيعها، وتقول: قد شرط الذي اشتريتها منه أنها ذكية، قلت: وما أفسد ذلك؟ قال: استحلال أهل العراق للميتة، وزعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته، ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3). فلا يعارضان الأخبار الصحيحة المعتضدة بالعمل والكثرة وغير ذلك، مع أنهما لا يدلان على خلاف ما ذكرنا، فإن فعل المعصوم (عليه السلام) لا يفيد أزيد من الرجحان، بل ويدل لبسه في غير حال الصلاة على المطلوب، فهو محمول على الاستحباب. وأما الخبر الثاني فعدم الصلاحية لو كان نصا في الحرمة إنما هو إذا باع على أنها ذكية، وأين المطلق من المقيد، وتجويزه (عليه السلام) للبيع الموصوف أيضا يؤيد مطلوبنا، فتدبر. وذهب العلامة (رحمه الله) في بعض أقواله إلى الحرمة إذا كان الجلد في يد المستحل بالدبغ وإن أخبر بذكاته، لأصالة العدم (4). ونقل عن الشهيد التفرقة بالإخبار وعدمه والإخبار بالعدم، لكونه زائدا عليه، فيقبل قوله (5).
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1072 ب 50 من أبواب النجاسات ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 338 ب 61 من أبواب لباس المصلي ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1081 ب 61 من أبواب النجاسات ح 4. (4) منتهى المطلب: ج 1 ص 226 س 4. (5) الذكرى: ص 143 س 13. 137 ويدفع ذلك القول الإطلاقات، بل وفي بعضها تصريح بذلك، ويومئ إليه الروايتان المتقدمتان. نعم لو أخبر بعدم التذكية فله وجه. وهل يساوي في هذا الحكم ما لا نفس له لما له نفس؟ نقل على التعميم قول، والأظهر عدم الشمول، لعدم تبادرها من النصوص، ولكن احتمال شمولها واستصحاب شغل الذمة يقتضي الاحتراز عنها، ولا ريب أنه أحوط. تتميم: قد تكرر الاجماع من الأصحاب (1) - على ما نقل عنهم - على استثناء ما لا تحله الحياة مما يؤكل لحمها. ويدل عليه الأخبار، وفيها أنها ذكي، وينتفع بها، وفي الصحيح: لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، إن الصوف ليس فيه روح (2). والتعليل عام. والإجماع إنما هو إذا كان الأخذ بطريق الجز، وإن كان بالقلع فالمشهور (3) جواز الاستعمال مع غسل موضع الملاقاة، وعليه تحمل الرواية (4). وخالف فيه الشيخ، وكأنه جعل الأجزاء الداخلة من الميتة (5). وهل الحكم في استصحاب الميتة - بدون أن يكون لباسا، أو يتعدى إلى البدن أو الثوب - حكم سائر النجاسات أم لا؟ يحتمله لما تقدم ويحتمل العدم بالنظر إلى قوله (عليه السلام): " ولا في شسع " والأول أقوى لما تقدم. ولقوله (عليه السلام): في فأرة المسك إذا كان مع المصلي لا بأس إذا كان ذكيا (6)، وفي رواية أخرى: لا بأس بتقليد السيف في الصلاة فيه الفراء والكيمخت ما لم
(1) كما في كشف اللثام: ج 1 ص 49 س 7، ومدارك الأحكام: ج 2 ص 272. (2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1088 ب 68 من أبواب النجاسات ح 1. (3) كما في الحدائق الناضرة: ج 5 ص 82. (4) وسائل الشيعة: ج 16 ص 447 ب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة ح 3. (5) كما في النهاية: ج 3 ص 95 - 96. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 315 ب 41 من أبواب لباس المصلي ح 2. 138 يعلم أنه ميتة (1)، وفي معناه رواية أخرى (2). منهاج كل شئ مما لا يؤكل لحمه وكان مما يقع عليه الذكاة فهو طاهر، جائز الاستعمال في غير الصلاة بلا خلاف، وادعى عليه الاجماع جماعة منهم العلامة (3) والمحقق (4) ظاهرا. واشترط الشيخ (رحمه الله) الدباغة فيه، وهو ادعى الاجماع على الجواز بعد الدباغة (5)، ولا دليل له يعتد به. وأما استعماله في الصلاة فلا يجوز، فقد نقل عن جماعة (6) أيضا الاجماع عليه، والنصوص به مستفيضة. ففي الصحيح: عن الصلاة في جلود السباع، فقال: لا تصل فيها (7). وفي رواية سماعة: في السباع أما اللحوم فدعها، وأما الجلود فاركبوا عليها ولا تصلوا فيها (8). وفي موثقة ابن بكير: إن الصلاة في وبر كل شئ حرام أكله، فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شئ منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله (9). إلى غير ذلك. وضعف بعضها منجبر بالشهرة والإجماع.
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1073 ب 50 من أبواب النجاسات ح 12. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 332 ب 55 من أبواب لباس المصلي ح 2. (3) نهاية الإحكام: ج 1 ص 373. (4) المعتبر: ج 1 ص 466. (5) الخلاف: ج 1 ص 64 المسألة 11. (6) مدارك الأحكام: ج 3 ص 161، روض الجنان: ص 213 س 22. (7) وسائل الشيعة: ج 3 ص 257 ب 6 من أبواب لباس المصلي ح 1. (8) وسائل الشيعة: ج 3 ص 256 ب 5 من أبواب لباس المصلي ح 3 و 4 مع تفاوت يسير. (9) وسائل الشيعة: ج 3 ص 250 ب 2 من أبواب لباس المصلي ح 1 مع اختلاف في العبارة. 139 وهل يختص الحكم بما يلبس أو يتعدى إلى غيرها ولو كان شعرا ملصقا بالمصلي؟ وعلى الأول، فهل يقتصر بما يتم فيه الصلاة أو يعمم؟ ففيها وجهان. يدل على الأول صحيحة محمد بن عبد الجبار: هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه، أو تكة حرير، أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب: لا يحل الصلاة في الحرير المحض، وإن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه إن شاء الله (1). ويؤيده صحيحة أخرى (2) في جواز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الانسان وأظفاره. ويمكن القدح في تأييد ذلك، لعدم فهم " الانسان " مما لا يؤكل لحمه، وهكذا في دلالة الأول إلا من باب فحوى الخطاب. وعلى الثاني عموم رواية ابن بكير (3). فإن قلت: الظاهر من الظرفية هو كونه لباسا. قلت: يدفعه قوله (عليه السلام): " بوله وروثه " فتأمل. وقوية الهمداني: يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة، فكتب: لا تجوز الصلاة فيه (4). ويدل عليه أيضا صحيحة علي بن مهزيار: قال: كتب إليه إبراهيم بن عقبة: عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب (عليه السلام): لا تجوز الصلاة فيها (5). وبهذا المضمون في رواية أخرى أيضا (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 273 ب 14 من أبواب لباس المصلي ح 4. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 277 ب 18 من أبواب لباس المصلي ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 250 ب 2 من أبواب لباس المصلي ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 277 ب 17 من أبواب لباس المصلي ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 258 ب 7 من أبواب لباس المصلي ح 3. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 259 ب 7 من أبواب لباس المصلي ح 5. 140 وبعد ملاحظة هذه الأخبار يتعين حمل ذلك على التقية، ويؤيده الاستصحاب والشك في الشرط. فالأقوى الاجتناب من كل شئ مما لا يؤكل لحمه في الصلاة. وقد أشرنا إلى أن ما لا يؤكل لحمه المتبادر منه هو ما كان معدا للأكل. فحينئذ التشكيك في بطلان الصلاة باستصحاب العسل أو الشمع أو ريق الانسان وشعره وغير ذلك لا وجه له، مع أنه يستلزم الحرج في الأغلب، مع أنه يمكن ادعاء ظهور الجواز من الأخبار، كالصلاة في ثوب الآخر، وعدم المنع من التصافح والتعانق، بل والأمر بها مع عدم انفكاك لصوق العرق واللعاب، إلى غير ذلك. ثم إن الأصحاب استثنوا مما لا يؤكل لحمه شيئين: الأول: الخز، واختلف الأصحاب في تعيينه، وكذا الأخبار. ففي صحيحة عبد الرحمن: عن رجل سأل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن جلود الخز، فقال: ليس بها بأس، فقال الرجل: جعلت فداك إنها في بلادي، وإنما هو كلاب تخرج من الماء، قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا خرجت من الماء تعيش خارجه من الماء؟ فقال الرجل: لا، قال: لا بأس (1). وفي رواية أخرى: ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال: لا بأس بالصلاة فيه، فقال له الرجل: جعلت فداك إنه ميت - إلى أن قال: - فتبسم أبو عبد الله (عليه السلام) ثم قال له: تقول: إنه دابة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج، فإذا فقد الماء مات؟ فقال الرجل: صدقت جعلت فداك هكذا هو، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فإنك تقول: دابة تمشي على أربع، وليس هو على حد الحيتان، فتكون ذكاته خروجه من الماء؟ فقال الرجل: إي والله هكذا أقول، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): فإن الله تبارك وتعالى أحله، وجعل ذكاته موته، كما أحل الحيتان، وجعل ذكاتها موتها (2).
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 263 ب 10 من أبواب لباس المصلي ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 261 ب 8 من أبواب لباس المصلي ح 4. 141 والظاهر أن المراد الحل المطلق، لا مطلق الحل، فلا يتعدى إلى الأكل، للاتفاق على عدم حلية غير ما له فلس من السمك في البحر. وفي رواية أخرى: عن أكل لحم الخز، قال: كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه، وإلا فاقربه (1). ولا بد من حمل هذه الرواية بما يقرب عن ما ذكرنا في سابقته. وفي رواية أخرى عن أبي جعفر (عليه السلام): عن الخز، فقال: سبع يرعى في البر، ويأوي الماء (2). وبالجملة: يمكن القول بعدم تنافي الأخبار، وأنها حيوان ذات أربع يكون ذكاتها الخروج من الماء، ولا مانع من كونها كلب الماء، والتزام كونه ذا نفس، وأنه يحتاج إلى التذكية مما لا ضرورة إليه. ومن هذه الجهة كان قول السائل في الرواية السابقة: إنه ميت، كما بينه الإمام (عليه السلام) وقال: لا يضر، وإن ذكاته كذكاة الحيتان وإن لم يكن من الحيتان. مع إنا لو سلمنا كونه ذا نفس نمنع شمول دليل وجوب الذكاة في ذي النفس لهذا الفرد، ولا مانع من كونها مستثنى. قال في التذكرة: ولا فرق بين كونه مذكى أو ميتا عند علمائنا، لأنه طاهر في حال الحياة، فلا ينجس بالموت (3). لكن الرواية الأخيرة لها نوع تناف مع الأخبار السابقة، ويمكن حملها على وجه لا ينافي، وإن أبيت عن ذلك فلا شك أن الأخبار المتقدمة أقوى من جهة السند والكثرة. ولو سلم سقوط اعتبار التفسير الحاصل من جهة الأخبار لاختلافها فيجب حمل الإطلاقات الواردة في حكم الخز على المعنى العرفي، لفقد الحقيقة
(1) وسائل الشيعة: ج 16 ص 372 ب 39 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 16 ص 372 ب 39 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 2. (3) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 469. 142 الشرعية، ومع الاختلاف فيرجع إلى الأصول والقواعد. هذا، وأجمع أصحابنا - على ما نقله غير واحد، منهم العلامة (1) والمحقق (2)، وابن زهرة (3)، وغيرهم - على جواز الصلاة في وبره الخالص من مخالطة وبر الأرانب، والثعالب، والصحاح وغيرها بها مستفيضة. هذا إذا كان الخز خالصا، وإذا كان ممتزجا بوبر الأرانب والثعالب فالمشهور عدم الجواز، ونقل غير واحد من الأصحاب عن أكثرهم أنه إجماعي (4). ويدل عليه المرفوعان (5)، أحدهما صحيح، ويؤيده الأخبار المانعة عن الصلاة في وبر الثعالب والأرانب (6) والعمومات، وهو أقوى. ويدل على المنع (7) روايتا داود الصرمي (8)، ونسبهما الشيخ إلى الشذوذ، وحملهما على التقية (9)، ولم يظهر من الأصحاب قول بمضمونهما. نعم قال الصدوق بعد نقل هذا: وهذه رخصة، الآخذ بها مأجور، والراد لها مأثوم، والأصل ما ذكره أبي (رحمه الله) في رسالته إلي: وصل في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب (10). وأما جلده فمنع من الصلاة فيه ابن إدريس (11)، ونقل عنه إنه نفى الخلاف في ذلك، والمشهور الجواز، لهم قوله (عليه السلام) في الصحيح: إذا حل وبره حل جلده (12).
(1) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 468 و 469. (2) المعتبر: ج 2 ص 84. (3) الغنية: ص 66. (4) مدارك الأحكام: ج 3 ص 169، المعتبر: ج 2 ص 85. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 262 ب 9 من أبواب لباس المصلي ح 1، الكافي: ج 3 ص 403 ح 26. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 258 - 260 ب 7 من أبواب لباس المصلي. (7) كذا في الأصل، والظاهر أن الصحيح " على عدم المنع ". (8) وسائل الشيعة: ج 3 ص 262 ب 9 من أبواب لباس المصلي ح 2. (9) الاستبصار: ج 1 ص 387 ح 3. (10) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 263 ذيل ح 809. (11) السرائر: ج 1 ص 262. (12) وسائل الشيعة: ج 3 ص 265 ب 10 من أبواب لباس المصلي ح 14. 143 والقول بأن هذا ليس ظاهرا في الصلاة ليس بشئ، لأ نا نقول: أولا إن الحل مطلق ولا دليل على التقييد، وثانيا إن تعليق حكمه بحكم الوبر - مع ثبوت صحة الصلاة فيه بالإجماع المتكرر والنصوص المستفيضة - تقتضيه، ولا وجه للتأمل. وللمطلقات الكثيرة، منها صحيحة عبد الرحمن المتقدمة، وفي الموثق: عن الصلاة في الخز، فقال: صل فيه (1). وللمانع الأخبار الدالة على المنع في كل ما يؤكل لحمه. والجواب المنع من الشمول، وثانيا تخصيصها بتلك الأخبار. فإن قلت: بينهما عموم من وجه فما وجه الترجيح؟ قلنا: عمل أكثر الأصحاب مع الاعتضاد بالأصل والإطلاقات الكثيرة المستفيضة المعتبرة من حيث السند. وبالجملة: فالقوة مع أدلة المشهور. ثم اعلم أن الأخبار (2) مستفيضة في عدم جواز الصلاة في جلود الثعالب والأرانب ووبرهما، منها الصحاح، والعمومات بها مستفيضة، ويدل بعض الأخبار (3) الصحيحة على الجواز أيضا، ولا بد من حملها على التقية، إذ لم يظهر من الأصحاب مخالف في عدم الجواز، فالعمل على المعروف من مذهب الأصحاب. والعجب من بعض الأصحاب (4) أنه أورد خبرين في المنع - صحيح وغير صحيح - غير صريحين في المطلوب، وقال: إن الأصح خبر الجواز، وكذا الأكثر ولا يخفى ما فيه. والثاني: السنجاب، وفيه للأصحاب قولان، نسب الجواز العلامة إلى الأكثر (5)،
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 261 ب 8 من أبواب لباس المصلي ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 258 - 259 ب 7 من أبواب لباس المصلي ح 1 - 7. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 254 - 260 ب 4 و 5 من أبواب لباس المصلي ح 1 و 2، و ب 7 منها ح 9 وما بعده. (4) هو السيد السند في المدارك: ج 3 ص 172 - 173. (5) منتهى المطلب: ج 1 ص 228 س 1. 144 وعدم الجواز إلى الشهيد الثاني (1)، وادعى الشيخ في الخلاف عدم الخلاف في الجواز فيه وفي الحواصل (2)، ونقل عن ظاهر ابن زهرة الاجماع على العدم (3). وبالجملة: الأصحاب مختلفون، ولا يظهر الأشهر، ويمكن القول بأن الجواز أشهر، سيما بين المتأخرين. ولعل الجواز أقرب، للنصوص (4) المستفيضة منها الصحاح، لكن في بعضها ما لا يرضى به الفقهاء، مثل استثناء الفنك والثعلب وأمثال ذلك، ولعله لا يضر. وهذا مما يظهر فساد ما وجه بعضهم (5) هذه الأخبار بالحمل على التقية. وللمانع العمومات، منها: رواية ابن بكير المتقدمة (6) ولا شك أن الخاص مقدم على العام، وخبر ابن بكير وإن كان مبنيا على السؤال عن السنجاب، لكنه لا تصير هذا بحيث يوجب رجحانه على المنصوص بالخصوص، سيما مع كثرة الأخبار وصراحتها وصحتها في جانب الخاص. ثم إن الظاهر من السنجاب أنه حيوان ذو نفس فلا بد من ذكاتها بأن يعلم أو يؤخذ من يد مسلم أو سوق المسلمين. منهاج أجمع علماء الاسلام على حرمة الحرير على الرجال، نقله غير واحد من أصحابنا (7)، ويدل عليه النصوص المستفيضة.
(1) روض الجنان: ص 207 س 5. (2) لم نجده في الخلاف قاله في المبسوط: ج 1 ص 82 - 83. (3) غنية النزوع: ص 66، وفيه أنه لم يذكره بالخصوص بل نقل الاجماع على عدم جواز الصلاة في كل ما لا يؤكل لحمه مطلقا، نعم استظهر الاجماع منه على السنجاب البحراني في الحدائق: ج 7 ص 68. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 252 ب 3 من أبواب لباس المصلي. (5) المحدث البحراني في الحدائق: ج 7 ص 70. (6) تقدمت في الصفحة: 139. (7) المعتبر: ج 2 ص 87، جامع المقاصد: ج 2 ص 83. 145 وأجمع أصحابنا على بطلان الصلاة فيه أيضا للرجال، كما في المدارك (1). ويدل عليه النصوص المستفيضة منها الصحاح. ففي الصحيح: سألته - يعني الرضا (عليه السلام) - عن الثوب الإبريسم هل يصلي فيه الرجال؟ قال: لا (2). وفي آخر: قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب (عليه السلام): لا تحل الصلاة في حرير محض (3). وقد تقدم صحيحة أخرى (4) إلى غير ذلك من الأخبار، والنهي في العبادات يدل على الفساد. هذا في حال الاختيار. وأما في حال الاضطرار فالمنقول من جماعة (5) كثيرة الاجماع إذا أراد التحفظ عن الحر والبرد، وكذا حال الحرب، ونقل عليه الشهيد الاجماع (6)، ويدل عليه النصوص المستفيضة. ففي الموثق: عن لباس الحرير والديباج، فقال: أما في الحرب فلا بأس (7). وفي معناه روايات كثيرة. وقد يروى أن النبي (صلى الله عليه وآله) رخص لبس الحرير لعبد الرحمن بن عوف لدفع القمل (8)، وفي رواية أخرى له والزبير بن العوام (9). وفي جوازه لغيرهما قولان، أظهرهما عند المحقق العدم (10)، وعند العلامة (11)
(1) مدارك الأحكام: ج 3 ص 173. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 266 ب 11 من أبواب لباس المصلي ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 267 ب 11 من أبواب لباس المصلي ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 273 ب 14 من أبواب لباس المصلي ح 4. (5) جامع المقاصد: ج 2 ص 84 - 85، مدارك الأحكام: ج 3 ص 174، رياض المسائل: ج 3 ص 176. (6) ذكرى الشيعة: ص 145 س 28. (7) وسائل الشيعة: ج 3 ص 270 ب 12 من أبواب لباس المصلي ح 3. (8) وسائل الشيعة: ج 3 ص 270 ب 12 من أبواب لباس المصلي ح 4. (9) صحيح مسلم: ج 3 ص 1647 ح 26. (10) المعتبر: ج 2 ص 89. (11) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 472. 146 والشهيد (1) التعدي إلى الغير، استنادا إلى العلة، وعلل الجواز في الحرب المحقق (2) وغيره بعدم مضرة البرد، وبأنه يصير سببا لقوة القلب. والظاهر الجواز في الحرب مطلقا. ثم إن الحرام هو الحرير المحض، فإذا كان مختلطا بالغير في النسج لا يحرم. ولا يجدي كون الظهارة قطنا أو بالعكس. ولا الخياطة مع القطن أو النقش عليه به، أو غير ذلك. وهل يجوز الصلاة في المحشو بالقز؟ قيل: نعم (3). وقيل: لا (4)، ونظر المانع إلى الإطلاقات. ويمكن منع الشمول، لأن المعلوم من الأخبار المنع من لبس الحرير، وصدقه عليه مشكل. ونظر المجوز إلى روايات. ففي الخبر عن سفيان بن السمط قال: قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن ثوب حشوه قز يصلى فيه؟ فكتب: لا بأس به (5). وقال الحسين بن سعيد: قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قز، فكتب إليه قرأته: لا بأس بالصلاة فيه (6). وفي الفقيه كتب إبراهيم بن مهزيار إلى أبي محمد الحسن (عليه السلام): في الرجل يجعل في جبته بدل القطن قزا، هل يصلي فيه؟ فكتب (عليه السلام): نعم، لا بأس به (7). ولا يبعد تقوية هذا القول. وطريق الشيخ إلى الحسين صحيح، كما في الخلاصة (8)، وجزم في الفقيه (9)
(1) ذكرى الشيعة: ص 145 س 34. (2) المعتبر: ج 2 ص 88. (3) ذكرى الشيعة: ص 145 س 23. (4) المعتبر: ج 2 ص 91. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 323 ب 47 من أبواب لباس المصلي ح 3. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 323 ب 47 من أبواب لباس المصلي ح 1. (7) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 263 ح 811. (8) الخلاصة للعلامة: ص 276. (9) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 263 ذيل ح 810. 147 أيضا بذلك، حيث لم يسنده إلى رواية. وسبيل الاحتياط واضح. وأما النساء فنقل غير واحد من أصحابنا - منهم العلامة (1) والمحقق (2) - إجماع المسلمين على حليته لهن في غير الصلاة. وأما جواز الصلاة فيها فهو مذهب الأكثر. والصدوق عمم المنع حال الصلاة، قال: فيتناول المرأة بإطلاقه (3). وكان نظره إلى رواية زرارة: نهى عن لباس الحرير للرجال والنساء، إلا ما كان من حرير مخلوط بخز، لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن، وإنما يكره الحرير المحض للرجال والنساء (4). وإطلاق رواية عبد الجبار: لا تحل الصلاة في حرير محض (5). والأولى ضعيفة، ومشتملة على خلاف المتفق عليه. والثانية غير ظاهرة الدلالة، سيما مع كون مورد السؤال القلنسوة، التي هي من ملابس الرجال. ويدل على مذهب المشهور موثقة ابن بكير عن بعض أصحابه: قال: النساء يلبسن الحرير والديباج إلا في الإحرام (6). ويؤيده روايتا يوسف بن إبراهيم قال في أحدهما: وإنما يكره الصمت من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء (7)، وفي الأخرى: إنما يكره الحرير البهم للرجال (8). ويدل عليه أيضا الإطلاقات في رخصة المرأة، والإطلاقات الأمر بالصلاة، وعمومات الآيات في مقام الامتنان، وغير ذلك، ولا بد للتقييد من دليل.
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 228 س 32. (2) المعتبر: ج 2 ص 89. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 263 ذيل ح 811. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 271 ب 13 من أبواب لباس المصلي ح 5. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 267 ب 11 من أبواب لباس المصلي ح 2. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 275 ب 16 من أبواب لباس المصلي ح 3. (7) وسائل الشيعة: ج 3 ص 275 ب 16 من أبواب لباس المصلي ح 1. (8) وسائل الشيعة: ج 3 ص 272 ب 13 من أبواب لباس المصلي ح 6. 148 وأيضا من المعلوم أن النساء كن في الأعصار والأمصار يلبسون الحرير (1)، ولم يعهد من أحد منعهن عن الصلاة فيها، والأمر بنزعهن حال الصلاة، ولو كان لبلغ إلينا، لعموم البلوى، وللزوم العسر والحرج لو كان كذلك. والذي يظهر لي أن يكون ذلك إجماعيا، ومما يؤيد أن سؤال الرواة دائما كان من حال الرجال، وهو يشعر بأن المعهود عندهم كان ترخص النساء في ذلك، فلهذا دائما يخصصون السؤال بالرجال، وكذا في كلماتهم (عليهم السلام). ويمكن أن يقال: يكون مثل هذا المفهوم حجة، لتعاضده بالقرائن والأمارات الكثيرة الوافرة. تذييل: اختلف الأصحاب - بعد اتفاقهم في عدم جواز الصلاة في الحرير - في جوازه في التكة والقلنسوة ومثلهما مما لا يتم الصلاة فيه. ومذهب أكثر الأصحاب الجواز. وبالغ الصدوق حتى قال: ولا تجوز الصلاة في تكة رأسها من إبريسم (2). وينسب هذا القول إلى المفيد (3) وابن الجنيد (4) أيضا، وهو مذهب العلامة في المختلف (5) والشهيد في البيان (6) وشيخنا البهائي (7)، نقله العلامة المجلسي (رحمه الله) في شرح الفقيه، قال: وعليه كان عملنا (8). يدل على القول الأول رواية الحلبي: كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه، مثل تكة الإبريسم والقلنسوة والخف، والزنار يكون في السراويل، ويصلي فيه (9). وعلى الثاني صحيحتي محمد بن عبد الجبار المتقدمتين والإطلاقات،
(1) كذا في الأصل ولعل الصحيح " كن في الأعصار والأمصار يلبسن الحرير ". (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 264 ذيل ح 814. (3) المقنعة: ص 150. (4) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 80. (5) مختلف الشيعة: ج 2 ص 81. (6) البيان: ص 57 - 58. (7) الحبل المتين: ص 183 س 7. (8) روضة المتقين: ج 2 ص 164. (9) وسائل الشيعة: ج 3 ص 273 ب 14 من أبواب لباس المصلي ح 2. 149 واستصحاب شغل الذمة بالصلاة والشك في الشرط. وصحة هذه الأخبار وأكثريتها - مع كونها معمولا بها عند جمع من المتقدمين وجماعة من المتأخرين - لا تقصر عن تلك الرواية وإن كانت منجبرة بالعمل، فإن أكثرية القائل بها ليس بحد يترجح على هذه المرجحات، مع أن عدم الجواز مخالف للعامة، فلا ريب أن الأحوط، بل الأقوى الاجتناب. وفي بعض الروايات (1) استثناء الزرور والعلم، ويعارضها موثقة الساباطي: عن الثوب يكون علمه ديباجا، قال: لا تصلي فيه (2). إلا أن المشهور بين الأصحاب الجواز. وبالجملة: يشكل الحكم بالجواز فيها أيضا. وأما الثوب المكفوف به فالمعروف بين المتأخرين جواز الصلاة فيه، واستدل عليه المحقق (3) بما رواه العامة عن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن الحرير إلا في موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع (4)، وبما رواه جراح المدائني عن الصادق (عليه السلام) أنه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج (5). وربما نسب الخلاف في هذه المسألة إلى ابن البراج (6) والسيد (رحمه الله) في بعض رسائله (7). والاتكال على هذين الدليلين - مع قصورهما دلالة وسندا، وسلامة العمومات والإطلاقات في المنع عن المعارض - لا يخلو من إشكال، إلا أن يقال بمنع شمول العمومات لمثل هذا، سيما بعضها أيضا، حيث ذكر بعد تجويز الزر
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 275 ب 16 من أبواب لباس المصلي ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 268 ب 11 من أبواب لباس المصلي ح 8. (3) المعتبر: ج 2 ص 90 - 91. (4) صحيح مسلم: ج 3 ص 1643 ح 15. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 268 ب 11 من أبواب لباس المصلي ح 9. (6) المهذب: ج 1 ص 74 - 75. (7) لم نعثر عليه في رسائله المتوفرة لدينا، ونسبه إليه السيد السند في مدارك الأحكام: ج 3 ص 181. 150 والعلم والسدى، إنما يكره الحرير للرجال، كما تقدم. وبالجملة: ومخالفة الأصحاب في ذلك أيضا مشكل، والاحتياط في الاجتناب. والتحديد بالأربع أو الثلاث غير معلوم المستند إلا من هذا الخبر، ومع التسليم فلا بد من الاقتصار على المتيقن. ثم إن الكلام قد عرفت أنه في الحرير المحض، وأما المخلوط فيجوز فيه الصلاة، سواء كان الخليط أقل أو أكثر. قال في المعتبر: ولو كان عشرا ما لم يكن مستهلكا، بحيث يصدق على الثوب أنه إبريسم، وهو مذهب علمائنا (1). ويدل عليه مفهوم لفظ " المحض " في الأخبار والنصوص المستفيضة في خصوص ذلك. ففي الصحيح: عن الثوب الملحم بالقز والقطن والقز أكثر من النصف أيصلى فيه؟ قال: لا بأس، قد كان لأبي الحسن (عليه السلام) منه جبات (2). إلى غير ذلك من الأخبار. والحق أن مرجع التحديد إلى العرف، فتنبه. منهاج يكره الصلاة في السواد، لأنه لباس فرعون ولباس أهل النار، والأخبار فيه مطلقة، ويتأكد في القلنسوة، للنص بها في الصلاة (3) معللا، والأخبار المطلقة كثيرة جدا، وروي: لا تصل في ثوب أسود، فأما الخف والكساء والعمامة فلا بأس (4). واستثنى الأصحاب هذه المذكورات. وفي رواية: لا تلبس القرمز فإنه من أردية إبليس (5).
(1) المعتبر: ج 2 ص 90. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 271 ب 13 من أبواب لباس المصلي ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 280 ب 20 من أبواب لباس المصلي ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 281 ب 20 من أبواب لباس المصلي ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 317 ب 44 من أبواب لباس المصلي ح 2. 151 وفي أخرى: عن الصلاة فيه، قال: لا بأس به مطلقا (1). ولعل الجمع الكراهة. وفي الثوب المشبع اللون بالحمرة، أو أعم، وفي خصوص الحمرة الشديدة رواية (2)، وكذلك في بعض آخر. والتعميم بالنظر إلى تفسيري المقدم الوارد في الصلاة بالحمرة المشبعة، أو بكل مشبع، وأما على مطلق الحمرة فلم نجد دليلا، ونقل عن المحقق (3)، ولعله استفاده من كراهة المضرج بالزعفران. وفي الثوب الرقيق غير الحاكي الملون للنصوص. ففي الصحيح: عن الصلاة في قميص واحد، فقال: إذا كان كثيفا فلا بأس (4). ويظهر من الجمع بين الأخبار كراهة الصلاة في الثوب الواحد المحلول الأزرار، ما لم يكن عليه إزار، وكأنه لحفظه عن الكشف. ويكره التوشح والائتزار فوق القميص، للصحيح على الظاهر: لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص وأنت تصلي، ولا تتزر بإزار فوق القميص إذا أنت صليت، فإنه من زي الجاهلية (5). ويدل على الأول أيضا أخبار كثيرة، وورد الجواز أيضا، وهو رخصة. فاندفع ما قيل: إنه لا دليل على الحكم الثاني. واشتمال الصماء، ففي الحسن: إياك والتحاف الصماء، قلت: وما التحاف الصماء؟ قال: أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 316 ب 44 من أبواب لباس المصلي ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 336 ب 59 من أبواب لباس المصلي ح 2. (3) المعتبر: كتاب الصلاة ج 2 ص 94. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 282 ب 22 من أبواب لباس المصلي ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 287 ب 24 من أبواب لباس المصلي ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 289 ب 25 من أبواب لباس المصلي ح 1. 152 وكلام أهل اللغة فيه مختلف: فقيل: أن تحلل جسدك بثوبك نحو شملة الأعراب بأكسيتهم، وهو أن يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر، ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا. وقيل: أن يشمل الرجل بثوب تحلل به جسده كله، ولا يرفع منه جانبا يخرج منه يده. وقال في التذكرة: ويعتبر الفقهاء أن يشمل بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه، فربما يبدو منه فرجه. والفقهاء أعرف بالتأويل، لما ورد عن الأئمة (عليهم السلام)، وهكذا نقله أبو عبيدة أيضا عن الفقهاء (1). وبالجملة: كراهة اشتمال الصماء إجماعي بين العلماء، فلا بد من اجتناب الجميع، سيما ما لا ينافيه الخبر. والصلاة بغير حنك إجماعا، على ما نقل في المنتهى (2) والمعتبر (3)، بل يكره مطلقا للنصوص. وقد نسب القول بالتحريم إلى الصدوق، قال (رحمه الله): وسمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون: لا تجوز الصلاة في الطابقية، ولا يجوز للمعتم أن يصلي إلا وهو متحنك (4). واعلم أن الذي يظهر من الأخبار استحباب العمامة التي كانت متحنكة دون الطابقية، فالذي ثبت كراهته ترك التحنك لمن حاوي العمامة، لا ترك العمامة المتحنك فيها مطلقا، ويرجع المآل بالأخرة إلى كراهة الطابقية، واستحباب المتحنك بها، فلم يظهر كراهة ترك العمامة مطلقا في الصلاة أو مطلقا، إلا
(1) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 503. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 233 س 14. (3) المعتبر: ج 2 ص 97. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 265 ذيل ح 817. 153 بالاصطلاح الذي يقال لترك المستحب إنه مكروه. ففي الحسن: من تعمم ولم يتحنك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه (1). وعن النبي (صلى الله عليه وآله): الفرق بين المسلمين والمشركين التلحي بالعمائم (2). ثم إن الظاهر من الأخبار أن التحنك هو بإدارة العمامة تحت الحنك على الإطلاق، فلا فرق بين الطرف والوسط، وحينئذ فلا دليل على استحباب إدارة شئ آخر. ويكره الإمامة بغير رداء، كذا أطلقه الأصحاب، للصحيح: عن رجل أم قوما في قميص واحد ليس عليه رداء، فقال: لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها (3)، ولفعل أبي جعفر (عليه السلام) ذلك، معللا بأن قميصي كثيف (4). وربما زاد بعضهم الكراهة لمطلق الصلاة، للصحيح: أدنى ما يجزئك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك، مثل جناحي الخطاف (5). واستدل أيضا بالأخبار التي وردت فيمن لم يكن عليه إلا سراويل أو نحوه يجعل على عاتقه شيئا ولو كان تكة (6). أقول: وقد يستشكل دلالة الأخبار الأولة على الكراهة مطلقا، إذ المستفاد من الخبر الأول الكراهة مع قميص واحد، ومع ضميمة الخبر الآخر بشرط أن يكون سخيفا، وأما مطلقه فلم يثبت. وأما دلالة تلك الأخبار على الكراهة لمطلق الصلاة فأبعد، إذ الظاهر منها ومن أخبار كثيرة أن المصلي لا يحسن كون منكبيه مكشوفا، وهذا لا يدل على استحباب الرداء، ولا استحبابه مطلقا بوجه من الوجوه.
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 291 ب 26 من أبواب لباس المصلي ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 292 ب 26 من أبواب لباس المصلي ح 8. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 329 ب 53 من أبواب لباس المصلي ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 284 ب 22 من أبواب لباس المصلي ح 7. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 330 ب 53 من أبواب لباس المصلي ح 6. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 329 ب 53 من أبواب لباس المصلي ح 3. 154 فإن قلت: الظاهر من الصحيح السابق الإطلاق، لعدم ظهور كونه ليس عليه ثوب آخر، وكونه مكشوف المنكبين أو كون ثوبه سخيفا، وقوله (عليه السلام): " أدنى ما يجزئ " يشعر بأن هذا هو الرداء الاضطراري. قلت: هذا الإشعار لو سلم لا ينهض دليلا، مع أنه يظهر من بعض الأخبار - كرواية أبي بصير في صلاة الحسين بن علي (عليهما السلام) (1) - أن المراد أدنى ما يجزئ في ساتر البدن بعد ستر العورة، فيكون مطابقا لتلك الأخبار. بل ويظهر من قول أبي جعفر (عليه السلام): إن قميصي كثيف (2) فهو يجزئ أن لا يكون علي إزار ولا رداء، أن استحباب الرداء هو لكونه مؤيدا للستر، فتدبر. لكن السنن مما يتسامح في أدلتها، والأصحاب أطلقوا الاستحباب، فلا مانع من القول به. مع أنه يمكن ادعاء الظهور في الإمام مطلقا من بعض الأخبار، كصحيحة علي ابن جعفر قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال: لا يصلح جمعهما على اليسار، ولكن أجمعهما على يمينك أو دعهما (3). وسألته عن السيف هل يجري مجرى الرداء يؤم القوم في السيف؟ قال: لا يصلح أن يؤم في السيف إلا في حرب (4). وفي رواية أخرى: إن عليا (عليه السلام) قال: السيف بمنزلة الرداء تصلي فيه ما لم تر فيه دما، والقوس بمنزلة الرداء (5). بل ويمكن ادعاء أن كون هذا شعارا لهم مطلقا يظهر من الأخبار أيضا، وأن هذا كان من جهة الحسن الشرعي، فتأمل.
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 284 ب 22 من أبواب لباس المصلي ح 10. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 284 ب 22 من أبواب لباس المصلي ح 7. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 291 ب 25 من أبواب لباس المصلي ح 7. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 334 ب 57 من أبواب لباس المصلي ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 334 ب 57 من أبواب لباس المصلي ح 2. 155 وقد ظهر من الصحيحة السابقة وضع الرداء وكيفيته، وربما نفى البأس في بعض الأخبار عن إرساله وإسباله، وأنه (عليه السلام) كان يفعل كذلك (1)، وعلم من الصحيحة أيضا. فالإسدال المنهي عنه في بعض الأخبار ربما فسر بوضع وسط الإزار على الرأس، وإرسال الطرفين إلى الطرفين، من غير جعلهما على الكتفين. وبهذا جمع بين الخبرين بأن يكون الرداء على المنكب، وهذا على الرأس. وربما فسر الإسدال بما لا ينافيه أصلا، وهو أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد، وهو كذلك. ويكره في القباء المشدود في غير الحرب، وقيل (2): يحرم، ولم يوجد عليه نص، وكان المراد به غير المحرم. فالذي ذكره الشهيد (3) من رواية العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يصلي أحدكم وهو محرم (4) ليس بصريح في المطلوب. وقد ورد في أخبارنا روايات تدل على كراهة حل الأزرار، وفي بعضها: إنه من عمل قوم لوط (5). أقول: ولعل المراد في هذا الخبر الحل في حال الصلاة، فإنه من العبث. والمراد في الأخبار الاخر، مثل قوله (عليه السلام): في رجل يصلي وأزراره محلولة، قال: لا ينبغي له ذلك (6)، وغيره. فالظاهر أن المراد منها التحفظ عن الكشف، بأن يكون حلها موجبا للانجرار إلى كشف العورة، كما يظهر من ملاحظة الأخبار، فراجع. وإن أبيت عن ذلك فخصص الكراهة بغير الأزرار، مع أن الأصل غير ثابت.
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 285 ب 23 من أبواب لباس المصلي ح 2. (2) الوسيلة: ص 88. (3) ذكرى الشيعة: ص 148 س 21. (4) سنن البيهقي: ج 2 ص 240. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 286 ب 22 من أبواب لباس المصلي ح 6. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 286 ب 23 من أبواب لباس المصلي ح 5. 156 وقال الشيخ: ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه، وسمعناه من الشيوخ مذاكرة (1). ويكره اللثام للرجل، والنقاب للمرأة. ففي الصحيح: أيصلي الرجل وهو متلثم؟ فقال: أما على الأرض فلا، وأما على الدابة فلا بأس (2). ولم أجد تخصيصا في كلامهم. ولموثقة سماعة، وفيها نفي البأس عن اللثام، وكذا النقاب للمرأة، ولكن فيها " وإن أسفرت فهو أفضل " (3). والجمع بالكراهة في الأول، بل والثاني أيضا على القول بأن ترك الأفضل مكروه، وفي نفي البأس عن اللثام أخبار كثيرة، والجمع ما ذكرنا. وما ذكرنا إنما هو إذا لم يمنعان عن الواجب، وإلا حرم. ففي الصحيح: هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ فقال: لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة (4). ويكره الصلاة مع استصحاب الحديد، خاتما كان، أو غيره، للنصوص المستفيضة، إلا إذا كان مستورا. وقيل: يحرم (5). والستر يحصل بالغلاف، ونحوه، وذلك في غير حال الضرورة والحرب، وفي بعض الأخبار: لا يصلي الرجل وفي تكته مفتاح حديد (6). والظاهر أن التكة في الأغلب مستور بالثوب، فلا بد من كون المراد من الستر الستر بالغلاف ونحوه بحيث لو عرى عن الثوب لم يبرز نفس الحديد، كما روي:
(1) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 232 ذيل ح 121. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 306 ب 35 من أبواب لباس المصلي ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 307 ب 35 من أبواب لباس المصلي ح 6. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 307 ب 35 من أبواب لباس المصلي ح 3. (5) قاله الصدوق في المقنع: ص 25. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 303 ب 32 من أبواب لباس المصلي ح 2. 157 إذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس (1). وفي ثوب فيه تمثال، أو خاتم فيه صورة، للنصوص. ففي الصحيح: عن الثوب المعلم، فكره ما فيه التماثيل (2). وفي الموثق: في ثوب في علمه مثال طير أو غير ذلك، قال: لا، وعن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك، فقال: لا تجوز الصلاة فيه (3). إلى غير ذلك من الأخبار. وقيل بالتحريم (4)، لظاهر الموثق. ويحمل على الكراهة لظهور ذلك من الأخبار الاخر حيث قيل (5) في بعضها كره، وفي بعضها ثبوت بأس بالمفهوم، والإطلاقات والعمومات باقية بحالها، فهذا لا يصلح لتقييدها، مع اعتضادها بعمل الأصحاب وفهمهم الكراهة من هذا الخبر. ثم إن بعض الأخبار صرح فيها بغير ذي الروح أيضا، وبعضها مطلق، فالظاهر عموم الكراهة. وخصها ابن إدريس بذي الروح (6)، ولا وجه له. والقول بالتعميم هنا لا ينافي القول بالتفصيل في نفس جواز العمل وغير ذلك، فتدبر. وتخفف الكراهة، بل تزول بالمواراة وتغيير الصورة، للصحيحين (7). ويكره صلاة المرأة في خلخال لها صوت، للصحيح. وقيل بالتحريم (8)، واللفظ لا يساعده، قال: إن كان صماء فلا بأس، وإن كان
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 303 ب 32 من أبواب لباس المصلي ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 318 ب 45 من أبواب لباس المصلي ح 4. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 320 ب 45 من أبواب لباس المصلي ح 15. (4) المبسوط: ج 1 ص 84. (5) انظر الحدائق الناضرة: ج 7 ص 154 و 155. (6) السرائر: ج 1 ص 263. (7) وسائل الشيعة: ج 3 ص 318 ب 45 من أبواب لباس المصلي ح 6 و 13. (8) مدارك الأحكام: ج 3 ص 213. 158 لها صوت فلا يصلح (1). وقيل: الرواية تفيد مطلق الكراهة (2)، ولا اختصاص له بخصوص الصلاة. أقول: يمكن أن يقال صدر الخبر يشعر بذلك، قال: سألته عن رجل صلى، وفي كمه طير، قال: إن خاف الذهاب عليه فلا بأس (3) وقال: سألته عن الخلاخل هل يصلح للنساء والصبيان لبسها؟ فقال: إن كان صماء (4)... الحديث. ويمكن الخدشة في ذلك بإدراج الصبيان. ويكره لها الصلاة عطلاء. ففي الخبر (5): يا علي مر نساءك لا يصلين عطلا ولو تعلقن في أعناقهن يسرا. ويكره مختضبا، وإن كان الخرقة نظيفة، جمعا بين الأخبار. ويكره في ثوب من يتهم صاحبه بالنجاسة، للنصوص. منها الصحيح: في ثوب يعيره لمن يعلم أنه يأكل الجري ويشرب الخمر، قال: لا تصلي فيه حتى تغسله (6). وعن الصلاة في ثوب المرأة، قال: نعم، إذا كانت مأمونة (7). وغير ذلك. ويمكن التخصيص بغير الأثواب التي يعملها الكفار من المجوس وغيرهم، ما لم يعلم وصول النجاسة إليها، لصحيحة معاوية (8)، ولكثرة الابتلاء بذلك، وشيوع البلوى. وإنما حملنا النهي هاهنا على الكراهة لصحيحة عبد الله بن سنان في الثوب
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 338 ب 62 من أبواب لباس المصلي ح 1. (2) جامع المقاصد: ج 2 ص 113. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 336 ب 60 من أبواب لباس المصلي ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 338 ب 62 من أبواب لباس المصلي ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 335 ب 58 من أبواب لباس المصلي ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1095 ب 74 من أبواب النجاسات ح 2. (7) وسائل الشيعة: ج 3 ص 325 ب 49 من أبواب لباس المصلي ح 1. (8) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1092 ب 72 من أبواب النجاسات ح 1. 159 الذي أعير الذمي، قال: لا بأس أن تصلي فيه حتى يستيقن أنه نجسه (1). وتؤيدها الأصول والأخبار والفتوى والعمل. وتكره الصلاة في ما يستر ظهر القدم ولا ساق له، كالشمشك والنعل السندي عند جماعة من الأصحاب (2). وذهب الشيخ في أحد قوليه (3) والمفيد (4) وابن البراج (5) وسلار (6) والمحقق (7) والعلامة (8) إلى التحريم، ولم يظهر لهم دليل يعتمد عليه. فما رأيته في التذكرة (9) من الدليل، وحاصل ما نقل من المعتبر هو عادة النبي والصحابة، وأنهم كانوا لا يصلون من ذلك. والأحوط الاجتناب، والله يعلم. ويستفاد من الأخبار استحباب الصلاة في النعل مطلقا، ولعله العربية، بل قال بعض الأصحاب: إنه مستحب عند علمائنا.
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1095 ب 74 من أبواب النجاسات ح 1. (2) المبسوط: ج 1 ص 83، مدارك الأحكام: ج 3 ص 184. (3) النهاية: ج 1 ص 328. (4) المقنعة: ص 153. (5) المهذب: ج 1 ص 75. (6) المراسم: ص 65. (7) المعتبر: ج 2 ص 93. (8) قواعد الأحكام: ج 1 ص 257. (9) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 498. 160 الفصل الرابع في مناهج القبلة منهاج يجب استقبال القبلة في الفرائض كلها - بالكتاب والسنة والإجماع، بل والضرورة من الدين - في حال الاختيار، وقد مر شطر من أمكنة الاضطرار (1)، وسيأتي بعض آخر. وأما النوافل فكذلك، وقد مر الكلام في أمكنة الجواز بدونه (2) وعدم الجواز مع الاستقرار والاختيار. والكلام في حقيقة القبلة، وقد اختلف فيه كلام الأصحاب، فأكثر القدماء - منهم الشيخان (3) وسلار (4) وابن حمزة (5) وابن البراج (6) والمحقق (7) في الشرائع - على أن البيت قبلة المسجد، والمسجد قبلة أهل الحرم، والحرم قبلة الدنيا، للنصوص. منها الصحيح - على ما ذكره العلامة المجلسي (رحمه الله) في شرح الفقيه، وكأنه نقله عن العلل - قال: البيت قبلة المسجد، والمسجد قبلة مكة، ومكة قبلة الحرم،
(1) كذا في الأصل، ولا يخفى ما في العبارة. (2) كذا في الأصل، والعبارة لا تخلو عن اضطراب. (3) الخلاف: ج 1 ص 295 المسألة 41، والمقنعة: ص 95. (4) المراسم: ص 60. (5) الوسيلة: ص 85. (6) المهذب: ج 1 ص 84. (7) شرائع الاسلام: ج 1 ص 65. 161 والحرم قبلة الدنيا (1). وحكاية كون المسجد قبلة لمكة والمكة للحرم ليس في باقي الروايات، وكذا المذكور في كلماتهم. وللإجماع، ادعاه الشيخ (2) والطبرسي (3) على ما نقل عنهما. ولأن استقبال جهة الكعبة غير ممكن، لكمال صغرها، بخلاف الحرم، لطوله. وأجاب المرتضى (4) وابن جنيد (5) وأبو الصلاح (6) وابن إدريس (7) والمحقق (8) في بعض أقواله وأكثر المتأخرين (9) على أنه عين الكعبة لمن تمكن، وجهتها لمن لم يتمكن، للنصوص المستفيضة. ففي الموثق: صليت فوق أبي قبيس العصر فهل يجزئ والكعبة تحتي؟ قال: نعم، إنها قبلة من موضعها إلى السماء (10). وفي آخر: قلت له: متى صرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الكعبة؟ قال: بعد رجوعه من بدر (11). وفي الحسن: سألته هل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي إلى بيت المقدس؟ قال: نعم، فقلت: أكان يجعل الكعبة خلف ظهره؟ فقال: أما إذا كان بمكة فلا، وأما إذا هاجر إلى المدينة فنعم حتى حول إلى الكعبة (12). والآية الشريفة لا يوافق أحدهما بظاهرها، وتأويلها بالنسبة إلى المشهور أبعد. وثمرة الخلاف لو أبقى الكلام على ظاهره يظهر فيمن حضر مكة أو الحرم،
(1) روضة المتقين: ج 2 ص 191. (2) الخلاف: ج 1 ص 295 المسألة 41. (3) لم نقف عليه. (4) جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة): ص 29. (5) مختلف الشيعة: ج 2 ص 61. (6) الكافي في الفقه: ص 138. (7) السرائر: ج 1 ص 204. (8) المعتبر: ج 2 ص 65. (9) مختلف الشيعة: ج 2 ص 61، جامع المقاصد: ج 2 ص 48. (10) وسائل الشيعة: ج 3 ص 247 ب 18 من أبواب القبلة ح 1. (11) وسائل الشيعة: ج 3 ص 215 ب 2 من أبواب القبلة ح 1. (12) وسائل الشيعة: ج 3 ص 216 ب 2 من أبواب القبلة ح 4. 162 فإنه على القول الأول لا يجب تحصيل عين الكعبة وإن كان قادرا عليه، ويجوز الصلاة إلى المسجد الحرام. وكذا لا يجب تحصيل عين المسجد لمن كان خارج الحرم، مع القدرة. لكنه لا يمكن إبقاءه على ظاهره، لأنه يلزم على هذا وجوب الصلاة إلى عين الحرم على النائين، وهو محال، بخلاف اعتبار جهة الكعبة. فالأولى أن يجعل مرادهم من ذلك أيضا اعتبار الجهة للنائي من الحرم. وأما التفرقة بين جهة الكعبة وجهة الحرم فليس على ما ينبغي. وبالجملة: إذا ثبت اتفاق الفريقين على اعتبار الأمارات للنائي لا يبقى لذلك البحث فائدة. اللهم إلا أن يقال: إن اعتبارهم الجهة لعله يكون للنائي، بخلاف القريب، فيكون الصلاة في الحرم إلى شطر من المسجد يكون البيت خارجا عنه جزما جائزا، ويكون هذا موضع الثمرة، وهكذا من كان خارج الحرم قريبا منه. لكن ذكر بعض أصحابنا أن الظاهر عدم الخلاف بين الفريقين في وجوب التوجه إلى الكعبة للمشاهد ومن بحكمه وإن كان خارج المسجد (1). ونقل عن جمع من أصحاب هذا القول التصريح بذلك، وعن المحقق الاجماع على ذلك (2)، وعن الشيخ في أحد قوليه خلاف ذلك (3). ولعل الثاني أقرب بمحل النزاع. وبالجملة: الأحوط اعتبار قول المتأخرين. وجمع الشهيد (رحمه الله) بين أخبار الطرفين بأن المراد بالأخبار الأولة الجهة تقريبا إلى أفهام المكلفين، وحينئذ يرتفع الخلاف (4). وهو كلام جيد يظهر لمن تأمل في سياق الأخبار، وراجع الوجدان والاعتبار. واعلم أن المراد من جهة الكعبة هو جهة محلها، وأساسها من تخوم الأرض إلى عنان السماء.
(1) لم نقف عليه. (2) المعتبر: ج 2 ص 65. (3) الخلاف: ج 1 ص 295 المسألة 41. (4) ذكرى الشيعة: ص 162 س 11. 163 قال في المدارك: وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء، فيصح الصلاة على جبل أبي قبيس (1)، للنصوص، وقد تقدم الموثق (2)، وفي السرداب تحت الكعبة. ويشكل في الأمر الثاني، لفقدان النص، وعدم صدق شطر المسجد عليه، إلا أن يكون إجماعا. منهاج تجوز النافلة في جوف الكعبة والفريضة حال الاضطرار عند العلماء كافة، كما ذكره في المدارك (3). وأما في الفريضة اختيارا فنسب الجواز في التذكرة إلى أكثر علمائنا (4). ويدل عليه الموثق: إذا حضرت الصلاة المكتوبة وأنا في الكعبة أفأصلي فيها؟ قال: صل (5)، ولأن القبلة نفس العرصة لا مجموع البنية، ويكفي منها كل جزء من أجزائها. وذهب الشيخ في أحد قوليه إلى التحريم (6)، ومنعه ابن البراج (7)، وادعى الشيخ عليه إجماع الفرقة (8) على ما نقل عنه. ويدل عليه النصوص المستفيضة منها الصحاح. وحينئذ يمكن ترجيح القول الثاني من جهة كثرة الأخبار وقوتها وتأيدها باستصحاب شغل الذمة، سيما في العبادة التوقيفية. مع أن الظاهر من قوله تعالى: * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * (9) وكذا الأخبار، هو مواجهة مجموع البناء والفضاء، كما يذعن به الطبع السليم، فلا يفهم
(1) مدارك الأحكام: ج 3 ص 121. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 247 ب 18 من أبواب القبلة ح 1. (3) مدارك الأحكام: ج 3 ص 123. (4) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 10. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 246 ب 17 من أبواب القبلة ح 6. (6) الخلاف: ج 1 ص 439 المسألة 186. (7) المهذب: ج 1 ص 76. (8) الخلاف: ج 1 ص 439 المسألة 186. (9) البقرة: 144. 164 مثل ذلك الاستقبال من جهة الآية والأخبار. وما ذكره الخصم من أنها يكفي منها كل جزء محض الدعوى. بقي الكلام في الخبر وهو وإن كان قويا في غاية القوة - لجلالة يونس بن يعقوب - لكنها ليست بمثابة الصحاح. نعم عمل الأكثر لو ثبت يؤيده ويشيده. ويمكن ترجيح الحرمة وحمل الموثق على صورة الاضطرار، كما ورد به الصحيح. وأما إذا خاف فوت الصلاة فلا بأس أن يصليها، ويؤيده رواية أخرى: إذا حضرته صلاة الفريضة وهو في الكعبة فلم يمكنه الخروج من الكعبة استلقى على قفاه وصلى إيماء، وذكر قول الله: * (فأينما تولوا فثم وجه الله) * (1). وهذه أيضا تنادي بما ذكرنا من عدم تحقق الاستقبال في البيت على ما هو المعتبر، ولذا استدل (عليه السلام) بما روي عنهم أنه نزل في قبلة المتحير، وتدل على نهاية التأكيد في المنع عن الصلاة فيه، حتى رضي فيه بترك الأركان والأفعال. ويمكن ترجيح المشهور أيضا بسبب الشهرة، ومكان لفظ " لا يصلح " في بعضها وإن كان البواقي بلفظ النهي. وبالجملة: المسألة محل تردد، والأحوط الترك. وظاهر الأصحاب جواز الصلاة إلى أي جدرانها شاء، وأما ما روي: أنه يصلي إلى أربع جوانبها (2) إذا اضطر فلم أقف على قائل به، وهكذا الاستلقاء، كما في الرواية السابقة. وأما الصلاة على سطح الكعبة مطلقا فلم نقف على مخالف في جوازه بين الأصحاب، وإنما اختلفوا في كيفية الصلاة. فذهب الأكثر (3) إلى الجواز قائما، مع إبرازه شيئا من السطح بين يديه، ليصلي
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 246 ب 17 من أبواب القبلة ح 7. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 225 ب 8 من أبواب القبلة ح 1. (3) جامع المقاصد: ج 2 ص 50، الخلاف: ج 1 ص 441، المختلف: ج 2 ص 63. 165 إليه فيقوم ويركع ويسجد، للأصول والعمومات. وذهب الشيخ (1) وابن بابويه (2) إلى أنه يصلي مستلقيا إلى بيت المعمور، مومئا بركوعه وسجوده، للخبر (3)، واحتج الشيخ بإجماع الفرقة (4). ولقد أحسن بعض المتأخرين حيث قال: ولو قيل إن تمكن من النزول وجب تحصيلا للبراءة اليقينية وإلا صلى قائما لم يكن بعيدا، إلا أن يثبت الاجماع على نفي هذا التفصيل (5)، إنتهى، ويؤيده ما ذكرنا سابقا. تذنيب: نقل الشهيد في الذكرى عن ظاهر كلام الأصحاب أن الحجر من البيت. ثم قال: وقد دل النقل على أنه كان منها (6)، وذكر النقل، ولكن الأخبار الصحيحة ناطقة بخلافه، وأنه ليس منه ولا علامة لحفر، والنقل غير متحقق الأصل. وبالجملة: فلم يثبت جواز الصلاة إليه، ونقل من العلامة في النهاية (7) الجزم بجواز الاستقبال لكونه منه، ولم يثبت دليله.
(1) المبسوط: ج 1 ص 85. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 272 ح 845. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 248 ب 19 من أبواب القبلة ح 2. (4) الخلاف: ج 1 ص 441. (5) لم نعثر عليه. (6) ذكرى الشيعة: ص 164 س 13. (7) نهاية الإحكام: ج 1 ص 392. 166 الفصل الخامس في مناهج الأذان والإقامة منهاج المشهور بين الأصحاب استحباب الأذان والإقامة للفرائض اليومية، للأصل، فإن الظاهر خروجهما من ماهية العبادة، ولصحيحة حماد (1) في تعليم الصلاة، حيث لم يتوجه إليهما في مقام البيان. وفيه تأمل. ويدل على استحباب الأذان بالخصوص الصحاح المستفيضة، وغيرها مطلقا، ولا قائل بالفصل على ما ذكر في المختلف (2). وربما يشعر باستحبابهما معا صحيحة الحلبي: قال: إذا أذنت وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة، وإذا أقمت صلى خلفك صف واحد (3). وفي معناها وما يقرب منها روايات معتبرة، وفي الفقه الرضوي: أنهما من السنن اللازمة، وليستا بفريضة (4). وقيل بوجوبهما في صلاة الجماعة (5) وأطلق، وبعضهم قيد بالرجال في الحضر إلا المغرب والفجر (6) فعمم الوجوب فيهما عليهم، وأوجب الإقامة للرجال مطلقا.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 673 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 1. (2) مختلف الشيعة: ج 2 ص 122. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 620 ب 4 من أبواب الأذان والإقامة ح 3. (4) الفقه الرضوي: ص 98. (5) المقنعة: ص 97، النهاية: ج 1 ص 287. (6) جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة): ص 29. 167 فللأول القوي على الظاهر، قال: إذا صليت جماعة لم يجز إلا أذان وإقامة، وإن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك يجزئك إقامة إلا الفجر والمغرب، فإنه ينبغي أن تؤذن فيهما وتقيم، من أجل أنه لا تقصر فيهما، كما يقصر في سائر الصلوات (1). والظاهر من الوجوب في الجماعة بطلان الصلاة بدونهما. وللثاني: ظواهر كثير من الأخبار المعتبرة. ويحمل على تأكد الاستحباب، لمعارضتها بما هو أقوى منها، بل وأكثر. وفي الصحيح: عن الإقامة بغير أذان في المغرب، فقال: ليس به بأس، وما أحب أن يعتاد (2). وفي آخر: يجزئ في السفر إقامة بغير أذان (3). وفي معناهما الصحاح مستفيضة. وقيل: شرط في الجماعة (4). وقيل: بدونهما لا يحصل فضيلة الجماعة (5). ويمكن إرجاع الأوسط إلى الأول، وإلى الأخير. وقيل ببطلان الصلاة بتركهما متعمدا، إلا الأذان في الظهر والعصر والعشاء، فإن الإقامة مجزئة عنه، فأما الإقامة فمع تركه متعمدا يبطل صلاته، وعليه الإعادة (6). وهناك أقوال أخر، وللكل من الأخبار شواهد، لكنها معارض بالأقوى. فالحق استحباب الأذان مطلقا، ويتأكد في الجماعة غاية التأكد، ولكن في
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 624 ب 7 من أبواب الأذان والإقامة صدر ح 1 وذيلها في ب 6 منها ح 7. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 624 ب 6 من أبواب الأذان والإقامة ح 6. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 621 ب 5 من أبواب الأذان والإقامة ح 1. (4) الكافي في الفقه: ص 143. (5) المبسوط: ج 1 ص 95. (6) كما في المختلف: ج 2 ص 120. 168 رواية: إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة (1). وأما الإقامة فإنها وإن كان ما ذكرنا من الظواهر يدل على استحبابه لكن ظواهر الأخبار الكثيرة الصحيحة المستفيضة عدم الاستحباب، بل يظهر الوجوب من بعضها. فالاحتياط أن لا يترك أبدا، سيما في الجماعة على الخصوص إذا قلنا: إن المراد بوجوبها اشتراط صحتها بها، فحينئذ يشكل ترك القراءة في مثل هذه الجماعة، لعدم العلم بحصول الشرط. منهاج يجوز ترك الأذان للإمام إذا سمع أذانا، لمنفرد كان أو لجماعة، بل الإقامة أيضا للروايتين المعتضدتين بعمل الأصحاب. فقد روي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كنا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة فقال: قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة، قال: يجزئكم أذان جاركم (2). وفي أخرى: وإني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك (3). واستدل على ذلك أيضا بفعل النبي والأئمة (عليهم السلام). وربما يؤيد الصحيح قال: إذا أذن مؤذن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه (4). وقد تعدى بعض الأصحاب على المنفرد أيضا، تمسكا بالأولوية، وفيه تأمل. ويمكن ادعاء الظهور من قوله (عليه السلام): " يجزئكم أذان جاركم " ومن الصحيح المتقدم.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 622 ب 5 من أبواب الأذان والإقامة ح 8. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 659 ب 30 من أبواب الأذان والإقامة ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 659 ب 30 من أبواب الأذان والإقامة ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 659 ب 30 من أبواب الأذان والإقامة ح 1. 169 والأولى عدم الترك، واعتبار قيد عدم التكلم أيضا، سيما بعد ملاحظة استحباب إعادة الإقامة بعد التكلم، كما يدل عليه في الصحيح. وإذا عرفت أن السقوط فيما ذكر رخصة فاستحباب التكرار بحاله، إلا للمأموم والإمام بعد سماع الأذان والإقامة في الجماعة. واستدل عليه بإطباق المسلمين على ذلك، وهو يدل على عدم الاستحباب. والشيخ وجماعة من الأصحاب (1) على أنه يسقط الأذان عن الجماعة الثانية إذا لم يتفرق الجماعة الأولى، وإن فرغوا عن الصلاة، وربما قيد بكون ذلك في المسجد. واستدل عليه بصحيحة أبي بصير: قلت: الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم أيؤذن ويقيم؟ قال: إن كان دخل ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم، وإن كان تفرق الصف أذن وأقام (2). وصحيحة أبي علي الحرابي: قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتاه رجل فقال: جعلت فداك صلينا في المسجد الفجر وانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فأذن فمنعناه ودفعناه عن ذلك، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أحسنت، ادفعه عن ذلك وامنعه بأشد المنع، فقلت: فإن دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة؟ قال: يقومون في ناحية المسجد، ولا يبدر بهم إمام (3). ويدل عليه روايات اخر بعضها بمضمون الخبر الأول، وفي بعضها إطلاق النهي عن الأذان بالنسبة إلى التفرق وعدمه، وفي بعضها مع ذلك تجويز ائتمام أحدهما بالآخر. وفي مقابل تلك الأخبار موثقة عمار: أنه سئل عن الرجل أدرك الإمام حين سلم، قال: عليه أن يؤذن ويقيم، ويفتتح الصلاة (4). وحمل على صورة التفرق.
(1) النهاية: ج 1 ص 287، المهذب: ج 1 ص 91. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 653 ب 25 من أبواب الأذان والإقامة ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 466 ب 65 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 654 ب 25 من أبواب الأذان والإقامة ح 5. 170 والذي يظهر لي من مجموع الأخبار الأولة سقوط الأذان عن من يدخل المسجد إذا كان منفردا، كما هو ظاهر أكثرها، أو أعم بالنظر إلى الإطلاق، وخصوص بعضها. والتي يمكن ادعاء ظهور اعتبار الجماعة منه هو صحيحة أبي علي، على ما فهمه الجماعة، وأنت خبير بأن ملاحظة الفصل بقوله: " فقلت: فإن دخلوا " وسياق الكلام لا يظهر منه سقوط الأذان والإقامة لهم، بل ربما يظهر كراهة الجماعة الثانية، لا الأذان والإقامة. ولكن جل كلام الأصحاب متفق على السقوط عن الجماعة، بل وظاهر أكثرهم الاكتفاء به، وهو مع أنه خلاف الظاهر من الأخبار يمكن القول بأنه بعد تسليم ذلك فيهما يثبت في المنفرد بطريق أولى، لتأكدهما في الجماعة. وبالجملة: الأولى بالنظر إلى الأخبار القول بجواز الترك للمنفرد، وبالنظر إليها وكلام الأصحاب معا القول بجوازه للجماعة أيضا. وأما موثقة عمار فلا يقاوم تلك الأخبار، مع اعتضادها بعمل الأصحاب، ويمكن حملها أيضا على غير المسجد. وربما يقال: بأن المراد من الأخبار كلها بمعونة فهم الأصحاب هو الجماعة في المسجد، وأن تلك الأخبار محمولة على الاتقاء، سيما مع ملاحظة رواية أبي علي، مستدلا بموثقة عمار. وكلام العامة في ذلك مختلف، ولم يظهر منهم عدم جواز ذلك، نعم أبو حنيفة وبعض آخر منهم يقول بكراهة الجماعة الثانية في المسجد (1)، وذلك أيضا تفصيل، وهو غير القول بسقوط الأذان والإقامة، ولو فرض كونه كذلك فذلك إنما يحسن بالنظر إلى الجماعة، دون غيرها. وأما رواية أبي علي فالذي يشعر به هو إرشادهم على الاختفاء والانزواء، وعدم إبراز أنفسهم، خوفا من الضرر، وهذا القدر لا يوجب اطراد الحكم.
(1) المبسوط للسرخسي: ج 1 ص 135. 171 وأين هذا من كون الحكم كذلك ونفيه بمعنى كونه موافقا للعامة، فتدبر. مع أن مخالفة العامة وإن كانت مرجحة لكنها لا تعارض الشهرة وكثرة الأخبار وصحتها. وبالجملة: يشكل طرح تلك الأخبار المعمول عليها عند الأصحاب، والعمل بتلك الموثقة التي تركها الأكثر، مع أن ترك الأذان والإقامة المتأكد فيهما غاية التأكيد سيما مع الجماعة مشكل. ولكن العمل بالأخبار في النظر أرجح، لكن لا يحصل من ملاحظة مجموع ما ذكرنا أزيد من الرخصة، وأما العزيمة فلا. ثم إنه يظهر من كلام بعض الأصحاب وبعض العامة كأكثر الأخبار أن ذلك لمريد الجماعة بذلك الأذان. ومن هذا ينقدح اعتبار وحدة الصلاة أيضا، ولا يبعد البناء عليه، فإنه لو ثبت ذلك الحكم المخالف للأصل فالاقتصار على القدر المتيقن أولى. ويسقط أذان الثانية عن الجامع بين الظهرين والعشاءين، للصحاح وغيرها رخصة، ويمكن القول بالأفضلية، بل هو أقرب. والقول بالتحريم على الإطلاق - نظرا إلى عدم ورود غيره منهم (عليهم السلام) - بعيد، وكذا عن الثانية يوم الجمعة، للخبر: الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة (1)، والإجماع نقله ابن إدريس (2). وقيل بالتحريم (3)، لظاهر الخبر. وقيل بالاستحباب، للعمومات، إلا في صورة الجمع (4)، ولضعف الخبر سندا ودلالة. والأحوط الترك، لتردد الأمر بين السنة والبدعة، سيما مع الجمع. وخصص ابن إدريس هذا الحكم بما إذا صلى جمعة (5)، وحينئذ فالجماعة
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 81 ب 49 من أبواب صلاة الجمعة ح 1 و 2. (2) السرائر: ج 1 ص 305. (3) النهاية: ج 1 ص 339. (4) قاله المفيد في أركانه وابن البراج في كامله كما في السرائر: ج 1 ص 305. (5) السرائر: ج 1 ص 305. 172 أيضا يكون على ذلك، فيكون الإشكال في غيره أضعف. والجمع يرجع في معناه إلى العرف، وفي الأخبار أن لا يتطوع بينهما، وفي الصحيح: عن صلاة المغرب والعشاء يجمع، فقال: بأذان وإقامتين لا تصل بينهما شيئا، هكذا صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1). ويمكن تخصيص التطوع بالصلاة، فلا يكون التعقيب والتسبيح مانعا، كما صرح به بعض الأصحاب، ولو لوحظ مع ذلك مراعاة العرف لكان أولى. وكذا (2) عن العصر في عرفة والعشاء في المزدلفة، للأخبار. ففي الصحيح: السنة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلي ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان، وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة (3). وفي كونه رخصة ومكروها وحراما أقوال، والأقوى والأحوط الترك، لأن خلاف السنة بدعة. وكذا يسقط عمن يقضي الصلوات الكثيرة عن غير أول ورده ويكتفي في البواقي بالإقامة، للصحيح: عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد ذلك، قال: يتطهر ويقيم في أولهن، ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة، فيصلي بغير أذان حتى يقضي صلاته (4)، وفي الحسن لإبراهيم في من كان عليه قضاء صلوات: فابدأ بأولهن فأذن لها وأقم، ثم صلها، ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة (5). والخبران - كما ترى - يشعران بأن هذا هو الطريقة، فيكون الترك أولى. وأما ما اشتهر بين الأصحاب باستحباب الإعادة لكل صلاة، وأفضليتها - نظرا
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 164 ب 34 من أبواب المواقيت ح 1. (2) أي: وكذا يسقط الأذان. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 665 ب 36 من أبواب الأذان والإقامة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 348 ب 1 من أبواب قضاء الصلوات ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 348 ب 1 من أبواب قضاء الصلوات ح 4. 173 إلى إطلاق قوله (عليه السلام): " فليقضها كما فاتته " (1) في الصحيح، وموثقة عمار: " عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال: نعم " (2) - فلا يتم، لعدم ظهور الدلالة، كما لا يخفى. بل احتمل بعض المتأخرين كونه بدعة. وبالجملة: الترك أولى. منهاج المشهور بين الأصحاب أن فصول الأذان ثمانية عشر: التكبير أربعا، ثم الشهادة بالتوحيد، ثم بالرسالة، ثم الدعاء إلى الصلاة، ثم إلى الفلاح، ثم إلى خير العمل، ثم التكبير، ثم التهليل، كل واحد مرتان. والإقامة سبعة عشر، بنقص تكبيرتين من الأول، وتهليل من الآخر، وزيادة " قد قامت الصلاة " مرتين بعد الدعاء إلى خير العمل، للخبرين (3). ولا بد من إرجاع ما يخالفه من الأخبار ظاهرا إلى ما ذكرنا. وفي بعض الأخبار ما يدل على أن الإقامة مثل الأذان (4)، ونقل عن بعض الأصحاب أيضا القول: بأن الإقامة مثل الأذان، إلا في زيادة " قد قامت الصلاة " (5)، ولهذا قيل: لو زيد في آخر الإقامة لا بقصد الجزئية لعدم القائل به فلا بأس به، وهذا الكلام يجري في تربيع التكبير في أوله أيضا. فإن قلت: رواية إسماعيل التي هي المعول عليه في المسألة يدل على أن الأذان ثمانية عشر، والإقامة سبعة عشر (6)، لكنه لم يعلم منه كيفية الزيادة والنقصان.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 359 ب 6 من أبواب قضاء الصلوات ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 361 ب 8 من أبواب قضاء الصلوات ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 642 ب 19 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 و 8. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 643 ب 19 من أبواب الأذان والإقامة ح 4. (5) المبسوط: ج 1 ص 99. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 642 ب 19 من أبواب الأذان والإقامة ح 1. 174 قلت: لعل عدم القول بالفصل يعين ذلك، ويشهد له بعض الأخبار الذي ورد في الصلاة خلف المخالف، ويؤيده فهم الفقهاء، والعمل عليه في الأعصار والأمصار، والإجماع على ما نقل عن العلامة (1) وابن زهرة (2). ونسب إلى الأصحاب جواز النقص عن المشهور في الأذان والإقامة عند السفر والعذر، ويدل عليه الأخبار المعتبرة منها الصحيح، وفي رواية: لأن أقيم مثنى مثنى أحب إلي من أن أؤذن وأقيم واحدا واحدا (3)، وعمل به بعض الأصحاب. ويجب الإتيان بهما على الترتيب المقرر في الأخبار، فلو تخلف بطل، ولو سها في التقديم والتأخير فيرجع إلى المقدم بالذات ويأتي بما بعده، للصحيح (4) في الأذان، وهو مطلق. وفي الموثق: إن نسي الرجل حرفا من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة وليس عليه شئ، فإن نسي حرفا من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه ثم يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة (5). وفي آخر: عن رجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة، قال: يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله، وليقل من ذلك الحرف إلى آخره، ولا يعيد الأذان كله ولا الإقامة (6). وقد يقال: إن في صورة الشك يفعل هنا ما يفعله في الصلاة، لعدم شمول الخبر لذلك، ودلالة خصوص بعض الأخبار في بعض الصور، وسيأتي إن شاء الله. منهاج يستحب أن يكون المؤذن متطهرا، للخبر النبوي (7)، والإجماع نقله غير
(1) نهاية الإحكام: ج 1 ص 411. (2) الغنية: ص 72. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 649 ب 20 من أبواب الأذان والإقامة ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 662 باب 33 من أبواب الأذان والإقامة ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 662 ب 33 من أبواب الأذان والإقامة ح 2. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 663 ب 33 من أبواب الأذان والإقامة ح 3. (7) كنز العمال: ج 8 ص 343 ح 23180. 175 واحد (1) وكذا الإقامة، وفيها آكد، للأخبار الكثيرة، وقيل بالاشتراط فيها (2)، كما يظهر من الأخبار. وأن يكون قائما، للخبر: لا يؤذن جالسا إلا راكب أو مريض (3)، ولقوله (صلى الله عليه وآله): يا بلال قم فناد (4)، وكذا الإقامة، وفيها آكد، للنصوص المستفيضة، ويظهر من بعضهم الاشتراط فيها أيضا. وأن يكون مستقبلا للقبلة، للإجماع (5)، وعموم " خير المجالس ما استقبل القبلة " (6)، ويتأكد في الشهادتين والإقامة، للنصوص (7)، وقيل بوجوبه فيهما (8)، وقيل بوجوبه في الإقامة (9). وأن يتأنى في الأذان، ويحدر في الإقامة، للنصوص (10). وأن يقف عند الفصول، للإجماع (11)، والنص. ورفع الصوت بالأذان، للصحيح: أجهر وارفع به صوتك، وإذا أقمت فدون ذلك (12)، وغيره. والإفصاح بالألف والهاء، ووضع الإصبعين في الاذن عنده، للنص فيهما (13). ويستحب الفصل بينهما بركعتين أو سجدة، إلا في المغرب، فإن الأولى أن يفصل بينهما بخطوة أو سكتة.
(1) جامع المقاصد: ج 2 ص 176، مدارك الأحكام: ج 3 ص 272. (2) مدارك الأحكام: ج 3 ص 272. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 636 ب 13 من أبواب الأذان والإقامة ح 11. (4) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 58 ح 46. (5) مدارك الأحكام: ج 3 ص 283. (6) وسائل الشيعة: ج 8 ص 475 ب 76 من أبواب أحكام العشرة ح 3. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 634 ب 13 من أبواب الأذان والإقامة. (8) انظر ذكرى الشيعة: ص 170 س 23. (9) جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة): ص 30. (10) وسائل الشيعة: ج 4 ص 652 ب 24 من أبواب الأذان والإقامة. (11) مدارك الأحكام: ج 3 ص 284. (12) وسائل الشيعة: ج 4 ص 639 ب 16 من أبواب الأذان والإقامة ح 1. (13) وسائل الشيعة: ج 4 ص 652 ب 24 من أبواب الأذان والإقامة ح 2. 176 نقل عن المعتبر اتفاق الأصحاب على ذلك، وهو المشهور بين الأصحاب (1). ويظهر من الأخبار مع المذكورات الاكتفاء بجلوس أو تسبيح أو تحميد أو كلام. وذلك التفصيل إنما يحصل من الجمع بين الأخبار، وإلا فالأخبار بعضها مطلق في الجلوس أو الركعتين، وبعضها فيه الجلوس " إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة تصليها " (2) وبعضها مصرح فيه بجعل أذان الظهر والعصر على ست ركعات، وكلها صحاح، وبعضها ورد بخصوص استحباب الجلوس للمغرب، وبعضها مصرح فيها بأن ليس للمغرب إلا نفس، وتأكد ذلك في الأخبار. وبالجملة: فمن كان له صلاة - كالمتنفل للظهر والعصر والعشاء، بل ويحتمل إدراج الفجر أيضا - يصلي الركعتين، وفي الصحيح: في حكم وقت الأذان، وأما السنة فإنه يتأدى مع طلوع الفجر، ولا يكون بين الأذان والإقامة إلا الركعتان (3). ومن لم يكن له فليختر بين المذكورات، وقيل: السجدة أفضل، ولا بأس به (4). وأما في المغرب فالأولى - بالنظر إلى فتوى الأصحاب، وكثرة الأخبار، وضيق وقته - الاكتفاء بالسكتة والخطوة ونحوهما. لكن يمكن حمل الأخبار بمراتب الأشخاص وتفاوت الأحوال، فربما يكون اللائق بحال شخص التأمل وبينهما في المغرب، فلا يبعد أن يكون الجلوس هناك أفضل عن غيره، فإنه " كالمتشحط بدمه في سبيل الله " (5). ويستحب الدعاء بالمأثور، واعترف غير واحد من الأصحاب بعدم النص للسجود في غير المغرب، ولا للخطوة فيهما. وذكر السيد ابن طاووس (رحمه الله) في فلاح السائل روايتين صريحتين في السجود على الإطلاق (6)، مع دعاء مذكور فيهما.
(1) المعتبر: ج 2 ص 142. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 631 ب 11 من أبواب الأذان والإقامة ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 626 ب 8 من أبواب الأذان والإقامة ح 7. (4) انظر الحدائق الناضرة: ج 7 ص 411. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 632 ب 11 من أبواب الأذان والإقامة ح 10. (6) فلاح السائل: ص 152. 177 وأما في الخطوة، فالظاهر أنه مذكور في الفقه الرضوي (1)، ونقل عن بعض الأصحاب أيضا أن بها رواية. ويكره التكلم خلالهما، أما الأذان فلفوات الإقبال المطلوب، وأما في الإقامة فللأخبار الكثيرة، والمجوزة محمولة على رفع المانع. ويظهر من بعضهم الحرمة فيها مع الاختيار، وهو ضعيف. هذا إذا كان المراد قبل قول " قد قامت الصلاة "، وأما بعده - سواء تم الإقامة أو لم يتم - فيضعف القول بالتحريم أيضا في المنفرد، للصحيحين المطلقين، أو الظاهرين في المنفرد المجوزين، والمانعة المطلقة بل الظاهرة في المنفرد محمول على الكراهة، لضعفها. وأما في الجماعة - أي لجمع يريدون الجماعة، ويجتزئون بإقامة المقيم - فلا يبعد ذلك، كما ذهب إليه الشيخان (2) والسيد (رحمه الله) في المصباح (3) للصحاح، والموثق وغيره. والمشهور هاهنا أيضا الكراهة، لكن الكراهة المتأكدة، ولم أجد في كلامهم تنصيصا على تعميم تغليظ الكراهة بالنسبة إلى المنفرد وغيره، وتسوية الكراهة لهما، ولعل الأنسب أن يكون مرادهم أيضا من التأكد هو في الشق الثاني، كما يظهر من بعضهم، وأن يكون التأكد في الثاني عندهم أشد. وحاصل ما يظهر لي من الأخبار هو الكراهة في أثناء الإقامة مطلقا، وتأكدها بعد قول " قد قامت الصلاة " في الشق الأول، وتأكدها غاية التأكد بعد قول " قد قامت الصلاة " في الشق الثاني، بل ولا أستبعد حرمته. واستثنى الأصحاب من ذلك ما كان لمصلحة الصلاة، كتقديم إمام أو تسوية صف أو غير ذلك، والمنصوص إنما هو تقديم الإمام " وتقدم يا فلان " (4)، ولعل الإلحاق من باب اتحاد الطريق.
(1) الفقه الرضوي: ص 98. (2) المقنعة: ص 98، النهاية: ج 1 ص 289. (3) كما نقله عنه المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 143. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 629 ب 10 من أبواب الأذان والإقامة ح 7. 178 ويحرم التثويب - بمعنى قول المؤذن: الصلاة خير من النوم - من دون تقية جماعة من أصحابنا (1)، وقيل: يكره (2)، وابن الجنيد على أنه لا بأس به في أذان الفجر خاصة (3)، والجعفي على الجواز بعد قول " حي على خير العمل " في أذان الصبح مرتين (4)، والمنقول عنه أنه ليس من الأذان، وهذا هو الظاهر من ابن الجنيد أيضا. والمعتمد هو الأول. أما مع اعتقاد الجزئية فواضح، لأنه تشريع وبدعة باتفاق الفرقة، ولأن الأخبار الواقعة في معرض البيان كلها خالية عن ذلك، وكأنه خارج عن محل النزاع. وأما بدونه فلأن الأذان كيفيته توقيفية متلقاة من الشارع، ولم يثبت جوازه بهذا النحو. إلا أن يقال: بعد تجويز التكلم خلال الأذان وإطلاق الرخصة، فلا يضر هذا إذا لم يقصد به الجزئية أو الرجحان، فيكون مكروها. وأما ثبوت الرجحان فمشكل، لظهور كون الأخبار المجوزة من باب التقية والاتقاء. فرواية أبي بصير: النداء والتثويب في الإقامة من السنة (5)، ورواية ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): كان أبي ينادي في بيته الصلاة خير من النوم، ولو رددت ذلك لم يكن به بأس (6)، فمع ضعفهما دلالة وسندا محمولان على التقية. وكذا رواية ابن أبي نصر (7). وذكر " حي على خير العمل " فيه لا ينافي الحمل على التقية، لاحتمال إرادة
(1) مدارك الأحكام: ج 3 ص 291، جامع المقاصد: ج 2 ص 190. (2) الانتصار: ص 39. (3) نقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 169 س 36. (4) نقله عنه في ذكرى الشيعة: ص 169 س 36. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 651 ب 22 من أبواب الأذان والإقامة ح 3. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 651 ب 22 من أبواب الأذان والإقامة ح 4. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 652 ب 22 من أبواب الأذان والإقامة ح 5. 179 الإخفاء بذلك، والجهر بذاك، ويؤيده إفراد التهليل في الآخر، وتثنية التكبير في الأول. وأما التثويب بالتفسيرات الاخر - مثل تكرير الشهادتين دفعتين، أو تكرير الحيعلتين بين الأذان والإقامة - فالكلام فيه يظهر مما تقدم. وأما الترجيع - سواء قلنا بأنه تكرار التكبير والشهادتين في أول الأذان، أو أنه تكرار الفصل زيادة على الموظف، أو تكرار الشهادتين جهرا بعد إخفائهما - فهو حرام لو جعلناه جزء، وإلا فقيل: مكروه (1)، وقيل: حرام (2). ويظهر الوجه مما سبق، ولكنه ورد في بعض الأخبار عدم البأس عن إعادة الشهادة والحيعلتين المرتين والثلاث وأكثر من ذلك، إذا كان إنما يريد به جماعة القوم ليجمعهم (3). ومما ذكرنا يظهر حال " أشهد أن عليا ولي الله، وأن محمدا وآل محمد خير البرية " (4). نعم، يمكن القول فيه بالاستحباب إذا لم يقصد الجزئية، لما ورد في الأخبار المطلقة متى ذكرتم محمدا (صلى الله عليه وآله) فاذكروا الله، ومتى قلتم: محمد رسول الله، فقولوا: علي ولي الله، كما نقل عن الاحتجاج (5)، فيكون مثل الصلاة على محمد وآله بعد الشهادة بالرسالة. منهاج لو سها الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة فالأكثر على أنه يعيد الأذان والإقامة ويستأنف الصلاة ما لم يركع، للصحيح، ولو تعمد فلا يعيد، لعموم * (لا تبطلوا أعمالكم) * (6)، وعدم الدليل على الجواز.
(1) الانتصار: ص 39. (2) مدارك الأحكام: ج 3 ص 291. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 652 ب 23 من أبواب الأذان والإقامة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 648 ب 19 من أبواب الأذان والإقامة ح 25. (5) الإحتجاج للطبرسي: ج 1 ص 158. (6) محمد: 33. 180 وقيل بالعكس (1)، للصحيح: في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة، قال: فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة (2)، وللرواية: عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى يكبر، قال: يمضي على صلاته ولا يعيد (3). والظاهر أن الأمر في الأول لا يفيد إلا الإباحة لوروده مورد توهم الحظر، والثاني أيضا محمول على الرخصة لضعفه، مع أنهما لا يتمان المطلب. والشيخ في المبسوط (4) أطلق الإعادة ولم يفصل، ولا وجه له، لما ذكرنا. وهناك أقوال أخر شاذة. ثم إن هاهنا صحاحا يدل على التفصيل بما قبل القراءة وبعده، والأمر بالتمام بعده، فتعارض مع الصحيح المتقدم، وحملوا تلك الصحاح على تأكد الرجوع قبل القراءة. ومن هذا يلزم التجوز في الأوامر الواردة بالإتمام فيدور الحال بين التخصيص والمجاز، والتخصيص مقدم. فلا بد من تخصيص الرجوع قبل الركوع بما قبل القراءة، وإلا لزم التجوز في الأوامر الواردة بالإتمام الكثيرة. لكن عمل أكثر الأصحاب وظهور القبلية فيما بعد القراءة وضعف عمومها بسبب ذلك يؤيد المشهور، فهي محمولة على التأكد، كما أنه يمكن أن يحمل الصحيح الآخر المفصل بالفراغ عن الصلاة (5)، وبعده (6) على طرف المقابل لهذه الصحاح. وتأويل ما قبل الفراغ بما قبل الركوع هاهنا أبعد من تأويل ما قبل الركوع بما قبل القراءة، فتدبر. وبعد ملاحظة حال القراءة فالأظهر اعتبار الشروع في القراءة.
(1) النهاية: ج 1 ص 287. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 656 ب 29 من أبواب الأذان والإقامة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 658 ب 29 من أبواب الأذان والإقامة ح 7. (4) المبسوط: ج 1 ص 95. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 656 ب 28 من أبواب الأذان والإقامة ح 4. (6) هكذا في الأصل، ولعل الصحيح " وقبله " أي: قبل الفراغ. 181 ففي الصحيح: وإن ذكر بعدما قرأ بعض السورة فليتم صلاته (1)، ويؤيده رواية زكريا بن آدم (2). لكن الخبران وردا في الإقامة وحدها - ولعله بهذا استدل ابن الجنيد - على أنه إن كان ناسيا للإقامة وحدها رجع ما لم يقرأ عامة السورة (3). ثم إنه لم يظهر من الأخبار حال الأذان وحده، لأن ما ذكرنا بعضهما (4) فيهما معا، وبعضها في الإقامة وحدها. وادعى فخر المحققين الاجماع على عدم الرجوع إلى الأذان مع الإتيان بالإقامة (5). والشهيد الثاني (رحمه الله) قال: يرجع إذا كان المتروك الأذان وحده دون الإقامة وحدها (6). ولم يظهر وجهه. منهاج لا يجوز الأذان قبل دخول الوقت، ولا يتأدى به السنة، لإجماع العلماء، نقله غير واحد من أصحابنا (7). واستثنى الأكثر من ذلك الصبح، فجوزوا التقديم (8)، ولكن لا يتأدى به السنة، بل ذلك بقصد التنبيه، للصحاح. وقيل بعدم الجواز (9)، لكونه وضعا في غير ما وضع له، ولأن النبي (صلى الله عليه وآله)
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 657 ب 29 من أبواب الأذان والإقامة ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 658 ب 29 من أبواب الأذان والإقامة ح 6. (3) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 127. (4) هكذا في الأصل، ولعل الصحيح " بعضها " بقرينة المقابلة. (5) إيضاح الفوائد: ج 1 ص 97. (6) مسالك الأفهام: ج 1 ص 185. (7) مختلف الشيعة: ج 2 ص 132، مدارك الأحكام: ج 3 ص 277. (8) المبسوط: ج 1 ص 96، الخلاف: ج 1 ص 269 المسألة 12. (9) مختلف الشيعة: ج 2 ص 133. 182 أمر بلالا بإعادة الأذان لما أذن قبل الفجر (1). وفيه منع انحصار الوضع، وحرمة ما فعله بلال من التقديم، بل هو من جهة التنبيه، كما تضمنته الصحاح. ولا فرق بين اتحاد المؤذن وتغايرهما، بل قيل: الأولى تغايرهما، كما فعل النبي (صلى الله عليه وآله) (2). ولا تحديد لقدر التقديم، فالمناسب أن يعين وقت لذلك ليكون مقيدا، ولم نقف على دليل لتحديده بسدس الليل، كما قيل، ولا بتخصيصه برمضان (3)، ولعل أمثال ذلك من العامة. خاتمة: لا يعتبر أذان غير المميز مطلقا، ولا الكافر إجماعا، ولعدم الأمانة " والمؤذنون امناء " (4)، وللموثق: لا يجوز أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف، فإن علم الأذان فأذن به ولم يكن عارفا لم يجزئ أذانه ولا إقامته، ولا يقتدى به (5). ولا يتوهم أن الكفر لا يجتمع مع التكلم بالشهادتين، لأن وضعهما في الأذان ليس للإخبار عن العقيدة، مع أن الأذان حينئذ مسبوق بالكفر في الجملة. وهل يقتضي ذلك التلفظ الحكم بإسلامه أم لا؟ قيل: نعم (6)، لأنه صريح في الشهادة، وللخبر: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصم مني دماؤهم (7). وقيل: لا (8)، وهو أقوى، لما ذكرنا، ولأن الظاهر من الخبر القول مخبرا عن الاعتقاد.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 626 ب 8 من أبواب الأذان والإقامة ح 8. (2) مدارك الأحكام: ج 3 ص 279. (3) مدارك الأحكام: ج 3 ص 279. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 619 ب 3 من أبواب الأذان والإقامة ح 7. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 654 ب 26 من أبواب الأذان والإقامة ح 1. (6) الدروس الشرعية: ج 1 ص 163. (7) عوالي اللآلي: ج 1 ص 238 ح 154. (8) جامع المقاصد: ج 2 ص 175. 183 ويظهر من الموثق المتقدم اشتراط الإيمان، وهو كذلك، كما اختاره جماعة من أصحابنا، والأخبار المستفيضة ناطقة ببطلان عباداتهم، وأنها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف. ويعتبر أذان الصبي المميز، للإجماع نقله غير واحد من أصحابنا (1)، وللصحيح (2)، والموثق (3). وأما المرأة فتعتد النساء بأذانها إجماعا، كما نقله الفاضلان (4). والحق به الأذان للمحارم. وقد يتأمل فيه، لعدم صدور النص، وكونه توقيفية. وأما اعتداد الأجانب فالأكثر على عدم الجواز، لكون السماع منهيا عنه، وقيل بالاعتداد (5)، وكأنه لم يجعل صوتها عورة، أو استثنى ذلك كما استثنى صوت الرجل في الأذان وغيره، ولم يثبت ذلك. وبالجملة: قلنا بالحرمة أو لم نقل لم يثبت في الشرع ذلك، وهو من الأمور التوقيفية. ويستحب أن يكون عدلا، للنصوص، فقال (عليه السلام): " ويؤذن لكم خياركم " (6)، وفي آخر: " إنهم الامناء " (7)، وفي آخر: " إن المؤذن مؤتمن " (8)، ولتقليد ذوي الأعذار، وإن قلنا بجواز الاعتماد مطلقا - كما قيل - فأولى (9). وقيل بالاشتراط، لفقد الأمانة في الفاسق. والإطلاقات تقتضي جواز الاعتداد (10). وأن يكون صيتا، لعموم النفع، وللخبر: يا بلال اعل فوق الجدار وارفع صوتك
(1) المعتبر: ج 2 ص 125، مدارك الأحكام: ج 3 ص 270. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 661 ب 32 من أبواب الأذان والإقامة ح 1. (3) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 53 ح 21. (4) المعتبر: ج 2 ص 126، منتهى المطلب: ج 1 ص 257 س 28. (5) قاله الشيخ في المبسوط: ج 1 ص 97. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 640 ب 16 من أبواب الأذان والإقامة ح 3. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 619 ب 3 من أبواب الأذان والإقامة ح 6. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 618 ب 3 من أبواب الأذان والإقامة ح 2. (9) جامع المقاصد: ج 2 ص 176. (10) مختلف الشيعة: ج 2 ص 136. 184 بالأذان، فإن الله عز وجل قد وكل بالأذان ريحا ترفعه إلى السماء (1)... الحديث. وقائما على مرتفع لذلك أيضا، وأما كونه منارة فلم يظهر من النصوص استحبابه، وفي الخبر: عن الأذان في المنارة أسنة هو؟ فقال: إنما هو كان يؤذن للنبي (صلى الله عليه وآله) في الأرض، ولم يكن يومئذ بمنارة (2). وقد يستدل على الاستحباب بقول علي (عليه السلام) حيث مر على منارة طويلة فأمر بهدمها، ثم قال: لا ترتفع المنارة إلا مع سطح المسجد (3)، ولولا استحباب الأذان فيها لكان الأمر بوضعها عبثا. وحسن الصوت، وعلل بإقبال القلوب إلى سماعه. وأن يكون ذا بصر وبصيرة بالوقت، لاعتماد ذوي الأعذار عليهم. وهل يجوز الاعتماد على أذان الجاهل لو وقع في الوقت؟ فيه إشكال، وظاهر بعض الأصحاب أنه لا خلاف في الاعتداد به بين الأصحاب، فإن كان إجماعا فهو، وإلا فهو مشكل. وهل يجوز الاعتداد بأذان من يأخذ على الأذان أجرا؟ فيه إشكال لو قلنا بالحرمة، كما هو المشهور، للرواية (4). وعلل بأنه يجب فيه التقرب، فلا يجوز الاستئجار، وفيه نظر. والقول بالكراهة - كما ذهب إليه السيد (5) - قوي، لضعف الرواية سندا ودلالة، وموافقتها لمذهب العامة، والارتزاق من بيت المال. ويمكن القول بشمول الأجر في الرواية له أيضا، ولكن ظاهر التذكرة الاجماع، لأنه من مصالح المسلمين (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 640 ب 16 من أبواب الأذان والإقامة ح 7. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 505 ب 25 من أبواب أحكام المساجد ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 505 ب 25 من أبواب أحكام المساجد ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 666 ب 38 من أبواب الأذان والإقامة ح 1. (5) في مصباحه كما نقله عنه المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 134. (6) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 109 س 11. 185 الفصل السادس في مناهج القيام منهاج يجب القيام في الفرائض بالآية والإجماع والصحاح، وهو ركن في الصلاة، تبطل الصلاة بالإخلال به عمدا وسهوا. قال في المعتبر: إنه مذهب العلماء كافة (1)، وادعى في المنتهى أيضا الاجماع (2). لكن ينبغي أن يكون الركن منه هو المتصل بالركوع وإن كان جزء من القيام حال القراءة أو القنوت. ولا يلزم اجتماع الاستحباب والوجوب، فإن القنوت غير القيام. وإن أبيت عن ذلك فاعتبر الجهتين، فتدبر. والقيام حال التكبير، بل حال النية أيضا، لما سيجئ إن شاء الله تعالى من عدم بطلان الصلاة بترك القراءة سهوا، أو جزء منها. والدليل على الركنية بعد الاجماع هو أنه واجب في الصلاة، ومن كيفياتها وأجزائها لما ذكر، وينتفي الكل بانتفاء جزئه، فمن تركه فلم يأت بالمأمور به، فيبقى تحت عهدة التكليف. والاستشكال في ركنيته حال النية ليس بشئ، إذ بعد لزوم المقارنة مع التكبير وثبوته فيه بعنوان الركنية لا ينفك عن اعتباره فيها، إذ المعتبر من النية
(1) المعتبر: ج 2 ص 158. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 265 س 1. 186 هو المتصل بالصلاة. ويجب الإقلال في القيام - بأن لا يكون مستندا إلى شئ بحيث لو رفع ذلك الشئ لسقط - على المشهور، للصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تستند بخمرك وأنت تصلي، ولا تستند إلى جدار إلا أن تكون مريضا (1)، ولصحيحة حماد الطويلة (2)، وفيه تأمل، ولاستصحاب شغل الذمة، وأن المتبادر من القيام هو ما كان بالاستقلال. وأبو الصلاح على الجواز على كراهة (3)، للنصوص. ففي الصحيح: عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ فقال: لا بأس. وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأولتين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة؟ قال: لا بأس (4). وفي الموثق: عن الرجل يصلي متوكئا على عصا أو على حائط؟ فقال: لا بأس بالتوكؤ على عصا والاتكاء على الحائط (5). ويمكن تقوية مذهب أبي الصلاح، لكثرة الأخبار وصراحتها، وعدم صراحة مستند المشهور، لعدم تعلق النهي بالصلاة صريحا، وحملها على الكراهة. لكن الشهرة وفهم الأصحاب وعدم تحقق القيام يقينا إلا بذلك يؤيد الأول، وعليه العمل، ولا ينبغي تركه، وينبغي أن يقتصر في ذلك على الاستناد في حال الصلاة بشخصه والاتكاء بنفسه، لا مطلق الاستعانة والاستمداد، لعدم منافاة ذلك لمستند المشهور، ووجود الرخصة فيه في تلك الأخبار، وظهور الاستناد المذكور
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 702 ب 10 من أبواب القيام ح 2 وفيه (لا تمسك بخمرك). (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 673 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 1. (3) الكافي في الفقه: ص 125. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 701 ب 10 من أبواب القيام ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 702 ب 10 من أبواب القيام ح 4. 187 في مستندهم في استناد الشخص في حال القيام، لا استعانته للقيام. ونقل عن بعض المتأخرين التصريح بأن حكم الاستعانة حكم الاستناد (1)، وهو ضعيف. ويجب الانتصاب، بأن ينصب فقار ظهره، كما رواه الصدوق عن الصادق (عليه السلام) قال: وقم منتصبا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له (2). وروى في الكافي في الصحيح عن أبي بصير عنه (عليه السلام): قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من لم يقم صلبه فلا صلاة له (3). فلو مال يمينا وشمالا بحيث أخرجه عن الانتصاب عرفا يكون باطلا، فلا بأس بإطراق الرأس، وإن كان تركه أولى، لمرسلة حريز عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: * (فصل لربك وانحر) *؟ قال: النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره (4). وأن لا يكون منحنيا، فلا يجوز للمختار القيام بهذه الأنحاء، ولا يبعد التزام كل ما ذكر، ويؤيده صحيحة حماد (5) أيضا. ومن جميع ما ذكرنا ينقدح اشتراط الاستقرار أيضا، لعدم تحققه بدونه، وروى السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): عن رجل يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم، قال: يكف عن القراءة حال مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريد، ثم يقرأ (6). هذا كله مع القدرة على القيام، وأما مع العجز فيعتمد، والظاهر عدم الخلاف في ذلك، للعمومات والاستصحاب، وهو قيام حقيقة، والأخبار المتقدمة. ولو عجز عن البعض فيأتي به على قدر المقدور، لأن الميسور لا يسقط
(1) جامع المقاصد: ج 2 ص 203. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 302 ح 916. (3) الكافي: ج 3 ص 320 ح 4. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 694 ب 2 من أبواب القيام ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 673 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 775 ب 34 من أبواب القراءة ح 1. 188 بالمعسور، ولقوله (عليه السلام): " إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم " (1)، وللاستصحاب والعمومات وللصحيح الآتي. وقد نقل عن الشيخ أنه قال: قد روى أصحابنا: أنه إذا لم يقدر على القيام في جميع الصلاة قرأ جالسا، فإذا أراد الركوع نهض وركع عن قيام (2). ولكن هذه الأدلة لا يثبت أزيد مما يدخل في عنوان القيام منتصبا أو منحنيا أو متكئا، وأما ما لا يدخل فيه ففيه إشكال، لعدم شمول العمومات والخصوص أيضا. وجريان الدليلين الأولين في الأجزاء العقلية محل كلام، ولا يظهر عندي له وجه، ولا نقض علينا باعتباره مع عدم التمكن من الانتصاب، لأن الانتصاب واجب آخر والقيام واجب آخر، فتدبر. فإذا صح سلب اسم القيام عنه فلا بد من الانتقال إلى القعود، لعدم الدليل على صحة مثل هذه الصلاة. ولا فرق في التزام القيام مع القدرة بين كونه قادرا على الركوع والسجود معه أم لا، فإذا قدر عليهما بدونه لم يجز العدول عنه، بل يومئ للركوع والسجود، بالإجماع نقله في التذكرة (3) والمنتهى (4)، ولأن القيام ركن لا يجوز العدول عنه إلى الجلوس، ومع الإيماء يحصل الركن، أعني الركوع والسجود، ومع الجلوس فيهما لا يحصل القيام والركوع قائما وعن قيام. فإن قلت: عمومات الركوع يعارضه فلا وجه للترجيح. قلت: إن أردت منها الركوع المعروف المتداول الذي هو الركوع عن قيام وفي حال القيام فنمنع الصغرى، وإن أردت الأعم منه فنمنع كلية الكبرى. فإن قلت: لم يثبت عموم اعتبار القيام في الركوع. قلت: لم يثبت عموم اعتبار الانخفاض بقدر الركوع.
(1) صحيح البخاري: ج 9 ص 117. (2) المبسوط: ج 1 ص 100. (3) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 92. (4) منتهى المطلب: ج 1 ص 265 س 10. 189 وأيضا هذا أشبه بما جوزه الشارع في المواضع الكثيرة، مثل صلاة العاري وغيره. وإطلاق الركوع على الإيماء في الشرع واقع، ولا ترجيح لإطلاقه على ما ذكرتم على إطلاقه على ما ذكرنا. وقولهم (عليهم السلام) " الميسور لا يسقط بالمعسور " (1)، وغيره لا ينفعهم، بل يضرهم. وبالجملة: الأقرب ما ذهب إليه الأصحاب. ثم إن عجز عن القيام بهذا النحو أيضا فيقعد للإجماع، نقله غير واحد من أصحابنا، وللنصوص المستفيضة. ففي الخبر: يصلي المريض قائما، وإن لم يقدر على ذلك صلى قاعدا (2). وفي آخر: فإن لم يقدر على ذلك صلى جالسا (3). وفي حسنة أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: * (يذكرون الله قياما) *، قال: الصحيح يصلي قائما * (وقعودا) * المريض يصلي جالسا، * (وعلى جنوبهم) * الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا (4). ويرجع في العجز إلى حال نفسه، فإنه أعلم بنفسه من غيره، على المشهور بين الأصحاب. ففي صحيحة أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام): أنه يسأل ما حد المرض الذي يفطر صاحبه؟ والمرض الذي يدع صاحبه فيه الصلاة قائما؟ قال: بل الانسان على نفسه بصيرة، قال: ذاك إليه هو أعلم بنفسه (5). وفي صحيحة جميل: إنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام): ما حد المريض الذي يصلي
(1) عوالي اللآلي: ج 4 ص 58 ح 205. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 693 ب 1 من أبواب القيام ذيل ح 22. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 691 ب 1 من أبواب القيام ح 13. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 689 ب 1 من أبواب القيام ح 1. (5) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 177 ح 12. 190 قاعدا؟ فقال: إن الرجل ليوعك ويحرج، ولكنه أعلم بنفسه، ولكنه إذا قوي فليقم (1). ويؤيده الأدلة الدالة على وجوب القيام. وقيل: حده أن لا يتمكن من المشي بمقدار زمان الصلاة (2)، لخبر سليمان: المريض إنما يصلي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما (3). وفيه مع ضعف السند ومتروكية ظاهره عند أكثر الأصحاب، أنه مخالف للاعتبار، وغير منضبط في العيار، والعمل به يوجب ترك القيام في بعض الأحيان، كما لا يخفى، وقد عرفت عدم الجواز بقدر المقدور. ويجوز الاعتماد على قول الطبيب في قوله بأن القيام يضر مع عدم علمه بعدم الضرر، لدفع الضرر، والضرر أعم من الضعف وشدة المرض وبطؤ برئه وازدياده. وكذا بما يوجب ترك القيام، كأمره باستلقاء من كان في عينيه ألما ثلاثين يوما وأربعين يوما ونحو ذلك، أو بجلوسه كذلك لمرض وإن لم يكن في نفسه عاجزا عن القيام، للنصوص. منها صحيحة محمد بن مسلم: قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل والمرأة يذهب بصره فيأتيه الأطباء فيقولون: نداويك شهرا أو أربعين ليلة مستلقيا، كذلك يصلي؟ فرخص في ذلك وقال: فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه (4). وفي حكم ما ذكر الخوف من اللص والسبع والجرح والحبس تحت السقف المنحط، وغير ذلك. ثم إنه لو دار الأمر بين الصلاة متكئا وماشيا مستقلا فلا ريب في رجحان الأول، ويظهر وجهه مما تقدم، والقول بالثاني ضعيف. وأما لو دار بين القعود والصلاة ماشيا ففيه قولان، أقربهما تقديم الأول، لما مر
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 698 ب 6 من أبواب القيام ح 3. (2) مدارك الأحكام: ج 3 ص 328. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 699 ب 6 من أبواب القيام ح 4. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 699 ب 7 من أبواب القيام ح 1. 191 من النصوص المستفيضة، إذ القيام لا يصدق على المشي، ويصح سلب اسم الماشي عن القائم وبالعكس، وأيضا لم يعهد من الشارع للمريض الصلاة ماشيا، والعبادة موقوفة على التوظيف. وأما الاستدلال على القول الثاني بأن ترك وصف القيام - وهو الاستقرار - أولى من ترك نفسه، فهو ضعيف جدا. لأ نا لو سلمنا كون المشي من أفراد القيام لا نسلم كون الاستقرار وصفا له، بل هو وصف للمصلي مثل القيام، ولا وجه لترجيح أحد الوصفين على الآخر. وهكذا الاستدلال عليه بخبر سليمان (1)، لما تقدم من ضعف السند والدلالة، ولما يلزم عليه من الفساد، فتنبه. وهكذا الاستدلال عليه بالعلة المذكورة في الرواية المذكورة في صدر الفصل، فإن الظاهر من التعليل أنها للانتصاب لا للقيام، كما لا يخفى على الطبع السليم، وهو يتحقق مع القعود أيضا، فتأمل. ومن العجب استدلال بعضهم بمثل قوله (عليه السلام): " يصلي قائما، فإن لم يقدر على ذلك صلى قاعدا " (2). وأنت خبير بأنه لو فرض أن المشي من أفراد القيام أيضا لا ينساق هذا النوع منه إلى الذهن أصلا من هذه العبارة، مع أن في الحسن: " المريض يصلي جالسا " (3)، وقد تقدم، وفي آخر: " ما حد المريض الذي يصلي قاعدا " (4)، وقد تقدم أيضا. وبالجملة: الذي يقوى في نفسي هو الأول. ولو عجز عن القعود بجميع الأنحاء كالقيام فيضطجع متوجها إلى القبلة على اليمين، ويومئ في الركوع والسجود، فإن عجز فعلى اليسار كذلك، وإلا فيستلقي كالمحتضر ويومئ.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 699 ب 6 من أبواب القيام ح 4. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 693 ب 1 من أبواب القيام ذيل ح 22. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 689 ب 1 من أبواب القيام ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 698 ب 6 من أبواب القيام ح 3. 192 أما الانتقال من القعود إلى الاضطجاع فالظاهر أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب، ويدل عليه النصوص منها الحسن المتقدم. وفي رواية: يصلي قائما، فإن لم يستطع صلى جالسا، فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيسر، فإن لم يستطع استلقى وأومأ إيماء وجعل وجهه نحو القبلة، وجعل سجوده أخفض من ركوعه (1). وفي رواية أخرى: عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال: فليصل وهو مضطجع وليضع على جبهته شيئا إذا سجد، فإنه يجزي عنه (2)... الحديث. وأما تقديم الأيمن على الأيسر فهو ظاهر الأكثر، وادعى في المنتهى الاجماع على الانتقال من القعود إلى جانب الأيمن (3)، وكذلك ظاهر المعتبر (4). وظاهر جماعة منهم التخيير (5)، وصرح بجواز تقديم الأيسر في التذكرة (6)، والأخبار أيضا مختلفة، فبعضها مطلق، وبعضها مقيد بالترتيب المذكور، ككلام الأصحاب. فالأولى حمل المطلق على المقيد، ليكون مبرء للذمة يقينا، فيكون المختار التفصيل والترتيب. وأما الانتقال من الاضطجاع إلى الاستلقاء فالظاهر عدم وجود المخالف فيه أيضا، وفي بعض الأخبار الانتقال من القعود إلى الاستلقاء، ولا بد من حملها على العجز من الاضطجاع أيضا، لاعتضاد الأخبار المفصلة بعمل الأصحاب، ومتروكية ظاهر ذلك عندهم. ثم إنه لو تجدد العجز للقائم جلس، وهكذا إلى أدنى الحالات وبالعكس، لقوله (عليه السلام): " ولكن إذا قوي فليقم " (7)، فإذا عرض الضعف قبل القراءة فيقرأ جالسا.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 692 ب 1 من أبواب القيام ح 15. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 690 ب 1 من أبواب القيام ح 5. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 265 س 19. (4) المعتبر: ج 2 ص 160. (5) رياض المسائل: ج 3 ص 375، مدارك الأحكام: ج 3 ص 331. (6) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 94. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 698 ب 6 من أبواب القيام ح 3. 193 وفي الأثناء فيه قولان: فالمشهور أنه يقرأ في حال الهوي، لكونه أقرب إلى القيام. وقيل: إنه يقرأ بعد الجلوس، لأن الاستقرار شرط مع القدرة (1). وفي كليهما نظر. والتحقيق أنه ما دام يصدق عليه عنوان القائم لو كان بهذه الحالة فلا بد أن يكون حاله حال القائم، لما تقدم، وأما أدون منه فحكمه أيضا كذلك، لعدم القائل بالفصل والاستصحاب، فيكون القوة مع المشهور، فتدبر. ولا بد في الانتقالات من ملاحظة عدم ازدياد الركن ونقصه. وأما لو تجدد القوة فيترك القراءة أو الذكر في الركوع ليؤديها في الحالة العليا، ويبني على ما مضى. وقيل: باستحباب الاستئناف (2)، وهو مشكل. ويعتبر في حال تجدد القوة بعد القراءة الانتصاب عرفا ليركع عن قيام، ولا دليل على الطمأنينة، والذي يقدر على ذلك القدر من القيام يجب عليه، ولو تركه بطل الصلاة ولو كان سهوا. وهاهنا ينشعب مسائل وفروع من جهة مواضع تجدد القوة، والعجز مما قبل القراءة وبعده وفي أثناء الركوع، وقبل الذكر وبعده، وكذا حال السجود، فعليك بالتأمل في المذكورات، واستخراجها مما ذكرنا. هذا حال الفرائض، وأما النوافل فيجوز الجلوس فيها اختيارا، للإجماع نقله الفاضلان (3)، وخالف في ذلك ابن إدريس في غير الوتيرة (4). ويدفعه الصحاح المستفيضة وغيرها. ولو ركع عن قيام بعد القراءة جالسا متمما قراءته قائما ولو بآيتين تكون صلاته صلاة القائم، للصحاح. منها: صحيحة حماد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: إذا أردت أن تصلي وأنت
(1) ذكرى الشيعة: ص 182 س 6. (2) نهاية الإحكام: ج 1 ص 442. (3) نهاية الإحكام: ج 1 ص 443، المعتبر: ج 2 ص 23. (4) السرائر: ج 1 ص 309. 194 جالس ويكتب لك بصلاة القائم فاقرأ وأنت جالس، وإذا كنت في آخر سورة فقم وأتمها واركع، فتلك يحسب لك بصلاة القائم (1). قال في البحار: وأوجبوا ذلك في الفريضة مع القدرة عليه والعجز عن القيام في الجميع، وهو حسن (2)، إنتهى. أقول: ومقتضى ذلك مع ما مر من وجوب القيام إذا قوى عليه أنه إذا قوى على القيام بقدر معين، إما في أول القراءة أو في آخره، فيجب عليه أن يختار الآخر. وفي النصوص: أن المستطيع على القيام والكسل يضعف ركعتين بركعة، وحملهما في التهذيب (3) على الأفضلية، والإطلاق يعطي عدم التفرقة بين الرواتب وغيرها. ويبقى الكلام فيما روي عن الباقر (عليه السلام) قال: قلت له: إنا نتحدث نقول: من صلى وهو جالس من غير علة كانت صلاته ركعتين بركعة وسجدتين بسجدة، فقال: ليس هو هكذا هي تامة لكم (4). والظاهر أن المراد منه بيان أن الصلاة جالسا مسقط للنافلة ومجز، لا أنه لا فضل للتضعيف. وينقدح من هذا الخبر أن الضعف مستحب خارج، وليس بنفس النافلة، فتدبر. وذكر جمع من الأصحاب أن الأفضل في الوتيرة الجلوس، لما في الأخبار الكثيرة من توصيفها بركعتين من جلوس تعدان بركعة قائما. وقيل: بأفضلية القيام (5)، للخبرين، قال في أحدهما: " والقيام أفضل " (6)، وفي الآخر: " قال الصادق (عليه السلام): كان أبي يصليهما وهو قاعد، وأنا أصليهما وأنا قائم " (7).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 701 ب 9 من أبواب القيام ح 3. (2) بحار الأنوار: ج 84 ص 340. (3) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 166 ح 113. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 697 ب 5 من أبواب القيام ح 1. (5) جامع المقاصد: ج 2 ص 216. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 35 ب 13 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 16. (7) وسائل الشيعة: ج 3 ص 33 ب 13 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 9. 195 والأقوى بالنظر إلى الخبرين والعمومات وأحمزية القيام هو الثاني، لكن الأحوط هو الأول، سيما مع تداول ذلك، واستمرار العمل عليه في الأعصار والأمصار، ولكنه يظهر من جعلهم النزاع في الأفضلية عدم الخلاف في الجواز. وفي جواز الاضطجاع والاستلقاء فيها اختيارا قول للعلامة (1). وفيه بعد، لعدم ثبوت التوظيف كذلك. والاستدلال بأن الأصل مستحب فكذا الفرع ضعيف، لأنها مشروط بذلك، وينتفي بانتفاء الشرط، وكذا الاستدلال بالخبر النبوي (2)، لضعف السند، وركاكة المتن. ويستحب التربع في حال القعود، ويثني رجليه في حال ركوعه، للصحيح: كان أبي (عليه السلام) إذا صلى جالسا يربع، وإذا ركع ثنى رجليه (3)، وفي المنتهى وليس هذا على الوجوب بالإجماع (4). والتربع، هو أن ينصب فخذيه وساقيه على ما ذكره المحقق الشيخ علي (5)، وفي القاموس: تربع في جلوسه خلاف. وتثنية الرجلين، هو أن يفترشهما تحته ويجلس على صدورهما بغير إقعاء. وذكروا في كيفية ركوع القاعدين وجهين: أحدهما: أن ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع القائم بالنسبة إلى القائم المنتصب. وثانيهما: أن ينحني بحيث يحاذي جهته موضع سجوده، وأدناه أن يحاذي جبهته بأقدام ركبتيه. قال في البحار: ولا يبعد تحقق الركوع بكل منهما، والظاهر عدم وجوب رفع الفخذين عن الأرض، وأوجبه الشهيد في بعض كتبه مستندا إلى وجه ضعيف (6)، انتهى.
(1) نهاية الإحكام: ج 1 ص 444. (2) صحيح البخاري: ج 2 ص 59. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 703 ب 11 من أبواب القيام ح 4. (4) منتهى المطلب: ج 1 ص 266 س 4. (5) جامع المقاصد: ج 2 ص 206. (6) بحار الأنوار: ج 84 ص 336. 196 ويجوز الجلوس بأي نحو اتفق، للخبر: أيصلي الرجل وهو جالس متربع ومبسوط الرجلين؟ فقال: لا بأس بذلك (1). وفي آخر: في الصلاة في المجمل صل متربعا، وممدود الرجلين، وكيفما أمكنك (2). ويكره الإقعاء، للنص (3)، هكذا عمم الحكم بعض الأصحاب، لكن الأخبار واردة في التشهد وما بين السجدتين. ويمكن تأييد التعميم بصحيحة زرارة: فإذا قمت بالصلاة فعليك بالإقبال - إلى أن قال: - ولا تقع على قدميك (4). ويمكن التأييد بصحيحته الأخرى أيضا: قال في جملتها: وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك (5)، فإنه وإن كان الظاهر أنه المراد في التشهد، لكنه العلة عامة، فتدبر. خاتمة: يستحب الدعاء بالمأثور - في رواية أبان ومعاوية بن وهب (6) وغيرها - عند القيام إلى الصلاة. وأن لا يلصق قدمه بالأخرى، فيدع بينهما فصلا إصبعا أقل ذلك إلى شبر أكثره، ويسدل منكبيه، ويرسل يديه، ولا يشبك أصابعه، وليكونا على فخذيه قبالة ركبتيه، وليكن نظره إلى موضع سجوده، كما في صحيحة زرارة (7). وفي رواية أخرى: إجعل بينهما قدر ثلاثة أصابع إلى شبر (8)، وهو محمول على مراتب الاستحباب.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 703 ب 11 من أبواب القيام ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 703 ب 11 من أبواب القيام ح 5. (3) سنن ابن ماجة: ج 1 ص 289 ح 895. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 677 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 5. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 675 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 3. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 708 باب 15 من أبواب القيام ح 3. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 710 ب 17 من أبواب القيام ح 2. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 710 ب 17 من أبواب القيام ح 2. 197 وفي جملتها: " لا تأتها متكاسلا ولا متناعسا ولا مستعجلا، فإذا دخلت فيها فعليك بالتخشع، واخشع ببصرك لله عز وجل، ولا ترفعه إلى السماء، واشغل قلبك بصلاتك، فإنه لا يقبل من صلاتك إلا ما أقبلت منها بقلبك، وليكن قيامك في الصلاة قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، وصل صلاة مودع، ولا تعبث بلحيتك ولا برأسك ولا ببدنك، ولا تفرقع أصابعك، ولا تقدم رجلا على رجل، ولا تتمطأ ولا تتثاءب، ولا تلتفت عن يمينك ولا يسارك (1). وأن يستقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة، كما في صحيحة حماد (2). وقيل: يكره الوطء ء مرة على هذا القدم ومرة على هذه والتقدم مرة والتأخر أخرى (3). والمرأة تجمع بين قدميها، ولا تفرج بينهما، وتضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها، هكذا في الحسن (4). والمراد بضم اليدين إلصاقهما مرسلا لهما معا، لا وضعهما عليهما، كما فهمه بعض الأصحاب. ويحرم التكفير حال الصلاة، للصحيحين (5) وغيرهما، بل الظاهر البطلان. لأن الظاهر من النهي عن التكفير حال الصلاة النهي عن الصلاة مكفرا، فيكون باطلا، لأن النهي يدل على الفساد، فلا مجال للقول بأن النهي تعلق بالخارج. وللإجماع نقله الشيخ (6) والمرتضى (7) (رحمهما الله). ولعدم ثبوت التوظيف بمثل هذه الصلاة. وهذا هو المشهور بين الأصحاب.
(1) فقه الرضا: ص 101. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 673 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 1. (3) قاله الجعفي على ما نسب إليه الشهيد الأول في الذكرى: ص 182. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 676 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 4. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1264 ب 15 من أبواب قواطع الصلاة ح 1 و 2. (6) الخلاف: ج 1 ص 322 المسألة 74. (7) الانتصار: ص 41. 198 وقيل: فعله مكروه (1). وقيل: تركه مستحب (2)، معللا بضعف دلالة الأخبار، سيما مع ملاحظة التعليل بأنه فعل المجوس وانسباكه مع المكروهات في الذكر. وهذا لا يتمشى في صحيحة ابن مسلم: قال: قلت: الرجل ليضع يده في الصلاة وحكى اليمنى على اليسرى، فقال: ذلك التكفير، لا تفعل (3). وحكم الشيخ بمساواة وضع اليسرى على اليمنى للعكس (4). فحينئذ ينبغي ترك جميع ما فسر به التكفير، لتحصيل اليقين بالبراءة، لكون بعض الأخبار مطلقة، وعدم ثبوت انحصار التفسير من هذه الصحيحة. وهكذا حكم بعدم التفرقة في وضعهما فوق السرة وتحتها. وصرح بهذين التعميمين المحقق الشيخ علي في حاشية الإرشاد (5). وحكم في التذكرة بعدم الفرق مع الحائل وبدونه، واستشكل في وضعه على الساعد (6). والأولى الاجتناب عن الكل. هذا كله في غير حال التقية. وأما معها فيجوز، بل قد يجب. وأما لو تركها مع الوجوب ففي البطلان إشكال، يظهر من ملاحظة ما تقدم، وعلى ما اخترنا يقوى القول بالبطلان، والأولى عدم الترك. وحكم الشيخ بعدم جواز التطبيق في الصلاة، بأن يطبق إحدى يديه على الأخرى ويضع بين ركبتيه، وادعى عليه الاجماع (7).
(1) الكافي في الفقه: ص 125. (2) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 191. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1264 ب 15 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. (4) الخلاف: ج 1 ص 321 المسألة 74. (5) نقله عنه صاحب مفتاح الكرامة: ج 3 ص 11. (6) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 133 س 17. (7) الخلاف: ج 1 ص 347 المسألة 97. 199 الفصل السابع في مناهج النية والتكبير منهاج (*) النية واجبة بالإجماع، وقد مر تحقيقه، ونقول هاهنا: يجب القصد إلى الفعل المخصوص بحيث يمتاز عن جميع ما عداه، متقربا إلى الله تعالى، فإن كان لاعتبار القضاء والأداء والوجوب والندب وغير ذلك من المشخصات دخل في التعيين، فيجب، ليحصل الامتثال والإتيان بالمأمور به، وإلا فلا، وأما مع الامتياز بدون ذلك فالأولى أيضا عدم ترك أمثال ذلك القصود، والاحتياط في ذلك للشهرة، ولادعاء بعضهم على بعضها الاجماع، لكن الذي يقوى في نفسي هو الاكتفاء بتميز الفعل وقصد التقرب ليس إلا. ويجب المقارنة بالصلاة، للإجماع، وتتحقق بأن يكبر عن نية، للإجماع نقله في التذكرة (1)، واستحضارها من أول التكبير إلى آخره. وقيل: محلها بين الألف والراء (2)، وليسا بشئ، سيما مع استلزام الأخير خلو
(*) في الأصل شطب على " الفصل السابع " وكتب مكانه " المقصد الثالث "، وشطب أيضا على كلمتي " مناهج " و " منهاج " وزيد بعد قوله: " النية والتكبير ": وفيه مباحث، الأول. وهكذا غير وبدل إلى الفصل الرابع عشر. ولم نتحقق وجه ذلك مع أنه خلاف السياق، ونحن حيث لم نطمئن على كون ذلك التغيير بقلم المؤلف (قدس سره) أثبتنا ما كتبه أولا. (1) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 112 س 9. (2) نسبه الشهيد الأول إلى بعض الأصحاب، راجع الذكرى: ص 177 س 13. 200 جزء من الصلاة عن النية، ومنافاتهما لحضور القلب، ولزوم الغفلة عن المهم، وهو استصغار ما سوى الله، والانقطاع الكلي إليه، كما ورد، مضافا إلى لزوم الحرج والعسر، وإفضائه إلى الوسواس. ويمكن أن يستدل على المشهور من وجوب إحضار النية وإخطارها متصلا بالتكبير ما رواه في العلل (1) والعيون (2) عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال: فإن قال: فلم يرفع اليدان في التكبير؟ قيل: لأن رفع اليدين هو ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع - إلى أن قال: - ولأن في رفع اليدين إحضار النية، وإقبال القلب على ما قال وقصد. وما رواه في دعائم الاسلام عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا ينبغي للرجل أن يدخل في صلاة حتى ينويها. وفي دلالتها تأمل (3). ويجب استمرارها حكما إلى الفراغ لا فعلا، بأن لا ينوي نية تنافي النية الأولى، للإجماع نقله في التذكرة (4). وإن جعلناها هي الداعي إلى الفعل - كما هو التحقيق - فيكون الاستمرار فعليا أيضا. فلو نوى الخروج عن الصلاة ولم يخرج، فقيل: تبطل، لأنه صار سببا لرفع نية الصلاة، فتكون باطلا، لأنه كان مشغول الذمة بالصلاة يقينا، ومع عدم الاستمرار على حكم النية يكون الامتثال مشكوكا فيه، ولعموم أدلة وجوب النية، وقد عرفت نقل الاجماع على وجوب الاستمرار الحكمي. وقد يقال: إنه يستلزم وقوع ما بعده من الأفعال بلا نية، وهو خروج عن المتنازع. وقيل: لا يبطل، لأن الصلاة على ما افتتحت عليه، والصحة مستصحبة (5).
(1) علل الشرائع: ص 264. (2) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 111. (3) دعائم الاسلام: ج 1 ص 156. (4) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 108. (5) لم نعثر على قائله. 201 وعموم الأول ممنوع، واستصحاب الصحة - لو سلم - فمعارض باستصحاب عدم تحقق العبادة في الخارج، سيما إذا قلنا بأن النية جزء، أو لم يعلم أنها شرط خارج، أو قلنا بأن العبادات اسم للصحيحة، مع أن استصحاب شغل الذمة وعدم تحقق العبادة مقدمان على استصحاب الصحة، ولا ينقضان بالشك أبدا، واستصحاب البراءة الأصلية قد زالت باشتغال الذمة بالعبادة المحتملة كون ما نحن فيه من أجزائها أو شرائطها. ومن جميع ما ذكرنا ينقدح ضعف التمسك بإطلاق الأوامر، فتدبر. وبالجملة: الذي يقوى في نفسي هو البطلان، سيما ونحن نجد من ملاحظة ما ورد في الصلاة: ان للصلاة حالة ممتدة كأنها روحها، أو أنها سمط تنظم به جواهر أذكارها وأفعالها. فالأكوان الخالية من الأفعال والأذكار أيضا يمكن القول بكونها من الصلاة، وذلك المتخلل ينافي هذا الامتداد ويقطعها. وهذا الإشكال يجري أيضا في ما لو أراد الخروج في الآن الثاني، أو في الركعة الثانية، ولكنه أضعف هنا، واختار الفرق في ذلك العلامة في المختلف. هذا كله إذا بت في القصد ونجزه، أما لو علقه على أمر متحقق الوقوع ففيه احتمالان، ذكرهما في التذكرة (1). والأقوى البطلان أيضا، لما ذكرنا سابقا، ولأن هذه الصلاة التي يقصد قطعها - بأن يصير الرباعية ثنائية مثلا - ليست ما أراده الشارع، وليس آتيا بالمأمور به في هذه الحالة، وإذا خرجت عن كونها مأمورا بها فيبطل، ولا يفيد في ذلك الرجوع عن نيته ثانيا. وأما لو علقه على أمر ممكن الوقوع ففيه احتمالان أيضا، ذكرهما فيها، والأقوى هاهنا أيضا البطلان، لما ذكرنا.
(1) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 108. 202 ولا يذهب عليك أن ما جوزه الشارع من القطع بسبب عروض عارض من ضرورة أو دفع ضرر قليلا كان أو كثيرا أو مثل ذلك فقصده لا يضر - مثل أن يقصد حال الصلاة أنه لو أشرف الصبي على البئر فأقطع صلاتي وأنقذه - بالاتفاق، لأنه مما جوزه الشارع، وليس القطع هناك على وفق هواه. وعندي أنه لا فرق بين قصد الخروج وبين قصد فعل المنافي. والمنقول عن المشهور أنه لا يبطل إذا لم يفعل، وربما بنى هذا على تنافي إرادة الضدين وعدمه، وليس بشئ، لأنه لا شك في التنافي مع الاستشعار بالضدية، فقصد فعل المنافي يستلزم قصد الخروج، فينتفي الاستدامة الحكمية، فتبطل الصلاة. وأما مع الغفلة فالظاهر عدم البطلان ما لم يفعل، ولعله خارج عن موضوع المسألة. هذا كله فيما لو قصد الخروج أو فعل المنافي. وأما لو قصد بجزء من أجزاء الصلاة غيره - مثل أن يقصد بالتكبيرة التنبيه، وبالركوع أخذ شئ - أو أراد بها الرياء، فأطلق الحكم بالبطلان حينئذ جماعة من الأصحاب. والحق أنه إن قصد الصلاة به أيضا، فإن كان ركنا فيبطل الصلاة مطلقا، لنقصان الركن لو لم يعد، ولأن المطلوب هو ما كان خالصا لله تعالى، وزيادته لو أعاد، سواء كان ناسيا أو عامدا. وإن لم يكن ركنا فيحتمل البطلان أيضا مطلقا، لخروجه عن الموظف، وعدم المعهودية من الشرع، وذلك كما إذا أراد من القراءة التنبيه أو الرياء أو غير ذلك. ويحتمل الصحة لو أعاد إن لم يصر فعلا كثيرا، ولم نقل ببطلان الصلاة بتكرار الواجب أو بالزيادة على السورة ومثل ذلك، وقلنا بأنه يصدق عليه أنه قرأ القرآن، وهو جائز في الصلاة مطلقا، والكلام في ذلك إنما هو في صورة العمد، فتدبر. وإن لم يقصد به الصلاة أصلا، فإن كان ركنا فيحتمل الوجهين، لاحتمال الاكتفاء في حكم الركن زيادة ونقصانا بمجرد الصورة، فتكون الصلاة باطلا
203 على تقدير الإعادة وعدمها، واحتمال كون الحكم مقصورا فيما يصدق عليه تعميم الركن حقيقة، فيرجع إلى نظير الشق الثاني الذي ذكرنا، فيمكن القول بالصحة على وجه. وعلى الاحتمال الأول لا فرق بين العمد والنسيان، بخلاف الثاني كالشق الثاني المتقدم. فإن لم يكن ركنا، فاختار الفاضل صاحب المدارك (1) عدم البطلان فيما كان من قبيل القراءة، فإن قراءة القرآن في الصلاة جائز مطلقا وكذا الذكر، وجعلهما لغير الصلاة لا يخرجهما عن كونهما قرآنا وذكرا وإن لم يعتد به، ووجب الإعادة، لعدم التقرب به. واستدل على جواز ذلك في الذكر أيضا بصحيحة الحلبي: عن الرجل يريد الحاجة فهو يصلي، فقال: يومئ بيده ويشير برأسه ويسبح (2). وهذا الخبر مع أنه غير ظاهر في أن المراد الإشعار بالتسبيح أيضا وأن التسبيح من جزء الصلاة، إذ لعله كان ذكرا خارجيا قرره للتنبيه، بل الظاهر منه أن الإشعار بالإيماء باليد والرأس وإبقاء التسبيح بحاله السابق ومعارضته بالإجماع الذي نقله بعض الأصحاب على البطلان فهو لا يدل على صورة استقلال قصد غير الصلاة بجزئها. والقدر الذي يمكن أن يؤيد في هذا المقام هو عدم البطلان بتشريك القصد في مثل القراءة والذكر، سيما إذا أعاد، ولم نقل بأنه يضر، لظهور ذلك من تتبع موارد الأخبار، كالصحيح المتقدم، والأخبار الدالة على الجهر في صلاة الليل، وعلل ثبوت الجهر فيها، وإسماع الإمام من خلفه في التشهد والتكبير وغير ذلك. وهذا إنما يجري في غير قصد الرياء، وأما تشريكه فلم يثبت من الأخبار صحة تلك الصلاة، سيما مع عدم الإعادة. أما إحداث ذكر للتنبيه أو قراءة آية بأن لم يكن من أجزاء الصلاة المقررة لا واجبة ولا مندوبة فلعله أيضا لم يكن به بأس، لعمومات جواز الذكر لو لم
(1) مدارك الأحكام: ج 3 ص 310. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1256 ب 9 من أبواب قواطع الصلاة ح 2. 204 يخدش في شمولها لمثل هذا، وفي الصحيحة المتقدمة إشعار به، كما ذكرنا. وأما أذكار الصلاة وأفعالها وأكوانها المندوبات فيظهر حكمها مما ذكرنا، ولعل الأمر فيها أسهل. فإذن القول بعدم بطلان صلاة من أراد برفع اليد في التكبيرات - إن قلنا بالاستحباب - الرياء قوي، لكونه خارجا عن ماهية الصلاة. والضابط: عدم تشريك شئ في القصد وإخلاص النية إلا ما ثبت من الشرع جوازه أو ثبت عدم إبطاله، وعدم المنع لا يكفي، ليقين اشتغال الذمة المستدعي ليقين البراءة، والله يعلم. منهاج لا يجوز العدول عن النية إلى نية أخرى، إلا في مواضع استثناها الأصحاب ونطقت بها الأخبار. منها: العدول من الصلاة اللاحقة إلى السابقة مؤداتين كانتا أو مقضيتين، أو الأولى مقضية والثانية مؤداة، مثل أن يفوت عنه صلاة العصر ولم يتذكرها إلا في صلاة المغرب، أو صلاة العشاء ولم يتذكرها إلا في صلاة الغداة. والأخبار في ما ذكر كثيرة غاية الكثرة، وفي الصحيح: جواز العدول من العصر إلى الظهر بعد الفراغ أيضا، وقال فيه: إنما هو أربع مكان أربع (1). وأما العدول عن المقضية إلى المؤداة فلم نجد فيها بالخصوص نصا. نعم، في الأخبار الكثيرة دلالة على أنه يجب الإتيان بالفائتة ما لم يتضيق الحاضرة، ومع التضيق يجب الابتداء بالحاضرة، وللشهيد قول بالعدول فيها أيضا مع ضيق الوقت. ويمكن الاستدلال عليه بالعمومات الدالة على وجوب مراعاة الوقت، والأدلة القاطعة على وجوب أداء الصلوات الخمس في الأوقات المخصوصة، ولم
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 211 ب 63 من أبواب المواقيت ح 1. 205 تثبت التخصيص، ويظهر من الشارع تقديم الوقت على كثير من لوازم الصلوات، حتى الأركان والركعات، كما يظهر من ملاحظة أبواب التيمم وصلاة الخوف ونجاسة اللباس والمرض وأمثال ذلك. وعلى هذا، فالأقوى نقض الصلاة والإتيان بالحاضرة في الوقت بالتمام لو وسعه الوقت، أو كان قادرا على تحصيل مثل ركعة لو نقض الصلاة، وإلا فيبني على العدول على تردد في ذلك، لعدم النص بالخصوص، وأنه مكلف بالإتيان في الوقت بقدر الطاقة، والأشبه العدم. ومنها: العدول عن نية الائتمام إلى الإمامة، والظاهر أن هذا أيضا إجماعي، ولا مخالف فيه، والأخبار في ذلك كثيرة أيضا غاية الكثرة فيما لو مات الإمام، أو عرض له عارض تقدم واحد من المأمومين. ومن الائتمام إلى الانفراد مطلقا عند المشهور، وادعى العلامة عليه الاجماع (1)، ومع العذر عند الشيخ في المبسوط (2). ودليل المثبت غير ناهض على تمام المطلوب. نعم، لو ثبت الاجماع فالأمر كذلك. والإجماع المنقول لا يعارض أدلة المانع، منها: عدم ثبوت التعبد بهذا النحو بلا عذر، والعبادة توقيفية، ومنها: أصالة عدم جواز سقوط القراءة إلا مع الاستمرار بموجبه، ومع المفارقة لا دليل عليه. وربما يؤيد بالصحيح: عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدم أحدا، ما حال القوم؟ قال: لا صلاة لهم إلا بإمام (3). وفيه تأمل، وسيجئ تمام الكلام. وبالجملة: الأحوط عدم العدول إلا لعذر. وأما في صورة العذر فلا خلاف في الجواز، والأخبار المعتبرة ناطقة بذلك،
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 384 س 32. (2) المبسوط: ج 1 ص 157. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 474 ب 72 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. 206 وذلك إنما هو في الجماعة المستحبة لا الواجبة. وأما العدول من الانفراد إلى الائتمام فلم يظهر من الأخبار ما يدل على ذلك، وادعى الشيخ في الخلاف الاجماع على الجواز (1)، ومال إليه في التذكرة (2). والأقوى العدم، لعدم ثبوت التعبد، ومخالفته للأصول والقواعد، ولا يقاومها ذلك الاجماع، بل وفي بعض الأخبار إشعار بخلافه، مثل الأخبار التي وردت فيمن يصلي ودخل عليه جماعة، فليس في واحد منها تجويز العدول، بل العدول إلى النافلة، أو القطع إن كان إمام عادل. وأما العدول من الائتمام بإمام إلى آخر فقد ظهر صحته في الجملة، وأما صحته مطلقا حتى لو دخل جماعة أخرى وكان لهم إمام ووصل إليهم بدون عذر وجهان، والأقوى العدم، لما ذكرنا. وكذا لو أراد الائتمام بآخر - بعد خلاص الإمام - في بقية ما سبق عليه الإمام، سواء كان هو أيضا مثله في المسبوقية بهذه الجماعة أو كان شخصا آخر. والأقوى أيضا فيها العدم. ومنها: جواز النقل من الفرض إلى النفل لمن يخاف فوت الجماعة فيتمها ركعتين، وذلك إذا لم يوجب زيادة النافلة على الركعتين، والظاهر أنه أيضا إجماعي، ولم يعرف فيه مخالف من أصحابنا، ويدل عليه صحيحة سليمان بن خالد (3)، وموثقة سماعة (4). ولمن نسي قراءة الجمعة يوم الجمعة وبادر إلى سورة أخرى فيتمها ركعتين نفلا، ويستأنف الصلاة بها، لصحيحة صباح بن صبيح (5)، وغيرها. ومن القصر إلى الإتمام، لصحيحة علي بن يقطين (6).
(1) الخلاف: ج 1 ص 552 المسألة 293. (2) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 269. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 458 ب 56 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 458 ب 56 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 818 ب 72 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 534 ب 20 من أبواب صلاة المسافر ح 1. 207 ومن الإتمام إلى القصر على المشهور، وقد يستشعر ذلك من صحيحة أبي ولاد الحناط (1)، وفيه تأمل. واستثنى أيضا ناسي الأذان والإقامة استدلالا بأنه إذا جاز القطع لدركهما فالعدول إلى النفل أولى، وفيه تأمل. وأما العدول من النفل إلى الفرض فلا دليل عليه، ولم نعرف به قائل، إلا ما نقل عن الشيخ في عدول الصبي في أثناء الصلاة لو بلغ (2)، وهو ليس مما نحن فيه. وقد حكم الأصحاب بجواز العدول من النفل إلى النفل إذا تذكر السابقة في الأثناء، ولا دلالة في الأخبار على ذلك. وعلى ما ذكرنا من تقوية كلام الشهيد ينقدح تجويز العدول من النفل إلى الفرض لو ضاق الوقت. ثم إن المشهور أن موضع العدول هو أثناء الصلاة، وأما بعد الفراغ فمال إلى الجواز فيه بعض المتأخرين، للأخبار. منها: صحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) في العدول عن العصر إلى الظهر، قال: فإنما هي أربع مكان أربع (3). ولا يبعد العمل عليها في خصوص الظهرين. تنبيه: روى الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان (عليه السلام) أنه كتب إليه يسأله عن رجل صلى الظهر ودخل في صلاة العصر، فلما صلى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنه صلى الظهر ركعتين، كيف يصنع؟ فأجاب (عليه السلام): إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين، وإن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمة لصلاة الظهر وصلى العصر بعد ذلك (4).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 532 ب 18 من أبواب صلاة المسافر ح 1. (2) المبسوط: ج 1 ص 73. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 211 ب 63 من أبواب المواقيت ح 1. (4) الاحتجاج: ج 2 ص 488. 208 ونبه على ذلك الشهيد الثاني (رحمه الله) بها في روض الجنان ونقله عن صاحب الزمان صلوات الله عليه، وعده من المواضع التي لا يضر زيادة الركن في الصلاة، ولا بأس بالعمل بها (1). منهاج تكبيرة الافتتاح واجبة وركن في الصلاة، وتبطل الصلاة بالإخلال به عمدا وسهوا إجماعا، والمخالف فيه شاذ من العامة. ويدل عليه مضافا إلى الاجماع أنه جزء الصلاة، والأصل في الأجزاء الركنية بالمعنى المذكور، إذ مع انتفاء الجزء ينتفي الكل حتى يثبت الخلاف، والصحاح المستفيضة. وما يدل على خلاف ذلك بظاهره من الأخبار فمؤول بإرادة الشك، أو مطروح لمخالفتها لما هو أقوى منها، وحملها على التقية أيضا احتمال لكفاية النية عند بعضهم عنها. وأما زيادتها فالحق أنه أيضا يوجب البطلان، لأنه يصير بذلك خارجا عن الكيفية الموظفة فلا يكون ممتثلا، فلو كبر ثانيا بطلت صلاته، ولو كبر ثالثا صح. والقول بأن التكبير الثاني مبطل لكنه ليس بباطل سيما إذا كان نسيانا فلا مانع من كونه مبطلا للقصد الأول ومفتتحا للصلاة الثاني، فليس بذاك، أما مع العمد فظاهر، لكونه منهيا عنه، وأما مع النسيان فلأنه بالنسبة إلى القصد الثاني غير مأمور به ولا أمر فلا امتثال، وبالنسبة إلى القصد الأول موجب لخروجها عن الموظف فيبطل، كما هو الأصل، وقد أشرنا إليه، وأما الشك فيه فكالشك في سائر الأفعال، وسيأتي. والقول بأنه مبطل مطلقا لأنه ركن، وحكمه حكم الركعة، لبطلانها من جهته، وحكم الشك في الركعتين الأولتين البطلان، فمبني على الأصل الباطل، وسيجئ. ويجب الاقتصار فيه على ما هو المعهود من الشارع، وهو قوله: " الله أكبر "
(1) روض الجنان: ص 334 س 29. 209 بقطع الهمزتين، أما في الثاني فظاهر، وأما في الأول فلعدم مسبوقيته بكلام، ولم يعهد من الشارع وصله بشئ، والقطع بالبراءة لا يحصل إلا بالقطع. وقيل: ومن هنا ينقدح تحريم الكلام المتصل به قبله، لأنه يلزم منه إما الوصل المخالف للشرع، وإما القطع المخالف لأهل اللغة (1). ولا تمد همزة " الله " ليشتبه بالاستفهام، ومعه فلو قصد الاستفهام بطل جزما، وإلا فاحتمالان أقواهما البطلان، لما تقدم، وكذلك إشباع فتحة الباء في " أكبر " وغير ذلك. وجوز بعض العامة " الله الجليل " ونحوه، وأن يأتي بالترجمة وغير ذلك، وبعض أصحابنا وفاقا لبعض العامة " الله الأكبر ". وليسا على شئ، والإطلاقات في التكبير منصرف إلى المعهود، وهو هذا اللفظ، وفي الخبر: " ويقول: الله أكبر " وهو المذكور في صحيحة حماد (2). والعاجز يتعلم، فإن عجز يأتي بترجمتها بأي لسان كان، كذا ذكره الأصحاب، فإن ثبت الاجماع فهو، وإلا فإيجاب الترجمة عليه مشكل مع العجز. ويشكل القول بأن الميسور لا يسقط بالمعسور (3) هنا، إلا أنه أولى وأحوط. والأخرس يأتي بالميسور وبما استطاع، ولا يترك كل ما لا يدرك كله، وفي الخبر: ان تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه، وإشارته بإصبعه (4). وفيه تأييد، ولم يظهر من الأصحاب مخالف لهذا الحكم، وبعض العامة على السقوط للعجز، ولعل ثبوت هذا في الأخرس يؤيد ثبوت ذلك في العاجز. ويستحب رفع اليدين بها، ولا ريب أن رجحانه إجماعي، ولكن كونه بعنوان الاستحباب هو المشهور بين أصحابنا وأكثر العامة.
(1) مدارك الأحكام: ج 3 ص 320. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 674 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 1. (3) عوالي اللآلي: ج 4 ص 58 ح 205. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 801 ب 59 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. 210 والقول بالوجوب منسوب إلى السيد (رحمه الله)، بل في جميع التكبيرات، وادعى على ذلك الاجماع في الانتصار (1). وقال المحقق: ولا أعرف ما حكاه (رحمه الله) (2). وربما يقال: لعل مراد السيد (رحمه الله) أيضا الاستحباب، كما أنه قد يؤديه بلفظ الوجوب. ويظهر من العلامة (3) والمحقق (4) الاجماع على الاستحباب. ويدل على مطلق الرجحان - مضافا إلى الاجماع - الأخبار الكثيرة المعتبرة منها الصحاح. وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: على الإمام أن يرفع يده في الصلاة، ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة (5). وفي قرب الإسناد، قال: على الإمام أن يرفع يديه في الصلاة، وليس على غيره أن يرفع يديه في التكبير (6). وربما يقال: إنه إذا لم يجب على غير الإمام فثبت عدم الوجوب له أيضا، لعدم القول بالفصل، كما ادعاه الشيخ في التهذيب (7)، فهذا دليل الاستحباب، مضافا إلى الأصل، ويؤيده خبر حماد (8) عن ذلك، ولكنه ذكره في تكبير السجود، ولعله سها ذكر ذلك في تكبير الافتتاح. ويمكن الاستدلال بذلك أيضا على الاستحباب، لعدم القول بالفصل، فإن الظاهر من ذكر حماد في هذا الحديث هو الاستحباب، كما لا يخفى. وكذا ما ورد في الصحيح من أنه زينة الصلاة والعبودية (9).
(1) الانتصار: ص 44. (2) المعتبر: ج 2 ص 199. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 269 س 12. (4) المعتبر: ج 2 ص 156. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 726 ب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 7. (6) قرب الإسناد: ص 95. (7) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 87 ذيل ح 90. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 673 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 1. (9) وسائل الشيعة: ج 4 ص 921 ب 2 من أبواب الركوع ح 3 و 4. 211 واحتج الموجب بقوله تعالى: * (فصل لربك وانحر) * (1)، ففي صحيحة عبد الله ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: هو رفع يديك حذاء وجهك (2). وفي معناه أخبار اخر في تفسيره ويدل عليه الأمر به في حسنة زرارة أيضا، قال: إذا قمت للصلاة فكبرت فارفع يديك ولا تجاوز بكفيك أذنيك، أي حيال خديك (3). والجواب عن الآية: أن الخطاب مختص بالنبي (صلى الله عليه وآله)، ولم يثبت الاجماع على التعدي، ومن الأخبار بالحمل على الاستحباب وآكديته في الإمام، كما في الصحيح المتقدم، جمعا، والاحتياط بعدم الترك. ولا يسقط استحباب التكبير في التكبيرات المستحبة بترك الرفع، فإنه مستحب آخر. ولا يبعد القول بعدم سقوط استحباب الرفع بترك التكبير أيضا، كما يظهر من الأخبار، مثل موثقة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: في الرجل يرفع يده كلما أهوى للركوع والسجود، وكلما رفع رأسه من ركوع أو سجود، قال: هي العبودية (4)، ورواية زرارة عن الصادق (عليه السلام) قال: رفعك يديك في الصلاة زينتها (5). وفي مجمع البيان: روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لكل شئ زينة وأن زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة (6). وروى محمد بن مسلم وزرارة وحمران عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) في قوله تعالى * (وتبتل إليه تبتيلا) *: أن التبتيل هنا رفع اليدين في الصلاة (7). وفي المحاسن مرفوعا عن الصادق (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): عليك برفع يديك إلى رأسك وكثرة تقلبهما (8).
(1) الكوثر: 2. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 728 ب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 16. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 728 ب 10 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 921 ب 2 من أبواب الركوع ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 921 ب 2 من أبواب الركوع ح 4. (6) مجمع البيان: ج 10 ص 550. (7) مجمع البيان: ج 10 ص 379. (8) المحاسن: ج 1 ص 17 ح 48. 212 والمستحب من الرفع يحصل برفع اليدين أسفل من وجهه قليلا، كما في صحيحة معاوية بن عمار (1)، وحتى تكاد تبلغ أذنيه، كما في صحيحة صفوان الجمال (2). وفي صحيحة عبد الله بن سنان، قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يصلي يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح (3). وأن لا يجاوز بهما أذنيه كما في الحسن المتقدم وموثقة أبي بصير (4)، ويمكن القول بحصول الاستحباب بمطلق الرفع أيضا نظرا إلى المطلقات. قيل: والظاهر من الأخبار ومقتضى الجمع بينها محاذاة أسفل اليد النحر وأعلاه الاذن، أو التخيير بين تلك المراتب بحيث لا يجاوز الوجه (5). والمشهور الابتداء بالرفع مع ابتداء التكبير والانتهاء مع الانتهاء، لأن الرفع بالتكبير لا يتحقق إلا بذلك. قال في المعتبر: وهو قول علمائنا، ولم أعرف فيه خلافا (6)، وقريب منه كلام المنتهى (7). ويظهر من الأخبار - كالحسن المتقدم وغيره من الصحاح - جوازه بعد التكبير. وأن يستقبل ببطن الكفين القبلة لموثقة منصور بن حازم (8). ويبسطهما لحسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا (9).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 725 ب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 725 ب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 725 ب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 725 ب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 5. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 304 ح 916. (6) المعتبر: ج 2 ص 200. (7) منتهى المطلب: ج 1 ص 285 س 8. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 726 ب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 6. (9) وسائل الشيعة: ج 4 ص 723 ب 8 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 1. 213 وعن جماعة من الأصحاب استحباب ضم الأصابع حين الرفع (1). ونقل الفاضلان عن المرتضى وابن الجنيد تفريق الإبهام وضم الباقي (2). ونقله في الذكرى عن المفيد وابن البراج وابن إدريس (3) وصله أولى. ويستحب الجهر به للإمام للإجماع والأخبار المعتبرة، ففي صحيح الحلبي " قال: وإذا كنت إماما يجزئك أن تكبر واحدة تجهر فيها وتسر ستا " (4) وللمأموم الإسرار لقوله (عليه السلام): ولا ينبغي لمن خلف الإمام أن يسمعه شيئا مما يقول " (5). والمنفرد مختار للإطلاق. وقيل باستحبابه مطلقا (6). ويجوز للمصلي اختيار أي التكبيرات - السبع الذي يفتتح بها الصلاة - شاء، بلا خلاف ظاهر بينهم. وقال الشيخ في المبسوط ومن تبعه بأفضلية الأخيرة (7). والأخبار الواردة في حكاية الحسين (عليه السلام) (8)، وتنطقه بالتكبيرة يشعر بأن الأولى أنسب بذلك، بل قال بعض المتأخرين: إنه يستفاد من هذه الأخبار ومن حسنة الحلبي " قال: إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا، ثم كبر ثلاث تكبيرات، ثم قل: اللهم أنت الملك الحق... إلخ، ثم كبر تكبيرتين، ثم قل: لبيك وسعديك... إلخ، ثم تكبر تكبيرتين، ثم تقول: وجهت وجهي... إلخ، ثم تعوذ من الشيطان الرجيم، ثم اقرأ فاتحة الكتاب " (9). إن الأولى من هذه التكبيرات
(1) مدارك الأحكام: ج 3 ص 325، جامع المقاصد: ج 2 ص 241. (2) المعتبر: ج 2 ص 156، نهاية الإحكام: ج 1 ص 457. (3) ذكرى الشيعة: ص 179 س 17. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 730 باب 12 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 994 ب 6 من أبواب التشهد ح 2. (6) القائل هو الجعفي كما نقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 179 س 26. (7) المبسوط: ج 1 ص 104. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 722 ب 7 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 1 و 4. (9) وسائل الشيعة: ج 4 ص 723 ب 8 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 1. 214 هي تكبيرة الإحرام، وما ذكره جماعة من الأصحاب من التخيير في جعلها أي السبع شاء (1) لا مستند له. ويستفاد من هذا الحديث أيضا أن وقت دعاء التوجه بعد إكمال السبع وإن افتتح بالأولى. وأقول: الأخبار المطلقة كثيرة لم يظهر منها اعتبار تخصيص أصلا. ففي حسنة زرارة: أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجه تكبيرة واحدة، وثلاث تكبيرات أحسن، وسبع أفضل (2). وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام): الإمام يجزيه تكبيرة واحدة، ويجزئك ثلاث مترسلا إذا كنت وحدك (3). وفي موثق زرارة قال: رأيت أبا جعفر (عليه السلام) أو سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء (4). وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في باب صلاة العيدين التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة يجزئ، والثلاث أفضل، والسبع أفضل كله (5). بل ويظهر منها عدم القصد إلى التعيين أصلا والاكتفاء بذلك العدد. ومما ذكرنا ظهر عدم دلالة حسنة الحلبي (6) على تعيين الأول أيضا، وأما الصحيحان اللذان وردا في حكاية الحسين (عليه السلام) (7) وإن كانا مشعرين بذلك - من جهة أنهما كانا مبدأ جري السنة - فلا بد من الجري على وفقه. لكن الإطلاقات المذكورة وبعض الأخبار الاخر الذي ورد في علة سبع
(1) رياض المسائل: ج 3 ص 363، مدارك الأحكام: ج 3 ص 321. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 714 ب 1 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 8. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 713 ب 1 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 721 ب 7 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 2. (5) لم نجده في الباب المذكور، بل وجدناه في باب وجوب تكبيرة الإحرام، راجع ج 4 ص 714 ب 1 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 4. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 723 ب 8 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 721 ب 7 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 1 و 4. 215 تكبيرات - من أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما أسري به إلى السماء قطع سبع حجب، فكبر عند كل حجاب تكبيرة، فأوصله الله عز وجل بذلك إلى منتهى الكرامة (1) - يضعف هذا الظهور. ويضعفه أيضا ما رواه في التهذيب في باب الزيادات في الجزء الثاني من كتاب الصلاة ما يدل على أن هذه الحكاية كانت في صلاة العيد في التكبيرات القنوتية، لا في التكبيرات الاستفتاحية. وكذلك ما نقل عن مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب، من أن ذلك كان في صلاة العيد للحسن (عليه السلام) (2). والصحيحان المذكوران رواهما في العلل، وليس (3) فيهما تصريح بوقوع ذلك في الصلاة اليومية، ويمكن حملهما على رواية التهذيب. مع أنه ورد في الفقه المنسوب إلى الرضا (عليه السلام): واعلم أن السابعة هي الفريضة وهي تكبيرة الافتتاح وبها تحريم الصلاة (4). ولعله هو مستند الشيخ وتابعيه بحمله على الأفضلية (5). ونقل عن الشيخ في المصباح تعين الأخيرة فهو نص عليه (6). ومما يؤيد تعين السابعة الأخبار الواردة في أن تكبيرات الصلوات الخمس خمس وتسعون فإنه لا يتم إلا بجعل التكبيرات الست خارجا عن الصلاة. وورد في رواية أخرى: يقول قبل أن يحرم ويكبر: يا محسن قد أتاك المسئ إلى آخره، رواها ابن طاووس في فلاح السائل (7). فلو جعلنا الأولى هي التكبيرة الافتتاح فلا بد من التقديم على السبع، وإن جعلناها الأخيرة فلا بد من جعلها بعد السادسة، ولا ينافي حسنة الحلبي (8).
(1) علل الشرائع: ص 332 ح 4. (2) المناقب لابن شهرآشوب: ج 4 ص 13. (3) علل الشرائع: ص 331 ح 1 و 2. (4) فقه الرضا: ص 105. (5) المبسوط: ج 1 ص 104. (6) المصباح: ص 33. (7) فلاح السائل: ص 155. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 723 ب 8 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 1. 216 وقال الشهيد في الذكرى قد ورد الدعاء بذلك بعد السادسة (1) ولم أقف على غير هذه الرواية. فإن كان غرضه أنه هو ما قبل تكبيرة الإحرام وأنها هي السابعة فلها وجه لو سلمنا كونها هي، وإلا فلا بد من ملاحظة المأخذ. وقال أيضا: وورد أيضا يقول بعد السابعة: رب اجعلني مقيم الصلاة... إلى آخره (2). وما يظهر من كلام الفقهاء أن دعاء التوجه إنما هو قبل القراءة وبعد تكبيرة الإحرام، فهو لا يساوق الحسن المتقدم مع القول بأنها تدل على كونها هي الأول، وبدونه فلا منافاة لكن التزام ذلك لا يتم إلا بجعل السابعة هي الفريضة. وأما ما يستفاد من الأخبار أنه لا بد أن يكون دعاء التوجه بعد الدخول في الصلاة فهو تمام لو قلنا بكون الأولى تكبيرة الافتتاح، وعملنا بالحسن المتقدم أيضا، ولكن تقديم التوجه على سائر الأدعية والتكبيرات محل إشكال وإن قلنا بأن الأول تكبيرة الافتتاح أيضا لمخالفته ما أفاده الحسن في موضع الدعاء. والذي يترجح أفضليته في النظر هو جعل السابعة هي تكبيرة الإحرام، والعمل في الأدعية بمقتضى حسنة الحلبي (3)، مع جواز زيادة الدعاءين بعد السادسة، ووصل دعاء فلاح السائل بالسابعة (4). ثم إن العلامة المجلسي وفاقا لوالده (رحمهما الله) مال إلى أن المصلي مخير بين الافتتاح بواحدة وثلاث وخمس وسبع، ومع اختيار كل منها يكون الجميع فردا للواجب المخير كما قيل في تسبيحات الركوع والسجود، لظهوره عن أكثر الأخبار بل بعضها كالصريح في ذلك (5). ولعله أراد بذلك البعض مثل رواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا
(1) ذكرى الشيعة: ص 179 س 32. (2) ذكرى الشيعة: ص 179 س 33. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 723 ب 8 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 1. (4) فلاح السائل: ص 155. (5) بحار الأنوار: ج 84 ص 357. 217 افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة، وإن شئت ثلاثا، وإن شئت خمسا، وإن شئت سبعا، فكل ذلك مجزئ عنك (1). وفيه نظر من وجوه، فإن ظاهر هذه الأخبار وإن كان ما ذكره لكن تتبع سائر الأخبار يعطي أن التخيير بين الأعداد المذكورة إنما هو في التكبيرات المستحبة لا تكبيرة الإحرام، وإن الاكتفاء بلفظ التكبير سيما بعد قوله (عليه السلام) " إذا افتتحت " من باب التغليب. فمن تلك الأخبار: ما ذكر فيها تكبيرة الإحرام مع تاء الوحدة، فإنها صريحة في كونها واحدة، وهي مستفيضة جدا، منها صحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) عن الرجل نسي تكبيرة الافتتاح، قال: يعيد (2). ومن تلك الأخبار: كل ما ورد في جهر الإمام بواحدة منها والإسرار بالبواقي، منها صحيحة الحلبي (3) المتقدمة. ومنها: ما دل على كون التكبير موجبا للتحريم (4)، مثل ما ورد أن افتتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم. ومنها: ما رواه في العلل (5) والعيون (6) عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام): فإن قال: فلم جعل التكبير في الاستفتاح سبع مرات؟ قيل: إنما جعل ذلك لأن التكبير في الصلاة الأولى التي هي الأصل سبع تكبيرات: تكبيرة الاستفتاح وتكبيرة الركوع وتكبيرتين للسجود، فإن كبر الانسان أول الصلاة سبع تكبيرات فقد أحرز التكبير كله، فإن سها في شئ منها وتركها لم يدخل عليها نقص في صلاته، والمراد من الصلاة الأولى هي الركعتان بمقتضى وضعها الأول، ومن تكبيرة الركوع والسجود استفتاحاتها.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 721 ب 7 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 715 ب 2 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 730 ب 12 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 714 و 715 باب 1 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 7 و 10 و 12. (5) علل الشرائع: ص 261. (6) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 106. 218 وفي معناها أخبار اخر، منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في بيان استحباب التكبيرات الإحدى والعشرين عقيب الاستفتاح ليجزئه عن تكبيرات الصلاة لو نسيها كلها (1) وأراد بها الرباعية، وهكذا في الثلاثية والثنائية بالنسبة. وأيضا الاجماع، بل الضرورة حاصل بأن التحريم إنما يحصل بالتكبير، وبأ نه جزء الصلاة، وكما يحرم فعل المنافي بعده فكذا في أثنائه، ومع جعل المجموع فردا للواجب المخير فيلزم حرمة الكلام ونحوه في أثناء المجموع. فإن قال: يجوز إلى التكبيرة السابعة، وبعده لا يجوز لأن التكبير لم يتم إلا بالسابعة. ففيه: أنه يستلزم جواز التكلم في أثناء السابعة أيضا، مع أن مقتضى الواجب التخييري في الزائد والناقص هو استحباب الزائد إذا كان تدريجي الحصول كالتسبيحات، بخلاف ما حصل بكل منهما هيئة على حدة كالقصر والإتمام، وجعل ما نحن فيه من قبيل الثانية تعسف، وعلى الأول فيلزم تحقق التكبير بمجرد التكبيرة الأولى، فيلزم القول بحرمة الكلام بعده مطلقا، ويلزم ذلك على الثاني أيضا بطريق الأولى. وعلى المشهور من لزوم قصد التحريم بأحد التكبيرات وجعله تكبيرة الافتتاح، فيصير كلما وقع بعد تكبيرة الافتتاح من الأجزاء المستحبة للصلاة - كالقنوت وسائر الأذكار المستحبة - فلا يجوز التكلم في أثنائها لكونها جزءا حينئذ، بخلاف ما وقع قبلها فإنها ليست حينئذ من الأجزاء المستحبة، بل هي من المقارنات كالأذان والإقامة. وقياس ما نحن فيه بجواز النية قبل غسل اليدين في الوضوء قياس باطل، لوجود الفارق لأنه ليس في الوضوء من المحرمات ما هو موجود في الصلاة ليعتبر الدخول فيه بالدخول في أول جزء منه، وما يفرض منافيا في الوضوء - مثل تغيير النية وذهوله عنها - فهو مبطل لو تحقق هناك أيضا، ويحتاج إلى تجديد النية.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 720 ب 6 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 1. 219 والقول بأن غسل اليدين من الأجزاء المستحبة للوضوء أول الكلام، بل هو كالسواك والتسمية، مع أن جوازه في الوضوء أيضا محل الخلاف والإشكال عند من يعتبر إخطار النية وإحضارها في أول جزء من العبادة. بقي الكلام في مواضع استحباب التكبيرات الستة: فقيل باستحبابها مطلقا (1). وقيل: مختص بالفرائض (2). وقيل: في سبع صلوات: أول كل فريضة، وأول ركعة من صلاة الليل، وفي المفردة من الوتر، وفي أول ركعة من ركعتي الزوال، وفي أول ركعة من نوافل المغرب، وفي أول ركعة من ركعتي الإحرام. فهذه ستة ذكرها علي بن الحسين بن بابويه (رحمه الله) (3)، وزاد المفيد (رحمه الله): الوتيرة (4). ويدل على الأول الإطلاقات، وهو المعتمد، ويمكن أن يكون دليل الثاني عدم تبادر غير الفرائض منها، ولم يظهر للتفصيل مستند إلا ما رواه ابن طاووس في فلاح السائل عن الباقر (عليه السلام) قال: افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه والتكبير: في أول الزوال، وصلاة الليل، والمفردة من الوتر، وقد يجزئك فيما سوى ذلك من التطوع أن تكبر تكبيرة لركعتين (5). وقد حمله ابن طاووس على التأكيد في هذه الثلاثة بعد تخصيصها بسبع مواضع، كما ذكرنا. وبالجملة: لا مانع من القول بالاستحباب في الجميع، وتأكدها في السبع، وكون الثلاثة المذكورة من النوافل آكد من غيرها، للمسامحة في هذه المواضع.
(1) الانتصار: ص 40، مدارك الأحكام: ج 3 ص 321. (2) هو السيد المرتضى في " المسائل المحمدية " كما نقله العلامة في المختلف: ج 2 ص 186. (3) نقله عنه الشيخ في تهذيب الأحكام: ج 2 ص 94 ذيل ح 117. (4) المقنعة: ص 111. (5) فلاح السائل: ص 130. 220 الفصل الثامن (*) في القراءة منهاج أجمع علماؤنا وأكثر أهل العلم على وجوب الفاتحة في الصلوات للمنفرد والإمام في ركعتي الثنائية وأوليي الثلاثية والرباعية، والنصوص بها مستفيضة منها الصحاح. وتبطل الصلاة بتركها عمدا لا سهوا، فلا يكون ركنا للإجماع نقله الشيخ (1) وللصحاح الكثيرة وغيرها. ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): إن الله عز وجل فرض الركوع والسجود والقراءة سنة، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة، ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته (2) وبمضمونه صحيح آخر (3). ولكن الحكم بالمضي وتمام الصلاة مقيد بما إذا ركع، وأما لو لم يركع فيقرأ الفاتحة للأخبار المعتبرة. ففي موثقة سماعة قال: سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فنسي فاتحة
(*) راجع ما كتبناه في هامش ص 200. (1) الخلاف: ج 1 ص 409 المسألة 156. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 767 ب 27 من أبواب القراءة ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 766 ب 27 من أبواب القراءة ح 1. 221 الكتاب، قال: فليقل: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم، ثم ليقرأها ما دام لم يركع، فإنه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات، فإنه إذا ركع أجزأه إن شاء الله تعالى (1). وفي قوية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أم القرآن، قال: إن كان لم يركع فليعد أم القرآن (2). وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألت عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته، قال: لا صلاة له إلا أن يقرأها في جهر أو إخفات (3). خرج منه الناسي المتذكر بعد الركوع بما مر، وبقي الباقي. ونقل في المبسوط عن بعض أصحابنا قولا بكون القراءة ركنا (4) مستدلا بهذا الخبر. وهو مؤول بالعامد، بل ظاهر فيه، ولا خلاف في البطلان حينئذ. نعم، ظاهر بعضهم لو تركها عمدا وشرع في السورة ثم أعادها وأعاد السورة فيصح، وهو ضعيف. ثم إن الأدلة تقتضي وجوب الإتيان بالفاتحة قبل الركوع وإن أخذ في السورة، بل وأتمها، فيجب الإتيان بالفاتحة وبسورة كاملة، ولا يجب إعادة ما أخذ فيها، ولا مخالف في هذا الحكم بين الأصحاب كما قاله بعضهم، ويدل على ذلك أيضا الإطلاقات والأصول، وربما يشعر به الموثق المتقدم: فإنه لا قراءة حتى يبدأ بها (5)، فتدبر. وظاهر فقه الرضا إعادة ما أخذ فيها (6)، وهو ظاهر الإرشاد (7)، والأظهر
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 768 ب 28 من أبواب القراءة ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 768 ب 28 من أبواب القراءة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 767 ب 27 من أبواب القراءة ح 4. (4) المبسوط: ج 1 ص 105. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 768 ب 28 من أبواب القراءة ح 2. (6) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): ص 116. (7) إرشاد الأذهان: ج 1 ص 253. 222 هو ما عليه الأكثر. وأما لو شك بعد الأخذ في السورة فجماعة من الأصحاب (1) على الإعادة وبناؤهم في ذلك كأنه على أن محل القراءتين واحد كما ذكره المحقق (2). وقد يتمسك في ذلك بصحيحة زرارة: رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة، قال: يمضي، قلت: رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر، قال: يمضي صلاته، قلت: رجل شك في التكبير وقد قرأ، قال: يمضي، قلت: شك في القراءة وقد ركع، قال: يمضي، قلت: شك في الركوع وقد سجد، قال: يمضي على صلاته، ثم قال: يا زرارة إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ (3). فإن قول زرارة: " قلت: شك في القراءة وقد ركع " يقتضي عدم المضي لو لم يركع. وهو كما ترى، إذ هو مورد سؤال الراوي، وليس في الجواب، مع أنه مفهوم ضعيف لا يعارض المنطوق. واختار المفيد (4) وابن إدريس (5) والمحقق (6) وغيرهم عدمه نظرا إلى كونهما شيئين. والصحاح يدل على أنه إذا خرج من شئ ثم دخل في غيره فشكه ليس بشئ (7)، منها الصحيح المتقدم، ويدل عليه أيضا الأصول والعمومات، ولا شك أنه أحوط، بل وأقوى. فائدة: قال العلامة في التذكرة: لا يجب القراءة في النافلة (8) للأصل.
(1) رياض المسائل: ج 4 ص 214، مدارك الأحكام: ج 4 ص 234. (2) المعتبر: كتاب الصلاة ج 2 ص 383. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 336 ب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (4) قاله في رسالته كما نقله عنه ابن إدريس في السرائر: ج 1 ص 248. (5) السرائر: ج 1 ص 248. (6) المعتبر: ج 2 ص 388. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 336 ب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (8) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 130. 223 وليس بشئ إذ العبادة توقيفية، ولم يثبت توظيفه بهذا النحو، وعدم وجوب الأصل لا ينافي وجوبه إذ المراد من الوجوب هاهنا الشرطي. منهاج المشهور بين الأصحاب وجوب قراءة الفاتحة في عشرة ركعات صلوات الآيات كلها إن كان يقرأ في كل ركوع سورة كاملة، وإن كان يبعض فكلما يجب السورة يجب قراءة فاتحة الكتاب فيما يليها للصحاح. ففي الصحيح - على الظاهر - بسند، والحسن لإبراهيم بن هاشم بسند آخر عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا: سألنا أبا جعفر (عليه السلام) عن صلاة الكسوف - إلى أن قال: - قلت: كيف القراءة فيها؟ فقال: إن قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت، ولا تقرأ فاتحة الكتاب (1). وفي صحيحة الفضلاء عن كليهما (عليهما السلام) ومنهم من رواه عن أحدهما (عليهما السلام) - بعد وصفه (عليه السلام) للصلاة أيضا وذكر أنه يقرأ في كل ركوع فاتحة الكتاب وسورة، قلت: وإن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات ففرقها بينها؟ قال: أجزأه أم القرآن في أول مرة، وإن قرأ خمس سور فمع كل سورة أم الكتاب (2). وفي صحيحة الحلبي: وإن شئت قرأت سورة في كل ركعة، وإن شئت قرأت نصف سورة في كل ركعة، فإذا قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن قرأت نصف السورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلا في أول ركعة حتى يستأنف أخرى (3)... الحديث. وخالف في ذلك ابن إدريس فقال باستحبابه، محتجا بأن الركعات كالركعة الواحدة (4).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 150 ب 7 من أبواب صلاة الكسوف ح 6. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 149 ب 7 من أبواب صلاة الكسوف ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 151 ب 7 من أبواب صلاة الكسوف ح 7. (4) السرائر: ج 1 ص 324. 224 وما يظهر من بعض الأخبار موافقته له فهو - مع سلامتها - مؤول أو مطروح. والذي يظهر من تلك الأخبار جواز التفريق في كل الصلاة، وإتمام السورة في كل الركعات، والتفريق بين الركعتين بالإتمام، والتبعيض والتلفيق بين الركعات في كل منهما بالتبعيض والإتمام، ولا بأس به. وقد حمل بعضهم انحصار المجزئ في الواحد المبعض في الخمسة، أو الخمسة سور كاملة، لدورانها بين كونها ركعتين أو عشر ركعات، فعلى الأول الأول، وعلى الثاني الثاني (1). ولازمه الاكتفاء بأحدهما في كل من الركعتين، ويبقى الكلام في التعيين، والحق أن هذا الاحتمال مبني على عدم جواز القرآن، وبعد تسليم عدم جوازه لا عموم لدليله يشمل ما نحن فيه، والإطلاقات هاهنا تنادي بأعلى صوته بالجواز. نعم، لو قلنا بعدم جواز الاقتصار على أقل من سورة في كل ركعة لكان وجيها، كما قربه العلامة في النهاية (2)، لكونها ركعة ولا يجوز الاقتصار في الركعة على أقل من سورة وإن كان الإطلاقات يقتضي ذلك. وهل يجب - مع التبعيض في إحدى الركعتين بعد إتمام سورة - إتمام المبعضة قبل السجود أم لا؟ فيه وجهان، ظاهر الإطلاقات العدم، وهو أقرب. وبعد ما بنينا على ذلك فهل يجب الإتمام بعد القيام عن السجود أم لا؟ وجهان، أظهرهما - من الحديث الأول " فاقرأ من حيث نقصت " (3) والصحيح الآخر " حتى يستأنف أخرى " (4) - الوجوب. وبعد البناء على ذلك فهل يجب قراءة الحمد قبله أم لا؟ قرب الأول العلامة (رحمه الله) في التذكرة لأنه قيام عن سجود يوجب فيه الفاتحة، لكنه قال يبتدئ
(1) رياض المسائل: ج 4 ص 132، مدارك الأحكام: ج 4 ص 139. (2) نهاية الإحكام: ج 2 ص 73. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 150 ب 7 من أبواب صلاة الكسوف ح 6. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 151 ب 7 من أبواب صلاة الكسوف ح 7. 225 بسورة أخرى بعدها، وجعل الاكتفاء بمجرد تتمة السورة بدون الحمد احتمالا، وأوجب لو فعل ذلك قراءة الحمد في الثانية، حيث لا يجوز له الاكتفاء بالحمد مرة في الركعتين (1). وربما يظهر من الصحيح الآخر " وإن قرأت نصف السورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلا في أول ركعة حتى يستأنف أخرى " (2) التأييد لذلك، فيكون مخصصا للخبر الأول. وكذا يظهر ذلك من الصحيح الأوسط " قال: أجزأه أم القرآن في أول مرة " (3). وهل يحرم قراءة فاتحة الكتاب ما لم يتم السورة في الركعات أم تركه رخصة؟ احتمالان: النهي في الخبر الأول يعين الأول، وظاهر الخبرين الأخيرين ينبئ عن الثاني، ولعل الترك أولى وأحوط. وهل يجوز اختيار بعض سورة أخرى قبل إتمام المبعضة في أثناء الركعات أو إعادة ما مضى منها؟ ومع ذلك، فهل يجب إعادة الحمد أم لا؟ أوجه. والأحوط إتمام السورة في الركعة الأولى قبل السجود سواء اكتفى بسورة أو أكثر، وعدم العدول عن سورة إلى أخرى حتى يتمها، بل وعدم إعادة ما مضى من المبعضة، وكل ذلك يستفاد من تلك النصوص. وغاية الاحتياط الاكتفاء بخمس سور في كل ركعة، أو سورة مبعضة يتمها في كل واحد منهما. والله أعلم بحقائق أحكامه. منهاج أجمع علماؤنا على أنه لا يتعين قراءة الفاتحة في الثالثة والرابعة من الثلاثية والرباعية، بل يختار المصلي بينها وبين التسبيح، نقله غير واحد من أصحابنا (4)،
(1) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 171. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 151 ب 7 من أبواب صلاة الكسوف ح 7. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 149 ب 7 من أبواب صلاة الكسوف ح 1. (4) جامع المقاصد: ج 2 ص 255، رياض المسائل: ج 3 ص 395. 226 وإنما الخلاف في مقامين: الأول كيفية التسبيح وكميته، والثاني بيان الأفضلية بين البدلين. ففي المقام الأول يرتقي الأقوال إلى ستة وأزيد. الأول: وجوب العبارة الآتية ثلاث مرات، وهو قول الشيخ في النهاية (1) والاقتصاد (2) والشهيد في الدروس (3). وقال الصدوق في الفقيه: وقل في الركعتين الأخيرتين إماما كنت أو غير إمام: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ثلاث مرات، وإن شئت قرأت في كل ركعة منها الحمد لله، إلا أن التسبيح أفضل (4). ويدل عليه صريح الفقه الرضوي (5) وما روي في العيون عن رجاء بن أبي ضحاك انه صحب الرضا (عليه السلام) من المدينة إلى مرو، فقال: كان يسبح في الأخراوين يقول: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ثلاث مرات، ثم يركع (6). لكن الفاضل المجلسي (رحمه الله) في البحار قال: إن في النسخ المصححة القديمة بدون التكبير (7). ويظهر من بعض الأصحاب أيضا أن بها رواية، ولعل إيراده في النهاية (8) والفقيه (9) أيضا لا يقصر عن الرواية، كما هو ظاهر على المطلع، ولها أيضا من الأخبار شواهد. والثاني: وجوب العبارة الآتية ثلاث مرات، وقد نسب إلى الصدوق (رحمه الله)، وذلك لأنه نقل الصحيحة الآتية في أبواب الجماعة (10). ولا يخفى أنه لا يدل على تعينه عنده، لأنه قال ما قلناه في أوائل كتاب
(1) النهاية: ج 1 ص 302. (2) الاقتصاد: ص 261. (3) الدروس الشرعية: ج 1 ص 173. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 319. (5) فقه الرضا: ص 105. (6) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 180 ح 5. (7) بحار الأنوار: ج 85 ص 88. (8) النهاية: ج 1 ص 302. (9) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 319. (10) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 392 ح 1159. 227 الصلاة، وذكر بعد هذه الصحيحة بعينها أيضا روايات اخر تدل على سائر المذاهب. وقد نسب ذلك إلى حريز بن عبد الله (1) وأبي الصلاح أيضا (2). ويدل عليه صحيحة زرارة أنه قال: لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام، قلت: فما أقول فيهما، قال: إن كنت إماما أو وحدك فقل: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله " ثلاث مرات تكمل تسع تسبيحات، ثم تكبر وتركع (3). والثالث: وجوب ما ذكر مع زيادة تكبير في آخره فيكون عشرا، وهو مختار جماعة ومنهم ابن إدريس، قال: يجزئ المستعجل أربع، وغيره عشر (4). ولم نقف له على مستند واضح، ولعله استدل عليه بالصحيحة المتقدمة، والظاهر أن التكبير المذكور فيها تكبيرة الركوع. والرابع: وجوب العبارة الآتية مرة، وهو مختار المفيد (5) وجماعة من المتأخرين على ما قيل (6). ويدل عليه صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال: أن يقول: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " (7). والخامس: القول بما في صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما، فقل: الحمد لله وسبحان الله والله أكبر (8).
(1) لا يوجد كتابه نقله عنه ابن إدريس في السرائر: ج 1 ص 219. (2) الكافي في الفقه: ص 117. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 791 - 792 ب 51 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (4) السرائر: ج 1 ص 222. (5) المقنعة: ص 113. (6) منهم العلامة في قواعد الأحكام: ج 1 ص 273، والشهيد الثاني في الروضة البهية: ج 1 ص 595. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 782 ب 42 من أبواب القراءة في الصلاة ح 5. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 793 ب 51 من أبواب القراءة في الصلاة ح 7. 228 والسادس: الذي يقال مكان القراءة تحميد وتسبيح وتكبير يقدم ما شاء. وظاهره الاجتزاء بمطلق الذكر، فلا مانع على هذا من العمل بكل ما ذكر، بل وبغيره أيضا. ويدل عليه صحيحة عبيد، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر، قال: تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك، وإن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء (1). وفي رواية علي بن حنظلة عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن شئت فاذكر الله فهما سواء، قال: قلت: فأي ذلك أفضل؟ فقال: هما والله سواء، إن شئت سبحت، وإن شئت قرأت (2). والأخبار من هذا القبيل بحد الاستفاضة. ويظهر من العلامة في المنتهى حيث قال: الأقرب عدم وجوب الاستغفار (3) وجود القول به. وربما أجيب عنه بجعل الواو بمعنى " حتى " مثل قولهم: تحتمي عن النهم وتصح وتعبد الله وتكون حرا أي: حتى تصح وتكون حرا يعني أن التسبيحات موجب لمغفرة الذنوب. وكلاهما بعيدان سيما الأخير. السابع: التخيير بين العمل بصحيحة زرارة وصحيحة الحلبي وصحيحة عبيد ورواية علي بن حنظلة، لكنه يرجع إلى التخيير بين المطلق والمقيد، وهو مختار المعتبر (4) ولكنه جعل العمل على المتضمنة للأربعة، وتكريره ثلاث مرات. وربما يستند القول بالاكتفاء بثلاث تسبيحات إلى أبي الصلاح (5)، ويدل عليه
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 781 ب 42 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 781 ب 42 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 275. (4) المعتبر: ج 2 ص 190. (5) الكافي في الفقه: ص 118. 229 رواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: أدنى ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات، تقول: " سبحان الله سبحان الله سبحان الله " (1). والذي يقوى في نفسي هو ترجيح الكفاية بمطلق الذكر لاختلاف الأخبار غاية الاختلاف، ونصوصية بعضها في الإطلاق، وظهور كثير من الصحاح في ذلك فقيل فيها: لا يقرأ فيهما إنما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء، ويظهر ذلك بملاحظة بعض ما ذكرناها أيضا. في حسنة زرارة لإبراهيم بن هاشم: وفوض إلى محمد (صلى الله عليه وآله) فزاد النبي (صلى الله عليه وآله) سبع ركعات في الصلاة هي سنة ليس فيهن قراءة، إنما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء (2). إلى غير ذلك من الأخبار (3). وهل يجب الذكر بمقدار القراءة؟ إحتمالان، بالنظر إلى البدلية وكون المبدل بمقدار المبدل منه ولليقين بالبراءة، ومن أن الظاهر من الأخبار كما ذكرنا هو أصالة الذكر المطلق ونفي أصالة القراءة، أو كونها في ذلك على السواء وأصالة عدم تقييد تلك النصوص المستفيضة. والأحوط أن لا يكتفى بأقل من الأربعة، وأحوط منه بناء العمل على القول الأول، كما ذكره المحقق (4). وأما المقام الثاني: فالمنقول عن طائفة من الأصحاب أفضلية التسبيح مطلقا، منهم ابن إدريس (5). وقيل بالتساوي (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 782 ب 42 من أبواب القراءة في الصلاة ح 7. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 782 ب 42 من أبواب القراءة في الصلاة ح 6. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 781 ب 42 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (4) شرائع الاسلام: ج 1 ص 82. (5) السرائر: ج 1 ص 230. (6) القائل هو الشهيد الأول في البيان: ص 83. 230 وقيل بالتخيير للمنفرد (1)، وأفضلية القراءة للإمام (2). وقيل باستحباب التسبيح للإمام إذا تيقن عدم المسبوق معه، ومع العلم بالدخول يقرأ، والمنفرد يجزئه مهما فعل (3). وقيل: الأفضل للإمام القراءة، وللمأموم التسبيح (4). ويظهر من صاحب المدارك أفضلية القراءة مطلقا (5). والأقرب هو القول الأول. ويدل عليه - مضافا إلى الإطلاقات الكثيرة غاية الكثرة - تعميم صحيحة زرارة المتقدمة، بل ويظهر من بعض الأخبار أن الأفضلية كانت معلومة عند الرواة، وكانوا يسألون عن علتها. ففي رواية محمد بن حمران حيث سئل عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن علة أفضلية التسبيح وقال: لأي علة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال: لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله عز وجل فدهش، فقال: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر "، فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة (6). بل ويظهر من ملاحظة صدر الخبر أنه كان في الجماعة، لأنه (صلى الله عليه وآله) كان يصلي إماما بالملائكة، فيصير أوضح في التعميم المطلوب. ويدل عليه أيضا ما رواه الفقيه مرسلا عن الرضا (عليه السلام) (7)، ويشير إليها صحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة.
(1) القائل هو الشيخ في المبسوط: ج 1 ص 106. (2) القائل هو الشيخ في الاستبصار: ج 1 ص 322. (3) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 148. (4) القائل هو العلامة في منتهى المطلب: ج 1 ص 275. (5) مدارك الأحكام: ج 3 ص 344. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 792 ب 51 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. (7) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 308 ح 923. 231 ويدل على القول الثاني رواية علي بن حنظلة المتقدمة. ويدل على القول الثالث صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب، وإن كنت وحدك فيسعك، فعلت أو لم تفعل (1). والجمع بين ما دل على أفضلية القراءة ورواية علي ابن حنظلة. ولم أقف على القول الرابع على حجة يعتد بها. ويدل على القول الخامس - مضافا إلى صحيحة منصور المتقدمة منضما إلى ما دل على أفضلية التسبيح - صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، فقال: الإمام يقرأ فاتحة الكتاب، ومن خلفه يسبح، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما، وإن شئت فسبح (2). وعلى القول السادس ظاهر صحيحة منصور المتقدمة ورواية محمد بن حكيم (3) وما في معناهما (4)، وما رواه في الاحتجاج عن الحميري عن صاحب الزمان (عليه السلام) " أنه كتب إليه يسأله عن الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات، فبعض يرى أن قراءة الحمد وحدها أفضل، وبعض يرى أن التسبيح فيهما أفضل، والفضل لأيهما لنستعمله؟ فأجاب (عليه السلام): قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، والذي نسخ التسبيح قول العالم (عليه السلام): كل صلاة لا قراءة فيها فهو خداج إلا للعليل أو من يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه (5). والجواب منع دلالة الصحيحة، وباقي الأخبار مؤولة أو محمولة على التقية
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 794 ب 51 من أبواب القراءة في الصلاة ح 11. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 781 ب 42 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 794 ب 51 من أبواب القراءة في الصلاة ح 10. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 794 ب 51 من أبواب القراءة في الصلاة ح 13. (5) الاحتجاج: ص 274. 232 فالوجه إذا أفضلية التسبيح مطلقا، والبناء على القول الأول في المقام الأول، سيما إذا كان إماما، لملاحظة حال مسبوق لو وجد. وهل يستحب أزيد من ذلك؟ المنقول عن ابن أبي عقيل أنه يقوله سبعا أو خمسا (1)، وأدناه ثلاث، قال في الذكرى: ولا بأس باتباع هذا الشيخ العظيم الشأن في استحباب ذكر الله تعالى (2). هذا إذا قطع النظر عن كونه من أفراد مطلق الذكر، بناء على ترجيحه، وإلا فلا ريب في استحبابه من حيث كونه مندرجا تحت المطلق، بل يكون أفضل أفراده. ثم إن هاهنا فوائد: الأولى: هل يجوز العدول عن التسبيح إلى القراءة وبالعكس؟ وهل يجوز التفكيك بهما بين الركعتين؟ وجهان: أقربهما بالنسبة إلى الإطلاقات الجواز، وبالنسبة إلى عدم معلومية التوظيف بهذا النحو والشك في حصول البراءة مع ذلك العدم. وأما مع السهو عما أراده أولا ثم التذكر والرجوع فلعل الأمر فيه كان أسهل، بل لا يبعد القول بتعيين الرجوع إليه أو إعادة ذلك لو لم يرد الرجوع، فتأمل. الثانية: هل يجب الإخفات بها؟ وجهان: إختار الشهيد (3) (رحمه الله) الوجوب، لعموم البدلية، وقيل: لا (4)، للأصل والإطلاقات وعدم ثبوت المخصص. ولعل الأول أقوى لظهور التساوي من الأخبار، وهو أحوط. الثالثة: لو نسي القراءة في الأوليين لا يتعين عليه القراءة في الأخيرتين لعمومات التخيير، ولصحيحة معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت: الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأوليين فيذكر في الركعتين الأخيرتين أنه لم يقرأ،
(1) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 2 ص 145. (2) ذكرى الشيعة: ص 189 س 29. (3) لم نعثر عليه. (4) السرائر: ج 1 ص 218. 233 قال: أتم الركوع والسجود؟ قلت: نعم، قال: إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أولها (1). ويحتمل أن يكون المراد كراهة قراءة السورة مع الحمد، لا مطلق القراءة، فهي باقية على التخيير بينها وبين التسبيح. ولمنع شمول أدلة وجوب القراءة لما نحن فيه. والشيخ في الخلاف على وجوب القراءة في الأخيرتين (2)، لظاهر رواية الحسين بن حماد عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: أسهو عن القراءة في الركعة الأولى، قال: اقرأ في الثانية، قلت: أسهو في الثانية، قال: اقرأ في الثالثة، قلت: أسهو في صلاتي كلها، قال: إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمت صلاتك (3)، والمرسلة الآتية في مسألة وجوب السورة، وعموم لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب. والأولان مع ضعفهما غير واضحة الدلالة كما لا يخفى، والثاني (4) مخصص بما هو أقوى منها. الرابعة: لو شك في عددها بنى على الأقل، لأنه المتيقن وهو المحصل للبراءة. منهاج يجب قراءة سورة كاملة عقيب الفاتحة فيما تجب فيها عينا من الفرائض في حال الاختيار، وهو المشهور بين الأصحاب (5). ونسب إلى الشيخ في النهاية (6) وابن الجنيد (7) وسلار القول بالاستحباب (8)، وقواه جماعة من المتأخرين (9).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 793 ب 51 من أبواب القراءة في الصلاة ح 8. (2) الخلاف: ج 1 ص 343. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 771 ب 30 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. (4) كذا في الأصل، ولعل الصحيح " والثالث ". (5) الانتصار: ص 44، مختلف الشيعة: ج 2 ص 142، الوسيلة: ص 93. (6) النهاية: ج 1 ص 300. (7) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 142. (8) المراسم: ص 71. (9) المعتبر: ص 173، منتهى المطلب: ج 1 ص 272 س 15. 234 لنا - مضافا إلى استمرار العمل بذلك في الأزمان السالفة، وفي عهد الرسول والأئمة صلوات الله عليهم، والتزامهم ذلك، وعدم معهودية خلافه من أفعالهم - الصحاح المستفيضة وغيرها. ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه جعل ما أدرك أول صلاته، إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه أم الكتاب وسورة، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأه أم الكتاب، فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما، لأن الصلاة إنما يقرأ فيها في الأوليين في كل ركعة، بأم الكتاب وسورة، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما، إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء (1). وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس أن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوليين إذا أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا (2). ويقرب هذا المضمون ما رواه في قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يكون مستعجلا يجزئه أن يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها؟ قال: لا بأس (3). وفي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من غلط في سورة فليقرأ قل هو الله أحد ثم ليركع (4). ويدل عليه أيضا الأخبار الكثيرة المعتبرة التي يدل على عدم العدول من قل هو الله أحد إلى غيره، وكذلك قل يا أيها الكافرون.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 445 ب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 734 ب 2 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (3) قرب الإسناد: ص 96. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 783 ب 43 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. 235 ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): من افتتح بسورة ثم بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس، إلا قل هو الله أحد فلا يرجع منها إلى غيرها وكذلك قل يا أيها الكافرون (1). ويدل عليه أيضا خبر في سنده مروك بن عبيد - وقد وثقه ابن فضال - عن رجل عن الباقر (عليه السلام) قال: قال لي: أي شئ يقول هؤلاء في الرجل الذي تفوته مع الإمام ركعتان؟ قلت: يقولون: يقرأ فيهما بالحمد وسورة، فقال: هذا يقلب صلاته يجعل أولها آخرها، قلت: فكيف يصنع؟ قال: يقرأ فاتحة الكتاب في كل ركعة (2). وفي معناه الأخبار الكثيرة منها الصحيح. ويظهر من المجموع أن أول الصلاة هو ما كان يجب فيه الفاتحة وسورة، بل هو صريح بعضها، كما ذكرنا. وصحيحة محمد بن إسماعيل قال: سألته قلت: أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في مواضع فيها الأعراب أيصلى المكتوبة على الأرض فيقرأ أم الكتاب وحدها، أم يصلي على الراحلة فيقرأ فاتحة الكتاب والسورة؟ قال: إذا خفت فصل على الراحلة المكتوبة وغيرها، وإذا قرأت الحمد وسورة أحب إلي، ولا أرى بالذي فعلت بأسا (3). وجه الدلالة ترخصه (عليه السلام) لترك القيام الواجب من أجل السورة. ويدل عليه أيضا ما رواه يحيى بن عمران الهمداني في الصحيح قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أم الكتاب، فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها، فقال العياشي: ليس بذلك بأس، فكتب بخطه: يعيدها مرتين على رغم أنفه (4) يعني العياشي.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 775 ب 35 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 446 ب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح 7. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 736 ب 4 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 746 باب 11 من أبواب القراءة في الصلاة ح 6. 236 ويدل عليه الأخبار الدالة على عدم جواز إفراد " والضحى، وألم نشرح " و " ألم تر كيف، ولإيلاف " والإجماع المنقول على ذلك من الجماعة الآتية كما لا يخفى. ويؤيده صحيحة محمد بن مسلم على الأظهر - لمكان محمد بن عيسى - عن يونس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته، قال: لا صلاة له إلا أن يبدأ بها في جهر أو إخفات، قلت: أيهما أحب إليك إذا كان خائفا أو مستعجلا يقرأ بسورة أو فاتحة الكتاب؟ قال: فاتحة الكتاب (1). ويظهر منه أنه كان وجوب السورة عنده واضحا معلوما حتى أنه يسأل عن التخيير بينه وبين الحمد في مقام الاضطرار، والراوي من أجلاء الأصحاب. ويدل عليه أيضا رواية منصور بن حازم قال: قال: أبو عبد الله (عليه السلام) لا يقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر (2). والقوي أنه قال: أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا، وليكون محفوظا مدروسا، فلا يضمحل ولا يهجر ولا يجهل، وإنما بدأ بالحمد دون سائر السور لأنه ليس شئ من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد (3)... الحديث. ويظهر من الأمر بالقراءة والتفصيل بتقديم الحمد فيها على السورة وجوب المجموع، كما لا يخفى على المنصف المتدبر. وصحيحة عبد الله بن سنان على الأظهر - لمكان العبيدي - قال: يجوز للمريض أن يقرأ فاتحة الكتاب وحدها، ويجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار (4). ويظهر من هذا الخبر أنها بيان المواضع التي يجوز تركها، حتى أنه لم
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 732 ب 1 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 736 ب 4 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 733 ب 1 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 735 ب 2 من أبواب القراءة في الصلاة ح 5. 237 يذكر (عليه السلام) نفس النوافل، مع أنها لا يجب فيها إجماعا، فحينئذ وإن لم نقل بحجية مفهوم الوصف لكن مع انضمامه بقرينة المقام يظهر في المطلوب. ثم إن في الأخبار ما يدل على ذلك، وما يؤيده ويشعر به من الصحاح وغيرها من الكثرة بمكان، فتتبع الأخبار وتأمل. هذا، ويدل على ما اخترناه - مضافا إلى ما ذكرنا - استصحاب شغل الذمة والإجماع المنقول، ونقله الصدوق في الأمالي (1) والسيد في الانتصار (2)، وهو ظاهر الشيخ في التهذيب (3) والخلاف (4) والمبسوط (5). واحتج الخصم بالأصل وبصحيحة علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن فاتحة الكتاب يجوز وحدها في الفريضة (6). ورواها أخرى عن الحلبي عنه (عليه السلام) قال: إن فاتحة الكتاب وحدها يجزئ في الفريضة (7). وبالصحاح وغيرها من الأخبار الدالة على جواز التبعيض، لأنه إذا ثبت جواز التبعيض ثبت الاستحباب إذ لا قائل بالفصل. وفيه أن الظاهر من كلام المبسوط (8) وابن الجنيد (9) - على ما نقل عنهما - القول بوجوب شئ إما السورة أو بعضها، فلا يتم عدم القول بالفصل. فنقول: إن هذه الأخبار - مع معارضتها بما ذكرنا - موافقة للعامة ومخالفة لمذهب الإمامية. قال في التذكرة: وهو - يعني استحباب السورة - مذهب الجمهور كافة إلا عثمان بن أبي العاص فإنه أوجب بعد الفاتحة قدر ثلاث آيات (10).
(1) أمالي الصدوق: ص 512. (2) الانتصار: ص 44. (3) التهذيب: ج 2 ص 70. (4) الخلاف: ج 1 ص 335 المسألة 86. (5) المبسوط: ج 1 ص 107. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 734 ب 2 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 734 ب 2 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. (8) المبسوط: ج 1 ص 107. (9) كما في المعتبر: ج 2 ص 174. (10) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 131. 238 فلا بد من حملها على حال الاضطرار أو التقية، وكثير من تلك الأخبار مما ينادي بأعلى صوته أنه للتقية. والأصل لا يقاوم الدليل، سيما مع معارضته باستصحاب شغل الذمة يقينا بالعبادة التوقيفية. وبالجملة: لا يبقى - بعد ملاحظة ما ذكر - مجال للتأمل في الوجوب، وإنما أطنبنا الكلام في هذا المقام لما زل فيه أقدام كثير من الأعلام، وحكموا صريحا بالاستحباب، والله أعلم بحقائق الأحكام (1). منهاج يجب البسملة في ابتداء الحمد والسورة عدا البراءة بإجماع علمائنا، نقله جماعة من أصحابنا. نعم، نسب القول بعدم الجزئية في السورة إلى ابن الجنيد قال: إنها في الفاتحة جزء، وفي غيرها افتتاح (2). ويدل على جزئيتها للفاتحة - مضافا إلى ضبطها كذلك في المصاحف، واستمرار العمل بذلك، وعدم تركها الظاهر منه الجزئية - الأخبار المعتبرة. منها: صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السبع المثاني والقرآن العظيم هي الفاتحة؟ فقال: نعم، قلت: بسم الله الرحمن الرحيم من السبع؟ قال: نعم، أفضلهن (3). ويدل على الجزئية في السورة أيضا ما رواه العياشي عن صفوان الجمال قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما أنزل الله من السماء كتابا إلا وفاتحته بسم الله الرحمن الرحيم، وإنما كان يعرف انقضاء السورة بنزول بسم الله الرحمن الرحيم ابتداءا للأخرى (4).
(1) هنا في هامش الكتاب كلمات غير مقروءة. (2) كما نقله عنه الشهيد الأول في الذكرى: ص 186 س 9. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 745 ب 11 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 19 ح 5. 239 وعن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) قال: بلغه أن أناسا ينزعون بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: هي آية من كتاب الله، أنساهم إياها الشيطان (1). ويؤدي مؤداه ما رواه عن خالد بن المختار عن الصادق (عليه السلام) (2) أيضا. وفي دلالتهما تأمل، ورواية الهمداني المتقدمة. ولو نوقش في إثبات الجزئية فلا ريب في أنها يثبت الوجوب، ويكفي الاجماع وسائر الأخبار في إثبات الجزئية، وأما ما يدل على مطلق ثبوت البسملة لها فكثيرة. فالأقوى التزام البسملة في غير الفاتحة أيضا. ويظهر الثمرة في غير الصلاة، لثبوت الوجوب فيها من مثل رواية الهمداني وكل ما دل من الأخبار على جواز ترك البسملة في الحمد وغيرها فمحمولة على التقية. ويجب قراءتهما عربية بالنحو المنقول بالتواتر، وأن لا يخل بشئ منها ولو بحرف، حتى التشديد لأنه بدون ذلك لا يكون إتيانا بالمأمور به، والظاهر عدم الخلاف في ذلك بيننا. وأما الإعراب - والمراد به الأعم من حركات البناء والجزم - فالمشهور أيضا بطلان الصلاة بالإخلال بها، ونقل الاجماع عليها أيضا بعض الأصحاب (3)، والسيد فصل، فقال: لو كان مغيرا للمعنى يبطل (4)، ولعل نظره (رحمه الله) إلى الإطلاق العرفي، ويشكل الاتكال بذلك. والأقرب الأول، لأن القرآن هيئة مخصوصة، والامتثال بإتيانها لا يحصل
(1) مستدرك الوسائل: ج 4 ص 165 - 166 ب 8 من أبواب القراءة في الصلاة ح 6. (2) مستدرك الوسائل: ج 4 ص 166 ب 8 من أبواب القراءة في الصلاة ح 7. (3) المعتبر: ج 2 ص 166، منتهى المطلب: ج 1 ص 273 س 14. (4) جمل العلم والعمل (المجموعة الثانية): ص 387 - 388. 240 إلا بإتيانها كما هي هي، وقد يلحق بذلك المد المتصل، وكان نظرهم في ذلك إلى التزام القراء ذلك وإيجابهم، ونحن مأمورون بما كانوا يقرأون. وقد نقل عن جماعة من الأصحاب الاجماع على تواتر القراءات السبع، وادعى في الذكرى التواتر على العشر أيضا (1)، فما ثبت لنا تواتره منهم لا بد أن يكون هو المعتمد. فربما قيل: إن المراد بتواتر السبع انحصار وجود التواتر فيها، لا تواتر جميع ما نسب إليهم، فما علم كونه من السبعة فالمشهور جواز العمل بها (2). إلا أن العلامة (3) (رحمه الله) قال: أحب القراءات إلي ما قرأه العاصم من طريق أبي بكر بن عباس، وطريق أبي عمرو بن العلا، فإنها أولى من قراءة حمزة والكسائي، لما فيهما من الإدغام والإمالة وزيادة المد، وذلك كله تكلف، ولو قرأ به صحت صلاته بلا خلاف. وقال الشيخ الطبرسي - بعد نقل الاجماع ظاهرا على العمل بما تداولت القراء بينهم من القراءات -: إلا أنهم اختاروا القراءة بما جاز بين القراء، وكرهوا تجديد قراءة منفردة (4). واعلم أن المراد بالإعراب الذي ذكرنا أيضا هو الإعراب المتداول بينهم، لا ما يقتضيه قانون العربية لما ذكرنا. ويمكن - بعد إثبات رخصة العمل على قراءة القراء من الشارع - الاكتفاء بنقل التواتر أيضا، لأنه لا يقصر عن الاجماع المنقول بخبر الواحد، كما ذكره المحقق الشيخ علي (رحمه الله) (5). وما قيل: إن هذا غير جيد لأنه رجوع عن اعتبار التواتر ليس على ما ينبغي، كما لا يخفى على المتدبر.
(1) ذكرى الشيعة: ص 187 س 9. (2) روض الجنان: ص 264 س 14. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 273 س 27. (4) مجمع البيان: ج 1 ص 12. (5) جامع المقاصد: ج 2 ص 245 - 246. 241 والحاصل: أنه لا إشكال في جواز موافقة قراءة السبع المشهورة، كما دلت عليه الأخبار المستفيضة إلى زمان ظهور القائم (عليه السلام). ولعل البناء على قراءة العاصم - كما اختاره العلامة (رحمه الله) وتداول في هذه الأعصار - يكون أولى وأحوط. وبعد البناء على ذلك فلا بد من التزام ما ألزمه القراء - كالمد المتصل، والوقف اللازم، وغيرهما - إن ثبت إلزامهم بعنوان الوجوب الشرعي، وهو غير معلوم لإمكان أن يريدوا تأكيد الفعل، كما اعترفوا في اصطلاحهم على الوقف الواجب، على ما نسبه إليهم الشهيد الثاني (رحمه الله) (1)، واستحباب ما استحبوه من المحسنات. وأما أداء الحروف عن المخارج بحيث يكون متميزا فلا شبهة في وجوبه لأن الآتي بخلافه غير آت بالمأمور به. وأما ملاحظة صفاتها - من الهمس والجهر والإطباق وأمثال ذلك - بحيث لم يكن التميز منحصرا فيها بل يكون محض التزيين والتحسين فهو محل كلام وسيجئ. ويجب الموالاة في القراءة، ومراعاة الترتيب بحيث لا يخرج عن كونه قارئا، فلو أخل في ذلك - بأن يقرأ شيئا خلالها بحيث أخرجها عن المعهود المتعارف، أو قدم بعضها على بعض بخلاف وضعه - بطل الصلاة لما ذكرنا. هذا إذا كان عمدا، وأما مع النسيان فيتدارك مع تحصيل الموالاة، مع احتمال العدم في الأول أيضا إذا تداركها قبل الركوع، نظرا إلى ما ذكرنا سابقا من احتمال عدم البطلان بزيادة القرآن والذكر بغير القربة أو مع التشريك، ولو عد بذلك خارجا عن المصلي - كما في السكوت الطويل - فلا شك في بطلانه مطلقا. ويحتمل استئناف القراءة في صورة العمد، والبناء على ما مضى في صورة النسيان، ذهب إلى كل من الاحتمالات قائل. والأقوى والأحوط ما اخترناه.
(1) الروضة البهية: ج 1 ص 601 - 602. 242 ومن لا يحسنها تعلم لتوقف الواجب عليه، وللإجماع نقله غير واحد من أصحابنا على ما قيل. وإن عجز تخير بين الائتمام إن أمكنه والقراءة من المصحف إن أحسنه، ولو لم يكن نقل الاجماع لأمكن القول بالتخيير أولا. وهل تجوز القراءة من المصحف بلا عذر ومع التمكن من الحفظ؟ قولان: بالنظر إلى الإطلاقات وخصوص رواية الحسن بن زياد الصيقل - قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف يقرأ، ويضع السراج قريبا منه، قال: لا بأس بذلك (1) - الجواز. وإلى عدم المعهودية وعدم ثبوت التوظيف واستصحاب شغل الذمة، وخصوص ما رواه قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه ويقرأ ويصلي؟ قال لا يعتد بتلك الصلاة (2) - العدم. والثاني أقوى وأحوط. وإن لم يقدر على ذلك أيضا أو ضاق الوقت، فإن علم الفاتحة بتمامها دون السورة فيجب الإتيان بالفاتحة إجماعا، ولا عوض عن المتروك من السورة أو بعضها، بلا خلاف في ذلك على ما قيل (3). وإن كان إنما يحسن بعض الفاتحة، فإن كان آية منها يجب قراءته إجماعا أيضا، يظهر من المدارك (4) والذخيرة (5). وأما في الأقل منه ففيها أقوال: ثالثها الوجوب لو كان قرآنا، أي: لو سمي قرآنا في العرف، ونسب ذلك إلى المشهور بين المتأخرين. ولعله يكون أقوى فإن من عرف " إياك " مثلا أو لفظة " غير " أو لفظة
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 780 ب 41 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (2) قرب الإسناد: ص 90. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 272 س 17. (4) مدارك الأحكام: ج 3 ص 343. (5) ذخيرة المعاد: ص 272. 243 " المغضوب " يشكل القول بجواز التكلم بذلك، لعدم صدق القرآن على ذلك، فيكون كلاما أجنبيا، فيضعف الإيجاب مطلقا. وأيضا استصحاب شغل الذمة، وعدم سقوط الميسور بالمعسور، وغير ذلك، مع صدق القرآن، مما يضعف القول بالعدم على الإطلاق. وهل يجوز الاكتفاء بذلك، أو بعوض عن الفائت بتكرار ذلك، أو بقراءة غيره من القرآن إن علم، أو الذكر مطلقا؟ أقوال: أوهنها الأول، ولعل الأوسط أوسط لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: إن الله فرض من الصلاة الركوع والسجود، ألا ترى لو أن رجلا دخل في الاسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبر ويسبح ويصلي (1). ولو لم يحسن شيئا من الفاتحة فالمشهور وجوب القراءة من غيرها لو علم، والأولى قراءة سورة كاملة إن علم، وإلا فالذكر للصحيح المتقدم. وقيل بالتخيير بينه وبين الذكر (2)، ولا وجه له. والمشهور بين الأصحاب في الذكر هو أنه يسبح الله ويهلله ويكبره. وقيل: بالذكر، والتكبير (3). وقيل بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير (4). وقيل: ما يقوله في الأخيرتين (5). وقد عرفت الرواية، وفي أكثر الأقوال روايات عامية رواها في الذكرى (6). وفي وجوب مساواة البدل للمبدل وجهان، أشهرهما الوجوب. ولو عجز عن الذكر أيضا فالمشهور أنه يكتفي بالترجمة، وفي قرب الإسناد رواية (7) يشير إليه، لكن اختلفوا في أنه هل يأتي بترجمة القرآن أو ترجمة الذكر،
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 735 ب 3 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (2) شرائع الاسلام: ج 1 ص 81. (3) الخلاف: ج 1 ص 343 المسألة 94. (4) نهاية الإحكام: ج 1 ص 474. (5) ذكرى الشيعة: ص 187 س 14. (6) ذكرى الشيعة: ص 187 س 19. (7) قرب الإسناد: ص 24. 244 مع عدم القدرة عليهما، والقدرة على ترجمتهما معا، ولعل ترجمة القرآن أولى. واحتمل في الذكرى تقديم ترجمة القراءة على الذكر لأنه أقرب (1)، ويدفعه الصحيحة المتقدمة. والأخرس يأتي بالممكن، ولا يجب عليه الائتمام، ووجهه ظاهر، والمشهور أنه يحرك لسانه بها، ويعقد بها قلبه، وعن بعض المتأخرين زيادة الإشارة باليد (2). فروى الكليني عن السكوني عن الصادق (عليه السلام): ان عليا (عليه السلام) قال: تلبية الأخرس وتشهده وقراءة القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه (3). منهاج لا يجوز قول " آمين " بعد الحمد في الصلاة مطلقا، بل ويبطلها وفاقا للمشهور. ويدل على ذلك - مضافا إلى الاجماع الذي نقله غير واحد من أصحابنا على التحريم والبطلان منهم: الشيخان والمرتضى (رحمه الله) (4)، كما صرح بذلك في الذكرى أيضا حيث قال: والمعتمد تحريمها وإبطال الصلاة بفعلها بقول الأكثر (5)، ودعوى الاجماع من أكابر الأصحاب - الحسن لإبراهيم بن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد ففرغ من قراءتها فقل أنت: الحمد لله رب العالمين ولا تقل: آمين (6). ورواية الحلبي وفي طريقه محمد بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب: آمين؟ قال: لا (7). وذلك لأن النهي حقيقة في الحرمة، وهذا اللفظ وإن كان خارجا من الصلاة
(1) ذكرى الشيعة: ص 187 س 35. (2) ذكرى الشيعة: ص 188 س 30. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 801 - 802 ب 59 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (4) الخلاف: ج 1 ص 332 المسألة 84، المقنعة: ص 105، الانتصار: ص 42. (5) ذكرى الشيعة: ص 194 س 25. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 752 ب 17 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 752 ب 17 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. 245 ولكن لا يبعد دعوى أنه يفهم من سياق النهي في الخبر كون الصلاة التي هو فيها غير مطلوب للشارع بضميمة فتوى الأصحاب وفهمهم، فيكون فاسدا. ونقل عن ابن الجنيد الجواز عقيب الحمد وغيرها (1)، وقواه بعض المتأخرين لصحيحة جميل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب: آمين، قال: ما أحسنها واخفض الصوت (2). ولا يخفى أن متن الخبر مجمل، بل ربما يدل على خلاف المطلوب، وإن بني على ما أرادوه فلا يتم الاستدلال به على الكراهة كما قالوه، لمنافاتها مع التحسين، بل الأولى حمله على التقية. ويشهد له صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أقول " آمين " إذا قال الإمام " غير المغضوب عليهم ولا الضالين "؟ فقال: هم اليهود، والنصارى، ولم يجب في هذا (3). ووجهه ظاهر بناء على أن يكون المرجع هو " المغضوب عليهم ولا الضالين ". وأما لو قلنا بأن المراد أن القائلين بذلك هم اليهود والنصارى فيحتمل إرادة العامة بذلك، ويحتمل إرادة المعنى الحقيقي، كما رواه في دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: إنما كانت النصارى تقولها (4). وفسرها بذلك الصدوق أيضا (5). وأما الجمع بحمل صحيحة جميل على الجماعة وغيرها على المنفرد بتقييد عدم القول بالفصل فالترجيح مع المشهور لصراحة الخبرين، وتعاضدهما بالشهرة، والإجماع المستفيض، واستصحاب شغل الذمة ومخالفة العامة. وهل الحكم في كل الصلاة مثل القول بعد الحمد؟ الأقرب الابتناء في ذلك
(1) لا يوجد كتابه نقله الشيخ البهائي عنه في الحبل المتين: ص 225. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 753 ب 17 من أبواب القراءة في الصلاة ح 5. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 752 ب 17 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (4) دعائم الاسلام: ج 1 ص 160. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 390. 246 على كونه من كلام الآدميين، أو اسم فعل كما قاله بعضهم (1)، أو دعاء وليس باسم فعل كما يظهر من المحقق الرضي (2) في صه وغيره، فعلى الأول يتجه البطلان، والأولى تركه مطلقا. منهاج الأقرب عدم جواز القران بين السورتين في الصلاة بعد الحمد للإجماع - نقله السيد في الانتصار (3) والصدوق في الأمالي (4) - والروايات المستفيضة. ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة؟ فقال: لا، لكل سورة ركعة (5). وفي رواية منصور المتقدمة في وجوب السورة. وفي موثقة ابن بكير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة، قال: إن لكل سورة حقا، فأعطها حقها من الركوع والسجود (6)... الحديث. وفي رواية عمر بن يزيد قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أقرأ سورتين في ركعة؟ قال: نعم، قلت: أليس يقال: أعط كل سورة حقها من الركوع والسجود؟ فقال: ذلك في الفريضة، فأما النافلة فليس به بأس (7). وروى في مجمع البيان عن العياشي بإسناده عن الصادق (عليه السلام) قال: لا تجمع سورتين في ركعة واحدة إلا الضحى وألم نشرح، وألم تر كيف ولإيلاف قريش (8). وفي الفقه المنسوب إلى الرضا (عليه السلام) أيضا أن القران غير جائز في الفريضة (9).
(1) الكشاف: ج 1 ص 17. (2) شرح الكافية: ص 178. (3) الانتصار: ص 44. (4) أمالي الصدوق: ص 512. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 741 ب 8 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 741 ب 8 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 741 ب 8 من أبواب القراءة في الصلاة ح 5. (8) مجمع البيان: ج 10 ص 544. (9) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): ص 125. 247 وفي المعتبر (1) والمنتهى (2) نقلا عن جامع البزنطي عن المفضل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا الضحى وألم نشرح، وسورة الفيل ولإيلاف. وفي بعض الأخبار أيضا تأييد (3). وذهب ابن إدريس ومعظم المتأخرين على الكراهة (4) للعمومات، وصحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن القران بين السورتين في المكتوبة والنافلة، قال: لا بأس (5)، وعن تبعيض السورة، قال: أكره، ولا بأس به في النافلة (6). وموثقة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: إنما يكره أن تجمع بين السورتين في الفريضة، وأما النافلة فلا بأس (7). والعمومات - مع تسليم شمولها لما نحن فيه - مخصصة بما رواه على الكراهة، والخبران - بعد تسليم ثبوت الحقيقة الشرعية في الكراهة، ودلالتهما على المطلوب من هذه الجهة - لا يقاومان أدلة المشهور، سيما مع اشتمال الأول على جواز التبعيض، وقد أثبتنا بطلانه، وكون الثاني موافقا للتفصيل المذكور في رواية عمر ابن يزيد، فإن ظاهرها التحريم، لكثرتها واعتبار سندها وتعاضدها بالعمل، والإجماع المنقول، والطريقة المعهودة المستمرة من أهل بيت العصمة إلى الآن، إلى غير ذلك. بل لا بد من حملهما على التقية، وفيهما من المقربات لهذا الحمل أيضا ما لا يخفى، مع ملاحظة أن عدمه كان من دين الإمامية ومنفرداتهم، كما قاله الصدوق (8) والسيد (9).
(1) المعتبر: ج 2 ص 188. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 276 س 23. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 744 ب 10 من أبواب القراءة في الصلاة ح 5. (4) السرائر: ج 1 ص 220. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 742 ب 8 من أبواب القراءة في الصلاة ح 9. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 737 ب 4 من أبواب القراءة في الصلاة ح 4. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 741 ب 8 من أبواب القراءة في الصلاة ح 6. (8) أمالي الصدوق: ص 512. (9) الانتصار: ص 44. 248 وبالجملة: براءة الذمة لا يحصل إلا بتركه. وقال الشهيد الثاني (رحمه الله) في المسالك: إن الكراهة إذا لم يعتقد المشروعية، وإلا حرم قطعا (1). وكأنه أراد من المشروعية الاستحباب الخاص، وأما القائل بالحرمة والبطلان فمراده الأعم من ذلك، كما لا يخفى، وإلا فلا نزاع معنوي. ثم قال (رحمه الله): ويتحقق القران بقراءة أزيد من سورة وإن لم يكمل الثانية، بل بتكرار السورة الواحدة، أو بعضها مثل تكرار الحمد. والأقوى والأحوط مراعاة ذلك سيما بالنظر إلى الدليل المتقدم، ثم إن محل الخلاف ينبغي أن يكون فيما إذا قارن السورة التي يقرأها بسورة أخرى، وأما مثل قراءة سورة أو آية في القنوت وغيره فيشكل تعميم الحكم بالنسبة إليه. بل قال السيد الفاضل في المدارك: وكيف كان فموضع الخلاف قراءة الزائد على أنه جزء من القراءة المعتبرة في الصلاة، إذ الظاهر أنه لا خلاف في جواز القنوت ببعض الآيات، وإجابة المسلم بلفظ القرآن، والإذن للمستأذن بقوله * (ادخلوها بسلام آمنين) * ونحو ذلك (2)، انتهى. وفي الموثق عن عبيد بن زرارة أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن ذكر السورة من الكتاب يدعو بها في الصلاة مثل " قل هو الله " فقال: إذا كنت تدعو بها فلا بأس (3). والاحتياط ترك السورة الكاملة في غير محل النزاع أيضا وإن كان الظاهر من ذلك الموثق الجواز. وأما الآية والآيات فيه فلا أجد به بأسا، بل ولا عقيب السورة أيضا لو لم يجعلها من تتمة القراءة ولو استحبابا أو بلا قصد. هذا كله الاستدلال على الجواز والحرمة، وأما البطلان فيمكن الاستدلال عليه بأنه غير آت بالمأمور به، فيبقى في عهدة التكليف، كما ذكره في المختلف (4).
(1) مسالك الأفهام: ج 1 ص 206. (2) مدارك الأحكام: ج 3 ص 356. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 743 ب 9 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (4) المختلف: ج 2 ص 153. 249 وذلك لأن الذي ظهر من الأدلة أن المطلوب هو الصلاة التي كانت جزؤها سورة واحدة، وهذا غيره، بل النهي تعلق بهما، فإن الظاهر أن النهي تعلق بقراءة السورتين لا بمحض وصف، والسورة جزء للصلاة على ما حققناه، والنهي المتعلق بجزء العبادة مستلزم لفساده. وهذا فيما لو أراد أولا قراءة السورتين واضح، وأما لو طرأ قصد الأخرى بعد قراءة الأولى فيمكن دعوى أنه يفهم منها أن المطلوب هو صلاة لا يقرأ فيها سورة بعد سورة. واعلم أن الخلاف في هذه المسألة في الصلاة الواجبة، وأما المندوبة فلا خلاف في الجواز، والأخبار بها متظافرة، لكن ورد في بعضها: ما كان من صلاة الليل فاقرأ بالسورتين والثلاث، وما كان من صلاة النهار فلا تقرأ إلا بسورة سورة (1). ولم أجد من الأصحاب مفصلا، ولعله يراد منه الاستحباب. ومما يتفرع على القول بوجوب السورة الكاملة وحرمة الزيادة حرمة قراءة ما يفوت به الوقت، فلو علم بالتفويت فقال في المسالك: إنه يبطل صلاته بمجرد الشروع وإن لم يخرج الوقت، نعم لو ظن السعة فتبين الضيق بعد الشروع عدل وإن تجاوز النصف، انتهى (2). ولعلك تطلع على وجهه فيما سيأتي إن شاء الله، وفي الصحيح عن سيف بن عميرة عن عامر بن عبد الله قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من قرأ شيئا من ال " حم " في صلاة الفجر فاته الوقت (3). تتميم: إعلم أن " الضحى وألم نشرح " سورة واحدة، وكذلك " لإيلاف وألم تر كيف " بالإجماع، نقله السيد في الانتصار (4)، ويظهر من الصدوق في الأمالي (5).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 741 ب 8 من أبواب القراءة في الصلاة ح 4. (2) مسالك الأفهام: ج 1 ص 206. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 783 ب 44 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (4) الانتصار: ص 44. (5) أمالي الصدوق: ص 512. 250 وقال في الاستبصار: إن " الضحى وألم نشرح " سورة واحدة عند آل محمد (صلى الله عليه وآله) (1). ونسبه المحقق إلى روايات أصحابنا (2). ويظهر ذلك من أخبار كثيرة: منها ثلاثة أخبار نقل عن كتاب القراءات لأحمد ابن محمد بن سيار في أنهما سورة واحدة (3)، وهو صريح الفقه الرضوي أيضا (4)، وهو صريح الصدوق في الفقيه (5) أيضا. وروى العياشي عن أبي العباس عن أحدهما (عليهما السلام) قال: " ألم تر كيف فعل ربك ولإيلاف قريش " سورة واحدة (6)، وروي أن أبي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه، فيجوز قراءتهما معا في الركعة الواحدة، ويدل على ذلك أيضا صحيحة زيد الشحام (7)، ورواية المفضل (8). والأقوى عدم سقوط البسملة بينهما، لثبوت ذلك في المصاحف، وعدم معهودية خلاف ذلك، ولا مانع من كونها آيتين من سورة واحدة كسورة النمل، وللشيخ قول بالسقوط (9) قضية الاتحاد، وهو مشكل. منهاج لا يجوز قراءة إحدى العزائم الأربعة في الفرائض عند أكثر أصحابنا، بل ادعى عليه جماعة من أصحابنا الاجماع، منهم السيد (10) والشيخ (11) والعلامة. قال في التذكرة: لا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئا من العزائم الأربع عند
(1) الاستبصار: ج 1 ص 317. (2) شرائع الاسلام: ج 1 ص 83. (3) لا يوجد كتابه لدينا. (4) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): ص 112. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 306. (6) نقله عنه الطبرسي في مجمع البيان: ج 10 ص 544. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 743 ب 10 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 777 ب 37 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (9) الاستبصار: ج 1 ص 317. (10) الانتصار: ص 43. (11) المبسوط: ج 1 ص 170. 251 علمائنا خلافا للجمهور كافة (1). ويدل عليه - مضافا إلى الاجماع - قوية زرارة - في طريقها قاسم بن عروة - عن أحدهما (عليهما السلام) قال: لا تقرأ في المكتوبة بشئ من العزائم، فإن السجود زيادة في المكتوبة (2). وموثقة سماعة - في طريقها عثمان بن عيسى - قال: من قرأ " إقرأ باسم ربك "، فإذا ختمها فليسجد، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع، قال: وإن ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزئك الإيماء والركوع، ولا تقرأ في الفريضة " إقرأ " في التطوع (3). ولأن فعل السجدة إن أوجبناه، يورث الاختلال في كيفية العبادة التوقيفية، ولا يحصل اليقين بالبراءة، وإن لم يوجبه يلزم خروج الواجب الفوري عن كونه واجبا، ووجوبه فورا إجماعي كما قالوا. وقد يمنع شمول أدلة الفور لما نحن فيه، ويدفعه ظاهر الخبرين المتقدمين، وغيرهما. وقال ابن الجنيد: لو قرأ سورة من العزائم في النافلة سجد، وإن كان في فريضة أومأ، فإذا فرغ قرأها وسجد (4). وأما الأخبار الدالة على الجواز مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد، قال: يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم (5). وحسنة الحلبي الآتية، ونحوه صحيحة علي بن جعفر (6)، وغيرها - فبعضها محمولة على النافلة، وبعضها على التقية، ولهما
(1) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 146. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 779 ب 40 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 777 ب 37 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (4) نقله عنه المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 175. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 778 ب 39 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 780 ب 40 من أبواب القراءة في الصلاة ح 5. 252 فيها شواهد وقرائن واضحة. ولكن يستفاد مما رواه في قرب الإسناد - عن علي بن جعفر - عن أخيه (عليه السلام) قال: " سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أيركع لها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال: يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة - الكراهة (1). فحينئذ ما لا بد من بعضها طرحها أو وجود القول بالكراهة في العامة. وبالجملة: لا يقاوم أدلة المشهور لموافقتها مذاهب العامة ومخالفتها للأصحاب. وتركهم العمل عليها مع كثرتها وصحتها... (2) شاهد على عدم جواز العمل على ظاهرها. وبعد البناء على ما حققناه من وجوب السورة الكاملة وبطلان القران يتجه القول ببطلان الصلاة، سواء تركنا موضع السجدة وقرأنا سورة أخرى أو لم نقرأ، أو لم نتركه وتركنا السجدة، وقلنا بأن المنهي عنه هو الخارج، إذ لا ينفك الصلاة عن تعلق النهي بها على حال. وهل يبطل الصلاة بمجرد الشروع، أو بقراءة السجدة؟ رجح أولهما الشهيد الثاني (رحمه الله) (3). وهو كذلك سيما على ما بنى عليه أمره في القران للزوم التعدد أو التبعيض أو إكمال المنهي عنه، وكلها باطلة، مع أن الظاهر من الأدلة هو عدم جواز قراءة أصل السورة، فيكون تكلما منهيا عنه لعدم شمول أدلة جواز قراءة القرآن لذلك، فتأمل. أو نقول: إن الظاهر من أمثال المقام أن الصلاة الكذائية ليست مطلوبة للشارع، مضافا إلى استصحاب شغل الذمة. وأما موثقة عمار الدالة على الصحة وأنه يترك موضع السجدة أو يعود إلى سورة أخرى إن وجب (4) فهو متضمن لما أثبتنا عدمه من التبعيض والقران.
(1) قرب الإسناد: ص 93. (2) هنا كلمة غير مقروءة. (3) الروضة البهية: ج 1 ص 607. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 779 ب 40 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. 253 ولو قرأها سهوا فالأقرب العدول وإن جاوز النصف لعدم إتيانه بالمأمور به بدونه، وأما ما يدل على عدم جواز العدول إذا جاوز النصف فمع تسليمه غير ثابت فيما نحن فيه، وستعرف، وربما كان في الموثق المتقدم تأييد لذلك. أما لو أتمها سهوا ففيها أقوال: قيل: يومئ، ويقضي بعد الصلاة (1). وقيل: يتخير بينهما (2). وقيل: يمضي ويقضي (3). ولا يظهر لواحد منها وجه وجيه، ويقتضي أدلة فورية السجود السجود. ولعله يكون الاحتياط في السجود وإتمام الصلاة والإعادة، بل وقضاء السجود أيضا على احتمال. وذلك لأن الأخبار وإن كان يظهر من بعضها السجود في الأثناء ومن بعضها الإيماء لكنها متشابهة جدا لعدم ظهور الحكم فيها إلا من جهة التقية. وإن لم نبن الأمر فيها على التقية أو النافلة لكنا قلنا بجوازها في الفريضة عمدا أيضا. فإذا سقط الأخبار من الدلالة على ما نحن فيه يبقى الأصول والأدلة. ولعل ما ذكرنا هو طريقة الجمع والاحتياط، والله يعلم. ولعلك بعد خبرتك بما ذكرنا فيمن أتم السورة سهوا تحيط خبرا بحال من قرأ السجدة فيها سهوا وإن لم يتم بعد. أما لو لم يتفطن للسجدة وأتم السورة سهوا ثم تذكر وقد انقضى آنات فالحق أن المسألة يبتني على أن الوجوب ينتفي بانتفاء الفور أم لا؟ هذا حال الفرائض، وأما النوافل فلم أقف في جواز قراءتها فيها على مخالف،
(1) القائل هو صاحب مسالك الأفهام: ج 1 ص 206. (2) لم نعثر على قائله. (3) القائل هو ابن إدريس في السرائر: ج 1 ص 218. 254 ويعمل بما في موثقة سماعة (1) المتقدمة وحسنة الحلبي (2) عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة، قال: يسجد ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثم يركع ويسجد. وربما قيل بزيادة سورة أو آية بعده أيضا، هذا إذا كان السجدة في آخر السورة، وإلا فيسجد ويقوم ويتم ما بقي ويركع. ولو نسي السجدة فيسجد حيث يتذكر لصحيحة محمد بن مسلم (3) المتقدمة. قيل وإذا كان مع إمام لا يسجد يومئ لبعض الأخبار، وهو ظاهر في التقية ولا بأس بذلك. منهاج يجوز العدول من سورة إلى أخرى، سوى التوحيد والجحد، فإنه يحرم العدول عنهما، وادعى عليه السيد الاجماع في الانتصار (4). وقيل: يكره فيهما، وليس بشئ. ولا فرق في الجواز فيما أراد أولا المعدول إليه ونسيه، أو بدا له قراءته في الأثناء. وربما خص بالناسي، ولا وجه له. ويدل على مجموع ما قلنا روايات. ففي صحيحة عمرو بن أبي نصر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يقوم في الصلاة فيريد أن يقرأ سورة، فيقرأ " قل هو الله أحد " و " قل يا أيها الكافرون " فقال: يرجع من كل سورة إلا من " قل هو الله أحد " و " قل يا أيها الكافرون " (5).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 779 ب 40 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 777 ب 37 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 778 ب 39 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (4) الانتصار: ص 44. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 775 ب 35 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. 255 وفي صحيحة الحلبي - على تردد بسبب احتمال سقط في السند - قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل قرأ في الغداة سورة " قل هو الله أحد " قال: لا بأس، ومن افتتح بسورة ثم بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس إلا " قل هو الله أحد " فلا يرجع منها إلى غيرها، وكذلك " قل يا أيها الكافرون " (1). وموثقة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أراد أن يقرأ في سورة فأخذ في أخرى، قال: فليرجع إلى السورة الأولى إلا أن يقرأ ب " قل هو الله أحد " (2). وفي موثقته الأخرى عنه (عليه السلام) في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها، فقال: له أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثها (3). ثم إنه لو كان قاصدا لصورة فنسيها وقرأ سورة أخرى فقد عرفت جواز العدول ولكن ظاهر الموثق المتقدم بل وضع وجوب الرجوع، ولم أجد به قولا مع أنه يدفعه بعض آخر منها ولو كان قاصد الترك هذه الصورة فقرأها نسيان فهل يصح أم لا بل يجب العدول عنه؟ وجهان يدل على الصحة كما اختاره الشهيد (رحمه الله) مضافا إلى ظواهر بعض الأخبار المتقدمة سيما الموثق الأخير إطلاق صحيحة الحلبي في الرجل يقرأ في المكتوبة نصف السورة ثم ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرق منها ثم يذكر قبل أن يركع، قال: يركع (4) ولا يضره فإن ترك الاستفصال يفيد العموم. ثم إن الأصحاب اختلفوا في موضع جواز العدول. فقيل: ما لم يتجاوز النصف. وقيل: ما لم يبلغه. وليس في هذه الأخبار ما يدل صريحا على هذا التفصيل، بل هي كما ترى
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 775 ب 35 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 814 ب 69 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 776 ب 36 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 776 باب 36 من أبواب القراءة في الصلاة ح 4. 256 مطلقة، والموثق المتقدم لا يدل على واحد منهما. نعم، روى الشهيد في الذكرى عن كتاب البزنطي عن أبي العباس في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ أخرى، قال: يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف (1). وفي قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل أراد سورة فقرأ غيرها هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثم يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال: نعم ما لم يكن " قل هو الله أحد " أو " قل يا أيها الكافرون " (2). ويشعر عبارة الفقه الرضوي الآتية بمانعية قراءة النصف أيضا عن العدول في الجملة (3). وقد يوجه ذلك بأنه أشبه بالقران، وأنه يتحقق بسورة وبمعظم أخرى، وفيه تأمل. ولعله يمكن أن يقال: إن المعهود من السورة في الصلاة، والقدر اليقيني المعتبر في كونها قراءة عقيب الحمد، هو سورة كاملة لا غير، فالزيادة خروج عن الأصل، ويقتصر فيه على موضع اليقين. والذي يظهر من أكثر الأخبار هو الرجوع حين الافتتاح وحين الأخذ وأمثال ذلك، وكذلك يظهر ذلك من لفظ الرجوع، فإن الرجوع عن القراءة حقيقة في الرجوع عن مجموعها، ولما تعذر الحقيقة بعد الافتتاح فيحمل على أقرب المجازات، وهو ما كان الرجوع دون النصف ليبقى أزيد منه. فالذي يثبت من تلك الإطلاقات وينساق منها إلى الذهن هو ذلك، والزائد خلاف الأصل، فتأمل. وقد يوجه بتوجيهات لا طائل تحتها، ولعله كان إجماعا بينهم، ولم يظهر لنا بعد.
(1) ذكرى الشيعة: ص 195 س 31. (2) قرب الإسناد: ص 206 ح 802، وسائل الشيعة: ج 4 ص 776 ب 35 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. (3) فقه الرضا (عليه السلام): ص 125. 257 وبالجملة: الاحتياط يقتضي عدم التجاوز عن النصف، بل ولا يبلغه. ثم إن حرمة العدول عن الجحد والتوحيد أيضا مخصص بالعدول إلى الجمعة، والمنافقين في ظهر الجمعة وصلاته ما لم يتجاوز النصف، أو لم يبلغه على المشهور بين الأصحاب. وخالف في ذلك المحقق حيث لم يجوز العدول فيهما (1)، وهو ظاهر المرتضى حيث ادعى الاجماع، ولم يستثن (2). والأقرب قول المشهور للروايات المعتبرة. مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا افتتحت صلاتك ب " قل هو الله أحد " وأنت تريد أن تقرأ غيرها فامض فيها، ولا ترجع إلا أن تكون في يوم جمعة، فإنك ترجع إلى الجمعة والمنافقين منها (3). وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة، فيقرأ " قل هو الله أحد " قال: يرجع إلى سورة الجمعة (4). وموثقة عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل صلى الجمعة وأراد أن يقرأ سورة الجمعة، فقرأ " قل هو الله أحد " قال: يعود إلى سورة الجمعة (5). وقال بعض المتأخرين - هو المحقق الشيخ علي (6) والشهيد الثاني (7) (رحمهما الله). هذه الأخبار إنما يدل على جواز العدول لمن أراد سورة الجمعة، وأما من آثر التوحيد والجحد على الجمعة فلا يثبت حكمه من هذه الأخبار. وهو كذلك إلا أن يقال بعدم القول بالفصل، ويمكن الاستدلال بعموم رواية قرب الإسناد الآتية. وبعضهم خصص الحكم بالناسي.
(1) شرائع الاسلام: ج 1 ص 99. (2) الانتصار: ص 44. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 814 ب 69 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 814 ب 69 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 814 باب 69 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. (6) جامع المقاصد: ج 2 ص 278. (7) مسالك الأفهام: ج 2 ص 249. 258 وصحيحة الحلبي (1) يدفعه لأن الظاهر أن المراد ب " أنت تريد " أي: حال الافتتاح، أو بعد الافتتاح لأنه أقرب المجازات، وكذلك رواية قرب الإسناد الآتية، فتأمل. والكلام في اعتبار النصف، والتجاوز منه نظير ما تقدم، وفي الفقه الرضوي: وتقرأ في صلاتك كلها يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين و " سبح اسم ربك الأعلى " وإن نسيتها أو في واحدة منها فلا إعادة عليك، فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة، وإن لم تذكرها إلا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك (2). ثم إن ما ذكرنا من التعميم بالنسبة إلى ظهر الجمعة وصلاتها لعله يستفاد من الأخبار. وقد يقال بكون الجمعة مشتركا معنويا بينهما. وهو غير ظاهر، لأن إطلاق لفظ الجمعة على ظهرها وإن ورد في الأخبار، لكن الاستعمال أعم من الحقيقة، بل هو مجاز. نعم، المذكور في كثير منها " يوم الجمعة " وهو أعم من صلاتها، وإخراج سائر أوقاتها، من جهة عدم الفهم من ذلك، سيما بملاحظة تخصيص الحكم في كثير منها بلفظ الجمعة، وهو ظاهر، بل صريح في خروج سائر الأوقات. ولعل عدم الفرق بينهما يكون مما لا خلاف فيه، كما يظهر من بعضهم. وبعضهم عمم - وهو العلامة في التذكرة (3) - بالنسبة إلى العصر، وبعضهم إلى الأوقات الخمسة. وهو مشكل لضعف دلالة " يوم الجمعة " مع ما ذكرنا على ذلك، سيما مع قوة عمومات التحريم، وكون العدول خلاف الأصل. ثم اعلم أن المذكور في الأخبار المذكورة هو التوحيد ولعل الجحد يثبت
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 775 ب 35 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (2) فقه الرضا (عليه السلام): ص 130. (3) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 117 س 42. 259 حكمه بعدم القول بالفصل، بل وربما يدعى الأولوية، وفيه تأمل. نعم، روى في قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن القراءة في الجمعة، بما يقرأ؟ قال: بسورة الجمعة و " إذا جاءك المنافقون " وإن أخذت في غيرها وإن كان " قل هو الله أحد " فاقطعها من أولها وارجع (1) إليها. ودلالتها على المطلوب واضحة، مع اعتضادها بالشهرة بين القدماء، والمتأخرين. ثم اعلم أن الأصحاب صرحوا بجواز العدول إذا يقرأ تمام السورة أو نسي، وهو كذلك، فروى معاوية بن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: من غلط في سورة فليقرأ " قل هو الله أحد " ثم ليركع (2). وتعيين " قل هو الله أحد " محمول على الاستحباب لعدم قائل به. تتميم: الذي يقوى في نفسي أنه لا ضرورة إلى قصد تعيين السورة المخصوصة قبلها، فلو قام إلى الصلاة وقرأ الحمد وسورة صح - سواء جرى بلسانه بعد الحمد ذاهلا أو قصدها حين الشروع فيها، وسواء كان قصد قبل الشروع فيها قراءة سورة مطلقة أو شرع بلا قصد ذلك أيضا - للإطلاقات وصدق الامتثال. وأما لو قصد سورة مخصوص فسها فقرأ سورة أخرى قاصدا لها أو ذاهلا ولا عن قصد فظاهر الحكم بجواز العدول دون الوجوب - كما يستفاد من أكثر أخبار العدول المطلق بالنسبة إلى القصد، والذهول في قراءة المعدول عنها، ومن كلام الأصحاب - الصحة، وكذلك تقتضيه الإطلاقات وصحيحة الحلبي: في الرجل يقرأ في المكتوبة نصف السورة ثم ينسى، فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها، ثم يذكر قبل أن يركع، قال: يركع ولا يضره (3). وأما لو قصد ترك سورة فقرأها سهوا أو ذاهلا فقد يتوهم أنه لا يصح، لعدم إتيان هذه السورة بنية التقرب.
(1) قرب الإسناد: ص 214 ح 839. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 783 ب 43 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 776 ب 36 من أبواب القراءة في الصلاة ح 4. 260 وفيه ما لا يخفى، إذ عدم قصد التقرب بالسورة في الآن السابق لا ينافي التقرب بها في الآن اللاحق، فإن الداعي على فعلها حينئذ هو التقرب إلى الله، فليس السورة حينئذ خالية عن قصد التقرب، وإطلاق الصحيحة المتقدمة أيضا يحقق الصحة. واعلم أن الاعتياد على السورة بحيث يجري على لسانه بلا قصد أو تعينها عليه بنذر وشبهه أو كونها معينا في موضع كالحمد يقوم مقام القصد إليه، فيكون الأمر فيها على ما اخترناه أظهر. وهل يشترط القصد في تعيين البسملة في أول السور أم لا؟ وحينئذ إذا عدل عن السورة إلى الأخرى فهل يجب إعادة البسملة أم لا؟ ذهب جماعة (1) من الأصحاب إلى وجوب الإعادة، لصيرورته بقصد تلك السورة جزءها، فحينئذ لا يصير جزء السورة الأخرى، فبدون الإعادة لا يتم السورة. ومنعه بعض المحققين (2) حيث قال: إنا لا نسلم أن للنية مدخلا في صيرورة البسملة جزءا. ولو قرأ البسملة بعد الحمد غير قاصد لسورة، أو قصد سورة ولم يشرع فيها، فهل يصح الاكتفاء به بعد قصد سورة معينة أم لا؟ ظاهر بعض الأصحاب أنه يكتفى. والحق عدم الاكتفاء في المقامين، وأنه وجب القصد إلى تعيين البسملة، سواء قلنا بأنها جزء من السورة - كما هو المختار - أو واجب على حدة. أما الأول فلأن الامتثال لا يتم إلا بالنية والقصد، وحيث كان القصد مميزا للفعل فيجب لحصول الامتثال، فإذا اشترك جزء السورة بين سور مختلفة فلا يتم الامتثال إلا بقصد التعيين.
(1) الدروس الشرعية: ج 1 ص 173، تحرير الأحكام: ج 1 ص 38 س 19. (2) انظر الحدائق الناضرة: ج 8 ص 228. 261 فلنمثل لك بمثال ليتضح الأمر، وهو أنا إذا قرأنا في الصلاة سورة الفرقان مثلا، وإذا بلغنا إلى قوله تعالى: * (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم) * (1) إلى آخره، فقلنا بقصد الدعاء بعد قوله تعالى: * (يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم) * إلى آخره لأجل استحباب التعوذ عن النار حيث ما تذكر في القرآن ونسينا عن التكلم به أولا من جهة قراءة القرآن فهل يحسب هذا الكلام بعد التذكر من القراءة ويجوز الاكتفاء به أو يجب الإعادة؟ فلا ريب أن هذا الكلام مشترك بين الدعاء والقرآن، ولا يتميز إلا بالقصد، وبدونه لا يحصل الامتثال عرفا، فكذلك إذا اشترك اللفظ بين السورتين. وأما الثاني فلأنه حينئذ يصير من باب الاستعاذة، ولا ريب أنا مأمورون بذكر " بسم الله الرحمن الرحيم " في أول كل سورة، ولا يحصل الامتثال إلا بقصد الامتثال، والامتثال هو موافقة الأمر، وكل أمر يقتضي امتثالا، إذ الأصل عدم التداخل، كما حققناه في كتاب الطهارة. وقياس ما نحن فيه بما لو كتب كاتب " بسم الله الرحمن الرحيم " بقصد سورة، ثم كتب بعده سورة أخرى، والقول بأنه يقال له في العرف: إنه كتب سورة تامة باطل للفرق الواضح بين المقامين، لأن المقصود هنا النقش، وثمة التكلم، وهو مأمور به. نعم إذا أمرنا الشارع بكتابة سورة وعلمنا أن مراده ليس مجرد النقش بل ما يقرأ في الصلاة فلا يبعد القول بعدم الامتثال حينئذ أيضا. ومما ذكرنا لعله يظهر حال أوائل السور المشتركة بين سور ك " حم، وألم، والحمد " وغيرها. منهاج المشهور بين الأصحاب وجوب الجهر بالحمد والسورة في الصبح وفي
(1) الفرقان: 65. 262 الأوليين من المغرب والعشاء، والإخفات في الظهرين وتتمة المغرب والعشاء، وادعى عليه الشيخ الاجماع (1) وكذا ابن زهرة (2). والسيد (3) (رحمه الله) على أنه من السنن الأكيدة ونقل الاستحباب عن ابن الجنيد (4) أيضا. والأول أقرب، للإجماع المتقدم، ولصحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: قلت له: رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال: أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة، وإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ عليه وقد تمت صلاته (5). وصحيحته الأخرى عنه (عليه السلام) قال: قلت له: رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه أو قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه، فقال: أي ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شئ عليه (6). وما رواه الصدوق عن الفضل بن شاذان في علة الجهر والإخفات عن الرضا (عليه السلام): علة الجهر في صلاة الجمعة والمغرب العلة التي جعل من أجلها الجهر في بعض الصلوات دون بعض: إن الصلاة التي يجهر فيها إنما هي في أوقات مظلمة، فوجب أن يجهر فيها ليعلم المار أن هناك جماعة (7). وفي معناها رواية أخرى في هذا المقام. وفي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: وأما الصلاة التي يجهر فيها فإنما
(1) الخلاف: ج 1 ص 331 المسألة 83. (2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): ص 496 س 2. (3) نقله عنه العلامة في المختلف عن كتاب المصباح: ج 2 ص 153، ونقله عنه أيضا المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 176. (4) مختلف الشيعة: ج 1 ص 153. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 766 ب 26 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 766 ب 26 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (7) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 310 ح 926. 263 أمر بالجهر لينصت من خلفه، فإن سمعت فأنصت، وإن لم تسمع فاقرأ (1). والمؤيدات والمقربات لهذا المطلب في الأخبار من الكثرة بمكان، فلاحظ وتأمل. ويدل عليه أيضا استمرار ذلك الطريقة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، والتزامهم إياها بحيث لا يجوزون تركها. واستدل الخصم بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصلي من الفرائض ما يجهر فيه بالقراءة، هل عليه أن لا يجهر؟ قال: إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر (2). وبقوله تعالى * (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) * (3) إذ المراد ليس نفي الحقيقة للزوم المحال، فالمراد الجهر العالي، والإخفات التي تكون بحيث لا يسمع الأذان، كما يظهر من الأخبار، وهذا القدر مشترك بين الجهر والإخفات، وتثبت حكمها في الصلوات كلها للإطلاق. وقد يؤيد ذلك أيضا بصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته، قال: لا صلاة له إلا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات (4). والجواب عن الأول أنه محمول على التقية لموافقتها لمذهب العامة، كما ذكره الشيخ (رحمه الله) (5). وأما ما يقال من أنه يحكم منه لوجود القائل به من أصحابنا فليس بشئ، لأنه لا يلزم في الحمل على التقية أن يكون الحكم إجماعيا عند الأصحاب حتى يحمل خلافه على التقية، وما حمله (رحمه الله) حمل واضح، سيما مع ملاحظة أن الخبر
(1) علل الشرائع: ج 2 ص 325. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 765 ب 25 من أبواب القراءة في الصلاة ح 6. (3) الإسراء: 110. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 732 ب 1 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (5) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 162 ح 636. 264 الثاني عن الكاظم (عليه السلام) والأولة عن الباقر (عليه السلام)، وهو أبعد من التقية، كما هو معلوم من حالهما. وأما الآية فغاية الأمر أنه تثبت وجوب ابتغاء الأواسط، فيكون اختيار أفراد الأواسط وجوبا تخييريا، ودلالتها على ذلك بالنسبة إلى الصلوات كلها متساوية، فحاصلها أنه يعمل بالأواسط في كل الصلوات وجوبا، بعنوان التخيير، وذلك ينفي القول باستحباب الجهر فيما يجهر فيه، والإخفات فيما يخافت فيه، بل الكل في ذلك سواء، وإنما المدار في التفرقة حينئذ على الخارج، والذي وجد في الخارج هو اتفاق الأصحاب على التفصيل المذكور في مطلق الرجحان، فيؤول الكلام إلى دعوى أن الرجحان هل هو بعنوان الوجوب أو الاستحباب؟ فالخصم ينفي الزيادة بالأصل، لإنكار الاجماع على أزيد من مطلق الرجحان. ونحن نثبته بالأدلة التي ذكرناها، والمعارض لا يقاومها لأكثريتها، وأشهريتها، واعتضادها بالعمل والإجماع، ومخالفة العامة، إلى غير ذلك من المرجحات. وحاصل التحقيق: أن مبنى الخصم إما على أن الآية مسبوقة بتعين الجهر والإخفات في مواضعهما ورجحانهما بالأدلة الخارجية أو لا. أما على الأول فلا يخفى أنه لا يصح حينئذ بناء الآية على التحديد الجديد، بل يكون معاضدا للبناء السابق، وحينئذ فيجب حملها على ما يناسب المقامين، فالمراد حينئذ - والله أعلم - لا بد أن يكون: لا تجهر غاية الجهر، أي: فيما يجهر به فإنه لا مجال للإخفات فيه لكونه خلاف المبني عليه، ولا تخافت غاية الإخفات بحيث لا تسمع نفسك في ما يخافت فيه لأنه لا مجال للجهر فيما يخافت به لما ذكرنا، فحينئذ يكون الآية لتحديد حال كل من المقامين لا لتحديد أصل الحكم، فافهم. وكان ما ذكرنا هو الظاهر، وقد ذكروا في تفسير الآية وجوها اخر. منها: أن معناها لا تجهر بإشاعة صلاتك عند من يؤذيك، ولا تخافت بها عند من يلتمسها منك، فروى العياشي عن الصادقين (عليهما السلام) في تفسير الآية قال: كان
265 رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان بمكة جهر بصلاته، فيعلم بمكانه المشركون فكانوا يؤذونه، فأنزل هذه الآية عند ذلك (1). ومنها: لا تجهر بصلاتك كلها، ولا تخافت بها كلها، وابتغ بين ذلك سبيلا، أي: التبعيض على ما عين من السنة. ومنها: لا تعلنها إعلانا يوهم الرياء، ولا تسترها بحيث يظن بك تركها أو التهاون بها. وذكروا وجوها اخر بعيدة، ومما يؤيد ما اخترنا من كون ظاهر الآية بيان حد الجهر في الجهريات وأن المراد انتفاء الحد الأوسط فيه ما رواه العياشي عن المفضل قال: سمعت وسئل عن الإمام هل عليه أن يسمع من خلفه وإن كثروا (2) من الآية، وحينئذ لا دلالة في الآية على المطلوب، ويرجع الكلام إلى النزاع في أصل التحديد، والترجيح معنا كما ذكرنا. وأما على الثاني - فمع تسليم ذلك، وأن الظاهر ليس كما ذكرنا - فيخصص عموم الآية، ويقيد مطلقها بما ذكرنا من الأدلة، فإن الصلاة في الآية مطلقة، وكذلك السبيل، فهذه الأدلة قرينة على أنه ليس المراد: أنك ابتغ في أي صلاة أردت أي سبيل شئت من سبل الأواسط، بل ابتغ في كل صلاة مخصوصة منها سبيلا مخصوصا من الأواسط. ويظهر ذلك الخصوصيات من إجماع الأصحاب والأخبار والأدلة التي ذكرنا، وبعنوان الوجوب أيضا موافقا للآية، إذ تخصيص القرآن وتقييده بمثل هذا الخبر الواحد المعتضد بما ذكرنا لا مجال للتأمل في جوازه. والموافقة للكتاب وإن كان من المرجحات لكن هذه الموافقة المجملة - سيما مع وجود أقوى منها من المرجحات ما هو من الكثرة بمكان للمذهب المنصور - لا يعتمد عليها.
(1) تفسير العياشي: ج 2 ص 318 ح 175. (2) تفسير العياشي: ج 2 ص 318 ح 172. 266 بل لعله يمكن أن يقول: إن تلك الأدلة مبينة لمجمل الآية، وبيان الآية بالنص والإجماع أيضا كأنه مما لا خلاف فيه. وبالجملة: فالترجيح مع وجوب التفصيل. وفي هذا المقام أبحاث اخر طويناها على عزها تركا للإكثار. ويظهر من جماعة من الأصحاب أن الجهر أن يسمع غيره القريب تحقيقا أو تقديرا، والإخفات أن يسمع نفسه كذلك، وادعى الفاضلان على ذلك الاجماع (1). ويظهر من جماعة منهم مع ذلك اعتبار صدق العرف، وظهور جوهر الصوت في الإخفات (2)، فرب إخفات يسمع القريب، ورب جهر لا يسمعه، وهو المعتمد. ويدل على اعتبار إسماع نفسه في الإخفات - مضافا إلى عدم صدق الإخفات عرفا باعتبار عدم صدق الكلام ظاهرا - ظاهر الآية بناء على التفسير المستفاد من الأخبار، ويظهر من بعض الأخبار أيضا. والذي يقوى في نفسي هو اعتبار الأمرين لهما، أما اعتبار العرف فظاهر، وأما اعتبار الإسماع فللإجماع الذي نقله الفاضلان، ولاستصحاب شغل الذمة. وما ورد في بعض الأخبار الصحيحة وغيرها من جواز الاكتفاء بمثل حديث النفس (3). وبأن يتحرك لسانه في لهواته، من غير أن يسمع نفسه، فقد حملها الشيخ (4) على من يصلي خلف من لا يقتدى به، وهو صريح صحيحة علي بن يقطين (5). وأما ما ورد في الصحيح من الاكتفاء بسماع الهمهمة إذا كان على فيه ثوب فهو إما محمول على الاضطرار، أو أن المراد بالهمهمة الصوت الضعيف، كما في القاموس.
(1) المعتبر: ج 2 ص 177، تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 153. (2) مجمع الفائدة والبرهان: ج 2 ص 226، مفاتيح الشرائع: ج 1 ص 134. (3) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 36 ح 40. (4) المصدر السابق. (5) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 36 ح 41. 267 ثم إن هاهنا فوائد: الأولى: لا يجب الجهر على النساء في مواضع الجهر لإجماع العلماء، نقله الفاضلان (1) والشهيدان (2)، هكذا خصص الكلام كثير من الأصحاب. والحق عدم وجوب الإخفات عليها أيضا في مواضعه للأصل، وعدم ظهور حكمها من الأدلة، للإطلاقات، ولاختصاص حكم الإخفات في الأخبار بالرجل، أو عدم فهم حكم المرأة منها، والأصل عدم الاشتراك، فتكون مختارة. والأحوط الإخفات هاهنا للإشكال في كون الأصل عدم الاشتراك، بل الظاهر الاشتراك إلا ما خرج بالدليل، لا لشمول الخطاب، والحكم الوارد في الخصوصيات، بل للإجماع المنقول على اشتراك المكلفين، حاضرهم وغائبهم، ذكرهم وأنثاهم في التكاليف، إلا ما علم اختصاصه بفرقة دون فرقة كأحكام الحيض والنفاس، وأحكام اللواطة والخصيان، ونحو ذلك. إذ القول بلزوم تحمل إثبات الاجماع في خصوصيات كل ما ورد فيه خبر أو غيره في خصوص الرجل أو المرأة على إثبات الحكم لغيره كلفة، لا يمكن التصدي له، ودعوى ذلك تعسف. ويشهد بما ذكرنا تعرضهم هنا لنقل الاجماع على المخالفة وبيان الدليل، وإلا فليس في الأخبار ما يوهم الاشتراك ظاهرا. ويشير إلى ذلك العلة المذكورة في نفي وجوب الجهر عليهن، من كون صوتهن عورة، وهو منتف مع عدم سماع الأجنبي، كما ذكر في الذكرى (3). وقيد الأصحاب جواز الجهر بعدم إسماع الأجنبي. وفيه كلام، للتأمل في كون الصوت عورة، وبعض الأخبار المروية في الفقيه في باب المناهي (4) المانع عن التكلم مع الأجنبي بأزيد من خمس كلمات - مع
(1) المعتبر: ج 2 ص 178، تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 154. (2) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: ج 1 ص 600. (3) ذكرى الشيعة: ص 190 س 9. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 6. 268 ضعفها - غير دالة على حرمة مطلق إسماع صوتها، وكذلك ما دل على النهي عن السلام عليهن (1) سيما مع ملاحظة حسنة ربعي (2) الواردة في كراهية أمير المؤمنين (عليه السلام) السلام على الشابة منهن، معللا بخوف الوقوع في الإثم بسبب التلذذ. وبعد تسليم الحرمة فلا دليل على البطلان من جهة مثل هذه الحرمة. ويظهر من ذلك عدم ثبوت حرمة سماع الأجنبي أيضا إلا مع خوف الريبة، والتلذذ. الثانية: لو خافت في موضع الجهر أو عكس، جاهلا أو ناسيا فلا إعادة، وهذا مذهب الأصحاب، قاله في المدارك (3). ويدل عليه صحيحتا زرارة المتقدمة (4) ويظهر منهما أيضا أنه لا يجب التدارك وإن كان قبل الركوع، وهو كذلك. الثالثة: والمشهور استحباب الجهر في باقي الأذكار للإمام، وكراهته للمأموم، والتخيير للمنفرد. ويستفاد ما ذكر من الأخبار، مثل صحيحة علي بن جعفر عن الرجل له أن يجهر بالتشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت؟ قال: إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر (5). وفي معناها صحيحة علي بن يقطين (6). وصحيحة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلما يقول، ولا ينبغي لمن خلف الإمام أن يسمعه شيئا مما يقول (7). وصحيحة حفص بن البختري عنه (عليه السلام) قال: ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه
(1) وسائل الشيعة: ج 14 ب 131 من أبواب مقدماته وآدابه ص 173. (2) وسائل الشيعة: ج 14 ص 173 ب 131 من أبواب مقدماته وآدابه ح 3. (3) مدارك الأحكام: ج 3 ص 356. (4) هكذا في الأصل، ولعل الصحيح " المتقدمتان ". (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 918 ب 20 من أبواب القنوت ح 2. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 917 ب 20 من أبواب القنوت ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 451 ب 52 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. 269 التشهد، ولا يسمعونه شيئا (1). ولا بد من حمل الصحيحين الأولين إما على نفي الوجوب أو على المنفرد. وقيل باستحباب الجهر في القنوت مطلقا، لصحيحة زرارة: القنوت كلها جهارا (2). وقد يحمل على غير المأموم. وقد يقال بالتخيير له، لأن بين العمومين تعارضا من وجه، وسيجئ الخلاف في بعضها. الرابعة: قيل (3): حكم القضاء حكم الأداء في وجوب اعتبار الجهر والإخفات، والظاهر أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب. منهاج يستحب أن يستعيذ قبل القراءة في الركعة الأولى من كل صلاة للآية (4) وحسنة الحلبي (5) منضما إلى الاجماع. قال في الذكرى: لا يتكرر الاستعاذة عندنا وعند الأكثر، ولو نسيها في الأول لم يأت بها في الثانية. وذهب أبو علي ابن الشيخ على وجوبها (6). ويدفعه الاجماع الذي نقله الشيخ في الخلاف (7)، وهو ظاهر الطبرسي في مجمع البيان (8)، وفي رواية فرات بن أحنف عن أبي جعفر (عليه السلام): فإذا قرأت " بسم
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 451 ب 52 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 318 ح 944. (3) قاله الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 136 س 32. (4) النحل: 98. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 800 ب 57 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (6) حكاه عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 191 س 22. (7) الخلاف: ج 1 ص 324 مسألة 76. (8) مجمع البيان: ج 1 ص 18. 270 الله الرحمن الرحيم " فلا تبالي أن لا تستعيذ (1). ولها صور كثيرة منقولة عن القراء، وعن أهل البيت (عليهم السلام)، والمشهور منها صورتان: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " رواه في الذكرى عن أبي سعيد الخدري: ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يقول قبل القراءة (2). و " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم " روى الشهيد عن جامع البزنطي في رواية معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام) (3). ويستحب الإسرار فيها للإجماع المنقول في الخلاف (4)، وإشعار صحيحة صفوان (5) به. وأما رواية حنان بن سدير (6) الدالة على جهر الصادق (عليه السلام) بها فمحمولة على بيان الجواز. منهاج المشهور استحباب الجهر ب " بسم الله الرحمن الرحيم " فيما يخافت به مطلقا، وابن الجنيد (7) على اختصاصه بالإمام، وابن إدريس (8) بالركعتين الأوليين، وادعى الاجماع على وجوب الإخفات في غيرهما، وأبو الصلاح (9) على الوجوب فيهما، وابن البراج (10) على الوجوب مطلقا.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 801 ب 58 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (2) ذكرى الشيعة: ص 191 س 17. (3) ذكرى الشيعة: ص 191 س 20. (4) الخلاف: ج 1 ص 326 مسألة 79. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 757 ب 21 من أبواب القراءة ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 758 ب 21 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. (7) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 2 ص 155. (8) السرائر: ج 1 ص 218. (9) نقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 191 س 37. (10) نقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 192 س 1. 271 والأول أقرب. لنا الأصل، وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) عمن يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب، قال: نعم إن شاء سرا وإن شاء جهرا (1). وما رواه الشيخ في المصباح عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) من أن علامات المؤمن خمس: صلاة الخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ب " بسم الله الرحمن الرحيم " (2). وما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته التي يشكوا فيها عن الناس: لو أمرتهم بالجهر ب " بسم الله الرحمن الرحيم " لتفرقوا عني، نقله الكليني في الروضة (3). وقال ابن أبي عقيل: تواترت الأخبار عنهم (عليهم السلام) أن لا تقية في الجهر بالبسملة (4)، بل قال الصدوق في الأمالي: من دين الإمامية الإقرار بأنه يجب الجهر بالبسملة عند افتتاح الفاتحة، وعند افتتاح السورة (5) وبعدها. وفي العيون: إنه (عليه السلام) كتب إلى المأمون: من محض الاسلام الإجهار ب " بسم الله الرحمن الرحيم " في جميع الصلوات (6). وروى في كشف الغمة عن جابر قال: أجمع آل الرسول (صلى الله عليه وآله) على الجهر ب " بسم الله الرحمن الرحيم " وأن لا يمسحوا على الخفين. ونقل عن ابن خالويه: إن هذا مذهب الشيعة، ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) (7)، وهو المنقول من فعل الرضا (عليه السلام) في جميع صلواته بالليل والنهار، نقله في العيون (8).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 748 ب 12 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (2) كما في بحار الأنوار: ج 85 ص 74. (3) الكافي: ج 8 ص 61 مع اختلاف يسير. (4) نقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 191 س 35. (5) أمالي الصدوق: ص 511. (6) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 121 - 123، وسائل الشيعة: ج 4 ص 758 ب 21 من أبواب القراءة في الصلاة ح 6. (7) كشف الغمة: ج 1 ص 43. (8) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 123. 272 والأخبار الدالة على جهر الإمام في الأوليين وعلى رجحانه في الجملة كثيرة، ولكنها لا ينافي لمطلق الرجحان أصلا، فلاحظ. ولابن الجنيد (1) أن الأصل وجوب الإخفات لكونها جزء الحمد، خرج الإمام بالنص والإجماع، فيبقى الباقي. وفيه أولا أن الأصل عدمه، لعدم شمول الأدلة لها، كما هو ظاهر، وعلى فرض التسليم فهو مخصص بما ذكرنا. ولابن إدريس أن الأصل في ذلك التأسي، ولم يثبت في غير الأوليين، لعدم معلومية أنهم يقرأون الحمد أو يسبحون (2). ويدفعه ما ذكرنا من الأدلة. وللموجبين التزامهم (عليهم السلام) ذلك، وعدم الإخلال. والجواب منع الدلالة، والمعارضة بما هو أقوى منه. والتفصيل بين قوليهما يظهر من ملاحظة دليل ابن إدريس، فتدبر. هكذا نقل عنهم الاستدلال، ويمكن الاستدلال عليه بما ذكره الصدوق، وظواهر بعض ما أسلفناه. والأحوط التزام الجهر بها مطلقا. منهاج المشهور استحباب الجهر بالقراءة في ظهر الجمعة. ويدل على استحبابه في صلاة الجمعة - مضافا إلى الاجماع المنقول - ما يجئ من الخبرين (3). وعلى استحبابه في الظهر صحيحة الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وسئل
(1) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 154. (2) السرائر: ج 1 ص 218. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 819 ب 73 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3 و 4. 273 عن الرجل يصلي الجمعة أربع ركعات، أيجهر فيها بالقراءة؟ قال: نعم، والقنوت في الثانية (1). وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لنا: صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة، وأجهروا بالقراءة، فقلت: إنه ينكر علينا الجهر بها في السفر، فقال: اجهروا بها (2). وحسنة الحلبي عنه (عليه السلام) عن القراءة في الجمعة: إذا صليت وحدي أربعا أجهر القراءة؟ فقال: نعم، وقال: اقرأ سورة الجمعة والمنافقين يوم الجمعة (3) وغيرها. ورواية محمد بن مروان عنه (عليه السلام): عن صلاة الظهر يوم الجمعة كيف يصليها في السفر؟ فقال: يصليها في السفر ركعتين، والقراءة فيها جهرا (4). وقال ابن إدريس: يستحب الجهر بالظهر إن صليت جماعة (5). ويدفعه الأدلة المتقدمة. وقيل بعدم جواز الجهر بالظهر مطلقا (6)، ومال إليه المحقق (7) في المعتبر، مستدلا عليه بصحيحة ابن مسلم قال: سألته عن صلاة الجمعة في السفر، فقال: يصنعون كما يصنعون في الظهر، ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة، وإنما يجهر إذا كانت خطبة (8). وصحيحة جميل عن الجماعة يوم الجمعة في السفر، قال: يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر، ولا يجهر الإمام، إنما يجهر إذا كانت خطبة (9).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 819 ب 73 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 820 ب 73 من أبواب القراءة في الصلاة ح 6. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 819 ب 73 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 820 ب 73 من أبواب القراءة في الصلاة ح 7. (5) السرائر: ج 1 ص 298. (6) كما في المعتبر: ج 2 ص 304. (7) المعتبر: ج 2 ص 304. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 820 ب 73 من أبواب القراءة في الصلاة ح 9. (9) وسائل الشيعة: ج 4 ص 820 ب 73 من أبواب القراءة في الصلاة ح 8. 274 وحملهما الشيخ على حال التقية والخوف (1). وقال الفاضل المجلسي (رحمه الله) في شرح الفقيه (2): والاحتياط في الإخفات في الظهر وإن كان الأظهر جواز الجهر فيها، وهو كذلك. منهاج يستحب ترتيل القراءة للإجماع، ولقوله تعالى: * (ورتل القرآن ترتيلا) * (3)، وقد فسره أهل اللغة بالترسل والتأني والتمهل وتبيين الحروف والحركات، تشبيها بالثغر المرتل، وهو المشبه بنور الأقحوان. وفي الأخبار بما رواه ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) في تفسيره قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): بينه تبيانا ولا تهذه هذ الشعر ولا تسرده سردا ولا تنثره نثر الرمل، ولكن اقرعوا قلوبكم القاسية، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة (4). وقال (عليه السلام) أيضا - على ما روي عنه في تفسيره -: إنه حفظ الوقوف وبيان الحروف (5). وقد مر ما ينفعك ذكره فيما يجب من القراءة من مراعاة الصفات، وأن المستحب من تبيين الحروف هو مادتها. فإن أردنا من التأني والترتيل وتبيين الحروف وحفظ الوقوف هو أداء الحروف عن المخارج بحيث لا يدمج أحدها في الآخر ويتميز وأن لا يقف على الحركة ولا تصل بالسكون فهو واجب لاتفاق القراء وأهل العربية على ذلك كما صرح به بعض المحققين (6)، فالخروج عن مقتضاه خروج عن اللغة العربية، فحينئذ يطابق الآية والأخبار ويبقى الأمر في الآية منزلة على حقيقته، وهو الوجوب.
(1) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 15 ذيل ح 54. (2) روضة المتقين: ج 2 ص 311. (3) المزمل: 4. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 856 ب 21 من أبواب قراءة القرآن ح 1. (5) نقلا عن صاحب ذكرى الشيعة: ص 192 س 9. (6) المعتبر: ج 2 ص 181. 275 وإن أريد به ما اعتبره القراء من ملاحظة صفات الحروف من الجهر والإطباق والاستعلاء وغيرها والوقف على مواضعها على ما قرروه فيحمل الأمر على الاستحباب أو على القدر المشترك. وقد يستشكل في استحباب مراعاة ما اصطلحوا عليه، لكونها متجددة بعد زمان أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإنما نشأ ذلك من أفهامهم في التفاسير، ولذلك منعوا (عليهم السلام) عن الوقف في بعض المواضع الذي ألزموا فيه الوقف، مثل قوله تعالى: * (وما يعلم تأويله إلا الله) * (1). ويمكن دفعه بما ورد عنهم (عليهم السلام): اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم (عليه السلام) (2)، في غير ما ورد مخالفته بالخصوص عنهم (عليهم السلام). وللخبر قال: ينبغي للعبد إذا صلى أن يرتل في قراءته، فإذا مر بآية فيها ذكر الجنة وذكر النار سأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار (3)، فيستحب أن يقف على مواضعه المقررة عند القراء، فيقف على التام، ثم الحسن، ثم الجائز. وعلل بحصول فائدة الاستماع، إذ به يسهل الفهم ويحسن النظم. وقيل: ليس ترك الوقف في موضع قبيحا، ولا فعله واجبا عند القراء أيضا، [بل ذلك] إنما هو اصطلاح لهم، ولا يعنون المعنى الشرعي، كما صرح به محققوهم (4). وقد ورد في الصحيح جواز قراءة الفاتحة والسورة في النفس الواحدة (5)، وفي بعض الأخبار كراهية قراءة " قل هو الله أحد " بنفس واحدة (6). ويستحب أن يسكت هنيئة عقيب السورة، كما في صحيحة حماد (7).
(1) آل عمران: 7. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 821 ب 74 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 753 ب 18 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (4) قاله السيد السند في مدارك الأحكام: ج 3 ص 361. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 785 ب 46 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 754 ب 19 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1 و 2. (7) قال فيها: ثم قرأ الحمد بترتيل وقل هو الله أحد، ثم صبر هنيئة بقدر ما تنفس... (وسائل الشيعة: ج 4 ص 674 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 1). 276 ويستفاد من بعض الأخبار - نقلا عن أبي بن كعب - أنه كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) سكتتان: إذا فرغ من أم القرآن، وإذا فرغ من السورة (1). ويستحب أن يقرأ عقيب الآيات بما اقتضاه المأثور. منهاج يستحب قراءة سورة بعد الحمد في النوافل بإجماع العلماء، قاله في المعتبر (2)، وقد مر جواز القران فيها، وتفصيل اليومية والليلية، ولا حد لمقدارها، بل قال (عليه السلام) في رواية: لا بأس أن تجمع في النافلة من السور ما شئت (3). ويستحب الإجهار بها في الليل، والإسرار بها في النهار، وهو قول علمائنا أجمع، قاله في المعتبر (4)، ويدل عليه أيضا مرسلة ابن فضال: السنة في صلاة النهار الإخفات، والسنة في صلاة الليل الإجهار (5). والمشهور استحباب القراءة في الصلاة بسور المفصل، وهو من سورة محمد (صلى الله عليه وآله) إلى آخر القرآن: فمطولاته في الصبح، وهو من الأول إلى سورة عم، ومتوسطاته في العشاء، وهي منها إلى الضحى، وقصاره في الظهرين والمغرب، وهي منها إلى آخر القرآن. وليس في النصوص تصريح بذلك، نعم رواه الجمهور عن عمر (6). وعن كتاب الدعائم منسوبا إلى جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: ولا بأس أن يقرأ في الفجر بطوال المفصل، وفي الظهر والعشاء الآخرة بأوساطه، وفي العصر
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 785 ب 46 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (2) المعتبر: ج 2 ص 181. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 741 ب 8 من أبواب القراءة في الصلاة ح 7. (4) المعتبر: ج 2 ص 184. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 759 ب 22 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (6) سنن البيهقي: ج 2 ص 60، فتح الباري: ج 2 ص 170. 277 والمغرب بقصاره (1). وفي صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): القراءة في الصلاة فيها شئ موقت؟ قال: لا، إلا الجمعة يقرأ بالجمعة والمنافقين، فقلت له: فأي السور يقرأ في الصلوات؟ قال: أما الظهر والعشاء الآخرة يقرأ فيهما سواء، والعصر والمغرب سواء، وأما الغداة فأطول، فأما الظهر والعشاء الآخرة ف " سبح اسم ربك الأعلى "، و " الشمس وضحيها " ونحوهما، وأما العصر والمغرب ف " إذا جاء نصر الله " و " والهيكم التكاثر " ونحوهما، وأما الغداة ف " عم يتساءلون " و " هل أتيك حديث الغاشية " و " لا اقسم بيوم القيامة " و " هل أتى على الانسان حين من الدهر " (2). وفي رواية أخرى: في الغداة يقرأ ب " عم وهل أتيك " و " لا اقسم بيوم القيامة " وشبهها، والظهر ب " سبح اسم، والشمس، وهل أتيك " وشبهها، والمغرب ب " قل هو الله أحد " و " إذا جاء نصر الله " والعشاء بنحو الظهر، والعصر بنحو المغرب، وأنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفعل كذا (3). وهذان التفصيلان وإن كانا متفاوتان بالنسبة إلى المشهور لكنه ليس بذلك التفاوت، ولا بأس بذلك كله، وضعف المستند لا يضر مع الانجبار بالشهرة. وقد روى ابن أذينة في الحسن كالصحيح عن الصادق (عليه السلام) في حديث المعراج ما يدل على قراءة التوحيد في الأولى والقدر في الثانية من جميع الفرائض (4). وأفتى الصدوق (5) بالعكس، معللا بأن القدر سورة النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، فيتوسل به إلى الله، ولأن التوحيد يستجاب أثره الدعاء وهو القنوت،
(1) دعائم الاسلام: ج 1 ص 160. (2) نقلت في الكافي والوسائل بداية الرواية ولم نعثر على تكملتها. (الكافي: ج 3 ص 313 ح 4، وسائل الشيعة: ج 4 ص 788 ب 49 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1). (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 787 ب 48 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 760 ب 23 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 307 ح 922. 278 وقال: إنه من عمل الرضا (عليه السلام) حين أشخص إلى خراسان. وكذلك رواه في العيون (1) عن الحسن الصايغ وعن رجاء بن أبي ضحاك. وفي رواية محمد بن الفرج التي نقله في فلاح السائل أنه كتب إلى الرجل (عليه السلام) فسأله عما يقرأ في الفرائض وعن أفضل ما يقرأ فيها، فكتب (عليه السلام): إن أفضل ما يقرأ في الفرائض " إنا أنزلناه في ليلة القدر " و " قل هو الله أحد " (2). وفي رواية أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إنك كتبت إلى محمد بن الفرج تعلمه إن أفضل ما يقرأ في الفرائض " إنا أنزلناه " و " قل هو الله أحد " وإن صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر، فقال: لا يضيقن صدرك بهما، فإن الفضل والله فيهما (3). ويظهر منها أن القدر مقدم. وروى في الاحتجاج عن الصاحب (عليه السلام): إذا ترك سورة فيها الثواب وقرأ التوحيد والقدر لفضلهما أعطي ثوابهما وثواب السورة التي ترك (4). والكل حسن إن شاء الله تعالى. ويستحب قراءة " هل أتى " و " هل أتيك " في كل من صلاتي غداة الاثنين والخميس، ليقيه الله بهما شر اليومين " هل أتى " في الركعة الأولى، و " هل أتاك " في الثانية. وهو المحكي عن فعل الرضا (عليه السلام) أيضا على ما ذكره الصدوق في الفقيه، وروى ذلك أيضا في العيون عن رجا (5). ويستحب قراءة الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة وظهرها على المشهور. ويظهر من ابن بابويه وجوبه في الظهر (6)، ونسب إلى أبي الصلاح أيضا (7). والسيد على وجوبه في الجمعة، وأنه لا يجزئ الإمام أن يقرأ بغير الجمعة
(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 180. (2) فلاح السائل: 162. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 760 ب 23 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (4) الاحتجاج: ص 482. (5) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 182. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 308 ح 922. (7) الكافي في الفقه: ص 152. 279 والمنافقين في صلاة الجمعة (1). والأول أقوى لصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (2)، وصحيحة منصور بن حازم في معناها (3)، وحسنة الحلبي المتقدمة (4). ورواية أبي الصباح: إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة و " قل هو الله أحد " وإذا كان في العشاء الآخرة فاقرأ سورة الجمعة و " سبح اسم ربك الأعلى " فإذا كان صلاة الغداة يوم الجمعة فاقرأ سورة الحمد و " قل هو الله أحد " فإذا كان صلاة الجمعة فاقرأ سورة الجمعة والمنافقين، وإذا كان صلاة العصر يوم الجمعة فاقرأ سورة الجمعة و " قل هو الله أحد " (5). وصحيحة حريز وربعي رفعاه إلى الباقر (عليه السلام) قال: إن كانت ليلة الجمعة يستحب أن يقرأ في العتمة سورة الجمعة و " إذا جاءك المنافقون " وفي صلاة الصبح مثل ذلك، وفي صلاة الجمعة مثل ذلك، وفي صلاة العصر مثل ذلك (6). إلى غير ذلك من الأخبار، وهذه المذكورات تدل على رجحان قراءتهما في صلاة الجمعة ويدل على أن الأمر والتأكيد فيها وفي غيرها محمول على الاستحباب: صحيحة علي بن يقطين عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا، قال: لا بأس بذلك (7). وصحيحة سهل الأشعري (8). وهي في معناها. ورواية يحيى الأزرق قلت: رجل صلى الجمعة فقرأ " سبح اسم ربك الأعلى " و " قل هو الله أحد " قال: أجزأه (9).
(1) جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة): ص 42. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 788 ب 49 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 790 ب 49 من أبواب القراءة في الصلاة ح 8. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 820 ب 73 من أبواب القراءة في الصلاة ح 7. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 789 ب 49 من أبواب القراءة في الصلاة ح 4. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 789 ب 49 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. (7) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 7 ح 19. (8) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 7 ح 20. (9) وسائل الشيعة: ج 4 ص 818 ب 71 من أبواب القراءة في الصلاة ح 5. 280 وصحيحة ابن سنان: وقد نفى (عليه السلام) البأس عن قراءة غيرهما إذا كان مستعجلا (1). ويدل على استحبابهما في الظهر حسنة عمر بن يزيد: من صلى الجمعة بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصلاة في سفر أو حضر (2) وحسنة الحلبي المتقدمة (3). وعلى نفي الوجوب صحيحتا ابن مسلم ومنصور المتقدمتان (4). ورواية علي ابن يقطين عن الجمعة في السفر: ما أقرأ فيهما؟ قال: اقرأهما ب " قل هو الله أحد " (5). والتأكيدات والأمر بالإعادة محمول على تأكد الاستحباب، ترجيحا لأدلة المشهور لموافقتها للأصول، وعدم ثبوت ما يقاومها. والأحوط عدم تركهما من دون عذر، سيما في صلاة الجمعة. ويستحب في العصر أيضا للأخبار المتقدمة. ويستحب قراءة الجمعة والتوحيد في فجرها للأخبار المستفيضة، منها ما تقدم. وفي الصحيح عن الحسين بن أبي حمزة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بما اقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة؟ فقال: اقرأ في الأولى سورة الجمعة، وفي الثانية ب " قل هو الله أحد " (6). وقيل: يقرأ المنافقين في الثانية، وقد تقدم ما يصلح مستندا له. ويستحب قراءة الجمعة والأعلى ليلة الجمعة في العشائين عند الأكثر، لرواية أبي بصير: اقرأ في ليلة الجمعة الجمعة و " سبح اسم ربك الأعلى ". وفي الفجر سورة الجمعة و " قل هو الله أحد " (7)، وفي معناه رواية ابن أبي نصر المنقولة
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 817 ب 71 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. (2) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 7 ح 21. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 820 ب 73 من أبواب القراءة في الصلاة ح 7. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 788 - 790 ب 49 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1 و 8. (5) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 8 ح 23. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 790 ب 49 من أبواب القراءة في الصلاة ح 10. (7) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 6 ح 14. 281 عن قرب الإسناد (1). ولا يخفى أن أدلة هذا المذهب كنفسه محتمل، والظاهر أنه يحمل على استحباب كليهما في كليهما، مع تقديم الجمعة في كليهما. وقيل: يقرأ في ثانية المغرب " قل هو الله أحد " ويدل عليه رواية أبي الصباح (2)، وبخصوص الجمعة و " سبح اسم " في عشائها أيضا روايات، وهو الذي نقله الصدوق عن أصحاب الرضا (عليه السلام)، ورواه أيضا في العيون (3). وقيل: يقرأ في عشائها بالجمعة والمنافقين للمرفوعة المتقدمة (4). ولعل البناء على الجمعة والتوحيد في المغرب، والجمعة و " سبح اسم " في العشاء كان أوجه، وإلا فالكل حسن إن شاء الله. ويستحب قراءة التوحيد والجحد في المواضع السبعة. ففي الحسن عن معاوية بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) قال: لا تدع أن تقرأ " قل هو الله أحد " و " قل يا أيها الكافرون " في سبع مواطن: في الركعتين قبل الفجر، وركعتي الزوال، وركعتين بعد المغرب، وركعتين في أول صلاة الليل، وركعتي الإحرام، والفجر إذا أصبحت بها، وركعتي الطواف (5). وقال الشيخ في التهذيب: وفي رواية أخرى انه يقرأ في هذا كله ب " قل هو الله أحد " وفي الثانية ب " قل يا أيها الكافرون " إلا في الركعتين قبل الفجر، فإنه يبدأ ب " قل يا أيها الكافرون " ثم يقرأ في الثانية " قل هو الله أحد " (6)، والأولى العمل بهذا التفصيل.
(1) قرب الإسناد: ص 360 ح 1287. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 789 ب 49 من أبواب القراءة في الصلاة ح 4. (3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 182. (4) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): ص 124. (5) الكافي: ج 3 ص 316 ح 22. (6) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 74 ح 42. 282 الفصل التاسع (*) في الركوع أجمع العلماء كافة على وجوب الركوع في كل ركعة مرة عدا صلاة الآيات، فإنه فيها خمس مرات بالإجماع، والنصوص، ويدل عليه الكتاب والسنة أيضا. وهو ركن تبطل الصلاة بالإخلال به عمدا وسهوا. وكونه كذلك في الجملة مما لا خلاف فيه بين الأصحاب، ويدل عليه الأخبار المستفيضة، وسيأتي. فلو سها عن الركوع وتذكر قبل السجدة ولو هوى إلى الأرض يتداركه ويسجد. وكأنه مما لا خلاف فيه بين الأصحاب. وقال في المدارك (1): إنه مجمع عليه بين الأصحاب ويدل عليه - مضافا إلى الإطلاقات واشتغال الذمة به مع تمكن الإتيان به - صحيحة ابن سنان أنه قال: إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاصنع الذي فاتك سهوا (2)، خرج منه ما دل على بطلانها فيما إذا جاوز المحل، وبقي الباقي. وربما يؤيد ذلك بأن الشاك يرجع ما دام الوقت باقيا، فالساهي أولى، فتأمل. وهل يجب القيام ليركع عن قيام أم يكفي الانتصاب إلى حد الركوع؟ وجهان، وقد يوجه الأول بأن القيام المتصل به ركن فلا بد من الإتيان به، أو أن المتبادر من تدارك الركوع والإتيان به هو ذلك، أو لأن الهوي بقصد الركوع واجب، وقد نقله
(*) راجع ما كتبناه في هامش الصفحة 200. (1) مدارك الأحكام: ج 3 ص 384، وج 4 ص 232. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 936 ب 12 من أبواب الركوع ح 3. 283 بعضهم عن غير واحد من الأصحاب، وتأمل هو فيه. ولا شك أن تحصيل البراءة اليقينية يقتضي الركوع عن قيام، فلا بد أن لا يترك. هذا إذا كان السهو أولا، أما لو سها بعد الهوي بقصد الركوع، فالظاهر أنه يقوم منحنيا إلى حد الراكع لو كان بلغ إلى حده سابقا، وإلا فيقوم منتصبا بالمقدار المعلوم، ويركع عنه. ولو كان تحقق منه صورة الركوع قبل النسيان فالحكم بتدارك الطمأنينة والذكر في غاية الإشكال، للزوم تعدد الركن، والظاهر عدم الخلاف في عدم الرجوع كما سيجئ. وقد استشكل بعضهم أيضا تدارك القيام لو نسي الانتصاب بعد إكمال الذكر. ووجوب تداركه لعله قوي، سيما مع ملاحظة القول بركنيته. ولو تذكره بعد السجدة فالمشهور بين الأصحاب البطلان، للزوم زيادة الركن لو تداركه، ونقصانه لو لم يتدارك. وقيل بحذف السجدتين ويركع ويعيدهما ولا يعتد بالزيادة. واختاره الشيخ في المبسوط (1) إلا أنه اقتصر في ذلك على الأخيرتين من الرباعية، وهكذا قال في كتابي الأخبار أيضا، وبناء الشيخ في ذلك على أن الوهم في الأوليين، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله وأن المراد الشك في العدد فيهما لا سائر الأحكام. وهناك أقوال أخر شاذة، والأول أقرب. لنا ما ذكرنا من اللازم والإطلاقات وعدم حصول البراءة بذلك، لعدم الجزم بحصول الهيئة المطلوبة، وصحيحة رفاعة عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل ينسى أن يركع حتى يسجد ويقوم، قال: يمضي ليستقبل (2). ورواه في الكافي أيضا في الحسن لإبراهيم (3).
(1) المبسوط: ج 1 ص 109. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 933 ب 10 من أبواب الركوع ح 1. (3) الكافي: ج 3 ص 348 ح 2. 284 وفي صحيحة أبي بصير عنه (عليه السلام) بطريقين، والراوي عنه في أحدهما صفوان، قال: إذا أيقن الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة (1). وصحيحة إسحاق بن عمار عن الرجل ينسى أن يركع، قال: يستقبل حتى يضع كل شئ من ذلك موضعه (2). خرج ما قبل إكمال السجود بدليل، وبقي الباقي. ورواية أبي بصير - وفيه محمد بن سنان - عن الباقر (عليه السلام) عن رجل نسي أن يركع، قال: عليه الإعادة (3). والتقريب ما مر. ويدل على القول بالتلفيق صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) في رجل شك بعدما سجد أنه لم يركع، قال: يمضي في صلاته حتى يستيقن أنه لم يركع، فإن استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما، فيبني على صلاته على التمام، وإن كان لم يستيقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فليتم الصلاة بركعة وسجدتين، ولا شئ عليه (4). وهو لا يدل على التفصيل الذي ذكره الشيخ. وربما جمع بينه وبين الأخبار الأولة بالتخيير، ولا وجه له، لعدم مقاومتها لها مع كثرتها وتعاضدها بعمل الأصحاب والأصول. ولو تذكره بعد الدخول في السجدتين: وإن (5) كان سجد وجلس بينهما فالأظهر أيضا وجوب الإتيان بالركوع، لعدم لزوم زيادة الركن، ولشمول
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 933 ب 10 من أبواب الركوع ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 933 ب 10 من أبواب الركوع ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 933 ب 10 من أبواب الركوع ح 4. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 934 ب 11 من أبواب الركوع ح 2. (5) كذا في الأصل، والمناسب: فإن. 285 الإطلاقات، والعمومات لذلك. وأما إذا دخل في الثانية وتذكر ولما لم يكمل ففيه إشكال، ولعل البطلان أقوى التفاتا إلى عدم مدخلية النية في الرفع، فتأمل. ولو زاده سهوا فيبطل الصلاة أيضا، قال في المدارك: وهو مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا (1). ويدل عليه - مضافا إلى أنه مغير للهيئة المطلوبة المانعة عن تحصيل البراءة - حسنة زرارة وبكير عن الباقر (عليه السلام) قال: إذا استيقن أنه زاد في الصلاة المكتوبة لم يعتد بها، واستقبل صلاته استقبالا (2). وصحيحة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): من زاد في صلاته فعليه الإعادة (3). وصحيحة منصور عنه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل صلى فذكر أنه زاد سجدة، فقال: لا يعيد الصلاة من سجدة، ويعيدها من ركعة (4). يظهر وجه الدلالة من مقابلة الركعة بالسجدة. وموثقة عبيد بن زرارة عن رجل شك فلم يدر سجد اثنتين أم واحدة فسجد أخرى، ثم استيقن أنه زاد سجدة، فقال: لا والله لا يفسد الصلاة زيادة سجدة، وقال: لا يعيد صلاته من سجدة، ويعيدها من ركعة (5). وأما لو شك في الركوع وهو قائم فيأتي بها وبما بعدها، وإذا سجد فيمضي في الصلاة. والصحاح بذلك كثيرة مستفيضة. ففي صحيحة الحلبي قال: قلت: الرجل يشك وهو قائم، فلا يدري أركع أم لا، قال: فليركع (6). وصحيحته الأخرى أيضا: في الرجل لا يدري أركع أم لم يركع، قال: يركع (7).
(1) مدارك الأحكام: ج 3 ص 384. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 938 ب 14 من أبواب الركوع ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 332 ب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 938 ب 14 من أبواب الركوع ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 938 ب 14 من أبواب الركوع ح 3. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 935 ب 12 من أبواب الركوع ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 936 ب 12 من أبواب الركوع ح 4. 286 ورواية أبي بصير - وفي طريقها محمد بن سنان -: إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، وإن شك في السجود بعدما قام فليمض، كل شئ شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه (1). وروى إسماعيل بن جابر في الحسن - بمحمد بن عيسى الأشعري - مثلها (2). وصحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة، قال: يمضي، قلت: رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر، قال: يمضي، قلت: رجل شك في القراءة وقد ركع، قال: يمضي، قلت: شك في الركوع وقد سجد، قال: يمضي على صلاته ثم قال: يا زرارة إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ (3). إلى غير ذلك من الأخبار. وأما إذا شك فيه هاويا إلى السجود ففيه وجهان، أظهرهما العدم، لصدق الدخول في الغير، المعتبر في الأخبار المعتبرة، ولخصوص صحيحة عبد الرحمن ابن أبي عبد الله قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أو لم يركع، قال: قد ركع (4). وقوى العود الشهيد الثاني (رحمه الله) (5). وليس بشئ، وكأن نظره إلى أن الهوي ليس من أفعال الصلاة، بل هو من المقدمات العقلية للسجود. والصحيحة المذكورة يدفعه، مع أن الحكم بكونه مقدمة محضة محل إشكال، سيما مع عموم لفظة " غيره " في كلام الإمام (عليه السلام). ولو شك في حال قوله " سمع الله لمن حمده " في حال القيام ففيه إشكال،
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 935 ب 12 من أبواب الركوع ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 937 ب 13 من أبواب الركوع ح 4. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 336 ب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 937 ب 13 من أبواب الركوع ح 6. (5) روض الجنان: ص 273 س 2. 287 لأن موضعه بعد الرفع عن الركوع، ولاحتمال ذكره قبل الهوي إلى الركوع سهوا، والأقوى الإتيان بالركوع لعدم الجزم بالخروج عن موضعه. ولو شك في الركوع فأهوى إليه حتى وصل بحد الركوع ثم تذكر فمختار أكثر المتأخرين البطلان، لأنه يلزم منه زيادة الركوع، وذهب الكليني (1) والشيخ (2) والمرتضى (3) إلى الصحة، وأنه يرسل نفسه إلى السجود قبل الرفع. وقد يوجه بأنه ليس بركوع، وإن كان في صورته لتبين خلافه، والهوي إلى السجود مشتمل عليه وهو واجب، فيتأدى الهوي إلى السجود به، فلا يتحقق الزيادة حينئذ، بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع، وهو كما ترى. وربما يقال: إن فهم إبطال مثل هذه الزيادة بهذا النحو غير متبادر من الإطلاقات، ولم يثبت من الاجماع أيضا، وإنه كان مأمورا به على الظاهر. والمسألة محل تردد، والاحتياط في الإتمام والإعادة. وإذا بنينا على اعتبار القصد في الهوي وأوجبنا الهوي فيشكل الأمر فيما لو لم يبلغ بحد الركوع أيضا، ومع البناء على مذهب الكليني (رحمه الله) ومن تبعه فالأمر هاهنا أسهل. منهاج يجب الانحناء في الركوع بقدر ما يصل راحتاه عين ركبتيه. أما أصل وجوب الانحناء فيدل عليه الاجماع والنص، بل العرف واللغة. وأما تحديده بهذا الحد فلم أقف في النصوص على ما يصرح بهذا التحديد، ولكنه مجمع عليه بين العلماء كافة عدا أبي حنيفة، على ما نقله جماعة من أصحابنا منهم الفاضلان (4).
(1) الكافي: ج 3 ص 360 ذيل ح 9. (2) النهاية: ج 1 ص 321. (3) رسائل الشريف المرتضى: (المجموعة الثالثة) ص 36. (4) المعتبر: ج 2 ص 193، تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 165. 288 وأما ما في صحيحة حماد " وملأ كفيه من ركبتيه " (1) فلا يدل على الوجوب، لأنه (عليه السلام) أراد بذلك تعليم آداب الصلاة، ومن المعلوم أن جل ما علمه بها هو المستحبات، فلا يبقى وثوق عليها للدلالة. وكذا قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة " وتمكن راحتيك من ركبتيك " (2) فإن ذلك مستحب إجماعا، سيما وقال (عليه السلام) بعده: فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك، وأحب إلي أن تمكن كفيك من ركبتيك فيجعل أصابعك في عين الركبة. وصرح بعدم الاعتداد بوصول أطراف الأصابع إلى الركبة المحقق الشيخ علي والشهيد الثاني (رحمه الله) (3)، ولكن يظهر من بعض الأصحاب كفاية وصول أطراف الأصابع إلى الركبتين، كما هو ظاهر الصحيحة المتقدمة. وربما يقال: إن من ذكر الراحتين والكفين قد سامح، ومراده وصول جزء من اليد مستشهدا بأن المحقق في المعتبر مع أنه ادعى الاجماع على وجوب وصول الكفين الركبتين، استدل بصحيحة زرارة المتقدمة. ويمكن أن يقال: المراد بإجزاء وصول أطراف الأصابع إلى الركبتين فيها هو مقابلة لتمكن الراحة من الركبة، لا عدم وصول الراحة إليها، فلا منافاة. وكيف كان، فاستصحاب شغل الذمة يقتضي التزام مقتضيات الاجماعات. ولا يجب وضع اليد على الركبة للإجماع، نقله غير واحد من أصحابنا، فالمراد بوصول أطراف الأصابع في الصحيحة السابقة حينئذ الحد الذي يمكن الوصول، أو المراد أقل الفضل. ويجب في الركوع الذكر، والظاهر أنه إجماعي بين أصحابنا، والنصوص به مستفيضة، واختلفوا في مقامين: الأول: في أنه يكفي مطلق الذكر، أم يجب التسبيح؟ والأقوى - بالنظر إلى
(1) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 81 ح 69. (2) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 77 ح 57. (3) جامع المقاصد: ج 2 ص 284، مسالك الأفهام: ج 1 ص 213. 289 الأخبار الصحيحة المعتبرة الأول، وبالنظر إلى الشهرة والإجماعات المنقولة عن جماعة من الأصحاب منهم المرتضى (1) والشيخ (2) - الثاني. ففي صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: يجزئ أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود " لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر "؟ فقال: نعم، كل هذا ذكر الله (3). وصحيحة هشام بن سالم مثله (4). وحسنة هشام بن الحكم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما من كلمة أخف على اللسان منها ولا أبلغ من " سبحان الله ". قال: يجزئ في الركوع والسجود أن أقول مكان التسبيح: " لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر "؟ قال: نعم، كل ذا ذكر الله (5). وحسنة مسمع عنه (عليه السلام) قال: يجزئك عن القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا، وليس له ولا كرامة أن يقول: سبح سبح سبح (6). وفي معناها أيضا بعض الأخبار، وهذه يدل على إجزاء مطلق الذكر. وصحيحة علي بن يقطين عن الكاظم (عليه السلام) قال: سألته عن الركوع والسجود كم تجزئ فيه من التسبيح؟ فقال: ثلاثة، ويجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض (7). وصحيحة حسين بن علي بن يقطين عن أبيه عنه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يسجد، كم يجزئه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟ فقال: ثلاث، ويجزئه واحدة (8).
(1) الانتصار: ص 45. (2) الخلاف: ج 1 ص 348 المسألة 99. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 929 ب 7 من أبواب الركوع ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 929 ب 7 من أبواب الركوع ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 929 باب 7 من أبواب الركوع ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 925 ب 5 من أبواب الركوع ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 923 ب 4 من أبواب الركوع ح 3. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 923 ب 4 من أبواب الركوع ح 4. 290 وصحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة؟ قال: ثلاث تسبيحات مترسلا، يقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله (1). ونقل السيد (رحمه الله) في الانتصار عن النبي (صلى الله عليه وآله) من طريق العامة انه لما نزل " فسبح باسم ربك العظيم " قال (عليه السلام): اجعلوها في ركوعكم، ولما نزل " سبح اسم ربك الأعلى " قال (عليه السلام): اجعلوها في سجودكم (2). واستدل على وجوب التسبيح بهذا الخبر بعد الاجماع واشتغال الذمة المستدعي للبراءة اليقينية. وفي قوية هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) عن التسبيح في الركوع والسجود، فقال: تقول في الركوع " سبحان ربي العظيم " وفي السجود " سبحان ربي الأعلى " الفريضة من ذلك تسبيحة، والسنة ثلاث، والفضل في سبع (3). وفي صحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام): ما يجزئ من القول في الركوع والسجود؟ فقال: ثلاث تسبيحات في ترسل وواحدة تامة تجزئ (4). وفي مضمرة سماعة: أما ما يجزئك من الركوع فثلاث تسبيحات تقول " سبحان الله " ثلاثا (5). وفي رواية قال: أدنى التسبيح ثلاث مرات وأنت ساجد (6). وفي أخرى: أدنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع والسجود؟ فقال: ثلاث تسبيحات (7).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 925 ب 5 من أبواب الركوع ح 2. (2) الانتصار: ص 45، وراجع سنن ابن ماجة: ج 1 ص 287، وسنن أبي داود: ج 1 ص 230، وسنن البيهقي: ج 2 ص 86. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 923 ب 4 من أبواب الركوع ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 923 ب 4 من أبواب الركوع ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 926 ب 5 من أبواب الركوع ح 3. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 926 ب 5 من أبواب الركوع ح 5. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 926 ب 5 من أبواب الركوع ح 6. 291 وهذه المذكورات هو الذي يمكن أن يستدل بها على تعيين التسبيح، وأنت خبير بأن أكثرها لا يخلو من ضعف في سند، أو قصور في دلالة، وأظهرها دلالة هو الرواية العامية، ورواية هشام بن سالم، ومضمرة سماعة، وصحيحة زرارة. وحينئذ فيقع التعارض بينها وبين الأخبار الأولة. وهي وإن كانت أصح سندا وأظهر دلالة ومعمولا بها أيضا عند الحلبيين الأربعة وجماعة من المتأخرين كما قيل لكن هذه الأخبار أيضا معتضدة بالإجماعات المنقولة وبظاهر الكتاب والشهرة واستصحاب شغل الذمة اليقيني وبالأخبار الكثيرة التي ذكرناها، واليقين يحصل بالتسبيح. فالأولى عدم الاكتفاء بغير التسبيح، وإن كان القول بالجواز أيضا قويا. والثاني (1): في كيفية التسبيح، فقيل: يجوز مطلقا، ونسب إلى المرتضى في الانتصار (2)، ويظهر ذلك من استدلاله بعمومات التسبيح في القرآن أيضا وإن كان استدل بالرواية المتقدمة أيضا. وهو أقوى: ويظهر ذلك من ملاحظة أدلة المشهور في المقام الأول، سيما وهو مؤيد بأدلة الخصم أيضا، فتدبر. وحينئذ، فلا بد من حمل ما أفاد أن أقل ما يجزئ ثلاثة على الأفضلية، وهو أظهر من حمل الواحدة على الاضطرار كما قيل (3)، لكن أكثريتها مع اعتضادها بالاستصحاب يضعف هذا الحمل. وأقرب المحامل حمل التسبيحات الثلاث على الناقصة، والواحدة على التامة، كما يظهر ذلك من نفس بعض الأخبار (4) أيضا، وهذا هو قول الشيخ في التهذيب (5) وبعض الأصحاب، فيبقى الإطلاق في اختيار أيهما شاء دون العدد
(1) أي المقام الثاني من المقامين اللذين اختلف فيهما الأصحاب. (2) الانتصار: ص 45. (3) القائل هو المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 196. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 923 ب 4 من أبواب الركوع. (5) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 80 ذيل ح 67 و 68. 292 لو بني الأمر على إطلاق الجواز أيضا، فبعد البناء على قول المشهور هاهنا لا ينبغي العدول عن الهيئتين المخصوصتين المعهودتين. وأوجب الشيخ في النهاية (1) تسبيحة كبرى لرواية هشام المتقدمة (2). وقيل بوجوب التسبيح ثلاث مرات للمختار، وواحدة للمضطر، وأن الأفضل هو الكبرى، فيكون ثلاثة تسبيحة كبرى من الأفراد الواجب التخييري، وهو المنقول عن أبي الصلاح (3). ويدل عليه رواية أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أي شئ حد الركوع والسجود؟ قال: تقول " سبحان ربي العظيم وبحمده " ثلاثا في الركوع و " سبحان ربي الأعلى وبحمده " ثلاثا في السجود، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، ومن نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته، ومن لم يسبح فلا صلاة له (4). وهو - مع عدم مقاومتها لمعارضه وعدم تماميتها إلا من خارج - لا يظهر منه الوجوب، بل سياقه ظاهر في الاستحباب. ونسب إلى بعض الأصحاب وجوب ثلاث تسبيحات كبريات، وظاهره الوجوب العيني. ولم أقف على ما يصلح له سندا، ولعله أيضا كان نظره إلى هذا الخبر، وهو كما ترى. واعلم أن الأخبار الواردة في التسبيحة الكبرى ليس في أكثرها لفظة " وبحمده " ولعل سقطه من جهة السهولة، وهذا كناية عن تمامه كما هو المتعارف. وبالجملة: بعد الاجماع على استحبابه كما قيل وثبوته في بعض الأخبار لا مجال للتأمل في استحبابه.
(1) النهاية: ج 1 ص 295. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 923 ب 4 من أبواب الركوع ح 1. (3) الكافي في الفقه: ص 118. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 924 ب 4 من أبواب الركوع ح 7. 293 فغاية الاحتياط في هذه المسألة الإتيان بثلاث تسبيحات كبريات، وإلا فالاكتفاء بواحدة كبرى أو بثلاثة صغريات جائز إن شاء الله تعالى، بل ولا أستبعد الاكتفاء بمطلق الذكر، ولكنه خلاف الاحتياط. ويجب في الركوع الطمأنينة بمقدار الذكر، بعد إكمال الهوي الواجب، للإجماع نقله غير واحد من أصحابنا وحسنة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام فصلى فلم يتم ركوعه ولا سجوده، فقال (صلى الله عليه وآله): نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني (1). ويمكن الاستدلال عليه أيضا من صحيحة زرارة المتقدمة ثلاث تسبيحات في ترسل (2)، وحسنة مسمع المتقدمة (3)، ونحوهما. وقضية هذا الحكم عدم جواز الشروع في الذكر قبل الإكمال، فلو كان عاجزا عنها فالأظهر أنه لا يسقط عنه الذكر لو اقتدر عليه - بأن جاوز قدر الواجب من الانحناء بعد أخذه في الذكر عند الإكمال، وإكماله قبل الخروج عن موضع الإكمال، بحيث لم يخرج بذلك عن كونه راكعا - لأن الذكر واجب، والطمأنينة واجب آخر. وقيل: لا للأصل (4)، وهو ضعيف. وأما لو اقتدر على الذكر - بأن يأخذ فيه حين الأخذ بالهوي، والإكمال حين إكماله، أو ما يقرب من ذلك - فالذي وجدته من كلمات الأصحاب مما رأيتها عدم الاجتزاء بذلك. ولعل ذلك لأن الركوع في الشرع هو الانحناء المخصوص، سواء قلنا بأنه صار حقيقة فيه عند الشارع أم لا. والركوع له إطلاقان: معناه المصدري، ومعناه
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 922 ب 3 من أبواب الركوع ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 923 ب 4 من أبواب الركوع ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 925 ب 5 من أبواب الركوع ح 1. (4) قاله الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 197 س 26. 294 العلمي، والثاني لا يصدق إلا مع تحقق الانحناء المخصوص، وبعد التحقق يقال له الركوع، وما ورد في الأخبار من أن القول في الركوع كذا وتقول في الركوع كذا ونحوهما يدل على أن الذكر يجب بعد تحقق ذلك وفي حاله، لأنه هو المعنى الحقيقي حينئذ. ومن هذا يمكن أخذ دليل لوجوب الطمأنينة أيضا بعنوان الالتزام، لكنه إنما يتم بالنظر إلى مطلق حركتي الهوي والانتصاب، وأما الحركة العرضية يمينا وشمالا أو تكرير الحركة فيما دون قدر أقل الواجب علوا وسفلا أيضا فيشكل، إلا إذا قلنا بعدم وجوب ملاحظتها وهو مشكل، أو بعدم صدق الركوع عليه حينئذ أيضا وهو أشكل. وإن جعلنا المراد منه فيها هو معناه المصدري فيمكن القول بالجواز حينئذ، إذ يصدق أنه ذكر في الركوع، والطمأنينة واجب على حدة، فإذا لم يقدر على الطمأنينة فلا يسقط، ولكنه بعيد. وأما معناه اللغوي فلعله يمكن القطع بعدم إرادته. وليس الطمأنينة ركنا في الصلاة، خلافا للشيخ في الخلاف (1). ويدل عليه العمومات الدالة على نفي إعادة الصلاة إلا من أمور مخصوصة: كصحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام): لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود (2). وصحيحة عبد الله بن القداح عنه عن أبيه (عليهما السلام): أن عليا (عليه السلام) سئل عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا، قال: تمت صلاته (3). وما رواه الشيخ عن علي بن يقطين عن الكاظم (عليه السلام) عن رجل نسي تسبيحه في ركوعه وسجوده، قال: لا بأس بذلك (4).
(1) الخلاف: ج 1 ص 348 المسألة 98. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 934 ب 10 من أبواب الركوع ح 5. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 938 ب 15 من أبواب الركوع ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 939 ب 15 من أبواب الركوع ح 2. 295 والاعتماد في هذه المسألة وفيما بعد لعله على الاجماع، فقد صرح غير واحد منهم في مسألة سهو الطمأنينة بأنه لا خلاف في أن ناسي هذه المذكورات لا يعيد، مع أنهم نسبوا الخلاف هاهنا إلى الشيخ بأنه قال بالركنية، فحينئذ يضطرب المقام، ولكن الأظهر ما عليه الجماعة ولظاهر الأخبار المتقدمة. وكذا يجب رفع الرأس من الركوع منتصبا، للإجماع نقله غير واحد من أصحابنا (1)، ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنه لا صلاة لمن لم يقم صلبه (2)، وغيرها من الأخبار. والطمأنينة فيه - وهي ما يسمى بها عرفا لا غير - للإجماع المنقول عن جماعة أيضا، وخلاف الشيخ هنا مثل السابق، وجوابه الجواب. وأما لو سها ذكر الركوع أو طمأنينته حتى انتصب فحكمه حكم الشك - المدلول على حكمه بالعمومات السابقة وغيرها - للإجماع كما نقلوه، ولأن تداركه يوجب زيادة الركن، ويدل عليه ظاهر الخبرين المتقدمين أيضا. وكذلك الرفع عن الركوع والطمأنينة فيه حتى يسجد، للدليلين الأولين. وأما إطلاق الحكم - حتى بالنسبة إلى الانتقال إلى الهوي ولم يسجد - فلا أعرف له وجها في ناسي الطمأنينة حال الرفع. وقد يقال: إن الوجه لزوم زيادة الركن أيضا، لكون المعتبر فيها هي حال القيام عن الركوع، وهو لا يتحقق إلا به، فيلزم زيادته، وفيه تأمل. ولعل المستند فيه الاجماع، ومع ملاحظة خلاف الشيخ أيضا يشكل الأمر. تنبيه: وربما يستدل للشيخ على كون الطمأنينة في الرفع ركنا برواية أبي بصير (3)، وهي مطلقة، وبالصحيحة المتقدمة في أول مبحث القيام (4)... (5)، فإن من لم يقم صلبه فلا صلاة له.
(1) رياض المسائل: ج 3 ص 435. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 939 ب 16 من أبواب الركوع ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 939 ب 16 من أبواب الركوع ح 2. (4) تقدمت في صفحة... (5) هنا عبارة غير مقروءة. 296 ولكنهما معارضتان بصحيحة زرارة المتقدمة (1). وأما الرواية الأولى فلما كانت خاصة فيمكن تخصيص صحيحة زرارة بها، وأما الثانية وإن كان يقع بينها وبين صحيحة زرارة تعارض من وجه - إذ كل منهما أعم من الآخر - لكنه مع ملاحظة رواية أبي بصير يثبت بها مطلب الشيخ، فيبقى التعارض في غير ذلك المادة من القيام، ولا يضر في إثبات المطلوب. وفيه: أن هذا خروج من المسألة، إذ الطمأنينة غير إقامة الصلب، لأنها معتبر في القيام، والطمأنينة واجب زائد على القيام. ثم إنه ينقدح مما ذكرنا إشكال في ركنية القيام مطلقا، بل وغيره أيضا، لأن الصحيحة المذكورة وصحيحة زرارة عمومان تعارضا من وجه، فلم يثبت ركنية القيام. والجواب: أنه مخرج بالإجماع والأدلة، وهكذا الصحيحة المذكورة ليست باقية على عمومها، لخروج القيام حال القراءة بالأدلة المقررة. نعم، يبقى خصوص القيام بعد الركوع تحت العموم، لعدم المخرج، ولكونه منصوصا عليه بالخصوص، فيتقوى حينئذ قول الشيخ، مع الإغماض عما أوردنا عليه هنا، إلا أن يقال: ليس هو من الأحكام الوضعية والمكلف به هو غير الناسي، فتأمل. منهاج إذا عجز عن الركوع بقدر الواجب يأتي بما استطاع، لقوله (عليه السلام): إذا أمرتكم بشئ فائتوا منه ما استطعتم (2)، ولأن الميسور لا يسقط بالمعسور (3)، وللاستصحاب. وفي ثبوته بما ذكر تأمل، لأنه تفكيك في الأجزاء العقلية، ومع انتفاء أحدها
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 934 ب 10 من أبواب الركوع ح 5. (2) مسند الإمام أحمد بن حنبل: ج 2 ص 258، صحيح البخاري: ج 9 ص 117. (3) عوالي اللآلي: ج 4 ص 58 ح 205. 297 لا مقوم للباقي حتى يتعلق به حكم، بل الحجة في ذلك استصحاب شغل الذمة، بل لعله إجماعي. وأما الاستدلال عليه بعموم الآية - بناء على منع ثبوت الحقيقة الشرعية في القدر الواجب - فيكون المطلوب هو الانحناء عرفا أو لغة كما هو معناه، والزيادة واجب على حدة، ومع تعذر أحدها لا يسقط الآخر. ففيه: أولا - بعد الإغماض عن ثبوت الحقيقة الشرعية -: أن الظاهر غير معناه اللغوي، ومع ذلك فالأولى الحمل على مجازه الشائع الذائع المستفيض، وهو هنا الانحناء المخصوص، لأنه صار من القرب بحيث صار محلا للنزاع في كونه حقيقة، وكيف إذا كان عدم إرادة اللغوي ظاهرا؟ وثانيا: أن القدر الثابت منه حينئذ وجوب مطلق الانحناء، لا الانحناء بحسب المقدور. وأما المنحني خلقة بقدر الركوع فيجب عليه الانحناء يسيرا للركوع على الأظهر، لأن الركوع الشرعي المأمور به له أفراد كثيرة، وأقل ما يجزي فيه هو الانحناء بقدر أن يصل يداه إلى ركبتيه، فلو جاوز عن ذلك بل وعن القدر المستحب أيضا يصح صلاته وركوعه، فكيف يمكن الحكم بسقوط المطلق مع تعذر بعض أفراده؟ ولم يشترط في التكليف به القدرة على جميع أفراده، فالتمسك في منع ذلك بأن ذلك حد الركوع، فلا يلزم الزيادة للأصل، كما يظهر من المعتبر (1) وغيره، فيه ما فيه. وإن عجز عن الركوع أصلا أومأ بالرأس ثم بالعينين، كذا ذكره الأصحاب. ولا يظهر هذا الترتيب من الأخبار، بل مقتضى الجمع التخيير. والأولى والأحوط مراعاة ذلك، سيما مع ملاحظة كونه أقرب إلى الركوع. ويمكن أن يقال: ما دل على جواز الاكتفاء بالايماء بالعين يتضمن بيان حال
(1) المعتبر: ج 2 ص 193. 298 المريض الذي يعجز عن الإيماء بالرأس، مثل مرسلة محمد بن إبراهيم الهمداني (1) فإنها في بيان حال المريض الذي يعجز عن القعود، بل الاضطجاع أيضا، ويصير تكليفه الاستلقاء. والأخبار الكثيرة المعتبرة الواردة (2) في الأسير والخائف من اللص والسبع مصرحة بوجوب الإيماء بالرأس. وروى في الفقيه مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رجل من الأنصار وقد شبكته الريح، فقال: يا رسول الله كيف أصلي؟ فقال: إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه، وإلا فوجهوه إلى القبلة، ومروه فليؤم برأسه إيماء، ويجعل السجود أخفض من الركوع، وإن كان لا يستطيع أن يقرأ فاقرأوا عنده وأسمعوه (3). واعلم أن المعتبر في التحديد المذكور هو مستوي الخلقة، لحمل الأخبار على المتعارف، فلا يسقط من الطويل اليدين، ولا يراد من قصيرهما، أو مقطوعهما أزيد مما يحصل به للمستوي، ولعله إجماعي. قال في الذكرى: يجوز في الركوع والسجود الصلاة على محمد وآله، بل يستحب (4). وصرح في الدروس (5) أيضا بالجواز. ويدل عليه ما رواه الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بسند معتبر كالصحيح عن محمد بن أبي حمزة عن أبيه قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): من قال في ركوعه، وسجوده وقيامه: " اللهم صل على محمد وآل محمد " كتب الله له بمثل الركوع والسجود والقيام (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 692 ب 1 من أبواب القيام ح 15. (2) راجع وسائل الشيعة: ج 4 ص 705 ب 14 من أبواب القيام. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 362 ح 6. (4) ذكرى الشيعة: ص 199 س 31. (5) الدروس الشرعية: ج 1 ص 179. (6) ثواب الأعمال: ص 56. 299 ويستحب أن يكون ركوعه في صلاة الآيات بقدر زمان كل من قراءته وقنوته لصحيحة محمد بن مسلم وزرارة وغيرها. منهاج يستحب التكبير قبل الركوع على المشهور، أما الرجحان فلصحيحة زرارة وحماد (1) وغيرهما، وأما عدم الوجوب فللأصل، ولرواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) عن أدنى ما يجزئ من التكبير في الصلاة، قال: تكبيرة واحدة (2). وليس في طريقها إلا محمد بن سنان. ونقل عن ابن أبي عقيل وجوب تكبير الركوع (3). وعن سلار وجوب تكبير الركوع والسجود والقيام والقعود (4). وعن بعض الأصحاب القول ببطلان الصلاة بترك تكبير الركوع. ونقل عن الشهيد (5) أنه قد استقر الاجماع على خلاف قول ابن أبي عقيل، وسلار وغير خاف أن ملاحظة سياق كل ما يدل على رجحان التكبير يرشد إلى الاستحباب، سيما مع معارضتها برواية أبي بصير (6) المعتضدة بالإجماع، والشهرة العظيمة. ويستحب أن يكبر منتصبا في حال القيام، رافعا يديه حيال وجهه، وأن يعمل بما تضمنته صحيحة زرارة، فقد قال الباقر (عليه السلام) فيها: إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب " الله أكبر " ثم اركع، وقل: " اللهم لك ركعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وأنت ربي، خشع لك سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 921 ب 2 من أبواب الركوع ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 714 ب 1 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 5. (3) نقله العلامة في المختلف: ج 2 ص 170. (4) المراسم: ص 69. (5) ذكرى الشيعة: ص 198 س 23. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 714 ب 1 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 5. 300 ودمي، ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي، غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر سبحان ربي العظيم وبحمده " ثلاث مرات في ترسل، وتصف في ركوعك بين قدميك، تجعل بينهما قدر شبر، وتمكن راحتيك من ركبتيك، وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، وتلقم بأطراف أصابعك عين الركبة، وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك، وأقم صلبك، ومد عنقك، وليكن نظرك بين قدميك، ثم قل: " سمع الله لمن حمده " وأنت منتصب قائم " الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة، لله رب العالمين " تجهر بها صوتك، ثم ترفع يديك بالتكبير، وتخر ساجدا (1). وقد مضى الخلاف في رفع اليد حيال الوجه وحكمه. والأمر بالتكبير محمول على الاستحباب جمعا، مع أن السياق لا يفيد أزيد من الرجحان. والتسبيحات الثلاث أول مراتب الفضل، وفوقه الخمس على ما قيل، وفوقه السبع - وقد مر الثلاث والسبع في رواية هشام (2) - وفوقه ما اتسع صدره لمضمرة سماعة: ومن كان يقوى على أن يطول الركوع والسجود فليطول ما استطاع (إلى أن قال:) فأما الإمام فإنه إذا قام بالناس فلا ينبغي أن يطول بهم، فإن في الناس الضعيف (3)... الحديث. وفي صحيحة أبان بن تغلب: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وهو يصلي، فعددت له في الركوع والسجود ستين تسبيحة (4). وفي رواية أخرى: أربعا أو ثلاثا وثلاثين مرة (5). وفي رواية: خمسمائة (6). وربما يظهر من جماعة انتهاء الفضل بالسبع.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 920 ب 1 من أبواب الركوع ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 923 ب 4 من أبواب الركوع ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 927 ب 6 من أبواب الركوع ح 4. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 926 ب 6 من أبواب الركوع ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 927 ب 6 من أبواب الركوع ح 2. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 979 ب 23 من أبواب السجود ح 6. 301 وليس بذاك وإن أشعر به رواية هشام، ولعله محمول على الغالب. ويستحب استواء الظهر بحيث لو صب عليه قطرة من ماء، أو دهن لم تزل كما تضمنه صحيحة (1) حماد. يستحب تذكر " آمنت بك ولو ضربت عنقي " عند مد العنق فيه، ففي الخبر سئل عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ما معنى مد عنقك في الركوع؟ فقال: تأويله: آمنت بالله ولو ضربت عنقي (2). وفي صحيحة حماد " غمض عينيه ". والجمع بينه وبين هذا الخبر إما بالتخيير كما قيل، أو بالحمل على الاشتباه، فإن القول أقوى من الفعل. وادعى الاجماع على استحباب " سمع الله لمن حمده " غير واحد من أصحابنا، ويدل عليه أخبار اخر أيضا على الاطلاق. وربما يقال: لو أقتصر المأموم على التحميد كان أحسن، لصحيحة جميل: ما يقول الرجل خلف الإمام إذا قال " سمع الله لمن حمده " قال: يقول: " الحمد لله رب العالمين " ويخفض من الصوت (3). وقال الشيخ (رحمه الله): ولو قال: " ربنا لك الحمد " لم يفسد صلاته (4). ونقل الشهيد في الذكرى حديثا، وقال بصحته: إن الإمام إذا قال: " سمع الله لمن حمده " قال من خلفه: " ربنا لك الحمد " ونقله عن بعض الأصحاب (5) أيضا. ولكن المنقول من المنتهى أن تركه أولى مؤذنا بنسبته إلى الأصحاب (6). والمنقول في روايتنا بدون " الواو ". والعامة مختلفون على ما قيل. ولعل قول ذلك لم يكن مفسدا، كما ذكره الشيخ، إلا أن التسميع أحسن. وربما يوجه رواية جميل أيضا بإرجاع الضمير إلى المأموم، فيوافق العمومات.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 673 ب 1 من أبواب الركوع ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 942 ب 19 من أبواب الركوع ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 940 ب 17 من أبواب الركوع ح 1. (4) المبسوط: ج 1 ص 112. (5) ذكرى الشيعة: ص 199 س 16. (6) منتهى المطلب: ج 1 ص 286 س 11. 302 ثم إن المعلوم من الروايات المعتبرة والإجماع المنقول - كما يظهر من بعضهم - والمشهور بين الأصحاب أن ذلك بعد الانتصاب. والمنقول عن ظاهر جماعة منهم أنه في حال الارتفاع، وسائر الأذكار حال القيام. والمشهور أقوى. وينبغي تخصيص الجهر به لغير المأموم للعمومات، هكذا اختار في الذكرى. ونسب إلى ابني بابويه وصاحب المفاخر القول باستحباب رفع اليدين حال الرفع من الركوع (1). وقال المحقق: فإذا رفع من الركوع فإنه يقول: " سمع الله لمن حمده " من غير تكبير ولا رفع يد، وهو مذهب علمائنا (2). وقال الشهيد في الذكرى: إنه مذهب جماعة من العامة (3). ويدل على القول الأول روايتان معتبرتان (4) من أن رفع اليد مطلقا زينة الصلاة، وأنه العبودية. وأحدهما خصوص الرفع من الركوع مذكور فيها أيضا، فحينئذ القول بالاستحباب مشكل، فتأمل. ثم إن استحباب السمعلة بعد الركوع إنما هو في غير صلاة الآيات، فيكبر إلا في الخامسة، والعاشرة فهي كغيرها فيهما، لصحيحة محمد بن مسلم وزرارة المتقدمة (5). وأفتى المحقق في المعتبر بكراهة الركوع ويداه تحت ثوبه (6)، وهو خيرة المبسوط (7) وأبي الصلاح، إلا أن أبا الصلاح كره كونها في الكمين أيضا (8). ولم يظهر لهم من الأخبار مستند واضح، ولكن لا بأس باتباع هذه الأعيان فيما يتسامح في دليله، مع تأمل في ذلك من جهة خصوص المقام، لصحيحة محمد ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصلي ولا يخرج يديه من
(1) ذكرى الشيعة: ص 199 س 26. (2) المعتبر: ج 2 ص 199. (3) ذكرى الشيعة: ص 199 س 29. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 921 ب 2 من أبواب الركوع ح 3 و 4. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 940 ب 17 من أبواب الركوع ح 4. (6) المعتبر: ج 2 ص 205. (7) المبسوط: ج 1 ص 112. (8) الكافي في الفقه: ص 125. 303 ثوبه، قال: إن أخرج يديه فحسن، وإن لم يخرج فلا بأس (1). وعن ابن الجنيد: لو ركع ويداه تحت ثيابه جاز ذلك إذا كان عليه مئزر، أو سراويل (2). وربما يستشهد له برواية عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يدخل يده تحت ثوبه، قال: إن كان عليه ثوب آخر فلا بأس (3). ويستحب التجنيح بالمرفق، لصحيحة زرارة (4) وغيرها. ويرد ركبته إلى العقب كما في صحيحة حماد (5). ويفرج بينهما كما في صحيحة زرارة (6). ويستحب للمرأة إذا ركعت أن تضع يديها فوق ركبتيها على فخذيها، لئلا تطأطأ كثيرا فترتفع عجيزتها، كما في حسنة زرارة (7). أفتى بذلك جماعة من المتأخرين. ونقل عن الشيخ وجماعة من الأصحاب تساوي المرأة للرجل في جميع أحكام الصلاة إلا في الجهر والإخفات. وقضية ذلك عدم الفرق إلا فيهما، وعلى هذا فيقع الإشكال في العمل على ما تضمنته هذه الحسنة في هذا المقام، إذ الحد المقرر للركوع هو ما وصل به اليد إلى الركبتين، والانحناء بهذا القدر واجب، ولا شك أن ارتفاع العجيزة تابع للانحناء لا لوضع اليد، فالتعليل بعدم ارتفاع العجيزة يقتضي: إما عدم وجوب الانحناء بالقدر المقرر للمرأة، أو يستلزم الإلغاء للتعليل، لعدم تأثير الوضع الكذائي في ارتفاع العجيزة، وعدمه بعد اعتبار أقل الواجب وعدم التجاوز عنه. ويشكل تخصيص الاجماع الذي نقلوه في مقام تحديد الركوع مع عدم فرق
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 313 ب 40 من أبواب لباس المصلي ح 1. (2) نقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 198 س 20. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 314 ب 40 من أبواب المصلي ح 4. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 675 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 674 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 677 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 5. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 676 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 4. 304 أحدهم ثمة بين الرجل والمرأة بهذه الرواية التي لم يظهر اتفاقهم على العمل عليها، بل ظهر عدمه وإن كان العمل بها أيضا غير بعيد، لكون عمل الجماعة هنا شاهدا على عدم وفاقهم ثمة على العموم. ويمكن أن يوجه بأن ملاحظة قضية النقل السابق كون التقام الركبة بالأصابع، أو وضع اليد مطلقا، أو التجنيح بالمرفق في حال الركوع مستحبا للمرأة أيضا - لو لم ينافي الأخير قوله (عليه السلام) في هذه الحسنة قبل ذلك: " وتضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها " (1) - فإذا كانت مستحبة فلا شك أن الالتقام بالأصابع أو مطلق الوضع بل والتجنيح بالمرفق أيضا يقتضي زيادة انحناء من قدر الواجب، لكثرة تنزل اليد وانحنائها في هذه الصور، بخلاف ما لو لم يفعل هذه الأمور، ويكتفي من الانحناء بمقدار أنها لو أراد وصول اليد لوصل، فيكون حينئذ مراد المعصوم - والله أعلم وقائله - أن ترك هذا المكروه أحب من ارتكاب هذا المستحب، فأمرها بترك استحباب الالتقام، ونحوه وأخذ استحباب عدم ارتفاع العجيزة، وإلا فارتفاع العجيزة مع ترك الالتقام والوضع وغيرهما مع الاكتفاء بقدر الواجب لا يتفاوت فيه الأمر بسبب وضع اليد فوق الركبة، فتدبر.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 941 ب 18 من أبواب الركوع ح 2. 305 الفصل العاشر (*) في السجود منهاج يجب سجدتان في كل ركعة بإجماع المسلمين، بل وبضرورة الدين، والآية والأخبار المستفيضة. وهو في الشرع الانحناء المخصوص، ويجب فيه بأن ينحني حتى يساوي موضع جبهته موقفه تساويا متعارفا، وعفي عن علوه عنه مقدار لبنة لا أزيد. أما عدم جواز الارتفاع أزيد منه فهو إجماع علمائنا، كما يظهر من الفاضلين (1)، ونسب الشهيد (2) ذلك إلى الأصحاب أيضا. وهو المعهود عن صاحب الشرع كما قالوه، ويظهر من الأخبار الكثيرة. وأما التحديد باللبنة في مرتبة الجواز فقد نسب إلى الشيخ (3)، واستدلوا على ذلك بالحسن (4) - على الظاهر - عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته
(*) راجع ما كتبناه في الصفحة 210. (1) المعتبر: ج 2 ص 207، منتهى المطلب: ج 1 ص 288 س 3. (2) ذكرى الشيعة: ص 160 س 31. (3) النهاية: ج 1 ص 310. (4) في سندها " النهدي " وهو مشترك بين أحمد بن محمد بن خاقان أبو جعفر القلانسي المشهور بحمدان، والهيثم بن أبي مسروق عبد الله أبي محمد النهدي. قال الميرزا: ولعله أشهر. أقول: والقرينة على أنه الثاني رواية محمد بن علي بن محبوب عنه في هذا السند، وكيف كان فالهيثم بن أبي مسروق ممدوح. قال في الخلاصة والنجاشي: أنه قريب الأمر. وروى الكشي أن حمدويه قال: لأبي مسروق ابن يقال له: الهيثم، سمعت أصحابي يذكرونهما كلاهما فاضلان. وقال النجاشي له كتاب عنه محمد بن علي بن محبوب. وكان أستاذنا سلمه الله يعد الرواية من الحسان ويقول: إنها منجبرة بعمل الأصحاب. والصحيح مهجور أو محمول على الاستحباب (منه). 306 عن السجود على الأرض المرتفعة، فقال: إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس (1). وقال في الكافي: وفي حديث آخر في السجود على الأرض المرتفعة، فقال: إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن رجليك قدر لبنة فلا بأس (2). ويعارضهما صحيحة ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن موضع جبهة الساجد أيكون أرفع من مقامه؟ فقال: لا، ولكن يكون مستويا أو ليكن مستويا (3) على اختلاف النسخ، ولا بد من توجيهها وحملها على الأفضلية، أو طرحها، لمخالفتها للخبرين المعتضدين بالشهرة وعمل الأصحاب. ويشهد لحملها على الأفضلية صحيحة أبي بصير - على الظاهر - قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد، فقال: إني أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي وكرهه (4). وألحق الشهيدان (5) الخفض بالرفع في هذا التحديد تمسكا بموثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن المريض أيحل له أن يقوم على فراشه ويسجد على الأرض؟ قال: فقال: إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقل استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض، وإن كان أكثر من ذلك فلا (6). وفي رواية محمد بن عبد الله عن الرضا (عليه السلام) قال: قلت: فيصلي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه، فقال: إذا كان وحده فلا بأس (7).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 964 ب 11 من أبواب السجود ح 1. (2) الكافي: ج 3 ص 333 ح 4. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 963 باب 10 من أبواب السجود ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 964 ب 10 من أبواب السجود ح 2. (5) ذكرى الشيعة: ص 160 س 33، روض الجنان ص 276 س 2. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 964 ب 11 من أبواب السجود ح 2. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 965 ب 10 من أبواب السجود ح 4. 307 وادعى العلامة في التذكرة (1) الاجماع على جواز الصلاة إذا كان موضع السجود أخفض. ويدل عليه الإطلاقات أيضا، لكن الأولى تقييد الإطلاقات والإجماع بالموثقة، لحصول البراءة اليقينية، ومما ذكرنا يظهر وجه تأييد لحمل صحيحة ابن سنان المتقدمة على الاستحباب. ثم إن الاستواء المطلوب في الأخبار يحتمل معنيين: كون الأرض بحيث لو أخرج من أحد طرفيه خط مستقيم إلى طرفه الآخر وجعل قاعدة لخط مستقيم آخر أحدث زوايا قوائم، أو كونه بحيث لو أخرج عن أحد طرفيه خط مستقيم كان مماسا لتمام ما يحاذيه من السطح بحيث لا يتجافى عنه أصلا، وعلى الثاني يندرج فيه الأرض المسطح المنحدر الذي لم يكن فيه نبكات وكومات، دون الأول. وعلى فرض الاندراج فلا يجوز الارتفاع عن سطح المنحدر في محل السجود أزيد من قدر لبنة وإن صار بذلك مساويا للموقف أو لم يبلغه أيضا، لإطلاق الأدلة، وكذا لا يضر على هذا لو كان الطرف الأعلى من المنحدر هو موضع السجود وإن كان أرفع من الموقف بهذا المقدار وأكثر منه، وهكذا الكلام في جانب الانخفاض من جهة نفس الانحدار. وبالجملة: يضر الكومات والنبكات إذا كانت أزيد من مقدار لبنة، ولا يضر الارتفاع والانخفاض الذاتي للمنحدر وإن كان أزيد منه. وعلى فرض عدمه يصير الأمر بالعكس، فيضر الذاتيات إذا بلغ المقدار المعلوم. وينفع الكومات والنبكات لو صار سببا للتساوي أو مخرجا لها عن الحد المحظور وإن جاوزت هي بنفسها عن المقدار المذكور (2).
(1) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 194. (2) في هامش الأصل قريبا من هذه الكلمة ما يلي: والوجهان ناظران إلى أن المراد من الارتفاع أزيد من لبنة المذكور في الأخبار، وهل هو الارتفاع المحسوس الحاصل بوجود واحد كالنبكة الحاصلة على سطح الأرض، أو الحاصل بالتدريج أيضا، كالحاصل من كروية الأرض؟ وهل هو معتبر بالنسبة إلى موقف الرجلين نفسه، أو إلى أرض الموقف؟ يعني إذا كان مقدار اللبنة مرتفعا من أصل الأرض في محل السجود إذا كان الطرف الأخفض (منه). 308 وإلى أول الوجهين - أي فرض الاندراج - يشير كلام بعض المحققين (رحمه الله) حيث قال: ولا فرق في اعتبار عدم العلو بين الأرض المنحدرة وغيرها، لإطلاق النص والفتوى (1). وانسحابه في عدم الانخفاض على القول باعتباره مشكل، لعدم العموم في النص الذي هو مستنده، مع احتمال كلامه للوجه الثاني أيضا، أي فرض عدم الاندراج. والذي يقوى في نفسي هو الوجه الثاني، إذ البراءة لا تحصل إلا به، مع أن الظاهر من الاستواء هو المعنى الأول، بل الظاهر من إطلاق الأخبار المانعة عن العلو أيضا ذلك، فتدبر. وألحق بعض الأصحاب سائر المساجد بالجبهة (2). ونقل عن العلامة في النهاية (3) أيضا القول بوجوب تساوي الأعالي للأسافل، أو انخفاض الأعالي. ولم يظهر وجهه، ولا ريب أن الأحوط تساوي الجميع. وأما ملاحظة سائر المواضع - الذي يكون ما بين المقام وموضع الجبهة - فلا دليل على اعتبار شئ من ذلك فيها أصلا، فيجوز أن يسجد وما بين ركبتيه وجبهته مرتفع أزيد من المقدار المقرر أو انخفاض أزيد منه، وهكذا. تنبيه: لو وقعت جبهته على موضع مرتفع بأزيد عن المقدار المقرر فقد نقل عن الفاضلين وغيرهما القطع بأنه يرفع رأسه، ويسجد على المساوي (4)، لعدم تحقق السجود معه، ولرواية حسين بن حماد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أسجد فيقع جبهتي على الموضع المرتفع، فقال: ارفع رأسك ثم ضعه (5)، وفي رواية
(1) مدارك الأحكام: ج 3 ص 408. (2) ذكرى الشيعة: ص 202 س 2. (3) نهاية الإحكام: ج 1 ص 488. (4) المعتبر: ج 2 ص 212، منتهى المطلب: ج 1 ص 288 س 7. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 961 ب 8 من أبواب السجود ح 4. 309 أخرى له عنه (عليه السلام) عن الرجل يسجد على الحصى، قال: يرفع رأسه حتى يستمكن (1). وفي دلالته على ما نحن فيه تأمل. ويعارضهما صحيحة ابن سنان عن حسين بن حماد عنه (عليه السلام) قال: قلت له: أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على شئ مرتفع أحول وجهي إلى مكان مستو؟ قال: نعم جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه (2). وصحيحة معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها، ولكن جرها على الأرض (3). ويعارض روايتها الأخيرة صحيحة علي بن جعفر - على الظاهر - قال: سألته عن الرجل يسجد على الحصى ولا يمكن جبهته من الأرض، قال: يحرك جبهته حتى يتمكن فتنحى الحصى عن جبهته، ولا يرفع رأسه (4). ومع هذا يشكل ترك ظواهر هذه الأخبار المعتبرة، خصوصا مع صدق السجدة بمجرد وضع الجبهة كما هو الظاهر، سيما لو لم يكن بذلك الارتفاع. فحملها على الاستحباب والخبر الأول على الجواز مشكل، سيما مع كون الراوي في طرف المعارض هو أيضا حسين بن حماد، فيظهر فيه وهن من هذه الجهة، وروايته هذه معتضدة بصحيحة ابن عمار وغيره، وأيضا ظهور الروايات المانعة في الدلالة أزيد منها، وهي أقبل للتوجيه، فيحمل على أن المراد من الرفع والوضع هو الحاصل بالجر من العالي إلى السافل. وبالجملة: استصحاب شغل الذمة والاحتراز عن لزوم تعدد الركن على احتمال يقتضي التزام العمل بتلك الروايات المعتبرة. وجمع المحقق (5) بينهما بحمل الرواية على ما لو وضع جبهته على غير ما
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 961 ب 8 من أبواب السجود ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 961 ب 8 من أبواب السجود ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 960 ب 8 من أبواب السجود ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 961 ب 8 من أبواب السجود ح 3. (5) المعتبر: ج 2 ص 212. 310 يصح السجود عليه، فلا يتعدد السجود والروايات الاخر على ما يصح، فيجب الجر لئلا يتعدد. وهو بعيد لما ذكرنا. وجمع بينها في الاستبصار بحملها على صورة عدم التمكن من الجر، وحمل غيرها على صورة التمكن. والأوجه ما ذكرنا. ويظهر مما ذكرنا أنه لو وقع جبهته على ثوب ونحوه وإن لم يكن مرتفعا فالوجه جر الجبهة، لا رفعها كما اختاره المحقق الشيخ علي (رحمه الله) (1). وأما الروايتان المتعارضتان في وضع الجبهة على الحصى، فلعل الوجه في الجر عنها أو الرفع والوضع هو حصول التعب بذلك وعدم تحمل المصلي لذلك، أو كون الحصى بالقدر الذي لا يكفي في السجود. والأخير بعيد بالنظر إلى الاكتفاء بالمسمى كما هو التحقيق، وسيجئ إن شاء الله تعالى. والأولى في ذلك أيضا العمل بالرواية الأخيرة، والله أعلم بحقائق أحكامه. منهاج من كان على جبهته دمل أو جراحة حفر حفيرة ليقع السليم منها على الأرض، ومع التعذر فعلى أحد الجبينين، ومع التعذر فعلى الذقن على المشهور بين الأصحاب. ويدل على الأول - مضافا إلى إجماع العلماء، كما قاله في المدارك (2)، وكونه مقدمة للواجب المطلق - رواية مصادف قال: خرج بي دمل فكنت أسجد على جانب فرأى أبو عبد الله (عليه السلام) أثره فقال: ما هذا؟ فقلت: لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل فإنما أسجد منحرفا، فقال لي: لا تفعل ولكن احفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض (3).
(1) جامع المقاصد: ج 2 ص 300. (2) مدارك الأحكام: ج 3 ص 416. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 965 ب 12 من أبواب السجود ح 1. 311 وعلى الثاني إجماع الأصحاب، كما نقله في المدارك (1)، ويظهر من غيره أيضا، وعبارة الفقه الرضوي: إن كان على جبهتك علة لا تقدر على السجود فاسجد على قرنك الأيمن، فإن تعذر فعلى قرنك الأيسر، فإن لم تقدر فاسجد على ظهر كفك، فإن لم تقدر فاسجد على ذقنك ثم استشهد بالآية (2). وعلى الثالث - مضافا إلى هذا - ما رواه الكليني مرسلا عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عمن بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها، قال: يضع ذقنه على الأرض، إن الله تعالى يقول: * (ويخرون للأذقان سجدا) * (3). وظاهر الأصحاب التخيير في الجبينين، والأولى مراعاة الترتيب لما ذكرنا، وللخروج عن خلاف الصدوقين (4) حيث أفتيا بوفق العبارة المنقولة. وهناك أقوال أخر أدلتها ضعيفة، والأقوى ما ذهب إليه المشهور، ولا بد من تقييد المرسلة بالعاجز عن الجبينين. وهل يجب كشف اللحية لو سجد على الذقن؟ والإطلاق يقوي العدم، وعدم صدق الذقن الوجوب، ولعل الأول أقرب. والمراد بالمشقة ما لا يتحمل عادة وإن تمكن عن تحمله بالعسر. والذي عجز عن السجود على النحو المطلوب، فيرفع موضع السجود بحيث يقدر على وضع الجبهة عليه ويسجد عليه، لأنه مقدمة الواجب، ولأن الميسور لا يسقط بالمعسور. والظاهر أنه إجماعي، ويدل عليه أيضا حسنة عبد الرحمن بن أبي عبد الله - لثعلبة بن ميمون - عن الصادق (عليه السلام) قال: لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل بوجهه القبلة، ويجزئه فاتحة الكتاب، ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شئ ويومئ في النافلة إيماء (5).
(1) مدارك الأحكام: ج 3 ص 417. (2) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): ص 114. (3) الكافي ج 3 ص 334 ح 6. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 268 ذيل ح 831. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 237 ب 14 من أبواب القبلة ح 1. 312 ورواية إبراهيم بن أبي زياد الكرخي - رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه - قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل شيخ كبير لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه، ولا يمكنه الركوع والسجود، فقال: ليؤم برأسه إيماء، وإن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه نحو القبلة إيماء (1). ومع العجز عن ذلك مطلقا فيومئ بالرأس ثم بالعينين، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك بين الأصحاب. وأما صحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: سألته عن المريض، قال: يسجد على الأرض أو على مروحة أو على سواك يرفعه وهو أفضل من الإيماء (2). وحسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود، قال: يومئ برأسه إيماء وأن يضع جبهته على الأرض أحب إلي (3). فلا بد من تأويلهما، لمخالفتهما للأدلة السابقة المعمول بها عند الأصحاب، لمتروكية ظاهر الخبرين عندهم، ومخالفته للأصول. وقد حاول الفاضل صاحب المدارك (رحمه الله) الاستدلال بهما على استحباب وضع شئ على الجبهة حال الإيماء (4). وهو خلاف ظاهر الروايتين، سيما صحيحة زرارة، فإنه كالصريح في التخيير بين السجود على الأرض أو الشئ المرتفع والإيماء، ومع القدرة على هذا لا يجوز الإيماء، والمطلوب هو وضع شئ على الجبهة حال الإيماء بعد العجز عن ذلك، وتوجيههما بحيث يرجع إلى ذلك بعيد غاية البعد، سيما الصحيحة. وقد توجه بأن المراد منها الترديد بالنسبة إلى حالتي التمكن من السجود على الأرض وغيره. والمراد برفع السواك والمروحة هو وضعهما على الجبهة، وقد روى هذه
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 365 ح 1052، تهذيب الأحكام: ج 3 ص 307 ح 951. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 362 ح 1039. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 689 ب 1 من أبواب القيام ح 2. (4) مدارك الأحكام: ج 3 ص 333. 313 الصحيحة في الفقيه هكذا: سألته عن المريض كيف يسجد؟ فقال: على خمرة أو على مروحة... الحديث (1). وعلى هذا التوجيه أسهل. ولا بد حينئذ من توجيه الحسنة أيضا بما يقرب من هذا، لكن الاستدلال بمثل هذا مشكل. نعم، يمكن الاستدلال بمضمرة سماعة قال: سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال: فليصل وهو مضطجع وليضع على جبهته شيئا إذا سجد عليه، فإنه يجزئ عنه ولن يكلف الله ما لا طاقة له به (2). واستدل الشهيد بذلك، وبأن الواجب في السجود أمور، فإذا تعذر بعضها لم يسقط الباقي، لأن الميسور لا يسقط بالمعسور، على وجوب الوضع مع الاعتماد كان أم لا. ولا يخفى أنه أولى وأحوط، لكن كونه بحيث يقيد الإطلاقات الكثيرة مشكل. تتميم: إعلم أن ما ورد في صلاة العاجز وفاقد الساتر والأرض والخائف وغير ذلك من الأمر بالإيماء مختلف، فروايات صلاة المريض بعضها مطلق وبعضها مخصوص بغمض العين وبعضها بالرأس. أما الروايات الواردة بغمض العين فهي في حال الاستلقاء، كمرسلة محمد بن إبراهيم عمن حدثه عن الصادق (عليه السلام) قال: يصلي المريض قائما، فإن لم يقدر على ذلك صلى قاعدا، فإن لم يقدر صلى مستلقيا، يكبر ثم يقرأ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم يسبح ثم يفتح عينيه ويكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم يسبح وإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود (3). وأما الإيماء بالرأس فكثيرة: منها إذا استطاع المريض للجلوس فقد روى في
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 362 ح 1039. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 690 ب 1 من أبواب القيام ح 5. (3) الكافي: ج 3 ص 411 ح 12. 314 الفقيه مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه السلام): دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على رجل من الأنصار وقد شبكته الريح، فقال: يا رسول الله كيف أصلي؟ فقال: إن استطعتم أن تجلسوه فاجلسوه، وإلا فوجهوه إلى القبلة ومروه فليؤم برأسه إيماء ويجعل السجود أخفض من الركوع (1). وأما المطلقات فكثيرة غاية الكثرة. فالذي يقتضيه الأصول والجمع بين الأخبار هو اختصاص الإيماء بالعين في صورة الاستلقاء ونحو ذلك. والظاهر أن ذلك لعدم القدرة على غير ذلك غالبا، وتقديم الإيماء بالرأس فيما يمكن على غيره، فالإطلاقات موزع بالقيدين في مواضعهما. وما يتخيل من الجمع بالتخيير فلا وجه له، ولا يحصل البراءة اليقينية إلا بالعمل بما اقتضاه المشهور. ومما ذكرنا ظهر بعض أحوال الركوع أيضا، فتدبر. وهل الحكم في المذكورات حكم المبدل منه في الركنية؟ والصحة والبطلان بالزيادة، والنقصان؟ فيه وجهان: بالنظر إلى عموم البدلية أو اشتراك الركوع والسجود بينهما معنى، وعدم تبادر ذلك منهما، ومنع العموم بهذا المقدار. والأحوط اعتبار ذلك، بل الأقوى، لتوقف يقين البراءة بذلك. وهل يعتبر قصد البدلية؟ فيه وجهان ناشئان من الوجهين الأولين في أول وجهي الترديد في المسألة المتقدمة. منهاج السجدتان ركن في الصلاة لا بالمعنى الشائع في سائر الأركان، بل بمعنى أن زيادتهما معا مبطل للصلاة، وكذا نقصانهما معا. ذكروا في وجه ركنية السجدة - بحيث يجامع ما ذكروه في معنى الركن - وجوها ضعيفة أوجهها ما ذكره العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار، وهو أن الركن
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 362 ح 1038. 315 المفهوم المردد بين سجدة واحدة بشرط لا وسجدتين لا بشرط شئ، فإذا أتى بواحدة سهوا فقد أتى بفرد من الركن، وكذا إذا أتى بهما، ولا ينتفي الركن إلا بانتفاء الفردين، بأن لا يسجد أصلا، وإذا سجد ثلاث سجدات لم يأت إلا بفرد واحد وهو الاثنان لا بشرط شئ، وأما الواحدة الزائدة فليست فردا له لكونها مع أخرى، وما هو فرد له على هذا الوجه هو بشرط أن لا يكون معها شئ، وإذا أتى بأربع فما زاد أتى بفردين من الاثنتين، قال: وهذا وجه متين لم أر أحدا سبقني إليه، ومع ذلك لا يخلو من تكلف (1)، إنتهى. والأولى ما ذكرنا لعدم ذكر الركن في الأخبار، وأما كلام العلماء فمخصص بغير حكم السجدتين، ونظيره في كلامهم كثير، منها ما أشرنا اليه في ركوع المرأة. وبالجملة: معنى الركنية في كلامهم إنما يثمر فيما قام الدليل عليه في محتملات موردها، وهو يحتاج إلى تأمل صادق. ومما يقع فيه الإشكال ركنية القيام المتصل بالركوع، والذي يمكن أن ينزل عليه بحيث يتعين له مصداق، ويترتب عليه الأحكام هو جعله شأنا من شؤون الركوع، فيقال: إن الركوع ركن، وكون الركوع عن قيام ركن آخر، وذلك لأن من أحكام الركن أنهم ذكروا أن من سها جزءا من الصلاة فيجب عليه الإتيان به ما لم يدخل في ركن آخر، ولا يمكن حصول العلم بالدخول في القيام المتصل بالركوع إلا إذا تحقق الركوع. ألا ترى أنهم حكموا بأن ناسي التشهد يتداركه ما لم يركع، ونطقت بذلك الأخبار المستفيضة كما سمعت، ولم يقولوا ما لم يدخل في القيام المتصل بالركوع، فلو فرض أنه هوى من القيام إلى الركوع، وتذكر أنه لم يتشهد قبل أن تصل إلى حد الراكع فيرجع ويتشهد، ولا يلزم منه تعدد الركن، إذ علمت أن معنى القيام المتصل بالركوع لا يتحقق إلا بالركوع عن قيام، وهو لم يتحقق بعد.
(1) بحار الأنوار: ج 85 ص 142. 316 وبالجملة: جميع أجزاء القيام قبل الركوع قابل لأن يصير ركنا، ولا تحصل فعلية الركن إلا بتحقق الركوع الحقيقي في جزء من تلك الأجزاء، فهذا الركن لا يظهر له ثمرة في الزيادة وإنما يظهر ثمرته في الترك، لإمكان تحقق الركوع بدون القيام المتصل به، وعدم إمكان تحقق الركوع عن قيام بدونه. وأما الزيادة فلا تحصل إلا بتكرير الركوع، ومع تكرير الركوع فلا ثمرة في تعدد القيام المتصل به. واعلم أن الثمرة في النقصان أيضا إنما يظهر لو انفك عن القيام في حال التكبير، وإلا فتداخل معه، كما لو أراد المأموم أن يلحق بالإمام في حال الركوع مستعجلا، فلا يجب لتصحيح صلاته قيام آخر غير القيام حال التكبير، ومعه حصل القيامان معا. ومن ذلك يظهر عدم الثمرة في القيام حال التكبير في حكم الزيادة أيضا، لعدم انفكاكه عن الزيادة في التكبير. فما ذكروه من الأحكام في الأركان لا تجب أن يتحقق جميعها في جميعها، بل هو حكم جميعها. فلنرجع إلى ما كنا فيه ونقول: فلا يبطل زيادة سجدة سهوا، ولا نقصانها كذلك، وإذا تذكرها قبل الركوع يأتي بها، وكذا السجدتين، هذا هو المشهور بين الأصحاب. وأما بطلان الصلاة بتركهما معا وبزيادتهما معا فهو في الجملة إجماع العلماء كافة. قاله في المعتبر (1)، وادعى الاجماع أيضا في التذكرة (2). ويدل عليه أيضا صحيحة زرارة المتقدمة: لا تعاد الصلاة إلا من خمس (3). وأن التارك لهما أو الزائد عليهما مخرج للعبادة عن الهيئة المطلوبة، فيبقى تحت عهدة التكليف.
(1) المعتبر: ج 2 ص 206. (2) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 185. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 934 ب 10 من أبواب الركوع ح 5. 317 ويؤيده رواية معلى الآتية (1). وخالف في هذه الأحكام الشيخ في المبسوط (2) حيث جعلهما ركنا في الأوليين، وثالثة المغرب خاصة، وذلك لما عرفت سابقا من أنه كان يجوز التلفيق في غير الأوليين والمغرب في مبحث الركوع، وهو كان يستلزم تكرار السجدتين. وفي التهذيب (3) حيث أوجب الإعادة بترك السجدة الواحدة من الأوليين. وابن أبي عقيل حيث اختار هذا ولم يخصص بالأوليين (4). والأقوى في جميع ذلك المشهور. لنا على الأول - مضافا إلى ما سبق هنا - عموم ما ذكرنا في مبحث الركوع لإثبات بطلان الصلاة بزيادته سهوا، ولا خصوصية لها بالأوليين وثالثة المغرب. وقد عرفت الجواب عما استدل به في مبحث الركوع على جواز التلفيق، وقد ذكرنا أن نظره في تخصيص الأخيرتين من الرباعية إلى ماذا؟ وأن دليله في التلفيق ماذا؟ لكنه لا دليل له في التلفيق هاهنا. وإلحاق السجدتين بالركوع من غير دليل - كما وجهه في المختلف (5) - لا وجه له، فالذي يقتضيه الأدلة هو بطلان الصلاة بزيادتهما مطلقا، وبتركهما معا مطلقا. وتخصيص الأدلة القوية بغير الأخيرتين من الرباعية، من دون دليل، لا وجه له. وعلى الثاني الإطلاق، وترك الاستفصال في الأخبار المعتبرة: منها: صحيحة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عمن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم، قال: يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها وحدها وليس عليه سهو (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 969 ب 14 من أبواب السجود ح 5. (2) المبسوط: ج 1 ص 109. (3) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 154 ذيل الحديث 62. (4) نقله عنه العلامة في المختلف: ج 2 ص 371. (5) لم نعثر عليه في المختلف ونقله عنه صاحب مفتاح الكرامة: ج 2 ص 432. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 969 ب 14 من أبواب السجود ح 4. 318 ومنها: صحيحة إسماعيل بن جابر عنه (عليه السلام) في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم أنه لم يسجد، قال: فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء (1). ومنها: موثقة عمار عنه (عليه السلام) في رجل نسي سجدة فذكرها بعد ما قام وركع، قال: يمضي في صلاته ولا يسجد حتى يسلم، فإذا سلم سجد مثل ما فاته، قلت: فإن لم يذكر إلا بعد ذلك؟ قال: يقضي ما فاته إذا ذكره (2). ومنها: صحيحة ابن أبي يعفور عنه (عليه السلام) قال: إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلم، وإن كان شاكا فليسلم ثم ليسجدها وليتشهد تشهدا خفيفا ولا يسميها نقرة، فإن النقرة نقرة الغراب (3). واستدل الشيخ بصحيحة ابن أبي نصر عن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن رجل صلى ركعة ثم ذكر وهو في الثانية وهو راكع أنه ترك سجدة من الأولى، فقال: كان أبو الحسن (عليه السلام) يقول: إذا تركت السجدة في الركعة الأولى ولم تدر واحدة أم ثنتين استقبلت الصلاة حتى يصح لك أنهما ثنتان، وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود (4). ولا يخفى أن هذا الخبر غير متناسق الدلالة غير منطبق على واحد من الأصول على ظاهره كما لا يخفى، وغاية توجيهه بما يقرب من مقصود الشيخ هو أن يكون المراد من قوله (عليه السلام) " لم تدر واحدة أم ثنتين " أنك لم تدر أن المتروك هو واحدة أم ثنتين، وهذا أيضا لا يقتضي إثبات تمام المطلب، وللخبر تأويلات وتوجيهات لا طائل تحتها، فأعرضنا عن ذكرها.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 968 ب 14 من أبواب السجود ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 968 ب 14 من أبواب السجود ح 2. (3) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 156 ح 67. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 969 ب 14 من أبواب السجود ح 3. 319 وما كان هذا شأنه فكيف يخصص به الأخبار الصحيحة الظاهرة الدلالة المعمول بها عند الأصحاب مع أن الشهيد ادعى عليه الاجماع على ما نقل عنه؟ وهو معارض بخبر محمد بن منصور قال: سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها، فقال: إذا خفت أن لا تكون وضعت وجهك إلا مرة واحدة، فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة وتضع وجهك مرة واحدة، وليس عليك سهو (1)، ورواية معلى بن خنيس صريحا أيضا، وسيأتي. وإذا عرفت هذا فاعلم أن نظر الشيخ في هذا التخصيص أيضا إلى ما ذكرنا سابقا من أنه لا وهم في الأوليين والثالثة، ولازمه بطلانهما بمطلق الوهم، ومن هذا يلزمه القول بأن زيادة سجدة فيهما أيضا مبطلة. ويدفعه الإطلاقات والعمومات الكثيرة، سيما الخبران اللذان ذكرناهما في مبحث الركوع " ولا يفسد الصلاة بزيادة سجدة ". وفيهما إشعار بمذهب المشهور في النقصان أيضا، فراجع وتأمل، مع أنا ذكرنا وسنذكر إن شاء الله أنه لا وجه لنفي الوهم فيهما مطلقا. ويدل على تعميم ابن أبي عقيل ما رواه معلى بن خنيس - في الضعيف - قال: سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال: إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، ونسيان السجدة في الأولتين والأخيرتين سواء (2). وفي طريق هذا الخبر ضعف وإرسال، واشتهر أن معلى بن خنيس قتل في زمان الصادق (عليه السلام) فكيف يروي عن الكاظم (عليه السلام) ويمكن دفع هذا الإيراد؟ وبالجملة: لا يصلح هذا الخبر لتقييد أقوى منه بمراتب شتى وحملها الشيخ (3) على أن المراد من السجدة السجدتين، وهو غير بعيد.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 970 ب 14 من أبواب السجود ح 6. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 969 ب 14 من أبواب السجود ح 5. (3) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 154 ذيل ح 64. 320 ثم اعلم أن صريح صحيحة أبي بصير ورواية ابن منصور المتقدمتان وظواهر سائر الأخبار المعتبرة المذكورة هاهنا عدم وجوب سجدة السهو فيما لو سها سجدة، ونسب ذلك إلى ابن أبي عقيل (1) وابن بابويه (2). والمشهور بين الأصحاب وجوبهما، ونقل العلامة عليه الاجماع في التذكرة والمنتهى (3). واستدلوا على ذلك برواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن سفيان ابن السمط عن الصادق (عليه السلام) قال: تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان (4). وأما ما تشعر به رواية معلى فلا يمكن التعويل عليه. وبالجملة: إما لا بد من تخصيص الخبر بهذه الأدلة القوية، أو حمله على الاستحباب، لكون المخرج منه بالأدلة من الكثرة بمكان لا يرضى المحققون بمثل هذا التخصيص، ويكون المثبت للوجوب في الموارد الأدلة الخارجية، وعلى الثاني يبقى الاجماع معارضا لتلك الأدلة، وهي معتضدة بالأصل وهو باشتغال الذمة بالعبادة التوقيفية، والمسألة محل تردد ولعل القول بالاستحباب يكون أقوى، والأولى عدم تركهما. ثم إن الدليل على وجوب تدارك السجدة أو السجدتين قبل الركوع قد ظهر مما ذكرناها في المباحث السابقة، وما ذكرنا هاهنا أيضا من الأخبار. والذي تقتضيه الأدلة هو ملاحظة حال الطمأنينة بين السجدتين أيضا، فإذا كان المنسي السجدة الثانية مع الطمأنينة بينهما فيجب الطمأنينة ثم السجود. ونقل عن المفيد (رحمه الله) القول بأن من ترك سجدتين من ركعة واحدة أعاد
(1) كذا، ولم نقف على من نسب ذلك إليه، بل قال العلامة في المختلف (ج 2 ص 371): " والظاهر من كلام ابن أبي عقيل إعادة الصلاة بترك سجدة واحدة مطلقا " فلا تصل النوبة إلى سجدة السهو. (2) راجع مختلف الشيعة: ج 2 ص 372. (3) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 333، منتهى المطلب: ج 1 ص 417 س 30. (4) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 155 ح 66. 321 على كل حال، وإن نسي واحدة منهما ثم ذكرها في الركعة الثانية قبل الركوع أرسل نفسه وسجدها ثم قام. ومستند التفصيل غير واضح. وحكم الشك في السجود حكمه في الركوع للصحاح المتقدمة. منهاج يجب السجود على سبعة أعضاء: الجبهة، والكفين، والركبتين، وإبهامي الرجلين. وهو المعروف من مذهب الأصحاب، لا نعرف فيه مخالفا إلا ما نقل عن السيد (رحمه الله) من أنه جعل عوض الكفين المفصل عند الزندين (1). وادعى عليه في التذكرة (2) إجماع علمائنا، وكذا في الذكرى (3). ويدل عليه أيضا صحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): السجود على سبعة أعظم: الجبهة، واليدين، والركبتين، والإبهامين، وترغم بأنفك إرغاما، فأما الفرض فهذه السبعة، وأما الارغام بالأنف فسنة من النبي (صلى الله عليه وآله) (4). وصحيحة حماد فيما علمه الصادق (عليه السلام): أنه سجد على الثمانية الأعظم: الكفين، والركبتين، وأنامل إبهامي الرجلين، والجبهة، والأنف، وقال: سبع منها فرض، ووضع الأنف على الأرض سنة (5). وهذان الخبران مشتملان على المجموع في الأخبار، وما يستفاد منها متفرقة أيضا. ثم إن الخبرين مطلقان، ويحصل الامتثال بمجرد المسمى، لصدق الطبيعة بإيجاد فرد ما منها، وكأنه لا خلاف في ذلك بين الأصحاب في غير الجبهة.
(1) جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة): ص 32. (2) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 185. (3) ذكرى الشيعة: ص 201 س 4. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 954 ب 4 من أبواب السجود ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 674 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة مقطع من ح 1، مع اختلاف يسير في العبارة. 322 نعم، يظهر من العلامة في المنتهى التردد في الكف، فقال: هل يجب استيعاب جميع الكف بالسجود؟ عندي فيه تردد، والحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل، لورود النص في خصوص الجبهة (1)... إلى آخر ما قال. ولعل نظره (رحمه الله) إلى أن هذه الأعضاء أسام لمجموعها حقيقة، ومجاز في البعض، فالأصل الحقيقة، فأما الركبتان والإبهامان لما خرجا بالدليل من جهة عدم القدرة على وضع التمام فيهما، أو الاتفاق على جواز المسمى، وكذلك الجبهة لما سنحققه، فتبقى اليد مندرجا تحت العموم، ولا يخفى أن المصلي متمكن عن وضع تمام الكف، وصدق وضع الكف على بعضها لعله في مقام المنع، فلا بد من وضعها كذلك، سيما مع الشك في البراءة عنه إلا بذلك. ويمكن القدح في ذلك بأن كون هذه حقيقة في الكل مسلم، لكن وضعها يكون حقيقة في وضع الكل في مقام المنع، والكلام إنما هو في المضاف، فتدبر. والمشهور بين الأصحاب - والمنقول عن ظاهر علمائنا إلا المرتضى (رحمه الله) - عدم الاجتزاء إلا بالباطن، لأن ذلك هو المعهود من صاحب الشرع، فلا يجوز وضع الظاهر على الأرض، وظاهر الخبرين (2) الإطلاق بالنظر إلى الباطن والظاهر ككلام الأصحاب، والخبر الأول بالنظر إلى الأنملة وغيرها. والأظهر جواز الاكتفاء بمسمى وضع الإبهام، والأولى وضع الأنامل كما يظهر من خبر حماد، وأما الاعتماد على الظاهر أو الباطن فلم يظهر من الأخبار، ولعل الثاني آنس وأقرب بالمعهود والمتعارف. وأما قول السيد (رحمه الله) فلم يظهر وجهه. ويتحقق السجود بالاعتماد على هذه الأعضاء، كما نقل عن صريح جماعة من الأصحاب، وهو الظاهر من معنى السجود أيضا، فإذا سجد على مثل لحاف فيه
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 290 س 10. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 954 ب 4 من أبواب السجود ح 2، وص 674 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة مقطع من ح 1. 323 قطن أو صوف يجب الاعتماد حتى يستقر ثم يحسب من سجدته. وأما الجبهة فالأقوى فيها أيضا الاجتزاء بمسمى الوضع، وفاقا لأكثر الأصحاب. لنا الأخبار الكثيرة المعتبرة: ففي صحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قلت: الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة، قال: إذا مس شئ من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه (1). وصحيحته الأخرى عن الصادق (عليه السلام) قال: ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد أي ذلك أصبت به الأرض أجزأك (2). وموثقة عمار عنه (عليه السلام) مثلها (3). وفي رواية بريد بن معاوية العجلي عن الباقر (عليه السلام) قال: الجبهة إلى الأنف أي ذلك أصبت بها الأرض في السجود أجزأك، والسجود عليه كله أفضل (4). وفي ذيل صحيحة زرارة - التي أوردناها في سجود العاجز - إنما كره من كره السجود على المروحة من أجل الأوثان التي كانت تعبد من دون الله، وإنا لم نعبد غير الله قط، فاسجد على المروحة وعلى السواك وعلى عود (5). إلى غير ذلك من الأخبار. وذهب ابن بابويه (6) وابن إدريس (7) إلى اعتبار مقدار الدرهم، ولعل مستندهم في ذلك حسنة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود، فأيما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 962 ب 9 من أبواب السجود ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 962 ب 9 من أبواب السجود ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 963 ب 9 من أبواب السجود ح 4. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 963 ب 9 من أبواب السجود ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 606 ب 15 من أبواب ما يسجد عليه ح 1 و 2. (6) المقنع: ص 26. (7) السرائر: ج 1 ص 225. 324 ومقدار طرف الأنملة (1). وهو كما ترى ينادي بخلاف مطلبهم، اللهم إلا أن يجعل مقدار طرف الأنملة عطفا تفسيريا، ويكون مرادهم هذا القدر. ولا يخفى ما فيه. ونقل عن ابن الجنيد القول بوجوب وضع تمام الجبهة، ويدل عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن المرأة تطول قصها فإذا سجدت وقع بعض جبهتها إلى الأرض وبعضها يغطيها الشعر، هل يجوز ذلك؟ قال لا، حتى تضع جبهتها على الأرض (2). وهي محمولة على الأفضلية لمعارضتها بأقوى منها، ويشهد له رواية العجلي المتقدمة. واعلم أن الظاهر من هذه الرواية وصحيحة زرارة وموثقة عمار أن الجبهة ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف، ومن غيرها يظهر أنها منه إلى الحاجبين، وعلى الأول يلزم دخول البياض المتوسط بين الحاجبين فوق الأنف في الجبهة، وعلى الثاني خروجه منها ودخول الحاجبين فيها. ويمكن البناء على الأول، والقول بأن المراد من الانتهاء إلى الحاجبين حيث ما ينتهي إليهما، وهاهنا لم ينته إليهما لانتفائهما هاهنا، فيدخل في الجبهة، ومنع دخول الحاجبين لأن من المعلوم أنه يصح سلب اسم الجبهة عنهما، ولا شك أنه لا يجب السجود على غيرها، وأما تحديد الجبهة بذلك فلا ينافي ذلك أيضا، لأنه مطلقة، وانتهاؤها إليها في الجملة لا يستلزم انتهاءها إلى كل ما يحاذيه أيضا، مع احتمال البناء على الثاني أيضا × والتزام أن المراد من الانتهاء إلى الحاجبين ما يحاذيهما أيضا، والترجيح للأول. والحق أن النزاع في ذلك لربما يثمر على القول المختار، لأن بعض هذا البياض مما ينبغي أن لا يعتني بها من باب مقدمة الأنف، وعدم الخروج عن
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 963 ب 5 من أبواب السجود ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 606 ب 14 من أبواب ما يسجد عليه ح 5. 325 الجبهة، فلا يبقى إلا قليل، ويشكل فيما لو دار الأمر بين ذلك القليل وبين الجبين أو الذقن، والحكم بأن الاحتياط هو جعله من الجبهة أيضا مشكل حينئذ، ولعل كونه منها أقرب، والله تعالى يعلم حقائق أحكامه. منهاج لا يجوز السجود إلا على الأرض ونباتها التي لا يؤكل ولا يلبس بالإجماع، كما نقله جماعة من الأصحاب. ويدل على ذلك الروايات المستفيضة: منها: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال له: أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز، قال: السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما اكل أو لبس (1). وصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: السجود على ما أنبتت الأرض إلا ما اكل أو لبس (2). وحسنة زرارة لإبراهيم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أسجد على الزفت؟ يعني: القير، فقال: لا، ولا على الثوب الكرسف، ولا على الصوف، ولا على شئ من الحيوان، ولا على طعام، ولا على شئ من ثمار الأرض، ولا على شئ من الرياش (3). ورواها في الكافي بطريق صحيح أيضا. ورواية أبي العباس - وفي طريقها قاسم بن عروة - قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تسجد إلا على الأرض، أو ما أنبتت الأرض إلا القطن والكتان (4).
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 591 ب 1 من أبواب ما يسجد عليه ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 592 ب 1 من أبواب ما يسجد عليه ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 594 ب 2 من أبواب ما يسجد عليه ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 592 ب 1 من أبواب ما يسجد عليه ح 6. 326 وحسنة بريد العجلي لإبراهيم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: لا بأس بالقيام على المصلى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض، فإن كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه والسجود عليه (1). وصحيحة حمران عن أحدهما (عليهما السلام) قال: كان أبي يصلي على الخمرة يجعلها على الطنفسة ويسجد عليها، فإذا لم يكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد (2). ورواية الحلبي - وليس فيها إلا محمد بن سنان - قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): دعا أبي بالخمرة فأبطأت عليه فأخذ كفا من حصاء فجعله على البساط ثم سجد (3). وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصلي على الرطبة النابتة، قال: فقال: إذا ألصق جبهته بالأرض فلا بأس، وعلى الحشيش النابت الثيل وهو يصيب أرضا جددا، قال: لا بأس (4). وعلى ما ذكرنا ينقدح عدم جواز السجود على المعادن كالذهب والفضة والزرنيخ والعقيق، وكل مستحيل منها كالزجاجة ونحوها، وعلى ما يؤكل ويلبس من نباتها. أما الأول فلعدم صدق الأرض على المعادن ونظائرها. وقد ثبت من الحصر في الروايات عدم الجواز على غير الأرض وما ينبت منها. ولرواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تسجد على الذهب والفضة (5). وصحيحة محمد بن الحسين: إن بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 592 ب 1 من أبواب ما يسجد عليه ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 594 ب 2 من أبواب ما يسجد عليه ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 594 ب 2 من أبواب ما يسجد عليه ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 604 ب 13 من أبواب ما يسجد عليه ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 604 ب 12 من أبواب ما يسجد عليه ح 2. 327 الماضي (عليه السلام) يسأله عن الصلاة على الزجاج، قال: فلما نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت: هو مما أنبتت الأرض، وما كان لي أن أسأله عنه، فكتب: لا تصل على الزجاج، وإن حدثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض، ولكنه من الملح والرمل، وهما ممسوخان (1). قال الفاضل المجلسي (رحمه الله) في شرح الفقيه: أي خرجا بالاستحالة عن اسمهما، فيفهم من التعليل عدم جواز السجود على كل مستحيل (2). وأما الثاني فيظهر وجهه أيضا مما ذكرنا. ثم إن الروايات اختلفت في جواز السجود على القير، وقضية الأدلة السابقة عدم الجواز، ولعله كان وفاقيا بين الأصحاب أيضا. ويدل عليه - مضافا إلى ما ذكرنا من الإطلاقات وخصوص حسنة زرارة (3) - رواية محمد بن عمر بن سعيد عن الرضا (عليه السلام) قال: لا يسجد على القفر ولا على القير ولا على الصاروج (4). وفي مقابلتها أخبار تدل على الجواز، منها صحيحة معاوية بن عمار قال: سأل المعلى بن خنيس أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن السجود على القفر وعلى القير، فقال: لا بأس به (5). وصحيحته الأخرى في الصلاة في السفينة. ويصلي على القير ويسجد عليه (6). وصحيحته الأخرى أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن السجود على القار، قال: لا بأس به (7) وفي رواية أخرى: أنه من نبات الأرض (8). ولا بد من حمل المذكورات على التقية، وضعف الرواية المذكورة لا يضر مع
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 604 ب 12 من أبواب ما يسجد عليه ح 1. (2) روضة المتقين: ج 2 ص 179. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 594 ب 2 من أبواب ما يسجد عليه ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 599 ب 6 من أبواب ما يسجد عليه ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 599 ب 6 من أبواب ما يسجد عليه ح 4. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 600 ب 6 من أبواب ما يسجد عليه ح 6. (7) وسائل الشيعة: ج 3 ص 600 ب 6 من أبواب ما يسجد عليه ح 5. (8) وسائل الشيعة: ج 3 ص 600 ب 6 من أبواب ما يسجد عليه ح 8. 328 اعتضادها بحسنة زرارة، بل صحيحته وبصحيحة هشام وغيرها من الإطلاقات، سيما مع اشتهار العمل بها، بل وكونها إجماعيا، فلا وجه للحمل على الكراهة كما يتوهم. والمنقول من ظاهر أكثر الأصحاب عدم جواز السجود على الجص، ويمكن الاستدلال على ذلك بالحصر المعلوم، وادعاء أنه لا يسمى أرضا. ولا يخفى أن لزوم اخراج الأجزاء المنفصلة عن الأرض - لو سلم عدم صدقها عليها حقيقة - من الشطر المنفي في الحصر لا يستلزم عدم اعتبار حصرها وعدم الاعتناء بها كما يتوهم. فإن الاجماع والأدلة - مثل الاستصحاب في غيرها - أخرجتها، ونهضت على جواز الصلاة عليها، والعام حجة في الباقي، ولم يثبت مخرج للجص، فيبقى تحت عموم النفي مندرجا، لعدم كونه أرضا ولا ما نبت منها. ولولا ذلك لانسد باب الاستدلال بالعمومات والإحصار الكثيرة مثل * (إنما حرم عليكم الميتة) * (1) وغير ذلك، وهو كما ترى. هذا، ولكن نفي اسم الأرض عن أرض الجص قبل الطبخ مشكل، فالظاهر جواز السجود عليه مع ذلك، وبعد طبخه حكم الجواز مستصحب، والتمسك بأنه تغير الموضوع فيه فيستلزم انتفاء الحكم أيضا مشكل، لمنع ذلك، ولعدم ثبوت ذلك الحكم مطلقا، ويمكن استشعار المنع من العلة المنصوصة في حديث الزجاجة أيضا. ويدل على جواز السجود - كما ذهب إليه الشيخ في المبسوط (2) ويظهر من ابن بابويه أيضا (3) - صحيحة الحسن بن محبوب عن أبي الحسن (عليه السلام) انه سأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى، ثم يجصص به المسجد، أيسجد عليه؟ فكتب إليه بخطه (عليه السلام): إن الماء والنار قد طهراه (4).
(1) البقرة: 173. (2) المبسوط: ج 1 ص 89. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 270 ح 833. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 602 ب 10 من أبواب ما يسجد عليه ح 1. 329 فإن الظاهر أن جواب المعصوم (عليه السلام) مطابق لتمام السؤال، إذ السؤال كان عن جواز السجود على مثل هذا الجص الذي يتردد في نجاسته، فكأن جواز السجود مطلقا كان مفروغا عنه وكان يسأل عن خصوص المادة، فأجابه (عليه السلام) بأن هذا لا يصير سببا لمنع السجود ف " إن الماء والنار طهراه ". وقد يوجه بأن ظاهر جواب المعصوم (عليه السلام) يكشف عن أن الاستشكال كان من جهة التردد في النجاسة، وأن الانسان في حال السجود قل ما ينفك ملاقاته لذلك المكان، فهل هو طاهر ولا يضر ملاقاته أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) بما أجاب. وبالجملة: المسألة محل تردد، والاحتياط يقتضي الاحتراز عنه حسب ما أمكن. ويظهر من كلام جماعة من المتأخرين القطع بجواز السجود على الخزف، وقد استدل بعضهم على ذلك بصدق الاسم عليه. وبالجملة: لم نجد الحكم بعدم الجواز من واحد منهم، والإطلاقات والأدلة يقتضي عدم الصحة، ولا نص فيها على الجواز بالخصوص، واستفادة ذلك من الخبر السابق دونه خرط القتاد، فإن ثبت الاجماع في المسألة فهو المعتمد، ولم أقف على دعواه صريحا من أحد، وإلا فلا ريب أن السجود عليه مشكل. وعبارة فقه الرضا (1) ظاهر في عدم جواز السجود على الآجر، والكلام فيه نظير ما سبق، فتدبر. هذا ما يتعلق بنفس الأرض، وأما ما ينبت منها وكان مأكولا أو ملبوسا فلا خلاف في عدم جواز السجود عليه إلا في موضعين: الأول: القطن والكتان، وخالف فيهما السيد المرتضى (رحمه الله) فجوز السجود عليهما (2)، والاستدلال المنقول منه اعتبار ضعيف لا يعتمد عليه، وجوز العلامة في النهاية (3) السجود على القطن والكتان قبل الغزل، وهو أيضا ضعيف.
(1) فقه الرضا (عليه السلام): ص 113. (2) نقله عن المسائل الموصلية المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 118. (3) نهاية الإحكام: ج 1 ص 362. 330 ويدل على الجواز رواية داود الصرمي قال: سألت أبا الحسن الثالث (عليه السلام): هل يجوز السجود على الكتان والقطن من غير تقية؟ فقال: جائز (1). ورواية الصنعاني قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة، فكتب إلي: جائز (2). وربما يستفاد من بعض الأخبار الضعيفة أيضا. وأما ما روي عن الباقر (عليه السلام): إنا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أيسجد عليه؟ فقال: لا، ولكن اجعل بينك وبينها شيئا قطنا أو كتانا (3) فلا دلالة فيه أصلا، لأن الظاهر منه كونه فاقد الأرض، ومع فقد الأرض وعدم وجدان غير الثلج لا بد من بسط ثوب على الثلج، كما هو منصوص عليه في موثقة عمار (4)، وهو أعم من القطن والكتان أيضا، فلاحظ الأخبار في باب فاقد الأرض. وبالجملة: يبقى المعارضة بين تلك الأخبار والأخبار التي ذكرناها مثل صحيحتي (5) هشام وحماد وحسنة زرارة (6) وخصوص رواية أبي العباس (7)، ولا يخفى أن الترجيح لها لكثرتها واعتبار أسنادها واعتضادها بعمل الأصحاب وبالإجماع المنقول عن السيد في المصباح (8) على ذلك، وتلك الأخبار محمولة على التقية والاضطرار، ولا ينافي الحمل على التقية رواية الصنعاني كما لا يخفى على المتأمل. وقد يتوهم أن تلك الأخبار يفيد جواز السجود على القطن والكتان،
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 595 ب 2 من أبواب ما يسجد عليه ح 6. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 595 ب 2 من أبواب ما يسجد عليه ح 7. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 597 ب 4 من أبواب ما يسجد عليه ح 7. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 457 ب 28 من أبواب مكان المصلي ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 591 - 592 ب 1 من أبواب ما يسجد عليه ح 1 و 2. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 594 ب 2 من أبواب ما يسجد عليه ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 3 ص 592 ب 1 من أبواب ما يسجد عليه ح 6. (8) نقله عنه المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 119. 331 فلا تنافي بينها وبين عدم الجواز على الثوب القطني أو ما لبس من النبات، فيجوز السجود على القطن والكتان قبل أن يصيرا ثوبا، لعدم كونهما ثوبا ولا ملبوسا. ولا يخفى ما فيه لأن المراد مما اكل ولبس في الأخبار هو ما من شأنه ذلك كما يفهم في العرف، فلا وجه للقول بعدم المنافاة. والتخصيص بغيرهما من جهة تلك الأخبار إنما يصح لو ثبت المقاومة، وقد عرفت الحال، مع أن رواية أبي العباس صريحة في المطلوب، وسندها أيضا أقوى من تلك الأخبار مع اعتضادها بما ذكرنا. ويظهر مما ذكر ضعف قول العلامة (رحمه الله) أيضا، مع أن مجرد الغزل لا يوجب إطلاق الملبوس عليه حقيقة، وقد ورد في مروية في كتاب العلل لمحمد ابن علي بن أبي إبراهيم في بعض الأخبار النهي عن السجود على الصوف، وهو أيضا دال على بطلان قوله بضميمة عدم القول بالفصل. الثاني: الحنطة والشعير قبل الطحن، فقد خالف فيه العلامة (1) (رحمه الله)، ومما ذكرنا هنا يظهر أن خلافه أيضا في جواز السجود عليهما ليس بشئ، والاحتجاج في ذلك بأن القشر الأعلى مما لا يؤكل عادة أيضا ضعيف، سيما في الحنطة، مع أن الصدوق يروي في الخصال عن الصادق (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يسجد الرجل على كدس حنطة، ولا شعير، ولا على لون مما يؤكل، ولا يسجد على الخبز (2). والمحكم في المأكول والملبوس هو العادة والعرف العام، فلا عبرة بأكله نادرا، كبعض العقاقير. ولا يمكن القول بأن المعتبر عند كل قطر هو مأكولهم وملبوسهم، لأن ما يمكن أن يستند فيه في فهم كلام المعصوم هو العرف العام، ومع الاختلاف فيشكل الأمر. وربما يمكن استنباط تعميم من قول الصادق (عليه السلام) في ذيل صحيحة هشام المتقدمة حيث سأله عن العلة في ذلك الحكم قال: لأن السجود خضوع لله عز وجل، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس، لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون
(1) نهاية الإحكام: ج 1 ص 362. (2) الخصال: ص 628. 332 ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها (1)، فتأمل. والذي يختلج في الخاطر أن المراد بكونه مأكولا في العرف أو ملبوسا أنه لو اطلع عليه أهل العرف لحكموا بذلك، لا أنه يكون متداولا عندهم معروفا بالأكل، وإلا فربما وجد مأكول لم يطلع عليه كثير منهم، ومع ذلك لو رأوه حكموا بأنه مما يؤكل، وبملاحظة ذلك يتفاوت الأحكام في مقامات كثيرة، فتنبه. ويجوز السجود على القرطاس، والظاهر أنه إجماعي، قال في المدارك: وانه مذهب الأصحاب، ونقل عن جده الاجماع على ذلك (2)، ويظهر من غيرهما. ويدل عليه - مضافا إلى ما يظهر من تضاعيف ما ذكرنا - صحيحة علي بن مهزيار قال: سأل داود بن أبي يزيد أبا الحسن (عليه السلام) عن القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب: يجوز (3). وصحيحة صفوان الجمال قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) في المحمل يسجد على قرطاس وأكثر ذلك يومئ إيماء (4). وصحيحة جميل بن دراج عن الصادق (عليه السلام) انه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة (5). وإطلاق تلك الروايات يقتضي اطراد الحكم في جميع الأقسام، واستثنى العلامة (رحمه الله) من ذلك ما كان من الحرير (6). ولا يخفى أنه تقييد للنص من غير دليل. ولعل نظره إلى أن المنع من غير الأرض وما ينبت منها غير المأكول والملبوس عموم، وجواز السجود على القراطيس عموم، ويتعارضان من وجه،
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 591 ب 1 من أبواب ما يسجد عليه ح 1. (2) مدارك الأحكام: ج 3 ص 249. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 601 ب 7 من أبواب ما يسجد عليه ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 600 ب 7 من أبواب ما يسجد عليه ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 601 ب 7 من أبواب ما يسجد عليه ح 3. (6) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 437. 333 فلم يثبت الجواز لهذا القسم. وهو منقوض بالقرطاس المعمول من القطن والكتان بعينه. فإن قيل: إنه ورد عموم جواز السجود على النبات أيضا، والقدر المخرج منه بالدليل هو ما قبل صيرورته قرطاسا، فيضعف اندراجه تحت عموم المنع، وليس هذا في جانب الحرير. قلت: سلمنا ذلك، لكن استصحاب الحالة السابقة يؤيد المنع فيما نحن فيه أيضا، والحل منع أعمية ما يلبس المذكور في الأخبار عن القرطاس، بل لعله مباين له. وأما بالنسبة إلى غير الملبوس فلا ينفعه أصلا، لعدم دخول الحرير فيه. ومع تسليم ذلك كله فعموم التجويز أقوى، لاعتضادها بعمل الأصحاب، بل والإجماع ظاهرا، وعدم ثبوت العموم في طرف المقابل بحيث يشمل ما نحن فيه. ومما ذكرنا يظهر أن استثناء الشهيد في الدروس - مع ذلك - المعمول من القطن والكتان أيضا ليس بشئ. اللهم إلا أن يقال: المعمول من الحرير من الأفراد النادرة، فلا يتبادر من تلك الإطلاقات، سيما والظاهر من صحيحة علي بن مهزيار (1) أن السؤال كان من جهة الكتابة، فلا يفيد العموم - وإن كان الجمع المحلى، وكذلك ترك الاستفصال يفيدان العموم - وكذلك الخبران الآخران (2) لا عموم فيهما يعتد به. وقال في الذكرى أكثر ما يتخذ منه القرطاس القنب (3). فإن ثبت ذلك فيظهر في أساس الجواز في المتخذ عن القطن والكتان أيضا وهن، لكن الشأن في إثبات ذلك، والأظهر الجواز فيهما وإن كان الأحوط الترك بالنسبة إلى الأمور الثلاثة. ويكره السجود على المكتوبة منها، وربما يفيد بأن يكون غير مستوعب
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 601 ب 7 من أبواب ما يسجد عليه ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 600 - 601 ب 7 من أبواب ما يسجد عليه ح 1 و 3. (3) ذكرى الشيعة: ص 160 س 5. 334 بالحبر، لئلا يقع الجبهة على الحبر محضا، لأنه مما لا يجوز السجود عليه، والقول بأنه عرض لا يمنع عن ذلك فاسد. هذا كله مع الاختيار، وأما مع الاضطرار فيجوز السجود على الثوب إذا منعه الحر، للإجماع والروايات المعتبرة، منها صحيحة القاسم بن الفضيل قال: قلت للرضا (عليه السلام): والرجل يسجد على كمه من شدة أذى الحر والبرد، قال: لا بأس به (1)، وفي معناها أخبار كثيرة. وإذا لم يتمكن منه يسجد على ظهر يده ولرواية أبي بصير عن الباقر (عليه السلام) قال: قلت له: أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟ قال: تسجد على بعض ثوبك، قلت: ليس علي ثوب أمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله، قال: اسجد على ظهر كفك فإنها إحدى المساجد (2). قال بعض الأصحاب: ولا يضر ضعف السند بعد اعتضادها بالشهرة وسلامتها عن المعارض وموافقتها للاعتبار. ثم إنه لا بد من اعتبار ذلك بعد العجز عن كل ما يصح السجود عليه، وظاهر الإطلاقات يقتضي جواز ذلك، وعدم تأخير الصلاة إلى آخر الوقت، بل وفي بعضها انه يريد الصلاة في المسجد ويكره السجود على الحصى للحرارة، فرخصه المعصوم في سجوده على ثوبه (3)، مع ترك الاستفصال في شئ، فيظهر أنه لو أمكن من المعادن ونحوها لا يقدم على الثوب، وفي تقديم المعادن ونحوها على اليد وجهان: لظاهر الخبر، ولأقربيتها إلى الأرض، ولذلك تنظر الشهيد في البيان (4) في ذلك، والأخبار الكثيرة أيضا يدل على تقديم القطن والكتان، بل ومطلق الثوب، كما في بعضها إذا لم يقدر إلا على الثلج.
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 597 ب 4 من أبواب ما يسجد عليه ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 597 ب 4 من أبواب ما يسجد عليه ح 5. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 596 ب 4 من أبواب ما يسجد عليه ح 1. (4) البيان: ص 67. 335 وفي تقديم المعادن عليه أيضا وجهان، وفي بعض الأخبار: إن أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه، وإن لم يمكنك فسوه واسجد عليه (1). وإطلاقه يقتضي التسوية. وكذا في تقديم اليد على الثلج وجهان، ولعل في هذا الخبر إشعارا به. ولا يجوز السجود على الوحل، لعدم صدق الأرض، ولموثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن حد الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ فقال: إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض (2). وإذا اضطر أومأ، وهو المشهور للحرج والعسر، وموثقة عمار الأخرى عنه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصيبه المطر وهو في موضع لا يقدر أن يسجد فيه من الطين ولا يجد موضعا جافا، قال: يفتتح الصلاة، فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلى، فإذا رفع رأسه من الركوع فليؤم بالسجود إيماء وهو قائم، يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة ويتشهد وهو قائم ثم يسلم (3). وفي إبقاء الخبر على إطلاقه والاجتزاء بالإيماء مطلقا إشكال، ولذا ذهب بعض الأصحاب إلى العمل بقاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور وأنه يأتي بالأفعال بحسب المقدور وإن كانت الرواية معتضدة بالشهرة، والاحتياط سبيل النجاة. وهل يجوز السجود على شئ يضع في كور عمامته حاملا له؟ فيه وجهان، اختار الجواز في الذكرى، ورد على الشيخ منع ذلك (4)، ونسب القول بالمنع بسبب الحمل إلى بعض العامة وقال: وإن احتج الشيخ برواية عبد الرحمن عن الصادق (عليه السلام) في السجود على العمامة: لا يجزيه حتى يصل جبهته إلى الأرض (5).
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 457 ب 28 من أبواب مكان المصلي ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 442 ب 15 من أبواب مكان المصلي ح 9. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 440 ب 15 من أبواب مكان المصلي ح 4. (4) ذكرى الشيعة: ص 159 س 26. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 605 ب 14 من أبواب ما يسجد عليه ح 1. 336 قلنا: لا دلالة فيه على كون المانع الحمل، بل لكونه مما لا يسجد عليه (1). وربما يستدل على المنع بعدم صدق وضع الجبهة على الشئ، والمعتبر في السجود هو الوضع عليه، والأحوط الاجتناب اختيارا، والله العالم بحقائق الأحكام. منهاج يجب الذكر في حال السجود، ومر الكلام فيه في الركوع، والكلام فيهما سواء، والخلاف الخلاف، والمختار المختار، إلا أن فيه عوض " العظيم " " الأعلى ". ويجب الطمأنينة حال السجود بقدر الذكر الواجب للإجماع، نقله غير واحد من أصحابنا، ولما يظهر من الأخبار، والكلام في هذه المعنى أيضا مثل ما مر في الركوع. ونقل عن الشيخ (2) أيضا أنها ركن، ويظهر ضعفه من تضاعيف ما ذكرنا، وما سنذكره إن شاء الله تعالى. ويجب رفع الرأس من السجود، والطمأنينة بعد الرفع من السجدة الأولى للإجماع، نقله جماعة من أصحابنا، وللنصوص المستفيضة، ويكفي تحقق مسماها عرفا. منهاج وفي صحيحة حماد فيما علمه الصادق (عليه السلام) قال: ثم كبر وهو قائم، ورفع يديه حيال وجهه، ثم سجد، وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه وقال " سبحان ربي الأعلى وبحمده " ثلاث مرات، ولم يضع شيئا من جسده على شئ منه، وسجد على ثمانية أعظم: الكفين، والركبتين، وأنامل إبهامي
(1) ذكرى الشيعة: ص 159 س 29. (2) نقله عنه السيد السند في مدارك الأحكام: ج 3 ص 387. 337 الرجلين، والجبهة، والأنف، وقال: سبعة منها فرض يسجد عليها، وهي التي ذكرها الله تعالى في كتابه فقال: * (إن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) * وهي: الجبهة والكفان والركبتان والإبهامان، ووضع الأنف على الأرض سنة، ثم رفع رأسه من السجود، فلما استوى جالسا قال " الله أكبر " ثم قعد على فخذه الأيسر، وقد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر، وقال " أستغفر الله ربي وأتوب إليه " ثم كبر وهو جالس وسجد السجدة الثانية وقال كما قال في الأولى، ولم يضع شيئا من بدنه على شئ منه في ركوع ولا سجود، وكان مجنحا ولم يضع ذراعيه على الأرض (1). ويستحب العمل بمضمون ما تضمنه، وقد عرفت الخلاف في وجوب التكبير، ووجوب الرفع، والمختار. ويستحب الابتداء بوضع اليدين قبل الركبتين، وأن يضعهما معا، وأن لا يفترش ذراعيه افتراش السبع ذراعه، وأن لا يضع ذراعيه على ركبتيه وفخذيه، كل ذلك لصحيحة زرارة، وفيها أيضا: ولا تلزق كفيك بركبتيك، ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك، ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك، ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا، وابسطهما على الأرض بسطا، واقبضهما إليك قبضا، وإن كان تحتهما ثوب فلا يضرك، وإن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل، ولا تفرجن بين أصابعك في سجودك، ولكن ضمهن جميعا (2). والأولى تقييد مطلقات خبر حماد بهذه الصحيحة، وكذا حمل ما ينافيها ظاهرا على ما يوافقها، لأن القول أقوى من الفعل. وما تضمنه خبر حماد من إتمام التكبير حال القيام هو المشهور بين الأصحاب. وقال في الذكرى: ولو كبر في هويه جاز، وترك الأفضل. وقال ابن أبي عقيل: يبدأ بالتكبير قائما، ويكون انقضاء التكبير مع مستقره ساجدا.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 673 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 675 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 3. 338 وخير الشيخ في الخلاف بين هذا وبين التكبير قائما، ثم نقل رواية معلى بن خنيس عن الصادق (عليه السلام): ان علي بن الحسين (عليه السلام) كان إذا أهوى ساجدا انكب وهو يكبر، انتهى ملخصا (1). والعمل على الأول أفضل، وربما يحمل الرواية على النافلة. وخالف الصدوق في استحباب الإرغام بالأنف، وأوجبه نظرا إلى حسنة ابن المغيرة، قال: أخبرني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام): لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه (2)، وموثقة عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: قال علي (عليه السلام): لا تجزى صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين (3). ويدفعه ظواهر الأخبار المستفيضة، وخصوص رواية محمد بن مصادف، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام): إنما السجود على الجبهة وليس على الأنف سجود (4). والظاهر من استحباب الإرغام هو وضعه على ما يصح السجود عليه، كما ذكره بعض الأصحاب وإن كان الرغام هو التراب. ويظهر من بعضهم أن السجود على الأنف سنة، والإرغام سنة على حدة، والذي ظهر من بعض الأخبار - كالخبرين المتقدمين - هو كونه مما وقع الجبهة عليه، ويظهر من بعض الأصحاب كفاية مطلق المماسة وإن لم يكن على سبيل الاعتماد. ونسب إلى السيد (رحمه الله) اعتبار الطرف الأعلى (5)، والأخبار مطلقة، وعن ابن الجنيد أنه مس الأرض بطرف الأنف وحدبته إذا أمكن، وذلك للرجل والمرأة. وهذا التفسير آنس بالعرف والعادة. واعلم أن ما ذكرناها من المستحبات في طي الحديثين لا ينحصر دليلها
(1) ذكرى الشيعة: ص 201 س 36. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 955 ب 4 من أبواب السجود ح 7. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 954 ب 4 من أبواب السجود ح 4. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 954 ب 4 من أبواب السجود ح 1. (5) نسبه إليه المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 213. 339 فيهما، بل الاجماع، والأخبار الدالة عليها كثيرة. ويستحب جلسة الاستراحة بعد الرفع عن السجدة الأخيرة عند أكثر الأصحاب. ويدل على رجحانه صحيحة عبد الحميد بن عواض عن الصادق (عليه السلام) قال: رأيته إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتى يطمئن ثم يقوم (1). ورواية أصبغ بن نباتة قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئن ثم يقوم، فقيل له: يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر وعمر إذا رفعا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما تنهض الإبل، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس، إن هذا من توقير الصلاة (2). وعلى رفع الوجوب صحيحة عبد الله بن بكير عن زرارة قال: رأيت أبا جعفر (عليه السلام) وأبا عبد الله (عليه السلام) إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا (3). وذهب السيد (رحمه الله) إلى وجوبه، وادعى في الانتصار الاجماع عليه (4)، وهو ظاهر الأمر في موثقة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية من الركعة الأولى حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ثم قم (5). وتمسك أيضا بأنه لا يتحقق اليقين بالبراءة إلا بذلك وقال فيه: انه روى مخالفونا كلهم عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه كان يجلس هذه الجلسة، ونسب الموافقة لنا في هذه المسألة إلى الشافعي منهم (6). فمع ملاحظة ذلك، وكون ذلك شعارا للشيعة، ومخالفا للعامة مع ادعاء السيد على وجوبه الاجماع، وظهور كون الأخبار للتقية، سيما مع ملاحظة رواية رحيم
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 956 ب 5 من أبواب السجود ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 956 ب 5 من أبواب السجود ح 5. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 956 ب 5 من أبواب السجود ح 2. (4) الانتصار: ص 36. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 956 ب 5 من أبواب السجود ح 3. (6) راجع الأم: ج 1 ص 117، المجموع: ج 3 ص 440. 340 عن الرضا (عليه السلام) قال: قلت: جعلت فداك أراك إذا صليت فرفعت رأسك من السجود في الركعة الأولى والثانية تستوي جالسا ثم تقوم، فنصنع كما تصنع؟ قال: لا تنظروا إلى ما أصنع أنا، اصنعوا ما تؤمرون (1). فالأحوط عدم تركه. ويكره الإقعاء بين السجدتين. قال ابن الأثير في النهاية: الاقعاء أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض وينصب ساقيه وفخذيه، ويضع يديه على الأرض، كما يقعى الكلب. وقيل: أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين. والقول الأول، ومنه الحديث انه (عليه السلام) أكل مقعيا. أراد أنه كان يجلس عند الأكل على وركيه مستوفرا غير متمكن. ونسب في المعتبر (2) التفسير الثاني مع زيادة " الاعتماد على صدر القدمين " إلى الفقهاء. وكذا العلامة في المنتهى (3)، ورجحا ذلك لأنه تفسيرهم وبحثهم على تقديره. والمشهور بين الأصحاب هو الكراهة، ونقل عن الشيخ الاجماع على ذلك في الخلاف (4). ويدل عليه موثقة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: لا تقع بين السجدتين إقعاء (5). وصحيحة الحلبي وابن مسلم وابن عمار قالوا: قال: لا تقع في الصلاة بين السجدتين كإقعاء الكلب (6). وقد يؤيد ذلك لقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: إياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك، ولا تكون قاعدا على الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 957 ب 5 من أبواب السجود ح 6. (2) المعتبر: ج 2 ص 218. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 291 س 2. (4) الخلاف: ج 1 ص 360 المسألة 118. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 957 ب 6 من أبواب السجود ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 957 ب 6 من أبواب السجود ح 2. 341 فلا تصبر للتشهد والدعاء (1). فإن العلة عامة، وحمل الأخبار على ما فسروه به، سيما الرواية الثانية في غاية البعد، إلا أن يقال: لفظة " إقعاء " في الموثق للنوع، فيكون نكرة في سياق النفي، فيفيد العموم، وهو بعيد لاستلزامه استعمال اللفظ في المعنيين الحقيقيين أو الحقيقي والمجازي، كما أن كونه تأكيدا للنفي، أو للوحدة أيضا كذلك، إلا أن يجعل تأكيدا للنفي، مع أن المحقق (2) نسب القول بكراهته إلى محمد بن مسلم وابن عمار، ولعل مرادهما إقعاء الكلب كما روياه. ويدل على تفسير الفقهاء ما رواه في معاني الأخبار عن عمرو بن الجميع قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا بأس بالإقعاء وفي (3) الصلاة بين السجدتين، وبين الركعة الأولى والثانية، وبين الركعة الثالثة والرابعة، وإذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى، ولا يجوز الإقعاء في موضع التشهدين إلا من علة، لأن المقعي ليس بجالس، إنما جلس بعضه على بعض. والإقعاء أن يضع الرجل أليتيه على عقبيه في تشهديه، فأما الأكل مقعيا فلا بأس به لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أكل مقعيا (4). وبملاحظة هذه الرواية يظهر موافقة صحيحة زرارة أيضا لهذا التفسير، ويمكن أن يكون تفسير الإقعاء من كلام الصدوق كما هو الظاهر، فلا دلالة. ولو سلم عدم ثبوت كراهة الإقعاء بتفسير الفقهاء من الأخبار فلا شك أن السنن والمكروهات مما يتسامح في أدلتها، وفتوى الفقهاء في ذلك يكفي، والأحوط الاجتناب عن كل ما سمي إقعاء. والشيخ في المبسوط، والمرتضى - رضي الله عنهما - على أنه ليس بمكروه (5)،
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 676 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ذيل ح 3. (2) المعتبر: ج 2 ص 218. (3) كذا، ولم يرد " و " في معاني الأخبار. (4) معاني الأخبار: ص 300. (5) المبسوط: ج 1 ص 113، ونقله عن السيد المرتضى المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 218. 342 ولعل مستندهما صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: لا بأس بالإقعاء بين السجدتين (1). وقد حمل البأس على ما يساوق الحرمة جمعا بين الأدلة. ثم إن الظاهر أنه يكره في جلسة الاستراحة أيضا كما ذكره الشهيد الثاني (2)، ويظهر منه أنه قول الأكثر، بل وربما عمم بعضهم الحكم بجميع حالات الجلوس، وفي الصحيحة المتقدمة إشارة إلى ذلك، مع أن قول الفقهاء في ذلك يكفي. وفي السرائر نقلا عن كتاب حريز قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين، ولا ينبغي الإقعاء بين التشهد في الجلوس، وإنما التشهد في الجلوس وليس المقعي بجالس (3). وسيجئ في حسنة الحلبي إشارة إليه في خصوص جلسة الاستراحة ببعض الوجوه، مع إشكال في الدلالة كما يظهر بالتأمل. ويستحب التورك بينهما، والمشهور في تفسيره هو ما مر في صحيحة حماد (4). ونقل عن المرتضى في المصباح أنه قال: يجلس مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى للأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض، ويستقبل بركبتيه معا القبلة (5). وعن ابن الجنيد بنحو آخر (6). والعمل على المشهور، ويمكن بجعله أفضل الأفراد للمسامحة، ويظهر الفائدة في صورة العجز عن المشهور، مع القدرة على غير المشهور من الأوضاع. والأفضل فيما يسجد عليه المصلي اختيار الأرض، لكونه أقرب إلى
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 957 ب 6 من أبواب السجود ح 3. (2) روض الجنان: ص 277 س 25. (3) السرائر: ج 1 ص 227 مع اختلاف في التعبير. (4) تقدمت في صفحة 357. (5) نقله عنه المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 215. (6) نقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 202 س 29. 343 الخشوع، ولصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: السجود على الأرض أفضل لأنه أبلغ في التواضع والخضوع لله عز وجل (1). ولرواية إسحاق بن الفضل أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن السجود على الحصر والبواري، فقال: لا بأس، وأن تسجد على الأرض أحب إلي، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يحب أن يمكن جبهته من الأرض، فأنا أحب لك ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبه (2). والأفضل منه التربة الحسينية على مشرفها الصلاة والسلام. فروى الشيخ في المصباح عن معاوية بن عمار قال: كان لأبي عبد الله (عليه السلام) خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله (عليه السلام) فكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه، ثم قال: إن السجود على تربة أبي عبد الله (عليه السلام) يخرق الحجب السبع (3). وروى ابن بابويه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) إن السجود على الأرض فريضة، وعلى غير ذلك سنة (4). وان السجود على طين قبر الحسين (عليه السلام) ينور إلى الأرضين السبع، ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسين (عليه السلام) كتب مسبحا وإن لم يسبح بها، والتسبيح بالأصابع أفضل منه بغيرها، لأنها مسؤولات يوم القيامة (5). فحيث ناسب هذا ذكر السبحة فنقول: قد روى الشيخ في المصباح عن الحلبي عن الكاظم (عليه السلام) قال: لا يخلو المؤمن من خمسة: سواك، ومشط، وسجادة، وسبحة فيها أربع وثلاثون حبة، وخاتم عقيق (6). وأيضا عن الصادق (عليه السلام) قال: من أدار الحجر من تربة الحسين (عليه السلام) فاستغفر
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 608 ب 17 من أبواب ما يسجد عليه ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 608 ب 17 من أبواب ما يسجد عليه ح 4. (3) مصباح المتهجد: ص 677، وسائل الشيعة: ج 3 ص 608 ب 16 من أبواب ما يسجد عليه ح 3. (4 و 5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 268 ح 828 و 829. (6) مصباح المتهجد: ص 678، وسائل الشيعة: ج 4 ص 1033 ب 16 من أبواب التعقيب ح 5. 344 ربه مرة واحدة كتب الله له سبعين مرة، فإن مسك السبحة ولم يسبح بها ففي كل حبة منها سبع مرات (1). وفي التهذيب في الصحيح عن الحميري قال: كتبت إلى الفقيه أسأله هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر؟ وهل فيه فضل؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت: يسبح به، فما في شئ من السبح أفضل منه، ومن فضله أن المسبح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له ذلك التسبيح (2). ويستحب تمكين الجبهة على المسجد لتحصيل أثره، لقوله تعالى: * (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) * (3)، ولرواية إسحاق بن الفضل المتقدمة (4)، ورواية السكوني وفيها: اني لأكره للرجل أن أرى جبهته جلجاة (5). وأن يدعو فيها قبل الذكر، وكذا بين السجدتين بالمأثور. ففي حسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا سجدت فكبر وقل: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره، والحمد لله رب العالمين، تبارك الله أحسن الخالقين. ثم قل: " سبحان ربي الأعلى وبحمده " ثلاث مرات، فإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين: اللهم أغفر لي وارحمني وأجرني وادفع عني وعافني إني لما أنزلت إلي من خير فقير، تبارك الله رب العالمين (6). ويجوز أن يدعو فيها للدنيا والدين. ففي صحيحة عبد الرحمن بن سيابة - على الظاهر - قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أدعو وأنا ساجد؟ قال: نعم، ادع للدنيا والآخرة فإنه رب الدنيا والآخرة (7).
(1) مصباح المتهجد: ص 678، وسائل الشيعة: ج 4 ص 1033 ب 16 من أبواب التعقيب ح 6. (2) تهذيب الأحكام: ص 75 ح 17. (3) الفتح: 29. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 608 ب 17 من أبواب ما يسجد عليه ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 977 ب 21 من أبواب السجود ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 951 ب 2 من أبواب السجود ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 973 ب 17 من أبواب السجود ح 2. 345 وفي رواية عبد الله بن هلال قال: شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) تفرق أموالنا وما دخل علينا، فقال: عليك بالدعاء وأنت ساجد، فإن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد، قال: قلت: فأدعو في الفريضة واسمي حاجتي؟ فقال: نعم، قد فعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم، وفعله علي (عليه السلام) بعده (1). وفي صحيحة محمد بن مسلم (2) أيضا دلالة على ما ذكر. ويستحب أن لا يكون حين القيام كالعجان، بل يبسط الكفين، لحسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا سجد الرجل ثم أراد أن ينهض فلا يعجن بيديه في الأرض ولكن يبسط كفيه من غير أن يضع مقعدته على الأرض (3). ولعل هذا كناية عن عدم الإقعاء. وأن يقول في حال القيام معتمدا على كفيه: " بحول الله وقوته أقوم وأقعد " فإن عليا (عليه السلام) كان يفعل ذلك. وهو مضمون صحيحة سيف عن الحضرمي عن الصادق (عليه السلام) (4). وفي صحيحة ابن سنان عنه (عليه السلام) قال: إذا قمت من السجود قلت: اللهم ربي بحولك وقوتك أقوم وأقعد، وإن شئت قلت: وأركع وأسجد (5). وفي صحيحة ابن مسلم عنه (عليه السلام) قال: إذا قام الرجل من السجود قال: بحول الله أقوم وأقعد (6). والكل حسن إن شاء الله. ويستحب السبق برفع الركبتين عند القيام، لصحيحة محمد بن مسلم قال:
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 973 ب 17 من أبواب السجود ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 973 ب 17 من أبواب السجود ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 975 ب 19 من أبواب السجود ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 967 ب 13 من أبواب السجود ح 5. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 966 ب 13 من أبواب السجود ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 966 ب 13 من أبواب السجود ح 2. 346 رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد، وإذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه (1). والظاهر أن هذا إجماعي كالاعتماد على الكفين عنده. ويستحب للمرأة أن تجلس على ألييها ليس كما يقعد الرجل، وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين، ثم تسجد لاطئة بالأرض، فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض، وإذا نهضت انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا. كل ذلك مذكور في حسنة زرارة (2). وفي موثقة ابن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها (3). وفي أخرى إذا سجدت تضممت، والرجل إذا سجد يفتح (4). ونقل عن المفيد القول بأنه إذا كان القيام من التشهد يقوم بالتكبير (5) وهو مخالف لقول أكثر الأصحاب، ولظاهر صحيحة الحضرمي المتقدمة، وللأخبار المعتبرة الدالة على أن التكبيرات خمس وتسعين وسيجئ، ولم نقف للمفيد على حجة (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 950 ب 1 من أبواب السجود ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 676 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 4. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 953 ب 3 من أبواب السجود ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 953 ب 3 من أبواب السجود ح 3. (5) نقله عنه المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 232. (6) في هامش الأصل قريبا من هنا حاشية مشوشة العبارة، وهي هذه: ويستحب في آخر سجدة من نافلة المغرب ليلة الجمعة، بل كل ليلة بما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح سبع مرات، فينصرف وقد غفر له وهو: اللهم إني أسألك بوجهك الكريم واسمك العظيم أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تغفر لي ذنبي العظيم. 347 الفصل الحادي عشر (*) في القنوت منهاج فعل القنوت في الصلاة راجح بالإجماع، وإنما وقع الخلاف في وجوبه واستحبابه، وفي موضع الوجوب والاستحباب من الصلوات والركعات. والمشهور استحباب القنوت في جميع الصلوات، وادعى المرتضى (رحمه الله) (1) إجماع الإمامية على ذلك. وقال الصدوق: إنه سنة واجبة، من تركه عمدا أعاد (2)، والمنقول عن ظاهر ابن أبي عقيل الوجوب في الصلاة الجهرية (3). والأول أقرب، لنا - مضافا إلى ما سبق - الأخبار المعتبرة المستفيضة. مثل صحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: القنوت في كل الصلوات (4). وصحيحته الأخرى عنه (عليه السلام) قال: القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع (5). وصحيحة صفوان بن مهران قال: صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) أياما فكان
(*) راجع ما كتبناه في هامش ص 200. (1) الانتصار: ص 46. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 316. (3) كما في المعتبر: ج 2 ص 243. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 895 ب 1 من أبواب القنوت ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 900 ب 3 من أبواب القنوت ح 1. 348 يقنت في صلاة يجهر فيها أو لا يجهر فيها (1). وهذه الرواية مذكورة في الكتب الثلاثة بالطرق المعتبرة. وموثقة ابن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن القنوت في الصلوات الخمس جميعا فقال: اقنت فيهن جميعا، قال: فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) بعد ذلك، فقال: أما ما جهرت فيه فلا شك (2). وصحيحة حسن بن علي بن فضال عن ابن بكير، عن محمد بن مسلم عنه (عليه السلام)، قال: القنوت في كل الركعتين في التطوع أو الفريضة (3). قال الحسن: وأخبرني عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: القنوت في كل الصلوات (4). قال محمد بن مسلم: فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: أما ما لا تشك فيه فما جهر فيه بالقراءة (5). وموثقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت فقال: فيما يجهر فيه بالقراءة، فقال: فقلت له: إني سألت أباك عن ذلك فقال: في الخمس كلها، فقال: رحم الله أبي إن أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحق، ثم أتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية (6). ويدل على نفي الوجوب - مضافا إلى الأصل - خصوص صحيحة البزنطي عن الرضا (عليه السلام) قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) في القنوت: إن شئت فاقنت، وإن شئت لا تقنت، قال أبو الحسن (عليه السلام): وإذا كان التقية فلا تقنت، وأنا أتقلد هذا (7). وأما ما ورد في الأخبار الكثيرة من الاختصاص ببعض الصلوات دون بعض،
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 896 ب 1 من أبواب القنوت ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 897 ب 1 من أبواب القنوت ح 7. (3 و 4 و 5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 899 ب 2 من أبواب القنوت ح 3، ح 4، ح 5. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 897 ب 1 من أبواب القنوت ح 10. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 901 ب 4 من أبواب القنوت ح 1. 349 كقوله (عليه السلام) في موثقة يونس بن يعقوب: لا تقنت إلا في الفجر (1). وفي صحيحة وهب - ولعله بن عبد ربه -: القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر والغداة، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له (2). وغير ذلك من الأخبار. وما يظهر منها نفي الاستحباب، كصحيحة عبد الملك بن عمرو قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال: لا قبله ولا بعده (3). فمحمولة على التقية، كما ينادي بها الأخبار المتقدمة، سيما موثقة أبي بصير، أو بحملها على الأفضلية، والتأكد فيما خص بالذكر، وعلى نفي الوجوب في مثل الخبر الأخير. واستدل الصدوق بقوله تعالى: * (وقوموا لله قانتين) * يعني: مطيعين داعين (4). ودلالته ممنوعة، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية، وتخصيص مطلق الدعاء، والإطاعة بحيث يبقى المتحصل في ضمن هذا الفرد منه، مما لا ترضى به السليقة، ولا يلائم التحقيق. وبالجملة: الاستدلال بالآية في غاية الوهن من وجوه لا يخفى على المتدبر. وربما يستدل له بصحيحة وهب المتقدمة. وهو محمول على التأكيد لعدم مقاومته لأدلة المشهور، مع أنه أعم من المدعى من وجه، وإثبات الاجماع المركب مشكل كما لا يخفى، وأخص من وجه لأن الترك رغبة عنه غير الترك المطلق، وهو المدعى. ويمكن الاستدلال أيضا بموثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: إن نسي الرجل القنوت في شئ من الصلوات حتى يركع فقد جازت صلاته وليس عليه شئ،
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 899 ب 2 من أبواب القنوت ح 7. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 898 ب 2 من أبواب القنوت ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 902 ب 4 من أبواب القنوت ح 2. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 316 ح 932. 350 وليس له أن يدعه متعمدا (1). وهي أيضا محمولة على التأكد. ويدل على قوله أيضا ما رواه في العيون في الحسن عن الفضل - فيما كتب الرضا (عليه السلام) للمأمون من شرائع الدين - قال (عليه السلام): والقنوت سنة واجبة في الغداة والظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة (2). وفي الخصال عن الأعمش عن الصادق (عليه السلام) قال: القنوت في جميع الصلوات سنة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع وبعد القراءة (3). وقال: فرائض الصلاة سبع: الوقت، والطهور، والتوجه، والقبلة، والركوع، والسجود، والدعاء (4). وربما يحمل الدعاء على القنوت فيستدل به على الوجوب، وقد يحتمل كون المراد منه قراءة الفاتحة، لاشتمالها على الدعاء ولأنه يسمى سورة الدعاء أيضا. ويشكل الاستدلال بكل المذكورات. ويدل على قول ابن أبي عقيل صحيحة وهب المتقدمة (5)، وصحيحة سعد بن سعد الأشعري عن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن القنوت هل يقنت في الصلاة كلها أم فيما يجهر فيها بالقراءة؟ قال: ليس القنوت إلا في الغداة والجمعة والوتر والمغرب (6). ومثل ذلك من الأخبار. ويظهر لك الجواب مما تقدم. والقنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع إلا ما يذكر فيها المخالفة فيما بعد. وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب، بل نقل في المنتهى (7) الاجماع على ذلك.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 914 ب 15 من أبواب القنوت ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 896 ب 1 من أبواب القنوت ح 4. (3) الخصال: ص 604. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 898 ب 1 من أبواب القنوت ح 13. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 898 ب 2 من أبواب القنوت ح 2. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 899 ب 2 من أبواب القنوت ح 6. (7) المنتهى: ج 2 ص 298 س 16. 351 ويظهر من المحقق في المعتبر - على ما نقل عنه - التخيير بين ما قبل الركوع وما بعده، وما قبله أفضل، لرواية إسماعيل الجعفي ومعمر بن خلاد (1) عن الباقر (عليه السلام) قال: القنوت قبل الركوع، وإن شئت فبعده (2). والأول أقرب، لما ذكرنا هاهنا، ولصحيحة زرارة المتقدمة (3). وصحيحة معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: ما أعرف قنوتا إلا قبل الركوع (4). وموثقة سماعة قال: سألته عن القنوت في أي صلاة هو؟ فقال: كل شئ يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت، والقنوت قبل الركوع وبعد القراءة (5). إلى غير ذلك من الأخبار المعتبرة الصحيحة والموثقة. ولا ريب أن تلك الرواية - مع ضعفها ومتروكيتها عند الأصحاب - لا يقاوم هذه. وما وقع فيه المخالفة لهذا الحكم أمور: الأول: صلاة الجمعة، فالمشهور فيها أن لها قنوتين: في الركعة الأولى قبل الركوع، وفي الثانية بعده. ونقل عن ظاهر ابن أبي عقيل وأبي الصلاح: ان في الجمعة قنوتين قبل الركوع، مع احتمال موافقتهما للمشهور (6). وظاهر ابن بابويه في الفقيه أن فيها قنوتا واحدا في الركعة الثانية قبل الركوع، حيث قال بعد صحيحة زرارة الآتية: وتفرد بهذه الرواية حريز عن زرارة، والذي أستعمله وأفتي به ومضى عليه مشايخي رحمة الله عليهم هو أن القنوت في جميع الصلوات في الجمعة وغيرها في الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع (7).
(1) كذا في الأصل، ولعل الصحيح " معمر بن يحيى " كما في التهذيب والاستبصار والوسائل، ولأن معمر بن خلاد يروي عن الرضا (عليه السلام). (2 - 5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 900 و 901 ب 3 من أبواب القنوت ح 1 و 3 و 4 و 6. (6) نقله عنهما العلامة في المختلف: ج 2 ص 223. (7) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 411 ذيل ح 1219. 352 مع احتمال عدم إنكاره للقنوت الأول أيضا كما لا يخفى. وقال المفيد: إن للجمعة قنوتا واحدا في الركعة الأولى قبل الركوع (1)، وكذا العلامة في المختلف (2)، وهو المنقول عن ظاهر ابن الجنيد (3). والأول أقوى، لصحيحة أبي بصير قال: سأل عبد الحميد أبا عبد الله (عليه السلام) - وأنا عنده - عن القنوت في يوم الجمعة، فقال له: في الركعة الثانية، فقال له: حدثنا بعض أصحابنا أنك قلت: في الركعة الأولى، فقال: في الأخيرة، وكان عنده ناس كثير، فلما رأى غفلة منهم قال: يا أبا محمد هي في الركعة الأولى والأخيرة، قال: قلت: جعلت فداك قبل الركوع أو بعده؟ قال: كل القنوت قبل الركوع إلا الجمعة، فإن الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع، والأخيرة بعد الركوع (4). ومثله مع تفاوت ما صحيحة أبي أيوب الخزاز ولكن الراوي في الخبر الأول عن أبي بصير هو أبو أيوب أيضا. وصحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام). قال الصدوق (رحمه الله) في الفقيه في أول باب وجوب الجمعة: قال أبو جعفر (عليه السلام) لزرارة بن أعين - وساق الحديث إلى أن قال: - وعلى الإمام فيها قنوتان: قنوت في الركعة الأولى قبل الركوع، وفي الركعة الثانية بعد الركوع، ومن صلاها وحده فعليه قنوت واحد في الركعة الأولى قبل الركوع (5). ثم قال ما نقلنا منه سابقا. وموثقة سماعة قال: سألته عن القنوت في الجمعة، قال: أما الإمام فعليه القنوت في الركعة الأولى بعدما يفرغ من القراءة قبل أن يركع، وفي الثانية بعدما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود، وإنما صلاة الجمعة مع الإمام ركعتان، فمن صلى من غير إمام وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر، فمن شاء قنت في الركعة
(1) المقنعة: ص 164، ولم يحدده بقبل الركوع. (2) مختلف الشيعة: ج 2 ص 225. (3) نقله عنه العلامة في المختلف: ج 2 ص 224. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 904 ب 5 من أبواب القنوت ح 12. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 411 ح 1219. 353 الثانية قبل أن يركع، وإن شاء لم يقنت، وذلك إذا صلى وحده (1). ويدل على مذهب المفيد صحيحة معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قنوت الجمعة: إذا كان إماما قنت في الركعة الأولى، وإن كان يصلي أربعا ففي الركعة الثانية قبل الركوع (2). وصحيحة عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): القنوت يوم الجمعة، فقال: أنت رسولي إليهم في هذا، إذا صليتم في جمعة ففي الركعة الأولى، وإذا صليتم وحدانا ففي الركعة الثانية (3). وصحيحة سليمان بن خالد عنه (عليه السلام) قال: القنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى (4). ويظهر ذلك من بعض الأخبار الاخر أيضا. والجواب عنها بأن دلالتها على ذلك إنما هو من جهة المفهوم اللقبي، وهو ليس بحجة. وأما قرينة المقابلة المؤيدة للحجية في خصوص المقام - سيما في مثل صحيحة عمر بن حنظلة - فيضعف بملاحظة العمومات - والإطلاقات الكثيرة الدالة على ثبوت القنوت في جميع الصلوات وفي الركعة الثانية منها، إذ الظاهر فيما لم يصرح فيها بكونه في الثانية أيضا ذلك، لأن الظاهر كونها على وتيرة واحدة في المجموع. فإن قلت: لو كان كذا فلا بد أن يكون هذا أيضا ما قبل الركوع على وتيرتها. قلت: إنما ثبت التخصيص في ذلك بالأدلة المتقدمة، مع اعتضادها بالشهرة والعمل، وهذا لا ينافي ثبوت أصل القنوت، مع أن الأخبار المتقدمة أقوى من جهة الصراحة وعمل الأصحاب واستصحاب شغل الذمة وغير ذلك.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 904 ب 5 من أبواب القنوت ح 8، وج 5 ص 15 ب 6 من أبواب صلاة الجمعة ح 6. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 902 ب 5 من أبواب القنوت ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 903 ب 5 من أبواب القنوت ح 5. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 903 ب 5 من أبواب القنوت ح 6. 354 وليس لأحد أن يقول: هذه مخالفة للعامة وموافقة للخاصة، كما يظهر من صحيحة أبي بصير المتقدمة. لأن الذي ظهر منه أن الموافقة يحصل بهما معا، لا بالأول فقط، وإنما يثبت الترجيح لو كان فعلهما معا موافقا للعامة، ومجرد المخالفة للعامة لو كان يصير منشأ للاعتبار لكان الوجه غير منحصر فيما ذكرت، بل المدار على ملاحظة ذلك بالنسبة إلى القولين، فتدبر. وأما بعض الأخبار الذي يظهر منها نفي القنوت قبلا وبعدا فمحمولة على نفي الوجوب أو التقية أو غير ذلك. ثم إنه يمكن تقوية تقديم القنوت على الركوع في الأخيرة أيضا نظرا إلى الإطلاقات، وإلى ما أشار إليه الصدوق (1) من أنه فتوى مشايخه رضوان الله عليهم، وأن تقديمه مما تفرد بروايته حريز عن زرارة، وظهور كون ذلك مشهورا عند القدماء من كلامه، فلم يبق من جهة ذلك الاعتماد التام على مثل الشهرة في هذا المقام. فإن قلت: هذا قول ثالث ولا يجوز خرق الاجماع. قلت: ممنوع، لأن الصدوق ليس كلامه نصا في خلاف المشهور من جهة نفس القنوت، وعدده، فليس بقول ثالث، فتأمل. فغاية الأمر التخيير، إلا أن نقل ذلك عن المشايخ بطريق واحد لا يقاوم ما ظهر من أكثر علمائنا القول بخلافه، مع كثرة الروايات، كما ذكرنا، سيما وهو في المقنع (2) موافق للمشهور على ما نقل عنه. فالأقرب إذن قول المشهور. ومما ذكرنا يظهر الاستدلال على ما نقل من ظاهر ابن أبي عقيل، والجواب عنه.
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 411 ذيل ح 1219. (2) نقله العلامة في المختلف: ج 2 ص 224. 355 الثاني: صلاة العيدين، فيجب فيها بعد القراءة تسعة قنوتات: خمسة في الأولى، وأربعة في الثانية، قبل كل منها تكبيرة، فيزيد فيها تسع تكبيرات: خمسة في الأولى، غير الافتتاح وتكبير الركوع، وأربعة في الثانية غير الأخيرة. وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب، ويدل عليه النصوص المستفيضة. فروى يعقوب بن يقطين في الصحيح قال: سألت العبد الصالح (عليه السلام) عن التكبير في العيدين أقبل القراءة أو بعدها؟ وكم عدد التكبير في الأولى وفي الثانية؟ والدعاء بينهما؟ وهل فيهما قنوت أم لا؟ فقال: تكبير العيدين للصلاة قبل الخطبة، يكبر تكبيرة يفتتح بها الصلاة، ثم يقرأ ويكبر خمسا، ويدعو بينها، ثم يكبر أخرى يركع بها، فذلك سبع تكبيرات التي أفتتح بها، ثم يكبر في الثانية خمسا، يقوم فيقرا، ثم يكبر أربعا ويدعو بينهن، ثم يكبر التكبيرة الخامسة (1). وروى إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) في صلاة العيدين وقال: يكبر واحدة يفتتح بها الصلاة، ثم يقرأ أم الكتاب وسورة، ثم يكبر خمسا يقنت بينهن، ثم يكبر واحدة ويركع بها، ثم يقوم فيقرأ أم القرآن وسورة، يقرأ في الأولى * (سبح اسم ربك الأعلى) * وفي الثانية * (والشمس وضحاها) * ثم يكبر أربعا ويقنت بينهن، ثم يركع بالخامسة (2). وروى محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التكبير في الفطر والأضحى، فقال: ابدأ تكبر تكبيرة ثم تقرأ ثم تكبر بعد القراءة خمس تكبيرات ثم تركع بالسابعة، ثم تقوم فتقرأ ثم تكبر أربع تكبيرات ثم تركع بالخامسة (3). وروى أبو بصير في الصحيح عنه (عليه السلام) قال: التكبير في الفطر والأضحى اثنتا عشرة تكبيرة، يكبر في الأولى واحدة، ثم يقرأ، ثم يكبر بعد القراءة خمس تكبيرات، والسابعة يركع بها، ثم يقوم في الثانية فيقرأ، ثم يكبر أربعا، والخامسة يركع بها (4)... الحديث.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 107 ب 10 من أبواب صلاة العيد ح 8. (2 و 3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 107 ب 10 من أبواب صلاة العيد ح 10 و 11. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 106 ب 10 من أبواب صلاة العيد ح 7. 356 وروى علي بن أبي حمزة عنه (عليه السلام) في صلاة العيدين، قال: يكبر ثم يقرأ، ثم يكبر خمسا، ويقنت بين كل تكبيرتين، ثم يكبر السابعة ويركع بها (1). وروى الكناني عنه (عليه السلام) عن التكبير في العيدين، قال: اثنتا عشرة تكبيرة: سبع في الأولى، وخمس في الأخيرة (2). إلى غير ذلك من الأخبار. وقد خالف في ذلك الأحكام ابن الجنيد حيث جعل التكبيرات في الأولى قبل القراءة وفي الثانية بعدها (3)، لصحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن التكبير في العيدين، قال: التكبير في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الأخيرة خمس تكبيرات بعد القراءة (4). وصحيحة هشام بن الحكم والحلبي كلاهما عنه (عليه السلام) في صلاة العيدين، قال: تصل القراءة بالقراءة، وقال: تبدأ بالتكبير في الأولى، ثم تقرأ، ثم تركع بالسابعة (5). أقول: والمراد بالتكبير التكبيرات كما لا يخفى. وللكناني رواية أخرى تدل على مذهبه (6). ولا بد من حمل تلك الأخبار على التقية، كما فعلها الشيخ (7). وقول المحقق: انه ينبغي أن يقال هذا أشهر الروايتين، ولا يحسن الحمل على التقية لقول الصدوق وابن الجنيد من أصحابنا به (8)، في غاية الوهن. والمفيد حيث نقل عنه القول بأنه يكبر للقيام إلى الثانية قبل القراءة، ثم يكبر بعد القراءة ثلاثا ويقنت ثلاثا (9). فيدفعه الأخبار المتقدمة، ولم يظهر له وجه. والشيخ في الخلاف حيث قال باستحباب القنوتات (10)، واختاره المحقق
(1 و 2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 106 ب 10 من أبواب صلاة العيد ح 3 و 6. (3) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 252. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 109 ب 10 من أبواب صلاة العيد ح 20. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 108 ب 10 من أبواب صلاة العيد ح 16. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 106 ب 10 من أبواب صلاة العيد ح 6. (7) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 131 ذيل ح 17. (8) المعتبر: ج 2 ص 313. (9) المقنعة: ص 195. (10) الخلاف: ج 1 ص 661 المسألة 433. 357 في المعتبر (1) تمسكا بالأصل، وخلو بعض الأخبار الواردة في موضع البيان عن ذكره. ويدفعه ما تقدم من الأخبار، فإن الظاهر منها الوجوب، مع أنه يتوقف تحصيل اليقين بالبراءة على ذلك. وادعى المرتضى (رحمه الله) على وجوبه إجماع الإمامية أيضا (2). والمفيد في المقنعة حيث قال باستحباب التكبيرات (3) لما دل عليه ظاهر بعض الأخبار. مثل صحيحة زرارة أن عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الصلاة في العيدين، فقال: الصلاة فيهما سواء، يكبر الإمام تكبيرة الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة، ثم يزيد في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات، وفي الأخرى ثلاثا سوى تكبيرة الصلاة والركوع والسجود، إن شاء ثلاثا وخمسا، وإن شاء خمسا وسبعا بعد أن يلحق ذلك إلى وتر (4). ورواية هارون بن حمزة الغنوي عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن التكبير في الفطر والأضحى، فقال: خمس وأربع، فلا يضرك إذا انصرفت على وتر (5). وحملهما الشيخ على التقية لموافقتهما لمذهب كثير من العامة، قال: ولسنا نعمل به (6)، وإجماع الفرقة المحقة على ما قدمناه. ولا ريب أن الأخبار المتقدمة - مع توقف البراءة اليقينية عليها، مع ما عرفت من الاجماع على وجوب القنوتات المستلزم لوجوب التكبيرات كما يظهر من الأخبار - ترجح العمل على المشهور. ثم اعلم أن المستفاد من خبر إسماعيل الجعفي وصحيحة يعقوب بن يقطين هو أن القنوت والدعاء بين تكبيرات صلاة العيد، لا بينها وبين تكبير الركوع، وعلى
(1) المعتبر: ج 2 ص 313. (2) الانتصار: ص 57. (3) انظر المقنعة: ص 194 وما بعدها حيث لم يذكر استحباب التكبيرات. (4 و 5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 108 و 109 ب 10 من أبواب صلاة العيد ح 14 و 17. (6) الاستبصار: ج 1 ص 448. 358 هذا يلزم كون القنوت سبعا، كما لا يخفى. والمشهور خلاف ذلك كما قد عرفت، والمنقول عن ظاهر الشيخ في النهاية (1) والمبسوط (2) هو أيضا ما يفهم من الخبرين. ويمكن أن يقال: إن الخبرين وإن كانا غير ظاهرين في المشهور أو ظاهرين على خلافهم لكن في رواية علي بن أبي حمزة ظهور ما لما ذهبوا إليه، وهو يظهر من أخبار اخر أيضا. مثل رواية بشير بن سعيد عن الصادق (عليه السلام) قال: تقول في دعاء العيدين بين كل تكبيرتين: " الله ربي أبدا، والإسلام ديني أبدا، ومحمد نبيي أبدا، والقرآن كتابي أبدا، والكعبة قبلتي أبدا، وعلي وليي أبدا، والأوصياء أئمتي أبدا - وتسميهم إلى آخرهم - ولا أحد إلا الله " (3). ورواية محمد بن عيسى بن أبي منصور عنه (عليه السلام) قال: تقول بين كل تكبيرتين، في صلاة العيدين: " اللهم أهل الكبرياء والعظمة " (4)... الحديث. وصحيحة الحسن بن محبوب عن أبي جميلة عن جابر عن الباقر (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا كبر في العيدين قال بين كل تكبيرتين: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله، اللهم أهل الكبرياء (5)... الخ. إلى ذلك مما يشعر بذلك، ولا ريب أن البراءة اليقينية أيضا لا تحصل إلا بذلك، سيما مع ملاحظة فهم الأصحاب وتداولهم على ذلك. والمشهور بين الأصحاب عدم تعين القنوت المخصوص، للأصل والإطلاقات وخصوص بعض الأخبار، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الكلام الذي يتكلم به فيما بين التكبيرتين في العيدين، فقال: ما شئت من الكلام الحسن (6).
(1) النهاية: ج 1 ص 374. (2) المبسوط: ج 1 ص 170. (3 و 4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 131 ب 26 من أبواب صلاة العيد ح 2 و 4. (5 و 6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 131 ب 26 من أبواب صلاة العيد ح 3 و 1. 359 والمنقول عن ظاهر أبي الصلاح وجوب الدعاء بالمرسوم (1)، وهو ضعيف. ويستحب رفع اليدين بالتكبيرات، لرواية يونس قال: سألته عن تكبير العيدين أيرفع يده مع كل تكبيرة أم يجزئه أن يرفع في أول تكبيرة؟ فقال: يرفع مع كل تكبيرة (2). والتكبيرات ليست ركنا فيها، فلو نسيها أو بعضها فالظاهر عدم بطلان الصلاة، لصحيحة زرارة: لا تعاد الصلاة إلا من خمسة (3). وقد تقدمت، ولكن الشيخ أوجب القضاء بعد الفراغ (4) - على ما نقل عنه - لقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان: إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك سهوا (5). ونفاه جماعة من المتأخرين على ما نقل عنهم (6)، للأصل. والأول أظهر، وإن كان للتوقف في كلا الحكمين مجال، لعدم انصراف الإطلاق في الخبرين إلى صلاة العيد، والأصل في الأجزاء الركنية كما تقدم. فدلالة الخبر الأول على الصحة ممنوعة، وبعد نفي الركنية بالدليل دلالة الخبر الأخير على القضاء ممنوعة، فتأمل. وأما مع الشك فيبنى على الأقل، لأنه المتيقن، سواء في ذلك الحكم التكبير والقنوت. الثالث: الوتر، فإنه يستحب القنوت فيه في الركعة الثالثة، لصحيحة ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: القنوت في المغرب في الركعة الثانية، وفي العشاء والغداة مثل ذلك، وفي الوتر في الركعة الثالثة (7).
(1) الكافي في الفقه: ص 154. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 136 ب 30 من أبواب صلاة العيد ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 770 ب 29 من أبواب القراءة في الصلاة ح 5. (4) المبسوط: ج 1 ص 171. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 341 ب 26 من أبواب الخلل في الصلاة ح 1. (6) المعتبر: ج 2 ص 315، تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 133. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 900 ب 3 من أبواب القنوت ح 2. 360 ومحله قبل الركوع، لصحيحة معاوية بن عمار عنه (عليه السلام) قال: ما أعرف قنوتا إلا قبل الركوع (1). وصحيحته الأخرى عنه (عليه السلام) عن القنوت في الوتر، قال: قبل الركوع، قال: فإن نسيت أقنت إذا رفعت رأسي؟ قال: لا (2). إلى غير ذلك من الأخبار. ثم إن الظاهر من صحيحة ابن سنان - مع ملاحظة أن المستفاد من الأخبار الصحيحة والمعتبرة الكثيرة أن الوتر هو الركعات الثلاث - أن القنوت منحصر في الثالثة، ولا قنوت في الشفع. إلا أن الصدوق (رحمه الله) روى في العيون عن رجاء بن أبي الضحاك - فيما ذكر من عمل الرضا (عليه السلام) في طريق خراسان - إلى أن قال: ثم قام إلى صلاة الليل فيصلي ثمان ركعات يقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع، ثم يقوم فيصلي ركعتي الشفع ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، فإذا سلم قام وصلى ركعة الوتر ويقنت فيها قبل الركوع وبعد القراءة (3)... الحديث. قال في البحار: هذا الخبر صريح في استحباب القنوت في صلاة الشفع، وقد شملها عموم الأخبار الصحيحة الصريحة الواردة بأن القنوت في كل صلاة في الثانية قبل الركوع - ثم نقل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة - قال: ولهذا الخبر مال بعض المتأخرين في العصر السابق إلى سقوط القنوت في الشفع، مع أنه لا دلالة فيه إلا بالمفهوم، والمنطوق مقدم، ولم يستثنها أحد من قدماء الأصحاب. فيمكن حمل الخبر على أن القنوت المؤكد الذي يستحب إطالته إنما هو في الثالثة، ويمكن حمله على التقية أيضا، لأن أكثر المخالفين يعدون الشفع والوتر صلاة واحدة، ويقنتون في الثالثة (4)، انتهى. وأما ما روي عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه يقول بعد الرفع عن الركوع: اللهم هذا
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 901 ب 3 من أبواب القنوت ح 6. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 916 ب 18 من أبواب القنوت ح 5. (3) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 181. (4) بحار الأنوار: ج 85 ص 208. 361 مقام من حسناته آتية منك (1)... الحديث، فليس بقنوت ولا بأس به. منهاج لو نسي القنوت يأتي به بعد الركوع، للإجماع كما يظهر من جماعة من الأصحاب والأخبار. كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا: سألنا أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع، قال: يقنت بعد ركوعه، فإن لم يذكر فلا شئ عليه (2). وصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) عن القنوت ينساه الرجل، فقال: يقنت بعدما يركع، وإن لم يذكر حتى ينصرف فلا شئ عليه (3). وموثقة ابن فضال قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل ذكر أنه لم يقنت حتى يركع قال: فقال: يقنت إذا رفع رأسه (4). وأما بعض الأخبار النافية للإعادة بعد الركوع فمحمول على نفي الوجوب. وأما لو لم يذكره بعد الركوع فيقضيه بعد الفراغ نقل ذلك عن الشيخين في المقنعة (5) والنهاية (6). ويدل عليه صحيحة أبي أيوب، عن أبي بصير قال: سمعته يذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) قال في الرجل إذا سها في القنوت قنت بعدما ينصرف وهو جالس (7). وصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل نسي القنوت فذكره وهو في الطريق، فقال: يستقبل القبلة ثم يقله. ثم قال: إني لأكره للرجل أن يرغب عن سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو يدعها (8).
(1) مستدرك الوسائل: ج 4 ص 414 مع اختلاف يسير. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 916 ب 18 من أبواب القنوت ح 1. (3 و 4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 916 ب 18 من أبواب القنوت ح 2 و 3. (5) المقنعة: ص 139. (6) النهاية: ج 1 ص 318. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 915 ب 16 من أبواب القنوت ح 2. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 915 ب 16 من أبواب القنوت ح 1. 362 ورواية محمد بن سهل (1) النافية محمول على نفي الوجوب أو نفي إعادة الصلاة. منهاج يستحب الجهر في القنوت مطلقا، لصحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: القنوت كلها جهار (2). وربما قيل بالتبعية للصلاة، لما دل على أن صلاة النهار سر وصلاة الليل جهر. وفيه أنه عام، وهذا خاص، فلا بد من حمل العام على الخاص. وقد يستشكل في المأموم، لأن بين ما دل على أنه لا ينبغي لمن خلف الإمام أن يسمعه شيئا مما يقول، وبين ذلك عموم من وجه، ولعل تخصيص الجهر أقوى، وصحيحة علي بن جعفر (3) وابن يقطين (4) يدلان على التخيير، ولا ينافي أفضلية الجهر. ويستحب التكبير قبله، لحسنة معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: التكبير في صلاة الفرض - الخمس صلوات - خمس وتسعون تكبيرة، منها تكبيرة القنوت خمس (5). ورواه أيضا ابن المغيرة في الحسن، وفسرهن: في الظهر إحدى وعشرون تكبيرة، وفي العصر إحدى وعشرون تكبيرة، وفي المغرب ست عشرة تكبيرة، وفي العشاء الآخرة إحدى وعشرون تكبيرة، وفي الفجر إحدى عشرة تكبيرة، وخمس تكبيرات القنوت في خمس صلوات (6). ورواية موسى بن عمر عن ابن المغيرة عن الصباح المزني قال: قال
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 914 ب 15 من أبواب القنوت ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 918 ب 21 من أبواب القنوت ح 1. (3 و 4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 917 و 918 ب 20 من أبواب القنوت ح 1 و 2. (5 و 6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 719 و 720 ب 5 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 1 و 2. 363 أمير المؤمنين (عليه السلام): خمس وتسعون تكبيرة في اليوم والليلة للصلوات، منها تكبير القنوت (1). ونقل الشيخ عن المفيد انه كان يفتي بهذه الروايات ولكنه عن له في آخر العمر العدول عن ذلك، والعمل على رفع اليدين بغير تكبير (2). والعمل على المشهور. ويستحب رفع اليدين فيه تلقاء وجهه مبسوطتين، يحاذي ببطونهما السماء وظهورهما الأرض، قاله الأصحاب. ولم أقف في هذا التفصيل على نص صريح، نعم روى عبد الله بن سنان في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: تدعو في الوتر على العدو، وإن شئت سميتهم، وتستغفر، وترفع يديك في الوتر حيال وجهك، وإن شئت فتحت ثوبك (3). وفي الذكرى روى عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام): وترفع يديك حيال وجهك، وإن شئت تحت ثوبك وتتلقى بباطنهما السماء (4). ورواية عمار - فيه حكم بن مسكين - قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخاف أن أقنت وخلفي مخالفون، فقال: رفعك يديك يجزئ، يعني: رفعهما كأنك تركع (5). ولا يخفى وجه الدلالة على مطلق الرفع. ورواية علي بن محمد بن سليمان - ولا يخلو من قوة ما - قال: كتبت إلى الفقيه أسأله عن القنوت، فكتب: إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين، وقل ثلاث مرات: " بسم الله الرحمن الرحيم " (6). ودلالتها من جهة المفهوم. ويؤيده موثقة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال في جملتها: فإذا افتتحت
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 719 و 720 ب 5 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 3. (2) الاستبصار: ج 1 ص 336. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 912 ب 13 من أبواب القنوت صدر ح 1، وذيله في ب 12 منها ح 1. (4) ذكرى الشيعة: ص 184 س 23. (5 و 4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 912 ب 12 من أبواب القنوت ح 2 و 3. 364 الصلاة فكبرت فلا تجاوز أذنيك، ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك (1). وبالجملة: مع قول الأصحاب ووجود هذه الأخبار لا مجال للتأمل فيما تتسامح في دليله. ونقل عن المفيد: يرفع يديه حيال صدره (2)، وعن المعتبر قولا بجعل باطنهما إلى الأرض (3) ولم نقف على مأخذهما. نعم، يمكن شمول الإطلاقات المتقدمة لها لكن الاختصاص لا وجه له. وعن ابن إدريس انه يفرق الإبهام من الأصابع (4). ولا بأس باتباعه. وذكر الأصحاب استحباب النظر إلى الكف حال القنوت. وربما يخرج ذلك من ملاحظة ما ورد من النهي عن الالتفات إلى السماء بل وإلى الأطراف وعن التغميض، لأنه ينحصر حينئذ النظر إلى الكف، فيرجع في الحقيقة إلى استحباب تلك الأمور. ويستحب تطويل القنوت، ففي الحسن: أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة (5). وأن يدعو بالمأثورات، ونقل عن غير واحد من الأصحاب جواز الدعاء للمؤمنين بأسمائهم، والدعاء على الكفرة والمنافقين، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله): أنه دعا في قنوته لقوم بأعيانهم، وعلى آخرين بأعيانهم (6). ويدل عليه أيضا قول الصادق (عليه السلام) حين سئل عن القنوت وما يقال فيه قال: ما قضى الله على لسانك، ولا أعلم فيه شيئا موقتا (7).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 725 ب 9 من أبواب تكبيرة الصلاة ح 5. (2) المقنعة: ص 124. (3) المعتبر: ج 2 ص 247. (4) السرائر: ج 1 ص 228. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 919 ب 22 من أبواب القنوت ح 1 و 2. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 913 ب 13 من أبواب القنوت ح 2. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 908 ب 9 من أبواب القنوت ح 1. 365 وفي جوازه بالفارسية قولان أجازه الصفار وابن بابويه (1) والشيخ في النهاية (2) والفاضلان (3) وغيرهم على ما نقل عنهم، ومنعه سعد بن عبد الله (4). واحتج الأولون بصحيحة علي بن مهزيار عن الباقر (عليه السلام) عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شئ يناجي ربه، قال: نعم (5). وما نقل الصدوق (رحمه الله) عنه (عليه السلام) مرسلا: كل ما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام (6)، ويشعر به ما تقدم. وعموم مثل ذلك الخبرين بحيث يشمل الفارسية ممنوع، إذ الكيفية التوقيفية المتلقاة من الشارع هو العربية، وهي المعهودة منه، وليس معنى " كل شئ يناجي " " كل لسان يناجي به ". وبالجملة: براءة الذمة لا يحصل إلا بالاجتناب عن ذلك. والصدوق (رحمه الله) - بعد اختياره ذلك واستدلاله بالخبر الأول - قال: إنه لو لم يكن هذا الخبر أيضا لكنت أجزته بقول الصادق (عليه السلام): كل شئ مطلق حتى يرد فيه النهي (7). وهو متين على جريان أصل البراءة في ماهية العبادة، سيما في مثل هذا المقام الذي ظهر أنه خلاف المعهود والمقصود من الشارع.
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 316. (2) النهاية: ج 1 ص 299. (3) المعتبر: ج 2 ص 241، تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 260. (4) نقله عنه المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 240. (5 و 2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 917 ب 19 من أبواب القنوت ح 1 و 4. (7) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 317 ذيل ح 936 و 397. 366 الفصل الثاني عشر (*) في التشهد منهاج يجب التشهد في الثانية مطلقا، والثالثة من الثلاثية، والرابعة من الرباعية بالإجماع، على ما نقل غير واحد من الأصحاب. ويجب فيه الجلوس مطمئنا بمقداره بالإجماع والأخبار. ويدل على وجوبه أيضا - مضافا إلى وجوب تحصيل البراءة - الأخبار المستفيضة، وسيأتي جملة منها. وليس بركن، فلو تركه عمدا بطل الصلاة، وأما لو تركه سهوا، فإن كان المنسي هو التشهد الأول وذكر قبل تجاوز محله - وهو ما لم يدخل في ركن - فيأتي به، والظاهر أنه إجماعي على ما يظهر من جماعة. ويدل عليها النصوص المستفيضة. فروى سليمان بن خالد في الصحيح قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوليين، فقال: إن ذكر قبل أن يركع فيجلس، وإن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلم وليسجد سجدتي السهو (1). وروى ابن أبي يعفور في الصحيح أيضا عنه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما، فقال: إن كان ذكر وهو قائم في الثالث فليجلس، وإن لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته، ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يتكلم (2).
(*) راجع ما كتبناه في هامش صفحة 200. (1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 995 ب 7 من أبواب التشهد ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 995 ب 7 من أبواب التشهد ح 4. 367 والحلبي أيضا في الصحيح عنه (عليه السلام) عن الرجل يسهو في الصلاة فنسي التشهد، قال: يرجع فيتشهد، قلت: أيسجد سجدتي السهو؟ فقال: لا، ليس في هذا سجدتا السهو (1). والظاهر من هذا الخبر نفي سجدتي السهو في صورة التذكر قبل الركوع. إلى غير ذلك من الأخبار. وإن جاوز محله فيجب عليه المضي في الصلاة، وسجدتي السهو بعده. والظاهر أن هذا أيضا إجماعي كما يظهر من جماعة. ويدل عليه الصحاح المستفيضة وغيرها، منها ما تقدم، ومنها ما سيجئ. والمشهور وجوب القضاء عليه أيضا بعد الفراغ والتسليم، وكأن كونه بعد التسليم إجماعي بخلاف السجدة، لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف، فقال: إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد، وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه، وقال: إنما التشهد سنة في الصلاة (2). ورواية علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قمت في الركعتين الأولتين ولم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد وتشهد، وإن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثم تشهد التشهد الذي فاتك (3). ونقل عن المفيد وابني بابويه القول بعدم وجوب القضاء (4)، وأن التشهد الذي في السجدة يجزئ عنه. ويدل عليه - مضافا إلى الأصل - ظواهر الأخبار الكثيرة، في مقام البيان، منها ما تقدم.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 998 ب 9 من أبواب التشهد ح 4. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 995 ب 7 من أبواب التشهد ح 2. (3) الكافي: ج 3 ص 357 ح 7. (4) نقله عنهم العلامة في مختلف الشيعة: ج 2 ص 407. 368 ومنها: صحيحة الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي الركعتين من المكتوبة لا يجلس فيهما حتى يركع في الثالثة، قال: فليتم صلاته ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل أن يتكلم (1). ومثله صحيحة ابن أبي يعفور (2). ومنها: حسنة فضيل بن يسار - لإبراهيم بن هاشم - عن الباقر (عليه السلام) في الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة ثم ينسى فيقوم قبل أن يجلس بينهما، قال: فليجلس ما لم يركع وقد تمت صلاته، فإن لم يذكر حتى ركع فليمض في صلاته، وإذا سلم سجد سجدتين (3). وفي معناها حسنة الحلبي، إلى غير ذلك من الأخبار. ولا يخلو هذا القول من قوة. ولو كان المنسي التشهد الأخير فالظاهر أن المشهور فيه أيضا لزوم القضاء، وأن لا فرق فيما بين التشهدين، ونص في الذخيرة على أنه لم نقف على أحد من الأصحاب ذهب إلى التفصيل (4). ولكن نسب في المفاتيح (5) التفرقة إلى الصدوق، حيث نقل عنه في المقام الأول مشاركته للمفيد، وهاهنا للمشهور. ورجح هو أيضا ذلك متمسكا بأن ظاهر صحيحة ابن مسلم المتقدمة أنه هو التشهد الثاني. ولابد للمفصل من توجيه رواية علي بن أبي حمزة بأن المراد من " التشهد " فيها التشهد في سجدة السهو، فيوافق الأخبار الكثيرة وهكذا لا بد من حمل موثقة أبي بصير - قال: سألته عن الرجل ينسى أن يتشهد، قال: يسجد سجدتين يتشهد فيهما (6) - على المقام الأول. وحينئذ فالجمع بين الروايات: إما بحمل الأخبار كلها على الروايتين، والتزام القضاء في المقامين، لاشتهار
(1 و 2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 996 ب 7 من أبواب التشهد ح 4 و 5. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 997 ب 9 من أبواب التشهد ح 1. (4) ذخيرة المعاد: ص 373 س 39. (5) مفاتيح الشرائع: ج 1 ص 150 مفتاح 170. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 996 ب 7 من أبواب التشهد ح 6. 369 العمل بهما بين الأصحاب، وعدم التفرقة بين المقام الأول والثاني. وإما بحمل رواية أبي حمزة على ما ذكرنا لعدم مقاومتها لظهور الأخبار الكثيرة الصحيحة المقتصر فيها على سجدة السهو في المقام الأول، وحمل الصحيحة على الاستحباب لما ذكر من عدم المقاومة، أو القول بعدم استفادة المقام الأول منها لما ذكر من الظهور في المقام الثاني. ولعل ادعاء الظهور من جهة أنه (عليه السلام) قال: إن كان قريبا رجع إلى مكانه (1)، والظاهر منه أن الغرض وصل الجزء بالصلاة متلبسا بالهيئة السابقة، فتبقى حجة في المقام الثاني. ويخدش في هذا الظهور ظهور قوله (عليه السلام): وقد نسي التشهد حتى ينصرف (2)، فإنه ظاهر في المقام الأول، مع أن الظاهر من تقييد المكان بالنظيف هو أن الرجوع إلى مكان الصلاة إذا كان قريبا، فلأجل كونه مكانا نظيفا سلمنا لكنها يشملها بإطلاقها، هذا مع ما عرفت من كلام الذخيرة، ولكل وجه. والمشهور أولى وأحوط، بل هو المتعين. ويدل على لزوم القضاء مطلقا أيضا كما هو المشهور صحيحة ابن سنان: إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا (3). وصحيحة حكم بن حكيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل نسي ركعة أو سجدة أو الشئ منها، ثم يذكر بعد ذلك، قال: يقضي ذلك بعينه، قلت: أيعيد الصلاة؟ فقال: لا (4). وقد يقال: إن المراد من الركعة هو معناها الحقيقي، فالمراد من " الشئ منها " هو القنوت والتشهد ونحو ذلك. ونقل في الذكرى - بعد نقل هذه الرواية - رواية الحلبي عنه (عليه السلام): إذا نسيت
(1 و 2) تقدما في صفحة 368 ضمن صحيحة محمد بن مسلم. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 337 ب 23 من أبواب الخلل ح 7. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 934 ب 11 من أبواب الركوع ح 1. 370 من صلاتك فذكرت قبل أن تسلم أو بعد ما تسلم أو تكلمت فانظر الذي كان نقص من صلاتك فأتمه (1). وربما يستدل بهذه الأخبار على قضاء جميع أبعاض الصلاة. وربما يستقرب ذلك في أبعاض ما ثبت له القضاء، كما هو ظاهر صحيحة ابن حكيم، وليس بذلك البعيد. وبالجملة: إثبات القضاء الذي هو بفرض جديد على التحقيق يشكل في غير ما قام عليه دليل معتمد عليه. ويمكن ادعاء ظهور رواية الحلبي في قضاء الركعة، ولا يفهم ظهور يعتمد عليه من رواية ابن حكيم أيضا في الأبعاض إلا أنه أحوط. ويمكن أن يكون المراد من قوله (عليه السلام): أو " الشئ منها " أي: شيئا من هذا القبيل، لا شيئا يكون من أجزاء المذكورات، فتأمل. بقي الكلام في ثبوت سجدة السهو في المقام الثاني من المقامين، ولا دليل عليه سوى عموم رواية سفيان بن السمط (2) المتقدمة سابقا، وإطلاق موثقة أبي بصير (3) المتقدمة هاهنا إن لم ندع ظهورها في المقام الأول بملاحظة تناسقه مع تلك الأخبار أو لم نحملها عليها. وحكم بلزوم السجدة في التذكرة (4)، وهو أحوط، بل وأظهر. ثم إن ابن إدريس أيضا خالف المشهور فيما ذكر، وقال ببطلان الصلاة لو كان المنسي هو التشهد الأخير وأحدث قبل القضاء (5). والظاهر أن بناءه في ذلك على أنه بعد لم يخرج عن الصلاة، لكون التسليم مستحبا عنده، فالمحدث حينئذ محدث في أثناء الصلاة، بخلاف ما لو كان المنسي التشهد الأول، فإنه قد انقضى الصلاة، والحدث خارج عنه.
(1) ذكرى الشيعة: ص 220 س 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 346 ب 32 من أبواب الخلل ح 3، وقد تقدمت في ص 340. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 996 ب 7 من أبواب التشهد ح 6. (4) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 349. (5) السرائر: ج 1 ص 241. 371 وقد يجاب عنه: أولا بمنع كلية بطلان الصلاة بالحدث المتخلل. وثانيا بأن الفراغ إنما هو بالتسليم، والتسليم باعتبار السهو وقع موقعه، وسيجئ وجوب التسليم أيضا. وثالثا بأن إطلاق صحيحة حكم بن حكيم المتقدمة يدفعه، وكذا ما في معناها مما تقدم. ولو أحدث قبل التشهد الأخير فيبطل الصلاة عمدا كان أم لا، على المشهور، بل يحتمل أن يكون إجماعيا، لما قاله في التذكرة، قال: فإن فعله عمدا أو سهوا في الصلاة بطلت إجماعا. وقال بعد الاستدلال على ذلك: فإن وجد بعد الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) قبل التسليم، فمن جعل التسليم واجبا أبطل الصلاة، وبه قال الشافعي ومن جعله ندبا لم تبطل صلاته وبه قال أبو حنيفة (1). ويظهر من المدارك (2) أن من قال به قال به إجماعا منهم. ويدل عليه - مضافا إلى عدم حصول البراءة بذلك، والشك في تحققه - رواية الحسن بن جهم قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، فقال: إن كان قال: " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " فلا يعيد، وإن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد (3). وإطلاق موثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع كيف يصنع؟ قال: إن كان نظيفا من العذرة فليس عليه شئ، ولم ينقض وضوؤه، وإن خرج ملطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة (4). وإطلاق صحيحة محمد بن الفضيل عن الكناني عنه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة؟ فقال: إن كان لا يحفظ حدثا منه فعليه الوضوء وإعادة الصلاة، وإن كان يستيقن أنه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة (5).
(1) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 271. (2) مدارك الأحكام: ج 3 ص 431. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1240 ب 6 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 1 ص 184 ب 5 من أبواب نواقض الوضوء ح 5. (5) وسائل الشيعة: ج 1 ص 180 ب 3 من أبواب نواقض الوضوء ح 6. 372 وعموم موثقة أبي بكر الحضرمي، عن الباقر والصادق (عليهما السلام) أنهما كانا يقولان: لا يقطع الصلاة إلا أربعة: الخلاء، والبول، والريح، والصوت (1). وخالف في ذلك الصدوق، وقال: إنه لو لم يتشهد، وأحدث ينصرف، ويتوضأ، وجلس حيث شاء وتشهد (2). وكلامه أعم من السهو والعمد. ويدل على ذلك صحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) عن الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد، قال: ينصرف فيتوضأ، فإن شاء رجع إلى المسجد، وإن شاء ففي بيته، وإن شاء حيث شاء يقعد فيتشهد ثم يسلم. وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته (3). وموثقة عبيد بن زرارة - لابن بكير - عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن رجل صلى الفريضة فلما فرغ ورفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث، فقال: أما صلاته فقد مضت وبقي التشهد، وإنما التشهد سنة في الصلاة، فليتوضأ وليعد إلى مجلسه، أو مكان نظيف فيتشهد (4). وموثقة أبيه - لابن بكير أيضا - قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يحدث بعدما يرفع رأسه من السجود الأخير، فقال: تمت صلاته، وإنما التشهد سنة في الصلاة، فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد (5). وهذا القول لا يخلو من قوة، إلا أن المشهور أولى وأحوط. ونقل في الذخيرة عن الشهيد الاستدلال على المشهور برواية الحسن بن جهم المتقدمة، وبأن الحدث وقع في الصلاة، فيفسدها. ورد الأول بضعف الخبر، والثاني بأنه اجتهاد في مقابل النص (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1240 ب 1 من أبواب قواطع الصلاة ح 2. (2) المقنع: ص 33. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1001 ب 13 من أبواب التشهد ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1002 ب 13 من أبواب التشهد ح 4. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1001 ب 13 من أبواب التشهد ح 2. (6) ذخيرة المعاد: ص 351 س 44. 373 والضعف منجبر بالشهرة وغيرها مما ذكرنا، ونظر الشهيد (رحمه الله) في بطلان الصلاة بوقوع الحدث إلى العمومات، وقد ذكرنا بعضها، ولا ريب أن العام إذا كان أقوى من الخاص من الجهات الاخر غير الدلالة فلا يجوز تخصيصه بأضعف منه، فلا معنى لجعل التشبث بالعمومات اجتهادا بل هو متابعة للنص. نعم، يمكن المناقشة بأن العمومات من هذا الطرف أيضا موجود، مثل ما يدل من الأخبار على البناء لو أحدث في الأثناء بعد الوضوء، ولكن فيها كلام وسيأتي، ومثل صحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) انه: لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود. ثم قال: القراءة سنة والتشهد سنة، ولا تنقض الفريضة السنة (1). ويجئ تتمة الكلام، والاحتياط واضح، والحمد لله. وإن كان الحدث بعد الشهادتين فيمضي في صلاته، للأخبار الكثيرة، وقد مضت بعضها، ومنها صحيحة أبان عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم قال: قد تمت صلاته، وإن كان مع إمام فوجد في بطنه أذى فسلم في نفسه وقام فقد تمت صلاته (2). وقوية غالب بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصلي المكتوبة فيقضي صلاته ويتشهد ثم ينام قبل أن يسلم، قال: تمت صلاته، وإن كان رعافا غسله ثم رجع فسلم (3). ومع القول باستحباب التسليم لا إشكال في هذا الحكم، وأما مع وجوبه فأيضا لا يبعد القول به وإن قلنا ببطلان الصلاة بتخلل الحدث ولو قبل التشهد. وقطع بذلك بعض المتأخرين من دون نقل خلاف، وهو الظاهر من الصدوق أيضا كما ذكرنا، ولكنك عرفت كلام التذكرة، ولعل ملاحظة التفصيل الذي ذكره فيها
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 995 ب 7 من أبواب التشهد ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1011 ب 3 من أبواب التسليم ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1012 ب 3 من أبواب التسليم ح 6. 374 أولى، سيما بملاحظة توقف البراءة على ذلك. والاحتياط الإتمام والإعادة. هذا في الفريضة، وأما النافلة فقد ورد في الأخبار أنه إن سها حتى ركع في الثالثة انه يلقي الركوع ويجلس ويتشهد ويسلم، ثم في بعضها انه يستأنف، وفي بعضها انه يقوم ويتم. ففي صحيحة الحلبي قال: سألته عن رجل سها في ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما قام فركع في الثالثة، قال: يدع ركعة ويجلس ويتشهد ويسلم ثم يستأنف الصلاة بعد (1). وفي حسنة ابن المغيرة عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يصلي الركعتين من الوتر فينسى التشهد حتى يركع ويذكر وهو راكع، قال: يجلس من ركوعه فيتشهد ثم يقوم فيتم، قال: قلت: أليس قلت في الفريضة إذا ذكر بعدما يركع مضى ثم سجد سجدتين بعدما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال: ليس النافلة مثل الفريضة (2). والأولى حمل هذه على الاستئناف أيضا. منهاج اعلم أن الأخبار الواردة في حكم التشهد وبيانه مختلفة جدا، فيظهر من بعضها عدم الوجوب كرواية بكر بن حبيب قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التشهد، فقال: لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا، إنما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون، إذا حمدت الله أجزأ عنك (3). وروايته الأخرى قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أي شئ أقول في التشهد والقنوت؟ قال: قل أحسن ما علمت، فإنه لو كان مؤقتا لهلك الناس (4). وصحيحة سعد بن بكير عن حبيب الخثعمي عن أبي جعفر (عليه السلام) يقول: إذا
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 998 ب 9 من أبواب التشهد ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 997 ب 8 من أبواب التشهد ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 993 ب 5 من أبواب التشهد ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 993 ب 5 من أبواب التشهد ح 1. 375 جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه (1). ويظهر من بعضها أن ما يقال فيه هو مطلق الشهادتين، مثل رواية سورة بن كليب قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أدنى ما يجزئ في التشهد، فقال: الشهادتان (2). ويؤيده صحيحة الفضلاء عنه (عليه السلام) قال: إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، وإن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلم وانصرف أجزأه (3). وهذا يدل على وجوب التشهد أيضا. وحسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا، وإن كنت قد تشهدت فلا تعد (4). وهذا أيضا يدل على الوجوب. وفي بعضها تصريح بوجوب " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " كصحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): التشهد في الصلاة، قال: مرتين، قال: قلت: وكيف مرتين؟ قال: إذا استويت جالسا فقل: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " ثم تنصرف، قال: قلت: قول العبد، " التحيات لله والصلوات الطيبات لله " قال: هذا اللطف من الدعاء يلطف (5) العبد بربه (6). ويؤيده موثقة عبد الملك بن عمر الأحول عنه (عليه السلام) قال: التشهد في الركعتين الأولتين " الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وآل محمد، وتقبل شفاعته وارفع درجته " (7).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 993 ب 5 من أبواب التشهد ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 993 ب 4 من أبواب التشهد ح 6. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 992 ب 4 من أبواب التشهد ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1011 ب 3 من أبواب التسليم ح 4. (5) يلطف العبد بربه: يتقرب اليه بالتودد والتعطف، وإنما يكون مبدأه من الله بلطفه إياه أولا بأن ألهمه ذلك وحمله عليه. (منه). (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 992 ب 4 من أبواب التشهد ح 4. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 989 ب 3 من أبواب التشهد ح 1. 376 ويتم إثباته في الثانية بضميمة عدم القول بالفصل، وبصحيحة أحمد بن محمد ابن أبي نصر قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك التشهد الذي في الثانية يجزئ أن أقوله في الرابعة؟ قال: نعم (1). وبما ذكرنا يمكن أن ينطبق على هذا المذكور صحيحة زرارة - قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما يجزئ من القول في التشهد في الركعتين الأولتين؟ قال: أن يقول: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له " قلت: فما يجزئ في التشهد في الركعتين الأخيرتين؟ فقال: الشهادتان (2) - بنوع من التوجيه، وهو أن يكون اقتصاره (عليه السلام) في الشهادة بالتوحيد لأنه في صدد بيان الكيفية لا الكمية، أو لأنه علم من حال الراوي علمه بحال التشهد بالرسالة، أو نحو ذلك، فيحمل مطلق الثاني على مقيد الأول، سيما مع ملاحظة رواية يعقوب بن شعيب عن الصادق (عليه السلام) قال: التشهد في كتاب علي شفع (3). والمشهور بين الأصحاب وجوب الشهادتين، بل وهو إجماعي، على ما نقله غير واحد من أصحابنا، منهم المرتضى (4) والشيخ (5) والعلامة (6) والشهيد (7). ونقل عن الصدوق في المقنع (8) أنه اقتصر بالشهادتين ولم يوجب الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله). ثم القول بأن أدنى ما يجزئ الشهادتان، أو يقول: " بسم الله وبالله " ثم يسلم.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 992 ب 4 من أبواب التشهد ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 991 ب 4 من أبواب التشهد ح 1. (3) قوله (عليه السلام): " التشهد في كتاب علي شفع " رد على العامة، حيث حذفوا الشهادة بالرسالة من الأذان والصلاة، قال في الوافي: إن أول من فعل ذلك ابن أروى يعني عثمان. (منه). وسائل الشيعة: ج 4 ص 992 ب 4 من أبواب التشهد ح 5. (4) الانتصار: ص 46. (5) المبسوط: ج 1 ص 115. (6) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 230. (7) ذكرى الشيعة: ص 204 س 31. (8) نقله عنه السيد السند في مدارك الأحكام: ج 3 ص 426. 377 ورده في الذكرى (1) بأنه معارض بإجماع الإمامية، والمشهور بينهم الاكتفاء بقوله: " أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله " ولهم الأخبار المتقدمة، لكن الظاهر منها أنه لا اختصاص بهذه الهيئة، بل يشمل ما لو تغيرت بأدنى تغيير، كحذف كلمة " أشهد " في الثاني، والعطف بالسابق، أو بوضع المضمر موضع المظهر في الثاني، أو بحذف حرف العطف، وغير ذلك، ولكن المعهود المتعارف من الشهادتين هو الأول، فعلى القول بالمشهور الأولى عدم التجاوز عنه وقيل: يجب " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " (2) ولهم الأخبار المتقدمة، والاحتياط في ذلك وإن كان المشهور أقوى. وأما ما دل على نفي الوجوب وكفاية ما أجمع الأصحاب على عدمه فيجب التأويل فيها على ما اقتضاه الحال. فما ذكر فيها لفظ " السنة " فالمراد منه مقابل الفريضة التي ثبت من الكتاب، ولا ينافي ذلك الاستحباب. وما تضمن كفاية ذكر " الحمد لله " أو أي قول حسن كان ونحو ذلك، فإما محمول على ما ينبغي من الأذكار المستحبة في التشهد وهو أظهر، أو على التقية لعدم وجوب التشهد عند جماعة منهم، سيما لأنها معارضة بما هو أقوى منها، والمعول عليها عند الأصحاب، بل والمجمع على مضمونها كما ذكرنا. منهاج ويجب بعد ذكر الشهادتين الصلاة على النبي وآله على المشهور، وادعى عليه الاجماع جماعة من أصحابنا منهم: الشيخ (3) والفاضلان (4) والصدوق (5) وابن
(1) ذكرى الشيعة: ص 204. (2) قاله العلامة في قواعد الأحكام: ج 1 ص 278. (3) المبسوط: ج 1 ص 115. (4) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 232، المعتبر: ج 2 ص 226. (5) نقله عنه الفاضل المقداد في كنز العرفان: ج 1 ص 133. 378 زهرة (1). وقال الشيخ (2): إنه ركن. وهو قول أحمد من العامة (3)، والشافعي (4) في الأخيرة، واستحبه أبو حنيفة (5) في الموضعين، وكذا مالك (6). وليس من أخبار الخاصة ما كان نصا في الوجوب، وأظهرها دلالة هو صحيحة أبي بصير وزرارة عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: من تمام الصوم إعطاء الزكاة كالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من تمام الصلاة، ومن صام ولم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمدا، ومن صلى ولم يصل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وترك ذلك متعمدا فلا صلاة له. إن الله تعالى بدأ بها قبل الصلاة فقال: * (قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى) * (7). وقد يناقش في دلالته بأن قرينة التشبيه يحمل ذلك على نفي الفضيلة، للإجماع على صحة الصوم بدون الزكاة. ولا دلالة في الخبر على الصلاة على آله (صلى الله عليه وآله). واستدلوا أيضا بعموم قوله تعالى: * (صلوا عليه وسلموا تسليما) * خرج ما خرج بالدليل، وبقي الباقي. وفي دلالته خفاء وبعد، لأن المناسب لقوله تعالى: * (إن الله وملائكته يصلون على النبي) * (8) (صلى الله عليه وآله) إرادة الاعتناء بإظهار الشرف، وهو يحصل بمطلق الثناء، وهو حاصل بالشهادة بالرسالة، مع أن اللام لا يقتضي إلا طلب الطبيعة، وهو يحصل بالمرة، نعم ورد الأخبار في تفسيرها بالصلاة المعهودة. وأما مثل موثقة عبد الملك المتقدمة ومثل موثقة أبي بصير - الطويلة المتضمنة للأذكار المستحبة فيه، حيث قال (عليه السلام): " فقل بسم الله وبالله والحمد لله " إلى أن قال بعد الشهادتين وبعض الأذكار المستحبة: " اللهم صل على محمد
(1) الغنية: ص 80. (2) الخلاف: ج 1 ص 369 المسألة 128. (3) المجموع: ج 3 ص 463. (4) المجموع: ج 3 ص 467. (5) المبسوط للسرخسي: ج 1 ص 29. (6) الهداية: ج 1 ص 52. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 999 ب 10 من أبواب التشهد ح 2. (8) الأحزاب: 56. 379 وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد " (1)... الحديث - فيشكل الاستدلال أيضا سيما بالأخيرة، لتضمنه المستحبات الكثيرة، التي توجب ضعفا في ظهور الأمر في الوجوب. ويمكن الاستدلال عليه بصحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: وصل على النبي (صلى الله عليه وآله) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك (2). وبرواية محمد بن هارون عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي (صلى الله عليه وآله) في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من ذكرت عنده ولم يصل علي فدخل النار فأبعده الله. قال: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من ذكرت عنده فنسي الصلاة علي خطئ به طريق الجنة (3). ورواية أبي بصير عنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من ذكرت عنده فنسي أن يصلي علي خطأ الله به طريق الجنة (4). ويتمم المطلوب برواية عبد الله بن ميمون عنه (عليه السلام) قال: سمع أبي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول: " اللهم صل على محمد " فقال له أبي: يا عبد الله لا تبترها، لا تظلمنا حقنا، قل: " اللهم صل على محمد وأهل بيته " (5)، ونحوها من الأخبار. ولكن هذه الأخبار يدل على وجوب الصلاة بسبب ذكره (صلى الله عليه وآله) لا من جهة خصوص ذكر التشهد. واستدل المحقق بما رواه من طريق العامة بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول في صلاته: " اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد " فيجب متابعته، لقوله: صلوا كما رأيتموني أصلي (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 989 ب 3 من أبواب التشهد ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 669 ب 42 من أبواب الأذان والإقامة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 999 ب 10 من أبواب التشهد ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1217 ب 42 من أبواب الذكر ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1217 ب 42 من أبواب الذكر ح 2. (6) المعتبر: ج 2 ص 227. 380 ثم إنه بعد تسليم الاستدلال بتلك الأخبار على المطلوب فهل هي باقية على ظاهرها بالعموم أو مخصص بحال التشهد؟ نقل الفاضلان (1) الاجماع على عدم وجوب الصلاة كلما ذكر. وقال بالوجوب الفاضل المقداد (رحمه الله) في كنز العرفان ونقله عن الصدوق (2)، وذهب إليه بعض المتأخرين أيضا (3). وللعامة أقوال منتشرة (4). وقد يضعف الوجوب بعدم ذكرها في الأخبار الكثيرة والأدعية الكثيرة مع ذكره (صلى الله عليه وآله)، وكذا لم يعلموا المؤذنين ذلك، ونحو ذلك. وكذا يظهر الاستحباب من سياق الأخبار الواردة في فضلها وثوابها، فلاحظ. والأحوط عدم الترك بحال. ونقل العلامة (رحمه الله) في التذكرة (5) أخبارا من طريق العامة ظاهرة في المطلوب. وبالجملة: مع ما ذكرنا من الأدلة لا يبقى مجال للتأمل في وجوب الصلاة على النبي وآله في التشهد، سيما مع توقف البراءة على ذلك. وأما في غير الصلاة - سيما كلما ذكر اسمه (صلى الله عليه وآله) - فموضع تأمل، بالنظر إلى الاجماعات المنقولة، ولزوم العسر والحرج غالبا، والأحوط عدم الترك مهما أمكن، لغاية التأكيد، المستفاد من الأخبار. والظاهر أنه لا اختصاص باسمه الشريف، بل المعتبر هو المسمى وإن كان بالوصف - كالرسول والنبي - أو بالضمير ونحوهما. وهل يجب في التشهد مطلق الصلاة أو لفظ مخصوص؟ الأقوى والأحوط الاقتصار بما تضمنته الموثقتان وإن كان الاكتفاء بمطلقها لا يخلو عن قوة، ويكفي فيما ذكر اسمه الشريف أو ذكر عنده مطلقها، مثل قوله: (صلى الله عليه وآله) و " رب صل عليه وآله " وغير ذلك. ويمكن الاكتفاء بمطلق طلب الرحمة والدعاء له، والأحوط فيه أيضا الإتيان بمطلق الصلاة.
(1) المعتبر: ج 2 ص 224، تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 232. (2) كنز العرفان: ج 1 ص 133. (3) رياض المسائل: ج 3 ص 465. (4) المجموع: ج 3 ص 465 ومغني المحتاج: ج 1 ص 173، والشرح الكبير ج 1 ص 571. (5) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 232. 381 منهاج ويستحب أن يلصق ركبتيه بالأرض، ويفرج بينهما شيئا، وأن يتورك كما تقدم، وأن يكون طرف الإبهام اليمنى على الأرض، وأن لا يقعد على قدميه فيتأذى بذلك، ولا يكون قاعدا على الأرض فيكون إنما قعد بعضه على بعض فلا يصبر للتشهد والدعاء. كل هذا مضمون صحيحة زرارة المتقدم (1) بعضها. ويستحب العمل بالمأثور من الأدعية مثل ما ورد في موثقة أبي بصير (2) الطويلة، وغيرها.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 675 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 989 باب 3 من أبواب التشهد ح 2. 382 الفصل الثالث عشر (*) في التسليم منهاج اختلف الأصحاب في وجوب التسليم، والمختار عندي هو الوجوب بوجوه: الأول: استصحاب الحالة المتلبسة بها في حال الصلاة، من التزام الشرائط، واجتناب الموانع، واستمرار النية الحكمية - وسيجئ أن هذا المعنى لا يتأتى مع الاستحباب - وعدم براءة الذمة يقينا إلا بذلك. الثاني: استمرار العمل بطريق اللزوم في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)، ومن بعده من الصحابة والتابعين والأئمة المعصومين (عليهم السلام). الثالث: ما رواه المشايخ الثلاثة - الصدوق، والشيخ مرسلا، والكليني مسندا - عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم (1). ولا وجه للقدح في السند بالارسال، سيما مع وروده في الفقيه والكافي، بل في الإرسال إشارة إلى كمال الاعتماد على الصحة، مع أن السيد المرتضى (رحمه الله) نقل هذه الرواية معتمدا عليه، وهو لا يعمل بخبر الواحد، إلى غير ذلك من المؤيدات، مع أن كون تحليل الصلاة هو التسليم ورد في أخبار كثيرة خاصة سيجئ بعضها،
(*) راجع ما كتبناه في هامش ص 200. (1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1003 ب 1 من أبواب التسليم ح 1. 383 وفي كتاب الهداية للصدوق عن الصادق (عليه السلام): تحريم الصلاة التكبير، وتحليلها التسليم (1). وظاهر الخبر الحصر، كما لا يخفى على المطلع بضوابط العربية، والمفرد المضاف يفيد العموم حيث لا عهد، مع أن معنى التحليل هو أن يؤثر الشئ في حلية شئ، فلو كان قبله حلالا فلا معنى للتحليل، ولا ريب أنه مع القول بالاستحباب، فبعد تمام التشهد ينقضي الصلاة ويحل المنافيات، والتحليل حينئذ تحصيل للحاصل وبالجملة: لا ينبغي التأمل في دلالتها. ومما ذكرنا ظهر اندفاع ما قيل من أن التحليل قد يحصل بغير التسليم، كالمنافيات وإن لم يكن الإتيان بها جائزا، وحينئذ لا بد من تأويل التحليل بالتحليل الذي قدره الشارع، وحينئذ كما أمكن إرادة التحليل الذي قدره الشارع على سبيل الوجوب أمكن إرادة التحليل الذي قدره على سبيل الاستحباب، وليس للأول على الأخير ترجيح واضح. لأن بعد ما ثبت عدم حلية فعل من المنافيات قبل التسليم بمقتضى مفهوم التحليل فلا معنى لاستحباب المحلل، ولا يخفى أن النسبة حينئذ مجازية، وهو خلاف الأصل، وذلك لأن التحليل لم يحصل حينئذ بالتسليم، بل فعل المنافيات حلال قبل التسليم، لأن المفروض تمامية الصلاة بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) على القول بالاستحباب. فإن قلت: نعم إنه قد فرغ من واجبات الصلاة، ولكنه باق في مستحباتها، فبهذه الصيغة يخرج عن الواجبات والمستحبات جميعا. قلت: البقاء في المستحبات لا ينفع مع تجويز فعل ما كان محرما سابقا، فكيف يصح - مع ذلك - القول بكون السلام مخرجا عن الصلاة ومحللا؟ فإن قلت: البقاء في الصلاة لا يستلزم وجوب ما يجب عليه فيها وتحريم ما يحرم عليه، بل يحصل بالمحافظة على الشروط وثواب المصلي واستجابة الدعاء.
(1) الهداية: ص 31. 384 قلت: هذا خروج عن الظاهر، بوجوه: أما في معنى التحليل فظاهر، وأما في معنى الخروج فكذلك أيضا، لأنه تخصيص بعيد لم يقم عليه دليل. وأيضا ادعى السيد (رحمه الله) الاجماع على أن الخروج من الصلاة واجب كالدخول فيه، فإن لم يقف الخروج منها على السلام دون غيره جاز أن يخرج بغيره من الأفعال المنافية للصلاة كما يقول أبو حنيفة، وأصحابنا لا يجيزون ذلك، فثبت وجوب السلام (1). ويظهر ذلك من المحقق في المعتبر أيضا حيث قال في جواز الخروج عن الصلاة بلفظ " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " لا يقال: ما ذكرتم من " السلام علينا " خروج عن الاجماع، لانحصاره بين " السلام عليكم " وفعل المنافي. قلنا: لا نسلم ذلك، والمنقول عن أهل البيت ما ذكرناه. وقد صرح الشيخ بما ذكرناه في التهذيب، فإنه قال: عندنا أن من قال: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فقد انقطعت صلاته (2) إلى آخر ما ذكره. ومما يدل على استفادة وجوب السلام من الرواية مقابلة التحليل بالتحريم، لعدم الخلاف في وجوب التكبير، بل لا يبعد استفادة الجزئية أيضا من هذه القرينة، إذ جزئية التكبير مما لا ينبغي التأمل فيه، وكونه خارجا عن الصلاة هو المنقول عن أبي حنيفة (3). ومما ينادي بجزئيتها الأخبار الدالة على أن تكبيرات الصلاة خمس وتسعون، ولا حاجة في هذا المطلب إلى الاستدلال. على أنا نقول بعد ثبوت الإطلاق أو العموم - ولو بقرينة الوقوع في كلام الحكيم - فالأصل عدم التقييد والتخصيص، مع أن الأفعال المنافية ليست بمحللة، بل هي منافية ومبطلة، والإبطال غير التحليل. وربما يقال بعد التسليم: ان الحمل على الوجوب أقرب المجازات أيضا.
(1) الناصريات: ص 213. (2) المعتبر: ج 2 ص 235. (3) بدائع الصنائع: ج 1 ص 194، المجموع: ج 3 ص 381. 385 وفي معنى هذا الخبر موثقة عمار الآتية (1). وكون السلام تحليل الصلاة يظهر من أخبار اخر أيضا: منها: ما روى الفضل بن شاذان في علة جعل السلام تحليلا (2). ومنها: رواية المفضل في العلل وغيرهما، وهي كثيرة مروية في العيون والعلل (3) وكتاب معاني الأخبار (4) وكتاب المناقب لابن شهرآشوب (5). مع أن في رواية المفضل بن عمر دلالة أخرى على الوجوب، من جهة تقرير الإمام (عليه السلام)، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة، قال: لأنه تحليل الصلاة (6). الرابع: موثقة أبي بصير - لسماعة وعثمان بن عيسى - قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في رجل صلى الصبح فلما جلس في الركعتين قبل أن يتشهد رعف، قال: فليخرج فليغسل أنفه ثم ليرجع فليتم صلاته، فإن آخر الصلاة التسليم (7). الخامس: الأخبار الكثيرة المستفيضة، بل المتواترة من الصحاح وغيرها المشتملة على ثبوته بصيغة الأمر أو الجملة الخبرية وبما يجزئ ونحو ذلك. السادس: صحيحة الفضلاء عن الباقر (عليه السلام) في صلاة الخوف (8) فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة وللآخرين التسليم. وربما يشير إلى أدلة أخرى للوجوب. وربما يؤيد ذلك بقوله تعالى * (وسلموا تسليما) * (9)، وبأن السلام لو لم يكن
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1004 ب 1 من أبواب التسليم ح 7. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1005 ب 1 من أبواب التسليم ح 10. (3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 107، علل الشرائع: ص 262. (4) معاني الأخبار: ص 176. (5) المناقب: ج 4 ص 130. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1005 ب 1 من أبواب التسليم ح 11. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1004 ب 1 من أبواب التسليم ح 4. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 992 ب 4 من أبواب التشهد ح 2. (9) الأحزاب: 56. 386 واجبا لما بطل صلاة المسافر إذا زاد ركعة أو ركعتين، والتالي باطل لرواية زرارة ومحمد بن مسلم قالا: قلنا لأبي جعفر (عليه السلام): رجل صلى في السفر أربعا أيعيد؟ قال: إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت فصلى أربعا أعاد، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة (1). وإنما جعلناهما من المؤيدات لتطرق المناقشة فيهما كما لا يخفى. وذهب الشيخان (2) في بعض أقوالهما وابن البراج (3) وابن إدريس (4) وأكثر المتأخرين إلى الاستحباب، وقد استدلوا على ذلك بالأصل وبشطر من الأخبار: منها: ما يتضمن أن المصلي يتشهد، وينصرف من دون ذكر السلام. كصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في التشهد (5). وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام). سألته عن الرجل يكون خلف الإمام ويطول الإمام التشهد فيأخذ الرجل البول أو يتخوف على شئ يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال: يتشهد هو وينصرف ويدع الإمام (6). ويؤدي مؤداهما صحيحة محمد بن مسلم أيضا عن الصادق (عليه السلام) عن رجل صلى ركعتين فلا يدري ركعتان هي أو أربع، قال: يسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب ويتشهد وينصرف، وليس عليه شئ (7). وفيه: أن عدم ذكر السلام لا يدل على عدم الوجوب، لعدم كونه في مقام البيان، بل نقول: إنهما يدلان على الوجوب، لظهور لفظ الانصراف في التسليم، كما يظهر من أخبار كثيرة، وسيأتي الأخبار الدالة عليه في غضون هذا المبحث. سلمنا عدم الدلالة، لكن الدلالة على المطلوب أيضا مفقود، سيما في الصحيحة الأخرى،
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 531 ب 22 من أبواب صلاة المسافر ح 4. (2) المقنعة: ص 139، النهاية: ج 1 ص 317. (3) المهذب: ج 1 ص 99. (4) السرائر: ج 1 ص 241. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1003 ب 14 من أبواب التشهد ح 1. (6) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 349 ح 1446. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 324 ب 11 من أبواب الخلل ح 6. 387 بل أولها قرينة على أن الاقتصار ليس للاستحباب، على أنه يحتاج إلى إثبات عدم القول بالفصل، فتأمل. ومنها: ما ورد في باب الشك والسهو وغيره مما تضمن أنه " يفعل كذا ويتشهد " بدون ذكر السلام. ويظهر جوابه أيضا مما ذكرنا، مع أنها معارضة بأكثر منها بمراتب شتى في أمثال هذه المقامات، قد ذكر فيها السلام بلفظ الأمر وغيره. ومنها: ما ورد في الحسن عن الصادق (عليه السلام): إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم، وصل ركعتين واجعله أمامك واقرأ فيهما * (قل هو الله أحد) * وفي الثانية * (قل يا أيها الكافرون) * ثم تشهد، واحمد الله واثن عليه، وصل على النبي (صلى الله عليه وآله) واسأله أن يتقبل منك (1). ويتم الاستدلال بضميمة عدم القول بالفصل. وفيه: أنه ليس في مقام بيان الهيئة التي لماهية الصلاة من حيث هي، بل الظاهر منه بيان الآداب المخصوصة بهذه الصلاة وهذا المقام، كما لا يخفى على ذي السليقة المستقيمة المتدبر في سوق الحديث. وقد يستدل على ذلك أيضا بالأخبار التي مر بعضها (2) فيمن أحدث قبل التسليم: انه يمضي ويتم صلاته. فمع أن آخر صحيحة أبان عن زرارة وموثقة غالب بن عثمان المتقدمتين (3) يدل على خلاف ذلك، فهي لا تنافي الوجوب، لأن بعض الأصحاب - مع قوله بالوجوب - لا يضايق عن ذلك، فيجعله واجبا خارجا عن الصلاة، بل لا يبعد القول به، مع القول بالجزئية أيضا. نعم، يشكل بما نقلناه سابقا عن التذكرة (4): من أن من قال بوجوب التسليم يقول ببطلان الصلاة حينئذ، وما نقلناه من المدارك (5) من الاجماع على ذلك.
(1) وسائل الشيعة: ج 9 ص 479 ب 71 من أبواب الطواف ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1011 ب 3 من أبواب التسليم ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1011، و 1012 ب 3 من أبواب التسليم ح 2 و 6. (4) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 271. (5) مدارك الأحكام: ج 3 ص 431. 388 ويخدشه أن صاحب المفاخر (1) ذهب إلى ذلك مع قوله بوجوب التسليم، وكذا ما قاله في المدارك أيضا في مباحث الخلل الواقع في الصلاة، قال: الأجود عدم بطلان الصلاة بفعل المنافي وإن قلنا بوجوبه (2)، لما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، ونقل أول صحيحة زرارة (3) المتقدمة في التشهد، وصحيحته الأخرى (4) التي نقلناها ثمة قبل هذه الصحيحة، مع أن لنا أن نقول بأن هذه الروايات لا تقاوم ما دل على بطلان الصلاة بالحدث، فنعمل على التفصيل المذكور، والأحوط الإتمام والإعادة. ثم على القول بعدم البطلان مع القول بالوجوب فهل يجب السلام حينئذ بدون الطهارة أم يسقط؟ وجهان، والأحوط والأظهر أن لا يترك. ثم إن الأخبار الواردة في ذلك وإن كان بظاهرها مطلقة لكن المتبادر منها حصول الحدث سهوا، أو من دون الاختيار، فمع تعمده يجب الإعادة على الأقوى. وبالجملة: لم أقف للقائلين بالاستحباب على دليل يعتد به. ثم يبقى الكلام في أن الواجب في السلام أي لفظ؟ والمخرج أي شئ؟ هل هو خصوص " السلام عليكم " أو خصوص " السلام علينا " أو بالتخيير أو كلاهما؟ احتمالات، وذهب إلى كل قائل. فاعلم أن الذي يستفاد من الأخبار أن المصلي يخرج عن الصلاة بقول " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ". ففي صحيحة الحلبي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كل ما ذكرت الله عز وجل به، والنبي (صلى الله عليه وآله) فهو من الصلاة، فإن قلت: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فقد انصرفت (5).
(1) نقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 206 س 4. (2) مدارك الأحكام: ج 4 ص 229. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1011 ب 3 من أبواب التسليم ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1001 ب 13 من أبواب التشهد ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1012 ب 4 من أبواب التسليم ح 1. 389 ورواية أبي بصير - وليس في طريقه إلا محمد بن سنان - عنه (عليه السلام) قال: إذا كنت إماما فإنما التسليم أن تسلم على النبي (صلى الله عليه وآله) وتقول: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثم تؤذن القوم فتقول، وأنت مستقبل القبلة: " السلام عليكم " وكذلك إذا كنت وحدك تقول: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " مثل ما سلمت وأنت إمام، فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت، وسلم على من يمينك وشمالك، فإن لم يكن على شمالك أحد فسلم على الذين على يمينك، ولا تدع التسليم على يمينك وإن لم يكن على شمالك أحد (1). ورواية أبي كهمس عنه (عليه السلام) قال: سألته عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت وأنا جالس: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " انصراف هو؟ قال: لا، ولكن إذا قلت " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فهو الانصراف (2). وحسنة ابن ميسر - لثعلبة بن ميمون - عن الباقر (عليه السلام) قال: شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم: قول الرجل: تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وإنما هو شئ قالته الجن بجهالة فحكى الله عز وجل عنهم، وقول الرجل: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فهو الانصراف (3). والظاهر أنه (عليه السلام) أراد ذلك في التشهد الأول كما سيجئ التصريح به في رواية العيون. وروى الصدوق مرسلا عن الصادق (عليه السلام): أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين: بقوله: تبارك اسمك وتعالى جدك (4)... إلى آخر الحديث السابق.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1008 ب 2 من أبواب التسليم ح 8. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1012 ب 4 من أبواب التعقيب ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1000 ب 12 من أبواب التشهد ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1001 ب 12 من أبواب التشهد ح 2. 390 والظاهر أن العلة في إبطال القول الثاني هو كونه موضوعا للتحليل، وليس هاهنا موضع التحليل، ولعله لظهور الأمر فيه - لكونه طريقة واضحة في أصحابهم (عليهم السلام) كما ستعرف - اقتصر في التعليل للقول الأول، فتأمل. وروى في العيون عن الرضا (عليه السلام) فيما كتب للمأمون من محض الاسلام: ولا يجوز أن تقول في التشهد الأول " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " لأن تحليل الصلاة التسليم، فإذا قلت هذا فقد سلمت (1). وروى أبو بصير في الموثق عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا نسي الرجل أن يسلم فإذا ولى وجهه عن القبلة وقال: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فقد فرغ من صلاته (2). وقال الشيخ في التهذيب: عندنا أن من قال " السلام علينا " في التشهد فقد انقطعت صلاته، فإن قال بعد ذلك: " السلام عليكم ورحمة الله " جاز، وإن لم يقل جاز أيضا (3)، ذكر ذلك في تسليم ركعتي الوتر. ويظهر منه أنه كان مذهب الإمامية وشعارا لهم، ومع ملاحظة ما ذكرنا من الأخبار يثبت الخروج والانصراف بقول: " السلام علينا " فحينئذ لا بد من حمل التسليم - في قوله (عليه السلام): وتحليلها التسليم - على الأعم. وربما يقال إنه راجع إلى المعهود بين العامة والخاصة، وهو قول " السلام عليكم " وذلك يظهر من الأخبار أيضا، كما في موثقة أبي بصير الطويل قال في آخره: والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ثم تسلم (4). ويظهر منه أن السلام هو " السلام عليكم " فقط. وكذا موثقة عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التسليم ما هو؟ قال: هو
(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 121. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1010 ب 3 من أبواب التسليم ح 1. (3) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 129 ذيل ح 496. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 989 ب 3 من أبواب التشهد ح 2. 391 إذن (1). مع ملاحظة رواية أبي بصير المتقدمة. وكذا ما رواه الفاضلان والشهيد (رحمهم الله) عن جامع البزنطي، عن ابن أبي يعفور، عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة، قال: يقول: السلام عليكم (2). ويؤيده صحيحة علي بن جعفر الآتية. وفي صحيحة المعراج الطويلة " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " مرة تجاه القبلة (3). ولعل معهودية ذلك بين العامة أكثر فيكون محللية " السلام علينا " مخالفا لمذهبهم كما يشير إليه قول الشيخ: وعندنا كذا، مع أنه قد ظهر من رواية أبي بصير أن التسليم هو هذا وأن " السلام عليكم " (4) إذن. وكذا يظهر من بعض الأخبار الاخر. ولعله يمكن إرجاع موثقة يونس بن يعقوب أيضا إلى ذلك، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): صليت بقوم صلاة فقعدت للتشهد، ثم قمت ونسيت أن أسلم عليهم، فقالوا: ما سلمت علينا، فقال: ألم تسلم وأنت جالس؟ قلت: بلى، قال: لا بأس عليك، ولو نسيت حتى قالوا ذلك استقبلتهم بوجهك فقلت: " السلام عليكم " (5). فإن الظاهر من قوله " بلى " أنه سلم حين جلوسه، ونسيان السلام لا يلائم ذلك، فلا بد من كون المراد من قوله (عليه السلام) " ألم تسلم " قول " السلام علينا " فحينئذ يستقيم معنى الحديث أيضا. والعجب من بعض المتأخرين (6) استدلاله بهذا الحديث على نفي وجوب
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1004 ب 1 من أبواب التسليم ح 7. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1009 ب 2 من أبواب التسليم ح 11. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 680 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ذيل ح 10. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1008 ب 2 من أبواب التسليم ح 8. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1011 ب 3 من أبواب التسليم ح 5. (6) مدارك الأحكام: ج 3 ص 430. 392 السلام وهو بالدلالة على نقيضه أظهر. وحينئذ فيبقى الكلام في أن الأكثر من القائلين بوجوب السلام يقولون: إن الخروج إنما هو " السلام عليكم " وادعى على كونه مخرجا للصلاة وأن به ينصرف المصلي الاجماع من علماء الاسلام الفاضلان والشهيد (1). فأما كلام الأكثر فلا حجية فيه من حيث هو كلامهم، وأما الاجماع المنقول فهو لا ينافي ما حققناه، إذ الاجماع في أنه يحصل الخروج بذلك، لا أنه لا يحصل بغيره، وذلك يتحقق إذا أبى المصلي إلا عن القول ب " السلام عليكم " أو قدمه على قول " السلام علينا " إن جوزنا ذلك. وإن قدم " السلام علينا " فالحق أنه لا يبقى مجال تأثير بقول " السلام عليكم " لأنه مخرج كما حققنا. وبالجملة: ما ادعيناه مطلقة وما ادعوه أيضا مطلقة، ولا يتناقضان أبدا. وما أوردناه من الأدلة لا يثبت التعيين، بل يثبت حصول الانصراف مطلقا، وأما الحصر المستفاد من رواية أبي كهمس فهو إضافي بالنسبة إلى " السلام عليك أيها النبي ". وأما الحصر المذكور في رواية أبي بصير فلعله محمول على أنه: إن كنت إماما وأردت القول بكلا اللفظين. فالتسليم المعهود الذي هو تحليل الصلاة إنما هو مجموع ذلك القول، ويصير الآخر إذنا، فتأمل فإنه يكفينا ذلك للجمع بين الأدلة. ثم إن أكثر القائلين بوجوب التسليم أوجبوا قول " السلام عليكم " بل قال في البيان: إن " السلام علينا " لم يوجبه أحد من القدماء (2)، وقال في الدروس: إن... (3) الموجبون على قول " السلام عليكم " (4)، ونقل في الذكرى قول المحقق
(1) المعتبر: ج 2 ص 235، منتهى المطلب: ج 1 ص 296 س 11. (2) البيان: ص 94. (3) كلمتان غير مقروءتان، وفي الدروس " وعليه الموجبون ". (4) الدروس: ج 1 ص 183. 393 بالتخيير بينهما، وقال: إنه قول محدث، ولكنه قواه في موضع آخر (1)، واختاره في الألفية (2) واللمعة (3). وأوجب الفاضل يحيى بن سعيد " السلام علينا " وتعين الخروج به (4) وأنكره الشهيد وقال: إنه خروج عن الاجماع من حيث لا يشعر به قائله (5) وهو (رحمه الله) إن أراد من التعيين ذلك فله وجه، وإلا فلم يعلم إجماع على ذلك كما ذكرنا. فحينئذ يقع الإشكال: من جهة أن ما ينصرف به ويحلل به الصلاة لابد أن يكون واجبا، كما حققنا سابقا، والقول بوجوب " السلام علينا " يناقض ذلك الاجماعات المنقولة كما لا يخفى، وأن الأكثر قائلون بوجوب " السلام عليكم " وأن القدماء لم يقولوا بوجوب " السلام علينا " كما ذكره الشهيد (6). ومن جهة الأخبار الدالة على أن الانصراف يقع ب " السلام علينا ". ويمكن دفعه بأنه لم يثبت الاجماع على وجوب قول " السلام عليكم " بالخصوص، ولا على عدم وجوب " السلام علينا " مطلقا، وذهاب الأكثر إلى وجوب ذلك، ونقل الشهيد عدم ذهاب أحد من القدماء إلى هذا (7) لا يصير حجة على شئ، سيما مع اختياره ذلك في اللمعة، وهو آخر تأليفاته. والإشكال إنما يرد إذا قلنا بأن " السلام علينا " واجب بالخصوص، مع تعين تقديمه على قول " السلام عليكم " فإنه حينئذ لا يبقى تأثير لقول " السلام عليكم " فلم يبق معنى للإجماعات. وأما إذا أوجبناهما بدون ترتيب أو أوجبناهما بعنوان التخيير أو أوجبنا واحدا منهما وأسقطنا المندوب فلا ينتفي الثمرة. فالذي يقوى في نفسي هو التخيير - كما اختاره المحقق (8) - والعلامة في
(1) ذكرى الشيعة: ص 207 س 14 وص 208 س 20. (2) الألفية: ص 62. (3) اللمعة: ص 13. (4) الجامع للشرائع: ص 84. (5 و 6) ذكرى الشيعة: ص 208 س 18 و 20. (7) ذكرى الشيعة: ص 208 س 20. (8) المعتبر: ج 2 ص 234. 394 المنتهى (1) والشهيد في اللمعة (2) - لعدم إثبات الأخبار وغيرها الانحصار في " السلام علينا " أو يثبت ولكنه لا بد من التوجيه لمكان المعارض، وللإجماعات المنقولة والإطلاقات الدالة على كون مطلق " السلام " أو " السلام عليكم " مخرجا، فبأيهما بدأ يكون الثاني مستحبا، كخصلتين من خصال الكفارة. والحاصل: أن الذي يظهر من الأخبار أن المخرج هو " السلام علينا " لكن الاجماعات المنقولة وبعض الأخبار أيضا يلجئنا إلى القول بالتخيير (3) وإخراج بعض الأخبار عن ظاهره (4). ومن لم يعتمد على مثل هذه الاجماعات فلا بد من أن يقتصر على ما يظهر من الأخبار. ولكني إذا ضاق علي الوقت فلعلي أختار " السلام علينا " فالأولى الجمع بينهما، وتقديم " السلام علينا " اقتفاء لأثر الأخبار، مع اعتقاد الخروج بالأول عن الصلاة. ومن هاهنا يتضح مختارنا من كون السلام خارجا عن الصلاة أو داخلا، إذ السلام المخرج أيهما كان فهو داخل في الصلاة، لما ذكرنا في بيان معنى التحليل، ولظاهر بعض الأخبار ولصريح موثقة أبي بصير المتقدمة. وغيره خارج عن الصلاة، وهو واضح، واتضح أيضا أن المخرج واجب، والخارج مستحب. ونعم ما قيل إنه لعله هو السر في دعوى الدخول والخروج، والوجوب والاستحباب. وحينئذ فما يدل من بعض الأخبار على كونه خارجا عن الصلاة - مثل صحيحة سليمان بن خالد وصحيحة الحسين بن أبي العلاء المتقدمتان (5)
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 296 س 20. (2) اللمعة: ص 13. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1008 ب 2 من أبواب التسليم ح 8. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1012 ب 4 من أبواب التسليم ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 995 و 996 ب 7 من أبواب التشهد ح 3 و 5. 395 في أول مبحث التشهد - لا بد من حمله على ما يوافق ذلك، بأن يكون المراد من الإتمام الإتمام بالسلام المخرج، وبالسلام السلام الخارج. تتميم: قال العلامة في المنتهى: ولو قال " السلام عليكم ورحمة الله " جاز وإن لم يقل " وبركاته " بلا خلاف (1)، ونقل عن أبي الصلاح وجوب ذلك (2). وربما يستدل عليه بصحيحة علي بن جعفر قال: رأيت إخوتي: موسى وإسحاق ومحمدا بني جعفر (عليه السلام) يسلمون في الصلاة على اليمين والشمال " السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله " (3). وليس بشئ، وكثير من الأخبار خال عنه. وعن ابن زهرة مع ذلك وجوب " وبركاته " أيضا (4). والظاهر كفاية " السلام عليكم " وفاقا للصدوق وابن الجنيد وابن أبي عقيل (5). والاحتياط في قول ابن زهرة، والوجه الاقتصار على المنقول في الأخبار من قول " السلام عليكم " فيشكل الاقتصار بقول " سلام عليكم " ونحو ذلك. وهل يعتبر في التسليم قصد الخروج؟ نقل عن المبسوط أنه ينبغي ذلك (6)، وعن بعض الأصحاب وجوب ذلك (7)، والأصل عدمه، ووجهه غير معلوم، وسبيل الاحتياط واضح. منهاج مذهب الأصحاب أن المنفرد يكتفي بتسليمة واحدة مستقبل القبلة، والمشهور أنه مع ذلك، يومي مؤخر عينه إلى يمينه. ويدل على ذلك صحيحة عبد الحميد بن عواض عن الصادق (عليه السلام) قال:
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 296 س 35. (2) الكافي في الفقه: ص 119. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1007 ب 2 من أبواب التسليم ح 2. (4) غنية النزوع: ص 85. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 319 ح 944. (6) المبسوط: ج 1 ص 116. (7) جامع المقاصد: ج 2 ص 328. 396 إن كنت تؤم قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك، وإن كنت مع إمام فتسليمتين، وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة (1). ورواية أبي بصير المتقدمة وإطلاق صحيحة الرهط الآتية وموثقة سماعة عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا انصرفت عن الصلاة فانصرف عن يمينك (2). وما رواه البزنطي في جامعه عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك (3). وقد يناقش في دلالة تلك الأخبار على الإيماء بمؤخر العين إلى اليمين. ويمكن دفعها بأن المراد من التسليم هاهنا لعله هو المحلل، لكونه أقل الواجب، فإذا كان هو فيكون واجبا، كما ذكرنا، وداخلا في الصلاة كما عرفت، فحينئذ يجب أن لا يفعل فيه ما ينافي الصلاة. ولا يخفى أن التسليم عن اليمين، والانصراف عن اليمين، والتسليم على اليمين وعلى من كان في اليمين، إلى غير ذلك مما ورد في الأخبار يستلزم التفاتا إلى اليمين، كما هو طريقة للسلام وظاهر أسلوب مثل هذا الكلام، ولعل الالتفات بالجنان غير متفاهم العرف، وغير منساق إلى الوجدان، فانحصر في الحسي. ولما كان الانحراف عن القبلة في الصلاة حراما وكذا الالتفات إلى غير جهتها - من دون تحريف عنها - مكروها فالقدر المتيقن من الرخصة الحاصل بسبب هذه الأخبار المعمول بها عند الأصحاب هو ذلك. ولعل النكتة في استحبابه هو الإشعار بالانصراف حينئذ. ويظهر الاكتفاء بإشارة العين ونحوها من رواية الفضل بن شاذان في العلل التي رواها عن الرضا (عليه السلام) وسيأتي أيضا. وعلى هذا يبقى الكلام في أن الظاهر من هذه التسليمات في هذه الأخبار
(1) الوسائل: ج 4 ص 1007 ب 2 من أبواب التسليم ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1008 ب 2 من أبواب التسليم ح 10. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1009 ب 2 من أبواب التسليم ح 12. 397 وغيرها هو " السلام عليكم " لكونه المناسب للسلام على الغير، وهذا أيضا مما يؤيد القول بوجوبه بل وتعينه. وأقول: لا منافاة بين ذلك وإرادة القدر المشترك من السلام المخرج، كما أثبتناه بالأدلة سابقا، سيما وفي الأغلب لا يلزم وجود أحد عن يمين المنفرد ليسلم عليه، بل الظاهر من السلام على من في اليمين هو الاختصاص بالمأموم، على أنا نقول: كما أن " السلام عليكم " يصلح للتسليم على الغير فكذلك " السلام علينا " بل هو أقرب لو كان واحدا، وقد عرفت أيضا قوله (عليه السلام) - في موثقة أبي بصير المتقدمة سابقا -: فإذا ولى وجهه عن القبلة وقال: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فقد فرغ من صلاته (1). ومن مجموع ما ذكرنا حصل أن لا وجه لقول من يستدل بتلك الالتفاتات على كون " السلام " خارجا عن الصلاة. ثم ما عرفت - من أن المراد بالتسليم التسليم المخرج ظاهرا، أو أن ذلك المذكور من الاستحباب يتأدى به في الجملة - لا ينافي ما لو جمع بين اللفظين، وأدى تلك الاستحباب باللفظة الأخيرة لإطلاق التسليم. ولكنه يشكل بما في الأخبار من أنه ينصرف عن يمينه، ونحو ذلك من الظواهر، فإن وصف الانصراف مطلوب في إرادة التسليم من لفظ الانصراف، كما هو ظاهر، وهكذا الظاهر من قولهم (عليهم السلام): يسلم عن يمينه، ونحو ذلك ظاهر في إرادة المخرج، فإرادة المطلق من المقيد لا وجه له، وأيضا الوجه الذي ذكرنا لتوجيه الإيماء بمؤخر العين إنما يناسب إرادة المخرج. ولعله يمكن دفع الأخير بأن مراد الفقهاء بيان ما يجري في جميع الموارد، ويجوز تحققه فيها، ويتأدى المستحب في ضمنه وإن لم يكن في بعض الصور مراعاة ذلك واجبا، كما لو تلفظ بهما. لكن الإشكال من جهة الأخبار بعد باق بحاله، فالدليل على ذلك لعله الاجماع.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1010 ب 3 من أبواب التسليم ح 1. 398 وأما قولهم (عليهم السلام): " التسليمة الواحدة والتسليمتين " فالمراد به الوحدة والتعدد الشخصي لا النوعي، فلا تغفل. والذي يختلج بالبال من العناية في التوجيه وجهان: الأول: إنا لما بينا الأمر هاهنا على التخيير بين اللفظين فيكون هما معا أحد أفراد الواجب التخييري وأفضلها، فالمحلل قد يكون اللفظ الأول، وقد يكون الثاني، وقد يكون هما معا بمعنى تحققه بالمجموع، فيصدق على المجموع أيضا أنه مخرج ولو باعتبار أحدهما، ويحصل الانصراف به فيتم التقريب، لأن حصول الاستحباب المذكور بالمجموع يكفي فيه حصوله باللفظ الآخر، فتأمل. والثاني: أن في رواية أبي بصير إشعارا بأن المأموم بعد قول: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " يسلم على من يمينه وشماله، وفي سوق الرواية لهذا أيضا تأييد فلاحظها، فإذا ثبت ذلك فلا قائل بالفصل، ولكن إثبات ذلك مشكل، فتفكر. ويستحب للإمام أيضا ما يستحب للمنفرد على المشهور، إلا أنه يومي بصفحة وجهه. ويدل عليه صحيحة عبد الحميد المتقدمة (1)، وصحيحة منصور قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الإمام يسلم واحدة، ومن وراءه يسلم اثنتين، فإن لم يكن عن شماله أحد يسلم واحدة (2)، ورواية أبي بصير المتقدمة (3). ولم أجد للتفرقة بمؤخر العين، وصفحة الوجه وجها، ويمكن أن يقال: إن في موثقة يونس بن يعقوب وموثقة أبي بصير المتقدمتين (4) دلالة على ذلك مع ضرب من التوجيه، فتدبر. ورواية المفضل الآتية يثبت ما يقرب من عكس ذلك.
(1 و 2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1007 ب 2 من أبواب التسليم ح 3 و 4. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1011 ب 3 من أبواب التسليم ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1011 ب 3 من أبواب التسليم ح 5. 399 ونقل عن ابن الجنيد القول بأنه لو كان داخل الصف سلم عن جانبيه (1)، وربما كان في صحيحة علي بن جعفر السابقة (2) تأييدا له. قال في الذكرى بعد نقلها: ويبعد أن يختص الرواية بهم مأمومين لا غير، بل الظاهر الإطلاق، وخصوصا منهم الإمام (عليه السلام)، ففيه دلالة على استحباب التسليمتين للإمام والمنفرد أيضا، غير أن الأشهر الوحدة فيهما (3). وقال الفاضل المجلسي (رحمه الله) في شرح الفقيه: ولعله رآهم خلف أبيه مأمومين (4). ويستحب للمأموم التسليم عن الجانبين إن كان على يساره أحد، وإلا فعن يمينه على المشهور، لصحيحتي عبد الحميد (5) ومنصور (6) المتقدمة، ورواية أبي بصير (7) المتقدمة، وصحيحة عنبسة بن مصعب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقوم في الصف خلف الإمام، وليس على يساره أحد كيف يسلم؟ قال: يسلم واحدة عن يمينه (8). وأما ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم وغيرهما في الصحيح عن الباقر (عليه السلام) قال: يسلم تسليمة واحدة إماما كان أو غيره (9)، فحمل على الرخصة. واكتفى ابن بابويه في استحباب التسليمتين بوجود الحائط من يسار المصلي، وكذا أبوه (10). والمشهور أنه أيضا يؤمي بصفحة وجهه. ثم إن الصدوق (رحمه الله) أضاف إلى التسليمتين تسليمة أخرى أولا ردا على الإمام، وقال أيضا: إن الإمام يميل بعينه إلى اليمين، والمنفرد بأنفه.
(1) نقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 208 س 29. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1007 ب 2 من أبواب التسليم ح 2. (3) ذكرى الشيعة: ص 208 س 30. (4) روضة المتقين: ج 2 ص 358. (5 و 6 و 7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1007 و 1009 ب 2 من أبواب التسليم ح 3 و 4 و 12. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1008 ب 2 من أبواب التسليم ح 6. (9) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1007 ب 2 من أبواب التسليم ح 5. (10) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 320، المقنع: ص 29، ونقل عنهما الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 208 س 32. 400 وكل ما ذكره (رحمه الله) مذكور في ما رواه في العلل بإسناده عن المفضل بن عمر، إلا أن المذكور فيها في حكاية الحائط قلت: فلم يسلم المأموم ثلاثا؟ قال: تكون واحدة ردا على الإمام، وتكون عليه وعلى ملكيه، وتكون الثانية على من على يمينه والملكين الموكلين به، وتكون الثالثة من على يساره وملكيه الموكلين به، ومن لم يكن على يساره أحد لم يسلم على يساره إلا أن يكون يمينه إلى الحائط ويساره إلى من صلى معه خلف الإمام، فيسلم على يساره (1). وهو مخالف لظاهر كلام الصدوق، كما فهمه الأصحاب، وحكموا بأنه لا حجة له، ولعله ينبغي إرجاع كلامه (رحمه الله) إلى ظاهر الخبر، لأن الظاهر من سياق كلامه هذا أنه أخذه من هذا الخبر، وأما مخالفاته للمشهور فلا بد من التوجيه أو الطرح. ويستحب القصد بالتسليم إلى الأنبياء والأئمة والحفظة والمأمومين، ويستفاد هذا من الأخبار. كصحيحة المعراج قال: ثم التفت فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيين، فقيل: يا محمد سلم عليهم، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فأوحى الله إليه أنا السلام والرحمة، والبركات أنت وذريتك، ثم أوحى الله إليه أن لا يلتفت يسارا (2). وهذا ينفي ما ذكره الشهيد (رحمه الله) في الذكرى في ذيل صحيحة علي بن جعفر (3). وأما التسليم على المأمومين ورد المأموم على الإمام وقصد الملائكة والحفظة أيضا فكل هذا يظهر من رواية المفضل (4) أيضا، مضافا إلى أن الأنبياء والرسل والملائكة المقربين وجبرئيل وميكائيل كلهم مذكورون في أدعية التشهد، كما في موثقة أبي بصير الطويلة (5).
(1) علل الشرائع: ج 2 ص 359. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 680 ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 10. (3) ذكرى الشيعة: ص 208 س 30. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1009 ب 2 من أبواب التسليم ح 14. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 989 ب 3 من أبواب التشهد ح 2. 401 وقد يقال باستحباب قصد المسلمين، من الجن والإنس، ولا بعد فيه، سيما في قوله " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ". ويستحب أيضا أن يترجم الإمام للمؤمنين بالسلامة والأمان من العذاب. فروى في الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) ان رجلا سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى قول الإمام " السلام عليكم "؟ فقال: إن الإمام يترجم عن الله عز وجل، ويقول في ترجمته لأهل الجماعة: أمان لكم من عذاب الله يوم القيامة (1). وفي رواية المفضل بن عمر: أنه يقول لمن خلفه: سلمتم وأمنتم من عذاب الله عز وجل. وقيل: يجب أن يقصد المأموم بالأولى الرد على الإمام لقوله تعالى: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) *. وفيه إشكال للعموم، ولعدم الانصراف إلى ذلك، لاشتراكه بين الشاهد والغائب، وغرض الإيذان أو التحليل، وكذلك في رد أحد المأمومين على الآخر، ولعل إلى بعض ما ذكر يرجع كلام الصدوق، ولكن اتكاله على النص كما ذكرنا. منهاج المعهود من حال السلف والأئمة أن النافلة كلها ركعتين ركعتين، ولا يجوز الخروج عما ثبت توظيفه من الشارع مما يتوقف توظيفه على الوصول منه، للزوم التشريع، وهو المشهور المعروف بين الأصحاب. ويدل عليه أيضا رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصلي النافلة هل يصلح له أن يصلي أربع ركعات لا يفصل بينهن؟ قال: لا، إلا أن يسلم بين كل ركعتين (2).
(1) من لا يحضره الفقيه الفقيه: ج 1 ص 320 ح 945. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 46 ب 15 من أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ح 2. 402 واستثنوا من ذلك مقامين: الأول: نافلة الوتر، فإن المستفاد من الأخبار المستفيضة أن الوتر اسم للثلاث الركعات. فإن بنينا على ما هو المعروف من مذهب الأصحاب - وهو الحق - من لزوم الفصل فالمخالفة من جهة أن التسليم هنا ثبت في ركعة واحدة. ولو بنينا على احتمال التخيير - كما يميل إليه جماعة من متأخري أصحابنا - فالمخالفة من جهة وقوع السلام في الثالثة. والحق في المسألة لزوم الفصل للصحاح المستفيضة: ففي صحيحة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: الوتر ثلاث ركعات ثنتين مفصولة وواحدة (1). وفي صحيحة سعد بن سعد عن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الوتر أفصل أم وصل؟ قال: فصل (2). وفي صحيحة معاوية بن عمار قال: قال لي: اقرأ في الوتر في ثلاثهن ب " قل هو الله أحد " وسلم في الركعتين توقظ الراقد وتأمر بالصلاة (3). إلى غير ذلك من الصحاح وغيرها. ويدل على التخيير صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التسليم في ركعتي الوتر فقال: إن شئت سلمت، وإن شئت لم تسلم (4)، ومثله صحيحة معاوية بن عمار (5). وحملتا على التقية، مع أنهما وما يؤيد بهما من بعض الأخبار الضعيفة لا يقاوم الصحاح المستفيضة وغيرها مع اعتضادها بعمل الأصحاب والطريقة المستمرة، وقد يوجه بتوجيهات اخر بعيدة.
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 47 ب 15 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 10. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 47 ب 15 من أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ح 10. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 46 ب 15 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 7 ج 3. (4) وسائل الشيعة ج 3 ص 48 ب 15 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 16 ج 3 ص 48. (5) وسائل الشيعة ج 3 ص 48 ب 15 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 17 ج 3 ص 48. 403 الثاني: صلاة الأعرابي، ونسب استثناؤها إلى المشهور بين المتأخرين، وهو كالصبح والظهرين في الترتيب والتسليم. ومستنده ما رواه الشيخ في المصباح عن زيد بن ثابت قال: أتى رجل من الأعراب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله: إنا نكون في هذه البادية بعيدا من المدينة، ولا نقدر أن نأتيك في كل جمعة، فدلني على عمل فيه فضل صلاة الجمعة إذا أمضيت إلى أهلي خبرتهم به. فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان ارتفاع النهار فصل ركعتين تقرأ في أول ركعة " الحمد " مرة و " قل أعوذ برب الفلق " سبع مرات، واقرأ في الثانية " الحمد " مرة و " قل أعوذ برب الناس " سبع مرات، ثم قم فصل ثماني ركعات بتسليمتين، واقرأ في كل ركعة منها " الحمد " مرة و " إذا جاء نصر الله " مرة و " قل هو الله " خمسا وعشرين مرة، فإذا فرغت من صلاتك فقل: " سبحان الله رب العرش الكريم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " سبعين مرة، فوالذي اصطفاني بالنبوة ما من مؤمن ولا مؤمنة يصلي هذه الصلاة يوم الجمعة كما أقول إلا وأنا ضامن له الجنة، ولا يقوم من مقامه حتى يغفر له ذنوبه، ولأبويه ذنوبهما (1)، تمام الخبر. وروي فيه بعض الصلاة الاخر في يوم الجمعة، والروايات فيها مطلقة بأربع ركعات، ولا بد من توجيهها وحملها على المفضولة.
(1) مصباح المتهجد: ص 317. 404 الفصل الرابع عشر (*) في التعقيب منهاج قال في الصحاح: التعقيب في الصلاة الجلوس بعد أن يقضيها لدعاء أو مسألة ونحوه قال ابن فارس، وفي معناه قال في القاموس، ويقرب من ذلك كلام ابن الأثير. وبالجملة: الظاهر منهم اعتبار الجلوس، وقد نقل عن بعض الأصحاب أنه فسره بالاشتغال عقيب الصلاة بدعاء أو ذكر أو ما أشبه ذلك (1). ولعل " ما أشبهه " القرآن والتفكر في صنائع الله والتذكر لآلائه والبكاء من فوت نعمائه وغير ذلك، ولعل ما ذكره (رحمه الله) هو الوجه. وفي مجمع البيان - في تفسير قوله تعالى: * (فإذا فرغت فانصب) * - قال الصادق (عليه السلام): هو الدعاء في دبر الصلاة وأنت جالس (2)، وفي كلمة الفاء إشعار بعدم الفصل. وفي صحيحة هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أخرج في الحاجة وأحب أن أكون معقبا، فقال: إن كنت على وضوء فأنت معقب (4). وروى
(*) راجع ما كتبناه في ص 200. (1) نقله صاحب الحدائق الناضرة: ج 8 ص 506. (2) مجمع البيان: ج 6 ص 176. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1034 ب 17 من أبواب التعقيب ح 1. 405 في الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه السلام): المؤمن معقب ما دام على الوضوء (1). واستحبابه إجماعي بين المسلمين، والأخبار به متواترة: فروى شهاب بن عبد ربه وعبد الله بن سنان كلاهما في الصحيح عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد، يعني بالتعقيب: الدعاء تعقيب الصلوات (2). وروى زرارة في الصحيح عن الباقر (عليه السلام) قال: الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا، وبذلك جرت السنة (3). ولا بد من حمله على غير الرواتب، لأنها أهم، سيما وما يفعل بعد الفريضة، منها هو نافلة المغرب، وفيها غاية التأكيد والتشديد، بل وربما يقال بلزوم تقديمها على التعقيب كما سيجئ. وروى بزرج في المرسل عن الصادق (عليه السلام) قال: من صلى صلاة فريضة وعقب إلى أخرى فهو ضيف الله، وحق على الله أن يكرم ضيفه (4). وأفضل التعقيبات تسبيح الزهراء صلوات الله عليها، والأخبار في فضلها في غاية الكثرة: ففي صحيحة عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من سبح تسبيح فاطمة (عليها السلام) قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له، ويبدأ بالتكبير (5). وروى أبو هارون المكفوف عنه (عليه السلام) قال: يا أبا هارون إنا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة (عليها السلام) كما نأمرهم بالصلاة، فألزمه فإنه لم يلزمه عبد فشقى (6). وروى عقبة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما عبد الله بشئ من التحميد أفضل من
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1034 ب 17 من أبواب التعقيب ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1013 ب 1 من أبواب التعقيب ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1019 ب 5 من أبواب التعقيب ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1014 ب 1 من أبواب التعقيب ح 5. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1021 ب 7 من أبواب التعقيب ح 5. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1022 ب 8 من أبواب التعقيب ح 2. 406 تسبيح فاطمة (عليها السلام)، ولو كان شئ أفضل منه لنحله رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة (1) (عليها السلام). وروى أبو خالد القماط قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: تسبيح فاطمة (عليها السلام) في كل يوم في دبر كل صلاة أحب إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم (2). والمشهور في ترتيبه هو ما رواه محمد بن عذافر - في الصحيح على الظاهر، فإن فيه عمرو بن عثمان، ولعله الثقفي الثقة بقرينة رواية أحمد عنه، وكأنه البرقي - قال: دخلت مع أبي على أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله أبي عن تسبيح فاطمة (عليها السلام) فقال: " الله أكبر " حتى أحصى أربعا وثلاثين مرة، ثم قال: " الحمد لله " حتى بلغ سبعا وستين مرة، ثم قال: " سبحان الله " حتى بلغ مائة، يحصيها بيده جملة واحدة (3). وأبو بصير - في القوي - عنه (عليه السلام) قال في تسبيح فاطمة (عليها السلام)، ابتدء بالتكبير أربعا وثلاثين، ثم التحميد ثلاثا وثلاثين، ثم التسبيح ثلاثا وثلاثين (4). ورواية هشام بن سالم عنه (عليه السلام) قال: تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) إذا أخذت مضجعك فكبر الله أربعا وثلاثين، واحمده ثلاثا وثلاثين، وسبحه ثلاثا وثلاثين (5) ... الحديث. ونقل عن الصدوق القول بتقديم التسبيح على التحميد، ويدل عليه ظاهرا ما رواه في الفقيه مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة، وسبحا ثلاثا وثلاثين تسبيحة، واحمدا ثلاثا وثلاثين تحميدة (6)... الحديث. وما رواه داود بن فرقد في الصحيح عن أخيه أن شهاب بن عبد ربه سأله
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1024 ب 9 من أبواب التعقيب ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1024 ب 9 من أبواب التعقيب ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1024 ب 10 من أبواب التعقيب ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1025 ب 10 من أبواب التعقيب ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1029 ب 12 من أبواب التعقيب ح 10. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 320 ح 947. 407 أن يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) قال: وقل له: إن امرأة تفزعني في المنام بالليل، فقال له: قل له: اجعل مسباحا، فكبر الله أربعا وثلاثين تكبيرة، وسبح الله ثلاثا وثلاثين، واحمد الله ثلاثا وثلاثين (1). وما رواه الشيخ - في باب فضل شهر رمضان - عن المفضل بن عمر عنه (عليه السلام)، في جملة حديث طويل: فإذا سلمت في الركعتين سبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وهو " الله أكبر " أربعا وثلاثين مرة، " سبحان الله " ثلاثا وثلاثين مرة، و " الحمد لله " ثلاثا وثلاثين مرة، فوالله لو كان شئ أفضل منه لعلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إياها (2). ويمكن أن يقال: " الواو " لا يدل على الترتيب، فلا ينافي المشهور، فالاعتماد على المشهور. وقال بعض المتأخرين: والتخيير مطلقا وجه وجيه - وأراد بالإطلاق حين النوم وما بعد الصلاة وغيرهما - قال: وربما يشعر به قول الصادق (عليه السلام) في الأخبار الماضية " ويبدأ بالتكبير " (3) فإن سكوته عن ترتيب الأخيرين دليل على الخيار. ويدفع كلامه قوية أبي بصير (4)، لمكان " ثم " بعد قوله (عليه السلام) " ابتدئ بالتكبير "، وكذا صحيحة ابن عذافر (5) على الظاهر. ويستحب أن يقول بعد تمامه " لا إله إلا الله " مرة، فقد روى الكليني عن الصادق (عليه السلام) قال: من سبح الله في دبر الفريضة تسبيح فاطمة المائة وأتبعها ب " لا إله إلا الله " مرة غفر له (6). ويظهر من بعض الأخبار أفضلية الدعاء من القرآن، بل ومن الصلاة أيضا، والظاهر عدم التفرقة في حال التعقيب وغيره، والأخبار مذكورة في ذكر فضل
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1028 ب 12 من أبواب التعقيب ح 9. (2) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 66 ح 21. (3 و 4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1025 ب 10 من أبواب التعقيب ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1024 ب 10 من أبواب التعقيب ح 1. (6) الكافي: ج 3 ص 342 ح 7. 408 الدعاء، في الكافي (1) والتهذيب (2). ففي صحيحة عبيد بن زرارة عن الصادق (عليه السلام) انه سأله عن رجلين قام أحدهما يصلي حتى أصبح، والآخر جالس يدعو، أيهما أفضل؟ قال: الدعاء أفضل (3). وفي صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجلين افتتحا الصلاة في ساعة واحدة، فتلا هذا القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه، ودعا هذا أكثر فكان دعاؤه أكثر من تلاوته، ثم انصرفا في ساعة واحدة، أيهما أفضل؟ قال: كل فيه فضل، كل حسن، قلت: إني قد علمت أن كلا حسن، وأن كلا فيه فضل، فقال: الدعاء أفضل، أما سمعت قول الله عز وجل: * (قال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) * هي والله العبادة، هي والله أفضل، هي والله أفضل، أليست هي العبادة؟ هي والله العبادة، هي والله العبادة، أليست هي أشدهن؟ هي والله أشدهن، هي والله أشدهن (4). ويستحب أن يبتدئ بثلاث تكبيرات، رافعا بها كفيه حيال وجهه، مستقبلا بظهرهما وجهه، وببطنهما القبلة، واضعا لهما في كل مرة على فخذيه أو قريبا منهما، كذا ذكروه. وقال في المنتهى (5): أفضل ما يقال ما نقل عن أهل البيت (عليهم السلام)، وهو أنه إذا سلم كبر ثلاثا، يرفع يديه إلى شحمتي أذنيه، قبل أن يثني رجليه، روى ذلك ابن طاووس في فلاح السائل بروايتين، والذي تضمنتاه هو رفع اليدين بالتكبير ثلاثا، بعد التسليم. ويستحب أن يأتي بالموجبتين، لحسنة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: لا تنسوا
(1) الكافي: ج 2 ص 466. (2) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 104 ح 162، وج 4 ص 331 ح 102. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1020 ب 5 من أبواب التعقيب ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1020 ب 6 من أبواب التعقيب ح 1. (5) منتهى المطلب: ج 1 ص 301 س 24. 409 الموجبتين، أو قال: عليكم بالموجبتين في دبر كل صلاة، قلت: وما الموجبتان؟ قال: تسأل الله الجنة، وتعوذ بالله من النار (1). وأن يقرأ كل يوم بعد صلاة الصبح خمسين أية من القرآن، لصحيحة معمر ابن يحيى (2). وأما تفصيل التعقيبات والأذكار المأثورة عقيب الصلوات، فهو ليس وظيفة هذا المختصر، بل هو محول على ما ألفه أصحابنا رضوان الله عليهم في هذا النمط. قيل: ويستحب أن يكون جلوسه في التعقيب كجلوسه في التشهد، متوركا مستقبل القبلة، ملازما بمصلاه، مستديما طهارته، متجنبا كل ما يبطل الصلاة، أو ينقص ثوابها فقد روي أن ما يضر بالصلاة يضر بالتعقيب (3). وأقول: أكثر ما ذكر يظهر من بعض ما قدمنا ذكره ومن غيرها، ولم أطلع على ما ذكره من الرواية مسندا، نعم في مفتاح الفلاح لشيخنا البهائي (رحمه الله) روى: أن ما يضر بالصلاة يضر بالتعقيب (4)، وفي الذكرى: ورد أن المعقب يكون على هيئة المتشهد في الاستقبال والتورك، لأن ما يضر بالصلاة يضر بالتعقيب (5). ويظهر من بعض الأخبار أنه يستديم على قعوده كما كان في الصلاة وحينئذ، فهل يستحب هذا الحكم في المغرب أيضا أو يقدم نافلته على التعقيب؟ وقال المفيد في المقنعة (6): إن الأولى القيام إلى نافلة المغرب عند الفراغ منها قبل التعقيب، وتأخيره إلى أن يفرغ من النافلة، واستدل له برواية أبي العلاء الخفاف عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: من صلى المغرب ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلي ركعتين كتبتا له في عليين، فإن صلى أربعا كتبت له حجة مبرورة (7).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1039 ب 22 من أبواب التعقيب ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1048 ب 25 من أبواب التعقيب ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1034 ب 17 من أبواب التعقيب ح 4. (4) مفتاح الفلاح: ص 173. (5) ذكرى الشيعة: ص 212 س 33. (6) المقنعة: ص 117. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1057 ب 30 من أبواب التعقيب ح 2. 410 ولا دلالة له على المطلوب كما لا يخفى. وقال الشهيد في الذكرى: الأفضل المبادرة بها - يعني: نافلة المغرب - قبل كل شئ سوى التسبيح (1)، ونسب ذلك إلى المفيد أيضا، واستدل عليه بأن النبي (صلى الله عليه وآله) فعل كذلك، فإنه لما بشر بالحسن (عليه السلام) صلى ركعتين بعد المغرب شكرا، فلما بشر بالحسين (عليه السلام) صلى ركعتين ولم يعقب حتى فرغ منها (2). والخبر وإن كان ضعيفا لكنه لا مانع من العمل به في مثل هذا المقام، ولكن ظاهره يثبت التقديم على التسبيح أيضا، وهو معارض بالأخبار المعتبرة التي تضمن ذكر التسبيح قبل أن يثني رجليه، والتخصيص به مشكل، فيقتصر على غيره. منهاج يستحب سجدتا الشكر عقيب الصلاة، شكرا على التوفيق لأدائها. قال في التذكرة: إنه مذهب علمائنا خلافا للجمهور (3). ويدل على ذلك روايات كثيرة: ففي صحيحة مرازم عن الصادق (عليه السلام) قال: سجدة الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك، وترضي بها ربك، وتعجب الملائكة منك، وإن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تبارك وتعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة ويقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدى فرضي وأتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه، ملائكتي ما ذا له عندي؟ قال: فتقول الملائكة: يا ربنا رحمتك، ثم يقول الرب تبارك وتعالى: ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا جنتك ثم يقول الرب تبارك وتعالى: ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا كفاية مهمه، فيقول الله تبارك وتعالى: ثم ماذا؟ قال: فلا يبقى شئ من الخير إلا قالته الملائكة، فيقول الله تبارك وتعالى: يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا لا علم لنا،
(1) ذكرى الشيعة: ص 124 س 33. (2) المقنعة: ص 117. (3) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 224. 411 فيقول الله تبارك وتعالى: أشكر له كما شكر لي، وأقبل إليه بفضلي واريه وجهي (1). وفي التهذيب " واريه رحمتي " (2). والأخبار في هذا الباب كثيرة. بقي الكلام في محله قيل: يستحب جعلهما خاتمة للتعقيب، ويمكن أن يستدل عليه بما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا، قال: كان أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) يسجد بعدما يصلي، فلا يرفع رأسه حتى يتعالى النهار (3). ويزيد ذلك ظهورا في الدلالة ما رواه في العيون: ان دار السندي بن شاهك - التي كان الكاظم (عليه السلام) محبوسا فيها - كانت قريبة من دار الرشيد، وكان الرشيد إذا صعد سطح داره أشرف على الحبس، فقال يوما للربيع: يا ربيع ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟ فقال له الربيع: ما ذاك بثوب، وإنما هو موسى بن جعفر (عليهما السلام)، له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال (4). وفي العيون أيضا عن رجاء بن أبي الضحاك عن الرضا (عليه السلام) أيضا انه كان إذا صلى الغداة فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ويصلي على النبي (صلى الله عليه وآله) حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار - إلى أن قال: - وكان يسجد بعد الفراغ من تعقيب الظهر سجدة يقول فيها مائة مرة " شكرا لله ". ثم قال: وكان يسجد بعد تعقيب المغرب قبل النافلة وبعد تعقيب العشاء (5). ويلائمه أن السجدتين مستحبتان عند تجدد النعم ودفع النقم بالإجماع والأخبار، ولا شك أن التوفيق للتعقيب أيضا من عظام النعم، فإيقاع السجدتين عقيبه في محله.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1071 ب 1 من أبواب سجدتي الشكر ح 5. (2) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 110 ح 183. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 332 ح 971. (4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 77 ح 14. (5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 178 ح 5. 412 والظاهر أن تقديمهما على التعقيب لا يخرج التعقيب عن كونه تعقيبا، وأنه لو ثبت استحباب التأخير لكان مستحبا آخر، كما يقتضيه الإطلاقات في جانب التعقيب والسجدتين، ويؤيده ما ورد من تقديم السجدتين على نافلة المغرب، مع ملاحظة ما عرفت من رجحان تقديم النافلة على التعقيب. ففي صحيحة سعد بن مسلم عن جهم بن أبي جهم قال: رأيت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) وقد سجد بعد الثلاث ركعات من المغرب، فقلت له: جعلت فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث، فقال: ورأيتني؟ فقلت: نعم، قال: فلا تدعها فإن الدعاء فيها مستجاب (1). وفي الاحتجاج عن الحميري عن صاحب الزمان (عليه السلام) انه كتب إليه يسأله عن سجدة الشكر في صلاة المغرب بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب (عليه السلام) إن فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعد النوافل كفضل الفرائض على النوافل، والسجدة دعاء وتسبيح، فالأفضل أن يكون بعد الفرائض، فإن جعلت بعد النوافل أيضا جاز (2). وفي توقيعات صاحب الأمر (عليه السلام) أيضا أنها بعد الفريضة أفضل (3)، وقد مر رواية رجاء أيضا. وأما صحيحة حفص الجوهري قال: صلى بنا أبو الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) صلاة المغرب فسجد سجدة الشكر بعد السابعة، فقلت له: كان آباؤك يسجدون بعد الثلاثة، فقال: ما كان أحد من آبائي يسجد إلا بعد السابعة (4). وحملها الشيخ في الاستبصار على التقية (5). قيل: ويشعر به قول الكاظم (عليه السلام) في الخبر الأول " ورأيتني ". أقول: ويشكل ذلك مع ثبوتها عقيب السابعة أيضا، والكل حسن إن شاء الله
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1058 ب 31 من أبواب التعقيب ح 2. (2 و 3) الاحتجاج: ص 487. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1058 ب 31 من أبواب التعقيب ح 1. (5) الاستبصار: ج 1 ص 347 ذيل ح 2. 413 تعالى، ولعل التقديم يكون أولى، سيما مع ملاحظة تأخير التعقيب، يشعر بذلك ملاحظة مجموع الأخبار، ولعل الاحتياط في التكرار. وهذا الذي ذكرنا من الأولوية، والظهور هو في صلاة المغرب، وإلا فباقي الصلاة لعله يكون جعلهما خاتمة في تعقيباتها أولى، لما ذكرنا. ثم إن ما يظهر من الإطلاقات في الصلاة وعموم النعمة التي يستحب السجدتان لها إطراد الحكم في جميع الصلوات واجبة ومندوبة. ويستحب أن يطولهما ما استطاع - ويدل عليه المرسلة المتقدمة - ويفترش ذراعيه فيهما، ويلصق صدره وبطنه بالأرض، ويدل عليه ما رواه الكليني - في الحسن - عن جعفر بن علي قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) وقد سجد بعد الصلاة فبسط ذراعيه على الأرض، وألصق جؤجؤه بالأرض في دعائه (1). وروى أيضا عن يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان قال: رأيت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) سجد سجدة الشكر فافترش ذراعيه، وألصق صدره وبطنه بالأرض، فسألته عن ذلك، قال: كذا نحب أو يجب (2). ويستحب التعفير بينهما بالجبينين والخدين، وبذلك يتحقق تعدد السجود، ويدعو بالأدعية المأثورة. ففي حسنة عبد الله بن جندب - لإبراهيم بن هاشم - قال: سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) عما أقول في سجدة الشكر، فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال: قل وأنت ساجد: " اللهم إني أشهدك واشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنك أنت الله ربي، والإسلام ديني، ومحمدا (صلى الله عليه وآله)، نبيي، وفلان وفلان - إلى آخرهم - أئمتي، بهم أتولى، ومن عدوهم أتبرأ، اللهم إني أنشدك (3) دم المظلوم
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1076 ب 4 من أبواب سجدتي الشكر ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1076 ب 4 من أبواب سجدتي الشكر ح 2. (3) معنى أنشدك: أسألك بالله، فالمراد هنا أسألك بحقك أن تأخذ دم المظلوم يعني الحسين (عليه السلام) وتنتقم من قاتليه وأعدائه. (منه). 414 - ثلاثا - اللهم إني أنشدك بإيوائك (1) على نفسك لأعدائك لتهلكنهم بأيدينا وأيدي المؤمنين، اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنهم بعدوك وعدوهم أن تصلي على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد " ثلاثا ". اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر " ثلاثا ". ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وتقول: يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق علي الأرض بما رحبت، يا بارئ خلقي رحمة بي وقد كنت عن خلقي غنيا صل على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد " ثلاثا ". ثم ضع خدك الأيسر وتقول: يا مذل كل جبار ويا معز كل ذليل قد وعزتك بلغ مجهودي " ثلاثا ". ثم تقول: يا حنان يا منان يا كاشف الكرب العظام " ثلاثا ". ثم تعود للسجود فتقول مائة مرة: شكرا شكرا، ثم تسأل حاجتك إن شاء الله (2). وفي الفقيه - بعد محمد نبيي -: وعلي إمامي والحسن والحسين وعلي بن الحسين - واحدا بعد واحد مع اسم أبيهم إلى قوله: - والحجة ابن الحسن بن علي أئمتي (3). والذي يدل على تعفير الخد من الأخبار كثيرة، وأما الجبين، فلم أقف عليه بالخصوص، ويدل عليه عموم قوله (عليه السلام): علامات المؤمن خمسة، وعد منها التعفير بالجبين (4)، ولعله مر سابقا. قال في الذكرى (5): وروى الأصحاب أن أدنى ما يجزئ فيه أن يقول: " شكرا لله " ثلاثا، وفي رواية المروزي أنه يقول مائة مرة: " شكرا شكرا " وإن شئت " عفوا عفوا " (6).
(1) يعني: بعهدك. (منه). (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1078 ب 6 من أبواب سجدتي الشكر ح 1. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 329 ح 967. (4) وسائل الشيعة: ج 10 ص 373 ب 56 من أبواب المزار و... ح 1. (5) ذكرى الشيعة: ص 213 س 11. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1079 ب 6 من أبواب سجدتي الشكر ح 2. 415 وفي وجوب السجود على الأعضاء السبعة إشكال، وقطع في الذكرى اشتراطها معللا بأن مسمى السجود يتحقق بذلك (1). وأما اشتراط وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه فلم نقف على ما يدل عليه، والأصل عدمه. وقال في الذكرى: ليس في سجود الشكر تكبيرة الافتتاح، ولا تكبيرة السجود، ولا رفع اليدين، ولا تشهد، ولا تسليم (2). وعن الشيخ في المبسوط استحباب التكبير لرفع رأسه من السجود (3).
(1) ذكرى الشيعة: ص 201 س 11. (2) ذكرى الشيعة: ص 213 س 34. (3) المبسوط: ج 1 ص 111. 416 الباب في اللواحق وفيه فصول: الفصل الأول في الجماعة منهاج (*) يستحب الجماعة في الفرائض كلها، وهو مذهب علمائنا أجمع، قاله في المنتهى (1)، ويتأكد في اليومية، قال في المدارك: وهو من ضروريات الدين (2)، ويدل عليه قوله تعالى * (واركعوا مع الراكعين) * (3) والأخبار المستفيضة ناطقة بما ذكرنا. فروى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الصلاة في جماعة يفضل على صلاة الفذ بأربع وعشرين درجة تكون خمسة وعشرين صلاة (4). وقال الصدوق (رحمه الله) في الفقيه - وكأنه عبارة الحديث -: وصلاة الرجل في
(*) ما أثبتناه في العنوان هو ما جرى على قلمه الشريف أولا، لكن شطب عليه وكتب مكانه: " الفصل الرابع في اللواحق، وفيه مقاصد: المقصد الأول في الجماعة، وفيه مباحث: الأول " ولم نتحقق وجه ذلك، مع أنه خلاف سياق الكتاب، والله العالم. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 363 س 8. (3) مدارك الأحكام: ج 4 ص 310. (4) البقرة: 43. (5) تهذيب الأحكام: ح 4 ج 3 ص 25، وفيه " الفرد " بدل " الفذ ". 417 جماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين درجة في الجنة، والصلاة في جماعة تفضل صلاة الفذ بأربع وعشرين صلاة فتكون خمسا وعشرين صلاة (1). والظاهر أن العبارة الأخيرة هو رواية ابن سنان المتقدمة. وروى الكليني في الحسن - لإبراهيم - عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما يروي الناس أن الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة، قال: صدقوا، فقلت: الرجلان يكون جماعة؟ فقال: نعم، ويقوم الرجل عن يمين الإمام (2). ولا يمكن الجمع بين الأخبار إلا بالحمل على مراتب الفضيلة بالنسبة إلى الأشخاص والأمور الخارجية، كما لا يخفى على المتأمل. ويؤيد ذلك أيضا ما روي عن النبي أنها أفضل بسبع وعشرين درجة (3). وما رواه الشهيد الثاني (رحمه الله) عن الشيخ أبي جعفر ابن أحمد القمي في كتاب الإمام والمأموم بإسناد متصل إلى أبي سعيد الخدري - وهو طويل - وفيه: الصلاة الخمس في الجماعة إذا كانا اثنين كتب الله له بكل ركعة مائة وخمسين صلاة، وإذا كانوا ثلاثة كتب الله لكل واحد بكل ركعتين سبعمائة (4) صلاة، وإذا كانوا أربعة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ألفا ومائتي صلاة، وإذا كانوا خمسة كتب الله لكل واحد منهم (5) بكل ركعة تسعة آلاف وسبعمائة صلاة، وإذا كانوا تسعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة ستة وثلاثين ألفا وأربعمائة صلاة، وإذا كانوا عشرة كتب الله لكل واحد بكل ركعة سبعين ألفا وألفين وثمانمائة، فإن زادوا على العشرة فلو
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 375، وفيه " الفرد " بدل " الفذ ". (2) الكافي: ج 3 ح 1 ص 371. (3) السنن الكبرى: ج 3 ص 59. (4) كذا في الأصل، وفي المصدر " بكل ركعة ستمائة ". (5) بكل ركعة ألفين وأربعمائة صلاة، وإذا كانوا ستة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة أربعة آلاف وثمانمائة صلاة، وإذا كانوا ثمانية كتب الله لكل واحد منهم (هذه العبارة سقطت من قلمه الشريف). 418 صارت السماوات كلها مدادا والأشجار أقلاما والثقلان مع الملائكة كتابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة (1)... الحديث. وفيها ذكر فضائل كثيرة لصلاة الجماعة. والأخبار في فضيلة الجماعة والتعيير على تاركها أكثر من أن يحصى. وفيها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا غيبة إلا لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته، وسقطت بينهم عدالته، ووجبت هجرانه، وإذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره، وحذره، فإن حضر جماعة المسلمين، وإلا احرق عليه بيته (2). ويدل على التأكد في اليومية - سيما الغداة والعشاء، مضافا إلى ما سبق - ما رواه الصدوق مرسلا، قال الصادق (عليه السلام): من صلى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمة الله عز وجل، ومن ظلمه فإنما يظلم الله، ومن حقره فإنما يحقر الله عز وجل (3). وحسنة زرارة عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صلى الصلوات الخمس في جماعة فظنوا به خيرا (4). ورواية محمد بن عمارة قال: أرسلت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أسأله عن الرجل يصلي المكتوبة وحده في مسجد الكوفة أفضل أو صلاته في جماعة؟ فقال: الصلاة في جماعة أفضل (5). ولا بد من حمل ذلك على ما إذا كان الجماعة عددا يكون ثوابه أكثر من مسجد الكوفة، كما ذكرنا في حديث الخدري.
(1) روض الجنان: ص 362، السطر الأخير. (2) روض الجنان: ص 362 س 27. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 377 ح 1098. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 371 ب 1 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 512 ب 33 من أبواب أحكام المساجد ح 4. 419 وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) - في رواية ابن أبي يعفور - لضرير البصر الذي اعتذر بعدم وجدان القائد إلى الجماعة: شد من منزلك إلى المسجد حبلا واحضر الجماعة (1). واعلم أن ظاهر ما ادعاه العلامة (2) من الاجماع وكذا الشهيد (3)، هو استحباب الجماعة في الفرائض كلها، مؤداة كانت أو مقضية، وأصالة كانت أو منذورة، وفي مثل صلاة الاحتياط وصلاة الطواف. واستفادة ذلك العموم من الأخبار محل تأمل، كما ذكره بعض المتأخرين (4)، وكذا تحقق الاجماع فيها، ولم ينقل على جميع ذلك بالخصوص أيضا إجماع، فالاقتصار فيما خالف الأصل على موضع اليقين أولى. ولا يجب الجماعة بالأصالة إلا في الجمعة والعيدين، وقد تقدمتا، وهذا الحكم إجماعي بين الأصحاب، والمخالف في ذلك أكثر العامة. فقيل بوجوبها كفاية في الصلاة الخمس (5). وقيل باشتراط صحة الصلوات بها (6). ويدل على مذهب الإمامية - مضافا إلى الأصل والإجماع - ظاهر الأخبار المتقدمة، وسياقها منساق مساق الاستحباب، كما لا يخفى. وأما الاستدلال بصحيحة زرارة والفضيل قالا: قلنا له: الصلاة في جماعة فريضة هي؟ قال: الصلاة فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلاة كلها، ولكنها سنة من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له (7). فيمكن المناقشة فيه بأن المراد بالسنة هي ما قابل الفريضة، وهو أعم من
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 377 ب 2 من أبواب صلاة الجماعة ح 9. (2) نهاية الإحكام: ج 2 ص 111. (3) ذكرى الشيعة: ص 265 س 19. (4) مدارك الأحكام: ج 4 ص 310. (5) نيل الأوطار: ج 3 ص 151. (6) نيل الأوطار: ج 3 ص 151. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 371 ب 1 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. 420 المستحب، ويشكل بالآية ومع ملاحظتها فالاستحباب أقرب مجازاتها لو لم نقل بثبوت الحقيقة الشرعية فيه، إما مع متروكية الأول أو مع الاشتراك ولو قلنا فالأمر أوضح. أما على الأول فظاهر لأصالة الحقيقة وظهور عدم إرادة المعنى اللغوي، وعلى الثاني فالآية قريبة. وإن أبيت عن جميع ذلك فنقول: إن سياق الخبر - كالأخبار الكثيرة الاخر - ظاهر في ذلك. وإنما قلنا: إنه لا يجب أصالة، إذ قد يجب لعارض كالنذر وشبهه، وكما لو عجز المصلي عن القراءة فيلزمه الائتمام كما مر. ولا يجوز الجماعة في النوافل، عدا ما استثنى، منها: صلاة الاستسقاء، ومنها: صلاة العيدين مع اختلال الشرائط، وقد تقدم الكلام فيهما. قال في المنتهى: ذهب إليه علماؤنا أجمع (1)، ويظهر من الشهيد في الذكرى (2) أن المسألة ليست بإجماعية قيل: ويظهر وجود المخالف من كلام المحقق في الشرائع، فإنه قال: يجوز أن يأتم المتنفل بالمفترض والمتنفل، والمفترض بالمتنفل في أماكن، وقيل: مطلقا (3). والأقوى عدم الجواز وبطلان مثل هذه الصلاة، لنا - مضافا إلى أصالة عدم الجواز، لكونها من الأمور التوقيفية، وعدم ثبوت جواز اسقاط القراءة، وصحة هذه الهيئة يتوقف من الشارع، والإجماع المتقدم - صحيحة الفضلاء عن الصادقين (عليهما السلام) قالا: إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا صلى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله ثم يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلي، فخرج من أول ليلة من شهر رمضان كما كان يصلي فاصطف الناس خلفه فهرب منهم إلى بيته فتركهم، ففعلوا ثلاث ليال، فقام في اليوم الرابع على منبره، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 363 س 8. (2) ذكرى الشيعة: ص 265 س 17. (3) شرائع الاسلام: ج 1 ص 123. 421 الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة (1). ورواية إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام)، وسماعة عن الصادق (عليه السلام) قال في جملتها: فلما كان من الليل قام يصلي فاصطف الناس خلفه، فانصرف إليهم فقال: يا أيها الناس إن هذه الصلاة نافلة ولن يجتمع للنافلة، فليصل كل رجل منكم وحده، وليقل ما علمه الله من كتابه، واعلموا أن لا جماعة في نافلة... الحديث (2). وحسنة زرارة - لإبراهيم بن هاشم - عن الصادق (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يزيد في صلاته في شهر رمضان إذا صلى العتمة صلى بعدها، يقوم الناس خلفه فيدخل ويدعهم، ثم يخرج أيضا فيجيئون ويقيمون خلفه فيدخل ويدعهم مرارا (3)... الحديث. ورواية محمد بن يحيى قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فسئل هل يزاد في شهر رمضان في صلاة النوافل؟ فقال: نعم، قد كان رسول الله (عليه السلام) يصلي بعد العتمة في مصلاه فيكثر، وكان الناس يجتمعون خلفه ليصلوا بصلاته، فإذا كثروا خلفه تركهم ودخل منزله، فإذا تفرق الناس عاد إلى مصلاه فصلى كما كان يصلي، فإذا كثر الناس خلفه تركهم ودخل، وكان يصنع ذلك مرارا (4). ومع ملاحظة عموم رواية إسحاق بن عمار (5) وملاحظة خصوص تلك الأخبار - مع عدم القول بالفصل - لا يبقى مجال لترجيح الجواز. ويدل على الجواز روايات، منها: صحيحة أبان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق (عليه السلام) قال: صل بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة فإني أفعله (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 191 ب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 181 ب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان ح 6. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 173 ب 2 من أبواب نافلة شهر رمضان ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 174 ب 2 من أبواب نافلة شهر رمضان ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 181 ب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان ح 6. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 408 ب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح 13. 422 والأخبار التي في جواز إمامة المرأة للنساء في النافلة (1)، وسيجئ. والجواب عن الأول - مع عدم مقاومتها للأخبار المتقدمة - أنها محمولة على التقية، ويشهد لذلك موثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد، قال: لما قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) الكوفة أمر الحسن بن علي أن ينادي في الناس: لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة، فنادى في الناس الحسن بن علي (عليه السلام) بما أمره به أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي (عليه السلام) صاحوا: واعمراه واعمراه (2)... الحديث. فمع ما سيجئ فيما بعد نقول: إنها أخص من المطلوب، وإثبات عدم القول بالفصل مشكل، مع أنها لا يقاوم أدلة المشهور لكثرتها واعتضادها بالإجماع والأصل بل الأصول وغير ذلك، فالحق مع المشهور. ومما ذكرنا ظهر ضعف ما ذهب إليه أبو الصلاح في صلاة الغدير وإن قال: ورد به رواية. وتنعقد الجماعة باثنين أحدهما الإمام، وهو قول فقهاء الأمصار، قاله في المنتهى (3). ويدل عليه - مضافا إلى حسنة زرارة المتقدمة - أخبار كثيرة: منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه (4). ومنها: صحيحة محمد بن يوسف عن أبيه قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن الجهني أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إني أكون في البادية ومعي أهلي وولدي فأؤذن وأقيم واصلي بهم، أفجماعة نحن؟ فقال: نعم، فقال: يا رسول الله إن الغلمة يتبعون قطر السحاب، فأبقى أنا وأهلي وولدي فأؤذن وأقيم واصلي بهم، أفجماعة
(1) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح 9 و 12 ج 5 ص 408. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 192 ب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان ح 2. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 364 س 9. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 411 ب 23 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. 423 نحن؟ قال: نعم، فقال: يا رسول الله فإن ولدي يتفرقون في الماشية فأبقى أنا وأهلي فأؤذن وأقيم واصلي بها، أفجماعة نحن؟ فقال: نعم، فقال: يا رسول الله إن المرأة تذهب في مصلحتها فأبقى أنا وحدي فأؤذن وأقيم واصلي، أفجماعة أنا؟ فقال: نعم، المؤمن وحده جماعة (1). وروى في الفقيه: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الاثنان جماعة (2). وأيضا فيه وقال (صلى الله عليه وآله): المؤمن وحده حجة، المؤمن وحده جماعة (3). وروى الشيخ في الصحيح عن أبي مسعود عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته كم أقل ما تكون الجماعة؟ قال: رجل وامرأة (4). وروى عن أبي البختري عنه (عليه السلام): ان عليا صلوات الله عليه قال: الصبي عن يمين الرجل إذا ضبط الصف جماعة، والمريض القاعد عن يمين الصبي جماعة (5). ويظهر من هذا الخبر تحقق الجماعة بالصبي، ولعله يحمل على المميز الذي كلف بالصلاة تمرينا، ويشمله العمومات أيضا. وهل يصح إمامة الصبي المميز أم يشترط التكليف؟ المشهور على عدم الصحة، وخالف في ذلك الشيخ (6) في الخلاف والمبسوط. والأول أقرب، لنا - مضافا إلى أصالة عدم الصحة، وكون الجماعة وظيفة شرعية يتوقف ثبوتها على وظيفة الشرع، وغير ذلك مما ذكرنا، وعدم وضوح كون عبادة الصبي شرعية، وأنه لا يؤمن عليه الخطأ، فلا يثبت العدالة التي هي شرط عندنا البتة - ما رواه إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): ان عليا (عليه السلام) كان يقول: لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم، ولا يؤم حتى يحتلم، فإن أم جازت
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 379 ب 4 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 376 ح 1094. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 376 ح 1096. (4) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 26 ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 380 ب 4 من أبواب صلاة الجماعة ح 8. (6) الخلاف: ج 1 ص 553 المسألة 295، المبسوط: ج 1 ص 154. 424 صلاته وفسدت صلاة من يصلي خلفه (1). ولعل عموم قوله (عليه السلام) في رواية ابن راشد: لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته (2) يشمله. واحتج الشيخ في الخلاف برواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال: لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤم (3). وحملها الشيخ على الغلام الذي بلغ السن أو أنبت (4). وقد يضعف ذلك بتوارد الروايتين على صفة واحدة، فالأولى العمل بالأولى، لكون طلحة ضعيفا، ولكونها مخالفا لما عليه أكثر الأصحاب، وللأصول المعتمدة. وأما غياث بن كلوب - الذي في سند الرواية الأولى - فهو وإن كان عاميا لكن الشيخ ذكر أن الطائفة عملت برواياته (5). وعمومات الجماعة بحيث يشمل لما نحن فيه محل تأمل. ويدل على قول الشيخ أيضا موثقة غياث بن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) قال: لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤم القوم وأن يؤذن (6). ويؤيده أيضا موثقة سماعة عنه (عليه السلام) قال: تجوز صدقة الغلام وعتقه ويؤم الناس إذا كان له عشر سنين (7). ويمكن حمله بمن أنزل أو أنبت. وقال الشهيد: إن عدم الجواز مخصوص بغير أمثالهم، لكن الصلاة بأمثالهم جائز (8).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 398 ب 14 من أبواب الجماعة ح 7. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 388 ب 9 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (3) لم يحتج الشيخ (رحمه الله) في الخلاف برواية طلحة بن زيد، ولكنه احتج بها في التهذيب، كما سيأتي. راجع. (4) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 29 ذيل ح 16. (5) عدة الأصول: ج 1 ص 380. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 662 ب 32 من أبواب الأذان والإقامة ح 4. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 397 ب 14 من أبواب صلاة الجماعة ح 5. (8) الدروس: ج 1 ص 219. 425 ويشترط العقل، فلا يصح إمامة المجنون، وأما لو كان دوريا فقيل: الظاهر جواز إمامته في حال الإفاقة، للعمومات. وكرهه العلامة (1) لنفرة النفس الموجبة لعدم الإقبال إليه، وقطع بالعدم في موضع آخر، لعدم الأمن من العروض في الأثناء، ولجواز عروض الاحتلام حال جنونه من دون شعور. وقد يقال: إن تجويز العروض لا يرتفع تحقق الأهلية، والتكليف يتبع العلم. وليس ببعيد. وبالجملة: الجواز أظهر في النظر، والله يعلم. ويشترط الإيمان والعدالة وطهارة المولد بالإجماع، كما نقله جماعة، والأخبار بها متظافرة، ومر تمام الاستدلال، وتحقيق المقال في صلاة الجمعة. منهاج لا يجوز إمامة المرأة للرجال، ولا للرجال والنساء معا باتفاق العلماء كافة، كما قال في المعتبر (2)، ونقل الاجماع غيره أيضا، واستدل عليه في المعتبر بقول النبي (صلى الله عليه وآله): أخروهن من حيث أخرهن الله (3)، ولأنها مأمورة بالحياء والاستتار، وهو ينافي الإمامة. وبالجملة: لا ينبغي التأمل في هذا الحكم بعد عدم ثبوت التوظيف فيما هو وظيفة الشارع، سيما بعد وقوع الاتفاق على خلافه. ولا يجوز أن تؤم للخنثى لاحتمال كونها رجلا، ولا خنثى بمثله لاحتمال كون الإمام امرأة والمأموم رجلا، ولا بالرجل بطريق أولى. وأما إمامة الخنثى للمرأة فيرجع إلى جواز إمامة النساء للنساء، والظاهر أن جواز إمامتها لهن إجماعي بين علمائنا. قال في التذكرة: إنه قول علمائنا أجمع (4).
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 368 س 22. (2) المعتبر: ج 2 ص 438. (3) المعتبر: ج 2 ص 438. (4) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 285. 426 وقال في المختلف: المشهور أن المرأة يجوز أن تؤم النساء في الفرائض، ونقل ابن إدريس عن السيد المرتضى: المنع، وهو اختيار ابن الجنيد (1) انتهى. ولم يظهر من هذه العبارة إلا نسبة المنع في الفرائض إلى السيد، وأما النوافل فيفهم جوازها من مفهوم هذه العبارة ومما قاله (رحمه الله) بعد نقل أخبار التفصيل، كما سنذكر. وقول السيد لا بأس به، لصحة الأخبار الدالة عليه، وضعف الحديثين الأولين، مع احتمالهما للتفصيل، وهو جواز إمامة المرأة في النفل دون الفرض، وأراد بهما رواية سماعة وعبد الله بن بكير الآتيين، فظهر من العلامة هاهنا نسبة التفصيل إليهما. وهكذا فهمه صاحب المدارك (2) (رحمه الله) أيضا. ونسب في الذخيرة المنع مطلقا إلى السيد والجعفي، وقال: ونفى عنه البأس المصنف في المختلف، ونسب التفصيل إلى ابن الجنيد (3)، وكلام المفاتيح مشتبه قال: فجاز إمامة المرأة على المشهور خلافا للسيد والإسكافي والجعفي فلم يجوزوا إمامتها مطلقا، واختاره في المختلف للصحاح: تؤمهن في النافلة أما في المكتوبة فلا (4). وبعد ما عرفت ما ذكرنا من المختلف تتنبه (5) على ما في الكلامين. ويمكن أن يكون كلمة " مطلقا " في المفاتيح قيدا للمنفي لا للنفي، فيوافق ما فهمناه من المختلف. وبالجملة: وجود الأقوال الثلاثة محتمل. ويدل على المشهور - مضافا إلى الإطلاقات والعمومات - صحيحة علي ابن يقطين عن أبيه عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ فقال: بقدر ما تسمع (6)، وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) مثله (7).
(1) مختلف الشيعة: ج 3 ص 59. (2) مدارك الأحكام: ج 4 ص 352. (3) ذخيرة المعاد: ص 392 س 7. (4) مفاتيح الشرائع: ج 1 ص 160. (5) كذا في ظاهر الأصل، ويحتمل أن تقرأ: سننبه. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 772 ب 31 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 772 ب 31 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3. 427 وموثقة ابن بكير - وهو لا يروي إلا عن ثقة، وأجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه - عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يؤم المرأة؟ قال: نعم تكون خلفه، وعن المرأة تؤم النساء؟ قال: نعم تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن (1). وموثقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تؤم النساء؟ فقال: لا بأس به (2). ويؤيدها تأييدا ما موثقة غياث عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: المرأة صف والمرأتان صف والثلاث صف (3). سيما مع ملاحظة بعض الأخبار المتقدمة في أدنى الجماعة. ويدل على التفصيل صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تؤم النساء؟ فقال: إذا كن جميعا أمتهن في النافلة، فأما المكتوبة فلا، ولا تتقدمهن، ولكن تقوم وسطا بينهن (4). وصحيحة هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) مثله بأدنى تفاوت في اللفظ (5). وقوية الحلبي - وفيها الحسن بن جهم، ولعله الثقة - عن الصادق (عليه السلام) قال: تؤم المرأة النساء في الصلاة، وتقوم وسطا منهن ويقمن عن يمينها وشمالها تؤمهن في النافلة، ولا تؤمهن في المكتوبة (6). وروى زرارة في الصحيح عن الباقر (عليه السلام) قال: قلت: المرأة تؤم النساء؟ قال: لا، إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطا معهن في الصف فتكبر ويكبرن (7).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 408 ب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح 10. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 408 ب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح 11. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 407 ب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح 8. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 408 ب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح 12. (5) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 406. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 408 ب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح 9. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 406 ب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. 428 وجوز الشيخ في الاستبصار حمل النهي - عن إمامتها في المكتوبة، أو سوى الصلاة على الميت - على الكراهة، واستحباب الترك جمعا بين الأخبار (1). وليس للمانع مطلقا ما يعتمد عليه، وقال في المختلف: واحتج بأنه (عليه السلام) وصفها بنقص الدين، فلا تصلح للإمامة المنوطة بكماله (2). والظاهر - على ما ذكرنا من أنه نسب التفصيل إلى السيد - لا ينطبق احتجاجه على مطلبه أيضا، فتدبر. ومع ذلك فأنت خبير بأنه لا ينهض دليلا في مقابل ما ذكرنا من الأخبار، فبقي الكلام في التفصيل. ورد المحقق في المعتبر على خبر سليمان بن خالد والحلبي بأنهما نادران لا عمل عليهما (3)، وحينئذ فالمسألة محل الإشكال، نظرا إلى عموم ما دل على عدم جواز النافلة في الجماعة، وعمومات الجماعة، والإطلاقات الواردة في خصوص جماعة المرأة، فيبقى الكلام في أن تلك عمومات وإطلاقات، والأخبار الدالة على التفصيل خصوصات ومقيدات، والخاص يحكم على العام، والمقيد حاكم على المطلق. ولنا أن نقول: العام إذا كان أقوى من جهة الأمور الخارجة - مع قطع النظر عن أنه ظاهر، والخاص نص - فلا شك أنه لا يجوز التخصيص، والتقييد إذ يعتبر فيهما المقاومة بسبب المعتضدات الخارجة، فإذا تساوتا من جهة الأمور الخارجة فالخاص مقدم بسبب النصوصية. وغير خفي أن عدم جواز الجماعة في النافلة والأخبار الدالة عليه - سيما قوله (عليه السلام): واعلموا أنه لا جماعة في نافلة (4)، مع اعتضادها بالشهرة العظيمة - والإجماع المنقول وكونهما مخالفة للعامة وموافقة للأصحاب ومعتضدة بالأصول المتقدمة مع أنها في نفسها أيضا كثيرة وكذا
(1) الاستبصار: ج 1 ص 427 ذيل حديث 4. (2) مختلف الشيعة: ج 3 ص 59. (3) المعتبر: ج 2 ص 427. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 181 ب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان، قطعة من ح 6. 429 الإطلاقات التي استدللنا بها على جواز إمامتها مطلقا قوية معتضدة بالشهرة بل الاجماع المنقول، فلا وجه لترجيح الخاص الذي لا يساويها كثرة، ولا يعارضها اعتضادا مع مخالفتها للأصل المدعى عليه الاجماع، وهو عدم جواز الجماعة في النافلة. ويمكن أن يقال: إن الأدلة الدالة على عدم جواز الجماعة في النافلة لا عموم فيها غير خبر واحد لا يبلغ حد الصحة، وعدم القول بالفصل أول المسألة، فيبقى الأصل هاهنا مع الخبر العام. وأما الإطلاقات التي ذكرتها، فالصحيحين الأولين لا عموم فيهما، لأن السؤال إنما هو عن رفع الصوت، وليس هاهنا موضع الاحتجاج بتقرير المعصوم، كما لا يخفى على المتدبر، فيحتمل أن يكون مراد الراوي أن المرأة التي تؤم فيما يجوز له الإمامة فيه، كيف يفعل. نعم ينهضان دليلا على المانع مطلقا، فيبقى الخبران الآخران، وهما مطلقان غير بالغين درجة الصحة، ومعارضهما أخبار كثيرة صحيحة مفصلة، مع أن جماعة من الأصحاب قائلون بمضمونهما، فينبغي حمل المطلق على المقيد. وبالجملة: اشتهار الجواز في الفريضة بين الأصحاب، ومخالفة جواز النافلة جماعة - للأصل، وكون الجماعة في النافلة من الأمور النادرة، سيما مع انضمام عدم تجويزها في الفريضة - يضعف التفصيل، وصحة الأخبار وكثرتها وظهور دلالتها يضعف الإطلاق. والجمع بين الأخبار وكلام الأصحاب يكون بوجهين: إما حمل النافلة على ما يجوز فيه الجماعة والنهي عن الجماعة في الفريضة على نفي التأكد والكراهة بمعنى أقلية الثواب، أو حمل المطلقات على النافلة والحكم بتحريم الجماعة في الفريضة لهن، والأول أقوى. ويمكن حمل النافلة على الجماعة المندوبة، فيكون كناية عن عدم جواز الإمامة في صلاة الجمعة مثلا. وبالجملة: الأقوى جواز إمامتهن في الفرائض وإن كان الاحتياط في ترك ذلك، سيما مع وجود الرجل، والله أعلم بحقائق أحكامه.
430 منهاج ذهب الشيخ في النهاية والخلاف إلى المنع عن إمامة المجذوم والأبرص (1)، وكذا السيد (رضي الله عنه) في بعض أقواله (2)، وقال في الانتصار: ومما انفردت الإمامية به كراهية إمامة الأبرص والمجذوم والمفلوج، والحجة فيه إجماع الطائفة (3)، ووافقه ابن حمزة (4) والعلامة (5) والمحقق (6)، ونسب ذلك إلى أكثر المتأخرين، وهو قول ابن إدريس إلا في الجمعة والعيد، فلم يجوز فيهما (7). ولا يخفى أن لفظ الكراهة في كلام السيد وأمثاله غير ظاهرة في المعنى المصطلح، إذ كثيرا ما نراهم يريدون منها الحرمة، ومن الاتفاقات أنه ذكر قبل هذه المسألة إجماع الإمامية على كراهة إمامة ولد الزنا، وهو قال بعد أسطر قلائل: والظاهر من مذهب الإمامية أن الصلاة خلفه غير مجزية، والحجة الاجماع المتقدم وطريقة البراءة (8)، وقال بعد هذه المسألة: ومما انفردت به الإمامية كراهية صلاة الأضحى، وإن التنفل بعد طلوع الشمس إلى وقت زوالها محرمة إلا في يوم الجمعة خاصة (9)، بل يمكن ادعاء ظهور أنه أراد الحرمة. وذهب الشيخ في المبسوط (10) وأبو الصلاح (11) وابن البراج (12) على المنع لغير مثلهم، والجواز معهم. ويدل على المنع أخبار كثيرة: فروى أبو بصير في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: خمسة لا يؤمون الناس على كل حال: المجذوم، والأبرص، والمجنون، وولد الزنا، والأعرابي (13).
(1) النهاية: ج 1 ص 345، الخلاف: ج 1 ص 561 المسألة 312. (2) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثالثة): 39. (3) الانتصار: ص 50. (4) الوسيلة: ص 105. (5) منتهى المطلب: ج 1 ص 374 س 5. (6) شرائع الاسلام: ج 1 ص 125. (7) السرائر: ج 1 ص 280. (8) الانتصار: 50. (9) الانتصار: 50. (10) المبسوط: ج 1 ص 155. (11) الكافي في الفقه: ص 144. (12) المهذب: ج 1 ص 80. (13) وسائل الشيعة: ج 5 ص 397 ب 14 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. 431 وروى محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: خمسة لا يؤمون الناس، ولا يصلون بهم صلاة فريضة في جماعة: الأبرص، والمجذوم، وولد الزنا، والأعرابي حتى يهاجر، والمحدود (1). روى زرارة في الحسن - لإبراهيم بن هاشم - عنه (عليه السلام) قال: قلت له: الصلاة خلف العبد، فقال: لا بأس به إذا كان فقيها، ولم يكن هناك أفقه منه، قال: قلت: أصلي خلف الأعمى؟ قال: نعم إذا كان له من يسدده، وكان أفضلهم، قال: وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يصلين أحدكم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا، والأعرابي لا يؤم المهاجرين (2). ورواها الصدوق مرسلا من قوله (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام)... الحديث (3). ويدل على الجواز مطلقا رواية عبد الله بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المجذوم والأبرص يؤمان المسلمين؟ فقال: نعم، قلت: هل يبتلي الله بهما المؤمن؟ قال: نعم، وهل كتب الله البلاء إلا على المؤمن (4). وحملها الشيخ على حال الضرورة، وإذا كانا يؤمان بأمثالهم (5). والذي يقوى في نفسي من جهة الأخبار وكلام جمع من الأصحاب الحرمة، وتأويل الأخبار الكثيرة المعتبرة المعمول بها عند جماعة بسبب خبر لم نوثق راويه مشكل، سيما وكون عمل الأصحاب عليه أكثر لينجبر به فيتعارض تلك الأخبار محل كلام، وقد عرفت ما ذكرنا في كلام السيد (6)، مع ظهور دلالة تلك الأخبار ووضوحها وتأكدها بتأكيدات مثل قوله (عليه السلام): " على كل حال " (7) ومثل
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 399 ب 15 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (2) الكافي: ج 3 ص 375 ح 4، وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة الجماعة ج 5 ص 400 ح 6، ولم ينقله بكامله. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 378 ح 1105، وفيه " المهاجر " بدل " المهاجرين ". (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 399 ب 15 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (5) تهذيب الأحكام: ج 4 ص 27 ذيل ح 5. (6) الانتصار: ص 50. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 397 ب 14 من أبواب صلاة الجماعة ح 1، وص 399 ب 15 ح 5. 432 النكرة في سياق النفي في رواية محمد بن مسلم، والنهي المؤكد مع ذكر لفظ " أحدكم " في حسنة زرارة، إلى غير ذلك، مع أنها أيضا موافقة لأصالة عدم صحة الصلاة، وانعقاد الجماعة، وسقوط القراءة. وأما العمومات والإطلاقات كقولهم (عليهم السلام): " يؤمكم أقرأكم " (1) وغير ذلك ففي شمولها لما نحن فيه محل تأمل، لكونها من الأفراد النادرة، سيما مع صدور هذه الأخبار أيضا، وأيضا يلزم القائلين بالجواز - مع حمل تلك الأخبار على الكراهة - استعمال لفظ المشترك في معنييه، للاتفاق على حرمة إمامة ولد الزنا، إلا أن يقال: إنه على سبيل عموم المجاز، ولا ريب أنه مجاز أيضا، والأصل الحقيقة، وعدم جواز الجمع بين الأخبار بهذا النحو إلا من دليل، وقد عرفت ضعفه. ولم أقف لتفصيل ابن إدريس (2) على حجة. وأما تفصيل أبي الصلاح (3) وابن البراج (4) فلم أقف فيه على نص بالخصوص، ويمكن أن يكون نظرهما إلى القطع بالعلة، سيما مع ملاحظة تقييدهم (عليهم السلام) إمامة الأعرابي بغير المهاجر، وعدم شمول أخبار المنع لذلك، واندراجها تحت إطلاقات الجماعة، فتأمل. وأما الأعمى فالأصح جواز إمامته وفاقا للمشهور، وقال في المنتهى: إنه مذهب أهل العلم، ونسب المخالفة إلى أنس (5) وهذا إذا كان من ورائه من يسدده ويوجهه إلى القبلة، وهكذا ادعى عليه الاجماع في التذكرة (6). ويدل عليه - مضافا إلى الاجماع والإطلاقات -: حسنة زرارة المتقدمة (7). وصحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: لا بأس بأن يصلي الأعمى بالقوم
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 640 ب 16 من أبواب الأذان والإقامة ح 3. (2) السرائر: ج 1 ص 280. (3) الكافي في الفقه: ص 144. (4) المهذب: ج 1 ص 80. (5) منتهى المطلب: ج 1 ص 371 س 9. (6) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 298. (7) الكافي: ج 3 ص 375 ح 4، وسائل الشيعة: ج 5 ص 400 ب 15 من أبواب صلاة الجماعة ح 6 لم ينقله بكامله. 433 وإن كانوا هم الذين يوجهونه (1). ورواية السكوني عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يؤم المقيد المطلقين، ولا يؤم صاحب الفالج الأصحاء، ولا صاحب التيمم المتوضين، ولا يؤم الأعمى في الصحراء إلا أن يوجه إلى القبلة (2). ورواية ابن مسلم المتقدمة، وقال في آخرها: وقال الباقر والصادق (عليهما السلام): لا بأس أن يؤم الأعمى إذا رضوا به، وكان أكثرهم قراءة وأفقههم (3). وقال أبو جعفر (عليه السلام): إنما العمى عمى القلب فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (4). روى هذا القدر منها الصدوق أيضا مرسلا (5). وصحيحة محمد بن مسلم قال: صلى بنا أبو بصير في طريق مكة، فقال وهو ساجد - وقد كانت ضلت ناقة لجمالهم -: اللهم رد على فلان ناقته، قال محمد: فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرته، فقال: وفعل؟ قلت: نعم، قال: فسكت، قلت: فأعيد الصلاة؟ قال: لا (6). ونقل عن العلامة في النهاية القول بالمنع (7)، وعلله في التذكرة بعدم التمكن من تحرز النجاسات (8)، وأن الإمامة مرتبة جليلة، وهو لا يليق. وهو كما ترى. وأما الأعرابي - وهم سكان البادية - فيعم العرب وغيره. وقال الفاضل المجلسي (رحمه الله) في شرح الفقيه: المراد بالتعرب سكنى البادية مع الأعراب بعد أن هاجر منهم (9)، والظاهر من الأخبار سقوط وجوب الهجرة بعد فتح مكة، وألحق
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 409 ب 21 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 410 ب 21 من أبواب صلاة الجماعة ح 7. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 410 ب 21 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 410 ب 21 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 379 ح 1109. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 973 ب 17 من أبواب السجود ح 1. (7) نهاية الإحكام: ج 2 ص 150. (8) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 299. (9) روضة المتقين: ج 2 ص 493. 434 بعضهم سكنى القرى مع التمكن من سكنى الأمصار، لاكتساب العلوم والكمالات، وبعضهم ترك التعلم. ومما ذكره يظهر معنى الأعرابي والمهاجر. واختلف الأصحاب في إمامة الأعرابي، فلا يجوز إمامته عند الشيخ (1) وجماعة من الأصحاب، وذهب آخرون إلى الكراهية (2). وفصل المحقق (رحمه الله) في المعتبر (3) تفصيلا، وارتضاه جماعة من المتأخرين. وهو أنه إن كان وصل إليه ما يكفيه في اعتماده عليه ويدين به ولم يكن ممن يلزمه المهاجرة وجوبا جاز لقوله (عليه السلام): يؤمكم أقرأكم (4). وقول الصادق (عليه السلام): لا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ولا سلطانه (5). وإن لم يكن كذلك، فلا يجوز. ويدل على المنع في الجملة الأخبار الثلاثة المتقدمة. واعلم أن ظاهر الأصحاب أن محل النزاع هو إمامة الأعرابي بالمهاجرين، وكأنه لا نزاع لهم في إمامة الأعرابي بمثله، حملا للخبرين المطلقين على المقيد، بل الظاهر من رواية محمد بن مسلم في نفسها أيضا ذلك، بل ويمكن القول بأنه لا ينساق من صحيحة أبي بصير أيضا إلا ذلك. وبالجملة: الذي وقفت من كلماتهم في هذا الباب هو صلاة الأعرابي بالمهاجر، فحينئذ يصير حاصل الأخبار - مع ملاحظة أن المقرر في شرعنا أنه يشترط الإمامة بالعدالة، والفقه بأحكام الصلاة، وسائر الشرائط، وملاحظة التقييد المذكور، واعتبار مفهومه، وهو جواز الإمامة بمثلهم، وأنه لا فرق بين الأعرابي وغيره في سائر الشرائط - أنه لا يجوز صلاة الأعرابي بالمهاجر وإن كان الأعرابي عارفا بالأحكام قادرا على شرائط الإمامة في الجملة. فحينئذ لا يبقى لتفصيل المحقق (رحمه الله) - وأن ذلك محمول على الغالب، لأن
(1) النهاية: ج 1 ص 344. (2) المعتبر: ج 2 ص 443. (3) الدروس: ج 1 ص 219، جامع المقاصد: ج 2 ص 504، مدارك الأحكام: ج 4 ص 371. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 640 ب 16 من أبواب الأذان والإقامة ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 119 ب 28 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. 435 غالب الأعراب أنهم غير عارفين بالأحكام فيكون المنع لذلك - قوام وحقيقة، وكذا تحسين جماعة من المتأخرين لذلك، اللهم إلا أن يكون نظره إلى العموم، كما في صحيحة أبي بصير، وهو - مع ما ذكرنا من الظهور - غير جيد في نفسه، لما عرفت من لزوم التقييد، إلا أن يقال: إن المنع الوارد في الأخبار من جهة التنبيه على أنه فاسق من جهة ترك هذا الواجب وإن كان حصل ما يجب عليه من معرفة الصلاة، وحينئذ فلا وجه لجوازه لمثله كما ذهب إليه أيضا. فيبقى الكلام في أن النهي هل هو بظاهره أم لا؟ والأنسب بظاهر الحقيقة، والمرجحات التي ذكرناها في الأجذم والأبرص هو عدم الجواز، بل البطلان. ولعل المجوز رجح العمومات، وحمل النهي على المجاز لعدم المقاومة، أو لأنه بنى الأمر في المجذوم وغيره على الكراهة. فيحصل بسبب ذلك وهن في الدلالة، وهو مشكل. وأسند في المدارك إطلاق المنع عن إمامة الأغلف إلى الأكثر (1)، وذهب بعضهم إلى الكراهة (2)، ونقل عن أبي الصلاح تجويزه لمثله (3)، وصرح الفاضلان في المختلف (4) والمعتبر (5) بتفصيل آخر، وارتضاه بعض من تأخر عنهما (6)، وهو أنه إن كان فرط في ذلك مع القدرة فلا يجوز إمامته باعتبار فسوقه، وإلا فيجوز. وليس بذلك البعيد. وعلى الأول، فهل يبطل الصلاة أم لا؟ وجهان: بالنظر إلى القول بأن الأمر بالشئ نهي عن ضده أم لا، فعلى الثاني يصح لأن النهي متعلق بخارج. وأما رواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: الأغلف لا يؤم القوم وإن كان أقرأهم، لأنه ضيع من السنة أعظمها، ولا تقبل له شهادة، ولا يصلى عليه إلا أن يكون منع ذلك خوفا على نفسه (7).
(1) مدارك الأحكام: ج 4 ص 369. (2) رياض المسائل: ج 4 ص 351. (3) الكافي في الفقه: ص 144. (4) مختلف الشيعة: ج 3 ص 60. (5) المعتبر: ج 2 ص 442. (6) روض الجنان: ص 368 س 21. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 396 ب 13 من أبواب صلاة الجماعة. 436 فهو على الدلالة على الجواز أشبه، لكن على التفصيل المذكور. والأوجه الكراهية أيضا، والاحتياط في الترك. واختلف الأصحاب في المحدود بالحد الشرعي، ولعل النزاع إنما هو بعد توبته، إذ قبله فاسق، وعدم الجواز ليس من جهة خصوص الحد. فنقل عن أبي الصلاح المنع من إمامة المحدود بعد توبته إلا بمثله (1). ولكن العلامة (رحمه الله) في المختلف (2) لم يقيد كلامه ببعد التوبة. والظاهر أنه مراده ذلك كما ذكرنا. والمنقول عن الأكثر الجواز، لأنه عدل حينئذ بحسب المفروض، فيشمله العمومات، وليس أسوأ حالا عن كافر أسلم. وعلل المحقق كراهته بأنها منصب جليل، ومرتبته ينقص عن ذلك (3). ولعل ما عليه الأكثر أقوى. ولا بد من حمل رواية ابن مسلم، وحسنة زرارة المتقدمتان على من لم يتب بعد، ولكنه يشكل ببعض ما ذكرنا سابقا، ويظهر لك بالتأمل. وبهذا يظهر وهن في أحكام الأبرص والمجذوم وغيرهما أيضا، والأحوط في الكل الترك. ولا يجوز أن يؤم الأمي - أي: من لا يحسن واجب القراءة على ما نقل عن المعتبر (4) - بالقارئ. والمراد هنا الذي يعجز عن التعلم مع السعي، وإلا فصلاته باطلة في نفسها، لأصالة عدم الصحة، وعدم سقوط القراءة، ولا يتحقق تحمل القراءة عن الإمام حينئذ، ومنع شمول الإطلاقات والعمومات لذلك. والظاهر جواز إمامته بمن يساويه، وقطع بذلك جماعة من الأصحاب (5). وهل يجب على الأمي العاجز عن التعلم الائتمام بالقارئ المتقن؟ فيه وجهان، والمشهور وجوبه، ودليله غير واضح، وعلله بعضهم بأنه يتمكن حينئذ
(1) الكافي في الفقه: ص 144. (2) مختلف الشيعة: ج 3 ص 61. (3) المعتبر: ج 2 ص 442. (4) المعتبر: ج 2 ص 437. (5) روض الجنان: ص 365 س 1، مدارك الأحكام: ج 4 ص 349. 437 من الصلاة بقراءة صحيحة، فيجب عليه. ويشكل بمنع شمول أدلة وجوب القراءة له، إلا أن الاحتياط وحصول اليقين بالبراءة إنما يكون بذلك. ويمكن إجراء هذا الحكم فيما لو وجد الأمي أقل لحنا منه، فإن الميسور لا يسقط بالمعسور. ومما ذكرنا من المنع ينقدح أولوية عدم الوجوب في الأخرس، والظاهر أن الأخرس كالأمي في جواز إئتمام أحدهما بالآخر. وفي جواز ائتمام الأمي بالأخرس وجهان: لقدرته على التكبير فلا يجوز، ولعدم تحمل الإمام ذلك فيجوز. ويشكل الترجيح في مثل ذلك المسألة، والأحوط الترك. وأما عكسه فلعله لا بأس به، مع ثبوت الإشكال فيه أيضا. ولا يجوز إمامة اللاحن بالمتقن، سواء كان مغيرا للمعنى، كتبديل فتحة تاء " أنعمت " بالضمة، أو لا كعكسه في " الحمد " وكذا المبدل لحرف بحرف، على المشهور بين الأصحاب. والدليل عليه ما تقدم في الأمي، فإن اليقين بمسقط القراءة لا يحصل بذلك. وللعلامة (1) قول بالصحة، لأن صلاته صحيحة، لانحصار تكليفه في ذلك، فيجوز الائتمام. واستضعفه بعض الأصحاب (2)، وألزمه بجواز إمامة الأمي والأخرس، ولا قائل بها من الأصحاب. وأما مثل التمتام أي: من يتردد في التاء المثناة من فوق، والفأفاء أي: من يتردد في الباء الموحدة (3)، ففيه إشكال، فنسب جواز إمامتهما إلى غير واحد من الأصحاب، لأن هذه زيادة غير مخرجة عن صحة القراءة. ويبقى الإشكال - بعد تسليم الصحة - في أن مطلق صحة القراءة كيف يكفي في جواز مطلق الإمامة. وأما مثل الأرب (4) - وهو من يلحقه في أول كلامه ريح فيتعذر بيانه، فإذا
(1) مختلف الشيعة: ج 3 ص 63. (2) مدارك الأحكام: الصلاة / في الجماعة ج 4 ص 354. (3) كذا، والظاهر: في الفاء. (4) كذا في الأصل، وفي المبسوط: الإرث: والصواب: الإرث، كما يظهر بالمراجعة إلى كتب اللغة. 438 تكلم انطلق لسانه كما ذكره في المبسوط (1) - فهو لا يمنع عن الصحة على الظاهر، ويجوز إمامته. والكلام في وجوب ائتمام هؤلاء للمتقن الوجهان المتقدمان، ويؤيد ما ذكرنا من الدليل على عدم الوجوب صحيحة الفضلاء المتقدمة في أوائل المبحث، قال: وليس الجماعة بمفروض في الصلوات كلها. وجعلناها مؤيدا لعدم ظهور السنة في المستحب، ولاحتمال الخبر للسلب الجزئي، فتدبر. ولا يجوز إمامة القاعد بالقائم، للأصل، وإجماع علمائنا، ذكره في التذكرة (2)، ولما رواه ابن بابويه مرسلا عن الباقر (عليه السلام): قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى بأصحابه جالسا، فلما فرغ قال: لا يؤمن أحد بعدي جالسا (3). ويمكن القول باطراد الحكم في جميع مراتب النقص والكمال. والإشكال في إمامة القاعد بمثله هاهنا موجود، لعدم ظهور الخبر فيه، وكذا الاجماع، ولأصالة عدم الصحة، وسيجئ تمام الكلام إن شاء الله. منهاج لا يجوز الصلاة مع وجود حائل بين الإمام والمأموم يمنع المشاهدة، بالإجماع نقله غير واحد من أصحابنا. ويدل عليه - مضافا إلى الاجماع والأصل - صحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: ينبغي للصفوف أن تكون تامة متواصلة بعضها إلى بعض، ولا يكون بين الصفين ما لا يتخطى، يكون قدر ذلك مسقط جسد انسان إذا سجد (4). وقال أبو جعفر (عليه السلام): إن صلى قوم بينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، وأي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي
(1) المبسوط: ج 1 ص 153. (2) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 287. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 381 ح 1118. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 462 ب 62 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. 439 يتقدمهم ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة، وإن كان سترا أو جدارا فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب، قال: وقال: هذه المقاصير إنما أحدثها الجبارون، فليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة (1)... الحديث. هكذا رواه ابن بابويه، ورواها الشيخ أيضا في الحسن، من قوله (عليه السلام) " وقال أبو جعفر " بأدنى تفاوت في اللفظ. ففيما رواه الشيخ: إن كان بينهم سترة أو جدار، وقال: هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس، وإنما أحدثها... (2). وإنما قيدنا بالمنع من المشاهدة لأن المشهور أنه لا مانع من الحائل إذا كان مشبكا لا يمنع المشاهدة خلافا للشيخ في الخلاف، فحكم بالبطلان واستدل بهذه الصحيحة (3). وربما يقال: وجه الدلالة أن المقاصير في الأغلب كانت مخرمة. وقد يضعف بأن المقاصير المشار إليها لعلها لم تكن مشبكة، فلا يعلم كونها باطلة مع ذلك. ويمكن أن يقال: إن هذا إنما يرد لو أراد المعصوم أشخاصا معينة، بل الظاهر أن مراده (عليه السلام) جنس المقاصير المستحدثة، فإذا كان أغلبها كذا فيلحق الظن الشئ بالأعم الأغلب، ولكن الشأن في إثبات الأغلبية. وربما يقال: وجه الدلالة قوله (عليه السلام): إن صلى قوم بينهم وبين الإمام ما لا يتخطى (4)، فإن المشبكة مانعة عن التخطي. وهو بعيد لظهور إرادة مقدار المسافة، لا إمكان التخطي وعدمها من جهة الحائل. ويشكل المسألة بأن إطلاق الجدار في الحديث يشمل الجدار المشبك أيضا، وأن الأنسب كان أن يستثني (عليه السلام) ذلك أيضا حيث استثنى من كان بحيال الباب. والاحتياط في عدم الاكتفاء بالجدار المشبك وإن لم يدل دليل على بطلان الصلاة به، سيما وأكثر أحكام هذه الصحيحة على سبيل الاستحباب، وسياقها أيضا
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 386 ح 1144. (2) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 52 ح 94. (3) الخلاف: ج 1 ص 557 المسألة 304. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 462 ب 62 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. 440 ذلك، وأن الظاهر أن الجدار بنفسه مستتر، ولذلك اكتفى بعض المتأخرين بما لو كان بينهما حائط قصير لا يمنعه المشاهدة ولو في بعض الأحوال (1). ولا يبعد ما ذكره في صورة اختفاء الإمام في حال السجود فقط، بأن يكون الحائل قصيرا بهذا المقدار. وعلى القول بالبطلان فالمنسوب إلى أصحابنا هو بطلان صلاة المأموم فقط، وإلى بعض العامة تعميم البطلان (2). ويكفي للمأموم مشاهدة الإمام، أو من يشاهده من المأمومين وإلا لبطل صلاة الصف الثاني إذا لم يروا الإمام، وهو باطل. وقال في المنتهى: إنه لا نعرف فيه خلافا (3). ولكن الإشكال فيما إذا كان المأمومون قياما خارج الباب، وفي أن صلاة من على يمينهم ويسارهم وخلفهم صحيحة أم لا؟ والظاهر بملاحظة ما ذكرنا - من كفاية مشاهدة من يشاهد الإمام في الصفوف الكثيرة في المسجد - الصحة هاهنا أيضا كما هو المشهور، ولم نقف لأحد من الأصحاب حكما ببطلانه أيضا. ولكن الدليل على ما ذكرنا هو الاجماع ومعهودية ذلك من زمن الأئمة (عليهم السلام). والإجماع لم يعلم ثبوته فيما نحن فيه، وكذا المعهودية، ويضعفه الصحيحة المتقدمة أيضا، لأن الصف الخارج من الباب إن صار مستطيلا فلا يصدق عليه عرفا في الأغلب أن بينه وبين الصف المتقدم أو الإمام بقدر ما يتخطى، بل ربما كان أزيد بمراتب شتى. وملاحظة البينة بالنسبة إلى الجزء منه - الذي في خلف من كان بحيال الباب - والاكتفاء به مشكل، لأن الظاهر من قوله (عليه السلام) " من كان بحيال الباب " (4) هو المحاذي له من الأشخاص، والحمل على إرادة الصف، وكون الحصر
(1) نهاية الإحكام: ج 2 ص 122. (2) الحاوي الكبير: ج 2 ص 345. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 365 س 8. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 460 ب 59 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. 441 إضافيا بالنسبة إلى من كان على يمين الباب وشماله مجاز. فيبقى المنع من الصلاة عقيب الجدار والستر بحاله، إلا أن يخدش في دلالة الصحيحة، وانصرافها إلى ما نحن فيه، أو في دلالتها على الوجوب كما أشرنا، أو قيل بعدم مقاومتها للعمومات من جهة اعتضادها بالعمل. وبالجملة: المسألة محل إشكال، فلو ثبت الاجماع فهو، وإلا فالأحوط الاجتناب، سيما إذا طال الصف كثيرا، وأما التجاوز القليل بمثل شخص أو شخصين فلعله لا مجال للتأمل فيه، سيما مع ما ورد في صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: لا أرى بالوقوف بين الأساطين بأسا (1). ويظهر التوقف في صحة صلاة القائمين على يمين من بحيال الباب ويساره وخلفه من بعض المتأخرين. ولعل ما ذكرنا من الأحكام لا يتفاوت بين الصف والإمام وبين الصف والصف الآخر أيضا. ومنع أبو الصلاح (2) وابن زهرة (3) عن حيلولة النهر بين الإمام والمأموم، ولم نقف على مأخذه، فإن اعتبر عدم كونه أزيد مما يتخطى فهو، وإلا فيطالبان بالدليل. هكذا رد هذا القول صاحب المدارك (4) والذخيرة (5)، إلا أن صاحب الذخيرة تأمل في الأول أيضا، وسيجئ الكلام فيه. ثم إن هذا الحكم - الذي ذكرنا من لزوم عدم الحائل - مختص بالرجل، وأما لو كان المأموم مرأة فيجوز ولو كان الحائل غير مشبك أيضا، وفاقا للمشهور لموثقة عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي بالقوم وخلفه دار فيها نساء، هل يجوز لهن أن يصلين خلفه؟ قال: نعم إن كان الإمام أسفل منهن، قلت: فإن بينهن وبينه حائطا أو طريقا، قال: لا بأس (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 460 ب 59 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (2) الكافي في الفقه: ص 144. (3) غنية النزوع: ص 89. (4) مدارك الأحكام: ج 4 ص 319. (5) ذخيرة المعاد: ص 394 س 11. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 461 ب 60 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. 442 فإن الصحيحة لا تدل على حكم المرأة، ولو سلم فالخاص مقدم على العام وإن كان موثقا، والعام صحيحا، لاعتضادها بعمل الجمهور. وخالف في ذلك ابن إدريس قال: وقد وردت رخصة للنساء أن يصلين وبينهن وبين الإمام حائط، والأول أظهر وأصح (1)، وأراد به المساواة مع الرجال، وطريق الاحتياط واضح. ولا يجوز التباعد بين الإمام والمأموم إلا بالصفوف المتخللة، وهو إجماع أصحابنا وأكثر أهل العلم. واختلفوا في تحديده، فأحاله الأكثر إلى العرف، وربما يستبعد ذلك. ولا وجه له، إذ المستفاد من الأخبار الكثيرة المتظافرة في صلاة الجماعة أنه يتقدم الإمام ويقوم المأموم خلفه أو يقوم قدامه ونحو ذلك. وهذه ألفاظ يرجع فيها إلى العرف. ففي رواية محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يؤم الرجلين قال: يتقدمهما ولا يقوم بينهما، وعن الرجلين يصليان جماعة؟ قال: نعم يجعله عن يمينه (2)... الحديث. وفي صحيحة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: الرجلان يؤم أحدهما صاحبه، يقوم عن يمينه، فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه (3). إلى غير ذلك من الأخبار. وقال في الخلاف (4): حده - مع عدم اتصال الصفوف - ما يمنع عن مشاهدته والاقتداء بأفعاله. ونقل عن المبسوط (5) جواز البعد بثلاثمائة ذراع. وكلاهما بعيدان.
(1) السرائر: ج 1 ص 289. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 413 ب 23 من أبواب صلاة الجماعة ح 7. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 411 ب 23 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (4) الخلاف: الصلاة / ج 1 ص 559 المسألة 308. (5) المبسوط: ج 1 ص 156. 443 وحده أبو الصلاح (1) وابن زهرة (2) بما لا يتخطى، لصحيحة زرارة المتقدمة، ولا ريب أنه أحوط. ثم اعلم أن الذي يظهر من مجموع الإطلاقات وخصوص صحيحة زرارة المتقدمة أنه يصح صلاة من أحرم بالصلاة في الصف الأخير قبل إحرام من في الصف الأول على الإطلاق، ولا يعتبر ذلك التباعد حينئذ بسبب عدم كونهم مصلين في هذه الحالة، إذ الذي ظهر من عدم جواز التباعد وأقل ما يجوز منه على سبيل التسليم والمماشاة هو ما يتخطى كما في الصحيحة، وذلك كما أنه يكفي في الفاصل بين المأموم والإمام فهو يكفي أيضا بين الصفين، كما نص عليه في هذه الصحيحة، فليس هذا المأموم مندرجا في عنوان " من لا صلاة لهم " ولم يظهر من الأخبار وكلام الأصحاب مانع من ذلك من غير جهة التباعد، فلا وجه لتقييد الأخبار الدالة على عموم الاقتداء بغير دليل. وأما على قول المشهور - من بناء ذلك على العرف وأن ما يفهم من الإطلاقات هو الحجة - فالأمر أسهل، لأنه يصدق عليه حينئذ أنه صلى خلف الإمام، وأنه مصلي خلفه في الصف الأخير، ونحو ذلك مما هو مذكور في الأخبار. وقال السيد الفاضل (رحمه الله) في المدارك: فاعلم أنه ينبغي للبعيد من الصفوف أن لا يحرم بالصلاة حتى يحرم قبله من المتقدم من يزول معه التباعد (3). أقول: وبعد ما ذكرنا فلا وجه له، لعدم ظهور الدليل على ذلك، وأما ما يظهر من تعليله ذلك الحكم برفع التباعد ففيه أيضا ما عرفت. نعم، يمكن أن يقول: شمول الصحيحة لذلك محل تأمل، وكذا فهم العرف من الأخبار المطلقة، فيحصل الاحتمال، سيما مع كثرة الصفوف، وكون الصف الآخر أول من يحرم، فيكون ترك ذلك أولى وأحوط، فيكون مستحبا. ولعله (رحمه الله) مراده أيضا الاستحباب كما يشعر به كلامه، ولكن يعارضه فضيلة
(1) الكافي في الفقه: ص 144. (2) غنية النزوع: ص 88. (3) مدارك الأحكام: ج 4 ص 322. 444 المسارعة والمسابقة إلى الخير. ومع ذلك فالأحوط - سيما فيما فرضناه - التأخير. ومما ذكرنا لعلك تتنبه على حال من ينقطع عنه الصفوف في حال الصلاة بأن يتم صلاتهم كما لو كانوا مسافرين، أو ما تميز به بغير صف صلاته، أو يقصدون الانفراد، ونحو ذلك. فالظاهر أن صلاته صحيحة، ولا عبرة بالتباعد أيضا، ولا يجب عليه العود إلى ما يتخطى ونحوه إذا لم يكن فعلا كثيرا، ولا إلى قصد تجديد القدوة بناء على جواز تجديد المؤتم بإمام آخر إذا انتهت صلاة الإمام، والذي يستفاد من الأخبار لا يزيد على اعتبار ذلك في أول الصلاة، ولا دليل في غيره. وقيل تنفسخ القدوة، ولا تعود بانتقاله إلى محل القرب. ولقد أحسن السيد الفاضل (رحمه الله) حيث قال: والأصح أن عدم التباعد إنما يعتبر في ابتداء الصلاة خاصة دون استدامتها كالجماعة، والعدد في الجمعة تمسكا بمقتضى الأصل السالم عن المعارض (1)، والتشبث بما ذكرنا من ظهور الصحة من الإطلاقات أولى. وبالجملة: الاحتياط في أمثال تلك المسائل التي لا نص عليها بالخصوص أولى، ولكن الاحتياط هاهنا - مع ما يأتي من الإشكال في إطلاق الحكم في جواز الانفراد، ومع ثبوت الإشكال في العود إلى ما تقرب من الإمام، أو قصد تجديد القدوة - لعله لا يحصل إلا بتعدد الصلاة. منهاج المشهور بين الأصحاب عدم جواز علو الإمام بما إذا كان شبه الدكان والأبنية لا في الأرض المنحدرة، ويظهر من كلام بعضهم أنه نقل الاجماع على ذلك أيضا (2)، واستدلوا على ذلك بما رواه المشايخ الثلاثة في الموثق عن عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصلي بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه
(1) مدارك الأحكام: ج 4 ص 323. (2) كما في تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 260. 445 الذي يصلي فيه، فقال: إن كان الإمام على شبه الدكان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم، وإن كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل إذا كان الارتفاع ببطن مسيل فإن كان أرضا مبسوطة وكان في موضع منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلا أنهم في موضع منحدر فلا بأس به. قال: وسئل: فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلي خلفه؟ قال: لا بأس، قال: وإن كان رجل فوق بيت أو غير ذلك دكانا كان أو غيره وكان الإمام يصلي على الأرض وأسفل منه جاز للرجل أن يصلي خلفه ويقتدي بصلاته وإن كان أرفع منه بشئ كثير (1). وفي التهذيب مقام قوله " ببطن مسيل " " بقدر شبر " وقيل: وأكثر نسخ الفقيه مقام " ببطن مسيل " " بقطع سبيل ". والخبر - وإن كان مختلط الألفاظ، مشتبه المعاني - مشتملة على ما يخالف ظاهر الأصحاب من اعتبار الإصبع وأقل منه، اللهم إلا أن يجعل المراد طول الإصبع، ولكنه لا ينتفي بذلك الإشكال بالمرة أيضا، إلا أن فهم الأصحاب مع ظهور ما لما فهموه من اللفظ أيضا يكفي في ذلك الحكم، سيما مع توقف اليقين بالبراءة على ذلك، مع هذا أن الظاهر من الخبر من قوله: " فإن كان أرضا مبسوطة ... إلى آخره " هو ذلك التفصيل، ولا حاجة إلى صدر الخبر، إلا أن ارتباطه بما قبله يورث وهنا في الظهور، وأظهر دلالات الخبر على المطلوب إنما هو على ما في أكثر نسخ الكافي كما ذكرنا، فحينئذ يكون كلمة " إن " في قوله: " وإن كان أرفع منهم بقدر إصبع " وصلية، ويكون قوله (عليه السلام) " إذا كان الارتفاع ببطن مسيل " تأكيدا للتمثيل السابق، ولهذا لم يأت بكلمة " في " مكان " الباء " فيكون المطلق من أول الخبر إلى هنا بيان عدم جواز الارتفاع لو كان من قبيل الدكان أو بطن المسيل ونحو ذلك، وما بعده لبيان جواز العلو في المنحدر. وبما يقرب من هذا يوجه ما في الفقيه أيضا، وأما ما في التهذيب فلم أجد له وجها وجيها.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 463 ب 63 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. 446 وتردد في ذلك الحكم المحقق في المعتبر (1)، ولعله لاضطراب الخبر. وحكم الشيخ في الخلاف بالكراهة (2) وارتضاه بعض المتأخرين. واختلفوا في قدر العلو المانع، فقيل: ما يعتد به. وقيل: قدر شبر. وقيل: ما لا يتخطى. ولعل نظر القائل بالأخيرين إلى رواية عمار على بعض الطرق، وصحيحة زرارة المتقدمة على بعض الوجوه. ولا يخفى أنهما لا يدلان على أحدهما كما عرفت. وقال في التذكرة: لو كان العلو يسيرا جاز إجماعا (3)، والاحتياط الاجتناب عن العلو مطلقا. ثم إنه نسب إلى الأصحاب أن الباطل حينئذ هو صلاة المأموم دون الإمام، وإلى بعض العامة تعميم البطلان. وأما المأموم فيجوز علوه على الإمام، ولعله إجماعي، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا (4) ولم نقف فيه من الأصحاب على مخالف. ويدل عليه - مضافا إلى الإطلاقات - خصوص الموثقة المتقدمة. وأما ما رواه محمد بن عبد الله عن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الإمام يصلي في موضع والذين يصلون خلفه في موضع أرفع منه، فقال: يكون مكانهم مستويا (5) فلا بد من حملها على الاستحباب، لعدم مقاومتها لما ذكرنا لجهالة الراوي - وإن كان الراوي عنه صفوان بن يحيى، وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه - ولمتروكية ظاهرها عند الأصحاب. والاحتياط في ذلك ما لم يتضيق المكان. ولا يجوز تقدم المأموم على الإمام للإجماع ولعدم توظيف ذلك من الشارع، بل وتوظيف خلافه. ويظهر ذلك من الأخبار الكثيرة.
(1) المعتبر: ج 2 ص 419. (2) الخلاف: ج 1 ص 556 المسألة 301. (3) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 263. (4) منتهى المطلب: ج 1 ص 366 س 36. (5) وسائل الشيعة: ب 63 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 ج 5 ص 463. 447 وهل يكفي التساوي أو يجب التأخر؟ فالمنسوب إلى أكثر الأصحاب، والمشهور بينهم هو عدم وجوب التأخر، والمنقول عن ظاهر ابن إدريس لزوم التأخر. والأول أقرب. لنا - مضافا إلى ظاهر الإطلاقات - إطلاق صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة، ولكنه يثبت التفصيل بالنسبة إلى الرجلين والأكثر، وأن الوقوف على اليمين إنما هو إذا كانا رجلين. وفي معناها روايته الأخرى المتقدمة. ويدل على جواز التساوي أيضا موثقة سعيد الأعرج عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما أيقوم وحده حتى يفرغ من صلاته؟ قال: نعم، لا بأس، يقوم بحذاء الإمام (1). وفي معناه رواية أخرى (2) وسيجئ أيضا ما يشير إلى ذلك. وهذه الأخبار أيضا للرجل الواحد في المواد المعينة اللهم إلا أن يقال: إن القول الثالث منتف، فإذا ثبت جواز التساوي في الرجلين ثبت في الأكثر، فلا بد من حمل تتمة الصحيحة وما في معناها من الأخبار على الاستحباب، إلا أن الرواية وغيرها من الأخبار أظهر دلالة على مذهب ابن إدريس. وفي مرفوعة علي بن إبراهيم - رفعه قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يصلي بقوم وهو إلى زاوية في بيته بقرب الحائط وكلهم عن يمينه وليس على يساره أحد (3) - تأييد ما لما اخترناه (4). ويبقى الكلام في وجه الترجيح، وحمل الخلاف على الاستحباب. وما ذهب إليه ابن إدريس أقوى بالنسبة إلى الأصول، وظواهر كثير من الأخبار واشتراكه في أدلة المشهور كما ذكرنا. والمشهور بالنسبة إلى الشهرة ومطابقته للإطلاقات.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 459 ب 57 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 459 ب 57 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 412 ب 23 من أبواب صلاة الجماعة ح 6. (4) وإنما جعلناها مؤيدا، لعدم العموم في الفعل كما هو محقق في الأصول. (منه). 448 ولا ريب أن الاحتياط مع مذهب ابن إدريس، سيما في ما لو كان أكثر من رجلين. ولعل التفصيل كما هو مضمون الروايتين، بل الروايات ليس بذلك البعيد، كما يظهر ذلك من بعض المتأخرين، لعدم ظهور الاجماع المركب هاهنا. ثم إن قلت: إن رواية محمد بن مسلم وصحيحته تدلان على لزوم التساوي، لا الأعم كما ذكرته، وذلك لأنه (عليه السلام) جعل اليمين في مقابل الخلف ومقابل التقدم، وعدم القيام بينهما. قلت: أما الرواية فالحكمان متفارقان في المحل ولا يظهر منهما مقابلة، مع أنه لا منافاة بين التقدم عنهما والقيام عن يمينهما كما لا يخفى، إذ لا يستلزم التقدم عنهما وقوعهما في الخلف كما هو ظاهر، فلا يرد ما سنذكر أيضا. وأما الصحيحة فهي أيضا لا تدل على ذلك، إذ المقابلة كما يتحقق بين شيئين فقد يتحقق في ضمن أحد الشيئين أيضا وجنس الشئ الآخر، فربما يختص شئ بحكم ومقابله يكون محكوما فيه بجنس نقيض ذلك الحكم أو ضده، فحينئذ الوقوف عن اليمين جنس للتساوي وأحد أفراده التأخر، وبهذا لا يندفع المقابلة، على أن ما ذكرناه إنما هو لو فرض موضع الخلف في الصحيحة وقوع لفظ التأخر، وإلا فلا يستلزم التأخر كونه في الخلف فيحصل المقابلة بدون اعتبار التساوي أيضا، فتدبر. ولعل المتأمل يتمكن من استخراج وجه المقابلة في الرواية أيضا مع إبقاء اليمين على الإطلاق أيضا بضرب من العناية. وبالجملة: المراد بالتقابل هنا أعم من التناقض والتضاد، والضد الوجودي لا ينحصر في الواحد، فتفطن. ثم بعد البناء على التأخر أو الأعم منه فهل الوقوف على اليمين بالتفصيل المذكور واجب أو مستحب، ففيه وجهان: والمشهور بين الأصحاب أنه مستحب، بل قال في المنتهى: إن هذا الموقف سنة، فلو خالف بأن وقف الواحد على يسار الإمام أو خلفه لم يبطل صلاته عند
449 علمائنا أجمع (1)، وهذا لا ينافي خلاف ابن إدريس، إذ هو في التقدم والتأخر، وكل منهما أعم من كل من اليمين واليسار من وجه، فتأمل. ونقل عن ابن الجنيد القول بوجوب ذلك، لظاهر الروايتين (2). ويدل عليه أيضا رواية الحسين بن بشار المدائني أنه سمع من يسأل الرضا (عليه السلام) عن رجل صلى إلى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم، كيف يصنع إذا علم وهو في الصلاة؟ قال: يحوله عن يمينه (3). ولا ريب أن الاحتياط في ذلك. والمرجع في التقدم والتأخر إلى العرف. وقد نسب إلى صريح الأصحاب أن التساوي يعتبر بالأعقاب، فلو تساوى العقبان لم يضر تقدم أصابع رجل المأموم، ولا تقدم رأسه وصدره، ولا ينفعه العكس لو تقدم العقب. وقيل باعتبار تقدم العقب والأصابع معا، وأنه لا يضر التقدم في الرأس والركبتين حال الركوع والسجود والجلوس. والأحوط اعتبار كل المذكورات. منهاج يجب نية الائتمام، وتعيين الإمام ولو بأن يقتدي بمن يعلم أنه أحد العدلين المرضيين عنده. ويجب متابعة الإمام في الأفعال بإجماعنا كما ذكره جماعة من الأصحاب، بل هو إجماع العلماء كما يظهر من المعتبر والمنتهى (4).
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 376 س 10 وفيه اختلاف في التعبير. (2) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 89. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 414 ب 24 من أبواب صلاة الجماعة ح 1، وفيه " يسار " بدل " بشار ". (4) المعتبر: ج 2 ص 421، منتهى المطلب: ج 1 ص 379 س 12. 450 ويدل عليه - مضافا إلى الاجماع، وعدم تحقق القدوة بدونه، وعدم حصول البراءة إلا بذلك - ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا (1). ومن طريق الخاصة أيضا أخبار يدل على ذلك، وسيجئ شطر منها. والمراد من المتابعة هنا عدم التقدم سواء وافقه أو تأخر عنه. ولا يجب التأخر، للأصل وظاهر الإطلاقات، إلا أنه أفضل. ويظهر من الصدوق (رحمه الله) أن ثواب الجماعة مشروط بذلك، قال (رحمه الله) في الفقيه: إن من المأمومين من لا صلاة له وهو الذي يسبق الإمام في ركوعه وسجوده ورفعه، ومنهم من له صلاة واحدة وهو المقارن له في ذلك، ومنهم من له أربع وعشرون ركعة وهو الذي يتبع الإمام في كل شئ فيركع بعده ويسجد بعده ويرفع منهما بعده (2). وظاهر العبارة وإن كان سائقا مساق نفي الفضيلة والثواب في المتقدم إلا أنك عرفت أن المتابعة واجبة بالإجماع. ويبقى الكلام في أنه هل يبطل الصلاة بذلك أم لا؟ ظاهر ما ذكرنا من الأدلة وأن القدوة لا تتحقق إلا بذلك يقتضي بطلان الصلاة، لأن هذه الصلاة حينئذ خارجة عن الجماعة وغير داخلة في الانفراد، لأن الجماعة مشروطة بالنية كما سيأتي، فمع نيتها لا يتأتى الانفراد، ومع التخلف لا يصح الجماعة، سيما إذا قلنا بكون العبادات أسامي للصحيحة. وظاهر ما سيأتي من الأخبار وكلام الأصحاب الصحة. وكلام الصدوق (رحمه الله) محتمل لهما. فلو رفع رأسه عن الركوع قبل الإمام أو عن السجود فيجب عليه الاستمرار لو كان عامدا في ذلك، قال في المدارك: إنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا
(1) صحيح مسلم: ح 77 ج 1 ص 308، بتفاوت يسير. (2) لم نعثر عليه في الفقيه، ولكن نقله عن ابن بابويه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 279 س 2. 451 صريحا (1). واستدلوا على ذلك بموثقة غياث بن إبراهيم قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه؟ قال: لا (2). وللزوم زيادة في الصلاة ركنا كان أو غيره لو عاد إلى ما تقدم فيه عن الإمام. ولو كان ناسيا في ذلك فالمشهور أيضا أنه يعود إلى ما كان فيه، ويتم مع الإمام. ويدل عليه صحيحة ربعي بن عبد الله والفضيل بن يسار عن الصادق (عليه السلام) قالا: سألناه عن رجل صلى مع إمام يأتم به فيرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود، قال: فليسجد (3). وصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ثم يرفع رأسه قبل الإمام، قال: يعيد ركوعه معه (4). وحسنة محمد بن سهل الأشعري عن أبيه عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) مثلها مع أدنى تفاوت في اللفظ (5). وقد يستشكل في هذا الحكم وهذه الاستدلالات، إذ تلك الأخبار مطلقات، وكذا موثقة غياث، فلا وجه لحملها على العامد وتلك على الناسي، مع أن تلك الموثقة لا يثبت تمام المطلوب. وفي ثبوت الاجماع المركب تأمل. أقول: وما يختلج بالبال في تنقيح المقال أن الظاهر من تلك الأخبار أنها في صورة النسيان، إذ هو الغالب في ذلك، لكون وجوب المتابعة مجمعا عليه، معهودا بين الأصحاب، بل المسلمين، ومن البعيد أن يكون من كان يصلي صلاة الجماعة،
(1) مدارك الأحكام: ج 4 ص 327. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 448 ب 48 من أبواب صلاة الجماعة ح 6. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 447 ب 48 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 447 ب 48 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 447 ب 48 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. 452 ويدخل في زمرة الصالحين أن يفعل ذلك القبيح عمدا، وسيما بحيث يكون هذا مورد سؤال الراوين في جملة من الأحيان. ولعله لا فرق بينه وبين الخطاء بل هو الأغلب والشائع. والحمل على جاهل المسألة أيضا بعيد، مع أن الجاهل صلاته باطلة غالبا على ما هو التحقيق، فلا يلائم المقام. وبالجملة: فالذي يجده الطبع السليم أن المراد بتلك الأخبار هو صورة النسيان أو الخطأ، والذي يشيد أركان ذلك ما يأتي من موثقة ابن فضال في الهوي إلى الركوع قبل الإمام، لما ذكرنا من أنه لا فرق بين الخطأ والنسيان، ولا قائل بالفصل بين حكم الرفع والهوي، فيتم التقريب به. وأما موثقة غياث فلما كانت مخالفة لتلك الأخبار الكثيرة الصحيحة فلا بد من حملها على صورة العمد، وليس ذلك التوجيه بنفسه دليلا للاستمرار حالة العمد، إذ الدليل لابد أن يكون نصا أو ظاهرا. وما ذكرناه من الظهور في تلك الأخبار غاية ما يثبت منها مفهوم لقبي، ولا حجية فيه حتى نقول إنه هو المخصص للموثقة، فنقول: إن الأصل في الصلاة عدم جواز الزيادة على الهيئة المخصوصة، لكونه مخرجا لها عن المطلوب للشارع، ولا ريب أن زيادة كل واجب في الصلاة أو نقصانه عمدا مبطل للصلاة، فهذا الأصل أصل متقن، ولم يثبت مخصص له، فلا يجوز حينئذ العود، للزوم الزيادة، غاية ما ثبت من الرخصة هو في حالة النسيان، لظهور الأخبار في ذلك، وعدم جواز مخالفة الأصل إلا بالقدر المتيقن، فموثقة غياث مقرر للأصل، ولم يوجد هناك ناقل يقاومه ليترجح عليه، لما ذكرنا من عدم ظهور الأخبار في العامد، مع أن الترجيح للمقرر كما هو التحقيق، والقدر الذي قابله الناقل لقوته - وهو صورة النسيان - فقد خصصناه، فيبقى صورة العمد بحاله. ومن هذا يظهر وجه تفرقة الأصحاب، ولكن يبقى الإشكال في تصريحهم بأنه يستمر حتى يلحقه الإمام، ولم يحكموا ببطلان الصلاة حينئذ، بل وحكموا بصحته، فإن المحقق والمقرر عندنا بل وعند العلماء كافة وجوب المتابعة، ومع
453 التخلف عن ذلك فالأوجه البطلان، فكيف يحكم بالصحة، وموثقة غياث أيضا لا ينافي ذلك، ولم يصرح فيه بلزوم الاستمرار، ولعله يكون المراد فيه البطلان أيضا. وقد يقال: إن البطلان يظهر من كلام الشيخ في المبسوط أيضا حيث قال: من فارق الإمام بغير عذر بطلت صلاته (1). ولا يخلو من إشعار. ولعل نظر الأصحاب إلى أن المتابعة واجب خارج عن الصلاة، فبتركه يحصل الإثم خاصة، ولعل في كلام الصدوق الذي ذكرنا أيضا إشعار بذلك. ويشكل هذا الحكم لو قلنا بأن الجماعة اسم للصحيحة منها. ثم بعد البناء على ذلك فالموثقة يحكم على مورد خاص، والإجماع المركب لم نقف على من يدعيه هاهنا ولم يظهر لنا القطع به، فالأحوط في غير مورد الخبر العود والإعادة، بل في أصل هذا الحكم عندي محل إشكال، ولم أقف للأصحاب في ذلك على حجة يعتد به. ثم إن العلامة (رحمه الله) ذهب في التذكرة والنهاية إلى استحباب العود في صورة النسيان (2). ولعله لتلك المعارضات استضعف دلالتها على الوجوب، وليس بشئ، لتوقف اليقين بالبراءة على ذلك. وبعد البناء على المشهور من الوجوب فهل يبطل الصلاة بتعمد ترك العود أم لا؟ وجهان، مآلهما إلى جعل ذلك خارجا عن الجماعة، أو داخلا فيها. وعدم البطلان في صورة العمد يؤيد عدم البطلان هاهنا وإن ثبت العصيان. والأحوط البناء على البطلان، والإعادة في الوقت، وأما الخارج ففي شمول أدلة القضاء له إشكال. وهذا الحكم - الذي نقلنا من المشهور في الرفع - هو بعينه قولهم في الهوي إلى الركوع والسجود. أما في صورة العمد فللزوم الزيادة كما ذكرنا، وأما في صورة
(1) المبسوط: ج 1 ص 157. (2) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 345، نهاية الإحكام: ج 2 ص 135. 454 النسيان، فلموثقة حسن بن علي بن فضال قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في الرجل كان خلف إمام يأتم به، فركع قبل أن يركع الإمام وهو يظن أن الإمام قد ركع، فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الإمام، أيفسد ذلك صلاته أم يجوز له الركعة؟ فكتب: يتم صلاته ولا يفسد ما صنع صلاته (1). ويتم التقرب بعدم القول بالفصل، ويظهر لك مما ذكرنا سابقا الإشكال في صورة العمد والجواب عنه، وكذا التعدي عن حكم الهوي إلى الركوع - كما هو مورد النص - إلى غيره، وأن الاحتياط ماذا. ولا بد من تقييد ذلك بما إذا تم قراءة الإمام، وإلا فيشكل الحكم بالصحة، بل الحكم بالصحة بالاستمرار في حال العمد، في جميع هذه الصور عندي محل إشكال، وكذا العود في هذه الحالة، والاحتياط في الاستمرار، وإعادة الصلاة. هذا حال الأفعال. وأما الأقوال، والأذكار ففيها قولان: الأول - ولعل الأكثر عليه -: عدم الوجوب للأصل، وصدق الامتثال بالمطلقات بدون ذلك، وعدم ثبوت المقيد، وأنه لو كان واجبا لوجب على الإمام الجهر ليعلم المأموم فلا يتقدمه. وثانيهما: قول الشهيد (2) في جملة من كتبه، وهو وجوب المتابعة. ولعل نظره إلى الرواية النبوي (3) المتقدمة، وبأن القدوة لا يحصل إلا بذلك. والأحوط هو ما ذكره. ولعل المراد بالمتابعة في الأقوال هو المتابعة في شخص الذكر أيضا، لا مجرد التقديم والتأخير. هذا في غير تكبيرة الإحرام، وأما فيها فلا ريب في البطلان مع التقدم، ويظهر
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 447 ب 48 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. (2) الدروس: ج 1 ص 221، ذكرى الشيعة: ص 274 السطر ما قبل الأخير. (3) صحيح مسلم: ح 77 ج 1 ص 308، بتفاوت يسير. 455 وجهه مما أسلفنا، وأما معه فقولان، والأصح البطلان، للأصل، ولعدم ظهور صدق القدوة، لأن القدوة يحصل إذا ثبت صلاة يقتدى بها، والاقتداء أيضا إنما يحصل بانعقاد الصلاة، ولا ينعقد إلا بعد تمام التكبير، وتمامه ليس في حال انعقاد صلاة المؤتم به، لكون بعضه قبل انعقاد صلاته، ولكن الحميري روى في قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصلي فيكبر قبل الإمام، قال: لا يكبر إلا مع الإمام، فإن كبر قبله أعاد التكبير (1). وفي دلالتها على خلاف ما اخترناه تأمل. واعلم أن كلام الأصحاب في هذه المسائل - كالأخبار - مقيد بالصلاة خلف من يقتدى به، والظاهر أنه كذلك، والله يعلم. منهاج الأظهر أنه يجب ترك القراءة للمأموم مطلقا، إلا إذا كان الصلاة جهرية، ولم يسمع صوت الإمام ولا همهمته، ويستحب القراءة في هذه الصورة وفاقا لجماعة من المتأخرين. لنا ظاهر الآية الشريفة (2) وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة خلف الإمام أقرأ خلفه؟ فقال: أما الصلاة التي لا يجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه، وأما الصلاة التي يجهر فيها فإنما امر بالجهر لينصت من خلفه، فإن سمعت فانصت وإن لم تسمع فاقرأ (3). وصحيحة الحلبي عنه (عليه السلام) قال: إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أم لم تسمع، إلا أن تكون صلاة يجهر فيها ولم تسمع فاقرأ (4).
(1) قرب الإسناد: ص 218 ح 854، وفيه " أله ان يكبر " بدل " فيكبر ". (2) الأعراف: 204. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 422 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 5. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 421 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. 456 وقال الصدوق (رحمه الله) في الفقيه: وفي رواية عبيد بن زرارة عنه (عليه السلام) انه إن سمع الهمهمة فلا يقرأ (1). وصحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: وإن كنت خلف الإمام فلا تقرأن شيئا في الأوليين، وأنصت لقراءته ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين، فإن الله عز وجل يقول للمؤمنين: " وإذا قرئ القرآن - يعني: في الفريضة خلف الإمام - فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " والأخيرتان تبع للأولتين (2). وحسنة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك (3). وحسنة قتيبة عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا كنت خلف إمام ترتضي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك، وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ (4). وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا: قال أبو جعفر (عليه السلام): كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة (5). وموثقة يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة خلف من أرتضي به أقرأ خلفه؟ فقال: من رضيت به فلا تقرأ خلفه (6). وصحيحة سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيقرأ الرجل في الأولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنه يقرأ؟ فقال: لا ينبغي له أن يقرأ يكله إلى الإمام (7).
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 392 ح 1158. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 422 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 423 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 6. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 423 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 7. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 422 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 424 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 14. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 423 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 8. 457 وصحيحة ابن سنان عنه (عليه السلام) قال: إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين، وقال: يجزئك التسبيح في الأخيرتين، قلت: أي شئ تقول أنت؟ قال: اقرأ فاتحة الكتاب (1). ورواية الحسين بن بشير عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال: لا، إن الإمام ضامن للقراءة وليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه إنما يضمن القراءة (2). وموثقة سماعة قال: سألته عن الإمام إذا أخطأ في القرآن فلا يدري ما يقول قال: يفتح عليه بعض من خلفه. قال: وسألته عن الرجل يؤم الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول، فقال: إذا سمع صوته فهو يجزئه، فإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه (3). وصحيحة عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إمام لا بأس به في جميع أمره عارف غير أنه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما، أقرأ خلفه؟ قال: لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا (4). ودلالة هذه الأخبار على سقوط القراءة وحرمتها مع سماع القراءة بين. وكذا اتحاد حكم الهمهمة معه لخصوص الروايتين المتقدمتين، وعموم الآية (5) والأخبار الاخر، وكذا على سقوط القراءة وحرمتها في الركعتين الأولتين من الإخفاتية، للعمومات والإطلاقات في الأخبار المتقدمة، وخصوص صحيحة عبد الرحمن
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 423 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 9. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 421 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 1، وفيه " كثير " بدل " بشير ". (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 386 ب 7 من أبواب صلاة الجماعة صدر ح 3 وص 424 ب 31 منها ذيل ح 10. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 392 ب 11 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (5) الأعراف: 204. 458 ابن الحجاج (1) وصحيحة ابن سنان (2) وغيرهما. وقال السيد المرتضى (رضي الله عنه): لا يقرأ المأموم خلف الموثوق به في الأولتين في جميع الصلوات من ذوات الجهر والإخفات، إلا أن يكون صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام، فيقرأ كل واحد لنفسه، وهذه أشهر الروايات، ثم نقل روايات اخر (3). وقال ابن إدريس: اختلفت الرواية خلف الإمام الموثوق به، فروي أنه لا قراءة على المأموم في جميع الركعات والصلوات سواء كانت جهرية أو إخفاتية، وهي أظهر الروايات التي يقتضيها أصول المذهب، لأن الإمام ضامن للقراءة بلا خلاف ثم نقل روايات أخرى، ثم قال بعدها: والأول أظهر لما قدمنا (4). ويظهر من كلامهما (رحمهما الله) أن السقوط هو المشهور بين الأصحاب والأوفق بقواعدهم. لكن كلامهما ليس بصريح في الحرمة، بل كلام ابن إدريس إنما ينفي الوجوب فلم يظهر الشهرة من كلامهما إلا في السقوط. نعم لا يخلو كلام السيد عن ظهور في الحرمة. ويؤيد ما يظهر من ابن إدريس كلام المحقق في المعتبر أيضا حيث قال: يكره القراءة خلف الإمام في الإخفاتية على الأشهر، وفي الجهرية لو سمع، ولو همهمة، ولو لم يسمع قرأ، ثم قال هنا مسائل: الأولى: يسقط القراءة عن المأموم وعليه اتفاق العلماء، وقال الشيخان: لا يجوز أن يقرأ المأموم في الجهرية إذا سمع قراءة الإمام ولو همهمته... إلى آخر ما ذكره (5). وأما الركعتان الأخيرتان فيدل على عدم الجواز في الجهرية خصوص صحيحة زرارة المتقدمة، ويمكن استنباط العموم منه بالنسبة إلى الإخفاتية أيضا، وقد ثبت
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 422 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 423 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 9. (3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): ج 3 ص 40. (4) السرائر: ج 1 ص 284. (5) المعتبر: ج 2 ص 420. 459 عدم الجواز في أولييها، وكذا العمومات أيضا دالة على ذلك في الجهرية والإخفاتية. وأما استحباب القراءة فيما لم يسمع صوت الإمام فلما مر من الأخبار وبها يخصص عمومات المنع. وأما رفع الوجوب مع وجود الأوامر - وهو ظاهر في الوجوب - فللأصل، ولأنها في مورد الحظر غالبا، أو مورد توهمه، ولخصوص صحيحة الحسن بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن الرجل يصلي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة، قال: لا بأس إن صمت وإن قرأ (1). ثم يرد على بعض ما ذكرنا من الأحكام أمور: الأول: أن ما ذكرت من الأدلة تقتضي حرمة القراءة في الركعتين الأولتين من الإخفاتية، وقد روى إبراهيم بن علي المرافقي وأبو أحمد عمرو بن الربيع البصري عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه سئل عن القراءة خلف الإمام، فقال: إذا كنت خلف الإمام تولاه وتثق به فإنه تجزيك قراءته، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه، فإذا جهر فأنصت، قال الله تعالى: * (وأنصتوا لعلكم ترحمون) * قال: فقيل له: فإن لم أكن أثق به فاصلي خلفه فأقرأ؟ قال: لا، صل قبله أو بعده، فقيل له: أفأصلي خلفه وأجعلها تطوعا؟ قال: لو قبل التطوع لقبلت الفريضة، ولكن اجعلها سبحة (2). هذه الرواية ظاهرة في جواز القراءة، وكذا صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة يشعر بذلك حيث قال (عليه السلام) " لا ينبغي " وهو لا يدل على الحرمة، بل هو ظاهر في الكراهة. فالوجه الجمع بين الأخبار بالكراهة، وأفضلية التسبيح كما سنذكر. وفيه أن الصحيحة غير صريح في المطلوب، لمنع ظهور " لا ينبغي " في الكراهة، غاية الأمر عدم دلالته على الحرمة، ولعل الصحيحة ظاهرة في الركعتين الأخيرتين كما يشعر به قوله " وهو لا يعلم أنه يقرأ " وسيجئ فيهما كلام. ولو سلمنا الظهور في المطلوب أيضا، فهو لا يعارض الأخبار الكثيرة
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 424 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 11. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 424 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 15. 460 الصريحة، سيما مع ما عرفت من أنه الأوفق بالمذهب، والمشهور بين الأصحاب - على ما ظهر من كلام السيد، وإن كان يظهر خلافه من المحقق - فلا وجه لإخراج الأقوى عن ظاهره بمخالفة الأضعف ظاهرا. ومما ذكر يظهر الجواب عن الرواية، والتوجيه المذكور يتطرق فيها أيضا على ضرب من العناية. الثاني: أنه يعارض ما دل على حرمة القراءة في الركعتين الأخيرتين مطلقا بصحيحة علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ قال: إن قرأت فلا بأس وإن سكت فلا بأس (1). ورواية أبي خديجة عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين، وعلى الذين خلفك أن يقولوا: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " وهم قيام، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرأوا فاتحة الكتاب، وعلى الإمام التسبيح مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين (2). وبما رواه المحقق في المعتبر (3) عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كنت في الأخيرتين فقل للذين خلفك يقرأون " فاتحة الكتاب ". ويؤيده صحيحة ابن سنان المتقدمة على بعض الوجوه، وكذا صحيحة سليمان ابن خالد وليس في عمومات تلك الأخبار أيضا ما يشمل ما نحن فيه بظاهره إلا صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم وموثقة يونس بن يعقوب. وأما مثل رواية الحسين بن بشير (4) فلعل الظاهر منهما أنه فيما ثبت للإمام
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 424 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 13. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 426 ب 32 من أبواب صلاة الجماعة ح 6. (3) المعتبر: ج 2 ص 421، وفيه: عن أبي خديجة. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 421 ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 1، وفيه " كثير " بدل " بشير " وقد تقدمت. 461 هناك قراءة حتى يضمن بها قراءة من خلفه، والتزام القراءة في الأخيرتين ووجوبها عينا غير واضح، بل عرفت سابقا أفضلية التسبيح مطلقا. وأما مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وصحيحة الحلبي وعمر بن يزيد وغيرها وإن كان فيها إطلاق، لكن الطبع السليم والتأمل المستقيم لا يفهم منها عموما، ولا ينساق إلى الركعتين الأخيرتين قطعا كما لا يخفى. وأما صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم وموثقة يونس فهما تتعارضان مع ما ذكرنا من الأخبار، وعمومات جواز القراءة في الصلاة، وفي خصوص الركعتين الأخيرتين. ويمكن دفعه بأن صحيحة علي بن يقطين ظاهر في الجهرية، ويعارضها خصوص زرارة المتقدمة، فمع تأيدها بظاهر العمومات لا يقاومه هذه الصحيحة. وأما رواية أبي خديجة فربما يقال: إن المراد منها بقوله (عليه السلام) " فإذا كان في الركعتين الأخيرتين " إذا كان الائتمام في الركعتين الأخيرتين، بأن يكون المأمومون مسبوقين، وقوله (عليه السلام) " في الركعتين الأخيرتين " في آخر الخبر، من متعلقات قوله " على الإمام أن يسبح " فحينئذ لا يتم التقريب، إذ هو مسألة على حدة، وسيجئ إن شاء الله تعالى، وعلى فرض تسليم الدلالة فهي قاصرة السند، ولا يقاوم الأخبار الصحيحة الظاهرة. ومن هذا يظهر الجواب عن البواقي إلا أن يقال: شمول الصحيحة والموثقة لذلك محل تأمل، وإنهما ظاهرتان فيما يثبت فيه القراءة، فيبقى عمومات جواز القراءة بحاله، إلا أن ترك القراءة أحوط سيما مع ما نذكر من استحباب التسبيح، وذكرنا سابقا من أفضليته مطلقا. وبالجملة: الأولى ترك القراءة في جميع تلك الموارد، إلا في الجهرية إذا لم يسمعها المأموم، ولعله يمكن القول بالأولوية هناك أيضا، لعدم التأكد فيها كما ذكر، ولفضيلة التسبيح، ولخصوص بعض الأخبار الدالة عليها، منها ما تقدم ومنها ما سيأتي. ثم إن جمعا من الأصحاب حكموا باستحباب التسبيح في الإخفاتية،
462 لصحيحة بكر بن محمد الأزدي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إني لأكره للمؤمن أن يصلي خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار، قال: قلت: جعلت فداك فيصنع ما ذا؟ قال: يسبح (1). وقد مر رواية أبي خديجة وحسنة زرارة إلا أن حسنة زرارة يشمل بإطلاقه الجهرية وإن سمع قراءة الإمام، بل هو ظاهر فيه، فحينئذ يرد الإشكال من جهة ما دل على استحباب القراءة فيما لم يسمع الصوت ولا الهمهمة، وحرمتها فيما سمعا، ومن جهة إطلاق رواية أبي خديجة وظاهر هذه الحسنة، فإنهما يدلان على رجحان التسبيح مطلقا، المتضمن لعدم الاستماع. أما الإشكال الأول - وهو رجحان التسبيح كما هو مقتضى رواية أبي خديجة - ففيه أنها لا يقاوم تلك الأدلة كما ذكرنا سابقا. وأما الإشكال الثاني - وهو رجحان التسبيح مع تضمنه عدم الاستماع كما أفاده الحسنة - فقد قيل في وجه الجمع بينها وبين الآية بوجهين: الأول أن يكون المراد التسبيح الخفي بحيث لا ينافي الإنصات العرفي. والثاني أن يكون المراد التسبيح القلبي والنفسي، لا الذكري كما هو ظاهر الخبر (2). وفي كليهما نظر، لأن المأمور به في الآية الاستماع والإنصات، ولا يتحقق الإنصات إلا بترك القراءة، ولا ريب أن الاستماع أمر مربوط بالقلب، فإنه هو إعمال القلب للجارحة المخصوصة لحصول المقصود، فمع ربط القلب بتحصل السماع يشكل الالتفات إلى التسبيح النفسي والقلبي الذي ليس هو إلا بتوجه القلب، ولا مدخل فيه لجارحة أخرى، إذ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، فلعل حملها على الإخفاتية، وجعل الإنصات عبارة عن ترك القراءة أولى، ويشعر بذلك أيضا بعض الأخبار كصحيحة علي بن يقطين. وبالجملة: الحكم باستحباب التسبيح في الركعتين الأولتين من الجهرية إذا سمع القراءة، في غاية الإشكال، بل وجوازه أيضا.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 425 ب 32 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 426 ب 32 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. 463 منهاج ويستحب حضور جماعة أهل الخلاف استحبابا مؤكدا، للأخبار الكثيرة: فروى زيد الشحام في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم، صلوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا، فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، رحم الله جعفرا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه، وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، فعل الله بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه (1). وحفص بن البختري في الصحيح عنه (عليه السلام) قال: يحسب لك إذا دخلت معهم وإن لم تقتد بهم مثل ما يحسب لك إذا كنت مع من تقتدي به (2). وحماد بن عثمان في الصحيح عنه (عليه السلام) أنه قال: من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الصف الأول (3). إلى غير ذلك من الأخبار. ويستحب الصلاة في المنزل أولا ثم الصلاة معهم، لصحيحة عمر بن يزيد عنه (عليه السلام) أنه قال: ما منكم أحد يصلي صلاة فريضة في وقتها ثم يصلي معهم صلاة تقية وهو متوضئ إلا كتب الله له بها خمسا وعشرين درجة، فارغبوا في ذلك (4). وصحيحة عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام) أنه قال: ما من عبد يصلي في الوقت ويفرغ ثم يأتيهم ويصلي معهم وهو على وضوء إلا كتب الله له خمسا وعشرين درجة (5). وقال له أيضا: إن على بابي مسجدا يكون فيه قوم مخالفون معاندون وهم
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 477 ب 75 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 381 ب 5 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 381 ب 5 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 383 ب 6 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 383 ب 6 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. 464 يمسون في الصلاة فأنا أصلي العصر ثم أخرج فاصلي معهم، فقال: أما ترضى أن تحسب لك بأربع وعشرين صلاة (1). وما رواه مروك بن عبيد في الصحيح عن نشيط بن صالح عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل منا يصلي صلاته في جوف بيته مغلقا عليه بابه، ثم يخرج فيصلي مع جيرته تكون صلاته تلك وحده في بيته جماعة؟ فقال: الذي يصلي في بيته يضاعفه الله له ضعفي أجر الجماعة تكون له خمسين درجة، والذي يصلي مع جيرته يكتب الله له أجر من صلى خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويدخل معهم في صلاته فيخلف عليهم ذنوبه ويخرج بحسناتهم (2). إلى غير ذلك من الأخبار. ولا يسقط القراءة حينئذ، وقال في المنتهى: لا نعرف فيه خلافا (3). ويدل عليه - مضافا إلى ذلك، وكونه منفردا غير مقتدي حينئذ - حسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا صليت خلف إمام لا يقتدى به فاقرأ خلفه، سمعت قراءته أو لم تسمع (4). وصحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يصلي خلف من لا يقتدى بصلاته والإمام يجهر بالقراءة، قال: اقرأ لنفسك فإن لم تسمع بنفسك فلا بأس (5). وصحيحة محمد بن أبي حمزة عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: يجزيك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس (6). ويسقط الجهر للروايتين الأخيرتين. وأما ما تضمن من الأخبار من ترك القراءة مثل ما رواه بكير بن أعين في الموثق الآتي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الناصب يؤمنا ما تقول في الصلاة
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 383 ب 6 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 384 ب 6 من أبواب صلاة الجماعة ح 6. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 378 السطر الأخير. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 429 ب 33 من أبواب صلاة الجماعة ح 9. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 427 ب 33 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 428 ب 33 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. 465 معه؟ فقال: أما إذا جهر فأنصت للقرآن واسمع، ثم اركع واسجد أنت لنفسك (1). وما رواه زرارة - وليس في طريقها إلا قاسم بن عروة - عن الباقر (عليه السلام) قال: لا بأس أن تصلي خلف الناصب ولا تقرأ خلفه فيما يجهر فيه، فإن قراءته يجزيك إذا سمعتها (2). وما رواه معاوية بن وهب في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يؤم القوم وأنت لا ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة، فقال: إذا سمعت كتاب الله يتلى فأنصت له، قلت: فإنه يشهد علي بالشرك، قال: إن عصى الله فأطع الله، فرددت عليه فأبى أن يرخص لي، قال: قلت له: أصلي إذن في بيتي ثم أخرج إليه، فقال: أنت وذاك. وقال: إن عليا (عليه السلام) كان في صلاة الصبح فقرأ ابن الكوا وهو خلفه: * (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) * فأنصت علي (عليه السلام) تعظيما للقرآن حتى فرغ من الآية ثم عاد في قراءته، ثم أعاد ابن الكوا فأنصت علي (عليه السلام)، ثم قال: * (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) * ثم أتم السورة ثم ركع (3). فالأجود حملها على شدة التقية كما فعله الشيخ (4). وحملها على أنه يقرأ إذا سكت المخالف ويسكت إذا قرأ مؤيدا ذلك بظاهر حكاية علي (عليه السلام) ليس بذاك. ويشهد لما اخترناه من الحمل صحيحة ابن أذينة عن علي بن سعد البصري قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني نازل في بني عدي ومؤذنهم وإمامهم وجميع أهل المسجد عثمانية يبرأون منكم ومن شيعتكم، وأنا نازل فيهم، فما ترى في الصلاة خلف الإمام؟ قال: صل خلفه قال: قال: واحتسب بما تسمع، ولو قدمت البصرة لقد سألك الفضيل بن يسار وأخبرته بما أفتيتك فتأخذ بقول الفضيل وتدع لي قولي،
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 431 ب 34 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 431 ب 34 من أبواب صلاة الجماعة ح 5. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 430 ب 34 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (4) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 35 ذيل ح 39. 466 قال علي: فقدمت البصرة وأخبرت فضيلا بما قال، فقال: هو أعلم بما قال: لكني قد سمعته وسمعت أباه يقولان: لا تقتد بالصلاة خلف الناصب، واقرأ لنفسك كأنك وحدك، قال: فأخذت بقول الفضيل وتركت قول أبي عبد الله (عليه السلام) (1). والأولى الجمع بين الاستماع والإنصات والقراءة حسب ما أمكن. ولو لم يقدر إلا على أم الكتاب وحدها فيجزيه وإن كانت السورة واجبة أيضا على الأصح. وادعى في المدارك عليه الاجماع (2). والظاهر عدم الخلاف فيه. ويدل عليه أيضا رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: إني أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلوني إلى ما أن أأذن وأقيم، ولا أقرأ إلا الحمد حتى يركع، أيجزيني ذلك؟ قال: نعم، يجزيك الحمد وحدها (3). ورواية علي بن أسباط في الحسن، عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يكون خلف الإمام لا يقتدى به فيسبقه الإمام بالقراءة، قال: إذا كان قد قرأ أم الكتاب أجزأه يقطع ويركع (4). وأما لو ركع الإمام قبل إكمال الفاتحة، فقيل: يقرأ في ركوعه. وقيل: يسقط القراءة للضرورة، وحكم بذلك الشيخ في التهذيب حتى قال: إن الانسان إذا لم يلحق القراءة معهم جاز له ترك القراءة معهم، والاعتداد بتلك الصلاة بعد أن يكون قد أدرك الركوع (5). ويدل عليه أخبار كثيرة: فروى أبو بصير في الصحيح قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): من لا أقتدي به في الصلاة، قال: أفرغ قبل أن يفرغ، فإنك في حصار، فإن فرغ قبلك فاقطع القراءة واركع معه (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 429 ب 33 من أبواب صلاة الجماعة ح 7. (2) مدارك الأحكام: ج 4 ص 382. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 428 ب 33 من أبواب صلاة الجماعة ح 6. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 428 ب 33 من أبواب صلاة الجماعة ح 5. (5) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 37 ذيل ح 44. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 430 ب 34 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. 467 وروى معاذ بن كثير في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وليدخل في الصلاة (1). وروى إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أدخل المسجد وأجد الإمام قد ركع، وقد ركع القوم، فلا يمكنني أن أأذن وأقيم وأكبر، فقال لي: فإذا كان كذلك فادخل معهم في الركعة واعتد بها فإنها من أفضل ركعاتك قال إسحاق: فلما سمعت أذان المغرب وأنا على بابي قاعد قلت للغلام: انظر أقيمت الصلاة؟ فجاءني فقال: نعم، فقمت مبادرا فدخلت المسجد، فوجدت الناس قد ركعوا، فركعت مع أول صف أدركت واعتددت بها ثم صليت بعد الانصراف أربع ركعات، ثم انصرفت، فإذا خمسة أو ستة من جيراني قد قاموا إلي من المخزوميين والأمويين فأقعدوني، ثم قالوا: يا أبا هاشم جزاك الله عن نفسك خيرا فقد والله رأينا خلاف ما ظننا بك وما قيل فيك، فقلت: وأي شئ ذاك؟ قالوا: اتبعناك حين قمت إلى الصلاة ونحن نرى أنك لا تقتدي بالصلاة معنا، فوجدناك قد اعتددت بالصلاة معنا وصليت بصلاتنا، فرضي الله عنك وجزاك خيرا قال: قلت لهم: سبحان الله ألمثلي يقال هذا؟! قال: فعلمت أن أبا عبد الله (عليه السلام) لم يأمرني إلا وهو يخاف علي هذا وشبهه (2). وروى أحمد بن عايذ قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إني أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلوني إلى ما أن أأذن وأقيم فلا أقرأ شيئا حتى إذا ركعوا وأركع معهم، أفتجزيني ذلك؟ قال: نعم (3). وقال بعض المتأخرين - كصاحب الذخيرة وصاحب المدارك بعد نقلهم
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 663 ب 34 من أبواب الأذان والإقامة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 431 ب 34 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. (3) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 37 ح 131. 468 استدلال الشيخ على المطلب برواية إسحاق -: إنه يشكل التعويل عليها لضعف الرواية. وقال: إن الأحوط الإتمام والإعادة عند عدم التمكن من قراءة الفاتحة (1). وقد عرفت عدم انحصار الدليل فيها، ولا يخفى أن ما ذكرنا من الروايات يكفي في إثبات ذلك الحكم، وإن كان بتضامهما وبتعاضد بعضها ببعض، مع أن رواية أبي بصير صحيحة - والظاهر أن أبا بصير هو الثقة - وكذا رواية معاذ، وقد ذكر المفيد أنه من ثقات أصحاب الصادق (عليه السلام) وفقهائه الصالحين، ومن شيوخ أصحابه وخاصته (2). والظاهر أنه الفراء النحوي الثقة الجليل. ولم نقف للقائل بالقراءة حال الركوع على مستند، ولعله يمكن أن يقال: الاحتياط فيما ذكراه فيما لو لم يكن هناك تقية، وأما في صورة التقية والضرورة فلعله ليس مجال التأمل في الحكم. ومن هذا يظهر لك الحكم باستحباب الجماعة مع المخالفين، وجواز الاعتداد بتلك الصلاة أنه متى وأنى يستحب وحيثما يجب. ويستحب لو فرغ قبل الإمام أن يمجد الله ويثني عليه ويسبحه حتى يفرغ، ففي موثقة عمر بن أبي شعبة - لابن بكير - عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: أكون مع الإمام فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ من قراءته، قال: فأتم السورة ومجد الله واثن عليه حتى يفرغ (3). ويقرب منها مرسلة إسحاق بن عمار عنه (عليه السلام)، وفي آخرها: فسبح حتى يفرغ (4). وروى زرارة في الموثق - لابن بكير - قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ، قال: فأمسك آية ومجد الله واثن عليه،
(1) ذخيرة المعاد: ص 398 س 17، مدارك الأحكام: ج 4 ص 326. (2) إرشاد المفيد: ج 2 ص 216. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 433 ب 35 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 432 ب 35 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. 469 فإذا فرغ فاقرأ الآية واركع (1). ولم أقف على نص من كلام الأصحاب في وجه جمع تلك الأخبار، وصحيحة أبي بصير المتقدمة يؤيد الروايات الأولة، وكذا غيرها، ولعل الإتمام أولا أقوى وإن كان حمل موثقة زرارة على الاستحباب أيضا ليس بذلك البعيد. وحكم بعض الأصحاب باستحباب التسبيح والذكر قبل فراغ الإمام خلف من يقتدى به أيضا فيما يجوز فيه القراءة للإطلاق. منهاج يجوز أن يأتم المفترض بالمفترض وإن اختلفا كالظهر والعصر، هذا هو المعروف بين الأصحاب، بل قال العلامة في المنتهى: إنه قول علمائنا أجمع (2). والظاهر أنهم لم يفرقوا في ذلك بتخالف الكم أيضا كالظهر والصبح أو المغرب مثلا بأن يكون بعضها قضاء أو كلها. ويدل على ذلك - مضافا إلى الاجماع - صحيحة حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل إمام قوم فيصلي العصر وهي لهم الظهر، قال: أجزأت عنه وأجزأت عنهم (3). وموثقة أبي بصير قال: سألته عن رجل صلى مع قوم وهو يرى أنها الأولى وكانت العصر، قال: فليجعلها الأولى وليصل العصر (4). ورواية زرارة - وفي طريقها علي بن حديد - عن الباقر (عليه السلام) في رجل دخل مع قوم ولم يكن صلى هو الظهر، والقوم يصلون العصر يصلي معهم؟ قال: يجعل صلاته التي صلى معهم الظهر، ويصلي هو بعد العصر (5).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 432 ب 35 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 367 س 12. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 453 ب 53 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 454 ب 53 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 213 ب 63 من أبواب المواقيت ح 6. 470 وحسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أم قوما في العصر فذكر وهو يصلي بهم أنه لم يكن صلى الأولى، قال: فليجعلها الأولى التي فاتته ويستأنف بعد صلاة العصر، وقد قضى القوم صلاتهم (1). وصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) قال: إذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلم، وإن صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر (2). وموثقة الفضل بن عبد الملك عن الصادق (عليه السلام) قال: لا يؤم الحضري المسافر، ولا المسافر الحضري، فإذا ابتلى بشئ من ذلك فأم قوما حاضرين، فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم، فإذا صلى المسافر خلف قوم حضور (3)... الحديث بتمامه. وقد استدل العلامة (4) بأنه إذا جاز ائتمام المفترض بالمتنفل - كما في المعادة - فيصح هاهنا. ولا اعتماد عليه. ونقل عن الصدوق (رحمه الله) أنه قال: لا بأس أن يصلي الرجل الظهر خلف من يصلي العصر، ولا يصلي العصر خلف من يصلي الظهر إلا أن يتوهمها العصر، فيصلي معه العصر ثم يعلم أنها كانت الظهر فيجزي عنه (5). وربما يستدل له بصحيحة علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسى (عليه السلام) عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلي معه وهي تحسب أنها العصر، هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال: لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة صلاتها (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 213 ب 63 من أبواب المواقيت ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 402 ب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 403 ب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح 6. (4) منتهى المطلب: ج 1 ص 367 س 15. (5) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 91. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 453 ب 53 من أبواب الجماعة ح 2. 471 وهي يناقض مطلبها كما لا يخفى. ولعل الأمر بالإعادة لكونها محاذيا للإمام بناء على عدم الجواز، ويحمل على الاستحباب بناء على المختار من الكراهة. وربما يقال: إنه لعله لاعتقاد المرأة خلاف الواقع، وفيه تأمل. وربما نقل عن علي بن بابويه (رحمه الله) القول باعتبار الاتفاق في الكم. ويدفعه الأخبار الصريحة في ائتمام المسافر بالمقيم، ولكن الشأن في إثبات العموم، ولعله لا قائل بالفصل، ولم نجد في الأخبار نصا في غيرها. نعم روى الكليني والشيخ (رحمهما الله) عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى، فقال: إذا نسي الصلاة أو نام فيها صلى حين يذكرها وإن ذكرها وهو في صلاة، بدأ بالتي نسي، وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب ثم صلى العتمة بعدها، وإن كان صلى العتمة وحده فصلى منها ركعتين ثم ذكر أنه نسي المغرب أتمها بركعة فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ثم يصلي العتمة بعد ذلك (1). فإن الظاهر منها أنه يعدل إلى العصر ويأتم فيها بالمغرب. وروى الشيخ عن إسحاق بن عمار - وفي طريقها سلمة صاحب السابري، والراوي عنه ابن أبي عمير - والصدوق أيضا بسنده عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تقام الصلاة وقد صليت، فقال: صل واجعلها لما فات (2). واستثنى الشهيد صلاة الاحتياط إلا فيما اشترك الإمام والمأموم في الشك (3). والاحتياط الترك مطلقا لما أسلفنا لك سابقا. وما ذكرنا من جواز الائتمام إنما هو إذا لم يتخالفا كيفية كاليومية والكسوف والعيدين، فإنه لا يتحقق القدوة هاهنا والمتابعة، وهو ظاهر. ويمكن القول بأنه دائر مدار إمكان المتابعة، فلا مانع من القدوة في الركوع الأخير أو القنوت الأخير
(1) الكافي: ج 3 ص 293 ح 5، تهذيب الأحكام: ج 2 ص 269 ح 1071. (2) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 51 ح 178 وسائل الشيعة: ج 5 ص 457 ب 55 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (3) الدروس الشرعية: ج 1 ص 205. 472 أو نحو ذلك لشمول العمومات، والاحتياط تركه. ويجوز ائتمام المتنفل بالمفترض كاقتداء المعيد بمن لم يصل، وكذا ائتمام غير البالغ بالبالغ بناء على كون عبادته شرعية. كل ذلك يظهر من الأخبار وسيأتي، وعكسه كائتمام من لم يصل بالمعيد وسيجئ دليله، والمتنفل بالمتنفل في مواضع كالعيدين مع انتفاء الشرائط، وكذا الاستسقاء والغدير على رأي أبي الصلاح (1). منهاج لا يجوز مفارقة الإمام بلا عذر بدون قصد الانفراد للتأسي، ولأن الإمام إنما جعل ليأتم به، ولأنه لا دليل على صحة مثل هذه الصلاة، والأصل عدم الصحة. وأما مع العذر فلا خلاف فيه، كانفراده في التشهد إذا كان مسبوقا بالإمام ونحو ذلك، وكذا لا شك في جواز المفارقة مع قصد الانفراد مع العذر. ويبقى الكلام في جواز المفارقة مع قصد الانفراد بلا عذر، فهو المشهور بين الأصحاب، والمعروف من مذهبهم، بل نقل العلامة في النهاية الاجماع على ذلك (2)، وكذا نقل عن ظاهر المنتهى أيضا (3). وقال الشيخ في المبسوط: من فارق الإمام بغير عذر بطلت صلاته، وإن فارقه لعذر وتمم صحت صلاته (4). واحتجوا على المشهور بالأخبار الآتية في الانفراد في السلام والتشهد وغير ذلك، وبفعل النبي (صلى الله عليه وآله) (5) في صلاة ذات الرقاع، فإنه صلى بطائفة يوم ذات الرقاع ثم خرجت من صلاته وأتمت منفردة، وببعض الاعتبارات الضعيفة التي لا يمكن الاعتماد عليها. والجواب من الأخبار بالقول بالموجب، إذ هو مع العذر في الأغلب، والمطلوب خلافه. وأما مثل صحيحة أبي المعزا الآتية فيحتاج إتمام الاستدلال به
(1) الكافي في الفقه: ص 160 - 162. (2) نهاية الإحكام: ج 2 ص 128. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 384 س 34. (4) المبسوط: ج 1 ص 157. (5) الوسائل: ج 5 ص 479 ب 2 من أبواب صلاة الخوف ح 1. 473 بعدم القول بالفصل، وهو غير معلوم. ويدل على مذهب الشيخ عدم ثبوت التوظيف بمثل هذه الصلاة، والأصل عدم الصحة، ويؤيده قوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) * (1) وقوله (عليه السلام): إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به (2). ويمكن القدح في تأييد الثاني، وجعلهما الشيخ دليلا على مدعاه على ما نقل عنه (3). ويؤيده صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) أنه سأله عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدم أحدا، ما حال القوم؟ قال: لا صلاة لهم إلا بإمام فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها وقد تمت صلاتهم (4). فالإجماع إنما هو الحجة، وإلا فلا دليل للمشهور ظاهرا، فالحكم على خلافهم، والقطع ببطلان الصلاة مشكل، والاحتياط في عدم الانفراد من دون العذر. وما ذكرنا إنما هو في الجماعة المستحبة، وأما الواجبة فلا يجوز قطعا. وهل يجوز عدول المنفرد إلى الائتمام، الأصل يقتضي عدم الجواز، وجوزه الشيخ في الخلاف مدعيا عليه الاجماع (5). والأحوط الاجتناب. وقد مر في مباحث النية نبذة من مباحث العدول، فراجع وتأمل. ثم بعد البناء على جواز العدول يجب إتمام الصلاة من موضع الانفراد، فإذا كان قبل القراءة فيقرأ، وبعده فيركع، وأما في الأثناء ففيه إشكال. وأوجب الشهيد الثاني الاستيناف من أول تلك السورة (6)، والشهيد الأول الاستيناف مطلقا (7)، لأنه في محل القراءة وقد نوى الانفراد. وقال في المدارك: ولعله أحوط (8).
(1) محمد: 33. (2) عوالي اللآلي: ج 2 ص 225، سنن ابن ماجة: ج 1 ص 276 وليس فيه: إماما. (3) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 75. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 474 ب 72 من أبواب الجماعة ح 1. (5) الخلاف: ج 1 ص 552 المسألة 293. (6) مسالك الأفهام: ج 1 ص 317. (7) الدروس الشرعية: ج 1 ص 224. (8) مدارك الأحكام: ج 4 ص 363. 474 ولكن الإشكال في تلك الاحتياط أيضا محتمل، سيما على مذهب من يحرم القران كما هو المختار، إلا أن يقال: إن القران المحرم هو ما كان بقصد القراءة المعينة للصلاة، كما ذكرنا. ويجوز أن يسلم المأموم قبل الإمام، وينصرف للضرورة وغيرها. قال في المدارك: هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب حتى في كلام القائلين بوجوب التسليم (1). ويدل على ذلك مطلقا صحيحة أبي المعزا عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يصلي خلف إمام فيسلم قبل الإمام، قال: ليس عليه بذلك بأس (2). ولكن أبا المعزا روى أيضا في الصحيح عنه (عليه السلام) عن الرجل يكون خلف الإمام فيسهو فيسلم قبل أن يسلم الإمام، قال: لا بأس (3). ولعله يورث وهنا في الإطلاق. ويدل على صورة العذر صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يكون خلف الإمام، فيطول الإمام بالتشهد، فيأخذ الرجل البول أو يعرض له وجع، كيف يصنع؟ قال: يتشهد هو وينصرف ويدع الإمام (4). وصحيحته الأخرى عنه (عليه السلام) عن الرجل يكون خلف إمام فيطول في التشهد، فيأخذه البول أو يخاف على شئ أن يفوت أو يعرض له وجع، كيف يصنع؟ قال: يسلم وينصرف ويدع الإمام (5). وصحيحة زرارة عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن رجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهد، قال: يسلم ويمضي لحاجته إن أحب (6).
(1) مدارك الأحكام: ج 4 ص 387. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 465 ب 64 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 465 ب 64 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 464 ب 64 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (5) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 283 ح 842. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 465 ب 64 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. 475 وهذه الصحيحة أيضا ظاهرها جواز السبقة بدون العذر كما لا يخفى. والظاهر أنه لا يجب هنا قصد الانفراد، وربما ينسب ذلك إلى ظاهر الأصحاب أيضا، وربما يقوى ذلك على القول بعدم وجوب المتابعة في الأقوال، ولعله ليس على ما ينبغي، لكون الجلوس المعين من الأفعال، والانصراف قبل الإمام، سيما إذا طال التشهد، تستلزم عدم المتابعة في الفعل أيضا، والأخبار مطلقة. ولعل قصد الانصراف يكفي مع عدم قصد الائتمام، ولا حاجة إلى القصد بعدمه. منهاج لا شك في أن الأولى بالتقدم هو إمام الأصل لو كان حاضرا، بل وكذلك حكم من أنابه الإمام بخصوص الصلاة، وأما عند غيبته فصاحب المنزل والإمارة عن جانب الإمام والمسجد الراتب أولى من غيرهم وإن كان الغير أفضل. والظاهر عدم الخلاف في ذلك. وقال العلامة في المنتهى: إنه لا نعرف فيه خلافا (1). ويدل على ذلك رواية أبي عبيدة الآتية، وفي معناها أيضا روى الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2)، ولكنها يدل على الأولتين، وأما المسجد فربما يعلل بأن تقديم الغير يورث وحشة وتنافرا، وبأنه مثل منزله. ويمكن أن يقال: إن ذلك سلطنة لصاحب المسجد، فيدخل في الرواية أيضا. وكلام الأصحاب في ذلك يكفي، للتسامح في أدلة السنن. وحكم الشهيدان بأن الكراهة ينتفي لو كان بإذنهم، لأن أولويتهم ليست مستندة إلى فضيلة ذاتية، بل إلى سياسة أدبية (3). وقال صاحب المدارك: إنه اجتهاد في مقابل النص (4).
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 374 س 29. (2) صحيح مسلم: ج 1 ص 465 ح 673، سنن الترمذي: ج 1 ص 458 ح 235. (3) ذكرى الشيعة: ص 270 س 13، مسالك الأفهام: ج 1 ص 315. (4) مدارك الأحكام: ج 4 ص 356. 476 ويمكن أن يقال: إن الظاهر من النهي في الرواية هو النهي عن التقدم في نفسه وأولا، وأما التقدم بسبب تقديمهم إياه فلا يستفاد من النص، فيبقى على أصله، وليس بذلك البعيد، ولعل سياق الرواية أيضا يقتضي ذلك، بأن تكون هي أيضا من المرجحات، كالأقرئية والأفقهية وغيرها، فيكون الأمر كما ذكراه، فتأمل. وعلى هذا فلا يتفرع أثر على النزاع في أنه هل الأفضل تقدمهم، أو الإذن أفضل إلا على ما ذكراه، وحينئذ فالأظهر أفضلية الإذن لما سيأتي من الأدلة على أولوية الأعلم وغيره مما لم نذكر. وأما على ما ادعوه من ظهور الرواية في الإطلاق، فالأولى المباشرة. ونقل عن جماعة من الأصحاب أن الأولوية لا تتوقف بحضورهم، بل يرسل إليهم لو كانوا غائبين، فإن حضروا أو استنابوا فهو، وإلا فيقدم المأمومون من يريدون مع خوف ضيق الوقت. والظاهر أن المراد من " صاحب المنزل " هو ساكنه ولو بالعارية، فلو اجتمع المالك والمستأجر أو المستعير فالظاهر تقدمهما. ونقل عن الشهيد الثاني ترجيح المالك في الثاني (1) وليس بواضح. وأما الثلاثة فلم نقف على مرجح في أنفسهم لو اجتمعوا. ثم نقل عن جماعة من الأصحاب أن الهاشمي أولى، والظاهر أن مرادهم بعد الثلاثة المتقدمة كما يظهر من غير واحد من الأصحاب وكما يظهر من كلام العلامة في المنتهى في حكاية تقديم الثلاثة (2). وقال الشهيد في الذكرى بعد أن اعترف بعدم النص عليه إلا ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) بطريق غير معلوم " قدموا قريشا ولا تقدموهم ": نعم، فيه إكرام لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ تقديمه لأجله نوع إكرام، وإكرام رسول الله وتبجيله مما لا خفاء بأولويته (3).
(1) مسالك الأفهام: ج 1 ص 315. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 374 س 28. (3) ذكرى الشيعة: ص 270 س 21. 477 وقد يستدل عليه بأنه أفضل، وتقديم المفضول قبيح عقلا. ثم لو تشاح الأئمة فالمنسوب إلى أكثر الأصحاب تقدم الأقرأ على الأفقه، ويدل عليه رواية الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله): يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا (1). وما رواه أبو عبيدة الحذاء قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القوم من أصحابنا يجتمعون فتحضر الصلاة فيقول بعضهم لبعض: تقدم يا فلان، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يتقدم القوم أقرأهم للقرآن، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا، فإن كانوا في السن سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنة وأفقههم في الدين، ولا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله، ولا صاحب سلطان في سلطانه (2). ويؤيده صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآنا؟ قال: لا بأس به (3). والمراد بالأقرأ - على ما نقل عن جماعة من الأصحاب - هو الأجود قراءة وإتقانا للحروف، وأشد إخراجا لها من مخارجها، وربما يضم إلى ذلك الأعرفية بالأصول المقررة بين القراء. وقيل: يحتمل إرادة أكثرية قراءة القرآن أو أجودية طلاقة اللسان. ونقل العلامة في التذكرة قولا بتقديم الأفقه على الأقرأ (4). ومال إليه جماعة من متأخري أصحابنا، بل وقطع بعضهم بذلك (5). وهو قوي، لما رواه الصدوق
(1) قد وردت أيضا في رواياتنا، فراجع الوسائل: ج 5 ص 419 ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 419 ب 28 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 400 ب 16 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (4) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 307. (5) مفاتيح الشرائع: ج 1 ص 164، ذخيرة المعاد: ص 391 س 29. 478 مرسلا عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إمام القوم وافدهم فقدموا أفضلكم (1). والوافد: قاصد الأمير للزيارة والاسترفاد ونحوهما، والإبل السابق للقطار. وروي عنه (صلى الله عليه وآله) أيضا: إن سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم (2). ويدل عليه أيضا الآيات والأخبار الكثيرة الدالة على أفضلية العالم، وجلالة قدره، وكونه بمنزلة الأنبياء، وكونه وارثهم، وأفضل من سبعين ألف عابد، إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة (3) فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، بل الذين اتوا العلم درجات. ويؤيده أيضا حسنة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: قلت له: الصلاة خلف العبد؟ فقال: لا بأس به إذا كان فقيها ولم يكن هناك أفقه منه (4)، قال: قلت: أصلي خلف الأعمى؟ قال: نعم، إذا كان له من يسدده وكان أفضلهم (5). وموثقة سماعة قال: سألته عن المملوك يؤم الناس؟ فقال: لا، إلا أن يكون هو أفقههم وأعلمهم (6). وروى الصدوق (رحمه الله) مرسلا عن الصادقين (عليهما السلام) قال: لا بأس أن يؤم الأعمى إذا رضوا به وكان أكثرهم قراءة وأفقههم (7). وربما قيل بالتخيير. ولعل نظره إلى الجمع بين الأخبار، ويؤيده هذه الرواية أيضا. وقد يجاب عن الروايتين بضعف السند، واشتمال الثاني على خلاف المعروف بين الأصحاب، وهو تقديم الأسن على الأعلم. وقد يوجه رواية أبو عبيدة بأن المراد بالأقرأ المستلزم للفقه والعلم بأحكام القرآن، وأن إطلاق القارئ على
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 377 ح 1100. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 393 ب 11 من أبواب صلاة الجماعة ح 7. (3) بحار الأنوار: ج 2 ص 19، 22 ح 50، 67. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 400 ب 16 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 410 ب 21 من أبواب صلاة الجماعة ح 5. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 400 ب 16 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 409 ب 21 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. 479 العارف بذلك كان شائعا في الصدر الأول. وقد يرد ذلك بأنه ينافي ذكر الأعلم بالسنة عقيبه، وأن العلم بمعاني القرآن لا تستلزم العلم بالسنة، فلا ينفع ذلك التوجيه، إلا أن يقال: إن الدقائق المرموزة في القرآن مما ينتفع به أهل التفكر فيه، ويتعظ به المذكرون كثيرا ما ينفك عنه العالم بالسنة بل الأعلم بها، إذ الظاهر من العلم بالسنة هو العلم بالفروع الشرعية مما يحتاج إليها في الصلاة وغيرها، فحينئذ المفروض أن الإمام لا بد من كونه عالما بأحكام صلاته بأي نحو كان اجتهادا أو تقليدا، وهذا يكفيه، وأما مرتبة التدبر في الآيات والتذكر بها والتقرب بذلك إلى جناب الباري جل اسمه لعله مرتبة يزيد فضله على هذا القدر من المزية في العلم. ويؤيده الأخبار الكثيرة الواردة في قراءة القرآن، ولزوم التدبر فيه، وأن لا يكون هم أحدكم آخر السورة، بل أن تقرعوا قلوبكم القاسية (1)، فيكون المراد بالأقرأ هو ذلك، إلا أنه لم يعهد هذا القول من الأصحاب، فحينئذ الخبر الظاهر الدلالة على مطلوبهم هو الرواية العامية، ولعل ضعفه منجبر بعملهم، سيما مع كونه من أدلة السنن. ثم المشهور بين المتأخرين أنه يقدم بعد الأفقه الأقدم هجرة، وهو المنقول عن الشيخ في النهاية (2)، وله قول بتقديم الأشرف بعد الأفقه على الأقدم هجرة. والدليل على ذلك هو الرواية العامية (3). والمراد بالأقدم هجرة - على ما ذكره في التذكرة - سبق الاسلام، أو من كان أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الاسلام (4)، أو يكون من أولاد من تقدمت هجرته، وقد مر سابقا ما ينفعك تذكاره.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 856 ب 21 من أبواب قراءة القرآن ح 1. (2) النهاية: ج 1 ص 344. (3) مسند أحمد: ج 3 ص 129، 183، سنن البيهقي: ج 3 ص 121. (4) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 308. 480 ثم يقدم الأسن، وظاهر جماعة أن المراد علو السن في الاسلام، وهو خلاف ظاهر النص. والدليل على ذينك أيضا الرواية العامية. ثم يقدم الأصبح وجها، ذكره ابنا بابويه والشيخ وسلار وابن البراج والفاضلان (1). ونقل عن المرتضى (2) وابن إدريس (3) انه قد روي إذا تساووا فأصبحهم وجها. وفسره مرة بأحسن صورة، ومرة بأحسن ذكرا بين الناس. وقال العلامة في التذكرة: فإن استووا في ذلك كله قدم أشرفهم - أي: أعلاهم نسبا وأفضلهم في نفسه - فإن استووا في هذه الخصال قدم أتقاهم وأورعهم، لأنه أشرف في الدين وأقرب إلى الإجابة، وربما رجحه بعضهم على الأول. ثم قال: فإن استووا في ذلك كله فالأقرب القرعة. ثم قال: وهذا كله تقديم استحباب لا تقديم اشتراط ولا إيجاب، فلو قدم المفضول جاز ولا نعلم فيه خلافا (4). هذا كله إذا اختلف المأمومون، ولم يتفقوا على شئ، وهذا مذهب الأكثر. وقال العلامة في التذكرة: إنه يقدم اختيار الأكثر، فإن تساووا طلب الترجيح (5)، وهو خلاف ما اقتضاه النص. وأما لو اتفق المأمومون على واحد فهو أولى، لما فيه من اجتماع القلوب وحصول الإقبال المطلوب، وكذا إن كرهه الجميع، فلا يتقدم حينئذ لقوله (عليه السلام): ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة، أحدهم من تقدم قوما وهم له كارهون، كذا قيل (6). وقال العلامة في التذكرة: والأقرب أنه إذا كان ذا دين فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته والإثم على من كرهه وإلا كرهت (7)، واستحسنه بعض المتأخرين (8) أيضا
(1) المقنع: ص 34، النهاية: ج 1 ص 344، المراسم: ص 87، المهذب: ج 1 ص 81، مختلف الشيعة: ج 3 ص 68، شرائع الاسلام: ج 1 ص 125. (2) نقله عنه المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 440. (3) السرائر: ج 1 ص 282. (4) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 310. (5) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 306 و 307. (6) المعتبر: ج 2 ص 439. (7) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 305. (8) مدارك الأحكام: ج 4 ص 358. 481 وهو في محله. ثم اعلم أن ما ورد من الأخبار في تلك المرجحات كرواية أبي عبيدة (1)، إنما يفيد الترجيح على العموم، لأن العبرة بعموم اللفظ والسؤال غير مخصص للحكم على الأصح، ولا يخفى أن المرجحات الثلاثة التي ذكرناها أولا أيضا منساقة مساق باقي المرجحات، وظاهرها العموم. ولكن جماعة من أصحابنا قد أطلقوا الحكم أولا بأولوية الثلاثة الأول، ثم ذكروا أنه إن تشاح الأئمة واختلفوا فيعمل بتلك المرجحات. فإن كان المستند رواية أبي عبيدة فهو يقتضي اتحاد حكم الثلاثة الأول أيضا لهذه، فلا وجه لتخصيصهم تلك بصورة التشاح، بل لا بد من جعل الثلاثة أيضا في هذه الصورة، أو يجعل المجموع مطلقا عن ذلك الشرط، فلا وجه لحكمهم بأولوية من اتفق عليه المأمومون، وإن لم يكن صاحب أحد هذه المرجحات. وإن كان غيره - مثل حديث النبوي (صلى الله عليه وآله) - فلا وجه لتخصيصهم إعمال تلك المرجحات بصورة التشاح، إذ هو عام، فلا وجه للقول بأولوية من اتفق المأمومون عليه، كما ذكروه، وإن لم يكن راجحا بأحد هذه المرجحات. وبالجملة: ظاهر تلك الأخبار وغيرها مما أوردنا بعضها في العبد والأعمى يقتضي أن تلك الأمور مرجحات على الإطلاق، غاية الأمر تقديم الثلاثة الأول في المرتبة، للتأكيد في الخبر، وللإجماع المنقول ظاهرا كما ذكرنا. ثم إن الظاهر من التشاح هو ما يتضمنه رواية أبي عبيدة، ولعله يدخل فيه تنازع الأئمة أيضا لتحصيل الثواب إن لم يضر هذا بالمروة والعدالة، ولعله غير مضر. منهاج يستحب وقوف المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلا واحدا، وخلفه إن كان
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 419 ب 28 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. 482 أكثر، لروايتي محمد بن مسلم المتقدمتين (1)، وقد مر الكلام في ذلك. وكذا يستحب أن يقف خلفه إن كان امرأة أو أكثر، لموثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يؤم المرأة؟ قال: نعم يكون خلفه، وعن المرأة تؤم النساء؟ قال: نعم تقوم وسطا بينهن (2). ولصحيحة ابن مسكان عن أبي العباس قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يؤم المرأة في بيته؟ فقال: نعم، تقوم وراءه (3). ويستحب إن كانت واحدة أن تقف مع ذلك إلى جهة يمين الإمام، لما رواه الشيخ في الصحيح عن أبان عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أصلي المكتوبة بأم علي؟ قال: نعم، تكون عن يمينك يكون سجودها بحذاء قدميك (4). وإن كان رجل ونسوة فيقوم الرجل عن يمين الإمام، والنسوة خلفه لما رواه الشيخ في الصحيح عن قاسم بن الوليد قال: سألته عن الرجل يصلي مع الرجل الواحد معهما النساء؟ قال: يقوم الرجل إلى جنب الرجل ويتخلفن النساء (5). ولو كان مع النسوة صبي أو أكثر فيقدمونها وإن كانوا عبيدا، لما رواه الصدوق عن إبراهيم بن ميمون عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يؤم النساء ليس معهن رجل في الفريضة؟ قال: نعم، وإن كان معه صبي فليقم إلى جانبه (6). وما رواه في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) عن الرجل يؤم النساء؟ قال: نعم، وإن كان معهن غلمان فأقيموهم بين أيديهن وإن كانوا عبيدا (7).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 411 و 413 ب 23 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 و 7. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 406 ب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح 10. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 405 ب 19 من أبواب صلاة الجماعة ح 5. (4) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 267 ح 758. (5) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 268 ح 763. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 394 ح 1168. (7) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 397 ح 1180. 483 ولرواية ابن مسكان - وليس في طريقه إلا محمد بن سنان - قال: بعثت إليه بمسألة في مسائل إبراهيم فدفعها إلى ابن سدير فسأل عنها وإبراهيم بن ميمون جالس، عن الرجل يؤم النساء؟ فقال: نعم، فقلت: سله عنهن إذا كان معهن غلمان لم يدركوا أيقومون معهن في الصف أم يتقدمونهن؟ فقال: لا، بل يتقدمونهن وإن كانوا عبيدا (1). وإن كان الإمام مرأة وقف النساء إلى جانبيها، بمعنى: أن لا يتأخرن عنها، ولو احتجن إلى أزيد من صف وقفت التي تؤم وسط الصف الأول غير بارزة عنه. قال في المعتبر: وعلى ذلك اتفاق القائلين بإمامة النساء (2). ويدل عليه الأخبار المتقدمة في إمامتهن. ومثلهن العراة، ولكن إمامهم يبرز ركبتيه، لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة، قال: يتقدمهم الإمام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس (3). والمشهور تعين الجلوس عليهم مطلقا، وقيل بوجوب القيام مع أمن المطلع، واختاره الشهيد الثاني (رحمه الله) (4). والأول أقوى للصحيحة المذكورة، ولأن الظاهر أن الصورة المفروضة من صور عدم الأمن من المطلع وإن كان الأمن حاصلا من مطلع وغيرهم. وربما يستدل بجواز الجماعة للعاري جالسا مطلقا على جواز الجلوس له مطلقا، كما هو مذهب المرتضى (5)، لكونها مستحبة، ولا يجوز ترك الركن لأمر مستحب.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 412 ب 23 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (2) المعتبر: ج 2 ص 427. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 328 ب 51 من أبواب لباس المصلي ح 1. (4) مسالك الأفهام: ج 1 ص 311. (5) نقله عنه المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 107. 484 وهو كما ترى، بل هذا موافق لتفصيل المشهور، كما اخترناه سابقا، لما ذكرنا من الظاهر. ثم إن الظاهر وجوب الإيماء للركوع والسجود، كما اختاره الأكثر، وادعى عليه ابن إدريس الاجماع (1)، للإطلاقات في الأخبار كحسنة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه، فقال: يصلي إيماء، فإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، وإن كان رجلا وضع يده على سوأته، ثم يجلسان فيؤميان إيماء ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماء برؤسهما (2)... الحديث. وقال الشيخ في النهاية يومئ الإمام، ويركع من خلفه ويسجد (3). ويدل عليه موثقة إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قوم قطع عليهم الطريق واخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة، كيف يصنعون؟ فقال: يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه فيومئ إيماء بالركوع والسجود، وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم (4). وقال المحقق في المعتبر - بعد نقلها -: وهذه حسنة لا يلتفت إلى من يدعي الاجماع على خلافها (5). ويمكن أن يكون المراد من هذه الموثقة أيضا ذلك، ويكون قوله (عليه السلام) " على وجوههم " مقام قوله " يومئ إيماء ": وحينئذ يقع الإشكال، من جهة الإطلاقات وعمل الأصحاب، ومن جهة تلك الرواية، وأن الميسور لا يسقط بالمعسور، سيما مع الأمن عن مطلع لحال ركوعهم وسجودهم.
(1) السرائر: ج 1 ص 260. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 327 ب 50 من أبواب لباس المصلي ح 6. (3) النهاية: ج 1 ص 369 - 370. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 328 ب 51 من أبواب لباس المصلي ح 2. (5) المعتبر: ج 2 ص 107. 485 ويمكن أن يقال بمنع شمول الإطلاقات لحالة الجماعة، وأن اشتغال الذمة يستدعي اليقين بالبراءة، وأن الميسور لا يسقط بالمعسور، وغير ذلك، فيأتي بما تمكن منه. ولكنه يشكل بعدم ثبوت التوظيف في هذه الحالة بهذا النحو أيضا، فلا يحصل اليقين بالبراءة. والاحتياط في الإتيان بالصلاتين، وإن كان الأظهر قول المشهور، للإجماع المنقول، والشهرة، وظواهر الإطلاقات. منهاج يستحب أن يكون في الصف الأول أهل المزية الكاملة من علم أو عمل أو عقل، لأنه أفضل الصفوف، للأخبار والأفضل للأفضل. ويدل عليه رواية جابر عن الباقر (عليه السلام) قال: قال: ليكن الذين يلون الإمام منكم أولي الأحلام والنهى، فإن نسي الإمام أو تعايا قوموه، وأفضل الصفوف أولها، وأفضل أولها ما دنا من الإمام، وفضل صلاة الجماعة على صلاة الرجل فذا خمس وعشرون درجة في الجنة (1). وما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) من طريق العامة ليلين أولو الأحلام ثم الذين يلونهم ثم الصبيان ثم النساء (2). وقال في الذكرى: وليكن يمين الصف لأفاضل الصف لما روي أن الرحمة ينتقل من الإمام إليهم ثم إلى يسار الصف ثم إلى الثاني، والأفضل للأفضل (3). ويدل على فضل الصف الأول وميامن الصف أخبار: منها ما مر. ومنها ما رواه سهل بإسناده قال: قال: فضل ميامن الصفوف على مياسرها كفضل الجماعة على صلاة الفرد (4).
(1) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 265 ح 751. (2) صحيح مسلم: ج 1 ص 323 ح 432، سنن أبي داود: ج 1 ص 180 ح 674. (3) ذكرى الشيعة: ص 273 سطر 33. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 387 ب 8 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. 486 وروى الصدوق مرسلا عن الكاظم (عليه السلام): إن الصلاة في الصف الأول كالجهاد في سبيل الله عز وجل (1). وذهب العلامة في المنتهى إلى استحباب توسيط الإمام عدلا (2)، لما روى الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: وسطوا الإمام وسدوا الخلل (3). وربما كان في مرفوعة علي بن إبراهيم الهاشمي - المتقدمة في مباحث تقدم الإمام واستوائه - دلالة على خلافه. وأيده بعض المتأخرين بأنه يقتضي توسيع اليمين، واستحبابه يستدعي ذلك. ويكره أن يقوم وحده مع سعة الصفوف إذا كان رجلا، وهو المشهور بين الأصحاب، وقال في المدارك: إنه مجمع عليه بين الأصحاب (4)، ونقل الاجماع العلامة أيضا (5)، ونقل عن ابن الجنيد القول بالمنع (6). والأول أقوى للإطلاقات، ولرواية أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقوم في الصف وحده؟ فقال: لا بأس، إنما يبدو واحد بعد واحد (7). وروى الصدوق عن موسى بن بكر أنه سأل أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل يقوم في الصف وحده؟ فقال: لا بأس، إنما يبدو الصف واحدا بعد واحد (8). ويدل على رجحان تركه الروايات الكثيرة الواردة في اللحوق بالصف إذا أدرك الإمام في حال الركوع وهو بعيد عن الصفوف (9)، وخصوص صحيحة
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 385 ح 1140. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 377 س 1. (3) سنن أبي داود: ج 1 ص 182 ح 681، سنن البيهقي: ج 3 ص 104. (4) مدارك الأحكام: ج 4 ص 345. (5) مختلف الشيعة: ج 3 ص 89. (6) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 89. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 459 ب 57 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (8) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 389 ح 1147. (9) وسائل الشيعة: ج 5 ص 443 ب 46 من أبواب صلاة الجماعة. 487 الفضيل بن يسار عن الصادق (عليه السلام) قال: أتموا الصفوف إذا وجدتم خللا، ولا يضرك أن تتأخر إذا وجدت ضيقا في الصف وتمشي منحرفا حتى تتم الصف (1). ومثله صحيحة الحلبي (2). وعلى مرجوحية ذلك ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تكونن في العثكل، قلت: وما العثكل؟ قال: أن تصلي خلف الصفوف وحدك، فإن لم يمكن الدخول في الصف قام حذاء الإمام أجزأه، فإن هو عاند الصف فسد عليه صلاته (3). وعنه عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سووا بين صفوفكم، وحاذوا بين مناكبكم، لا يستحوذ عليكم الشيطان (4). واحتج ابن الجنيد على البطلان برواية السكوني (5)، وهي مع ضعفها لا يقاوم أدلة المشهور، فيحمل على الكراهة جمعا. أما لو كان الصف متضايقا فلا بأس به، ولكنه يقوم بحذاء الإمام. ويدل على ذلك - مضافا إلى رواية السكوني - رواية سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما، أيقوم وحده حتى يفرغ من صلاته؟ قال: نعم لا بأس، يقوم بحذاء الإمام (6). وروايته الأخرى عنه (عليه السلام) عن الرجل يدخل المسجد ليصلي مع الإمام فيجد الصف متضايقا بأهله، فيقوم وحده حتى يفرغ الإمام من الصلاة، أيجوز ذلك له؟
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 471 ب 70 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 471 ب 70 من أبواب صلاة الجماعة ذيل ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 460 ب 58 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 472 ب 70 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. (5) لم يحتج هو نفسه برواية السكوني، بل قال الشهيد: (فإن احتج بما روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) أبصر رجلا خلف الصفوف فأمره أن يعيد الصلاة ورواية السكوني المذكورة قلنا...) راجع ذكرى الشيعة: ص 274 س 7. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 459 ب 57 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. 488 فقال: نعم، لا بأس به (1). والروايتان معتبرتان. ومما ذكرنا ظهر تأكد استحباب سد الخلل وإقامة الصفوف. ولا بأس بالتقدم والتأخر إذا ضاق الصف، ويدل عليه - مضافا إلى صحيحة فضيل بن يسار المتقدمة - صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه موسى (عليه السلام) عن القيام خلف الإمام في الصف ما حده؟ قال: إقامة ما استطعت، فإذا قعدت فضاق المكان فتقدم أو تأخر فلا بأس (2). وموثقة سماعة عن الصادق (عليه السلام) قال: لا يضرك أن تتأخر وراءك إذا وجدت ضيقا في الصف فتأخر إلى الصف الذي خلفك، وإن كنت في صف فأردت أن تتقدم قدامك فلا بأس أن تمشي إليه (3). ومن جميع ما ذكر ظهر أنه يصح الصلاة مع تخلل الصف الثاني وإن كان كثيرا يعني ذلك صلاة الصف مثلا لو كان الصف مستطيلا وقام في أحد طرفيه رجلان، وكذا في وسطه، وكذا في آخره، وإن كان الفصل بين كل منها كثيرا فيصح الصلاة لكنه خلاف المستحب. وأما صلاة من يليهم من الصف الثالث فيشكل صحته لو كان الفصل كثيرا، إذ يستلزم الفصل بين الصفين بأزيد مما يتخطى إلا أن يكون الفصل قليلا بمثل مكان رجل أو أزيد منه قليلا، فيشكل الحكم بالبطلان، بل الظاهر الصحة على القول باشتراط عدم الزيادة مما يتخطى أيضا مع احتمال الصحة ولو كان الفصل كثيرا أيضا، لأنه يصدق أن بينه وبين الصف الذي قدامه هذا المقدار، لكن إرادة محاذي الصف عن الصف مجاز، وهو خلاف الأصل. ويستحب تسوية الصفوف وإقامتها. قال في الذكرى: يستحب إقامة الصفوف استحبابا مؤكدا، قال ابن بابويه: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أقيموا صفوفكم فإني أراكم
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 459 ب 57 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 471 ب 70 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 471 ب 70 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. 489 من خلفي كما أراكم من بين يدي، ولا تخالفوا فيخالف الله بين قلوبكم - إلى أن قال: - ويستحب لمن وجد خللا في صف أن يسعى. روى العامة في الحسان عنه (صلى الله عليه وآله): إن الله وملائكته يصلون على الذين يلون الصفوف الأول، وما من خطوة أحب إلى الله من خطوة تمشيها تصل بها صفا - إلى أن قال: - ويستحب للإمام أمرهم بتسوية الصفوف، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) روي أنه كان يقول عن يمينه: اعتدلوا سووا صفوفكم، وعن يساره: اعتدلوا سووا صفوفكم (1). منهاج يكره أن يأتم حاضر بمسافر على المعروف من مذهب الأصحاب، بل يظهر من الفاضلين (2) أنه موضع وفاق، وكذلك العكس كما صرح به في المعتبر (3)، ونقل عن علي بن بابويه القول بالمنع (4). والأول أقرب لنا على الجواز العمومات والروايات الكثيرة، كصحيحة حماد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في المسافر يصلي خلف المقيم؟ قال: يصلي ركعتين ويمضي حيث شاء (5). وحسنة الحلبي عنه (عليه السلام) في المسافر (6)... الحديث. وصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في مبحث ائتمام المفترض بالمفترض (7). وصحيحة ابن مسكان ومؤمن الطاق عنه (عليه السلام) قال: إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاتهم، فإن كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين،
(1) ذكرى الشيعة: ص 274 س 19. (2) المعتبر: ج 2 ص 441، تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 301 و 302. (3) المعتبر: ج 2 ص 441. (4) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 62. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 403 ب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 403 ب 18 من أبواب صلاة الجماعة ذيل ح 2. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 454 ب 53 من أبواب صلاة الجماعة ح 6. 490 وإن كان العصر فليجعل الأولتين نافلة والأخيرتين فريضة (1). ولعل ذلك إنما هو لكراهة الصلاة النافلة بعد صلاة العصر كما ذكره الشيخ (2)، فلذا جعل الفريضة في الأخيرتين. ويدل على المرجوحية في الصورتين موثقة الفضل بن عبد الملك المتقدمة هاهنا أيضا (3)، وهو يتضمن أنه يجعل الأولتين ظهرا والأخيرتين عصرا. وكذلك صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة بخصوص الصورة الأولى. وصحيحة أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا يصلي المسافر مع المقيم، فإن صلى فلينصرف في الركعتين (4). والخبران ظاهران في الجواز أيضا. والظاهر أن كل ما تضمنته تلك الأخبار - من جعل الأولتين ظهرا والأخيرتين عصرا، أو أحدهما فريضة والأخرى نافلة فيما يجوز الاقتداء فيه، أو غير ذلك - كلها جائز إن شاء الله. والمحقق في المعتبر قيد الكراهة بصورة اختلاف الفرضين كمية، وعلل ذلك بلزوم المفارقة المكروهة فيها دون غيرها، فلا يكره ذلك في الصبح والمغرب (5)، واختاره بعض المتأخرين أيضا، وربما كان في الموثقة المتقدمة إشارة إلى ذلك. وعلى ما ذكره يلزم عدم الكراهة في صورة الاختلاف أيضا إن كان في الركعتين الأخيرتين، ويؤيد ما ذهب إليه عدم ظهور الإطلاقات في غير الرباعية، كما لا يخفى على المتتبع، بل كلها صريح فيها، ولا يبعد القول بأنه يحصل منها ظن قوي يتاخم العلم أن العلة في ذلك هو ما فهمه المحقق، فيبقى مثل المغرب والصبح، بل والصورة التي فرضناها أيضا تحت الإطلاقات، إلا أن كلام
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 403 ب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. (2) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 166 ذيل ح 360. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 403 ب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح 6. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 403 ب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (5) المعتبر: ج 2 ص 441. 491 الأصحاب في ذلك مطلق، فلو لم يكن إجماع على الكراهة فيها لكان قول المحقق قويا متينا. ثم إذا كان الإمام مسافرا وفرغ فلا يتبعه المأموم في التسليم ويتم الصلاة. قال في الذكرى: لو نقص عدد صلاة المأموم عن صلاة الإمام تخير المأموم بين انتظاره حتى التسليم وبين تسليمه، والأول أفضل، ولو زاد عدد صلاته على صلاة الإمام تخير المأموم بين المفارقة في الحال والصبر حتى يسلم الإمام، فيقوم المأموم إلى الإتمام، والثاني أفضل. وحينئذ لو انتظر الإمام فراغ المأموم ثم سلم كان جائزا، بل أفضل، فعلى هذا يقوم المأموم بعد تشهد الإمام (1) بعد سلامه تصاحبه في الباقي (2) الظاهر الجواز، للموثقة المتقدمة، وهي وإن كانت في صورة تقديم الإمام لكنه لعله لا قائل بالفصل، والأخبار الواردة في ما لو عرض عارض للإمام واستنابته أيضا يرشد إلى ذلك. وتوقف في ذلك العلامة في التحرير (3). ولا وجه للتوقف في ما لو قدم الإمام أحدهما، بل ولا في غيره أيضا لما ذكرنا. واعلم أنه يظهر من مجموع الأخبار كراهة الإمامة والائتمام كليهما، سيما مع ملاحظة خصوص صحيحة أبي بصير (4)، فلا يتوهم الاختصاص بالإمامة. ويكره أن يؤم الفالج بالأصحاء، والمقيد بالمطلقين، وقد مر ما يدل عليه. والظاهر أنه لا بد من قيدهما بما لم يبلغ الإفليج بحد الجلوس، وكذا المقيد، وإلا فلا يجوز كما ذكرنا سابقا، إلا أن يكون المأموم أيضا جالسا من جهة أخرى. وكذا الكلام في كل مرتبة كانت أنقص من أخرى على ما اشتهر بين الأصحاب. ويكره إمامة المتيمم بالمتوضين على المشهور بين الأصحاب، بل قال في المنتهى: إنه لا نعرف فيه خلافا إلا ما حكي عن محمد بن الحسن الشيباني من المنع من ذلك (5).
(1) ذكرى الشيعة: ص 266 س 19. (2) كذا في الأصل، والعبارة مختلة النظام. (3) تحرير الأحكام: ج 1 ص 52 س 15. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 403 ب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (5) منتهى المطلب: ج 1 ص 373 س 27. 492 ويدل على الجواز أخبار كثيرة، منها: صحيحة جميل بن دراج ومحمد بن حمران قالا: قلنا لأبي عبد الله (عليه السلام): إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه ماء يكفيه للغسل، أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ قال: لا، ولكن يتيمم الجنب ويصلي بهم، فإن الله تعالى قد جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا (1). وموثقة ابن بكير عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: رجل أم قوما وهو جنب وقد تيمم وهم على طهور، فقال: لا بأس (2). وموثقته الأخرى قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أجنب ثم تيمم فأمنا ونحن طهور، فقال: لا بأس به (3). إلى غير ذلك. ويدل على المرجوحية رواية السكوني المتقدمة في مسألة إمامة الأعمى. وروايته الأخرى عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: لا يؤم صاحب التيمم المتوضئين ولا صاحب الفالج الأصحاء (4) ورواية عباد بن صهيب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لا يصلي المتيمم بقوم متوضئين (5). وهذه الأخبار ضعيفة متروكة الظاهر عند الأصحاب تحمل على الكراهة. ويكره إمامة العبد إلا لأهله، قال الصدوق في المقنع: لا يؤم العبد إلا أهله (6). وأطلق الشيخ في الخلاف (7) وابن الجنيد (8) وابن إدريس القول بالجواز (9). وقال الشيخ في النهاية (10) والمبسوط (11): لا يجوز أن يؤم الأحرار، ويجوز أن
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 401 ب 17 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 401 ب 17 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 401 ب 17 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 402 ب 17 من أبواب صلاة الجماعة ح 5. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 402 ب 17 من أبواب صلاة الجماعة ح 7. (6) المقنع: ص 35. (7) الخلاف: ج 1 ص 547 المسألة 286. (8) مختلف الشيعة: ج 3 ص 53. (9) السرائر: ج 1 ص 282. (10) النهاية: ج 1 ص 344. (11) المبسوط: ج 1 ص 155. 493 يؤم مواليه إذا كان أقرأهم. وأطلق ابن حمزة أن العبد لا يؤم الحر (1)، واختاره العلامة في النهاية (2). لنا على الجواز الأصل والإطلاقات وحسنة زرارة - لإبراهيم بن هاشم - عن الباقر (عليه السلام) قال: قلت له: الصلاة خلف العبد؟ فقال: لا بأس به إذا كان فقيها ولم يكن هناك أفقه منه (3). وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآنا؟ قال: لا بأس به (4). وصحيحته الأخرى قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العبد (5)... الحديث بتمامه. وموثقة سماعة قال: سألته عن المملوك يؤم الناس؟ فقال: لا، إلا أن يكون هو أفقههم وأعلمهم (6). وأما المرجوحية واستثناء الأهل فلما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) أنه قال: لا يؤم العبد إلا أهله (7). فهو باعتبار ضعفه لا يقاوم الأخبار الكثيرة المقررة للأصل والإطلاقات، فنحملها على الكراهة. ومما ذكرنا ظهر مستند الصدوق والشيخ في المبسوط. ولعل الصدوق أيضا موافق للشيخ في المبسوط. وجوابه ضعف المستند. ولعله لذلك اختار الجواز المطلق في الخلاف، ولعله أقوى لغاية بعد إرادة الأهل من تلك الإطلاقات الكثيرة غاية الكثرة، والتخصيص إلى هذا المقدار مما لا يرضى به المحققون.
(1) الوسيلة: ص 105. (2) نهاية الإحكام: ج 2 ص 15. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 400 ب 16 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 400 ب 16 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 400 ب 16 من أبواب صلاة الجماعة ضمن ح 2. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 400 ب 16 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 401 ب 16 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. 494 وأما قول ابن حمزة فقد استدل له العلامة بأنه ناقص، فلا يليق بهذا المنصب الجليل (1). وهو كما ترى. ويكره للمأموم التنفل حال الإقامة على المشهور بين الأصحاب، لصحيحة عمر بن يزيد أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة، ما حد هذا الوقت؟ قال: إذا أخذ المقيم في الإقامة، فقال له: إن الناس يختلفون في الإقامة، قال: المقيم الذي تصلي معه (2). ونقل عن الشيخ في النهاية (3) وابن حمزة (4) أنهما منعا عن ذلك. ولعل مستندهما أيضا ذلك. وقال في الذكرى: وقد يحمل على ما لو كانت الجماعة واجبة وكان ذلك يؤدي إلى فواتها (5). وذلك بعيد. والأولى الحمل على الكراهة، كما يشير إليه لفظ " لا ينبغي " ويؤيد ذلك استحباب القيام إلى الصلاة عند قول المقيم " قد قامت الصلاة " كما هو المشهور بين الأصحاب، ويدل عليه رواية معاوية بن شريح قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قال المؤذن " قد قامت الصلاة " ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدموا بعضهم ولا ينتظروا الإمام. قال: قلت: وإن كان الإمام هو المؤذن، قال: وإن كان فلا ينتظرونه ويقدموا بعضهم (6). وما رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن الحناط قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): إذا قال المؤذن " قد قامت الصلاة " أيقوم القوم على أرجلهم أو يجلسون حتى يجئ إمامهم؟ قال: لا، بل يقومون على أرجلهم، فإن جاء
(1) نهاية الإحكام: ج 2 ص 15. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 670 ب 44 من أبواب الأذان والإقامة ح 1. (3) النهاية: ج 1 ص 354. (4) الوسيلة: ص 106. (5) ذكرى الشيعة: ص 278 س 32. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 439 - 440 ب 42 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. 495 إمامهم وإلا فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم (1). وقال الشيخ في المبسوط (2) والخلاف (3) بأنه وقته عند كمال الأذان. ونقل العلامة عن بعض الأصحاب قولا بأن وقته عند قوله " حي على الصلاة " (4) لمكان المناسبة وعورض بالأذان. وليس بشئ، ولم نقف على مستند الشيخ. منهاج ويستحب للإمام الإسرار بالتكبيرات الست الافتتاحية، والجهر بتكبيرة الإحرام ليسمع من خلفه. أما الجهر بتكبيرة الافتتاح حتى يسمع من خلفه فقال في المنتهى: لا نعرف فيه خلافا (5). ويدل عليه وعلى الإسرار بالباقي صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: وإذا كنت إماما يجزئك أن تكبر واحدة تجهر فيها وتسر ستا (6). ورواية أبي بصير عنه (عليه السلام) قال: إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وإن شئت ثلاثا وإن شئت خمسا وإن شئت سبعا، فكل ذلك مجز عنك غير أنك إذا كنت إماما لم تجهر إلا بتكبيرة (7). بل ويستحب للإمام الجهر بجميع الأذكار، وللمأموم أن لا يسمعه شيئا مما يقول، لصحيحة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول، ولا ينبغي لمن خلف الإمام أن يسمعه شيئا مما يقول (8). وتتأكد ذلك في التشهد، لصحيحة حفص بن البختري عنه (عليه السلام) قال: ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهد، ولا يسمعونه هم شيئا (9).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 668 ب 41 من أبواب الأذان والإقامة ح 1. (2) المبسوط: ج 1 ص 157. (3) الخلاف: ج 1 ص 564 المسألة 315. (4) مختلف الشيعة: ج 3 ص 90. (5) منتهى المطلب: ج 1 ص 269 س 30. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 730 ب 12 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 3. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 730 ب 12 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 4. (8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 451 - 452 ب 52 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (9) وسائل الشيعة: ج 5 ص 451 ب 52 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. 496 وصحيحة أبي بصير قال: صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) فلما كان في آخر تشهده رفع صوته حتى أسمعنا، فلما انصرف قلت: كذا ينبغي للإمام أن يسمع تشهده من خلف؟ قال: نعم (1). ويستحب " الحمدلة " بعد سمعلة الإمام، لصحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قلت: ما يقول الرجل خلف الإمام إذا قال " سمع الله لمن حمده "؟ قال: يقول " الحمد لله رب العالمين " (2). وقد مر بعض ما يتعلق بذلك الباب فراجع. وكذا يستحب إذا فرغ الإمام من " الحمد " لصحيحة جميل، عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا كنت خلف إمام فقرأ " الحمد " وفرغ من قراءتها، فقل أنت " الحمد لله رب العالمين " ولا تقل " آمين " (3). ويستحب أن ينبه المأموم الإمام على خطئه إذا أخطأ في القراءة وغيرها، ويفتح عليه إذا تعايا. يدل عليه موثقة سماعة المتقدمة (4) في مسألة القراءة خلف الإمام. وفي رواية أخرى: فإن نسي الإمام أو تعايا قوموه (5). وأوجبه الشهيد (رحمه الله) في الدروس لكنه استقرب صحة الصلاة مع الترك (6). والأول أظهر، وربما يؤيد بما يومئ إليه صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اغتسل أبي من الجنابة فقيل له: قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال له: ما كان عليك لو سكت، ثم مسح تلك اللمعة بيده (7). وعن كتاب الدعائم عن علي (عليه السلام) أنه رخص في تلقين الإمام إذا تعايا أو وقف، فأما إن ترك آية أو آيتين أو أكثر أو خرج من سورة إلى سورة واستمر
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 994 ب 6 من أبواب التشهد ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 940 ب 17 من أبواب الركوع ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 752 ب 17 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 386 ب 7 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 386 ب 7 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (6) الدروس الشرعية: ج 1 ص 224. (7) وسائل الشيعة: ج 1 ص 524 ب 41 من أبواب الجنابة ح 1. 497 في القرآن لم يلقن (1). ويستحب للإمام أن لا يختص نفسه بالدعاء، فقد روى الشيخ مسندا (2)، والصدوق مرسلا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من صلى بقوم فاختص نفسه بالدعاء دونهم فقد خانهم (3). ويستحب أن يكون صلاته صلاة أضعف من خلفه، وروى الصدوق (4) والشيخ (5) بسندهما عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: ينبغي للإمام أن يكون صلاته على أضعف من خلفه. وفي رواية سماعة في باب الركوع قال: فأما الإمام فإنه إذا قام بالناس فلا ينبغي أن يطول بهم، فإن في الناس الضعيف ومن له الحاجة، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا صلى بالناس خف بهم (6). وروى السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال: آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: يا علي إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك... الحديث (7)، إلى غير ذلك من الأخبار. وذلك إذا لم يحب المأمومون الاستطالة ولم يعلم الإمام بذلك، وأما إذا علم أنهم يحبون ذلك فلا بأس به. وأما موثقة حمزة بن حمران والصيقل قالا: دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده قوم فصلى بهم العصر، وقد كنا صلينا فعددنا له في ركوعه " سبحان ربي العظيم " أربعا أو ثلاثا وثلاثين مرة، وقال أحدهما في حديثه: " وبحمده " في الركوع والسجود (8) سواء.
(1) دعائم الاسلام: ج 1 ص 152. (2) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 281 ح 831. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 400 ح 1187. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 390 ح 1153. (5) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 274 ح 795. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 927 ب 6 من أبواب الركوع ح 4. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 469 ب 69 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 927 ب 6 من أبواب الركوع ح 2. 498 فقال في الكافي: دل هذا على أنه (عليه السلام) علم احتمال القوم لطول ركوعه وسجوده، وذلك أنه روي أن الفضل للإمام أن يخفف ويصلي بصلاة أضعف القوم (1). ومثله قال الشيخ (2). ويستحب أن لا يقوم الإمام من مصلاه إلى أن يتم المسبوقون صلاتهم استحبابا مؤكدا. ويدل عليه أخبار كثيرة، منها: ما رواه الصدوق بسنده عن حفص البختري عن الصادق (عليه السلام) قال: ينبغي للإمام أن يجلس حتى يتم من خلفه صلاتهم (3). وموثقة سماعة قال: ينبغي للإمام أن يلبث قبل أن يكلم أحدا حتى يرى أن من خلفه قد أتموا الصلاة ثم ينصرف هو (4). وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال: سمعته يقول: ينبغي للإمام أن لا يقوم إذا صلى حتى يقضي كل من خلفه ما قد فاته من الصلاة (5). وظاهر المرتضى في الجمل الوجوب على ما نقله في الذكرى (6). ويدل عليه ما رواه السكوني عن الصادق (عليه السلام) قال: أيما رجل أم قوما فعليه أن يقعد بعد التسليم ولا يخرج من ذلك الموضع حتى يتم الذين خلفه الذين سبقوا صلاتهم، ذلك على كل إمام واجب إذا علم أن فيهم مسبوقا، فإن علم أن ليس فيهم مسبوق بالصلاة فليذهب حيث شاء (7). وهو محمول على شدة الاستحباب، كما حمل الشهيد كلام السيد أيضا عليه (8). ويشهد به رواية عمار في الموثق، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل
(1) الكافي: ج 3 ص 329 ح 3. (2) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 77 ح 55. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 400 ح 1190. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1017 - 1018 ب 2 من أبواب التعقيب ح 6. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1017 ب 2 من أبواب التعقيب ح 4. (6) ذكرى الشيعة: ص 266 س 21. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1017 ب 2 من أبواب التعقيب ح 3. (8) ذكرى الشيعة: ص 266 س 22. 499 يصلي بقوم فيدخل قوم في صلاته بقدر ما قد صلى ركعة أو أكثر من ذلك فإذا فرغ من صلاته وسلم أيجوز له وهو إمام أن يقوم من موضعه قبل أن يفرغ من دخل في صلاته؟ قال: نعم (1). ويستحب أن لا يصلي في مقامه ركعتين حتى ينحرف من مكانه ذلك، لصحيحة هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إذا انصرف الإمام فلا يصلي في مقامه حتى ينحرف عن مقامه ذلك (2). وصحيحته الأخرى عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الإمام إذا انصرف فلا يصلي في مقامه ركعتين حتى ينحرف عن مقامه ذلك (3). ولعل السر في ذلك عدم جواز الائتمام في النافلة. والظاهر أن يكون المراد من الصلاة المنهي عنها أيضا النافلة، كما يشعر به التقييد بالركعتين في الصحيحة الأخرى، ويشهد كذلك حسنة الحلبي عنه (عليه السلام) قال: لا ينبغي للإمام أن يتنفل إذا سلم حتى يتم من خلفه الصلاة (4)... الحديث. فحينئذ لم يثبت كراهة الفريضة، بل ولا الثنائية منها، ولكنه في بعض النسخ " ينفتل " مكان " يتنفل " فلا يتم التقريب، فيصير من أدلة المسألة الأولى، ولعل في تتمة الخبر أيضا إشعارا ضعيفا بهذا. منهاج يستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من يصلي جماعة إماما كان أو مأموما. وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، كما ذكره جماعة (5)
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1018 ب 2 من أبواب التعقيب ح 7. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 472 ب 42 من أبواب مكان المصلي ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 472 ب 42 من أبواب مكان المصلي ح 1 (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1017 ب 2 من أبواب التعقيب ح 2. (5) منهم الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 266 س 25، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 1 ص 311. 500 ويدل عليه أخبار كثيرة: كحسنة حفص بن البختري - لإبراهيم بن هاشم - عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة، قال: يصلي معهم ويجعلها الفريضة (1). وصحيحة هشام بن سالم عنه (عليه السلام) مثله (2). والمراد بقوله (عليه السلام) " يجعلها تلك الفريضة " أي: الفريضة التي صلاها، لأن المستحب هو إعادة ذلك الفريضة بعينها، فلا يحتاج إلى التكلفات التي ارتكبها الشيخ في توجيهه (3). وجعلها أعم من ذلك بأن يشمل القضاء وغيره بعيد وإن كان يجوز ذلك، كما أشرنا سابقا، وذكرنا رواية إسحاق بن عمار. وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام): إني أحضر المساجد مع جيرتي وغيرهم فيأمرونني بالصلاة بهم وقد صليت قبل أن آتيهم، وربما صلى خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف والجاهل، وأكره أن أتقدم وقد صليت بحال من يصلي بصلاتي ممن سميت لك، فمرني ذلك بأمرك أنتهي إليه وأعمل به إن شاء الله، فكتب (عليه السلام): صل بهم (4). وصحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا صليت صلاة وأنت في المسجد وأقيمت الصلاة فإن شئت فاخرج وإن شئت فصل معهم واجعلها تسبيحا (5). ومثله روى الصدوق بطريقه عن الحلبي عنه (عليه السلام) (6). والمراد بجعلها تسبيحا فعلها بنية الاستحباب. وموثقة عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي الفريضة ثم يجد قوما يصلون جماعة أيجوز له أن يعيد الصلاة معهم؟ قال: نعم وهو أفضل، قلت:
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 457 ب 54 من أبواب صلاة الجماعة ح 11. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 455 ب 54 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (3) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 50 ذيل ح 88. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 455 ب 54 من أبواب صلاة الجماعة ح 5. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 456 ب 54 من أبواب صلاة الجماعة ح 8. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 407 ح 1214. 501 فإن لم يفعل؟ قال: ليس به بأس (1). ورواية أبي بصير قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام): أصلي ثم أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت، فقال: صل معهم، يختار الله أحبهما إليه (2). ثم إن الظاهر من تلك الأخبار وإن كان استحباب الإعادة لو كان الجماعة في تلك الصلاة التي صلاها، وإن كان بعضها مطلقة أيضا، لكن الظاهر أنه لا قائل بالفصل، إلا أن المحقق في الشرائع قال: ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من يصلي تلك الصلاة جماعة (3). وهو ظاهر في اشتراط الوحدة، والحكم باستحباب ذلك هاهنا لا يخلو من إشكال، سيما وقد روي عنه (عليه السلام): لا يصلي صلاة في يوم مرتين (4). والوظائف الشرعية موقوفة على التوظيف، والاحتياط في الترك في غير ما يستفاد من النص. وظاهر جماعة عدم الاستحباب للذي صلى جماعة أيضا إماما كان أو مأموما، حيث قيدوا بالمنفرد، وعمم الشهيد في الذكرى بالنسبة إلى الجامع والمنفرد، نظرا إلى الإطلاقات، وترك الاستفصال (5). والحكم بالاستحباب مشكل، من جهة عدم الظهور من الأدلة، ومن جهة التسامح في أدلة السنن. ولعله لذلك تردد العلامة في المنتهى (6). وكذلك الجماعة الذين انفردوا جميعا في الصلاة ثم أرادوا الجماعة. ولعل الأوجه المنع. وإذا بنينا على اعتبار الوجه فالأقرب أنه ينوي الاستحباب فيما يجوز الإعادة فيه. وقيل بالوجوب لظاهر صحيحة هشام (7). وهو كما ترى.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 456 ب 54 من أبواب صلاة الجماعة ح 9. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 456 ب 54 من أبواب صلاة الجماعة ح 10. (3) شرائع الاسلام: ج 1 ص 124. (4) سنن أبي داود: ج 1 ص 158 ح 579. (5) ذكرى الشيعة: ص 266 س 14. (6) منتهى المطلب: ج 1 ص 380 س 12. (7) ذكرى الشيعة: ص 266 س 25. 502 ويستحب إذا كان المصلي منفردا، فانعقد جماعة في أثناء الصلاة، أن ينقل نيته إلى النفل ويتم ركعتين، ثم يقتدي بالإمام، والظاهر أن ذلك إجماعي كما يظهر من الذكرى حيث نسبه إلى علمائنا (1)، وكذا من التذكرة (2). ويدل عليه أيضا صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل دخل المسجد وافتتح الصلاة، فبينا هو قائم يصلي إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة، قال: فليصل ركعتين ثم يستأنف الصلاة مع الإمام، وليكن الركعتان تطوعا (3). وموثقة سماعة قال: سألته عن رجل كان يصلي فخرج الإمام وقد صلى الرجل ركعة من صلاة الفريضة، فقال: إن كان إماما عدلا فليصل أخرى وينصرف ويجعلهما تطوعا، وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو (4)... الحديث. واعلم أن المستفاد من الخبرين ليس إلا ما كان المأموم قادرا على النقل إلى النفل والإتيان بالركعتين، وهذا لا يتم إلا إذا كان في الركعة الأولى أو الثانية، فانسحاب هذا الحكم في الركعة الثالثة مثلا أو الرابعة بأن ينقل إليه ويتم أو يهدم ويسلم مشكل، فلنقصر فيما خالف الأصل على مورد النص. ونقل عن ابن إدريس القول بالمنع مطلقا، لأنه في قوة الإبطال (5)، وعن ظاهر الشيخ في المبسوط تجويز القطع أولا بدون نقل النية (6)، وقواه الشهيد نظرا إلى تحصيل الفضل، والتفاتا إلى أن النقل إلى النافلة أيضا إما قطع للصلاة أو مستلزم له (7)، واستحسنه بعض المتأخرين (8). والعدول عن الأصل لا يصح إلا بما اقتضاه الدليل، ولم يثبت بالنص
(1) ذكرى الشيعة: ص 272 س 6. (2) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 336. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 458 ب 56 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 458 ب 56 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (5) الناقل هو الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 277 س 37. (6) المبسوط: ج 1 ص 157 - 158. (7) ذكرى الشيعة: ص 277 س 38. (8) كما في ذخيرة المعاد: ص 395 س 27، ومدارك الأحكام: ج 4 ص 341. 503 إلا ما ذكرنا، فما ذكروه مشكل. وأما لو كان مشتغلا بالنافلة فقطع المحقق في الشرائع بأنه يقطع ويشتغل بالصلاة لو خاف الفوات، ويتم ركعتين (1) ويشتغل لو لم يخف، وعلل الأول بعضهم بأن الجماعة أهم في نظر الشارع، والثاني بأنه جمع بين الوظيفتين. منهاج لا ريب في أنه يدرك الجماعة بإدراك الركوع، وأما إدراكها بإدراك الإمام راكعا، فأكثر الأصحاب على أنه كذلك أيضا، وهو الأقرب. لنا صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبرت وركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة، فإن رفع الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة (2). ورواها في الكافي في الحسن - لإبراهيم - أيضا (3). وما رواه الشيخ في الصحيح بطريقين (4)، وكذا الكليني في الصحيح عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع فكبر الرجل وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة (5). وما رواه الصدوق بإسناده عن زيد الشحام أنه سأله (عليه السلام) عن الرجل انتهى إلى الإمام وهو راكع، قال: إذا كبر وأقام صلبه ثم ركع فقد أدرك (6). وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنك إن مشيت إليه رفع رأسه من قبل أن تدركه فكبر واركع، فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك، فإذا قام فألحق بالصف (7). ورواه الكليني
(1) شرائع الاسلام: ج 1 ص 126. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 441 - 442 ب 45 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (3) الكافي: ج 3 ص 382 ح 5. (4) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 43 ح 65. (5) الكافي: ج 3 ص 382 ح 6. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 389 ح 1151. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 443 ب 46 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. 504 أيضا بطريق ضعيف (1)، وكذلك الشيخ (2)، ورواها الشيخ بطريق صحيح آخر أيضا عن عبد الرحمن قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا دخلت المسجد (3)... الحديث. وما رواه الصدوق بإسناده عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أدخل المسجد وقد ركع الإمام فأركع بركوعه وأنا وحدي وأسجد فإذا رفعت رأسي أي شئ أصنع؟ فقال: قم فاذهب إليهم، فإن كانوا قياما فقم معهم، وإن كانوا جلوسا فاجلس معهم (4). ورواها الشيخ أيضا عنه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفي طريقه الحكم بن مسكين (5). وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة، فقال: يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم (6). ورواه الصدوق أيضا بطريقه عن محمد بن مسلم (7). ورواية معاوية بن شريح قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا جاء الرجل مبادرا والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع (8). وزاد في الفقيه بعد هذه الرواية: ومن أدرك الإمام وهو ساجد كبر وسجد معه ولم يعتد بها. ومن أدرك الإمام وهو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة. ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة، وليس عليه أذان ولا إقامة. ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة (9). وصحيحة صفوان عن أبي عثمان عن معلى بن خنيس عن الصادق (عليه السلام) قال:
(1) الكافي: ج 3 ص 385 ح 5. (2) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 44 ح 68. (3) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 44 ح 67. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 394 ح 1165. (5) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 281 ح 150. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 443 ب 46 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (7) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 394 ح 1167. (8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 449 ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 6. (9) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 407 - 408 ح 1216. 505 إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتد بها (1). ورواية جابر الجعفي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إني أؤم قوما فأركع فيدخل الناس وأنا راكع فكم أنتظر؟ قال: ما أعجب ما تسأل عنه يا جابر، انتظر مثلي ركوعك، فإن انقطعوا وإلا فارفع رأسك (2). ومرسلة مروك بن عبيد عن الباقر (عليه السلام) قال: قلت له: إني إمام مسجد الحي فأركع بهم وأسمع خفقان نعالهم وأنا راكع؟ قال: اصبر ركوعك ومثل ركوعك، فإن انقطعوا وإلا فانتصب قائما (3). وروى في الفقيه أيضا مرسلا قال رجل لأبي جعفر (عليه السلام) (4)... الحديث. وذهب المفيد في المقنعة (5) والشيخ في النهاية (6) وكتابي الأخبار (7) إلى أن المعتبر إدراك تكبيرة الركوع. ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل في تلك الركعة (8). وصحيحته الأخرى عن الباقر (عليه السلام) قال: قال لي: إن لم تدرك القوم قبل أن يكبر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة (9). وصحيحته الأخرى عنه (عليه السلام) قال: لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام (10).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 449 ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 450 ب 50 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 450 ب 50 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 390 ح 1152. (5) لم نجد له عين ولا أثر في المقنعة. حتى تفطن إلى ذلك صاحب مفتاح الكرامة: ج 3 ص 128 س 22. (6) النهاية: ج 1 ص 347. (7) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 44 ذيل ح 65، الاستبصار: ج 1 ص 435 ذيل ح 5. (8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 441 ب 44 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. (9) وسائل الشيعة: ج 5 ص 441 ب 44 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (10) وسائل الشيعة: ج 5 ص 441 ب 44 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. 506 وصحيحته الأخرى عنه (عليه السلام) قال: إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت الصلاة (1). ورواية يونس الشيباني عن الصادق (عليه السلام)... قال: إذا دخلت من باب المسجد فكبرت وأنت مع إمام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك، وإذا الإمام كبر للركوع كنت معه في الركعة، لأنه إن أدركته وهو راكع لم تدرك التكبير لم تكن معه في الركوع (2). ثم إن الصحاح الأربعة إنما هي مرجعها إلى محمد بن مسلم، فكأنها خبر واحد، مع أنه روى ما هو ظاهر في خلافها (3)، كما ذكرنا، فلا يقاوم الأخبار الصحيحة الصريحة الكثيرة، المعتضدة بالعمومات، وعمل أكثر الأصحاب، وبالأخبار الغير الصحيحة، وفي الأخبار أيضا إشارات إلى مدلولها. ويظهر من ذلك الجواب عن الرواية الأخيرة. ولعل النهي فيها محمول على الأفضلية، للحث على المسارعة وعدم التماهل. وفيه إشكال، ولعل طرحها أولى، لأنه على هذا يصير مقتضى ذلك أفضلية ترك القدوة في ذلك الركعة عن الانفراد أيضا، ولا يجري ذلك فيما لو كان الجماعة واجبة كالجمعة، وقلنا بتحقق الركعة بإدراكه حال الركوع، كما اخترناه، فلا يجوز تركه. وربما يتوهم أن المراد بالكراهة هنا إنما هو بالنسبة إلى سائر أفراد الجماعة، فلا تثبت أفضلية الانفراد عن الجماعة الكذائية، فيندفع الإشكال. وأنت خبير بأن الظاهر من تلك الأخبار هو أن الانفراد أولى منه، غاية الأمر الإطلاق، فتخصيصها بالجماعة تعسف. ومن هذا ظهر حال جميع ما مر سابقا من كراهة إمامة الحضري، والمسافر والمجذوم والأبرص وغير ذلك، فافهم.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 440 ب 44 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 635 - 636 ب 13 من أبواب الأذان والإقامة ح 9. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 441 ب 44 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. 507 ثم اعلم أن إطلاقات الأدلة التي ذكرنا يشمل الجمعة وغيرها، لكن صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) يشعر بخلافه، قال: إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة، وإن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع (1). وجوز بعض المتأخرين (2) تخصيصه للأخبار الكثيرة، لكونها واردة في الجمعة. ولا يخفى عدم مقاومتها للإطلاقات الكثيرة، مع أنها خلاف الظاهر، فإن الظاهر من قوله (عليه السلام) " قبل أن تركع " قبل أن تفعل إتمام الركوع، فإن الركوع حقيقة في الجميع، وليس المراد قبل مجموع الركوع، ليلزم المحذور، فيصدق على الراكع أنه قبل تمام الركوع. ومن هذا يظهر أن المراد بعد الركوع هو بعد تمام الركوع أيضا وإن كان هاهنا لا يتفاوت الأمر. وحمله على ما بعد الشروع تجوز، وهو خلاف الأصل، فالرواية مطابقة للمشهور. والمعتبر في الإدراك هو إدراكه راكعا، ولا حاجة إلى بقاء الإمام بقدر الذكر الواجب. وفي صحته إذا شرع في الانتصاب ولم يتجاوز حد الراكع إشكال، وقد مر في مباحث الركوع ما ينفعك في هذا المقام. وأما لو شك في أنه هل أدركه راكعا أم لا فالأصح عدم الاعتداد، لعدم اليقين بالبراءة. وأصالة عدم الرفع معارض بأصالة عدم الإدراك، كما قيل (3). وذكر بعض المتأخرين أنه - على القول الثاني - يكفي إدراك التكبير ولو خارج الصلاة (4)، كما هو ظاهر الخبر (5).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 41 ب 26 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 3. (2) مدارك الأحكام: ج 4 ص 20. (3) القائل هو صاحب الحدائق الناضرة: ج 10 ص 128. (4) لم نعثر عليه. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 448 ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. 508 ولا يخفى أن الظاهر من الأخبار الذي نقلنا هو أن المراد إدراكه مع الإمام، وينادي بذلك رواية يونس الشيباني (1). ثم إن الذي يدخل المسجد ويخاف فوت الركعة لو بلغ الصف فليكبر ويركع ويمشي راكعا حتى يلحق بالصف، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك، وادعى في المنتهى عليه اتفاق علمائنا أجمع (2). ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم (3) وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (4)، ورواية إسحاق بن عمار المتقدمات (5). وصحيحة معاوية بن وهب قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يوما وقد دخل المسجد الحرام في صلاة العصر، فلما كان دون الصفوف ركعوا، فركع وحده وسجد السجدتين، ثم قام فمشى حتى لحق الصفوف (6). ويجر رجليه حينئذ، ولا يتخطى، لما قال الصدوق في الفقيه: وروي أنه يمشي في الصلاة يجر رجليه ولا يتخطى (7). والظاهر أنه بعنوان الاستحباب. ثم إن أخبار هذه المسألة - عدا صحيحة محمد بن مسلم (8) - يتضمن أنه يركع ويسجد، ثم يقوم ويمشي حتى يلحق بالصف، وليس فيها ما يدل على المشي حال الركوع، وحينئذ فيمكن حمل ما عداها عليها، وتقييدها بذلك، بأن يحملها على ما لو لم يف المشي حال الركوع ببلوغه إلى الصف، فحينئذ يتم المشي بعد السجود، وأن المراد في الصحيحة ما لو وفى المشي في هذه الحالة باللحوق
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 635 - 636 ب 13 من أبواب الأذان والإقامة ح 9. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 382 س 2. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 443 ب 46 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 443 ب 46 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 444 ب 46 من أبواب صلاة الجماعة ح 6. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 443 ب 46 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (7) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 389 ح 1149. (8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 444 ب 46 من أبواب صلاة الجماعة ح 5. 509 بالصف، أو أن الأخبار محمولة على صورة العلم بعدم اللحوق بالمشي في هذه الحالة، فلا يمشي أصلا حتى يرفع من السجود. ولعل الأول أولى. والأظهر في الجمع بين الأخبار هو التخيير، كما يظهر من المحقق في الشرائع (1) وغيره أيضا (2). وهل يختص ذلك الحكم بما إذا كان اللحوق من عقيب الصف؟ أو يجوز اللحوق من القدام أيضا بأن ينوي ويركع ويرجع قهقري حتى يلحق بالصف؟ المتبادر هو الأول، وإن كان لا يخلو القول بشمول الإطلاقات إياه من قرب. ويستحب إذا أدرك الإمام راكعا أن يكبر للركوع أيضا، وإن خاف الوقت أجزأه تكبيرة واحدة، ونقل في المنتهى الاتفاق عليه (3)، ومر في الأخبار أيضا. ولو أدرك الإمام بعد رفعه من الركوع ففات الركعة بلا خلاف، ولكن أكثر علمائنا على أنه يستحب حينئذ التكبيرة للمأموم والمتابعة في السجدتين وإن لم يعتد بهما. وظاهر العلامة في المختلف التوقف في هذا الحكم (4). والأول أظهر، لرواية ابن شريح المتقدمة (5)، ورواية معلى بن خنيس (6). ونظر العلامة في التوقف إلى النهي الوارد في صحيحة محمد بن مسلم من الدخول في الركعة بعد الرفع (7). وليس بشئ، إذ الظاهر منها أن النهي عن الدخول معتدا بها لا مطلقا، ويفسره صحيحته الأخرى (8)، وقد مرت. والخبران مع قول أكثر الأصحاب يكفي في أدلة السنن، مع أنك قد عرفت
(1) شرائع الاسلام: ج 1 ص 125. (2) الدروس الشرعية: ج 1 ص 223 درس (58). (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 383 س 6. (4) مختلف الشيعة: ج 3 ص 82. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 449 ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 6. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 449 ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (7) مختلف الشيعة: ج 3 ص 82. (8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 441 ب 44 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. 510 أن الأظهر طرح الروايات لتضمنها خلاف ما يظهر من الأقوى منها بمراتب. ومما ذكرنا ظهر ما في كلام بعض المتأخرين حيث قال - بعد نقل التوقف عن العلامة -: وهو في محله، لا لما ذكره من النهي، فإنه محمول على الكراهة، بل لعدم ثبوت التعبد بذلك (1). ثم بعد البناء على الاستحباب فهل يكتفي بتلك التكبيرة؟ أو يستأنف بعد القيام؟ الأكثر على ذلك، وهو كذلك لعدم ثبوت التوظيف. وأما ما ذكرنا من الدليل على الاستحباب: فأما رواية ابن شريح فهي مع ضعفها يحتمل أن يكون قوله " ومن أدرك الإمام إلى آخره " من كلام الصدوق، فحينئذ لا ينهض دليلا على تخصيص ما يدل على عدم جواز زيادة الركن، واستصحاب شغل الذمة اليقيني. وأما رواية معلى فليس فيه حكاية التكبير صريحا، فلا يتم التقريب، ومجرد ثبوت استحباب المتابعة ولو مع التكبير للمسامحة في أدلة السنن لا يقتضي جواز اخراج العبادة التوقيفية عن وظيفتها المقررة. ونقل عن الشيخ القول بعدم الوجوب (2)، لاغتفار الزيادة في الركن والشأن في إثبات ذلك، وإن كان ما ذكره أيضا لا يخلو عن قوة. وعلى القول المختار فيكون التكبير الأول مستحبا. والظاهر من الأصحاب - كما قيل - أنه لا فرق في هذا الحكم بين ما قبل السجدة وأثنائها، وبعد السجدة الأولى أيضا (3). وسيأتي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله، وهي منافية لذلك، ولكن صحيحة محمد بن مسلم يعارضها، قال: قلت له: متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام؟ قال: إذا أدرك الإمام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته، فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام (4).
(1) مدارك الأحكام: ج 4 ص 385. (2) نقله عنه في مدارك الأحكام: ج 4 ص 385. (3) ذخيرة المعاد: ص 401 س 44. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 448 ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. 511 وأما لو أدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة فقد حكم العلامة (1) والمحقق (2) ونقل عن غيرهما أيضا (3) بأنه يكبر ويجلس معه، فإذا سلم الإمام قام وأتم صلاته، ولا يحتاج إلى استئناف التكبير. ولعل نظرهم إلى صدق عمومات الجماعة، ومثل رواية ابن شريح (4)، ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة من صلاته وهي ثنتان لك، فإن لم تدرك معه إلا ركعة واحدة قرأت فيها وفي التي يليها، وإذا سبقك بركعة جلست في الثانية لك والثالثة له حتى يعتدل الصفوف قياما. قال: قال: إذا وجدت الإمام ساجدا فاثبت مكانك حتى يرفع رأسه، وإن كان قاعدا قعدت، وإن كان قائما قمت (5). وصاحب المدارك - بعد أن نقل عن الفاضلين القطع بأنه يكبر ويجلس - قال: ونص المصنف في المعتبر بأنه مخير حينئذ بين الإتيان بالتشهد وعدمه، واستدل عليه برواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يدرك الإمام وهو قاعد يتشهد وليس خلفه إلا رجل واحد عن يمينه، قال: لا يتقدم الإمام ولا يتأخر الرجل، ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام، فإذا سلم الإمام قام الرجل فأتم الصلاة. وهي ضعيفة السند (6)، إنتهى. وأنت خبير بما فيه، لأن استدلاله (رحمه الله) على التخيير لا يتم بهذه الموثقة فقط، إن كان مراده مجموع القعود للتشهد ونفيه، وإثبات التخيير في ذلك، بل لا بد من انضمام موثقة عمار الأخرى، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أدرك الإمام وهو جالس بعد الركعتين؟ قال يفتتح الصلاة، ولا يقعد مع الإمام حتى يقوم (7).
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 384 س 21. (2) شرائع الاسلام: ج 1 ص 126. (3) ذكرى الشيعة: ص 275 س 28. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 449 ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 6. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 445 ب 47 من أبواب صلاة الجماعة صدر ح 3، وص 449 ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ذيل ح 5. (6) مدارك الأحكام: ج 4 ص 386. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 449 ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. 512 ولعل ذلك يحتاج إلى عدم القول بالفصل أيضا، مع أن هذا ليس مراده لنصه بالجلوس، وإن كان مراده التخيير في نفس التشهد فلا وجه له أيضا، إلا أن يقال: القعود مطلق، والمطلق مخير في إيجاده في ضمن الأفراد، ولم يظهر من عمومات متابعة الإمام للمأموم استحبابه هاهنا، ولم ينصرف الإطلاقات إلى ذلك، وكذا الأخبار الدالة على أن التشهد بركة، كما سيجئ إن شاء الله، فيبقى الإطلاق بحاله. لكن يبقى الإشكال حينئذ في مراده من تضعيف السند، وهذا إنما يحسن لو كان مراده لزوم ذكر التشهد. ومن أنى له ذلك. ثم إني بعد ما لاحظت المعتبر (1) ظهر لي أن مراده هو التخيير بين العمل بالموثقة الأولى والثانية، وترجيح العمل بالموثقة الأولى مع تخييره بين الإتيان بذكر التشهد وعدمه نظرا إلى الإطلاق، فلا نطيل بذكرها، وعبارة المدارك قاصرة عن بيان مراده. وكذلك يظهر من الذكرى (2) الجمع بين الخبرين بالتخيير وترجيح العمل بالأول، لكنه لم يتعرض لذكر التشهد. وقد ظهر من مجموع ما ذكرنا أن الفضيلة لعلها تدرك بإدراك التشهد، وقد يقال: " لا يدرك بذلك " لأن ظاهر صحيحة محمد بن مسلم (3) المتقدمة بذلك إذ جعل منتهى إدراك الفضيلة إدراكه في السجدة الأخيرة. وبالجملة: حصول الفضيلة له بذلك مما لا ريب فيه على تقدير الاستحباب، وأما كونها فضيلة الجماعة ففيه تردد. منهاج إذا كان المأموم مسبوقا من الإمام بركعة فصاعدا، يجعل ما يدركه مع الإمام من الركعة أول صلاته ويأتي بالباقي، ويتم صلاته بعد تسليم الإمام، وهو اتفاق علمائنا أجمع، كما قاله في المعتبر (4) والمنتهى (5)، ويدل عليه الأخبار الآتية أيضا.
(1) المعتبر: ج 2 ص 447. (2) ذكرى الشيعة: ص 275 س 29. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 448 ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (4) المعتبر: ج 2 ص 446. (5) منتهى المطلب: ج 1 ص 383 س 29. 513 فأقل المراتب أن يسبقه الإمام بركعة، فحينئذ حكم الركعة الثانية من الركعتين الأولتين للإمام في قراءة المأموم ما تقدم من التفصيل في القراءة، وكذلك حكم الركعة الثانية من الركعتين الأولتين للمأموم، إذا سبق بثلاث ركعات، وجوب القراءة بلا خلاف في ذلك. والنزاع في أنه هل يجب على المأموم - إذا كان الإمام في الركعتين الأخيرتين - القراءة أم لا؟ سواء سبق بالركعتين أو بركعة أو بثلاث ركعات. فقال العلامة في المنتهى: الأقرب عندي أن القراءة مستحبة، ونقل عن بعض فقهائنا الوجوب لئلا يخلو الصلاة عن قراءة، إذ هو مخير في التسبيح في الأخيرتين. وليس بشئ، فإن احتج بحديث زرارة وعبد الرحمن حملنا الأمر فيهما على الندب، لما ثبت من عدم وجوب القراءة على المأموم (1)، انتهى. ولم يتعرض أكثر الأصحاب صريحا لهذه المسألة. قال في المختلف: قال المرتضى (رحمه الله): لو فاتته ركعتان من الظهر أو العصر أو العشاء وجب أن يقرأ في الأخيرتين الفاتحة في نفسه، فإذا سلم الإمام قام فصلى الركعتين الأخيرتين مسبحا فيهما. وأصحابنا وإن قالوا إنه يقرأ لكن لم يذكروا الوجوب. والأقرب عدم الوجوب. لنا أنه مأموم فيسقط عنه القراءة، والروايات الدالة على القراءة تمنع دلالتها على الوجوب، ثم نقل رواية زرارة (2). وهي ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب الصلاة خلفه جعل ما أدرك أول صلاته إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب، فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما، لأن الصلاة إنما يقرأ فيها الأولتين في كل ركعة بأم الكتاب وسورة، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما، إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 384 س 13. (2) مختلف الشيعة: ج 3 ص 84 - 85. 514 فيهما قراءة، وإن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام، فإذا سلم الإمام قام فقرأ بأم الكتاب وسورة ثم قعد فتشهد، ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة (1). ومراده برواية عبد الرحمن ما رواه الكليني (2) والشيخ (3) عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام وهي له الأولى كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال: يتجافى ولا يتمكن من القعود، فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهد، ثم يلحق بالإمام قال: وسألته عن الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال: اقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان، ولا تجعل أول صلاتك آخرها. ويدل عليه أيضا ما رواه أحمد بن النضر عن رجل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي: أي شئ يقول هؤلاء في الرجل الذي يفوته مع الإمام ركعتان؟ قلت: يقولون: يقرأ فيهما بالحمد وسورة، فقال: هذا يقلب صلاته يجعل أولها آخرها، قلت: فكيف يصنع؟ قال: يقرأ فاتحة الكتاب في كل ركعة (4). ويؤيدهما صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: إذا فاتك شئ مع الإمام فاجعل أول صلاتك ما استقبلت منها، ولا تجعل أول صلاتك آخرها (5). وقد مر رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله أيضا (6). ويؤيده أيضا صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام وهي أول صلاة الرجل ولا يمهله حتى يقرأ، فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال: نعم (7).
(1) الاستبصار: ج 1 ص 436 ح 1. (2) الكافي: ج 3 ص 381 ح 1. (3) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 46 ح 71. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 446 ب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح 7. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 444 ب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 445 ب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 446 ب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح 5. 515 ويظهر وجه التأييد في هذه الصحيحة وصحيحة الحلبي بأدنى تأمل، سيما مع ملاحظة صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة (1). وقد يجاب عما ذكره العلامة (2) بأن ما دل على سقوط القراءة لا يشمل ما نحن فيه إن كان هو الاجماع، لعدم الثبوت فيما نحن فيه، وإن كان العمومات فهي مخصصة بهذه الأخبار، للزوم حمل المطلق على المقيد، بل ويمكن أن يقال: إن تلك الإطلاقات والعمومات لا ينساق منها إلى الذهن هذا الفرد، بل الفرد الظاهر الشائع منها هو ما لو أدرك قراءة الإمام، ليكون ضامنا لقراءته. وقد تقدم إشارة منا إلى نظير ذلك المقام في مبحث القراءة خلف الإمام. وقد يناقش في دلالة الأوامر في أخبار الأئمة على الوجوب، والنواهي على الحرمة. وهو كما ترى، وقد حقق خلافه في الأصول، وما تمسكوا به من المقربات يوجب الخروج عن الأصل، كما هو ثابت في نظائره. وقد يناقش بأن هذه الأخبار متضمنة للمستحبات والمكروهات أيضا، فيضعف دلالة الأوامر والنواهي على الوجوب والحرمة. وفيه أنه أيضا خروج عن الأصل بلا دليل، مع أن أكثر الأخبار خالية عن ذلك، فلاحظ. وقد يجاب عن هذه الروايات بأنها تدل على وجوب السورة أيضا، مع أنه لم يقل به أحد، فإن القائل إنما أوجب الفاتحة. وهو كما ترى، إذ المنقول في المنتهى هو القراءة لا خصوص الفاتحة، ولذلك قال: " فإن احتج برواية زرارة وعبد الرحمن... إلى آخره " (3)، ولم يقدح فيهما بذلك، مع أن الظاهر من عبارة المرتضى (رحمه الله) المنقولة في المختلف أنه عمل بصحيحة زرارة (4)، فإنها مطابق لها، ومن ذلك يظهر وقوة أخرى للرواية، فإن
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 445 ب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (2) مختلف الشيعة: ج 3 ص 85. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 384 س 14. (4) مختلف الشيعة: ج 3 ص 84 - 85. 516 السيد لا يعمل بخبر الواحد. وبالجملة: هذه الأخبار - مع اليقين باشتغال الذمة المستدعي للبراءة، مع ما ورد منهم من أنه " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " (1) - يرجح الوجوب، وهو عندي أقوى، والله أعلم بحقائق أحكامه. ولو أدرك الإمام في الركعتين الأخيرتين أو الركعة الأخيرة فالمشهور أن المأموم يختار في الركعتين الأخيرتين بين الحمد والتسبيح وإن اختار الإمام أيضا التسبيح في الركعتين الأخيرتين ولم يقرأ. ونقل عن ظاهر المنتهى كون ذلك اتفاقا بين الأصحاب (2). ونقل الشهيد الثاني في روض الجنان عن بعض الأصحاب القول بوجوب القراءة في ركعة، لئلا تخلو الصلاة من فاتحة الكتاب (3). وربما يتوهم أن مراد العلامة في المنتهى من القول المنقول سابقا هو ذلك، وهو بعيد بل لا يمكن حمله عليه بملاحظة ما نقل في المختلف عن السيد (رحمه الله) (4). ثم إنه على ما اخترناه من وجوب القراءة فالأظهر التخيير في الإخفاتية لما مر، وأما الجهرية فيشكل، إلا أن يقال: ما دل على حرمة القراءة في الجهرية مطلقا لا يشمل ما نحن فيه، فهو يرجع أيضا إلى الأصل وهو التخيير. وترك القراءة أحوط، وإن كان رواية أحمد بن النصر المتقدمة (5) مطلقة، وهو يثبت الجواز، لعدم المقاومة. وأما لو بنينا على عدم الوجوب ولم يقرأ المأموم فيهما أيضا فيمكن القول بالتخيير أيضا، إذ لا مانع منه سوى ما استدل به المانع من قوله (عليه السلام) " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " (6). ولا يضر، إذ لا ريب أن المراد بفاتحة الكتاب أعم منها إذا قرأ الإمام أو المأموم، وإلا فيلزم بطلان صلاة المأموم الغير المسبوق أيضا إذا
(1) مستدرك الوسائل: ج 4 ص 158 ب 1 من أبواب القراءة في الصلاة ح 5. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 384 س 9. (3) روض الجنان: ص 377 س 6. (4) مختلف الشيعة: ج 3 ص 84 - 85. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 446 ب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح 7. (6) مستدرك الوسائل: ج 4 ص 158 ب 1 من أبواب القراءة في الصلاة ح 5. 517 لم يقرأ مطلقا، وإن أبيت عن ذلك فنقول: إن فاتحة الكتاب مطلق، والمطلق لا يدل على المقيد. ويستحب للمسبوق متابعة الإمام في القنوت، وكذا في التشهد، وأن يتجافى فيه، لكونهما ذكرا حسنا. ويدل على الأول موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يدخل في الركعة الأخيرة من الغداة مع الإمام فقنت الإمام، أيقنت معه؟ قال: نعم ويجزيه من القنوت لنفسه (1). ويؤيده قوله (عليه السلام): " وإنما جعل الإمام ليؤتم به " أيضا (2). ويدل على الثاني أخبار كثيرة، منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة (3) وصحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: ومن أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه يتجافى وأقعى إقعاء ولم يجلس متمكنا (4). ورواية إسحاق بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك يسبقني الإمام بركعة فتكون لي واحدة وله ثنتان، أفأتشهد كلما قعدت؟ قال: نعم، فإنما التشهد بركة (5). وموثقة الحسين بن المختار وداود بن الحصين قال: سئل عن رجل فاتته ركعة من المغرب مع الإمام وأدرك الثنتين فهي الأولى له والثانية للقوم، يتشهد فيها؟ قال: نعم، قلت: والثانية أيضا؟ قال: نعم، قلت: كلهن؟ قال: نعم، فإنما هو بركة (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 915 ب 17 من أبواب القنوت ح 1. (2) السنن الكبرى: ج 3 ص 78. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 468 ب 67 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 468 ب 67 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 467 ب 66 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 467 ب 66 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. 518 ثم إذا جاء مقام التشهد لنفسه وقام الإمام يلبث قليلا يتشهد، ويقوم ويلحق بالإمام، كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة. وهل يجب أن يصبر المسبوق لتسليم الإمام أو يجوز القيام قبله؟ فيه وجهان: أحوطهما العدم على القول بوجوب السلام، كما هو المختار، وأظهرهما الجواز، نظرا إلى ما ذكرنا سابقا من جواز الانفراد قبل التسليم. وربما يجوز الانفراد بعد الرفع عن السجدة الأخيرة تفريعا على القول بعدم وجوب المتابعة في الأقوال. وفيه إشكال، إذ لو سلم الكبرى فإن الصغرى ممنوعة، لأن الجلوس بذلك المقدار فعل واجب، فقطع النظر عنه لا وجه له. وهل يجب نية الافراد؟ الأظهر لا، والله يعلم. منهاج إذا مات الإمام، أو أغمي عليه استناب المأمومون من يتم بهم الصلاة. وهذا الحكم إجماعي بين أصحابنا، كما نقله جماعة منهم العلامة في التذكرة (1). ويدل عليه صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) في رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم مات، قال: يقدمون رجلا آخر ويعتدون بالركعة ويطرحون الميت خلفهم ويغتسل من مسه (2). وإطلاق قوله (عليه السلام) " رجلا آخر " يشمل المؤتم وغيره. وقطع بذلك في المنتهى (3). وسيأتي ما يدل عليه أيضا. وكذا لو عرض للإمام عارض - كحدث أو رعاف أو ضرورة - يستنيب. ولو لم يستنب الإمام يستنيب المأمومون، والظاهر أن ذلك أيضا إجماعي، كما
(1) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 320، وصاحب المدارك: ج 4 ص 462. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 440 ب 43 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 381 س 28. 519 يظهر من جماعة. وكذا كونه بعنوان الاستحباب لا الوجوب، وصحيحة علي بن جعفر الآتية محمول على التأكد، لأنها مخالفة للإجماع، كما نقله في التذكرة (1)، فيجوز لهم الانفراد، وائتمام بعضهم ببعضهم، والأخبار في هذه المسألة كثيرة جدا. أما ما يدل على استنابة الإمام فمنها: صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر، فيعتل الإمام فيأخذ بيده ويكون أدنى القوم إليه فيقدمه، فقال: يتم صلاة القوم ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد أومأ إليهم بيده عن اليمين والشمال، فكان الذي أومأ إليهم بيده التسليم وانقضاء صلاتهم، وأتم هو ما كان فاته أو بقي عليه (2). وصحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يؤم القوم فيحدث ويقدم رجلا قد سبق بركعة كيف يصنع؟ فقال: لا يقدم رجلا قد سبق بركعة، ولكن يأخذ بيد غيره فيقدمه (3). وما رواه الصدوق مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ما كان من إمام تقدم في الصلاة وهو جنب ناسيا أو أحدث حدثا أو رعافا أو أذى في بطنه فليجعل ثوبه على أنفه ثم لينصرف وليأخذ بيد رجل فليصل مكانه ثم ليتوضأ وليتم ما سبقه به من الصلاة، فإن كان جنبا فليغتسل وليصل الصلاة كلها (4). ورواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل أم قوما فأصابه رعاف بعد ما صلى ركعة أو ركعتين، فقدم رجلا ممن قد فاته ركعة أو ركعتان، قال: يتم بهم الصلاة ثم يقدم رجلا فيسلم بهم، ويقوم هو فيتم بقية صلاته (5). إلى غير ذلك من الأخبار.
(1) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 320. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 438 ب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 438 ب 41 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 402 ح 1193. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 438 ب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح 5. 520 ويكره استنابة من لم يشهد الركعة الأولى، لصحيحة سليمان بن خالد المتقدمة، ولرواية معاوية بن شريح قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا أحدث الإمام وهو في الصلاة لم ينبغ أن يقدم إلا من شهد الإقامة (1). وما رواه الصدوق عن معاوية بن ميسرة عنه (عليه السلام) أنه قال: لا ينبغي للإمام إذا أحدث أن يقدم إلا من أدرك الإقامة. قال: فإن قدم مسبوقا بركعة فإن عبد الله بن سنان روى عنه (عليه السلام) أنه قال: إذا أتم صلاته بهم فليؤم إليهم يمينا وشمالا فلينصرفوا، ثم ليكمل هو ما فاته من صلاته (2). والظاهر هاهنا أنه يجوز الاستنابة من غير المأمومين أيضا، كما يستفاد من بعض الأخبار، كصحيحة جميل بن دراج عن الصادق (عليه السلام) في رجل أم قوما على غير وضوء فانصرف وقدم رجلا ولم يدر المقدم ما صلى الإمام قبله، قال: يذكره من خلفه (3). ورواية زرارة قال: سألت أحدهما (عليهما السلام) عن إمام أم قوما فذكر أنه لم يكن على وضوء فانصرف وأخذ بيد رجل وأدخله فقدمه ولم يعلم الذي قدم ما صلى القوم، قال: يصلي بهم، فإن أخطأ سبح القوم به وبنى على صلاة الذي كان قبله (4). ويدل على استحباب الاستنابة للمأموم لو لم يستنب الإمام صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدم أحدا ما، حال القوم؟ قال: لا صلاة لهم إلا بإمام، فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها وقد تمت صلاتهم (5). ثم المسبوق الذي جعل إماما إذا تم صلاة القوم يومئ إليهم يمينا وشمالا
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 439 ب 41 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 402 ح 1194. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 437 ب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 438 ب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 474 ب 72 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. 521 ليسلموا، ثم يقوم فيأتي بما بقي عليه. والظاهر أنه إجماعي، ويدل عليها صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (1) وصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (2). وجعل الشيخ في التهذيب الأحوط ما اقتضاه رواية طلحة بن زيد من استنابة من يسلم عليهم (3). وجوز العلامة في المنتهى - بعد أن استحب ذلك - انتظارهم حتى يفرغ ويسلم بهم، وقال: لم أستبعد جوازه، كما في صلاة الخوف (4). وهو مشكل. ولعله لا بأس بما قاله الشيخ، ولكن جعله أحوط فيه إشكال، لورود الرواية الصحيحة وغيرها بأنه يومئ إليهم ليسلموا. ونحن نختار مقتضى الصحيحة، وعليها نعمل. منهاج المشهور صحة صلاة المأموم لو ظهر فسق الإمام أو كفره أو صلاته على غير طهور، ولا إعادة عليه. ونقل عن السيد المرتضى وابن الجنيد وجوب الإعادة (5). وقال الصدوق في الفقيه: في كتاب زياد بن مروان القندي وفي نوادر ابن أبي عمير أن الصادق (عليه السلام) قال في رجل صلى بقوم من حين خرجوا من خراسان حتى قدموا مكة فإذا هو يهودي أو نصراني، قال: ليس عليهم إعادة. وسمعت جماعة من مشايخنا يقولون: إنه ليس عليهم إعادة شئ مما جهر فيه وعليهم إعادة ما صلى بهم مما لم يجهر فيه، والحديث المفسر يحكم على المجمل (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 438 ب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 437 ب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (3) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 41 ذيل ح 56 و 57. (4) منتهى المطلب: ج 1 ص 381 س 27. (5) نقله عنهما العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 70. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 405 ح 1201. 522 والظاهر من كلامه (رحمه الله) أن بذلك التفصيل رواية. والأقرب الأول، لنا: أنه صلى صلاة مأمورا بها والأمر يقتضي الاجزاء، وصحيحة محمد بن مسلم قال: سألت: أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أم قوما وهو على غير طهر فأعلمهم بعد ما صلوا، فقال: يعيد هو ولا يعيدون (1). وحسنة ابن أبي عمير - لإبراهيم بن هاشم - عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمهم رجل، فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي، قال: لا يعيدون (2). وموثقة ابن بكير قال: سأل حمزة بن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن رجل أمنا في السفر وهو جنب وقد علم ونحن لا نعلم، قال: لا بأس (3). وصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يؤم القوم وهو على غير طهر فلا يعلم حتى ينقضي صلاته، فقال: يعيد ولا يعيد من خلفه وإن أعلمهم أنه كان على غير طهر (4). وموثقة ابن أبي يعفور قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل أم قوما وهو على غير وضوء، فقال: ليس عليهم إعادة، وعليه هو أن يعيد (5). وصحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: سألته عن قوم صلى بهم إمامهم وهو غير طاهر أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال: لا إعادة عليهم تمت صلاتهم، وعليه هو الإعادة، وليس عليه أن يعلمهم، هذا عنه موضوع (6). وصحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال من صلى بقوم وهو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة، وليس عليهم أن يعيدوا، وليس عليه أن يعلمهم، ولو كان
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 434 ب 36 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 435 ب 37 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 434 ب 36 من أبواب صلاة الجماعة ح 8. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 434 ب 36 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 434 ب 36 من أبواب صلاة الجماعة ح 7. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 434 ب 36 من أبواب صلاة الجماعة ح 5. 523 ذلك عليه لهلك قال: قلت: كيف يصنع بمن قد خرج إلى خراسان؟ وكيف يصنع بمن لا يعرف؟ قال: هذا عنه موضوع (1). والظاهر أن حكم من ظهر كون صلاته على غير القبلة أيضا كذلك، لصحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال في رجل يصلي بالقوم ثم يعلم أنه صلى بهم إلى غير القبلة، فقال: ليس عليهم إعادة شئ (2). وحسنته عنه (عليه السلام) في الأعمى يؤم القوم وهو على غير القبلة، قال: يعيد ولا يعيدون فإنهم قد تحروا (3). قيل: ولعل تحريهم اعتمادهم عليه، ولو كان الأعمى تحرى أيضا كما تحروا لم يعد (4)، وتمام المسألة في مبحث القبلة. وأما رواية عبد الرحمن العرزمي عن أبيه عن الصادق (عليه السلام) قال: صلى علي (عليه السلام) بالناس على غير طهر وكان في الظهر، ثم دخل فخرج مناديه أن أمير المؤمنين (عليه السلام) صلى على غير طهر فأعيدوا وليبلغ الشاهد الغائب (5). فمع ضعفه سندا فقال الشيخ: إن هذا خبر شاذ مخالف للأخبار كلها، وما هذا حكمه لا يجوز العمل به، على أن فيه ما يبطله، وهو أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أدى فريضة على غير طهور ساهيا غير ذاكر، وقد آمننا من ذلك دلالة عصمته (عليه السلام) (6). ونقل عن السيد في وجه الاستدلال أنها صلاة تبين فسادها لاختلال بعض شرائطها فيجب إعادتها، وبأنها صلاة منهي عنها فتقع فاسدة (7). ولا يخفى ما فيهما.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 433 ب 36 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 436 ب 38 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 436 ب 38 من أبواب صلاة الجماعة ح 2. (4) الوافي: ج 8 ص 1243. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 435 ب 36 من أبواب صلاة الجماعة ح 9. (6) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 40 ذيل ح 52. (7) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 72. 524 وأما لو علم المأموم في الأثناء ففيه وجهان مبنيان على القولين. ولعل الأظهر هاهنا أيضا الصحة، ويدل عليها أيضا ما رواه الصدوق بطريقه، عن جميل بن دراج عن زرارة - وهو صحيح - قال: سألت أحدهما (عليهما السلام) عن رجل صلى بقوم ركعتين فأخبرهم أنه لم يكن على وضوء، قال: يتم القوم صلاتهم، فإنه ليس على الإمام ضمان (1).
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 406 ح 1208. 525 الفصل الثاني في المبطلات منهاج لا يجوز قطع الصلاة اختيارا، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك بين الأصحاب، وأنه إجماعي. وخصصه العلامة في بعض أقواله (1) والمتأخرون (2) عنه بالواجبة، واستدلوا على ذلك بوجوه: الأول: أن الإتمام واجب وهو ينافي القطع، فيكون القطع محرما. والثاني: قوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) * (3). والثالث: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن يصبر عليه، أيصلي على تلك الحال أو لا يصلي؟ قال: فقال: إن احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر (4). وفي دلالة الآية على حرمة القطع مطلقا محل تأمل، والصحيحة أيضا
(1) قواعد الأحكام: ج 1 ص 281. (2) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: ص 338 س 13. (3) محمد: 33. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1253 ب 8 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. 526 لا ينهض دليلا، إذ الظاهر أن الأمر هنا وارد مورد توهم الحظر المعلوم من الأخبار، منها أنه لا صلاة لحاقب ولا حاقن (1)، وأيضا الظاهر من قوله (عليه السلام) " ولم يخف إعجالا عن الصلاة " (2) ينادي بعدم الحرمة، لظهور أن المراد منه أنه لو لم يخف التعجيل وعدم الطمأنينة والتؤدة في أركان الصلاة على ما ينبغي فليصبر، وإن استلزم التعجيل والاضطراب وإن كان قادرا على أقل الواجب، فلا، ولا شك أن هذا مستحب. والقول بأن المراد من الإعجال تبادر الحدث قبل الإتمام لو صبر وإن كان محتملا، لكن ما ذكرناه أقرب. ويمكن أن يستدل عليه بموثقة عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون في الصلاة فيرى حية بحياله، يجوز له أن يتناوله فيقتلها؟ فقال: إن كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها، وإلا فلا (3). وفيها أيضا تأمل لاحتمال إرادة المنع من ذلك حال كونه معتدا بتلك الصلاة، وهو غير ما نحن فيه، فافهم. ويدل عليه الروايتان الآتيتان أيضا. وقد يستدل على ذلك بما مر في مبحث التسليم من الأخبار الدالة على أن تحليل الصلاة التسليم. وفيه أن الظاهر من الحصر أنه لا يجوز ارتكاب ما يحرم في الصلاة قبل التسليم، مع زعمه أنه مصل، كما هو قضية العرف العام، يعني أنه لا يكفي التشهد في ذلك ولا السجود بأن يكون الصلاة صلاة صحيحة ولو تكلم بعد السجدة أو التشهد مثلا، لا أنه لا يجوز التكلم والأفعال المنافية للصلاة وهو غير مريد للصلاة وغير معتد بما صلى بعد القطع. على أنا نقول: ظاهر هذا أن التحليل شرعا إنما هو بذلك، وأين المحلل من
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1254 ب 8 من أبواب قواطع الصلاة ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1253 ب 8 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1269 ب 19 من أبواب قواطع الصلاة ح 4. 527 المبطل، فالظاهر عدم جواز التحليل بشئ آخر، لا عدم جواز الإبطال بشئ أصلا، فتأمل. ويرشدك إلى ما ذكر أنه لا يقال للحاج محلا إلا إذا أتم حجه. وربما يستدل بالأخبار التي تدل على عدم جواز قطع الصلاة للمتيمم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة، وهو في محله. ويجوز القطع إذا خاف تلف مال أو فوات غريم أو تردي طفل ونحوها. وقسمه الشهيدان على الأحكام الخمسة (1). فالواجب منها كحفظ النفس المحترمة، والمال الذي يضر تلفه بحاله. والمستحب كالمواضع الذي مر في الأبواب السابقة في الأذان وقراءة الجمعة وغيرها. والحرام كالقطع بلا جهة. والمكروه كالقطع لحفظ ما لا مالية كالحبة والحبتين من الحنطة. والمباح كالقطع للمال اليسير الذي لا يضر فوته بحاله. هكذا يستفاد من كلام الشهيد الثاني (رحمه الله). وربما يتوقف في جواز القطع في بعض هذه الصور نظرا إلى عدم ثبوت المخرج، فلنذكر ما ورد من الأخبار في هذا الباب حتى يتبين الحال. فروى حماد عن حريز في الصحيح عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تخافها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع الغلام أو غريما لك واقتل الحية (2). ومثله روى الصدوق بسنده عن حريز (3). وروى سماعة - في الموثق - قال: سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة
(1) ذكرى الشيعة: ص 215 س 14، مسالك الأفهام: ج 1 ص 232. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1271 ب 21 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 369 ح 1073. 528 الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه، قال: يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل الصلاة، قلت: فيكون في الصلاة الفريضة فتغلب عليه دابة أو تغلب دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتا، فقال: لا بأس بأن يقطع صلاته (1). وفي الفقيه - بعد هذا -: ويحرز ويعود إلى صلاته (2). وظاهر الخبرين ككلام أكثر الأصحاب ظاهرا مطلق، ولم يقيدوا المال بالقليل والكثير، والمضر تلفه وغيره. ومن هذا ظهر وجه التفصيل الذي ذكرنا، لكن انصراف المال أو المتاع ونحوهما إلى نحو الحبة والحبتين وغيرهما مشكل، فيشكل الحكم بالكراهة حينئذ. وأما توقف بعض الأصحاب في المباح منه - على ما ذكره المفصل أيضا، كحفظ المال اليسير الغير المضر، متمسكا بعموم أدلة التحريم وعدم ما يدل على خلافه - فلا يخفى ما فيه. أما أولا فلمنع العموم في أدلة التحريم. أما الاجماع فلم يثبت فيما نحن فيه، بل الظاهر أن الأكثر على الجواز، وأما الآية (3) فأيضا ليس بذلك الظاهر في المطلوب، إذ المعروف من تفسير الآية دائر بين: ما قاله بعض المفسرين من أن المراد إبطال العمل بالكفر والنفاق (4). وما قال بعضهم من أن المراد إبطاله بالرياء والسمعة (5). وما قال بعضهم من أن المراد إبطالها بالمعاصي والكبائر (6)، وهذا ليس من أحدها، ولو سلمنا ظهور الآية فسيأتي الجواب. وأما الخبر فقد عرفت حال الدلالة.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1272 ب 21 من أبواب قواطع الصلاة ح 2. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 369 ح 1071. (3) محمد: 33. (4) القائل هو عطاء كما في مجمع البيان: ج 9 ص 107. (5) القائل هو الكلبي كما في مجمع البيان: ج 9 ص 107. (6) القائل هو الحسن كما في مجمع البيان: ج 9 ص 107. 529 وأما ثانيا فعلى فرض التسليم في غير الاجماع، فهو مخصص بالخبرين المتقدمين، لقوة سندهما، وظهور دلالتهما، أما الإرسال في الأول فلا يضر، لمكان حماد وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، مع أن حريزا أيضا من الأجلاء والأعاظم، فمرسله في قوة المسند. وأما الإضمار في الثاني فلأن الظاهر أن الاضمار في هذه الأخبار حصل من تقطيع الأحاديث، وظاهر أن سماعة لا يروي إلا عمن يوثق به، لكمال وثاقته، مع أن الراوي عنه هو عثمان بن عيسى، وهو أيضا ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه. ومع تسليم الضعف فهما منجبران بعمل الأصحاب، ولم نقف على راد للخبرين مطلقا. وتخصيص الكتاب بخبر الواحد جائز، سيما إذا كان الخبر معمولا بها عند الأصحاب، وموافقا للأصل، والآية غير ظاهرة. وعد بعضهم المال الكثير مما يجب قطع الصلاة له (1)، لأن الظاهر أنه يجب حفظه ولو لم يكن فوته مضرا، وفي الوجوب تأمل. وبالجملة: الأصل عدم المنع عن القطع إلا ما أخرجه الدليل، ووقع عليه الاتفاق ولا أظنه إلا إذا قطعه هاذرا أو قاصدا لحرام. ويمكن إدراج ما ذكرناه سابقا من المكروه في ذلك أيضا. وأما ما خصصه بعض الأصحاب بالواجب فلعله أيضا في مقابله، للأصل وعدم شمول الأدلة. منهاج لو أحدث في أثناء الصلاة فإما أن يكون ذاكرا للصلاة أو ساهيا، وعلى أي التقديرين إما أن يكون باختياره أو بسبق الحدث.
(1) منهم الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 215 س 14، والشهيد الثاني في روض الجنان: ص 338 س 13. 530 فأما الأول فيبطل الصلاة مطلقا بالإجماع، كما نقله غير واحد من الأصحاب (1)، بل هو إجماع العلماء كافة، كما ذكروه. وقد يخدش فيه ببعض ما سنذكر من ظاهر الأقوال. وأما الثاني فهو أيضا إجماعي على ما هو ظاهر التذكرة (2). ونقل عن العلامة في النهاية أنه قال: لو شرع متطهرا ثم أحدث ذاكرا للصلاة أو ناسيا لها بطلت صلاته إجماعا، إذا كان عن اختياره (3). فيظهر منه أن صورة السهو مع الاختيار أيضا مبطلة للصلاة إجماعا، وإنما النزاع فيما لو سبقه الحدث بدون اختيار، ولكن بعض الأصحاب أطلقوا محل النزاع في الساهي. والمخالف في صورة السهو هو السيد المرتضى (رحمه الله) والشيخ في بعض أقواله على ما نقل عنهما، فإنهما قالا: يتطهر ويبني على ما مضى (4)، والمفيد (رحمه الله) حيث فصل في المتيمم وغيره، فأوجب البناء في المتيمم إذا سبقه الحدث ووجد الماء، والاستئناف في غيره (5). ونسب ذلك إلى الشيخ (6) وابن أبي عقيل أيضا، وهو أطلق الحكم بالبناء على المتيمم ولم يشترط النسيان على ما نقل عنه (7). ولعله أيضا مراده ذلك لظاهر الاجماعات. وقد عرفت كلام الصدوق في مبحث التشهد أيضا أنه يشمل صورة العمد أيضا (8)، ولعله أيضا لا يضر لعدم التصريح بذلك، فيمكن أن يكون مراده صورة النسيان، مع أنه يمكن اخراج حال التشهد عن ذلك، ويمكن أن يخدش في ذلك
(1) مدارك الأحكام: ج 3 ص 455، نهاية الإحكام: ج 1 ص 513. (2) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 271. (3) نهاية الإحكام: ج 1 ص 513. (4) نقله عنهما السيد السند في مدارك الأحكام: ج 3 ص 455. (5) المقنعة: ص 61. (6) لم نعثر على الناسب في الكتب المتوفرة لدينا. (7) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 1 ص 441. (8) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 356 ح 1030. 531 أيضا بما نقلناه عن التذكرة في ذلك المبحث (1). وبظاهر هذين القولين استشكل بعض المتأخرين في الاجماعات المنقولة في صورة العمد (2). وبالجملة: الكلام في التشهد قد تقدم مستوفى فلنتكلم في غيره، والأقرب المشهور وهو البطلان، لنا: أن الصلاة وظيفة شرعية يتوقف ثبوتها على توظيف الشارع، والمنقول عن الشارع هو ما كان على النهج المعهود، ولم يثبت صحة غيره، وسيأتي الجواب عما يدل على الثبوت، وأيضا الصلاة مشروطة بالطهارة فبانتفائها ينتفي صحة الصلاة فيبطل، وتصحيحه ثانيا يحتاج إلى دليل، فتأمل. ويدل عليه موثقة عمار (3) وموثقة أبي بكر الحضرمي (4) ورواية أبي الصباح الكناني (5) المتقدمات في مباحث التشهد، وكذا رواية الحسن بن جهم المتقدمة (6). وربما يؤيده صحيحة الفضلاء عن الصادق (عليه السلام) قال: إن سال من ذكرك شئ من مذي أو ودي فلا تغسله، ولا تقطع له الصلاة، ولا تنقض له الوضوء، إنما ذلك بمنزلة النخامة (7)... الحديث. واحتج القائلون بالبناء مطلقا بصحيحة الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا، فقال: انصرف ثم توضأ وابن علي ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا، فإن تكلمت ناسيا فلا شئ عليك، فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا، قلت: فإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال: نعم، وإن قلب وجهه عن القبلة (8). وبصحيحة زرارة المتقدمة في مبحث التشهد (9)، وقد ذكرنا أيضا شطرا من
(1) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 271. (2) لم نعثر عليه. (3) وسائل الشيعة: ج 1 ص 184 ب 5 من أبواب نواقض الوضوء ح 5. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1240 ب 1 من أبواب قواطع الصلاة ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 1 ص 180 ب 3 من أبواب نواقض الوضوء ح 6. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1241 ب 1 من أبواب قواطع الصلاة ح 6. (7) وسائل الشيعة: ج 1 ص 196 ب 12 من أبواب نواقض الوضوء ح 2. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1242 ب 1 من أبواب قواطع الصلاة ح 9. (9) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1001 ب 13 من أبواب التشهد ح 1. 532 الأخبار المعتبرة هاهنا يدل على مذهب الصدوق (1)، وقد مر الكلام فيها. وربما يؤيد ذلك القول أيضا برواية أبي سعيد القماط قال: سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول وهو في الصلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة. قال: فقال: إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس أن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ثم ينصرف إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام. قال: قلت: وإن التفت يمينا وشمالا، أو ولى عن القبلة؟ قال: نعم، كل ذلك واسع، إنما هو بمنزلة الرجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاث من المكتوبة، فإنما عليه أن يبني على صلاته، ثم ذكر سهو النبي (صلى الله عليه وآله) (2). ثم إن صحيحة الفضيل لا ينهض دليلا على مطلوبهم، لأنه صريح في العمد والاختيار، بل إن الحدث ليس في حال الصلاة، وأنه ينصرف من الصلاة، ويحدث من بول أو غائط، ثم يتوضأ ويبني، وهو خلاف المدعى. هذا كله إذا جعلنا المراد من قوله (عليه السلام) " انصرف " أن يذهب ويقضي حاجته مما دعاه إليه الغمز والأز (3) والضربان، وذلك لأن أحد المذكورات ليس من جملة النواقض إجماعا منا، إلا ما يظهر مما نقل عن السيد المرتضى (4) (رحمه الله)، فإيجاب الوضوء لا معنى له، مع أن رواية أبي سعيد (5) يفسرها على ما ذكرنا صريحا. وأما ما ذكره بعض الأصحاب من استحباب ذلك بدون قضاء الحاجة (6) وخروج حدث في مقام التوجيه فهو عجيب، ومما يضعفها اشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب، كما لا يخفى، فتدبر، مع أن صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (7)
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 356 ح 1030. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1243 ب 1 من أبواب قواطع الصلاة ح 11. (3) كذا في النسخة. (4) نقله عنه المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 251. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1243 ب 1 من أبواب قواطع الصلاة ح 11. (6) الاستبصار: ج 1 ص 401 - 402 ذيل ح 4. (7) وسائل الشيعة: ج 1 ص 175 باب 1 من أبواب نواقض الوضوء ح 5. 533 يدفعها على الظاهر، حيث لم يأمره فيها بذلك، فلا يمكن التمسك بهذين الخبرين. وأما أخبار التشهد فهي خصوصات موافقة لمذهب العامة على ما قيل (1)، ومخالفة للإجماعات المنقولة الكثيرة، ولخصوص رواية الحسن بن الجهم (2) المعتضدة بعمل الأصحاب، وإطلاقات الأخبار السالفة، فلا يقاومها في التخصيص والدفع. والترجيح لمذهب المشهور، وإن كان قول الصدوق في التشهد أيضا لا يخلو عن قوة (3). احتج المفصل في المتيمم وغيره بصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قلت له: رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث فأصاب الماء، قال: يخرج ويتوضأ ثم يبني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم (4). وصحيحته الأخرى قال: قلت: في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين، ثم أصاب الماء، أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثم يصلي؟ قال: لا، ولكنه يمضي في صلاته فيتمها ولا ينقضها لمكان أنه دخلها وهو على طهور بتيمم. قال زرارة: فقلت له: دخلها وهو متيمم فصلى ركعة فأحدث فأصاب ماء، قال: يخرج ويتوضأ ويبني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم (5). وفي الفقيه: ثم يبني على صلاته (6). وهذان الخبران ليسا بصريح في التفصيل، إذ مورد السؤال المتيمم، والسؤال لا يخصص الحكم، بل الحكم في غيره لعله أولى، وكذا ليسا بظاهر في الناسي، بل هما أعم، فهذا أيضا يورث وهنا في دلالتهما، إلا أن يقال: خرج العمد
(1) ذكرى الشيعة: ص 204 س 23. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1241 باب 1 من أبواب قواطع الصلاة ح 6. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 356 ذيل ح 1030. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1242 ب 1 من أبواب قواطع الصلاة ذيل ح 10. (5) وسائل الشيعة: ج 2 ص 992 ب 21 من أبواب التيمم صدر ح 4، ونقل عجز الرواية في ج 4 ص 1242 ب 1 من أبواب قواطع الصلاة ح 10. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 106 ذيل ح 215. 534 بالإجماع وبقي الباقي، ولكن الشأن في ظهور الإطلاق، وهو محل تأمل. ويمكن دفع الأول بأن الدليل على التفصيل هو الخبران مع انضمام ما دل على البطلان، كما استدل به المبطل مطلقا، فإن موثقة عمار (1) ورواية أبي الصباح الكناني (2) واردان في الوضوء، فيبقى موثقة أبي بكر (3) ورواية الحسن بن جهم (4)، وهما وإن كانا مطلقين فلا بد من حملهما على المتوضئ قضية للجمع بين المطلق والمقيد. ولعله إلى ذلك نظر الشيخ في التهذيب حيث قال - بعد إيراد الصحيحتين -: ولا يلزم ذلك في المتوضئ إذا صلى ثم أحدث أن يبني على ما مضى من صلاته لأن الشريعة منعت من ذلك، وهو أنه لا خلاف بين أصحابنا أن من أحدث في الصلاة ما يقطع صلاته يجب عليه استينافه (5) انتهى. ولا يخفى أنهما قويتان مشهورتان، كما ذكره في المعتبر ومال إلى العمل بمضمونهما (6). وعمل بهما جماعة من الأصحاب، مع اعتضادهما بالأصول والعمومات واليسر ونفي الحرج. وأما من يحاول بالصحيحين الاستدلال على البناء مطلقا حتى في المائية فقد ركب شططا. ولا يخفى أنه يحتاج إلى عدم القول بالفصل، وهو منتف، والكلام فيه نظير الكلام في التشهد، إذ إثبات الإطلاق في جانب البناء غير ممكن لما مر، والمطلق مع المبطل مطلقا كما ذكرنا، فغاية الأمر التخصيص والتقييد. ثم إن بعض المتأخرين حكم بتشابه الصحيحين، ولعله لما ذكره في بعض كلماته من أن قوله (عليه السلام) " ثم أحدث فأصاب ماء " على البناء للمفعول أي: أحدث
(1) وسائل الشيعة: ج 1 ص 184 ب 5 من أبواب نواقض الوضوء ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 1 ص 180 ب 3 من أبواب نواقض الوضوء ح 6. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1240 ب 1 من أبواب قواطع الصلاة ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1241 ب 1 من أبواب قواطع الصلاة ح 6. (5) تهذيب الأحكام: ج 1 ص 205 ذيل ح 69. (6) المعتبر: ج 1 ص 407. 535 حدث ووجد سبب وسنح أمر من أمطار السماء ونحوه من أسباب وجدان الماء، والكناية عن مثله بالحدث شائعة في كلامهم. وهذا المعنى أقرب مما فهمه الأكثرون من حمل الحدث على معناه المتعارف، إذ لا ربط بين الحدث بهذا المعنى وإصابة الماء المتفرع عليه (1). ولعله يقربه ظهور أن سؤال زرارة بالنسبة إلى الركعة والركعتين، لا كونه مع الحدث وبدونه، وحينئذ فيوافق الصحيحان مذهب ابن الجنيد (2) في مصادف الماء في أثناء الصلاة كما تقدم، لكن لم يعلم منه حال البناء على ما مضى، فيكون هذا قولا مستأنفا لم يقل به أحد من أصحابنا، وقد تقدم الأقوال في المسألة في كتاب الطهارة. فعلى هذا الاحتمال الذي ذكره يظهر وهن في الروايتين، ويشكل الاعتماد عليهما، سيما مع كونه خلاف المعهود من الهيئة الموظفة من الشارع، ولذلك وجهها العلامة (رحمه الله) بأن المراد بالصلاة الصلاة التي صلاها بالتيمم بتمامها، بأن يكون الركعة مجازا عن الصلاة (3)، وبدون ذلك التجوز أيضا يتم ما ذكره كما حققه بعضهم، ويؤيده قوله (عليه السلام): صلاته التي صلى بالتيمم (4). إذ هي حقيقة في المجموع، والمراد أنه إن كان صلى صلاة تامة بالتيمم فيبني على صحته، وأما ما وجد الماء في أثنائها فيقطعها ولا يعتني بها، هذا. ولكن يبعد ما نقلناه عن بعض المتأخرين في معنى الحدث العلة المنصوصة، فإنها تقتضي التساوي كما لا يخفى، فالظاهر أن الحدث هو الذي فهمه الأكثر. وبالجملة: قول المفصل لا يخلو من قوة. والأحوط الوضوء والبناء والإعادة. منهاج ويبطل الصلاة بتعمد الكلام بحرفين فصاعدا من غير القرآن والدعاء، وهو
(1) الوافي: ج 6 ص 563. (2) كما في مختلف الشيعة: ج 1 ص 435. (3) مختلف الشيعة: ج 1 ص 436. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1242 ب 1 من أبواب قواطع الصلاة ذيل ح 10. 536 إجماعي على ما نقله غير واحد من أصحابنا (1). والأخبار من الطرفين بها مستفيضة. فروى محمد بن مسلم في الصحيح قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يأخذه الرعاف أو القئ في الصلاة كيف يصنع؟ قال: ينتقل فيغسل أنفه ويعود في صلاته، فإن تكلم فليعد صلاته، وليس عليه وضوء (2). وروى الحلبي في الحسن - لإبراهيم بن هاشم - عن الصادق (عليه السلام) قال في جملتها: وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته (3). وروى الصدوق في الفقيه عن أبي بصير عنه (عليه السلام): إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة (4). قال فيه أيضا: روي أن من تكلم في صلاته ناسيا كبر تكبيرات، ومن تكلم في صلاته متعمدا فعليه إعادة الصلاة، ومن أن في صلاته فقد تكلم (5). وقد مر صحيحة الفضلاء أيضا. وأما لو تكلم ناسيا فلا يبطل الصلاة أيضا بالإجماع، كما نقله جماعة من أصحابنا (6)، ويدل عليه - مضافا إلى ذلك - الأخبار المستفيضة. منها: صحيحة الفضيل ورواية الصدوق المتقدمتان. ومنها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم، فقال: يتم صلاته، ثم يسجد سجدتي السهو، فقلت: سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال: بعد (7).
(1) مدارك الأحكام: ج 3 ص 463، جامع المقاصد: ج 2 ص 340. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1244 ب 2 من أبواب قواطع الصلاة ح 4. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1245 ب 2 من أبواب قواطع الصلاة ح 6. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 366 ح 1057. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 354 ح 1029. (6) منهم صاحب جامع المقاصد: ج 2 ص 341، ومدارك الأحكام: ج 3 ص 464. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 313 ب 4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1، وذيله في ص 314 ب 5 منها ح 1. 537 وصحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم، قال: يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شئ عليه (1). وصحيحة محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى أنه قد أتم الصلاة وتكلم ثم ذكر أنه لم يصل غير ركعتين، فقال: يتم ما بقي من صلاته ولا شئ عليه (2). إلى غير ذلك من الأخبار. ويجب عليه في هذه الصورة سجدتا السهو أيضا، وادعى العلامة في المنتهى عليه اتفاق أصحابنا (3)، ويدل عليه صحيحة عبد الرحمن المتقدمة، ويدل عليه أيضا صحيحة ابن أبي يعفور الآتية في مسألة الشك بين الاثنين والأربع، ولعله يدل عليه إطلاق رواية سفيان بن النمط المتقدمة. وقد نسب الخلاف في هذه المسألة إلى ابني بابويه العلامة في المختلف (4)، والشهيد في الذكرى (5). ويدل على ذلك صحيحتا زرارة ومحمد بن مسلم السابقتان هاهنا وصحيحة الفضيل المتقدمة وإطلاق غيرها من الأخبار الواردة في معرض البيان، فلا بد من حملها على الصحيحين والقول بأن المراد من قوله (عليه السلام)، " لا شئ عليه " أي من الإعادة والإثم. ولا بعد فيه. قيل: والظاهر عدم الفرق في وجوب سجدتي السهو بين هذه الصورة ومن يظن إتمام الصلاة ويتكلم (6)، ويدل عليه صحيحة الأعرج الآتية، وسيجئ تمام الكلام إن شاء الله. وأما المكره في التكلم ففيه وجهان، والأحوط الإتمام والإعادة، ولعل
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 308 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 309 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 9. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 417 س 30. (4) مختلف الشيعة: ج 2 ص 421 - 422. (5) ذكرى الشيعة: ص 228 س 23. (6) الظاهر أنه صاحب مستند الشيعة: ج 7 ص 233. 538 الأقوى عدم البطلان إن شاء الله، ولا ينبغي ترك الاحتياط. ثم اعلم أنا إنما قيدنا الكلام بحرفين فصاعدا، لأن التكلم بحرف واحد لا يبطل إجماعا على ما نقله جماعة (1)، ولأنه ليس بكلام عرفا. وأما الحرف المفهم ك " ق " و " ع " ونحوهما فالظاهر أنه مبطل، لأن الظاهر صدق الكلام عليه عرفا واصطلاحا. والتردد في ذلك نظرا إلى أن الممنوع عنه هو التكلم بالحرفين، وهذا ليس منه. ففيه ما فيه، لعدم ورود ذلك في النص ليعتبر مفهومه، والنصوص والأخبار يشمله على الظاهر، وإثبات الاجماع مرتبة الفوق لا ينفي ثبوته فيما تحتها بدليل آخر. وهل الحرف الواحد المفهم الذي لم يكن من هذا القبيل بل كان مفهما من جهة قرينة أو عهد كان بين المتكلم والمخاطب كذلك أم لا؟ ففيه وجهان، ولم أجد في كلام الأصحاب تصريحا بذلك. والأحوط الاجتناب، بل عن غير المفهم أيضا، لما قاله بعضهم من أن الكلام جنس لما يتكلم به فيشمله (2). ولكن فيه ضعف. وصرح بعضهم بأنه لا يعتبر في المبطل كونه موضوعا (3). ولعله للإجماعات المنقولة، ويحتمل شمول الأخبار أيضا. ولكن المهملات من الأفراد التي لا ينساق إلى الذهن من المطلقات. ولا ريب أن الأقوى وجوب الاجتناب. وقال السيد في المدارك: ينبغي القطع بعدم بطلان الصلاة بالتنحنح (4). وهو مختار جماعة من الأصحاب. ويدل عليه الأصل، وعدم صدق الكلام عليه لغة وعرفا، وموثقة عمار أنه
(1) منهم الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 216 س 22، والسيد السند في مدارك الأحكام: ج 3 ص 463. (2) جامع المقاصد: ج 2 ص 341. (3) الحدائق الناضرة: ج 9 ص 18. (4) مدارك الأحكام: ج 3 ص 463. 539 سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسمع صوتا بالباب وهو في الصلاة فيتنحنح لتسمع جاريته وأهله لتأتيه فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنظر من هو، قال: لا بأس به. وعن الرجل والمرأة يكونان في الصلاة فيريدان شيئا أيجوز لهما أن يقولا: سبحان الله؟ قال: نعم، ويومئان إلى ما يريدان، والمرأة إذا أرادت شيئا ضربت على فخذها وهي في الصلاة (1). ولو صدق على بعض أفراد التنحنح أنه كلام فهو غير المتنازع. ومن هذا ظهر جواز التنبيه بالقرآن والذكر والدعاء بطريق أولى، كما أن يقول: * (ادخلوها بسلام آمنين) * لمن أراد الدخول ويستأذن، ونحو ذلك. يدل على ذلك - مضافا إلى ما مر - صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يكون في صلاته فيستأذن انسان على الباب فيسبح ويرفع صوته ويسمع جاريته فتأتيه فيريها بيده أن على الباب إنسانا، هل يقطع ذلك صلاته؟ وما عليه؟ فقال: لا بأس، لا يقطع ذلك صلاته (2). ويدل عليه حسنة الحلبي الآتية أيضا. ويؤيده رواية أبي جرير عن الكاظم (عليه السلام) قال: قال: إن الرجل إذا كان في الصلاة فدعاه الوالد فليسبح، فإذا دعته الوالدة فليقل: لبيك (3). ولعله من تتبع مجموع الأخبار يحصل القطع بأنه لا فرق بين القراءة والذكر والدعاء وإن لم يكن بعضها منصوصا، بل وعموم الحاجة لا خصوص المذكورات. والله يعلم. وأما التأوه فهو أيضا مبطل لو صار تكلما بحرفين، وأما إذا كان من خوف الله ففيه وجهان اختار المحقق عدم البطلان لوصف إبراهيم بذلك، وأنه منقول عن كثير من الصلحاء (4). والاتكال على مثل ذلك مشكل. ويشكل بالدعاء المتضمن
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1256 ب 9 من أبواب قواطع الصلاة ح 4. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1256 ب 9 من أبواب قواطع الصلاة ح 6. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1257 ب 9 من أبواب قواطع الصلاة ح 7. (4) المعتبر: ج 2 ص 254. 540 لذلك، والظاهر عدم المانع منه. وعلى تجويز الدعاء المذكور فلا يبعد تجويزه عن خوف الله مطلقا، لأنه بمنزلة التكلم مع الله تعالى والمناجاة معه وإظهار التوجع عن خوفه تعالى عنده تعالى. وأما الأنين فهو أيضا مبطل لو كان كلاما بحرفين لما مرت، ولما رواه طلحة ابن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: من أن في صلاته فقد تكلم (1). وقد مر أيضا رواية الصدوق (2). ويشكل التفصيل هنا بالحرف والحرفين، ويمكن إدخال الأنين بالحرف الواحد أيضا تحت التكلم لإطلاق الخبر، ولأنه لعله أيضا حرف مفهم لمقصود وهو إظهار العلة. ولعل ضعف الروايتين مع عدم ظهور صدق التكلم عليه عرفا وحمل الخبرين على الغالب من أنه يكون بحرفين لو ثبت ذلك يؤيد عدم البطلان. منهاج لو سلم عليه مسلم في حال الصلاة يجب رده، والظاهر أنه إجماعي، كما يظهر من العلامة في التذكرة (3) والمنتهى (4). ويدل عليه - مضافا إلى ذلك - عموم قوله تعالى: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * (5). والمنقول عن جمهور المفسرين (6) وأهل اللغة هو أن المراد بالتحية " السلام ".
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1275 ب 25 من أبواب قواطع الصلاة ح 4. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 354 ح 1029. (3) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 281. (4) منتهى المطلب: ج 1 ص 313 س 33. (5) النساء: 86. (6) منهم صاحب مجمع البيان ج 3 ص 84، وصاحب كنز الدقائق: ج 2 ص 555. 541 وقد نقل عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادقين (عليهما السلام) أن المراد بالتحية في الآية السلام وغيره من البر (1). ولا يخفى أنه يتضمن وجوب رد الإحسان، وهو كما ترى، وتوجيهه بحمله على أقرب المجازات - وهو ما يساويه من الإحسان - أيضا لا يكفي، لأن الظاهر أنه لا خلاف في عدم وجوب ذلك. وربما يوجه بأن المراد من كلامه زيادة البر والإحسان على السلام. وله وجه إن قبله عبارته، وليس عندي كلامه. وبالجملة: القدر الذي يتكل عليه من الآية ما يتقن إرادته وهو " السلام " وأما غيره فالأصل عدم الوجوب. وعموم أخبار أيضا من الطرفين، وخصوص موثقة سماعة عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة؟ قال: يرد بقول " سلام عليكم " ولا يقول " وعليكم السلام " فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قائما يصلي فمر به عمار بن ياسر فسلم عليه فرد عليه النبي (صلى الله عليه وآله) هكذا (2). وصحيحة هشام بن سالم عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وهو في الصلاة فقلت: " السلام عليك " فقال: " السلام عليك " فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت، فلما انصرف قلت: أيرد السلام وهو في الصلاة؟ قال: نعم. مثل ما قيل له (3). وما رواه الشيخ عن منصور بن حازم في القوي (4)، والصدوق أيضا بسنده عنه عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا سلم عليك الرجل وأنت تصلي، قال: ترد عليه خفيا كما قال (5). وموثقة عمار عنه (عليه السلام) قال: سألته عن التسليم على المصلي، فقال: إذا سلم
(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 145. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1265 ب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1265 ب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. (4) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 332 ح 222. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 368 ح 1065. 542 عليك الرجل من المسلمين وأنت في الصلاة فرد عليه فيما بينك وبين نفسك ولا ترفع صوتك (1). وما رواه الصدوق بسنده عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) عن الرجل يسلم على القوم في الصلاة، فقال: إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلم عليه تقول: السلام عليك، وأشر بأصابعك (2). وقال أيضا في الفقيه: وقال أبو جعفر (عليه السلام): سلم عمار على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في الصلاة فرد عليه، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): إن السلام اسم من أسماء الله عز وجل (3). وهذه الأخبار وإن كان بعضها غير صريح في الوجوب لكن رفع الحظر عنه يكفي، للأصل الذي ثبت في رد السلام من الوجوب، والظاهر أنه لا قائل بالفصل. ثم اعلم أن ظاهر الأصحاب وجوب الرد بالمثل في الصلاة. وفسره بعضهم بأنه لو قال " سلام عليكم " يقول " سلام عليكم " ولا يقول " وعليكم السلام "، ونسبه المرتضى إلى الشيعة، والمحقق إلى مذهب الأصحاب على ما نقل عنهما (4). وقد نسب الخلاف في ذلك إلى ابن إدريس حيث قال: إذا كان المسلم عليه قال له: " سلام عليكم " أو " سلام عليك " أو " السلام عليكم " أو " عليكم السلام " فله أن يرد بأي هذه الألفاظ كان، لأنه رد بسلام مأمور به، قال: فإن سلم بغير ما بيناه فلا يجوز للمصلي الرد عليه (5). ولا أستبعد إرجاع كلامه (رحمه الله) أيضا إلى ما ذكره الأصحاب، فإنه ليس فيه ما ينافيه، ولعل تفصيل المذكورات إنما هو لبيان أن التحية المأمور بردها هو المذكورات، لا غيرها كما أشار إليه بقوله: " فإن سلم بغير ما بيناه... إلى آخره "،
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1266 ب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 4. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 367 ح 1063. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 368 ح 1066. (4) الناقل صاحب مفتاح الكرامة: ج 3 ص 38 - 39. (5) الناسب هو العلامة في المختلف: ج 2 ص 204، وصاحب مفتاح الكرامة: ج 3 ص 39. 543 ومراده من قوله: " فله أن يرد بأي هذه الألفاظ " أي: إذا سلم عليه بذلك اللفظ. ويدل على اعتبار المماثلة صحيحة محمد بن مسلم (1) ورواية منصور (2) وظاهر موثقة سماعة (3) ورواية محمد بن مسلم (4). وظاهر الآية أيضا (5) تدل عليه إذ رد التحية في نفسها غير ممكنة، وأقرب مجازاتها مماثلها التام في المماثلة، ولكن يضعف ذلك ما يظهر منهم أن صيغة الجواب هي " عليكم السلام " بل يظهر من العلامة إيجاب ذلك (6)، وكذا يظهر ذلك من بعض الأخبار العامية، لكن في غير صورة الصلاة. وبالجملة: فالأقوى اعتبار المماثلة. وأما موثقة سماعة قال: يرد بقول " سلام عليكم " ولا يقول " وعليكم السلام " فلا يفيد الحصر، بل المراد الحصر بالنسبة إلى " وعليكم السلام "، فلعل التفاوت بصيغة الجمع والإفراد لا يتفاوت الأمر بهما إلا إذا صار سببا لأحسنية الجواب، أو يقول: إن الظاهر أنه لو قال " سلام عليكم " كما هو الأغلب، فيقول هو أيضا " سلام عليكم " فلا ينافي في ذلك الآية، وما في الروايات. وبهذا ظهر وهن ما نقل عن بعض الأصحاب من تعين " سلام عليكم " في الجواب (7). وبمثل الحمل الأخير يحمل رواية محمد بن مسلم. والحاصل أنه لا ينبغي ترك اعتبار المماثلة، بأن يعيد ذلك اللفظ بعينه، كما هو ظواهر أكثر الأخبار. وأما الرد بالأحسن. فإما تغاير السوق - كما إذا قال في جواب " سلام عليكم ": " عليكم السلام
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1265 ب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1265 ب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 3. (3) وسائل الشيعة: ح 4 ص 1265 ب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1266 ب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 5. (5) النساء: 86. (6) مختلف الشيعة: ج 2 ص 204. (7) نقله صاحب كشف الرموز: ج 1 ص 168. 544 ورحمة الله وبركاته " - فهو مشكل، بل الأقوى الحكم بعدم الجواز، كما هو صريح الموثقة، وظاهر غيرها. وإما مع المماثلة في ذلك ففيه أيضا إشكال بالنظر إلى عموم الآية، وخصوص الروايات. وإذا دار الأمر بين الحرمة والاستحباب فالإحتياط في الترك. وأما لو قال المسلم: " عليكم السلام " ففي جواز الجواب في الصلاة ووجوبه مطلقا إشكال، لعدم تبادر ذلك من التحية، والأحوط في غير الصلاة الجواب، وفي الصلاة إشكال. وحكم المحقق بعدم الجواز إلا إذا قصد به الدعاء وكان أهلا (1). وكذلك الإشكال لو حياه بشئ آخر غير نوع السلام. وحكم المحقق هنا أيضا بمثله هناك (2). وحكم هو وابن إدريس بعدم جواز الرد في الصلاة (3). ويمكن أن يستدل عليه بصحيحة محمد بن مسلم السابقة أيضا حيث قال: كيف أصبحت (4) - والظاهر أنه أيضا نوع تحية - فلم يجبه (عليه السلام) بشئ. ولا يعتبر في الرد قصد القرآن، لظاهر الأدلة المتقدمة. ونقل عن ظاهر الشيخ اعتباره (5). وليس بشئ. وهل يجب إسماع الرد أم لا؟ المتبادر منه ذلك، والعرف يحكم بذلك، وهو المشهور بين الأصحاب، ويدل عليه أيضا رواية ابن القداح عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا سلم أحدكم فليجهر بسلامه، لا يقول: سلمت فلم يردوا علي، ولعله يكون قد سلم ولم يسمعهم، فإذا رد أحدكم فليجهر برده، فلا يقول المسلم: سلمت فلم يردوا علي... الحديث (6).
(1) المعتبر: ج 2 ص 264 - 265. (2) المعتبر: ج 2 ص 264. (3) السرائر: ج 1 ص 236. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1265 ب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. (5) الناقل هو صاحب جامع المقاصد: ج 2 ص 357. (6) وسائل الشيعة: ج 8 ص 443 ب 38 من أبواب أحكام العشرة ح 1. 545 وأما رواية منصور وموثقة عمار وظاهر رواية محمد بن مسلم فلعلها لا تنافي ذلك، بل لا بد من حملها على ما ذكرنا. وحملها بعض الأصحاب على التقية (1). واختار العمل بمضمونها المحقق في المعتبر (2) والمحقق الأردبيلي (رحمه الله) (3). ويمكن أن يقال: الأولى الجمع بين الإسماع والإخفاء حسب ما أمكن. ويقع الإشكال العظيم فيما لو لحن المسلم في السلام أو حرف وأدمج بحيث يظهر بطلان ما قاله، أو لم يظهر الكلمة التي قالها، من جهة عموم الآية (4)، وظهور صدق التحية، وظهور المثل في الأخبار (5) فيما يمكن التكلم به في الصلاة ويصح. وحينئذ فإما لا بد من تخصيص العمومات، أو التجوز في المثل، فإن ظاهر المثل أنه حقيقة في المماثلة في الشخص، وحملناه على المماثلة في النوع. هذا كله إذا صدق عليه نوع التحية وإلا فلا إشكال، ويشكل تحقق مثل هذه الصورة إلا أن يقال: إنها من الأفراد الخفية الغير الشائعة التي لا يظهر من الأدلة حكمها. وحينئذ فيتجه احتمال أن يقول " سلام عليك " أو " سلام عليكم " وقصد به قراءة القرآن، وأنه لو كان مستحقا للجواب فيكون جوابه، لأصالة عدم وجوب رد خصوص هذا، ولجواز قراءة القرآن في الصلاة قاصدا بها حاجة، كما ذكرنا سابقا، وهذا منه. ولما تحقق عندي في الأصول أن الأمر بالشئ أيضا لا يقتضي النهي عن ضده الخاص (6) فلا يمكن الخدشة في صحة الصلاة على القول بكونها اسما للصحيحة أيضا، سيما مع كون الأمر احتماليا، فتدبر. وينبغي على هذا أيضا مراعاة حال المماثلة في الملحون أيضا، فلو قال
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 314 س 22. (2) المعتبر: ج 2 ص 264. (3) مجمع الفائدة والبرهان: ج 3 ص 120. (4) النساء: 86. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1265 ب 16 من أبواب قواطع الصلاة. (6) قوانين الأصول: ج 1 ص 108. 546 " سلام عليكم " ملحونا مدمجا، فلا يقول " سلام عليك " وبالعكس. ورد السلام وجوبه كفائي للإجماع كما ذكره في التذكرة (1)، ويدل عليه أيضا موثقة غياث بن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم، وإذا رد واحد أجزأ عنهم (2). ورواية ابن بكير عن بعض أصحابه عنه (عليه السلام) قال: إذا مرت الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلم واحد منهم، وإذا سلم على القوم وهم جماعة أجزأهم أن يرد واحد منهم (3). وهذا لا ينافي الآية (4) لظهور الجنسية في الضمير، ولو سلم فهي مخصص بما ذكرنا. وهل يجوز للمصلي الرد لو قام به غيره، مصليا كان الغير أم لا؟ فيه وجهان: بالنظر إلى عموم الآية وإلى سقوط الواجب، وعدم الدليل على الاستحباب. وربما يستشكل في الجواز أيضا، وربما يجوز لو قصد به الدعاء. ولا يخفى أن ذلك إذا علم المصلي أن المسلم سلم عليه، أو على الجماعة التي هو فيهم، أما إذا لم يظهر له ذلك أو ظهر خلافه فلا يجوز الرد. وإذا كان بعض الجماعة مصليا وبعضهم قاعدا فهل يجب على القاعد دون المصلي أم يتساويان؟ الأظهر التساوي، وبرد أيهما يسقط عن الآخر. فلو رد من لم يكن مقصودا بالسلام في هذا الجمع، فهل يسقط عن المصلي؟ الظاهر عدم السقوط إذا علم المصلي عدم كونه مقصودا، لعدم وجوب الرد عليه. وهل يسقط برد الصبي المميز؟ فيه وجهان: لظاهر الآية (5) والروايتين (6)، والأحوط عدم الاكتفاء.
(1) لم نعثر على هذا الاجماع فيما لدينا من نسختها، ولكن نقله عنها صاحب مفتاح الكرامة: ج 3 ص 40. (2) وسائل الشيعة: ج 8 ص 450 ب 46 من أبواب أحكام العشرة ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 8 ص 450 ب 46 من أبواب أحكام العشرة ح 3. (4 و 5) النساء: 86. (6) وسائل الشيعة: ج 8 ص 450 ب 46 من أبواب أحكام العشرة ح 2 و 3. 547 ولو قيل: يقصد مع ذلك قراءة القرآن أيضا لكان أحوط، فلعله لم يكن بذلك البعيد. ثم إن بعض الأصحاب قد بالغ في وجوب رد السلام حتى قال بأن من ترك السلام واشتغل بالقراءة والأذكار يفسد صلاته، نظرا إلى كون الأمر بالشئ نهيا عن ضده الخاص، وأن النهي مفسد للعبادة (1). وبعضهم جاوز هذا الحد أيضا فأطلق البطلان (2). والحق الصحة مطلقا وإن كان آثما، لما ذكرنا سابقا. ويظهر من بعض الأخبار كراهة السلام على المصلي (3)، وينبغي العمل بمضمونها، وإن نقل عن جماعة من الأصحاب انتفاؤه للأصل والعمومات (4). وذلك لأنه يوجب تشويش خاطر المصلي وإيقاع الخلل في أحواله، سيما إذا أدمج في السلام أو كان لاحنا محرفا. وقد روى الحميري عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: كنت أسمع أبي يقول: إذا دخلت المسجد والقوم يصلون فلا تسلم عليهم، وصل على النبي، ثم أقبل على صلاتك، وإذا دخلت على قوم جلوس وهم يتحدثون فسلم عليهم (5). منهاج يستحب للمصلي إذا عطس أن يحمد الله، والظاهر أنه إجماعي، كما يظهر من جماعة. وقال في المنتهى: ويجوز للمصلي أن يحمد الله إذا عطس ويصلي على نبيه وآله (عليهم السلام) وأن يفعل ذلك إذا عطس غيره، وهو مذهب أهل البيت (عليهم السلام) (6).
(1) مدارك الأحكام: ج 3 ص 475. (2) مجمع الفائدة والبرهان: ج 3 ص 122 - 123. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1267 ب 17 من أبواب قواطع الصلاة ح 1 و 2. (4) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 282. (5) قرب الإسناد: ص 45. (6) منتهى المطلب: ج 1 ص 313 س 24. 548 ويدل عليه أيضا العمومات، وخصوص صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا عطس الرجل في صلاته فليحمد الله عز وجل (1) وما رواه المشائخ الثلاثة (2) بطرق منها الموثق رواه الكليني عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: أسمع العطسة وأنا في الصلاة فأحمد الله واصلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: نعم، إذا عطس أخوك وأنت في الصلاة فقل: الحمد لله وصل على النبي وآله وسلم وإن كان بينك وبين صاحبك اليم. وحسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) مثل صحيحته (3). قيل: والمشهور بين الأصحاب جواز تسميت العاطس للمصلي أيضا، بل استحبابه لأنه دعاء، للعمومات الواردة في التسميت الشاملة للصلاة (4). وتردد المحقق في ذلك، ثم قال: الجواز أشبه بالمذهب (5). وهل يجب الرد؟ فيه إشكال: لظهور الآية في السلام (6)، ولاحتمال العموم. والأولى قول " يغفر الله لكم ويرحمكم " في الجواب كما تضمنه حسنة أبي خلف عن الباقر (عليه السلام) وفيها أنه إذا عطس عنده انسان قال: يرحمك الله عز وجل (7). منهاج لا خلاف بين علماء الاسلام في تحريم الفعل الكثير في الصلاة، وبطلانها به إذا وقع عمدا. نقله الفاضلان (8) وغيرهما (9).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1268 ب 18 من أبواب قواطع الصلاة ح 2. (2) الكافي: ج 3 ص 366 ح 3، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 367 ح 1058، تهذيب الأحكام: ج 2 ص 332 ح 224. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1268 ب 18 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. (4) القائل صاحب الحدائق الناضرة: ج 9 ص 90. (5) المعتبر: ج 2 ص 263. (6) النساء: 86. (7) وسائل الشيعة: ج 8 ص 460 ب 58 من أبواب أحكام العشرة ح 1. (8) المعتبر: ج 2 ص 255، منتهى المطلب: ج 1 ص 310 س 17. (9) ذكرى الشيعة: ص 215 س 32. 549 واستدل عليه في المنتهى - بعد نقله الاجماع - بأنه يخرج عن كونه مصليا، وقال: والقليل لا يبطل الصلاة بالإجماع (1) والإشكال في معنى القلة والكثرة. قال في التذكرة: اختلف العلماء في حد الكثرة، والذي عول عليه علماؤنا البناء على العادة مما يسمى في العادة كثيرا (2). وقال ابن إدريس: هو ما سمي في العادة كثيرا، مثل الأكل والشرب واللبس وغير ذلك، مما إذا فعله الانسان لا يسمى مصليا، بل يسمى آكلا وشاربا (3). وحدده الشهيد الثاني بما أخرج فاعله عن كونه مصليا عرفا (4). وهذه المسألة لا تخلو عن غلقة واضطراب، إذ التصريح ببطلان الصلاة بفعل الكثير غير موجود في النصوص، والذي يرجع إلى العرف العام، بعد العجز عن العلم بما أراد الشارع، هو دلالة الألفاظ المتلقاة عنه. فإن قلت: الاجماع تحقق على ما صدق عليه هذا اللفظ. قلت: فحينئذ لا يحصل القطع بالبطلان إلا إذا كان اندراج ذلك الفعل في الفعل الكثير إجماعيا، لأن الأمارات التي يستنبط منها المعنى العرفي - كعدم صحة السلب والتبادر وغيرهما - أدلة ظنية ولا تفيد القطع، ومع عدم القطع بكونها فعلا كثيرا كيف تحكم بأنها مبطل للصلاة؟ فإطلاق القول بإرجاعها إلى العرف غير صحيح، لأن الاجماع من الأدلة القطعية، فانحصر المبطل فيما لو أجمع على كون الفعل كثيرا، لأنه يصير سببا للقطع بأنه مورد الاجماع، أو وقع الاجماع على خصوص كونه مبطلا، مع قطع النظر عن ذلك. ثم إن الاستدلال على ذلك - مع الاجماع المذكور - بأنه يمحو صورة الصلاة، كما نقله العلامة، فهو على إطلاقه لا وجه له بالنظر إلى إطلاق الفعل الكثير. نعم إن جعل الماحي هو ما أجمع على أنه فعل كثير لكان له وجه، فحينئذ يرجع مآل
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 310 س 18. (2) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 288. (3) السرائر: ج 1 ص 238. (4) الروضة البهية: ج 1 ص 564. 550 الكلام إلى أن المبطل للصلاة هو الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة، وبهذا يزيد الإشكال، لأن كونه ماحيا لصورة الصلاة لم يثبت من جهة الشرع وجهه. وإرجاع ذلك إلى العرف أشكل، إذ عرف العام لا مدخلية له في ذلك، وأما عرف المتشرعة - فمع الاختلاف، وعدم كونه محددا معينا - فلو قلنا بكون العبادات أسامي للأعم وجوزنا الإرجاع إلى عرف المتشرعة فلا يحصل من ذلك أزيد من ظن، فكيف يصير منشأ للقطع ببطلان الصلاة ليكون مستندا للإجماع؟ اللهم إلا أن يجمع على كونه مبطلا ماحيا عندهم أيضا بحيث يكشف عن قول المعصوم، إذ هو الموجب للقطع، فحينئذ يرجع الاستناد إلى الاجماع إلى خصوص كونه مبطلا وماحيا عند الشارع، فيبقى الاتكال في البطلان على الفعل الكثير بلا فائدة. وأما إذا قلنا بكونها أسامي للصحيحة فالأمر أوجه لكن المحذور في الاستناد إلى الاجماع مع ظنية المستند أيضا باق. وأما من استدل بانمحاء الصلاة أو لا فيظهر حاله مما ذكرنا. وبالجملة: المستند في إبطال الفعل الكثير إما الاجماع وإما انمحاء صورة الصلاة، فنقول: أما الاجماع فيدور حجيته فيما كان مقطوعا بأنه فعل كثير، ففي المشكوك فيه وجهان: بالنظر إلى الخلاف الواقع بينهم في كون العبادات أسامي للصحيحة أو الأعم فيبطل على الأول لاستصحاب شغل الذمة، وعدم اليقين بحصول الصلاة مع شرائط الصحة، ويصح على الثاني لشمول الإطلاقات، وعدم ثبوت كون ذلك مبطلا. وأما انمحاء صورة الصلاة فالأمر يظهر فيه أيضا مما ذكرناه، فمع البناء على كونها اسما للأعم يبطل منها ما علم انمحاؤها عند الجميع، أو ما سلب عنها اسم الصلاة، ومع عدم حصول العلم به يكفي في الصحة عدم العلم بالفساد، مع صدق الصلاة عليه عندهم. وأما على كونها اسما للصحيحة فلا بد من الاقتصار على علم
551 عدم فساده في الصلاة، والاحتياط في ذلك. وقد استثنى جماعة من الأصحاب أمورا كثيرة سيجئ للأخبار الكثيرة. وقال جماعة: إن كلما ثبت أن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) فعلوا في الصلاة إذا مروا به، فهو في حيز القليل، كقتل البرغوث والحية والعقرب (1) وغيرها مما سيأتي. وكلامهم يحتمل أمرين: أحدهما أنها في حكم القليل وإن كان كثيرا فلا يطرد، للاقتصار في مخالف الأصل على موضع الدليل. والثاني أنها محددات للقلة، وأنها من أفراد القليل، فعلى هذا يمكن الاطراد في نظائرها. ولعله يمكن القول بالاطراد في نظائرها من تتبع مجموع الأخبار في باب القواطع والمفسدات ومباحث الجماعات وغير ذلك، وقد تقدم جملة منها في تلك الأبواب، وأنه لا يضر أمثال ذلك. والمظنون أن الأمر ليس بذلك المكان من الضيق، ولكن ما يقتضيه استصحاب شغل الذمة، مع احتمال كون العبادة اسما للصحيحة، يشكل التعدي عن مورد النص إلا فيما حصل القطع بعدم كونه مفسدا. ونقل في المنتهى الاجماع على جواز عد الركعات بالإصبع والحصى وشبهه قال: وليس مكروها، وبه قال أهل العلم كافة إلا أبا حنيفة فإنه كرهه، وكذلك الشافعي (2). ويدل عليه أيضا رواية حبيب الخثعمي قال: شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) كثرة السهو في الصلاة، فقال: احص صلواتك بالحصى، أو قال: احفظها بالحصى (3). وروى الصدوق بسنده عن عبد الله بن المغيرة - وهو صحيح - أنه قال: لا بأس أن يعد الرجل صلاته بخاتمه أو بحصي يأخذه بيده فيعد به (4).
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 310 س 22، المعتبر: ج 2 ص 255. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 310 س 30. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 343 باب 28 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 339 ح 987. 552 ويدل على ذلك الأخبار الدالة على الصلوات التي فيها الأذكار الكثيرة، والسور المتعددة، وغير ذلك مما لا يحصى كثرة. وإنما قيدنا الحكم بصورة العمد لأنه غير مبطل في صورة النسيان، ويظهر من العلامة في التذكرة الاجماع على ذلك (1)، وكذا من الشهيد (2). ويشكل فيما إذا كان ماحيا لصورة الصلاة، فليقتصر فيما خالف الأصل على موضع اليقين من الطرفين، فتأمل جدا. ولنذكر جملة من الأخبار فيما تضمن مما ذكرنا من الأفعال، ولنتكلم في بعضها بمقتضى المقام والحال. فروى الشيخ في الصحيح عن زكريا الأعور (3)، وكذا الصدوق بسنده عنه (4)، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يصلي قائما وإلى جانبه رجل كبير يريد أن يقوم ومعه عصا له فأراد أن يتناولها، فانحط أبو الحسن (عليه السلام) وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد إلى موضعه إلى صلاته. وروى الشيخ في الموثق، عن عمار، عن الصادق (عليه السلام) قال: لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلي، أو ترضعه وهي تتشهد (5). وقال الصدوق في الفقيه: سأل الحلبي أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يحتك وهو في الصلاة فقال: لا بأس (6). وروى السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) أنه قال في رجل يصلي ويرى الصبي يحبو إلى النار، أو الشاة تدخل البيت فتفسد الشئ، قال: فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبني على صلاته ما لم يتكلم (7).
(1) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 290. (2) ذكرى الشيعة: ص 215 س 32. (3) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 332 ح 225. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 371 ح 1079. (5) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 330 ح 211. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 368 ح 1069. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1272 ب 21 من أبواب قواطع الصلاة ح 3. 553 وروى عمار في الموثق قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون في الصلاة فيرى حية بحياله يجوز له أن يتناولها فيقتلها؟ فقال: إن كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها، وإلا فلا (1). وبما يقرب من هذا لابد ان يحمل الخبر المتقدم في حفظ الصبي والمال. وروى الحسين بن أبي العلاء في الصحيح قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يرى الحية والعقرب وهو يصلي المكتوبة، قال: يقتلهما (2). وروى زرارة في الصحيح عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: رجل يرى العقرب والأفعى والحية وهو يصلي، أيقتلهما؟ قال: نعم إن شاء فعل (3). وروى الحلبي في الصحيح والحسن عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يقتل البقة والبرغوث والقملة والذباب في الصلاة، أينقض صلاته ووضوءه؟ قال: لا (4). وروى الصدوق بسنده عن محمد بن مسلم أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل تؤذيه الدابة وهو يصلي، قال: يلقيها عنه إن شاء، أو يدفنها في الحصى (5). وروى عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا وجدت قملة وأنت تصلي فادفنها في الحصى (6). وبما يقرب منها روايتان أيضا إحداهما صحيحة (7). وروى إسحاق بن عمار في الصحيح، عن عبد الملك بن عمرو قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) سوى الحصى حين أراد السجود (8).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1269 ب 19 من أبواب قواطع الصلاة ح 4. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1269 ب 19 من أبواب قواطع الصلاة ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1269 ب 19 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1270 ب 20 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 368 ح 1068. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1271 ب 20 من أبواب قواطع الصلاة ح 5. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1270 - 1271 ب 20 من أبواب قواطع الصلاة ح 2 و 4. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 975 ب 18 من أبواب السجود ح 4. 554 وروى يونس بن يعقوب في الموثق قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يسوي الحصى في موضع سجوده بين السجدتين (1). وفي معناه روايات (2). وفي جواز نفخ موضع السجود روايات منها: ما رواه الحسين بن سعيد عن عبد الله بن محمد الحجال الثقة عن أبي إسحاق عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس بالنفخ في الصلاة في موضع السجود ما لم يؤذ أحدا (3). وعلى هذا يحمل المطلقات من الطرفين، لكن الظاهر أنه على الكراهة، كما حمله الشيخ (4). ويدل على ذلك صريحا ما رواه الصدوق مرسلا عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: إنما يكره ذلك خشية أن يؤذي من إلى جانبيه (5). فروى إسحاق بن عمار في الصحيح عن رجل من بني عجل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المكان يكون فيه الغبار فأنفخه إذا أردت السجود؟ فقال: لا بأس (6). وروى الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته؟ فقال: لا (7). وروى الحلبي في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته أيمسح الرجل جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب؟ فقال: نعم، قد كان أبو جعفر (عليه السلام) يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها التراب (8).
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 975 ب 18 من أبواب السجود ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 974 ب 18 من أبواب السجود. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 959 ب 7 من أبواب السجود ح 2. (4) الاستبصار: ج 1 ص 330 ذيل ح 2. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 271 ح 842. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 959 ب 7 من أبواب السجود ح 3. (7) الكافي: ج 3 ص 334 ح 8. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 974 ب 18 من أبواب السجود ح 1. 555 وروى الحلبي - في الحسن والصحيح - عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يريد الحاجة وهو يصلي، فقال: يومئ برأسه ويشير بيده ويسبح، والمرأة إذا أرادت الحاجة وهي تصلي تصفق بيديها (1). وقد مر موثقة عمار في مسألة التكلم (2)، وكذا بعض الأخبار الاخر. وروى أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح عن ذريح قال: كنت جالسا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله ناجية أبو حبيب فقال له: جعلني الله فداك إن لي رحى أطحن فيها فربما قمت في ساعة من الليل فأعرف من الرحى أن الغلام قد نام، فأضرب الحائط لأوقظه، فقال: نعم، أنت في طاعة الله تطلب رزقه (3). وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن بجيل قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يصلي فمر به رجل وهو بين السجدتين فرماه أبو عبد الله (عليه السلام) بحصاة فأقبل إليه الرجل (4). وروى معاوية بن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة، قال: وما له فعل؟ قلت: عبث به حتى مسه بيده، قال: لا بأس (5). ومثله صحيحته الأخرى (6). وروى ابن أبي عمير في الصحيح عن مسمع قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت: أكون أصلي فتمر بي الجارية فربما ضممتها إلي، قال: لا بأس (7). وروى الصدوق بسنده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1256 ب 9 من أبواب قواطع الصلاة ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1266 ب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 4. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1257 ب 9 من أبواب قواطع الصلاة ح 8. (4) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 327 ح 198. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1276 ب 26 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1276 ب 26 من أبواب قواطع الصلاة ح 2. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1272 ب 22 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. 556 عن الرجل يرى في ثوبه خرء الطير أو غيره هل يحكه وهو في صلاته؟ قال: لا بأس، وقال: لا بأس أن يرفع الرجل طرفه إلى السماء وهو يصلي (1). ومن هذا القبيل الأخبار الكثيرة الدالة على غسل الرعاف، منها ما تقدم (2)، ومنها ما سيجئ. وفي الأخبار مما يدل على تجويز مثل هذه الأفعال كثيرة، ويبعد الاقتصار بمورد النص مع ملاحظة ذلك. ثم إن المحقق في المعتبر بنى الكلام في الأكل والشرب على ملاحظة القلة والكثرة (3)، وحسنه جماعة من المتأخرين (4) وادعى الشيخ على إبطال مطلقهما الاجماع (5). ولا يخفى ان مع ملاحظة الاجماع المنقول ويقين شغل الذمة سيما مع كون العبادة اسما للصحيحة يشكل مخالفة الشيخ. وأما إذا وضع في فمه مثل السكر فذاب فابتلعه، فقال في المنتهى بعدم إبطاله عندنا وإبطاله عند الجمهور. والاحتياط ترك ذلك أيضا. وأما ما بقي من بقايا الغذاء في أسنانه فابتلعه فلا يفسد قولا واحدا، هكذا قيل، وعلل بعدم إمكان التحرز (6)، ولعل الأمر كذلك، بل ألحق بعضهم بذلك ابتلاع اللقمة لو مضغها قبل الصلاة (7)، لأنه فعل قليل واستثنوا عن ذلك - بناء على كون الشرب فعل الكثير مطلقا، أو أن مطلقه مبطل - شرب الماء في صلاة الوتر لمن أراد الصوم في صبيحته، وهو عطشان يخاف الإصباح، لما رواه الشيخ في الحسن (8)، والصدوق بسنده عن سعيد الأعرج قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني أبيت وأريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب، وأكره أن أصبح وأنا عطشان،
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 253 - 254 ح 776. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1244 ب 2 من أبواب قواطع الصلاة. (3) المعتبر: ج 2 ص 259. (4) منهم صاحب مدارك الأحكام: ج 3 ص 467. (5) الخلاف: ج 1 ص 413 مسألة 159. (6) منتهى المطلب: ج 1 ص 312 س 16. (7) منتهى المطلب: ج 1 ص 312 س 18. (8) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 329 ح 210. 557 وأمامي قلة بيني وبينها خطوتان أو ثلاثة، قال: تسعى إليها وتشرب منها حاجتك، وتعود في الدعاء (1). وربما يتعدى مورد النص، بل ويعمم في النوافل. وهو مشكل. واستقرب في المنتهى اعتبار القلة هنا وحمل الرواية عليها (2). ويظهر من ذلك أن الفعل الكثير يضر في النوافل أيضا، وتردد فيه بعض الأصحاب (3) نظرا إلى المساهلة المرخص فيها عن الشارع، مثل جواز فعلها جالسا وراكبا وما شيا إلى غير القبلة، وبدون السورة. والأحوط الاجتناب عن غير موارد الرخصة، لظاهر عدم التفرقة بين الصوم الواجب والمستحب لترك الاستفصال. والظاهر أن هذه الأحكام في صورة العمد لا في النسيان، إلا إذا كان ماحيا لصورة الصلاة. ونقل في المنتهى إجماع الأصحاب على عدم بطلان الصلاة بالأكل والشرب ناسيا (4). وألحق بعضهم (5) السكوت الطويل، المخرج للمصلي عن كونه مصليا بالفعل الكثير، وهو كذلك. منهاج المشهور بين أصحابنا بطلان الصلاة بالبكاء في الصلاة متعمدا للأمور الدنيوية كذهاب مال أو نفس أو غير ذلك، وزاد عليه جماعة من الأصحاب - على ما نقل عنهم - أنه كذلك وإن وقع على وجه لا يمكن دفعه، وإن ارتفع الإثم حينئذ (6). فحينئذ يكون المتعمد في مقابل من لم يذكر الصلاة.
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 494 ح 1421. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 312 س 21. (3) مجمع الفائدة والبرهان: ج 3 ص 80. (4) منتهى المطلب: ج 1 ص 312 س 14. (5) ذكرى الشيعة: ص 217 س 18. (6) منهم المحقق السبزواري في ذخيرة المعاد: ص 357 س 3، وصاحب الحدائق الناضرة: ج 9 ص 50. 558 قال بعض الأصحاب: ولم أطلع على مخالف في هذا الحكم (1)، وقال السيد في المدارك: إن الظاهر أنه مجمع عليه (2). ويدل عليه - مضافا إلى استصحاب شغل الذمة، وعدم ثبوت صحة هذه العبادة، سيما إذا قلنا: إنها اسم للصحيحة - ما رواه النعمان بن عبد السلام عن أبي حنيفة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال: إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، وإن كان ذكر ميتا له فصلاته فاسدة (3). وقال الصدوق في الفقيه: وروي أن البكاء على الميت يقطع الصلاة، والبكاء لذكر الجنة والنار من أفضل الأعمال في الصلاة (4). وخصصه بعضهم بما إذا كان له صوت ونحيب (5). وليس بذاك، ولعل نظرهم إلى لفظ البكاء الممدود فيما رواه الصدوق، فإنها ممدودا لما كان له مد على ما ذكره اللغويون. والظاهر أن الرواية التي نقلها هو ما ذكرنا بعينه، وهي مطلقة لأنها بصيغة الفعل، مع أن ظاهرهم أيضا التعميم. وضعف الخبر منجبر بالشهرة بين الأصحاب، فلا وجه للتوقف في ذلك الحكم، كما اختاره المحقق الأردبيلي (6) (رحمه الله) واستحسنه بعض المتأخرين (7)، وأولئك جعلوه من لواحق الفعل الكثير، وفرعوه عليه. وليس في محله. وظاهر الحكم الوضعي بطلان الصلاة ولو كان ناسيا أيضا، إلا أن يثبت إجماع على خلافه، ولم أقف عليه.
(1) ذخيرة المعاد: ص 357 س 3. (2) مدارك الأحكام: ج 3 ص 466. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1251 ب 5 من أبواب قواطع الصلاة ح 4. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 317 ح 941. (5) مدارك الأحكام: ج 3 ص 466. (6) مجمع الفائدة والبرهان: ج 3 ص 73. (7) مدارك الأحكام: ج 3 ص 466. 559 وأما البكاء من خشية الله فهو من أفضل الأعمال، والأخبار المطلقة فيها لا يحصى كثرة، ويدل عليها في خصوص الصلاة الرواية المتقدمة وما رواه سعيد بياع السابري قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيتباكى الرجل في الصلاة؟ فقال: بخ بخ ولو مثل رأس الذباب (1). وقال الصدوق في الفقيه: سأل منصور بن يونس بزرج الصادق (عليه السلام) عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكي، فقال: قرة عين والله، وقال: إذا كان ذلك فاذكرني عنده (2). والظاهر هاهنا أيضا عدم التفرقة فيما له صوت ونحيب وغيره. ويبطل الصلاة أيضا بتعمد القهقهة إجماعا على ما نقله غير واحد من الأصحاب (3)، ويدل عليه أيضا أخبار كثيرة. كموثقة سماعة قال: سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال: أما التبسم فلا يقطع الصلاة، وأما القهقهة فهي تقطع الصلاة (4). وحسنة زرارة عن الصادق (عليه السلام) قال: القهقهة لا تنقض الوضوء وينقض الصلاة (5). وقال الصدوق في الفقيه: قال الصادق (عليه السلام): لا يقطع التبسم الصلاة وتقطعها القهقهة ولا ينقض الوضوء (6). وصحيحة ابن أبي عمير عن رهط سمعوه (عليه السلام) يقول: إن التبسم في الصلاة لا ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء، إنما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة (7). والظاهر أن القطع راجع إلى الصلاة، كما لا يخفى على المتدبر.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1251 ب 5 من أبواب قواطع الصلاة ح 5. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 317 ح 940. (3) منهم المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 254، والعلامة في المنتهى: ج 1 ص 310 س 13. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1253 ب 7 من أبواب قواطع الصلاة ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1252 ب 7 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 367 ح 1062 (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1253 ب 7 من أبواب قواطع الصلاة ح 3. 560 ثم إن العرف واللغة حاكمان بأن هناك قسما ثالثا من الضحك، ولم يتعرض المعصومون (عليهم السلام) له. وقال الشهيد الثاني: إن القهقهة في اللغة الترجيع في الضحك، أو شدة الضحك، والمراد هنا مطلق الضحك (1). وأراد به ما عدا التبسم، وإن لم يكن له شدة وترجيع. وقال بعض الأصحاب: لعل نظره في ذلك إلى وقوعه في الأخبار في مقابل التبسم (2). أقول: الذي يظهر من العرف واللغة أيضا أن الضحك - الذي له شدة ولم يكن له صوت، أو كان له صوت ولم يكن مشتملا على ترجيع، أو أخص منه، كما اعتبره الجوهري، وهو أن يقول قه قه - قسم ثالث، وكما يحتمل إدراجه في التبسم في الحكم يمكن إدراجه في القهقهة أيضا. ويؤيد الأول الأصل والإطلاقات، والثاني عدم حصول البراءة إلا بذلك، ويؤيده ما ذكره الشهيد الثاني (رحمه الله) أيضا أنها شدة الضحك لغة في الجملة. فالأولى اندراجه تحت القهقهة في الحكم، ولعله إلى هذا نظر الأصحاب أيضا، ولكنهم أطلقوا الحكم ولم يصرحوا بذلك، وكان عليهم بيان ذلك. واعلم أن الظاهر من الأخبار عدم التفرقة بين الناسي والعامد، إلا أن الظاهر أن عدم الإبطال في الناسي إجماعي كما نقله جماعة من الأصحاب (3). ولو كان من دون اختيار وكان متذكرا للصلاة، فالظاهر البطلان، لعموم الأخبار، والظاهر أنه إجماعي كما يظهر من التذكرة (4) ولا إثم عليه إن شاء الله. وأما التبسم فليس بمبطل إجماعا عمدا كان أو سهوا، كما يظهر من المنتهى (5)، ويدل عليه الأخبار السابقة.
(1) روض الجنان: ص 332 س 26. (2) ذخيرة المعاد: ص 355 س 21. (3) منهم العلامة في تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 286 س 8، والشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 216 س 10. (4) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 285 - 286. (5) منتهى المطلب: ج 1 ص 310 س 14. 561 منهاج تبطل الصلاة بتعمد الالتفات إلى ما وراءه، وكأنه لا خلاف فيه إذا كان بكل البدن، وأما بدونه فسيجئ الكلام. وأما الالتفات إلى ما عداه فظاهر الأكثر - على ما نقل عنهم (1) - عدم البطلان مطلقا. وصرح في المعتبر بأن الالتفات بكل البدن مبطل (2). وهو مطلق حتى بالنسبة إلى ما بين الجانبين والقبلة أيضا، وهو ظاهر المنتهى والتذكرة كما قيل (3). والشهيد جعل في الذكرى الالتفات إلى محض اليمين واليسار بكله كالاستدبار (4)، ونقل تصريحه في البيان بأن تعمد الانحراف عن القبلة مبطل (5). وأما الالتفات بالوجه فقط، فالمنقول عن صريح جماعة من الأصحاب أنه مبطل إذا بلغ حد الاستدبار (6) وعد بعضهم من ذلك ما يقرب منه أيضا بين الجانبين (7)، لندور تحقق الاستدبار الحقيقي مع عدم التفات البدن كله. وأما الالتفات إلى اليمين واليسار، فمكروه عند الأكثر، ولا يبطل الصلاة بل ينقص ثوابها، ذكر ذلك غير واحد من الأصحاب (8)، وقال في المنتهى أن على ذلك جمهور العلماء (9). وفيه اشعار بالإجماع، ونسب الفاضلان المخالفة في ذلك إلى بعض العامة في المعتبر (10) والتذكرة (11).
(1) منهم صاحب جامع المقاصد: ج 2 ص 347، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: ج 3 ص 59. (2) المعتبر: ج 2 ص 260. (3) القائل صاحب ذخيرة المعاد: ص 353 س 29. (4) ذكرى الشيعة: ص 217 س 11. (5) البيان: ص 56. (6) نقله صاحب ذخيرة المعاد: ص 353 س 35. (7) ذخيرة المعاد: ص 354 س 31. (8) منهم المحقق في المعتبر: ج 2 ص 260، والعلامة في تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 294. (9) منتهى المطلب: ج 1 ص 307 س 30. (10) المعتبر: ج 2 ص 260. (11) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 295. 562 ونقل عن بعض الأصحاب (1) القول بالبطلان. والأصل في هذه المسألة أخبار كثيرة: كحسنة الحلبي - لإبراهيم بن هاشم - عن الصادق (عليه السلام) قال: قال: إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا، وإن كنت قد تشهدت فلا تعد (2). وصحيحة زرارة أنه سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول: الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله (3). وصحيحة حماد بن عثمان عن عبد الحميد عن عبد الملك قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الالتفات في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال: لا وما أحب أن يفعل (4). وصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يلتفت في الصلاة؟ قال: لا، ولا ينقض أصابعه (5). وحسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة، فقال: إن قدر على ماء عنده يمينا أو شمالا أو بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصل ما بقي من صلاته، وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته (6). وصحيحة ابن أذينة عن الصادق (عليه السلام) أنه سأله عن الرجل يرعف وهو في الصلاة وقد صلى بعض صلاته، فقال: إن كان الماء عن يمينه وعن شماله وعن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت وليبن على صلاته، فإن لم يجد الماء حتى يلتفت
(1) نسبه صاحب رياض المسائل: ج 3 ص 500 إلى فخر المحققين ولم نعثر عليه في إيضاح الفوائد. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1248 ب 3 من أبواب قواطع الصلاة ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1248 ب 3 من أبواب قواطع الصلاة ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1249 ب 3 من أبواب قواطع الصلاة ح 5. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1248 ب 3 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1245 ب 2 من أبواب قواطع الصلاة ح 6. 563 فليعد الصلاة، قال: والقئ مثل ذلك (1). وقال الصدوق في الفقيه: وفي رواية أبي بصير عنه (عليه السلام) إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة (2). وحسنة زرارة - لإبراهيم بن هاشم - على ما رواه الكليني (3) والشيخ (4) عن الباقر (عليه السلام) قال: إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك، فإن الله تعالى قال لنبيه (صلى الله عليه وآله) في الفريضة: * (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) *. وصحيحته عن الباقر (عليه السلام) ثم استقبل القبلة بوجهك ولا تقلب بوجهك عن القبلة فيفسد صلاتك، فإن الله عز وجل يقول لنبيه في الفريضة: * (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * (5). وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد انحرق أو أصابه شئ، هل يصلح له أن ينظر فيه أو يمسه؟ قال: إن كان في مقدم ثوبه أو جانبيه فلا بأس، وإن كان في مؤخره فلا يلتفت فإنه لا يصلح (6). إلى غير ذلك من الأخبار. فنقول: لا ريب في بطلان الصلاة بتعمد الاستدبار بكل البدن، ويدل عليه صحيحة زرارة وحسنة الحلبي بالخصوص. ولا منافاة بين الصحيحة ومفهوم الحسنة وسائر الإطلاقات. وما ينافي ذلك مخصص بذلك. وأما إذا لم يكن بكل البدن فالأوجه أيضا البطلان، لظهور الفحش فيه، وصدق بعض الإطلاقات، ومفهوم صحيحة زرارة. وسائر الإطلاقات مخصص بهما أيضا،
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1244 ب 2 من أبواب قواطع الصلاة ح 1. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 366 ح 1057. (3) الكافي: ج 3 ص 300 ح 6. (4) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 286 ح 1146. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 227 ب 9 من أبواب القبلة ح 3. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 1249 ب 3 من أبواب قواطع الصلاة ح 4. 564 بل نقول بالبطلان في كل ما استلزم الانحراف بجميع البدن لمنطوق صحيحة زرارة، وعدم ظهور منافاة مفهوم الحسنة له أيضا، ويشمله باقي الإطلاقات أيضا، ويحمل ما دل على الجواز على ما لم يكن بجميع البدن. وربما ألحق بالخلف الحقيقي ما يقرب منه. وليس بذلك البعيد، ويظهر وجهه بالتدبر فيما ذكر. وأما الالتفات إلى غير الخلف وما في معناه - ولو كان بمحض اليمين واليسار - فلعله لم يبطل لعدم ظهور الفحش، ولمفهوم الصحيحة، وظاهر الإطلاقات، وخصوص صحيحة علي بن جعفر. ويخصص باقي الإطلاقات بذلك. وفي محضهما إشكال. وأما ما بينهما فلعله لا إشكال في عدم الإبطال، سيما مع ملاحظة قولهم (عليهم السلام) " ما بين المشرق والمغرب قبلة " (1). ويظهر للمتدبر العارف بأحكام التراجيح وجه ما ذكرنا من الجمع في هذه الأخبار فلا حاجة إلى التطويل. والأظهر أن كل ما حكمنا فيه بعدم الإبطال لا حرمة فيه أيضا، للأصل ولظاهر الأخبار المتقدمة. والأظهر أنه مع ذلك لا يعتبر بما أتى به من الأفعال في هذه الحالة، لأن غاية ما يستفاد من الأخبار عدم البطلان به أو جوازه، وأين هذا من جواز فعل ما يشترط بالقبلة إلى غيرها متعمدا، وإطلاق الأخبار المجوزة لا يقاوم ما دل على اعتبار القبلة، سيما مع موافقتها للأصول والقواعد. ثم إن الظاهر أنه لا فرق في ذلك الأحكام بين الناسي والعامد، لأن ذلك حكم وضعي ورفع المؤاخذة والنسيان عن تلك الأمة غاية ما يستفاد منه عدم العقاب، وأين هذا من عدم البطلان. وربما يلحق بالمذكورين ظان الخروج من الصلاة. وفي المكره وجهان. ولعل الأقرب فيهما أيضا اتحاد الحكم مع العمد. والله أعلم بحقائق أحكامه.
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 227 ب 9 من أبواب القبلة ح 2. 565 الفصل الثالث في الشك والسهو منهاج من زاد ركعة في صلاته يجب عليه الإعادة، عمدا كان أو سهوا، والظاهر أن بطلانها في صورة العمد إجماعي (1). وأما في صورة السهو فمثله على الظاهر لو لم يجلس بعد الرابعة مثلا بمقدار التشهد. وأما مع الجلوس فاختلف أصحابنا فيه، فالأكثر على البطلان، سواء تشهد أم لا. وقال الشيخ في المبسوط: من زاد ركعة في صلاته أعاد. ومن أصحابنا من قال إن كانت الصلاة رباعية وجلس في الرابعة مقدار التشهد فلا إعادة عليه. والأول هو الصحيح لأن هذا قول من يقول إن الذكر في التشهد ليس بواجب (2). قيل: وهذا الذي نقله الشيخ هو مذهب ابن الجنيد (3)، واختاره الفاضلان في المعتبر (4) والمختلف (5). وقال ابن إدريس في سرائره: من صلى الظهر مثلا أربع ركعات وجلس
(1) نقل الاجماع صاحب مدارك الأحكام: ج 4 ص 222. (2) المبسوط: ج 1 ص 121. (3) نقله العلامة في مختلف الشيعة: ج 2 ص 393. (4) المعتبر: ج 2 ص 380. (5) مختلف الشيعة: ج 2 ص 394. 566 في دبر الرابعة فتشهد الشهادتين وصلى على النبي وآله ثم قام ساهيا عن التسليم فصلى ركعة خامسة فعلى مذهب من أوجب التسليم فالصلاة باطلة، وعلى مذهب من لم يوجبه فالأولى أن يقال: إن الصلاة صحيحة، لأنه ما زاد في صلاته ركعة، لأنه بقيامه خرج من صلاته، وإلى هذا القول ذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره، ونعم ما قال (1)، انتهى كلامه. والأقرب قول الأكثر، لنا: أن البراءة اليقينية لا يحصل بمثل هذه الصلاة، سيما مع ما اخترناه من وجوب التسليم، وما رواه أبان في الصحيح عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من زاد في صلاته فعليه الإعادة (2). وحسنة زرارة وبكير بن أعين - لإبراهيم بن هاشم - عن الباقر (عليه السلام) قال: إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا (3). وما رواه زيد الشحام قال: سألته عن الرجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات، قال: إن استيقن أنه صلى خمسا أو ستا فليعد (4)، الحديث. وما رواه أبان في الصحيح عن منصور بن حازم عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن رجل صلى فذكر أنه زاد سجدة، فقال: لا يعيد صلاة من سجدة ويعيدها من ركعة (5). ورواه الصدوق أيضا بطريقه عن منصور (6). وموثقة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل شك فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة، فسجد أخرى ثم استيقن أنه زاد سجدة، فقال: لا والله
(1) السرائر: ج 1 ص 245. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 332 ب 19 من أبواب الخلل في الصلاة ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 332 ب 19 من أبواب الخلل في الصلاة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 332 ب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 938 ب 14 من أبواب الركوع ح 2. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 346 ح 1009. 567 لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة، وقال: لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها من ركعة (1). واحتج المحقق في المعتبر على ما اختاره: بأن نسيان التشهد غير مبطل، فإذا جلس قدر التشهد فقد فصل بين الفرض والزيادة (2). وفيه أنه بعد لم يخرج عن الصلاة وإنما الشأن في ذلك، فادعاء عدم وقوع الزيادة فيها مصادرة. وبصحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل صلى خمسا، فقال: إن كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته (3). وما روى الصدوق بسنده عن جميل بن دراج - وهو صحيح - عن الصادق (عليه السلام) أنه قال في رجل صلى خمسا، فقال: إن كان جلس في الرابعة مقدار التشهد فعبادته جائزة (4). وبرواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل استيقن بعدما صلى الظهر - أنه صلى خمسا، قال: وكيف استيقن؟ قلت: علم، قال: إن كان علم أنه جلس في الرابعة فصلاة الظهر تامة وليقم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة وسجدتين فتكونا ركعتين نافلة، ولا شئ عليه (5). وحمل الشيخ مقدار التشهد بأن المراد منه التشهد. وليس ببعيد مثل تلك الاستعمال، واستحسنه جماعة من متأخرينا منهم الشهيد في الذكرى (6). قال في الاستبصار: إن هذين الخبرين لا ينافيان الخبرين الأولين، يعني: روايتي أبي بصير وابني أعين، لأن من جلس في الرابعة وتشهد ثم قام وصلى ركعة لم يخل بركن من أركان الصلاة، وإنما أخل بالتسليم، والإخلال بالتسليم
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 938 ب 14 من أبواب الركوع ح 3. (2) المعتبر: ج 2 ص 380. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 332 ب 9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 349 ح 1016. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 332 ب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5. (6) ذكرى الشيعة: ص 219 س 15. 568 لا يوجب إعادة الصلاة (1). وقال الشيخ في الخلاف: وإنما يعتبر الجلوس بمقدار التشهد أبو حنيفة بناء على أن الذكر في التشهد ليس بواجب (2). وبالجملة: الاكتفاء بالجلوس بدون التشهد ضعيف جدا، لموافقتها لمذهب العامة ومخالفتها لأكثر الأصحاب، وقد عرفت أن ما ذكره الشيخ في معاني الأخبار هو الوجه، لأن الجلوس بدون الذكر بعيد غاية البعد، فحينئذ يبقى الكلام مع من يصحح الصلاة إذا أتى بالشهادتين والصلاة، وقد عرفت تفصيل ابن إدريس. والحق ما ذكره، لكن نسبة التفصيل على الإطلاق إلى الشيخ لا يخلو عن إشكال، لأنه لعله مع القول بوجوب التسليم يقول بهذا، كما يستفاد من ظاهر إطلاقات الأخبار التي ذكرناها فيمن أحدث قبل التسليم، إلا أنه لعله أظهر فيما فهمه. ولذلك قال الشهيد: وفي هذه الأخبار دلالة على ندب التسليم (3). وأيضا قد عرفت ما ذكرناه هاهنا من التذكرة فراجع (4)، إلا أن يفرق بين الحدث وزيادة شئ في الصلاة. فينقدح لنا مما اخترناه من وجوب التسليم، ومما ذكرناه هاهنا من عدم القول بالفصل، مع أنه لا تلازم بين حكم الحدث والزيادة أيضا كما ذكرنا، ومن تلك الأخبار وجوب الإعادة مطلقا كما هو مختار الأكثر. ويؤيد ذلك أن القائلين بهذا القول كلهم مبناهم على استحباب التسليم، لأن كلام ابن إدريس مفصل، وهكذا مراد الشيخ ظاهرا على ما فهمه ابن إدريس، وكذا الشهيد حيث استحسنه، فإنه استدل على ذلك باستحباب التسليم، وكذا باقي المتأخرين كصاحب المدارك (5) والذخيرة (6) والمفاتيح (7)، فإنهم يستحبون التسليم.
(1) الاستبصار: ج 1 ص 377 ذيل ح 4. (2) الخلاف: ج 1 ص 453 المسألة 196. (3) ذكرى الشيعة: ص 219 س 15. (4) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 242. (5) مدارك الأحكام: ج 3 ص 429 و 430. (6) ذخيرة المعاد: ص 289 س 35. (7) الظاهر هو القول بالوجوب لا بالاستحباب، راجع مفاتيح الشرائع: ج 1 ص 152 مفتاح 173. 569 ومن مجموع ما ذكر ينقدح عدم التفرقة بين الرباعية وغيرها أيضا على ما أشار اليه بعض الأصحاب، فحينئذ يلزمنا طرح تلك الأخبار لما بنينا على وجوب التسليم. وهو أيضا مشكل: من عدم ثبوت الاجماع المركب هاهنا كما في الحدث فيحتمل الصحة مع القول بالوجوب أيضا، ومن جهة الأخبار التي ذكرنا وعدم يقين البراءة بمثل هذه الصلاة. فالأقوى وجوب الإعادة، والأحوط البناء على ذلك والإعادة لو تذكر، فلو تذكر بعد الركوع يخرب الركعة ويسلم. وأما لو تذكر قبل الركوع فالظاهر عدم الخلاف في أنها صحيحة، لأن ما زاده ليس بركن فيجلس ويسلم، وكذلك إن لم يتشهد أيضا فيتشهد ويسلم. وأما ما ورد من بعض الأخبار الذي ينافي الأخبار الذي ذكرناها ويفيد ما هو متروك عند الأصحاب وذكروه في هذا الباب، فلا يعتمد عليها، ولذا لم نتعرض لها. وأما لو نقص ركعة سهوا، فإما أن يتذكرها بعد السلام وقبل أن يفعل المنافي مطلقا، أو يتذكرها بعد فعل المنافي للصلاة عمدا، أو بعد فعل المنافي عمدا وسهوا. أما لو تذكر قبل فعل المنافي مطلقا فالظاهر أنه لا خلاف في أنه يأتي بالباقي، ويصح صلاته ولا إعادة عليه. ويدل عليه صحيحة فضالة عن سيف عن أبي بكر الحضرمي قال: صليت بأصحابي المغرب، فلما أن صليت ركعتين سلمت، فقال بعضهم: إنما صليت ركعتين فأعدت، فأخبرت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: لعلك أعدت؟ فقلت: نعم، فضحك ثم قال: إنما كان يجزئك أن تقوم وتركع ركعة (1). ورواه الكليني وليس في سنده سيف (2). وفي التهذيب بعد قوله (عليه السلام) " وتركع ركعة ": إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سها فسلم في ركعتين، ثم ذكر حديث ذي الشمالين فقال: ثم قام فأضاف إليها ركعتين (3).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 308 ب 3 من أبواب الخلل في الصلاة ح 4. (2) الكافي: ج 3 ص 351 ح 3، و " سيف " موجود في سنده. (3) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 180 ح 25. 570 وصحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها، ثم ذكر أنه لم يركع، قال: يقوم فيركع ويسجد سجدتين (1). وموثقة عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل صلى ثلاث ركعات وهو يظن أنها أربع، فلما سلم ذكر أنها ثلاث، قال: يبني على صلاته متى ما ذكر ويصلي ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو، وقد جازت صلاته (2). وصحيحة الحرث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا صلينا المغرب فسها الإمام فسلم في الركعتين فأعدنا الصلاة، فقال: ولم أعدتم، أليس قد انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ركعتين فأتم بركعتين؟ ألا أتممتم؟ (3). وصحيحة الحسين بن أبي العلاء - وهو ممدوح - عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت: أجئ إلى الإمام وقد سبقني بركعة في الفجر، فلما سلم وقع في قلبي أني قد أتممت، فلم أزل ذاكرا لله حتى طلعت الشمس، فلما طلعت نهضت فذكرت أن الإمام كان قد سبقني بركعة، قال: فإن كنت في مقامك فأتم بركعة، وإن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة (4). والأخبار في هذا الباب كثيرة، وسيأتي أيضا. وأما لو تذكر بعد المنافي عمدا كالكلام، فالمشهور عدم وجوب الإعادة. وقال الشيخ في النهاية بوجوبها (5)، وكذا ابن أبي عقيل (6) وأبو الصلاح على ما نقل عنهما (7)، ونقل عن بعض الأصحاب القول بالوجوب في غير الرباعية (8). والأقرب الأول، لنا صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في بحث الكلام،
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 309 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 8. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 310 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 14. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 307 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 315 ب 6 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (5) النهاية: ج 1 ص 318. (6) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 397. (7) الكافي في الفقه: ص 147 - 148. (8) نقله الشيخ في المبسوط: ج 1 ص 121. 571 وصحيحة سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم سلم في ركعتين فسأله من خلفه يا رسول الله أحدث في الصلاة شئ؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: إنما صليت ركعتين، فقال: أكذاك يا ذا اليدين - وكان يدعى ذو الشمالين - فقال: نعم، فبنى على صلاته فأتم الصلاة أربعا. وقال: إن الله عز وجل هو الذي أنساه رحمة للأمة، ألا ترى لو أن رجلا صنع هذا لعير وقيل ما تقبل صلاتك، فمن دخل عليه اليوم ذلك قال: قد سن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصارت أسوة، وسجد سجدتين لمكان الكلام (1). والأخبار الكثيرة في باب سهو النبي (صلى الله عليه وآله) كلها شاهد للمطلوب، لأنه تكلمه (صلى الله عليه وآله) ثابت وكذلك إعادته. لكن الشأن في جواز الاحتجاج بمثل هذه الأخبار، لاشتماله بما لا يقول به جمهور الأصحاب. ويدل على ذلك أيضا صحيحة علي بن النعمان الرازي قال: كنت مع أصحاب لي في سفر وأنا إمامهم وصليت بهم المغرب فسلمت في الركعتين الأولتين، فقال أصحابي: إنما صليت بنا ركعتين، فكلمتهم وكلموني، فقالوا: أما نحن فنعيد، فقلت: لكني لا أعيد وأتم بركعة، فأتممت بركعة، ثم سرنا، فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فذكرت له الذي كان من أمرنا، فقال لي: أنت كنت أصوب منهم فعلا، إنما يعيد الصلاة من لا يدري ما صلى (2). لكن الاستدلال بها يحتاج إلى عناية، لشمولها للجواز مع تعمد الكلام كما يظهر من قوله " فقلت: لكني لا أعيد " فيحمل على الإفهام بالإشارة وغير ذلك. ولم نقف للقولين الأخيرين على مستند يعتد به. والأحوط الإتمام والإعادة خروجا عن الخلاف. وأما لو تذكر بعد فعل المنافي مطلقا كالحدث والفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة: فالأكثر على وجوب الإعادة، وقال ابن بابويه في المقنع: إن صليت
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 311 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 16. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 307 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. 572 ركعتين من الفريضة، ثم قمت فذهبت في حاجة لك، فأضف إلى صلاتك ما نقص ولو بلغت الصين، ولا تعد الصلاة فإن إعادة الصلاة في هذه المسألة مذهب يونس بن عبد الرحمن (1). والأول أقرب. لنا: استصحاب شغل الذمة، وصحيحة الحسين بن أبي العلاء المتقدمة، وموثقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى ركعتين ثم قام فذهب في حاجته، قال: يستقبل الصلاة، فقلت: فما بال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يستقبل حين صلى ركعتين؟ فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم ينتقل من موضعه (2). وصحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى ركعتين ثم قام، قال: يستقبل، قلت: فما يروي الناس، فذكر له حديث ذي الشمالين، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يبرح من مكانه، ولو برح لاستقبل (3). ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة، فلما فرغ الإمام خرج مع الناس ثم ذكر أنه قد فاتته ركعة، قال: يعيدها ركعة واحدة يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه عن القبلة، فإذا حول وجهه بكليته فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا (4). ويؤدى مؤدى المذكورات موثقة أخرى في حكاية سهو النبي (5) (صلى الله عليه وآله). ويدل على مذهب ابن بابويه روايات كثيرة: كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل صلى بالكوفة ركعتين، ثم ذكر وهو بمكة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنه صلى ركعتين، قال: يصلي ركعتين (6).
(1) المقنع: ص 31، وفيه " وإن صليت ركعتين ثم قمت فذهبت في حاجة لك فأعد الصلاة ولا تبن على الركعتين ". (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 309 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 10. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 308 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 7. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 315 ب 6 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 308 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 312 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 19. 573 وصحيحة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى ركعة من الغداة ثم انصرف وخرج في حوائجه، ثم ذكر أنه صلى ركعة، قال: فليتم ما بقي (1). وموثقة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي الغداة بركعة ويتشهد ثم ينصرف ويذهب ويجئ، ثم يذكر بعد أنه إنما صلى ركعة، قال: يضيف إليها ركعة (2) وموثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يذكر بعدما قام وتكلم ومضى في حوائجه أنه إنما صلى ركعتين في الظهر والعصر والعتمة والمغرب، قال: يبني على صلاته فيتمها ولو بلغ الصين، ولا يعيد الصلاة (3). وبما يقرب هذا المضمون أيضا روى الصدوق بسنده عن عمار عنه (عليه السلام) (4). إلى غير ذلك من الأخبار. وحمل الشيخ بعض هذه الأخبار على صورة الشك والاحتياط، وبعضها على النوافل، وبعضها على ما لم يحصل الاستدبار (5). وحاول جماعة من المتأخرين الجمع بينها بالحمل على الأفضلية. وهو مشكل، والأولى الاجتناب عن الاكتفاء بمثل ذلك، والعلم عند الله. ومن أتم وأعاد فلقد أحسن وأجاد. منهاج قد مر سابقا أنه يجب سجدتا السهو لنسيان السجدة والتشهد والتكلم، وفيهما مقامات أخرى. فمنها: لو سلم في غير موضعه، ووجوبه هاهنا مشهور بين الأصحاب ونقل عليه في المنتهى إجماع الفرقة (6)، ونسبه في المعتبر إلى علمائنا مؤذنا بدعوى
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 316 ب 6 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 316 ب 6 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 312 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 20. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 347 ح 1012. (5) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 347 ذيل ح 28. (6) منتهى المطلب: ج 1 ص 417 س 30. 574 الاجماع (1)، وخالف في ذلك علي بن بابويه وولده في المقنع على ما نقل عنهما (2)، وجماعة من الأصحاب لم يذكروه فيما يجب فيه السجدتان، وربما ذهب بعض الأصحاب إلى اندراج التسليم في الكلام، ولعله هو الوجه في سكوتهم عن ذلك. ولكنه بعيد. ويدل على الوجوب - مضافا إلى ما ذكر - موثقة عمار المتقدمة (3)، ويؤيده صحيحة العيص بن القاسم (4)، وصحيحة سعيد الأعرج (5) المتقدمتين، وإنما جعلناهما مؤيدا لأن التعليل الذي في آخر رواية سعيد يضعف ذلك، وكذا احتمال إرادة سجدتي الصلاة من صحيحة العيص، إلا أن الظاهر ما ذكرنا، لأنه مقابلة قوله (عليه السلام) " لم يركع " لقوله (عليه السلام) " نسي ركعة " يشعر بكون المراد من قوله (عليه السلام) " فيركع " هو تمام الركعة، ولا يخفى على الطبع المستقيم. مع أن الشيخ أيضا روى في التهذيب هذه الرواية بإسقاط عبد الرحمن بن أبي نجران عن طريقه وزيادة " السهو " في آخره فروى عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر أنه لم يركع، قال: يقوم فيركع ويسجد سجدتي السهو (6). فعلى هذه يصير دليلا مستقلا. ويكفي هذه الصحيحة مع علو إسناده في الإيجاب وحده، فكيف إذا انضم معه الموثقة وظاهر الإجماعين والشهرة العظيمة وتأييد بعض الأخبار أيضا؟ فالأقوى عندي الوجوب.
(1) المعتبر: ج 2 ص 399. (2) نقله عنهما صاحب رياض المسائل: ج 4 ص 261. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 346 ب 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 309 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 8. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 311 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 16. (6) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 149 ح 44. 575 ويدل على نفي الوجوب صحيحة محمد بن مسلم (1) السابقة في مبحث الكلام. وهي غير ظاهرة في نفي السجدة، إذ يحتمل - احتمالا راجحا أو مساويا - كون المراد عدم الإعادة والإثم ونحوها، على أن المقيد يحكم على المطلق. وحسنة الحسين بن أبي العلاء (2) وصحيحة الحرث بن المغيرة (3) وصحيحة علي بن النعمان (4) المتقدمات الواردة في مقام البيان ونحوه، فإن سكوت المعصوم عنها في معرض البيان وتقريره في بعضها يدل على ذلك. ورواية أبي بكر الحضرمي المتقدمة فإنه (عليه السلام) قال: يجزئك أن تقوم وتركع (5) بركعة. وهو ظاهر في نفي وجوب شئ آخر. وموثقة سماعة عن الصادق (عليه السلام) قال: من حفظ سهوه فأتم فليس عليه سجدتا السهو، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى بالناس الظهر ركعتين ثم سها فسلم، فقال له ذو الشمالين... وساق الخبر إلى أن قال: فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): فأتم بهم الصلاة وسجد بهم سجدتي السهو (6)... الحديث. فإنه يدل على أنه لو تذكر بنفسه لم يجب عليه. وموثقة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): هل سجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) سجدتي السهو قط؟ فقال: لا، ولا يسجدهما فقيه (7). أقول: أما الأخبار الذي تمكن ادعاء وقوعها في مقام البيان فلا يخفى على المتأمل أنها في مقام أنه هل تبطل الصلاة أو يتم بركعة وركعتين لا غير ذلك؟
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 309 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 9. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 315 ب 6 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 307 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 307 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 308 باب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 309 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 11. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 310 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 13. 576 فالسكوت عن ذلك لا يدل على عدمه، وكذا يظهر من ذلك الجواب عن قوله (عليه السلام) " يجزئك " فإن المراد أنه يجزئك الإتمام عن الإعادة. وأما موثقة سماعة وموثقة زرارة فلا اعتماد على أصلهما وإن كان مضمون الثانية صحيحا بأن تجعل السالبة بانتفاء الموضوع، مع تدافع تلك الأخبار في نفسها. ويمكن أن يؤيد ذلك بما دل على وجوبهما على من تكلم في الصلاة. هذا، ولكنه يمكن الإشكال بأن الذي اقتضاه ما ذكرنا من الأدلة على المختار ما إذا سلم فيما من شأنه أن يسلم فيه، أما لو سلم في حال القراءة مثلا أو في حال القنوت ونحوهما فلا يظهر حكمهما، إلا أن يقال بعدم القول بالفصل. ولم يظهر لي بعد بالمعنى المصطلح، فإن السكوتي وعدم ظهور المخالف لا يكفي عندنا، أو يقال باندراجه تحت الكلام، والاحتياط عدم الترك، والله يعلم. ومنها: الشك بين الأربع والخمس، فالمشهور فيه أيضا وجوب السجدتين، ويدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا كنت لا تدري أربعا صليت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما (1). وصحيحة أبي بصير مثله مع أدنى تفاوت، وقال بعد قوله " بعد تسليمك ": " وأنت جالس " (2). وصحيحة الحلبي عنه (عليه السلام) قال: إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة بتشهد فيهما تشهدا خفيفا (3). ورواه الصدوق أيضا في الصحيح عنه (عليه السلام) (4).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 326 ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 326 ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 327 ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 350 ح 1019. 577 وصحيحة الفضيل بن يسار عن الصادق (عليه السلام) عن السهو فقال: من حفظ سهوه وأتمه فليس عليه سجدتا السهو، إنما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها (1). ومثله موثقة سماعة (2) وحسنة زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس، وسماها رسول الله (صلى الله عليه وآله) المرغمتين (3). ونقل الخلاف في هذا الحكم عن المفيد (4) وابن بابويه (5) وسلار (6) وأبو الصلاح (7)، ولم يظهر لهم وجه يعتمد عليه. وسيجئ بيان مقام وجوب السجدة في هذه الصورة. ومنها: ما إذا قام في موضع قعود، أو قعد في موضع قيام. فذهب جماعة من الأصحاب - منهم الصدوق (8) والسيد (9) وسلار (10) وأبو الصلاح (11) وابن إدريس (12) - إلى الوجوب. وجماعة - منهم الشيخان (13) والكليني (14) وعلي بن بابويه (15) وابن أبي عقيل (16) - إلى خلافه.
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 350 ح 1018. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 305 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 8. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 326 ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (4) المقنعة: ص 147 - 148. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 341 ذيل ح 993. (6) المراسم: ص 89 - 90. (7) الكافي في الفقه: ص 148. (8) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 341 ذيل ح 993. (9) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): ج 3 ص 37. (10) المراسم: ص 90. (11) الكافي في الفقه: ص 148. (12) السرائر: ج 1 ص 257. (13) المقنعة: ص 147 - 148، المبسوط: ج 1 ص 123. (14) الكافي: ج 3 ص 360. (15) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 422. (16) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 419. 578 ويدل على الأول صحيحة معاوية بن عمار قال: سألته عن الرجل يسهو فيقوم في حال قعود، أو يقعد في حال قيام، قال: يسجد سجدتين بعد التسليم، وهما المرغمتان ترغمان الشيطان (1). وموثقة عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السهو ما يجب فيه سجدتا السهو؟ قال: إذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت أن تقرأ فسبحت، أو أردت أن تسبح فقرأت، فعليك سجدتا السهو، وليس في شئ مما يتم به الصلاة سهو. وعن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام ثم ذكر من قبل أن يقوم شيئا أو يحدث شيئا، قال: ليس عليه سجدتا السهو حتى يتكلم بشئ (2). ولا يضر الاستدلال العبارة الأخيرة، فإنها كاشفة عن كون المراد من القيام السابق القيام مستقلا، أو مع الشروع في القراءة أيضا، فمعناها أنه أراد القعود فقام، أي: فهوى إلى القيام ثم ذكر من قبل أن يستبد بالقيام، أو من قبل أن يحدث شيئا من القراءة، قال: ليس عليه السجدتان حتى يتكلم بشئ، أي: يقرأ شيئا، والله أعلم. ولكن هذا إنما يتم إذا رضوا بذلك التخصيص. ورواية منهال القصاب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام، فقال: إذا سلم فاسجد سجدتين ولا تهب (3). ويدل عليه أيضا رواية سفيان بن السمط (4) الآتية. وقد يستدل على ذلك أيضا بأنه ثبت من الأخبار المتقدمة أن الشك في الزيادة مستلزم للسجود فاليقين بها أولى. ويدل على القول الثاني الحصر الظاهر من صحيحة الفضيل (5)، وموثقة
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 346 ب 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 346 ب 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 339 ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 346 ب 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 327 ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6. 579 سماعة (1) المتقدمتين في المسألة السابقة، ولهما من غير جهة الحصر أيضا دلالة. ويدل عليه أيضا موثقة سماعة المتقدمة (2) في مسألة السلام سهوا المتضمنة لسهو النبي (صلى الله عليه وآله) وصحيحة أبي بصير (3) وحسنة إسماعيل بن جابر (4) ورواية محمد ابن منصور (5) المتقدمات في مبحث ركنية السجدتين، وصحيحة سليمان بن خالد (6) وصحيحة ابن أبي يعفور (7) وصحيحة الحلبي (8) الصريحة وصحيحة محمد بن مسلم (9) ورواية علي بن أبي حمزة (10) وحسنة الفضيل بن يسار (11) وحسنة الحلبي (12) المتقدمات في أول مباحث التشهد. ولعل الأخبار من هذا القبيل كثيرة. وربما يستدل على ذلك أيضا بالأخبار المذكورة في أواخر مباحث من نقص ركعة سهوا، ولا يخفى ما فيه. فنقول حينئذ: يرد على الأول ضعف الإسناد في بعض الروايات، وأما الخدش في صحيحة معاوية بن عمار (13) لمكان محمد بن عيسى عن يونس فليس في محله كما حقق في محله، وتشابه دلالة موثقة عمار (14)، وإن كان الأظهر ما ذكرنا. ونمنع الأولوية، ودعوى ظهور تلك الأخبار في أعداد الركعات، فالحكم
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 337 ب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 8. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 309 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 11. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 969 ب 14 من أبواب السجود ح 4. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 968 ب 14 من أبواب السجود ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 970 ب 14 من أبواب السجود ح 6. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 995 ب 7 من أبواب التشهد ح 3. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 323 ب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 998 ب 9 من أبواب التشهد ح 3. (9) وسائل الشيعة: ج 5 ص 309 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 9. (10) وسائل الشيعة: ج 5 ص 341 ب 26 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (11) وسائل الشيعة: ج 5 ص 327 ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6. (12) وسائل الشيعة: ج 5 ص 327 ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4. (13) وسائل الشيعة: ج 5 ص 346 ب 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (14) وسائل الشيعة: ج 5 ص 346 ب 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. 580 في الأصل مشكوك فيه، فأنى لك بإثباتها في الفرع بطريق أولى. ويرد على الثاني، أما على الخبرين الأولين فإنهما ظاهران في عدد الركعات والحصر إضافي، ومن هذا يمكن دفع الدلالة من الجهة الأخرى أيضا، فتدبر. وعلى الثالث أيضا ما ذكرنا مع اشتماله على ما يضعفه كما مر وأما الرابع فهو مبني على إثبات أن القيد راجع إلى الجميع والتحقيق خلافه، نعم نفي سجدة السهو عن الأخير يستلزم نفيه عن الأولى كما لا يخفى على المتأمل. ومثله الخامس. وأما على السادس فمع ضعفه ففيه ما ظهر لك في هذه المباحث. والكلام في السابع والثامن أنه مبني على القول باختصاص القيد المتعقب للجمل بالأخيرة حتى يثبت في غيره، وقد عرفت أنه هو الوجه في المسألة على تفصيل بيناه في الأصول. وأما التاسع فدلالته واضحة. وأما العاشر فغاية ما فيه عدم التعرض لذلك مع أنه لم يتعرض لسجدة السهو للتشهد فيه أيضا فيلزم نفيه فيه أيضا. وأما الحادي عشر فمع ضعفه فالكلام فيه هو الكلام في السابع والثامن. وبالجملة: الأدلة متعارضة، ولكن القوة مع النافي لاعتبار الأخبار سندا ومطابقتها للأصول ونفي العسر والحرج والإطلاقات. فالأقوى الاستحباب ولا ينبغي ترك الاحتياط. ومنها: وجوبها في كل زيادة ونقيصة، وهو قول بعض الأصحاب، نقله الشيخ في الخلاف، قال: وأما السهو فلا يجب إلا في أربعة مواضع، وعد المواضع، ثم قال: فأما ما عدا ذلك فكل سهو يلحق الانسان فلا يجب عليه سجدتا السهو، فعلا كان أو قولا، زيادة كان أو نقصانا، متحققة أو متوهمة، وعلى كل حال قال: وفي أصحابنا من قال عليه سجدتا السهو في كل زيادة ونقصان (1). وقال الشهيد في الدروس: ولم نظفر بقائله (2). واختاره العلامة في بعض أقواله (3).
(1) الخلاف: ج 1 ص 459 المسألة 202. (2) الدروس الشرعية: ج 1 ص 207. (3) مختلف الشيعة: ج 2 ص 425. 581 والأقوى قول المشهور. واستدلوا لهذا القول بما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن سفيان بن السمط عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان (1). ولصحيحة الحلبي (2) المتقدمة في المقام الثاني، فإنه إذا ثبت ذلك الحكم مع الشك فمع القطع بطريق أولى. وقد عرفت الجواب عن الروايتين. ويدل على المختار - مضافا إلى الأصل وما ذكرنا من الأخبار المستفيضة جدا - الأخبار التي مر في طي مباحث القراءة والركوع والسجود وغير ذلك، وما سيجئ أيضا من المطلقات والعمومات التي لم يذكر فيها حكم السجدتين مع كونها في معرض البيان، فلا بد من حمل ما ذكر على الاستحباب. ولا ريب أنه أحوط. ومنها: وجوبها للشك في كل زيادة ونقصان، وربما يقال: إن ذلك هو ظاهر ما نقله الشيخ عن بعض الأصحاب بقرينة المقابلة. وقال الصدوق في الفقيه: ولا يجب سجدتا السهو إلا على من قعد في حال قيامه، أو قام في حال قعوده، أو ترك التشهد، أو لم يدر زاد أو نقص (3). ويحتمل أن يكون مراده من ذلك الشك في كل زيادة ونقيصة كما يحتمل أن يكون في خصوص عدد الركعات كما هو ظاهر الأخبار، وهذا القول أيضا قول العلامة في بعض كتبه (4)، والمشهور خلافه. ويستدل على ذلك القول بصحيحة الحلبي (5) وموثقة سماعة (6) وصحيحة
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 346 ب 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 327 ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 341 ذيل ح 993. (4) مختلف الشيعة: ج 2 ص 426. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 327 ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 309 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 11. 582 الفضيل (1) وحسنة زرارة (2) المتقدمات في المقام الثاني إيماء. وهي - مع عدم تقاومها لأدلة المشهور - ظاهرة في أعداد الركعات، وقد مر بعض المضعفات أيضا. ويدل على المشهور - مضافا إلى الأصل - حسنة الحلبي - لإبراهيم بن هاشم - قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم ثنتين، قال: يسجد أخرى وليس عليه بعد انقضاء الصلاة سجدة السهو (3). وسائر الأخبار الكثيرة الدالة على أن من شك وتجاوز المحل لم يلتفت، وهي كثيرة معتبرة جدا، وظاهرة في نفي الوجوب، ومر شطر منها في مباحث الركوع والسجود وغيرها، وسيجئ بعضها إن شاء الله، على أنا لا نحتاج إلى الدليل، فإن عدم الدليل دليل العدم، فيحمل تلك الأخبار على الاستحباب، ولا ريب أن الاحتياط في ذلك. ومما ذكرنا يظهر حال ما ذهب إليه المفيد في المسائل الغرية من وجوبها إذا لم يدر زاد ركوعا أم نقص، أو زاد سجدة أم نقصها ولم يتيقن ذلك وكان الشك له فيه حاصلا بعد تقضي وقته وهو في الصلاة (4). واحتمل بعض الأصحاب أن يكون مراده الزيادة والنقصان في الركعة. وهو بعيد. منهاج المشهور بين الأصحاب أن موضعهما بعد التسليم، وهو الحق، للأخبار الكثيرة مثل ما رواه عبد الله بن ميمون القداح في الموثق عن جعفر بن محمد
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 327 ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 326 ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 971 ب 15 من أبواب السجود ح 1. (4) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 2 ص 420. 583 عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام (1). ورواه الصدوق (2) أيضا مرسلا عنه (عليه السلام). وظاهر رواية منهال المتقدمة (3)، والصحاح المذكورة في المقام الثاني والثالث في المنهاج السابق، والصحاح والحسان الكثيرة المتقدمة في مبحث التشهد، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (4) المتقدمة في مبحث الكلام، إلى غير ذلك. ونقل في المبسوط عن بعض الأصحاب أنهما إن كانتا للزيادة فمحلهما بعد التسليم، وإن كانتا للنقيصة فمحلهما قبله (5). ونسبه في المختلف إلى ابن الجنيد (6). وربما يدعى أنه ليس كذلك، بل هو مذهب أبي حنيفة (7). ويدل على هذا القول صحيحة سعد بن سعد قال: قال الرضا (عليه السلام) في سجدتي السهو: إذا نقصت قبل التسليم وإذا زدت فبعده (8). ومثله روى الصدوق عن صفوان بن مهران الجمال عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن سجدتي السهو، فقال: إذا نقصت (9)... الحديث. وقال الصدوق: إني أفتي به في حال التقية (10) وعلى ذلك أيضا حملهما الشيخ (11) وهو جيد. ونقل المحقق في الشرائع قولا بتقديمها على التسليم مطلقا (12).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 314 ب 5 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 341 ح 994. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 339 ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 314 ب 5 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (5) المبسوط: ج 1 ص 125. (6) مختلف الشيعة: ج 2 ص 431. (7) نقله عنه في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في سجدتي السهو ص 229 س 29. (8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 314 ب 5 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4. (9) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 341 ح 995. (10) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 341 ذيل ح 995. (11) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 195 ذيل ح 71. (12) شرائع الاسلام: ج 1 ص 119. 584 ويدل عليه رواية أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): متى أسجد سجدتي السهو؟ قال: قبل التسليم فإنك إذا سلمت فقد ذهبت حرمة صلاتك (1). وهي مع ضعفها لا يقاوم ما ذكرنا، وحملوها على التقية أيضا. منهاج ويجب فيهما التشهد والتسليم على المشهور بين الأصحاب، بل ظاهر الفاضلين في المعتبر (2) والمنتهى (3) كونه إجماعيا، وذهب في المختلف إلى الاستحباب، قال: بل الواجب فيه النية لا غير (4). لنا - مضافا إلى ما ذكرنا، وعدم حصول اليقين بالبراءة إلا بذلك - صحيحتا أبي بصير (5) وابن سنان (6) وصحيحة الحلبي (7) المتقدمات في الشك بين الأربع والخمس، وموثقة أبي بصير (8) المتقدمة في مبحث التشهد، وسيجئ أيضا بعض الأخبار. وللنافي الأصل، والإطلاقات الكثيرة الخالية عن ذكرهما، وموثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال: لا، إنما هما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها هو الإمام كبر إذا سجد وإذا رفع رأسه، ليعلم من خلفه أنه قد سها، وليس عليه أن يسبح فيهما، ولا فيهما تشهد بعد السجدتين (9).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 314 ب 5 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5. (2) المعتبر: ج 2 ص 401. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 418 س 10. (4) مختلف الشيعة: ج 2 ص 434. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 326 ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 326 ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 334 ب 20 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (8) وسائل الشيعة: ج 4 ص 996 ب 7 من أبواب التشهد ح 6. (9) وسائل الشيعة: ج 5 ص 334 ب 20 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. 585 وحملها الشيخ على نفي التسبيح والتشهد مثل التسبيح والتشهد في الصلوات من التطويل، لما ثبت فيهما من الذكر والتشهد الخفيف (1). والحق أنه بالنظر إلى ملاحظة الأخبار، مع قطع النظر عن الخارج، الوجه ما ذهب إليه في المختلف (2) من الاستحباب، لكنه مع ملاحظة الاجماع وتوقف اليقين بالبراءة بذلك لا بد من الإتيان بهما. والأقرب وجوب الذكر فيهما مطلقا أيضا، وهو المشهور بين الأصحاب. وقيل: لا يجب نظرا إلى الإطلاق، وخصوص موثقة عمار المتقدمة (3). لنا على الوجوب - مضافا إلى توقف حصول اليقين بالبراءة على ذلك - أن الظاهر من السجدتين هو ما كان فيه ذكر، على أن تكون حقيقة في ذلك في عرف الشارع، ولو لم يظهر ذلك فلا يظهر خلافه أيضا، فإجراء أصل العدم في إثبات ماهية العبادة محل كلام معروف، وما ثبت كونه هي بالإجماع ليس إلا ما كان فيه ذكر، فيجب الذكر ويدل عليه أيضا الصحيحة الآتية. وبعد البناء على وجوب الذكر فالأحوط بل الأقوى وجوب ما تضمنته الصحيحة الآتية ونحوها كما اختاره جماعة من الأصحاب، ونسب الخلاف إلى الشيخ للإطلاق (4). وما تضمنته كافية في الذكر، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك. والصحيحة هو ما رواه الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تقول في سجدتي السهو: " بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد ". قال الحلبي: وسمعته مرة أخرى يقول فيهما: " بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " (5). وروى هذه الرواية الكليني (6) أيضا في الحسن، ولكن النسخ مختلف في قوله
(1) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 196 ح 72. (2) مختلف الشيعة: ج 2 ص 434. (3) مدارك الأحكام: ج 4 ص 284. (4) النهاية: ج 1 ص 322. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 334 ب 20 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (6) الكافي: ج 3 ص 356 ح 5. 586 " اللهم صل على محمد وآل محمد " ففي بعضها بدل " اللهم صل " " وصلى الله ". وظاهرها وجوب هذا الذكر. وروى الشيخ أيضا في الصحيح عن عبيد الله الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في سجدتي السهو: يقول: بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآله. قال وسمعته مرة أخرى... إلى آخر ما مر (1). وقد يستضعف بتضمنه سهو الإمام. وليس بشئ، لأن الظاهر أن المراد أنه كان يقول: إنه لابد أن يقال في سجدة السهو ذلك، والظاهر ثبوت التخيير في ما ذكر. ويجب الفصل بينهما بجلسة ليتحقق التثنية. ويشكل ذلك أيضا بالإطلاق وعدم الانحصار في ذلك كما في سجدتي الشكر، وبما ذكرنا من عدم حصول اليقين بالبراءة إلا بذلك، وظهور ذلك من بعض الأخبار. ومثله الإشكال في وجوب الطمأنينة بينهما، والأحوط وجوب الاطمئنان بينهما أيضا. والأمر في وجوب السجود على الأعضاء السبعة، والاشتراط بالطهور، والستر، وغير ذلك أيضا مثل ما مر، ولا ريب في توقف حصول اليقين بالبراءة بالمذكورات. وأما التكبير في أولهما فالمنقول عن الشيخ (2) وجماعة من الأصحاب (3) استحبابه، ولم نقف على مصرح بوجوبه، ولعله هو الوجه لرواية عمار (4) المتقدمة. واستدلوا على استحبابه أيضا بها. وهي أعم من المدعى، ويمكن أن يستدل أيضا برواية زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الظهر خمس ركعات ثم انفتل، فقال له بعض القوم: يا رسول الله هل زيد في الصلاة شئ؟ قال: وما ذاك؟ قال: صليت بنا خمس ركعات. قال: فاستقبل القبلة وكبر
(1) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 196 ح 74. (2) نقله عنه السيد العاملي في مدارك الأحكام: ج 4 ص 283، لكن ظاهره الوجوب في المبسوط: ج 1 ص 125. (3) منهم العلامة في تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 363. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 334 ب 20 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. 587 وهو جالس ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع، ثم سلم، وكان يقول: هما المرغمتان (1). ولكن في الاستدلال إشكال، مع أنها أيضا أعم من المدعى. واعلم أن الذي يظهر من كثير من الأخبار وجوب البدار بهما بعد الصلاة قبل فعل المنافي، يستفاد ذلك من كلمة " الفاء " في كثير منها وتقييدهما بقبل التكلم، ويؤكد ذلك ما دل على تقديمهما على التسليم أيضا. ولو نسيهما يأتي بهما متى ذكرهما لموثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) قال - في جملة مسائلها -: وعن الرجل إذا سها في الصلاة فينسى أن يسجد سجدتي السهو، قال: يسجدهما متى ما ذكر (2). وربما يستدل على ذلك بالإطلاقات. وفيه إشكال إذ عرفت مما ذكرنا أن الذي يظهر من الأدلة: إما فورية السجدتين، أو اشتراطهما بالوقوع قبل المنافي، وعلى أي تقدير المطلوب هو المقيد، والذي حققناه في الأصول هو أن الفوري بمنزلة الموقت، وأن المطلق لا ينوب عن المقيد، والتمسك بأن الميسور لا يسقط بالمعسور وبالاستصحاب ونحو ذلك لا يجدي نفعا، سيما في الأجزاء العقلية، ولا فرق فيما ثبت القيد من الخارج والداخل أيضا. فلا يمكن التشبث بالمطلقات بعد امتناع المقيد، فالأولى التمسك بالموثقة، فإنها حجة ومعتضدة بعملهم، اللهم إلا أن يقال: غاية ما ثبت من الأدلة هو الاشتراط في حال التذكر والاختيار، فلم يثبت التضيق في حالة السهو والاضطرار، فيبقى المطلقات بحالها. وفيه أيضا إشكال، نعم روى الشيخ عن عمار في الموثق في ذيل مسائله عن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر ذلك حتى يصلي الفجر كيف يصنع؟ قال: لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع الشمس وتذهب شعاعها (3).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 333 ب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 9. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 346 ب 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (3) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 354 ح 54. 588 أما لو تركهما عمدا فهل تبطل الصلاة أم لا؟ معظم الأصحاب على الصحة، لأن غاية ما استفاد من الأخبار وجوب ذلك ولم يثبت جزئيتها لها وشرطيتها لصحتها. ونقل عن الشيخ في الخلاف القول باشتراط صحة الصلاة بهما (1)، قال في الذكرى: وعلى قوله " تركهما " يقدح في الصحة (2) وهو قول بعض العامة (3)، ولا ريب في ضعفه. وربما يبنى هذه المسألة على الخلاف في أن الصلاة اسم للصحيحة الجامعة لشرائط الصحة أو الأعم منها، فعلى الأول يقع الإشكال لعدم حصول العلم بكون مثلها صحيحة. ولعل الموثقة السابقة مع عمل الأصحاب يكفي في ذلك إن شاء الله تعالى، لأن المدار على الظن، والظن الحاصل عن ذلك لعله أقوى من الظن الحاصل بذلك الاستصحاب، فتأمل. ثم إن تعدد موجب السجدة فالحق عدم التداخل، لأنه الأصل، وهو مختار الأكثر ظاهرا، ونقل عن الشيخ التداخل (4)، وعن ابن إدريس عدم التداخل (5) إن تعدد الجنس، كالكلام وسهو السجدة. ولا دليل لهما يعتد به، وإن كان قول ابن إدريس ليس بذلك البعيد. وربما يفرق في المتجانس أيضا بعدم تخلل الذكر. وهو حسن للصدق على من تكلم ثلاث كلمات متوالية أنه تكلم ويجب عليه السجدة، فلا يجب لكل آية من الفاتحة المنسية جميعها سجدة أيضا.
(1) الخلاف: ج 1 ص 462، المسألة 203. (2) ذكرى الشيعة: ص 230 س 4. (3) بداية المجتهد: ج 1 ص 195. المبسوط للسرخسي: ج 1 ص 218. (4) نقله عنه المحقق السبزواري في ذخيرة المعاد: ص 382 س 25. (5) السرائر: ج 1 ص 258. 589 والأولى الترتيب بملاحظة الأمور المنسية، وفي وجوب تقديم ما يقضي من المنسيات على السجدتين وجهان، يؤيد التأخير رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة في مباحث التشهد (1)، وذكر السجدتين عقيب الفراغ مشعرا بعدم الفصل بشئ، وقوى الشهيد التقديم (2). ولم نقف على مأخذه. منهاج الحق أنه يبطل الصلاة بالشك في أعداد الثنائية: كالصبح وصلاة السفر والجمعة وصلاة العيدين والكسوفين، والثلاثية كالمغرب ونسب هذه الأحكام في التذكرة إلى علمائنا (3)، وادعى في المنتهى على المذكورات أنه قول علمائنا أجمع إلا ابن بابويه، فإنه جوز البناء على الأقل والإعادة (4). لنا صحيحة حفص بن البختري وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا شككت في المغرب فأعد، وإذا شككت في الفجر فأعد (5). وصحيحة ابن مسكان عن عنبسة بن مصعب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا شككت في المغرب فأعد، وإذا شككت في الفجر فأعد (6). وصحيحة الحلبي عنه (عليه السلام) قال: إذا شككت في المغرب فأعد، وإذا شككت في الفجر فأعد (7). وصحيحة يونس عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ليس في المغرب والفجر سهو (8).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 341 ب 26 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (2) ذكرى الشيعة: ص 229 س 20. (3) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 314. (4) منتهى المطلب: ج 1 ص 410 س 4. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 304 ب 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 304 ب 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ذيل ح 5. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 304 ب 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5. (8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 304 ب 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. 590 وصحيحة العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يشك في الفجر، قال: يعيد، قلت: المغرب، قال: نعم والوتر والجمعة، من غير أن أسأله (1). وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن السهو في المغرب، قال: يعيد حتى يحفظ، إنها ليست مثل الشفع (2). وموثقة سماعة قال: سألته عن السهو في صلاة الغداة، قال: إذا لم تدر واحدة صليت أم ثنتين فأعد الصلاة من أولها، والجمعة أيضا إذا سها فيهما الإمام فعليه أن يعيد الصلاة، لأنها ركعتان، والمغرب إذا سها فيها فلم يدر كم ركعة صلى فعليه أن يعيد الصلاة (3). وحسنة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي ولا يدري واحدة صلى أم ثنتين، قال: يستقبل حتى يستيقن أنه قد أتم، وفي الجمعة وفي المغرب وفي الصلاة في السفر (4). وصحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قلت له: رجل لا يدري واحدة صلى أم ثنتين، قال: يعيد (5). وصحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل شك في الركعة الأولى، قال: يستأنف (6). ورواية إسماعيل الجعفي وابن أبي يعفور عن الباقر والصادق (عليهما السلام) أنهما قالا: إذا لم تدر واحدة صليت أم ثنتين فاستقبل (7). ورواية موسى بن بكر قال: سأله الفضيل عن السهو، فقال: إذا شككت في
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 305 ب 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 7. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 304 ب 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 305 ب 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 8. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 304 ب 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 300 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 301 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 11. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 302 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 16. 591 الأولتين فأعد (1)، وقال في صلاة المغرب: إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك (2). وظاهر هذا الخبر عدم التفرقة في الشك زيادة ونقصانا، وهو كذلك لظاهر الأخبار، وفتاوى الأصحاب. وصحيحة فضالة عن رفاعة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل لا يدري ركعة صلى أم ثنتين، قال: يعيد (3). ورواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا سهوت في الركعتين الأولتين فأعدهما حتى تثبتهما (4). وقال: إذا سهوت في المغرب فأعد صلاتك (5). وهذه الأخبار وإن لم تكن صريحا في بعض الصلوات المذكورات إلا أن التعليل الذي ورد في موثقة سماعة (6) وإطلاق باقي الأخبار وعدم القول بالفصل - على ما يظهر من العلامة في التذكرة (7) - يكفي في ذلك، سيما مع ملاحظة استصحاب شغل الذمة. ولعل مستند ابن بابويه فيما ذهب إليه هو ما سنذكر إن شاء الله من ظواهر الأخبار. وأما روايتا عمار (8) الواردة في هذا الباب المتضمنة لغير ما اتفق عليه الأصحاب فهما مؤولان أو مطروحان. وادعى الشيخ إجماع الطائفة على ترك العمل بمضمونهما (9)، ولذا لم نذكرهما.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 302 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 19. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 305 ب 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 9. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 301 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 12. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 302 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 15. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 305 ب 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 305 ب 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 8. (7) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 315. (8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 305 ب 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 11 و 12. (9) الاستبصار: كتاب الصلاة ب من شك في اثنتين وأربعة ج 1 ص 372. 592 وفي حكم الشك في الصلوات المذكورة مطلقا الشك في الأولتين من الرباعية، وهو المشهور بين الأصحاب. وقال في المنتهى أيضا: إنه مذهب علمائنا أجمع إلا أبا جعفر ابن بابويه، فإنه قال: لو شك بين الركعة والركعتين فله البناء على الأقل (1) وظاهره التخيير. لنا - مضافا إلى إطلاقات ما ذكرنا سابقا - حسنة الوشاء قال: قال لي أبو الحسن الرضا (عليه السلام) الإعادة في الركعتين الأولتين، والسهو في الركعتين الأخيرتين (2). وموثقة سماعة قال: قال: إذا سها الرجل في الركعتين الأولتين من الظهر والعصر والعتمة ولم يدر واحدة صلى أم ثنتين فعليه أن يعيد الصلاة (3). وصحيحة الفضل بن عبد الملك قال: قال لي: إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك (4). وصحيحة ابن مسكان عن عنبسة قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): إذا شككت في الركعتين الأولتين فأعد (5). ويدل على مذهب الصدوق حسنة الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يدري أركعتين صلى أم واحدة، قال: يتم بركعة (6). ومثلها موثقة ابن أبي يعفور (7). ورواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال في الرجل لا يدري ركعة صلى أم ثنتين، قال: يبني على الركعة (8).
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 410 س 4. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 301 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 10. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 302 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 17. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 301 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 13. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 301 ب 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 14. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 303 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 20. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 303 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 22. (8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 303 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 23. 593 وصحيحة صفوان عن عنبسة قال: سألته عن الرجل لا يدري ركعتين ركع أو واحدة أو ثلاثا، قال: يبني صلاته على ركعة واحدة يقرأ فيها فاتحة الكتاب، ويسجد سجدتي السهو (1). وحمل تلك الأخبار الشيخ على النوافل لقلتها، وكثرة الأخبار الأولة (2). ويدل على ما ذهب إليه أيضا الأخبار الآتية الدالة على وجوب البناء على الجزم. ولا يخفى أن ما ذهب إليه هو قضية الجمع بين الأخبار، وإلا فتلك الأخبار باتة بانية على البناء على اليقين. والأقوى والأحوط هو مختار القوم، فلا بد من تأويل المخالف أو طرحها، ولا دليل على الجمع مطلقا، وسيجئ تمام الكلام. واعلم أن ما ذكرنا من الأحكام في الثنائية والثلاثية هو إذا كان الشك في أعداد الركعات، وأما في الكيفيات - مثل الشك في زيادة جزء، أو نقصان جزء، ونحو ذلك - فحكمه مثل ما مر في مباحث الركوع والسجود بأنه يأتي به ما لم يتجاوز المحل ويصح إذا تجاوز، ركنا كان أو غيره، لعموم الأخبار المستفيضة الواردة في هذا الحكم عموما وخصوصا، منها ما مر في تلك المباحث. ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) قال: كل ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض (3). وموثقته - لابن بكير - عنه (عليه السلام) قال: كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو (4). وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل شك بعد
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 303 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 24. (2) الاستبصار: ج 1 ص 372. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 342 ب 27 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 336 ب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. 594 ما سجد أنه لم يركع، قال: يمضي في صلاته (1). ورواية أبي بصير - وفي طريقها محمد بن سنان - قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشك وهو قائم لا يدري ركع أم لم يركع، قال: يركع ويسجد (2). وحسنة الحلبي قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم ثنتين، قال: يسجد أخرى، وليس عليه بعد انقضاء الصلاة سجدتا السهو (3). ورواية أبي بصير - وفي طريقها محمد بن سنان أيضا - قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل شك فلم يدر سجد سجدة أم سجدتين، قال: يسجد حتى يستيقن أنهما سجدتان (4). ورواية زيد الشحام عنه (عليه السلام) في رجل شبه عليه فلم يدر واحدة سجد أو اثنتين، قال: فليسجد أخرى (5). وصحيحة حماد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أشك وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا، فقال: امض (6). ومثله صحيحته الأخرى، إلا أنه قال في آخره: قد ركعت امضه (7). وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب، وقال المفيد في المقنعة: وكل سهو يلحق الانسان في الركعتين الأولتين من فرائضه فعليه الإعادة (8)، ونقل عن الشيخ قولا بوجوب الإعادة لكل شك يتعلق بكيفية الأولتين كأعدادهما (9) قيل: ونقل ذلك
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 937 ب 13 من أبواب الركوع ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 935 ب 12 من أبواب الركوع ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 971 ب 15 من أبواب السجود ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 971 ب 15 من أبواب السجود ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 4 ص 971 ب 15 من أبواب السجود ح 2. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 936 ب 13 من أبواب الركوع ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 4 ص 936 ب 13 من أبواب الركوع ح 2. (8) المقنعة: ص 145. (9) نقله عنه المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 388. 595 القول الشيخ عن بعض القدماء من علمائنا (1)، وقد نقلنا سابقا عنه القول بذلك في ثالثة المغرب أيضا. لنا: الإطلاقات، بل العمومات المستفادة من تلك الأخبار، وقد مر احتجاج الشيخ برواية ابن أبي نصر البزنطي في مباحث الركوع والسجود (2)، والجواب عنها. ولا يخفى أنه لا يمكنه التمسك في ذلك بما دل على بطلان الصلاة بالشك في الأولتين، لظهورها في إرادة الأعداد لا الكيفيات، كما لا يخفى على من له طبع سليم. نعم، يقع الإشكال من جهة الأخبار الدالة على الإعادة بمجرد الشك في الفجر والمغرب ونحوهما، فإن بينهما عموما من وجه، ولعل تخصيصها بتلك الأخبار الكثيرة أولى، لظهور دلالتها وكثرتها، بل وعدم ظهور أخبار الإعادة في المغرب والصبح ونحوهما في غير صورة الشك في الأعداد، كما يشعر به تتبع تضاعيفها، مع ملاحظة ما ورد في غيرها أيضا، سيما وجل الأصحاب بنوا على ذلك. ولا ريب أن الأحوط في الثنائية والثلاثية الإتمام والإعادة، ولعل المراد بالبطلان هو ما إذا انقضى الوقت، وأما لو تداركه فلعله لا يضر، ولا أظن وجود مخالف فيه. والعجب من بعض الأصحاب أنه قال: أخبار المغرب والفجر أخص من تلك الأخبار مطلقا (3)، وبهذا استشكل، وأنت خبير بما فيه. ثم إنه لا فرق بين الركن وغيره في ذلك الحكم، للإطلاقات المتقدمة. وما استقربه العلامة من البطلان (4) - لأن الشك في الركن حقيقة شك في الركعة، والشك فيها مبطل في غير الأخيرتين من الرباعية فكذا ما نحن فيه - فيه ما فيه. ثم إن بعض الأصحاب قطع بأن الشك في صلاة الكسوف إنما يبطل إذا كان
(1) مختلف الشيعة: ج 2 ص 369. (2) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 154 ح 63. (3) ذخيرة المعاد: ص 375 س 20. (4) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 316. 596 في عدد الركعتين، وأما الركوعات فيبني فيها على الأقل، إلا أن يستلزم الشك في الركعة، كالشك بين الخامس والسادس الذي هو في الركعة الثانية (1). ولا يخفى أن الإشكال المتقدم أيضا هاهنا وارد بالنظر إلى العلة المنصوصة في موثقة سماعة (2)، والحال كما تقدم. وفي حكم ما تقدم حكم من لم يدر كم صلى على المشهور بين الأصحاب، بل قال في المنتهى: وعليه علماؤنا، وظاهر كلام الصدوق في الفقيه جواز البناء على الأقل (3) هاهنا أيضا. ويدل على ذلك - مضافا إلى ما دل على بطلان الصلاة مع الشك في صحة الأولتين، وأنه لا صلاة إلا مع سلامتهما، كما يدل عليه رواية عامر بن جذاعة أيضا عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا سلمت الركعتان الأولتان سلمت الصلاة (4) - أخبار كثيرة. كصحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: إن كنت لا تدري كم صليت ولم يقع وهمك على شئ فأعد الصلاة (5). ورواه الشيخ أيضا عن صفوان بسند فيه عباد بن سليمان (6). وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فلا يدري صلى شيئا أم لا، قال: يستقبل (7). وصحيحة زرارة وأبي بصير قالا: قلنا له: الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه قال: يعيد... الحديث (8).
(1) مفتاح الكرامة: ج 3 ص 294 س 23. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 302 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 18. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 410 س 5. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 299 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3 وفيه " سلمت ". (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 327 ب 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (6) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 187 ح 45. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 328 ب 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5. (8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 328 ب 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. 597 ورواها الشيخ (1) والكليني (2) أيضا في الحسن - لإبراهيم بن هاشم -. ويدل عليها أيضا صحيحة علي بن النعمان (3) المتقدمة في بحث من نسي ركعة. وما رواه الكليني عن حماد عن ابن أبي يعفور (4)، والشيخ بطريق فيه علي الميثمي عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال إذا شككت فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة أم في أربع فأعد ولا تمض على الشك (5). ويدل على مذهب الصدوق (6) روايات كصحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل لا يدري كم صلى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، قال: يبني على الجزم ويسجد سجدتي السهو، ويتشهد خفيفا (7). وروى الصدوق بسنده عن إسحاق بن عمار - وهو صحيح - أنه قال: قال لي أبو الحسن الأول (عليه السلام): إذا شككت فابن على اليقين، قال: قلت: هذا أصل؟ قال: نعم (8). وما رواه الصدوق في الحسن - لإبراهيم بن هاشم - عن سهل بن اليسع فيما إذا تلبس عليه الأعداد كلها عن الرضا (عليه السلام) أنه قال: يبني على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم ويتشهد تشهدا خفيفا (9). قال الصدوق: وروي أنه يصلي ركعة من قيام وركعتين من جلوس (10). ومر رواية عنبسة بن مصعب (11) أيضا.
(1) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 188 ح 48. (2) الكافي: ج 3 ص 358 ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 307 ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (4) الكافي: ج 3 ص 358 ح 3. (5) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 187 ح 44. (6) المقنع: ص 31. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 328 ب 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6. (8) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 351 ح 1025. (9) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 351 ح 1023. (10) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 351 ح 1024. (11) وسائل الشيعة: ج 5 ص 303 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 24. 598 ورواية علي بن أبي حمزة - وطريق الصدوق إليه صحيح على الظاهر لمكان أبي بصير - عن رجل صالح (عليه السلام) قال: سألته عن رجل يشك فلا يدري أواحدة صلى أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا يلتبس عليه صلاته قال: كل ذا؟ قلت: نعم، قال: فليمض في صلاته ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإنه يوشك أن يذهب عنه (1). وحمل الخبر الأول الشيخ على أن المراد بالجزم استئناف الصلاة (2)، وقد استشكل ذلك الشهيد وغيره بسجدتي السهو لأ نهما لا يجتمعان مع الإعادة (3)، وقد يحمل على الاستحباب من جهة كثرة السهو. وقد يناقش في ذلك بمنافاة كثرة السهو للبناء على الجزم، ويمكن دفعه بتكلف مثل إرادة جزم التمام وجزم الصحة أي: يجعل حكمه كحكم الجازم بهما. وحمل الشيخ رواية عنبسة وما في معناها على النوافل (4). وأما رواية علي ابن أبي حمزة هي خارجة عما نحن فيه لأنه حكم كثير الشك، وسيجئ حكمه إن شاء الله. وبالجملة: طرح الأخبار الكثيرة المعتبرة الصريحة، مع اعتضادها بالشهرة والإجماع المنقول ظاهرا، واستصحاب شغل الذمة والذهاب إلى الأضعف منها، مما لا يجوز عند العقل، فالأولى طرحها. ولا ريب أن الأقوى والأحوط هو ما اخترناه. ويمكن القول بأن الأحوط الإتمام والإعادة، فحينئذ يصير معنى البناء على الجزم أنه يجعل ما هو فيها الركعة الأولى. ولا وجه للحمل على التخيير أصلا. منهاج لو وقع الشك في الثانيتين من الرباعية فصوره المتعارفة العامة البلوى خمس،
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 350 ح 1022. (2) الاستبصار: ج 1 ص 374 ذيل ح 3 (3) ذكرى الشيعة: ص 225 س 5. (4) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 353 ذيل ح 51. 599 ولنقتصر عليها: الأولى: الشك بين الاثنين والثلاث - بمعنى الجزم بالإتيان بالاثنين، وشك في أنه هو الاثنين فقط أم هو مع الثالثة - فيبني على أنه فعل الثلاثة ويأتي بالباقي. وذلك إنما يتأتى بعد إكمال السجدتين ليثبت سلامة الأولتين، فلو شك قبل الركوع وبعد القراءة أو في أثناء الركوع مثلا أنها هل هي الثانية أو الثالثة فالصلاة باطلة، وكذا لو شك في نحو هذه الأماكن أنها هل هي الثالثة أو الرابعة يرجع إلى الشك بين الاثنين والثلاث، وعلى هذا القياس. واكتفى بعض الأصحاب في صدق الركعة بإكمال الركوع (1). وفيه إشكال، والأصل يقتضي مراعاة ما ذكرنا. ومن هذا يستشكل أيضا الحكم بالصحة وإن كان ما بعد تمام ذكر السجدة الأخيرة قبل الرفع. ويدل على ذلك صحيحة عبيد الآتية، بل في حسنة زرارة دلالة على وجوب اعتبار الدخول في الثالثة أيضا، ولكنه مشكل، ويكفي الرفع عن السجدة الأخيرة في ذلك إن شاء الله. فالمشهور بين الأصحاب أن من شك بين الاثنين والثلاث يبني على الثلاث ويتم، ويأتي بصلاة الاحتياط. ونقل عن السيد القول بأنه يبني على الأقل (2)، وظاهر الصدوق في الفقيه تجويز ذلك بدون الاحتياط (3)، وفي المقنع البطلان (4). واستدلوا على الأول بحسنة زرارة - لإبراهيم بن هاشم - عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قلت له: رجل لا يدري واحدة صلى أم اثنتين، قال: يعيد قال: قلت: رجل لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا، فقال: إن دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثم صلى الأخرى ولا شئ عليه ويسلم، قلت: فإنه لم يدر في ثنتين هو أم
(1) مختلف الشيعة: ج 2 ص 360. (2) الناصريات: ص 249. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 351 ذيل ح 1024. (4) المقنع: ص 31. 600 في أربع، قال: يسلم ويقوم ويصلي ركعتين ثم يسلم ولا شئ عليه (1). وظاهر هذا الخبر لا ينطبق على المدعى، إذ ظاهره أنه يمضي على الثالثة التي كانت ثالثة عنده وفي نظره، قبل وقوع الشك، المترددة الآن بينها وبين الأربع، ومقتضى المضي فيها والإتيان بالركعة الأخرى أنه يبني على الأقل وهو الاثنين فيأتي بالثالثة الموصوفة والرابعة فيكون دليلا للسيد (رضي الله عنه). وقد يقال: إن المراد من قوله (عليه السلام) " ثم صلى الأخرى " صلاة الاحتياط، فحينئذ ينطبق على المشهور. ولكنه خلاف الظاهر. والأوجه الاستدلال بالعمومات الدالة على البناء على الأكثر. قال الصدوق في الفقيه: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لعمار بن موسى: يا عمار اجمع لك السهو كله في كلمتين، متى شككت فخذ بالأكثر، وإذا سلمت فأتم ما ظننت أنك نقصت (2). وروى عمار أيضا قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شئ من السهو في الصلاة، فقال: ألا أعلمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شئ؟ قلت: بلى، قال: إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت وسلمت فقم فصل ما ظننت أنك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شئ، وإن ذكرت أنك كنت نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت (3). وروى أيضا قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كلما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر، قال: فإذا انصرفت فأتم ما ظننت أنك نقصت (4). وفي مقابل هذه الأخبار روايات قد تقدم بعضها، ومنها ما رواه الشيخ عن أحمد عن محمد بن سهل بن اليسع عن أبيه قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 319 ب 9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 340 ح 992. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 318 ب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 318 ب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4. 601 لا يدري أثلاثا صلى أم اثنين، قال: يبني على النقصان ويأخذ بالجزم، ويتشهد بعد انصرافه تشهدا خفيفا كذلك في أول الصلاة وآخرها (1). قيل: ولعله سقط هنا ذكر سجود السهو كما يشعر به ذكر التشهد، وما سبق من رواية الصدوق. ومنها صحيحة النضر عن محمد بن أبي حمزة عن عبد الرحمن بن الحجاج وعلي عن أبي إبراهيم (عليه السلام) في السهو في الصلاة فقال: يبني على اليقين (2). ومنها ما رواه الصدوق بسنده عن إسحاق بن عمار أنه قال: قال لي أبو الحسن الأول (عليه السلام): إذا شككت فابن على اليقين، قال: قلت: هذا أصل، قال: نعم (3). واستند الصدوق فيما ذهب إليه بالجمع بين تلك الأخبار بالتخيير (4). وحملها الشيخ على ما إذا ذهب وهمه إلى النقصان (5) وذلك لأن الظن حكمه حكم اليقين كما سيأتي. وهو حمل بعيد وظاهر رواية إسحاق ونحوها من الإطلاقات في غير ما هو صريح في الأعداد لا خفاء في حسن توجيهها بأن المراد أن الأصل هو العدم السابق اليقيني، ولا ينقض اليقين بالشك، وهذا الأصل جار في أجزاء الصلاة أيضا كما تقدم، وإنما استثني منها أعداد الركعات، فحينئذ يسهل الجواب عن سائر المعارضات. وقد يقال: إنها محمولة على التقية. وبالجملة: القول بالتخيير لا يخلو من قوة، لكن العمل على المشهور أقوى وأحوط، لما ذكرنا ولما ادعى ابن أبي عقيل تواتر الروايات بذلك (6). ومما ذكرنا ظهر حجة السيد (رضي الله عنه) أيضا وأما حجة الصدوق في المقنع فهو
(1) الاستبصار: ج 1 ص 375 ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 318 ب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 351 ح 1025. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 351 ذيل ح 1024. (5) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 193 ذيل ح 62. (6) نقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 226 س 34. 602 ما رواه عبيد بن زرارة في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل لم يدر ركعتين صلى أم ثلاثا، قال: يعيد: قلت: أليس يقال: لا يعيد الصلاة فقيه؟ قال: إنما ذلك في الثلاث والأربع (1). وحملها الشيخ على المغرب (2). ولا يخفى أنه لا يمكن طرح الأقوى من جهات شتى للأضعف، سيما والفاضلان ادعيا الاجماع على عدم بطلان الصلاة بالشك في الركعتين الأخيرتين (3). واعلم أن المشهور في صلاة الاحتياط هاهنا التخيير في الركعة قائما والركعتين جالسا. وابن أبي عقيل (4) والجعفي (5) عينا الثاني، وظاهر علي بن بابويه الأول (6). وظاهر روايات عمار وحسنة زرارة على التوجيه الذي ذكرنا يدل على الثالث، ولم نقف على ما يدل على تجويز الركعتين جالسا، فضلا عن تعينهما. ويمكن أن يكون نظر المجوز إلى أنه يظهر من ملاحظة الأخبار عموم البدلية، ويمكن أن يؤيد ذلك بما دل على وجوبهما على من شك بين الاثنين والثلاث والأربع، فإن الظاهر أن الركعتين من جلوس هنا لتدارك الركعة لو كانت الساقطة ركعة. ولكنه يشكل الحكم بذلك أيضا، والأحوط الركعة قائما. الثانية: الشك بين الثلاث والأربع، والمشهور أنه يبني على الأربع ويحتاط. وقال ابن الجنيد وابن بابويه بالتخيير بين ذلك وبين البناء على الأقل، وترك الاحتياط (7)، والأول أقوى.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 320 ب 9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (2) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 193 ذيل ح 61. (3) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 343. وأما المحقق لم نعثر على اجماعه في كتبه المتوفرة لدينا بل حكاه عنه في ذخيرة المعاد: ص 376 س 31. (4) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 384. (5) نقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 227 س 1. (6) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 384. (7) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 382، وليس فيه " ترك الاحتياط ". 603 لنا: ما رواه الشيخ والكليني عن عبد الرحمن بن سيابة والفضل بن عبد الملك - وليس في طريقه إلا أبان، وهو ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث، وإن وقع رأيك على الأربع فسلم وانصرف، وإن اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس (1). وما رواه الكليني في الحسن - لإبراهيم - والصدوق في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا لم تدر ثنتين صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شئ فتشهد وسلم ثم صل ركعتين وأربع سجدات تقرأ فيهما بأم القرآن ثم تشهد وسلم فإن كنت إنما صليت ركعتين كانت هاتان تمام الأربع، وإن كنت صليت الأربع كانت هاتان نافلة، وإن كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شئ فسلم ثم صل ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب، وإن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصل الركعة الرابعة ولا تسجد سجدتي السهو، فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد وسلم ثم اسجد سجدتي السهو (2). وليس في الفقيه من قوله (عليه السلام) " وإن كنت لا تدري " إلى آخره. وقد حمل السجدة على الاستحباب. ورواية جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال فيمن لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا ووهمه في ذلك سواء قال: فقال: إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار، إن شاء صلى ركعة وهو قائم، وإن شاء صلى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس (3) وقال في رجل لم يدر ثنتين صلى أم أربعا ووهمه يذهب إلى الأربع أو إلى الركعتين، فقال: يصلي ركعتين وأربع سجدات، وقال: إن ذهب وهمك إلى الركعتين وأربع فهو سواء، وليس الوهم في هذا الموضع مثله
(1) الكافي: ج 3 ص 353 ح 7، تهذيب الأحكام: ج 2 ص 184 ح 34. (2) الكافي: ج 3 ص 353 ح 8، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 349 ح 1015. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 320 ب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. 604 في الثلاث والأربع (1). وحسنة الحسين بن أبي العلاء عنه (عليه السلام) قال: إن استوى وهمه في الثلاث والأربع سلم وصلى ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب وهو جالس يقصر في التشهد (2). وصحيحة محمد بن مسلم قال: إنما السهو ما بين الثلاث والأربع وفي الاثنتين والأربع بتلك المنزلة. ومن سها فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا واعتدل شكه، قال: يقوم فيتم ثم يجلس فيتشهد ويسلم ويصلي ركعتين وأربع سجدات وهو جالس، وإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهد وسلم ثم قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد ثم قرأ وسجد سجدتين وتشهد وسلم، وإن كان أكثر وهمه الثنتين نهض فصلى ركعتين وتشهد وسلم (3). قيل: والظاهر أن " أو " بدل بالواو في قوله " ويصلي ركعتين " (4)، وبهذا لا يحتاج إلى تكلف جعل المراد من ذلك الشك في أثناء الركعة، لئلا يلزم الجمع بين البناء على الأقل والإتمام وصلاة الاحتياط، فحينئذ يكون المراد من قوله (عليه السلام) " يقوم فيتم " أي: يصلي ركعة قائما للاحتياط. ولكن ذلك لا يخلو عن تكلف، وإن ورد في بعض الأخبار صلاة الاحتياط متصلة. ويدل على ذلك أيضا روايات عمار السابقات. ويدل على القول الثاني الجمع بين تلك الروايات وبين الروايات الدالة على الأخذ باليقين، وما رواه زرارة في الحسن والصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قلت له: من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين وقد أحرز ثنتين، قال: يركع ركعتين
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 323 ب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 321 ب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 321 ب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4. (4) انظر مدارك الأحكام: ج 4 ص 261. 605 وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شئ عليه، وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى، ولا شئ عليه، ولا ينقض اليقين بالشك، ولا يدخل الشك في اليقين، ولا يخلط أحدهما بالآخر، ولكنه ينقض الشك باليقين، ويتم على اليقين فيبني عليه، ولا يعتد بالشك في حال من الحالات (1). والأقوى والأحوط هو المشهور. والمشهور في صلاة الاحتياط هاهنا أيضا التخيير بين الركعتين جالسا والركعة قائما كما تضمنه رواية جميل (2)، ونقل عن ظاهر الجعفي (3) وابن أبي عقيل (4) تعيين الركعتين جالسا. وهو أولى وأحوط لضعف رواية جميل وإن انجبر بالعمل. الثالثة: الشك بين الاثنين والأربع، والمشهور بين أصحابنا البناء على الأربع والإتيان بركعتين من قيام احتياطا، ونقل عن الصدوق القولان السابقان في المسألة الأولى أيضا (5). لنا: صحيحة ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يدري ركعتين صلى أم أربعا، قال: يتشهد ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين وأربع سجدات، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثم يتشهد ويسلم، وإن كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة، وإن كان صلى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة، وإن تكلم فليسجد سجدتي السهو (6). وصحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى ركعتين فلا يدري ركعتان هي أو أربع، قال: يسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 321 ب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 320 ب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (3) نقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 227 س 1. (4) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 384. (5) المقنع: ص 31. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 323 ب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. 606 ويتشهد وينصرف، وليس عليه شئ (1). وصحيحة أبي بصير عنه (عليه السلام) قال: إذا لم تدر أربعا صليت أم ركعتين فقم واركع ركعتين ثم سلم واسجد سجدتين وأنت جالس ثم سلم بعدهما (2). وقد مر حسنة زرارة في الصورة الأولى (3). وما رواه الحلبي في الحسن والصحيح في الصورة الثانية (4). وصحيحة محمد بن مسلم (5) المتقدمة هاهنا. ويدل على القول بالتخيير الجمع بين هذه وبين الأخبار الدالة على الأخذ بالجزم، وما رواه زرارة في الصحيح والحسن، وقد مر قبيل ذلك. ويمكن انطباقها على المشهور بعناية، إذ الأخبار في ذكر صلاة الاحتياط مختلفة من حيث الفصل والوصل، ولا بد من حمل ما لم يتعرض للفصل أو يشعر بخلافه على ذلك، ليكون جابرا للصلاة لو كانت ناقصة، ونافلة خارجة لو كانت تامة، كما يشعر به رواية عمار (6) المتقدمة وغيرها أيضا، وهكذا كلما ورد عليك في هذا الباب، وبمثل هذا أيضا يوجه صحيحة أبي بصير، فتدبر. ويدل على قول الصدوق الثاني صحيحة محمد بن مسلم قال: سألته عن الرجل لا يدري صلى ركعتين أم أربعا، قال: يعيد الصلاة (7). وقد يحمل على الشك في أثناء الركعة، وليس بذلك البعيد. وقد عرفت الاجماع المنقول عن الفاضلين (8)، فلا تغفل.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 324 ب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 324 ب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 8. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 323 ب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 321 ب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 321 ب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 318 ب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 324 ب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 7. (8) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 343. وأما المحقق الحلي فلم نعثر على إجماعه في كتبه المتوفرة لدينا بل حكاه عنه المحقق السبزواري في ذخيرة المعاد: ص 376 س 31. 607 الرابعة: الشك بين الاثنين والثلاث والأربع، والمشهور أنه يبني على الأربع، ويحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس. وقال ابن الجنيد (1) وابن بابويه (2): إنه يبني على الأربع ويصلي ركعة من قيام وركعتين من جلوس. وربما نقل عن ابن الجنيد تجويز البناء على الأقل أيضا ما لم يخرج الوقت (3). والأول أقوى لما رواه الكليني في الحسن - لإبراهيم بن هاشم - عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل صلى فلم يدر ثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا، قال: يقوم فيصلي ركعتين من قيام ويسلم، ويصلي ركعتين من جلوس ويسلم، فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة، وإلا تمت الأربع (4). ويدل على القول الثاني صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا، فقال: يصلي ركعة من قيام ثم يسلم ثم يصلي ركعتين وهو جالس (5). والترجيح للخبر الأول لاجتماع الأصحاب على العمل به بخلاف ذلك، مع أن في سنده أدنى خدشة، فإن سؤال أبي إبراهيم (عليه السلام) عن أبيه كذلك غير معهود. كذا قيل (6). وقيل: لعله تصحيف (7)، وفي بعض النسخ عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: قلت له: رجل إلى آخره، مع أنه ورد في بعض النسخ " ركعتين " مكان " ركعة ". والقول بالتخيير أيضا لم يعهد من أحد من الأصحاب. وقال الشهيد (رحمه الله): إن هذا القول أوفق بالاعتبار، إلا أن النقل والاشتهار يدفعه (8).
(1) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 385. (2) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 387. (3) نقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 226 س 30. (4) الكافي: ج 3 ص 353 ح 6. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 325 ب 13 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (6) قاله السيد السند في مدارك الأحكام: ج 4 ص 261. (7) ذخيرة المعاد: ص 378 س 2. (8) ذكرى الشيعة: ص 226 س 29. 608 وغرضه من موافقة الاعتبار أنهما منضمان يجريان مجرى الركعتين لو كان الناقص ركعتين، وإحداهما يجري مجرى الركعة لو كان ركعة. وقد عورض ذلك بتوافق الركعتين للساقطة لو كانت ركعتين، هيئة وتركيبا، ولا يلزم منه زيادة نية ولا تكبير، بخلاف ما ذكره، وهو كذلك. ولا بد من الجلوس في الركعتين الأخيرتين وقوفا مع النص، ونسبه الشهيد في الذكرى إلى الأصحاب (1). وقيل بتعيين الركعة قائما (2)، ولم نقف على مأخذه. وقيل بالجواز لتساويهما في البدلية، وأقربيتها إلى الحقيقة المحتمل سقوطها (3)، ولا يخفى ضعفه. ونقل عن أكثر الأصحاب القول بالتخيير في تقديم أي الصلاتين شاء (4)، والمفيد (5) والسيد (6) في بعض أقواله على تعيين تقديم الركعتين من قيام. وهو أولى وأحوط، لظاهر الخبر، وإن لم يكن الواو حقيقة في إفادة الترتيب. وقيل بعض الأقوال الأخر أيضا، والوجه ما ذكرنا. ثم اعلم أنه يجب في صلاة الاحتياط النية والتكبير والقراءة والتشهد والتسليم، لأنه صلاة منفردة، ولما ظهر من تضاعيف الأخبار أيضا. ويتعين القراءة هاهنا لأنها صلاة منفردة، ولا يكون إلا بفاتحة الكتاب، ولخصوص الأخبار المتقدمة. وخير ابن إدريس بينها وبين التسبيح للبدلية (7). وليس بذاك، لما ذكرنا، سيما مع توقف اليقين بالبراءة على ذلك.
(1) ذكرى الشيعة: ص 226 س 31. (2) القائل هو الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 1 ص 294 و 295. (3) مدارك الأحكام: ج 4 ص 262. (4) ذكرى الشيعة: ص 226 س 32. (5) المقنعة: ص 147. (6) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): ص 37. (7) السرائر: ج 1 ص 222. 609 ويلوح من كلام الشهيد في الذكرى أن فتوى الأصحاب واتفاقهم على وجوب البدار بها بعد الصلاة، فقال: ظاهر الفتاوى والأخبار وجوب التعقيب (1). وفي ظهور الأخبار في ذلك تأمل، سيما مع أداء أكثرها ب " ثم " الدالة على التراخي، وما ورد فيها كلمة " الفاء " أيضا ليس بذلك الظاهر، نعم ربما كان في مثل رواية عمار (2) إشعار بذلك، حيث جعلت فيها تمام ما صلى. ولكنه أيضا لا يدل على الفورية، اللهم إلا أن يثبت الاجماع على ذلك. والاحتياط في ذلك. ثم هل يبطل الصلاة بفعل المنافي قبلها أم لا؟ نقل عن ظاهر المفيد الأول (3)، وهو مختار العلامة في بعض أقواله (4)، والشهيد في الذكرى (5). والعلامة في بعض أقواله (6)، وابن إدريس (7) على الثاني، وهو المنقول عن جماعة من الأصحاب. وليس للمبطل ما يعتمد عليه، ووجوب سجدة السهو للمتكلم في آخر صحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة في الصورة الثالثة - مع أنه يحتمل كونه في نفس الصلاة أو الاحتياط لا بينهما - لا يسلتزم البطلان لو كان عمدا أيضا، فلا يمكن التمسك به، وكذا بالفورية المستفادة من الأخبار ب " الفاء " ونحوها كما ادعوا، لما ذكرنا، ولو سلم فلا يدل على البطلان أيضا، ولكن هذه الأمور - مع إشعارات يظهر من بعض الأخبار - يوجب توقف حصول البراءة اليقينية بذلك، لوقوع الشك في البراءة بدون ذلك. ثم إن المراد في هذا النزاع في الحقيقة هو أنه هل المصلي بتلك الصلاة يعد في الصلاة أم لا؟ فالمتأمل لا يخفى عليه إجراء التفاصيل التي ينبغي أن يلاحظ
(1) ذكرى الشيعة: ص 227 س 21. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 318 ب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (3) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 2 ص 415. (4) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في السهو ج 2 ص 415. (5) ذكرى الشيعة: ص 227 س 21. (6) إرشاد الأذهان: ج 1 ص 270. (7) السرائر: ج 1 ص 256. 610 في هذا المقام من أحكام المنافي وأقسامه، فتأمل. وادعى الشهيد أيضا الاجماع على فورية الأجزاء المنسية التي تقضى (1). وفي بطلان الصلاة هنا بفعل المنافي أيضا وجهان، يظهر الحال فيهما بملاحظة ما تقدم. وأما لو تركها عمدا ففي البطلان وجهان: بالنظر إلى أنه لم يثبت اشتراط صحة الصلاة بذلك، بل هو واجب على حدة أوجبها الشارع. وبالنظر إلى ما يظهر من الأخبار، سيما روايات عمار، أنه متمم للصلاة. ومقتضى ما اخترناه من عدم البطلان بتخلل المنافي عدم البطلان هنا فلم يثبت الاشتراط. وحينئذ فهل يكفي فعله أي وقت يكون ولو قضاء خارج الوقت؟ أو يجب فعله في وقت الصلاة؟ احتمالان. والظاهر بالنظر إلى الأخبار توقيته بوقت الصلاة، وإن لم يكن فوريا بعد الصلاة، فالأقرب بطلان الصلاة بخروج الوقت، وأنه لا يجدي القضاء، وثبوت القضاء بخصوص الاحتياط من دون الصلاة لم يثبت. واعلم أن الاعتبار في الشك بالظن اللاحق، فلو شك مثلا بين الاثنين والثلاث وبنى على الثلاث وصلى ركعة وبعدما رفع من الأخيرة غلب على ظنه أنه كان اثنين فيأتي بمقتضاه ويأتي بركعة أخرى، لأن العمل على الراجح كما سيأتي، فيسقط الاحتياط حينئذ، وهكذا. ثم في تقديم الأجزاء المنسية على الاحتياط مطلقا، أو مع تقدمها بسبب التقدم في الركعة المنسية عنها، وعدمه كذلك احتمالان. ولم يظهر من الأخبار دلالة على ذلك، والوجه التخيير، ولعل الأولى ملاحظة الترتيب. ولو تذكر بعد الاحتياط بأن الصلاة كانت ناقصة لا يعيد الصلاة مطلقا كما ظهر
(1) ذكرى الشيعة: ص 228 س 17. 611 من الأخبار، وأما في الأثناء فهكذا لو ظهر النقصان للإطلاقات، وفيما لو ظهر الصحة وجهان، ولعل الأحوط الإتمام. ولو ظهر النقصان بخلاف ما اقتضاه شكه - مثلا ظهر للشاك بين الثلاث والأربع حال كونه مصليا جالسا أنه صلى اثنين - فالأظهر هدمه، والإتيان بالركعتين للإطلاق. وفيه إشكال إذا استلزم زيادة الركن، وقد أسلفنا الكلام في سهو الركعة. والصورة الأولى أيضا لا يخلو عن إشكال إذا كان جالسا، أما لو كان قائما فالإشكال فيه أهون. وهل يحتاج إلى الاستئناف وجعلها نفس الركعة؟ أو يعدل بالنية؟ احتمالان. ولم أقف تصريحا للأصحاب بأكثر هذه التفريعات، والأخبار خالية عن ذكرها، والاحتياط سبيل النجاة. الخامسة: الشك بين الأربع والخمس. واعلم أن المراد بقولنا: " فلان شك هل صلى أربع ركعات أو خمسا " معناه - على ما هو مقتضى أصالة الحقيقة - أنه هل هو أتى بما هو أربع ركعات حقيقة، أو خمسا هكذا، فالكلام هاهنا في إثبات أن الركعة حقيقة في أي شئ. ولا خلاف بين الأصحاب في أنه يحصل حقيقة الركعة بالرفع عن السجدة الأخيرة، ولم يثبت الوفاق في غيره. ويظهر من الشهيد في بعض كلماته أن مسمى الركعة يحصل بالسجدة الثانية وإن لم يرفع منها (1). وليس ببعيد. وبالجملة: فالذي يحكم عليه الأخبار المتقدمة في المقام الثاني من مقامات سجدة السهو على الحقيقة والظاهر هو ما إذا رفع من السجدة الأخيرة، فحينئذ حكمه وجوب سجدة السهو كما تقدم، ولا خلاف ظاهرا في صحة الصلاة حينئذ.
(1) ذكرى الشيعة: ص 227 س 15. 612 نعم، الخلاف في مقامين: أحدهما: ما مر من خلاف المفيد ومتابعيه في وجوب السجدة. والثاني: ما نقل عن الصدوق من القول بوجوب الاحتياط بركعتين جالسا (1)، وأول بما إذا كان قبل الركوع (2)، وهو حسن. وأما إلحاق عمدة الركعة وأكثر أجزائها بنفس الركعة وإجراء ذلك الحكم فيما إذا كان في حال ذكر السجدة الأخيرة أو ما قبله إلى حال السجدة الأولى ونحوها لا دليل عليه، لأن الأصل هو الحقيقة. وكما أنه لا خلاف في الصحة بعد السجدتين وأن الحق أنه يسجد سجدة السهو لا غير فكذا ينبغي فيما إذا كان ذلك قبل الركوع أن يهدم الركعة ويسلم ويحتاط، لعدم شمول النص لذلك جزما، فإنه لا يسمى ركعة اتفاقا، فإن ذلك يرجع إلى الشك ما بين الثلاث والأربع، على إشكال فيه أيضا لعدم تبادره من الإطلاقات، فلا يترك الاحتياط. وأما بعد تحقق الركوع إلى آخر ما يتردد فيه ففيه إشكال، ومقتضى ما نقل عن بعض الأصحاب " أن مسمى الركعة يتحقق بإدراك الركوع " (3) اندراج ذلك تحت النصوص. ومقتضى ما ذكرنا من الشك في ذلك، وأن المتيقن هو ما ذكرنا العدم. فحينئذ كما يشكل الاندراج تحت تلك النصوص يشكل اندراجه تحت الشك بين الثلاث والأربع أيضا، ويقوى حينئذ القول بالبطلان، لعدم الدليل على صحة البناء على أحد الوجهين، واستصحاب شغل الذمة يقتضي الإعادة. وحكم العلامة في صورة الشك بين الركوع والسجود بالبطلان، وعلل ذلك بتردده بين محذورين: الإكمال المعرض للزيادة، والهدم المعرض للنقيصة (4). والأولى الاستدلال بما ذكرنا، ويمكن إرجاع ما ذكره إلى ما ذكرنا، فيكون
(1) المقنع: ص 31. (2) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 391. (3) مختلف الشيعة: ج 2 ص 360. (4) لم نعثر عليه في كتبه، ونقله عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 227 س 6. 613 نظره في الأول إلى عدم ظهور اندراجه تحت الشك بين الأربع والخمس، وفي الثاني إلى عدم ظهور اندراجه تحت الشك بين الثلاث والأربع، فإن الأصل لا يجوز الخروج عنه إلا بدليل، فيثبت البطلان. ونقل الشهيد (رحمه الله) قولا بالصحة لأن تجويز الزيادة لا ينفي ما هو ثابت بالأصالة، إذ الأصل عدم الزيادة، ولأن تجويز الزيادة لو منع لأثر في جميع صوره (1). قال بعض المتأخرين: وهو قوي متين، ومتى قلنا بالصحة وجبت السجدتان تمسكا بالإطلاق (2). وأنت بعد الإحاطة بما ذكرنا تطلع على ما فيه، إذ لا ريب أن هذا إنما يتم بعد تحقق اندراجه تحت تلك النصوص، وهل هو إلا أول المسألة؟ ومع الاندراج فلا حاجة إلى التمسك بأصالة عدم الزيادة، مع أن مطلق التمسك به في مثل هذا المقام محل تأمل. وعدم التأثير في سائر الصور إنما هو بالدليل، والتعدي قياس. ومن هذا ظهر ما في تقوية بعض المتأخرين، وقوله بوجوب السجدتين، مع أنه ضعف في موضع آخر قبيل هذا ما نقلناه عن بعض الأصحاب من أنه يحصل المسمى بإدراك الركعة، قال: وهو غير واضح (3). وتمسكه بالإطلاق هاهنا يناقض كلامه هاهنا فتدبر. وحكم أيضا بأن حكم الشك ما بين السجدتين حكم الشك بعدهما، وضعف قول الشهيد في الذكرى باحتمال البطلان لعدم الإكمال وتجويز الزيادة (4). وهو أيضا كما ترى. والاحتياط في كل ذلك الإتمام والإعادة، واحتياطنا هذا من جهة الاحتراز عن إبطال العمل المنهي عنه، وإن لم يظهر شمول دليله لما نحن فيه، لا أنا نجوز الإتمام والاكتفاء به، فلا تغفل، ومن هذا ظهر أن فعل السجدتين بعدها أيضا أحوط.
(1) ذكرى الشيعة: ص 227 س 7. (2) مدارك الأحكام: ج 4 ص 278. (3) مدارك الأحكام: ج 4 ص 257. (4) ذكرى الشيعة: ص 227 س 5. 614 ويمكن أن يقال: الاحتياط في الكل الإعادة بعد البناء على عمل الشاك بين الثلاث والأربع، لكن على المعنى الذي ذكرنا، فيدور الاحتياط بين أمرين: الإتمام والإعادة لما ذكرنا، ولاحتمال إرادة عموم المجاز من فعل الأربع والخمس في الأخبار، فيشمل الشك بين كونها رابعة أو خامسة، ولكنها في غاية البعد. والإعادة بعد البناء على الشك بين الثلاث والأربع، فيعمل بمقتضاه، لاحتمال شمول الإطلاقات لذلك، وقد أشرنا إليهما جميعا. ومقتضى ذلك التخيير، والله يعلم. منهاج إذا غلب أحد طرفي الشك وصار ظنا يبني عليه كائنا ما كان، فإن اقتضى الصحة فهو، وإلا فيحكم بالبطلان. فمن شك بين الثلاث والأربع، وغلب طرف الأربع في خاطره فيتم الركعة، ولا شئ عليه. وإن غلب الثلاث فيأتي بركعة أخرى، ولا شئ عليه، وهكذا فقس. واعلم أن الذي يظهر من الشهيد في الذكرى (1) أن فتوى الأصحاب أنه لا فرق في ذلك بين الأولتين والأخيرتين، ونقل عن ظاهر ابن إدريس اختصاص ذلك بما عدا الأولتين، ورده بأنه مخالف للعمومات والفتاوى، واستدل على المطلوب بدفع الحرج، وبما روى العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه (2). وببعض الأخبار المتقدمة في صور الشك. وقد يناقش في الخبر بأنه عامي، وبأن الأخبار لا عموم لها، بل هي مختصة بالموارد المخصوصة.
(1) ذكرى الشيعة: ص 222 س 34. (2) سنن النسائي: ج 3 ص 28. 615 والأولى الاستدلال بصحيحة صفوان (1) المتقدمة في مسألة من لم يدر كم صلى، فإن مفهومها يقتضي عدم الإعادة لو غلب أحد الطرفين، ومفهوم الشرط حجة ومفيد للعموم، وقد حققنا ذلك في الأصول، وأيضا الخبر العامي منجبر ضعفه بعمل الطائفة المحقة، ولأنه يستلزم الحرج كما ذكره الشهيد (2) (رحمه الله)، ويظهر ذلك أيضا من تتبع موارد الأخبار السابقة في صور الشك، ومما سنذكر هاهنا أيضا، فالظاهر أن حكمهما متساو. ويبقى الكلام في حكم المغرب والفجر، ولم أجد التصريح بذلك فيما نقل عن ابن إدريس وغيره. ورواية صفوان تشملهما أيضا، فيمكن اطراد الحكم فيهما أيضا. لكن يشكل الحكم بذلك فيهما، وفي الركعتين الأولتين من الرباعية أيضا بما تقدم من بعض الأخبار في مبحث الشك فيهما وغيره. وتلك الأخبار قسمان: منها ما هو أخص من هذه الصحيحة مطلقا، ومنها ما هو أعم من وجه. فالأعم: مثل حسنة محمد بن مسلم قال: يستقبل حتى يستيقن أنه قد تم (3). ورواية موسى بن بكر، فإن مفهومها يقتضي الحفظ واليقين (4). ورواية أبي بصير قال فيها: فأعدهما حتى تثبتهما (5). والثاني: مثل موثقة سماعة (6) وصحيحة زرارة (7)، فإن عدم الدراية أعم من الظن.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 327 ب 15 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (2) ذكرى الشيعة: ص 222 س 32. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 300 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 7. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 302 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 19. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 302 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 15. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 302 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 17. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 300 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6. 616 ومثلهما رواية إسماعيل الجعفي (1) وابن أبي يعفور (2) وصحيحة رفاعة (3) وغير ذلك. والخاص مقدم على العام، وترجيح أحد العامين من وجه يحتاج إلى الدليل. اللهم إلا أن يذب عن ذلك بمفهومات الأخبار الواردة في الفجر والمغرب، فإن عدم الشك أعم من الظن، وكذا ما ورد من هذا القبيل في غيرهما كرواية موسى بن بكر ويدعى أن ما ورد فيها من قولهم (عليهم السلام) " لا يدري واحدة صلى أم ثنتين " ونحوها ظاهرة في تساوي الطرفين، كما هو مقتضى همزة التسوية، فتدبر. ويدعى أنه يفهم من تتبع تضاعيف الأخبار الواردة في صور الشك فيما نص فيه على ذلك أن العلة الاعتماد على الظن. ويؤيد ذلك بما سنذكر أيضا في الأفعال، وبما ذكره الشهيد من لزوم العسر والحرج (4)، وغير ذلك، سيما مع عمل الأصحاب. ويؤيد ذلك رواية إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا ذهب وهمك إلى التمام ابدأ في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع، أفهمت؟ قلت: نعم (5). ثم إن جماعة من الأصحاب كالشهيدين (6) وابن إدريس (7) صرحوا بتسوية الأعداد والأفعال في ذلك، وهذا ظاهر إطلاقات الباقين أيضا. ولكن الأخبار كما ترى مختصة بالأعداد فيشكل التعدي. ويمكن تأييد ذلك ببعض ما ذكرنا مثل الحرج، وظاهر رواية إسحاق بن عمار، وادعاء فهم العلية ونحو ذلك. ويؤيده أيضا مفاهيم الصحاح المستفيضة المتقدمة متفرقا فيمن شك في شئ بأنه يقضي ما لم يخرج عن مكانه، ويمضي
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 302 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 16. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 303 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 22. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 301 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 12. (4) ذكرى الشيعة: ص 222 س 32. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 317 ب 7 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (6) ذكرى الشيعة: ص 222 س 34، مسالك الأفهام: ج 1 ص 295. (7) السرائر: ج 1 ص 250. 617 لو خرج، فإنه لا يطلق الشك على الظن حقيقة. ومثل الأخبار المتقدمة في مبحث تكبيرة الإحرام وغيره مثل صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يكبر حتى دخل في الصلاة فقال: أليس كان من نيته أن يكبر؟ قلت: نعم، قال: فليمض في صلاته (1). وروى الصدوق مرسلا عنه (عليه السلام) أنه قال: الانسان لا ينسى تكبيرة الافتتاح (2). وأما صحيحة ابن أبي يعفور والفضل بن عبد الملك عنه (عليه السلام) أنه قال في الرجل يصلي فلم يفتتح بالتكبير، هل تجزيه تكبيرة الركوع؟ قال: لا، بل يعيد صلاته إذا حفظ أنه لم يكبر (3). وما يحذو حذوه كصحيحة محمد بن مسلم (4) وغيرها، فظاهرها بعد تجاوز المحل، بل وبعد الإتمام، فليست بظاهرة في المطلوب، وإن كان لا يخلو عن تأييد ما. وفي بعض الأخبار دلالة على صلاة الاحتياط مع غلبة أحد الطرفين. وهو خلاف المشهور، ومتروك الظاهر عندهم، بل مخالف لما عليه الأصحاب، وهو موثقة أبي بصير قال: سألته (عليه السلام) عن رجل صلى فلم يدر أفي الثالثة هو أم في الرابعة، قال: فما ذهب وهمه إليه أن رأى أنه في الثالثة، وفي قلبه من الرابعة شئ سلم بينه وبين نفسه، ثم يصلي ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب (5). وربما يشعر بذلك صحيحة محمد بن مسلم (6) المتقدمة في الصورة الثانية. وأما رواية جميل (7) المذكورة ها هنا فليس من ذلك، كما فهمه بعض الأصحاب.
(1) وسائل الشيعة: ج 4 ص 717 ب 2 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 9. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 343 ح 998. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 718 ب 3 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 4 ص 716 باب 2 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 2. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 322 ب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 7. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 300 ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 7. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 323 ب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5. 618 ويدل على وجوب سجدة السهو أيضا بعض الأخبار كرواية إسحاق (1) المتقدمة قبيل ذاك، وحسنة الحلبي (2) المتقدمة في الصورة الثانية. وظاهرها متروكة، ويمكن حمل سجدة السهو على الاستحباب. فائدة: قال الشهيد الثاني (رحمه الله) في بعض كلماته: إنه يجب على الشاك التروي، فإن ترجح عنده أحد الطرفين عمل عليه، وإلا لزمه حكم الشاك (3). ورده بعض المتأخرين بأن الروايات لا يعطي ذلك، وجعل مراعاة ذلك احتياطا (4). ويمكن أن نظر الشهيد (رحمه الله) في هذا الحكم إلى ما رواه الشيخ في الصحيح عن حمزة بن حمران عن الصادق (عليه السلام) قال: ما أعاد الصلاة فقيه قط، يحتال لها ويدبرها حتى لا يعيدها (5)، إذ العمل بمقتضى الشك من الاحتياط ونحوه أيضا من قبيل الإعادة، فكما لابد للفقيه من الاحتراز عن الإعادة لا بد من الاحتراز عن الزيادة أيضا، فكأن المطلوب هو جعل الصلاة صحيحة غير محتاجة إلى شئ آخر كائنا ما كان، وهو يحتاج إلى التدبر لعله يحصل له الظن بسبب المرجحات، فيبني عليه. ولكن في دلالة ذلك على الوجوب تأمل، فتأمل جدا. منهاج ظاهر الأصحاب القطع بأنه لا حكم للشك الحاصل للإمام مع يقين المأموم، وبالعكس. والأصل في هذه المسألة روايات كحسنة حفص بن البختري - لإبراهيم بن هاشم - بطريقين للكليني والشيخ عن الصادق (عليه السلام) قال: ليس على الإمام سهو، ولا على من خلف الإمام سهو، ولا على السهو سهو، ولا على
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 317 باب 7 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 4 ص 717 ب 2 من أبواب تكبيرة الإحرام ح 9. (3) مسالك الأفهام: ج 1 ص 295. (4) مدارك الأحكام: ج 4 ص 264. (5) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 351 ح 43. 619 الإعادة إعادة (1). وصحيحة يونس - رواها الشيخ والكليني - عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الإمام يصلي بأربعة أنفس أو خمسة أنفس فيسبح اثنان على أنهم صلوا ثلاثا ويسبح ثلاثة على أنهم صلوا أربعا، ويقول هؤلاء: قوموا، ويقول هؤلاء: اقعدوا، والإمام مائل مع أحدهما، أو معتدل الوهم، فما يجب عليه؟ قال: ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه بإيقان منهم، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، ولا سهو في سهو، وليس في المغرب والفجر سهو، ولا في الركعتين الأولتين من كل صلاة، ولا في نافلة، فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم (2). ورواه الصدوق أيضا عن نوادر إبراهيم بن هاشم (3) بأدنى تفاوت في اللفظ، وليس فيها قوله: " ولا في نافلة " وفيها بدل كلمة " إيقان ": " اتفاق ". ولعله هكذا في الكافي أيضا. وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن رجل يصلي خلف الإمام لا يدري كم صلى، هل عليه سهو؟ قال: لا (4). وما رواه الشيخ عن أحمد عن محمد بن سهل، والصدوق أيضا بطريقه إلى محمد بن سهل، عن الرضا (عليه السلام) أنه قال: الإمام يتحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الافتتاح (5). والحكم في بناء أحدهما على الآخر في صور يقين أحدهما مما لا ريب فيه، وأما الرجوع إلى ظن الآخر كما حكم به جماعة أيضا ففيه إشكال، سيما مع ملاحظة نسخة الفقيه بلفظ " الإيقان " مع أنه يشكل ذلك مع لفظة " الاتفاق " أيضا،
(1) الكافي: ج 3 ص 359 ح 7، تهذيب الأحكام: ج 2 ص 344 ح 16. (2) الكافي: ج 3 ص 358 ح 5، تهذيب الأحكام: ج 3 ص 54 ح 99. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 352 ح 1028. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 338 ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (5) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 277 ح 132، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 406 ح 1206. 620 إذ من البعيد اتفاق الكل مع عدم اليقين من الجميع أو من البعض. ونظر المجوز لعله إلى مساواة حكم الظن لليقين في أحكام الشك، وادعاء ظهور أن المراد من هذه الأخبار أنه يبني أحدهما على صلاة الآخر الصحيحة عنده، الغير المحتاجة إلى تغيير وتبديل وزيادة ونقصان، وليس بذلك البعيد. ومما يؤيد ذلك أن لا يكاد ينفك شك أحدهما مع ظن الآخر عن تبدله بالظن، فالاعتماد على الظن، ومما يؤيد تساوي الظن لليقين هو كمال العسر والحرج في التنبه على ما يفرق بين اليقين والظن في حال الصلاة، بل الظاهر التنبه على ما هو عنده. ثم إنه قد يقال: إن هذا الحكم هو إذا ارتفع الشك كما هو الغالب، إذ حفظ أحدهما يوجب ترجيح ذلك الطرف غالبا، وأما بدونه فلا. وهو تقييد للأخبار من دون دليل، والحق أن الفرض نادر، ومما يؤيد ذلك أنهم قالوا: إن هذا الحكم مختص بالإمام والمأموم، فلا يجوز التعويل على الغير إلا إذا أفاد الظن، فيعتمد عليه من حيث إفادة الظن، وهو ينادي بأن حكم الرجوع فيما نحن فيه أعم من حصول الظن، فتدبر. ويشكل الأمر في رجوع الظان إلى المتيقن أيضا، وقد أجازه جماعة من الأصحاب (1) لعدم ظهور دليل عليه هاهنا. ويمكن أن يقال: إن غرضهم أيضا تحديد مواضع الرجوع، فإنه لا يكاد يبقى الرجحان الذي في أحد الطرفين مع يقين الآخر بخلافه، فيرجع ماله إلى إرجاع الشك أو الوهم إلى اليقين، فتدبر. هذا إذا حصل لأحدهما يقين أو ظن، وأما إذا كانا شاكين: فإن اتحد شكهما فيلزمهما حكمه، وإن اختلفا: فإن كان بينهما رابطة فيرجعان إليه، كما لو شك أحدهما بين الاثنين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع، فيرجعان إلى البناء على الثلاث، إذ أحدهما متيقن بانتفاء الرابعة، والآخر متيقن بوجود الثالثة،
(1) منهم السيد السند في مدارك الأحكام: ج 4 ص 270، والمحقق السبزواري في ذخيرة المعاد: ص 369 س 33. 621 وتحقق وقوع الثانية مشترك بينهما، فيعمل على نفي الرابعة والبناء على الثالثة. هذا إذا وجد من المجموع ما كان يقينا لأحدهما وهو الثالثة، وقد لا يوجد مع الرابطة ذلك، وهو هاهنا أيضا كذلك كما لو شك أحدهما بين الثلاث والأربع، والآخر بين الاثنين والثلاث والأربع، فالاثنين مشترك الوقوع بينهما يقينا، والثلاث يقيني لأحدهما والأربع مشترك الشك بينهما، فمرجعهما إلى الشك بين الثلاث والأربع فيعملان عليه. وأما إذا لم يكن رابطة بينهما مطلقا كالشك بين الاثنين والثلاث وبين الأربع والخمس فينفردان لعدم اندراجه تحت الأخبار، فيرجع كل إلى مقتضى شكه وينفرد هكذا، وكذلك الحكم إذا اختلف المأمومون عندهم وبلغ الإمام في التفصيل المذكور كما لو شك الإمام بين الاثنين والثلاث والأربع وفرقة من المأمومين بين الثلاث والأربع وأخرى بين الثلاث والأربع والخمس، فالرابطة هنا هو الشك بين الثلاث والأربع مع تيقن المأمومين للثلاث. وكذلك إذا جمعهم العمل على الشك على بناء واحد، كما لو شك الإمام بين الاثنين والأربع، وبعضهم بين الثلاث والأربع، وآخر بين الأربع والخمس، فيبني الكل على الأربع وإن تفاوت إحتياطهم، وهكذا. والظاهر عدم التفرقة في ذلك بين ما لو كان أحد الشكين يقتضي البطلان أم لا، كما لو شك أحدهما بين الواحد والاثنين، والآخر بين الاثنين والثلاث، فيبنيان على الاثنين، ولا يجوز الرجوع إلى أحدهم اقتراحا لعدم الدليل، بل الدليل على العدم، وهو ظاهر مرسلة يونس (1) المتقدمة. وأما مع حصول الظن ببعضهم فيتكل الإمام عليه إن جوزنا ذلك، ويعتمد الباقون على الإمام. وإذا فعل الإمام ما يوجب سجدتا السهو فالظاهر أنه لا خلاف في وجوب الإتيان بما اقتضاه مطلقا، والظاهر في عدمه أيضا عدم الوجوب مطلقا، وأما
(1) الكافي: ج 3 ص 358 ح 5، تهذيب الأحكام: ج 3 ص 54 ح 99. 622 المأموم فالمشهور بين الأصحاب إذا سها الإمام أنه لو لم يفعل ما يوجب سجود السهو لا يجب عليه شئ. وأوجبه الشيخ في المبسوط (1) وهو قول جمهور العامة (2)، وقد يستدل له بقوله (عليه السلام): إنما جعل الإمام إماما ليتبعوه (3). ورد بضعف السند، وبأن المراد المتابعة في الصلاة، والأصل عدم الوجوب. ومع ملاحظة ما قدمنا من الوجهين في سجود السهو يمكن أن يقال: الاحتياط في ذلك، سيما مع ملاحظة موثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) قال في جملتها: وعن الرجل يدخل مع الإمام وقد صلى الإمام بركعة أو أكثر فسها الإمام، كيف يصنع الرجل؟ قال: إذا سلم الإمام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه، وإذا قام وبنى على صلاته وأتمها وسلم سجد الرجل سجدتي السهو (4). ويدل على قول الشيخ أيضا إطلاق موثقة عمار المتقدمة في بيان وجوب التشهد والتسليم في سجدة السهو. ولعلهما محمولتان على التقية، والأحوط فعلها. وأما لو فعل المأموم موجب السهو، فقال الفاضلان (5) وجماعة من الأصحاب: إنه يجب عليه السجدتان للعمومات، ولخصوص صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة في التكلم ناسيا (6)، ورواية منهال المتقدمة في مقامات سجدة السهو (7)، ولا فرق فيه بين انفراده، واشتراكه مع الإمام. وذهب الشيخ في الخلاف إلى عدم الوجوب وإن عرض له السبب أيضا مدعيا إجماع الفرقة عليه (8)، وهو المنقول عن السيد أيضا (9)، وهو أيضا مختار
(1) المبسوط: ج 1 ص 124. (2) المجموع: ج 4 ص 144. (3) سنن ابن ماجة: ج 1 ص 276 ح 846. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 339 ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 7. (5) مختلف الشيعة: ج 2 ص 439، شرائع الاسلام: ج 1 ص 119. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 313 ب 4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 339 ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6. (8) الخلاف: ج 1 ص 463 المسألة 206. (9) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): ج 3 ص 41. 623 المحقق (1) والشهيد في الذكرى (2) وقال العلامة في المنتهى: إنه قول العامة إلا مكحول (3). وقد يستدل عليه بروايتي حفص بن البختري (4) ومحمد بن سهل (5) المتقدمين. وهو كما ترى، مع أنه يعارضه مرسلة يونس المتقدمة قال: وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام (6)، فتأمل: مع أن رواية محمد بن سهل أيضا معارضة بأخبار كثيرة: " إن الإمام لا يضمن صلاة من خلفه ". منها: صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيضمن الإمام صلاة الفريضة؟ فإن هؤلاء يزعمون أنه يضمن، فقال: لا يضمن، أي شئ يضمن، إلا أن يصلي بهم جنبا أو على غير طهر (7). ومنها: ما رواه الصدوق (8) بسنده عن أبي بصير، والشيخ (9) بسند ليس فيه إلا محمد ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: أيضمن الإمام الصلاة؟ قال: ليس بضامن. وفي رواية أخرى: إن الإمام ضامن للقراءة، وليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه، إنما يضمن القراءة (10). وفي معناها رواية جميل (11) أيضا.
(1) المعتبر: ج 2 ص 394. (2) ذكرى الشيعة: ص 223 س 19. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 412 س 27. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 338 ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 338 ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (6) الكافي: ج 3 ص 358 ح 5. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 434 ب 36 من أبواب صلاة الجماعة ح 6. (8) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 406 ح 1207. (9) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 279 ح 139. (10) وسائل الشيعة: ج 5 ص 421 ب 30 من أبواب صلاة الجماعة ح 3. (11) وسائل الشيعة: ج 5 ص 421 ب 30 من أبواب صلاة الجماعة ح 4. 624 وجمع الشيخ بين تلك الأخبار بالضمان في القراءة دون غيرها (1) كما يظهر من بعضها، أو ضمانها من جهة الحدث أيضا، ولابد أن يكون معناه أنه يأثم لو فعل عمدا، وإلا فصلاتهم صحيحة كما مر. وقد يستدل عليه بموثقة عمار عنه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل ينسى وهو خلف الإمام أن يسبح في السجود أو في الركوع، أو ينسى أن يقول بين السجدتين شيئا، فقال: ليس عليه شئ (2). وهو أيضا كما ترى، ووجهه يظهر مما اخترنا في سجود السهو، فنقول بموجبها. نعم، يدل على ذلك موثقة عمار الأخرى عنه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل سها خلف إمام بعد ما افتتح الصلاة فلم يقل شيئا ولم يكبر ولم يسبح ولم يتشهد حتى سلم، فقال: قد جازت صلاته وليس عليه شئ إذا سها خلف الإمام ولا سجدتا السهو لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه (3). ولا شك أن الأقوى الأول، للروايتين المعتبرتين، والعمومات الكثيرة جدا، ومخالفتها لمذاهب العامة كما يظهر من المنتهى (4)، وموافقتها للأصحاب. فالأولى حمل رواية عمار على التقية. ويؤيد المشهور أيضا إطلاق موثقة عمار (5) المتقدمة في مباحث سجدة السهو. وها هنا إشكال، وهو أنه كيف يصح القول بأن وجوب السجود هاهنا قول جمهور العامة وترك السجود هناك؟ بل لا بد من الموافقة بطريق أولى، فلا بد من الاعتبارين في هذه الموثقة كما لا يخفى. وبالجملة: الأحوط الإتيان بسجود السهو في المقامين، فلا تتركه.
(1) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 279 ذ ح 139. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 339 ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 339 ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5. (4) منتهى المطلب: ج 1 ص 413 س 14. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 339 ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 7. 625 فائدة: لا يجوز للمسبوق بركعة أن يأتم بالإمام في الأخيرة لو زاد الإمام ركعة سهوا، للأصل وعدم ظهور وجه الصحة، وموثقة سماعة عن الصادق (عليه السلام) في رجل سبقه الإمام بركعة ثم أوهم الإمام فصلى خمسا، قال: يعيد تلك الركعة ولا يعتد بوهم الإمام (1). فالمراد بالإعادة أنه يأتيها منفردا، ووجه التسمية أنه قد فاتته مع الإمام، كذا قيل. منهاج قد مر حسنة الحفص بن البختري ومرسلة يونس المتضمنتان لأنه لا سهو في سهو ولا سهو على السهو، واقتفى الأصحاب أثر الخبرين بذكر هذا اللفظ فقالوا: من سها في سهو لم يلتفت، ولا حكم للسهو في السهو ونحوهما، وكلامهم كالخبرين لا يخلو عن إجمال. وقال في المنتهى: معنى قول الفقهاء: " لا سهو في السهو " أي: لا حكم في السهو في الاحتياط الذي يوجبه السهو كمن شك بين الاثنتين والأربع فإنه يصلي ركعتين احتياطا، فلو سها فيهما فلم يدر صلى واحدة أو اثنتين لم يلتفت إلى ذلك. وقيل: معناه أن من سها فلم يدر هل سها أم لا لا يعتد به، ولا يجب عليه شئ، والأول أقرب (2)، انتهى. والظاهر أن مراده (رحمه الله) كظاهر التذكرة (3) والمعتبر (4) أنه يبني على فعل المشكوك فيه معللا بإمكان السهو ثانيا فلا يتخلص من ورطة السهو، وببعض العلل الضعيفة الاخر. ولابد أن يقال: إن مرادهم من ذلك أنه إذا كان الصحة يحصل بذلك، وإلا فيبني على ما اقتضاه الصحة.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 468 ب 68 من أبواب صلاة الجماعة ح 1. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 411 س 21. (3) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 322. (4) المعتبر: ج 2 ص 394. 626 وذكر المتأخرون (1) لهذه العبارة معاني أربعة ينشعب من إرادة المعنى الحقيقي من السهو في كليهما، أو الشك في كليهما، أو التفكيك متعاكسا، مع ضرب من العناية في بعضها. والتفصيل أنه: إما أن يسهو في موجب السهو كالسهو في سجدة السهو أو الأجزاء المنسية. أو يسهو في موجب الشك كركعتي الاحتياط وغيرهما، فلا يوجب لسجدة السهو ونحوها لو سها فيها. أو يشك في شك أي: هل شك أم لا، أو في موجب شك كركعتي الاحتياط ونحوهما. أو يشك في سهو فلا يلتفت، أو في موجب السهو كالسجدتين ونحوهما. وفي استفادة تلك الأحكام من الخبرين تأمل، ولا يطابق كلها للأصول. نعم، يمكن أن يقال: من سها سجدة من سجدتي السهو أو تشهدا أو تكلم فيهما فيسقط منه السجدة لها، لعدم شمول الأدلة لها، وظهور العمومات والإطلاقات في نفس الصلاة، والأصل عدم الوجوب. ولكنه يشكل بأنه لم يأت بالهيئة المطلوبة، والأصل في أجزاء العبادة هو الركنية حتى تثبت خلافها، والذي ثبت هو في نفس الصلاة، وإجراؤها في غيرها قياس، مع أنه لا يحصل مع ذلك اليقين بالبراءة، لعدم ظهور كون تلك الأمور خارجا عن الصلاة، فتدبر. وكذا الكلام في الأجزاء المنسية لو قلنا بوجوب السجود فيها في الصلاة. وكذا الكلام في السهو في ركعتي الاحتياط، سيما مع أظهرية اندراجها تحت العمومات والإطلاقات. وأما الشك في أصل وقوع الشك فلعل عدم الالتفات إليه مقتضى الأصل،
(1) منهم الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: ج 1 ص 296 و 297، والمحقق السبزواري في ذخيرة المعاد: ص 369 س 7. 627 ولعدم اليقين بالشك حينئذ، وحكم الشك يترتب على الشك المحقق. وليس بهذه المثابة الشك في موجب الشك. نعم، يتم فيما لو كان الصحة تتجه مع البناء على الأقل فيطابق أصل العدم، والأخبار الخاصة الدالة على ذلك المتقدمة، ومنها أن البناء على الأقل هو الأصل. على أنه يمكن الخدشة في أصل ذلك بالعلة المنصوصة في موثقة سماعة المتقدمة في الشك في الفجر والمغرب وغيرهما حيث قال: يعيد لأ نهما ركعتان (1). وبينه وبين ما نحن فيه تعارض من وجه، وهو أظهر دلالة مما نحن فيه، فتأمل. ويمكن أن يمنع عموم العلة حتى فيما نحن فيه، وتسليم عدم شمول الخبرين له أيضا فيبني على الأقل مطلقا، لأصل العدم، وللأخبار الخاصة. وأما البناء على فعل المشكوك فيه كما ظهر من العلامة (2) وغيره فمحل تأمل. وأما الشك في نفس السهو فعدم الالتفات إليه فيما جاوز المحل موافق للدليل، وأما مع البقاء فيرجع إلى الشك في الفعل، والأصل والدليل يقتضيان الاعتداد به، فيفعل المشكوك فيه. وأما الشك في موجبه فعدم الالتفات مع بقاء الوقت أيضا خلاف الأصل، بل ويحصل التأمل بعد التجاوز أيضا، لعدم ظهور الأدلة في غير الصلاة، فتأمل. هذا، وأقول: يمكن أن يقال: الذي يظهر من تتبع الأخبار أن الشارع لا يرضى بمعاملات الشك والسهو من جهة موجبهما، وهو متابعة الشيطان، ولهذا قال في كثير الشك ما قال، وسيجئ الأخبار، ويظهر من التعليلات أن موجبات السهو - بفتح الجيم - إنما هي من نتائج أفكار الشيطان، فإذا أريد إزالة كيده وجبر نقصه الذي أورثه في الصلاة لزاد لجاجة وولوعا، فلا بد من عدم الاعتناء في ذلك، وإلا لزاد في ذلك.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 302 باب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 18. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 411 س 23، تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 322. 628 ويؤيد ذلك قوله (عليه السلام) في حسنة حفص: " ولا على الإعادة إعادة " (1). والظاهر أن معناه أنه إذا أعدت الصلاة بسبب نقص من جهة شك ونحوه، فإذا شككت فيها ثانيا فلا تعد، فإنا قد جربنا ذلك، وأنه إذا أعدنا صلاتنا لتدارك نقص زاد فيه شكنا، بل قد نشك فيها بعين ما شككنا في الأول، فحينئذ لا بد من الارتداع عن متابعة الشيطان، فإنه يصير ذلك سببا لاعتياده بذلك، وقد نهى عنه المعصومون كما سيجئ. وربما يقال: يظهر من هذه العبارة أن كثرة الشك يحصل بالمرتبة الثانية. وهو مشكل. وقد يخصص ذلك بصورة الإعادة إن ثبت القائل بمضمونه. وبالجملة: الذي يظهر من الأخبار هو أن ما يكون مظنة لتسلط الشيطان لا بد من مخالفته، وظهور ذلك أيضا قوي، على أنا نقول: روى الشيخ في الموثق عن عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السهو ما يجب فيه سجدتا السهو؟ قال: إذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت - إلى أن قال: - فعليك سجدتا السهو، وليس في شئ مما يتم به الصلاة سهو.... (2). والظاهر أن المراد به مثل الاحتياط وسجدة السهو والأجزاء المنسية، بل والأعم منها أيضا. ويؤيد ذلك أيضا صحيحة الفضيل وموثقة سماعة المتقدمتان في مقامات سجدة السهو. وأما اختصاص الخبرين اللذين هما الأصل في ذلك الباب - مع أن الفقهاء تداولوهما في الأعصار والأمصار، وكان بناؤهم في الحكم عليهما، والظاهر أن مرادهم منهما ما ذكره العلامة (3) وما يقرب منه، وفهموه هكذا - بخصوص إرادة الشك في الشك فقط فهو بعيد، بل لا يصح أصلا، إذ ما ورد في هذا الحكم روايتان
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 340 ب 25 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (2) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 353 ح 54. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 411 س 18. 629 في أحدهما " ولا سهو على السهو " (1) وفي الأخرى " لا سهو في سهو " (2) وليس الشك في وقوع نفس الشك بمعنى أحد من هذين العبارتين، كما لا يخفى على المنصف المتأمل، سيما وعموم المجاز أقرب من مثل ذلك المجاز، مع ما ذكرنا من المؤيدات، وأيضا لا يخفى أن هذا يصير تأكيدا لا تأسيسا، لاستفادته من الأدلة بخلاف ما أرادوه. والذي يختلج بخاطري القاصر هو أن حكم ما ذكرنا كلها هو ما ذكروه، وأنه يبني على الصحة، ولكن الاحتياط في جميع الأحوال مقرب إلى الله المتعال. منهاج قد اشتهر بين الأصحاب أنه لا حكم للسهو مع الكثرة، بل هو في الجملة إجماعي على الظاهر. إنما الكلام في معناه، وظاهره بالخصوص غير مراد جزما، بل المراد إما الأعم من الشك، أو الشك بالخصوص. وقد ورد في هذه المسألة روايات: فروى الكليني والشيخ في الحسن - لإبراهيم بن هاشم - عن زرارة وأبي بصير - وفي الصحيح أيضا عنهما - قالا: قلنا له: الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه، قال: يعيد، قلنا: فإنه يكثر عليه ذلك كلما عاد شك، قال: يمضي في شكه ثم قال: لا تعودوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرن نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك قال زرارة: ثم قال: إنما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم (3). والعلة المنصوصة في هذا الخبر يفيد العموم، فلا تصغ إلى من يقول: إن هذا
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 340 ب 25 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 341 ب 25 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2. (3) الكافي: ج 3 ص 358 ح 2، تهذيب الأحكام: ج 2 ص 188 ح 48. 630 الخبر لا يفيد إلا الحكم المخصوص بمورده. وليكن على ذكر منك. وما رواه أيضا في الصحيح والصدوق بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك فإنه يوشك أن يدعك، إنما هو من الشيطان (1). وفي الفقيه مكان " فامض في صلاتك ": " فدعه ". قال في الفقيه: وقال الرضا (عليه السلام): إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك ولا تعد (2). وروى الشيخ في الصحيح عن ابن سنان - والظاهر أنه عبد الله - عن غير واحد، عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك (3). وروى الشيخ في الموثق عن علي بن أبي حمزة عن رجل الصالح (عليه السلام) قال: سألته عن رجل يشك فلا يدري أواحدة صلى أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا تلتبس عليه صلاته، قال: كل ذا؟ قال: قلت: نعم، قال: فليمض في صلاته ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإنه يوشك أن يذهب عنه (4). وأيضا في الموثق عن عمار عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشك في الركوع فلا يدري أركع أم لا، ويشك في السجود فلا يدري أسجد أم لا، فقال: لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتى يستيقن يقينا (5). وروى في الصحيح عن أبان عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أستتم قائما فلا أدري ركعت أم لا، قال: بلى قد ركعت فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان (6). والأخبار المذكورة بعضها صريحة في الشك، وبعضها في السهو، وكلام أكثر الأصحاب هاهنا غير مصرح بإرادة الشك فقط، والمنقول عن ظاهر جماعة منهم
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 339 ح 989. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 339 ح 988. (3) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 343 ح 11. (4) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 188 ح 47. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 330 ب 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5. (6) وسائل الشيعة: ج 4 ص 936 ب 13 من أبواب الركوع ح 3. 631 التساوي بين الشك والسهو كما هو ظاهر الأخبار، وكلام العلامة في جملة من كتبه (1) والمحقق مشعر بالخصوص (2). فلو بنى على التساوي يلزم أنه لم يبطل الصلاة بترك الركن، ولا يجب الإعادة بتركه، ولا قضاء ما يستلزم القضاء، ونحو ذلك. ولكنه لم يوجد من الأصحاب مصرح بذلك، بل ادعى بعض المتأخرين (3) اتفاق الفقهاء على البطلان لو كان ركنا وتجاوز محله، وأنه يأتي به إن لم يتجاوز، ركنا كان أو غيره، وأنه لو كان مما يتدارك بعد الصلاة - كالسجدة والتشهد - يقضيه بعدها، ولكنهم قالوا بسقوط سجدة السهو عنه، والأحوط الإتيان بها أيضا، فمراد من ساوى بين السهو والشك تسويتهما في أنه لا حكم لشكهما لا أنه لا حكم للسهو. ولا يخفى أن دلالة بعض الأخبار على السهو واضحة بالنظر إلى الإطلاق، والعلة المنصوصة في صحيحة محمد بن مسلم (4) يشعر بذلك. ولكنه يشكل ذلك الحكم مع العلم بعدم الإتيان بالمأمور به، وقرب إرادة الشك من لفظ السهو في هذه الأخبار، سيما وإرادة السهو فقط مما لا يجوز هاهنا، فإرادة الشك منها حينئذ ليس بذلك المخالف للأصل، مع أن ما يتعرض له الشيطان غالبا ويبتلي الانسان به هو صورة الشك، فإن السهو نادر الوقوع، فحمل الأخبار عليه أظهر. وأيضا موثقة عمار حيث قال: " حتى يستيقن يقينا " (5) ينادي بأنه مع اليقين لا بد من الإتيان به، إلا أن يقال إنهما في صورة عدم فوات المحل. ويخدشه أن تلك الأخبار وظواهر الأقوال أيضا مطلقة، ولكن القول بذلك مع بقاء المحل لعله
(1) تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 322، نهاية الإحكام: ج 1 ص 533، منتهى المطلب: ج 1 ص 411 س 10. (2) المعتبر: ج 2 ص 393. (3) هو العلامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار: ج 88 ص 277. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 329 ب 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 330 ب 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5. 632 اعتساف وجزاف، وحينئذ فالأقوى تخصيص الأخبار وكلام الأصحاب بصورة الشك والقول بأن مراد من سوى بينهما هو ما ذكرنا من أن شك كثير السهو مثل شك كثير الشك. ثم إن معنى البناء على الصحة والمضي في الصلاة هو أنه يبني على فعل المشكوك به إلا إذا اقتضى البطلان، فيبني على عدمه. ولا فرق في ذلك على الظاهر بين الشك في الأولتين وغيره والفجر والمغرب وغيرهما، فلو شك بين الواحد والاثنين يبني على الاثنين ولو شك بين الأربع والخمس يبني على الأربع. والأظهر سقوط سجدة السهو أيضا، إذ هي حاصلة من الشك، فإذا لم يعتد بالشك ويكون في حكم من لم يشك فلا يجب عليه سجدتا السهو، وتمسك بعضهم بعموم ما دل عليها وعدم منافاة ذلك الأخبار له لا وجه له كما لا يخفى. وظهر من هذا أيضا سقوط صلاة الاحتياط، والإعادة وغير ذاك أيضا. وهل يكون هذا عزيمة بحيث لو أتى بما شك فيه مثلا يبطل صلاته أم لا؟ فالمنقول عن صريح جماعة من الأصحاب البطلان. وهو كذلك. وحسنه بعض المتأخرين إذا كان زيادة ذلك الشئ مبطلا للصلاة. وفي التفصيل تأمل، لأنه إن كان فعله في حال الشك في معنى العمد فلا يتفاوت الحكم فيما يبطل زيادته الصلاة مطلقا كالركوع أو عمدا فقط كالسجدة الواحدة، وإن لم يكن ذلك في معنى العمد فليس يسهو أيضا حتى يكون مبطلا في الصورة الأولى دون الثانية. واحتمال استحباب ذلك وجواز البناء على الأصل كما ذهب إليه بعض الأصحاب غير مرضي، فإن الظاهر من تلك الأخبار وجوب ذلك، فالحق بطلان الصلاة بفعل المشكوك فيه، لأنه خارج عما كلف به حينئذ. ومع البناء على اختصاص الأخبار وكلام الأصحاب بصورة الشك، فلو تذكر أنه أسقط شيئا فيعمل على مقتضاه، فيبطل إن كان ركنا ومضى وقته، ويأتي به مطلقا لو بقي الوقت، ويقضي عنه بعد الوقت لو كان مما يقضى، ويسجد له للسهو
633 إن كان مما يستحق ذلك، وهكذا. واعلم أن معرفة الكثرة إنما هو بالعرف كما اختاره جمهور المتأخرين، وقيل: يحصل بأن يسهو ثلاث مرات متتالية، وهو قول ابن حمزة (1). وحدده ابن إدريس مرة بأن يسهو في شئ واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرات فيسقط بعد ذلك حكمه، ومرة بأن يسهو في أكثر الخمس يعني ثلاث صلوات من الخمس فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الفريضة الرابعة (2). وأنكر ذلك جماعة من المتأخرين، وطالبوه بالدليل لخلو الأخبار عن ذلك. والقول بأن الكثرة عرفا يحصل بما ذكروه ليس ببعيد، وأن ذلك هو تحديد الأقل، ولكن الحصر في ذلك ليس على ما ينبغي. وأما صحيحة محمد بن أبي حمزة عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن كثر عليه السهو (3) فهي لا يخلو عن إجمال، وأظهر معانيه أنه إذا لم يحصل له ثلاث صلوات متوالية بدون الشك فهو كثير الشك، ويمكن إرادة الركعات أيضا. ولا يخفى أن ذلك أيضا لا يفيد الحصر، بل المستفاد أن الكثرة يحصل بذلك لا أنه لا يحصل بغيره. والخروج عن الكثرة أيضا إنما هو من فهم العرف. ولا يعتبر حينئذ في كثرة الشك اتحاد المشكوك فيه، فلو شك في صلاة واحدة، أو في ركعة واحدة ما يحصل به الكثرة، فحكم الشك في غيرهما حكم كثير الشك وإن لم يشك فيه إلا واحدا. وكذلك يحصل الكثرة بالثلاثة المتغايرة ولو كان شك في كل مرة. وبالجملة: إذا صار المحكم العرف فلا معنى لمثل هذه التحديدات. ولو كثر شكه في فعل خاص ففي إجراء حكمه فيه مطلقا وجهان، أقربهما العدم، بل يكتفى فيما حصل فيه الكثرة، فإن المتبادر من الأخبار كثرة طبيعة الشك
(1) الوسيلة: ص 102. (2) السرائر: ج 1 ص 248. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 330 ب 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 7. 634 لا الشك الخاص، فتأمل حتى لا يذهب وهمك إلى أن الطبيعة موجودة في الخاص، فإن هذا ليس بكثرة الطبيعة. ومع الشك في أنه هل صار كثير الشك أم لا؟ فالأصل عدمه إلا أن يجد من نفسه تخييل الوسوسة فيبني على ذلك للعلة المعلومة من الأخبار، فتأمل. ولو حصل له الكثرة في صلاة واحدة فيسقط عنه حكم ما بعد حصول الكثرة لو فرض. ذلك وفي حصول الكثرة بالشك الذي استقر الظن على أحد طرفيه بعد التروي وجهان. وهل يعتبر السهو في النافلة في تحقق الكثرة فيه أيضا وجهان، أظهرهما نعم. منهاج إن وقع الشك في النافلة فيتخير بين البناء على الأقل والأكثر، والبناء على الأقل أفضل لتحصيل اليقين بذلك، لما رواه الكليني (رحمه الله) مرسلا مقطوعا أنه إذا سها في النافلة بنى على الأقل (1). ويؤيده كل ما دل على البناء على الأقل من الأخبار، وحملها أكثر الأصحاب على النافلة. ومرسلة يونس المتقدمة في سهو الإمام والمأموم (2) وصحيحة محمد بن مسلم بطريقين للكليني والشيخ عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن السهو في النافلة، قال: ليس عليك شئ (3) تدلان على جواز البناء على الأكثر، بل وهو إجماعي كما يظهر من المحقق في المعتبر فإنه قال: إنه متفق عليه من الأصحاب (4)، ويمكن الإشكال في أفضلية الأول.
(1) الكافي: ج 3 ص 359 ح 9. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 340 ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ذيل ح 8. (3) الكافي: ج 3 ص 359 ح 6، تهذيب الأحكام: ج 2 ص 343 ح 10. (4) المعتبر: ج 2 ص 396. 635 وظاهر الخبرين يدل على نفي أحكام الشك والسهو فيها، وأن حكمها حكم كثير السهو، إلا أن الفاضل السيد قال في المدارك: واعلم أنه لا فرق في مسائل السهو والشك بين الفريضة والنافلة إلا في الشك بين الأعداد، فإن الثنائية من الفريضة يبطل بذلك بخلاف النافلة، وفي لزوم سجود السهو فإن النافلة لا سجود فيها بفعل ما يوجبه في الفريضة، للأصل وصحيحة محمد بن مسلم (1) وسياقها كما ذكرنا. وذكر في مقام " شئ ": " سهو " كما هو في بعض النسخ. ولا يخفى أنه على ما ذكرنا يفيد العموم، بل وعلى ما ذكره أيضا كمرسلة يونس، والكلام فيه كالكلام بظاهره المتقدمة المذكورة في المرسلة أيضا، فلاحظ وتدبر فإجراء الأحكام فيها كما ذكره (رحمه الله) محل إشكال. خاتمة: يستحب في علاج السهو لمن غلب عليه أن يعمل بمضمون ما رواه السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: أتى رجل النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أشكو إليك ما ألقى من الوسوسة في صلاتي حتى لا أدري ما صليت من زيادة أو نقصان، فقال: إذا دخلت في صلاتك فاطعن فخذك الأيسر بإصبعك اليمنى المسبحة ثم قل: " بسم الله وبالله توكلت على الله أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم " فإنك تنحره وتزجره وتطرده عنك (2). وقال الصدوق في الفقيه: ووجدت بخط سعد بن عبد الله حديثا أسنده إلى الصادق (عليه السلام) أنه قال: من كثر عليه السهو في الصلاة فليقل إذا دخل الخلاء: " بسم الله وبالله أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم " (3). والأخبار في علاج كثرة السهو كثيرة: منها: ما مر. ومنها: موثقة عبيد الله الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السهو فإنه يكثر علي، فقال: أدرج صلاتك إدراجا، قلت: فأي شئ الإدراج؟
(1) مدارك الأحكام: ج 4 ص 274. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 345 ب 31 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 25 ح 42. 636 قال: ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود (1). وروى الصدوق بسنده عن عمران الحلبي عنه (عليه السلام) قال: ينبغي تخفيف الصلاة من أجل السهو (2). ومنها: رواية حبيب الخثعمي - وليس في طريقها إلا اشتراك محمد بن إسماعيل - قال: شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) كثرة السهو في الصلاة، فقال: أحص صلاتك بالحصى، أو قال: احفظها بالحصى (3). وفي الاعتماد على الحصى مع الشك وجهان: من جهة ظهور أن المراد من ذلك الاعتماد، ومن جهة الأصل، ولكن ما أثبتنا لك من عدم اعتبار شكه ينفي الأصل حينئذ. وقال في الفقيه: وفي رواية ابن المغيرة أنه قال: لا بأس أن يعد الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذه بيده فيعد به (4). وفي معناه روى عن معلى بن خنيس عن الصادق (عليه السلام) (5). وجوز فيهما تحويل الخاتم من مكان إلى مكان. ومنها: صحيحة عمر بن يزيد قال: شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) السهو في المغرب، فقال: صلها ب " قل هو الله أحد " و " قل يا أيها الكافرون " ففعلت فذهب عني (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 335 ب 22 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3. (2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 567 ح 1566. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 343 ب 28 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 339 ح 987. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 343 ب 28 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2، وفيه " عن حبيب بن المعلى ". (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 335 ب 22 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1. 637 الفصل الرابع في الفوائت منهاج اعلم أنا قد بينا في الأصول وحققنا أن القضاء وجوبه ليس تابعا للأداء، بل هو بفرض جديد فالأصل عدم الوجوب إلا ما أثبته الدليل، فإذا ترك المصلي صلاة من الصلوات وخرج الوقت ففعله في خارج الوقت محتاج إلى دليل، فلا يجب مع الشك بالفوات بل بالظن. والذي وصل إلينا من الأدلة على الإطلاق - مع قطع النظر عن خصوص ما يحقق فيه الاجماع - روايات كثيرة متضمنة لأنه يجب على من فات منه صلاة أن يفعلها متى ما ذكر. فحينئذ الإشكال في معنى الفوت، وفي التفرقة بين مثل المجنون وفاقد الطهور، والحائض والناسي والنائم، حيث يحكم على بعضها تلك الأخبار، ولا يحكم على البعض الآخر. وقد يفرق بين عدم الشرط ووجود المانع بأن الثاني في الأول، والأول في الثاني. ويشكل (1) بأن الحكم بكون الطهر شرطا وعدم كون الحيض مانعا، وكون التمكن من الطهور شرطا وعدم كون فقدان الماء مانعا بناء على قول، وبكون النوم
(1) في هامش الأصل قريبا من هذه الكلمة ما يلي: عليك أنه لا منافاة بين هذا وما قدمنا سابقا من عدم الوجوب مع الظن بالفوات كما لا يخفى. 638 مانعا وعدم كون اليقظة شرطا ومثل ذلك، في غاية الصعوبة، لأن النائم والساهي والمجنون والغافل كلهم متساو في عدم جواز تعلق التكليف عليهم، فإذا لم يثبت التكليف وتساووا في ذلك فكيف يقال: فات من هذا لأنه أريد منه، ولم يفت من ذلك لأنه لم يرد منه؟ اللهم إلا أن يجعل الإرادة غير الطلب، كما ذهب إليه الأشاعرة، ولكنه كلام لا يفهمه إلا الأشاعرة، والبديهة يحكم بفساده، وقد أبطلناه في تعليقاتنا على التهذيب بما لا مزيد عليه. فلا بد من الرجوع في فهم ذلك الأخبار إلى اللفظ والفهم العرفي، فما يصدق عليها أنه فات فيجب قضاؤها، وإلا فلا، فحينئذ يمكن أن يقال للنائم والساهي فات صلاتهما، كما هو مورد كثير من الأخبار، بخلاف المجنون والصغير. وأما الحائض ففيه إشكال، ويمكن القول بصدق الفوت، ولكنه مخصص في الصلاة، بشهادة وجوب قضاء الصوم، ويمكن القول بعدم الفوات، فيحتاج اخراج الصوم إلى دليل. فإن قلت: لا مدخلية لفهم العرف في ذلك، فإن ذلك أمر شرعي، فإنه موقوف على معرفة أنه مراد من هذا دون هذا، ففات من الأول دون الثاني. قلت: لا منافاة بين كون الشئ من الأمور الشرعية وكون مطلوبيته وعدم مطلوبيته منسوبا إلى الشرع والرجوع إلى معرفة فوته إلى العرف. وبيان ذلك: أن من المحقق المبين عند العقل والعرف والعادة أن المدار في التكاليف على الظن، فيحكم العقل والعرف بحسن تهيئة المسافر للسفر وأخذ الزاد والحذر والسلاح مع أنه ليس له علم ببقائه في ذلك الزمان وملاقاته للعدو وكذلك التهيؤ للسبع عند رؤيته وأخذ السلاح لدفعه مع أنه لا علم له ببقائه حتى يلاقيه لاحتمال هلاكه قبل وصوله إليه، وكذلك في الأحكام الشرعية يجب المسافرة للحج قبل الموسم مع أنه لا علم له بإدراكه شهر ذي الحجة، بل ينوي صلاة الظهر بنية الوجوب مع عدم العلم بالسلامة إلى آخرها مع شروطها، فكل مكلف بالغ
639 عاقل صحيح سالم يظن بقاءه إلى وقت العبادة يظن كونه مكلفا به ويحكم العقل والعرف بلزوم توطينه عليه بخلاف المجنون المحتمل إفاقته في وقت العبادة، فأهل العرف يقولون للصنف الأول إذا نام أو نسي عن الصلاة إنه فات منه بخلاف الثاني ونظير ذلك أن أهل العرف يقولون للتاجر المالك للقنية الذي هو أهل الاسترباح إذا حصل له مانع من سفر خاص أو معاملة خاصة انه فات من الربح الفلاني بخلاف الفقير الذي لا قنية له ولا أهلية للكسب من جهة عدم الأسباب، فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين. ثم إذا حصل لك الظن الاجتهادي بالفوات أو الظن بالعدم فهو المتبع، ومع الشك فالأصل عدم الوجوب، ولا تذهب ولعلك بعد ملاحظة تضاعيف المسائل التي سنذكرها تزداد بصيرة. فلا يجب القضاء على المجنون والصغير بالإجماع، بل لعله من الضروريات، ولا قضاء للجمعة والعيدين أيضا إجماعا وقد مر، وكذا على الحائض والنفساء بالإجماع وقد مر التفصيل، وفي فاقد الطهور قولان، والأقرب الوجوب للعمومات الآتية، وقد مر الكلام في ذلك أيضا. ويجب القضاء على من ترك الصلاة من غير هذه الجهات المذكورة عمدا بالمرة، أو بسبب ترك شرط أو جزء أو لنوم أو نسيان. ولعله إجماعي كما نقله غير واحد من أصحابنا (1)، ويدل عليه الأخبار الكثيرة. كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها، فقال: يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار (2). وحسنة زرارة والفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في جملتها: ومتى ما استيقنت أو شككت في وقتها أنك لم تصلها أو في وقت فوتها أنك لم تصلها صليتها، فإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شك
(1) مدارك الأحكام: ج 4 ص 290. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 348 ب 1 من أبواب قضاء الصلوات ح 1. 640 حتى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال كنت (1)، وسند هذا الخبر متعدد مع الاعتبار. وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في جملتها: ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها (2). وهذه الأخبار وما يساوقها ظاهرة في اليومية مع ملاحظة ما قبلها وما بعدها، ولكن العمومات كثيرة جدا: كصحيحة معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: خمس صلوات لا تترك على كل حال: إذا طفت بالبيت، وإذا أردت أن تحرم، وصلاة الكسوف، وإذا نسيت فصل إذا ذكرت، وصلاة الجنازة (3). وصحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: أربع صلوات يصليهن الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها، وصلاة ركعتي طواف الفريضة (4)... الحديث. وصحيحة حماد بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) عن رجل فاته شئ من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس، قال: فليصل حين ذكره (5). وما رواه زرارة - بسند في طريقها الطاطري - عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها، قال: يصليها إذا ذكرها في أية ساعة ذكرها ليلا أو نهارا (6). إلى غير ذلك. ويجب القضاء على من فاته من جهة مسكر أو مرقد، وأسنده في الذكرى إلى الأصحاب (7)، ويدل عليه العمومات.
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 205 ب 60 من أبواب المواقيت ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 350 ب 2 من أبواب قضاء الصلوات ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 175 ب 39 من أبواب المواقيت ح 4. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 174 ب 39 من أبواب المواقيت ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 174 ب 39 من أبواب المواقيت ح 2. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 199 ب 57 من أبواب المواقيت ذيل ح 1. (7) ذكرى الشيعة: ص 135 س 12. 641 والظاهر أنه لا وجه لتخصيص جماعة منهم ذلك بما لم يكن مكرها وغير عالم، لعموم الأدلة، والعقل غير مستقل، وما يتخيل في ذلك معارض بالنوم والنسيان الخارجين عن تحت الاختيار. وفي المغمى عليه قولان، أصحهما عدم الوجوب، وهو قول الأكثر، ويظهر من الصدوق في المقنع وجوبه (1). لنا الصحاح المستفيضة: كصحيحة أبي أيوب الخراز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أغمي عليه أياما لم يصل ثم أفاق أيصلي ما فاته؟ قال: لا شئ عليه (2). وحسنة حفص البختري - لإبراهيم بن هاشم - عنه (عليه السلام) قال: سمعته يقول في المغمى عليه قال: ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر (3). وصحيحة أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن المريض يغمى عليه ثم يفيق كيف يقضي صلاته؟ قال: يقضي الصلاة التي أدرك وقتها (4). وصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) في الرجل يغمى عليه الأيام، قال: لا يعيد شيئا من صلاته (5). وصحيحة أيوب بن نوح قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب: لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة (6). وحسنة عبد الله بن سنان - لإبراهيم - عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال كلما غلب الله عليه فليس على صاحبه شئ (7). إلى غير ذلك.
(1) المقنع: ص 37. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 354 ب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح 14. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 353 ب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح 13. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 354 ب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح 17. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 355 ب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح 23. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 352 ب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح 2. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 355 ب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح 24. 642 وفي مقابل تلك الأخبار روايات تدل على الوجوب: كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كل شئ تركته من صلاتك لمرض أغمي عليك فيه فاقضه إذا أفقت (1). وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يغمى عليه ثم يفيق، قال: يقضي ما فاته، يؤذن في الأولى ويقيم في البقية (2). وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المغمى عليه قال: يقضي كل ما فاته (3). وصحيحة ابن أبي عمير عن رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن المغمى عليه شهرا ما يقضي من الصلاة؟ قال: يقضيها كلها إن أمر الصلاة شديد (4). إلى غير ذلك. ولما أثبتنا أن القضاء بالفرض الجديد، وكان الأصل عدم التكليف، ولم يثبت شمول العمومات السابقة لمحل النزاع، سيما مع ملاحظة تلك الأخبار الكثيرة، وعمل أكثر الأصحاب عليها، وعدم مقاومة الأخبار المذكورة لها لا كثرة ولا سندا ولا دلالة ولا اعتضادا، فتركنا العمل على ظاهرها. والأولى حملها على الاستحباب كما فعله الشيخ (5) والصدوق (6)، ويشعر بذلك بل يدل ما رواه إبراهيم بن هاشم عن غير واحد عن منصور بن حازم عن الصادق (عليه السلام) أنه سأله عن المغمى عليه شهرا أو أربعين ليلة، قال: فقال: إن شئت أخبرتك بما آمر به نفسي وولدي أن تقضي كل ما فاتك (7).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 356 ب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 356 ب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 356 ب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 356 ب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح 4. (5) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 304 ذيل ح 9. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 363 ذيل ح 1042. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 358 ب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح 13. 643 وما رواه الشيخ عن حماد عن أبي كهمس قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وسئل عن المغمى عليه أيقضي ما ترك من الصلاة؟ فقال: أما أنا وولدي وأهلي فنفعل ذلك (1). ثم إن هاهنا أخبارا يدل على قضاء اليوم الذي أفاق فيه وإنه يقضي ثلاثة أيام وغير ذلك. مثل ما رواه الحسين بن سعيد عن عبد الله بن ميمون قال: كتبت إليه: جعلت فداك روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المريض يغمى عليه أياما، فقال بعضهم: يقضي صلاة يومه الذي أفاق فيه، وقال بعضهم: يقضي صلاة ثلاثة أيام ويدع ما سوى ذلك، وقال بعضهم: إنه لا قضاء عليه، فكتب: يقضي صلاة اليوم الذي يفيق فيه (2). وما رواه حفص بن البختري في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: المغمى عليه يقضي ثلاثة أيام (3). وغير ذلك، فيمكن أن يكون المراد من اليوم الذي أفاق فيه الصلاة التي أفاق في وقتها، كما يظهر من صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن المريض هل يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ قال: لا إلا الصلاة التي أفاق فيها (4). وفي معناها صحيحة ابن أبي عمير (5). ويحتمل الاستحباب كالأخبار الدالة على قضاء ثلاثة أيام. وبالجملة: من تتبع أخبار هذا الباب لعله يحصل له القطع بأن المراد بذلك الاستحباب، والله يعلم. ولعله لا فرق في ذلك بين ما صار هو سببا للإغماء وغيره، ولكن التعليل المذكور في بعض الأخبار ينافيه، فإن الغلبة حينئذ من نفسه، وأيضا هو من الأفراد
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 357 ب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح 12. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 355 ب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح 22. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 357 ب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح 7. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 352 ب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 355 ب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح 20. 644 النادرة للإغماء فلا ينصرف إليه الإطلاقات، فيندرج تحت العمومات الموجبة للقضاء، ولكن في شمولها لذلك أيضا تأمل، فلم يثبت الوجوب، وسبيل الاحتياط واضح. منهاج ولا يجب قضاء الصلاة على من استبصر من كفر أصلي لأن الاسلام يجب ما قبله، ولعله من المتواترات، وهو إجماعي، بل وقيل: إنه ضروري (1). هذا لغير من انتحل الاسلام، وأما هم فحكمهم حكم المخالفين، وحكمهم أنهم إذا استبصروا، وكان صلاتهم صحيحة عندهم فلا قضاء عليهم، وإن كانوا تركوها، أو فعلوا ما ليس بصحيح عندهم أو عندنا فيجب عليهم القضاء، أما لو كان صحيحا عندهم أو عندنا واعتقد صحته فيوجر عليه بعد الاستبصار ولا يقضيها، وهو مختار الشهيد في الذكرى (2). والعلامة في المختلف (3)، وظاهره في التذكرة أنها لا تفيد لهم مطلقا ولا يسقط عنهم القضاء مطلقا (4). ويظهر من السيد في المدارك (5) أنه لا يفيده ولا يوجر عليه، ولكنه يسقط القضاء منه تفضلا كالكافر الأصلي. لنا على ما اخترناه الأخبار الكثيرة، والأخبار في هذا المقام صنفان: منها: ما يدل على عدم الاعتداد بشأن عباداتهم، وكونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، وتلك مطلقات أو ظواهر في حال الخلاف. ومنها: ما هو صريح في أنها يوجر بعد الاستبصار بما فعله، ولا يعيد إلا الزكاة. ومقتضى ذلك ما ذكرنا، فلا بد من حمل المطلقات على حال المخالفة،
(1) مفاتيح الشرائع: ج 1 ص 182. (2) ذكرى الشيعة: ص 135 س 35. (3) مختلف الشيعة: ج 4 ص 19. (4) تذكرة الفقهاء: ج 8 ص 423. (5) مدارك الأحكام: ج 4 ص 289. 645 أو إبقائها على ظواهرها، فلا وجه للاستدلال بها على عدم الفائدة مطلقا، وعدم سقوط القضاء. والكافر المنتحل للإسلام يجري في ذلك مجرى المخالف كما يظهر من الأخبار، ولنذكر شطرا من الأخبار ليتضح لك حقيقة الحال، فمن المقام الأول: ما رواه الكليني (رحمه الله) في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) - في ذيل حديث طويل -: والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عز وجل ظاهرا عادلا أصبح ضالا تائها، وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق. واعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله عز وجل قد ضلوا وأضلوا، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شئ، ذلك هو الضلال البعيد (1). وفي الحسن - لإبراهيم بن هاشم - في ذيل حديث طويل - عن الباقر (عليه السلام): ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضاء الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، إن الله عز وجل يقول: * (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) * أما لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته ما كان له على الله حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان (2). إلى غير ذلك. ومن المقام الثاني: ما رواه الشيخ في الصحيح عن بريد بن معاوية العجلي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل حج وهو لا يعرف هذا الأمر، ثم من الله بمعرفته [والدينونة به] عليه حجة الاسلام؟ [أ] وقد قضى فريضته؟ [فقال: قد قضى فريضته] ولو حج لكان أحب إلي إلى أن قال - وكل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته، ثم من الله عليه وعرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها - إلى أن قال - وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء (3).
(1) وسائل الشيعة: ج 1 ص 90 ب 29 من أبواب مقدمة العبادات ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 1 ص 90 ب 29 من أبواب مقدمة العبادات ح 2. (3) تهذيب الأحكام: ج 5 ص 9 ح 23. 646 وما رواه الكليني في الحسن - بإبراهيم بن هاشم - عن عمر بن أذينة قال: كتب إلي أبو عبد الله (عليه السلام): إن كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو في حال نصبه ثم من الله عليه وعرفه هذا الأمر فإنه يؤجر عليه ويكتب له إلا الزكاة فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير موضعها، وإنما موضعها أهل الولاية، وأما الصلاة والصوم فليس عليه قضاؤهما (1). وما رواه أيضا في الحسن له عن الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شئ من ذلك؟ [قال: ليس عليه إعادة شئ من ذلك] غير الزكاة [و] لابد أن يؤديها (2)... الحديث. إلى غير ذلك من الأخبار. وإنما قيدنا صلاتهم بكونها صحيحة عندهم أو عندنا على وجه لظهور ذلك منها: وإن قلنا بكونها اسما للصحيحة، فالوجه أظهر. والدليل على وجوب القضاء لو تركوها أو فعلوها غير صحيحة فهو العمومات المتقدمة، خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي. وأما المرتد فيجب عليه قضاء زمان ردته، وقال في المنتهى: إنه قول علمائنا أجمع (3)، ويدل عليه العمومات المتقدمة، خرج ما خرج بالدليل - كالمستبصر عن الكفر الأصلي - فيبقى الباقي. وقد يستشكل في المرتد الفطري لو لم يقبل توبته باطنا، أو قتل، ولعل الوجه لزوم التكليف بالمحال. والتحقيق عدم استحالة مثل ذلك، فيبقى في ذمته إلى أن يقضيه الولي، ولعل قبول التوبة باطنا أظهر، فيصح ما يفعله بعد ذلك لو منعه عن القتل مانع.
(1) الكافي: ج 3 ص 546 ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 6 ص 148 باب 3 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 421 س 4. 647 منهاج من علم بالآيات ولم يصل صلاتها حتى خرج الوقت عامدا أو ناسيا وجب قضاؤها على المشهور. وذهب الشيخ إلى عدم وجوب قضاء الناسي ما لم يستوعب القرص (1). والمنقول عن السيد عدم وجوب القضاء في غير صورة الاستيعاب وإن كان الترك عمدا (2). والأول أقرب. لنا العمومات، والإطلاقات، وترك الاستفصال في الأخبار المتقدمة، وموثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) قال في جملتها: وإن لم تعلم حتى يذهب الكسوف ثم علمت بعد ذلك فليس عليك صلاة الكسوف، وإن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينك فلم تصل فعليك قضاؤها (3). وصحيحة حماد عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلي فليغتسل من غد وليقض الصلاة، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل (4). وقال الكليني (رحمه الله) في الكافي: وفي رواية أخرى: إذا علم بالكسوف ونسي أن يصلي فعليه القضاء، وإن لم يعلم به فلا قضاء عليه، هذا إذا لم يحترق كله (5). ولا يخفى أن المناقشة في أن خبر حريز يتضمن ظاهره مالا يقول به الأصحاب، وكذا إرساله لا يضر مع اعتضاده بالموثقة والعمومات وعمل الأصحاب، وذلك يكفي، سيما مع كون مضمونها موافقا للاحتياط. ويدل على مذهب السيد الأصل، وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن صلاة الكسوف: هل على من تركها قضاء؟ قال: إذا فاتتك فليس عليك قضاء (6).
(1) المبسوط: ج 1 ص 172. (2) نقله عنه المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 331. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 156 ب 10 من أبواب صلاة الكسوف ح 10. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 155 ب 10 من أبواب صلاة الكسوف ح 5. (5) الكافي: ج 3 ص 465 ذيل ح 6. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 156 ب 10 من أبواب صلاة الكسوف ح 7. 648 ورواية عبيد الله الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة الكسوف تقضى إذا فاتتنا؟ قال: ليس فيها قضاء وقد كان في أيدينا أنها تقضى (1). ولا يخفى أن رواية الحلبي مع ضعفها أيضا ظاهرها غير معمول به عند الأصحاب، فلا بد من حملها على صورة الجهل وعدم انكساف جميع القرص، وهكذا على ذلك نحمل صحيحة علي بن جعفر، ويشعر بذلك تغيير العبارة في كلام المعصوم حيث قال: " إذا فاتتك "، ولا ريب أن الموثقة مع اعتضادها بتلك الصحيحة والرواية المتقدمة والعمومات وعمل الأصحاب يترجح على هذه الصحيحة وإن كان سندها أوضح. ويرد ما ذهب إليه الشيخ صريحا الرواية التي ذكرناها عن الكافي، فالأقوى ما اخترناه. ولكن ما ذكرنا من الأدلة يختص بالكسوفين، فإن ثبت عدم القول بالفصل فهو، وإلا أمكن الإلحاق بالنظر إلى العمومات والإطلاقات لو لم نقل إن المتبادر غيرها. وأما مع الجهل بالآية حتى انقضى وقتها فأما الكسوفين فلا يجب القضاء إلا مع احتراق القرص، وهو قول الأكثر، بل قال في التذكرة: إنه مذهب الأصحاب عدا المفيد (2). وظاهر المرتضى في الانتصار ادعاء الاجماع على وجوب القضاء مطلقا (3). وإطلاقه يشمل صورة الجهل مطلقا، ولكن كلماته في سائر كتبه مفصلة. ومذهب الصدوق في المقنع (4) وكذا أبيه (5) وكذا ابن البراج أيضا القضاء مطلقا احترق القرص كله أو لم يحترق (6)، وهو ظاهر ابن البراج أيضا (7).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 156 ب 10 من أبواب صلاة الكسوف ح 9. (2) تذكرة الفقهاء: ج 5 ص 181. (3) الانتصار: ص 58. (4) المقنع: ص 44. (5) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 281. (6) المهذب: ج 1 ص 124. (7) كذا في الأصل أيضا، وهو تكرار ظاهرا. 649 وقال ابن الجنيد: إن قضاءها إذا احترق الكل ألزم مما لو احترق البعض (1). وهو أيضا يعطي الوجوب، وهذه الأقوال نقلها العلامة في المختلف (2). وقال المفيد في المقنعة: إذا احترق القرص وهو القمر كله ولم تكن علمت به حتى أصبحت صليت صلاة الكسوف جماعة، وإن احترق بعضه ولم تعلم به حتى أصبحت صليت القضاء فرادى (3). والأقرب المشهور، لنا ما رواه الكليني (4) والشيخ (5) في الصحيح عن زرارة ومحمد ابن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا انكسفت الشمس كلها واحترقت ولم تعلم ثم علمت بعد ذلك فعليك القضاء، وإن لم يحترق كلها فليس عليك قضاء. وما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار - وفي طريقه إلى الفضيل علي بن الحسين السعدآبادي، ولعل الحديث به يصير قويا، وعده بعضهم من الصحاح - قالا: قلنا لأبي جعفر (عليه السلام): أيقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم وإذا أمسى فعلم؟ قال: إن كان القرصان احترقا كلاهما قضيت، وإن كان إنما احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه (6). ورواية حريز قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا انكسف القمر ولم تعلم به حتى أصبحت ثم بلغك، فإن كان احترق كله فعليك القضاء، وإن لم يكن احترق كله فلا قضاء عليك (7). وقد مر ما رويناه عن الكليني (رحمه الله) أيضا. وليس للقول بوجوب القضاء مطلقا إلا أن القضاء تابع للأداء. والتحقيق خلافه كما ذكرنا، والعمومات والإطلاقات وشمولها لما نحن فيه ممنوع، ولو سلم فمخصص بما ذكرنا، لكمال نصوصيتها وصراحتها واعتضادها بالأصول والعمومات والعمل وغير ذلك.
(1) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 281. (2) مختلف الشيعة: ج 2 ص 281. (3) المقنعة: ص 211. (4) الكافي: ج 3 ص 465 ح 6. (5) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 157 ح 11. (6) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 549 ح 1529. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 155 ب 10 من أبواب صلاة الكسوف ح 4. 650 وأما آخر رواية (1) حريز المرسلة فغير ظاهر في ذلك، لاحتمال إرادة نفي وجوب الغسل لا إثبات وجوب القضاء، بل هو الظاهر، فحينئذ لا دلالة على وجوب القضاء فيما لو كان الاحتراق للبعض، ولو ثبت العموم والوجوب فهو مخصص بما ذكرنا. وأما موثقة عبيد بن زرارة عن أبيه عن الباقر (عليه السلام) قال: انكسفت الشمس وأنا في الحمام فعلمت بعد ما خرجت فلم اقض (2). فهي حكاية الفعل، ولا تدل على العموم كما لا يخفى. وأما قول المفيد فقال جماعة من الأصحاب بأنا لم نقف له على نص (3)، واحتج له في المختلف (4) برواية ابن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا انكسفت الشمس والقمر وانكسفت كلها فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلي بهم، وأيهما كسف بعضه فإنه يجزئ الرجل يصلي وحده (5)... الحديث. وهو ظاهر في الأداء، وغير ظاهر في الوجوب. وأما الزلزلة وسائر الآيات: فقال في التذكرة بسقوطها عن الجاهل، قال: فأما جاهل غير الكسوف مثل الزلزلة والرياح والظلمة الشديدة فالوجه سقوطها عنه عملا بالأصل السالم عن المعارض (6). وقال بعض محققي المتأخرين: وفيه نظر، لأن المعارض موجود وهو عموم ما دل على وجوب الصلاة للزلزلة من غير توقيت ولا تقييد بالعلم المقارن
(1) كذا في الأصل، والظاهر " رواية أخرى لحريز " راجع وسائل الشيعة: ج 5 ص 155 ب 10 من أبواب صلاة الكسوف ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 156 ب 10 من أبواب صلاة الكسوف ح 8. (3) مدارك الأحكام: ج 4 ص 134. (4) مختلف الشيعة: ج 2 ص 291. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 157 ب 12 من أبواب صلاة الكسوف ح 2. (6) تذكرة الفقهاء: ج 5 ص 182. 651 لحصولها (1) ولهذا قال في النهاية: ويحتمل قويا الإتيان بها، لأن وقتها العمر (2) وقد مر بعض الأحكام المتعلقة بذلك، والاحتياط أن لا يترك القضاء، وأما تسمية مثل ذلك قضاء وأداء ووجهها فقد مر. منهاج ذهب الشيخان (3) والسيد المرتضى (4) وابن الجنيد (5) وابن البراج (6) وأبو الصلاح (7) وسلار (8) وابن إدريس (9) إلى فورية وجوب القضاء. وصرح الشيخ في المبسوط مع ذلك بعدم إجزاء الحاضرة مع التقديم (10). وكذا أوجب المرتضى الإعادة حينئذ في المسائل الرسية (11) وهذا ظاهر ابن البراج (12) أيضا. وبالغ السيد المرتضى (13) وابن إدريس (14) في التضيق حتى أنهما منعا من الاشتغال بغير الصلاة والتكسب بالمباح وأكل ما يزيد على سد الرمق وكذا النوم وغير ذلك. وقال ابن بابويه في المقنع (15) والفقيه: إذا فاتتك صلاة فصلها إذا ذكرت، وإن ذكرتها وأنت في وقت فريضة أخرى فصل التي أنت في وقتها، ثم صل صلاة الفائتة (16).
(1) لعل المراد به السيد العاملي، راجع مفتاح الكرامة: ج 3 ص 229 س 7. (2) نهاية الإحكام: ج 2 ص 78. (3) المبسوط: ج 1 ص 172، المقنعة: ص 211. (4) الانتصار: ص 58. (5) كما في مختلف الشيعة: ج 2 ص 281. (6) المهذب: ج 1 ص 124. (7) الكافي في الفقه: ص 156. (8) المراسم: ص 80. (9) السرائر: ج 1 ص 321. (10) المبسوط: ج 1 ص 172. (11) المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى): ج 2 ص 365. (12) المهذب: ج 1 ص 125. (13) المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى): ج 2 ص 365. (14) السرائر: ج 1 ص 274. (15) المقنع: ص 32. (16) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 355 ذيل ح 1029. 652 وقال أبوه بما يقرب منه (1). وهو مذهب الفاضل سديد الدين يوسف بن المطهر (2). ونقله العلامة عن أكثر معاصريه من المشايخ (3)، وهو مذهب أكثر المتأخرين (4). وظاهر الصدوقين استحباب تقديم الحاضرة (5)، والمنقول عن غيرهما استحباب تقديم الفائتة (6). وهاهنا مذهبان آخران أحدهما للمحقق (رحمه الله) وهو تقديم الفائتة لو كان واحدا، وعدم وجوبه لو كان متعددا (7). والثاني للعلامة (رحمه الله) في المختلف وهو وجوب التقديم إن كانت ليوم الفوات وإن كانت متعددة، وإلا فلا (8). وحمل اليوم في كلامه على ما يشمل النهار ليتحقق التعدد. هذا، وقال بعض المتأخرين (9): وكأن القول بالمواسعة كان مشهورا بين القدماء أيضا. ونقل عن بعض الرسائل المنسوبة إلى السيد الجليل رضي الدين علي بن موسى بن طاووس أنه نقل فيه عن بعض كتب بعض أصحابنا - المذكور في خطبته أنه لم يرو فيه إلا ما أجمع عليه وصح من قول الأئمة - ما هذا لفظه: والصلاة الفائتات يقضين ما لم يدخل عليه وقت صلاة، فإذا دخل عليه وقت بدأ بالتي دخل وقتها وقضى الفائتة متى أحب. ونقل السيد أيضا فيها عن كتاب آخر عن بعض أصحابنا ما هذا لفظه: مسألة من ذكر صلاة وهو في أخرى قال أهل البيت (عليهم السلام): يتم التي هو فيها ويقضي
(1) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 5. (2) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 6. (3) مختلف الشيعة: ج 3 ص 6. (4) شرائع الاسلام: ج 1 ص 104. (5) المقنع: ص 32، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 355 ذيل ح 1029. (6) الخلاف: ج 1 ص 382 المسألة 139. (7) المعتبر: ج 2 ص 405. (8) مختلف الشيعة: ج 3 ص 6. (9) الظاهر أنه المحقق السبزواري في ذخيرة المعاد كما نقله عنه صاحب مفتاح الكرامة: ج 3 ص 387 س 24. 653 ما فاته، وبه قال الشافعي إلى آخر ما قال. والذي يترجح في نظري هو القول بالمواسعة واستحباب تقديم الفائتة إلى أن يتضيق الوقت. لنا على ذلك وجوه: الأول: الأصل، فإن وجوب الترتيب تكليف والأصل عدمه، ولا مدخلية لذلك في ماهية العبادة حتى يتأمل في جريان الأصل، مع أنه لم يقل أحد ببطلان الفائتة بالتأخير، وأما احتمال مدخلية ذلك في ماهية الحاضرة فمع أن الظاهر عدمه مقطوع باستصحاب الصحة وعدم ترتبها على شئ قبل حصول الفائتة، وستعرف بطلان أدلة الخصم. الثاني: لزوم العسر والحرج الشديد المنفيين في الدين بالآيات والأخبار، سيما مع ملاحظة ما ذكره السيد (رحمه الله) بل يلزم المحال لظهور استحالة ضبط المكلف للوقت أولا وآخرا بحيث يساوي الحاضرة ويصرف باقي الوقت في تحصيل الفائتة في العادة. الثالث: الآيات الكثيرة المطلقة والعامة كقوله تعالى: * (أقيموا الصلاة) * وغيرها، وقوله تعالى * (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) * (1) فإن الأصل بقاء العموم والإطلاق بحاله حتى يثبت المخصص والمقيد. الرابع: مطلقات الأخبار المساوقة للآيات في هذا المعنى، وهي كثيرة جدا، وروى سعد بن سعد في الصحيح قال: قال الرضا (عليه السلام): يا فلان إذا دخل الوقت عليك فصلها فإنك لا تدري ما يكون (2). وما يدل على فضيلة تقديم الصلاة في أول الوقت من الأخبار الكثيرة: ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضله، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا في عذر من غير علة (3).
(1) الإسراء: 78. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 87 ب 3 من أبواب المواقيت ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 89 ب 3 من أبواب المواقيت ح 13. 654 الخامس: فحوى ما دل على جواز تقديم النافلة على الفريضة الفائتة كأخبار رقود رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن صلاة الفجر، وهي كثيرة منها الصحاح. ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس، ثم استيقظ فعاد ناديه ساعة وركع ركعتين ثم صلى الصبح، وقال: يا بلال مالك؟ فقال بلال: أرقدني الذي أرقدك يا رسول الله قال: وكره المقام وقال: نمتم بوادي الشيطان (1). وفسر في بعض أخبار ذلك الباب الركعتين بنافلة الفجر، وفي تلك الأخبار أيضا مؤيدات من جهة التنحية من ذلك المكان، وإن لم يكن الكون فيه حراما، للتعليل بأنه وادي الشيطان وأنه (عليه السلام) أمر بلال بالأذان وغير ذلك، كما هو مذكور في صحيحة زرارة التي نقلها في الذكرى (2). ويدل أيضا موثقة أبي بصير عنه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس، فقال: يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة (3). السادس: الروايات المستفيضة الدالة على خصوص المقام: كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما، وإن خاف أن يفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء، وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح، ثم المغرب، ثم العشاء قبل طلوع الشمس (4). وصحيحة أبي بصير عنه (عليه السلام) قال: إن نام رجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء الآخرة أو نسي، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، وإن استيقظ بعد الفجر فليبدأ
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 206 ب 61 من أبواب المواقيت ح 1. (2) ذكرى الشيعة: ص 134 س 2. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 206 ب 61 من أبواب المواقيت ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 209 ب 62 من أبواب المواقيت ذيل ح 4. 655 فليصل الفجر، ثم المغرب، ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس، فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ثم ليصلها (1). ورواية جميل بن دراج - وفيه إرسال عن الوشا - عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: يفوت الرجل الأولى والعصر والمغرب وذكرها عند العشاء الآخرة، قال يبدأ بالوقت الذي هو فيه فإنه لا يأمن الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخل، ثم يقضي ما فاته الأولى فالأولى (2). وحسنة الحلبي - لإبراهيم بن هاشم - عنه (عليه السلام) أنه سئل عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: متى شاء: إن شاء بعد المغرب، وإن شاء بعد العشاء (3). وصحيحة محمد بن مسلم قال: سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار، قال: يقضيها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء (4). وصحيحة زرارة الطويلة التي سيجئ وفي آخرها: أيهما ذكرت فلا تصلها إلا بعد شعاع الشمس. قال: قلت: لم ذاك؟ قال: لأ نك لست تخافها (5). وهو شاهد على تأكد الاستحباب فيما قبل زمان الكراهة وأن الاستحباب لا يوازي الكراهة لو ثبت، وصحيحة الحسين بن أبي العلاء عنه (عليه السلام) قال: اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء (6). ورواية ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: صلاة النهار يجوز قضاؤها أي ساعة شئت من ليل أو نهار (7).
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 209 ب 62 من أبواب المواقيت ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 351 ب 2 من أبواب قضاء الصلوات ح 5. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 175 ب 39 من أبواب المواقيت ح 7. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 175 ب 39 من أبواب المواقيت ح 6. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 211 ب 63 من أبواب المواقيت ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 176 ب 39 من أبواب المواقيت ح 13. (7) وسائل الشيعة: ج 3 ص 176 ب 39 من أبواب المواقيت ح 12. 656 وربما حملتا على النافلة. وما رواه ابن طاووس عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح ولم يصل صلاة ليلته تلك، قال: يؤخر القضاء ويصلي صلاة ليلته تلك (1). ونقل أيضا من كتاب الصلاة للحسين بن سعيد، ومن أصل عبيد الله الحلبي - الذي قيل: إنه عرض على الصادق (عليه السلام) - ما يدل على ذلك (2). وروى الحميري أيضا في قرب الإسناد ما يدل على ذلك (3). ومما يؤيد ذلك في الأخبار في مكان من الكثرة. وربما جعل من المؤيدات الأخبار الدالة على استحباب الأذان لقاضي الفرائض كما ذكرنا. وفي تأييدها تأمل، وفيما ذكرنا كفاية إن شاء الله تعالى. حجة القائلين بالمضايقة وجوه: الأول: الاجماع، نقله الشيخ (4) وابن زهرة (5). وهو ضعيف بمعنى ظهور أن ذلك غير واقع، سيما مع ما نقلناه عن ابن طاووس أن خلافه قول أهل البيت، وأن ما دل على ذلك هو المجمع عليه، ومخالفة جم غفير من الأصحاب. الثاني: الأخبار الدالة على أن الفائتة من الصلوات الخمس التي تقضى متى ما ذكر، وقد مر شطر منها. ومنها: ما رواه يونس بن عبد الرحمن في الصحيح عن أبي سعيد المكاري عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خمس صلوات تصليهن في كل وقت: صلاة
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 208 ب 61 من أبواب المواقيت ح 9. (2) مستدرك الوسائل: ج 6 ص 431 ب 2 من أبواب قضاء الصلوات ح 1. (3) قرب الإسناد: ص 91. (4) الخلاف: ج 1 ص 382 المسألة 139. (5) غنية النزوع: ص 98. 657 الكسوف، والصلاة على الميت، وصلاة الإحرام، والصلاة التي تفوت... (1). والظاهر أنها في بيان الجواز لا الوجوب، ولعل الأوامر وما في معناها في تلك الأخبار في مقام توهم الحظر من جهة احتمال ثبوت وقت لها، أو عدم جوازها في بعض الأوقات كالأوقات المكروهة، فلا يظهر منها إلا الجواز، وبيان ذكر أسباب الوجوب، وهو لا يقتضي توهم التضيق، سيما والأمر لا يدل على الفور كما هو التحقيق. وكذلك ما في معناها من الأخبار، مثل ما رواه نعمان الرازي - وفي طريقها الطاطري - قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل فاته شئ من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها، قال: فليصل حين ذكره (2). وهذه الرواية تنادي بأن الأمر فيها لرفع الحظر كما لا يخفى، ورواها الصدوق أيضا بسنده عن حماد بن عثمان (3)، وفي معناها رواية زرارة أيضا (4). وكذلك صحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس، أيصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ فقال: يصلي حين يستيقظ (5)... الحديث. وكذلك كل ما دل على فعلها متى ما ذكر. الثالث: الأخبار المتضمنة لحكم من فاته فائتة ودخل وقت أخرى: كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها، فقال: يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت، وهذه أحق بوقتها فليصلها، فإذا قضاها
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 175 ب 39 من أبواب المواقيت ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 177 ب 39 من أبواب المواقيت ح 16. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 360 ح 1032. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 174 ب 39 من أبواب المواقيت ح 1. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 206 ب 61 من أبواب المواقيت ح 4. 658 فليصل ما فاته مما قد مضى، ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها (1). ورواية زرارة - وفي طريقها قاسم بن عروة - عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى، فإن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك، فإن الله تعالى يقول: * (وأقم الصلاة لذكري) * وإن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك فاتتك التي بعدها فابدأ بالتي أنت في وقتها فصلها ثم أقم الأخرى (2). ورواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى، فقال: إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلى حين يذكرها، وإن ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي، وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب ثم صلى العتمة بعدها، وإن كان صلى العتمة وحده فصلى منها ركعتين ثم ذكر أنه نسي المغرب أتمها بركعة فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات، ثم يصلي العتمة بعد ذلك (3). وصحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس، وقد كان صلى العصر، فقال: كان أبو جعفر (عليه السلام) أو كان أبي (عليه السلام) يقول: إن أمكنه أن يصليها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، وإلا صلى المغرب ثم صلاها (4). ورواية أبي بصير - وفي طريقها سهل ومحمد بن سنان - قال: سألته عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت العصر، قال: يبدأ بالظهر، وكذلك الصلاة تبدأ بالتي نسيت إلا أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة فتبدأ بالتي أنت في وقتها ثم تقضي التي نسيت (5).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 350 ب 2 من أبواب قضاء الصلوات ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 209 ب 62 من أبواب المواقيت ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 212 ب 63 من أبواب المواقيت ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 210 ب 62 من أبواب المواقيت ح 7. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 211 ب 62 من أبواب المواقيت ح 8. 659 وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء، وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن فأذن لها وأقم ثم صلها، ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة. وقال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إن كنت قد صليت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها فصل الغداة أي ساعة ذكرتها ولو بعد العصر، ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها. وقال: إن نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثم صل العصر فإنما هي أربع مكان أربع، فإن ذكرت أنك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين فانوها الأولى فصل الركعتين الباقيتين وقم فصل العصر، وإن كنت ذكرت أنك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب، وإن كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر. وإن كنت قد صليت من المغرب ركعتين وقد ذكرت العصر فانوها العصر ثم قم فأتمها بركعتين ثم سلم ثم صل المغرب، وإن كنت قد صليت من العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصل المغرب. وإن كنت ذكرتها وقد صليت العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثم سلم ثم قم فصل العشاء الآخرة. وإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة، وإن كنت ذكرتها وأنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثم قم فصل العشاء وأذن وأقم. وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة، ابدأ بالمغرب ثم العشاء، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم بالغداة ثم صل العشاء، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم صل المغرب والعشاء، ابدأ بأولهما لأنهما جميعا قضاء أيتهما ذكرت فلا تصلها إلا بعد شعاع الشمس. قال: قلت: لم ذاك؟ قال: لأ نك لست تخاف فوتها (1).
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 211 ب 63 من أبواب المواقيت ح 1. 660 ويدل على ذلك أيضا روايتان ضعيفتان وردتا في مبحث القبلة أنه إن تبين كون صلاته على غير جهة القبلة ودخل وقت الأخرى يعيد الأولى ثم يأتي بالثانية (1). أقول: أما رواية زرارة ورواية عبد الرحمن بن الحجاج ورواية أبي بصير فضعاف لا يقاوم الأخبار الصحيحة المتكثرة الظاهرة الدلالة، بل الصريحة المعتضدة بما ذكرناها، فلا بد من حملها على الاستحباب، ومما يؤكد ذلك قرب حمل الأمر على الاستحباب وبعد الحمل والتوجيه في أدلتنا، بل هو متعذر في الأكثر، والعلة المذكورة في رواية جميل (2)، والتأكيد المذكور في صحيحة الحسين بن أبي العلاء (3)، إلى غير ذلك. ومن تأمل في تلك الأدلة ولاحظ هذه الأخبار لم يبق له تأمل في حسن هذا التوجيه. وأما صحيحتا زرارة (4) فأيضا لا تقاومان لما ذكرنا، فلا بد من حملهما على الاستحباب، سيما في الأخيرة ما يضعفها وهو شيئان، الأول: ما ذكرنا سابقا من أن قوله (عليه السلام) في آخرها " لأ نك لست تخاف فوتها " صريح في عدم وجوب التضيق، والثاني: أن الظاهر من قوله (عليه السلام) " وإن كنت ذكرت أنك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب " أن المراد وقت فضيلة المغرب، كما لا يخفى على المنصف المتدبر، وتقديم المستحب على الواجب كما ترى، فيكون من قبيل تقديم أحد المستحبين على الآخر. ومن هذا ظهر الجواب عن صحيحة صفوان أيضا، ويؤيد ذلك قوله (عليه السلام) في آخرها " وإلا صلى المغرب ثم صلاها " فتفكر.
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 228 ب 9 من أبواب القبلة ح 5، تهذيب الأحكام: ج 2 ص 46 ح 17 و 18. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 351 ب 2 من أبواب قضاء الصلوات ح 5. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 201 ب 57 من أبواب المواقيت ح 12. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 209 ب 62 من أبواب المواقيت ح 2 وص 211 ب 63 منها ح 1. 661 وأما الروايتان الأخيرتان فهما أيضا ضعيفتان فليحملا على الاستحباب، وقد مر في مباحث القبلة أيضا ما يناسب المقام. وقد يقال: إن المضايقة هو الموافق لمذاهب العامة، فيكون هذا أيضا من المرجحات. ولكني لم أطلع على ذلك. وقد يستدل على المضايقة بالاحتياط، وأنه المبرئ للذمة يقينا. وفيه أن الاحتياط ليس بواجب عند التحقيق، والأصل براءة الذمة، سيما وقد أثبتنا الأدلة وبينا حصول البراءة بدون ذلك. وبقوله تعالى * (أقم الصلاة لذكري) * (1) بأن يكون معناها: أقم الصلاة لذكر صلاتي، أي: وقت ذكرها وتذكرها، أو أقم الصلاة وقت تذكيري لها إياك. وفيه أنه خلاف الظاهر من الآية، ولها معان كثيرة ذكرها المفسرون، وأقربها أقم الصلاة لتذكرني، أو لتكون ذاكرا لي، ونحو ذلك. وأما الروايتان المفسرتان لذلك - وقد مر أحدهما والأخرى صحيحة زرارة، التي ذكرها الشهيد في الذكرى، قال أبو جعفر (عليه السلام) في جملتها: ثم قال: - يعني: رسول الله (صلى الله عليه وآله) -: من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل يقول: * (أقم الصلاة لذكري) * (2) - فهما غير صريحتين في ذلك، سيما الصحيحة فإنه يمكن إرادة أن عموم الآية والأمر بالصلاة يشمل ذلك، على أن جعل اللام للتوقيت مجاز لأنه خلاف المتبادر، مع أنه يمكن أن يكون المراد بيان ابتداء الوقت الموسع كما في قوله تعالى: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) * (3)، وهذا وجه غير بعيد. ولا يضر فيما ذكرنا بيان النهاية فيها دون ما نحن فيه، فإنه إن كان معناها الوجوب في أولها ولا يجوز التأخير لزم التجوز في الآية الثانية، أو القول باتصال الصلاة من أول الوقت إلى آخرها بالتكرار أو بالتطويل، وكلاهما منفيان.
(1) طه: 14. (2) ذكرى الشيعة: ص 134 س 2. (3) الإسراء: 78. 662 أما الثاني فبالإجماع، وأما الأول فبالأصل. فإن قلت: الموضوع له مشكوك فيه فلا يتم القول بأصالة الحقيقة هنا. قلت: ما ذكرته يكفينا في ردك، فلم يثبت التضيق، اللهم إلا أن يدعى التبادر، ويقال: إن الأصل يخرج عنه بدليل وهو الاجماع. وبالجملة: الاستدلال بالآية لا يخلو عن شوب الإشكال، ولو سلمنا التمام فلا يعارض ما ذكرنا، لأن الآية حينئذ أيضا يرجع إلى الخبر، فإن ما نسميه كتابا ونرجحه على الخبر هو بعض الكتاب وظاهره، فغاية الاستدلال بهذه الآية هو الاستدلال بصحيحة زرارة، ومع أنها لا تقاوم ما ذكرنا فما حملناها عليها حمل ظاهر، وإن كان غير ظاهر في الرواية الضعيفة. وأما ما يقال: إن التوقيت ذلك محال، للزوم تكليف ما لا يطاق، لقصور وقت الذكر عن ذلك. ففيه أنه قرينة على إرادة أقرب المجازات. ثم إن عمارا روى في الموثق عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يفوته المغرب حتى تحضر العتمة، فقال: إن حضرت العتمة وذكر أن عليه صلاة المغرب فإن أحب أن يبدأ بالمغرب بدأ، وإن أحب بدأ بالعتمة ثم صلى المغرب بعد (1). ولعله يدل على المختار، إذ الاجماع ناف للتخيير في المغرب الحاضرة، بل المراد مغرب أمسه. واستدل المحقق على مختاره بصحيحة صفوان المتقدمة (2). وقد عرفت ما يصلح للجواب. واستدل العلامة على مختاره بهذه، وبصحيحة زرارة الطويلة (3). وقد ظهر عدم الدلالة أيضا. ثم إن ما اخترناه من استحباب تقديم الفائتة ينافي ما استدللنا بها - مثل:
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 210 ب 62 من أبواب المواقيت ح 5. (2) المعتبر: ج 2 ص 408. (3) مختلف الشيعة: ج 3 ص 6. 663 صحيحة عبد الله بن سنان (1)، وصحيحة أبي بصير (2)، ورواية جميل (3)، وما نقلناه عن ابن طاووس (4)، فإنها تدل على استحباب تقديم الحاضرة فتناقض. ويمكن أن يقال: إن أقواها دلالة على ذلك هو رواية جميل، وهي غير نقية الإسناد، وأما غيره فأوامر وما في معناه، وهي لا يقاوم الصحاح الدالة على تقديم الفائتة، ولا بد من حمل الأوامر على رفع الحظر، مع أن الصحيحتين أخص من المطلوب، ولكن عدم القول بالفصل ينفي الاختصاص. وبالجملة: فلا يخلو المقام عن شائبة الإشكال وإن كان الترجيح لما ذكرنا. والاحتياط في أصل المسألة اعتبار الاحتياط بالمضايقة دائرا مدار الحرج والعسر، وإلا فالأقوى ما اخترناه، والله أعلم بحقائق أحكامه. ثم إن هذه الأحكام حكم الذاكر، وأما الناسي للفائتة إذا صلى الحاضرة فلا يعيد، ولعله لا خلاف في ذلك. وادعى عليه الاجماع في المختلف (5) ويدل عليه بعض الأخبار المتقدمة أيضا. وإذا تذكر في الأثناء فيعدل إلى الفائتة إن أمكن وجوبا، أو استحبابا على اختلاف القولين. وهل العدول مختص بما لو كان الفائت متحدا؟ أو يجوز ولو كان متعددا؟ فيه إشكال، ولم أقف من الأصحاب على مصرح بحكمه، والذي ظهر من الأخبار هو الجواز في المتحد. ولو قلنا بجواز ذلك في المتعدد أيضا فلا بد من العدول إلى الأولى منها لو علم الترتيب، على ما نختاره من وجوب الترتيب مع العلم، وبدون العلم فما يبني عليه أولا، وسيجئ إن شاء الله تعالى.
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 209 ب 62 من أبواب المواقيت ذيل ح 4. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 209 ب 62 من أبواب المواقيت ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 210 ب 62 من أبواب المواقيت ح 6. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 208 ب 61 من أبواب المواقيت ح 9. (5) مختلف الشيعة: ج 3 ص 20. 664 ولو كان متذكرا للفائت فيجب عليه الإعادة على قول من ضيق الفائتة، وقال: بأن الأمر بالشئ نهي عن ضده الخاص، وأن النهي في العبادات مستلزم للفساد وإلا فلا وإن كان عاصيا عند من قال بوجوب الإعادة، ومما ذكرنا ظهر وجه اختلاف المضيقين أيضا. منهاج لو علم ترتيب ما فاته من الصلوات فيجب عليه مراعاة ذلك. قال في المعتبر: إن الأصحاب متفقون على ذلك (1). وقال في المنتهى: إنه ذهب إليه علماؤنا (2). ونقل الشهيد عن بعض الأصحاب قولا بالاستحباب (3). والحق هو الأول لاستصحاب شغل الذمة، ولأنها فاتت كذلك ويجب عليه قضاؤها كذلك لقوله (عليه السلام): من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته (4). وفي ظهوره في المطلق تأمل. ولصحيحة زرارة الطويلة المتقدمة حيث قال (عليه السلام) في أوائلها: فابدأ بأولهن فأذن لها... الحديث، وقال في أواخرها: ابدأ بالمغرب ثم بالعشاء (5). ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد ذلك قال: يتطهر ويؤذن ويقيم في أولهن، ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلي بغير أذان حتى يقضي صلاته (6).
(1) المعتبر: ج 2 ص 406. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 421 س 21. (3) ذكرى الشيعة: ص 136 س 14. (4) سنن ابن ماجة: ج 1 ص 227 ح 696 مع اختلاف يسير. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 211 ب 63 من أبواب المواقيت ح 1. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 348 ب 1 من أبواب قضاء الصلوات ح 3. 665 وصحيحة عبد الله بن سنان (1) وصحيحة أبي بصير (2) ورواية جميل (3) المتقدمات في المسألة السابقة. وهل ذلك الحكم مخصوص بالترتيب التي لم يفصل بين الصلوات فاصل؟ أو يشمل ما لو فات من كل يوم نوع صلاة؟ فيه إشكال، لأن الأخبار ظاهرة في الأول، إلا أن يقين البراءة لا يحصل إلا بذلك. وأما لو جهل بالترتيب فذهب العلامة في التحرير (4) وولده في الشرح (5)، وجماعة من المتأخرين على ما نقل عنهم - ومنهم الشهيدان (6) - إلى عدم الوجوب. وقيل بالوجوب، وهو مختار العلامة في الإرشاد (7). والأول أقرب للأصل، والإطلاقات، وعدم انصراف الأدلة المذكورة إلى الجاهل، ولا مطلق ما يدل على وجوب الترتيب، ولعل الترتيب لا مدخلية له في ماهية العبادة فلا يبعد إجراء الأصل فيها، سيما إذا كانت اسما للأعم من الصحيحة. والأوامر المطلقة - في أن من فاتته صلاة فليقضها إذا ذكر - يقتضي الاجزاء. ولعل القول بأن الصلاة الكذائية ليست بصلاة فلم يحصل الإتيان بها خروج عن الانصاف، ولكن بعد لا يخلو عن شوب الإشكال. واستدل الموجب بقوله (عليه السلام): فليقضها كما فاتته (8). والعموم في التشبيه بحيث يشمل هذا ممنوع، والمسلم منه هو المنصرف إلى الأفراد الشائعة، سيما ولم يقل (عليه السلام) من فاتته فرائض، وإفراد الفريضة يبعد هذا
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 209 ب 62 من أبواب المواقيت ح 4. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 209 ب 62 من أبواب المواقيت ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 210 باب 62 من أبواب المواقيت ح 6. (4) تحرير الأحكام: ج 1 ص 51 س 3. (5) ايضاح الفوائد: ج 1 ص 147. (6) ذكرى الشيعة: ص 136 س 20، روض الجنان: ص 360 س 18. (7) إرشاد الأذهان: ج 1 ص 271. (8) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 164 ذيل ح 14. 666 الاحتمال كمال البعد، مع أن تسليم ذلك يناقض المطلوب، إذ التي فاتت كانت صلوات معدودة معينة غير مفصولة بينها صلاة زائدة، ولم تكن فيها تكرار. وإذا أردت تحصيل الترتيب في صورة الجهل فلا بد من التكرار من باب المقدمة ليحصل ذلك، فيخالف ما فاتته أنه لا يحصله، فتدبر. وبالجملة: لم أجد للزوم تحصيل الترتيب ما يصلح مستندا سوى استصحاب شغل الذمة، ولعل تلك الإطلاقات والعمومات ونفي الحرج والعسر وغير ذلك يضعفه. واستقرب الشهيد في الدروس (1) التقديم بحسب الظن، ومع القول بعدم الوجوب فلا بأس به. وعلى القول بالوجوب من باب المقدمة فيجب على من فاته الظهر والعصر من يومين وجهل السابق أن يصلي ظهرا بين عصرين، أو عصرا بين ظهرين. ولو جاء معهما مغرب من ثالث صلى الثلاث قبل المغرب وبعدها. ولو جاء معها عشاء من رابع فعل السبع قبلها وبعدها، وهكذا. والضابط تحصيل الترتيب، والاحتياط اعتبار تحصيله دائرا مدار الحرج والعسر. والله تعالى يعلم. منهاج العبرة في القضاء بحال الفائت لا بحال القضاء، فمن فاته الصلاة في السفر يقضيها قصرا ولو كان في الحضر، وبالعكس، ولعله لا خلاف في ذلك بين الأصحاب، بل قال في المدارك: وهو مذهب العلماء كافة إلا من شذ (2)، ولعل المخالف من العامة. ويدل عليه قوله (عليه السلام): فليقضها كما فاتته. وحسنة زرارة - لإبراهيم بن هاشم - قال: قلت له: رجل فاتته صلاة السفر فذكرها في الحضر، فقال: يقضي ما فاته كما فاته، إن كانت صلاة السفر أداها في
(1) الدروس الشرعية: ج 1 ص 145. (2) مدارك الأحكام: ج 4 ص 304. 667 الحضر مثلها، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته (1). وموثقة عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المسافر يمرض فلا يقدر أن يصلي المكتوبة، قال: يقضي إذا قام مثل صلاة المسافر بالتقصير (2). ورواية زرارة - وفي طريقها موسى بن بكر - عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه لا يزيد على ذلك ولا ينقص، ومن نسي أربعا فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما، وإن نسي ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما (3). ولو نسي في مواضع التخيير ففي التخيير وتعين القصر وجهان، والثاني أحوط. ولو وجب الصلاة في السفر ثم حضر وفات عنه يجب عليه قضاء التمام، وكذا العكس. فإن قلت: التي فاتته منه الواجب المخير وهو الأمر الدائر بين الأمرين، أو كل واحد على سبيل البدلية على اختلاف المذهبين، فأن لك بتعيين أن الفائت هو التمام في الأول، والقصر في الثاني. وذلك لأن المكلف في أول الظهر مكلف بالالتزام بأحد الأمرين: إما الصلاة ركعتين باختيار الكون في السفر، وإما التمام باختيار الذهاب إلى الحضر، ومقتضى ذلك أنه مخير في القضاء أيضا، إذ الفائت هو الكلي، أو كل واحد على البدلية، والإتيان بذلك لا يتأتى إلا كذلك. وذلك كما أنه لو وجب على المكلف الكفارة، وكان قادرا على الخصال كلها ولم يفعل حتى انحصر قدرته في الصوم مثلا، فإذا ترك ذلك ومات فهل يعاقب لأجل الصوم فقط، أو يعاقب لترك مطلق الكفارة، وهكذا الذم عليه في الدنيا.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 359 ب 6 من أبواب قضاء الصلوات ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 360 ب 6 من أبواب قضاء الصلوات ح 5. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 359 ب 6 من أبواب قضاء الصلوات ح 4. 668 ومن المعلوم أنه لا يقال: إن الخصلتين الأخيرتين خرجتا عن تحت قدرته وانحصر الواجب في الباقي، فالمذمة والعقاب عليه لا غير. قلت: ما ذكرت إنما يصح لو كان الفائت الواجب المخير من حيث إنه الواجب المخير، وهو بمعزل عما نحن فيه. وتحقيق ذلك أن الشارع أوجب علينا في أول الظهر - حال كوننا في السفر مثلا - صلاة الظهر، وخيرنا بين فردين مقيدين بأمرين، يتعين وجوب كل منهما بتحقق أحد الأمرين. ففي الحقيقة خيرنا بين اختيار موجبي التعيين في الفردين، ولم يخيرنا بين الفردين على الإطلاق، فيكون بحيث كلما فات فات المطلق المخير في إيجاده في ضمن أي فرد شئنا، والمفروض أن تقييد الفردين بالأمرين وتعينهما بتحققهما أيضا من جعل الشارع وتقديره، فليس في اختيار أحدهما ليتعين الفرد المتعلق به تعلق ذم للمكلف. فمفاد ذلك سقوط الفرد الآخر وتعين ذلك الفرد بمجرد اختيار الأمر الموجب له بتجويز الشارع ورضاه، فانسلخ وجوب الآخر بالكلية ما دام المكلف متلبسا بذلك الأمر الموجب. فانحصر التكليف ما دام متلبسا به في هذا الفرد الذي أوجبه ذلك الأمر، فإذا تكاسل أو نسي وترك ذلك الفرد فالذي فات من المكلف هو ذلك الفرد لا غير، لأن الفائت معناه مطلوب الشارع الذي ترك، والمطلوب حينئذ منحصر في الفرد المعلوم، كما هو المفروض، فلا معنى للقول بأن الفائت هو القدر المشترك بين الأمرين. والترك المطلق ليس مرادا في باب الفوائت، وإلا وجب على كل أحد دائما الصلاة، لأنه لم يصل في الآن السابق صلاة. وبالجملة: الواجب المخير على قسمين: مطلق ومقيد، وما ذكرته إنما يجري في المطلق.
669 وأما ما ذكرته من حكاية خصال الكفارة فلا يخفى الفرق بينه وبين ما نحن فيه، لأن بين الذم على ترك الواجب المخير والإتيان بفائتة فرقا، سلمنا لكن ما ذكرت إنما هو لأجل تقصير المكلف، لقدرته على الجميع، فالمذمة على القدر المشترك مما لا يأبى عنه العقلاء، بل يحسنونه، وأين هو مما رخصه الشارع وحدده وعينه، وحكم بأن الواجب في ذلك الوقت هذا بعينه. فنقول: الذم على ترك مطلق الصلاة هاهنا أيضا ممنوع، بل المسلم هو الذي تعين عليه. ألا ترى أنه لو فعل من لم يقدر إلا على الصيام ما يوجب الكفارة وترك الصيام أيضا لا يذم إلا على ترك الصيام، فإن عدم القدرة وثبوت استحالة التكليف بالمحال عندنا في قوة قول الشارع وحكمه بأن الواجب على هذا المكلف هو الصيام فقط. فلا تقول: إنه مذموم على ترك مطلق الكفارة التي تتحقق في ضمن الصيام، والخصلتين الأخيرتين التي لو كان قادرا عليهما لوجبا عليه. فإنه كلام بارد مضحك، فهكذا في ما نحن فيه. لا تقول: إنه مذموم على مطلق صلاة الظهر التي تتحقق في ضمن الأربع ركعات، والاثنين التي لو كان في السفر لوجب عليه، والفرق بين ما رخصه الشارع ودل عليه الشرع مطابقة وصريحا وما دل عليه ضمنا والتزاما تحكم، فالمتجه إذن اعتبار ما تعين عليه. وعلى ذلك يجري حسنة زرارة المتقدمة ونحوها، وروايته المتقدمة كالصريح في ذلك فإن قوله (عليه السلام): " فليقض الذي وجب عليه " (1)... إلى آخره ظاهر في الواجب المعين، بل نص فيه، لأن الواجب ظاهر في المعين وحقيقة فيه، سلمنا لكن الكلي لا يعتبر فيه عدد ولا كم، والمعنى الحقيقي المعين أو ما في معناه هاهنا موجود، إذ الأربع ركعات قد تعين عليه
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 359 ب 6 من أبواب قضاء الصلوات ح 4. 670 باعتبار اختياره الحضر، فحمله على المجاز أو على ما ينفيه القرينة مخالف للأصل، ولا يجوز بلا دليل، فاحتفظ بما ذكرنا فلعله ينفعك. ونقل عن ابن الجنيد (1) والسيد (2) القول باعتبار حال أول الوقت، وربما يستدل على ذلك برواية زرارة - وفي طريقها موسى بن بكر - عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر فأخر الصلاة حتى قدم فهو يريد أن يصليها إذا قدم إلى أهله، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها، قال: يصليها ركعتين صلاة المسافر، لأن الوقت دخل وهو مسافر، كان ينبغي له أن يصلي ذلك (3). وفيه، مع أن الرواية ليست بنقية الإسناد، أنها يدل على أن الاعتبار في القصر والإتمام أيضا بحال الوجوب، والتحقيق خلافه، كما سيجئ إن شاء الله تعالى، فلا ينهض علينا حجة، مع أنها أعم من المطلوب. وإثبات عدم القول بالفصل بحيث يطمئن النفس دونه خرط القتاد، فالتحقيق ما ذكرناه، والله هو العالم بحقائق أحكامه. منهاج لو فات فريضة من الخمس ولم يتعين له فالمشهور بين الأصحاب أنه يصلي صبحا ومغربا وأربعا عما في ذمته. ونقل الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة على ذلك (4)، وذهب أبو الصلاح (5) وابن زهرة إلى وجوب قضاء الخمس (6). والأول أقرب، لنا الأصل، فإن الواجب صلاة واحدة، والذي يجب الإتيان به
(1) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 23. (2) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): ج 3 ص 38 و 39. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 359 ب 6 من أبواب قضاء الصلوات ح 3. (4) الخلاف: ج 1 ص 309 المسألة 58. (5) الكافي في الفقه: ص 149 و 150. (6) الغنية: 99. 671 من باب المقدمة هو ما علم عدم قصره أو زيادته عن المأمور به، وذلك يتم بالثلاث. وأما النية فالذي حققناه في غير موضع هو أن المعتبر فيما لا بد من قصده بعد التقرب هو ما يميز العبادة ويشخصها، وأما كونها بحيث تكون لها مدخلية في ماهية العبادة أو صحتها فلا، ولا يخفى أن ما نحن فيه مميز ومشخص أنه صلاة واحدة، وأن المذكور بدل لها لا غيرها من العبادات. نعم، يقع الإشكال بالنظر إلى ما حققناه من وجوب الجهر والإخفات، فإنهم خيروا في ذلك الموضع بينهما، ولكنه يمكن دفعه بعدم ظهور شمول ما دل على وجوبهما لما نحن فيه. والإجماع (1) الذي نقله الشيخ، ويظهر من كلام ابن إدريس (2) أيضا. وما رواه علي بن أسباط - الذي كان ثقة أوثق الناس وأصدقهم لهجة على ما ذكره النجاشي (3) - في الصحيح عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من نسي صلاة من صلاة يومه واحدة ولم يدر أي صلاة هي صلى ركعتين وثلاثا وأربعا (4). وبعد ثبوت تلك الأدلة فلا يبقى للإشكال المتقدم وجه، إذ بعد ثبوت الاقتصار بما ذكر: فإما يجب مراعاة الجهر، أو الإخفات، أو كليهما معا، أو لا يجب أحدهما. فالأول والثاني باطلان للزوم الترجيح بلا مرجح. والثالث محال. فتعين الرابع، فثبت التخيير، فهو في قوة المخصص لو ثبت العموم. واحتج أبو الصلاح (5) بأنه يجب الخمس لعدم تمام الواجب بدون ذلك. ونظره إلى اعتبار النية، وقد ظهر جوابه مما تقدم. وهل المسافر الذي فات منه فريضة يساوي الحاضر في ذلك فيقضي مغربا
(1) عطف على " الأصل " أي: لنا الاجماع، وكذا الحال بالنسبة إلى قوله الآتي " وما رواه ". (2) السرائر: ج 1 ص 274. (3) رجال النجاشي: ص 252. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 365 ب 11 من أبواب قضاء الصلوات ح 1. (5) الكافي في الفقه: ص 149 و 150. 672 وثنائيا أم لا؟ فيه إشكال، نسب الموافقة إلى المشهور، وخالف في ذلك ابن إدريس (1) مع موافقته هنا، وشدد العلامة في المختلف (2) عليه النكير. والأقرب قول المشهور، للأصل كما ذكرنا، ولدلالة الخبر على ذلك بدلالة التنبيه، ولكن الحكم في ذلك - سيما مع الإشكال المتقدم - لا يخلو عن شوب وإن كان الأقوى الجواز. واحتج ابن إدريس بأن التجاوز إلى الثنائية قياس، ولو لم يكن الاجماع في الرباعية أيضا لما قلنا (3) به هاهنا. وقد عرفت أنه ليس بقياس. ولو تعددت الفائتة ولم يعلمها فالمشهور بين الأصحاب أنه يجب عليه الأكثر حتى يغلب على ظنه الإتمام، وقيده الشهيد الثاني بما إذا لم يمكنه تحصيل العلم (4) وعلى ذلك لابد أن يحمل إطلاق كلام الفقهاء، واحتمل العلامة في التذكرة الاكتفاء بالمتيقن (5). وتنقيح المقام أن الذي يقتضيه الأصل والقاعدة أنه يقضي حتى يحصل العلم، إلا أن يتضمن العسر والحرج المنفيين، وهو أيضا مقتضى الإطلاقات الواردة في الأمر بقضاء ما فات إذا ذكره، فإن الذكر أعم من الاجمال والتفصيل، فتقييد الشهيد إذن متجه. وأما احتمال العلامة فقد استوجهه بعض المتأخرين لأصالة البراءة عن التكليف مع عدم تيقن الفوات، ولأن الظاهر من المسلم أنه لا يترك الصلاة (6)، وأيده بحسنة زرارة والفضيل الآتية عن أبي جعفر (عليه السلام). وفي التمسك بالأصل هاهنا نظر، سواء قلنا بأن القضاء بفرض جديد كما هو التحقيق أو تابع للأداء.
(1) السرائر: ج 1 ص 275. (2) مختلف الشيعة: ج 3 ص 25. (3) السرائر: ج 1 ص 275. (4) روض الجنان: ص 359 س 8. (5) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 361. (6) مدارك الأحكام: ج 4 ص 307. 673 أما الثاني فلأن معنى كون القضاء تابعا للأداء أنه لا يثبت القضاء إلا لما ثبت له الأداء، وكلما ثبت وجوب أدائه وفات يجب له القضاء، ولا ريب أن وجوب أداء الصلاة فيما نحن فيه ثابت، فلا بد من حصول العلم بإتيان الصلوات مؤداة لتبرأ الذمة، وإلا وجب القضاء، والعلم بذلك إنما يحصل إذا علم قدر ما فات كما لا يخفى. فإن قلت: الأصل عدم الفوات. قلت: الأصل عدم الأداء، فإذا لم يتحقق وجب القضاء، فاستصحاب شغل الذمة بالصلاة أولا هو المثبت للتكليف هاهنا مع العلم بفوات الصلاة في الجملة، فالتمسك بأصالة البراءة مع يقين اشتغال الذمة السابق غريب. وعدم التيقن بسبب الفوات لا يهدم أساس اليقين السابق، وإلا لم يبق للاستصحاب معنى ولا محلا، مع ما سيأتي في الشق الثاني. وأما الأول فهو وإن كان لا يثبت ذلك الحكم فيه بالاستصحاب، لأن خروج الوقت قاطع للاستصحاب السابق كما هو لازم هذا المذهب، ولكن نقول: إن الشارع أمرنا بقضاء ما فات، والمراد ظاهرا ما فات في نفس الأمر لا ما علم فوته، فإذن يكون المكلف به مجملا، ولا مانع من التكليف به لو تمكن المكلف من الإتيان به كما حقق في محله، والإتيان به إنما هو بإحاطة الاحتمالات من باب المقدمة، كما في المسألة المتقدمة بعينها، فكيف يتشبث بنفي الزائد بأصل البراءة مع بقاء حكم اليقين بشغل الذمة بسبب ذلك الأمر. وأما الدليل الثاني فضعيف، إذ بعد علمه بأنه ترك الصلوات الكثيرة فلم يبق لمثل هذا الظهور قوام ليعتد به. وأما الحسنة وهي أنه (عليه السلام) قال: ومتى ما استيقنت أو شككت في وقتها أنك لم تصلها، أو في وقت فوتها أنك لم تصلها صليتها، فإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال كنت (1).
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 205 ب 60 من أبواب المواقيت ح 1. 674 فلا يخفى عدم ظهوره فيما نحن فيه، بل هو ظاهر في الصلاة المخصوصة، أو الصلوات المخصوصات المشخصات بملاحظة الأوقات بالنسبة إليها، ولذلك تداوله جماعة من المتأخرين ولم يجعلوها دليلا، وفي التأييد أيضا تأمل، فتدبر جدا. وربما يستدل على المشهور بما دل على هذا الحكم في النوافل كحسنة مرازم قال: سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: أصلحك الله إن علي نوافل كثيرة فكيف أصنع؟ فقال: اقضها، فقال له: إنها أكثر من ذلك، قال: اقضها، قلت: لا أحصيها، قال: توخ (1) والتوخي الاجتهاد في تحصيل الظن. والملازمة ممنوعة، والقطع بالعلية غير موجود، والقياس غير جائز بلا نص على العلة. وأما ادعاء الأولوية كما ذكره بعضهم فهو عجيب. وربما يوجه بأن الأمر في المستحبات أهون، فالتكليف بها لا يوجب عسرا لجواز الترك بخلاف الواجب. وأنت خبير بأن الاعتماد بأمثال هذا الظن لو ثبت في الأحكام الشرعية محل تأمل، إذ حجية القياس الجلي عندنا دائر مدار فهم العرف، ولم يتحقق لي بعد فيما نحن فيه، ولم أقف في كلماتهم على هذا المذهب من دليل يعتمد عليه، مع أنه قول جماهيرهم، بل لعله اتفاقي، ويؤيده أن العلامة لم يذكرها في المختلف، ولعل المستند فيه هو الاجماع لو ثبت. وأقول: يمكن أن يستدل على ذلك بموثقة إسماعيل بن جابر - لمعاوية بن حكيم - عن الصادق (عليه السلام) " قال: سألته عن الصلاة تجتمع علي، قال: تحر واقضها " (2). فإن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يفيد العموم، ولعل عدم تعرضهم لذلك لحملهم على النافلة، ولا وجه له، ولعل ذلك هو مستند الفقهاء، إلا أن اتحاد راوي الروايتين مع كونه من الأجلاء يضعف ذلك العموم، والاحتياط سبيل النجاة.
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 57 ب 19 من أبواب أعداد الفرائض ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 58 ب 19 من أبواب أعداد الفرائض ح 2. 675 منهاج المشهور عدم جواز النافلة لمن عليه فائتة من الفرائض، وذهب الصدوق (1) وابن الجنيد (2) والشهيدان (3) وجماعة من المتأخرين إلى الجواز، واستدل العلامة في المختلف بعد اختياره المشهور بأن الفائتة أولى من الحاضرة فمن النافلة أولى (4). ويدل عليه صحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال في آخرها: ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها (5). وصحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تبسط الشمس؟ فقال: يصلي حين يستيقظ، قلت: يوتر أو يصلي الركعتين؟ قال: بل يبدأ بالفريضة (6). وربما يستدل عليه بصحيحة زرارة في مقايسة التطوع وقت الفريضة بصوم التطوع حين دخول شهر رمضان (7). وقياس الغير الموقت بالموقت المضيق قياس ولا نقول به، والقطع بالعلة أو دلالتها على ما نحن فيه بعنوان التنبيه محل تأمل، وعلى فرض التسليم فالجواب عنها هو الجواب عن أخويها. ويدل على المذهب الثاني الإطلاقات والعمومات أداء وقضاء، ولا يحصى كثرة، وسيجئ بعضها.
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 356. (2) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 21. (3) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: ج 1 ص 763. (4) مختلف الشيعة: ج 3 ص 21. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 206 ب 61 من أبواب المواقيت ح 3. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 206 ب 61 من أبواب المواقيت ح 4. (7) مستدرك الوسائل: ج 3 ص 160 ب 46 من أبواب المواقيت ح 3. 676 ومنها: صحيحة الحسين بن أبي العلاء (1) ورواية ابن أبي يعفور (2) المتقدمتان في تقديم الفوائت. ومنها: رواية محمد بن يحيى بن حبيب قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يكون علي الصلاة النافلة، متى أقضيها؟ فكتب: في أي ساعة شئت من ليل أو نهار (3). ومنها: رواية حسان بن مهران قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قضاء النوافل، قال: ما بين طلوع الشمس إلى غروبها (4). وسيجئ شطر منها. وعمومات ما دل على القضاء متى ما ذكر، وخصوصات كموثقة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس، فقال يصلي ركعتين، ثم يصلي الغداة (5). وصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في مسألة ترتيب الحاضر على الفائتة (6). وصحيحة الحسن بن محبوب عن الرباطي عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله تبارك وتعالى أنام رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، ثم قام فبدأ فصلى الركعتين اللتين قبل الفجر، ثم صلى الفجر، وأسهاه في صلاته فسلم في الركعتين - ثم وصف ما قاله ذو الشمالين - وإنما فعل ذلك به رحمة لهذه الأمة لئلا يعير الرجل المسلم إذا هو نام عن صلاته أو سها فيها يقال: قد أصاب ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) (7). وما رواه الشهيد في الذكرى عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 201 ب 57 من أبواب المواقيت ح 12. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 176 ب 39 من أبواب المواقيت ح 12. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 175 ب 39 من أبواب المواقيت ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 176 ب 39 من أبواب المواقيت ح 9. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 206 ب 61 من أبواب المواقيت ح 2. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 209 ب 62 من أبواب المواقيت ح 4. (7) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 358 ح 1031. 677 قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة، قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوا ذلك مني، فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر (عليه السلام) فحدثني أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عرس في بعض أسفاره وقال: من يكلأنا؟ فقال بلال: أنا، فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس، فقال: يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول الله أخذ نفسي ما أخذ بأنفاسكم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قوموا فنحوا عن مكانكم الذي أخذتكم فيه الغفلة وقال: يا بلال أذن، فصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم الصبح، ثم قال: من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل يقول: * (أقم الصلاة لذكري) * قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه فقال نقضت حديثك الأول، فقدمت على أبي جعفر (عليه السلام) فأخبرته بما قال القوم، فقال: يا زرارة ألا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان جميعا، وأن ذلك كان قضاء من رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1). وفي هذا الخبر فوائد جمة مهمة لا يخفى على من تأمل فيها. ويدل عليها أيضا الرواية المنقولة عن ابن طاووس (2) المتقدمة. قيل: ويؤيده موثقة عمار عن الصادق (عليه السلام): فإذا أردت أن تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصل شيئا حتى تبدأ وتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها ثم اقض ما شئت (3). فتأمل ولعل في قوله (عليه السلام) في خاتمة رواية زرارة الطويلة المتقدمة تأييد ما لذلك. أقول: والذي يترجح في نظري هو القول الثاني. والجواب: فأما عن حديث الأولوية فمع تسليمها أنها لا ينافي المطلوب غايته آكدية الكراهة لما اخترنا سابقا من جواز تقديم الحاضرة، ولعل نظره (رحمه الله)
(1) ذكرى الشيعة: ص 134 س 2. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 208 ب 61 من أبواب المواقيت ح 9. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 350 ب 2 من أبواب قضاء الصلوات ح 4. 678 إلى اليوم الذي فات منه، وإلا فهو أيضا لا يقول بالوجوب في غيره. وأما صحيحة زرارة - فمع أن صدرها يدل على وجوب تقديم الفائتة، كما ذكرناها في حجة الخصم، وحملناها على الاستحباب، ولم يبق وثوق بدلالته على الحرمة بملاحظة السياق - فهي لا تقاوم أدلة الخصم لكثرتها وظهور دلالتها واعتضادها بالأصول والعمومات ونفي العسر والحرج ونحو ذلك. مع أنا بعد ما أثبتنا سابقا المواسعة في الفوائت واخترنا عدم التضيق فيكون معناه جواز ارتكاب الأفعال المباحة والمكروهة أيضا، فكيف لا يثبت جواز الأفعال المستحبة، وكيف يجوز لأحد أنه يجوز لمن ثبت عليه القضاء أن ينام ويمشي في الأسواق والبساتين للتفرج ولا يفعل النافلة. وبالجملة: ينبغي أن يبنى الكلام في هذه المسألة على الكلام فيها، فنحن نحمل الصحيحة ونحوها على الكراهة جمعا، كما اخترنا ذلك هنالك، ولعله هاهنا أشد. وأما صحيحته الأخرى فهي ظاهرة في الموقت، ومع التسليم فهي أيضا محمولة على الكراهة. منهاج يستحب قضاء النوافل مؤكدا. ويتخفف التأكد في ما لو كان الفوات بسبب غلبة الله تعالى عليه بمرض ونحوه. وعلى المطلبين أخبار كثيرة: كصحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن العبد يقوم فيقضي النافلة فيعجب الرب وملائكته منه ويقول: ملائكتي عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه (1). وروى في الفقيه مرسلا، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تبارك وتعالى ليباهي ملائكته بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار، فيقول: ملائكتي انظروا إلى عبدي يقضي
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 55 ب 18 من أبواب أعداد الفرائض ح 1. 679 ما لم أفترضه عليه، أشهدكم أني غفرت له (1). وحسنة محمد بن مسلم - لإبراهيم بن هاشم - عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: رجل مرض فترك النافلة، قال: يا محمد ليس بفريضة إن قضاها فهو خير يفعله، وإن لم يفعل فلا شئ عليه (2). وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل مالا يدري ما هو من كثرتها، كيف يصنع؟ قال: فليصل حتى لا يدري كم صلى من كثرتها، فيكون قد قضى بقدر ما عليه من ذلك، ثم قال: قلت له: فإنه لا يقدر على القضاء، فقال: إن كان شغله في طلب معيشة لابد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شئ عليه، وإن كان شغله لجمع الدنيا والتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء، وإلا لقى الله عز وجل وهو مستخف متهاون مضيع لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قلت: فإنه لا يقدر على القضاء فهل يجزي أن يتصدق، فسكت مليا ثم قال: فليتصدق بصدقة، قلت: فما يتصدق؟ قال: بقدر طوله، وأدنى ذلك مد لكل مسكين مكان كل صلاة، قلت: وكم الصلاة التي يجب فيها مد لكل مسكين؟ قال: لكل ركعتين من صلاة الليل مد، ولكل ركعتين من صلاة النهار مد، فقلت: لا يقدر، فقال: إذن مد لكل أربع ركعات من صلاة النهار، قلت: لا يقدر: قال: فمد إذا لصلاة الليل، ومد لصلاة النهار والصلاة أفضل والصلاة أفضل والصلاة أفضل (3). وحسنة مرازم - وقد تقدم صدره - قال مرازم: وكنت مرضت أربعة أشهر لم أتنفل فيها، فقلت: أصلحك الله وجعلت فداك إني مرضت أربعة أشهر لم أصل فيها نافلة، فقال: ليس عليك قضاء، إن المريض ليس كالصحيح، كلما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر فيه (4).
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 498 ح 1428. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 58 ب 20 من أبواب أعداد الفرائض ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 55 ب 18 من أبواب أعداد الفرائض ح 2. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 59 ب 20 من أبواب أعداد الفرائض ح 2. 680 ويساوق هذه الأخبار المذكورة في باب المغمى عليه ونفي الوجوب عن قضاء مطلق صلاته خرج الفرائض مخرج تأكد الاستحباب في قضائها لما دل من الأخبار على القضاء فيها لظهورها فيها وبقي الباقي، فتأمل. واختلف الأصحاب في أفضلية وقت قضائها، فنسب إلى الأكثر القول بأفضلية التخالف، لقوله تعالى * (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) * (1) وقوله عز وجل * (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) * (2). فقد روى الصدوق مرسلا عن الصادق (عليه السلام) أنه (عليه السلام) قال: كل ما فاتك بالليل فاقضه بالنهار، قال الله تعالى * (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) * (3). وروى الكليني والشيخ عن عنبسة العابد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: * (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) * قال: قضاء صلاة الليل بالنهار، وصلاة النهار بالليل (4). ويدل عليه أيضا ما رويناه عن الصدوق مرسلا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (5)، وحسنة الحلبي - لإبراهيم - عن الصادق (عليه السلام) عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: متى ما شاء إن شاء بعد المغرب، وإن شاء بعد العشاء (6). وصحيحة محمد بن مسلم عن الرجل يفوته صلاة النهار، قال: يقضيها إن شاء بعد المغرب، وإن شاء بعد العشاء (7). فإن ظاهرهما أن أفضلية المخالفة كانت مفروغا عنها، فبين (عليه السلام) التخيير في ساعات الليل، فتأمل.
(1) آل عمران: 133. (2) الفرقان: 62. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 496 ح 1425. (4) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 275 ح 130، ولم نعثر عليه في الكافي. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 498 ح 1428. (6) وسائل الشيعة: ج 3 ص 175 ب 39 من أبواب المواقيت ح 7. (7) وسائل الشيعة: ج 3 ص 175 ب 39 من أبواب المواقيت ح 6. 681 ورواية أبي بصير - ولعلها موثقة - قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن قويت فاقض صلاة النهار بالليل (1). وموثقة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن علي بن الحسين (عليه السلام) كان إذا فاته شئ من الليل قضاه بالنهار، وإن فاته شئ من اليوم قضاه من الغد أو في الجمعة أو في الشهر، وكان إذا اجتمعت عليه الأشياء قضاها في شعبان حتى يكمل له عمل السنة كلها كاملة (2). ورواية إسحاق بن عمار قال: لقيت أبا عبد الله (عليه السلام) بالقادسية عند قدومه إلى أبي العباس فأقبل حتى انتهينا إلى طرناباد فإذا نحن برجل على ساقيه يصلي وذلك ارتفاع النهار، فوقف عليه أبو عبد الله (عليه السلام) وقال: يا عبد الله أي شئ تصلي؟ فقال: صلاة الليل فاتتني أقضها بالنهار، فقال: يا معتب حط رحلك حتى نتغدى مع الذي يقضي صلاة الليل، فقلت: جعلت فداك تروي فيه شيئا؟ فقال: حدثني أبي عن آبائه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار، ويقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترض عليه (3). ويؤيده صحيحة ذريح قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): فاتتني صلاة الليل في السفر أفأقضيها في النهار؟ فقال: نعم إن أطقت ذلك (4). وصحيحة معاوية بن عمار عنه (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: إني لأحب أن أدوم على العمل وإن قل قال: قلنا: تقضي صلاة الليل بالنهار في السفر؟ قال: نعم (5). وذهب ابن الجنيد (6) والمفيد في الأركان (7) إلى أفضلية الموافقة.
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 201 ب 57 من أبواب المواقيت ح 9. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 201 ب 57 من أبواب المواقيت ح 8. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 202 ب 57 من أبواب المواقيت ح 15. (4) وسائل الشيعة: ج 3 ص 201 ب 57 من أبواب المواقيت ح 13. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 68 ب 26 من أبواب أعداد الفرائض ح 2. (6) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 27. (7) لا يوجد كتابه لدينا. 682 ويدل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار، وما فاتك من صلاة الليل بالليل، قلت: أقضي وترين في ليلة؟ فقال: نعم اقض وترا أبدا (1). ورواية إسماعيل الجعفي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل وصلاة النهار بالنهار... الحديث (2). وصحيحة بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: أفضل قضاء صلاة الليل في الساعة التي فاتتك آخر الليل، ولا بأس أن تقضيها بالنهار وقبل أن تزول الشمس (3). ويدل عدة من الأخبار على أن أبا جعفر (عليه السلام) ربما كان يقضي عشرين وترا في ليلة (4). وتحقيق المقام أن ما تمسك به الأكثر على ثلاثة أقسام: فآية المسارعة والاستباق تدل على استحباب المسارعة مطلقا، سواء تخالف أو تآلف. وظاهر آية الخلفة وما في معناها تدل على أنه يقضي فيما تخلف الآخر حقيقة، وهو يعطي قضاء الليلة في يومها التي تخلفها، لا كل يوم كان، وكذا قضاء اليوم. وهو أيضا فرد من أفراد المسارعة، فالمسارعة أعم منها مطلقا، لا من وجه، وظهر من هنا أنه لا يصح بها الاستدلال على أحد من المذهبين على إطلاقها والمفروض انقضاء اليوم والليلة، فلا يتحقق الخلفة بدون المسارعة، فيكون هي أيضا أعم منها من وجه. نعم آخر النهار خلفة بالنسبة إلى الليل وليس بمسارعة بالنسبة إلى أوله، فيكون أعم منها من وجه.
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 200 ب 57 من أبواب المواقيت ح 6. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 200 ب 57 من أبواب المواقيت ح 7. (3) وسائل الشيعة: ج 3 ص 200 ب 57 من أبواب المواقيت ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 361 ب 9 من أبواب قضاء الصلوات ح 2. 683 والأخبار الباقية تدل على مطلق أفضلية المخالفة. ففي الأدلة تناف على الظاهر كما لا يخفى، فالاستدلال بكل ذلك على استحباب مطلق المخالفة تأمل ظاهر. ويمكن أن يدفع ذلك بحمل الأخبار على ما اقتضاه آية الخلفة وما في معناها، ويقربه أن الغالب في فوات صلاة الليل أن النوم وغيره من الموانع يورث الفوات، وأن الليل شأنها ذلك، فكيف يجعل وقت القضاء أيضا ذلك، فلعل وجه تلك الأخبار ذلك، وأن القيد فيها محمول على الغالب، ويظهر ذلك لمن تتبع الأخبار، ولهذا قال (عليه السلام) في موثقة أبي بصير المتقدمة: إن قويت فاقض صلاة النهار بالليل (1)، ويؤيده أيضا التفرقة في موثقة محمد بن مسلم (2). فغاية الأمر أن الأخبار مطلقة وآية الخلفة مقيدة فيحمل المطلق على المقيد، وبهذا يتحقق المسارعة أيضا لثبوت الأعم بثبوت الأخص، فيرتفع التنافي بين الأخبار والآيتين. لكن هذا لا ينطبق على المدعى، وهو إطلاق المخالفة ويثبت أفضلية خصوص ما اقتضاه آية الخلفة، وأما بعد خروج ذلك عن التمكن فلا يمكنهم القول بأفضلية المخالفة أيضا، إذ ليس لهم بعد إلا إطلاق آية المسارعة، وهو لا يثبت أفضلية المخالفة مطلقا، إذ هو أعم. ولو سلمنا عدم تقييد الأخبار بآية الخلفة وقلنا بإطلاقها وقلنا إن مرادهم بالاستدلال بآية الخلفة في خصوص اليوم الأول وفي غيره بغيرها فلا يفيد أيضا، إذ بين الأخبار وآية المسارعة تعارض من وجه حينئذ، وتخصيص تلك الأخبار بالآية يناقض مطلبهم صريحا، وأما تخصيص آية المسارعة بتلك الأخبار - فمع الإشكال في تخصيص مثل تلك الأخبار لظاهر الكتاب - فيلزم منه تخصيص لا يرتضيه أهل التحقيق، لأن الباقي حينئذ هو اليوم المتخلف والليلة المتخلفة ليس
(1) وسائل الشيعة: ج 3 ص 201 ب 57 من أبواب المواقيت ح 9. (2) وسائل الشيعة: ج 3 ص 201 ب 57 من أبواب المواقيت ح 8. 684 إلا، وهو في جنب المخرج ليس إلا كالقطرة من البحر. هذا مع أن كل ذلك خلاف ظاهر المستدلين، فحينئذ يقع التعارض بين تلك المطلقات وبين ما استدل به الخصم، ولا ريب في أنه أوضح دلالة، وأصح سندا من تلك المطلقات ولا يقاومها، سيما مع ظهور الحمل الذي ذكرنا، فالأقوى حينئذ أفضلية الموافقة. وبالجملة: فالذي أداه إليه نظري القاصر هو التفصيل: بأن المخالفة أفضل في اليوم الأول والليلة الأولة، وإذا انقضيا فالموافقة، اللهم إلا أن يمنع ذلك بعدم القول بالفصل، وهو مشكل لما سيظهر لك. ولعل الأكثر أيضا مرادهم ذلك، وخلافهم في خصوص الأفضلية في ما اقتضاه ظاهر آية الخلفة، فيتجه التخصيص، فأدلة الأكثر للموضوع المخصوص، ودليل الخصم للمطلق، فنزاع في الجزئية لا في الكلية، فتأمل. ويمكن اختيار ما اقتضاه ظاهر آية الخلفة في موضعه وما اقتضاه آية المسارعة في الباقي، ولازم ذلك طرح أدلة الخصم. ويشعر بذلك كلام المحقق في الشرائع حيث قال: ما يفوت من النوافل ليلا يستحب تعجيله ولو في النهار، وما يفوته نهارا يستحب تعجيله ولو ليلا ولا ينتظر بها النهار (1). ويمكن أن يقال في الجمع - بعد ملاحظة أن مراد المشهور هو الإطلاق -: إن الأفضل هو الموافقة إلا أن يكون السرعة والاستباق في المخالفة، ومفاده بحكم الاستثناء المتصل كما هو الأصل أن الأفضلية للمسارعة مطلقا إن وجد في ضمن الموافق فالموافق، وإن وجد في ضمن المخالف فالمخالف، وهو ينفي الفائدة في أخبار الخصم رأسا، فتأمل جدا. وإن أريد من ذلك أن الموافقة أفضل من المخالفة التي كان فيه المسارعة، فهو يرجع إلى ما ذكرنا سابقا، فتدبر جدا.
(1) شرائع الاسلام: ج 1 ص 64. 685 الفصل الخامس في القصر والإتمام منهاج يجب القصر في رباعيات السفر بالإجماع والآية والأخبار، فلو أتم عامدا بطلت صلاته إجماعا. ويدل على ذلك روايات: كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم أنهما قالا: قلنا لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي؟ وكم هي؟ فقال: إن الله عز وجل يقول: * (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) * فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر، قالا: قلنا: إنما قال الله عز وجل * (ليس عليكم جناح) * ولم يقل " افعلوا " فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ فقال (عليه السلام): أو ليس قد قال الله عز وجل: * (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض لأن الله عز وجل ذكره في كتابه وصنعه نبيه (صلى الله عليه وآله)، وكذلك التقصير شئ صنعه النبي (صلى الله عليه وآله) وذكره الله تعالى في كتابه. قالا: قلنا: فمن صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ فقال: إن كان قد قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أعاد، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه، والصلاة كلها في السفر الفريضة ركعتان كل صلاة إلا المغرب فإنها ثلاث ليس فيها تقصير تركها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في السفر والحضر ثلاث ركعات.
686 وقد سافر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ذي خشب، وهي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان - أربعة وعشرين ميلا - فقصر وأفطر فصارت سنة. وقد سمى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوما صاموا حين أفطر: العصاة، إلى يوم القيامة، وإنا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا (1). وما رواه الشيخ مرفوعا إلى الصادق (عليه السلام) قال: من صلى في سفره أربع ركعات فأنا إلى الله منهم برئ (2). وقال في الفقيه: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من صلى في السفر أربعا فأنا إلى الله منه برئ - يعني: متعمدا - (3). وقال الصادق (عليه السلام): المتمم في السفر كالمقصر في الحضر (4). وصحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): فرض الله الصلاة وسن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشرة أوجه: صلاة السفر، وصلاة الحضر، وصلاة الخوف... الحديث (5). منهاج ويشترط في القصر أمور: الأول المسافة، وسيجئ بيانها. والثاني القصد إليها بمعنى أن يكون قاصدا للمسافة المعينة جازما به، فالمراد القصد المجزوم به، ولا ينافي ذلك عدم القطع بوقوع الفعل، بل ولا الظن به كما يتوهم
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 434 ح 1265. (2) تهذيب الأحكام: ج 4 ص 218 ح 8. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 438 ح 1272. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 438 ح 1273. (5) وسائل الشيعة: ج 3 ص 3 ب 1 من أبواب أعداد الفرائض ح 2. 687 - وهذا أيضا معنى القصد بإقامة عشرة أيام - ولا يكفي قطعها، بل وأضعافها بلا قصد كالهائم، وطالب الآبق، والغريم وهو لا يدري أين هو. وهذا الحكم إجماعي بيننا، بل بين العلماء كافة كما نقل عنهم، ويدل عليه أيضا الإطلاقات والعمومات، وخصوص مرسلة صفوان قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان، وهي أربعة فراسخ من بغداد، أيفطر إذا أراد الرجوع ويقصر؟ قال: لا يقصر ولا يفطر لأنه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ، إنما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه، ولو أنه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا والإفطار، وإن هو أصبح فلم ينو السفر فبدا له من بعد أن أصبح في السفر قصر ولم يفطر يومه ذلك (1). وموثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ أو ستة فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها، ثم يخرج منها فيسير خمسة فراسخ أخرى أو ستة ولا يجوز ذلك، ثم ينزل في ذلك الموضع، قال: لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ، فليتم الصلاة (2). وأما موثقة عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يخرج في حاجته وهو لا يريد السفر فيمضي في ذلك يتمادى به المضي حتى يمضي به ثمانية فراسخ كيف يصنع في صلاته؟ قال: يقصر ولا يتم الصلاة حتى يرجع إلى منزله (3). فلا بد من حملها على حالة الإياب كما فعله الشيخ (4). واعلم أن العبد والزوجة والأسير ونحوهم تابعون لقصد المولى والزوج
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 503 ب 4 من أبواب صلاة المسافر ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 504 ب 4 من أبواب صلاة المسافر ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 503 ب 4 من أبواب صلاة المسافر ح 2. (4) تهذيب الأحكام: ج 4 ص 226 ذيل ح 38. 688 والظالم، فمتى علموا بجزم هؤلاء يجب عليهم التقصير وإلا فلا. والظاهر أنه لا خلاف في ذلك بين الأصحاب كما يظهر مما نقل عن المنتهى (1). وتدل عليه العمومات والإطلاقات، ولا مخرج لها. وقد نسب إلى الشيخ الخلاف في الأسير لأنه غير قاصد للمسافة فإنه، لو خلي رجع (2). ونقض عليه بالعبد والمرأة. والتحقيق أنه لو قصدوا الرجوع لو تخلصوا فلا يضر ذلك لسفرهم ويتبعون في ذلك لهؤلاء، إذ هم على هذا جازمون، إذ لا يلزم من الجزم بفعل شئ كون الجازم راضيا به، وأما لو كان عزمهم التخلص والرجوع وأمكن حصول ذلك لهم وكانوا على صدد ذلك ففي القصر حينئذ إشكال لعدم الجزم، فلا يندرج تحت الأدلة، فتدبر. الثالث استمرار القصد، فلو رجع عن القصد أو تردد فيه قبل بلوغها أتم. والظاهر عدم المخالف في ذلك في الجملة. ولا فرق في ذلك على الظاهر بين الثمانية الممتدة وبين الذهاب والإياب في الأربعة. ويدل على ذلك أنة غير قاصد للمسافة المعتبرة في التقصير شرعا فلا يقصر، فتأمل، ويظهر ذلك من روايات: منها ما سيجئ في منتظر الرفقة. ومنها صحيحة أبي ولاد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة، وهو من الكوفة إلى نحو من عشرين فرسخا في الماء، فسرت يومي ذلك اقصر الصلاة، ثم بدا لي في الليل الرجوع إلى الكوفة، فلم أدر أصلي في رجوعي بتقصير أم بتمام، فكيف كان ينبغي أن أصنع؟ فقال: إن كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريدا فكان عليك حين رجعت أن تصلي بالتقصير لأ نك كنت مسافرا إلى أن تصير إلى منزلك. قال: وإن كنت لم تسر في
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 398 س 22. (2) لم نعثر عليه. 689 يومك الذي خرجت فيه بريدا فإن عليك أن تقضي كل صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تؤم من مكانك ذلك، لأ نك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتى رجعت، فوجب عليك قضاء ما قصرت، وعليك إذا رجعت أن تتم الصلاة حتى تصير إلى منزلك (1). وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده فدخل عليه الوقت وقد خرج من القرية على فرسخين فصلوا وانصرفوا، فانصرف بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج، ما يصنع في الصلاة التي كان صلاها ركعتين؟ قال: تمت صلاته ولا يعيد (2). ورواه الشيخ أيضا في الصحيح بطريقين عن الحسن بن موسى عن زرارة عن الصادق (عليه السلام) (3)، وليس فيها لفظة " مع القوم " ولعلها سقطت. وما رواه محمد بن عيسى عن سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه (عليه السلام): التقصير في الصلاة بريدان، أو بريد ذاهبا وجائيا، والبريد ستة أميال وهو فرسخان، فالتقصير في أربعة فراسخ، فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا وذلك أربعة فراسخ ثم بلغ فرسخين ونيته الرجوع أو فرسخين آخرين قصر، وإن رجع عما نوى عندما بلغ فرسخين وأراد المقام فعليه التمام، وإن كان قصر ثم رجع عن نيته أعاد الصلاة (4). ومن خرج قاصدا للمسافة ينتظر رفقة لو تيسر معه، بأن علق الذهاب على مجيئهم، فقال الشيخ في النهاية - على ما نقله في المختلف - (5) إذا خرج قوم إلى السفر وساروا أربعة فراسخ قصروا من الصلاة ثم أقاموا ينتظرون رفقة لهم
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 504 ب 5 من أبواب صلاة المسافر ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 541 ب 23 من أبواب صلاة المسافر ح 1. (3) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 230 ح 102 وفيه " عن الحسين " وج 4 ص 227 ح 40 وفيه " عن أبي عبد الله (عليه السلام) ". (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 495 ب 2 من أبواب صلاة المسافر ح 4. (5) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 138. 690 في السفر فعليهم التقصير إلى أن يتبين لهم العزم على المقام فيرجعون إلى التمام ما لم يتجاوز ثلاثين يوما على ما قدمناه وإن كان مسيرهم أقل من أربعة فراسخ وجب عليهم التمام إلا أن يسيروا، فإذا ساروا رجعوا إلى التقصير. وهو مذهب ابن البراج (1). وقال في المختلف: والتحقيق أن نقول: إذا خرج وانتظر الرفقة فإن لم يخف عنه الأذان ولا المصير وجب التمام إلى أن يسافر، وإن خفيا معا فإن عزم على السفر سواء حصلت الرفقة أو لا لكنه انتظر الرفقة وجب القصر ما لم ينو مقام عشرة أيام أو يمضي ثلاثون سواء سافر أربعة فراسخ أو أقل، وإن عزم على السفر مع الرفقة وعلى الترك بدونها وجب التمام ما لم يكن قد سافر ثمانية فراسخ، فإن بلغها وجب القصر ما لم يمض ثلاثون يوما أو نوى مقام عشرة أيام (2). ويظهر ذلك من كلام المحقق في الشرائع (3) وبعض المتأخرين (4)، ولعله الأقرب. أما غير اشتراط قطع الثمانية فراسخ في القصر بعد زوال استمرار القصد فدليله واضح، وأما اشتراط الثمانية فلأنه بدون ذلك لم يتحقق شرط القصر، وهو استمرار القصد إلى نهاية المسافة كما تقدم بيان اشتراطه ودلالة الأخبار عليه، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط، فيثبت التمام بالاتفاق. ولكنه يشكل بما رواه الكليني في الضعيف عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوم خرجوا في سفر فلما انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم فيه التقصير قصروا من الصلاة، فلما صاروا على فرسخين أو على ثلاثة فراسخ أو أربعة تخلف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم إلا به، فأقاموا ينتظرون مجيئه إليهم وهم لا يستقيم لهم السفر إلا بمجيئه إليهم، وأقاموا على ذلك أياما لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون، هل ينبغي لهم أن يتموا الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم؟ قال: إن كانوا قد بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم
(1) المهذب: ج 1 ص 109. (2) مختلف الشيعة: ج 3 ص 139. (3) شرائع الاسلام: ج 1 ص 133. (4) مسالك الأفهام: ج 1 ص 341. 691 أقاموا أم انصرفوا، وإن كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة أقاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصروا (1). وهي تدل على مذهب الشيخ صريحا، ولكن هذا الخبر مع ضعفه لا يقاوم ما ذكرنا من الأدلة. ويشكل المقام بأن المسافة كما سنحققه إن شاء الله تعالى الثمانية ذهابا، أو ذهابا وإيابا قبل العشرة، وحينئذ المنتظر للرفقة يتردد أمره بين الأمرين لو أراد الرجوع لو لم يجد الرفيق، فيجب عليه القصر مطلقا، لأنه مستمر في قصد المسافة، غاية الأمر أن استمراره في مطلق المسافة، ويسير إلى اعتبار مثل ذلك صحيحة أبي ولاد المتقدمة (2). وبأن ذلك لا يتبادر مما دل على القصر كما لا يخفى، وكذا مما يدل على القصد ولزوم استمراره، إذ الظاهر منهما قصد مسافة معينة واستمرار ذلك القصد بعينه. نعم لو كان من منزله قصد القدر المشترك بحيث يشمل ما نحن فيه لكان للقصر وجه. وأما لو لم يرد الرجوع لو لم يجد الرفقة فالأمر في القصر فيه أشكل. ولم أقف على أحد من الفقهاء وقف على هذه الدقيقة. فالتحقيق إذن ما حققه العلامة (رحمه الله). والظاهر أن الممنوع من السفر كمنتظر الرفقة في الأحكام. وهل يعيد ما صلى قصرا بعد الرجوع عن قصده أم لا؟ الأظهر العدم لأن الأمر يقتضي الاجزاء، والقضاء إنما هو بفرض جديد، وشمول عمومات القضاء له ممنوع، بل ولا يعيد ولو بقي الوقت أيضا، ويدل على ما ذكرنا أيضا صحيحة زرارة المتقدمة (3). وخالف في ذلك الشيخ في الإستبصار، وأوجب الإعادة في الوقت (4) لرواية
(1) الكافي: ج 3 ص 433 ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 504 ب 5 من أبواب صلاة المسافر ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 541 ب 23 من أبواب صلاة المسافر ح 1. (4) الاستبصار: ج 1 ص 228 ذيل ح 228. 692 المروزي المتقدمة (1). وهو غير ظاهر في التفصيل الذي ذكره، ولعله خصصه بأن القضاء غير تابع للأداء، أو بأن الإعادة ظاهر في الوقت. وفيه تأمل. ويدل على الإعادة أيضا صحيحة أبي ولاد المتقدمة (2). ولكن فيهما مالا يعمل عليهما الأصحاب، أما رواية المروزي فظاهر، وأما صحيحة أبي ولاد فإنه يتضمن أن الاعتبار بقطع المسافة، وهو مخالف لإجماع الفقهاء، لأن الظاهر أن المراد من قوله (عليه السلام): " لأ نك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير " أنه لم يقطع المسافة التي هي موجبة للتقصير ويجوز فيه ذلك، فإن الأدون من البريد أعم من دون بلوغ حد الترخص، مع أن الحمل على ذلك وإرادته من الخبر مما لا يقبله الطبع السليم. فقد زاد بذلك ظهور ما ذكرنا سابقا من هذه الصحيحة، فتدبر. وحملها بعض المتأخرين على الاستحباب. ولا ريب أن صحيحة زرارة مع ورودها بطرق متعددة معتبرة في التهذيب والفقيه، وعمل جماعة عليه، واعتضادها بالأصول والقواعد والعمومات لا يعارضها ذلك الخبر الضعيف المعلوم، ولا الصحيحة الأخرى، فالمتجه إذن براءة ذمته عن الإعادة مطلقا. وكذلك لو عرض الجنون أو الإغماء في الأثناء. الرابع أن لا يقطع سفره بنية الإقامة عشرة أيام فما زاد في الأثناء، أو ببقائه في الأثناء مترددا حتى زاد على الثلاثين يوما ولو صلاة أو بالوصول إلى وطنه، فهاهنا مقامات ثلاثة: الأول: أن لا يقطع سفره بنية الإقامة عشرة أيام فما زاد في الأثناء. ولهذه العبارة معنيان:
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 495 ب 2 من أبواب صلاة المسافر ح 4. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 504 ب 5 من أبواب صلاة المسافر ح 1. 693 أحدهما: أنه لا ينوي ذلك في الأثناء، بأن يكون الأثناء ظرفا للنية أيضا، فحينئذ يكون شرطا لاستمرار القصر. وثانيهما: أن لا ينوي سفرا بنية الإقامة عشرة أيام في أثنائه، بأن يكون الأثناء ظرفا للإقامة فقط، وظرف النية حين قصد المسافة، فيكون حينئذ شرطا لنفس القصر. أما الثاني فقد يقال: إنه لا خلاف في أنه شرط لوجوب القصر، وحكم بذلك صريحا في التذكرة (1)، ولم يذكر خلافا، وكذا الشهيد في الذكرى (2)، بل هو اشترط القصد لعدم الإقامة قبل بلوغ المسافة مع نية المسافة ولم نكتف بعدم القصد، فلو نوى مسافة فصاعدا وقصد الإقامة في أثنائها مطلقا لم يصح التقصير، بل لا بد من قصد المسافة قبل الإقامة. ولكنني لم أقف على ما يدل على ذلك، ويوجب تخصيصا للعمومات، ولا ادعاء إجماع من أحد منهم، فإن غاية ما ثبت من الأخبار كما سيجئ أنه لو دخل المسافر بلدة وعزم فيها المقام عشرة أيام يجب عليه التمام، وأين هذا من ذلك. فالعمومات الدالة على أن المسافر يقصر صادق على ذلك، لأنه مسافر عرفا، وشرط القصر - وهو قصد المسافة - موجود، والذي ظهر من الأخبار كفاية مطلق القصد، وأما القصد بشرط عدم الفصل بإقامة العشرة في أثنائه فليس فيها منه عين ولا أثر. وإن قلت: المنساق المتبادر من قصد ثمانية فراسخ، أو أزيد منه ونحوها، هو ما كان متصلا. قلت: لو كان كذلك فلم لا تعتبر في ذلك الفصل بتسعة أيام، إذ لا يخفى أن التبادر وعدمه بالنظر إلى اللفظ، ومع قطع النظر عن اعتبار الشارع، لا يتفاوت بهما. اللهم إلا أن يدعى ثبوت الحقيقة الشرعية في المسافر، وأنه صار حقيقة فيمن قصد المسافة المعينة التي لم يكن بينها تخلل العشرة، وقلنا بأنه يصح سلب اسم
(1) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 383. (2) ذكرى الشيعة: ص 256 س 20. 694 المسافر حال إقامة العشرة عن هذا الشخص، فإذا كان كذا فلم يصدق على الشخص المذكور أنه مسافر شرعا. والحاصل: أن حكم الشخص المذكور حكم من يريد منزله ووطنه الذي لا يريد التجاوز منه، وهو مستقر فيه بالفعل، فكما أن السفر ينقطع بوروده فيه ويصح سلبه عنه هاهنا فكذلك هاهنا. فعلى هذا فقولنا: إن المقيم عشرة أيام ليس مسافرا، على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية، أن حكمه ليس حكم المسافر وإن كان مسافرا حقيقة، وعلى القول بثبوته، أنه ليس بمسافر شرعا، فلا يترتب عليه حكم من الأحكام الشرعية للمسافر بخلاف الأول، لأن الأصل الرجوع إلى العرف واعتماد الإطلاق إلا ما ثبت التقييد. أو نقول: يظهر من تتبع موارد الأخبار اتحاد حكم بلد الإقامة وبلد الاستيطان، فيصح الحكم أيضا. ولعله إلى هذا نظر من يحكم بالتمام. وأما الحكم فيما لو نوى المرور من منزله - الذي في الطريق - الذي لا يجوز فيه القصر فلعل الأمر فيه أوضح، لصحة سلب اسم المسافر عنه حينئذ عرفا أيضا. ولكن إثبات الحقيقة الشرعية في السفر دونه خرط القتاد، وجعل عدم الإقامة شرطا مطلقا خارجا عن السفر واستفادته من الأدلة أصعب، وبالجملة المسألة محل إشكال. وأما الأصول والقواعد ففي إجرائها هاهنا أيضا إشكال، إذ لا يمكن التشبث بالاستصحاب، لأن ثبوت التكاليف تابعة لشروطها، فقبل حضور الوقت لا معنى للتكليف، وعند حضوره: فكما يمكن أن يكون تكليفه التمام يمكن أن يكون تكليفه القصر. نعم هذا إنما يتم لو دخل عليه الوقت وتعلق به وجوب أحدهما على الظاهر، فله وجه. وهذا لا يكفي مع أن استصحاب براءة الذمة سابق عليه، وهو يقتضي التقصير. وكذلك أصالة العدم لو جوزنا جريانهما في العبادة.
695 ولا يمكن أيضا أن يقال: إن استصحاب شغل الذمة يقتضي تحصيل البراءة اليقينية، وهو يحصل بالعمل بالأكثر لاندراج الأقل تحته، لأ نهما ماهيتان متغايرتان لا يكفي أحدهما عن الآخر، والنسبة بينهما تباين. والجمع بين الأخبار في حد المسافة، - كما سيجئ إن شاء الله - يعطي تأييد التمام حينئذ، وكذا اشتراطهم إن شاء قصد المسافة، بعد الخروج عن بلد الإقامة، في التقصير يؤيد ذلك. فهذان مع ما ذكرنا من ظهور ذلك من تتبع الأخبار، وأن حكم بلد الإقامة والوطن متحد وعدم ظهور خلاف في ذلك - بل لعله يكون إجماعا - لعله يرجح التمام. والاحتياط أن لا ينوي العشرة بل نية عدمها كما ذكرنا، وإن نواها قصر وأتم. وأما الأول فهو موضع وفاق بين الأصحاب، والأخبار به مستفيضة. فروى الكليني في الحسن والصحيح، والشيخ في الصحيح، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أرأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصرا؟ ومتى ينبغي له أن يتم؟ قال: إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقاما عشرة أيام فأتم الصلاة، فإن لم تدر ما مقامك بها تقول: غدا أخرج أو بعد غد فقصر ما بينك وبين أن يمضي شهر، فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة، وإن أردت أن تخرج من ساعتك (1). ورويا في الحسن - لإبراهيم - عن أبي أيوب الخراز قال: سأل محمد [بن مسلم] أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا أسمع عن المسافر إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيام، قال: فليتم الصلاة، وإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما، ثم ليتم وإن كان أقام يوما أو صلاة واحدة، فقال له محمد: بلغني أنك قلت: خمسا، فقال: قد قلت ذاك، قال: أبو أيوب: فقلت أنا: جعلت فداك يكون أقل من خمس؟ قال: لا (2).
(1) الكافي: ج 3 ص 435 ح 1، تهذيب الأحكام: ج 3 ص 219 ح 55. (2) الكافي: ج 3 ص 436 ح 3، تهذيب الأحكام: ج 3 ص 219 ح 48. 696 ورويا أيضا في الحسن - لإبراهيم - والصدوق في الصحيح، عن علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن رجل خرج في سفر ثم يبدو له الإقامة وهو في صلاته، قال: يتم إذا بدت له الإقامة (1). وروى الكليني في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيام في المكان، عليه صوم؟ قال: لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام، وإذا أجمع على مقام عشرة أيام صام وأتم الصلاة... الحديث (2). وروى الشيخ بسنده - فيه علي بن السندي - عن محمد بن مسلم قال: سألته عن المسافر يقدم الأرض، فقال: إن حدثته نفسه أن يقيم عشرا فليتم، وإن قال: اليوم أخرج أو غدا أخرج ولا يدري فليقصر ما بينه وبين شهر، وإن مضى شهر فليتم، ولا يتم في أقل من عشرة إلا بمكة والمدينة، وإن أقام بمكة والمدينة خمسا فليتم (3). وروى الشيخ والصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا دخلت بلدا وأنت تريد المقام عشرة أيام فأتم الصلاة حين تقدم، وإن أردت المقام دون العشرة فقصر، وإن أقمت تقول: غدا أخرج وبعد غد ولم تجمع على عشرة فقصر ما بينك وبين شهر، فإذا تم الشهر فأتم الصلاة (4). وروى الشيخ في الصحيح عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا عزم الرجل أن يقيم عشرا فعليه إتمام الصلاة، وإن كان في شك لا يدري ما يقيم فيقول: اليوم أو غدا فليقصر ما بينه وبين شهر، فإن أقام بذلك البلد أكثر من شهر فليتم الصلاة (5). إلى غير ذلك من الأخبار.
(1) الكافي: ج 3 ص 435 ح 8، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 446 ح 1298، تهذيب الأحكام: ج 3 ص 224 ح 73. (2) الكافي: ج 4 ص 133 ح 2. (3) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 220 ح 58. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 437 ح 1269، تهذيب الأحكام: ج 3 ص 220 ح 60. (5) تهذيب الأحكام: ج 4 ص 227 ح 41. 697 وهاهنا كلمات لا بد من التنبيه لها: الأولى: أنه لا فرق في ذلك بين ما لو كان السفر منحصرا في قدر المسافة أو أزيد، وكان الإقامة قبل قطع المسافة المعتبرة أو بعدها، إذ غاية ما ثبت - على سبيل التسليم - هو اعتبار عدم مقارنة نية الإقامة في الأثناء للقصد، وأما عدم الإقامة في الأثناء فلا يلوح من خبر ومن دليل. الثانية: أن المعتبر في العشرة أيام هو ما صدق عليه عرفا اسم العشرة أيام، فيصدق على من دخل في البلد حين طلوع الشمس أو بعده قليلا يوم الأربعاء وخرج منه حين غروبها أو ما يقرب منه يوم الجمعة الثانية أنه أقام عشرة أيام، فلا يجب إدخال شئ من الليل من باب المقدمة، ولا نحو ذلك، ولا اعتبار ليل الورود لعدم دخوله في مفهوم اليوم عرفا. ولا عبرة بالتلفيق، فلو دخل يوم الأربعاء وقت الزوال وخرج يوم السبت الثانية بعد الزوال لا يصدق عليه ذلك عرفا، كما يظهر من عدم اعتبارهم التلفيق في الاعتكاف والعدة. الثالثة: هل يشترط التوالي في الإقامة بحيث لا يخرج ما دام مقيما إلى حد الترخص، بأن ينوي الإقامة المعراة عن نية ذلك أم لا؟ ففيه وجهان، وقطع بالاشتراط الشهيدان (1) وغيرهما. وقال الشهيد الثاني (رحمه الله) - على ما نقل عن بعض فوائده - بعد أن صرح باعتبار ذلك: وما يوجد في بعض القيود من أن الخروج إلى خارج الحدود مع العود إلى موضع الإقامة ليومه أو ليلته لا يؤثر في نية الإقامة وإن لم ينو إقامة عشرة مستأنفة لا حقيقة له، ولم نقف عليه مستندا إلى أحد من المعتبرين الذين نعتبر فتواهم، فيجب الحكم باطراحه، حتى لو كان ذلك في نيته من أول الإقامة، بحيث صاحبت هذه النية نية إقامة العشرة، لم يعتد بنية الإقامة وكان باقيا على القصر، لعدم الجزم بإقامة العشرة المتوالية، فإن الخروج إلى ما يوجب الخفاء يقطعها ونيته في ابتدائها
(1) البيان: ص 156، روض الجنان: ص 399 س 22. 698 تبطلها (1) إنتهى كلامه (رحمه الله). ويظهر من كلامه (رحمه الله) أن هذا قول متفرد به قائله، ومع ذلك القائل غير معلوم الحال. والتحقيق أن الذي يظهر من الأخبار هو أن الذي يريد المقام في بلد عشرة أيام يجب عليه التمام إذا صدق كونه عرفا ناويا لمقام العشرة أيام في هذا البلد، فبقاء استمرار التقصير يدور مدار سلب اسم ناوي المقيم عنه، فتحديد ذلك بما ذكروه من حد الترخص وما يوجب الخفاء ونحو ذلك، لا وجه له. اللهم إلا أن يقال: إن مرادهم بذلك تحديد العرف، وفيه تأمل. فعلى هذا يمكن أن يقال: من قصد إقامة العشرة في المشهد المقدس الغروي - على ساكنه السلام - وقصد معها أن يذهب في أثنائها يوما إلى مسجد الكوفة ورجع في ذلك اليوم انه لا يسلب عنه اسم ناوي المقيم في المشهد عرفا عنه (2)، سيما إذا لم يطل المكث، ولكن إذا بقي هنا يوما وليلة فليس كذلك. وأما لو ذهب إلى أبعد منه فيمكن سلب الاسم عنه، وأما من خرج إلى أطرافه وحدوده ومسافته أزيد من حد الترخص كالبساتين الواقعة في جنبه ونحوها لا يخرج عن المقيم عرفا وإن طال مكثه فيها. وبالجملة: المرجع في ذلك إلى العرف، فإذا صدق عرفا أنه غير مقيم فلا يتم أبدا، لعموم ما دل على أن المسافر يقصر خرج ما خرج بالدليل، وهو المقيم الذي نوى الإقامة عرفا وبقي الباقي. وربما يستدل على التقصير حينئذ أيضا بصحيحة أبي ولاد الحناط قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيام فأتم الصلاة ثم بدا لي بعد أن لا أقيم بها، فما ترى لي أتم أم اقصر؟ فقال: إن كنت دخلت المدينة صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها، وإن كنت حين دخلتها على نيتك المقام ولم تصل فيها صلاة فريضة بتمام حتى بدا
(1) رسائل الشهيد الثاني: ص 190. (2) كذا في الأصل، وفي العبارة ما لا يخفى. 699 لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار، إن شئت فانو المقام عشرا وأتم، وإن لم تنو المقام عشرا فقصر ما بينك وبين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة (1). وجه الدلالة أنه (عليه السلام) علق عدم جواز القصر بعدم الخروج، ومفهومه جواز القصر إذا صدق الخروج. ولكن ظاهر الخبر أن المراد الخروج إلى السفر، فالأوجه في الاستدلال ما ذكرنا. ثم إن قلت: إن الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب من أن قصد الإقامة قاطعة للسفر، وأن القصر بعد ذلك يحتاج إلى إنشاء سفر جديد، وقد صرح بذلك كثير منهم. نعم يظهر من العلامة والشهيد خلاف في ذلك في الجملة وستعرف، فلو كان مقصد المسافر نهاية عشرين فرسخا وأقام على رأس الستة عشر فرسخا عشرة أيام، فلا يجوز له القصر في الأربعة فراسخ الباقية لقصره عن حد المسافة. فإذا عرفت هذا فاعلم أن القول بأن الخروج عن بلد الإقامة عرفا، أو بحد يبلغ موضع الترخص يوجب الرجوع إلى التقصير كما ظهر من الشهيد الثاني (رحمه الله) أنه قول الأكثر، وأن مخالفه شاذ، ليس يصح على الإطلاق، ولا يجتمع مع اشتراط القصر بإنشاء السفر الجديد، ففي المثال المذكور لو خرج يوما من أيام الإقامة إلى خارج بلدها، ورجع ليومه فلا بد من القول بوجوب التمام، بخلاف ما لو كان مقصد المسافة نهاية أربعة وعشرين فرسخا، وأقام في الموضع المتقدم وفعل ما تقدم، فعلى ما ذكر من الاشتراط يجب عليه القصر. فإذن يتجه التفصيل في هذه المسألة بأن نقول: لو خرج عن بلد الإقامة وقصد الرجوع والإقامة المجددة في ذلك الموضع، أو كان منتهى سفره أقل من المسافة المعتبرة، أو كان مترددا غير عازم لمسافة ولا للإقامة المجددة، فيجب عليه التمام لانتفاء الشرط، وهو تجديد العزم بسفر جديد، وبدون ذلك يجب القصر. فما وجه عدم الترتيب في هاتين المسألتين ولا التصريح بابتناء أحدهما على
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 532 ب 18 من أبواب صلاة المسافر ح 1. 700 الآخر، ولا بد من تقييد إطلاقهم ذلك باشتراطهم هذا، وإلا لتناقض، بل لا معنى للتقييد أيضا. قلت: موضوع المسألتين مختلف، ولا أراك بعد التأمل في تضاعيف ما ذكرنا في هذه المسألة يختفي عليك عدم ورود هذا البحث، إذ المسألة التي ذكرناها ونقلنا فيها كلام الشهيد الثاني (رحمه الله) موضوعها ناوي الإقامة، ومرادهم في تأثير الخروج في القصر وعدمه هو تأثير نية الخروج، فالمختار هاهنا هو ما ذكرنا من أنه إذا صدق عليه عرفا أنه ناوي مقيم العشرة فيتم، وإلا فيقصر، فحينئذ يكون القول المردود الذي رده الشهيد الثاني (رحمه الله) هو القول بأن من نوى نية المقام وكان مع نيته قصد الخروج إلى مقدار حد الترخص أيضا في الأثناء فلا يجوز له التقصير، لأنه ليس ناويا للإقامة عرفا، ولكن تحديد ذلك بالعرف كما حققناه لا بحد الترخص، والذي يشهد بما ذكرنا ملاحظة تضاعيف كلماتهم. فقال الشهيد (رحمه الله) في البيان: ولو كان من نيته في ابتداء المقام الخروج لم يتم إلا أن يكون بحيث لا يخرج عن محل الترخص (1). وينادي بما ذكرنا من أن مرادهم في هذه المسألة حكم نية الإقامة لا نفس الإقامة، كلام للمحقق الورع المتقي قدس لطيفه في شرح الإرشاد، فراجع كلامه (2). ويؤيد ذلك ما سننقله من روض الجنان، فلاحظ وتأمل. وموضوع المسألة الثانية هو نفس الإقامة، ومرادهم أن من نوى الإقامة في بلد عشرة أيام وصدق عليه أنه ناو لها واستقر رأيه على الإقامة المذكورة بدون تشريك قصد الخروج مطلقا، أو ما يضر بالتمام فحينئذ لو عن له الخروج في الأثناء إلى أقل المسافة فحكمه الاستمرار على التمام، لأن نية الإقامة الصحيحة المعتبرة قائمة مقام التوطن في أنه يحتاج الرجوع إلى القصر إلى قصد مسافة معتبرة في التقصير جديدة.
(1) البيان: ص 160. (2) راجع مجمع الفائدة والبرهان: ج 3 ص 408 و 409. 701 ويدل على ذلك كلام الأصحاب في تفكيك ما يؤدي المقامين، فلاحظ الشرائع (1) والإرشاد (2) وشروحهما: المدارك (3) على إجمال ما في التأدية مع ظهور ما ذكرنا منه بعد التأمل، والذخيرة (4)، وروض الجنان (5)، وشرح المحقق الورع (6) قدس لطيفه وغيرها في مباحث نية الإقامة ومباحث خروج المقيم عن البلد. فعلى هذا فلا يتناقض كلام الأصحاب، والذي أظنه اختلاط هذه التفرقة على كثير، والذي يشهد بذلك الاستدلال بصحيحة أبي ولاد المتقدمة، وهي صريحة في المسألة الثانية. بقي الكلام في تحقيق المسألة الثانية، وهو أن الذي وجدته في كلام جماعة من الأصحاب - كالكتب المتقدمة وغيرها - التصريح بأن الإقامة قاطعة للسفر، ويحتاج في الرجوع إلى التقصير إلى تجديد قصد المسافة، ولم يذكروا في المقام مخالفا، بل الذي ظهر من الشهيد الثاني (رحمه الله) في روض الجنان الاجماع على التمام إذا خرج عن بلد الإقامة قاصدا إلى ما دون المسافة في الجملة، ولم يذكر فيه مخالفا (7). وقال العلامة في التذكرة: إنه لو عزم العشرة في غير بلده ثم خرج إلى ما دون المسافة عازما على العود والإقامة أتم ذاهبا وعائدا وفي البلد، وإن لم يعزم قصر (8). وقال في الإرشاد أيضا: فلو خرج إلى أقل عازما للعود والإقامة لم يقصر (9). وقال المحقق في الشرائع: إذا عزم على الإقامة في غير بلده عشرة ثم خرج
(1) شرائع الاسلام: ج 1 ص 134. (2) إرشاد الأذهان: ج 1 ص 275. (3) مدارك الأحكام: ج 4 ص 463. (4) ذخيرة المعاد: ص 408. (5) روض الجنان: ص 399 س 13. (6) مجمع الفائدة والبرهان: ج 3 ص 441. (7) روض الجنان: 386 س 18. (8) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 413. (9) إرشاد الأذهان: ج 1 ص 276. 702 إلى ما دون المسافة، فان عزم العود والإقامة أتم ذاهبا وعائدا وفي البلد (1). وقال الشهيد الثاني (رحمه الله) في روض الجنان: إن هذه المسألة موضع وفاق، وعلل ذلك بانتفاء الموجب وهو قصد المسافة وانقطاع السفر الأول بالإقامة، قال: وإنما وقع الخلاف فيما لو لم يعزم على العود وإقامة عشرة مستأنفة، أما مع العود لا مع الإقامة أو مع عدمهما أو لتردده فيهما أو في أحدهما أو مع ذهوله عن ذلك فالمصنف (رحمه الله) أوجب القصر في الجميع من حين خروجه لبطلان حكم البلد بمفارقتها، فيعود إليه حكم السفر، بل هو مسافر بالفعل (2). أقول: وقال في التذكرة: ولو نوى إقامة عشرة أيام في بعض المسافة انقطع سفره، فإذا خرج إلى نهاية السفر، فإن كان بين موضع الإقامة والنهاية ثمانية فراسخ قصر وإلا فلا (3). ثم قال في روض الجنان: وفصل الشهيد (رحمه الله) فأوجب القصر، كما اختاره المصنف، مع عدم قصد العود إلى البلد، والإتمام ذاهبا، والقصر راجعا إليه إن قصده، أما الإتمام ذاهبا فلما مر من أن الإقامة يقطع السفر ويفتقر بعدها إلى قصد المسافة ولم يحصل، لأن الفرض، كون الخروج إلى ما دون المسافة، وأما القصر في العود فلأنه قاصدا إلى بلده في الجملة إما في هذا السفر أو في سفر آخر، والحال أنه لم يقصد الإقامة عشرا، واختلف كلامه في الموضع الذي قصده دون المسافة (4). ثم بين اختلاف كلامه في كتبه في ذلك الموضع، ولا فائدة في ذكرها. فنقول: إن هذه المسألة ليست مما يثبت بإجماع أو نص بالخصوص، فإنا لم نقف في المسألة على إجماع منقول سوى ما ظهر من كلام روض الجنان، ولا نص في الأخبار بخصوص المورد، وإنما هذه المسألة من متفرعات مسألة ناوي الإقامة. فنقول حينئذ بعد وضع مورد الاجماع: إنه قد ثبت من الآية والأخبار وجوب التقصير على المسافر، والمسافر لفظ يرجع في فهم معناه إلى العرف، فمتى صدق
(1) شرائع الاسلام: ج 1 ص 136. (2) روض الجنان: ص 399 س 9. (3) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 389. (4) روض الجنان: ص 399 س 11. 703 اسم المسافر يجب عليه التقصير، ولكن الشارع أثبت لذلك شرائط وحدودا ينتفي وجوب التقصير بانتفائها، فكلما ثبتت منه شرطيته له يقتصر عليه والأصل عدم زيادة الشرط. فمن قصد مسافة يجوز فيه التقصير أو أزيد منه، وأقام في أثنائها عشرة، فنقول: إنه سافر سفرا وجد شرطه، وهو قصد المسافة المعينة المعتبرة، فيجب عليه التقصير، ولما ثبت من الشارع أن قصد الإقامة قاطعة له، بمعنى: أنه لا يجوز القصر بعد نيته بالنحو المقرر، وقضية ذلك وجوب الإتمام ما دمت مقيما كما هو مقتضى العرفية، فبعد سلب اسم المقيم عنه إذا خرج إلى ما دون المسافة فيجب أيضا عليه التقصير للعمومات، فإن شرط القصر - وهو المسافة - قد وجد، واشتراط المسافة بعدم تخلل العشرة لم يثبت، إذ غاية ما ثبت أنه ما دام مقيما لا يقصر، وليس معنى ذلك أن قصر المجموع مشروط بعدم نية الإقامة، فتدبر، وقد تقدم منا الكلام في ذلك أيضا. فذلك المذكور يقتضي جواز التقصير في الجميع، خرج مورد الاجماع بالإجماع وبقي الباقي. واحتمال ثبوت الحقيقة الشرعية كما ذكرنا سابقا، أو ثبوت اشتراط ذلك بعنوان العموم، أو ثبوت اتحاد حكمها مع الوطن من تتبع الأخبار، وما ذكرنا من أن ظاهر الأصحاب الاتفاق في أن الإقامة قاطعة للسفر، ويحتاج الرجوع إلى التقصير بقصد مسافة جديدة، إلى غير ذلك مما ذكرنا سابقا، يعين التمام ما لم ينو مسافة جديدة. فإطلاق العلامة (رحمه الله) وتفصيل الشهيد، كما نقل عنهما في روض الجنان (1) لا يتمان على الإطلاق. فيقع الإشكال في ترجيح أحد المرجحين، ويدور الأمر بين الأمرين.
(1) روض الجنان: ص 399 س 10. 704 ويمكن تأييد التمام بملاحظة تتبع الأخبار، وإطلاق كلام الفقهاء، وظهور إطباقهم، وعدم ظهور عمومات ما دل على وجوب القصر على المسافر، وإنكار عمومها إلى هذا المقدار، سيما بعد ملاحظة اشتراط القصر بعدم الإقامة في الجملة، واحتمال الاشتراط مطلقا لو لم نقل بالظهور، فلا يثبت حكم ما بعد الإقامة منها، ولأن التمام هو الأعم الأغلب، فكأنه الأصل في الصلاة، فتأمل. وأما الأصول والقواعد فقد عرفت حالها سابقا بالتفصيل. ومع ذلك كله فلا يخلو المسألة عن شوب الإشكال. ولعمري قد أرى في هذه المسألة العجب العجاب، حيث كانت مما تعم به البلوى، ومما لابد أن يكون مطرح أنظار العلماء، ومطمح أفكار الأذكياء، ولابد أن يكون كلماتهم في ذلك من الظهور كالشمس في رابعة السماء، ومع ذلك فقد أجملوا الكلام في ذلك إجمالا، ولم يزيدونا إلا إشكالا وإعضالا، ومع ذلك فأجرهم على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وبالجملة: فالذي يظهر في نظري القاصر رجحان ما للتمام، لكن ليس بحد أتكل عليه وأفتي به، فلا تترك الاحتياط، فإنه سبيل النجاة، والمندوب إليه من الهداة الولاة. الرابعة: لا فرق في نية الإقامة فيما لو كان في بلد أو بادية أو بحر أو غير ذلك، خلافا للشافعي في أحد قوليه (1)، ومستنده ضعيف، فيجب التمام في جميع ذلك. ويكفي نية الإقامة عشرة أيام وإن أضمر عدم المكث بعدها ولو ساعة، ولا يضره المكث أزيد من ذلك مع ذلك، ولا عروض البداء قبل تمام العشرة. وتحديد الموضع الذي يقام فيه أيضا من جهة العرف، فلو عزم على إقامة طويلة في رستاق ينتقل فيه من قرية إلى قرية ولم يعزم على الإقامة في واحدة منها المدة التي تبطل حكم السفر فيها لم يبطل حكم سفره، لأنه لم ينو الإقامة في
(1) المجموع: ج 4 ص 361. 705 بلد بعينه، فكان كالمنتقل في سفره من منزل إلى منزل، كما ذكره في المنتهى (1). ومن هنا يتجه ما قيل: إن من أراد الخلاص عن الإشكال في المسألة السابقة - أعني: لزوم القصر وعدمه لمن خرج عن بلد الإقامة بأقل من قدر المسافة، وأراد الرجوع فيها، أو أعم من ذلك - فلا ينو الإقامة في أحد من المقامين إن أمكنه، وجعل مقامه دائرا بينهما، فقد يمكث في مجموعهما سنة ولا يجب عليه التمام، وإن كان يقطع بذلك أولا أيضا. الخامسة: لا يجوز الإتمام فيما لو قصد الإقامة أقل من عشرة أيام، وهو المشهور بين الأصحاب، بل قال في المنتهى: إنه قول علمائنا أجمع (2). ويدل عليه - مضافا إلى ظواهر الأخبار الكثيرة - استصحاب السفر، وصريح صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة (3)، ورواية أبي بصير قال: إذا قدمت أرضا وأنت تريد أن تقيم بها عشرة أيام فصم وأتم، وإن كنت تريد أن تقيم أقل من عشرة أيام فافطر ما بينك وبين شهر فإذا بلغ الشهر فأتم الصلاة والصيام وإن قلت: أرتحل غدوة (4). ونقل العلامة في المختلف عن ابن الجنيد أنه اكتفى في ذلك بخمسة أيام (5)، واستدل له بحسنة أبي أيوب الخزاز المتقدمة (6). وحملها الشيخ على من كان بمكة أو مدينة لدلالة بعض الأخبار على ذلك (7). وربما يوجه بأن الإشارة راجعة إلى الأول. ويبعده السؤال الثاني. وبالجملة: لا ريب في أن هذا الخبر لا يقاوم الأخبار المعمولة عليها، المجمع على مضمونها كما نقل.
(1) منتهى المطلب: ج 1 ص 398 س 6. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 396 س 35. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 528 ب 15 من أبواب صلاة المسافر ح 17. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 525 ب 15 من أبواب صلاة المسافر ح 3. (5) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 113. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 527 ب 15 من أبواب صلاة المسافر ح 12. (7) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 220 ذيل ح 57. 706 السادسة: لو نوى الإقامة في بلد ثم رجع عن قصده يرجع إلى التقصير ما لم يصل صلاة فريضة تامة. قال في المدارك: هذا الحكم ثابت بإجماعنا (1)، ويظهر ذلك من غيره أيضا. وبالجملة: الظاهر عدم المخالف في هذا الحكم، ويدل عليه صريحا صحيحة أبي ولاد الحناط المتقدمة (2)، وتتميم المبحث يتوقف على أمور: الأول: أن المعتبر في البقاء على التمام الإتيان بصلاة فريضة تامة، فلا يعتبر بالصوم بدون الصلاة أصلا. وقيل: يعتبر مطلقا. وقيل: يعتبر لو رجع عن القصد بعد الزوال. والأول أقرب، والظاهر أنه قول الأكثر، ولنا تعليق الحكم في صحيحة أبي ولاد الحناط بالصلاة الفريضة، والتعدية إلى الصوم قياس، مع أن عموم قوله (عليه السلام): وإن كنت حين دخلتها على نيتك المقام (3)... الحديث يشمل ما لو صام أيضا. واستدل الشهيد على التفصيل بما حاصله أنه لو سافر بعد الزوال فإما أن يجوز له الإفطار أم لا، والأول باطل للأخبار العامة والمطلقة الدالة على وجوب المضي في الصوم إذا سافر بعد الزوال، فتعين الثاني، وحينئذ فإما أن ينقطع الإقامة بذلك الرجوع أم لا، والأول باطل لاستلزامه وقوع الصوم في السفر بدون نية الإقامة، وهو غير جائز اجماعا إلا ما استثني وليس هذا منه، ولا مدخلية لفعلية السفر في صحة الصوم، فيثبت الثاني، وإذا لم ينقطع الإقامة فيجب عليه حكمها حتى يثبت القاطع (4). وفيه أولا منع شمول الأخبار العامة لما نحن فيه، إذ هي ظاهرة فيمن يسافر من المكان الذي يتحتم فيه التمام، وهو فيما نحن فيه أول الكلام، فحرمة الإفطار
(1) مدارك الأحكام: ج 4 ص 463. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 504 ب 5 من أبواب صلاة المسافر ح 1. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 532 ب 18 من أبواب صلاة المسافر ح 1. (4) روض الجنان: ص 395 س 6. 707 لا دليل عليه هاهنا، وثانيا بعد التسليم يمنع بطلان الصوم كذلك إنما هو إذا كان مجموعه في السفر، فالإجماع المدعى فيما نحن فيه غير مسموع. ثم إنه يرد على هذا الدليل أنه يثبت بطلان السفر بمجرد الشروع أيضا (1)، فإن الصوم قبل الزوال إما أن يكون صحيحا أو لا، وعلى الثاني فلا تأثير لكون الرجوع عن الإقامة بعد الزوال في صحة ما كان باطلا كما هو ظاهر فيثبت البطلان رأسا، وعلى الأول فيثبت القول الثاني وهو مختار العلامة (2) (رحمه الله). وقد أجاب في روض الجنان عن هذا الإشكال بتسليم تحقق الأثر الموجب، وهو قصد الإقامة، ولكن لما كان قابلا للبطلان رأسا بعروض السفر قبل الزوال الموجب لبطلان الصوم فكان تأثير الجزء السابق على الزوال مراعا باستمراره إلى أن يزول الشمس، فإذا رجع عن النية قبله بطل الأثر وعاد إلى حكم السفر. ثم اعترض على ذلك بأن ثبوت حكم للسفر لا يقتضي ثبوته للرجوع عن الإقامة والذي يثبت بطلان الصوم به إنما هو نفس السفر قبل الزوال، ثم بذلك رجع عن التفصيل واختار مذهب العلامة (3). ونحن نقول: أما الصوم فبمجرد الشروع قبل الرجوع عن القصد نحكم بصحته، ولكنها مراعى بالتمام قبل الرجوع عن القصد أو بفعل فريضة تامة قبله، وأما بدونهما فالإشكال باق في الصحة. قال في المدارك: ولا يبعد تعين الإفطار أيضا وإن كان بعد الزوال إن لم ينعقد الاجماع على خلافه (4). وأما الصلاة فيجب عليه التقصير بعد الرجوع إن لم يصل قبله فريضة تامة، سواء صام صوما تاما قبله أو كان في أثنائه ورجع عن القصد قبل الزوال أو بعدها وإن سلمنا وجوب إتمام الصوم ولو كان بعد الزوال أو قبله أيضا لصريح الصحيحة المتقدمة.
(1) أي: يثبت انقطاع السفر بمجرد الشروع في الصوم. (2) مختلف الشيعة: ج 3 ص 139. (3) روض الجنان: ص 395 س 1. (4) مدارك الأحكام: ج 4 ص 465. 708 فإن قلت: إذا بنيت على وجوب إتمام الصوم فيلزمك التزام إتمام الصلاة لعكس نقيض قوله (عليه السلام): " إذا قصرت أفطرت " (1). قلت: أولا: " إذا " لا عموم فيه لغة، والقدر المسلم فيه هو الأفراد الشائعة التي تنساق إلى الذهن وكونه منها أول الكلام وثانيا: أن بينه وبين الصحيحة المتقدمة تعارض من وجه، ودلالتها أقوى، والعمل عليها أكثر، ويؤيده عدم ثبوت القاطع للسفر المستمر، فإن المجزوم بقاطعيته إنما هو الصلاة التامة المفروضة، ولا يجوز نقض اليقين بالشك أبدا للصحاح الكثيرة الدالة على ذلك. وبالجملة: فالذي يترجح في النظر العمل بما اقتضاه صحيحة أبي ولاد. ويدل على أرجحية الإفطار في النظر أيضا بعدما بنينا على وجوب القصر في الصلاة قوله (عليه السلام): " إذا قصرت أفطرت " (2). الثاني: أن يكون الصلاة تامة، فلا يكفي المقصورة لصريح الرواية، والأظهر عدم اشتراط نية التمام باعتبار الإقامة، فيكفي لو كان التمام بسبب كونه من المواطن الأربعة أيضا. الثالث: لو نوى الإقامة في أثناء المقصورة فالظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أنه يتم الصلاة تماما، ويظهر من بعضهم الاجماع عليه. ويدل عليه أيضا صحيحة علي بن يقطين - رواها المشايخ الثلاثة - عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن رجل خرج في سفر ثم يبدو له الإقامة وهو في صلاته، قال: يتم إذا بدت له الإقامة (3). وحسنة سهل بن اليسع قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يخرج في سفر ثم تبدو له الإقامة وهو في صلاته، أيتم أم يقصر؟ قال: يتم إذا بدت له الإقامة (4).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 528 ب 15 من أبواب صلاة المسافر ح 17. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 528 ب 15 من أبواب صلاة المسافر ح 17. (3) الكافي: ج 3 ص 435 ح 8، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 446 ح 1298، تهذيب الأحكام: ج 3 ص 224 ح 73. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 534 ب 20 من أبواب صلاة المسافر ح 2. 709 وفي الاكتفاء بتلك الصلاة في عدم تأثير الرجوع عن الإقامة بعدها وجهان، أقربهما ذلك، لأنه صلى صلاة فريضة تامة. وأما لو عن له الرجوع عن الإقامة في أثناء الصلاة، حكم الشيخ في المبسوط بعدم عوده إلى التقصير حتى يخرج مسافرا (1). وتردد المحقق (2) لقولهم (عليهم السلام) " الصلاة على ما افتتحت عليه " (3) ولعدم الإتيان بالشرط. وفصل العلامة بتجاوز محل القصر فلا يرجع وبعدم تجاوزه فيرجع (4). وعلل الأول باستلزام الرجوع إبطال العمل المنهي عنه، والثاني بصدق أنه لم يصل صلاة تامة. والمسألة محل إشكال، وتنظر الشهيد في الجمع بين فتوى العلامة هذه وفتواه في كفاية الشروع في الصوم في عدم انقطاع السفر (5)، وهو في محله، والأقوى عدم الاعتبار بذلك وإن جاوز المحل ما لم يتم صلاته، وشمول أدلة حرمة إبطال الصلاة لما نحن فيه محل إشكال، والاحتياط ها هنا الإتمام والإعادة وعدم الاكتفاء بهذه الصلاة، ولكن حكمه القصر في ما بعد. الرابع: المعتبر الإتيان بالصلاة الفريضة، فلا يكفي مضي وقته وإن لم يفعل، سواء تركها عمدا أو سهوا، أو لإغماء وجنون ونحو ذلك. وقطع العلامة في التذكرة بكون الترك كالصلاة (6). والظاهر عدم الخلاف في مثل الإغماء وما بعده. ووافق العلامة المحقق الشيخ علي (7).
(1) المبسوط: ج 1 ص 139. (2) شرائع الاسلام: ج 1 ص 136. (3) وسائل الشيعة: ج 4 ص 712 ب 2 من أبواب النية ذيل ح 2 وفيه " هي على ما افتتح الصلاة عليه ". (4) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 410. (5) ذكرى الشيعة: ص 256 س 36. (6) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 410. (7) جامع المقاصد: ج 2 ص 514. 710 وبعد ما حققنا سابقا من الأحكام تعرف أن لا عبرة بصلاة النافلة، ولا الصوم المستحب لو قيل بجوازه في السفر لظاهر النص، ولا فرق بين النافلة فيما كان مقصورة في السفر أم لا، والأمر في الثاني أظهر. وخالف في الموضعين العلامة (1) والشهيد الثاني (2) (رحمهما الله)، وهو ضعيف. الثاني (3): أن بقاءه مترددا في الأثناء حتى يمضي ثلاثين (4) يوما يوجب قطع السفر، ويجب عليه التمام حينئذ ولو صلاة واحدة. وهذا الحكم أيضا إجماعي على ما نقلوه، ويدل عليه الأخبار الكثيرة المعتبرة، وقد تقدم شطر منها. وكون المسافر في بلد ثلاثين يوما مترددا أيضا أمر يرجع فيه إلى العرف في تحديد اليوم، وصدق المكث في الشهر كذلك، وعدم صدق الخروج منه، فإن الظاهر من الأخبار أن بقاءه في البلد المذكور بهذا الطريق، معتبر في التمام بعده. ففي اعتبار التلفيق لو خرج فيما بين الثلاثين يوما من البلد إشكال، فالأظهر حينئذ اعتبار الثلاثين من الورود الثاني. والحاصل: أن التردد في الثلاثين إنما يضر إذا كان في البلد، فإذا تردد في العزم بعد بلوغ المسافة ومع ذلك فهو يقطع الأرض فلا يمنع عن القصر وإن كان التردد أضعاف الثلاثين، فتدبر. والأظهر اعتبار الثلاثين لا الشهر الهلالي، كما هو ظاهر المراد من أمثال هذه الموارد، كأحكام العدة والحيض والاستحاضة والحمل والفصل وغير ذلك. على أنه يمكن أن يقال بعد تسليم الاجمال بالاشتراك، وفي مثل هذا المقام نقول: إنه مجمل، والثلاثين مبين، فيحمل المجمل على المبين كما ذكره العلامة (5) (رحمه الله). وأنت بعد خبرتك بما ذكرنا في إقامة العشرة تتنبه على جريان نظائر بعضها هاهنا أيضا، ولعلنا سننبه على بعضها أيضا.
(1) نهاية الإحكام: ج 2 ص 185 و 186. (2) روض الجنان: ص 396 س 8. (3) أي المقام الثاني من المقامات الثلاثة، تقدم أولها في ص.... (4) كذا، والمناسب: ثلاثون. (5) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 389. 711 الثالث: أن الوصول إلى الوطن قاطع للسفر، فيجب عليه التمام لو بلغه، وهذا الحكم أيضا في الجملة مما لا خلاف فيه بين الأصحاب. ويدل عليه - مضافا إلى سلب اسم المسافر عنه بذلك - الأخبار الكثيرة: كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يكون له الضياع بعضها قريب من بعض يخرج فيقيم فيها، يتم أو يقصر؟ قال: يتم (1). وصحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل سافر من أرض إلى أرض وإنما ينزل قراه وضيعته، قال: إذا نزلت قراك وضيعتك فأتم الصلاة، وإذا كنت في غير أرضك فقصر (2). وصحيحة سعد بن عبد الله عن موسى بن الخزرج قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): أخرج إلى ضيعتي ومن منزلي إليها اثنى عشر فرسخا، أتم الصلاة أم اقصر؟ قال، أتم (3). وصحيحة عمر بن محمد قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): جعلت فداك إن لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ ربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام، فأتم الصلاة أم اقصر؟ فقال: قصر في الطريق وأتم في الضيعة (4). ورواية أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يخرج إلى ضيعته ويقيم اليوم واليومين والثلاثة أيقصر أم يتم؟ قال: يتم الصلاة كلما أتى ضيعة من ضياعه (5). وموثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 523 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 12. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 520 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 523 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 15. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 523 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 14. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 523 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 17. 712 أو دار فينزل فيها، قال: يتم الصلاة ولو لم يكن له إلا نخلة واحدة ولا يقصر، وليصم إذا حضره الصوم وهو فيها (1). وهذه الأخبار كما ترى مطلقة في الإتمام، وهاهنا أخبار اخر تدل على التقصير. مثل رواية موسى بن حمزة بن بزيع - المجهول - قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك إن لي ضيعة دون بغداد فأخرج من الكوفة أريد بغداد فأقيم في تلك الضيعة، اقصر أم أتم؟ فقال: إن لم تنو المقام عشرا فقصر (2). ورواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال: من أتى ضيعته ثم لم يرد المقام عشرة أيام قصر، وإن أراد المقام عشرة أيام أتم الصلاة (3). وصحيحة الحسين بن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن رجل يمر ببعض الأمصار وله بالمصر دار وليس المصر وطنه، أيتم صلاته أم يقصر؟ قال: يقصر الصلاة، والضياع مثل ذلك إذا مر بها (4). والجمع بين تلك الأخبار هو حمل ما دل على الإتمام بما إذا استوطن الدار والضيعة والمنزل، وما تضمن التقصير على غيره، ويدل على هذا الجمع صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع - رواها الشيخ والصدوق - عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يقصر في ضيعته، فقال: لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه، فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، فإذا كان كذلك يتم فيها متى يدخلها (5). فهذا الخبر يفصل تلك الأخبار ويقيد، ويحمل على أحد الأمرين: إما الإقامة عشرة أيام غير صحيحة إسماعيل بن الفضل وموثقة عمار كما دل عليه روايتا
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 521 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 5. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 526 ب 15 من أبواب صلاة المسافر ح 7. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 525 ب 15 من أبواب صلاة المسافر ح 6. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 521 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 7. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 451 ح 1308، تهذيب الأحكام: ج 3 ص 213 ح 29. 713 موسى بن حمزة وعبد الله بن سنان، وإما الاستيطان كما تضمنه هذه الصحيحة، وصحيحة حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصر؟ قال: يقصر إنما هو المنزل الذي توطنه (1). وصحيحة علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام): الرجل يتخذ المنزل فيمر به، أيتم أم يقصر؟ قال: كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل وليس لك أن تتم فيه (2). ورواية علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام): إن لي ضياعا ومنازل بين القرية والقرية الفرسخان والثلاثة فقال: كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير (3). وصحيحته الأخرى - رواها الصدوق - قال: قال أبو الحسن الأول (عليه السلام): كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير (4). وصحيحته الأخرى رواها سعد بن أبي خلف قال: سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمر بها، قال: إن كان مما قد سكنه أتم فيه الصلاة، وإن كان مما لم يسكنه فليقصر (5). وتفصيل المقام هو أن الذي لا ينبغي أن يتأمل فيه هو وجوب الإتمام إذا نزل بالبلد الذي يسكن فيه، ومقصده عدم النقل منه أبدا، مع كونه صاحب منزل أو دار فيها وإن كان يمر عليها. وأما إذا لم يكن له دار ومنزل فهو أيضا كذلك، كما صرح به العلامة (6) ومن تأخر عنه، لخروجه بذلك عن اسم المسافر وصدق الحاضر عليه.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 522 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 8 وليس فيه " الحلبي ". (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 521 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 6. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 522 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 10. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 451 ح 1309. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 522 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 9. (6) مختلف الشيعة: ج 3 ص 143. 714 وأما اعتبار الملك والمنزل فقط وإن لم يستوطن فيها فلا أعرف أحدا قال بالتمام فيه، بل قال ابن البراج: من مر في طريقه على مال له أو ضيعة يملكها، أو كان له في طريقه أهل أو ما جرى مجراهم ونزل عليهم ولم ينو المقام عندهم عشرة أيام كان عليه التقصير (1). وكلامه لابد أن يقيد بعدم الاستيطان كما يظهر من الكامل (2)، وفي معناه ما ذكره الشيخ في المبسوط (3). فإذن لا يعتبر الملك إلا مع الاستيطان في الجملة. والمشهور بين الأصحاب الاكتفاء في الاستيطان باستيطان ستة أشهر ولو مرة. والذي يظهر من العلامة (رحمه الله) ومن تأخر عنه القطع بالاكتفاء في الملك بما يصدق عليه ولو كان نخلة، فها هنا مقامان: الأول: أن الاستيطان يكفي بستة أشهر ولو مرة، ونسب ذلك إلى أكثر الأصحاب. وقال الشهيد الثاني في روض الجنان - بعد قول العلامة: أو بوصوله بلدا له فيه ملك استوطنه ستة أشهر فيتم حينئذ -: وإن كان جازما على السفر قبل تخلل عشرة للإجماع ولقول الرضا (عليه السلام) في رواية محمد بن بزيع وساقها (4). وقال العلامة (رحمه الله) في التذكرة: ولو كان في أثناء المسافة له ملك قد استوطنه ستة أشهر انقطع سفره بوصوله إليه، ووجب عليه الإتمام فيه عند علمائنا، سواء عزم على الإقامة أم لا، وهو أحد قولي الشافعي، لأن حاله فيه يشبه حال المقيمين، ولقول الرضا (عليه السلام)، وقد سأله محمد بن بزيع، وساق الحديث (5). وأنت خبير بأن صحيحة ابن بزيع (6) ظاهرها اعتبار دوام تجدد توطن ستة أشهر كما يفهمه المضارع التجددي في المقامين، وأفتى بمضمونها الصدوق، وقال في جملة تفسيره لرواية إسماعيل بن الفضل: إلا أن يكون له بها منزل يكون
(1) المهذب: ج 1 ص 106. (2) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 142. (3) المبسوط: ج 1 ص 136. (4) روض الجنان: ص 386 س 18. (5) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 390. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 522 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 11. 715 فيه في السنة ستة أشهر. وقال: يصدقه رواية محمد بن إسماعيل وساقها (1). ولعل ذلك هو الوجه، فتكون هذه الصحيحة موضحة للأخبار الصحيحة المطلقة في الاستيطان. وإنما هو للتقريب إلى الأفهام في التحديد لمصداق الاستيطان، فيمكن أن يكون بعنوان المثال، واختصاص الستة أشهر بالذكر لكون الغالب فيمن يكون له منزلان ذلك، كالأكراد والأعراب الذين لهم رحلتان في الصيف والشتاء، وعلى هذا فيجوز العمل على إطلاق الأخبار الصحيحة الباقية، والرجوع في ذلك إلى العرف. فلعله يمكن أن يقال لمن كان له منزلين يسكن في أحدهما خمسة أشهر، وفي الآخر سبعة أشهر في كل سنة: إن هذا البلد الذي يسكنه خمسة أشهر يتم فيه، لأنه وطنه ويستوطن فيه. ففي ما فهمه الأصحاب شيئان، الأول: الاقتصار بستة أشهر، وتقييد ظاهر الإطلاقات المعتبرة الكثيرة، مع عدم ظهور المخالفة لما ذكرنا. والثاني: الاقتصار لستة أشهر ولو مرة. وفيه ما ذكرنا ولأنه خلاف مدلول الرواية، ولأن ذلك في الحقيقة طرح للمطلقات، لعدم تسمية ذلك وطنا ومستوطنا على الإطلاق كما لا يخفى. وبالجملة: الاستيطان لا يحصل بمجرد التوطن ستة أشهر في عام، مع قطع النظر عن البقاء فيه دائما، ومع اعتبار ذلك لا ينحصر في اعتبار الستة، إلا أن يدعى الحقيقة الشرعية في الاستيطان، أو أنه مجاز وكان هذا قرينة له، مع أنه بهذا لا يتم المطلوب أيضا. وأما صحيحة سعد بن أبي خلف (2) فهو وإن لم يتضمن التكرار ولا يدل عليه لكنها غير ناهض على مطلوبهم.
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 451 ذيل ح 1307. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 522 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 9. 716 وكلام ابن البراج ظاهر في كفاية مطلق صدق الاستيطان، ولم يقتصر على ستة أشهر مرة. قال في الكامل: من كانت له قرية له فيها موضع يستوطنه وينزل به وخرج إليها وكان عدة فراسخ سفره على ما قدمناه فعليه التمام، وإن لم يكن له فيها مسكن ينزل فيه ولا يستوطنه كان له التقصير (1). ومثله كلام أبي الصلاح قال: فإن دخل مصرا له فيه وطن فنزل فيه فعليه التمام إلى آخر ما قال (2). وبمثل ما قال ابن البراج قال الشيخ في النهاية (3). فمع ملاحظة تصريح الصدوق وظاهر كلام هؤلاء المشايخ العظام يقع الإشكال فيما ذكره الشهيد الثاني والعلامة (رحمهما الله)، ولعل ما ادعياه من الاجماع هو إذا ما أراد الاستيطان دائما وبقي فيها ستة أشهر، وسافر مع بقاء القصد المذكور، سواء أراد الدوام في تلك البلدة مطلقا، أو في كل سنة ستة أشهر مثلا. وأما ادعاء الاجماع على وجوب التمام في بلد أقام فيها ستة أشهر قبل عشرين سنة مع انقطاع قصد الإقامة فمشكل، إلا أن كلامهم غير قابل للتوجيه. ولو ثبت ذلك فالدليل هو الاجماع، لعدم دلالة الخبر على ذلك. وإذا بنينا الأمر على ما ذكرنا فهل يعتبر الفعلية أم لا؟ الأظهر العدم، فلو قصد جعل منزلين دار إقامته على سبيل الاشتراك ستة أشهر في هذا وستة في ذاك فبوروده في كل منهما يتم، كما لو جعل بلد الإقامة بلدة واحدة، وهو مندرج في الصحيحة أيضا، ويصدق عليه أنه ليس بمسافر أيضا، فلا يجب في الإتمام أن يكون قد أتم السنة فيهما بكونه في كل منهما ستة أشهر حتى يصح له التمام. وظني أن هذه المسألة واضحة بالنظر إلى الأدلة. ولعله في حكم البلدتين البلاد الثلاثة، بل والأربعة. والأمر في ذلك دائر مدار العرف، وصدق الوطن.
(1) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 142. (2) الكافي في الفقه: ص 117. (3) النهاية: ج 1 ص 360. 717 والحكم فيما ذكرنا لا يتفاوت فيما يجعله دار مقامته بدون الملك والمنزل ومعه، إذ قد علم مما ذكرنا من الجمع بين الأخبار أن لا عبرة بحال الملك والمنزل، والعبرة بالاستيطان، وكلام الأصحاب ممن صرح بإلحاق دار المقامة بما كان له ملك فيه أيضا صريح في اشتراط التوطن ستة أشهر على ما هو مقتضى صحيحة محمد بن إسماعيل، بل وصرح بعضهم بالأولوية وإذ قد ظهر أن مبنى كلامهم في اشتراط الملك مع الاستيطان ستة أشهر هو أعم مما استمر نية الإقامة فيها أم لا بل الثاني هو المقصود بالذات، إذ لا بحث في الأول فلا بد أن يعم قولهم بإلحاق بلد الإقامة بذلك واشتراط الاستيطان بهذا المقدار صورة قطع النية وعدمه فيكون نية كونه بلد الإقامة قائما مقام الملك، وهو أشكل من سابقه مع فقدان نقل الاجماع على ذلك بالخصوص، ولكن العلامة في التذكرة صرح باعتبار دوام النية هاهنا، وقال: وجب عليه الإتمام ما لم تغير نية الإقامة (1). ومع هذا فلا حاجة إلى مرور ستة أشهر على زمان نية الإقامة لكونه وطنه عرفا وبيته ويصح سلب اسم المسافر عنه ما دام فيه، وهذا مما لا ريب فيه. المقام الثاني: بعدما اعتبرنا الإجماعين، وبنينا المسألة على ما بنوا عليه، وأن الاستيطان بالفعل ليس بشرط، وقطعنا النظر عن المطلقات، بل وعن نفس ظاهر صحيحة محمد بن إسماعيل أيضا، فهل يكفي مطلق الملك ولو كان نخلة أم لا بد من المنزل؟ قال العلامة في المختلف: الأقرب عندي الإتمام سواء نزل في منزله الذي في البلد أو لا، بشرطين: ثبوت الملك والاستيطان في البلد. ولا يشترط الاستيطان في المنزل المملوك، بل لو استوطن في غير ملكه ستة أشهر وجب التمام، بل لو لم يكن منزل، بل لو كان له في البلد ضيعة أو مزرعة أو بستان، بل ولو نخلة وجب الإتمام مع الاستيطان ستة أشهر في البلد (2). ويقرب منه كلامه في التذكرة (3).
(1) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 392. (2) مختلف الشيعة: ج 3 ص 143. (3) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 391. 718 وقال في المدارك: الأصح اعتبار المنزل كما دل عليه الأخبار الصحيحة سيما صحيحة ابن بزيع، ونطق به كلام الشيخ وابن بابويه وابن البراج وأبو الصلاح (1). أقول: ولا يخفى أن مستند الأصحاب في اعتبار الملك هو الصنف الأول من الأخبار الذي ذكرنا في أول المبحث، ومنها موثقة عمار (2). وتلك مطلقات دلت على أن من مر ببلدة كان فيها ضيعته أو ماله أو داره بل ولو لم يكن فيها له إلا نخلة يتم، وقيدوها بصحيحة محمد بن إسماعيل (3)، وحاصل التقييد أن الحكم بالتمام حينئذ مشروط بأن يكون له في هذا البلد منزل يقيم فيها ستة أشهر، وذلك بعد ذكر الضيعة، فذكر المنزل هاهنا مطلوب بالعرض، ومن جهة أن التوطن لا يحصل إلا في المنزل، فلا فرق في المنزل بين أن يكون من ماله أو من غيره بإعارة أو بإجارة، بل ولعله يمكن إدخال المغصوب أيضا، وصرح بذلك جماعة منهم الشهيدان (4) والعلامة (5)، كما ينادي به موثقة عمار (6)، فالمطلوب تحقق الاستيطان بالقدر المعلوم عند ذلك الملك، أي شئ كان الملك وفي أي مكان وقع الاستيطان، فتأمل. واشترط جماعة منهم الشهيدان سبق الملك على الاستيطان (7). وهو حسن، لأنه هو الظاهر. وصرح الشهيدان أيضا باعتبار دوام الملك، فلو خرج عن ملكه فلا عبرة بذلك (8).
(1) مدارك الأحكام: ج 4 ص 443. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 521 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 5. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 522 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 11. (4) ذكرى الشيعة: ص 257 س 7، روض الجنان: ص 386 س 28. (5) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 392. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 521 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 5. (7) ذكرى الشيعة: ص 257 س 8، روض الجنان: ص 386 س 27. (8) ذكرى الشيعة: ص 257 س 9، روض الجنان: ص 386 س 27. 719 واشترطوا في الملك أيضا ملك الرقبة، فلا عبرة بالإجارة والرهن والوقف العام، كما ذكره في روض الجنان، قال: نعم يكفي الخاص بناء على انتقال الملك فيه إلى الموقوف عليه (1). ويعتبر المسافة من محل خروجه إلى ذلك الوطن أو محل الإقامة، فإذا كان بهذا المقدار فيقصر في الطريق، ويتم في الوطن ومحل الإقامة، وإلا فيتم في كليهما، وكذلك إذا كان في طريقه عدة مواطن، وكان بين كل منها مقدار المسافة. ولو كان المجموع مقدار المسافة أو أزيد، ولم يكن بين كل منها مع الآخر وبين الأخيرة ومنتهى المقصد مسافة، فيجب التمام في الطريق وفي المنزل. ولو كان ما بين محل خروجه إلى أحد المنازل مسافة معتبرة ففي رجوعه إلى القصر إذا خرج منه إلى وطنه الآخر أو منتهى مقصده، إذا لم يكن مقدار المسافة، فهو الإشكال الذي مر، وذكرنا هاهنا من المرجحات ما يدل على الإتمام، والأمر فيما نحن فيه أسهل. أما إذا كان بحيث يصدق عليه الوطن عرفا فالأمر في كمال الوضوح، وأما إذا لم يكن كذلك واكتفينا في تحقق الاستيطان بما ذكره الأصحاب من توطن ستة أشهر فالإشكال فيه باق، إذ الأصل فيه محل الكلام، ولو ثبت فهو ثابت بالإجماع، وهو فيما نحن فيه أول الكلام، فتأمل. وبالجملة: حاصل الكلام في تلك المسألة - بناء على ما يظهر من الجمع بين الأخبار - هو ما ذكرنا من أنه لا يجوز التمام إلا مع صدق الوطن بالفعل. وأما الأصحاب فلا يدل على ما ذهبوا إليه نفس خبر، ولا الجمع ما بين تلك الأخبار، ولعل مستندهم في ذلك هو الاجماع، أو كان قرينة لهم على إرادة ذلك من صحيحة محمد بن إسماعيل وذهب بالحوادث. فنحن في إشكال: من مخالفة الأصحاب، وعدم ظهور دليل يعتمد عليه، ومن وضوح ما ذكرنا من الأخبار الصحيحة الصريحة، ومعارضة الإجماعين المنقولين،
(1) روض الجنان: ص 386 س 29. 720 مع مخالفة جماعة من فحول العلماء والمحدثين. وفهم الصدوق الخبر كما فهمنا لظواهر تلك الأخبار مع اعتضادها بالأصول والعمومات محل تأمل. فالأرجح في الفتوى هو ما ذكرنا، والاحتياط في الجمع، والله أعلم بحقائق أحكامه. الخامس أن لا يكون السفر عمله ولا يكون بيته معه، فيندرج فيه ما نص عليه بالخصوص كما ستعرف وغيره مما عمته العلة المنصوصة. وأما تعبير الأصحاب بأن لا يكون كثير السفر فليس على ما ينبغي، إذ لا يستفاد من الأخبار بعد وضع خصوص موارد النص إلا من ذكرنا، اللهم إلا أن يقال بأنه يحصل الجزم من تتبع تلك الأخبار بأن المناط هو كثرة السفر كما يشعر بذلك رواية محمد بن جزك الآتية (1). ولكن مآل ذلك أيضا يرجع إلى ما ذكرنا، إذ كثرة السفر بعنوان الاتفاق لا يؤثر، والظاهر أن ذلك يكون اتفاقيا، فمنظور الأصحاب أيضا كثرة السفر التي يكون ملحوظ المسافر في أول الأمر، فحينئذ لو ثبت ذلك القطع بالعلية وعلم فرد لهذا خارجا عما نص عليه فلإطلاق كلام الأصحاب وجه، وإلا فلا. واشتراط التقصير بهذا الشرط هو المشهور بين الأصحاب، وخالف في ذلك ابن أبي عقيل، فإن ظاهره القول بوجوب التقصير على كل مسافر على ما نقل عنه (2). والأول أقوى. لنا: ما رواه المشايخ الثلاثة بطرق صحيحة عن زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): أربعة قد يجب عليهم التمام في السفر كانوا أو في الحضر: المكاري والكري والراعي والاشتقان لأنه عملهم (3).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 518 ب 12 من أبواب صلاة المسافر ح 4. (2) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 106. (3) الكافي: ج 3 ص 436 ح 1، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 439 ح 1275، تهذيب الأحكام: ج 3 ص 215 ح 35. 721 وحسنة هشام بن الحكم - لإبراهيم بن هاشم - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المكاري والجمال الذي يختلف وليس له مقام يتم الصلاة ويصوم شهر رمضان (1). ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: سبعة لا يقصرون الصلاة: الجابي الذي يدور في جبايته، والأمير الذي يدور في إمارته، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، والراعي، والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر، والرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، والمحارب الذي يقطع السبيل (2). ولهذه الرواية طرق مختلفة معتبرة. وكذلك بعض الأخبار المتقدمة. ومرسلة سليمان بن جعفر الجعفري عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الأعراب لا يقصرون، وذلك أن منازلهم معهم (3). وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن إسحاق بن عمار قال: سألته عن الملاحين والأعراب هل عليهم تقصير؟ قال: لا، بيوتهم معهم (4). وما رواه الكليني في الصحيح والصدوق عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: ليس على الملاحين في سفينتهم تقصير، ولا على المكاري والجمال (5). ويؤدي مؤداه ما رواه الشيخ في الصحيح أيضا عنه (6). إلى غير ذلك. والحق أن وجوب التمام عليهم تابع للأسامي المذكورة في الأخبار، ولصدق كون السفر عملهم أو بيتهم معهم. فلا عبرة بما حددوه بالسفر ثلاث مرات بشرط عدم إقامة العشرة في خلالها كما ذكره الشهيد (7). ولا ذلك مع استثناء من كان السفر عمله: كالمكاري والملاح
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 515 ب 11 من أبواب صلاة المسافر ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 516 ب 11 من أبواب صلاة المسافر ذيل ح 9. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 516 ب 11 من أبواب صلاة المسافر ح 6. (4) الكافي: ج 3 ص 438 ح 9، تهذيب الأحكام: ج 3 ص 215 ح 36. (5) الكافي: ج 3 ص 437 ح 2، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 439 ح 1276. (6) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 214 ح 34. (7) ذكرى الشيعة: ص 258 س 13. 722 وغيرهم، لقيام صنعتهم مقام تكرر من لا صنعة له، كما اختاره ابن إدريس (1). ويمكن أن يلتزم ما ذكر لأنه يصدق على المكاري في أول سفره أنه مكاري، وأن السفر عمله. فلا وجه لتضعيف الشهيد له في الذكرى بأن العلة هو كثرة السفر، وهي مفقودة هنا، لما ذكرنا (2). واعتبر العلامة في المختلف ثلاثة أسفار مع اشتراط عدم الإقامة عشرة عقيب الأولى (3). وضعفه الشهيد أيضا بمنع التسمية بهذا القدر، وقال: فالأولى التمام في الثالثة مطلقا (4). وربما قيل بأن الثلاثة معتبرة قبل الإقامة، فإذا أقام فيكفي فيه المرتين. وضعفه أيضا بأنه الآن مبتدأ (5). وبالجملة: المحكم في ذلك العرف، فلا عبرة بهذه التحديدات. ثم إن في مقابلة ما ذكرنا من الأخبار ما ينافيها ظاهرا لابد أن يخصص تلك المطلقات بها، وهي: ما روى الشيخ في الصحيح عن عمران بن محمد الأشعري عن بعض أصحابنا يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الجمال والمكاري إذا جد بهما السير فليقصرا فيما بين المنزلين ويتما في المنزل (6). ورواها الصدوق أيضا مرسلا (7). وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: المكاري والجمال إذا جد بهما السير فليقصرا (8). وفي الصحيح أيضا على الظاهر عن البقباق قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المكارين الذين يختلفون، فقال: إذا جدوا السير فليقصروا (9). وقال الكليني (رحمه الله)
(1) السرائر: ج 1 ص 340. (2) ذكرى الشيعة: ص 258 س 14. (3) مختلف الشيعة: ج 4 ص 109. (4) ذكرى الشيعة: ص 258 س 15. (5) ذكرى الشيعة: ص 258 س 16. (6) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 215 ح 39. (7) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 440 ح 1278. (8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 519 ب 13 من أبواب صلاة المسافر ح 1. (9) وسائل الشيعة: ج 5 ص 519 ب 13 من أبواب صلاة المسافر ح 2. 723 في الكافي: وفي رواية أخرى: المكاري إذا جد به السير فليقصر (1). واختلف الأصحاب في معنى هذه الأخبار: فقال الكليني (رحمه الله): " ومعنى جد به السير " يجعل منزلين منزلا (2)، وتبعه الشيخ في ذلك وقال: إنه يقصر في الطريق ويتم في المنزل (3)، واستدل عليه برواية عمران بن محمد (4)، وهي مع ضعف سندها لا يدل على ما ذكره، وظاهرها أنه يقصر ما بين منزل الخروج والنزول. وقال الشهيد في الذكرى: المراد بجد السير أن يكون مسيرهما متصلا كالحج والأسفار التي لا يصدق عليها صنعته، ويحتمل أن يراد أن المكارين يتمون ما داموا يترددون في أقل من المسافة، أو في مسافة غير مقصودة، فإذا قصدوا مسافة قصروا، ولكن هذا لا تخصيص للمكاري والجمال به، بل كل مسافر (5). إنتهى كلامه (رحمه الله). وقال العلامة في المختلف: الأقرب عندي حمل الحديثين على أنهما إذا أقاما عشرة أيام قصرا (6). وكل ما ذكروه مخالف لظاهر الأخبار، والظاهر إرادة المشقة الشديدة الخارجة عن معتادهم، وهو حكمة صريحة يحسنها العقل أيضا ويرتضيه، ويمكن تنزيل كلام الكليني (رحمه الله) على ذلك، بل هو مراده، وتخصيصه ذلك بالذكر لكونه هو الغالب. وبالجملة: فالمناط ما ذكرنا، فنخصص تلك الإطلاقات بتلك الأخبار، ويمكن ادعاء ظهور أن الحكمة في القصر هو المشقة من تلك الأخبار، إذ لما صار عادة هؤلاء السفر فكان كالفعل الطبيعي لهم، فلا مشقة لهم فيه، وإذا خرج عن
(1) الكافي: ج 3 ص 437 ح 2. (2) الكافي: ج 3 ص 437 ذيل ح 2. (3) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 215 ذيل ح 38. (4) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 215 ح 39. (5) ذكرى الشيعة: ص 260 س 21. (6) مختلف الشيعة: ج 3 ص 107. 724 معتادهم فيرجع إليه التقصير، وليكن ذلك على ذكر منك. ثم إن هذا التخصيص خلاف المشهور بين الأصحاب، لكن اعتبار سندها وموافقتها للاعتبار، وقول الكليني بذلك في الجملة، وعمل جماعة من المتأخرين على ذلك يرجح ذلك، والله أعلم بأحكامه. بقي الكلام في نفس تلك الأخبار وجمعها، فإن الرواية الأولى مقيدة بما بين المنزلين، والبواقي مطلقة، فإما أن يخصص الإطلاقات بها ويقتصر في التقصير فيما بين المنزلين وفي الطريق دون المنزل، أو يبقي المطلقات بحالها، ويحمل ذلك على التأكد والاهتمام. والحق أن الرواية لا تقاوم المطلقات، ولا يجوز التقييد. وقد يقال: إن السير هو طي المسافة، فالقصر حال جد السير فقط لا ينفك عن التمام في المنزل، إذ لا يصدق على من كان في المنزل أنه يسير بجد. وهو كما ترى، إذ الظاهر أن المراد من السير هو مجموع طي المسافة التي من لوازمه المكث ساعة، أو النوم ليلا ونحو ذلك، فعلق في الأخبار حكم وجوب التقصير على من ثبت له وصف الجد في السير مطلقا، لا في حال قطع الطريق. ثم إن تلك الروايات وردت في المكاري والجمال، ففي تعميم الحكم بالنسبة إلى غيرهما إشكال: من جهة الاشتراك في العلة، وعدم القطع بها، والقياس باطل. فنتوقف عليهما وقوفا على ظاهر الإطلاقات. ثم اعلم أن الظاهر أن المراد بالسفر الذي يتم هؤلاء الصلاة فيه هو السفر الذي كان عملهم، ويظهر من الأخبار اعتبار الفعلية مع تسليم بقاء المبدأ في تلك المشقات أيضا، لأنها الملكات التي لا يشترط فيها التلبس بفعلية متعلقها فيها، فحينئذ لو اختار المكاري سفر الحج لنفسه ولم يكن في هذا السفر مكاريا بمعنى: فعلية متعلق الملكة التي هي مبدؤه فلا يصح الحكم بجواز التمام حينئذ، وعلى هذا فقس. ويدل على ذلك - مضافا إلى ما ذكرنا - ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: سألته عن المكارين الذين يكرون
725 الدواب وقلت: يختلفون كل أيام كلما جاءهم شئ اختلفوا فيه، فقال: عليهم التقصير إذا سافروا (1). وما رواه أيضا عنه - وفي طريقه محمد بن خالد الطيالسي - قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الذين يكرون الدواب يختلفون كل الأيام، أعليهم التقصير إذا كانوا في سفر؟ قال: نعم (2). وإنما ادعينا ظهور اعتبار الفعلية وقلنا: مع تسليم بقاء المبدأ لدفع ما يتوهم أن يقال: إن المكاري الذي سافر إلى الحج بدون فعلية متعلق مبدئه يصدق عليه الاسم فلا بد من التقصير، مع أنا قد ذكرنا الحديث أيضا. ثم إن الأصحاب اشترطوا في بقاء هؤلاء على التمام أن لا يقيموا في بلدهم عشرة أيام، فإذا أقاموا ذلك قصروا، وهو المشهور بينهم. وقال في المدارك: إنه مقطوع به في كلام الأصحاب (3). وظاهرهم - كما يظهر من المحقق في المعتبر (4) - أنه لا فرق في ذلك بين تلك الأصناف وإن كان مورد الخبر الآتي هو المكاري. ولكن في كون ذلك إجماعا تأمل، غايته عدم الخلاف، ولكنه قال في النافع: وقيل: هذا يختص بالمكاري فيدخل فيه الملاح والأجير (5). واحتج الأصحاب على اشتراط ما ذكر بما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المكاري إن لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام وأقل قصر في سفره بالنهار وأتم بالليل وعليه صوم شهر رمضان، وإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر قصر في سفره وأفطر (6). ورواها الصدوق في الصحيح عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) - بأدنى تفاوت - قال: المكاري إذا لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقل قصر في سفره بالنهار وأتم
(1) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 216 ح 42. (2) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 216 ح 41. (3) مدارك الأحكام: ج 4 ص 452. (4) المعتبر: ج 2 ص 472 و 473. (5) المختصر النافع: ص 51. (6) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 216 ح 40. 726 صلاة الليل، وعليه صوم شهر رمضان، فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة أيام أو أكثر قصر في سفره وأفطر (1). وأورد على الرواية بضعف السند لمكان إسماعيل بن مرار (2)، ولكن طريق الصدوق صحيح، وبأن الرواية متضمنة لما هو متروك عند الأصحاب، وهو التقصير بسبب الإقامة أقل من خمسة. ويظهر من الرواية أيضا أن المراد أن من أراد المقام في بلدة يذهب إليه عشرة أيام يقصره في سفره إلى ذلك المقام، أو أعم من ذلك. ولعله أيضا متروك عندهم، وأيضا الظاهر منه حكم البلد الذي ليس بوطنه، فلا يستفاد منه حكم الوطن إلا أن يدعى ذلك بمفهوم الموافقة، وفيه تأمل، وإجماع المركب غير معلوم، إذ القول بإلحاق الإقامة المنوية في غير بلده ووطنه بالإقامة في وطنه هو منسوب إلى المحقق (3) ومن تأخر عنه (4). وأما ما رواه الصدوق فهي وإن كانت صحيحة لكنها أيضا مشتملة على ما ذكر في الجملة، وعلى أن ظاهرها اعتبار الإقامة في المنزل وفي البلد الذي يذهب إليه كليهما في الرجوع إلى التقصير، والقائل به أيضا غير معلوم. والحق أنه لو تخلص المدعى من الخبر وظهر المطلوب منه لا يضر مخالفة بعض أجزائها للأصحاب، وإنما الشأن في ذلك. والأولى الاستدلال في ذلك بما رواه الشيخ عن يونس بن عبد الرحمن، عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن حد المكاري الذي يصوم ويتم، قال: أيما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقل من عشرة أيام وجب عليه الصيام والتمام أبدا، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير والإفطار (5).
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 439 ح 1277. (2) مدارك الأحكام: ج 4 ص 452. (3) شرائع الاسلام: ج 1 ص 134. (4) كالشهيد الثاني في روض الجنان: ص 391 س 7. (5) تهذيب الأحكام: ج 4 ص 219 ح 14. 727 ولا يضر ضعف الرواية لمكان إسماعيل بن مرار ولا إرساله، لانجباره بالعمل والشهرة العظيمة، ولا يضر عدم التوجه إلى نفس العشرة لندرته، ولعدم القول بالفصل، إذ الأكثر أعم من الأحد عشر ونحوه، ومما يخرج به عرفا عن صدق الاسم. ولكن ما يترائى من الرواية عموم الحكم بالتقصير بعد الإقامة وإن صدق عليه اسم المكاري والملاح ونحو ذلك. وفيه إشكال. وهذه الرواية أدل دليل على ما فهمه الأصحاب من أن العلة في الإتمام لهؤلاء هو كثرة السفر، وأن العشرة قاطعها، فلا بد في الرجوع إلى الإتمام صدق كثير السفر عليه، فعلى هذا يصح ذلك الحكم وإن صدق عليه اسم المكاري. ويمكن أن يقال: إن المراد في الخبر هو أن العشرة قاطع لحكم هؤلاء بالتمام، ويحتاج في الرجوع إلى التمام إما صدق تلك العنوانات عليهم ثانيا، أو صدق كثير السفر عليهم، لكن الثمرة حينئذ يظهر لو أمكن زوال هذه العنوانات عنهم بمجرد تلك الإقامة. وهو احتمال بعيد. نعم يقرب ذلك لو نوى قطع العمل وتركه، وأقام ثم رجع بعد الإقامة. ولكنه غير ظاهر الخبر. وبالجملة: اعتبار صدق هذه الأسامي على المسافر في الحكم بالإتمام على الإطلاق لا يجتمع مع القول برجوعهم إلى القصر بعد الإقامة على الإطلاق، وإذا خصصنا الإطلاقات بذلك فلا بد من بيان الغاية ومنتهى الرجوع إلى الإتمام. وهو غير معلوم، فالمناص هو الرجوع إلى أحد الأمرين اللذين ذكرناهما، فتأمل. ثم قد عرفت سابقا أن المحقق ومن تأخر عنه ألحق غير الوطن به في هذا الحكم إذا أقام فيه عشرة، ولكنهم اشترطوا في ذلك القصد والنية، ولم يعتبروا العشرة المترددة. والظاهر أن عدم اعتبارها إجماعي، كما يظهر من الشهيد الثاني (رحمه الله) في روض الجنان، فإنه صرح بأنه موضع وفاق (1). ولو لم تثبت الاجماع على ذلك لاتجه الحكم بالاكتفاء بالعشرة مطلقا لإطلاق النص، ويدل
(1) روض الجنان: ص 391 س 7. 728 على اعتبار مطلقها الأخبار المتقدمة. وألحق الشهيد في الدروس (1) بذلك العشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثين يوما، وقواه الشهيد الثاني (رحمه الله) في روض الجنان (2)، ونسبه إلى بعض الأصحاب أيضا. واكتفى ابن فهد في المهذب بالتردد في ثلاثين يوما (3)، وجعله في حكم العشرة المنوية، وجعله المشهور. وقواه المحقق الشيخ علي أيضا (4). قال في روض الجنان بعد نقل ما ذكرنا: ولم أقف لغيرهم في ذلك على كلام بنفي ولا إثبات، وإن كان الظاهر منهم عدم الاكتفاء بالتردد ثلاثين (5). هذا، والتحقيق أن الذي ثبت من الروايات اعتبار العشرة، وإطلاقها يقتضي الاكتفاء بمطلقها، لكن الاجماع الذي ادعاه الشهيد الثاني يخرج العشرة المترددة. لكن الظاهر أن الاجماع على خصوص العشرة المترددة بشرط أن لا ينضم إليه شئ آخر، وأما العشرة المترددة الحاصلة بعد التردد في ثلاثين يوما فثبوت الاجماع فيه محل تأمل، كما يظهر من نفس مدعي الاجماع، إلا أنه يمكن أن يقال: إن الظاهر من الروايات العشرة المنوية، سيما رواية عبد الله بن سنان. وبالجملة: اعتبار هذه العشرة محل إشكال. وبمثل ما ذكرنا يمكن ان يثبت مذهب ابن فهد أيضا، إذ العشرة يتحقق في ضمن الثلاثين، وعدم تحقق الاجماع هاهنا أيضا مسلم لمدعيه هنالك، فلا يبقى لاعتبار العشرة اللاحقة - كما فعله الشهيد - منشأ أصلا. والاستدلال لابن فهد بأن كثرة السفر ينقطع بالثلاثين المتردد فيها، كما أن السفر ينقطع بذلك غير مرضي. أما أولا فلأنه قياس، وأما ثانيا فلعدم المناسبة بين الأصل والفرع، إذ الأصل ينقطع بنية العشرة والفرع لا ينقطع إلا بإتمام العشرة، والثلاثين ينوب هاهنا عن نية العشرة، وها هنا عن نفس العشرة.
(1) الدروس الشرعية: ج 1 ص 212. (2) روض الجنان: ص 391 س 16. (3) المهذب البارع: ج 1 ص 486. (4) جامع المقاصد: ج 2 ص 513. (5) روض الجنان: ص 391 س 18. 729 ثم اعلم أن المشهور بين الأصحاب وجوب إتمام هؤلاء لو لم يقيموا عشرة أيام. وقال الشيخ (1) وابن حمزة (2) وابن البراج (3) في إقامة الخمسة وما فوقه إلى ما دون العشرة أنه يقصر صلاة النهار ويتم الصوم وصلاة الليل، واحتجوا على ذلك بصحيحة عبد الله بن سنان السابقة. وفيه ما تقدم من متروكية ظاهرها وإضراره للاستدلال هاهنا، بل عدم صحته أوضح كما لا يخفى. وحجة المشهور - مضافا إلى العمومات والإطلاقات الدالة على الإتمام - صحيحة معاوية بن وهب هما واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت. ويدفعه أيضا رواية يونس بن عبد الرحمن المتقدمة. ونسب إلى ابن الجنيد (4) القول بالاكتفاء في التقصير بإقامة الخمسة وأقل، كما هو ظاهر الرواية (5). وهو أضعف من قول الشيخ، ويدفعه أكثر ما سبق. السادس أن يكون سفره جائزا، وأن لا يعصي بسفره وإن كان يعصي فيه. والعصيان إما بكونه عصيانا في نفسه كالفار من الزحف، وقطع الطريق المغصوب وإن كان غايته الحج الواجب، والطريق المخوف كذلك أيضا. أو بكون غايته كذلك كالذهاب إلى محل ليقطع الطريق، أو ليسرق مالا ونحو ذلك. واعترض الشهيد الثاني (رحمه الله) في روض الجنان (6) بما حاصله: أن إدخال ما كان غايته مباحة وإنما عرض العصيان من جهة أمر خارج - كالآبق والناشز والسالك طريق المخوف ونحو ذلك - يوجب أن لا يكون المكلف بالتقصير إلا أوحدي الناس، فإن الغالب أن المكلف في ذمته واجب يخل به السفر، كتحصيل
(1) المبسوط: ج 1 ص 141. (2) الوسيلة: ص 108. (3) المهذب: ج 1 ص 106. (4) كما في مختلف الشيعة: ج 4 ص 113. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 527 ب 15 من أبواب صلاة المسافر ح 12. (6) روض الجنان: ص 388 س 5. 730 العلم ونحوه، فيكون السفر حراما بالعرض، فلا يجوز التقصير، وأن النصوص لا تدل على هذا القسم من المعصية، وإنما دل على عدم الجواز في سفر تكون غايته المعصية، واستشهد بروايتي عمار بن مروان وحماد بن عثمان الآتيتين، ورواية السكوني المتقدمة. وفيه أولا: أنا - بعد تسليم أن مثل ما ذكرت يصدق عليه أنه سفر المعصية - نمنع فقدان ما يدل على ذلك عموما، لظهور أول رواية عمار بن مروان (1) ورواية عبيد بن زرارة (2) المنصوصة فيها على العلة في العموم، وثانيا: أنا نمنع كون أمثال هؤلاء عاصين بأسفارهم، لأن العصيان حينئذ بنفس ترك الواجب لا بسبب السفر، ولا ينحصر الضد فيه، بل لعل الترك كان لصارف، مع أنه لو انحصر أيضا فكون المستلزم للمحرم محرما أول المسألة. وبالجملة: الأمر بالشئ لا يقتضي النهي عن ضده الخاص بأحد من الدلالات، كما هو التحقيق، والذي حققناه في الأصول في منتهى الكلام أنه يقتضي ذلك اقتضاء تبعيا وهو ليس من الأحكام الشرعية، فتدبر. وبالجملة: فصدق عنوان سفر المعصية وأنه غير مسير حق على ذلك في محل المنع، فلا يمكن الاتكال بظواهر النصوص أيضا. ولو رجع المسافر العاصي عن المعصية في الأثناء يقصر إن كان الباقي مسافة، والظاهر أنه لا خلاف فيه، والعمومات تقتضي ذلك، وفي العكس يتم ولو كان مسافة. ولعله لا خلاف في ذلك أيضا. ولو عاد إلى الطاعة ففي اعتبار المسافة وجهان: من تأثير المعصية في الانقطاع، وعدمه. والظاهر هاهنا لعله عدم الانقطاع، كما هو ظاهر الفاضلين في المنتهى (3) والمعتبر (4) وصريح الشهيد في الذكرى (5) ومختار بعض
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 509 ب 8 من أبواب صلاة المسافر ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 511 ب 9 من أبواب صلاة المسافر ح 4. (3) منتهى المطلب: ج 1 ص 392 س 33. (4) المعتبر: ج 2 ص 472. (5) ذكرى الشيعة: ص 258 س 6. 731 المتأخرين (1). ويظهر وجهه مما قدمنا في إقامة العشرة، والفرق بينهما واضح، فلا يرد البحث بعدم التفرقة وإبداء وجه الترجيح هاهنا لما ذكرنا هاهنا. وربما يستدل على ذلك بالرواية التي رواه بعض أهل العسكر، وستأتي. ثم قد ظهر بما ذكرنا أن المراد بالجواز الذي هو شرط هنا هو المعنى الأعم، فيندرج فيه الواجب والمكروه والمباح والمستحب. واشتراط هذا الشرط إجماعي بين الأصحاب، على ما نقله جماعة منهم. ويدل عليها - مضافا إلى ما سبق - أخبار كثيرة: كصحيحة عمار بن مروان عن الصادق (عليه السلام) قال: سمعته يقول: من سافر قصر أفطر إلا أن يكون رجل سفره إلى صيد، أو في معصية الله، أو رسولا لمن يعصي الله، أو في طلب شحناء، أو سعاية ضرر على قوم مسلمين (2). وموثقة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يخرج إلى الصيد، أيقصر أم يتم؟ قال: يتم لأنه ليس بمسير حق (3). وصحيحة عمران بن محمد بن عمران عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة، يقصر أو يتم؟ فقال: إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر وليقصر، وإن خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة (4). وما رواه حماد عن الصادق (عليه السلام) في قول الله تعالى: * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) * قال: الباغي باغ الصيد، والعادي السارق، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها، هي حرام عليهما، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، وليس لهما أن يقصرا في الصلاة (5).
(1) منهم الشهيد في روض الجنان: ص 388 س 17. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 509 ب 8 من أبواب صلاة المسافر ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 511 ب 9 من أبواب صلاة المسافر ح 4. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 512 ب 9 من أبواب صلاة المسافر ح 5. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 509 ب 8 من أبواب صلاة المسافر ح 2. 732 وموثقة سماعة قال: قال: ومن سافر قصر الصلاة وأفطر إلا أن يكون رجلا مشيعا لسلطان جائر، أو خرج إلى صيد، أو إلى قرية له يكون مسيرة يوم يبيت إلى أهله لا يقصر ولا يفطر (1). ورواية أبي سعيد الخراساني قال: دخل رجلان على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) بخراسان فسألاه عن التقصير، فقال: لأحدهما وجب عليك التقصير لأ نك قصدتني، وقال للآخر: وجب عليك التمام لأ نك قصدت السلطان (2). وموثقة زرارة - على وجه - عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عمن يخرج عن أهله بالصقور والبزاة والكلاب يتنزه الليلة والليلتين والثلاث، هل يقصر من صلاته أو لا يقصر؟ قال: إنما خرج في لهو لا يقصر، قلت: الرجل يشيع أخاه اليوم واليومين في شهر رمضان، قال: يفطر ويقصر فإن ذلك حق عليه (3). وقد مر رواية السكوني أيضا. ورواية ابن بكير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتصيد اليوم واليومين والثلاثة، أيقصر الصلاة؟ قال: لا، إلا أن يشيع الرجل أخاه في الدين، وإن التصيد مسير باطل لا يقصر الصلاة فيه، وقال: يقصر إذا شيع أخاه (4). ثم اعلم أن الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب أنه لا يجوز القصر للمتصيد اللاهي بصيده، وقد ظهر من الأخبار المتقدمة، ولعله سيجئ بعض آخر، كما أن جواز القصر له لو أراد تحصيل القوت لنفسه أو عياله مطلقا أيضا إجماعي، كما ذكره الشهيد الثاني (رحمه الله) في روض الجنان (5). ويدل عليه مرسلة عمران بن عمران المتقدمة. وإنما الخلاف فيما إذا قصد به التجارة:
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 510 ب 8 من أبواب صلاة المسافر ح 4. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 510 ب 8 من أبواب صلاة المسافر ح 6. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 511 ب 9 من أبواب صلاة المسافر ح 1. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 512 ب 9 من أبواب صلاة المسافر ح 7. (5) روض الجنان: ص 390 س 25. 733 فالشيخان وعلي بن بابويه وابن حمزة وابن البراج وابن إدريس - على ما نقل عنهم في المختلف (1) - على أنه يجب التقصير في الصوم دون الصلاة. ويظهر مما نقله العلامة عن ابن إدريس ادعاء الاجماع على ذلك حيث قال: روى أصحابنا بأجمعهم أنه يتم الصلاة ويفطر الصوم، وكل سفر وجب التقصير في الصوم وجب تقصير الصلاة فيه إلا هذه المسألة. وفهم العلامة (2) من كلامه هذا ادعاء الاجماع. ونقل عن المرتضى وابن أبي عقيل وسلار التقصير مطلقا (3). وهو مختار العلامة في المختلف (4) والإرشاد (5) وبعض المتأخرين (6). ولعل ذلك أقرب بالنظر إلى الدليل. لنا: العمومات، والإطلاقات المقتضية لذلك، وعدم المانع لأن التجارة إما مندوب إليها، أو مباح ويجوز القصر فيهما كما تقدم. وخصوص صحيحة صفوان عن عبد الله قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتصيد، فقال: إن كان يدور حوله فلا يقصر، وإن كان تجاوز الوقت فليقصر (7). ومثلها روى الصدوق في الصحيح عن عيص بن القاسم عنه (عليه السلام) (8). وما رواه محمد بن علي بن محبوب عن العباس عن الحسن بن محبوب عن بعض أصحابنا عن أبي بصير (9) - ورواها الصدوق أيضا عنه (عليه السلام) - قال: ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيام وإذا جاوز الثلاثة لزمه (10).
(1) نقله عنهم العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 96. (2) مختلف الشيعة: ج 3 ص 96. (3) نقله عنهم العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 96. (4) مختلف الشيعة: ج 3 ص 96. (5) إرشاد الأذهان: ج 1 ص 275. (6) منهم الشهيد في روض الجنان: ص 388 س 21. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 511 ب 9 من أبواب صلاة المسافر ح 2. (8) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 452 ح 1312. (9) وسائل الشيعة: ج 5 ص 511 ب 9 من أبواب صلاة المسافر ح 3. (10) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 452 ح 1311. 734 فإن الظاهر أن المنع قبل الثلاثة أيام إنما هو لأجل عدم تحقق المسافة قبل ذلك غالبا كما هو ظاهر. وربما حمل ذلك على التقية. ويدل على ذلك أيضا أنه إذا جاز الإفطار يجوز القصر في الصلاة، والأول ثابت بالاتفاق، فكذا الثاني لقوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن وهب: هما واحد إذا قصرت أفطرت، وإذا أفطرت قصرت (1). وقال السيد (رضي الله عنه) في الانتصار في مسألة تحديد السفر: ولا خلاف بين الأمة في أن كل سفر أسقط فرض الصيام ورخص في الإفطار، فهو بعينه موجب لقصر الصلاة (2). ويؤيده ما رواه الشيخ عن بعض أهل العسكر قال: خرج عن أبي الحسن (عليه السلام) أن صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة، فإذا عدل عن الجادة أتم، فإذا رجع إليها قصر (3). وإنما جعلناها من المؤيدات لكونها أخص من المدعى، ولضعفها ب " السياري " المذموم والإرسال منه، ولضعف دلالتها أيضا، إذ لعل الظاهر أن المراد أنه إذا كان صيده في الطريق الذي يسلكه لغير الصيد، وكان صيده بالتبعية، فيقصر باعتبار جواز سفره، ولا يضره الصيد، وأما إذا خرج من الطريق فلا يجوز له القصر، لأن سفره غير جائز. وعلى ما اخترناه فلا بد من حمله على ما يريد به اللهو. هذا، مع أنها على ظاهرها أيضا يحتاج إلى تكلفات، فتأمل. واحتج العلامة (4) لصاحب القول الأول برواية ابن بكير، وموثقة عبيد المتقدمتان. وفيه أن الظاهر منهما أن المطلوب فيهما نفس الصيد لا لأجل التجارة، فيكون
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 528 ب 15 من أبواب صلاة المسافر ح 17. (2) الانتصار: ص 51. (3) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 218 ح 52. (4) مختلف الشيعة: ج 3 ص 99. 735 مسيرا باطلا، وإلا فلا معنى للقول ببطلان سفر التجارة، ولا لكونه طلب فضول، ولا لحرمة الصيد لأصالة الإباحة، والرخصة المعلومة من الشرع، وعلى فرض التسليم فنقول: لا بد من حملهما على ما هو أقوى منهما سندا ودلالة، وعلى ذلك يحمل رواية حماد وغيرها، وأما رواية السكوني ورواية زرارة ونحوها فمقيدة باللهو. ونقل في المختلف عن ابن الجنيد تفصيلا، وهو أنه إذا كان دائرا حول المدينة غير متجاوز حد التقصير لم يقصر يومين، فإن تجاوز الحد واستمر به دورانه ثلاثة أيام قصر بعدها (1). قال العلامة: ولم يعتبر علماؤنا ذلك، بل أوجبوا التقصير مع قصد المسافة والإباحة، واستدل له برواية أبي بصير المتقدمة. وأجاب عنه بالإرسال (2). والحق في الجواب ما ظهر مما ذكرنا من المراد، ورواية الصدوق عنه ليس بمرسل، وإن كان لا يخلو عن ضعف. ثم إن جعل لهو الصيد محرما لعله من خصائص الصيد، إذ غاية ما يكون كونه مكروها، فلا يمكن الحكم بالتمام فيمن يذهب إلى حد المسافة للتفرج. لأنه لهو. ولكن يظهر من المحقق في المعتبر (3) حرمة اللهو مطلقا، وأما المتفرج لقصد صحيح فليس بلهو. السابع الخروج إلى حد الترخص، وقد اختلف فيه الأصحاب: فأكثر الأصحاب على اعتبار أحد الأمرين من خفاء الجدران والأذان. ومذهب جماعة من الأصحاب إلى اعتبارهما معا، ونسبه الشهيد الثاني (رحمه الله) إلى المشهور بين المتأخرين، والأول إلى أكثر المتقدمين (4).
(1) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 101. (2) مختلف الشيعة: ج 3 ص 101. (3) المعتبر: ج 2 ص 471. (4) روض الجنان: ص 392. 736 واعتبر المفيد (1) وابن أبي عقيل (2) وسلار خفاء الأذان (3)، وكذا ابن إدريس وقيده بالأذان المتوسط (4). واعتبر الصدوق في المقنع اختفاء حيطان المدينة عنه (5). وقال علي بن بابويه: إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه (6). والأصل في هذه المسألة ما رواه الكليني (7) في الصحيح، وكذا الشيخ (8) في الصحيح، والصدوق (9) بسنده عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يريد السفر، متى يقصر؟ قال: إذا توارى من البيوت. وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن التقصير، قال: إذا كنت في الموضع الذي تسمع الأذان فأتم، وإذا كنت في الموضع الذي لا تسمع الأذان فقصر، وإذا قدمت من سفر فمثل ذلك (10). ووجه الاختلاف يظهر من إختلاف الروايتين: فمنهم من عمل بواحد منهما على التعيين لمرجح عنده. ومنهم من عمل بأحدهما لا بعينه تخييرا جمعا. ومنهم من خصص كل واحد منهما بالآخر فاعتبرهما معا. والحق أن واحدا منهما لا ينفك عن الآخر غالبا، وما يتوهم من أن اعتبار خفاء البيوت يقتضي جواز التقصير بمجرد حائل، وإن رآه بعد ذلك، فلا يخفى وهنه، إذ الظاهر من الرواية أن المعتبر في التواري هو ما إذا كان من جهة الذهاب والبعد في الأرض، كما لا يخفى، فإذن لا يتفاوت الإمارتين في الأغلب.
(1) المقنعة: ص 350. (2) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: ج 3 ص 110. (3) المراسم: ص 75. (4) السرائر: ج 1 ص 331. (5) المقنع: ص 37. (6) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 110. (7) الكافي: ج 3 ص 434 ح 1. (8) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 224 ح 75. (9) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 435 ح 1266. (10) وسائل الشيعة: ج 5 ص 506 ب 6 من أبواب صلاة المسافر ح 3. 737 والحق أن المراد خفاء البيوت، كما هو مورد النص، فلا عبرة بسواد المدينة وشبحه، بل يعتبر في ذلك فقدان تميز البيوت، وإذا لم يعتبر ذلك فلا نعتبر بالعلامات - كالمنارة والقباب - بطريق أولى. فإذا عرفت هذا فتعرف أن لا حاجة إلى القول: بأن المراد من اختفاء البيوت هو اختفاء المسافر عن البيوت - أي: عن أهلها - لا اختفاء البيوت عن المسافر، كما ذكره بعض المتأخرين، وبهذا رفع الإشكال بين هذا الخبر وما دل على خفاء الأذان. إذ - مع أن الأصل عدم الحذف، وأن القلب باب شائع - لا يتفاوت المعنى على ما ذكرنا، بل يمكن أن يقال: إن هذا يصير أبعد مما اعتبرناه، إذ الموجود في النص هو البيوت، لا سواد المدينة وشبحه، ولا نفس المدينة، ولكن المطلوب في اختفاء الشخص هو اختفاء نفس جثمانه وشبحه كما هو ظاهر، إذ ليس في النص تواري هيئته وشكله، فتأمل. فالمعتبر إذن الأرض المتوسطة، والأذان المتوسط، كما هو الغالب المتعارف. واحتج الصدوق بما رواه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه (1). وهو - مع أنه مرسل - لا يقاوم ما ذكرنا، على أنه مطلق، فلا بد من حمله على المقيد. وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه: إذا سافر فرسخا قصر الصلاة (2). ونزله بعضهم على أنه حد الترخص. والحد ما ذكرنا، فإن وافقا فمرحبا بالوفاق، وإلا فيحمل على الاستحباب. وربما قيدوا البيوت ببيوت آخر البلد الصغير والقرية، وآخر المحلة من البلد الكبير، وكذا أذان المسجد. ويحتمل إرادة أذان البيت أو آخر البلد. وهل يعتبر ذلك في الرجوع من السفر أم لا؟
(1) من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 436 ح 1267. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 506 ب 6 من أبواب صلاة المسافر ح 4. 738 قيل: نعم، وهو مختار العلامة (1) في المختلف وغيره. ونسبه الشهيد الثاني (رحمه الله) في روض الجنان إلى المشهور (2). واختار علي بن بابويه (رحمه الله) والسيد المرتضى وابن الجنيد الاستمرار إلى الدخول في البلد (3)، إلا أن ابن الجنيد قال: فإن حيل بينه وبينه بعد وصوله إليه أتم. وذهب بعض الأصحاب إلى اعتبار خفاء الأذان (4)، ويدل عليه صحيحة ابن سنان المتقدمة. وعلى القول بالاستمرار حتى يدخل البلد صحيحة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يكون مسافرا ثم يقدم فيدخل بيوت الكوفة، أيتم الصلاة أم يكون مقصرا حتى يدخل أهله؟ قال: بل يكون مقصرا حتى يدخل أهله (5). وصحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته (6). وما رواه الصدوق مرسلا، وقد تقدم. واستدل العلامة والشهيد الثاني (رحمهما الله) على المشهور بصحيحة عبد الله بن سنان، وبأن اعتبار ذلك في الخروج إنما هو لكون ما دون هذا القدر في حكم البلد، فلا يقصر فيه، وحمل الأخبار المطلقة على ذلك (7). وقال العلامة: إن ذلك لأن من سمع الأذان أو شاهد الجدران يخرج عن حكم المسافر، فيكون بمنزلة من دخل بمنزله (8). وليس قول المشهور ببعيد، لصراحة الرواية المعتضدة بالاعتبار، مع قرب
(1) مختلف الشيعة: ج 3 ص 112. (2) روض الجنان: ص 392 س 18. (3) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 111. (4) شرائع الاسلام: ج 1 ص 134، وفيه " وكذا في عوده يقصر حتى يبلغ سماع الأذان من مصره ". (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 508 ب 7 من أبواب صلاة المسافر ح 3. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 508 ب 7 من أبواب صلاة المسافر ح 4. (7) روض الجنان: ص 392 س 30. (8) مختلف الشيعة: ج 3 ص 112. 739 التأويل في صحيحة عيص بأن المراد منها هو المفهوم - يعني: لا يقصر بعد الدخول - ردا على من يعتبر حال الوجوب في المسألة الآتية، كما يشهد به روايته الأخرى الآتية في تلك المسألة، وكذا موثقة إسحاق بن عمار يمكن أن يكون المراد منها عدم اعتبار بيوت الكوفة في حد الترخص لوسعة البلد، بل يعتبر محلته التي بيته فيه، فتأمل. مع أن القول الآخر أيضا لا يخلو عن قوة. والثمرة يظهر في المسألة الآتية في أن الاعتبار بحال الوجوب أو الأداء، وكذلك في مسألة الصيام. والمسألة محل تردد، فلا تترك الاحتياط. فرع: لو قصد الإقامة عشرة أيام في بلد في الأثناء مصاحبا لقصد السفر، أو في الأثناء قبل الوصول إلى ذلك البلد، وكان بين المبدأ وبلد الإقامة مقدار المسافة المعتبرة، ففي جواز القصر إلى أن يدخل ويقيم، وملاحظة ظهور الجدران وسماع الأذان في ذلك، على القول باعتبارهما في الرجوع، وجهان يظهر وجههما مما تقدم. ولعل الاستصحاب إلى الدخول أقوى. وكذا الوجهان في حال الخروج. وقد يقال: إن صحيحة محمد بن مسلم يدل على ذلك، فإن البيوت أعم من بيوت بلده أو مقامه. ويمكن الاستدلال في الصورة الأولى أيضا ببعض ما يدل على ذلك في دخول البلد الذي هو وطنه. والإنصاف أن ذلك غير منساقة منها. وهل يعتبر ذلك الحد فيمن كان سفره معصية، أو بلا قصد مسافة، وتبدل بما يصح القصر فيه، أم لا؟ فمن يطلب الآبق أو الغريم إذا ذهب إلى حد المسافة وأراد الرجوع فهل يقصر من موضع الإرادة؟ أم يعتبر الأمرين؟ ففيه الوجهان، والاحتياط سبيل النجاة. منهاج إذا وجد في المكلف الشرائط المذكورة وجب عليه القصر، ولا يصح صلاته
740 لو أتم إلا في مواضع: الأول: الجاهل بحكم القصر، والمشهور بين الأصحاب أن من صلى أربعا في السفر جاهلا بوجوب القصر فصلاته صحيحة، ولا يجب عليه الإعادة. وذهب ابن الجنيد وأبو الصلاح - على ما نقل عنهما - بأنه يعيد مع بقاء الوقت (1). وابن أبي عقيل على الإعادة مطلقا (2). والأول أقرب، لنا صحيحة (3) زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة في أول مباحث القصر والإتمام، فإن النكرة في سياق النفي يفيد العموم. ونقل في الذكرى أن السيد المرتضى سأل ذلك من أخيه الرضي، فقال: الاجماع على أن من صلى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزية، والجهل بأعداد الركعات جهل بأحكامها فلا تكون مجزية. فأجاب المرتضى بجواز تغير الحكم الشرعي بسبب الجهل وإن كان الجاهل غير معذور (4). وتوضيح الجواب أن معصيته في ترك التحصيل واقتضاء ذلك بطلان الصلاة في نفسه لا ينافي رفع حكم الإعادة بالخصوص هاهنا من دليل، مع أن المعصية لا دليل على رفعها، واشتبه على بعض المتأخرين نقل ذلك السؤال والجواب فاختلط عليه التقرير فلا تغفل. واستدل على المذهب الثاني بصحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة، قال: إن كان في وقت فليعد، وإن كان الوقت قد مضى فلا (5). وهذه الرواية وإن لم يكن نصا في الجاهل لكنها يشمله بإطلاقه، فالأحوط الإعادة مع بقاء الوقت كما سيجئ.
(1) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 115، الكافي في الفقه: ص 116. (2) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 116. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 531 ب 17 من أبواب صلاة المسافر ح 4. (4) ذكرى الشيعة: ص 259 س 18. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 530 ب 17 من أبواب صلاة المسافر ح 1. 741 ويمكن أن يستدل للمذهب الثالث بصحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): صليت الظهر أربع ركعات وأنا في سفر، قال: أعد (1). وربما يستبعد كون الحلبي جاهلا بالتقصير، فيحمل على الناسي مع بقاء الوقت كما سيجئ، لأن حملها على العمد أبعد. وهل يختص المعذورية بخصوص الإتمام موضع القصر؟ أو يجري في الجاهل ببعض أحكام السفر أيضا؟ كالجاهل بانقطاع كثرة السفر بإقامة العشرة، الذي يقتضيه أصول مذهبنا عدم التعدي، لثبوت عدم العلية عندنا، فكيف يدعى القطع بعلية الجهل حتى يكون حجة. والقطع بها في مطلق السفر أيضا لا يحصل من الخبر، لتعليق الحكم فيها بمن قرئ عليه الآية وغيره، وليس في الآية إلا وجوب القصر في السفر في الجملة. فالضابط أن بعد ما علم بثبوت قصر في الشريعة وأن المسافر يجب عليه التقصير فيجب عليه تحصيل الأحكام، ولا يصح من الجاهل بالتفاصيل بعد العلم بالإجمال. اللهم إلا أن يقال: إن هذا الشخص من لم يفسر له الآية، بأن يبين جميع شرائط مفادها وأحكامها كما هو المناط في الآية وإن كان قرئ عليه الآية وعلم بها في الجملة. ولكن هذا فرع كون المراد من تفسيرها ذلك، والظاهر عدمه كما لا يخفى، ويزيدك توضيحا بعض الأخبار الواردة في أبواب الحدود من كتب أصحابنا في المرأة المعتدة وغيرها، فراجع. وأما لو صلى من فرضه التمام قصرا جاهلا فالأظهر وجوب الإعادة، لعدم الإتيان بالمأمور به، فيبقي ذمته مشغولا به. نعم روى الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إذا أتيت بلدة فأزمعت
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 531 ب 17 من أبواب صلاة المسافر ح 6. 742 المقام عشرة أيام فأتم الصلاة، فإن تركه رجل جاهل فليس عليه إعادة (1). وأفتى به الفاضل نجيب الدين في الجامع (2). ولا ريب أن الإعادة أقوى وأحوط، إذ ذلك الخبر الواحد المتروك عند الأصحاب لا يقاوم الأدلة القطعية المعتبرة على البطلان. الثاني: الناسي للتقصير يعيد في الوقت دون خارجه على المشهور بين الأصحاب، وجعله السيد المرتضى (رضي الله عنه) في الانتصار من الإجماعيات (3). وذهب الصدوق في المقنع إلى وجوب الإعادة إن ذكر في يومه، وإلا فلا (4). وهو يخالف المشهور في حكم العشائين إن جعلنا المراد باليوم هو بياض اليوم دون ليلته، وإلا فلا. ولعل ذلك هو مراده، وفتواه إنما هو على طبق الرواية وسيجئ. وذهب أبوه (5) والشيخ في المبسوط إلى الإعادة مطلقا. وعلل ذلك في المبسوط بأن من قال من أصحابنا: إن كل سهو يلحق في صلاة السفر يوجب الإعادة فظاهر، ومن لم يقل يقول: قد زاد فيه، فعليه الإعادة على كل حال (6). والأول أقرب، لنا إطلاق صحيحة العيص بن القاسم المتقدمة (7). وصريح صحيحة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات، قال: إن كان ذكر في ذلك اليوم فليعد، وإن لم يذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه (8). والظاهر أن ذكر اليوم بعنوان المثل، وأن مراد الصدوق أيضا هو ذلك، فلا خلاف إذن من الصدوق للمشهور، فلا بد من التشبث في العشاء بعدم القول بالفصل، ولعله يمكن ادعاء دلالة التنبيه على حكم العشاء، فتأمل.
(1) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 221 ح 61. (2) الجامع للشرائع: ص 93. (3) الانتصار: ص 52. (4) المقنع: ص 38. (5) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 114. (6) المبسوط: ج 1 ص 140. (7 و 8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 530 ب 17 من أبواب صلاة المسافر ح 1، 2. 743 ويمكن الاستدلال للمذهب الأخير أيضا بصحيحة الحلبي المتقدمة، وعلى المشهور فلا بد من حمله على من كان في الوقت، أو على الاستحباب مطلقا. واعلم أن الشهيد (رحمه الله) قال في الذكرى: ويتخرج هنا على القول بأن من زاد خامسة في الصلاة وكان قد قعد بقدر التشهد تسلم له الصلاة صحة الصلاة هنا، لأن التشهد حائل بين ذلك وبين الزيادة. فإن قلت: فينبغي لو تعمد الزيادة القول بذلك لتحقق الخروج من الصلاة بالتشهد، فإن هذا القول من روادف القول بندب التسليم. قلت: إذا زاد متعمدا لم يكن نية الخروج حاصلة بالتشهد، ولا في حكم الحاصلة، بل نية البقاء على الصلاة هي الحاصلة، فيتحقق الزيادة في الصلاة (1). أقول: على القول بندب التسليم لاشك في أنه يخرج عن الصلاة بعد الجلوس بمقدار التشهد أو نفس التشهد كما مر سابقا، وذلك أمر قهري لا دخل للنية فيه كما حققناه سابقا، فلا يتحقق الزيادة على هذا. على أنا نقول: إن الفرق بين ما نحن فيه وبين المسألة المخرج منها واضح، إلا أن يجعل ما نحن فيه من أفراد تلك المسألة بأن يكون ناويا للقصر لكن عن له في الآخر نسيان زيادة ركعة، وأما فيما لو قصد أولا التمام فهو مشكل، إذ المقصورة وغيرها ماهيتان متغايرتان، لا ينوب أحدهما عن الآخر بعد تمام الركعتين. وأما على ما بنينا عليه المسألة هاهنا وحققناها وأثبتنا وجوب التسليم وجوب الإعادة على التفصيل المتقدم (2). والأمر بدون التخريج أيضا واضح، والحمد لله. الثالث: الصلاة في المواطن الأربعة: المسجد الحرام، ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله)، ومسجد الكوفة، وحائر الحسين (عليه السلام). والمشهور بين أصحابنا التخيير بين القصر والإتمام، وأفضلية الإتمام، نسبه
(1) ذكرى الشيعة: ص 259 س 27. (2) كذا في الأصل، والظاهر أن العبارة ناقصة. 744 في التذكرة إلى أكثر علمائنا، وجعل المخالف لذلك الصدوق (1)، ونسبه في المختلف إلى المشهور (2). وقال الشهيد في الذكرى: وانفرد الأصحاب بالتخيير في الصلاة في أربعة أماكن: مسجد مكة، ومسجد المدينة، ومسجد الكوفة، والحائر (3). وقال الشهيد الثاني (رحمه الله) في روض الجنان في شرح قول العلامة: ومع الشرائط يجب التقصير إلا في أربعة -: تفرد الأصحاب بكون المسافر يتخير فيها بين القصر والإتمام (4). وظاهر كلامهما إجماع الإمامية على ذلك، وأن المتقدمين والمتأخرين مطبقون على ذلك، ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ الجليل جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارة عن أبيه عن سعد بن عبد الله قال: سألت أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد مكة والمدينة والكوفة وقبر الحسين (عليه السلام) والذي روى فيها، فقال: أنا اقصر، وكان صفوان يقصر وابن أبي عمير وجميع أصحابنا يقصرون (5). إذ لم يثبت من الرواية إلا أنهم يقصرون، أما أنهم لا يجوزون الإتمام فلا يستفاد منه. نعم ذلك يضعف أفضلية الإتمام، وفي أخبار الإتمام أيضا من هذا القبيل موجود فيتعارضان، مع أن الناقل لهذه الرواية ظاهره اختيار الإتمام، وهو ينافي ذلك، فتأمل. مع أنه روى روايات الإتمام أيضا، وسيأتي وظاهره العمل عليها. وكذا لا يدل على اشتهار خلافه بين أصحاب الأئمة والقدماء مكاتبة علي بن مهزيار الآتية، إذ غايتها أن فقهاء أصحابه الذين (6) كانوا معه في السفر أشاروا إليه بالتقصير، وهذا لا يقتضي إيجابهم لذلك، بل ولا أفضليته، مع أن في جواب
(1) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 365 - 366. (2) مختلف الشيعة: ج 3 ص 131. (3) ذكرى الشيعة: ص 255 س 32. (4) روض الجنان: ص 397 س 6. (5) كامل الزيارة: ص 248 ح 7. (6) في الأصل: الذي. 745 المعصوم (عليه السلام) ما يضعفها ويبطلها ويثبت خلافها، فتدبر. غاية ما يتخيل إشعار هذين النقلين باستحباب التقصير ورجحانه، وهو أخص من المدعى. فإن قلت: لا قائل بالفصل. قلت: ذلك غير معلوم، لأن ما نقلهما الشهيدان من الأصحاب هو التخيير، وكونهم متفقين على أفضلية التمام ممنوع، وهذان الروايتان لا ينافيان القول بالتخيير. وبالجملة: لم نقف على القائل بوجوب التقصير من القدماء والمتأخرين الذين يعتبر فتواهم وشهرتهم، إلا ما ذكره الصدوق (رحمه الله) في كتابه من لا يحضره الفقيه، قال: قال الصادق (عليه السلام): من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن: بمكة، والمدينة، ومسجد الكوفة، وحائر الحسين (عليه السلام) (1). قال مصنف هذا الكتاب: يعني بذلك أن يعزم على مقام عشرة أيام في هذه المواطن حتى يتم، ويصدق ذلك ما رواه محمد بن إسماعيل، وما رواه محمد بن خالد، وساقهما (2)، وسيأتيان إن شاء الله. وهو ظاهر في وجوب التقصير عينا. وقال السيد المرتضى (رضي الله عنه) في الجمل: لا يقصر في مكة ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله) ومشاهد الأئمة القائمين مقامه (3). وقال ابن الجنيد: والمسجد الحرام لا تقصير فيه على أحد لأن الله عز وجل جعل سواء العاكف فيه والباد (4). كذا نقلهما في المختلف. ونقل عنهما اطراد الحكم في مشاهد سائر الأئمة (عليهم السلام) (5). وظاهرهما تعين التمام، وليسا بصريح في ذلك.
(1 و 2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 442 و 443 ح 1283 وذيله و ح 1284 و ح 1285. (3) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): ج 3 ص 47. (4) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 135. (5) انظر مختلف الشيعة: ج 3 ص 135 - 138. 746 ولم ينقل في الذكرى تعين التمام عن السيد وابن الجنيد، ولكنه قال في آخر الكلام: واعلم أن ابن الجنيد والمرتضى قالا لا يقصر في مشاهد الأئمة (عليهم السلام) فأجرناها مجرى الأربعة، وظاهرهما نفي التقصير، ولعلهما أرادا نفي تحتمه. ولم نقف لهما على مأخذ في ذلك، والقياس عندنا باطل، انتهى (1). ويظهر من كلامه (رحمه الله) أنه لم يفهم من السيد وابن الجنيد مخالفة للمشهور، كما لا يخفى على المتأمل. وبالجملة: جواز التمام في تلك الأماكن إما إجماعي، أو قريب منه. وهو الذي يقوى في نفسي. لنا - مضافا إلى ما تقدم من الإجماعين المنقولين ظاهرا -: الأصل فإن التعين والتحتم زيادة في التكليف، ولكن في إجرائه هاهنا إشكال. وقد يستدل بأن الأصل الإتمام خرج ما خرج بالدليل، وبقي الباقي. وفيه أيضا تأمل. والأخبار المستفيضة المعتبرة التي كاد أن يبلغ حد التواتر: فروى الشيخ في الصحيح عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن: حرم الله، وحرم رسوله (صلى الله عليه وآله)، وحرم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحرم الحسين بن علي صلوات الله عليهم (2). وقد يتأمل في صحة ذلك الخبر لمكان الحسن بن علي بن النعمان، مع أن النجاشي قال في ترجمته: كوفي مولى بني هاشم أبوه علي بن النعمان، ثقة ثبت (3). وهكذا قال في الخلاصة أيضا (4). وقال النجاشي أيضا: له كتاب نوادر صحيح الحديث كثير الفوائد عنه الصفار (5). وقال في الفهرست عنه: أحمد بن أبي عبد الله (6)، متمسكا باحتمال رجوع المدح إلى أبيه دونه، وأنت خبير بأنه خلاف
(1) ذكرى الشيعة: ص 256 س 3. (2) تهذيب الأحكام: ج 5 ص 430 ح 140. (3) رجال النجاشي: ص 40. (4) رجال العلامة الحلي: ص 41. (5) رجال النجاشي: ص 40. (6) فهرست رجال الطوسي: ص 54. 747 الظاهر من كلامه والاحتمال لا يرفع حجية الظاهر. فإن قلت: كلام النجاشي في ترجمة أبيه يدل على ذلك حيث قال: علي بن النعمان كوفي روى عن الرضا (عليه السلام)، وأخوه داود أعلى منه، وابنه الحسن بن علي وابنه أحمد رويا الحديث، وكان علي ثقة وجها ثبتا صحيحا واضح الطريقة (1). قلت: إن كان وجه الدلالة عدم الالتفات إلى توثيق الحسن والنص على أبيه فهذا لا يقتضي ما ذكرت، إذ إثبات توثيقه لا ينافي ثبوت توثيق أبيه في محل آخر، مع أن هاهنا ليس محل بيان توثيقه، فلا وجه للاستدلال بذلك. وإن كان وجهها الفصل بقوله: " وكان علي ". وهذا يدل على أن المدح لابد أن لا يفصل من الممدوح، فيكون المدح في الأول لما يليه من الممدوح. فمع أن أمثال ذلك لا يورث الظن، فالفرق بين الفاصلين بين، بل الفصل هاهنا غير متحقق، بل هو صفة بعد صفة، وهو في حكم المضاف إليه، فيكون مع موصوفه كالكلمة الواحدة بخلافه هاهنا، فإنه جملة معترضة أطال الكلام بفصلها، فلذا استأنف الكلام، مع أن النجاشي هاهنا قال: له كتاب نوادر صحيح الحديث كثير الفوائد عنه الصفار، وهنا قال: له كتاب عنه ابن أبي الخطاب ولم يذكر الصفار. ويؤيد ما ذكرنا أن العلامة عد الرواية في المختلف (2) من الصحاح، فعلم أن المدح في كلامه راجع إليه، لا إلى أبيه. وكلام الخلاصة مطابق لكلام النجاشي. ويؤيد ذلك نقل الميرزا في رجاله في تلو كلام النجاشي المتقدم عن الفهرست أنه يروي عن أحمد بن أبي عبد الله (3). ولكن يضعف ذلك نقله عنه ذلك أيضا لأبيه. وليس لك قلب الدليل لأن أحمد بن أبي عبد الله مذكور في الرواية. وبالجملة: الأظهر عندي الاعتماد عليه. وقد يتأمل في صحتها لمكان أحمد بن أبي عبد الله. وهو أحمد بن محمد بن خالد البرقي (رحمه الله) لأن النجاشي قال: إنه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد
(1) رجال النجاشي: ص 40. (2) مختلف الشيعة: ج 3 ص 132. (3) منتهى المقال: ص 100. 748 المراسيل (1). وقال ابن الغضائري: حديثه يعرف وينكر يروي عن الضعفاء كثيرا ويعتمد المراسيل (2). ولا وجه لذلك أيضا، إذ غاية ما ثبت من القدحين عدم الاعتماد بروايته لو لم يعرف المروي عنه، والمروي عنه هنا هو علي بن مهزيار الوكيل الثقة الجليل الذي جلالته أكثر من أن تبين، وأبي علي بن راشد الوكيل الجليل، فلا يضر ما ذكروه مع اجتماعهما على الرواية، ولأن النجاشي (3)، والشيخ (4) وثقاه في نفسه، والعلامة (5) أيضا وثقه. وبالجملة: لا ينبغي التأمل في ما رواه سيما إذا عرف المروي عنه. وروى أيضا في كتابي الأخبار (6)، والكليني في الكافي (7) في الصحيح عن علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أن الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام والتقصير في الحرمين فمنها بأن يتم الصلاة ولو صلاة واحدة، ومنها أن يقصر ما لم ينو مقام عشرة أيام، ولم أزل على الإتمام فيها إلى أن صدرنا في حجنا في عامنا هذا، فإن فقهاء أصحابنا أشاروا علي بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيام فصرت إلى التقصير وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك، فكتب إلي بخطه: قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما، فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر وتكثر فيهما بالصلاة، فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة: إني كتبت إليك بكذا وأجبتني بكذا، فقال: نعم، فقلت: فأي شئ تعني بالحرمين؟ فقال: مكة والمدينة. وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا
(1) رجال النجاشي: ص 76. (2) نقله عنه صاحب مجمع الرجال: ج 1 ص 138 وفيه اختلاف. (3) رجال النجاشي: ص 76. (4) فهرست الشيخ: ص 20. (5) رجال العلامة: ص 14. (6) تهذيب الأحكام: ج 5 ص 428 ح 133، الاستبصار: ج 2 ص 333 ح 12. (7) الكافي: ج 4 ص 525 ح 8. 749 عبد الله (عليه السلام) عن التمام بمكة والمدينة، قال: أتم وإن لم تصل فيهما إلا صلاة واحدة (1). وروى الكليني في الموثق عن غير واحد، والشيخ في الصحيح عن أبان عن مسمع - الذي وثقه علي بن الحسن بن الفضال ونقل فيه مدائح - عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: كان أبي يرى لهذين الحرمين مالا يراه لغيرهما، ويقول: إن الإتمام فيهما من الأمر المذخور (2). وروى الشيخ والكليني عن علي بن يقطين قال: سألت أبا إبراهيم عن التقصير بمكة، فقال: أتم وليس بواجب إلا أني أحب لك مثل الذي أحب لنفسي (3). وروى الكليني عن يونس عن زياد بن مروان قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن إتمام الصلاة في الحرمين، فقال: أحب لك ما أحب لنفسي أتم الصلاة (4). وروى الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن من المذخور الإتمام في الحرمين (5). وروى الكليني والشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي - الذي أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنه - عن إبراهيم بن شيبة قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) أسأله عن إتمام الصلاة في الحرمين، فكتب إلي: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحب إكثار الصلاة في الحرمين فأكثر فيهما وأتم (6). ورويا في الصحيح عن عثمان بن عيسى قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن إتمام الصلاة والصيام في الحرمين، فقال أتمها ولو صلاة واحدة (7).
(1) تهذيب الأحكام: ج 5 ص 426 ح 127. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 543 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 2. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 547 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 19. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 548 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 21. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 548 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 20. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 547 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 18. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 547 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 17. 750 ورويا أيضا - في سند لا يخلو عن قوة - عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: يتم الصلاة في أربعة مواطن: في المسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد الكوفة، وحرم الحسين (عليه السلام) (1). وأيضا رويا - بسند لا يخلو عن قوة - عن حذيفة بن منصور قال: حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: تتم الصلاة (2)... الحديث. ورويا أيضا عن عبد الملك القمي - بسند فيه محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر عن عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يتم الصلاة في أربعة مواطن: المسجد الحرام، ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومسجد الكوفة، وحرم الحسين (عليه السلام) (3). وروى الكليني عن إبراهيم بن أبي البلاد عن رجل من أصحابنا يقال له: حسين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تتم الصلاة في ثلاثة مواطن: مسجد الحرام، ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)، وعند قبر الحسين (عليه السلام) (4). ورويا أيضا عن أبي شبل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أزور قبر الحسين (عليه السلام)؟ قال: نعم زر الطيب وأتم الصلاة فيه، قلت: فإن بعض أصحابنا يرون التقصير، قال: إنما يفعل ذلك الضعفة (5). وروى الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى - الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه - عن عمر بن رياح قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام) أقدم مكة أتم أو اقصر؟ قال: أتم، قلت: أمر على المدينة فأتم الصلاة أو اقصر؟ قال: أتم (6).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 549 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 25. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 548 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 23. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 546 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 14. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 548 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 22. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 545 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 12. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 545 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 8 و 9. 751 وروى أيضا عنه عن مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: إذا دخلت مكة فأتم يوم تدخل (1). وروى أيضا عن زياد القندي قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): يا زياد أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي، أتم الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين (عليه السلام) (2). وما رواه أيضا في الكتابين عنه عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن هشاما روى عنك أنك أمرته بالتمام في الحرمين وذلك من أجل الناس؟ قال: لا، كنت أنا ومن مضى من آبائي إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة واستترنا من الناس (3). والظاهر أن المراد من سؤاله " أن هشاما روى أنك أمرته بالإتمام " لأجل التقية لا لأن الإتمام أفضل، فأجاب (عليه السلام) بأن مقصودي من الأمر بالإتمام ليس التقية والخوف من الناس، بل من جهة الفضل، فإني كنت أنا وآبائي إذا وردنا مكة كنا نتم مع استتارنا من الناس وفي حال الاستتار مع أنه لا معنى للتقية في هذه الحالة، فيكون الجملة حالية بتقدير " قد " ويكون هذا ردعا لما فهمه هشام وسأل عنه السائل. ويحتمل أن يكون المراد أنا كنا نتم الصلاة ونستتر اعتقاد أفضلية الإتمام عن الناس، لكونه أمرا غريبا بالنسبة إلى مذهبنا، فإن العامة كانوا يجوزون التخيير في مطلق الأسفار، وكان المعروف عندهم من مذهبنا القصر مطلقا، فالتفضيل أمر غريب لا بد من استتاره عنهم، لأن ذلك مخالفة أخرى لهم لا بد من التقية فيه، فحينئذ على هذا المعنى يكون التقية في التقصير. ويظهر ما ذكرنا من الوجه الأخير من كلام بعض المتأخرين (4).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 545 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 7. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 546 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 13. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 544 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 6. (4) رياض المسائل: ج 4 ص 443. 752 ويمكن على هذا أيضا أن يكون استتار ذلك من جهة عدم قابليتهم لذلك وإبقائهم على ضلالتهم، كما روي في الدم المشتبه بين دم العذرة والحيض من حكم أخذ القطنة واعتبار التطوق والاستنقاع: أن هذا سر الله سر الله فلا تذيعوه، ولا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله (1). لعله إلى ما ذكرنا يشعر قولهم (عليهم السلام) " الأمر المخزون " و " الأمر المذخور " في الأخبار. وعلى ما ذكرنا من أن المخزون هو اعتقاد الأفضلية، وأن الحكم هاهنا هذا، فلا ينافي الخبر الآتي الذي يدل بظاهرها على أن الإتمام للتقية، فإن كون الإتمام للتقية في ظاهر الأمر وبالنظر إلى معتقد الناس مع أداء الفضيلة النفس الأمرية بذلك أيضا لا ينافي استتار الحكمة الواقعية عن الناس. فظهر بما ذكرنا وجه الجمع بين الخبر الآتي وتلك الأخبار، فالمراد من الأمر بالقصر فيه والنهي عن التمام هو الجواز وعدم تعين الإتمام، وبالأمر بالإتمام بأصحابه على سبيل التعيين ظاهرا الاتقاء مع درك الأفضل. وعلى ما ذكرنا فيمكن أن يكون نفس هذا الخبر أيضا محمولا على التقية والاتقاء حتى لا يذيعه الراوي ولا يعلمه الناس. ولنرجع إلى ذكر الأخبار: وروى جعفر بن محمد بن قولويه في المزار عن عمرو بن مرزوق قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة في الحرمين، وعند قبر الحسين (عليه السلام)، قال: أتم الصلاة (2). وروى أيضا فيه عن قائد الحناط عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: سألته عن الصلاة في الحرمين، فقال أتم ولو مررت به مارا (3).
(1) الكافي: ج 3 ص 93 ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 546 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 13. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 550 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 31. 753 ويدل على التخيير صريحا رواية عمران بن حمران قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): اقصر في المسجد الحرام أو أتم؟ قال: إن قصرت فلك، وإن أتممت فهو خير، وزيادة الخير خير (1). وصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن في الصلاة بمكة، قال: من شاء أتم ومن شاء قصر (2). وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن الحسين بن المختار - الذي هو من خاصة الكاظم (عليه السلام) وثقاته، وأهل الورع والعلم من شيعته، كما ذكره المفيد في إرشاده (3)، ونقل ابن عقدة عن علي بن الحسن توثيقه (4)، وقال العلامة: إنه واقفي (5) - عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: قلت له: إنا إذا دخلنا مكة والمدينة نتم أو نقصر؟ قال: إن قصرت فذلك، وإن أتممت فهو خير تزداد (6). وما رواه الثقة الجليل الحميري - في كتابه قرب الإسناد - عن صالح بن عبد الله الخثعمي قال: كتبت إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) أسأله عن الصلاة في المسجدين اقصر أم أتم؟ فكتب إلي: أي ذلك فعلت فلا بأس، قال: فسألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عنها مشافهة، فأجابني بمثل ما أجابني أبوه إلا أنه قال في الصلاة قصر (7). واحتج الصدوق بما رواه هو والشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن الصلاة بمكة والمدينة تقصير أو تمام؟ فقال: قصر ما لم تعزم على مقام عشرة (8).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 545 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 11. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 545 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 10. (3) إرشاد المفيد: ج 2 ص 248. (4) لا يوجد كتابه لدينا. (5) لم نعثر عليه. (6) الكافي: ج 4 ص 525 ح 6، تهذيب الأحكام: ج 5 ص 430 ح 137. (7) قرب الإسناد: ص 125. (8) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 442 ح 1284، تهذيب الأحكام: ج 5 ص 426 ح 128. 754 ولصحيحة محمد بن خالد البرقي عن حمزة بن عبد الله الجعفري قال: لما أن نفرت من منى نويت المقام بمكة فأتممت الصلاة حتى جاءني خبر من المنزل فلم أجد بدا من المصير إلى المنزل ولم أدر أتم أم اقصر، وأبو الحسن (عليه السلام) يومئذ بمكة فأتيته فقصصت عليه القصة، فقال: ارجع إلى التقصير (1). ويدل عليه أيضا صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قدم مكة فأقام على إحرامه، قال: فليقصر الصلاة ما دام محرما (2). ورواية علي بن حديد قال: سألت الرضا (عليه السلام) فقلت: إن أصحابنا اختلفوا في الحرمين فبعضهم يقصر وبعضهم يتم، وأنا ممن يتم على رواية قد رواها أصحابنا في التمام، وذكرت عبد الله بن جندب أنه كان يتم، قال: رحم الله ابن جندب، ثم قال لي: لا يكون الإتمام إلا أن تجمع على إقامة عشرة أيام وصل النوافل ما شئت، قال ابن حديد: وكان محبتي أن يأمرني بالإتمام (3). وما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التقصير في الحرمين والتمام، قال: لا تتم حتى تجمع على مقام عشرة أيام، فقلت: إن أصحابنا رووا عنك أنك أمرتهم بالتمام، فقال: إن أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلون ويأخذون نعالهم ويخرجون، والناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلاة، فأمرتهم بالتمام (4). وما رواه محمد بن إبراهيم الحضيني قال: استأمرت أبا جعفر (عليه السلام) في الإتمام والتقصير قال: إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام وأتم الصلاة، فقلت له: إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة، قال: إنو مقام عشرة أيام وأتم الصلاة (5).
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 532 ب 18 من أبواب صلاة المسافر ح 2. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 543 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 3. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 551 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 33. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 551 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 34. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 546 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 15. 755 وصحيحة أبي ولاد الحناط قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيام وأتممت الصلاة، ثم بدا لي بعد أن لا أقيم بها، فما ترى أتم أم اقصر؟ فقال: إن كنت حين دخلت المدينة صليت بها صلاة واحدة فريضة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها، وإن كنت حين دخلتها على نيتك التمام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم، فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا وأتم وإن لم تنو المقام عشرا فقصر ما بينك وبين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة (1). وما رواه الصدوق في العلل في الصحيح عن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): مكة والمدينة كسائر البلدان؟ قال: نعم، قلت: روى عنك بعض أصحابنا أنك قلت لهم: أتموا بالمدينة لخمس، فقال: إن أصحابكم هؤلاء كانوا يقدمون فيخرجون من المسجد عند الصلاة فكرهت ذلك لهم فلهذا قلته (2). وما رواه جعفر بن محمد بن قولويه في كتاب المزار عن عمار بن موسى الساباطي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الحائر، قال: ليس الصلاة إلا الفرض بالتقصير، ولا تصل النوافل (3). أقول: وأكثر تلك الأدلة مخدوشة غير ناهضة على المطلوب: أما صحيحة محمد بن خالد فلأنها مخالفة لإجماع الإمامية على أن من نوى الإقامة وصلى صلاة تامة ولو واحدة فيستمر على التمام حتى يخرج في أي بلد يكون، كما هو مصرح به في صحيحة أبي ولاد الحناط، فلا بد من حمل الرواية على ما إذا صار مسافرا وخرج، فلا يصح الاستدلال بها. وأما رواية علي بن حديد فلضعفها ولا جابر له، ولإشعار قوله (عليه السلام): " رحم الله ابن جندب " على حسن ما فعله، ومع ذلك فنحملها على أن تعين التمام لا يكون
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 532 ب 18 من أبواب صلاة المسافر ح 1. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 549 ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 27. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 553 ب 26 من أبواب صلاة المسافر ح 3. 756 إلا بذلك، ولكن قول علي بن حديد في آخرها وكان " محبتي " يأبى عن ذلك في الجملة. وأما رواية معاوية بن وهب الأولى فلضعفها أولا، لاشتراك عبد الرحمن بين الثقة وغيره، وقد عرفت الجواب عن احتمال التقية، ومن هاهنا يظهر الجواب عن روايته الأخرى رواها في العلل، وإن أبيت عن ذلك التوجيهات فستعرف الجواب. وأما رواية محمد بن إبراهيم الحضيني - فمع أن الحضيني غير موثق ولا ممدوح صريحا، ولو ثبت المدح له فالمدح المذكور ليس مما يصير سببا لحجية الرواية، إذ حجية الحسن إنما هو بسبب التثبت الحاصل من جهته ليحصل الظن بالصدق، وهاهنا غير موجود - ليس بظاهر في المدعى، إذ الأمر بنية إقامة عشرة أيام ليس للوجوب لنفسه يقينيا في جميع الأقوال، وكذا الأمر بالتمام، مع أنه لو فرض ذلك لا يفيد للمدعى. وادعاء فهم التعليق والشرطية والوجوب الشرطي لنية الإقامة أيضا لا يتم، إذ لو سلم ارتباط بينهما فلا ينحصر في كونه شرطا للصحة والجواز، لم لا يكون شرطا للكمال. وكون إقامة العشرة شرطا للصحة في غير ما نحن فيه لا يستلزم التعميم، وثبوته هنا أول الكلام، سلمنا ظهور ذلك لكن الخبر مشتمل على ما لا يجوز القول به في نفس المدعى ويمنع عن الاستدلال، وذلك لأنه لا معنى لقصد الإقامة مع العلم بخروجه في الأثناء إلى حد المسافة، والاكتفاء بذلك مخالف لإجماع الفقهاء. وما يوجه بأن المراد قصد ذلك وإن علم ذهابه وأن ذلك من خواص مكة فهو أغرب مما ذكر. وبالجملة: فلا وجه للاستدلال بهذا الخبر. وأما رواية ابن قولويه فهي أيضا غير واضحة السند، فلا يجوز الاعتماد عليها. فبقي من أدلتهم مما يعتمد على متنه ودلالته صحيحة محمد بن إسماعيل وصحيحة معاوية بن عمار وصحيحة أبي ولاد الحناط، ويقع التعارض بينها وبين
757 ما ذكرنا من الأخبار الكثيرة، فإبقاء هذه الثلاثة على حالها يستلزم إطراح الأخبار الكثيرة، وحملها على التقية مما يأباه نفس الأخبار، فإن من تتبع تلك الأخبار وتأمل فيها يظهر عليه أن ذلك حكم مختص بتلك الأماكن، فإنه لا اختصاص للتقية بهذه المواضع المخصوصة. وتداول السؤال عن تلك المواضع في ألسنة الرواة، وسؤالهم عن خصوصها، وإنشاء المعصوم (عليه السلام) الحكم معنونا بهذه المواضع، بل وفي بعض الأخبار نفي ذلك عن غير تلك المواضع كصحيحة مسمع " قال: كان أبي يرى لهذين الحرمين ما لا يراه لغيرهما " ينفي ذلك، إذ إنكارهم تعين القصر ليس في خصوص هذه المواضع. نعم يصح ذلك لو ثبتت التفرقة عند العامة بالنسبة إلى هذه المواضع، وثبت أن الأفضل عندهم الإتمام فيها. فاحتمال كون تلك الأخبار موافقة للتقية لا يقاوم الجزم بموافقة تلك الأخبار المعتبرة الظاهرة الدلالة لعمل الطائفة المحقة، بل وإجماعهم على ذلك مع كثرتها وأوفقيتها للاعتبار. فإن قلت: أكثر تلك الأخبار مما امر فيها بالإتمام، وهو يقتضي وجوبه عينا، وأنت لا تقول به، وحمل الأمر على الاستحباب ليس أولى من تقييدها بما لو نوى الإقامة، وأيضا النسبة بينها وبين الأخبار الدالة على عموم التقصير عموم من وجه: فإنها تدل على الإتمام سواء قصد الإقامة أم لا، وأخبار التقصير يدل على التقصير سواء كان في تلك الأماكن أو غيرها، فما وجه الترجيح. فلم يبق من أدلتكم إلا ما دل صريحا على التخيير، وما دل على الاستحباب صريحا أو تلويحا، وذلك لا يقاوم أدلتنا. قلت: ما امر فيه بالإتمام بعضها مؤداة بأن ذلك من " الأمر المخزون " و " الأمر المذخور "، وذلك أعم من الإيجاب، وبعضها بالجملة الخبرية المضارعية، وتلك أيضا غير صريح فيه، وبعضها أوامر، سلمنا دلالة الكل على الوجوب لكن المقام كاشفة عن الاستحباب:
758 أما أولا: فلأنها في مقام توهم الحظر، فإن السفر محل التقصير، فلا يفيد الأوامر وما في معناها هاهنا إلا الجواز، وهو المطلوب. وثانيا: بأن سائر الأخبار المذكورة في الباب - المصرح في بعضها بعدم الإيجاب، وفي بعضها بالاستحباب، والمفيد أكثرها ذلك بالتلويح والالتزام، والمصرح في جملة منها بالتخيير، وفي جملة منها بالتقصير - قرينة على ذلك، فلا يبقى للمتأمل فيها مجال فهم الوجوب المعين عنها، كما لم يفهم عنها ذلك أحد. وأما السيد وابن الجنيد فلو ثبت كون مذهبهما ذلك فدليلهما شئ غير ذلك، كما هو معلوم على المطلع بحالهما وكلامهما. وأما ترجيح حمل الأمر على الاستحباب على تخصيصها بصورة الإقامة فأوضح من أن يتبين، لما ذكرنا وللتصريح في كثير من الأخبار بقولهم (عليهم السلام) " ولو صلاة " " ولو مارا " " ويوم تدخل " ونحو ذلك، مع أن إرادة التمام بعد قصد الإقامة مما لا ينساق إلى ذهن من تأمل في هذه الأخبار، بل لا يكاد يجوزه أحد. ولا ينافي ذلك الأمر في بعضها بالإقامة والإتمام، فإنها مستحب على حدة، ونحن نقول به. ومن هذا ظهر الجواب عن قولك " ان النسبة بينها وبين أخبار القصر عموم من وجه " وان تلك الأخبار أخص مطلقا من أخبار القصر، فلا بد من تخصيصها بتلك. وبالجملة: لا ينبغي التأمل في دلالة تلك الأخبار على مطلوبنا، ولا في سندها لأن جملة منها صحيحة صريحة، وجملة منها موثقة وقوية وحسنة، والباقي منجبرة ضعفها بعمل الأصحاب والاشتهار بينهم غاية الاشتهار، بل كاد أن يكون إجماعا، فنحمل الصحاح الثلاثة على بيان الجواز صونا عن طرحها. نعم، لما نثبت بطلان مذهب السيد جزما وانا نجوز التقصير أيضا فالتقصير أقرب بحصول اليقين ببراءة الذمة، فلعل التقصير يكون أحوط من جهة ذلك، لكن في معارضة استحباب العمل على الاحتياط مع الاستحباب الثابت من تلك الأدلة تأمل.
759 ولعل بعض ما ذكرنا سابقا وأن تفويت المنفعة أسهل من الوقوع في الهلكة يقرب ترجيح استحباب الاحتياط، فاحفظ. ثم إن هاهنا فوائد: الأولى: ذكر الشيخ في الخلاف والنهاية والمبسوط استحباب الإتمام في أربعة مواضع: مكة، والمدينة، ومسجد الكوفة، والحائر (1). وزاد في النهاية والمبسوط: وقد رويت رواية بلفظة أخرى، وهو أنه يتم الصلاة في حرم الله وحرم رسوله (صلى الله عليه وآله) وحرم أمير المؤمنين (عليه السلام) وحرم الحسين (عليه السلام) قال: فعلى هذه الرواية جاز التمام خارج المسجد بالكوفة والنجف، وعلى الرواية الأولى لم يجز إلا في نفس المسجد (2). والمذكور في كلام المرتضى (رحمه الله) وابن الجنيد مكة ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله)، ومشاهد الأئمة (عليهم السلام) (3). وحمل في التهذيب ما خص فيه المسجدان بالذكر من الأخبار - كرواية أبي بصير وغيرها - على التعظيم والأفضلية، واستدل بالأخبار التي تدل على الأعم من المسجدين، كالأخبار الكثيرة المتضمنة لذكر الحرمين، ثم قال: وإذا ثبت ذلك فيهما فكذلك في مسجد الكوفة، لأن أحدا لم يفرق بين الموضعين (4). وبالجملة: فظاهر الشيخ اعتبار البلدان الثلاثة بدون الاختصاص بالمسجد، ووافقه في الأولين المحقق (5) والعلامة (6)، ونسب ذلك في المدارك إلى أكثر الأصحاب (7)، وكذا في الذخيرة (8). وقال ابن إدريس: ويستحب الإتمام في أربعة مواطن في السفر: في نفس
(1) الخلاف: ج 1 ص 576 المسألة 330، النهاية: ج 1 ص 360، المبسوط: ج 1 ص 141. (2) النهاية: ج 1 ص 360، المبسوط: ج 1 ص 141. (3) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): ج 3 ص 47، مختلف الشيعة: ج 3 ص 136. (4) تهذيب الأحكام: ج 5 ص 432 ذيل ح 146. (5) المعتبر: ج 2 ص 477. (6) مختلف الشيعة: ج 3 ص 138. (7) مدارك الأحكام: ج 4 ص 469. (8) ذخيرة المعاد: ص 413 س 31. 760 المسجد الحرام، وفي نفس مسجد المدينة، ومسجد الكوفة، والحائر (1). وهو تفسير الشهيد الثاني في روض الجنان أيضا (2). ونقل الشهيد في الذكرى عن يحيى بن سعيد في كتاب السفر له أنه حكم بالتخيير في البلدان الأربعة حتى في الحائر المقدس، لورود الحديث بحرم الحسين (عليه السلام)، وقدر بخمسة فراسخ وبأربعة وبفرسخ، قال: والكل حرم وإن تفاوت في الفضيلة (3). والترجيح لما نسب إلى الأكثر للأخبار الصحيحة الكثيرة وغيرها. وأما ما في بعض الأخبار من التقييد فلا يقاوم ذلك، سيما وينافيها من جهة مفهوم اللقب ومفهوم العدد اللذين ليسا بحجة عند المحققين، فلعلها محمولة على الفضل كما ذكره الشيخ، والاحتياط فيما ذهب إليه ابن إدريس. وأما مسجد الكوفة فإنها وإن كان دل صحيحة حماد بن عثمان على الحرم ولكنه مجمل، وسائر الأخبار الذي ذكر فيها حكم الكوفة مذكورة بلفظ المسجد إلا رواية زياد القندي الضعيفة، وهو لا يصلح للاحتجاج بها في نفسها، وعمل الأصحاب عليها بهذا القدر غير معلوم، فلا بد من الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقن، والاتكال على ما ذكره الشيخ من عدم القول بالفرق أيضا مشكل. وأما الحائر فصحيحة حماد متضمنة لحرم الحسين (عليه السلام)، وكذا رواية أبي بصير وغيرها وهي أيضا مجمل، ومبين ذلك هو ما نقلناه عن الشيخ نجيب الدين وهو أيضا غير واضح، فلا بد من الاقتصار على الحائر، كما هو مضمون ما رواه الصدوق مرسلا عن الصادق (عليه السلام) (4)، وفي كثير من الأخبار المتقدمة " وعند قبر الحسين (عليه السلام) " وهو أيضا ظاهر في ذلك. وأما الحائر فقال المفيد في الإرشاد في مقتل الحسين (عليه السلام) - على ما نقل عنه في التذكرة لما ذكر من قتل معه من أهله - فقال: الحائر محيط بهم إلا العباس (رحمه الله)
(1) السرائر: ج 1 ص 342. (2) روض الجنان: ص 397 س 8. (3) ذكرى الشيعة: ص 256 س 2. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 442 ح 1283. 761 فإنه قتل في المسناة (1). وقال الشهيد في الذكرى (2) نقلا عن ابن إدريس أنه قال: المراد بالحائر ما دار سور المشهد عليه، دون سور البلد، لأن الحائر لغة هو الموضع المطمئن، وذلك إنما هو فيما ذكرناه وفيه: حار الماء، يعني به: لما أمر المتوكل بإطلاق الماء على قبر الحسين (عليه السلام) ليعفيه فكان ولا يبلغه. وقال الشهيد الثاني (رحمه الله) في روض الجنان: هو مشهد الحسين (عليه السلام)، وحده سور الحضرة (3). الثانية: حكم المحقق (4) وجملة من المتأخرين بعدم وجوب نية الإتمام والقصر فيها، للأصل، وعدم دليل يقتضيها. وقالوا: يجوز لمن نوى القصر الإتمام، وبالعكس. وهو مشكل، لكون القصر والإتمام ماهيتين متغايرتين يحتاج تميزهما عن الآخر إلى القصد ليحصل الامتثال، وتجويز الشارع كل واحد منهما لا يدل على أن ذلك الملفق من الأمرين يحصل به مطلوبه، فلا تترك الاحتياط. الثالثة: الظاهر استحباب فعل النافلة المقصورة في تلك الأماكن. قال في الذكرى: لأنه من باب إتمام الصلاة المنصوص عليه، ونقله الشيخ نجيب الدين محمد عن شيخه ابن إدريس، ولا فرق بين أن يكون يتم الفريضة أولا، ولا بين أن يصلي الفريضة خارجا عنها، والنافلة فيها، أو يصليهما معا فيها (5)، إنتهى. ويدل عليه أيضا بعض الأخبار المتقدمة، كرواية علي بن حديد قال: " وصل النوافل " - ولكن في رواية ابن قولويه خلافه، إلا أنها من الأخبار المانعة - والإشعارات في سائر الأخبار كالترغيب في إكثار الصلاة " فإنها خير وتزداد خيرا " ونحو ذلك مع المسامحة في أدلة السنن يقرب ذلك، سيما مع الإتمام.
(1) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 367. (2) ذكرى الشيعة: ص 255 س 38. (3) روض الجنان: ص 397 س 8. (4) المعتبر: ج 2 ص 150. (5) ذكرى الشيعة: ص 260 س 34. 762 الرابعة: حكم جماعة من الأصحاب بعدم مشروعية الصوم له حينئذ، للأصل - أعني: عموم ما يدل على التقصير - ولا يجوز قياس الصوم بالصلاة، ويشعر بذلك موثقة عثمان بن عيسى المتقدمة حيث سكت (عليه السلام) فيها عن جواب الصوم. قال الشهيد في الذكرى بعد حكمه بعدم الجواز: فإني لم أقف فيه على نص، ولا فتوى، وقضية الأصل بقاؤه (1). نعم، ربما يستشكل في ذلك بقوله (عليه السلام) " إذا أفطرت قصرت " بأن مقتضاه بحكم عكس النقيض عدم الإفطار على تقدير عدم القصر. وقد يجاب باحتمال إرادة أنه إذا جاز لك الفطر جاز لك القصر فلا يثبت المطلوب. ولعل ذلك الإشعار - مع ثبوت هذا الاحتمال، وعدم الظهور في المدعى، وعدم ثبوت قائل بذلك - لا يقاوم الأصل الثابت بالقطع، مع ثبوت الإشكال في عكس النقيض في الشرطيات أيضا، فتأمل. الخامسة: الظاهر إعتبار المسجد الذي كان في زمان المعصوم (عليه السلام)، للأصل والاستصحاب، وقد مر في المباحث السابقة ما يؤيد ذلك. السادسة: تعميم السيد وابن الجنيد للأماكن المشرفة. ولا وجه له لعدم الدليل، والقياس باطل عندنا. السابعة: نقل العلامة عن والده المنع عن الإتمام في هذه المواضع مع اشتغال الذمة بغيره (2). ويظهر وهنه مما حققنا سابقا في مباحث الفوائت، ومن أن هذا أحد أفراد الواجب التخييري، والقول بأن الركعتين الأخيرتين مستحب لا يصح على إطلاقه، ولنا في هذه المسألة كلام بسيط في تعليقاتنا على التهذيب (3). الثامنة: لا يطرد التخيير في قضاء ما فات في غيرها، وفي قضاء ما فات فيها الوجهان المتقدمان في مبحث الفوات، والقصر أحوط.
(1) ذكرى الشيعة: ص 259 س 38. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 395 س 11. (3) لا يوجد لدينا كتابه. 763 منهاج أجمع العلماء كافة على اشتراط التقصير بالمسافة، واختلفوا في التقدير: فذهب علماؤنا إلى أن المسافة التي يجب فيه التقصير بريدان ثمانية فراسخ أربعة وعشرون ميلا، ولا يجوز التقصير في الأقل من ذلك. قال المرتضى (رضي الله عنه) في الانتصار: ومما انفردت به الإمامية تحديدهم السفر الذي يجب فيه التقصير في الصلاة بريدان والبريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال وكان المسافة أربعة وعشرون ميلا (1). وقال العلامة في التذكرة: وإنما يجب التقصير في ثمانية فراسخ، فلو قصد أقل لم يجز التقصير إجماعا (2). وقال في المدارك: ذهب علماؤنا أجمع إلى أن التقصير إنما يجب في مسيرة يوم بريدين أربعة وعشرون ميلا (3). حكى ذلك جماعة منهم المصنف في المعتبر والمدعى من نقل تلك الاجماعات أن منها يظهر أن إجماع الإمامية منعقد على أنه لا يجوز القصر في أقل من هذا المقدار وإنما خلافهم في كيفيته، وربما اشتبه ذلك على بعضهم فحسب أن ما يجب اعتباره في حد المسافة ليس أزيد من ذلك عند الإمامية وإن كانوا مختلفين في الأقل. وأنت خبير بأن تلك الاجماعات تنادي بحصر الأقل في ذلك، وأما الكيفية فاعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا في وجوب القصر إذا كان المسافة ثمانية فراسخ ممتدة، وإنما خلافهم فيما إذا كان المسافة أربعة فراسخ وأراد الرجوع فاعتبر جماعة من الأصحاب الرجوع ليومه منهم المرتضى (4) وابن إدريس (5) والفاضلان (6) فحكموا بوجوب التقصير حينئذ. وذهب
(1) الانتصار: ص 50. (2) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 369. (3) مدارك الأحكام: ج 4 ص 428. (4) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): ج 3 ص 47. (5) السرائر: ج 1 ص 329. (6) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 370، المعتبر: ج 2 ص 467. 764 ابن بابويه (1) والشيخ (2) في كتابي الأخبار على ما فهم ذلك من كلامه جماعة من الأصحاب منهم الشهيدان (3) التخيير لو قصد أربعة فراسخ وأراد الرجوع ليومه ونقل ذلك القول في الذكرى (4) عن المبسوط أيضا وقواه هو، ولكن كلام الشيخ في كتابي الأخبار يفيد التخيير في الأربعة مطلقا، وكذا ظاهر الكليني في الكافي (5) حيث اقتصر على أخبار الأربعة فيكون لما ظن بوجود القول بالأقل حتى إذا أراد إقامة العشرة في منتهى الأربعة أو الوصول إلى الوطن كان يجوز عليه التقصير أيضا. وأما إذا لم يرد الرجوع ليومه فالأكثرون على التمام في الصوم والصلاة. واختار المفيد (6) وابن بابويه (7) التخيير فيهما، وفصل الشيخ في النهاية (8) فجوز قصر الصلاة دون الصوم، ونقل في المختلف (9) عن سلار أنه إن كانت المسافة أربعة فراسخ وكان راجعا من يومه قصر واجبا وإن كان من غده فهو مخير في التقصير والإتمام قال: وهو قول ابن بابويه (رحمه الله). ولعل الغد بعنوان المثل، والحكم لا يتفاوت في قصد ما قبل العشرة أيام. وقال ابن أبي عقيل: كل سفر كان مبلغه بريدان - وهو ثمانية فراسخ - أو بريد ذاهبا وجائيا - وهو أربعة فراسخ - في يوم واحد أو ما دون عشرة أيام فعلى من سافر عند آل الرسول (عليهم السلام) إذا خلف حيطان مصره أو قريته وراء ظهره، وغاب عنه منها صوت الأذان، ان يصلي السفر ركعتين (10).
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 436 ذيل ح 1268. (2) تهذيب الأحكام: ج 4 ص 226 ذيل ح 664. (3) ذكرى الشيعة: ص 256 س 11، الروضة البهية: ج 1 ص 780. (4) ذكرى الشيعة: ص 256 س 10. (5) الكافي: ج 3 ص 432. (6) المقنعة: كتاب الصوم ص 349. (7) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 436 ذيل ح 1268. (8) النهاية: ج 1 ص 404. (9) مختلف الشيعة: ج 3 ص 102. (10) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 102. 765 واختاره جماعة من متأخري متأخري أصحابنا، وعليه عمل أكثر علماء عصرنا. هذا، وهو الذي يقوى في نفسي. ومنشأ الاختلاف في هذه المسألة اختلاف الأخبار، وهي كثيرة: فروى الشيخ في الصحيح عن أبي أيوب الخراز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن التقصير، فقال: في بريدين أو بياض يوم (1). وفي الصحيح عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن الرجل يخرج في سفره وهو مسيرة يوم، قال: يجب عليه التقصير إذا كان مسيرة يوم، وإن كان يدور في عمله (2). وروى الشيخ في الصحيح، وكذا الصدوق في الصحيح عن الكاهلي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في التقصير في الصلاة قال: بريد في بريد أربعة وعشرون ميلا، ثم قال: إن أبي (عليه السلام) كان يقول: إن التقصير لم يوضع على البغلة السفواء والدابة الناجية، وإنما وضع على سير القطار (3). وروى الشيخ في الصحيح عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): في كم يقصر الرجل؟ قال: في بياض يوم أو بريدين. قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ذي خشب فقصر، قلت: وكم ذي خشب؟ فقال: بريدان (4). وفي الموثق عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في التقصير: حده أربعة وعشرون ميلا (5). وفي الموثق عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يخرج من منزله يريد منزلا له آخر أو ضيعة له أخرى، قال: إن كان بينه وبين منزله
(1) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 210 ح 506. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 493 ب 1 من أبواب صلاة المسافر ح 16. (3) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 223 ح 652، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 436 ح 1268. (4) تهذيب الأحكام: ج 4 ص 222 ح 651. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 493 ب 1 من أبواب صلاة المسافر ح 14. 766 أو ضيعته التي يؤم بريدان قصر، وإن كان دون ذلك أتم (1). وفي الموثق عن سماعة قال: سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال: في مسيرة يوم، وذلك بريدان، وهما ثمانية فراسخ (2)... الحديث. وفي الصحيح عن زيد الشحام قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يقصر الرجل الصلاة في مسيرة اثني عشر ميلا (3). وفي الصحيح (4) والحسن (5) وكذا الكليني (6) في الحسن لإبراهيم عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: التقصير في بريد، والبريد أربعة فراسخ. ورويا أيضا في الحسن - لإبراهيم بن هاشم - عن أبي أيوب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أدنى ما يقصر فيه المسافر؟ فقال: بريد (7). وروى الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن محمد بن النعمان عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التقصير، فقال: في أربعة فراسخ (8). وفي الموثق عن أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): في كم التقصير؟ فقال: في بريد (9). وروى الشيخ بطرق معتبرة والكليني والصدوق أيضا في الصحيح عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات، قال:
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 521 ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 492 ب 1 من أبواب صلاة المسافر ح 8. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 494 ب 2 من أبواب صلاة المسافر ح 3. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 497 ب 2 من أبواب صلاة المسافر ح 10. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 494 ب 2 من أبواب صلاة المسافر ح 1. (6) الكافي: ج 3 ص 432 ح 1. (7) وسائل الشيعة: ج 5 ص 495 ب 2 من أبواب صلاة المسافر ح 5. (8) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 208 ح 500. (9) وسائل الشيعة: ج 5 ص 495 ب 2 من أبواب صلاة المسافر ح 6. 767 ويلهم أو ويحهم وأي سفر أشد منه لا تتم (1). وروى الكليني في الحسن - لإبراهيم - والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتموا، وإذا لم يدخلوا منازلهم قصروا (2). وروى الشيخ عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): في كم التقصير؟ قال: في بريد، ويحهم كأنهم لم يحجوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقصروا (3). والكليني في الحسن - لإبراهيم بن هاشم - عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أهل مكة إذا خرجوا حجاجا قصروا، وإذا زاروا ورجعوا إلى منازلهم أتموا (4). وفي الحسن - لإبراهيم أيضا - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: حج النبي (صلى الله عليه وآله) فأقام بمنى ثلاثا يصلي ركعتين، ثم صنع ذلك أبو بكر، ثم صنع ذلك عمر، ثم صنع ذلك عثمان ست سنين، ثم أكملها عثمان أربعا فصلى الظهر أربعا ثم تمارض ليشد بذلك بدعته، فقال للمؤذن: اذهب إلى علي فقل له: فليصل بالناس العصر، فأتى المؤذن عليا (عليه السلام) فقال له: إن أمير المؤمنين عثمان يأمرك أن تصلي بالناس العصر، فقال: إذن لا أصلي إلا ركعتين كما صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فذهب المؤذن فأخبر عثمان بما قال علي (عليه السلام)، فقال: اذهب إليه وقل له: إنك لست من هذا في شئ اذهب فصل كما تؤمر، فقال علي (عليه السلام): لا والله لا أفعل، فخرج عثمان فصلى بهم أربعا - والحديث طويل وفي تتمته: - إن معاوية قصر في خلافته بعد عثمان واعترضوا عليه شيعة عثمان، فقال: ويلكم أما تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
(1) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 210 ب 23 ح 507، الكافي: ج 4 ص 519 ح 5، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 447 ح 1301. (2) الكافي: ج 4 ص 518 ح 1، تهذيب الأحكام: ج 5 ص 488 ح 1743. (3) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 209 ح 502. (4) الكافي: ج 4 ص 518 ح 2. 768 صلى في هذا المكان ركعتين - إلى آخر ما قال - ثم أقبل عليهم واتبعهم وصلى العصر أربعا، قال (عليه السلام): فلم تزل الخلفاء والأمراء على ذلك إلى اليوم (1). وفي الصحيح عن محمد بن يحيى الخزاز عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في جملته نقلا عن أبيه (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) بالتقصير قال له النبي (صلى الله عليه وآله): في كم ذاك؟ فقال: في بريد، قال: وأي شئ البريد؟ قال: ما بين ظل عير إلى فئ وعير، وفي آخرها: ثم جزوه على اثني عشر ميلا فكانت ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع كل ميل (2). وفي معناها روى الصدوق مرسلا عن الصادق (عليه السلام)، ولكنه قال: فكان كل ميل ألفا وخمسمائة ذراع وهو أربعة فراسخ (3). وفي معناهما روى الكليني أيضا في الحسن، وليس فيها تحديد الميل (4). وروى الصدوق في الصحيح عن جميل بن دراج عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التقصير، قال: بريد ذاهب وبريد جاء (5). وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أتى ذبابا قصر، وذباب على بريد، وإنما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ (6). وروى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أدنى ما يقصر فيه الصلاة؟ فقال: بريد ذاهبا وبريد جائيا (7). وفي الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن التقصير، قال: في بريد، قال: قلت: بريد؟ قال: إذا ذهب بريدا ورجع بريدا شغل يومه (8).
(1) الكافي: ج 4 ص 518 ح 3. (2) وسائل الشيعة: ج 5 ص 497 ب 2 من أبواب صلاة المسافر ح 13. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 447 ح 1302. (4) الكافي: ج 3 ص 432 ح 3. (5) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 449 ح 1303. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 498 ب 2 من أبواب صلاة المسافر ح 15. (7) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 208 ح 496. (8) تهذيب الأحكام: ج 4 ص 224 ح 658. 769 وقد مر رواية المروزي في المباحث السابقة، وكذا رواية إسحاق بن عمار، وسيجئ أيضا بعض الأخبار. فالذي يقتضيه النظر السليم في هذه الأخبار أن المعتبر عند الشارع في حد المسافة هو ثمانية فراسخ، سواء كان ذهابا كما يستفاد من ظاهر الأخبار الأول، أو ذهابا وإيابا كما يستفاد من الأخبار الأخيرة. ويظهر من مجموع هذين الصنفين حال الأخبار الوسط، وأن المراد بها كل واحد من الذهاب والإياب. وهذا أحسن الوجوه في الجمع بين تلك الأخبار، فإن الجمع الذي اختاره المشهور وهو تنزيل الأخبار الأربعة على من أراد الرجوع ليومه فلا وجه له: أما أولا: فلأنه مستلزم لألغاز وتعمية لا يليق بكلام الحكيم، لعدم إشعار في تلك الأخبار بذلك الاشتراط، كذا قيل. وأما ثانيا: فلأن ذلك يستلزم طرح أخبار مكة رأسا، إذ من المعلوم أن تلك الأخبار لمن أراد الحج كما هو مصرح به في رواية إسحاق وحسنتي الحلبي وزرارة، وليس هاهنا رجوع ليومه مع ما فيها من التأكيد والتشديد الذي عرفت، والقول باختصاص ذلك بسفر عرفات خرق للإجماع، مع أن قوله (عليه السلام) " وأي سفر أشد منه " يفيد العموم. وأما ما تمسكوا في وجه هذا الجمع بصحيحة زرارة وصحيحة معاوية بن وهب وموثقة محمد بن مسلم المتواليات المتقدمات فلا يجدي أيضا. أما الأولين فظاهر، إذ ليس فيهما إلا بيان أنه يكفي في تحقق الثمانية انضمام الإياب إلى الذهاب، وأما كون ذلك ليومه فلا يلوح منهما. وأما موثقة ابن مسلم فهي وإن كان لا يخلو من إشعار بذلك، لكن العمل بذلك الإشعار الذي لا يصير حجة في نفسه وطرح الأخبار الصحاح الصراح الكثيرة غاية الكثرة، مما لا يجوز مع أن حملها على بيان المسافة المعتبرة - وهي مسيرة يوم أو نحو ذلك - واضح، فالمراد في الخبر أنه إذا رجع يحصل بذلك مسيرة يوم، لا أنه يجب إذا أراد القصر جعل ذلك سير يوم واحد، فكأن الراوي بعد ما سمع
770 أخبار الثمانية، وأربعة وعشرين ميلا، وبياض يوم، ونحو ذلك استغرب حكم الإمام (عليه السلام) باعتبار بريد، فإنه ليس أحدا من ذلك، فقال متعجبا: " بريد؟ " فرفع استبعاده بأن المراد مقدار مسيرة يوم، وبياض يوم لا نفس سير يوم تام، والبريد إذا رجع فيه يصير بهذا المقدار، ويصير بمقدار يشغل يوما تاما. وأما الحمل على التخيير في الأربعة فهو أيضا بعيد وإن كان أقرب من الأول، وذلك لأنه أيضا مستلزم لطرح تلك الأخبار، وحملها على الجواز بالنظر إلى سياقها بعيد. ومما ذكرنا يظهر ضعف سائر التوجيهات والأقوال. واعلم أن الذي يقتضيه القواعد والأصول هو أن قصد الثمانية يكفي في القصر، وليس في الأخبار ما يدل على اعتبار عدم قصد إقامة العشرة، إذ الرجوع أعم مما قبل العشرة وبعدها، وكذا الثمانية أعم من المفصول بينها بالعشرة وغيرها. فليس الداعي لنا في اعتبار ذلك إلا ما قدمناه في المباحث السابقة من أن القصر مشروط بعدم تشريك قصد الإقامة دون تمام المسافة، فإن ثبت الاجماع على ذلك أو غير الاجماع مما قدمنا هنا فهو، وإلا ففي اشتراط ذلك تأمل. وقد بينا سابقا ما يرجح اعتبار ذلك. أما لو عرض الإقامة في الأثناء أو التردد في ثلاثين يوما فالحال كما قدمناه. ولا يتفاوت الأمر بين الثمانية المتمادية أو الأربعة المراد رجوعها مطلقا. وبالجملة: يجب التقصير في الأربعة المراد رجوعها مطلقا إلا إذا انقطع بأحد القواطع المتقدمة. وينبغي التنبيه لأمور: الأول: الفرسخ ثلاثة أميال، والظاهر أنه اتفاقي العلماء كما نقل ذلك جماعة، وقد ورد في الأخبار أيضا وقد مر. والميل في اللغة - كما ذكره في القاموس - قدر مد بصر أو مسافة من الأرض متراخية بلا حد، أو مائة ألف إصبع إلا أربعة آلاف إصبع.
771 والمشهور بين الأصحاب - بل وقيل (1) المقطوع به في كلام الأصحاب - أن قدره أربعة آلاف ذراع. وقال في المعتبر بأن المسافة يعتبر بمسير اليوم (2). وهو مناسب لذلك، ولم يرد في الأخبار في تحديد الميل إلا الروايتان المتقدمتان، وظاهرهما متروك عند الأصحاب. والاعتماد بما عليه الأصحاب، لأنه الموافق للإطلاقات الكثيرة بلفظ البريد والفرسخ، وهما مما يحكم فيه العرف واللغة، وليس بيانهما وظيفة الشارع، وحيث لم يعتبروا الخبرين فالمرجع إلى العرف واللغة، وهو كما ذكروه. وأما الأصابع بقدر سبع شعيرات متلاصقات بالسطح الأكبر، وقيل بوضع بطن أحدهما على ظهر الآخر، وقيل: ست (3). والشعيرة لسبع شعرات من شعر البرذون. وحد بعضهم مد البصر من الأرض بما يتميز فيه المبصر المتوسط الفارس من الراجل (4). الثاني: المعتبر في حد المسافة شيئان: التقدير بالفراسخ، ومسيرة يوم. والظاهر اعتبار كل واحد منهما، كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل ربما قيل بأولوية اعتبار مسيرة اليوم، لأظهريتها من الأخبار ودلالة الأخبار المعتمدة عليه، بخلاف الفرسخ. وفيه أن الأخبار المعتمدة في التقدير كثيرة، وإنما الاجمال في الأخبار في بيان الميل، وقد ذكرنا أنه لا حاجة في ذلك إلى بيان المعصوم، ومع ذلك فالإجمال في مسيرة اليوم أيضا موجود من جهة عدم ظهور إرادة الأرض
(1) القائل هو صاحب مدارك الأحكام: ج 4 ص 430. (2) المعتبر: ج 2 ص 467. (3) لم نعثر على القائل، ونقله عنه صاحب مفتاح الكرامة: ج 3 ص 498. (4) مدارك الأحكام: ج 4 ص 430، ذخيرة المعاد: ص 406 س 39. 772 المتوسط أو المطلق، واليوم القصير أو الطويل أو الأعم. وبالجملة: فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر. نعم، يمكن ترجيح التقدير كما يظهر من الذكرى قال: تثبت المسافة بالاعتبار بالأذرع، وحينئذ لا فرق بين قطعها في يوم أو أقل أو أكثر، ولو لم يتيقن ذلك فالظاهر أن مسير يوم كاف في الأرض المعتدلة، والسفر المعتدل، لنطق الأخبار به وعسر المساحة، انتهى (1). ولعل ذلك لأن التقدير تحقيق والمسير تقريب. واعتبر الفاضلان (2) والشهيد الثاني في روض الجنان (3) مسير الإبل، وعلل بأنه الغالب في القوافل. ويدل على اعتباره حسنة الكاهلي المتقدمة وموثقة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن التقصير في الصلاة فقلت له: إن لي ضيعة قريبة من الكوفة وهي بمنزلة القادسية من الكوفة فربما عرضت لي الحاجة أنتفع بها، أو يضرني القعود منها في رمضان، فأكره الخروج إليها لأ ني لا أدري أصوم أو أفطر، فقال لي: فاخرج وأتم الصلاة وصم فإني قد رأيت القادسية، فقلت له: كم أدنى ما يقصر فيه الصلاة؟ قال: جرت السنة ببياض اليوم، فقلت له: إن بياض يوم يختلف فيسير الرجل خمسة عشر فرسخا في يوم، ويسير الآخر أربعة فراسخ وخمسة فراسخ في يوم، فقال: إنه ليس إلى ذلك ينظر، أما رأيت سير هذه الأثقال بين مكة والمدينة، ثم أومى بيده أربعة وعشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ (4). وما ذكره الصدوق عن علل فضل بن شاذان - التي سمعها - عن الرضا (عليه السلام): وإنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال، فوجب التقصير في مسيرة يوم ولو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة
(1) ذكرى الشيعة: ص 257 س 29. (2) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 371، المعتبر: ج 2 ص 467. (3) روض الجنان: ص 383 س 15. (4) تهذيب الأحكام: ج 4 ص 222 ح 649. 773 ألف سنة، وذلك لان كل يوم يكون بعد هذا اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم، فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره، إذ نظيره مثله لا فرق بينهما (1)... الحديث. الثالث: إذا ثبت جواز الأخذ بالتقدير، بل وأرجحيته فلا يتفاوت الأمر في سرعة الطي وبطئه، فراكب السفينة يقصر ولو قطع المسافة في ساعة. وقال في المنتهى (2): إنه لا نعرف فيه مخالفا، وكذلك إذا قطع المسافة في البر في يومين أو ثلاثة. وقال الشهيد في الذكرى: نعم لو قصد مسافة في زمان يخرج به عن اسم المسافر كالسنة، فالأقرب عدم القصر، لزوال التسمية، قال: ومن هذا الباب لو قارب المسافر بلده فتعمد ترك الدخول ولبث في قرى يقاربه مدة يخرج بها عن اسم المسافر، ولم أقف في هذين الموضعين على كلام الأصحاب، وظاهر النظر يقتضي عدم الترخص (3) انتهى. وقد استوجه الأول بعض المتأخرين، وناقش في الثاني لاستصحاب السفر وعدم ثبوت القاطع (4) فتأمل فيه. الرابع: لو كان للبلد طريقان أحدهما خاصة مسافة فسلك الأقرب أتم، وإن سلك الأبعد لعله عبر الترخص أيضا قصر. ولعله لا خلاف في ذلك، بل قيل: إنه إجماعي، وإن كان للترخص لا غير فالأظهر أيضا التقصير، وفاقا للمشهور على ما نسب إليهم. وقال ابن البراج: يتم لأنه كاللاهي بصيده (5). وفيه تأمل يظهر مما ذكرناه في ذلك المبحث. وقال الشهيد في الذكرى: ولو رجع قاصد الأقرب بالأبعد قصر في رجوعه لا غير (6)، وهو المنقول عن جماعة من الأصحاب.
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 454 ح 1318. (2) منتهى المطلب: ج 1 ص 390 س 35. (3) ذكرى الشيعة: ص 257 س 30. (4) مدارك الأحكام: ج 4 ص 432. (5) المهذب: ج 1 ص 107. (6) ذكرى الشيعة: ص 257 س 37. 774 وفي إطلاق القول بذلك تأمل. نعم لو كان البلد وطنه، أو أراد الإقامة فيه فهو كذلك. اللهم إلا أن يقال: إن مرادهم هو إذا لم يكن ذا قصد، بأن يكون ذاهلا أو مترددا، فلم يكن مقصوده طي مسافة معتبرة أصلا. وبالجملة: فمع التأمل فيما ذكرنا سابقا يسهل استخراج هذه الأحكام. الخامس: لو تردد يوما في ثلاثة فراسخ فإن بلغ في الرجوع إلى ما يسمع الأذان ونحوه فيتم إجماعا، وبدونه فقد نقل عن الأكثر أيضا التمام، وقد استدل على ذلك في التذكرة بأنه ينقطع سفره وإلا لزم القصر لو تردد في فرسخ واحد ثماني مرات وأزيد (1)، وقد يستدل أيضا بأن الأصل الإتمام خرج ما خرج بالدليل، وهو ما تقدم، وبقي الباقي. وفي بطلان اللازم في الدليل الأول تأمل، وكذا لا يخلو الدليل الثاني عن شوب الإشكال، اللهم إلا أن يقال: المسافة شرط في التقصير جزما، والذي تثبت شرطيته هو قصد الثمانية، أو الأربعة المرادة فيها الرجوع، وليس ذلك من واحد منهما، فلم يثبت التقصير، بل ولا يجوز له، لعدم تحقق الشرط، وإذا انتفى التقصير فيثبت التمام، إذ التكليف باق جزما، والقول بالجمع غير موجود، وخرق الاجماع غير جائز، والمسألة محل الاحتياط. السادس: ذكر جماعة من الأصحاب أن ابتداء التقدير لابد أن يكون من آخر العمارة في البلد المعتدل، ومن آخر محلته في البلد المتسع جدا. وقيل: لا يبعد أن يكون مبدأ التقدير مبدأ سيره بقصد السفر. السابع: لو جهل بكون المسافة التي يقصد نهايته بالغا بقدر المقدر ولم يكن هناك بينة فلا يجب عليه التقصير ويتم، ولعل ذلك في الجملة مما لا خلاف فيه. وأما أنه هل يتقيد هذا الحكم بما إذا تعذر عليه الاعتبار أولا؟ فيه وجهان: من جهة أصالة التمام، وأصالة عدم تحقق شرط القصر، وأصالة البراءة عن التكليف بالاعتبار والتقدير. ومن توقف اليقين بالبراءة عما اشتغل به ذمته يقينا وهو الصلاة
(1) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 373. 775 إذ القصر والإتمام مما له مدخلية في ماهية العبادة، وبذلك يتميز بعضها عن بعض، والتشبث بالأصول السابقة، بعد ما حققناها في المباحث السابقة لا يخفى ما فيه، فالمتجه إذن وجوب الاعتبار، لأنه مما لا يتم الواجب إلا به. وليس لأحد أن يقول: إن التقصير واجب مشروط فلا يجب مقدمته. لأ نا نقول: الواجب حينئذ هو تحصيل البراءة لا التقصير، سلمنا لكنه مشروط بالمسافة، لا بسبق العلم به. وعلى القول بعدم الوجوب فيصح ما صلى ولا يجب عليه الإعادة إذا ظهر كونها مسافة معتبرة، لأن الأمر يقتضي الاجزاء. وأما لو دخل الوقت ولما يصل ومضى من الوقت بمقدار الصلاة فيقصر، ولا يجري فيه الخلاف الآتي في أن العبرة بحال الأداء أو الوجوب كما صرح به في روض الجنان (1)، إذ ذلك كاشف عن تكليفه بالقصر في نفس الأمر، فتأمل جدا. ثم هل يعتبر في ذلك كون الباقي بمقدار المسافة المعتبرة؟ أم يكفي كون المجموع كذلك؟ حكم الشهيدان (2) وجملة من المتأخرين بعدم الاعتبار. ويشكل ذلك بعدم ثبوت القصد إلى المسافة المعتبرة في التقصير كما في الهائم وطالب الآبق والغريم. وضعفه الشهيد الثاني (رحمه الله) في روض الجنان بأن المقصد معلوم، وإنما المجهول قدره فإذا علم في الأثناء كشف عن كونه قد قصد المسافة ابتداء، فثبت القصر حينئذ مع بلوغ الجميع، وإن قصر الباقي عن مسافة (3). ويشكل ذلك بأنه لا فرق بينهما، إذ طالب الآبق أيضا مقصده معلوم، وهو الوصول إلى الآبق، فإذا وصل إلى الآبق وظهر أنه بلغ المسافة، فيكشف له أنه قصد المسافة، إذ لا فرق بين أن يكون المقصود المكان بالتبعية للمتمكن
(1) روض الجنان: ص 384 س 18. (2) ذكرى الشيعة: ص 257 س 25، روض الجنان ص 384 س 30. (3) روض الجنان: ص 385 س 1. 776 أو بالأصالة. اللهم إلا أن يقال: القاصد إلى البلد الغير العالم بالمسافة حين خروجه من منزله يعلم أن هناك بلدا مستقرا لا يزول من مكانه وهو يذهب حتى يصل إليه بخلاف طالب الآبق، فإنه لا يتعين له ذلك، إذ لعله كان في آن الخروج إلى الأقل من المسافة، فلم يقصد الطالب في آن الخروج المسافة النفس الأمرية. ويشكل بأنه يمكن أن يقال: إنه يقصد حين الخروج المقام الذي يصل إليه، وكان في نفس الأمر بينه وبين ذلك المقام مقدار المسافة وإن لم يكن في آن القصد والخروج في أقل من المسافة، فهو في نفسه قصد ذلك الأرض الذي يكون فيه العبد حين وصوله إليه، وهو مستقر لا تزلزل له ليحصل التفرقة فتأمل جدا. هذا، مع أن الظاهر المتبادر من الأخبار هو ما لو قصد المسافة المعلومة، وهو الغالب المنساق منها أيضا ويصرح بذلك موثقة عمار السابقة في المباحث المتقدمة قال (عليه السلام) فيها: " لا يكون مسافرا حتى تسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ " (1). وبالجملة: المسألة محل إشكال، ولكن الأظهر ما عليه الجماعة لتعين المقصد عنده فيما نحن فيه. وأشكل من ذلك إلحاق الشهيد الثاني (2) (رحمه الله) الصبي الذي بلغ في أثناء المسافة بذلك، وكذا المجنون إن تصور منه قصد لو أفاق في الأثناء. والخلاص في الاحتياط والله أعلم بأحكامه. الثامن: إذا جهل المسافة وكان عليها بينة فيعمل عليها. وظاهر العلامة (3) والشهيدين (4) وغيرهما إعتبار الرجلين العدلين، وعلل ذلك في روض الجنان بأنه الظاهر عند الإطلاق في نظائر هذه المواضع (5). ولعله أراد تفسير كلام الفقهاء بذلك، وحينئذ فالأولى التشبث بالاستقراء.
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 504 ب 4 من أبواب صلاة المسافر ح 3. (2) روض الجنان: ص 385 س 2. (3) نهاية الإحكام: ج 2 ص 169. (4) ذكرى الشيعة: ص 257 س 33، روض الجنان: ص 384 س 22. (5) روض الجنان: ص 384 س 23. 777 واحتمل الشهيدان (1) الاكتفاء بالواحد جعلا لها من باب الرواية لا الشهادة، وقال في روض الجنان: الظاهر اعتبار الشياع المتاخم للعلم، بل ربما يكون أقوى، مع احتمال العدم وقوفا فيما خالف الأصل على المتيقن (2)، ثم حكم بعدم وجوب عرض ذلك البينة على الحاكم كسائر المواضع، بل يكفي سماع المكلف، ومثله البينة بالهلال للصوم والإفطار ودخول الوقت وغير ذلك، وقال: هذا من المواضع المشكلة في كلامهم، والفرق خفي (3). وقال المحقق الورع المتقي قدس لطيفه: ويمكن أن يقال: كل ما يتعلق بنفس شخص، بحيث لا يتعدى الأثر إلى غيره، لا يحتاج في قبول البينة إلى الحاكم، وإلا يحتاج، فتأمل (4) انتهى كلامه أعلى الله مقامه. ولا يخفى أن نفي الحرج والعسر بل وتكليف المحال يمنع عن اعتبار ذلك مطلقا، فتأمل. ولو تعارض البينتان: فإن كان نفيا وإثباتا فصريح العلامة في التذكرة (5)، والشهيد في الذكرى تقديم بينة الإثبات، وعلله في الذكرى بأن شهادة النفي غير مسموعة (6). وأما إذا لم يكن كذلك، بل ادعيا الاعتبار فيتعارضان ويتساقطان، فقال في روض الجنان: يمكن القول بإطراحهما والرجوع إلى الأصل وهو التمام، أو مراعاة الاحتياط لاستحالة الترجيح من غير مرجح (7). هذا كلامه (رحمه الله). وبعض المتأخرين - بعد ذكر البينة هاهنا وتعارض البينتين - تأمل في ذلك الأحكام كلها حتى في قبول شهادة العدلين وقال: ليس هاهنا ما يعول عليه لفقد النص وضعف التعويل على الترجيحات الاعتبارية.
(1) ذكرى الشيعة: ص 257 س 33، روض الجنان: ص 384 س 24. (2) روض الجنان: ص 384 س 24. (3) روض الجنان: ص 384 س 26. (4) مجمع الفائدة والبرهان: ج 3 ص 368. (5) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 372. (6) ذكرى الشيعة: ص 257 س 32. (7) روض الجنان: ص 385 س 8. 778 وصرح غير واحد بأن هذا حكم غير البينتين، وأما هما فمكلفان بما يعتقدانه، فحينئذ فهل يجوز أن يقتدي أحدهما بالآخر؟ قوى الشهيدان جواز ذلك (1) والحكم في ذلك - كسائر مواضع القدوة بمن يعتقد المأموم بطلان الصلاة مع اعتقاد الإمام صحتها - محل إشكال. منهاج لو دخل الوقت وكان المصلي قادرا على الصلاة تماما ولم يفعل وسافر فالأقرب وجوب القصر وفاقا للمفيد (2)، وابن إدريس (3) والسيد المرتضى (رضي الله عنه) في المصباح (4) وعلي بن بابويه في رسالته (5) والمحقق (6). ونقل ذلك عن جماعة من الأصحاب أيضا، وهو مختار جملة المتأخرين (7). وقال في التذكرة: وقال الشيخ (رحمه الله) يجوز له القصر ويستحب له الإتمام لقوله تعالى * (فإذا ضربتم في الأرض) * وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي. قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه العلم أن له قصرها لأنه مسافر قبل خروج وقتها، أشبه ما لو سافر قبل وجوبها، ولأنه مؤد للصلاة فوجب أن يؤديها بحكم وقت فعلها. ثم نقل الاستدلال بصحيحة إسماعيل (8) الآتية. وحمل الشيخ ذلك على الاستحباب جمعا بين الأخبار (9) ومقتضاه التخيير. وذهب الشيخ في النهاية وابن البراج على ما نقل في المختلف إلى أنه يجب التمام إن بقي من الوقت مقدار ما يصلي فيه على التمام فإن تضيق الوقت قصر ولم يتم (10) ويظهر ذلك من الصدوق
(1) ذكرى الشيعة: ص 257 س 34، روض الجنان: ص 385 س 13. (2) المقنعة: ص 211. (3) السرائر: ج 1 ص 333. (4) نقله عنه المحقق الحلي في المعتبر: ج 2 ص 480. (5) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 119. (6) شرائع الاسلام: ج 1 ص 135. (7) منهم صاحب مدارك الأحكام: ج 4 ص 477. (8) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 352. (9) الخلاف: ج 1 ص 578 المسألة 332. (10) المختلف: ج 3 ص 118. 779 في الفقيه (1) وذهب ابن أبي عقيل (2) والصدوق في المقنع (3) والعلامة (4) إلى وجوب التمام ونسب القول بذلك في روض الجنان إلى المشهور بين المتأخرين (5). لنا الآية، والعمومات، والإطلاقات الكثيرة الدالة على وجوب القصر على المسافر، وخصوص ما رواه الشيخ في الصحيح في كتابي الأخبار عن إسماعيل ابن جابر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يدخل علي وقت الصلاة وأنا في السفر فلا أصلي حتى أدخل أهلي، فقال: صل وأتم الصلاة، قلت: فدخل علي وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا أصلي حتى أخرج، فقال فصل فقصر، فإن لم تفعل فقد خالفت والله رسول الله (صلى الله عليه وآله) (6). ورواها الصدوق (7) أيضا، وقال المحقق: هذه الرواية أشهر وأظهر (8). وما رواه الكليني والشيخ بطرق عديدة صحيحة، والصدوق عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يريد السفر متى يقصر؟ قال: إذا توارى من البيوت، قال: قلت: الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس، قال: إذا خرجت فصل ركعتين (9). واستدل القائلون بالإتمام بالاستصحاب، وبحصول يقين البراءة بالتمام لكونه أزيد من المقصورة، وبوجوه ضعيفة بينة الوهن. استدل بهما في المختلف (10)، وبما رواه الكليني في الحسن - لإبراهيم بن هاشم - عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يدخل من سفره
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 444. (2) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 117. (3) المقنع: ص 37. (4) تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 352. (5) روض الجنان: ص 398 س 30. (6) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 163 ح 353، الاستبصار: ج 1 ص 240 ح 856. (7) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 443 ح 1287. (8) المعتبر: ج 2 ص 480. (9) الكافي: ج 3 ص 434 ح 1، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 435 ح 1266، تهذيب الأحكام: ج 3 ص 224 ح 566. (10) مختلف الشيعة: ج 3 ص 122. 780 وقد دخل وقت الصلاة، قال: يصلي ركعتين، فإن خرج إلى سفر وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا (1). ورواها الشيخ أيضا في الصحيح (2)، والصدوق أيضا في الصحيح (3)، وفي الفقيه في أوله " وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق " (4). وما رواه الكليني (5) والشيخ (6) عن بشير النبال - وهو غير موثق في كتب الرجال، بل ولا ممدوح مدحا واضحا - قال: خرجت مع أبي عبد الله (عليه السلام) حتى أتينا الشجرة فقال لي: أبو عبد الله (عليه السلام) يا نبال قلت: لبيك، قال: إنه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعا غيري وغيرك، وذلك أنه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج. وموثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل: إذا زالت الشمس وهو في منزله ثم يخرج في سفر، قال: يبدأ بالزوال فيصليها ثم يصلي الأولى بتقصير ركعتين لأنه خرج من منزله قبل أن يحضره الأولى. وسئل: فإن خرج بعدما حضرت الأولى؟ قال: يصلي أربع ركعات ثم يصلي بعد النوافل ثمان ركعات، لأنه خرج من منزله بعدما حضرت الأولى، فإذا حضرت العصر صلى العصر بتقصير وهي ركعتان، لأنه خرج في السفر قبل أن يحضر العصر (7). وما رواه الحسن بن علي الوشاء قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: إذا زالت الشمس وأنت في المصر وأنت تريد السفر فأتم، فإذا خرجت بعد الزوال قصر العصر (8). وهذه الرواية مع أنها ضعيفة غير ظاهر الدلالة أيضا، لاحتمال إرادة الإتمام
(1) الكافي: ج 3 ص 434 ح 4. (2) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 222 ح 557. (3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 443 ح 1287. (4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 443 ح 1288. (5) الكافي: ج 3 ص 434 ح 3. (6) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 224 ح 563. (7) وسائل الشيعة: ج 3 ص 62 ب 23 من أبواب اعداد الفرائض ونوافلها ح 1. (8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 537 ب 21 من أبواب صلاة المسافر ح 12. 781 في الحضر رفعا لتوهم الحظر عنه مع إرادة السفر، وهكذا رواية بشير غير نقية السند، فيبقى الصحيحة والموثقة معارضا للصحيحين والعمومات القوية الظاهرة الشمول، وهما أقوى لعلو سند الصحيحة الواضحة صحتها، الصريح دلالتها، الوكيدة مدلولها بتأكيدات متعددة، المعتضدة بالاعتبار، وعمل جل الأصحاب والعمومات، ونفي الحرج والعسر، وقد عرفت كلام ابن المنذر، ويظهر منه عدم القائل بالمنع عن التقصير مع أنه في نفسه أوفق بمذهب الإمامية، وأبعد عن مذاهب العامة، وألصق بالملة السمحة، وبكون الصحيحة أبعد من التوجيه من معارضاتها، فيمكن حمل صحيحة محمد بن مسلم المعارضة بالخروج ما لم يبلغ حد الترخص، وكذا رواية بشير وأيضا موثقة عمار لا يدل إلا على اعتبار وقت الفضيلة، وهو غير معهود من القائلين بالإتمام. نعم، الظاهر أن التمكن من الصلاة وشرائطها شرط عند القائل بالإتمام، ولا ريب أن من دخل عليه وقت نافلة الزوال المعبر عنها في الخبر بالزوال ظاهرا وكان قادرا بفعلها فهو قادر على صلاة الظهر بطريق أولى قبل بلوغ حد الترخص فكيف يقال إنه لم يحضره الأولى، اللهم إلا أن يفهم ذلك من العلة المفهومة في الخبر من حضور الوقت وعدمه، وفيه إشكال، فتأمل. وأما التمسك بالاستصحاب فلا يخفى ما فيه، إذ المراد إن كان استصحاب نفس الحضر فقد انقطع جزما، وإن كان استصحاب حكمه فتعلق الإتمام به عينا أول الكلام، بل تكليفه مطلق صلاة الظهر مثلا، غاية الأمر أن الظاهر في نظر المكلف هو وجوب هذا ولا يجب عندنا علم المكلف بالتكليف، سيما إذا كان امتحانيا. نعم، هو كذلك إذا كان الطلب حتميا، والتكليفات من قبيل الأول، فيكفيه توطين النفس على ذلك، ولبسط الكلام هاهنا مقام آخر. مع أن الواجب على المكلف في أول الوقت الموسع هو أحد الأفراد المتحدة بالجنس المتمايزة بالشخص، وكما أن الزمان من مشخصاتها، أو الاحتياج إلى التيمم وفقدان الماء من مشخصاتها فكذلك السفر وعروض القصر أيضا من
782 مشخصاتها، فكأنه قال الشارع: افعل هذه الصلاة في أي آن من أوان ذلك الوقت، وقال في الخارج: إن هذا الوقت مع هذه الحادثة حكمه كذا، وهذا مع ذاك حكمه كذا، وهكذا. وأما الاحتياط وانحصار حصول البراءة في التمام فلا يخفى ما فيه، إذ هما ماهيتان متغايرتان كما ذكرنا مرارا، فلا دخل للزيادة والنقصان في أفراد ماهيتين جواز نيابة أحدهما عن الآخر. حجة القول بالتخيير الجمع بين الأخبار. وأنت خبير بأن ذلك يتوقف على تكافؤ أخبار الطرفين، وقد عرفت عدمه. وحجة القول بالتفصيل - كما اختاره الصدوق والشيخ أيضا في كتابي الأخبار - غير ظاهر، واستدل الشيخ على ذلك برواية إسحاق بن عمار الآتية. وهو لا يدل على المدعى، وإثبات عدم القول بالفصل مشكل مع أنه لم يدع ذلك. واستشهد الصدوق على ذلك التأويل - بعدما أول صحيحة محمد بن مسلم بذلك - برواية حكم بن مسكين (1) الآتية، وهي أيضا غير المدعى. هذا كله إذا سافر قبل أن يصلي وقد أدرك الوقت في الحضر. وأما صورة العكس فالأقوى فيه أيضا أن العبرة بحال الأداء لا بحال الوجوب، وفاقا للمفيد (2) وعلي بن بابويه (3) وابن إدريس (4) والفاضلين (5). ونسب ذلك الشهيد الثاني (رحمه الله) أيضا إلى المشهور بين المتأخرين (6). والشيخ أيضا هاهنا على التخيير في أحد أقواله (7)، وهو المنقول عن ابن
(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 444 ح 1289. (2) المقنعة: ص 211. (3) كما في مختلف الشيعة: ج 3 ص 126. (4) السرائر: ج 1 ص 332. (5) المعتبر: ج 2 ص 480، مختلف الشيعة: ج 3 ص 129. (6) روض الجنان: ص 398 س 30. (7) الخلاف: ج 1 ص 577 المسألة 332. 783 الجنيد (1). وفتواه في كتابي الأخبار اعتبار المضايقة والمواسعة (2). ونقل في روض الجنان هاهنا أيضا القول بالقصر مطلقا (3). لنا - مضافا إلى الإطلاقات، والعمومات من الأخبار الكثيرة الدالة على وجوب التمام في الحضر - مفهوم الغاية في كثير من الأخبار المعتبرة، قال: " يكون مقصرا حتى يدخل بيته " " قصر إلى أن تعود إليه " (4) ونحو ذلك، وخصوص صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة، وصحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثم يدخل بيته قبل أن يصليها، قال: يصليها أربعا، وقال: لا يزال يقصر حتى يدخل بيته (5). وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة، فقال: إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل فليتم، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصل وليقصر (6). ووجه الدلالة واضح بعد التأمل، وليس كما فهمها الشيخ، واستدل بها على التفصيل بالمضايقة والمواسعة (7). وعلى هذا يحمل صحيحة إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال: إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتم، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر (8). ورواية الحكم بن مسكين قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في الرجل يقدم من سفره
(1) حكاه عنه الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ص 256 س 20. (2) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 223 ذيل ح 558، الاستبصار ج 1 ص 240 ذيل ح 857. (3) روض الجنان: ص 398 س 30. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 508 ب 7 من أبواب صلاة المسافر ح 3 و 5. (5) وسائل الشيعة: ج 5 ص 535 ب 21 من أبواب صلاة المسافر ح 4. (6) وسائل الشيعة: ج 5 ص 536 ب 21 من أبواب صلاة المسافر ح 8. (7) تهذيب الأحكام: ج 3 ص 223 ذيل ح 958، الاستبصار: ج 1 ص 240 ذيل ح 857. (8) وسائل الشيعة: ج 5 ص 536 ب 21 من أبواب صلاة المسافر ح 6. 784 في وقت الصلاة فقال: إن كان لا يخاف خروج الوقت فليتم، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر (1). واحتج العلامة في المختلف لابن جنيد (2) برواية منصور بن حازم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتى يدخل أهله فإن شاء قصر وإن شاء أتم، والإتمام أحب إلي (3). وهذه الرواية، مع عدم معلومية توثيق محمد بن عبد الحميد الذي هو في طريقه لا يقاوم ما ذكرنا، فهي محمولة على ما ذكرنا. فالمراد - والله أعلم - إن شاء صلى في السفر وقصر، وإن شاء صلى في الحضر وأتم، وقوله (عليه السلام) " فسار حتى يدخل " بصيغة المضارع يقرب هذا الحمل. ويدل على القول بالتقصير حينئذ رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر فأخر الصلاة حتى قدم فهو يريد أن يصليها إذا قدم إلى أهله، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها، قال: يصليها ركعتين صلاة المسافر لأن الوقت دخل وهو مسافر، كان ينبغي له أن يصلي ذلك (4). وهي مع ضعفها - لموسى بن بكر - لا تقاوم ما ذكرنا. والله أعلم بحقائق أحكامه. وهو الموفق للخيرات، والمستعان في نيل الطلبات. والحمد لله رب العالمين. هذا آخر ما وجد بخط المؤلف (رحمه الله)
(1) وسائل الشيعة: ج 5 ص 536 ب 21 من أبواب صلاة المسافر ح 7. (2) مختلف الشيعة: ج 3 ص 128. (3) وسائل الشيعة: ج 5 ص 536 ب 21 من أبواب صلاة المسافر ح 9. (4) وسائل الشيعة: ج 5 ص 535 ب 21 من أبواب صلاة المسافر ح 3. 785