كتاب القضاء (ط.ق) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

كتاب القضاء (ط.ق) - نسخه متنی

میرزا محمد حسن آشتیانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: كتاب القضاء (ط.ق)
المؤلف: الشيخ الآشتياني
الجزء:
الوفاة: 1319
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: 1404 - 1363 ش
المطبعة:
الناشر: منشورات دار الهجرة - قم - إيران
ردمك:
ملاحظات: طبعة حجرية / چاپ دوم با تصحيح كامل أغلاط چاپي
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب القضاء
من مؤلفات
الأستاذ الأكبر العلامة المحقق شيخ الفقهاء والمجتهدين
الحاج ميرزا محمد حسن الآشتياني
قدس سره الشريف
من منشورات دار الهجرة
إيران - قم
چاپ دوم باتصحيح كامل أغلاط چاپى
1404 هجري قمري مطابق با 1363 هجري شمسي
إيران - قم
انتشارات هجرت
بسمه تعالى شأنه
هذه النسخة الشريفة النفيسة أعني " كتاب القضاء والشهادات " المحتوية لمهمات
احكام التقاص المتضمنة لمباحث القسمة والافراز من جملة مؤلفات النحرير المدقق والعلامة
المحقق حجة الاسلام وآية الله الملك العلام المستغرق في بحار رحمة الباري المولى
الحاج ميرزا محمد حسن الآشتياني
طاب الله ثراه
هي الدرة الثمينة التي اشتاقت إليها نفوس طلاب العلم والكوكبة الدرية التي انتظرت عيون أهل التحقيق
والفقاهة طلوعها على سطوح الحلم وطالما تذاكر في أمر انتشارها جمع من الأفاضل والاشراف حتى
سبق إلى هذا الخير ونال ذلك الشرف السابق إلى الخيرات والمقدم في نشر أسفار العلم وكتب الأدعية
والزيارات نجله المعظم والقبلة المكرم ناصر الملة والدين ظهير الاسلام وركن المسلمين حضرة
الحاج ميرزا هاشم الآشتياني
أدام الله ظله العالي ولا يخفى انه لما كانت نسخة الأصل متشتتة والنسخ الخطية المستنسخة منها مختلفة
مغلوطة قد بذل غاية الجهد في تصحيحها ومقابلتها كرة بعد مرة العالم الفاضل والحبر الكامل حجة الاسلام
الآقا ميرزا محمود نجل آية الله الحاج شيخ مرتضى الغروي الآشتياني قدس سره الشريف فإنه دامت
بركاته قد سعى وافيا وجد كافيا مستغرق الأوقات في تنقيحها وتصحيحها إلى أن تمت النعمة وكملت الدولة
ثم اعلموا أيها الاخوان وان صنف في هذا الباب قبل الزمان تصانيف كثيرة الا ان غالبها حجما
رهين جمع الأقوال ونقل القضايا والاخبار ولكن هذا السفر الكبير والقطر المنور لعين الضرير
لما جمعت أوراقه من بساتين الأساطين الأخيار وشيدت أركانه بالأساس الذي بناه الأستاذ العلامة
المحقق الشيخ المرتضى من بيت الأنصار ورويت أثماره من تلك العروق والأشجار يكون محتويا
لتحقيقات وافية وتدقيقات كافية لا يصل إليها الا من كان حاويا لاس الأصول وفارغا عن المعقول
والمنقول والحق بالحق أقول لا يألفه الا جم من العلماء الفحول.

1
كتاب
القضاء من مؤلفات
الأستاذ الأكبر العلامة
المحقق شيخ الفقهاء الحاج
ميرزا محمد حسن الآشتياني
قدس الله سره
الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله
على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
كتاب القضاء بالمد والقصر وهو لغة لمعان كثيرة منها الخلق ومنه قوله تعالى فقضيهن سبع سماوات
اي خلقهن ومنها الحكم ومنه قوله تعالى والله يقضي بالحق اي يحكم ومنها الاتمام
ومنه قوله تعالى فإذا قضيتم مناسككم اي أتممتم ومنها الامر كقوله عز وجل وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه أي أمر
إلى غير ذلك وفي المسالك انه سمى القضاء قضاء لان القاضي يتم الامر بالفصل ويمضيه ويفرغ عنه وسمى حكما لما فيه
من منع الظالم عن ظلمه انتهى وعرفا على ما في الدروس ولاية شرعية على الحكم في المصالح العامة من قبل
الإمام (عليه السلام) وعن جماعة منهم الشهيد في المسالك انه ولاية الحكم شرعا لمن له أهلية الفتوى بجزئيات القوانين
الشرعية على أشخاص معينة من البرية باثبات الحقوق واستيفائها للمستحق ولا يبعد كون الأول أولى من الثاني
لأعمية مورده من خصوص اثبات الحقوق كالحكم بالهلال ونحوه وكيف كان أصل ثبوته وتشريعه في الجملة
مما لا إشكال فيه بل الأدلة الثلاثة من الكتاب والسنة والاجماع دالة عليه بل ربما قيل كما هو الحق بدلالة العقل
عليه أيضا من حيث توقف النظام عليه بل لا يبعد دعوى الضرورة عليه فأصل ثبوته مما لا ينبغي أن يرتاب فيه
إلا انا نذكر جملة من الآيات والاخبار تيمنا.
فنقول أما الآيات الواردة في باب الحكومة فكثيرة قال الله تبارك وتعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا
الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل وقال تعالى يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض
فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى وقال تعالى إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله
وقال تعالى فإذا تنازعتم في شئ فردوه إلى الله ورسوله إلى غير ذلك.

2
وأما الروايات فقد تجاوزت حد الاستفاضة بل التواتر مثل قول الصادق عليه السلام في خبر أبي خديجة
إياكم ان يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم
قاضيا فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه الخ وقوله عليه السلام القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة رجل
قضى بجوز وهو يعلم فهو في النار ورجل قضى بجوز وهو لا يعلم أنه قضى بجور فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو
لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة وقول أمير المؤمنين وإمام المتقين (عليه السلام) لشريح
يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي أو شقي وقول الصادق (عليه السلام) اتقوا الحكومة إنما هي للامام العالم
بالقضاء العادل بين المسلمين كنبي أو وصي إلى غير ذلك من الروايات الواردة في ذلك
ثم إن دلالة جملة من تلك
الروايات على كون القضاء من مناصب النبي وأوصيائه (عليهم السلام) مما لا إشكال فيه وإنما الاشكال في دلالة الآيات على
ذلك وأظهر منها دلالة حسب ما صرح به جماعة أيضا قوله تعالى يا داود إنا جعلناك الآية وقد استشهد بها على
كون القضاء منصبا من مناصب النبوة والإمامة وغصنا من شجرة الرياسة العامة وجه الدلالة انه فرع عز وجل جواز
الحكومة على كونه خليفة فينتفي بانتفائها وهو المطلوب وفيه أولا نمنع من تفريعه تعالى الجواز على كونه
خليفة بل إنما فرع وجوبها على الخلافة حسبما هو قضية ظاهر الامر فلا يدل على انتفاء الجواز لغيرها وثانيا نمنع
من دلالتها على وجوبه عليهما فضلا عن دلالتها على انتفاء الجواز للغير لاحتمال أن يكون المتفرع على الخلافة
وجوب الحكومة بالحق فيكون المتفرع عليها وجوب الحكومة باعتبار القيد أي بمعنى انك انما (لما خ) جعلناك
خليفة فيجب عليك الحكم بالحق فيكون في سياق قوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا
حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل فيكون الحكم في الآية ناظرا إلى القيد لا القيد والمقيد معا فلا دلالة للآية
على أصل وجوبه على الخليفة لكونه واردة في مقام بيان حكم آخر هذا ولكن يمكن أن يجاب عنه بان هنا معنا
ثالثا دقيقا يتم بملاحظته الاستدلال وهو أن يكون المتفرع على الخلافة الجواز نظرا إلى ورود الامر مقام
رفع الحظر فلا يدل إلا على الجواز على ما هو المحقق في مثله لان الحكم بمعنى إلزام الناس سلطنة عليهم فالأصل
عدم جوازه فتدل الآية بمقتضى قضية التفريع المتضمن لمعنى الشرطية في المقام على انتفاء الرخصة في حق غير
الخليفة والحاصل ان في الآية احتمالات ثلاثة أحدها أن يكون المتفرع على الخلافة وجوب الحكم بالحق
أعني القيد والمقيد فلا دلالة لها على هذا التقدير على انتفاء الرخصة لغير الخليفة ثانيها أن يكون المراد منها
تفريع وجوب الحكم بالحق باعتبار القيد فلا دلالة لها على هذا التقدير أيضا على المطلوب ثالثها أن يكون المراد
تفريع الجواز على الخلافة بملاحظة كون الأصل في الحكم الحرمة وورود الامر في مقام رفع الحظر فيدل على انتفاء
الجواز في حق غير الخليفة إذا عرفت أن في الآية احتمالات ثلاثة فإن لم يكن أحدها ظاهرا أو كان ولكن الاحتمالين
الأولين فلا دلالة لها على ما رامه الجماعة من دلالتها على اختصاص القضاء بالنبي ووصيه وكونه من مناصبهما
وإن كان الثالث أظهر فيدل على المطلوب والانصاف انه أظهر من الأولين فالآية بذلك البيان من الأدلة على
اختصاص الحكم بالخليفة نبيا كان أو وصيا هذا ويمكن أن يستفاد كون الحكم من مناصب الخليفة من لفظها من
غير احتياج إلى البيان المذكور بأن يقال إن مقتضى جعل الله شخصا خليفة هو ثبوت جميع ما يجوز له لهذا الشخص
فتدل الآية بالنظر إلى لفظة الخليفة بمعونة الأصل المتقدم على كون الحكم من مناصب الخليفة فافهم.
قوله وكذا لا ينعقد لغير العالم المستقل بأهلية الفتوى ولا يكفيه فتوى العلماء الخ.
أقول إنك بعدما عرفت من دلالة جملة من الروايات بل بعض من الآيات أيضا حسبما مر على كون القضاء

3
من مناصب النبي والامام فاعلم أن الاذن عن الأئمة في القضاء لمن جامع شرايط الافتاء معلوم بحيث لا يعتريه
ريب ويدل عليه مضافا إلى الأخبار الكثيرة المتقدمة إلى بعض منها الإشارة الاجماع بقسميه محققا منقولا فهذا
مما لا اشكال فيه إنما الكلام فيما قد نقل عن بعض أفاضل المتأخرين ومال إليه بعض مشايخنا من جواز القضاء للمقلد
فنقول ان الكلام في قضاء المقلد في ثلاث مقامات أحدها فيما لو استقل بالحكم والقضاء ثانيها فيما
لو صار منصوبا من المجتهد وبعبارة أخرى في جواز نصب المجتهد كما ينصب الامام ثالثها فيما لو صار وكيلا عن
المجتهد والفرق بين هذا المعنى وسابقه مما لا يكاد إن يخفى ثم إن كلامنا في تلك المقامات إنما هو في زمان
غيبة الإمام (عليه السلام) وأما زمان حضوره فنصب القضاة منه وكلما فعله فهو حق لأنه معصوم عن الخطأ فلا ثمرة مهمه (1)
لنا في البحث عنه.
أما المقام الأول فالحق فيه عدم الجواز لنا مضافا إلى الاجماع المدعى في كلام جماعة منهم ثاني
الشهيدين في المسالك البالغ حد الاستفاضة المعتضد بالشهرة المحققة بل عدم الخلاف في المسألة الأصل وتقريره
ان القضاء وهو الالزام بغير ما يقتضيه التكليف سلطنة على الملزم غير مجوزة إلا بدليل توضيح ذلك أن إلزام المكلف
يكون تارة بما يقتضيه تكليفه كما في موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأخرى يكون بما لا يقتضيه تكليفه إن
صار تكليفه بعد اثبات وجوب التزامه بالالزام المذكور.
أما الأول فلا إشكال في جوازه لكل من يتأتى عنه مجتهدا كان أو مقلدا وإن كان مقتضى الأصل الأولي
عدم جوازه لكن قد دل العقل والنقل على حسنه كذلك وإن خالف فيه بعضه فذهب إلى اختصاصه بالامام وعدم جوازه
لغيره حتى المجتهد لكنه موهون جدا حسبما قرر في محله فلا نزاع لنا فيه فما يظهر من بعض الاعلام من التمسك
في المقام بما دل على جواز الالزام بالمعروف والحق لكل آحاد الأنام خروج عن محل الكلام.
وأما الثاني فلما لم يعتبر فيه جهة اقتضاء التكليف فيحتاج في الخروج عن مقتضى الأصل فيه إلى دليل
غير ما دل على جواز الالزام بالمعروف.
فنقول ما يمكن أن يصير دليلا للخصم في المقام ومخرجا عن الأصل المزبور ليس إلا أحد أمور ثلاثة على
سبيل منع (مانعة خ) الخلو أحدها الآيات الدالة على أصل تشريع الحكم وفصل الخصومة كقوله تعالى وإذا حكمتم
بين الناس أن تحكموا بالعدل الخ وقوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله (آه) وغيرهما فإنها باطلاقها شاملة للمجتهد
والمقلد كليهما ثانيها ما دل بظاهره على انحصار رفع الخصومة والقضاء بين الناس إذا كانت الشبهة موضوعية
بالبينة والايمان لأنه باطلاقه أيضا شامل للمجتهد والمقلد كليهما ثالثها ما دل على نصب القضاة عموما أو خصوصا
أما الأمر الأول فالحق عدم دلالته على المطلب أصلا أما قولك انها بمقتضى الاطلاق شاملة للمجتهد والمقلد
ففيه أولا انا نمنع من شمولها للمجتهد والمقلد وكونها مسوقة لبيان حال الحاكم من أنه أي صنف من الأصناف
لما قد عرفت من أن جل تلك الآيات بل كلها مسوقة لبيان وجوب كون الحكم حقا لا لبيان أصل أصل وجوب الحكم
فالاطلاق وارد لبيان حكم القيد أي وجوب كون الحكم حقا وعدلا وبما أنزل الله لا لبيان حكم القيد وقد تقرر في
محله ان الشرط في التمسك بالاطلاق عدم وروده لبيان حكم آخر وكون المتكلم في مقام البيان فافهم وثانيا
نسلم كون الآيات دالة على جواز الحكم بالحق لكل من عرف الحق من المجتهد والمقلد لكن نقول المراد



(1) أي في جواز نصب المقلد وعدمه لأنه تكليف الإمام (عليه السلام) وأما الكلام في أنه هل اذن ونصب خصوص المجتهد أو الأعم
فربما ينفعنا (منه قدس سره)
4
من الحق هنا هو الحق الواقعي الذي كان معلوما حقيقته عند الحاكم والمحكوم عليه معا وبعبارة أخرى كان الطريق
إليه اعتقاد الحاكم والمحكوم عليه لا ما كان حقا عند الحاكم باطلا عند المحكوم عليه الدليل على ما قلنا مع أن
مقتضى القاعدة هو مراعاة اعتقاد الحاكم فقط حيث إن الطريق إلى متعلق الخطاب هو اعتقاد من خوطب به
أما انصراف الآيات إلى ذلك وظهورها فيما إذا كانت حقيقة المحكوم به معلومة محققة معروفة عند الحاكم والمحكوم
عليه فتأمل أو انه لو لم يكن المراد ذلك بل كان المراد ظاهره أي الحق عند الحاكم لما وجب قبوله على المحكوم
عليه حيث إنه مخاطب أيضا بعدم قبول الحكم الباطل وحكم الجاهلية والشيطان والمفروض انه بعدما كان اعتقاده
مخالفا لاعتقاد الحاكم يعتقد كون حكمه باطلا يجب رده فلا بد من أن يكون المراد من الحق في المقام هو ما ثبت
حقيته عند الطرفين أي ما كان مقتضى تكليف المحكوم عليه أيضا فإن شئت قلت إنه كما يجب على الحكام الحكم
بالحق ويكون الطريق لهم إليه اعتقادهم كذلك يجب على غيرهم الالتزام بالحكم بالحق وعدم قبول ما كان باطلا
ومن المعلوم ان الطريق إلى احراز الحق في هذا الخطاب اعتقاد المترافعين فإنهم مأمورون بالرجوع إلى من كان
عارفا بأحكام الله وعالما بها ولا يتنجز هذا الخطاب في حقهم إلا بعد علمهم بكون المرجع حقا.
فان قلت إنه لا داعي إلى صرف الآيات عن ظاهرها بعدما كانت قضية ظاهرها هي كفاية الحقية عند الحاكم
نظرا إلى القاعدة المذكورة وما ذكر من أن الداعي إليه هو لزوم التعارض فممنوع فإنه بعدما وجب على الحاكم
الحكم بالحق عنده لزم قبوله على المحكوم عليه وإلا لزم لغويته وهذا باب واسع يدخلونه في كثير من
المقامات كما ذكروه في آية الكتمان والنفر وغيرهما.
قلت ما ذكر من أنه لو وجب على شخص بيان شئ للغير لوجب على الغير قبوله وإلا لزم اللغوية فإنما
هو فيما لم يجب على هذا الغير عدم قبول ما لم يكن حقا عنده وإلا لوقع التعارض فكما أنت تقول إن وجوب
الالزام بالحق علي يدل على وجوب الالتزام لما ذكر من اللغوية فنحن نقول أيضا ان وجوب رد الباطل أيضا
علينا الذي طريق ثبوته اعتقادنا يدل على قبول قولنا وإلا لزم اللغوية فتأمل.
فان قلت هب ان المراد من الحق في المقام هو ما ثبت حقيقته لكل من الحاكم والمحكوم لكنا نثبت
حقية المحكوم به بأدلة البينة والايمان.
قلت أولا إن ظاهر الآيات هو الحق في الحكم الكلي لا الموضوع الخارجي وبعبارة أخرى المراد من الآيات
الالزام بحكم الله في مقابل حكم الجاهلية فأدلة البينة غريبة (عرية خ) عن المقام حيث إن الحكم بالبينة والايمان
إنما هو في الموضوعات الخارجية دون الأحكام الكلية والمراد من الآيات هو الحكم بالحق في الشبهة الحكمية
أي الحكم بما أنزل الله وجاء به ومعلوم ان ملكية زيد وعدمها التي هي مدلول البينة لم يكن مما أنزل الله به.
فان قلت: إن وجوب الحكم بمقتضى البينة أيضا حكم كلي قد ثبتت حقيته بأدلة حجيتها والحكم بخلاف
مقتضاها حكم باطل فكيف يقال بعدم تصور الحقية في الحكم الكلي بالنظر إلى البينة.
قلت قد التبس عليك الامر فإنه فرق واضح بين كون الحكم في الواقعة حقا الذي هو المحكوم به للحاكم
وبين كون أصل حكمه بمقتضى البينة الذي هو فعل الحاكم حقا والذي ينفع في المقام إنما هو الأول دون الثاني
كما لا يخفى وثانيا ان المراد من الحق في المقام هو ما ثبت حقيته مع قطع النظر عن حكم الحاكم وأما ما
ثبت حقيته بملاحظة حكم الحاكم من جهة قيام البينة فليس مشمولا للآيات كما لا يخفى فالاستدلال بما دل على
حجية البينة في مقام القضاء موهون جدا مضافا إلى ما سيجئ من عدم عموم وإطلاق له بحيث يشمل المجتهد والمقلد.

5
فان قلت سلمنا ان المراد من الآيات الآمرة بالحكم بالحق هو ما ثبت حقيته عند كل من الحاكم
والمحكوم عليه لكن هذا المقدار أيضا يكفينا لأنا نفرض الكلام فيما لو كان الحاكم والمحكوم مقلدين لمجتهد
واحد فيجوز له من الحكم بالحق كما يجوز للمجتهد.
قلت بعد تسليم كون المراد من الآيات المعنى المذكور يكون مساقها مساق أدلة الأمر بالمعروف
فقد عرفت أنه يجوز لكل من يتأتى عنه ذلك مجتهدا كان أو مقلدا وهذا مما لا إشكال فيه بل يمكن دعوى الاجماع
عليه إنما الكلام في تأثير إلزام المقلد في وجوب الالتزام على الملتزم من غير أن يقتضي تكليفه ذلك كما في المجتهد
والحاصل انه قد يجب إلزام الشخص على شئ من جهة اقتضاء تكليفه الالتزام به مع قطع النظر عن الالزام فيكون
وجوب الالزام حينئذ متفرعا على وجوب الالتزام وهذا مما يشترك فيه المجتهد والمقلد بل يجب على كل أحد من
باب الأمر بالمعروف والالزام بالحق وقد يجب إلزامه بشئ من غير ملاحظة اقتضاء تكليفه ذلك فيكون وجوب
التزامه متفرعا على وجوب الالزام المذكور وهذا هو محل النزاع في المقلد فكل من يقول بجواز حكم المقلد
فلا بد من أن يثبت وجوب الالتزام بإلزامه وإن لم يقتضه تكليف الملزم (الملتزم خ) ومعلوم انه لا يكفيه تلك الآيات
لأن مفادها وجوب الالزام فيما اقتضى تكليف الملتزم الالتزام به مع قطع النظر عن الالزام المذكور حسبما عرفت
من كون المراد بالحق منها هو ما كان حقا عند المحكوم عليه أيضا.
نعم لو صدر هذا الالزام عن التزام (الالزام خ) بما ثبت حقيته عند المحكوم عليه من المجتهد كان
حكما أي لا بد من أن يترتب عليه آثار الحكم لما قد دل من جوب الالتزام بإلزامه مطلقا سواء اقتضاه تكليف الملتزم
أم لا فالالتزام بالالزام المذكور وان اقتضاه نفس تكليف الملتزم أيضا إلا أن هذه الجهة غير ملحوظة إذا كان الملزم
هو المجتهد لما قد دل على وجوب الالتزام بالزامه مطلقا فالحيثيتان وإن اجتمعتا في محل واحد إلا أن المناط فيهما
مختلف وأما لو صدر من المقلد فلا يكون حكما بمعنى ان يجب عليه ترتيب آثار الحكم لعدم دليل يدل على
وجوب الالتزام بإلزامه مع قطع النظر عن اقتضاء التكليف وإن شئت قلت إن هنا شيئين أحدهما جواز الالزام
والحكم للمقلد ثانيهما وجوب ترتيب الأثر عليه وصحته ونفوذه أما الأول فلا يجوز له إلا إذا كان الملتزم به حقا أي
اقتضاه تكليف الملتزم مع قطع النظر عن إلزامه ولا يجوز في غيره وأما الثاني فيتوقف على اثبات كون إلزام
المقلد بمجرده وإن لم يقتضه تكليف الملزم (الملتزم خ) مؤثرا في وجوب الالتزام وقد عرفت أن الآيات قاصرة
عن إفادة ذلك حيث إن قضية ظاهرها كما عرفت هو وجوب الالزام فيما لو كان الملزم به حقا عند المحكوم عليه
وما نحن بصدد اثباته ونفيه في المقام هو الثاني وأما الأول فيدل على جوازه للمقلد فيما لو كان الملزم به حقا
عند الملتزم كل ما دل على حسن الأمر بالمعروف من الأدلة الأربعة هذا وثالثا نسلم دلالتها على وجوب الالزام بالحق
وإن لم يكن ثابتا عند المحكوم عليه لكن نقول بلزوم تقييدها بما دل من الآيات والاخبار التي قد تقدم إلى شطر
منها الإشارة على كون القضاء من مناصب الخليفة وغصنا من شجرة رياستها العامة وبعبارة أخرى مقتضى التمسك
بتلك الآيات هو كون القضاء حكما شرعيا واجبا على كل أحد ومقتضى غيرها من الآيات والاخبار هو كونه
من المناصب العامة للإمام (عليه السلام) محتاجا إلى الاذن منه فبينهما تناف فلا بد من أن يرجع إذا إلى ما دل على
الاذن في زمان الغيبة من قبل الإمام (عليه السلام) وانه هل يشمل المقلد أو يختص بالمجتهد فيرجع إلى الأمر الثالث وسيجئ
ما عليه من الكلام فلا مناص للاستدلال بالآيات أصلا كما لا يخفى ثم إنه يظهر بما ذكرنا في الآيات حال التمسك
بالأخبار الواردة بهذا المضمون فلا نحتاج إلى تطويل في المقال وأما الأمر الثاني ففيه مضافا إلى أخصية تلك الأدلة



(1) حيث إنه لا يجري في الشبهة الحكمية إلا أن يتمسك بالاجماع المركب (منه قدس سره)
6
من المدعى كما لا يخفى عدم كونها في مقام بيان الحاكم وانه من أي صنف من الأصناف بل غاية ما
دلت عليه هو انه لا بد من الحكم والفصل بالبينة والايمان وأما الحاكم من أي صنف من الأصناف فتلك الأدلة
غير ناظرة إلى بيانه ومهملة بالنسبة إليه فلا إطلاق لها من تلك الجهة حتى يتمسك بها (به خ) وقد يتمسك أيضا
بأدلة وجوب العمل بالبينة كقوله (عليه السلام) لابنه إسماعيل إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم إلى غير ذلك فإنها بعمومها
شاملة للمقلد أيضا وفيه أن تلك الأدلة وإن تشمل المقلد أيضا إلا أنها في مقام التمسك بالبينة في عمل نفس
الشخص واما إلزام الغير بمقتضاها كما هو محل الكلام فلا دلالة فيها على ذلك أصلا كما لا يخفى فلم يبق
في المقام ما ينفعنا إلا الأمر الثالث وهو ادعاء شمول الاذن الواصل من أئمة الأنام لمثل هذا العوام فبالحري أن نذكر
جملة من الاخبار الموهمة (المتوهمة خ) دلالتها على الاذن للمقلد حتى يتضح لك الحال ويرتفع الغبار.
فنقول منها قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي خديجة إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن
انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم (قاضيا خ) فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه.
ومنها مقبولة عمر بن حنظلة قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين
أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك فقال (عليه السلام) من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى
الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذه سحتا وإن كان حقه ثابتا (حقا ثابتا له خ) لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد
أمر الله تعالى أن يكفر به قلت فكيف يصنعان قال ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا
وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حاكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما
استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله الخبر ومنها ما رواه الحلبي قال قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) ربما كان بين الرجلين من أصحابنا المنازعة في الشئ فيتراضيان برجل منا فقال ليس هو ذاك
إنما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط الخبر إلى غير ذلك
ثم إن جل المستدلين بالروايات إنما استدلوا برواية أبي خديجة وبعضهم تمسك برواية الحلبي أيضا
ولكن لم أر أحدا تمسك بمقبولة عمر بن حنظلة إلا الفاضل القمي رحمه الله والحق عدم إمكان التمسك بها بل هي من
وجوه الرد عليهم كما سنشير إليه وكيف كان وجه الاستدلال انه أمر في رواية أبي خديجة بالتحاكم إلى من
علم شيئا من قضاياهم ومن المعلوم إن المراد من العلم ليس هو خصوص الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع
وإلا لزم عدم جواز التحاكم إلى المجتهد أيضا لكون أكثر أحكامه ظنية نظرا إلى ظنية مباديها ومداركها
فلا بد أن يكون المراد منه هو الاعتقاد الأعم من الجازم وما ثبت اعتباره بالدليل وإن لم يكن جازما وهذا نظير ما
ذكروه في تعريف الفقه بأنه العلم بالأحكام الشرعية الخ من أن المراد منه الاعتقاد الأعم من العلم والظن ومعلوم
ان هذه القضية صادقة في حق المقلد فإنه بعدما قلد مجتهده في كون عشر رضعات محرما وحصل له الظن
بالتحريم يكون هذا الاعتقاد معتبرا في حقه فيجب على الغير التحاكم إليه بمقتضى الرواية وكذا قوله في رواية
الحلبي فيتراضيان برجل منا غاية الأمر خروج من لم يعرف الاحكام أصلا لا باجتهاده ولا بالتقليد منه بقيام الاجماع
على اشتراط المعرفة في الجملة فبقي المجتهد والمقلد داخلين فيه هذا غاية ما يمكن أن يوجه به الروايتان
للدلالة على المقصود لكن الحق عدم دلالتهما على ذلك أما أولا فلان إطلاقهما وارد في مورد حكم آخر أي في مقام
عدم جواز التحاكم إلى الطاغوت كما هو صريح الثانية بل الأولى أيضا فالمقصود منهما انه لا بد من المرافعة من أن
يرجع إلى الشيعة دون الطاغوت واما ان المرجع من الشيعة هو كل من يعرف الحكم أو خصوص المجتهد

7
فهما ساكتتان عنه غير واردتين لبيانه.
فان قلت أليس شيوخكم تمسكوا برواية أبي خديجة في اشتراط الفقاهة والاجتهاد في القاضي وهذا
الذي ذكرته مناف لما فهموه من الرواية.
قلت نمنع من تمسك الشيوخ بالرواية على اشتراط الاجتهاد في القاضي وإنما تمسكوا بها لاثبات
أصل الاذن من الامام لشيعتهم في زمان الغيبة وأما اشتراط الاجتهاد فإنما جاؤوا به من مقبولة عمر بن حنظلة
كما يظهر من المراجعة إلى كتبهم. نعم ربما يتمسك بها بعض المتأخرين لاثبات اشتراط الاجتهاد أيضا
وأما ثانيا فلان المراد من المعتقد بحكم الله حسبما هو المراد من العالم على ما بنى عليه المستدل هو من يعتقد
بحكم الله باعتقاد الناظرين على ما عرفت من أن مقتضى القاعدة كون الطريق إلى الموضوع في القضية المأمور بها
هو اعتقاد المأمور والمخاطب لا من اعتقد بكون معتقده حكم الله وإن لم يكن حكم الله باعتقاد الناظرين إلا إذا كانا
شريكين في الاعتقاد. نعم هو في اعتقاد الناظر معتقده حكم الله لا كون معتقده حكم الله لأنه لا يكون معتقدا بحكم الله
عند الناظر إلا إذا اعتقد بكون معتقده حكم الله ولهذا قد فرض بعض المحققين القائل بالجواز الحكومة للمقلد
فيما لو كان المتداعيان والمقلد الحاكم مقلدين لمجتهد واحد وقال في بعض كلام له بعد استدلاله برواية أبي
خديجة حسبما عرفته من كون المراد من العلم فيها الأعم من الاعتقاد الجازم وما ثبت اعتباره من الاعتقاد الغير الجازم
ما حاصله انه كما يجوز للمترافعين والمتداعيين كالزوج والزوجة في أن عشر رضعات محرم مثلا الالتزام بالحرمة
فيما إذا كانا مقلدين لمجتهد يعتقد ذلك من دون أن يتحاكما إلى أحد كذا يجوز تحاكمهما إلى مقلد كان
شريكا معهما في التقليد أي مقلدا لمن يقلدانه فيحكم بينهما بما قلده من المجتهد من نفوذه للحرمة فالرواية تدل
إذا على جواز الرجوع إليه لكونه أيضا عالما بشئ من قضاياهم بالمعنى المتقدم انتهى ملخص كلامه وحاصل
مراده قدس سره ولقد أجاد فيما أفاد وجاء بما فوق المراد ولكن يرد عليه بعد تسليم دلالة الرواية على جواز
الرجوع إلى المقلد في الفرض المزبور انه لا دلالة لها على كون الرجوع في تلك الصورة من جهة كون إلزامه مؤثرا
في وجوب الالتزام بالملتزم به مع قطع النظر عن كون مقتضى تكليف المحكوم عليه الالتزام بالملتزم به كما هو
محل النزاع فلعله كان من اقتضاء تكليفه ذلك مع قطع النظر عن الالزام المذكور فيكون التكليف بالرجوع
إليه من جهة وجوب اتباع الحق والمعروف وهو خارج عن الفرض.
فإن قلت انا نثبت وجوب الالتزام بالالزام المذكور مع قطع النظر عن شئ آخر في هذا الفرض ويتم القول
في الباقي بالاجماع المركب وطريق اثبات المدعى هنا ان مقتضى جعل الامام شخصا قاضيا على ما هو مقتضى الرواية
هو وجوب الالتزام بإلزامه مع قطع النظر عن اقتضاء تكليف الملتزم وإلا لما احتاج إلى جعله قاضيا حيث إن الالزام
بالمعروف غير محتاج إلى جعل من الامام فيكون قوله (عليه السلام) في الرواية فإني قد جعلته قاضيا دليلا على وجوب الالتزام
بإلزامه وإن لم يقتضه تكليف الملتزم وهذا نظير التوقيع الشريف عن الامام عجل الله فرجه وأما الحوادث الواقعة
فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله فإن التعليل بأنهم حجته يدل على وجوب قبول
قولهم مع قطع النظر عن اقتضاء التكليف ذلك كما لا يخفى.
قلت الظاهر من التعليل بالجعل والحجة وإن كان ما ذكر ابتداء الا انه بملاحظة كون المعهود عند أهل
الزمان والمركوز في أذهانهم انه لا بد من كون القاضي منصوبا من جانب السلطان وانه لا يسمع بمقالته من دون النصب
وان قال حقا يصير الظاهر من التعليل ان السلطان العالم العادل بين المسلمين قد أوجب الرجوع إلى هؤلاء وجعلهم

8
منصوبين منه فلا بد من أن يسمع مقالتهم لان الجعل قد حصل فلا دلالة للتعليل المذكور على كون وجوب الالتزام
بالزامهم من جهة تأثير الالزام مع قطع النظر عن حقية الملتزم به عند المحكوم عليه فتأمل واما ثالثا فلان
جعل العلم بمعنى مطلق الاعتقاد الشامل للظن خلاف الظاهر فلا داعي إلى ارتكابه بل قد يمكن أن يدعى عدم استعماله
فيه ابدا وأوهن منه ما ذكره الفاضل القمي من أن المراد من العلم الظن بعلاقة وجوب العمل فان استعمال العلم
في خصوص الظن مما لم يعهد بينهم (منهم خ) هذا واما رابعا فلانه بعد تسليم صحة الاستعمال المذكور لا يكفي المستدل
ذلك ولا يغنيه من جوع لعدم اشتراط حصول الظن من فتوى المجتهد ظنا شخصيا للمقلد بالاجماع بل لا بد
من أن يرجع إليه وإن لم يحصل له ظن بل وان حصل الظن على الخلاف فلا بد من أن يقولوا بتعميم اخر
وهو كون المراد من العلم الأعم من الاحتمال الواجب العمل وفساده غني عن البيان واما ما تخليه من أنه لو أبقى
العلم على ظاهره لخرج المجتهد أيضا منه فخيال فاسد لأنا نقول إن المراد من العلم في مثل هذه القضايا هو العلم العرفي
ولا ريب في صدقه على من علم وعرف كثيرا من الاحكام وإن كان ظانا في الباقي بعدما كان مقصوده الأولى
تحصيل
العلم بالواقعة ومعلوم ان المجتهد ليس جميع مستنبطاته ظنية بل كثير منها قطعية علمية يعلم بموافقة جملة
منها للواقع وإن لم يعرفها بعينها فقوله (ع) يعلم شيئا من قضايانا صادق في حقه قطعا بخلاف المقلد فإنه لا يطلق
عليه العالم عند العرف فصدق العالم على المجتهد لا يتوقف على حصول العلم بمعنى الاعتقاد أو خصوص الظن بعد
ما عرفت من أن المراد من العالم هو العالم العرفي وهذا أمر ظاهر بعد المراجعة إلى العرف الا ترى انهم يقولون
فلان عالم بالنحو أو الصرف أو غيرهما مع أنه لم يكن جازما بأكثر مسائله (مسائلها خ) فإن شئت قلت إن التصرف انما
وقع في النسبة لا في الكلمة فبعد ما كان هذا النحو من الاطلاق شايعا عند العرف لا احتياج لنا إلى صرف الكلمة عن
ظاهرها فادعاء كون المراد من العلم هو الظن الواجب العمل ضعيف جدا نعم لو قال أحد بان المراد من الحكم
الأعم من الظاهري والواقعي والمقلد وإن لم يكن عالما بالحكم الواقعي لكنه عالم بالحكم الظاهري كالمجتهد في
مظنوناته لم يكن في الضعف كسابقه وإن كان هو أيضا ضعيفا فافهم واما خامسا فلانه بعد تسليم ذلك كله و
كون الرواية شاملة باطلاقها للمقلد والمجتهد كليهما نقول إنه لا بد من تقييد اطلاقها بمقبولة عمر بن حنظلة
لكونها أخص منها لأن الظاهر من فقراتها الثلاث وهو قوله روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف
أحكامنا هو اعتبار العلم كما لا يخفى فادعاء كونها أعم أيضا نظرا إلى صدق المعرفة والنظر في حق المقلد كما
صدر عن بعض الأفاضل مما لا يصغى إليه بعد ما عرفت من الظهور على خلافه.
فان قلت بعد تسليم كون المقبولة ظاهرة في اعتبار العلم وعدم كفاية التقليد نمنع من دلالتها على
اعتبار الاجتهاد حيث إنه أعم منه والعام لا يدل على الخاص مضافا إلى حصول العلم الضروري لكل أحد بان
المنصوبين من قبل الأئمة (ع) في زمان حضورهم الذاهبين إلى البلدان البعيدة والقريبة بل الموجودين في بلدهم (ع)
لم يكونوا كلهم مجتهدين عالمين بالأحكام باعتبار ملكة الاستنباط بل انما كانوا سئلوا الامام من الاحكام و
علموا بها من جهة جوابه (ع) وهذا مما لا يحتاج فيه إلى قوة الاستنباط بل لا مدخل لها فيه فالقول باعتبار
الاجتهاد كما هو المطلوب مما يدل عليه المقبولة بل تدل على عدمه سيما بملاحظة ما ذكرنا أخيرا.
قلت لسنا قائلين بدلالة المقبولة على اعتبار الاجتهاد في الحاكم وانما نقول بدلالتها على اعتبار العلم فيه ولكنا
نقول أنه لا يمكن تحصيل العلم بالأحكام الشرعية في زماننا هذا الا بملكة الاجتهاد فاعتبار الاجتهاد ليس من
جهة دلالة المقبولة عليه بل من جهة عدم حصول العلم في زماننا هذا وأشباهه الا به فاعتبار الملكة انما هو من جهة

9
عدم تحقق الموضوع في هذه الأزمنة الا به وأين هذا من اعتبار الاجتهاد في القاضي مطلقا فنصب الأئمة (ع) من لا يعلم
بالحكم الا من قولهم لا ينافي ما نقول به في زماننا ومن هنا يعلم فساد ما تمسك به بعض الذاهبين إلى كفاية التقليد
في الحاكم من انا نعلم ضرورة بعدم الاجتهاد لكل من نصبه الإمام (ع) في زمان حضوره فيدل على كفاية التقليد
وعدم اعتبار الاجتهاد هذا كله مضافا إلى ربما يدعى من دلالة المقبولة على اعتبار الاجتهاد لمكان قوله (ع) نظر في
حلالنا وحرامنا لأن الظاهر منه اعتبار النظر والاجتهاد في الحلال والحرام مضافا إلى أن العالمين بالأحكام من
قول الإمام (عليه السلام) كان لهم عام وخاص ومطلق ومقيد ومعارض وسليم عن المعارض وأمر ونهي ومجمل ومبين و
محكم ومتشابه إلى غير ذلك كزماننا هذا فالقول بعدم الاجتهاد لهم فاسد جدا غاية الأمر سهولة الخطب في ذلك
الزمان وصعوبته في زماننا هذا لكنك خبير بفساد هذه الدعوى حيث إن استنباط الحكم من الطرق المتعارفة عند
أهل اللسان بحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد والمجمل على المبين إلى غير ذلك لا يكون اجتهادا قطعا
نعم انكار وجود الاجتهاد في زمان الأئمة (عليهم السلام) مطلقا حتى للغائبين عن حضوره عليه السلام خلاف الانصاف مضافا إلى
دلالة بعض الروايات عليه فالأولى في الجواب ما ذكرنا من أن اعتبار الاجتهاد في زماننا من جهة عدم امكان تحصيل
العلم بدونه واما دعوى دلالة لفظ نظر عليه فضعيفة جدا للمنع عن كونه بمعنى الاجتهاد كما لا يخفى.
فان قلت إن المراد من الاحكام إن كان هو الكل كما هو مقتضى الجمع المضاف حيث لا عهد فيخرج
المجتهد أيضا لعدم وجود مجتهد كان عالما بجميع الاحكام بل ظانا بها. ولازمه عدم جواز الحكم له وهو مخالف
للاجماع بل الضرورة فلا بد من طرح الرواية وإن كان البعض فيشمل اطلاقها المقلد أيضا فانا نفرض حصول العلم
للمقلد في بعض المسائل من قول مجتهده.
قلت بعد تسليم كون الجمع المضاف مفيدا للعموم إما أولا فلا بد من أن يخرج عن هذا الظاهر و
صرفه إلى غيره بقرينة فهم الأصحاب فنقول ان المراد منه ليس الجميع ولا البعض بل الجنس ولا شك في عدم
صدقه في حق المقلد وصدقه في حق المجتهد واما ثانيا فبان نقول إن العموم بحاله الا ان المراد منه العموم
العرفي لا الحقيقي ولا ريب في صدقه في حق من علم كثيرا من الاحكام وإن لم يعلم كلها.
فان قلت إن ما ذكرته في رواية أبي خديجة في مقام الرد على المستدل بها لجواز الحكومة من أن
الامر بالرجوع إلى العالم بالحكم يقتضي اعتبار اعتقاد المخاطب في ذلك فلا يدل على وجوب الرجوع الا بالنسبة
إلى من علم المخاطب بكونه عالما بحكم الله فيخرج عن محل الفرض يجئ بعينه فيما نحن فيه أيضا فنقول
ان الامر بالرجوع إلى من جمع فيه الصفات المذكورة في المقبولة انما يقضي بوجوب الرجوع إلى من جمع فيه
الصفات باعتقاد المأمور لقضية ما ذكر في المشهورة فيخرج عن محل الفرض لكونها داخلة حينئذ في عداد الأمر بالمعروف.
قلت بعد الغض عما ذكرنا أخيرا في المشهورة من أن المراد من العلم فيها هو العلم العرفي ولا ريب في
صدقه في حق المجتهد ان في مقام قرينة على كون المراد من العلم والمعرفة هو العلم باعتقاد الحاكم دون المحكوم
عليه وهي فرض الراوي تعارض الحكمين (الحاكمين خ) في الحكم لان التعارض لا يمكن الا بان يكون المراد
من المعرفة هي المعرفة باعتقادهما وإلا فلا يمكن تعارض الحاكمين العارفين بالحكم في نظر المحكوم عليه
لأنه مستلزم للتناقض في اعتقاده وكذا جواب الإمام (عليه السلام) بالرجوع إلى الأفقه والأعدل مطلقا من غير تقييد له بصورة
التوافق في الاعتقاد يصير قرينة على كون المراد من العارف في المقام من كان عارفا بالحق باعتقاد نفسه فافهم وتأمل.

10
فان قلت إن ظاهر الرواية حسبما هو قضية العطف بالواو هو اعتبار جميع الأوصاف الثلاثة فلا بد بناء عليه
ان نقول باشتراط كون الحاكم راويا أيضا وهذا الشرط خلاف الاجماع في زماننا وأشباهه فلا بد من أن نقول
بكونها واردة في حق الرواة فلا تدل على جواز حكومة المجتهد أيضا.
قلت أولا ان المراد من راوي الحديث كونه محتملا له وإن لم ينقله لغيره ومعلوم ان المجتهدين في زماننا
أيضا متحملون للأحاديث وثانيا ان ذكر وصف الرواية (روى خ) ليس من جهة اعتباره في الحاكم بل من جهة
عدم تحقق العالم بالحكم في تلك الأزمنة الا بهذا الوصف فاعتباره من جهة عدم الانفكاك بينه وبين العالم دائما أو غالبا
فيكون القيد واردا مورد الغالب.
فان قلت هب ان المراد بالعارف بالحكم في المقبولة هو من عرفه بالاجتهاد لكنه لا يدل على نفيه من
غيره لعدم المفهوم للقيد واللقب فيكون المقبولة مع المشهورة من قبيل المطلق والمقيد المثبتين فلا داعي لحمل
المشهورة على المقبولة والقول بان المراد منها هو المجتهد لما تقرر في مسألة المطلق والمقيد من أن الشرط في
حمل المطلق على المقيد هو ثبوت التنافي بينهما ولا تنافي في المثبتين كما لا يخفى فبقي المشهورة باطلاقها
شاملة للمجتهد والمقلد فتعين الرجوع إليها.
قلت ما ذكرته من أن القيد لا مفهوم له كلام متين لكنه من المقرر في محله أيضا انه لو كان القيد واللقب
في مقام التحديد يكون له مفهوم قطعا لان القيود في التحديدات لا بد أن تكون احترازية والا لما صح الطرد والمنع
فوقوعه في مقام التحديد قرينة على كون المراد منه المفهوم والا لاختل الغرض المسوق له القيد ومعلوم ان
الإمام عليه السلام في مقام تحديد من يجب الرجوع إليه من الشيعة فلا يمكن ان يق بان ما يذكره من القيد
لا مفهوم له بل لا بد من أن يق ما ان ما يذكره من القيود احترازية فظهر بما ذكرنا فساد ما توهمه بعض من أن
المقبولة مع المشهورة من المثبتين فلا قاضي بحمل إحديهما على الأخرى وان كانتا من المطلق والمقيد وجه
الفساد انه قد تقرر في محله وجوب حمل المطلق على المقيد فيما ثبت فيه اتحاد المكلف به وقد عرفت مما ذكرنا
من كون الإمام عليه السلام في مقام تحديد المرجع ان المرجع إما مطلق العالم على ما هو مدلول المشهورة أو
خصوص المجتهد كما هو مدلول المقبولة ولا يمكن ان يكون المعين للمرجعية هو مطلق العالم باطلاقه وخصوص
فرد منه بخصوصه فلا بد من حمل المطلق على المقيد حسبما هو المقرر في محله فكما انه لو علم باتحاد التكليف
في قوله أعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة لا بد من حمل المطلق على المقيد لان وجوب عتق الرقبة المؤمنة تعيينا حسبما هو
ظاهر الامر به ينافي وجوب عتق الرقبة مطلقا فكذا في ما نحن فيه بعد العلم بان الإمام (عليه السلام) في مقام تحديد المرجع فبعد
العلم باتحاد المرجع لا بد من حمل المطلق في المشهورة على المقيد في المقبولة كما لا يخفى.
ثم إن في المقبولة دلالة واضحة على ما انعقد عليه الاجماع من عدم جواز نقض حكم الحاكم ووجوب
الامضاء عليه من جهات عديدة إحديها ايجاب الرجوع إلى من كان جامعا للصفات المذكورة في الرواية فإنه
يدل على حكومة إلزام الحاكم على ما هو مقتضى تكليف المحكوم عليه ثانيتها قوله (عليه السلام) بعد ذلك فليرضوا به
حاكما فاني قد جعلته عليكم حاكما وفيه دلالة ظاهرة على عدم جواز النقض سيما بملاحظة التعليل ولفظة
عليكم ثالثتها تصريح الإمام (عليه السلام) بعد حكمه بعم جواز النقض بان الراد على الخ هذا.
وهنا دقيقة يجب التنبيه عليها وهي ان مقتضى نفس القضاء والحكم بعدما جعله الإمام (عليه السلام) حاكما مع
قطع النظر عن شئ آخر هو عدم جواز نقضه لأنه بعدما انفصل الامر بفصل الحاكم كيف يجوز الوصل بل لا يعقل الوصل

11
بعده وهذا نظير ما ذكرنا في قوله أوفوا بالعقود من أن بعدما انعقد العقد لا يعقل حله فإذا كان مقتضى
القضاء والحكم فصل الشئ والفراغ منه لا يعقل وصله ومما يؤيد ما ذكرنا من كون عدم النقض من مقتضيات
نفس الحكم والقضاء بل يدل عليه تفريع الإمام عليه السلام على الرد لحكمه الاستخفاف بحكم الله والرد عليهم (عليهم السلام)
ففيه أقوى دلالة على كون حرمة النقض من مقتضى أصل الحكم هذا ولكن فيه احتمال اخر لا يتم معه الاستشهاد
المذكور وهو تفريع الامرين المذكورين على الجعل لا المجعول اي لما كان مجعولا من قبلنا وكان حكمه
بامضائنا فعدم قبوله استخفاف بحكم الله ورد علينا أيضا يؤيد ما ذكرنا لكنه مع ذلك كله الأول أظهر.
ثم إن دلالة المقبولة بعدم جواز النقض في الأحكام الكلية اي فيما إذا كان نزاع المتحاكمين راجعا
إلى الحكم الشرعي الكلي كثبوت حق الشفعة في أكثر من الشريكين مثلا مما لا اشكال فيه انما الا اشكال
في أنها هل تدل على عدم جواز نقض حكم الحاكم في الموضوعات الخارجية كما ثبت بالاجماع بل الضرورة
عدم جواز نقض حكمه فيها أيضا أم لا قد يق بدلالتها على ذلك نظرا إلى لفظة في دين فان الظاهر منه كون النزاع
فيه راجعا إلى النزاع في الموضوع ولفظة وإن كان حقه ثابتا في صدر الرواية فإنها أيضا ظاهرة في الموضوع
الخارجي فتكون المقبولة شاملة للحكم في الأحكام الكلية والموضوعات الخارجية لكن الانصاف ان التأمل
في الرواية يعطى عدم شمولها للموضوعات الخارجية واما ظهور الدين فيما ذكر فممنوع بل الظاهر من قوله
أو ميراث الفراغ عن أصل وجود الدين وانما النزاع في حكمه ببعض الوجوه ومنه يظهر منع الظهور في الفقرة
الأولى أيضا هذا لكن المصلحة الملحوظة في أصل تشريع القضاء وهي رفع الخصومة بين الناس تأتي كالاجماع
في المقام أيضا هذا تمام الكلام في المقام الأول وهو جواز حكم المقلد مستقلا عن فتوى مجتهده وعدمه
واما المقام الثاني وهو جواز نصب المجتهد له وحكمه بعد نصبه فتقول ان الحق فيه أيضا
عدم الجواز.
لنا مضافا إلى الأصل اي أصالة عدم تأثير نصب المجتهد والاجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة المحققة بين
الأصحاب ما عرفته من دلالة المقبولة على اشتراط الاجتهاد في القاضي ولهم على الجواز عموم أدلة ولاية
المجتهد كقوله (صلى الله عليه وآله) علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل وقوله (عليه السلام) العلماء ورثة الأنبياء وقوله صلى الله عليه وآله ثلثا
اللهم ارحم خلفائي قيل ومن خلفائك يا رسول الله قال الذين يأتون من بعدي ويروون حديثي وسنتي وقول -
الامام عجل الله فرجه في التوقيع الشريف واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم
وانا حجة الله وقوله (عليه السلام) مجاري الأمور بيد العلماء إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في باب ولاية المجتهد المذكورة
في محله فإنها بعمومها تدل على ثبوت كل ما للامام للمجتهد أيضا وفيه أن الاستدلال بالمعلومات لا يتم الا بعد اثبات
صغرى وهي قولك ان نصب الإمام عليه السلام للمقلد كان جايز أو كبرى وهي قولك كلما يجوز للامام يجوز
للمجتهد وكلتاهما ممنوعتان إما الصغرى فللمنع من جوازه للامام بعد ما عرفت من كون الاجتهاد شرطا مشروطا
فبعد اثبات كون اشتراط الاجتهاد في القاضي حكما إلهيا نقول بعدم جواز تغييره للامام نعم لو فعل لكشف عن
جوازه وفيما لم يثبت فعله نقول بعدم جوازه فالصغرى غير ثابتة.
فان قلت إن غاية ما تدل عليه المقبولة هو عدم الإذن من الإمام (عليه السلام) الا في حق المجتهد لاعدم جوازه الا في
حقه وشتان ما بينهما وبعبارة أخرى ان دلت على كون اشتراط الاجتهاد في القاضي حكما إلهيا لدلت على عدم
جواز نصب الإمام للمقلد لما قد تقرر من عدم جواز تغييره لاحكام الله لكن المقبولة لا تدل على ذلك بل انما دلت

12
على أن الاذن الحاصل من الإمام (عليه الاسلام) انما هو مقصور في حق المجتهد ولا يكون في حق المقلد وأين هذا من عدم جواز
الاذن للمقلد والحاصل ان هناك شيئين أحدهما جواز نصبه للمقلد واذنه للقضاء بين الناس وعدمه ثانيهما
ان الاذن ونصبه الواصل إلينا الحاصل في الخارج هل يشمل المقلد أم لا وما ينفع في المقام هو الأول وما يدل
عليه المقبولة على فرض تسليمه هو الثاني.
قلت بعد الغض عن دلالة المقبولة على كون اشتراط الاجتهاد حكما إلهيا وتسليم عدم دلالتها على ما ذكر
من اختصاص الاذن من الامام على المجتهد نتمسك في منع الصفري حينئذ بالأصل لان الأصل الأولى فيما شك كونه حكما
شرعيا إلهيا عدم جواز تبديله للإمام (عليه السلام) وفيه تأمل واما الكبرى فأولا نمنع عموم أدلة الولاية حتى تدل على أن
كل ما يجوز للإمام (عليه السلام) يجوز للمجتهد لان المنصف بعد التأمل في سياقها وصدرها وذيلها يقطع بأنها في مقام بيان
وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية والقضاء بين الناس واما كونهم كالنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في كونهم أولي بالناس
في أموالهم وأنفسهم فيجوز لهم التصرف بنصب مسلط عليهم فلا دلالة لها على ذلك أصلا وثانيا نسلم ان فيها
عموما يدل على ثبوت جميع ما للامام للمجتهد لكن نقول إنه يجب حملها على إرادة العموم من الجهة المعهودة
المتعارفة من وظيفة من حيث كونه رسولا وواسطة بين الله وبين الناس وحجة عليهم وهي ما ذكرنا من بيان -
الأحكام الشرعية للناس والقضاء بينهم والالزام تخصيص أكثر افراد العام لعدم ثبوت أكثر ما للنبي والامام
من التصرف في الناس نفسا ومالا للمجتهد.
وإن شئت قلت إن العام إذا خرج منه أكثر افراده يصير موهونا لا يجوز التمسك به في مورد الشك الا بملاحظة
تمسك جماعة معتد بها من الأصحاب به بحيث يرتفع الوهن المذكور حسبما ذكرناه في عمومات نفي العسر والحرج
ونفي الضرر والضرار في الاسلام وغيرهما من أنها عمومات قد دخل فيها الوهن بملاحظة خروج أكثر افرادها
لا يجوز التمسك بها الا بعد انجبارها بتمسك جماعة من الأصحاب ففيما نحن فيه أيضا نقول إنه بعد ما لم يثبت
أكثر ما للنبي والامام للمجتهد فلا يجوز التمسك بعمومات أدلة الولاية الا بعد تمسك جماعة معتد بها من الأصحاب
ومعلوم انه لم يتمسك بتلك العمومات في المقام الا بعض متأخري المتأخرين من أصحابنا رضوان الله عليهم
ولا يبعد كونهم مسوقين بتقدم الاجماع على خلافهم كما عرفت من الأصحاب مثل ثاني الشهيدين في مسالك الأفهام هذا
غاية ما يمكن ان يقال في المقام الثاني.
واما المقام الثالث وهو جواز القضاء للمقلد فيما لو صار وكيلا عن المجتهد فالحق فيه أيضا عدم الجواز
ومرجع النزاع في المقام إلى أنه هل يوجد في عمومات الوكالة ما يمكن التمسك به في المقام أم لا فبالحري
قبل الخوض في المقصود ان نذكر مقدمة ربما تنفعنا في المقام وهي انه لا شك ولا ريب في أن ما لا يدخله الاستنابة
لعدم قابليته لها من حيث عدم ترتب الأثر على الفعل الا من حيث قيامه بفاعل خاص ومباشر معين لا تأتي فيه أدلة
الوكالة وعموماتها لعدم تحقق موضوعها حيث إنها مختصة بما يقبل النيابة وغير جارية فيما لا يقبل فقابلية الفعل للاستنابة
فيه مأخوذة في موضوع أدلة الوكالة بحيث لو لم يكن هناك قابلية لم يتحقق مفهوم الوكالة ومعناها فعدم الحكم
بالوكالة فيما كان مختصا بمباشر خاص ليس تخصيصا في عموماتها بل هي بنفسها مختصة بصورة عدم الاختصاص
بالمباشر الخاص فيلزمه انه فرض الشك في اختصاص الفعل بمباشر خاص أو أنه يقبل النيابة أن لا يجوز التمسك
بالعموم للشك في تحقق الموضوع حيث إن التمسك بالعموم انما هو فيما شك في التخصيص بعد القطع بتحقق
الموضوع
فيه واما لو شك في كون زيد عالما أو جاهلا فلا يجوز التمسك بأكرم العلماء في وجوب اكرامه حيث إن جريانه

13
يتوقف على تحقق الموضوع فكيف يمكن اثبات الموضوع به فعدم الاكرام في مشكوك العلم ليس تخصيصا في قوله
أكرم العلماء لعدم العلم بتحقق موضوعه هو العلم (هو العالم خ) فلا يجوز التمسك بالعام في الشبهات الموضوعية والمصداقية
الا فيما إذا فرض الشك في اندراجه في العام أو المخصص المفروغ عن كونه مخصصا كما لو ورد دليل بوجوب اكرام العلماء
ثم دليل اخر بعدم وجوب اكرام فساقهم فشك في زيد العالم انه فاسق أوليس بفاسق فإنه لا يبعد حينئذ اختيار التمسك بالعام
مطلقا أو إذا كان هناك أصل موضوعي يتمسك به في رفع المانعية كأصالة عدم الفسق فيما نحن فيه أو فيما إذا لم يكن
العام مخصصا بتخصيص متصل كقوله أكرم العلماء العدول وفرض الشك في كون زيد العالم عادلا وإن كان الحق هو
الأوسط ثم الأخير لرجوع الشك في المخصص المتصل حقيقة إلى الشك في المقتضي
فكيف كان إذا عرفت هذه فنقول ان الحق عدم جواز التمسك بأدلة الوكالة فيما نحن فيه إما أولا فلما
قد عرفت من دلالة الاخبار من الأئمة الأطهار والاجماعات المنقولة من العلماء الأخيار على كون القضاء في زمان
الغيبة من خصائص المجتهد ومناصبه بحيث لا يترتب عليه الأثر الا بملاحظة قيامه بفاعل خاص ومباشر معين هو
المجتهد فقابلية النيابة غير محرزة حتى نتمسك بعمومات الوكالة بل مقتضى الدليل حسبما عرفت عدم القابلية
واما ثانيا فلانا لو لم نقل بدلالة الدليل على الاختصاص فيما نحن فيه فلا أقل من الشك في الاختصاص بمباشر معين
هو المجتهد من حيث ملاحظة الخلاف وذهاب المعظم إلى الاختصاص فقد عرفت أن الشك فيه راجع إلى الشك في
تحقق الموضوع وان العمومات غير جارية فيه.
توضيح المقام على وجه يتضح المطلوب ويرتفع الغبار عن وجه المقصود ان من الأفعال ما لا يترتب
عليه الأثر المقصود منه الا بملاحظة قيامه بفاعل خاص فالمباشرة لشخص معين مأخوذة في الفعل من حيث ترتب الأثر
عليه ومنها ما يترتب عليه الأثر المقصود منه بملاحظة أصل وجوده في الخارج من غير خصوصية للفاعل
أصلا بل من اي فاعل صدر يترتب عليه الأثر ومنها ما لا يترتب عليه الأثر المقصود منه الا بملاحظة قيامه بفاعل
خاص أو اذن منه تسبيبا أو نيابة ومنها ما يشك كونه مما يختص بمباشر خاص أو لا بل يكون من أحد الامرين
بمعنى انه مردد امره بين كونه من القسم الأول أو أحد القسمين الأخيرين فإن كان من القسم الأول فلا يتحقق
فيه الوكالة حسبما عرفت سابقا من كون قابلية النيابة مأخوذة في أصل تحقق مفهوم الوكالة فكل فعل علم كونه
من هذا القبيل كالمضاجعة والطلاق على القول بعدم تحقق الوكالة فيه واليمين والنذر وغيرها لم ينفع فيه عمومات
الوكالة قطعا وإن كان من القسم الثاني كالاحتشاش والاحتطاب والالتقاط وغيرها مما يكون اثر الفعل مترتبا
عليه من اي فاعل صدر فلا يتحقق فيه الوكالة أيضا لعدم قابليته لأن يقع نيابة عن الغير حتى يجري فيه الوكالة لأن المفروض
ترتب الأثر المقصود منه عليه بمجرد وجوده من اي شخص كان فيختص به فالعمومات غير مثمرة في
تلك الصورة أيضا وإن كان من القسم الثالث فلا اشكال في جريان الوكالة فيه في الجملة لفرض احراز قابليته للنيابة
فان حصل الاذن منه على وجه التسبيب لحقه ما يلحقه من الاحكام وان حصل على وجه النيابة لحقه ما يلحقه
من الاحكام أيضا فان بينهما فرقا من حيث الحكم قطعا حيث إن في الأول لا يعتبر اجتماع شروط الفعل في السبب
فيحصل ممن لا يقع عنه الفعل مستقلا كالصبي والمجنون وغيرهما بل المناط فيه هو اجتماع الشروط في المسبب بالمبنى للفاعل ومن هنا حكموا بأن من يوضئ العاجز لا يشترط اجتماع شروط التكليف فيه من البلوغ والعقل وغيرهما وهذا
بخلاف الثاني حيث إن اجتماع الشروط معتبر في النائب دون المنوب عنه هذا فيما يقع على كل من الوجهين واما ما يختص بأحدهما فيختص به فيلحقه حكمه كيف كان ففي هذا القسم لا اشكال في التمسك بالعمومات لدفع ما

14
شك في شرطيته كما هو الشأن في جميع موارد التمسك بالعموم وإن كان من القسم الرابع فقد عرفت أن الحق
عدم صحة التوكيل فيه وفساد التمسك بالعمومات للشك في تحقق الموضوع وهذا كله لا اشكال فيه ولا شبهة تعتريه
انما الكلام في أنه هل هنا أصل يرجع إليه لاحراز القابلية للنيابة في كل فعل شك في قابليته لها أو لا
فنقول ان الظاهر من كلمات الاعلام عدم أصل في المقام حتى يرجع إليه لاحراز القابلية في الأفعال بل قضية ظاهر
كلماتهم ان الأصل عندهم في كلما شك في قابليته هو البناء على عدم القابلية حتى تعلم القابلية لكن يظهر من كلمات
بعض مشايخنا أعلى الله مقامه ان الأصل في المقام حسب ما يستفاد من التأمل في كلام الأصحاب أيضا هو البناء على القابلية
حتى يعلم عدمها والمستفاد من كلامه في مستند هذا الأصل امران أحدهما ان مرجع الشك في صحة الوكالة
وعدمها فيما كان مسببا عن الشك في قابلية الفعل للنيابة إلى الشك في اشتراط المباشرة وعدمه والأصل عدمه
ثانيهما ان مقتضى العمومات هو صحة الوكالة والنيابة في كل شئ حتى يعلم اشتراط المباشرة.
وأنت خبير بضعف كلا الامرين ووهن كل من المستندين إما الأول فلان اجراء الأصل المذكور
اي أصالة عدم اشتراط المباشرة إما ان يكون فيما كان هناك أمر لفظي بالفعل كقوله إغسل ثوبك من أبوال ما لا
يؤكل لحمه أو فيما لا يكون هناك أمر لفظي بالفعل بل انما ثبت مطلوبيته ومشروعيته من اللب فأن كان في -
الصورة الأولى فلا ريب ان الأصل هو المباشرة لقضية ظاهر الامر حيث إن الظاهر من طلب شئ عن شخص حسب ما ذكرنا
مفصلا في الأصول موافقا لجماعة من الفحول هو قيامه به بنفسه وعدم كفاية غيره وإن كان في الصورة الثانية فالأصل
أيضا عدم ترتب الأثر عليه حتى يقوم المكلف به بنفسه فصار الأصل المباشرة في تلك الصورة أيضا حتى يقوم دليل من
الخارج على الاكتفاء بقيام غيره غاية الأمر عدم أصل من الطرفين فأين أصالة عدم اشتراط المباشرة حتى يرجع
إليها في مقام الشك واما الثاني فلان ما يتصور من العمومات في المقام لا يخلو عن ثلاثة أحدها ان يدل دليل
على أن كل فعل من الأفعال قابل للنيابة والوكالة ثانيها أن يدل دليل على المضي في كل نيابة وصحة كل وكالة
ثالثها ان يدل دليل على أن كل وكالة صحيحة يجب المضي عليها حتى يعلم رافعها نظير أدلة الاستصحاب وهذه
العمومات متدرجة بحسب المرتبة بحيث لا يمكن تعلق سابقها بلاحقها وبالعكس لكونها مختلفة المفاد تعرض
كل منها لغير ما تعرض له الآخر فلا يمكن التمسك بالأول لنفي ما شك في شرطيته في صحة الوكالة من اللفظ والعربية
وغيرهما لكونه مسوقا لبيان أصل القابلية وكذا لا يمكن التمسك به لاثبات وجوب المضي على الوكالة حتى
يعلم العزل مثلا كما هو مفاد الثالث لما عرفت من الوجه وهكذا لا يمكن التمسك بالثاني لاثبات أصل القابلية فيما شك
في كونه قابلا للنيابة لعدم كونه مسوقا إلا لاثبات الصحة والمضي فيما كان قابلا للنيابة فالقابلية مأخوذة في
موضوعها نعم يصح التمسك به لنفي ما شك في اشتراط الصحة به وكذا لا يمكن التمسك به لاثبات ما تعرض له
الثالث لعدم كونه ناظرا إليه أصلا وكذا الامر في الثالث فلا يمكن التمسك به لاثبات أصل القابلية والصحة فيما
شك في شرطيته لما قد عرفت في اخويه.
إذا عرفت هذا فاعلم أن العام الذي يريد المستدل التمسك به لاثبات الأصل المذكور إن كان يريد
به الأول فحسن متين الا انه يرد عليه انه ما ورد في باب الوكالة نص كذلك اي يدل بعمومه على كل فعل قابل
للنيابة حتى يصير مستندا للأصل المذكور وإن كان يريد به الثاني أو الثالث فقد علمت أنه لا يمكن التمسك بهما
لاحراز أصل القابلية لكونهما متفرعين عليها فلا يعقل احرازها بهما والا جاء الدور كما لا يخفى فما تمسك به الشيخ
المتقدم ذكره مستندا للأصل المذكور من الأخبار الواردة في ثبوت الوكالة حتى يعلم الوكيل بالعزل مثل قول

15
الصادق (عليه السلام) في صحيحة ابن سالم ان الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض ابدا والوكالة ثابتة حتى
يبلغه العزل فمما لا دلالة له على الأصل المذكور ابدا حسبما عرفت تفصيل القول فيه.
فتلخص مما ذكرنا أن الأصل الأولى في المقام هو ما يستفاد من كلام جمع من الاعلام من البناء على عدم
القابلية حتى يعلم بها وعدم جواز التمسك بالعمومات الواردة في باب الوكالة للشك في موضوعها ومن هنا يعرف
النظر فيما ذكره جماعة في باب الصلح من أنه إذا شك في كون شئ حكما أو حقا الأصل جواز صلحه للعمومات
توضيح النظر ان الشك المذكور مستلزم للشك في موضوع الصلح لكون الحق مأخوذا في موضوعه كما لا يخفى
فلا يعقل احرازه بالعمومات الدالة على صحة الصلح حسب ما عرفت من عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية
الا ان يقال إن قوله عليه السلام ان الصلح جايز بين المسلمين ناظر إلى اثبات جريان الصلح في كل شئ غاية الأمر
انه خرج منه ما علم بكونه حكما فالأصل بقائه على عمومه في مشكوك الحكم والحق هذا مثل ما ذكرنا في
قوله أكرم العلماء ولا تكرم فساقهم فيما شك في فرد من العلماء انه فاسق أو عادل لكن فيه نظر من وجوه تعلم
بالتأمل في النبوي فتأمل
هذا فقد تحقق مما ذكرنا في المقامات الثلاثة ان الحق ما ذهب إليه المعظم من عدم جواز
حكومة المقلد هذا كله فيما إذا كان الترافع والتحاكم إلى المجتهد ممكنا.
واما إذا لم يمكن الترافع إليه فهل يجوز القضاء للمقلد أم لا وبعبارة أخرى ان الذي ذكرنا
كله في حال الاختيار واما في حال الاضطرار فهل يحكم بجواز القضاء للمقلد أم لا يحكم بجوازه له كما في حالة -
الاختيار ومرجع الكلام فيه إلى أن الاجتهاد هل هو شرط اختياري حتى يحكم باسقاطه في صورة الاضطرار
كما في الطهارة الخبثية بالنسبة إلى الصلاة أو شرط مطلقا حتى يحكم باسقاط المشروط في حال الاضطرار وعدم امكان
تحصيل الشرط كما في الطهارة الحدثية بالنسبة إليها حسبما عليه المشهور بل المدعى عليه الاجماع من عدم وجوب
الصلاة على فاقد الطهورين ظاهر جماعة منهم ثاني الشهيدين في مسالك الأفهام عدم الفرق بين الحالتين وكون الاجتهاد
شرطا مطلقا بل قد يستفاد من كلامه دعوى الاجماع على ذلك
لكن التحقيق ان يقال إن ترافع المترافعين إما ان يكون في الشبهات الموضوعية كملكية الدار المعينة
مثلا أو يكون في الشبهات الحكمية كثبوت حق الشفعة في الأكثر (لأكثر خ) من الشريكين مثلا وعلى كل
من التقديرين إما يكون الرجوع في نصب المقلد إلى المجتهد ممكنا أو لا يمكن ذلك وفي حكم صورة عدم
امكان النصب عدم وجود مجتهد أصلا.
فإن كان في الشبهات الموضوعية مع امكان نصب المجتهد للمقلد فالحق جواز حكمه بعد نصب
المجتهد إياه ولا يجوز نصب الناس له في تلك الصورة للقضاء من دون ان يرجعوا في ذلك إلى المجتهد فلنا في
المقام دعويان إحديهما جواز قضاء المقلد في تلك الصورة ثانيتهما عدم جواز نصب الناس له للقضاء اي عدم جواز
رجوعهم إليه الا بعد نصب المجتهد له للقضاء بينهم.
لنا على أوليهما انه لولا ذلك للزم الالتزام بأمور (بأحد أمور خ) كلها باطلة بالأدلة الثلاثة بل الأربعة أحدها
ان يقال بلزوم اتفاق الناس على منعهما عن المخاصمة فيلزم ابطال الحقوق وهو باطل ثانيها ان يقال بلزوم بقائهما على
المخاصمة حتى يقبل أحدهما فيلزم اختلال النظام وهو باطل ثالثها ان يقال بلزوم الرجوع إلى الطاغوت وأهل
الظلم وحكام العرف حتى يحكموا بينهم وهو أيضا باطل رابعها ان يقال بلزوم رفع الامر إلى الحاكم الشرعي
البعيد المتعسر الوصول إليه للمترافعين فيلزم العسر الشديد والحرج الأكيد لعدم فصل الامر بذهابهما إليه أيضا

16
بل يحتاج إلى ذهاب الشهود والجارح والمعدل والمعدل لهم وهكذا فيلزم الحرج بحد يقرب حكم العقل مضافا إلى حكم -
الشرع بنفيه وهذه الأمور كلها باطلة فتعين ما ذكرنا والحاصل انه كما أن من الواجب في الحكمة الإلهية
والمصلحة الربانية تبليغ النبي ونصب الوصي لارشادهما الناس إلى الحق وحكمهما بينهم بالقسط والحق لئلا يلزم
اختلال نظامهم وسد باب معاشهم وإذا غاب الولي نصب المجتهد للقضاء للعلة المذكورة كذا يجب عليه بحكم
العقل من جهة هذه العلة ان يوجب على المقلد القضاء بين الناس في صورة عدم امكان رفع الامر إلى المجتهد أو عسره
بحيث لا يتحمل عادة وان يوجب على الناس الترافع إليه والالتزام بالزامه لئلا يلزم اختلال نظامهم فينتفي الغرض
من الخلقة فالعقل الحاكم بوجوب قضاء المجتهد في حالة الامكان والاختيار من حيث توقف النظام عليه يحكم
بوجوبه على المقلد في حالة الاضطرار بملاحظة العلة المذكورة وهذا مما لا اشكال فيه بعد ملاحظة حكم العقل
بمطلوبية بقاء النظام في كل زمان وتوقفه على قضاء المقلد.
لنا على الثانية انها القدر المتيقن فلا يستقل العقل باستقلال المقلد للقضاء بعد احتماله تعيين نصب المجتهد
ومدخليته وامكانه لأنه المفروض وبعبارة أخرى ان حكم العقل بجواز قضاء المقلد في الصورة المفروضة وجواز
رجوع الناس إليه انما كان بملاحظة توقف النظام عليه والمفروض انه لا يختلف الامر في ذلك بين ان ينصبه -
المجتهد لذلك أو يقضي من قبل نفسه لحصول الغرض وهو حفظ النظام بكل منهما فبعد احتمال مدخلية نصب المجتهد
لا يحكم العقل بجواز قضائه من دون النصب مضافا إلى احتمال كونه من الحوادث الواقعة إلى أمر الامام عجل الله
تعالى فرجه وسهل مخرجه بوجوب الرجوع فيها إلى المجتهد فافهم هذا كله فيما إذا أمكن الرجوع إلى المجتهد
في نصب المقلد واما إذا لم يمكن الرجوع إليه في نصبه إما لفقده أو لعدم امكان الوصول إليه فيجب على الناس
الترافع إلى المقلد والالتزام بحكمه لما ذكرناه من لزوم اختلال النظام لولاه هذا كله في الشبهات الموضوعية.
إما في الشبهات الحكمية فالحق عدم جواز القضاء للمقلد في كلتا الصورتين وعدم وجوب رجوع الناس
إليه لعدم لزوم أحد المحاذير السابقة لولاه إما في صورة تمكن الوصول إلى المجتهد ولو بعد مدة مديدة فظاهر
لأنه يجب على الناس حينئذ منع المدعى عن الادعاء والخصومة إلى أوان امكان رفع الامر إلى المجتهد ولو بان يكتبوا
إليه صورة الواقعة فيبين لهم حكمه ويلزم على الناس إلزام المتخاصمين به لو لم يلتزموا به من قبل أنفسهم ولا يلزم
من ذلك عسر ولا حرج كما كان يلزم في الشبهات الموضوعية للاكتفاء في رفع المخاصمة هنا ببيان الحكم وهو
يحصل بالمكاتبة والمراسلة وبذهاب المدعي إلى المجتهد وحده كما لا يخفى وهذا بخلاف الشبهات الموضوعية
لأنك قد عرفت لزوم الحرج فيه غايته ولا يلزم أيضا ابطال الحقوق في زمان التلبث (التربص خ) والانتظار لعدم
العلم بثبوت الحق للمدعي ولو اجمالا في الوقايع. والحاصل انه لا يلزم من منعهما عن المرافعة ابطال حق في البين
لان منعهما عن المرافعة مع حكم المجتهد بثبوت الحق للمدعي أو بعدمه كلها سواء من حيث ابطال الحق وعدمه لعدم
كشف نفس الامر للمجتهد أيضا.
واما في صورة عدم امكان الوصول إلى المجتهد إما لتعسره أو لتعذره مع وجود المجتهد أو من جهة عدم
وجوده فيلزم على الناس منعهما عن المخاصمة والزامهما بما ذكرنا في باب التقليد في صورة عدم وجود المجتهد الحي
من الرجوع إلى الشهرة إن كانت أو إلى اعلم الأموات إن كان والى الأورع منهم ان تساووا في العلم والى التخيير
ان تساووا في الورع أيضا فتأمل حتى لا يختلط عليك الامر.
وينبغي التنبيه على أمور الأول ان ما ذكرنا من جواز القضاء للمقلد بنصب المجتهد في ما يلزم العسر

17
والحرج من الرجوع إليه هل المدار فيه على العسر الأغلبي بمعنى انه يكتفى بلزوم العسر غالبا في الحكم بجواز الرجوع
إلى المقلد ولو في مورد لم يلزم من الرجوع إلى المجتهد فيه عسر حسبما هو ظاهر قضية كلماتهم في غير المقام من -
الموارد التي يحكمون فيها بنفي الحكم بملاحظة الحرج والعسر أو العسر الشخصي بمعنى ان في كل مورد شخصي
يلزم من الرجوع فيه إلى المجتهد عسر يرجع إلى المقلد المنصوب وفي كل مورد لم يلزم من الرجوع إلى المجتهد
فيه عسر ولو لزم في أغلب الموارد لم يرجع إلى المقلد وجهان أوجههما الثاني نظرا إلى ما ذكرنا غير مرة من أن
أدلة نفي العسر والحرج لا تنفي الا العسر والحرج الشخصيين الا ان يدعى ان في تشخيص ما يلزم منه العسر
عن غيره أيضا عسرا منفيا بأدلة نفي الحرج فيلزم الحكم باطراد جواز الرجوع إلى المقلد وعليه لا ضير في التزام هذا
المعنى الا ان الشأن في ثبوته فتأمل الثاني انه هل يجب مراعاة سائر شرايط القاضي في المقلد فيما يجوز الرجوع
إليه من تقديم الأفضل والأورع فيما كان متعدد أو غيرهما أم لا وجهان من عدم الدليل على اعتبارها الا في
المجتهد
ومن كونها القدر المتيقن فيتعين بحكم العقل أوجههما ثانيهما الثالث ان ما ذكرنا من جواز الحكم للمقلد في
بعض صور الاضطرار ووجوب الالتزام بالزامه انما هو بالنسبة إلى بعض آثار الحكم وهو وجوب الإطاعة وحرمة المخالفة
لحكمه ما داموا ملتزمين به واما حرمة تقضه فيما حصل التمكن من الرجوع إلى المجتهد المطلق وتجديد -
المرافعة إليه فليس عليها دليل أصلا الا ما قد يتخيل من استصحاب الحرمة الثانية في صورة عدم الامكان
وفيه ما لا يخفى من الفساد من وجوه تظهر بالتأمل بل قد يقال بوجوب النقض وبطلان حكم المقلد بمجرد وجود
المجتهد وان تراضى الخصمان ببقائه نظير انتقاض التيمم بوجدان الماء ولكن فيه نظر يظهر وجهه بتأمل فتأمل ثم إنه
يمكن بملاحظة ما ذكرنا في هذا الامر توجيه الاجماع الظاهر من بعض على عدم الفرق في عدم جواز القضاء
للمقلد بين حالة الاختيار والاضطرار وكون التفصيل بينهما من العامة بحمله على القضاء المصطلح اي الذي لا يجوز
نقضه ابدا فافهم.
فان قلت إن ما ذكرت في عدم جواز نقض حكم المجتهد من كونه مقتضى القاعدة بعد تحقق
القضاء والحكم لان الوصل بعد تحقق الفصل محال يأتي بعينه في قضاء المقلد أيضا فلا وجه للتفرقة بينهما في -
الحكم المذكور.
قلت ما ذكرنا من أن الوصل بعد الفصل محال انما كان بملاحظة ما ورد من الاخبار المتضمنة للفظ القضاء
والحكم كقوله عليه السلام فاني قد جعلته قاضيا كما في بعض الروايات أو حاكما كما في بعضها الأخر واما
حكم المقلد في الصورة المفروضة فليس الا من جهة حكم العقل لئلا يلزم اختلال نظام العالم وأساس عيش بني آدم
ومعلوم ان هذا لا يقتضي الا وجوب إطاعة حكمه ما لم يحصل التمكن من الترافع إلى المجتهد وليس هنا لفظ
حتى يقال إن مقتضى ظاهره الفراق والفصل فلا يمكن الوصل بعد تحققه حسبما ذكرنا في قضاء المجتهد وهذا نظير
ما ذكروا في باب التيمم من أنه لمحض الدخول في المشروط بالطهارة واما رفع الحدث به فلا فلهذا ينتقض
بوجود الماء بخلاف ما لو قيل بكونه رافعا للحدث كالوضوء فإنه لا يعقل حينئذ انتقاضه بوجدان الماء فافهم الرابع انه
هل يجب على المقلد المنصوب من قبل المجتهد فيما قلنا بجوازه الحكم على طبق تقليد هذا المجتهد الناصب أم يجوز
له تقليد غيره في ذلك وبعبارة أخرى ان الرجوع إلى المجتهد في نصب المقلد فيما قلنا بجوازه انما هو في أصل
النصب وإن كان المنصوب مقلدا لغيره أو في النصب لان يحكم على مقتضى تقليده وجهان أوجههما عدم جواز
حكمه الا بتقليد هذا المجتهد الناصب ووجهه بعد التأمل ظاهر الخامس انه بعدما قلنا بوجوب القضاء على

18
المقلد ووجوب إلزام الناس بتقليده (بتنفيذه خ) فيما لم يتمكن من الرجوع إلى المجتهد حتى في مسألة النصب فهل
يتعين على المقلد القضاء حسبما قلده عن مجتهده من احكام القضاء أو يرجع في ذلك إلى اخذ الاجماع المنقول
والشهرة إن أمكن تحصيلهما والا فإلى فتوى الأعلم من الأموات إلى غير ذلك من الامارات المتفاوتة بحسب القرب
إلى الواقع وجهان أوجههما الأول نظرا إلى عدم تكليف المقلد بتحري الواقع بعد التمكن من اخذ الاحكام
بالتقليد كما قرر في محله.
قوله ولا بد ان يكون عالما بجميع ما وليه الخ اي مجتهدا مطلقا على ما في مسالك فلا يكفي اجتهاده
في بعض الأحكام دون بعض على القول بتجزي الاجتهاد أقول تحقيق القول في المقام وإن كان موكولا إلى علم الأصول
وقد ذكرنا أيضا في سالف الزمان شطرا من الكلام في احكام المتجزي في ذلك العلم الا ان بالحري ها هنا ان
نذكر جملة مما يتعلق من الكلام بحكمه فنقول بعون الملك الودود ان المشهور بين أصحابنا عدم جواز القضاء
للمتجزي ويظهر من بعض أفاضل المتأخرين وشيخنا طيب الله رمسه في شرحه على الكتاب جواز قضائه فيما اجتهد
فيه من الاحكام وليعلم أولا ان الكلام في المسألة كساير مسائل الاجتهاد والتقليد انما هو بالنظر إلى حكم المتجزي
في نفس الامر بالنظر إلى نظر المجتهدين لان يفتوا بالمتجزئ بما فهموه بعد رجوعه إليهم في سؤال تلك المسألة واما حكم
المتجزي في عمل نفسه فهو تابع لاعتقاده فان علم بجواز قضائه فيما اجتهد فهو والا فعقله مستقل بعدم الجواز حتى
يرجع إلى المجتهد فالبحث في المقام انما هو عن حكمه الواقعي في نظر المجتهد.
فتفصيل القول في المقام ان المتجزي لا يخلو إما ان يكون عالما بما اجتهد فيه من الاحكام علما
جزميا لا يحتمل خلافه أو ظانا به من الطرق المتعارفة الموجبة للظن للمجتهد وعلى التقدير الأول فاما ان يكون
اعتقاد المحكوم عليه موافقا لاعتقاد المتجزي أو مخالفا فهذه ثلاث صور قد عرفت فيما ذكر في مسألة قضاء المقلد
خروج صورة توافقهما في الاعتقاد عن محل البحث لكون داخلا حينئذ في عنوان الأمر بالمعروف الذي قد دل العقل والنقل
على حسنه لكل من يتأتى عنه فما استدل به بعض مشايخنا لجواز قضاء المتجزي من أدلة الأمر بالمعروف فمما
لا دخل له بالمقام فبعدما عرفت من خروج هذا الفرض عن محل البحث فاعلم أن الحق في كلا المقامين ما ذهب
إليه المشهور. لنا على ما صرنا إليه من عدم الجواز فيهما مضافا إلى الأصل بتقريره المتقدم في قضاء المقلد الأخبار المتقدمة
الدالة بظاهرها على اعتبار معرفة جملة من الاحكام معتد بها في القاضي مثل مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها فتدل
على عدم الجواز للمتجزي.
وللخصم مضافا إلى الآيات والأخبار الدالة على وجوب الحكم بالحق والقسط المتقدم إلى شطر منها
الإشارة وجهان أحدهما قوله (عليه السلام) في رواية أبي خديجة انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم
قاضيا فاني قد جعلته قاضيا وجه الاستدلال ان الرواية باطلاقها شاملة للمتجزي أيضا فإنه يعلم أيضا شيئا من
قضاياهم ثانيهما نصب الأئمة (عليهم السلام) للقضاة في زمان حضورهم مع حصول العلم الضروري لكل أحد بعدم كونهم
جميعا مجتهدين مطلقا بل عدم كون كلهم مجتهدين في بعض الأحكام فضلا عن حصول الملكة لهم في جميع الأحكام.
وأنت خبير بما في هذه الوجوه من الضعف والفساد إما الأول فلما قد عرفت في قضاء المقلد من عدم
دلالته على جواز القضاء وكونه أجنبيا عنه لكون مساقه مساق أدلة الأمر بالمعروف فراجع واما الثاني فالجواب
عنه من وجوه أحدها المنع من كون المراد من الشئ هنا هو النكرة الصادقة في حق المتجزي أيضا بل المراد

19
منه بملاحظة كونه في مقام النصب هو الجنس المتحقق في ضمن الكثير سيما بملاحظة كون اطلاقه وارد البيان
حكم آخر وهو الرد على من يرجع إلى الطاغوت لأنه أيضا مما يوجب الوهن في الاطلاق المذكور ثانيها تسليم
كون المراد من الشئ مطلقا يشمل المتجزي أيضا لكنا نقول إنها مقيدة بملاحظة المقبولة وغيرها الظاهرتين
في المجتهد المطلق ولا يخفى ان ظهورهما في معرفة جميع الأحكام أقوى من ظهور الرواية في الاكتفاء بمطلق
المعرفة سلمنا التسوية في الظهور بينهما لكنهما أصح سندا منهما بملاحظة عمل الأكثر ثالثها تسليم كون المراد
منه ما يشمل المتجزي أيضا وكونها أقوى دلالة من الروايات المعارضة لها لكنا نقول إنه لا يتم ذلك في صورة ظن
المتجزي بالواقعة كما هو الأغلب لعدم صدق العلم عليه.
فان قلت إنه بعدما قام الدليل على اعتبار ظن المتجزي فيصير علما كالظن الحاصل للمجتهد المطلق
بعد بذل جهده في الأدلة.
قلت أولا لا دليل على اعتبار ظنه حسبما حققناه في الأصول لان اعتبار ظنه في حقه يتوقف على اثبات
حجية الظن بعدم المعارض في حقه والمفروض ان الديل على اعتبار الظن بعدم المعارض من الاجماع ولزوم
تعطيل الاحكام لولاه منحصر في حق المجتهد المطلق فيكون ظن المتجزي داخلا في عموم حرمة العمل بالظن
الا ان يفرض قطعه بعدم المعارض وعليه لا ورود لهذا الجواب فلا بد من الرجوع إلى الأجوبة الأخر وثانيا
سلمنا الدليل على اعتبار الظن في حقه لكن قولك بعد قيام الدليل على اعتباره يصير علما ان أريد منه العلم حقيقة
فهو فاسد جدا ودعواه مكابرة ظاهرة لان قيام الدليل على اعتبار الظن لا يخرجه عن حقيقته وان أريد منه العلم
مجازا بعلاقة وجوب العمل كما قد يستفاد من كلام بعض الأواخر فقد عرفت فساد هذا الكلام لعدم ثبوت استعمال
العلم في خصوص الظن بعلاقة وجوب واما الثالث فالجواب عنه بعد تسليمه بثبوت الفرق الظاهر بين المتفاوتين
في العلم في زماننا هذا وأشباهه وزمان الحضور حيث إن العالم ببعض الاحكام في تلك الأزمنة لا يتفاوت مع العالم
بجملة من الاحكام بالنسبة إلى هذا البعض غاية الأمر اطلاع الأخر ببعض ما لم يطلع عليه هذا العالم بالبعض و
إما بالنسبة إلى ما علمه فلا فرق بينهما من جهة الاستنباط أصلا قوة وضعفا والحاصل ان خطب الامر في الاجتهاد
في تلك الأزمنة وصعوبته في زماننا هذا قد حملنا على الفرق بين الزمانين في المعنى المزبور فتأمل حتى لا
يختلط عليك الامر.
قوله فلو عدل إلى قضاة الجور والحال هذه كان مخطأ الخ أقول حرمة الترافع إلى حكام الجور
والطاغوت مما لا اشكال فيها في الجملة والأدلة الثلاثة بل الأربعة تدل على حرمته كما لا يخفى على من له أدنى خبرة و
بصيرة بل لا يبعد الحكم بكونه كبيرة موبقة كما صرح به بعض الأجلة لقوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا
فتمسكم النار وقوله تبارك وتعالى ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك يريدون
ان يتحاكموا إلى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به الآية بناء على أن يكون التعجب من الجمع بين زعم
الايمان وإرادة التحاكم إلى الطاغوت فيكون أشد من توعيد النار فيدخل في الكبيرة بناء على تفسيرها بأنها
مما توعد الله عز وجل عليها النار أو ما يكون بحكم العقل والنقل أشد منها ولكن في الآية احتمال اخر وهو ان
يكون التعجب من إرادة التحاكم إلى الطاغوت مع أمر الله عزو وجل بان يكفروا به فتدل على التعجب من إرادة
عصيانهم فعليه لا يدل على المقصود لا ان الاحتمال الأول أظهر
انما الاشكال في المقام في أمرين أحدهما ان هذا الحكم هل هو ثابت مطلقا حتى فيما لا يتمكن

20
من التحاكم إلى أهل الحق واخذ الحق بحكمهم أو انه في مقام الاختيار والتمكن من الرجوع إلى أهل الحق
واما إذا توقف اخذ الحق بالتحاكم إليهم فلا بأس به كما يجوز الاستعانة بهم على تحصيل الحق المتوقف على ذلك
في سائر الموارد وجهان أوجههما كما هو المعروف المشهور بينهم الثاني لقاعدة نفي الضرر والضرار في
الشريعة وهي حاكمة على جميع ما دل من الأصول والأدلة على عدم الجواز عموما أو اطلاقا مضافا إلى استظهار القيد
(التقييد خ) المذكور من جملة من النصوص مثل قول أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر أبي بصير أيما رجل كان بينه وبين
أخ له مماراة في حق فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى الا ان يرافعه إلى هؤلاء كان منزلة
الذين قال الله عز وجل ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا
إلى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به الخبر ومثل خبر علي بن محمد قال سئلته هل نأخذ في احكام المخالفين ما يأخذون
منا في احكامهم فكتب يجوز لكم ذلك انشاء الله إذا كان مذهبكم (هذا منكم خ) فيه التقية منهم والمداراة لهم بناء
على ما في الوافي من أن المراد هل يجوز لنا ان نأخذ حقوقنا منهم بحكم قضاتهم يعني إذا اضطروا إليه كما إذا
قدمه الخصم إليهم ومثل خبر ابن فضال قال قرأت في كتاب أبي الأسد إلى أبي الحسن الثاني (عليه السلام) وقرأه بخطه
سئلته ما تفسير قوله ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام فكتب بخطه (عليه السلام) الحكام القضاة قال
ثم كتب (عليه السلام) تحته هو ان يعلم الرجل انه ظالم فيحكم له القاضي فهو غير معذور في اخذ ذلك الذي حكم به إذا كان
قد علم أنه ظالم هذا.
وقد استشكل في الكفاية في ذلك بل مال إلى الحكم بالحرمة مطلقا نظرا إلى ما دل على حرمة المعاونة على
الاثم حيث قال بعد نقل كلام الشهيد في مسالك الأفهام الموافق لما ذكرنا ما هذا لفظه وفيه اشكال لان حكم الجاير
بينهما فعل محرم والترافع إليه يقتضي ذلك فيكون إعانة على الاثم وهي منهي عنها انتهى كلامه رفع في الخلد
مقامه - وفيه أولا المنع عن كونه إعانة بعد كون القصد هو تحصيل الحق كما لا يخفى وثانيا نسلم كونه إعانة
لكن نمنع من حرمته لما قد عرفت من قيام الدليل على جواز التحاكم إليهم في تلك الصورة فما دل على حرمة
الإعانة على المحرم ليس بأقوى مما دل على حرمة التحاكم إلى الطاغوت من الآيات والاخبار بل هو أقوى منه فإذا
رفعنا اليد عن تلك الأدلة من جهة حكومة قاعدة لا ضرر فالأدلة الدالة على حرمة المعاونة على الاثم أولي برفع
اليد عنها كما لا يخفى.
ثم إن لبعض السادة الفحول هنا كلما لا يخلو ايراده عن فائدة وهو أنه قال بعد نقله الاستشكال المتقدم
من الكفاية ورده ببعض ما سمعته وانما جعلت أدلة نفي الحرج مخصصة للأدلة المانعة بنوعيها مع كون التعارض
بينهما تعارض العموم من وجه فيحتمل العكس لأوفقيتها بأصالة البراءة التي هي حجة مستقلة لو فرض تساقط
الأدلة بعد تعارضها من كل جهة انتهى كلامه طاب ثراه وفي كلامه انظار يقف عليها المتأمل فيما ذكرنا سابقا
إما أولا فلانه لا معنى لملاحظة التعارض بين قاعدة نفي الضرر والعمومات المثبتة للتكليف بعد كونها حاكمة
عليها ومبينة لهما حسبما عرفته واما ثانيا فلانه لا معنى للترجيح المذكور في كلامه بعد فرض كون النسبة
العموم من وجه من وجهين أحدهما عدم قابلية أصالة البراءة لترجيح بعض الأدلة على بعض حسبما فصلنا القول فيه
في باب التراجيح بل الحق كونها مرجعا بعد التساوي والتساقط ثانيهما تسليم ذلك لكن لا دليل على الترجيح
المذكور في العامين من وجه واما ثالثا فللمنع من كون الأصل هي البراءة مطلقا بل انما هو فيما إذا رضي المنكر
بالرجوع إلى حكام الجور مضافا إلى أنه لو سلم كون الأصل بالنظر إلى الحكم التكليفي هي البراءة مطلقا لكنه لا

21
يترتب عليه ثمرة من حيث ترتب الآثار على الحكم المذكور لكون الأصل بالنسبة إلى الحكم الوضعي الفساد وعدم ترتب
الأثر فالأصل المذكور على تقدير ثبوته مطلقا لا ينفع الا في أصل جواز الرجوع إلى حكام الجور وعدم العقاب عليه واما
اثبات ترتيب الأثر على الحكم المذكور وجواز الاخذ بمقتضاه فالأصل عدمه فافهم فإنه لا يخلو عن دقة ثانيهما
انه فيما قلنا بحرمة الرجوع إلى حكام الجور فهل يكون ما يأخذ بحكمهم في تلك الصورة إذا كان حقا أيضا
حراما وسحتا مطلقا أو لا يكون حراما مطلقا وانما المحرم هو أصل الرجوع كما يظهر عن بعض مشايخنا أو فيه تفصيل
بين الدين والعين فإن كان المأخوذ بحكمهم دينا فهو حرام وإن كان عينا فلا حرمة فيه وجوه والأصل في ذلك
كله قوله (عليه السلام) في مقبولة عمر بن حنظلة من تحاكم إليهم فقد تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذه
سحتا وإن كان حقه ثابتا قال في الكفاية بعد نقله الأخبار الدالة على حرمة التحاكم إلى الطاغوت ويستفاد من
الخبرين عدم جواز اخذ شئ بحكمهم وإن كان له حق وهو في الدين ظاهر وفي العين لا يخلو عن اشكال لكن
مقتضى الخبرين التعميم انتهى كلامه.
وقال بعض مشايخنا بعد نقله ما عرفته من الكفاية ما هذا لفظه وكان فرقه بين الدين والعين باحتياج
الأول إلى تراض في التشخيص والفرض جبر المديون بحكمهم بخلاف العين وفيه أن الجبر وإن كان اثما منه (فيه خ)
لكن لا ينافي في تشخيص الدين بعد كونه حقا انتهى كلامه وهذا كما ترى يدل بظاهره على عدم حرمة المأخوذ
وإن كان أصل الرجوع وجبر الحاكم حراما.
أقول ظاهر السحت حسبما هو المتبادر منه وصرح أهل اللغة به هو مال الغير المحرم ومعلوم عدم صدق
هذا فيما إذا كان الحق علينا لعدم صدق مال الغير عليه غاية الأمر حرمة التصرف فيه ظاهرا فيما لم يعلم به المدعى
فإذا قلد مجتهدا في ذلك ترتب عليه الآثار من أول الأمر حسبما قرر في محله من أن صحة المعاملة لا تتوقف على
العلم بها حين الايقاع بل تتحقق وإن لم يعلم بها المكلف أصلا غاية الأمر حرمة التصرف ظاهرا ما لم يعلم
بالصحة باجتهاد صحيح أو تقليد كذلك فالرواية غير شاملة للعين أصلا فلا وجه للاشكال المذكور في الكفاية
هذا مضافا إلى أن في قوله (عليه السلام) وإن كان حقه ثابتا ظهورا في كون المأخوذ دينا كما لا يخفى على من
تأمل فيه نعم صدقه فيما لو كان المأخوذ دينا ظاهرا حيث إنه لما لم يكن المعطي راضيا بالاعطاء فلا يتعين ما
في الذمة ولا يتشخص في المدفوع لعدم وجود التراضي بالدفع والتعيين ولا يجوز تملكه من باب التقاص أيضا
حيث إن المفروض عدم وجود شرائطه بتمامها التي منها امتناع المديون فيكون المأخوذ حينئذ سحتا حراما وهذا
بخلاف ما لو امتنع عن الترافع إلى سلطان الحق وتوقف اخذ الحق على التحاكم إلى حكام الجور فان تملكه حينئذ
جايز من باب المقاصة فظهر بذلك ضعف ما ذكره الشيخ المتقدم ذكره من أن الجبر وإن كان اثما لكن لا ينافي
تشخيص الدين بعد كونه حقا وجه الضعف انه لا معنى لتشخيص ما في الذمة في الخارج من دون رضاء المديون
حسبما هو المفروض والله العالم.
قوله إذا وجد اثنان متفاوتان في الفضيلة معه استكمال الشرائط المعتبرة الخ أقول الكلام في قضاء المفضول
مع وجود الفاضل إما في زمان الحضور أو في زمان الغيبة إما الكلام في الأول فلا ثمرة مهمة لنا فيه لان القضاء في
زمان الإمام (عليه السلام) من مناصبه العامة فالنزاع في قضاء المفضول مع وجود الفاضل في ذلك الزمان يرجع إلى جواز
نصب الإمام (عليه السلام) للمفضول وعدمه ومن المعلوم لكل أهل المذهب انه اعلم بما يفعل وانه معصوم من
الخطأ والزلل
فلا ثمرة في التكلم فيه بالنسبة إلينا هذا لكن تعليل المصنف الجواز في المتن وغيره في غيره بان خلله إن كان

22
ينجبر بنظر الإمام (عليه السلام) قد يناقش في اطلاقه حيث إنه يتم مع قربه منه (عليه السلام) واطلاعه على احكامه لا مع بعده عنه
على وجه لا يعلم شيئا من وقايعه (دقائقه خ) وكيف كان لا ثمرة لنا في التكلم في هذا المقام وانما المثمر والمهم
لنا التكلم في المقام الثاني.
وقبل الخوض في الأقوال وبيان أدلتها من أن نأسس الأصل الذي عليه المعول بعد عدم تمامية ما
أقاموا من الأدلة فنقول ان الأصل مع من قال بعدم جواز قضاء المفضول وعدم تأثيره لأنه إذا شك في الجواز فالأصل
يقتضي عدمه وكذلك إذا شك في كونه منصوبا أو في كون حكمه مؤثرا في حق المتخاصمين وغيرهما أو في
تحريم نقضه لحاكم اخر وغيرها من الأحكام الوضعية فالأصل يقتضي عدم ذلك كله فعلم أن مقتضى الأصل
بالنسبة إلى الحكم التكليفي والوضعي مع النافين.
إذا عرفت ذلك فنقول انه لا يخلو إما ان يكون القضاء في الموضوعات أو في الاحكام وعلى التقدير الثاني
لا يخلو أيضا إما ان يكون الفاضل والمفضول مختلفين في الحكم أو متفقين فالمقامات ثلاثة لا بد من التكلم في كل
منها فإن كان القضاء في الموضوعات فلا اشكال بل ولا ريب في عدم الفرق فيها بين الفاضل والمفضول بل
يجوز التحاكم إلى المفضول مع وجود الفاضل أيضا لاطلاق ما دل على الرجوع إلى العارف بالأحكام والعالم بها
وعدم ما يقتضي تقييده إذا ليس ما يصلح له الا الاجماع المنقول والمقبولة الناطقة بوجوب تقديم الأفقه والأعلم
ومعلوم عدم صلاحيتهما له إما الاجماع فلان القدر المتيقن منه بل المعلوم انما هو نقله بالنسبة إلى الاحكام
وإن كان ربما يظهر من كلام بعض التعميم لكن يزول بالتأمل واما المقبولة فلان ظاهرها بل صريحها هو الحكم
بتقديم الأعلم في الشبهات الحكمية إما الشبهات الموضوعية فلا هذا كله في القضاء في الشبهات الموضوعية
هذا ما يقتضيه النظر الجلي وسمعته من الأستاذ العلامة دام ظله ولكن مقتضى النظر الدقيق والذهن الرشيق
هو تقييد الجواز بما لا يكون هناك اختلاف بين الفاضل والمفضول يرجع إلى النظر وإلا فلا بد من الرجوع
إلى الفاضل وترك الرجوع إلى المفضول لما يستفاد من الأدلة ان كلما يكون للاجتهاد والنظر مدخل فيه فقول -
الأعلم مقدم فيه فتأمل.
واما في الاحكام فقد عرفت أن الكلام فيه في المقامين أحدهما في جواز الرجوع إلى المفضول فيما
إذا اختلف رأيه رأي الفاضل ثانيهما فيما إذا توافقا في الرأي إما الكلام في المقام الأول فالحق انه لا يجوز الرجوع
إلى المفضول مع التمكن من الفاضل ولنا على ذلك مضافا إلى الأصل اي أصالة الاشتغال فيما دار الامر بين التعيين
والتخيير وجهان أحدهما الاجماعات المنقولة في كلام جماعة من الأجلة المعتضدة بالشهرة العظيمة المحققة فان
مثلها كافية في المسألة قطعا سيما بعد ملاحظة كونها فرعية وتوهم كون الاجماعات انما هي بالنظر إلى تقليد الأعلم
والأفضل لا بالنسبة إلى قضائه فاسد جدا ثانيهما الروايات الواردة في ذلك مثل مقبولة عمر بن حنظلة المتقدم إليها الإشارة
وغيرها مثل رواية داود بن الحصين عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجلين اتفقا على رجلين عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع
بينهما خلاف فرضيا بالعدلين واختلف العدلان بينهما عن قول أيهما يمضي الحكم فقال ينظر إلى أفقههما وأعلمهما
بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الأخر إلى غير ذلك من الروايات وضعف أسانيدها إن كان مجبور
بالشهرة المحققة هذا.
احتج من قال بجواز الرجوع إلى المفضول مع وجود الفاضل بوجوه أحدها اطلاق (1) ما دل من -
(هامش. (1) أقول لا يخفى على من تأمل الروايات التي دلت على نصب القضاة من المرفوعة والمقبولة ورواية داود وغيرها من الاخبار

23
المدونة في كتب الأصحاب في باب التقليد انه يجدها ظاهرة في جواز قضاء المفضول مع وجود الفاضل لا يقال انا لا ننكر دلالة
الاخبار على أصل الجواز لكنا نقول إن جواز قضاء المفضول مع وجود الفاضل شاني ولا يكون قضائه حجة فعلية يعارض مع
قضاء الفاضل لكونه أقوى منه كما أنه إذا دار الامر بين تقليد الأعلم وتقليد غيره كان تقليد الأعلم متعينا عند المشهور لقوة
قوله بالنسبة إلى غيره لأنا نقول المستفاد من الأخبار المذكورة كون القضاء منصبا وولاية وسببا لفصل الخصومة ثابتا لمن
كان عارفا بالأحكام ناظرا في الحلال والحرام لا كونه طريقا إلى الواقع كالفتوى وحجية الاخبار ان قلنا بكونها من حيث
الطريقية لا السببية حتى يلزم منه سقوط قضاء المفضول عن الاعتبار فعلا كما في صورة تعارض الخبرين مع كون أحدهما ذا مزية
أو اختلاف رأي المجتهدين مع كون أحدهما اعلم فإنه حينئذ يسقط غير ذي المزية وقول غير الأعلم عن الاعتبار فعلا والامر في القضاء
ليس كذلك كما لا يخفى على من نظر في الاخبار وتأمل فيها حق التأمل بل يظهر لمن تأمل فيها ما ذكرنا من كونه ولاية ومنصبا و
سببا لفصل الخصومة هذا ملخص ما افاده قدس سره في بعض الحواشي على ما حكى هذا واغتنم]
الاخبار على وجوب الرجوع إلى العارف والعالم به بل في مشهورة أبي خديجة الاكتفاء بمعرفة البعض
فتدل على جواز قضاء المتجزي فضلا عن المجتهد المطلق ثانيها ما اشتهر من أن الصحابة كانوا يفتون مع
اشتهارهم بالاختلاف في الأفضلية ومع تكرر الافتاء لم ينكر عليهم أحد من الصحابة فيكون اجماعا منهم على
جواز تقليد المفضول مع وجود الأفضل ثالثها ما اعتمد عليه بعض مشايخنا المتأخرين من السيرة المستمرة
من زمان الأئمة إلى زماننا هذا في الافتاء والاستفتاء مع تفاوتهم في الفضيلة رابعها ما يظهر من كلام بعض الأفاضل
من أن في تكليف العامي بذلك عسرا وحرجا لعدم تأهله لمعرفة الأفضل عن غيره وهما منفيان بالكتاب والسنة
هذه تمام ما ذكروه في المقام لاثبات جواز القضاء للمفضول مع وجود الأفضل.
وأنت خبير بفساد جميعها إما الأول فلانه بعد تسليم اطلاق في الروايات ينفعنا في المقام لا بد من
تقييده بما ذكرنا من الاجماعات المحكية والأخبار المستفيضة واما الثاني فلوجوه أحدها المنع من اجماع
الصحابة على ذلك سيما فيما إذا اختلف آرائهم كما هو محل البحث ثانيها تسليم الاتفاق على العمل المذكور الا
انا نقول بالفرق بين المتفاوتين في العلم في ذلك الزمان وزماننا هذا وأشباهه حسبما عرفت تفصيل القول فيه في
قضاء المتجزي فراجع ثالثها ان فعل الصحابة بعد اعتراضهم عن الإمام (عليه السلام) ليس حجة عندنا واما الثالث فلوجوه
أيضا أحدها المنع من تحقق السيرة المستمرة كيف والمشهور بين العلماء المدعى عليه الاجماع وجوب تقليد الأعلم
ومعلوم ان الامامية كانوا مقلدين للعلماء في تلك المسألة فكيف يقال باستقرار طريقتهم على الرجوع بغير
الأعلم ثانيها تسليم ذلك لكن نمنع من كشفها عن تقرير الحجة (عليه السلام) لكونها ناشئة عن عدم المبالاة في الدين
حيث إن أكثر العلماء حسبما عرفت قائلون بوجوب تقليد الأعلم فعدولهم عنه إلى غير الأعلم ليس إلا من جهة عدم
مبالاتهم ومسامحاتهم في الدين حفظنا الله وجميع إخواننا عن ذلك ثالثها الغمض عن ذلك أيضا لكن نقول إن من
المحقق في محله ان من شرائط حجية السيرة عدم ردع الإمام (عليه السلام) وقد عرفت ردعه بالمقبولة وغيرها واما الرابع فللمنع
من صعوبة معرفة الأعلم للعامي فان معرفته ممكنة بشهادة أهل الخبرة كمعرفة أصل الأهلية والاجتهاد فيمن يرجع إليه
هذا تمام الكلام في المقام الأول من المقام الثاني.
واما المقام الثاني منه فالحق فيه عدم جوب الرجوع فيه إلى الفاضل وجواز الرجوع إلى المفضول أيضا
لاطلاق بعض الأدلة وعدم ما يصلح للتقييد لان المقبولة وغيرها من الروايات والاجماعات انما هي في مقام الاختلاف
في الحكم والرأي كما لا يخفى.
وينبغي هنا بيان أمور الأول ان ما ذكرنا من وجوب الرجوع في التحاكم إلى الأعلم والأفضل انما
هو مع الامكان والتيسر واما إذا كان الرجوع إليه حرجيا كما هو موجود بالنسبة إلى أكثر أهل البلاد لو -
كلفوا بالرجوع إلى البلد الذي فيه الأعلم فلا اشكال في اسقاط (سقوط خ) وجوبه لما قد دل من الكتاب والسنة على

24
نفي الاحكام الحرجيه.
ثم إن المدار في العسر والحرج اللازمين هما الشخصيان لا الغالبيان فلو فرض سهولة الترافع إلى الأعلم
في قضية يجب الترافع إليه وإن كان العسر في أغلب القضايا والوقايع موجودا بحسب أغلب الناس حسبما ذكرنا
غير مرة من أن أدلة نفي الجرج والعسر لا ترفع الا العسر الشخصي فظهر بما ذكرنا فساد ما ربما يتوهم من أن الحكم
بالرجوع إلى الأعلم في القضاء موجب للعسر في الأغلب فيكونان منفيين بادلتهما فلا يجب الترافع إلى الأعلم
مطلقا وإن كان مقتضى الأدلة ذلك لما عرفت من لزوم العسر الأغلبي.
الثاني ان ما ذكرنا في الأعلم يأتي بعينه في الأورع أيضا فلو كان هناك مجتهدان أحدهما أورع من
الأخر فإن كان الترافع في الشبهات الموضوعية يجوز الرجوع إلى غير الأورع وإن كان في الشبهات الحكمية
فان كانا مختلفين في الرأي يجب الرجوع إلى الأورع لدلالة المقبولة وغيرها على ذلك وإن لم يكونا مختلفين
فيه يجوز الرجوع إلى اي منهما لما عرفت من الاطلاق السليم عن التقييد الثالث انه لو وجد مجتهدان أحدهما
أورع من الأخر والاخر اعلم منه يجب اختيار الأعلم الا إذا كان الأورع أوثق أيضا فان في تقديم أحدهما على الأخر حينئذ
اشكالا والله العالم.
قوله إذا ولى من لا يتعين عليه القضاء فإن كان له كفاية من ماله فالأفضل أن لا يطلب الرزق من بيت المال
ولو طلب جاز لأنه من المصالح وكذا ان تعين عليه القضاء ولم يكن له كفاية جاز له اخذ الرزق الخ أقول تفصيل -
القول فيما يأخذه القاضي ويعود عليه من جهة قضائه في مقامات ستة أحدها في جواز ارتزاقه من بيت المال
ثانيها في جواز اخذ الأجرة من المتخاصمين على القضاء ثالثها في جواز اخذ حق الجعالة منهما عليه رابعها
في جواز اخذ الرشوة منهما خامسها في جواز اخذ الهداياء والتحف سادسها في جواز قبول التعارفات كتقبيل
اليد والجلوس في صدر المجلس والخدمات وغيرها.
إما المقام الأول فتحقيق القول فيه أنه لا يخلو إما ان يكون القاضي فقيرا أو غنيا وعلى التقديرين
إما ان يتعين عليه القضاء بان لم يكن من يقوم به الا هو أو لا يتعين بل يجب عليه كفاية كما في صورة وجود غيره
وهذه أربع صور لا بد من تحقيق القول في كل منها.
ولنبين قبل الخوض في بيان احكام الصور المراد من بيت المال الواقع في كلماتهم فنقول ان المراد
منه حسبما يظهر منهم بيت يجمع فيه ما يصرف في مصالح المسلمين كبناء المسجد والقنطرة والخان وشق الأنهار
وغيرها مثل الجزية وخراج المقاسمة وما أوصى في صرفه (لصرفه خ) في وجوه البر وما يصرف من الزكاة في سبيل الله
إلى غير ذلك مما يشترك فيه جميع المسلمين واما ما يجمع فيه الزكاة والخمس والصدقات ووجوه المظالم وغيرها مما
يكون مختصا بالفقراء فلا يكون من بيت المال في شئ ولا يجوز صرف ما يجمع فيه في مصالح المسلمين بل
لا بد ان يعطى بمستحقيه من الفقراء كما أنه لا يجوز صرف ما يشترك فيه جميع المسلمين في سبيل الفقراء أيضا
فما يظهر من بعض من أن المراد من بيت المال أعم ما يجمع فيه ما يشترك فيه جميع المسلمين ولا بد ان
يصرف في
مصالحهم وما يختص بطائفة منهم كالفقراء والسادات بحيث لا يجوز التعدي عنهم ليس على ما ينبغي لان التأمل
الصادق في كلماتهم يشهد بان مرادهم من بيت المال ليس إلا ما ذكرنا.
وكيف كان فلنرجع إلى بيان حكم الارتزاق في الصور المذكورة فنقول ان الكلام فيها في مقامين
أحدهما في تكليف والي بيت المال وانه هل يجوز له اعطاء الرزق في جميع الصور الأربع أو لا يجوز الا في بعضها

25
ثانيهما في تكليف الاخذ وهو القاضي.
إما الكلام في المقام الأول فملخصه انه لا اشكال في جواز اعطائه فيما إذا تعين عليه القضاء بان لا يوجد
من يقوم به سواه سواء كان القاضي غنيا أو فقيرا لكون تكليفه صرف المال في مصالح المسلمين ومعلوم ان القضاء
أيضا من مصالحهم لصيرورته سببا لاستنقاذ حقوقهم ودفع الظلم عنهم وكذا فيما لم يتعين عليه القضاء بل يقوم
به كفاية فيما إذا لم يكن هناك متبرع بالقضاء سواء كان القاضي فقيرا أو غنيا.
انما الاشكال فيما إذا كان هناك متبرع بالقضاء فهل يجوز له اعطاء الرزق حينئذ أو لا وجهان مبنيان على أن
بيت المال هل هو معد لتحصيل مصالح المسلمين فلا يجوز صرفه الا فيما إذا توقف تحصيل المصلحة على صرفه فيحرم
بدونه أو معد لصرفه على من يقوم بمصالح المسلمين وإن لم يتوقف تحصيل المصلحة بقيامه أوجههما الثاني
نظرا إلى كون تحصيل المصلحة حكمة لجعل بيت المال لا علة يدور الحكم مداره ثم إنه على تقدير اختيار
الأول كما يظهر من بعض مشايخنا فهل يقتصر فيه على صورة العلم بوجود المتبرع فيجوز الاعطاء في غيرها
على غير المتبرع وان احتمل وجود المتبرع بعد الفحص أو لا يجوز الاعطاء الا بعد الفحص في طلبه والياس عن
وجوده وجهان أظهرهما بالنظر إلى ما ذكر من العلة وهي صرفه فيما يتوقف تحصيل المصلحة عليه وعدم الجواز
في غيره هو الثاني هذا كله في تكليف الوالي.
واما تكليف القاضي فالظاهر جواز ارتزاقه مع الفقر مطلقا سواء تعين عليه القضاء أم لا نظرا إلى كونه
من القائمين بمصالح المسلمين كالمترجم والمؤذن وصاحب الديوان ومن يكيل للناس ويزن (يوزن خ) ويعلم
القرآن وأمثالهم ممن يكون قائما بمصالح المسلمين وبيت المال قد أعد للصرف في مصالحهم هذا مضافا إلى أن
حكم الشارع في تلك الصورة بعدم الجواز مستلزم للضيق والحرج المنفيين في الشريعة بل لا يبعد ان يقال إن
حكمه بعدم الجواز في تلك الصورة مخالف للطف من حيث كونه موقعا للمكلف في معصية الواقع غالبا فيجب
على الحكيم من باب اللطف الترخيص في الارتزاق حتى لا يقع في المعصية هذا مع ما في المكاتبة المشهورة من
أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الأشتر من امره بتوسيع الرزق للقضاة.
واما مع الغناء فهل يجوز ارتزاقه مطلقا أو لا يجوز كذلك أو لا يجوز فيما يتعين عليه ويجوز فيما لا يتعين
وجوه بل أقوال المشهور كما في المسالك عدم الجواز مطلقا لأنه يؤدي فرضا وفيه أنه لا تنافي بين الارتزاق وأداء
الفرض والا لما جاز في صورة الفقر الا ان يقال في قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتبته لمالك الأشتر بالتوسعة
على القضاة وبذل ما يزيح علتهم وتقل معه حاجتهم دلالة على جواز الاعطاء للوالي والارتزاق للقاضي فيما لو كان
فقيرا فيخرج به عن الدليل المذكور فتأمل أو يقال بخروجه مع قطع النظر عن المكاتبة نظرا إلى ما ذكرنا من الدليلين
على الجواز في تلك الصورة فتأمل وكيف كان فلا ريب في أفضلية ترك الارتزاق فيما لو كان له كفاية هذا الذي
ذكرنا كله فيما لم يكن ارتزاقه عوضا عن القضاء بل من حيث كونه قائما بمصالح المسلمين وكون بيت المال
معدا للصرف فيها.
واما لو أراد به العوضية عن القضاء أو قيل بعدم انفكاك الارتزاق عن عنوان العوضية مطلقا ففي جوازه مطلقا
أو عدمه كذلك أو الجواز فيما لم يتعين عليه وعدمه فيما لو تعين عليه وجوه بل أقوال مبنية على ما ذكروه في باب
التكسب بالواجبات ثم إن هذا الذي ذكرنا من ابتناء المسألة على الأقوال في اخذ العوض على الواجبات انما هو مع
قطع النظر عما ورد في خصوص القضاء والا فيمكن ان يقال بملاحظته على عدم جواز الارتزاق وان قلنا بجواز اخذ

26
الأجرة والعوض على الواجبات مطلقا فانتظر لما يتلى عليك من الكلام في خصوص ما ورد في باب القضاء بعد الفراغ عن
تحقيق القول بالنظر إلى اخذ العوض في مطلق الواجبات.
وتحقيق القول في المسألة من تلك الجهة لما كان متوقفا على تحقيقه في مسألة جواز اخذ العوض على
مطلق الواجبات لكونه جزئيا من جزئياتها فبالحري ان نذكر شطرا من الكلام فيها ليتضح الحال فيما نحن
فيه أيضا فنقول انه لا بد للقول بجواز اخذ الأجرة والعوض على الواجبات من احراز أمور ثلاثة أحدها كون
العمل الواجب مما يترتب عليه نفع لباذل بان يعود إليه أو بمن غرضه العقلائي الإعادة إليه كما لو كان
كفائيا وأراد سقوطه منه فاستاجر غيره مثل الجهاد والصلاة على الميت وغيرهما أو كان عينيا ورجع منه نفع
إلى باذل المال كالقضاء والشهادة للمدعى إذا وجبا عينيا فما لا يترتب عليه نفع لباذل المال لا يجوز بذل العوض
بإزائه واخذ الأجرة عليه فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه لا يجوز اخذ الأجرة عليه والحاصل انه
لا بد في المعاوضة من شئ يعود إلى الباذل بإزاء المبذول والا لما تحقق عنوان المعاوضة والمبادلة فالوجه في
اعتبار هذا الشرط توقف تحقق أصل عنوان المعاوضة عليه بحيث لولاه لم يكن متحققا فلا يجوز اخذ العوض حينئذ
لأنه اكل للمال بالباطل.
ثانيها كون العمل الواجب بحيث لم يؤخذ فيه ما ينافي اخذ الأجرة والعوض عليه فالواجب الذي
اخذ فيه ما ينافي اخذ الأجرة عليه لا يجوز اخذ الأجرة عليه فمثل الصلاة وغيرها من الواجبات التي اخذ قصد
القربة فيها ولو كانت كفائية لا يجوز اخذ الأجرة عليها لمنافيات القربة المأخوذة فيها لاخذ الأجرة عليها لان
معنى اعتبار القربة في العمل عدم الداعي إليه الا هي ومن المعلوم ان اخذ الأجرة عليه مناف للتقرب به لكون
الداعي إليه حينئذ هو الأجرة والعوض فلا يترتب عليه ما كان مأخوذا فيه من القربة لمكان التنافي بين الامرين.
فان قلت إن الداعي للفعل ليس إلا التقرب به غاية الأمر كون الداعي إلى التقرب بالفعل واتيانه بهذا
الداعي هو اخذ العوض فما صار العوض داعيا لأصل الاتيان بالفعل حتى ينافي لما اخذ فيه من قصد التقرب و
انما صار داعيا للاقدام بهذا الفعل المتقرب به.
قلت لا شك انه إذا صار العوض داعيا إلى التقرب بالفعل فقد صار داعيا إلى الاقدام بنفس الفعل فلا
يكون الداعي فيه هو مجرد التقرب وبعبارة أخرى انه لا بد ان يكون غاية الغايات في العبادات هو التقرب بها
فلا يعقل حصولها مع صيرورة بذل المال غاية.
فان قلت يمكن للأجير ان يأتي بالفعل مخلصا لله تعالى بحيث لا يكون للإجارة دخل في اتيانه فيستحق الأجرة
فالإجارة غير مانعة من قصد الاخلاص.
قلت الكلام في أن مورد الإجارة لا بد ان يكون عملا قابلا لان يوفى به بعقد الإجارة ويؤتى به لأجل
استحقاق المستأجر إياه من باب تسليم مال الغير إليه وما كان من قبيل العبادات غير قابل ذلك.
فان قلت لو كان تناف بين ملاحظة العوض على الفعل وبين كون الغاية فيه هو التقرب به إلى الله تعالى لكان
تلك المنافاة موجودة فيما لو أراد العوض على الفعل من الله تعالى كما لو اتى بالفعل تقربا إلى الله تعالى ويقصد
منه حصول المطالب الدنيوية كأداء الدين وسعة الرزق وغيرهما والتالي باطل اتفاقا لجواز الاقدام بالعبادة
بهذا العنوان باتفاق من الكل بل في كثير من الروايات دلالة عليه أيضا فلو كان هناك منافاة بين الامرين
بحسب العقل فلم جاز وقوعه في الشرع.

27
قلت فرق ظاهر بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرب إليه بالعمل وبين الغرض الحاصل
من غيره وهو استحقاق الأجرة فان الأول مما لا ينافي التقرب إليه أصلا بل يؤكده كما لا يخفى بخلاف الثاني
فالقياس المذكور ليس محله أصلا لكونه مع الفارق جزما.
فان قلت إن مقتضى أدلة الإجارة هو جوب العمل على طبق ما استأجره المستأجر فبعد مجيئها فيما
نحن فيه يقصد التقرب بالفعل المستأجر عليه المأخوذ فيه قصد التقرب بملاحظتها فتضاعف الوجوب بأدلة الإجارة
مما يؤكد الاخلاص فلا يعقل ان ينافيه.
قلت هذا الكلام فاسد جدا إما أولا فلان الوجوب الحاصل بالإجارة ليس وجوبا تعبديا يقصد منه
التقرب حتى يؤكد الاخلاص المعتبر في العبادة المستأجر عليها بل انما هو وجوب توصلي لا يقصد منه الا
التوصل إلى الاتيان بالمستأجر عليه فحديث تأكيد الاخلاص لا دخل له بما نحن فيه أصلا وثانيا سلمنا كون
الوجوب الحاصل من الإجارة هو الوجوب التعبدي لكن نقول إنه لا يمكن مجئ أدلة الإجارة هنا للقطع بانتفاء
موضوعها حسبما عرفت من كون القربة منافية لاخذ الأجرة فلا يترتب الأثر المقصود من هذا الفعل عليه حتى
يجئ (يجري خ) حديث العوضية وبعبارة أخرى المانع يدعي المنافات بين اخذ العوض وحصول الأثر المقصود
من الفعل فلا يمكن ان يتحقق هناك عنوان معاوضة حتى يجري أدلة الإجارة.
فان قلت كيف يمكن دعوى التنافي بين اخذ الأجرة وقصد القربة مع أنه قد ثبت بالنص والاجماع
جواز اخذ الأجرة على بعض الواجبات التعبدية كالحج نيابة عن الميت أو الحي العاجز على ما هو المشهور وكالنيابة
عن سائر الواجبات التعبدية البدنية كالصلاة والصوم عن الميت على ما هو المعروف بينهم وكالتوكل في اعطاء
الزكاة والخمس إلى غير ذلك والحاصل انه لا ريب في جواز اخذ الأجرة على النيابة في الواجبات التعبدية في الجملة
فلو كان ثمة منافاة لاخذ الأجرة مع قصد التقرب لما جاز ذلك في باب النيابة.
قلت فرق واضح بين اخذ الأجرة على الواجبات التعبدية وبين اخذها على النيابة فيها فان الأول ينافي
قصد التقرب المعتبر فيها بخلاف الثاني والوجه في ذلك أن الأجرة على الواجبات النيابتية انما هي على نفس
النيابة والتنزيل لا على أصل الفعل المتقرب به بخلاف الحال فيما نحن فيه فان الأجرة فيه على نفس الصلاة
المتقرب بها وهو ينافي التقرب المعتبر فيها.
فان قلت الموجود في الخارج من الأجير ليس إلا الصلاة عن الميت مثلا وهذه هي متعلقة للإجارة والنيابة
كلتيهما فإن لم يمكن الاخلاص في متعلق الإجارة لم يترتب على تلك الصلاة نفع للميت وان أمكن لم يناف الاخلاص
لاخذ الأجرة كما ادعيت وليست النيابة عن الميت في الصلاة المتقرب بها إلى الله تعالى شيئا ونفس الصلاة شيئا اخر
حتى يكون الأول موردا للإجارة والثاني موردا للاخلاص ليرفع المنافات بينهما باختلاف موردهما ومتعلقهما.
قلت القربة المانع اعتبارها من تعلق الإجارة هي المعتبرة في نفس متعلق الإجارة لا فيما اتحد خارجا
مع متعلقها توضيح ذلك أن الصلاة الموجودة في الخارج على جهة النيابة فعل للنائب من حيث إنها نيابة عن
الغير وبهذا الاعتبار ينقسم في حقه إلى المباح والراجح وفعل للمنوب عنه بعد نيابة النائب يعني تنزيل
نفسه منزلة المنوب عنه في هذه الأفعال وبهذا الاعتبار يترتب عليه الآثار الدنيوية والأخروية لفعل المنوب
عنه الذي لم يشترط فيه المباشرة والإجارة تتعلق به بالاعتبار الأول والتقرب بالاعتبار الثاني فالموجود في
ضمن الصلاة الخارجية فعلان نيابة صادرة عن الأجير النائب فيقال ناب عن فلان وفعل كأنه صادر عن المنوب

28
عنه فيمكن ان يقال على سبيل المجاز صلى فلان ولا يمكن ان يقال ناب فلان فكما (1) جاز اختلاف هذين -
الفعلين في الآثار فلا ينافي اعتبار القربة في الثاني جواز الاستيجار على الأول الذي لا يعتبر فيه القربة.
والحاصل انا لا نجد فرقا أصلا بين النيابة في العبادات والمعاملات فكما أن النائب في البيع بعد تنزيل
نفسه منزلة المنوب عنه يقصد الانشاء والتمليك لنفسه فيقع عن المنوب عنه من حيث كونه هو بالتنزيل فكذا
النائب في الصلاة بعد تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه يقصد التقرب في فعله فيقع عن المنوب عنه من حيث -
التنزيل المذكور فاصل النيابة مع قطع النظر عن حكمها وكونها مستحبة في حق النائب معاملة مع المنوب
عنه يقصد منها وصول الأثر المقصود من فعل النايب إليه مثل ما لو فعله ولو فرض عدم الالتفات إلى حكمه أصلا
كما ترى ان أكثر العوام يعملون الخيرات لأمواتهم كالزيارة ونحوها مع أنهم لا يعلمون ثبوت الثواب لأنفسهم في
هذه النيابة بل يعتقدون (يقصدون خ) انها مجرد احسان وصلة إلى الميت لا يعود نفع منه إلى أنفسهم أصلا فالتقرب الذي
يقصده النائب بعد جعل نفسه منزلة المنوب عنه هو تقرب المنوب عنه في الحقيقة لا تقرب النائب فيجوز ان ينوب
لأجل مجرد استحقاق الأجرة عن فلان بان نزل نفسه منزلته في اتيان الفعل قربة إلى الله تعالى ثم إذا عرض
هذا النيابة الوجوب بسبب الإجارة فالأجير غير متقرب في أصل نيابته لأن المفروض عدم علمه بكون النيابة راجحة
شرعا يحصل بها التقرب لكنه متقرب بعد جعل نفسه نايبا عن غيره فهو متقرب بوصف كونه بدلا ونائبا عن الغير
فالتقرب يحصل للغير.
فتلخص مما ذكرنا أن النيابة بنفسها مع قطع النظر عن حكمها لها صحة معاملية وحكم وضعي لا دخل
له بحكمها التكليفي أصلا بل قد تكون مباحة كما إذا زار عن أخيه تبرعا من غير التفات إلى استحباب النيابة
في الشريعة أصلا فان هذا الفعل وإن كان له ثواب للمنوب عنه بعد نيابته عنه فيه الا ان أصل النيابة ليس لها
ثواب للنائب لعدم التفاته إلى حكمها حتى يأتي بها امتثالا لأمرها الاستحبابي الا على القول باستحقاق الثواب
على المستقلات العقلية كالاحسان ونحوه قهرا وإن لم يقصد بها الامتثال نعم قد يكون للنائب أيضا ثواب كما
إذا ناب عن أخيه مثلا في عمل ملتفتا إلى كون أصل النيابة راجحا في الشريعة فيقصد بها التقرب إلى الله تعالى وقد لا
يكون له الا الأجرة والعوض كما إذا اخذ عن أخيه العوض في نيابته عنه في العمل الكذائي كالزيارة مثلا فان -
الثواب حينئذ للمستأجر والأجرة للأجير فلا اجر للأجير من حيث الاستحقاق الا الأجرة الا انه قد ورد (في خ) بعض الأخبار
بترتب (تشريك خ) الثواب تفضلا للأجير لان يرغب الناس في العمل الاستيجاري فراجع.
والحاصل انه كما يكون للبيع مثلا اثر عند العرف معهود بينهم وكذا لغيره من المعاملات قد أمضاه
الشارع بشروطه المقررة فكذا النيابة لها اثر عند العرف مع قطع النظر عن امضاء الشارع الا ترى أنه قد تعارف
بينهم يكتبون في المكاتبات قبل يد فلان عني أو عينه عني إلى غير ذلك وليس هذا الا من أجل كون أصل النيابة
مع قطع النظر عن ورود الشرع بها لها اثر عندهم لكن قد أمضاها الشارع في بعض الأعمال مما لا يكون المباشرة
مأخوذة فيها كما أمضى البيع مثلا فلا مانع من اخذ الأجرة على هذا الامر المعاملي بخلاف اخذ الأجرة على -
الواجبات فإنه مناف للتقرب المأخوذ غاية فيها فقد ظهر مما ذكرنا فساد ما يظهر عن جماعة من الاستدلال على
عدم التنافي بين اخذ الأجرة وكون الداعي هو قصد التقرب في الواجبات بأخذ الأجرة على النيابة فيما أمضاها الشارع
ثم إنه قد يحكى عن بعض أفاضل المتأخرين تبعا لما حكاه عن جماعة من المتقدمين عدم صحة النيابة
في العبادات كالصلاة والصوم ونحوهما الا تبرعا وحرمة اخذ الأجرة عليها فان أراد المنافات بينهما عقلا حسبما ذكرناه
[هامش. (1) فكما (فإذا خ)] (*)

29
في اخذ الأجرة على الواجبات من حيث منافاته لقصد التقرب المعتبر فيها ففيه أولا انه لا منافاة بينهما في المقام
حسبما عرفت فيه تفصيل الكلام وثانيا انه منقوض بما ثبت فيه النيابة مع الأجرة بالاجماع والنصوص المستفيضة
كالحج وان أراد عدم امضاء الشارع لها في تلك العبادات الا في صورة التبرع نظرا إلى اختصاص ما ورد فيها من -
الاخبار بصورة الصلة والاحسان والتبرع وعدم ورود خبر يدل على حكمها الوضعي وكونها مما يترتب عليها الأثر
مع قطع النظر عن التبرع بها فيقتصر فيها بما قد ورد فيه الامضاء الشرعي ولا يجوز التعدي عنه إلى غيره نظرا
إلى كون جواز النيابة بمعناها الوضعي خلاف الأصل فيقتصر في الخروج عنه بصورة وجود المخرج ففيه أولا ثبوت
الأخبار الدالة على حكمها الوضعي مع قطع النظر عن حكمها التكليفي والتبرع بها كما هو ظاهر لمن تتبع الاخبار
وشاهد الآثار المأثورة من الأئمة الأطهار عليهم سلام الله الملك القهار فمنها رواية حماد بن عثمان قال قال أبو
عبد الله (عليه السلام) ان الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح تنفع الميت حتى أن الميت يكون في
ضيق فيوسع عليه ويقال ان هذا عمل ابنك فلان وبعمل أخيك فلان أخوك في الدين إلى غير ذلك مضافا إلى
كفاية ما ورد في الحج من التعليل بقوله ان دين الله أحق بالقضاء لذلك كما لا يخفى وثانيا سلمنا اختصاص ما ورد
فيها من الاخبار بصورة الاحسان والتبرع بها وعدم ورودها في مقام بيان حكمها الوضعي أصلا واختصاصها ببيان
حكمها التكليفي وكونها مستحبة فيما لو تبرع بها لكن نقول إنه لما كان الحكم التكليفي في المقام متفرعا على الحكم
الوضعي حيث إنه لا يعقل استحباب النيابة من باب الاحسان والصلة مع عدم وصول شئ إلى المنوب عنه فلا
محالة يكون كاشفا عن الحكم الوضعي وكون النيابة من حيث هي هي مع قطع النظر عن التبرع بها صحيحة
ممضاة في نظر الشارع والا لزم ثبوت الحكم التكليفي وهو استحباب النيابة من دون الوضعي وهو صحة النيابة
وهو محال.
والحاصل انه كما قد يكون الحكم الوضعي كاشفا عن الحكم التكليفي من حيث فرعيته له وعدم
تحققه بدونه كذلك قد يكون الحكم التكليفي كاشفا عن الحكم الوضعي من حيث الوجه المذكور فثبوته
كاشف عن الحكم الوضعي قبله كما أن ثبوت الحكم الوضعي في الصورة المفروضة كاشف عن ثبوت الحكم
التكليفي قبله.
فان قلت هب ثبوت الملازمة فيما نحن فيه بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي بملاحظة ما ذكرت
من الوجه من الاستحالة بين استحباب الاحسان إلى الغير وعدم وصوله إليه ابدا لكن نقول إنه لا امتناع في أن
يجعل الشارع الحكم التكليفي والوضعي معا بجعل واحد في صورة الملازمة من غير أن يكون أحدهما كاشفا عن
ثبوت الأخر قبله فليكن فيما نحن فيه أيضا كذلك فمن الجايز ان نقول إنه قد جعل الشارع الحكم الوضعي للنيابة
بجعل الحكم التكليفي لها فلا يتعدى عن مورده وهو صورة التبرع بها فلا يمكن ان يقال حينئذ بثبوت الحكم الوضعي
لها في غير الصورة المذكورة نظرا إلى كونه خلاف الأصل محتاجا في الخروج عنه إلى دليل.
قلت بعد تسليمك كون الحكم التكليفي في المقام متفرعا على الحكم الوضعي لا يمكنك القول بامكان
جعلهما بجعل واحد لامتناع جعل المحمول والموضوع بجعل واحد بل لا بد ان يكون جعل الموضوع مقدما
على جعل المحمول وجعل المحمول متأخرا عنه حسبما يقضي به العقل البديهي من كون ثبوت شئ لشئ فرع
ثبوت المثبت له فلا بد ان يكون جعل المحمول كاشفا عن جعل الموضوع قبله حسبما هو قضية البرهان المذكور
فتأمل حتى لا يختلط عليك الامر هذه خلاصة ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله في مجلس البحث.

30
ولكن للأحقر فيه نظر حيث إن فرعية ثبوت المحمول لثبوت الموضوع لا تقتضي ثبوت الموضوع بقول مطلق
حتى يعرضه محمول اخر بل غاية ما هناك لقضية حكم العقل بالفرعية هو كشف وجود المحمول عن وجود الموضوع
من حيث هو موضوع له واما كشفه عنه بقول مطلق فلا دليل عليه بل لا يعقل كما لا يخفى على المتأمل فنقول فيما
نحن فيه أن غاية ما يقتضيه العقل المستقل هو كشف استحباب التبرع بالنيابة عن صحة النيابة في تلك الصورة
اي صورة التبرع واما كشفه عن امضاء الشارع النيابة بقول مطلق حتى يصح الأجرة عليها فلا.
فان قلت كما أن ثبوت المحمول فرع ثبوت الموضوع من حيث كونه عارضا له كذلك ما هو قيد للمحمول
ومتفرع عليه فرع ثبوت الموضوع لأنه متأخر عن وجود المحمول ولو بالطبع فكيف عن وجود الموضوع
المتفرع عليه وجود المحمول فما يكون قيدا للمحمول لا يعقل ان يصير قيدا لوجود الموضوع فيعلم من ذلك أن
التبرع الذي هو قيد للاستحباب لا يعقل ان يصير قيدا لصحة النيابة لما قد عرفت من قاعدة الفرعية.
قلت نمنع من كون التبرع قيدا للمحمول بل هو مجرد دعوى لا شاهد لها فلنا ان نعتبره قيدا للموضوع
فنقول ان النيابة التبرعية مستحبة فتأمل.
فان قلت سلمنا الفرق بين اخذ الأجرة على النيابة في العبادات واخذها على الواجبات وعدم جواز التمسك
بثبوته في النيابة على ثبوته في الواجبات لكن نقول إنه قد ثبت جواز اخذ الأجرة على الهدية في الصلاة ونحوها
من العبادات فلو كان بين اخذ الأجرة على فعل العبادات والتقرب بها منافاة لما ثبت في الاهداء بالصلاة ونحوها
على الميت.
قلت اخذ الأجرة على الاهداء بالصلاة مثلا لا يخلو إما ان يكون قبل العمل أو بعده فإن كان قبله فان
قلنا بكون الاهداء كالنيابة معاملة مستقلة مع قطع النظر عن حكمه التكليفي فيأخذ الأجرة عليه الاهداء ويأتي
بالعمل على قصد التقرب فلا ريب في ثبوت الفرق بينه وبين ما نحن فيه كالنيابة فلا يجوز القول باشتراكهما في
الحكم المذكور وان قلنا بعدم كونه عنوانا مستقلا مع قطع النظر عن الفعل المهدى به كالواجبات التعبدية فلا
نقول بجواز اخذ الأجرة عليه كالواجبات والمسألة ليست بمحل وفاق بينهم بل المخالف فيها جماعة من الاعلام
من الأوائل والأواخر فلا نابي عن القول بعدم جواز اخذ الأجرة على الاهداء بالصلاة ونحوها نعم لو ثبت كونه
مثل النيابة تعين المصير فيه إلى الجواز لكنه لم يثبت عندنا والله العالم هذا كله إذا أريد اخذ الأجرة على
الاهداء قبل العمل.
واما إذا أريد بعده حسبما يظهر من الأخبار الواردة في باب صلاة الليل من أن بفعلها يثبت للفاعل
ثواب يجوز ان يهدى به فان قلنا بان المعاملة بالثواب مع قطع النظر عن انضمام عمل إليه داخل في الصناعات الفقهية
فلا ضير في الالتزام بجوازه والا كما لا يبعد القول به فلا فافهم وتأمل.
ثالثها أن لا يكون العمل الواجب حقا للغير على الأجير كأداء الشهادة مثلا لان المملوك لا يملك ثانيا
وبعبارة أخرى لا بد ان يكون العمل مملوكا للأجير حتى يجوز اخذ الأجرة بإزائه فما يكون مملوكا ومستحقا
عليه سواء كان من المستأجر أو غيره لا يجوز اخذ الأجرة عليه لأنه لا يمكنه في هذا الفرض ان يدفع شيئا بإزاء
العوض فيكون اخذ العوض اكلا للمال بالباطل فبناء المسجد الذي صار واجبا على البناء من حيث اخذ الأجرة
عليه من شخص لا يجوز له اخذ الأجرة عليه من شخص اخر لخروج زمام عمله عن يده من حيث كونه مملوكا
للغير فلا يجوز اخذ الأجرة عليه.

31
والحاصل انه لا بد في المعاوضات من كون كل من العوضين مملوكا لمالكه حتى يصح جعله عوضا
عن الأخر والا لم يتحقق مفهوم المعاوضة والمبادلة كما لا يخفى فما لا يكون العوض فيه مملوكا للمالك بل
مستحقا عليه من غيره لا يجوز اخذ الأجرة عليه لاستلزامه اكل المال بالباطل فإن شئت أرجعت كلا من الشرطين
الأخيرين إلى الأول لان مرجع كل منهما إلى عدم وصول نفع إلى باذل المال بإزاء ما بذله فيكون المعاملة سفهية
فمرجع الشروط الثلاثة إلى اشتراط عدم كون المعاوضة سفهية.
إذا عرفت أنه لا بد في صحة اخذ الأجرة على الواجبات من احراز شروط ثلاثة مضافا إلى احراز ما يعتبر
في مطلق المعاوضات فالمانع يدعي اختلال واحد من الشروط الثلاثة على سبيل منع الخلو والمجوز يدعى
اجتماعها وعدم اختلال واحد منها فهل الحق اجتماع الشروط في الواجبات بقول مطلق أو عدم اجتماعها بقول مطلق
أو فيه تفصيل بين الكفائية والعينية وجوه بل أقوال فالكلام في مقامين أحدهما بالنسبة إلى الواجبات الكفائية
تعبدية كانت أو توصلية ثانيهما بالنسبة إلى الواجبات العينية كذلك.
فنقول إما الشرط الأول فالظاهر تحققه في الواجبات الكفائية مطلقا تعبدية كانت أو توصلية لعود النفع فيها
إلى غير الفاعل أيضا لعمومية مطلوبيتها بالنسبة إلى الجميع واسقاطها (سقوطها خ) بفعل البعض فبذل العوض عليها
من حيث كونها مسقطة عن الباذل أيضا ليس بذلا سفهيا وإن كان بذل العوض عليها من حيث وجوبها على الأجير
بذلا سفهيا حيث إنها بتلك الملاحظة لا تنفع للباذل أصلا الا انها لا تنفك عن عنوان يعود إلى الباذل أيضا فبهذا اللحاظ
يجوز بذل العوض بإزائها واخذه عن الباذل.
فان قلت إن الآتي بالواجبات الكفائية إذا اتى بها يسقط العقاب والوجوب عن الجميع قهرا فالأثر
المقصود من فعله للباذل يترتب عليه قهرا فكيف يجوز بذل المال بإزائه للباذل واخذه للفاعل.
قلت الأثر المقصود من فعله وان ترتب عليه بعد الايجاد قهرا الا انه ليس الفاعل مقهورا على الفعل فله
أن لا يوجده من دون اخذ العوض حتى يترتب عليه الأثر القهري فيتسبب الباذل بالبذل لفعله المترتب عليه الأثر
المقصود فالمجاهد لا يقدم على الجهاد فيما كان كفائيا الا بأخذ الأجرة عليه من المستأجر نعم لا يكون للأجير حينئذ
الا العوض الذي اخذه من المستأجر واما الثواب عليه فإنما هو للباذل باعتبار تسببه وإن كان العقاب بعد فعله عنه
يسقط عنهما جميعا الا ان الثواب مختص بالمستاجر ومن هنا ينقدح جواب اخر لهذا الايراد وهو ان اسقاط العقاب
وإن كان من اللوازم القهرية لفعل الواجب بالنسبة إلى الجميع الا ان الثواب عليه مختص بالفاعل لا يتعداه إلى غيره
فالمستأجر يبذل المال لتحصيل هذا الثواب بالتسبب.
واما الشرط الثاني فالحق عدم تحققه بالنسبة إلى التعبدي من الكفائي حسبما عرفت تفصيلا من منافاة
اخذ الأجرة لقصد التقرب المعتبر في الواجبات التعبدية واما التوصلي منه فلا شئ يقضي بمنافات اخذ الأجرة
عليه من هذه الجهة.
فان قلت إن ما ذكرت من قضية المنافات بين قصد التقرب واخذ الأجرة يجري بعينه في المستحبات
الكفائية التعبدية أيضا فبناء عليه لا بد من أن نلتزم بعدم جواز اخذ الأجرة عليها أيضا وهو خلاف ما يظهر منهم من
ثبوت الاتفاق على جواز اخذ الأجرة عليها ودعوى خروجها بالاجماع فاسدة جدا لكون المنافات بينهما
حسبما يقتضيه الاستدلال المذكور عقلية ومن المعلوم عدم تطرق التخصيص إلى القضايا العقلية.
قلت نسلم ثبوت المنافات بين الامرين في المستحبات المذكورة أيضا ونقول فيها بما قلنا في الواجبات

32
من عدم جواز اخذ الأجرة عليها لكن قولك وهو خلاف ما يظهر منهم الخ ممنوع لوجود الخلاف فيه في الجملة نعم
هذا الايراد وارد على ما يذهب إلى عدم جواز اخذ الأجرة على الواجبات نظرا إلى منافاته لقصد القربة مع تجويزه
اخذها على المستحبات بقول مطلق فان منافاته لقصد القربة لا يفرق فيها بين الواجب والمستحب فافهم.
واما الشرط الثالث فقد ذهب المحقق الثاني رحمه الله في جامع المقاصد إلى انتفائه في الواجبات الكفائية مطلقا مدعيا على
عدم جواز اخذ الأجرة في الواجبات بقول مطلق اجماع الفرقة وتبعه في ذلك جمع من أفاضل المتأخرين منهم شيخنا
الشيخ جعفر أعلى الله مقامه في شرحه على القواعد حيث قال في محكيه بعد ادعاء ثبوت المنافات الذاتية بين اخذ -
الأجرة والوجوب بقول مطلق ما هذا لفظه لان المملوك والمستحق لا يملك ولا يستحق ثانيا ولان الإجارة لو تعلقت
به كان للمستأجر سلطان عليه في الايجاد والعدم على نحو سلطان الملاك وكان له الابراء والإقالة والتأجيل وكان
للأجير قدرة على التسليم وفي الواجب يمتنع ذلك وهو في العيني بالأصل والعارض واضح واما الكفائي فلانه بفعله
يتعين له فلا يدخل في ملك اخر ولعدم نفع المستأجر فيما يملكه أو يستحقه غيره لأنه بمنزلة قوله استأجرتك لتملك
منفعتك المملوكة لك أو لغيرك ولان الظاهر عدم الدخول في عمومات المعاملات في الكتاب والسنة فيبقى على أصل
عدم الانتقال عن الحالة الأولى انتهى ما أردنا حكايته.
وقال في جامع المقاصد في شرح قول المصنف وهل يجوز على تعليم الفقه الخ ما هذا لفظه لا ريب ان الفقه قد يراد به
المسائل المدونة في الكتب وقد يراد به الملكة التي يكون العلم معها بجميع المسائل بالقوة القريبة من الفعل
وقد يراد به التصديقات وعلى كل حال فتعليم الفقه إن كان واجبا على المعلم أو المتعلم عينا أو كفاية لم يجز
اخذ الأجرة عليه لان المعلم مأخوذ بالتعليم ومؤد به واجبا فيمتنع اخذ الأجرة عليه والمراد بكونه واجبا أعم
من الوجوب العيني كاحكام الصلاة بالنسبة إلى المكلف بفعلها والكفائي كجميع الفقه ثم قال بعد نقل كلام -
الفخر رحمه الله من التفصيل في الواجبات الكفائية بين ما أريد على وجه القربة فلا يجوز له اخذ الأجرة عليه وما لا أريد
على وجه القربة فيجوز وفيه نظر فان الوجوب مطلقا مانع من جواز اخذ الأجرة كما سبق في كتاب البيع وهو
صريح كلام المصنف وما ذكره من الجواز إذا لم يكن الواجب مشروطا بالنية مخالف لما عليه الأصحاب
انتهى ما أردنا نقله.
وصريح كلامهما كما ترى كون المانع من اخذ الأجرة على مطلق الواجب كونه مستحقا من الله
على الأجير وماخذوا به فلا يجوز اخذ الأجرة عليه لخروجه عن ملكه واختياره فلا سلطنة له في هذا الفعل حتى
يأخذ عليه العوض فيكون اخذ العوض اكلا للمال بالباطل.
وتحقيق ذلك بتوضيح منا هو ان الفعل في الواجب الكفائي لما كان مطلوبا من الفاعل ولو على سبيل -
الكفاية فايجاده في الخارج ايجاد لما وجب واستحق عليه فكلما تحقق هذا الفعل منه في الخارج فقد تحقق
مملوكا لله عز وجل فلا يجوز ان يأخذ الأجرة عليه لاشتراط جواز اخذها بامكان دفع شئ بإزائها حتى يتحقق
عنوان المعاوضة والمبادلة ليخرج اكلها به عن اكل المال بالباطل وبعبارة أخرى انما يجوز اخذ الأجرة على
عمل محترم من العامل واما ما يجب عليه بذله فلا يجوز اخذ الأجرة عليه.
فان قلت: كيف تقول بخروج الفعل عن اختيار الفاعل وعدم تسلطه عليه والمفروض جواز تركه له
شرعا والا لخرج عن كونه كفائيا وما نعني بالفعل المسلط عليه فاعله الا ما يجوز له تركه وفعله وكان زمامه
بيده وهذا المعنى متحقق فيما نحن فيه أيضا فلا مانع من اخذ الأجرة عليه من هذه الجهة.

33
قلت جواز ترك الفعل للفاعل قبل الايجاد مع انطباق الواجب عليه بعده لا يثمر في كونه ملكا له و
مختارا فيه توضيح ذلك أنه وان جاز ترك الفعل في الواجب الكفائي من الفاعل الخاص في الجملة الا ان ما
يوجده في الخارج على تقدير اختياره ايجاده هو عين الامر الوحداني الذي يجب على الكل ايجاده فالموجود
منه في الخارج ليس إلا الامر الذي طلبه الله تعالى من الكل واستحقه منهم من غير رضائه بتركه فهو مملوك لله تعالى
من اي شخص تحقق فلا يجوز له اخذ الأجرة عليه لخروجه عن ملكه بعد الوجود وهذا نظير ما ذكرناه في مسألة
تعلق الامر بالطبيعة من أنه إذا تعلق الامر بطبيعة وجوبا لا يجوز ان يأمر ببعض افرادها استحباب وان جاز للمكلف
تركها في ضمنه في الجملة نظرا إلى انطباق الطبيعة الواجبة عليه بعد اختيار ايجادها في ضمنه فيكون واجبا
فيستحيل عروض صفة الاستحباب له الا ان يلاحظ في الامر الاسحبابي التقييد (المقيد خ) بمفهوم الأخر فيرجع
إلى استحباب التكرار ومطلوبية الاثنينية في الوجود فيخرج عن محل الفرض.
فان قلت لو لم يكن منافاة بين جواز الترك وكون الفعل مملوكا لله عز وجل حيثما وجد لكونه مطلوبا
له في الجملة فليكن الامر في المستحبات أيضا كذلك لوجود الطلب بالنسبة إليها فحيثما تحققت في الخارج تحققت
مطلوبة ومملوكة لله عز وجل مع قيام الاجماع بقسميه على جواز اخذ الأجرة عليها في الجملة والشيخان المذكوران
قائلان بالجواز فيها مصرحان بنفي الريب عنه فما تقول به في الجواب عن المستحبات نقول به في الجواب عن الواجبات
لاتحاد المناط فيهما وهو جواز الترك ووجود الطلب في الجملة.
قلت لسنا ندعي الملازمة بين المملوكية والطلب أينما تحقق بقول مطلق وانما المدعى هو ثبوت
الملازمة بينهما فيما إذا تحقق الطلب في ضمن الوجوب لا مطلقا حتى في ضمن الاستحباب والفرق بينهما بالنسبة
إلى المعنى المذكور لا يكاد ان يخفى على ذي مسكة فان الطلب وإن كان موجودا في الاستحباب أيضا الا ان -
المملوك هو الفعل الذي لا يرضى بتركه الامر ولو كان باعتبار انطباق الواجب عليه والحاصل ان الطلب الذي
قد رخص في مخالفته بقول مطلق لا يمكن ان يصير مورثا للاستحقاق فافهم هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه -
الوجه المذكور.
لكن الانصاف امكان المناقشة فيه لأنه ان أريد من كون الفعل مملوكا لله تعالى في الواجب الكفائي وخارجا
عن سلطنة العبد كونه مملوكا بملاحظة الايجاد ففيه منع ظاهر لفرض ترخيصه في تركه قبل الفعل فكيف
يمكن ان يقال بخروجه عن سلطانه واختياره وان أريد منه كونه مستحقا عليه لله تعالى وخارجا عن سلطانه
بملاحظة الوجود من حيث انطباق الامر الواجب الوحداني عليه كما هو الظاهر من كلام المستدل ففيه منع كون
الموجود الخارجي حقا لله تعالى على خصوص الأجير وانما هو حق له على قاطبة المكلفين وانما المانع من اخذ
الأجرة هو الأول لا الثاني كما لا يخفى نعم هذا الكلام في الواجبات العينية لا يخلو عن قرب كما سيأتي تفصيل
القول فيه
واما الواجبات الكفائية فما كان حقا لله تعالى فقد عرفت عدم المنافات فيه واما ما كان حقا للناس
كالشهادة إذا وجب على جماعة كفاية فلا يجوز اخذ الأجرة عليه لخروج العمل عن ملكه بتعلق حق الناس عليه
فكلما يوجد في الخارج يوجد مستحقا للغير فلا يجوز اخذ الأجرة عليه فالحال في الواجب الكفائي إذا كان حقا
للناس كالواجب العيني بخلاف ما كان حقا لله تعالى فإنه يمكن ان يمنع من كون الطلب من الله تعالى بقول مطلق
منافيا لاخذ الأجرة كما عرفته في الواجب الكفائي نعم لا بد من أن يستثنى من الواجبات الكفائية ما يكون ذا
منفعة مع قطع النظر عن الوجوب ولو قلنا بمانعية الوجوب بقول مطلق لاخذ الأجرة.

34
توضيح ذلك أن من الواجبات ما لا يتصور له منفعة مقصودة مع قطع النظر عن وجوبه وبملاحظة ذاته
سواء كان كفائيا كدفن الميت وكفنه فيما كان من قام به الكفاية متعددا أو عينيا وانما يتصور المنفعة المقصودة
له بملاحظة وجوبه كما في المثال المذكور فان المنفعة المقصودة له وهي اسقاط العقاب وحصول الثواب انما
جاءت من قبل الوجوب من حيث كونها من لوازمه بحيث لو فرض عدم وجوبه لم يكن له منفعة مقصودة بملاحظة
ذاته وهذا هو الذي مر الكلام في جواز اخذ الأجرة عليه وعدمه
ومنها ما يتصور له منفعة مقصودة مع قطع النظر
عن الوجوب وملاحظته بل هي ثابتة له بالنظر إلى ذاته من غير مدخلية للوجوب فيها بل يكون الوجوب متفرعا
عليه كما في جميع الحرف والصنايع الواجبة من حيث توقف النظام عليها فان لها منفعة مقصودة محتاجا إليها
الناس مع قطع النظر عن وجوبها.
وبعبارة أخرى قد يكون المنفعة المقصودة للفعل الواجب ما يكون من لوازم الوجوب ومتفرعا عليه
كجلب الثواب ودفع العقاب فإنهما من لوازم الواجب من حيث الإطاعة كما أن ضدهما من لوازمه من حيث
المخالفة بحيث لو لم يكن هناك وجوب لم يتحقق هذه المنفعة يقطعا وهذا هو الذي قد مر الكلام في مانعية
الوجوب فيه لاخذ الأجرة وعدمها وقد تكون ثابتة له مع قطع النظر عن وجوبه كما في الحرف والصنايع
وهذا مما يجوز اخذ الأجرة عليه وان قلنا بمانعية الوجوب لاخذ الأجرة في القسم الأول بقول مطلق.
والدليل عليه امران أحدهما ان الفعل فيما نحن فيه لما كان ذا منفعة مع قطع النظر عن وجوبه فيصلح لان
(فيصح ان خ) يتعلق الامر به مقيدا بالتبرع وباخذ الأجرة وبذاته مع قطع النظر عن القيدين وهذا بخلاف القسم الأول
فإنه لا يجوز ان يتعلق الامر به الا بالعنوان الأخير اي بملاحظة ذاته فان قابليته للتبرع والأجرة انما هي بعد الوجوب
حسبما فرض من انحصار المنفعة فيه في جلب الثواب ودفع العقاب فلا يمكن ان يقيد الوجوب بهما في هذا القسم الأول
فهما اعتباران حاصلان بعد الوجوب فلا يعقل تقييد الوجوب بأحدهما وهذا بخلاف ما نحن فيه فإنه لمكان
وجود المنفعة له قبل الوجوب ومع قطع النظر عنه يمكن ان يقيد الوجوب فيه بأحد الاعتبارين وحيث كان الوجوب
فيه قابلا لان يقيد بأحد القيدين المذكورين فان دل دليل على كون الوجوب متعلقا به بأحد العناوين الثلاثة
فيتبع ويراعى حكمه وإن لم يدل دليل على ذلك ودار امره بين الأمور الثلاثة كما هو المفروض في المقام فلا بد من
أن يأخذ بالقدر المتيقن وهو الوجوب مع الأجرة فيكون الواجب في الحقيقة هو التكسب بالعمل فيبقى
الأدلة الدالة على احترام عمل المسلم سليمة عن المقيد والمخصص فقضية الجمع بين أدلة وجوب الحرف والصنايع
وأدلة حرمة عمل المسلم وانه كما له هو (هي خ) الاخذ بالقدر المتيقن وهو الوجوب مع الأجرة والمفروض حصول
الغرض وهو حفظ النظام بذلك أيضا.
ثانيهما ان ما دل على وجوب الفعل في هذا القسم وهو حفظ النظام واختلال النظم لولاه لما كان مشتركا
بين العامل والمعمول له فيدل على كون الواجب هو خصوص التكسب والا لخرج عن دلالته على الاشتراك بينهما
فالواجب على الطبيب مثلا هو الطبابة إذا بذل له الأجرة والواجب على المريض هو بذل الأجرة لوجوب حفظ النفس
عليه أيضا والفرق بين هذا الدليل وسابقه مع اشتراكهما في الدلالة على كون الواجب هو التكسب بالعمل
هو كون الدلالة في الأول حاصلة من الدوران والاخذ بالقدر المتيقن وفي الثاني حاصلة من نفس الدليل الدال على
وجوب هذا الفعل.
والحاصل انه كما يجب على ذوي الحرف والصنايع بذل عملهم وعدم الامتناع منه لحفظ النظام كذلك

35
يجمع على المعمول له بذل المال والا لاختل النظام من حيث عدم اقدام الناس بالاعمال تبرعا فأدلة وجوب حفظ
النظام تدل على وجوبه على كل من يقدر على حفظه فكما أن الطبيب يقدر على حفظ النظام كذلك المريض أيضا
يقدر على حفظه ببذل المال فيكون الواجب مشتركا بينهما فلو قلنا حينئذ بوجوب العمل تبرعا للزم خلاف الفرض
لاقتضائه اختصاص الوجوب بالعامل فحينئذ يمكن ان يقال إنه لو امتنع المريض مثلا من بذل المال في اخر أزمنة الامكان
يحكم على الطبيب بالطبابة وعلى المريض بالبذل ولو امتنع تعلق بذمته قهرا كما في بذل المال في المخمصة فيما
إذا امتنع المشرف على الهلاك من فكها بعوض فإنه يحكم بوجوب البذل على صاحب المال وتعلق العوض على
الأكل حسبما فصل القول فيه في محله هذا تمام الكلام في الواجبات الكفائية.
واما الواجبات العينية فالظاهر بل المقطوع تحقق الشرط الأول والثاني فيها في الجملة كما في
التوصليات العينية التي لها نفع يعود إلى غير الفاعل كما في الشهادة والقضا إذا كان القائم بهما منحصرا واما الشرط
الثالث فالظاهر عدم تحققه بالنسبة إليها لان مقتضى الطلب العيني المتعلق بالفعل كونه حقا للطالب ومملوكا له
فكلما يوجد في الخارج لا بد ان يوجد بهذا العنوان فلا يصح اخذ الأجرة عليه لعدم ما يبذل بإزائها فيكون اكلا
للمال بالباطل فافهم وتأمل حتى لا يختلط عليك الامر.
ومحصل الكلام من أول المسألة إلى هنا ان ما تعلق به الطلب من الشارع لا يخلو إما ان يكون مستحبا
أو واجبا وكل منهما إما ان يكون تعبديا أو توصليا وعلى التقادير إما ان يكون كفائيا أو عينيا وعلى تقدير
كونه توصليا سواء كان كفائيا أو عينيا لا يخلو إما ان يكون حقا لله تعالى أو حقا للناس فإن كان تعبديا مشروطا
بقصد التقرب لا يجوز اخذ الأجرة عليه سواء كان مستحبا أو واجبا كفائيا أو عينيا لما قد عرفت من منافاة التقرب
لاخذ الأجرة وإن لم يكن تعبديا فإن كان من حقوق الناس فلا يجوز اخذ الأجرة عليه مطلقا كفائيا كان أو عينيا لما
قد عرفت من اقتضاء كونه حقا للناس بقول مطلق خروجه عن سلطنة الفاعل وبكونه؟ مملوكا للآدمي سواء كان
ذلك مستفادا من خطاب الشرع كما في امره بالشهادة للناس فإنه يستفاد منه كونها حقا لهم على الشاهد أو من غيره
كما لو استأجر شخصا في يوم معين لعمل معين فإنه لا يجوز ان يأخذ الأجرة من غير المستأجر أيضا على ذلك العمل
وإن لم يكن تعبديا ولا حقا للآدمي فإن كان عينيا لا يجوز اخذ الأجرة عليه في الواجب لخروجه بوجوبه على ذلك
الوجه عن ملك الفاعل حسبما عرفت تفصيل القول فيه ويجوز في المستحب لما قد عرفت من عدم منافاة الطلب
الندبي في نفسه لاخذ الأجرة الا بملاحظة قصد التقرب أو عدم المنفعة للمستأجر في فعله وإن كان كفائيا يجوز
اخذ الأجرة عليه بمقتضى القاعدة في الواجب والمستحب كما مر تفصيل القول فيه.
ثم إن هذا الذي ذكرنا كله انما هو في الواجب النفسي واما الواجب الغيري اي ما وجب بوجوب ما
يتوقف عليه من الغير فلا يجوز اخذ الأجرة عليه أيضا الا إذا كان ما يتوقف عليه من حقوق الناس وتوقف الاتيان
به على بذل المال فإنه يمكن ان يقال حينئذ بعدم وجوب بذل المال عليه نظرا إلى أن الواجب عليه انما هو العمل
دون بذل المال فأداء الشهادة إذا توقف على بذل المال كالمسير من بلد إلى بلد اخر لا يجب عليه بذل المال بل
يجوز له اخذ مؤنته من المدعى وفي الحقيقة هو خارج عن اخذ العوض على الواجب وأيضا ما ذكرنا من جواز
اخذ العوض على الواجبات الكفائية التوصلية انما هو فيما إذا لم يدل دليل وجوبه على المجانية فلو دل دليل وجوبه
على كونه مطلوبا من المكلف مجانا لا يجوز اخذ الأجرة عليه كما قد يقال ذلك بالنسبة إلى جملة من الواجبات
الكفائية كدفن الموتى وتعليم الناس مسائلهم الدينية حيث إنه قد ورد في بعض الروايات انه قد اخذ الله تعالى الميثاق

36
من العالم قبل أن يجب التعلم على الجاهل فان وجوب التعلم على العالم قبل وجوب التعلم على الجاهل يدل
بظاهره على كونه مطلوبا منه مجانا لا يجوز له الامتناع الا بان يأخذ الأجرة عليه فافهم وتأمل حتى لا يختلط
عليك الامر ولا يلتبس عليك الحال.
إذا عرفت ذلك فنرجع إلى ما كنا فيه من جواز اخذ الأجرة والعوض على القضاء فنقول ان قلنا
بكون القضاء من التعبديات حسبما يظهر من بعضهم وإن كان مقتضى التحقيق خلافه فلا اشكال في عدم جواز
اخذ الأجرة عليه مطلقا سواء كان القاضي فقيرا أو غنيا عين عليه القضاء أو لا لما قد عرفت من منافاة اخذ الأجرة للتقرب
مطلقا وإن لم نقل بكونه من التعبديات وقلنا بكونه من التوصليات على ما هو الحق عندنا فان تعين عليه القضاء إما
لعدم وجود صالح سواه أو لتعيينه الإمام (عليه السلام) للقضاء لا يجوز له اخذ الأجرة عليه أيضا سواء مع
الفقر أو الغناء لما
عرفت من عدم جواز اخذ العوض على الواجب العيني مطلقا وإن لم يتعين عليه فان قلنا بكون القضاء من حقوق
الناس كما في الشهادة ونحوها فلا يجوز اخذ الأجرة عليه أيضا مطلقا لما قد عرفت من عموم المنع في حقوق الناس
الكفائي والعيني وإن لم نقل بكونه حقا للناس فان قلنا بأنه يستفاد من أدلته المجانية كما قد يستفاد ذلك من
أدلة بعض الواجبات الكفائية فلا يجوز اخذ الأجرة عليه أيضا مطلقا وإن لم نقل بذلك فيجوز اخذ العوض عليه
بمقتضى ما ذكرنا فيما تقدم من أنه لا مانع من اخذ الأجرة على الواجبات الكفائية إذا كانت حقا لله تعالى هذا
كله بالنظر إلى ما يقتضيه القاعدة في المقام مع قطع النظر عن الدليل الوارد فيه.
واما الكلام بالنظر إلى الدليل الوارد فنقول انه قد يستدل على الحرمة بصحيحة ابن سنان قال سئل
أبو عبد الله (عليه السلام) عن قاض بين فريقين يأخذ على القضاء الرزق من السلطان قال (عليه السلام) ذلك السحت وفيه أن ظاهر
الرواية كون القاضي منصوبا من قبل سلطان الجور إذ ما يؤخذ من السلطان العادل لا يكون سحتا قطعا ولا شك
ان هذا المنصوب غير قابل للقضاء فما يأخذه سحت من هذا الوجه ولو فرض كونه قابلا للقضاء فالرواية غير
ظاهرة في كون اخذ الرزق من بيت المال ثم لو سلم ظهورها في الرزق من بيت المال فالظاهر منه بقرينة
قوله على القضاء كون اخذه بعنوان العوضية والمقابلة فلا تدل على حرمة الارتزاق بغير هذا العنوان بل من حيث
كونه قائما بمصالح المسلمين كما قد عرفت ترجيح الجواز بهذا العنوان سابقا فالرواية بعد تسليم دلالتها انما
تدل على حرمة الارتزاق بعنوان العوضية حسبما هو محل الكلام لا مطلقا كما لا يخفى هذا ويمكن الاستدلال
على الحرمة بما ورد في غير واحد من الاخبار من حرمة اخذ الأجرة على القضاء فان الظاهر شموله لمطلق العوض
لا خصوص الأجرة التي يذكرونها في باب الإجارة.
وقد يستدل أيضا بما ورد في كثير من الاخبار من حرمة اخذ الرشوة على القضاء والحكم بالحق بين
الناس بادعاء شمول الرشوة لمطلق العوض وفيه ما سيجيئ من منع كون الرشوة شاملة لمطق العوض هذا
تمام الكلام في المقام الأول اي جواز الارتزاق من بيت المال وعدمه.
واما الكلام في المقام الثاني والثالث اي جواز اخذ الأجرة من المتخاصمين أو الجعل منهما على القضاء
فبالنظر إلى ما يقتضيه القاعدة العامة في مطلق جواز اخذ العوض على الواجب فقد عرفت مشروحا في المقام
الأول واما بالنظر إلى الأدلة الخاصة فيمكن التمسك للقول بالحرمة بجملة من الروايات الدالة على كون الاجر
على القضا سحتا مثل الصحيح عن عمار بن مروان قال كل شئ غل من الإمام (عليه السلام) فهو سحت والسحت أنواع
كثيرة منها ما أصبت من عمال الولاة الظلمة ومنها أجور القضاة أجور الفواجر وثمن الخمر والنبيذ المسكر الخبر

37
إلى غير ذلك من الروايات ثم إن شمولها للأجرة واضح وأما الجعل فالظاهر شمولها له أيضا بناء على أن الاجر
في العرف يشمل الجعل وإن كان بينهما فرق عند المتشرعة هذا كله إذا كان القاضي غنيا أو لم يتعين
عليه القضاء.
وأما إذا تعين عليه القضاء وكان فقيرا فربما يقال بجواز أخذ الأجرة من المتحاكمين نظرا إلى أن
منعه من الاخذ يؤدي إلى العسر الشديد والضرر المنفيين بل ربما يؤدي إلى التكليف بما لا يطاق لكن يمكن
منعه بأن الواجب حينئذ على جميع المسلمين ان يتكفلوا مؤنته من غير أن يجوز له أخذ الأجرة والجعل من -
المتخاصمين فتأمل ثم إنه قد فصل في لف فجوز أخذ الجعل والأجرة مع حاجة القاضي وعدم تعين القضاء عليه
ومنع منه في غير تلك الصورة وأما اعتبار عدم الغناء فلظهور الأخبار الواردة في المنع بصورة الغناء وأما عدم
التعين فلما تقرر عندهم من عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات العينية وقد يستدل أيضا على الحرمة في المقام
بما ورد في باب الرشوة بناء على الدعوى المتقدمة وقد عرفت منع شمولها لمطلق العوض على القضاء هذا كله
في أخذ الأجرة والجعل من المتخاصمين.
وأما المقام الرابع وهو أخذ الرشوة على القضاء فالظاهر عدم الريب في حرمتها وفي جامع المقاصد
ولك ان على تحريم الرشوة اجماع المسلمين ويدل عليه مضافا إلى الاجماع بقسميه ما ورد في الأخبار المستفيضة
من كونه كفرا بالله أو شركا مثل قوله في رواية العمار المتقدمة وأما الرشاء في الاحكام يا عمار فهو الكفر بالله العظيم
ومثلها رواية سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفي رواية يوسف بن جابر لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من نظر إلى فرج امرأة
لا تحل له ورجلا خان أخاه في امرأته ورجلا احتاج الناس إليه لفقهه فسئلهم الرشوة وفي بعض الروايات انه
لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الراشي والمرتشي إلى غير ذلك من الروايات الواردة في ذلك البالغة حد التواتر ولو
لم يكن في المسألة إلا الاجماع من المسلمين والضرورة من الدين لكفى في المسألة دليلا مع ما عرفت من دلالة
الروايات عليه أيضا فلا إشكال إذا في حرمة الرشوة على القضاء سواء حكم للراشي أو عليه لاطلاق ما عرفت
من الروايات.
إنما الاشكال في بيان حقيقة الرشوة والمراد منها حيث إن كلمات الأصحاب بل اللغويين مضطربة فيه
قال في جامع المقاصد ان الجعل من المتحاكمين رشوة وقال في حاشيته له على ما حكي عنه الرشوة ما يبذله
المتحاكمان وهو صريح الحلي أيضا في مسألة تحريم أخذ الرشوة وظاهر بعض مشايخنا عدم الارتياب في
شمولها لمطلق ما يبذله المتحاكمان ولو بعنوان الجعالة والأجرة وحكى عن القاموس تفسير الرشوة بالجعل ولكن
عن مجمع البحرين قلما يستعمل الرشوة إلا فيما يتوصل به إلى إبطال حق أن تمشية باطل وعن المصباح هي ما
يعطيه الشخص للحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد وعن النهاية انها الوصلة إلى الحاجة بالمضايقة
والراشي الذي يعطي ما يعينه على الباطل والمرتشي الاخذ والراشي هو الذي يسعى بينهما ليزيد لهذا أو ينقص
لهذا وقال بعض الشيوخ في شرحه على القواعد على ما حكي عنه في الجواهر انها ليست مطلق الجعل كما في
القاموس بل بينها وبين الاجر والجعل عموم من وجه ولا البذل على خصوص الباطل كما في النهاية والمجمع
ولا مطلق البذل ولو على خصوص الحق بل هو البذل على الباطل أو على الحكم له حقا أو باطلا مع التسمية
(التهمة خ) وبدونها انتهى كلامه وهذه الكلمات كما ترى تنادي باختلافهم في موضوع الرشوة ومعناها.
والذي يقتضيه النظر الدقيق ويساعد عليه العرف عدم عموم للرشوة بحيث يشمل الجعل والأجرة

38
ولو قلنا بشمولها لهما بحسب اللغة لكن المنصرف إليه عرفا هو غيرهما ومما يدل على عدم عموم الرشاء لمطلق
الجعل على الحكم ما تقدم في رواية عمار بن مروان من جعل الرشاء في الحكم مقابلا لاجور القضاة خصوصا بملاحظة
كلمة إما نعم ينبغي القطع بعدم اختصاصه بما يبذل على خصوص الباطل بل يعم ما يبذل لحصول غرضه وهو الحكم
له حقا كان أو باطلا فافهم وتأمل حتى لا يختلط عليك الامر.
ثم إن هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها أحدها انه كما يحرم أخذ الرشوة على المرتشي كذلك يحرم
اعطائها على الراشي أيضا سواء حكم له أو عليه لكونه إعانة على الاثم والعدوان والظلم والطغيان مضافا إلى دلالة
بعض الأخبار المتقدمة عليه أيضا معتضدا بعدم الخلاف في المسألة نعم لا بد من استثناء ما يتوقف تحصيل الحق
عليه حسبما صرح به جماعة من الاعلام فإنه يجوز للراشي اعطائها حينئذ وإن حرم على المرتشي أخذها ويدل
عليه مضافا إلى الاجماع الظاهر المصرح به في كلام بعض الأفاضل عموم ما دل على نفي الحرج والضرر في
الاسلام المعتضد بالشهرة المحققة بل عدم الخلاف في المسألة فما يظهر من بعض المشايخ من عدم جواز
اعطاء الرشوة مطلقا ولو فيما توقف تحصيل الحق عليه ضعيف جدا لا يصار إليه ولا يلتفت به.
ثانيها انه كما تحرم الرشوة على الحكم فهل تحرم في غيره أيضا بناء على صدقها كأن يبذل له مالا
على أن يصلح أمره عند الأمير أم لا وجهان من اطلاق بعض الروايات ومن انصرافه إلى الرشوة في الحكم
والتحقيق أن يقال إنه إن كان أمره منحصرا في المحرم أو مشتركا بينه وبين المحلل لكن بذل على اصلاحه حراما
فالظاهر حرمته لا لما ذكر من الاطلاق بل لأنه أكل للمال بالباطل فيكون الحرمة هنا لأجل الفساد فلا يحرم
القبض في نفسه وإنما يحرم التصرف لأنه باق على ملك الغير فتأمل هذا
وأما بذل المال على وجه الهدية الموجبة
لقضاء الحاجة المباحة فلا ضير فيه أصلا كما لا يخفى.
ثالثها انه كلما حكمنا بحرمة اخذ الرشوة وجب على الاخذ ردها ورد بدلها من المثل أو القيمة مع التلف
لأنها حقيقة جعل على الباطل فلم يقصد بها المجانية نعم لو لم يقصد بها المقابلة بل أعطى مجانا ليكون داعيا
على الحكم فالظاهر عدم ضمانه بعد التلف لان مرجعها إلى هبة مجانية فاسدة إذا لداعي لا يعد عوضا وما
لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وكونها من السحت إنما يدل على حرمة الاخذ لا على الضمان وعموم على
اليد مختص بغير اليد المتفرعة (المتصرفة خ) على التسليط المجاني ولذا لا يضمن بالهبة الفاسدة في غير هذا المقام
هذا وفي كلام بعض مشايخنا نور الله مرقده ان احتمال عدم الضمان في الرشوة مطلقا غير بعد معللا بتسليط المالك
عليها مجانا ولأنها تشبه المعاوضة وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ولا يخفى ما بين تعليله من التنافي
فافهم وتأمل حتى لا يختلط عليك الامر هذا تمام الكلام في أخذ الرشوة على القضاء.
وأما أخذ الهدية عليه وهي ما يبذله على وجه الهبة ليورث المودة الموجبة للحكم له حقا كان أو
باطلا فيكون الفرق بينها وبين الرشوة ان الرشوة تبذل لأجل الحكم والهدية تبذل لايراث الحب المحرك له
على الحكم على وفق مطلبه فالظاهر حرمتها لأنها رشوة أو بحكمها بتنقيح المناط مضافا إلى دلالة جملة
من الروايات على حرمتها منها رواية اصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال أيما وال احتجب عن حوائج
الناس احتجب الله عنه يوم القيامة عن حوائجه وإن أخذ هدية كان غلولا الخبر ومنها ما ورد من أن هدايا
العمال غلول كما في بعض أو سحت كما في آخر ومنها ما عن عيون الاخبار عن مولانا أبي الحسن الرضا (ء)؟؟ عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى أكالون للسحت قال هو الرجل يقضي لأخيه حاجته ثم يقبل هديته إلى

39
غير ذلك من الروايات التي يقف عليها المتتبع في كتب الاخبار وبعض تلك الروايات وإن كان شاملا لغير الحكم
أيضا إلا أنه لا بد من حمله عليه لما قد دل من بعض الروايات المعتبرة على جوازها في غير الحكم فتأمل هذا
تمام الكلام في الهدية.
وأما سائر التعارفات الفعلية والقولية كمدح القاضي والثناء عليه والمبادرة إلى حوائجه وإظهار تبجيله
وتعظيمه ونحو ذلك فالحق هو جواز قبولها للأصل مضافا إلى السيرة المستمرة إلى زمان الأئمة بل النبي صلى الله
عليه وآله الكاشفة عن تقرير الحجة عليها آلاف الثناء والتحية وإن كان لشيخنا الأستاذ العلامة دام ظله اشكال
في بعض صور المسألة فيما صنفه في البيع على ما هو ببالي الفاتر ونظري القاصر وعليك بإمعان النظر فيما ذكرنا
في المقامات السبعة حتى لا يلتبس عليك الامر والله الهادي إلى الصواب وهو الموصل عباده إلى طريق السداد اللهم
اهدنا بهدايتك التي لا نضل بعدها ابدا بحق خير خلقك وخاتم رسلك وآله الذين بهم تنجي العباد وتوصلهم إلى سبيل
السداد صلواتك عليهم أجمعين إلى يوم الدين آمين رب العالمين.
قوله قدس سره السادسة تثبت ولاية القاضي الخ أقول تثبت ولاية القاضي بأمور أحدها العلم وثبوتها
به مما لا إشكال فيه بل لا خلاف لان طريقيته غير محتاجة إلى جعل الشارع بل هو بنفسه طريق إلى متعلقه من غير
احتياج إلى الجعل بل الجعل بالنسبة إليه غير معقول كما قرر في محله بل اطلاق المثبت عليه مسامحة كاطلاق
الحجة عليه لأنه كاشف عن متعلقه لا مثبت له وكيف كان ثبوت الولاية بالعلم مما لا إشكال فيه ولا شبهة تعتريه
وأما عدم ذكر الأكثر له في عداد مثبتات الولاية فإنما هو من جهة وضوح الامر وظهوره لا من جهة إشكال في
المسألة كما لا يخفى على من له أدنى دراية ثانيها البينة العادلة وهي تثبت بها كغيرها من الحقوق المالية و
غيرها من غير اشكال فيه بل ثبوتها بها محل اجماع بينهم فضلا عن عدم الخلاف فيه ثالثها سماع التولية
من الإمام (عليه السلام) أو من نصبه للنصب وثبوتها به أيضا مما لا إشكال فيه لان قوله (عليه السلام) إن كان مفيدا للعلم
ولو بضميمة الامارات الخارجية كما قد يتفق كثيرا في مقام التحاور فلا إشكال فيه بل هو يدخل حينئذ في الأمر الأول
وإن لم يكن مفيدا للعلم بل كان مفيدا للظن شخصا أو نوعا فلان اعتبار الظن في باب الألفاظ وكونه من الظنون
الخاصة مما اتفقت عليه كلمة الكل سيما في حق المقصود بالخطاب رابعها اقرار الإمام (عليه السلام) بها والفرق بين هذا
وسماع التولية ظاهر كما أن ثبوت الولاية به أظهر (1) خامسها حكم الحاكم بها وثبوت الولاية به وإن كان
فيه في الجملة اشكال في بادي النظر نظرا إلى عدم دليل على اعتبار حكم الحاكم ونفوذه بالنسبة إلى الموضوعات
التي منها ولاية القاضي إلا أن مقتضى دقيق النظر هو ثبوتها به من غير إشكال فيه ولا شك يعتريه لان الموضوعات
التي لا ينفذ فيها حكم الحاكم هي التي لم ينسد فيها باب العلم غالبا أو الطرق الشرعية المقررة لاحراز الموضوعات
أو انسد واغمض الشارع من حكمها لمصلحة من المصالح وإن كان ذلك في غاية القلة وأما ما لم يكن كذلك
كما في الهلال وما نحن فيه فلا دليل على عدم نفوذ حكم الحاكم فيه بل ما دل على نفوذ حكم الحاكم في -
الاحكام يدل على نفوذه في هذا القسم من الموضوعات أيضا وهذا نظير ما ذكرنا في مسألة حجية الظن من أنه
على فرض القول بحجية الظن المطلق وبتمامية مقدمات برهان الانسداد المنتجة لها لا نقول ولم يقل أحد
أيضا بحجيته مطلق الظن في الموضوعات لكن يوجد في الموضوعات ما لا بد من القول بحجية مطلق الظن فيه و
هو كل موضوع لو بنينا على عدم اعتبار الظن في تشخيصه لزم منه طرح الحكم المجعول لهذا الموضوع في



(1) - لان من ملك شيئا ملك الاقرار به (منه قدس سره)
40
غالب افراده نظرا إلى انسداد باب العلم في غالبها كما في الضرر ونحوه وإن شئت قلت إن اعتبار حكم الحاكم
فيما نحن فيه وما ضاهاه كالهلال ونحوه محل اجماع بينهم
سادسها الاستفاضة والكلام فيها في مقامين أحدهما
في بيان موضوعها وان المراد منها ما هو ثانيهما في بيان حكمها وانه هل يثبت بها الولاية أم لا.
أما الكلام في المقام الأول فنقول انها في اللغة على ما ذكره الأستاذ دام ظله وصرح به جمع من اللغويين
كما في المصباح المنير والمجمع بمعنى السيلان والانتشار والشياع كما يقال أفاض السيل يفيض فيضا أي كثير
وسال من شفا الوادي واستفاض الحديث أي شاع وانتشر وعند الأصوليين عرفت بأنها خبر ثلاثة وما فوقها إلى حد التواتر
كما عن بعض أو خبر ما فوق الثلاثة إلى حد التواتر كما عن آخر أو إلى الخمسة كما عن ثالث وأما عند الفقهاء فقد
اضطربت فيه كلماتهم فلما لم يقع هذا اللفظ أي لفظ الاستفاضة في نص أو معقد اجماع بينهم حتى يرجع في تشخيصه
إلى العرف بل إنما وقع في كلمات الفقهاء فلا بد في تشخيصه من الرجوع إلى كلماتهم ففي بعضها هي أخبار جماعة
لا يجمعهم (لا يمنعهم خ) التواطى على الكذب عادة بحيث يحصل بقولهم العلم على ما في مسلك الافهام على ما نسب إلى ظاهر كلام
الماتن وإن كان في النسبة نظر على ما سيأتي تفصيل القول فيه وفي بعضها تفسيرها بالشياع ونحوه لكن لا بد أن يعلم أن
هذا التفسير غير موضح لمعناها لان الشياع أيضا مثل الاستفاضة لا يعلم أقل ما يحصل به وفي بعضها أخبار ثلاثة
وما فوقها إلى غير ذلك من التعاريف التي يقف عليها المتتبع في كلماتهم هذا.
ولكن الانصاف انه لم يعلم منها أقل ما يحصل به الاستفاضة من الثلاثة أو الأربعة وإن علم منها عدم حصولها
بالاثنين لان ذكرهم البينة الشرعية من مثبتات الولاية لا يجامع ذكرهم الاستفاضة من المثبتات لها إذا كان
مرادهم منها الاثنين لان الاستفاضة عندهم ليست مشروطة بما شرط في البينة من الذكورية والعدالة والبلوغ و
الكمال والايمان بل الاستفاضة تحصل عندهم باخبار كل أحد من الذكور والإناث والعادل والفاسق والمسلم
والمؤمن بل الكافر فذكرهم البينة الشرعية من المثبتات لها مع اشتراطها بالشروط المذكورة مناقض لذكرهم
الاستفاضة من المثبتات لها مع عدم اشتراطها بتلك الشروط على هذا الفرض كما لا يخفى.
وكيف كان فهل اختلاف الفقهاء والأصوليين في الاستفاضة اختلاف فيما اصطلحوا عليه أو فيما يتحقق
به المعنى اللغوي مع اتفاقهم على عدم النقل عنه ظاهر ما يترا أي من كلماتهم في بادي النظر هو الأول ولكن مقتضى
تدقيق النظر في كلماتهم هو الثاني هذا كما ذكرناه في لفظ الصحيح (لفظة الصحيحة خ) في العبادة من أن اختلاف
الفقهاء والمتكلمين فيه (فيها خ) ليس من جهة اصطلاح كل له معنى غير ما اصطلح عليه الآخر بل الظاهر منهم الاتفاق
على بقاء الصحة على معناها اللغوي الذي يعبر عنه بالفارسية بدرست بودن لكن الفقهاء لما كان المقصود الأصلي لهم
في العبادة هو رفع التكليف قالوا صحة العبادة هي كونها مسقطة للإعادة والقضاء والمتكلمين لما كان نظرهم إلى
جهة العبودية والإطاعة قالوا صحة العبادة ما كان موافقا للامر والامتثال وليس هذا إلا من جهة اختلافهم في النظر
كما يجري مثل ذلك في الأمور الخارجية أيضا مثل صحيح الرمان فإنه عند بعض كونه حامضا وعند آخر كونه حلوا
وعند ثالث كونه حلوا أو حامضا وليس هذا من جهة نقل كل منهم لفظ الصحيح في صحيح الرمان من معناه اللغوي إلى ما
عبر عنه بل إنما هو من جهة اختلافهم في الميل وهذا باب واسع يجري في كثير من الألفاظ التي يتخيل نقلها من
معناها
اللغوي عند الاوصوليين والفقهاء أو أهل الرجال كما في لفظ الثقة فإنه قد يتخيل ان ما ذكره أهل الرجال من أن
كلما يذكر لفظ الثقة بقول مطلق المراد منه العدل الامامي انه اصطلاح منهم وليس كذلك بل مرادهم من
ذلك أن الوثوق بالمعنى اللغوي بقول مطلق لا يحصل إلا بذلك فافهم والخبر الصحيح ونحوه فإنه قد يتخيل

41
ان تفسير القدماء الخبر الصحيح بما يركن إليه النفس وتثق به وتفسير المتأخرين له بما كان جميع سلسلة رواته عادلا
إماميا إنما هو اختلاف في الاصطلاح وليس كذلك بل المتأخرون أيضا قد تسالموا مع القدماء في كون الخبر الصحيح
بمعنى ما يركن إلى النفس لكنهم يقولون إن ركون النفس لا يحصل إلا بما كان بهذه الصفة ففيما نحن فيه من
يقول بأنها أخبار خمسة وما فوقها مثلا يقول إن المعنى اللغوي لا يحصل إلا بذلك ومن يقول إنها أخبار ثلاثة وما فوقها
يدعى أنه يحصل بذلك إلى غير ذلك ولهذا ترى بعضهم عبر عنها بالشياع الذي هو معناها اللغوي فافهم وتأمل هذا
تمام الكلام في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني فنقول انه لا يخلو إما أن يكون المعتبر منها ما كان مفيدا للعلم أو الظن
المتاخم له أو مطلق الظن فإن كان مرادهم منها هو الأول فلا إشكال في اعتبارها في المقام من غير احتياج إلى دليل
من حيث كون العلم في المقام طريقا إلى ثبوت الولاية غير مأخوذ في موضوعها حتى يحتمل اختصاصها ببعض الأسباب
كما يحتمل ذلك فيما يكون مستندا للشاهد أو القاضي فإنه يمكن أن يقال هناك من حيث كون العلم فيه موضوعا
ان اعتبار العلم الحاصل من الاستفاضة يحتاج إلى دليل حسبما سيأتي تفصيل القول فيه.
لكن المظنون بل المقطوع عدم كون مرادهم منها في المقام ولا غير هو الأول وإلا لما اختصوها بما
ذكروه من الأشياء الخاصة من النسب والولادة والوقف والملك المطلق وأمثالها وأما ما يقال في وجه الاختصاص
انه من جهة غلبة تحقق الاستفاضة في هذه الأمور وكون تحققها في غيرها قليلا فليس بالحري أن يصغى إليه سيما
في تقييد الملك بالمطلق فإنه مضر بالمقصود بعدما كان ثبوت كل ملك بها سواء كان بالبيع أو الهبة أو الصلح أو
غيرها وما يقال إن التقييد في المقام نظير التقييد في قوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم وارد مورد الغالب
وقد تقرر في الأصول ان القيد إذا ورد مورد الغالب لا مفهوم له فاسد جدا فإنه فيما إذا كان المقيد غالب وجوده
مع القيد وليس الامر في المقام كذلك فإنه ليس أغلب أفراد الملك هو المطلق بل أغلب أفراده يحصل بالأسباب
الخاصة بل قد يقال بل قيل إنه لا وجود للملك المطلق وإنما المسلم في المقام غلبة وجود الاستفاضة في الملك المطلق
وأين هذا مما ذكروه في هذا المقام.
والحاصل حصول القطع لنا بعدم كون مرادهم منها هي ما يفيد القطع مع قلة وجوده وأما ما نسبه ثاني
الشهيدين قدس سرهما في المسالك إلى المحقق في المتن وتبعه جمع ممن تأخر عنه من أن المعتبر من الاستفاضة
عنده هي ما يفيد العلم فليس بصحيح لان عبارته كما لا يخفى على من تأمل فيها هنيئة لا دلالة لها على ذلك أصلا
وإنما استفاد قدس سره ما نسب إليه على ما صرح به من قول الماتن بعد ذلك فلا يجب على أهل الولاية قبول دعواه مع عدم
البينة وإن شهدت له الامارات ما لم يحصل اليقين فإنه يخيل ان مراده من الامارات ما يعم الاستفاضة وفساده غني
عن البيان كما لا يخفى على ذوي الأذهان فإن مراده من الامارات غير الاستفاضة بل ذكره الاستفاضة سابقا مستقلا
وتخصيصها بالأشياء المذكورة أقوى شاهد على كون الاستفاضة عنده مثل البينة من الطرق الشرعية لاثبات الولاية
فكان المراد من العبارة مع عدم البينة والاستفاضة كما شرحها كذلك بعض مشايخنا قدس سره.
وأما الثالث فليس مرادهم أيضا قطعا كما لا يخفى على من تأمل في كلماتهم إلا فيما ينسب إلى الشيخ في بعض
كتبه على أنه لا دليل على اعتبارها على هذا الفرض قطعا سيما مع ملاحظة كونها ظنا في الموضوعات الصرفة لم
يقم برهان على اعتبار الظن فيها وإن قيل بأصالة حجية الظن في الاحكام.
فتعين أن يكون مرادهم منها هو الثاني على ما صرح به جمع منهم فنقول استدلوا على اعتبارها بهذا الوجه

42
بوجوه بعضها صحيحة وأكثرها سقيمة.
أحدها السيرة المستمرة من زمن النبي (صلى الله عليه وآله) إلى زمان من يكون اعتبار السيرة من حيث كشفها عن
تقريره وهو إمام العصر عجل الله فرجه وسهل مخرجه فإنها استقرت في تلك الأزمنة على تعيين الولاية واثباتها بها
من غير توقف فيه ولا شبهة تعتريه ولم يكن دأب النبي والأئمة عليهم السلام أو من نصبوه لنصب القاضي إرسال البينة
العادلة عند كل أحد مع القاضي المنصوب حتى تشهد بولايته والقول بأن قبولهم الاستفاضة في باب الولاية لعله
كان من جهة حصول العلم لهم منها بها ضعيف جدا فانا نعلم بعدم حصول العلم لهم غالبا فتأمل.
ثانيها عسر إقامة البينة عليها فيجب سماع الاستفاضة فيها إما الصغرى فواضحة غير محتاجة إلى البيان
حيث إن إقامة البينة العادلة عند كل من يحتاج للرجوع إليه مشكلة جدا بل تكاد أن تكون محالا بحسب العادة
وأما الكبرى فلما يستفاد من النصوص الكثيرة الواردة في أبواب الفقه من أنه كلما تعسر إقامة البينة يقوم غيرها
مقامها ولا يبعد دعوى الاجماع على ذلك المطلب أيضا حيث إنه يستفاد من مطاوي كلماتهم ان هذه القاعدة من المسلمات
عندهم هكذا يستفاد من كلماتهم في وجه الاستدلال وفيه أن عسر إقامة البينة على الولاية لا يوجب الانتقال إلى
خصوص الاستفاضة لأنه قد يوجب سقوط البينة رأسا من غير أن يقوم مقامها شئ بل قول المدعي مسموع وإن
لم يكن عادلا كما فيما لا يعلم إلا من قبله وقد يوجب سقوط بعض شروط البينة مثل الذكورة كما في شهادة النساء
على
الحمل وغيره مع اعتبار سائر الشروط مثل العدالة والتعدد وقد يوجب سقوط العدالة كما في بعض الموارد مثل
الوصية عند تعذر اشهاد العادل فإذا كان الامر كذلك فمن أين يمكن تعيين الانتقال إلى خصوص الاستفاضة لم لا
ينتقل إلى شهادة رجلين وإن لم يعلم بعدالتهما أو إلى سماع قوله من غير مطالبة شئ اللهم إلا أن يقال إنه قد انعقد
الاجماع على الانتقال إلى خصوص الاستفاضة في المقام وعدم كفاية غيرها فبضميمة الاجماع يتم المراد فتأمل هذا
ويمكن الخدشة في هذا الدليل ولو بضميمة الاجماع أيضا بأن قيامه على الانتقال إلى خصوص الاستفاضة لا يدل على ما
نحن بصدده من اثبات حجية الاستفاضة من حيث كونها مفيدة للظن الاطميناني لأنه لم يعلم من اتفاقهم الانتقال
إلى الاستفاضة وإن لم يفد العلم بل المعلوم من حال بعضهم هو القول بكون اعتبارها من حيث إفادتها العلم.
ثالثها ما يستفاد من كلام بعض الاعلام من أن ما دل على اعتبار البينة في المقام يدل على اعتبار الاستفاضة
بالأولوية القطعية لان أدنى مراتب البينة الشرعية لا يحصل بها الظن الغالب المتاخم للعلم فيكون ما أفاده أقوى
مما وقع النص والاجماع على ثبوتها به فكان أولى وإن كان مساويا لبعض مراتب البينة أو قاصرا عن بعضها وبهذا
الاعتبار يتعدى عما جرت السيرة على اعتبارها فيه إلى غيره هذه خلاصة ما ذكره في وجه الاستدلال وفيه أولا
انه لم يعلم أن اعتبار الشارع للبينة إنما كان من جهة كونها مفيدة للظن بل المعلوم كما عند المشهور كون الوجه
في اعتبارها هو مجرد التعبد وثانيا سلمنا كون الوجه في اعتبارها هو الظن لم لا يكون هو خصوص الظن الحاصل
منها دون الظن من حيث هو ظن حتى يتعدى عن البينة إلى غيرها وإلا لدل كل ما يدل على اعتبار بعض الظنون
الخاصة على اعتبار ما هو أقوى منها في إفادة الظن وفساده غير محتاج إلى البيان والحاصل ان الأولوية الظنية
أوهن بمراتب من الاستفاضة فكيف يمكن التمسك بها لاثبات حجيتها والعجب من تسمية المستدل ذلك بالمفهوم
الموافقة وأعجب من ذلك استدلاله بذلك على اعتبار الظن في الموضوع مع أنه من أشد المنكرين لحجية الظن
الحاصل من الشهرة في الاحكام مع أن جريان ما ذكره في المقام بالنسبة إليها أولى (1) بعد ملاحظة أدلة حجية



(1) وجه الأولوية ان اعتبار الظن في الحكم أولى من اعتبار الظن في الموضوع (منه قدس سره)
43
بعض الظنون الخاصة كخبر العادل مثلا.
رابعها ظهور الاجماع بل القطع حاصل بتحققه في المقام وما ضاهاه هذا ولكن يمكن الخدشة فيه
بما ذكرنا في الاجماع المنضم إلى عسر البينة المعين للانتقال إلى خصوص الاستفاضة فراجع إليه.
خامسها صحيحة حريز قال كانت لإسماعيل بن أبي عبد الله (عليه السلام) دنانير وأراد رجل من قريش أن يخرج
إلى اليمن فقال إسماعيل يا أبه إن فلانا يريد الخروج إلى اليمن وعندي كذا وكذا دينارا أفترى أن أدفعها يبتاع
لي بها بضاعة من اليمن فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) يا بني أما بلغك أنه يشرب الخمر فقال إسماعيل هكذا يقول الناس
فقال يا بني لا تفعل فعصى أباه ودفع إليه دنانيره فاستهلكها ولم يأت بشئ منها فخرج إسماعيل وقضى ان أبا عبد الله (عليه السلام)
حج وحج إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت وهو يقول اللهم اجرني واخلف علي فلحقه أبو عبد الله فهزه
بيده من خلفه وقال (عليه السلام) يا بني فلا والله مالك على الله هذا ولا لك أن يوجرك ولا يخلف عليك وقد بلغك انه يشرب
الخمر فائتمنته فقال إسماعيل يا أبه إني لم أره يشرب الخمر إنما سمعت الناس يقولون فقال أبو عبد الله (عليه السلام) يا بني
إن الله عز وجل يقول في كتابه يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين يقول يصدق الله ويصدق المؤمنين فإذا شهد عندك المؤمنون
فصدقهم ولا تأتمن شارب الخمر فإن الله تعالى يقول ولا تؤتوا السفهاء أموالكم فأي سفيه أسفه من شارب الخمر
إن شارب الخمر لا يتزوج إذا خطب ولا يشفع إذا اشتفع ولا يؤتمن على أمانة فمن أئتمنه على أمانة فاستهلكها لم
يكن للذي أئتمنه على الله أن يوجره ولا يخلف عليه الخبر وجه الدلالة انها صريحة في اعتبار قول الناس أو المؤمنين
الذي أعلى أفراده الاستفاضة والشياع وبعبارة أخرى انه (عليه السلام) أوجب على إسماعيل تصديق المؤمنين وترتيب الأثر
على قولهم وليس هذا إلا باعتبار كون قولهم حجة مطلقا إلا ما خرج بالدليل هذه خلاصة ما يستفاد من كلماتهم
في وجه الاستدلال بالرواية.
وفيه أنه ليس المراد من التصديق والمؤمنين هو المعنى الظاهر منها حتى يدل على اعتبار الاستفاضة
وإلا لزم خروج المورد لقيام الاجماع ظاهرا على عدم اعتبار الاستفاضة في شرب الخمر بل المراد منهما ما
هو المراد في قوله تعالى يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين وهو التصديق المخبري وجنس الفرد بمعنى عدم تكذيبهم
لا ترتيب الأثر على قولهم وإلا لم يكن الرسول (صلى الله عليه وآله) أذن خير لجميع المؤمنين وإن شئت قلت إن تمامية
الاستدلال بالرواية موقوفة على مقدمتين إحديهما كون المراد من التصديق هو جعل المخبر به واقعا وترتيب الأثر
عليه بحسب الواقع لا جعل المخبر صادقا وعدم اتهامه بالكذب ثانيتهما كون المراد من المؤمنين هو المعنى الجمعي
لا الجنس الانفرادي وكلتاهما غير ثابتتين أما الأولى فللقطع بكون المراد من التصديق هو التصديق المخبري
لا الخبري وإلا لم يناسب الاستشهاد بالآية التي يكون المراد من التصديق فيها هو المخبري قطعا وأما الثانية فللقطع
أيضا بعدم كون المراد من المؤمنين هو المعنى الجمعي بل المراد منه في الخبر هو المراد منه في الآية ضرورة
تصديقه (عليه السلام) كل واحد من المؤمنين وإن كان منفردا كما يشهد له مورد نزول الآية فهو من قبيل قوله تعالى ان الناس
قد جمعوا لكم الذي يكون المراد منه هو نعيم بن مسعود.
فإن قلت كيف ينكر كون المراد من التصديق في الرواية هو المعنى الظاهر منه مع أن الإمام (عليه السلام) ذم
إسماعيل على عدم ترتيب الأثر على اخبار المؤمنين لا على تكذيبهم وعدم الاعتناء بقولهم.
قلت نهي الإمام (عليه السلام) إسماعيل عن اعطاء الدنانير لم يكن من جهة لزوم ترتيب أثر الصدق على اخبار
المؤمنين بل إنما كان من جهة الاحتياط فإن أبيت إلا عن ظهور الرواية في التصديق الخبري فلا بد من حمل المؤمنين

44
على غير معناه الظاهر لما قد ذكر من الوجه فيكون الرواية حينئذ من الأدلة على حجية خبر العادل بضميمة ما دل على عدم
الاعتناء بقول الفاسق وإن كان مؤمنا حسبما ذكرنا تفصيل القول فيه في الأصول وأين هذا من الدلالة على ما رامه
المستدل من اعتبار الاستفاضة وإلى ما ذكرنا أخيرا نظر العلامة المجلسي رحمه الله حيث ذكر الرواية في المجلد الأول
من البحار في عداد ما يستفاد منه القاعدة العامة لما يستفاد منه عموم حجية قول العادل فتأمل حتى لا يختلط
عليك الامر.
سادسها مرسلة يونس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن البينة إذا أقيمت على الحق أيحل للقاضي أن
يقضي بقول البينة من غير مسألة إذا لم يعرفهم قال فقال خمسة أشياء يجب على الناس الاخذ فيها بظاهر الحكم
الولايات والمناكح والذبايح والشهادات والمواريث فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسئل عن
باطنه الخبر وفي الفقيه الأنساب مكان المواريث كما أن في المحكي عن بعض نسخ التهذيب الحال بدل الحكم
بل هو المحكي عما روى في الوافي والوسائل أيضا.
وجه الدلالة ان المراد بالحكم في المقام هو نسبة المحمول إلى الموضوع والمراد بظهوره وضوحه
عند الناس من غير اشكال فيه بمعنى نسبتهم المحمول إلى الموضوع جازمين بها من غير ترديد فيها كما يقال إن
زيدا ابن عمرو ودار زيد وقف فتدل الرواية بذلك البيان على أن تلك الأمور الخمسة إذا وصلت بتلك المثابة
بالاستفاضة بين الناس يجب الاخذ بها والحكم بثبوتها وترتيب الأثر عليها ومن جملة تلك الخمسة الولايات فإذا استفاضت
ولاية شخص وكونه منصوبا من جانب الإمام (عليه السلام) بحيث يقول الناس في حقه انه ولي الإمام (عليه السلام) ومنصوبه وجب
الحاكم بكونه منصوبا من غير تفتيش عن باطن الامر فتدل الرواية على أن الاستفاضة طريق شرعي لاحراز تلك
الأمور مثل البينة العادلة وهذا (وهذه خ) غاية ما يمكن أن يقرر به وجه الدلالة.
وفيه أن المراد بظاهر الحكم في المقام ليس هو واضحه في مقابل خفيه حتى تدل على المراد بل المراد
بظاهر الحكم في المقام في مقابل الباطن أي الواقع فيصير معنى الرواية انه خمسة أشياء يجب الاخذ فيها بالظهور
النوعي وعدم تفتيش الواقع فيها فالرواية بهذا البيان دليل على اعتبار الظهور في تلك الأمور ولا دخل لهذا المعنى
بالاستفاضة أصلا ومما يدل على كون المراد من الرواية ما ذكرنا هو تفريع الإمام (عليه السلام) في ذيل الرواية على الاخذ
في الأمور الخمسة بالظاهر بقوله فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا فإنه ينادي بأعلى صوت ان المراد من الظهور ما ذكرنا
وإلا لم يكن معنى لهذا التفريع أصلا كما لا يخفى بل صدر الرواية أيضا من الشواهد على ما ذكرنا كما لا يخفى
فالرواية صدرا وذيلا قرينة على كون المراد من الظاهر فيها هو ما ذكرنا والحاصل ان المتأمل في الرواية يقطع
بأن المراد بظاهر الحكم في المقام هو المروي في بعض نسخ الوافي من ظاهر الحال ولا تفاوت بينهما أصلا هذا
مضافا إلى أن المعنى المذكور أولا لا يجامع مع قوله والشهادات إلا بتأويل ركيك ارتكبه بعض مشايخنا طاب ثراه
لا داعي إليه أصلا وهو كون المراد من الاخذ في الشهادات بظاهر الحكم هو الاخذ به في المشهود عليه فيدل
الرواية بذلك البيان على جواز استناد الشاهد في شهادته بالاستفاضة كما هو مذهب جماعة حسبما سيأتي تفصيل
القول فيه وهذا كما ترى مخالف لصريح كلام الإمام (عليه السلام) وكان الموجه قدس سره لم يلتفت إلى صدر الرواية
وذيلها أصلا وإلا لم يتفوه بهذا الكلام قطعا.
فإن قلت ما معنى الاخذ بظاهر الحكم بالمعنى الذي ذكرت في الولايات وهل هو إلا الاخذ فيها
بالولاية المستفيضة من حيث عدم تحقق ظهور في الولاية إلا بالاستفاضة وهل هذا إلا ما هو مقصودنا غاية الأمر

45
اختلاف التعبيرين وهذا لا يضر بعدما كان المفاد متحدا.
قلت لا دخل لهذا المعنى بالاستفاضة أصلا لان المراد من الولاية في المقام هو التصرف والمراد من الظهور
الذي يجب الاخذ به في الولاية هو الظهور الناشئ عن التصرف ممن يدعي الولاية مثلا إذا رأيت من يتصرف في
مال اليتيم مدعيا كونه وليا عليه يجب الاخذ بقوله وكذا إذا رأيت من يتصدى أمر الحكومة مدعيا الولاية يجب
عليك حمل فعله على الصحيح ونحو ذلك شراء ما حكم بملكيته لزيد مثلا ولا يجب عليك الفحص عن باطن الامر
فالرواية بهذا المعنى أولى بالدلالة على ما ذكره بعض من ثبوت الولاية بكون الشخص منتصبا للفتوى والقضاء بين
الناس وإن كان في دلالتها على ذلك أيضا نظر فتأمل.
فإن قلت سلمنا كون معنى ظاهر الحكم في الرواية ما ذكرت لكن الرواية بذلك البيان أيضا تدل على
اعتبار الاستفاضة حيث إن ظاهر حال المخبرين بالولاية الصدق وعدم التواطو على الكذب لأن الظاهر من حال
المسلم أنه لا يتعمد في الكذب فيجب الاخذ بهذا الظهور ولا يجب الفحص عن باطن الامر.
قلت أولا لا دلالة للرواية بالبيان الذي ذكرنا على اعتبار ظهور حال المسلم في مقام الاخبار أصلا لان
المراد من الولايات حسبما عرفت هو التصرفات الناشية من التسلطات ولا دخل لهذا المعنى باعتبار الظهور القولي أصلا
كما لا يخفى وثانيا سلمنا دلالة الرواية بالمعنى الذي ذكرنا على اعتبار ظهور قول المسلم لكن نقول إنه لا دخل
لهذا المعنى بحجية الاستفاضة من حيث هي استفاضة كما هو المقصود أصلا.
فإن قلت نحن نعين خصوص الاستفاضة بضميمة الاجماع على عدم اعتبار قول المسلم في تشخيص
الولاية ما لم يبلغ إلى حد الاستفاضة فالرواية بملاحظة تلك الضميمة من الأدلة على المدعى.
قلت ما ذكرت من تخصيص غير الاستفاضة بالاجماع مستلزم لتخصيص الأكثر وهو باطل عندنا فلا
بد من أن يحمل الرواية على ما ذكرنا من التصرفات الفعلية أو الا عم منه ومما يسمع فيه قول المسلم وإن كان
واحدا وأما مثل المقام وأشباهه فهو خارج عن مدلول الرواية على هذا البيان فتأمل هذا مضافا إلى كون
الرواية بهذا البيان أخص من المدعى كما لا يخفى هذا نعم يمكن أن يقال إن للاستفاضة من حيث هي ظهورا لا دخل
له بمسألة ظهور حال المسلم وهو من جهة بعد تواطئى المخبرين على الكذب يمكن أن يقال باعتبارها من تلك
الحيثية على تقدير تمامية الرواية سندا ودلالة ثم إن ما ذكرنا كله هو تحقيق ما وصل إليه نظرنا القاصر في معنى
الرواية وهو الذي ينبغي أن يفسر به الرواية لأنك قد عرفت فساد غيره وأما القول بمضمونها واعتبارها بهذا المعنى
فليس عليه دليل ولسنا قائلين به لضعفها سندا من حيث الارسال مضافا إلى ما عرفت من لزوم تخصيص الأكثر
وإلى اشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب عدا ما يظهر من بعض كلمات الشيخ من كفاية المأمونية بحسب الظاهر
في الشاهد فتلك الرواية بعض ما ورد من الروايات على اعتبار قول المسلم في باب الشهادة من حيث كونه بحسب
الظاهر مأمونا فتأمل نعم يمكن أن يقال بدلالة الرواية على كفاية حسن الظاهر في احراز العدالة وكونه طريقا
إليها من غير أن يجب الفحص فتأمل حتى لا يختلط عليك الامر والله الهادي.
قوله المسألة التاسعة إذا مات الإمام قال الشيخ الذي يقتضيه مذهبنا انعزال القضاة أجمع وقال في المبسوط
لا تنعزلون الخ أقول تحقيق القول في المسألة في مقامين أحدهما في النائب الخاص ثانيهما في النائب العام وليعلم
قبل الخوض في تفصيل القول فيهما ان المقصود الأصلي من التكلم في تلك المسألة ليس هو ترتب ثمرة لنا بالنظر إلى نفسها
لرجوع الامر فيه إلى التكلم في تكليف الامام ونوابه نعم يمكن القول بترتب الثمرة بالنسبة إلى النائب العام

46
في زماننا أي الفقيه الجامع للشرائط بل المقصود الأصلي من التكلم فيها هو وضوح الحال من جهتها في المسألة الآتية.
وكيف كان فلنرجع إلى ما كنا بصدد بيانه فنقول أما المقام الأول وهو انعزال النائب الخاص وعدمه
والمراد به هو الذي نصبه الإمام (عليه السلام) بعنوان الخصوص فالخاص صفة للنائب لا للمنوب عنه كما توهم فالحق فيه الانعزال
لا لما ذكره بعض من أنه ليس لامام كل عصر إلا التصرف في عصره والتسلط عليه وليس له أن يتصرف في عصر الإمام الثاني
لقيام ضرورة مذهبنا على تسلط إمام كل عصر على عصره وما بعده إلى يوم القيامة حتى أنه لو قال لاحد مثلا أنت
وذريتك وأولادك قاض إلى يوم القيامة لا إشكال في عدم انعزالهم بموته لأنه معصوم من الخطأ لا ينطق عن الهوى
بل هو وحي يوحى ولهذا لا اختصاص لهذا الذي ذكرنا بأئمتنا (عليهم السلام) بل يجري في كل معصوم من الآدم إلى الخاتم فلو
فرضنا ان آدم على نبينا وآله وعليه السلام تصرف تصرفا كان مقتضاه الدوام والاستمرار بعد عصره لنحكم بدوامه و
عدم رفعه بموته وهذا مما لا إشكال فيه ولا شبهة تعتريه ولا لما ذكره آخر من الشك في مقدار استعداد مصلحة
المقتضية لنصب القاضي فيرجع إلى أصالة عدم جواز التصرف بعد اختيار عدم جريان الاستصحاب في المقام بل لوجهين
أحدهما ان جواز تصرف النائب والقاضي إنما جاء من قبل الاذن من الإمام (عليه السلام) من حيث كونه كاشفا عن معنى قائم
بنفسه ضرورة ارتفاع الاذن بارتفاع اللفظ الدال عليه وإنما المناط هو المعنى الكاشف عنه الاذن فبقاء جواز تصرفه
منوط ببقاء هذا المعنى فإذا مات فقد ارتفع فيرتفع ما كان منوطا به وهذا نظير ما ذكروه في مسألة الأوامر ان
الداعي على إلزام العقل المكلف على الامتثال هو المعنى المنكشف بالأمر القائم بنفس الامر وهو الطلب النفساني و
لهذا يستصحب فيما لو شك في بقائه لا الطلب الحاصل من اللفظ فإنه تابع للفظ فينعدم بانعدامه والحاصل ان الامر
فيما نحن فيه نظر توكيل الإمام (عليه السلام) بل سائر عقوده الاذنية كالعارية والوديعة ونحوهما فإنه لا إشكال في بطلانها
بموت الإمام (عليه السلام).
فإن قلت سلمنا كون بقاء جواز تصرف النائب منوطا ببقاء الاذن وليس الشرط حدوثه فقط بل لبقائه أيضا
مدخلية لكن نقول إن ذهاب المعنى الكاشف عنه الاذن القائم بنفس الإمام (عليه السلام) أول الكلام من حيث كون ارتفاعه
موقوفا على ارتفاع محله ونحن نمنع ارتفاع محله في خصوص الإمام (عليه السلام).
قلت بعد تسليمك كون المناط في بقاء النيابة هو بقاء الاذن لا يمكنك القول ببقائه مع موت الإمام (عليه السلام)
لان القول ببقائه من حيث بقاء نفس الامام وعدم ارتفاعها كلام شعري أترى أحدا فصل في مسألة الوكالة في انعزال
الوكيل بموت الموكل من حيث ارتفاع الاذن أو في غيرها من العقود الإذنية بين ما كان الموكل الامام وغيره والقول
بخروج الوكالة ونحوها بالاجماع مما يضحك منه الثكلى فليس الوجه فيه إلا ارتفاع الاذن بموت الإمام (عليه السلام).
فإن قلت سلمنا كون الامر فيما نحن فيه نظير مسألة الوكالة وأشباهها إلا أنا نقول إنه من يقول (إلا أن
القول خ) بأن مسألة الوكالة بقائها موقوف على بقاء المعنى الكاشف عنه الاذن (ممنوع خ) كيف وهم ذكروا أنه
لا ينعزل الوكيل بعزل الموكل من دون اعلام مع القطع بارتفاع المعنى القائم بنفسه بالعزل فيكشف هذا عن كون
المعتبر في أمثال المقام هو حدوث الاذن في الجملة واما بقائه فليس بشرط في بقائها.
قلت لولا النص والاجماع على عدم انعزال الوكيل بالعزل من غير اعلام لقلنا به من دون اشكال وإنما لم
نقل به من جهة دلالة النص والاجماع وإلا فمقتضى القاعدة هو انعزاله بمجرد العزل وإن لم يعلمه ولهذا نقول به
في صورة الاعلام فالحاصل انه قد ثبت في مسألة الوكالة حكم على خلاف القواعد بالنص والاجماع وهذا لا يضرنا
في شئ ولا ينفعك في شئ ولأجل كون ما ثبت في مسألة الوكالة على خلاف القاعدة لا نقول بمثله في المقام بل

47
نقول بانعزال النائب بعزل الامام وإن لم يعلمه اللهم إلا أن يقال من جهة لزوم الاختلال والهرج والمرج بل والضرر
بعدم الانعزال في المقام أيضا وليس ببعيد وعلى تقديره لا يضر بما نحن في صدده من كون الانعزال هو
مقتضى القواعد.
فإن قلت من أين ثبت ان نصب القاضي والنائب مثل التوكيل حتى يجري فيه ما يجري في الوكيل من
انعزاله بموت الموكل من حيث ذهاب الاذن المشروط في بقاء الوكالة لم لا يكون من قبيل التصرف واعطاء
المنصب حتى يحكم بدوامه وعدم ارتفاعه بموت الامام كساير تصرفاته المقتضية للدوام بل الظاهر كونه من قبيل
الثاني لا الأول.
قلنا لسنا ندعي كون نصب القضاة والنواب من قبيل التوكيل على سبيل اليقين حتى يقدح فيه احتمال كونه
من قبيل التصرف بل إنما حكمنا به من جهة كونه القدر المتيقن من النصب حيث إن أقل مرتبته الاذن المطلق المجامع
لكل مراتب النصب ومعلوم أنه لا يضر في ذلك احتمال كونه من قبيل التصرف المقتضي للدوام فافهم وتأمل.
ثانيهما ما ذكره في مسالك الأفهام ويستفاد من كلام غيره أيضا وهو ان ولاية القاضي متفرعة على ولاية الإمام (عليه السلام)
ومعلوم ان ولاية الامام تزول بالموت فيزول ولاية القاضي أيضا من حيث استلزام زوال الأصل زوال الفرع هذا محصل
ما ذكره في المسالك وليس الوجه في زوال الأصل وهو ولايته (عليه السلام) بالموت هو اختصاص ولايته بعصره كما توهمه
بعض واستوجه به ما في المسالك حتى يرد عليه ايراد بعض المحققين من قيام الاجماع والضرورة من مذهبنا على
ولاية الإمام (عليه السلام) على (في خ) جميع الأعصار بل الوجه فيه هو ان ولاية القاضي إنما هي متفرعة على ولاية الامام القائمة
بالحياة الصورية نظير ولايته على أطفاله وأمواله إذ لا إشكال في زوال تلك الولاية بالموت وقيامها بحياته الصورية إذ
لا يعقل أن يقول أحد انه إذا مات الامام يبقى ولايته فلا يورث عنه أحد وكذلك يبقى ولايته على أطفاله و
الأوقاف والصدقات إلى غير ذلك بل من المعلوم بديهة زوال تلك الولاية بالموت من حيث قيامها بحياته الصورية
فالمقصود ان الولاية التي يتفرع عليها ولاية القاضي هي من تلك القبيل ونظير هذا ما ذكروه في مسألة الوكالة
في انعزال الوكيل بموت الموكل مع قطع النظر عن ذهاب الاذن وهو فوات متعلق الوكالة من حيث خروج الموكل
فيه عن سلطنة الموكل فارتفاع ولاية القاضي في المقام إنما هو من جهة فوات متعلقها وهو ولاية الامام القائمة
بحياته الصورية فمسألة انعزال نائب الإمام (عليه السلام) بموته مثل مسألة انعزال الوكيل بموته من تلك الحيثية أيضا
هذه خلاصة ما ينبغي أن يذكر في انعزال النائب بموت الامام في هذا المقام.
واستدلوا على عدم الانعزال بوجوه كلها ضعيفة.
أحدها الاستصحاب من حيث ثبوت الولاية وجواز التصرف قبل الموت ولم يعلم زواله بالموت فيستصحب
لما دل على عدم جواز نقض اليقين بالشك وفيه أولا عدم جريان الاستصحاب في المقام من حيث رجوع الشك فيه
إلى الشك في المقتضي حيث لم يعلم أن ولايته من جهة الاذن المرتفع بالموت أو التصرف الباقي بعده فيرجع إلى
أصالة عدم جواز الحكم والتصرف فالأصل في المسألة هو عدم البقاء لا البقاء كما لا يخفى وثانيا ثبوت الدليل على
ارتفاعها بالموت فليس هنا شك حتى يجري معه الاستصحاب.
ثانيها لزوم الضرر العام من القول بالانعزال لخلو البلدان من الحكام إلى أن يجدد الامام اللاحق نوابا فيعطل
المصالح وفيه منع لزوم الضرر العام الذي يجب دفعه بحكم العقل والنقل بمجرد الانعزال وعلى فرض لزومه لا يلزم
منه تعين بقاء القاضي على ولايته بل يمكن الفرار منه بالتزام شئ آخر مثل إلزام المتخاصمين بالرضاء على الرجوع

48
إلى ما كان قابلا للحكم وفصل الخصومة إلى غير ذلك.
ثالثها ما فهم مما ذكرنا في مبنى الخلاف في المسألة ويستفاد من كلام بعض الاعلام أيضا من أن نصبه
القاضي تصرف منه (عليه السلام) يقتضي الدوام كساير تصرفاته القولية الباقية بعد موته وفيه أولا منع كونه تصرفا بل هو
مجرد اذن كالوكالة وثانيا عدم ثبوت كونه من أحدهما وقد عرفت أن مقتضى الأصل بعد عدم الدليل على تعيين
كون نصب القاضي من قبيل التصرف أو الوكالة هو عدم جواز التصرف هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني فنقول إن الحق فيه عدم الانعزال لنا على ذلك وجوه أحدها الاجماع
المنقول في كلام جماعة المعتضد بالشهرة المحققة بل عدم الخلاف في المسألة وقد ذكرنا غير مرة في الفقه والأصول
ان الحق حجية الاجماع المنقول المعتضد بمثل ما ذكر من باب الخصوص وإن لم نقل بحجية مطلقه على ذلك
الوجه ثانيها ما يظهر من بعض أيضا من كون نصبه النائب العام اخبارا باستحقاقه الحكومة والقضاء نظير اخباره
واعلامه باعتبار البينة ونحوها من الامارات المعتبرة شرعا فلا مدخلية لاذنه في ذلك أصلا حتى يرتفع بارتفاعه
وفيه منع ظاهر ثالثها ما يظهر من جماعة من كون أصل الحكم بين الناس مشتركا بين الامام وغيره ممن يعلم بالحكم
غاية الأمر ثبوت الدليل على كون جواز قيام غيره مشروطا بإذنه كما في صلاة الميت حيث إنها واجبة على جميع
الناس لكن جواز اتيانها وصحتها موقوف على اذن الولي فلا تنافي بين كونه حكما شرعيا (فرعيا خ) مشتركا بين الامام
وغيره وكونه مشروطا بإذن الامام كما ذكرنا في مسألة الصلاة على الميت لا أن يكون أصل الحكم بين الناس حقا
للامام ومنصبا له وكان جواز ارتكاب غيره من جهة اذنه وكونه نائبا عنه فإذا كان أصل أدلة وجوب الحكم بين
الناس مشتركا بين الامام وغيره على ما هو المفروض فلا معنى لارتفاعه بموت الامام وفيه أيضا تأمل بل منع يعرف
وجهه مما ذكرنا سابقا في ابتداء المسألة فراجع إليه وتأمل فيه حتى يظهر لك حقيقة الامر رابعها ظهور ما ورد
من الاخبار في باب نصب الإمام للنائب العام في كونه من قبيل التصرف وإعطاء السلطنة فلا يرتفع بموت الإمام (عليه السلام)
حسبما عرفت تفصيل القول فيه مثل قوله في رواية أبي خديجة فإني قد جعلته قاضيا فإن هذا اللفظ ظاهر فيما
ذكرنا كما لا يخفى فتأمل خامسها ما يظهر من بعض مشايخنا أيضا من أنا لا نحتاج في اثبات بقاء ولاية الفقيه
في زماننا وأشباهه إلى دليل من حيث وصول الاذن العام من إمام العصر عجل الله فرجه في التوقيع الشريف وهو حي
لا يزول إذنه حتى يرتفع ما يتوقف عليه هذا ولكن في زماننا هذا وأشباهه مما لا يمكن فيه الرجوع إلى الإمام (عليه السلام)
لا نحتاج إلى هذا أيضا لانعقاد الاجماع على نفوذ حكم من كان أهلا للفتوى هذا كله في القاضي المنصوب
من قبل الامام.
وأما النائب عن المجتهد في زمان الغيبة فهل ينعزل بموته أم لا والكلام فيه أيضا في مقامين أحدهما
النائب الخاص أي من نصبه لأمر مخصوص ثانيهما النائب العام أي من نصبه لأمور عامة كالمتولي للأوقاف أو الأيتام
أما الكلام في الأول فلا إشكال في انعزاله بموته لما عرفت في النائب الخاص عن الامام بل الامر فيه أوضح كما لا
يخفى وأما الكلام في المقام الثاني فالحق فيه أيضا الانعزال لعدم ما يدل على بقائه هنا كما دل في النائب العام
عن الامام وقد عرفت أن مقتضى الأصل بعد عدم الدليل على البقاء هو الانعزال وعدم جواز التصرف وما يمكن
أن يقال وجها للبقاء وعدم العزل هو أن مقتضى عموم ما دل من الاخبار على نفوذ تصرف الحاكم ولو بعد الموت هو
بقاء النيابة وعدم ارتفاعها بالموت لكن ضعفه ظاهر لعدم دليل يدل بعمومه على نفوذ جميع تصرفات الحاكم ولو
بعد الموت إذ ليس هو كالامام مالكا لجميع الاعصار كما لا يخفى.

49
قوله الأولى الامام يقضي بعلمه مطلقا أقول اعلم أن الكلام في مسئلتنا هذه والمسألة الآتية إنما هو
في الشبهات الموضوعية وهي التي يفصل الامر فيها بالبينة والايمان وأما الشبهات الحكمية فلا إشكال بل لا خلاف
بل لا يعقل الخلاف في جواز الحكم فيها بالعلم أما في مسئلتنا هذه فظاهر لان ما يحكم به الإمام (عليه السلام) هو حكم الله في حق
جميع الناس وأما في المسألة الآتية وهو حكم المجتهد فلانه بعدما وجب عليه الحكم في الشبهة الحكمية فلا شئ
أقرب له من العمل بعلمه لأنه إما أن يعمل بالظن أو العلم والمترافعان وإن لم يجب عليهما تقليد الحاكم ولو في
معلوماته إذا كان هناك مجتهد آخر يجوز لهما تقليده إلا أنه في مقام الحكومة يجب عليهما الرضاء بحكمه وإن كان
عن ظن فضلا عن أن يكون من علم.
وكيف كان فالحق في المسألة هو قضاء الامام بعلمه مطلقا سواء كان في حقوق الله أو حقوق الناس لنا على
ذلك وجوه الأول كونه مقتضى الأصل بعد ثبوت وجوب الحكم بالواقع بين الناس لأنه لا يحتاج إلى جعل ودليل
على اعتباره كالامارات الظنية الكاشفة عن الواقع ظنا بعد الفرض المزبور وهذا مما لا إشكال فيه ولا شبهة تعتريه الثاني
الاجماعات المنقولة عن جماعة كما في محكي الانتصار والغنية والايضاح ونهج الحق وغيرها البالغة حد الاستفاضة
المعتضدة بالشهرة العظيمة بل عدم الخلاف في المسألة وقد عرفت اعتبار هذه القسم من الاجماع من باب الظن
الخاص غير مرة فلا احتياج إلى الإعادة. الثالث قول علي (عليه السلام) لشريح لعنه الله لما تخاصم مع من عنده درع طلحة ويلك
أو ويحك إمام المسلمين يؤتمن في أمورهم على ما هو أعظم من هذا وقد تمسك به جماعة على جواز قضاء الامام بعلمه
في الموضوعات الخارجية لكن في دلالته على ذلك تأمل حيث أنه ليس كلامنا في أنه إذا حكم الامام بعلمه هل فعل
جايزا أم لا فإنه ليس من محل النزاع في شئ فإن إمامته وعصمته تدلان على أنه كان ما فعل يكون له جايزا بحسب
الشرع وإلا لم يكن معصوما وإنما الكلام في المقام هو أن الحكم الشرعي من جانب الله تعالى في حقه ما هو وهكذا
الكلام في جميع ما يتعلق بالبحث عن تكليف الإمام (عليه السلام) ومن هنا تعرف النظر فيما في كلام بعض من الاستدلال
على جواز الحكم بالعلم في المقام بعصمة الإمام (عليه السلام) الرابع الآيات والأخبار الدالة على وجوب الحكم بالحق مثل قوله
تعالى يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق وقوله وأن تحكموا بين الناس بالعدل إلى غير ذلك وفي
الحقيقة تلك الآيات والاخبار مبينة لصغرى ما ذكرنا في الوجه الأول فتأمل هذا.
ويستدل على المنع بوجوه أيضا بعضها مختص بحقوق الناس وبعضها مشترك بين حقوق الله وحقوق الناس
أحدها الأخبار الواردة في الحكم بالبينة والايمان فإن ظاهرها بل صريحها انحصار فصل الخصومة بين الناس بهما
وعدم جواز الحكم بغيرهما منها صحيحة هشام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما اقضي بينكم بالبينات
والايمان ومنها خبر إسماعيل بن إدريس قال أمير المؤمنين (عليه السلام) جميع أحكام المسلمين على ثلاثة شهادة عادلة أو
يمين قاطعة أو سنة جارية مع أئمة هدى ومنها الخبر المروي عنه (عليه السلام) المرادف لما ذكر بحسب المعنى ومنها
ما ورد عنهم (عليهم السلام) من أنا نحكم بالظاهر إلى غير ذلك من الروايات الظاهرة في الحصر المذكور.
والجواب عنه ان تلك الأخبار لا تدل على الحصر حتى بالنسبة إلى العلم بل غاية ما تدل عليه الأخبار المذكورة
هو الحصر بالإضافة إلى غير العلم أما من جهة ملاحظة ما نزل في أصل الحكم بالبينة والايمان في حق
النبي (صلى الله عليه وآله) فإنه قد روى عنه (صلى الله عليه وآله) انه سئل الله تبارك وتعالى بأي شئ أحكم فيما لم أره ببصري ولم أسمعه بأذني
فقال تعالى احكم بالبينات والايمان هذا مضمون ما رواه الأستاذ العلامة في مجلس المباحثة ولم أر الخبر بلفظه
وجه الدلالة أن المراد بقوله فيما لم أره ببصري ولم أسمعه باذني هو السؤال عن صورة عدم حصول العلم له وكأنه

50
قال فيما لم أعلمه وإنما عبر عنه بذلك القول من حيث غلبة حصوله بهما كما في كثير من التعبيرات كما تقول لا أبرح
من هذا المكان حتى يؤذن المؤذن ومرادك دخول وقت الظهر مثلا وإنما عبرت عنه بذلك القول من حيث كون
أذان المؤذن امارة غالبية لدخوله هذا مضافا إلى أنه لا قول بالتفصيل في المسألة بين العلم الحاصل له من الحواس
الظاهرة وغيره وأما من جهة ان جعل البينة أو اليمين والحكم باعتبارهما في مقابل العلم بكذبهما مما لا معنى له
بل لا يعقل أما على وجه الطريقية فواضح وأما على وجه التعبد والموضوعية فلان جعل الظن ولو على وجه التعبد
في مقابل العلم بالخلاف غير معقول غاية الأمر عدم ملاحظة الشارع في جعله على ذلك التقدير كونه موصلا إلى
الواقع وأما الحكم باعتباره مع العلم بخلافه فمما لا يعقل لان الأحكام الظاهرية سواء كانت من الطرق الظنية أو
الامارات التعبدية قد أخذ في موضوعها الجهل بالواقع وأما من جهة كون الحصر فيها بملاحظة الغالب من حيث
عدم حصول الظن غالبا على خلافهما وأما من جهة كون المراد منها انا لا نتفحص عن الواقع ولا يجب علينا الفحص
عن الواقع بل نحكم بالبينة والايمان لا أنه إذا حصل العلم لنا لا نعمل به بل نأخذ بالظاهر فافهم.
ثانيها قول الصادق (عليه السلام) في خبر الحسين بن خالد الواجب على الامام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب
خمرا أن يقيم عليه الحد ولا يحتاج إلى بينة مع نظره لأنه أمين الله في خلقه وإذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب
عليه أن يزجره وينهاه ويمضي ويدعه قال قلت كيف ذلك فقال لان الحق إذا كان لله تعالى فالواجب على الإمام (عليه السلام)
اقامته وإذا كان للناس فهو للناس وبمضمونه بعض الأخبار الأخر أيضا.
وفيه أن هذه الرواية لا تدل على عدم جواز القضاء بالعلم فيما إذا كان المطلوب الواقع وإنما تدل على
كون مطالبة ذي الحق في حق الناس شرطا لإقامة الحدود وهو لا ينافي ما ذكرنا فالقضاء بالعلم في حقوق الناس
كالقضاء بالبينة والاقرار فيها موقوف على مطالبتهم وهو لا ينافي ما نحن بصدده وقد ادعى جماعة الاجماع على
توقف القضاء في حقوق الناس على مطالبة ذي الحق وهو كذلك إلا أن العلم وغيره سواء في ذلك يقضى بهما في الجملة
ولا يقضى بهما كذلك نعم خالف في ذلك الشيخ في المبسوط وبعض اخر فحكموا بجواز القضاء بالاقرار لبعض الروايات
ولكنه ضعيف.
ثالثها ما حكاه السيد عن أبي علي من أن الله تعالى أوجب للمؤمنين فيما بينهم حقوقا أبطلها فيما بينهم
وبين الكفار والمرتدين كالمواريث والمناكح وأكل الذبايح ووجدنا الله تعالى قد اطلع رسوله (صلى الله عليه وآله) على من كان
يبطن الكفر ويظهر الاسلام فكان يعلمه ولم يبين أحوالهم لجميع المؤمنين فيمتنعوا من مناكحهم وأكل ذبايحهم
انتهى ما حكى عنه وقد يقال في توجيه هذا الوجه انه لو بني على جواز حكم الامام بعلمه لاختل نظام جميع الناس
وارتفعت المصلحة الموجبة لاختفاء أمور الناس وأحوالهم في الدنيا من حيث علم الإمام بجميع جزئيات ما يصدر عنهم
قولا وفعلا وأيضا لو حكم بعلمه لشاع وذاع بل المعلوم من حال النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) عدم الحكم بعلمهم في
كثير من الموارد ومن راجع الاخبار وشاهد الآثار يجدها منادية بأعلى صوتها بما ذكرنا.
وفيه أولا المنع من علم المعصوم بجميع جزيئات أفعال المكلفين وأقوالهم فعلا غاية الأمر أنهم قادرون
على العلم بهما إن شاؤوا علموا وأين هذا من محل البحث في شئ ولا دلالة له على أنهم فيما علموا لم يحكموا
بعلمهم مع كون الحكم به موافقا للأصل والقاعدة الأولية حسبما عرفت سابقا وثانيا سلمنا علمه بجميع
جزئيات الأفعال حضورا كما هو مذهب بعض أهل الضلالة لكن نقول إنه لم يثبت لنا عدم حكمه بعلمه فيما لو كان
البينة واليمين على خلاف الحق بل المعلوم من حالهم في كثير من الموارد هو حكمهم على مقتضى ما علموا كما هو

51
معلوم لكل متتبع في الأخبار الواردة عنهم وأما عدم حكمه بعلمه في حق من يظهر الاسلام ويبطن الكفر في الأحكام المذكورة
وغيرها مثل عدم حكمه بنجاستهم وبعدم معاشرتهم فمسلم لكن لا دلالة فيه على عدم جواز الحكم فيما
نحن بصدده أما أولا فلاحتمال أن يكون الموضوع فيها في صدر الاسلام هو مجرد إظهار الاسلام وإن علم كونه
مخالفا للاعتقاد لا الاظهار المعلوم موافقته للباطن أو المحتمل كما في المتأخر عنه وهذان الجوابان يظهران من
كلام السيد أيضا فيما ذكره في الجواب عن المستدل وأما ثانيا فلاحتمال كون عدم حكمه بعلمه في الموارد
المذكورة وأشباهها مما ثبت فيها عدم حكمه بعلمه فيها لأجل مراعاة مصلحة عامة غالبة على مصلحة الواقع
فيرتفع الحكم الواقعي فعلا من حيث مزاحمة مصلحته بما هي أقوى منها فلانا لا ندعي استحالة عدم الحكم بالعلم
بأن يرفع اليد عن الواقع لكن في نسبة (تسمية خ) هذا العلم بالحكم من حيث ملاحظته شأنا لا فعلا ولا يكاد يخفى
عليك الفرق بين هذا وسابقه لان ذلك مبني على عدم الحكم في الواقع لان الموضوع فيه بحسب الواقع هو إظهار
الاسلام وإن تجرد عن الاعتقاد بالجنان وهذا مبني على وجوده بحسب الواقع لكنه ارتفعت فعليته لمصلحة من المصالح
العامة الغالبة على مصلحة الواقع والفرق بينهما بين غايته وواضح نهايته.
وبهذا الذي ذكرنا هنا تعرف النظر فيما استدل به جماعة على اسلام العامة العمياء خذلهم الله منهم
المحقق قدس سره على ما حكى عنه الأستاذ العلامة دام ظله العالي من أنا نعلم بمعاشرة الأئمة (عليهم السلام) معهم وعدم
حكمهم بنجاستهم فيعلم من ذلك بعدم كفرهم فإن عدم حكم الأئمة بنجاستهم لا يدل على عدم كفرهم لاحتمال
كفرهم بحسب الواقع لكنهم لم يحكموا بنجاستهم لمصلحة من المصالح العامة كيف وإنا نعلم بمعاشرتهم (عليهم السلام) مع الصابئين
مع الاتفاق على كفرهم حتى ممن لا يرى كفر العامة فلا بد من الجواب بما ذكرنا ثم لا يخفى عليك ان هذا الدليل
الذي ذكره المستدل لعدم الجواز أخص من المدعى حيث إنه لا يمنع من عمل الامام بعلمه فيما لو كان حاصلا
من الأسباب المتعارفة إلا أن يتمسك بالاجماع على عدم الفرق هذا مجمل القول في قضاء الإمام (عليه السلام) بعلمه.
قوله وغيره من القضاة يقضي بعلمه في حقوق الناس قطعا وفي حقوق الله على قولين أصحهما القضاء الخ
أقول تحقيق القول في هذا الفرع يعلم مما ذكرنا في الفرع السابق جوازا ومنعا لكن نزيد ها هنا توضيحا وتنقيحا
ونقول إنه بعد ما ثبت أحكام مختلفة للموضوعات الواقعية بالخطابات التفصيلية قد خوطب بها الحكام على ما هو -
المفروض كقوله تعالى السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وقوله تعالى الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مئة
جلدة إلى غير ذلك وفرض علمهم بتحقق تلك الموضوعات على ما هو المفروض يجب عليهم ترتيب آثار تلك الموضوعات
وإلا لم يكن الآثار آثارا لتلك الموضوعات هذا خلف وأما قيام البينة مثلا على عدم كون من علم بكونه شارب الخمر
شاربا للخمر فلا يوجب خروجه عن ذلك الوصف العنواني لان البينة لا تأثير لها في الموضوعات الواقعية غاية الأمر
وجوب ترتيب آثار الواقع عليها ما لم يعلم خطئها أو كذبها كساير الطرق الشرعية المقررة في الموضوعات والمجعولة
في الاحكام لان غير العلم لا يعقل أن يجعل في مقابل العلم بالخلاف وهذا محصل ما ذكرنا في بيان الأصل في
الفرع السابق هذا مضافا إلى انعقاد الاجماع على الجواز في المقام أيضا على ما نقل عن جماعة المعتضد بما ذكرنا
من الشهرة المحققة وهو الحجة في المسألة وإلى ما ذكره جماعة من استلزام عدم القضاء فيه فسق الحاكم أو ايقاف
(انقلاب خ) الحكم وهما معا باطلان وذلك لأنه إذا طلق الرجل زوجته ثلاثا مثلا ثم جحد كان القول قوله مع يمينه
فإن حكم بغير علمه وهو استحلافه وتسليمها إليه لزم الأول وإلا لزم الثاني لا لموجب يوجبه واستلزامه أيضا عدم
وجوب انكار المنكر وعدم وجوب إظهار الحق مع امكانه وهو أيضا باطل فتعين العمل بعلمه أما لزومه فواضح
وأما بطلانه فأوضح هذه خلاصة ما قالوا أو يقال في المقام وعليك بالتأمل التام فلا تغتر بكلمات بعض الاعلام فإن الحق

52
أولى بالاتباع وأحرى بالقبول.
قوله لو قضى الحاكم على غريم بضمان مال وأمر بحبسه الخ أقول وينبغي أن يفصل القول في المرام
في ضمن مقامين أحدهما في جواز نقض الفتوى بالفتوى ثانيهما في جواز نقض الحكم بالحكم أما
الكلام في المقام الأول فيقع في مقامات أحدها في جواز نقض الفتوى بالفتوى بالنسبة إلى مجتهدين بأن يفتي
أحدهما على خلاف ما أفتى به الآخر وهذا لا إشكال في جوازه بل لا خلاف فيه بل الاجماع منعقد عليه وإلا لزم سد
باب الافتاء بالنسبة إلى غير مجتهد واحد وهذا مما يشهد الضرورة على بطلانه هذا كله بالنسبة إلى الافتاء وأما الكلام
في ترتيب الأثر في حق مجتهد بالنسبة إلى مجتهد آخر فمجمل القول فيه أنه لا يخلو إما أن يكون الصحة عنده
كافية في ترتب الأثر على عمله بمعنى أنه علم من الأدلة كون الصحة عنده موضوعا في ترتب الأثر بالنسبة إلى
عمل الغير كما إذا صلى مجتهد صلاة بدون السورة بالاستيجار وأخذ الأجرة عليها فإنه يجوز لمجتهد آخر اكلها
والتصرف
فيها أو لا يكون كذلك أي لم يعلم كون الصحة عنده كافية سواء علم عدمه كما في مسألة الاقتداء فإنه لا يجوز
لمجتهد أن يقتدي بمن يعلم أنه يترك السورة في الصلاة مع اعتقاده وجوب السورة أو لم يعلم الأمران كما إذا أراد أن
يوجر للصلاة عن أبيه مثلا ويعلم أنه لا يقرء السورة في الصلاة من حيث أداء نظره إلى عدم وجوبها فإن في جواز
استيجاره إشكالا مقتضى أصالة الاشتغال عدمه
ثانيها في جواز نقض الفتوى بالفتوى في حق مقلد واحد بالنسبة
إلى مجتهدين ومرجعه إلى جواز العدول عن تقليد مجتهد إلى آخر فيما قلد فيه ومجمل القول فيه أنه لا يخلو إما
أن يكون المجتهدان متساويين في العلم والورع أو لا فإن كان الأول فلا يجوز العدول لقاعدة الاشتغال من حيث رجوع
الامر إلى مسألة الدوران بين التعيين والتخيير ولا يعارضها استصحاب التخيير الثابت في الابتداء من حيث الشك في
بقاء موضوعه بل التحقيق عدم جواز العدول وإن قلنا بالبراءة في تلك المسألة لرجوع الشك إلى الشك في حجية
قول من يعدل إليه هذا ولكن خالف فيه جماعة منهم ثاني المحققين والشهيدين وحجتهم ضعيفة وتفصيل القول
فيه في الأصول وإن كان الثاني فالحق فيه الجواز بل الوجوب لما قد دل عليه في ابتداء الامر لان ما دل على وجوب
تقليد الأعلم والأورع لا يفرق فيه بين الابتداء والاستدامة وبعبارة أخرى كلما يوجب التقديم في ابتداء الامر
يوجبه فيما نحن فيه وكلما لا يوجبه في ابتداء الامر لا يجوز معه العدول فيما نحن فيه وقد ذكرنا شطرا من الكلام
في تفصيل المقام فيما كتبنا في الأصول في مسألة الاجتهاد والتقليد
ثالثها في جواز نقض الفتوى بالفتوى بالنسبة
إلى مجتهد واحد ومقلده فيما لو تبدل رأيه فنقول لا يخلو إما أن يقطع بفساد اجتهاده الأول أو يظن بظن معتبر وعلى
التقديرين إما أن يكون المورد من العبادات أو المعاملات بالمعنى الأعم من العقود والايقاعات أي كل ما يحتاج إلى
الانشاء أو الاحكام فإن كان الأول فلا إشكال في وجوب النقض مطلقا بل الظاهر أنه لا خلاف فيه وقد ادعى عليه -
الاجماع جماعة من المتقدمين والمتأخرين وإن كان الثاني فالحق فيه أيضا بالنظر إلى القاعدة الأولية هو وجوب
النقض مطلقا سواء كان في العبادات أو المعاملات أو الاحكام بالنسبة إلى الآثار السابقة واللاحقة لان مقتضى كون
الظن طريقا هو ترتب آثار الواقع عليه في صورة الانكشاف من أول الأمر وإن كان الانكشاف ظنيا بظن معتبر
لأنه لا تفاوت في العلم والظن المعتبر من تلك الحيثية حيث إن مفاد أدلة حجية الظن هو ترتب آثار الواقع عليه
في كل زمان فإذا أدى إلى وجوب السورة في الصلاة مثلا يجب الحكم بكون المجعولة عند الشارع المعروضة
للوجوب هي الصلاة مع السورة فكلما فعله المكلف من الصلاة بدون السورة ففاسد جدا إذ لم يأت بما هو الواجب عليه
وإن كان الباعث على اتيانها بدون السورة هو أداء ظنه إلى عدم وجوبها غاية الأمر انه معذور من جهة ذلك هذا بالنظر

53
إلى القاعدة الأولية وأما بالنظر إلى الدليل الوارد فالظاهر فيه قيام الاجماع على عدم وجوب النقض بالنسبة إلى الآثار
السابقة في العبادات في الفرض وأما المعاملات ففي الحكم بوجوب النقض فيها بالنظر إلى الآثار السابقة أيضا إشكال
ينشأ من ملاحظة الأصل المذكور ومن لزوم الحرج أو الضرر والهرج فتأمل وأما الاحكام فاللازم فيها هو البناء على
وجوب النقض مطلقا نعم لو لزم من الحكم بالنقض عسر في حق شخص فالمتعين هو الحكم بعدم النقص فتأمل
هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما المقام الثاني وهو جواز نقض الحكم بالحكم فيقع الكلام فيه في مقامين أحدهما في الموضوعات
ثانيهما في الاحكام والكلام في كل منهما يقع أيضا في مقامين أحدهما بالنسبة إلى المترافعين ثانيهما بالنسبة
إلى حاكم آخر.
والكلام في المقام الثاني من المقامين الأولين يقع في مقامات أحدها فيما لو علم بفساد اجتهاده كما
لو علم أنه حكم في المسألة الفلانية من جهة تخليه انعقاد الاجماع عليها ولم يكن المسألة اجماعية أو اعتقد صحة
كتاب من كتب الاخبار وحكم بمضمون الخبر المذكور فيه وكان الكتاب غلطا إلى غير ذلك ثانيها أن يعلم بكون
ما حكم به مخالفا للحكم الواقعي النفس الامري والفرق بين هذا وسابقه ظاهر إذ لا ملازمة بينهما من الطرفين كما لا
يخفى ثالثها ما لو علم بكون حكمه مخالفا للدليل المعتبر عند الكل وإن كان ظنيا كظاهر الكتاب والسنة المتواترة
رابعها ما لو علم بمخالفة حكمه للدليل المعتبر عند الحاكم أو المترافعين أو عند جماعة مع مخالفة آخرين.
وفي المقام الأول منهما أيضا يقع الكلام في مقامين أحدهما ما لو علم المحكوم عليه بمخالفة حكمه
للواقع كما لو حكم بالبينة واليمين باشتغال ذمته وعلم كذب البينة أو المدعى ثانيهما ما لو لم يعلم ذلك هذا مجمل
القول في تصوير المقامات المتصورة في المقام المبحوثة عنها في كلماتهم ونحن نفصل القول في بيان حكم كل منها
حسبما يقتضيه المجال بعون الملك المتعال.
وبالحري أن نقدم الكلام في بيان حكم المقام الرابع من المقام الثاني وهو ما لو علم بمخالفة حكمه
للدليل المعتبر في الجملة من حيث كثرة وقوع المكالمة فيه ومقدميته لتوضيح الامر في باقي الصور في الجملة فنقول
إن المشهور المعروف بل لا يبعد دعوى الاجماع عليه هو عدم النقض مطلقا سواء كان الحاكم أو المترافعين
أو غيرهما بل يجب على الجميع ترتيب آثار الواقع على حكمه والمترائى من كلام بعض بل جماعة هو جوازه
وربما يجري على لسان بعض مشايخنا المتأخرين طاب ثراه التفصيل بين تراضي الخصمين فيجوز وإلا فلا يجوز
والحق ما ذهب إليه المشهور من عدم جواز النقض مطلقا.
لنا وجوه من الأدلة الأول الأصل وتقريره ان الحكم الذي هو عبارة عن الالزام على خلاف ما يقتضيه
التكليف وإن كان مخالفا للقاعدة الأولية حسبما عرفت تفصيل القول فيه في صدر الكتاب لكنه بعدما ورد الدليل
على جوازه ونفوذه من جانب الشارع وفصل الامر به يكون مقتضى القاعدة هو عدم جواز نقضه وعدم ترتب الأثر
على حكم حاكم آخر لأنه بعدما مضى الامر وانفصلت الخصومة يكون وصلها واعادتها محتاجا إلى دليل وبعبارة أخرى
انه بمجرد حكم الحاكم بعد فرض الدليل على جوازه لا يبقى موضوع الخصومة حتى يترتب عليها أحكامها
وهذا أمر ظاهر قد أشرنا إليه في صدر البحث الثاني الاجماع المنقول البالغ حد الاستفاضة المعتضد بالشهرة
العظيمة المحققة والمنقولة بل عدم الخلاف في المسألة وهو الحجة في المسألة من حيث كونه من الظنون الخاصة
كما أشرنا إليه غير مرة الثالث دلالة ما دل على جواز الحكم من الكتاب والسنة عليه سيما قوله (عليه السلام) فارضوا به حكما

54
فإني قد جعلته حاكما فإن مقتضى ما دل على جوازه هو حكومته على جميع تكاليف المترافعين وغيرهما وإلا لزم
عدم جوازه رأسا لان الالزام بمقتضى تكليف المتخاصمين ليس من الحكم في شئ وإنما هو أمر بالمعروف الذي يجب
على كل من يقدر عليه من المكلفين من المقلد والمجتهد والحر والعبد فيعلم من ذلك أن الحكم الذي هو عبارة
عن الالزام بخلاف ما يقتضيه التكليف الذي يكون مختصا بالمجتهد إذا صار جايزا يكون حاكما على تكليف
المرافعين وغيرهما وإلا لزم الخلف وهو محال وقد مر بيان لذلك أيضا في صدر المبحث فليراجع إليه الرابع قوله (عليه السلام)
فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فبحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا راد على الله وهو على حد الشرك بالله
الخبر وقد مر بيان دلالته في صدر الكتاب فليراجع إليه الخامس لزوم الهرج والمرج وهو باطل أما اللزوم فظاهر
وأما البطلان فأظهر إلى غير ذلك مما يمكن استفادة المدعى منه ومن ذلك يظهر ضعف تفصيل بعض مشايخنا في
المقام بين التراضي وعدمه إذ لا مدخلية لتراضي الخصمين في تغيير الحكم الشرعي ولا في إعادة الخصومة بعدما
ارتفعت كما هو الفرض هذا مجمل القول فيما لو علم بمخالفة حكمه للدليل المختلف في اعتباره وعدمه.
وأما الكلام في المقام الأول من تلك المقامات أي ما لو علم بمخالفة حكمه للحكم الواقعي النفس الامري
فنقول ان الحق فيه جواز النقض بل وجوبه بالنسبة إلى المترافعين والحاكم سواء كان المترافعان مجتهدين أو
مقلدين أو مختلفين والوجه فيه عدم قابلية تحكيم الحكم على العلم بالخلاف وهذا بخلاف الأمارات الظنية
فإنها قابلة لتحكيم بعضها على بعض وبعبارة أخرى إنما حكمنا بتقديم الحكم على تكليف المترافعين وغيرهما
في الصورة السابقة من جهة ما استفدنا من الأدلة من كون حكم الحاكم طريقا شرعيا للمترافعين وغيرهما حاكما
على سائر الطرق الشرعية ومعلوم إن هذا لا يجري في صورة العلم بالخلاف لعدم قابلية حكومة الظن على القطع
بالخلاف اللهم إلا أن يرفع اليد عن الواقع بأن يجعل حكم الحاكم في عرض الواقع من غير أن يكون طريقا إليه
فإنه يمكن حينئذ أن يقال بتقديم الحكم على العلم لكنه لم يقم دليل على ذلك بل المعلوم عندنا خلافه.
فإن قلت إن قضية جواز حكم الحاكم في الفرض كما هو المفروض فصل الخصومة به حسبما ذكرت
في الصورة السابقة فإذا انفصل الامر فما الدليل على كون علم المترافعين أو الحاكم بالخلاف سببا لوصله.
قلت العلم بكون الحكم مخالفا للواقع يكشف عن عدم امضاء الشارع إياه من أول الأمر فلم يفصل الامر
حتى يحتاج وصله إلى دليل.
فإن قلت إن قوله (عليه السلام) فإذا حكم بحكمنا إلى آخره دال على أن مجرد الحكم سبب تام لوجوب ترتيب
الأثر على المحكوم به سواء علم بالخلاف أم لم يعلم ومن أين جاء التقييد بعدم العلم على الخلاف.
قلت نمنع صدق قوله فإذا حكم بحكمنا في صورة العلم بالخلاف كيف وأنا نعلم أنه لم يحكم
بحكمهم غاية الأمر الحمل على الواقع فيما لم يعلم الامر ان الموافقة والمخالفة وأما إذا علم المخالفة كما هو
المفروض فنمنع من الحمل عليه بل لا يمكن كما لا يخفى.
فإن قلت إن المراد بقوله فإذا حكم بحكمنا حسبما ذكرت في صدر الكتاب كون حكمه حكما
بحكمهم في نظر الحاكم لا غيره فإذا اعتقد كون حكمه من أحكامهم يحرم نقضه وإن علم مخالفته للواقع
قلت ما ذكرت في صدر الكتاب من أن المراد بقوله فإذا حكم بحكمنا ما ذكر انما هو في مقابل عدم
اشتراط العلم بموافقة حكمه للواقع لا في مقابل العلم بالخلاف فإنك قد عرفت عدم تمامية هذه إلا برفع اليد عن -
الواقع وهو خلاف المفروض هذا كله في المقام الأول.

55
وأما المقام الثاني وهو ما لو علم بفساد حكمه من حيث فساد اجتهاده سواء كان بتقصير منه كما لو لم
يتفحص أصلا حتى يعلم بصحة الكتاب الذي يأخذ منه الخبر أو يظن أو بدونه كما لو تفحص ولم يجد فالحق فيه
جواز النقص بل وجوبه بالنسبة إلى المترافعين والحاكم لما قد عرفت في المقام الأول من كشف ذلك من عدم كون
ذلك الحكم متعلقا لامضاء الشارع بل كان من أول الأمر فاسدا كحكم العامي فلا يجري ما ذكرنا من الأدلة على
عدم جواز نقض الحكم من حيث اختصاصها بالاجتهاد الصحيح.
وأما المقام الثالث وهو ما لو علم بمخالفة حكمه للدليل المعتبر عند الكل أو المعظم فلا يخلو إما أن
يكشف ذلك عن تقصيره في الاجتهاد أو قصوره أو لا يكشف عن ذلك فإن كشف عن ذلك فيرجع إلى المقام الثاني
فالحكم هو الحكم وإلا ففيه إشكال من حيث عموم الأدلة الدالة على حرمة النقض وشمولها بالنسبة إلى المقام
ومن حيث العلم بكون التكليف الظاهري لكل أحد هو مؤدى الدليل الفلاني حتى لهذا الحاكم فيرجع إلى
العلم بمخالفة حكمه للتكليف الظاهري حتى في حق الحاكم فلا أثر في حكمه كما لو خالف الدليل العلمي ومن
هنا تعرف النظر فيما ذكره الشهيد قدس سره في الدروس من الحكم بجواز النقض فيما لو علم بمخالفة حكمه
للخبر الصحيح الذي لا يعارضه دليل آخر أو للمفهوم الموافقة وجه النظر انه يمكن منع كون ما ذكره من الدليل
المعتبر عند الكل سيما في جميع المقامات والموارد مع أنه لو كان من ذلك لأمكن المناقشة فيه وفيما ذكره
جماعة من الحكم بالنقض مطلقا هذا مجمل القول في الاحكام.
وأما الموضوعات فإن لم يعلم بمخالفة حكمه فيها للواقع فلا إشكال في عدم جواز النقض لما قد دل
على عدم الجواز في الشبهات الحكمية وإن علم بذلك فإن علم المحكوم عليه بمخالفة حكمه للواقع بينه و
بين الله فيجب إلزامه ظاهرا على الالتزام بالحكم حتى من الحاكم الآخر ما لم يعلم صدقه في الادعاء وإلا لزم نقض
جميع الأحكام من حيث ادعاء المحكوم عليه دائما كذب الشهود أو المدعى لكن يجوز له انقاذ ماله من المحكوم
له بينه وبين الله ولو بالسرقة وإن علم بذلك الحاكم فيجب عليه ظاهرا ترتيب الأثر على حكمه بأن يأمر المحكوم
عليه بالالتزام به وإن علما به فيجوز نقضه حينئذ هذا.
وينبغي التنبيه على أمور الأول ان كلما حكمنا بجواز نقض الحكم بالحكم معناه هو الحكم ببطلانه
وعدم تأثيره من أول الأمر بمعنى كون وجوده كعدمه لا رفع اليد عن استمراره مع الحكم بتأثيره حتى يصير
كمسألة النسخ في الجملة فإذا فرض الشك في جواز النقض وعدمه فمرجعه إلى الشك في أصل تأثير الحكم حين
وقوعه وعدمه لا إلى الشك في وجود المانع عن استمراره وعدمه فيعلم من ذلك أن ما تمسك به بعض مشايخنا
في بعض صور المسألة من الاستصحاب لا أثر له في المقام ولا مدخل له في المرام اللهم إلا أن يتمسك بأن الأصل
عدم تأثير حكم الثاني وعدم نفوذه بعد حكم الأول لكن هذا لا دخل له باستصحاب حكم الأول مع أنه يمكن منع
صحة هذا الأصل أيضا بالنسبة إلى اثبات التأثير للحكم الأول وإن أمكن أن يثبت به عدم التأثر للحكم الثاني ومن
هنا تبين ان اطلاق النقض في المقام والمقام الأول أي نقض الفتوى بالفتوى مسامحة في التعبير وإلا ليس هنا ولا هناك
نقض حقيقة بل الموجود في المقامين هو رفع اليد من أول الأمر.
الثاني ان كلما حكمنا بعدم جواز النقض هل معناه هو الحكم بكون حكم الحاكم طريقا إلى المحكوم
به بقول مطلق بحيث يترتب عليه جميع آثاره كالافتاء حتى يحرم الحكم على خلافه ولوفي واقعة أخرى وفرد
آخر من ذلك المحكوم به كما يحرم العدول عن تقليد مجتهد إلى آخر فيما لو قلده في فرد من كلي ولو في فرد آخر

56
فيكون حكم الحاكم طريقا شرعيا حاكما على جميع تكاليف المترافعين والحاكم بالنسبة إلى جميع أفراد المحكوم
به في جميع آثارها أو الحكم بكون حكمه طريقا إلى المحكوم به في الفرد الذي وقع الخصومة فيه لكن بالنسبة
إلى جميع آثاره فيجوز الحكم على خلافه في فرد آخر كما يظهر من بعض مشايخنا طاب ثراه أو الحكم بكونه
طريقا إليه بالنسبة إلى الجهة التي وقعت الخصومة لأجلها فلا يترتب عليه من آثاره إلا الأثر الذي هو مورد الخصومة
بمعنى عدم كونه حاكما على جميع تكاليف المترافعين بالنسبة إلى المحكوم عليه وإنما هو حاكم بالنسبة إلى الأثر الذي
هو مناط الخصومة أو تفصيل (يفصل خ) بين الموارد والاحكام ففي بعضها يحكم بالثاني وفي بعضها بالثالث وجوه
أوجهها ثالثها مثلا إذا تنازع البايع والمشتري في صحة بيع العصير العنبي مثلا بعد الغليان فيدعي المشتري بطلانه ووجوب
رد الثمن من حيث كون فتواه أو تقليده على النجاسة والبايع صحته من حيث كون تكليفه على الطهارة فترافعا عند مجتهد
فحكم بطهارته فعلى الأول لا بد من الحكم بكون العصير العنبي حكمه الطهارة بالنسبة إلى جميع أفراده وجميع
آثاره (ها خ) فكان حكمه دليل معتبر على طهارة العصير يجب اتباعه على الكل حتى في غير مورد الخصومة والظاهر أن
هذا الاحتمال لا قائل له معتدا به وعلى الثاني يحكم بخروج هذا الفرد من حكم العصير العنبي بالنسبة إلى جميع
اثاره مثل شربه واستعماله وأخذ الثمن عليه إلى غير ذلك وإن كان فتوى المشتري مثلا على نجاسة العصير وعلى الثالث
يحكم بخروج هذا الفرد من العصير من حيث جواز إعادة الثمن والحكم ببطلان البيع لكن لا يحكم بخروج هذا الفرد
من العصير مطلقا حتى لا يجب الاجتناب عنه لأنه لم يكن من مورد الخصومة في شئ وإنما الخصومة في استرداد الثمن
فيحكم بالنفوذ والورود من جهته وعلى الرابع يفرق بين ما إذا حكم بالطهارة أو بالصحة فعلى الأول كالثاني وعلى الثاني
كالثالث ويفرق أيضا بين ما حكم بالنجاسة في الصورة المفروضة أو الطهارة فعلى الأول كالأول وعلى الثاني كالثاني
وببالي أنه لا قائل بهذا التفصيل أيضا وإن كان أوجه من غير الثالث.
وكيف كان لنا على ما صرنا إليه ظهور أدلة إنفاذ الحكم والالزام به في الجهة التي وقعت المخاصمة لأجلها
وصدر الالزام من الحاكم من جهتها ومعلوم أنه لا نزاع في المثال بين المشتري والبايع في جواز الصلاة فيما لاقي العصير
وعدمه أو في جواز شربه وعدمه وإنما التنازع بينهما من جهة استرداد الثمن وعدمه فإذا حكم بالطهارة أو الصحة
يحكم بحكومته على تكليف المشتري من حيث عدم صحة بيع العصير وجواز استرداد ثمنه وأما الحكم بطهارته
في حقه حتى لا يلزم عليه الاجتناب عنه فلم يقع موردا للخصومة أصلا حتى حكم بورود الحكم على تكليف المشتري
من جهته أيضا وهذا أمر ظاهر بعد التأمل في أدلة نفوذ حكم الحاكم.
وهذا الذي ذكرنا هنا نظير ما ذكرناه في أصالة الصحة من أنه إذا شك بعد الدخول في فعل العصر في
فعل الظهر يحكم بالبناء على فعل الظهر من حيث توقف صحة فعل العصر عليه لا البناء على فعله بقول مطلق حتى
لا يحتاج إلى اعادتها بعد صلاة الظهر وما ذكرناه في قاعدة الشك بعد الفراغ من أنه إذا شك في طهارته بعد الفراغ
عن العمل الموقوف صحته عليها يحكم بالبناء على الطهارة من حيث توقف صحة العمل المفروض عليها لا البناء على
وجودها بقول مطلق حتى يحكم بجواز الدخول في باقي الأعمال الموقوفة عليها بل يحكم بالنسبة إليها على البناء
على العدم ووجوب التطهير.
وأردء الاحتمالات الباقية الاحتمال الأول حيث إنه ليس هنا دليل على نفوذ حكم الحاكم ووروده
على جميع أدلة التكاليف مطلقا ولو في مورد غير الخصومة بل قد يناقش في تسميته في غير مورد المنازعة حكما
حيث إنه أخذ في موضوعه فصل الامر نعم يمكن الاستدلال له بناء على تمامية الوجه الثاني وكون الحكم نظير

57
الافتاء طريقا إلى متعلقه بقول مطلق بعدم القول بالفصل بين أفراده فإنه لم يفصل أحد بين أفراد العصير بأن يحكم
بنجاسة بعضها وطهارة الباقي فإذا حكمنا بالنجاسة مثلا في البعض بمقتضى حكم الحاكم نحكم بنجاسة الباقي
بعدم القول بالفصل اللهم إلا أن يقال إن عدم التفكيك بين أفراد الخمر بحسب الواقع لا يستلزم عدمه بحسب الظاهر
أيضا فتأمل نعم إذا دل دليل على نفوذ حكم الحاكم مطلقا ولو في غير مورد الخصومة كما ثبت في بعض الموارد
الجزئية كمسألة ثبوت الهلال ونحوه نقول به وإلا فلا هذا.
واحتج للوجه الثاني بأن مقتضى اطلاق أدلة نفوذ حكم الحاكم هو نفوذه مطلقا ولو بالنسبة إلى غير
جهة الخصومة وبعبارة أخرى أوضح ان الأدلة إنما دلت على طريقية حكم الحاكم بالنسبة إلى المحكوم عليه
بحيث كان حكما على جميع الامارات والأدلة ومعلوم ان ما حكم به في المثال المذكور هو الطهارة فيجب -
الحكم بثبوتها بمقتضى طريقيته إليها لا عدم جواز استرداد الثمن حتى يقتصر عليه ولا يتعداه إلى غيره
من الآثار.
والجواب عنه ما عرفت من أن من تأمل في أدلة نفوذ حكم الحاكم يعلم علما يقينا بحيث لا يدخله شك ان
مقتضاها هو النفوذ من حيث رفع الخصومة هذا كله بالنسبة إلى المترافعين والحاكم وأما غيرهم (هما خ) فجريان ما
ذكرنا في حقه أوضح ثم إن اللازم على الاحتمال الثاني (الأول خ) هو عدم جواز الحكم من حاكم آخر على خلاف ما
حكم به الأول بالنسبة إلى هذا الفرد من العصير مثلا ولو في واقعة أخرى وفرد آخر من البيع أو غيره لأن المفروض
خروج هذا الفرد من العصير من حكمه من جهة حكم الحاكم وعلى الثالث يجوز للحاكم الحكم على خلاف ما حكم
به الأول في واقعة أخرى وفرد آخر من البيع على إشكال فيه.
الثالث انك قد عرفت من تضاعيف ما ذكرنا في حكم نقض الحكم بالحكم حكم نقض الحكم بالفتوى و
نقض الفتوى بالحكم وحاصله انه ينتقض به إذا كان وقوعه على وجه صحيح بأن لا يعلم خطأ الحاكم في اجتهاده
إما من قصور أو تقصير ولم يحصل القطع على خلافه وإلا فلا ينتقض الفتوى بالحكم بل الامر بالعكس فإنه يعمل حينئذ
بالفتوى ويطرح الحكم.
وأما نقض الحكم بالفتوى بالنسبة إلى نفس الحاكم كأن يحكم في واقعة بحكم كنجاسة أو طهارة أو
غيرهما ثم أدى نظره في ثاني الزمان إلى خلاف ما حكم به في الواقعة الفلانية فلا يخلو إما أن يحصل له القطع بكون
حكمه مخالفا للحكم النفس الامري أو يحصل له القطع بفساد اجتهاده الأول الذي كان مدركا لحكمه إما بقصور
منه أو تقصير أو لا يحصل له القطع بشئ منهما وعلى الثاني لا يخلو أيضا إما أن يحصل له القطع بمخالفة
اجتهاده الأول لدليل مسلم الاعتبار عند الكل أو لا يعلم ذلك أيضا بل يظن بظن معتبر كون حكم الله هو ما أدى إليه
نظره ثانيا.
والظاهر أن الحكم في جميع الصور هو الحكم فيما ذكرنا من جواز نقض الحكم بالحكم فراجع إليه
وتأمل فيه حتى يظهر لك حقيقة الحال إلا في الصورة الأخيرة فإنه قد يتأمل في شمول أدلة حرمة نقض الحكم
بالنسبة إلى نفس الحاكم فيما لو تبين فساد حكمه ولو بالظن الاجتهادي بل يكون حكمه في حقه كفتواه فيراعى
فيه ما روعي فيها من وجوب النقض مطلقا من حيث انكشاف الخلاف حسبما هو قضية الطريقية بقول مطلق
وحرمته بالنسبة إلى بعض الآثار في بعض الموراد من حيث قيام الدليل من الخارج على التفصيل الذي عرفته سابقا.
وقد تمسك بعض مشايخنا قدس سره لعدم الجواز باستصحاب اثر الحكم وباطلاق الأدلة وظهورها

58
بالنسبة إلى الحاكم أيضا وقد عرفت المنع عن جريان الاستصحاب في المقام من حيث رجوع الشك في المقام إلى
الشك في أصل السببية والتأثير من أول الأمر لا في ارتفاعها برافع بعد القطع بثبوتها واقتضائها الدوام لو لم يمنع
مانع وعن شمول الأدلة بالنسبة إلى نفس الحاكم وما يقال في توجيه الاستصحاب من أن شك في المقام نظير الشك
في النسخ للحكم الشرعي فإن الطرق الظاهرية مثبتة للتكليف فالشك فيه يرجع إلى الشك في رفع الاستمرار فاسد
جدا لظهور الفرق بين ما نحن فيه وبين مسألة النسخ فإن مؤدى جعل الطرق هو البناء عليها لما لم ينكشف الخلاف
فإذا انكشف الخلاف لا بد من البناء على عدمها من أول الأمر حسبما هو قضية الطريقية فما نحن فيه نظير فسخ
العقد من أول الأمر لا فسخه من حين وقوع الموجب له كما هو في بعض الموارد هذا مجمل القول في حكم صور المسألة
وقد فصلنا القول في بعضها فيما كتبنا في الأصول في مسألة الاجتهاد والتقليد وعليك بالتأمل فيما أجملنا هنا
لعلك تظفر على ما وقع من الخلط والاشتباه من جماعة والله العالم وهو الهادي.
قوله الرابعة ليس على الحاكم تتبع حكم من قبله الخ أقول الكلام في المسألة يقع في ثلاث مقامات
الأول انه لا يجب على الحاكم تتبع حكم من كان قبله الثاني انه لا يحرم عليه التتبع وإن لم يزعم المحكوم عليه
انه حكم الحاكم عليه بجور الثالث في وجوب النظر عليه إذا ادعى المحكوم عليه ان الحاكم حكم عليه بجور
من دون تكليفه بالبينة.
أما الكلام في المقامين الأولين فيدل على الجواز فيهما مضافا إلى ظهور الاجماع أصالة البراءة عن الوجوب
والحرمة مضافا إلى أصالة حمل فعل المسلم على الصحة في الأول هذا ولكن قد يتوهم حرمة النظر من دون ادعاء
المحكوم عليه الحكم بالجور من حيث استلزامه الفحص والتفتيش عن عيون الناس وجه الملازمة انه مستلزم
للتفتيش عن فسق الحاكم وهو محرم بالكتاب والسنة لكنك خبير بفساد هذه التوهم أما أولا فللمنع من كون
مجرد التفتيش عن الواقع فحصا عن عيب أحد وثانيا سلمنا كونه مستلزما للفحص عن خطأ الحاكم في اجتهاده
لكنه ليس الخطأ في الاجتهاد عيبا بعد فرض معذورية المجتهد فيه وإن سمى مجرد الخطأ في الاجتهاد عيبا نمنع
كون الفحص عن كل عيب حراما حتى مثل هذا العيب فإن قيل نفرض الكلام فيما إذا اطلع بعد الفحص على فسق
الحاكم بتقصير في اجتهاده قلنا أولا ان مجرد الاطلاع على الفسق أحيانا لا يسمى فحصا عن الفسق كما لا يخفى
إذا لفحص عن شئ لا يطلق إلا إذا كان غرض الشخص من أول الأمر بالفحص الوصول إليه وثانيا سلمنا كونه
فحصا عن العيب لكن نمنع من كون الفحص عنه في المقام حراما بل هو نظير الفحص عن أحوال الرجال
والشهود وغيرهما.
وأما الكلام في المقام الثالث وهو وجوب النظر عليه من دون مطالبة البينة من المدعي فقد استدل له
مضافا إلى ظهور الاجماع وعدم الخلاف بأن دعواه الجور دعوى لا دليل على عدم سماعها فيشملها اطلاق ما دل على
قبول كل دعوى من مدعيها فحيث لا يجب عليه إقامة البينة فتوقف على النظر فيجب عليه فيقبله إن كان حقا و
يرده إن كان باطلا على التفصيل الذي سمعته إما عدم وجوب إقامة البينة عليه فاما من جهة ان المورد مما لا يطالب
فيه البينة من حيث اختصاصها بالشبهة الموضوعية ومفروض الكلام في الشبهة الحكمية كما هو الظاهر ممن تعرض
لحكم المسألة واما من جهة عدم سماع البينة فيه وإن أقيمت من حيث رجوع الشهادة على الجور إلى الشهادة على
الحكم كما في الشهادة على تحقق الرضاع المحرم وغيره وقد ذكرنا في غير مورد عدم سماع الشهادة إذا أقيمت على ما
يتضمن الحكم لان من شأن الشاهد الشهادة على تحقق الموضوع وأما الحكم فهو شأن الحاكم ويمكن أن يقال في

59
وجه عدم سماع البينة وجه آخر غير الوجه المذكور وهو أنه لا إشكال في اختلاف الجور بنظر الاشخاص كما في
مسألة الجرح فلا تسمع فيه البينة مطلقة من دون ذكر السبب لما سيجئ من عدم سماع البينة في مثل المقام إلا ببيان
السبب هذا ولكن هذا الوجه لا ينفي عدم سماع البينة بقول مطلق وإنما ينفيه إذا شهدت على الجور مطلقا من
دون ذكر السبب ويمكن ارجاع هذا الوجه إلى الوجه السابق فتأمل.
قوله السادسة إذا افتقر الحاكم إلى مترجم الخ أقول أما اشتراط التكليف والعدالة فالظاهر أنه متفق عليه بيننا
ومخالفينا وأما اشتراط التعدد فقد اختلفوا في اعتباره لكن الظاهر من مقالة أصحابنا اعتباره إما من جهة أن الترجمة
هي الشهادة كما هو ظاهر جماعة واما من جهة الشك في اندراجها تحت الخبر أو الشهادة فيؤخذ بالقدر المتيقن
كفايته وهو التعدد كما هو ظاهر آخرين منهم المصنف نعم حكي عن بعض العامة القول بكفاية الواحد نظرا إلى أنه
خبر والأصل في خبر العادل القبول.
والتحقيق أن يقال إنه إن قلنا بكون الترجمة شهادة كما هو الظاهر مما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله -
العالي في تعريفها من أنها اخبار عن ثبوت الشئ في مظان انكاره فلا إشكال في اعتبار التعدد لعموم ما دل على اعتباره فيها
وإن لم نقل بكونها شهادة فإن قلنا بكون الأصل في خبر العادل القبول كما هو المعروف المشهور فلا إشكال في
عدم اعتبار التعدد على المختار سواء قلنا بكونها ليست بشهادة أو شككنا فيه أما على الأول فواضح وأما على الثاني
فلما حققنا في محله من وجوب الرجوع إلى العام فيما إذا شك في صدق المخصص والمخرج على بعض أفراد العام
المسمى بالشبهة المصداقية نظرا إلى رجوع الشك (الامر خ) في الحقيقة إلى الشك في التخصيص الزايد على القدر -
المعلوم فيتمسك بظهور العام في عدمه خلافا لمن خالف ذلك وتوهم عدم رجوعه إلى الشك في التخصيص الزائد
لكن المشهور المعروف بينهم هو ما اخترناه من التمسك بالعام ومن هنا يمكنك الايراد عليهم بأنه بعدما فرض
الشك في صدق الشهادة على الترجمة المقتضية للتعدد مع القطع بصدق الخبر المقتضي لكفاية الواحد ولو عند الشك
في صدق الشهادة من جهة ملاحظة عموم أدلة اعتباره على ما هو المعروف كيف يمكن القول باعتبار التعدد من جهة
انه القدر المتيقن ضرورة كون اعتباره من هذه الجهة من باب الاحتياط ومعلوم أنه لا يعارض عموم ما دل على حجية
قول العادل بعد فرض جريانه كما هو المفروض نعم لو قيل بعدم كون الأصل في خبر العادل القبول كما هو المقبول
حسبما حققنا في محله أو قيل بعدم جواز الرجوع إلى العام عند الشك في المصداق كما هو مختار بعض أفاضل
المتأخرين لتوجه ما ذكروه لعدم معارضة الاحتياط حينئذ بشئ فلا بد من أن يؤخذ به ومن هنا تعرف حكم الشق الثاني
من شقي الترديد فلا نحتاج إلى ذكره هذا.
وقد ذكر بعض مشايخنا هنا كلاما لتوجيه الحكم بالرجوع إلى الاحتياط والاخذ بالقدر المتيقن في -
المقام وإن قيل بكون الأصل في كل خبر عادل القبول ووجوب الرجوع إلى العام في الشبهة المصداقية لا بأس
بالإشارة إليه وإلى ما فيه حيث قال بعدما ذكر كون اعتبار التعدد هو المتيقن ما هذا لفظه ودعوى أن الأصل الرواية
لان الشهادة قسم من الخبر ولكن اعتبر الشارع في بعض أفرادها التعدد فما لم يثبت فيه يبقى على عموم ما دل على
قبول خبر العادل يدفعها وضوح التباين بين الرواية والشهادة في العرف الذي هو المرجع في أمثالهما بعد معلومية
عدم الوضع الشرعي فيهما وعدم الاجمال واعتبار التعدد في موضوع الشهادة لأنه هو المميز لها عن الرواية وكون
جنسهما الخبر لا يقتضي أنهما قسم منه بل هما نوعان متمايزان في العرف الذي يمكن أن يقال إن الترجمة فيه
قد تكون من الشهادة وقد تكون من الرواية لا أنها مطلقا شهادة أو رواية فحيث يراد بها اثبات ما يترتب عليه الحكم

60
كشهادة الشاهد احتيجت إلى التعدد ضرورة انها حينئذ بمنزلة شهادة الفرع التي لا بد فيها من التعدد لأنها حينئذ شهادة
وحيث يراد بها بيان المراد في غير ذلك كانت رواية ويكفي فيها الواحد انتهى ما أردنا ذكره.
وفيه أن ما دل بعمومه على حجية خبر العادل ليس فيه لفظ الرواية حتى يقال بكونها متباينة مع الشهادة
فإن عمدة ما تمسكوا به على حجية خبر العادل آية النبأ ومعلوم ترادفه مع الخبر فيدل بعمومه على حجية أخبار
كل عادل سواء كان شهادة أو رواية غاية الأمر قيام الدليل من الخارج على اشتراط التعدد في بعض افراده وهذا لا
يخرجه عن الفردية حسبما اعترف به شيخنا المتقدم ذكره من كون كل من الشهادة والرواية قسما من الخبر فما
لم يثبت الخصوصية الموجبة للتعدد يحكم بمقضتى العموم بكفاية خبر العدل الواحد نعم لو كان مقتضى العمومات
وجوب سماع الرواية المقابلة للشهادة وشك في بعض المصاديق انها شهادة أو رواية كان الحق ما ذكره قدس سره
ولكنك قد عرفت أن عمدة ما تمسكوا به لاثبات حجية قول العادل هو آية النبأ الشاملة للرواية والشهادة شمول
الكلي لافراده ولذا تراهم يتمسكون لاثبات حجية قول العادل في الشهادة بآية النبأ هذا.
وأضعف مما ذكره من كلامه الذي عرفته ما ذكره بعده بقليل فصل وهو قوله وقد يقال إنه يمكن
استفادة اعتبار التعدد في كل ما كان له مدخلية في القضاء ولو في موضوع المدعى وتزكية الشاهد وجرحه وغير
ذلك من قوله انما اقضي بينكم بالبينات إلى آخره وقوله استخراج الحقوق بأربعة إلى آخره انتهى ما أردنا نقله
وأنت خبير بعدم دلالة ما ذكره من الأدلة ونحوها على ما رامه أبدا بل ولا اشعار فيها أصلا ولولا نسبته ذلك إلى يقال
ويمكن لذكرنا بعض ما فيه فتدبر.
ثم إن هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها أحدها ان محل الكلام في المسألة انما هو إذا لم يحصل من قول
المترجم العلم وإلا كما يتفق في كثير من الأحيان فلا إشكال في اعتباره وإن كان صبيا أو فاسقا بل كافرا فضلا عن
أن يكون عادلا واحدا وليس هذا الكلام مختصا بالمقام بل هو جار في كل ما يكون العلم فيه طريقا فإنه لا يفرق
فيه بين أسبابه ثانيها انه قد صرح الفاضل كما حكى عنه وغيره بعدم اعتبار الحرية في المترجم وقد أشكل فيه
بعض مشايخنا بأن قاعدة اليقين المزبورة تقتضي اعتبارها بل بناء على أنها من الشهادة يتجه اعتبارها أيضا إن كان الحرية
معتبرة فيها انتهى كلامه وفيه أنه لا وجه للتمسك بقاعدة اليقين بعد ما فرض من كون الأصل في خبر العادل القبول
حسبما هو المعروف بينهم ويستفاد من كلامه أيضا في بعض المقامات نعم لو قيل بكون الترجمة من الشهادة واعتبار
الحرية فيها لتوجه اشتراط الحرية لكنه لا دخل له بقاعدة اليقين ثم إني كلما تأملت ما فهمت المقتضي للاضطراب
الذي في كلامه بل ببالي انه فاسد والوجه فيه أن سبب الشك في اشتراط الحرية هو كون الترجمة الشهادة فلا
معنى لهذا الاضطراب نعم لو قيل بعدم كون الأصل في قول العادل السماع لتوجه ما ذكره لكنه خلاف المعروف
بينهم فتأمل ثالثها إن ما ذكرنا كله في المترجم يجري في مسمع القاضي أيضا لو كان أصم فعليك باستخراج
حكمه منه باستعانة الله وتوفيقه وهو حسبنا.
قوله الثامنة الحاكم ان عرف عدالة الشاهدين حكم أقول تحقيق القول في المقام يقع في موضعين
أحدهما في بيان موضوع العدالة وبيان المراد منها ثانيها في بيان الحكم في الصور الثلاث.
أما الكلام في الموضع الأول فنقول انها في اللغة الاستواء حسبما حكى عن ظاهر ط وير والاستقامة كما
عن محكي جامع المقاصد ومجمع الفائدة والظاهر رجوعهما إلى معنى واحد ولذا عبر جماعة كثاني الشهيدين
في الروض والمسالك والسيد في المدارك والفاضل الأصفهاني في كشف اللثام عنها بهما فقالوا انها الاستواء والاستقامة

61
وقد اختلف كلمات الأصحاب في بيان المراد من لفظها الوارد في كلام المتشرعة أو الشارع فقد نقل فيه
أقوال الأول وهو المشهور بين من تأخر بل بين العلامة ومن تأخر عنه حسبما صرح به الأستاذ العلامة دام ظله
انها كيفية نفسانية باعثة على ملازمة التقوى مع المروة وإن اختلفوا في التعبير عنها بلفظ الكيفية أو الهيئة
أو الحالة أو الملكة ونسب الأخير بعضهم إلى العلماء وفي محكي كنز العرفان إلى الفقهاء وفي محكي مجمع الفائدة
إلى الموافق والمخالف وكيف كان فهي عندهم كيفية نفسانية ملازمة على فعل التقوى الثاني انها عبارة عن
مجرد ترك المعاصي أو خصوص الكباير وهو الظاهر من ابن إدريس في السرائر حيث قال العدل هو الذي لا يخل
بواجب ولا يرتكب قبيحا ومن محكي بعض حيث إنه ذكر ان العدالة في الدين الاجتناب عن الكباير وعن الاصرار
على الصغاير ومن محكي أبي الصلاح بل ظاهر جماعة كونه المشهور في تفسيرها فعن العلامة المجلسي والمحقق
السبزواري ان الأشهر في معناها أن لا يكون مرتكبا للكباير ولا مصرا على الصغاير ومرجع هذا القول إلى أنها
عبارة
عن الاستقامة في أفعاله وتروكه من دون اعتبار أن يكون ذلك عن ملكة نفسانية الثالث انها عبارة عن الاستقامة
الفعلية لكن عن ملكة فلا يصدق على هذا القول العدل على من لم يتفق له فعل كبير مع عدم الملكة وقد نسبه
الأستاذ في الرسالة التي صنفها في العدالة إلى جماعة منهم والد الصدوق والمفيد في المقنعة والشيخ في النهاية
الرابع انها عبارة عن الاسلام مع عدم ظهور الفسق وقد نسب هذا إلى الشيخ مدعيا عليه الاجماع في الخلاف بل
اشتهر حكايته عنه وإلى ابن الجنيد والمفيد في كتاب الاشراف الخامس انها عبارة عن حسن الظاهر وقد نسب إلى
جماعة بل إلى أكثر القدماء هذا.
ولكن الحق انه لا يمكن أن يجعل هذان الأخيران قولين في العدالة في عرض الأقوال السابقة غاية الأمر
كونهما طريقين إليها وأما نسبتهما إلى من عرفته من الأصحاب فهو خطأ محض لا قايل لهما أبدا ولا يظهر من
كلامهم أصلا وإنما جعلوهما طريقين إلى العدالة فلنا في المقام دعويان.
أما أنه لا يمكن أن يجعلا قولين في العدالة فلظهور اجتماعهما مع الفسق واقعا وفي علم الله ومن المعلوم
بداهة وجود التضاد بين العدالة والفسق بحسب الواقع وانكاره للبديهي والحال ان مقتضاهما جواز الاجتماع
كما لا يخفى فأمر القايل بهما داير بين أن يقول إما بأمر محال وهو جواز اجتماع الضدين أو ينكر أمرا بديهيا ومما
يلزم على هذين القولين من المفسدة انه لو علم في زمان بارتكاب شخص من المعاصي ما لا يحصى قبله مع عدم ظهور
فسقه بين الزمانين أو كونه حسنه الظاهر بينهما أن يقول القايل بهما بكون العلم من المفسقات وبطلانه أيضا
مما لا يخفى.
فإن قلت ما ذكرت من لزوم اجتماع الضدين على القولين إنما هو إذا جعل الفسق نفس ارتكاب المعاصي
واقعا وفي علم الله وأما إذا جعل على الأول عبارة عن ظهور الفسق وعلى الثاني عبارة عن التجاهر بالمعاصي كما هو
لازم القول بهما فلا يلزم اجتماع الضدين أبدا.
قلت كون الفسق عبارة عن نفس الاخلال بالواجبات وترك المحرمات مما لم يخالف فيه أحد.
وأما أنه لا يظهر من كلام من نسب إليه القولان بهما بل الظاهر منه خلافه فلما يظهر من الرجوع
إلى كلماتهم فمنها ما حكي عن الشيخ في الخلاف بعد القول بأن الأصل في الاسلام العدالة من أن البحث عن عدالة
الشهود ما كان في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) ولا أيام الصحابة ولا أيام التابعين وإنما هو شئ أحدثه شريك بن عبد الله القاضي
ولو كان شرطا لما جمع أهل الأمصار على تركه انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه وأنت إذا تأملت فيه حق التأمل

62
وجدته غير ظاهر فيما نسبوا إليه أصلا بل ظاهرا في خلافه فإن الظاهر من كلامه انه لا يجب البحث عن العدالة التي
هي غير الاسلام وعدم ظهور الفسق عند احراز الاسلام وعدم ظهور الفسق من حيث كونهما طريقين إليها ومن العجب
من بعض الشيوخ المتأخرين حيث ادعى على ما هو ببالي صراحة كلام الشيخ في الخلاف في كون العدالة عنده عبارة
عن نفس ظهور الاسلام وعدم ظهور الفسق ومنها ما حكي عن ابن الجنيد من أن كل المسلمين على العدالة حتى
يظهر خلافها ولا يخفى ظهورها أيضا في كون الاسلام طريقا إلى العدالة لا نفسها إلى غير ذلك من كلماتهم التي يقف
عليها المتتبع فيها فتتبع هذا مضافا إلى ظهور الاخبار التي ركن إليها هؤلاء فيما ذكرنا كما سيجئ الإشارة
إليه فكيف يمكن أن ينسب إليهم القول بخلافها.
والحاصل ان من المعلوم لكل منصف متتبع ان العدالة عند هؤلاء ليست نفس ما نسب إليهم من الاسلام
وعدم ظهور الفسق وحسن الظاهر وإنما هما طريقان عندهم إليها ولذا ذكر جماعة من الأصحاب كالشهيد في الذكرى
والدروس والمحقق الثاني في الجعفرية وغيرهما هذين القولين في عنوان ما تثبت به العدالة فإن أبيت إلا عن ظهور
كلماتهم في كونها نفس العدالة فلا بد أن يحمل كلماتهم عى أنهما مما يكتفى شرعا بهما في احكام العدالة بحيث
لا يسئل بعد عن باطن الامر فهما عندهم معنيان للعدالة التي اكتفى بها الشارع في مسألة الشهادة وغيرها ولم يأمر
فعلا بتحصيل غيرهما (ها خ) فتأمل.
ثم إنك إذا عرفت عدم كون العدالة عند الشيخ ومن يحذو حذوه نفس الاسلام وعدم ظهور الفسق بل إنما
هما طريقان عندهم إليها ولا عند من عبر بحسن الظاهر كونه نفسها بل هو طريق إليها فيقع الكلام في تعيين ما هما
طريقان إليه عندهم.
فنقول أما عند الشيخ ومن عبر بتعبيره فيتعين أن يكون أحد أشياء ثلاثة أحدها الاسلام مع عدم -
الفسق واقعا لكن الطريق إلى احراز عدم الفسق بحسب الواقع ظهور عدمه ثانيا نفس عدم الفسق واقعا لكن
الطريق إليه ظهور عدمه فيكون الاسلام حينئذ مقسما وموردا للعدالة والفسق لا أن يكون له دخل فيها فالكافر بهذا
البيان لا يكون عادلا ولا فاسقا بخلاف الاحتمال الأول فحال الاسلام حينئذ كحال البلوغ والعقل وغيرهما من الشرائط
التي يذكرونها في العدالة فإن الصبي لا يسمى فاسقا ولا عادلا وكذا المجنون وهذا هو القول الثاني في العدالة
الذي ذكرنا أنه يظهر من جماعة ثالثها الملكة مع عدم الفسق واقعا التي يعبر عنها بالملكة الرادعة لكن الطريق
إلى احراز نفس الملكة الاسلام كما هو طريق إلى صحة أفعال المسلم فتأمل فإن الظاهر من حال المسلم بل كان من
تدين بدين انه لا يتجاوز عن هذا الدين وإلى احراز وصفها ظهور عدم الفسق فهذان طريقان ظاهريان لاحراز
أمرين واقعيين وهذا هو الذي يتعين القول بكونه المراد لهم لأن الظاهر من عبارة الشيخ المحكية في الخلاف و
غيره من أن الأصل في الاسلام العدالة كونه طريقا لا موضوعا وإلى الملكة لا إلى عدم الفسق واقعا وإلا لما
احتاج
إلى انضمام عدم ظهور الفسق نعم لو كانت العبارة الأصل في المسلم العدالة كما هو المحكي في بعض النسخ لاحتمل
أن يكون المسلم موردا للأصل وكان الطريق إلى العدالة بالاحتمال الثاني هو عدم ظهور الفسق لكنه أيضا خلاف
الظاهر على هذا الفرض فتبين من جميع ما ذكرنا أن العدالة عند الشيخ ومن عبر بتعبيره كابن الجنيد هي الملكة
مع عدم الفسق واقعا التي يعبر عنها بالملكة الرادعة أو الكافة.
وأما عند من عبر بحسن الظاهر فيتعين أن يكون أحد شيئين أحدهما الملكة الرادعة فيكون حسن -
الظاهر طريقا إليها حسبما هو قضية ظاهر كلماتهم ثانيهما عدم الفسق واقعا فيكون الطريق إليه حسن الظاهر

63
وهذا خلاف الظاهر منهم كما ستقف عليه.
إذا عرفت ذلك كله فاعلم أن الحق في المقام هو أن يقال إن العدالة عبارة عن الملكة الرادعة وليست عبارة
عن الملكة التي من شأنها الردع وإن لم تتصف به فعلا لأنها أيضا لا تنافى مع الاخلال بالواجب أو الحرام واقعا الذي
هو الفسق على جميع التقادير والاحتمالات ولا عبارة عن نفس عدم الاخلال بفعل الواجب وترك الحرام وإن لم
يكن عن ملكة لظهور كونها من الصفات النفسانية لا الأفعال والتروك بل يمكن أن يقال إن مراد من عبر بذلك -
التعبير هو عدم الاخلال المستند إلى الملكة لا عدم الاخلال ولو اتفاقا لعدم الملازمة بينه وبين العدالة أصلا كما لا
يخفى بل لك أن ترجع كلام من عبر بالملكة المطلقة إلى ما ذكرنا.
فتحصل مما ذكرنا كون العلماء بأسرهم متفقين على كون العدالة هي الملكة الرادعة بل يمكن أن
يقال إنها لم تنقل عن معناها اللغوي أصلا وإنما هي باقية عليه فإن الاستقامة في كل شئ بحسبه فاستقامة الشخص
في الواجبات الشرعية ومحرماتها بقول مطلق هي عبارة عن عدم الاخلال بهما الذي نشأ عن ملكة وحالة باطنية
فأخذ الملكة ليس من جهة كونها قيدا زائدا بل من جهة عدم تحقق الاستقامة المطلقة فيما ذكر بدونها فيظهر
من ذلك كلة فساد ما أدعاه بعض مشايخنا طاب ثراه من ثبوت الحقيقة الشرعية في العدالة والعجب أنه قد ادعى
الضرورة عليه هذا كله في بيان المراد من موضوع العدالة.
وأما الكلام في طريق ثبوتها فهل هو نفس الاسلام مع عدم ظهور الفسق كما هو ظاهر كلام الشيخ ومن
يحذو حذوه فيصير الأصل في المسلم العدالة إلى أن يعلم الخلاف أو حسن الظاهر كما هو ظاهر جماعة كثيرة أو لا
يكتفى بهما بل لا بد من العلم أو البينة ونحوهما مما ثبت شرعا اعتباره كما هو ظاهر المصنف في المسألة الآتية و
صريح الشهيد في الدروس في مسألة الجماعة أقوال.
للأول الأصل حيث إن الظاهر من حال المسلم من حيث هو مسلم عدم ارتكابه للمعاصي وهو المدرك
في حمل أفعاله على الصحة وطائفة من الاخبار التي يظهر منها ذلك منها صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان ولم يعدل الآخران قال فقال إذا كانوا أربعة من المسلمين
ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا وأقيم الحد على الذي شهدوا عليه انما عليهم أن يشهدوا بما
أبصروا به وعلموا وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم إلا أن يكونوا معروفين بالفسق ومنها رواية العلا بن سبابه قال
سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام فقال لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق ومنها ما روى الكليني
باسناده إلى سلمة بن كحبل قال سمعت عليا (عليه السلام) يقول لشريح لعنه الله في حديث طويل واعلم أن المسلمين عدول
بعضهم على بعض إلا مجلود في حد لم يتب منه أو معروف بشهادة زور أو ظنين إلى غير ذلك من الروايات التي
يقف عليها المتتبع في كتب الاخبار.
وللثاني أيضا طائفة من الروايات منها رواية يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته
عن البينة إذا أقيمت على الحق أيحل للقاضي أن يقضي بقول البينة من غير مسألة إذا لم يعرفهم قال خمسة أشياء يجب
على الناس الاخذ فيها بظاهر الحكم الولايات والمناكح (والتناكح خ) والمواريث والذبايح والشهادات فإذا كان ظاهره
ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسئل عن باطنه ومنها رواية عبد الله بن مغيرة عن الرضا (عليه السلام) قال كل من ولد
على الفطرة وعرف بصلاح في نفسه جازت شهادته ومنها رواية عبد الله بن أبي پعفور قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) بما
تعرف عدالة الرجل من المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم فقال أن يعرفوه بالستر والعفاف والكف عن البطن

64
والفرج واليد واللسان إلى آخر الرواية إلى غير ذلك من الروايات.
وللثالث عدم الدليل على اعتبارهما في أثبات العدالة التي هي بمعنى الملكة المانعة فإن ما ورد فيه من
الاخبار بين ضعيفة السند وقاصرة الدلالة مضافا إلى معارضتها بما يدل على خلافها فيجب الاقتصار على العلم أو ما
قام مقامه بالأدلة القطعية كالبينة.
ثم إن أقوى هذه الوجوه وأوجهها هو الثاني لما عرفته من الأخبار الدالة على الاكتفاء بحسن الظاهر
مضافا إلى الاجماع المحكي في المقام عن بعض الاعلام وضعف ما يستدل به للأول والثالث أما الأول فلعدم
الدليل على اعتبار الأصل المذكور وجواز الاكتفاء به في مسألة الأفعال لما ورد فيه من النصوص لا يدل على
اعتباره فيما نحن فيه كما لا يخفى ولقوة ما ذكرنا من الاخبار بالنسبة إلى ما دل على الاكتفاء بالاسلام مع عدم
ظهور الفسق سندا ودلالة مضافا إلى اعتضادها بالشهرة المحققة والاجماع المنقول في المسألة عن بعض بل عن
جماعة وأما الثالث فلما عرفت من دلالة الأخبار المعتبرة على كفاية حسن الظاهر في ثبوت العدالة وهذه الأخبار
وإن كان بعضها ضعيفا لكنه مجبور بالعمل مضافا إلى كفاية البعض الآخر فيصير حسن الظاهر حينئذ كالبينة
مما قامت الأدلة القطعية على اعتباره هذا مضافا إلى أنه لو بنى على عدم اعتبار حسن الظاهر فيها للزم طرح أكثر
الاحكام المتفرعة عليها لانسداد باب العلم والظن الخاص فيها غالبا فتعين الاخذ فيها بحسن الظاهر هذا كله مما لا إشكال
فيه وإنما الاشكال في أن حسن الظاهر على القول بكونه طريقا هل هو من باب التعبد أو الظن النوعي أو الظن -
الشخصي مطلقا أو خصوص الاطميناني منه وجوه يمكن استظهار كل منها من الاخبار ومما يمكن أن يستظهر
منه الأول قوله في مرسلة يونس جازت شهادته ولا يسئل عن باطنه فإن الظاهر منه عدم ملاحظة الواقع فيه أصلا
فيدل على كون اعتباره من باب التعبد نظير الأصول العملية على القول باعتبارها من باب الاخبار ومما يستظهر منه
الثاني أو الثالث ما ورد في بعض الأخبار من قبول شهادة من تثق به فإنه يمكن حمله على مطلق الظن أو خصوص
الاطميناني منه لكن الأخير أظهر وقد قوى الأستاذ العلامة في الرسالة الاقتصار على الظن الاطميناني وعدم
الاكتفاء به إذا أفاد مطلق الظن نظرا إلى ظهور بعض الأخبار فيما ذكره لكنه عدل عنه في مجلس المباحثة وقال
باعتبار مطلق الظن وهو الأظهر في النظر وفاقا لأهل النظر فإن ملاحظة قاعدة التعارض بين الاخبار والاخذ
بالقدر المتيقن وإن كانت تقتضي المصير إلى القول باعتبار خصوص الاطميناني من حيث رجوع ما دل عليه مع ما دل
على كفاية مطلق الظن إلى العموم والخصوص لكن مقتضى ما ذكرنا من بعض الجوه للاكتفاء بحسن الظاهر وهو لزوم
طرح أكثر الاحكام المتفرعة على العدالة لولاه جواز الاقتصار على مطلق الظن.
ثم إن هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها الأول ان كلما يكون العدالة معتبرة فيه فإنما هي شرط فيه لا أن
يكون الفسق مانعا واعتبرت العدالة من حيث ارتفاعه بها وهذا الذي ذكرنا الظاهر أنه مما انعقد الاتفاق عليه
وأما ما تداول في لسان بعض الاعلام من ابتناء بعض الفروع على كون العدالة شرطا أو الفسق مانعا ناسبا له إلى الشيخ
وغيره فمما لا وجه له أصلا والذي أوقعه في ذلك هو ما يظهر من كلام الشيخ من الاكتفاء بالاسلام وعدم ظهور الفسق
فيما يعتبر فيه العدالة من الشاهد وغيره فتخيل من ذلك أنه من جهة ذهابه إلى كون الفسق مانعا فيدفع بالأصل لا
كون العدالة شرطا حتى يحتاج إلى إحرازها وقد عرفت أنه تخيل فاسد وإنما الوجه في اكتفائه بذلك مع
القطع باشتراط العدالة هو إما كون العدالة عنده عبارة عن نفس الاسلام مع عدم الفسق واقعا فيؤخذ فيه بظاهر -
الاسلام لكونه طريقا إليه أو كونها الملكة الراسخة لكن يكتفى في احرازها بالاسلام وعدم ظهور الفسق من حيث

65
كونهما طريقا إليها إما من جهة الأصل أو من جهة الاخبار حسبما عرفت تفصيل القول فيه في كلامه وهذا مما لا
دخل له بكون الفسق مانعا أصلا كيف ولو كان كذلك لوجب ذهابه إلى سماع قول الشاهد مثلا مع الشك في اسلامه وهو
مما اتفق الاجماع على خلافه ثم إن الثمرة بين القولين تظهر في مجهول الحال والواسطة الواقعية فإنه على الأول
لا بد من إحرازها ولا يجوز الرجوع إلى الأصل وعلى الثاني لا يجب احرازها بل يكتفى باحراز عدم الفسق إما
بالأصل كما في المثال الأول أو بالوجدان كما في الثاني ومن هنا تبين لك أيضا فساد القول بل واحتمال كون الفسق
مانعا لأنهم اتفقوا على وجوب التوقف في مجهول الحال ولم يظهر منهم خلاف في ذلك حتى من الشيخ غاية الأمر
انه يذهب إلى عدم كون معلوم الاسلام غير ظاهر الفسق مجهول الحال بل هو معلوم الحال لكونهما طريقا إلى
العدالة فالمجهول الحال عنده هو مجهول الاسلام فهل ترى من نفسك نسبة القول بكونه مقبول الشهادة إلى الشيخ
نظرا إلى عدم كون العدالة عنده شرطا بل الفسق مانعا حاشاك ثم حاشك كيف وهو مصرح في جميع كتبه على عدم
سماع شهادته.
الثاني انه على القول بكون العدالة شرطا في الشاهد هل هي شرط واقعي لكل من أمر بإنفاذ الحكم
فيحوز نقض الحكم لكل من اطلع على فسق البينة وإن كانت عادلة عند الحاكم أو شرط واقعي للحاكم بمعنى
انه يكفي احرازه عدالة الشهود باعتقاده لوجوب الانفاذ على غيره وإن اعتقد فسق البينة غاية الأمر انه إذا علم -
الحاكم بفسق البينة ينقض حكمه من حيث انكشاف الواقع له أو شرط واقعي للحكام وكل من هو مأمور بالقضاء
فيجوز النقض لكل حاكم اطلع على فسق الشهود وإن لم يجوز لغيره نقضه وإن اطلع على فسق الشهود
وإن شئت قلت هل العدالة فيما نحن فيه شرط واقعي أو علمي يكفي العلم بتحققها عند الحاكم وإن انكشف
فسق الشاهد عند غيره وجوه.
ومبنى هذه الوجوه على أن المكلف بالعمل بالبينة العادلة هل هو خصوص الحاكم ومن قامت البينة
عنده على الحق أو جميع من شأنه القضاء وفصل الخصومة بالبينة أو جميع المكلفين غاية الأمر كون القاضي مكلفا
بالزام المتخاصمين على العمل بقول البينة العادلة التي يجب عليهم الاخذ بها فبعد ملاحظة أدلة البينة يصير إلزام
الحاكم إلزاما بمقتضى تكليفهم فيصير القاضي حينئذ آلة لحمل المكلف على مقتضى تكليفه وهو العمل بقول البينة العادلة
فحال حكم الحاكم فيما نحن فيه حال مدرك فتوى المجتهد بالنسبة إلى مقلده في الأحكام الشرعية فإن المأمور
بالعمل بخبر العادل مثلا جميع المكلفين غاية الأمر كون بعض منهم عاجزا عن تحصيل هذا العنوان كالعامي مثلا
فيقوم تحصيل المجتهد مقام تحصيله فكأنه نائب عنه في احراز شروط العمل بالأدلة فمعنى قول المجتهد لمقلده
يجب السورة في الصلاة هو انه يجب عليك العمل بمضمون خبر العادل الذي أخبر بوجوب السورة فإذا اعتقد مجتهد
صحة خبر وأفتى بمضمونه وعلم المقلد كونه غير صحيح بحيث لو علم المجتهد به لما حكم لا يجوز له تقليده
بالنسبة إلى تلك الفتوى لأنه إنما أفتى بعنوان لم يكن موجودا في نظر المقلد بحيث لو اطلع عليه لقال بعدم جواز
العمل بقوله ففي الحقيقة هو لم يفت في تلك المسألة وإنما أفتى في موضوع غير موجود.
توضيح ذلك على وجه الاجمال ان الحكم الظاهري الذي يكون المجتهد قاطعا به ويجب على المقلد
متابعته فيه إنما الموضوع فيه هو الأدلة والامارات التي اعتبرها الشارع فوجوب صلاة الجمعة التي أخبر العادل
بوجوبها إنما يكون قطعيا من حيث اخبار العادل بوجوبها فتحصيل القطع بالحكم الظاهري إنما هو من صغرى
وجدانية وهو قوله هذا مما أخبر العادل بوجوبه وكبرى برهانية وهو قوله وكلما أخبر العادل بوجوبه فهو واجب

66
لما دل على وجوب العمل به فيستنتج من هاتين المقدمتين وجوب ما أخبر العادل بوجوبه كصلاة الجمعة مثلا
فعروض الوجوب لذلك الموضوع إنما هو باعتبار اندراجه في العنوان الكلي وهو المخبر به بخبر العادل فإذا انكشف
انتفاء هذا العنوان الكلي في الواقع من جهة العلم بفسق المخبر له يحصل عروض وجوب لذلك الموضوع والمفروض
اشتراك المجتهد والمقلد في العمل بقول العادل غاية الأمر كون المجتهد نائبا عنه في احرازه من حيث عجزه عن
ذلك وقدرته عليه فإذا علم المقلد ان المخبر بوجوب صلاة الجمعة مثلا غير عادل بل هو فاسق فاجر ويكون اعتقاد -
المجتهد بعدالته جهلا مركبا كيف يجوز له الاخذ بفتواه مع كونه مأمورا بالأخذ بفتواه التي يكون المدرك
لها خبر العادل فإذا كان الامر فيما نحن فيه كذلك حسبما هو المفروض فلا يعقل أن يقال بوجوب الالتزام بإلزام
الحاكم بعد ما كان المستند فيه البينة الفاسقة باعتقاد الغير وإن كان معتقدا بعدالتها لأنه ما صدر عنه إلزام
في الحقيقة بل إنما صدر عنه إلزام على تقدير وعنوان غير موجود حتى أنه لو علم أيضا بذلك لما الزم ولما جوز -
الالتزام به وهذا أمر واضح لا خفاء فيه على هذا التقدير.
فإن قلت إن مقتضى عموم ما دل على عدم جواز نقض الحكم هو عدم جوازه وإن كانت البينة فاسقة عند غير -
الحاكم بعد فرض كونها عادلة عنده ولا مخرج عنه حتى يقضى بجوازه.
قلت نمنع من كون مقتضى عموم ما دل على عدم جواز نقض الحكم هو عدم جوازه فيما نحن فيه حيث إنه
بعد تبين فسق الشاهد يتبين انه ليس هذا الحكم مما أمضاه الشارع بل قد عرفت أنه يمكن أن يقال إنه ما صدر
إلزام من الحاكم في هذا الموضوع وإنما صدر عنه إلزام في موضوع منتف بالفرض.
فإن قلت إنه بناء على ما ذكرت من كون كل أحد مكلفا بالعمل بالبينة العادلة فإذا انتفى العدالة التي
هي الشرط عنده لا يجب عليه العمل بها وإن وجب على من اعتقد عدالتها من حيث وجود الشرط عنده يلزم جواز
نقض حكم الحاكم في صورة الجهل بعدالة الشهود أو التوقف عن امضائه وترتيب الأثر عليه وإن كان الحاكم معتقدا
عدالتهم والظاهر بل المقطوع انه مخالف للاجماع فيكشف ذلك عن كون المأمور بالعمل بالبينة العادلة هو
خصوص الحاكم لا غيره.
قلت عدم جواز النقض والتوقف في الفرض المذكور ليس من جهة كون المأمور بالعمل بالبينة العادلة
هو خصوص الحاكم بل من جهة ما ذكرنا من كون الحاكم نائبا عن غيره في احراز شرط العمل بالبينة نظير كونه
نائبا عن غيره في احراز شرط العمل بخبر العادل في الأحكام الشرعية ولازمه كفاية احرازه عن احراز الغير
ولكنا انما ذهبنا إلى جواز النقض وعدم الكفاية في صورة العلم بالفسق من حيث عدم قابلية كون احرازه بدلا حينئذ
كما لو تبين عند العامي فسق المخبر في الأحكام الشرعية وإن كان عادلا عند المجتهد حسبما عرفت تفصيل
القول فيه وأقوى هذه الوجوه هو هذا الوجه لما قد عرفت من الوجه وإن كان المتيقن من كلماتهم هو الأول
ثم إن الذي ذكرنا هنا لا اختصاص له بالمقام بل يجري في غيره أيضا كما في مثل الطلاق مثلا فإنهم
قد اختلفوا فيه بعد الاتفاق على اشتراط حضور العدلين انه هل يكفي احراز عدالتهما باعتقاد المطلق الصوري وهو من
يجري الصيغة لترتيب الأثر على الطلاق ولو عند من يعتقد فسقهما أو يكفي احرازها عند المطلق الحقيقي وهو الزوج
بالمعنى الذي ذكرنا أو يشترط احرازها لكل من يريد أن يرتب الأثر على الطلاق فلو علم أجنبي بكونهما فاسقين
لا يجوز له نكاح المرأة مثلا غاية الأمر انه ما لم يعلم ذلك يجب عليه حمل فعل المطلق على الصحيح وهذا هو -
الأقوى في تلك المسألة أيضا وإن أمكن الفرق بينهما وبين المقام بأن يقال إن العدالة في مسألة الطلاق إنما هي

67
شرط لصحة الصيغة وترتب الأثر عليها فالمكلف باحرازها ليس إلا من يجري الصيغة فإذا أحرزها باعتقاده وإن
لم تكن محرزة عند الغير تكون الصيغة صحيحة في الواقع فيترتب عليها جميع الآثار الشرعية.
الأمر الثالث انه بعدما عرفت من جواز نقض حكم الحاكم بعد تبين فسق الشاهد ولو عند غير حاكم -
الشرع فاعلم أن المعتبر من التبين هو التبين في زمان الشهادة بمعنى انه علم بكون البينة فاسقة حين الشهادة وأما
لو علم بصيرورتها فاسقة بعد الشهادة فلا اعتبار به بل يجب حينئذ امضاء الحكم وترتيب الأثر عليه وهذا واضح لا سترة
فيه نعم لو تبين فسق الشاهد بعد الإقامة قبل الحكم يكون فيه اشكال نتعرض له انشاء الله تعالى فيما سيأتي هذا تمام الكلام
في الموضع الأول.
وأما الكلام في الموضع الثاني فنقول انه لا إشكال في جواز الحكم فيما إذا عرف عدالة البينة ولا في
عدم جوازه فيما إذا عرف فسقها لما دل على جواز الحكم بالبينة العادلة وعدم جوازه بالبينة الفاسقة مضافا إلى
قيام الاجماع في الصورتين إنما الكلام فيما إذا جهل الحال من عدالة أو فسق بعد القطع باسلامها فحكم الشيخ
بجواز الحكم وقبول الشهادة لا لان الفسق مانع فيندفع بالأصل كما توهم ولا لان نفس الاسلام وعدم ظهور الفسق
عدالة عنده كما تخيل بل لما قد عرفت من كون الاسلام وعدم ظهور الفسق طريقا عنده لاحراز العدالة الواقعية
والمشهور عدم جوازه ووجوب التوقف من حيث عدم الدليل على كون نفس الاسلام طريقا إلى العدالة حسبما
عرفت تفصيل القول فيه وهذا هو الأقوى نعم لو علم من الشاهد حسن الظاهر حكم لا لان حسن الظاهر نفس
العدالة كما قد يقال بل لما قد عرفت من كونه طريقا إلى العدالة فهذا الفرض في الحقيقة خارج عما نحن فيه
لان الكلام فيما جهل العدالة ولم يكن طريق شرعي لاحرازها.
ثم إن لشيخنا الشهيد الثاني قدس سره هنا كلاما لا يخلو ايراده عن فايدة حيث قال بعد نقل القول بالتوقف
عن المشهور وعدم الكفاية بظاهر الاسلام في ذكر الاستدلال له ما هذا لفظه لقوله تعالى واستشهدوا ذوي عدل
منكم مع قوله تعالى واستشهدو شهيدين من رجالكم فيجب حمل هذا المطلق على المقيد ولا بد من اشتمال -
الوصف بالعدالة على أمر زائد على الاسلام لان الاسلام داخل في قوله من رجالكم فإنه خطاب للمسلمين ولان
العدالة شرط قبول الشهادة كما يقتضيه الآية والجهل بالشرط يستلزم الجهل بالمشروط إلى أن قال وفي هذه الأدلة نظر
أما الآية الدالة على العدالة فليس فيها ان المراد منها هو زائد على الاكتفاء بظاهر الاسلام إذا لم يظهر الفسق
نقول إن ذلك هو العدالة وانها الأصل في المسلم بمعنى ان حاله يحمل على القيام بالواجبات وترك المحرمات إلى
أن قال سلمنا ان العدالة أمر آخر غير الاسلام وهي الملكة الأبية لكن لا يشترط العلم بوجودها بل يكفي عدم العلم بانتفائها من المسلم والعدالة في الآية ما جاءت شرطا حتى يقال إنه يلزم من الجهل بالشرط الجهل
بالمشروط وإنما جاءت وصفا ومفهوم الوصف ليس بحجة بحيث يلزم من عدمه العلم بالعدم بخلاف الشرط انتهى
ما أردنا ذكره.
وفي كلامه انظار لا تخفى على كل من نظر إليه وتأمل فيه أما أولا فلانا قد ذكرنا أن العدالة ليست
هي الاسلام نفسه ولا هو طريق إليها فقوله فليس الخ مما لا وجه له أصلا وأما ثانيا فلانه لا معنى لقوله بعد تسليم
كون العدالة هي الملكة لكن لا يشترط العلم بوجودها ضرورة انه إذا علق قبول الشهادة على العدالة لا بد من احرازها
ولا يكفي عدم العلم بانتفائها وأما ثالثا فلانا ما فهمنا معنى قوله والعدالة في الآية ما جاءت شرطا فإن كان مراده
من ذلك أن في مسألة حمل المطلق على المقيد لا بد أن يكون المقيد شرطا ولا يكفي كونه وصفا من حيث عدم

68
المفهوم له ففيه انما المحقق في محله انه لا يشترط في حمل المطلق على المقيد مما له مفهوم بل
الوجه فيه شئ آخر ذكره الأصوليون في تلك المسألة يطول بذكره وإن كان قد ذكر بعض الأصحاب
كون الوجه فيه أن له مفهوم وإن كان وصفا نظرا إلى قيام الاجماع على إفادته الانتفاء عند الانتفاء فيما إذا كان
قيدا للمطلق لكنه فاسد جدا لما قد ذكر في محله وإن كان مراده ان في الحكم بالانتفاء عند الانتفاء بحسب الواقع
يشترط كون المقيد مما له مفهوم وإن لم يكن شرطا في مسألة حمل المطلق عليه نظرا إلى عدم ابتنائه على ذلك
بل على مجرد الحكم باختصاص الحكم المستفاد من المطلق على المقيد وإن لم يكن دالا على اختصاص سنخ الحكم
عليه حسبما ذكر في محله ففيه ان هذا مسلم لكن الحكم بالتوقف أو عدم القبول من حيث عدم ثبوت العدالة ليس
متوقفا على ذلك بل يكفى فيه عدم الدليل على ثبوت طريق إلى احراز العدالة في صورة الشك لما قد عرفت من
كفاية ذلك فافهم واغتنم والله العالم.
قوله وتثبت مطلقة الخ أقول قد عرفت سابقا الكلام في معنى العدالة والفسق وما يثبتان به في الجملة
إنما الكلام في المقام في كيفية ثبوتهما بالبينة والتكلم فيها أيضا يقع في مقامين أحدهما في الاحتياج إلى
ذكر السبب وعدمه فيهما على التفصيل الذي سيأتي الإشارة إليه ثانيهما في العبارة التي يقع التزكية بها من قوله
عدل أو عدل لي وعلي أو غيرهما مما ستقف عليه.
أما الكلام في المقام الأول فنقول انهم قد اختلفوا فيه على أقوال أحدها وهو المشهور بينهم كفاية
الاطلاق في التعديل والجرح ثانيها عدم كفايته فيهما بل لا بد من ذكر السبب والتفسير ثالثها كفايته في التعديل
دون الجرح وهذا هو المشهور بينهم رابعها عكس ذلك وهو كفايته في الجرح دون التعديل وهو المحكي عن
العلامة في بعض كتبه خامسها التفصيل بين كون المزكي والجارح عالمين بالسبب وعدمه فيكفي الاطلاق في -
الأول دون الثاني سادسها التفصيل بين ما لو كان الشاهد والحاكم موافقين في المذهب أو مخالفين فيكفي الاطلاق
في الأول دون الثاني ولك أن لا تجعل هذا قولا في المسألة من حيث رجوعه إلى القول المشهور.
وقبل التعرض لذكر أدلة الأقوال وبيان صحتها وسقمها ينبغي الإشارة إلى ما ذكره الأستاذ العلامة دام
ظله في المقام من الاشكال على القوم في مبنى المسألة وهو انهم قد ذكروا في وجه وجوب ذكر السبب في الجرح
أو فيه وفي التعديل كون المذاهب فيما يوجب الجرح والتعديل مختلفة فلعل الجارح مثلا قد اتكل في الحكم
بفسق الشاهد على شئ لا يوجبه عند الحاكم فلا بد من البيان ليعمل القاضي على اجتهاده ولهذا ذكروا انه
لا يحتاج إلى ذكر السبب فيما لو كان الجارح والحاكم متفقين في الرأي هذا كلامهم وهو كما ترى إذ لا مدخل
ولا أثر لمذهب الجارح والحاكم في الحكم بالجرح مثلا أصلا سواء كانا متفقين في الرأي أو مختلفين وإنما المناط
فيه هو مذهب المجروح أو المزكى سواء كان الحاكم والمزكي موافقين له في المذهب أو مخالفين ضرورة كون
الموجب لفسق المكلف هو مخالفته لمقتضى تكليفه بحسب ما أدى إليه رأيه أو تقليده ولعدالته عدم مخالفته لمقتضى
تكليفه كذلك سواء كان بمقتضى تكليف الغير غير عاص في الأول وعاصيا في الثاني أو لا مثلا إذا أدى رأي مجتهد إلى حرمة
العصير العنبي فشربه يكون فاسقا واقعا لخروجه عن طاعة الله سواء كان مذهب غيره على الحلية أو الحرمة وإذا أدى رأيه
إلى الحلية فشربه لا يضر في عدالته سواء كان عند غيره حلالا أو حراما لأنه ما عصى الله بحسب ما أدى إليه ظنه الواجب العمل
والا صح أن يحكم كل مجتهد بفسق مجتهد آخر مخالف له في الرأي وهذا مما يشهد الضرورة ببطلانه فإذا فرضنا

69
في المقام كون مذهب المجروح مثلا على حلية العصير أو الغناء في الرثاء مثلا وكان مذهب الجارح والحاكم على
حرمتهما لا يجوز لهما الحكم بفسقه كيف وهو لم يعص الله بالنسبة إليه أبدا لكونه مأذونا شرعا في ارتكابه غاية الأمر
كونه مخطأ في نظرهما وهو مما لا يوجب الفسق بعد كونه معذورا نعم لو لم يكن معذورا في خطئه كما لو
قصر في الاجتهاد لكان في الحكم بفسقه وجه لكنه خارج عما نحن فيه والحاصل ان الطريق إلى فسق المكلف
وعدالته
هو مخالفة ما أدى إليه تكليفه وعدمها ولا مدخل فيهما لتكليف الغير أبدا.
فإن قلت كلامهم هذا إنما هو في صورة الجهل بمذهب المجروح أو المزكى لا في صورة العلم بمذهبه
وانه ما خالف تكليفه فإنه إذا جهل تكليفه لا بد من أن يعمل كل مكلف في احراز الفسق والعدالة الواقعيين
على ما هو مقتضى تكليفه غاية الأمر انه إذا علم تكليفه يكون هو طريقا إلى الواقع فيجب على الجارح ذكر
السبب حتى يعمل القاضي على ما هو مذهبه.
قلت أولا انه لا دلالة في كلامهم على اختصاصه بالصورة المذكورة وثانيا سلمنا اختصاصه بها لكن نقول إن
مقتضى الوجه الذي ذكرنا هو وجوب التوقف في الصورة المذكورة وعدم الحكم بشئ حتى يعلم مذهبه أو
الحكم بعدم فسقه من حيث حمل فعله على الصحة ولا وجه للحكم بفسقه بعد كون مذهب الحاكم مقتضيا للفسق
مع الجهل بمذهبه لان الحرمة بمذهب الحاكم لا تجدي في الحرمة بمذهبه إلا إذا فرض كونه مقلدا له فيخرج
عن الفرض فهل ترى من نفسك أو من أحد الحكم بفسق شخص إذا رأيته يشرب ما اختلف في حرمته إذا
كان مذهبك على الحرمة مع الجهل بمذهب الشارب واحتمال كونه على الحلية حاشاك ثم حاشاك وأنت برئ
من ذلك.
فإن قلت ما ذكرته من الحكم بالفسق فيما لو كان مذهب المجروح على حرمة ما شربه مثلا وإن كان
مذهب الحاكم والجارح على الحلية انما يستقيم على القول بحرمة التجري وكونه مؤثرا في جعل غير الواقع
كالواقع في الحكم كما هو مختار بعض وأما لو قلنا بعدم حرمته وتأثيره في ذلك كما هو المختار فلا دليل
على كون مجرد اقدامه على مخالفة ما أدى إليه ظنه أو تقليده معصية ما لم يعلم موافقتها للواقع كما
هو المفروض.
قلت أولا القول بكون مخالفة الحكم الظاهري معصية لا توقف له على القول بحرمة التجري بل يتم
على القول بعدمها أيضا فإن مخالفة الحكم الظاهري كالواقعي معصية توجب استحقاق العقاب وثانيا سلمنا ذلك
لكن نقول إن التجري وإن لم نقل بكونه مؤثرا في تحريم الفعل لكنه مؤثر في ارتفاع الملكة المانعة
عن التجري قطعا فإن المفروض كون الفعل المتجري به في اعتقاده حراما وإن لم يكن كذلك في اعتقاد
غيره هذا.
وقد يجاب عن هذا الاشكال في طرق الجرح بأن مذهبهم في الكبيرة الموجبة للفسق كونها كبيرة
عند الحاكم الأعم من الجارح والقاضي لا عند الفاعل فلا يكفي كونها كبيرة عنده في الحكم بفسقه بارتكابها بعد
كون اعتقاد الحاكم على خلافه ولا يؤثر اعتقاده بعدم كونها كبيرة في الحكم بعدم الفسق بعد كون الفعل كبيرة
عند الحاكم لان الكبيرة من احكام الوضع لا يؤثر فيها اعتقاد الفاعل كما في الساير الموارد فهنا شيئان أحدهما
كون الفعل معصية وهو دائما دائر مدار اعتقاد الفاعل ولا أثر لاعتقاد غيره فيه أصلا ثانيهما كون المعصية كبيرة
فهذا من أحكام الوضع لا دخل لاعتقاد الفاعل فيه أبدا وإنما الطريق إليه اعتقاد كل من يريد ترتيب الأثر عليه فذات

70
المعصية وإن كانت دائرة مدار اعتقاد الفاعل لكن وصفها وهو كونها كبيرة أو صغيرة ليس تابعا لاعتقاد الفاعل بل هو
من أحكام الوضع يرتب الأثر عليه كل من يعتقد وجوده وإن لم يعتقد الفاعل فإذا اعتقد الشاهد كون المعصية
الفلانية كبيرة موجبة لفسق فاعلها يشهد بفسقه ولو لم تكن كبيرة باعتقاده واعتقاد الحاكم وإذا اعتقد كونها صغيرة
لا يجوز له الشهادة على الفسق وإن كانت كبيرة باعتقاد الفاعل والحاكم وهكذا إذا اعتقد الحاكم كونها كبيرة يحكم
بفسق فاعلها سواء اعتقد كونها كبيرة أو لا والحاصل ان أصل المعصية وجودها الواقعي إنما هو بفعليتها عند الفاعل
فإذا اعتقد كون شئ معصية وارتكبه كان فاعلا للمعصية عند كل أحد واقعا لان المعصية ليس لها وجود واقعي
غير فعليتها باعتقاد الفاعل فإذا تحققت المعصية عنده تحققت عند كل أحد ولا أثر لاعتقاد غيره فيها أصلا وإذا
لم يعتقد كون شئ معصية وارتكبه لم يكن فاعلا للمعصية واقعا عند كل أحد وإن اعتقد بتحريمه غيره وهذه
بخلاف الكبيرة والصغيرة فإنهما من أحكام الوضع التي لها وجود واقعي يرتب الأثر عليها كل من علم بها ولا يرتب
إذا لم يعلم وإن علم غيرها بها.
إذا عرفت ذلك فنقول في توضيح هذا الاجمال وتحقيق هذا المقال ان اختلاف الفاعل وغيره ممن
يريد ترتيب الأثر على فعله في الكبيرة لا يخلو إما أن يكون من جهة اختلافهما في مفهوم الكبيرة بحسب الشرع بأن
كان كل معصية كبيرة عند الفاعل وكان خصوص ما أوعد عليه في الكتاب كبيرة عند غيره أو بالعكس أو كان
خصوص ما أوعد عليه في الكتاب مطلقا كبيرة عند الفاعل ولم يكن هذا كبيرة عند غيره بل خصوص ما أوعد عليه
في الكتاب بالنار أو كان الامر بالعكس أو يكون من جهة اختلافهما في المصداق وهذا على قسمين أحدهما أن
يكون اختلافهما في المصداق ناشيا من الاختلاف في الموضوع المستنبط كما إذا اتفقا على كون الكبيرة هي
خصوص ما أوعد عليه في الكتاب بالنار لكن اختلفا في أن المعصية الفلانية هل تدل الآية الفلانية على كونها موجبة
لاستحقاق النار مطلقا أو في بعض أفرادها أولا ومرجع هذا أيضا إلى الاختلاف في أصل الحكم الشرعي وإن كان
منشأه الاختلاف في الموضوع المستنبط ثانيهما أن يكون اختلافهما فيه ناشيا من الأمور الخارجية بحيث لا
مدخل للفظ فيه أصلا كما إذا اعتقد الفاعل كون المايع الفلاني عصيرا عنبيا فشربه واعتقاد غيره كونه خمرا موجبا
لفسق شاربه أو كان الامر بالعكس.
أما إذا كان اختلافهما في مفهوم الكبيرة فالظاهر كون الحكم بالتفسيق دايرا مدار اعتقاد الحاكم سواء
كان الشاهد أو القاضي فإذا اعتقد كون كل معصية كبيرة كما هو مذهب جمع من أصحابنا منهم الحلي في السرائر
يحكم بفسق فاعلها وإن اعتقد كون الكبيرة خصوص ما أوعد عليه في الكتاب مطلقا أو بالنار وإذا اعتقد كون
الكبيرة خصوص ما أوعد عليه في الكتاب بالنار مثلا لا يجوز لهما تفسيق فاعل غيره بل يحكمون بعدالته ما لم يصر
عليه وان اعتقد كونه كبيرة والدليل على ذلك هو ما عرفت من كون الكبيرة من أحكام الوضع لا يؤثر فيها اعتقاد
الفاعل أصلا.
فإن قلت إذا اعتقد الفاعل كون مطلق المعصية كبيرة وارتكبها يكون لا أقل متجريا بالكبيرة من
حيث اعتقاده وإن لم يكن فاعلا للكبيرة بحسب الواقع وباعتقاد الغير فعلى القول بكون التجري مؤثرا في
جعل غير الواقع بمنزلة الواقع يصير هذا الشخص فاسقا باعتقاد الغير أيضا فإنه وإن لم يفعل كبيرة باعتقاد الغير
إلا أنه فعل ما هو بمنزلتها في الآثار الشرعية فجعل الكبيرة تابعة لاعتقاد الغير بقول مطلق مما لا وجه له.
قلت نمنع من ثبوت التجري في الفرض المزبور لان اختلاف الفاعل وغيره إن كان بالنسبة إلى المصداق

71
بقسميه فثبوت التجري فيما لو اعتقد الفاعل كون الفعل كبيرة مما لا إشكال فيه كما سيجئ الإشارة إليه وإن لم يكن
اختلافهما راجعا إلى المصداق بل إلى المفهوم حسبما هو محل الكلام فنمنع من ثبوت التجري بالنسبة إليه غاية الأمر
ان الفاعل أطلق لفظ الكبيرة على جميع المعاصي وأعتقد كونه (كونها خ) كبيرة وهذا لا دخل له بمسألة التجري
وإنما هو خطأ في التسمية والاجتهاد.
توضيح ذلك أن تأثير التجري على القول به إما في جعل ما لا عقاب له ولا أثر له بمنزلة ما هو كذلك
واقعا من حيث تعلق الاعتقاد بكونه ذلك كما إذا اعتقد خمرية مايع كان في الواقع ماء وأما في جعل ما هو ضعيف
واقعا بحسب المرتبة بمنزلة القوى بحسبها من حيث تعلق الاعتقاد كما إذا اعتقد خمرية مايع كان في الواقع عصيرا
عنبيا ومعلوم ان كليهما غير موجودين في المقام أما الأول فظاهر وأما الثاني فلان المفروض عدم تعلق اعتقاده
بكبيرية معصية من حيث اعتقاده بكونها الكبيرة المفروغ عن كونها كبيرة وإنما تعلق اعتقاده بكون الكبيرة
اسما لمطلق المعصية أو قسم خاص منها ويكون قد أخطأ في هذا الاعتقاد باعتقاد غيره وهذا مما لا دخل له بحديث
التجري أصلا كما لا يخفى هذا كله فيما لو كان الاختلاف راجعا إلى الاختلاف في المفهوم.
وأما الكلام في القسمين الأخيرين وهما ما إذا كان اختلافهما ناشيا من الاختلاف في المصداق سواء
كان راجعا إلى الموضوع المستنبط أو إلى الموضوع الخارجي فنقول ان مقتضى ما ذكرنا في القسم الأول هو كون
الكبيرة فيهما أيضا تابعة لاعتقاد من يريد ترتيب الأثر مطلقا سواء كان الحاكم أو الشاهد لقضية كونها من أحكام
الوضع التي تكون تابعة لاعتقاد من يعتقد وجودها من غير تأثير لاعتقاد غيره فيها فإذا اعتقد الفاعل كون الغناء
بجميع أقسامه حتى ما كان منه عاريا عن اللهو مما أوعد عليه في الكتاب بالنار وأعتقد غيره خلاف ذلك وكون
ما أوعد عليه النار منه خصوص ما كان مع اللهو لم يجز له تفسيقه بمجرد فعله ما لم يكون لاهيا به وإذا كان الامر
بالعكس يجوز له تفسيقه هذا إذا كان الاختلاف ناشيا من الموضوع المستنبط وهكذا الكلام إذا كان اختلافهما
ناشيا من الموضوع الخارجي فإذا اعتقد الفاعل كون المايع الفلاني خمرا فشربه وأعتقد غيره كونه عصيرا عنبيا لا
يجوز له تفسيقه وإن كان عكس ذلك يجوز له تفسيقه هذا مقتضى ما أدى إليه النظر الدقيق.
لكن يمكن أن يقال بناء على تأثير التجري في جعل غير الواقع بمنزلة الواقع بجواز التفسيق في الصورة الأولى
منهما بأن يقال إن علة جعل الشارع فعل الكبيرة مفسقا كونها كاشفة عن قلة المبالاة والاكتراث في الدين فإذا صار
هذا المعنى مكشوفا بالتجري يجب الحكم بفسق المتجري وإن لم يكن فاعلا للكبيرة بحسب الواقع فيجوز للغير حينئذ
تفسيقه وإن لم يكن فاعلا للكبيرة باعتقاده ويمكن أن يقال بناء على هذا بعدم جواز التفسيق في الصورة الثانية منهما
حيث إن الفاعل لما اعتقد كونها صغيرة يفعلها برجاء كونها مكفرة بالاجتناب عن الكبيرة فلا قلة مبالات فيه حتى
يحكم بفسق فاعله فيصير الحكم بالتفسيق على هذا تابعا لاعتقاد الفاعل مطلقا لكن هذا المبنى غير ثابت عندنا فإنا
لا نقول بتأثير التجري في فعل المتجري به بأن يجعله كالواقع فلا بد أن يراعى حينئذ ما ذكرنا من مقتضى القاعدة
من كون الحكم بالتفسيق دايرا مدار اعتقاد الحاكم اللغوي الأعم من القاضي والشاهد هذه خلاصة ما ذكره الأستاذ
العلامة في التفصي عن الاشكال الذي أورده على الجماعة وقد استقر به أيضا دامت إفادته ولا يخلو عن قرب.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى ما كنا فيه فنقول ان الحق موافقا للمشهور هو عدم كفاية الاطلاق في الجرح
بل يشترط فيه ذكر السبب لنا على ذلك عدم قيام الدليل على وجوب تصديق الشاهد في المقام بقول مطلق
وجعل ما أخبر به واقعا وترتيب آثار الواقع عليه ونفي احتمال الكذب عنه كذلك من حيث رجوع اخباره إلى

72
الاخبار عن أمر اجتهادي حدسي من حيث اختلاف المذاهب فيما يوجب الفسق ولا دليل لنا يدل على وجوب
تصديق العادل في هذا النحو من الاخبار.
توضيح ذلك أن العادل إذا أخبر عن شئ إما أن يخبر عنه عن حس وهذا مما دلت الأدلة الدالة على حجية
خبر العادل على وجوب تصديقه في ذلك وجعل ما أخبر به كالواقع وهذا مما لا إشكال فيه وإما أن يخبر عنه عن
حدس واجتهاد ورأي وهذا على قسمين أحدهما أن يكون ما أخبر عنه نفس الحكم الشرعي كالاخبار عن الحرمة
والوجوب وغيرهما من الاحكام كأخبار المجتهد عما أدى إليه رأيه في الأحكام الشرعية وهذا مما قام الاجماع على
عدم وجوب تصديق العادل فيه إلا في حق من كان مقلدا له ومن هذا القسم الشهادة على وقوع الرضاع المحرم
فإنه لا يجوز تصديق الشاهد فيه لاحد إلا من كان يقلده لو كان مجتهدا ثانيهما أن يكون ما أخبر به الموضوع
الذي تعلق به الحكم الشرعي ولكن كان طريق ثبوته مختلفا فيه بحسب اعتقاد المجتهدين كما فيما نحن فيه وهذا
هو محل الكلام الذي ذهب المشهور فيه إلى عدم وجوب التصديق.
فنقول تنقيحا للمقام وتوضيحا للمرام ان معنى وجوب تصديق العادل في قضية هو جعله صادقا في أصل
نسبة المحمول إلى الموضوع وجعل اخباره عن وقوع النسبة بين الموضوع والمحمول بمنزلة الواقع كما لو علمنا
بوقوع النسبة فإذا أخبر عن موت زيد نصدقه في نسبة ما أراد من الموت إلى ما أراد من لفظ زيد ونحكم بما
أراد
من لفظ موت محمول على ما أراد من لفظ زيد واقعا وأما تصديقه في أطراف القضية وان الذي أراد من لفظ زيد
أو الموت مثلا هو كذلك واقعا فلا يدل عليه ما دل على وجوب تصديقه في قضية مات زيد لان معنى تصديقه في تلك
القضية حسبما عرفت هو الحكم بكون ما أراد من لفظ المحمول وأعتقد ثابتا لما أراد من لفظ الموضوع وهذا
ليس من جهة كون الاعتقاد له مدخلا في وضع اللفظ كما توهم ولا من جهة كون المخبر إنما يخبر عن معتقده
بأن يكون الاعتقاد جزء للمخبر به كما توهم لما قد حققنا في محله من كون الألفاظ أسامي للمعاني النفس الامرية
وكون الاعتقاد بالنسبة إليها طريقا محضا وظرفا للنسبة ومرآتا لها من غير أن يكون له مدخل في أصل أطراف -
القضية بل لما قد عرفت من عدم دلالة ما دل على تصديق العادل على أزيد من ذلك بل لو حمل لفظ الموضوع والمحمول
على خلاف ما أراد منهما لكان تكذيبا له وافتراء عليه لا تصديقا مثلا إذا أخبر عادل بأنه قتل زيد وعلمنا بأن
مراده من القتل الضرب فلا يجوز لنا حمله على القتل بمعنى ازهاق الروح لأنه ليس من مقتضى ما دل على تصديق
العادل في شئ بل هو خلاف مقتضاه.
وإن أريد إثبات وجوب تصديقه في أطراف القضية من جهة انحلالها إلى قضاياء متعددة وأخبار متكثرة
فإن الاخبار عن موت زيد يلزمه الاخبار عن الموت وعن زيد فيلاحظ أدلة التصديق بالنسبة إلى القضايا
الموجودة فيها بالالتزام لا من جهة ما دل على تصديق المخبر عن وقوع النسبة في القضية فإذا يلزم حمل ما أراده
من اللفظ على الواقع وترتيب آثار الواقع عليه.
ففيه ان الدليل على وجوب تصديقه في ذلك لا يخلو إما أن يكون ما دل على نفي احتمال الكذب الواقع
عن العادل وجعل ما أخبر به بمنزلة الواقع وإما أن يكون ما دل على وجوب حمل كلام كل متكلم على معناه -
الحقيقي ما لم يثبت خلافه.
أما الأول فقد عرفت أنه لا دليل يدل على وجوب تصديق العادل ونفي احتمال الكذب عنه في اخباره
الحدسية والاجتهادية لما قد عرفت من أن مفاد أدلة وجوب تصديق العادل هو نفي الكذب عنه من

73
حيث تعمده فيه وأما نفيه من جهة خطئه واجتهاده فلم يدل عليه ما دل على نفي احتمال الكذب عنه فإن كان
هناك ما يدل على نفي هذا الاحتمال عنه نأخذ بخبره كما في الحسيات فإن بناء العقلاء على عدم الاعتناء باحتمال
الخطأ والاشتباه فيها من حيث ملاحظة قلة وقوع الخطأ فيها وإن لم يكن هناك ما ينفي هذا الاحتمال كما
في الحدسيات حيث إن بناء العقلاء على عدم التمسك فيها بأصالة عدم الخطأ والاشتباه فلا نأخذ به.
وأما الثاني فمن المعلوم ان من استعمل لفظا في معنى باعتقاده كونه هو الموضوع له أو مصداقه وإن
علم بخطئه في هذا الاعتقاد لم يكن هذا الاستعمال استعمالا مجازيا حتى يدفع بأصالة الحقيقة وأصالة عدم القرينة فإنه
إذا استعمل أحد لفظ زيد في عمر وبإعتقاد كونه هو الموضوع له لم يكن هذا الاستعمال مجازيا فيه (منه خ) فإنه
إنما استعمل اللفظ فيما وضع له غاية الأمر انه أخطأ في كون هذا هو ومن المعلوم ان هذا لا يوجب تجوزا في اللفظ
بل قد ذكرنا في الأصول ان استعمال اللفظ في الحقيقة الادعائية مع القطع بكونها غير الموضوع له حقيقة فضلا
عن الحقيقة الاعتقادية وهذا أمر واضح لا سترة فيه بعد التأمل في الاستعمالات.
فإن قلت لو كان البناء على وجوب التفسير في المقام وأشباهه ولم يقبل الشهادة إلا مفصلة من حيث
رجوعها إلى الاخبار عن الحدس والاجتهاد فلا يجوز قبولها إلا مع ذكر المستند حتى يعلم الموافقة فيعمل بها لوجب
التفسير في كثير من الموارد كما في الشهادة على الملكية والزوجية والنجاسة وأشباهها حيث إنها أيضا مما اختلف
المذاهب في أسبابها وموجباتها ومن المعلوم لكل جاهل فضلا عن عالم انه لم يقل أحد بوجوب التفسير فيها بل بنائهم
على سماع الشهادة فيها مطلقة فكيشف هذا كله عن أن ما دل على وجوب تصديق العادل لا يفرق فيه بين ما إذا أخبر
عن حس أو حدس فيدل على وجوب حمل اخبار العادل عن هذه الأشياء على ما هو كذلك في الواقع حتى يثمر
في حق غيره أيضا.
قلت أما مسألة الملكية والزوجية وأمثالهما فليس بنائهم على قبول الشهادة فيها مطلقة من جهة مجرد
الامر بتصديق العادل حتى يستكشف منه كون أدلة تصديق العادل عامة من حيث اخباره عن الحس والحدس بل إنما هو
بانضمام أصالة الصحة في تلك الأمور وهذا خارج عن محل الفرض فإن كلامنا فيما إذا لم يكن هناك أصل يحرز
الواقع به ومعلوم ان أصالة الصحة في الأمور المذكورة من الأصول التي يحرز بها الصحة الواقعية حتى عند
الحامل حسبما هو عليه بناء المشهور المنصور خلافا لبعض المتأخرين حيث إنه ذهب إلى أن غاية ما دل على اعتبار
أصالة الصحة هي الصحة عند الفاعل لا عند الحامل فبأصالة الصحة في المشهور يحرز الحاكم كون السبب الواقع
في الخارج كالبيع والنكاح هو السبب الواقعي حتى عنده أو كون المسبب وهي الملكية مثلا هو المسبب الواقعي
الذي يكون جميع الناس مأمورا بترتيب الأثر عليه فيصير حال هذا الأصل في المقام حال أصالة عدم الخطأ
الجارية في الاخبار عن المحسوسات والحاصل ان كلامنا في المقام في أنه هل يجوز التمسك بما دل على وجوب
تصديق العادل لوجوب تصديقه في الحدسيات والاجتهاديات ونفي احتمال الكذب عن خبره بها أم لا وهذا لا دخل
له بما لو كان هناك أصل موضوعي تعبدي أمرنا بالأخذ به.
ومما ذكرنا تعرف فساد ما ذكره جمع من الاعلام دليلا للقول بكفاية الاطلاق في الجرح من وجوب
حمل أخبار العادل على الواقع وإن كان رأيه مخالفا لرأي الحامل ما لم يعلم الاستناد إليه وإلا لوجب القول بعدم
كفاية الاطلاق واشتراط التفصيل في كثير من الموارد كما في الملكية والزوجية ونحوهما مما اختلف الأصحاب
في أسبابها مع أن بناء المشهور بل الكل على عدم وجوب التفسير فيها فهذا يدل على أن ما دل على وجوب تصديق

74
العادل وحمل ما أخبر عنه على الواقع لا يفرق فيه بين الحسيات والحدسيات نعم لو علم أنه استند في اخباره إلى ما
لا يعلم غيره سببا لم يجب على الغير تصديقه في ذلك.
توضيح الفساد ان بناء المشهور على قبول الشهادة في الأمور المذكورة على الاطلاق ليس مبنيا على
شمول ما دل على وجوب تصديق العادل للحدسيات حتى يرد عليهم بعدم الفرق بينها وبين الشهادة على الجرح بل
انما هو مبني على ما ذكرنا من أصالة الصحة.
فإن قلت سلمنا كون المدرك في حكمهم بالقبول في الأمور المذكورة على الاطلاق هي أصالة الصحة لا
مجرد اخبار العادل لكن نقول إنه ما المانع من اجرائها في المقام فإنه كما انا مأمورون بحمل أفعال المسلمين على
الصحة كذلك مأمورون بحمل أقوالهم واعتقاداتهم على الصحة ما لم يعلم خلافها فإذا أخبر العادل بأن زيدا فاسق و
شككنا في أن اخباره هذا هل هو مستند إلى اعتقاد فاسد مخالف لاعتقاد المخبر له أو مستند إلى اعتقاد صحيح
موافق لاعتقاد المخبر له فبحكم أصالة الصحة نحكم بكون اعتقاده صحيحا موافقا للواقع فنأخذ بخبره فلم يبق
فرق بين المقامين من هذه الجهة أيضا.
قلت إنه لم يقم ولم يقيموا دليلا على اعتبار أصالة الصحة بالمعنى النافع في المقام في الأقوال والاعتقادات
حتى ينفى الفرق بين المقامين لان عمدة ما دل على اعتبار أصالة الصحة بالمعنى المذكور هو الاجماع والسيرة و
معلوم انتفائهما في المقام وأما الآيات والاخبار التي استدل بهما على الأصل المزبور فقد ذكرنا في محله انه لا
دلالة لهما على وجه ينفع في المقام فإن الظاهر من جميعها هو اثبات الصحة عند الفاعل وعدم سوء الظن به
وهذا لا دخل له بحديث الصحة الواقعية التي كلامنا فيها هذا كله في الشهادة على الملكية ونحوها من
مسببات العقود.
وأما الشهادة على النجاسة ونحوها من الاحكام المقابلة للعبادات والعقود التي ادعي الاجماع على قبول
الشهادة فيها مطلقة ففيه أولا منع قيام الاجماع على ذلك كيف وجمع من الاعلام كالشهيد قدس سره على ما يظهر
منه في بعض كتبه وغيره على المنع من قبول الشهادة فيها مطلقة وثانيا سلمنا قيام الاجماع والسيرة على ذلك
لكنه لا يجوز التعدي منه إلى غيره لاحتمال بل ظهور أن يكون الوجه في القبول مطلقة ثمة من جهة قلة الاختلاف
في النجاسات وكون الشهادة على النجاسة غالبا بل دائما إلا ما شذ وندر من جهة إحدى النجاسات العشر فتصير
كأنها مما لا اختلاف فيها فلا يمكن التعدي منها إلى ما لا يكون بهذه المثابة والمرتبة هذا الذي ذكرنا كله إنما
هو في الشهادة على الجرح.
وأما الشهادة على التعديل فهل تكفي مطلقة أو تحتاج إلى ذكر السبب ظاهر المشهور هو الأول
وصريح ابن الجنيد هو الثاني وهو أيضا مقتضى ما ذكرنا من الوجه في احتياج الشهادة على الجرح إلى ذكر السبب
لان الاختلاف فيما يوجب الفسق يسلتزم الاختلاف فيما تحصل به العدالة وترتفع به فإنه قد يرى الشاهد فعل
شئ معصية صغيرة فلا يضر عنده عدم ملكة تركه في حصول ملكة العدالة وفعله في رفع ملكة العدالة ويراه
الحاكم كبيرة قادحة في أصل تحصيل الملكة في التقدير الأول وفي بقائها على التقدير الثاني فيجب الشهادة على
التفصيل حتى يعلم الحال نعم لو شهد ان له ملكة ترك جميع المعاصي ولم يرتكب معصية أصلا لأمكن القول
بالكفاية إلا إذا فرض اختلافهما في أصل المعصية بحيث يرجع إلى الاختلاف في الكبيرة فإنه يجب حينئذ الشهادة
على التفصيل أيضا هذا.

75
ولم يعلم وجه فرق للمشهور يعتد به عدا ما ذكره بعض الأجلة من أن العدالة تحصل بالتحرز عن
أسباب الفسق وهي كثيرة يعسر ضبطها وعدها فلا بد من سماع البينة فيها مطلقا وهذا بخلاف الفسق فإنه يحصل
بارتكاب كبيرة واحدة وما ذكره بعض أخذا من بعض الشافعية من أنه لو اكتفى بالاطلاق في الجرح كان تقليدا
للجارح في الجرح لوقوع الخلاف في أسبابه بخلاف العدالة فإنه أمر وجداني لا يقبل الاختلاف بحسب
الانظار هذا.
وأنت خبير بفساد هذا الوجه وشناعته إذ قد عرفت أن الاختلاف فيما يوجب الفسق يستلزم الاختلاف
فيما تحصل به العدالة وترتفع به بحيث لا يعقل الانفكاك بينهما عقلا وأما الوجه الأول فإن لزم مقدار من العسر
ينهض دليلا على رفع اليد عن مقتضى القواعد العامة فهو وإلا فلا يمكن الحكم به أيضا وأما أدلة سائر الأقوال
فبعضها يعلم مع أجوبتها مما ذكرنا وبعضها الآخر مذكور في كتب القوم ويعلم الجواب منه أيضا عند التأمل فيما
ذكرنا فلا نحتاج إلى ذكره والنقض والابرام فيه هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما المقام الثاني وهو تعيين ما يعتبر من العبارة في التعديل من الاكتفاء بقوله عدل أو الاحتياج إلى
انضمام لي وعلي أو أحدهما مع مقبول الشهادة فالظاهر جواز الاقتصار والاكتفاء بقوله عدل من غير احتياج إلى
انضمام ما ذكر لاطلاق الأدلة مع عدم الدليل على التقييد وسيجئ تمام القول في ذلك في مسألة الشهادات
فانتظر لما سيتلى عليك.
قوله ولو اختلف الشهود في الجرح والتعديل الخ أقول ينبغي التعرض أولا لما أهملنا ذكره فيما
سبق من بيان ما هو المستند في الشهادة على الجرح والتعديل ثم نعقبه بالتعرض لحكم صورة اختلافهما فنقول انه
لا إشكال في جواز الشهادة على الفسق والعدالة بعد العلم بهما مضافا إلى أنه لا خلاف فيه أيضا بل الاجماع منعقد عليه
مع أنه لا يعقل القول بعدم اعتباره بعد قيام الدليل على جواز الشهادة على الفسق والعدالة فهل يقتصر عليه أو يتعداه
إلى غيره من الظن المطلق أو المتاخم بالعلم الذي يقتضيه القاعدة الأولية في المقامين هو الأول إلا أن
الظاهر بل المقطوع لزوم العسر واختلال الاحكام وإبطال الحقوق من لزوم الاقتصار في الشهادة على العدالة على
العلم لان أقوى طرق الاطلاع على ملكة العدالة هي المعاشرة التامة ومعلوم أنها لا تفيد العلم بها غالبا بل دائما
لان غاية ما يحصل منها العلم بعدم المعصية من حيث أفعال الجوارج وأما حصول العلم منها على عدم المعصية من
حيث أفعال القلب فلا فيلزم من الاقتصار على العلم سد باب الشهادات كما لا يخفى مضافا إلى قيام الاجماع ظاهرا
على عدم وجوب الاقتصار عليه وجواز التعدي إلى الظن وأما ما يترائى من كلماتهم من عدم جواز الاكتفاء في الشهادة
على حسن الظاهر كما يظهر من عبارة المصنف أيضا فإنما مرادهم منه عدم جواز الاكتفاء به تعبدا مع قطع النظر عن
حصول الظن منه بالعدالة وبعبارة أخرى مرادهم من منع ذلك هو عدم كون حسن الظاهر من الطرق التعبدية وأما
عدم الاكتفاء فيما حصل الظن منه مطلقا أو الاطميناني فلم يظهر منهم ذلك.
هذا مضافا إلى دلالة كثير من الروايات على ذلك فإنها وإن وردت أكثرها في جواز العمل بالظن في العدالة
في مقام العمل إلا أن جملة منها ظاهرة في جواز الاستناد إليه في مقام الشهادة أيضا فراجع إليها مضافا إلى إمكان
أن يقال إنه بعدما ثبت جواز الاكتفاء في مقام العمل يجوز الاكتفاء به في مقام الشهادة أيضا نظرا إلى ما يستفاد من
بعض الأخبار من أن كلما يجوز الاستناد إليه في مقام العمل يجوز الاستناد إليه في مقام الشهادة كما في رواية الحفص فإنها
وإن وردت في خصوص الشهادة من جهة اليد وإثبات الملازمة بين حجيتها في مقام العمل وحجيتها في مقام الشهادة لكن

76
يمكن استفادة الملازمة منها بين هذين المعنيين بقول مطلق وفي جميع المقامات هذا كله في الشهادة على العدالة
وأما الشهادة على الفسق فلا بد من استناد الشاهد فيها على العلم ولا يكفي فيها الظن مطلقا لعدم وجود ما يخرج
به عن مقتضى القاعدة الأولية فيها كما لا يخفى.
ثم إنه هل يكفي الاستناد إلى مطلق الظن في الشهادة على العدالة أو لا يكفي إلا الاطميناني منه
وجهان من كون الثاني هو القدر المتيقن بعد التنزل عن العلم وكونه مقتضى جملة من الروايات الواردة بلفظ
المأمون والثقة المقيدة لما دل باطلاقه على جواز الاكتفاء بالظن مطلقا ومن استلزام الاقتصار عليه أيضا العسر
والحرج وإبطال الحقوق كثير أما المنفية بالأدلة مضافا إلى إطلاق كثير من الروايات فإن ثبت ما ذكر من لزوم
الحرج وإبطال الحقوق فهو وإلا فلا بد من الاقتصار على خصوص الظن الاطميناني لما قد عرفت من عدم معارضة
ما دل على الاكتفاء بالظن المطلق لما دل على لزوم الاقتصار بخصوص الاطميناني.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى ما كنا فيه من بيان حكم صور اختلاف البينتين في الجرح والتعديل فنقول
ان الكلام فيها في مقامين أحدهما في بيان حكمها إذا لوحظتا مطلقتين مع قطع النظر عن انضمام الزيادة والخصوصية
ثانيهما في بيان حكمها بملاحظة انضمام الزيادة.
أما المقام الأول فالحق فيه وفاقا للأكثر هو لزوم تقديم بينة الجرح لأنها تدعي ما لا ينفيه بينة التعديل
ولا تعرض لها بنفيه أصلا بل هي ساكتة عنه ويجب تقديمها لأنه لا تعارض بينهما حقيقة.
توضيح ذلك أن كلا من بينة الجرح والتعديل ناطق بشئ وساكت عما نطق به الأخرى فيجب أخذ
كل منهما وتصديقه فيما نطق به ورفع اليد عما سكت بما نطق به الأخرى تصديقا لهما وعملا بهما من دون تصرف
فيهما بيان ذلك أن قول بينة المعدل فلان عادل ناطق في أن له مكلة اجتناب الكباير وساكت عن عدم صدور
الكبيرة عنه فيكون طريقه إلى عدم صدور المعصية الأصل أي أصالة عدم صدور المعصية أو علمه بعدم صدور المعصية
عنه أو علمه بصدورها عنه وعلمه بتوبته أيضا فيكون كل من هذه محتملا من كلامه من غير دلالته على خصوص
أحدها وقول بينة المفسق فلان فاسق ناطق بالنسبة إلى صدور الكبيرة عنه وساكت عن علمه بعدم الملكة له و
عن عدم علمه بالتوبة أو علمه بعدمها فنأخذ بكل منهما بالنسبة إلى ما نطقت به فنقول ان له ملكة وصدر الكبيرة
عنه أيضا.
فإن قلت كما تقول يرفع اليد عن قوله عدل من جهة احتمال اتكاله في ذلك على احراز الملكة و
أصالة عدم الفسق بقوله فلان فاسق من حيث صراحته في الاطلاع على المعصية فيكون قوله دليلا بالنسبة إلى قول
المعدل وهو أصل بالنسبة إليه فيرفع اليد عنه به كذلك نقول يرفع اليد عن قول الجارح فلان فاسق من جهة احتمال
اتكاله في ذلك على احراز المعصية وأصالة عدم التوبة مع عدم العلم بها بقوله فلان عادل من حيث كونه دليلا بالنسبة
إليه فلا دليل على ترجيح أحدهما على الآخر.
قلت لا يمكن رفع اليد عن أصالة عدم التوبة التي تكون مستندة لقوله فلان فاسق بقول المعدل فلان
عادل لعدم صراحته بل ولا ظهوره حسبما هو المفروض في الاطلاع على الفسق والتوبة حتى يصير دليلا بالنسبة
إلى أصالة عدم التوبة التي هي المستندة للجارح لأنه كما يحتمل أن يكون مستنده ذلك يحتمل أن يكون
هو الاطلاع على الملكة مع عدم الاطلاع بالمعصية وهذا بخلاف قول الجارح فإنه صريح فيما هو الرافع لأصالة

77
عدم المعصية والحاصل ان مقتضى أدلة وجوب تصديق البينة العادلة مطلقا هو العمل بما ذكرنا.
فإن قلت العمل بأدلة وجوب تصديق العادل في كل من البينتين إن كان منحصرا فيما ذكرته لوجوب
المصير إليه بمقتضى عموم الأدلة لكنا نقول إنه كما يمكن تصديقهما على النحو المذكور كذلك يمكن تصديقهما
بتقديم بينة التعديل بأن يحمل قوله فلان فاسق على العلم بالمعصية وعدم العلم بالتوبة ويحمل قوله فلان عادل
على الاطلاع على التوبة فما وجه تعين ما ذكرته.
قلت ليس الوجه فيما ذكرنا هو حصول تصديق البينتين به كيف ما اتفق حتى يعارض بحصوله في عكسه
أيضا بل الوجه فيه حصوله مع قابلية الكلام له فإن المفروض ان قوله فلان فاسق صريح في صدور الكبيرة منه
فيصح رافعا لما هو المستند لبينة التعديل بخلاف قوله فلان عدل فإنه ليس صريحا في حصول التوبة منه بعد المعصية
كما هو المفروض والحاصل ان الحاصل من قوله فلان عادل هي العدالة الظاهرية والحاصل من قوله فلان فاسق هو
كونه غير عادل بحسب الواقع ومعلوم أنه لا تنافي بين العدالة الظاهرية والفسق الواقعي كما أنه لا تنافي بين
الطهارة الظاهرية والنجاسة الواقعية فيما إذا قامت البينة عليهما بحيث علمنا كون البينة على الطهارة من باب
الأصل فيصير قول الجارح هو فاسق حينئذ بالنسبة إلى قول المعدل هو عادل من قبيل الدليل بالنسبة إلى الأصل فيظهر
مما ذكرنا أن هذا ليس طرحا لقول المعدل بواسطة الاخذ بقول الجارح لان رفع اليد عن الأصل بعد قيام الدليل على
خلافه ليس طرحا له كما لا يخفى ويظهر منه أيضا ان الجمع فيما نحن فيه ليس من قبيل الجمع بين الروايتين
المتعارضتين بجعل كل واحدة منهما قرينة للتصرف في دلالة الأخرى وبيان المراد منها حتى يقال إنه لا دليل
على هذا الجمع فيما نحن فيه بل لا يعقل من حيث عدم إمكان أن يصير كلام متكلم قرينة للمراد من كلام متكلم
آخر لان مرجع الجمع فيما نحن فيه حسبما عرفته إلى العمل بأدلة حجية البينة في كل منهما.
فإن قلت إن ما ذكرته من كون قول الجارح من قبيل الدليل بالنسبة إلى قول المعدل إنما هو فيما إذا علم
كون مستند المعدل في التعديل هو الأصل إما بالتنصيص عليه أو من جهة كونه القدر المتيقن مع الاطلاق ومعلوم
ان الامر فيما نحن فيه ليس كذلك أما عدم التنصيص عليه فلانه المفروض وأما عدم كونه القدر المتيقن من كلام
المعدل فلعدم كونه مع باقي الاحتمالات من قبيل الأقل والأكثر بل هو متباين مع كل منهما فكما يحتمل استناد
المعدل إلى الأصل كذلك يحتمل استناده إلى الاطلاع على التوبة مع العلم بالفسق فلم يعلم كون مستند المعدل هو
الأصل حتى يقال إن قول الجارح دليل بالنسبة إليه.
قلت لسنا ندعي كون مستند المعدل هو خصوص الأصل حتى يرد علينا ما ذكرت بل ندعي كون أدلة التصديق
بالنسبة إلى قول الجارح غير معارضة بشئ فيجب العمل بها لاحتمال استناد المعدل إلى الأصل لا الاطلاع على التوبة
وكونها بالنسبة إلى بينة المعدل معارضة ببينة الجارح فلا يجب العمل عليها فتأمل.
وإلى ما ذكرنا يرجع ما ذكره الأصحاب وجها لتقديم بينة الجرح من كونها مثبتة وبينة التعديل
نافية أو كونها تدعي شيئا خفي على بينة التعديل أو كون مستندها الإحساس وكون مستند بينة التعديل الأصل
إلى غير ذلك وهذا أيضا مراد من ادعى الاجماع على تقديم بينة الجرح كما حكاه الأستاذ العلامة دام ظله عن
بعض فإن مراده من قيام الاجماع على التقديم هو ما إذا لوحظتا مجردتين عن الزيادة فلا يرد عليه إيراد من
أورد عليه بأنه قد تقدم بينة التعديل كما إذا ادعت خصوصية مخفية على بينة الجرح فتلخص مما ذكرنا أنه لا
تعارض ولا تكاذب بين البينتين في تلك الصورة أصلا بل تقابلهما من قبيل تقابل الأصل والدليل الذي ليس بتقابل

78
أيضا حقيقة.
لكنه قد يستفاد من بعض الأصحاب ثبوت التعارض والتكاذب بينهما في تلك الصورة لكنه رجح بينة الجرح
على بينة التعديل من حيث كون مستند الأولى قطعيا والثانية ظنيا كما يرجح الرواية المعلوم صدورها عن الامام
إما بالسماع أو بغيره على غيرها في صوره التعارض.
وفيه أولا انه لا دليل على الترجيح في المقام بعد فرض التعارض أصلا كما سيجئ مفصلا وقياسه على
تعارض الاخبار قياس محض وثانيا سلمنا ثبوت الترجيح في المقام أيضا لكنه إنما يصح إذا قلنا بكون اعتبار
الأصل من باب الظن لان الظان بأن فلانا لم يزن مثلا مكذب من يدعي أنه زنى فيرجع إلى التعارض وأما إذا قلنا
بكون اعتباره من باب التعبد كما هو الحق فليس هنا تعارض ولا ظن حتى يرجح القطع به لأنك قد عرفت أن العدالة
الظاهرية الحاصلة من التعبد (التعديل خ) بالأصل لا يعارض الفسق الواقعي وثالثا سلمنا كون اعتباره من باب الظن
أيضا وكون مستند بينة التعديل ظنيا لكن نقول إن هذا القسم من الظن أيضا كالأصل لا يقاوم الدليل الآخر لان
كل ما يعتبر من باب الظن ليس مما يقبل المعارضة مع غيره من الأدلة الاجتهادية.
بيان ذلك على سبيل الاجمال ان الامارات المعتبرة من باب الظن على ثلاثة أقسام أحدها ما أخذ في
إفادته للظن عدم قيام الدليل على خلافه كما في الاستصحاب والغلبة وأشباههما ولهذا أخذ العضدي في إفادة الاستصحاب
للظن عدم قيام الدليل على خلافه ثانيها ما اعتبر في أصل تحقق ذاته وموضوعه عدم قيام الدليل على خلافه كما
في عدم الدليل دليل العدم وعدم الوجدان دليل عدم الوجود ثالثها ما لا يعتبر في إفادته الظن ولا في موضوعه عدم
قيام الدليل على خلافه ولازم الأولين خصوصا الثاني عدم المعارضة مع ما لم يكن من جنسهما فيكون حكمهما
بالنسبة إليه حكم الأصل بالنسبة إلى الدليل وما نحن فيه من قبيل الثاني لان مستند المعدل هو الظن الناشئ من
عدم الوجدان مع المعاشرة ومعلوم انه مما لا يمكن أن يعارض الدليل فتبين مما ذكرنا أنه لا فرق في عدم معارضة
قول المعدل مع قول الجارح بين أن نقول بكون مستنده ظنا أو أصلا تعبديا نعم لو قيل إن مستند المعدل هو الظن
الناشئ عن الملكة لأمكن الفرق بينهما لكنه فاسد جدا لان الملكة بنفسها ليس مما توجب الظن بل إنما توجبه
بضميمة أصالة عدم الفسق فتأمل.
نعم هنا إشكال يرد على ما ذكرنا ينبغي التعرض له ولدفعه وهو ان ما ذكرنا من كون الدليل مقدما
على الأصل إنما هو إذا لوحظا ووجدا في حق شخص واحد وأما إذا لوحظا في حق شخصين فلا وجه لما ذكر من
التقديم فمستند المعدل وإن كان أصلا إلا أنه لا يعقل دفعه بالدليل الموجود عند الجارح هذه بالنسبة إلى المعدل
والجارح وأما بالنسبة إلى غيرهما المأمور بتصديقهما فإنما هو مأمور بتصديقهما وترتيب آثار الواقع على خبرهما لأنك
قد عرفت أن معنى تصديق العادل في خبره هو ترتيب آثار الواقع على خبره وفرض المخبر به واقعا لا الحكم بتصديق
المخبر وعدم تكذيبه حتى لا ينافي في عدم ترتيب آثار الواقع على خبره ومعلوم انه لا يمكن الجمع بين آثار
العدالة على قول المعدل فلان عدل وآثار الفسق وعدم العدالة على قول الجارح هو فاسق فهما متكاذبان في حق
الحاكم بعد ملاحظة أدلة تصديقهما إذ لا دخل لها بملاحظة مستند المخبر والسلوك على منواله حتى يقال بعدم
التنافي بين القولين في المقام بل إنما المفهوم منها هو ترتيب آثار الواقع على اخبار العادل وإن كان مستنده أصلا
فمسألة حديث المستند لا دخل لها في المقام فالحاكم بحكم أدلة تصديق المعدل محكوم بالحكم بالعدالة الظاهرية
وترتيب الآثار عليها ومعلوم انه لا يجامع كونه محكوما بترتيب آثار الفسق على قول الجارح فيتكذبان و

79
يتعارضان لا أنه محكوم بالحكم ظاهرا بالعدالة حتى لا ينافي كونه محكوما بالحكم واقعا على الفسق وبينهما
فرق واضح وأدلة التصديق إنما تدل على الأول لا على الثاني.
والحاصل ان العدالة الظاهرية بنفسها وإن لم تكن منافية للفسق الواقعي كالطهارة الظاهرية مع النجاسة
الواقعية إلا أن الحكم على طبق العدالة الظاهرية وترتيب الأثر عليها الذي هو مقتضى أدلة تصديق المخبر بها
ينافي قطعا الحكم بمقتضى الفسق الواقعي وترتيب الأثر عليه كما هو مقتضى ما دل على تصديق الجارح في
جرحه نعم لو كان مفاد أدلة تصديق المخبر بالعدالة ظاهرا الحكم ظاهرا بالعدالة على حسب اخباره لارتفع بمجرد
قيام الدليل على الحكم واقعا بالفسق لكن ليس هذا مفاد ما دل على تصديق المخبر بالحكم الظاهري بل مفاده هو
ترتيب الأثر الشرعي واقعا على هذا الامر الظاهري فالمخبر به وإن كان أمرا ظاهريا إلا أن الحكم بثبوته و
ترتيب الأثر عليه ليس ظاهريا وبعبارة أوضح ان التكاذب الذي يتصور في المقام ويدعى المدعى انما هو بالنسبة
إلى الحاكم من جهة عدم إمكان جمعه بين ما دل على تصديق المعدل وما دل على تصديق الجارح وقد عرفت أنه
لا يمكن الجمع بين مقتضاهما فيتكاذبان بالنسبة إليه هذا محصل ما أفاده الأستاذ العلامة دام ظله من الاشكال
على ما ذكروه من كون مستند المعدل أمرا ظاهريا فلا يعارض قوله قول الجارح لكون مستنده دليلا
بالنسبة إليه.
ويمكن الجواب عنه حسبما ذكره الأستاذ أيضا بأن مفاد ما دل على تصديق المخبر هو الحكم بثبوت
ما أخبر عنه على حسب ثبوته عنده بمعنى فرض المخبر له نفسه المخبر فالمعدل إذا أخبر عن العدالة الظاهرية
فمعنى تصديقه في ذلك الاخبار هو الحكم ظاهرا بثبوت العدالة لا الحكم بثبوتها واقعا لأن المفروض انه لم يخبر
بها كذلك فصغرى ما دل على وجوب تصديق المخبر غير موجودة بالنسبة إلى العدالة الواقعية فإذا كان مفاد أدلة
تصديق المعدل هو ما ذكرنا فكما أنه إذا قام دليل عنده على صدور الفسق والكبيرة عمن أخبر بعدالته يجب عليه
رفع اليد عن مقتضى مستنده وترتيب آثار الفسق عليه من حيث ارتفاع موضوع مستنده بقيام الدليل على خلافه
فكذا من أمر بتصديقه في ذلك الاخبار يجب عليه رفع اليد عن مقتضاه بعد قيام الدليل على خلافه والحاصل ان
ما دل على وجوب تصديق المخبر لا يجعل المخبر له أولى من المخبر وأقوى منه في العمل بخبره واعتقاده وإلا لزم
زيادة الفرع على الأصل فالحاكم مأمور بان يجعل مستند كل من المخبر بالعدالة والفسق مستندة فيعامل معهما
معاملة ما لو اطلع عليهما فكما انه إذا اعتقد بعدالة شخص من جهة علمه بثبوت الملكة له وعدم علمه بفسقه
فينتفي بالأصل ثم علم بصدور الكبيرة عنه يرفع اليد عن الأصل من حيث ارتفاع موضوعه فكذا ما لو صار مأمورا
بتصديق المخبر عن العدالة على النحو المذكور والمخبر عن الفسق على النحو المزبور فالأصل والدليل وإن لم
يوجدا في حق الحاكم حقيقة إلا أنه (انهما خ) وجدا عنده حكما هذا ملخص ما ذكره الأستاذ في التفصي عن
الاشكال المذكور وعليك بالتأمل فيه وفي دقته وجودته فإنه حقيق بأن يكتب بالنور على جباه الحور فجزاه
الله عنا وعن الاسلام خيرا هذا.
ثم انك بما ذكرنا تقدر على رد من أورد على الشهيد في المسالك وغيره في غيره حيث ذهبا إلى تقديم
بينة الجرح في صورة الاطلاق بما يرجع حاصله إلى ما ذكرنا بان كلا من المعدل والجارح يخبر عن أمر واقعي
مناف لما يخبر به الآخر فيتكاذبان فيجب إما الحكم بالتوقف مطلقا أو بعد فقد المرجحات لأنك قد عرفت أن
المخبر عن العدالة لم يخبر إلا عن العدالة الظاهرية التي لا يمكن أن تعارض الفسق الواقعي وعلى رد ما ذكره

80
شيخنا الأستاذ أعلى الله مقامه من أن الوجه في تقديم بينة الجرح على التعديل من جهة قوة الظن في
طرف بينة الجرح من جهة الغلبة في أغلب الموارد يكون مستند المعدل الأصل لأنه لا يمكن الاطلاع غالبا
على عدم المعصية فإنه لا دليل على اعتبار الغلبة المذكورة بعد ما كان الوجه في التقديم هو استناد بينة التعديل
على الأصل نعم يمكن ان يدعى عدم إمكان العلم بعدم المعصية حتى بالنسبة إلى المعاصي الباطنة الخفية فلا أقل
من احراز عدم بعض المعاصي بالأصل وهذا يكفى فتأمل هذا مجمل القول فيما ذكره الأستاذ في تلك الصورة
دليلا وإيرادا وجوابا.
ولكن للقاصر فيه إشكال قد عرفت الإشارة إليه في طي بعض ما ذكرنا من أن قلت قلت ومحصله ان هذا
الكلام كله إنما يصح إذا علم استناد المعدل في نفي المعصية بالأصل كما إذا صرح به وأما إذا لم يعلم ذلك بل كان
احتمال استناده إلى الأصل مثل احتمال استناده إلى العلم بعدم المعصية أو العلم بها مع العلم بالتوبة غير ظاهر من
اللفظ فلا يصح ما ذكروه في وجه التقديم لأنه لم يعلم استناده إلى الأصل حتى يقال بكون قول المعدل أصلا و
قول الجارح دليلا بالنسبة إليه ودعوى كون الاستناد إليه معلوما على كل تقدير وقدرا متيقنا على أي فرض
مجازفة بينة لان احتمال الاستناد إلى الأصل مع سائر الاحتمالات ليسا من قبيل الأقل والأكثر بل من قبيل
المتباينين كما لا يخفى ومن هنا التجاء شخينا المتقدم ذكره طيب الله رمسه إلى ما ذكره من الغلبة في صورة الاطلاق
وفرض ما ذكره القوم من كون مستند المعدل الأصل في صورة التصريح به.
فالأولى أن يقال في وجه تقديم بينة الجرح على التعديل بما عرفت في طي كلماتنا من كون أدلة
التصديق بالنسبة إلى بينة الجرح خالية عن المعارض لأنه ليس في المقام إلا بينة التعديل والمفروض انها إنما
يعارضها أو يرفعها على تقدير والمفروض الجهل به بخلاف بينة المعدل فإن المعارض لها والمانع عن قبولها وهي
بينة الجارح موجود فإن المفروض انها تدعي ما يرفع العدالة الواقعية فلا يمكن اجراء أدلة التصديق
بالنسبة إليها.
ثم إن ما ذكرنا في المقام يجري في كل ما علم استناد أحد الشاهدين بالأصل والآخر بالدليل كما في -
الشهادة على انحصار الوارث أو عدم الولد أو الطهارة إذا علم استناد الشاهد فيها إلى الأصل إلى غير ذلك فإنه
يحكم
في جميع الموارد بتقديم قول من يدعي خلاف الأصل من جهة ما ذكر لكن الامر في بعض الموارد أوضح وهو كل
مورد كان نفس الشك فيه موجبا لاجراء الأصل من غير احتياج إلى أمر زائد عليه كما في مسألة الشهادة على الطهارة
فإنه إذا علم استناد الشاهد فيه إلى الأصل لا ريب في تقديم قول من يدعي النجاسة فإنه لم يحدث من قول الشاهد
للمخبر له شئ يعارض قول المخبر بالنجاسة بل يمكن أن يقال إنه لا معنى لاجراء أدلة التصديق في المقام لأن المفروض
انه ليس للشاهد مزية على غيره فليس للمخبر له إلا الأصل الذي يجب عليه رفع اليد عنه بمقتضى قول
من يخبر بالنجاسة وهذا بخلاف مسألة الشهادة على العدالة والانحصار فإنها محتاجة إلى أمر زائد عن الأصل من احراز
ملكة كما في الأول أو فحص كما في الثاني فإنه لا بد فيها من التمسك بما ذكرنا هذه فذلكة الكلام في المقام الأول
وقد عرفت ما ينبغي اختياره في هذا المقام مطلبا ودليلا.
وأما المقام الثاني وهو ما لو لم يكن شهادتهما على الجرح والتعديل مطلقتين فالكلام فيه أيضا يقع
في مقامين.
أحدهما ما لو لم يرجع شهادتهما بهما إلى التكاذب والتعارض كما لو شهد الجارح بصدور الكبيرة عن زيد

81
مثلا مع اعترافه بعدم علمه بالتوبة عنها وشهد المعدل بعدالته مدعيا بالتوبة عنها أو شهد المعدل بعدالته مع
اعترافه بعدم علمه بصدور المعصية عنه وعدمه وشهد الجارح بفسقه مدعيا علمه بصدور المعصية عنه إلى غير ذلك من
الأمثلة وضابطه ادعاء أحدهما زيادة لا ينفيها الآخر والحكم فيه تقديم مدعي الزيادة لان شهادته بالنسبة إليها
خالية عن المعارض فإن المفروض ان الآخر معترف بجهله بها ومعه لا يعقل التكذيب حتى يتحقق التنافي
والتعارض فحينئذ قد يؤخذ بالتعديل كما في الصورة الأولى وقد يؤخذ بالجرح كما في الصورة الثانية وهذا كله مما
لا إشكال فيه.
وإنما الاشكال فيما ذكره شيخ الطائفة ورئيس الفرقة الناجية مثالا لصورة تقديم التعديل على الجرح من
حيث ادعاء مدعيه زيادة مخفية على مدعي الجرح وهو ما لو شهد اثنان من أهل بلده بالجرح واثنان من البلد الذي
انتقل إليه بالعدالة أو شهد اثنان ممن معه في الحضر على الجرح واثنان ممن معه في السفر على العدالة مع كونهما
من بلد واحد فإنه يقدم حينئذ بينة التعديل قال وأصله النظر إلى الزيادة فيعمل عليها.
وجه الاشكال انه إن كان نصوصية كلام المعدل فيما ذكره من المثالين واشتماله على الزيادة بالنسبة إلى
كلام الجارح من جهة قرينة التأخر ففيه المنع من صلاحية قرينيته لما ذكر وإلا لحكم بالتوقف في صورة التقارن
من حيث تساوي ظهورهما لأنا قد ذكرنا في محله إن كل دليلين صار تأخر أحدهما سببا لأظهريته بالنسبة إلى الآخر
لا بد من مساواتهما في الظهور في صورة التقارن وقد ذكرنا أن في صورة التقارن تقدم بينة الجرح من حيث أظهريتها
ونصوصيتها بالنسبة إلى بينة التعديل وقد نقل شخينا الأستاذ دام ظله العالي عنه قدس سره في المبسوط القول
بترجيح بينة الجرح في صورة التقارن وإن كان من جهة اطلاع بينة البلد المنتقل إليه أو السفر على التوبة منه لم
يطلع عليها بينة الجرح ففيه أيضا المنع من ذلك لاحتمال كون استنادها في الشهادة على الظن بالملكة وعدم العلم
بالمعصية كما يحتمل ذلك في صورة التقارن فالحق في المثالين هو الحكم بتقديم بينة الجرح لما ذكرنا في صورة -
الاطلاق فراجع وتأمل هذا كله في المقام الأول.
وأما المقام الثاني وهو ما لو شهد الجارح والمعدل بما يرجع إلى التكاذب كما لو شهد الجارح اني
علمت بصدور الزناء من زيد مثلا في الوقت الفلاني وشهد المعدل بعدم صدور الزناء منه في ذلك الوقت بل شهد انه
كان مشغولا بالطاعة دون المعصية أو شهد الجارح بعدم الملكة له والمعدل بوجودها له إلى غير ذلك وضابطه ما لو
شهد أحدهما بما يسلتزم نفي ما شهد به الآخر فيقع الكلام فيه أيضا في مقامين أحدهما في جواز الرجوع إلى
المرجحات حسبما يظهر من جماعة وعدمه وثانيهما في بيان الحكم بعدما قلنا بعدم جواز الرجوع إلى المرجحات
أو فرض فقدها على القول بجواز الرجوع إليها.
أما المقام الأول فالحق فيه وفاقا للمحققين عدم جواز الرجوع إلى المرجحات لان الترجيح بالظن
كحجيته فكما أن مقتضى الأصل الأولى عدم الثاني كذلك مقتضاه عدم الأول أيضا. وبعبارة أخرى الاتكال بالظن في
ترجيح إحدى الامارتين على الأخرى وتعيين مقتضاها كالاتكال به في استنباط الحكم الشرعي منه مستقلا فكما أن
مقتضى الأصل الأولى عدم حجية الظن كذلك مقتضاه عدم الترجيح به لأنه أيضا نوع عمل به يحكم العقل والنقل بعدم
جوازه ما لم يرد الدليل به هذا فقد استوفينا الكلام في بيان الأصل المذكور في المقامين واتقانه في الأصول في مسألة
حجية الظن والتراجيح فراجع والمفروض انه لم يرد دليل على خلاف مقتضى هذا الأصل في المقام لان ما ورد
من الاخبار على الترجيح بمطلق الظن أو ببعض الظنون فإنما هو في خصوص الروايات المتعارضة دون مطلق المتعارضين

82
كما لا يخفى على من له أدنى دراية.
وأما المقام الثاني فالحق فيه هو الحكم بالتوقف والرجوع إلى الأصول بحسب المقامات دون التخيير
لان ما ورد فيه من الاخبار مختص بالخبرين المتعارضين فيبقى غيرهما تحت الأصل الأولى وهو التوقف نعم لو قلنا
بان اعتبار البينة في المقام من باب مجرد السببية لأمكن القول بأن مقتضى الأصل التخيير دون التوقف وذكرنا
شطرا من الكلام في هذا المقام أيضا في مسألة التعادل وعلى أي حال إذا بنينا على التوقف والرجوع إلى الأصول
فإن كان مرجع تعارضهما إلى أصل الملكة وعدمها فالمرجع فيه أصالة عدمها وإن كان مرجعه إلى وجود الرافع
لها وهو المعصية فالمرجع فيه أصالة عدمه واستصحاب الملكة وهذا كله مما لا إشكال فيه إنما الاشكال في أنه إذا
بنينا على عدم ملكة العدالة كما في الصورة الأولى فهل يقف الدعوى كما يظهر من بعض أو يرجع إلى ميزان آخر
كاليمين مثلا إن كان وإلا فيقف وجهان ظاهر كلماتهم هو الثاني لان مرادهم من الوقف هو التوقف من حيث الحكم
بمقتضى البينة كما لو لم تكن بينة أصلا لا الوقف بقول مطلق وهذا هو الحق ويظهر من كلمات بعض مشايخنا
ترجيح الأول مدعيا ظهور ما دل على الحكم بغير البينة عند فقدانها في غير تلك الصورة وهو ما لم يكن هناك بينة
أصلا وفيه منع الظهور كما لا يخفى.
قوله المقصد الثاني في مسائل متعلقة بالدعوى وهي خمس الأولى قال الشيخ لا تسمع الدعوى إذا كانت
مجهولة مثل ان يدعى فرسا أو ثوبا الخ أقول قد حكى هذا القول عن بني حمزة وزهرة وإدريس والفاضل في المحكي
عن تحريره وإقرار تذكرته والشهيد في الدروس ويظهر من غيرهم أيضا والمعروف بين المتأخرين هو سماعها كما
في الاقرار المجهول حسبما هو ظاهر كلمة الكل.
واستدل الأولون على عدم السماع بانتفاء فائدته وهي حكم الحاكم بها لو أجاب المدعى عليه بنعم ثم
اعترض الشيخ في المبسوط على نفسه بصحة الاقرار بالمجهول فلو كانت الجهالة مانعة لما سمع الاقرار معها وأجاب
بالفرق بينهما فإنا لو كلفنا المقر بالتفصيل ربما رجع بخلاف المدعى فإنه لا يرجع عن الدعوى بمطالبته بالتفصيل
وحاصل الفرق ان الاقرار إنما هو للغير على المقر فلو ألزمناه بتفصيل ولم يسمع الاقرار منه مطلقا لأدى
ذلك إلى الرجوع عن الاقرار الذي اقتضى تعلق حق الغير بالمقر بمقتضى اقرار العقلاء على أنفسهم جايز وهذا بخلاف
الدعوى فإن إلزام المدعي بالتفصيل لا يسلتزم ذلك لكون الحق له.
واستدل المتأخرون على السماع بعموم ما دل على الحكم بالحق بالبينة والايمان وبأن المدعي ربما يعلم حقه
بوجه ما كما يعلم أن له عنده فرسا أو ثوبا ولا يعلم صفتهما فلو لم يجعل الحاكم له إلى الدعوى ذريعة لبطل حقه وبمنع انتفاء
فائدة السماع فإن من فائدته اقرار المدعى عليه بالمدعى فيلزم بتفسيره أو قيام البينة على التعيين أو الحكم بالقدر
المتيقن إلى غير ذلك من الفوائد فإن شئت قلت إن سماع الدعوى شئ وتعيينها شئ آخر والحكم إنما يتبع الدعوى
وأما تعيين الحق فهو أمر آخر هذا مجمل القول من الطرفين.
لكن تحقيق القول في المرام يقتضي بسطا في الكلام حتى يرتفع به غواشي الأوهام وينجلي به أبصار
الافهام فنقول ان لنا في المقام أمورا خمسة الوصية بالمجهول والاقرار به ودعوى الأول ودعوى الثاني ودعوى المجهول
وعلى الأخير لا يخلو إما أن يكون المجهول كليا أو جزئيا خارجيا وعلى الأخير لا يخلو إما أن يكون باقيا أو
تالفا لا إشكال بل ولا خلاف في صحة غير الأخير من الأمور الخمسة لعموم أدلتها وعدم المانع منه وإنما الاشكال
والخلاف في القسم الأخير منها حسبما عرفت وجود الخلاف فيه ومرجع (يرجع حاصل خ) الخلاف في المسألة حسبما

83
ذكر الأستاذ العلامة دام ظله إلى أن وجوب سماع الدعوى على الحاكم هل هو مقدمة لانقاذ حق المدعي والحكم
والالزام على طرق دعواه فحيث إنه تعذر في المقام لان الالزام بالمجهول من حيث هو مجهول غير ممكن حسبما
يعترف به الخصم أيضا فلا يجب سماعها حينئذ لارتفاع وجوب المقدمة بتعذر ذيها وان ترتب عليها ثمرة أخرى أو هو
مقدمة لترتب فائدة على الدعوى وإن لم تكن هو الحكم على طبقها بل فائدة أخرى غيره كالاقرار من المدعى
عليه أو الاخذ بالقدر المتيقن إلى غير ذلك فيجب سماعها حينئذ من حيث امكان حصول تلك الفائدة.
وحيث كان مبنى القولين في المسألة على ما ذكر فلا يبعد ترجيح الأول والذهاب إليه لأن الظاهر
من أدلة نصب القضاة هو كونها منصوبة لأجل فصل الخصومة بين الناس والحكم على طبق دعوى المدعى وإلزام -
المدعى عليه بالخروج عن عهدة حق المدعي وأما إقرار المدعى عليه بالحق فهو ليس مما شرع له القضاء والحكم
وليس سماع الدعوى واجبا على الحاكم من جهة احتمال حصوله من المدعى عليه لان المقر بنفس اقراره يرفع -
الخصومة ويفصل الامر وليس هو مما شرع القضاء له وأما ما يذكرونه كثيرا في كلماتهم من أن جواب المدعى
عليه إما اقرار أو انكار فإن كان الأول فعليه كذا وإن كان الثاني فكذا فإنما هو تسامح منهم في المقام ليس في
محله لان الاقرار من حيث اقرار ليس مما شرع له الحكم بل هو بنفسه رافع لموضوع الحكم ففي صورة الاقرار
لا يتصور دعوى حتى يتكلم عن حكم الحاكم فيها نعم لو ادعى المقر بعد الاقرار أداء الحق وامتنع عنه وأنكره
المقر له فيرجع إلى دعوى أخرى لا دخل لها بدعوى أصل الحق والحاصل ان الحكم الذي هو شأن القاضي ووجب
السماع مقدمة له لا بد من أن يكون فيما كان هناك دعوى وخصومة بين الشخصين أمكن الحكم والالزام على طبق
الدعوى وأما مجرد ترتب فائدة على السماع وإن لم تكن هو الالزام على طبق الدعوى فمما لم يشرع له نصب القضاة أصلا
وبعبارة أخرى أوضح وظيفة الحاكم ليست إلا استعداء المواعد ورفع الظلم والعدوان عنه بإلزام خصمه بالخروج
عن حقه ولهذا عنون جماعة منهم العلامة في القواعد هذا الكتاب بكتاب الأعداء والاستعداء فالذي صار سماع
الدعوى واجبا لأجله هو هذا وليس وظيفته الجلوس في مجلس القضاء ليقرأ المنكر أو يسمع الدعوى لأجل أن يترتب
عليه فايدة غير إلزام المنكر على طبق الدعوى ومنه يظهر فساد ما ذكره شيخنا الشهيد في مسالك الأفهام بعد ترجيح القول
بالسماع من أن الحكم يتبع الدعوى وأما تعيين الدعوى فهو أمر آخر وراء الحكم على ثبوت المدعى به توضيح
الفساد انك قد عرفت أن وظيفة الحاكم ليست إلا إلزام المدعى عليه بالحق واستنقاذ حق المدعى عنه والمفروض
انه غير ممكن في المقام باعتراف الخصم وأما الحكم على ثبوت الدعوى على ما هي عليه مع عدم امكان إلزام -
المدعى عليه بها فلم يدل عليه دليل أصلا وان احتمل اقرار المدعى عليه بالحق أو قيام البينة على التعيين لأنك
قد عرفت أن ذلك ليس من غاية الحكم وإنما هو من فوايده الغير الموجبة لتشريعه.
ثم انك بالتأمل فيما ذكرنا تقدر الوقوف بفساد أدلة المثبتين لكن لا بأس بأن نشير إليه إجمالا حتى
يصير سببا لتوضيح المرام وتنقيح المقام وموجبا لعدم وقوع غيرهم في تلك الشهبة
فنقول أما الجواب عما دل على الحكم بالبينة والايمان الشامل باطلاقه للمقام حسبما يدعيه الخصم أو
الحكم بالحق بين الناس المدعى دلالته على وجوب السماع فيما نحن فيه فهو انها (فبأنها خ) إطلاقات واردة في مقام
بيان قضية مهملة لم يقصد منها إلا بيان ان البينة واليمين شرعتا لاحقاق الحق بهما في الجملة وليست هي في
مقام بيان انهما في أي مورد أو في أي شئ أو في حق أي شخص فهي بالنسبة إلى الخصوصيات مجملة مهملة لا دلالة
لها فيها أبدا فتأمل.

84
وأما الجواب عما ذكر ثانيا من أن عدم سماع الدعوى المجهولة يوجب ابطال الحقوق الواقعية كثيرا
ما الذي شرع لرفعه القضاء بين الناس فبالمنع من لزوم ذلك لامكان أن يجعل المدعي النزاع في المعين ولو
في القدر المتيقن من دعواه ولو بأن يلقنه الحاكم ذلك لأنه لا دليل على منع ذلك وحرمته على الحاكم هذا كله
فيما إذا كان هناك قد متيقن وأما لو لم يكن قدر متيقن في البين كما لو ادعى عليه عينا موجودا مرددا بين
متباينين فيلاحظ القدر المتيقن بالنسبة إلى قيمة كل منهما فالمتيقن ولو من حيث القيمة في كل مورد موجود
فيدعيه المدعي ويحكم عليه الحاكم ودعوى أن حق المدعي لعله كان أزيد من القدر المتيقن بحسب الواقع
فيلزم ابطاله أيضا مدفوعة بأن إبطال الحقوق الواقعية أحيانا مع عدم الدليل الشرعي على احرازها حسبما
هو المفروض من اختصاص أدلة الحكم بما أمكن الالزام على طبق الدعوى مما لا ضير فيه أصلا كما لا يخفى.
فإن قلت ما المانع من السماع على الحاكم بعد وجود قدر متيقن يمكن إلزام المنكر به وأي فرق حينئذ بين
أن يعلم ادعاء القدر المتيقن صريحا أو ضمنا.
قلت لا مانع من حكم الحاكم بالقدر المتيقن المعلوم دعواه في ضمن الدعوى المجهولة لان مرجع -
الدعوى بالنسبة إليه إلى دعوى معلومة لا مانع من سماعها والحكم على طبقها لكنه لا دخل له بسماع الدعوى
المجهولة من حيث هي مجهولة كما هو محل البحث وان أريد من سماع الدعوى المجهولة هو ذلك باعتبار صيرورتها
سببا لدعواه فنحن نلتزم بذلك ولم يظهر من المنكرين انكاره أيضا هذا.
ثم إن بما ذكرنا يظهر أيضا فساد ما أورده جماعة على المنكرين من النقض بالاقرار بالمجهول أو
الوصية بالمجهول أو ادعاء أحدهما وقياس ما نحن فيه بتلك الموارد لأنك قد عرفت أن المانع من السماع في المقام
هو عدم امكان الحكم على طبق المدعى فلا يجري أدلة وجوب الحكم وسماع الدعوى بخلاف الأمور المذكورة
فإنه لا مانع من جريان أدلتها أما في الاقرار بالمجهول والوصية به فظاهر وأما في ادعاء أحدهما فلانه لا دخل
له بالدعوى المجهولة لان متعلق الدعوى فيهما أمر معلوم لا جهل فيه أصلا وإنما الجهل في متعلق متعلقها كما لا يخفى
فلا مانع من سماعه وثبوته بالبينة والحكم على طبقه وترتب ثمرة نفس الاقرار بالمجهول والوصية به عليه فتبين
مما ذكرنا كله ان الدعوى المجهولة بما هي لما لم يمكن الحكم عليها فلا دليل على وجوب سماعها والقول بأنه
يجب سماعها مقدمة للحكم بالقدر المتيقن فمع ما عرفت من أن وجوب السماع إنما هو لأجل الالزام بالمدعى
من حيث هو والمفروض عدم امكانه فيه أنه أشبه شئ بالأكل من القفاء لأنه إذا فرض ثمرة سماع الدعوى
المجهولة هي الحكم بالقدر المتيقن فليجعل المدعى مورد الدعوى أولا هو القدر المتيقن هذا كله بالنسبة إلى
وجوب السماع.
وأما جوازه فلا دليل على المنع منه فمقتضى الأصل جوازه بل لا يبعد القول برجحانه من حيث موافقته
للاحتياط والخروج عما افتى جماعة بوجوبه ورجاء ان يترتب عليه فائدة للمدعي ولو بإقرار المدعى عليه أو قيام
البينة على التعيين إلى غير ذلك من الفوائد.
فإن قلت كيف يذهب إلى جواز الاحتياط بل رجحانه في الفرض المزبور مع أنه مستلزم للالزام على
المدعى عليه وهو إيذاء وظلم يحرم بحكم العقل والنقل والمفروض عدم قيام الدليل على جوازه
فمقتضى الأصل
في المقام هو الحكم بعدم جواز السماع ما لم يقم دليل عليه لا جوازه إلا إذا قام دليل على المنع حسبما هو قضية
الاستدلال المذكور.

85
قلت قولنا بجواز السماع إنما هو فيما إذا لم يتوقف على إلزام المدعى عليه وأما إذا توقف عليه فلا نقول
بجوازه أيضا لما قد ذكر من الوجه والقول بأن السماع مطلقا مستلزم للالزام على المدعى عليه فاسد جدا لعدم
الملازمة بينهما كما لا يخفى بل في أغلب الموارد لا يتوقف عليه أصلا.
فإن قلت قولكم بعدم وجوب سماع الدعوى المجهولة في المقام ينافي ما ذكروه في المسألة السابقة
من أنه لو ادعى شخص ان لي على فلان دعوى ومخاصمة وكان المدعى عليه حاضرا والتمس من الحاكم احضاره
انه عليه احضاره وإن لم يحرر الدعوى وجه المنافات انه مع عدم تحرير الدعوى يكون الدعوى مجهولة فما وجه
امتيازها عما نحن فيه.
قلت أما أولا فقد انعقد الاجماع على الحكم المذكور في المسألة السابقة بخلاف ما نحن فيه فيمكن
الفرق بينهما من تلك الجهة وأما ثانيا فنمنع كون المسألة السابقة من قبيل ما نحن فيه لان قول المدعى ان لي
على فلان دعوى ليس هو بنفسه ادعاء على أحد حتى يقال بكونه مجهولا أو معلوما وإنما هو اخبار عن أن لي (له خ)
دعوى على فلان غاية الأمر احتمال كون هذه الدعوى المخبر بها مع عدم تحريرها كما هو المفروض مجهولة وأين
هذا من كون الدعوى مجهولة وأي دخل له بما نحن فيه فافهم واغتنم.
قوله ولا بد من إيراد الدعوى بصورة الجزم أقول الكلام في المسألة يقع في مقامين أحدهما في تكليف
المدعى بالنسبة إلى ايراد الصيغة وانه أي شئ ثانيهما في تكليف الحاكم بالنسبة إلى الحكم وانه هل يشترط
في وجوب السماع والحكم عليه أن يكون الدعوى واردة بصورة الجزم أم يكفي غيرها أيضا.
أما الكلام في المقام الأول فنقول انه لا إشكال بل لا خلاف بل لا يعقل الخلاف في أنه يجوز للمدعي
إيراد الدعوى بصورة الجزم إذا كان قاطعا بثبوت المدعى وفي انه لا يجوز إذا كان قاطعا بعدم ثبوته لأنه كذب وافتراء
وإنما الاشكال والخلاف فيما إذا لم يكن قاطعا بأحدهما لا بثبوت المدعى ولا بعدمه سواء كان ظانا بأحدهما أو كان
شاكا فيهما فإن المستفاد من كلام جماعة من الأصحاب هو عدم الجواز لأنه كذب وتدليس وظاهر بعض جوازه أيضا
والحق أن يقال إنه لو قلنا بأن قول المخبر اطلب من فلان مع عدم علمه بذلك بل شكه فيه كذب أو تدليس
محرم كما هو ظاهر جماعة فبالحري أن نفصل في المسألة بين ما إذا كان عند المدعي امارة شرعية على الحق
كاقرار من المدعى عليه أو قيام البينة عنده وتوقف احرازه على ايرادها بصورة الجزم أو كان فيما يعسر الاطلاع عليه
غالبا وكان في مظان وجوده بحيث لو لم يبرزها بصورة الجزم بطل حقه كثيرا ما وبين غير هاتين الصورتين فيحكم
بالجواز في الصورتين الأوليين من حيث وجود مصلحة مجوزة وبعدم الجواز في الصورة الأخيرة من حيث عدم وجود
مصلحة مجوزة وإن لم نقل بذلك كما هو ظاهر بعض من حيث عدم علمه بكون اخباره هذا مخالفا للواقع حتى
يكون كذبا وعدم ترتب شئ على هذا التدليس لو كان تدليسا وعدم دليل أيضا على حرمة التدليس بقول مطلق
فيحكم بالجواز حينئذ مطلقا هذا ولكن في تعيين أحد المسلكين اشكال وعليك بالتأمل في تعيينه وإن كان القول الأخير
لا يخلو من قوة هذا كله فيما إذا قال اطلب عن فلان الظاهر في الجزم مع عدم جزمه بحسب الواقع وأما لو قال إني
أعلم أو أقطع بان لي على فلان كذا وكذا فلا إشكال في كونه كذبا لا دليل على جوازه بل الأدلة الأربعة متطابقة
على منعه هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما المقام الثاني وهو بيان تكليف الحاكم من حيث وجوب السماع وعدمه فتقول ان الكلام فيه يقع
في موضعين أحدهما في تكليفه فيما إذا أورد الدعوى بصورة الجزم ثانيهما فيما إذا أوردها

86
على صورة غير الجزم.
أما الكلام في الموضع الأول فملخصه انه إذا أورد المدعي الدعوى بصورة الجزم فلا يخلو إما أن
يكون الحاكم عالما بكونه جازما أو عالما بكونه غير جازم أو شاكا فيهما أما إن كان عالما بجزمه فلا ريب في
وجوب السماع عليه وأما إن كان عالما بعدم جزمه فإن علم باتكاله على طريق شرعي مثل اقرار من المدعى عليه
أو غيره فلا ريب أيضا في وجوب السماع وإن علم بعدم استناده إلى طريق شرعي فلا إشكال في عدم وجوب السماع
وإن جهل الامرين فيلحق بالأخير لعدم دليل على وجوب السماع في ذلك الفرض وأما إن كان شاكا فيهما فيؤخذ
بظاهر اللفظ ويحكم بكونه جازما فيجب عليه السماع.
وأما الكلام في الموضع الثاني فيقع في مقامين أحدهما فيما إذا علم الحاكم استناد المدعى في ذلك
إلى طريق شرعي كأصل من الأصول أو اقرار أو بينة اطلع عليها إلى غير ذلك ثانيهما فيما لم يعلم ذلك سواء علم عدم
استناده إليها أو جهل الأمران.
أما الكلام في المقام الأول فنقول انه لا إشكال في وجوب السماع في تلك الصورة لاجتماع شرايط الحكم
وفقد موانعه حيث إنه لما كان المدعى جايزا له أخذ المال شرعا فيمكن الالزام على المدعى عليه حينئذ إذ لا مانع منه
أصلا لا عقلا كما في الدعوى المجهولة لفرض تعينها فيما نحن فيه غاية الأمر عدم جزم المدعى بها ولا شرعا لفرض
جواز تصرفه في المدعى به كما لا يخفى.
وأما الكلام في المقام الثاني فنقول ان الحكم بوجوب السماع فيه وعدمه مبني على ما ذكرنا في -
المسألة السابقة من أن الغاية لوجوب السماع هل هو رجاء ترتب فائدة عليه كاقرار من المدعى عليه أو نحو ذلك
أو غايته هو التمكن من إلزام المدعى عليه على المدعى به وإيصاله إلى المدعي فإن قلنا بالأول حسبما عرفت أنه
ظاهر جماعة بل المعروف بين متأخري أصحابنا ولهذا استدلوا به على وجوبه في المسألة السابقة فلا بد من القول
بوجوبه فيما نحن فيه ووجهه ظاهر وإن قلنا بالثاني حسبما اخترناه على ما عرفته سابقا فلا يحكم بوجوبه
في المقام كما لم يحكم بجوبه في المسألة السابقة أيضا ووجه ذلك على تقدير ثبوت الابتناء المذكور هو انتفاء
شرط الالزام على المدعى عليه بحكم الشرع وإن لم يحكم العقل بامتناعه حيث إنه بعدما فرض عدم جواز تصرف المدعى
في المدعى به بحسب تكليفه الشرعي كيف يجوز شرعا إيصاله إلى المدعى وإلزام المدعى عليه على رفع اليد عنه وتسليمه
بالمدعى فالمانع في الفرض وإن لم يكن موجودا عقلا إلا أنه موجود شرعا ومعلوم ان المانع الشرعي كالمانع
العقلي في عدم تحقق الممنوع مع فرض وجوده فإذا فرضنا انتفاء جواز الحكم حينئذ ينتفي وجوب السماع لارتفاع
وجوب المقدمة برفع وجوب ذيها لقضية التبعية المفروضة (المعروفة خ) وبعبارة أخرى أخصر الحاكم انما
وظيفته إلزام المدعى عليه بحق المدعي وإيصاله إليه فإذا لم يجز بحسب الشرع تصرف المدعي فيما يدعيه لعدم
علمه بحقيته له ولا له طريق شرعي إليه حسبما هو المفروض كيف يحكم على الحاكم بوجوب السماع الذي هو
مقدمة للحكم الذي هو غير واجب في المقام فالحاكم وظيفته الالزام ودفع الخصومة لا غير فلا بد من أن يجوز
للمدعي أخذ المدعى به لو فرض تسليم الخصم له والمفروض انتفائه في المقام فينتفي الحكم أيضا.
فإن قلت إذا فرضنا علم الحاكم بوجود البينة للمدعي وفرض عدم علمه بها فهل يحكم بوجوب السماع أم لا
فإن قلت إنه يجب عليه السماع حينئذ قلنا لماذا وجب عليه السماع مع عدم جواز التصرف للمدعي بحسب تلكيفه
كما هو المفروض وإن قلت إن حكم الحاكم طريق للمدعي فيجوز له التصرف بعد حكمه فمع انه خلاف -

87
المفروض حيث إنك فرضت كون حكمه تابعا لجواز تصرفه قلنا به فيما لم يكن هناك بينة وفرضنا جواز حكم
الحاكم بالنكول وإن قلت إنه لم يجب عليه السماع قلنا كيف لا يجب عليه مع أنه مستلزم لابطال
حقه المعلوم.
قلت مرادنا بجواز تصرف المدعي وثبوت حقه هو كونه كذلك بحسب الواقع وإن لم يعلم به بحسب -
الظاهر فلا يقاس عليه ما لا يجوز له التصرف في المدعى به أصلا إلا بعد حكم الحاكم المتوقف عليه هذا.
وقد يستدل على اشتراط الجزم في الصيغة بوجهين آخرين أحدهما ما ذكره في مسالك الأفهام من أن كل مورد
يسمع فيه الدعوى لا بد من أن يترتب عليها جميع آثارها من يمين المدعي أو القضاء بالنكول وهما غير ممكنين
لعدم العلم بأصل الحق وأنت خبير بأن هذا الوجه لو تم فإنما هو فيما لم يكن للمدعي طريق شرعي إلى الحق
ثانيهما ما ذكره في مسالك الأفهام أيضا ويستفاد من كلام الماتن أيضا من أن المعهود من الدعوى هو القول الجازم فلا يطابقها
(يكفي خ) الظن ونحوه.
وقد يستدل أيضا على الاشتراط بعدم صدق الدعوى بدون الجزم وسيأتي ضعف ذلك إن شاء الله وقد يستدل
أيضا ببعض الوجوه الضعيفة الغير الناهضة المذكورة في كتب الأصحاب الواقف عليها من نظر إليها فلا نحتاج
إلى ذكرها وذكر ما فيها هذا.
وقد يستدل على عدم الاشتراط ووجوب السماع على الحاكم بما قد عرفت في المسألة السابقة من
اطلاق ما دل على الحكم بالحق أو الموازين الشرعية وإن الغاية لوجوب السماع ليس هو التمكن من إلزام الحكم
بالمدعى فعلا بل الغاية فيه هو ترتب ثمرة عليه إلى غير ذلك مما عرفت في المسألة السابقة وفيه ما عرفت من منع
الاطلاق أو العموم بحيث ينفع للمقام ومن منع كون الغاية ما ذكر بل قد عرفت أن الغاية في وجوب السماع
هو ما نفاه.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من جوب السماع فيما كان هناك طريق شرعي للمدعى وعدمه فيما لم يكن
بين موارد التهمة وعدمه (وغيرها خ) ولا بين ما يعسر الاطلاع عليه وعدمه (وغيره خ) والمراد بموارد التهمة ما
كان هناك امارة تفيد الظن نوعا على ثبوت المدعى.
وقد فصل بعض مشايخنا في المقام بين موارد التهمة وغيرها فحكم بوجوب السماع وعدم الاشتراط
في الأول وبعدم جوبه والاشتراط في الثاني حيث قال بعد جملة كلام له في المقام ما هذا لفظه والتحقيق الرجوع إلى
العرف في صدق الدعوى المقبولة وعدمه ولا ريب في قبولها عرفا في مقام التهمة بجميع أفرادها ثم أيد ذلك بما
ورد من النصوص في تحليف الأمين مع التهمة وهي كثيرة منها خبر بكر بن حبيب قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أعطيت
جبة إلى القصار فذهبت بزعمه قال إن اتهمته فاستحلفه وإن لم تتهمه فليس عليه شئ منها أيضا خبره عنه
(عليه السلام) لا يضمن القصار إلا ما جنت يداه وإن اتهمته أحلفته منها خبر أبي بصير عنه (عليه السلام) أيضا لا يضمن الصايغ ولا
القصار ولا الحائك إلا أن يكونوا متهمين فيخوف بالبينة ويستحلف لعله يستخرج منه شيئا ثم قال بعد كلام
له بل قد يؤيده أيضا عمومات الامر بالحكم كتابا وسنة في جميع أفراد المنازعة والمشاجرة التي لا ريب في أن
ذلك من أفرادها إلى آخر ما ذكره.
وأنت خبير بضعف ما ذكره قدس سره من المؤيد والمؤيد أما المؤيد بالفتح فلانا ما فهمنا معنى قوله
رحمه الله والتحقيق إلى آخره فإن أريد من ذلك تشخيص موضوع الدعوى بالعرف ليتمسك بعده بالعمومات ففيه أولا

88
انه لم يرد أكثر العمومات بلفظ الدعوى وثانيا انه لا ينفع كما سيجئ وإن أريد بذلك احراز مقبولية الدعوى
بالعرف ففيه انه لا ربط للعرف في مثل هذه الأشياء كما لا يخفى وأما المؤيد فأما أولا فبمغايرة ما نحن فيه لمورد
تلك الأخبار فإن موردها اتهام المدعي عند المنكر وهو صاحب المال وما نحن فيه هو اتهام المنكر عند المدعي
وأما ثانيا فلانا لو بنينا على التعدي من مورد تلك الأخبار فإنما هو فيما إذا كان هناك طريق شرعي لثبوت المدعى
عند المدعي كما في مورد تلك الأخبار فإن جميعها فيما إذا كان هناك طريق لثبوت المال ولو كان هو الاستصحاب
فلو بنينا على التعدي فإنما ينفع فيما ذكرنا لا فيما ذكره قدس سره.
فإن قلت إن مورد تلك الأخبار وإن كان على خلاف ما نحن فيه من الجهتين إلا أن الظاهر من قوله
في رواية أبي بصير لعله تستخرج منه شيئا التعليل للحكم المذكور فهو بمنزلة كبرى كلية جارية في
جميع المقامات.
قلت الظاهر من الاستخراج هو طلب خروج ما كان ثابتا لا طلب خروج ما يحتمل ثبوته بحسب الواقع
فهو بمنزلة كبرى كلية في موارد ثبوت الحق بالطريق الشرعي فينطبق على ما ذكرناه لا على ما ذكره هذا مجمل
القول في الجواب عن مؤيده الأول وأما الجواب عن مؤيده الثاني فبما قد عرفت غير مرة من أن تلك العمومات
واردة في مقام بيان قضية مهملة لا دلالة لها لمثل المقام أصلا هذا.
وقد يفصل أيضا بين ما يعسر الاطلاع عليه كالقتل والسرقة وغيرهما وغيره فتسمع في الأول دون الثاني
وأول من ذهب إلى هذا التفصيل على ما صرح به أستاذنا العلامة دام ظله المحقق الثاني ثم تبعه على ذلك جماعة
ممن تأخر عنه والدليل على هذا التفصيل على ما ذكره الأستاذ دام ظله ويستفاد من كلامهم أيضا إما على النفي في
غير ما يعسر الاطلاع عليه فبأدلة النافين وأما على الاثبات فيما يعسر الاطلاع عليه فبأن عدم السماع فيه يوجب
ابطال الحقوق كثيرا كما لا يخفى فيدل على وجوب السماع فيه ما دل على وجوب السماع في الدعوى الجزمية.
وفيه أنه إن كان للمدعي فيما يعسر الاطلاع عليه طريق شرعي إلى ثبوت المدعى فهو وإلا فلا دليل
على وجوب السماع فيه كما لم يكن في غيره ومجرد لزوم ابطال الحق كثيرا لا يدل على وجوب السماع بعد عدم
جريان أدلة الحكم وأما القول بكون العلة في أصل تشريع الحكم بين الناس هو عدم لزوم ابطال حقوقهم فما
يستلزم فيه ذلك يجري فيه دليل الحكم ففاسد لأنا نمنع من كون عدم لزوم ابطال الحقوق علة للحكم يدور
مداره وجودا وعدما بل غاية ما سلمنا هو كونه حكمة غير مستتبعة للحكم في موارد وجودها ولا مقتضية لعدمه
في موارد فقدها هكذا ذكره الأستاذ في الجواب عن هذا الدليل بعد ميله أولا إلى هذا القول ولكن لي في عدم تمامية هذا التفصيل تأمل يظهر وجهه مما ذكرنا من النقض والابرام والله العالم بحقايق الأمور.
وينبغي التنبيه على أمور أحدها ان ما ذكرنا كله في الدعوى الغير الجزمية إنما هو بالنسبة إلى لزوم
السماع وعدمه وأما الجواز فلا إشكال فيه بل مقتضى الاحتياط الغير اللازم عدم تركها حسبما عرفت تفصيل القول
فيه في الدعوى المجهولة ثانيها ان ما ذكرنا من وجوب السماع في الدعوى الغير الجزمية فيما كان للمدعى طريق
إلى الحق فإنما هو فيما إذا وجد هناك مطالبة من المدعي حتى يصدق معها الدعوى فإن صدقها عرفا موقوف على
تحت عنوان المطالبة والمشاجرة فلو لم يكن هناك مطالبة من المدعى بل الموجود منه مجرد الاخبار ظنا
بثبوت الحق كما قال أظن اني أطلب من زيد فلا إشكال في عدم سماعه لخروجه عن الدعوى فلا بد من
أن يكون مراد من يحكم بوجوب السماع مطلقا أيضا هو ما ذكرنا أي في مورد يكون هناك عنوان المطالبة

89
فمنه تعرف فساد ما أورد عليه بعض مشايخنا من عدم صدق الدعوى في صورة غير الجزم نعم لو كان مرادهم هو الأعم
مما ذكرنا لكان لورود هذا الايراد عليهم وجه فتأمل.
ثالثها انه يستفاد من كلماتهم في بعض فروع المسألة ما ينافي في اختلافهم فيها في المقام فإنهم ذكروا
فيما إذا ادعى الوارث على شخص كونه مديونا لمورثه من جهة ما وجده في دفتره من غير خلاف بينهم انه يسمع
منه ذلك وإن اختلفوا في حبسه بعد النكول على القول بعد الحكم به أو اطلاقه ورفع اليد عنه فقضية اتفاقهم
في هذا الفرع من غير ابتنائه على سماع الدعوى الغير الجازمة تنافي قضية اختلافهم في تلك المسألة وذكروا
مثل هذا فيما إذا لم يكن للميت وارث فوجد حاكم الشرع في دفتره ما يدل على كونه مطالبا من شخص فإنه
يدعي على هذا الشخص ويسمع دعواه كالوارث نعم لو كان الدفتر من الامام ووجد فيه ذلك يحكم بوجوب
سماع الدعوى المستندة إليه وسيأتي تفصيل القول في جميع ذلك إن شاء الله.
رابعا لا إشكال بل لا خلاف ظاهرا في أنه يجب سماع الدعوى الغير الجزمية بعد ما رجع المدعي
عنها إلى الجزم وادعاها جازما بها لعدم المانع منه أصلا لأن عدم سماعها منه في زمان من جهة فقط شرط من
شروطه لا يوجب عدمه فيما إذا كان واجدا لهذا الشرط حسبما هو المفروض.
قوله المقصد الثالث في جواب المدعى عليه وهو إما إقرار أو انكار أو سكون أما الاقرار فيلزمه إذا كان
جائز التصرف الخ.
أقول بعدما كان دعوى المدعي جامعة للشرايط المذكورة المعتبرة في سماعها فيسمعها الحاكم من -
المدعي فيطالب المدعى عليه بالجواب فلا يخلو إما أن يعترف بثبوت المدعى به بقوله نعم ونحوه أو ينكره بقوله
لا ونحوه أو يسكت عنهما وجعل الأخير جوابا لا يخلو عن مسامحة فإن التوجيهات التي ذكروها له من كونه
في حكم الانكار إذا أصر عليه أو غير ذلك لا تخرجه عن المسامحة كما لا يخفى وكيف كان هذا مما
لا إشكال فيه
وإنما الاشكال فيما ذكره شيخنا الأستاذ دام ظله وفاقا لجمع من متأخري الأصحاب من أن هناك
جوابا آخر للمدعى عليه لم يتعرض له الأصحاب بل ظاهرهم الحصر في المذكورات وهو قوله لا أدري فهل ادخلوه
وأدرجوه في المذكورات أو غفلوا عنه وادراجه في المذكورات مشكل ونسبة الغفلة إليهم أشكل ويمكن ادراجه
في السكوت بأن يجعل المراد منه السكوت عن الاقرار والانكار سواء تكلم بشئ آخر غيرهما كلا أدري أو لم
يتكلم أصلا وهذا كما ترى خلاف ظاهر كلماتهم بل صريح بعضها وقد ذكر الأستاذ دام ظله كونه داخلا في الانكار
عندهم وإن لم يترتب عليه بعض أحكامه من توجه اليمين وغيره فإن المجيب بلا أدري بحسب الواقع ينكر ثبوت
الحق ظاهرا ويبني على عدمه في الظاهر ويمتنع عن أدائه إلى المدعي وفيه أيضا تأمل لمنع بناء المدعى عليه المجيب
بلا أدري دائما على إنكار الحق في الظاهر لامكان وكوله الأداء وعدمه بحسب تكليفه الظاهري إلى المسألة من -
الحاكم من غير أن يبني على أحدهما فتأمل هذا.
وقد ينقدح في النفس ويخطر بالبال جواب آخر عن هذا الاشكال غير الجوابين المذكورين وهو
ان عدم ذكرهم له في عداد جواب المدعى عليه مع كونه منه ليس من جهة غفلتهم عنه بل من جهة عدم ترتب
ثمرة الجواب عليه من حيث هو أصلا فهو وإن كان داخلا في الجواب موضوعا إلا أنه خارج عنه حكما فتأمل.
ثم إن ما ذكرنا كله من كونه خارجا عن أحد المذكورات أو داخلا فيه إنما هو فيما إذا لم يدع عليه العلم وأما

90
إذا ادعى عليه العلم فقال لا أعلم كما في الادعاء على الميت مع ادعاء علم الوارث بالمدعى به فلا إشكال في كونه انكارا
حقيقة جاريا عليه جميع أحكام الانكار وتعرضوا له فيما سيأتي في مسألة الادعاء على الميت.
وكيف كان فلنرجع إلى بيان الحكم للأجوبة المذكورة فنقول أما الاقرار فالظاهر منهم اتفاقهم على أنه
سبب لالزام المقر بما أقر به إذا كان جامعا لشرايطه المذكورة في بابه لقوله (صلى الله عليه وآله) أقرار
العقلاء على أنفسهم جايز
بل المشهور بينهم انه يلزمه ذلك سواء حكم الحاكمية أم لم يحكم وهذا بخلاف البينة فإنها لا يثبت الحق بمجرد
اقامتها بل لا بد معها من حكم الحاكم وعلل الفرق بينهما في المسالك وغيره بأن البينة منوطة باجتهاد الحاكم في قبولها
إذا كانت جامعة للشرايط وردها إذا كانت فاقدة لها وهو غير معلوم بخلاف الاقرار وقد يقال بل قيل بعدم الفرق
بينهما من حيث جواز العمل بكل منهما وإن لم يحكم به الحاكم فإنه كما أن أدلة الاقرار عامة للحاكم وغيره
كذلك أدلة البينة عامة لهما والقول بكون المخاطب بالعمل بالبينات خصوص الحاكم أو المخاطب به جميع
الناس لكن حكم الحاكم شرط له تخصيص وتقييد لم يثبت والأصل عدمه على أنه يجري في أدلة الاقرار أيضا
حرفا بحرف.
وأما الفرق بينهما بما ذكره في المسالك الراجع حاصله إلى عدم قدرة غير الحاكم على العمل بالبينة من حيث
عدم إمكان احراز شرايطها له بخلاف الاقرار ففاسد جدا أما أولا فبالنقض بالبينة في غير مقام الخصومة ورفع
المنازعة كالبينة على الطهارة والنجاسة وغيرهما فإن ظاهرهم الاتفاق على جواز العمل بها فيه لكل من قامت عنده
وإن لم يحكم به (بها خ) الحاكم ومعلوم ان شرايط العمل بالبينة وموانعها لا تتفاوت بالنسبة إلى المقامين وأما ثانيا
فبالنقض بالاقرار فإنه أيضا مثل البينة في أن له شرايط وموانع يحتاج إلى الاجتهاد في احرازها ورفعها وأما ثالثا
فبأنا نفرض الكلام كما هو المفروض في البينة التي علم قبولها عند الحاكم باجتماعها شرايط القبول عنده فلا فرق
بين البينة والاقرار في كون كل منهما جايز العمل لكل أحد وإنما الحاكم يحكم أيضا بمقتضاهما فيترتب على
حكمه ثمراته من عدم سماع الدعوى بعده ونحوه لا أن أصل تناول المدعى بعد قيام البينة والعلم بقبولها عند الحاكم
وإن لم ينشأ الحكم به متوقف على حكمه هذا.
وقد ذكر الأستاذ العلامة في مجلس المباحثة وجها للفرق بينهما لا يخلو عن دقة وهو ان المقر بنفس
اقراره يرفع الخصومة فالعمل بالاقرار ليس رفعا للخصومة والدعوى حتى يقال بأنه مختص بالحاكم بل الخصومة
بنفسها تنفصل وترتفع عند اقرار المنكر واعترافه بثبوت ما ادعى عليه وهذا بخلاف البينة فإنها إنما قامت
على ثبوت الحق وأما رفع الخصومة والفصل بين المدعي والمنكر فهو شئ آخر غير ملازم لقيام البينة.
وتفصيل القول في ذلك بحيث يوضح به المقام ويرتفع الغواشي عن وجوه المرام ان العمل بالبينة قد
يكون في غير مقام المرافعات والخصومات كما إذا قامت على طهارة أو نجاسة أو ملكية أو زوجية أو غيرها من غير
أن يكون محلا للنزاع والمرافعة وهذا مما لا إشكال بل لا خلاف في كونه غير مختص بالحاكم ولا مشروط بحكمه
أيضا وإنما ذهب من ذهب إلى الاختصاص أو الاشتراط في مقام فصل الخصومة وقد يكون في مقام المرافعات و
هذا على ثلاثة أقسام أحدها أن يريد من العمل بها الحكم بين المتخاصمين بالحكومة الاصطلاحية بأن يلزم المنكر
بأداء الحق على ما يجوز للمجتهد من أنحاء الالزام وهذا أيضا مما لا إشكال بل لا خلاف في اختصاصه بالحاكم بل العمل
بالاقرار بهذا المعنى أيضا مختص به ولا يجوز لغيره ثانيها أن يريد من العمل بها محض ترتيب الأثر عليها الغير
المستلزم لفصل الامر ورفع الدعوى بينهما ولو كان بغير الفصل الاصطلاحي بأن كان فصلا لبيا كما إذا أريد الصلاة

91
في الدار التي في يد عمرو وشهدت البينة العادلة بأنها لزيد مع اذنه في الصلاة إلى غير ذلك من الأعمال التي لا تستلزم
رفع الخصومة بينها ولو بحسب اللب فإن الصلاة في الدار المتنازع فيها ليست بفصل خصومة وإيصال للمال إلى
صاحبه أصلا كما لا يخفى وهذا أيضا مما لا إشكال في جوازه لغير الحاكم وإن كان ظاهرا بعض عدم جوازه إلا
بحكم الحاكم لعموم ما دل على جواز العمل بالبينة والمفروض انه ليس بحكم ولا قضاء حتى يمنع عنه ما دل
على اختصاص القضاء بالبينة بالحاكم ثالثها أن يريد من العمل بها فصل الامر بينهما بغير حكومة اصطلاحية كان
سرق المال الذي شهدت البينة بكونه لزيد وأعطاه إياه أو باعه عن المدعي ودفع الثمن إليه فإن اعطاء المال لزيد
في المثال الأول أو ثمنه كما في المثال الثاني يرفع الخصومة لوصول المال أو بدله إليه إلى غير ذلك مما يكون فصلا
للخصومة بحسب اللب من غير أن يكون حكومة اصطلاحية ولا محض ترتيب الأثر كما في القسم الثاني وهذا هو
الذي يكون محلا للاشكال ومورد الخلاف وبالجملة فهناك ثلاثة أشياء محض ترتيب الأثر من غير أن يسلتزم
إلزاما واخراج حق أصلا لا واقعا ولا ظاهرا وإلزام واقعي للمنكر على أداء الحق وإن لم يعلم به وهذا هو الذي
ذكرنا أنه فصل لبي وإلزام ظاهري للمنكر على أداء الحق بالحكومة المتعارفة والأول ليس إشكال في جوازه
إذا قامت البينة على الحق لعدم معارضته بشئ كما أن الثالث لا إشكال في عدم جوازه إلا للحاكم كما في الاقرار
أيضا وإنما الاشكال في الثاني.
إذا عرفت ذلك فنقول ان المتسفاد من أدلة الحكم والفصل بالموازين الشرعية كونهما مختصين بحاكم
الشرع ولا يجوز لغيره التصدي والتعرض لهما سواء رجعا إلى الحكومة الاصطلاحية أم لم يرجعا إليها كما فيما نحن
فيه فإنه أيضا نوع فصل بين المتخاصمين وإن لم يكن داخلا في الحكومة الاصطلاحية ويمكن ارجاع كلام صاحب
المسالك وغيره إلى ما ذكرنا فتأمل.
ثم إن ما ذكرنا كله إنما هو بالنسبة إلى غير المدعي والمنكر وأما هما فأما المدعي فلا إشكال في جواز
أخذه المال وإخراجه عن يد المنكر إذا علم بصدقه كما أن لا إشكال في عدم جوازه له إذا علم بكذبه وإنما الاشكال
فيما إذا كان شاكا بحسب الواقع فإن في الحاقه بثالث خارج عنهما في عدم جواز اخراجه للحق لكونه فصلا واقعيا
وإلزاما حقيقيا للمنكر أو عدم الحاقه به لعدم شمول ما دل على الاختصاص لنفس المدعى وجهان أوجههما الأول
وأما المنكر فإن كان عالما بصدق دعوى المدعي فلا إشكال في وجوب الأداء عليه بينه وبين الله كما أن لا إشكال
في عدم وجوبه عليه إذا كان عالما بكذبه وإن كان شاكا فيهما فيجب عليه الأداء أيضا بمقتضى العمل بالبينة فإنه
لا مانع عنه في حقه والحاصل ان المدعي وغيره سواء في العلم بالبينة فيما نحن فيه بخلاف المنكر.
فإن قلت إذا علم المدعي أو ثالث بحقية مدعاه وصدقه فيه فقد علم مما ذكرت جواز الالزام الواقعي واخراج
الحق لهما فإن كان هذا فصلا دل الدليل على اختصاصه بالحاكم فلا يجوز لغيره كما في الالزام الظاهري المتضمن
للقهر والغلبة على المنكر وإن لم يكن فصلا فأي فرق بين العمل بالعلم والبينة.
قلت ما ذكرنا من اختصاص هذا النوع من الفصل بالحاكم أيضا فإنما هو في الفصل بالموازين الشرعية
لما استفدنا من أدلتها من كون الفصل بها مطلقا مختصا بحاكم الشرع وأما العمل بالعلم بهذا المعنى فهو أمر
قهري يترتب عليه ولا يجوز للشارع النهي إلا بتخصيص أدلة معلومه مثلا إذا علمنا أن المال المتنازع فيه يكون
حقا للمدعي وأردنا شرائه منه فالقول بعدم جوازه حينئذ لأنه اخراج حقيقي وفصل واقعي للخصومة بينهما مستلزم
لتخصيص ما دل على جواز شراء مال الغير وهذا بخلاف العمل بالبينة فإن القول بعدم جواز العمل بها في الفرض

92
ليس مستلزما إلا تخصيصا لأدلتها وهو ليس أمرا غريبا لأنها من العمومات التي تقبل التخصيص بل خصصت في كثير
من المقامات فقياس العمل بالبينة بالعمل بالعلم قياس فاسد هذا مقتضى تفصيل القول في البينة.
وأما تفصيل القول في الاقرار فهو انه في الالزام الظاهري والقهري على المقر مثل البينة بمعنى انه
كما لا يجوز لغير الحاكم حمل المنكر بخلاف مقتضى تكليفه بمقتضى البينة فكذا لا يجوز لغيره حمل المقر
على خلاف مقتضى تكليفه والزامه به بمقتضى اقراره بل هو أمر مختص بالحكاكم لاحظ لغيره فيه لما قد دل على أن
إلزام الناس على خلاف مقتضى تكليفهم لا يجوز لغير الحاكم فالاقرار من تلك الجهة مثل البينة لا يجوز العمل
به وجعله حاكما على مقتضى تكليف المقر حتى أنه لو علم بكون اعتقاده على خلاف ما أقر به يلزم به كما في حكم
الحاكم حسبما عرفت من كونه حاكما على تكليف المترافعين فالاقرار من تلك الجهة ليس مثل حكم الحاكم
حاكما على مقتضى تكليف المقر بل مثل البينة في الالزام الظاهري وفي الالزام الواقعي وإيصال الحق إلى المقر
له والمدعى ليس كالبينة لعدم ما يدل على تخصيص أدلة الاقرار من هذه الجهة في مقام المخاصمات بالحاكم بل
ظاهر أدلة الاقرار كقوله اقرار العقلاء على أنفسهم جايز وغيره نفوذه على المقر وإلزامه وإن لم يحكم به الحاكم
غاية ما دل عليه الدليل هو كون الالزام الظاهري مختصا بحاكم الشرع وأما غيره فليس شئ يقتضي اختصاصه به
لان ما دل على اختصاص الحكم بالموازين بالحاكم فإنه هو بالنسبة إلى غير الاقرار وأما هو فليس شئ يقتضي
تخصيصه به.
ومن هنا يعرف فساد ما ذكره جماعة من عدم الفرق بين البينة والاقرار في جواز الالزام الواقعي بهما
وإن لم يجز الالزام الظاهري بهما من جهة عدم ما يدل على تخصيص هذا المعنى بالحاكم فيؤخذ بعموم أدلتها
إذ قد عرفت أن أدلة البينة مخصصة بما دل على عدم جواز الفصل والدخول بين المترافعين مطلقا لغير الحاكم وفساد
ما ذكره جماعة أخرى منهم الأردبيلي والأستاذ البهبهاني على ما حكي عنهما من عدم الفرق بينهما في عدم جواز
الالزام الواقعي بهما أيضا على عكس ما عرفته من الجماعة الأولى لما قد دل بقول مطلق على أن الفصل بين الناس
مطلقا سواء كان بالبينة أو الاقرار مختص بالحاكم لما قد عرفت من عدم ما يدل على ذلك المعنى بالنسبة إلى
الاقرار هذا.
ويمكن تقرير الفرق بين البينة والاقرار بوجه آخر مرجعه إلى اباء أدلة الاقرار من التخصيص بالنسبة
إلى الالزام الواقعي دون أدلة البينة وهو أن يقال إن مقتضى قوله (صلى الله عليه وآله) اقرار العقلاء على أنفهسم جايز كون ما
التزم المكلف على نفسه ماضيا عليه وملزما به فمورد أدلة الاقرار هو إلزام المقر بما أقر على نفسه فيستفاد منه ان
اقراره علة تامة لالزامه بما التزم به من دون احتياج إلى شئ آخر من حكم حاكم أو غيره فنقول بمقتضى هذا
الحديث الشريف ان اقراره لنفسه لا يسمع ولغيره أيضا لا يسمع وعلى غيره أيضا لا يسمع وعلى نفسه يسمع
ومعنى سماعه على نفسه على ما يستفاد من لفظ جايز بعد ملاحظة سبق قوله على أنفسهم هو ما عرفت من أن
ما التزم عليه بإقراره ماض عليه وملزم به فلا معنى لتخصيصه بأدلة الحكم بالنسبة إلى إلزام المقر بما أقر به
بحسب الواقع.
فإن قلت إن مقتضى الرواية على ما ذكرت في معناها هو جواز إلزام المقر بحسب الظاهر وقهره على
ما أقر به فيكون اقراره على هذا واردا على مقتضى تكليفه فيكون من قبيل حكم الحاكم فما وجه تخصيص هذا
المعنى بالحاكم.

93
قلت نحن لو خلينا وأنفسنا لحكمنا بجواز إلزام المقر ظاهرا بما أقر به بمقتضى اقراره على ما هو
قضية ظاهر الرواية حسبما جرت عليه عادة العوام من إلزامهم المقر ظاهرا بما أقر به من دون الرجوع إلى الحاكم
لكن إنما منعنا من هذا الالزام من جهة ما دل على أن هذه الرياسة مختصة بالحاكم ولا يجوز لغيره ان يتصداها
فمقتضى الرواية بالنسبة إلى ما هو المراد منه صريحا حجة يجب الاخذ بها نعم لو ورد انه يجب تصديق المقر
أو يجب الاخذ على اقراره أو اقراره حجة إلى غير ذلك من القضاياء الظاهرة في ترتيب الأثر على اقراره من دون أن
يكون فيها حكاية الالزام والالتزام لقلنا بالنسبة إليه بما نقول بالنسبة إلى البينة لعدم قابلية الدليل حينئذ للتفكيك
بالنسبة إلى الآثار الغير المستتبعة للفصل الواقعي والمستتبعة له حسبما بنينا عليه بالنسبة إلى البينة لكن المفروض
خلاف ذلك.
هذا ملخص ما ذكره الأستاذ العلامة من الفرق بين البينة والاقرار لكن يمكن الخدشة فيه أيضا بعد
فرض قبول العموم في أدلة البينة بالنسبة إلى جميع الآثار حسبما هو المفروض بأن غاية ما يستفاد من أدله الحكم
بالموازين الشرعية هو كون الحكومة المتعارفة المستلزمة للقهر والغلبة والالزام ظاهرا على المدعى عليه من
جهتها مختصة بالحاكم وأما غيرها من الالزام الواقعي المستتبع للفصل واقعا فلا دليل على تخصيص أدلة البينة
بالنسبة إليه أيضا فإن ما دل على اختصاص الحكم بالبينة بالحاكم ليس بظاهر في اختصاص هذا المعنى به بل ولا
يستفاد منه ذلك أيضا حسبما هو مراد شيخنا الأستاذ لأنه قد صرح دام ظله في أثناء المباحثة بأن ما ندعيه من -
التخصيص ليس من جهة ظهور أدلة الحكم بالبينة في ذلك بل من جهة ما يستفاد منها بعد التأمل فيها وعليك
بالتأمل في أدلة الأقوال ثم الاخذ بما أدى إليه نظرك مراعيا في ذلك جانب الانصاف مجتنبا فيه طريق الاعتساف
غير خائف عن مخالفة المشهور بعد مساعدة الدليل على خلافهم فإن الحق أحق بأن يتبع وأحرى بأن يؤخذ.
وينبغي التنبيه على أمور أحدها انه على القول بجواز العمل بالبينة في المقام كالاقرار وإن استتبع
فصلا واقعيا فهل يعتبر فيه ما يعتبر في بينة الحكم للحاكم من قيامها بعد تحرير الدعوى وبقاء عدالتها وحياتها
حين إرادة الحكم إلى غير ذلك من الشرايط المعتبرة في البينة للحكم دون العمل أو لا يعتبر ذلك فيه فيجوز العمل
عليها بعد شهادتها وإن صارت فاسقة بعد ذلك أو لم يحرر الدعوى بعد ظاهر ما استدل عليه القائل بجواز العمل
عليها في المقام من عموم أدلة البينة هو الثاني وإن كان مقتضى كلمات بعضهم هو الأول.
ثانيها انه بعد القول بجواز العمل بالبينة بالنسبة إلى الالزام الواقعي كالاقرار فلو تعارضت مع حكم
الحاكم فهل يؤخذ بها أو بالحكم مثلا لو قامت البينة العادلة قبل تحرير الدعوى أو بعدها مع موت البينة قبل
حكم الحاكم على كون الحق للمدعي ثم حكم الحاكم بمقتضى يمين المنكر على كونه له فهل يجوز أخذ -
المال واقعا عن المنكر واعطائه المدعى عملا بمقتضى البينة أو لا يجوز عملا بمقتضى الحكم وجهان من
عموم أدلة البينة ومن ورود حكم الحاكم على جميع الامارات حتى البينة ظاهر الأصحاب هو الثاني
وهو الحق.
ثالثها ان ما ذكرنا كله في البينة والاقرار من جواز الالزام الواقعي بالنسبة إليها أو عدمه كذلك أو التفصيل
بينهما حسبما عرفت إنما هو في الشبهات الموضوعية التي هي مورد إعمال البينة والاقرار وأما الشبهات الحكمية
فهل يجوز للمدعي أو الثالث أن يعمل بمقتضى تكليفه من اجتهاد أو تقليد قبل حكم الحاكم وإن استتبع فصلا
للدعوى بحسب الواقع فيصير كالاقرار أو لا يجوز ذلك إلا بعد حكم الحاكم فيصير كالبينة في الموضوعات أو يفصل

94
بين ما كان مقتضى تكليف المنكر على طبق تكليفهما أو لم يكن له تكليف ظاهري أصلا بأن لا يكون مقلدا ولا
مجتهدا وبين غير هما فيجوز في الأول دون الثاني وجوه من أن كل شخص مكلف بما يؤدي إليه نظره ما لم يحكم
الحاكم على خلافه فيعمل به وان استتبع إلزاما بحسب الواقع على الغير ومن انه لا دليل على جواز إلزام الغير
بمقتضى تكليف النفس غاية الأمر جواز العمل عليه بالنسبة إلى الآثار الغير المستتبعة لالزام الغير ومن أن عدم
جواز إلزام الغير إنما هو فيما إذا كان مقتضى تكليفه خلاف ما اقتضاه تكليف الغير واما لا مع ذلك فلا دليل
على منعه أقواها ثانيها على ما ذكره الأستاذ من عدم جواز الفصل مطلقا بالطرق الشرعية لغير الحاكم غير الاقرار
ثم إنه لو قلنا بعدم الجواز مطلقا لا بد من القول بالجواز فيما إذا كان مقتضى تكليفه على وفق مقتضى تكليف
الغير لأنه حينئذ يدخل في الأمر بالمعروف الذي قد عرفت جوازه لكل من يقدر عليه سواء الحاكم وغيره.
رابعها ان ما ذكرنا من جواز الالزام الواقعي بمقتضى الاقرار لغير الحاكم انما هو فيما إذا أقر فعلا باشتغال
ذمته للمقر له بحيث قطعنا بما هو المراد له من اللفظ وعدم خطئه وعدم سهوه في الاقرار ولا اكراهه فيه إلى
غير ذلك من الاحتمالات التي لا يمكن معها القطع بالاقرار الواقعي المشروط المذكورة في محله.
وأما إذا أقر لسبب كما لو أقر بأنه استقرض من زيد أو باشتغال ذمته سابقا مع احتمال الأداء من المقر
أو الابراء من المقر له بحيث لو ادعاهما لم يكن منافيا لإقراره أو أقر بشئ لم نقطع بمراده منه بل ظننا به
من باب أصالة الحقيقة أو أصالة عدم القرينة أو احتملنا في حقه الاكراه أو السهو أو الخطأ إلى غير ذلك من الاحتمالات
الموجبة لعدم القطع بالواقع المندفعة بالأصل المعتبر عند أهل اللسان والعقلاء فهل يحكم بجواز إلزامه بإقراره
لغير الحاكم بحسب الواقع كما يجوز له أو لا يجوز وجهان.
من أن مقتضى أدلة الاقرار هو نفي احتمال الكذب عن المقر وترتيب آثار الصدق عليه وأما سائر
الاحتمالات فلا يكفي في دفعها أدلة الاقرار بل لا بد فيه من الرجوع إلى دليل آخر غير ما دل على إلزام المقر
بما التزمه فإنه في مقام جواز إلزامه بعد احراز عنوان الاقرار وليس هو في مقام ان أي شئ اقرار وأي شئ
ليس بإقرار.
وحاصل الكلام ان ما دل على ثبوت الحكم لموضوع لا يجوز احراز نفس الموضوع به بل لا يعقل وهذا
واضح سيما في الفرض الأول فإن فيه جهة أخرى يمكن المنع باعتبارها وهي ان الحكم بلزوم الأداء من
جهة أصالة عدم الوفاء واستصحاب الاشتغال لا دخل له بأدلة الاقرار والاخذ به بل إنما هو أخذ بالاستصحاب فإن
الاقرار إنما هو بثبوت الحق سابقا وأما ثبوته في الحال فإنما جاء من الاستصحاب فهو عمل بالاستصحاب لا بالاقرار
وهذا نظير ما ذكرنا في رد من تمسك بحديث الثقلين لحجية ظواهر الكتاب أو بالاجماع على وجوب الاخذ
بقول الله تبارك وتعالى من أن الحديث الشريف إنما يدل على وجوب متابعة الكتاب فيما علم أنه مراد من الله تعالى
وليس في مقام اثبات حجية الظن بالمراد أصلا وهكذا الكلام في الاجماع فحينئذ لا بد في دفع الاحتمالات المذكورة
من الرجوع إلى دليل آخر إما في دفع احتمال الوفاء والابراء فإلى ما دل على حجية أصالة عدم الوفاء والابراء من
أخبار الاستصحاب أو غيرها واما في دفع احتمال إرادة المجاز أو خلاف الظاهر فإلى ما دل على وجوب الاخذ
بأصالة الحقيقة وأصالة عدم القرينة عند عدم ما يدل على خلافهما وأما في دفع سائر الاحتمالات فإلى ما دل على
اعتبار أصالة عدم الخطأ والسهو الاكراه من بناء العقلاء فيصير حال تلك الأصول حينئذ حال البينة وغيرها من -
الطرق الشرعية فنقول باختصاص العمل بها في مقام رفع الخصومة والالزام ولو بحسب الواقع بالحاكم على ما

95
ذكره شيخنا الأستاذ دام ظله من أن العمل بالطرق الشرعية في مقام إلزام الناس مختص بالحاكم ولا يجوز لغيره
وليس العمل بالأصول المذكورة أولى من العمل بالبينة إن لم يكن أضعف كما لا يخفى.
ومن أن مقتضى أدلة الاقرار وإن كان ما ذكر من اثبات الحكم وهو جواز الالزام لموضوع الاقرار فلا بد
من احراز الموضوع بشئ آخر لكن نقول إنه قد قام الدليل على احرازه في الموارد المذكورة بحيث لا نفرق
فيه بين المجتهد والمقلد أما فيما إذا كان الشك في الاقرار ناشيا من الشك في إرادة المعنى المجازى أو خلاف
الظاهر أو ما شابههما من احتمال السهو والخطأ فلقيام بناء العقلاء وأهل اللسان على التمسك بالأصول اللفظية وما
شابهها من أصالة عدم الخطأ والسهو الاكراه من غير فرق بين الحاكم وغيره فيحكم بمقتضى بناء العرف
والعقلاء بأن ما شك في إرادة معناه الحقيقي أو الخطأ فيه أنه اقرار واقعي صدر عن قصد وعمد فيترتب عليه
أحكامه من إلزام المقر بمضمونه وهذا كما في سائر المقامات فإن ما دل على اثبات الحكم لموضوع عرفي
لا يدل على ثبوت الموضوع لكن يرجع في احرازه إلى أهل العرف فإذا قالوا إن هذا الموضوع هو الموضوع في
القضية الفلانة يحكم بترتب الحكم عليه من غير اشكال فيه ولا يجب القطع باحراز الموضوع وإلا لا نسد
باب الاستنباط والعمل بالقواعد العامة في أكثر الموارد بل في جميعها إلا أقل قليل كما لا يخفى وأما إذا كان
الشك فيه ناشيا من الشك في الابراء والأداء فلقيام بناء العقلاء أيضا على تنزيل الشك في الوفاء مع سبق الاشتغال
بمقتضى الاقرار منزلة القطع بعدمه فيحكمون بمجرد اقراره بالاشتغال السابق مع عدم ادعاء الابراء أو الوفاء بأنه
مقر فعلا هذا ويمكن تفصيل في المقام بين الأصول العملية كأصالة عدم الوفاء واللفظية باختيار الاختصاص بالحاكم
في الأول دون الثاني ويظهر وجهه بالتأمل فيما ذكرنا فتأمل.
خامسها ان ما ذكرنا كله إنما هو في البينة والاقرار وأما اليمين التي من أحد الموازين الشرعية فهل هي
مثل البينة أو الاقرار وجهان من أن المستفاد من أدلة الحكم اختصاص الالزام بالموازين الشرعية بالحاكم وهي
منها ومن أن الظاهر من أدلتها كما هو الظاهر لمن راجع إليها هو كونها مثل الاقرار مزيلة للدعوى مثل قوله (عليه السلام)
فيما سيجئ من روايات اليمين وذهبت اليمين بما فيه وغيره مما يدل على هذا المعنى هذا كله في يمين المنكر
وأما اليمين المردودة وغيرها من موازين الحكم كالنكول والشاهد واليمين فهل هي مثل البينة أو مثل الاقرار
وجهان ظاهر بعض مشايخنا كونها كالاقرار كما أن البينة أيضا مثله ومقتضى ما تقدم من شيخنا الأستاذ وصرح
به في مجلس البحث كونها كالبينة مستدلا لذلك بما قد عرفت غير مرة من أن المستفاد من أدلة جميع الموازين
عدا ما عرفت كونها مختصة بالحاكم بالنسبة إلى الآثار المستلزمة لفصل الامر وقطع الخصومة ولو بحسب الواقع
لكن قد عرفت أيضا منا الاشكال في ذلك وان غاية ما يستفاد منها كون الحكومة المصطلحة بها مختصة بالحاكم
وأما غيرها فليس فيها ما يدل على ذلك فراجع إليها وتأملا فيها.
قوله وهل يحكم به من دون مسألة المدعي قيل لا يجوز لأنه حق له فلا يستوفى إلا بمسئلته أقول
المستفاد من كلام الأكثرين ابتناء الخلاف في المسألة على كون الحكم من الحاكم حقا للمدعى من حيث كونه
سببا لايصال حقه فلا يستوفى إلا بمسئلته كما في جواب المدعى عليه أو حقا للحاكم من حيث كونه مأمورا
بقطع المنازعة والمشاجرة بين الخصمين بعد حضورهما مجلس الخصومة فالحكم وتحصيل جميع مقدماته له
ولا مدخل لغيره فيه فيجوز له الحكم من دون مسألة والحق كما ذكره الأستاذ العلامة دام إفادته فساد هذا
الابتناء ضرورة فساد القول بكون الحكم حقا محضا للحاكم من دون تعلق له بالمدعى أصلا وإن قلنا

96
بكون وجوبه عليه من باب الأمر بالمعروف فإنه على هذا التقدير تصير حاله كحال غيره من الأمر بالمعروف
الذي يتعلق بأداء حقوق الناس فإنه لا اشكال في كونه حقا لذي الحق.
فالحق أن يقال في مبنى الخلاف في المسألة بعد تسليم كونه حقا للمدعي انه إن كان الحكم وتركه
كلاهما حقا للمدعي فلا يستوفى إلا بإذنه فإنه كما أن فعله حق له كذلك تركه حق له أيضا فلعل غرضه تعلق
بتركه فاختيار فعله ليس بأولى من اختيار تركه فلا بد من مسألة المدعي في أدائه وهذا كما في الدين
المؤجل فإن قرار الاجل فيه وإن كان غالبا من جهة مراعاة المديون إلا أن له تعلقا بالداين أيضا فله الامتناع
من أخذ المال قبل حلول الأجل فإنه كما يكون أدائه حقا له كذلك ابقائه حق له أيضا فلا ترجيح لأحدهما
على الآخر وإن كان الحكم من الحاكم حقا للمدعي من دون أن يكون تركه حقا له فيجوز له أدائه من دون
مسئلته وإن لم يعلم منه الاذن في ذلك ولو بشاهد الحال نعم لو منع منه لجرى فيه الوجهان الجواز من
حيث كونه مديونا فيجوز له الأداء وإن لم يأذن فيه الداين بل منع منه كما في الحقوق المالية المتعلقة بذمة
الشخص لغيره فإنه يجوز له الأداء وإن منع منه الداين وعدمه من حيث إن تركه وإن لم يكن حقا له إلا أن
منعه من الفعل بمنزلة رفع يده عنه فلا يجوز الأداء حينئذ والأوفق بالقواعد كون فعله حقا له من دون تعلق
حق له بتركه وعدم كون منعه على هذا التقدير مؤثرا في جواز أدائه فتأمل حتى لا يختلط عليك الامر
فإن كلماتهم مضطربة في بيان مبنى الخلاف منتهى الاضطراب ومشوشة غاية التشويش.
ثم إن هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها أحدها انه قد يتخيل في المقام من تعليل بعضهم للحكم بعدم
الاحتياج إلى المسألة بحصول الإذن من شاهد الحال حصول الاتفاق من الجميع على اعتبار الاذن وإنما الخلاف في
الاجتزاء عنها بشاهد الحال وعدمه لكنه تخيل فاسد فإن مقتضى صريح بعض جواز الحكم له وإن لم يعمل بالاذن
منه أصلا كما هو المعلوم لمن تتبع كلماتهم ثانيها انه قد نقل عن المختلف الاستدلال لعدم الاحتياج إلى المسألة بعد
الاعتراف بكون الحكم حقا للمدعي بأنه ربما يجهل المدعي بكون حقا له فيضيع حقه وهو فاسد لما
ذكره بعض مشايخنا طيب الله رمسه من أن غاية ما يلزم منه تنبيه الحاكم له وأما الحكم بدون اذنه بعد الاعتراف
بكونه حقا له فلا يقتضيه الجهل منه بذلك كما لا يخفى ثالثها انه قد يستفاد من كلمات بعض مشايخنا في المقام
القول بوجوب الحكم على الحاكم فضلا عن جوازه من دون مسألة المدعي لان مقتضى أدلة وجوب الفصل على
الحاكم بين المترافعين هو وجوبه عليه ما لم يرفعا اليد عن المرافعة وهذا البناء منه من جهة ما بنى عليه في
أصل المسألة من كون الحكم حقا للحاكم بمقتضى اطلاق أدلته من غير تعلق حق للمدعي به أصلا وقد عرفت
فساد هذه الدعوى وكونها غير مستفادة من الأدلة أصلا رابعها انه على القول بالاحتياج إلى الاذن والسؤال
هل هو شرط لتأثير الحكم فيقع بدونه لغوا أو شرط في جوازه وإن أثر ان وقع من دون إذن أيضا وجهان
ظاهر كلماتهم يقتضي الثاني وإن لم نقف على التصريح به في كلام أحد لكن نفى الأستاذ دام ظله الاشكال عنه
وهو كذلك فتأمل.
قوله ولو أدعى الاعسار كشف عن حاله فإن استبان فقره أنظره الخ أقول أي بعد ما ثبت عليه الحق
بإقراره سواء كان قبل حكم الحاكم أو بعده وطولب بالأداء فإن ادعى الاعسار كشف الخ وقد أورد الأستاذ العلامة
دام ظله على ظاهر العبارة هنا إشكالا لا بد من التعرض له وهو ان ظاهرها انه يجب على الحاكم الفحص والبحث
أولا من حال المدعي وصدقه في دعواه ثم إن لم ينكشف له يراعى ما لا بد منه مراعاته في سائر الدعاوى من

97
الحكم بالبينة أو اليمين وهذا كما ترى مخالف لما دل عليه الدليل وتقرر في باب الدعاوى من الحكم بالبينة
أو اليمين من غير فحص عن حال المدعى أصلا وأي خصوصية لدعوى الاعسار أخرجتها عن قضية ما تقرر في باب
الدعاوى بقول مطلق.
فإن قيل إن مراده من قوله كشف هو الكشف بالبينة أو اقرار الخصم لا كشف الحاكم عن الصدق و
الكذب أولا بغيرهما ثم مراعاة ما تقرر في باب الدعاوى حتى يرد عليه ما ذكر قلنا مضافا إلى أنه يرد عليه أنه
مخالف لظاهر العبارة انه لو كان المراد من الكشف الكشف بالبينة أو بإقرار الخصم يلزمه تكرار في المقام
حيث إن قوله وهل يحبس حتى يتبين حاله فيه تفصيل ذكر في باب المفلس كان دالا عليه وكافيا في اثبات الانظار
في صورة كشف حاله بالبينة لأنه قد ذكر في باب المفلس ما هذا لفظه انه إن لم يكن له مال ظاهر وادعى الاعسار
فإن وجد البينة قضى بها وإن عدمها وكان له أصل مال أو كان أصل الدعوى مالا حبس حتى يثبت اعساره فإن
شهدت البينة بتلف أمواله قضى بها ولم يكلف اليمين ولو لم يكن البينة مطلعة على باطن امره أما لو شهدت
بالاعسار مطلقا لم تقبل حتى تكون مطلعة على باطن أمره بالصحبة المؤكدة وللغرماء احلافه دفعا للاحتمال
الخفي وإن لم يعلم له أصل مال وادعى الاعسار فثبت دعواه ولا يكلف بالبينة وللغرماء مطالبته باليمين
انتهى كلامه.
وإن قيل إن مراده منه هو مطلق الكشف الشامل للفحص عن حاله بغير البينة وبها فيلزم المحذوران
إذ لا دليل على الكشف بغير البينة ويكفي في الكشف بالبينة قوله الأخير هذا حاصل ما أورده الأستاذ العلامة
دام ظله على ظاهر العبارة من الاشكال.
لكنه أجاب دام ظله عن الاشكال المذكور بجوابين أحدهما أن يقال إن مراده من الكشف هو الكشف
بالبينة لا البحث عن حاله بغيرها حتى يعلم صدقه وكذبه فمقصوده هنا التعرض لحكم الثبوت بالبينة ولا يلزم
عليه تكرار أصلا لان المقصود من قوله فيه تفصيل ذكر في باب المفلس الإشارة إلى ما ذكره هناك في صورة عدم
وجوب البينة من قوله وإن عدمها وكان له أصل مال الخ فلا يلزم عليه شئ من المحذورين لا التكرار ولا
المحذور الأول وهو كون ما ذكره مخالفا لما تقرر في باب الدعاوى وهذا التوجيه وإن كان بعيدا عن ظاهر العبارة
ابتداء إلا أنه غير بعيد بعد التأمل فيها وكلمات الشارحين وكلمات الأصحاب قال الفاضل في القواعد على ما
حكى عنه فإن ادعى الاعسار وثبت صدقه إما بالبينة المطلعة على حاله أو بتصديق الخصم لم يحل حبسه وانظر
إلى أن يوسر فإن مات فقيرا سقط وإن عرف كذبه حبس حتى يخرج من الحق وإن جهله بحث الحاكم فإن ثبت
اعساره انظر ولم يجب دفعه إلى غرمائه ليستعملوه وإن اشتبه فإن عرف ذا مال أو كان أصل الدعوى مالا حبس حتى
يثبت اعساره وإلا حلف على الفقر انتهى ما حكي عنه قدس سره وكلامه هذا وإن كان يرد عليه أيضا إشكال بحسب
ظاهره من حيث اشتماله على التكرار لكنه صريح في أن المراد بالبحث هو البحث بالبينة.
ثانيهما أن يقال إن المراد من الكشف هو كشف الحاكم ابتداء بغير البينة حسبما يترائى من العبارة في بادي
النظر إلا أن المقصود منه ارشاد الحاكم إلى سقوط كلفة البينة عنه لأنه كثيرا ما إذا كشف ينكشف له الحال
ولا يحتاج إلى كلفة البينة وملاحظة شرايطها وليس المقصود منه انه يجب على الحاكم في خصوص المقام البحث
عن حال المدعي أولا بحيث كان هو الوظيفة المقررة له قبل البينة واليمين في الشرع حتى يرد عليه ما ذكر من كونه
مخالفا لما تقرر في باب الدعاوى هذا.

98
وقد يختلج بالبال جواب ثالث عن هذا الاشكال لم يتعرض له أحد فيما اعلم وهو أن يقال إن المراد من
الكشف هنا هو الكشف بغير البينة وليس هو جهة الارشاد إلى ما ذكر بل هو واجب على الحاكم قبل مراعاة البينة
واليمين لكن الدليل على وجوبه في المقام وخصوصيته من بين سائر الدعاوى هو انه لو بنى على عدم البحث (الفحص خ)
في دعوى الاعسار لأدى إلى إبطال الحقوق كثيرا بل إلى اختلال النظام لأنه لو بنى على عدم الفحص لانجر إلى
ادعاء كثير من المديونين الاعسار فتأمل.
ثم إن هنا إشكالا اخر أورده الأستاذ العلامة دام ظله وجماعة من الأصحاب كصاحب المسالك وغيره على ما
ذكره المصنف في باب المفلس من التفصيل فيما إذا كان الدعوى مسبوقة بمال في الاحتياج إلى اليمين مع البينة بين
ما إذا شهدت على التلف أو الاعسار يأتي التعرض له تفصيلا إن شاء الله في طي كلماته الآتية.
فلنصرف عنان القلم إلى بيان الحكم في المقام على حسبما يقتضيه المجال (الحال خ) بعون الملك المتعال
فنقول ان الكلام فيه يقع في مقامين أحدهما فيما لم يكن الدعوى مسبوقة بمال أي دعوى الاعسار مسبوقة بمال عرف
للمدعى ولم تكن الدعوى أيضا مالا أي دعوى المدعي على المقر المدعي للاعسار مثل دعوى الدين ونحوها وهذا
في الحقيقة راجع إلى الشق الأول كما لو كانت الدعوى جناية أو صداقا أو نفقة زوجة أو قريب إلى غير ذلك ثانيها
فيما لو كانت الدعوى مسبوقة بمال.
أما الكلام في المقام الأول فملخصه ان المشهور بين الأصحاب بل لم يعرف فيه خلاف بل ادعى -
الاجماع عليه جماعة منهم شيخنا الأستاذ دام ظله ان القول قوله مع يمينه فالاكتفاء باليمين منه في تلك الصورة
مما لا إشكال فيه عندهم وإنما الاشكال في وجه الاكتفاء باليمين هل هو من جهة كونه منكرا من حيث كون
قوله موافقا للأصل كما هو المعروف بينهم حسبما يظهر من استدلالاتهم في المقام أو من جهة كونه مدعيا يكتفى
منه باليمين كما يكتفى منه في كثير من المقامات فنقول انك قد عرفت أن المعروف بينهم ان الوجه في الاكتفاء
باليمين هو كونه منكرا من حيث كون قوله موافقا للأصل وقد اعترض عليهم بعض مشايخنا طاب ثراه بما
حاصله ان المراد من الأصل إن كان أصالة كونه الشخص معسرا أي الأصل في طرف الاعسار فهو
متوقف على كون المعسر أمرا عدميا حتى يكون موافقا للأصل وهو غير ثابت بل الثابت عندنا كونه أمرا وجوديا
كاليسر فالعسر واليسر ضدان لا نقيضان وإن كان المراد منه أصالة عدم المال أو اليسار فيثبت بها كونه معسرا
ففيه ان هذا مبني على اعتبار الأصول المثبتة في الأحكام الشرعية والثابت عندنا عدم اعتبارها مع امكان أن
يقال بعدم اجراء أصالة عدم المال للعلم بانقطاعها لان حالة عدم المال التي كانت للشخص قبل الولادة أو حينها
ارتفعت قطعا للعلم عادة بثبوت المال له بعد ذلك فعدم المال ثانيا أمر جديد يحتاج إلى الاثبات انتهى حاصل ما
أردنا نقله.
وقد نقل الأستاذ العلامة دام ظله كلاما لبعض المتأخرين في المقام قد أشار إليه شيخنا المتقدم في
طي كلماته وحاصله بعد ادعاء كون العسر أمرا وجوديا يرجع إلى أن اثبات كون قول المدعي للاعسار موافقا
للأصل وعدمه يتوقف على تحقيق ان الشرط في الانظار وترك المطالبة هل هو العسر فلا يحكم به مع الشك فيه أو
الشرط في جواز المطالبة هو اليسار فلا تجوز مع الشك فيه وحيث إن ظاهر قوله تعالى فإن كان ذو عسرة فنظرة
إلى ميسرة هو كون العسر شرطا للأنظار فلا يحكم عند الشك فيه بكون قول مدعي الاعسار موافقا للأصل انتهى
حاصل ما نقل عنه الأستاذ العلامة

99
فبالحري أن نتكلم في هذا الامر في مقامين حتى يرتفع غواشي الأوهام في البين أحدهما في كون
العسر أمرا وجوديا كاليسر أو عدميا كالعجز الذي هو نقيض القدرة ثانيهما في أنه بعد فرض كونه وجوديا هل
المستفاد من الأدلة كون الشرط في الانظار هو العسر أو الشرط في جواز المطالبة هو اليسر.
فنقول أما الكلام في المقام الأول فمحصله ان الظاهر منهم فيه قولان أحدهما كونه أمرا عدميا
كالعجز وهو الظاهر من الشيخ رحمه الله حيث استدل على كون القول قوله بأنه خلق معسرا وجماعة ممن تأخر عنه
بل استظهر الأستاذ انه الظاهر من كل من استدل على جواز الاكتفاء منه باليمين بكون قوله موافقا للأصل
ثانيهما كونه أمرا وجوديا وهو صريح جماعة.
والتحقيق أن يقال في بيان مفهوم العسر انه أمر وجودي باعتبار أمر عدمي وهو فقدانه لمرتبة اليسر
بحيث يكون هذا الاعتبار مأخوذا في مفهومه بحسب اللغة والعرف الذي يعبر عنه بالفارسية تنگى واليسر أمر وجودي
باعتبار وجدانه لما هو معدوم من المرتبة في العسر فالعسر واليسر فردان من القدرة العقلية وليس العسر نقيضا لليسر
كالعجز بالنسبة إلى القدرة بل هما ضدان لكن الموضوع له في طرف العسر ليس هو الامر الوجودي بقول مطلق
بل هو الموضوع له باعتبار أمر عدمي بحيث يكون هو المناط حقيقة في تسميته عسرا فإن من المعلوم ان العسر لا يسمى
عسرا باعتبار وجدانه لذلك الامر الوجودي فإنه بذلك الاعتبار ليس عسرا قطعا بل باعتبار فقدانه وانعدامه لما
هو موجود في طرف اليسر من المرتبة فالعسر واليسر أمران إضافيان لكن إضافة العسر بالنسبة إلى فقدانه
لما هو موجود في اليسر وإضافة اليسر بالنسبة إلى وجدانه لما هو مفقود في العسر لا بالنسبة إلى فقدانه لما
ليس في العسر كما لا يخفى فتحقق ان الموضوع له العسر هو المرتبة من القدرة العقلية وهي الامر الوجودي
الخاص الملحوظ فيه أمر عدمي لا أن يكون هو الوجودي بقول مطلق ولا العدمي بقول مطلق.
وهذا الذي ذكرنا في العسر من كونه موضوعا لأمر وجودي باعتبار عدمي ليس مختصا به بل هو
جار في كثير من الألفاظ بالنسبة إلى مفاهيمها مثل لفظ الضيق والحرج والأول والاخر والحد والالزام والشرط
وأمثالها من الألفاظ فإن تسمية الأول أولا إنما هو باعتبار أمر عدمي وهو عدم كونه مسبوقا بشئ آخر والآخر آخرا
باعتبار عدم كونه ملحوقا بشئ آخر فلهذا ذكرنا في الأصول أنه يمكن توجيه القول بإجراء الاستصحاب في
يوم الشك لاثبات كون يوم ما بعده من أول الشهر فيجري أحكام أول الشهر عليه من استحباب صومه على الخصوص
إذا كان الصوم فيه مستحبا كذلك كما في أول الرجب والشعبان والغسل فيه إلى غير ذلك من الاحكام المعلقة
على أول الشهر بأن المراد من أول الشهر هو اليوم منه الغير المسبوق بيوم من هذا الشهر فإذا شك في يوم انه
من أول الشهر أو ثانيه فلا مانع من اجراء أصالة عدم كونه مسبوقا بيوم من هذا الشهر وعدم كون يوم الشك منه
لاثبات كونه أولا فيترتب أحكام أول الشهر عليه ولا يرد عليه حينئذ كونه من الأصول المثبتة الغير المعتبرة عند -
المحققين لأنا لم نرد من اجراء هذا الأصل إلا اثبات مورده وهو الامر العدمي المذكور من غير أن يكون المقصود
من اثباته اثبات أمر وجودي تعلق الأحكام الشرعية عليه حتى يصير مثبتا ولنا وإن كان إشكال في صحة إجراء الأصل
المذكور ذكرناه في الأصول إلا أنه بهذا التوجيه يقرب إلى القبول ويبعد عن مرتبة المعزول وهو المسؤول
لكل الأمور وهكذا الكلام في الحد فإن الجزء إنما يسمى حدا باعتبار عدم كون جزء ما ورائه كما لا يخفى.
وهكذا تسمية الطلب إلزاما إنما هو باعتبار عدم الرضاء بالترك وإلا لا يسمى إلزاما فعدم الرضاء بالترك مأخوذ
في
مفهوم الالزام وضعا وهكذا تسمية الشئ شرطا باعتبار أمر عدمي هو انتفاء المشروط بانتفائه وانعدامه بانعدامه

100
لا باعتبار الملازمة في طرف الوجود فهذا الامر العدمي مأخوذ في معنى الشرط وضعا بحيث يكون دلالته عليه
بالمنطوق لا بالمفهوم كما في الالزام وغيره مما عرفت وهذا بخلاف الجملة الشرطية فإن دلالتها على هذا الامر
العدمي على القول بها انما هو بالمفهوم لا بالمنطوق ومن هنا أورد بعضهم على من استدل لدلالة الجملة الشرطية
على المفهوم بأن قولنا إن جاءك زيد فأكرمه بمنزلة قولنا الشرط في اكرامك زيدا مجيئه إياك بأن الانتفاء
عند الانتفاء مأخود في مادة الشرط منطوقا فكيف يقاس الصيغة عليها (عليه خ) وإن كان هذا الايراد فاسدا لما
ذكرنا في الأصول من أن مقصود المستدل بذلك هو تنزيل الصيغة منزلة المادة عرفا من حيث الدلالة على الانتفاء
عند الانتفاء لا في جهة الدلالة حتى يرد عليه بما ذكر.
ثم إنه يمكن ارجاع كلام الشيخ وكلمات الباقين الظاهرة في كونه أمرا عدميا محضا إلى ما ذكرنا
فإن مقصودهم من هذه الكلمات ليس اثبات كون المعسر أمرا عدميا بل هم مطبقون على كونه أمرا وجوديا بالمعنى
الذي ذكرنا لكن لما تعلق الحكم عندهم في الشريعة بخصوص الامر العدمي الملحوظ فيه كما ستطلع عليه
عبروا عنه به إذا عرفت ذلك علمت اندفاع الايراد الذي أورده شيخنا المتقدم ذكره على القول من أن العسر إذا
كان أمرا وجوديا كيف يقال إنه موافق للأصل أو يثبت بالأصل باجرائه في طرف العدم مع عدم الاعتبار بالأصول
المثبتة توضيح الاندفاع أن العسر وإن قلنا بكونه أمرا وجوديا لكنه ليس هو الوجودي بقول مطلق بل هو أمر
وجودي باعتبار أمر عدمي حسبما عرفت تفصيل القول فيه فإن قلنا إن المناط في الأحكام الشرعية المترتبة على -
الاعسار هو الامر الوجودي محضا أو مع الامر العدمي لاستقام ما ذكره شيخنا المتقدم ذكره لكن هذا خلاف التحقيق
بل التحقيق عندنا وعند الأصحاب حسبما سيأتي تفصيل القول في المقام الثاني هو كون المناط في الأحكام الشرعية
هو الامر العدمي المعتبر في ذلك الامر الوجودي فلا مانع حينئذ من اجراء الأصل في الاعسار عند الشك في هذا الامر -
العدمي إذ لا يرد عليه شئ مما ذكره قدس سره كما لا يخفى والعجب مما ذكره أخيرا من العلم بانقطاع العدم
الثابت أولا فإن غاية ما يمكن ادعاء العلم بالنسبة إليه هو انقلاب العدم إلى الوجود بقول مطلق وأما انقلاب تلك
المرتبة الخاصة من العدم المعتبرة في العسر الملحوظة بالنسبة إلى المرتبة الواجد لها اليسر إلى الوجود بحسب
العادة فكلا هذا مجمل القول بالنسبة إلى المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني فنقول بعد الاعتراف بكون العسر واليسر ضدين انه ليس الشرط في
وجوب الانظار وحرمة المطالبة بحسب الشرع هو العسر باعتبار الامر الوجودي الملحوظ فيه حتى لا يمكن الحكم
بوجوب الانظار عند الشك فيه من حيث الشك في تحقق شرطه حينئذ بل الحق ان اليسار شرط في جواز المطالبة
فيحكم عند الشك فيه بعدم الجواز نظرا إلى أصالة عدم تحقق شرطه وهو اليسار والدليل على ما صرنا إليه بعد
القطع بعدم ترتب الأحكام الشرعية على ذلك الامر الوجودي حسبما عرفت الإشارة إليه بل على العسر باعتبار
أمر عدمي هو عدم الشرط الذي هو اليسار قوله تبارك وتعالى فإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة توضيح الدلالة
ان صدر الآية هو قوله وإن كان ذو عسرة ظاهر في كون الاعسار شرطا بل سببا بمقتضى القضية الشرطية لوجوب
الانظار والامهال وحرمة المطالبة لكن يحتمل أن يكون شرطيته لذلك باعتبار الامر الوجودي المعتبر فيه فيدل
على مطلب الخصم أو باعتبار الامر العدمي المعتبر فيه فلا يدل على مطلبه بل يدل حينئذ على مطلبنا ولكن ذيل الآية
وهو قوله تعالى فنظرة إلى ميسرة كالصريح في كون الشرط في جواز المطالبة هو اليسار بمقتضى الغاية فهو معين
لاحد الاحتمالين في جانب الصدر فيكون الآية حينئذ دليلا على كون الشرط في جواز المطالبة هو اليسار المستلزم

101
لكون عدمه المعتبر في العسر سببا لحرمة المطالبة ووجوب الامهال هذا كله إن لم نقل بظهور صدر الآية في كون
الشرط في وجوب الانظار هو العسر باعتبار الامر الوجودي المعتبر فيه بل قلنا بكونه محتملا له كما يحتمل لما
ذكرنا على السوية.
وأما لو قلنا بكونه ظاهرا فيما ذكره الخصم فلا ريب ان ظهور ذيل الآية الشريفة مع ذلك حاكم
على هذا الظهور كما لا يخفى على ذوي الشعور وعليك بالتأمل في كلمات الأصحاب تجدها منادية بما ذكرنا
هذا مجمل القول في الآية الشريفة وأما دلالة الأخبار الواردة في الباب على ماذ كرنا فغنية من أن تحتاج إلى البيان
كما لا يخفى لمن اطلع عليها وتأمل فيها فتبين مما ذكرنا فساد ما توهمه بعض المتأخرين من أن المستفاد من
قوله تبارك وتعالى وإن كان ذو عسرة الآية كون العسر شرطا في حرمة المطالبة ووجوب الانظار ثم إن ما ذكرنا
وإن كان أمرا واضحا لكل أحد إلا أنه لما قد ناقش فيه بعض الأجلة أردنا الإشارة إليه حتى لا يقع غيره
في خلافه.
ثم إن هنا إشكالين أوردهما شيخنا الأستاذ العلامة دام ظله على جملة من الأصحاب لا بأس بالإشارة إليهما
وإلى ما ذكره دام ظله في دفعهما.
أحدهما ان الظاهر من جماعة بل نسب إلى الشهرة سماع البينة من المعسر في المقام كما يكتفى منه
باليمين اتفاقا حسبما عرفت القول فيه وهو الظاهر من المصنف أيضا فيما عرفت من عبارته في كتاب المفلس فإن
قوله فإن وجد البينة قضى بها مع ملاحظة ما ذكره من التفصيل هنا صريح أو ظاهر في الاكتفاء بالبينة في
الصورتين
صورة سبق المال وصورة عدم سبقه لان الاطلاق في مقام البيان يفيد العموم في الكلام حسبما صرح عليه الاعلام في
علم الأصول والفروع ومن الشهيدين في اللمعة وشرحها قال الشهيد الأول في اللمعة في كتاب القضاء فإذا ادعى
الاعسار وثبت صدقه ببينة مطلعة على باطن أمره أو بتصديق خصمه له أو كان أصل الدعوى بغير مال وحلف ترك
انتهى كلامه وهو كما ترى ظاهر في الاكتفاء بالبينة مطلقا سواء كان الدعوى مسبوقة بمال أو لا فإنه وإن قيل إن
المنفصلة ظاهرة في الحقيقة إلا أنها في خصوص المقام ظاهرة في منع الخلو كما لا يخفى على من تأمل فيها مضافا
إلى القطع بعدم الفرق بينهم في كفاية تصديق الخصم بين الصورتين والقول بكونها منفصلة حقيقة بالنسبة إلى
البينة ومانعة الخلو بالنسبة إلى تصديق الخصم فاسد جدا كما لا يخفى.
وبالجملة لا إشكال في ظهور كلمات جمع منهم في سماع البينة في المقام أيضا إن لم ندع صراحتها
وهو مخالف ومناقض لما يظهر منهم في الاستدلال بكفاية اليمين بكون قوله موافقا للأصل وكونه منكرا فإنه
إن كان منكرا حسبما هو الظاهر من الأكثر فما وجه سماع البينة منه مع أنه لم نقف على منكر يسمع
منه البينة في مورد من الموارد في الشرع وإن وقفنا على سماع اليمين من المدعي في موارد عديدة وإن كان
مدعيا مع أنه خلاف الظاهر منهم فما وجه الاكتفاء باليمين مع أن شأن المدعي ووظيفته بحسب أصل الشرع
إقامة البينة.
ثانيهما ان الظاهر ممن يقول بسماع البينة في المقام هو القول بسماع البينة مستقلا من غير احتياج
إلى انضمام اليمين إليها والالزام لغوية البينة لقيام الاجماع حسبما عرفت على الاكتفاء باليمين مستقلا والظاهر
من جماعة منهم المصنف على ما سيجئ توقف سماعها على انضمام اليمين معها في المقام الثاني فيما لو شهدت على
الاعسار لا على التلف معللا ذلك باحتمال تجدد حدوث المال بحسب الواقع بحيث لم تعلم به البينة فإن كان

102
هذا الاحتمال مؤثرا في الاحتياج إلى اليمين فما الفرق بين المقامين فإن هذا الاحتمال كما هو موجود في المسبوق
بالمال كذلك موجود في غير المسبوق به وإن لم يكن هذا الاحتمال مؤثرا في ذلك فما وجه القول بالاحتياج نعم لو كان لو كان مستند الاحتياج إلى اليمين هو احتمال عدم التلف في المقام الثاني لم يكن وجه
للنقض عليهم بما ذكر لعدم وجود هذا الاحتمال في المقام حسبما هو المفروض في المسألة هذا حاصل ما ذكره
الأستاذ العلامة في تقرير الاشكالين.
وأما ما ذكره في التفصي عنهما فحاصل ما ذكره في التفصي عن الاشكال الأول يرجع إلى
وجوه أربعة.
أحدها عدم الالتزام بسماع البينة في المقام كما هو ظاهر جماعة لعدم دليل على ذلك بل ظاهر الأدلة
هو عدم الاكتفاء بها فيه فإن الظاهر من قوله البينة على المدعي واليمين على أنكر هو عدم سماع البينة من
المنكر من وجوه ثلاثة أحدها تعريف البينة باللام فإنه يدل على انحصار سماع البينة في حق المدعي وكونها
وظيفة له أما من جهة دلالته على الاستغراق وأما من جهة ما ذكره علماء النحو والبيان والأصول من أن المستند
إليه إذا كان معرفا باللام يفيد حصره على الخبر وإن قلنا بكون لام التعريف حقيقة في تعريف الجنس فيصير
حاصل معنى الرواية على التقدير الأول ان كل فرد من أفراد البينة على المدعي لا يتعداه إلى غيره فلو كان فرد
من أفراد البينة ثابتا لغير المدعي لكانت القضية كاذبة وعلى التقدير الثاني إن طبيعة البينة منحصرة في حق
المدعي ومعلوم دلالته على عدم سماع البينة من المنكر كما أن قوله واليمين على من أنكر أيضا يدل على عدم
الاكتفاء من غير المنكر باليمين هذا.
ولكن يمكن المناقشة في دلالة لفظ البينة على الحصر بناء على كون اللام للجنس فإن الظاهر من
كثير ممن ذكر ان المسند إليه إذا كان معرفا باللام يفيد الحصر هو ما إذا كان المسند إليه وصفا كما في قولك
الأمير زيدا والشجاع عمروا والكرم في العرب أو المنطلق زيد إلى غير ذلك وهو الذي يساعد عليه العرف أيضا
وأما القول بدلالته على الحصر مطلقا فلم يظهر منهم ولا يساعد عليه العرف أيضا كما يعلم من الرجوع إلى موارد
الاستعمالات وإن كان يظهر من بعض إطلاق القول بدلالته على الحصر الشامل للمقام إلا أنه خلاف مقتضى التحقيق
لكن يمكن أن يقال مع ذلك بإفادته العموم من جهة الحكمة كما في قوله تعالى أحل الله البيع وهذا وإن لم يكن
عموما لفظيا إلا أنه يكفي فيما نحن بصدده ثانيها تعريف المدعي والمنكر باللام فإنه يدل من جهة أحد الوجهين
المذكورين في الوجه السابق بانحصار البينة للمدعي واليمين للمنكر
فيصير الحاصل ان كل مدع عليه البينة و
كل منكر عليه اليمين فلو كان هناك منكر عليه البينة أيضا لكذبت هذه القضية كما لا يخفى فلا بد أن لا يكون
هناك منكر يسمع منه البينة وهذا هو الذي مطلوبنا من دلالة الرواية على الاختصاص ثالثها تفصيله (صلى الله عليه وآله) بين
المدعي والمنكر باثبات البينة عليه واليمين على المنكر فإنه يدل على عدم سماع البينة من المنكر لما تقرر
في الأصول من أن التفصيل قاطع للشركة.
فإن قلت انا نسلم دلالة الرواية على حصر البينة على المدعي حسبما ذكرته إلا انا نقول إن المحصور
ليس أصل تشريع البينة بل الزامها وطلبها بمعنى انه لا يلزم بالبينة إلا المدعي لا انه لا يسمع البينة إلا من المدعي
فحديث الدلالة على الحصر أجنبي عما نحن فيه وإنما المهم تعيين المحصور حتى ينفعك.
قلت إن من المعلوم لكل أحد ان إلزام المدعي بالبينة والمنكر باليمين ليس إلزاما نفسيا مستقلا ولا

103
غيريا مقدميا بالمعنى المعروف بل هو إلزام شرطي وإرشادي بمعنى انه لو أراد المدعي اثبات ما يدعيه فطريق
اثباته هذا لا غير وإن أراد المنكر اثبات ما يدعيه فطريق اثباته اليمين لا غير فيطلب منه اليمين من جهة كونها
مثبتا لما يدعيه فلو كانت البينة أيضا مثبتة له لكان إلزامه بخصوص اليمين غير جائز بل لا بد حينئذ من إلزامه باحديهما
تخييرا كما لا يخفى فتدل الرواية على أن أصل سماعها مختص بالمدعي فظهر مما ذكرنا فساد ما ذكره بعض
المحققين من أن التفصيل قاطع للشركة من حيث اللزوم لا من حيث الجواز هذا مجمل القول بالنسبة إلى قوله
(صلى الله عليه وآله) البينة على المدعي واليمين على من أنكر وكذلك الكلام بالنسبة إلى سائر ما ورد في هذا الباب فإنه
أيضا ظاهر فيما ذكرنا كما لا يخفى لمن راجع إليه بل بعضه صريح فيما ذكرنا مثل خبر منصور عن الصادق
(عليه السلام) قلت له رجل في يده شاة فجاء رجل فادعاها وأقام البينة العدول انها ولدت عنده لم يبع ولم يهب وجاء
الذي في يده بالبينة مثلهم عدول انها ولدت عنده لم يبع ولم يهب قال أبو عبد الله (عليه السلام) حقا للمدعي ولا أقبل
من الذي هي في يده بينة لان الله عز وجل أمر ان يطلب البينة من المدعي فإن كانت له بينة وإلا فيمين الذي هي
في يده هكذا أمر الله عز وجل وصراحته فيما ذكر واضح وقد يستدل أيضا بما روي ما حاصله أنه قد أوحى
إلى نبي من الأنبياء فاحكم بينهم بالحق وأضفهم إلى اسمى هذا لمن لم يكن له بينة الحديث هذا حاصل
ما يذكر في الوجه الأول لكن فيه مضافا إلى ما سيجئ من عدم دلالة ما ذكر على ما ذكر أنه ليس دفعا
للاشكال عمن يقول بسماع البينة من المنكر بل هو التزام بورود الاشكال عليه ثانيها القول بأن مدعي الاعسار
مدع ليس منكرا حسبما حكاه الأستاذ دام ظله عن بعض المحققين في تعليقاته على الروضة فيكون سماع البينة
منه على وفق الأصل والاكتفاء باليمين على خلافه ثابتا بالدليل من إجماع وغيره وهذا أيضا مثل سابقه فإنه
أيضا لا يدفع الاشكال الوارد على الجماعة فإن الظاهر منهم حسبما عرفت كونه منكرا بل هو التزام بورود الاشكال
عليهم ثالثها القول بكونه مدعيا ومنكرا نظرا إلى ما عرفت من اعتبار أمرين في مفهوم الاعسار الوجودي والعدمي
فبالاعتبار الأول يكون مدعيا وبالاعتبار الثاني منكرا فيراعي في كل وظيفته بحسب الشرع وهذا الوجه
أضعف الوجوه وأردئها كما لا يخفى رابعها وهو الذي ينبغي أن يعتمد عليه واختاره الأستاذ العلامة دام ظله
العالي أيضا المنع من عدم سماع البينة من المنكر ودلالة ما ذكر من قوله البينة على المدعي الرواية وخبر
منصور على المنع ممنوعة بل ظاهر الأدلة سماعها منه أما عدم دلالة قوله البينة على المدعي فلانه وإن كان
ظاهرا في عدم سماع البينة من المنكر بحسب ما يترائى ويظهر منه في بادي النظر من جهة أحد الأسباب
المذكورة من تعريف البينة واليمين والمدعي والمنكر وملاحظة التفصيل إلا أن المستفاد منه بالتأمل في خصوص
المقام هو كون سماع اليمين من المنكر من جهة التخفيف بعدم إلزامه بإقامة البينة لا أنه إذا أقام البينة لا تسمع
منه فيكون قوله اليمين على من أنكر بعد قوله البينة على المدعي الظاهر في التشديد نظير الامر الوارد عقيب
الحظر أو الحظر الوارد في مقام توهم الوجوب فيكون ظاهرا في أنه يكتفى منه باليمين أيضا لا أنه لا تسمع منه إلا البينة
كما في المدعي فيكون معنى قوله البينة على المدعي أي لا يسمع منه غيرها ومعنى قوله واليمين على من أنكر
أي يكتفى منه بما لا يكتفى من المدعي وهو اليمين لا أنه لا يسمع منه ما يسمع من المدعي وهو البينة وهذه
الاستفادة إنما هي من جهة شدة الامر في طرف البينة وسهولته في طرف اليمين فيكون اثباته بعدها كاشفا
عن كونه من جهة الترخيص لا العزيمة.
وأما الدليل على كون اليمين مبنية على التخفيف فأمور أحدها ملاحظتها مع البينة مع قطع النظر عن

104
شئ آخر فإنه لا إشكال في كون الاقدام على اليمين للشخص أسهل من إقامة البينة.
لا يقال كيف تقول ان الاقدام باليمين أسهل للناس مع أنا نرى بالوجدان ان الاقدام باليمين لكثير
منهم أصعب من كل شئ.
لأنا نقول أولا كون الاقدام بها مشكلا أو أشكل من البينة لبعض الناس لا ينافي كونها بالنوع أسهل
من البينة لأكثر الناس ألا ترى ان كثيرا من الناس يحلفون بمجرد الادعاء عليهم من دون طلب اليمين منهم أصلا
وثانيا نمنع أصعبية الامر بالنسبة إلى اليمين بقول مطلق لجميع الناس نظرا إلى ملاحظة اليمين مع قطع
النظر عن الشرع وأما ما يترائى من صعوبة الاقدام عليها فإنما هو من جهة عظم الحلف بالله واحترامه في الشرع
لا بالنظر إلى ذات اليمين وإلا فالقاطع بصدق ما يدعيه لا يتابى عن اليمين أصلا وكلامنا إنما هو في إثبات التخفيف
والتشديد مع قطع النظر عن ملاحظة الشرع ثانيها ملاحظة تعليلات الأصحاب في الموارد التي يكتفى من
المدعي باليمين بأنه لو لم يكتف منه لزم إبطال دعواه في أكثر الأوقات من جهة عسر إقامة البينة عليه أو انسداد
باب قبول الأمانات لو كلف الأمين المدعي للتلف بالبينة إلى غير ذلك. فإن من لاحظها وتأمل فيها يقطع بكون
اليمين عندهم مبنية على التخفيف ثالثها ملاحظة الأخبار الواردة في سماع اليمين من المدعي في المواضع
المخصوصة كما إذا كان أمينا فأن أكثرها معللة بما ذكره الأصحاب رابعها الأخبار الواردة في القسامة فإن من لاحظها
يقطع بكون الاكتفاء باليمين في كل مورد يكتفى بها من جهة التخفيف وهي كثيرة جدا معلومة لمن راجع ذلك
الباب إلا أنا نذكر بعضها لتوضيح الامر وهو رواية زرارة ان الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم حكم في
أموالكم ان البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وحكم في دمائكم ان البينة على من ادعى عليه واليمين
على من ادعى لكيلا يطل دم امرإ مسلم ولا يخفى عليك ان فيها دلالة ظاهرة على كون الاكتفاء باليمين
من جهة التخفيف من جهتين إحديهما التعليل الذي في ذيلها وهو قوله لكيلا يطل دم امرإ مسلم وهو موجود في
كثير من اخبار الباب ثانيتها قيام الاجماع على سماع البينة من المدعي في المقام أيضا فتدل على كون
الاكتفاء باليمين من جهة التخفيف وأنت إذا تأملت هذه الرواية حق التأمل تجدها دالة على سماع البينة من
المنكر أيضا سيما بملاحظة الاجماع المذكور فإنه إذا كان الاكتفاء باليمين من المدعي في المقام من جهة
الرخصة لا العزيمة وانحصار وظيفته فيها كان الاكتفاء بها في عكسه أيضا وهو ما نحن فيه كذلك لقضية التعاكس
فيندفع به ظهور المدعى من قوله البينة على المدعي الحديث من جهة التعريف أو التفصيل في عدم سماع البينة
من المنكر وهذا الذي ذكرنا أمر واضح لمن له أدنى تدبر فتدبر.
ثم إن هنا أيضا روايات تؤيد ما ذكرنا من كون الاكتفاء باليمين من المنكر من جهة الرخصة والتخفيف
لا العزيمة والتعيين لا بأس بالإشارة إلى جملة منها.
منها ما رواه في الوسائل عن العيون من تعليل الإمام (عليه السلام) الاكتفاء باليمين من المنكر بأنه جاحد ولا
يمكنه إقامة البينة فإن هذا كما ترى صريح في كون الاكتفاء منه باليمين من جهة رفع الصعوبة عنه ثم أقول إن
من التأمل في الرواية ينفتح باب آخر للجواب عن قوله البينة على المدعي من غير أن يستلزم تصرفا في ظهوره
أصلا بل يكون عملا بحسب ما يظهر منه من الحصر توضحيه ان الظاهر من التعليل بقوله لأنه جاحد ان المنكر
من حيث انكاره وجحوده يكتفى منه باليمين فلو كان لانكاره ثبوتية تسمع البينة بالنسبة إليها لأنه في الحقيقة
بالنسبة إليها يكون مدعيا فإذا اختلف المؤجر والمستأجر في إجارة الدار مثلا فقال المؤجر انها عشرة دنانير

105
والمستأجر انها خمسة وأقام المستأجر بينة على كونها خمسة تسمع منه لان سماع البينة منه من هذه الحيثية
ليس من حيث انكاره بل من حيث اثباته وان استلزم نفيا يكون منكرا بملاحظته فحينئذ نقول إن معنى قوله البينة
على المدعي الرواية أن المنكر من حيث انكاره لا تسمع منه البينة أصلا ولا يكتفى منه إلا باليمين ولكن
لو كان لما يدعيه جهة ثبوتية كما فيما ذكر من المثال وما نحن فيه حيث إنك قد عرفت أن الاعسار مركب من
أمر وجودي وعدمي لا مانع من سماع البينة منه بالنسبة إليها بل الرواية حينئذ تدل على سماع البينة منه بالنسبة
إليها لما قد عرفت من كونه من هذه الحيثية مدعيا فالرواية حينئذ من الأدلة على ما اخترنا من سماع البينة من المنكر
فإنا لا نقول بل لم يقل أحد يعتد به بسماع البينة من المنكر إذا كان نافيا محضا بل المراد من سماع البينة منه
هو ما إذا كان مثبتا في الجملة وإن كان نافيا في الجملة أيضا هذا.
ولكن يرد على ما ذكرنا من البيان إشكالان أحدهما ان هذا البيان مناف لما ذكرته في معنى الرواية
مستشهدا بالامارات المذكورة من كون ايجاب اليمين على المنكر من جهة التخفيف لا التعيين لأنه يقتضي سماع
البينة من المنكر ولو من حيث انكاره ثانيهما ان لازم ما ذكرنا من البيان الاحتياج إلى اليمين أيضا فيما لو
كان للانكار جهتان وجودية وعدمية فعلى المنكر البينة من الجهة الأولى واليمين من الجهة الثانية والمقصود
اثبات البينة للمنكر بحيث تغني عن اليمين وإلا لزم كون البينة لغوا لدلالة الاجماع والاخبار على كفاية اليمين
من المنكر مستقلا فانضمام البينة إليها كالحجر الموضوع في جنب الانسان فالمقصود من القول بسماع البينة
منه سقوط اليمين عنه معها كما لا يخفى وقد عرفت أن الرواية بالبيان المذكور لا تدل على ذلك بل تدل على
خلافه فالقول بحمل الرواية على ظاهرها وعدم التصرف فيها أصلا مع القول بسماع البينة من المنكر بالمعنى
المتنازع فيه لا يصغى إليه هذا.
ولكن يمكن الجواب عن الاشكالين أما عن الأول فبأن ما ذكرنا من الجواب والبيان ثانيا من حمل
الرواية على ظاهرها إنما هو مع قطع النظر عما ذكرنا أولا من كون الامر في طرف المنكر مبنيا على التخفيف
وأما عن الثاني فبأن جميع أقسام الانكار يرجع إلى أربعة انكار يرجع إلى وجودي فقط كما في قول ذي اليد
في مقام الدعوى حسبما صرح به جماعة من كونه منكرا وبينته بينة الداخل وانكار يرجع إلى عدمي كذلك كما في
كثير من الموارد وانكار يرجع إلى وجودي مسبب من العدم في الخارج كما في ادعاء الاعسار فإن تحقق الاعسار
في الخارج من جهة عدم المال واليسار المعتبر فيه مفهوما وإنكار يرجع إلى أمر وجودي وعدمي غير منفك
أحدهما عن الآخر إما من جهة اللزوم أو التقارن ومعلوم ان ما يرد عليه الاشكال المذكور هو القسمان الأخيران
من الانكار وأما الأولان فلا يرد عليهما إشكال أصلا إذ نحكم في الأول بسماع البينة على ما اخترناه من
سماع البينة من المنكر بالبيان المذكور وفي الثاني باليمين على ما ذكرنا من عدم سماع البينة من المنكر إذا
كان الانكار نفيا فقط فنقول في التفصي عن الاشكال بالنسبة إلى القسمين الأخيرين أما عن الأول فبأن معنى
الحكم بثبوت الامر الوجودي في هذا القسم هو الحكم بتحقق ما هو سبب له وهو الامر العدمي لان معنى الحكم
بتحقق المسبب هو الحكم بتحقق السبب فهو يتحقق باثبات مسببه من غير احتياج إلى اثباته باليمين كما أن
معنى الحكم بتحقق العدم بمقتضى اليمين هو الحكم بتحقق الوجود المسبب عنه من غير احتياج إلى إقامة
البينة في طرفه وهذا أمر واضح لا سترة فيه أصلا وأما عن الثاني فبأن عدم الانفكاك بينهما إن كان من
جهة المقارنة الاتفاقية فلا إشكال في الاحتياج إلى اليمين في طرف العدم لو أريد اثباته ونحن نلتزم بذلك أيضا

106
وإن كان من جهة الملازمة بينهما فيمكن أن يقال فيه بما قلنا في القسم الأول فنقول ان الحكم بتحقق
الملزوم معناه الحكم بتحقق لازمه وكذا الحكم بتحقق اللازم معناه الحكم بتحقق ملزومه ويمكن أن
يلتزم فيه بالاحتياج إلى اليمين أيضا لكن يرد عليه حينئذ ما ذكر من الاشكال من لزوم كون البينة حينئذ
لغوا فتأمل.
ومنها ما روي أنه لو ادعى الحمال انه انخرق الزقاق وذهب منه الزيت لا يسمع منه تلك الدعوى و
يجب عليه إقامة البينة عليها معللا بما حاصله انه لو لم يكلف بالبينة واكتفى منه باليمين لانجر إلى تلف أموال
الناس كثيرا لأنه يدعي كل حمال حينئذ انه انخرق الزقاق ودلالته على كون الامر في طرف البينة مبنيا على التشديد
وفي اليمين على التخفيف واضحة لأنه يدل على أن عدم الاكتفاء باليمين منه مع كونه أمينا من جهة تشديد
الامر عليه بتكليفه بإقامة البينة حتى لا ينجر إلى تلف أموال الناس كثيرا إلى غير ذلك من الروايات الواقف
عليها المتتبع في كتب الاخبار هذا كله بالنظر إلى عدم دلالة البينة على المدعي واليمين على من أنكر على
الحصر المذكور.
وأما عدم دلالة خبر منصور على ما ذكرنا من الحصر وعدم سماع البينة من المنكر واليمين من -
المدعي مضافا إلى عدم صحة سنده وموافقته لما نقل عن ابن حنبل فبأن المراد من قوله (عليه السلام) لا أقبل من الذي
هي في يده بينة انه لا يقبل منه عند التعارض وإقامة المدعي البينة على طبق ما يدعيه لا أنه لا يقبل منه البينة و
إن لم يكن هناك بينة من المدعي أصلا فالرواية دليل على تقديم بينة الخارج على الداخل كما هو المشهور
لا على عدم سماع بينة الداخل وإن لم يكن في مقابلها بينة الخارج هذا ولكن الانصاف ظهورها في المدعى
سيما بملاحظة التعليل والتفريع بقوله فإن كانت له بينة الخ فالأولى رده بالقدح في سنده كما صنعه جماعة
هذا بالنسبة إلى خبر منصور وأما ما ذكر من الخبر أخيرا فمعلوم أنه لا دلالة له أصلا هذا.
فالانصاف ان القول بسماع البينة من المنكر لا يخلو عن وجه بالنظر إلى ما ذكرنا سيما بملاحظة
فتوى جمع من الأصحاب في كثير من الفروع بسماعها منه من غير إشكال فيه لا يخفى لمن راجع إلى كتبهم
قال الشهيد الثاني في هامشه على قول المصنف فيما سيأتي إذا اتفقا على استيجار دار معينة الخ ما هذا لفظه
إذا اتفق المؤجر والمستأجر على استيجار الدار المعينة مثلا ومدة الإجارة واختلفا في قدر الأجرة فادعى المؤجر
انها عشرة دنانير مثلا وادعى المستأجر انها خمسة فلا يخلو إما أن لا يقيم كل واحد بينة على مدعاه أو يقيماها
أو يقيمها أحدهما خاصة إلى أن قال وأما الأخيرة فحكمها واضح لان من أقام البينة حكم له دون الآخر انتهى
وهذا
كما ترى صريح في سماع البينة من المنكر لان مدعي الخمسة في المثال منكر قطعا بل صريح في وضوح الامر
في سماعها من المنكر وهذا الكلام ليس مختصا به بل ذكره غيره أيضا فراجع إلى كلماتهم في هذا الفرع وراجع
إلى ما ذكروا أيضا في كتاب الغصب من أنه لو ادعى الغاصب تلف المال المغصوب فإن جماعة ذكروا انه يسمع
قوله مع يمينه معللا ذلك بأنه لو لم يكتف منه باليمين لزم خلوده في الحبس وأورد عليهم جماعة أخرى
بالنقض بما لو أقام المالك بنية على البقاء فإن لازمه أيضا الخلود في الحبس وأجابوا عنه بأن البينة مثبتة للبقاء
كما لو علم ببقائه فلا يضر معها الالزام بحبسه حتى يخرج من الحق فإن في هذا الايراد والجواب دلالة ظاهرة على
ما ذكرنا من سماع البينة من المنكر بل يدل هذا الفرع على كون السماع من المسلمات بينهم وإلا لما أوردوا
بالايراد المذكور ولما أجابوا عنه بالجواب المزبور لان الجواب بعدم سماع البينة من المالك لكونه منكرا

107
أولى بل المتعين بالنسبة إلى الجواب المذكور كما لا يخفى وأنت إذا تتبعت كلماتهم في الفروع الفقهية تجدها
ناطقة بسماع البينة عندهم من المنكر في الجملة فراجع وتتبع.
ثم إنه قد يتمسك لما قويناه من سماع البينة من المنكر بحسب القاعدة بوجهين آخرين أحدهما
العمومات والاطلاقات الدالة على حجية البينة والحكم بها مطلقا وفيه أنه على تقدير تسليمها لا تنفع في مقام
المقاومة لما أقامه الخصم نعم لو تعارض الأدلة من الطرفين وتكافئت لتعين الرجوع إليها على فرض تسليمها إما
لكونها مرجحة لما وافقها أو مرجعا بعد تساقطها ولعل مراد المستدل بها أيضا يكون ذلك ثانيهما الاخبار -
الواردة من الأئمة المدعى دلالتها على المدعى وهي طائفتان إحديهما ما ورد في تقديم بينة الداخل إذا تعارضت
مع بينة الخارج وهي اخبار سيأتي ذكرها في تعارض البينتين والجواب عنها ثانيتهما ما ورد في غير ذلك وهي
أيضا اخبار إلا انا نقتصر على ذكر بعضها فمنها ما رواه الكليني في الصحيح عن حماد بن عثمان قال بينما عيسى
بن موسى في داره التي بالمسعى تشرف على المسعى إذ رأى أبا الحسن موسى (عليه السلام) مقبلا من المروة على بغلة فأمر ابن
صباح رجلا من همدان منقطعا عليه أن يتعلق بلجامه ويدعى البغلة فأتاه فتعلق باللجام وادعى البلغة فثنى أبو الحسن
رجله وتنزل عنها وقال (عليه السلام) لغلمانه خذوا سرجها وادفعوها إليه فقال والسرج أيضا لي فقال (عليه السلام) كذبت عندنا
البينة بأنه سرج محمد بن علي (عليه السلام) وأما البغلة اشتريناها منذ قريب وأنت أعلم وما قلت الحديث وجه الدلالة
ان تكذيب الإمام (عليه السلام) لمدعي السرج بأن عندنا البينة مع كونه (عليه السلام) منكرا يدل على سماع البينة من -
المنكر وإلا معنى لما ذكره وهذا وإن لم يكن في مقام المرافعة إلا أنه مع ذلك يدل على سماع البينة
من المنكر.
ومنها ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث فدك ان أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر أتحكم فينا
بخلاف حكم الله في المسلمين قال لا قال فإن كان في يد المسلمين شئ يملكونه ثم ادعيت أنا فيه ممن تسئل -
البينة قال إياك كنت أسأل البينة على ما تدعيه على المسلمين قال (عليه السلام) فإذا كان في يدي شئ فادعى فيه المسلمون
سألني فيه البينة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده ولم تسئل المؤمنين على ما ادعوا
كما سئلتني البينة على ما ادعيت عليهم إلى أن قال وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) البينة على من ادعى واليمين على
من أنكر ورواه الطبرسي في الاحتجاج وجه الدلالة انه لو كان إقامة البينة للمنكر بلا فائدة وغير مجوزة أصلا
لكان ينبغي له أن يجادل به مع أبي بكر فإن المقام مقام ذلك بل هو المتعين كما لا يخفى وقد يستدل برواية
صفى بن غياث ورواية العلل أيضا.
وأنت إذا تأملت في هذه الروايات علمت عدم دلالتها على المدعى سيما رواية فدك بل يظهر للمتأمل
فيها باعتقادي القاصر كون دلالتها على خلاف المدعى أظهر فإن الظاهر من قوله (عليه السلام) أتحكم فينا بخلاف حكم الله
في المسلمين الخ انه لا يجوز طلب البينة من المنكر بل محله اليمين ليس إلا سيما بملاحظة قوله (عليه السلام) أخيرا
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) البينة على من ادعى الخ هذا ولكن يمكن أن يقال إن مراده (عليه السلام) من الرد عليه انما هو
من جهة تعيينه البينة عليه (عليه السلام) والحال ان للمنكر الحلف بالله لكنه أيضا خلاف الظاهر فتأمل حتى لا يختلط عليك
الامر فإن كلماتهم مضطربة في المسألة غاية الاضطراب هذا محصل ما ذكره الأستاذ العلامة من الجواب عن -
الاشكال الأول.
وأما ما ذكره في الجواب عن الاشكال الثاني فوجهان أحدهما أن يقال بعدم الاحتياج إلى اليمين في

108
المسبوق بالمال أيضا مطلقا سواء كانت الشهادة بالاعسار أو التلف كما هو مختار جماعة حسبما سيأتي تفصيل القول
فيه هذا ولكن قد عرفت أن مثل هذا الجواب ليس دفعا للاشكال عمن يفصل بين المقامين ثانيهما أن يقال بأن
الوجه في الاحتياج إلى اليمين فيما لو شهدت البينة على الاعسار في المسبوق بالمال غير جار فيما نحن فيه فإنه
من جهة احتمال بقاء اليسار الموجود سابقا ومعلوم ان هذا غير آت فيما لم يسبق بالمال أصلا كما لا يخفى وانتظر
لتمام الكلام فيما ذكرنا من الجوابين في المقام الثاني هذا محصل الكلام فيما لم يكن دعوى الاعسار مسبوقة
بيسار ولم تكن مالية أيضا.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو ما إذا كانت دعوى الاعسار مسبوقة بمال ويسار من المدعي بأن كان
تاجرا كثير المال فيدعي الاعسار وتلف المال أو كانت الدعوى مالية كادعاء الدين والبيع ونحوهما مما يتضمن
المال مع اعتراف المنكر (المدعي خ) بإعساره من غير جهة هذا المال فيرجع دعويهما إلى تلف هذا المال المخصوص
وعدمه وهذا هو الذي ذكره الأستاذ العلامة في بيان المراد من كون الدعوى مالية وببالي انه يظهر من بعضهم
في تفسيره ما يخالف ما ذكره دام ظله وكيف كان فيقع الكلام فيه في موضعين أحدهما فيما لو شهدت البينة
على التلف ثانيهما فيما لو شهدت على الاعسار ولا خلاف في سماع البينة من المدعي في الموضعين في الجملة
لكونه مدعيا وعليه البينة بالاجماع والاخبار وإنما الخلاف في الاحتياج إلى انضمام اليمين وعدمه إلا من ثاني
المحققين فإن الظاهر من كلامه عدم سماع البينة على الاعسار لكونه أمرا عدميا لا تقبل فيه البينة اتفاقا وقد يوجه
به كلام من فصل بين الشهادة على الاعسار وبين الشهادة على التلف في الاحتياج إلى اليمين ولكن قد عرفت
فساده سابقا فيما ذكرنا في معنى الاعسار من عدم كونه أمرا عدميا بل هو أمر وجودي باعتبار أمر عدمي نعم لو
شهدت البينة على النفي الصرف كعدم اليسار أو عدم المال لم تسمع منه اتفاقا ولهذا اتفقت كلمتهم على أنها لو
شهدت على الاعسار لا بد من أن تشهد على أمر وجودي حسبما هو ظاهر لمن تتبعها وسبرها سبرا إجماليا فإنه
يظهر له ان هذا من المسلمات بينهم قال الشهيد الثاني في الروضة في شرح قول المصنف ويثبت صدقه فيه الخ
ما هذا لفظه مراقبة له في خلواته واجدة صبره على ما لا يصبر عليه واجد المال عادة حتى ظهر لها قراين الفقر و
مخايل الاضاقة مع شهادتها على نحو ذلك مما يتضمن الاثبات لا على النفي الصرف انتهى كلامه وذكر ما يؤدي
هذا المعنى في المسالك أيضا ومثله ذكر غيره في غيره فراجع.
أما الكلام في الموضع الأول فيقع في مقامات أحدها ما لو شهدت على تلف المال الخاص كما في صورة
ما لو كانت الدعوى مالية وشهدت البينة على تلفها ثانيها ما لو شهدت على تلف جميع الأموال في المسبوق باليسار
ثالثها ما لو شهدت على تلف أمواله الظاهرة.
أما القول في المقام الأول فتحقيقه انه إذا شهدت البينة على ذلك يسمع منه ولا يحتاج إلى اليمين أصلا إلا فيما
إذا ادعى المنكر عليه مالا آخر فإنه لا بد حينئذ من اليمين لرفع هذه الدعوى.
وأما القول في المقام الثاني فتحقيقه انه لا يخلو إما أن تشهد البينة على تلف جميع أمواله عن حس بحيث
علم ذلك كما لو شهدت على هبة جميع أمواله أو صلحها أو بيعها أو صدقتها إلى غير ذلك أو تشهد على تلفها عن
حدس واعتقاد بحيث علم كون شهادته على تلف الجميع من حيث الجميع مستندة إلى الحدس أو تشهد على تلفها
من غير أن يعلم بأحد الامرين أما الصورة الأولى فلا إشكال في عدم الاحتياج إلى اليمين أصلا كما لا يخفى
وأما الصورة الثانية ففي عدم الاحتياج إلى انضمام اليمين إشكال قد عرفت وجهه فيما ذكرنا في بعض المسائل السابقة

109
من عدم الدليل على سماع الشهادة عن حدس فإنما تقبل فيما رجع الشاهد فيها إلى الحس.
فإن قلت بعد القول بانضمام اليمين فما الاحتياج إلى البينة وما يترتب عليها من الثمرة.
قلت بعد سماع البينة في الفرض فيما أمكن رجوعها إليه عن حس وانضمام اليمين لرفع الدعوى عما
بقي ثمرة البينة رفع الحبس عن المدعى والخلود فيه كما لو لم يكن هناك بينة وهذا بخلاف المقام الأول فإن
اليمين فيه علة تامة لرفع الدعوى من حيث كون مدعي الاعسار فيه منكرا فصار انضمامها موجبا للغوية البينة
بخلاف ما نحن فيه فإنه فيه يكون مدعيا وعليه البينة فإن تمت من حيث الوفاء على تمام المدعى لم يحتج إلى
اليمين أصلا بل وجودها كعدمها فيلزم لغويتها وإن لم تتم احتاج في اتمامها بحيث يرفع عن المدعي الخلود
في الحبس إلى انضمام اليمين وأما الصورة الثالثة فإن قلنا بسماع البينة في الصورة الثانية فلا إشكال فيها وإن لم
نقل بذلك حسبما عرفت فسماعها فيها وعدمه مبنيان على ما ذكرنا سابقا من أنه لو ترددت الشهادة أو مطلق اخبار
العادل بين الحسن والحدس هل يحمل على الأول أو يتوقف وقد عرفت أن مقتضى القاعدة الأولية هو التوقف لعدم
الدليل على الحمل على الأول فراجع وتأمل.
وأما القول في المقام الثالث فالظاهر الاحتياج إلى انضمام اليمين معها من حيث عدم شهادتها على تمام -
المدعى كما هو المفروض وهو الظاهر أيضا من كلام بعض الأجلة هذا ملخص القول في الموضع الأول.
وأما الكلام في الموضع الثاني وهو الشهادة على الاعسار فلما لم ترجع إلى تلف جميع الأموال عن
حس وعدم اليسار واقعا فإن ادعى المنكر وجود مال خفى على الشاهد فلا إشكال في الاحتياج إلى اليمين وإن
لم يدع ذلك ففي الاحتياج إلى انضمامها وعدمه وجهان من أنه لم يدعه المنكر والأصل عدمه ومن أن الشهادة
لما لم ترجع إلى عدم اليسار واقعا فلم تتم في الدلالة على تمام الدعوى لأنها الامر الوجودي المسبب عن عدم اليسار
واقعا هذا ملخص ما ذكره الأستاذ من التفصيل في الصور المذكورة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المنقول من العلامة رحمه الله في التذكرة التفصيل بين الموضعين باحتياج الانضمام
في الأول وهو ما لو شهدت البينة على التلف وعدمه في الثاني وهو ما لو شهدت على الاعسار وقد ذهب المصنف وجماعة
إلى عكس ذلك وأثبتوا الاحتياج في الثاني دون الأول ووافقهم العلامة أيضا في غير التذكرة وذهب في موضع
من التذكرة حسبما حكى عنه إلى عدم الاحتياج إلى اليمين أصلا كما هو مذهب جماعة محتجا بأن فيه تكذيبا
للشهود وبقوله البينة على المدعي واليمين على من أنكر والتفصيل قاطع للشركة انتهى.
فتلخص ان المنقول منه قدس سره في المقام أقوال ثلاثة ولا بد أن يكون مراده رحمه الله من الاحتياج إلى
انضمام اليمين فيما لو شهدت على التلف هو القول بالاحتياج في غير المقام الأول والصورة من صور المقام
الثاني وإلا لم يكن له وجه أصلا كما لا يخفى فهو وإن أطلق القول بالانضمام إلا أن اطلاقه منزل على صورة
الغالب وهو عدم شهادة البينة على تلف جميع الأموال عن حس وفي استدلاله الآتي إشارة إلى ذلك ويمكن أن
يوجه ما ذكره حينئذ بما ذكرنا فراجع ويمكن أن يرجع إليه ما نقل عنه من الاحتجاج لما ذهب إليه بأن البينة
إذا شهدت بالتلف كان كمن ثبت له أصل مال واعترف الغريم بتلفه وادعى مالا غيره فإنه يلزمه اليمين انتهى.
وأما نظر المصنف والجماعة القائلين بعكس العلامة في التذكرة فيمكن أن يكون في حكمهم بالاحتياج إلى
الانضمام فيما لو شهدت على الاعسار إلى ما ذكرنا من أن البينة لا تنفي وجود المال بحسب الواقع فلا بد من
انضمام
اليمين ليكمل البينة وفي حكمهم بعدم الاحتياج فيما لو شهدت على التلف إلى أن الظاهر منها هو تلف الأموال جميعا

110
فلا يعتنى مع هذا الظهور باحتمال البقاء في الواقع ولكن يمكن الخدشة في هذا الوجه على اطلاقه بملاحظة ما ذكرنا
سابقا من التفصيل وقد أورد عليهم جماعة أيضا بعدم استقامة هذا التفصيل لان مع قيام البينة ان جاز الاعتناء باحتمال
وجود المال في الواقع لوجب الحكم بانضمام اليمين في المقامين وإلا كما هو مقتضى قول جماعة لا وجه للقول
بالانضمام في المقامين أيضا هذا
وقد ذكر بعض وجها لما ذكره المصنف والجماعة من التفصيل مدعيا ان مرادهم ذلك لا بأس بالإشارة
إليه وهو انه بعدما شهدت البينة على الاعسار يصير قول المدعي ظاهرا والظاهر معه فينقلب منكرا وعليه اليمين
بمقتضى العمومات والاطلاقات.
وفيه أولا انه مبني على تفسير المنكر بأنه من يدعي الظاهر والمدعي من يدعي خلافه وثانيا سلمنا كون
المراد من المدعي والمنكر ما ذكره إلا أن من المعلوم لكل أحد ان مرادهم من الظهور والخلاف إنما هو
بالنسبة إلى نفس الدعوى مع قطع النظر عن شئ خارج بمعنى ان من يكون نفس دعواه مخالفا للظاهر فهو
المدعي كما في دعوى الزوج عدم المهر أصلا أو أقل من مهر المثل بناء على كونه مخالفا للظاهر ودعوى المشتري
نقص الكيل أو الوزن مع كونه حاضرا حين الكيل والوزن ومن يكون نفس دعواه موافقا للظاهر فهو المنكر
كالزوجة والبايع في المثالين المذكورين وثالثا انه لو بنى على ذلك لجرى بعينه في الشهادة على التلف لان بعد
إقامة البينة يصير مدعي التلف قوله موافقا للظاهر ومنكره مخالفا له كما لا يخفى فهذا التوجيه مما لا ينبغي
أن يصغى إلى أصلا وقد يوجه أيضا بوجه آخر يقف عليه المراجع إلى كلماتهم فأحسن التوجيه هو ما ذكرنا
هذا آخر ما أردنا ذكره في المسألة وهو العامل بحقايق الأشياء.
ثم إنه بقي هنا أمرو ينبغي التنبيه عليها.
الأول انه بعد ما ثبت اعسار المدعي له إما بالبينة أو اليمين فلا إشكال بل لا خلاف ظاهرا في عدم
جواز حبسه للأصل والآية والرواية إلا عن الصدوق حيث إنه أثبت الحبس فيما إذا صرف ما استدانه في المعصية
ومستنده ضعيف لا يليق بالذكر.
الثاني انه بعد ما قلنا بعدم جواز الحبس فهل يسلم إلى الغرماء ليستعملوه أو يواجروه أم لا وجوه بل
أقوال مقتضى الأصل والآية وأشهر الروايتين عدم التسليم وذهب الشيخ في النهاية إلى الأول استنادا إلى رواية
السكوني عن الصادق (عليه السلام) ان عليا (عليه السلام) كان يحبس في الدين ثم ينظر إن كان له مال أعطى الغرماء وإن لم يكن له مال
دفعه إلى الغرماء فيقول لهم اصنعوا به ما شئتم إن شئتم أجروه وإن شئتم استعملوه وهذه الرواية مع ضعفها
معارضة بالآية ورواية غياث ورواية الأصبغ ورواية داود المذكورة في التهذيب في باب القضاء الدالة صريحة
على خلافها فراجع وفصل ابن حمزة فقال إذا ثبت اعساره خلى سبيله إن لم يكن ذا حرقة يكسب بها وإلا
دفعه إليهم ليستعملوه فيها وتمسك في ذلك برواية السكوني المتقدمة وهي مع ما فيها أعم من مدعاه.
الثالث انه بعدما قلنا بعدم جواز التسليم يجب عليه التكسب في قضاء الدين أو لا يجب عليه ذلك
بل إذا تكسب وفضل معه من المؤنة وجب صرفه في قضاء الدين قولان ذهب جماعة منهم المصنف إلى الثاني
والأكثر إلى الأول وهو الحق لكونه قادرا على وفاء الدين فيجب عليه واستدل المصنف والجماعة بظاهر
الآية وهي غير ظاهرة كما لا يخفى على ذوي البصيرة لان غاية ما تدل عليه هو عدم جواز مطالبة الداين إلا بعد

111
اليسار وهو لا مدخل له بتكليف المديون والله العالم.
قوله فإذا حلف سقطت الدعوى ولو ظفر المدعي بعد ذلك بمال الغريم لم يحل له المقاصة الخ أقول
الكلام في المسألة يقع في موضعين أحدهما في الدين وثانيهما في العين ثم الكلام في الموضع الأول يقع في
مقامات أحدها في عدم جواز مطالبة المدعى وعدم سماع دعواه بعد الحلف فيما لم يقم المدعي بينة بما حلف
عليه المنكر ثانيها في عدم سماع البينة بعد الحلف ثالثها في عدم جواز المقاصة له من مال الحالف لو كان الحالف
كاذبا رابعها في أنه بعدما قلنا بعدم جواز المقاصة وتقاص المدعي حراما وتلف المال فهل يقع التهاتر في البين
أو لا بل يجب عليه أداء عوض ما تلف من مال الحالف وهل له ان يرتب على ما في ذمة الحالف سائر آثار المال
غير التقاص كالاحتساب من الزكاة والخمس والصدقات أو لا يجوز له ذلك أيضا فيصير هذا المال مما لا أثر له
في الدنيا أصلا ثم إن كلامنا في تلك المقامات في تكليف المدعي والحاكم وأما الحالف فيجب عليه التخلص عن
الحق فيما بينه وبين ربه لو كان كاذبا بلا خلاف في ذلك.
فنقول أما الكلام في المقام الأول فالحق فيه سقوط الدعوى وعدم الجواز بالنسبة إلى المطالبة والسماع
ويدل عليه مضافا إلى الاجماع بقسميه ما ستسمعه من النصوص الكثيرة.
وأما الكلام في المقام الثاني فالحق فيه أيضا عدم السماع مطلقا للاجماع المحكي عن الشيخ في الخلاف
والغنية المعتضد بالشهرة المحققة مضافا إلى دلالة ما ستسمعه من النصوص المتظافرة عموما وإطلاقا وخصوص
رواية ابن أبي يعفور هذا.
ولكن في المسألة أقوال أخر لا بأس بالإشارة إليها أحدها القول بسماعها مطلقا وهو المحكي عن
الشيخ في موضع من المبسوط ومستنده غير معلوم ولعله عموم أدلة البينة المخصصة بما عرفته من الأدلة ثانيها
التفصيل بين ما إذا اشترط المنكر سقوط الحق باليمين وبين ما إذا لم يشترط ذلك فلا تسمع في الأول وتسمع
في الثاني وهو خيرة جماعة كالمفيد وابن حمزة والقاضي على ما حكي عنهم محتجا بأن كل حالة يجب عليه -
الحق بإقراره فيجب عليه بالبينة كما قبل اليمين وفيه أولا انه قياس وجمع بينهما في الحكم من غير دليل يقتضيه
وثانيا ان الفارق في المقام موجود وهو قيام الاجماع ودلالة النص في الاقرار على السماع ودلالة النص على عدمه
في البينة مضافا إلى كون الاقرار أقوى من البينة لما ذكرنا سابقا من كون المقر يلزم بإقراره ولو لم يكن
عند الحاكم بخلاف البينة هكذا أجيب عن الاحتجاج المذكور ولكن في المقام جواب آخر يأتي تحقيقه في
مسألة سماع الاقرار من المنكر الحالف وحاصله يرجع إلى أن المقر بإقراره يخرج عن موضوع ما دل على عدم
جواز ترتيب أثر الحق على المحلوف عليه كذبا بخلاف البينة فإن في صورة قيامها الموضوع باق بحاله فلا
يجوز سماعها وترتيب الأثر عليها وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله فانتظر هذا وذكر في المسالك بعد ذكر الجواب
عن الاحتجاج المذكور بثبوت الفرق من جهة ثبوت القوة في الاقرار وعدمها في البينة ما هذا لفظه والحق ان الرواية إن
صحت كانت هي الحجة والفارق وإلا فلا انتهى ومراده من الرواية هو رواية ابن أبي يعفور الآتية وأنت عرفت ثبوت الفرق
بينهما لولا الرواية أيضا ثالثها التفصيل بين ما إذا لم يعلم بها أو علم ونسيها وبين غيره بالسماع في الأول وعدمه
في الثاني وهو خيرة ابن إدريس حسبما حكى عنه ولم يظهر له مستند هذا مجمل القول في المقام الثاني.
وأما الكلام في المقام الثالث وهو جواز المقاصة وعدمه فالحق فيه عدم الجواز للاجماع المحكي
عن جماعة المعتضد بالشهرة المحققة القديمة والحديثة بل عدم الخلاف في المسألة ومثله حجة شرعية حسبما

112
أثبتناه في الأصول مضافا إلى الروايات الواردة في المسألة من أهل العصمة والطهارة البالغة حد الاستفاضة عموما
وخصوصا فمنها رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) إذا أرضى صاحب الحق بيمين المنكر لحقه واستحلف
فحلف لا حق له عليه وذهبت اليمين بحق المدعي فلا حق له قلت وإن كانت له عليه بينة عادلة قال نعم وإن أقام
بعدما استحلفه خمسين قسامة ما كان له وكان اليمين قد أبطل كل ما أدعاه قبله مما قد استحلفه عليه ومنها
قوله (صلى الله عليه وآله) من حلف لكم بالله فصدقوه ومن سئلكم بالله فاعطوه وفي بعض النسخ استشهاد الإمام (عليه السلام) في الرواية
المتقدمة بهذا الحديث بقوله في آخر الرواية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حلف لكم بالله فصدقوه الحديث مع انضمام
وذهبت اليمين بحق المدعي ولا دعوى له ومنها ما في رواية أخرى عنه (عليه السلام) في الرجل يكون له على الرجل المال
فجحده قال إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه شيئا وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقه ومنها ما رواه
الشيخ عن عبد الله بن وضاح قال قد كان بيني وبين رجل من اليهود معاملة فخانني بألف درهم فقدمته إلى
الوالي فاحتلفه فحلف وقد علمت أنه حلف يمينا فاجرة فوقع له بعد ذلك أرباح ودراهم كثيرة فأردت أن أقبض
الألف درهم التي كانت لي عنده واحلف عليها فكتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) فأخبرته بالقضية فكتب إلي لا تأخذ منه
شيئا إن كان قد ظلمك فلا تظلمه ولولا انك رضيت بيمينه فحلفته لامرتك أن تأخذ منه من تحت يدك ولكنك
رضيت بيمينه قد مضت اليمين بما فيها إلى غير ذلك من النصوص ودلالتها على عدم جواز التقاص ظاهرة خصوصا
الرواية الأخيرة فإنها صريحة فيه.
وأما الكلام في المقام الرابع وهو جواز ترتيب الآثار الأخر غير التقاص على المال الذي هو في ذمة -
الحالف وعدمه فيكون هذا المال مما سلب أثره في الدنيا بالنسبة إلى المدعى فالحق فيه بالنظر إلى ما يظهر
من النظر الأولى في الروايات المتقدمة عدمه فإن الظاهر منها بالظهور البدوي هو فرض المال الذي في ذمة المنكر
الحالف كالمعدوم في عدم ترتب أثر عليه فإن الظاهر من قوله ذهبت اليمين بحق المدعي واليمين أبطل كل ما
أدعاه قبله ومضت اليمين بما فيها بعد امتناع إرادة ذهاب أصل المال أو ابطاله ومضيه هو إرادة ذهاب جميع
آثاره وابطال كلها ومضيها وكذلك قوله من حلف لكم بالله فصدقوه فإن الظاهر منه ترتيب جميع آثار الصدق
عليه هذا ما يقتضيه النظر الجلي في الروايات.
وأما ما يقتضيه النظر الخفي والدقيق هو عدم صحة هذا المعنى والحكم بعدم التعميم بالنسبة إلى جميع
الآثار بيان ذلك أن تقدير جميع الآثار في الرواية الأولى بعد امتناع إرادة ذهاب أصل المال وإن كان أقرب اعتبار إلى
المعنى الحقيقي إلا أن الأقرب عرفا ليس هو ذلك بل الأثر الذي يلزمه التعرض لماله أو نفسه جهرا أو خفاء
كالتقاص من ماله وبعبارة أخرى الآثار التي تسلتزم هتك حرمة اليمين والحلف بالله وأما الأثر الذي لا يلزمه
التعرض لهما ولا يهتك به حرمة الحلف بالله كالاحتساب من الزكاة والصدقات والابراء إلى غير ذلك فلا يكون
تلك الروايات ظاهرة عرفا في عدم ترتبه فلا يحكم بمقتضى تلك الروايات على نفيه وإن كان هو مقتضى أقربيته
للاعتبار لأنه قد ثبت في محله انه إذا دار أمر اللفظ بعد صرفه عن معناه الحقيقي بين حمله على معنى مجازي
أقرب إلى المعنى الحقيقي عرفا وبين حمله على معنى مجازي يكون أقرب عليه اعتبارا يحمل على الأول وهذا
نظير ما ذكرنا في رد من تمسك بحديث الرفع على رفع جميع آثار التسعة المذكورة فيه بأقربيتها إلى المعنى
الحقيقي من أن رفع جميع الآثار وإن كان أقرب اعتبار إلى رفع نفس تلك الأشياء إلا أن الأقرب عرفا هو خصوص
رفع المؤاخذة عليها فلا بد من حمل اللفظ عليه بل يمكن أن يدعى ان عدم جواز التقاص أيضا لا يظهر منها أصلا

113
بل الظاهر منها خصوص عدم التعرض لها جهرا كمطالبته بالحق وتجديد الخصومة والمرافعة إلى غير ذلك من
الآثار التي تترتب على الحق في مقام المرافعة فيكون الظاهر منها نفي الأثر الذي يطلب في مقام المرافعة لا غير
فتلك الروايات العامة لا تدل على عدم جواز المقاصة أيضا إلا أنه قد ثبت بالاجماع والاخبار الخاصة عدم
جوازها بعد حلف المنكر.
والحاصل ان الظاهر من الروايات بعد التأمل فيها هو سقوط خصوص المرافعة واحكامها وأما سائر -
الاحكام التي تترتب على وجود المال واقعا فلا دلالة فيها على نفيها ولا عموم فيها بالنسبة إليها أصلا فإن كان
هناك دليل آخر يدل على رفع غيرها من الآثار كما في باب المقاصة نحكم بمقتضاه وإلا فيرجع إلى ما يقتضيه
القواعد المحكمة الثابتة مثل الناس مسلطون على أموالهم وغيره فنحكم بجواز ترتيب سائر الآثار كما قبل الحلف
وهكذا الكلام بالنسبة إلى قوله من حلف لكم بالله فصدقوه فإن الظاهر منه ابتداء وإن كان ترتيب جميع الأحكام
إلا أن مقتضى التأمل فيه هو ظهور إرادة خصوص الأثر الذي ذكرنا مضافا إلى أنه لو قلنا بظهوره وعمومه بالنسبة
إلى جميع الآثار إلا أنه لا بد من تخصيصه بما ذكرنا لأنه لولاه لزم تخصيص الأكثر فتأمل.
وبالجملة رفع اليد عن القواعد المحكمة الثابتة في الشريعة بمجرد وجود دليل يترائى منه خلافها
مشكل جدا بل لا يجوز قطعا سيما مع عدم العلم بعمل الأصحاب به فإنا لم نر تمسك أحد من العلماء بتلك
الروايات على عدم جواز ترتيب الآثار مطلقا بل كلما رأينا منهم هو التمسك بها على خصوص عدم جواز التقاص
وتجديد المرافعة وسماع الدعوى بل لم نقف إلى الآن على فتوى لهم كذلك إلا ما ظهر من بعض مشايخنا المتأخرين
طاب ثراه من الميل إليه.
وبالجملة اخبار الباب بين طائفتين إحديهما ما تدل على سقوط حق المدعي من حيث إنه مدع وإن
يمين المنكر مبطل لما أدعاه من حيث إنه كذلك كرواية ابن أبي يعفور المتقدمة وما شابهها وهذه الطائفة لا دلالة
لها على عدم جواز التقاص فضلا عن سائر الآثار الغير المستلزمة للتعرض للمنكر وماله أصلا ثانيتها ما يظهر
منه عدم جواز التصرف (التعرض خ) والاخذ منه ولو كان باطنا كما في رواية عبد الله بن وضاح وما قبلها ومعلوم
ان هذه الطائفة أيضا لا دلالة لها على عدم جواز ترتيب الأثر الغير المستلزم للتصرف في مال الحالف ولو باطنا كما في -
الاحتساب من الزكاة والابراء ونحوهما فظهر مما ذكرنا أن الاخبار بين ما ورد لبيان وظيفة الحكم وما ورد
للدلالة على عدم جواز التعرض لمال (التصرف في مال خ) المنكر ومعلوم انه لا دلالة لشئ منهما على نفي
مطلق الآثار هذا مجمل القول في الموضع الأول وهو الدين.
وأما الكلام في الموضع الثاني وهو العين فيقع في ثلاث مقامات أحدها في جواز تجديد المرافعة و
مطالبة العين من المنكر وسماع الدعوى للحاكم إلى غير ذلك من الأحكام الثابتة بالنسبة إلى المدعى والحاكم
قبل الحلف من حيث الدعوى ثانيها في جواز أخذ العين سرا وسائر التصرفات فيها بحسب الواقع كعتقها مثلا إذا
كان عبدا ثالثها في جواز تقاصه كأخذ بدل الحيلولة منه إلى غير ذلك من الآثار المستلزمة للتصرف والسلطنة
على مال المنكر ولو سرا.
أما الكلام في المقام الأول فالحق فيه مساواة العين للدين في الحكم للاجماع مضافا إلى دلالة جملة
من روايات الباب لأنها ليست مختصة بخصوص الدين فالقول بأن العين خارجة عن مورد جميع الروايات

114
وإنما الحكم فيها قد ثبت بالاجماع ضعيف جدا لأنا نعلم أن جميع المجمعين ليس مستندهم في الحكم بعدم
الجواز إلا الروايات فهي عامة لها أيضا.
وأما الكلام في المقام الثاني فنقول ان فيه وجهين أحدهما القول بعدم جواز ترتيب الآثار مطلقا
نظرا إلى القول بعمومية دلالة الاخبار بالنسبة إلى جميع الآثار بعد القول بشمولها للعين أيضا حسبما مرت الإشارة
إليه ثانيهما القول بالجواز نظرا إلى ما ذكرنا في معنى الروايات من منع العموم فيها لمطلق الآثار غاية الأمر
دلالتها على عدم جواز التعرض لمال المنكر بنحو من الأنحاء ومن المعلوم ان أخذ العين سرا وسائر التصرفات
فيها ليس تعرضا لمال المنكر أصلا بل هو تصرف في مال نفسه فعموم الناس مسلطون على أموالهم باق على حاله
بل يمكن القول بجواز أخذ العين والتصرف فيها وإن قلنا بدلالة الروايات على نفي جميع الآثار بيان ذلك أن
حكم الشارع بنفي جميع الآثار كاشف عن ذهاب المالية عن مال المدعي بالحلف وإن كانت ملكيته باقية فكل
أثر يترتب على مالية الشئ فهو منفي بمقتضى الروايات فالاحتساب من الزكاة والصدقات والابراء إنما هي من
آثار المال فيرتفع بذهابه.
وأما الآثار المترتبة على ملكية الشئ كأخذ العين فيما نحن فيه والتصرف فيها فليس مما يمنع -
الروايات منه لان اليمين لم ينقل العين إلى الحالف حتى يقال بذهاب ملكيتها وإنما منع من ترتب الآثار من
حيث ذهاب المالية بمقتضى تصديق اليمين نعم إن أريد ترتيب آثار المال عليها كبيعها ومصالحتها وإجارتها وغير
ذلك من الآثار المترتبة على المال لا نقول بجوازه وهذا بخلاف الدين فإن أخذه غير ممكن إلا بالتصرف في
مال الحالف وهو تكذيب لليمين وتعرض لمال الحالف وقد منع منه الروايات السابقة فتأمل هذا مجمل القول
في المقام الثاني.
وأما الكلام في المقام الثالث فالحق فيه عدم الجواز لا لأنه بحسب اللب يرجع إلى التقاص وقد منع
منه رواية عبد الله بن وضاح وسابقتها لأنهما ظاهرتان في الدين أما الأولى فظاهرة وأما الثانية فلقوله على الرجل
المال فإن لفظ المال وإن كان أعم من الدين والعين إلا أن لفظة على تصرفه إلى الدين لأنها لا تطلق إلا في مورد
ثبوت المال في الذمة بل لدلالة سائر الروايات مثل رواية سليمان بن خالد قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
وقع لي عنده مال فكابرني عليه ثم حلف ثم وقع له عندي مال اخذه مكان مالي الذي أخذه وجحده وحلف
عليه قال إن خانك فلا تخنه ولا تدخل عليه هذه خلاصة ما فهمت مما ذكره الأستاذ العلامة في الموضعين
وعليك بالتأمل فيه والاخذ بما يؤدي إليه نظرك فإن الجواد قد يكبو والحق أحق أن يتبع.
وينبغي التنبيه على أمور أحدها ان ما ذكرنا في اليمين في الدين والعين فإنما هو في يمين المنكر
وأما يمين المدعي المردودة عليه فهل يجري فيها ما ذكرنا في يمين المنكر أو لا وجهان من عموم بعض -
الروايات السابقة كقوله (صلى الله عليه وآله) من حلف لكم بالله فصدقوه فكما أن المدعي مأمور بتصديق المنكر الحالف
بمقتضى النبوي فكذا المنكر أيضا مأمور بتصديق المدعي إذا كان حالفا بمقتضاه فيحرم عليه التقاص من ماله
إذا كان كاذبا في حلفه وكذا ترتيب سائر الآثار على القول بالتعميم ومن منع دلالة النبوي على وجوب تصديق
الحالف بمعنى ترتيب الأثر على حلفه حتى في يمين المنكر أيضا وإلا لزم تخصيص الأكثر بل المراد منه هو
تصديق الحالف بمعنى عدم تكذيبه واتهامه نظير التصديق في قوله تعالى يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين فسياق
قوله من حلف لكم بالله فصدقوه سياق قوله من سئلكم بالله فاعطوه في وروده للوعظ والنصيحة وعدم الدلالة

115
في سائر الروايات أيضا فإن الظاهر من جميعها هو اليمين التي جعلت في أصل الشرع ميزانا لرفع الخصومة وهي
يمين المنكر ولا دلالة فيها بالنسبة إلى يمين المدعي أصلا فيبقى عموم ما دل على جواز التقاص وتسلط الناس
على أموالهم سالما عن حكومة شئ عليه فتدبر ثم إن هذا الذي ذكرنا في يمين المدعي من عدم كونها كيمين
المنكر إنما هو بالنسبة إلى غير سقوط الدعوى والمطالبة ظاهرا وغيرهما من أحكام بقاء الدعوى وأما بالنسبة إليها
فلا إشكال في كونها كيمين المنكر للنص والاجماع.
ثانيها ان ما ذكرنا من أحكام اليمين فإنما هو إذا وقعت عند حاكم الشرع وأما إذا لم تقع عنده بل
حلف بنفسه أو أحلفه حاكم الجور فلا أثر لها أصلا لاختصاص ما دل على ثبوت الاحكام لها بما إذا وقعت عند
حاكم الشرع مضافا إلى قيام الاجماع ونقله ودلالة جملة من الروايات على عدم التأثير لها عند غير حاكم الشرع
ولا شئ في المقام يدل على خلافها إلا إطلاق بعض الروايات كقوله (صلى الله عليه وآله) من حلف لكم الحديث ونحوه الموهون
بما ذكرنا وبكونه واردا في مقام قضية مهملة وبيان حكم اليمين من حيث هي وخصوص رواية عبد الله بن
وضاح المتقدمة حيث فرض فيها وقوع الحلف عند حاكم الجور وأمضاه الإمام (عليه السلام) ورتب الاحكام عليه المحمولة
أما على كون المراد من الوالي هو الوالي من جانب الإمام (عليه السلام) أو على أن مراد الإمام (عليه السلام) هو بيان الحكم لليمين
المعتبرة شرعا حتى يعلم السائل بذلك وعدم تعرضه لبيان عدم تأثير اليمين المذكورة إنما هو من جهة التقية
إلى غير ذلك من الوجوه وهذه المحامل التي ذكرنا وإن كانت بعيدة غير ظاهرة من اللفظ بل ظاهره يدل على
خلافها إلا أنه لا بد من الالتزام بها في مقابل الأدلة القطعية فافهم.
ثالثها انه على القول باشتراط وقوع اليمين عند حاكم الشرع وإن الواقعة عند غيره لا أثر لها أصلا فهل
يكفي وقوعها عند الحاكم في ترتيب الأحكام المذكورة وإن لم يحكم على طبقها أو لا يكفي إلا بعد حكمه على
طبقها فمجرد احلافه المنكر قبل حكمه لا أثر له وجهان بل قولان تقدم الإشارة إليهما سابقا وقد عرفت أن
المختار هو عدم الاشتراط والكفاية مطلقا نظرا إلى ظهور اخبار الباب.
رابعها انه قد يتوهم التناقض بين ما ذكروه هنا من عدم جواز التقاص بعد يمين المنكر قولا واحدا
وبين ما ذكره جماعة فيما إذا اختلف البايع والمشتري في الثمن بحيث يرجع إلى المتباينين كما إذا قال
البايع بعتك الجارية بمئة دينار مثلا وقال المشتري بعتني بمئة درهم أو المثمن كما إذا قال البايع بعتك العبد
بمئة دينار وقال المشتري اشتريت منك الجارية بمئة دينار من أنه يتحالفان وينفسخ العقد ظاهرا ويأخذ كل
من البايع والمشتري المثمن والثمن تقاصا فإن أخذ البايع العبد في المثال المذكور عوضا عما يدعيه من مئة
دينار تقاصا مناف لحكمهم قولا واحدا بعدم جواز التقاص بعد الحلف وكذا أخذ المشتري للثمن الذي يعتقد
كونه مالا للمدعي تقاصا مناف لما دل عليه الاخبار وقام عليه الاجماع من عدم جواز التقاص بعد الحلف نعم لو قيل
بالانفساخ واقعا قهرا كما هو قول بعض أو قيل بأنه يجبرهما الحاكم بعد التحالف على - الفسخ أو يفسخ العقد
بعد التحالف كما هو قول آخر لم يرد إشكال أصلا كما لا يخفى لرجوع كل من الثمن والمثمن على هذين
التقديرين إلى صاحبه فيكون تصرفه في ماله لا في مال غيره من باب التقاص وهذا بخلاف الانفساخ الظاهري
لان معناه بقاء الثمن على ملك البايع والمثمن على ملك المشتري لكن يتصرف كل منهما في ملك صاحبه تقاصا
وهذا كما ترى مناف لما اجمعوا عليه من عدم جواز التقاص من مال المنكر بعد الحلف والمفروض ان كلا من
المشتري والبايع في المثال المذكور منكر لما يدعيه الآخر هذه خلاصة ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله

116
من الاشكال.
وقد ذكر في دفعه ما يرجع حاصله إلى أن الحكم بجواز التقاص في المسألة المفروضة لا ينافي ما
اجمعوا عليه ودل عليه الاخبار من عدم جواز التقاص بعد الحلف ولو كان حلفا فاجرا لان ما ذكروه من عدم
جواز التقاص بعد يمين المنكر إنما هو فيما إذا كان التقاص تكذيبا ليمين المنكر ورفعا لليد عنه بحسب الواقع
من حيث كونه منافيا لاحترام اليمين الذي صار سببا لرفع اليد عن عموم ما دل على جواز التقاص والذي دل -
الاخبار على عدم جوازه أيضا هو هذا لا غير ومعلوم ان أخذ البايع العبد الذي أنكر المشتري وقوع البيع
عليه في صورة الاختلاف في المثمن ليس تكذيبا ليمينه على عدم وقوع العقد عليه بل هو عين العمل بها وتصديقا
لان مقتضى تصديق المشتري الذي يحلف على عدم وقوع العقد على العبد وكونه باقيا على ملك البايع هو
أخذه والتصرف فيه وإن كان يعتقد كونه مالا للمشتري وكذا أخذ المشتري مئة دينار في الصورة المفروضة ليس
تكذيبا ليمين البايع على عدم وقوع بيع الجارية عليها بل هو عين العمل بها وإن كان تكذيبا لدعواه وهو كونه
مالا له عوضا عن العبد لكنه ليس تكذيبا لانكاره الذي وقع عليه اليمين وهو عدم كونها مالا له عوضا عن الجارية
بل أخذه بهذا الاعتبار عين العمل بيمينه وهكذا الامر فيما إذا كان اختلافهما في الثمن فإن تصرف المشتري
في مئة درهم وأخذها تقاصا لا يكون تكذيبا ليمين البايع بل هو عين العمل بها لحلفه على عدم وقوع العقد
عليها وبقائها على ملك المشتري وكذا تصرف البايع في الجارية ليس تكذيبا ليمين المشتري لحلفه على عدم
شرائها بمئة دينار بل مقتضى هذه اليمين ان الجارية لم تنتقل إليه بهذا الثمن أصلا فالتصرف فيها ليس تكذيبا
ليمينه وإن كان تكذيبا لدعواه انها انتقلت إليه عوضا عن مئة درهم لكنه لم يحلف على هذه الدعوى بل حلف
على انكاره انتقالها إليه بمئة دينار.
والحاصل ان الموجود في المقام من كل من المدعي والمنكر شيئان ادعاء وانكار وأخذ كل منهما
لمال الآخر وإن كانت تكذيبا لدعواه في بعض الصور إلا أنه ليس تكذيبا ليمينه والحال فيما نحن فيه نظير
ما لو اختلفا في أصل وقوع البيع على جارية مثلا فكما أن تصرف البايع في الجارية تقاصا بعد حلف المشتري
على عدم شرائها ليس تكذيبا ليمين المشتري بل عين العمل عليها فكذا الحال فيما نحن فيه فإن انكار كل منهما
للبيع الخاص في الفرض كانكار المشتري البيع في الفرض المذكور فيبقى عموم ما دل على جواز التقاص باقيا
على حاله لان الذي قد خصص بالنسبة إليه بالنص والاجماع إنما هو التقاص الذي كان منافيا لليمين وتكذيبا
لها وأما التقاص الذي لم يكن تكذيبا ليمين المنكر بل كان تصديقا لها فلم يخصص بالنسبة إليه أصلا وهو باق
بالنسبة إليه جزما بل قد ذكر شيخنا الأستاذ دام ظله انه لو لم يكن هناك ما دل على جواز التقاص عموما وكان
باقيا على حسب الأصل الأولى من أصالة الحرمة لأمكن القول بجوازه بل وجوبه فيما نحن فيه من جهة ما دل
على تصديق اليمين ولي فيه تأمل خصوصا في بعض الصور فتأمل.
ثم إنه إن كان كل من الثمن والمثمن مساويا للآخر فلا إشكال وأما إذا كانا مختلفين فهل يجب على
من عنده الزيادة دفعها على القول بالانفساخ الظاهري أو لا يجب وجهان بل قولان أوجههما أولهما للأصل بعد
عدم جريان أدلة التقاص بالنسبة إلى الزايد حسبما هو المفروض ومستند الثاني كونها مالا لا يدعيه أحد فيجوز
التصرف فيه لأصالة الإباحة.
وفيه أن مجرد عدم الادعاء لا يصير دليلا على الجواز بعد القطع بكونه مالا للمنكر بل الأصل حينئذ

117
الحرمة لعموم ما دل على حرمة التصرف في مال الغير من غير اذنه ورضاه من العقل والنقل والاجماع نعم لو قيل
بكون المستند في جواز التصرف هو كونه تصديقا ليمين المنكر حسبما مال إليه الأستاذ العلامة لكان للقول
بالجواز وجه فتدبر.
خامسها انه قد بقي هنا فرع تعرض له الأستاذ العلامة دام ظله في طي المسألة ولم أر أحدا تعرض له
غيره لا بد من الإشارة إليه وهو انه لو أخذ المدعي مالا من المنكر إما بدون اذنه أو معه فتلف المال بيده فهل يحكم
بتحقق التهاتر بين الذمتين أو لا يحكم به وجهان من كون التهاتر قهريا عقليا لا يؤثر فيه منع الشارع لان
اشتغال ذمة الشخص لغيره بمثل ما اشتغل ذمته لها محال عقلا فالأخبار الواردة في عدم جواز التصرف في مال
المنكر إنما يراد بها التصرفات الاختيارية وأما التصرفات الخارجة عن اختيار المدعي كالتهاتر في الفرض فليست
بمرادة من الاخبار قطعا بل لا يعقل ارادتها لخروجها عن تحت القدرة ومن أن التهاتر وإن كان قهريا إلا أن منع -
الشارع عن التصرف فيما يكون في ذمة المنكر يستلزم وجود منقصة فيه فيخرج عن المماثلة التي اقتضت التهاتر
عقلا أوجههما عند شيخنا الأستاذ دام ظله الأول لما ذكر فتأمل.
ثم إنه قد ذكر دام إفادته انه لو قلنا بوقوع التهاتر في الفرض لكن نقول بوجوب رد العوض على المدعي
وبنائه على عدم التهاتر واشتغال ذمته للمنكر لان التهاتر وإن كان قهريا إلا أنه لا يستحيل أن يحكم الشارع
بعدم ترتب الأثر عليه وفرضه كأن لم يكن وبعدما لم يكن ذلك مستحيلا عقلا فنقول ان مقتضى الأخبار المتقدمة
هو البناء على عدمه حيث إن المستفاد منها بمقتضى احترام اليمين هو عدم وصول مال من المنكر
إلى المدعي لان المراد من تلك الأخبار ليس هو مجردا لحكم التكليفي بل المقصود منها بيان الحكم الوضعي
أيضا فتأمل.
قوله أما لو كذب الحالف نفسه جاز مطالبته وحل مقاصته أقول هذا الحكم مما لا إشكال فيه بل
لا خلاف أجده فيه حسبما صرح به جمع بل عن محكي المهذب والصيمري الاجماع عليه مضافا إلى بعض الأخبار
الواردة في المسألة إنما الاشكال فيما ذكره بعض مشايخنا طيب الله رمسه مستندا للحكم المذكور من قوله لعموم
إقرار العقلاء على أنفسهم جايز المقتضي كون ذلك سببا مثبتا جديدا للاستحقاق غير ما سقط باليمين المرجح على
تلك النصوص بعد فرض تسليم اندراج الفرض فيها ضرورة كون التعارض بينهما عموما من وجه بما سمعت من -
الاجماع المعتضد بنفي الخلاف وبخصوص المعتبر اني كنت استودعت رجلا مالا فجحد فيه فحلف لي ثم إنه
جاء بعد ذلك بسنتين بالمال الذي كنت استودعته إياه فقال هذا مالك فخذه وهذه أربعة آلاف درهم ربحها في
مالك فهي لك مع مالك فاجعلني في حل فأخذت المال منه وأبيت أن آخذ الربح منه وأوقفت المال الذي كنت
استودعته حتى استطلع رأيك فما ترى قال فقال (عليه السلام) فخذ نصف الربح واعطه النصف وحلله ان هذا رجل تائب
والله يحب التوابين وأخصية المورد يندفع بعدم القائل بالفرق انتهى ما أردنا ذكره من كلامه.
وفيه أولا ان بعد تسليم اندراج الفرض في النصوص المذكورة لا معنى لملاحظة التعارض بين عموم
اقرار العقلاء وتلك النصوص وترجيحها بما ذكره قدس سره لان النسبة بينهما على هذا الفرض وإن كانت عموما
من وجه إلا أن تلك النصوص على فرض جريانها حسبما هو المفروض حاكمة على العموم المذكور بل واردة
عليه لا معارضة له حيث إن تلك النصوص ناطقة بعدم وجود أثر للمقر به ورافعة للأثر عنه والعموم المزبور انما
يجري فيما لو ترتب على المقر به أثر شرعا كما لا يخفى فالاقرار بما لا أثر له شرعا لا يقتضي عموم المذكور

118
نفوذه على المقر بل لا معنى لاقتضائه ذلك كما لا يخفى فالأولى أن نلتزم بعدم جريان تلك النصوص بنفسها و
تقييد موضوعها بما لو كان المنكر باقيا على انكاره لان المستفاد منها كون الوجه في عدم جواز التعرض بالمنكر
هو احترام يمينه والرضاء بها فإذا كذب الحالف نفسه فقد أذهب احترام يمينه وهذا واضح لكل من تأمل فيها فالاقرار
بهذا البيان رافع لموضوع تلك النصوص وثانيها انا لا نفهم معنى قوله المقتضي كون ذلك سببا مثبتا جديدا
للاستحقاق غير ما سقط باليمين حيث إن الظاهر من هذا الكلام كما ترى ذهاب المال باليمين وكون الاقرار
ناقلا له عن ملك المقر إلى المدعي وأنت خبير بعدم دلالة العموم المذكور على كون الاقرار من النواقل -
الشرعية كعقد البيع ونحوه غاية الأمر دلالته على كونه من الامارات المعتبرة شرعا إلى المقر به كالبينة ونحوها
وقد عرفت سابقا المنع من دلالة النصوص الواردة في اليمين على خروج المال عن ملك المدعي بها ودخوله في
ملك الحالف وقد اعترف بهذا قدس سره فيما سبق من كلامه في المسألة السابقة هذا.
لكن يمكن توجيه كلامه بان مراده من ذلك أنه لما أمرنا بمقتضى ما دل على تصديق اليمين بعدم
تريب آثار المال على المحلوف عليه فقد سقطت بمقتضى تصديقها فإذا أقر الحالف بالمال وقلنا بتقديم عموم
اقرار العقلاء فيقتضي ذلك جواز ترتيب الآثار على المال المحلوف عليه التي كانت منفية قبله فاقتضى أمرا جديدا
لم يكن قبله لا أن يكون مراده من الكلام المزبور كون الاقرار وكذا اليمين من النواقل الشرعية للمال كالبيع
هذا غاية ما يمكن به توجيه كلامه قدس سره ولكنك خبير بفساد هذا الكلام أيضا لان تصرف المدعي في المال
بعد تكذيب الحالف نفسه ليس من جهة العموم المذكور أصلا بل إنما هو من جهة العمل بما دل على تسلط الناس
على أموالهم وجواز التقاص لأجلها بعد ارتفاع موضوع الأخبار المانعة بالتكذيب فالمالك إنما يعمل بعلمه
بعد ارتفاع المنع المذكور ولا دخل له بعموم اقرار العقلاء أصلا لأنه لو لم يكن من هذا العموم أثر في الشرع
لحكمنا بجواز التصرف بل قد عرفت أن الحكم بترتيب الأثر بمقتضى العموم المذكور غير معقول لفرض العلم بالمقر به
والعموم المذكور كنظايره مما يدل على الأحكام الظاهرية إنما هو في حق الجاهل بالواقعة لا العالم بها نعم لو
فرض جهل المدعي بالحال لجاز له ذلك بالعموم المذكور لكنه خروج عن محل الفرض فتأمل حتى لا يختلط
عليك الامر.
قوله إن رد اليمين على المدعي لزمه الحلف الخ أقول المراد باللزوم هنا على الظاهر بل المقطوع
المصرح به في كلام جمع من الأجلة هو اللزوم الشرطي بمعنى انه لو أراد اثبات حقه لزمه الحلف لا أنه يجب
عليه الحلف وإن لم يرد اثبات حقه وهذا مما لا كلام فيه
إنما الكلام في المسألة يقع في مقامات أحدها في ثبوت
الحق باليمين المردودة في الجملة ثانيها في تحقيق ما ذكروه من أن اليمين كالبينة أو كالاقرار ثالثها في سقوط
الدعوى بنكول المدعي في الجملة أو مطلقا.
فنقول أما الكلام في المقام الأول فلا إشكال في ثبوت الحق بعد اليمين ويدل عليه مضافا إلى الاجماع
عليه محققا ومنقولا من جماعة ممن تقدم وتأخر حسبما يقف عليه المتتبع في كلماتهم النصوص البالغة حد
الاستفاضة بل التواتر حسبما هو مقتضى كلام بعض الأجلة منها خبر البصري قلت للشيخ يعني موسى بن جعفر (عليه السلام)
أخبرني عن الرجل يدعي قبل الرجل الحق فلا يكون له بينة بماله قال فيمين المدعى عليه فإن حلف فلا حق له وإن
لم يحلف فعليه وإن رد اليمين على المدعي فلم يحلف فلا حق له إلى أن قال ولو كان المدعى عليه حيا لألزم
باليمين أو الحق أو رد اليمين عليه.

119
ومنها صحيحة ابن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) في الرجل يدعي ولا بينة له قال (عليه السلام) يستحلفه فإن رد -
اليمين على صاحب الحق فلم يحلف فلا حق له ومنها صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل
يدعى عليه الحق ولا بينة للمدعي قال يستحلف أو يرد اليمين على صاحب الحق فإن لم يفعل فلا حق له ومنها
مرسلة يونس المضمرة قال استخراج الحقوق بأربعة وجوه بشهادة رجلين عدلين فإن لم يكونا رجلين فرجل و
امرأتان فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدعي وإن لم يكن شاهد فاليمين على المدعى عليه وإن لم يحلف و
رد اليمين على المدعي فهي واجبة عليه أن يحلف ويأخذ حقه فإن أبى أن يحلف فلا شئ له إلى غير ذلك من -
النصوص المذكورة في كتب الروايات التي يقف عليها المتتبع فيها وليس المراد من الرابع في المرسلة هو
يمين المنكر كما توهمه بعض حسبما حكى عنه الأستاذ العلامة دام ظله لفساد هذا الكلام في الغاية لان يمين المنكر
ليس مستخرجا للحق بل هو رافع للخصومة وإبطال لحق المدعي وإنما ذكر يمين المنكر توطئة ليمين المدعي
من حيث كونها مردودة وإلا فليس المراد كون يمين المنكر من الأربعة لما قد عرفت فمعنى الرواية انه إن كان
للمدعي شاهد بالتفصيل المذكور فهو وإلا فلا شئ له يثبت به حقه بل الامر حينئذ إلى المنكر فعليه اليمين لرفع
الخصومة عنه وإن رد اليمين فيوجد بعد رده مثبت جديد للمدعي وعدم صحة بعضها بالارسال أو الاضمار
لا يضر في التمسك بها من حيث انجبارها بعمل الأصحاب مضافا إلى كفاية الصحاح فالمسألة لا إشكال فيها من
هذه الجهة إن شاء الله.
وأما الكلام في المقام الثاني فيقع في مقامين أحدهما في وجه ما ذكروه من كون اليمين مثل
البينة أو الاقرار وعدم كونها شيئا ثالثا لا دخل لها بأحدهما أصلا حسبما صرح به بعض الأجلة من مشايخنا
قدس الله أسرارهم وبعبارة أخرى في وجه لزوم ارجاعها إلى أحدهما وعدم جعلها مثبتا آخر غير ملحق
بأحدهما وإن شارك كلا منهما في بعض الأحكام ثانيهما في تحقيق ما ينبغي المصير إليه بعد تمامية
المقام الأول.
أما الكلام في المقام الأول من هذين المقامين فقد ذكر في وجهه شيخنا الأستاذ أدام الله بقائه ما
خلاصته انهم لما استفادوا من الأدلة انحصار الوظيفة بحسب أصل الشرع في بينة المدعي ويمين المنكر كقوله
البينة على المدعي واليمين على من أنكر وقوله إنما اقضي بينكم بالبينات والايمان وغيرهما من الروايات التجئوا
إلى ذلك فحينئذ إن جعلناها بمنزلة البينة أو الاقرار لما رفعنا اليد عن مقتضى الأدلة وإلا فيلزم عدم الاخذ بمقتضى الأدلة
من غير ما يقتضي ذلك أما عدم لزوم رفع اليد عنها على تقدير جعلها كالبينة فظاهر وأما عدم لزوم ذلك على
تقدير جعلها كالاقرار فمن جهة ان مقتضى الروايات ان ميزان الفصل منحصر فيما ذكر والاقرار ليس ميزانا
للفصل بل المقر بنفس اقراره يرفع الخصومة فالاقرار رافع لموضوع تلك الأخبار لأنها إنما تدل على الحصر في
موضوع الخصومة فما هو بمنزلته بمنزلته في الحكم المذكور فنقول إما ان المنكر يخرج عن موضوع الانكار برده
اليمين لان يمين المدعي بمنزلة إقرار المنكر أو نقول إن الخصومة والانكار باق لكن الحكم في المقام أيضا
بما هو بمنزلة البينة فبالالتزام بأحدهما يسلم تلك الأدلة عن ارتكاب خلاف الظاهر فيها وهذا الذي ذكروه هنا
نظير ما ذكروه في مسألة التحليل في باب النكاح انه تزويج أو ملك يمين من جهة قوله تعالى يحفظون فروجهم
إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنها تدل على أن المحلل ليس إلا ملاحظة (علاقة خ) الزوجية أو الملكية
فالتجأوا من جهتها إلى الحاقه إما بالتزويج أو بملك اليمين هذا.

120
ولكن يمكن أن يورد عليه بأن مقتضى الحصر في الأدلة وإن كان عدم الحكم باليمين المردودة وانحصار
الحجة للمدعي في البينة إلا أنا نخرج عن ذلك الحصر بما دل على الاكتفاء باليمين المردودة ونخصصه به
وبعبارة أخرى مقتضى التأمل في أدلة الباب وإن كان عمومها لكل مورد وانه ليس مورد يكتفى عن المدعي
بغير البينة إلا أن ما دل على الاكتفاء باليمين في صورة رد المدعي أخص من تلك الأدلة فجيب تخصيصها به على
ما هو الشأن في تعارض العام والخاص ولا داعي إلى ارجاعه إلى التنزيل والحكومة حتى يخرج عن التعارض
ويبقى الحصر على حاله وإلا لوجب المصير إلى ذلك في جميع صور تعارض العموم والخصوص هذا مضافا إلى أن
الخروج عن هذا الحصر لازم عليهم على كل تقدير لأنه قد ثبت باتفاق منهم في يمين المدعي فيما يكتفى منه
بها وحدها كما فيما لا يعلم إلا من قبله وكما إذا كان أمينا إلى غير ذلك وفي نكول المنكر على القول به وفي
نكول المدعي على تقدير مع أنه لم يذكر أحد منهم في شئ من المذكورات أنها كالبينة أو كالاقرار مع أن ما
ذكره الأستاذ من الوجه جار في الكل والقول باتفاقهم على كون المذكورات ملحقة بالبينة كما ترى وأما
قياس ما ذكرنا على مسألة التحليل فليس في محله أصلا كما لا يخفى.
لا يقال إن المصير إلى الحكومة والتنزيل ليس بمجرد ملاحظة العموم والحصر بل من جهته مع
ملاحظة ما دل على الاكتفاء باليمين المردودة مثل قوله استخراج الحقوق بأربعة الحديث فإن ظاهره سيما
بملاحظة كون ثلاثة منها تفصيلا للبينة حسبما صرح به في الرواية كونها واردة في بيان تفصيل ما على المدعي
من البينة وإن كان على وجه الحكومة وبعبارة أخرى منافاة تلك الرواية لما دل على انحصار الحجة في حق -
المدعي في البينة إنما هي بملاحظة تضمنها للفظ الأربعة وبعد تسليم كون ثلاثة منها بيانا لها لا بد من حملها على
التنزيل بالنسبة إلى اليمين أيضا.
لأنا نقول أما أولا فلانه ليس ما يدل على الاكتفاء باليمين منحصرا فيما ذكر بل عمدة ما في المقام غيره ولا
يخفى عدم جريان ما ذكر في الرواية في غيرها وأما ثانيا فبمنع ما ذكره على ما ذكره أيضا وما استشهد به
من دلالته على ما ذكر لا دلالة له أصلا بل دلالته على خلافه أظهر لان ذكر اليمين بعد كون ذكر ما تقدمها
تفصيلا للبينة يدل على عدم كونها تفصيلا للبينة فالاستدلال بما دل بظاهره على الحصر ضعيف للزوم رفع اليد عنه
بما دل على الاكتفاء باليمين المردودة.
لا يقال كيف تصير إلى رفع اليد عن ظهور اللفظ بعد إمكان عدم رفع اليد عنه وإبقائه على حاله بتنزيل
اليمين منزلة البينة أو الاقرار.
لأنا نقول حمل ما دل على الاكتفاء باليمين المردودة في قبال ما دل على حصر الحجية في حق المدعي
بالبينة على التنزيل الموضوعي أيضا خلاف الظاهر بل ظهوره حاكم على ظهور ما دل على الحصر ومقدم عليه
فيجب الاخذ به وطرح ما دل بعمومه على الحصر ولولا ذلك لزم سد باب التخصيص في جميع الموارد فإنه إذا
ورد مثلا لا تكرم أحدا إلا العالم وورد دليل آخر أكرم زيدا الجاهل نقول إن ظهور قوله لا تكرم أحدا إلا العالم
في الحصر يصير قرينة وسببا لرفع اليد عن ظهور قوله أكرم زيدا الجاهل وتنزيله منزلة العالم حتى لا يلزم
خروج عن الحصر إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا أظن أن يلتزم أحد بما ذكر فيها نعم لو ورد عام وورد دليل آخر
يحتمل كونه مخصصا له وعدمه كما في قوله أكرم العلماء ولا تكرم زيدا وفرض اشتراكه بين العالم والجاهل
نلتزم من جهة الاخذ بعموم أكرم العلماء وابقائه على ظاهره بكون المراد من قوله لا تكرم زيدا هو الجاهل

121
وإلا لزم المصير إلى التخصيص من غير ما يوجبه وهذا الذي ذكرناه قاعدة مطردة في جميع الموارد ومنه يمكن
أن يجاب عن القياس بمسألة التحليل فإن التحليل لم يعلم كونه خارجا عن التمليك والتزويج حتى نلتزم
بالتخصيص هذا.
وقد يختلج بالبال في وجه ما ذكره الأكثر من ترديد الامر في اليمين بين كونها كالبينة أو الاقرار
غير ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله وأنت إذا تأملت فيه تجده حقيقا بالقبول إن شاء الله تعالى وهو أن يقال إن
مرادهم من الترديد المذكور ليس من جهة تسالمهم بمقتضى الحصر في عدم جواز خروج اليمين عن أحد الامرين
للزوم التخصيص في العموم لكنهم اختلفوا في تعيين أي منهما حسبما هو مقتضى الوجه الذي ذكره الأستاذ دام
ظله بل القائل بكونها كالبينة يسلم لزوم الخروج عن مقتضى الحصر وتخصيص العموم بما دل على الاكتفاء
باليمين المردودة ومراده من الالحاق بالبينة هو التنزيل الحكمي لا الموضوعي من جهة ما أدى إليه نظره من
كونها كالبينة في الاحكام والقائل بكونها كالاقرار إنما استند في ذلك إلى أن الرد لما جاء من قبله فيكون كإقراره
وإن لزمه الالتزام حينئذ بكون المنكر كالمقر من باب الاتفاق لا أن الالتزام بأحد التنزيلين حتى لا يلزم الخروج
عن الحصر المذكور ألجأه إلى ذلك من جهة المستند المذكور وشتان بينهما وبعبارة أخرى فرق بين أن يلتزم -
الشخص بشئ ويلزمه شئ آخر اتفاقا من غير أن يكون مقصوده من الالتزام بذلك الشئ هذا الشئ وأن يلتزم
بشئ لملازمته مع شئ آخر هو المقصود بالذات.
وهذا الذي ذكرنا هنا نظير ما ذكرناه في الأصول في مبحث الاجماع المركب والتواتر المعنوي من
أنه قد يقصد الشخص من الافتاء بشئ أو الاخبار به تعيين ما هو المسلم والمفروغ عنه بينه وبين غيره فاختار -
الخصوصية من جهة كونها هي القدر المشترك المسلم وجوده باعتقاده بحيث لو سئل عنه فرض خطائه في ذلك
الاخبار وتعيين الخصوصية لالتزم بوجود القدر المشترك في ضمن ما عليه صاحبه وقد لا يقصد به ذلك أصلا بل
إنما يفتي به ويخبر عنه من جهة اعتقاده ذلك من غير نظر إلى تعيين الامر القدر المشترك وإن لزمه الالتزام به
من جهة الالتزام بما يلازمه وهذا الذي ذكرنا هناك من أن اجتماع أمثاله لا ينفع في تحقق الاجماع المركب
والتواتر المعنوي.
ففيما نحن فيه قد يقصد المختلفون في كون اليمين كالبينة أو الاقرار تعيين ما اتفقوا عليه من التزام
ما لا يلزم معه تخصيص في أدلة البينة حسبما ذكره شيخنا الأستاذ وقد يقصدون به إظهار ما أدى إليه نظرهم في -
أمر اليمين المردودة بمقتضى الأدلة وإن لزم على أحد القولين خروج المورد عن تحت عموم انما أقضي بينكم
بالبينات على سبيل الحكومة إلا أنه ليس مقصود القايل به اثبات هذا اللازم.
وأما الوجه في عنوان جماعة بل أكثر المتأخرين المسألة بما يوهم ما ذكر الأستاذ العلامة دام إفادته
فببالي انه من جهة انهم لما رأوا قدماء الأصحاب رضوان الله عليهم حكم بعضهم بكون اليمين المردودة كالاقرار
في الاحكام من جهة ما أدى إليه نظره وبعض آخر منهم بكونها كالبينة في الاحكام من غير أن يكون مقصوده
من ذلك إلا بيان ما أدى إليه فكره فعنونوا المسألة بأن اليمين هل هي كالبينة أو كالاقرار حتى يختاروا أحد
الطرفين بمقتضى نظرهم ولذا قد خالفهم في ذلك بعض مشايخنا رحمه الله واختار كونها خارجة عنهما جاريا عليها
أحكام البينة في بعض المقامات وأحكام الاقرار في البعض الآخر حسبما اقتضته الأصول والقواعد وبهذا البيان
يندفع جميع ما أوردنا عليهم على بيان الأستاذ دام ظله ولكن الأستاذ العلامة أيضا قد رجع عما ذكره من

122
كون الوجه فيما ذكروه هو ملاحظة دلالة الأدلة اللفظية على الحصر لما قد عرفت من أن دلالة الأدلة على الحصر
لا تنافي الخروج عنه بالدليل.
ولكنه قد ذكر وجها آخر للترديد المذكور غير ما ذكره أولا وهو الذي يستفاد من كلام جماعة
أيضا وحاصله انا لا ندعي دلالة الأدلة اللفظية على ذلك إلا أنا نقول إن اليمين المردودة بحسب اللب والواقع قد
اجتمع فيها جهتان جهة اثبات لحق المدعي كالبينة وجهة التزام من المنكر بالحق على تقديرها كالاقرار فإن
لوحظت باعتبار الجهة الأولى فتصير كالبينة فيجب ترتيب أحكامها عليها التي رتب عليها من حيث كونها حجة
للمدعي وإن لاحظها الشارع باعتبار الجهة الثانية فيجب الحكم بترتيب آثار الاقرار عليها من حيث كونها التزاما
بالحق فوجه الترديد فيها وجود الجهتين فيما بحسب الواقع اللتين يصلح كل منهما ملاحظة الشارع الحكم باعتبار
اليمين بملاحظته وإليه ينظر كلام الشهيد الثاني في المسالك في بيان وجه كونها ملحقة بهما فراجع وتأمل.
وبعبارة أخرى أوضح ان لكل من البينة والاقرار جهة يترتب كثير من الاحكام عليهما بملاحظة تلك
الجهة قد وجدت في اليمين المردودة فهي قابلة لان يعتبرها الشارع بأي من الجهتين فإن اعتبرها من حيث
كونها حجة ومثبتا لحق المدعي كالبينة يترتب عليها ما يترتب على البينة من الاحكام من حيث كونها حجة وإن لم يترتب
عليها الاحكام التي رتبت على البينة من حيث كونها بينة وإن اعتبرها الشارع من حيث كونها التزاما من المنكر
بالحق على تقديرها من حيث إنه بنكوله ورده قد تسبب لها يترتب عليها ما يترتب على الاقرار من الاحكام التي
رتبها الشارع عليه من حيث كونه التزاما بحق الغير على النفس.
فإن قلت بعد تسليمك اجتماع الجهتين في اليمين المردودة فلم لا تحكم بترتيب أحكام كل منهما
عليها وما معنى قولهم إنها هل هي كالبينة أو كالاقرار.
قلت مجرد اجتماع الجهتين فيها لا يوجب الحكم بما ذكر أصلا بل نقول بعدم امكان اعتبار الشارع
لها كذلك لان كلا من الجهتين يقتضي ما ينافي ما اقتضته الأخرى فلا يمكن الحكم باعتبارها من حيث اشتمالها
على الجهتين كلتيهما كما لا يخفى فتأمل هذا مضافا إلى أن مجرد اشتمالها على الجهتين لا يقتضي اعتبار الشارع
لها بلحاظ كل منهما لأنه قد يعتبرها بملاحظة واحدة منهما فمجرد اشتمالها على الحيثيتين لا يوجب الحكم بما
ذكرته قطعا هذا ملخص ما ذكره الأستاذ دام ظله ثانيا وأنت إذا لاحظته بعين التأمل والانصاف تجده
موافقا لكلماتهم وكاشفا عن مرادهم فهو أحسن مما ذكره الحسن هذا مجمل الكلام في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني فملخصه انه ذهب بعض إلى أن اليمين كالبينة وقد نسب هذا القول الفخر
في الايضاح حسبما حكي عنه إلى الأكثر وإن استبعده بعض من تأخر عنه وذهب جماعة إلى كونها كالاقرار منهم
الشهيدان قدس سرهما واستدل في المسالك للقول بكونها كالبينة بأن الحجة اليمين واليمين وجدت منه وللقول
بكونها كالاقرار بأن الوصول إلى الحق جاء من قبل رده أو نكوله وأنت خبير بضعف كلا الوجهين فلا يجوز
الاتكال بهما فيما رتبوا على القولين من الاحكام نعم من دأبه التمسك بالاعتبارات يصح له الاتكال بهما ولكن
أصحابنا رضوان الله عليهم برئاء من ذلك وذهب جماعة من المتأخرين إلى كونها شيئا ثالثا غير ملحقة باحديهما
وإن شاركت كلا منهما في بعض الأحكام في بعض الصور وعلى (ثم على خ) تقدير القول بكونها كالبينة هل هي كالبينة
على الاطلاق حتى بالنسبة إلى الثالث حسبما يظهر من كلام الفاضل في القواعد والشهيد في الدروس من أن المراد
من القول بكونها كالبينة كونها مثلها حتى بالنسبة إلى الثالث فإنه ذكر العلامة في القواعد في فروع المسألة

123
انه لو ادعى اثنان زوجية امرأة فصدقت أحدهما وكذبت الآخر وردت اليمين عليه فحلف قال فإن قلنا بكونها كالبينة
انتزعها من الأول وإلا فإن قلنا بالتغريم فتغرم للثاني على القول به وإلا فلا انتهى حاصل ما ذكره فإن ظاهر هذا بل صريحه
ان القائل بكونها كالبينة يقول به حتى بالنسبة إلى الثالث وقال الشهيد في الدروس حسبما حكى عنه شيخنا
الأستاذ العلامة دام ظله انها كالاقرار فلا يتعدى في حق الغير وقيل بكونها كالبينة وهو بعيد وهو كما ترى يدل
على كون المراد من القول بكونها كالبينة كونها مثلها حتى بالنسبة إلى الغير من وجهين أحدهما تفريعه
على القول بكونه كالاقرار عدم نفوذها في حق الغير فإن ظاهرها بقرينة المقابلة انه على القول بكونها كالبينة
يتعدى في حق الغير أيضا حسبما صرح به العلامة ثانيهما استبعاده القول بكونها كالبينة فإن القول بكونها
كالبينة في حق المدعى عليه لا بعد فيه أصلا كما لا يخفى أو كالبينة بالنسبة إلى المدعى عليه لا غير حسبما يظهر
من جماعة انه المراد من القول بكونها كالبينة.
ويمكن أن يقال على تقدير تسليم المقام الأول وهو عدم خروجها من البينة والاقرار بكونها كالبينة
بالنسبة إلى المدعى عليه فلنا في المقام دعويان إحديهما كونها كالبينة لا كالاقرار ثانيتهما كونها كالبينة في
الجملة وبالنسبة إلى المدعى عليه لا مطلقا لنا على أوليهما قوله في المرسلة المنجبرة استخراج الحقوق بأربعة
فإن ظاهر هذا كونها كالبينة من وجهين أحدهما لفظ الاستخراج فإنه لا يطلق على أخذ الحق بالاقرار انه استخراج
لأنه ظاهر في مقام الانكار والخفاء ثانيهما مقتضى سياق الرواية فإن مقتضاه كون اليمين كالثلاثة السابقة عليها
لكنك قد عرفت الاشكال في هذا الوجه سابقا وقوله (صلى الله عليه وآله) من حلف لكم بالله فصدقوه بناء على تسليم دلالته و
شموله لما نحن فيه فإن ظاهر التصديق يأبى من كونها كالاقرار لأنه بنفسه إلزام بالحق لا يحتاج إلى التصديق
أصلا ولكنك قد عرفت الاشكال في صحة الاستدلال بالرواية ولنا على الثانية عدم دليل على الاطلاق وكونها
القدر المتيقن ولا إطلاق في المرسلة حتى يتمسك به على الاطلاق بل يمكن ادعاء ظهورها فيما ذكرنا لان
ظاهرها كون اعتبار اليمين من حيث استخراجها الحق ممن عليه الحق ولا يعارض هذا بأن مقتضى ظهور السياق
كونها كالثلاثة في الحجية مطلقا أما أولا فلانه أقوى منه وأما ثانيا فبمنع دلالة هذا الحديث على كون البينة
أيضا حجة مطلقا وإنما ثبت اطلاق اعتبارها من دليل آخر.
وإن شئت قررت الدليل على المدعى في المقامين بوجه أوفى وأخصر أما في اثبات عدم كون اليمين
المردودة كالاقرار وكونها كالبينة في الجملة فبأن نقول إنه مقتضى الاعتبار والأخبار الواردة من الأئمة الأطهار
(عليهم السلام) أما كونه مقتضى الاخبار فلما قد عرفت تفصيل القول فيه أما كونه قضية الاعتبار فلانها أقرب بحسب
اللب والمعنى إلى البينة من الاقرار لأنه كما أن البينة تشهد على ثبوت الحق للمدعي وتخبر بذلك في الواقع و
ان لزم من ذلك التزام المدعى عليه بدفعه كذلك اليمين أيضا اخبار من المدعى بثبوت الحق له في الواقع مقرونا
بلفظ الجلالة فهي اخبار عن ثبوت الحق مقرونا بالاستشهاد من الله تعالى وإن لزمها أيضا أخذ الحق من المدعى
عليه فالبينة واليمين لا تفاوت بينهما أصلا إلا أن البينة إخبار عن الشاهد واليمين إخبار عن المدعي مقرونا بالاستشهاد
من الله تعالى فحيثية كل من البينة واليمين أولا حيثية نفع راجع إلى المدعي وإن لزم منه ضرر على المدعى عليه
وهذا بخلاف الاقرار فإنه التزام بالضرر أولا على نفس المقر وإن لزم منه ايصال نفع إلى المقر له فهو إخبار بثبوت
الحق على نفسه وهذا المعنى غير موجود في اليمين المردودة قطعا.
وأما ما ذكرنا سابقا في وجه كونها كالاقرار من أن في رد اليمين التزاما بالحق على تقدير اليمين

124
فهو فاسد جدا أما أولا فللمنع من أن في رد اليمين التزاما بالحق وإنما فيه التزام بالأداء والخروج عن الحق
مع الاعتراف بعدم استحقاق المدعى عليه شيئا وأين هذا من الاقرار في شئ وثانيا ان كلامنا في اليمين المردودة
ليس مختصا بصورة رد المنكر بل أعم منه ومما إذا رد الحاكم بعد نكوله على القول بعدم القضاء بالنكول حسبما
سيجئ انه لحق في المسألة ومعلوم ان في صورة النكول ليس هنا التزام من المنكر أصلا كما لا يخفى فالوجه
في كونها كالاقرار ليس إلا ما ذكره جماعه من أن المنكر من جهة رده أو نكوله صار سببا لتعلق حق عليه من المدعى
بعد اليمين كما أنه في صورة اقراره صار سببا لتعلق حق للمقر له عليه وأنت خبير بأن هذا الوجه على تقدير تماميته
لا يقتضي الحاقها بالاقرار بعد ملاحظة ما ذكر في وجه كونها ملحقة بالبينة لان ما ذكرنا من وجه كونها ملحقة
بالبينة بحسب اللب أقرب من هذا الوجه بمراتب كما لا يخفى (لا تخفى خ) لان هذا الوجه مجرد اعتبار بعيد لا ينصرف
الذهن إليه أصلا ومنه يظهر ان القول بالحاقها بالاقرار كما عن جماعة من جهة ما عرفت من جهة المشاركة
في السببية بعيد عن الصواب جدا لأنك قد عرفت أن هذا الوجه ليس إلا مجرد اعتبار عقلي لا دليل على اعتباره و
صيرورته منشأ لترتيب الاحكام الكثير فإذا القول بكونها كالاقرار ضعيف جدا.
وأما في اثبات كونها كالبينة الخاصة لا المطلقة فبأن نقول إنه لا إطلاق فيما دل على كونها كالبينة
حتى يحكم بكونها كالبينة المطلقة غاية الأمر دلالتها على كونها معتبرة ومثبتة لحق المدعي من حيث إنه مدع
وهذا لا ينافي عدم اعتبارها في حق غير المدعى عليه فهي تدل على كونها معتبرة وحجة في الجملة فإن أراد
القائل بكونها كالاقرار اثبات عدم حجيتها في حق غير المدعى عليه لا غير فنعم الوفاق ولا نزاع بيننا إلا في اللفظ
وإن أراد غير ذلك فنحن مضربون عنه لما قد عرفت من عدم دليل عليه بل الدليل على خلافه فإن أراد القائل
بكونها أمرا ثالثا ما ذكرنا أيضا كما هو غير بعيد عن كلامهم فلا مشاحة بيننا وبينهم أيضا وإلا فقد عرفت
قيام الدليل على بطلانه.
إذا عرفت تحقيق القول في أصل الأقوال فنقول في بيان الثمرة انه لا يخلو أما أن يكون المورد مما
يسمع فيه الاقرار والبينة كلاهما أو يسمع البينة دون الاقرار أو بالعكس أما إذا كان من القسم الأول فلا إشكال
في سماع اليمين على كل من القولين فلا ثمرة بينهما حينئذ وأما إذا كان من القسم الثاني فتسمع اليمين وإن لم
نجعلها كالبينة المطلقة لاطلاق ما دل على اعتبارها نعم لازم من قال بكونها كالاقرار عدم الحكم بالسماع حينئذ و
ان عرفت أنه لا دليل له على تقييد الاطلاقات أصلا وأما إذا كان من القسم الثالث فإن وجد له مورد نلتزم بتقييد
ما دل على اعتبارها ونحكم بعدم سماعها بخلاف القول بكونها كالاقرار لكنا لم نجد له موردا وقد ذكر جماعة
من الأصحاب له مثالا ليس بصحيح عندنا.
وتوضيح الفساد يظهر ببيان ما ذكروا له من المثال والإشارة إلى رده وهو انه لو أقر البايع في بيع -
المرابحة ان رأس المال عشرة دينار مثلا ثم ادعى بعده انه عشرين فأنكره المشتري ورد اليمين على البايع
فإن قلنا إن اليمين المردودة كالبينة فلا ترد عليه ولا تسمع منه لأنه لو أقام بينة بعد الاقرار السابق لم تسمع منه
لكونها مكذوبة باقراره فكذا ما يكون بمنزلتها وإن قلنا إنها كالاقرار من المدعى عليه فتسمع منه لعدم
تكذيب في البين هذا ملخص ما ذكروه من الثمرة في هذه الصورة بين كون اليمين كالبينة أو كالاقرار
وأنت خبير بفساد هذه الثمرة.
توضيح الفساد ان ادعائه ثانيا ان رأس المال عشرون مثلا لا يخلو إما أن يكون مقرونا بادعاء اشتباه

125
أو غلط أو نسيان أو غير ذلك أو لا يكون مقرونا بشئ منها وعلى الثاني لا يخلو أيضا إما أن يكون مقرونا بادعاء
علم المشتري أيضا بذلك أو لا يكون كذلك فإن أرادوا من عدم السماع على تقدير أن يكون كالبينة والسماع على
تقدير أن يكون كالاقرار في الصورة الأولى وهي ما إذا كانت دعواه الزيادة مقرونة بادعاء اشتباه في الحساب
ونحوه مثلا فنمنع من عدم سماع البينة في تلك الصورة لعدم كون اقراره السابق مكذبا لها كما لا يخفى وإن أرادوا
مما ذكروا في الصورة الثانية وهي ما إذا اقترنت دعواه الزيادة بادعاء علم المشتري بذلك أيضا فنمنع أيضا
عدم سماع البينة (بينته خ) لعدم رجوعه إلى التكاذب وإن أرادوا مما ذكروا من التفرقة في الصورة الثالثة و
هي ما إذا لم تقترن دعواه بشئ مما ذكر فنمنع من سماع يمينه وإن قلنا بكونها كالاقرار لرجوع الامر إلى
التكاذب إذ لا يخفى ان ادعائه الزيادة على الوجه المذكور ينافي مع اقراره السابق سواء حلف عليه أو أقام
البينة عليه.
فإن قلت أما (انا خ) إذا جعلناها كالاقرار يرتفع التكاذب من البين لأنها بمنزلة اقرار المنكر ومعلوم
انه لا تكاذب بين الاقرارين بعد الملاحظة المذكورة أصلا بخلاف ما إذا جعلناها كالبينة فإنه لا إشكال في وجود
التكاذب حينئذ.
قلت قد ذكرنا غير مرة ان مراد من يجعلها كالاقرار أو كالبينة هو ترتب أحكامهما عليها التي رتبت عليهما
مع قطع النظر عن هذين الموضوعين وأما ما رتبت عليهما بملاحظة موضوع البينة والاقرار فلا إشكال في عدم
ترتبها عليها إذ لم يقل أحد بأنها نفس البينة والاقرار وحينئذ نقول إن عدم التكاذب في صورة إقرار المنكر إنما جاء
من نفس الاقرار وخصوصيته وإلا فلا إشكال في أن ادعاء الزيادة في الصورة المفروضة بنفسه مناف للاقرار السابق
سواء انضمت إليه البينة أو اليمين والحاصل ان كل مورد لا تسمع فيه البينة لا تسمع فيه اليمين أيضا سواء
جعلت
كالاقرار أو كالبينة فتأمل حتى لا يختلط عليك الامر.
ثم إنه قد ذكر الأصحاب رضوان الله عليهم فروعا لكون اليمين كالبينة أو كالاقرار يقف عليها الناظر
إلى كتبهم وقد ذكر أكثرها الشهيد في القواعد فراجع إليه وتأمل في تماميتها فإن كثيرا منها غير تام مايزا بين
الاحكام التي تترتب على البينة والاقرار من حيث الحجية والتسبيب إلى الحق وبين ما تترتب عليهما من حيث
كونهما بينة وإقرارا فإنه قد يمنع من بعض الفروع من أجل ذلك كالاحتياج إلى حكم الحاكم إن جعلناها
كالبينة وعدم الاحتياج إليه إن جعلناها كالاقرار فإنه يمكن أن يقال إن عدم الاحتياج إلى حكم الحاكم في
الاقرار من جهة ما دل على أنه نافذ على المقر ويلزم به مطلقا فهو من أحكام نفس هذا الموضوع هذا مجمل القول
في المقام الثاني وهو حلف المدعي بعد رد اليمين عليه (إليه خ).
وأما الكلام في المقام الثالث وهو نكوله عن اليمين فقد قيل فيه أيضا انه هل هو كالاسقاط والابراء أو
كيمين المنكر من حيث وجود جهة من كل منهما فيه بحسب اللب كما في اليمين بالنسبة إلى البينة والاقرار
والحق انه لا وجه لهذا النزاع لان مجرد كونه قريبا بأحدهما بحسب اللب لا يوجب ترتب آثاره عليه أصلا بل
لا بد في ترتب كل حكم يريد ترتيبه من الرجوع إلى الأدلة ثم الحكم بما يقتضيها فالأولى صرف العنان إلى التكلم
فيما يقتضيه الأدلة من الحكم بسقوط الحق مطلقا أو في ذلك المجلس أو بعد السؤال وعدم الاعتذار بشئ أو في
صورة عدم إقامة البينة أو في صورة حكم الحاكم إلى غير ذلك من التفاصيل التي في المسألة.
وقبل التكلم فيه لا بد من تأسيس الأصل الذي هو المعول بعد العجز عن إقامة الدليل على تعيين

126
أحد الأقوال.
فنقول انه قد يقال إن مقتضى الأصل في المقام هو السقوط مطلقا عملا بالاستصحاب لان سقوط الحق
بعد النكول وقبل الرجوع إلى اليمين أو إقامة البينة كان ثابتا فالأصل بقائه بعدهما وفيه أن السقوط سابقا إنما
هو من جهة عدم الحجة وهو لا يقتضي بقائه بعدها واثباته بالاستصحاب اثبات للحكم في غير موضوعه وفي الحقيقة
ليس هذا سقوطا حقيقة وتسميته به مسامحة وبعبارة أخرى سقوط الحق كان ثابتا سابقا في حق الناكل فلا
يمكن اجرائه بالأصل في حق غيره فالأقوى بالنظر كون مقتضى الأصل بقاء الحق وعدم سقوطه مطلقا نعم لو تم
ما أدعاه جماعة من قيام الاجماع على السقوط في المجلس ولو بعد إقامة البينة لأمكن أن يقال إن مقتضى الأصل
هو السقوط مطلقا لكن سيأتي ما فيه من دعوى جماعة عدم قبوله.
إذا عرفت ما يقتضيه الأصل مع قطع النظر عن قضية الأدلة فلنرجع إلى التكلم فيها فنقول انه قد ذهب
جماعة إلى سقوط الحق مطلقا بل مقتضى المحكي عن بعض الأجلة الاجماع عليه نظرا إلى روايات ادعوا دلالتها
عليه قد عرفت جملة منها في القضاء باليمين المردودة ومنها خبر أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) إذا أقام الرجل
البينة على حقه فليس عليه يمين فإن لم يقم البينة فرد الذي ادعى عليه اليمين فإن أبى أن يحلف فلا حق له إلى
غير ذلك من الاخبار التي تدل على أنه إذا لم يحلف المدعى بعد رد اليمين إليه فلا حق له.
والجواب عن تلك الأخبار انه لا إطلاق فيها حتى يشمل صورة إقامة البينة بعد النكول وإنما المقصود
منها عدم ثبوت الحق له من حيث عدم الحجة له فلا تعرض لها لحكم صورة إقامة الحجة فهذه الأخبار نظير ما
ورد في الادعاء على الميت من أنه إذا ادعى عليه ولا بينة للمدعي فلا حق له فإنه لا يتوهم أحد انه يدل على سقوط
حقه ولو بعد إقامة البينة ففيما نحن فيه للمدعي أيضا أن يقيم البينة على حقه بعد النكول فيأخذه من المنكر
نعم قد عرفت أنه لو كان هناك اجماع على سقوط الحق ولو في المجلس كما أدعاه بعض لأمكن استصحابه فلا
يبقى مورد للحكم بالبينة لكن هذه الدعوى أيضا لم تثبت فالأقوى بالنظر إلى القاعدة هو عدم سقوط الحق فتأمل
وأما سائر التفاصيل فلا مستند لها يعتد به خصوصا التفصيل بين حكم الحاكم وعدمه لان هذا التفصيل مما
لا معنى له أصلا لان حكم الحاكم تابع لكيفية دلالة الأدلة على السقوط فإن دلت على أن النكول ميزان للقضاء
بالسقوط مطلقا فيقضى به كذلك وإن دلت على أنه ميزان له في الجملة فيقضى به كذلك.
قوله وإن نكل المنكر بمعنى انه لم يحلف ولم يرد قال الحاكم ان حلفت وإلا جعلتك ناكلا وتكرر
ذلك ثلاثا استظهارا لا فرضا فإن أصر قيل يقضى عليه بالنكول وقيل بل يرد اليمين على المدعي الخ أقول قد كثر
الخلاف والتشاجر بينهم في تلك المسألة فذهب الصدوقان والشيخان واتباعهم بل أكثر القدماء على ما حكي
عنهم الأستاذ دام ظله العالي إلى القضاء بمجرد النكول وذهب جماعة منهم الشيخ والقاضي وابنا حمزة وإدريس
على ما حكي عنهم إلى عدم القضاء به بل يحكم بعد رد اليمين على المدعي وحلفه وهو المشهور بينهم
حسبما ذكره الأستاذ العلامة بل عن محكي الخلاف والغنية الاجماع عليه وكيف كان فالأقوال من الطرفين
في غاية الكثرة.
فبالحري قبل الخوض في المسألة أن نؤسس الأصل الذي عليه المعول بعد عدم تمامية ما أقاموا من الأدلة
فنقول ان الأصل مع من ذهب إلى عدم القضاء بمجرد النكول لان الأصل عدم جواز القضاء بمجرده لأنه قد
عرفت أنه خلاف الأصل وأيضا الأصل عدم تأثيره وترتب الأثر عليه لأنك قد عرفت أن للقضاء حكما من حيث

127
الوضع غير ما ثبت له من الحكم التكليفي فالأصل عدم كل منهما في صورة الشك فثبت ان مقتضى الأصل بالنسبة
إلى الحكم التكليفي والوضعي مع من ذهب إلى عدم القضاء بمجرد النكول هذا وقد يعارض هذا الأصل بكلا
المعنيين (معنييه خ) بالأصل في القضاء بالرد بعد نكول المنكر وحلف المدعي فإنه كما أن الأصل عدم جواز القضاء
بالنكول وعدم تأثيره كذلك الأصل عدم جواز القضاء بالحلف بعد الرد وعدم تأثيره ولكنك خبير بفساد هذه
المعارضة وكونها مجرد المغالطة لان القضاء في صورة الرد بعد الحلف يقيني فلا أصل هنا حتى يقتضي نفيه.
لا يقال من أين علم القضاء بالرد والحلف مع أن القائل بالقضاء بمجرد النكول ينكره فإن ما ثبت هناك
تسليمه بين الفريقين هو القضاء بالرد والحلف إذا جاء الرد من قبل المنكر وأما إذا جاء من قبل الحاكم فلا
نسلم كون القضاء به يقينيا.
لأنا نقول لسنا ندعي تيقن القضاء من جهة خصوص الرد والحلف حتى تورد علينا بما ذكرت من
ذهاب القائلين بالقضاء بالنكول إلى نفيه بل ندعي ان القضاء في صورة النكول والرد يقيني وليس علينا تعيين
جهته
حتى تقول انها غير مسلمة بين الفريقين وليس هذا الذي ذكرنا مختصا بما نحن فيه بل يجري في جميع صور
الشك بين الزائد والناقص في أبواب العبادات والمعاملات فإنه في صورة الاختلاف في شرطية شئ للمعاملة نقول إن
مقتضى الأصل الأولي فساد هذه المعاملة بدون هذا الشرط المختلف فيه لان القدر المتيقن من صحتها
هي صورة اشتمالها على الشرط وإن لم يعلم أن صحتها من جهة وجود هذا الشرط فلا يقال إن القائل بعدم
شرطيته ينكر الصحة من جهة هذا الشرط فلا نعلم كون الصحة في صورة وجوده يقينية فيندفع بالأصل وهكذا
الامر في العبادات أيضا فانا لو شككنا في شرطية شئ للعبادة كالاستطاعة للحج مثلا فنقول ان وجوبه في صورة
وجود الاستطاعة يقيني وفي صورة عدمه مشكوك فيندفع بالأصل ولا يعارض هذا بأن الوجوب من جهة الاستطاعة
لم نعلم كونه ثابتا فيندفع بالأصل أيضا والسر في ذلك كله ان المتمسك بالأصل العملي لا يريد به تعيين الجهة
لعدم اقتضاء الأصول العملية إلا اثبات مجرد الحكم وأما تعيين جهة الثبوت فلا فلا معنى لمعارضته حينئذ بتردد الجهة
بين الامرين هذا.
ثم إن هناك أصلين آخرين يتمسك بهما للقولين أحدهما أصالة براءة ذمة المدعي من الحلف للقول
بالقضاء بمجرد النكول ثانيهما براءة ذمة المنكر من الحق بمجرد النكول للقول بعدم القضاء به وأنت خبير
بفساد كلا الأصلين وعدم تمامية كلا الطريقين أما الأول فيرد عليه أولا بعدم جريان الأصل المذكور في المقام
لان الوجوب المشكوك فيه ليس وجوبا نفسيا يعاقب على مخالفته حتى يجري أدلة البراءة بل إنما هو وجوب
ارشادي شرطي لا يترتب على مخالفته إلا عدم ثبوت الحق فلا مسرح لأدلة البراءة في المقام أصلا كما لا يخفى
وثانيا بعدم جدوى للأصل المذكور بعد تسليم جريانه لاثبات القضاء بالنكول حسبما هو المأمول والمقصود
إلا أن يتمسك فيه بعدم القول بالفصل وأما الثاني فيرد عليه بأنه إن أريد من براءة ذمة المنكر من الحق الحق -
الواقعي ففيه أنها تابعة للواقع ولا دخل للنكول وعدمه بل وحكم الحاكم وعدمه فيها أصلا فإن كان في الواقع
وفي علمه برئ الذمة من الحق كان بريئا سواء حكم الحاكم على براءة ذمته أو اشتغالها وإن كان في الواقع
مشغول الذمة بالحق يجب عليه التخلص عن الحق سواء حكم الحاكم على براءة ذمته أو اشتغالها وإن أريد
البراءة من الحق ظاهرا ففيه انها تابعة لحكم الحاكم ومسببة عنه فلا بد من أن يجري الأصل بالنسبة إليه حسبما
عرفت منا فتبين من جميع ما ذكرنا أن الأصل الذي ينبغي أن يعول عليه ويتمسك به بعد عدم تمامية الأدلة

128
من الطرفين هو ما ذكرنا.
فلنرجع إلى تحقيق القول في أصل المسألة ونقول ان الحق هو جواز القضاء بالنكول لما ستعرف
مما يدل عليه فلنتعرض أولا لذكر أدلة الخصم والجواب عنها ثم نعقبه بأدلة المختار فنقول قد تمسك للقول بعدم
جواز القضاء بالنكول بالأصل المزبور والأخبار الدالة بعمومها على حصر ميزان القضاء بما يكون النكول خارجا
عنه (عنها خ) كقوله (صلى الله عليه وآله) انما اقضي بينكم بالبينات والايمان وقوله استخراج الحقوق بأربعة وأحكام المسلمين على
ثلاثة بينة عادلة ويمين قاطعة وسنة جارية من أئمة الهدى والبينة على المدعي واليمين على من أنكر إلى غير
ذلك من العمومات الدالة بعمومها على نفي القضاء بالنكول مضافا إلى اعتضادها بذهاب المشهور بل نقل الاجماع
في المسألة حسبما حكى عن جماعة هذا وقد يتمسك له أيضا بخصوص ما ورد من بعض الأخبار مثل رواية
عبد الله بن زرارة عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يدعى عليه الحق ولا بينة للمدعي قال يستحلف أو يرد اليمين على
صاحب الحق فإن لم يفعل فلا حق له وحسنة هشام عن الصادق (عليه السلام) قال يرد اليمين على المدعي وهو عام وقد
يتمسك بوجوه آخر ضعيفة لا جدوى في ذكرها والجواب عنها وأقوى ما تمسكوا به هو ما ذكرنا.
ولكنك خبير بتطرق المناقشة في كلها أما الأصل فإنه وإن كان مقتضاه ما ذكر إلا أنه لا معارضة بينه
وبين أدلة المختار كما لا يخفى وأما الجواب عن الأخبار العامة مضافا إلى ما يرد على كثير منها من أنه وارد
في مقام بيان وظيفة الحكم في أول الأمر ولا تعرض لها لثاني الحال فبأنها عمومات قابلة للتخصيص بما نذكره
مما يدل على القضاء بالنكول فلا بد من تخصيصها به كما خصصت بغيره وأما الجواب عما استدل به أخيرا من -
الخبرين أما عن الأول مضافا إلى ما أوردوا عليه من عدم صحة سنده من جهة قسم بن سليمان فبأن الاستدلال
به مبني على قراءة يرد مبنيا للمفعول حتى يكون الراد هو الحاكم فيدل على عدم جواز القضاء بدون الرد على -
المدعي فيثبت عدم القضاء بمجرد النكول وأما على قراءة يرد مبنيا للفاعل فلا دلالة له على المدعي أصلا إن لم
يدل على خلافه إذ المراد منه حينئذ ان وظيفة المدعى عليه وما يكون له بعد عدم وظيفة المدعي أحد شيئين إما
الحلف أورده على المدعي ضرورة ان المراد من الاستحلاف في المقام ليس هو مجرد الطلب وإن لم يحلف -
المدعى عليه بل المراد هو الطلب الذي يعقبه المطلوب فمعنى الحديث والله أعلم انه يستحلف المدعى عليه
فيحلف أو يرد اليمين على صاحب الحق ومعلوم انه على هذا المعنى لا دلالة له على المدعى أصلا فإذا تردد الامر
في الرواية بين وجهين تدل على أحدهما على المطلوب ولا تدل على الآخر عليه فنقول أولا ان قراءة يرد مبنيا
للفاعل أقرب وأظهر من وجهين أحدهما وحدة مرجع الضمير في يستحلف ويرد لان عوده إلى ما هو المرجع
في يستحلف أولى من عوده إلى غيره لكونه أقرب إليه ثانيهما قضاء السياق فإنه في مقام بيان وظيفة المدعى عليه
بعد فقدان ما هو الوظيفة للمدعي وثانيا سلمنا عدم كون إحدى القرائتين أرجح من الأخرى لكن نقول إنه إذا
تردد الامر بينهما يسقط الرواية عن صلاحيتها للاستدلال لصيرورتها مجملة هذا.
وقد يجعل الرواية دليلا على القضاء بالنكول بناء على قراءة يرد مبنيا للفاعل بجعل المرجع في -
الفعل المنفي في ذيل الرواية هو المنكر فيصير المعنى حينئذ انه لا بد للمنكر من الالتزام بأحد شيئين إما الحلف
أورد اليمين على المدعي وإن لم يرد فلا حق له فيلزم بأداء الحق وهو معنى القضاء بالنكول وأنت خبير بفساد
هذا الكلام لان جعل المرجع في الفعل المنفي هو صاحب الحق أولى لأنه أقرب إليه من المنكر هذا مضافا إلى
الاحتياج بارتكاب تجشم في قوله فلاحق له على تقدير عدم عود الضمير إلى المدعي هذا كله بالنظر إلى الخبر

129
الأول وأما عن الثاني فبما ذكرنا في الجواب الثاني عن الأول من كونه مرددا بين ما يدل على المدعى وبين مالا
يدل عليه فيكون مجملا ساقطا عن درجة الاستدلال والاعتبار وأما الاستدلال بالاجماع المنقول في المقام كما
وقع عن سيد مشايخنا فلا مسرح له أصلا بعد ذهاب جماعة من الاجلاء بل أكثر القدماء على خلافه هذا مجمل
القول فيما استدلوا به على عدم الجواز.
وأما ما استدلوا به على الجواز وهو المختار فهو الأخبار الواردة في الباب من الأئمة الأطهار عليهم -
السلام عموما وخصوصا وهي كثيرة بل حكى شيخنا الأستاذ العلامة عن بعض الاعلام في تعليقته على التهذيب ان
جواز القضاء بالنكول مقتضى أكثر الأقوال وأكثر الاخبار.
منها قوله البينة على المدعي واليمين على من أنكر أو البينة على من ادعى واليمين على من ادعى عليه وجه
الدلالة انك قد عرفت سابقا ان مقتضى كل من القضيتين حصر مبتدأها في خبرها وبالعكس فيصير المعنى انه لا بينة
إلا على المدعي ولا مدعى إلا عليه البينة ولا يمين إلا على من أنكر ولا منكر إلا عليه اليمين فيدل كل من القضيتين
بمقتضى الحصر على جواز القضاء بالنكول لأنه لو لم يقض به لوجب رد اليمين على المدعي وهو مكذب لعكس القضية
الأولى وهو قوله لا مدعي إلا عليه البينة وأصل القضية الثانية وهو قوله ولا يمين إلى علي من أنكر فيصير قضية كل
من القضيتين هو جواز القضاء بالنكول هذا.
وقد يجاب عن الاستدلال به بالمعارضة بيانها انه كما ينفى عكس القضية الأولى القضاء باليمين
المردودة كذلك ينفى القضاء بالنكول أيضا لأنه غير البينة فلا يثبت حق المدعي به بل قد قيل إن دلالة القضيتين
على عدم جواز القضاء بالنكول أقوى وأتم من دلالتهما على جواز القضاء به ولهذا استدل جماعة بالرواية على عدم
جواز القضاء بالنكول.
بيان ذلك أن الرواية بمقتضى الحصر المفروض دلالتها عليه تنفى القضاء بغير البينة للمدعي وبغير
اليمين للمنكر فمقتضاها عدم جواز القضاء في صورة اليمين المردودة مطلقا وفي صورة النكول وغيرهما خرج
منه القضاء باليمين المردودة من المنكر بالاجماع والاخبار والقضاء في صورة اليمين المردودة من الحاكم
بعد عدم حلف المنكر وامتناعه من الرد مطلقا (أيضا خ) لان القضاء فيها أيضا يقيني وإن تردد في كونه من جهة
النكول أو اليمين فيبقى صورة مجرد النكول من غير رد مشكوكة فيتمسك بالحصر المستفاد من الرواية على عدم
خروجها فلا يجوز القضاء فيها هذا.
وقد يجاب عن الأتمية والمعارضة أما عن الأولى فبأن القضاء في صورة الرد بعد النكول وإن كان
يقينيا إلا أنه لا ينفع في إثبات القضاء باليمين المردودة وعدم جواز القضاء بالنكول لكون نسبته إلى كل منهما
على السواء ولا أولوية لاستناده إلى أحدهما ونفيه عن الآخر هذا مجمل ما يقال في الجواب وأنت تقدر على الجواب
عنه بما عرفته في تأسيس الأصل فراجع وتأمل وأما عن الثانية فبما عرفته في بعض كلماتنا السابقة من أن -
الرواية في مقام حصر ما يلزم به المدعي في اثبات الحق وحصر ما يلزم به المنكر في التخلص عن الدعوى من جهة
لفظة على وأما النكول فليس مما يلزم به المدعي حتى ينفيه قوله لا مدعي إلا عليه البينة بل هو شئ يحكم
به الحاكم من غير أن يكون له مدخل فيه أصلا بل إلزام المدعي بالنسبة إليه غير معقول وأنت خبير بفساد
هذا الجواب أيضا لأنك قد عرفت أن المراد من الالزام في المقام ليس هو الالزام النفسي بل الالزام الشرطي -
الارشادي وهو كاشف عن ارتباط بين المقصود والملزم به فوجه إلزام المدعي بالبينة وعدم إلزامه بغيرها هو عدم

130
كون غيرها مثبتا لحق المدعي وهكذا الامر بالنسبة إلى اليمين في طرف المنكر فيصير المعنى انه لا يثبت حق
المدعي إلا بالبينة ومعلوم ان الثبوت بالنكول ثبوت بغير البينة.
فالأولى في الجواب أن يقال بعد تسليم كون القضاء بالنكول موجبا لرفع اليد عن حصر قضية البينة
على المدعي وكون القضاء في صورة الرد متيقنا أما أولا فبأنه على تقدير عدم القضاء به ورد اليمين على المدعي
يلزم رفع اليد عن حصر كلتا القضيتين بخلاف تقدير القضاء به فإنه لا يوجب تصرفا إلا في ظاهر عكس القضية -
الأولى ولا إشكال في أنه إذا دار الامر بين رفع اليد عن ظاهر أو عن ظاهرين يكون الالتزام بالأول أولى كما
لا يخفى وأما ثانيا فبأنه على تقدير رد اليمين أيضا يلزم منه القاء الحصر بالنسبة إلى عكس القضية الثانية لان
مقتضى قولنا لا منكر إلا عليه اليمين انحصار رفع الخصومة عنه باليمين والمفروض انه إذا رد اليمين على المدعي
وأبى من الحلف يحكم عليه بسقوط حقه على ما هو المعروف بينهم فيوجب ارتكاب خلاف ظاهر في عكس
القضية مضافا إلى ما يلزم في أصله على تقدير الحلف ومنها قوله إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان بناء على
أن يكون المراد من الايمان هو خصوص يمين المنكر ووجه دلالته على المدعي مثل ما عرفته في الخبر السابق
وما ذكر فيه من الرد والجواب يأتي فيه أيضا.
ولكن قد أجاب شيخنا الأستاذ عنهما بأنهما واردان في مقام حصر وظيفة المدعي والمنكر في ابتداء
الامر ولا تعرض لهما لحكم ثاني الحال وثالثها أصلا ولكنك خبير بتطرق المنع إلى هذا الادعاء وكونهما واردين
في مقام حصر الوظيفة مطلقا.
ومنها موثقة عبد الرحمن التي رواها المحدثون الثلاثة قال قلت للشيخ يعني موسى بن جعفر (عليه السلام)
أخبرني عن الرجل يدعي قبل الرجل الحق فلا يكون له البينة بماله قال فيمين المدعى عليه فإن حلف فلا حق له و
إن لم يحلف فعليه كما في الكافي والتهذيب وأبدل في الفقيه قوله وإن لم يحلف الخ بقوله وإن رد اليمين على المدعي
فلم يحلف فلا حق له فإن كان المطلوب بالحق قد مات وأقيمت (وجب خ) عليه البينة إلى أن قال وإن ادعى ولا
بينة
فلا حق له لان المدعى عليه ليس بحي ولو كان حيا لألزم باليمين أو الحق أو برد اليمين عليه فمن ثم لم يثبت له عليه حق
الحديث ولا يضر وجود ياسين الضرير في سنده لكونه متلقيا بالقبول عند الأصحاب به يستدلون على جملة
من الفروع مضافا إلى أن الرواية حسبما يظهر من التهذيب والكافي حسبما حكاه الأستاذ دام ظله قد أخذت
من كتاب أحمد بن محمد بن عيسى الذي قد أخرج جماعة من الرواة عن ألقم منهم البرقي من جهة روايتهم
عن الضعفاء والمراسيل وكيف كان لا شبهة في كون الرواية معتبرة عندهم معمولا بها لديهم ولا يضر حينئذ عدم
كونها صحيحة باصطلاح المتأخرين لما قد حققنا في الأصول من أن المعتبر في سند الروايات هو الوثوق والاطمينان
من أي شئ حصل.
ثم إن دلالة الرواية على المدعى حسبما عن الكافي والتهذيب من وجهين صدرا وذيلا أما دلالتها
عليه صدرا فمن حيث إنه رتب فيه على عدم حلف المنكر إلزامه بالحق وهو وإن كان مطلقا إلا أنا نقيده بالاجماع
على عدم جواز الالزام بالحق بمجرد عدم الحلف بعدم الرد فيثبت المطلوب وهو القضاء بالنكول وأما
دلالتها عليه ذيلا فمن حيث إنه رتب الإمام عليه السلام على عدم البينة للمدعي مع حياة المدعى عليه أحد أمور
ثلاثة إما إلزامه باليمين أو الحق أورد اليمين على المدعي فإذا انتفى اليمين والرد فيلزم بالحق وهو معنى القضاء
بالنكول هذا.

131
وقد أورد على الاستدلال بكل من صدر الرواية وذيلها بوجهين أما ما أورد من الوجهين على الاستدلال
بصدرها فأولهما ما ذكره جماعة من أنه إذا كان ظاهر الرواية خلاف الاجماع فمن أين المعين لتقدير عدم الرد
فليقدر حلف المدعي حتى يصير دليلا للقائل بعدم القضاء بالنكول غاية الأمر تردد الامر بينهما من غير ترجيح
فيسقط الاستدلال بالرواية لصيرورتها مجملة وثانيهما ما ذكره بعض من معارضته بما رواه الفقيه فيسقط عن
درجة الاعتبار.
وأنت خبير بعدم ورود شئ من الايرادين عليه أما عدم ورود الأول فبما قد يقال من أن تقدير عدم
الرد لازم على كل تقدير إذ على القول بالقضاء بيمين المدعي أيضا لا بد من امتناع المنكر من الحلف والرد ولا
يكفي الامتناع من الأول إجماعا فيبقى تقدير الحلف مشكوكا والأصل عدمه وبعبارة أخرى الامر في المقام
دائر بين الأقل والأكثر فالأخذ بالأقل يقيني ويدفع الأكثر بالأصل لكن فيه ما لا يخفى.
فالأولى في الجواب أن يقال إن مقتضى إطلاق قوله وإن لم يحلف فعليه انه بمجرد عدم الحلف يلزم
بالحق والقدر المتيقن من تقييده والمسلم منه صورة عدم الرد فيقتصر عليه ولا يرفع اليد عن ظاهره بمجرد
احتمال تقييد آخر فيحكم حينئذ على عدم مدخلية المدعي أصلا فيلزم بالحق بمجرد الامتناع من الحلف
والرد وهذا هو معنى القضاء بالنكول.
وأما عدم ورود الثاني فبأن المراد من المعارضة إن كان ان كلا مما ذكره في الفقيه والتهذيب والكافي
رواية مستقلة بأن لم يطلع الشيخان بما رواه الشيخ في الفقيه وكذا العكس فيكون كلا منهما رواية بنفسها
فيتعارضان ففيه انه لا تعارض بينهما أصلا لان في إحديهما تعرض لحكم صورة عدم حلف المدعى عليه ورده اليمين
على المدعي وفى الأخرى تعرض لحكم صورة عدم حلفه فقط فيعمل بكل منهما لعدم التنافي بينهما أصلا وإن
كان المراد منها وقوع الاختلاف في متن الرواية مع كونها واحدة فيرجح حينئذ ما رواه الشيخان في الكافي والتهذيب
لكونه أرجح كما لا يخفى ولا دليل على الجمع بينهما لا كما جمع بينهما شيخنا الأستاذ أعلى الله مقامه في الجواهر
ولا كما جمع بينهما في الوسائل من تقديم قوله وإن رد اليمين وتأخير فإن حلف وإن كان الجمع الأول أصح
وبالجملة هذا الاختلاف الذي وقع في الرواية لا يضر ما نحن بصدده من الاستدلال بها على جواز القضاء بالنكول
أصلا كما لا يخفى.
وأما ما أورد من الوجهين على الاستدلال بذيلها فأولهما ما أورده بعض سادة الفحول من أن الاستدلال
بذيل الرواية إنما يتم على تقدير قراءة يرد مبنيا للفاعل وأما على تقدير قرائته مبنيا للمفعول كما هو مقتضى
بعض النسخ الصحيحة فلا دلالة له على المدعى أصلا كما لا يخفى وثانيهما ما حكاه الأستاذ العلامة عن بعض الأجلة
من أن التمسك به إنما يستقيم على تقدير أن يكون المراد من الالزام بالحق هو القضاء بالنكول لم لا يكون -
المراد منه هو إلزامه به بمقتضى (عقيب خ) اقراره والتزامه بالحق فإذا تردد الامر بينهما فتسقط الرواية عن قابلية
التمسك بذيلها وأنت خبير بعدم ورود شئ من هذين الايرادين أيضا أما الأول فلان تقابل الثلاثة يمنع من
كون المراد من الرد هو رد الحاكم على ما هو مقتضى قراءة يرد مبنيا للمفعول لأنه يصير حينئذ المراد من الالزام
بالحق هو الالزام به بعد رد اليمين إلى المدعي وحلفه فيخرج عن تقابله مع رد اليمين ويصير مورده منحصرا
بصورة الرد وهذا كما ترى مخالف لظاهر الرواية في التقابل وكون مورد الالتزام بالحق غير مورد كل من الحلف
والرد مضافا إلى كونه في مقام بيان ما يتوجه على المنكر وما يكون وظيفة له لو كان حيا وهذه قرينة أخرى

132
لقراءة يرد مبنيا للفاعل حتى يرجع ضميره إلى المنكر وأما الثاني فلانه خلاف ظاهر الرواية لان ظاهرها إلزام
المنكر بالحق من حيث كونه منكرا وناكلا والمقر بإقراره يخرج عن موضوع المنكر ويرتفع الخصومة بنفسه
مضافا إلى كونه مخالفا لظاهر الفقرة الأخيرة من الرواية وهي قوله فمن ثم لم يثبت له عليه حق فإن المثبت
لا يطلق على الاقرار فتأمل.
وقد ذكر الأستاذ العلامة دام ظله صحة الاستدلال بذيل الرواية على تقدير أن يكون المراد
من الالزام هو الالزام بمقتضى اقراره فتأمل فيه لعلك تجده حقيقا بالقبول هذا لكن يمكن أن يورد عليه بأن
دلالته على المدعى انما يتم على تقدير أن يكون في مقام البيان والاطلاق بمعنى أن يكون المراد منه انه بمجرد
عدم حلفه ورده يلزم بالحق فتدل على القضاء بالنكول وأما إذا كان في مقام الاهمال والاجمال بمعنى أن يكون
المراد منه انه بعد عدم حلفه ورده يلزم بالحق في الجملة وهذا لا ينافي القول بإلزامه بالحق بعد رد اليمين إلى
المدعي لأنه أيضا إلزام بالحق في الجملة والمفروض انه لا إطلاق له حتى يكون هذا موجبا لتقييده فيدفع
بالأصل وأنت خبير بكون هذا أيضا مخالفا لظاهر الرواية فسلمت الرواية بحمد الله عن جميع الايرادات والمناقشات
فلا بد من التمسك بها في اثبات المدعى.
ومنها صحيحة محمد بن مسلم سئل الصادق (عليه السلام) عن الأخرس كيف يحلف قال إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كتب
له اليمين وغسلها وأمره بشربها فامتنع فألزمه بالدين وجه الدلالة ان ظاهره عدم رد اليمين وإلا لنقل وإلا لزم
تأخير البيان عن وقت الخطاب بل الحاجة فاندفع به ما يقال إنه نقل فعل فلا اطلاق في قوله فامتنع حتى ينفى
به تقييده برد اليمين على المدعي مضافا إلى أن قوله فامتنع فألزمه يدل على تعقب الالزام للامتناع بغير مهلة
لمكان الفاء هذا.
وقد أجيب عن الاستدلال بها على المدعى بوجوه كلها ضعيفة أحدها انها قضية في واقعة لا عموم
فيها حتى يصير مدركا للقاعدة وفيه أن من المعلوم لكل مبتدء في الأصول فضلا عن المنتهى فيه فساد هذا الكلام
لان ما فرع سمع المجيب من أن قضايا الأفعال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الاجمال ولا عموم فيها
حتى يمكن بها الاستدلال إنما هو فيما إذا لم تكن مسبوقة بالسؤال وواقعة في مقام الجواب وأما إذا كانت
واردة في مقام الجواب عن السؤال كما فيما نحن فيه فتنزل منزلة العموم في المقال بلا ارتياب فيه ولا إشكال
ثانيها ما يستفاد من كلمات بعض مشايخنا أيضا من أن الحاجة التي دعت إلى السؤال إنما هي تعلم كيفية حلف
الأخرس لا كيفية الحكم في الدعوى مطلقا حتى يقال إنه لو توقف إلزام المنكر بالحق بعد امتناعه على يمين
المدعي فلا بد من إيرادها فعدمه يدل على عدم توقف القضاء عليه وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهذا
الجواب وإن لم يكن بمكان الوهن كسابقه إلا أن من تأمل في الرواية يقطع بأن المقصود هو تعلم حكم ما
إذا كان المنكر أخرسا في كل من تقديري الحلف وعدمه ثالثها ما سمعته في موثقة عبد الرحمن من أن الحكم
بمجرد الامتناع خلاف الاجماع فلا بد إما من تقدير عدم الرد أو حلف المدعي ولا مرجح لاحد التقديرين
على الآخر.
والجواب عنه ما عرفته في التفصي عما أورد على الموثقة وحاصله انا نقول إن مقتضى اطلاق الصحيحة كون
مجرد الامتناع علة تامة للحكم بالحق والقدر المتيقن تقييده بصورة عدم الرد لان التقييد بها لازم على كل من
القولين ويبقى اطلاقه بالنسبة إلى حلف المدعي سليما عن القيد فيؤخذ به هذا.

133
ولكن يمكن الخدشة في هذا الجواب بأنه ليس هنا لفظ يفيد العموم أو الاطلاق حتى يجري بالنسبة
إليه ما ذكر وإنما الموجود في المقام نقل فعل ينزل منزلة اللفظ المطلق من حيث وقوعه مقام الجواب وأنه
لو كان هناك شئ آخر لأورده الإمام (عليه السلام) وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة فإذا فرض عدم صحة الحكم
بمجرد الامتناع حسبما هو قضية الاجماع المسلم تحققه فلا بد إما من الحكم بعدم كون الحاجة إلا تعليم كيفية
حلف الأخرس فقط حتى يكون القضية بالنسبة إلى امتناعه عن الحلف مهملة أو بتعليم الإمام (عليه السلام) ما يتوقف
عليه القضاء بعد الامتناع من الخارج لو كان كل من التقديرين موردا للحاجة حتى لا يلزم تأخير البيان عن وقت
الحاجة ولا معين لكون ما علمه خصوص الرد أو هو مع حلف المدعي فيكون الرواية حينئذ غير وافية للدلالة على
المدعى كما لا يخفى.
فتحصل مما ذكرنا أن الأولى الايراد على الاستدلال بالصحيحة بعد قيام الاجماع على عدم جواز
القضاء بمجرد الامتناع بما قد عرفته من عدم وجود اطلاق لفظي في المقام حتى يتمسك به في دفع الزايد
وإنما الموجود فيه نقل فعل ينزل منزلة الاطلاق من حيث اقتضاء الحكمة فإذا فرض قيام الاجماع على
عدم جواز القضاء بما نقله الإمام عليه السلام فلا بد من التزام أحد شيئين لا دلالة بشئ منهما على
المدعي أصلا كما لا يخفى هذا ما خطر ببالي الفاتر ونظري القاصر وأنت بعد التأمل تجده حقيقا بالقبول
إن شاء الله هذا.
ولكن قد أجاب بعض أفاضل المتأخرين على ما حكي عنه عما أوردوا على الرواية والموثقة المتقدمة
من لزوم التقدير وعدم تعيين المقدر بانا لا نحتاج إلى التقدير أصلا بل نعمل بمقتضى ظاهر الروايتين من كون
الامتناع عن الحلف سببا لالزام المنكر بالحق ولا نسلم قيام الاجماع على اعتبار شئ آخر حتى يقال إنه لا
يعلم أنه عدم الرد أو الحلف لان غاية ما انعقد عليه الاجماع كون رد اليمين من المنكر مانعا من إلزامه بالحق
بمجرد عدم حلفه فإذا لم يتحقق المانع فيؤخذ بالمقتضي وهذا هو القدر الخارج من الروايتين بالاجماع ولا
قاضي لتقدير أمر آخر حتى يشكل الامر لأن عدم الرد حينئذ لا ينفك عن الامتناع المجامع لانتفاء رد اليمين من المنكر
هذا ملخص ما حكي عنه فإن رجع إلى ما ذكرنا من حديث الاطلاق والتقييد فهو وإن لم يرجع إليه حسبما
هو ظاهر كلامه فلا معنى له ويظهر وجهه بالتأمل فتأمل.
وقد سمعت من الأستاذ إفادته كلاما لا يخلو ايراده عن فائدة وهو أنه قال إنه يمكن تقييد -
الاطلاقات المذكورة على تقدير تسليمها بما دل على القضاء باليمين المردودة من المنكر بأن يقال إن المستفاد
منه هو انه لا من رد اليمين إلى المدعي على تقدير عدم حلف المنكر ولا خصوصية لرد المنكر بنفسه وأنت
خبير بتطرق المنع إلى هذه الاستفادة فتدبر.
ثم إن هنا أمرين ينبغي التنبيه عليهما أحدهما انه ذكر جمع ممن مال إلى القضاء بالنكول منهم -
الشهيد الثاني رحمه الله أن الأحوط والأولى رد اليمين إلى المدعي خروجا عن شبهة من خالف وأنت خبير بأن هذا
الكلام إنما يصح فيما إذا علم الحاكم بحلف المدعي بعد الرد وإلا فلا احتياط في الرد لتعارضه مع احتمال نكول
المدعي فيلزم الحكم عليه ثانيهما ان ما ذكر هنا من أنه يحكم بنكول المنكر بعد امتناعه عن الحلف والرد
أو ترد اليمين إلى المدعي ثم يحكم بعد حلفه وما ذكرنا سابقا في مسألة تخيير المنكر بين الحلف والرد إنما هو
إذا تمكن من رد اليمين إلى المدعي وأما إذا لم يتمكن من ذلك وضابطه أن لا يجوز للمدعي الحلف كما في

134
دعوى التهمة والدعوى الغير الجزمية بناء على سماعها ودعوى الوصي لليتيم مالا على آخر بل مطلق الولي له إلى
غير ذلك من الموارد التي لا يتوجه فيها على المدعي اليمين فهل يلزم المنكر بالحلف وإلا فيلزم بالحق قضاء
بالنكول حسبما هو المختار عند القائلين به أو يحبس حتى يقر أو يحلف كما هو المحكي عن جماعة أيضا أو تقف
الدعوى بعد نكوله عن الحلف وجوه بل وأقوال حسبما يظهر من بعضهم أقواها الأول لما قد عرفت من جواز
القضاء بالنكول بل لا حاجة في المقام إلى تقييد في اطلاق ما دل على القضاء بالنكول بالامتناع عن الرد كما
لا يخفى هذا.
ولكن ذكر شيخنا الأستاذ العلامة دام إفادته انه يمكن القول فيما نحن فيه بالقضاء بالنكول وإن لم
نقل به في صورة التمكن من الرد. واستدل له بوجوه أحدها انه لو لم نقل به لزم القول بعدم سماع الدعوى
في المقام وهو باطل بالاجماع بيان الملازمة ان سماع الدعوى إنما هو فيما إذا أمكن إلزام المنكر بالحلف أو بغيره
فلو قلنا بإيقاف الدعوى بعد نكوله عن اليمين فلا معنى لسماع الدعوى إذ لا يترتب عليه إلزام أصلا.
وفيه أولا انا نمنع الملازمة المذكورة إذ لا دليل على كون سماع الدعوى منحصرا فيما إذا توجه
هناك إلزام على المنكر بل احتمال الحلف أو الاقرار كاف عندهم في سماع الدعوى وإن كان عند الأستاذ العلامة
محل نظر لكنه بعد مصيرهم إلى ذلك لا يمكن دعوى الاجماع المذكور في كلام الأستاذ كما لا يخفى وثانيا انا
نقول إنه لا إلزام بالنسبة إلى المنكر في صورة سماع الدعوى في مورد من الموارد عند القائلين بعدم القضاء بالنكول
حسبما هو مقتضى ميل الأستاذ وعليه أكثر من تأخر لأنه لا إلزام عندهم بالنسبة إلى المنكر لأنه إما يحلف
وإلا لرد الحاكم اليمين على المدعي فإن حلف فهو وإلا سقطت دعواه ومعلوم ان هذا ليس بالزام المنكر في شئ
وثالثا ان ما ذكره على فرض تسليمه إنما يصح ردا على القائل بالايقاف لا القائل بالحبس كما لا يخفى فلا يثبت
خصوص القضاء بالنكول ثانيها ان مقتضى العمومات حصر تخلص المنكر باليمين وإلا فيلزم بالحق غاية ما
ثبت من الدليل الخارجي انه لو رد المنكر أو الحاكم اليمين إلى المدعي فلا يلزم بالحق بمجرد الامتناع وليس
مقتضى هذا الدليل كون الرد مسقطا مطلقا وإنما هو فيما إذا جاز للمدعي الحلف لان ظاهر قوله (عليه السلام) بل صريحه
في الاخبار يرد اليمين إلى المدعي فإن أبى كما في جملة من الروايات أو امتنع كما في بعضها الأخر وكذلك قوله
فإن ذلك واجب على صاحب الحق أن يحلف ويأخذ ماله إلى غير ذلك أن الرد المسقط مختص بصورة جواز الحلف
للمدعي ففيما لا يجوز الحلف على المدعي لا دليل على رفع اليد عن ظهور العمومات.
وفيه أولا ان هذا مخالف لما ذكره دام ظله سابقا من عدم دلالة العمومات على حصر تخلص المنكر
باليمين بل دلالتها على سماعها من المنكر إنما هي من باب التخفيف فتأمل (1) وثانيا ان دلالة العمومات على الحصر
المذكور على فرض تسليمها معارضة بدلالتها أيضا على حصر اخراج حق المدعي بالبينة وعدم ثبوته بغيرها
والقول باختصاصها بأول الامر وابتداء الحال مع إمكان المعارضة باليمين أيضا فتأمل قد عرفت فساده منا سابقا وان
ذكره الأستاذ دام ظله العالي وثالثا انا نمنع من اختصاص جميع تلك الأخبار بصورة جواز الحلف له لان قوله في كثير
منها فإن لم يحلف مطلق ولا منافاة له مع الباقي حتى يلتزم بالحمل هذا وإن كان ذكره بعض مشايخنا طيب الله
رمسه إلا أن للنظر فيه مجالا لان ما ذكره من الاخبار وإن كان ظاهرا في بادي النظر فيما ذكره إلا أن مقتضى
التأمل فيها عدم ظهورها فيما ذكره واختصاصها بصورة التمكن من الرد كما لا يخفى لمن أعطى حق النظر فيها



(1) وجه التأمل انه يمكن أن يقال إن ما ذكره سابقا من عدم الدلالة على الحصر إنما هو بالنسبة إلى سماع البينة منه لا مطلقا (منه قدس سره)
135
ثالثها ما مر سابقا من الاخبار الظاهرة في جواز القضاء بالنكول وإنما لم نحكم بمقتضاها في صورة التمكن من -
الرد لمعارضتها بما دل على عدم جواز القضاء به مما مر وأما في المقام فهي سليمة عن المعارض لاختصاصه حسبما
عرفت بصورة التمكن من الرد.
وفيه أنه لو سلم دلالة الاخبار فلاوجه للمعارضة بما مر من الأدلة لأنها كما عرفت عمومات لا بد من
تخصيصها بما دل على جواز القضاء بالنكول نعم لو كانت النسبة التباين الكلي لاستقام ما ذكره رابعها ما ذكره
الأستاذ العلامة دام ظله ولم أر ذكره في كلام غيره ممن تقدم عليه وعاصره وهو ان اعتبار الشارع لموازين القضاء
من جهة كونها ظنونا نوعية وامارات غالبية على صدق المدعي وكذب المنكر أو بالعكس كالبينة من المدعي
أو اليمين منه بعد رد المنكر أو الحاكم بعد امتناعه عن الحلف والرد فإنه امارة على كذب المنكر وصدق
المدعي والمراد بالظهور النوعي في طرف الحلف إنما هو بالنسبة إلى حال الحالف بالنظر إلى اسلامه فلا
يرد انا نرى كثيرا ما يقدمون الناس على اليمين الفاجرة فكيف يكون اليمين امارة على صدق الحالف ونكول
المدعي عن الحلف بعد رد المنكر أو الحاكم إليه فإنه امارة على كذب المدعى كما أن رد المنكر امارة على
صدقه هذا إذا تمكن المدعي عن الحلف واما إذا لم يتمكن منه كما هو محل البحث فليس نكوله امارة
على كذبه كما أن رد المنكر حينئذ ليس امارة على صدقه بل امتناعه عن الحلف في الصورة المفروضة امارة على
كذبه فيؤخذ بالحق.
وفيه مضافا إلى كونه وجها اعتباريا لا يمكن أن يصير دليلا في المسألة حسبما صرح به الأستاذ دام
إفادته أيضا ان هذا منقوض بامتناعه عن الحلف والرد في صورة جواز الحلف للمدعي فإنه أيضا امارة على كذبه
فلم لا يجوز القضاء بالنكول مع جريان هذا الوجه فيه أيضا والقول بأن المنكر لما يعلم بأن الحاكم يرد اليمين
بعد نكوله إلى المدعي فلا يكون نكوله دليلا على كذب انكاره فيه ما لا يخفى فساده على أحد.
ثم إن ما ذكره الأستاذ العلامة قد يظهر من غيره ممن تقدم عليه مثل الشهيد رحمه الله في المسالك حسبما هو
ظاهر كلامه وغيره في غيره لكنك قد عرفت أن مقتضى التحقيق خلافه وانه لا فرق على تقدير المصير إلى عدم
القضاء بالنكول بين الصورتين ولكن الأستاذ العلامة قد رجع عما ذكره فراجع هذا ولكن قد يقال بإمكان المصير
إلى القول المذكور من جهة بعض الأخبار الواردة في خصوص المقامات كما في دعوى التهمة مثل قوله فان
اتهمته فاستحلفه لعله يستخرج منه شئ فإنه يدل على إلزامه باليمين حتى يخرج منه الحق وإلا فلا معنى لقوله
لعله يستخرج منه شئ وفي دلالته على المدعى تأمل فتأمل.
ثم إن بما ذكرنا يظهر لك فساد القول بالحبس أيضا فإنه لا دليل على جوازه بعد عدم القول بالقضاء
بالنكول فلا بد من إيقاف الدعوى حينئذ إذ لا دليل على منعه وقد يذكر في المسألة وجوه أخر للأقوال مع نقضها
مذكورة في كتب الأصحاب رضوان الله عليهم فليرجع إليها.
قوله فلو بذل المنكر يمينه لم يلتفت الخ أقول بذل المنكر يمينه لا يخلو إما أن يكون بعد حكم
الحاكم بالنكول على القول به أو بالرد بعد الحلف أو قبله فإن كان في الأول فلا ينبغي الاشكال في عدم الالتفات
إليه حسبما هو المشهور بينهم على ما ينادي به كلماتهم بل مقتضى كلام بعض مشايخنا عدم الخلاف فيه عندهم
لارتفاع الخصومة وحصول الفصل بعد الحكم قهرا فلا يبقى مورد للبذل من غير فرق في ذلك بين عرض الحكم
عليه وعدمه وادعائه جهل الحكم لان مجرد نكوله صار سببا لحكم الحاكم عليه من غير مدخلية لجهله في

136
ذلك وعلمه لأنه من قبيل أحكام الوضع فلا دليل على نقض الحكم حينئذ وإن كان في الثاني فمقتضى الاستصحاب
جواز البذل له قبل حلف المدعي في صورة الرد فتأمل من غير فرق في ذلك بين صورة النكول أو رده اليمين إلى
المدعي أو الحاكم لما قد عرفت.
وقد يقال بان ذلك مقتض لاسقاط حقه من اليمين فالأصل عدم عوده وفيه ما لا يخفى هذا ولكن في
الرياض ان المستفاد من عباير الجماعة عدا الماتن في النافع عدم الالتفات إلى اليمين المبذولة بعد النكول وقبل -
الحكم وهذا كما ترى وفي كلام جماعة منهم الشهيد في المسالك الاستدلال على عدم الالتفات بعد النكول في
الصورة بتحقق سبب الحكومة وحصول ميزانها المقرر شرعا عند القايل به نحو نكول المدعي عن اليمين
المردودة.
وأنت خبير بأن مجرد تحقق ما يقتضي الحكم ما لم يلحقه الحكومة لا دليل على كونه رافعا للأصل
المزبور فتأمل هذا إذا كان قبل حلف المدعي بعد الرد واما إذا كان بعده وقبل الحكم فمقتضى الأصل
المزبور أيضا جواز البذل له وإن كان الامر فيه أصعب من الصورة السابقة سيما بعد ما إذا كان الرد من -
المنكر فتأمل.
قوله فان قال نعم وسئل الانظار في اثباته أنظره ثلاثا الخ أقول هذا الحكم معروف بين الأصحاب
مشهور عندهم بل لم أعرف فيه خلافا وبه رواية عن مولانا أمير المؤمنين وهي قوله لشريح واجعل لمن ادعى
شهودا أمدا بينهما فإن أحضرهم أخذت له بحقه وإن لم يحضرهم أوجبت عليه القضية لكن لم أجد دليلا على
تعيين هذا الانظار وتحديده بما ذكروه من ثلاثة أيام فإن كان اجماعا فهو وإلا فللنظر فيه مجال ظاهر
لان ما دل من لزوم الضرر وغيره حتى الرواية حسبما هو الظاهر منها عدم تقديره إلا بما يتمكن المدعى (المدعى خ)
من وصوله إلى البينة وإقامتها سواء زاد عن الثلاثة أو نقص.
قوله ولا يستحلف المدعي مع البينة الخ أقول هذا الحكم في البينة القابلة لاثبات الحق حسبما هو قضية
ظاهر كلماتهم مما لا إشكال فيه بل لا خلاف فيه عندنا بل لا يبعد دعوى الاجماع عليه كما أدعاه جماعة مضافا
إلى ما عرفت من أن الأصل في المدعي أن لا يكلف باليمين خصوصا بعد قيام البينة الكاملة التامة للتفصيل القاطع
للاشتراك وغيره في الحديث المشهور ومضافا إلى روايتين كل منهما كاف في اثبات المدعى إحديهما رواية محمد
بن مسلم قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يقيم البينة على حقه هل عليه أن يستحلف قال لا ثانيتهما رواية أبي
العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا أقام الرجل البينة على حقه فليس عليه يمين ولا يعارضها ما ورد في الرواية -
المتضمنة لوصية أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام لشريح ورد اليمين على المدعي مع بينته فإن ذلك أجلى للعمى
وأثبت للقضاء لضعف سندها واعتضادهما بما قد عرفت فلا بد من طرحها أو حملها بما لا ينافيهما مثل ما لو ادعى
المنكر الابراء أو الايفاء والتمس حلف المدعي فإنه يجب أجابته لرجوعه إلى دعوى أخرى وانقلاب المنكر مدعيا
والمدعي منكرا هذا ولكن في القواعد ولو التمس المنكر بعد إقامة البينة عليه احلاف المدعي على الاستحقاق
أجيب إليه ولو التمس المنكر يمين المدعي مع الشهادة لم يلزم اجابته انتهى كلامه.
وأنت خبير بوجود التنافي بين الكلامين بحسب ما يظهر منهما وقد ذكروا في وجه رفع التنافي
بينهما أمرين أحدهما ما حكي عن جامع المقاصد وتبعه جماعة من أن المراد من الكلام الأول هو ما إذا ادعى
المنكر الابراء أو الأداء أو غيرهما بحيث يرجع إلى دعوى جديدة من المنكر وهذا الوجه وإن كان بعيدا إلا أنه

137
لا بد من حمل كلامه عليه إذا أريد رفع التناقض بوجه صحيح ثانيهما ما حكي عن بعض وذكره بعض مشايخنا
المتأخرين من أن المراد من الكلام الثاني هو ما إذا شهدت البينة على الاستحقاق فعلا فإنه لا معنى لإجابة
المنكر حينئذ لأنه (لأنها خ) تكذيب للبينة والمراد من الكلام الأول هو ما إذا شهدت البينة على السبب دون اشتغال
الذمة فعلا كما لو قامت البينة في صورة ادعاء القرض على التسليم لا على الثبوت في الذمة فالتمس المنكر الحلف
على الاستحقاق والثبوت فعلا الذي شهدت البينة على أصله نحو اليمين الاستظهاري وإن كان بينهما فرق من جهة
وهي احتياج الحلف في المقام إلى سؤال المنكر بخلاف الاستظهاري فإنها يتوجه على المدعي مطلقا هذا غاية
ما يذكر في توضيح هذا الوجه.
ولكنك خبير بفساده لان الشهادة على السبب إن لم تكن كافية في الحكم بالاستحقاق فعلا فلا معنى
لقبولها وإن كانت كافية ولو بانضمام الاستصحاب من الحاكم فلا معنى لانضمام اليمين بها وسماع دعوى المنكر بعدها
والقول بكفايتها إن لم يكن هناك سؤال من المنكر (المدعي خ) منفردة وعدم كفايتها إلا منضمة باليمين فيما لو سئل
المنكر لا دليل عليه أصلا بل لا معنى له جزما مضافا إلى أن ما ذكره من الوجه لعدم الإجابة في الصورة الأولى من
تكذيب البينة لا يجري في جميع الفروض بل لا يجري الا في الفرض النادر لان شهادة البينة على الاستحقاق
الفعلي لا
تكون غالبا بل نادرا إلا بانضمام الاستصحاب فالمدرك حقيقة هو الاستصحاب ولا يتفاوت بين أن يجريه الحاكم
بعد شهادة البينة على السبب أو الشاهد وبالجملة هذا الوجه مما لا يصغى إليه فلا بد في توجيه العبارة بالالتزام بالوجه
الأول فتدبر.
قوله إلا أن يكون الشهادة على ميت فيستحلف على بقاء الحق أقول هذا الحكم في أصل المسألة
مما لا إشكال بل لا خلاف فيه ظاهرا بل ادعى الاجماع عليه صريحا في كلام جماعة منهم الشهيد الثاني في الروضة
مضافا إلى ما ورد في بيان حكم المسألة من الأئمة الطاهرة والسادات الطيبة سلام الله عليهم أجمعين من موثقة
عبد الرحمن التي رواها المشايخ الثلاثة في كتبهم قال قلت للشيخ يعني موسى بن جعفر سلام الله عليهما كما عن
الفقيه أخبرني عن الرجل يدعي قبل الرجل الحق فلا يكون له البينة بماله قال فيمين المدعى عليه فإن حلف فلا
حق له وإن لم يحلف فعليه كما في الكافي والتهذيب وأبدل في الفقيه قوله وإن لم يحلف آه بقوله وإن رد اليمين
على المدعي فلم يحلف فلا حق فإن كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البينة فعلى المدعي اليمين بالله
الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان وان حقه لعليه فإن حلف وإلا فلا حق له لأنا لا ندري لعله قد وفاه ببينة لا نعلم
موضعها أو بغير بينة قبل الموت فمن ثم صارت عليه مع اليمين البينة وان ادعى ولا بينة فلا حق له لان المدعى
عليه ليس بحي ولو كان حيا لألزم باليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه فمن ثم لم يثبت له عليه حق.
وقد عرفت أنه لا يضر في العمل بها وجود ياسين الضرير في سندها لما عرفت من كونها مأخوذة عن
كتاب أحمد بن عيسى القمي الذي لا يروي عمن يروي المراسيل مع أن روايته لا تدل على عمله بالمراسيل
مع أن العمل بها لا يقدح في عدالة العامل بعد اعتقاده جواز العمل بها فكيف بغير الثقة مضافا إلى اعتضادها بما عرفت
فلا إشكال في العمل بها حينئذ لكونها موثقة بالوثوق الداخلي والخارجي معا على ما بينا في الأصول من اعتبار كل
خبر موثوق له لم يخالف لعمل الأصحاب وصحيح الصفار الذي رواه الثلاثة أيضا كتب محمد بن الحسن الصفار
إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام هل يقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر
عدل فوقع (عليه السلام) إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدعي اليمين وكتب إليه أيجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت

138
صغيرا أو كبيرا بحق له على الميت أو على غيره وهو القابض للوارث الصغير وليس للكبير بقابض فوقع (عليه السلام) نعم
وينبغي للوصي أن يشهد بالحق ولا يكتم شهادته وكتب إليه أو يقبل شهادة الوصي على الميت بدين مع شاهد
آخر فوقع (عليه السلام) نعم من بعد يمين ودلالته أيضا ظاهرة وإن كان بعض فقراته غير معمول به بين الأصحاب لعدم
قدحه فيما كان معمولا به بينهم حسبما تقرر في الأصول ولا يعارضها إلا اطلاق الروايتين السابقتين في المسألة
السابقة ولا بد من حمله عليهما وبعض الروايات المذكورة في بعض كتب الأصحاب ومعلوم انه لا يقاومهما
وبالجملة الحكم بانضمام اليمين في الدعوى على الميت في الجملة وفي الصورة التي تضمنت الروايتان
حكمها مما لا إشكال فيه إنما الاشكال الذي ينبغي بل يجب أن يقع الكلام لرفعه في التعدي عن مورد النص
إلى غيره.
فنقول ان التعدي عنه على وجوه لا بد من التكلم في كل واحد منها أحدها التعدي من الدعوى
التقديرية المذكورة في النص وهو احتمال ايفاء الميت قبل الموت ببينة أو بغير بينة إلى غيره وهو احتمال
الابراء أو (أداء)؟؟ الغير أو الوصية بايفاء الورثة مع وفائهم إلى غير ذلك من الاحتمالات ثانيها التعدي من المدعي
المذكور في النص وهو صاحب الحق إلى وارثه إذا كان كبيرا وإلى وليه إذا كان صغيرا ثالثها من جهة المدعى عليه
وانه هل يقتصر في الحكم المذكور على الميت أو يتعدى عنه إلى غيره ممن هو في منزلته كالصغير والمجنون
والغائب رابعها من جهة المدعى به وانه هل يقتصر على الدين حسبما هو مورد الرواية أو يتعدى عنه إلى
العين والحق خامسها من جهة المثبت للحق وانه هل يقتصر على الشاهدين أو يتعدى عنه إلى الشاهد واليمين
ثم إنه قبل الخوص في المطلب لا بد أن يعلم أن التعدي مما اشتملت عليه الرواية من الخصوصيات لا بد أن يستند
إما إلى تنقيح المناط القطعي أو الظني المستند إلى اللفظ ومن هنا يعلم أنه لو انتفى أحد الامرين لا معنى للتعدي
وإن ظن بالعلة لرجوعه إلى العمل بالقياس المنهي عنه في الشريعة فمقتضى الأصل الأولي هو عدم جواز التعدي
إلا إذا ثبت المناط بما ذكرنا.
إذا عرفت ذلك فنقول إما التعدي من الجهة الأولى وهي إيفاء الميت إلى احتمال حصول البراءة قبل
الموت وبعده فالظاهر أنه بالنسبة إلى احتمال البراءة قبل الموت مما لا إشكال فيه بل لم أجد فيه مخالفا وذكر
خصوص وفاء الميت ليس إلا من جهة حصول البراءة به غالبا وإلا فليس له مدخلية فيشمل احتمال حصول -
البراءة بإيفاء الوكيل للميت وصديقه وغيرهما وبابراء المدعي حال الحياة إلى غير ذلك مما يوجب براءة ذمة
الميت حال حياته مع احتمال عدم التعدي في بعض الصور وأما بالنسبة إلى احتمال براءة ذمة الميت بعد الموت
سواء كان بإيفاء الغير أو بإبراء المدعي ففيه وجهان بل قولان ظاهر شيخنا الشهيد في المسالك لا للأصل بعد ظهور -
الرواية في الوفاء حال الحياة وظاهر بعض مشايخنا المتأخرين نعم لاطلاق صحيح الصفار وظهور كون ذكر وفاء
الميت في الرواية من باب التمثيل لا التقييد.
توضيح ذلك أن المستفاد من الرواية صدرا وذيلا هو ان الشارع لم يكتف بالبينة منضمة إلى الاستصحاب
إذا كان المدعى عليه ميتا بل جعل المثبت للحق عليه البينة مع اليمين فيكون اليمين جزء للبينة في حقه مطلقا
فيكون اختصاص ذكر وفاء الميت حينئذ لاحد وجهين أحدهما غلبة حصول البراءة به كما في حجوركم في
فيكون اختصاص ذكر وفاء الميت حينئذ لاحد وجهين أحدهما غلبة حصول البراءة به كما في ذكر حجوركم في
قوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم فيكون النكتة في ذكر وفاء الميت هي الغلبة لا اختصاص الحكم المذكور
في الرواية به ثانيهما عدم اطلاق الذمة بالنسبة إلى الميت فجعل احتمال وفائه قبل الموت كناية عن مطلق

139
احتمال البراءة هذا غاية ما يمكن أن يقال وجها للتعدي.
ولكن يمكن الخدشة في الكل إما في اطلاق صحيح الصفار فبكونه واردا في مقام بين القضية المهملة
والاحتياج إلى اليمين في الجملة فتأمل وأما في ما ذكر ثانيا من ظهور ما في الرواية من ذكر وفاء الميت في -
التمثيل لا التقييد فبالمنع من ذلك لأنا إن لم ندع ظهوره في التقييد فلا أقل من عدم ظهوره في التمثيل
فيرجع إلى الأصل المستفاد من الروايات عموما وخصوصا من عدم الاحتياج إلى اليمين بعد البينة وأما ما ذكر
ثالثا من أن المستفاد من الرواية صدرا وذيلا هو عدم قناعة الشارع بالبينة المنضمة إلى الاستصحاب إذا كان
المدعى عليه ميتا بل جعل اليمين من المدعي جزء لها ففيه المنع من ذلك أيضا بل نقول إن المستفاد من الرواية
هو دفع الدعوى التقديرية من الميت لو كان حيا فيكون الاحتياج إلى اليمين من جهة ذلك لا من جهة عدم
اعتناء الشارع بالأصل (اكتفاء الشارع بالبينة المنضمة إلى الأصل خ) في المقام وبعبارة أخرى المستفاد من الرواية هو
جعل الشارع الدعوى المحتملة من الميت لو كان حيا بمنزلة المحققة فيكون اليمين من المدعي من جهة كونه
منكرا لا لكونها جزء من البينة إذا كان المدعى عليه ميتا.
لا يقال سلمنا كون المستفاد من الرواية ما ذكرت إلا انا ندعي كون المستفاد منها هو جعل اليمين
جوابا لدعواه البراءة مطلقا سواء كانت قبل الحياة أو بعدها فلا وجه لاختصاصه بالدعوى التقديرية منه
قبل الموت.
لأنا نقول دعوى الميت البراءة من الحق بعد الموت مما لا يعقل له معنى أصلا لفرض كونه ميتا نعم لو
فرض حياته بعد الموت ورجعته لكان للكلام المذكور وجه لكنه خلاف المستفاد من الرواية لان معناها والله أعلم
انه لو كان حيا ولم يمت لا أنه لو صار حيا.
فإن قلت سلمنا كون المستفاد منها ما ذكرت لكنا ندعي دلالتها على المدعى على هذا الفرض أيضا
بأن نقول إن الميت لو لم يمت وكان حيا إلى الزمان الذي ادعى عليه لاحتمل دعويه البراءة من الحق في هذا
الزمان فيتوجه اليمين إلى المدعي من هذه الجهة ولسنا ندعي احتمال دعواه البراءة بعد الموت قبل الموت
حتى يقال بعدم معقوليته بل ندعي احتمال دعواه البراءة في زمان موته لو كان حيا في ذلك الزمان.
قلت ليست العلة للحكم المذكور فرض الحياة حتى يتكلم فيه بل العلة هي احتمال الوفاء قبل -
الموت والقول بأن وجه اختصاصه بالذكر هو غلبة حصول البراءة به وإلا فالمناط هو مطلق الاحتمال ليس
بأولى من القول بأن وجه اختصاصه بالذكر كونه المناط في الحكم من حيث بناء الشارع على الاعتناء بما
يحصل به براءة ذمة الميت غالبا وعدم اعتنائه بما يحصل براءة ذمته به نادرا لان من عدم الاعتناء به لا يلزم
تلف المال كثيرا وأضعف منه القول بأن وجه الاختصاص عدم اطلاق الذمة بالنسبة إلى الميت فاحتمال وفائه
كناية عن مطلق احتمال البراءة للمنع من ذلك فتأمل هذه خلاصة ما يقال للتعدي من الجهة الأولى.
وأما التعدي من الجهة الثانية فهو مبني على ما ذكرنا في التعدي من الجهة الأولى فإن قنا بالتعدي
منها نظرا إلى عدم اعتبار الشارع فيما لو كان المدعى عليه ميتا للشهادة الاستصحابية وحكمه بانضمام اليمين
إليها مطلقا فلا نقول بالتعدي في المقام لان الوارث إما أن يحلف على نفي العلم أو على عدم البراءة واقعا أما
الحلف على الوجه الأول فهو موقوف على دعوى العلم عليه حسبما هو المختار والمفروض انتفائها في المقام وأما
الحلف على الوجه الثاني فلا يتمكن الوارث منه عادة إلا بالاتكال على الاستصحاب والمفروض عدم الاعتبار به

140
في المقام فيكون ما هو مستند إليه مثله في عدم الاعتبار هذا مضافا إلى إمكان أن يقال بعدم جواز الحلف
الجزمي استنادا إلى الاستصحاب في غير المقام أيضا والحاصل ان الشارع قد اعتبره في البينة القائمة على الميت
انضمام اليمين إليها وهي غير ممكنة فيما لو كان المدعي وارثا لان ما اعتبره الشارع من من اليمين البتي الجزمي
لا يمكن للوارث الحلف بها لرجوعها إلى الحلف على فعل الغير وما يمكن الوارث الحلف به وهي اليمين النفي
العلمي غير معتبر في المقام لان اليمين المنضمة إلى البينة هي اليمين الجزمي هذا كله إن قلنا بالتعدي من الجهة
الأولى بالنظر إلى الوجه المذكور وإن لم نقل بالتعدي منها نظرا إلى ما عرفت من أن حكم الشارع على المدعي
باليمين ليس من جهة كونها متممة للبينة القائمة على الحق بل من جهة كونها جوابا للدعوى التقديرية من الميت
لو كان حيا فنقول بالتعدي في المقام لأنه لو كان الميت حيا لاحتمل دعواه علم الوارث بالوفاء فيحلف على نفي
العلم جوابا للدعوى التقديرية على تقدير الحياة.
لا يقال لو كان المورث حيا لحلف على الواقع لا على نفي العلم والمفروض عدم تمكن الوارث منه فما
وجه التعدي إلى اليمين النفي العلمي مع عدم توجهها إلى المورث والحاصل انه لو بنى على التعدي من صاحب
الحق إلى غيره فلا بد أن يكون مع اتحاد اليمين لان غاية ما يدل عليه الدليل هو قيام الوارث مقامه فلا معنى
لان يتوجه عليه غير ما يتوجه عليه.
لأنا نقول لا ملازمة بين يمين الوارث والمورث أصلا لان الحكم باليمين ليس من جهة كونها متممة
للبينة حتى يقال بأنها لا بد أن تكون على الواقع بل من جهة دفع الدعوى التقديرية من الميت لو كان حيا فإن
لم يحتمل دعواه علم الوارث بالوفاء لو كان حيا لم يحكم بتوجه الحلف عليه أصلا لتعذر حلفه على الواقع بالفرض لكنه
لما احتمل دعويه علم الوارث بالوفاء على تقدير الحياة فحكمنا بتوجه اليمين النفي العلمي إليه من هذه الجهة
فصار حاصل الكلام في المقام على عكس ما ذكرنا في المقام الأول فتأمل حتى لا يختلط عليك الامر هذا كله بالنظر
إلى الوارث وأما الوصي والولي فيمكن أن يقال بعدم توجه الحلف إليهما وإن قلنا بتوجه الحلف إلى الوارث
ولعلنا نتكلم فيه تفصيلا فيما سيأتي إن شاء الله.
ثم إن ما ذكرنا من الكلام في المسألة من الجهتين إنما هو ملخص ما ينبغي أن يتكلم وإن أردت توضيح
الكلام وتفصيله في المقام فاستمع لما يتلى عليك.
فنقول ان حكم الشارع بالاحتياج إلى اليمين في المقام لا يخلو إما أن يكون من جهة كونها دفعا
لدعوى تقديرية من الميت على فرض حياته واما من جهة كونها متممة للبينة وعدم الاعتبار بالأصل في المقام
وعلى كل من التقديرين إما أن يختص بالاحتمال قبل الموت أو يعممه والاحتمال بعده أما تصوره بعد الموت
بناء على أن يكون اليمين من جهة احتمال البراءة وعدم لاعتناء بالأصل فظاهر وأما تصوره بناء على أن
يكون اليمين من جهة انها جواب للدعوى التقديرية من الميت فيظهر مما ذكرنا في بعض كلماتنا السابقة
فراجع.
ثم إن المراد من الدعوى المحتملة من الميت على تقدير الحياة هي المحتملة بحسب الامكان والقوة لا الفعلية
الوقوع فلو فرضنا العلم بعدم ادعائه على تقدير الحياة لحكمنا باليمين أيضا لما ذكر.
ثم إن الثمرة بين هذه التقادير كثيرة ظاهرة نشير إليها إن شاء الله فلا بد من تعيين أحد التقادير بما
ذكرنا سابقا من القطع أو الظن المستند إلى اللفظ حتى نقتفي آثاره (أثره خ) إذ قد عرفت أن غيره مما لا دليل عن اعتباره

141
في المقام بل قد عرفت قيام الدليل على حرمته من حيث دخوله في القياس المنهي عنه بالاجماع والاخبار بل -
الضرورة من المذهب.
فنقول ان مقتضى التأمل في الرواية هو كون الحكم باليمين في المقام من جهة كونها دفعا للجواب
التقديري من الميت قبل الموت لا غيره ويدل عليه فقرات من الرواية إحديها التعليل بقوله لأنا لا ندري لان
ظاهره ان اعتبار اليمين من جهة مراعاة الدعوى التقديرية لا لمراعات البراءة الواقعية إذ الحكم باليمين في -
المقام انما هو من جهة الاحتياط ومعلوم ان الاحتياط في الشئ إنما هو بعد اقتضائه على تقدير وجوده واقعا
وما يقتضي اليمين في المقام على تقدير وجوده واقعا ليس إلا الدعوى من المدعى عليه لأنها التي لا جواب لها
بحسب الشرع إلا اليمين وهذه بخلاف البراءة الواقعية لأنها ليست بمقتضية لليمين في شئ وبعبارة أخرى
ان الأصل في التعليل أن يكون هناك رابطة بين العلة والمعلول في نظر المخاطب لان التعليل التعبدي على خلاف
الأصل بل هو خارج عن حقيقة التعليل حقيقة فقول القايل الفاعل مرفوع لكونه فاعلا ليس تعليلا حقيقيا
بل هو بيان لاندراجه في ضمن كبرى ثابت لها الحكم المذكور بدليل فإذا دار الامر في المقام بين جعل قوله
لأنا لا ندري علة للدعوى المحتملة الموجبة لليمين على تقدير ثبوتها وبين جعله علة لاحتمال البراءة الواقعية
الغير المقتضية لليمين أصلا فجعله علة للأول أولى لوجود الرابطة بينهما بخلاف الثاني هذا.
فإن قلت إن اليمين وإن جعلت بحسب أصل الشرع جوابا للدعوى إلا أن الحكمة في جعلها هي مراعاة
الحقوق الواقعية وعدم ابطالها فيحسن الاحتياط من أجلها كما يحسن لمراعات ميزان القضاء.
قلت بعد تسليم صحة ما ذكرت لا شك في أظهرية ما ذكرنا في مقام التعليل كما لا يخفى هذا مضافا
إلى أن جعله علة للثاني موجب لتخصيص الأكثر مع اباء سوق الكلام عن التخصيص فتأمل
فإن قلت إن ما ذكرته من لزوم التخصيص يجري بعينه على ما ذكرته أيضا لأنك فيما لو كان المدعى
عليه حيا لا تلتزم بالاحتياج إلى اليمين مع احتمال الدعوى التقديرية منه أيضا.
قلت نمنع من جريان التخصيص فيما ذكرنا لان الحي إن كان غائبا فنحكم بالاحتياج إلى اليمين
حسبما سيجئ وإن كان حاضرا فنمنع من جريان العلة في حقه كما لا يخفى فالعلة مختصة بغير الحاضر لا
مخصصة به لان ظاهرها في صورة العجز عن المدعى عليه والحاصل ان المقصود من الرواية هو الحكم بلزوم -
الاحتياط في ميزان القضاء لا الاحتياط في الحق الواقعي والبراءة الواقعية ومنها (ناينتها خ) قوله (عليه السلام) لعله قد وفاه ببينة
لا نعلم موضوعها أو غير بينة قبل الموت وهذا الترديد كما ترى ظاهر غاية الظهور في كون اليمين في المقام
من جهة الدعوى التقديرية لان معناه لعله وفاه ببينة لو كان حيا لأقامها وحكما بها أو بغير بينة لو
كان حيا لادعى عليه (على خ) المدعى الايفاء فحلفه وإلا فلا معنى لذكر هذا الترديد بل لا بد أن يذكر حينئذ لا ندري
لعله قد وفاه.
فإن قلت إن ذكر هذه الترديد لعله كان من جهة عدم خلو الوفاء بحسب الواقع والخارج من هذين
القسمين وإلا فأصل اليمين إنما هو من جهة احتمال الوفاء والابراء.
قلت لا معنى لما ذكرته لأنه إذا لم يكن للترديد المذكور مدخل في الحكم أصلا فلا داعي إلى ذكره
بل يعد ذكره لغوا هذا مضافا إلى أنه لو كان ذكره من باب مجرد بيان الواقع فما وجه التخصيص به مع أن انحاء الايفاء غير

142
مختصة به وتزيد عليه فتأمل ومنها قوله فمن ثم صارت عليه مع اليمين البينة فإنه أيضا ظاهر في كون اعتبار
اليمين من جهة دفع الدعوى التقديرية من الميت على فرض الحياة فتأمل ومنها قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية
ولو كان حيا فإن ظاهره أيضا كون اعتبار اليمين لما ذكرنا وهذا وإن ذكره الأستاذ العلامة لكن كلما
تأملت لم أعرف وجه دلالته فتأمل فيه لعلك تظفر على وجهها فصار حاصل ما ذكرنا أن الرواية تدل على تنزيل
جميع ما يتصور دعويه من الميت على تقدير الحياة منزلة المحقق والجواب عنه بما يجاب عنه في صورة دعوى المدعى
حال الحياة.
ثم إنه يظهر الثمرة بين ما ذكرنا وبين الاحتمال الآخر في صور إحديها فيما إذا كان المدعى غير صاحب
الحق كوارثه أو وصيه أو وليه فإنه بناء على ما ذكرنا يتوجه اليمين على الوارث وعلى الوصي والولي أيضا
على أحد الوجهين الآتيين لأنه لو كان الميت حيا لاحتمل دعواه علم الوارث مثلا بالبراءة فجعل تلك الدعوى المقدرة
بمنزلة المحققة فيستحلف الوارث على نفي العلم وعلى القول الآخر لا يتوجه عليه اليمين لرجوعها إلى فعل الغير
الذي لا يمكن عادة حصول العلم به خصوصا في المثل المقام.
فإن قلت لو سلم ما ذكرت من كون اعتبار اليمين مع البينة في المقام من جهة كونه جوبا للدعوى
المحتملة من الميت على تقدير الحياة لا لمراعات البراءة الواقعية لكن المسلم منه دعوى البراءة المحتملة لا مطلق
الدعوى حتى يشمل دعوى العلم أيضا.
قلت قد عرفت أن حاصل ما ذكرنا يرجع إلى فرض الميت حيا بتنزيل جميع ما يمكن منه من الدعاوى
منزلة المحقق من غير فرق بين دعوى العلم وغيرها ثانيتها فيما إذا (لو خ) شهدت البينة بموت المدعى عليه مشغولا
ذمته بحق المدعي من غير جهة الاستصحاب واحتمل براءة ذمته بعد الموت أو أقر الميت باشتغال الذمة ثم مات
من دون مهلة واحتمل براءة ذمته بعد الموت أو أقر الوارث باشتغال ذمته إلى حين الموت إلى غير ذلك من -
الموارد التي حدث احتمال البراءة فيها بعد الموت فإنه على ما قلنا لا وجه لانضمام اليمين إلا على تعميم
الدعوى التقديرية إلى بعد الموت أيضا بالبيان الذي عرفته سابقا بخلاف القول الآخر فإنه لا مناص من انضمام
اليمين بناء عليه.
نعم لو ادعى الوارث البراءة بعد الموت توجه اليمين إلى المدعي على كل تقدير لكنه خارج عن -
الفرض لان كلامنا في الحكم بانضمام اليمين من دون فرض دعوى من وارث المدعى عليه ومنها فيما إذا لم
يتوجه اليمين إلى المدعي كما إذا كان وصيا أو وكيلا ولم نقل بتوجه اليمين إليهم بحيث لو فرض المدعى
عليه حيا لم يتوجه عليهم من جهة دعويه شئ فإنه على المختار نحكم بالبينة بخلاف القول الآخر فإن لازمه حينئذ
القول بإيقاف الدعوى لعدم ميزان للقضاء وكذا إن قلنا بتوجه اليمين النفي العلمي إليهم فإنه على هذا القول
لا بد من المصير إلى إيقاف الدعوى كما لا يخفى والقول بأن من يقول بكون اليمين جزء للبينة إنما قول به في
مورد التمكن منها فيبقى اطلاق ما دل على القضاء بالبينة على حاله في صورة عدم التمكن منها جزاف واضح
لان مقتضى دليله انكار عدم اعتبار الشارع البينة المنضمة إلى الاستصحاب في حق الميت مطلقا فتأمل ومنها
فيما إذا كانت الورثة متعددة فإنه على المختار يتوجه اليمين إلى كل واحد منهم لامكان دعوى الميت علم كل
واحد منهم على تقدير الحياة بخلاف القول الآخر فإن لازمه إما سقوط الدعوى حينئذ فيما لم يكن
الورثة عالمة (عالمين خ) بالحق أو الاكتفاء باليمين الواحدة فيما لو كانوا عالمين

143
بالحق إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتأمل هذا مجمل القول في التعدي بالنسبة إلى الجهتين
الأوليين.
وأما الكلام في التعدي من الجهة الثالثة وهي ما إذا كان المدعى عليه غير الميت كالصبي والمجنون
والغائب فيجئ تحقيق القول فيها عند تعرض المصنف له إن شاء الله.
وأما الكلام في التعدي من الجهة الرابعة وهي الدين إلى غيره كالعين والحق فقد يقال بعدم جواز -
التدعي وإن قلنا بالتعدي من احتمال الايفاء إلى مطلق احتمال البراءة لأنه لا ملازمة بينهما كما لا يخفى.
توضيح ذلك أن الايفاء له جهة ظهور في الدين وجهة ظهور في ايفاء الميت في مقابل مطلق حصول
براءة ذمته بأي سبب من الأسباب كالاحتساب من الزكاة والصدقات وغيرهما ورفع اليد عن ظهوره بالاعتبار الثاني
بالاجماع وغيره لا يستلزم رفع اليد عنه باعتبار الأول كما لا يخفى.
فإن قلت نمنع عن كون الايفاء ظاهرا في الدين بل يعمه والعين والحق أيضا سلمنا ظهوره في الدين
لكن نمنع من كون المراد منه في خصوص المقام هو خصوص الدين لذكر لفظ الحق سابقا الذي هو المفعول الثاني
لقوله لعله وفاه وهو أعم من الدين والعين والحق.
قلت منع ظهور مادة الوفاء في خصوص توفية الدين مكابرة صرفه وأما ادعاء ظهوره في خصوص
المقام في الأعم بقرينة ذكر لفظ الحق ففيه أولا منع ظهور الحق في الأعم أيضا سلمنا لكن المستفاد من الرواية صدرا
وذيلا هو كون المراد هو خصوص الدين وبالجملة منع ظهور التوفية في المقام في خصوص الدين لا شاهد له أصلا
ولا يصغى إليه قطعا فمن هنا ظهر فساد ما يقال بل قيل في وجه التعدي من كون المراد من التوفية هو الأعم من
الدين والعين فالأولى أن يقال إن لفظ التوفية وإن كان ظاهرا عرفا في خصوص الدين إلا أنا نعلم أنه لا خصوصية
له في الحكم بانضمام اليمين بل المقصود من الرواية هو جعل جميع الدعاوى المتصورة من المدعى عليه إذا كان
ميتا بمنزلة المحققة سواء كان المدعى به دينا أو عينا أو حقا فكما يتعدى عن احتمال الايفاء إلى مطلق احتمال
البراءة كذلك يتعدى عن ظهوره في الدين إلى مطلق احتمال الأداء والخروج عن الحق من غير فرق في ذلك بين العين
والدين والحق فالتعدي إلى غير الدين منوط بالحدس القطعي من الفقيه فلو احتمل اختصاص الحكم بالدين
فلا يجوز له التعدي منه لعدم ظهور لفظي في المقام حتى يكتفى به مع قيام الاحتمال بل قد عرفت أن الظاهر
من الرواية هو خصوص الدين فتأمل في المقام فإن المسألة لا تخلو عن إشكال.
وأما الكلام في التعدي من الجهة الخامسة وهي البينة العادلة إلى غيرها من موازين القضاء فيقع الكلام
تارة في الشاهد واليمين وأخرى في اليمين المردودة من المدعى عليه أو الحاكم ثم إن الكلام فيهما ليس من
حيث كونهما كالبينة في ثبوت الحق بهما فإنه مما لا إشكال فيه وإنما الكلام فيهما من حيث الاحتياج إلى يمينين
أو كفاية يمين واحدة.
فنقول أما الكلام في الأول فقد يقال بلزوم تعدد اليمين نظرا إلى تعدد موجبها والأصل عدم التداخل
وقد يقال بكفاية اليمين الواحدة نظرا إلى تأتي المقصود منها بهما بها فلا داعي للتعدد وقد يفصل في المسألة بين
ما إذا شهد الشاهد بالحق الفعلي وباشتغال الذمة فعلا وبين ما إذا شهد باشتغال الذمة سابقا كما إذا شهد على
سبب الاشتغال فيحكم في الثاني بالتعدد وفي الأول بكفاية الواحدة.
فكيف كان فقد يستدل على عدم كفاية الواحدة مطلقا بوجوه أحدها ما عرفت من حديث تعدد

144
الموجب وأصالة عدم التداخل ثانيها ما ذكره شيخنا الأستاذ العلامة دام ظله من أن اليمين التي اعتبرها الشارع
في الدعوى على الميت بحسب المرتبة متأخرة عن المثبت للحق إما على ما صرنا إليه من كون اليمين من جهة
دفع دعوى مقدرة من الميت فظاهر لترتب دعوى البراءة التي أوجبت لدفعها اليمين على ثبوت الحق بالبينة أو غيرها
فتكون اليمين أيضا مترتبة على ثبوت الحق بما ثبت به فلا بد أن يكون وجودها بعد ثبوت الحق بما جعله الشارع مثبتا
وأما على ما يظهر من بعض مشايخنا طيب الله رمسه من كونها جزء لمثبت الحق في الدعوى على الميت فكذلك
لأنها إنما يكون جزء لما يكتفى به على تقدير الحياة وحده من غير ضميمة ومعلوم أن ما يكتفى به في حق الحي
ليس هو الشاهد بل هو مع اليمين فيكون اليمين المنضمة متأخرة عن الشاهد واليمين فلا يعقل الاكتفاء باليمين
الواحدة الجامعة بينهما لان في زمان توجه إحديهما لا توجه للأخرى كما لا يخفى ثالثها ما مر في الصحيح من
قوله مع شاهد من بعد يمين الظاهر في جعله مستقلا منضما إلى الحجة هذا ولكن الحق الاكتفاء باليمين
الواحدة الجامعة لحصول المقصود بها.
وأما ما تمسك به سندا للمنع من الوجوه الثلاثة فأنت خبير بعدم نهوضها لاثبات المدعى أصلا أما
الأول فلانا وإن سلمنا ان الأصل عدم التداخل إلا أن من المقرر في محله انه إذا علم كون المطلوب من الأسباب
شيئا يحصل بفعل واحد يحكم بالتداخل والاكتفاء بالفعل الواحد كما في الوضوء للغايات المتعددة المطلوب
فيها التطهير الحاصل بوضوء واحد وأما الثاني فإن اليمين وإن كانت متأخرة عن دعوى البراءة في الحي إلا أن
هذا التأخير والترتيب من لوازم نفس الدعوى المحققة فلا معنى لقياس الدعوى المقدرة عليها وبعبارة أخرى
تنزيل الدعوى المقدرة من الميت بمنزلة المحققة إنما هو في غير الاحكام التي رتبت في الشريعة على الدعوى
المحققة من حيث الخصومة (الخصوصية خ) وإلا فلا معنى للتعدي وقد عرفت أن الحكم باليمين في المقام ليس
إلا من جهة مراعاة الاحتياط في ميزان القضاء وفرض الدعاوى المقدرة بمنزلة المحققة لا من حيث هي هي فالدعوى
في المقام ليست محققة حتى يحكم بتحقق اليمين بعدها وإنما هو مجرد فرض غير منفك في المقام عن الدعوى
على الميت فليس بينها وبين المثبت للحق ترتب حتى يحكم بتأخر اليمين عنه وأما الثالث فعدم دلالته على -
المدعى واضح لا سترة فيه أصلا كما لا يخفى هذا كله بالنسبة إلى الشاهد واليمين.
وأما الكلام في الثاني وهي اليمين المردودة بأن نكل عن الحلف ورده إلى المدعي فمات قبل حلفه
فيما يمكن حصول البراءة فيه فقد يقال فيه أيضا بالاحتياج إلى التعدد نظرا إلى ما عرفت من الأدلة الثالثة ولكن
الحق فيه أيضا الاكتفاء بالواحدة لما قد عرفت.
ثم إنه على القول بالاكتفاء بالواحدة لا بد أن يكون بحيث كانت وافية لما هو المقصود من اليمين
فلو شهد الشاهد على اشتغال الذمة سابقا فمجرد الحلف عليه لا يوجب الاستيفاء مطلقا بل لا بد أن يحلف على
حدوث الحق وبقائه جامعا لهما نعم لو شهدت البينة على الحق الفعلي لحلف على بقاء الحق فقط ولا يبعد ان
يقال بكفاية اليمين على الحق الفعلي مطلقا سواء شهد الشاهد على الاشتغال السابق أو الفعلي فتأمل حتى لا يختلط
عليك الامر هذا كله بالنسبة إلى صاحب الحق وأما غيره فلا يفرض في حقه الشاهد واليمين أو اليمين المردودة
وإن فرض فحاله مثل ما ذكرنا.
ثم إن ما ذكرنا كله من أول المسألة إلى هنا إنما هو بالنسبة إلى احتمال البراءة من حيث وجود -
الرافع للاشتغال الثابت وأما احتمال البراءة المستند إلى احتمال عدم ثبوت الاشتغال من أول الأمر كما إذا ثبت

145
اشتغال الميت بإقراره واحتمل ادعائه السهو أو الاكراه على الاقرار على تقدير الحياة أو غير ذلك من الاحتمالات
الموجبة للشك في ثبوت الحق من أول الأمر فهل يتعدى إليه فيحكم بالاحتياج إلى اليمين لاحتمال دعواه على
تقدير الحياة أو لا يتعدى إليه لظهور النص في احتمال البراءة المستند إلى الرافع لا إلى عدم المقتضى
أو مبني على الوجهين في اعتبار اليمين من كونها لأجل دفع الدعوى التقديرية أو الجزء المكمل للبينة فعلى
الأول يتعدى وعلى الثاني لا وهذا ليس ببعيد فهذه ثمرة أخرى بين الوجهين لم أشر إليها سابقا فاحفظها لعلها
ينفعك في بعض المقامات.
قوله ولو شهدت البينة على صبي أو مجنون أو غائب أقول وقد طال التشاجر والخلاف بينهم في التعدي
عن الميت إلى المذكورين وأشباههم فنسب إلى الأكثر التعدي والالحاق بل قد نسب إلى الشهرة القديمة والحديثة
بين الطائفة منهم الشيخ في المبسوط والفاضل والشهيد قدس الله اسرارهم بل قد يظهر من عبارة الدروس نسبته
إلى الأصحاب فراجع وذهب جماعة من متأخري المتأخرين تبعا للشهيد في المسالك إلى العدم والحق هو الأول
لظهور العلة المنصوصة إذ لا عبرة بالمورد عندنا فقوله لأنا لا ندري في قوة كبرى كلية فحاصل المعنى ان كلما
لا ندري براءة المدعى عليه من الحق فيجب فيه اليمين وهذا نظير قوله حرمت الخمر لأنه مسكر وقال في -
المسالك وذهب الأكثر إلى تعدي الحكم إلى ما ذكر لمشاركتهم للميت في العلة المومى إليها في النص وهي
انه ليس للمدعى عليه لسان يجيب به فيكون من باب منصوص العلة أو من باب اتحاد طريق المسألتين إلى
أن قال وفيه نظر لان العلة الظاهرة في الخبر على تقدير تسليمه هي كون المدعى عليه ليس بحي وهذه العلة
منتفية عن المذكورين وأيضا فإن مورد النص وهو الميت أقوى من الملحق به لان جوابه قد انتفى مطلقا
ويئس منه في الدار الدنيا والصبي والمجنون والغائب لهم لسان يرتقب جوابه وهم باقون على حجتهم انتهى
كلامه وفيه نظر ظاهر إذ ليس في الرواية كما ترى تعليل الحكم بعدم الحياة أصلا وكان هذا سهو من قلمه رحمه الله
ويمكن أن يكون الوجه فيه تخيل تمسك المشهور بما يستفاد من ذيل الرواية من قوله ولو كان حيا وهو أيضا
كما ترى للمنع من كون المستند عندهم ما ذكر بل هو ما عرفت من ظهور العلة المنصوصة ومعه لا مجال
للاعتناء بساير الاحتمالات ومنه يعلم فساد ما احتمله بعض الأصحاب من كون العلة هو عدم الدراية مع اليأس
عن إقامة الحجة فلا معنى للتعدي حينئذ عن الميت لان مجرد هذا الاحتمال ما لم ينته إلى القطع لا ينفع في
رفع اليد عن الظهور المذكور لان ظاهر النص كون نفس عدم دراية الوفاء علة للحكم المذكور من غير مدخل
لليأس وعدمه.
نعم مورد النص هو الميت وهو لا يصير مخصصا وإلا لا نسد التعدي عن العلة المنصوصة في جميع المقامات
وهو خلاف ما عليه المحققون بل المشهور من اعتبار العلة المنصوصة.
فإن قلت فعلى ما ذكرت يلزم الحكم بلزوم اليمين مع البينة في الدعوى على الحي أيضا لقيام
الاحتمال وعدم دراية التوفية وهو خلاف ما أطبق عليه الكل من عدم لزوم اليمين فيما إذا كان المدعى
عليه حيا.
قلت لا يلزم مما ذكرنا الالتزام بما ذكرته إما أولا فلمنع شمول التعليل للدعوى على الحي حسبما
قد عرفت من أن ظاهره فيما إذا عجز الوصول إلى صاحب الحق في الجملة وثانيا سلمنا شموله لكنه ليس بعلة حقيقية
(عقلية خ) حتى لا يقبل التخصيص بل غاية ما يستفاد من الحديث ظهوره في العموم فيخرج عنه بالاجماع المذكور فقيام

146
الاجماع على التخصيص لا يوجب نفي العموم رأسا هذا.
وقد استدل بعض مشايخنا وفاقا لبعض الأفاضل على عدم التعدي عن مورد النص إلى الغائب والصبي
والمجنون ومن يحذو حذوهم بعد تسليم العلة المنصوصة وظهورها في العموم بما ورد في القضاء على الغائب
مثل مرسل جميل بن دراج عن جماعة عن الصادق (عليه السلام) قال الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البينة ويباع ماله
ويقضى منه دينه وهو غائب ويكون الغائب على حجته إذا قدم ولا يدفع المال إلى لذي أقام البينة إلا بكفلاء
ونحوه قول الباقر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم إلا أن فيه إذا لم يكن مليا وهذا النص وإن ورد في خصوص الغائب
إلا أنه يتم الكلام في غيره بالاجماع المركب.
وقد ذكر شيخنا المتقدم ذكره بعد ايراد الروايتين ما هذا لفظه إذ لا ريب في ظهورهما ولو للاطلاق
في عدم اعتبار اليمين معها ومعارضتهما بمنصوص العلة على فرض تسليم جريانه في المقام من وجه ولا ترجيح
فيرجع إلى عموم ما دل على حجية البينة بدونها السالم حينئذ عن معارضة المنصوص العلة بعد معارضته بالخبرين
المزبورين انتهى كلامه رحمه الله.
وأنت خبير بما في هذا الكلام من النظر وما في الدليل المذكور من عدم الدلالة أما أولا فللمنع
من ظهوره في عدم الاحتياج إلى اليمين لأنه ليس في مقام البيان من هذه الجهة بل المقصود منه بيان كون -
الغائب كالحاضر في سماع البينة عليه وبيع ماله وقضاء ديونه في مقام دفع توهم الفرق بينهما في سماع البينة و
عدمه وليس في مقام بيان جميع ما يعتبر في القضاء على الغائب حتى يكون ظاهرا في نفي اليمين وثانيا سلمنا
ظهوره فيما ذكر نظرا إلى كونه في مقام الحاجة وبيان جميع ما يعتبر في القضاء على الغائب سيما بملاحظة قوله
(عليه السلام) إذا قامت عليه البينة الظاهر في السببية لكن نقول مع ذلك أن ظهور العلة المنصوصة في العموم أقوى من
ظهوره في نفي اليمين لان ظهوره إما ظهور إطلاقي أو ما في حكمه ومعلوم انهما لا يعارضان ظهور العلة المنصوصة
في العموم فيرجع المسألة بالآخرة إلى تعارض الأظهر والظاهر والترجيح للأول كما لا يخفى.
فإن قلت كيف تقول بأن ظهور العلة المنصوصة في العموم آكد وأقوى من ظهور الروايتين المذكورتين
مع كونهما أخص منه مطلقا. وقد تقرر في محله انه إذا تعارض العام والخاص المطلق يقدم الخاص من حيث كونه
أقوى من العام فيكون ارتكاب خلاف الظاهر فيه أهون.
قلت نسلم كون النسبة بينهما عموما مطلقا وليس كما ذكره شيخنا المتقدم ذكره من كون النسبة
عموما من وجه إلا أن يوجه كلامه بأن مراده ليس العموم من وجه حقيقة بل هو ما في حكمه مسامحة في
حصول الجمع بالتصرف في أحدهما من غير أن يكون أحدهما أظهر من الآخر كما يطلق كثيرا ما في باب -
التراجيح على هذا المعنى كالعموم مطلقا فإنه قد يطلق على دليلين كان النسبة بينهما التباين بحسب الحقيقة
لكن كان أحدهما أظهر من الآخر.
إلا انا نقول إنه قد تقرر في محله أيضا ان حكمهم بتقديم بعض أحوالات اللفظ على بعض إنما هو
بالنظر إلى النوع من غير ملاحظة خصوص المقام فلا بد في أعماله في المقامات الخاصة ومراعاته في الموارد المخصوصة
من عدم وجود ما يصادمه فيها من الظهورات الخاصة الغير المنصوصة (المضبوطة خ) فنقول حينئذ ان الخاص وإن كان
بالنوع أظهر من العام إلا أن في خصوص ما إذا جاء ظهور الخاص من الاطلاق وعدم البيان يكون العام أظهر منه

147
في العموم سيما إذا كان مستند العموم من جهة التعليل فإنه بيان بالنسبة إلى المطلق فظهوره حاكم بل
وارد عليه فتأمل وهذا نظير ما ذكرنا في تعارض تعليل آية النبأ مع مفهومها في تصديق خبر العادل المجرد
عن القرينة في دفع توهم من حكم بتقديم جانب المفهوم على ظهور التعليل بكون النسبة عموما مطلقا من أن
النسبة وإن كانت عموما مطلقا إلا أنا نمنع ظهور القضية الشرطية في المفهوم فيما إذا كان العموم المستفاد
من التعليل على خلافه.
والحاصل ان الحكم بتقديم الخاص على العام ليس منوطا بالخصوص والعموم من حيث هما بل تابع
للأظهرية وقد عرفت أن ظهور العلة المنصوصة في العموم أقوى من ظهور الخبرين في عدم الاحتياج إلى اليمين
وثالثا سلمنا تسويتهما في الظهور وعدم كون العموم المستفاد من العلة أقوى لكن نقول إنه يتعين حينئذ الرجوع
إلى المرجحات السندية وغيرها ومعلوم ان الرواية المشتملة على التعليل المذكور أرجح من حيث مطابقتها
لعمل المعظم وضعف ما دل على خلافها بالارسال فتأمل (1).
قوله ويدفع الحاكم من مال الغائب قدر الحق الخ أقول هذا الحكم أي دفع الحاكم قدر الحق من
مال الغائب إلى المدعي بعد يمينه مما لا إشكال فيه بل لا خلاف فيه في الجملة على ما اطلعت عليه من كلماتهم
إلا مما حكى عن المحقق الأردبيلي من مناقشته إنما الكلام في المسألة في مقامين أحدهما في جواز الدفع
قبل تكفيل القابض ثانيهما في أنه على القول باشتراط التكفيل في الغائب هل هذا الحكم مختص بما إذا كان
المدعي صاحب الحق والمدعى عليه غائبا أو يتعدى عنهما إلى من يكون في حكمهما كالوكيل والوصي والوارث
وغيرهم ممن يكون في حكم صاحب المال والصبي والمجنون وغيرهما ممن يكون في حكم الغائب فالكلام
في المقام الثاني أيضا يقع في مقامين.
أما الكلام في المقام الأول وهو جواز الدفع قبل تكفيل القابض وعدمه فنقول ان الحق فيه عدم
الجواز واشتراط الدفع بالتكفيل لما قد عرفت من الروايتين الظاهرتين في المدعى غاية الظهور المجبور ضعف
سندهما إن كان بالعمل فيجمع بينهما وبين ما دل على لزوم اليمين كالرواية المعللة المتقدمة ولا نطيل بالإعادة
هذا وذكر صاحب مسالك الأفهام ان من قال بلزوم اليمين لم يقل بلزوم التكفيل وبالعكس فيكون أحدهما بدلا عن
الآخر حيث قال ما هذا لفظه وإنما اعتبر المصنف التكفيل لأنه لم يوجب عليه اليمين مع البينة فجعل الكفيل
عوضا عنها لاحتمال براءة الغائب عن الحق على وجه لا يعلمه البينة ومن أوجب عليه اليمين لم يعتبر التكفيل
إلا على تقدير تعذرها كما لو كان المدعى على الغائب وكيل المستحق فإنه لا يجوز احلافه فيستظهر
بالكفيل ولا شك في أن الكفالة واليمين احتياط واستظهار إلا أن ثبوتهما يحتاج إلى دليل انتهى كلامه رفع
في الخلد مقامه.
وأنت خبير بما فيه أما أولا فلان قوله ومن أوجب عليه اليمين لم يعتبر الكفيل مخالف لما نشاهد من جماعة
من الأصحاب من ايجابهم اليمين مع التزامهم باعتبار الكفيل منهم العلامة في القواعد على ما حكي عنه وأما
ثانيا فلان قوله ولا شك الخ لا دليل عليه أصلا إذ من المحتمل بل الظاهر أن يكون اعتبار الكفيل من جهة خوف
تعذر استيفاء الحق بموت المدعي أو فقره على ما ترشد إليه الرواية الثانية من قوله إلا إذا كان مليا وأما ثالثا



(1) وجهه ان ما ورد في حق الغائب مطلقا مجبور بالعمل من حيث ذهاب المعظم إلى القضاء على الغائب استنادا إليه مضافا
إلى أن الرواية قد أرسلت من الجميل وهو من أصحاب الاجماع (منه قده)
148
فلانه لا معنى لقوله إلا أن ثبوتهما الخ إذ الظاهر منه التوقف في الثبوت بل المنع منه وقد عرفت قيام الدليل على ثبوت
كل منهما فراجع فالمسألة مما لا إشكال فيها بحمد الله إلا أن هنا أمرين ينبغي التنبيه عليهما أحدهما ان الظاهر
من الروايتين في بادي النظر كما ترى وإن كان اعتبار تعدد الكفيل إلا أن مقتضى التأمل فيهما كفاية الواحد لظهور
كون المراد من الجمع هنا هو الجنس كقوله إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم المراد منه عموم الجنس ولذا لم يقل
أحد في المقام بمراعاة التعدد بل ظاهر هم الاكتفاء بالواحد ثانيهما ان المراد بالكفالة في المقام ليس هو كفالة الدين بل
كفالة المال على تقدير استحقاق المدعى عليه به وهل هو من أفراد ضمان ما لم يجب كما قد يتوهم أو من غيره والحق
الثاني للفرق الواضح بين ضمان ما لم يجب الذي ادعى حكم العقل باستحالته وضمان ما لم يتبين وجوبه كما في
ضمان المبيع إذا كان ملكا لغير البايع لان الأول ما علم بعدم ثبوته حين عقد الضمان والثاني ما لم يعلم بثبوته وإن كان
ثابتا في الواقع حين العقد فالضمان فيما نحن فيه من ضمان الأعيان فإن قيل هذا النوع من الضمان أيضا مخالف للقاعدة
قلنا بعد تسليم كونه مخالفا للقواعد المقررة في باب الضمان لا ضير في الالتزام به بعد دلالة النص عليه فافهم هذا
مجمل القول في المقام الأول.
وأما المقام الثاني فقد عرفت أن الكلام فيه أيضا يقع في مقامين أحدهما في التعدي عن المدعي والثاني في
التعدي عن المدعى عليه أما الكلام في الأول فيقع أيضا في مقامين أحدهما في توجه اليمين إلى غير صاحب الحق كوليه
ووكيله مثلا ثانيهما في اشتراط دفع المال إليه بتكفيله أما القول في المقام الأول فملخصه انه لا إشكال في عدم توجه
يمين بقاء الحق وعدم البراءة بحسب الواقع إليه لتعلقها بفعل الغير وأما اليمين على نفي العلم وعدم أداء المال إليه فالظاهر
توجهها إليه لو كان وارثا لما مر في الدعوى على الميت وأما لو كان وكيلا أو وليا فالظاهر عدم توجه اليمين على
نفي العلم إليهما لأنه لو كان الغائب حاضرا وادعى عليه وادعى علم الوكيل مثلا لم يكن دليل على توجه اليمين
عليه لعدم دليل على وجوب سماع هذه الدعوى ولان يمين الغير لا تصير منشأ لحق الغير (مثبتا للحق للغير خ)
فتأمل وأما اليمين على عدم أداء المال إليه فالظاهر توجهها لأنه لو كان الغائب حاضرا وادعى على الوكيل
مثلا أخذه للمال وأدائه إليه لتوجه عليه اليمين.
فإن قلت ما الفرق بين هذه اليمين واليمين لنفي العلم فإن لم يكن دليل على صيرورة اليمين من الغير مثبتة
للحق لجرى فيهما وإن كان هناك دليل على ذلك لكان في المقامين.
قلت توجه اليمين المذكورة ليس من جهة توقف ثبوت الحق للموكل مثلا عليها بل من جهة دفع الغرم
من نفس المدعى وليس هنا ما يوجب اليمين على نفي العلم أصلا كما لا يخفى فتأمل وبالجملة لا بد من فرض الغائب
حاضرا وجميع الدعاوى المقدرة محققة حسبما ذكرنا في الدعوى على الميت فكل دعوى من الغائب تقتضي اليمين
على فرض حضوره ودعواها يحكم باليمين من جهة احتمالها في صورة الغيبة وكل دعوى لا تقتضي اليمين على الفرض
المزبور لم يحكم باليمين من جهة احتمالها ثم إنه لو قلنا بتوجه اليمين على نفي العلم إلى الوكيل أيضا فربما يتوجه
إليه ايمان متعددة كما لو احتمل كذبه في دعوى الوكالة بحيث لو كان الغائب حاضرا لاحتمل دعوى عدم وكالته
فيتوجه عليه اليمين لنفي العلم وثبوت الوكالة وعدم أداء المال إليه فهل يكفي يمين واحدة جامعة أو لا بد من ايمان
متعددة والحق هو الأول وأما القول في المقام الثاني فقد يقوى في النظر الحكم بالتعدي نظرا إلى اطلاق ما دل على
عدم جواز الدفع إلى القابض إلا بعد تكفيله الشامل لصاحب الحق ووكيله وغيرهما فتأمل هذا وقد يظهر من بعض
مشايخنا عدم سماع الدعوى من الوكيل وعدم جواز دفع المال إليه ولو بعد تكفيله على القول بالتعدي عن الدعوى

149
على الميت إلى الدعوى على الغائب في الحكم بلزوم اليمين نظرا إلى عدم تمامية السبب على هذا التقدير بدون اليمين
والمفروض عدم توجهها إلى الوكيل ولكنك خبير بضعفه لما قد عرفت أن اليمين في الدعوى على الميت الذي يكون
موردا للنص إنما هي من جهة دفع الدعاوى المقدرة هذا مضافا إلى أنه لو بنى على ذلك لزم سد اثبات الحقوق بالتوكيل
ولعلنا نتكلم في هذا زيادة على هذا إن شاء الله.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو التعدي عن الغائب إلى الصبي والمجنون وأمثالهما في اشتراط الدفع
بالتكفيل فالمظنون بالظن القوي وإن كان هو التعدي لكنه مما لم يقم دليل قطعي على اعتباره إن لم ندع قيام الدليل
على عدمه لدخوله في القياس المنهي عنه فالحكم بعدم التعدي عنه هو المتعين والله العالم.
قوله وأما السكوت فإن اعتمده الزم بالجواب الخ أقول قد عرفت سابقا ان بعد تقرير الدعوى من المدعي
المدعى عليه لا يخلو إما أن يجيب أو يسكت أو يجيب بما يكون في حكم السكوت كلا أقر ولا أنكر وعلى التقدير
الأول أيضا لا يخلو إما أن يجيب بالاقرار أو الانكار أو بلا أدري ولا أعلم وقد عرفت حكم الجواب بالاقرار والانكار
وبقي حكم السكوت والجواب بلا أدري وشبهه فلا بد من التعرض له وتفصيل القول فيه حسبما يقتضيه المجال
بعون الملك المتعال.
فنقول أما السكوت فلا يخلو إما أن يكون من آفة من طرش أو خرس أو من عناد فإن كان الأول توصل
الحاكم إلى معرفة جوابه بإشارته إما بنفسه كما إذا تمكن من معرفتها بحيث يحصل له القطع منها بكونه مقرا
أو منكرا أو الظن على القول بكفايته في المقام أو بمترجمين عدلين على الأقوى ولا يجوز له الحكم بالنكول وغيره
من دون التوصل إلى معرفة الجواب في الصورة المفروضة بلا إشكال ولا خلاف عملا بالميزان المقرر في الشرع
بالقدر الممكن وإن كان الثاني فالمعروف فيه بين الأصحاب رضوان الله عليهم ثلاثة أقوال أحدها الحبس حتى
يجيب وهو المحكي عن جمع كثير منهم الشيخان والديلمي وابنا حمزة وسعيد والفاضل وولده بل في مسالك الأفهام نسبته
إلى المتأخرين ثانيها الضرب حتى يجيب حكاه المصنف وجماعة قولا في المسألة لكن صرح بعض مشايخنا بعدم
وجدان القائل به ثالثها القضاء عليه بعد قول الحاكم له أجب وإلا جعلتك ناكلا وهو صريح كلام الشيخ في المبسوط حيث
قال فأما القسم الثالث وهو ما إذا سكت أو قال لا أقر ولا أنكر قال له الحاكم ثلاثا إما أجبت عن الدعوى وإلا جعلتك ناكلا
ورددنا اليمين على خصمك وقال قوم بحبسه حتى يجيبه بإقرار أو إنكار إلى أن قال والأول يقتضيه مذهبنا والثاني
أيضا قوي انتهى كلامه وهو المحكي عن الحلي في السرائر قائلا بأنه الصحيح من مذهبنا وأقوال أصحابنا وعن
العلامة في موضع من قواعده وعن القاضي قائلا بأنه ظاهر المذهب.
ثم بالحري أن يعلم قبل الخوض في أدلة الأقوال وتحقيق الحق منها ان نزاعهم في المقام هل هو بعد
سؤال المدعي عن البينة وعدم إقامتها كما إذا كان مجيبا بالانكار مع قبوله الحلف أو الرد أو مع امتناعه عنهما ضرورة
ان أحكام الانكار إنما تترتب عليه مع سؤال المدعي عن البينة وعدم إقامتها أو يجري في أول الأمر من دون
سؤال المدعي عن البينة بمعنى انه بعد تحرير الدعوى من المدعي يسئل الجواب من المدعى عليه فإن سكت ولم
يجب يعامل بأحد الأقوال المذكورة على حسب مذهب القائل من دون سؤال من المدعى بل وهو أقام البينة
أيضا لم تسمع منه وجهان ظاهر ما يتراءى من كلماتهم في بادي النظر هو الثاني كما لا يخفى للناظر إليها وقد يؤيد
بل يستدل عليه بأن سماع البينة إنما هو بعد الجواب من المدعى عليه والمفروض انه لم يحصل في الفرض فليس المقام
موضع الحكم بالبينة ولكن مقتضى التأمل في كلماتهم واستدلالاتهم هو الأول لظهور انها ليست في مقام بيان

150
اجراء الأحكام المذكورة عليه ولو بعد إقامة البينة بل ظاهرها في مقام بيان انه يعامل معه بأحد الوجوه السابقة
بعد فرض عدم قيام الحجة من المدعي على الحق فانظر إلى كلام الشيخ المتقدم تجده شاهد صدق على ما ذكرنا
فإن قوله وإلا جعلتك ناكلا ليس إلا في مقام بيان ادخاله في موضوع الناكل وحكم الناكل معلوم مقرر في محله
والحاصل ان اختلافهم في المقام ليس بما يوجب مخالفته لما تقرر عندهم من ميزان القضاء من الحكم بالبينة أولا
إن وجدت وإلا فيعامل مع المدعى عليه ما هو المقرر في الشرع وأما ما استدل عليه من حديث تأخر سماع البينة
من الجواب ففاسد جدا لعدم قيام برهان عليه أصلا كما لا يخفى فاستمع لما يتلى عليك من تحرير الأدلة للأقوال
لعله يظهر لك بالتأمل فيها ما يكون شاهدا على ما ذكرنا وبينة على ما ادعينا.
فنقول أما القول الأول المنسوب إلى أكثر المتأخرين فقد استدل له بوجوه أحدها ان الجواب حق
للمدعي من (على خ) المدعى عليه فيجب التوصل إلى تحصيله بالحبس كما إذا أثبت الحق عليه باقراره أو إقامة البينة عليه
مع انكاره أو بغيرهما من موازين القضاء وامتنع من أدائه فإنه يحبس حتى يؤدي ثانيها النبوي المشهور لي
الواجد يحل عقوبته وعرضه المعتضد بالنصوص الكثيرة الدالة على حبس أمير المؤمنين (عليه السلام) باللي والمطل من دون
ضرب وإهانة ونحوهما ثالثها ان ما دل من الأدلة على الحكم بالنكول أو الرد أو غيرهما من موازين القضاء إنما هو
بعد تحقق موضوع المنكر لا قبله فيجب التوصل إلى تحصيله من حيث كونه مقدمة لأعمال موازين القضاء واستخراج
الحقوق رابعها ان الواجب عليه الجواب وهو كما يحتمل الاقرار المثبت للحق كذلك يحتمل الانكار النافي للحق وغيره
ليس بواجب عليه وجعله كالناكل يحتاج إلى دليل هذه غاية ما يمكن الاستدلال به للقول المذكور.
وأنت خبير بعدم تمامية شئ منها أما الأول فللمنع من كون الجواب في نفسه حقا للمدعى مع
قطع النظر عن المدعى به وإنما هو حق له باعتبار كونه وصلة إليه فإذا أمكن تحصيل الحق بدونه بمقتضى أدلة
القضاء بل لزوم مراعاته لابطاله أو تأخيره كثيرا ما فلا معنى للتوصل إلى تحصيله بالحبس وغيره حتى يلزم ما ذكر
نعم لو ثبت ان الجواب من المدعى عليه حق للمدعي بحياله لتعيين الالتزام بالقول المذكور ولكن دون اثباته خرط
القتاد وأما الثاني فلان المنساق من الأخبار المذكورة كما لا يخفى على من أعطى حق النظر فيها هو خصوص الحقوق
المالية فلا تشمل المقام أصلا مضافا إلى ما عرفت من منع كون الجواب حقا للمدعي وأما الثالث فبمنع كون الاحكام
مترتبة في الأدلة على المنكر من حيث هو منكر بل أكثر أخبار الباب خالية عن لفظ المنكر وإنما الموجود فيها
المدعى عليه وهو كما ترى أعم من المجيب والساكت ولا تعارض بينه وبين ما فيه لفظ المنكر أصلا كما لا يخفى
وأما الرابع فلان سكوته بعد اصراره عليه بمنزلة نكوله وسيجئ قيام الدليل عليه وأما القول الثاني فيمكن
أن يستدل له ببعض الوجوه للقول الأول وقد عرفت الجواب عنها وقد استدل له أيضا بما دل على الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر وفيه أولا ان أدلة الأمر بالمعروف لا تقتضي الالزام بما ذكر في أول الأمر كما لا يخفى لان
مراتبه كما
قرر في محله متدرجة وثانيا ان الجواب ليس بواجب عليه بالوجوب النفسي الذاتي وإنما وجوبه عليه من حيث
كونه واسطة لوصول الحق إلى المدعي فلا معنى لمراعاته مع ايفائه وثالثا لو سلم وجوبه عليه بالوجوب النفسي لكنه
معارض بتضييع حق المدعي في مراعاته الذي قد وجب القضاء على الحاكم لأجل استخراجه فافهم فتبين مما ذكرنا
كله ان الحق هو ما ذهب إليه الشيخ قدس سره ومن عرفتهم وأنت تقدر على استفادة ما يدل على صحة ما
صرنا إليه مما ذكرنا في رد القولين الأولين إلا أن بالحري أن نتعرض لما استدل أو يمكن الاستدلال به لما ذكرنا
حتى يتضح المرام ويرتفع غواشي الأوهام.

151
فنقول ان الدليل على ما ذكرنا وجوه الأول العمومات الدالة على القضاء بمجرد امتناع المدعى
عليه من الحلف والرد أو بعد رد اليمين إلى المدعي ولا داعي إلى تخصيصها بالمجيب وقد تقدمت الإشارة
إليها وأتمها دلالة على المطلب قوله (عليه السلام) في ذيل موثقة عبد الرحمن ولو كان حيا لألزم بالحلف أو الحق أو -
برد اليمين فإنه يدل على أن كل مدعى عليه إذا كان حيا لا بد أن يلزم بأحد الأمور الثلاثة سواء كان مجيبا أو
ساكتا بحيث ينحصر أمره فيه.
فإن قلت إن الرواية وأمثالها إنما تدل على المدعى لو كان المراد منها الالتزام (الالزام خ) بالمذكورات على
كل تقدير وعلى كل حال لم لا يكون المراد منها الالتزام (الالزام خ) بها في الجملة ولو بعد إلزامه بالجواب فلا تدل الرواية
على وجوب إلزامه بالمذكورات قبل إلزامه بالجواب فنقول فيما إذا كان المدعي عليه ساكتا انه لا بد من إلزامه
بجواب يترتب عليه أحد المذكورات.
قلت لا تأمل لمن تأمل في الرواية انها تدل على وجوب إلزام المدعى عليه بأحد المذكورات لو كان
حيا على كل تقدير إذ الظاهر منها انه يلزم بمجرد الادعاء عليه بعد عدم البينة بنفس أحد المذكورات لا أنه
يلزم بشئ يترتب عليه أحد المذكورات كما لا يخفى.
فإن قلت إن الظاهر منها بدوا بمقتضى النظر إلى الاطلاق وإن كان الشمول إلا أن مقتضى النظر إلى
ندرة سكوت المدعى عليه هو عدمه لما هو المقرر في محله من انصراف المطلق إلى الافراد الشايعة الغالبة فلا
يشمل الرواية صورة سكوت المدعى عليه.
قلت ما قرع سمعك من انصراف المطلق إلى الافراد الغالبة ليس قضية دائمية كلية تجري في جميع
الموارد وإنما هي قضية غالبية نوعية تجري فيما إذا لم يكن في المقامات الخاصة ظهور أقوى منه يقتضي الشمول
وقد عرفت أن مقتضى الرواية بالنظر إلى ظهورها في الحصر عدم خروج فرد منها فهي آبية عن عدم الشمول للافراد
النادرة بمقتضى الحصر المذكور.
فإن قلت إن ما تضمنه الحبر من الترتيب ليس معمولا به بين الأصحاب قطعا لان الالزام بالحق إنما هو
بعد امتناع المدعى عليه عن اليمين لا قبله فلا بد من أن يحمل على وروده في مقام بيان إلزام المدعى عليه بأحد
المذكورات في الجملة فليس في مقام بيان ان الالتزام (الالزام خ) بها في أي صورة بل البيان من هذه الجهة موكول إلى
ما تقرر في مقام آخر ومن المعلوم أن من شرط التمسك بالمطلقات عدم ورودها في مقام بيان القضية المهملة فنقول ان
الرواية ساكتة عن أن الالتزام (الالزام خ) بها بعد الجواب أو قبله.
قلت القاء ظهور الخبر من جهة الترتيب المشتمل عليه لا يلزم رفع اليد عن ظهوره في حكم الساكت
وعدم الاحتياج إلى التزامه (إلزامه خ) بالجواب لأنه لا ملازمة بينهما أصلا كما لا يخفى.
فإن قلت إن ما يدل عليه تلك العمومات خلاف ما يقتضيه كلامكم من إلزام المدعى عليه بالحق
بعد عرض الحلف عليه لان ظاهرها إلزامه بالحق بعد امتناعه عن الحلف والرد معا.
قلت لسنا ندعي إلزامه بالحق بعد عرض اليمين عليه بل ندعي إلزامه به بعد عرضها وعرض الرد عليه وكلام
بعض من وافقنا كالشيخ رحمه الله وغيره وإن كان له ظهور فيما ذكرت إلا انا لا نلتزم به.
فإن قلت إن المستفاد من روايات الباب كون الحكم بالموازين المذكورة فيها مختصا في حق المنكر
فلا يجري في حق الساكت.

152
قلت نمنع مما ذكرت لأنه ليس في روايات القضاء بالنكول أو الرد عين ولا اثر من لفظ المنكر وعلى
فرض تسليم وجوده في بعض الروايات لا منافاة بينه وبين ما اشتمل على لفظ المدعى عليه لأنهما ليسا من قبيل
المثبت والنافي هذا.
وقد يقال بكون الساكت منكرا لان معناه من لا يلتزم بدعوى فيشمل الساكت أيضا وفيه ما لا
يخفى لمنع كون المراد من المنكر ما ذكر فتدبر الثاني ما يستفاد من كلام جمع وذكره الأستاذ العلامة دام
ظله أيضا من أن الساكت لا يخلو إما أن يكون في الواقع منكرا أو مقرا فإن كان مقرا فلا إشكال في جواز إلزامه بالحق
وإن كان منكرا فلا إشكال أيضا لامتناعه عن الحلف والرد فيلزم بالحق قبل رد اليمين إلى المدعي على القول بالقضاء
بالنكول أو بعده على القول بعدمه وفيه المنع من كونه منكرا أو مقرا بل هو واسطة بينهما لان مجرد الامتناع القلبي
والقبول القلبي ليسا بإنكار وإقرار قطعا لعدم صدقهما قطعا بل واقعية الانكار والاقرار إنما هي باللفظ الدال عليهما فليست
لهما واقعية مع قطع النظر عنه فلو رتب في الشرع حكم على المنكر أو المقر لا يترتب على الساكت إلا أن يقال إن الأحكام المترتبة
على المقر والمنكر في الشرع إنما تترتب على المعترف واقعا والممتنع كذلك وليس لهذين العنوانين
مدخل فيهما أصلا لكنه في حيز المنع فالأولى منع ترتب الاحكام في الشريعة إلا على لفظ من ادعى عليه
أو ما قاربه ومعلوم صدقهما على الساكت وبالجملة لا إشكال عندنا في عدم تمامية هذا الاستدلال وسقوطه عن
درجة الاعتبار وبالحري أن يكون كذلك عند ذوي الابصار هذا.
وقد أجاب عنه بعض مشايخنا رحمه الله بأن الدعوى المقابلة بالسكوت لو اقتضت رد اليمين على المدعي لعدم
خروجه عن أحد الاحتمالين لاقتضت ذلك في الدعوى على الميت وعلى الممتنع عن مجلس الحضور وعلى الغائب
والصبي والمجنون ونحوهم ممن لم يتحقق منهم جواب وهو معلوم العدم انتهى كلامه.
وأنت خبير بضعف هذا الكلام إذ مصيرهم إلى الحكم المذكور في الساكت لا يقتضي التعدي إلى
الميت وأشباهه ممن لا لسان له للفرق بينهما لعدم قدرة الميت ومثله للتكلم حين الدعوى أصلا وقدرة الساكت
عليه فلعل الميت مثلا أوفى الحق في حال حياته أو برء ذمته ولا لسان له أن يدعيهما بخلاف الساكت هذا مضافا
إلى قيام الدليل على الفرق بين المذكورين في الحكم المزبور حسبما عرفت في الدعوى على الميت فتدبر الثالث
ما أشرنا إليه سابقا في طي كلماتنا السابقة من أن الجواب ليس حقا للمدعى من حيث هو هو بل إنما هو مقدمة
لوصول حقه إليه فإذا تمكن التوصل إليه بدونه فلا داعي لمراعاته وتحصيله إلى غير ذلك من الوجوه التي يستدل
بها على المدعى المذكورة في كلمات الأصحاب مثل أن في الضرب والحبس للجواب اضرار بالمدعى عليه من غير
موجب وان فيه تضييعا لحق المدعي من دون سبب يقتضيه إلى غير ذلك. وأنت تقدر على المناقشة فيها وإن لم
يرجع إلى ما ذكرنا من الوجوه فراجع وتأمل حتى لا يختلط عليك الامر هذا ملخص الكلام في حكم السكوت
وما في حكمه.
وأما الكلام في حكم الجواب بلا أدري ولا أعلم وشبههما فنقول انه قد اختلف فيه مقالتهم وكلمتهم
وقبل الخوض في بيان الأقوال وأدلتها لا بد من تقديم أمر به يبين محل النزاع وهو ان في صورة الجواب بلا أعلم
وشبهه لا يخلو إما أن يقترن (يقرن خ) المدعى دعواه بعلم المدعى عليه بالحال كأن يقول له مثلا لي
عليك كذا وأنت تعلم به أو لا يقترنها (يقرنها خ) بما يدل على عدم (باعترافه بعدم خ) علم المدعى عليه بالحال كأن يقول

153
له مثلا أتلفت مالي في نومك وأنت لا تعلم أو لا يقترن (يقرن خ) بشئ منهما كأن يقول له لي عليك كذا فأجاب بأني
لا أعلم به.
وقد يقال بخروج الصورة الأولى عن محل النزاع واتفاقهم فيها على الاكتفاء باليمين على عدم العلم
وإن لم يحلف المدعى عليه فيجب عليه رد اليمين إلى المدعي وإلا فيلزم بالحق أو بعد رد اليمين إلى المدعي على
القولين في مسألة القضاء بالنكول هذا ولكن صرح شيخنا الأستاذ العلامة دامت إفادته في مجلس المباحثة بتعميم
النزاع وشموله للصورة المذكورة وظاهر كلمات جماعة يشهد بما ذكره فراجع إليها وتأمل فيها حتى تعلم
بحقيقة الامر.
وأما الصورتان الأخيرتان فالظاهر دخولهما في محل النزاع لكن ذكر الأستاذ العلامة دام ظله ان
بعض الأقوال في المسألة لا يجري في الصورة الثانية وهو القضاء بالنكول على القول به لان ظاهرا القايل به ان قال
به في المقام لا يقول به في الصورة الثانية وإن قيل به فهو من أردء الأقوال وأضعفها لا يلتفت إليه أصلا وعليك
بالتأمل حتى تظفر على الفرق في القضاء بالنكول بين الصورتين ولم يذكر هو دام ظله في وجهه إلا أن القضاء
بالنكول إنما هو من جهة امتناع المنكر عما يتوجه عليه بادعاء المدعي من اليمين والمفروض ان المدعي
مصدق للمدعى عليه في دعواه فيكون اليمين عليها لغوا فلا يمكن الحكم بنكوله عنها وفيه تأمل لا يخفى
عليك وجهه.
إذا عرفت ما قدمنا من الامر فاعلم أنهم اختلفوا في المسألة على أقوال أحدها وهو الذي يظهر من
الأكثرين حتى من كثير ممن يقول بالقضاء بالنكول القضاء عليه بعد رد اليمين إلى المدعي إما من المدعى عليه
واما من الحاكم بعد امتناعه من الرد من غير أن يكتفى عنه بالحلف على نفي العلم من دون ادعاء العلم عليه ويشهد
على ما ذكرنا ملاحظة كلماتهم قال في محكي مجمع البرهان انه لو قال المنكر اني ما أحلف على عدمه فاني ما
أعلم بل احلف على عدم علمي بثبوت حقك في ذمتي لا يكفي بل يؤخذ بالحق بمجرد ذلك حينئذ إن قيل بالقضاء
بالنكول وبعد رد اليمين إلى المدعي إن لم يقل به ويحتمل قويا هنا عدم القضاء بالنكول وإن قيل به في غيره بل
يجب الرد حينئذ انتهى كلامه وقد صرح بذلك أيضا بعض المتأخرين لكن يظهر من جماعة من القائلين بالقضاء بالنكول
الحكم عليه من دون رد قال في الكفاية مقتضى ظاهر كلامهم انه إذا ادعى عليه بمال في ذمته ولم يكن المدعى
عليه عالما بثبوته ولا نفيه لم يكف حلف المنكر بنفي العلم وانه لا يجوز له حينئذ الحلف بنفي الاستحقاق لعدم علمه
بذلك بل لا بد من رد اليمين وإن لم يرد يقضى عليه بالنكول أو بعد رد اليمين على المدعى إن لم نقل به انتهى
كلامه ثانيها الاكتفاء منه باليمين على نفي العلم وإن لم يدع عليه العلم وإن لم يحلف فيجب عليه رد اليمين إلى المدعي
وإلا فيقضى عليه أو بعد رد اليمين على القولين في القضاء بالنكول وهو الذي احتمله في مجمع البرهان (حيث قال
بعد الكلام الذي سمعته منه ويحتمل الاكتفاء في الاسقاط بيمينه على عدم علمه بذلك للأصل وعدم ثبوت ما
تقدم والتأمل فيه فتأمل انتهى خ) واحتمله صاحب الكفاية أيضا بعد الكلام الذي سمعته منه قال لكن في اثبات ذلك
إشكال إذ لا يبعد الاكتفاء حينئذ بالحلف على نفي العلم ولا دليل على نفيه انتهى ما أردنا نقله وقد صرح به شيخنا وقد صرح به شيخنا
الأستاذ أعلى الله مقامه في شرحه الكبير منزلا كلامهم في اشتراط الجزم في اليمين على الغالب مدعيا اكتفائهم في
المقام باليمين على نفي العلم لكنه كما ترى إذ كلماتهم تنادي بأعلى صوتها على خلاف ما ذكره حسبما يأتي إليه الإشارة
ثالثها ما نسب إلى بعض الأصحاب من الحكم بايقاف الدعوى إن لم يدع عليه العلم وإلا فيجب عليه اليمين على
نفي العلم

154
بمثل ما حكموا في الدعوى على فعل الغير كما في الدعوى على الوارث وغيره ولكنه كما ترى خلاف ظاهر كلماتهم
بل ادعى بعض المشايخ عدم الخلاف بينهم في فساد الحكم بالايقاف رابعها ما نسب إلى بعض واحتمله في الكفاية
من أنه يحلف على نفي الاستحقاق لا على نفي علمه به نظرا إلى الأصل هذا ولكن ظاهر كلماتهم ما ذكرنا من عدم
كون الحكم اليمين على نفي العلم قبل ادعائه وعدم إيقاف الدعوى وعدم جواز الحلف على نفي الاستحقاق فعلا و
يكفيك في هذا ما سمعته من الكفاية وغيرها ويشهد على ما ذكرنا عن عدم كون الحكم عندهم في المقام إيقاف الدعوى
واليمين على نفي العلم قبل ادعائه قراين من كلماتهم أحدها ما ذكروه في مسألة اليمين من نقل خلاف العامة
من أن اليمين على البت مطلقا أو على نفي العلم مطلقا أو فيه تفصيل ثانيها ما ذكره الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم في
تلك المسألة من أن اليمين أما على فعل النفس أو نفيه أو فعل الغير أو نفيه فحكموا في الصور الثلاث بلزوم كون اليمين
على البت والجزم وعدم الاكتفاء بغيرها وفي الصورة الأخيرة باليمين على نفي العلم.
لا يقال إن كلامهم هذا منزل على الصورة الغالبة من وجود العلم بالواقع غالبا في الصور الثلاث التي اشترطوا
فيها الجزم وعدم وجوده في الصورة الأخيرة لا أنه لو لم يكن هناك علم فيما حكموا فيه باشتراط الجزم وألبت
وكان علم فيما لم يشترطوا فيه الجزم لكانوا ملتزمين بالأول في الأول وبالثاني في الثاني حاشاهم ثم حاشاهم من ذلك
ويكفيك رادعا عن هذا الاحتمال ملاحظة تعليلاتهم في المقامين.
لأنا نقول إما تنزيل كلماتهم على ما ذكر ففاسد جدا لعدم وجود غلبة في البين حتى ينصرف الكلام
إليها لعدم كون الجواب بلا أدري ولا أعلم قليلا في غاية القلة حتى يحكم بكون الغالب في الجواب هو الجواب
على سبيل البت غاية الأمر كون الجواب الجزمي في الدعوى على فعل النفس أكثر من الجواب بلا أدري وشبهه
ومجرد الأكثرية لا يوجب الانصراف أصلا كما لا يخفى وبالجملة الذي يوجب الانصراف هو الغلبة والندرة لا
الأكثرية والكثرة وأما الاستشهاد بتعليلاتهم على ما ذكر فأضعف من التنزيل المذكور لان ما ذكروه من العلة
ليست بعلة حقيقة عندهم بل إنما هي حكمة ولهذا صرح جماعة بأنه لو علم الوارث مثلا بالنفي واقعا يكفيه
الحلف على نفي العلم فراجع وتأمل وبذلك يظهر فساد ما ذكره بعض مشايخنا طيب الله رمسه من تنزيل كلماتهم
في اشتراطهم البت والجزم على الصورة الغالبة مضافا إلى أن هناك قرينة أخرى نمنع من حمل كلامهم على ما
ذكره سنشير إليها فانتظر.
فإن قيل لو كان الامر عندهم كما ذكرت من عدم صحة اليمين على نفي العلم في دعوى الواقع مجردا
وعدم كفايتها فما معنى لتوجه اليمين على نفي الواقع عليه مع عدم جوازها عليه شرعا ودعم كفايتها لو حلف
بها مع أن عدم صحة اليمين يستلزم عدم سماع الدعوى.
قلنا لا ضير في الالتزام بتوجه اليمين على الواقع عليه بالنظر إلى الأدلة مع عدم جواز فعلها عليه شرعا
كما فيما لو نذر أن لا يحلف مع نفيه ما ادعى عليه جزما فإنه لا يوجب سقوط الدعوى عنه بل يجب عليه الرد حينئذ
ففيما نحن فيه أيضا إذا لم يجز له شرعا الحلف على نفي الواقع من حيث جهله به لا يوجب عدم كون اليمين
وظيفة له بحسب الوضع والوجه في ذلك أن المراد بتوجه اليمين عليه ليس هو انه يجب عليه ذلك حتى يقال
لأنه لا يجتمع مع عدم الجواز بل المراد كونها شرطا في تخلصه إن لم يرد اليمين على المدعي فهذا المعنى حكم
وضعي لا دخل له بحال دون حال.
وبعبارة أخرى عدم تخلص المدعى عليه إلا باليمين على ما ادعى عليه بالنظر إلى مقتضى الأدلة لا يوجب

155
سقوط الدعوى بل يجب عليه الرد حينئذ وإن لم يحلف ولم يرد يحكم عليه بعد الرد أو قبله على القولين فتبين مما ذكرنا الوجه
في عدم صحة اليمين وسماع الدعوى من حيث التمكن من القضاء بالرد نعم لو أراد المدعي حلف المدعى عليه
فلا بد من ادعاء العلم عليه لا أنه لو لم يدع العلم عليه لم يسمع دعواه وبالجملة فرق بين دعوى العلم فيما نحن
فيه وبين دعواه على نفي فعل الغير من حيث إنها في المقام جاءت بمقتضى إرادة المدعي بحيث لا دخل لها في
سماع دعواه أصلا وفي الادعاء على فعل الغير جاءت بمقتضى أصل الشرع بحيث لو ادعى المدعي من دون علم
في صورة عدم البينة لم يسمع عنه أصلا فاليمين هنا أوجبت لأجل دعوى العلم بحيث لو لم تكن لم يتوجه على المدعى
عليه يمين أصلا وفي المقام أوجبت الدعوى لأجل اليمين بحيث لو لم يكن دعوى العلم لسمعت الدعوى
على الواقع أيضا ومما ذكرنا يظهر فساد ما ذكره شيخنا المتقدم ذكره من أنه لو بنى على اشتراط
التطابق في الدعوى مع اليمين للزم الحكم بعدم سماع دعوى الواقع من دون اقترانها بدعوى العلم فافهم
وتأمل.
فإن قلت بعد اعتبار دعوى العلم في تعلق اليمين على نفي فعل الغير تصير اليمين على البت كما لا يخفى
فما معنى التفصيل الذي ذكروه في اليمين على ما يرجع إلى النفس وما يرجع إلى الغير.
قلت معنى اعتبارهم اليمين على البت والجزم في الدعوى على النفس هو عدم كفاية اليمين إلا على الواقع
فاليمين على نفي العلم ليست بمثمرة وإن وقعت بعد دعوى العلم في المقام فاشتراطهم اليمين على البت في المقام
وكفايتهم باليمين على نفي العلم في الدعوى على الغير من ذهابهم إلى عدم تعلقها إلا بعد دعوى العلم عليه كاشف عن أن
مرادهم باليمين على البت والجزم في المقام ما يكون في مقابلة اليمين على نفي العلم ومن هنا يظهر فساد
ما ذكره بعض سادة الفحول بعد ذكر اشتراطه دعوى العلم في اليمين على نفي فعل الغير من أن اليمين على هذا
على البت مطلقا فيرتفع التفصيل من البين ويظهر أيضا صحة ما ذكره الأستاذ العلامة قدس سره من عموم نزاعهم
في المقام لما إذا ادعى العلم على المدعى عليه فأجاب بلا أعلم ونحوه فتأمل ثالثها اشكالاتهم واختلافاتهم في فروع
كثيرة في أن اليمين على البت أو على نفي العلم كما في الدعوى على تلف البهيمة في بعض الصور أو جناية العبد أو
الاخوة إلى غير ذلك فذهب بعض إلى أن اليمين على البت معللا بأن هذه الأمور مستندة إلى نفس المدعى فلا بد
أن يحلف على البت وآخر إلى كفاية اليمين على نفي العلم معللا باستناد تلك الأمور إلى الغير فهذا كما ترى دليل
واضح على أن اليمين عندهم في الدعوى على النفس على البت مطلقا.
ثم إن من المعلوم ضرورة نزاعهم في الفروع المذكورة ليس في الاشخاص المختلفة بحسب الجواب
بالنفي ولا أدري فلا يمكن تنزيل كلام من يقول بأن اليمين على البت على ما إذا أجاب صاحب الدابة مثلا على
عدم التلف واقعا وتنزيل كلام من يقول بان اليمين على نفي العلم على ما إذا أجاب بلا اعلم.
ومن هنا يظهر فساد ما ذكره شيخنا المتقدم ذكره من حمل كلامهم في اشتراط اليمين على البت في -
الدعوى على النفس واليمين على نفي العلم في الدعوى على فعل الغير على الغالب لان اختلافهم في الفروع المذكورة
معللين بما ذكر من أقوى الشواهد على فساد الحمل المذكور ضرورة عدم تأتي الحمل على الغلبة في الفروع
المزبورة لان في الدعوى على تلف البهيمة مثلا لا يمكن قيام الغلبة على الطرفين أي على علم صاحبها بعدم
التلف وعلى عدم علمه وبالجملة من تأمل كلماتهم يقطع بأن مرادهم فيما ذكروه في المقامين ليس مبنيا
على الغالب.

156
إذا عرفت ما تلونا عليك من الأقوال فاستمع لما نتلو عليك من أدلتها ناظرا إليها بعين الانصاف مجتنبا
عن التعصب والاعتساف.
فنقول بعون الملك المسؤول ان الحق هو ما عليه المشهور من القضاء على المجيب بلا أدري بعد امتناعه
عن الرد أما بعد رد اليمين إلى المدعي أو قبله على القولين في مسألة القضاء بالنكول وفساد الأقوال الأخر يدل عليه
وجوه من الاخبار.
منها قوله (صلى الله عليه وآله) البينة على المدعي واليمين على من ادعى عليه بالتقريب الذي عرفته غير مرة من أنه
يدل على حصر تخلص المدعى عليه باليمين غاية الأمر قيام ردها مقامها لقضية الاجماع والأدلة فيحكم عليه بعد
امتناعه عنها.
لا يقال إن قضية قوله (عليه السلام) واليمين على من ادعى عليه بمقتضى اشتمالها على التكليف مختصة بمن
يتمكن من الحلف شرعا فما نحن فيه غير داخل فيها.
لأنا نقول مضافا إلى ما سيجئ ان قوله واليمين على من ادعى عليه (أنكر خ) حسبما عرفت مرارا ليس
في مقام بيان الحكم التكليفي وإنما هو في بيان الحكم الوضعي وإن شرط تخلص المدعى عليه هو الحلف وأين
هذا من عدم جواز الحلف له شرعا فهو نظير من نذر أو حلف أن لا يحلف بالله في شئ فإنه يتوجه عليه اليمين
بمقتضى الوضع والوظيفة وإن لم يجز له أن يحلف ولا تعارض له مع ما أرسل في بعض كتب القوم من قوله (صلى الله عليه وآله)
البينة على المدعي واليمين على من أنكر أما أولا فبأن المراد منه في خصوص الاستعمال هو المدعى عليه قطعا
لا خصوص النافي وأما ثانيا فبعدم تعارض بينه وبين ما دل على أن اليمين على مطلق من ادعى عليه الشامل للمقام
ولا يمكن أن يقال إنه منصرف إلى المجيب بالنفي من حيث غلبة وجوده لما عرفت من منع الغلبة.
ومنها قوله (عليه السلام) في ذيل موثقة عبد الرحمن ولو كان حيا لألزم باليمين أو الحق أو الرد توضيح الدلالة
مضافا إلى ما عرفت سابقا ان قوله ولو كان حيا لصلاحية قوله (عليه السلام) في سابقه لان المدعى عليه ليس بحي
لصيرورته عليه لعدم الحق في صورة عدم البينة فلو كان هناك حي لم يلزم بأحد الثلاثة لم يصلح عدم الحياة للعلية
لرجوعه إلى التعليل بالعلة المشتركة وهو مما لا معنى له ولا يرد عليه النقض بالصبي والمجنون وأمثالهما
لدخولهم في العلة لأن عدم الحياة كناية عن عدم القدرة بالثلاثة المذكورة لا يقال إن أريد بعدم القدرة العقلية
فيمنع عدمها في المذكورين وإن أريد الشرعية فهي غير موجودة في المقام أيضا فلا بد من الالتزام بخروجه
من تحت الرواية.
لأنا نقول أما أولا فليس كلامنا مختصا بما إذا لم يجز شرعا اليمين للمجيب بلا أدري حسبما سيجئ
تفصيل القول فيه وأما ثانيا فبأن المراد من عدم القدرة الذي ذكرنا ليس هو عدمها عن أحد الثلاثة بل المراد
منه عدم القدرة عن اليمين والرد كليهما ومعلوم ان الصبي وأشباهه غير قادرين شرعا عنهما بخلاف المجيب بلا
أدري لتمكنه من الرد كما هو المفروض لا يقال إن ظاهر الالزام هو التكليف فتختص الرواية بملاحظته بمن جاز
له شرعا الحلف.
لأنا نقول قد عرفت سابقا ان المراد من الالزام في أمثال المقام ليس هو التكليف المختص بمن كان
جامعا لشرايطه بل المراد به هو اللزوم الشرطي الوضعي الشامل للفرض أيضا وظاهر الالزام وإن كان مقتضيا

157
لما ذكر الا من تأمل في الرواية وأمثالها يعلم بأنها إنما وردت في مقام بيان الوظيفة والميزان لا التكليف
والالزام فتأمل.
وأنت بعد التأمل فيما ذكرنا في الرواية السابقة تقدر على دفع جميع ما يرد على الرواية أيضا فلا
يحتاج إلى الإعادة.
ومنها قوله (عليه السلام) في الرواية المعروفة المشهورة استخراج الحقوق بأربعة وجوه إلى أن قال وإن لم
يكن شاهد فاليمين على المدعى عليه وإن لم يحلف ورد اليمين على المدعى فهي واجبة عليه الخبر وجه الاستدلال
ان عدم الحلف أعم من أن يكون من جهة عدم جوازه له شرعا أو جوازه وعدم اقدامه عليه من جهة بعض الدواعي
لا يقال إن الرواية إنما تدل على أنه رد المدعى عليه اليمين باختياره وحلف المدعي يطلب بالحق وهذا غير
منكر في المقام إنما الكلام في أنه إذا امتنع عن الرد يلزم به ويطلب عنه وإن لم يرد فيحكم عليه بمجرده أو بعد الرد أم
لا والرواية إنما تدل على الأول وأين هذا من الثاني.
لأنا نقول إذا ثبت ترتيب الأثر على رده بالاختيار فلا بد أن يلزم به في صورة الامتناع بالاجماع المركب
وعدم القول بالفصل فتأمل.
ومنها قوله (عليه السلام) في خبر البصري بعد فرض السائل عدم البينة على المال فيمين المدعى عليه فإن حلف
فلا حق له وإلا فعليه وهذا كما ترى أظهر دلالة من جميع ما في المقام من الروايات لعدم تضمنه لما يدل على
اختصاصه بما إذا جازت اليمين شرعا للمدعى عليه بل هو ممحض في بيان الوظيفة والحكم الوضعي.
ومنها صحيح هشام عن أبي عبد الله (عليه السلام) ترد اليمين على المدعي وهذا أوضح الاخبار دلالة وبه يندفع
ما ربما يتوهم من ورود الاخبار بأسرها بملاحظة اشتمالها على التخيير بين الحلف والرد في حق من أمكن له
كلاهما فاحفظه لعله ينفعك أيضا فيما بعد إن شاء الله.
ومنها رواية عبيد بن زرارة عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يدعى عليه الحق ولا بينة للمدعي قال يستحلف
أو يرد اليمين على صاحب الحق الخبر وجه الدلالة انه إما أن يكون المراد من الفعل وهو يستحلف في -
المقام هو الطلب المتعقب للمبدء كما هو أحد استعمالي الاستفعال حسبما رجحناه سابقا انه المراد في المقام أو -
الطلب فقط كما هو مقتضى أكثر استعمالات الاستفعال فعلى الأول لا بد من أن يكون الترديد بالنظر إلى
شخصين ضرورة عدم تأتي التخيير بين فعلين في الوجود الخارجي وإنما التخيير بحسب الاختيار وهذا غير
مخفي على ذوي الأفهام المستقيمة بل من القضايا الأولية ففيما نحن فيه لما لم يمكن الاستحلاف بالمعنى
المذكور فلا بد من أن يجعل الوظيفة فيه هو مخصوص الرد وعلى الثاني يأتي الترديد بين الفعلين في حق
جميع الاشخاص.
فنقول للمدعى عليه المجيب بلا أدري إما أن يحلف أو يرد ولا يلزم (1) هذا المعنى لتأتي الفعلين منه
بحسب الشرع بل جواز أحدهما يكفي لعرضهما عليه فقد يتمكن من الحلف دون الرد كما فيما لا يجوز رد اليمين
على المدعى مثل ما لو كان وكيلا أو وصيا أو غيرهما وقد يتمكن من الرد دون الحلف كما في المقام والقول بظهوره
فيما إذا جاز للمدعى عليه شرعا فعل كل منهما ففيما لا يجوز له أحدهما لا تسمع الدعوى يرده ما عرفته غير مرة
في الروايات السابقة من ورودها في مقام بيان الحكم الوضعي وطريق تخلص المدعى عليه لا التكليفي فراجع و
تأمل فيها واتبع ما يؤدي إليه نظرك بعد التأمل والدقة.



(1) ولا يلزم (يستلزم خ)
158
هذا مع أن هنا شيئا قد ذكره الأستاذ العلامة دامت إفادته على فرض تماميته يرد هذا القول من وجه
آخر وهو ان كلامنا في حكم المجيب بلا أعلم الاشتغال وهو لا ينافي جواز الحلف له شرعا لأن عدم العلم
بالاشتغال أعم من عدم العلم بالبراءة فقد يجيب بلا أعلم وهو يعلم البراءة فليس عرض الحلف عليه عرضه على
من لا يجوز له شرعا الحلف بالله حتى يقال بانصراف الأدلة إلى غيره ولهذا نقول حسبما سيجئ انه لو حلف
على نفي الاستحقاق واقعا ولم يعلم باستناده إلى الأصل يقبل منه ويحكم له هذا مع أنه يمكن أن يقال إن -
القول بإيقاف الدعوى في الفرض مخالف لاتفاق العلماء الماضين والباقين مضافا إلى مخالفته لما شرع له القضاء
من حفظ الحقوق وعدم ابطالها.
فإن قلت ما تمسكت به في المقام من العمومات يجري بعينه في اليمين على نفي فعل الغير أيضا فإن
كان مقتضى ما ذكرته اليمين على الواقع وعدم كفاية غيرها في مقام الحكم فلا فرق فيه بين المقامين وإن
كان مقتضاه الاكتفاء باليمين على ما يدعيه المدعى عليه فلا فرق فيه أيضا فما وجه التفصيل الذي ذكرته بين -
المقامين مع أن الدليل واحد ومقتضاه أيضا واحد.
قلت سيجئ وجه الفرق بينهما مضافا إلى قيام الاجماع فيما بعد انشاء الله فانتظر هذه خلاصة ما
ذكره الأستاذ العلامة دام ظله من الاستدلال للقول الأول لكنه على فرض تماميته كما ترى لا يعين القضاء بعد رد
اليمين إلى المدعى بل يعمه والقضاء بالنكول فما يستفاد من كلام جماعة من أنه على القول بالقضاء بالنكول
لا نقول به في المقام لم نعرف وجهه فإن كان الوجه فيه انصراف أدلته إلى غيره فبذا نقول في أدلة القضاء
بالرد أيضا فلا بد من أن نقول بإيقاف الدعوى وإن كان الوجه فيه التمسك بأن القضاء بالرد هو المتيقن حسبما
عرفت تفصيل القول فيه فيرده ان مقتضى العمومات الأولية حسبما عرفت سابقا هو الحكم عليه بمجرد عدم حلفه
فلا معنى للرجوع إلى الأصل العملي.
والحاصل اني كلما تأملت لم أجد فرقا في القول بالقضاء بالنكول بين المقام وغيره وقد اعترف بذلك
شيخنا الأستاذ أيضا فعليه لا بد من القضاء بالنكول في المقام حسبما عرفت أنه الحق الحقيق بالاختيار وإن كنت
متأملا فيه فراجع إلى ما ذكرنا فيه سابقا حتى يتضح لك الامر.
بقي الكلام في أدلة سائر الأقوال أما الدليل على إيقاف الدعوى في المقام فليس إلا الأصل أعني أصالة عدم
جواز القضاء وضعا وتكليفا حسبما ذكر في صدر الكتاب انها الأصل الأصيل وانصراف أدلة القضاء بالنكول
والرد فيما إذا جاز شرعا الحلف على المدعي وقد عرفت الجواب عنه والأصل مرتفع بما ذكرنا من الأدلة وأما
الدليل على ما ذهب إليه بعض مشايخنا من الاكتفاء باليمين على نفي العلم فليس إلا ما ذكره في جواهره من
أعمية العمومات من اليمين على البت بل فيها ان اليمين على من أنكر أو المدعى عليه وهي أعم من اليمين على
البت أو على نفي العلم وخصوص جملة من الروايات الدالة على عدم حلف الرجل إلا على علمه وقد ادعى استفاضة
الاخبار على هذا المعنى.
منها قول الصادق (عليه السلام) في خبر هشام بن سالم لا يستحلف الرجل إلا على علمه ومنها خبر أبي بصير و
ومرسل يونس لا يستحلف الرجل إلا على علمه مع زيادة ولا يقع اليمين إلا على العلم استحلف أو لم يستحلف.
وأنت خبير بضعف كلا الدليلين وفساد كل من المستندين إما التمسك بأعمية العمومات ففيه ان الظاهر
منها لكل من نظر إليها هو اليمين على طبق دعوى المدعي وهذا أمر بين واضح لا يعتريه ريب أصلا مضافا إلى

159
ما في بعض الروايات الواردة في بيان اليمين من الدلالة على أنها على البت فراجع الاخبار وشاهد الآثار حتى
يظهر لك حقيقة الحال.
وأما الجواب عن التمسك بالروايات الخاصة فملخصه انها واردة في مقام بيان الحكم التكليفي وانه
لا يجوز للرجل الحلف كاذبا ومن غير علم وهذا غير منكر في المقام ويدل على ما ذكرنا من ورودها في بيان
الحكم التكليفي دون الوضعي إلى ظهورها بأنفسها كما لا يخفى لمن له أدنى ذوق قوله (عليه السلام) في ذيل
الرواية
ولا يقع اليمين الخ فإنه من أقوى القرائن على ما ذكرنا فلا تنافي تلك الروايات لما ذكرنا من كون الوظيفة
للرجل بحسب الوضع في صورة الادعاء عليه هي اليمين على البت لا يقال إن الروايات ليست مختصة ببيان
حكم الحالف حتى يقال فيها ما ذكرت بل نقول إنها واردة في مقام بيان حكم غيره أيضا وانه لا يجوز استحلاف
الرجل إلا على ما يعلمه.
لأنا نقول نحن لا ننكر ما ذكرته إلا أن المراد من الاستحلاف في المقام وفي نظايره هو الطلب المتعقب
بالمبدء ونحن لا ننكر أيضا عدم جوازه في صورة عدم علم المدعى عليه بل يلزم برد اليمين على المدعي حسبما
عرفته فظهر مما ذكرنا أن تلك الروايات ليست في مقام بيان الحكم الوضعي أصلا.
وأما الدليل على ما يظهر من بعض المتأخرين من جواز الحلف على نفي الاستحقاق فليس إلا ما يستفاد
من كلام بعض المحققين من أن ما يجوز أن يصير مستندا للشهادة يجوز أن يصير مستندا للحلف فكما يجوز للشاهد
الاستناد إلى الأصل فكذا يجوز للحالف الاستناد إليه في الحلف.
وأنت خبير بضعفه أيضا لأنا إن علمنا باستناد الحلف إلى الأصل فيصير كاليمين على نفي العلم فقد
عرفت عدم كفايته مضافا إلى ما سيجئ من الفرق بين مستند الشهادة والحلف وان الملازمة المدعاة ممنوعة وإن لم
نعلم به بل علمنا باستناده في الحلف إلى العلم أو احتملنا ذلك حسبما عرفت من كلام الأستاذ من أن
الجواب بلا أدري أعم من عدم العلم بالبراءة وإن كلام القوم أيضا أعم وإن كان لنا تأمل فيه فلا ريب في كفايتها
وهو الكافي للمهمات.
ثم إن هنا أمرين ينبغي التنبيه عليهما الأول انه لا فرق فيما ذكر في حكم المجيب بلا أدري بين
العين والدين فلو ادعى على أحد بعين في يده فأجاب بلا أدري فحكمه ما ذكرنا من القضاء عليه بعد عرض
اليمين عليه قبل ردها على المدعي أو بعده على القولين في المسألة.
فإن قلت قد ورد في بعض الروايات كرواية الحفص جواز اليمين لذي اليد على البت على ما في يده فتدل
على مخالفة حكم العين للدين وانه يجوز فيها الاستناد في اليمين على النفي بأصل.
قلت ما ورد في رواية الحفص من الاكتفاء باليمين على البت فإنما هو بالنسبة إلى اليد السابقة على
يد المدعى عليه كما إذا ادعى عليه ان ما اشتريته من زيد فهو سرقة مثلا فجعل الشارع اليد للغير امارة للملك
بحيث يجوز الاستناد إليها في الحلف كما يجوز الاستناد إليها في الشهادة كما في الرواية لا يدل على مخالفة
حكم العين للدين وسيجئ تمام الكلام في ذلك في مستند اليمين في بابها إن شاء الله فانتظر واغتنم الثاني ان ما
ذكرنا في حكم المجيب بلا أدري يجري في المجيب بالانكار والنفي إذا علم بعدم كونه عالما لما ينفيه واقعا و
كونه شاكا فيه فيلزم برد اليمين والا قضى عليه أما بعد الرد أو قبله وهذا الذي ذكرنا وإن لم يصرح به أحد في ما
أعلم إلا أنه يعلم حكمه مما ذكروه في المجيب بلا أدري بعد التأمل والنظر وهو أيضا مقتضى ما ذكرنا من الأدلة لان

160
حلفه حينئذ على البت ليس إلا من جهة الاستناد إلى الأصل وقد عرفت أنه في حكم الحلف على نفي العلم الغير الكافي
في المقام فراجع وتأمل.
قوله يقضى على من غاب عن مجلس مطلقا مسافرا كان أو حاضرا الخ أقول الحكم على الغائب
في الجملة مما لا إشكال بل لا خلاف فيه عندنا بل الاجماع بقسميه عليه مضافا إلى روايتي محمد بن مسلم وجميل
المتقدمتين فيما سبق فراجع.
وقد يستدل بروايات أخر مذكورة في كتب الأصحاب كالنبوي المستفيض في حكاية هند زوجة أبي
سفيان لعنهما الله والمروي عن أبي موسى الأشعري لعنه الله وغيرهما لا دلالة لها (1) على المدعى عندنا لكنا لسنا محتاجين
إليها لما قد عرفت من دلالة غيرها من الأدلة وانه لا إشكال في المسألة في الجملة إنما الاشكال في شرايط ذكرها
الأصحاب أو بعضهم يرجع بعضها إلى الدعوى وبعضها إلى المدعي وبعضها إلى المدعى عليه وبعضها إلى المدعى به.
فنقول ان الكلام في المسألة يقع في مواضع الأول في الدعوى الثاني في المدعى والثالث في -
المدعى عليه والرابع في المدعى به وقبل الخوض في التكلم في المواضع الأربعة لا بد من التكلم في أن القضاء
على الغائب هل هو موافق للأصل الثانوي المستفاد من الاطلاقات الواردة في باب القضاء من الآيات والاخبار أو لا
فنقول انه قد يقال بل قيل كما عن جماعة بكونه موافقا له لشمولها للغائب كشمولها للحاضر ولكن التحقيق
الذي عليه بعض المحققين كونه مخالفا له لعدم اطلاق فيها ينفع المقام كما سيجئ الإشارة إليه في طي المسألة
مضافا إلى ظهورها في القضاء والفصل المنجز الغير الموجود في الغائب لان الفصل فيه يكون مراعى كما لا يخفى
فاحفظ هذا لعله ينفعك فيما بعد إن شاء الله فلنرجع إلى التكلم في أصل المسألة.
فنقول إما الكلام في الموضع الأول فقد ذكر الفاضل في بعض كتبه انه يشترط في سماع الدعوى على
الغائب أن تكون معلومة وإن قيل بسماع الدعوى المجهولة على الحاضر والوجه في هذا الاشتراط حسبما
ذكره الأستاذ العلامة دام ظله هو ان سماع الدعوى انما يكون في موضع أمكن الحكم فيه عادة بحصول الموازين
الشرعية وترتب على سماعها فائدة وهذا في الحاضر ممكن عندهم حسبما عرفت سابقا من تعليلهم سماع الدعوى
باحتمال الاقرار من المدعى عليه أو إنكار منه مع حلفه أو رده اليمين على المدعي أو غيرهما من القواعد ومعلوم
ان هذا غير ممكن في الغائب أما الحكم بالبينة فلما قد عرفت من عدم دليل على سماعها في الحاضر أيضا فضلا
عن الغائب وإن كنت طالبا للاطلاع على تفصيل القول فيه فراجع إلى ما ذكرنا سابقا في تلك المسألة وأما احتمال
حصول الاقرار أو الانكار فهو منفي في المقام لفرض كون المدعى عليه غائبا لا يقال قد يمكن حصولها منه أيضا بعد
حضوره فالقول باطلاق عدم السماع غير وجيه.
لأنا نقول الكلام في سماع الدعوى على الغائب مع كونه غائبا فما ذكر لا ربط له بالمقام هذه
خلاصة ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله في توجيه كلام الفاضل ولم أر من ذكر له وجها من الأصحاب لكنك
تقدر على المناقشة فيما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله بالتأمل فيما ذكرنا من الكلام في الدعوى المجهولة
فراجع إليه.



(1) إما عدم دلالة رواية هند عليها ما عليها فبأنه ليس فيها دلالة على مسألة قضاء النبي (صلى الله عليه وآله) على أبي سفيان بل ظاهرها
بيان حكم أصل المسألة أو جواز المقاصة لهند ولهذا ذكر بعض الأصحاب ان الرواية مرددة بين الفتوى والحكم بالتقاص وأما عدم
دلالة المروي عن أبي موسى فبأنه ظاهر فيما إذا امتنع المدعى عليه عن الحضور والحكم فيه اجماعي كما سيجئ ولا دخل له بالغايب
من حيث هو غايب بل هو عنوان آخر فتأمل (منه قده)
161
وأما الكلام في الموضع الثاني وهو المدعى فقد ذكر بعض الأصحاب انه يشترط فيه أن يذكر جحود
المدعى عليه وإلا فلا تسمع دعواه نظرا إلى ظهور الأدلة كقوله (صلى الله عليه وآله) انما اقضي بينكم الخبر واقض بين الناس في
اختصاص القضا بصورة تحقق الخصومة والتشاجر هذا ولكن الحق الذي عليه المحققون بل لا يبعد دعوى الاجماع
عليه كما أدعاه بعض الأساطين عدم اشتراط ذلك لنا عليه اطلاق ما دل على القضاء على الغائب ولا يعارضه قوله
انما أقضي بينكم بالبينات والايمان وأشباهه.
أما أولا فبمنع دلالته على وجود الخصومة لان لفظة بينكم وإن كان له ظهور فيما ذكر ابتداء إلا أنه
بعد التأمل يعلم أن المراد منه هو الحكم فيما كان هناك دعوى من المدعي والقول بعدم صدق الدعوى إلا فيما
علم الجحود من المدعى عليه فاسد جدا ويشهد لما ذكرنا بل يدل عليه تحقق الحكم والقضاء في موارد لم يتحقق
فيها الخصومة من المدعى عليه كما في الدعوى على الصغير والمجنون والميت مع عدم من يكون منكرا
وجاحدا من قبلهم بل يمكن القول بعدم تحقق الخصومة في القضاء على الساكت والمجيب بلا أدري أيضا.
وأما ثانيا فبأنه على فرض تسليم دلالته لا يعارض ما ذكرنا من اطلاق ما دل على القضاء على الغائب
كالخبرين وغيرهما لعدم وجود التنافي بينهما كما لا يخفى لكونهما مثبتين فلا دليل على حمل المطلق على
المقيد هنا فيؤخذ بالاطلاق.
وأما ثالثا فبأنه على فرض تسليم دلالته على الاشتراط فلا بد من العلم بالجحود والانكار حسبما هو
قضية الاشتراط فلا دليل على كفاية ذكر المدعي والقول باعتبار قوله في ذلك من حيث إنه لو بنى على عدمه
لأفضى إلى تضييع الحقوق غالبا ليس بأولى من عدم اعتبار وجود المخاصمة للوجه المذكور فتأمل هذا وقد يقال
بان اشتراطهم ذكر المدعي من حيث حصول العلم غالبا من ذكره من حيث عدم الداعي لكذبه في ذلك وفيه نظر لا
يخفى على الناظر فيه وكيف كان لا إشكال في الحكم والقضاء ما لم يعلم باعترافه وإقراره بما يدعيه المدعي
حسبما ذكرنا وإن علم باعترافه ففي تحقق القضاء هنا وجهان
التكليف ليس قضاء بل هو من الأمر بالمعروف فراجع وتأمل هذا مجمل القول في الموضع الثاني.
وأما الكلام في الموضع الثالث فتفصيل القول فيه أن المدعى عليه الغائب لا يخلو إما أن يكون مسافرا
بحد المسافة الشرعية أو ما دونه أو غير مسافر سواء كان غائبا عن مجلس القضاء أو البلد الذي يقضي فيه القاضي
المشهور بين الأصحاب المدعى عليه الاجماع جواز القضاء على الغائب في جميع الصور والمحكي عن يحيى بن
سعيد اختصاص الحكم بالقسم الأول أي من كان مسافرا بحد المسافة الشرعية والمحكي عن الشيخ في المبسوط و
الشهيد في تعليق الارشاد عدم جواز القضاء على الغائب عن مجلس القضاء إلا بعد تعذر الحضور فيكون حكمه حكم
الحاضر في مجلس الحكم وهذا هو الحق فبالحري قبل الخوض في أدلة الأقوال ان نقدم أمرا به يتضح محل
النزاع ويرتفع حجاب الاجمال وهو ان المدعى عليه لا يخلو إما أن يكون حاضرا في مجلس القضاء أو غائبا
عنه وعلى الثاني ينقسم إلى الأقسام الأربعة المتقدمة وعلى جميع تقادير القسم الثاني لا يخلو إما أن يتعذر
عليه الحضور أو لا يتعذر فإن كان حاضرا في مجلس القضاء فلا إشكال في عدم جواز القضاء عليه إلا بعد السؤال عنه
بل لم أجد من خالف فيه يعتد به وقد ورد به الأخبار المستفيضة من الأئمة الأطهار منها رواية محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا تقاض إليك رجلان فلا تقض للأول حتى تسمع من الآخر فإنك إذا
فعلت ذلك تبين لك القضاء ومثله المروي عن الصادق (عليه السلام) أيضا إلا أن فيه بعد الحكم بعدم السماع إلا بعد السؤال

162
عن المدعى عليه التعليل باني إذا فعلت ذلك ما شككت فيه أبدا وبالجملة الحكم في الفرض مما لا إشكال فيه
أصلا بل قد نقل الاجماع عليه وإن لم يكن حاضرا فيه فإن تعذر عليه الحضور أو امتنع منه فلا إشكال في الحكم
عليه وإن كان حاضرا في البلد ويدل عليه قبل الاجماع حسبما حكاه الأستاذ العلامة دام ظله أدلة نفي الضرر
والضرار في الشريعة النبوية المحمدية المحمودة على صاحبها ألف التحية مضافا إلى أنه لو بنى على عدم السماع
فيه لأفضى إلى تضييع الحقوق كثيرا الذي شرع لرفعه القضاء والحكم وإن لم يكن حاضرا في مجلس القضاء
ولم يتعذر عليه الحضور أيضا فإن كان مسافرا بحد المسافة الشرعية فهو أيضا خارج عن محل النزاع لكونه
المتيقن من الغائب الذي انعقد الاجماع على القضاء عليه في الجملة وإن لم يكن مسافرا كذلك ففيه الأقوال فعلم
مما ذكرنا أن عنوان الممتنع من الحضور أو المتعذر عليه ذلك غير عنوان الغائب وإن اجتمعا في بعض المصاديق
ومنه يظهر ما في كلام بعض من الخلط بينهما فراجع.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى ذكر الأدلة للأقوال في المسألة فنقول احتج للقول المشهور بوجوه منها
طوائف من الاطلاقات أحدها اطلاق ما دل على الحكم بالحق والقسط الشامل للحاضر والغائب بأقسامه خرج
منه الحاضر قبل السؤال بالاجماع والأخبار المستفيضة وبقي الباقي ثانيها اطلاق ما دل على القضاء بالبينات من
الاخبار البالغة حد الاستفاضة القريبة بحد التواتر ثالثها اطلاق ما دل على القضاء على الغائب من الأخبار المتقدمة
منها رواية هند زوجة أبي سفيان بناء على ما نقل من حضوره في بلدة مكة ومنها لزوم الضرر كثيرا ما لو لم
يحكم عليه وهو منفي بأدلة الضرر وأيضا يلزم منه ابطال الحقوق فيجب حفظها بتجويز القضاء هذا مجمل
ما يتمسك به للمشهور.
وأنت خبير بضعفه وعدم نهوضه للدلالة على المدعي أما اطلاقات ما دل من الاخبار على الحكم بالقسط
والعدل وبالبينات والايمان فبأنه لا إطلاق فيها ينفع المقام لأنها واردة في مقام بيان القضية المهملة وتشريع
القضاء والحكم في الجملة على شروطه المقررة في الشريعة حسبما مرت الإشارة إليه غير مرة فكما أن ما دل من
الاجماع والاخبار على اشتراط العدالة في البينة وغيرها من الشروط لا يعد معارضا ومقيدا لهذه الاخبار
بل مبينا لما أهمل فيها كذلك القول باشتراط القضاء بالبينة في الغائب عن مجلس القضاء بالسؤال عنه ليس
منافيا لها.
والحاصل ان تلك الأخبار واردة في مقام بيان القضاء بالبينة وأمثالها في الجملة وفي مورد ثبت جواز
القضاء فيه من الخارج وليست في مقام بيان ان في أي مورد يجوز القضاء بها وفي أي مورد لا يجوز وما ذكرنا ليس
بمخفي على الأصاغر بعد البحث عن القضية فضلا عن الأكابر والأعاظم بل لنا أن نقول إن عمومات القضاء والحكم
بين الناس غير شاملة للقضاء على الغائب أصلا حتى في الغائب الذي انعقد الاجماع على جواز الحكم عليه لان
ظاهرها القضاء والفصل المنجز الغير المراعى وهذا غير جار في الغائب وهذا معنى ما ذكرنا في أول المسألة من أن
القضاء على الغائب مخالف للقاعدة المستفادة من عمومات القضاء هذا كله في الأخبار الواردة في باب القضاء بقول
مطلق وأما ما ورد في القضاء على الغائب فبأنه منصرف إلى غير الحاضر في البلد فلا إطلاق له يشمله.
توضيح ذلك أن الغيبة والحضور وإن كانا من الأمور الإضافية فيمكن أن يلاحظا بالنسبة إلى المجلس
والبلد وغيرهما إلا أن لفظ الغائب بقول مطلق ينصرف إلى الغائب عن البلد وهذا واضح لكل من شاهد الوجدان
وراجع إلى الاستعمالات العرفية.

163
هذا مضافا إلى أن في أخبار القضاء على الغائب ما يوجب ظهورها فيما ذكرنا كقوله (عليه السلام) يباع ماله
ويقضى دينه والغائب على حجته إذا قدم فإن في هذه الفقرات دلالة على ما ذكرنا بما لا يخفى على المتأمل ومن
له ذوق سلمنا عدم انصرافه إليه وشموله للحاضر في البلد الغائب عن مجلس الحكم لكن ما نذكره من الأخبار الدالة
على عدم القضاء إلا بعد السؤال عن المدعى عليه فيما أمكن بحسب العادة مقيدة لاطلاقه فيجب رفع اليد
عنه بناء على ما تقرر في الأصول من وجوب حمل المطلق على المقيد وأما رواية هند زوجة أبي سفيان فقد عرفت
عدم دلالتها على أصل القضاء على الغائب فضلا عن المقام وأما حديث لزوم الضرر وإبطال الحقوق فللمنع من
لزومها أولا وثانيا سلمنا لزومهما في بعض الموارد ولكن لا دليل على ايجابه جواز القضاء بعد كونه مخالفا
للأصل لأنه مبني على لزوم الضرر وإبطال الحق غالبا وفي أكثر الموارد وثالثا سلمنا قيام الدليل على ايجابه
الحكم في مورد وجوده لكنه لا يلزم منه الاطراد كما هو المدعى لان الضرر في المقام على تقدير تسليم لزومه
ليس غالبيا حتى يوجب الاطراد بناء على القول بايجاب الضرر الغالبي لذلك حسبما هو المعروف بينهم.
هذا ملخص القول في أدلة ما ذهب إليه الأكثر والجواب عنه وأما ما ذهب إليه يحيى بن سعيد فلم
نقف على من ذكر مستندا له في قوله ويمكن أن يكون دعوى انصراف لفظ الغائب إليه بملاحظة ان الشارع
رتب كثيرا من الاحكام عليه وفيها ما لا يخفى على الجاهل فضلا عن العالم وأما ما يدل على المختار مضافا إلى الأصل
الذي قد عرفت الأصل له تعليله (عليه السلام) فيما ورد في عدم جواز القضاء على الحاضر في مجلس القضاء إلا بعد السؤال
بقوله فإنك إذا فعلت ذلك كما في بعضها أو ما يقرب منه كما في بعضها الآخر فإن المستفاد منه مطلوبية عدم القضاء
إلا بعد السؤال في كل مقام أمكن عادة وعرفا وان هذا هو طريق قطع المنازعات ودفع المرافعات لا يجوز التعدي
(التخطي خ) عنه في كل مورد أمكن فالعلة بعمومها تدل على الحكم في المقام.
والحاصل ان تلك الروايات تدل بملاحظة العلة المنصوصة على أن ميزان القضاء في كل مورد أمكن سؤال
الخصم هو وجوب السؤال وعدم الحكم قبله.
لا يقال إن العلة المذكورة في الروايات ظاهرة في الاستحباب فلا بد من حملها على الحكمة فلا يجوز
التعدي عن موردها وهو القضاء على الحاضر لأنا نقول لا مقتضى لحمل العلة على الحكمة لان ظهور اللفظ
في الاستحباب بعد قيام الاجماع على عدم ارادته منه وان المراد منه الوجوب لا يقتضيه أصلا كما لا يخفى فتأمل
في المقام هذا.
ثم إني وقفت بعدما كتبت ما ترى إلى (على خ) دليل آخر تمسك به بعض الأساطين للقول المشهور وهو
الاجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحققة بل عدم الخلاف في المسألة وهو كما ترى لأنا لم نقف على من نقل
الاجماع في المسألة بحيث يشمل المقام ممن يعتد بنقله وعلى فرض تسليم النقل يمكن القول بعدم اعتباره
في المقام بملاحظة ما ذكرنا من تفصيل القول في اعتباره في الأصول فراجع وتأمل هذا مجمل القول في
الموضع الثالث.
وأما الكلام في الموضع الرابع وهو المدعى به فنقول انه لا يخلو إما أن يكون من حقوق الناس
كالديون والعقود والايقاعات والاحكام أو من حقوق الله تعالى كالزنا واللواط ونحوهما مما يترتب عليه حق الله
تعالى أو منهما كالسرقة المترتبة عليها العزم والقطع فإن كان من الأول فلا إشكال بل لا خلاف في كونه مورد المسألة
القضاء على الغائب بل الاجماع عليه من الفريقين لأنه متيقن الدخول فيها وإن كان من الثاني في إشكال بل لا

164
خلاف أيضا في عدم ثبوت الحكم فيه بل يمكن أن يقال بانصراف ما دل على القضاء على الغائب إلى غيره وقد
يعلل بابتنائه على التخفيف لاستغنائه تعالى عنه والمقصود من هذا الكلام ان الحكم على الغائب لما كان على
خلاف الأصل فيقتصر فيه على ما لو لم يحكم فيه لزم ابطال الحقوق والضرر كثيرا على المحكوم له وهو ليس
إلا حق الناس وأما حق الله فلا بد أن يراعى فيه الاحتياط من جانب المحكوم عليه لعدم ضرر على صاحب الحق
فيه لاستغنائه عن جميع ما سواه وإن كان من الثالث فلا إشكال فيه أيضا في ثبوت الحكم بالنسبة إلى حق الناس
وعدم ثبوته بالنسبة إلى حق الله جمعا بين الاحتياطين وإعمالا للأصلين هذا وقد أشكل المصنف في المتن في -
الحكم بعدم القطع في الشهادة على السرقة مع الحكم بالغرم لكونهما معلولي علة واحدة فإن ثبتت السرقة بالبينة
لا بد من الحكم بهما وإلا فلا داعي للحكم في الآخر أيضا وفيه نظر لا يخفى وجهه على المتأمل وفي مسالك الأفهام ان باقي
الأصحاب قطعوا بالغرم وانتفاء القطع نظرا إلى وجود المانع من الحكم في أحدهما دون الآخر وتخلف أحد
المعلولين لمانع واقع كثيرا ومنه ما في هذا المثال لو أقر بالسرقة مرة فإنه يثبت عليه المال دون القطع ولو كان
المقر محجورا عليه في المال يثبت الحكم في القطع دون المال والأصل فيه أن هذه ليست علة حقيقية وإنما
هي معرفات الاحكام انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه وقد أجاد فيما أفاد وجاء على طبق المراد فجزاه الله عنا
وعن الاسلام خيرا.
وينبغي التنبيه على أمور الأول انك قد عرفت من تضاعيف ما ذكرنا في القضاء على الميت الحاق الغائب
به بملاحظة العلة المنصوصة في عدم سماع البينة عليه إلا بعد انضمام الحلف إليها ففي كل مورد يقضى عليه
لا بد من انضمام اليمين وهذا مما لا إشكال فيه بناء على ما أسلفنا وهكذا الكلام في القضاء على الممتنع من
الحضور أو المتعذر عليه لعين ما ذكرنا في الغائب فراجع.
الأمر الثاني انه لا إشكال في كون الحكم على الغائب كالحكم على الحاضر في نفوذه على غير المدعى
عليه أيضا في الجملة وهل ينفذ على من ادعى ما أدعاه المدعي على الغائب وأقام البينة عليه بمعنى انه لا يحتاج
إلى إعادة البينة فيكون هو بمنزلة الغائب أو لا ينفذ فيكون بمنزلة الدعوى الجديدة مع المدعي أو فيه تفصيل
بين من يكون مدعيا فعلا من المدعي كما لو تداعى رجلان في زوجية امرأة غايبة وأقام أحدهما البينة عليها
أو مدعيا شأنا كما لو ادعى شخص ملكية شئ على الغائب وأقام البينة عليها ثم جاء شخص آخر وادعى ملكيته
أيضا فيكون على الأول كالأول أي في حكم الغائب المدعى عليه وإن كان حاضرا وعلى الثاني كالثاني وهذا
هو الوجه الوجيه الأحرى بالاتباع والأولى في الاعتبار ويظهر وجهه بالتأمل.
الثالث ان فيما يقوم البينة عليه ويحكم فيه للشخص هل حكمه حكم القضاء على الغائب في كونه
مراعى أو حكمه حكم القضاء على الحاضر في عدم كونه مراعى وجهان أوجههما الأخير ويظهر وجهه
بالتأمل فتأمل.
الرابع ان كل مورد حكم فيه على الغائب بالبينة واليمين فهل يعاد اليمين بعد حضوره وادعاء
الابراء مع عدم البينة كما هو ظاهر الشهيدين في الدروس والروضة أو لا تعاد كما هو ظاهر جماعه منهم الشيخ
في المبسوط حيث ذكر أنه لو قال الغائب بعد حضوره فاحلفوه لي انه ما قبض قلنا قد استحلفناه الأقوى لا وقد تقدم
تفصيل الكلام فيه فيما ذكرنا سابقا فراجع.
قوله لو كان صاحب الحق غائبا وله وكيل فطالب الوكيل الغريم بما عليه الخ أقول قد ذكرنا بعض الكلام في

165
المسألة سابقا ونتعرض هنا للتكلم فيها في الجملة توضيحا.
فنقول ان الكلام في المسألة تارة في ايقاف الدعوى وعدمه وأخرى في أنه بعد القول بعدم الايقاف
هل يشترط في دفع المال إلى الوكيل تكفيله أم لا أما الكلام من الجهة الأولى فالحق فيها عدم الايقاف وفاقا
للمحققين لا لما ذكره المصنف من أن التوقيف يؤدي إلى تعذر طلب الحقوق بالوكلاء حتى يورد عليه ما
أورده بعض المدققين بما هذا لفظه وتعذر المطالبة بالوكلاء ممنوع بل له أن يوكل في رد اليمين أيضا فيتم
الحكم مع أنه إن أراد تعذر تعجيل استيفاء الحق بالوكلاء فبطلان التالي ممنوع وإن أراد مطلقه فاللزوم
ممنوع ومعارض بأنه يلزم على هذا ان يتمكن كل من استوفى حقا ثابتا بالاقرار والبينة من استيفائه ثانيا
بالوكيل واختيار الغيبة ويسقط عن نفسه كلفة اليمين وفيه ما لا يخفى انتهى كلامه بل لما قد عرفته من تضاعيف
ما ذكرنا في مسألة القضاء على الغائب من أن الادعاء على الغائب من دون بينة كالادعاء على الميت لا دليل على
سماعها بل قد عرفت قيام الدليل على عدم السماع وعليه لا ورود لما أورده المدقق المتقدم ذكره كما لا يخفى هذا
ويمكن أن يستدل للقول بالايقاف بأن الدعوى الغير المسموعة إنما هي إذا كانت مستقلة ودعوى الابراء أو
التسليم في الفرض ليست بدعوى مستقلة وإنما هي متممة للدعوى التي ادعيت على المدعى عليه.
وبعبارة أخرى قد تقرر في محله ان دعوى الابراء من المدعى عليه موجبة للتزلزل في دعوى صاحب
الحق بمعنى انه لا يجوز دفع المال إليه قبل الفراغ عن هذه الدعوى فيكون رفعها متمما وجزء لتأثير بينة المدعى
في الاشتغال الفعلي بحيث يؤخذ المدعى عليه بما قامت عليه ففي صورة دعوى الغريم ابراء الموكل الغائب لم
يتم حجة الوكيل على الاشتغال حتى يدفع المال إليه وهذا لا دخل له بحديث عدم سماع الدعوى على الغائب
هذه غاية ما يمكن أن يوجه بها القول بالايقاف.
ولكنك خبير بضعا فأنا وإن سلمنا كما هو المشهور بينهم من غير خلاف يعرف كون رفع دعوى -
الابراء من المدعى عليه شرطا في تمامية حجة المدعي وانه لا يدفع المال إليه قبله حسبما ربما يتوهمه بعض
القاصرين من جواز الدفع إليه لتمامية الحجة على الحق وكون دعوى الابراء دعوى مستقلة جديدة ان أثبتها
المدعى استعيد المال من المدعى عليه وإلا فيحلف على عدم الابراء ولا شئ عليه.
إلا أنا نقول إن ذلك إنما هو فيما إذا سمعت دعوى الابراء من المدعى عليه كما إذا كان المدعى حاضرا
وأما فيما لم يكن هناك دليل على سماعها بل دل الدليل على عدمه فلا وجه لتوهم عدم جواز الدفع وإيقاف الدعوى.
وبعبارة أخرى إيجاب دعوى الابراء من المدعى عليه للتزلزل في دعوى المدعى بالمعنى المتقدم
إنما هو فيما إذا سمعت دعوى الابراء وأما إذا لم تسمع فلا أثر لها أصلا هذا مجمل القول في التكلم من -
الحيثية الأولى.
وأما الكلام في الحيثية الأخرى والجهة الثانية وهي اشتراط الدفع بتكفل الوكيل فقد رجح الأستاذ
العلامة هنا عدم الاشتراط وإن كان مقتضى ما ذكرنا في السابق الاشتراط من حيث إن المفروض تمامية دعوى
الوكيل وتنجزها وعدم تزلزلها أصلا واحتمال دعوى المدعى عليه الابراء في صورة حضور الموكل لا يلتفت
إليه بعد عدم تأثيرها في غيبته وإلا لوجب التكفيل في دعوى الحاضر على الحاضر بعد إقامة البينة لاحتمال دعواه
الابراء بعد الدفع وسيجئ زيادة توضيح لما ذكره دام ظله عن قريب.
بقي هنا فرع لم يتعرضه المصنف قد أشرنا إليه سابقا وتعرضه شيخنا الأستاذ أيضا وهو انه لو ادعى

166
وكيل الغائب على غائب وأقام البينة على ما أدعاه فهل يحكم عليه أم لا وعلى التقدير الأول فهل يحكم بالتكفيل
أم لا الحق هو الحكم عليه واشتراط الدفع إلى التكفيل.
أما الدليل على الأول فهو الأدلة الدالة على القضاء بالبينة بعد اقامتها عموما وخصوصا قد تقدم الكلام
فيها سابقا.
لا يقال قد تقدم أيضا انه لو كان المدعى عليه غائبا لا بد من انضمام اليمين إلى البينة فلا يجوز القضاء
بها بدونها والمفروض ان اليمين هنا متعذرة فيجب الحكم بإيقاف الدعوى.
لأنا نقول قد تقدم ان انضمام اليمين إلى البينة إنما هو من جهة دفع الدعوى المحتملة من الغائب
والمفروض انه لو كان المدعى عليه حاضرا وادعى الابراء لم تسمع لكونها دعوى على الغائب فلا أثر لاحتمالها
في حال الغيبة نعم على قول من يجعل اليمين جزء للبينة في الدعوى على الغائب وأمثاله لتوجه عليه الايراد -
المذكور لكنا ما بنينا عليه حسبما عرفت تفصيل القول فيه سابقا.
وأما الدليل على الثاني وهو اشتراط الدفع بالتكفل من الوكيل فهو عموم ما دل على نفي الحكم
الضرري في الشريعة لان دفع المال إلى الوكيل من غير تكفيله ضرر على الغائب لاحتمال ان يحضر الموكل
وامتنع عن الحلف مع وجوبه عليه بمقتضى احتمال دعوى الابراء عليه أو التسليم إليه من الغائب المدعى عليه
فيكون دفع المال إليه متزلزلا وفي كل دفع متزلزل يجب فيه التكفل بمقتضى عموم لا ضرر ولا ضرار وهذه قاعدة
يجب الجري عليها إلا في مورد قام الدليل على خلافها.
فإن قلت لو كان احتمال امتناع المدعي الغائب عن الحلف بعد حضوره موجبا لاشتراط دفع المال
إلى الوكيل بتكفيله في صورة غيبة المدعى عليه لكان موجبا له في صورة حضوره أيضا لوجود الاحتمال المذكور
فيها أيضا وقد بنيت على عدم لزوم التكفيل فيه.
قلت لا ملازمة بين القول باشتراط الدفع بالتكفيل في المقام وبين القول به في صورة حضور المدعى
عليه لوجود الفرق بينهما لان دفع المال إلى الوكيل فيما نحن فيه متزلزل بحلف المدعي بعد حضوره بخلاف
الدفع في صورة حضور المدعى عليه لأنه لا تزلزل فيه والوجه فيه أن دعوى الابراء الموجودة فعلا من المدعى عليه
لما كانت على الغائب لا تسمع منه فبعد حضور المدعي لو لم يدع عليه الابراء أو التسليم لا يتوجه عليه شئ أصلا
وهذا بخلاف المقام فإنه بعد حضور المدعى يتوجه إليه الحلف بمقتضى احتمال الدعوى الموجودة سابقا
النازلة منزلة المحققة فهذا الاحتمال يقتضي ايجاب اليمين على المدعي بعد حضوره بخلاف الدعوى المحققة
من المدعى عليه في الفرض.
وبعبارة أخرى وجود احتمال الدعوى فيما نحن فيه مقتض وسبب لالزام الموكل بالحلف بعد
حضوره فيكون دفع المال إلى الوكيل متزلزلا بخلاف الدعوى المحققة من المدعى عليه في صورة حضوره فإنها
لا تقتضي إيجاب شئ على المدعي أصلا فإنها في زمان وجودها لا تسمع لكونها دعوى على الغائب وليس لها
استمرار أيضا حتى يقال باقتضائها إلزام المدعي باليمين بعد حضوره أيضا وهذه بخلاف الدعوى المحتملة فيما
نحن فيه فإنه وإن لم تقتض فعلا ايجاب شئ على المدعى لكنها مقتضية عند حضوره لثبوت استمرار لها في
جميع الانات فظهر مما ذكرنا وضوح الفرق بين المقامين وحصول الفارق بين الصورتين فلا يمكن أن يقاس
إحديهما على الأخرى كما لا يخفى.

167
وينبغي التنبيه على أمور الأول ان ما ذكرنا في دعوى وكيل الغائب على الغائب يجري في دعواه
على غيره ممن هو في حكمه كما إذا ادعى على ميت أو صبي أو مجنون وكذا يجري في دعوى وصي صبي أو وليه
أو ولي المجنون على الغائب أيضا ويظهر وجهه بالتأمل فيما ذكرنا فراجع وتأمل.
الثاني ان المستفاد مما دل على اشتراط الدفع بالتكفيل في كل مورد اعتبر انما هو من جهة حصول
الاطمينان به فلو اطمئن بالقابض فلا يحتاج إلى التكفيل وإلا فيلزم التسلسل لان الكفيل أيضا يحتاج إلى
كفيل وعليه يحمل ما ورد في بعض النصوص من قوله إلا إذا كان مليا فإنه من جهة حصول الاطمينان بالقابض
إذا كان مليا غالبا فيحمل على ما هو الغالب من حصول الاطمينان بالقابض إذا كان مليا لا أنه يجوز الدفع إليه في
هذه الصورة وإن لم يحصل منه الاطمينان.
وبعبارة أخرى لزوم أخذ الكفيل على الحاكم إنما هو من جهة مراعاة الاحتياط للمدعى عليه
المأخوذ منه ومعلوم انه لا يقتضي التكفيل إذا اطمئن بالقابض بل ربما يكون أخذ الكفيل منافيا للاحتياط
كما إذا كان المكفول له أمينا والكفيل خائنا هكذا ذكر الأستاذ العلامة دام ظله حتى فيما ورد النص
بالتكفيل فيكتفى فيه أيضا بالاطمينان الحاصل من القابض وعليك بالتأمل ومتابعة ما يؤدي إليه نظرك بعده
والله العالم.
الثالث ان فيما يحكم بانضمام اليمين إلى البينة في القضاء على الغائب فلو نكل المدعي عن الحلف
المتوجه إليه من جهة دفع الدعوى المحتملة فهل حكمه حكم النكول عن الحلف المتوجه إليه من جهة
دعوى الابراء المحققة في حكم الحاكم ببرائة ذمة المدعى عليه أو حكمه حكم النكول عن الحلف المتوجه
إلى المدعي من غير جهة دعوى البراءة بل من جهة الرد أو تكميل الشاهد في عدم الحكم بثبوت الحق لا الحكم
بسقوطه وجهان من أن الدعوى المحتملة لما نزلت شرعا منزلة المحققة في إيجابها الحلف على المدعي فيكون
حكم النكول عن الحلف المسبب عنها حكم النكول عن الحلف المسبب عن الدعوى المحققة ومن انها وإن
نزلت شرعا منزلة الدعوى المحققة إلا أنه ليس دليل هنا يدل على تنزيلها منزلتها في جميع الأحكام والآثار و
إنما القدر المتيقن منه هو تنزيلها منزلتها في انضمام اليمين إلى البينة وإن شئت قلت إن الحكم ببرائة الذمة
وسقوط الدعوى ليس من آثار دعوى البراءة وإنما هو من آثار النكول عن الحلف المتوجه بها والدعوى
المحتملة إنما نزلت منزلتها في ايجابها اليمين وأما حكم النكول فهو حكم آخر لا دخل له باعتبار أصل اليمين
وعليك بالتأمل في جميع ما تلونا عليك لأنه لا يخلو عن الغموض والاشكال وهو العالم بحقيقة الحال.
قوله الأول في اليمين ولا يستحلف أحد إلا بالله ولو كان كافرا الخ أقول الكلام في المسألة يقع في
مقامين أحدهما في حكم الحلف بغير الله تكليفا ثانيهما في حكم الحلف بغيره وضعا سواء كان في مقام -
الدعاوى أو غيره مما رتب أثر على اليمين في الشريعة كما في موارد الالتزامات الفعلية أو التركية على النفس
من الكفارة وغيرها وبالحري قبل الخوض في المسألة أن نذكر برهة من الاخبار وجملة من الآثار الواردة من -
النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار حتى تزول ببركتها كل شبهة حدثت أو تحدث في هذه المسألة منها ما عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
لا تحلفوا إلا بالله ومنها صحيحة ابن مسلم قلت لأبي جعفر (عليه السلام) قول الله عز وجل والليل إذا يغشى والنجم إذا هوى
وما أشبه ذلك فقال إن لله عز وجل ان يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به ومنها صحيحة الحلبي
عن الصادق (عليه السلام) لا أرى أن يحلف الرجل إلا بالله ومنها ما عن النبي (صلى الله عليه وآله) من حلف بغير الله فقد أشرك وفي آخر

168
فقد كفر ومنها صحيحة سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السلام) أهل الملل من اليهود والنصارى والمجوس لا يحلفون
إلا بالله ومنها خبر سماعة سئلته هل يصلح لاحد أن يحلف أحدا من اليهود والنصارى والمجوس بآلهتهم قال لا
يصلح لاحد أن يحلف إلا بالله ومنها ما روي عنه (عليه السلام) لا تحلفوا اليهود والنصارى والمجوس بغير الله عز وجل
ان الله عز وجل يقول فاحكم بينهم بما أنزل الله إلى غير ذلك من الروايات المذكورة في كتب الأصحاب.
إذا عرفت ذلك فنقول أما الكلام في المقام الأول فقد حكي عن بعض الأصحاب عدم جواز الحلف بغير الله
تبارك وتعالى مطلقا في الدعاوى وغيرها استنادا إلى ظواهر الأخبار المتقدمة وعن جماعة منهم الشهيد ان
في الدروس والروضة التوقف فيه ولكن المشهور هو الجواز وهو الحق ويدل عليه ما ورد في كثير من الاخبار
من الحلف بغير الله من الأئمة كالحلف بالبيت فيحمل ما دام بظاهره على عدم جواز على الكراهة جمعا وفيه
تأمل (1) ويشهد عليه قوله في بعض الروايات لا أرى أن يحلف الرجل إلا بالله فإنه ظاهر في الكراهة كما لا يخفى.
وقد يستدل على الجواز بالسيرة المستمرة من زماننا إلى زمان الأئمة (عليهم السلام) والنبي (صلى الله عليه وآله) وفي هذا
الاستدلال نظر لا يخفى وجهه (2) على المتأمل ولا يجوز الاستدلال له أيضا بما ورد في الأدعية من تحليف الله
بالنبي والأئمة (عليهم السلام) وغيرهم لان كلامنا في الحلف لا في التحليف وأين أحدهما من الآخر.
لا يقال كيف تحمل تلك الأخبار على الكراهة من حلف الإمام (عليه السلام) بغير الله كما ورد في بعض الأخبار
مع أن من مذهبنا عدم صدور فعل المكروه من الإمام (عليه السلام).
لأنا نقول يحمل فعل الإمام (عليه السلام) على أحد شيئين إما على بيان الجواز والتشريع على أبعد الاحتمالين
أو على مصلحة أخرى لا نعلمها.
فإن قلت إذا حملت تلك الأخبار على الكراهة فبأي شئ تقول في المقام الثاني بعدم الكفاية لان -
الحكم التكليفي لا دخل له بالحكم الوضعي.
قلنا لسنا حاملين لجميع الأخبار الواردة في الباب على الكراهة وإنما نحمل عليها ما كان ظاهرا
في بيان الحكم التكليفي ولسنا محتاجين إليه أصلا لان أكثر الاخبار ظاهر في بيان الحكم الوضعي بحيث لا
دخل له بالتكليفي أصلا كما هو غير مخفي على الناظر إليها مضافا إلى ما سنذكره من قيام الاجماع على عدم
ترتب الأثر شرعا على الحلف بغير الله هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو عدم كفاية الحلف بغير الله بالنسبة إلى الحكم الوضعي سواء كان
لرفع الخصومة أو لزوم الكفارة وغيرها من الآثار المترتبة على الحلف فالحق فيه ذلك ويدل عليه مضافا إلى
الاخبار التي قد عرفت منها الاجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحققة بل الاجماع المحقق المعتضد في المسألة
في الجملة ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون الحالف رجلا وامرأة ولا بين أن يكون حرا وعبدا ولا بين أن
يكون مسلما وكافرا ولا بين الكافر ان يكون ملحد أو غيره ولا بين أن يكون ذميا وغيره من أقسام الكفار ولا
بين أن يكون المحلوف به مما له احترام في الشريعة كأسماء الأنبياء والأوصياء والكتب المنزلة من السماء و



(1) لاباء قوله (صلى الله عليه وآله) في بعض الأخبار الناهية فقد أشرك وفي بعضها فقد كفر وفي بعضها فاحكم بما أنزل الله عن الحمل
على الكراهة.
(2) والوجه فيه أن اعتبار السيرة إنما هو من حيث كشفها عن تقرير الحجة (عليه السلام) بعد ما لم يردع وقد ردع بما قد عرفته
من الاخبار فلا بد من نقل الكلام في دلالة تلك الأخبار (منه قده).
169
غيرها كل ذلك لاطلاق جملة مما عرفت من الاخبار وخصوص جملة منها فراجع إليها هذا ولكن يظهر من
جماعة منهم المصنف في المتن جواز الحلف الذمي بما يقتضيه دينه إذا رآه الحاكم أردع مطلقا كما هو ظاهر
المتن أو إذا لم يشتمل على محرم كما في اللمعة والروضة كالحلف على الأب والابن تعالى الله عن ذلك.
وقد يستدل له بروايات منها خبر السكوني ان أمير المؤمنين (عليه السلام) استحلف يهوديا بالتوراة التي
أنزلت على موسى وهو مع ضعفه كما ترى واحتمال اختصاصه بالإمام (عليه السلام) كما عن الشيخ في التهذيب أو واقعة
خاصة أو الحلف بمن أنزلها عليه لا يصلح للمعارضة مع ما عرفت من النصوص الصريحة في خلافه وأضف منه
غيره مما يستدل عليه من الروايات فراجع إليها في كتب الأصحاب حتى تذعن صدق ما ادعينا.
ثم إن ما ذكرنا كله إنما هو في طرف النفي وأما الاثبات فالحق الاكتفاء بكل ما يدل على ذاته
تبارك وتعالى من أسمائه كالله والرحمن والرحيم والخالق والرازق والمحيى والمميت إلى غير ذلك من أسمائه
وهذا مما لا إشكال فيه لما عرفت من اطلاق الاخبار فإن المقصود من الله الوارد فيها ليس هو خصوص هذه اللفظة
قطعا بل المراد منه هو الذات والحلف بكل ما يدل عليها انما الاشكال في أنه إذا كان الحالف المجوسي فهل
يكتفى بلفظة الله إذا كان الحلف بها من دون ضم شئ إليها كما هو المعروف المشهور بين الأصحاب أو لا يكتفي
بها مجردة بل لا بد من انضمام خالق الظلمة والنور ونحوه لأنه سمى النور إلها فيحتمل ارادته من لفظة الله فلا
يكون حالفا بالله كما ذهب إليه الشيخ في المبسوط حيث قال بعد تقسيم الحالف إلى أقسام وذكر أحكامها ما
هذا لفظه وإن كان مجوسيا حلف والله الذي خلقني ورزقني لئلا يتناول بالله وحده النور فإنه يعتقد النور إلها
فإذا قال خلقني ورزقني زال الابهام والاحتمال انتهى كلامه.
وقد حكى عن الشيخ فخر الدين الميل إليه محتجا بأنه يجب الجزم بأنه حلف ولا يحصل الجزم
بذلك وعن الشهيد في اللمعة والدروس الجزم به وهذا هو الحق ووجهه وإن كان ما أشاروا إليه في الجملة
إلا أنه يحتاج إلى توضيح منا.
فنقول انه لا إشكال ولا ريب عند ذوي الأفهام المستقيمة ان المستفاد من الأخبار المتقدمة هو عدم كفاية
الحلف بغير الله تبارك وتعالى وان المراد من الحلف بالله الوارد فيها هو الحلف بذات الله المقدسة فيجب بمقتضاها
احراز وقوع الحلف بها إما بالعلم أو بظن قام مقامه شرعا كظواهر الألفاظ فالذي يحلف بالخالق والرازق وان
احتمل ارادته من هذين اللفظين أمير المؤمنين (عليه السلام) بتوجيه إلا أن ظاهر اللفظ خلافه فيؤخذ به ويعلم منه شرعا
انه حلف بالله وهكذا في سائر الموارد التي احتملنا إرادة الحالف غير المعنى الحقيقي من اللفظ بتورية أو غيرها
نأخذ بظاهره ونحكم بأنه حلف بالله تعالى وإن فقد الأمران بان لا يكون هنا علم بما ذكرنا ولا ظن معتبر
مستفاد من ظاهر اللفظ بأن يكون اللفظ المحلوف به مشتركا عند المتكلم والمخاطب بين الذات المقدسة وغيرها
كلفظ الموجود مثلا أو كان عند المتكلم الحالف له معنى غير الذات المقدسة التي وضع اللفظ لها كلفظ الله الموضوع
عند المجوس للنور فلا يكفي الحلف به ما لم ينضم إليه ما يصرفه ولو بحسب الظاهر إلى الذات المقدسة ضرورة
ان المستفاد من الاخبار ليس كفاية الحلف بلفظة الله وإن لم يقصد بها معنى الواجب الوجود ومن هنا يعرف الوجه
فيما ذكره بعض المحققين من الأصحاب بل جماعة منهم من عدم كفاية الحلف بالألفاظ المشتركة كلفظة موجود
ونحوها ومنه ظهر أيضا الوجه فيما ذكرنا من عدم كفاية حلف المجوس بلفظة الله إلا إذا انضم إليه ما يعلم به أو
يظن منه بالظن المعتبر كون المراد منه هو الواجب الوجود باعتقادنا أو علم أن مراده من لفظة الله مجردا هو ما نقول

170
به من الذات المقدسة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن هنا شكوكا وشبهات أوردوها على المختار لا بد من ذكرها ودفعها أحدها
انه مخالف لظاهر ما ورد من الأخبار الواردة في الباب عموما وخصوصا فإن ما دل منها على حلف المجوسي بالله لم
يقيده بانضمام شئ آخر إليه حتى يزيل احتمال إرادة النور منه وفيه انك قد عرفت أن المراد من الاخبار ليس
الحلف بلفظة الله وإن أراد منها غير الذات المقدسة بل المراد منها الحلف بالذات المقدسة بأي اسم من أسمائها
فيجب احراز وقوع الحلف بها وإلا لم يصدق الحلف بالله وهذا أمر واضح لا سترة فيه بعد التأمل أصلا وأين
هذا من حكاية الاطلاق والتقييد ثانيها ان المناط في ترتب الأثر على الحلف هو قصد المحلف لا الحالف
فقصده غيره لا ينافي في ترتب الأثر على حلفه إذا كان المحلف قاصدا للحلف بالله ولهذا اكتفى بالحلف بالله عمن
لا يعتقد إلها أصلا وفيه انك قد عرفت أن المستفاد من الاخبار عدم كفاية الحلف الواقع بغير ذات الجلالة في أثر
من الآثار ومعلوم ان قصد المحلف لا يحرز كون الحلف الواقع من الحالف بالله تبارك وتعالى نعم المناط في الحكم
التكليفي والمعصية أينما تحققت على قصد المحلف وأين هذا من كفاية قصده في الحكم الوضعي وبالجملة حديث
قصد المحلف والحالف أجنبي عما نحن فيه بل لا بد من احراز وقوع الحلف من الحالف على الله تعالى وأما النقض
بحلف من لا يعتقد بإله وخالق أصلا فلا ورود له جزما لان المراد من وقوع الحلف بالله الذي قد ورد في حق -
الوثني أيضا هو الحلف بمن نعتقده إلها فالوثني وإن لم يمكنه الحلف بالله باعتقاده إلا أنه يتمكن من الحلف بالله
الذي نعتقده إلها وهذا هو المعتبر في الحلف ثالثها ان إضافة خالق الظلمة والنور لا تجدي بعد عدم اعتقاده كونهما
مخلوقين له وفيه أن اضافته وأمثاله ليس من جهة دلالتها على اعتقاده بذلك بل من جهة دلالتها على أنه حلف
بمن نعتقده خالقا وإلها ومن المعلوم ان الإضافة المذكورة مجدية في احراز حلفه بالله الذي نعتقده إلها وهذا
لا ينافي في عدم اعتقاده بكونه خالقا للظلمة والنور كما لا يخفى.
وبالجملة العبرة في اليمين العلم أو الظن القائم مقامه بأن الحالف قد أحلف بالله ولو بحسب اعتقادنا
وهو المستفاد أيضا مما تقدم من الاخبار وليس المراد منها احراز الحلف بلفظة الله ولو علم كون مراد الحالف منه
غير الذات المقدسة.
فالعجب من بعض مشايخنا حيث ذهب إلى كفاية الحلف بلفظة الجلالة ولو علم كون مراد الحالف منها
غير ذات الواجب الوجود فهذا كما ترى التزام منه بكفاية الحلف بغير الله تبارك الله وتعالى وهو كما ترى وأعجب
منه ما حكي عن بعض الأصحاب من جواز الحلف بغير الله تبارك وتعالى تكليفا ووضعا إذا صالح المدعي حقه عليه
أو شرطاه في عقد لازم وإن لم نقل بجوازه في غير الصورتين بناء منه على أن ما دل على جواز الصلح بين المسلمين و
على وجوب الوفاء بالشرط يدل على جوازه وترتيب الأثر عليه شرعا وفيه ما لا يخفى على جاهل فضلا عن عالم لان
أدلة الصلح والشرط وغيرهما من العقود والايقاعات لا تعارض ما دل على حرمة متعلقاتها بل الجواز مأخوذ فيها
شرعا ولعلنا نتكلم بعض التكلم في تحقيق ذلك عن قريب فانتظر وكذا ما دل من الأخبار المتقدمة على عدم وقوع
الحلف المؤثر شرعا بغير الله تبارك وتعالى لا يمكن تخصيصه بما دل على جواز الصلح بين المسلمين ووجوب الوفاء
بالشرط والنذر لان تلك الأخبار حاكمة على الدليل المذكور لأن مفادها عدم ترتب الأثر على الحلف بغير الله تبارك
وتعالى فشرطه شرط لأمر غير مؤثر وكذلك الصلح عليه.
وبعبارة أخرى أدلة صحة الصلح والنذر والشرط وأمثالها ليست في مقام رفع الحكم عن الموضوعات

171
الأولية التي عرضت لها الاحكام مما تزاحمها من الوجوب والحرمة وكذلك ليست في مقام اثبات التأثير لما جعل
بحسب الشرع غير مؤثر ودل الدليل على عدم تأثيره ولو بنى على هذا لأمكن اثبات حلية كل شئ وترتيب
الأثر على كل شئ بحسب الوضع في صورة الشك بعمومات أدلة الصلح والشرط والنذر وأشباهها وهذا مما
يرغب أهل العلم عنه والالتزام بخروج جميع الموارد التي لا يمكن الاستدلال بها من دليل خارج من اجماع
وغيره مما يضحك به الثكلى وسيجئ زيادة توضيح لذلك إن شاء الله.
قوله ويكفي أن يقول والله ما له علي حق وقد يغلظ اليمين بالقول الخ. أقول لا ريب بل لا خلاف عندنا
في الاكتفاء في اليمين بقوله والله الخ ويدل عليه جملة من الاخبار أيضا مثل قوله من حلف بالله فليصدق ومن
حلف له بالله فليرض ومن لم يرض فليس من الله وقوله تعالى في جواب سؤال النبي عنه عن الحكم بين الناس
وأضفهم إلى اسمي يحلفون به إلى غير ذلك مما يدل على هذا المعنى.
وأما التغليظ فليس بواجب عندنا ولكن لا إشكال في استحبابه للحاكم للاجماع المنقول المحكي
عن الخلاف المعتضد بالشهرة القديمة والحديثة بل عدم الخلاف في المسألة مضافا إلى استفادته من مجموع الاخبار
والآثار مثل ما كتبه أمير المؤمنين (عليه السلام) في حلف الأخرس ومثل ما ورد عنه (عليه السلام) من قوله احلفوا الظالم إذا
أردتم يمينه بأنه برئ من حول الله وقوته فإنه إذا حلف بها كاذبا عوجل وإذا حلف بالله الذي لا إله إلا هو لا
يعاجل لأنه وحد الله سبحانه وتعالى ومثل ما ورد عن بعض الأئمة (عليهم السلام) انه حلفت عنده امرأة بالله الرحمن فقال لا
انك قد ذكرت الله بالرحمة فاذكري الله بالغضب ومثل خبر الحسين بن علوان المروي عن قرب الإسناد عن جعفر
عن أبيه ان عليا (عليه السلام) كان يستحلف اليهود والنصارى في بيعهم وكنايسهم والمجوس في بيوت نيرانهم ويقول
شددوا عليهم احتياطا للمسلمين ومثل الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عنه (عليه السلام) لا يحلف أحد عند قبر النبي
على أقل مما يجب فيه القطع وبالجملة لا إشكال في استفادة استحباب التغليظ من الاخبار فما في المسالك من أني لم
أقف على الرواية به محمول على عدم الوقوف على نص خاص يدل على استحباب التغليظ عموما لا انه لا يمكن
استفادته من مجموع الاخبار.
ثم إن استحباب التغليظ للحاكم حسبما صرح به جماعة انما هو للاستظهار ووجهه انه مظنة رجوع
الحالف إلى الحق خوفا من عقوبة العظيم وعلى تقدير جرئته عليه كاذبا مظنة مؤاخذته حيث أقدم على الحلف
به مع احضاره عظمته وجلالته والتغليظ يحصل بالقول والزمان والمكان ويختلف ذلك بحسب اختلاف الاشخاص
من الرجل والمرأة والمسلم والكافر ثم في الكافر يختلف أيضا بحسب اختلاف أقسامه فعلى الحاكم أن يراعي
في جميع ذلك ما يحصل به التغليظ بحسبه وهذا كله مما لا كلام فيه أصلا.
وإنما الكلام يقع في أمور الأول انه لا إشكال في حصول التغليظ في القول بالألفاظ المخوفة كالطالب
الغالب الضار النافع المدرك المهلك الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية إلى غير ذلك وهل يحصل بما لا يدل على
التخويف أو يدل على الرحمة كالرحمن والرحيم ونحوهما أو لا وجهان من أن المقصود من التغليظ هو حصول العظمة
في نظر الحالف وهي تحصل بالثاني كما تحصل بالأول ولهذا قد ورد في بعض الروايات التغليظ بلفظ الرحمن
والرحيم ومن دلالة بعض الأخبار السابقة حيث إن الظاهر منه عدم حصول التغليظ بما لا يدل على التخويف
بل على الرحمة أوجههما الأول فتأمل.

172
الثاني انه لا ريب في عدم استحباب اليمين المغلظة للحالف عندنا لعدم الدليل عليه بل قد يقال
بكراهتها له ولا ملازمة بين استحبابه للحاكم واستحبابه له لحصول الاستظهار كثير إما بتلقين الحاكم اليمين
المغلظة فليس هذا من قبيل حرمة الكتمان على النساء المستلزمة لوجوب القبول على الرجال وليس أيضا من
قبيل وجوب السؤال من أهل العلم المستلزم لوجوب قبول قولهم وهل يستحب بالتماس الخصم أو الحاكم أو لا
وجهان أوجههما الأول لما دل على رجحان الإجابة وهل يستحب بالالتماس على القول بكراهته أم لا
وجهان لا يبعد القول بالأول أيضا وعن بعض العامة وجوب التغليظ إذا التمسه المدعي إجابة له وهو ضعيف
لا يعبأ به.
الأمر الثالث انه هل يجبر الحالف على الإجابة إلى التغليظ إذا امتنع عنها وهل يحكم في صورة امتناعه
بالنكول الذي يقتضيه المذهب لا لما قد عرفت أن الواجب عليه ولو بعد الإجابة هو الحلف بالله لا غير وعن بعض
العامة الحكم بالنكول في صورة الامتناع عن الإجابة نظرا إلى وجوب التغليظ عليه بعد الإجابة وهو كما ترى ضعيف -
لابتنائه على ضعف.
ال
أمر الرابع انه لا إشكال في عدم انعقاد حلف الحالف مثلا على عدم الإجابة إلى التغليظ إما على القول
بوجوبها فظاهر وأما على القول باستحبابها حسبما عرفت أنه المختار فلما تقرر في محله من اشتراط عدم المرجوحية
في متعلق النذر وشبهه.
وقد عرفت أن الإجابة إلى التغليظ مستحبة فلا ينعقد النذر على تركها وبهذا يظهر ما في المسالك من
الحكم بالانعقاد لأنه مرجوح ولا إشكال أيضا في انعقاد حلفه على عدم التغليظ لما قد عرفت أن قضية المذهب
عدم وجوب التغليظ على الحالف بل ولا استحبابه أيضا وعليك بالتأمل والمراجعة إلى كلماتهم حتى تشاهد ما
وقع من الخلط من بعض الأصحاب بين الحلف على عدم الإجابة والحلف على عدم التغليظ إنما الاشكال في أنه
بعد الانعقاد هل ينحل بالإجابة أم لا قال في المسالك على القول بوجوب الإجابة لزم انحلال اليمين لان اليمين على
ترك الواجب لا تنعقد والحق عدم انحلاله على القول بالوجوب والاستحباب لصيرورته محرما عليه بالحلف على
تركه فلا يؤثر فيه ما دل على رجحان الإجابة وجوبا أو استحبابا لتأخره عنه هذا مضافا إلى ما ورد من عدم
إطاعة المخلوق في معصية الخالق وبهذا يظهر ما في المسالك من التعليل بقوله لأنا نمنع من كون الإجابة على تقدير الحلف
واجبا وهو نظير ما إذا حلف على ترك اليمين رأسا فإنه لا ينحل ولو بعد الإجابة وفي النظير نظر لا يخفى
وجهه
على الناظر.
لا يقال إنه بواسطة ما دل على رجحان الإجابة تصير طاعة للخالق فلا دخل لحديث لا يطاع المخلوق
في معصية الله فيما نحن فيه.
لأنا نقول المراد من إطاعة المخلوق المنفي اطاعته في الحديث إنما هي الإطاعة التي ورد الامر بها
من الله كإطاعة الأب والأم والمولى والزوج فلو بنى على خروجها من الحديث لزم خلوه عن المورد فالمراد من
معصية الله هي معصيته في غير أمره بإطاعة المخلوقين فالمعنى انه لا يطاع الله في أمره بإطاعة المخلوقين إذا
استلزمت اطاعته معصية أوامره التي تعلقت بالأشياء من غير جهة إطاعة المخلوق.
فإن قلت كيف تقول بعدم انحلال الحلف بالإجابة وقد ورد في بعض الأخبار المعتبرة إذا وجدت
خيرا من يمينك فاتركها وانه حلف بعض الأئمة على ضرب بعض غلمانه فعفاه معللا بان العفو خير من الضرب فيدل

173
هذا على انحلال الحلف بعد دخول المحلوف عليه في عنوان مطلوب شرعا.
قلت نمنع من كون الإجابة فيما نحن فيه خيرا من ترك التغليظ المحلوف عيه لاقتضاء تعلق الحلف
به كونه خيرا كما يقتضي ما دل على رجحان الإجابة كونها خيرا نعم لو عرض على المحلوف عليه ما يقتضي
مرجوحيته بالذات كما إذا صار شرب ما حلف على تركه راجحا من حيث توقف اصلاح المزاج به أو من جهة
أمر آخر اقتضى رجحان معروضه في نفسه تعين القول بانحلال اليمين وبهذا يحمل ما ورد عن بعض الأئمة (عليهم السلام) من
عفو العبد المحلوف على ضربه فإن عفو الضرب في نفسه راجح فينحل اليمين به والحاصل ان ما كان له تقدم بالذات
على الحلف كما أن وجوده أولا وبالذات قبل الحلف يمنع من انعقاد الحلف كذلك وجوده ثانيا يصير سببا
لانحلاله وما لم يكن له تقدم على الحلف بالذات وجوده أو لا يمنع من انعقاد الحلف لكن وجوده ثانيا لا يصير
سببا لانحلاله بعد انعقاده.
توضيح ذلك على ما يقتضيه المجال على وجه ينفعك في كل مقام قد جرى فيه القيل والقال يتوقف
على رسم مقدمة بها ينكشف حجاب الاجمال عن وجه المرام وهي انه قد يعرض الحكم على الموضوع أولا و
بالذات مع عدم ملاحظة عدم كونه معروضا لحكم آخر كما في أكثر الاحكام العارضة للموضوعات في مقام -
التشريع أولا وهذا يسمى حكما أوليا عارضا للموضوع بملاحظة ذاته وعنوانه الأولي وقد يعرض عليه بعد
كونه معروضا لحكم من الاحكام كما في الوجوب العارض للفعل الذي صار مقدمة لواجب أو وجوب اتيان المنذور
الذي عرض عليه من جهة الوفاء بالنذر إلى غير ذلك من الاحكام العارضة للموضوعات بملاحظة العناوين العارضة
لها فإن هذه الأحكام إنما عرضت لهذه الموضوعات بعد كونها معروضة لاحكام مع قطع النظر عنها مثلا مقدمة
الواجب مع قطع النظر عن عروض الوجوب لها بسبب عنوان المقدمية لها حكم في الشريعة بالنظر إلى ذاتها
فقد يكون حرمة وقد يكون وجوبا وقد يكون استحبابا وقد يكون كراهة وقد يكون إباحة فالفعل الذي
صار مقدمة لواجب مع قطع النظر عن عروض هذا العنوان له له حكم في الشريعة من أحد الأحكام الخمسة و
هكذا متعلق النذر والحلف وغيرهما وهذا الحكم يسمى ثانويا عارضا للموضوع بسبب ما عرض له من العنوان
ثم إن هذا ان وجد موردا قابلا مثل أن يكون مباحا أو مكروها أو مستحبا أثر تأثيره إلا إذا قام الدليل
الخارجي على خلافه وإلا كما إذا كان حراما أو واجبا فلا لتقيده بعدم كون المحل مشغولا بالذات بما
يمنع عنه.
ثم إن كل دليل دل على ثبوت الحرمة أو الوجوب للفعل أولا وبالذات فإن قابله ما يدل على ثبوت
حكم للفعل مغاير لهما كذلك أي ثبوتا أوليا فيتعارضان فإن كان أحدهما أخص من الآخر فيؤخذ به وإلا فيرجع
إلى المرجحات وإن قابله ما يدل على عروض حكم للفعل مغاير لهما على الوجه الثاني أي عروضا ثانويا فلا
يمكن أن يعارضه لما فرضناه من أخذ عدم الحكم المنافي للموضوع على الوجه الأول لعروض الحكم له على -
الوجه الثاني فما يدل على ذلك حاكم على ما يدل على هذا كما لا يخفى من غير فرق فيما ذكرنا بين أن
يكون الحكم العارض للموضوع أولا وبالذات عارضا له قبل عروض الحكم له على الوجه الثاني فيمنع من عروضه
أو يعرضه بعد عروضه له فيرفعه.
ثم إن هذا كله فيما إذا دل الدليل على عروض الحكم للموضوع على الوجه الأول وإن دل على
عروضه له على الوجه الثاني فقد عرفت حكم ما إذا عارضه ما يدل على ثبوت الحكم له على الوجه الأول فإن عارضه

174
ما يدل على عروض الحكم للموضوع على الوجه الثاني فلا محالة يقع التعارض بينهما فيرجع إلى ما تقرر في
حكم التعارض هذا إذا لم يسبق أحدهما وأما إذا سبق أحدهما وكان المحل مشغولا به فهو مختص به ولا يعارضه
ما يماثله في العروض وهذا الذي ذكرنا لا إشكال فيه مفهوما إنما الاشكال في تميز الصغريات وان أي حكم
عرض للموضوع أولا وبالذات وأي حكم عرض له ثانيا وبالعرض.
ثم إن الاشكال الذي في المقام ويقع التكلم لأجله إنما هو في تشخيصها من نفس أدلة الاحكام وأما
تمييزها من الدليل الخارجي فهو تابع لوجود الدليل وهو موجود في كثير من الموارد مثل ما دل على أنه لا يطاع
المخلوق في معصية الخالق فإن المستفاد منه قاعدة كلية جارية في جميع موارد إطاعة المخلوق ومعصية الخالق
كأمر الوالد أو الوالدة ولدهما أو المولى عبده أو الزوج زوجته بترك واجب أو فعل حرام فلا يجب إطاعتهم عليهم
بمقتضى النص المذكور فيحكم بما يقتضيه نفس دليل ذلك الموضوع من الوجوب والحرمة ومثل ما ورد من قوله
كل شرط جايز إلا ما حرم حلالا أو حلل حراما أو كل شرط جايز إلا ما خالف كتاب الله فإن المستفاد من
أمثالهما أيضا قاعدة كلية جارية في جميع الالتزامات من الحلف والنذر والعهد والصلح إلى غير ذلك من العقود
والايقاعات فإن المراد من الشرط فيها معناه اللغوي وهو مطلق الالزام والالتزام حسبما صرح به في كثر من كتب
اللغة كالقاموس والصحاح وغيرهما ومثل قوله لا نذر في معصية إلى غير ذلك مما يقف عليه الناظر في الاخبار
وكتب أصحابنا الأخيار رضوان الله عليهم فلنرجع إلى ما كنا فيه من تمييز الاحكام من حيث عروضها
للموضوعات
من أدلتها.
فنقول انه لا ريب ولا إشكال في إمكان التمييز في موارد كثيرة منها ما دل على وجوب الوفاء بالنذر
والحلف بل ما دل على حكم جميع العقود والايقاعات من البيع والإجارة والصلح والوكالة والهبة والعتق
والطلاق إلى غير ذلك فإنه ليس في مقام تشريع حكم متعلق هذه الأمور أولا وبالذات بل إنما هو في مقام بيان
سببية هذه الأمور للالتزام وتأثيرها فيه إن وجد محلا قابلا غير مشغول بما يمنع من تأثيرها فتلك الأدلة في
مقام بيان كون هذه الأمور مقتضية للزوم في متعلقاتها لا في مقام بيان كونها علة تامة وهذه بخلاف ما دل
على حرمة الخمر والرباء ووجوب الصلاة والصوم فإنه في مقام بيان تشريع الحكم لهذه الموضوعات أولا وبالذات
مع قطع النظر عن عدم عروض حكم لها فما دل على حرمة الخمر مثلا إنما يدل على كون حكم هذا الموضوع
أولا وبالذات هي الحرمة فهو يثبت حكما أوليا لها فهو بعمومه يدل على أن كل خمر علة تامة في اقتضاء الحرمة
سواء نذر شربه أم لا فلا يمكن أن يعرضه الوجوب بالنذر لفرض كونه مقتضيا للتأثير في المحل القابل الغير
المشغول المانع.
فإن قلت أي فرق بين قوله حرمت عليكم الخمر وأبيحت لكم السكر مثلا فإن قلت إن الأول يدل
على أن الخمر علة تامة في اقتضاء الحرمة قلنا إن الثاني أيضا يدل على كون السكر علة تامة في اقتضاء الإباحة
فإن قلت إن الحرمة تضاد الوجوب العارض بالنذر فيمنع منه قلنا إن الإباحة أيضا ضد الوجوب العارض به
ضرورة تضاد الاحكام بأسرها فإن قلت إن قوله حرمت عليكم الخمر في مقام بيان الحكم الأولي والتشريع الذاتي
قلنا إن قوله أبيحت لكم السكر أيضا كذلك فالحاصل انه لا فرق بينهما في جميع الجهات فما وجه قولك بأن الحرمة
مثلا مانعة من تأثير النذر لكن الإباحة مثلا غير مانعة منه.
قلت ما ذكرته من كون الإباحة فعلية كالحرمة وكونها ضدا للوجوب المسبب عن النذر كالحرمة

175
وكونها حكما أوليا للأشياء العارضة عليها كالحرمة مسلم لكنه لا يمنع من التفصيل الذي ذكرنا بينهما وكذا بين
الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة لكون مناط التفصيل والفرق بينهما من جهة أخرى بيان ذلك أن -
الحرمة إنما تعرض موردها من جهة صفة وجودية فيه مقتضية لها فالمقتضي لها إنما هو نفس موردها مع قطع النظر
عن مدخلية شئ آخر فيه وهذه بخلاف الإباحة مثلا فإنها إنما تعرض موردها بملاحظة عدم وجود صفة تقتضي
تعيين أحد طرفي موردها من الفعل والترك فالتسوية الملحوظة في الإباحة إنما هي باعتبار أمر عدمي وهو عدم
عروض ما يقتضي ترجيح الفعل أو الترك.
وهكذا الكلام في الاستحباب والكراهة أيضا فإنه عروض الاستحباب على الفعل إنما هو باعتبار عدم
وجود صفة في موردها تقتضي المنع من الترك كما هي موجودة في مورد الوجوب وكذا الكراهة إنما تعرض
موردها باعتبار عدم وجود صفة فيه تقتضي المنع من فعله كما هي موجودة في الحرمة فالاحكام الثلاثة إنما
تكون فعليتها باعتبار عدم عروض ما يقتضي تعيين أحد طرفي موردها من الفعل والترك وهذا بخلاف الوجوب
والحرمة فإن عروضهما للمورد باعتبار وجود صفة فيه مقتضية لهما وهذا الذي ذكرنا في الأحكام الثلاثة ليس
مختصا بها بل يجري في غيرها كما في الوجوب التخييري مثلا فإن عروضه لمورده أيضا إنما هو باعتبار أمر عدمي
وهو عدم وجود صفة فيه تقتضي تعيين أحد طرفي الفعل فحينئذ إذا وجد سبب يقتضي تعيين أحد من طرفي الفعل أو
الترك في مورد الإباحة مثلا أثر تأثيره لكون المحل قابلا لعروض ما يقتضي التعيين وليست الإباحة مزاحمة له
فإن عروضها له إنما هو باعتبار عدم صفة في نفسه تقتضي التعيين وإذا وجد في مورد الحرمة مثلا لا يؤثر فيه شيئا
لعدم قابليته بحسب الذات لعروض ما يقتضي خلاف الحرمة.
فإن قلت فعلى ما ذكرت إذا ورد دليل دال على الإباحة مثلا في مورد وورد دليل آخر فيه يقتضي -
الحرمة مثلا لا بد من أن يحكم بعدم التعارض بينهما وتقديم دليل الحرمة لحكومته بالنسبة إلى دليل الإباحة
ومن المعلوم ضرورة عند كل من له أدنى دراية بالأصول والفقه ووقوع التعارض بينهما.
قلت إن ورد دليل يقتضي ان الفعل بذاته يقتضي الوجوب أو الحرمة وانهما من الاحكام العارضة للفعل
أولا وبالذات فلا محالة يعارض دليل الإباحة لأنه يدل على أن الفعل بالذات ما يقتضي شيئا فهو مناف لما يدل
على كونه بحسب الذات مقتضيا للوجوب أو الحرمة وإن ورد دليل يقتضي ان السبب الخارجي يقتضي الوجوب
أو الحرمة في الفعل فلا تعارض له مع ما يدل على أن الفعل بالنظر إلى ذاته لا يقتضي أحدهما وهذا بخلاف ما إذا
ورد هذا الدليل في مقابل ما يدل على حرمة الفعل وكونه بالذات غير قابلة لغير التحريم نعم لو ورد دليل يقتضي
ان الفعل بالذات يقتضي الوجوب فلا محالة يعارض ما دل على أنه يقتضي الحرمة فإن كان أخص من دليل الحرمة
يخصصه وينوع الفعل على نوعين وإن لم يكن أخصية بينهما فيقع التعارض ويرجع إلى المرجحات
الخارجية.
فإن قلت انك كما تأخذ بعموم قوله الخمر حرام وتحكم بأن كل فرد من أفراد الخمر علة تامة لاقتضاء -
الحرمة فتمنع من عروض الوجوب لفرد منه من جهة العارض لعدم قابلية المحل لتأثيره فيه كذلك نحن نأخذ
بعموم قوله يجب الوفاء بكل نذر ونحكم من جهة الملازمة بأن كل مورد قابل للوفاء بالنذر فيه وإلا لما أمر
بعموم الوفاء حسبما هو قضية سلوك المحققين في قوله أوفوا بالعقود حيث إنهم يستدلون بعموم وجوب الوفاء
على صحة كل عقد لأنه لو كان فاسدا لم يأمر به الشارع بل هذا مقتضى سلوكهم في كثير من العمومات.

176
قلت لسنا في مقام اثبات استحالة استخراج الحكم الوضعي واستكشافه من الحكم التكليفي حتى تورد
علينا بمسألة أوفوا بالعقود وأمثالها وإنما نحن في صدد اثبات ان أدلة تلك الأمور ليست إلا في مقام بيان سببيتها
للتأثير أن وجد لها محل قابل وليست في مقام بيان قابلية المحل بل بيانها موكول لما دل على الحكم الأولي
لمعروض تلك الأسباب فإن دل على الإباحة مثلا دل على قابلية المحل وإن دل على الحرمة مثلا دل على عدم
قابلية
المحل وليس هذا تخصيصا في أدلة تلك الأسباب حتى نأخذ بعمومها وكفاك شاهدا لما ذكرنا من عدم كون
أدلة تلك الأمور في مقام تشريع الحكم الأولي لمتعلقاتها بل في مقام بيان كونها أسباب للأحكام الثانوية في المحال
القابلة استقباح ان يتمسك بتلك الأدلة في كل فعل فرض الشك في حكمه الأولى مثلا إذا شككنا في أن العصير
العنبي بعد الغليان حلال أو حرام فيفرض وصية شخص به أو نذر شخص إياه أو عقد صلح عليه فيحكم بجواز شربه
وهكذا في سائر الأشياء المشكوكة الحكم وهذا حد يرغب أهل العلم عنه لا يحسن مكالمة من صار إليه بل
هو مضحكة مسخرة تعالى أهل العلم عن الالتزام بما يوجب ذلك ويفضى إلى هذا علوا كبيرا حاشاهم
ثم حاشاهم.
فإن قلت إن مرجع ما ذكرت إلى عدم ورود أدلة الأسباب الشرعية في بيان قابلية المورد فلا بد أن
يحرز من الخارج فهذا إنما يصح لو كانت تلك الأدلة مطلقات وليست كذلك لأنها عمومات فلا يصح القول بورودها
موردا لحكم الآخر.
قلت ما ذكرنا مبني على ما هو التحقيق عندنا من جريان ما ذكروه في المطلقات في العمومات أيضا كما
عليه جمع من المحققين فإنه لو ورد كل ما يأخذه الكلب المعلم حلال لا يمكن الاستدلال به على عدم وجوب الغسل
كما أنه لو ورد ما يأخذه الكلب المعلم حلال لا يمكن أن يتمسك به على عدم الوجوب.
فإن قلت مقتضى بعض ما ورد في مورد تلك الأحكام من الأدلة الخارجية المقتضية لحكومة أدلة
الأحكام الواقعية على الأسباب الشرعية مثل قوله لا نذر في معصية وشبهه هو شمول الأسباب لمورد أدلة الأحكام الواقعية
وانه خرج عنها بهذا الدليل الوارد فيكشف هذا عن شمول ما دل على تأثير الأسباب لما يوجد منها في مورد
أدلة الأحكام الواقعية فما حملك على القول بعدم شمولها لمورد الاحكام أولا وبالذات وإن خروجه عنها ليس
من التخصيص بل من التخصص لورودها أولا على المحل القابل.
قلت أولا يكفي لورود الأدلة الخارجية على الحكومة توهم الشمول ولا يشترط فيه الشمول بحسب
اللفظ والحقيقة وان أبيت إلا عن ظهور هذه الأدلة في الشمول اللفظي نقول ثانيا أنه يدور الامر بين ابقائها على
ظاهرها واخراج أكثر الافراد من الواجبات والمحرمات عن أدلة تلك الأسباب بما قام من الأدلة الخارجية -
الناطقة بالخروج أو حمل أدلة تلك الأسباب على عدم كونها واردة في مقام بيان قابلية المحل فلا بد من
أن تحرز من الخارج وصرف تلك الأدلة الخارجية عن ظاهرها وحملها على الشمول التوهمي ولا ريب ان الثاني
أولى كما لا يخفى فتأمل.
ثم إن هذا الذي ذكرنا من قابلية مورد الإباحة وأشباهها لتأثير الأسباب الشرعية فيه وعدم قابلية مورد
الحرمة لتأثيرها فيه إنما هو بالنظر إلى أصل القاعدة ولكن قد يدل دليل خارجي على عدم القابلية في مورد الإباحة
أيضا مثل ما دل من الاخبار على فساد اشتراط الزوجة عدم تزويج الزوج بزوجة أخرى في ضمن عقد النكاح
معللا بأن هذا الشرط مخالف لمقتضى الكتاب المقتضي لجواز تزويج مثنا وثلاث ورباع من النساء هذه جملة

177
الكلام فيما دل على حكم الأسباب الشرعية بالإضافة إلى ما دل على حكم الموضوعات أولا وبالذات ومنها ما دل
على حكم المقدمة الواجبة والمحرمة فإنه يدل على عروض الوجوب مثلا للفعل الذي يكون مقدمة بهذا العنوان
مع كون الفعل مع قطع النظر عن عنوان المقدمية متصفا بحكم من الأحكام الخمسة حسبما أشرنا إليه سابقا
أيضا فوجوب المأمور به المقتضى لوجوب مقدماته كعقد النذر المقتضى لوجوب الوفاء بالنذر واتيان المنذور
فلكل منهما سببية لهذا الوجوب فإن وجد محلا قابلا يؤثر فيه وإلا فلا ففيما نحن فيه إن كانت المقدمة قابلة
لعروض الوجوب لها كما إذا كانت مباحة بالذات مثلا عرض لها الوجوب وإن كانت محرمة فلا يؤثر فيها فإن
كانت منحصرة تعارض 1 حرمتها وجوب ذي المقدمة فيحكم بما هو الأهم والأرجح وإن لم تكن منحصرة فيسلم
ما يدل على حرمتها عن المعارض 2 لان ما يدل على وجوب المقدمة لا يقبل المعارضة معه وما يدل على وجوب ذي المقدمة
أيضا لا يعارضه لعدم أداء تركها إلى ترك ذي المقدمة لفرض وجود المقدمة المباحة فإن شئت قلت إن الامر يدور
في المقام بين الوجوب التخييري والحرمة التعيينية ولا ريب في كون الثاني مقدما ومنها ما دل على استحباب -
التعزية والرثاء للامام الثالث خامس أهل الكساء سيد الشهداء عليه وعلى أولاده آلاف التحية والثناء وما دل على
استحباب إجابة المؤمن وادخال السرور في قلبه فإنه المستفاد من أدلة هذه الأمور وأشباهها كونها مستحبة
لو خليت وطبعها خالية عما يوجب لزوم أحد طرفيها فلا يعارض ما دل على استحباب التعزية لما دل على حرمة
الغناء فلا يمكن الحكم بجوازها في المرائي بل ما دل على حرمة الغناء حاكم عليه فإن مرجع استحباب التعزية
إلى استحباب ايجادها بالسبب المباح.
نعم لو كان نفس الا بكاء مستحبا كما هو المستفاد من كثير من الروايات أمكن الحكم بالتعارض إن لم
يفهم من دليله استحبابه بحيث لا يعارض الحرام إذا عرفت ما رسمنا لك من المقدمة الدقيقة الشريفة عرفت
حكم المقام من غير احتياج إلى البيان وطول الكلام وعليك بالتأمل فيها واتفاقها فإن ببركتها وحفظها ينفتح
لك أبواب من الفروع المغلقة وينحل لك الاشكال في كثير من المسائل المشكلة وهو العالم بحقايق الأشياء
والهادي عباده إلى حقايقها ممن يشاء وهو الحكيم الخبير.
قوله وحلف الأخرس بالإشارة أقول هذا هو المشهور بين الأصحاب بل قد قيل بعدم خلاف فيه لان
من يسند إليه الخلاف كلامه غير طاهر فيه ومستنده على ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله الاستقراء القطعي
في جميع ما يصدر منه من العقود والايقاعات والعبادات القولية كالتكبير والتلبية والقراءة وغيرها فإن الشارع
اكتفى من الأخرس في جميعها بالإشارة المفهمة ونزلها منزلة الكلام والقول وفحوى (1) ما ورد في كفاية إشارته
في باب الطلاق فتأمل وبالجملة لا إشكال في أن الشارع أعطى إشارة الأخرس حكم الكلام ونزله منزلته ومن كان
له علم بطريقة الشارع يصدق ما ذكرنا بل ادعى بعض مشايخنا دخول الإشارة من الأخرس في الكلام موضوعا
وصدقه عليها حقيقة لان الكلام من كل شخص بحسبه فمن الصبي نوع ومن الأخرس نوع ومن غيرهما نوع آخر
وإن كان فيه ما فيه من كونه مخالفا للضرورة والوجدان من استعمال العرف نعم لا ريب في صدق الكلام بمعنى
الكلام والجرح عليه لكنه ليس بمعنى عرفي للكلام كما لا يخفى هذا.
ولكن ذكر المصنف في ظاهر كلامه كما ترى قولين آخرين والأول وهو وضع يده على اسم الله تعالى هو -
المحكي عن الشيخ في النهاية ولكن كلامه المحكي عنه غير ظاهر فيما نسبه المصنف إليه من اختصاص اليمين



(1) وجه الأولوية ان اهتمام الشارع في أمر الفروج والأنساب أكثر من غيرها (منه قده)
1 منحصرة تعارض (تزاحم خ) 2 عن المعارض (المزاحم خ).
178
عنده بما ذكره كما صرح به في مسالك الأفهام وغيره والمحكي عنه هو هذا إذا أراد الحاكم أن يحلف الأخرس حلفه
بالإشارة والايماء إلى أسماء الله تعالى وبوضع يده على اسم الله في المصحف ويعرف يمينه على الانكار كما يعرف
اقراره وانكاره وإن لم يحضر المصحف وكتب اسم الله ووضعت يده عليه جاز وينبغي أن يحضر معه من له عادة
بفهم أغراضه وايمائه وإشاراته انتهى كلامه وهذا كما ترى غير ظاهر فيما نسب إليه المصنف وقد فهم صاحب
المسالك منه اعتبار الامرين وحمل كلام المصنف في النسبة عليه وفيه بعد وفهم بعض مشايخنا منه ان ما
ذكره من باب أحد الافراد لا أن يكون هو المناط شطرا أو مستقلا حيث قال بعد نقل كلامه ما هذا لفظه وهو
كالصريح في عدم اختصاص ذلك وان المدار على الإشارة التي أحد أفرادها ذلك انتهى كلامه أقول ويشهد لما
فهمه قوله ويعرف يمينه على الانكار كما يعرف اقراره وانكاره لكنه مع ذلك بعيد فتأمل والثاني هو كتب
اليمين في لوح ثم غسلها وجمع الماء في شئ وأمر الأخرس بشربه محكي عن ابن حمزة في الوسيلة لكن المحكي
عنه لا يدل على اعتبار خصوص هذا فإنه قال والأخرس يتوصل الحاكم إلى معرفة اقراره وانكاره وإلى تعريفه
حكم الحادثة بالإشارة واحضر في مجلس الحكم من يفهم أغراضه وأمكنه افهامه وإذا أراد تحليفه إذا توجه
عليه وضع يده على المصحف وعرفه حكمها وحلفه بالايماء إلى أسماء الله تعالى وإن كتب اليمين على لوح ثم
غسلها وجمع الماء في شئ وأمره بشربه جاز فإن شرب فقد حلف وإن أبى ألزمه الحق انتهى كلامه وهذا
الكلام كما ترى ظاهر في التخيير بينهما وكيف كان لم نجد مستندا للقول الأول إلا أن يقال إن مراد القايل به
هو الجمع من باب التغليظ والاستظهار لا اللزوم.
وأما مستند القول الثاني فهو صحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأخرس كيف يحلف
إذا ادعى عليه دين فأنكر فقال إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتى بأخرس فادعى عليه دين فأنكر ولم يكن للمدعي بينة فقال
أمير المؤمنين (عليه السلام) الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بينت للأمة جميع ما تحتاج إليه ثم قال (عليه السلام) أتوني
بمصحف فاتى به فقال للأخرس ما هذا فرفع برأسه إلى السماء فأشار إلى أنه كتاب الله تعالى ثم قال أتوني بوليه
فأتى بأخ له فأقعده إلى جنبه ثم قال يا قنبر علي بدواة وصحيفة فأتاه فهما ثم قال (عليه السلام) لأخ الأخرس قل لأخيك
هذا بينك وبين الله تعالى انه على فتقدم إليه بذلك ثم كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب
والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع المهلك المدرك الذي يعلم السر والعلانية ان فلان بن فلان
المدعي ليس له قبل فلان بن فلان يعني الأخرس حق ولا طلبة بوجه من الوجوه ولا سبب من الأسباب ثم غسله
وأمر الأخرس أن يشربه فامتنع وألزمه بالدين وهذه الرواية وإن كانت صحيحة إلا أن الاخذ بها في مقابل
القواعد المتقنة المعمول بها في جميع الموارد مع اعراض المشهور عنها الكاشف عن خلل فيها مشكل جدا
وحملها الحلي في السرائر على أخرس لا يكون له إشارة مفهمه ورد بمنافاته لما في الرواية من فهمه إشارة
علي (عليه السلام) إليه بالاستفهام على المصحف وحملها بعض مشايخنا على قضية في واقعة تبعا لما حكاه عن التحرير
وفيه ما فيه لان في الرواية مواضع تدل على خلاف هذا الحمل وكذا حملها على التغليظ أو على التقية والتحقيق
ان طرحها لما ذكرنا أولى من التمحلات التي ذكروها وإن كان فيما ذكرنا أيضا تأمل فتأمل.
قوله ولا يستحلف الحاكم أحدا إلا الخ أقول الكلمة من المشهورات بينهم وهي تحتمل معنيين
أحدهما ما جزم به بعض مشايخنا طاب ثراه من جوب مباشرة الحاكم الاستحلاف وعدم جواز
الاستنابة فيه إلا في صورة التعذر فيستنيب حينئذ كما ربما يومى إليه قولهم فحينئذ يستنيب الحاكم الخ فيكون الكلام حينئذ

179
مسوقة لبيان تكليف الحاكم ثانيهما ما جزم به الأستاذ العلامة دام ظله العالي كما هو الظاهر من عدم كفاية -
اليمين الواقعة من المدعى عليه في غير مجلس الحكم الذي أراد الحاكم الحكم فيه سواء كان معدا له أو لا بأن
يقول له احلف فيقول اني أروح في بيتي فاحلف هنا أو مكان آخر فاحلف فيه سواء كان من الأمكنة الشريفة
أو غيرها فالكلام مسوق بناء عليه لبيان حكم اليمين الواقعة من المنكر ولا ينافيه أيضا قولهم فيستنيب آه
كما لا يخفى هذا ولكن في السرائر ما يظهر منه كونه تكليفا للحاكم ووظيفة له فإنه قال وينبغي للحاكم أن
لا يحلف أحدا إلا في مجلس الحكم انتهى فإن هذه العبارة كما ترى ظاهرة في بيان وظيفة الحاكم ويمكن أن
يقال أيضا ان العبارة ظاهرة في بيان الاستحباب وإن تركه مرجوح لا أن يكون حراما أو لم ينعقد اليمين بدونه
فتأمل وكيف كان يدل على الشرط المذكور مضافا إلى نقل الاجماع عليه المعتضد بالشهرة المحققة القديمة
والحديثة بل عدم الخلاف بين من تعرض للمسألة كما اعترف به جماعة كونه القدر المتيقن المتعارف وليس
فيما ورد في باب القضاء من الاطلاقات بأقسامها ما ينفع للمقام لعدم كونها بأسرها في مقام بيان كيفية اليمين وانها
في أي مجلس تكون كما لا يخفى لكل من راجع إليها وتأمل فيها ويدل على المستثنى أيضا كونه المتعارف
الممكن من اليمين الذي لو لم يكتف به لزم ضرر عظيم على المدعى عليه فتأمل في المستثنى والمستثنى منه ثم
من العجب من صاحب المسالك حيث حمل عبارة المصنف في المتن على الكراهة وأنت خبير بأنه ليس في المقام قرينة
تدل عليه أصلا كالذكر في باب الآداب ونحوه بل العبارة كغيرها ظاهرة بل صريحة في ورودها في أصل بيان الوظيفة وان
اليمين إلى غير المجلس لغو كاليمين بدون اذن الحاكم واستحلافه هذا ولكنك قد عرفت أنه يمكن ان يقال إن ظاهر
الحلي في السرائر موافق لما ذكره في المسالك ولكنك عرفت التأمل فيه فتأمل.
ثم إن هنا أمرين ينبغي التنبيه عليهما الأول ان ظاهر جماعة ممن تعرض للمسألة وجوب استنابة
الحاكم عند التعذر في الاستحلاف والمراد حسبما ذكره شيخنا الأستاذ دام ظله عرض الحلف على المنكر وقد
يوجه بأن الاستحلاف لما كان واجبا على الحاكم فإذا تعذر فيستنيب فيه من يستحلف تحصيلا للاستحلاف وفيه
مضافا إلى أنه مختص بما إذا تعذر الحاكم من الحضور عند المتعذر مطلقا أو من غير كلفة وخلاف شأن انه لا دليل
على وجوب الاستنابة أصلا فتأمل هذا ولكن في السرائر ما يظهر منه عدم وجوب الاستنابة على الحاكم في -
الفرض بل جوازه فراجع.
الثاني ان صريح جماعة ان في صورة تعذر الحضور الحكم على المدعى عليه مختص بالحاكم وإن
كان المستحلف غيره ولكن ظاهر جماعة منهم الشيخ في المبسوط جواز الاستنابة في الحكم حيث قال وإن
كانت مخدرة استخلف الحاكم من يقضى بينها وبين خصمها انتهى وهو كما ترى ضعيف في غاية الضعف
لكونه مخالفا للقواعد العامة المتقنة الآبية عن التخصيص وليس له دليل أيضا عدا ما يتوهم من عمومات النيابة
وقد عرفت ضعف التمسك بها وأمثالها في مثل المقام ولعلنا نتكلم فيه برهة من الكلام فيما بعد إن شاء الله هذا
ولكن قد يحمل كلامهم بما إذا كان النايب قابلا للحكم جامعا لجميع شرايطه وفرضه في زمان الحضور فتأمل
قوله البحث الثاني في يمين المنكر والمدعي اليمين يتوجه على المنكر أقول لما فرع المصنف من
بيان مادة اليمين وانها لا تكون إلا بالله ومحلها وانها لا تكون إلا في مجلس الحكم في صورة عدم التعذر و
التعسر شرع في بيان من عليه اليمين فقال اليمين يتوجه على المنكر وقال بمقالته كثير ممن تقدم عليه و
عاصره وتأخر عنه فقالوا ان الأصل في اليمين والقاعدة فيها أن تكون على المنكر بحيث يكون الحاكم بالاكتفاء

180
من المدعى باليمين محتاجا إلى الدليل الخاص الخارجي.
ثم إنهم ذكروا مستند هذا الأصل وجهين أحدهما ما ورد في الخبر من قوله (عليه السلام) البينة على المدعي
واليمين على من أنكر أو البينة على من ادعى واليمين على من ادعى عليه بالبيان الذي تقدم غير مرة ثانيها
أصالة البراءة في طرف المنكر فإنها تقتضي كون اليمين عليه بعد العلم الاجمالي بأن الشارع جعل اليمين من
ميزان القضاء بين الناس بيان ذلك على وجه الاجمال انه بعدما علمنا بأن الشارع جعل اليمين ميزانا للقضاء في الجملة
لقوله (صلى الله عليه وآله) إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان ولم نعلم أنها وظيفة للمدعي أو المنكر فنقول ان كونها ميزانا للمدعي
يحتاج إلى دليل لان الأصل يقتضي عدم كونها حجة للمدعي في مقابله وعدم جواز الحكم بالاشتغال والزام -
المنكر بالأداء بحلف المدعي ما لم يقم دليل عليه وهذا بخلاف ما لو حكمنا بأنها وظيفة للمنكر فإنه ليس
أصل هنا يقتضي خلافه.
والحاصل ان المدعي لما كان مدعيا خلاف الأصل فلا يرفع اليد عنه بأي شئ أقام المدعى إلا بعد
الدليل على اعتباره والبينة لما كان معتبرة لعموم ما دل على اعتبارها وبناء العقلاء في مقام الترافع فيحكم بها
واليمين ما لم يقم دليل على اعتبارها وكونها حجة في حق المدعي فلا يحكم باعتبارها وهذا بخلاف المنكر فإن -
الحكم له بمقتضى اليمين ليس على خلاف الأصل بل الأصل معه وبتقرير آخر لما كان للبينة عمومات تدل على
حجيتها واعتبارها في جميع المقامات يحكم بكونها معتبرة في حق المدعي والمدعى عليه بعد انضمامها بما دل
على الفصل والقضاء بالبينة في الجملة فيحكم بكونها واردة على أصالة براءة ذمة المدعى عليه لو أقامها المدعي
وأما اليمين فلما لم يكن لها ما دل على اعتبارها في مقام العمل وكونها حجة شرعية واردة على الأصول غاية
ما هناك انه ورد انه يجب الفصل بها كالبينة فلو لم يرد هذا لحكمنا بمجرد عدم البينة للمدعي بأنه لا حق له على -
المدعى عليه من جهة الأصل ولكن لما ورد ان فصل الخصومة لا يكون إلا بالبينة واليمين فلما كانت البينة
حجة شرعية بقول مطلق فلا يمكن معارضة الأصل لها ولما لم يثبت اعتبار اليمين كذلك يحكم بأنه لو أقامها
المدعي لا يرفع اليد عن الأصل بها لعدم ثبوت كونها معتبرة في حقه بالخصوص ولو أقامها المدعى عليه يحكم
بها له لعدم معارضة الأصل معها.
هذا محصل ما ذكره شيخنا الأستاذ العلامة دام ظله في بيان صيرورة الأصل مستند لهذا الأصل ولكنه كما
ترى بمكان من الضعف.
أما أولا فلانه ليس لنا عموم يقتضي اعتبار البينة في جميع المقامات حسبما سمعنا منه أيضا غير مرة
وما ورد بالعمل بها في الحقوق كقوله استخراج الحقوق الخ ونحوه ورد بالقضاء باليمين أيضا ولو بنى على -
التمسك بما ورد في البينة مما لا يدل على اعتبارها عندنا كقوله إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم ونحوه مما
تمسكوا به على اعتبار شهادة العدلين فنتمسك بجملة من الروايات الدالة على وجوب تصديق الحالف كقوله من
حلف لكم بالله فصدقوه وغيره.
وأما ثانيا فبأن ما ورد في اعتبار البينة في مقام العمل عموما لا يمكن أن يصير مبينا لما ورد من فصل
الخصومة بها في الجملة فمن المحتمل أن يكون الفصل بالبينة في خصوص المدعى عليه.
وأما ثالثا فبأن نفي الأصل اعتبار اليمين في حق المدعي لا يمكن أن يصير معينا لاعتبارها والقضاء
بها في حق المدعى عليه كما لا يخفى وبالجملة مع قطع النظر عما ورد من الروايات الدالة على كون اليمين

181
وظيفة للمدعى عليه والبينة وظيفة له وللمدعي لا يمكن تعيين ما ورد من القضاء بهما في الجملة وكيف كان لا
اشكال ان مقتضى الأصل المستفاد من الاخبار حسبما عرفت تفصيل القول فيه في بعض كلماتنا السابقة كون اليمين
وظيفة للمنكر عموما والبينة مسموعة منه ومن المدعي لكن لا يطالب منهما بالبينة إلا المدعي فراجع وعليك
بالتأمل فيما ذكرنا بعين الانصاف والاخذ بما يؤدي إليه نظرك من الصواب ولا تتبع ما ذكره الأستاذ -
العلامة وغيره تعبدا وتقليدا فإن الحق أحق أن يتبع وأحرى باختياره ولا تغمض عينك عما هو كالمثل السائر
من أن الجواد قد يكبو.
ثم إن ما ذكرنا من أن مقتضى الأصل سماع اليمين من المنكر وعدم سماعها من المدعي إنما هو بالنظر
إلى القاعدة الأولية المستفادة من العمومات الواردة في الباب ولكنه قد يخرج عنها ويحكم بكفايتها من المدعي
أيضا في موارد كثيرة منها ما إذا رد المدعى عليه اليمين إلى المدعي أوردها الحاكم بعد نكوله عن الحلف
والرد بناء على عدم جواز القضاء بالنكول ومنها ما إذا لم يكن للمدعي إلا شاهد واحد فإنه يحلف على المدعي
ويحكم له ومنها فيما لا يعلم إلا من قبل المدعي ومنها في دعوى الدم مع اللوث ومنها في دعوى الامناء
ومنها في دعوى الغاصب التلف إلى غير ذلك من الموارد التي حكم فيها بكفاية اليمين من المدعي ولا تكون
منحصرة فيما ذكره في المسالك من المواضع الثلاثة أو الأربعة كما لا يخفى ومرجع جميع ما حكم فيه بكفاية اليمين
من المدعي على خلاف القاعدة إما إلى عدم المقتضي للعمل بالأصل في طرف المنكر كما في الموارد التي قامت
الظهورات النوعية أو الشخصية كما في دعوى الدم مع اللوث وكما في دعوى الحق مع شاهد واحد فإنه من
جهة قيام الشاهد يضعف جانب الأصل على خلاف مقتضى الأصل في طرف المنكر فإنه إنما اعتبر من جهة إفادته
بالنوع الظن بخلو ذمة المنكر فتأمل.
وإما إلى وجود المانع عنه كإبطال الحقوق كثيرا كما فيما لا يعلم إلا من قبله وسد باب الأمانات و
لزوم الخلود في الحبس إلى غير ذلك من الموانع ثم إن ما ذكرنا من الوجه للخروج عن الأصل بعضه مما يصلح
بنفسه ان يصير دليلا على الخروج كلزوم ابطال الحقوق وسد باب الأمانات وبعضه مما لا يصلح له بنفسه بل يحتاج
إلى دليل يدل على كفايته في مقام الخروج والرجوع عما اقتضاه الأصل فارجع إليه وتأمل فيه.
قوله ومن توجهها يلزمه الحلف على القطع مطردا إلا على نفي فعل الغير الخ أقول هذا هو المشهور
بين الأصحاب شهرة محققة وصرح به جماعة ممن تقدم وتأخر كالشيخ والعلامة والشهيدين وغيرهم في كتبهم كما
يطلع عليه كل من راجع إليها بل لم يوجد من خالف أو تأمل فيه إلا المحقق الأردبيلي وتلميذه المحقق -
السبزواري فإنهما احتملا الاكتفاء باليمين على نفي العلم في المجيب بل أعلم ثم جاء بعض من تأخر عنهم
من مشايخنا وجزم بالاكتفاء باليمين على نفي العلم في الجملة ولكنه بمكان من الضعف لما قد عرفت سابقا
من أن قضية الأدلة كون اليمين على البت مطلقا وانه لا يكفي اليمين على نفي العلم وإن الأصل فيها ذلك بيان
ذلك أن المدعي لا يخلو إما أن يدعي الواقع من دون تعرض للعلم أصلا أو يدعيه مع التعرض له أو يدعي العلم من
دون تعرض للواقع أصلا فإن ادعى الأول فلا إشكال في أن اليمين على نفي العلم لا ينفع في مقابلها لأنها لم تقع
على نفيها وظاهر الأدلة بل صريحها اشتراط تطابق البينة واليمين مع الدعوى اثباتا ونفيا وإلا فيلزم الفصل
من دون بينة ويمين لأنه إذا فرض قيام البينة أو وقوع الحلف على غير الدعوى فحكم الحاكم فيلزمه ما ذكرنا
فاليمين على نفي العلم مع كون الدعوى متعلقة بالواقع كاليمين على نفي استحقاق الثوب مع كون الدعوى

182
متعلقة بالفرس مثلا وإن ادعى على الوجه الثاني فالظاهر بل المقطوع عدم الكفاية أيضا لعدم تطابق اليمين مع
تمام الدعوى وإن كانت مطابقة لجزئها وان ادعى على الوجه الثالث فلا إشكال في عدم سماعها لان علم المنكر
باستحقاق المدعي لا يلازم استحقاقه واقعا.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من عدم كفاية اليمين على غير البت بين يمين المدعي والمدعى عليه فإذا
حلف المدعى إما من جهة الرد أو من جهة تعلقها به أصالة كما فيما لا يعلم إلا من قبله وكما في اليمين مع -
الشاهد الواحد فلا بد من أن يحلف على الواقع فلا يكفي حلفه على العلم وهذا كله لا إشكال فيه وقد
ذكرنا جملة من الكلام فيه أيضا سابقا في حكم الجواب بلا أدري إنما الاشكال الذي ينبغي أن يقع لرفعه
الكلام ويصرف إليه العنان في بيان ما يصلح أن يصير مستندا للحالف في حلفه على الواقع وألبت وما
لا يصلح له.
فنقول انه لا إشكال بل لا يعقل الاشكال في جواز استناد الحالف في حلفه على الواقع إلى العلم من غير
فرق فيه بين أسبابه وخصوصياته إنما الاشكال في أنه هل له أن يستند فيه إلى الأمارات الشرعية مطلقا أو
في الجملة كما يجوز الشهادة عليها في الجملة أوليس له إلا الاستناد إلى العلم.
ثم إن الكلام هنا يقع في المقامين أحدهما في جواز الحكم باليمين على البت إذا علم استنادها إلى
الامارات ثانيهما في جواز حلفه بالنظر إلى تكليفه مستندا إلى الأمارات الشرعية وبعبارة أخرى الكلام يقع
تارة في الحكم الوضعي لليمين المستندة إلى الامارات وأخرى في الحكم التكليفي للحالف.
ثم إن كلامنا في المقام مع القطع بالاستناد واما في صورة الشك فلا نتحاشى من حمل حلف الحالف
على كونه مستندا إلى العلم من حيث ظهور كلامه في الجزم.
أما الكلام في المقام الأول فقد حكي عن جماعة منهم الشهيد في القواعد والمحقق الثاني في جامع -
المقاصد ان كلما يصلح أن يصير مستندا للشهادة يصلح أن يصير مستندا لليمين حتى الأصل بل ذكر الأول
ان أمر اليمين أوسع ولكن هذه الملازمة غير ثابتة عند المشهور ولنذكر أولا جملة من الكلام في صلوح الأصل
للاستناد ثم نعقبها بالكلام في حكم سائر الامارات.
ثم إن مورد الكلام وإن كان في مستند اليمين إلا أنا نذكر ضابطة كلية تنفعك في كثير من المقامات
مثل مستند الشهادة والدعوى وغيرهما فاستمع لما نقول واستعد لضبطه وحفظه -
فنقول ان مقتضى الأصل والقاعدة الأولية عدم جواز الاستناد إلى الأصل ولا إلى غيره من الأسباب
الشرعية والأمارات الظنية في اليمين وغيرها من الشهادة والدعوى لان الحالف إذا استند إلى الأصل أو الامارة -
الشرعية فلا يخلو إما أن يحلف على مقتضى الأصل يعني (و خ) الحكم الظاهري أو يحلف على الواقع من جهة قيام
الأصل أو غيره من الامارات فإن حلف على مقتضى الأصل والحكم الظاهري فهو خارج عن محل الفرض لأنه
كالحلف على نفي العلم في عدم مطابقتها للدعوى لان الحكم الظاهري مما لا يتعدى الحالف إلى غيره فكيف يكون
نافعا في مقابل الدعوى على الواقع.
توضيح ذلك أن لنا أحكاما واقعية وأحكاما ظاهرية بالبداهة أما الأحكام الواقعية الأعم من التكليفية
والوضعية فلما كانت غير متغيرة بتغير أحوال المكلفين بالعلم والجهل ولم تكن واقعيتها متوقفة على العلم بها
أو الجهل فالاخبار بها والحلف عليها ينفع جميع المكلفين من العالمين والجاهلين وأما الأحكام الظاهرية

183
فلما كانت متغيرة بتغير أحوال المكلفين وكانت واقعيتها منوطة بجهل المكلف بالأحكام الواقعية فالاخبار
بها والحلف عليها لا ينفعان إلا في حق المخبر والحالف فالحالف على البراءة الظاهرية من جهة الأصل لا ينفع حلفه
في مقابل دعوى المدعي الاشتغال الواقعي إذ كثيرا ما يصدق المدعي المنكر في شكه في الاشتغال وعدم علمه
به وكون حكمه الظاهري من حيث شكه هو البراءة كما لو ادعى عليه انك أتلفت مالي في حال نومك وأنت
لا تعلم به لكنه لا ينفع في مقابل دعواه لان الحكم الظاهري المستند إلى الشك مختص بالشاك فتصديقه فيه
لا ينفعه في الجواب عن دعوى الواقع أصلا وهذا مما لا إشكال فيه بعدما عرفت من عدم كفاية اليمين على نفي -
العلم إذ مرجعهما إلى شئ واحد
وإن حلف على الواقع مستندا إلى الأصل أو الامارة فنقول أولا بعدم صدق الحلف
والشهادة مثلا على الواقع في صورة شك الحالف والشاهد حقيقة فالشاك بما يحلفه ليس حالفا به حقيقة وإن كان
حالفا به صورة فالحلف الصوري وإن كان موجودا لكنه غير نافع.
توضيح ذلك أن المخبر عن الشئ الواقعي سواء كان حالفا أو شاهدا أو غيرهما لا يصدق عليه انه مخبر
عنه فيما لو علم شكه فيه واقعا نعم يصدق عليه المخبر مسامحة بحسب الصورة كما لو علم بكونه كاذبا في اخباره
مع كونه عالما به أيضا فإن صدق المخبر عليه إنما هو باعتبار تنزيله نفسه منزلة الصادق العالم بصدقه فيطلق عليه
المخبر بهذا الاعتبار مسامحة هذا مقتضى ما ربما يفضى إليه ميل الأستاذ العلامة في مجلس البحث ولكن لي
فيه نظر يظهر وجهه بالتأمل فتأمل وثانيا سلمنا صدق الحالف عليه لكن نقول إن ما دل على اعتبار الحلف أو الشهادة
بل كل أخبار من أي مخبر كان إنما هو فيما إذا لم يكونوا شاكين في الحلف والشهادة والاخبار لان معنى
تصديق المخبر جعل ما يخبر به باعتقاده منزلة الواقع وترتيب آثار الواقع عليه والحكم بكونه صادقا ومن
المعلوم ضرورة عدم امكان التصديق بهذا المعنى في صورة شك المخبر فيما يخبر عنه.
وبعبارة أخرى معنى تصديق المخبر في اخباره هو الحكم بكون ما يخبر به عن اعتقاده انه الواقع
هو الواقع وترتيب آثاره عليه فالاعتقاد وإن لم يكن متعلقا للاخبار في القضية التصديقية الخبرية إلا أنه جهة فيه على
وجه الطريق.
وبعبارة ثالثة معنى تصديق المخبر جعله صادقا في اخباره فكيف يجعل صادقا مع شكه بنفسه في
صدقه وإن هذا إلا القول بأن أدلة التصديق يجعل غير المخبر أولى من المخبر وهذا معنى ما يقال بالفارسية (كاسه
گرم تر از آش نميشود) وبالجملة لا إشكال في أن أدلة تصديق المخبرين لا تشمل من كان شاكا في اخباره
فضلا عن أن يكون قاطعا بخلافه فخروجهما منها ليس من باب التخصيص بل من باب التخصص ومن المعلوم
ضرورة أن أدلة اعتبار الأصل والامارات لا تخرج المكلف عن كونه شاكا في الواقعة غاية ما يثبت بها وجوب
ترتيب أثر الواقع عليها من الأعمال وهذا المقدار لا يثبت دخول اخبار العامل بها عن الواقع مع الشك فيه في
تحت ما دل على وجوب تصديق المخبر في اخباره عن الواقع هذا كله بالنظر إلى الحكم الوضعي لليمين الواقعة
عن الشاك.
وأما الكلام في الحكم التكليفي للحالف فلا يخلو إما أن يحلف على البراءة والملكية الظاهريتين اللتين
قضى الأصل أو الامارة بهما أو على البراءة الواقعية والملكية الواقعية فإن حلف على الوجه الأول فلا إشكال في
جوازه لكونه صادقا في حلفه واخباره عالما بما يحلف عليه وإن حلف على الوجه الثاني فالذي اختاره الأستاذ
العلامة وجماعة هو عدم الجواز لأنه لا يعلم بما يحلف عليه ويخبر عنه فيدخل في القول بغير العلم هذا مضافا

184
إلى جملة من الروايات الدالة على عدم جواز الحلف إلا على العلم قد ذكرناها سابقا في حكم المجيب بلا أدري
كقوله لا يحلف أحد إلا على علمه وفي رواية لا يستحلف وظاهرها عدم جواز الحلف للحالف على ما لا يعلمه
بل يمكن الاستدلال بها على الحكم الوضعي أيضا فيقال ان المستفاد منها أخذ العلم في موضوع الحلف كما أن
في بعض الروايات ما يدل على اعتبار القطع في موضوع الشهادة وهذا دليل آخر على عدم جواز الشهادة والحلف
من الشاك وغير القاطع لا نحتاج معه إلى التمسك بما قدمناه.
ثم إنه كيف يمكن القول بكفاية اليمين المستندة إلى الأصل أو الامارة الشرعية مع أنه مخالف لما
اتفقوا عليه من اشتراط الجزم وألبت في اليمين على غير نفي فعل الغير إذ لو كان المراد البت بمقتضى الامارة الشرعية لما
كان وجه للتفصيل بين أفراد اليمين إذ اليمين على الواقع استنادا إلى الأصل كما يمكن في اليمين على غير
نفي فعل الغير كذلك يمكن في اليمين على نفي فعل الغير أيضا لوجود الأصل فيه أيضا مع أن كلماتهم تنادي
بأعلى صوت ان الوجه في الاكتفاء باليمين على نفي العلم في اليمين على نفي فعل الغير من جهة تعذر اليمين
على البت والواقع ولو كان بنائهم على الاكتفاء باليمين المستندة إلى الأصل لما كان وجه لهذا التعليل أصلا
كما لا يخفى
ثم إن هذا الذي ذكرنا من عدم جواز الحلف والشهادة من الشاك وإن استند إلى أصل أو امارة شرعية
إنما هو بالنظر إلى أصل القاعدة حسبما يترائى في جلي النظر ولكنه يشكل بأنه لو بنى عليه لزم عدم سماع دعوى
ولا شهادة ولا حلف من أحد في مورد من الموارد أو في أكثرها لأنه ما من مدع ولا شاهد ولا حالف إلا ويستند في
دعواه وشهادته ويمينه إلى أصل من الأصول أو امارة من الامارات في الجملة أي ولو بالنسبة إلى بعض الجهات
مما يكون له مدخل فيها وتكون منوطة به مثلا من يدعي زوجية امرأة ولو كان قاطعا بايقاع العقد عليها
لكنه لا يخلو عن احتمال به يرفع القطع بالزوجية ولا أقل من احتمال فساد العقد بحسب الواقع وإن كان
عنده صحيحا بحسب تكليفه اجتهادا أو تقليدا أو احتمال عروض ما يوجب رفع الزوجية أو وجود ما يمنع من
تحقق الزوجية قبل العقد كحصول رضاع محرم أو غيره من الأسباب وربما يحصل بينهما رضاع لكنه ينفي
كونه محرما باجتهاد أو تقليد فيدعى زوجيتها إلى غير ذلك من الاحتمالات الغير المحصورة التي لا مدفع لها إلا
التمسك بالأصول والامارات وأيضا من يدعي اشتغال ذمة شخص بسبب خاص كالقرض مثلا وإن علم بتحقق -
القرض لكنه لا يعلم مع ذلك باشتغال ذمة المدعى عليه واقعا لاحتمال فساد في القرض دفعه المدعى باجتهاد أو
تقليد أو احتمال حصول براءة ذمة المنكر بسبب من الأسباب قهرا لا أقل من أن يحتمل اتلاف ماله في النوم
ونحوه أو احتمال كون الدرهم والدينار مال المنكر واقعا قد أخذه من يد شخص من جهة البيع أو أداء دين
أو احتمال حصول سبب التهاتر قبل القرض بأن يكون مشغول الذمة للمنكر بسبب من الأسباب بقدر ما يدعيه
عليه إلى غير ذلك من الاحتمالات التي لا تنفك عادة من الدعوى في مورد من الموارد هذا بالنسبة إلى المدعي
وهكذا حال الشاهد فإنه في المثال المذكور أخيرا إذا شهد على اشتغال الذمة أي على المسبب من أين يعلم
اشتغال ذمة المقترض واقعا مع احتماله فساد العقد أو حصول التواتر في البين إلى غير ذلك من الاحتمالات وهكذا
في سائر الموارد كالشهادة على الاملاك وغيرها فإنها لا تنفك عن احتمال يرفع القطع بحصول الملك الواقعي
وهكذا حال الحلف أيضا فلو بنى على اعتبار الجزم والقطع في الأمور المذكورة لزم سد باب سماع الدعاوى
والشهادات والايمان وهو مخالف لسيرة العلماء في كل زمان من سماع الدعوى والشهادة والحلف مع وجود العلم

185
الاجمالي بعدم خلو المذكورات من احتمال دفع بالأصل أو بامارة أخرى بل الحكم بعدم سماع المذكورات
في الصورة المفروضة مخالف لبناء جميع المتشرعة إلى زمان النبي (صلى الله عليه وآله).
فإن قلت سلمنا عدم خلو أكثر الموارد عن الاحتمال لكنه ليس بحيث يوجب الشك أن التزلزل بل
هو احتمال عقلي لا يمنع من حصول العلم العادي أو الاطمينان الملحق به بل أكثر الأوقات لا يلتفتون إلى هذه
الاحتمالات فاستقرار سيرتهم على سماع المذكورات في أكثر الموارد إنما هو من جهة البناء على ما ذكر فهو
لا يدل على سماعها في صورة فرض فيها الشك والتردد.
قلت أما دعوى حصول العلم العادي في أكثر الموارد فمجازفة جدا يكذبها العيان والوجدان وأما
دعوى حصول الظن الاطميناني في أغلب الموارد فمع انها أيضا مخالفة لما يشاهد بالضرورة فيه أنه لا ينفع بعد
قيام الدليل على اعتبار العلم في المذكورات فتأمل هذا مضافا إلى أن ما ادعيناه من استقرار السيرة
من المتشرعة على سماع الدعوى والشهادة والحلف والقبول من الحكام والقضاة يجري في صورة التفات الشاهد أو
الحالف مثلا مع تردده بحسب الواقع فدعوى انهم غافلون عن تلك الاحتمالات غير ملتفتين إليها لا تنفع بعد
قيام السيرة على الحاق صورة الالتفات والشك بعد وجود المستند الشرعي بصورة الغفلة.
وبالجملة القول بأن اعتمادهم في أكثر الموارد من جهة حصول الاطمينان يكذبه ما عرفت مضافا إلى أنه
لو كان من الجهة المذكورة فلا بد أن يلتزموا به ولو كان الدعوى على خلاف الأصل ومعلوم انهم لا يلتزمون
به وحاصل ما ذكرنا من الاشكال من أوله إلى هنا ان الحكم بوجوب الاستناد في الحلف والشهادة مثلا إلى -
العلم وعدم كفاية اليمين الواقعة عن الشاك وإن كان له طريق شرعي في احراز الواقع مخالف لما نشاهد من قيام
السيرة من العلماء في جميع الأمصار والاعصار على كفاية اليمين على الواقع والشهادة عليه من الشاك فيما إذا كان
له طريق شرعي في احراز الواقع ويدل على استقرار سيرتهم حصول العلم لكل أحد من الجهال فضلا عن العلماء
بعدم خلو الأخبار المذكورة عن الاستناد إلى الامارة الشرعية فإذا الحق جواز الاستناد إلى الأصل وغيره من -
الامارات في الدعوى والشهادة والحلف في الجملة بتفصيل يأتي إليه الإشارة فيما بعد إن شاء الله.
وتحقيق القول في المقام بحيث يرتفع جميع غواشي الأوهام ولم يبق إشكال بعده لاحد من الأنام
بعون الملك العلام يقتضي التكلم في مقامات المقام الأول في أصل تصوير موضوع الشهادة والحلف مثلا مع الشك
في صورة الاستناد إلى الطريق الشرعي. المقام الثاني في بيان حكم المسألة بعد تحقق الموضوع وبيان تطبيق
أدلة اعتبار الشهادة والحلف على الشهادة والحلف على النهج المذكور. المقام الثالث في بيان المراد من قوله
اليمين على البت من غير نفي فعل الغير وفيه على نفي العلم حتى يرفع توهم منافاته للقول بجواز الاستناد إلى
الامارة الشرعية في الحلف. المقام الرابع في بيان الجمع بين ما دل من الاخبار على أخذ العلم في موضوع
الشهادة أو الحلف لو كان هناك ما يدل بالنسبة إليه أيضا.
أما الكلام في المقام الأول فنقول أما التصوير في الأخبار المذكورة مع الشك فبأحد الوجهين الأول
أن يقال إن مراد الشاهد أو الحالف مثلا في الشهادة والحلف على الملكية مثلا هي الملكية الظاهرية التي قضى
بها الأصل أو طريق آخر فقول الشاهد هذا ملك لزيد أي ظاهرا فلم يشهد إلا على الملكية الظاهرية فالتصرف
إنما وقع على التقدير في المحمول ليس إلا وأما وجه كفايته فسيجئ تفصيل القول فيه في المقام
الثاني لكن هذا الوجه غير وجيه لأنا نعلم بعدم استناد المخبر في اخباره إليه الثاني أن يقال إن مراد الشاهد

186
أو المدعى أو الحالف من الملكية مثلا إنما هي الملكية الواقعية لكن بعد تنزيل ما قام عليه الطريق منزلة الواقع
وجعله من جملة أفراده ادعاء فالاخبار على هذا إنما هو عن الملكية الواقعية بناء على اقتضاء الطريق فهو جهة
للقضية لا أن يكون مأخوذا في موضوعها أو محمولها فالتصرف إنما هو في النسبة وهذا هو الحق لأنا نعلم أن
مراد مدعي الملكية أو الشاهد عليها أو الحالف ليس الملكية الظاهرية بحيث تكون متعلقة للدعوى والشهادة
والحلف بل مرادهم من الملكية في مورد الدعوى ليس إلا ما يخبرون عنه في غير الدعوى كقول المالك هذا
مالي أو ذي اليد هذا مالي وكقول غير المالك هذا مال فلان.
وهكذا الكلام في الاخبار عن الزوجية والنسب وغيرهما من الأشياء فإنا نعلم أن مرادهم من الملكية
مثلا في الأخبار المذكورة ليس إلا الملكية الواقعية بتنزيل مؤدى الطريق الشرعي منزلة الواقع وادعاء كونه
الواقع من جهة عدم الاعتناء باحتمال الخلاف أترى أن نقول إن مرادهم من الملكية في مقام الدعوى غيرها في
غيره حاشاك ثم حاشاك فالاخبار إنما يقع جزما عن الملكية الواقعية لكن بعد التنزيل المذكور ثم البحث في أن
هذا الاستعمال حقيقة أو مجاز ليس من شأن المحصلين بعد العلم بأن مرادهم من الملكية وأمثالها في
حيز الاخبار هو ما ذكرنا.
وبالجملة عند العرف استعمالات شايعة في مقام الدعوى وغيره بمقتضى الطرق الشرعية بعد تنزيل
مؤداها منزلة الواقع بل ليس هذا مختصا بعرف المتشرعة بل أقول إنها جار عند جميع أرباب الملل والنحل ممن
ينكر وجود الصانع وغيره فإن عند كل قوم تسبب الموضوعات المتداولة بينهم فالدهري الذي يخبر عن الملكية
في مقام الدعوى ليس مراده منها إلا ما يخر عنها في غير مقام الدعوى وان احتمل عدم مطابقتها للملكية
الواقعية عنده بل ليس هذا مختصا بالموضوعات المذكورة لجريانه في غيرها أيضا كالاخبار عن الموازين كالمن
والرطل وغيرها مع العلم بنقص ما يخبرون عنه عما وضع له اللفظ عندهم فإن استعمالهم ليس إلا من جهة
المسامحة بتنزيل المعدوم منزلة الموجود أو العكس بل أقول إنه يجري في اخبار المجتهد عن الأحكام الشرعية
أيضا فإن قول المجتهد الفعل الفلاني واجب مثلا مع استنباطه وجوب الفعل من الدليل الظني المعتبر ليس مراده انه
واجب ظاهرا بل لا شك ان مراده هو الوجوب الواقعي بالملاحظة التي أشرنا إليها.
وبالجملة من راجع المحاورات العرفية وتأمل فيها هنيئة يقطع بما ذكرنا من غير أن يختلج بباله اشكال
أصلا فراجع وتأمل هذا مجمل القول في أصل تصوير موضوع الشهادة والحلف ونحوهما في صورة عدم العلم مع
الاستناد إلى الطريق الشرعي.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو بيان حكمها وتطبيق الأدلة عليها فنقول إن كان الحلف أو الشهادة
على الوجه الأول من التقريرين فالظاهر كفايتهما بالشرط الذي سنذكره بعد ما كنا بصورة الجزم.
لا يقال انك ذكرت سابقا عدم الاعتبار بالحلف أو الشهادة إذا علم أن مراد الحالف أو الشاهد هو الملكية
الظاهرية مثلا نظرا إلى قيام الملكية على النحو المذكور بنفس الشاك المأمور بالرجوع إلى الطرق فلا تنفع
في حق غيره.
لأنا نقول ما ذكرنا سابقا من عدم كفاية الحلف أو الشهادة على الوجه المذكور إنما كان من جهة
اشتراط التطابق بينهما وبين الدعوى حسبما عرفت تفصيل القول فيه فإذا فرض كون دعوى المدعي أيضا هي الملكية
الظاهرية لما قد عرفت من مساواتها للشهادة والحلف في الاستناد إلى الأصل أو الامارة الشرعية فيكون كل من

187
الشهادة والحلف أيضا مطابقا للدعوى نعم لو فرض استناد الدعوى إلى العلم كما لا يبعد تحققه في بعض الدعاوى
من بعض الاشخاص لم يكف الشهادة والحلف على النهج المذكور هذا ولكن الذي يسهل الخطب القطع بعدم
ارادتهم من الملكية مثلا هي الظاهرية التي قضت بها الطرق حسبما عرفت تفصيل القول فيه هذا كله إذا كان
الحلف أو الشهادة على الوجه الأول وإن كان على الوجه الثاني من التقريرين فالظاهر بل المقطوع من غير -
إشكال فيه لاحد كفايتهما إذا لم يكن في مقابلتهما دعوى من المدعي فإنه لا ينفع حينئذ الشهادة والحلف المستندان
إلى الأصل لاستلزام كفايتهما عدم سماع الدعوى من المدعى.
توضيح القول في ذلك كله انه قد يكون الحلف والشهادة غير متقابلين بالدعوى من أحد كما إذا
ادعى المدعي ملكية شئ وأنكرها المنكر وأقام البينة عليها وشهدت البينة اتكالا على الاستصحاب لا على العلم
أو حلف المدعي عليها فيما إذا لم يكن له شاهدان أو لم يقم البينة أصلا ورد المدعى عليه اليمين إليه مستندا
إلى الأصل لاحتمال انتقاله إليه بسبب من الأسباب لا يعلمه أصلا أو احتمال كونه ملكا له بغصب أبيه أو غصب
من اشترى عنه المال إلى غير ذلك من الاحتمالات التي يدفعها بالأصل وفي هذه الصورة لا إشكال في جواز
الاستناد إلى الشهادة والحلف المستندين إلى الأصل ويدل عليه وجوه الأول لزوم سد باب اثبات الحقوق
بالبينات والايمان ولزوم عدم سماع الدعوى من أحد أصلا لما عرفت من قلة مورد أمكن فيه تحصيل القطع
للشاهد والحالف والمدعي ولازمه إبطال الحقوق كثيرا التي شرع لحفظها القضاء بين الناس الثاني قيام السيرة
من السلف والخلف إلى زمان النبي (صلى الله عليه وآله) على سماع المذكورات مع العلم الاجمالي بعدم خلوها عن الأصل أو
امارة شرعية غيره الثالث انصراف اخبار الباب إلى الدعوى والشهادة والحلف المتعارفة بين الناس ولا يوجد بينهم
غيرها أصلا أو يوجد ولكن في غاية القلة.
وبالجملة ما ذكرنا من كفاية الشهادة والحلف المستندين إلى الأصل ما لم يعارضه دعوى من المدعى
مما لا إشكال فيه بل لا خلاف وقد عرفت مطابقتهما للدعوى أيضا.
فإن قلت كيف تدعي عدم معارضة الأصل في المثال المذكور مع أنه معارض بإنكار المنكر ودعواه
خلافه فكل شهادة وحلف لا محالة يكون معارضا بالدعوى قطعا فلا مورد للتفصيل الذي ذكرته أصلا.
قلت إنكار المنكر ليس معارضا ومقابلا للاستصحاب الذي استند إليه الشاهد مثلا بل إنما هو راجع
إلى نفي ما اجرى باعتباره الاستصحاب وهو المستصحب وانكاره ملغى بعد قيام البينة عليه إذا المفروض انها قاطعة
بالنسبة إلى المستصحب وإن شئت قلت إن مجرد الانكار ليس بدعوى أصلا نعم لو ادعى المنكر في الفرض
ما يخالف الأصل كبراءة الذمة أو اشتراء العين من المالك لم تنفع الشهادة المستندة إلى الاستصحاب أو الحلف المستند
إليه في رفع دعواه كما سيجئ تحقيق القول فيه.
فإن قلت إذا بنيت على سماع الدعوى المستندة إلى الامارة أو الأصل فبأي شئ تحمل ما ذكروه
من عدم سماع الدعوى الظنية والشكية.
قلت نحمل كلامهم هذا على ما إذا لم يكن الدعوى مستندة إلى مستند شرعي وإلا فيلزم ما عرفت من
انسداد باب الدعوى وهم بريئون من أن يقولوا بذلك.
هذا كله إذا لم يكن الحلف والشهادة المستندان إلى الأصل معارضين بدعوى من المدعي وأما إذا
عورضا بدعوى منه كما إذا ادعى المنكر حصول براءة الذمة بعد دعوى الاشتغال عليه أو ادعى انتقال المال إليه

188
من المدعي ومثل حلف المنكر المستند إلى براءة الذمة في مقابل دعوى الاشتغال فلا إشكال بل لا
خلاف يعتد به في عدم الاكتفاء بهما لان اعتبارهما تابع لاعتبار الأصل المستند إليه ومعلوم انه ليس بمعتبر
في مقابل الدعوى إذ لو بنى على اعتباره وجواز الحلف عليه لزم عدم سماع الدعوى فيما إذا قابلها أصل من -
الأصول وهو خلاف الاجماع والاخبار وأيضا ربما يكون المدعي معترفا بشك المنكر ومصدقا للأصل الذي
استند إليه في حلفه فكيف يكون هذا كافيا في ردعه وقد عرفت بعض الكلام فيه أيضا سابقا فراجع و
تأمل فيه.
فإن قلت لو بنى على عدم الاكتفاء باليمين المستندة إلى الأصل إذا قوبلت بدعوى من المدعي لزم القول
بعدم سماع اليمين من المنكر أصلا للعلم الاجمالي باستنادها إلى أصل من الأصول والمفروض معارضته بدعوى -
المدعي في جميع الأوقات ونتيجته عدم الاكتفاء باليمين من المنكر أصلا وهو أيضا خلاف السيرة المستمرة بين
الفرقة الناجية بل الهالكة ومستلزم لوقوع المنكر في المضار الكثيرة المنفية في الشريعة السمحة فالتفصي
عن اشكال الاستناد إلى الأصل في اليمين على النهج المذكور والتفصيل المزبور مما لا يسمن ولا يغني من جوع
لبقاء الاشكال معه قطعا.
قلت لا يلزم مما ذكرنا القول بعدم سماع اليمين من المنكر أصلا وفي جميع الموارد بيان ذلك أنه
قد يدعي المدعي ملكية شئ أو اشتغال ذمة المنكر بشئ بسبب خاص كبيع وهبة وقرض وأمثالها فينكر
المنكر المدعى به على النهج المذكور قاطعا بعدم بيع المال مثلا بالمدعى وعدم الاقتراض منه أصلا وان احتمل
كونه مالا للمدعي بسبب لا يدعيه المدعي أصلا أو احتمل اشتغال ذمته للمدعي بغير السبب الذي يدعيه فيعتمد
في نفي الاحتمالين إلى الأصل ومعلوم عدم معارضته بدعوى المدعى المبتنية على السبب الخاص ففي هذه الصورة
لا ريب في جواز استناده في الحلف على الأصل إذا كان عالما بنفي السبب الخاص الذي هو المبنى لدعوى المدعي
لعدم معارضة الأصل الذي له مدخل في اليمين بدعوى المدعي أصلا وهذا مما لا إشكال فيه ومثله في عدم الاشكال
في طرف عدم الجواز الحلف في الصورة المفروضة مع الشك في وجود السبب الذي يدعيه المدعي مستندا إلى
أصالة عدمه لمعارضتها بالدعوى من المدعي وإنما الاشكال فيما لو ادعى المدعي ملكية شئ أو اشتغال ذمة المنكر
بشئ من غير استناد إلى السبب الخاص مثل أن يقول هذا ملكي أو أنت مشغول الذمة لي بمئة دينار مثلا فهل
يجوز الاستناد إلى الأصل في اليمين على نفي الدعوى أم لا فيه تفصيل.
بيان ذلك أنه قد ينكر المنكر ما ادعى عليه ويحلف على البت لكن لا نعلم أن مستند حلفه هو العلم أو الأصل
ففي هذه الصورة لا إشكال قد حمل كلامه على الواقع لكن الفرض نادر جدا كما أن فرض العلم باستناد حلفه إلى العلم
أندر منه وقد ينكر ويحلف على ما أنكر ونعلم أنه مستند إلى الأصل فحينئذ إما أن نعلم أنه استند إلى الأصل في نفي فعل
نفسه أو نعلم أنه استند إلى الأصل في نفي فعل غيره وان ضمه إلى القطع بنفي فعل نفسه وحلف على عدم الاشتغال وإما
أن لا نعلم أحدهما بالخصوص فإن كان الأول فلا إشكال في الحكم بعدم كفاية اليمين منه لكون أصله مقابلا
بالدعوى وإن كان الثاني فلا إشكال أيضا في الحكم بالكفاية لعدم كون الأصل في نفي فعل الغير مقابلا بالدعوى
وإن كان الثالث ففيه إشكال من حصول العلم إجمالا بكون حلفه مستندا إلى الأصل وعدم وجود المعين لاستناده
في نفي فعل نفسه إلى الأصل أو في نفي فعل غيره إليه ومن أن هذا الترديد لا ثمرة له بعد دورانه بين ما هو مضر وبين
ما هو ليس بمضر قطعا كما تقرر في العلم الاجمالي وإن شئت قلت إن مقابلة الأصل بالدعوى مانعة عن جريانه

189
ولم يعلم بها فلا موجب لرفع اليد عن الأصل ولعل الثاني أقوى لما عرفت هذا مضافا إلى ما عرفت من أنه لو بنى
على عدم الاكتفاء بها لزم وقوع الناس في الضرر كثيرا لان أكثر صور الادعاء والانكار من هذا القبيل وسيجئ
تفصيل القول فيه في المقام الثالث إن شاء الله تعالى هذا مجمل القول في المقام الثاني.
وأما الكلام في المقام الثالث فنقول ان من المشهور بينهم المذكور في كتبهم تقسيم اليمين إلى الأربعة
المعروفة لأنها إما على النفي أو على الاثبات وعلى كل من التقديرين إما على فعل النفس أو فعل الغير والحكم
بان في غير نفي فعل الغير لا بد من أن يحلف الحالف على البت والعلم وفيه يحلف على نفي العلم.
وقبل الخوض في التكلم في المسألة وبيان وجه التفصيل الذي ذكروه لا بد من التعرض لأمور بها تدفع
الشبهات وترفع الاشكالات.
الأول ان مرادهم من فعل النفس وفعل الغير في كلماتهم أعم من أن يكون قائما به وبغيره بلا واسطة
أو مسببا عما هو قائم بهما كذلك كاشتغال الذمة فإنه مسبب عن فعل الانسان فاليمين على عدم الاشتغال أيضا راجع
إما إلى نفي فعل النفس الذي سبب له أو فعل الغير الذي سبب له وأيضا مرادهم منهما أعم من أن يكون مما
صدر عن الانسان باختياره كالبيع والهبة ونحوهما اختيارا أو كان صادرا عنه بغير اختياره كالاتلاف في حال النوم
أو الغفلة ونحوه وهذا مما لا إشكال فيه بعد ملاحظة كلماتهم.
الثاني ان مرادهم من اليمين على البت هي اليمين على الواقع في مقابل اليمين على نفي العلم فما ربما
يستفاد من كلام بعض السادة الفحول من الايراد على القول بأنه بعد اشتراط دعوى العلم في اليمين على نفي العلم
لا معنى للتفصيل الذي ذكروه في اليمين لان اليمين حينئذ على البت مطلقا كما صرح به الفاضل في بعض كتبه لا ورود
له بعد ما عرفت من معنى اليمين على البت هذا مضافا إلى ما عرفت سابقا من أن اشتراطهم لدعوى العلم ليس من
جهة عدم سماع دعوى الواقع في الدعوى على فعل الغير بل من جهة انه لو أراد المدعى حلف المدعى عليه
يشترط ان يتعرض في دعواه الواقع لدعوى العلم ليحصل التطابق فتأمل.
الثالث انك قد عرفت أن المراد من فعل النفس وفعل الغير أعم منها ومما يرجع إليهما بالتسبب
كاشتغال الذمة ونحوه وبعبارة أخرى انك قد عرفت أن المدعي قد يدعي نفس الفعل كالبيع والهبة ونحوهما و
قد يدعى نتيجته كالاشتغال والملكية.
فإن ادعى نفس الفعل فالحكم ما ذكروه من أنه إذا كان فعل النفس نفيا أو اثباتا يحلف فيه على البت
وإذا كان فعل الغير يحلف في اثباته على البت وفي نفيه على العلم هذا إذا علم أن المنكر رجع في حلفه
على فعل نفسه نفيا أو اثباتا إلى العلم أو احتمل في حقه ذلك الموجب لحمل كلامه على الواقع وأما إذا
علم أنه استند في نفي فعل نفسه إلى الأصل فلا يكفي حلفه على الواقع مستندا إليه حسبما عرفت تفصيل
القول فيه.
وان ادعى النتيجة كالملكية والاشتغال فهذا أولا لا يخلو عن صور ثلاث لأنه إما أن يعلم أنه يدعي
الاشتغال المسبب عن فعل النفس أو يعلم أنه يدعي الاشتغال المسبب عن فعل الغير أو يجهل الأمران فإن علم -
الحال فالحكم كما عرفت في القسم الأول وإن جهل الحال فلا يخلو أيضا عن صور ثلاث لأنه إما أن يعلم أن المنكر
رجع في إنكاره وحلفه إلى العلم في نفي فعل نفسه ونفي فعل الغير المسبب منهما الاشتغال أو يحتمل ذلك أو يعلم أنه
رجع في نفس أحدهما إلى الأصل.

190
فإن كان الأولان فلا إشكال فيه في الصورة الأولى منهما وكذا في الصورة الثانية لوجوب حمل كلامه
على الواقع وهذه أكثر من جميع الصور.
إنما الاشكال في الصورة الثالثة فنقول انها لا تخلو أيضا من صور ثلاث لأنه إما أن يعلم أنه رجع في نفي
فعل نفسه إلى الأصل أو يعلم أنه رجع في نفي فعل غيره إلى الأصل أو يجهل الحال بمعنى انه يعلم أنه رجع إلى الأصل
في نفي أحدهما لكن لا يعلم بالخصوص انه أي منهما.
فإن علم أنه رجع في اليمين على نفي فعل نفسه إلى الأصل فلا يكفي يمينه المستندة إليه.
لا يقال انا لا نعلم أن يمينه هذه المستندة إلى الأصل معارضة بدعوى الخصم فلا دليل على عدم كفايتها
لان المانع منها ليس إلا معارضة الدعوى والمفروض عدم العلم بها.
لأنا نقول إن المدعي لما يحتمل أن يكون دعواه راجعة إلى فعل نفس المنكر وإلى فعل غيره فلا بد
أن ينكر المنكر كليهما يعني ينفي الاشتغال المطلق فيجب عليه احراز وظيفة كل من النفيين لاحتمال كون
دعواه متعلقة بفعل النفس وبعبارة أخرى انكار المنكر سلب كلي في مقابل دعوى المدعي فلا بد أن ينفي جميع
ما تسبب عنه الاشتغال من فعل النفس وفعل الغير ويحلف على ما ينفيه بمقتضى وظيفته وبعبارة ثالثة لا بد من
أن تنزل الدعوى المحتملة على فعل النفس بعد العلم الاجمالي بأن دعواه راجعة إما إليه أو إلى فعل غيره منزلة
المحققة فكما انها لو كانت محققة لمنعت من الاستناد إلى الأصل في اليمين وكذا لو كانت محتملة.
وان علم أنه رجع في نفي فعل غيره إلى الأصل مع رجوعه في نفي فعل نفسه إلى العلم فيكتفى منه
باليمين المستندة إلى الأصل في بعض جهاته بالمعنى المذكور لان الدعوى المحتملة هنا لو كانت محققة اكتفى
منه باليمين على النهج المذكور.
لا يقال إن اليمين على نفي فعل الغير لو أدعاه المدعي محققا إنما هي على نفي العلم لا بمقتضى الأصل فكيف
يقال إن الدعوى لو كانت محققة لم تقبض زايدا على اليمين المستندة إلى الأصل فحكم هذه الصورة أيضا حكم الصورة
الأولى من حيث عدم الاكتفاء باليمين المستندة إلى الأصل.
لأنا نقول قد عرفت غير مرة ان اليمين بمقتضى الأصل كاليمين على نفي العلم من حيث الحكم بل في
الحقيقة الأولى راجعة إلى الثانية فتأمل.
وإن اشتبه الحال ولم يعلم أنه رجع في نفي فعل غيره إلى الأصل أو في نفي فعل نفسه إليه فهل يحكم
بكفاية اليمين على النهج المذكور أم لا وجهان من حيث العلم الاجمالي بالادعاء المتعلق بأحد الفعلين فلا بد
من العلم بكون اليمين جوابا له على كل تقدير وهذا لا يحصل مع العلم الاجمالي باستناد المنكر إلى الأصل
في نفي أحد الفعلين المحتمل كونه فعل النفس ومن أن العلم باستناده إلى الأصل لا يضر مع الجهل بمجراه وانه
فعل النفس أو فعل الغير لما قد تقرر في محله من أن العلم الاجمالي إذا كان مرددا بين ما يوجب سقوط الأصل
وبين ما لا يوجبه لا يؤثر في رفع أثر الأصل وإن شئت قلت إنه يجب حمل كلام المنكر على الواقع ما لم يعلم
خلافه والمفروض ان العلم الاجمالي باستناد المنكر إلى الأصل في الجملة لا يمنع من حمل انكاره على الواقع
بالنسبة إلى فعل نفسه لاحتمال استناده إلى الأصل في نفي فعل غيره أوجههما عند الأستاذ العلامة ثانيهما لما
قد عرفت من الوجه.
فإن قلت إن دوران دعوى المدعي بين فعل النفس وفعل الغير إن كان مانعا من الاكتفاء باليمين

191
المستندة إلى الأصل في غير ما علم الاستناد إليه في نفي فعل الغير من جهة احتمال تعلق دعواه بفعل النفس
فيجب احراز اليمين على البت بالنسبة إليه فلا فرق بين الصورة الأولى والثالثة وإن لم يكن مانعا من جهة احتمال
تعلق الدعوى بفعل الغير فلم يعلم أن الأصل الذي يستند إليه المنكر في نفي فعل نفسه معارض بالدعوى فلم قلت
بعدم الاكتفاء بها في الصورة الأولى.
قلت المانع من الاكتفاء باليمين المستندة إلى الأصل في نفي فعل النفس كما في الصورة الأولى ليس نفس
دوران دعوى المدعي بل هو مع عدم إمكان حمل كلام المنكر على الواقع لان العلم الاجمالي باستناده إلى
الأصل في نفي فعل نفسه يثبتنا عن الحمل على الواقع وهذه بخلاف الصورة الثالثة فإن الدوران المذكور وإن
كان موجودا فيها إلا أن المانع من حمل كلامه على الواقع بالنسبة إلى نفي فعل نفسه غير موجود لان ما يتخيل
صلاحيته للمنع ليس إلا العلم باستناده في اليمين إلى الأصل في الجملة وقد عرفت أن هذا النحو من العلم الاجمالي
لا اثر له وبالجملة الفرق بين ما نحن فيه والصورة الأولى لا يكاد يخفى إن شاء الله.
فإن قلت إذا بنيت على عدم ثبوت التأثير لمثل العلم الاجمالي المذكور فلم لم تقل بكفاية اليمين
في الصورة الأولى وعدم تأثير للدعوى المرددة بين تعلقها بفعل النفس الموجب لسقوط اليمين عن الاعتبار و
بين تعلقها بفعل الغير الغير الموجب لسقوطها عن الاعتبار مع كونه بعينه مثل العلم باستناد المنكر إلى الأصل
في الجملة.
قلت الوجه لعدم القول بالكفاية في الصورة الأولى هو عدم امكان حمل كلام المنكر على الواقع بالنسبة
إلى فعل نفسه الذي اشترطوه في اليمين على نفي فعل النفس وهذا بخلاف المقام فإن الحمل على الواقع فيه ممكن
فلا معنى لقياس أحدهما على الآخر.
فإن قلت الموجود من المنكر في الخارج ليس إلا كلام واحد فإذا علم اجمالا باستناده إلى الأصل في
الحلف على الواقع ولو بالنسبة إلى بعض الجهات فكيف يمكن حمل كلامه على الواقع مع كونه واحدا وحديث
تردد العلم الاجمالي بين ماله أثر وما لا أثر له لا اثر له فيما نحن فيه لان الكلام إذا فرض واحدا وعلم بمسامحة
المتكلم فيه من بعض الجهات لا محالة يسقط عن الظهور.
نعم لو كان هنا كلامان مثل ما لو حلف حلفين أحدهما بالنسبة إلى أفعال نفسه ثانيهما بالنسبة إلى
أفعال غيره وعلم باستناده إلى الأصل في اليمين على نفي أحدهما لم يبعد المصير إلى ما ذكر من حمل حلفه
في نفي فعل نفسه على الواقع والعلم.
قلت الموجود من المنكر في الخارج وإن كان كلاما واحدا إلا أن العلم الاجمالي بالاستناد إلى الأصل في
بعض الجهات إنما يضر فيما إذا كان الاستناد إلى الأصل في كل جهة منها غير جائز ومانعا من حمل كلامه
على الواقع.
وأما إذا لم يكن الاستناد إلى الأصل في جميعها غير جايز بل كان جايزا بالنسبة إلى بعضها غير جايز
بالنسبة إلى بعضها الآخر فلا دليل على كون العلم الاجمالي بالاستناد إلى الأصل في بعضها المردد مانعا من حمل
الكلام على الواقع فتأمل.
هذا كله مضافا إلى ما نزيد في الاستدلال وضوحا من أن إلزام المنكر مطلقا فيما كان دعوى المدعي
مرددة بين فعل النفس وفعل الغير باليمين على البت والعلم مع اشتمال نفيه على نفي فعل الغير أيضا الذي يكتفى

192
فيه باليمين على نفي العلم إلزام له بأمر متعذر إذ لا فرق في تعذر اليمين البتي على نفي فعل الغير بين انضمام نفي فعل
النفس إليه وعدمه كما لا يخفى فما دل على عدم إلزام المنكر باليمين على البت في نفي الغير للتعذر جار
بعينه فيما نحن فيه أيضا هذا ما يقتضيه جلى النظر.
وأما ما يقتضيه دقيقه فهو أن يقال بعدم كفاية اليمين المزبورة في الصورة المفروضة لما قد عرفت
من مطاوي كلماتنا من أن اليمين على نفي الاشتغال أمر بسيط لا تعدد فيه أصلا فإذا علم إجمالا باستناد المنكر
إلى الأصل في نفي أحد الفعلين فلا يبقى هناك ظهور نأخذ به.
وأما ما استدل به أخيرا لكفاية اليمين على النحو المذكور من حديث التعذر ففاسد جدا إذ لا نريد بإلزامه
على اليمين البتي إلزامه بها بالنسبة إلى نفي فعل الغير بل نحكم بعدم سماع اليمين المذكورة عنه من حيث
احتمال استنادها إلى الأصل في نفي فعل النفس ورجوع دعوى المدعى إليه فلم يحصل التطابق وليس التعذر
الشخصي أينما وجد مقتضيا للاكتفاء باليمين على نفي العلم حتى يقال بمثل ما ذكرته بل الثابت من الدليل
الاكتفاء باليمين على نفي العلم إذا علم أن متعلق الدعوى فعل الغير من جهة التعذر النوعي الذي صار حكمة
لجعل الحكم فما لم يحرز هذا العنوان لا يمكن أن يحكم بالاكتفاء باليمين على نفي العلم وبالجملة قد ذكرنا
سابقا ان مقتضى الأصل الأولى المستفاد من المعمومات هو لزوم كون اليمين على البت مطلقا خرج عنه صورة
العلم بكون متعلق الدعوى فعل الغير فيؤخذ به في باقي الصور حسبما بينا في الأصول تبعا لجماعة من المحققين
من وجوب الرجوع إلى العام عند الشك في مصداق المخصص وهذا معنى ما ذكره في المسالك من الحاق دعوى -
الغاية من الملكية والاشتغال بدعوى فعل النفس فإن مراده ليس الالحاق الموضوعي بل الالحاق الحكمي لما
ذكرنا فراجع وتأمل هذا محصل ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله من حكم الصور الثلاث وعليك بالتأمل
فيه فإن للنظر فيه مجالا واسعا لا سيما بالنسبة إلى ما ذكره أخيرا في حكم الصورة الثالثة.
إذا عرفت ما ذكرنا من الأمور فاعلم أن الأقوال في المسألة من الخاصة والعامة خمسة.
أحدها كون اليمين على البت مطلقا وهو المحكي عن ابن أبي ليلى ويمكن الاستدلال له بأنه الأصل
المستفاد من العمومات الواردة في باب القضاء حسبما عرفت أن المستفاد منها كون اليمين على البت مطلقا
بالبيان الذي تقدم القول فيه غير مرة فإن تمكن المنكر من الحلف على البت كما لو كان عالما فيحلف عليه
وإلا فيجب الرد عليه كما لو لم يكن عالما وأجاب باني لا أعلم ولا منافاة بين عدم جواز الحلف على البت له
تكليفا وكونه وظيفة له بحسب الوضع كما عرفت تفصيل القول فيه نعم لو وجد مورد لم يسمع دعوى الواقع
فيه أصلا بل المسموع هو دعوى العلم كما لو ادعى أحد على من أقر لشخص بمال ان المال لي فإنه لو لم يدع علم المقر
بان المال كان للمدعي فأقر للغير لم يسمع دعواه فلا بد من التزام هذا القائل بكفاية اليمين على نفي العلم هذا
واحتمل بعض مشايخنا قده أن يكون مراد هذا القائل ما ذكره جماعة من أصحابنا منهم العلامة في القواعد وير بعد
تقسيمهم اليمين إلى الأقسام الأربعة وحكمهم بأن اليمين على نفي العلم في اليمين على نفي فعل الغير بعد
دعوى العلم من أن اليمين على هذا على البت مطلقا فيكون هذا القائل موافقا للأصحاب لكنه في غاية البعد و
خلاف ما نسب إليه الأصحاب كالشيخ وغيره.
ثانيها كونها على نفي العلم مطلقا سواء في فعل النفس أو فعل الغير اثباتا أو نفيا وقد حكى هذا القول
عن جماعة من العامة منهم الشعبي والنخعي.

193
ومرادهم من هذا الكلام حسبما بينه الأستاذ العلامة انه يحلف المنكر على نفي العلم بما ادعى
عليه لو لم يعلم بعدم علمه ولم يعترف المدعي أيضا بعدم علمه فاليمين حقيقة مثبتة لعدم علمه لا أنها وظيفة للقضاء
حتى أنه لو أقام المدعي بعد ذلك البينة لم تسمع دعواه.
وحاصله يرجع إلى أنه مع عدم علم المدعى عليه بالمدعي لم تسمع الدعوى إذا لم يكن للمدعي بينة
عليها لكن عدم علمه قد يعلم به وقد يعترف به المدعي وقد يدعى عليه العلم وقد يدعي الواقع مع السكوت
فإن كان الأولان فلا إشكال في سقوط الحلف عنه وإن كان الثالث فلا إشكال في توجه اليمين على نفي العلم
إليه ليحرز عدم علمه وإن كان الرابع فالظاهر بل المقطوع ان حكمه كالثالث ومستند هذا القول على هذا
المعنى حسبما صرح به الأستاذ ما اشتهر بينهم من أن النافي لا يحتاج إلى دليل لان الأصل معه وهو مع الأصل
وهذا الذي ذكره الأستاذ سابقا في وجه كون اليمين على المنكر بحسب القاعدة فمال هذا القول إلى أن -
الحكم الظاهري في حق المنكر نافذ في حق غيره من دون احتياج إلى شئ ما لم يقم دليل على خلافه كالبينة
لكن تحقق الحكم الظاهري في حقه لما كان متوقفا على عدم علمه فلا بد من أن يحرز إما باعتراف المدعي أو
بيمين المدعى عليه فاليمين إنما هي طريق لاحراز موضوع الحكم الظاهري وإلا فالذي يكون نافذا في حق -
الغير هو الأصل لا غير.
ثالثها ما يرجع إلى ثانيها بتفاوت يسير وهو ان اليمين في كل مورد شخصي تعذر فيه تحصيل العلم
على نفي العلم سواء في فعل النفس أو فعل الغير وسواء تعرض المدعى لدعوى العلم أم لا وفي كل مورد لا يتعذر
فيه تحصيل العلم فيحلف على البت مطلقا سواء في فعل النفس أو فعل الغير وهذا هو الذي قد عرفت سابقا في حكم
الجواب بلا أدري انه ذهب إليه بعض مشايخنا قدس سره ومال إليه بعض من تقدم عليه والفرق بينه وبين القول
السابق انه في صورة امكان الحلف على البت لا يجب على القول السابق لكنه يجب على هذا القول وقد عرفت تفصيل
القول في مستند هذا القول ورده فراجع.
رابعها ما يستفاد من كلام الشهيد رحمه الله في القواعد حسبما حكى عنه الأستاذ من أن كل مورد يتعسر
الاطلاع عليه بحسب صنفه بمعنى ان صنفه يقتضي هذا يحلف على نفي العلم وإن لم يعسر الاطلاع بحسب شخص
الواقعة وفي كل مورد لم يتعسر الاطلاع عليه بحسب الصنف يحلف على البت وإن تعسر الاطلاع بحسب النوع
أو الشخص.
خامسها ما ذهب إليه الأصحاب رضوان الله عليهم من أن فيما يتعسر نوعا الاطلاع عليه يحلف على
نفي العلم وإن لم يتعسر بحسب الصنف أو الشخص كاليمين على نفي فعل الغير وفيما لا يتعسر نوعا الاطلاع
عليه يحلف على البت وإن تعسر بحسب الصنف أو شخص الواقعة كاليمين على فعل النفس اثباتا أو نفيا واليمين
على اثبات فعل الغير وهذا هو الحق.
لنا على لزوم البت في غير نفي فعل الغير ما عرفت سابقا من مقتضى الأصل المستفاد من العمومات
وعلى كفاية اليمين على نفي العلم في نفي فعل الغير وجوه.
أحدها ما ربما يترائى من ظواهر كلماتهم من تعذر اليمين على البت غالبا ونوعا وهو يدل على الاكتفاء
باليمين على نفي العلم إما لان المراد مما نفى في الشريعة من العسر هو النوعي والغالبي وإما لان

194
بناء الشارع في خصوص باب القضاء على ملاحظة عدم لزوم الضرر غالبا ومعلوم ان في الالزام على اليمين العلمي ضرر.
وأنت خبير بضعف هذا الوجه لفساد المستندين إما الأول فلانه لا دخل لحديث رفع العسر والحرج
في المقام أصلا لا لان ما دل على نفي الحرج في الشريعة ليس مفاده الحرج النوعي بل الشخصي حسبما بنينا عليه
بل لان وجود التعذر الشخصي أيضا لا ينفع في المقام لأنه كان نافعا لولا قيام الدليل على وجوب الرد بعد التعذر
عن الحلف ولكنك قد عرفت أن مقتضى الأدلة الالتزام بأحد من الحلف والرد وأما الثاني فبمنعه أولا وبعدم
صلاحيته للاستناد ثانيا. نعم الوجهان وجيهان بحسب الاعتبار والظاهر كما صرح به الأستاذ العلامة ان من ذكر هذا
الوجه وعلل الحكم به لعله أراد بيان الحكمة لا العلة وهو حسن.
ثانيها الاجماع المنقول المعتضد بالشهرة بل عدم الخلاف في المسألة يعتد به.
ثالثها جملة من الروايات منها رواية أبي بصير سئل الصادق (عليه السلام) عن رجل يأتي القوم فيدعي دارا
في أيديهم ويقيم البينة ويقيم الذي في يديه الدار البينة انها ورثها عن أبيه ولا يدري كيف كان أمرها فقال
أكثرهم بينة يستحلف ويدفع إليه الخبر وهي كما ترى تدل على جواز الحلف على نفي العلم في الجملة.
ومنها رواية حفص بن غياث عن الصادق (عليه السلام) قال له رجل إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز أن
أشهد انه له قال نعم قال الرجل أشهد انه في يده ولا أشهد انه له فلعله لغيره فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أفيحل الشراء منه
قال نعم فقال أبو عبد الله (عليه السلام) فلعله لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك وتقول بعد الملك
هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) لو لم يجز هذا لم يقم
للمسلمين سوق الخبر وجه الدلالة انه جعل الإمام (عليه السلام) جواز الحلف استنادا إلى اليد مفروغا عنه.
لا يقال إن الرواية إنما دلت على جواز الحلف استنادا إلى اليد بالنسبة إلى نفس المشتري وأين هذا
من الدلالة على جواز الحلف استنادا إلى اليد فيما إذ كانت الدعوى على فعل البايع ومن هنا جعل بعض -
المشايخ هذه الرواية دليلا على جواز الحلف مستندا إلى الأمارات الشرعية بالنسبة إلى فعل النفس.
لأنا نقول جواز حلفه على الملكية فما ادعى عليه لنفسه يستلزم جواز حلفه على ملكية الغير فيما ادعى
عليه لان صحة يده متوقفة على صحة يد البايع كما لا يخفى هذا مضافا إلى أن في قوله ولا يجوز ان تنسبه الخ
دلالة على جواز الحلف على ملكية البايع لو ادعى عليه فتأمل.
فإن قلت المستفاد من الرواية على تقدير الدلالة هو الحلف على ملكية البايع بطريق الجزم وألبت استنادا
إلى أصالة صحة اليد وأين هذا من اليمين على نفي العلم فالرواية على هذا لا دلالة لها على المدعي أصلا بل تدل على خلافه.
قلت قد عرفت سابقا وستعرف فيما بعد إن شاء الله ان اليمين المستندة إلى الامارة الشرعية كاليمين على
نفي العلم تقوم إحديهما مقام الأخرى فلا فرق بين أن يقول الوارث والله لا أعلم انك تطلب من مورثي أو يقول
والله ليس مورثي مشغول الذمة استنادا إلى أصالة البراءة هكذا ذكره شيخنا الأستاذ لكنه خلاف ظاهر كلماتهم
في اليمين على نفي العلم هذا ولكن يمكن الايراد على الاستدلال بالرواية بأن غاية ما يستفاد منها حسبما يشهد
له صدر الرواية هو جواز الحلف استنادا إلى اليد بالنظر إلى تكليف الحالف وهذا لا دلالة له على نفوذه وجواز
القضاء به للحاكم كما هو المدعى فتأمل (1) ويمكن الايراد عليه أيضا بأن الرواية مضافا إلى كونها ضعيفة



(1) وجهه على ما جزم به الأستاذ دام ظله في مجلس البحث ان كل من تأمل في الرواية حق التأمل وجدها ظاهرة بل
صريحة في بيان الحكم الوضعي وبيان وظيفة الحاكم من جواز القضاء بها لا بيان الحكم التكليفي وعدم الحرج في أصل الحلف
وإباحته (منه قده).
195
السند موهونة بإعراض المشهور عنها لان ظاهرهم عدم جواز الشهادة استنادا إلى اليد كما سيجئ في باب الشهادات
إن شاء الله تعالى فتأمل.
ثم إن هنا إشكالا أورده الأستاذ العلامة على الرواية وهو انه أي ملازمة بين حل الشراء والحلف على أن
المال ملكه وبين الشهادة على أنه ملك ذي اليد فإن الأولين يكفي فيهما أصالة صحة يد المتصرف ولو كان
وكيلا أو وليا بخلاف الثالث وحملها على الملازمة التعبدية كما ترى فهذا موهن آخر للتمسك بالرواية هذا حاصل
ما ذكره دام ظله من الاشكال ولكن يمكن الجواب عنه بان مقصود الإمام (عليه السلام) جعل اليد دليلا على الملك في
المقامين فحاصل المعنى انه كيف يجوز (جاز خ) منه الشراء والحلف بعده على الملكية من جهة ظهور يد البايع في -
الملكية ولم يجز (يجوز خ) الشهادة له بالملكية من جهة ظهور اليد فصحة اليد وإن لم تكن في نفسها ملازمة لجواز
الشهادة إلا أن حل الشراء من جهة ظهور اليد في الملك المقصود في الرواية ملازم لجواز الشهادة.
ومنها قول الإمام (عليه السلام) في جواب ما كتبوا إليه من أن رجلا مات وله ورثة فجاء رجل فادعى عليه
مالا وان عنده رهنا إن كان له على الميت مال ولا بينة له عليه فليأخذ ماله مما في يده وليرد الباقي على ورثته
ومتى أقر بما عنده أخذ به وطولب بالبينة على دعواه وأوفى حقه بعد اليمين ومتى لم يقم البينة والورثة ينكرون
فله عليهم يمين يحلفون بالله تعالى ما يعلمون ان له على ميتهم حقا الخبر ودلالته ظاهرة وهو وإن كان مختصا
بمورد خاص إلا أنه يمكن أن يلحق به غيره بضميمة عدم القول بالفصل فتأمل.
ومنها ما ورد في سقوط البينة على النفي من حيث تعذر اطلاع الشهود عليه من حيث توقفه على العلم -
بانتفاء جميع أسباب الوجود مثل قوله في بعض الروايات الواردة في عدم البينة على المنكر لأنه جاحد والجاحد
لا يمكنه إقامة البينة على جحوده وجه الدلالة ان المستفاد من الرواية سقوط كل خبر عن كل شئ تعسر الاطلاع
عليه سواء كان شهادة أو حلفا فالحلف على نفي فعل الغير أيضا مما يتعذر على الحالف بل الخلف حقيقة أيضا قسم
من الشهادة غاية الأمر انه مقرون بلفظ الجلالة وهذا لا يخرجه عما هو عليه فالحلف على نفي فعل الغير شهادة عليه
فساقط بحكم الرواية.
فإن قلت غاية ما تدل عليه الرواية سقوط اليمين على البت على نفي فعل الغير وهذا أمر غير منكر
في المقام وليس بمحل النزاع في شئ لأنه لم يقل أحد بوجوب الحلف على المدعى عليه وإن لم يكن عالما حتى
في اليمين على نفي فعل النفس أيضا فضلا عن اليمين على نفي فعل الغير.
وإنما الكلام في أنه هل يحكم عليه بالرد وإلا فيقضى عليه بالنكول أو بعد رد اليمين إلى المدعى
كالدعوى في فعل النفس إذا قال المدعى عليه لا أعلم أولا يحكم عليه وقد عرفت أن مقتضى الأدلة بحسب -
الحكم الوضعي انحصار تخلص المدعى عليه بأحد أمرين إما الحلف أو الرد وقد مر تفصيل القول فيها في حكم
الجواب بلا أدري فراجع.
قلت إن الرواية وأشباهها تخصص ما دل على انحصار تخلص المدعى عليه في أحد الامرين فإنها تدل
على أنه بحسب الوضع لم يتوجه اليمين على المدعى عليه في الصورة المفروضة من حيث عسر الاطلاع وليست الرواية
مما تدل على نفي الحكم التكليفي حتى يقال بأنها لا دلالة لها على نفي الحكم الوضعي وما ذكرنا سابقا من أنه
لا منافاة بين عدم الحكم التكليفي باليمين على البت وثبوتها على المدعى عليه بحسب الوضع انما هو فيما
إذا كانت اليمين متوجهة إليه وقد دلت الرواية على عدم توجيهها إليه في الفرض بحسب الوضع فلا دخل لحديث

196
حصر التخلص وعدمه بالمقام.
فإن قلت المستفاد من الرواية على فرض تسليم دلالتها هو عدم كون اليمين على البت ميزانا للقضاء
في الفرض ومقتضى هذا بملاحظة ما ذكرنا من ظهور الأدلة في اليمين البتي هو انحصار ميزان القضاء
في الفرض بالبينة كما في كثير من الموارد كالدعوى على الميت والغائب والمجنون وغيرهم وأين هذا من
بدلية اليمين على نفي العلم وانقلاب الميزان إليها.
قلت بعد تسليم دلالة الرواية على نفي اليمين على البت ثبت المدعى وهو قيام اليمين على نفي العلم
مقامها بالاجماع المركب فتأمل.
فإن قلت مقتضى الرواية ثبوت الحكم المذكور في كل مورد تعذر فيه اليمين على البت ولو في -
اليمين على نفي فعل النفس وعدم ثبوته في كل مورد لم يتعذر فيه اليمين على البت ولو في نفي فعل الغير وهو
خلاف ما ذكرتم من التفصيل.
قلت مقتضى الرواية كما لا يخفى لمن أعطى حق النظر فيها كون المناط هو التعذر النوعي الغالبي لان
إقامة البينة على النفي ليست مما يتعذر دائما هذه خلاصة ما وقفنا عليه من الاخبار التي استدلوا بها لمذهب -
المشهور وقد عرفت التأمل في دلالة كل واحد منها ولعل الاستدلال بالمجموع من باب التعاضد فتأمل.
ثم إن هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها الأول انك قد عرفت أن مقتضى عمومات القضاء بالبينة واليمين
انحصار الفصل بالحلف الجزمي مطلقا لكن بعد دلالة ما قدمنا من الأدلة على الاكتفاء باليمين على نفي العلم
في الحلف على نفي فعل الغير تصير اليمين على نفي العلم منزلة منزلة اليمين على البت في كونها ميزانا للقضاء
والفصل في الصورة المفروضة وهو ظاهر الاخبار وكلمات أصحابنا الأخيار رضوان الله عليهم لان ظاهرهم تقسيم
اليمين الفاصلة إلى القسمين وليست اليمين على نفي العلم عندهم كاليمين على نفي العلم على ما ذهب إليه جماعة
من العامة من أنها لاحراز صدق المدعى عليه في أنه لا يعلم حسبما وجه به الأستاذ العلامة كلامهم
وإن كان خلاف ظاهر بعض كلماتهم هذا ولكن ظاهر المحكي عن الفاضل في كشف اللثام عدم كونها
ميزانا للقضاء حيث قال في دعوى الموكل مع ادعاء المدعى عليه قبض المال إلى الوكيل بعد الحكم بحلف -
الموكل على نفي علمه بقبض الوكيل ما هذا لفظه فإذا حلف الموكل أثبت المدعى قبض الوكيل أو حلف
على البراءة هكذا حكى عنه بعض مشايخنا في جواهره لكنا كلما تفحصناه لم نجده في كتاب القضاء منه ولعله
حكاه عن من كتاب آخر.
الثاني انه لا إشكال في أنه إذا نكل المدعى عليه عن الحلف على نفي العلم فيما يتوجه إليه وعن رده
إلى المدعي يقضى عليه بالنكول أو بعد رد اليمين إلى المدعي على القولين في المسألة كما إذا نكل عن الحلف
على البت وأما إذا رد اليمين إلى المدعي أو ردها الحاكم إليه بعد نكول المدعى عليه فهل يحلف على البت أو على العلم
ظاهر الأصحاب الأول لأنه يحلف على فعل نفسه فيجب أن يحلف على البت قال في المسالك بعد تقسيم اليمين إلى
الأقسام الأربعة المفروضة والحكم بأن اليمين في غير الحلف على نفي فعل الغير على البت وفيه على نفي العلم وتفريع
فروع ما هذا لفظه وقد ظهر من الضابط ان حلف المدعي أبدا على البت وحلف المنكر ينقسم انتهى وظاهر
بعض مشايخنا الثاني مستدلا في ظاهر كلامه على أن اليمين المردودة لما توجهت على المدعي برد المنكر فلا بد
أن تكون هي التي توجهت عليه وإلا لم تكن مردودة وهو مردود بما عرفت غير مرة من أن اطلاق المردودة

197
على اليمين إنما هو باعتبار كون مقتضى الأصل الأولي كون اليمين على من أنكر وان توجهها إلى غيره إنما هو
بعد امتناعه عنها وهذا التعذر لا يقتضي الاتحاد بينهما في السنخ فيؤخذ في جانب المدعي بما اقتضاه الأصل الأولي
المستفاد من العمومات من كون اليمين على البت مطلقا ثم إنه على تقدير تسليم كون اطلاق المردودة عليها
مسامحة لا يوجب رفع اليد عن مقتضى العمومات والأصول الأولية وهذا مما لا إشكال فيه إن شاء الله.
الثالث انه هل يشترط دعوى العلم في صحة اليمين من المدعى عليه أم لا وجهان من ظهور كلماتهم
في الاشتراط ولزوم التطابق بين اليمين والدعوى مهما أمكن ومن اطلاق الاخبار وإن شئت قلت هل دعوى
العلم شرط أو الاعتراف بعدمه مانع وظاهر كلماتهم وان اقتضى الأول لكن يمكن أن يقال إنها مسوقة لبيان
مانعية الاعتراف وكون المدعي باقيا على ادعائه ولهذا يتفرعون على اشتراط دعوى العلم انه لو اعترف
المدعي بعدمه لم يتوجه اليمين على المدعى عليه ولم تسمع دعواه بدون بينة ولو لم تكن مسوقة لبيان
ما ذكر لزم التفريع عليه بأنه لو لم يدع العلم فتدبر.
الرابع انه لا إشكال في كفاية التعرض لدعوى العلم في ضمن دعوى الواقع حسبما هي قضية كلماتهم
على تقدير اشتراط دعوى العلم أو على تقدير عدمه وتعرض المدعي له وهل يكفي دعوى العلم مستقلا من دون
انضمامها إلى دعوى الواقع أو لا بد من انضمامها بدعوى الواقع التحقيق أن يقال إنه ان علم أن مراد
المدعي من قوله للوارث مثلا أنت تعلم باشتغال ذمة مورثك لي هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع بحيث لا يشمل
الجهل المركب فلا إشكال في كفايته لأنه متضمن لدعوى العلم والواقع معا وإن لم يعلم ذلك فإن بنينا على أن
كلما ينفع الاقرار به تسمع دعواه حسبما هو قضية قول المشهور فيحكم بسماعها أيضا لأن الظاهر أنه لا فرق
في إلزام المقر باقراره بين أن يقر باشتغال الذمة أو بعلمه به فإنه يؤخذ بالثاني كما يؤخذ بالأول وإن كان المقر له في كلتا
الصورتين شاكا في اشتغال ذمة المقر وإن لم نبن على ذلك حسبما قواه الأستاذ العلامة وقلنا بأن سماع الدعوى إنما هو
فيما إذا كان المدعى مالا أو يترتب عليه المال ففي الحكم بالسماع اشكال فإن مجرد علم المدعى عليه باشتغال
الذمة بالمعنى الأعم من المطابق للواقع والجهل المركب لا يستلزم اشتغال ذمته واقعا حتى يترتب عليه أخذ المال
فيما قام البينة عليه أو حلف المدعي عليه بعد رد اليمين إليه فتأمل حتى لا يختلط عليك الامر.
الخامس انه بعد ما حكمنا بأن اليمين على نفي العلم كاليمين على البت في كون كل منهما ميزانا
للقضاء فهل تسمع البينة بعدها أم لا وجهان من عدم التنافي بينهما لأن عدم علم المدعى عليه بالاشتغال لا ينافي
ثبوته في الواقع الذي قامت به البينة فلا وجه لطرح ما دل على اعتبارها ومن أن مقتضى كونها فاصلة ورافعة
للخصومة عدم سماع دعوى المدعي بعدها كاليمين على البت أوجههما عند جماعة والأستاذ دام ظله هو الأول
وهو الحق لنا ما مر في وجهه من عدم التنافي بين البينة على الواقع واليمين على عدم علم المدعى عليه به وفي
كل مورد لم يكن هناك منافاة بين سماع البينة واليمين يؤخذ بعموم أدلة البينة وهذه قاعدة جارية في جميع
الموارد وإن خالف فيها بعض ولهذا يحكم بسماع البينة في اليمين المردودة في الجملة وأما وجه عدم سماعها
بعد حلف المنكر على البت فإنما هو من جهة منافاة مفاد البينة لمفاد اليمين حسبما هو المفروض فلا بد من
رفع اليد عما يقتضي اعتبار البينة وإلا لزم عدم كون اليمين فاصلة وهو خلاف المفروض هذا مضافا إلى ما دل على
عدم سماع البينة من المدعي بعد رضائه بحلف المنكر لا يقال إنه يشمل اليمين على نفي العلم أيضا فما وجه التفصيل
بينهما لأنا نقول الظاهر منه اليمين على البت فراجع فافهم وتدبر.

198
السادس انه على القول بكون اليمين على نفي العلم ميزانا للقضاء فهل يجوز المقاصة بعدها أو لا
وجهان من أن الأصل جواز المقاصة مطلقا بمقتضى ما دل عليه من الاخبار خرجنا عنه في اليمين على البت من جهة
قيام الاجماع ظاهرا ودلالة الاخبار ولا مقتضى للخروج عنه في اليمين على نفي العلم ومجرد كونها فاصلة
لا يقتضي الخروج إذ رفع الخصومة وعدم جواز اعادتها ولو بإقامة البينة أيضا لا يقتضي عدم جواز المقاصة باطنا
ومن اطلاق ما دل على عدم جواز التقاص بعد الرضاء بيمين المنكر من الأخبار المتقدمة مثل قوله في خبر ابن
أبي يعفور إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه واستحلفه فحلف لا حق له عليه وذهب اليمين بحق المدعي
فلا حق له الخبر فإن المفروض ان المدعي هنا أيضا رضي بدعوى علم المدعى عليه بالحق بيمينه على نفي العلم
أوجههما عند الأستاذ العلامة الأول فتأمل.
السابع انه كما عرفت من تضاعيف كلماتنا انه قد يقع الشك في دعوى المدعي بين رجوعها إلى فعل
النفس أو إلى فعل الغير من جهة دعوى الغاية المرددة بين كونها مسببة عن فعل النفس أو فعل الغير الراجع
حقيقة إلى الشك في المصداق كذلك قد يقع الشك فيها من جهة الشك في مفهوم فعل الغير وفعل النفس كما في
الفروع التي اختلف الأصحاب في أن اليمين فيها على البت أو على نفي العلم كتلف البهيمة مع التقصير في حفظها
وجناية العبد ودعوى الاخوة والبنوة إلى غير ذلك.
وقبل الخوض في تعيين ما اختلفوا فيه موضوعا لا بد من تأسيس الأصل الذي هو المعول عند الشك.
فنقول انا قد ذكرنا سابقا ونذكر هنا أيضا ان الأصل الأولي المستفاد من العمومات هو لزوم كون
اليمين على البت وقد مر مرارا وجه الاستفادة تفصيلا وحينئذ ففي كل مورد شك في أن الدعوى فيه راجعة إلى
فعل النفس أو فعل الغير يحكم بأنها من مقولة الدعوى على فعل النفس حكما بملاحظة الأصل المذكور سواء
كان منشأ الشك اشتباه المصداق أو المفهوم.
إذا عرفت ذلك فنقول ان الامر في الموارد التي اختلفوا فيها لا يخلو عن انه إما أن يعلم برجوع الدعوى
فيها إلى فعل النفس أو يعلم برجوع الدعوى فيها إلى فعل الغير أو لا يعلم أحدهما بالخصوص.
فإن علم برجوع الدعوى فيها إلى فعل النفس وقد رنا على التمييز فلا إشكال في الحكم كما في دعوى
تلف البهيمة مع تقصير المالك في حفظها فإن مرجع الدعوى فيه إلى كون الفعل الصادر من المالك أعني التقصير
موجبا لضمانه فإن قيام الضمان بفعل الشخص لا ينافي في توقف فعلية الضمان بوجود أمر آخر فإن الضمان عند
حصوله مسبب عن فعله وقائم به كحفر البئر في طريق المسلمين أو فتح باب القفص إلى غير ذلك فإذا ادعى
المدعي وجود الامر المعلق عليه فقد ادعى الأثر القائم بفعل النفس كدعوى الاشتغال المسبب عن فعل النفس
في دعوى الغايات.
وإن علم برجوع الدعوى فيها إلى فعل الغير فالحكم أيضا واضح كما في دعوى جناية العبد فإن
نفس جناية العبد من حيث إنها فعله لا دخل لها بالمولى أصلا بل هي قائمة بالعبد غير منسوبة إلى فعل المولى
أولا وبالذات ولا ثانيا وبالعرض من جهة التسبب لكن العبد لما كان ملكا للمولى يتعلق الأرش المسبب عن
فعله بذمة المولى من حيث عدم الذمة له فتعلق الضمان بذمة المولى إنما هو من جهة مالية الجاني له لا باعتبار
مدخلية فعله ولو تسببا في الضمان وقيامه به كما في تلف البهيمة مع التقصير فالضمان إذا كان موقوفا على وجود
فعل من الفاعل الذي هو في مقام الفاعلية وانتساب الفعل إليه عرفا مستقل كالضامن فدعوى هذا الضمان وسببه

199
راجعة إلى فعل الغير وإذا لم يكن موقوفا على وجود فعل كذلك بل على وجود أمر أو فعل مع ملاحظتهما
ينسب الفعل إلى الضامن عرفا ولو من جهة التسبب فدعواه ودعوى الامر المعلق عليه فعليته راجعة إلى فعل النفس
وهذا كله مما لا إشكال فيه إن شاء الله.
ومما ذكرنا يظهر فساد ما ذكره الشهيد الثاني وبعض الأساطين من ابتناء رجوع الدعوى في ادعاء
جناية العبد إلى فعل النفس وإلى فعل الغير على تعلق الجناية بمحض الرقبة أم تتعلق بالرقبة والذمة جميعا
حتى يتبع ما فضل بعد العتق فإن قلنا بالأول حلف على البت لأنه يحلف ويخاصم لنفسه وإن قلنا بالثاني
فعلى نفي العلم.
توضيح الفساد ان الحكم بتعلق أرش الجناية أولا وبالذات بذمة المولى وعدم تعلقها برقبة العبد من
حيث عدم قابليته من جهة كونه مملوكا ليس من جهة تسبب المولى للجناية وعدمها حتى يرجع الدعوى في
جنايته (جناية العبد خ) بنفسه إلى فعل المولى ولو بالتسبب بل من جهة كون العبد من أمواله وإن استقل في قيام الفعل
به وهذا بخلاف تلف البهيمة مع تقصير المالك في حفظها وتفريطه فيه فإن التلف وإن كان من فعل البهيمة
إلا أن جهة تعلق الضمان بذمة المالك ليس من حيث قيام التلف بالبهيمة من حيث إنه فعلها بل من جهة فعله
الذي صار سببا لتلف البهيمة فمدخلية التلف ليست إلا من جهة توقف اتصاف السبب بالسبب الفعلي عليه كساير
الأشياء المتوقفة عليها تأثير الفعل وليس النزاع في تسبب التقصير بتلف البهيمة إلا كالنزاع في وجود سائر
ما يتوقف عليه تأثير الفعل في الخارج أترى من نفسك الشك في رجوع دعوى فساد البيع من جهة الاختلاف في
حضور المشتري إلى الدعوى على فعل النفس من أن نفس الحضور وعدمه ليسا من فعل البايع وهكذا في سائر
الأمثلة أو ترى من نفسك الفرق بينهما وبين الدعوى في اتلاف البهيمة حاشاك ثم حاشاك.
ويظهر مما ذكرنا أيضا فساد ما ذكره بعض الأصحاب أيضا من ابتناء رجوع دعوى تلف البهيمة إلى
فعل النفس أو إلى فعل الغير على أن البهيمة هل هي بمنزلة الآلة أو انها مستقلة في الفعل مختارة فيه فإن قلنا
بالأول يحكم بالأول وإن قلنا بالثاني يحكم بالثاني.
توضيح الفساد ان الحكم بكون دعوى تلف البهيمة مع التقصير راجعة إلى الدعوى على فعل النفس
ليس متوقفا على اثبات كون الفعل فعل المالك مباشرة وإنما البهيمة آلة في صدور الفعل كساير الآلات بل يتم
على القول بكونها مختارة فيه لما قد عرفت من أن مدخلية هذا الفعل الاختياري في اشتغال ذمة المالك من جهة
تقصيره ليس من حيث كونه فعلا صادرا عن غيره بل من حيث كونه جزء أخيرا لترتب الاشتغال على التقصير
كساير الأشياء الخارجة عن فعل الفاعل المتوقفة عليها تأثير الفعل في الخارج فلحاظ الفعل ملغى في تلف البهيمة هذا
كله إذا علمنا بأحد الامرين وقدرنا على التمييز.
وأما إذا لم نعلم بأحدهما تفصيلا كما في دعوى النسب من الاخوة والبنوة وغيرهما فيرجع فيه إلى
الأصل الأولي فيحكم باشتراط البت في اليمين وعدم كفاية اليمين على نفي العلم فإن حلف المنكر على البت فهو
وإن لم يحلف عليه فيحكم عليه بمجرد النكول أو بعد رد اليمين إلى المدعي على القولين في المسألة وإن
كان عدم حلفه على البت من جهة تعذره وعدم قدرته عليه بناء على ما هو التحقيق وعليه المحققون من الرجوع
إلى العام فيما إذا كان المخصص مجملا بحسب المفهوم.
فإن قلت مقتضى ما تمسكت به من التعليل الوارد في سقوط البينة على النفي من التعذر كما في رواية العلل

200
اطراد الحكم في كل مورد تعذر فيه الحلف على البت سواء علمنا أنه فعل الغير أن شككنا فيه أو علمنا أنه
فعل النفس غاية الأمر انه خرج القسم الأخير بالاجماع فيبقى الباقي فيلحق صورة الشك بملاحظة عموم التعليل
بصورة ما إذا علم برجوع الدعوى إلى فعل الغير فيصير الأصل في كل متعذر كفاية اليمين على نفي العلم وبهذا
يخرج عن مقتضى الأصل الأولي المستفاد من العمومات الأولية.
قلت الرجوع إلى عموم التعليل في صورة الشك في رجوع الدعوى إلى فعل النفس أو إلى فعل الغير
فاسد جدا لا من جهة عدم عموم له بل من جهة وهنه باعراض الأصحاب عنه طردا وعكسا وأما تمسكنا
به في ما إذا علم رجوع الدعوى إلى فعل الغير ورفع اليد عما اقتضاه العمومات المحكمة المتقنة فإنما هو من
جهة اعتضاده بأخذ المشهور وقوته بالعمل وإلا فهو في نفسه مع قطع النظر عن أخذ الأصحاب لا يكون
قابلا لصرف العمومات.
والحاصل ان التعليل موهون طردا وعكسا بعدم أخذ الأصحاب بعد واعراضهم عنه ولهذا يوجبون
في الدعوى على فعل النفس اليمين على البت وإن كان المنكر غير قادر عليه ولا يوجبون الحلف على البت في الدعوى على
فعل الغير وإن كان المنكر عالما به كما يعلم من الرجوع إلى كلماتهم فإذا صار التعليل موهونا فلا يجوز
الاخذ به إلا فيما إذا تيقنا برجوع الدعوى إلى فعل الغير وأما في صورة الشك فيرجع فيها إلى العمومات
الأولية المقتضية لاشتراط البت في اليمين بقول مطلق فراجع وتأمل حتى لا يختلط عليك الحال.
الثامن انه هل يكفي اليمين على نفي العلم في الدعوى على فعل الغير إذا كان المنكر مجيبا بالنفي
واقعا عالما به كما أجاب بنفي العلم أو لا يكتفى منه بذلك بل وظيفته حينئذ اليمين على البت وجهان ظاهر الأصحاب
بل صريح جماعة منهم الشيخ والعلامة والشهيدان والمحققان قدس الله أرواحهم هو الأول حسبما عرفت من أن
الوظيفة عندهم في اليمين على نفي فعل الغير هي اليمين على نفي العلم من جهة تعذر الحلف على البت فيه نوعا
فقد جعل الشارع في الدعوى على فعل الغير اليمين الفاصلة هي اليمين على نفي العلم توسعا على المدعى عليه وظاهر
بعض مشايخنا بل صريحه هو الثاني حيث حمل كلامهم في اليمين على نفي العلم في الدعوى على فعل الغير
على الصورة الغالبة وهي ما إذا أجاب المنكر بلا أعلم وأما إذا أجاب بالنفي عن علم فيجب عليه اليمين على البت و
كلامهم منصرف إلى غيره كما أنه حمل كلامهم في اشتراط البت في اليمين على فعل النفس على الصورة الغالبة
وحكم بكفاية اليمين على نفي العلم في الدعوى على فعل النفس في غير هذه الصورة فقد جعل لزوم التعذر الشخصي
طردا وعكسا علة في الحكم باشتراط البت في اليمين أو كفاية اليمين على نفي العلم هذا ولكنك قد عرفت
سابقا فساد الحملين بما لا مزيد عليه وان الحمل المذكور في المقامين مخالف لظاهر الاخبار وكلمات أصحابنا
الأخيار إذ التعذر في النص والفتوى إنما هو حكمة للحكم لا علة فيه حتى يدور مداره فإن أبيت إلا عن ظهور كلماتهم
في كون التعذر علة.
فنقول ان المستفاد منها هو كون التعذر بحسب النوع علة للحكم فلا يلزم منه دوران الحكم مداره
وجودا أو عدما وهذا أمر ظاهر قد نبهنا عليه سابقا فراجع.
التاسع ان ما ذكرنا كله في حكم الأصل من أنه يجوز الحلف استنادا إليه في الحكم التكليفي مطلقا
وفي الحكم الوضعي في الدعوى على فعل الغير وأما في فعل النفس فلا بل يشترط فيه اليمين على البت جار بعينه
في غير الأصل من الأمارات الشرعية كاليد وغيرها من الأمارات الشرعية فإن كانت الدعوى على فعل النفس فلا يجوز

201
الاستناد إليها في الحلف مطلقا اثباتا كان أو نفيا وإن كانت على فعل الغير فإن كانت على النفي فلا يجوز الاستناد إليها
في الحلف على الاثبات وإن كانت على الاثبات فيجوز الحلف استنادا إليها على النفي ووجه هذا التفصيل ما أشرنا إليه
في جواز الاستناد إلى الأصل فراجع فظهر مما ذكرنا فساد ما ربما يجري على لسان جماعة من الأصحاب من أن كلما
يجوز الاستناد إليه في الشهادة يجوز الاستناد إليه في الحلف وظهر أيضا فساد ما ربما يظهر من كلام بعض
مشايخنا من التفصيل في هذه القضية بين الأصل وغيره كاليد ونحوها بعدم جواز استناد الحلف إلى الأول وجواز
استناده إلى الثاني مستدلا في ظاهر كلامه برواية الحفص المتقدمة التي قد عرفت عدم دلالتها فراجع.
العاشر انه لا فرق فيما ذكرنا من حكم الأصل وغيره من الامارات بين حصول الظن منها وعدمه لاتحاد
المناط ولكن حكي عن الفاضل القمي في بعض كتبه التفصيل في جواز الاستناد إلى الأصل وغيره وبين صورة حصول
الظن منهما وصورة عدم حصوله فحكم في الأول بالجواز وفي الثاني بعدمه وأنت خبير بفساد هذا التفصيل لان
الوجه فيه إن كان عدم دليل على اعتبارهما في غير صورة حصول الظن كما هو الظاهر من مذهبه في جميع الأصول
والامارات شرعية كانت أو عقلية وإلا فهو قائل بجواز الاستناد إلى الأصول والامارات بعد اعتبارها مطلقا ففيه
مضافا إلى منع كون الوجه في اعتبارها ما ذكر ان مجرد ان اعتبار الشئ في مقام العمل لا يوجب جواز الاستناد إليه
في الحلف سيما بعد ملاحظة ما ورد من العمومات الدالة على اشتراط البت في الجملة وإن كان من جهة عدم
مساعدة العرف لتنزيل مؤدى الأصل والامارات منزلة الواقع المجوز للاستناد في الحلف إلا في صورة الظن وإن
كان معتبرين في صورة الشك أيضا ففيه ان عدم مساعدة العرف للتنزيل المذكور في صورة الشك إنما هو بالنظر إلى
جهة عرفيتهم مع قطع النظر عن ورود الشرع بالأخذ بالأصل وتنزيل مؤداه منزلة الواقع وأما بعد ملاحظة
ورود الشرع وتنزيلهم (وتشرعهم خ) فلا فرق عندهم بين صورة حصول الظن من الأصل وعدمه كما لا يخفى.
الحادي عشر انه كما يجوز للمدعى عليه الحلف على نفي العلم في الدعوى على فعل الغير من غير إشكال
فيه أصلا كذلك يجوز الحلف على الواقع استنادا إلى الأصل والامارة من غير فرق بينهما لان مرجع الحلف على
الواقع بناء على قيام الامارة أو الأصل إلى الحلف على عدم العلم بالاشتغال لبا وإن كان فرق بينهما من جهة الصورة
وهذا المعنى وإن لم يصرح به أحد من الأصحاب فيما أعلم غير الأستاذ العلامة دام ظله إلا أنه يعلم قطعا بكونهم
قائلين به فافهم وتدبر.
قوله الأولى لا يتوجه اليمين على الوارث ما لم يدع عليه العلم الخ أقول لا إشكال بل لا خلاف عند الأصحاب
في أنه يشترط في سماع الدعوى إذا كان المدعى عليه وارثا دعوى أمور ثلاثة واقعية أحدها موت المورث ثانيها بقاء
التركة منه إما في ذمة الوارث أو في يده ثالثها اشتغال ذمة المورث فعلا ووجه اشتراط هذه الأمور في أصل سماع
الدعوى واضح إذ لو انتفى أحدها لم تتحقق هنا دعوى ومطالبة من المدعي أصلا كما لا يخفى ومن هنا تنعرف ان جعلها
من شروط سماع الدعوى مسامحة لأنها شرط في الحقيقة لأصل تحقق الدعوى فلو ادعى موت المورث مع بقاء
تركة له في يد الوارث مع عدم دعوى اشتغال ذمة المورث فلا إشكال في عدم تحقق دعوى هنا لا بالنسبة إلى المورث
ولا بالنسبة إلى الوارث وكذا لو ادعى الحق مع عدم ادعاء التركة أو مع عدم ادعاء الوفاة أو ادعى الوفاة مع عدم ادعاء
شئ منهما فإن في جميع هذه الصور لا تسمع دعواه بحيث يلزم المنكر بالجواب أو غيره من الأمور وهذا أمر
واضح لا سترة فيه أصلا بل لا يعقل الخلاف فيه جزما كما لا يخفى.
إنما الاشكال في أنه هل يشترط في توجه اليمين على الوارث أمر زائد على الأمور الثلاثة التي كان شرط لأصل

202
سماع الدعوى عليه كدعوى علم الوارث بالموت والحق أم لا يشترط ذلك قولان ظاهر كلمات الأكثر منهم المصنف
الأول كما لا يخفى على من راجع كتبهم وظاهر الشيخ في المبسوط الثاني حيث قال في باب اليمين ما هذا لفظه فصل أمر
الحالف لا يخلو من أحد أمرين إما أن يحلف على فعل نفسه أو فعل غيره فإن حلف على فعل نفسه كانت
على البت والقطع نفيا كانت أو إثباتا وإن كانت على فعل غيره نظرت فإن كانت على الاثبات كانت على
القطع وإن كانت على النفي كانت على العلم وإن اختصرت فقلت الايمان كلها على القطع إلا ما كانت على
نفي فعل الغير فإنها على العلم إلى أن قال واما على نفي فعل الغير مثل ان يدعي ان له على أبيه ألفا فأنكر فيحلف
أن لا اعلم أن لك على أبي ذلك أو يدعي ان أباه أتلف عليه كذا وكذا انتهى كلامه وهو كما ترى ظاهر في عدم
اشتراط دعوى علم المدعى عليه بالحق في اليمين على نفي فعل الغير وأظهر منه ما ذكره في موضع آخر منه أيضا
حيث قال إذا ادعى رجل حقا على ابن رجل ميت لم يقبل دعواه إلا أن يدعي الحق ويدعي موت الأب وانه خلف
في يده تركة لأنه إن لم يمت الأب فلا حق له على ابنه وإن مات ولم يخلف تركة فلا حق له عليه أيضا فلا بد من
دعوى ثلاثة أشياء فإذا ادعى الموت فالقول قول الابن لان الأصل أن لا موت وإذا ادعى التركة فلا يقبل دعواه مطلقا
حتى يقيد ذلك فيقول خلف في يدك تركة مبلغها كذا وكذا فإذا قدر ذلك وادعى فالقول قول المدعى عليه مع يمينه
انه ما خلف شيئا فإن ثبت الموت وثبت انه خلف تركة وحينئذ تسمع دعواه بالحق عليه ويكون القول قول الابن انه
لا يعلم أنه له على أبيه حقا انتهى كلامه وهذا الكلام كما ترى صريح في عدم اشتراط شئ في توجه اليمين على
الوارث غير ما هو شرط في أصل سماع الدعوى وصيرورة الوارث مدعى عليه.
ثم قبل تحقيق الحق من القولين لا بد من التعرض لامرين أحدهما انه لا إشكال ولا خلاف في سماع
دعوى المدعي إذا ادعى الأمور الثلاثة وإن لم يدع علم الوارث بأحدها إذا كانت له بينة بما يدعيه بل ولو اعترف
بعدم علمه بالحق وإنما اختلفوا في أنه هل يشترط في توجه اليمين على الوارث بعد عدم البينة للمدعي أو عدم
اقامتها زيادة على دعوى أمور واقعية التي هي شرط في أصل سماع الدعوى دعوى علمه أيضا أم لا يشترط ذلك فما
يترائى من كلمات جماعة من أنه لو لم يدع المدعي علم الوارث بالموت والحق لم يسمع دعواه أو لم يتوجه له
دعوى على الوارث ليس المراد منه عدم سماع الدعوى رأسا بل المراد منه عدم سماعها بحيث يكلف المدعى عليه
بالحلف أو الرد وكفاك شاهدا في هذا كلام المصنف حيث ذكر بعد اشتراط توجه اليمين بما ذكره ولو ساعده المدعي
بعدم أحد هذه الأمور لم تتوجه فكلامهم هذا إما أن يحمل على مورد فرض فيه عدم البينة أو يقال إن مرادهم من عدم
السماع هو الذي يلزم المنكر بعده بالجواب واليمين وغير ذلك لا أن يكون مرادهم منه عدمه بحيث لا يقبل بينة المدعي.
والحاصل انه لا ريب في أنهم ليسوا بصدد اثبات اشتراط أصل سماع الدعوى من المدعى بدعوى العلم
وإن وقع منهم ما وقع من المسامحة في مقام مثل ذكر بعض شروط سماع أصل الدعوى في مقام بيان شرايط
اليمين كما صنعه المصنف وجماعة حيث إنهم ذكروا دعوى المدعي تخلف التركة في يد الوارث من شروط اليمين
مع أنها من شروط أصل الدعوى ومثل ذكر بعض شروط توجه اليمين في سماع الدعوى وشرايطه كما صنعه في الدروس
حيث ذكر في شروط الدعوى بعد اشتراط أن لا تكون الدعوى مجهولة ومظنونة ما هذا لفظه ولو ادعى على
مورثه دينا لم تسمع حتى يدعى موته وعلمه بالحق وانه ترك مالا في يد الوارث انتهى كلامه.
وأعظم ما وقع من المسامحة في المقام ما عن العلامة في القواعد من ذكره ما ذكره المصنف في توجه
اليمين من الشروط الثلاثة ثم تفريعه عليه بأنه لو اعترف المدعي بجهل الوارث بأحد هذه الأمور لم تسمع دعواه

203
مع أنه لا إشكال بل ولا خلاف في أنه إذا ادعى المدعي حقا على الوارث مع اعترافه بأنك جاهل في بقاء تركة
من أبيك لكني أعلم بأن له تركة في ذمتك وأقام البينة على ذلك تسمع دعواه بلا إشكال لكن هذه المسامحة
لا تجرى في عبارة المصنف كما لا يخفى وجهه وبالجملة لا يخلو كلماتهم عن المسامحة قطعا من وجه بل من
وجوه شتى فراجع إليها.
ثانيهما ان مراد المصنف وجماعة ممن ذكر اشتراط توجه اليمين بدعوى علم الوارث بالحق والموت
ليس هو دعوى العلم بهما بمعنى الاعتقاد الجازم الأعم من أن يكون مطابقا للواقع أو لا بل مرادهم هو دعوى العلم
بهما بمعنى الاعتقاد المطابق للواقع بحيث يتضمن دعويهما أيضا بحسب الواقع وإلا فلا يسمع دعواه أصلا حتى
يتوجه إليه اليمين فقد اجتمع شرط أصل سماع الدعوى وتوجه اليمين في عبارة واحدة وكلام واحد وهذا
مما لا غبار فيه أصلا.
إذا عرفت ذلك فنقول انه قد يذكر لاشتراط دعوى العلم وجوه.
أحدها ما يستفاد من كلام بعض السادة الفحول في مطلق اليمين على نفي فعل الغير مورثا كان أو
غيره من أنه لو لم يدع العلم عليه لم يكن مدعى عليه حتى يتوجه عليه اليمين بما دل على توجهها عليه فلا يمكن
أن يتمسك باطلاق ما دل على كون الوظيفة للمدعى عليه اليمين وانه لا يتخلص من الدعوى الا بها على نفي اشتراط
دعوى العلم هذا حاصل ما يستفاد من كلامه.
ولكنك خبير بضعفه لان صيرورة الوارث مدعيا عليه وصدق هذا العنوان عليه لا يتوقف على دعوى العلم
أصلا لأنه بنفس ادعاء المدعي موت المورث وتخلف تركته في يد الوارث واشتغال ذمته بحق المدعي وتكذيبه
المدعي يصير مدعى عليه سواء ادعى عليه العلم أو لم يدع وبالجملة القول بعدم صدق المدعى عليه على الوارث
وأمثاله من دون دعوى العلم فاسد جدا فلا يصغى إليه جزما وإنما اشترط من اشترط دعوى العلم من جهة توقف
صحة اليمين من المدعى عليه وتوجهها إليه بها لا انها شرط في أصل سماع الدعوى من المدعي وانه لا يتحقق
عنوان المدعى عليه حتى يدعي العلم وقد مر مرارا ان من يشترط دعوى العلم لا يجعلها دعوى مستقلة موجبة
لليمين بحيث لا ربط لها بدعوى الواقع بل الموجب لليمين عنده أيضا هو دعوى الواقع وتكون جوابا لها لكن
يشترط في صحة اليمين من المدعى عليه دعوى علمه بالحق فراجع وتدبر.
ثانيها ما يستفاد من كلام بعض الفحول من أن الوجه في اشتراط دعوى العلم انه لو لم يدع العلم لزم عدم
مطابقة اليمين للدعوى وهو باطل لان ظاهر ما ورد في القضاء باليمين لزوم مطابقتها للدعوى وإلا لزم أن لا
يكون فصل
الخصومة باليمين لان اليمين على شئ لا تصير فاصلا لدعوى شئ آخر وقد مر جملة من الكلام في ذلك منافي عدم
جواز الاستناد إلى الأصل في الحلف في مقابل (دعوى خ) الواقع فراجع.
ولكنك خبير بفساد هذا الدليل أيضا لأنك قد عرفت أن اليمين على نفي العلم ليست ميزانا لرفع دعوى
العلم حتى يتحقق المطابقة بين الدعوى واليمين وإنما هي ميزان لرفع دعوى الواقع كاليمين على البت فانضمام
دعوى العلم إلى دعوى الواقع لا ينفع في صيرورة اليمين مطابقة للدعوى التي أريد فصلها باليمين على نفي العلم.
واما التمسك بظاهر ما ورد في باب القضاء باليمين ففيه ان ظاهره حسبما عرفت هو اليمين على البت وعدم
كفاية اليمين على نفي العلم ولو بعد ادعاء العلم ولكن قد ثبت بما قدمنا من الأدلة تسهيل الشارع لمنكر فعل الغير
وترخيصه ان يحلف على نفي العلم فقد جعل الشارع اليمين الغير المطابقة للدعوى بمنزلة المطابقة في اليمين

204
على نفي فعل الغير فبعد هذا التنزيل لا أثر لدعوى العلم وغيرها حتى نلتزم بلزومها.
فإن قلت لو كان البناء على التنزيل المذكور فما وجه اعتبار عدم اعتراف المدعي بعدم علم المدعى
عليه وإلا فيسقط عنه اليمين.
قلت وجه اعتباره انه لو اعترف بعدم علمه لزم لغوية اليمين وبعبارة أخرى انه قد مر في تضاعيف
كلماتنا السابقة وسيمر بك فيما بعد إن شاء الله ان الحكمة في اعتبار اليمين حصول التشفي للمدعي وكونها امارة
نوعية على صدق الحالف في حق غيره من الحاكم وغيره ومن المعلوم عدم عود نفع إلى المدعي من اليمين على
نفي العلم بعد اعترافه بعدم علم الحالف وهذا بخلاف ما لو كان عالما بعلمه أو شاكا فيه فإنه يحصل له التشفي
من اليمين على نفي العلم في كل من الصورتين كما لا يخفى وسيجئ الإشارة إليه إن شاء الله.
ثالثها ما قد يختلج ببالي القاصر ويسبق بذهني الفاتر من أن عمدة الدليل لتنزيل اليمين على نفي العلم
منزلة اليمين على البت التي قضت باعتبارها العمومات هو الاجماع المنقول المعتضد بالشهرة العظيمة بل عدم
الخلاف في المسألة وأما الاخبار فقد عرفت عدم تماميتها ونهوضها للدلالة على المدعى إلا بانضمام كلمات
أصحابنا الأخيار ومن المعلوم لكل من راجع إلى كلماتهم انها ظاهرة في اشتراط دعوى العلم فلا دليل على تنزيل
اليمين على نفي العلم منزلة اليمين على البت في صورة عدم ادعاء العلم على الحالف هذه غاية ما يمكن الاستدلال
به للقول بالاشتراط.
وقد اختار شيخنا الأستاذ العلامة دام ظله تبعا للشيخ في المبسوط وموافقا لبعض مشايخنا المتأخرين
القول بعدم الاشتراط واستدل له بوجوه.
أحدها اطلاق ما دل من العمومات على أنه لا يتخلص المنكر إلا باليمين من غير اشتراط لدعوى العلم
في اليمين على نفي فعل الغير.
فإن قلت قد ذكرت ان ظاهر العمومات لزوم كون اليمين على البت مطلقا وانه الأصل في اليمين
فكيف يتمسك بها لكفاية اليمين على نفي العلم من دون دعوى العلم.
قلت ما أردت التمسك بالعمومات لأصل تشريع اليمين على نفي العلم حتى يقال إنها ظاهرة في اليمين
على البت بل أردت التمسك بها لنفي اشتراط دعوى العلم بعد قيام الدليل من الخارج على تنزيل اليمين
على نفي العلم في نفي فعل الغير منزلة اليمين على البت وبيان آخر الظاهر من العمومات ابتداء وإن كان
اشتراط البت في اليمين حتى في نفي فعل الغير أيضا إلا أن بعد قيام الدليل على كفاية اليمين على نفي العلم فيه
وتنزيله منزلة اليمين على البت يصير المراد منها اليمين على البت في غير نفي فعل الغير واليمين على نفي
العلم في نفي فعل الغير ففي كل دعوى لا يتخلص المدعى عليه إلا باليمين لكن في كل مورد بحسبه مع أنه ليس
فيها اشتراط دعوى العلم في اليمين على نفي العلم في نفي فعل الغير.
فإن قلت بعدما سلمت ان ظاهر العمومات لزوم كون اليمين على البت وان قيام اليمين على نفي العلم
مقامها إنما هو من الدليل الخارج فيكف يجوز التمسك بها لنفي الاشتراط بل ليس هذا لك قطعا بل لا بد لنفي
ذلك من الرجوع إلى ما دل على قيام اليمين على نفي العلم مقام اليمين على البت وتنزيلها منزلتها فإن كان
فيه اطلاق ينفعك في المقام فليتمسك به وإلا فلا فيصير مقتضى الأصل بعد عدم الاطلاق فيه اشتراط دعوى
العلم وعدم كفاية اليمين على نفي العلم وقد عرفت عدم اطلاق في أدلة التنزيل ينفعك في المقام حيث إن

205
عمدتها الاجماع المنقول والاخبار لم تدل على المدعى إلا بضميمة كلمات القوم وقد عرفت بندائها بأعلى صوت
باشتراط دعوى العلم.
قلت أولا انا لم نقف على الاجماع المنقول ممن يعتمد بنقله في المقام معتضدا بساير الامارات حتى
نتمسك به ونجعله عمدة دليل الباب وثانيا سلمنا وجوده بالمعنى المذكور لكن الدليل لم يكن منحصرا فيه
بل فيما عرفت من الاخبار غنى وكفاية وأما القول بعدم تمامية الاستدلال بجميعها إلا بضميمة كلمات القوم
فضعيف جدا لوجود الاطلاق النافع في بعضها ومن هنا يمكن التمسك به مستقلا من غير احتياج إلى التمسك
بالعمومات الأولية غاية الأمر عدم جواز الاستدلال ببعضها إلا بضميمة وهذا لا يقدح في جواز الاستدلال بالباقي
مستقلا كما لا يخفى وثالثا سلمنا عدم تماميتها إلا بضميمة كلمات القوم لكن نمنع ظهورها بعد التأمل في اشتراط
دعوى العلم وإنما المقصود من كلماتهم بيان مانعية الاعتراف لا اشتراط دعوى العلم ولهذا تراهم يتفرعون (يفرعون خ)
على الاشتراط انه لو اعترف بعدم العلم أو سلم جهل المدعى عليه لم يكن له دعوى موجبة لليمين ولو كانت شرطا
عندهم للزم أن يتفرعوا (يفرعوا خ) عليه انه لو لم يدع العلم فالتفريع بالضد دون النقيض كاشف عن أن مقصودهم من ذكر
اشتراط دعوى العلم بيان مانعية الاعتراف فكلماتهم مسوقة له لا لبيان أصل الاشتراط ورابعا سلمنا جميع ذلك لكن
نقول إن مقتضى ما ذكرت من عدم الاطلاق في أدلة التنزيل هو وجوب الرجوع إلى العمومات في صورة عدم دعوى العلم
فيقضى بعد عدم حلف المدعى عليه على البت وامتناعه عن الرد بالنكول أو بالرد وهو خلاف ما بناءكم عليه
من الحكم بالايقاف وعدم سماع دعوى المدعي وبالجملة مقتضى العمومات ان كل مدعى عليه لا يتخلص إلا
باليمين ففي صورة جهل المدعى بعلم المدعى عليه لا يمكن الحكم بأنه يتخلص من غير يمين غاية الأمر انه
بعد قيام الدليل على تنزيل اليمين على نفي العلم منزلة اليمين على البت يحكم بكفايتها عنها لا أنه يحكم
بأنه يتخلص من دون يمين أصلا هذا ملخص ما ذكره الأستاذ العلامة في توجيه التمسك بالعمومات ولكن لي
فيها انظار لا أبين وجهها خوفا من طعن بعض الجامدين وفساد بعض المفسدين ومن كان له مزيد تأمل ودقة
نظر يطلع عليه بشرط مراعاته للانصاف والقائه رداء العصبية والاعتساف.
ثانيها ما ورد في لزوم اليمين الاستظهاري في الدعوى على الميت من موثقة عبد الرحمن عن أبي عبد الله
الذي رواه المحمدون الثلاثة قال قلت للشيخ عن الرجل يدعي قبل الرجل الحق فلا يكون له البينة بماله قال
فيمين المدعى عليه إلى أن قال فإن كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البينة فعلى المدعي اليمين بالله
الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان وان حقه عليه فإن حلف وإلا فلا حق له إلى أن قال فإن ادعى ولا بينة فلا
حق له الحديث تقريب الاستدلال ان الرواية تدل بملاحظة السياق على اتحاد تحرير الدعوى على الميت والحي
وانه لا يشترط في الدعوى على الميت ادعاء العلم بل الدعوى عليه كالدعوى على الحي وإلا لزم أن يقول فإن
كان المطلوب بالحق قد مات فيجب على المدعي دعوى علم الوارث بتعلق حق المدعي على ذمة الميت فعدم
تعرضه له يدل على أن كل دعوى تسمع على الحي تسمع على الميت بشرط انضمام اليمين بالبينة ومن المعلوم
المسلم عند الخصم ان الدعوى على الحي بدون دعوى العلم مسموعة قطعا فليكن الدعوى على الميت أيضا مسموعة
من دون دعوى العلم.
وأما قوله فان ادعى ولا بينة فلا حق له فهو وإن كان ظاهره منافيا لما ذكرنا بل منافيا لأصل اعتبار
اليمين ولو بعد دعوى العلم لكنه لا بد من تقييده ورفع اليد عن ظاهره بما دل على ثبوت الحق له بعد عرض اليمين

206
على الوارث (ونكوله عنها إذا قلنا بالقضاء بالنكول أو ردها إلى المدعى إذا لم نقل به خ) ورده إلى المدعي أو نكوله
عنها إذا قلنا بالقضاء بالنكول ورده إليه إذا لم نقل به وبالجملة لا بد من رفع اليد عن ظهور الرواية بما دل
من الاجماع والاخبار على استحقاق المدعي لاستحلاف المنكر بعد عدم اقامته للبينة وثبوت الحق
له بعد رد الوارث أو نكوله عنها فإن كان ما دل على ثبوت الحق للمدعي بعد عدم إقامة البينة
مشتملا على اشتراط دعوى العلم بالحق أو كان ساكتا مهملا من هذه الجهة أمكن دعوى عدم جواز
رفع اليد عن قوله فلا حق له في الرواية إلا بعد دعوى العلم ولكنك قد عرفت اطلاق ما دل من العمومات على عدم
تخلص المنكر إلا باليمين.
لا يقال الرواية مختصة بما إذا لم يكن هناك وارث للميت بحيث كانت الدعوى متعلقة به فالرواية أجنبية
عما عما نحن فيه.
لأنا نقول دعوى اختصاص الرواية بما إذا لم يكن هناك وارث للميت لا شاهد لها أصلا بل الشاهد على
خلافها لان حمل الرواية على صورة عدم وجود الوارث حمل لها على الفرد النادر وهو غير جايز هذا حاصل
ما ذكره الأستاذ العلامة في تقريب الاستدلال بالرواية.
ولكن يمكن الخدشة فيه أما أو لا فبان الظاهر من الرواية كما لا يخفى لكل من نظر إليها ورودها
في بيان حكم الدعوى على الميت من حيث هو ميت من غير أن يكون لها نظر إلى بيان حكم الدعوى على الوارث
أصلا فليس هذا حمل الرواية على الفرد النادر حتى يدفع باطلاقها ويشهد لما ذكرنا من عدم ورود الرواية
لبيان حكم الدعوى على الوارث أصلا قوله ولو كان حيا لألزم باليمين آه لان ظاهره بل صريحه انه ليس هناك
حي حتى يلزم بأحد الأمور الثلاثة وأيضا الدعوى على الوارث ليست دعوى على الميت وإن كانت يتضمنها فتأمل.
والحاصل أن ذيل الرواية بلا يكون متضمنا إلا لبيان حكم الدعوى على الميت من حيث هو ميت وليس له
دلالة لحكم الدعوى على الوارث فتأمل واما ثانيا فبانه لا اطلاق هناك يقتضي رفع اليد عن ظهور قوله وان ادعى ولا بينة
فلا حق له مطلقا حتى في صورة عدم دعوى العلم على الوارث أما العمومات الأولية الدالة على عدم تخلص المنكر إلا باليمين
فلما قد عرفت من أنها ظاهرة في اليمين على البت فاليمين على نفي العلم خارجة عنها وما دل على تنزيلها منزلة
اليمين على البت لا اطلاق فيه فيؤخذ باطلاق قوله. فلا حق له في صورة عدم دعوى المدعى علم الوارث فتأمل.
ثالثها ما ذكره دام ظله لا للاتكال عليه مستقلا بل إنما ذكره تأييدا للوجهين الأولين من أن الحكمة
في أصل جعل اليمين مع كون الأصل للمنكر هو تشفي المدعي بيمينه وحصول فائدة وغرض له ومن المعلوم
ان التشفي حاصل للمدعي في صورة جهله بعلم المدعى عليه كما إذا ادعى العلم عليه غاية الأمر التفاوت
بينهما في الجملة وهل ترى أن يكون الوجه عندهم في الحكم بسقوط اليمين في صورة اعتراف المدعي بعدم
علمه الذي هو قضية اطباق كلمتهم دليلا تعبديا وصل إليهم يقضي بما ذكر حاشاك حاشاك بل لا ترى الوجه
عندهم إلا لزوم لغوية اليمين في الصورة المفروضة وعدم ترتب نفع له باليمين فلا يجري فيه أدلة اليمين أيضا
مثل قوله من حلف لكم بالله فصدقوه حيث إن المفروض تصديق المدعي للحالف والامر بالحاصل محال وبالجملة
ليس الامر في صورة اعتراف المدعي بجهل المدعى عليه التي تقول بتوجيه اليمين فيها عليه ويقول الأكثر بعدم
توجهها إليه إلا كالأمر في دعوى التهمة والظنون التي حكموا فيها بتوجه اليمين إلى المدعى عليه في كون كل
منهما مبنيا على ترتب نفع للمدعي وهو حصول التشفي له على تقدير كذب المدعى عليه في الحلف.

207
والحاصل ان اليمين على نفي العلم في محلها نزلت منزلة اليمين على البت في جميع الآثار من حيث الرد
والنكول وغيرهما وليس لكل من هذه الأحكام الثابتة في اليمين على نفي العلم دليل مستقل نعم لا بد في
تكليف المدعى عليه باليمين من ترتب نفع بها للمدعي فلا محالة يحكم بأنه لو اعترف المدعي بعدم علمه لا
وجه للحكم بلزوم اليمين عليه.
هذا محصل ما ذكره شيخنا الأستاذ في المقام فتأمل فيه لعلك تجده جديرا بالقبول وهو غاية المسؤول.
وينبغي التنبيه على أمرين أحدهما انه هل يجب على الحاكم أولا استفسار المدعي بعد جواب -
المدعى عليه بلا أعلم عن علمه بعلمه أو بعدمه أو جهله بهما أو لا يجب عليه ذلك بل يحكم على المنكر باليمين
فإن حلف وإلا فيقضى عليه بالنكول أو بالرد وحلف المدعي وإن احتمل ان المدعي معترف في الواقع بعدم علمه
وجهان أوجهها عند الأستاذ العلامة الأول تحصيلا لمورد اعمال موازين القضاء وحفظ الأموال وعدم لزوم
الضرر على المدعى عليه فبعد جواب المدعى عليه بعدم ثبوت الحق يسئل المدعي هل تريد أن احلف المنكر
أم لا فإن قال لا وإلا فيسأله هل تدعي عليه علما بالحق أو تجهله أو تعترف بعدم علمه فإن أجاب بالأولين
فيحلف المدعى عليه وإلا فلا.
ثانيهما انه هل اليمين على نفي العلم رخصة للمدعى عليه في كل مورد تتوجه إليه بحيث يجوز
له الحلف على الواقع أيضا عن علم أم عزيمة بحيث لا يتخلص إلا باليمين على نفي العلم أوجهها عند الأستاذ
بل عند الأصحاب الأول ووجهه واضح بل قد عرفت في تضاعيف كلماتنا السابقة انه ذهب بعض إلى تعين الحلف
على البت عليه فيما إذا أجاب بالنفي عن علم وإن علمت ضعفه فراجع.
قوله إذا ادعى على المملوك بالغريم مولاه الخ أقول لا إشكال في أنه إذا كان للدعوى تعلق بالعبد
فللمدعي أن يدعي على المولى أو على العبد مخيرا بينهما فإن ادعى على المولى كما ادعى عليه ان عبدك جنى
علي أو أتلف مالي أو ان ما في يده لي فلا يخلو إما أن يقر بما ادعى أو ينكره فإن أقر فلا إشكال في إلزامه بإقراره
بما يرجع عليه سواء استلزم استرقاق العبد أو استقرار شئ في ذمة المولى دون ما يرجع على العبد كما إذا
ادعى جنايته عمدا وأقر المولى بها إذ ليس للمولى إلا مالية العبد دون ازهاق نفسه ولهذا لا يجوز له قتله بل ضربه
من دون سبب يقتضيه كالتأديب ونحوه كل ذلك لما دل على أن اقرار العقلاء على أنفسهم جايز وعلى غيرهم
ليس بجايز نعم لو أقر العبد في الفرض بما يدعي المدعي تخير حينئذ بين استرقاقه ومقاصته أما الاسترقاق فلاقرار
المولى وأما التقاص فلاقرار العبد الغير المستلزم للضرر على المولى بالفرض وإن أنكر فإن كان للمدعي بينة
لما يدعيه فلا إشكال في الحكم بمقتضاها على المدعى عليه أي بالنسبة إلى ما يرجع إليه وأما بالنسبة إلى ما لا
يرجع إليه كالتقاص فيما ادعى الجناية العمدية وقامت البينة عليها فهل هي كإقرار المولى فلا يحكم به أو كإقرار
العبد من حيث عموم ما دل على اعتبار البينة بخلاف الاقرار فإن دليله مختص بما يرجع إلى النفس وجهان
أوجههما الأول لان البينة القائمة على أحد لا تكون حجة على غيره ما لم يدع عليه وقامت البينة.
وبالجملة ما دل على الحكم بالبينة إنما يدل على الحكم بها في حق من ادعى عليه بالنسبة إلى ما يرجع
إليه وأما في حق غير المدعى عليه فلا فإن لم تكن له بينة أو كانت ولم يقمها وأراد استحلاف المدعى عليه فليس
على المولى إلا اليمين على نفي العلم على ما مر تحقيقه فإن حلف فلا يجوز له الدعوى بعده مع العبد بالنسبة إلى
ما يرجع إلى المولى وإلا فإن رد اليمين على المدعي فحلف فيلزم المولى بالحق وكذا إذا امتنع عنه و

208
قلنا بالقضاء بالرد وكذا إن قلنا بالقضاء بالنكول فإنه يحكم في جميع هذا الصور عليه بالنسبة إلى ما يرجع
إلى نفسه فإن نكل عن الحلف بعد رد اليمين إليه فليس له إعادة الدعوى مع العبد فيما يرجع إلى المولى كما
لا يخفى ويجوز بالنسبة إلى ما يرجع إليه على أقوى الوجهين والحاصل ان حكم الدعوى على المولى في الفرض
حكم الدعوى على فعل نفسه إلا في اليمين فإنها في الفرض على نفي العلم وفي الدعوى على نفسه على البت هذا
كله ان ادعى على المولى.
وان ادعى على العبد فلا يخلو إما أن يدعى عليه بما يرجع إليه ويتعلق بذمته كدعوى الاقتراض و
شبهه أو يدعى عليه بما لا يتعلق بنفسه بل يتعلق برقبته ومولاه.
فإن ادعى عليه على الوجه الأول فلا ريب ان اثباته عليه وانكاره له فإن ثبت عليه إما باقراره أو قيام
البينة أو رد اليمين على المدعي في صورة الانكار أو بغير ذلك من موازين الاثبات فيتبع به بعد العتق ففي الحقيقة
ليس هذه دعوى على المملوك من حيث هو مملوك بل هي دعوى عليه باعتبار حريته وإن وقعت في زمان
مملوكيته ومن هنا تقدر على دفع ما أورده بعض الاعلام من الاشكال على الأصحاب في حكمهم بما ذكرنا مع أن
العبد لا إقرار له ولا إنكار عبد مملوك لا يقدر على شئ فكيف يثبت عليه شئ بإقراره وإنكاره وجه الدفع
ان المتبادر مما دل على نفي قدرة العبد من الآية الشريفة وغيرها إنما هو نفيها بالنسبة إلى ما يتعلق به من حيث
كونه مملوكا ومالا للغير لا ما يتعلق به من حيث كونه حرا لعدم المانع منه كما هو موجود بالنسبة إلى
القسم الأول وهو مملوكيته للغير فعلى هذا لو ادعى عليه بما له جهتان كالجناية عمدا فالبنسبة إلى الجهة
التي تتعلق بنفسه يرجع إليه وبالنسبة إلى الجهة التي تتعلق بماليته يرجع إلى القسم الثاني فلو أقر في المثال
المذكور بما ادعى عليه ينفذ اقراره عليه فيجوز مقاصته بعد العتق لكن لا ينفذ اقراره على المولى لأنه اقرار على
الغير فلا يجوز استرقاقه إلا إذا أقر المولى أيضا بما ادعى عليه فيجوز حينئذ استرقاقه ومقاصته فعلا لعدم المانع من
التقاص بعد اقرار المولى.
وان ادعى عليه على الوجه الثاني سواء ادعى عليه بما في يده كما لو ادعى على ما في يد العبد المأذون
بالتجارة أو بغيره سواء كان دعوى المال أو الجناية فالخصم حقيقة هو السيد كما صرح بذلك جماعة من الأصحاب
بمعنى انه لا عبرة باقراره ولا انكاره فإن أقر فلا يمضي على المولى فليس للمدعي باقراره على المولى شئ وإن
أنكر فلا يترتب أثر على انكاره لا اثباتا ولا اسقاطا بمعنى انه لو أقام المدعي البينة عليه أورد العبد اليمين إليه
فحلف أو نكل عنه لا يحكم بها له بل يجب عليه لو أراد الحق تجديد المرافعة مع المولى ولو أنكر وحلف يجوز
للمدعي تجديد المرافعة مع المولى هذا.
ولكن قد يلوح من عبائر جمع من الأصحاب انه لو أقام المدعي البينة على ما أدعاه يلزم المولى به وإن
لم يكن حاضرا وإن حلف العبد على انكاره يسقط حق المدعي ولا يجوز له المرافعة بعده مع المولى ولكن الأحرى
الأولى بالاتباع ما ذكرنا كما لا يخفى لما دل على نفي القدرة من العبد بالنسبة إلى ما يسمى شيئا المقصود منه
بدلالة الاقتضاء نفي جميع الآثار المترتبة على فعل القادر شرعا من فعله ولهذا استدل الإمام (عليه السلام) على فساد
طلاقه بأنه شئ.
ثم إني اتبعت فيما ذكرت الشيخ رحمه الله في المبسوط وجماعة فإن الشيخ قد صرح بما ذكرته في أصل
الكبرى وهي ان ما يرجع إلى العبد فطي الدعوى معه وما يرجع إلى المولى فطي الدعوى معه وهو الخصم حقيقة

209
فالأولى نقل عبارته حتى تكون على بصيرة من أمره حيث قال في المبسوط في باب الدعوى على العبد ما هذا لفظه إذا ادعى
على العبد حق فإنه ينظر فإن كان حقا يتعلق ببدنه كالقصاص وغيره فالحكم فيه مع العبد دون السيد فإن
أقر به لزمه عند المخالف وعندنا لا تقبل اقراره ولا يقتص منه ما دام مملوكا فإن أعتق لزمه ذلك وأما إن أنكر
فالقول قوله فإن حلف سقطت الدعوى وإن نكل ردت اليمين على المدعي فيحلف ويحكم بالحق وإن كان
حقا يتعلق بالمال كجناية الخطأ وغير ذلك فالخصم فيه السيد فإن أقر به لزمه وإن أنكر فالقول قوله فإن حلف
سقطت الدعوى وإن نكل ردت اليمين على المدعي فيحلف ويحكم له بالحق انتهى كلامه وهو كما ترى موافق
لما ذكرنا من أصل الكبرى وإن كان ظاهر كلامه حسبما صرح به بعض مشايخنا عدم سماع دعوى الجناية
العمدية على المولى وقد عرفت سماعها عليه بالنسبة إلى استرقاق العبد وإن لم تسمع بالنسبة إلى قصاصه ويمكن
أن يحمل كلامه على ما ذكرنا.
وبالجملة ليس الشيخ مخالفا لما ذكرنا من التفصيل والبيان فنسبة المخالفة إليه خلاف ومخالفة وقال
في الدروس ولو ادعى على العبد فالغريم المولى وإن كانت الدعوى معه ولو أقر العبد به يتبع به ولو كان
بجناية وأقر العبد فكذلك ولو أقر المولى خاصة لم يقتص من العبد ويملك المجني عليه بقدرها ويلزم
من هذا وجوب اليمين على العبد لو أنكر الملزوم لسماع الدعوى عليه منفردا انتهى كلامه وهو أيضا
كالصريح فيما ذكرنا.
إذا عرفت ذلك فنقول إن أراد المصنف من قوله إذا ادعى على المملوك الخ ما ذكرنا كما هو الظاهر
فلا إشكال فيه ولا يرد عليه أيضا ما أورده في المسالك وإن أراد أن طي الدعوى مع العبد مستلزم للغرامة الفعلية
على المولى فإن أقر يلزم به المولى وإن قامت البينة على المدعي فكذلك وإن كان مما يتعلق بنفسه فيرد عليه
بما أورده في المسالك لكن الظاهر أن مراده ما ذكرنا وبالجملة لا إشكال في المسألة بعون الله بل لم أجد مخالفا
لما ذكرنا فالاعتراف بالاشكال واضطراب كلمات الأصحاب حسبما صرح به جماعة لم أقف على وجهه فتوجه.
قوله لا تسمع الدعوى في الحدود مجردة عن البينة الخ أقول ما ذكره المصنف مما لا إشكال فيه ويدل
عليه وجوه أحدها الاجماع المنقول المعتضد بالشهرة العظيمة بل عدم الخلاف في المسألة حسبما صرح به
جمع من الأجلة ثانيها ان من شرط سماع الدعوى استحقاق المدعي لها ولو بإذن صاحب الحق والحق فيما
نحن فيه حسبما هو المفروض لله تبارك وتعالى ولم يأذن أيضا في الدعوى ولم يطلب الاثبات بل أمر بدرء الحدود
بالشبهات وبالتوبة عن موجبها وقد ورد في بعض الأخبار نهيه (صلى الله عليه وآله) من حمل رجلا على الاقرار عنده بالزناء
بقوله هلا سترته بثوبك ثالثها ما عرفت من تضاعيف كلماتنا السابقة من أن شرط توجه اليمين على المنكر ترتب
فايدة من توجهها للمدعي وهي تشفي قلبه وإلا لزم لغويتها والمفروض ان صاحب الحق فيما نحن فيه الله جل
جلاله والتشفي مستحيل في حقه وهو ليس محتاجا بشئ وكل شئ محتاج إليه ولا ينفعه شئ وكل شئ
ينتفع منه ويمكن ارجاع هذا الدليل إلى سابقه وبالجملة لا إشكال في المسألة انشاء الله وقد مر بعض الكلام
منا فيها في بعض المسائل السابقة فراجع.
قوله لو ادعى صاحب النصاب ابداله في أثناء الحول قبل قوله بلا يمين الخ أقول وبالحري قبل الخوض
في التكلم في الفروع التي ذكرها المصنف وغيره ان نتعرض لما يقتضيه القاعدة الأولية وانها هل تقتضي سقوط
اليمين عن المدعي بعد قيام الدليل على سقوط البينة عنه فيحتاج الحكم بلزوم اليمين عليه في مورد إلى دليل

210
يدل عليه أو انها تقتضي لزوم اليمين عليه في كل مورد قام الدليل على سقوط البينة عنه فيحتاج الحكم بعدم
لزوم اليمين عليه ولزوم تصديق قوله بدونها إلى دليل خارج يحكم به على القاعدة ويرفع به اليد عنها.
ثم إن الكلام يقع في مقامين أحدهما في أنه هل يلزم المدعي باليمين بمقتضى القاعدة في كل
مورد قام الدليل على سقوط البينة عنه أو لا يلزم بها ثانيهما في أنه هل يلزم المنكر بالبينة بعد قيام الدليل على
سقوط اليمين عنه أم لا.
فنقول أما الكلام في المقام الأول فالحق فيه بالنظر إلى القاعدة المستفادة من العمومات الأولية
الواردة في باب القضاء الحاصرة ميزانه بالبينات والايمان مثل قوله (صلى الله عليه وآله) انما أقضي بينكم بالبينات والايمان وقوله
جميع أحكام المسلمين على ثلاثة وجوه بينة عادلة ويمين فاصلة وسنة جارية من أئمة الهدى هو إلزامه باليمين
باللزوم الشرطي وعدم الاكتفاء بمجرد قوله إلا أن يدل دليل من خارج على كفايته كما دل في بعض الموارد
لان ظاهر هذه العمومات بما فيها من أدوات الحصر حصر القضاء والفصل بين الناس بالبينة والايمان فإذا قام
الدليل على عدم إلزامه بالبينة في المورد الذي قضى به قوله البينة على المدعي فلا يجوز الحكم به (فيه خ)
من دون يمين لأنه طرح لما دل على حصر الحكم بالبينة واليمين فإن انتفاء الأولى لا يستلزم انتفاء الثانية.
وبتقرير آخر كما يحكم بعدم كفاية اليمين من المدعى ما لم يقم دليل عليه بمقتضى قوله واليمين
على من أنكر وخرجنا عنه في موارد يرجع ضابطها إلى عدم المقتضي للعمل بالأصل في طرف المنكر إما
بقيام الظن الشخصي على خلافه كما في اللوث أو الظن النوعي على خلافه كما في الشاهد واليمين بعد قيام الدليل
على اعتبارهما في مقام رفع اليد عن الميزان الكلي أو وجود المانع عن العمل به كما فيما يتعسر أو يتعذر إقامة
البينة عليه بعد قيام الدليل من الخارج على مانعيته كذلك يحكم بعدم جواز الاكتفاء بقوله مجردا وتصديقه
فيه من دون يمين بعد قيام الدليل على سقوط البينة عنه بمقتضى قوله انما أقضى بينكم بالبينات والايمان ونحوه
فيجب إلزامه بالحلف ما لم يقم دليل من الخارج على كفاية مجرد قوله.
فأن قلت قد ذكرت غير مرة انه لا عموم بل ولا أطلاق في تلك العمومات الولية والاطلاقات الابتدائية
وانما وردت لبيان القضية المهملة وأما تفصيلها فهو موكول على ما فصل فيه الامر وبين فيه الحال كقوله
البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ونحوها ورد من الأخبار الدالة على كون البينة ميزانا للمدعي
واليمين ميزانا للمدعى عليه ولا عموم في هذه الأخبار أيضا حتى يتمسك به بل مقتضى قوله واليمين على على
من
أنكر نفي اليمين في جانب المدعي وبالجملة لا عموم في العمومات الولية حتى يتمسك بها بل انما وردت في
مقام الاهمال والاجمال وما ورد في بيانها وتفصيلها أيضا لا عموم فيها حتى يتمسك به أن لم يكن دالا على خلافه
فأتمسك بالعمومات على كل تقدير ساقط.
قلت ما ذكرته غير مرة من أن تلك العمومات انما وردت لبيان القضية المهملة فإنما هو بالنسبة إلى تعيين
البينة واليمين في حق الاشخاص وأن الولي وظيفة في حق أي شخص والثانية ميزان لأي شخص وأما بالنسبة
إلى أن الفصل والقضاء بين الناس لا بد من أن يكون بأحديهما ولا يخرج عنه (عنها خ) فلا بل تلك العمومات من هذه
الجهة مبينة مفصلة لا إهمال فيها أصلا لأنها وردت في بيان هذا المعنى فإذا قام دليل من الخارج على سقوط
البينة من المدعى حسبما هو المفروض فلا بد من أن يلزم المدعى باليمين بمقتضى العمومات الحاصرة ميزان
القضاء بالبينات والايمان.

211
فأن قلت بعد ما وردت الاخبار في بيان القضية المهملة المستفادة من العمومات وأن البينة على المدعي
واليمين على من أنكر يكشف عن أن المراد بالبينات والايمان هي
بينات المدعى وايمان المنكر فإذا قام دليل من الخارج على سقوط البينة من المدعى فيكشف هذا عن سقوط
ما جعل ميزانا له في قوله انما أقضي بينكم؟؟ فيسمع قوله من دون يمين.
قلت ما ذكرته من كشف الاخبار المفصلة عن حصر الميزان في حق ما لمدعي بالبينة انما هو فيما إذا
لم يقم دليل معتبر على سقوط البينة عنه فإنه يحكم حينئذ بعدم كفاية اليمين له وعدم سماع قوله الا بالبينة واما
إذا قام الدليل الخارجي على سقوط البينة عن المدعى فيخصص قوله البينة على المدعي ويرفع اليد عنه فيرجع
إلى العمومات الولية الحاصرة أمر القضاء بالبينات والايمان لعدم المانع لها بعد سقوط البينة عن المدعى.
فان قلت بعد قيام الدليل من الخارج على سقوط البينة من المدعى وأن لم يكن قوله البينة على المدعي
منافيا للعمومات الحاصرة من حيث ارتفاعه بالفرض الا ان قوله واليمين على من أنكر مناف لها حيث إنه
يدل حسبما ذكرته مرارا على أن كل يمين منحصر في المنكر وليست ميزانا لاحد في العالم غير المنكر
فيدل على أن اليمين لم تجعل ميزانا في الشريعة للمدعي ولهذا يستدل به على عدم كفاية اليمين منه فيما لم
يقم دليل من الخارج على سقوط البينة عنه فإذا قام الدليل الخارجي على سقوط البينة عنه فيحكم بضميمة قوله
واليمين على من أنكر بسماع قوله مجردا عن اليمين وليس الحكم بلزوم اليمين عليه في الفرض من جهة
العمومات ورفع اليد عن قوله واليمين على من أنكر أولي من الحكم بسماع قوله مجردا عملا به ورفعا لليد
عن العمومات أن لم يكن هذا أولي مما ذكرت وبالجملة رفع اليد عن العمومات غير عزيز وليست مما تقبل
التحصيص أو تكون أبية عنه فإنه قد رفع اليد عنها بما يدل على القضاء بالنكول فيجعل قوله واليمين على من
أنكر بضميمة ما دل على سقوط البينة عن المدعي دليلا على القضاء بقول المدعي ومخصصا لما دل على حصر القضاء
بالبينات والايمان.
قلت كما لا يمكن رفع اليد عن العمومات الولية بقوله البينة على المدعي بعد فرض قيام الدليل
على سقوطها كما اعترفت به كذلك لا يمكن رفع اليد عنها بقوله اليمين على من أنكر ولو بضميمة الدليل
المذكور لأنك قد عرفت مرارا أن قوله واليمين على من أنكر في مقام بيان كفاية اليمين من المنكر تسهيلا
عليه وعدم كفايتها عن المدعي تشديدا عليه كما يدل عليه قوله (1) أن الله حكم في دمائكم على خلاف ما حكم به
في أموالكم إلى أن قال لئلا يطل دم امرء مسلم فتدل بمقتضى عموم لفظ اليمين على أن كل يمين لا يكفي من
غير المنكر بل يجب عليه إقامة البينة والمفروض ان فيما نحن فيه يكتفي من المدعى باليمين قطعا لكن لا يعلم أنه
من جهة كفاية قوله مجردا أو منضما مع اليمين فالكفاية باليمين أمر متيقن وثابت على كل تقدير.
نعم لو كان قوله واليمين على من أنكر في مقام بيان انه لا يمكن التخلص لاحد في العالم باليمين
الا المنكر وانها ليست ميزانا لغيره أصلا بل هي وظيفة منحصرة في حق المنكر لوم تشرع في حق غيره ابدا
حسبما كان بنائي القاصر عليه في سابق الأيام لكان منافيا لقوله انما اقضي بينكم بالبينات واليمان لكن الامر
ليس كما ذكر بل قوله واليمين على من أنكر في مقام نفي كفاية اليمين عن المدعى في قبال البينة وانه لا بد
من إلزامه بأثقل الوظيفتين بخلاف المنكر فإنه يجوز له إقامة أية منهما فعدم سماع اليمين من المدعي انما



(1) وقد أراد الأستاذ العلامة رحمه الله بالاستدلال بالحديث الشريف مستقلا على المدعي وفيه ما لا يحفى (منه قده)
212
هو فيما إذا كان مكلفا بإقامة البينة.
وأما إذا قام الدليل على سقوطها عنه حسبما هو المفروض فا يدل قوله واليمين على من أنكر على
عدم كونها ميزانا للمدعي فيلزم (فيلتزم خ) بها بمقتضى العمومات الدالة على حصر ميزان القضاء بالبينة واليمين
فالدليل الدال على سقوط البينة عن المدعي ليس مقتضيا لسق. ط اليمين عنه ولو بضميمة قوله واليمين على من
أنكر بل قيامه يمنع من التمسك به كما يمنع من التمسك بقوله البينة على المدعي.
وبالجملة الحكم في مورد بسماع قول المدعي من دون يمين وبينة مستلزم لارتكاب خلاف الظاهرين أحدهما ما دل من العمومات على أن كل مدع عليه البينة ثانيهما ما دل على انحصار الفصل بين الناس بالبينة
واليمين فإذا قام دليل على جوازه في الثاني لزم منه جوازه في الأول لكنه مع قيام الدليل على تصديق قول المدعي مجردا.
فأن قلت ما ذكرته من ورود قوله اليمين على من أنكر في بيان نفي كفاية اليمين عن المدعي في قبال
البينة وكفايتها عن المنكر انما هو إذا جعلنا اليمين رخصة للمنكر لا عزيمة فإنه يستقيم حينئذ التمسك بالعمومات
لالزام المدعي باليمين بعد قيام الدليل على سقوط البينة عنه وأما إذا قلنا بأنها عزيمة للمنكر حسبما عليها جمع
كثير وجمع غفير يجوز التمسك بالعمومات حينئذ لان قوله اليمين على من أنكر يدل على هذا التقدير على أن تركها
لا يجوز للمنكر وفعلها لا يجوز لغيره.
قلت مع انا قد استوفينا الكلام سابقا في اثبات كون اليمين رخصة للمنكر لا عزيمة ان التمسك
بالعمومات لا يتوقف على جعلها رخصة للمنكر أصلا بل يتم على القول بكونها عزيمة في حقه لان كونها عزيمة
في حقه لا ينافي كون الحكمة في جعلها في حقه هو تسهيل الامر عليه والتوسعة له في مقابل المدعي كما في
القصر في السفر فإنه مع كونه مبنيا على التخفيف عزيمة على المسافر لا رخصة غاية الأمر انه إذا جعلنا التسهيل
علة لجعل اليمين في حق المنكر وكونها رخصة له يحكم بكفاية البينة عنه بنفس ما دل على اعتبارها عموما
وإذا جعلناه حكمة في جعل اليمين عليه لا يمكننا الحكم بكفاية البينة عنه بنفس العمومات بل يحتاج إلى
الدليل الخارج عنها وهذا المقدار لا ينافي كون عدم سماع اليمين من المدعي من جهة عدم كفايتها في قبال
البينة فلا مانع إذا من التمسك بالعمومات بعد سقوط البينة من المدعي فتأمل هذا مجمل القول في المقام الأول.
واما الكلام في المقام الثاني فالحق أن يقال إنه لا يلزم المنكر بإقامة البينة بعد قيام الدليل على سقوط
اليمين عنه فإنه يدل على سقوط البينة عنه أيضا بالأولوية لان ما ينفي الأخف ينفي الأثقل بطريق الأولى نعم
لو قام دليل على عدم كفاية اليمين عنه ولزوم إقامة البينة عليه كما ورد في بباب الدماء وغيره يحكم به لكنه لا
دخل له بما نحن فيه لان كلامنا اليمين عنه إذا قام الدليل على سقوط اليمين عن المنكر.
ثم لا فرق فيما ذكرنا في المقام أيضا بين جعل اليمين رخصه للمنكر أو عزيمة بعد ما فرض ان اكتفاء
الشارع باليمين من المنكر انما هو من باب تشريع الأخف ولو كانت الخفة حكمة في جعله فالالتزام بقبول قول
المنكر من دون بينة وإن كان مستلزما لارتكاب مخالفة الظاهرين ورفع اليد عن الأصلين الا ان ما قام على
سقوط اليمين عنه يكفي لتجويزها لما عرفت من الأولوية.
نعم لو قام دليل على كفاية البينة عن المنكر على القول بكون مقتضى الأصل كفايتها عنه حسبما قويناه
سابقا تبعا لشيخنا الأستاذ وجماعة من المحققين لا يستلزم سقوط اليمين عنه فيحكم بلزوم اليمين عليه

213
بمقتضى ما دل على حصر ميزان القضاء بالبينة واليمين وما دل بالخصوص من العمومات المفصلة على كون
اليمين على المنكر.
وتوهم ان التمسك به في المقام على القول بكون اليمين رخصة للمنكر مستلزم لاستعمال اللفظ في
التخيير والتعين حيث إنه يراد في المقام الاستدلال به بتعيين اليمين عليه وفيما لم يقم دليل على عدم كفاية
البينة يراد الاستدلال به على التخيير حسبما هو المفروض من كون اليمين رخصة.
مدفوع بأنه ليس من قبيل استعمال اللفظ في التعيين والتخيير أصلا بل هو نظير تعيين أحد فردي
الواجب التخييري بتعذر الأخر بالتعيين في المقام انما جاء من جهة عدم كفاية البينة حسبما هو فرض قيام الدليل
عليه لا من جهة دلالة قوله اليمين على من أنكر فافهم وتأمل.
إذا عرفت ذلك فلنبين قبل الخوض في الفروع أيضا ضابطة قليلة المؤنة كثيرة النفع والفائدة
فنقول أما أن يقوم دليل من الخارج على سقوط البينة من المدعي أو لا يقوم فأن كان الثاني فالحكم هو إلزام المدعي
بالبينة بمقتضى قوله البينة على المدعي وأن كان الأول فلا يخلو أما أن يدل الدليل على سقوط البينة عنه من
غير دلالة على أمر زائد كما ورد أن القول قوله من دون إشارة إلى نفي اليمين وثبوتها ففي هذا المورد يحكم
بلزوم اليمين عليه بمقتضى العمومات.
وأما أن يدل على سقوطها عنه بمعنى كونه مصدقا في قوله من غير احتياج إلى شئ في الحكم ولا
اشكال حينئذ في الحكم له بمجرد دعواه كما هو أحد الوجوه في القاعدة المشهورة بينهم وهي من ملك شيئا ملك الاقرار
به حسبما بنى عليه بعض الأصحاب واحد المعنيين لقوله ما على المحسنين من سبيل حسبما بنى عليه جماعة من
كونه دالا على نفي اليمين عن الامناء واحد القولين فيما دل على القضاء بالنكول حيث إنه ذهب بعض إلى أنه دليل
على سماع قول المدعى وان القضاء انما هو به لا بنكول المنكر.
واما ان يدل على تصديقه وان القول من غير احتياج إلى شئ لكن لا بمعنى الحكم والقضاء به
بل معنى عدم تعرضه ومخاصمته وهذا القسم في الحقيقة خارج عما نحن فيه ومن هنا يعلم أن أكثر الفروع
التي ذكرها الأصحاب غير مربوط بما نحن فيه ولا يكون سماع قول المدعي فيها من دون يمين مخالفا لشئ
من العمومات لأنها انما تدل على حصر الفصل والقضاء بين الناس بالبينة والايمان واما مجرد سماع قوله بمعنى
عدم المخاصمة معه فيما لا حق للمدعي عليه أصلا محتاج بشئ قطعا لا
إذا عرفت ذلك فهنا ذكرها المصنف وغيره من الأصحاب يسمع فيها قول المدعي من دون
يمين لا بأس بالإشارة إلى جملة منها.
فمنها دعوى المالك ابدال النصاب في أثناء الحول لتنفي عنه الزكاة ذكره جماعة من الأصحاب بمنهم
المصنف في المتن في عداد ما يسمع فيه قول المدعي من دون يمين ولكن استشكال الأستاذ العلامة دام ظله فيه
بان مدعى التبدل ليس مدعيا بل هو منكر لان أصالة عدم التبديل لا يثبت بقاء الزكاة في المال الذي يريد الزكاة
منه الأعلى القول بالاعتبار الأصول المثبتة وهو فاسد عندنا.
ومنها دعوى المالك رفع الزكاة إلى المستحق ذكره في المسالك ملحقا له بالفرع الأول.
ومنها دعمي نقص الحب والثمرة والزرع لينقص عنه ما قرر عليه من مقدار الزكاة.
ومنها دعوى الذمي الاسلام قبل الحول ليتخلص من الجزية والحكم في هذه الفروع سماع دعوى المدعي

214
من دون يمين قد نقل عليه الاجماع من جماعة وعدم الخلاف من آخرين والظاهر أنه كذلك هذا.
وذكر في المسالك بعد نفي الخلاف ما هذا لفظه والوجه في قبول قوله في هذه المواضع ان الحق
بين العبد وبين الله ولا يعلم الا من قبله غالبا انتهى وهو كما ترى غير مبين المراد فإن كان المراد ان في
هذه المواضع لا خصومة لغير المدعي معه لان الحق من حقوق الله تبارك وتعالى ولم يأذن في أخذه فهو وإن
كان على تقدير ثبوته موجها حسبما ذكرنا من أن سماع قول المدعي من دون يمين فيما لا خصومة معه
حقيقة لا يحتاج إلى دليل إلا أن الاشكال في ثبوته لامكان ان يدعى كون الزكاة حقا للناس في الجملة
فتأمل وإن كان المراد ان الحق فيها وإن كان من حقوق الناس لكن لما تعسر على المدعي إقامة البينة عليه لأنه
لا يعلم إلا من قبله كما يشعر به قوله ولا يعلم إلا من قبله غالبا فيجب سماع قوله لذلك ففيه ان تعسر إقامة
البينة لا يقتضي سقوط اليمين التي قضت بلزومها العمومات الحاصرة غاية الأمر ان يقتضي سقوط البينة هذا.
ولكن يمكن أن يستدل للحكم المذكور في الفروع المذكورة غير الأخير منها بما روي عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) من امره الجابي بالرفق والمدار مع من يذهب إليهم ليؤخذ الزكاة منهم وسماع قولهم بأداء -
الزكاة أو عدم تعلقها بمالهم فراجع إليه وتأمل فيه. وقد أكثر في المسالك وغيره من الكتب من الفروع التي
يسمع فيها قول المدعي من دون يمين لكن لا دخل لكثير منها بما نحن في صدده من سماع قول المدعي في
مورد الخصومة وجعله ميزانا للقضاء فراجع إليها حتى تشاهد صدق ما ذكرنا وبعضها منظور فيه كقبول قول -
الأمين في الرد وان نسبه في المسالك إلى المشهور وبعضها خارج عما نحن فيه كقبول قول المدعي مع نكول
خصمه بناء على القضاء بالنكول فإنه انما هو من جهة القضاء بالنكول لامن جهة سماع قول المدعي والقضاء به
من دون احتياج إلى شئ إلا أن يراد بالسماع أخذ المدعى عليه بعد الدعوى ولو كان من جهة أمر آخر
فتأمل وعليك بالتدبر فيما ذكروه من الفروع وانطباقها على ما ذكرنا من الأصول وهو غاية المأمول ونهاية
المسؤول والمرجو في كل أمور.
ثم إن هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها وإن لم يكن لها كثير ارتباط بالمقام.
الأول انه هل يجوز للمدعي فيما لا سلطنة له على احلاف المنكر إما من جهة عدم وجود حاكم
الشرع أو عدم دعوى العلم فيما يشترط فيه دعوى العلم على القول به أو من جهة فقدان غيرها من الشرايط ان يتوصل
إلى حلف المنكر ويلزمه به بالمصالحة معه عليه أو اشتراطه في عقد لازم ويترتب عليه آثار الحلف أو لا يجوز له
ذلك وجهان أوجههما عند الأستاذ العلامة وجماعة من المحققين منهم الفاضل القمي هو الثاني وربما يجري على
لسان بعض مشايخنا المتأخرين الأول والوجه هو الأول.
ونحن نورد الكلام في حكم خصوص الصلح وعليك بقياس غيره عليه واستنباط حكمه منه.
فنقول بعون الملك العلام ان تنقيح المرام في المقام يحتاج إلى بسط في الكلام وهو انه لا يخلو إما
ان يصالح المدعي المدعى على حلف المنكر أو الدعوى عليه وعلى كل من التقديرين إما ان يراد من المصالح
عليه حلف المنكر من حيث كونه ميزانا للقضاء ومسقطا لحق المدعي أو حلفه من حيث كونه فعلا سائغا له شرعا
كما إذا صالح عليه في غير مقام الخصومة كما إذا أخبرك شخص بموت زيد مع تعلق غرض لك بموته فتصالح المخبر
بشئ على أن يحلف لك بموته ليحصل لك الاطمينان بموته فالصور أربعة والحكم في جميعها ما ذكرناه.
أما الوجه في الصورة الأولى من الصور الأربع وهي أن يصالح المدعي حقه على حلف المنكر من حيث

215
كونه ميزانا للقضاء فلان اسقاط الدعوى وغيره من آثار اليمين الفاصلة إنما يحصل بنفس المصالحة قهرا فلا مورد
للحلف بهذا المعنى كما لا يخفى.
وبعبارة أخرى حصول براءة ذمة المدعى عليه من المدعي بعد وقوع المصالحة قهري يعلم به كل
أحد من المدعي والحاكم وغيرهما فلا معنى لليمين التي هي من موازين القضاء والفصل بين المتخاصمين وهي
نظير ما إذا أقر المنكر بما يدعى عليه فإنه لا معنى حينئذ لتحليفه لارتفاع الخصومة بنفس إقراره ولهذا ذكرنا أن أخذ
المنكر بالاقرار والزامه بمقتضاه ليس منافيا لما دل على حصر الفصل بالبينة والايمان لأنه إنما هو في مورد الخصومة
هذا مع أنه قد يقال إن المصالحة على الوجه المذكور منافية لما دل على اختصاص اليمين الفاصلة بما إذا وقع
بمحضر الحاكم وباذنه مثلا فلا دليل على صحتها بل مقتضى ما دل على انتفاء اليمين من المنكر في الموارد التي يثبت
فيها ذلك من جهة انتفاء شرطها فساد المصالحة المذكورة لأنها مخالفة للكتاب والسنة ومحللة للحرام فتأمل -
ومما ذكرنا كله يظهر وجه فساد المصالحة في الصورة الثانية أيضا وهي ما إذا صالح المدعي دعواه على يمين
المنكر على الوجه المذكور فلا نطيل بالإعادة وبالجملة لا معنى لبقاء الخصومة بعد المصالحة حتى يحتاج في
رفعها إلى اليمين وهذا مما لا إشكال فيه إن شاء الله وإن طال الكلام فيه بعض الأفاضل.
فلنصرف عنان الكلام إلى بيان الوجه للمرام في باقي الصور وهو ما إذا صالح المدعي حقه على
حلف المنكر من حيث كونه فعلا من أفعاله أو صالح دعواه عليه على النهج المذكور فيقع الكلام في صورتين
أما الكلام في الصورة الأولى فنقول انه لا يخلو إما أن يصالح المدعي حقه ومدعاه على حلف المنكر
بالبراءة وعدم استحقاق المدعى فعلا أو يصالح حقه عليه بالزامه (بالبراءة خ) قبل المصالحة أو يصالح حقه على
حلف المنكر بعدم السبب الذي يدعيه المدعي فيما إذا فرض تنازعهما فيه.
أما الصورة الأولى فلا إشكال في فساد المصالحة فيها لما عرفت من حصول البراءة قهرا بعد المصالحة
فالزام المدعي المنكر بالحلف على الوجه المذكور بمقتضى المصالحة لغو صرف لكونه بنفسه مصدقا إياه في
انكاره البراءة الفعلية التي يريد أن يحلف عليها.
وأما الصورة الثانية والثالثة فحكمهما واحد فنقول بعون الملك المنان والقادر السبحان ان المدعي
في الفرض لا يخلو إما أن يعلم بعلم المنكر بكذبه في انكاره أو يعلم بعلمه بصدقه فيه أو يعلم بجهله فيه بأحدهما أو لا
يعلم شيئا منهما بل يردد انكار المنكر في نظره بين الأقسام المذكورة.
فلنقدم لتوضيح الوجه في الأقسام وما في الصور مقدمة وهي انه قد تقرر في محله انه يشترط في
صحة المصالحة أمور ثلاثة أحدها جواز مطالبة المصالح شرعا بالمصالح عليه ثانيها جواز المصالح عليه للمصالح
معه ثالثها ترتب نفع وفائدة عن المصالح عليه للمصالح وبالجملة يشترط فيما يصير عوضا في عقد المصالحة ما يشترط
في غيره من اباحته لكل من المتعاقدين وكونه مما ينتفع به.
أما وجه اشتراط الأول والثاني فقوله كل صلح جايز بين المسلمين إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا
مضافا إلى ما دل من لزوم إباحة العوض في العقود والمعاوضات بقول مطلق.
وأما وجه اشتراط الثالث فهو ما دل من الاجماع وغيره على فساد المعاملة المبنية على اللغو والهزل
مضافا إلى انصراف ما دل على امضاء العقود والوفاء بها بغيرها كما لا يخفى.
إذا عرفت ما قدمنا لك من المقدمة فلنرجع إلى بيان الوجه في حكم الأقسام فنقول إما الوجه

216
في فساد المصالحة في القسم الأول وهو ما إذا علم المدعي بعلم المنكر بكذبه في انكاره وكونه مبنيا على العناد
فهو انتفاء الشرطين الأولين لحرمة الحلف في الفرض لنفس الحالف وحرمة إلزام المدعي إياه عليه أيضا لكونه
إلزاما على فعل الحرام ومعاونة عليه وهو حرام بالأدلة الأربعة.
وأما الوجه في فسادها في القسم الثاني فهو انتفاء الشرط الثالث لفرض علم المدعي بعلم المنكر بصدقه
في انكاره فالحلف عليه حلف على الحق فهو حسنة للحالف لا يترتب عليه نفع للمدعي من حصول الاطمينان
والتشفي وغيرهما من الفوائد اللهم إلا أن يفرض له فائدة.
وأما الوجه في فسادها في القسم الثالث فهو انتفاء الشرطين الأولين أيضا لفرض جهل المنكر في علم المدعي
فلا يجوز له الحلف ولا لغيره إلزامه عليه لما تقدم.
وأما الوجه في فسادها في القسم الرابع فهو عدم احرازه جميع الشروط فيه لتردد حلفه بالفرض
بين ما لا نفع فيه للمدعي وبين ما يكون حراما قطعا لأنه لا يخلو إما أن يكون صادقا في اعتقاده أو
كاذبا أو شاكا وعلى التقدير الأول لا نفع للمدعي في حلفه وعلى التقديرين الأخيرين يحرم حلفه فيعلم
المدعي إجمالا بانتفاء شرط العوض في المصالحة فكيف يجوز الحكم بصحة هذه المصالحة التي يعلم المصالح
بانتفاء شرطها.
فإن قلت حصول العلم إجمالا بكون الحالف صادقا في اعتقاده أو كاذبا بحسب الواقع لا يقدح في
تحقق الإباحة ظاهرا وفي نظر المدعي وحصول نفع للمدعي من حلفه وتعلق غرض منه عليه إما عدم قدحه في
تحقق الأول فظاهر لان الأصل إباحة الحلف له والأصل في فعل المسلم أن يحمل على الصحة فيحكم من
جهتهما بكون الحلف مباحا للحالف فيجوز لغيره إلزامه عليه بمقتضى المصالحة وإنما لم يحكم بتحققه في -
القسم الأول من حيث فرض العلم بكونه كاذبا فيعلم بحرمته عليه فلا بمعنى لحمل فعله على الصحة المأخوذ فيه
شك الحامل في فساد فعل الفاعل وأما حصول الثاني فلاحتمال كذبه في حلفه في نظر المدعي فيحصل له التشفي
الذي جعل حكمة لأصل تشريع اليمين بالنسبة إلى المدعي.
نعم لا يمكن حصول التشفي بعد العلم بصدقه فباحتمال الصدق يتحقق الأول وباحتمال الكذب يحصل
الثاني فبنفس الشك وتردد حلف الحالف في نظر المدعي بين الامرين يحصل الشرطان فكيف يمكن الحكم
بكونه مانعا من تحققهما وعدم تحققهما في صورة العلم بأحد الامرين إنما هو من جهة العلم فلا يمكن
قياس صورة الشك عليها.
قلت نمنع من إمكان الحكم بإباحة الحلف وترتب نفع عليه في الصورة المفروضة مستندا إلى ما ذكر
من الوجود والأدلة لفسادها وعدم نهوضها للدلالة أما أصالة البراءة والإباحة ففيها انه ليس هنا دليل يدل على
اعتبارها في فعل الغير لا من العقل ولا من النقل كما لا يخفى لمن راجع إليها فالحكم بإباحة الحلف للمنكر من
جهة أصالة البراءة لا يخلو من تأمل فتأمل وأما أصالة فعل المسلم على الصحة ففيها انها إنما تجري فيما
إذا صدر فعل المسلم وشك في صحته وفساده وإباحته لا فيما إذا شك في أصل جواز الفعل له وأريد إلزامه به فتأمل
هذا مضافا إلى أنه لو كان هناك دليل يدل على إباحة الحلف للحالف فلا يترتب نفع عليه من حصول التشفي و
غيره هكذا ذكر الأستاذ العلامة دام ظله ولي فيه نظر لان حصول التشفي وعدمه إنما هما مبنيان على جواز -
الحلف للحالف وعدمه بالنظر إلى حال الحالف فيما بينه وبين الله فحكمنا بإباحة الحلف له من جهة حمل فعل

217
المسلم على الصحة لا يجوز الحلف له بالنظر إلى تكليف نفسه لو كان عالما بكذبه أو كان شاكا فيه فاحتمال -
الحرمة له لو كان مبطلا باق في صورة الشك فيحصل التشفي منه على تقدير كذبه في اعتقاده وبالجملة لا دخل
لحديث الحكم بحلية الفعل في نظر الغير للحكم بحليته في نظر الفاعل الذي هو علم بحاله والتشفي مبني على
احتمال الحرمة بالنظر إلى تكليفه فيما بينه وبين الله وهذا لا ينافي كوننا مأمورين بحمل فعله على الصحة والجواز
كما لا يخفى هذا مضافا إلى إمكان أن يقال إن أدلة البراءة وإن لم يجر بالنسبة إلى الحالف لكن لا مانع من جريانها
بالنسبة إلى المدعى فيحكم بإباحة إلزامه للمنكر بالحلف اللهم إلا أن يقال جواز إلزامه متفرع على جواز
الحلف للحالف فما لم يثبت جوازه ولو بالأصل لا يمكن اثبات جواز إلزامه فتأمل هذا.
ويظهر من الفاضل القمي قدس سره في بعض كلام له متعلق بالمقام في أجوبة مسائله ان الوجه في
عدم جواز الحكم بالجواز في صورة الشك هو عدم حصول الظن للمدعي بالجواز من الأصل بناء منه على ما بنى
عليه الامر في جميع الأصول والامارات من كون اعتبارها من باب الظن الشخصي حيث قال بعد الحكم بفساد -
المصالحة المفروضة مستندا إلى ما أشرنا إليه من لزوم احراز الإباحة في العوض ما هذا لفظه وحينئذ نقول إن كان
المدعى عليه مشغول الذمة في الواقع فيمينه حرام فلا يجوز الصلح عليه وإن كان بريئا فهو وإن كان
يجوز له حينئذ لكن لا بد في عقد الصلح من معرفة الجواز وعدم الجواز ولا علم للمدعي بالجواز لاحتمال عدمه
ولا معنى لأصالة الجواز لتساوي الاحتمالين بل رجحان الحرمة لان الراجح عند المدعي هو اشتغال ذمة
المدعى عليه فيكون حلفه حراما ظاهرا ومعرفة المدعى عليه جوازها لعلمه ببرائة ذمته عما يدعيه في بعض -
الأحيان لا تنفع في تصحيح المصالحة مطلقا ومن جانب المدعى انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه وهو كما ترى
ظاهر في أن المستند في عدم جواز الحكم بالجواز عدم حصول الظن بصدق المدعى عليه فلا يحصل الظن من
أصالة الجواز حينئذ حتى يحكم بجوازه ولهذا حكم بالحرمة ظاهرا كما ترى من جهة الظن بكذبه وهذان -
الحكمان منه كما ترى مما لم أعلم بذهاب أحد إليهما سيما في حكمه بالحرمة من جهة رجحان كذبه في نظر
المدعي فإن من يقول بحجية مطلق الظن في الفروع لا يقول بحجيته في الموضوعات الخارجية سيما في مثل المقام
والفاضل المذكور وإن بنى الامر في الأصول على حجية مطلق الظن حتى في الموضوعات الخارجية أيضا لكني
كنت معتقدا انه لا يمشي على هذا المنوال في الفروع هذا كله بالنظر إلى عدم إمكان الحكم بالإباحة
في الصورة المفروضة.
وأما عدم ترتب النفع والفائدة على الحلف في الصورة المفروضة فلانه وإن احتمل كذب المنكر في
حلفه فيصيبه ما يصيبه فيحصل التشفي للمدعي إلا أن مجرد احتمال هذا لا يخرج المعاوضة عما لا يقدم عليها العقلاء
ولا يترتب لهم عليها نفع مقصود معتد به إلا أن يقال إن بنائهم في خصوص الصلح على المسامحة فيتسامحون فيها
بما لا يتسامحون في غيرها بل أصل وضع الصلح عندهم للمسامحة فلهذا تراهم يصالحون كثيرا من الأموال التي
تبلغ قيمتها ألف دينار بدينار بل بدرهم فيجوز أن يحكم بالاكتفاء في الصلح بما لا يكتفى به في غيره من عقود
المعاوضة فتأمل حتى لا يختلط عليك الامر.
فإن قلت لو كان إلزام المنكر بالحلف فيما حكمت بحرمته من صورة العلم بكذبه أو الشك فيه
حراما لأنه إلزام بالقبيح وإعانة عليه كذلك اذن المدعي ورضائه بحلف المنكر فيما كان كاذبا لا بد أن يكون
معصية وقبيحا مع اتفاقهم على اشتراط اذن المدعي ورضائه في حلف المنكر بحيث لو استحلفه الحاكم بدون

218
اذنه لكان لغوا فما التفصي عن ذلك.
قلت التفصي عنه بوجوه أحدهما أن يقال إن اذن المدعي ليس شرطا في أصل حلف الحالف بل إنما
هو شرط في استحلاف الحاكم من حيث إن أعماله هذا الميزان أي يمين المنكر والقضاء بها موقوف على
استيذانه من حيث كونه حقا للمدعي فالمدعي إنما يأذن الحاكم في أعماله ميزان القضاء لا انه يرضى بفعل القبيح
من المنكر حتى يقال إن صدور هذا الفعل القبيح لما كان موقوفا على رضائه فالرضاء به من المدعي قبيح وحرام
بل ما يرضى به المدعي هو اعطائه حقه ولا يرضى بيمينه المسقطة لحقه فتأمل (1).
ثانيها أن يقال إنه لا ضير في التزام ذلك وقد دل الاخبار عليه مثل قوله إذا أرضى صاحب الحق
بيمين صاحبه فحلف فلا حق له ولا مانع منه إلا كونه رضاء بالقبيح وهو قبيح وهو غير مانع إذ نمنع من قبحه
يعد كونه موجبا لردع المنكرين عن الانكار كذبا وعنادا حيث إن الحلف كاذبا كما سمعنا ورأينا كثيرا ما
يستعجل في هلاك الحالف فيوجب ذلك ردع من يريد إنكار الحق واخفائه ولو كان قبيحا أيضا ذاتا لا ضير في
تجويزه مراعاة للمصلحة المذكورة فهو نظير الاذن من ارتكاب أقل القبيحين فتأمل.
ثالثها أن يقال إنه ليس الشرط في المقام هو الرضي الباطني من المدعي بحلف المنكر حتى يقال إنه
رضي بالمعصية التي تتوقف على رضائه بل إنما الشرط هو اذنه من حيث كون منعه مانعا وبعبارة أخرى كما أن
إقامة البينة حق للمدعي وطريق لاثبات حقه كذلك حلف المنكر أيضا طريق لتخلصه من مطالبة المدعي
ودعواه فإن اذن المدعي ولم يمنع من استحلافه فهو وإن منع منه فقد حصل التخلص بنفس منعه وعدم
مطالبته لأنه بعد رفع يده عن الدعوى يحصل التخلص للمنكر من غير يمين ومعلوم انه لا يجب على الشخص
رفع اليد عن حقه حتى لا يقع غيره في المعصية باختياره وهو نظير ما إذا جاءك سارق فقال لك ارفع يدك عن
جميع أموالك وإلا أحاربك وأقتلك فإنه لا يجب عليك حينئذ رفع اليد عن جميع الأموال حتى لا يقدم السارق على فعل
القبيح بل يجوز لك أن لا ترفع يدك عن مالك فإن قاتلك باختياره فلك أن تقاتله وتقتله والحاصل ان الاذن
فيما نحن فيه كإذن موسى على نبينا وآله وعليه السلام السحرة بالسحر فإنه لم يكن واجبا على موسى (عليه السلام) رفع
اليد عن الارشاد والهداية فيما إذا أراد من يريد اهدائه فعل معصية وقبيح باختياره وهذا الجواب ذكره الأستاذ
العلامة دام ظله ونحن لخصناه بطوله وعليك بالتأمل فيه.
فإن قلت إن المدعي إذا صالح حقه بدراهم فيرد عليه هذا المحذور أيضا لان المدعي قد يكون مبطلا فيكون
الدرهم عليه حراما فيكف يصالح عليها مع أنه لا إشكال في جواز مصالحته وصحته إذ الصحة لا تنافي الحرمة عليه.
قلت نمنع من صحة المصالحة واقعا إذا كان المدعي مبطلا في دعواه بحسب اعتقاده فيحرم عليه أكل
المصالح عليه نعم لو علم بحقية دعواه إما بعلمه باشتغال ذمة المنكر بالمدعى أو قيام امارة معتبرة عليه عنده
صح الصلح واقعا.
وبالجملة لا إشكال في فساد قياس الصلح على اليمين على الصلح بغيرها لأنه في صورة علم المدعي
بحقية المنكر يكون يمينه لغوا وفي صورة عدم علمه بها يكون إلزامه بها حراما فلا مورد لصحته وهذا بخلاف
الصلح بالدراهم لان المصالحة عليها لا يكون لغوا على كل تقدير والزام المنكر بها أيضا لا يكون حراما في
.



(1) وجه التأمل فساد هذا التوجيه إما من جهة ان الرضا باستحلاف الحاكم يستلزم الرضا بحلف المنكر أو من
جهة ان ظاهر الاخبار الرضا بحلف المنكر (منه قده)
219
جميع التقادير فلا مانع من الحكم بصحته في الجملة هذا مجمل القول في مصالحة المدعي باليمين.
وأما الكلام في الصورة الثانية وهو ما إذا صالح المدعي دعواه على اليمين بناء على جواز مصالحتها
مع قطع النظر عن المدعى به على ما هو التحقيق عندنا من جوازها من حيث كون الدعوى في نفسها مما لها أثر
لا دخل لها (له خ) بنفس المدعى به فنقول ان الكلام في عدم الامكان جعل هذه اليمين ميزانا للقضاء من حيث سقوط
المخاصمة والدعوى قهرا على فرض صحة المصالحة قد عرفته سابقا فلا نطيل بالإعادة وأما الكلام في جواز
صيرورتها عوضا للمصالحة من حيث كونها فعلا من الأفعال فنقول ان الحق عدم جوازها أيضا لما عرفت من لغويتها
على تقدير العلم بصدق المنكر وعدم جواز الالزام بها بمقتضى المصالحة على تقدير العلم بكذبه أو الشك فيه
فيحكم بفساد المصالحة لعدم اجتماع الشروط في عوضه فحكم الصورتين واحد من حيث فساد المصالحة فيهما وإن كان
بينهما فرق على فرض صحة المصالحة فيهما فإن مصالحة المدعى به تستلزم سقوطه بخلاف صلح الدعوى فإنه
إنما يقتضي سقوط الدعوى وأما سقوط المدعى به فلا فيجوز له المقاصة واقعا وسائر ما يترتب على الملكية الواقعية
من الآثار الغير المستلزمة لمطالبة المدعى عليه ظاهرا فتأمل حتى لا يختلط عليك الامر.
الثاني انه كما لا إشكال في جواز مصالحة المدعي حقه أو دعواه بمبلغ مع المدعى عليه كذلك
لا إشكال في جواز مصالحة المنكر يمينه التي تكون حقا له بحسب الشرع على مبلغ معين مع المدعى فيرفع
يده عن حقه ويصالحه بشئ معين مع المدعى فيسقط الدعوى بمجرد المصالحة ويعطى المصالح عليه بالمدعى
من دون جواز المرافعة له بحيث يطالب المنكر باليمين وهذا مما لا إشكال فيه.
إنما الاشكال في أنه هل يجوز للمدعي بعد قبول المصالحة المرافعة مع المنكر وإقامة البينة على الحق
أو تقاصه من مال المنكر إذا ظفر عليه واقعا في صورة عدم إقامة البينة أم لا الأقوى وفاقا للأستاذ العلامة نعم لعدم
المانع منه أصلا لان قبول عدم حلف المنكر بإزاء شئ لا يستلزم سقوط أصل الدعوى أو المدعى كما انا قوينا
سابقا جواز التقاص فيما إذا صالح المدعي دعواه من حيث هي على دراهم مثلا مع المدعى عليه هذا.
ولكن قد يقال بل قيل بخلاف ما ذكرنا والحكم بعدم سماع الدعوى مع البينة وعدم جواز التقاص
بدونها نظرا إلى أن بعد مصالحة المنكر يمينه بشئ وقبول المدعى لها يكون حكم هذا الشئ المجعول عوضا حكم
اليمين شرعا بعد امضاء الشارع هذه المصالحة منهما ومن المعلوم الثابت في محله عدم جواز التقاص بعد يمين
المنكر ولو كانت فاجرة لكنه لا يخفى عليك فساد ما ذكر إذ لا دليل أصلا على تنزيل العوض منزلة اليمين على
النهج المذكور ومجرد امضاء الشارع لا دلالة له على ذلك كما لا يخفى نعم لو كان بناء المنكر في قصده حين
المصالحة اسقاط اليمين عنه بحيث يسقط منه الحق والدعوى أيضا وقبلها المدعى بهذا العنوان أمكن القول بسقوط
الدعوى رأسا وعدم جواز التقاص أيضا ولكنه ليس بلازم من مجرد مصالحة اليمين كما هو معلوم على كل أحد فتدبر.
الثالث انه قد ذكر جماعة ان العبرة في الحلف على نية المحلف والقاضي وذكر بعض ان العبرة بنية
الحالف إن كان محقا وبنية المحلف إن كان مبطلا وهذه الكلمات قد تكررت كثيرا بينهم ولم يعلم المراد منها
ولما وعدناك سابقا على التكلم فيها على ما يقتضيه الحال ويسعه المجال فلنوف بما وعدناك.
ونحن نورد الكلام في المقام على جهة الضابطة الكلية ثم نشير بعده إلى ما هو التحقيق عندنا فيما
ذكروه فنقول المنكر لا يخلو إما أن يكون كاذبا في انكاره بحسب اعتقاده أو صادقا فيه بحسب الاعتقاد أو شاكا
فيهما والكلام في كل واحد من هذه الأقسام قد يقع في الحكم التكليفي لحلفه وقد يقع في حكمه الوضعي إما.

220
الكلام في القسم الأول وهو ما إذا كان المنكر كاذبا فيقع تارة في الحكمين إذا حلف على طبق الانكار كذبا
وأخرى فيهما إذا حلف تورية لا كذبا.
فالكلام في القسم الأول في مقامين فنقول إما الكلام في المقام الأول منهما فلا إشكال ولا ريب في
حرمة الحلف بالله كاذبا ويدل عليها مضافا إلى ما دل على حرمة الكذب عموما من الأدلة الأربعة ما ورد في
خصوص المقام من الاخبار المتظافرة بل المتواترة التي قد تقدمت إلى جملة منها الإشارة قال رسول الله صلى الله
عليه وآله انما أقضي بينكم بالبينات والايمان وبعضكم ألحن بحجته من بعض فأيما رجل قطعت له من مال
أخيه شيئا يعلم أنه ليس له فإنما قطعت له قطعة من النار بل لا إشكال ولا خلاف في كونه كبيرة موبقة موجبة لفسق
فاعلها هذا كله في الحكم التكليفي للحلف كاذبا وأما حكمه الوضعي فالمشهور بل المدعى عليه الاجماع سقوط
الدعوى بها في الجملة بل قد عرفت سابقا ذهاب الأكثر إلى عدم جواز التقاص بعدها للمدعي استنادا إلى أخبار
كثيرة أوردناها سابقا هذا إذا لم يعلم الحاكم بكذبه قبل الحلف وأما إذا علم به قبله فلا إشكال حسبما عرفت
سابقا في قضائه بعلمه هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني فيقع أيضا في مقامين أحدهما في الحكم التكليفي ثانيهما
في الحكم الوضعي.
أما الكلام في الحكم التكليفي فقد قوى الأستاذ العلامة دام ظله الحرمة مدعيا في ظاهر كلامه في
مجلس البحث انعقاد الاجماع عليها لا لان التورية كذب موضوعا حسبما توهمه بعض فيدل على حرمتها كل
ما دل على حرمة الحلف كاذبا ولا لأنها مستلزمة للظلم على المدعي بأكل ماله وبطلان حقه لان الحرمة من
هذه الجهة لا دخل لها باليمين بل لان المستفاد مما دل على حرمة الحلف كاذبا هو حرمة كل يمين بالله توجب
ابطال حق الناس من حيث كونه استخفافا باسم الله جل جلاله وعظم شأنه وتقدست أسمائه وذكر في أثناء كلامه
مما يستفاد منه ذلك من الاخبار ما ورد في أصل تشريع اليمين في زمان داود على نبينا وآله وعليه السلام.
وحاصل مضمون الحديث انه كان ميزان تميز (الميزان لتمييز خ) المبطل من المترافعين من المحق
في زمانه (عليه السلام) سلسلة من الحديد جاءت من السماء فإذا رفع المنكر يده إليها فإن كان محقا وصل يده إليها وإلا
ارتفعت السلسلة ولم يصل يده إليها حتى وقعت مخاصمة بين رجلين في دراهم يدعيها أحدهما على الآخر وكان المنكر
واقعا مشغول الذمة وكانت الدراهم عنده فأدرجها في جوف عصاء له لم يعلم أحد به فأمر المدعي بحفظه حتى يرفع
يده إلى السلسلة فرفعت فإذا ارتفعت السلسلة إلى السماء ونادت باني لست ميزانا بين الحق وبالباطل ثم أوحى الله
عز وجل إلى نبيه بالحلف على اسمه تعالى وانه الميزان بين الحق والباطل ولو جوز للمنكر التورية في الحلف
للزم الاحتياج أيضا إلى ميزان آخر غير اليمين والملازمة ظاهرة وأيضا مقتضى قوله ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم
هو حرمة اليمين على النهج المذكور لان صيرورة اسم الله عرضة فيه مما لا يخفى على أحد.
هذا مجمل ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله العالي في توجيه الاستدلال على الحرمة بل قد جزم بكون
التورية في الصورة المذكورة كبيرة موبقة للحكم بفسق صاحبها ولكن لا يخفى عليك ما في الاستفادة المذكورة
وفي الحكم بكون التورية في الفرض من الكبائر فتأمل هذا مجمل القول في الحكم التكليفي.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو كفاية الحلف على الوجه المذكور وعدمه في اسقاط الدعوى وسائر -
الآثار فنقول لا إشكال في عدم كفايته لان ما يكفي من اليمين هي التي كانت مطابقة للانكار ونافية للدعوى

221
وإلا لزم عدم القضاء باليمين حسبما عرفت وجه اللزوم سابقا فإن علم الحاكم بأنه ورى في حلفه فيأمره بإعادته
ولهذا حكى عن جماعة من الأصحاب وجوب إعادة اليمين لو عقبها بإنشاء الله وإلا فيحمل كلامه على -
الواقع فهل يجوز التقاص للمدعي على القول بعم جوازه في اليمين الفاجرة إذا علم بان الحالف ورى في حلفه
أو لا يجوز له ذلك وجهان أوجههما الأول لان مقتضى القاعدة المستفادة مما ورد في باب التقاص جوازه في كل
مورد غاية الأمر انه قام الدليل على أنه لو حلف المنكر على نفي المدعى بحسب الواقع لا يجوز التقاص بعده لان
المدعي قد رضي به عن حقه فيعمل في التورية بالعمومات السالمة عن المخصص والمعارض.
ثم إنه هل يلحق بالحلف إذا ورى فيه في متعلقه تكليفا ووضعا الحلف الذي يورى فيه في اسم الجلالة
أو لا فالحق أن يقال إن في الحكم الوضعي لا إشكال في لحوقه به وأما الحكم التكليفي فلا إشكال عندنا في عدم لحوقه
به ولكن قد احتمل شيخنا الأستاذ الالحاق في الحكم التكليفي أيضا بل مال إليه بعض الميل فتدبر هذا مجمل
القول في المقام الأول وهو ما إذا كان المنكر كاذبا في انكاره.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو ما إذا كان صادقا فيه غير مشغول الذمة بحق المدعي أصلا فالكلام
فيه أيضا يقع في مقامين أحدهما في الحكم التكليفي ثانيهما في الحكم الوضعي بالنسبة إلى الحاكم.
أما الكلام في المقام الأول فنقول انه لا إشكال في جواز الحلف على نفي اشتغال ذمته وما يدعى عليه
في الجملة بل له أن لا يحلف أصلا ان أمكنه ذلك إنما الاشكال في أنه إذا ادعى المدعى عليه سببا من أسباب
الاشتغال كالبيع والصلح غيرهما من العقود وقد أدي المنكر في الواقع العوض وبرئت ذمته منه لكن يدعى
المدعي السبب الذي وقع بينهما ويريد استحلافه عليه ويلزمه الحاكم أيضا أو غير ذلك من الصور التي يلزم -
الحاكم المدعى عليه بالحلف كاذبا مع كونه محقا في الواقع فهل يجوز للمنكر الحلف بالله كاذبا وإن أمكنه
التورية وكان ملتفتا إليها أو لا يجوز له ذلك وجهان أوجههما حسبما يظهر في النظر القاصر فعلا الأول.
وتوضيح الكلام في وجه المرام بحيث يرتفع غواشي الأوهام يحتاج إلى بسط في المقام والتعرض
لكلمات علمائنا الاعلام عليهم رضوان الله الملك العلام على ما يقتضيه الحال ويسعه المجال.
فنقول انه لا إشكال ظاهرا في جواز الحلف كاذبا في حق المحق إذا فرض عدم تمكنه من التورية أو غفلته
عنها لما دل من الأخبار المتواترة معنى على جوازه التي سيأتي إلى جملة منها الإشارة مضافا إلى ما دل عموما
على إباحة الضرورات المحظورات والتفصيل بين ما إذا كان المال المدعى به خطيرا أو صغيرا كما ربما يدعى لا
يصغى إليه أصلا وأما إذا فرض تمكنه من التورية فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة وجوب التورية لان التخلص
من الحرام مهما أمكن واجب فيجب فعل ما يحصل به التخلص والمفروض عدم توقف تحصيل الحق عليه أيضا.
ولا بأس بذكر كلمات جماعة ممن رأينا كلامه ظاهرا في وجوب التورية حتى يظهر لك صدق ما ادعيناه
من ذهاب المشهور إلى وجوب التورية قال في المقنعة على ما حكى عنها من كانت عنده أمانة فطالبها ظالم
فليجحد وإن استحلفه فليحلف ويوري في نفسه بما يخرجه عن الكذب إلى أن قال فإن لم يحسن التورية
وكانت نيته حفظ الأمانة أجزئه النية وكان مأجورا انتهى.
وقال في محكي الغنية في هذه المسألة ويجوز له أن يحلف انه ليس عنده وديعة ويوري في يمينه
بما يسلم به من الكذب بدليل اجماع الشيعة انتهى وهو كما ترى يمكن استظهار دعوى الاجماع منه على
وجوب التورية في صورة الامكان وقال في السرائر في هذه المسألة أعني مطالبة الظالم الوديعة فإن قنع الظالم منه

222
بيمينه فله أن يحلف ويوري في ذلك انتهى وفي النافع حلف موريا وفي القواعد ويجب التورية على العارف
بها وفي اللمعة يحلف عليه فيوري وقريب منه في شرحها وفي جامع المقاصد في باب المكاسب يجب التورية بما
يخرجه عن الكذب وأنت إذا رجعت إلى كلماتهم تجدها منادية بما ذكرنا.
ثم إن حاصل ما يمكن أن يجعل وجها لما صاروا إليه من لزوم التورية وجهان أحدهما ما عرفت
الإشارة إليه من أن الكذب حرام ولم يحصل الاضطرار إليه مع القدرة على التورية فيدخل تحت العمومات ثانيهما
ما أشار إليه الأستاذ العلامة في أثناء المباحثة وذكره في المكاسب من أن قبح الكذب عقلي فلا يسوغ إلا مع تحقق
عنوان حسن في ضمنه يغلب حسنه على قبحه ويتوقف تحققه على الاضطرار إليه ومعلوم انه لا اضطرار مع القدرة
على التورية هذا حاصل ما يذكر في المقام لتوجيه مذهب المشهور
ولكن يمكن الجواب عن الوجهين بأن الدليل على جواز الكذب لو كان نفس الاضطرار إليه
والاكراه به لتوجه المنع عليه بأن موضوع الاضطرار والاكراه لا يتحقق مع القدرة على التورية ولكن
الامر ليس كذلك بل الدليل عليه اطلاق ما ورد من الاخبار المجوزة للحلف كاذبا إذا كان الحالف محقا و
معه لا عبرة بالوجهين.
فبالحري أن نذكر برهة من تلك الأخبار حتى يزول ببركتها كل شبهة حدثت أو تحدث في هذا المضمار
فمنها رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) احلف بالله
كاذبا ونج أخاك من القتل.
ومنها صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضاء عليه السلام سئلته عن رجل يخاف
على ماله من السلطان فيحلف له لينجو به منه قال لا بأس وسئلته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف
على مال نفسه قال نعم.
ومنها ما في الفقيه قال قال الصادق (عليه السلام) اليمين على وجهين إلى أن قال فأما اليمين التي يوجر عليها
الرجل إذا حلف كاذبا ولم يلزمه الكفارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص أمرأ مسلم أو خلاص ماله من متعد
يتعدى عليه من لص أو غيره.
ومنها رواية سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) إذا حلف الرجل لا يضره إذا أكره واضطر إليه وقال ليس
شئ مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه.
ومنها ما ورد ان الحلف كاذبا للرجل إذا كان محقا أحلى من العسل إلى غير ذلك من الأخبار الواردة
في هذا الباب ولا ريب في ظهورها فيما ذكرنا.
وحملها على صورة عدم القدرة على التورية والعجز عنها مضافا إلى أنه تقييد من دون مقيد حمل
على الفرد النادر وكيف يصار إليه مع أنه لو كان معتبرا لأشير إليه في تلك الأخبار الكثيرة المجوزة للحلف
كاذبا مع الخوف والاكراه خصوصا في قضية عمار وأبويه حيث أكرهوا على الكفر فأبى أبواه وقتلا وأظهر لهم
عمار ما أرادوا فجاء باكيا إلى رسول الله فنزلت الآية من كفر بالله من بعد ايمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن
بالايمان فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله إن عادوا عليك فعدولهم ينبهه على التورية أصلا.
فإن قلت رفع اليد عن اطلاقات تلك الأخبار ليس من دون مقيد يقضي به بل المقيد موجود وهو
حكم العقل المستقل بقبح الكذب وعدم جواز ارتكابه ما لم يضطر إليه وقد عرفت غير مرة انه مع القدرة على

223
التورية لا يتحقق الاكراه على الكذب.
قلت حكم العقل بقبح الكذب لا يمنع من ترخيص الشارع فعله لمصلحة ولو كانت هو التسهيل على
العباد كما رخصه من جهة الاصلاح وغيره وإطلاقات الأخبار المتقدمة كاشفة عن اذن الشارع ولو كان قادرا
على التورية وقد أجاب الأستاذ العلامة أنه من باب الاستعفاء فتأمل (1).
فإن قلت لا إطلاق لتلك الأخبار ينفع في المقام لأنها وردت مورد الغالب وهو عدم الالتفات إلى التورية
أو الجهل بها كما حملها العلامة عليه في بعض كتبه فليس في الحكم بعدم جواز الكذب في صورة الالتفات إليها
مجذور ارتكاب خلاف الظاهر فيها من دون قرينة تقضي به.
قلت حمل تلك الأخبار الكثيرة على الصورة المذكورة وإن كانت غالبة خلاف ظاهرها وهي آبية على
كثرتها من الحمل عليها على فرض تسليم غلبتها.
نعم هنا شئ يمكن التمسك به لمذهب المشهور وهو ان رواية سماعة الظاهرة الاختصاص بصورة
الاضطرار بحيث ينتفي جواز الكذب في غيرها من جهة المفهوم أخص مطلقا من الأخبار المذكورة فيرفع بسببه
اليد عنها حملا للمطلق على المقيد والعام على الخاص ولو كانت النسبة بينهما عموما من وجه أيضا حسبما
سمعت من الأستاذ وإن لم نعرف وجهه لكفى إذ نرجع في مورد الاجتماع إلى العمومات السالمة عن
المعارض الدالة على حرمة الكذب وإلى حكم العقل المذكور هنا اللهم إلا أن يقال إن الأخبار المذكورة
مع جهة كثرتها أقوى دلالة من الرواية المذكورة فتأمل فالأولى أن لا يترك الاحتياط في ترك الكذب
مع القدرة على التورية.
ثم إن هنا إشكالا على المشهور أول من أورد عليهم به الأستاذ العلامة دام ظله العالي على ما وقفنا
عليه وهو انه ما الفرق بين الاضطرار بالكذب والاكراه على الطلاق والبيع ونحوهما من العقود والايقاعات
حيث ذهبتم إلى عدم تحقق الأول من إمكان التورية وإلى تحقق الثاني مع إمكانها حسبما صرح به جماعة و
يظهر من آخرين فإن الطلاق مثلا ليس مجرد التلفظ بلفظ هي طالق بل الطلاق هو المعنى الانشائي القائم
باللفظ على وجه المدلولية وما أكره عليه الرجل إنما هو اللفظ لا المعنى فإذا اختار الرجل مع التمكن عن
التورية معنى الطلاق باختياره فكيف يقال إنه أكره عليه ويستدل على عدم صحته إذا لم يتعقبه الرضاء بقوله (صلى الله عليه وآله)
في الحديث المشهور وما استكرهوا عليه ولا يستدل على جواز الحلف كاذبا في صورة التمكن من التورية بقوله
(صلى الله عليه وآله) فيه وما اضطروا إليه مع أن كثيرا من الموارد إذا أكره على الطلاق ونحوه كما هو المشاهد في أكثر العوام
يوقع الصيغة بالاختيار والرضاء زعما منهم انه إذا أكره الشخص على الطلاق مثلا يقع صحيحا في الخارج
فيقصدون وقوع مضمونه في الخارج بانيا على رفع اليد عن المرأة المطلقة مع أن ظاهرهم عدم الحكم بصحته
وان استشكل الأستاذ العلامة فيه هذا.
وذكر الأستاذ العلامة في توجيه الفرق في المكاسب ما هذا لفظه ويمكن أن يفرق بين المقامين بأن
الاكراه إما يتعلق بالبيع الحقيقي أو الطلاق الحقيقي غاية الأمر قدرة المكره على التفصي عنه بإيقاع الصورة
من دون إرادة المعنى لكنه غير المكره عليه وحيث إن الاخبار خالية عن اعتبار العجز عن التفصي بهذا الوجه
لم يعتبر ذلك في حكم الاكراه وهذا بخلاف الكذب فإنه لم يسوغ إلا عند الاضطرار إليه ولا اضطرار مع القدرة.



(1) وجه التأمل ان عفو الشارع القبيح من دون عروض ما يرفع قبحه مما لا يجوز عليه وإلا لم تكن الملازمة بين حكم
العقل والشرع (منه قده)
224
نعم لو كان الاكراه من أفراد الاضطرار بأن كان المعتبر في تحقق موضوعه عرفا أو لغة العجز عن
التفصي كما أدعاه بعض أو قلنا باختصاص رفع حكمه بصورة الاضطرار بأن كان عدم ترتب الأثر على المكره
عليه من حيث إنه مضطر إليه لدفع الضرر المتوعد عليه به عن النفس والمال كان ينبغي فيه اعتبار العجز عن التورية
لعدم الاضطرار مع القدرة عليها انتهى كلامه من الله علينا بطول بقائه وعليك بالتأمل فيه فإنه لا يخلو عن تأمل.
ثم إنه قد حكي عن بعض عدم وجوب اعتبار التورية في المقام من حيث كونها كذبا أيضا فلا ينفع التفصي
بها أيضا ولكنه لا يخفى فساده للمنع من كون التورية كذبا لان الكذب هو مخالفة ما أراده المخبر من الخبر
للواقع لا مخالفة ما يظهر من ظاهر اللفظ له ولو لم يكن مرادا من اللفظ أصلا ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يجعل
الكذب هو مخالفة الخبر للواقع أو الاعتقاد أو كليهما معها لأنه على الثاني عبارة عن مخالفة ما أراده المتكلم من الخبر
لاعتقاده وعلى الثالث عبارة عن مخالفته للواقع واعتقاده وبالجملة لا إشكال كما عليه جمع من المحققين في عدم
كون التورية كذبا هذا مع أنه لو سلم كونها كذبا لكن يمكن أن يقال الفرق بينها في مرتبة القبح وبين الكذب
فتأمل هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو الحكم الوضعي بالنسبة إلى الحاكم فنقول انه ان علم الحاكم صدق
المنكر في انكاره فلا يحتاج إلى اليمين أصلا بل يقضي بمقتضى علمه حسبما عرفت تفصيل القول فيه وفي الحقيقة
هذه الصورة خارجة عن محل الكلام وإن لم يعلم به فإن اطلع على تورية الحالف في حلفه فيلزمه على الحلف
من غير تورية وإن كان محقا في اعتقاده فإن حلف وإلا فيقضى عليه بعد النكول أو الرد على القولين وإن لم
يطلع عليها فيؤخذ بظاهر اللفظ هذا مجمل القول في المقام الثاني.
وأما الكلام في المقام الثالث وهو ما إذا كان الحالف جاهلا بالحال فيقع أيضا في موضعين أحدهما
في الحكم الوضعي ثانيهما في الحكم التكليفي أما الكلام في الموضع الأول فالحق عدم كفايته فيما يعتبر فيه
اليمين على البت فيحكم الحاكم عليه لو اطلع على الحال بما يحكم عليه إذا لم يحلف أصلا وأما الكلام في الموضع
الثاني فيقع في مقامين أحدهما فيما إذا ورى في حلفه ثانيهما فيما إذا احلف على الواقع.
أما الكلام في المقام الأول فالحق فيه الجواز لعدم الدليل على المنع عدا ما يتوهم من ظهور بعض الأخبار
المتقدمة وهو وهم لأنها على فرض تسليم دلالتها على حرمة التورية منصرفة إلى غير الصورة وأما الكلام
في المقام الثاني فالحق فيه أيضا الجواز لعدم العلم بكونه كذبا وقد مر بعض القول في ذلك فيما تقدم فتحقق من
ذلك أن حكم الحلف بالنظر إلى الأثر الوضعي في المقامين واحد.
إذا عرفت ما تلونا عليك في المقامين علمت أن الحق فيما ذكروه في المقام من أن العبرة بنية الحالف
أو القاضي هو التفصيل بين الحكم التكليفي والوضعي فالعبرة في الأول بنية الأول وفي الثاني بنية الثاني والله العالم
ولعل ما ذكرنا لم يكن فيه خلاف بين الأصحاب إلا من ظاهر بعض مشايخنا المتأخرين فإنه ذهب إلى أن
العبرة بنية القاضي ولو علم بعدم قصد الحالف للحلف بالله تعالى وقد نقلنا كلامه فيما سبق وأوردنا عليه بما
لا يخفى وروده فراجع.
ومما يوضح ما ذكرنا من أن مراد من قال من الأصحاب ان العبرة بنية القاضي انما هو في الحكم
الوضعي دون التكليفي وان مرادهم من كون العبرة بها إنما هو إذا كان هناك طريق له إلى احراز الحلف المعتبر
شرعا ولو كان هو ظاهر اللفظ لا ان العبرة بها ولو قطع بأن مراد الحالف غير الحلف المعتبر شرعا كلام العلامة

225
في القواعد حيث قال والنية نية القاضي فلا يصح تورية الحالف ولا قوله إن شاء الله في نفسه انتهى كلامه وعليك بالمراجعة
إلى كلماتهم حتى تجدها موافقة لما ذكره أعلى الله مقامه.
الرابع انه لو كان نزاع المترافعين في الشبهة الحكمية كما لو تنازع المشتري مع أحد الشركاء في
حق الشفعة من جهة كون مذهبه أو مذهب من يقلده عدم ثبوت الشفعة في أكثر من الشريكين ومذهب المدعي
ثبوتها فهل يصح حلفه على عدم ثبوتها على ما أدى إليه اجتهاده أو تقليده إذا كان مذهب القاضي ثبوت الشفعة في
أكثر من الشريكين أولا وعلى الثاني فهل يلزم على المنكر الاخذ بفتوى القاضي بالنظر إلى تكليف نفسه واقعا و
ترتيب آثار الواقع عليها ورفع اليد عما اقتضاه طريقته كان لم يكن له طريقة أصلا بخلاف فتوى القاضي أولا.
فالكلام يقع في مقامين أحدهما في أنه هل تنفذ اليمين من المنكر إذا كانت مبنية على اعتقاده
وطريقه الظاهري المخالف لطريق القاضي أو لا ينفذ منه إلا اليمين على طبق رأي القاضي ثانيهما في أنه على
فرض عدم نفوذها بالنظر إلى الحكم الوضعي فهل يجب على المنكر باطنا الاخذ بفتوى القاضي بالنظر إلى حكمه التكليفي
بحيث يكون فتوى القاضي في الواقعة مؤثرة في رفع مقتضى تكليف المنكر واقعا أم لا فالكلام في المقام أيضا
يقع تارة في الحكم الوضعي أخرى في الحكم التكليفي بالنظر إلى تكليف الحالف.
وليعلم أولا انه لا بد من أن يفرض الكلام فيما يتمشى فيه القضاء باليمين بأن كان ترافعهما عند الحاكم
غير مبني على الاختلاف في الحكم بأن قال المدعي لي عليه شفعة وقال المنكر لا يلزمني منه شفعة أصلا وإلا
فلا معنى للقضاء باليمين أصلا لان موردها الموضوعات الخارجية كالبينة لا الأحكام الكلية والقضاء فيها
منحصر بفتوى الحاكم لا غير.
إذا علمت ذلك فلنتكلم في حكم المقامين فنقول إما الكلام في المقام الأول فالحق فيه وفاقا للمحققين
من غير ظهور مخالف من الأصحاب حسبما وقفنا عليه ان الحاكم يلزم المدعى عليه على الحلف على نفي ما
ادعى عليه واقعا فلو علم في مورد استناده في نفيه إلى طريق يقتضيه مخالف لما يقتضيه الطريق المعتبر عنده
فلا يكتفى منه بهذا الحلف لما مر في الحلف تورية من أنه يجب أن يكون ناظرا إلى نفي ما يدعيه المدعي
بحسب اعتقاد الحاكم ونظره حتى يتحقق الفصل باليمين بل يلزمه على الحلف على نفيه واقعا فإن حلف وإلا
فيقضى عليه وبالجملة المعتبر في الشبهة الحكمية ليس إلا رأي الحاكم فلو علم استنادا أحد المترافعين في حلفه
إلى رأي يخالف رأيه فلا يكتفى منه بذلك سواء كان المدعي أو المنكر بل يحكم عليه بمقتضى رأيه فلو علم في
المثال ان المنكر إنما حلف على نفي الشفعة من جهة أداء نظره أو نظر مجتهده إلى عدم ثبوتها في أكثر من
الشريكين وكان مؤدى نظره ثبوتها فيه فلا يكتفى منه بذلك بل يقضى عليه بمقتضى رأيه ولو رد المنكر
في الفرض اليمين إلى المدعى فحلف على ثبوتها من جهة أداء نظره إليه وكان مقتضى نظر الحاكم عدم ثبوتها
فلا يكتفى منه أيضا بذلك بل يقضى عليه بمقتضى نظره فالعبرة بنظر القاضي لا الحالف والله العالم هذا مجمل
القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني فنقول انه قد ذهب فيه جماعة منهم الشهيد في الدروس إلى اللزوم باطنا
مطلقا مجتهدا كان المحكوم عليه أو مقلدا وأخرى منهم ابن الجنيد حسبما حكى عنه الأستاذ العلامة إلى عدم
اللزوم كذلك بل للمحكوم عليه أن يعمل فيما بينه وبين الله على ما أدى إليه نظره وذهب العلامة في القواعد إلى
التفصيل بين المجتهد والمقلد فاختار الثاني في الأول والأول في الثاني حيث قال ما هذا لفظه ولو كان القاضي

226
يعتقد ثبوت الشفعة مع الكثرة لم يكن لمعتقد نفيها الحلف على نفي اللزوم بتأويل اعتقاد نفيه بل إذا ألزمه
القاضي صار لازما ظاهرا وعليه أن يحلف وهل يلزمه باطنا اشكال أقربه اللزوم إن كان مقلدا مجتهدا انتهى
كلامه وهذا الكلام كما ترى ظاهر في التفصيل المذكور.
ثم إن مبنى القولين الأولين على أن إلزام الحاكم في الشبهات الحكمية دون الموضوعية فإن ظاهرهم
فيها الاتفاق على عدم تأثير إلزام الحاكم بالنسبة إلى الواقع هل هو ملزم واقعا ووارد على تكليف المترافعين
بحسب الواقع أو ملزم ظاهري بمعنى انه يجب الالتزام به ظاهرا ويحرم رده ونفي ما يوجبه وأما اللزوم باطنا
فلا بل هو تابع لتكليف المترافعين بحسب ما أدى إليه اجتهادهما أو تقليدهما فقد يستدل للأول بظهور ما دل
على امضاء حكم الحاكم والالتزام بما ألزمه سيما مثل قول الإمام عليه السلام عجل الله فرجه وجعل روحي وأرواح
العالمين له الفداء في التوقيع الشريف فإنهم حجتي وأنا حجة الله فإن ظاهره كون إلزام الحاكم مؤثرا في حق
المترافعين بحسب الواقع بحيث يجب عليهما الالتزام به كذلك وللثاني بأن مقتضى ما دل على اعتبار اجتهاد المترافعين
أو تقليدهما جواز عملهما بهما في كل مورد ظاهرا وواقعا وما دل على إنفاذ حكم الحاكم لا ينافيه بتمامه
فإن المستفاد منه وجوب الالتزام به من حيث كون تركه ردا له على ما يدل عليه قوله فإذا حكم بحكمنا فلم
يقبل منه الحديث ومعلوم ان هذا لا يقتضي إلا وجوب الالتزام به ظاهرا وأما الالتزام به بحسب الواقع فلا كما
لا يخفى وبالجملة غاية ما يدل عليه أدلة تنفيذ الحكم هو حرمة الرد على الحاكم ومعلوم ان هذا لا يقتضي
الالتزام به باطنا ورفع اليد عما اقتضاه طريق المترافعين هذا مع إمكان أن يقال إنه على فرض تسليم دلالة
أدلة تنفيذ الحكم على وجوب الالتزام به باطنا لا تنفع في المقام لان كلامنا مفروض قبل الحكم ومعلوم ان
ما دل على وجوب الالتزام بحكم الحاكم باطنا إنما يدل عليه بعد تحققه لا قبله والمدعى إنما هو كون رأيه ملزما
واقعا ولو لم يحكم على طبقه بعد واستفادته من أدلة تنفيذ الحكم في غاية الاشكال والله العالم بحقيقة الحال.
وأما وجه ما اختاره العلامة من التفصيل فيمكن أن يكون ما أشار إليه الأستاذ العلامة في مجلس
البحث موجها به كلامه من أن الحكم بوجوب التزام المقلد واقعا بالزام الحاكم ليس فيه إلا طرح ما دل على
حرمة العدول في حقه إذا لم يكن الحاكم أعلم ممن قلده فيه
وهو قابل لتخصيصه بما دل على وجوب الالتزام بحكم
الحاكم واقعا بل يمكن أن يقال إن هذا ليس تخصيصا فيه وطرحا له لان ما دل على وجوب الالتزام بإلزام الحاكم
واقعا يدل على أن الحكم الواقعي في حق هذا الشخص هو ما أدى إليه نظر الحاكم فيرتفع فتوى من قلده
قهرا فلا معنى لبقاء حرمة العدول عنه وغيرها من الآثار بعد ارتفاعه فتأمل هذا بخلاف المجتهد فإنه لا يمكن أن
يحكم عليه برفع اليد عما أدي إليه نظره بمقتضى دلالة طريقه عليه فإنه مخطئ للحاكم في اجتهاده ولا أولوية
له في نظره عليه إن لم يكن الامر بالعكس غاية الأمر انه يجب عليه الالتزام ظاهرا بحكم الحاكم من جهة توقف
رفع الخصومة عليه وإلا فما دل على اعتبار ظن المجتهد لا يفرق بين الحاكم وغيره من المجتهدين هذا.
ولكن الأقوى فساد التفصيل المذكور وضعف التوجيه المزبور لان ما دل على تنفيذ حكم الحاكم ان دل على
وجوب الالتزام به باطنا فلا بد من رفع اليد عما اقتضى عمل المجتهد على رأيه وحجية ظنه في حقه كما يرفع
اليد عما اقتضى حرمة العدول عن تقليد المجتهد في الواقعة المقلد فيها وإن لم يدل إلا على وجوب الالتزام
ظاهرا فلا يرفع اليد عما اقتضاه ظن المجتهد باطنا كما لا يرفع اليد عما اقتضاه تقليد المقلد فالتفصيل المذكور
فاسد على كل تقدير فالأولى في المقام بعدما عرفت من فساد التفصيل هو القول الثاني لما عرفت من الوجه فتوجه.

227
قوله لو مات وعليه دين محيط بالتركة لم تنتقل إلى الوارث الخ أقول اختلف الأصحاب بعد اتفاقهم
على انتقال التركة إلى الوارث لو لم يكن هناك دين ولا وصية وعدم انتقالها إلى الديان لو كان هناك دين حسبما
حكاه جماعة وإن كان ظاهر الأردبيلي في آيات الاحكام عدم انعقاد الاجماع لكن الظاهر انعقاده على ذلك وعلى
تعلق الحق بها في الجملة لو كان في أنه هل يشترط في انتقال جميعها إلى الورثة انتفاء الدين إما بعدمه رأسه أو
بارتفاعه بعد وجوده بأحد أسباب الارتفاع من أداء الوارث إما من التركة أو غيرها أو المتبرع أو ابراء الداين إلى
غير ذلك فلو لم ينتف بل كان الميت مديونا لم تنتقل بأجمعها إلى الوارث بل تكون في حكم مال الميت كلا أو
بعضا أو لا يشترط في انتقالها كذلك إلى الوارث انتفاء الدين بل تنتقل إلى الورثة مع وجود الدين وإن لم يكن
انتقالها إليهم انتقالا مستقلا تاما لما قد عرفت من تعلق حق الديان بها في الجملة إجماعا على قولين.
أحدهما الاشتراط وعدم الانتقال إلى الورثة مع وجود الدين ذهب إليه المصنف والشيخ في المبسوط
في آخر كلام له في المسألة في هذا الباب وإن كان ظاهره في أوله الانتقال وحكى عن جماعة منهم الحلي
والفاضل في الارشاد والشهيد قدس الله أسرارهم بل في المسالك ومحكي المفاتيح نسبته إلى الأكثر بل في
السرائر نسبته إلى الأصحاب وعدم الخلاف فيه بينهم حيث قال في كتاب الوصايا منه إذا كان على الميت دين
يحيط بالتركة فإنه بلا خلاف منا لا تدخل في ملك الغرماء ولا ملك الورثة والميت قد انقطع ملكه وزال فينبغي
أن يكون موقوفة على قضاء الدين انتهى وقال في كتاب الدين ان أصول مذهبنا تقتضي ان الورثة لا يستحقون
شيئا من التركة دون قضاء جميع الديون ولا يسوغ ولا يحل لهم التصرف في التركة دون القضاء إذا كانت
بقدر الدين إلى آخر ما ذكره.
ثانيهما عدم الاشتراط والانتقال إلى الورثة حكى عن جماعة منهم الفاضل في التحرير والتذكرة و
قضاء المختلف والقواعد والمحقق في شرحه وأول الشهيدين في الحواشي وثانيهما في المسالك والفاضل الأصفهاني
في كشف اللثام بل ربما يظهر من بعض نسبته إلى الشهرة بل في التذكرة دعوى الاجماع عليه ظاهرا حيث
قال الحق عندنا ان التركة تنتقل إلى الوارث انتهى هذا ولكن الانصاف انه ليس اجماع بل ولا شهرة محققة على
أحد القولين بحيث يلحق الآخر بالشواذ لما قد عرفت من وجود الخلاف العظيم بينهم ونقل الاجماع من الطرفين والعجب
من سيد مشايخنا في الرياض حيث ادعى اجماع الأصحاب على الانتقال وجعله عمدة الوجه له مع ما عرفت من الخلاف.
وكيف كان فلنتكلم في تحقيق الحق من القولين ونقل الأدلة من الطرفين وما وقع من الكلمات في
البين مراعيا للانصاف مجتنبا عن الاعتساف فنقول ان الكلام يقع في مقامين أحدهما في الدين المستغرق
للتركة والمحيط بها ثانيهما في الدين الغير المستغرق لها.
وبالحري قبل الخوض في بيان الأدلة من الطرفين في المقامين أن نبين ما يقتضيه الأصل الأولي العملي
من القولين وانه هل يكون أصل على طبق أحدهما حتى يؤخذ به ويرجع إليه بعد عدم قيام الدليل على التعيين
أو لا أصل في البين أصلا.
فنقول انه قد يقال إن مقتضى الأصل الأولى هو القول الأول لان الأصل عدم انتقال التركة إلى الوارث
لان الانتقال أمر حادث مسبوق بالعدم فيستصحب عدمه هذا وقد أورد عليه الأستاذ العلامة دام ظله بأن الأصل وإن
كان عدم انتقال المال إلى الورثة لكنه لا يثبت كونها في حكم مال الميت لأنه أيضا حادث والأصل عدمه.
توضيح ذلك يحتاج إلى تمهيد مقدمة وهي انه إذا مات الانسان فيرتفع الرابطة التي كانت بينه وبين

228
الملك قهرا لأنها إما أن تقوم بالجسد المفارق عنه الروح وأما أن تقوم بالروح فإن كان الأول فهو غير معقول
لان الجسد من الجمادات لا يقبل لقوام الملك به وهذا معنى قولهم إن الميت معدوم وقوام الملك الذي هو صفة
وجودية به غير معقول ضرورة استحالة قيام الموجود بالمعدوم وإن كان الثاني فكذلك لأنها لم تكن قائمة به في
حال الحياة حتى تبقى ببقائه بل هي نظير الظن قائمة به باعتبار تعلقه بالبدن لان تلك الرابطة أمر عرفي بين
الانسان وملكه من حيث تشخصه الملحوظ في حال الحياة كما لا يخفى وكذلك الاحكام العارضة لها القائمة
بها لان بقاء العرض والمحمول مع ارتفاع المعروض والموضوع غير معقول ضرورة اقتضاء قضية العروض
والحمل ذلك.
إذا عرفت ما مهدنا لك من المقدمة فنقول انه لا يخلو إما أن يريد الخصم بأصالة عدم انتقال التركة إلى
الورثة اثبات كونها باقية في ملك الميت حقيقة أو يريد اثبات كونها في حكم ماله لو فرض كونه قابلا لقيام
المال به أو فرض كونه حيا على الوجهين في توجيه الكلام من يقول بكونها في حكم مال الميت فأما الأول فمع
كونه خلاف العقل كما عرفته فلم يرده قطعا لما قد عرفت من عدم قائل به بين الأصحاب وأما الثاني ففيه انه
لم يكن هذا المعنى ثابتا قبل الموت حتى يستصحب لان الدين قبل الموت إنما تعلق بالذمة إجماعا ولو كان
ثابتا قبل فقد ارتفع قطعا لانتفاء موضوعه فثبوته بعد الموت ليس إلا ثبوتا حدوثيا والأصل عدمه كما أن الأصل
عدم الانتقال إلى الورثة فالأصل المذكور ليس له أصل ينفع في المقام.
هذه غاية ما استفدنا من كلام شيخنا الأستاذ في توضيح المرام ولكن قد يختلج صحة الاستدلال بالأصل
المذكور للقول المزبور وعدم ورود ما أورد عليه الأستاذ.
توضيح ما ذكرنا من عدم الورود ان الاحكام المعهودة والثمرات المترتبة على القول ببقاء التركة
على حكم مال الميت وإن كانت حادثة حسبما ذكره الأستاذ العلامة إلا أنها قد رتبت في الشرع على نفس عدم انتقال
التركة إلى الوارث قبل قضاء الدين الذي يكون موافقا للأصل باعتراف الأستاذ فبعد احراز الموضوع بالأصل
لا معنى لنفي حكمه وإن كان حدثا.
وبالجملة الحكم فيما نحن فيه وإن كان بنفسه أمرا حادثا مخالفا للأصل إلا أنه متفرع في الشرع
على أمر موافق للأصل إذ لا معنى للقول ببقاء التركة في حكم مال الميت إلا عدم انتقالها إلى الورثة قبل قضاء
الدين ومن المعلوم المقرر في محله انه لا معنى لتعارض الأصل في طرف الحكم مع الأصل في طرف موضوعه
وإلا لارتفع اعتبار الأصل في جميع الموارد وهذا أمر واضح قد نبه عليه الأستاذ العلامة في غير مورد من
رسائله
التي كتبها في الأصول فراجع إليها هذا ولكن ما ذكرنا لا يخلو عن تأمل فتأمل فيه حتى يظهر لك وجهه.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى التكلم في المقامين فنقول إما الكلام في المقام الأول فقد يستدل للقول
بالانتقال إلى الورثة وعدم بقاء التركة في حكم مال الميت بوجوه.
الأول الاطلاقات الواردة في الكتاب والسنة الدالة على انتقال التركة إلى الورثة من دون التقييد بشئ
مثل قوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون الآية فإنها وإن كانت مهملة من حيث مقدار النصيب
كجملة من غيرها من الآيات والاخبار إلا أنها مبينة من حيث الدلالة على ثبوت النصيب للورثة في جميع
الحالات سواء كان هناك دين على المورث أو لا ومثل قوله عز وجل يوصيكم الله في أولادكم الآية ومثل قوله (صلى الله عليه وآله)
ما ترك الميت فهو لوارثه إلى غير ذلك من آيات الإرث ورواياته.

229
وأجيب عنه بأنها معارضة بما دل من الآيات والاخبار على أن الإرث بعد الوصية والدين وهي كثيرة
فمن الآيات قوله تعالى ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إلى قوله فإن كان له اخوة فلأمه السدس من
بعد وصية يوصى بها أو دين وقوله تعالى ولكم نصف ما ترك أزواجكم أن لم يكن لهن ولد فأن كان لهن ولد
فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصي بها أو دين وقوله تعالى وأن كان رجل يورث كلالة أي قوله فهم شركاء
في الثلث من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عزيز حكيم إلى غير ذلك من الآيات ومن الروايات خبر إسماعيل بن زياد عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أن أول ما
يبدأ به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث فأن المقصود من الرواية ليس هو بيان حال الاخراج
الفعلي بل المقصود منها بيان الترتيب بين هذه الأمور إلى غير ذلك من الروايات.
فإذا وقع التعارض بين تلك العمومات والاطلاقات وبين هذه المخصصات والمقيدات فيجب حملهما
عليهما لما تقرر في الأصول من وجوب حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد إذا وقع التعارض بينهما فيصير
حاصل المعنى بعد التقييد والحمل ان تملك الورثة موقوف على انتفاء الدين فما دام الدين يكون موجودا
لا ينتقل المال إلى الورثة فهو يدل حينئذ على خلاف المدعى.
وأجاب عنه في المسالك وغيره بأنه يحمل المقيدات على بيان الاستقرار جمعا بينها وبين المطلقات
وأجيب عنه بجوابين أحدهما ان اللام في قوله ولكل واحد أو ولكم للتملك وحمله على الاستقرار خلاف
لظاهره ثانيهما ان حمل المطلق على المقيد أولي من التصرف في المقيد بما يحصل به الجمع فما وجه ترجيح العكس
مع أنه مرجوح هذه كلمات وقعت في البين من الطرفين.
ولكن التحقيق فساد أصل الاستدلال بالعمومات مع ما وقع من الأجوبة والإيرادات لان اللام في الموضعين
بمعنى الاختصاص التام فلا معنى حينئذ لأصل الاستدلال ولا للايراد والجواب.
وبيانه بحيث يرتفع حجاب الاجمال يحتاج إلى تفصيل في المقال فنقول بعون الملك المتعال انه أما
أن يجعل اللام ظاهرا في الاستقرار حسبما هو المختار عندنا الثابت في محله من أن اللام ظاهر في التملك المطلق
والاختصاص الخاص المستقر أما ظهورا وضعيا أو انصرافيا من جهة كثرة الاستعمال وليس مثل لفظ الملك حتى
يكون ظهوره في الملك المطلق من جهة الاطلاق وعدم التقييد وأما أن يجعل ظاهرا في إفادة مطلق التملك
والاختصاص في الجملة.
فأن قيل بالأول كما عرفت أنه الحق في معنى اللام فلا بد من أن يجعل اللام في المطلقات والمقيدات
بمعنى واحد وحينئذ نقول أن المطلقات بعد حملها على المقيدات أو قبله لا دلالة لها على أحد القولين ولا يمكن أن
تجعل حجة لاحد المسلكين لأنها تدل حينئذ مع قطع النظر عن الحمل على أن ملكية الورثة تامة بالملكية
التامة للتركة مع تعلق الدين بها ومعلوم أن هذا المعنى مما لا يقول به أحد مضافا إلى أنه لا معنى لعدم حمل
المطلق على المقيد ومع ملاحظة الحمل تدل على أن ملكية الورثة للتركة تامة بالملكية التامة بعد انتفاء الدين
وهذا المعنى مما لا ينفع أحد القولين لأنه قضية كلمة جميعهم.
ومنه يظهر فساد ما قيل من أنه يحمل اللام في المقيدات على الاستقرار جمعا وما قيل في
جوابه من الجوابين أما فساد الأول فلما عرفت من أن الحمل على الاستقرار والملكية التامة ليس خروجا عن
ظاهر اللام حتى نرتكبه جمعا بل هو حمل على المعنى الحقيقي مضافا إلى أنه لا يحصل الجمع به لكون اللام

230
في المطلقات أيضا بهذا المعنى أما فساد الجواب الأول فبان الاستقرار حسبما هو المفروض معنى اللام
فالحمل عليه ليس خروجا عن ما وضع اللفظ له وأما فساد الجواب الثاني فبان الحمل على الاستقرار ليس
تصرفا في المقيدات.
وأن قيل بالثاني كما ربما يظهر من كلام من لا تحقيق له فلا بد أيضا من أن يجعل اللام في المقامين
بمعنى واحد وحينئذ نقول بعد حمل المطلقات يصير المعنى انه لا ملكية رأسا للورثة بعد وجود الدين
فيصير تلك المطلقات بعد ملاحظة حملها دليلا على ما ذهب إليه أكثر القدماء فيسقط الاستدلال بها لمذهب
المتأخرين فالاستدلال بها على مذهبهم لا يتم الا بارتكاب خلاف ظاهر في اللام أما على القول الأول فبجعلها في
المطلقات بمعنى مطلق الملكية وأما على القول الثاني فبجعلها في المقيدات بمعنى الاستقرار ومعلوم انه لا
دليل على هذا التصرف في مقابل حمل المطلق على المقيد لأنه جمع من دون شاهد يشهد به ويقتضيه فعلى
كل تقدير لا دلالة على مذهب المتأخرين.
نعم لها دلالة على مذهب أكثر المتقدمين على تقدير الثاني لكنه خلاف التحقيق فالآيات لا دلالة
لها على أحد المذهبين هذا مجمل القول في انطباق الآيات من المطلقات والمقيدات على أحد القولين بعد فرض
دلالتها على ما ذكرنا من المعنيين.
وأما الكلام في أصل معنى المقيدات وبيان المراد منها وكيفية دلالتها على أحد المعنيين فنقول أن
قوله من بعد وصية أو دين أما متعلق بمتعلق الظرف أو بنفسه وهو قوله لكل واحد أو لكم بناء على تعلق المجرور
به إذا كان مستقرا حسبما عليه أكثر النحاة من حيث كونه متضمنا لمعنى الفعل فيصير حاصل المعنى على هذا
التقدير ان تملككم ما فرض لكم من الأنصباء من جميع التركة الذي يدل عليه الموصول موقوف على عدم الوصية
والدين ويشكل على هذا المعنى بأنه لا محصل له لأنه ليس لجميع التركة بعنوان الجميع حالتان حالة بعد
أداء الدين وحالة قبله حتى يلاحظ النسبة بين النصيب وبينه لانتفاء موضوع الجميع بعد فرض الدين أما بأجمعه
كما إذا كان مستغرقا أو بوصف الجمعية كما في صورة عدم الاستغراق.
وأما متعلق بمقدر غير الظرف فيكون حالا أما من الأنصباء حسبما صرح به الفاضل في شرح القواعد
أو من الموصول الذي كناية عن المال والتركة فيصير حاصل المعنى على الأول أن تملككم ما فرض لكم من الأنصباء
أنما يكون في حالة كونها ملحوظة بعد الدين والوصية وعلى الثاني أن تملككم للانصباء من جميع التركة في
حالة كونها مخرجا عنها الدين فالجميع المقيد بخروج الدين عنه وانتفائه يلاحظ فيه الأنصباء فقوله من بعد
على الأول قيد للمحمول وعلى الثاني قيد للموضوع.
وقد عرفت الاشكال على التقدير الأول وأما على التقدير الثاني فلا اشكال فيه أصلا وأن استشكل
فيه في محكي كشف اللثام بأنه على هذا التقدير لا يدل على الانتقال إلى الورثة لكنا كلما تأملنا لم نفهم
وجه الاشكال لما قد عرفت من أن دلالة الآية على الانتقال وعدم دلالتها عليه انما هما بجعل اللام معنى مطلق
التمليك أو التمليك الخاص وأما جعل الظرف متعلقا بمتعلق لكم أو متعلقا بمتعلق مقدر يكون حالا للانصباء و
قيدا لها فلا يتفاوت بهما الدلالة عليها أصلا كما لا يخفى.
ثم إن المراد بالوصية في المقام هو الموصى به لا المعنى المصدري كما هو واضح والمراد من بعدية
الإرث لها وللدين كونه موقوفا على عدمهما وانتفائهما فالمعنى أن كلما كان الوصية والدين موجودين ومتعلقين

231
بالتركة لا يتعلق الإرث بها لان التسمية انما هي باعتبار ما صار المسمى به شيئا وهو الوجود لأنه العنوان الذي
يصير به الأشياء شيئا ويتقوم به شيئيتها لان زيدية زيد وكذا دينية الدين مثلا انما هما باعتبار الوجود فالمراد
ببعدية الإرث لهما كونه بعد أنفسهما ولا يحتاج إلى تقدير الافراز أو الايفاء أو غيرهما أصلا فالآية مسوقة لبيان
توقف الإرث على عدم الوصية والدين من غير احتياج إلى تقدير افراز أو ايفاء أو غيرهما لأنه مضافا إلى كونه
خروجا عن ظاهر اللفظ يكون خلاف الواقع لعدم توقف الإرث ضرورة على خصوص الافراز أو الايفاء أو غيرهما إذ يكفي
فيه عدمهما أما أولا أو ثانيا ولو بالابراء أو غيره من الأسباب غير الافراز والايفاء فالآية مسوقة لبيان تأخر الإرث
بحسب الرتبة عن الوصية والدين لا لتأخره عن افرازهما وايفائهما ضرورة ان الآية ليس فيها اشعار لبيان التقسيم
فما أورده بعض المشايخ في مقام الرد على الا ية من أن الآية انما تدل على كون الإرث بعد افراز الوصية والدين
فلا دلالة لها على المدعى أصلا مما لا ورود له أصلا.
وبه يمكن أن يندفع أيضا الاشكال الذي ذكرنا سابقا على تقدير كون الظرف قيد للتمليك ومتعلقا
به مع كون المراد من التركة هو الجميع من أنه بعد أداء الدين لا يبقى موضوع جميع في الخارج توضيح
الاندفاع أن الآية ليست مسوقة لبيان كون الإرث بعد افراز الدين والوصية أو ايفائهما حتى يقال إنه لا يبقى
موضوع جميع بعد أداء الدين والوصية بل هي مسوقة لبيان توقفه بحسب الرتبة على عدمهما في التركة وهذا
مما لا يرد عليه الاشكال السابق أصلا فتأمل. (1)
ثم إن كيفية تعلق الوصية والدين بالتركة مختلفة فأن تعلق الأول على سبيل الإشاعة وتعلق الثاني بها
من قبيل تعلق الكلي بالأفرد فلو تلف شئ من التركة فينقص شئ من الوصية أيضا بالنسبة إذا لم يف الثلث
بالوصية بخلاف الدين فإنه لا ينقص منه شئ ما دام يكون مقداره موجودا فهو نظير بيع صاع من صبرة في
عدم ورود النقص به ما دام يكون مقداره ومصداقه موجودا فيها وهذا ليس استعمالا للفظ في المعنيين حسبما يتوهم
حتى يرد الاستدلال به كما قد يرد ضرورة ان الاختلاف في كيفية التعلق وأنحائه لا يوجب اختلافا في معناه.
ثم إن المراد من توقف انتقال التركة إلى الوارث على انتفاء الوصية والدين انما هو انتقالها من حيث
الجميع وبملاحظتهما فيصدق مع استغراق الوصية والدين لجميع المال وإجازة الورثة ومع عدم استغراقهما
فبه يندفع أيضا ما قد يورد من أن توقف انتقال التركة إلى الوارث بالنسبة إلى الوصية إنما هو بالنسبة إلى
بعض التركة وبالنسبة إلى الدين أعم من البعض والكل فإنه قد يكون قد لا يكون مستغرقا وقد لا يكون كذلك فيلزم استعمال
اللفظ في أكثر من معنى واحد أو محذور اخر مثله هذا.
ثم إنه أورد في محكي جامع المقاصد على الاستدلال بالآيات المقيدة على عدم الانتقال بان الاستدلال
بها مبنى على مفهوم المخالفة المستفاد من قوله من بعد وهو لا ظهور له في المفهوم بحيث يصرف المطلقات عن
ظاهرها انتهى حاصل ما حكى عنه وقد أشار إليه الأردبيلي في آيات الاحكام حيث قال وفي الآية دلالة على عدم
الانتقال فأن ظاهره كما ترى عدم تسليمه للدلالة المعتبرة حسبما ذكره ثاني المحققين.
وأنت خبير بضعف هذا الايراد أيضا لان منع الظهور في المقام من اعوجاج السليقة كما لا يخفى
فالعمدة في رد دلالة الآيات على عدم الانتقال ما ذكره سابقا من أن اللام فيها للاختصاص التام فبعد حمل



(1) وجه التأمل ان توقف الإرث على عدمهما ولو بأداءهما من التركة لا يبقى معه أيضا موضوع الجميع في جميع
الأعيان (منه قده) 1 المال كما إذا أوصى بالجميع واجازه
232
مطلقاتها على المقيدات يستفاد منها مطلبان اجماعيان أحدهما حصول الملكية المطلقة والاختصاص التام بعد
عدم الوصية والدين ثانيهما عدم حصولها فيما إذا وجدا أحدهما ومن المعلوم أن كلا من هذين قد انعقد الاجماع
عليه وأنما الخلاف في الانتقال المتزلزل فيما إذا وجد أحدهما والآيات ساكتة عنه.
فتحصل من جميع ما ذكرنا أنه لا دلالة للآيات على أحد القولين ومنه يظهر الجواب أيضا عن
الاستدلال بالروايات المطلقة للقول بالانتقال وبالروايات المقيدة للقول بعدمه فان جميعها ظاهرة في نفي
الاختصاص التام.
فأن قلت ليس جميع الروايات والآيات مشتملة على لفظة اللام حتى يقال بأنها ظاهرة في الاختصاص
التام بل في جملة منها إثبات الإرث ونفيه من دون اشتمالها على اللام أصلا كما لا يخفى لمن تتبع فيها كما
في قوله يبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الإرث فيمكن الاستدلال بها حينئذ على أحد القولين.
قلت الظاهر من لفظ الإرث فيها ليس هو الانتقال كما قد يتخيل بل هو الاخذ الفعلي على وجه الإرث
كما يقال ورثة المال أي أخذه منه على وجه الإرث فهو مساوق للمعنى للفظة اللام الواردة في أكثرها.
فأن قلت لو كانت لفظة اللام ظاهرة في الاختصاص التام والملك المطلق فما معنى ما ورد في بعض
الروايات كما سيجئ الإشارة إليه من أنه أن لم يمتنع الوارث من أداء الدين فله والا فللغرماء.
قلت ظهور اللام في الاختصاص التام الغير المنفك عن الملك المطلق إذا وقعت في حيز نسبته إلى الانسان
(الديان خ) مدفوع بقيام الاجماع على خلافه لأنك قد عرفت قيام الاجماع على عدم انتقال التركة إلى الديان
فالاختصاص المراد من الرواية ليس هو الاختصاص الملكي بل الاختصاص الانتفاعي فيكون الثابت للوارث فيه
أيضا ذلك فهو أيضا لا ينتفع لاحد فتبين من جميع ما ذكرنا أن الاستدلال بالعمومات بجعل اللام فيها لمطلق التملك
كما صدر عن بعض المشايخ فاسد جدا.
الثاني دليل العقل وتمسك به جماعة من المتقدمين والمتأخرين منهم العلامة في التذكرة وقد أشرنا
إليه أجمالا في طي كلماتنا وبيانه على وجه التوضيح والتفصيل أنه لا يخلو أما أن تقول في الفرض ببقاء التركة
على ملك المالك أو تقول بانتقالها إلى الغرماء أو تقول بانتقالها إلى الورثة أو تقول بأنها ملك لا مالك لها فأن قلت
بالأول فقد خالفت العقل المستقل الحاكم بعدم قابلية الميت لقيام الملكية به من حيث كونه داخلا في الجمادات
ومالكية الجماد وتسلطه عقلا غير معقول لأنه لا أولوية له على المسلط عليه فتأمل مضافا إلى أنه لم يقل أحد
ببقاء التركة في ملك المالك حقيقة حسبما عرفت تفصيل القول فيه في تأسيس الأصل وأن قلت بالثاني فقد
خالفت الاجماع المنعقد على عدم انتقال التركة إلى الغرماء وأن قلت بالرابع فقد خالفت أيضا العقل الحاكم
باستحالة كون الشئ مملوكا ولا مالك له فتعين الثالث وهو المطلوب وقد ذكر الأستاذ العلامة انه
لو فرضنا ظهورا فيما استدلوا به على عدم الانتقال لا مكن صرفه بهذا الدليل ولي فيه تأمل لعله يأتي
الإشارة إلى وجهه.
فأن قلت أن هنا قسما خامسا وهو أن تكون التركة ملكا ومالا لكن لا بالملكية والمالية الفعلية
القائمة بالملاكين التي عبارة عن السلطنة الفعلية والعلقة القائمتين بالمالك حتى يقال بامتناع كون التركة ملكا
لا مالك له بل الملكية الشأنية والمالية التقديرية نظير المباحات (على تقدير الحيازة خ) غاية الأمر أن الشارع هنا
قدم الورثة بالنسبة إلى جميع الناس لو فرض ارتفاع الدين أما براءة من الغريم أو أداء من الوارث أو المتبرع

233
قلت الملكية بالمعنى المذكور وأن لم تتوقف على تملك فعلي ومالك فعلي إلا أن القول بصيرورة التركة
ملكا للوارث بالمعنى المذكور ودخولها في ملك الوارث بالملكية الفعلية بعد ارتفاع الدين مخالف لجميع أدلة
الإرث لان ظاهرها تلقي التركة من المورث إلى الوارث وانتقالها منه إليه بالإرث فالوارث نايب منابه حقيقة
وقائم مقامه لا دخول التركة في ملك الوارث بعد ارتفاع الدين بالسبب الجديد نظير الحيازة في المباحات.
لا يقال أن الانتقال في الفرض أيضا بالإرث وأن لم تكن التركة قبل أداء الدين ملكا للوارث حقيقة
لأنه بسبب ارثه حق الأداء وثبوته له يملك التركة أيضا بالإرث بعد الأداء فهي نظير المبيع المنتقل إلى الوارث
باختيار الفسخ إذا ورث حق الخيار وكذا في سائر الحقوق المتضمنة لانتقال المال إلى الوارث فإنها في الموارد المذكورة
وإن لم تنتقل إلى الوارث أولا وبالذات الا انها تنتقل إليه بواسطة اختيار أسبابها الموروثة وهذا المقدار يكفي في
صدق الانتقال بالإرث.
لأنا نقول مضافا إلى أن الانتقال على الوجه المذكور أيضا مخالف لعمومات الإرث فيما نحن فيه لان
ظاهرها انتقال التركة بعد الدين بنفسها لا بالسبب المحدث له باختيار الوارث الذي يرجع حقيقة إلى ايجاده لملكيتها
بالاختيار أن حق الأداء الثابت للوارث هنا لم يكن ثابتا للموروث في حال حياته كحق الخيار ونحوه حتى يقال
بانتقاله إلى الوارث بالإرث المصحح لاطلاق الانتقال بالنسبة إلى التركة أيضا بل الثابت للمورث في حال الحياة
ملكيته المال بالملكية الحقيقية التامة.
نعم لما كانت ذمته مشغولة بدين الداين وماله فيجب عليه ابرائها وأداء مال الداين فالأداء لم يكن
حقا له دون المال حتى ينتقل إلى الوارث بالإرث.
فأن قيل لم لا يكون اطلاق الإرث فيما نحن فيه نظير اطلاقه في باب ارث دية الجناية الواقعة على
الميت بعد موته أو الموجبة لموته بعد الوقوع بحيث صارت علة لموته من دون مهلة وارث الحمل بعد وضعه
وارث الكافر بعد اسلامه وارث العبد بعد اشترائه من مال مورثه إذا كان الوارث منحصرا فيه إلى غير ذلك من
الموارد التي ورد اطلاق الإرث مع عدم الانتقال الفعلي فيكون المراد من الإرث هو الانتقال إلى الوارث من حيث
تعلق الموروث نحو تعلق بالمورث.
قلنا اطلاق الإرث على الانتقال بالمعنى المذكور خروج عن حقيقته ومخالف لظاهره لا يصار إليه الا
بقرينة معتبرة وثبوتها (ثبوته خ) في بعض الموارد لا يوجب رفع اليد عن الظاهر فيما لم تثبت فكيف يجوز رفع اليد
عن الظهور في جميع الاطلاقات والعمومات الواردة في باب الإرث بمجرد رفع اليد عنه في مسألة الدية وما شابهها
مضافا إلى الخلاف الذي يكون في الانتقال إلى الورثة في دية الجناية بعد الموت وامكان التقدير والتنزيل
منزلة مال الميت في دية الجناية الواقعة حال الحياة الموجبة لخروج الروح فعلا بل الدخول في ملك الوارث
في الأمثلة المذكورة لا يسمى انتقالا أصلا كما لا يخفى.
هذا مضافا إلى امكان ان يقال بالانتقال من حين الموت في بعض الأمثلة المنقوضة بها كإرث الكافر
بعد اسلامه بعد موت المورث فأن جماعة من المحققين منهم العلامة رحمه الله ذهبوا إلى كشف الاسلام من الانتقال
حين الموت وكذلك في مسألة ارث الحمل.
وبالجملة لو لم يقم دليل من الخارج على ثبوت الاستحقاق في الموارد المذكورة لم يمكن ان يتمسك
فيها بعمومات الإرث كما لا خلاف فيه ظاهرا بينهم أترى انه لو لم يقم دليل من الخارج على وجوب شراء العبد

234
وعتقه حتى يرث من مال مورثه هل تحكم به أو أحد غيرك من جهة العمومات حاشاك وحاشاهم عن ذلك.
فتبين من جميع ما ذكرنا أن الناقض إما ان يريد بالنقض في الموارد المذكورة اثبات الملك الحقيقي
للميت فهو مما قد عرفت استقلال العقل باستحالته ولم يقل به أحد أيضا أو الملك الحكمي حسبما ينادي به
كلماتهم فهو تابع لقيام الدليل عليه فحيث لم يقم دليل على الملك الحكمي والتنزيل الشرعي في المقام
فندفعه بظهور أدلة الإرث في خلافه حسبما عرفت أن ظاهرها انتقال الموروث من المورث إلى الوارث لا مجرد
الدخول في ملكه بعد ارتفاع ملكية المورث فيحكم العقل بعد نفي الملك الحكمي بانتقال التركة إلى الوارث
ومن هنا تعرف وجه النظر فيما ذكره الأستاذ العلامة من أنه لو فرض هناك قيام دليل يدل بظاهره على عدم الانتقال
وكون التركة في حكم مال الميت لنصرف ظهوره بالدليل العقلي المذكور هذا.
وقد انفتح لك مما ذكرنا باب آخر للاستدلال على الانتقال بتقدير جعل اللام لمطلق التملك في
الآيات وأريد التصرف في لام المقيدات بجعلها للاستقرار أو للاستقرار والملكية التامة وأريد التصرف في لام
المطلقات بجعلها لمطلق التملك فأنا وان ذكرنا سابقا ان حمل المطلق على المقيد أولي من التصرف في -
المطلق أو المقيد بغير الحمل لكن نقول هنا ان الحمل المذكور مستلزم لارتكاب خلاف ظاهر في لفظ الإرث
الوارد في الآيات والاخبار فتعين التصرف المذكور لا الحمل المزبور فتأمل.
الثالث انها لو لم تنتقل إلى الوارث لما شارك ابن الابن مثلا عمه لو مات أبوه بعد جده وحصل الابراء
من الدين الذي كان على الجد بيان الملازمة انه في زمان حياة أبيه لم ينقل المال إليه حسبما هو المفروض
وبعد موته لا يعقل الانتقال إليه فلا معنى لارث الابن فلا بد ان يكون جميع المال للعم والتالي باطل اجماعا.
وفيه أن شركة ابن الابن ونحوه انما هو لإرثه الاستحقاق الذي كان لأبيه الذي يرث به الوارث المال
بعد ارتفاع الدين بابراء ونحوه قولا واحدا فالابن قائم مقام الأب فكما أن الأب لو كان حيا لورث المال بعد
ارتفاع الدين من جهة الاستحقاق الذي يكون له كذلك الابن أيضا يرثه بعد موته إذا ارتفع الدين من جهة
الاستحقاق الذي كان لأبيه فكما أن العم يرث بالاستحقاق بعد ارتفاع الدين كذلك ابن الأخ أيضا يرث
بالاستحقاق غاية الأمر ان استحقاقه من جهة الإرث فما هو المناط في وارثية العم هو المناط في وارثية
ابن الأخ (الابن خ).
الرابع ان الحالف مع الشاهد الواحد انما هو الوارث المخاصم في مال الميت فلولا الانتقال إليه لما
كان نفع في يمينه كيمين الغريم والملازمة ظاهرة لان اليمين من شخص لا تثبت المال لشخص آخر كما مرت
الإشارة إليه غير مرة وبطلان التالي أظهر. وفيه أنه يكفي في ثبوت الفائدة في يمينه واثباتها المال على المدعى عليه ثبوت الاستحقاق له في
الجملة وإن لم يكن التركة ملكا له بالفعل فانا وإن لم نقل بكفاية الحق مطلقا في نفع اليمين واثباتها الحق
كما في حق الرهانة لان المرتهن لا يكون خصما ومدعيا ولا يتوجه إليه اليمين أصلا وكذلك غير حق الرهانة
من الحقوق كحق الغرماء الا انا نقول بكفايته في المقام والفرق بينه وبين الغرماء ان الغرماء لو طالبوا عين
التركة عوض الدين لم يكن لهم ذلك بخلاف الوارث فان له ان يزاحم الغرماء اجماعا لو أرادوا العين بإزاء الدين
وليس لهم مزاحمته لو أراد العين بثمنها هذا مجمل القول في أدلة من قال بالانتقال
وأما القائلون بعدمه وبقاء التركة على حكم مال الميت فقد استدلوا له أيضا بوجوه.

235
أحدها ما عرفت فيما سبق من قوله تعالى في جملة من الآيات من بعد وصية يوصي بها أو دين وجملة
من الروايات وخصوص بعض الروايات الذي لم نذكره سابقا ولا بد من ذكره لبعض خصوصيات فيه وهو صحيحة
عباد بن صهيب وصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) ففي الأولى منهما رجل فرط في اخراج زكاته في
حياته فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما لزمه من الزكاة ثم أوصى به أن يخرج ذلك فيدفع إلى
من تجب له قال جايز يخرج ذلك من جميع المال انما هو بمنزلة دين لو كان عليه ليس للورثة شئ حتى يؤدوا ما
أوصى به من الزكاة وفي الثانية قضى أمير المؤمنين عليه السلام في دية المقتول انه يرثها الورثة على كتاب الله
إذا لم يكن على المقتول دين وهاتان في الدلالة على المدعي أظهر من الآيات والروايات السابقة كما لا يخفى
لكن يرد عليهما أما في الأولى منهما فبما أوردنا في الآيات وسائر الروايات من كون اللام فيه للاختصاص
التام والملك المستقر فلا يدل على انتفاء أصل الملكية في الصورة وجود الدين.
لا يقال فرق بين الرواية وسائر الروايات لان اللام في الرواية لما كانت في حيز النفي فتدل على انتفاء
الملكية مطلقا مستقرة كانت أو غيرها لما تقرر في محله ان اللفظ المنصرف إلى بعض الافراد إذا وقع في حيز
النفي يدل على العموم لأن النفي تعلق بأصل المهية فيرفعها فينفي جميع افرادها وهذه بخلاف سائر الروايات
فأن اللام فيها في حيز الاثبات فيعد (فيفيد خ) الفرد المنصرف إليه آلة الملاحظة وهو الاختصاص التام فأن مطلق
الاختصاص ظاهر في الاختصاص التام.
لأنا نقول ما ذكرته من إفادة العموم إذا وقعت المهية في حيز النفي مسلم لكن من المقرر في محله
أيضا ان المراد من وقوعها حيز النفي كونها موضوعة لا محمولة فأن مفاد المهية إذا وقعت محمولة في الجملة
السالبة مفادها في الاثبات من غير فرق بينهما أصلا.
وأما في الثانية فبما ذكرنا سابقا من أنها وإن لم نشتمل على اللام الظاهرة في الاختصاص التام الا
ان الظاهر من لفظ الإرث فيها هو الاخذ الفعلي على وجه الإرث لا مطلق الانتقال كما لا يخفى.
وبالجملة لا معنى لانكار ظهور الأدلة من الآيات والاخبار في مذهب الأكثر في بادي النظر الا ان
بعد التأمل فيها يعلم أن المراد منها نفي انتقال التركة إلى الوارث في صورة وجود الدين بالانتقال التام بحيث
تصير ملكا طلقا لهم غير متعلق لحق أحد هذا ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله في المقام ولكن مقتضى الانصاف كما
لا يخفى لمن جانب الاعتساف ظهور بعضها في قول الأكثر فراجع وتأمل فيها.
ثانيها السيرة المستمرة على تبعية النماء للتركة في وفاء الدين وهو مستلزم لبقائها على حكم مال
الميت لا انتقالها إلى الورثة.
والجواب عنها بوجوه أحدها المنع من تحققها ثانيها المنع من كون دفع الورثة للنماء في أداء
الدين على وجه الالتزام بذلك بل هو على وجه التبرع من جهة كون بنائهم على تحصيل براءة ذمة مورثهم
ثالثها انه على فرض تسليم تحقق السيرة على الوجه الالتزام لكنها أعم من بقاء نماء التركة في حكم مال الميت
إذ من المحتمل ان ينتقل إلى الورثة لكن يجب عليهم دفعه في أداء الدين كالأصل فتأمل.
ثالثها ما ذكره بعضهم من أنها لو انتقلت إلى الوارث في صورة وجود الدين لا عتق عليه قريبه الذي
ينعتق عليه قهرا إذا دخل في ملكه كالأب إذا فرض كونه في تركة مورثه والظاهر أنه لا اشكال عندهم في
عدم صيرورته معتقا قهرا بل للغرماء ان يستوفوا منه حقهم بعد عدم حصول الأداء من الوارث وغيره.

236
وفيه أن مجرد الانتقال إلى الوارث لا يقتضي انعتاق المنعتق عليه ولو كان متعلقا لحق الغير كما لا يخفى
بل لذي الحق ان يستوفي منه حقه إذا لم يحصل الوفاء بايفاء الوارث أو البراءة بابراء ذي الحق هذا مجمل القول
في الدين المستوعب.
وأما الكلام في الدين الغير المستوعب للتركة فيقع تارة في الزايد عن الدين وأخرى فيما قابله.
أما الزايد عن الدين فالظاهر أنه لا اشكال بل لا خلاف في انتقاله إلى الوارث الا من الفاضل القمي رحمه الله حيث
ذهب إلى عدم الانتقال في الدين الغير المستوعب أيضا حتى بالنسبة إلى الزايد واحتمله الأردبيلي في آيات الاحكام
ضرورة ان الدين المتعلق بالتركة لا يمنع من انتقال الزايد إلى الورثة فهو حينئذ كالوصية من هذه الجهة وإن كان
بينهما فرق من حيث كون تعلق الوصية بالتركة بطريق الإشاعة والدين من قبيل تعلق الكلي حسبما
عرفت تفصيل القول فيه.
والقول بان قوله تعالى من بعد وصية يوصي بها أو دين يدل على عدم انتقال شئ من التركة إلى الوارث ما دام الدين موجودا سخيف جدا لما قد عرفت سابقا من أن الآية انما تدل على مانعية تعلق الدين
والوصية من انتقال المجموع من حيث المجموع إلى الورثة فلا ينافي انتقال ما زاد عن الدين إليهم إذا كان غير
مستوعب حسبما هو المفروض هذا مضافا إلى ما عرفت وستعرف من عدم دلالة الآية على عدم الانتقال بالنسبة إلى
ما قابل الدين فضلا عن غيره.
وأما الكلام فيما قابل الدين فالحق ان حكمه حكم جميع التركة على تقدير الاستيعاب فان قيل
بعدم الانتقال فيه حسبما عليه أكثر القدماء فلا بد من أن يقال بعدم الانتقال في المقام أيضا وأن قيل فيه
بالانتقال حسبما عليه أكثر المتأخرين وقواه الأستاذ العلامة دام ظله فلا بد من أن يقال بالانتقال في المقام أيضا
وهذا الاتحاد مفاد الأدلة لكلا القولين في المقامين فلا معنى للتفصيل بينهما ولعل ما ذكرنا هو الظاهر من كلام
الأكثرين كما لا يخفى لمن راجع إليه.
ولكن قد حكى قولان بالتفصيل بين المقام وجميع التركة على تقدير الاستيعاب لا بأس بالإشارة
إليهما الأول ما حكاه بعض مشايخنا من العلامة في القواعد من اختيار الانتقال في المستوعب وعدمه في غيره حيث
قال ومن الغريب ما عن الفاضل في ارث القواعد من أن التركة مع الاستيعاب للورثة وأما إذا لم يكن مستوعبا فما قابل الدين على حكم مال الميت.
ثم قال ولم يحضرني الآن ما يشهد له من آية أو رواية أو اعتبار انتهى كلامه ويظهر هذه النسبة من غيره
من الأصحاب من تقدم عليه ولعله المراد أيضا من كلام الأردبيلي في آيات الاحكام حيث قال في آخر كلام له
في معنى قوله تعالى ولأبويه الآية ما هذا لفظه وقد فصل الأصحاب القول واختلفوا فيها حتى أنه وقع الفتوى في -
القواعد في ثلاث مواضع كل واحد على خلاف الآخر انتهى كلامه.
وقد صرح الأستاذ العلامة دام ظله في مجلس البحث بعدم ظهور كلام العلامة فيما نسبوا إليه بل الظاهر
منه في باب الإرث خلافه فالأولى حينئذ نقل عبارته حتى يظهر لك ما هو الحق من النسبتين وهي هذه الثاني من
مات وعليه دين مستوعب للتركة فالأقرب عندي ان التركة للورثة لكن يمنعون منها حتى يقضى الدين منها
أو من غيرها وقيل تبقى على حكم مال الميت ولا تنتقل إلى الوارث وتظهر الفائدة في النماء ولو لم يكن مستوعبا
انتقل إلى الورثة ما فضل عن الدين وكان ما قابله على حكم مال الميت ويكون التركة بأجمعها كالرهن

237
انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
وهو كما ترى وإن كان يظهر منه في بادي النظر ما نسبوا إليه من التفصيل بين المستوعب وغيره
نظرا إلى ظهور قوله وكان ما قابله على حكم مال الميت سيما بملاحظة قوله في المستوعب وقيل تبقى على
حكم آه إلا أن مقتضى التأمل الصادق فيه هو ما فهم الأستاذ العلامة لان المراد من قوله وكان ما قابله على
حكم مال الميت ليس هو البقاء على حكم مال الميت حتى ينافي ما ذكره في المستوعب بل المراد منه ان ما
قابل الدين على حكم مال الميت إذا تعلق به الدين أي مبنى حكمه من الانتقال وعدمه على هذه المسألة ولما
اخترنا فيها القول بالانتقال فيكون حكم ما قابل الدين أيضا الانتقال ومما يدل على كون مراده منه ما ذكرنا
قوله ويكون التركة بأجمعها كالرهن فإن الظاهر منه كما لا يخفى سيما بقرينة ذكره بأجمعها أيضا مع مصيره
فيه إلى الانتقال كونه كالرهن في كونه ملكا للراهن مع كونه ممنوعا من التصرف والقول بأن التشبيه بالرهن
إنما هو باعتبار المقدار الزائد عن الدين ويكون المراد من قوله بأجمعها هو مجموع التركة بلحاظ المجموعية
خلاف الظاهر منه.
وكيف كان يمكن أن يستشهد للتفصيل المذكور على تقدير ذهاب العلامة إليه حسبما توهمه جماعة
بادعاء ظهور المقيدات من الآيات والاخبار بعد فرض اطلاق نافع هناك في الدين الغير المستوعب فيرجع في
صورة الاستيعاب إلى الاطلاقات والعمومات الدالة على انتقال التركة إلى الوارث وإن كان هناك دين على الميت
وهذا الوجه وإن كان ضعيفا لما قد عرفت من عدم الفرق في المقيدات بين المستوعب وغيره إلا أنه مما يمكن
أن يجعل وجها للتفصيل المذكور على تقدير القول به والعجب مما ذكره شيخنا المقدم من قوله ولم يحضرني
الآن الخ مع إشارته قبل هذا إلى دفع ما توهمه بعض من اختصاص قوله من بعد وصية يوصى بها أو دين بالدين
الغير المستوعب فتأمل ولا تجبر بالقبول.
الثاني ما حكاه الشيخ في المبسوط عن قوم من عكس ما نسب إلى العلامة حيث قال وقال قوم إن كان محيطا
بالتركة لم تنتقل إلى الوارث وإن لم يكن محيطا بها انتقلت كلها إلى الورثة انتهى كلامه ولم أجد مستندا
لهذا القول أصلا إلا أن الأستاذ العلامة ذكر أنه يوجد في الروايات ما يمكن أن يستدل به للقول المذكور
وهو ما رواه الشيخ رحمه الله عن أبي بصير عن رجل يموت ويترك عيالا وعليه دين أينفق عليهم من ماله قال إن
استيقن ان الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم وإن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال وفي
دلالته تأمل ظاهر.
وربما يستدل له أيضا بالسيرة المستمرة من زماننا إلى زمان النبي (صلى الله عليه وآله) فإن بناء الورثة على التصرف
في التركة إذا لم يستغرق بالدين بل ربما يدعى ان الأئمة عليهم السلام كانوا يتصرفون في تركة الامام السابق
مع تعلق الدين بها في الجملة وفيها وجوه من الايرادات ما لا يخفى على المتأمل وبالجملة الفرق بين الدين المستوعب
وغيره في الانتقال وعدمه بالنسبة إلى ما قابل الدين ضعيف جدا.
نعم لا إشكال في انتقال الزايد من الدين إلى الورثة لعدم المانع منه مع دلالة العمومات عليه بل قد
عرفت أنه لم يخالف فيه أحد من الأصحاب إلا المحقق القمي رحمه الله في أجوبة مسائله والمقدس الأردبيلي في آيات -
الاحكام لكنه لم يجز به وسيجئ نقل كلامهما إن شاء الله.
وينبغي التنبيه على أمور الأول انه لا إشكال بل لا خلاف في جواز تصرف الورثة في التركة بعد

238
حصول براءة ذمة الميت من الدين بأي سبب كان أو رضاء الداين بذلك سواء في الدين المستوعب وغيره على -
القول بالانتقال وعدمه.
وأما قبل حصولها فهل يجوز للوارث التصرف في التركة وينفذ تصرفه فيها مطلقا سواء استوعب
الدين التركة أو لا وسواء قلنا بالانتقال أو لا بأي تصرف كان أو لا يجوز له ذلك مطلقا أو فيه تفصيل بين القول
بالانتقال وعدمه أو المستوعب وغيره أو فيه تفصيل بين التصرفات أو فيه تفصيل بين الوارث بما سيجئ عن بعض
المحققين وجوه بل أقوال.
فالكلام يقع في مقامات الأول في جواز التصرف فيما إذا استوعب الدين التركة على القول بعدم
الانتقال في الجملة أو مطلقا الثاني في جواز التصرف فيه على القول بالانتقال كذلك الثالث في جواز التصرف
في الجملة أو مطلقا فيما لم يستوعب الدين التركة على القول بعدم الانتقال الرابع في جوازه كذلك على القول بالانتقال.
أما الكلام في المقام الأول فنقول انه لا إشكال بل لا خلاف في جواز تصرف الورثة في التركة بدفعها
في قضاء الدين وغيره مما يكون مقدمة للقضاء مطلقا ويدل عليه مضافا إلى الاجماعات المنقولة المعتضدة
بالشهرة المحققة بل عدم الخلاف في المسألة قوله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله كما أنه
لا إشكال بل لا خلاف في عدم جواز تصرفه بقصد التملك من دون أن يكون في نيته أداء الدين أصلا وهذان -
القسمان من التصرف مما لا خلاف فيهما في الاثبات والنفي في جميع المقامات فلا نتكلم فيهما في سائر المقامات.
أما غيرهما من التصرفات فهل يجوز أم لا فالحق أن يقال إن كان تصرف الورثة بعنوان التبديل و
نحوه مما لا يستلزم تفويت مالية التركة فيجوز مطلقا سواء كان مليا أو لا وسواء كان التبديل لمصلحة ترجع
إلى الغرماء أو الميت أو نفسه أو لا مصلحة فيه أصلا ما لم يكن فيه ضرر على الغرماء وإن كان بعنوان غيره مما
يستلزم تفويت مالية التركة على الغرماء كما لو أراد البيع لنفسه وإن كان في قصده ضمان الدين فلا يجوز مطلقا
فلنا في المقام دعويان إحديهما جواز التصرف بعنوان التبديل ثانيتهما عدم جواز التصرف بغير عنوان التبديل.
لنا على أوليهما ما دل على كون الوارث أولى بالميت من جميع من عداه مثل قوله تعالى وأولو الأرحام بعضهم
أولى ببعض فإن مقتضى اعطاء الولاية (الأولوية خ) له جواز تصرفه في التركة ما لم يعارضه تفويت حق الغرماء وليس
دلالتها مختصة باثبات الأولوية في الإرث كما قد يتوهم حتى يقال إنه لا دلالة لها بالنسبة إلى محل النزاع
ولهذا تراهم يستدلون بها على تخيير الوارث في جهات القضاء وكونه أولى من غيره في الصلاة عليه إلى
غير ذلك من الاحكام.
ولنا على الثانية أي عدم جواز تصرف الوارث في التركة بما يوجب تفويت ماليتها وإن كان في قصده
أداء الدين التي سنذكرها في المقام الثاني مضافا إلى ما دل على نفي الضرر والضرار فإن تصرف الورثة بما
يوجب تفويت مالية التركة ضرر على الغرماء وإن كان المتصرف في قصده ضمان الدين لان انتقال حقه من العين
إلى الذمة ضرر عليه إذ ربما يصير الوارث معسرا وسيوضح لك ما ذكرنا فيما نذكره في المقام الثاني ولا فرق
فيما ذكرنا من عدم الجواز بين كون الوارث مليا ومعسرا لعدم الفرق في دليل المسألة وإن كان ربما يتوهم
عدم تأتي دليل نفي الضرر فيما إذا كان الوارث موسرا بانيا على الأداء فظهر مما ذكرنا فساد ما ذهب إليه الفاضل
القمي رحمه الله من التفصيل في المقام فيما سيجئ من كلامه هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني فالحق فيه أيضا جواز التصرف بما لا يوجب تفويت مالية التركة مثل التبديل

239
ونحوه بل لا بد فيه من القول بالجواز وإن لم نقل به في المقام الأول لما دل على تسلط الشخص على ماله مثل
قوله الناس مسلطون على أموالهم ولا يعارضه (ينافيه خ) ما دل من الاخبار على حجر الوارث من التصرف في التركة فيما
إذا تعلق بها الدين لأن الظاهر منه كما سيجئ المنع من التصرف المستلزم لتفويت مالية التركة ولا ينافيه أيضا
كلماتهم الظاهرة بالظهور الأولى (البدوي خ) في المنع من التصرف مطلقا لان المراد منها التصرف المستلزم
لتفويت مالية التركة هكذا ذكره الأستاذ العلامة دام ظله.
فالأولى نقل كلمات بعضهم حتى يتبين صدق ما أدعاه الأستاذ العلامة وعدمه قال الشيخ في المبسوط إذا مات وخلف
تركة وعليه دين انتقلت التركة إلى ورثته سواء كان الدين وفق التركة أو أكثر أو أقل منها وتعلق حق الغرماء بالتركة
والدين باق في ذمة الميت وللوارث أن يقضي الدين من عين التركة ومن غيرها كما للراهن ذلك في الرهن.
وقال العلامة في باب الحجر من القواعد وديون المتوفى متعلقة بتركته وهل هو كتعلق الأرش برقبة
الجاني أو كتعلق الدين بالرهن احتمال ويظهر الخلاف فيما لو أعتق الوارث أو باع نفذ على الأول دون الثاني.
وقال في محكي مفتاح الكرامة اني لم أجد قايلا من الأصحاب يقول بتعلق الدين بالتركة كتعلق
أرش الجناية إلا واحدا انتهى والظاهر أن بناء الأكثر عن كون التعلق كتعلق الرهن.
وقال الأستاذ العلامة ان مرادهم من كون التعلق كتعلق الرهن هو المنع من التصرفات التي توجب
تفويت مالية التركة كما يظهر من تفريع العلامة لا انه مثل تعلق الرهن حتى في عدم جواز التصرف أصلا
حتى التصرف التبديلي فالتشبيه إنما هو في المنع من التصرف الذي يوجب تفويت المالية لا مطلقا والانصاف
ان هذا التوجيه لا يتمشى في كلام الأكثرين منهم.
وقال في السرائر ان أصول مذهبنا تقتضي ان الورثة لا يستحقون شيئا من التركة دون قضاء جميع الديون
ولا يسوغ ولا يحل لهم التصرف في التركة دون القضاء إذا كانت بقدر الدين وظاهر هذا الكلام بقرينة الاستثناء
التعميم كما لا يخفى.
وقال في المسالك في باب القضاء بعد نقل القولين أي الانتقال وعدمه ما هذا لفظه وعلى القولين يمنع
من التصرف فيها إلى أن يوفى الدين إجماعا وإنما يظهر الفائدة في مثل النماء إلى أن قال وفي صحة التصرف فيها
بالبيع وإن كان التصرف مراعى انتهى.
والحاصل ان مقتضى الانصاف ان من قال من الأصحاب ان تعلق الدين بالتركة كتعلق الرهن أراد المنع
من مطلق التصرف وإن لم يكن ذلك إجماعيا كما يعلم من التتبع في كلماتهم بل صرح جماعة بجواز التصرف بما
يوجب توفيت مالية التركة فضلا عن غيره قال في جامع المقاصد بعدما اختار ان تعلق الدين بالتركة ليس كتعلق أرش
الجناية ولا كتعلق الرهن بل هو تعلق ثالث ما هذا لفظه وعلى ما اخترنا من أنه تعلق برأسه يحتمل النفوذ تمسكا بأصالة
الصحة أو أصالة عدم بلوغ الحجر إلى مرتبة لا يكون التصرف معتبرا ولان القول بالصحة جمع بين الحقين ويحتمل العدم
لانتفاء فايدة التعلق بدونه ولاداء النفوذ إلى ضياع الدين وأيضا فإن أصل التعلق يقتضي ثبوت حق سلطنة للمدين ومع اجتماع
الحقين لشخصين لا ينفذ تصرف أحدهما والكل ضعيف إلى أن قال فالتحقيق ان القول بالنفوذ أقوى انتهى كلامه.
وبالجملة لا إشكال في أن مقتضى عموم قوله الناس مسلطون على أموالهم جواز التصرف بما لا يوجب
تفويت مالية التركة حسبما ذهب إليه الأستاذ العلامة إن لم يكن هناك ما يمنعه من الاخبار هذا كله في -
التصرف الذي لا يوجب تفويت مالية التركة.

240
وأما الذي يوجب تفويتها فهل يجوز إذا كان بناء الوارث على أداء الدين وقبوله ضمانه في الذمة
أم لا وجهان بل قولان ظاهر الأكثر الثاني وظاهر جماعة منهم ثاني المحققين فيما عرفت من كلامه هو الأول
والحق ما ذهب إليه الأكثرون فلنذكر أولا ما تمسك به القائل بالجواز ثم نعقبه بذكر دليل المختار.
فنقول ان تمسكوا للجواز بأنه جمع بين الحقين وبعموم ما دل على تسلط الشخص على ماله ولا يعارضه
ما دل على نفي الضرر عن الغرماء لان البيع على الوجه المذكور لا يوجب ضياع حقهم لان الوارث إن أدى الدين
فهو وإلا فلهم أن يختاروا فسخ البيع فيؤخذون حقهم من التركة.
وفيه أولا المنع من عدم معارضة العموم بما دل على نفى الضرر الحاكم عليه لان أصل انتقال الحق
من العين إلى الذمة ضرر على صاحب الحق لأنه قد يكون الوارث معسرا أو يعرضه الاعسار والانجبار باختيار -
الفسخ لا معنى له لأنه قد يصير المبيع تالفا في يد المشتري ويكون معسرا مضافا إلى أن الكلام ليس مختصا بالتصرف
البيعي بل أعم منه ومن غيره من الاتلافات.
لا يقال إن التضرر بانتقال الحق إلى الذمة معارض بالتضرر ببقائه في عين التركة لأنه قد يعرضها التلف
من جانب الله فيكون ضررا على الغريم.
لأنا نقول لا معنى لهذه المعارضة بعد تعلق الحق بالعين أولا فتأمل.
وثانيا سلمنا عدم معارضته بما دل على نفي الضرر لكنه معارض بما سنذكره من الاخبار هذا مجمل -
القول في دليل الجواز وقد تمسك له ببعض ما أعرضنا عنه خوفا من التطويل مع أنه لا طائل فيه.
وأما دليل المنع الذي ذهب إليه الأكثر واخترناه تبعا لهم الاخبار والآثار الواردة من الأئمة الأطهار
والنبي المختار صلى الله عليه وآله وسلم.
منها ما رواه زرارة عن الصادق عليه السلام عن رجل مات وترك عليه دينا وترك عبدا له مال في
التجارة وولدا وفي يد العبد مال ومتاع وعليه دين استدانه العبد في حياة سيده في تجارته وان الورثة وغرماء
الميت اختصموا فيما في يد العبد من المال والمتاع وفي رقبة العبد فقال أرى ان ليس للورثة سبيل على رقبة العبد
ولا على ما في يده من المتاع والمال إلا أن يضمنوا دين الغرماء جميعا فيكون العبد وما في يده من المال للورثة فإن أبوا
كان العبد وما في يده للغرماء ويقوم العبد وما في يده من المال ثم يقسم ذلك بينهم بالحصص فإن عجز قيمة العبد
وما في يده من أموال الغرماء رجعوا على الورثة فيما بقي لهم إن كان الميت ترك شيئا وإن فضل قيمة العبد وما
في يده عن دين الغرماء رده على الورثة الحديث.
وفيه فقرات تدل على المدعى إحديهما قوله (عليه السلام) أرى ان ليس للورثة سبيل فإن نفى السبيل لهم بعد
فرض القول بالانتقال لا بد من أن يكون المراد منه نفي جميع التصرفات والانتفاعات ثانيتها قوله (عليه السلام) كان العبد
وما في يده للغرماء فإنه بعد قيام الاجماع على عدم دخول التركة في ملك الغرماء لا بد أن يكون المراد من
اثبات كونها للغرماء نفى جميع التصرفات للوارث إلى غير ذلك.
ومنها ما ورد في بعض الروايات من أن الميت أحق بدينه من غيره فإن مقتضى أحقية الميت بدينه بعد
فرض قيام الاجماع على عدم ملكيته عدم جواز تصرف الوارث فيها إذا كانت ذمته مشغولة.
ومنها ما تقدم من الروايات في استدلال القائلين بعدم الانتقال فإنا إن لم نقل بدلالتها على عدم الانتقال
لكن نقل بدلالتها على عدم جواز التصرف بوجه من الوجوه فلا بد حينئذ من أن يخرج من عموم قوله الناس

241
مسلطون بواسطة هذه الروايات.
فإن قلت لو كانت هذه الروايات دالة على عدم جواز التصرف للوارث لدلت على عدم جواز التصرف
مطلقا من غير فرق بين ما يوجب تفويت مالية التركة وبين ما لا يوجبه فما وجه التفصيل الذي ذكرته.
قلت نمنع ظهورها في المنع من التصرف مطلقا فإن المقصود من هذه الروايات وأمثالها عدم
جواز فعل ما يوجب ضياع حق الديان وهو ليس إلا ما يوجب تفويت مالية التركة ألا ترى انهم اتفقوا على تخيير
الوارث في جهات القضاء وغيره مما لا يوجب ضياع حق الغرماء لعدم معارضته بما دل على المنع من
التصرف في التركة.
فإن قلت لو كان الامر كما ذكرت للزم جواز التصرف الاتلافي أيضا في الجملة فإنه إذا باع الوارث
التركة لنفسه فلا يخلو إما أن يكون بنائه على أداء الدين إذا طلب الغريم أو لا فعلى الأول لا تضييع وعلى الثاني
للغريم أن يرجع إلى التركة المبيعة ويأخذها فلا يلزم أيضا تضييع.
قلت قد عرفت غير مرة ان أصل انتقال الحق من العين إلى الذمة فيه نوع ضرر على الغريم فلا يقاس بمسألة
التبديل ونحوها مما لا يوجب تفويت مالية التركة ألا ترى ان بناء الناس على الفرق في البيع وسائر العقود العوضية
بين النقد والنسية وليس هذا إلا من جهة كون الحق في الذمة في معرض الزوال والقول بأنه قد يستلزم (يلزم خ)
من بقائه في العين أيضا ضرر على الغريم قد عرفت فساده نعم ذكر الأستاذ العلامة انه لو فرض هناك صورة كان بقاء الحق
في العين في معرض الزوال جاز اتلافها مع قصد الضمان وتعلق الحق بالذمة كما يجوز ذلك في مال اليتيم والغائب
وغيرهما من المحجور عليهم.
فإن قلت مقتضى قوله إلا أن يضمنوا وقوله فإن أبوا جواز التصرف في صورة الضمان وعدم الامتناع
من أداء الدين والذي يقول بالجواز أيضا لا يقول به إلا إذا كان بناء الوارث على ضمان الدين في قصده وعدم
امتناعه من أداء الدين فهذه الرواية كاشفة عن ورود جميع العمومات والاطلاقات التي لها ظهور المنع من
التصرف مطلقا لبيان المعين المذكور.
قلت المراد من الضمان ليس هو بناء الأداء أو التعلق بالذمة في قصد الوارث بل المراد منه جعل
الحق في العهدة والذمة مع رضاء الغريم بذلك أيضا وهو خارج عما نحن فيه لقيام الاجماع على جوازه
بل قد عرفت أنه لو أذن المدين في التصرف من دون ضمان المتصرف لكان جايزا بلا إشكال ولا خلاف فضلا عن
صورة الضمان فتأمل.
وبالجملة الروايات المتقدمة ظاهرة بعمومها واطلاقها في عدم جواز التصرف مطلقا غاية ما هناك
ان نقول بأنها واردة في مقام المنع من تفويت مالية التركة ومسوقة لبيان هذا المعنى وليس الاطلاق مقصودا
فيها وأما القول بورودها في المنع فيما إذا لم يكن بناء المتصرف على الأداء فلا يمنع من التصرف في غير الصورة
وإن كان تصرفا اتلافيا فلا شاهد له أصلا بل مقتضى التدبر في الروايات الجزم بعدم إرادة هذا المعنى فتأمل فيها
حتى يظهر لك حقيقة ما بينا ومما يضحك به الثكلى ما سمعنا من بعض فضلاء مجلس البحث من كون التفصيل
المذكور خرقا للاجماع المركب فإن أحدا لم يفرق بين التصرف المستلزم لتفويت مالية التركة وغيره في المنع
والجواز كيف وقد نقل بعض مشايخنا عن بعض الأصحاب ان النزاع في المسألة في قيمة (مالية خ) التركة لا فيها نفسها
فإن ظاهره نفي الخلاف عن التصرف بعنوان التبديل فراجع.

242
ثم إن ما ذكرنا ليس مختصا بالمقام بل يجري في سائر المقامات أيضا ما دل فيه اطلاق أو عموم على
حجر المتصرف مثل ما دل على حجر المريض في الزائد عن الثلث وكذا ما دل على حجر الانسان في التصرف بعد
الممات في الزايد عن الثلث إلى غير ذلك فإنها لا تدل إلا على الحجر بالنسبة إلى جميع المال فيما يوجب تفويت
ماليته وأما التصرف الذي لا يوجب ذلك كالبيع المثل مثلا فلا منع عنه أصلا.
وبالجملة لا أرى مانعا في المقام من تصرف الوارث بما لا يوجب تفويت مالية التركة سواء على القول
بالانتقال وعدمه وأما التصرف الذي يوجب تفويت ماليتها فظاهر الاخبار عدم جوازه وإن كان المتصرف في
قصده ضمان المال وكونه في عهدته مطلقا ولم أجد مخالفا فيما ذكرت في القسم الثاني على القول بعدم الانتقال
إلا المحقق الأردبيلي والفاضل القمي رحمهما الله حيث احتمل الأول في آية الاحكام جواز التصرف على القول بعدم الانتقال
إذا كان في قصده ضمان المال حيث قال ويحتمل جواز التصرف في الكل أيضا ما لم يبين (يعين خ) الدين والموصى
به بعد أن قرر المتصرف على نفسه في ذمته الدين والوصية ويجب أدائها ويتصرف في التركة مهما شاء فإن
ظاهره وإن كان في الدين الغير المستوعب إلا أنه لا يفرق قطعا.
وأما الفاضل القمي فقد فصل في المقام تفصيلا يرجع حاصله إلى أن الوارث إن كان مليا أو متبرعا
بالميت فيجوز تصرفه وإلا فلا فالأولى نقل عبارته بلفظها حتى يطلع الناظر على مراده وهي وإن كانت طويلة إلا أنها
لمزيد الفائدة فيها لا بأس في نقلها.
قال قدس سره في أجوبة مسائله في السؤال عن انتقال التركة إلى الوارث مع تعلق الدين بها وعن جواز
التصرف فيها على كل من التقديرين ما هذا لفظه.
الجواب قال الله تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل خط الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين
فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم
يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين ظاهر الآية والله يعلم أن الله يأمركم و
يعهد إليكم ويفرض عليكم في شأن ميراث أولادكم وبيان مقداره ان للذكر مثل حظ الأنثيين ولأبويه أي
المتوفى لكل واحد منهم السدس إلى قوله من بعد وصية آه وهو ظاهر في بيان القدر والكيفية بعد ثبوت أصل
الميراث وعلى هذا فالمخصص أعني قوله تعالى من بعد وصية آه لا يصلح للرجوع إلى الجملة الأولى كما لا يخفى
ورجوعه إلى الجملة الأخيرة وهو قوله تعالى فلأمه الثلث متيقن كما حقق في الأصول وقرينة المقام والدليل
الخارجي يثبت رجوعه إلى سائر الجمل أيضا والاشكال في معنى المخصص وكيفية الرجوع والأظهر ان المراد
والله يعلم أن هذه المقادير أعني ثلثي أصل المال أو نصفه أو ثلثه أو سدسه إنما تثبت لصاحبها بعد ملاحظة الوصية
والدين يعني يعتبر أولا من المال بمقدار الوصية والدين ويفرض خارجا عن المال لأجل الموصى له وصاحب
الدين ثم يعطى صاحب الأنصباء نصيبهم المفروض أو ما يبقى منه بعد اخراج الوصية والدين وأما عدم اعطائهم
شيئا إذا لم يبق شئ بعد وضع الوصية والدين فهو وإن كان كذلك في نفس الامر ولكنه يشكل استفادته من الآية
فإنه إنما يناسب إذا كانت الوصية مسوقة لأجل بيان نفس الميراث وأما بعد كونه مفروغا عنه وجعل الآية مسوقة
لبيان المقدار فلا فحكمه يستفاد من الخارج.
هذا إذا جعلنا قوله تعالى في أولادكم متعلقا بقوله يوصيكم بإرادة في أمر ميراث أولادكم كما ذكره
بعض المفسرين وإن قلنا إنه ظرف مستقر من متعلقات ما بعده؟ وقلنا إن قوله للذكر متعلق بقوله يوصيكم ليناسب

243
عطف قوله تعالى ولأبويه أيضا عليه فيكون الآية مسوقة لبيان أصل الميراث ومقداره معا وحينئذ فيكون قوله تعالى
من بعد وصية يوصى بها أو دين بيانا لحق الموصى له وصاحب الدين.
فالحاصل ان مال الميت يقسم على المذكورين الموصى له وصاحب الدين والأولاد والأبوين ولصاحب
الدين مقدار دينه وللموصى له مقدار الوصية نعم الاجماع والأدلة خصه بما إذا أخرج من الثلث وللأبوين لكل
واحد منهما السدس وللأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين وهكذا ولكن استحقاق أولى الأرحام متأخر عن الدين
والموصى به فيصير ما فرض لأولي الأرحام وأوصى إليه به لهم بعد وضع ما فرض لهما فيصير المعنى ان هؤلاء الأرحام
يملكون هذه الأنصباء بعد ايفاء الدين والوصية ووصول نصيبهما إليهما إما بيدهما أو يد وكيلهما أو وليهما
ولو كان هو الحاكم أو المؤمنين العدول وبالجملة بعد تخلص المال عن الوفاء بهما ولا يحصل مالكيتهم
إلا بعد تملكهما لنصيبهما ووصله إليهما فإذا كان كذلك فقد لا يبقى لهم شئ يملكونه وقد نقص (ينقص خ)
عما فرض لهم فحينئذ فتعلق حق الدين بالمال ليس من باب تعلق الزكاة بالعين في أنه إذا تلف بعض المال بدون التفريط
مع وسعته للجميع قبل العزل واعطائه بالمستحق أو وكيله أو وليه وزع تلفه على الجميع بل إنما هو متعلق بذمة
المالك وفي هذا المال وإذا تلف المال قبل الأداء فيبقى في ذمته في (إلى خ) القيمة وأما الموصى به فاعتبار
التوزيع فيه إذا حصل النقص قبل القبض غير بعيد.
وقد يحتمل أن يكون المراد من الآية ان هذه الأنصباء إنما تثبت للأرحام بعد أن يكون المال متسعا
لهما ولها بأن يفضل عنهما ما يساوي هذه الأنصباء فحينئذ فيكفي في التملك وجواز التصرف ان يعزل نصيبهما وإن لم
يوصل بعد إليهما ولا إلى وكليهما أو وليهما ثم يتصرف فيها أو في مقدار ما فضل عنهما من انصبائهم أو يضمن
نصيبهما وإن لم يعزل فيجوز التصرف فيما يفضل عنهما أو في الكل بعد الضمان وهو بعيد عن اللفظ والاعتبار
ويؤيد الأول مع قربه بعض الأخبار كما سيجئ وهناك معنى ثالث وهو ان استقرار تملكهم يحصل بعد
وفاء الدين أو الوصية.
إذا تقرر هذا فنقول اختلفوا في أن المتوفى إذا كان له دين مستوعب للتركة فهل ينتقل المال إلى
الوارث لكنه يمنع من التصرف فيه إلى أن يوفى الدين منها أو من غيرها أو هو على حكم مال الميت على القولين
الأكثر على الثاني واختار العلامة رحمه الله في كتاب الميراث من القواعد الأول وكذا الشهيد الثاني في المسالك واحتجوا
عليه باستحالة بقاء الملك بغير المالك والميت لا يقبل الملك والديان لا ينقل إلى ملكهم إجماعا ولا إلى غير الوارث
فتعين انتقالها إلى الوارث قالوا ويمنع الوارث من التركة كمنع الراهن من التصرف في المال المرهون إلى أن يوفى
الدين منها أو من غيرها وهو مخير في جهات القضاء.
والأقوى الثاني لظاهر الآية على ما قررناه فإن ثبوت تلك الأنصباء لذوي الأرحام مخصص بقوله تعالى
من بعد وصية يوصى بها أو دين فحينئذ إن قلنا بالظهور بأن المراد منه من بعد اخراج الدين وإيفاء الوصية كما هو
الأظهر فالمقصود وإن قلنا بعدم الظهور فلا أقل من عدم أظهرية غيره من الاحتمالات أيضا فيصير المخصص
مجملا والمخصص بالمجمل لا حجية فيه فلم يثبت الانتقال إلى الورثة أيضا والأصل عدمه وحمل قوله من بعد وصية
على أن استقرار الملك مقيد بما بعد وفاء الدين والوصية كما فعله أرباب القول الأول خروج عن الظاهر ومستلزم
لان يدعي ان الآية مسوقة لبيان استقرار الملك في الأنصباء لا بيان اثبات أصله ومقداره وهي إنما تتم إذا ثبت
تملك أصل الميراث ومقداره من الخارج وكذلك تزلزله من أصل (أجل في) الدين والوصية ويراد اثبات

244
الاستقرار من الآية وهو بمكان من البعد بل لا يرضى به طبع سليم وما ذكروه من أن الميت لا يقبل الملك مم
لم لا يكون ذلك من باب مؤنة التجهيز والتكفين وقد رأيت هذا المنع في كلام الشيخ أحمد الجزايري في آيات
الاحكام ونقله هو أيضا عن الايضاح عن بعض فقهائنا.
وكذا دعوى الاجماع على عدم الانتقال إلى الديان ممنوعة إن أريد عدم ثبوت حق الانتقال حتى
مثل تعلق حق المستحق بالعين في الزكاة مع أولوية رب المال في التصرف فيها سلمنا لكن نقول إنه حينئذ ملك لله
يجب أداء دين عبده به كما يقال في الموقوف على المصالح العامة.
ثم استدل على ما ذهب إليه من عدم الانتقال بجملة من الروايات التي تقدمت في دليل القائلين بعدم الانتقال
ثم قال وأما الكلام في التصرف في المال وعدمه على ما اخترناه من عدم انتقال الملك إلى الوارث فالتحقيق فيه أن
يقال لا نمنع جواز التصرف مطلقا بل القدر المسلم إنما هو المنع عن التصرف بعنوان الملك في الجملة.
وأما التصرف بعنوان الأولوية بناء على أن هذا مال الميت ويجب أداء الدين عنه بعينه أو بما يساويه
من مثله أو قيمته فليس أحد أولى بالتصرف في ذلك من أرحامه لعموم آية أولو الأرحام كتجهيزه من ماله فإن
الولي كما أنه يجوز له اختيار بعض الأموال للبيع والانقاد لاشتراء ما يحتاج إليه الميت في تجهيزه من الخليطين
والماء والكفن وغيرها وكذا في اختيار البعض لدينه والآخر لوصيته والآخر لميراثه فإذا حصل صلاح الميت في
تصرف الولي في مال خاص وأداء الدين من آخر فما المانع من التصرف نعم لو تلف المال الذي أخذه لأداء الدين
قبل الايفاء يجب عليه الايفاء مما أخذه لنفسه ولو أتلف ما أخذه لنفسه قبل ذلك أيضا فيثبت الضمان في ذمته
كمؤنة التجهيز بعينها نعم يرد على هذا ان المسلم مما ثبت جوازه هو اختيار التصرف فيما يريد به قضاء الدين
أو التجهيز واما في غيره قبل ايفاء الدين وايصاله وتجهيز الميت ودفنه فلا يثبت من ذلك وإنما هو محل الاشكال.
فالأولى أن يقال إن الوارث حينئذ يتصور على أقسام منها من يكون مليا بارا بمورثه مهتما في شأن
أداء الدين عنه وتجهيزه فعدم جواز تصرفه في المال القليل الذي استوعبه دين مورثه مع كون مقصوده أداء
الدين وتجهيز مورثه عن مال نفسه مما لا مسرح له في العادة ولم يثبت المنع عنه في الشريعة لعدم انصراف ما دل
على حرمة التصرف في مال الغير إلى ذلك فإن غاية ما يتصور مانعا احتمال صيرورة الوارث فقيرا قبل وفاء الدين
والتجهيز وهو معارض باحتمال تلف ذلك المال الخاص قبل ايفاء الدين به وكذلك الكلام في الوارث البار المهتم
بشأن أمر مورثه في الشق الآتي أي الدين الغير المستوعب إذا كان المال كثيرا غاية الكثرة وإن لم يكن للوارث
بنفسه مال غير التركة.
ويدل على ما ذكرنا أيضا شهادة الحال برضاء الميت في مثل هذا التصرف من مثل هذا الوارث ولا استبعاد
في مثل ذلك بل اعتبار مثل هذه (الشهادة خ) كثير من جملتها صرف أدوات الحمامات والمساجد الموقوفة
الخربة الغير المأمول عودها إلى ما هو أقرب إلى مقصود الواقف أو مطلق سبيل الله سيما على القول بعدم انتقال
الوقف عن الواقف والصلاة في الخانات والأرحية الموقوفة ونحو ذلك.
ويدل عليه أيضا شهادة حال صاحب الدين بالاذن لمثل هذا الوارث الموصوف وكذلك وليه إذا كان
صغيرا أو غائبا فلا مانع من جانبه أيضا ويدل عليه أيضا نفي العسر والحرج والضرر بل يمكن ادعاء الاجماع
بملاحظة عمل الناس في الاعصار والأمصار من دون نكير لأنا لم نقف على أحد منع عن تصرف مثل الوارث الموصوف
في المال من العلماء السابقين واللاحقين ويؤيده صحيحة يحيى الأزرق المتقدمة أيضا والاجماع الذي

245
يظهر من المسالك في كتاب القضاء على عدم جواز التصرف في المستوعب وفي مقابل الدين في غيره محمول
على غير الصورة المفروضة.
فالحاصل ان الصورة التي يمكن دعوى الاجماع فيها ويصح المنع هي ما لو كان الوارث معسرا وغير
بار وغير معتمد في جميع المال في صورة الاستيعاب وفي ما قابل الدين أيضا في غيرها وحينئذ فالدليل على الجواز
في الفاضل على ما قابل الدين إنما هو الأصل ونفى الحرج والعسر وعدم منع الحاكم عن ذلك إذا كان المدين
مولى عليه لاعتماده على الباقي نعم لو لم يكن الوارث معتمدا عليه وليس هنا شاهد حال من جهة المورث
والمدين كان غير جايز إذ نفس تصرف ذلك الوارث يقتضي اتلاف جميع المال لو لم يمنعه المدين أو وليه
وهو على صدد الاتلاف شيئا فشيئا فربما يحصل الغفلة للمدين أو وليه ويتلف ما قابل الدين أيضا فلا إذن لمثل
هذا الشخص في التصرف.
نعم إذا كان المدين مطلعا بحاله وينتظر اتلاف الفاضل وأن يأخذ مما قابل دينه أو وليه فلا يجب منعه
عن التصرف في الفاضل بل لا معصية عليه بذلك وإن كان عاصيا بنيته في اتلاف الباقي.
وبالجملة فالواجب على الوارث ملاحظة المصلحة في التصرف فلا يتصرف المعسر ولا من لا يقدر على
ذلك وأما غيره فلا مانع من تصرفه كما ذكرنا ولعل من أخذ الدية في الصحيحة المذكورة كان جاهلا بذلك فلا
غائلة فيه وبعد العلم يجب عليه الأداء إما من نفس الدية أو عوضها إذا أتلفها.
ثم ذكر في ثمرة النزاع بين القول بالانتقال وعدمه ما هو المعروف بينهم من عدم تعلق الدين بالنماء
على الأول وتعلقه بها على الثاني فقال ما هذا لفظه وأما غير المستوعب فقال في الشرايع تبعا للشيخ والأكثر انتقل
إلى الورثة ما فضل وما قابل الدين باق على حكم مال الميت.
وقال في المسالك ولو لم يستوعب التركة ففي منعه من التصرف مطلقا أو فيما قابل الدين خاصة وجهان
أجودهما الثاني لكن يكون التصرف مراعى بوفاء الباقي فلو قصر لتلف أو نقص لزم الوارث الاكمال فلو تعذر الاستيفاء
منه ففي تسلط المدين على نقض تصرفه اللازم في الزايد وجهان أجودهما ذلك انتهى وعلى ما اختاره في غير
المستوعب من الانتقال بقدر الفاضل يظهر الثمرة في تبعية النماء وتوزيعها بقدر الحصة على أي حال سواء تلف
الباقي أو نقص أولا فلا يخرج الحصة عن الإشاعة بمجرد عزل الوارث.
وساق الكلام إلى أن قال وفذلكة المقام ان هنا مذاهب ثلاثة الأول قول الأكثر انه لا ينتقل في
المستوعب أصلا وينتقل في غير المستوعب بقدر الفاضل عن الدين وبنائه على حمل الآية على المعنى الثاني من
المعاني التي ذكرناها فهم يمنعون عن التصرف في الأول مطلقا لعدم الملك أصلا وفي الثاني فيما قابل الدين
لثبوت الملك في الفاضل مع احتمال المنع المطلق للإشاعة ولكونه بمنزلة الرهن فلا يجوز للراهن التصرف فيه
والثاني قول القواعد والمسالك من الانتقال في المستوعب لعدم مالكية الميت وهو مستلزم لثبوت الملك في الكل
في غير المستوعب بطريق أولى وهم يجعلون معنى قوله من بعد وصية ان الملك يستقر من بعد ايفاء الدين
والوصية فيكون هذا معنا ثالثا للآية كما أشرنا إليه وذكر في المسالك وجهين في المنع عن التصرف وعدمه في
الفاضل عن الدين في غير المستوعب فاما في المستوعب فظاهره دعوى الاجماع على المنع كما يظهر منه في كتاب
القضاء وكذلك فيما قابل الدين من غير المستوعب.
إلى أن قال والثالث هو ما اخترناه من عدم الانتقال مطلقا ولم نقف على موافق لما اخترناه إلا ظاهر

246
كلام الشرايع في الفطرة ويظهر وجود القول به من المسالك وظاهر كلام الأردبيلي في آيات الاحكام والشيخ
أحمد الجزايري في آيات الاحكام.
فالدليل على عدم الانتقال هو ظاهر الآية والخبران وغير ذلك مما مر وأما التصرف وعدمه فقد فصلناه
وبيناه انتهى ما أردنا نقله من كلامه رفع في الخلد مقامه.
وفيه مواضع للنظر لا بأس بالإشارة إلى جملة منها وإن كان الحاذق يقف عليها من ملاحظة ما ذكرنا
في معنى الآية وغيره.
أحدها ما ذكره رحمه الله في معنى قوله تعالى من بعد وصية من قوله يعني يعتبر أولا من المال بقدر الوصية
والدين ويفرض خارجا عن المال الخ ووجه النظر فيه انك قد عرفت سابقا في معنى الآية من أن المراد من
قوله من بعد وصية آه ليس بتقدير الافراز والاخراج ولا بتقدير الأداء والايفاء إلى غير ذلك بل المراد منه بعد
عدم الدين حسبما عرفت من أن نسبة البعدية إنما هي باعتبار وجوده.
ومن هنا يظهر أيضا فساد قوله بعد ذلك وأما عدم اعطائهم شيئا إذا لم يبق شئ آه فإن الظاهر من
هذا الكلام انه اختص مورد الآية ومعناها بما إذا كان هناك دين غير مستوعب للتركة فالآية غير شاملة لما لم يكن
هناك دين أصلا أو كان ولكن كان مستوعبا.
توضيح الفساد انه إما أن يجعل الآية مسوقة لبيان تأخر رتبة الإرث عن الدين حسبما بنينا عليه
الاستدلال سابقا كما هو مضمون قوله يبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث فهي حينئذ تجامع مع وجود الدين
مستوعبا وغير مستوعب وعدمه وتشمل جميع الصور وهذا المعنى مبني على جعل قوله من بعد وصية آه بمعنى
بعد عدمهما سواء كانا موجودين أو لا واما ان يجعل معنى قوله من بعد وصية آه بعد عدمهما اللاحق
المسبوق بوجودهما على ما هو مقتضى التحقيق نظرا إلى ظاهر الآية فالآية على هذا التقدير تشمل ما إذا كان
الدين مستوعبا أو لم يكن مستوعبا.
نعم لا تدل بالدلالة اللفظية على حكم ما إذا لم يكن هناك دين أصلا لكنه أيضا يفهم منها بعد ملاحظة
كون القيد واردا مورد الغالب فإنه قل انسان مات ولم يكن عليه دين أصلا فالآية على كل تقدير تشمل ما إذا كان
الدين مستوعبا ولا وجه لاخراجه إلا توهم كون الآية مسوقة للقسمة الفعلية وهو توهم فاسد بارد وبالجملة قد
عرفت أن حاصل معنى الآية ان ملكية الأنصباء أو استقرارها موقوفة على انتفاء الدين وعدمه وهو يجمع مع
استغراق الدين وعدمه ولا وجه لتخصيصه بالثاني أصلا.
ثانيها قوله وقد يحتمل ان يكون المراد من الآية ان هذه الأنصباء إنما تثبت للأرحام آه وجه النظر
انه إما أن يلاحظ الأنصباء بالنسبة جميع المال مع قطع النظر عن ملاحظة الدين والوصية أو يلاحظ بالنسبة
إلى المقدار الزايد عن الدين والوصية فعلى الأول لا يعقل اتساع المال للانصباء ضرورة ورود النقص على التركة
بعد ملاحظة الدين والوصية فكيف يعقل ملاحظة الأنصباء منها وعلى الثاني لا يعقل عدم اتساع المال لها بعد
فرض عدم استغراق الدين لأنه كل ما يفرض بقائه بعد الدين والوصية يمكن أن يلاحظ الأنصباء بالنسبة إليه فلا
معنى لقوله بأن يفضل عنها ما يساوي الأنصباء وهذا ظاهر بعد أدنى تأمل.
ثالثها قوله فيصير المخصص مجملا والمخصص بالمجمل لا حجية فيه آه وجه النظر فيه أنه إما ان يكون
المراد بالمخصص بالفتح في المقام صدر الآية التي فيها المخصص بالكسر واما أن يكون المراد به العمومات

247
الأولية الواردة في باب الإرث في الآيات الأخر فإن كان المراد الأول ففيه ان مقتضى التحقيق وإن كان
إجمال الآية حينئذ إلا أنه لا دخل له بمسألة التخصيص بالمجمل حسبما حققنا في محله من أن اللفظ المحفوف بما
يصلح أن يكون قرينة له لا يعد من الظواهر أصلا حتى يعرضه التخصيص وإن كان المراد الثاني كما هو الظاهر
من كلامه ففيه انه لا وجه للقول بصيرورة العمومات الأولية حينئذ مجملة فإن أحدا من العلماء والعقلاء لا يرفع يده
عن ظهور كلام بواسطة أمر خارج عنه يصلح أن يصير قرينة له بل بنائهم على العكس ورفع الاجمال مما يحتمل
أن يكون قرينة للظاهر كما لو ورد من المولى أكرم العلماء ثم ورد لا تكرم زيدا وكان زيد مشتركا بين العالم
والجاهل فان بنائهم على رفع الاجمال من قوله لا تكرم زيدا أو الحكم بكون المراد منه زيد الجاهل بواسطة ظهور
أكرم العلماء في العموم فإن كنت في شك فيما ذكرنا فارجع إلى بناء العرف في محاوراتهم حتى تشاهد صدقه
وما ذكرنا وإن خالف فيه جمع من الأصحاب إلا أن قضية التحقيق وفاقا لجمع من المحققين هو ما ذكرنا وقد
كتبنا في سالف الزمان تفصيل القول في ذلك في الأصول عند قرائتنا عند الأستاذ العلامة دام ظله بحث العام
والخاص من أراده فليراجع إليه.
رابعها قوله وحمل قوله تعالى من بعد وصية على أن استقرار الملك مقيد بما بعد وفاء الدين آه
وجه النظر ان جعل اللام بمعنى الاستقرار ليس فيه خروج عن الظاهر أصلا كيف وقد عرفت أنه الظاهر في
معنى اللام نعم جعل اللام في المقيدات بمعنى الاستقرار وفي المطلقات لمطلق التمليك خروج عن الظاهر لكنك
قد عرفت أيضا ما يجوز ارتكابه فراجع.
خامسها قوله وما ذكروه من أن الميت لا يقبل التملك مم آه وجه النظر ظاهر مما عرفت سابقا في
الدليل العقلي وتأسيس الأصل من امتناع قيام الملك بالمعدوم ومنعه مكابرة وتنزيل مؤنة التجهيز والتكفين
منزلة المال للميت والحكم بكونها في حكم المال له من جهة قيام الدليل عليها لا يستلزم التعدي إلى غيرها فضلا عن
استلزامها للتملك الممتنع عقلا بالنسبة إلى الميت فراجع إلى ما ذكرنا سابقا حتى تتطلع على حقيقة الامر.
سادسها قوله وكذا دعوى الاجماع على عدم الانتقال إلى الديان آه وجه النظر انه إن أريد من
الانتقال إلى الديان الانتقال الحقيقي فقد عرفت أنه خلاف الاجماع وإن أراد منه مجرد تعلق الحق من الديان
بالتركة فهو مما لا مجال لانكاره ولا ينفعه في شئ لاقتضاء الملك بحكم العقل المستقل مالكا حقيقيا ومجرد
تعلق الحق لا يجدي فيه نفعا أصلا.
سابعها قوله سلمنا لكن نقول إنه حينئذ ملك لله آه وجه النظر قيام الاجماع ظاهرا حسبما صرح به
بعض المشايخ على عدم كونه ملكا لله تعالى هذا مضافا إلى امكان أن يقال بل قيل بل لا بد أن يقول إن قيام
الملك بالله تبارك وتعالى ليس كقيامه بغيره وهذا المقدار لا يكفي في تحقق الملك الذي يقتضي من يقوم به وقد
صرح بذلك شيخنا الأستاذ العلامة في مجلس البحث.
ثامنها قوله وأما التصرف بعنوان الأولوية آه وجه النظر ما عرفت سابقا من عدم معارضة ما دل على
أولوية الوارث بما دل على نفي الضرر والضرار في الاسلام والقياس بالأمثلة المذكورة مما لا وجه له كما لا يخفى.
تاسعها قوله لعدم انصراف ما دل على حرمة التصرف في مال الغير إلى ذلك آه وجه النظر ظهور شموله
لذلك التصرف كما لا يخفى ولهذا لا يقول أحد بجوازه حتى الخصم في حق غير الوارث بل قد عرفت أن مقتضى
التأمل في الأخبار الواردة في الباب المنع من التصرف على القول بالانتقال أيضا فضلا عن القول بعدمه وأما معارضة

248
احتمال الضرر بالتصرف باحتمال الضرر بالبقاء فقد عرفت فساده غير مرة.
عاشرها قوله ويدل على ما ذكرنا أيضا شهادة الحال برضاء الميت آه وجه النظر انه أية فائدة في
تحقق رضاء الميت بعد كون التركة متعلقة لحق الغير والقياس بما ذكره من الأمثلة مما لا وجه له كما لا يخفى
وأما ادعاء رضاء الغريم بالتصرف لمثل ذلك الوارث كما أدعاه بعد هذا ففي حيز المنع فامتنع.
حادي عشرها قوله والاجماع الذي يظهر من المسالك آه وجه النظر فساد الحمل الذي ذكره إذ من
المعلوم شمول كلامهم له نعم لا يبعد دعوى خروج ما ذكره الأستاذ العلامة عن الفرض من كلامهم فراجع وتأمل
حتى يظهر لك حقيقة الامر.
ثاني عشرها قوله وحينئذ فالدليل على الجواز في الفاضل على ما قابل الدين إنما هو الأصل آه وجه النظر
فيه أن مقتضى الأصل على القول بعد انتقال الفاضل إلى الورثة على ما بنى عليه المستدل هو عدم جواز التصرف
وأما التمسك بحديث نفي الحرج فلا معنى له على القول بعدم الانتقال مضافا إلى تطرق المنع إلى صغراه لدفع
الحرج بأداء الدين فتأمل.
ثالث عشرها قوله إلا ظاهر كلام الشرايع في الفطرة آه وجه النظر ما سيجئ من عدم ظهوره فيما ذكره
قدس سره وأما المحقق الأردبيلي فقد عرفت أنه ذكر ذلك احتمالا لا جزما إلى غير ذلك مما يمكن ان يورد
عليه وعليك بالتأمل فيما ذكرنا من الايرادات بعين الانصاف مجتنبا عن العصبية والاعتساف فإن الحق
أحق أن يتبع ولا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال فإن الجواد قد يكبو هذا حاصل القول في جواز التصرف
وعدمه في الدين المستوعب.
وأما الكلام في الدين الغير المستوعب فيقع تارة بالنظر إلى ما قابل الدين وأخرى بالنظر إلى الفاضل
وأما الكلام في الجهلة الأولى فهو بعينه الكلام في الدين المستوعب على القول بالانتقال وعدمه لان حكم ما
قابل الدين واحد سواء فرض جميع التركة أو بعضها.
وأما الكلام بالنسبة إلى الجهة الثانية أي الفاضل عن الدين فقد عرفت أنه أيضا يقع في مقامين أحدهما
ما إذا قلنا بعدم الانتقال بالنسبة إلى ما قابل الدين ثانيهما ما إذا قلنا بانتقاله أيضا مثل الفاضل.
أما الكلام في المقام الأول فنقول انه قد ذهب جماعة فيه إلى جواز التصرف ونفوذه قبل أداء الدين
وهو مختار العلامة في باب الحجر من القواعد حيث قال بعد الحكم بعدم جواز التصرف في التركة بعد تعلق الحق
بها ما هذا لفظه فهل يشترط استغراق الدين إشكال أقربه ذلك فينفذ تصرف الولي في الزائد عن الدين فإن تلف
الباقي قبل القضاء ضمن انتهى وذهب جماعة أخرى إلى عدم الجواز وهو مختار العلامة رحمه الله أيضا في باب الإرث
حسبما عرفت من كلامه سابقا وهذا هو الأقوى.
لنا ان مقتضى بقاء ما قابل الدين على حكم مال الميت عدم جواز تصرف الورثة بالتصرف الاتلافي فيه
على ما عرفت تفصيل القول فيه في الدين المستوعب ولما لم يكن ما تعلق به الدين وما قابله جزء معينا من التركة
إذ لا أولوية لبعض على بعض في اختصاص التعلق به فلا يجوز تصرفه في الكل لان كل ما يريد التصرف فيه من
اجزاء التركة لا يعلم كونه هو الفاضل من التركة لاحتمال كونه هو المقابل للدين لاحتمال تلف الباقي فيكون
الدين متعلقا بما وقع التصرف فيه واقعا فهذا التصرف موجب لضياع حق الغرماء أو ايقاعه في معرض الضياع
وبتقرير آخر انه كما لم يجز التصرف في كل جزء من التركة في الدين المستوعب من حيث تعلق الحق به يقينا

249
وكون التصرف فيه موجبا لضياع الحق كذلك لا يجوز التصرف في كل جزء منها في الغير المستوعب لكونه
موجبا لوقوع الحق معرض الضياع لاحتمال كون المتصرف فيه هو المتعين لتعلق الحق به لاحتمال تلف الباقي
بعد التصرف بآفة من الله تعالى.
هذا مضافا إلى ما عرفت من الآية والاخبار الظاهرة في عدم جواز التصرف في التركة مطلقا إلا بعد
أداء الدين سواء كان مستوعبا أو لا وادعاء اختصاصها بالأول قد عرفت فساده من حيث كونه حملا لها
على الفرد النادر هذا.
وقد يستدل على الجواز بوجوه أحدها ان المقتضي للجواز موجود والمانع منه مفقود فيجب
الحكم بثبوته لامتناع انفكاك المعلول عن العلة أما وجود المقتضي لجواز التصرف فيما زاد عن الدين فلانه مقتضى قضية انتقاله إلى الوارث.
وأما فقد المانع فلانه ليس ما يتصور في المقام الا بقاء ما يقابل الدين على حكم مال الميت مع
عدم تعيينه وهو أيضا لا يصلح للمانعية لأنه إنما يمنع من التصرف في الجميع وأما التصرف في الزايد عن الدين
فلا لأن المفروض ان في زمان التصرف في المقدار الزايد عن الدين المقدار المقابل للدين موجود فهذا التصرف
ليس تصرفا فيما يتعلق به حق الغرماء ولا موجبا لتعريضه معرض الضياع أيضا.
وبالجملة الامر فيما نحن فيه ليس إلا كمسألة بيع الكلي على القول بصحته كبيع الصاع من صبرة في
بعض الصور فكما أن ملكية كلي الصاع من صبرة للمشتري لا يمنع من تصرف البايع في المقدار الزائد عن صاع
وإن لم يتلف من مال المشتري شيئا إلا بعد تلف الجميع كذلك بقاء ما قابل الدين من التركة فيما نحن فيه في
حكم مال الميت لا يمنع من التصرف في الفاضل مع فرض وجود ما قابل الدين والوجه للجواز في كلا المقامين
عدم كون تصرف المالك تصرفا في مال الغير لفرض وجود ما يقابله ويصدق عليه ويؤخذ (يوجد خ) في ضمنه.
هذه غاية ما يمكن أن يقال في توجيه هذا الدليل وفيه أنه لا وجه لمنع صلاحية بقاء ما يقابل الدين
في حكم مال الميت للمانعية لان مقتضى بقائه على حكم مال الميت عدم جواز التصرف فيما يحتمل كونه
مصداقا له واقعا والفاضل وإن كان مالا له إلا أنه لم يعلم أن ما يريد التصرف فيه هو الفاضل من الدين.
وأما القياس بمسألة بيع الكلي ففاسد جدا لان غير الكلي المبيع أيضا مملوك المبايع كما أن الكلي
أيضا مملوك للمشتري والبايع ليس محجورا فيما يتصرف فيه لان كلما يتصرف فيه هو غير الكلي وهذا بخلاف
المقام لان استقرار ملكية الوارث موقوف على عدم الدين والمفروض وجوده.
فإن قلت كما أن في مسألة بيع الكلي عنوانين أحدهما مملوك للمشتري وهو الصاع الكلي مثلا والآخر
مملوك للبايع وهو عنوان غير الكلي كذلك فيما نحن فيه أيضا عنوانان أحدهما ما في حكم مال الميت وهو ما يقابل
الدين والآخر داخل في ملك الورثة وهو الفاضل عن الدين وما عداه فكما تقول ان تصرف البايع في الصورة الأولى
في بعض الصاع تصرف في غير الكلي وهو العنوان المملوك له لتعين التالف لصيرورته مصداقا لغير الكلي لاستحالة
تلف الكلي مع فرض وجود فرد أو افراد منه كذلك نقول إن تصرف الوارث في بعض التركة تصرف فيما عدا المقابل
للدين لاستحالة تحقق تلفه مع فرض وجود جملة من التركة بقدر الدين لفرض كون عنوان المقابل أيضا كليا
لا يتحقق تلفه إلا بتلف جميع التركة فإن قلت إنه لا بد في جواز التصرف من احراز كون ما يتصرف فيه الوارث
ما عدا الكلي قبل التصرف فصيرورته ما عداه بعد التصرف والتلف مما لا ينفع في شئ بل لا يعقل جعله مناطا في

250
جواز التصرف فنقول بمثله في مسألة بيع الكلي بالنسبة إلى تصرف البايع.
وبالجملة لو كانت كلية ما يستحقه الغير مانعة من التصرف في الأبعاض التي توجد في ضمنها لكانت مانعة
في كلا المقامين من غير فرق بينهما أصلا مع أنه لا إشكال في جواز التصرف في مسألة بيع الكلي.
قلت المملوك للوارث في الفرض ليس عنوانا كليا في عرض ما يبقى في حكم مال الميت وما يتعلق به
حق الغرماء حتى يكون حكمه حكم بيع الكلي بل المملوك للورثة عنوان لا يستقر ملكيته لهم بحكم الآية
والرواية إلا بعد عدم الدين وارتفاعه.
وبعبارة أخرى لا يجوز للورثة التصرف في شئ من التركة بالتصرف الاتلافي إلا بعد استقرار ملكية
الفاضل لهم ولا يحصل الاستقرار في المقام إلا بتشخيص الفاضل ولا يتشخص إلا بعد أداء الدين لان كل جزء يتصرف
فيه يحتمل كونه هو المقابل للدين فلا يجوز التصرف في شئ من التركة إلا بعد أداء الدين وهذا بخلاف بيع
الكلي فإنه لا يقتضي إلا ملكيته للمشتري وأما حجر البايع في غيره إلا بعد تسليمه إلى المشتري فلا فالبايع
أيضا مالك كالمشتري عنوانا في عرض ما يملكه المشتري ملكا مستقرا لا تزلزل فيه بوجه من الوجوه فله أن يتصرف
في المال باعتبار (باختيار خ) ما يملكه في ضمن بعض معين هذا.
وإن شئت ذكرت في وجه الفرق ان التعيين في مسألة البيع بيد البايع بخلاف المقام فإنه لا دليل عليه
أصلا فلا تعيين إلا بأداء الدين ويتفرع على ما ذكرنا من الفرق انه لو أتلف الوارث في الفرض بعض التركة ثم تلف
الباقي بآفة من الله تعالى يحكم بضمانه لحق الغرماء لكشف تلف الباقي عن كون ما أتلفه الوارث هو المقابل لحقهم
والفاضل إنما هو التالف نعم لو أتلف جزء من التركة ثم أدى الدين من الباقي أو من غيره فيكشف ذلك من استقرار
ماله وتعين ما أتلفه لنفسه.
وبالجملة لا بد من أن يفرض ما في الذمة بعد الاتلاف موجودا في الخارج كأنه لم يتلف أصلا فإن أدي
الدين من الباقي فتعين كونه من الوارث وإلا فتعين كونه من الغرماء فعليه أن يدفعه في أداء الدين وهذا بخلاف
مسألة بيع الكلي فإنه لو تصرف البايع في البعض بعد ما كان مقدار الكلي ومصداقه موجودا ثم تلف الباقي لم
يحكم باشتغال ذمته على القاعدة.
فتلخص من جميع ما ذكرنا أنه ليس للورثة التصرف في التركة بالتصرف الاتلافي المضيع لحق -
الغرماء في الدين الغير المستوعب أيضا على القول بعدم انتقال ما قابل الدين إلى الورثة فما لم يؤد الوارث حق
الغرماء لا ينتقل إليه خصوص بعض أعيان التركة ويتفرع عليه انه لو كان على الميت دين غير مستوعب لتركته
وكان من جملتها مملوك وفرض موت المولى قبل الهلال لا يجب على أحد فطرته بعد الهلال وقبل أداء الدين إما
الميت فلفرض موته قبل الهلال وأما الغرماء فللإجماع على عدم انتقال أعيان التركة إليهم أما الوارث فلما عرفت
من عدم انتقال خصوص أعيان التركة إليه إلا بعد أداء الدين والمفروض عدم أداء الدين في الفرض.
وهذا الذي ذكرنا هو الوجه فيما أطلقه المصنف في باب زكاة الفطرة من عدم وجوب فطرة العبد على
أحد إذا فرض موت المولى قبل الهلال وكانت ذمته مشغولة بالدين حيث قال الثالث لو مات المولى وعليه دين فإن
كان بعد الهلال وجبت زكاة مملوكه في ماله في ماله وإن ضاقت التركة قسمت على الدين والفطرة بالحصص وإن مات
قبل الهلال لم تجب على أحد إلا بتقدير ان يعوله انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
وليس الوجه في اطلاق كلامه في الفرض الثاني وعدم تفصيله بين الدين المستوعب وغيره ما فهمه

251
الفاضل القمي رحمه الله من ذهابه إلى عدم انتقال ما زاد عن الدين أيضا في غير المستوعب حسبما عرفت من كلامه ولهذا
جعله موافقا لنفسه حيث ذهب إلى عدم الانتقال مطلقا والظاهر أنه تبع في تلك الاستفادة ثاني الشهيدين في
شرح قول المصنف وإن مات قبل الهلال آه حيث قال بناء على أن التركة قبل وفاء الدين على حكم مال الميت
سواء كان مستغرقا لها أم لا ومن ثم أطلق الدين ولو قلنا بانتقالها إلى الوارث وإن منع من التصرف فيها قبل وفاء
الدين كما هو الأجود كان الزكاة على الوارث انتهى.
وليس كلامه أيضا مختصا بالدين المستوعب حسبما فهمه السيد في المدارك حيث قال في شرح القول
السابق الوجه في هذين الحكمين ظاهر فإن زكاة الفطرة واجبة في الذمة فيكون جارية مجرى غيرها من
الديون وفي حكم المملوك الزوجة والقريب والمعال تبرعا وإنما خص المملوك بالذكر ليتفرع عليه ما بعده
وهو لو مات المولى قبل الهلال فإن ذلك يختص بالمملوك بناء على القول بعدم انتقال التركة التي هو منها إلى
الوارث على تقدير وجود الدين المستوعب انتهى.
بل الحق ان كلامه مطلق غير مختص بالمستوعب لكن الوجه في اطلاقه ما ذكرنا من أنه ما لم يحصل
أداء الدين الغير المستوعب مع القول بانتقال الفاضل إلى الورثة لم ينتقل خصوص أعيان التركة إلى الوارث
وانتقال العنوان المحتمل كون العبد من مصاديقه لا يوجب الحكم بانتقال العد إليه حتى يحكم بوجوب فطرته عليه
نعم على القول بانتقال جميع التركة إلى الورثة سواء في المستوعب أو غيره كما عليه ثاني الشهيدين لا بد من
القول بوجوب الفطرة وإن قيل بالمنع من التصرف لان المنع من التصرف لا يمنع من تعلق الزكاة والفطرة كما
لا يخفى نعم يظهر من المسالك في باب زكاة البدن في بعض الفروع احتمال عدم الزكاة في الفرض.
وبالجملة الأوجه في عبارة المصنف ما ذكرنا لا ما ذكره صاحب ك من التخصيص بالمستوعب ولا ما ذكره
صاحب المسالك والفاضل القمي من الاطلاق والشمول للقسمين مع ابتناء الاطلاق على القول بعدم الانتقال مطلقا
حتى بالنسبة إلى الفاضل.
نعم ظاهر عبارة المصنف في باب زكاة المال عدم انتقال الفاضل إلى الوارث كما قابل الدين حيث قال
الخامسة إذا مات المالك وعليه دين فظهرت الثمرة وبلغت نصابا لم يجب على الوارث زكاتها ولو قضى الدين و
فضل منها النصاب لم يجب الزكاة لأنها على حكم مال الميت انتهى كلامه وحمله في ك على الدين المستوعب
حيث قال فاعلم أن قول المصنف إذا مات المالك وعليه دين يقتضي باطلاقه عدم الفرق في الدين بين المستوعب
للتركة وغيره إلا أن الظاهر حمله على المستوعب كما ذكر في المعتبر لان الدين إذا لم يستوعب التركة ينتقل
إلى الوارث ما فضل منها عن الدين عند المصنف بل وغيره أيضا ممن وصل إلينا كلامه من الأصحاب وعلى هذا فيجب
زكاته على الوارث إلى أن قال وقوله ولو قضى الدين وفضل منها النصاب لم تجب الزكاة تنبيه على الفرد
الأخص (الأخفى خ) والمراد انه لو اتفق زيادة قيمة أعيان التركة بحيث قضى منها الدين وفضل (حصل خ) للوارث
نصاب بعد إن كان الدين محيطا بها وقت بلوغها الحد الذي يتعلق به الزكاة لم تجب على الوارث انتهى ما أردنا نقله
من كلامه وظاهر الشهيد في المسالك هنا أيضا حمل العبارة على الاطلاق فراجع وتأمل في المسألة لأنها لا تخلو
عن الاشكال والفرق المذكور بين المقام والكلي قابل للمنع.
ثانيها السيرة المستمرة من زماننا إلى زمان الأئمة (عليهم السلام) والنبي (صلى الله عليه وآله) على التصرف في التركة مع تعلق
الدين بها في الجملة فإنه لا يكون بناء الناس على عدم التصرف في التركة الكثيرة مع وجود دين قليل على الميت

252
وهذا ظاهر لمن راجع إلى طريقة المسلمين في جميع الأعصار والأمصار.
وفيه أنه على فرض تسليم تحقق السيرة وعدم كونها من جهة عدم المبالاة في الدين وشريعة سيد -
المرسلين لا ينافي ما ذكرنا لان التصرف في التركة الكثيرة مع وجود الدين القليل لا يعد عادة تضييعا للدين
أو ايقاعه معرض الضياع ولو فرضت التركة قليلة أو كثيرة لكن أراد الوارث التصرف في جميعها ببيع ونحوه
أو أراد التصرف في البعض مع عدم بقاء الباقي عادة لم يجز التصرف له قطعا ولو فرض قيام السيرة عليه فيحكم
بعدم جواز التمسك بها لعدم كشفها عن تقرير الحجة مع ما مر عليك من الاخبار الظاهرة في المنع عن التصرف بما
يوجب الضياع أو ايقاع التركة معرضه.
وبالجملة مقتضى قوله إن الميت أحق بدينه من غيره بعد القاء خصوصية الدية للقطع بعدم مدخليتها
من بين الأموال عدم جواز التصرف في التركة بما يوجب تفويت الدين الذي كان على الميت أو إيقاعه معرض -
الضياع فكل تصرف من الورثة كان مفضيا إلى تفويت حق الغرماء أو وقوعه معرض الفوت لم يكن جايزا لأنه مقتضى
أحقية الميت بماله وكل تصرف لم يكن مفضيا إلى ذلك فلا دليل على منعه عن ذلك لان المنع الذي ورد
في الاخبار عن التصرف في التركة مع تعلق الدين بها إنما هو من حيث كونه موجبا لضياع حق الديان لا لان
التصرف في التركة في الفرض من المحرمات من حيث هو هو مع قطع النظر عن الضياع.
وبالجملة لا بد من مراعاة الميت في ماله وعدم فعل ما يوجب حرمانه منه وبقاء اشتغال ذمته فكل
تصرف لا يوجب ذلك فهو جايز على القاعدة فلو فرض كون تعلق حق الغرماء بذمة الوارث أولى من تعلقه بأعيان
التركة من حيث كونها في معرض الضياع دون الذمة فلا بد من الحكم بجواز التصرف في التركة مع بناء الوارث
على ضمان حق الغرماء وانتقاله إلى ذمته فتأمل.
ثالثها ما تمسك به الفاضل القمي رحمه الله فيما تقدم من كلامه ومن تقدم عليه ومن تأخر عنه من لزوم -
الحرج في منعهم من التصرف في التركة مع عدم استيعاب الدين حسبما هو المفروض وفيه ما عرفت سابقا في الايراد
على الفاضل القمي رحمه الله ولا تطلب (فلا نطيل خ) بالإعادة.
رابعها ان منع الورثة من التصرف في التركة موجب لورود الضرر عليهم في بعض الأحيان وفيه
أيضا ما لا يخفى.
خامسها ما تقدم من قوله في الرواية إذا لم يكن الدين محيطا بالتركة فلينفق عليهم أي على الصغار
من وسط المال وجه الاستدلال انه يدل بظاهره على جواز التصرف في التركة في صورة عدم الاستيعاب وفيه أن
المراد من وسط المال هو التصرف الذي لا يوجب ضررا على الديان أصلا وقد عرفت أن هذا النحو من التصرف
جايز قطعا هذا ما ذكره الأستاذ العلامة في الجواب عن الرواية ويمكن أن يجاب أيضا بأن إذن الإمام (عليه السلام) في التصرف
في الفرض من جهة مراعاة حال الصغار فتأمل هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني أي جواز التصرف وعدمه على القول بانتقال ما قابل الدين أيضا إلى الورثة
فالحق فيه أيضا عدم جواز التصرف بما يوجب تضييع حق الغرماء أو ايقاعه معرض الضياع لأنا وإن قلنا بانتقال ما
قابل الدين إلى الورثة لكنه محجور فيه بمقتضى الروايات المتقدمة الدالة على عدم جواز التصرف في التركة قبل
أداء الدين والمفروض انه لا يعلم كون أي جزء من التركة مما قابل الدين حتى يجوز التصرف في غيره حسبما
عرفت تفصيل القول فيه في المقام الأول فلا يجوز له التصرف إلا بعد استقرار ملكيته الذي لا يحصل إلا بعد رفع

253
الدين فحكم التصرف في التركة في صورة عدم الاستيعاب على القول بانتقال جميعها إلى الورثة حكمه في صورة
الاستيعاب على القول بالانتقال وأولى بعدم الجواز ما لو قلنا بعدم انتقال التركة إلى الوارث في صورة عدم
الاستيعاب حتى ما فضل من الدين على ما ذهب إليه المحقق القمي رحمه الله فتلخص مما ذكرنا أن الحق في المقامات
الأربعة عدم جواز التصرف بما يوجب تضييع حق الغرماء قبل أداء الدين وجواز التصرف بما لا يوجبه لما قد عرفت
من عدم المانع منه مع حصول العلم عادة برضاء الديان بذلك أيضا وعليك بالتأمل في المقام فإنه من مزال الاقدام
ومضطرب العلماء العظام عليهم الرضوان من الملك العلام.
الثاني انك قد عرفت من تضاعيف كلماتنا السابقة انه لا إشكال بل لا خلاف في حصول براءة ذمة الميت
وجواز تصرف الوارث بعد ضمانه للغرماء بعقد الضمان لانتقال حقهم حينئذ إلى ذمة الوارث وفي حصولها وجواز
تصرف الوارث بعد عزل الوصي ومثله مقدار الدين من التركة على القول بايجاب العزل للتعيين وهل يحصل
براءة ذمة الميت بإذن الغرماء في تصرف الوارث أم لا فيه تفصيل بين رجوع الاذن إلى ابراء ذمة الميت من الحق و
بين رجوعه إلى الاذن في جعل غير التركة بدل التركة كما هو الغالب فيه فعلى الأول لا إشكال في حصول البراءة و
على الثاني لا إشكال في عدم حصولها وتعلق الحق بالبدل.
الثالث انه لا إشكال في عدم جواز تصرف الوارث في التركة وعدم نفوذه على القول به فيما لو كان الدين
ظاهرا حين التصرف وأما لو لم يكن حين التصرف دين ظاهر فتصرف ثم تبين هناك دين على الميت فإن تبين ان
الميت كان مشغول الذمة فعلا قبل الوفاة وان الدين كان حاصلا قبلها كما لو تبين انه اقترض من شخص مثلا
فلا إشكال أيضا في أن حكمه حكم الصورة الأولى في عدم النفوذ والافتقار إلى إجازة الداين وإن خالف حكمها
بالنظر إلى الحكم التكليفي فإن التصرف في الصورة الأولى كان حراما بخلاف الفرض لفرض جهل الوارث حين التصرف
باشتغال ذمة الميت فلا يكون تصرفه حراما لكونه معذورا معه الجهل في الحكم التكليفي وإن لم يكن معذورا
في الحكم الوضعي وإن تبين انه قد أوجد سببا للضمان في حال الحياة لكن لم يترتب المسبب عليه ما دام الحياة
وترتب بعد الموت مثل ما لو سرت الجناية بعد موته أو تردى بعد الموت في بئر حفرها عدوانا فهل يلحق في -
الحكم بالصورتين فيحكم بعدم نفوذ تصرفه من دون إجازة الغرماء أو يحكم فيه بالنفوذ وجهان أوجههما الأول
وإن احتمل العلامة في القواعد الثاني لان الميت بإيجاده السبب فقد أوجد العلة التامة للحكم بضمانه شرعا
فتكون تركته متعلقة لحق المضمون له فقد تصرف الوارث فيما كان بحسب الواقع متعلقا لحق الغير والمفروض
ان الوجود الواقعي للتعلق يكفي في الحكم بعدم نفوذ تصرف الوارث ووجه النفوذ ان تصرف الوارث في الفرض
لا يكون بحسب الواقع مقارنا ومجامعا للدين الموجود حال الحياة فيكون نافذا وفيه ما لا يخفى من الفساد.
الرابع ان كلما ذكرنا في الدين يأتي بعينه في الوصية أيضا لا فرق بينهما أصلا فإن قلنا بانتقال ما
قابل الدين إلى الورثة فنقول به بالنسبة إلى ما قابل الوصية إذا فرض كونها كليا وإن قلنا ببقائه على حكم مال
الميت فنقول به في الوصية أيضا وكذلك الكلام بالنسبة إلى جواز التصرف وعدمه على كل من القولين من غير
فرق بين الوصية والدين في جميع ذلك أصلا نعم الفرق بينهما ان تعلق الوصية بمجموع التركة من قبيل الإشاعة
وتعلق الدين بها من قبيل تعلق الكلي بالافراد حسبما عرفت تفصيل القول فيه سابقا وهذا الفرق لم يدل عليه
الآية والروايات الدالة بعدم الانتقال بل ما قام من الخارج على أنه ليس للميت إلا الثلث والثلثان مال الوارث وقد
صرح بما ذكرنا جمع من المحققين منهم الأردبيلي في آيات الاحكام هذا.

254
وقد صرح بعض مشايخنا قدس سره بالتفصيل في المسألة بين الوصية والدين حيث ذهب إلى الانتقال
في الثاني من جهة العمومات بعد عدم دلالة المخصصات وإلى عدم الانتقال في الأول من جهة ما دل على أن ثلث
مال الميت للميت له أن يتصرف فيه بأي نحو شاء فيدل على بقاء الوصية على حكم مال الميت وفيه أن هذا التفصيل
تفصيل ركيك لا شاهد له أصلا بل يمكن دعوى الاجماع على خلافه وما ذكر من الدليل لا يدل عليه أصلا لان
المقصود مما ورد من أن ثلث مال الميت للميت هو انتفاعه به وعدم تصرف الورثة فيه إذا أوصى به ولهذا ينتقل
إلى الورثة لو لم يوص به اجماعا محققا ومنقولا.
الخامس انه ذكر كل من تعرض للمسألة على ما وقفنا عليه ان الثمرة بين القول بانتقال أعيان التركة
إلى الوارث وبقائها على حكم مال الميت تظهر في الثمرة والنماء فإنها على الأول توجد في ملك الوارث ولا يتعلق
بها حق الغرماء أصلا وعلى الثاني يتعلق بها حق الغرماء كالأعيان ولم أقف على من منعه أو تأمل فيه إلا بعض
مشايخنا قدس سره في جواهره حيث منع ذلك مستندا إلى أنه يمكن أن يكون النماء ملك الوارث ومع ذلك
يجب دفعه في أداء الدين كالأصل ولكنك خبير بفساد هذا المنع لأنه لا معنى لوجوب الدفع إليه بعد ما كان -
النماء حادثا في ملكه وموجودا فيه وإن أمكن القول بوجوب دفعه إلى الغرماء أمكن القول به في سائر أموال
الوارث مما لا دخل للميت فيه أصلا وأما دفع أعيان التركة في أداء الدين على القول بالانتقال فإنما هو من جهة
كونها متعلقة لحق الديان فكيف يقاس عليها النماء الحادث في ملك الوارث
السادس انه لا إشكال بل لا خلاف في أن للوارث المحاكمة على ما يدعيه لمورثه سواء على القول
بانتقال التركة إلى الوارث مع الدين أو عدمه أما على الأول فظاهر وأما على الثاني فلما دل على كونه قائما
مقام الميت وانه أولى به من جميع الناس من آية أولو الأرحام وغيرها مضافا إلى ثبوت الاستحقاق له على كل
تقدير فإن كان هناك شاهدان وإلا فإن كان شاهد واحد فيقضي به مع يمين الوارث وإن لم يكن هناك
شاهدا أصلا فله أن يحلف المدعى عليه فإن حلف أورد فهو وإلا فيقضى عليه بالنكول أو بعد الرد على الخلاف ولا -
خلاف في جميع ذلك كله.
إلا أنه قد يشكل في حلف الوارث مع الشاهد أو بعد الرد بملاحظة ما قرر في محله من أنه لا
يجوز يمين الغير للغير ولا ينفع له أصلا وإن كان له حق بالنسبة إلى ما يحلف عليه وقد مرت الإشارة منا إلى
ذلك في طي كلماتنا السابقة اشكالا ودفعا لكن نقول هنا أيضا انه يمكن دفع هذا الاشكال بوجهين.
أحدهما ما أشرنا إليه سابقا من أنه ليس لنا دليل يدل بعمومه على عدم جواز حلف الغير للغير بحيث
يشمل المقام ومثله من المقامات مما يعود نفع المحلوف عليه إلى الحالف ويكون مستحقا له ومختارا في التصرف
فيه في الجملة ولا يرد النقض عليه بعدم جواز حلف الغريم على ما هو ظاهر قضية كلماتهم وغيره ممن له حق
بالنسبة إلى المدعى به في الجملة للفرق بين الحق المتعلق للغريم به والحق المتعلق للوارث به فإنه ليس للغريم
إلا استيفاء ما يغرمه من التركة وليس له دخل بأعيان التركة أصلا ولهذا لا يجوز له مزاحمة الوارث بالنسبة إلى
مورد الأداء أصلا.
وهذا بخلاف الوارث فإن موت المورث علة لانتقال التركة إليه غاية ما هناك انه على القول بعدم الانتقال
مع الدين صار الدين مانعا من الانتقال إلى الوارث فعلا حتى يؤد الدين فنفس أعيان التركة تنتقل إلى الوارث مع
أداء الدين أو رفعه بابراء الغريم ولهذا يكون للوارث التخيير في جهات القضاء اجماعا.

255
والحاصل انه لا معنى لقياس الغريم بالوارث أصلا فإن الوارث بعد الحلف هل ان يفك المحلوف عليه
بخلاف الغريم فإنه ليس له ذلك قطعا فلا يقاس أحدهما على الآخر.
ثانيهما ما أشار إليه الأستاذ العلامة من قوله وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض الآية فإن مقتضى
كون الوارث أولى بالميت من غيره جواز حلفه له لأنه ربما ينفعه في استخلاصه من الدين وغيره من الحقوق
وبالجملة مقتضى دليل الولاية كون الوارث قائما مقام الميت فكما انه جاز له الحلف كذلك يجوز للوارث الحلف
أيضا بعد تنزيله منزلة المولى عليه.
فيخرج به عما دل بعمومه لو فرض له عموم على أنه لا ينفع حلف الغير للغير بل ليس خروجا حقيقة بالبيان
الأخير وهذا ملخص ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله.
ولكنك خبير بأنه لو فرض هناك دليل يدل بعمومه على المعنى المذكور كان عمومه حاكما على دليل
الولاية فإنه يدل على أن جواز الحلف من لوازم نفسه لا يتعداه إلى غيره فهو لا يقبل النيابة فيه بل هو كالأبوة
والبنوة ونحوهما من الأوصاف القائمة بالميت غير قابلة للتنزيل حتى يجري فيه أدلة الولاية فالأحسن على
هذا منع العموم كما صنعه الحسن وغيره ممن أحسن بأهل الاسلام ولم يذكر هذا الوجه شيخنا الأستاذ أيضا متكلا
عليه بل ذكره تأييدا ولا بأس به هذا بالنسبة إلى الوارث.
وأما الغريم فهل له المرافعة أم لا الذي يظهر من كلام جماعة منهم العلامة في القواعد ان له هذه
في الجملة كما إذا كان له بينة عادلة أو لم تكن وأراد الغريم حلف المدعى عليه لان له أيضا حقا بالنسبة إلى
التركة لكن الذي يظهر من الجميع عدم جواز الحلف له فلو توقف استخراج الحق عليه وانحصر ميزان -
القضاء به لم يكن له ذلك إذا عرفت أن لكل من الغريم والوارث احلاف المدعى عليه فلو أحلفه الغريم
فيسقط دعواه منه قطعا.
وأما الوارث فله الدعوى قطعا لان سقوط حق أحدهما لا يوجب سقوط حق الآخر فإن أحلفه أيضا فلا
أشكال وأما إن أقام البينة على الحق أو حلف عليه بعد رد اليمين عليه فإن أخذ الحق من المدعى عليه فذكروا
انه لا إشكال في أن للديان الاخذ من الوارث لان ما أخذه تركة من الميت فيتعلق حق الديان به أيضا إذ لا ترجيح
لغيره عليه واحلافه المدعى عليه إنما اقتضى عدم جواز أخذه منه لا من الوارث أيضا وإن لم يأخذ الحق من
المدعى عليه فقد استشكل في القواعد في جواز أخذ الغريم منه حيث قال بعد نقل الخلاف في انتقال التركة إلى
الوارث وفي جواز تصرفه ما هذا لفظه وعلى التقديرين المحاكمة للوارث على ما يدعيه لمورثه وعليه ولو
أقام شاهد أحلف هو دون الديان وان امتنع فللديان احلاف الغريم فبرء منهم لا من الوارث فإن حلف الوارث
بعد ذلك كان للديان الاخذ من الوارث إن أخذ وهل يأخذون من الغريم إشكال انتهى كلامه.
وذكر الأستاذ العلامة وجماعة ممن تقدم عليه وعاصره في وجه الاشكال ان الغريم باحلافه المدعى
عليه قد أسقط حقه عنه بمقتضى قوله (عليه السلام) وذهبت اليمين بما فيها فلا معنى لجواز مطالبته منه بعد سقوط حقه
ثم أيد ذلك الأستاذ بأن الذمة لما كانت من الأمور الاعتبارية المنتزعة من الأحكام الشرعية فيصح أن يقال حينئذ ان
المدعى عليه مشغول الذمة للوارث دون الغريم وان ما في ذمته تركة للميت بالنسبة إليه دون الغريم لاسقاط
حقه بالحلف ثم أيده أيضا بما في بعض الروايات من أنه إذا لم يأخذ الورثة الحق من غريم الميت يأخذه الميت منه
في يوم القيامة مثل صحيحة عمر بن يزيد عن الصادق (عليه السلام) قال إذا كان للرجل على الرجل دين فمطله حتى مات

256
ثم صالح ورثته على شئ فالذي أخذ الورثة لهم وما بقي فهو للميت يستوفيه منه في الآخرة وإن هو لم يصالحهم على
شئ حتى مات ولم يقض عنه فهو للميت يأخذ به وجه التأييد ان الصحيحة تدل على أنه ما لم يأخذ الورثة الحق
من غريم الميت لا يكون تركة له فإذا لم يكن تركة لا يتعلق به حق الغرماء أيضا وهو ظاهر هذا.
وقد يرد وجه الاستشكال بأن حلفه إنما اقتضى سقوط حقه منه من حيث كونه حقا له فلا ينافي جواز
مطالبته من حيث ثبوت كونه مشغول الذمة بحلف الوارث وان الميت ترك في ذمته شيئا فالمجوز لاخذه من -
الوارث بعد الاخذ هو المجوز لاخذه من المدعى عليه وهو ليس في المقامين إلا كون ما في الذمة بعد ثبوته تركة
للميت يتعلق به حق الغريم وإن لم يجز أخذه من المدعى عليه قبل ثبوته.
وأما ما ذكره الأستاذ العلامة من التأييدين ففي أولهما انه لا معنى للقول بأن ما في الذمة تركة بالنسبة
إلى الوارث وإلا لجرى هذا الكلام بعد الاخذ أيضا مضافا إلى أنه لا يجري في دعوى العين والقول بأن كلام -
العلامة مختص بالدين كما قال به الأستاذ كما ترى وفي ثانيهما ان المراد من الحديث ليس بيان الاحكام الدنيوية
قطعا وإلا فلا بد من أن يحكم بأن ما في الذمة ليس تركة للميت أصلا سواء اعترف به المديون أو أنكره فلا يتعلق
به دين ولا يورث عنه وهو خلاف الاجماع بل خلاف نفس الرواية كما لا يخفى.
ثم إن كلامهم هذا وإن كان مختصا باحلاف الغريم للمدعى عليه إلا أنه يمكن فرضه في احلاف -
الوارث كما إذا ادعى الوارث أيضا وأحلف المدعى عليه ثم ادعى الغريم وأقام البينة على الحق أو نكل من اليمين
على القول بالقضاء به في أمثال المقام فتأمل.
السابع ان ما ذكرنا في حكم الدين من انتقال التركة إلى الوارث معه وعدمه وجواز تصرف الوارث
فيها وعدمه وغيرهما من الاحكام ليس مختصا بخصوص القرض كما قد يتوهم بالنظر إلى ظاهر لفظ الدين ظهورا أوليا بل
يجري في جميع ما في ذمة الميت من الحقوق المالية للناس سواء كان بقرض أو بغيره لان المراد من الدين في الآيات
والاخبار هو ما ذكرنا قطعا ولعله يأتي توضيح لذلك فيما بعد إن شاء الله فافهم واغتنم.
قوله في اليمين مع الشاهد يقضى بالشاهد واليمين في الجملة الخ أقول الكلام في المقام يقع في مواضع
أحدها في ثبوت القضاء بالشاهد واليمين في الجملة ثانيها في بيان أن أصل السبب في اثبات الحق هل هو الشاهد
واليمين شرط وفرع له أو الامر بالعكس أو كل منهما جزء السبب والسبب مجموع المركب منهما لا فرعية بينهما
أصلا ثالثها في بيان الترتب بينهما في مقام الأداء وانه هل يشترط تقديم الشاهد أو يكفي مع تقديم اليمين أيضا
رابعها في بيان المورد الذي يحكم فيه بالشاهد واليمين وانه مطلق الحقوق أو خصوص حق الناس وعلى الثاني
مطلق حقهم أو بعضه ثم المراد من البعض ما هو على تفصيل يأتي الكلام فيه انشاء الله.
أما الكلام في الموضع الأول فنقول ان مقتضى الأصل الأولي وإن كان عدم القضاء بالشاهد واليمين
إلا أنه قد ثبت القضاء بهما في الجملة بالاجماع المحقق الذي لا يريب في تحققه من له خبرة ويكفي للقطع
بتحققه ملاحظة الاجماعات المنقولة لأنها وصلت حد التواتر بل أقول إن القضاء بهما من الضروريات عند العلماء
وقد وافقنا فيه أيضا المخالفون إلا أبا حنيفة وتابعيه.
ويدل على القضاء بهما قبل الاجماع الأخبار المتواترة والآثار المتكاثرة المنقولة من طرق العامة و
الخاصة التي يقف عليها كل من لاحظ كتب الاخبار بل مصنفات علمائنا الأخيار ونحن أيضا نورد جملة منها في
هذا المضمار حتى يزول ببركتها جميع الشبهات.

257
فمنها ما روي عن طرق العامة عن ابن عباس وجابر ان النبي (صلى الله عليه وآله) قضى بالشاهد مع اليمين وروى عنهم
أيضا ان النبي (صلى الله عليه وآله) قضى بالشاهد الواحد مع يمين الطالب ورووا أيضا عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه عن
علي (عليه السلام) ان النبي (صلى الله عليه وآله) قضى بشاهد واحد ويمين صاحب الحق إلى غير ذلك.
ومنها ما روى عن طريق الخاصة عن منصور بن حازم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق وروى أيضا عن حماد بن عيسى في الحسن قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول حدثني أبي ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قضى بشاهد يمين وروى أيضا عن عبد الرحمن بن الحجاج في الحسن قال
دخل الحكم بن عتبة وسلمة بن كهل على أبي جعفر فسألاه عن شاهد ويمين فقال قضى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي
(عليه السلام) عندكم بالكوفة فقالا هذا خلاف القرآن فقال (عليه السلام) وأين وجدتموه خلاف القرآن فقالا ان الله عز وجل يقول و
اشهدوا ذوي عدل منكم فقال (عليه السلام) لهما فقوله واشهدوا ذوي عدل منكم هو أن لا تقبلوا شهادة واحد ويمينا.
ثم قال (عليه السلام) ان عليا كان قاعدا في مسجد الكوفة فمر به عبد الله التميمي ومعه درع طلحة فقال له علي (عليه السلام)
هذه درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة فقال له عبد الله فاجعل بيني وبينك قاضيك الذي رضيته للمسلمين فجعل
بينه وبينه شريحا لعنه الله فقال له هذه درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة.
فقال شريح هات على ما تقول به بينة فأتاه بالحسن (عليه السلام) فشهد انها درع طلحة أخذت غلولا يوم
البصرة فقال شريح هذا شاهد ولا أقضي بشهادة شاهد حتى يكون معه آخر قال فدعى قنبرا فشهد انها درع
طلحة أخذت غلولا يوم البصرة.
فقال شريح هذا مملوك ولا أقضي بشهادة مملوك قال فغضب علي (عليه السلام) وقال خذوها فان هذا قضى
بجور ثلاث مرات قال فتحول شريح في (من خ) مجلسه وقال لا أقضي بين اثنين حتى تخبرني من أين قضيت بجور
ثلاث مرات فقال (عليه السلام) له ويلك أو ويحك اني لما أخبرتك انها درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة قلت هات
على ما تقول بينه وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيثما وجد غلول أخذ بغير بينة وقل رجل لم يسمع بهذا الحديث فهذه
واحدة ثم أتيتك بالحسن (عليه السلام) فشهد قلت شاهد واحد ولا أقضي بشهادة واحد حتى يكون معه آخر وقد قضى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشهادة واحد ويمين فهذه اثنتان.
ثم أتيتك بقنبر فشهد انها درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة فقلت هذا مملوك ولا أقضي بشهادة
مملوك ولا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا.
ثم قال ويلك أو ويحك امام المسلمين يؤتمن من أمورهم على ما هو أعظم من هذا الحديث إلى غير
ذلك من الروايات التي يأتي إلى جملة منها الإشارة أيضا في الموضع الرابع وفي الحديث مواضع يصعب فهمها
على الناظر لا بد من بيانها ورفع اشكالاتها.
منها قوله هو أن لا تقبلوا شهادة واحد ويمينا ومراده (عليه السلام) من ذلك عدم دلالة الآية على نفي سماع
شهادة الواحد إما من جهة ان الآية انما وردت في الطلاق ولا دخل لها بغيره وإنما المناسب للاستدلال به في -
المقام قوله تعالى فاستشهدوا شهيدين من رجالكم.
وأما من جهة ان الامر في قوله واشهدوا وقوله واستشهدوا للارشاد إلى استحكام الامر لئلا ينجر إلى
الخصومة والمرافقة فهذا لا دخل له بأن ميزان دفع الخصومة أي شئ لان الآية المذكور غير واردة لبيان
حكم صورة وقوع الخصومة بل واردة للارشاد إلى حفظ الامر حتى لا يحتاج بعده إلى يمين ولا إلى غيرها وهذا

258
واضح لكل من تأمل الآية وأمثالها هكذا ذكره الأستاذ العلامة والامر كما ذكره لكن جماعة من الأصحاب
تسامحوا في الاستدلال بالآيتين فتعدوا عن الطلاق في الآية الأولى إلى غيره كما يظهر من تمسكهم بها في فروع
كثيرة منهم عدم الحاق وطي البهيمة بالزناء في الافتقار إلى أربعة شهداء وقد استدل بها لهذا المطلب الشهيد
في المسالك في باب الشهادات.
وتمسكوا بالآية الثانية بل الأولى لكفاية الشاهدين في اثبات جملة من الحقوق ولعل الأول
مبني على فهمهم عدم الخصوصية للمورد فتأمل والثاني مبني على ثبوت الملازمة بين المعنى الذي كانت الآية
مسوقة له وما تمسكوا بها له وثبوتها لا يخلو عن قرب وعلى أي تقدير لا دلالة للآية على مطلب الخصم.
ثانيها استشهاده (عليه السلام) بالنبوي مع أنه بظاهره لا دخل له بالمقام لان النزاع في أصل الغلولية وبعبارة
أخرى استدلال الإمام (عليه السلام) بالنبوي في المقام في بادي النظر نظير التمسك بالكبرى مع النزاع في الصغرى
وقد أجاب عن هذه الاشكال شيخنا الأستاذ بأن استشهاده بالنبوي من جهة دلالته على أن قول مدعي الغلولة
مسموع وان القول قوله بعد ثبوت ان المأخوذ من الغنيمة المشتركة بين المسلمين من دون احتياج إلى بينة
أصلا ودلالته على هذا المعنى ظاهرة.
ثم ذكر الأستاذ العلامة ان وجه كون القول قوله كون الأصل معه فيكون على طبق القاعدة لا على
خلافها مع أنه لو كان على خلافها رفع اليد عنها به هذا.
وفيه نظر من وجوه أحدها ما ذكره دام ظله العالي من أن هذا الجواب مبني على وجود الغنيمة يوم
البصرة وهو غير معلوم لان مقتضى بعض الأخبار نفيه وإن كان مقتضى آخر اثباته ثانيها ما استفيد من كلامه أيضا
من أن الظاهر من الحديث وقوع النزاع أيضا على كون الدرع لطلحة أو لغيره ولم يكن النزاع مختصا
بالغلولة ولهذا أشهد الإمام الثاني (عليه السلام) وقنبر على كليهما فتأمل ثالثها ما قد يختلج بالبال وقد سمعت من الأستاذ
أيضا في خارج مجلس البحث من أن الاخذ بغير بينة من جهة ان القول قوله لا يثبت سماع قوله من دون يمين وليس
في الرواية ذكر اليمين أصلا ويمكن دفعه بأن الكلام مع شريح إنما كان في الاحتياج إلى البينة وعدمه لا في
ثبوت اليمين أو يقال إن هذا المورد من الموارد التي يسمع فيها قول المدعي بدون بينة فتأمل وللأحقر من
أصل الاشكال جواب آخر يطول الكلام بذكره ولا يبعد ان يطلع المتأمل عليه.
ثالثها قوله وقد قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشهادة واحد ويمين وجه الاشكال فيه أن الشريح لم ينف
شهادة الواحد مع اليمين وإنما نفى شهادة الواحد ودفع هذا الاشكال غير خفي على كل من راجع الرواية إذ من
المعلوم أنه نفى ذلك بقوله لا أقضي بشهادة واحد حتى يكون معه آخر لأنه أعم من وجود اليمين مع الواحد
وعدمه فعليه ان يأمر الإمام (عليه السلام) باليمين بمقتضى قول الرسول هذه جملة القول في الموضع الأول.
وأما الكلام في الموضع الثاني فنقول انه قد يقال بأن الحجة الشاهد واليمين شرط له يتقوى بها جانبه
لان مقتضى العمومات كون وظيفة المدعى البينة وعدم سماع اليمين منه وليست البينة حقيقة في الاثنين حتى يقال
بخروج الواحد عنها بل البينة عبارة عن الحجة سواء كانت قول واحد أو اثنين.
وقد يقال بأن الحجة والسبب اليمين والشاهد شرط لها يتقوى به جانبها والوجه فيه أن مقتضى -
العمومات الأولية على ما مرت إليها الإشارة انحصار القضاء والفصل بالبينة والايمان فإذا تعذر الأولى تعين الثانية
لئلا يلزم القضاء بغيرهما والقول بان الشاهد الواحد بينة حقيقة ضعيف جدا سلمنا لكن المتبادر منها كلما

259
أطلقت سيما في الاخبار وكلمات أصحابنا الأخيار هو خصوص الاثنين كما يشهد له ما تقدم من حكاية شريح
وأما الاحتياج إلى الشاهد فلما عرفت سابقا من أن الحكم باليمين في طرف المدعى يحتاج بحسب الحكمة إلى
ظهور يتقوى به جانبه حتى يضعف الأصل الذي في جانب المنكر.
وقد يقال بأن الحجة المجموع المركب منها وكل منهما جزء السبب ولعله مختار الأكثر وهو
الحق ويدل عليه اطلاق الأخبار الواردة في القضاء بالشاهد واليمين فان مقتضاها كما لا يخفى لمن لاحظها
كون كل منهما جزء الحجة وهي مركبة منهما هذا وقد ذكر الأصحاب لكل من هذه الوجوه وجوها ضعيفة
غير ما ذكرنا يقف عليها كل من راجع إلى كتبهم.
ثم إنهم ذكروا انه تظهر الثمرة بين الأقوال في الغرم ومقداره إذا رجع الشاهد عن شهادته فإنه على
الأول بالتمام على الشاهد وعلى الثاني بالتمام على المدعى ولا شئ على الشاهد وعلى الثالث على كل منهما النصف
هكذا ذكروه ولكنه ضعيف لان التلف في المقام إنما جاء من قبل كل منهما مع مدخليته سواء سمى شرطا أو
سببا لان مجرد التسمية بالسبب والشرط لا يتفاوت به معنى الضمان فالحق على جميع الأقوال النصف على كل
منهما وما ذكرنا لا يخفى على من له أدنى تأمل فتأمل هذا مجمل القول في الموضع الثاني.
وأما الكلام في الموضع الثالث فنقول انه لا إشكال بل لا خلاف بين الأصحاب في لزوم تقديم البينة
ويدل عليه مضافا إلى عدم الخلاف فيه الأصل أي أصالة عدم ثبوت الحق بدون تقديم الشاهد وأما اطلاقات الأخبار الواردة
في المقام فلا تنفع رافعا له لكونها واردة في بيان أصل تشريع القضاء بالشاهد واليمين فهي مهملة من
جهة بيان حكم الترتيب في الأداء هذا.
وقد يتمسك له بوجوه آخر غير ناهضة أحدها ان مقتضى الاعتبار بل الاخبار كون اليمين علة لرفع
الخصومة بمعنى عدم الاحتياج بعدها إلى شئ آخر بل يقضى بمجرد وجودها لأنه مقتضى احترام اسم الله تبارك
وتعالى وما دل على تصديق الحالف بالله ثانيها ما استدل به في محكي كشف اللثام من أن جانبه حينئذ يقوى وإنما
يحلف من يقوى جانبه كما أنه يحلف إذا نكل المدعى عليه لان النكول قوى جانبه انتهى وهذا ما أشرنا إليه
غير مرة من أن اكتفاء الشارع من المدعي باليمين إنما هو بعد حصول ضعف في الأصل الذي في طرف المنكر
بقيام ظهور شخصا أو نوعا على خلافه ثالثها ما أشار إليه شيخنا الأستاذ وبعض من تقدم عليه على أنه مقتضى -
الترتيب الوارد في جميع النصوص رابعها ما ذكره في المسالك من أن المدعي وظيفته البينة لا اليمين بالأصالة فإذا
أقام شاهدا صارت البينة التي هي وظيفته ناقصة وتتميمها باليمين بخلاف ما لو قدم اليمين فإنه ابتدء بما ليس من
وظيفته ولم يقدمه ما يكون متمما له.
واما ثبوت عدالة الشاهد فلا يترتب على شهادته بل المعتبر العلم بها قبل الحلف انتهى إلى غير ذلك
من الوجوه التي ذكروها وأنت خبير بعدم تمامية جميعها نعم هي وجوه اعتبارية تصلح تأييدا لما ذكرنا هذا
مجمل القول في الموضع الثالث.
وأما الكلام في الموضع الرابع فنقول المدعى به لا يخلو إما أن يكون من حقوق الله محضا أو حقوق
الناس كذلك أو يكون فيه جهتان والحكم في الأخير يظهر من بيانه في القسمين (الأولين خ) فما كان من حقوق الله
محضا فقد أجمع الأصحاب على عدم ثبوته بالشاهد واليمين وعدم سماعهما فيه والوجه فيه مضافا إلى الاجماع أيضا يظهر
من بعض كلماتنا السابقة في عدم سماع الدعوى في حقوق الله من غير بينة فراجع وأما ما كان من حقوق الناس

260
(والمراد بحق الناس في المقام ما يكون مقابلا لحق الله فلا ينقض بالعقود فتأمل خ) فقد اختلفت فيه مقالتهم.
وتنقيح المقام يحتاج إلى بيان ما له من الأقسام حتى يتضح به المرام ويرتفع الغبار عن كلمات علمائنا
الاعلام فنقول انه على أقسام منها ما تكون مالا كالدين ونحوه ومنها ما تكون حقا ماليا كحق الخيار والشفعة
ونحوهما ومنها ما يكون المقصود منه المال كما في المعاوضات ومنها ما لا يكون شيئا من الأقسام بمعنى انه
لا دخل له بالمال أصلا كما في حق القصاص ونحوه.
إذا عرفت هذه الأقسام فاعلم أنه قد حكى شيخنا الأستاذ عن بعض القول بثبوت جميع هذه الأقسام
بالبينة واليمين سواء كان مما يرجع إلى المال أو لا ولكني كلما تفحصت لم أجد قائلا به بين الأصحاب بل مقتضى
ظاهر كلمات جماعة عدم القول به.
نعم قال بعض مشايخنا انه لولا اطباقهم لأمكن المصير إليه وحكى عن النهاية والاستبصار والفقيه والمراسم
والكافي التخصيص بالدين وحكى عن الأكثر بل عن المشهور الاكتفاء بالشاهد واليمين فيما عدا القسم الأخير.
أما القول الأول أو الوجه الأول فقد يستدل له باطلاق ما ورد في الباب من الاخبار وبخصوص صحيحة
محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) لو كان الامر إلينا لأجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم
في حقوق الناس فأما ما كان من حقوق الله أو رؤية الهلال فلا وأجيب عنه بأن المتبادر من حق الناس عند الاطلاق
هو الحق المالي ولو سلم شموله لغير المال أيضا فيخصص بالمال لما سيجئ كما أنه يقيد جميع الاطلاقات
به لو فرض عدم ورودها في بيان أصل التشريع.
وأما الطايفة الثانية فقد استدلوا أيضا بأخبار منها خبر حماد بن عثمان قال سمعت الصادق (عليه السلام) يقول
كان علي (عليه السلام) يجيز في الدين شهادة رجل ويمين المدعي.
ومنها خبر أبي بصير سئلت أبا عبد الله عن الرجل يكون له عند الرجل الحق وله شاهد واحد قال فكان
رسول الله يقضي بشاهد واحد ويمين صاحب الحق وذلك في الدين.
ومنها خبر القاسم بن سليمان سمعت أبا عبد الله يقول قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشهادة رجل مع يمين -
الطالب في الدين وحدة.
ومنها خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجيز في الدين شهادة رجل واحد
ويمين صاحب الدين ولم يجز في الهلال إلا شاهدي عدل إلى غير ذلك من الروايات المضبوطة في كتب الاخبار -
الظاهرة في انحصار القضاء بالشاهد واليمين في الدين فلا بد من رفع اليد بها عن اطلاق ما دل على القضاء بهما
مطلقا أو عموم ما دل عليه حملا للمطلق على المقيد والعام على الخاص هذا.
وقد قيل في الجواب عن الاستدلال بها بوجوه أحدها ضعفها سندا فلا تقاوم ما دل بعمومه على القضاء
بهما في مطلق الأموال المعتضد بعمل المشهور بل نقل الاجماع من جملة من الأجلة وفيه ما لا يخفى على المتأمل
في سند الروايات المتقدمة وملاحظتها فإنه ليس كلها ضعيفة سندا فلاحظ.
ثانيها عدم معارضتها مع الاطلاقات والعمومات إما لان تلك الأخبار بأسرها إنما وردت في مقام نقل
فعل النبي (صلى الله عليه وآله) أو الوصي واختصاص ما وقع منهما في الخارج من القضاء بالشاهد واليمين في قضية أو في جميع القضايا
بالدين لا يقتضي اختصاص أصل الحكم به وانه لا يجوز القضاء بهما في غيره.
وبعبارة أخرى مفاد الروايات المتضمنة للفظ الدين ان النبي (صلى الله عليه وآله) والوصي (عليه السلام) قد قضيا في الدين
بالشاهد واليمين ومعلوم انه لا يقتضي رفع اليد عما دل بعمومه على القضاء بهما في غير الدين لأنه نظير ما إذا ورد

261
من الإمام (عليه السلام) ان النبي (صلى الله عليه وآله) قد أكل السكر مثلا في الموضع الفلاني فإنه لا يقتضي تخصيص ما دل بالعموم على
اباحته في كل موضع وهذا مما لا يخفى.
واما لأنها وإن لم ترد نقلا للفعل بل وردت لبيان الحكم الشرعي ابتداء أو ببيان من الإمام (عليه السلام) إلا أن
من المقرر في محله انه لا يحمل المطلق على المقيد والعام على الخاص فيما إذا كان مثبتين إلا بعد ثبوت اتحاد
الموجب والتكليف ليحصل التنافي ومعلوم انه ليس في المقام ما يدل على اتحاده.
والحاصل ان اثبات شئ لشئ لا يدل على نفيه عما عداه بالنظر إلى ذاته نعم لو ثبت من الخارج
ما يقتضي التنافي بين اجتماعهما في الحكم لكان اثباته له دالا على نفيه لما عداه وتفصيل القول في ذلك في الأصول.
وفيه أن من الواضح لكل من أعطى حق النظر في الروايات ان ذكر الدين فيها ليس من جهة وقوع -
القضاء بالشاهد واليمين في الواقعة الخاصة من النبي (صلى الله عليه وآله) والوصي (عليه السلام) فيه بل من جهة حصر الحكم وقصره فيه
مع أن جملة منها كما هو معلوم لمن راجع إليها ليس فيها حكاية الفعل ونقله بل بيان لما جوز النبي (صلى الله عليه وآله)
أو الوصي (عليه السلام) فيه القضاء بالشاهد واليمين.
وبالجملة حمل قوله (عليه السلام) في خبر حماد بن عثمان كان علي (عليه السلام) الخبر وخبر محمد بن مسلم قال كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) الخبر على أن وقع منهما في الخارج من القضاء بهما كان في قضية الدين بعيد جدا بل لا معنى له
ولا يصدر إلا عن اعوجاج السليقة في فهم الكلام كما لا يخفى على الاعلام نعم لو كان لفظ الدين في الخبرين
نكرة مؤخرة عن قوله شهادة رجل آه لأمكن حمله على ما ذكر مع كمال البعد فيه.
وأولى منهما (1) في الدلالة على الحصر قوله (عليه السلام) في ذيل خبر أبي بصير وذلك في الدين لأنه أقوى في -
الدلالة على الحصر وجعل المشار إليه في قوله وذلك ما صدر من النبي (صلى الله عليه وآله) في القضية الشخصية فيكون اخبارا
عما قضى النبي (صلى الله عليه وآله) فيه بالشاهد واليمين فلا دلالة له على الحصر بحسب الحكم الكلي في غاية البعد.
وأولى منهما في الدلالة على الحصر قوله في خبر القاسم في الدين وحده لان القضاء بهما في القضية
الشخصية يلزمه الوحدة لان الموجود الخارجي يلزمه التشخص من جميع الجهات وهو معنى وحدته فلا يمكن
أن يجعل قوله وحده قيدا للفعل الخارجي للزوم اللغوية بل لا بد من أن يجعل قيدا للحكم الكلي الصادر من -
المصدر الأولي وهو ما ذكرنا من الدلالة على الحصر هكذا ذكره الأستاذ العلامة دام ظله العالي في بيان الأولوية
وللنظر فيه مجال لا يخفى وجهه على الناظر.
وبالجملة لا ريب لمن تأمل فيما ذكرنا من الروايات وما أهملنا ذكره منها انها ظاهرة في حصر القضاء
بالشاهد واليمين في الدين ومنه يعلم فساد ما ذكر في وجه عدم المعارضة أخيرا من حديث المثبتين وعدم التنافي
بينهما وذلك لان مقتضى قضية الحصر نفي الحكم عن غير المحصور فيه كما لا يخفى.
هذا مضافا إلى ورود جملة منها في مقام اعطاء القاعدة والميزان فهو وجه آخر لاثبات التنافي والتعارض
غير ما ذكرنا أولا هذا مضافا إلى أنه لو سلم عدم التعارض بينهما لأمكن القول مع ذلك بعدم جواز القضاء بالشاهد
واليمين في غير الدين من جهة الأصل الأولي بعد ادعاء ورود المطلقات في مقام بيان القضية المهملة وهو لا يخلو عن
بعد وكيف كان لا أرى الجواب حقيقا بالقبول والعجب من جمع من أجلة الأصحاب ومشايخنا الأطياب حيث
اعتمدوا عليه من غير إشكال فيه والله العالم.
ثالثها ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله وجمع ممن تقدم عيه بعد تسليم دلالة الروايات على حصر القضاء



(1) في الأولوية تأمل (منه قده)
262
بالشاهد واليمين في الدين من أن المراد من لفظ الدين في الروايات ليس هو خصوص معناه المعروف ليكون
أخص مما دل على القضاء بهما في مطلق الحقوق المالية بل المراد منه مطلق ما يتعلق بالذمة من الحقوق المالية
فمعنى قوله أجاز في الدين أي في كل دعوى يتضمن مالا في ذمة المدعى عليه فيتحد مفاده مع ما دل على القضاء
بهما في مطلق الأموال.
فلا تنافي الروايات ما ذهب إليه المشهور المنقول عليه الاجماع من جماعة من الفحول بل تكون
دليلا لهم بل يمكن أن يقال بأن مراد من خص من الأصحاب بالدين هو يكون ذلك أيضا فيرتفع النزاع من -
البين ولهذا نفى العلامة في المختلف الخلاف عما ذهب إليه الأكثر حاملا لما في النهاية من الاختصاص بالدين
على أن المراد منه مطلق المال وقد تبع العلامة في ذلك جماعة ممن تأخر عنه فحملوا كلام من ظاهره الاختصاص
بالدين على مطلق المال هذا مجمل ما ذكروه في هذا الجواب.
وتفصيله بتوضيح منا ان دعوى المدعي في حقوق الناس لا تخلو إما أن لا تكون متضمنة لدعوى المال
أصلا وإن ترتب المال على المدعي في بعض الأحيان.
وإما أن تكون متضمنة لدعوى المال وهذا أيضا على قسمين لان الدعوى المتضمنة للمال لا يخلو إما
أن يكون نفس المدعى فيها مالا كما في دعوى الدين وأشباهه أو يكون المدعى فيها شيئا يكون المقصود منه
المال وهذا على أقسام منها ما يكون المقصود منه المال نوعا كدعوى البيع والخيار وأشباههما ومنها ما يكون
المقصود منه المال صنفا كدعوى الزوجية بعد موت الزوجة فإن نوع دعوى الزوجية من الزوج وإن لم يكن المقصود
منها المال إلا أن دعواها بعد الموت يكون المقصود منها المال ومنها ما يكون المقصود منه المال بحسب شخص
المقام وإن لم يكن المقصود منه المال نوعا وصنفا.
إذا عرفت ذلك فنقول إما القسم الأول فلا إشكال في عدم شمول لفظ الدين له وخروجه عن مورد
الروايات فإنه وإن حكى عن بعض أهل اللغة اطلاق لفظ الدين على مطلق الحقوق لكنه خلاف الظاهر فلا يصار
إليه لكنك قد عرفت سابقا انه ليس بين الأصحاب ظاهرا من قال بالقضاء بالشاهد واليمين في مطلق حقوق الناس
فلو كان هناك قايل به أو مائل إليه لعموم لفظ حق الناس المذكور في قوله (عليه السلام) لو كان الامر إلينا لدفعناهما
بظهور الروايات على خلافهما وأما القسم الثاني فلا إشكال في شمول الدين له بل لعله لا خلاف فيه.
وأما سائر الأقسام فالظاهر شمول الروايات لها أيضا فالحكم في جميعها هو القضاء بهما عند الأستاذ دام
ظله وظاهر بعض وإن كان ظاهرا بعض آخر تخصيص الحكم بالقسم الأول فيصير مفاد ما ورد في القضاء بالشاهد
واليمين في الدين مفاد ما روي عن ابن عباس ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال استشرت جبرئيل في القضاء باليمين مع الشاهد
فأشار علي بذلك في الأموال وقال لا بعد ذلك وقد تمسك بذلك جماعة على مذهب المشهور وقد أورد عليه
بعض مشايخنا بما لا يسلم عن المناقشة هذا.
وربما يتوهم ان الحكم بجواز القضاء بالشاهد واليمين في القسمين الأخيرين خرق لما اتفق الكل عليه
لأنهم بين قائل بالاختصاص بالدين وبين قائل بالتعميم بالنسبة إلى ما يكون المقصود منه المال نوعا كالبيع
مثلا وأما غيرهما فقد اتفقت كلمة الكل على عدم القضاء بهما فيه هذا.
وأنت خبير بفساد هذا التوهم لان من قال من الأصحاب بالتعميم بالنسبة إلى ما يكون المقصود منه المال
لم يظهر منه التخصيص بالقسم الأول بل الظاهر منه كما لا يخفى عدم التخصيص به وشمول كلامه للقسمين الأخيرين

263
أيضا ولهذا ذكر في محكي كشف اللثام ان دعوى الزوجية بعد موت الزوجة ليست من دعوى النكاح التي
ذهبوا إلى عدم القضاء بالشاهد واليمين فيها بل المراد منها غير الصورة وبالجملة لا يخفى فساد التوهم المذكور
على من لاحظ كلماتهم.
وبتقرير آخر أوضح مما سبق في بيان المراد وأجمع منه في استقصاء الأقسام وأحكامها المدعى به لا -
يخلو إما أن يكون بنفسه مالا أو لا وعلى الثاني لا يخلو إما أن يكون المقصود منه المال نوعا كالمعاوضات وإن
تخلف في بعض الموارد بحسب شخص المقام كدعوى اشتراء من ينعتق عليه أو لا يكون المقصود منه المال
نوعا وهذا على أقسام منها ما يكون المقصود منه بحسب النوع غير المال وإن تخلف في بعض الموارد بحسب
شخص المقام بعكس القسم السابق كدعوى ما يوجب القصاص.
ومنها ما يكون المقصود منه المال غالبا ومنها ما يكون المقصود منه غير المال غالبا على عكس القسم
السابق ومنها ما يساوى فيه الأمران واقعا ومنها ما يشك كونه من أي الأقسام.
ثم إن الكلام في غير القسمين الأخيرين من الأقسام السابقة تارة يقع فيما لم يعلم تخلف قصد المدعي في
خصوص المقام بأن يقصد خلاف ما يقصد من المدعى نوعا أو غالبا وأخرى فيما إذا علم أن قصده خلاف ما يقصد
بحسب النوع والغالب إما بتصريح منه أو بقيام قرينة عليه.
أما الكلام في القسمين الأولين فالظاهر بل المقطوع انه لا إشكال في القضاء بالشاهد واليمين فيهما
لشمول ما ورد في القضاء بهما لهما جزما وقد قضت به أيضا كلمة الأصحاب سلفا وخلفا كما لا يخفى لمن راجع إلى
كلماتهم وأما القسم الثالث فالظاهر أنه لا إشكال في عدم جواز القضاء بالشاهد واليمين فيه حسبما عرفت تفصيل
القول فيه وهو أيضا قضية كلماتهم حيث يفصلون بين ما يكون المقصود منه المال وبين ما لا يكون المقصود منه
المال فراجع إليها حتى تجدها منادية بما ذكرنا وأما القسم الرابع فالظاهر الحاقه بالقسمين الأولين وإن كان
الحكم فيه بالالحاق لا يخلو عن إشكال وأما القسم الخامس فالظاهر الحاقه بالقسم الثالث وأما القسم السادس وهو
ما يساوى فيه الأمران أي قصد المال وغيره فالظاهر الحاقه أيضا بالقسم الثالث لعدم الجزم بشمول الأدلة له لتبعية
النتيجة لأخس المقدمتين وهو أيضا مقتضى ظاهر كلماتهم حيث إن الظاهر أن مرادهم مما يكون المقصود منه
المال هو ما يكون المقصود منه المال نوعا
لا يقال كيف تحكم بأن ظاهر كلماتهم عدم شمول الأدلة لهذا القسم وكون ملحقا بالقسم الثالث
مع أن جماعة صرحوا بأن ما يكون فيه الجهتان حق الله وحق الناس كالسرقة مثلا يقضى بالشاهد واليمين
في الجهة الثانية دون الأولى فليكن الامر فيما نحن فيه كذلك لاتحاد المناط واقعا فيقضى بهما بالنسبة إلى الجهة
المالية دون غيرها.
لأنا نقول حكمهم بالتفكيك بالنسبة إلى ما يكون فيه الجهتان حق الله وحق الناس لا دخل له بما نحن
فيه لان كلامهم ثمة غير ناظر إلى ما نحن فيه ولا دخل له به أيضا فيحكم بأن ما فيه الجهتان لا بد أن يكون
حق الناس هو المقصود ذاتا والمطلوب نوعا بحيث يكون حق الله تبعا للإرادة كما في دعوى السرقة وأشباهها
حيث إن المقصود المدعى فيهما يكون المال نوعا بل كثير من الناس لا التفات لهم إلى الجهة الأخرى وكيف
كان كلامهم ثمة لا ينافي ما نحن بصدده وأما القسم السابع فالمرجع فيه إلى العمومات فيحكم بعدم القضاء
بالشاهد واليمين فيه.

264
بقي الكلام في حكم ما لو علم في شخص المقام فيما يقصد منه المال نوعا كون مقصود المدعي غير المال
وما لو علم في شخص المقام فيما لا يقصد منه المال نوعا كون مقصود المدعي المال أو صرح بدعوى غير المال في
الأول والمال في الثاني مستندا إلى السبب فنقول ان الظاهر شمول الأدلة للأول وعدم شمولها للثاني لأن الظاهر
منها ولو بمساعدة فهم العلماء اعتبار النوع دون الاشخاص والقول بأن مقصود الأصحاب مما ذكروه في المقام من
التفصيل بين ما يكون المقصود منه المال وما يكون المقصود منه غير المال ليس هو اعتبار ذلك نوعا ولو علم أن
مقصود المدعي بحسب شخص المقام على خلافه خلاف ظاهر كلماتهم فعليك بالمراجعة إليها والتأمل فيها لان
المسألة في غاية الاشكال والله العالم بحقيقة الأحوال.
وينبغي التنبيه على أمور الأول ان ما ذكرنا في حكم الأقسام فإنما هو بالنظر إلى المفهوم وأما تمييز
المصداق وتشخيص اندراج كل شخص من الدعاوى في ضمن أي قسم من الأقسام فبنظر الفقيه لأنه ليس ميزان
كلي يميز به ان أي مادة مخصوصة داخلة في ضمن أي من الأقسام ولهذا ترى كلماتهم مضطربة ومختلفة غاية
الاضطراب والاختلاف في الموارد الجزئية والمسائل الكثيرة حتى أن فقيها واحدا حكم في كتاب بجواز القضاء
بالشاهد واليمين في مادة مخصوصة وحكم في كتاب آخر على خلاف ذلك بل في كتاب واحد حكم في موضع منه في
مادة مخصوصة على خلاف ما حكم فيها في موضع آخر منه فعليك بالمراجعة إلى كلماتهم وإمعان النظر فيها.
الثاني ان ما ذكرنا كله من الكلام فإنما هو بالنسبة إلى الدين وما في حكم مما له تعلق بالذمة ولو بالواسطة
وأما الكلام في العين فهل يلحق بالدين أم لا بمعنى انه لو ادعى عين في يد أحد ولا يكون هناك بينة فهل يحكم
بكفاية الشاهد واليمين ويقضى بهما كما يقضى بهما في الدين أم لا وجهان أوجههما الأول ويدل عليه وجوه
أحدها اطلاق بعض الأخبار فتأمل ثانيها ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حكاية الدرع وقد مضى تفصيل القول
فيه فراجع ثالثها عدم القول بالفصل وهو ظاهر.
الثالث لا إشكال بينهم ظاهرا في الحاق ما يكون فيه الجهتان حق الناس وحق الله بما يكون ممحضا في
حق الناس من الجهة الأولى بمعنى انه يحكم فيه بثبوت الجهة المالية بالشاهد واليمين دون الجهة الأخرى وهو
كذلك إذا فرض كونها المقصودة بالذات كما هو مفروض كلماتهم وقد عرفت الإشارة إليه فراجع.
الرابع انه لو كان هناك أمور غير مالية تابعة لما يكون المقصود منه المال فلا إشكال في الحكم بثبوتها
بعد الحكم بثبوت متبوعها بالشاهد واليمين لأنه مقتضى قضية التبعية هذا والظاهر أنه مقتضى قضية كلماتهم أيضا
ولكن الأستاذ العلامة دام ظله قد استشكل فيما ذكرنا في المجلس البحث وقال أي فرق بين كون غير المال تابعا
أو مقصودا بالأصالة ولهذا يحكم بعدم ثبوت حق الله بالشاهد واليمين فيما كان تابعا لموضوع حكم بثبوته
بالشاهد واليمين في الجملة وأنت خبير بما ذكره وهو أخبر مني ومنك والله أخبر من كل شئ بكل شئ.
قوله ولا يثبت دعوى الجماعة مع الشاهد إلا مع حلف الخ أقول الوجه فيما ذكره المصنف بعد عدم الخلاف
فيه ظاهرا ظاهر لان دعوى الجماعة تنحل إلى دعاوى متعددة وإن كانت بحسب الصورة واحدة وقضية تعدد الدعوى
تعدد اليمين وإلا لزم القضاء في بعضها بدون الميزان الشرعي لان اليمين التي جعلت ميزانا لقطع الخصومات
سواء كانت منفردة أو مع الشاهد هي يمين المدعي لا يمين غيره حسبما قضت به الأدلة على ما تقدمت الإشارة إليه
غير مرة فيمين الغير لا تنفع الغير ولا تثبت حقه فيلزم ما ذكرنا.
وأما التمسك له بالقاعدة المشهورة بينهم من أنه لا يختلف أحد عن غيره كما وقع عن بعض فقد استشكل

265
الأستاذ العلامة فيه بأن ظاهر القاعدة انه لا يحلف أحد نيابة عن غيره وولاية عنه وهذا لا دخل له بعدم وقوع حلف
الغير للغير تبعا للحلف على حقه ثم ذكر ان مدرك المسألة في المقامين وإن كان بحسب الظاهر واحدا وهو
عدم ظهور أدلة الحلف إلا في تصديق الحالف فيما يدعيه لنفسه إلا أنه لو كان هناك اجماع على القاعدة لم يمكننا
الاستدلال بها في المقام كما لا يخفى على الاعلام.
ثم إنه احتمل بعض حسبما حكى عنه كفاية اليمين الواحدة عن الجميع ويستدل له بوجوه أحدها عموم
ما دل على تصديق الحالف وشموله للمقام فإن كلا منهم إنما يدعي تمام المدعى وإن كان ما يصل إليه في الواقع
بعضه حسبما هو المفروض وما دل على عدم اثبات حلف الغير الحق الغير الحالف نمنع شموله للمقام لان ما دل
الدليل عليه إنما هو عدم الاثبات أولا لا تبعا وبالعرض ثانيها لو لم يكتف بحلف الواحد في المقام لزم عدم الاكتفاء
بالبينة الواحدة أيضا بل يجب على كل واحد منهم إقامة البينة لاثبات حقه والتالي باطل أما الملازمة فلكون
كل منهما مثبتا شرعيا لما يدعيه المدعى وميزانا لاثبات حقه وطريقا لقطع الخصومة فلو اكتفى بالبينة عن أحدهم
لزم القضاء للآخرين بدون ميزان شرعي على حذو ما مر في اليمين وأما بطلان التالي فلقيام اتفاقهم عليه ظاهرا
ثالثها انه لو لم يكتف باليمين الواحدة في المقام لزم عدم الاكتفاء بها عن المنكر أيضا والتالي باطل والوجه في
بطلان التالي وبيان الملازمة يظهر مما ذكر في الوجه الثاني مضافا في الثاني إلى ما يقال من أن يمين المدعي
هي يمين المنكر جعلت له شرعا من جهة ضعفها بقيام الشاهد الواحد فهي منزلة منزلة يمين المنكر هذا.
وأنت خبير بفساد هذه الوجوه أما الوجه الأول فلما قد عرفت مرارا من منع شمول ما دل على تصديق
الحالف بالنسبة إلى حق الغير سواء كان بالتبع أو بالاستقلال والدليل على عدم جواز القضاء بحلف الغير للغير
ليس إلا الأصل الأولي مع عدم دليل عليه وليس هناك دليل على المنع غير ما ذكر حتى يمنع شموله للمقام فتدبر
وأما الثاني فلفساد القياس أولا ووجود الفارق ثانيا من حيث إن نسبة البينة إلى جميعها (جميعهم خ) على السواء
لأنها تشهد على أصل الدعوى وأدلتها عامة وهذا بخلاف اليمين مضافا إلى أن القياس المذكور إنما يتم في بعض الصور
واما في أكثر الصور وهو ما إذا ادعوا جميعا وأقاموا بينة على دعواهم فلا لرجوع الشهادة حينئذ إلى الشهادات المتعددة
كما لا يخفى هذا وتمام الكلام يأتي في باب الشهادات إن شاء الله فاغتنم وانتظر وأما الثالث فبما مر في الثاني وأما التنزيل
المدعى أخيرا ففي غاية الفساد لعدم الدليل عليه أصلا هذا وذكر الأستاذ العلامة بأنه لا بعد في الالتزام بتعدد
اليمين من المنكر إذا لم يكن دعواهم دفعة واحدة بل على التدريج وحلف عقيب دعوى الأول وهكذا نعم لو
ادعوا دفعة واحدة أو على التدريج لكن لم يحلف للسابق جاز الاكتفاء باليمين الواحدة لحصول الغرض بها ولعلنا
نتكلم زيادة على هذا فيما بعد إن شاء الله.
قوله ولو ادعى الجماعة مالا لمورثهم وحلفوا مع شاهدهم الخ أقول إذ ادعى جماعة ولم يكن لهم إلا شاهد
واحد فلا يخلو إما أن يحلفوا بأجمعهم أو لا يحلف أحدهم أو يحلف بعد دون بعض آخر فإن حلفوا بأجمعهم
فلا إشكال في الحكم وكذا إن لم يحلف أحدهم فإنه لا يثبت هناك شئ أصلا واما ان حلف بعض دون آخر فقد
عرفت في المسألة السابقة انه لا خلاف ظاهرا في أنه لا يثبت حق الممتنع لان اليمين لا تثبت حق الغير واما الحالف
فالظاهر أيضا انه لا إشكال بل لا خلاف في ثبوت حقه وان احتمل بعض عدم ثبوته نظرا إلى وحدة الدعوى لكنه
ضعيف لا يعبأ به وهذه كلها مما لا إشكال فيها ولا خلاف.
وإنما الاشكال والخلاف في مشاركة من لم يحلف للحالف فنقول ان الكلام يقع في مقامين أحدهما

266
قبل الاخذ ثانيهما بعد الاخذ.
أما الكلام في المقام الأول فالذي صرح به الأستاذ العلامة في مجلس المباحثة عدم الاشكال في اختصاص
من حلف عليه وعدم مشاركة غيره له فلو باعه أو صالح عليه يكون العوض له بتمامه بل ادعى عدم الخلاف فيه
وإلا لزم اثبات اليمين مالا للغير الذي جعلوا بطلانه دليلا لما صاروا إليه من عدم اثبات حق الكل بحلف البعض هذا
ولكن ظاهر بعض مشايخنا وجود المخالف فيه.
وأما الكلام في المقام الثاني فذهب جماعة إلى عدم التشريك مطلقا سواء كان في ما في الذمة أو في -
العين وبعض مشايخنا المتأخرين إلى التشريك مطلقا واستشكل شيخنا الشهيد في المسالك وقد ادعى شيخنا
العلامة في مجلس البحث ان القول بالتشريك مطلقا مخالفا للاجماع لكنه محل نظر والمشهور كما نسب
إليهم إلى التفصيل بينهما فحكموا بعدم التشريك بينهما في الدين وبالتشريك في العين وأول من صار إلى هذا
التفصل العلامة في القواعد فالكلام يقع في مقامين أحدهما في الدين ثانيهما في العين.
أما الكلام في المقام الأول فقد عرفت أنه ذهب جماعة فيه إلى عدم التشريك في المأخوذ بل صرح -
الأستاذ في مجلس البحث بذهاب المشهور إليه حسبما حكاه الأستاذ العلامة عن الفخر في الايضاح وذكره الشهيد
في المسالك أيضا وجماعة إلى التشريك واستدل للأولين بوجوه.
أحدها ما حكاه الأستاذ العلامة عن الفخر في الايضاح وذكره الشهيد في المسالك من أن مقتضى تعلق
حقهم بما في الذمة واشتراكهم فيه وإن كان عدم اختصاص بعضهم بما يدفع إليه من مقدار حقه لقضية الاشتراك
إلا أن مقتضى الحلف تعيين نصيب الحالف وتشخيصه واخراجه عن الإشاعة فكأنه يختص مقدار نصيب الحالف
مما في الذمة به بحيث لا دخل لغيره فيه أصلا وإلا لزم اثبات اليمين لحق الغير وهو خلف وإلا لزم القول باثبات
اليمين من بعضهم لتمام المدعى وقد قدمنا بطلانه وهذا هو مراد الفخر في الايضاح حيث ذكر بعد القول بأن
القول بالتشريك يقتضي اثبات اليمين لحق الغير وهو محال أي محال شرعا وإلا فلا معنى له كما لا يخفى.
وأجيب عنه بوجوه بعضها يرجع إلى النقض وبعضها إلى الحل إما ما يرجع إلى الأول فوجوه.
أحدها النقض بما لو أقر المدعى عليه لبعض المدعين بمقدار نصيبه فإنه لو أخذه منه يكون الباقون
شركاء معه اتفاقا وأجيب بالفرق بينهما فإن نسبة الاقرار إلى جميع المدعين على السواء كالبينة ولهذا لو أقر
بنصف المدعي يكون كلهم شريكا فيه فهو لا يصلح أن يصير معينا لحق المقر له في المأخوذ بعد فرض
تسالمهم في الاشتراك في تمام المدعى وهذا بخلاف اليمين فإنها لا تثبت حق الغير فلا محالة تكون معينة لحق
الحالف في المأخوذ وإلا لزم اثباتها حق الغير فالقياس في غير محله.
ثانيها النقض بما لو كانت جماعة شركاء في دين في ذمة أحد فدفع المديون مقدار نصيب بعضهم
فاخذه فإنه لا يتعين له اتفاقا بل ذهب بعض أو مال إلى عدم ثبوت نصيبه في المأخوذ بدون رضي الباقين أصلا
فضلا عن اختصاصه به.
وأجيب بالفرق بينهما فإنه لا معين هناك لحق لاخذ في المأخوذ وأن يجعله مختصا به فإنه ليس في -
المقام الا نية الدافع وتعيينه ما في الذمة في الخارج ونية المدفوع إليه ومعلوم انهما لا تصلحان للتعيين بعد الفرض
عدم رضاء الباقين فإن لرضائهم أيضا مدخلية قطعا لقضية الاشتراك ولهذا ذهب بعض إلى عدم تعين ما في الذمة
فيه أصلا نظرا إلى قضية الاشتراك في كل جزء مما يدفع إلى البعض مع فرض عدم رضاء الباقين وإن حكم -

267
المشهور باختصاصه إنما يلاحظ نسبته إلى نصيبه من المدفوع نظرا إلى أن قضية الاشتراك إنما هو عدم اختصاصه
بالكل الذي هو مقدار نصيبه وأما ما يلاحظ بالنسبة إليه فلا مانع عنه لاختصاصه وحصول الرضاء من الدافع
والاخذ فيتعين ما في الذمة بمقداره في الخارج فتأمل وهذا بخلاف المقام فإن اليمين تصلح للتعيين بل لا بد
من أن تكون معينة وإلا لزم اثباتها حق الغير فتأمل.
ثالثها النقض بالعين فإن بناء المشهور كما حكى على التشريك في العين وأجيب أيضا بالفرق بينهما بما
سيجئ إن شاء الله في العين هذا مجمل القول في الأجوبة التي ترجع إلى النقض.
وأما ما يرجع إلى الثاني أي الحل فهو ما ذكره جماعة من انا نمنعه من كون مقتضي اليمين عدم -
التشريك والتعيين في المدفوع. نعم مقتضاها عدم التشريك في المحلوف عليه ما دام في الذمة وأما ما ذكر
مستندا له من استلزام التشريك القول باثبات اليمين لحق الغير والمفروض البناء على عدمه ففاسد جدا لمنع
الاستلزام المذكور لان التشريك إنما جاء مع فرض اشتراكهم في تمام المدعى وتسالمهم عليه لا من جهة اليمين.
وبعبارة أخرى لو أريد من لزوم اثبات الحلف لحق الغير على القول بالتشريك اثباته له ابتداء فبطلانه
مسلم لكن اللزوم في المقام ممنوع وإن أريد منه اثبات الحلف لشئ يرجع نفعه (بعضه خ) بالآخرة إلى الغير ولو من
جهة أمر آخر فاللزوم في المقام مسلم لكن بطلانه ممنوع لعدم دليل عليه أصلا كما لا يخفى كيف وجماعة منهم
التزموا به في مسألة حلف الوارث على ما يدعيه لمورثه وحلف الراهن لما يدعيه فإنهم حكموا فيهما بعود المحلوف
عليه في الجملة إلى الغريم والمرتهن وان هما إلا نظير المقام وهل الدليل على الحكم فيهما بعد إطباقهم على
عدم اثبات اليمين لحق الغير غير ما ذكرنا من أن المثبت في المقام ونظايره في الحقيقة شئ آخر وراء اليمين
وإن كان المترائي في بادي النظر كونه اليمين وإن فرض كون المثبت في المقام وأشباهه في الحقيقة هو اليمين
فنمنع قيام دليل على عدم اثبات اليمين لحق الغير بهذا المعنى فتأمل هذا.
وهيهنا ايراد آخر على الوجه المذكور لم أر من تعرض له من الأصحاب رضوان الله عليهم تصريحا
وإن كان ربما يستفاد من كلامهم إشارة أو تلويحا وهو ان القول بعدم اشتراك غير الحالف مع الحالف مستلزم
لعدم انطباق الحلف مع المحلوف عليه لان المدعى يكون في الواقع مشتركا ومشاعا حسبما هو المفروض فيلزم
القضاء على خلاف المدعى وبطلانه ضروري.
فإن قلت إن المدعى وإن كان في الواقع مشاعا إلا أن اليمين يخرجه عن الإشاعة فالمحلوف عليه قبل
الحلف مشاع ولكن بالحلف يخرج عن الإشاعة.
قلت الالتزام به أفحش من الالتزام بسابقة لان لازمه أن يكون الحلف مغيرا للواقع عما هو عليه وهو
باطل ضرورة كون الحلف وسائر موازين القضاء كاشفين عن المدعى كالاقرار لا مثبتين له ولا مغيرين له مما
هو عليه وهذا أمر ظاهر قد أشار إليه جماعة أولهم فيما أعلم ثاني الشهيدين في المسالك.
فإن قلت لا نقول إن الحلف مغير للواقع عما هو عليه ولا مثبت للمدعي بحسب الواقع لكنا نقول إنه
مثبت ظاهرا للمحلوف عليه للحالف من غير أن يكون أحد مشاركا معه فيه.
قلت الظاهر انما ينفع لم ينكشف الواقع والمفروض في المقام انكشاف الواقع وتسالمهم على -
الشركة نعم لو فرض عدم تسالمهم عليه وتنازعهم فيه لكان الظاهر نافعا لكنه غير مختص باليمين بل يجري
في غيره أيضا كالاقرار وما شابهه فتأمل.

268
ثانيها ما ذكره جماعة من الأصحاب وجملة من علمائنا الأطياب من أن غير الحالف قد أسقط حقه
بنكوله وامتناعه عن اليمين فالحكم بتشريكه مع الحالف مناف لما دل على سقوط حق الناكل بالنكول من -
الاجماع والاخبار التي تقدمت ذكرها فيما قدمنا هذا.
ويجاب عنه أيضا بوجوه الأول النقض باليمين على فرض كون المستدل به قايلا بالتشريك في العين ضرورة
عدم التفرقة في مفاد الوجه المذكور بين العين والدين الثاني انه أخص من المدعى لان الكلام ليس مختصا بما
إذا كان جميع الشركاء حاضرين ناكلين عن الحلف إلا بعضهم بل يعم ما إذا كان بعضهم غائبا أو حاضرا لم يتمكن
من الحلف أو لم يتوجه إليه شرعا كالصبي والمجنون ونحوهما ويشهد لما ذكرنا من عمومية البحث مع وضوحه
تخصيص العلامة عنوان المسألة في القواعد بالغايب وتتميم الدليل بالنسبة إلى غير مورد شموله بعدم القول بالفصل
ليس أولى من العكس فتأمل الثالث الحل نظير ما مر في الجواب الحلي عن الوجه الأول وبيانه على وجه
الاجمال
انا نمنع من كون النكول مسقطا لحق الناكل بحسب الواقع بحيث يكون سببا لبرائة ذمة المدعى عليه وناقلا
شرعيا للمدعى إليه بل غاية ما هناك كونه موجبا لرفع سلطنة المدعي من المدعى عليه ظاهرا وعدم جواز مطالبته
منه كذلك وأما الآثار الواقعية فلا يرفعها قطعا إلا بالنسبة إلى بعضها حسبما مر تفصيل القول فيه في محله فحينئذ
نقول إن الحكم باستحقاق الناكل لبعض المأخوذ ومشاركته مع الاخذ وجواز مطالبته منه بمقتضى الشراكة
المسلمة بينهما لا ينافي أصلا مع ما دل على أن الناكل لا حق له بعد النكول بل يمكن أن يقال إن له الاخذ
من المدعى عليه أيضا لان نكوله إنما اقتضى عدم جواز مطالبته منه بالنسبة إلى ما نكل عن الحلف عليه لا بالنسبة
إلى ما حلف عليه شريكه فتأمل.
وبالجملة لا أرى النكول في المقام مانعا من الشركة بالنسبة إلى المأخوذ أصلا ونظير ما نحن فيه ما
افتى به جماعة فيما إذا نكل الغريم عن الحلف وحلف الوارث على ما يدعيه لمورثه من أنه يتعلق حق الغريم
بالمأخوذ فإن أداه الوارث وإلا فيؤخذ حقه منه معللا بعدم المنافات بين عدم استحقاقه للاخذ من المدعى عليه
وسقوط حقه منه وبين تعلق حقه بالمأخوذ وجواز أخذه في الجملة من جهة كونه تركة للميت بعد أخذ الوارث
بل أفتى بعض الأصحاب على جواز مطالبته من المدعى عليه أيضا بعد حلف الوارث وتفصيل القول في ذلك قد
تقدم سابقا فراجع.
هذا مع إمكان أن يقال إنه لم يقم دليل على سقوط حق الناكل عنها في المقام بمجرد النكول لان ما دل
من الاخبار على أن الناكل لا حق له بعد نكوله فإنما هي واردة في خصوص يمين الرد وأما اليمين التي تكون
جزء للبينة فلم يرد نص على سقوط حق الناكل عنها فتكون حكمها حكم البينة لو لم يقمها المدعي اختيارا أو
من جهة فقدانها فافهم واغتنم فإنه التفات حسن لم أر من الأصحاب من التفت إليه.
ثالثها ما ذكره الأستاذ العلامة في مجلس البحث ولم أر من الأصحاب من تمسك به غيره من أنه لو قيل
بالمشاركة في المقام واثبات اليمين للنصف المشاع لزم القول باثباتها لتمام المدعى بيان الملازمة انه لا يخلو إما
أن نقول بأن اليمين إنما تثبت النصف الذي للحالف مثلا أو نقول بأنها تثبت نصف المال الذي فرض مشاركة الحالف
مع غيره فيه فإن قلنا بالأول فلا معنى للقول باشتراك غيره معه في المأخوذ بالنسبة إلى نصيبه لان النصف المضاف
إلى الحالف لا يعقل الشركة فيه وإن قلنا بالثاني أي باثبات اليمين للنصف المشاع لزم القول باثباتها للتمام لان
اثباتها لنصف المال بهذا العنوان لا ينفك عن اثباتها لتمام المال كما لا يخفى فالقول بالاشتراك مبني على القول

269
باثبات اليمين للنصف المشاع واثباتها له بذلك العنوان في معنى اثباتها للتمام هذا.
ويجاب عنه أيضا بوجوه أحدها النقض بالعين ثانيها النقض بالاقرار وما شابهه فإن هذه الشبهة جارية
فيهما أيضا كما لا يخفى ثالثها الحل وبيانه ان الحالف لا بد من أن يحلف على ما يدعيه بحسب الواقع وما يدعيه
في المقام وإن كان هو النصف المشاع بينه وبين غيره الغير المنفك عن كون تمام المال لهما إلا أن الشارع لم
يعتبر من هذا الحلف إلا ما يرجع إلى نفس الحالف لا ما يرجع إلى غيره فإن أريد من كون اليمين مثبتة لنصف
الحالف كونه متعلقا للحلف فهو غلط ظاهر كما لا يخفى.
وإن أريد منه ان اعتبار الشارع للحلف في المقام يرجع إلى نفوذه في حقه لا في حق غيره وإن كان
دالا عليه لا أن يكون متعلق الحلف هو النصف الذي للحالف فهو مسلم لكنه لا يلزم منه ما ذكر لان أحدا لم يقل بأن
اليمين تثبت النصف المشاع بوصف الإشاعة حتى يرد عليه ما ذكر ولا يلزم من القول بالشركة اثبات كون اليمين
مثبتة ظاهرا للنصف المشاع بوصف الإشاعة وإنما تثبته معرى عن هذه الملاحظة والحيثية فما لم يأخذ منه فهو له
لا مدخل للغير فيه أصلا.
وأما إذا أخذه فلما لم يكن هناك معين لما في الذمة في العين الخارجي والمفروض تسالمهما على الشركة
واقعا فلا بد من الحكم بالاشتراك حسبما عرفت تفصيل القول فيه سابقا فراجع.
رابعها ما ذكره الأستاذ العلامة أيضا وهو قريب من الوجه الأول من أنه لو قيل بمشاركة غير الحالف
مع الحالف في المأخوذ لزم القول باثبات يمين الحالف مالا لغيره والتالي باطل بيان الملازمة انه لا إشكال حسبما هو
قضية الفرض ان المال المدفوع قبل الدفع إلى الحالف يكون مالا للمدعى عليه ولو صار بعد الدفع إليه لهما
لزم ما ذكرنا من اثبات اليمين مالا للغير.
لا يقال انا لا نقول بأن اليمين تثبت اشتراكهما فيه حتى يلزم ما ذكر بل نقول إن تسالمهم على
الاشتراك يقتضي ما ذكر.
لأنا نقول تسالمهم على الاشتراك بالنسبة إلى ما في ذمة المدعى عليه لا يقتضي اشتراكهما في المدفوع
إلى الحالف بمقتضى اليمين فلو حكمنا بالاشتراك فيه لزم ما ذكر لعدم تسالمهم على الاشتراك فيه بل لا معنى
له بعد فرض كونه مالا للمدعى عليه قبل الاخذ منه مع فرض عدم كون الدفع منه أيضا بعنوان كونه في
مقابل بعض ما في الذمة.
والحاصل ان بعد فرض كون المأخوذ قبل الاخذ مالا للمدعى عليه لا يخلو إما أن يقال إنه بعد الحلف
والاخذ يصير مالا محضا للحالف أو يقال إنه بعدهما يصير مالا للحالف وغيره فإن قيل بالأول ثبت المدعى وإن
قيل بالثاني لزم ما ذكرنا.
وحاصل هذا الوجه حسبما صرح به الأستاذ العلامة في مجلس البحث أيضا يرجع إلى أن الحلف
ناقل واقعا في الدين ما أخذه الحالف إليه بعد فرض كونه مالا للمدعى عليه بحسب الواقع.
ثم إن من التأمل فيما ذكرنا يظهر عدم ورود شئ من الايرادات التي أوردوها على الوجه الأول
على هذا الوجه.
أما النقض بالدين المشاع فلان الدافع هنا إنما يدفع المدفوع فيه بعنوان كونه في مقابل بعض ما
في الذمة فيتوقف صيرورته في مقابله بالتمام على اذنهما لفرض اشتراكهما فيه وتسالم الجميع عليه وهذا بخلاف

270
الفرض فإن الدافع لا يدفعه بهذا العنوان لكونه منكرا له أو يفرض الكلام فيما إذا خلى دفعه عن هذا العنوان و
إنما يدفعه لان يكون للحالف من حيث حلفه فالناقل للمال إليهما في المقام منحصر في الحلف لعدم حصول
دفع من الدافع ينفع في المدعى والمفروض ان اليمين لا تثبت المال للغير.
وحاصل الفرق ان الناقل في مسألة الشركة في الدين إنما هو دفع الدافع ماله بعنوان كونه في مقابل
بعض ما في الذمة على نحو الإشاعة وهذا بخلاف المقام فإن الناقل فيه هو اليمين والمفروض عدم اثباتها المال
لغير الحالف والكاشف عن كون الناقل في تلك المسألة هو الدفع والاخذ بعنوان الأداء لبعض ما في الذمة
وفي مسئلتنا هو اليمين ليس إلا أنه لو دفع المال في تلك المسألة لا بعنوان الأداء لا يحصل به الأداء بخلاف المقام.
وأما النقض بالاقرار وما شابهه فلان المقر إنما يدفع ماله أداء لما أقر لبعض الشركاء في ذمته
والمفروض تسالم المقر له مع صاحبه على الاشتراك فيه فيلزمه الشركة في المأخوذ وهذا بخلاف المقام فإن
الدافع لا يدفعه بالعنوان المذكور فلو قيل بانتقاله إليهما فليس سببه إلا الحلف والمفروض عدم صلاحيته له.
وأما النقض بالعين فلوضوح الفرق بينه وبين الدين لان الحلف فيه لا سببية له للنقل أصلا حتى يقال
بلزوم ما ذكرنا في الدين على تقدير القول بالاشتراك والمفروض تسالمهما على كونهما شريكين فيه فيلزمه
الاشتراك ظاهرا فلا أثر لليمين فيه بالنسبة إلى الانتقال والشركة أصلا.
أما بالنسبة إلى الأول فلأنهما لو كانا صادقين في الواقع فيكون المدعي لهما ولو كانا كاذبين فلا ينقل
إليهما ولو بعد حلفهما فضلا عن حلف أحدهما وهذا بخلاف الدين فإنهما لو كانا صادقين في الدعوى لا يقتضي صدقهما
لكونهما مالكين لعين من أعيان مال المدعى عليه.
وأما بالنسبة إلى الثاني فلان المثبت للاشتراك فيه ليس اليمين وإنما هو اعترافهما به والمفروض ان -
اليمين لا تغير الشئ عما هو عليه واقعا فيلزمه الاشتراك في المأخوذ.
وأما الجواب الحلي فلان اعترافهما وتسالمهما على الاشتراك بما في الذمة ليس اعترافا بالاشتراك
فيما يأخذه الحالف والقول بمشاركتهما فيه بالحلف مع عدم كون الدفع بعنوان الأداء عين القول باثبات
اليمين مالا لغير الحالف.
وأما الايراد بأنه لو أثبت الحلف الجزء المشاع فيلزمه القول بالاشتراك وإن أثبت المختص لزم
كونه مخالفا للمدعي إلى آخر ما ذكر هنا ففيه انا لا نفرق في اليمين بين العين والدين بالنسبة إلى المحلوف
عليه أصلا وإنما كلامنا بالنسبة إلى المأخوذ والمفروض انه لم يقع الحلف عليه في الدين وإنما وقع على ما
يدعيه في الذمة وهو لا يقتضي بنفسه الاشتراك في العين الخارجي ما لم يكن هناك سبب.
لا يقال إن السبب في المقام أيضا موجود وهو أخذ الحالف ما يدفع إليه من حيث كونه بدلا ومصداقا
لما حلف عليه المفروض اشتراكهما فيه.
وهذا أيضا لا دخل له بالسبب فأخذ الحالف المأخوذ بعنوان الاستيفاء مع التسالم على الشركة
يقتضي الاشتراك في المأخوذ.
لأنا نقول أخذ الحالف بالعنوان المذكور مجردا عن اتصاف الدفع بكونه إيفاء لما تسلموا فيه (يستوفيه خ)
لا يقتضي ما ذكر ودعواه ممنوعة ومع تسليمه نفرض الكلام فيما إذا أخذه لا بهذا العنوان بل بعنوان كونه
عوضا عن حقه هذا محصل ما ذكره شيخنا الأستاذ العلامة دام ظله العالي في تقريب الاستدلال ولكنك

271
خبير بأنه أيضا فاسد.
أما أولا فلما عرفت في مطاوي كلماتنا السابقة من فساد القول بكون الحلف ناقلا كالبيع والإجارة
وغيرهما من العقود ولم يذهب إليه أحد من الأصحاب أيضا بل الحلف عندهم كساير موازين القضاء طريق إلى
صدق المدعى وكاشف عن حقية دعواه لا انه مثبت لها أترى يفرقون بين الحلف والبينة من هذه الجهة
حاشاك ثم حاشاك.
وما ذكره الأستاذ العلامة من كونه ناقلا للعين المدفوعة في غاية الغرابة وهو عجيب ممن هو دونه
بمراتب فضلا عنه فالناقل في المقام للمدفوع إلى الاخذ ليس إلا دفع الدافع إياه بدلا عما ثبت في ذمته ظاهرا
باليمين وأخذ الآخذ له مع صدقه في دعواه كما أن الناقل في مسألة الدين المشترك ليس إلا دفع المديون المال -
الخارجي بدلا عما هو في ذمته وأخذ بعض الشركاء إياه بهذا العنوان فكما أن عنوان البدلية هنا اقتضى اشتراك
الشريكين في المدفوع وتوقف تملك الاخذ لتمامه على إجازة صاحبه كذلك يقتضي في المقام أيضا اشتراكهما
في المدفوع وهذا الاشتراك ما جاء من قبل اليمين بل من قبل تسالمهما قولك ان التسالم على الاشتراك فيما هو
في الذمة لا يقتضي الاشتراك في المأخوذ لعدم كونه موردا للتسالم فلو حكمنا باشتراكهما حينئذ فيه لزم القول باثبات
اليمين المال للغير فيه مضافا إلى النقض بالدين المشترك ان التسالم على الوجه المذكور وإن لم يقتض بنفسه
الاشتراك لكنه مع فرض كون المأخوذ بدلا عما هو مورد له يقتضيه قطعا والمفروض ان أخذ الآخذ إنما هو
بعنوان الاستيفاء لما يدعيه في ذمة المدعى عليه ويعترف بأن غيره مشارك معه فالاشتراك في المأخوذ لا دخل
له بالحلف وما جاء من قبله وإنما المثبت له اعتراف الحالف بالاشتراك فيما حلف عليه مع كون أخذه للمال
بعنوان الاستيفاء فالفرق بين المقام والدين المشترك والاقرار تحكم جدا.
وأما ثانيا فلان ما ذكره من الفرق بين الدين والعين من أن المقر به في العين والمتسالم عليه فيه نفس
المأخوذ فلا بد من الحكم فيه بالاشتراك وإلا لزم كون الحلف مغيرا للواقع وهو في الدين غير المأخوذ فلو قلنا باشتراك
غير الحالف معه لزم اثباته بالحلف أمر ظاهر لا إشكال فيه لكن ما جزم به من أن قضية تغاير المتسالم عليه والمأخوذ
عدم اشتراكهما فيه وإلا لزم المحذور قد عرفت فساده مما ذكرنا من أن الاشتراك قضية البدلية ولا دخل لليمين
فيه أصلا فالفرق بين العين والدين في الحكم المذكور أيضا لا وجه له.
وأما ثالثا فلان ما ذكره من أن الدافع في المقام يدفع المال لا بدلا عما في الذمة لفرض كونه منكرا
بخلاف الدين والاقرار منقوض مضافا إلى عدم احتياجنا في الحكم بالاشتراك إليه بل دفعه عوضا عما حلف عليه
الحالف المقر باشتراك غيره معه يكفينا أيضا بما لو أقر المدعى عليه في الدين لبعض المدعين ثم أنكره فإن
دفعه هنا أيضا ليس من جهة كون المدفوع بدلا عما في ذمته لفرض انكاره اشتغال الذمة رأسا مع أن غير المقر له
يشارك معه هذا تمام القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني فالحق فيه هو القول بالاشتراك وليس لنا فيه إلا عدم اثبات الحلف لمال
الغير وقد عرفت ضعف التمسك به في المقام الأول فضلا عن المقام.
وبالجملة القول فيه جوابا وردا وتحقيقا قد ظهر مما ذكرنا في المقام الأول فلا نطيل بالإعادة فقد
علم مما ذكرنا أن الحق في المقامين بمقتضى القواعد هو ما ذهب إليه بعض مشايخنا طاب ثراه من القول بالاشتراك
فيهما ولم يحصل لنا اجماع لا محققا ولا منقولا على خلافه فالمصير إليه متعين فالقول بالتفصيل وبعدم الاشتراك

272
مطلقا ضعيفان لا يلتفت إليهما والله العالم بحقيقة الأمور.
وينبغي التنبيه على أمور الأول انه لا إشكال بل لا خلاف ظاهرا على القول بعدم الشركة في انتقال المحلوف
عليه إلى غير الحالف من الورثة بالإرث أو بغيره من أسباب الانتقال ولا مانع منه أصلا بل أقول إنه لا يتصور هناك
مانع عنه سواء في الدين أو في العين إلا توهم انه بامتناعه عن الحلف على ما يدعيه (دعواه خ) قد أثبت عدم
انتقال المدعى إليه لكنك خبير بأنه أيضا في غاية الفساد.
الثاني انه لو حلف من نكل عن الحلف من المدعين أو من لم يحلف من جهة الغيبة ونحوها بعد حلف
بعض اخر فهل يصير معه شريكا على القول بعدم الاشتراك كما لو حلفوا جميعا أو أقر لهم جميعا أو لا وجهان
أوجههما على هذا القول عدم الاشتراك كما يظهر وجهه بالتأمل ويظهر الثمرة في النماء هذا وذكر في
المسالك ان الوجهين إنما يجريان فيما إذا حلف الناكل بعد الدفع وأما إذا حلف قبل الدفع فلا كلام
في الاشتراك حيث قال ولو فرض حلف الآخر بعد ذلك فإن كان قبل الدفع إلى الأول فلا كلام وإن كان بعده ففي
مشاركة الثاني له وجهان من وجود السبب المقتضي للشركة وسبق الحكم باختصاص الأول لما حلف عليه وقبضه
ويظهر الفائدة في المشاركة في النماء الحاصل قبل يمين الثاني انتهى كلامه ولكنك خبير بعدم الفرق بين بعد الدفع
وقبل الدفع إلا أن يكون مراده من الفرق هو الفرق المثمر كما ربما يظهر من قوله فلا كلام أي فلا كلام بحيث يثمر.
الثالث لو كان في جملة المدعين مولى عليه كالصبي والمجنون وغيرهما فلا إشكال في توقف ثبوت
حقه على حلفه بعد الكمال ولا ينفع في حقه حلف الغير لما قد عرفت غير مرة ان الحلف لا يقع عن الغير ولا يثبت
ماله فلو كمل وحلف فهل يحكم باشتراكه مع الحالف أم لا وجهان مبنيان على القولين في المسألة فراجع والله العالم.
قوله لو قال هذه الجارية مملوكتي وأم ولدي الخ أقول لا إشكال في التفكيك في الفرض الذي ذكره
المصنف رحمه الله فتأمل إنما الاشكال فيما لو قال هذه أم ولدي من دون قوله مملوكتي فهل يثبت بالشاهد واليمين
رقيتها مع الولد أو رقيتها وحدها وجهان مبنيان على ما ذكرنا سابقا من أنه لو كان متعلق اليمين مالا
بالنوع فهل يتبعه غير المال مما يكون من آثاره ولو كان مقصود الحالف في شخص المقام اثبات الامر الغير المالي
نظرا إلى كون نوع الدعوى دعوى مالية أو لا يتبعه ذلك بل يحكم بالتفكيك بينهما.
وقد عرفت سابقا ان الوجه هو الأول فعليه يحكم بحرية الولد أيضا هكذا ذكره الأستاذ العلامة ولكن
يمكن أن يقال في خصوص الفرض بالتفكيك وإن قلنا بالأول نظرا إلى انحلال الدعوى المزبورة في العرف إلى
دعويين فيراعى في كل منهما حكمه ولازمه التفكيك فتأمل.
ثم إن الاشكال في المقام إنما هو من حيث ثبوت تمام دعوى المدعي بالشاهد واليمين بحيث تصيرا
حجتين على المدعى عليه فيما يلزم الدعوى أيضا وأما ثبوت ما يرجع على المدعي من جهة تضمن دعواه للاقرار
على نفسه فلا كلام فيه قطعا لأنه لا دخل له بالشاهد واليمين أصلا كما لا يخفى.
قوله الثانية لو ادعى بعض الورثة ان الميت وقف عليهم دارا الخ أقول إذا ادعت جماعة من الورثة ان
الميت.
وقف عليهم بعض أعيان التركة وأقاموا شاهدا واحدا لينضموا إليه اليمين على القول بالقضاء بهما في المقام وأنكره
باقي الورثة فلا يخلو إما أن يحلف المدعون جميعا أو لا يحلف أحدهم أو يحلف بعض دون بعض آخر فالكلام يقع
في مقامات ثلاثة ثم إن مفروض البحث في وقف الترتيب بأن يدعوا وقف علينا وبعدنا على أولادنا أو على الفقراء.

273
وأما وقف التشريك فالكلام فيه خارج عن مفروض البحث ولعلنا نتكلم فيه إن شاء الله في آخر المسألة
فالكلام يقع في كل من المقامات الثلاثة في مقامين أحدهما بالنسبة إلى البطن الأول ثانيهما بالنسبة إلى
البطن الثاني والكلام في البطن الثاني أيضا يقع في مقامين أحدهما ما إذا كانوا محصورين ثانيهما ما إذا
كانوا غير محصورين.
فنقول إما الكلام في المقام الأول فاما بالنسبة إلى البطن الأول فلا إشكال فيه لأنهم بعد حلفهم يثبت
لهم الوقف ولا حق لباقي الورثة فيما يدعون وقفه.
وأما بالنسبة إلى البطن الثاني إذا كانوا محصورين فهل يأخذونه من غير يمين أو يتوقف أخذهم
على اليمين كالبطن الأول وجهان بل قولان ذهب إلى كل فريق لكن الأكثرين حسبما حكى عنهم الأستاذ -
العلامة دام ظله إلى الأول.
وذكر في المسالك في مبنى الوجهين ما هذا لفظه ثم إذا انقرض المدعون معا أو على التعاقب فهل يأخذ
البطن الثاني الدار بغير يمين أم يتوقف قبضهم (حقهم خ) على اليمين فيه وجهان مبنيان على أن البطن الثاني يتلقون
الوقف من البطن الأول أو من الواقف فإن قلنا بالأول وهو الأشهر فلا حاجة إلى اليمين كما إذا أثبت الوارث ملكا
بالشاهد واليمين ثم مات فإن وارثه يأخذه بغير يمين ولأنه قد ثبت كونه وقفا بحجة يثبت بها الوقف فيدام كما لو ثبت
بالشاهدين إلى أن قال وإن قلنا بالثاني لم يأخذ إلا باليمين كالبطن الأول انتهى ما أردنا نقله.
وقد سبقه إلى ذلك بعض من تقدم عليه وتبعه فيه بعض من تأخر عنه كالفاضل في بعض كتبه والشهيد
في الدروس وثاني المحققين حسبما حكى عنه في جامع المقاصد هذا.
ولكن الحق عدم صحة المبنى المذكور لامكان القول بكل من القولين ونفى ما بنوا عليه واثبات ضده
حسبما صرح به بعض مشايخنا طاب ثراه ويستفاد من كلام غيره أيضا.
ولنقدم على هذا كلاما تكلم به الأستاذ العلامة مستشكلا على ما ذكره في المسالك من كون القول بتلقي
البطن الثاني الوقف من البطن الأول هو الأشهر وهو انه كيف يجامع هذا مع ما ترى من ذهاب الأكثر إلى أن
تلقى البطن الثاني من الواقف وأيضا كيف التوفيق بينه وبين ما ذكره الأكثرون في باب الإجازة حتى الشهيد
في المسالك وغيره من عدم صحة إجارة البطن الأول بحيث تنفذ بدون إجازة البطن الثاني معللين بعدم تلقي -
البطن الثاني من الموقوف عليهم وإن تردد فيه المصنف فيه وحكم بعض المتأخرين بالصحة أو مال إلى القول بها وأيضا
كيف يجتمع بين كلامهم في باب الإجارة وما ذكروه في باب الوقف من غير خلاف يعرف بينهم من عدم الاحتياج
إلى قبول البطن الثاني بعد تحقق الوقف بقبول البطن الأول وما ذكروه من المقام من القولين هذا.
وقد تفصى دام ظله مما ذكره من الاشكال بما نشير إليه إجمالا.
إما عن الاشكال نسبة القول بتلقي الوقف من الموقوف عليهم إلى الأشهر حسبما في المسالك مع ما ترى
من مخالفته للواقع فبأن مراده هو الاشتهار بحسب الحكم لا الاشتهار بحسب القول بالتلقي وهذا كما ترى في
غاية البعد حسبما اعترف به دام ظله أيضا فالأولى ما ذكره دام إفادته من أن يقال بأن نسبته إلى الشهرة
سهو نشاء من ملاحظة حكم المشهور بعدم الاحتياج إلى اليمين مع ملاحظة عدم مستند له باعتقاده إلا القول بتلقيهم
الوقف من الموقوف عليه فاستنتج من هاتين المقدمتين ذهاب المشهور إلى ما اعتقده فتأمل (1).



(1) وجه التأمل انه ذكر وجها لعدم الاحتياج إلى اليمين غير الابتناء المذكور حسبما يعلم من الرجوع إلى كلامه (منه قده)
274
وأما من اشكال ذهابهم في باب الإجارة إلى خلاف ما ذهبوا إليه في باب آخر فبتغاير مرادهم من -
التلقي في البابين فمرادهم مما ذكروه في باب الإجارة من عدم تلقي البطن الثاني من البطن الأول هو نفي التلقي
من البطن الأول بمعنى الإرث لما زعموا من انحصار وجه الصحة على كون التلقي من قبل الإرث وهذا مما انعقد
على عدمه الاجماع ظاهرا لان أحدا لم يذهب إلى كون تلقي الوقف من قبيل تلقي الإرث فإن تردد المصنف في الصحة
وذهاب غيره إليها ليس من جهة الشك في كون التلقي من قبيل الإرث أو القول به بل من جهة منع انحصار
وجه الصحة على كون التلقي من قبيل تلقي الإرث.
بل يمكن القول بالصحة مع تسليم عدم كون التلقي من قبيل تلقي الإرث بل بمعنى آخر سنبينه من
حيث إن تسبيل الواقف المنفعة لا يقتضي إلا عودها في زمان كل بطن إليه وهذا لا ينافي صحة الإجارة من البطن
الأول بعد القول بعود المنفعة إلى البطن الثاني فمرادهم من نفي التلقي في باب الإجارة هو نفيه بمعنى الإرث.
وأما مرادهم مما ذكروه في باب آخر من الحكم بتلقي البطن الثاني من البطن الأول فيكون أحد شيئين
أحدهما أن يكون المراد انقطاع الملك من البطن الأول من جهة تقييده بوجوده وحصوله للبطن الثاني بعد
ارتفاعه من البطن الأول لكن لا بجعل الواقف وانشائه مستقلا حتى يكون التلقي منه بل من جهة انقطاعه
من البطن الأول.
توضيح ما ذكرنا أنه قد يكون الملك قابلا للبقاء وله استعداد للدوام ولكن يحصل هناك قصور في
المالك من جهة عدم قابليته للمالكية وقيام الملك به وهذا كأموال الانسان الغير الموقوفة عليه فإنها قابلة
للبقاء إلا أن القصور في المالك بعد موته لا فيها فيقوم الوارث بحكم الشارع مقام المورث ففي الإرث في الحقيقة
إنما تبدل المالك والملك لم يتغير أصلا بل هو باق بمقتضى استعداده وقد يكون غير قابل للبقاء من جهة
تقييده بحسب جعل الجاعل بزمان وجود المالك فيكون القصور هنا في الملك وإن كان في المالك أيضا وهذا
كما في الاملاك الموقوفة.
ثم إن لاحظ الواقف تملك العين الموقوفة لكل بطن في زمان وجوده مستقلا فهو معنى الانتقال من -
الواقف وإن لاحظ جميع التمليكات المقيدة بزمان الموقوف عليه شيئا واحدا وانشائها بانشاء واحد بحيث يكون
كل تمليك جزء من مقصوده بحيث يكون وجود الجزء الأول موجبا لوجود باقيها فيصير ثبوت سائر التمليكات
من لوازم ثبوت الجزء الأول وآثاره فهو معنى التلقي من الموقوف عليه.
ثم إن لازم القسم الأول نفوذ تصرف المالك فيه مطلقا لفرض قابليته للبقاء ولو بعد الموت فتصح اجارته
وانتقاله من المالك إلى وارثه لما ذكر من فرض استعداده للبقاء ولازم القسم الثاني عدم نفوذ تصرف المالك
فيه وعدم انتقاله إلى الوارث لفرض قصور فيه وعدم قابليته للبقاء والتلقي بالمعنى الأول هو الذي نفوه من البطن
الأول في باب الإجارة والذي أثبتوه منه في غيره هو بالمعنى الثاني.
ثانيهما أن يكون الحاصل للبطن الأول هو الملك المطلق من جهة عدم صلاحية ملكية العين
لتقييدها بزمان دون زمان كما في المنفعة فإنها قابلة للتقييد ولهذا يصح تمليكها قبل زمان وجودها كما في الإجارة
لكن لما كان مقصود الواقف تحبيس الأصل وانتقاله إلى البطن الثاني فلازمه حجر المالك في التصرفات الناقلة
للعين وعدم انتقاله أيضا إرثا لأنه ليس مما تركه المورث بل مما لا بد أن يتركه فتأمل فالمالك محجور في جملة من
التصرفات وإن كان الملك مطلقا إذ لا تنافي بينهما أصلا كما لا يخفى.
ثم إن لازم هذا أيضا خروج الملك عن يد المالك قهرا وحصوله بنحو الاطلاق للبطن الأول فيكون

275
التلقي من البطن الأول لأنه لازم ما فرضنا من حصول الملك المطلق للبطن الأول فالبطن الثاني يتلقون الملك منه
وإن كان للواقف أيضا مدخلية فيه حيث إنه لو لم يكن تخليده الأصل لانتقل إلى وارث البطن الأول وبهذا الاعتبار
يفرق هذا المعنى عن الإرث وإن كان بينهما غاية المناسبة والمشابهة فتأمل.
ومنه يعلم أيضا ان ما ذكروه في الوقف المنقطع الآخر عن عوده إرثا إلى وارثة الواقف يكون مسامحة
بناء على هذا المعنى وإن لم يكن مسامحة بناء على المعنى المذكور سابقا ببعض تقديره لأنه لا معنى لاطلاق العود
حقيقة بعد فرض حصول الملك المطلق للبطن الأول.
ثم إن إلى هذا المعنى نظر من مال أو حكم بصحة إجارة الوقف في الفرض معللا بكون التلقي من
البطن الأول مع اتفاقهم حسبما حكاه الأستاذ على عدم كون التلقي في المقام من قبيل تلقي الإرث لعدم منافاة
الإجازة على هذا التقدير لتخليد الأصل وتسبيل المنفعة لأنها تعود إلى البطن الثاني على كل تقدير فلا مانع من
صحتها وإن كان فيه نظر من جهة أن تسبيل الواقف المنفعة على كل بطن يقتضي عدم تسلط البطن الأول
على التصرف في المنفعة كما لا يكونون مسلطين على التصرف في العين لان تسلطهم على التصرف في المنفعة
ينافي تسلط البطن الثاني عليه المقرر بجعل الواقف فلا يحكم بصحة إجارة البطن الأول إلا في صورة إجازة -
البطن الثاني لكنها خارجة عن الفرض لان الكلام في الصحة منجزا ومن جهة الوجهين تردد المصنف في -
الصحة في باب الإجارة.
هذه خلاصة ما ذكره الأستاذ العلامة في دفع ما أورده على القوم من الاشكال والتنافي بين كلماتهم
وأنت خبير بأن ما ذكره لا يدفع جميع الاشكالات عن كلام جميعهم.
إما انه لا يدفع جميع الاشكالات فلان غاية ما يدفعه هو التنافي بين ما ذكروه في باب الإجارة والمقام
واما بين ما ذكروه في المقام من الخلاف في تعيين من يتلقى منه البطن الثاني وبين ما اجمعوا عليه في باب
الوقف من عدم الاحتياج إلى قبض البطن الثاني نظرا إلى تلقيهم من البطن الأول فلا كما لا يخفى لان ما ذكره الأستاذ
من الوجهين للتلقي من البطن الأول وإن كان مقتضيا كما لا يخفى لعدم الاحتياج إلى قبض البطن الثاني إلا أن
اتفاق كلمتهم على التعليل به في باب القبض ينافي اختلافهم فيه في المقام إلا أن يدعى عدم وجود التعليل المذكور
في كلام جميعهم وصحة ما حكموا به من عدم الاحتياج إلى القبض بالنسبة إلى البطن الثاني على القول بالتلقي
من المالك لكنه خلاف ما حكى عنه الأستاذ العلامة من التعليل به فتأمل.
واما انه لا يدفع عن كلام جميعهم فلانه قد صرح في المسالك بأنه على القول بتلقي البطن الثاني من الواقف
أيضا نقول بعدم الاحتياج إلى اليمين من جهة قيامهم مقام البطن الأول حسبما عرفت مما نقلنا منه وستعرف من
كلامه الذي ننقله فيما بعد فإنه كما ترى ينافي بظاهره ما أدعاه الأستاذ العلامة من قيام الاجماع ظاهرا على
عدم كون التلقي من البطن الأول بمعنى القيام مقامهم كما في الإرث على القول به فضلا عن وجود قايل به على
القول بعدمه هذا ولكن يمكن انه يقال بعدم كون مراد صاحب المسالك من القيام ما ادعى الأستاذ العلامة
الاجماع على نفيه في المقام واختصاصه بالإرث فتأمل.
إذا عرفت ما قدمنا لك من القول فلنتكلم على ما ذكره في المسالك وغيره من البناء فيقع الكلام تارة
على القول بالتلقي من الواقف وأخرى على القول بالتلقي من الموقوف عليه فنقول الظاهر أنه لو قلنا بان البطن
الثاني يتلقون الملك من الواقف كان الحكم بثبوت الوقف لهم محتاجا إلى اليمين ولا يكفي فيه ثبوته في

276
حق البطن الأول من جهة يمينهم لان البطن الثاني حينئذ في عرض الأول فلا معنى للحكم بثبوت الوقفية للبطن
الثاني من جهة يمين البطن الأول هذا.
ولكن يستفاد من المسالك وغيره صحة القول بعدم الافتقار إلى اليمين مع القول بالتلقي من الواقف أيضا
حيث قال بعد توجيه القول بعدم الافتقار إلى اليمين بناء على القول بالتلقي من البطن الأول حسبما عرفت حكايته
ما هذا لفظه ولان البطن الثاني وإن كانوا يأخذون عن الواقف فهم خلفاء عن المستحقين أولا فلا يحتاجون إلى
اليمين كما إذا أثبت الوارث للميت ملكا بشاهد ويمين وللميت غريم فإن له أن يأخذه بغير يمين انتهى.
ولكنك خبير بفساده أما أولا فلانه ينافي ما ذكره أولا من ابتناء الوجهين على القولين كما لا يخفى
وليس كلامه في مقام الترجيح حتى يقال بأنه تنزل (عدول خ) عما ذكره أولا فتأمل وأما ثانيا فلما عرفت من أنه
على القول بتلقي البطن الثاني من الواقف يحتاج الحكم بثبوت الوقفية لهم إلى يمينهم ولا يكفي يمين البطن -
الأول نظرا إلى كونهم في عرضهم وأما القياس بمسألة الغريم ففاسد من وجوه لا تخفى على المتأمل المتدبر فإن
كنت شاكا فيما ذكرنا فتأمل وانظر بعين الانصاف حتى يظهر لك حقيقة ما ادعيناه هذا على القول بأن البطن الثاني
يتلقون الملك من الواقف.
وأما على القول بأنهم يتلقون الملك من البطن الأول فقد يقال بصحة ما ذكره صاحب المسالك من عدم الافتقار
إلى اليمين على هذا التقدير إما على المعنى الأول فلما عرفت من أن حصول الملكية للبطن الثاني من لوازم
حصولها للبطن الأول فإذا ثبت حصولها للبطن الأول بالشاهد واليمين تثبت في حق البطن الثاني أيضا لما قد عرفت
من ثبوت لوازم الشئ بثبوته بالشاهد واليمين واما على المعنى الثاني فلانه بعد ما ثبت حصول الملك المطلق
بالشاهد واليمين في حق البطن الأول فقد ثبت خروجه عن ملك الواقف بالنحو المقرر فلا يحتاج في الحكم بثبوته
للبطن الثاني إلى اليمين على القول بالتلقي من البطن الأول هذا.
ولكن الحق تبعا لجماعة من الفحول توقف الحكم بثبوت الوقف للبطن الثاني على اليمين على القول
بالتلقي من البطن الأول أيضا لأنا نمنع من كون حصول الملك للبطن الثاني من لوازم حصوله للبطن الأول
بحيث لا يكون لجعل الواقف فيه مدخل أصلا بل من المعلوم على هذا التقدير أيضا توقف حصوله للبطن الثاني
إلى جعل الواقف له فله مدخلية في التمليك قطعا واليمين إنما أثبتت جعله في حق البطن الأول فالحكم بحصوله
للبطن الثاني يحتاج إلى يمينهم سلمنا كونه من لوازمه لكن نقول إن ثبوت الملزوم ظاهرا باليمين لا يلازم -
الحكم بثبوت اللازم لعدم استعداد اليمين لهذا المعنى فتأمل هذا كله على تقدير كون التلقي من الموقوف عليه
بالمعنى الأول وأما على تقدير كونه بالمعنى الثاني فأوضح حالا ضرورة ان لجعل الواقف وقراره مدخلا في الانتقال
إلى البطن الثاني ولم يثبت بالشاهد واليمين إلا في حق البطن الأول.
ثم انك من التأمل فيما ذكرنا كله تعرف فساد الأقيسة التي ذكرها في المسالك مضافا إلى كونها
قياسات يمحق الدين من التعويل عليها على ما أخبر به الصادق (عليه السلام) لوجود الفارق بين المقيس عليه فيها وبين
المقام إما القياس بإرث الوارث ما أثبت ملكية المورث له بالشاهد واليمين من دون الاحتياج إلى يمينه فواضح
للفرق بينه وبين المقام حسبما عرفت سابقا من أن الملك الثابت للوارث هو الملك الثابت لمورثه من غير تغيير
وتبديل فيه وإنما التبديل في المالك وبالجملة الفرق بين المقامين لا يكاد يخفى على ذي مسكة وأما القياس
بالشاهدين فأوضح فرقا من أن يبين لما قد عرفت غير مرة من الفرق بين الشاهد واليمين والشاهدين فإن الثاني حجة

277
في حق كل أحد بخلاف الأول وأما القياس بالملك للمدعي إذا أثبته بالشاهد واليمين ثم انتقل إلى غيره بسبب
من الأسباب وعدم احتياجه إلى اليمين فمما لا يحتمل اختفاء فرقه من المقام على جاهل فضلا عن عالم لان الانتقال
إلى غير المالك من توابع ملكية المالك بحيث لا مدخل لغيره فيه أصلا وهذا بخلاف المقام لأنك قد عرفت أن
لجعل الواقف مدخلا قطعا للانتقال إلى البطن الثاني ولعمري انه قدس سره لم يذكر هذه الوجوه متكلا عليها
لأنه أعلى شأنا من التمسك بها والله العالم هذا مجمل القول في المبنى الذي ذكروه للوجهين.
وأنت بعد التأمل فيما ذكرنا كله تعرف ان الحق الحقيق بالاتباع هو القول بالافتقار إلى اليمين إما
أولا فلان الظاهر بل المقطوع ان البطن الثاني إنما يتلقون الملك من الواقف لا البطن الأول لان الواقف يوجد
سببا يقتضي ملكية كل من البطنين في زمان وجوده فكل منهما في عرض الآخر إلا أنه لما لم يصح الوقف
على المعدوم ابتداء كان تقدم الوقف على البطن الأول من شروط صحة الوقف على البطن الثاني وهذا المقدار
لا يقضتي كون تلقي الملك من البطن الأول ولم أقف على دليل على كون التلقي من البطن الأول في كلام أحد من -
الأصحاب يعتد به إلا ما ذكره شيخنا الأستاذ العلامة موافقا لبعض من تقدم عليه من أنه لو قيل بأنهم يتلقون
الملك من الواقف لزمه القول بالتمليك القهري وهو غير معهود من الشارع إن لم ندع حكم العقل باستحالته
وهذا بخلاف القول بتلقيهم من البطن الأول فإنه ليس فيه إلا لزوم التملك القهري والالتزام له لا ضير فيه نظرا
إلى وقوعه كثيرا في الشرع كما في الإرث وشبهه هذا ولكنك خبير بفساده أيضا لأنه منقوض بالوقف على الفقراء و
أشباههم ممن لا ينحصر مع ذهاب جم قفير فيه إلى عدم الاحتياج إلى القبول حتى من الحاكم الشرعي أيضا مع
القول بكونه تمليكا وأما ثانيا فلأنك قد عرفت أنه على القول بالتلقي من الموقوف عليه أيضا يحتاج الحكم
بالثبوت في حق البطن الثاني إلى اليمين فراجع وتأمل.
هذا كله لو كان الوقف على المحصورين كالأولاد مثلا وأما لو كان الوقف على غيرهم أي من لا ينحصر
بحسب العنوان كالعلماء والفقراء وإن اتفق في الخارج انحصاره في منحصر وقلنا بالافتقار إلى اليمين بالنسبة إلى
البطن الثاني حسبما اخترناه فلا إشكال حسبما صرح به جمع من الأصحاب منهم ثاني الشهيدين قدس سرهما
في المسالك في سقوط اليمين عنهم لتعذرها منهم لان مرجع الوقف على غير المنحصر إلى الوقف على الجنس و
معلوم عدم تعلق الحلف به فعلى الحاكم الشرعي حينئذ مطالبة اليمين من المنكرين يمين نفي العلم على أن مورثهم
وقف عليهم فإن نكلوا فيحكم بالوقف عليهم بناء على القضاء بالنكول مطلقا حسبما عرفت منا أو في خصوص
المقام وإن لم نقل به في غيره نظرا إلى تعذر الرد حسبما صرح به الأستاذ العلامة وإن حلفوا فلا إشكال في الحكم
بعدم ثبوت الوقفية.
فهل يحكم برجوعه إلى ورثة الواقف إرثا كما هو ظاهر جماعة أو يحكم برجوعه إلى أقرب الناس
إلى الواقف كما احتمله في المسالك ملحقا له بالوقف المنقطع الآخر في الحكم وجهان أوجههما الأول كما
يظهر وجهه بالتأمل والفرق بين الوجهين ان في الأول يحكم بعدم ثبوت الوقف من أول الأمر غاية الأمر الحكم
بثبوته ظاهرا في حق البطن الأول من جهة يمينهم وفي الثاني يحكم بثبوت الوقف إلى زمان البطن الثاني و
يحكم في زمانهم بعدم الثبوت ظاهرا.
ويظهر الثمرة فيما لو مات أحد المنكرين مع بقاء الآخر وكان للمنكر الميت ابن فإنه على الأول
يحكم بتشريكهما في المال لقيام الابن مقام أبيه في المقام وعلى الثاني يعطى المال بالعم المنكر لكونه أقرب

278
إلى الواقف من ابن الابن ويحتمل أن يكون مراده من ذكر احتمال الرجوع إلى أقرب الناس كصاحب المسالك
وغيره الصرف في وجوه البر كما هو أحد محتملي الشيخ في محكي المبسوط مدعيا ان مراد من حكم من الأصحاب
بالرجوع إلى أقرب الناس هو الصرف إلى وجوه البر فكان هذه الكلمة اصطلاح عندهم في المعنى المزبور نعم
صرح الشيخ رحمه الله في محكي المبسوط أيضا بأنه لو كان الأقرب إلى الواقف جامعا للشرايط كالفقر ونحوه يدفع إليه أيضا
بل هو أولى من غيره ولعل بهذا الاعتبار ذكروا انه يرجع إلى الأقرب إلى الواقف مع أن المقصود الصرف في
وجوه البر لا العود إرثا كما في المعنيين المتقدمين.
ومن التأمل في جميع ما ذكرنا تعرف فساد ما أورده بعض مشايخنا طاب ثراه على ما ذكر في المسالك فيما لو
كان البطن الثاني غير منحصرين فالأولى نقل عبارتهما حتى تطلع على صدق ما ادعيناه قال في المسالك تفريعا
على القول بالتلقي من الواقف والاحتياج إلى اليمين وعليه فلو كان الاستحقاق بعد الورثة كالأولاد مثلا للفقراء
وكانوا محصورين كفقراء قرية ومحلة فالحكم كالأول وإن لم يكونوا محصورين بطل الوقف بعدم إمكان اثباته
باليمين وعادت الدار إرثا وهل تصرف إليهم بغير يمين وجهان ويحتمل عودها إلى أقرب الناس إلى الواقف بناء على أنه
وقف تعذر مصرفه كالوقف المنقطع ويجري فيه الخلاف الذي تقدم في الوقف انتهى ما في المسالك.
وقال في الجواهر بعد ذكر ما حكيناه عن المسالك بألفاظه بما هذا لفظه وهذا الكلام أغرب من الأول
إذ ما ذكره من الاحتمال الأخير لم نعرف أحدا ذكره في الوقف المنقطع ولا وجه له فإن أقرب الناس إلى الواقف
لا مدخلية له في شئ من ذلك واحتمال إرادة الإرث منه كما عساه يشعر به كلامه في آخر المسألة يدفعه انه
ذكره بعد أن ذكر البطلان وانه صار إرثا والبحث في كونه لورثة الواقف حين الوقف أو حين الانقطاع أو غير ذلك
تقدم في محله إلى أن قال وكذا ما ذكره من الوجهين بعد الجزم ببطلان وقفه وعوده إرثا في توقف صرفه إليهم
على اليمين وعدمه إذ لا استحقاق لليمين على الوارث بعد عدم مدع لكون المفروض وقفه على الفقراء وهم غير
منحصرين بل ما ذكره أولا من الحلف على فرض كون الوقف على فقراء قرية أو محلة قد يناقش فيه بأنه لا وجه
له مع فرض كون المراد الجنس وإن اتفق انحصار افراده في الخارج فإن ذلك لا يجعل للمخصوصين من حيث
كونهم كذلك حق الدعوى على وجه لهم الحلف مع الشاهد واليمين المردودة ونحو ذلك فتأمل انتهى كلامه.
وجه الفساد أما أولا فلان ما ذكره أولا من قوله إذ ما ذكره آه قد عرفت فساده من جهة القول به على
تقدير ان يكون المراد بأقرب الناس ما ذكره في محكي المبسوط وأما على تقدير أن يكون المراد به ما ذكرناه أولا
فهو في الحقيقة أيضا معنى العود إرثا ولا معنى لنفي القول به وإنما ذكره في مقابل احتمال العود إرثا مع أنه
ارث في الحقيقة من جهة ملاحظة ما ذكرنا من الثمرة بينهما فظهر أيضا فساد قوله واحتمال إرادة الإرث منه آه
فتأمل وأما ثانيا فلان ما ذكره من قوله وكذا ما ذكره من الوجهين آه قد عرفت فساده أيضا مما ذكرنا من
مطالبة حاكم الشرع لليمين عنهم فهو مدع نائبا عنهم ولولا تأمله في قوله بل ما ذكره أولا من الحلف على فرض
كون الوقف على فقراء قرية آه لذكرنا بعض ما فيه هذا جملة الكلام في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو ما لم يحلف أحدهم وامتنعوا عن الحلف جميعا فيقع أيضا في مقامين
أحدهما بالنسبة إلى البطن الأول ثانيهما بالنسبة إلى البطن الثاني أما الكلام في المقام الأول فلا إشكال بل لا
خلاف في سقوط دعواهم لو لم يطالبوا اليمين من المنكرين أو طالبوا وحلفوا كما أنه لا إشكال في ثبوت الدعوى
لو طالبوها وامتنعوا عن الحلف ثم فيما حكم بسقوط دعواهم يقسم المدعى بينهم ميراثا ان امتنع البطن الثاني

279
أيضا من اليمين لكن يكون نصيب المدعين وقفا بمقتضى اقرارهم بما يرجع عليهم وأما الكلام في المقام الثاني
فيقع تارة فيما لو كان البطن الثاني هم الورثة للبطن الأول وأخرى فيما لو كان الوارث غيرهم أما الكلام
من الجهة الأولى فيقع أيضا في موضعين أحدهما بالنسبة إلى نصيب المورث الممتنع عن اليمين ثانيهما بالنسبة
إلى تمام ما ادعوا وقفيته.
أما الكلام في الموضع الأول فلا إشكال في الحكم بالانتقال النصيب إليهم وقفا سواء ادعوا وقفيته أو
أنكروها لنفوذ اقرار المورث عليهم لان اقراره في حال حياته بما يرجع إلى نفسه إقرار عليهم ونافذ بلا إشكال
ولا يتوقف الحكم بانتقاله إليهم على يمينهم أصلا سواء على القول بالانتقال عن الواقف أو الموقوف عليه لان نفوذ اقرار -
المورث الموقوف عليه عليه وعلى أولاده مما لا إشكال فيه والمفروض ثبوت وقفية مقدار النصيب بمقتضى الاقرار ولا
مدعى أيضا في مقابله وإن فرض كما لو ادعى بعض ورثته كذب المورث في اقراره فلا تسمع دعواه لأنها
كتكذيب اقرار نفسه.
وبالجملة الحكم مما لا إشكال فيه أصلا والعجب من الشهيد في المسالك حيث بنى الافتقار إلى اليمين
وعدمه على (ما) عرفته منه سابقا من القولين في تلقي البطن الثاني لأنك قد عرفت أنه لا دخل للفرض بالابتناء المذكور
مع فساده أيضا من أصله.
وأما الكلام في الموضع الثاني فلا إشكال أيضا في الحكم بثبوت الوقفية لهم لو حلفوا جميعا سواء على
القول بالتلقي من الواقف أو الموقوف عليه أما على الأول فظاهر وأما على الثاني فلان امتناعهم ونكولهم إنما
أسقط حقهم إما اسقاط حق البطن الثاني فلا فهم لا يتبعونهم لا في الثبوت ولا في السقوط بل ولو قلنا بالتبعية
في الأول على تقدير القول بصحة ما ذكره في المسالك من البناء على القولين لم نقل بالتبعية في الثاني لعدم الملازمة
بينهما كما لا يخفى.
ومن هنا تعرف فساد ما ذكره في المسالك من البناء حيث قال وهل للأولاد أن يحلفوا ان جميع الدار وقف
وجهان من كون الأولاد تبعا لآبائهم فإذا لم يحلفوا لم يحلفوا ومن انهم يتلقون الوقف من الواقف فلا تبعية انتهى
وفيه ما لا يخفى من وجوه الفساد.
نعم هنا شبهة ترد على كل من القولين وهي انه لا إشكال في أن صحة الوقف على البطن الثاني موقوفة
على الوقف على البطن الأول سواء على القول بالتلقي من الواقف أو الموقوف عليه فإذا لم يثبت الوقف في حق
البطن الأول من جهة نكولهم لم يثبت في حق البطن الثاني أيضا للتوقف المذكور ومن هنا بنى بعضهم الخلاف
هنا على لخلاف في صحة الوقف المنقطع الابتداء وعدمها وربما يدفع الشبهة بأن حلف البطن
الثاني يقتضي ثبوت الوقف في حق البطن الأول وعدم ثبوته قبله ظاهرا من جهة نكولهم لا يضر فيه فلا معنى
للابتناء المذكور أيضا.
قال في المسالك والحق مجيئهما وإن منعنا من الوقف المنقطع الأول لان حلف الأولاد اقتضى عدم
انقطاعه في الواقع وإن انقطع بالعارض حيث لم يحلف آبائهم لان البطن الثاني كالأول لان الوقف صار إليهم
بالصيغة الأولى عن الواقف ولان منع الثاني عن الحلف يؤدي إلى جواز فساد البطن الأول الوقف على الثاني وهذا
لا سبيل إليه فالقول بجواز حلفهم أقوى وهو خيرة الشيخ في المبسوط والمصنف وغيرهما انتهى كلامه.
وأورد عليه بعض مشايخنا طاب ثراه بما هذا لفظه وفيه أيضا بعد الاغضاء (الإغماض خ) عما في الأول

280
من الوجهين ان يمين الأولاد لا تصلح لاثبات اتصال الوقف لأنها حينئذ تكون يمينا للغير واحتمال الاتصال بعد كونه
منقطعا في ظاهر الشرع غير مجد واطلاق الاثبات بالشاهد واليمين لا ينافي الفساد من جهة أخرى ثم قال بعد
ما ذكره من الايراد فتأمل إذا الظاهر عدم مخالف محقق في أن للبطن الثاني اليمين مع نكول البطن الأول عنها
بناء على تلقيهم من الواقف ويكفي في صحة الوقف في حقهم احتمال الاتصال وإن كان منقطعا في ظاهر الشرع بمعنى
عدم ثبوته للبطن الأول انتهى كلامه.
وأنت خبير بفساد ما أورده من لزوم اثبات اليمين حق الغير لمنع اللزوم لأنها إنما تثبت حقا لنفسه
لان يمينه للوقف على البطن الأول لا يترتب عليها فائدة إلا اثبات الوقفية له ولا ينفع للمحلوف له أصلا و
ان هي إلا كيمين الوارث فيما يدعيه لمورثه وان سميتها باليمين للغير فلا نتحاشى من التسمية لأنك قد عرفت
غير مرة المنع من قيام دليل على المنع من القضاء بمثل اليمين التي في محل النزاع فراجع ثم إن ما ذكره
من عدم الخلاف في وجه التأمل ينافي ما ذكره من الابتناء كما لا يخفى والقول بأن مقصوده عدم الخلاف
بين من قال بالتلقي من الواقف مع كونه خلاف ظاهر كلامه يمنع من جعله وجها للتأمل بعد قضاء
الدليل على خلافه كما هو المفروض في كلامه وفيه أيضا بعض ما لا نذكره مما لا يخفى على المتأمل هذا مجمل
القول في الجهة الأولى.
وأما الكلام في الجهة الثانية وهي ما لو كان الوارث للبطن الأول غير البطن الثاني كفقراء محلة فلا إشكال
في عدم جواز تصرف الوارث فيما يدعون وقفيته ووجوب اعطائهم إياه البطن الثاني سواء حلفوا أو نكلوا لنفوذ
اقرار المورث لوقفيته عليهم وليس لهم أيضا الدعوى مع البطن الثاني لما ذكر هذا كله فيما لو كان البطن الثاني
منحصرين وأما لو كانوا غير منحصرين فقد علم حكمه مما ذكرنا في المقام الأول فلا نطيل بالإعادة وعليك بالمراجعة
وهو ولي الإعانة هذا مجمل القول في المقام الثاني.
وأما الكلام في المقام الثالث وهو ما إذا حلف بعض المدعين ونكل الآخر فقد عرفت أنه أيضا يقع في
مقامين أحدهما بالنسبة إلى البطن الأول ثانيهما بالنسبة إلى البطن الثاني.
أما الكلام في المقام الأول فنقول انه لا إشكال بل لا خلاف في الحكم بوقفية نصيب الحالف وأما
نصيب الناكل ففيه قولان أحدهما يظهر من عبارة المصنف على ما استظهره في المسالك من كونه تركة يقضى
منه الديون والوصايا والفاضل يقسم بين جميع الورثة حتى الحالفين لاعتراف الورثة باشتراكهم معهم في
تمام المال لكن ما يخص الحالف يحكم به وقفا للناكل بمقتضى اقرار الحالف لا ميراثا قال في المسالك ولو حلف
بعضهم دون بعض بأن كانوا ثلاثة فحلف واحد ونكل اثنان يأخذ الحالف الثلث والباقي تركة يقضى منه الديون
والوصايا وما فضل يقسم بين جميع الورثة على ما يقتضيه ظاهر العبارة فإنه حكم بأن ما فضل يكون ميراثا
ومقتضاه اشتراك جميع الورثة فيه والعلامة رحمه الله تبعه على هذه العبارة وصرح بذلك بعضهم ووجهه ان الوارث
الذي لم يدع الوقف وهم المستحقون لهذه الحصة يعترفون بأنها حق لجميع الورثة وإن كان بعضهم وهو مدعي
الوقف قد ظلم في أخذ حقه (حصته خ) منه بيمينه ولا يحسب عليه ما أخذه من حقه (حصته خ) في الباقي لأنه معين
وهو الدار المفروضة لا مشاع فيؤخذون باقرارهم ويقسم على الحالف وغيره وعلى هذا فما يختص الحالف يكون وقفا على
الناكلين لان الحالف يعترف لهم بذلك انتهى كلامه.
ثانيهما ما يظهر من الشيخ في محكي المبسوط من كونه مشتركا بين الناكلين والمنكرين من الورثة

281
دون الحالف حيث قال لو حلف واحد منهم دون الآخرين فنصيب من حلف وقف عليه والباقي ميراث بين الآخرين
وبقية الورثة ثم حصة الناكلين تصير وقفا باقرارهم.
أقواهما القول الثاني لان الورثة إنما يعترفون بالاشتراك في الجميع إرثا والمفروض ان الحالف قد
أخذ مقدار نصيبه ويعترف بأنه لا يستحق إلا ما أخذه فكيف يحكم باشتراكه مع الباقي وهو ظاهر لا غبار فيه
أصلا والعجب مما ذكره في المسالك من قوله ولا يحسب عليه ما أخذه من حقه في الباقي لأنه معين وهو الدار المفروضة
لا مشاع إذ لا شاهد لما أدعاه من كونه معينا لا مشاعا.
ثم إن هذا كله فيما لو كان نصيب الحالف إرثا مساويا لنصيبه وقفا وأما لو كان نصيبه إرثا زايدا على
نصيبه وقفا فقد حكم جماعة من الأصحاب بكون الزايد مجهول المالك وظاهر كلامهم هذا هو كونه من
المجهول (مصاديقه خ) مطلقا.
واستشكل فيه الأستاذ العلامة وذكر تفصيلا في المقام على سبيل الضابطة لبيان حكم ما يرد على
الشخص في مثل المقام مما ينفيه المتداعيان من أنفسهما أو ينفيه أحدهما عن نفسه في باب التداعي لا بأس في
التعرض له على ما يقتضيه المجال.
وهو ان الشخص إذا نفى شيئا عن نفسه وأقر لغيره ولو من باب الالتزام فلا يخلو إما أن يكون واحدا
أو متعددا كل واحد منهما ينفيه عن نفسه ويثبته لغيره فإن كان واحدا فلا يخلو إما أن يحتمل صدقه في إقراره
أو لا يحتمل ذلك بل يعلم تفصيلا ان ما ينفيه يكون لنفسه فعلى الأول فلا إشكال في الحكم لان اقرار العقلاء على
أنفسهم جايز وعلى الثاني فيجب على من كان في يده دسه في ماله لان التصرف في مال الغير بغير اذنه محرم عقلا
ونقلا كتابا وسنة وإجماعا.
لا يقال إن قدر ما ثبت من الأدلة وجوب الاعلام في الأمانة الشرعية لا الايصال إلى صاحبه.
لأنا نقول الاعلام والإيصال إنما وجب كل منهما مقدمة للوصول فإن تمكن منهما فيكون مخيرا بينهما
وإن لم يتمكن من أحدهما تعين الآخر والمفروض في المقام عدم التمكن من الاعلام فيجب الايصال فيجب الدس
نعم لو فرض التمكن من الايصال بغير الدس أيضا كان مخيرا بينهما.
وإن كان متعددا فلا يخلو إما أن يحتمل أن يكون ما ينفيانه عن أنفسهما ويقران به لغيرهما
لغيرهما فلا إشكال أيضا في الحكم لان جميع موارد الاقرار التي يكون الاقرار فيها نافذا على المقر يكون
من هذا القبيل أي مما يحتمل أن يكون المقر به للمقر ولغيره فيؤخذ المقر به عنهما أو لا يحتمل ذلك بل
يعلم إجمالا بأنه لأحدهما.
ففي هذا وجوه أحدها أن يقال بكون داخلا في مجهول المالك فيراعى فيه حكمه فيتصدق من
مالكه والوجه فيه التعذر شرعا من ايصاله إلى صاحبه فيكون مثل ما لو لم يعلم بالمالك أصلا لا إجمالا ولا تفصيلا
لان عمدة المناط في حكم مجهول المالك هو التعذر ولهذا يتعدى عنه إلى ما لو علم بالمالك تفصيلا ولكن تعذر
إيصال المال إليه فإنه وإن ورد بعض الأخبار في خصوص مجهول المالك الظاهر في غير المقام إلا أن المستفاد من
أكثرها كون المناط هو تعذر الايصال فالتصدق في الحقيقة نوع من الرد إلى المالك الذي قضى بوجوبه العقل
والنقل لكنه رد يعود نفعه إليه في الآخرة ثانيها ان يقرع بينهما لان القرعة لكل أمر مشكل فيرجع الامر
بعد القرعة حكما إلى ما لو علم بكذب المقر في اقراره في وجوب الدس ثالثها أن يحكم بالتنصيف بينهما لان

282
ايصال المال إلى صاحبه ولو في الجملة أولى من اعطائه لغيره ولو على سبيل الاحتمال كما روعي هذا الحكم في
مسألة التداعي في بعض الصور.
أوجهها الأول لما عرفت من عموم المناط والثاني مردود بعدم معارضة القرعة للاقرار المكذب لها
والثالث مردود بأنه وجه اعتباري لا يمكن بمقتضاه وأما الحكم بالتنصيف في مسألة التداعي فإنما
هو من جهة الاخبار والاجماع وإلا فالحكم فيه بالنظر إلى القاعدة الأولية هو ما ذكرنا في المقام إذا عرفت ذلك
علمت أن ما ذكروه في المقام من الحكم بكون المقدار الزايد داخلا في مجهول المالك من حيث نفي كل من -
الحالف والمنكر له من نفسه لا يتم في جميع الصور هذا كله فيما لو كان كل من الحالف والناكل حيا.
وأما لو مات أحدهما فلو مات الناكل فنصيبه للحالف الحي ولا يحتاج إلى يمينه على ما تقدمت إليه
الإشارة ولا دخل لورثته فيه أصلا لانقطاع يدهم عنه باقرار مورثهم ولو مات الحالف ففي المسالك ان فيه ثلاثة
أوجه أحدها انه يصرف إلى الناكلين لأنه قضية الوقف إذ لا يمكن جعله للبطن الثاني لبقاء البطن الأول ولأنه
أقرب الناس إلى الواقف وعلى هذا ففي حلفهم الخلاف السابق فإن قلنا بالحلف سقط بالنكول كالأول والثاني
انه يصرف إلى البطن الثاني لأنه بنكول الناكل سقط حقه وصار كالمعدوم وإذا عدم البطن الأول كان الاستحقاق
للثاني وهذا هو الذي اختاره الشيخ في المبسوط والثالث وهو أضعفها انه وقف تعذر مصرفه لأنه لا يمكن صرفه إلى
الباقين من البطن الأول لنكولهم ولا إلى البطن الثاني لان شرط استحقاقه انقراض البطن الأول فإذا تعذر مصرف
الوقف بطل كالمنقطع الآخر ورجع إلى أقرب الناس إلى الواقف انتهى ما أردنا حكايته ولا يخفى عليك ان الوجيه
من هذه الوجوه هو الوجه الأول والوجه فيه ظاهر ومتمسك المخالف ضعيف لأنا نمنع من كون مقتضى نكوله
المنع من استحقاقه في خصوص المقام كما لا يخفى.
ثم إن هذا الذي ذكرنا كله من الكلام إنما هو في الوقف على الترتيب وأما الوقف على التشريك فلا
إشكال بل لم أجد مخالفا في أنه ينحل إلى أوقاف متعددة مستقلة غير مربوط أحدهما بالآخر فلازمه ان يمين أحد
المدعين لا تنفع إلا في حقه سواء كان بالنسبة إلى البطن الأول أو الثاني كما أن لازمه ان نكول أحدهم لا يوجب إلا سقوط
حقه وعليك بالتأمل فيما ذكرنا في الوقف على الترتيب واستنباط حكم الصور المتصورة في المقام منه.
قوله في كتاب قاض إلى قاض أقول إذا حكم الحاكم بحكم فإن علم الحاكم الآخر بحكمه فيجب عليه
امضائه وانفاذه سواء كان السبب لعلمه به قول الحاكم أو كتابته أو البينة أو غيرها من الأمور لاستحالة الفرق
في مقام اعتبار العلم من باب الطريقية بين أسبابه كما استقصينا الكلام فيه غير مرة وإن لم يعلم به فطريق وصوله
وبلوغه وانتهائه إليه لا يخلو إما أن يكون كتابة القاضي إليه أو قوله أو قيام البينة عليه أو اقرار المحكوم عليه به
وإن شئت قلت إن ابلاغ الحكم وانهائه إلى حاكم آخر لا يخلو إما أن يكون بلا واسطة أو مع الواسطة والأول
لا يخلو إما أن يكون بالكتابة أو بالقول والثاني لا يخلو إما أن يكون بالبينة أو بإقرار من المحكوم عليه وفي جعل
الاقرار طريقا لانهاء الحكم وابلاغه كما صنعه الأستاذ العلامة في مجلس البحث مسامحة لا تخفى ولهذا لم يجعلوا
الاقرار طريقا لانهاء الحكم وإنما ذكروه في مقام الاستدلال على اعتبار البينة على الحكم كما لا يخفى لمن راجع
إلى كلماتهم ومقالتهم.
ومن هنا يظهر ان البينة التي ذكروها طريقا لانهاء الحكم وذهب المشهور إلى اعتبارها انما هي البينة
التي أشهدها الحاكم على حكمه وأما البينة التي شهدت الحكم من غير اشهاد الحاكم إياها ثم شهدت عند

283
حاكم آخر بالحكم فلا يسمى طريقا لانهاء الحكم بل الظاهر من سيد مشايخنا في الرياض عدم الخلاف
في عدم اعتبارها وإن كان لنا كلام فيه.
وكيف كان فالكلام يقع في أربعة مواضع إما الكتابة فالذي نقل الاجماع عليه جماعة ممن تقدم
وتأخر منهم الشيخ في محكي الخلاف والفاضل في محكي القواعد والتحرير وابن إدريس في السرائر عدم
اعتبارها حتى مع البينة على الكتابة حسبما هو قضية اطلاق كلام بعضهم وتصريح آخر واستدلوا عليه أيضا
بخبري السكوني وطلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهم
انه كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض في حد ولا غيره حتى وليت بنو أمية فأجازوا بالبينات المشهورين -
المستفيضين كما عن المختلف هذا.
ولكن الظاهر من أبي علي من أصحابنا الاعتبار بها مطلقا في حقوق الناس حسبما نسب إليه وتبعه
بعض المتأخرين في هذا القول في الجملة والظاهر من الشيخ في المبسوط الاعتبار بها إذا شهدت البينة على انها
كتابة القاضي وإن ما اتفقت الامامية عليه قبالا للعامة هي الكتابة المجردة عن البينة حيث قال فإذا ثبت حكمت
(فكتب خ) قاض إلى قاض كتابا لم يجز ان يحكم بما فيه ولا يمضيه حتى يثبت عنده بالبينات انه كتاب فلان إليه
سواء وصل مختوما أو غير مختوم وقال قوم إذا وصل مختوما حكم به وأمضاه فإذا ثبت انه لا يقبل ولا يعمل عليه
إلا بالشهادة فالكلام في فصلين إلى آخر ما ذكره وأنت إذا أعطيت حق النظر في هذا الكلام وفيما لم نذكره مما
قبله وبعده لم يدخلك شك في ظهور كلامه فيما استظهرناه عنه ويمكن أن يستظهر هذا القول أيضا من كلام
كل من أطلق القول بعدم اعتبار الكتابة ثم علله باحتمال التشبه والتزوير نعم من أضاف إليه احتمال عدم القصد
أو غيره من الاحتمالات في عدم اعتبار الكتابة كالشهيد في المسالك وغيره في غيره الظاهر منه عدم الفرق.
وكيف كان الحكم بعدم اعتبار الكتابة ولو بعد قيام البينة على انها كتابة القاضي وانها كتبها بمحضرها
الظاهر أنه المشهور بين الأصحاب لما قد تقدم من الروايتين بل قد ادعى في السرائر في باب نوادر القضاء الاجماع
عليه صريحا كما سيأتي نقله هذا ولكن قد يناقش في الروايتين سندا ودلالة.
أما السند فبضعفه بالسكوني وطلحة والأول عامي لم يصرح أحد بوثاقته والثاني أيضا فاسد المذهب
لم يصرح أحد بمدح فيه قال في المسالك في مقام القدح في الروايتين بما هذا لفظه وعن الرواية بأمرين أحدهما
ضعف سندها فإن طلحة بن زيد تبري والتبرية (والتبرة خ) فرقة من الزيدية وقال الشيخ في الفهرست والنجاشي
انه عامي والسكوني أيضا عامي مشهور الحال مع أنه لم ينص أحد من الأصحاب فيهما على توثيق ولا مدح مضافا إلى فساد
العقيدة فلا يعتد بروايتهما إلى أن قال وأجاب في المختلف عن ضعف الروايتين بأن الرواية من المشاهير فلا -
يضرها الطعن في الراوي وهو يرجع إلى جبر الشهرة للضعف وقد تكلمنا عليه غير مرة انتهى كلامه.
وأما الدلالة فباحتمال أن يكون المراد منها انشاء الحكم بالكتابة لا الاخبار بها عن وقوعه
وبكونها موهونة من جهة اعراض المشهور عنها حيث إن كلمتهم متفقة على وجوب اجازتها مع قيام البينة في
الجملة إلى غير ذلك من الكلمات التي وقعت في البين لا يسع ذكرها هذا المضمار ومن أراد الاطلاع عليها
فليطلبها من كتبهم.
أقول الظاهر أن الروايتين سالمتان عن المناقشة سندا ودلالة أما سند رواية السكوني فمن وجوه
أحدها ما ذكره الشيخ في العدة حسبما حكاه الأستاذ من أن الطائفة قد عملت برواية السكوني

284
أحدها 1 ما ذكره الشيخ في العدة حسبما حكاه الأستاذ من أن الطائفة قد عملت برواية السكوني واضرابه من -
العامة فإنه كما ترى كاف في توثيقه ولهذا جعله في المعتبر حسبما حكى عنه وجها لوثاقته وذكر ان ما اشتهر
انه ضعيف لا أصل له ثانيها رواية ابن المغيرة وأحمد بن محمد بن عيسى عنه والأول من أصحاب الاجماع
والثاني
معروف في المداقة في أمر الرواية ثالثها كونها مشهورة فإنه لو كان ضعيفا لصار اشتهار الرواية بين الأصحاب جابرا
لضعفه وما ذكره في المسالك من ضعف الجبر بالشهرة ضعيف قد بينا القول فيه مشروحا في الأصول وأما سند
رواية طلحة فباشتهارها بين الطائفة فان فيه غنى وكفاية وأما دلالة فلان احتمال كون المراد من الروايتين هو
انشاء الحكم بالكتابة ضعيف جدا لان ما يجيزه المخالفون مع البينة ليس هو انشاء الحكم بها بل الاخبار عنه بها
كما لا يخفى لان انشاء الحكم بالكتابة الظاهر أنه لم يجوزه أحد.
وأما ما ذكره في وجه ضعفها أخيرا من اعراض المشهور عنهما ففيه ان المراد من البينة فيهما حسبما هو
ظاهرهما وصرح به جماعة من الاعلام هي البينة على الكتابة لا البينة على الحكم لان البينة على الحكم ليست حقيقة
بينة على الكتابة قال في السرائر بعد نقل الروايتين ما هذا لفظه يريد بذلك ان هذا كتاب فلان القاضي لا أن -
المقصود أجازوا الاحكام بالبينات وقد بينا انه لا خلاف بين أصحابنا سلفهم وخلفهم بل اجماعهم منعقد على أنه لا
يجوز كتاب قاض إلى قاض ولا يعمل به ولا يحكم انتهى كلامه وهكذا ذكره غيره أيضا في معنى الرواية كما في المتن
وغيره فإذا ما ذكروه من الايراد على الروايتين لا ورود له.
فبالحري أن نذكر أو لا جميع الاحتمالات التي ذكروها في مستند منع كفاية الكتابة في ثبوت الحكم
بها على القول بكفاية اخباره اللفظي لأنه على القول بعدم اعتباره كما هو صريح الشيخ في بعض كتبه يكون
عدم اعتباره (ها) أولى ثم نورد ما هو مقتضى التحقيق في المقام وفي معنى الرواية فنقول بعون الملك العلام ان ما
قيل أو يقال إن معه لا يعتبر الكتابة أحد أمور أربعة على سبيل مانعة الخلو أحدها احتمال التزوير والتشبيه بأن
كتبها غير الحاكم وهذا هو الذي علل به عدم اعتبار الكتابة جماعة من الأصحاب كالمصنف وغيره ثانيها احتمال
عدم القصد بأن كتبها مثلا قاصدا للمشق وهو الذي علل به عدم اعتبارها جماعة مضافا إلى الاحتمال السابق كالشهيد
في المسالك والأردبيلي ولهذا ذهب إلى أنه انتفى احتمال عدم القصد تكون معتبرة ثالثها احتمال انشاء الحكم
بالكتابة ذكره بعض مشايخنا المتأخرين رابعها اثبات عدم اعتبار خصوص الاخبار اللفظي في مقام الكشف عن
الحكم وعدم كفاية الكتابة أيضا ذكره الأستاذ العلامة مع الاحتمالات السابقة.
فإذا انتفت الاحتمالات الأربعة أو ثبت شرعا عدم الاعتناء بها مع وجودها تصير الكتابة كالقول فإن قلنا
باعتباره في المقام تكون الكتابة أيضا معتبرة وإلا فلا أما الاحتمال الأول فلا رافع له إلا القطع بكونها من القاضي
وأما البينة فمقتضى الروايتين عدم اعتبارها في المقام وأما الاحتمال الثاني فقضية كلمات جماعة منهم الأردبيلي
عدم ارتفاعه أيضا إلا بالقطع لعدم الدليل على اعتبار الأصول في الكتابة لان الذي قام عليه الاجماع ودلت الأدلة
عليه هو اعتبار الأصول في الألفاظ والأقوال وأما الأصول في باب الكتابة فلا دليل على اعتبارها هذا.
أقول لا يخفى عليك ان ما ذكروه من انحصار الرافع لاحتمال عدم القصد بالقطع غير مستقيم لان بناء
العقلاء على الاخذ بالأصول الذي هو عمدة ما دل على اعتبار الظواهر في باب الألفاظ جار في الكتابة أيضا فارجع
إلى بنائهم في المكاتيب والمراسيل فهل تجد من نفسك ان تقول بالفرق عندهم في إعمال الأصول بينها وبين الألفاظ
حاشاك ثم حاشاك وأيضا ارجع إلى بناء العلماء بل كل من له سواد القراءة في الكتب المصنفة فهل تجد في
.



(1) أحدها إلى قوله السكوني مكرر
285
بنائهم الفرق بينها وبين ظواهر الألفاظ لا يكون ذلك قطعا.
والقول بأن أكثر الأوقات يحصل القطع مما ذكر من جهة القرائن وبعض الأحيان الذي لا يحصل
القطع منها لا نسلم بنائهم على العمل بالظن والظهور فيها فاسد جدا لأنا نجد انهم مطبقون على العمل بها ولو لم
يحصل القطع 1 بالمراد ألا ترى أنه لو أرسل المولى إلى عبده كتابه وفيه أوامر ونواهي فأخذ العبد بما يقطع به منها
وترك إطاعة ما يظن به منها يحسن من المولى عقابه وعتابه ويذمونه العقلاء على ترك امتثال المظنون منها وليس
هذا إلا من جهة عدم الفرق في اعتبار الأصول عندهم بين الألفاظ والكتابة فالحق ان وجود هذا الاحتمال لا يضر
لما عرفت من الوجه وأما الاحتمال الثالث فإن حصل القطع فانتفائه فلا كلام وإلا ففي الاخذ بالظن لو حصل من
الكتابة ظن بأن ظاهرها الاخبار لا الانشاء الوجهان فالحق جواز الاخذ به أيضا وأما الاحتمال الرابع فظاهرهم
عدم الاعتناء به لأنك قد عرفت أنه لم يذكره في عداد ما يوجب منع كفاية الكتابة أحد من الأصحاب غير الأستاذ
العلامة دام ظله بل ذكروا أحد الاحتمالات الثلاثة.
ولكن تحقيق الحق في المقام بحيث يرفع غواشي الأوهام عن وجه المرام يقتضي بسطا في الكلام.
فنقول بعون الملك العلام ان من المواضع ما نقطع باعتبار خصوص القول فيه في الكشف عن الواقع كما في الشهادة
وأمثالها فإن الاجماع منعقد ظاهرا على عدم اعتبار الكتابة في باب الشهادة كما أن من الانشاءات ما يعتبر فيه
اللفظ ولا يكفي فيه الكتابة كما في العقود اللازمة حسبما عليه بناء أكثر الأصحاب بل كلهم عدا بعض المتأخرين
حيث ذهب إلى أن المطلوب فيها نفس المعنى القائم بنفس العاقد سواء كشف عنه بالقول أو الفعل كتابة كان أو
غيرها وكما في انشاء الحكم فإن بناء الأصحاب على عدم اعتبار الكتابة فيه ومن المواضع ما يقطع بعدم الفرق
فيه في مرتبة الكشف بين القول والكتابة كما في الكاشف عن رأي المجتهد للعامي فإنه لا فرق فيه بين قوله و
كتابته فإن الحجة في حق المقلد ليست هي فتوى المجتهد من حيث هي حتى يقول باختصاصها بالقول بل الحجة
في حق المقلد هو اعتقاد المجتهد كما أن الحجة في حق نفسه هو اعتقاده سواء كان الكاشف عنه القول أو الكتابة
أو غيرهما ومن هنا يعلم أنه لو قطع العامي باعتقاد المجتهد يجوز العمل بمقتضاه وإن لم يظهره المجتهد أصلا وكما
في الحكاية عن السنة فإنه لا فرق فيها بين القول والكتابة.
وأما ما أدعاه الحلي في باب نوادر القضا من السرائر من قيام الاجماع على عدم اعتبار الكتابة مطلقا
حتى في باب الكشف عن رأي المجتهد والحكاية عن أحد أمناء الله تعالى في ارضه فذكر ان الحجة في حق
المقلد
هو خصوص قول المجتهد لا كتابته فالظاهر أنه أخطأ فيه لان كلمة الشيعة بل المسلمين مطبقة على عدم الفرق
فيه ذكرنا بين اللفظ والكتب وعملهم عليه أيضا في جميع الأعصار فالاجماع عملا وقولا على خلاف ما أدعاه
لا على طبقة كما أن من الانشاءات ما لا يعتبر فيه اللفظ بل يكفي الكتب أيضا كما في الوكالة وأمثالها من العقود
الجايزة الاذنية فإن المناط فيها اذن المالك ورضائه بأي شئ حصل ومن المواضع ما يشتبه فيه الحال ويلتبس
علينا الامر فيه فلا ندري انه من أي القسمين كما أن من الانشاءات ما اختلفوا في اعتبار اللفظ فيه كما في الوصية
فمقتضى القاعدة فيه الرجوع إلى أصالة عدم اعتبار غير اللفظ.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى بيان حكم خصوص المقام فنقول الظاهر أنه لا فرق في مقام الكشف
عن وقوع الحكم سابقا بين القول والكتابة وإن كان بينهما فرق في مقام انشاء الحكم فلو دل الدليل على اعتبار القول
في الكشف عن وقوع الحكم نقول باعتبار الكتابة أيضا هذا ما يقتضيه النظر الجلي على القول باعتبار القول لكن
.



(1) يحصل منها القطع
286
يمكن أن يقال إن مقتضى اطلاق الروايتين عدم اعتبار الكتابة ولو بعد رفع الاحتمالات الأربعة وفيه أنه لا
اطلاق للروايتين بالنسبة إلى الفرض لأنهما مسوقتان لبيان حكم الكتابة الغير المعلوم كونها من الحاكم كما
يشهد عليه ذيلهما حسبما هو ظاهر لكل من أعطى حق النظر فيه لكن مع ذلك في الحاق الكتابة بالقول إشكال
فتبين لك من جميع ما ذكرنا ما هو المقصود من الروايتين أيضا فلا نطيل بالبيان.
فالأولى نقل الكلام إلى الموضع الثاني فنقول أما القول فقد نسب إلى المشهور القول باعتباره وصرح
الشيخ في الخلاف على ما حكاه المصنف عنه بعدمه وتردد في المتن واستدل لما ذهب إليه المشهور بوجوه.
أحدها ما ذكره في المسالك من أن ما دل على اعتبار الشهادة على الحكم في المقام يدل على اعتبار اخبار
الحاكم بالأولوية حيث قال بعد نقل الخلاف في المقام ما هذا لفظه والأصح القبول لما سيأتي إن شاء الله من جوازه مع
الشهادة على حكمه فمع مشافهته أولى انتهى وفيه منع الأولوية وفساد القياس وانه مع الفارق لان اعتبار الشهادة
من حيث إنها بينة شرعية وأين هذا من اعتبار خبر الواحد.
ثانيها ما حكاه الأستاذ العلامة عن الفخر في الايضاح من أن من يكون فعله ماضيا يكون قوله
ماضيا أيضا ذكره في مسألة ما لو تنازع الولي مع المولى عليه بعد ارتفاع ولايته وفيه منع الدليل على هذه الملازمة
فالأصل يقتضي عدم اعتبار قوله.
ثالثها ما استدل به بعض المشايخ من أن وقوع الحكم لا يعرف إلا من قبله فيدل على سماع قوله فيه
كل ما دل على سماع قول المدعى في أمثال المقام وفيه ما لا يخفى لأنا نمنع من أن وقوع الحكم من الحاكم لا يعرف
إلا من قبله وهو أعرف به وصحة هذا المنع ظاهرة لكل من له أدنى مسكة.
رابعها ما ذكره جماعة من أن مقتضى ما دل على كون الحاكم حجة على الخلق وان الراد عليه راد
على أئمة الهدي (عليهم السلام) اعتبار اخباره عن حكمه ووجوب سماع قوله فيه وفيه أنه ليس معنى ما ذكر كون الحاكم
واجب الاتباع في جميع الأشياء وانه يحرم رده فيها لان هذا مخالف للاجماع بل الضرورة وإلا لزم حجية اخباره
عن كل شئ فلو أخبر بأن هذا الدار مال زيد لا من باب الحكم بل من باب الشهادة وجب تصديقه فيه وعدم
الاحتياج إلى شاهد آخر بل المراد من الرواية وجوب متابعته فيما يحكم به أو يفتي به ويحرم رده فيهما وأين هذا
من حجية اخباره بوقوع الحكم سابقا وهذا الذي ذكرنا أمر ظاهر لا يريب فيه كل من تأمل في الرواية بل نظر
إليها من دون تأمل فإن الرواية ظاهرة فيما ذكرنا غاية الظهور.
خامسها ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله العالي من أنه يدل على اعتباره القاعدة المشهورة من ملك
شيئا ملك الاقرار به وهي قاعدة اجماعية مسلمة بينهم قد بنوا عليها فروعا كثيرة متفرقة في أبواب الفقه وفيه أن
هذا الوجه وإن كان أحس من الوجوه السابقة عليه إلا أنه لا يفي بتمام المقصود ولا يجري في جميع الصور
لأنه إنما يرجى فيما لو كان الحاكم مالكا للحكم حين الاخبار به وأما لو لم يكن مالكا له في زمن الاخبار
سواء كان من جهة عدم قابليته بنفسه كما لو أخبر حين العزل أو بعد الفسق أو نحوهما أو من جهة عدم قابلية -
المورد كما لو رجع الشاهدان قبل الاخبار عن الشهادة أو فسقا قبله فإنه ليس للحاكم إن شاء الحكم من جهة
عدم الميزان الشرعي فلا تدل القاعدة على اعتبار قوله واخباره وتتميم المدعى فيما لا يجري فيه القاعدة بالاجماع
المركب أو عدم القول بالفصل فيه ما لا يخفى على المتأمل فليتأمل.
والقول بأنه لا يشترط في صدق القاعدة كون المقر مالكا حين الاقرار بل يكفي في صدقها كونه مالكا

287
في زمان وإن زال الملك عنه حين الاخبار نظرا إلى ظهور القضية فيما ذكر فيه ما لا يخفى على المتأمل لأنا
لو سلمنا ان القضية ظاهرة فيما ذكر بالظهور الأولي لكنا لا نسلم ان المراد منها ما ذكر لان الحكم بأن من ملك
شيئا في زمان ملك الاقرار به ولو بعد مضي مئة سنة منه الظاهر أنه خلاف الاجماع كيف وهم ذكروا ان القاعدة
كما تدل بالمنطوق على أن من ملك شيئا ملك الاقرار به كذلك تدل بالمفهوم على أن من لم يملك شيئا
لم يملك الاقرار به وبنوا عليه فروعا كثيرة مثل ما ذكروا في العبد المأذون من أنه لو أقر بشئ بعد ارتفاع
الاذن لم يكن اقراره ماضيا لأنه لا يملك المقر به ومثل ما ذكروا في باب الجهاد من أنه لو ادعى أحد المجاهدين
من المسلمين انه أمن أحد المحاربين فلو كان في زمان يصح فيه الأمان قبل قوله وأما لو كان في زمان لا يصح فيه
الأمان ووضعت الحرب أوزارها لم يقبل قوله لأنه لا يملك شيئا حين الاخبار إلى غير ذلك من الفروع التي يقف
عليها المتتبع في كلماتهم ولو بنى على ما ذكر في معنى القاعدة لم يكن وجه لهذه الكلمات وهذه الفروع
أصلا كما لا يخفى.
سادسها ما ذكره الأستاذ العلامة أيضا وحمل عليه قول المصنف أيضا لان حكمه كما كان ماضيا كان
اخباره ماضيا بعدما احتمل أن يكون مراده ما ذكره في الوجه السابق من أن ما دل على أن القضاء والفصل من
شأن الحاكم يدل باللزوم على اعتبار اخباره عن خصوص الفصل والحكم الواقعي السابق بيان الدلالة انه لما لم
يكن وقوع الحكم من الحاكم في الواقع مؤثرا في رفع الخصومة الظاهرية بين الناس في أغلب الأوقات من حيث
عدم العلم به بحيث يكون رفعها نافعا والمطلوب من تشريع الحكم بين الناس رفع الخصومة بينهم فيلزم أن
يكون اخبار الحاكم بوقوعه حجة ومعتبرا لأنه من حيث كونه كاشفا عن الحكم الواقعي موجب لرفع الخصومة
الظاهرية ولولا اعتباره لزم بقائها وهو خلاف المقصود وإن شئت قلت إنه فاصل ظاهري للخصومة فيكون
معتبرا لان كل ما يكون فاصلا يدل ما دل على أن فصل الخصومات من شأن الحاكم على اعتباره وهذا الوجه
لا يختص بما إذا كان الحاكم مالكا حين الاخبار بل يجري فيما لو زال الملك عنه هذا ملخص ما أفاده دام
ظله في مجلس البحث.
وهو مشتبه المراد لان ما ذكره أولا من أن ما دل على تشريع القضاء وانه من شأن الحاكم يدل
باللزوم على اعتبار اخباره إن أريد منه انه لما لم يمكن العلم بالحكم بدونه فيلزم نقض الغرض ففيه منع اللزوم
لان من عدم اعتباره لا يلزم نقض الغرض لامكان التوصل إلى الحكم في غالب الأوقات إما بالعلم أو البينة -
الشرعية أو غيرهما وإن أريد انه قد يفوت فائدة الحكم الواقعي لولا اعتبار القول ففيه بعد تسليمه انه لا يقتضي
اعتبار القول كما لا يخفى.
وأما ما ذكره أخيرا من أنه فاصل ظاهري للخصومة آه ففيه أولا ان صيرورته فاصلا ظاهريا يتوقف على
اعتباره فلو أريد اثبات اعتباره بكونه فاصلا ظاهريا لم ينفك عن لزوم الدور وإن أريد انه فاصل شأنا بمعنى انه
لو اعتبره الشارع يكون فاصلا للخصومة فهذا لا ينفع لأنه جار في غيره أيضا مع عدم قيام الدليل عليه
وثانيا ان ما دل على أن الفصل من شأن القاضي لم يدل على أنه من شأنه بأي شئ حصل وبأي شئ
يريد بل دل على أنه له الفصل بالموازين الشرعية والكلام في أن اخباره من الموازين مع أن مقتضى ظواهر
ما دل على حصر الموازين انه ليس من الموازين وبعبارة أخرى إن أريد انه ميزان واقعي للفصل فهو خلاف
مقتضى الأدلة وإن أريد انه كاشف عن الفصل الواقعي وطريق إليه فلا بد من إقامة الدليل على اعتباره وما دل

288
على أن الفصل من شأن الحاكم لا دخل له باعتبار اخباره عن الفصل هذا مضافا إلى ما فيما ذكره أخيرا من أعمية
هذا الوجه لجميع صور المسألة والله العالم هذا تمام القول في متمسك المثبت وأما دليل المانع فليس إلا الأصل
لان الأصل عدم اعتبار غير العلم وما ذكره بعضهم من أن موازين القضاء منحصرة وليس اخبار الحاكم من أحدها
فيه تأمل لا يخفى وجهه هذا مجمل القول في الموضع الثاني.
وأما الكلام في الموضع الثالث وهو اعتبار البينة القائمة على وقوع الحكم من الحاكم وصدوره عنه و
عدمه فنقول ان المشهور بين الأصحاب بل لم أعرف مخالفا منهم فيه بل نقل الاتفاق عليه في محكي
الايضاح هو اعتبارها في الجملة نعم نقل في المسالك عن بعض القول بعدم اعتبارها والقائل غير معلوم ومستنده
معلوم وهو الأصل.
واستدل على ما ذهب إليه المشهور بوجوه أحدها ما ذكره بعض مشايخنا من أنه يدل على اعتبارها
عموم ما دل على وجوب قبول حكم الحاكم الذي هو من حكمهم وفيه أن اجراء العموم في المقام يتوقف على
اعتبار البينة ضرورة عدم العلم بوقوع الحكم من الحاكم فلو أثبت اعتبارها به فيلزم عليه الدور الظاهر كما هو -
الظاهر ثانيها ما ذكره أيضا مع بعض من تقدم عليه من عموم ما دل على اعتبار البينة وفيه أنه قد بينا غير مرة
في الأصول والفروع انه ليس لنا عموم يدل على اعتبار البينة في كل موضع ولهذا ترى الأصحاب لم يتمسكوا
في المقام وأمثاله على اعتبار البينة بعموم من العمومات ثالثها ما ذكره في المتن وفي أكثر الكتب من أن ذلك مما
تمس إليه الحاجة لان أرباب الحقوق يحتاجون كثيرا ما إلى اثباته في البلاد المتباعدة ولا يكون لهم شهود فيها
على الحق ونقلهم الشهود إليها متعسر عليهم غالبا ولا يكون لهم وسيلة إلى استنقاذ الحقوق إلا برفع الاحكام
إلى الحكام في البلد الذي فيه الحق فلو لم يعتبر البينة على الحكم مع ذلك لزم تعطيل الحقوق وهو مناف للحكمة
التي شرع لأجلها القضاء والحكم بين الناس لا يقال يتوصل إلى ذلك بالشهادة على شهود الأصل لأنا نقول قد لا
تساعد شهود الفرع على النقل والشهادة الثالثة لا تسمع رابعها ما ذكره فيهما أيضا من أنه لو لم يشرع إنفاذ الحكم
بالبينة لبطلت الحجج مع تطاول المدة والملازمة ظاهرة وعدم اللزوم على تقدير التشريع أظهر خامسها ما
ذكره فيهما أيضا من أن المنع من سماع البينة في المقام يؤدي إلى استمرار الخصومة في الواقعة الواحدة بأن
يرافعه المحكوم عليه إلى الآخر فإن لم ينفذ الثاني ما حكم به الأول بعد قيام البينة عليه اتصلت المنازعة
سادسها ما ذكره فيهما أيضا من أن الغريم لو أقر عند الحاكم ان حاكم حكم عليه بالحق الزم الحاكم المقر
عنده به بالحق فكذا لو قامت البينة لا بد من أن يلزمه بالحق لأنها مثبتة ما لو أقر الغريم به.
هذا محصل ما ذكروه من الوجوه الدالة على اعتبار البينة وأكثرها نقية عن المناقشة فالحكم باعتبارها
هو المتعين ولا معارض له أصلا لان ما اتفقت كلمة الأصحاب على عدم اعتباره ودلت الروايتان على عدمه أيضا هي
البينة على الكتابة وأما البينة على الحكم فلا حسبما عرفت تفصيل القول فيه سابقا ودليل المانع ليس إلا الأصل
وهو مرتفع بعد قيام ما قدمنا وما ذكره بعضهم من انحصار موازين القضاء في الشرع والبينة على الحكم ليس
منها وفساده ظاهر هذا كله مما لا إشكال فيه.
وإنما الاشكال في أمور أحدها ان ما ذكرنا من اعتبار البينة هل هو مختص ما إذا أشهدها الحاكم
على الحكم أو يعم ما إذا شهدت الحكم من دون اشهاد أو علمت بالحكم من دون حضور مجلس وجهان صريح
سيد مشايخنا في الرياض الاختصاص مدعيا عدم الخلاف فيه مستشهدا بظهور كلمتهم فيه وصريح المحكي

289
عن جماعة كالفاضل في كشف اللثام والمحقق الأردبيلي في الفوائد وظاهر المحكي عن بعضهم التعميم وهو الذي
اختاره بعض مشايخنا المتأخرين والأستاذ دام ظله لعمومية بعض ما تقدم من الوجوه على اعتبارها و
هذا هو الحق لما قد عرفت وأما ما ذكره في الرياض من عدم الخلاف في الاختصاص فهو موهون بذهاب من عرفت
إلى التعميم مع أنه لم يظهر ان مراد من ذكر الاشهاد هو اعتباره بل الظاهر أنه ذكره استظهارا واحتياطا في المشهود
به ولهذا ذكر المصنف وأتم ذلك احتياطا ما صورناه.
ثانيها ان المشهور بين الأصحاب بل لم يعرف فيه مخالف اختصاص العمل بالبينة على الحكم بحقوق
الناس وأما في حقوق الله والحدود فلا يعمل بها فقد يستشكل في هذا بأنه إن كان هناك دليل على اعتبار البينة
فأي خصوصية لحقوق الله فليحكم باعتبارها في المقامين وإن لم يكن هناك دليل على اعتبارها فلا وجه للحكم
باعتبارها في حقوق الناس أيضا.
وقد يتفصى عنه بوجوه أحدها ما ذكره في المسالك من أن حقوق الله مبنية على التخفيف وفيه أنه
لو كان هناك عموم يدل على اعتبار البينة لا وجه لرفع اليد عنه من جهة ما ذكر لأنه اعتبار لم يقم دليل على
اعتباره ثانيها ان وجوب امضاء حكم الحاكم إنما هو من باب الأمر بالمعروف والزام المدعى عليه بما صار
تكليفه بمقتضى حكم الحاكم عليه ومعلوم ان هذا لا يجري في الحدود فان اقامتها من شأن الحاكم الذي
ثبت عنده موجبها أو من يأمره بها وأما من لم يكن كذلك فلا يجوز له اقامتها وإن كان حاكما وبعبارة أخرى
البينة ليست بأولى من حضور الحاكم مجلس حكم الحاكم بأن المحكوم عليه مستحق للحد الفلاني وكذا ليس
أولى من اقرار المحكوم عليه بأنه محكوم عليه وفي هاتين الصورتين نمنع من جواز إقامة الحد من باب امضاء
الحكم للحاكم إذا لم يأمره الحاكم الذي ثبت عنده موجب الحد فضلا عما إذا قامت البينة عليه نعم لو أذن
له أوامره بها لم يكن اشكال في جواز اقامتها كما أنه لا إشكال في جواز اقامتها للعوام أيضا في هذه الصورة هذا
وقد يورد عليه بأن الدليل على وجوب امضاء حكم الحاكم هو ما دل على حرمة رد حكمه ووجوب قبوله ولا
دخل له بأدلة الأمر بالمعروف وإن أمكن التمسك بها في بعض الصور أيضا وما ذكر لا يفرق فيه بين الحدود و
غيرها هذا ويمكن الذب عنه بأنه وإن كان مقتضى الدليل هو ما ذكر إلا أن ما دل على اشتراط مباشرة الحاكم
لاستيفاء الحدود أو من هو وكيله يمنع من جواز اقامتها لغيره من دون اذنه وما يقال إن المستوفي في المقام
أيضا هو الحاكم لان الكلام في وجوب امضائه فاسد جدا لان الحاكم الذي يعتبر استيفائه هو الذي يثبت عنده
موجب الحد فتأمل ثالثها ما خطر ببالي القاصر من عدم الدليل على اعتبار البينة على الحكم في الحدود لان الدليل
عليه إن كان هو عمومات اعتبارها فقد عرفت منع العموم وإن كان غيره من الوجوه الأربعة المذكورة في كتب الجماعة
فلا يشمل المقام كما لا يخفى على من تأمل فيها وسيرها سيرا إجماليا.
ثالثها ان المشهور بين الأصحاب بل نفى الخلاف عنه بعض المشايخ انه لو تغير حال الحاكم بموت أو
عزل أو جنون لم يقدح ذلك في العمل بحكمه ولو تغيرت بفسق لم يعمل بحكمه وهذا التفصيل بأي معنى فرض
للعمل بالحكم إن كان عليه اجماع فهو وإلا فهو خلاف مقتضى القاعدة لان مقتضى القاعدة بعد حكم الحاكم
جامعا لشرايطه حينه وجوب العمل عليه سواء بقي على الشرايط أم لا فالحكم نظير الرواية لا الفتوى حتى يتوقف
بقاء اعتبارها في حق المقلد على استجماعه لشرايط الفتوى في كل زمان.
فالحاصل انه إما أن يجعل الحكم من قبيل الرواية فلا معنى للفرق بين ارتفاع الشروط وعدمه وإن

290
جعل من قبل الفتوى فلا معنى للفرق أيضا وما ذكره بعضهم في وجه الفرق من أن عروض الفسق له يكشف
عن وجود الخباثة فيه حين الحكم بخلاف ارتفاع سائر الشروط فيه ما لا يخفى على من له أدنى دراية هذا مجمل
القول في الموضع الثالث.
وأما الكلام في الموضع الرابع وهو اعتبار اقرار المحكوم عليه بأنه قد حكم عليه فالظاهر بل المقطوع
عدم الاشكال فيه لعموم ما دل على نفوذ اقرار العاقل على نفسه مضافا إلى قيام الاجماع عليه ظاهرا في المقام فراجع
إلى كلمات الاعلام حتى تطلع على حقيقة المرام. ثم إن هنا فروعا ومسائل قد تعرض لها في المتن وغيره من
كتب الأصحاب لا إشكال فيها فبالحري صرف العنان عن التكلم فيها والاشتغال بغيرها لان الاشتغال بالأهم
أولى من الاشتغال بغيره.
قوله الفصل الثاني في اللواحق من أحكام القسمة آه أقول الكلام في القسمة يقع في مقامات وقبل -
التكلم فيها ينبغي التعرض لأمور.
الأول ان ذكر القسمة في باب القضاء من أن لها أحكاما برأسها كما صنعه جماعة إنما هو من جهة
احتياج الحاكم إلى القسام لقسمة المشتركات ومن أفردها كتابا برأسها نظر إلى استقلالها بالأحكام كغيرها
من الكتب وكيف كان الامر فيه سهل.
الثاني انه لا إشكال ولا ريب في شرعية القسمة بل الاجماع والضرورة عليها ويدل عليها قبلهما الكتاب
والسنة فمن الكتاب قوله تعالى فإذا حضر القسمة الآية وقوله تعالى ونبئهم ان الماء قسمة بينهم ومن السنة
ما روي أن رسول الله قسم خيبر على ثمانية عشر سهما وقال الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وعرفت الطرق
فلا شفعة وما روي أن عبد الله بن يحيى كان قساما لأمير المؤمنين (عليه السلام) إلى غير ذلك من الروايات وكيف كان لا
شبهة في تشريعها بعدما عرفت.
الثالث ان الحاجة الداعية إلى تشريع القسمة ظاهرة لتوقف حفظ النظام عليها لأنه قد لا يقوم الشركاء
أو بعضهم بالمشاركة أو يريدون الاستبداد بالتصرف ومن هنا يمكن التمسك على تشريعها بالعقل أيضا.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى التكلم في المقامات وهي ثلاثة الأول في بيان مفهوم القسمة فنقول قد
ذكر الأستاذ العلامة وجماعة انها تمييز أحد النصيبين عن الآخر أو أحد الأنصباء عن غيره فعلى الأول يشمل ما لو
قسم شريكان مالا بينهما وبين غيرهما على قسمين بحيث كان بعض من نصيب الغير داخلا في نصيب أحدهما و
بعضه الآخر داخلا في نصيب الآخر على القول بصحة هذه القسمة حسبما نبين القول فيه مشروحا بعد هذا إن شاء الله
لان نصيب كل من الشريكين في الفرض يتميز عن نصيب صاحبه وإن لم يتميز عن نصيب الثالث وعلى الثاني لا
يشمله لان نصيب أحد الشريكين لم يتميز عن نصيب غيره بقول مطلق كما لا يخفى فظهر مما ذكر ان القسمة
عبارة عن تمييز نصيب أحد الشركاء أو الشريكين وافرازه عن نصيب باقي الشركاء أو الشريك الآخر.
ثم إن المراد من التمييز في المقام ليس هو تعيين ما كان معينا في الواقع وعنده الله تعالى حسبما هو قضية
ظاهر لفظ التمييز بل المراد منه هو جعل التعيين بعد ما لم يكن هناك تعين بحسب الواقع أصلا لان كل جزء
فرض من المال فهو مشترك في الواقع بين الشريكين فلا تميز في الواقع بين نصيبهما وإنما يتميزان بالجعل العرفي
بواسطة القسمة فالقسمة مميز جعلي عرفي أمضاه الشارع ومن هنا يعلم أنه لا قسمة في صورة الاشتباه واختلاط
مال أحد الشخصين بمال الآخر إلا إذا حكم باشتراكهما في المال المختلط بحسب قيمته وماليته فالقسمة نظير

291
القرعة لو قلنا بجريانها فيما لم يكن هناك تميز واقعي أصلا بل كان مشكلا واقعا وظاهرا حسبما هو المختار
فإنها موجبة للتعيين في الفرض ومحدثة له لا انها كاشفة عن كون ما تعلقت به هو المعين واقعا كما في صورة ما
كان مشكلا ظاهرا وفي نظرنا دون الواقع لاستحالة الكشف في الفرض فهي محدثة للتعيين بجعل الجاعل فلا
واقع لها إلا بالجعل كما في القسمة.
ومما ذكرنا كله يظهر انه لا دخل لمفهوم القسمة بمفهوم البيع مضافا إلى عدم الخلاف بيننا في
عدم كونها بيعا فلا حاجة إلى الوجوه التي ذكرها في المسالك لعدم كونها بيعا والتعرض لما أجابوا به عنها والقدح فيه
لان من تأمل فيما ذكرنا في مفهوم القسمة يعلم علما وجدانيا بحيث لا يعرضه شك بأنه لا دخل لها بالبيع.
وكذا يظهر مما ذكرنا أنه لا دخل لها بمطلق المعاوضة والمبادلة وليست من أفرادها حسبما يظهر
عن جماعة منهم ثاني الشهيدين في المسالك حيث قال بعد كلام له في رد الأجوبة التي أجابوا بها عما تمسكوا به
لعدم كونها بيعا بما هذا لفظه فالقسمة افراز ما كان له منه ومعاوضته على ما كان لصاحبه انتهى ما أردنا نقله لعدم أخذ
عنوان العوضية فيها حسبما عرفت من مفهومها.
واستدل على كونها معاوضة بأن المفروض قبل القسمة كون كل جزء فرض من المال مشتركا بين الشريكين
فصيرورة البعض المعين من المال المشترك بعد القسمة لاحد الشريكين وبعضه الآخر المعين للشريك الآخر لا
يمكن إلا بصيرورة كل ما يستحقه أحدهما في نصيب صاحبه بمقتضى الشركة في مقابلة ما يستحقه صاحبه في
نصيبه ولا نعني بالمعاوضة المطلقة إلا هذا هذا ملخص ما ذكروه في وجه كونها معاوضة مستقلة.
ولكنك خبير بفساده لأنك قد عرفت أن حقيقة القسمة ليست إلا تمييز أحد النصيبين وافرازه عن الآخر
وإزالة الشركة عن بين الشريكين ولا دخل لهذا بحديث المعاوضة ولا ربط له بحكاية المبادلة لان في المعاوضة
يشترط أن يكون نقل أحد العوضين بإزاء العوض الآخر وفي مقابله ومن المعلوم ضرورة ان في القسمة لا يلاحظ
ذلك نعم لازمها عقلا حدوث نقلين مستقلين بالنسبة إلى كل من نصيب الشريكين لا أن يكون المقصود منها
نقل بإزاء نقل كما هو المأخوذ في مفهوم المعاوضة فهي ليست إن شاء نقل أيضا وإنما النقل من لوازم إزالة -
الشركة ونظير هذا ما ذكرنا في باب الصلح حيث اختلفوا في أنه بيع مطلقا أو معاوضة مستقلة أو تابع للموارد
ففي صلح العين بيع وفي صلح المنفعة إجارة وهكذا من أن الصلح بحسب المفهوم الذي يعبر عنه بالفارسية
سازش لا دخل له بأحد هذه المذكورات.
ثم إن الثمرة بين كون القسمة بيعا أو معاوضة مستقلة أو مجرد تفريق الحق وتمييزه من دون أن يكون
شيئا منها إنما تظهر في مسألة الرباء وغيرها فعلى القول بكونها بيعا يجري فيها حكم الرباء قطعا وأما على القول
بكونها معاوضة مستقلة فهل يجري فيها حكم الرباء أم لا وجهان بل قولان ظاهر الأكثرين حسبما في آيات
الاحكام للمقدس الأردبيلي نعم وهو الأقوى لاطلاق الأدلة بل ظاهر جماعة جريان حكم الرباء في كل ما كان
فيه معنى العوضية وإن لم يكن معاوضة متعارفة قال المصنف في باب الغصب في مسألة الضمان بالقيمة بعد ما لم
يكن هناك ما كان مساويا للمضمون في الوزن بما هذا لفظه وإن كان أحدهما أكثر قوم بغير جنسه ليسلم من -
الرباء ولا يظن أن الرباء يختص بالبيع بل هو ثابت في كل معاوضة على ربويين متفقي الجنس انتهى كلامه ووافقه
على ذلك جماعة من الأصحاب وذكر أيضا في باب الوصية ما هو صريح في عدم اختصاص الربا بالبيع حيث قال
الثالثة إذا باع كرا من طعام قيمته ستة دنانير وليس له سواه بكر ردئ قيمته ثلاثة فالمحاباة هنا بنصف تركته

292
فيمضي في قدر الثلث فلو رددنا السدس على الورثة لكان ربا والوجه في تصحيحه أن يرد على الورثة ثلث كرهم
ويرد على المشتري ثلث كره فينتفي مع الورثة ثلثا كر قيمتهما ديناران ومع المشتري ثلثا كر قيمتها أربعة
فينفصل معه ديناران وهي قدر الثلث من ستة انتهى كلامه رفع رفع في الخلد مقامه وأما على القول بعدم كونها
بيعا ومعاوضة فلا إشكال بل لا خلاف ظاهرا في عدم جريان حكم الرباء فيها بل الحق المنع من تحقق موضوعه
بالنسبة إليها بعد البناء على عدم كونها معاوضة أصلا فلا معنى حينئذ للتمسك بما دل على حرمة الرباء عموما حسبما
هو ظاهر لكل من له أدنى تأمل فتأمل.
ثم إن الرباء المنتفية في القسمة إنما هي بالنسبة إلى الزيادة الحاصلة في نفسها وأما بالنسبة إلى الزيادة
الحاصلة في الشركة فهل يجري فيها حكم الرباء أم لا وجهان بل قولان صريح العلامة في التذكرة وبعض من تبعه
انه لا يجري فيها وصريح شيخ الطائفة حسبما تعرف من كلامه جريانه فيها لان مرجعها إلى الزيادة في المعاوضة
وهي ربا قطعا حسبما عرفت تفصيل القول فيه.
توضيح ذلك أن الزيادة قد تجئ من قبل القسمة كما إذا أعطى كرا من الحنطة من المال الموروث
بأحد الولدين وأعطى كرين من الشعر في مقابله بالآخر فإن زيادة أحد الجنسين قد حصلت في المقام بنفس القسمة
وهذه هي التي ذكرنا انها لا رباء فيها وقد تجئ من قبل الشركة كما إذا امتزج جرة من الزيت لشخص تساوي
درهمين بجرة من الزيت تساوي درهما لشخص آخر مثلا بحيث صارا بالامتزاج شيئا واحدا فإنه يحكم حينئذ باشتراكهما
في المجموع لاستحالة بقاء اختصاص كل منهما بالنسبة إلى ماله عقلا أو عرفا بحسب مراتب الامتزاج لو قلنا بإمكان
تحقق المزج الحقيقي وإلا فجميع مراتبه عرفي غاية الأمر اختلافها ضعفا وشدة لان كل جزء فرض من المال حينئذ
يكون مشتركا بينهما فلا يعقل بقاء اختصاص كل منهما بالنسبة إلى ماله فالمجموع حينئذ يصير مشتركا بينهما واقعا
بمعنى ان الاختصاص الذي كان لكل منهما بالنسبة إلى ماله يرتفع عن عينه ويقوم بماليته وحصول هذا المعنى
لما لا يمكن إلا بتحقق معاوضة بين بعض من مال أحدهما وبعض من مال الآخر فلو حكمنا حينئذ باشتراكهما
في المجموع بحسب قيمة مالهما حسبما عليه جماعة كالعلامة وغيره بأن يحكم في الفرض بأن ثلثي من مجموع
الزيت لمن يساوي جرته (زيته) درهمين وثلثه لمن يساوي جرته درهما مثلا لحصل الرباء في المعاوضة التي
تحققت في البين لا محالة فلا بد إما من الحكم ببيعه وأخذ كل منهما من الثمن بحسب قيمة ماله حسبما
يظهر من بعض أو الحكم ببطلان حق صاحب الاردئ من العين وانتقاله إلى القيمة من جهة لزوم الضرر
على صاحب الأجود.
وذكر شيخ الطائفة ورئيس الامامية كلاما في المبسوط في باب المفلس فيما إذا امتزج مال الغريم
بمال المفلس قد صرح في طيه بفساد القول باشتراكهما في العين بحسب القيمة إذا كانا مختلفين معللا باستلزامه
الرباء في المعاوضة والأولى نقل عبارته بعينها حتى يقف الواقف عليها بما وقفنا عليه قال في طي فروع مسألة كل
من وجد عين ماله من الغرماء في أموال الغريم فهو أولى به بما هذا لفظه إذا باع من رجل مكيالا من زيت أو
شيرج أو غيره ثم أفلس المشتري بالثمن ووجد البايع عين زيته قد خلطه المشتري بزيت له فإنه لا يخلو من ثلاثة
أحوال إما أن يختلطه بمثله أو بأردأ منه أو بأجود منه إلى أن قال وإن كان الزيت الذي اختلط به أجود من
زيته فهل يسقط حقه من عينه أم لا قيل فيه وجهان أحدهما انه يسقط حقه وهو الصحيح والثاني لا يسقط
ووجه الأول ان عين زيته تالفة لأنها ليست بموجودة من طريق المشاهدة ولا من طريق الحكم لأنه ليس له أن

293
يطالبه بقسمته وإذا لم يكن موجودا من الوجهين كان له ذلك بمنزلة التالف ولا حق له في العين وتضرب بزيته
مع الغرماء ومن قال بالقول الثاني قال يباع الزيتان معا ويؤخذ ثمنه فيقسم بينهما على قدر قيمة الزيتين وقيل إنه
لا يباع الزيت لكن يدفع إلى البايع الذي زيته دون زيت المفلس من جملة الزيت بقدر ما يخصه مثل ان
يكون للبايع جرة تساوي دينارين واختلطت بجرة للمفلس تساوي أربعة دنانير فإن جملة الزيت تساوي ستة
دنانير فيكون قيمة جرة البايع ثلث قيمة جميع الزيت فيدفع إليه ثلث جميع الزيت وهو ثلثا جرة وهذا غلط لأنه يقال
لهذا القائل إذا أعطيته ثلثي جرة فلا يخلو إما أن تدفعه بدلا عن جرته أو تدفع بدلا عن ثلثي جرته وتسئله أن يترك الثلث
الباقي فإن دفعت الثلثين بدلا عن الجرة فهذا محض الرباء فلا يجوز وإن دفعته إليه بدلا عن ثلثي الجرة وسئلته ترك
ما بقي فله ألا يجيبك لأنه لا يلزمه الهبة والتبرع انتهى كلامه رفع مقامه وهو كما ترى صريح فيما حكينا عنه
وذكر في المسالك بعد نقل ما حكينا عن الشيخ من تغليطه القول باشتراكهما في العين بحسب قيمة ما كان
لهما ما يظهر منه ان ما ذكره قدس سره على القول بثبوت الرباء في كل معاوضة مما لا إشكال فيه حيث قال و
هو يتم على القول بثبوته في كل معاوضة ولو خصصنا بالبيع لم يكن القول بعيدا انتهى كلامه ويظهر من جماعة
من المتأخرين منهم سيد مشايخنا في الرياض وشيخنا في الجواهر متابعة الشيخ فيما صار إليه من الحكم بعدم
جواز الحكم باشتراكهما في العين في الفرض بحسب القيمة نظرا إلى استلزامه للرباء في المعاوضة حسبما عرفت
بيانه منا فقد تبين من جميع ما ذكرنا متمسك القول بجريان حكم الرباء في الفرض.
وأما متمسك القول بعدم جريانه فيه كما عليه العلامة وبعض من تقدم عليه وتأخر عنه فهو الذي
تمسك به العلامة في محكي التذكرة من عدم جريان الرباء في القسمة لأنها ليست معاوضة وفساد هذا الدليل
ظاهر لما قد عرفت سابقا من أن الرباء في الفرض قد حصل قبل القسمة هذا محصل ما قيل أو يقال من الطرفين
والحق بحسب بادي النظر وإن كان هو قول الشيخ رحمه الله وتابعيه إلا أن مقتضى عميق النظر ودقيقه هو خلافه وإن
الحق مع العلامة وتابعيه لا لما ذكره في محكي التذكرة لما قد عرفت من فساده بل للمنع من كون الشركة
معاوضة حتى يجري فيها حكم الرباء على القول بجريانه في كل معاوضة.
توضيح المنع وفساد ما ذكروه لا يظهر إلا ببيان ما توهمه بعض في معنى الشركة وما هو قضية التحقيق
في معناها فنقول ان لها بحسب التوهم الفاسد والتحقيق ثلاثة معان.
أحدها ما توهمه بعض من أنها عبارة عن اختصاص كل من الشخصين بجزء معين من المال الممزوج
بحسب الواقع وعند الله مجهول عندنا فكل من الشريكين مالك لجزء معين في الواقع قد التبس علينا أمره في
الظاهر لا أنه يكون مالكا لما لا تعين له بحسب الواقع هذا محصل ما توهمه ولكنك خبير بفساده لاطباق اللغة و
العرف على خلافه مضافا إلى عدم مصير أحد من الأصحاب بل ولا من غيرهم إليه والحاصل ان الالتباس والشركة
ضدان عندهم كما يعلم من الرجوع إلى مقالتهم فكيف يمكن تفسير أحدهما بالآخر ثانيها ما يظهر من بعض مشايخنا
من أنها عبارة عن اختصاص كل من الشريكين بمفهوم متعلق بالعين المشاعة منتشر في افراده المتصورة انتشار
الكلي في أفراده مثل النصف مثلا فإن أحد الشريكين مالك له بمعنى ان أي نصف من العين فرض يكون هو
مالكا له على البدل والشريك الأخر أيضا مالك للنصف الأخر أيضا كذلك فكل منهما مالك لمفهوم صادق على
الكثيرين بحسب الفرض لكن على سبيل البدل لا الاستغراق فالنصف الذي يكون مملوكا لاحد الشريكين
وإن لم يكن له تعين بحسب الواقع أصلا إلا أنه يصدق على كل نصف فرض تجزيته من العين بحسب العرض

294
أو الطول أو غيرهما على سبيل البدل فمملوكية النصف أحد الشريكين في المقام نظير مملوكية الصاع من الصبرة
للمشتري في مسألة بيع الصاع من الصبرة في كون كل منهما منتشرا انتشار الكلي في الافراد هذا حاصل ما
يذكر في بيان مرامه وأنت خبير أيضا بفساد جعل معنى الشركة ما ذكره ضرورة من العرف عدم اختصاص كل
من الشريكين بأي جزء فرض من العين على سبيل البدل بل هما شريكان في أي جزء فرض منه ما دام يقبل
القسمة كما سيأتي توضيحه.
ثالثها ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله العالي والظاهر بل المقطوع ان معناها عند الأكثرين هو ما
ذكره حسبما يظهر من الرجوع إلى كلماتهم وهو الحق الحري بأن تفسر به من أنها عبارة عن مالكية كل من الشريكين
لجزء من أي جزء فرض من العين المشتركة في الخارج إلى أن ينتهي إلى جزء لا يقبل التجزية والتقسيم فإذا فرض
جزينا العين جزئين فجزء من كل منهما لاحد الشريكين والجزء الآخر منه للشريك الآخر لا أن يكون أحدهما
لاحد الشريكين على البدل والآخر للآخر كذلك وكذا إذا فرضت الجزء أيضا مجزى إلى جزئين فكل جزء
منه يكون مملوكا لهما معا وهكذا إلى أن ينتهي الامر إلى جزئين غير قابلين للتجزية فكل ما فرض في الخارج جزء
من العين يكون مملوكا لهما معا وهذا إذا لاحظت العين متجزية وأما إذا لاحظتها غير متجزية متصلة الأجزاء
فالذي يملكه كل من الشريكين نصفهما المعبر (المعتبر خ) من انصاف الأجزاء حال التفريق بمعنى انه يلاحظ كل
نصف من كل جزء قابل للتقسيم بلحاظ الاجتماع فيقال انه لاحد الشريكين ونصفه الآخر أيضا كذلك ويقال انه للشريك
الآخر فإذا لاحظنا العين مجتمعة الأجزاء فيقال ان نصفه لأحدهما بالمعنى المتقدم ونصفه الآخر للشريك
الآخر فهي بهذا الاعتبار لما كانت غير قابلة للتجزية في عالم اللحاظ فمعنى الشركة فيها كون كل منهما مالكا
لنصفها الملحوظ من انصاف أجزائه حين التفريق فهذه الانصاف إذا لوحظت حين ملاحظة الأجزاء متفرقة
فتكون كثيرة في عالم اللحاظ ولكن إذا لوحظت حين ملاحظة الأجزاء مجتمعة فلا تكون إلا واحدة فكل من
الشريكين مالك حين ملاحظة الأجزاء مجتمعة ما هو مساوق لما يملكه بلحاظ التفريق لكن المملوك لكل منهما
في الفرض يكون واحدا بمقتضى اللحاظ فتبين مما ذكرنا أن كل مرتبة من العين فرضت قابلة للتجزية إلى
جزئين قابلين للتجزية وتعلق الملكية بهما فمعنى الشركة فيه كون كل جزء فرض مملوكا لهما معا وأما إذا
انتهى الامر إلى مرتبة لا تقبل التجزية إلى جزئين قابلين للتجزية وتعلق الملكية بهما وهي آخر مرتبة التجزية
فمعنى الشركة فيهما كونهما مالكين للمجموع لفرض عدم قابلية الجزئين لتعلق الملكية بهما لفرض عدم كونهما
جسما وإلا لكانا قابلين للتجزية.
والحاصل انا وإن قلنا بوجود الجزء الذي لا يتجزى إلا أن من المعلوم خروجه عن مرتبة الجسمية
فإذا لم يكن جسما لم يكن قابلا لتعلق الملكية والاختصاص به وإذا لم يكن قابلا لتعلق الملكية به لم يعقل
تعلق الشركة به فالشركة في المرتبة الأخيرة من مراتب الجسم انما تلاحظ بالنسبة إلى المجموع من حيث
المجموع بلحاظ الاختصاص بمعنى ان هنا اختصاصا واحدا قائما بهما فاشتراكهما انما هو بحسب الاختصاص
لا المختص بمعنى كونهما شريكين في أي جزء فرض منه حسبما هو معناه في المراتب المتقدمة على المرتبة
الأخيرة فإن أبيت عن ذلك وقلت إن العرض لا يقبل القيام بمحلين فقل ان لكل منهما اختصاصا ناقصا بالنسبة
إلى مجموع العين لا اختصاص تام بالنسبة إلى مجموعه لعدم تعقله ولا اختصاص بالنسبة إلى كل من جزئيه مطلقا
ناقصا أو تاما لفرض عدم قابليته للتجزية.

295
نعم يمكن أن يقال في المرتبة الأخيرة أيضا ان كلا منهما مالك لنصفه لكن لا على سبيل الحقيقة
بل على سبيل المسامحة من حيث وجود مواد الجزئين في ضمن الأجزاء القابلة للتقسيم وتعلق الملكية بها في
المراتب المتقدمة فالنصف المشاع بالبيان المختار عبارة عن نصف من العين ملحوظة من اجتماع بعض كل جزء
فرض منها قابل للتقسيم لا أنه عبارة عن نصفه المعين عند الله المجهول عندنا ولا انه عبارة عن مفهوم كلي صادق
على كل نصف فرض من العين المشاعة على سبيل الترديد كما توهمه بعض المشايخ.
ثم إن هذا الذي ذكرنا لمفهوم النصف المشاع ليس مختصا به بل يجري في جميع الكسور كالثلث
والربع والخمس وغيرها وليس أيضا مختصا بالمال المشترك بل يجري في المال المختص أيضا فالثلث المشاع
مثلا عبارة عن جميع إلا ثلاث من كل جزء الملحوظة بلحاظ اجتماعها من الأجزاء المتلاشية في ظرف اللحاظ
وهذا الذي ذكرنا في معنى الإشاعة الظاهر أنه المشهور بينهم.
نعم يشكل ما ذكرنا في معنى النصف المشاع بما ذكروه في باب الطلاق قبل الدخول حيث إنه يرد فيه
نصف المهر إلى الزوج ويبقى نصفه في ملك الزوجة بمقتضى الآية الشريفة وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن
وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم الآية من أنه لو تلف من المهر مقدار النصف يكون الباقي بتمامه للزوجة
ويجب اعطائه إياها مع أن مقتضى ما ذكرنا في معنى النصف المشاع أن يكون النصف من الباقي للزوجة
لاتمامه لان مقتضى ملكيتها للنصف المشاع دخول النقص عليها أيضا بالنسبة إلى التالف لرفض تعلق حقها
بالنسبة إلى كل جزء من المال حسبما هو قضية الشركة المفروضة لا ان يدخل النقص جميعه على الزوج و
يبقى حق الزوجة سليما حسبما هو قضية كلماتهم هذا.
ولكنك خبير بأنه لا يرد إشكال على ما ذكرنا بما ذكروه في ذلك الباب لان ما ذكرنا في معنى الإشاعة و
الجزء المشاع أمر ظاهر لا يريب فيه ذو مسكة فلا يرفع اليد عما هو ظاهر مبين بما هو مشكل مشتبه فلا بد إما من حمل كلامهم على أنهم فهموا من الآية الشريفة ان النصف الذي للزوجة ليس المراد منه في خصوص المقام هو ما ذكرنا
في معنى النصف المشاع بل ما ذكره بعض المشايخ في معناه من كون المراد منه المفهوم الكلي الصادق على
كل نصف فرض من العين على سبيل البدلية فإذا فهموا من الآية ان المراد من النصف هو ما ذكر فلا بد من أن
يحكموا بأن النصف الباقي في الفرض المزبور تمامه للزوجة لأنه لا معنى لتلف الكلي بعد فرض بقاء فرد منه و
إنما تلف الكلي بتلف جميع أفراده فما دام فرد منه موجودا في الخارج لا يعقل الحكم بتلفه كما لا يخفى على ذوي الأفهام
المستقيمة ولهذا ذكروا في مسألة بيع الصاع من الصبرة انه لو تلف جميع الصياع إلا صاعا واحدا يكون
للمشتري لا انهم يقولون إن معنى النصف المشاع في جميع المقامات هو ما ذكر كيف وهم لا يلتزمون بلازمه
في سائر المقامات فإذا تلف بعض من المال المشترك فهل تجد في نفسك أن تقول بان بنائهم على الحكم بأن
التالف من أحد الشريكين فتعينه بالقرعة حاشاك بل تجد من نفسك ومن الرجوع إلى كلماتهم ان بنائهم على الحكم
بأن التالف منهما أو حمله على غير ما ذكرنا مما لا ينافي ما بيناه في معنى النصف المشاع وإلا فإن كان هناك إجماع
على الحكم فنأخذ به وإن لم يكن إجماع فنحكم بمقتضى ما بيناه في معنى النصف المشاع.
إذا عرفت ذلك فنقول بيانا للمرام وتوضيحا لما هو المقصود في المقام انه إذا اختلط مالان لشخصين
فلا يخلو إما أن يحصل مزج بينهما عرفا بالاختلاط أو لا وعلى الأول لا يخلو إما أن يكون المزج بينهما بما هو أقرب إلى
المزج الحقيقي أو بما يكون الأقرب إلى الأقرب فهكذا فإنه لما لم يمكن حصول المزج الحقيقي بين الجسمين

296
لاستحالة تداخل الأجزاء بعضها في بعض فكل ما يوجد في الخارج من المزج فهو عرفي لكن لا ريب في أن مراتب
المزج بحسب اختلاف الأعيان الممزوجة في شدة المناسبة وعدمها بحسب صغر اجزاء كل منهما في نظرهم
مختلفة فبعضها أقرب إلى المزج الحقيقي كاختلاط المائين مثلا وبعضها أقرب إليه بعد المرتبة الأولى كاختلاط
الزيتين المايعين وهكذا الامر إلى أن ينتهي إلى مرتبة يطلقون عليها المزج تسامحا ويشكل عليهم اطلاق
المزج بعدها ومما ذكرنا يظهر انه لا يشترط في صدق المزج وتحققه اتحاد الممزوجين في الجنس حسبما هو قضية
ظاهر كلماتهم كما يعلم من الرجوع إليها ضرورة حصول المزج بين مختلفي الجنس أيضا كما في الخل والأنكبين
كما يحصل في متحدي الجنس من غير تفاوت بينهما وهذا أمر ظاهر لا غبار فيه فلا بد من حمل كلامهم إما على أن
المراد من الاتحاد في الجنس هو الاتحاد في الأوصاف المشتركة بمعنى انه يشترط في الممزوجين
مناسبتهما ولو في بعض الأوصاف وإلا لامتنع امتزاجهما لما تقرر في العلم المعقول من استحالة اجتماع المتباينين
من جميع الجهات أو على أن مرادهم مما ذكروا ليس بيان الاشتراط بل هو منزل على الغالب أو على غير ذلك
من المحامل.
أما إذا كان المزج بينهما بما هو أقرب إلى المزج الحقيقي فلا اشكال في عدم حصول التعاوض و
التبادل بالشركة بل لا يعقل الحكم بحصوله لان معنى المزج المذكور هو خروج كل جزء من أجزاء مال
كل من الشريكين عن الاتصال الذي كان له بماله واتصاله بجزء من مال الشريك الآخر (لأنه ما لم يحصل التلاشي
والتفرق بين أجزاء المال لم يمكن امتزاجه من المال الآخر خ) فإذا حصل التفرق بين الأجزاء واتصل كل
جزء منها بجزء من مال آخر متفرق الأجزاء حصل المزج بينهما فتحصل مما ذكرنا أنه لا يمكن حصول المزج
بين المالين إلا بخروج كل جزء منهما عن الاتصال الذي كان له واتصاله بجزء من مال الآخر فإذا خرج كل
جزء عن الاتصال الذي كان له خرج عن قابلية تعلق اختصاص المالك به من جهة شدة حقارته الحاصلة له
بالمزج نعم هو مع الجزء الآخر الذي فرض اتصالهما يكونان قابلين لتعلق الاختصاص بهما بوصف الاجتماع
لكن لما كان الجزء الآخر من أجزاء مال شخص آخر حسبما هو قضية الفرض فالاختصاص المتعلق بهما بوصف
الاجتماع قائم بهما فهناك اختصاص واحد قائم بشخصين تعلق بالمجموع المركب من الجزئين فتحصل الشركة
بينهما قهرا فالامر فيما نحن فيه نظير الامر في المرتبة الأخيرة من تجزية العين المشتركة بغير المزج في كون
الاختصاص في كل منهما متعلقا بالمجموع المركب من الجزئين القائم بشخصين لوحظا شخصا واحدا فالشركة
في كل منهما إنما هو بحسب الاختصاص فلازم ما ذكرنا من ارتفاع الاختصاص الذي كان للمالك لكل من جزء
ماله حين الاتصال بعد التفريق وحصول اختصاص آخر متعلق به متصلا مع جزء من مال الشريك الآخر ارتفاع
ماليته وملكيته وحصول مالية وملكية جديدتين مشتركتين بين الشخصين فإذا تحقق انه يرتفع اختصاص
المالك بالنسبة إلى جزء ماله بعد التفريق ويحصل اختصاص جديد بينه وبين المال الآخر متعلق بمجموع
الجزئين لا بكل واحد منهما فكيف يعقل الحكم بحصول المعاوضة بالمزج والتشريك مع أن من المعلوم ضرورة
انه يشترط في تحقق المعاوضة كون كل من العوضين مملوكا فإذا علم أنه لا يكون هنا معاوضة فنقول انه إن
كانت الأجزاء المتصلة بعد الخروج عن الاتصال الذي كان لها متساوية القيمة حينه فيحكم بحصول الشركة
لهما في العين بالسوية وإن كانت مختلفة بحسب اتصالها السابق بأن يكون أحد الممزوجين أجود والآخر أدرئ
فيحكم بحصول الشركة بينهما في العين بحسب قيمة مالهما قبل المزج والتفريق ولا مانع للحكم على النهج المذكور

297
أصلا لما قد عرفت أن المانع منه ليس إلا حصول الرباء المبني على كون الشركة الحاصلة في المقام معاوضة و
قد عرفت فساد المبني ومما ذكرنا تبين فساد ما ذكره في المسالك في كتاب المفلس من القطع ببقاء الاختصاص بعد المزج
وإيراده على من ذهب إلى ارتفاع الاختصاص بعد المزج ثم إن ما ذكرنا كله مبني على ما هو التحقيق من ارتفاع الاختصاص
والملكية بالامتزاج في الفرض وأما لو قلنا ببقاء الملكية فلا بد من أن يحكم أيضا بعدم حصول المعاوضة في الفرض
لان مصحح المعاوضة ليس مجرد ملكية كل من العوضين بل لا بد من أن يكون كل منهما مالا ومن المعلوم ضرورة ارتفاع
المالية للاجزاء لو لم نقل بارتفاع الملكية وهذا الذي ذكرنا أي ارتفاع الملكية والمالية أو المالية فقط بالمزج
هو مراد كل من قال بحصول التلف لو مزج الغاصب المغصوب بماله كابن إدريس في السرائر لاستحالة صيرورة
الموجود معدوما فالمواد باقية وماليتها تالفة وبالجملة الامر فيما نحن فيه نظير القسمة فكما أن خروج المال
من الإشاعة إلى التعيين لا يستلزم معاوضة أصلا حسبما عرفت تفصيل القول فيه كذلك خروجه من التعيين إلى الإشاعة
لا يستلزم معاوضة أصلا هذا كله في المزج الأقرب إلى المزج الحقيقي.
وأما المزج الأبعد عنه وهو آخر مرتبة يطلقون عليه المزج كمزج رطل من الحنطة برطل من الحنطة
مثلا فلولا قيام الدليل من الخارج على حصول الشركة فيه لم يكن بعيدا أن نقول ببقاء اختصاص كل جزء بحاله
غاية الأمر انه لما اشتبه علينا يخرج بالقرعة فإن الخروج بالقرعة ليس دليلا على حصول الشركة ورفع اختصاص
المالك من كل حبة ضرورة ان مورد القرعة أعم من الشركة والعام لا يدل على الخاص لكن بعد قيام الدليل
على حصول الشركة واعتبار المزج التسامحي في المقام نحكم فيه أيضا بما حكمنا في المراتب المتقدمة عليه
هذا ملخص ما أفاده أستاذنا العلامة دام ظله.
ولكن لا يشكل عليك انه بناء على ما ذكر من بقاء الاختصاص فيلزم من الحكم بالشركة حصول
معاوضة في البين فلو كان أحدهما أجود والآخر أدرئ فلا يجوز الحكم باشتراكهما في العين بحسب القيمة
كما هو المدعى لأنك قد عرفت في طي ما قدمنا لك من الكلمات ان مجرد الملكية والاختصاص ليس مصححا
للمعاوضة بل يشترط زيادة عليه أن يكون كل من العوضين مالا فبقاء الاختصاص قبل حصول الشركة بعد المزج و
إن كان مانعا في نفسه من الحكم بحصول الشركة إلا أنه بعد قيام الدليل عليه لا يصير دليلا على حصول
المعاوضة فتأمل.
هذا كله فيما إذا صار الاختلاط سببا لتحقق المزج عرفا وأما إذا لم يحصل من الاختلاط مزج أصلا
كما إذا اشتبه فرس من مال شخص بفرس من مال شخص آخر مثلا فإنه ليس بمزج قطعا بل يشكل اطلاق الخلط
عليها أيضا فإنما هو مجرد التباس واشتباه فلا إشكال في بقاء كل من المالين في ملك مالكه وعدم حصول الشركة
بينهما وإن اشتركت الصورة مع ما إذا حصل الاشتراك في الاخراج بالقرعة لان المشاركة في بعض الأحكام
لا تدل على اتحاد المشتركين في الموضوع حسبما عرفت تفصيل القول فيه.
ثم إن هذا الذي ذكرنا من أحكام الأقسام لا إشكال فيه إن شاء الله تعالى إنما الاشكال في تمييز ما يتحقق
فيه المزج عما لا يتحقق فيه فنقول ان الحكم في التمييز والميزان فيه هو العرف من حيث الحكم باتحاد المختلطين
وعدمه فكلما حكموا فيه باتحاد المختلطين وعدوهما شيئا واحدا فلا إشكال في تحقق المزج بالنسبة إليه وصدقه
عليه وكلما لم يحكموا فيه بالاتحاد ولم يعدوا المختلطين شيئا واحدا فلا إشكال في عدم تحقق المزج وكلما
حصل الشك فيه فيرجع إلى القواعد والأصول فيحكم بعدم حصول الشركة ثم إن حكم العرف بالوحدة وعدمها
قد يختلط بالنسبة إلى شيئين بحسب قلتهما وكثرتهما كما في اختلاط رطلين من الحنطة أو حنطتين فإن في الأول

298
يحكمون بالاتحاد وفي الثاني لا يحكمون به بل هو من قبيل اشتباه الفرسين أو البعيرين عندهم.
ثم انك إذا عرفت مفهوم القسمة وانه لادخل لها بالمعاوضة أصلا فلا يجري فيها الرباء فالكلام يقع
في المقام تتميما للمرام في أمور.
الأول في أن القسمة من العقود أو الايقاعات أو الاحكام وجوه أوجهها عندنا هو الأخير ووجهه
ظاهر من حيث صدق تعريفها عليها من جهة كونها فعلا من الأفعال قد رتب الشارع عليه حكما من الاحكام
ومجرد اشتراط التراضي فيها من الشريكين أو من يقوم مقامها كالوكيل وحاكم الشرع وغيرهما لا يدل على كونها
عقدا من العقود كما قد يتوهم نعم من جعل القسمة بيعا أو معاوضة مستقلة فلا بد من أن يذهب إلى كونها من العقود
كما لا يخفى ولكنك قد عرفت فساد القولين مشروحا.
الثاني انك قد عرفت من تضاعيف كلماتنا السابقة انه لا إشكال في تشريع القسمة وامضاء الشارع إياها
في الجملة لقيام الأدلة الأربعة عليه إنما الكلام هنا فيما أمضى معه الشارع القسمة فنقول ان ما يستفاد من كلمات
الأصحاب في المقام قولان.
أحدهما كفاية التراضي من الشريكين بعد التعديل بأن يكون أحد السهمين لأحدهما والآخر
للآخر وحصول القسمة به من دون أن يحتاج إلى القرعة بعده بل لا معنى له للزوم اللغوية نعم لو تراضيا أولا على ما عينه
القرعة فلا إشكال في عدم حصول القسمة إلا بها ذهب إليه جماعة منهم الشهيدان قدس سرهما في اللمعة وشرحها
والمقدس الأردبيلي والمحدث البحراني في الحدايق بل يستفاد من كلام المصنف أيضا في كتاب الشركة بل
نسبه في الكفاية إلى الأكثر وان أورد عليه بعض مشايخنا بعدم التحقق قال في اللمعة في كتاب القضاء وإذا عدلت
السهام واتفقا على اختصاص كل واحد لزم وإلا أقرع قال في الروضة في شرح العبارة لزم من غير قرعة لصدق
القسمة مع التراضي الموجبة لتميز الحق ولا فرق بين قسمة الرد وغيرها وألا يتفقا على الاختصاص أقرع انتهى
وهذان الكلامان كما ترى صريحان في عدم اعتبار القرعة في القسمة مع التراضي وقال المحدث البحراني بعد
كلام له في انكار العثور على القرعة في شئ من أخبار القسمة حسبما حكي عنه ما هذا لفظه بل ليس المقام
في شئ من موارد نصوص القرعة وإنما غاية ما يدل عليه بعض أخبارها كقوله ما تنازع قوم ففوضوا أمرهم
إلى الله عز وجل لأخرج سهم المحق الرجوع إليها عند التنازع وأما مع التراضي فلا أثر في الاخبار لاعتبارها وكان
الشيخ ومن تبعه من الأصحاب قد تبعوا العامة فيها وفيما ذكروه من أحكام القسمة بل ظاهر جملة من النصوص الاكتفاء
بالرضاء من دون قرعة كخبر غياث عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) في رجلين بينهما مال بأيديهما ومنه غايب عنهما
اقتسما ما في أيديهما وأحال كل واحد منهما نصيبه فاقتضى أحدهما ولم يقتض الآخر قال ما اقتضى أحدهما فهو بينهما
وما يذهب بينهما ومثله خبر الثمالي عن أبي جعفر وخبر محمد بن مسلم عن أحدهما وصحيحا معاوية بن عمار و عبد الله
بن سنان وخبر سليمان بن خالد انتهى ما حكى عنه وكيف كان استدلوا على كفاية التراضي بالمعنى الذي
ذكرنا بوجوه.
أحدهما قوله (صلى الله عليه وآله) الناس مسلطون على أموالهم وفيه أنه لا عموم بل ولا اطلاق للحديث بالنسبة إلى أسباب
التصرف وإنما يدل على أنهم مسلطون على كل فرد من أفراد التصرف في المال وهذا لا دخل له بحديث عدم
الاحتياج إلى الأسباب مثلا إذا شككنا انه هل يجوز التصرف في المال بالهبة والعارية وباعطائه القليل منه أو
الكثير أو تمليكه بشخص مع العوض إلى غير ذلك من أفراد التصرف في المال فيجوز التمسك بالحديث لجوازه وصحته

299
لان الحكم بعدمه محجر للمالك في بعض أفراد التصرف وهو ينافي قضية دلالة الرواية بالعموم أو الاطلاق على
سلطنته على جميع التصرفات ولكن لو شككنا بعد القطع بأنه يجوز له تمليك ماله بالغير في أنه هل اعتبر فيه عند
الشارع كيفية خاصة كالصيغة والعربية والماضوية مثلا فلا يصح لنا التمسك به على نفي اعتبار هذه الأمور لان الحكم
بعدم جواز التمليك بدون الصيغة مثلا ليس منعا للمالك عن بعض أفراد التصرف كما كان لو منعناه عن أصل التمليك
لان التمليك بدون الصيغة ومعها ليسا فردين للتصرف بل هما من كيفيات التصرف فنقول له انه يجوز لك التمليك
لكن مع الصيغة وبالجملة الرواية غير مسوقة لبيان كيفية التصرف في المال وليس لها اطلاق بالنسبة إليها أصلا
فهي من هذه الجهة نظير قوله (صلى الله عليه وآله) النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني فإنه لا يجوز التمسك به لعدم اعتبار
العربية في صيغة النكاح لو شككنا فيه كما لا يخفى ففي ما نحن فيه لو قيل بالشريكين تصرفوا في مالكم بالسبب
الفلاني لم يكن حجرا لهما عن التصرف في المال فتأمل.
ثانيها قوله لا يحل مال امرء لامرء إلا بطيب نفسه والمفروض تحقق طيب النفس من المالكين فيدل
على عدم الاحتياج بشئ آخر وفيه أيضا ان الرواية ليست مسوقة لبيان سببية طيب النفس ورضائها للحلية
بل هي مسوقة لبيان ان الحلية لا تتحقق بدون الرضاء وبالجملة هي مسوقة لبيان شرطية الرضاء لا سببيته وهذا
أمر ظاهر لا خفاء فيه لمن تأمل في الرواية ونظايرها كقوله لا صلاة إلا بطهور ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب و
أمثالها مما يدل على مدخلية مدخول إلا لا سببيته.
ثالثها قوله تعالى لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض وفيه منع صدق التجارة
في المقام كما لا يخفى على من راجع ما أسلفناه في طي كلماتنا السابقة.
رابعها ما ذكره بعضهم من أن بالتراضي يحصل التميز الذي هو مفهوم القسمة فلا معنى للاحتياج إلى
شئ آخر وفيه ما لا يخفى على المتأمل لان صيرورة مجرد التراضي مميزا ومزيلا للشركة إنما هو بعد ثبوت
كفايته من الشرع فلو أريد اثبات كونه كافيا بكونه مميزا لزم عليه الدور الظاهر اللهم أن يكون المراد مما
ذكره هو التمسك بالعمومات بتقريب ان بمجرد التراضي بعد التعديل يحصل التميز العرفي والقسمة العرفية
فيدل ما دل على امضاء القسمة العرفية بالعموم على كفايته وعدم الاحتياج إلى شئ آخر وسيجئ التكلم عليه إن شاء الله.
خامسها ما دل بعمومه على كفاية كل ما يحصل به القسمة العرفية ذكره بعضهم وفيه انا لم نجد في باب
القسمة عموما يدل ما ذكر.
سادسها ما ذكره المحقق الأردبيلي مع بعض الوجوه السابقة من فحوى قوله في رجلين لم يدريا كم لهما
عند صاحبه فقال كل واحد لك ما عندك ولي ما عندي لا بأس إذا تراضيا وطاب أنفسهما وفيه ما لا يخفى من كونه مخالفا
لفتوى الأصحاب حيث إنه دل على كفاية التراضي مع جهل كل واحد منهما بما كان عند صاحبه وقد اتفقت كلمة
الأصحاب على اشتراط التعديل بين السهمين في حصول القسمة.
سابعها ما تمسك به في الحدائق من الأخبار المتقدمة وفيه أن الأخبار المذكورة ساكتة عن بيان طريق القسمة
وان الرجلين بأي نحو اقتسما مالهما بالقرعة أو بالتراضي فتأمل هذا محصل ما استدلوا به للقول الأول.
واستدلوا للقول الثاني بما دل على اعتبار القرعة الشامل للمقام بالعموم أو الاطلاق فلا يجوز الاكتفاء بغيرها
للأصل ولظهور الاخبار في الحصر فتأمل ومن هنا يعلم أنه لو كان فيما ورد في باب القسمة عموم أو اطلاق يدل
على الاكتفاء بالتراضي أيضا لحكمنا عليه أخبار القرعة هكذا ذكره بعضهم وفيه نظر يظهر من بعض كلماتنا الآتية

300
إن شاء الله وكيف كان أجيب عنه بوجوه.
أحدها ما يستفاد من كلام بعضهم من منع العموم فيما دل على اعتبار القرعة فإن الظاهر من جميع ما
ورد في اعتبارها الاختصاص بما إذا كان الحق معينا بحسب الواقع مجهولا في نظرنا وأما ما لا يكون له تعين
واقعا كما في المقام فلا يشمله أخبار القرعة.
وفيه أن ظاهر أكثر أخبار القرعة وإن كان الاختصاص بما كان الحق معينا في الواقع إلا أن ظاهر بعضها
التعميم مثل ما رواه في المفاتيح من أن رجلا من الأنصار أعتق ستة عبيد في مرض موته ولا مال له غيرهم فلما رفعت
القضية إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قسمهم (سهمهم خ) بالتعديل وأقرع بينهم وأعتق اثنين بالقرعة ومثل ما رواه الشهيد في
قواعده من اقراع النبي (صلى الله عليه وآله) بين أزواجه إلى غير ذلك من الروايات التي يظهر منها التعميم.
هذا مضافا إلى ما ذكره بعض الأساطين بعد الاستدلال بالرواية والآية الشريفة إذ يلقون أقلامهم
أيهم يكفل مريم على التعميم من قيام الاجماع على اعتبار القرعة في الموضعين وهو كذلك كما يعلم من الرجوع
إلى كلماتهم في باب تزاحم الحقوق وغيرها مثل تزاحم المتعلمين والمدعيين والإمامين إلى غير ذلك من الفروع
فإن كلمتهم مطبقة على الرجوع إلى القرعة في الموارد المذكورة وغيرها بل الرجوع إلى القرعة في المقام أيضا
في الجملة ولو في صورة التنازع الظاهر أنه قد انعقد الاجماع عليه نعم يظهر من الشهيد الثاني في مواضع
من الروضة الاشكال في شمول أدلة القرعة لما لم يكن الحق معلوما واقعا لكنه أيضا تسالم اعتبارها
في المقام في الجملة.
هذا مضافا إلى ما ذكره الأستاذ العلامة من إمكان ادراج ما لا تعين له بحسب الواقع في جميع عمومات
القرعة بأن يقال إن لما أخرجه القرعة لكل من الشريكين خصوصية وتعلق به بحسب المرجحات الجزئية
التي يعلمها الله تعالى وإن كانا متساويين فيه بحسب ما وصل إلينا من الضوابط والمرجحات الكلية فإن هذا لا
ينفى وجود المرجحات الجزئية وهذا نظير ما ذكروه في الاستخارة من أنها كاشفة عن المرجحات الجزئية
فيما يتعلق (يتعين خ) بها وإن كان متساويا مع خلافه في نظرنا بحسب المرجحات الكلية الواصلة إلينا من
الشرع فعدم وجود المرجح الكلي لا ينفي وجود الجزئي.
فنقول ان مقتضى قوله (عليه السلام) في الاخبار ان القرعة لا تخطئ أن يكون لما عينته القرعة خصوصية وتعلق
بمن عينته له في نظر الله تبارك وتعالى بحسب المرجحات الجزئية هذا ملخص ما ذكره دام ظله.
ويمكن أن يورد عليه بعد امكان ادعاء التسوية بين الشريكين في المال المشترك من جميع الجهات
حتى بالنظر إلى المرجحات الجزئية بأن ما ذكره من التوجيه إنما هو بعد تسليم شمول الروايات لأمثال المقام
فإنه يمكن أن يقال حينئذ من جهة بطلان الترجيح بلا مرجح انه لا بد أن يكون هناك مرجحات جزئية في نظر الشارع
والمدعى عدم شمولها للمقام لأن الظاهر منها الاختصاص بصورة الالتباس والاشتباه هذا مع أن لنا ان نقول
بأن جريان القرعة في المقام بعد القطع به من جانب الشرع لا يحتاج إلى مرجح أصلا لان مرجع ايجاب الشارع
القرعة في الفرض إلى امضاء بناء العرف على التقسيم بها ومعلوم ان بنائهم عليها ليس من جهة وجود
مرجحات جزئية لأنك قد عرفت أن القسمة مميز جعلي لا واقعي فالقرعة (1) محدثة للتميز لا كاشفة عنه
فتأمل



(1) ولكن لا يخفى عليك ان صريح كلام الفاضل الهندي رحمه الله في كشف اللثام في كتاب الطلاق في مسألة تعيين المطلقة المبهمة عدم جريان
القرعة فيما لا تعين له واقعا حيث نقل عن المحقق رحمه الله بأنه اعتبر القرعة في تعيين المطلقة المبهمة لكون المطلقة مبهمة ثم أورد عليه بما
هذا لفظه وفيه أن القرعة لما هو متعين في الواقع مشكل في الظاهر والمطلقة هنا مبهمة انتهى كلامه رفع مقامه (منه قدس سره)
301
حتى لا يختلط عليك الامر.
ثانيها ما يستفاد من كلام جماعة من أنه لو سلم هناك عموم لما دل على اعتبار القرعة فلا ريب في
كونه مرهونا لان الداخل منه أكثر من خارجه كما لا يخفى لمن له أدنى تتبع في الفقه ويكفي شاهدا لما ذكرنا
عدم جواز التمسك به في الأحكام الشرعية بأسرها وفي كثير من الموضوعات بالاجماعات وقد أجيب عنه
بالمنع من تخصيص الأكثر لان أكثر ما خرج كالاحكام الشرعية فهو من باب التخصص لا التخصيص فتأمل
فالحق في الجواب أن يقال انا وإن سلمنا خروج الأكثر إلا أن من المحقق في الأصول عند المحققين ان خروج
الأكثر لا يصير سببا لسقوط العام عن درجة الاعتبار والتمسك به مطلقا وإنما يصير سببا لوهنه فلا يجوز التمسك
به إلا بعد تمسك جمع معتد به به ولا يخفى وجوده في المقام.
ثالثها ما عرفته من كلام المحدث البحراني مع بعض الوجوه السابقة من أن المستفاد مما دل على
اعتبار القرعة على فرض وجوده هو الاختصاص بصورة التنازع وأما في صورة التراضي فلا دليل على اعتبار القرعة
وفيه أن ما دل على اعتبار القرعة ليس منحصرا فيما ذكره من الخبر الظاهر الاختصاص بصورة التنازع بل الاخبار
الظاهرة في التعميم أكثر من أن تعد وتحصى كما لا يخفى لمن راجع إلى كتب الاخبار لا يقال إنه وإن لم يكن
منحصرا فيما ذكره إلا أنه بعد وقوع التعارض بينه وبين ما دل على التعميم يجب حمله عليه جمعا بينهما لأنا نقول
نمنع من وقوع التعارض بينهما حتى يجب حمل أحدهما على الآخر لما تقرر في محله انه لا تعارض بين العام
والخاص المثبتين إلا بعد ثبوت اتحاد التكليف من الخارج وثبوته في المقام أول الدعوى بل ممنوع كما لا يخفى
فإذا ظهر من جميع ما ذكرنا فساد ما ذكره في الحدايق هذا.
وقد ذكر بعض مشايخنا قدس سره في الرد عليه كلاما لا يخلو ايراده عن فايدة فقال بعد نقل كلامه
المتقدم ذكره ما هذا لفظه قلت قد يقال بمنع صدق الاقتسام شرعا بعد فرض اعتبارها فيه على المجرد عنها فلا
دلالة حينئذ لما في النصوص المزبورة على ما ذكره خصوصا بعد تعارف القرعة قديما وحديثا بين المتشرعة في قسمة
الأموال المشتركة بل قد يقال إن تعريف القسمة بأنها تميز الحقوق بعضها عن بعض يقتضي ان حصة الشريك
كلي داير بين مصاديق متعددة فمع فرض تراضي الشريكين مثلا على قسمة المال نصفين على أن يكون نصف
كل واحد منهما في النصف المقسوم احتيج إلى القرعة في تشخيص كل من النصفين لكل منهما فهي حينئذ لاخراج
المشتبه وهو محل القرعة لا ان القرعة ناقل أو جزء ناقل لاستحقاق كل من المالين إلى الآخر بل إن لم يكن
اجماع أمكن القول بأن المراد من إشاعة الشركة دوران حق الشريك بين مصاديقه لا أن المراد منها ثبوت
استحقاق الشريكين في كل جزء يفرض وإلا لاشكل تحققها في الجزء الذي لا يتجزى من المال المشترك وبذلك
يتجه اعتبار القرعة في القسمة بعد تعديل السهام ورضى الشريكين مثلا في تعيين كلي مصداق استحقاق أحدهما
في الخارج ضرورة كونه حينئذ من مواردها بل لا يتحقق الاقتسام بدونها لعدم كون المدار فيه رضاهما بان ما له
من الحق فيما هو في يد شريكه عوض ما في يده كي يكون من قبيل المعاوضات وإلا لم يعتبر فيها تعديل السهام
لتسلط الناس على أموالهم مع أن فاقده ليس من القسمة شرعا قطعا ولا شكل أيضا قسمة الوقف من الطلق وإلا
لكان بعض أجزاء الوقف طلقا والطلق وقفا على أن هذا الرضاء بعد فرض عدم اندراجه في عقد من العقود
المملكة كيف يكون سببا لنقل المال إلى الآخر فضلا عن لزومه وليس في القسمة عموم أو اطلاق يقتضي ذلك
كي يكون حينئذ أمرا مستقلا برأسها بخلافه على ما ذكرنا فإنه غير محتاج إلى شئ من ذلك ضرورة الاكتفاء برضاهما

302
في تشخيص المصداق والقرعة لاستخراج خصوص ما لكل منهما من المصداق واقعا فيكشف حينئذ عن كون حقه
في الواقع ذلك ولا يحتاج بعد إلى عموم أو عقد آخر يقتضي الملك أو اللزوم فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع انتهى
ما أردنا نقله وهو كما ترى وإن كان موافقا لبعض ما ذكرنا إلا أن فيه مع ذلك مواضع للنظر يعلمها ووجه
النظر فيها كل من راجع إلى ما ذكرنا من أول القسمة إلى هنا فلا نحتاج إلى تطويل الكلام.
ثم انك بعدما عرفت ما قدمنا لك من القول فاعلم أن لشيخنا وأستاذنا العلامة دام ظله العالي في المقام
كلاما في ترجيح القول الأول ولغوية القرعة في صورة التراضي ذكره في أثناء البحث بعدما استظهر القول
الثاني لا يخلو ايراده عن فائدة فقال دام ظله العالي ان لنا في المقام دعويين إحديهما لغوية القرعة في صورة
التراضي وعدم جريان ما دل على اعتبارها فيها ثانيتهما كفاية التراضي وعدم الاحتياج إلى شئ آخر فالكلام
يقع في مقامين.
أما الكلام في المقام الأول فنقول ان للقرعة حسبما يقتضيه التحقيق موردين أحدهما ما كان
الحق فيه معلوما في الواقع وعند الله مجهولا في نظرنا ثانيهما ما لم يكن معلوما ومعينا في الواقع أيضا إما
المورد الأول فلا إشكال في جريان عمومات القرعة فيه مطلقا سواء تراضى الرجلان قبلها على أن يكون أحد الشيئين
لأحدهما والآخر للآخر أو لا نعم في كل مورد أريد التمسك فيه بالعمومات لا بد من احراز تمسك جماعة بها
لما عرفت من كونها موهونة بخروج الأكثر عند الأكثر وأما المورد الثاني فلا إشكال في عدم جريان عمومات
القرعة فيه إلا في صورة التشاح والتنازع ففي صورة التراضي لا دليل على اعتبار القرعة وهذا الذي ذكرنا يعلم
من الرجوع إلى كلماتهم في أمثال المقام كما في تزاحم المتعلمين أو امامين لصلاة الجمعة والجماعة فإنه لو قدم
أحدهما الآخر ورضى به فلا إشكال عندهم في عدم الاحتياج إلى القرعة نعم لو تراضى الشريكان في المقام على
ما يقتضيه القرعة في التعيين أو كان القاسم حاكم الشرع أو من نصبه لذلك فلا إشكال في الاحتياج إلى القرعة
أما الأول فظاهر وأما الثاني فللزوم الترجيح بلا مرجح لو بنى على عدم الاحتياج إليها إذ لا دليل على اعتبار
الدواعي النفسانية للمجتهد في مقام الترجيح هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو كفاية التراضي فلانه المتعين بعد عدم الدليل على اعتبار القرعة
لان كل ما فرض زايدا عليه فهو خارج عن مفهوم القسمة فلا مدخل له فيه فلا معنى لاعتباره نعم يمكن أن
يقال باعتبار اللفظ والعربية في حصول التراضي المعتبر بعد الشك في كفاية غير المشتمل عليهما من جهة الأصل
وأما اعتبار الزيادة على ذلك فلا معنى له.
هذا مضافا إلى أنه يدل على كفايته قوله تعالى أوفوا بالعقود بناء على أن يكون المراد منها مطلق
العهود والالتزامات كما هو صريح كلام بعض أهل اللغة وقضية كلمات جمع من الأصحاب وقوله (صلى الله عليه وآله) المؤمنون
عند شروطهم بناء على أن يكون المراد منها مطلق الالتزامات سواء كانت في ضمن العقود أو لم تكن في ضمنها
بل كنت التزامات ابتدائية حسبما عليه جماعة من الأصحاب ولهذا تراهم يستدلون بها على اللزوم في باب العقود
والايقاعات كالبيع والنذور والعهد ونحوها.
نعم لو كان المراد من الآية الشريفة العقود التي جعلها الفقهاء من أحد المقاصد الأربعة في الفقه في
قبال العبادات والايقاعات والاحكام كما يظهر من بعض ومن الرواية خصوص الالتزامات في ضمن العقود كما
صرح به جماعة لم يجز التمسك بهما في المقام بناء على ما عرفت من عدم دخول القسمة في العقود بمعناها المعهود

303
لكن القول باختصاص الآية والرواية بما ذكر بمعزل عن التحقيق هذا ملخص ما ذكره الأستاذ العلامة في المقام
ولكن يمكن أن يناقش فيه.
أما ما ذكره في المقام الأول من اختصاص أدلة القرعة في المقام الثاني بصورة التشاح والتنازع ولغويتها
في صورة تراضي الخصمين ففيه ان الدليل على الاختصاص إن كان ظهور جملة من اخبار القرعة فيه فيرد عليه
مضافا إلى عدم دلالتها على الاختصاص غاية الأمر اختصاص موردها بصورة التنازع حسبما عرفت تفصيل القول
فيه وإلى شمولها للمقام الأول أيضا بل ظاهرها الاختصاص به كما لا يخفى لمن راجع إليها ان المراد من التنازع
فيها أعم من أن يكون فعليا أو شأنيا فتأمل وإن كان الدليل عليه ان بعد التراضي لا يبقى إشكال واشتباه حتى
يجري فيه أدلة القرعة حسبما صرح به في أثناء البحث فيرد عليه ان ارتفاع الاشكال والاشتباه بعد التراضي من
الشريكين موقوف على اثبات اعتبار التراضي في المقام وإلا فالاشكال باق قطعا لان مجرد حصول التراضي منهما
لا يوجب التعين والتميز شرعا ما لم يقم دليل عليه.
وأما التمسك بظهور كلمتهم في أمثال المقام على كفاية التراضي كما في مسألة تشاح الأئمة أو المتعلمين
عند معلم واحد ففيه انه لا ربط له بالمقام فإن مرجع رضاء أحد المتزاحمين في باب التزاحم بتقديم صاحبه إلى
رفع يده عن حقه وهذا مما لا يريب ذو مسكة في جوازه ونفوذه وهذا بخلاف المقام فإن مرجع التراضي فيه
إلى إزالة الشركة وجعل تمام الحق لكل واحد من الشريكين في واحد معين من السهمين فمعنى رضاء أحد -
الشريكين بأحد السهمين كون تمام حقه المشترك فيه فهذا ليس رفع اليد عن الحق في شئ فلو فرض الكلام
فيما إذا تحقق التراضي على وجه يوجب يوجب رفع اليد عن الحق فهو خارج عن المقام لأنه ليس من القسمة في شئ
حسبما عرفت تفصيل القول فيه هذا مجمل القول على ما ذكره في المقام الأول.
وأما الكلام على ما ذكره في المقام الثاني من دلالة الآية والرواية على كفاية التراضي من الشريكين
فمجمله ان المراد من العقود في الآية وإن كان هو العهود إلا أنه ليس مطلق العهود بل العهود المتعارفة بين الناس
حسبما هو المعروف بين الأصحاب من كون اللام فيها إشارة إلى ما هو المتداول بينهم من العقود ومن المعلوم ان
بناء الناس في قسمة المشتركات إنما هو على القرعة دون مطلق التراضي فتأمل هذا تمام الكلام بالنسبة إلى الآية
وأما بالنسبة إلى الرواية فبأن الخارج منها على كون 1 المراد من الشروط هو مطلق الالتزامات سواء كانت في ضمن
العقود أو لم تكن في ضمنها كثير جدا كما لا يخفى فالاستدلال بها موقوف على تمسك جماعة من الأصحاب بها
في الموارد ومن المعلوم عدم تمسك أحد بها في المقام ومجرد ذهابهم إلى ما يوافق مضمونها ولو من جهة دليل
آخر لا يجدي بل المعتبر هو تمسكهم بها كما حقق في محله فتأمل هذا وقد يقال إنه لو سلمنا دلالة الآية
والرواية على اعتبار التراضي أو كان للقسمة عمومات تدل على اعتبار كل ما يحصل به التميز العرفي لكانت معارضة
بما دل على اعتبار القرعة في كل مشكل وإن لم يكن الترجيح للثاني فلا ترجيح للأول قطعا ولكنه فاسد لأنه
لو فرض هناك دليل يدل على اعتبار التراضي فلا إشكال في حكومته على أدلة القرعة لأنه يدل على رفع الاشكال
بعد وجود التراضي فلا موضوع لأدلة القرعة ولو حكومة والله العالم بحقايق الأمور.
الثالث ان ما ذكرنا من الكلام كله في الامر السابق إنما هو في أصل حصول الامضاء من الشارع بالنسبة
إلى التراضي والقرعة فهل الامضاء منه على فرض حصوله بالنسبة إليهما على وجه اللزوم بمعنى عدم اشتراط -
التراضي من الشريكين بعدهما في الحكم باللزوم أو على وجه الجواز بمعنى اشتراط التراضي منهما في الحكم
.



(1) على تقدير كون
304
باللزوم بعدها حيث إن امضاء الشارع لما عليه بناء الناس على قسمين أحدهما على وجه اللزوم ثانيهما على وجه
الجواز فيقع الكلام في هذا الامر في مقامين أحدهما في حكم التراضي من حيث توقفه في إفادته اللزوم على
بقائه بعد الحصول ثانيهما في حكم القرعة.
أما الكلام في المقام الأول فملخصه ان المستفاد من كلام كل من قال باعتبار التراضي كالجماعة المتقدمة
هو القول باللزوم وعدم اشتراط رضاء البعد نعم ذكر المحقق الأردبيلي كلاما فيما حكى عنه بعد ذهابه إلى
اعتبار التراضي وافادته اللزوم والملكية يستفاد منه ذهابه إلى كون التراضي كالمعاطاة بعد التنزل حيث قال وإن
لم يكن ملكا فلا كلام في جواز التصرف فيه تصرف الملاك مثل ما قيل في المعاطاة والعطايا والهدايا والتحف
واحتمال كونه حراما لكونه بعقد باطل عمل المسلمين على خلافه بل على الملك انتهى ما حكي عنه وهذا
كما ترى لادخل له بما نحن فيه من كفاية التراضي في حصول القسمة والتميز فالمتعين على القول بكفايته هو لزومه
وعدم اشتراطه بشئ لأنه بعدما حصل التميز بين الحقين فلا معنى لارتفاعه بعد عدم الرضاء اللاحق هذا مضافا
إلى دلالة الآية والرواية على اللزوم فلا وجه للقول باعتبار الرضاء بعد حصول التراضي.
وأما الكلام في المقام الثاني فملخصه انه ذهب جماعة كالشيخ في المبسوط والعلامة في ير وسيد مشايخنا في ض
إلى وقوف اللزوم على الرضاء بعد القرعة وعدم حصوله بنفسها مطلقا اقتصارا فيما خالف الأصل على القدر المتيقن
بعد إن لم يكن ما يقتضي ترتب الأثر مطلقا وذهب جماعة إلى عدم وقوف اللزوم على الرضاء بعد القرعة مطلقا
وذهب جماعة إلى التفصيل بين القسمة المشتملة على الرد وغيرها بالوقوف في الأولى وعدمه في الثانية لأنها في
الصورة الأولى معارضة فلا بد فيها من الرضاء قبلها وحينها وبعدها بل الظاهر المحكي عن جماعة خروج هذه -
الصورة عن محل النزاع ووقوف اللزوم فيها على التراضي بعد القرعة قولا واحدا أو استشكل المصنف في المتن هذا
والحق هو القول بعدم الاشتراط واللزوم مطلقا ويدل عليه مضافا إلى الأصل بعد فرض حصول الملكية
المعينة لكل من الشريكين بالقرعة ما دل على اعتبار القرعة فإن ظاهر ما دل على أن القرعة لكل أمر مشكل
هو رفع الاشكال بها من دون الاحتياج إلى شئ آخر فلا بد إما من منع جريان اخبار القرعة أو القول باللزوم
بعد تسليم الجريان فالتفكيك بينهما مما لا معنى له ومنه يظهر ضعف ما تمسك به في الرياض وغيره للقول بالاشتراط
مطلقا تمسكا بالأصل نعم لو شككنا في أنه هل يعتبر رضاء البعد في أصل حصول التميز والقسمة بالقرعة كان
مقتضى الأصل الاشتراط لان الأصل في المعاملات الفساد لكنه أيضا مرتفع بقيام ما قدمنا وكذا ضعف ما ذكره
المفصلون ضرورة ان مجرد كون الشئ معاوضة لا يقتضي اشتراط الرضاء بعده إذ لا دليل على كلية المدعى بل
مقتضى عموم أدلة الوفاء بالعهود عدم اشتراط الرضاء بعد القرعة مضافا إلى كفاية نفس أدله القرعة كما عرفته ثم إن
هذا كله فيما إذا لم يكن القاسم حاكم الشرع أو نايبه سواء اقتسما بأنفسهما أو تراضيا بشخص آخر وأما إذا
كان القاسم هو حاكم الشرع فلا إشكال بل لا خلاف في عدم اشتراط الرضاء بعد القرعة ووجهه ظاهر إذا عرفت
مفهوم القسمة وما قدمنا لك من الأمور فاستعد لاستماع الكلام فيما وعدناك سابقا من المقامات.
قوله فيجزي القاسم الواحد إذا لم يكن في القسمة رده الخ أقول الكلام في كفاية الواحد أو اشتراط
التعدد يقع في مقامين أحدهما في التعديل الذي يكون مقدمة للقسمة ثانيهما في نفس القسمة.
أما الكلام في المقام الأول فنقول انه لا ريب ولا إشكال في توقف القسمة وافراز الحق على كون السهمين
متعادلين واقعا وإلا لم يتحقق القسمة لأنها افراز حق كل من الشريكين وإذا لم يعلم مقدار السهمين لم يمكن

305
افراز حقه كما لا يخفى والقول بعدم اشتراط احراز التعديل فيما إذا رضي الخصمان على ما لم يعلم مقداره لان
الحق لهما فلا يمنعان عن المسامحة فيه فاسد جدا لأنك قد عرفت سابقا انه ليس الكلام في القسمة فيما إذا رفع
كل من الشريكين يده عن حقه لأنه ليس بقسمة قطعا.
وبالجملة لا إشكال بل لا خلاف في توقف تحقق القسمة على التعديل بين السهام بحسب الواقع
ولهذا أوردنا سابقا على من تمسك لكفاية التراضي بما دل من الروايات على كفايته مع عدم العلم بمقدار
كل من السهمين بأنه مخالف لاتفاق كلمة الأصحاب على اشتراط التعديل بل عدم تحقق مفهوم القسمة (الا خ) به
هذا كله مما لا إشكال فيه.
إنما الاشكال في تعيين ما هو طريق شرعا لاحراز هذا الشرط الواقعي فنقول توضيحا للمقام بعون -
الملك العلام ان معدل السهام والقاسم لا يخلو إما أن يكونا الشريكين سواء قلنا بكفاية تراضيهما في القسمة أو
الاحتياج إلى القرعة فإنه لا تفاوت بينهما فيما ذكره من الحكم أو غيرهما وعلى الثاني لا يخلو إما أن يكون
هو الحاكم أو من نصبه لذلك أو من تراضى الشريكان به لذلك فإنه لا إشكال بل لا خلاف في جوازه وعلى التقادير
لا يخلو إما أن يحتاج التعديل إلى التقويم ويتضمنه أو لا أما الصورة الأولى فلا إشكال حسبما صرح به الأستاذ العلامة في
مجلس المباحثة في طريقية اعتقاد الشريكين إلى التعديل سواء تضمن تقويما أم لا أما الصورة الثانية وهي ما إذا
كان القاسم حاكم الشرع أو نائبه فإن تضمن التعديل تقويما فلا إشكال في عدم طريقية اعتقاد الحاكم ونائبه
إليه لأنه شهادة ولا يكفي فيها الواحد سواء كان الحاكم أو غيره لأن أخبار الحاكم عن الموضوعات ليس حجة على
الناس بل حاله كالنسبة إليه كحال سائر الناس وهل يكفي إذا انضم إلى أخباره اخبار غيره إذا كان واحدا أم لا
وجهان مبنيان على أنه هل يكون لنا دليل يقتضي باعتبار شهادة الاثنين في كل مورد أم لا وعلى الأول كما
عليه المشهور يكفي وعلى الثاني لا يكفي إلا إذا انضم إليه أخبار ثلاثة لان اعتبار شهادة الأربعة في جميع الموارد
اجماعي بل بديهي بين العلماء هذا كله فيما إذا احتاج التعديل إلى التقويم وأما إذا لم يحتج إليه فهل يكفي
اعتقاد الحاكم واخباره وحده أو لا وجهان مبنيان على أن التعديل شهادة أم لا أوجههما عند الأستاذ العلامة
الثاني فلا يحتاج إلى الانضمان وهو مشكل جدا أما الصورة الثالثة فالظاهر أن حكمها حكم الصورة الثانية بكلا
قسميها إلا أنه قد يقال بالفرق بينهما في صورة عدم الاحتياج إلى التقويم بكفاية الحاكم في الأول وعدم كفاية
القاسم في الثانية لكنه ضعيف كما لا يخفى هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني فلا إشكال بل لا خلاف في عدم اشتراط التعدد فيه بل لا معنى له لان الغرض
منه يحصل بالواحد أيضا ومن هنا ذهب المشهور إلى كفاية الواحد ولو كان فاسقا بل ذهب جماعة إلى كفايته
ولو كان كافرا بل مال بعض مشايخنا بعض الميل إلى كفايته ولو كان صبيا نظرا إلى حصول الغرض المقصود من
القسمة بتقسيمه أيضا هذا مضافا إلى دلالة بعض الأخبار على ما ذكرنا أيضا وهو ما ذكرنا في أول القسمة لاثبات
تشريعها من حديث نصب النبي (صلى الله عليه وآله) والوصي (عليه السلام) قاسما لقسمة الأموال المشتركة ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا
من عدم كفاية الواحد في المقام الأول فيما إذا تضمن التعديل تقويما أو لا مع ذلك على وجه بين قسمة الرد و
غيرها ولا بين ما إذا تراضى الشريكان بالواحد أو لا والوجه في التعميم الأول ظاهر لان الاحتياج إلى التقويم
غير منحصر في قسمة الرد وأما في الثاني فلان رضاء الشريكين لا يوجب تغييرا لحكم الشرع.
لا يقال رضائهما يكشف عن تمليك كل منهما ما يخصه من الزيادة على تقدير حصولها بصاحبه ولا مانع

306
عنه لان الناس مسلطون على أموالهم.
لأنا نقول قد عرفت سابقا ان الكلام في القسمة غير الكلام في الهبة والتمليك وان احراز التعديل في
الأول شرط وإلا فلا يحتاج إلى مقوم واحد أيضا فضلا عن أن يكون من أهل الخبرة بل يكفي تجزية المال المشترك
وتقسيمه وإن علم زيادة أحد السهمين من الآخر وهذه خلاف قضية كلماتهم بل قد عرفت انها خلاف قضية
مفهوم القسمة فظهر مما ذكرنا ضعف ما ذكره في المتن وغيره من تخصيص الاحتياج إلى التعدد وعدم
كفاية الواحد بالقسمة المشتملة على الرد لأنها تتضمن تقويما ومن الحكم بسقوط الثاني مع رضاء كل من
الشريكين بالواحد هذا.
لكن يمكن أن يقال إن مرادهم من التخصيص في القسمة المشتملة على الرد ليس هو التخصيص
بحسب الحكم ضرورة وجود العلة المذكورة لحكمها في غيرها إذ تضمن التقويم لا ينحصر في قسمة الرد بل هو
موجود في غيرها أيضا كما في قسمة الحيوانات والعقار وغيرهما من القيميات بل إنما هو تخصيص بحسب الذكر
من جهة عدم انفكاكها من تضمن التقويم وانفكاك غيرها عنه هذا مضافا إلى ما ذكره الأستاذ العلامة من أن
مرادهم من قسمة الرد في المقام ليس هو خصوص قسمة الرد التي اتفقوا فيها على عدم جريان الاخبار فيها وهي
التي يتوقف التعديل بين السهمين إلى ضم شئ من خارج المال المشترك إليه حتى يحصل التعديل بل المراد
منه هي قسمة الرد بالمعنى الأعم وهي كل ما اشتمل على رد ولو من المال المشترك.
ثم إن مراد كل من اشترط التعدد في القاسم كالمصنف وغيره فيما إذا تضمنت القسمة التقويم ولم يشترطه
فيما لا تتضمن التقويم إنما هو بالنسبة إلى المقام الأول لأنك قد عرفت أن عدم الاحتياج إلى التعدد في المقام الثاني
مما لا إشكال ولا خلاف فيه وكأنهم تسامحوا في التعبير من جهة ظهور المطلب ووضوحه أو من جهة كون القاسم
في الأغلب هو المقوم أو لغير ذلك لأنك قد عرفت أن ظاهره ليس بمراد قطعا.
ومن التأمل فيما ذكرنا كله تعرف فساد ما ذكره بعض مشايخنا في المقام من الرد على ما ذكروه
ذاهبا إلى عدم الاحتياج إلى التعدد أصلا حتى بالنسبة إلى المقام الأول مستند لا بقضية نصب النبي (صلى الله عليه وآله) والولي
(عليه السلام) قاسما واحدا لقسمة الأموال المشتركة وببعض الوجوه الأخر حيث قال بعد شرح كلام المصنف المتقدم
ذكره ونقل ما ذكره في المسالك في هذا المقام ما هذا لفظه ولكن قد ينافيه أولا ما سمعته من نصب علي (عليه السلام) قاسما
واحدا وإلا كان المتجه نصب الاثنين احتياطا لاحتمال حصول الرد في القسمة وثانيا ان التقويم غير منحصر في
قسمة الرد فإن كثيرا من الأموال المشتركة المختلفة كالحيوانات ونحوها لا يقسم إلا بالتقويم وإن لم يكن
فيها رد واحتمال إرادة كل ذلك من قسمة الرد على معنى انه قد يكون فيها رد مناف لما هو المصطلح عندهم
من أن قسمة الرد هي المشتملة على دفع مال آخر من أحد الجانبين ولذا أطلقوا عدم الجبر فيها بخلاف ما في ما
يقسم بالتقويم الذي لا رد فيه فإنه يجبر عليه وثالثا ان التقويم لا مدخلية له في القسمة التي هي افراز الحق وإنما
هو من مقدماته والفرض ظهور كلماتهم في تعدد القاسم لا المقوم على أنه يمكن القول بتولي الواحد القسمة فيها
وان احتيج إلى التعدد بعدها في تقويم ما زاد في أحد النصيبين إذ ذاك أمر خارج عن القسمة ومن هنا كان لعلي (عليه السلام)
قاسم واحد فتأمل جدا انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه وفيه مواضع للنظر لا يخفى وجهه فيها لكل من تأمل
فيما ذكرناه وسلك الانصاف وجانب الاعتساف والله العالم.
قوله فإن لم يكن امام أو كان ولا سعة في بيت المال كانت اجرته على المتقاسمين أقول الكلام في -

307
المقام يقع في مقامين أحدهما في تشخيص المورد الذي الأجرة عليهما أو على واحد منهما ثانيهما في تشخيص
انها في الموارد التي عليهما هل هي بالحصص أو بالرؤس.
أما الكلام في المقام الأول فيقع في صور لان الشريكين إما أن يكونا طالبين للقسمة أو لا يكون
الطالب إلا أحدهما الذي يسمى القسمة فيه بالقسمة الاجبارية حيث إنه يقسم حاكم الشرع المال فيه جبرا
على غير الطالب وعلى التقدير الأول لا يخلو أيضا إما أن يجعلا أجرة واحدة للقاسم بعقد واحد أو يجعل كل منهما
أجرة مستقلة بعقد مستقل دفعة واحدة أو مترتبا.
أما إذا لم يكن الطالب إلا أحدهما واستأجر الحاكم القاسم جبرا على الممتنع أو أذن في الاستيجار
فالذي نفى الخلاف عنه في كلام بعض الأصحاب بل نقل الاجماع عليه في كلام آخر منهم كون الأجرة عليهما
بل ليس المخالف فيه من العامة أيضا إلا أبا حنيفة والشافعي في أحد وجهيه فخصصاها بالطالب وعلل الحكم جماعة
وأوردوا عليهما بأن العمل المحترم قد وقع لهما فيستحق العوض منهما ما لم يقصد التبرع هذا.
ولكن لم يرتض الوجه شيخنا المرتضى دام إفاداته وذكر في وجهه ما حاصله ان العمل المحترم
وإن عاد نفعه إليهما إلا أنه لا يقع إلا بأمر أحدهما ومن المعلوم ان احترام العمل إنما هو إذا وقع بأمر من -
المعمول له لا مانع إذا وقع بدونه.
لا يقال إن غير الطالب وإن لم يرض ولم يأمر بالعمل المذكور إلا أن رضاء الحاكم وأمره الذي هو ولي
الممتنع رضائه وأمره فتدخل فيما ذكرت
لأنا نقول الحاكم إنما هو ولي فيما يجب على المولى عليه الممتنع عنه ومن المعلوم ان الواجب على
غير الطالب ليس إلا التخلية وعدم منع الشريك من افراز ماله لا تقسيم المال وتسليم حق الشريك به لان مقتضى
ما يستدل به في المقام مما دل على تسلط الناس على أموالهم وما دل على نفي الضرر والضرار في الاسلام هو ما ذكرنا
لأن عدم ورود الضرر على الشريك يحصل بنفس التخلية وعدم المنع ولا يتوقف على شئ آخر وكذلك عدم
إيصال الممتنع عن القسمة حق صاحبه إليه بعد التخلية بينه وبين المال المشترك وعدم منع الشريك عن القسمة ليس
حجرا له عن ماله حتى يرتفع بعموم الناس مسلطون على أموالهم نعم لو قيل إن الواجب على الشريك تسليم حق
الشريك إليه وافرازه من ماله لتعين المصير إلى كون الأجرة عليهما فالحكم بالنظر إلى القاعدة مبني على الوجهين
إلا أن الاجماع قد انعقد ظاهرا على كونها عليهما حسبما يعلم من الرجوع إلى كلماتهم.
لا يقال إنه لا إشكال في تعلق الأجرة على الشريك لو رضي بتقسيم القاسم الذي استأجره شريكه على -
القسمة وكذلك لا إشكال في تعلق الأجرة على الشخص لو رضي وأذن أن يعمل أحد له عملا بالأجرة ولا يشترط
فيه الامر قطعا لان احترام عمل المسلم يكفي فيه وقوعه بإذن المعمول له ففي المقام وإن لم يجب الافراز على
الشريك الممتنع إلا أنه يجب عليه الرضاء بالقسمة فإذا فرض عدم رضائه بها فرضاء الحاكم قائم مقام رضائه.
لأنا نقول لا إشكال في تعلق الأجرة على الشخص لو رضي بفعل غيره له على القول بصحة الإجارة
المعاطاتية لكن الواجب على الشريك في المقام ليس هو الرضاء بالقسمة بالأجرة بل الواجب عليه الرضاء وعدم
الامتناع من افراز الشريك حقه من المال المشترك وأين هذا من وجوب الرضاء بالفعل بإزاء الأجرة هذا كله إذا
لم يكن الطالب إلا واحدا منهما وأما إذا كان كل واحد منهما طالبا للقسمة فإن استأجراه بعقد واحد سواء كان
بأجرة واحدة منهما أو متعددة فلا إشكال في المسألة ويجب عليهما الأجرة دون واحد منهما ووجهه ظاهر مضافا

308
إلى قيام الاجماع عليه من الطائفة المحقة بل من غيرهم وأما إذا استأجراه بعقدين مترتبين كل منهما بأجرة
معينة فظاهرهم عدم الخلاف في صحة كل منهما واستحقاقه الأجرتين من الشريكين.
لكنهم ذكروا في المقام إشكالا يجب التعرض له ولما ذكروا في دفعه وليس هذا الاشكال مختصا
بأصحابنا الامامية بل تعرض له ولدفعه بعض العامة أيضا وأول من تعرض لهذا الاشكال ولدفعه حسبما حكاه
الأستاذ العلامة الفخر في الايضاح وكلامهم في أصل بيان الاشكال مشوش غاية التشويش وكذلك جواب البعض
عنه مضطرب في غايته.
فلنتعرض أولا لذكر الاشكال على ما ذكروه ثم نبين ما هو الحق في تقريره وهو انه إذا استأجر
القسام أحد الشريكين لافراز نصيبه فقد وجب عليه من باب المقدمة افراز نصيب الشريك الأخر لان افراز أحد
النصيبين لا يمكن إلا بافراز نصيب الآخر وما يتوقف عليه الواجب واجب فإذا وجب عليه من باب المقدمة
افراز نصيب الشريك الآخر فأخذ الأجرة عليه حرام فلا يصح الإجارة ثانيا هذا حاصل ما ذكروه في بيان الاشكال.
وأنت خبير بفساده لان افراز أحد النصيبين ليس متوقفا على افراز النصيب الآخر حتى يدخل في باب
المقدمة بل التحقيق الذي يلتفت إليه كل من له أدنى تأمل والتفات ان افراز أحد النصيبين عين افراز النصيب -
الآخر فلا يمكن أن يجعل أحدهما مقدمة للآخر ضرورة اشتراط التغاير بين المقدمة وذيها فالبيان الذي ذكروه
لتقرير الاشكال فاسد جدا إلا أن يكون مراد من ذكر التوقف هو التوقف بالمعنى الذي بين المتضائفين لا التوقف
الذي بين المقدمة وذيها لكنه خلاف صريح كلام جماعة منهم حيث قرروا الاشكال بالبيان الذي ذكرناه وهو
صريح في أن مرادهم من التوقف هو المعنى الثاني لا الأول نعم ذكر الأستاذ العلامة ان هذا التوجيه لا يأباه
كلام الفخر ولم يكن عندي كتابه حين كتابة هذا الموضع حتى انظر فيه فراجع إليه لعلك تظفر على
صدق ما أدعاه الأستاذ.
إذا عرفت هذا فالحق في تقريره أن يقال إن افراز أحد النصيبين عين افراز النصيب الآخر كما أن فصل
أحد الشيئين عن الآخر عين فصل الآخر عنه ولا تغاير في نسبة الافراز إلى الأوليين والفصل إلى الآخريين إلا بحسب
الاعتبار والملاحظة كما في باب المفاعلة فقد يقول أفرزت نصيبي عن نصيبك وقد يقول أفرز نصيبك عن نصيبي
وإلا فهما عبارتان لمعنى واحد وليس هذا الكلام مختصا بالمقام بل يجري بالنسبة إلى جميع المتضائفين كما
لا يخفى فإذا كان افراز أحد النصيبين عين افراز النصيب الآخر فاستأجره أحدهما لافراز نصيبه أولا بأجرة معينة
حسبما هو قضية الفرض فقد خرج افراز نصيب الآخر عن تحت قدرته وملكه لأنه عين ما ملكه بأحد الشريكين
فلا يكون مالكا له ثانيا فإذا ارتفع قدرته وملكه عن افراز نصيب الآخر فكيف يأخذ الأجرة عليه مع أنه ليس
بمملوكه فهو أكل للمال بالباطل ولك أن تفرض الاشكال في إجارة الثالث أيضا كما ذكره جماعة إذا كان
الشركاء ثلاثة بأن استأجره أحدهم لافراز نصيبه عن غيره واخر لافراز نصيبه عن نصيب الثالث فإن استأجره
الثالث حينئذ لافراز نصيبه عن نصيب الثاني فقد استأجره لما لا يملكه الأجير لان افراز حقه عن حق الثاني عين افراز
حق الثاني عن حقه الذي فرض استيجاره عليه أولا فيلزم عليه ما ذكر من الاشكال هذا.
وقد أجاب بعض ما لا خبرة له عن الاشكال المشهور بوجوه ركيكة فاسدة أحدها انه مبني على -
القول بوجوب المقدمة ثانيها انه إنما يتم على القول بوجوب المقدمة الغير السببية ثالثها ان حرمة أخذ الأجرة
لا تنافي صحة الإجارة ثانيا ووجوب عمل الأجير على طبقها لان الحرمة لا تنافي الصحة كما انها لا تنافي الوجوب

309
التوصلي فافراز النصيب الآخر وإن وجب على الأجير من باب المقدمة إلا أنه لا ينافي أخذ الأجرة المحرم عليه
لان الوجوب التوصلي يجتمع مع الحرام كما عليه صاحب لم وجماعة فهذا الاشكال مبني على قول غيرهم هذا
ملخص ما حكام الأستاذ عنه وأنت خبير بفساد الوجوه التي ذكرها للتفصي عن الاشكال المذكور.
أما ما ذكره أولا من ابتناء ورود الاشكال على القول بوجوب المقدمة ففيه انه غير مبني عليه
أصلا بل إنما هو مبني على أصل المقدمية والتوقف فإن من اجر نفسه على عمل فلا يجوز له أخذ الأجرة
على كل ما لا ينفك عنه سواء كان من اللوازم القهرية له أو من مقدماته أو غير ذلك والوجه فيه خروجه
عن ملكه وقدرته فأخذ الأجرة عليه أكل للمال بالباطل فحرمة أخذ الأجرة على المقدمة غير مبتنية على القول
بوجوبها هكذا ذكر الأستاذ العلامة في جوابه لكن يمكن أن يوجه كلامه بأنه في قبال من تمسك لحرمة
أخذ الأجرة ثانيا بأنه أخذ للأجرة على فعل الواجب فإن ظاهر هذا الكلام كون الوجوب مانعا لا نفس المقدمية
والتوقف فتأمل.
وأما ما ذكره من ابتناء فساد الإجارة الثانية على القول بعدم جواز اجتماع الحرمة على الوجوب التوصلي
ففيه ان عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب إنما هو من جهة خروجه عن ملك الأجير فأخذ الأجرة عليه أكل
للمال بالباطل كما لا يخفى وهذا لا دخل له بحديث اجتماع الوجوب التوصلي مع الحرمة فحرمة أخذ الأجرة
في المقام إنما هو من جهة فساد الإجارة لا من نفس الوجوب حتى يقال إنه يجتمع مع الحرام وكيف كان فقد
أجيب عن الاشكال المذكور بوجهين أحدهما النقص بما لو استأجر شخص أحدا لبيع ماله واستأجره آخر
لشراء هذا المال فإنه لا إشكال في استحقاقه الأجرة منها مع أن ايجاب البيع عليه يلزمه تحصيل الشراء ولو
من باب القدمة هذا.
وقد أجاب الأستاذ العلامة عن هذا الوجه بأنه قياس مع الفارق فان استيجاره على بيع ماله يتصور
على صور ثلاثة الأولى ان يستأجره على بيع ماله بمعنى نقله مع قطع النظر عن تحصيل الشراء والانتقال إلى
الآخر بعوض وعدمهما كما هو واحد معاني لفظ البيع فإنه لو قال البايع بعتك ولم يقبله المشتري لم يستعمل البايع
غلطا أصلا الثانية ان يستأجره لبيع ماله إذا اتفق هناك مشتري له الثالثة ان يستأجره ماله بمعنى ايجاده
النقل المتعقب بالانتقال كما هو أحد اطلاقات لفظ البيع كما يقال فلان باع ماله فلانه لا يراد منه ايجاده السبب
للنقل وإن لم ينتقل منه فيصير تحصيل الشراء واجبا على الأخير ومن المعلوم ان الأوليين على تقدير صحتهما
لا تكونان مقصودتين من النقض المذكور قطعا لعدم الارتباط بينهما فيكون المراد كما هو ظاهر من كلام -
المجيب هو الصورة الثالثة ومن المعلوم ظهور الفرق بينها وبين المقام فإنه وإن فرض وجوب تحصيل الشراء
على الأجير إلا أن من المعلوم ان القبول الواقع من قبل المشتري ليس عين البيع الواقع من قبل البايع بل هما
شيئان متغايران موجودان بوجودين لا دخل لأحدهما بالآخر أصلا فهذا بخلاف المقام فإن افراز أحد النصيبين
عين افراز الآخر حسبما عرفت تفصيل القول فيه فالحكم بالصحة في الصورة لا دخل له بالمقام أصلا وكان المجيب
قاس المتغايرين بحسب الوجود الخارجي بالمتغايرين بحسب الذهن فأعطى حكم أحدهما بالآخر وأجراه فيه وأنت
خبير بوضوح الفرق بينهما هذا ملخص ما ذكره الأستاذ العلامة لكن يمكن ان يقال إن هذا النقض وإن لم يكن
واردا على ما ذكره الأستاذ العلامة في بيان الاشكال من حديث العينية إلا أنه وارد على ما ذكره المشهور في

310
بيان الاشكال من حديث لزوم أخذ الأجرة على الواجب فتأمل (1).
ثانيهما ما ذكره جماعة من الأصحاب وبعض العامة من أن السؤال مبني على أنه يجوز استقلال بعض
الشركاء باستيجار القسام لافراز نصيبه ولا سبيل إليه لان افراز نصيبه لا يمكن إلا بالتصرف في نصيب الآخر
ترددا وتقديرا ولا سبيل إليه إلا برضاهم نعم يجوز أن ينفرد واحد منهم برضى الباقين فيكون أصيلا ووكيلا
ولا حاجة إلى عقد الباقين هذا وحاصله يرجع إلى منع الصغرى أي منع صحة استيجار كل من الشريكين بعقد
مستقل مترتب بأجرة معينة من جهة توهم انه مع قطع النظر عن تحقق الرضاء من الشريك الآخر لا تصح الإجارة
الأول مع تحقق رضائه يتحقق الإجارة فيه أيضا وكالة فليس هنا صورة فرض صحة إجارة كل من الشريكين
فيها بعقد مستقل حتى يرد عليها الاشكال المزبور.
وأنت خبير بفساد هذا الوجه من وجوه أحدها ما ذكره جماعة من منع عدم إمكان افراز أحد النصيبين
إلا بالتصرف في الآخر ضرورة امكان فرض صورة يستغني القاسم فيها عن التردد فيه بضبطه إياه سابقا أو باستحقاقه
ذلك لاستيجار ونحوه ثانيها ما ذكره بعض الأفاضل من أن مجرد رضاء الشريك بالتردد أو التخطي في ماله ليس
توكيلا منه في الاستيجار على القسمة ضرورة عدم التلازم بينهما أصلا ثالثها ان هذا الجواب خروج عن الفرض
الذي ذكره الأصحاب مصرحين بصحة إجارة كل منهما فيه فهذا لا يدفع الاشكال الوارد على فرض القوم بل
في الحقيقة هو تسليم لورود الاشكال على الفرض الذي ذكروه هذا.
وقد يجاب عن الاشكال المذكور بوجه آخر وهو ان الشريك الأول لم يستأجره إلا على افراز حقه
وافراز حقه وإن كان في الخارج عين إفراز حق الشريك الآخر لا تغاير بينهما عقلا بل هو عمل واحد في الواقع
إلا أن مملوكية العمل إنما هو بحسب المنافع المترتبة على ضرورة ان نفس الفعل الذي هو عبارة عن مجموع -
الحصولين من الحركة والسكون مع قطع النظر عن المنافع ليس شيئا يقابل بالمال ويملكه الشخص فإذا ترتب
على عمل منفعتان فهو عند العرف بمنزلة عملين وملكين فالعمل المذكور وإن كان بسيطا عقلا بل لا يقبل -
التجزية حتى يتصور الشركة فيه بمعنى صيرورة نصفه لشخص ونصفه الآخر لشخص آخر الا انه منزل عرفا
بمنزلة ما يقبل التجزية باعتبار المنافع المترتبة عليه التي صارت منشأ لمملوكيته فهو وإن كان غير قابل
لتعلق الشركة به بالنظر إلى نفس ذاته لعدم قابليته للتجزية كما أنه بهذه الملاحظة ليس مما يتعلق الملكية
عليه أيضا لكنه قابل لتعلقها به عرفا بالنظر إلى المنافع المترتبة عليه فالعمل وإن كان واحدا حقيقة إلا أنه
متعدد عرفا فالعمل الواحد المنزل منزلة المتعدد كالعين الواحد الغير القابل للتجزية المنزل منزلة القابل
لها كالعبد لهذا يتصور الشركة فيه فيمكن أن يقال في الفرض بالملاحظة المذكورة ان الشريك الأول
قد ملك نصف العمل أو ملك تمامه باعتبار تعلقه بحقه والشريك الآخر أيضا ملك نصفه بالإجارة أو تمامه
باعتبار تعلق حقه هذا.
ولكنك خبير بفساد هذا الجواب أيضا لأنه على فرض تسليم التعدد العرفي لا يغني من جوع لأنه وإن
.



(1) وجه التأمل ان حصول البيع بالمعنى المذكور وإن توقف على الشراء إلا أن من المعلوم ان وجوبه لا يقتضي وجوب
الشراء لأنه من فعل الغير ولا معنى لعروض الوجوب عليه نعم مقدمات تحصيله تكون من أفعال الأجير لكن الأجرة التي يأخذها
من المشتري إنما هو بإزاء الشراء نفسه وهذا بخلاف المقام فإنا لو قلنا بأن الافرازين متعددان في الخارج فلا ريب في أنهما من
فعل الأجير فأخذ الأجرة على أحدهما بعد أخذ الأجرة على الآخر مما لا يجوز (على القول بعدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات
فالنقض المذكور مما لا ورود له فافهم (منه قدس سره)
311
كان الافرازان متعددين إلا أن من المعلوم ضرورة ان افراز نصيب الشريك الثاني من اللوازم القهرية لافراز
نصيب الشريك الأول ضرورة عدم تعقل الانفكاك بينهما بحسب الوجود وإن لم نقل بكون أحدهما عين الآخر وقد
عرفت سابقا ان ما لا ينفك عقلا عن المستأجر عليه ويترتب عليه قهرا لا يجوز للأجير أخذ الأجرة عليه لأنه لا يملكه
فيكون أكلا للمال بالباطل فالمناط الذي اقتضى عدم جواز أخذ الأجرة وفساد الإجارة على تقدير القول بالعينية
فهو بعينه موجود على تقدير القول بعدمها فافهم فظهر مما ذكرنا كله عدم اندفاع الاشكال المذكور بالوجوه
المذكورة فإن كان هناك اجماع على الحكم بصحة كلا العقدين فهو وإلا فالحكم بالصحة لا يخلو عن اشكال بل
منع هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو ان كل مورد كانت الأجرة عليهما وكان نصيب أحدهما في المال
المشترك أزيد من نصيب الآخر فهل هي بالحصص أو بالرؤس سواء كانت الأجرة أجرة المثل أو المسمى فالذي
نفى الخلاف عنه بيننا كونها بالحصص نعم في القواعد احتمال كونها بالرؤس وقد وافقنا فيه أكثر العامة وذهب
أحمد بن حنبل منهم إلى كونها بالرؤس.
وليعلم ان محل الكلام أولا حسبما صرح به الأستاذ العلامة في أثناء البحث ويستفاد من كلماتهم هو
ما إذا لم يكن العمل مختلفا بحسب الكم كما في المثليات التي يلاحظ القسمة فيها بحسب الكيل والوزن فإنه
لا إشكال في كون الأجرة بالرؤس لتعدد العمل في الخارج حينئذ فإنما هو فيما إذا كان اختلاف العمل بحسب
الكيف
مع وحدته بمعنى كون النفع العايد منه لاحد الشريكين أزيد من النفع العايد للشريك الآخر لا من جهة الاختلاف
في كمية نصيبهما كثرة وقلة.
إذا عرفت هذا فاعلم أن الحق ما ذهب إليه الأصحاب رضوان الله عليهم ويدل عليه ما أشرنا إليه في طي
بعض كلماتنا السابقة من أن مملوكية العمل واحترامه إنما هو بحسب المنافع العايدة منه والفوائد والثمرات
المرتبة عليه وإلا فنفس الفعل الذي عبارة عن مجموع الحصولين من الحركة والسكون أو الخروج من القوة إلى
الفعل مع قطع النظر عن المنافع ليس شيئا يعرضه الملكية فكل من الشريكين في الفرض قد ملك العمل بقدر -
المنفعة العايدة منه إليه فكل منهما يجب عليه الأجرة على العمل بحسب ما استوفى منه من المنافع فالعمل و
إن كان واحدا في الخارج إلا أنه غير مساو بالنسبة إليهما من حيث المنفعة والنتيجة المقصودة منه فإذا لا بد من أن
توزع الأجرة على الحصص لا على الرؤس هذا.
وقد استدل للمختار بوجهين آخرين أحدهما ما حكي عن الشيخ في الخلاف من انا لو وزعناها على
قدر الرؤس ربما أفضى إلى ذهاب المال كان يكون بينهما لأحدهما عشر العشر سهم من مئة سهم والباقي للآخر و
يحتاج إلى أجرة عشرة دنانير على قسمتها فيلزم من له الأقل نصف العشر وربما لا يساوي سهمه دينارا واحدا
فيذهب جميع المال وهذا ضرر والقسمة وضعت لإزالة الضرر فلا يزال أعظم منه انتهى المحكي عنه وفيه أن
هذا مجرد اعتبار لم يدل على اعتباره لان عمل المسلم محترم وإن فرض اجرته زايدة على ما عاد إلى المعمول
له من المنافع كما إذا كان في العمل مشقة كثيرة توجب زيادة الأجرة والقول بأن تلك الإجارة فاسدة من جهة
كونها سفهية جدا.
أما أولا فلانا نفرض الكلام في أجرة المثل وأما ثانيا فلانا نفرض تعلق غرض عقلائي بالاقدام على
تلك الإجارة بحيث يخرجها عن السفهائية هذا مضافا إلى أن الحكم بفساد الإجارة من حيث السفاهة لا دخل له

312
بكلام المستدل مع أن ما ذكره قد يفرض فيما إذا قلنا بكونها بالرؤس بأن تكون الأجرة المتعلقة بكل منهما
زايدة على ما عاد إليه من المال وبالجملة زيادة الأجرة لا توجب رفع اليد عما دل على وجوب الوفاء بالعقد
واحترام عمل المسلم.
ثانيهما ما ذكره في محكي كشف اللثام للفاضل الأصفهاني من أن الأجرة تزيد بزيادة العمل والعمل
يزيد بزيادة المعمول فكل من كانت حصته أزيد فالعمل له أزيد كمن يسقى جريبين من الأرض فعمله أزيد ممن
يسقى جريبا وإن تحمل المشقة أكثر وكمن رد عبدا قيمته مئة فعمله أزيد ممن رد عبدا قيمته خمسون
والغموض في قلة النصيب إنما جاء من كثرة نصيب الآخر انتهى ما حكي عنه ولا يخفى عليك انه يرجع إلى ما
ذكرنا أيضا وإلا فتوجه الاشكال عليه جلي هذا.
واستدل لكونها بالرؤس في القواعد حسبما حكى عنه بما يرجع حاصله مع توضيح من بعض إلى
التسوية في العمل فإنه ليس إلا افرازا أو حسابا أو مساحة والكل مشترك بينهما فإذا فرض العمل واحدا مساويا
بالنسبة إليهما في المشقة فكيف يمكن توزيع الأجرة عليها مختلفا بحسب القلة والكثرة لأنه ترجيح بلا
مرجح ومناف لما دل على حرمة عمل المسلم بل قد يكون الحساب في الأقل أغمض وقلة النصيب يوجب
كثرة العمل لوقوع القسمة بحسب أصل (أقل خ) الأنصباء فإن لم يجب على الأقل نصيبا من الأجرة أزيد فلا
أقل من التساوي انتهى.
وأنت بعد التأمل فيما ذكرنا من الوجه لا يبقى لك شك في فساد هذا الدليل لان العمل وإن كان واحدا
إلا أن ما ملكيته إنما هو بحسب المنفعة العايدة منه حسبما عرفت تفصيل القول فيه فهذا ليس ترجيحا بلا مرجح
ولا منافيا لما دل على احترام عمل المسلم كما لا يخفى على أحد هذا مضافا إلى ما ذكره في القواعد من النقض
عليه بما هو مسلم بينهم من أنه لو اجر الشركاء شخصا لحفظ المال المشترك فيكون له الأجرة بالحصص مع أن -
العمل الموجود منه في الخارج وهو النظر أو غيره متساوي بالنسبة إليهم فالمسألة لا إشكال فيها إن شاء الله هذا مجمل
القول في المقام الأول وانتظر ما يتلى عليك من الكلام في سائر المقامات.
قوله في المقسوم وهو أما ما يساوي الأجزاء كذوات الأمثال مثل الحبوب والادهان آه أقول قد ذكر
في المسالك اشكالا على قوله فيقسم كيلا ووزنا متساويا وتفاضلا لا بأس بالإشارة إليه وإلا ما ذكره في دفعه
قبل الخوض في ذكر مستند جواز الاجبار في الصورة المفروضة فقال وأما قوله متساويا ومتفاضلا فالأصل في القسمة
أن تكون بنسبة الاستحقاق فإذا كان المشترك بينهما نصفين كان افرازه قسمين وإن كان بينهما أثلاثا كان افرازه
كذلك والتفاضل في الثاني بحسب الصورة وإلا فهو متساو حقيقة لان مستحق الثلث له فيما في يد صاحب
الثلثين ثلث ولصاحب الثلثين فيما في يد صاحب الثلث ثلثاه فالقسمة على هذا الوجه موجبة للتسوية بينهما
بالنظر إلى أصل الحق وإن أراد بالتفاضل ترجيح أحدهما على الآخر بزيادة على حقة فليس ذلك بداخل في
حقيقة القسمة بل هو هبة محضة للزائد فلو ترك قوله متساويا ومتفاضلا كان أولى انتهى ما أفاده.
وتوضيح ما ذكره من الاشكال هو انه لا يخلو إما أن يكون الشريكان شركتهما متساوية بأن يكون
لكل منهما نصف العين المشترك أو متفاوتة بأن يكون لأحدهما الثلث وللآخر الثلثان مثلا وعلى كلا التقديرين
إما أن يعطى بكل من الشريكين مقدار نصيب كالنصف في التقدير الأول والثلثين والثلث في التقدير الثاني أو
يعطى بأحدهما أزيد من نصيبه وعلى التقدير الثاني إما أن يريد به القسمة أو غيرها من الهبة ونحوها وعلى الأول

313
لا يعقل في القسمة تفاضل أصلا لفرض أخذ كل من الشريكين مقدار نصيبه وعلى الثاني فإن أريد به الأول فهو
غير معقول لان القسمة حسبما عرفت في تعريفها عبارة عن تمييز النصيب وافرازه عن الآخر ومن المعلوم عدم
حصوله في الفرض وإن أريد به الثاني أي غير القسمة فهو خروج عن محل البحث والمقصود التعميم بالنسبة
إلى القسمة وقد حكى الأستاذ العلامة عن العلامة في القواعد انه ذكر فيه نظير عبارة المصنف فيتوجه عليه
الاشكال المزبور أيضا فتأمل وراجع إليه هذا.
وقد أجاب مولانا المرزا محمد عن الاشكال المذكور في هوامشه على المسالك هذا لفظه يمكن أن
يقسم الربوي متفاضلا بأن يأخذ أحدهما الأقل لجودته والآخر الأكثر لردائته ويكون الجودة في مقابلة الأكثر
فلو كان بيعا كان رباء فتأمل انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه وأشار بقوله فتأمل إلى فساد ما ذكره من التوجيه
لأنه خروج عن قسمة الاجبار إذ هي فيما لا يشتمل على رد بالمعنى الأعم الشامل للمقام أيضا.
والعجب من بعض مشايخنا حيث اعتمد في دفع الاشكال المذكور بما ذكره مع الجزم به من غير
إشارة إلى فساده حيث قال بعد نقل ما عرفت من المسالك ما هذه لفظه وفيه أن المراد بيان جواز قسمة الربويات
بالتفاوت من حيث الجودة والردائة فلو كان الحب مشتركا وفرض اختلافه على وجه يكون الوزنتان من بعضه
تقابل بالوزنة من غيره فعدلا السهام بذلك واقتسماه على هذا الوجه فإنه لا إشكال في صحة القسمة عندنا
انتهى ما أردنا حكايته.
وفيه ما عرفته من أن ما ذكرنا إنما يجري في غير قسمة الاجبار وأما فيها فلا وإلا فلا اختصاص للفرض
بالجودة والردائة بل يمكن في الزيادة الكمية أيضا كرطل من الحنطة ورطلين من الشعير وبالجملة لا إشكال في
أن التفاضل لا يجري عندهم في قسمة الاجبار هذا مع أن ما ذكره المجيب في شرح عبارة المصنف ينافي ما ذكره
من فرض التفاضل في المثال المذكور فإنه اعتبر في المتساوي كون أجزائها متساوية بحسب القيمة والوصف و
معلوم ان هذا المعنى لا يجامع مع الفرض المزبور وقد يجاب أيضا بأنه يمكن فرض التفاضل في الجودة والردائة
على تقدير القول ببقاء كل من الجيد والردئ في ملك مالكه ولكنك خبير بفساده أيضا لان القول ببقاء الملك
في الصورة يمنع من تحقق الشركة بينهما كما لا يخفى فلا معنى لتحقق القسمة هذا.
وأجاب الأستاذ العلامة دام ظله العالي عن الاشكال المذكور بأن التعميم المذكور ليس من أحكام
قسمة الاجبار حتى يرد عليه ما ذكر بل إنما هو من أحكام متساوي الأجزاء مستقلا كما أن جريان قسمة الجبر
فيه أيضا من أحكامه لكنه تنظر في الجواب المذكور أيضا بأنه خلاف ظاهر العبارة فإن ظاهر قوله والأول يجبراه
جريان الاجبار في جميع أقسام الأول لا انه يجري في بعض أقسامه فالحق ان الاشكال وارد على ظاهر العبارة.
إذا عرفت ذلك فلنصرف العنان إلى الكلام في أصل المسألة فنقول انك كما عرفت في طي بعض كلماتنا
السابقة ان الأصل في القسمة من حيث كونها معاملة بالمعنى الأعم حسبما عرفت تفصيل القول فيه لكنه
قد ثبت جوازها بالأدلة الثلاثة بل الأربعة كذلك مقتضى الأصل بعد تشريع القسمة في الجملة فساد القسمة الاجبارية
وعدم جوازها في الشريعة.
ويدل عليه وجوه من الأدلة أحدها قوله (صلى الله عليه وآله) الناس مسلطون على أموالهم ودلالته على المدعى ظاهرة
ثانيها قوله لا يحل مال امرء مسلم لامرء إلا بطيب نفسه حيث إنه ليس مسوقا لبيان الحكم التكليفي مجردا و
هو حرمة التصرف في مقابل الغير بدون رضاه بل هو مسوق لبيان الحكم الوضعي أيضا وانه لا يجعل مال أحد لغيره

314
إلا بطيب نفسه مع أنه لو كان منه بيان مجرد الحكم التكليفي لكان دالا على المقصود أيضا كما ستسمع
فتدل الرواية على أن بدون رضاء الشريك لا يصير ماله للشريك الآخر لأنك قد عرفت أن القسمة يلزمها عقلا
انتقال بعض من مال كل من الشريكين إلى الآخر وإن لم تكن معاوضة بل ولا إن شاء الانتقال بل هو تميز جعلي
يلزمه عقلا الانتقال المذكور ثالثها قوله (عليه السلام) في بعض الأخبار لا يجوز لاحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه
فإن عدم جواز التصرف يلزمه عدم تحقق الانتقال بالأولوية القطعية لأنه مستلزم لارتفاع أصل المالية فيدل
بالأولوية على أن الشارع لم يشرع فعلا به يخرج مال الغير عن ملكه بدون رضاه وينتقل إلى غيره فتأمل
لكنها أيضا قد ثبت شرعيتها في الجملة بالاجماع المحقق الذي لا يرتاب في تحققه من راجع إلى كلماتهم وهذا
الذي ذكرنا كله مما لا إشكال فيه أصلا.
إنما الاشكال في المقام فيما تمسكوا به لشرعيتها من قوله الناس مسلطون على أموالهم وقوله لا ضرر
ولا ضرار في الاسلام وقد شاع التمسك بهما لشرعيتها بينهما بحيث أرسلوا دلالتهما عليها إرسال المسلمات من غير
اشكال من أحد منهم فيه ممن وقفت على كلامه.
وإلى الاستدلال بالأول يرجع قول المصنف لان الانسان له ولاية الانتفاع بماله وقول الشيخ في المبسوط
فمتى دعى واحد منهم إلى القسمة وأبى الباقون أجبر الممتنع منه عليها لان من كان له ملك كان له أن يتشبث
إلى ما يفيده الانتفاع الكامل والتصرف التام فيه انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
ولله در الأستاذ العلامة دام ظله العالي حيث فتح باب الاشكال فيهما وسد طريق الاستدلال
بهما للحكم المذكور.
أما في الأول فمن وجهين أحدهما ان الرواية إنما تدل على تسلط الناس على التصرف في أموالهم
بالنسبة إلى جميع التصرفات من بيعه وهبته وإجارته إلى غير ذلك لكنها لا تدل على تسلطهم على مال الغير وقد
عرفت أن القسمة يلزمها انتقال جزء من مال كل من الشريكين إلى الآخر فالشريك مسلط على التصرفات التي
هي تصرف في أصل المال كبيع نصيبه وهبته إلى غير ذلك من أشباههما مما لا يستلزم التصرف في مال الغير.
فالحاصل ان المالية في الشركة غير قابلة للتصرف فيها بالتصرف المذكور لاستلزامه التصرف في ملك
الغير فمنع كل من الشريكين من التصرف المذكور ليس حجرا للمالك عن التصرف في ملكه لان ملكه غير قابل للتصرف
المذكور ثانيهما النقض بتسلط الشريك الممتنع عن القسمة عليه لأنه أيضا مسلط على ماله واجباره على القسمة
حجر له عنه فتأمل.
وأما في الثاني فبأنه إنما يدل على عدم تشريع كل ما كان فيه ضرر لا على تشريع كل ما كان فيه نفع ومن
المعلوم ان منع الشريك من القسمة ليس موجبا للضرر عليه لان ماله في الأصل ناقص غير قابل الانتفاع به بجميع
الانتفاعات فهذا قصور منه وإنما هو موجب لمنع حصول كمال له بالقسمة ومن المعلوم ان الحديث لا يدل على
عدم جوازه مع أنه لو فرض هناك ورود ضرر عليه لم يجز التمسك لرفعه باثبات جواز القسمة بما دل على نفي
الضرر في الشريعة لأنه ضرر دخل عليه من جهة نقص في ماله والحاصل ان الرواية إنما تدل على نفي الضرر في
الاسلام لو يمكن (أمكن خ) التخلص منه وفي المقام لا يمكن من حيث إن مالية المال غير قابلة لان يدفع منها
الضرر فإن ماليته إنما هي بحسب الإشاعة والمالية بحسب التعيين ماهية مغايرة واقعا للمالية في المال المشاع فلا
يجوز التمسك بالرواية على تجويز الشارع القسمة قهرا على الشريك المستلزم لاخراج جزء من ماله عن ملكه

315
ودخوله في ملك الشريك الآخر من جهة لزوم الضرر عليه على تقدير عدم تشريع هذا الحكم هذا ملخص ما افاده
الأستاذ العلامة في بيان الاشكال على الروايتين.
ولكنه قد تنظر فيه إما فيما ذكره في الرواية الأولى فبأن القسمة وإن استلزمت عقلا للتصرف في مال
الغير والتسبب لانتقاله جزء منه عنه إلى غيره لكنها عند العرف ليس إلا عزل الحق وافرازه عن غيره حسبما عرفت في
طي كلماتنا السابقة فما يأخذه الشريك بالقسمة هو عين ما كان له قبلها عند العرف فهي عندهم تصرف في نفس
المال وتسلط عليها (عليه خ) ومنعه عنها حجر له عن التصرف في ماله ولهذا تراهم يقولون إذا امتنع أحد
الشريكين عن القسمة انه منع من أخذ صاحبه حقه ولا يعطيه ويقبحونه ويذمونه على ذلك ومن المعلوم ان
الرواية منزلة على ما يفهمه العرف على ما هو البناء عليه في جميع الألفاظ لا على الدقة العقلية فكان الإشاعة والتعيين
من أحوال المال عند العرف لا أن يكون المال المشاع والمعين طبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة فالتسلط على
التعيين عين التسلط على المال منه ويظهر اندفاع النقص بشمول الرواية لتسلط الممتنع على الامتناع لأنه أيضا
مسلط على ماله لان الشريك الطالب للقسمة إنما يريد عزل نصيبه وأخذه وهو ليس منافيا لتسلط الآخر على ماله حتى
يعارض بشمول الرواية له بخلاف ما لو قلنا له الامتناع عن القسمة فإن معناه جواز حجر الشريك الآخر عن
التصرف في ماله بالعزل والاخذ.
وأما فيما ذكره في الرواية الأخيرة فبأنه بعد البناء على كون المال المعين بالقسمة هو المال المشاع
عند العرف ولم يتغير إلا وصف من أوصافه من حيث إن القسمة ليست إلا عزل النصيب عندهم لا إشكال في
دلالة الرواية على تشريع القسمة في الصورة المفروضة لأن عدم تشريعها مستلزم لورود ضرر على الطالب وليس
الحكم بجوازها مستلزما لورود ضرر على الشريك الآخر حسبما هو المفروض لان قسمة الاجبار فيما لم
يكن هناك ضرر على الشريك ولا رد منه هذا ملخص ما ذكره دام ظله في الجواب عما أورده على الروايتين
من الاشكال.
ولكن يمكن الايراد عليه بأن القسمة وإن كانت عند العرف عبارة عن افراز الحق حسبما تقدم القول فيه
لكنه قد تقدم أيضا انها ليست بافراز حقيقة وواقعا كما يتصور في صورة الالتباس والاشتباه وإنما هي افراز جعلي
لا واقع له إلا بالجعل فبالقسمة يصير كل من الشريكين مالكا لمال معين لا انه كان مالكا له قبل القسمة فهي
لا تنفك عن نقل جزء من مال كل منها إلى الأخر عند العرف أيضا والحاصل ان القسمة كما تكون عبارة عن
عزل النصيب عند العرف كذلك المال المشاع عندهم غير المال المعين بحسب الواقع حسبما مر تفصيل القول فيه فإن
ما ذكرنا في معنى المشاع سابقا لم يكن معنى له بحسب العقل بل إنما كان معناه بحسب العرف فبعد كون المال
المشاع عندهم غير المال المعين وإن ملكية أحدهما غير ملكية الآخر كيف يمكن أن يقال إن القسمة عندهم غير ملازمة
للنقل كيف ولو كان كذلك للزم القول بجواز القسمة من جهة الروايتين من دون اذن الشريك واطلاعه أصلا والقول
بأنه مستلزم لتجويز التصرف في مال الغير فانا لا ننكر ذلك وإنما المنكر هو النقل فلا يمكن الحكم بجوازه ولهذا
يقبحون العقلاء من قسم من الشريكين المال بدون اطلاع صاحبه فاسد حيث إن عدم جواز التصرف من حيث
التكليف لا ينافي ثبوت الوضع كما لا يخفى عليك فتأمل في المقام فإنه من مزال الاقدام.
ثم إنه ذكر الأستاذ العلامة بعد رفعه الاشكال من الاستدلال بالروايتين حسبما هو المعروف بينهم
وان مقتضى تمامية الاستدلال بهما كون قضية الأصل الأولي بعد تشريع القسمة في الجملة جريان قسمة الاجبار في كل

316
في كل مورد إلا ما أخرجه الدليل فلا يحتاج القسمة بناء عليه إلا إلى رضاء الشريك أو من يقوم مقامه لو امتنع عنه من
حيث إن القسمة مستلزمة للتصرف في مال الغير قطعا وهو لا يجوز إلا بإذنه أو بإذن وليه فبطل ما ذكرنا أولا من أن
الأصل الأولي المستفاد من قوله لا يحل مال امرء الحديث والناس مسلطون على أموالهم وغيرهما عدم جواز قسمة
الاجبار إلا في مورد ثبت خلافه بالاجماع ضرورة ان بعد البناء على كون القسمة هو عزل النصيب وفصله عن
نصيب الآخر فكأنه يلتقط ماله من بين مال الشريك كما في المحسوسات مثل ما إذا وقع ثوب منه في دار غيره
لا يسلتزم أصلا حلية مال الشريك أو رفع سلطنته عنه حتى يتمسك لعدم جوازها وشرعيتها بالحديثين كلاما
لتوضيح الموارد التي يجري فيها قسمة الاجبار عن غيرها على القول بتمامية الاستدلال بهما لا بد من التعرض له.
فقال دام ظله العالي ان القسمة بحسب الحصر العقلي لا تخلو إما أن تكون بحسب عين المال -
المشترك بمعنى تجزية عين المال إلى جزئين أو أكثر بحسب قضية الشركة كما في المثليات أو بحسب ماليته
بمعنى ملاحظة قيمة المال في القسمة ويقسم بحسبها كما لو كان بينهما جريب من الأرض قيمته مئة دينار و
جريبان قيمتهما أيضا مئة دينار فيأخذ أحدهما الجريبين والآخر الجريب المساوي قيمته لهما فهذا تعديل
في المال المشترك وتقسيم له بحسب القيمة لا بحسب العين وإلا لقسم كل من الجريب والجريبين إلى قسمين كما
يقسم الحنطة مثلا ولم يلاحظ فيه القيمة أصلا وان استلزم تقسيط المالية أيضا بحسب الواقع وعلى الثاني
لا يخلو إما أن يتوقف تعديل السهام وتحقق موضوع القسمة إلى وضع شئ من خارج المال المشترك من مال
أحد الشريكين على أحد السهمين ليعادل السهم الآخر بحسب القيمة التي تسمى الرد في كلماتهم بالمعنى.
الأخص أو لا يحتاج إلى ذلك أصلا وعلى الثاني لا يخلو أيضا إما أن يمكن القسمة بحسب العين أو لا يمكن
ذلك بل طريق القسمة منحصر في ملاحظة القيمة والتقسيم بحسبها وعلى الأول لا يخلو أيضا إما أن يكون هناك
غرض عقلائي في القسمة بحسب العين أو لا يكون وعلى التقادير إما أن يكون هناك ضرر في القسمة أو لا يكون
فهذه أقسام لا بد من التكلم في كل منها من حيث جريان الاجبار فيه وعدمه.
أما التقسيم بحسب العين فإن لم يكن فيه ضرر على الشريك الممتنع فلا إشكال في جريان الاجبار
فيه بل هو المتيقن مما يدخل فيه الاجبار كما لا يخفى وإن كان فيه ضرر على الشريك الممتنع فلا إشكال في
عدم جواز الاجبار فيه بل ينتقل إلى التقسيم بحسب المالية حسبما هو قضية صريح كلماتهم كما لا يخفى لمن
راجع إليها لا يقال إن مقتضى قوله الناس مسلطون على أموالهم جواز الاجبار وإن استلزم ضررا لأنا نقول قوله
لا ضرر ولا ضرار حاكم عليه لا يقال الامر بالعكس فإن من المقرر في محله جواز تصرف المالك في ماله وإن
استلزم ضررا على الغير والمفروض بناء على ما مر من كون القسمة عزل النصيب كونها تصرفا في أصل المال
لأنا نقول نمنع من عدم استلزامها التصرف في مال الغير لان الذي ذكرنا سابقا هو عدم استلزام القسمة
عرفا لنقل مال الغير لا لعدم التصرف فيه ولهذا اشترطنا فيها إذن المالك أو من يقوم مقامه لان القسمة ليست
أوضح أمرا من التقاط المال المعلوم الذي وقع في دار الغير والمفروض امكان التقسيم بنحو آخر وهو التقسيم
بحسب المالية الغير المستلزم للضرر على الطالب فكيف يجبر الممتنع من الشركاء على التقسيم بحسب العين
المستلزم لدخول الضرر عليه.
وأما التقسم بحسب المالية والقيمة فإن توقف تعديل السهام فيه ووجود موضوع القسمة على وضع
شئ من خارج المال على أحد السهمين فلا إشكال في عدم جواز اجبار الممتنع منها على القسمة لان مرجع

317
الاجبار فيه إلى الاجبار على احداث موضوع القسمة ولم يدل دليل على جواز الاجبار بالنسبة إليه لان ما دل
على جواز الاجبار فإنما هو بالنسبة إلى الاجبار على التقسيم بعد وجود موضوعه لا إلى الاجبار بالنسبة إلى
احداث موضوع القسمة وما يتوقف عليه لان افراز المال في هذه الصورة غير ممكن فلا يجري دليل السلطنة
فيها وإن شئت قلت إن القسمة المذكورة لما تضمنت معاوضة حسبما تقدم تفصيل القول فيه فلا بد من حصول
التراضي من الطرفين وهذا هي قسمة الرد التي قد اتفقت كلمتهم على عدم جريان الاجبار فيها حسبما يعلم
من الرجوع إليها.
وإن لم يتوقف تعديل السهام فيها على وضع شئ من الخارج فإن لم يتمكن من القسمة بحسب العين
ولم يكن هناك ضرر في أصل القسمة فلا إشكال في دخول الاجبار فيه بل هو المتعين لقوله الناس مسلطون
على أموالهم والمفروض انحصار السلطنة على المال في الفرض وافرازه في النحو المذكور فيصير هو المتعين وإن
أمكن التقسيم بحسب العين وتعلق به غرض عقلائي للتشريك الممتنع فلا إشكال في كونه هو المتعين وعدم
جواز الاجبار على التقسيم بحسب القيمة لان الأصل في القسمة هو القسمة بحسب العين لتعلق الشركة بها كما
هو قضية معنى الإشاعة حسبما تقدم القول فيه لا يقال مقتضى اطلاق قوله الناس مسلطون على أموالهم جواز
الاجبار بحسب القيمة أيضا لكونه تسلطا على المال أيضا لأنا نقول التسلط على القيمة إنما يصدق عليه السلطنة
على المال في المقام عرفا بعد العجز عن القسمة بحسب العين وإلا فطريق تخلص (تخليص خ) المال عرفا بحيث
لو امتنع الشريك عنه أجبر عليه منحصر في القسمة العينية كما لا يخفى ومن هنا يظهر انه لا يمكن اجبار الشريك
في مسألة التعديل الذي هو مقدمة للقسمة بنحو خاص منه إذا تعلق غرض عقلائي للممتنع عنه بنحو آخر بل لا بد
فيه من القرعة نعم لو لم يتعلق، غرض عقلائي بما يريده الممتنع فلا إشكال في عدم الاعتناء به لان الالتزامات
الشرعية إنما ترد على ما تعلق به غرض من العقلاء وإلا لوجب في تقسيم الحبوب مثلا تقسيم كل جزء من حبة إلى أن
ينتهي إلى جزء لا يقبل التقسم ولو طلبه الشريك وهذا مما يعلم ضرورة فساده هذا كله إذا تعلق بتقسيم العين
غرض عقلائي وأما إذا لم يتعلق بتقسيم العين غرض عقلائي فلا إشكال في جواز الاجبار على القسمة بحسب
المالية وإن لم يتعين وعليه يمكن حمل عبارة المصنف التي قد استشكل فيها صاحب المسالك بما عرفت سابقا لكن
هذا مجرد فرض لم نتحقق له مثالا في الخارج وهكذا ذكر الأستاذ العلامة بعدما عرضت له ما عرفت من التوجيه.
ثم إن بما ذكرنا من التفصيل لا بد من حمل كلمات القوم الظاهرة بل الصريحة في جريان الاجبار في
القسمة بحسب المالية أيضا وما يظهر منها عدم جريان الاجبار في القسمة بحسب المالية.
أما الأولى فلا بد من حملها على ما إذا لم يمكن التقسيم بحسب العين أو أمكن ولم يتعلق به غرض
عقلائي قال في المبسوط بعد تقسيم القسمة إلى ما فيه رد من الخارج ويسمى بقسمة التراضي وما ليس فيه رد من الخارج
ويسمى بقسمة الاجبار أي التي يدخل فيها الاجبار وتقسيمها إلى أربعة أحوال ما هذا لفظه وأما إذا اتفقت
السهام واختلفت القيمة مثل إن كانت الأرض بينهما نصفين وقيمتها مختلفة كأنها ثلاثمائة جريب قيمة مئة
جريب منها مئة وقيمة مأتين منها مئة فنعدلها بالقيمة فنجعل المئة سهما والمائتين سهما انتهى ما أردنا حكايته
وهو صريح في جواز القسمة بحسب المالية اجبارا وكذا كلام غيره فلا بد أن يكون المراد منها ما ذكرنا من
الصورة الأولى.
وأما الثانية فلا بد من حملها على ما إذا أمكن فيه قسمة العين مع تعلق غرض عقلائي به قال في المبسوط

318
في مسألة تقسيم الحبوب ما هذا لفظه إذا كان بينهما أنواع من الحبوب حنطة وشعير وذرة ودخن وباقلا ونحو
ذلك فطلب أحدهما أن يقسم كل صنف على حدته وقال الآخر بل يقسم بعضها في بعض بالقيمة بجعل الحنطة
والذرة سهما والدخن والعدس سهما بالقيمة قدمنا قول من طلب أن يقسم كل صنف على حدته وأجبرنا الآخر
عليها لان القسمة افراز حق لإزالة الضرر وذلك حاصل إذا قسم كل صنف على حدته وأما إذا جعل الكل واحدا
وقسم لم يحصل المقصود له في كل صنف من ملكه انتهى ما أردنا نقله من كلامه وهو كما ترى ظاهر بل صريح
فيما ذكرنا من الصورة وقد صرح العلامة في التحرير والقواعد حسبما حكى عنه الأستاذ العلامة بأن القسمة
بحسب القيمة والمالية إنما هي فيما إذا لم يمكن التقسيم بحسب العينية وإلا فلا يجبر عليها قطعا.
ثم إن المراد من الغرض العقلائي الذي ذكروه في كلماتهم كل غرض يلزم من خلافه ضرر على صاحبه
لا بمعنى النقص في العين أو خروجه عن قابلية الانتفاع به كما سيجئ في معنى الضرر الذي يشترطون عدم لزومه
في قسمة الاجبار وإلا فما عللوا به الحكم بعدم جواز ملاحظة القيمة بعد إمكان ملاحظة التقسيم بحسب العين
من اختلاف الأغراض باختلاف الأعيان لا دليل عليه أصلا وهل المعتبر في تعلق الغرض هو تعلقه بحسب النوع أو
بحسب شخص المقام وجهان الأقرب بمقتضى الاعتبار بل الدليل هو الثاني.
ثم من اشتراط عدم تعلق الغرض بالعين في القسمة بحسب القيمة حدث أقوال ثلاثة في جريان الاجبار في
متفاوت الأجزاء أحدها عدم جواز الاجبار في القسمة بحسب المالية مطلقا بل قسمة تراض ليس إلا نظرا إلى
اختلاف تعلق الأغراض باختلاف قيمة الأعيان المشتركة ثانيها جواز الاجبار فيها مطلقا فيما إذا لم يتعلق غرض
بالعين والقول بتعلقه به دائما مجازفة بينة ثالثها التفصيل بين ما إذا كان الأعيان المشتركة متفقة بحسب -
النوع وان اختلف قيمتها وبين ما إذا كانت مختلفة كاللب (كالبيت خ) والحمام والحنطة والثوب إلى غير ذلك
بجواز الاجبار في الأول دون الثاني نظرا إلى اختلاف الأغراض في الثاني غالبا وإليه ينظر كلام العلامة في القواعد
في الحكم بعدم جواز قسمة العبد والجوهر وان عدلت قيمتهما هذا كله فيما إذا لم يكن في القسمة ضرر.
وأما إذا كان فيها ضرر فلا يخلو إما أن يرد عليهما أو على الطالب أو على الممتنع فإن ورد عليهما فلا
اشكال في عدم جواز الاجبار بالقسمة لما دل على نفي الضرر والضرار في الشريعة ولا يعارضه قوله (صلى الله عليه وآله) الناس
مسلطون على أموالهم لحكومته عليه في المقام حسبما تقدم تفصيل القول فيه سابقا وإن ورد على الممتنع فلا
إشكال في عدم جواز اجباره على القسمة لما تقدم من الوجه فيكون الشركة باقية بينهما إلا مع حصول التراضي
بينهما فيقسمان حينئذ وإن ورد على الطالب فلا إشكال في جواز اجباره الممتنع على القسمة لعدم مانع عنه أصلا
فيرجع إلى قوله الناس مسلطون على أموالهم لا يقال إذا أورد الضرر من القسمة على الطالب لا يجوز اجبار الممتنع
لأنه سفه لأنا نقول بعد المنع من كلية الكبرى انه قد يقدم العاقل الرشيد على الضرر من جهة تعلق غرض عقلائي
به فلا يكون فيه سفاهة حينئذ هذا.
ثم إن المراد من الضرر المانع من القسمة هل هو عدم الانتفاع بالنصيب أصلا أو نقصان قيمته أو عدم الانتفاع
به منفردا بما كان ينتفع به مع الشركة أو نقصان القيمة نقصانا فاحشا وجوه بل أقوال والأولان للشيخ في
موضعين من المبسوط وللعلامة رحمه الله والثاني للشيخ في ف وللمصنف في المتن والأخير للشهيد في المسالك ودليل الكل ما دل
على نفي الضرر في الاسلام وإنما الاختلاف في الصغرى فالحق الرجوع في معنى الضرر إلى العرف ولا إشكال
في صدقه عندهم على نقصان المال نقصانا معتدا به بحسب قيمة النصيب قلة وكثرة فالمراد من الضرر فيما نحن

319
فيه هو المراد منه في باب الغبن وغيره من المقامات من ورود نقص على المستضر ضررا معتدا به بحسب مالية المال
وهذا مما لا إشكال فيه إن شاء الله.
وحاصل ما ذكرنا من أول المبحث إلى هنا ان القسمة على ثلاثة أقسام قسمة افراز وهي قسمة الأشياء
المتساوية الصفات كذوات الأمثال والعرصة الواحدة المتساوية وقسمة تعديل والمراد بها عندهم هي ما يعدل
سهامها بالقيمة وهي تنقسم إلى ما يعد شيئا واحدا وإلى ما يعد شيئين فصاعدا وقسمة رد وهي ما يتوقف تعديل
السهام فيها بحسب القيمة إلى ضم شئ من خارج المال إليه لا إشكال بل لا خلاف في اجبار الممتنع عن القسمة
في الأول إذا لم يكن فيه ضرر كما لا إشكال بل لا خلاف في عدم اجبار الممتنع في الثالث لما عرفت سابقا.
وإنما الاشكال والخلاف في الثاني فقد مال بعض أو جزم بعدم دخول الاجبار فيه مطلقا نظرا إلى اختلاف
الأغراض فيه وذهب آخر إلى دخول الاجبار فيه ما لم يتضرر بالقسمة الممتنع مطلقا وذهب ثالث إلى التفصيل
بين ما يعد شيئا واحدا كالأرض وبين ما لا يعد شيئا واحدا كالعبد والجوهرة والبيوت المتعددة والدكاكين المتعددة
بدخوله في الأول دون الثاني معللا باختلاف الأغراض فيه نسبه الأستاذ العلامة إلى جم قفير والتحقيق التفصيل
حسبما عرفت تفصيل القول فيه سابقا.
ومجمل الكلام فيه أنه إن أمكن معه قسمة الافراز من دون ضرر فلا إشكال في جواز الاجبار
عليها لأنها الأصل في قسمة الأعيان المشتركة وإن لم يمكن على النهج المذكور فإن لزم على الممتنع عنه ضرر
سواء كان من جهة خلاف غرضه الموجب للضرر عليه وإن لم ينقص قيمة نصيبه حيث إنك قد عرفت أن خلاف -
الغرض قد يعد ضررا في العرف أو من جهة ورود نقص في قيمة نصيبه فلا يجبر بالقسمة لما دل على نفي الضرر
والضرار وإن لم يلزم عليه ضرر منه فيجبر عليه لقوله الناس مسلطون على أموالهم من غير فرق فيما ذكرنا
كله بين ما إذا عد السهام شيئا واحدا أو متعددا فإن لزم ضرر فلا يجبر فيهما وإلا فيجبر فيهما والقول بأنه إذا
كان السهام متعددا يدخل عليه الضرر دائما ولو من جهة خلاف غرضه جزاف من القول كما لا يخفى فالمدار
على الضرر في الحكم المذكور مطلقا وأما مجرد خلاف الغرض وإن لم يرجع إليه فليس دليل على كونه
مانعا من الاجبار على القسمة.
وقد صرح بما ذكرنا من كون المناط في الاجبار وعدمه في الفرض عدم لزوم الضرر ولزومه الفاضل
القمي رحمه الله في أجوبة مسائله حسبما حكى عنه الأستاذ العلامة نعم ذكر أعلى الله مقامه فيه أنه لو تعارض لزوم الضرر
على الممتنع مع لزوم الضرر على الطالب كما إذا أراد بيع ماله ولا يشتري أحد منه في حال الإشاعة من جهة كون
صاحبه من أهل الظلمة أو سوء خلقه أو غير ذلك وكان نصيب الممتنع قليلا بحيث لم ينتفع به في حال الانفراد
أقرع في الاجبار على القسمة وعدمه وتبعه على ما ذكره من كون المناط هو لزوم الضرر وعدمه دون مجرد خلاف
الغرض بعض مشايخنا المتأخرين.
ولا فرق فيما ذكرنا أيضا بين أن يكون الشركة الحاصلة في الأعيان في صورة التعدد بالسبب الواحد
أو الأسباب المتعددة كما إذا كان السبب في شركة بعضها الإرث من الأب وفي شركة الآخر الإرث من الأم وفي ثالث
الشراء مشتركا إلى غير ذلك لعدم الفرق في مفاد ما ذكرنا بين الصورتين كما لا يخفى هذا.
ولكن ذهب شيخنا المتقدم ذكره إلى التفصيل بينهما فحكم بجواز الاجبار في الأول دون الثاني
والأولى نقل كلامه لتطلع على غاية مرامه فقال رحمه الله بعد ما ذكر من كلام صاحب المسالك المتضمن لنقل الأقوال

320
التي ذكرنا وأورد عليه بأنه مجرد اقتراح وإنما صدر من العامة على أصولهم الفاسدة من قياس أو استحسان
أو مصالح وذكر ان الضابط فيه على أصولنا هو ما ذكره سابقا من لزوم الضرر ما هذا لفظه نعم قد يتوقف في دعوى
اقتضائه عدم قسمة العقار مع تعدده بعض في بعض ولو مع الانحصار في ذلك للضرر ضرورة كونه كالدار المختلف
بنائها والبستان المختلف أشجارها في عدم صدق الضرر عرفا وكذا قسمة مختلف الجنس بعضه في بعض مع الانحصار
فيه اللهم إلا أن يكون في مختلف جهة الشركة فيه بمعنى عدم الشركة في مجموع آحاده وإن تحققت في
أفراده بأسباب مستقلة فإنه لا جبر في قسمة بعض في بعض قطعا بل الظاهر عدم مشروعية القسمة فيه بالمعنى
المصطلح وإن جازت بنوع من الصلح ونحوه لكون القسمة حينئذ قسمة معاوضة لا افراز وذلك لأنه معها
يكون له النصف من كل منهما مثلا ولا يجب عليه معاوضة ما يستحقه في أحدهما بما لصاحبه في الآخر إذ ليست
هي افراز حينئذ بخلاف ما لو كانت الشركة في مجموعة فإن له حينئذ نصفا منه وهو يمكن انطباقه على أحدهما ومن
ذلك يظهر لك اعتبار الإشاعة في مجموع الأعيان المشتركة التي يراد قسمتها بعض في بعض بل لا موضوع
للقسمة في غيره مما آحاده مشتركة بأسباب مستقلة من دون شركة بمجموعه وليس المراد في الأول اعتبار نصف
المجموع مثلا كي يرد حينئذ عدم جواز قسمة بعض المال المشترك دون بعض أو قسمة بعضه بالافراز والآخر بالتعديل
والمعلوم خلافه نصا وسيرة وإنما المراد زيادة مصاديق النصفية بملاحظة الشركة في المجموع على وجه يصح
قسمة بعض في بعض بحيث يكون النصف أحد المالين مثلا فتأمل فإنه دقيق انتهى كلامه.
وفيه أن وحدة مالية الأعيان المتعددة المشتركة فيها وتعددها ليسا مما لهما واقعية أصلا فإنما هما
باعتبار المعتبر فإذا لاحظنا واعتبرنا الأعيان المتعددة مالا واحدا وإن كانت الملكية المشاعة الحاصلة في كل
منها بسبب مستقل فيصدق انها مال واحد فكل منها بعض المال المشترك بهذا الاعتبار فيصح أن يقال فيما
إذا كانت اثنين ان كلا منهما نصف المال المشترك وكلا من نصف كل منهما ربع المال المشترك وهكذا في سائر
الكسور نعم كل واحد منهما مال مستقل باعتبار خصوصية المحل القائم به المالية وبهذا الاعتبار لا فرق أيضا
بين أن يكون السبب واحدا أو متعددا لان المالية القائمة بالدار غير المالية بالبستان مثلا ضرورة اقتضاء
تعدد المحل تعدد الخصوصية من غير فرق بين تعدد السبب ووحدته لكن هذا إذا لاحظناها مضافة إلى العين الخاص
والمحل المختص بها وأردنا التعديل بالنسبة إليها.
وأما إذا لاحظناها معراة عن هذا الاعتبار وأردنا التعديل بالنسبة إلى نفس المالية القائمة بها فلا إشكال
في كون كل منها بعض المال بهذا الاعتبار بالمقسوم هو المال القائم بالمجموع ليس إلا فحديث تعدد السبب و
اختلافه لا دخل له بتعدد المال ووحدته كيف وكثيرا ما يحصل الشركة في الأعيان المتعددة بين الشريكين
بالأسباب المتعددة كما إذا كان بينهما ثمن يعاملون معه في السنة أو السنتين على سبيل الشركة ثم يريدون في
آخر المدة تقسيم الأعيان المشتركة بينهم بالأسباب المتعددة ولم يقل أحد بعدم جواز قسمة التعديل في الصورة
بعد عدم امكان قسمة الافراز مع أن أصل عقدهم للقسمة وأحكامها إنما هو في ضمن كتاب الشركة وهو الأصل
له وكذا لا إشكال عندهم في جواز قسمة التعديل في باب المضاربة مع أن الشركة الحاصلة هناك في الأعيان
المتعددة إنما هي بالأسباب المتعددة كما لا يخفى.
والقول بخروج الفرضين عن محل كلام المفصل نظرا إلى أن وحدة مالية الثمن في الفرض الأول
المشتركة فيها تقتضي وحدة مالية ما يقابله من الأعيان وإن كانت الملكية الحاصلة في كل منها بسبب مستقل

321
ضرورة اشتراك العوض والمعوض في الحكم فالشركة الحاصلة في الثمن تقتضي حصول الشركة في المثمن نحو
وجودها فيه وإلى ان وحدة العمل من المضارب عرفا يقتضي وحدة مالية في الأعيان المشتركة فيها أيضا فهما
خارجان عن محل الفرض.
وإنما الكلام فيما إذا حصل المالية المشتركة في كل منهما لسبب مستقل مع عدم وحدة الثمن
كما إذا انتقل إليهما بالاشتراك عين كالدار من أبيهما وعين آخر من أمهما جزاف لا يصغى إليه أصلا
مع أن المفصل في صورة تعدد الأسباب بين الصور المذكورة ولا معنى للتفصيل أيضا فهو توجيه لا
يرضى به المفصل قطعا.
وبالجملة التفصيل بين تعدد الأسباب ووحدتها في جواز الاجبار في قسمة التعديل وعدمه الظاهر أنه
خلاف قضية كلماتهم الظاهرة بل الصريحة في عدم التفصيل فراجع إليها حتى نقف على حقيقة الامر هذا ملخص
ما ذكره الأستاذ العلامة ولعل للتأمل في المقام مجالا فتأمل.
قوله وإن كان يدهما عليه ولا منازع آه أقول لا إشكال في جواز القسمة من جهة اليد بل لعله لا خلاف
بيننا لان ما نسب إلى الشيخ من الخلاف قد رده بعض مشايخنا بعدم التحقق وقد وافق المشهور في الخلاف بل في
موضع من المبسوط والدليل عليه ان القسمة ليست عندنا بحكم حتى يحتاج إلى البينة وإلا فلا بد أن يكون القاسم
هو الحاكم الشرعي ليس إلا بناء على ما هو المعروف الذي نقل الاتفاق عليه في كلام جماعة من عدم جواز ان يتصدى
الحكم غير من يكون من أهل الفتوى فالقسمة من جهة اليد نظير سائر الآثار المترتبة عليها كالحكم بملكية ما
في اليد لصاحبها ونحوها من الآثار التي الحاكم وغيره فيها سواء ثم إن فايدة البينة في الصورة التسجيل كما هو
من
أحد فوائدها بناء على ما ذكره جماعة منهم العلامة حسبما عرفت سابقا.
قوله أما الأول فهو أن يكتب كل نصف في رقعة آه أقول أورد في المسالك على ما ذكره المصنف وجماعة من
كيفية القرعة من أنه لا دليل عليه أصلا إذ ليس للقرعة كيفية خاصة بل تتأتى بما ذكروا وغيره مما عليه بناء الناس
في البلاد على أنحاء مختلفة هذا.
ولكن يمكن أن يقال إن ما ذكروه ليس تقييدا في كيفية القرعة وتخصيصا لها بنحو خاص حسبما يتوهم
من أول النظر في كلماتهم بل هو تعبير عما ورد في النصوص تيمنا فافهم.
قوله وأما لو كانت قسمة رد وهي المفتقرة إلى رد آه أقول قد عرفت سابقا انه لا إشكال بل لا خلاف في
عدم دخول الاجبار في قسمة الرد التي هي عبارة عن ضم شئ من الخارج إلى أحد السهمين ليتعادل السهم الآخر
سواء قلنا بكون مورد القسمة مجموع المنضم والمنضم إليه في مقابل السهم الآخر أو خصوص المنضم إليه بالنسبة
إلى ما يقابله ويكون المنضم عوضا عن الجزء الزايد من مقابل المنضم إليه فيكون قسمة متضمنة لمعاوضة لما قد
عرفت سابقا ان الاجبار على موضوع القسمة أو المعارضة المتحققة في ضمنها مما لم يدل دليل عليه أصلا وتوهم
انه بالجعل يصير الخارج كالجزء من المال المشترك فيدخل فيه الاجبار فاسد جدا لان الاجبار على جعل الخارج
بمنزلة جزء من المال المشترك بإزاء جزء منه ان رجع إلى الاجبار على المعاوضة فلا دليل عليه وإن كان المراد
منه مجرد فرض طالب القسمة الخارج جزء من المال المشترك فلا دليل على أن مجرد فرضه يجعله في حكم الجزء
منه وهذا مما لا إشكال ولا سترة فيه أصلا.
إنما الاشكال في أنه إذا أراد طالب القسمة من الشريكين قسمة التعديل في مورد قسمة الرد بمعنى

322
أراد قسمة الناقص قيمة بالنسبة إلى ما يقابله من الزايد قيمة يخرج أحد العينين من الإشاعة ويبقى الآخر فيها
كما إذا كان بينهما عبدان قيمة أحدهما ألف دينار وقيمة الآخر خمسمأة دينار فطلب قسمة الناقص قيمة بالنسبة
إلى ما يقابله فيكون لمن أخرج الناقص له في الزايد ربع من القيمة على سبيل الإشاعة فهل يجبر عليه على
تقدير جوازه بالتراضي من جهة قوله الناس مسلطون على أموالهم حسبما سيأتي تفصيل القول فيه إن شاء الله أم لا
وجهان أوجههما عند الأستاذ العلامة جازما به الثاني نظرا إلى عدم الدليل عليه فإنا وإن قلنا بجواز القسمة
المذكورة في صورة التراضي وأغمضنا النظر عما قيل عليه من عدم مشروعيتها بل عدم تحقق موضوع القسمة
والتميز بين السهمين فيها فلا نقول بجواز الاجبار فيه نظرا إلى عدم دلالة الناس مسلطون عليه لان ظاهره فيما
إذا تراضيا به هذا ملخص ما ذكره الأستاذ العلامة.
ولكنك خبير بأنه لو دل قوله الناس مسلطون على أموالهم على جواز القسمة في صورة التراضي فثبت
مشروعيتها لدل على جواز الاجبار في القسمة أيضا لعدم الفرق في مفاده بين الصورتين وبالجملة تخصيص الرواية
بصورة التراضي مما لا وجه له وإلا لم يجز التمسك بها في أصل الاجبار في القسمة مطلقا وقد عرفت ذهاب الأستاذ
العلامة إلى دلالتها عليه في غير المقام هذا مضافا إلى ما دل على نفي الضرر والضرار لو فرض هناك ضرر على الطالب
فإذا الحق جواز الاجبار في الفرض على تقدير القول بمشروعية القسمة في صورة التراضي والقول بأنه خلاف
ظاهر كلماتهم من حيث اطباقها على عدم جريان الاجبار في قسمة الرد فيه ما لا يخفى على المتأمل لان الفرض ليس
من قسمة الاجبار في شئ بل هو قسمة تعديل في مورد قسمة الاجبار كما هو واضح نعم لو فرض هناك ضرر على
الممتنع لم يجبر على القسمة والقول بوجوده في جميع المقامات فيه مما لا يخفى على المتأمل فتأمل.
قوله إذا اتفقا على الرد وعدلت السهام فهل يلزم بنفس القرعة آه أقول قد عرفت سابقا في طي بعض
كلماتنا مجمل القول في ذلك فبالحري ان نشرح القول فيه في المقام ليرتفع غواشي الأوهام عن وجه المرام
فنقول بعون الملك العلام انه ذهب جماعة منهم الشيخ في المبسوط وبعض من تقدم عليه وتأخر عنه كالعلامة
في التحرير والارشاد والفخر في شرحه والشهيدين في الدروس والمسالك إلى عدم كفاية القرعة في اللزوم بل
يحتاج إلى الرضاء بعدها وذهب بعض إلى كفاية القرعة في اللزوم وعدم الاحتياج إلى الرضاء بعدها نظرا إلى
تبانيهما ورضاهما من أول الأمر على اعطاء كل من اخرج له القرعة السهم الزايد قيمة الجزء الذي يختص بالشريك
الآخر فبعد القرعة لا معنى للاحتياج إلى الرضاء بعدها هذا مجمل متمسك القول بالكفاية.
وأما ما استدل به للقائلين بعدمها فوجوه من الأدلة أحدها ما استدل به في المسالك ويستفاد من كلام
الشيخ رحمه الله من أن قسمة الرد معاوضة قطعا وصحة المعارضة شرعا تتوقف على تعيين من عليه العوض وهو غير معين
قبل القرعة واقعا فإنه أحد الشريكين فالرضاء بأن يكون العوض على أحدهما الغير المعين الحاصل قبل القرعة
لا ينفع في تحقق المعاوضة وهذا بخلاف بعد القرعة فإنه يعين من عليه العوض لو أرادوا المعاوضة فإن اتفقا عليها
بأن تراضيا بعدها فتحقق المعاوضة المعتبرة شرعا وإلا فلا وهذا معنى كلام الشيخ رحمه الله في موضع من المبسوط ان
فايدة القرعة تميز البايع من المشتري فيحتاج تحقق البيع إلى تراض من المتبايعين.
وأورد عليه بأن من عليه العوض في المقام أيضا معلوم بحسب الواقع وفي علم الله وهو من أخرج باسمه
الزايد قيمة وإن لم نعلمه واشتراط المعلومية زايدا على هذا في صحة المعاوضة في كل مورد لم يدل عليه دليل
أصلا بل مقتضى أوفوا بالعقود وجوب الوفاء بالمعاوضة في المقام أيضا فتأمل.

323
ثانيها ما ذكره الأستاذ العلامة من أنه لا إشكال ولا ريب حسبما هي قضية كلماتهم في توقف تحقق -
القسمة على سبق التعديل بين السهمين فلو قلنا بحصول القسمة في المقام بنفس القرعة لم يتحقق هناك تعديل
أصلا لان قبلها لا مقابل للجزء الزايد المختص بأحد الشريكين في السهم الزايد لان ما في الذمة لا يصير مقابلا
بالمال إلا بعد تعين الذمة وليس هو كمالية الأعيان الخارجية حتى لا يتوقف ملاحظة التعديل بينهما إلى ملاحظة
المالك أصلا كما في قسمة التعديل لان ما في الذمة ليس له تحقق بل إنما هو أمر يعتبره أهل العرف واعتبارهم إياه
إنما هو فيما إذا تعين من يعتبر في ذمته.
لا يقال لو بنى على ما ذكر لم يتحقق التعديل بعد القرعة أيضا لأن المفروض ان القرعة لا توجب اللزوم
حسبما هو المفروض ومالية ما في الذمة إنما هو بعد استقراره في الذمة لأنا نقول نمنع من توقف اعتبار ما في -
الذمة على استقراره في الذمة زايدا على تعيين من يعتبر في ذمته وإلا لوجب الحكم بعدم صحة البيع نسية لان
استقرار المال في الذمة إنما هو بعد تحقق البيع لا قبله فتحقق المالية لا يتوقف على الاستقرار أصلا هذا إذا جعل
بدل الزايد ما في الذمة.
وأما إذا جعل بدله العين الخارجي من كل منهما بمقدار قيمة الجزء الزايد المختص بأحدهما كما
فرضنا قيمته مئة دينار وجعل كل منهما مئة دينار في الخارج بدلا عنه على تقدير خروج الزايد قيمة له
فالتعديل فيه أيضا غير متحقق لان أحد العينين الغير المعين بحسب الواقع لا يقابل عند العرف بالمال فتأمل
فيه فإن للنظر فيه مجالا.
ثالثها ما ذكره الأستاذ العلامة أيضا من أن صيرورة الخارج جزء من السهم الناقص حتى يتحقق القسمة
بالنسبة إلى المجموع تتوقف على انتقاله إلى من يخرج له الناقص بإزاء الجزء الزايد وإلا فمجرد تصوره مع
عدم انتقاله وبقاء ما بإزائه على ملك الشريك لا يجعله جزء فالناقل له في المقام لا يخلو إما أن يكون هو التباني
والتراضي الموجودين قبل القرعة أو نفس القرعة أو هما معا لا سبيل إلى شئ منها إما إلى الأول فلان مجرد التراضي
والتباني في الفرض غير ناقل إجماعا حتى من القائلين بكفاية القرعة واما إلى الثاني فلان القرعة ليست من
النواقل وإنما شأنها الافراز بالجعل العرفي والمفروض اثبات الانتقال بنفسها ومنه يظهر وجه عدم السبيل إلى
الثالث أيضا فالقسمة هنا تحصل بالتراضي بعدها لا يقال إن القرعة في قسمة التعديل والافراز ناقلة أيضا لجزء
من مال كل من الشريكين إلى الآخر فلا ضير في القول بكونها ناقلة في المقام أيضا لأنا نقول القرعة وإن استلزمت
النقل في الصورتين أيضا إلا أن النقل فيهما غير النقل في المقام لأنه فيهما من لوازم الافراز الجعلي بالقرعة
وهذا بخلاف المقام فإن النقل فيه ليس من حيث الاستلزام المذكور لعدم تحقق التعديل قبله لفرض بقاء -
الخارج في ملك مالكه فالقرعة فيه على القول بكفايتها ناقلة ابتداء للخارج وهو مما لم يدل عليه دليل أصلا
فإن قلت على القول بالاحتياج إلى الرضاء يكون نفس الرضاء أو هو مع القرعة مقسما وناقلا للخارج
والرضاء وإن كان صالحا لتحقق النقل به إلا أنه غير صالح لتحقق القسمة به في المقام بناء على ما ذكرت من
توقف حصول التعديل على دخول الخارج في ملك أحد الشريكين لان هذا الدخول يحصل بنفس التراضي اللاحق
فلا يمكن أن يتحقق به القسمة أيضا لتوقف حصولها على تحقق التعديل أولا فإن بنى على كفاية مجرد تصور
الخارج جزء في تحقق التعديل كما هو الظاهر من المتن وغيره فليبن عليها على القول بكفاية القرعة أيضا فيكون
القرعة من الرضاء السابق عليها مفرزة للنصيب المستلزم افرازه لنقل الخارج أيضا كما أنه مستلزم لنقل جزء

324
من أصل المال المشترك.
قلت نختار كون نفس الرضاء معدلا ومقسما لكن نمنع من اشتراط حصول التعديل قبل القسمة زمانا
هذا ملخص ما ذكره دام ظله.
وللنظر فيه مجال واسع إما أولا فلانا نختار كون الناقل هو الرضاء السابق مع القرعة كما أنه اختار
كون الناقل هو الرضاء اللاحق مع القرعة ومجرد سبق الرضاء ولحوقه لا يصير مناطا للفرق وأما ثانيا فلان ما
ذكره أخيرا من عدم توقف حصول القسمة على تقديم التعديل مع ما فيه من فساده ضرورة يجري بعينه على القول
الآخر أيضا كما لا يخفى فتأمل في المقام فإنه لا يخلو عن إشكال وإن كان القول بالكفاية لا يخلو عن قرب.
ثم إن هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها أحدها ان الملزم على تقدير القول بالاحتياج إلى الرضاء هل هو
نفسه أو التصرف كالمعاطاة وجهان أوجههما الأول بناء على حصول التميز والملكية المعينة به من جهة الأصل
وقد مر سابقا الإشارة إليه أيضا ثانيها انه لا ريب ولا شبهة في جواز كون الخارج الذي هو بدل لجزء من المال
المشترك أنقص قيمة منه بعد تراضيهما عليه لأنه بعد فرض جعله بدلا له يكون حكمه حكمه فكأنه هو التعديل
المعتبر بين السهام يحصل معه بالنظر إلى بدليته فظهر منه اندفاع توهم اشتراط مساواته معه في القيمة نظرا
إلى عدم حصول التعادل بدونها هذا والحق أن يقال إن قسمة الرد قسمة متضمنة لمعاوضة فعليه لا يرد إشكال
أصلا كما لا يخفى ثالثها انه هل يجري حكم الرباء في قسمة الرد بالنسبة إلى ما تتضمن من المعاوضة على القول
بجريانه في مطلق المعاوضة كما هو الظاهر أم لا وجهان من أنها معاوضة فيدخلها حكم الرباء ومن انها وإن
تضمنت معاوضة إلا أنه يطلق عليها القسمة باعتبار المجموع من حيث المجموع أوجههما الأول لما عرفت وقد
منع بعض مشايخنا من كون قسمة الرد متضمنة لمعاوضة وإنما فيها معنى العوضية وهو غير المعاوضة كما لا يخفى
وفيه ما لا يخفى فإن حقيقة المعاوضة ليست إلا مبادلة مال بمال وهي في المقام موجودة قطعا فالمنع من
تحقق المعاوضة مما لا وجه له أصلا فلا يصغى إليه قطعا رابعها انه لا ريب ولا إشكال في جريان ما يترتب في
الشريعة على المعاوضة من حيث هي معاوضة من الاحكام من غير مدخلية لعنوان خاص منها كالبيع ونحوه في -
المقام أيضا كالغرر ونحوه فإن ما دل على حكم الغرر في البيع لم يدل عليه من جهة تحققه في ضمن هذه المعاوضة
الخاصة كما لا يخفى وكذا لو ظهر عيب في أحد السهمين بعد القسمة فإنه لا إشكال في جريان حكمه من التخيير بين
الفسخ والأرش لان ما دل على حكمه في باب البيع لم يدل عليه من حيث وجوده في المبيع كما لا يخفى نعم قد يقال
بل قيل بل لا بعد في الالتزام به بفساد القسمة حينئذ لكشفه عن عدم حصول التعديل المعتبر في القسمة نعم لو حكم
بصحتها أمكن القول بجريان حكم العيب فيه ولا يعارضه قوله الناس مسلطون على أموالهم لان ما دل عليه
من عمومات نفي الضرر حاكم عليه فتأمل فما ذكره بعض مشايخنا من عدم جريان حكم الفسخ في القسمة
فيه ما لا يخفى وأولى بعدم الاشكال ما لو تراضيا بالفسخ لعموم ما دل على ثبوت السلطنة ومنه يظهر فساد ما
ذكره شيخنا المتقدم ذكره.
فظهر مما ذكرنا أن موارد التمسك بقوله الناس مسلطون على أموالهم ثلاثة أحدها في مقام اثبات
أصل شرعية التصرف الخاص كالبيع والهبة والقسمة وأمثالها ثانيها في مقام اثبات اللزوم كما في البيع إذا أراد
أحد المتبايعين عدم الالتزام بمقتضاه وكما في القسمة بعد حصولها لان الشريك الممتنع مسلط على ماله لأن المفروض
حصول الملكية المعينة له فهو مسلط على عدم ارجاعها إلى الإشاعة ثالثها في مقام اثبات مشروعية

325
الإقالة في البيع وغيره هذا لكن يمكن أن يقال إنه لا يمكن اثبات الثالث به لأنه كما لا يمكن اثبات السببية
لشئ به حتى يترتب عليه الأثر الشرعي حسبما تقدم تفصيل القول فيه كذلك لا يمكن اثبات سببية شئ به لرفع -
السبب الشرعي ضرورة عدم الفرق بينهما كما لا يخفى وسيجئ بعض الكلام فيه.
نعم لو ترتب حكم في الشريعة على خصوص البيع لم يكن معنى لاجرائه في المقام أيضا كما في الرباء
على القول باختصاصه بالبيع والله العالم.
قوله إذا ادعى بعد القسمة الغلط عليه لم يسمع دعواه الخ أقول ادعاء أحد الشريكين الغلط في القسمة
لا يخلو إما أن يكون على الشريك سواء كان من جهة وقوع الغلط في التعديل أو في القسمة وسواء كان المعدل
والقاسم أنفسهما أو غيرهما أو على المعدل أو على القاسم فيما إذا كانا غير الشريكين وكان المعدل غير القاسم وعلى
تقدير الدعوى على القاسم لا يخلو إما أن يكون هو المنصوب من جانب الإمام (عليه السلام) أو حاكم الشرع أو غيرهما ممن
تراضيا على كونه قاسما فقد ادعى في جميع هذه الصور ان الأصل مع منكر وقوع الغلط لأصالة الصحة في القسمة
من حيث كونها الأصل في الأفعال الصادرة من المسلم هذا.
وقد تنظر فيه الأستاذ العلامة بأن مرجع دعوى الغلط في القسمة إلى انكار أصل القسمة فليس هناك
قسمة مسلم الوقوع بين الشريكين قد وقع النزاع في صحتها وفسادها حتى يحكم بصحتها ولا يتوهم جريان هذا
الاشكال في سائر المقامات أيضا بأن يقال إن مرجع نزاع المتبايعين في صحة البيع وفساده إلى انكار أصل البيع فإن
البيع العرفي هناك متحقق مسلم الوقوع بينهما وإنما يدعي أحدهما فساده من جهة عدم مراعاة بعض ما اعتبر
فيه شرعا وهذا بخلاف المقام فإن مرجع النزاع فيه إلى انكار أصل القسمة العرفية ضرورة ان القسمة من دون
التعديل لا تسمى قسمة عرفا أيضا.
والحاصل القسمة عبارة في العرف عن التمييز والافراز حسبما عرفت سابقا فإن سلم وقوعها فلا معنى
لدعوى غلط أحد الشريكين فيها وإلا فمرجع النزاع إلى أصل وقوعها هذا.
ثم أجاب دام ظله عن الاشكال المذكور بوجهين أحدهما أن يكون المراد بالقسمة هي صورتها لا
القسمة الحقيقية فيقال ان الأصل صحة ما وقع من صورة القسمة المسلمة بينهم ثانيهما أن يكون المراد منها
سبب القسمة أي فعل القاسم الذي سبب لتحقق التمييز فإنه قد يقع ولا يترتب عليه التميز والانعزال وقد يقع و
يترتب عليه وقد يقع ويشك في ترتبه عليه فالأصل الترتب نظرا إلى أصالة الصحة في الفعل الواقع من المسلم
وكيف كان فلنتعرض لبيان حكم الصور فنقول أما الصورة الأولى وهي ما إذا كان المدعى عليه الشريك
فلا إشكال في سماع دعواه إذا كان له بينة على طبقها مطلقا فيحكم بفساد القسمة وبقاء الشركة بينهما في المال
وإن لم يكن له بينة فالظاهر سماع دعواه أيضا وحينئذ فلا يخلو إما أن يجيب المدعى عليه بالنفي واقعا أو بعدم العلم
وعلى التقديرين لا يخلو إما أن يكون هو القاسم والمعدل أو غيره فإن كان هو القاسم والمعدل فلا إشكال في توجه
اليمين التي عليه سواء أجاب بنفي الواقع أو بنفي العلم وإن كان غيره فإن أجاب بنفي الواقع فلا إشكال أيضا في توجه
اليمين التي عليه وإن أجاب بنفي العلم فالذي يظهر من جماعة منهم المصنف انه لو ادعى عليه يستحلف
على نفيه وإلا فلا يتوجه اليمين عليه أصلا على ما هو شأن الدعوى على فعل الغير عند الأكثر والذي صرح به
الأستاذ العلامة في مجلس البحث ويظهر من ثاني الشهيدين في المسالك أيضا انه يتوجه عليه اليمين على البت وإن
قلنا إن اليمين على نفي فعل الغير على نفي العلم به بعد دعوى العلم به حسبما عليه جماعة أو مطلقا بناء على ما صرنا

326
إليه واستظهرناه من جماعة والوجه في كون اليمين في المقام على البت مع فرض رجوع الدعوى إلى فعل الغير
ان فعل الغير في المقام من قبيل الآلة كالكيال مثلا ففي الحقيقة يرجع الدعوى إلى فعل النفس ومن هنا يجب
عليه اليمين على البت وإن أجاب بنفي العلم بمعنى كون وظيفته ذلك فيلزم بالحلف أو الرد أو الخروج من الحق
هذا ملخص ما ذكره دام ظله وعندي فيه تأمل يظهر وجهه بالتأمل فتأمل ثم فيما يتوجه عليه اليمين فإن حلف
فهو وإلا فيظهر تفصيل القول في حكمه مما فصلنا فيه سابقا فراجع.
وأما الصورة الثانية فإن كان له بينة على ما يدعيه من خطئه في التعديل فلا إشكال في سماع دعواه
فيحكم بفساد القسمة وإن لم يكن له بينة عليه فهل تسمع دعواه عليه أم لا وجهان مبنيان على تغريمه لو أقر
بالخطأ وعدمه فإن قلنا بالأول فتسمع دعواه فيتوجه عليه اليمين على البت لرجوع الدعوى فيه إلى فعل النفس
وإن قلنا بالثاني فلا يتوجه عليه اليمين هذا كله فيما لم يكن أجيرا للتعديل وإلا فلا إشكال في توجه الدعوى
عليه كما لا يخفى. وأما الصورة الثالثة فإن كان له بينة فتسمع دعواه مطلقا لعموم ما دل على اعتبارها وإن لم يكن له
بينة فإن كان القاسم منصوبا من جانب الإمام (عليه السلام) أو كان حاكم الشرع ففي توجه الدعوى عليه وعدمه وجهان
مبنيان على ما ذكر في الصورة السابقة والقول بعدم توجه الدعوى عليهما مطلقا حتى مع البينة على الغلط نظرا
إلى نفوذ قسمتهما على الشريكين ووجوب الرضاء عليهما بها فيه ما لا يخفى إذ بعد فرض كون القسمة حكما
حتى يجري فيها أدلة إنفاذ حكم الحاكم نمنع من قيام دليل على عدم سماع الخطأ فيها وإنما الممنوع عدم
قبول قسمة المنصوب أو الحاكم اقتراحا لأنه مناف لقضية النصب وأما عدم قبولها من جهة خطئه في التعديل
أو في أصل التقسيم فلم يدل دليل على منعه أصلا بل هما من هذه الجهة كساير الناس.
والحاصل ان عدم الرضاء بتقسيم المنصوب مثلا إما من جهة ادعاء خطأ نظره في التعديل أو في التقسيم
أو اقتراحا وقضية نصبه هو عدم جواز الثالث لا الأولين فإذا قسم المنصوب المال بالقرعة بين الشريكين فهو نافذ
عليهما بمعنى عدم توقفه على رضائهما وأين هذا من عدم سماع دعوى أحدهما خطئه في القسمة وبالجملة القسمة
ليست بأولى من الحكم ومن المعلوم سماع دعوى خطأ الحاكم في حكمه بالبينة هذا.
وإن كان القاسم من تراضيا عليه من دون نصب أصلا ففي توجه الدعوى عليه في صورة عدم البينة و
عدمه وجهان مبنيان على الوجهين في الصورة السابقة هذا وقد يقال بعدم توجه الدعوى عليه من جهة ما دل على أنه
ليس على الأمين فيما إذا كان منكرا يمين وفيه تأمل ولا يخفى وجهه فتأمل.
قوله إذا اقتسما ثم ظهر البعض مستحقا الخ أقول إذا اقتسم الشريكان المال ثم ظهر بعضه مستحقا للغير
فلا يخلو إما أن يكون معينا أو مشاعا وعلى الأول لا يخلو إما أن يكون مع أحدهما أو يكون مع كل من النصيبين
وعلى الثاني لا يخلو أيضا إما أن يكون في كل منهما بالسوية أو بالتفاوت فإن كان مع أحدهما أو مع كل منهما مع
التفاوت فلا إشكال في فساد القسمة وبطلانها بل لا خلاف فيه لاستلزامه بقاء الشركة في أحد النصيبين.
ومن هنا يمكنك أن تقول بعدم تحقق موضوعها أيضا لان القسمة بدون التعديل ليست قسمة حقيقة
كما أنه لا إشكال ولا خلاف في عدم فسادها وبطلانها لو كان مع كل منهما بالسوية لعدم منعه عن بقاء الافراز الذي
هو فايدة القسمة كما لا يخفى.
نعم ذكر بعض مشايخنا انه ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يحدث نقصا في حصة أحدهما خاصة بأخذه ولم

327
يظهر به تفاوت مثل أن يسد طريقه أو مجرى مائه أو وضوئه فإن القسمة حينئذ باطلة لبطلان التعديل ولا بأس به بناء
على ما ذكره رحمه الله من كشفه عن عدم حصول التعديل.
إنما الاشكال فيما إذا كان مشاعا وقد نقل المصنف فيه قولين عن الشيخ رحمه الله في المبسوط أحدهما لا تبطل فيما
زاد عن المستحق والثاني تبطل والأولى نقل كلامه حتى يظهر صدق النسبة فقال رحمه الله بعدما ذكره حكم ما لو
كان الخارج بعضا معينا ما هذا لفظه وأما إن كان مشاعا في الكل تبطل في القدر المستحق ولم تبطل فيما بقي
وقال قوم تبطل فيما بقي أيضا والأول مذهبنا والثاني أيضا قوي لان القسمة تميز حق كل واحد منهما عن
صاحبه وقد بان انه على الإشاعة والعلة الجيدة في ذلك انهما اقتسماها نصفين وثلثها للثالث وهو غايب ومن قسم
ما هو مشترك بينه وبين غيره بغير حضوره كانت القسمة باطلة انتهى كلامه وأنت خبير بأن نسبة القولين إليه إن كان
مبنيا على هذا الكلام ففيها تأمل لا يخفى وجهه على المتأمل.
وكيف كان فالحق وفاقا للمشهور بطلان القسمة لما ذكر الشيخ أخيرا وهو في غاية الجودة لما عرفت
سابقا ان القسمة بدون اذن أحد الشريكين أو الشركاء فاسدة ووجهه الأستاذ العلامة دام ظله بأن صحة التقسيم
على النحو المذكور موجب لتقليل ما كان للثالث من جهات التعيين والتعديل لان له أن يقسم المال أثلاثا فيأخذ
ثلثا منها فالحكم بصحة التقسيم بدون اذنه واشتراكه مع كل شريك في ثلث مما أخذه مناف للتسلط المذكور
الذي يقتضيه اشتراكه في تمام المال وهو في غاية الوجاهة.
فاندفع به ما ربما يتوهم في وجه الحكم بالصحة من أن التقسيم المذكور لا ينافي قضية اشتراكه
في المجموع لأنه لا يقتضي إلا وجود حصته في كل جزء فرض من العين والمفروض الحكم باشتراكه مع كل من
الشريكين فيما يأخذه من النصف فالحكم بصحته غير مناف لسلطنته على حقه وليس ذلك موجبا لتكثير الشركة
حتى يحكم بفساده من حيث استلزامه للضرر كما يتوهم وليس معنى الإشاعة تعلق حق الشريك بكل جزء فرض
من العين على سبيل البدلية بمعنى كون تمامه له حسبما توهمه بعض المشايخ حتى يحكم بفساده كما هو لازم هذا
الفرض من حيث استلزام الحكم بصحته رفع هذا المعنى.
توضيح الاندفاع ان اشتراكه في المجموع وإن لم يقتض كون تمام حقه في كل جزء فرض من العين
على سبيل البدلية إلا أن من المعلوم اقتضائه تسلطه على تثليث المال في مقام التقسيم ضرورة انه ليس لأحد الشركاء
فيما إذا كانوا ثلاثة إجبار الآخر على أخذ حقه من جزء معين وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا نعم لا إشكال في
صحة التقسيم لو رضي الثالث وأذن بالتقسيم من أول الأمر كما أنه لا إشكال أيضا في صحته لو لحقه الرضاء منه
بناء على ما هو المحقق في محله من أن كل شئ يؤثر فيه الرضاء سابقا يؤثر فيه الرضاء لاحقا أيضا المستفاد من
التعليل في قوله لأنه لم يعص الله وإنما عصى سيده لأن الظاهر منه إن كلما كان المانع عن الحكم بالصحة بالنسبة
إلى شئ تعلق حق الناس به فيرتفع برضائه اللاحق وإن كان غير راض أولا فهو يدل على جريان الفضولي بالنسبة
إلى كل شئ وهذا بخلاف حق الله لأنه يمتنع عليه الرضاء لاحقا بعد ما لم يكن راضيا أولا فظهر مما ذكرنا أن
في المقام لو رضي الثالث بالتقسيم لا إشكال في الحكم بصحته والله العالم.
قوله لو قسم الورثة التركة ثم ظهر على الميت دين آه أقول الكلام في المقام قد يقع على القول بانتقال
التركة إلى الوارث في صورة وجود الدين مطلقا أو فيما لم يكن مستوعبا لان الكلام في الفرض أيضا أعم من
الصورتين
وقد يقع على القول بعدم انتقالها إليه في صورة وجود الدين.

328
أما الكلام على القول فلا إشكال بل لا خلاف في صحة القسمة في صورة ظهور الدين بل مع العلم
به من أول الأمر سواء كان مستوعبا أو لا لما قد عرفت في طي كلماتنا السابقة من جواز كل تصرف للوارث
في التركة الغير المنافي لتعلق حق الغير بها بأن لا يكون مستلزما لتفويت ماليتها كتبديلها بما يساوي
قيمتها ونحوه من التصرفات الغير المتلفة للمالية لأنه مقتضى الجمع بين قوله الناس مسلطون على أموالهم وتعلق
حق الديان بالتركة.
أما الكلام على القول الثاني فلا إشكال فيه أيضا في صحة القسمة بناء على ما عرفت سابقا من أنا وإن
لم نقل بانتقال التركة إلى الوارث في صورة وجود الدين إلا انا نقول بجواز تصرفه في التركة بما لا ينافي لتعلق
حق الداين لما دل عموما على كونه أولي بالميت من غيره فقضية الجمع بينه وبين ما دل على مراعاة حق الديان
الحكم بجواز التصرفات الغير المنافية لتعلق الحق بها.
فظهر مما ذكرنا اندفاع الاشكال الذي أورده جماعة على المصنف منهم ثاني الشهيدين قدس سره
في المسالك من أن القول منه بصحة القسمة في الفرض ينافي ما ذهب إليه من عدم انتقال التركة إلى الوارث وبقائها
على حكم مال الميت هذا.
ثم إنه ذكر جماعة على تقدير صحة القسمة انه لو أقام الورثة جميعا بالدين فلا تبطل القسمة وإن لم
يقيموا جميعا نقضت وقضى منها الدين هكذا في المتن وغيره من بعض كتاب الأصحاب وفي الدروس وغيره انه
لو امتنع بعض دون بعض نقضت بالنسبة إلى الممتنع وقضى من حصته الدين دون المقيم بالوفاء هذا ولا يخفى
عليك ما فيه من الاشكال لان بعد الحكم بصحة القسمة لا معنى لعود المال إلى الإشاعة بعد الامتناع من الكل أو
البعض لان غاية ما يقتضيه هو وفاء الدين من التركة لا فساد القسمة كما لا يخفى على ذوي الأفهام المستقيمة اللهم
إلا أن يكون مرادهم بنقض القسمة في صورة الامتناع عدم تسلط الممتنع على نصيبه تسلطا تاما بل يبيع (يباع خ)
عليه قهرا ويقضى منه الدين فتأمل هذا كله فيما لو ظهر بعد القسمة دين.
أما لو ظهر بعدها وصية تقتضي التمليك فلا يخلو إما أن لا تكون متعلقة بعين التركة كما لو قال اعط
فلانا فرسا ولم يكن له فرس أصلا أو مئة دينار مثلا ولم يكن في تركته الدينار أصلا وإما أن تكون متعلقة
بها وعلى الثاني لا يخلو إما أن تكون متعلقة بجزء معين منها أو مشاع كما لو قال اعط فلانا مئة دينار من أموالي
أو ثلث مالي وعلى الأول فلا إشكال في الحكم بصحة القسمة فهو مثل ما لو ظهر دين بعد القسمة وعلى الثاني
فحكمه حكم ما لو ظهر بعض المال المشترك مستحقا للغير بالنسبة إلى كل من القسمين من المعين والمشاع فراجع
إليه وهذا الذي ذكرنا لا إشكال بل لا خلاف فيه بين الأصحاب حسبما يظهر من الرجوع إلى كلماتهم والتأمل
فيها والله العالم
ثم إن هنا فروعا ينبغي التنبيه عليها وإن مرت الإشارة إلى بعضها في طي كلماتنا السابقة.
أحدهما ان المشهور بين الأصحاب بل حكي الاجماع عليه بعض عدم جواز قسمة الوقف كما أن المشهور
بينهم جواز قسمة المال الذي بعضه وقف وبعضه طلق على سبيل الإشاعة ووجه الأول انه مناف لغرض الواقف
فيدل على فساده ما دل على أن الموقوف حسبما يوقفها واقفها فتأمل هذا مضافا إلى منافاته لتعلق حق البطون المتأخرة
به فإن مرجع الوقف عليهم جميعا اشتراك جميعهم في المال الموقوف عليهم وإن كان على وجه الترتيب فربما يفضي قسمته
إلى ورود ضرر على بعضهم كما إذا كان ورثة أحد الشريكين من البطن الأول الذين هم البطن الثاني أكثر من ورثة
الآخر والقول بأن قسمتهم نافذة في حقهم لا في حق البطون المتأخرة مما لا يعقل له معنى كما لا يخفى ثم إنه

329
لا فرق فيما ذكرنا بين القول بتلقي البطن الثاني من الواقف أو الموقوف عليه لان معنى تلقيه من الموقوف عليه
ليس كونه إرثا حتى لا ينافيه القسمة بل بمعنى آخر وذكرنا تفصيل القول فيه فيما تقدم فراجع فهو محجور
في التصرف الذي يوجب تغيير المال عن الحالة المنتقلة إليه.
فظهر مما ذكرنا فساد ما توهمه بعض من الفرق في الحكم المذكور بين القولين هذا ووجه الثاني
أيضا ظاهر بعد البناء على ما مر في مفهوم القسمة من أنها افراز للحق في انظار العرف وإن كان لازمها النقل عقلا
فتأمل ثم إن هنا صورة لقسمة الوقف لا إشكال في جوازها على تقدير القول بصحة قسمة الوقف والطلق حسبما
هو المشهور المدعى عليه الاجماع وهي أن يكون المالك للمال الموقوف عليه اثنين على سبيل الإشاعة فوقف
أحدهما نصيبه على زيد والآخر على عمرو فإنه لا إشكال في قسمته حينئذ ولعلها خارجة عما ذكروه من عدم جواز
قسمة الوقف ذكره الأستاذ العلامة.
ثانيها انه لو ظهر بعد القسمة عيب فهل يحكم بفساد القسمة كما عليه جماعة أو بصحتها وخيار من
ظهر العيب في نصيبه بين الفسخ والأرش كما عليه العلامة في التحرير وجهان أوجههما الأول نظرا إلى كشفه
عن عدم حصول التعديل فيكون القسمة باطلة ووجه الثاني ما ذكره الأستاذ العلامة من أن فوات الأوصاف لا ينافي
التعديل عرفا خصوصا في القسمة العينية وفيه ما لا يخفى على المتأمل هذا مضافا إلى ما ذكره الأستاذ العلامة من
أن الحكم بلزوم الأرش على الشريك في المقام على تقدير اختياره إياه لم يدل عليه دليل أصلا لان أصل لزوم الأرش
في البيع في صورة وجود العيب خلاف القاعدة والمخرج غير شامل للمقام فتأمل.
ثالثها انه هل يجري التفاسخ والإقالة في القسمة أو لا وجهان بل قولان أولهما للفاضل رحمه الله في القواعد
ثانيهما لبعض المشايخ وفاقا لبعض من تقدم عليه للأول عموم أدلة الإقالة لان مفهوم الإقالة غير مختص بالبيع بل
يتحقق في كل تعاهد وتبان وقوله الناس مسلطون على أموالهم فكما انه يجوز الاستدلال به لاثبات مشروعية أصل
القسمة كذلك يجوز الاستدلال به لاثبات مشروعية رفعها هذا وللثاني عدم إمكان تحقق موضوع الإقالة في المقام
عقلا حتى يترتب عليها حكمها لأجل ما ذكر والوجه فيه أن الإقالة عبارة عن عود الشئ إلى ما كان عليه سابقا
وهذا المعنى لا يمكن تحققه في المقام لأنه بعدما حصل الافراز والتعيين لا معنى للعود للإشاعة هذا وفيه منع عدم
الامكان لأنه كما يكون الافراز بيد العرف كذلك يكون العود إلى الإشاعة بيد العرف فلا واقعية له إلا بحكمهم
ونحن نراهم حاكمين بإمكان العود بل بنائهم عليه فإن أريد من عدم إمكان العود وهو عدم الامكان بحسب العقل كما
هو الظاهر فيرد عليه مضافا إلى عدم اختصاصه بالفرض بل يجري في البيع وأشباهه أيضا كما لا يخفى انه لا دخل
في المقام للعقل بل المحكم فيه العرف ليس إلا وإن أريد منه الامتناع بحسب العرف فنمنع من امتناعه بالنظر
إلى حكمهم ولهذا يحكمون بتحقق الإشاعة في صورة امتزاج المالين المعينين والقول بأن المزج هنا سبب
لتحقق الإشاعة والخروج عن التعيين بخلاف المقام فإنه لا سبب له أصلا فيه ما لا يخفى لان السبب في المقام
أيضا موجود وهو تبانيهم على العود وبالجملة لا أرى وجها للمنع من تحقق الإقالة موضوعا في المقام فالحق
هو القول بجريان التفاسخ في القسمة.
رابعها ان المشهور بين الأصحاب بل المحكي عليه الاجماع في كلام جماعة عدم جريان القسمة في
الدين فلو كان للمورث مالان في ذمة شخصين أو مالان في ذمة شخص واحد بحيث كانا متميزين لا يجوز للورثة
تقسيمهما بالقرعة أو بغيرها واستشكل فيه الأستاذ العلامة دام ظله بأنه بعد البناء على تحقق الإشاعة والاشتراك

330
بالنسبة إلى ما في الذمة لتنزيله عند العرف منزلة العين الخارجي لا معنى للحكم بعدم جريان القسمة فيه
لأنه كلما يجري فيه الإشاعة يجري فيه القسمة أيضا ما لم يقم دليل من الخارج على خلافه والقول بأنه لا يجري فيه
الشركة خلاف المصرح في كلماتهم ولأجل ما ذكر استشكل فيما ذكره المحقق الأردبيلي فيما حكي عنه بل مال إلى
جريان القسمة فيه كما في العين الخارجي فما ذكروه من الحكم بعدم الجريان لا يمكن أن ينطبق على القواعد
فلا بد أن يكون المستند فيه أمرا تعبديا قد خرجوا به عن مقتضى القاعدة وهو موجود في المقام لدلالة بعض الأخبار
عليه ثم إن محل الاشكال إنما هو قبل الاستيفاء واما بعد الاستيفاء فهو خارج عنه كما لا يخفى.
قوله في أحكام الدعاوى وهي تستدعي بيان مقدمة ومقاصد أما المقدمة فتشتمل على فصلين الأول في
المدعى آه أقول لما ذكر المصنف سابقا صورة مجلس الحكم وأشار إلى ما هو وظيفة الحاكم شرع في بيان أحكام
الدعاوى على سبيل الضابطة ومن أحكامها أيضا حكم تعارضها كما لا يخفى ولهذا تعرض له المصنف في المقام
وأما تعريف المدعي والمنكر فإنما هو من باب المناسبة لا التوقف حسبما يتوهم من حيث إن الدعوى إنما تقوم
بهما فلا بد من ذكرهما كما أنه يناسب ذكرهما في ذلك المقام أيضا كما صنعه جماعة.
ثم إن هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها قبل الشروع في المقصود أحدها ان وجه الاحتياج إلى بيان معنى
المدعي والمنكر ظاهر بعد ذكرهما في الأخبار المستفيضة وتعلق الاحكام بهما في الشريعة على ما هو الوجه
في الاحتياج إلى بيان معنى جميع الألفاظ فإن الفقيه من حيث هو فقيه لا غرض له في البحث عن معنى اللفظ
إلا من حيث تعلق حكم شرعي به كما لا يخفى ثانيها ان ما ذكروه في معناهما مما سيجئ تفصيل القول فيه
ليس مبنيا على ثبوت حقيقة شرعية أو متشرعية لهما كما لا يخفى على ذوي الأفهام المستقيمة بل إنما هو بيان
للمراد منهما عند العرف وميزان لتميز المعنى العرفي لهما فما يستفاد من كلام بعض كالشيخ في المبسوط وغيره في
غيره على ما هو ببالي من ثبوت المعنى الشرعي لهما حيث قال لغة كذا وشرعا كذا ليس محمولا على ظاهره
بل المراد منه ما يجب حمل اللفظ الوارد في كلام الشارع عليه من حيث كونه معنا عرفيا كذا فتأمل كيف ولا
يمكن أن يقول بهذه المقالة الفاسدة من هو دون الشيخ رحمه الله بمراتب فضلا عنه ثم إن اختلافهم في المقام
ليس اختلافا في التعبير ونزاعا لفظيا بل اختلاف في المعنى وينفك المعاني بعضها عن بعض كما صرحوا به
حسبما سيجئ تفصيل القول فيه.
ثالثها ان فيما لم يتميز المدعى عن المنكر فهل مقتضى الأصل الحكم بمقتضى البينة لو كانت لأحدهما
نظرا إلى عموم ما دل على اعتبارها أو لكل منهما مع ترجيح إحدى البينتين على الأخرى ومع عدمه الرجوع
القرعة في تشخيص المدعي من المنكر أو الحكم بإيقاف الدعوى وجهان لا وجه للثاني منهما قطعا
كما لا يخفى ولم أر ذكره في كلام أحد أيضا وأما الوجه الأول فالمستفاد من كلام بعض مشايخنا الجزم به نظرا
إلى ما عرفته من دعوى وجود العمومات لاعتبارها في كل مورد وذكر الأستاذ العلامة دام ظله العالي انه لو قلنا
بأن الحجة المعتبرة في حق المنكر هي اليمين ليس إلا فلا أصل للحكم باعتبار اليمين أو البينة وأما لو قلنا
بكون اليمين رخصة في حق المنكر من باب التخفيف حسبما بنينا عليه سابقا فلا إشكال في كون مقتضى الأصل
الحكم بمقتضى البينة لو كانت لأحدهما وأما لو لم يكن لأحدهما البينة فإنه رضي أحدهما بحلف الآخر فيحكم
بمقتضاه أيضا لأنه لا يخلو إما مدع أو منكر وعلى الثاني لا إشكال لأنه وظيفته وعلى الأول أيضا يصير وظيفته

331
بعد رضاء الآخر لأنه يدخل حينئذ في اليمين المردودة وإلا فلا يحكم بشئ نظرا إلى عدم الميزان الشرعي هذا
ملخص ما ذكره دام ظله.
ولا يخفى عليك ان هذا التفصيل أحسن مما ذكره بعض المشايخ المتقدم ذكره فإن فيه تأملا
في الجملة أما أولا فلأنك قد عرفت غير مرة انه ليس لنا عموم يدل على اعتبار البينة في كل مورد سواء كان
في مورد التداعي أو غيره غاية الأمر انه ورد جملة من الأخبار الدالة على اعتبارها في خصوص مورد التداعي كما أنه وردت
على اعتبار اليمين أيضا كقوله (صلى الله عليه وآله) إنما أقضي بينكم الحديث وقوله أحكام المسلمين على ثلاثة الحديث ولكنها
لا تدل على أن أي مورد فيه البينة وأي مورد فيه اليمين غاية ما تدل عليه ان القضاء بين الناس لا بد من أن يكون
باحديهما والحاصل ان ما يدل على اعتبار البينة في مقام التداعي على قسمين أحدهما ما يدل على اعتبارها
في الجملة كما يدل على اعتبار اليمين كذلك وهذا لا ينفع المستدل أصلا كما لا ينفعنا جزما ثانيهما ما يدل
على اعتبارها في حق المدعى كما يدل على اعتبار اليمين في حق المنكر ومعلوم انه لا ينفع المستدل أيضا
لتوقف جريانه على احراز المدعي والمنكر.
رابعها ان الكلام في المقام في معنى المدعي عرفا في مقابل المنكر وإلا فلا إشكال في صدق المدعي
بالمعنى الأعم أي الذي يخبر عن شئ بصورة الجزم على المنكر أيضا لأنه أيضا يخبر عن الشئ ولو كان هو
براءة الذمة ولهذا ذكر المحققون في الرد على من ذكر ان النافي لا يحتاج إلى دليل ان هذا غلط لان النافي أيضا
يدعي النفي فلا بد له من إقامة الدليل وإن كان هو الأصل هكذا ذكره الأستاذ العلامة وإليه يرجع ما ذكره
بعض الأصحاب من أن المدعي بحسب اللغة أعم من المنكر فتأمل.
خامسها ان ما ذكروه في بيان معناهما ليس حقيقة تفسيرا لفظيا لهما بمعنى كون معنى المدعى نفس ما
ذكروه بحسب العرف كما قد يتوهم بل ميزان لتميز المصاديق وانه على أي شخص يصدق المدعي بمعنى وجود
مفهوم المدعي عرفا في حقه وعلى أي شخص يصدق المنكر وهذا كله واضح لا سترة فيه أصلا إذا عرفت ذلك
فاعلم أنهم اختلفوا في معنى المدعي والمنكر على أقوال.
أحدها ما ذكره بعضهم من أن المدعي من يخالف قوله الأصل والمنكر من يوافق قوله الأصل وذكر
الأستاذ العلامة ان المراد من الأصل في المقام ليس هو خصوص أصالة العدم أو أصالة البراءة بل المراد منه كل
قاعدة معتبرة تجري في نفس المورد فعلا سواء كان أصلا عدميا كالاصلين المذكورين أو وجوديا وسواء كان
استصحابا على الثاني أو غيره من الأصول كأصالة الصحة في العقود بل تشمل غير الأصل أيضا كقاعدة اليد فالمراد
منه كل ظاهر اعتبره الشارع في المورد سواء كان من الأصول أو غيرها فذي اليد منكر بناء على ما ذكر بل
وكذا مدعي التلف من الامناء إن لم نقل بكونه مدعيا اكتفى منه باليمين بل منكر من حيث موافقة قوله
الظاهر على تقدير اعتباره.
وأما اطلاق المدعي على ذي اليد حسبما جعلوا من أقسام التداعي تداعي ذي اليد مع الخارج فهو
مبني على المسامحة وليس مبنيا (مبتنيا خ) على المعنى الأعم الذي ذكرناه ويشهد على ما ذكرنا من كون ذي اليد
منكرا استدلال الإمام (عليه السلام) في بعض الأخبار على كفاية اليمين منه وعدم مطالبة البينة منه بأنه إنما أمر النبي
(صلى الله عليه وآله) أن يطالب البينة من المدعي فإن هذا الاستدلال دليل قطعي على صدق المنكر على ذي اليد حسبما هو
قضية الاستدلال لان الاستدلال بالأمر التعبدي مما لا معنى له أصلا كما لا يخفى والقول بان استدلال الإمام (عليه السلام)

332
إنما يدل على كونه منكرا لا على كونه منكرا بالمعنى المذكور لم لا يكون دليلا على كونه منكرا بالمعنى
الذي ذكره بعض حسبما سيأتي الإشارة إليه من أنه ما وافق قوله الظاهر فيكون ذو اليد مادة الافتراق بين -
التعريفين فيه ما لا يخفى على المتأمل لأنا نقطع ان الكل متفقون على أن ذا اليد منكر فلا بد أن يكون
معنى المنكر عندهم ما يشمله.
وبالجملة هناك موارد كثيرة اتفق الكل على كون المدعي بالمعنى الأعم فيها منكرا كذي اليد و
مدعي الصحة وغيرهما فلا بد أن يكون معنى المنكر عندهم ما يتناوله قطعا والقول بأن بعضهم غفل عن ذلك
فعرف المنكر بما لا يتناوله فالتعريف خاص فيقال ان معنى كون المنكر من وافق قوله الأصل هو الأصل العدم
فلا يشمل ذا اليد ومدعى الصحة مما لا ينبغي ان يصغى إليه مع كثرة الموارد المتفقة عليها فمعنى موافقة الأصل
هو موافقة القاعدة المعتبرة شرعا فعلا في المورد بمعنى انه لولا التداعي لعمل عليه سواء كان أصلا عدميا أو
وجوديا أوليا أو ثانويا أو ظاهرا معتبرا شرعا لولا التداعي.
ومنه يظهر فساد ما أورده بعض المشايخ على هذا التعريف بأنه لا يشمل مدع الصحة لان قوله مخالف
للأصل وهو أصالة الفساد في المعاملات مع أنه منكر قطعا وجه الفساد ان الأصل الذي يرجع إليه فعلا ليس هو
أصالة الفساد لحكومة أصالة الصحة عليها قطعا كما لا يخفى ومنه يظهر أيضا فساد ما ذكره جمع من صور تعارض
الأصول فإن أكثرها إن لم يكن كلها من قبيل الحاكم والمحكوم فراجع إليها.
ثم إنه لا يخفى عليك ان ما ذكرنا في معنى موافقة الأصل من أنه عبارة عن موافقة القاعدة المعتبرة
فعلا في مورد الترافع قد يختلف بالنسبة إلى شخص واحد في كيفية التكلم فلو قال المدعى عليه بمئة دينار مثلا
اني لست مشغول الذمة وليس على شئ فهو منكر لموافقة قوله أصالة البراءة ولو قال إني قد أديتها يصير مدعيا
لأنه باقراره الضمني قد أحدث موضوعا للأصل الموافق لقول المطالب وهو أصالة البقاء وكذلك الودعي يكون
منكرا ومدعيا لو قال بعد مطالبة الوديعة انه ليس علي شئ أو تلف ما أودع إلي وكذلك بالنسبة إلى ذي اليد
فإنه لو لم يقر بأن ما في اليد كان للمدعي يكون منكرا ولو أقر له ثم ادعى ملكيته له وادعى المقر له انه ملكه
يصير مدعيا لأنه باقراره قد ارتفع اعتبار يده في مقابل دعوى المقر له فالأصل الذي يرجع إليه فعلا هو أصالة
البقاء الموافقة لقول المقر له فتأمل فيشمل تعريف المدعي بالمعنى المذكور من يريد اثبات الحق على الغير
أو الخروج عن الحق الذي عليه للغير.
ثانيها ما ذكره أيضا بعض من أن المدعي من يخالف قوله الظاهر والمنكر من يوافق قوله الظاهر و
إليه يرجع تعبيرهم عن المدعي بأنه من يدعي أمرا خفيا والمنكر في مقابله والمراد بالظاهر الذي اعتبر
موافقته ومخالفته كما هو قضية صريح كلماتهم حسبما يظهر من الأمثلة التي ذكروها أرباب هذا القول أعم من
أن يكون معتبرا شرعا أو غير معتبر شرعا وعلى الأول أعم من أن يكون من الأصول العدمية والوجودية أو من قبيل
اليد إذ القول بكون المراد منه هو خصوص الأخير موجب لخروج أكثر الموارد الاتفاقية عنه.
ثم إن المراد من الظهور كما هو الظاهر ليس هو الظهور الشخصي الحاصل من عدالة المدعي أو وثاقته
أو من امارة أخرى المختلفة بحسب المقامات والموارد الخاصة بل المراد منه هو الظهور النوعي هذا كله في
بيان المراد من القولين وأما النسبة بينهما فعلى ما عليه الأكثر من اعتبار الأصول سواء كانت البراءة
أو الاستصحاب أو غيرهما من باب الظن النوعي تكون عموما وخصوصا مطلقا إذ يصدق المعنى الثاني على كل

333
ما يصدق عليه المعنى الأول ولا عكس.
وأما بناء على ما هو المختار من عدم اعتبارها من باب الظن بل من باب التعبد فيكون النسبة عموما
من وجه لصدقهما على الظاهر المعتبر كاليد وعدم صدق الثاني على من كان قوله موافقا لأصالة البراءة أو الاستصحاب
وعدم صدق الأول على من كان قوله موافقا للظاهر الغير المعتبر.
ثالثها ما ذكره بعض ويستفاد من كلام المصنف أيضا حسبما صرح به بعض مشايخنا من أن المدعي من
كان قوله مخالفا لأحدهما على سبيل مانعة الخلو والمنكر من كان قوله موافقا لأحدهما على سبيل مانعة
الخلو ويعلم النسبة بينه وبين القولين السابقين بأدنى تأمل.
رابعها ما اختاره جمع من أن المدعي من ترك لو ترك أو يخلى وسكوته فهما عبارتان عن معنى
والمنكر على خلافه قال الأستاذ العلامة دام ظله ان المراد منه ان المدعي هو الذي يهمل لو ترك الخصومة أي
يعمل على خلاف قوله فيصير قوله متروكا والمنكر من لا يترك لو ترك أي يعمل على طبق قوله لو لم يتكلم
أيضا فهذا المعنى بهذا التفسير يرجع إلى المعنى الأول.
ثم ذكر ان المراد منه ليس ما قد سبق إلى كثير من الأوهام من أن المدعي هو الذي لا يطالب بشئ لو ترك
الخصومة وترك بحاله والمنكر هو الذي يطالب لو ترك الخصومة ولا يترك بسكوته لان المطالبة بالجواب وعدمها
من احكام المدعي والمنكر فلا يمكن أن يعرفا به وإلا لزم الدور الظاهر.
لا يقال إن المراد من هذا التعريف لو كان هو التعريف الأول فما وجه جعله تعريفا مستقلا في قباله مع أن
ظاهر كثير من الأصحاب جعلهما مقابلين.
لأنا نقول نفس الاختلاف في التعريف لا يدل على كون المعرف مختلفا فيه بينهم فيكون اختلافهم
اختلافا معنويا بل الدال عليه دلالة نفس التعاريف على الاختلاف المعنوي وإلا فاختلافهم إنما يكون بحسب
التعبير إذ الاختلاف في التعريف باللوازم لملزوم واحد من حيث ظهور اللزوم في البعض في نظر بعض المعرفين
بالنسبة إلى بعض آخر وبالجملة ربما ترى اختلاف العلماء في التعريف من أن من المعلوم عدم اختلافهم بحسب
المعنى فمجرد الاختلاف في التعريف لا يكشف عن شئ هذا ملخص ما ذكره دام ظله في بيان المراد
عن هذا التعاريف.
ولكنه لا يخفى عليك ان الظاهر من التعريف المذكور الذي لا يرتاب فيه كل من نظر إليه ليس ما
استظهره دام ظله بل المراد منه ان المدعي هو الذي لا يتعرض له لو ترك الخصومة والمنكر من يتعرض له لو تركها
ولا يخلى وسكوته والمراد من التعرض وعدمه ليس هو المطالبة بالجواب شرعا وعدم المطالبة به حتى يقال إنه
يستلزم الدور بل المراد منه هو التعرض العرفي وعدم التعرض العرفي فلا يستلزم دورا أصلا وقد صرح بما ذكرنا
في معنى التعريف جمع من الأصحاب منهم الشهيد في الدروس حيث قال في مقام بيان مادة الافتراق بين التعريف
الثاني وهذا التعريف ما هذا لفظه وتظهر الفائدة في مثل دعوى الزوج تقارن الاسلام قبل المسيس والمرأة تعاقبه
فعلى الظاهر الزوج مدع وعلى التخلية هي لأنها لو سكتت لم يتعرض لها الزوج واستمر النكاح انتهى كلامه وهو
كما ترى صريح فيما ذكرنا وإليه يرجع أيضا كلام الشهيد في المسالك فراجع إليه.
ثم إنه ذكر الأستاذ العلامة انه لو لم يكن المراد من التعريف المذكور ما ذكرنا للزم الانتقاض بمدعي
الصحة في البيع السلم مثلا فإنه لو ترك الخصومة ترك ولم يطالبه مدعي الفساد بشئ إذا فرض أخذه الثمن وهذا

334
بخلاف ما ذكرنا في المراد منه فإنه لا ينتقض به أصلا كما لا يخفى وبتداعي الرجلين في عين إذا كان بيد ثالث
يصدق أحدهما هذا ويمكن أن يجاب بأن هذا من موارد الافتراق بين التعريفين فتأمل هذا.
ثم ذكر الأستاذ العلامة بعد ارجاعه تعريف الأخير إلى الأول ان الحق هو التعريف به لأن اطلاق أهل
العرف المدعى على من كان قوله على خلاف الظاهر مطلقا والمنكر على من كان قوله على وفق الظاهر مطلقا
إنما هو من جهة بنائهم على اعتبار الظهور مطلقا فبعد كشف الشارع عن عدم اعتبار بعض الظواهر لا يعتنى
ببنائهم فالمدعي عندهم هو من كان يتكلم على خلاف القاعدة المعتبرة غاية الأمر ان بعض القواعد معتبر عندهم
ولم يعتبره الشارع فهم قد أخطأوا في الصغرى في بعض الموارد فلا معنى للرجوع إليهم فاطلاقهم لفظ المدعي
على بعض الاشخاص مبني على زعم فاسد ونظير هذا ان أهل العرف لا يطلقون على الدم الخارج بعد الخمسين
انه حيض ولو كان بأوصاف دم الحيض لان اعتقادهم ان الرحم ينقطع عنها الدم المذكور بعد الخمسين ولكن الشارع
حكم وأخبر بأن الدم الخارج من القرشيات إذا كان بوصف دم الحيض بعد الخمسين أيضا حيض وليس لنا بعده
الحكم بعدم ترتيب أحكام دم الحيض عليه من جهة عدم مساعدة العرف على اطلاق دم الحيض أو نقول بأنه
ملحق بدم الحيض في الحكم بل نستكشف من بيان الشارع ان الدم الخارج بعد الخمسين أيضا يمكن أن يكون
حيضا فيترتب عليه أحكامه إذا كان بأوصافه من حيث كونه هو ونظير ذلك حكم الشارع بحصول الافتراق
بخطوة في باب خيار المجلس في معنى قوله البيعان بالخيار ما لم يفترقا مع عدم صدق الافتراق عرفا على الخطوة
وبما ذكرنا ينطبق (ينطق خ) التعليل الوارد في جملة من الاخبار لايجاب اليمين بقوله لأنه جاحد إما فيما
إذا كان المنكر موافقا لأصل العدم فظاهر واما إذا كان قوله موافقا للظاهر المعتبر شرعا فلان من يدعي
خلاف الظاهر المعتبر فيدعى أمرا خارجا عارضا يجحده الطرف المقابل أيضا جاحد بهذا المعنى وهذا بخلاف
ما لو عممنا الظاهر بالظاهر الغير المعتبر فإنه يلزمه انتقاض عموم التعليل فان من يدعي أمرا خلاف الظاهر
الغير المعتبر لا يدعي أمرا خارجا عارضا حكم شرعا بعدمه بل يدعي ما هو موافق للأصل الشرعي المقابل
للظاهر الغير المعتبر فلا يكون من يدعي على وفق الظاهر في الفرض جاحدا مع أنك توجب اليمين عليه
بمقتضى قوله اليمين على من أنكر المساوق للجحود فالرواية من الأدلة على ما ذكرنا هذا ملخص ما ذكره
الأستاذ العلامة دام ظله.
وهو مشتبه المراد فان أراد منه ان بعد علم أهل العرف بعدم اعتبار الظاهر عند الشارع لا يطلقون
على من كان قوله مخالفا له انه مدع كما يطلقون دم الحيض على الدم الخارج بعد الخمسين إذا كان بأوصافه بعد
الاطلاع على قابلية صيرورة الدم حيضا بعده باخبار الشارع بها كما يطلقون الافتراق على التفرق بالخطوة بعد
اخبار الشارع بحصوله بها من حيث رجوعه إلى الاخبار عن الفرد الخفي ففيه ان هذا الكلام على هذا التقدير
حسن متعين (متين خ) لكن الكلام في أصل المبنى لأن اطلاق أهل العرف المدعي على من كان قوله مخالفا للظاهر
ليس من جهة بنائهم على اعتباره عند الشارع حتى يوجب علمهم بعدم اعتباره ردعهم عن البناء المذكور بل من
جهة بنائهم على الاعتبار مع قطع النظر عن الشارع فان كثيرا من البناءات العرفية بل جميع بناءاتهم من حيث هم
أهل العرف لا دخل لها بالشرع فالصدق موجود بعد ملاحظة عدم اعتبار الظهور عند الشارع أيضا.
ومنه يظهر انه لا دخل لما نحن فيه بمسألة دم الحيض ونحوها فان بناء أهل العرف على عدم اطلاق
دم الحيض على الدم الخارج بعد الخمسين انما هو من جهة اعتقادهم الفاسد بان الدم الخارج بعده لا يكون

335
حيضا في الواقع ابدا وبعد اخبار الشارع يعلمون بخطئهم في هذا الاعتقاد وانه كان جهلا مركبا وهذا بخلاف
ما نحن فيه فإنه لا واقعية لمعنى المدعى عرفا الا ما يطلق عليه العرف انه المدعى ولا واقعية لاعتبار الظهور
المعتبر عندهم الا بنائهم على اعتباره فأين هذا من حديث العلم بالخطأ وكشف الخطأ وان أراد منه انه وإن كان
يطلق عرفا على من كان قوله مخالفا للظاهر الغير المعتبر شرعا انه مدع بعد اطلاع أهل العرف على عدم
الاعتبار الشرعي ولكن المتبع ليس اطلاقهم فهذا خروج عن فرض تعلق الحكم بالموضوع العرفي.
واما الاستدلال على ما صار إليه بقوله لأنه جاحد ففيه انا نلتزم بصدق الجحود في كل مورد صدق
المنكر عرفا ولو كان على خلافه أصل معتبر شرعا مع أنه لا فرق عند التحقيق بين الظاهر المعتبر وغيره في
هذا المعنى وما ذكره في بيان الفرق لا يصلح فارقا فتأمل هذا مضافا إلى انتقاض ما ذكره أيضا بمدع الاعسار
فان قوله مخالف للأصل لو كان مسبوقا باليسار مع أنه لا يترك لو ترك كما لا يخفى ومن هنا جعله بعض المحققين
من موارد افتراق التعريف الأول والرابع فتأمل.
فتبين مما ذكرنا كله ان الحق ما ذكره جماعة ممن سبقنا من الأساطين من أن المرجع هو العرف فكل
من أطلقوا عليه المدعي يحكم عليه بما هو وظيفته شرعا سواء كان قوله موافقا للأصل والظاهر أو مخالفا
لهما أو موافقا لأحدهما مخالفا للاخر على ما هو الشأن في سائر الألفاظ الواردة في كلام الشارع وإن كان
ما ذكره الأستاذ العلامة في بيان الضابطة لتشخيص الصغريات العرفية مورد تخلفه في كلام القلة والله العالم.
قوله ويشترط فيه البلوغ والعقل وان يدعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه الخ أقول المراد من
الادعاء للنفس هو عود فايدة الدعوى إلى نفسه وإن كان من جهة تعلق حق بالمدعى به للمدعي فيشمل دعوى -
الغرماء للميت أو الوارث له بناء على القول بعدم انتقال التركة مع تعلق الدين بها إليهم وكذا يشمل دعوى المرتهن
ونحوه وإن كانت في هذه الموارد مثبتة لمال الغير.
ومنه يظهر اندفاع ما أورد على المصنف من خروج كثير ممن تسمع دعواهم عن العبارة ولا يحتاج في
ادخاله إلى ارتكاب تجشم جعل الولاية أعم ليشملها.
قوله ولا بد من كون الدعوى صحيحة لازمة فلو ادعى هبة لم تسمع حتى يدعى الاقباض الخ أقول
الوجه في اشتراط اللزوم في الدعوى ظاهر كما أن الوجه في اشتراط الصحة أظهر لأنه لولا اللزوم لم تتوجه
إلى من يريد الدعوى معه فاشتراطه من جهة توقف تحقق مفهوم الدعوى عليه فلا تسمع دعوى شخص على
شخص انه قد باعني ملك فلان فضولا وقبلت لأنه لا دعوى له عليه أصلا وكذا لا تسمع دعوى الهبة والرهن
والوقف بدون ادعاء القبض بناء على كونه شرطا في الصحة لما ذكر من الوجه من عدم توجه الدعاوى
المزبورة على أحد هذا.
وقد يقال بعدم الاحتياج إلى ادعاء القبض في سماع دعوى هذه الأمور من وجوه لا تنافي اشتراط اللزوم
في الدعوى أصلا بل تقتضي وجود الشرط بدون ذكر القيد.
أحدها ان اطلاقها ينصرف إلى الصحيح فلا يحتاج إلى ذكر ما يعتبر في صحتها فدعوى الهبة
المطلقة كدعوى الهبة الصحيحة وفيه أن دعوى الهبة الصحيحة أيضا لا تنفع ما لم يدع الاقباض لان صحة
الهبة في نفسها لا تقتضي تحقق الاقباض كما سيأتي الكلام فيه ومنه يظهر ما ذكره المحقق الأردبيلي من
سماع دعوى الهبة الصحيحة.

336
ثانيها انها محمولة على الصحيح لكونه الأصل في فعل المسلم والفرق بينه والوجه السابق ظاهر
وفيه ما لا يخفى على من له أدنى تأمل لان صحة بعض ما يعتبر في وقوع الشئ لا تقتضي انضمام سائر ما يعتبر
فيه إليه لان الجزء في مرتبة جزئيته صحيح وإن لم ينضم إليه سائر الأجزاء والشرايط المعتبرة في وقوع الشئ
فالقطع بصحته يجتمع مع القطع بعدم الانضمام فلا فايدة في أصالة الصحة بالنسبة إليه بل لا تجري أصلا فصحته
في نفسه مع القطع بها لا تقتضي للحكم بوجود الشئ على ما هو عليه مع الشك في انضمام سائر الأجزاء واجراء
أصالة الصحة في نفسه مع الشك في تحققه مما يضحك به الثكلى وهذا أمر واضح لا سترة فيه أصلا قد فصلنا
القول فيه غير مرة في الأصول والفروع وبه أبطلنا ما ذهب إليه جماعة في الأصول من التمسك بأصالة الصحة في
اثبات صحة العمل بعد الشك في مانعية الطارئ وما قال به جمع في الفروع من كفاية غسل المسلم للشئ
المتنجس مع الشك في أن الواقع منه هو الغسل الشرعي أو غيره بأصالة الصحة في فعل المسلم وجه الأبطال في الأول
ظاهر واما في الثاني فلان صحة ما وقع من المسلم في الخارج من الغسل لا تقتضي لوجود ما يعتبر في ارتفاع
النجاسة من التعدد والعصر كما لا يخفى.
ومما ذكرنا كله يظهر فساد ما ذكره في المسالك حيث قال وقد يقال في الموضعين ان القبض إذا كان شرطا
في صحة الهبة والرهن واطلاقهما محمول على الصحيح كغيرهما من العقود ثم قال وانما يتوجه التفصيل حيث
يجعل القبض شرطا في اللزوم ليجعل اطلاقهما صحيحين أعم من المقبوض وغيره انتهى كلامه رفع مقامه.
وجه الفساد ان الحمل على الصحيح بل القطع بالصحة لا يقتضي سماع دعوى الهبة مثلا من دون
ادعاء القبض لان صحة الهبة التي من فعل الواهب في نفسها لا تقتضي تحقق القبض كيف ولو اقتضى صحتها بالمعنى
المذكور تحقق القبض لا بد من أن يحكم بان من ادعى اني وهبت مالي ولم اقبض فهو مدع لكونه مدعيا لفساد
الهبة ومن يدعي خلافه فهو منكر لكونه مدعيا لصحة الهبة مع أن الخصم وغيره من الأصحاب قد صرحوا بكون
الأول منكرا والثاني مدعيا ثم إن ما ذكره من توجه التفصيل على تقدير كون القبض شرطا في اللزوم لم تتحقق
معناه لان المراد من اللزوم في الدعوى كونها بحيث تتوجه على المدعى عليه لا ما يلتزم عليه شئ فعلا وعلى
تقديره أيضا يمكن ادعاء حصوله في المقام لان دعوى سبب الملك كدعوى الملكية عرفا فتأمل.
ومن هنا يظهر فساد ما ذكره في الدروس حيث قال وكل دعوى ملزمة معلومة فهي مسموعة
فلا تسمع دعوى الهبة من دون الاقباض وكذا الراهن عند من شرطه فيهما وكذا البيع من دون قوله ويلزمك
تسليمه إلى جواز الفسخ بخيار المجلس انتهى كلامه فان اشتراط دعوى لزوم التسليم مما لا دليل عليه أصلا كما
لا يخفى هذا مع أنه ينافي في ما استقر عليه رأيه في الكتاب من عدم اشتراط دعوى عدم وجود المفسد في صحة
دعوى البيع مع أن عدم اشتراط دعوى الأول أولي منها لان الفسخ على تقدير وجوده من قبيل الرافع والمفسد من
قبيل الدافع هكذا ذكره الأستاذ العلامة ثم إن مفروض الكلام فيما ذكره انما هو إذا حصل الافتراق واحتمل
الفسخ حين عدمه واما إذا كان المجلس باقيا ولم يتفرقا منه فنفس انكار المنكر للبيع فسخ له فتأمل.
ثالثها ما ذكره الأستاذ العلامة 1 من امكان ان يدعى عدم اشتراط دعوى حصول القبض في سماع دعوى
الهبة ونحوها من حيث إن دعوى الهبة في العرف كدعوى البيع ليس المراد منه مجرد الايجاب الذي هو فعل
الموجب بل المراد هو خروج المال عن ملك البايع والواهب كما يقال فلان باع ما له فإنه ليس المراد منه مجرد
ايجاده سبب النقل وإن لم يحصل نقل وخروج المال عن ملكه بل المراد منه هو نقل ما له إلى غيره بحيث



(1) العلامة في خارج مجلس البحث من.
337
يستلزمه الخروج عن ملكه وكذا في قولهم فلان وهب ماله فيمكن ان يقال بالنظر إلى هذه الملاحظة ان سماع
دعوى الهبة غير مشروط بدعوى الاقباض كيف ولو لم يكن الدعوى المذكورة منصرفة إلى ما ذكرنا بل كان معناها
مجرد دعوى الايجاب أو مرددة بينهما للزم دعوى 1 تحقق القبول أيضا لان مجرد صحة الايجاب في مرتبته لا يتوقف
على تحقق القبول أيضا اللهم الا ان يقال إن دعوى الهبة من المدعي متضمنة لدعوى القبول أيضا كما لا يخفى فلا يرد
نقض أصلا هذا ويمكن ان يقال بالفرق بين البيع والهبة فيما ذكره بعد اطلاع العرف على اشتراط القبض في صحة الهبة
فتأمل ثم إنه يمكن ان يكون مراد صاحب المسالك مما ذكره هو ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله بان يكون مراده
من حمل الاطلاق على الصحيح اي على الهبة المفيدة للملكية بدعوى انصراف اللفظ إليه لكنه ينافيه لفظ الحمل
المذكور في كلامه.
قوله ولو ادعى المنكر فسق الحاكم والشهود ولا بينة الخ أقول الدعوى قد تتعلق أولا وبالذات بالمال
كدعوى زيد ان عمروا مشغول ذمته لي بألف دينار مثلا وهذا مما لا اشكال في سماعها سواء كان هناك بينة أو لا
وقد تتعلق بما هو المقصود منه المال كدعوى البيع ونحوه وهذه أيضا مثل الأولى ويطلق عليها دعوى المال عرفا
وقد تتعلق بما ينتفع منه المدعي لا ان يكون في نفسه دعوى المال فتارة يريد إلزام الغير بما ينتفع به كما في
دعوى الاقرار وأخرى رفع الالزام الوارد عليه من الغير لينتفع به كما في دعوى فسق الشهود ونحوها وهذا
الذي ذكرنا ضابطة هذا القسم من الدعوى.
وضابطة القسم الثاني ان يرجع الدعوى إلى نفي ميزان القضاء كدعوى فسق الشهود ونحوه فان
هذه الدعوى ترجع إلى أن الحكم الواقع من الحاكم لم يكن على الوجه المعتبر من غير أن يكون له دخل
بدعوى المال والمشهور بينهم حسبما حكى عدم سماع هذه الدعوى بحيث يترتب عليه جميع احكامه من القضاء
بالحلف أو بالنكول على القول به إذا لم يكن بينة للمدعي لان المدعى به فيه ليس حقا لازما وهو شرط في
سماع الدعوى حسبما عرفت تفصيل القول فيه نعم لو كان له بينة تسمع دعواه لعموم ما دل على اعتبارها.
ثم إنهم ذكروا له أمثلة منها دعوى المنكر فسق الحاكم أو الشهود مع ادعاء علم المشهود له ومنها
دعوى المنكر كذب الشهود في شهادتهم ومنها دعواه على الحاكم القضاء بالجور عليه ومنها دعوى شخص على
شخص اقراره بمال له واستشكل الأستاذ العلامة دام ظله في عد جميعها مثالا لما نحن فيه وذكر ان جملة منها
كدعوى كذب الشهود وجور الحاكم وفسقه لا دخل بالمقام بل يكون من قبيل دعوى المال لان معنى دعوى
كذب الشهود دعوى اتلافهم عليه ماله فيكون المقصود منه المال وهو التغريم فالدعوى راجعة إلى دعوى سبب
المال وكذا دعوى جور الحاكم في حكمه فان مرجعها إلى دعوى اتلاف الحاكم فيريد المال إما منه أو من
بيت المال هذا كله إذا كان دعواه في المثال الأول على الشهود وفي المثالين الأخيرين على الحاكم واما إذا كانت
على المدعى فلا معنى لسماعها في الأول لان مرجعها إلى دعوى كذب المدعى وهي معنى انكاره لدعوى المدعي
فلو سمعت لزم الدور أو التسلسل هكذا ذكره العلامة ودخلت في أمثلة الفرض في الأخيرين وسيجئ
حكمه هذا ملخص ما ذكره دام ظله.
والفرق بين دعوى فسق الحاكم وفسق الشهود ان الثانية لا توجب تغريما على الشهود ولا يتوجه إليهم
أصلا حتى مع البينة وانما يتوجه على المدعي من حيث رجوعها إلى دعوى الجرح وعدم وجود الميزان الشرعي
للحكم ومن هنا يتوجه التفصيل في سماعها على المدعى أيضا لو قلنا بسماع الدعوى فيما يتعلق بغير المال بل بما



1. للزم اشتراط دعوى.
338
يعود نفعه إلى المدعي بين ما إذا كانت قبل الحكم فتسمع وبعده فلا تسمع الا إذا كان الحكم على الغائب لأنه
على حجته لان دعوى الجرح مع البينة لا تسمع بعد الحكم فضلا عن سماعها بدونها والوجه فيه سقوط حق
الجرح بعد الحكم الا إذا كان المنكر غايبا وكلامنا في سماع الدعوى بدون البينة فيما تسمع معها هذا.
ولكن مقتضى ما ذكره المصنف وجمع فيما سيجئ في باب الشهادات سماع دعوى الجرح بعد الحكم
أيضا وقد مر إليه الإشارة أيضا في طي كلماتنا السابقة وعليه لا فرق في حكم الدعوى المذكورة بين قبل الحكم
وبعده لكنه بمعزل عن التحقيق لما عرفت من الوجه وسوف نتكلم فيه انشاء الله بعد هذا كله بالنسبة إلى غير دعوى
الاقرار واما هي فقد صرح الأستاذ العلامة بدخولها في الفرض لأنها في نفسها ليست دعوى المال أصلا وسيجئ
بعض الكلام عليه منا عن قريب.
إذا عرفت ذلك فنقول مقتضى كلمات جماعة سماع الدعوى في هذا القسم لما دل عموما على أن البينة
على المدعي واليمين على من أنكر ولكنك قد عرفت أن مقتضى كلمات آخرين عدم سماع الدعوى في الصورة
بدون البينة لما عرفت من اشتراط اللزوم في الدعوى ولبعض الاخبار المخصصة لتلك العمومات كقوله استخراج
الحقوق بأربعة فتدل على اختصاص اليمين بما إذا كان هناك استخراج للحق ومعلوم ان المقام ليس منه فيخرج
به عن العمومات ذكره الأستاذ في مجلس البحث ولم أر من الأصحاب من ذكره أو أشار إليه في كلامه هذا.
ولكن مقتضى التحقيق المصير إلى الأول لما عرفت من العمومات وما ذكره مخصصا لها لا يصلح له.
إما الأول فلان اللزوم في المقام أيضا متحقق حيث إن اللزوم ليس معناه كون الدعوى مالا حسبما عرفت
في المراد منه كيف ولو كان عدم السماع من جهة عدم اللزوم في الدعوى لم تسمع ولو مع البينة كما لا يخفى
والمفروض الاتفاق على السماع معها.
واما الثاني فاما أولا فلأنك قد عرفت سابقا ان المراد من الأربعة المستخرجة بها الحق غير يمين المنكر
ضرورة انها لا تخرج حقا أصلا وانما فائدتها رفع الدعوى فيه (عنه خ) فلا ربط لحديث الاستخراج وعدمه بالمقام
وذكر الأستاذ العلامة في خارج مجلس البحث بان الاستدلال بها يتم على تقدير كون المراد من الأربعة غير يمين
المنكر أيضا لان المقصود من سماعها بدون البينة ترتيب جميع آثار السماع عليه من استحلاف المنكر أو القضاء
عليه بمجرد النكول أو بعد رد اليمين واليمين المردودة من المستخرجات هذا ولكن يمكن الالتزام بالتفكيك
بين توجه اليمين وتوجه غيرها كما في دعوى الولي من دون بينة وأشباهها فتأمل.
واما ثانيا فلان الرواية غير منافية للعمومات على فرض تسليم كون يمين المنكر من الأربعة لأنها تدل
على أن استخراج كل حق لا بد ان يكون بأربعة لا ان الأربعة لا تعتبر الا في استخراج الحق كيف ولو دلت على
ذلك للزم الحكم بعد سماع الدعوى في الفرض مع البينة أيضا لأنها كما تخصص عمومات اليمين كذلك تخصص
عمومات البينة أيضا فلا بد من القول بعدم كون المراد منها التخصيص فيسقط الاستدلال بها على المدعى هذا
مع أنها أخص من المدعى لأنها لا تجري في جميع صور الفرض وأمثلته كما في دعوى الاقرار فإنها ترجع إلى
دعوى الحق عرفا لمقتضى اقرار المقر له وبعبارة أخرى الاقرار وإن لم يكن سببا للمال والحق كما في البيع
وشبهه الا انه طريق ظاهري للمقر له وغيره إلى ثبوت الحق فدعواه دعوى اشتغال الذمة الظاهري وكذلك دعوى
فسق الشهود أو الحاكم على المدعى في بعض الصور ترجع إلى دعوى الحق كما إذا فرض اخذ المدعى به من المنكر
فيدعى عدم الميزان أو فسق الحاكم حتى يأخذ ماله اللهم الا ان يق ان البناء على ذلك يوجب خروج ما ذكر من الدعاوى

339
عن الفرض وكلامنا على فرض دخوله فيه فتأمل هذا نعم يمكن ان يق بعد تسليم الدليل عموما على اعتبار البينة
غير عمومات القضاء ان ما دل على اعتبار اليمين وكونها حجة المنكر منصرف إلى غير الصورة فتأمل حتى لا يختلط
عليك الامر ثم إنه قد يستدل لعدم سماع دعوى فسق الشهود من غير بينة بأنه لو بنى على سماعها لزم عدم اقدام
أكثر الناس على الشهادة فيلزم تعطيل الحقوق منه ولا يخفى عليك ان الملازمة غير ظاهرة والله العالم بحقايق الأمور.
قوله في التوصل إلى الحق فمن كان دعواه عينا في يد انسان فله انتزاعها منه آه أقول لما فرغ المصنف من
تعريف المدعي والمنكر شرع في بيان ما يحتاج فيه إلى رفع دعواه إلى الحاكم وعدم استقلاله بأخذ ما يدعيه
وما لا يحتاج فيه إلى ذلك فمجمل القول في المقام ان الحق إما ان يكون عقوبة كالقصاص ونحوه واما ان يكون
مالا وعلى الثاني لا يخلو إما ان يكون عينا أو دينا وعلى الثاني لا يخلو إما ان يكون المدعى عليه منكرا أو مقرا
وعلى الأول لا يخلو إما ان يمكن له التوصل باثبات الحق عند الحاكم أو لا يمكن له ذلك إما من جهة عدم البينة
له أو عدم امكان احضارها عند الحاكم أو غير ذلك وعلى الثاني لا يخلو إما ان يكون باذلا أو ممتنعا فهذه الأقسام
لا بد من التعرض لحكمها.
فنقول إما لو كان الحق عقوبة فالذي عليه المشهور بل نفى عنه الخلاف في الكفاية انه لا يجوز له
الاستقلال بالاستيفاء بل لا بد من رفع الامر فيه إلى الحاكم على ما هو قضية نصبه عموما لزجر الناس وسياستهم
وانه ليس لغيره التعرض لها من حيث كونها وظيفة له مضافا إلى عظم خطره والاحتياط في اثباته وتنظر فيه
بعض مشايخنا المتأخرين بان مقتضى اطلاق ما دل على أن السلطان للولي وتسلط الناس على استيفاء حقوقهم
هو جواز استيفائه وعدم توقفه على الرفع إلى الحاكم وأنت خبير بان هذا الكلام على فرض تماميته انما
يتم بالنسبة إلى خصوص القصاص واما بالنسبة إلى ما يوجب الحد فلا لما دل على كون اقامته من وظيفة الحكام
هذا كله إذا كان الحق عقوبة.
واما إذا كان مالا فإن كان عينا فالذي عليه المشهور ان له انتزاعها من يده إذا لم تثر فتنة ولو برفع
الامر إلى حاكم الجور لأنه قضية سلطنته على ماله ولا يجوز له ذلك إذا لم يكن كذلك بل يجب عليه رفع الامر
إلى الحاكم لأنه قضية نصبه فإنه من جهة رفع ما يوجب الفتنة بين الناس وقد خالف في ذلك بعض مشايخنا
المتأخرين فذهب إلى جواز انتزاعها في صورة إثارة الفتنة ما لم يؤد إلى تلف الأنفس وغيره من وجوه الفساد
حيث قال شرح قول المصنف ما لم تثر فتنة بل وان ثارت ما لم تصل إلى حد وجوب الكف عن الحق له لترتب
تلف الأنفس والأموال وغيره من الفساد الذي يمكن دعوى العلم من مذاق الشرع بعدم جواز فعل ما يترتب عليه ذلك
وإن كان مباحا في نفسه أو مستحبا بل واجبا انتهى ما أردنا نقله.
وذكر الأستاذ العلامة ان ما ذكره قدس سره في غاية الفساد وذكر في وجهه ما حاصله
ان لنا عنوانين
أحدهما ان من وجد عين ماله في يد انسان لا ينكر كونه مالا له أصلا بان اخذ منه غصبا أو سرقة أو غيرهما
فله ان ينتزعها منه ولو ثارت فتنة ولو بتلف مال الاخذ أو نفسه في بعض الوجوه على التفصيل المذكور في محله
ما لم تثر إلى ما لا يجوز معه ذلك من خوف تلف نفسه أو ماله بما هو أعظم مما يريد انتزاعه أو غير ذلك وهذا أمر
لا ينكره أحد ولا يرتاب فيه لكنه لا دخل له بالمقام ولا ربط له بمسألة المدعى والمنكر أصلا بل هو من شقوق
الدفاع عن المال الذي اتفقت كلمتهم فيه على الجواز ولو ثارت فتنة ودل عليه جملة من الاخبار من الأئمة الأخيار

340
والنبي المختار (صلى الله عليه وآله) لأنه ليس مختصا بالمنع عن اخذ من يريد اخذ المال بل يشمل رفع يد الاخذ عن المال أيضا
ولو سلم عدم شموله له موضوعا فلا ريب في شمول حكمه له.
ثانيهما ان من ادعى عينا في يد غيره مع انكاره كونها له فهل يجوز له انتزاعها منه أم لا ولا اشكال
في أن المتعين على هذا الفرض رفع الامر إلى الحاكم لو أوجب الانتزاع من يده فتنة لكونه قضية نصبه نعم
لا اشكال في جواز اخذه حقه بسرقة أو غيرها لكن اخذها منه علانية وجهارا وانتزاعها من يده مشروط بعدم
إثارة الفتنة فتبين من جميع ما ذكرنا أن ما ذكره لا دخل له بالمقام حيث إن ما فرضه على ما ينادي به شرحه
لقول المصنف فمن كانت دعواه عينا في يد انسان بقوله معترف بها أو معلوم حالها انما هو في العنوان الأول
وما ذكره القوم انما هو في العنوان الثاني فما ذكره لا ورود له على أحد ولا ربط له بالمقام أصلا فان كلماتهم
تنادي بأعلى صوت باختصاص ما ذكروه في الفرض الثاني هذا ملخص ما ذكره الأستاذ العلامة في الرد عليه.
وقد سبقه إلى ذلك الكلام ووافقه في الجملة بعض سادة الفحول فيما علقه على القواعد حيث قال بعد
قول المصنف ما لم تثر فتنة ما هذا لفظه قيد بعدم إثارة الفتنة كما في الشرايع والدروس وقال في الارشاد مع
انتفاء الضرر وقال في المجمع ما لم يحصل معه أمر غير مشروع كنقب داره والتصرف في ماله وضربه وشتمه ثم بعد
ذلك جواز التصرف في ماله بغير اذنه مثل دخول داره بشرط عدم تضرره لهتك عرضه ونحن نقول الحق
ما ذكره المصنف من عدم الفتنة والمراد بالفتنة الفتنة المؤدية إلى الجناية على النفوس أو الأطراف
أو اتلاف الأموال.
وبالجملة ما يستلزم القاء العداوة بين القبايل لا ما يكون الفرد (الضرر خ) خاصا به بل شاملا له ولغيره
إما ما استلزم تمزيق ثياب أو ضربا أو شتما أو كسر قفل أو باب أو نحو ذلك وان عظم ما لم يثر فتنة إما لعدم
التأثير له أو لعلمه بان ذلك مما لا يثير في الواقع فإنه يجوز الانتزاع وان أدي إلى ذلك لأنه هو الذي ادخل ذلك
على نفسه ولا فرق في ذلك بين ان يكون اذن له الحاكم أم لم يأذن ولا بين أن لا يكون رفعه إليه أو رفعه ثبت عنده
أو لم يثبت انتهى كلامه.
وأنت خبير بان ما ذكره موافق لما ذكره شيخنا المتقدم ذكره من جواز انتزاع عين المال ما لم يثر
فتنة عظيمة كتلف الأنفس والأموال الخطيرة وان اثار فتنة في الجملة وان خالفه في جعل المراد من الفتنة في
كلام القوم هو ما ذكره فان ظاهر ما ذكره شيخنا المتقدم كما لا يخفى على من أعطيه حق النظر من جواز
الانتزاع ولو في صورة إثارة الفتنة في الجملة ايراد على التقييد الذي ذكره القوم لا تفسير لما ذكروه فما ذكره
السيد السند أفحش عما ذكره لأنه فاسد من جهتين.
وبالجملة لا ريب في أن المراد من الفتنة في كلامهم ليس هو خصوص الفتنة العظيمة مثل ما يوجب القاء
العداوة بين القبايل بل يشمل أول مراتبها كالمضاربة ونحوها وأيضا لا ريب في أن كلامهم ليس في مقام بيان
حكم مطلق من وجد ماله في يد غيره ولو كان غاصبا أو سارقا أو ناهبا حتى يرد عليهم بان التقييد بعدم إثارة
مطلق الفتنة مما لا معنى له بل كلامهم في مقام بيان حكم مورد الترافع والتداعي وقد سبقهما فيما ذكراه
من جعلهما كلام القوم مختصا بصورة معلومية المال أو اعتراف من في يده المال بعض شراح الارشاد حسبما
حكاه الأستاذ العلامة عنه حيث علل جواز الانتزاع بأنه أمر بالمعروف والمالك أولي به هذا كله في بيان المراد
مما ذكره القوم من حديث إثارة الفتنة.

341
واما توضيح الكلام في حكم المقام فيقتضي بسطا فنقول ان ما قيل أو يقال في حكم المقام وجوه
أحدها ما حكاه السيد المتقدم عن الارشاد من أنه يجوز الانتزاع ما لم يوجب ضررا وظاهره الضرر على الخصم
فلو أوجب ضررا فلا يجوز له بل عليه رفع الامر إلى الحاكم ثانيها ما حكاه أيضا عن شارحه المولى الأردبيلي
من أنه يجوز ما لم يوجب فعلا محرما ولو بفعل ما لا يدخل الضرر عليه فالغاية هو لزوم الفعل المحرم ثالثها ما
يظهر من ثاني المحققين في شرحه على القواعد ومن غيره في غيره من أنه يجوز الانتزاع ما لم تثر فتنة وان أوجب
ادخال ضرر يسير على الخصم ككسر قفله وتمزيق ثيابه ونحو ذلك رابعها ما ذهب إليه السيد المتقدم من جوازه
ولو أوجب فتنة ما لم تصل إلى حد القاء العداوة بين القبايل.
وتحقيق الحق من هذه الأقوال يتوقف على تصوير ما يتصور في المقام من الصور فنقول من يريد
انتزاع ماله من يد خصمه فلا يخلو إما أن يمكن له رفع الامر إلى الحاكم واثبات حقه عنده أو لا وعلى الأول
إما أن يستلزم رفعه إليه تأخيرا يوجب ادخال الضرر عليه أو لا يستلزم ذلك سواء كان برفع القيد الأول أو الثاني
وعلى جميع التقادير إما أن ينكر خصمه عنادا أو عن اعتقاد كونه حقا له.
ثم إن الكلام في المقام فيما إذا لم يمكن أخذ العين خفية من دون استلزام شئ من المفاسد الآتية
وإلا فالمتعين هو كما لا يخفى وجهه.
فإن أمكن له رفع الامر إلى الحاكم من دون ورود ضرر عليه بالتأخير أصلا مع إمكان اثباته عنده
كما هو الظاهر في فرض القوم وكان انكار خصمه من غير عناد فالذي هو قضية الأصل الأولي هو القول
الثاني لعدم معارضة استنقاذ المال مع ما يقتضي الحرمة لامكان التوصل به بالمقدمة المباحة وهي رفع
الامر إلى الحاكم.
وما يقتضي الخروج عنه ليس إلا قوله الناس مسلطون على أموالهم وفحوى قوله لي الواجد يحل
عقوبته وعرضه الوارد في الدين وتقريب الاستدلال بالأول ان مقتضى اعطاء السلطنة بالمالك هو جواز أخذه ماله
عن يد الغير وان استلزم فعلا محرما كالدخول في داره بغير اذنه مثلا وبالثاني ظاهر فإنه إذا دل على حلية -
العقوبة والعرض في أخذ الدين فدلالته في العين على حليتهما أولى فضلا عن دلالته على جواز فعل الحرام
كالتصرف في ماله وفي الأول تأمل هذا كله فيما لا يوجب ضررا على الخصم وإلا فلا يجوز لحكومة لا ضرر
على قوله الناس مسلطون وفي الثاني منع إما أولا فلان غاية ما يستفاد من الحديث حلية عقاب الواجد المماطل
في الجملة لكنه لا اطلاق له بالنسبة إلى المعاقب وانه كل من تأتي منه فالقدر المتيقن منه حاكم الشرع
فهو نظير ما دل على أن من زنى أو سرق وجب إقامة الحد عليه في سكوته عن المقيم.
ويمكن أن يقال إن هذا خلاف ما فهمه الأصحاب من الحديث فإنهم حكموا في مسألة الدين على
جواز العقوبة للمدعي أيضا فتأمل - وأما ثانيا فلانه على فرض تسليم دلالته على الاطلاق نمنع صدق إلى علي
الخصم في الفرض لأن المفروض اعتقاده بكون ما يدعيه ماله ومما ذكرنا يمكن لك الإحاطة بأدلة سائر -
الأقوال والجواب عنها. فإن دليل القول الأول الناس مسلطون مع قوله لا ضرر ولا ضرار ودليل الباقي الناس
مسلطون وفحوى قوله لي الواجد يحل عقوبته وعرضه مع ملاحظة ما دل على وجوب ترك ما يوجب اختلال
النظم وقد عرفت الجواب عنها.
وإن أمكن له رفع الامر إلى الحاكم لكن مع تأخير يوجب ضررا على المدعى فلا إشكال في جواز

342
انتزاعه عنه إذا لم يدخل ضررا عليه وإن أوجب تصرفا في ماله وأما إذا أوجب ورود ضرر عليه ولو بكسر قفله
وتمزيق ثيابه فالظاهر أيضا جوازه لعدم وجوب تحمل الضرر على النفس لدفع الضرر على الغير وهو بأخذه مال
المدعي قد أدخل الضرر على نفسه فتأمل وعلى فرض القول بعدم تقدم ضرر المدعى فيبنى المسألة على مسألة
تعارض الضررين فيرجع بعد التساقط إلى عموم الناس مسلطون.
وإن لم يمكن رفع الامر إلى الحاكم أو أمكن مع العجز عن اثباته ففي جواز الانتزاع وجهان
أوجههما الجواز والوجه فيه ظاهر هذا ثم إن الذي ذكرنا في الصورة وسابقتها انما فيما لم يثر الانتزاع
فتنة بل كان موجبا لمجرد الضرر على الخصم وأما إذا أثار فتنة فالظاهر عدم جوازه سيما في الأولى بل له استنقاذ
ماله خفية ولو استلزم ضررا على الخصم لان الامر بما يوجب الفتنة بين الناس لا يجوز على الشارع فتأمل هذا كله
في صورة عدم كون انكار الخصم على وجه العناد.
وأما لو كان انكاره على وجه العناد باعتقاد المدعي ففي جواز انتزاعه منه في جميع الصور وإن استلزم
ضررا بل وإن استلزم فتنة مع التمكن من رفع الامر إلى الحاكم واثبات الحق عنده وعدمه وجهان من أن
إلزامه برفع يده عن المال حينئذ إلزام على طبق مقتضى تكليفه لفرض كون انكاره مبنيا على العناد فيدخل في باب الأمر
بالمعروف الذي يجب على كل قادر وإن لزم ضرر على المأمور بل وأزيد منه فيصير كما لو اعترف بكونه
مالا للمدعي ومن انه وإن كان انكاره على سبيل العناد واقعا وباعتقاده اعتقاد المدعى لكنه منكر صورة فيجب
رفع أمره إلى الحاكم لو تمكن منه لأنه منصوب لرفع الخصومة سيما فيما أثار الانتزاع فتنة.
نعم لو لم يتمكن من رفع الامر إلى الحاكم أو تمكن مع عدم إمكان اثبات الحق عنده أو تمكن من
ذلك مع لزوم تأخير يوجب ضررا على المدعي كفوت غرضه توجه القول بجواز انتزاعه منه ولو استلزم ضررا عليه
بل لو استلزم فتنة في بعض الصور مع تأمل فيه وقد تبين مما ذكرنا أن الحكم في صورة انكار من في يده العين
حسبما هو محل كلام القوم يختلف بحسب الصور وأما لو أقر بأنه مال المدعى أو كان كونه مالا له معلوما كما في
الغاصب والسارق فحكمه موكول إلى محله والظاهر عدم الاشكال في جواز انتزاع المال عنه ولو استلزم
فتنة ما لم تصل إلى أعلى مراتبها وكلمتهم على ذلك متفقة والأدلة الثلاثة أيضا تدل عليه هذا كله لو كانت
الدعوى عينا.
وأما لو كانت دينا فإن كان من في ذمته المال مقرا باذلا فلا إشكال في عدم جواز تقاصه من ماله بل -
الاجماع عليه لان للغريم التخيير في جهات القضاء والمراد بالبذل هي الفورية العرفية التي ذكروا انها واجبة
على المدين بعد مطالبة الداين وهي تختلف بحسب المقامات فهو تخلف عنها فهو ممتنع عرفا هكذا
ذكره الأستاذ العلامة.
ثم إن هنا إشكالا على عبارة المصنف أورده ثاني الشهيدين في المسالك وهي قوله فلا يتعين الحق في
شئ آه من أنه لا مدخل للحاكم في ذلك أيضا لان الفرض كونه باذلا والحاكم إنما يلي على الممتنع ومن في
معناه وأجاب عنه قدس سره في حاشيته منه بأن الوجه في ذكر هذا مناسبته واشتراكه مع الممتنع في أن
ليس للغريم تعيينه أصلا كأنه قال ليس للغريم في هذه الصورة تعيين بل تعيينه للمقر الباذل كما أن في صورة
امتناعه ليس له تعيينه بل تعيينه للحاكم انتهى كلامه وفيه تكلف ظاهر ويستفاد من كلام بعض مشايخنا
جواب آخر وهو ان المراد الامتناع ليس هو الامتناع عن الأداء بل الامتناع عن تعيينه لمانع كحبس

343
ومرض ونحوهما فليس هذا خارجا عن الفرض هذا ولا بد أن يجعل المراد من الباذل هو الباذل الشأني وإلا
فلا يستقيم كما لا يخفى.
وأجاب الأستاذ العلامة عن الاشكال بأن المصنف لم يرد من هذه العبارة بيان حكم خصوص الغريم
المذكور الذي فرض باذلا وإلا لقال بدل لان الغريم آه لأنه بل أراد من قوله فلا يتعين آه الإشارة إلى كبرى
كلية وهي انه لا يتعين ما في الذمة إذا كان للشخص غريم إلا بتعيينه أو تعيينه الحاكم مع امتناعه فلم يرد
منه بيان حكم خصوص الغريم الذي في المقام حتى يقال بأن فرض الامتناع ينافي فرض البذل هذا ملخص
ما ذكره دام ظله العالي.
وبنظري القاصر ان توجيه شيخنا المتقدم أوجه من جهة موافقته لقول المصنف قبل هذه العبارة
فلا يستقل من دون الحاكم فإن الاشكال المذكور وارد عليه أيضا فإن أذن الحاكم لا دخل له بالفرض حسبما
يستفاد من العبارة جواز أخذه بإذن الحاكم فلا بد من أن يقال إن المراد من هذا القول حسبما وجهه الأستاذ
أيضا انه لا يستقل بدون إذن الحاكم وإن جاز له الاخذ مع اذنه في بعض الصور كما في صورة تعذر تعيينه من جهة
غيبته ونحوها والله العالم.
ولو لم يكن باذلا أو كان جاحدا يمكن اثبات الحق في ذمته برفع الامر إلى الحاكم ففي جواز
الاخذ من ماله من دون إذن الحاكم ورفع الامر إليه خلاف المشهور كما قيل على الجواز وظاهر قضية
جماعة منهم المصنف في النافع والفخر في الايضاح المنع وهو موافق للأصل لان قضية الأصل الأولي هو عدم
جواز أخذه والتصرف فيه وعدم صيرورته ملكا له إلا بإذن الحاكم نعم لو أذن فلا إشكال فيه لأنه ولي الممتنع بالنص
والاجماع ومنه يظهر فساد ما ذكره بعض المشايخ من معارضة الأصل المذكور بأصالة عدم وجوب رفع الامر
إلى الحاكم وهذا غريب منه لان وجوب رفع الامر إلى الحاكم المشكوك فيه ليس وجوبا نفسيا يعاقب عليه
حتى يدفع بالأصل بل هو على تقدير ثبوته وجوب شرطي فالأصل فيه الاشتراط لأصالة عدم انتقال المال من
ملك الغريم وعدم جواز التصرف فيه إلا بإذنه وهذا مما لا سترة فيه أصلا إنما الشأن في تحقق دلالة ما ادعوا دلالته
على الجواز من الكتاب والسنة الحاكم على الأصل المذكور وعدمها.
فلنذكر أولا جملة مما ادعوا دلالتها ثم نعقبه بتحقيق ما يقتضيه النظر الصحيح وهو كثير فمن الكتاب
قوله تعالى من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقوله تعالى والحرمات قصاص وقوله تعالى وإن
عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ومن السنة قوله (صلى الله عليه وآله) لي الواجد يحل عقوبته وعرضه وقوله (صلى الله عليه وآله) بعد سؤال
هند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وخبر جميل بن دراج سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يكون له على
الرجل الدين فيجحده فيظفر عن ماله بقدر الذي جحده أيأخذه وإن لم يعلم الجاحد بذلك قال نعم وروايتا
داود بن زرين وابن زربي ففي إحديهما قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) اني أخالط السلطان فيكون عندي الجارية
فيأخذونها والدابة الفارة يبعثون فيأخذونها ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه فقال خذ مثل ذلك ولا تزد عليه وفي
الأخرى قلت لأبي الحسن (عليه السلام) انا (اني خ) أعامل قوما فربما أرسلوا إلى فأخذوا مني الجارية والدابة فذهبوا
بهما مني ثم يدور لهم المال عندي فأخذ منه بقدر ما أخذوا مني فقال خذه منهم بقدر ما أخذوا منك ولا تزد عليه وخبر
علي بن مهزيار وصحيح أبي بكر قلت له رجل لي عليه دراهم فجحدني وحلف عليها أيجوز لي ان وقع له قبلي
دراهم ان اخذ منه بقدر حقي قال فقال نعم ولكن لهذا كلام قلت وما هو قال تقول اللهم إني لا آخذه ظلما ولا

344
جناية وإنما أخذته بمكان مالي الذي اخذ مني لم أزد عليه شيئا إلى غير ذلك من الاخبار.
وأجيب عنها بوجوه أحدها ما ذكره جماعة عن جملة منها كالنبوي الوارد في حكاية هند وصحيحي
داود بن زرين وابن زربي من أنها اذن من النبي (صلى الله عليه وآله) والوصي (عليه السلام) في الاخذ ولا كلام في جواز الاخذ مع الاذن
من السلطان إنما الكلام مع عدمه وفيه أن الظاهر منها كونها جوابا عن سؤال حكم المسألة لا اذنا في الاخذ
ثانيها ما ذكره بعض من أنها معارضة بما دل على عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه أو اذن وليه
المفروض امكان تحصيله في المقام وفيه ما لا يخفى على المتأمل.
ثالثها ما ذكره الأستاذ دام ظله بالنسبة إلى جملة منها من أنها واردة في بيان القضية المهملة
وهي ان المماطل يصح عقوبته إما ان المعاقب من هو فليست في مقام بيانه أصلا.
رابعها ما ذكره دام ظله أيضا بالنسبة أكثرها من أنها واردة في مورد الغالب وهو عدم امكان رفع الامر
إلى حاكم الشرع بحيث ينفع حكمه للمدعي لان مجرد رفع الامر إليه مع عدم حكمه أو حكمه مع عدم اعتناء
الخصم به كما كان أكثريا في ذلك الزمان مما لا ينفع أصلا كما لا يخفى في إطلاق لتلك الأخبار حتى ينفعنا في
محل البحث وهو صورة إمكان اثبات الحكم عند حاكم الشرع.
لا يقال إن رفع الامر إلى حاكم الشرع وإن لم يمكن غالبا في ذلك الزمان بمعنى المرافعة واحضار
الخصم عنده لكون الزمان زمان التقية إلا أن الاستيذان منه في أخذ مقدار الحق كان ممكنا لان المبعوثين
من الإمام (عليه السلام) كانوا موجودين في أكثر البلاد مع أنه لا يتوقف حصول الاستيذان عليه أيضا.
لأنا نقول الاذن من الحاكم مع جهله بالحال كما في الأغلب لا يجوز لان السلطان ولي الممتنع إذا
علم بالامتناع هكذا ذكره الأستاذ في مجلس البحث وفيه نظر قد أشار إليه أيضا في أثناء البحث وجه النظر
انه لا مانع من اذن الحاكم بمعنى توكيله للمدعى عموما أو خصوصا لاخذ مقدار الحق عن الممتنع الواقعي إذا
علم به هذا ملخص ما ذكروه في الجواب عن الاستدلال بالاخبار وللتأمل فيها مجال ولا يبعد كون القول
بالجواز أشبه وإن كان الأصل للمانعين هذا كله فيما لو تمكن من الوصول إلى حاكم الشرع واثبات الحق عنده
أو الاستيذان منه واما لا مع ذلك فالظاهر بل المقطوع انه لا خلاف بين الأصحاب في جواز أخذه من ماله بقدر حقه
ويدل عليه ما تقدم من الكتاب والسنة من دون تأمل فيه.
وينبغي التعرض لأمور الأول انه قد قيل يتصور البذل في الجاحد أيضا فلا يحتاج معه إلى اذن حاكم
الشرع بأن يقول للمدعي انك لا تطلب مني شيئا ولكن لو تريد الاخذ من مالي فخذه هكذا قيل وفي جريان
حكم الباذل عليه تأمل.
الثاني انه قد اختلف كلماتهم في جواز التقاص لو كان المال وديعة عند المدعي بعد اتفاقهم على
جوازه في غير فعن أكثر المتأخرين نعم مع كراهة جمعا بين ما دل على الجواز من الأخبار الخاصة المعتضدة
بالعمومات وما دل بظاهره على المنع وعن جماعة من القدماء لا بل عن الغنية الاجماع عليه ومستندهم الأخبار الكثيرة
المانعة مثل خبر ابن سليمان بن خالد سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني عليه فحلف
ثم وقع له عندي مال فأخذه لمكان مالي الذي أخذه وأجحده وأحلف عليه كما صنع قال إن خانك فلا تخنه ولا
تدخل صناعته عليه وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت له الرجل يكون لي قبله حق فجحد نية
ثم يستودعني مالا إلي ان آخذه بدل ما عنده قال هذه الخيانة إلى غير ذلك من الاخبار.

345
وفيه أن الظاهر منها كما لا يخفى على من أعطى حق النظر فيها الكراهة لا الحرمة فلا تعارض ما دل
من الاخبار على الجواز مثل صحيح البقباق ان شهابا ما رآه في رجل ذهب له بألف درهم واستودعه بعد ذلك
ألف درهم قال أبو العباس فقلت له خذها مكان الألف التي أخذ منك فأبى شهاب قال فدخل شهاب على أبي عبد الله
فذكر ذلك له فقال إما أنا فأحب أن تأخذه وتحلف وخبر علي بن سلمان قال كتبت إليه رجل غصب رجلا مالا ثم
وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه أيحل له حبسه عليه أم لا فكتب (عليه السلام) نعم يحل له ذلك إن كان
بقدر حقه وإن كان أكثر فيأخذ منه ما كان ويسلم الباقي إليه إن شاء الله.
ويؤيد ما ذكرنا من كون النهي الوارد فيها للكراهة من جهة كونها خيانة صورة فيكون النهي عنها
من جهة التأكد في حفظ الأمانة وعدم الخيانة ما روى عن الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن إسماعيل أد الأمانة
لمن ائتمنك وأراد منك النصيحة ولو أنه قاتل الحسين (عليه السلام) وما روى عنه في خبر عمار اعلم أن
ضارب علي (عليه السلام)
بالسيف وقاتله لو ائتمنني على سيف واستشارني ثم قبلت ذلك منه لأديت إليه أمانته إلى غير ذلك والعمدة في
الجواب عن تلك الأخبار هو ما ذكرناه لا ما ذكره الأكثر من أن قضية الجمع بينها وبين ما دل على الجواز هو
الحمل على الكراهة إذ لا دليل على هذا الجمع بعد تسليم دلالة الاخبار على المنع فليرجع إلى المرجحات
والترجيح مع الأخبار المانعة لكثرتها مضافا إلى امكان المناقشة في بعض الأخبار المجوزة مثل الخبر الأول
فإن جواز المقاصة بعد الحلف مما يكون العمل على خلافه مع دلالة أكثر الاخبار عليه أيضا نعم لو قيل إن
موافقة الاخبار المجوزة للعمومات يكون من المرجحات لها لم يكن فيه بعد عن الصواب لو لم نقل بكونها مرجعا
بعد التكافؤ لا مرجحا لما يوافقها من المتعارضين.
الثالث لا إشكال بل لا خلاف عندنا في جواز التقاص من غير الجنس وإن لم يستأذن الحاكم فيما لا يشترط
استيذانه كما أنه لا خلاف عند الجميع حتى من العامة في جواز التقاص من الجنس بل أقول إنه مما لا يعقل -
الخلاف فيه بعد فرض مشروعية التقاص وهل يجوز له بيع ما يظفر عليه من مال المالك سواء كان وديعة عنده
أو لا وأخذ مقدار حقه من ثمنه أم لا وجهان أوجههما بالنظر إلى ما يظهر في ابتداء النظر من نصوص الباب
هو الثاني ولكن مقتضى التأمل والنظر الدقيق فيها هو الأول فإن المقصود منها جواز استخراج الداين دينه من
مال الغريم بأي وجه أمكن ولو ببيعه وإن شئت قلت إن الشارع اقامه مقام المالك أو وليه في مورد التقاص فيجوز
له بيع ماله وأخذ حقه منه كما أنه يجوز للحاكم بيع ماله قهرا عليه وله في كثير من الموارد فالمقاص أيضا
ولي له في الواقعة الخاصة ولهذا أعده جماعة من الأصحاب في عداد الأولياء كالشهيدين في الدروس والروضة فاندفع
بذلك ما ربما يقال بل قيل من أن مقتضى القاعدة عدم صحة بيع مال الغير من دون اذنه واذن وليه المفقودين في
الفرض والمفروض عدم توقف استنقاذ الحق عليه أيضا لامكانه بأخذ نفس المال ثم إن الذي ذكرنا الظاهر أنه المشهور
بين الأصحاب كما يعلم من الرجوع إلى كتبهم فما حكي عن بعض نسخ الكفاية من نسبة عدم الجواز إلى الأصحاب
مما هو معلوم فساده لمن له أدنى تتبع بكتب القوم والله العالم.
الرابع انه لو تلف المال الذي أخذه للمقاصة من ثمنه من دون تعد منه وتفريط قبل بيعه فهل يضمنه مطلقا
أو لا يضمنه كذلك أو فيه تفصيل بين مقدار الحق والزايد لو كان المأخوذ زايدا على مقدار الحق أو فيه تفصيل بين
ما إذا أخذه بعنوان المقاصة به ولكن لم ينشأها لإرادة معرفة قيمته وغيره وجوه بل أقوال الأول لجماعة حسبما
هو قضية اطلاق ما ذكروه من الحكم بعدم الضمان بل صريح بعضهم والثاني للشيخ رحمه الله وتبعه الشهيدان والمولى

346
الأردبيلي والثالث للعلامة في محكي التحرير وعد والرابع لجماعة أيضا من الأصحاب.
للأول عمومات ما دل على ضمان ما تلف في اليد كقوله (عليه السلام) على اليد ما أخذت حتى تؤدي وغيره والمخرج
عنها غير موجود لان الائتمان من المالك غير موجود بالفرض والاذن من الشارع في الاخذ وإن كان موجودا إلا أن
مجرده لا يصلح لرفع الضمان الثابت بمقتضى العمومات ما لم يكن على وجه الائتمان منه بل ولو كان على وجه الائتمان
منه إذ لم يدل دليل عموما على رفع الضمان في الأمانة الشرعية كما في اللقطة وأشباهها فتأمل.
وللثاني الأصل وما دل على عدم تعقب الضمان في الأمانة الشرعية مع عدم التعدي في التلف وعموم
ما دل على نفي السبيل من المحسن بناء على كون المراد من الاحسان في الآية هو فعل ما لا حرج فيه حسبما صرح
به ثاني الشهيدين قدس سره في محكي تمهيد القواعد ويستفاد من كلام الحلي في السرائر أيضا لا ما يكون
فيه رجحان ونفع عائد إلى المحسن إليه فيشمل المباح أيضا كما هو أحد اطلاقي الحسن في مقابل القبيح الذي
صرح به جمع من المحققين في مسألة التحسين والتقبيح العقليين فيكون الآية حاكمة على ما دل من العمومات
على ثبوت الضمان هذا مضافا إلى أنه لو كان الظاهر من الاحسان هو الاطلاق الثاني كما يطلق من دون قرينة
كانت قرينة المورد صارفة للظاهر المذكور لان الآية وردت في حق الفرقة المتخلفة في المدينة القاعدين
عن الحرب ومعلوم ان القعود عن الحرب لم يكن راجحا والقول بأن المراد من الآية في المورد هو فعل
المباح وفي غيره هو الراجح مضافا إلى أنه لا معنى له موجب لاستعمال اللفظ في أكثر من معنى وهو غير
جايز عند المحققين.
وللثالث أيضا عموم الآية الشريفة بناء على أن يكون المراد منه هو المعنى الثاني حسبما هو المتبادر
منه فإن أخذه للزايد إنما هو لأجل مصلحة المالك وهي حفظ ماله وما دل على نفي الضمان في الأمانة الشرعية
فإن أذن الشارع لاخذ الزايد إنما يكون من جهة الائتمان لأجل مصلحة المالك هكذا ذكره الأستاذ العلامة.
وللرابع لم يعلم وجه يعتد به ويمكن ارجاعه إلى القول بعدم الضمان مطلقا في صورة عدم التعدي
وادعاء كون التلف في غير الصورة لا محالة يكون على على وجه التفريط.
وأنت إذا تأملت في أدلة الأقوال علمت أن الحق هو القول الأول لان الأصل مرتفع بعد قيام ما عرفت
من الدليل على الضمان.
وأما حديث الأمانة الشرعية فقد عرفت فساده صغرى وكبرى لان الاخذ لمصلحة الاخذ وعلى تقدير
كونه لمصلحة المالك لا دليل على عدم تعقبه للضمان عموما وأما التمسك بالآية الشريفة ففيه أولا المنع من
كون الظاهر من الاحسان هو فعل ما لا حرج فيه بل الظاهر منه حسبما هو قضية التبادر وصرح به جمع من
أئمة التفسير وأهل اللغة هو المعنى الثاني وأما ما ذكر أخيرا من الدليل على كون المراد منه في خصوص المقام
هو المعنى الأول من حديث خروج المورد أو استعمال اللفظ في أكثر من معنى وواحد ففيه انا نمنع من كون
المراد منه في المورد هو المعنى الأول لان التعليق بالنصح المذكور قبل الآية يدل على أن المراد منه ليس المعنى
الأول بل هو دليل على خلافه فما ذكر من حديث المورد لنا لا علينا هذا وذكر الأستاذ العلامة ان التعليق في
المقام لا مفهوم له بل المراد منه الاهتمام بأداء فرض النصح لله لا أنهم إذا لم ينصحوا لله كان المقصود عليهم
حراما فتأمل
هذا كله مضافا إلى ما ذكره الأستاذ العلامة من كون الآية من العمومات الموهونة التي لا يجوز التمسك بها إلا مع
جابر قوي فتأمل هذا مجمل القول في رد دليل القول بعدم الضمان مطلقا.

347
واما الجواب عن دليل ما صار إليه العلامة رحمه الله من التفصيل فاما عن الأول فقد عرفت واما عن -
الثاني فبانا نمنع من كون اخذه للزايد انما هو من جهة مصلحة المالك بل انما من جهة مصلحة نفسه
من حيث توقف استنقاذ حقه عليه فليس محسنا نعم الزايد في يده بعد البيع واخذ مقدار الحق لا يكون
مضمونا عليه لما ذكر.
لا يقال سلمنا كونه مقدمة لاستنقاذ ماله لكن الاذن في اخذه تبعا يقتضي عدم الضمان على تلفه من
غير تعد وتفرط وان هو الا نظير ما ذكروه في باب توقف استنقاذ حق المغصوب منه على كسر قفل من الغاصب
أو تخريب بنيان منه كما في الخشبة المستدخلة في الحايط من أنه يجوز له استنقاذ ماله وان لزم ما لزم بل
ذكر جماعة في مسألة العين المدعى أيضا حسبما عرفت سابقا انه لو توقف اخذها على كسر قفل من المدعى
عليه فهو جايز له.
لأنا نقول قد عرفت أن مجرد الإذن الشرعي لا يوجب رفع الضمان سواء كان تبعا أو أصالة وقياس
المقام بما ذكروه في مسألة الغصب والعين فاسد إما أولا فلان المتوقف عليه في المقام انما هو الاخذ دون الاتلاف
بخلافه في المقيس عليه فان المتوقف عليه فيه هو الاتلاف فيمكن ان يقال إن الاذن فيه موجب لرفع الضمان
واما ثانيا فلانا نمنع من جواز كسر القفل إذا لم يوجب عدم كسره ضررا على المدعى وعلى فرضه لا دخل للحكم
بالجواز فيه بما نحن فيه أصلا كما لا يخفى واما الغصب فالحكم فيه خارج عن القاعدة من جهة ما دل على أنه لا
حق للعرق الظالم فلا معنى للقياس عليه أصلا.
الأمر الخامس ان ما ذكرنا من الكلام كله من أول مسألة المقاصة إلى هنا انما هو في الدين واما العين
فهل يجوز التقاص عنها إذا لم يمكن الوصول إليها أم لا وجهان صريح العلامة في التذكرة وثاني المحققين
في صد الجواز بل ذكر الأستاذ العلامة انه لا اشكال فيه عند الأصحاب فإنهم وإن لم يعنونوا المسألة بأجمعهم
الا انه يفهم من مذاقهم عدم الفرق بين العين والدين ويدل عليه بعض الروايات المتقدمة أيضا مثل خبر
علي بن سلمان.
ثم على تقدير الجواز فهل هو من باب بدل الحيلولة والعوض عن السلطنة الفعلية الفائتة أو عوض عن
العين التي قدر العجز عن الوصول إليها وجهان أوجههما بالنظر إلى الرواية هو الثاني وليس فيه الا ما قيل
عليه من لزوم تحقق المعاوضة وخروج المال عن ملك مالكه بعنوان البدلية مع عدم رضائه بل ولا اطلاعه به
وهو غير معهود في باب المعاوضات وهو ليس بشئ لان بعد دلالة الرواية على جواز اخذه عوضا وبدلا
عن العين يدل على حصول ولاية للمقاص كما في التقاص عن الدين ببيع المال والمقاصة من ثمنه فتأمل ثم إن
الثمرة بين الوجهين مما لا يكاد ان يخفى على المتأمل.
قوله من ادعى مالا يد لاحد عليه قضى له آه أقول قد صرح بعض الأصحاب بان الحكم غير مختص
بالعنوان المذكور بل كل من ادعى شيئا لا معارض له فدعواه مسموعة سواء كانت دعوى مالية مال أو وكالة
من شخص في أمر أو طلاق أو وصاية وأمثالها فيكون تعبير المصنف من باب ذكر أحد افراد المسألة الكلية من
حيث كون اليد من المعارض في الجملة وإن لم ينحصر فيها هذا ولكن في محكي القواعد جمع بين القيدين
فقال من ادعى ما لا يد لاحد عليه ولا منازع له فيه قضى له ولعلنا نشير إلى وجهه ثم بالحري قبل التعرض لتحقيق
الحق في المقام ان نذكر أمورا بها يحرر محل الكلام ويكشف القناع عن وجه المرام.

348
أحدها ان محل الكلام فيما ذكروه انما هو في الدعوى المخالفة للأصل واما الدعوى الموافقة
للأصل فهي خارجة عن محل كلامهم قطعا لان سماعها مما لا يتوهم انكاره من أحد حتى يحتاج إلى
البينة فكلامهم في مقام اثبات حكم على خلاف القواعد وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا قد صرح به غير
واحد من الأصحاب.
ثانيها انه لا اشكال في أنه ليس المراد من المعارض المنفي في كلامهم وكذا اليد المنفية فيه هو
ما لا يوجد عقلا لعدم وجود هذه الصورة كما لا يخفى كما أنه لا اشكال في اعتبار نفي المعارض الفعلي واليد الفعلية
لأنه متيقن المراد من كلامهم بحيث لا يرتاب فيه أصلا فهل المراد خصوصه فيعم مورد البحث ما إذا كان هناك
يد سابقة أو معارض شاني ويد شانية كما في دعوى مالية ما كان في يد غير المدعى مع نفي ذي اليد ماليته عن
نفسه لأنه لا يحتاج إلى البينة فإنه وإن لم يكن هناك معارض فعلي إلا أنه يكون ما يصلح من جهته المعارضة أو
الأعم منه ومما إذا كان هناك يد سابقة أو شانية فلو ادعى أحد ملكية ما كان في يد غيره سابقا مع عدم كونه
في يده حين الدعوى ولا في يد المدعي فلا يحكم له به بخلاف التقدير الأول وكذا لو ادعى أحد موت مورثه
وطلب تقسيم التركة من الحاكم فإنه تسمع دعواه على التقدير الأول ولا تسمع على التقدير الثاني إلى غير ذلك
من الفروع وجهان أوجههما بالنظر إلى قضية ظاهر كلامهم هو الأول وإن كان الالتزام ببعض فروعه مشكلا
جدا كما أن الالتزام باختصاص محل كلامهم بما إذا لم يكن هناك يد سابقة أصلا ولا ملكية سابقة والا فيحتاج
إلى البينة أشكل للزوم اختصاص محل كلامهم بما يستلزم خروج مورد مدرك حكمهم وهو الرواية الأبية عنه
مضافا إلى لزوم اختصاصه بالمباحات فيخرج عنه دعوى ملكية ما يعلم بكونه ملكا المدعى ولو قبل عشر
آلاف السنة والتفصيل بين الزمان والقصير مما لا يعقل له ماخذ أصلا هكذا ذكره الأستاذ العلامة دام
ظله وسيأتي تحقيق القول فيه في طي المسألة انشاء الله ثم إنه لا اشكال ان المراد على التقدير الأول انما هو فيما
إذا لم يستلزم دعوى على غايب وإلا فلا اشكال في عدم سماعها بالمعنى المقصود في المقام.
ثالثها ان المراد من قولهم قضى له به هل هو القضاء له مراعيا بعدم المعارض فلو وجد المعارض كانا
متداعيين فعلى كل منهما البينة كما لو تداعيا في عين لا يد لأحدهما عليه أو القضاء له بمعنى صيرورته ملكا له
كما يحكم له لو كان يده عليه فيصير حينئذ المدعى بعد القضاء له به ممن يده عليه يد ملكية فلو وجد معارض له بعد
فيحكم بان البينة عليه لكونه مدعيا وجهان أوجههما الأخير كما لا يخفى هذا ويظهر من الشهيد في المسالك ان
المراد
منه عدم التعرض له وعدم منعه من التصرف وأنت خبير بان هذا ليس مرادهم جزما.
إذا عرفت ما قدمنا لك من الأمور فلنتعرض لما هو المقصود بالبحث في المقام فنقول انه استدل على ما
ذكروه من القضاء للمدعى إذا لم يكن له معارض بوجوه.
أحدها ما ذكره في المسالك من أنه عدم المنازع لا وجه لمنع المدعي منه ولا لطلب البينة فيه ولا
لإحلافه إذ لا خصم له حتى يترتب عليه ذلك انتهى وفيه ما لا يخفى لان مجرد عدم منع المدعي عن التصرف فيما
يدعيه لا يقضى بجواز القضاء له بمجرد دعواه كما هو محل البحث كما أن عدم مطالبته بالبينة لا يقتضي جواز
القضاء له بدونها فيتوقف (فلتوقف خ) مضافا إلى أن المطالبة في المقام بمعنى الشرطية وعدم الحكم بدون
البينة وهي لا تحتاج إلى الدليل الخاصل لو كان هناك ما يقتضي بمعمومه على اعتبار البينة وبالجملة ما ذكره
ضعيف في الغاية.

349
ثانيها ما ذكره سيد مشايخنا في الرياض وتبعه شيخنا في الجواهر من أصالة حمل قول المسلم على
الصحة ورده في الرياض بأنه أخص من المدعى لأنه ليس خصوص سماع دعوى المسلم إذا لم يكن له معارض
بل يشمله والكافر أيضا.
وأنت خبير بأن ما ذكروه غير تام في حق المسلم أيضا لان من المحقق في محله عدم قيام دليل على
وجوب حمل قول المسلم على الصحة بمعنى الصدق فيكون الأصل في قول المسلم الحجية إلا ما خرج بالدليل
بل ظاهر الأدلة خلافه.
نعم الصحة بمعنى عدم اللغوية أو المشروعية قال الدليل على وجوب حمله عليها لكن الصحة بهذا المعنى
لا ربط لها بالمقام ولا تنفع المستدل أصلا كما لا يخفى هذا مضافا إلى ما أفاده الأستاذ العلامة من أنه لو كان
الأصل في قول المسلم الحجية والصدق لكان واردا على اليد أيضا لو كان في مقابلة يد نظير البينة فلا يحتاج إلى
إقامة البينة وهذا ما لا يذهب إليه أحد.
ثالثها ما أدعاه بعض الأصحاب من الاجماع فإنا وإن لم نقل بحجية الاجماع المنقول مطلقا لكنه في
المقام معتضد بالشهرة وبغيرها من الامارات.
رابعها ما ورد في مسألة الكيس ان يونس بن عبد الرحمن روى عن منصور بن حازم قال قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام) عشره كانوا جلوسا ووسطهم كيس ألف درهم فسئل بعضهم بعضا ألكم هذا الكيس فقالوا كلهم لا فقال
واحد منهم هو لي قال (عليه السلام) هو للذي أدعاه.
وتنظر في الاستدلال به الأستاذ العلامة دام ظله موافقا لابن إدريس في السرائر بأنه لا يستفاد من
الرواية ان الحكم من جهة مجرد ادعاء المدعي مع عدم المعارض له بل الظاهر منها انه من جهة اليد فيكون
الحكم فيها على طبق قاعدة ضرورة انه إذا كان الكيس في وسط جماعة يحكم بكونه لهم من جهة يدهم عليه
ولهذا لو ادعى أحد عليهم من غيرهم ملكيته فأنكروه يحكمون من غير اشكال بأن عليه البينة لأنه مدع فإذا نفى
أحدهم يرتفع حكم اليد في حقه ويقوم بالباقي إلى أن ينتهي إلى الواحد فإذا نفى جميعهم إلا الواحد تقوم
السلطنة به فالحكم له بعد دعواه إنما هو من جهة يده فتكون على طبق القاعدة.
والوجه فيما ذكرنا ما تقرر في محله من أنه لو كان شئ بين جماعة لا يحكم بتعلقه بواحد منهم
بالخصوص للزوم الترجيح بلا مرجح بل يحكم بتسويتهم فيه لا بمعنى ان هنا يد أو أحدا قائما بالمجموع بحيث
إذا نفى أحدهم من نفسه ينتفي رأسا ولا بمعنى كونه على الحصص بل بمعنى ان هنا سلطنة واحدة قائمة
بالمجموع من جهة عدم ترجيح بعضهم على بعض بحيث يصلح أن يكون كل واحد يده عليه فيصح أن يقال
بمعنى ان لكل واحد يدا نظير الشئ الموجود في الدار المشتركة بين الجماعة فإذا نفى أحدهم من نفسه السلطنة
فيكشف ذلك عن قيامها بغيره وهكذا إذا نفى الجميع غير الواحد ولو سلمنا انه لا يكون يدا حقيقة لكن لا إشكال
في كونه يدا حكما يحكم عليه بحكم اليد من جهة ظهور اليد والملكية كما فيما يتعلق باللقيط من البيت والفرش
واللباس وغيرها فالرواية لا دخل لها بالمقام.
قال ابن إدريس في محكي السرائر بعد نقل الرواية هذا الحديث صحيح وليس هذا فيمن أخذه
بمجرد دعواه وإنما هو لما لم يثبت له صاحب المدينة سواه واليد على ضربين يد مشاهدة ويد حكمية فهذا يدعيه لان
كل واحد منهم نفى يده عنه وبقي يد من أدعاه حكمية ولو قال كل واحد من الجماعة في دفعة واحدة أو

350
متفرقا هو لي لكان الحكم فيه غير ذلك وكذلك لو قبضه واحد من الجماعة ثم أدعاه غيره لم يقبل دعواه بغير
بينة لان اليد المشاهدة عليه لغير ما أدعاه والخبر الوارد في الجماعة انه نفوه عن أنفسهم ولم يثبتوا لهم عليه
يدا لا من طريق الحكم ولا من طريق المشاهدة ومن أدعاه له يد عليه من طريق الحكم فقبلنا فيه دعواه من
غير بينة ففقهه ما حررناه وأيضا إنما قال أدعاه من حيث اللغة لان الدعوى الشرعية من ادعى في يد غيره عينا
أو دينا انتهى ما حكى عنه وهو في غاية الجودة واندفع به أيضا ما ربما يتوهم من ظهور قوله فهو للذي أدعاه
في كونه غير ذي اليد.
وكذا اندفع من ملاحظته وملاحظة ما ذكرنا في معنى الرواية أمور بها يتوهم ظهور الرواية في المدعي
أحدها ظهور الكل في الجميع حتى من ادعى ملكية الكيس فيكون أدعاه بعد نفيه فيخرج عن حكم اليد
ثانيها اطلاق الرواية وشمولها لما إذا جاء المدعي بعد الجميع أو جائوا دفعة في كل مكان فيه كيس بحيث يعلم عدم
يد أحدهم عليه ثالثها عدم تفصيل الإمام (عليه السلام) في الحكم المذكور بين من بقي من الجماعة وغيرهم ممن يكون
خارجا منهم ولو كان الحكم مبنيا على اليد فلا بد من التفصيل إذ ربما يعلم النافون مساواة المدعي معهم في
عدم يد أحدهم على الكيس فترك الاستفصال دليل على عموم الحكم وعدم كونه من جهة اليد.
إذ الأول مدفوع بظهور قوله فقال واحد منهم في أنه بمنزلة الاستثناء من الكل والثاني والثالث
مدفوعان بظهور الرواية في غير ما فرض من الصورة فلا معنى للتمسك بترك الاستفصال لأنه فيما لم يكن هناك
ظهور للكلام على خلاف المحتمل هذا.
ولكن ذكر الأستاذ العلامة بعد ما ذكر من الاشكال الذي عرفته في الرواية انه يمكن التمسك بها على
مذهب القوم ويقال بظهورها فيه بأن يدعي كما هو الظاهر بأنه وإن كان للعشرة يد على الكيس إلا أنه لا ريب
ان يدهم عليه ليس بمعنى ان لكل منهم صلاحية للتسلط عليه عرفا بحيث لو فرض عدم وجود كلهم إلا واحدا
من أول الأمر لكان له يد وسلطنة عرفا عليه بل بمعنى ان هناك يدا واحدا قائما بالأكثر بحيث لو نفى الجميع إلا
واحدا لم يصدق ان له يدا عليه قطعا
توضيح ذلك أنه مما لا إشكال ان ثبوت السلطنة لشخص على مال عرفي لا يكون على نسق واحد قطعا
بل يختلف بحسب الخصوصيات فإذا كان عشرة دايرة على مال يحكمون أهل العرف ان لهم يدا على المال
بخلاف ما لو لم يكن هناك إلا واحد وكان المال بعيدا منه بمقدار الذراعين أو أكثر فإنه لا يحكمون بأن له يدا
عليه فإذا عارضه شخص فيكون من باب التداعي بل يختلف الحكم بالنسبة إلى العشرة أيضا بالنسبة إلى كيفية
جلوسهم كما لا يخفى فقد يحكمون باليد للثلاثة إذا كان جلوسهم على سبيل الدور والتثليث.
نعم لو كان المال واقعا في ملك أحد سواء كان في بيته أو فراشه أو نحوهما فيحكمون بيده عليه
وإن كان بعيدا منه ففي كل مورد لو كان الشخص منفردا يحكمون أهل العرف باليد له ففي صورة التعدد لو
نفى غيره انحصر فيه وإلا فلا ففيما نحن فيه نقول إن حكم أهل العرف كان قائما بالمجموع فإذا نفى غير الواحد
زال حكم أهل العرف فيكون الحكم بسماع دعواه على خلاف الأصل فاندفع بما ذكرنا كله ما يقال من أنه
أي فرق بين ما إذا كان مال في بيت مشترك بين جماعة فنفى الملكية غير واحد منهم فإنه يحكم بكونه له من
جهة يده وبين ما إذا كان مال بين جماعة في غير ملكهم وجه الدفع ما عرفت من أنه إذا كان المال في الملك
المشترك يصح أن يكون لكل واحد منهم يد عليه بحيث لو لم يكن إلا واحدا حكم عرفا بثبوت يده عليه و

351
هذا بخلاف ما نحن فيه فظهر من جميع ما ذكر دلالة الرواية على مذهب المشهور هذا ملخص ما ذكره دام ظله
خامسها ما روي أيضا عن منصور بن حازم في مسائل يسئل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في غير الرواية المتقدمة
وإن كان يظهر من بعض مشايخنا انه من تتمتها لكنه ليس بصحيح كما لا يخفى على من له تتبع في الروايات
قال قلت له أيضا ان الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون بالله قال صدقت قلت إن من عرف له ربا
فقد ينبغي له أن يعرف ان لذلك الرب رضا وسخطا وانه لا يعرف رضاه وسخطه إلا بوحي أو رسول ومن لم يأته الوحي
فقد ينبغي ان يطلب الرسل فإذا لقيهم عرف انهم الحجة إلى أن قال فقلت لهم من قيم (فهم خ) القرآن فقالوا
ابن مسعود قد كان يعلم وعمر يعلم وحذيفة يعلم قلت كله قالوا لا فلم أجد أحدا يقول إنه يعرف ذلك كله إلا عليا وإذا
كان الشئ بين القوم فقال هذا لا أدري وقال هذا لا أدري وقال هذا أنا أدري فاشهد ان عليا كان قيم (فهم خ) القرآن.
وفيه ما ذكره الأستاذ العلامة أيضا من أنه لا دلالة له على المقصود أصلا أما أولا فلان من المعلوم
الذي يعلمه كل موافق ومخالف ان بناء الأمة كان على تصديق الصحابة في كل ما قالوا وكانوا مطبقين على
حجية قولهم حتى أن ابن مسعود لو قال إني أعلم كل القرآن لصدقوه لا من جهة انه لا معارض له بل من جهة
مفروغية تصديق الصحابة فكل من ينفي شيئا منهم فمصدق في قوله وكل من أثبته فمصدق في قوله سواء كان عليا
أو غيره فلما أثبت الأمير صلوات الله عليه علم جميع القرآن لنفسه ونفاه الباقون فيجب الرجوع إليه فهذا الحديث
لا دخل له بحديث وجوب تصديق المدعي فيما يدعيه من حيث إنه مدع مع عدم المعارض له.
وأما ثانيا فلانا لو سلمنا ان مناط التصديق هو مجرد ادعاء الدراية كما يدعي ظهوره من ذيل الحديث
بحمل اللام في القول (القوم؟؟) على العموم أو الجنس وعدم كون المراد منه خصوص الصحابة فتكون اللام للعهد لكن نقول إن
الظاهر من الشئ هو الامر الشرعي والعلم به لا الملكية ونحوها فلا دخل للرواية بالمقام أيضا هكذا ذكره الأستاذ
العلامة في مجلس البحث
سادسها ما ذكره الأستاذ العلامة ولم أر من تمسك به غيره من أنه يمكن الاستدلال على ما ذكروه
بالقاعدة المعروفة بينهم المستدل بها في كلماتهم لكثير من الفروع وهي قاعدة من ملك فإنه لو تصرف المدعي
في العين نحمله على الصحة ونرتب عليه جميع آثار ملكه من الشراء منه إذا عرضه للبيع لنفسه إلى غير ذلك من
جهة الحكم بملكيته فإذا أقر بها فاقراره حجة فيها لان كل أحد له إن شاء شئ في زمان فاقراره نافذ بالنسبة إليه
في ذلك الزمان فالقاعدة تدل على وجوب سماع قول المدعي في الفرض سيما على ما ذكرنا في محله من أن مدرك
القاعدة هو فحوى أدلة وجوب سماع قول الأمين وعدم اتهامه فيه.
لا يقال إن المقر به في الفرض وهي الملكية غير ما يكون له انشائه وهو التصرف في العين فلا دخل للقاعدة
بالمقام لأنا نقول المقر به وإن كان غير ماله انشائه إلا أن مجرد هذه المغايرة لا يضر بعد ما كان المنشأ بحسب
الثمرة والنتيجة راجعا إليه سيما بعد ملاحظة ما استفدنا في مدرك القاعدة من فحوى ما دل على عدم اتهام الامناء
وهو نظير ما ذكره العلامة في عد وقرره ثاني المحققين قدس الله سرهما في مسألة الخيار من أنه لو أقر البايع
ذو الخيار بأن المبيع كان مغصوبا من فلان كان اقراره حجة يحكم بفسخ البيع لان له انشاء الفسخ حين الاقرار
بالغصب فيكون اقراره حجة فيما يرجع إليه هذا حاصل ما ذكره وبما ذكرنا من معنى كلامه ظهر اندفاع ما
أورده عليه بعض المحققين من المتأخرين من أن ما له انشاء الفسخ واقعا وما يثبت باقراره هو الفسخ ظاهرا وثبوت المال
للمقر كذلك فلم يتحد ما له انشائه مع ما أقر به هذا ملخص ما ذكره الأستاذ العلامة في تقريب الاستدلال بالقاعدة.

352
ويمكن المناقشة فيه من وجهين أحدهما المنع من دلالة مجرد التصرف على الملكية ما لم يكن
مقارنا مع اليد كعرض العين معرض البيع مع العلم بأنه يبيعه لنفسه لو قيل بأن مجرده تصرف في العين وإلا
فالتحقيق انه ليس بتصرف في العين أصلا ولهذا لا يحكم بحرمة بيع مال الغير أيضا على النحو المذكور ما لم
يتعقب تصرفا في مال الغير فلو أطلق على هذا انه تصرف توسعا فنمنع من قيام دليل على دلالته على الملكية لان
حمل فعل المسلم على الصحة لا يدل عليه قطعا نعم لو كانت يده عليه فيدل على الملكية لكن الصورة خارجة
عن محل الفرض هكذا قيل.
ثانيهما ما تفردت به ولم أر أحد أسبقني عليه من منع صدق من ملك شيئا قبل الفعل فإن ما دل على
وجوب حمل فعل المسلم على الصحة إنما يدل عليه إذا وقع منه فعل في الخارج بمعنى انه لو فعل مسلم فعلا
فيجب
علينا حمله على الصحة وأما قبله فلا يدل عليه أصلا فلا يصدق قبل الفعل انه مالك للفعل شرعا وانه له حتى
يحكم بحجية اقراره في نتيجته.
نعم لا ينبغي الاشكال في عدم جواز الحكم بعدم جواز التصرف له ومنعه منه مع كوننا شاكين كما أنه
لا إشكال في عدم جواز الحكم لنا بأنه جايز له بحسب تكليفه لأن المفروض عدم علمنا بأنه شاك في نفسه أو قاطع
بأنه ماله أو قاطع بعدمه فكيف يجوز لنا الحكم بشئ مع عدم علمنا بوجود العنوان الذي هو معروض للحكم
والحكم بأنه مالك للفعل وجايز له قبله من جهة أصل البراءة مع شكنا فيه واحتمال كون المدعي قاطعا بعدم
جواز التصرف له دون اثباته خرط القتاد كما لا يخفى هذا ولكن عليك بالتأمل فيما ذكره الأستاذ العلامة لعلك
تجده حقيقا بالقبول وهو غاية المسؤول وعليه التعويل في جميع الأمور.
وينبغي التنبيه على أمور الأول انه لو قلنا بسماع دعوى لا معارض لها في الأعيان كما هو الظاهر المشهور
بين الأصحاب مضافا إلى نقل الاجماع عليه وعدم الخلاف فيه فهل تسمع في غيرها كما ربما يظهر من بعض
الأصحاب أم لا وجهان أوجههما بالنظر إلى مقتضى الأصل هو الثاني.
وتفصيل القول فيه يقتضي بسطا في المقام فنقول بعون الملك المتعال ان الدعوى الغير المتعارضة
في غير الأعيان على وجوه.
أحدها أن تكون على طبق الأصل والقاعدة وهذا لا إشكال في سماعها بل قد عرفت خروجها عن
محل النزاع كدعوى المرأة انه لا زوج لها وكدعوى ذي اليد الوكالة أو الأمانة بناء على حمل يده على الصحة
بعد عدم إمكان حملها على الصحة بمعنى كونها امارة على الملك حسبما هو قضية التحقيق المحقق في محله وكدعوى
المرأة عدم الزوجية مع العلم بأن لها زوجا في جملة غير محصورة بناء على القول بأن العلم الاجمالي في الشبهة الغير
المحصورة لا أثر له فيرجع إلى الأصل ذكره الأستاذ العلامة والذي يخطر ببالي القاصر انه لو قلنا بتلك المقالة
في الشبهة الغير المحصورة لا يجوز القول بها في الفرض ويظهر وجهه بالتأمل.
ثانيها أن تكون على خلاف الأصل وكان لها تعلق بالغير كدعوى طلاق الزوج المعين أو الوكالة من
شخص إلى غير ذلك والظاهر عدم الاشكال في مطالبة البينة من المدعي في هذه الصورة وعدم سماع دعواه بدونها
لجريان ما دل على أن المدعي عليه البينة في الفرض لوجود المدعى عليه في مقابله وعدم ما يقضي بالخروج عنه
لعدم قيام الاجماع ولا غيره عليه هكذا ذكره الأستاذ العلامة.
ثالثها أن تكون على خلاف الأصل لكن لم يكن لها تعلق بحق الغير نوعا كدعوى الصبي البلوغ و

353
كدعوى الزوجة موت الزوج ونحوهما وقد أورد الأستاذ العلامة المثال الثاني مثالا للصورة الثانية وعليك
بتطبيقه على ما هو الحق في نظرك وهل تسمع الدعوى في هذه الصورة أم لا وجهان أوجههما الثاني نظرا إلى
عدم قيام دليل عليه أصلا ودعوى الاجماع عليه مجازفة جدا ثم إن ما ذكرنا في القسمين الأخيرين إنما هو بالنظر
إليهما من حيث عنوان سماع الدعوى التي لا معارض لها وإلا فقد توجد في بعض الموارد قواعد خاصة تقتضي
لسماع الدعوى كدعوى المرأة الطهر من الحيض أو دعواها طلاق الزوج لما دل على تصديق المرأة فيما تدعيه
لو قيل بدلالته في المثال الثاني فتدبر.
الثاني انك قد عرفت في طي ما ذكرنا لك في الأمر الأول أنه لو كانت الدعوى في غير الأعيان متعلقة بحق
الغير لا إشكال في عدم سماعها بدون البينة وهل يلحق بها الدعوى في الأعيان إذا كانت متعلقة بحق (لحق خ) الغير
كما إذا كانت العين المدعاة ملكيتها في يد الغير مع نفيه عن نفسه أم لا وجهان ظاهر بعض الثاني ولكن الحق هو الأول
لما دل على أن إقامة البينة على المدعي إذا كان له مدعى عليه المفروض وجوده في المقام ولا مخرج عنه في الفرض
والقول بأنه ليس هنا من يدعى عليه لان ادعائه ملكيته ليس دعوى على من في يده المال لأنه يدعي شيئا يزول يده
عنه بسببه قهرا فاسد جدا لان ذا اليد في الفرض من جهة ولايته على المال له نوع سلطنة على المال فيرجع دعوى
ملكيته من المدعي إلى ادعاء زوال سلطنته فيصير مدعى عليه.
لا يقال لا نفهم معنى لولايته إلا كونه مأمورا بايصال المال إلى صاحبه والولاية بهذا المعنى لا تعارض
قول من يدعي أنه صاحبه بل مقتضاه اعطائه.
لأنا نقول سلمنا انه ليس معنى ولايته ما ذكرته إلا أنا نقول إنه مأمور بإيصال المال إلى صاحبه
الواقعي فله المزاحمة لكل من لم يثبت كونه الصاحب الواقعي للمال فلا تسمع دعواه عليه إلا بعد معلومية كونه
الصاحب الواقعي فلو أريد اثبات كونه الصاحب الواقعي بمجرد دعواه لم يخل من دور فتأمل.
الثالث انه لو ادعى ملكية العين بعد نفيها عن نفسه فهل تسمع دعواه أم لا وجهان أوجههما الأخير
للأصل وعدم ما يقتضي الخروج عنه مضافا إلى عموم ما دل على نفوذ اقرار العقلاء على أنفسهم إذ لا فرق فيها بين ان
ينفي مالا عن نفسه ويثبته لغيره معينا وان ينفي عن نفسه ولم يثبته لغيره وإن شئت قلت إن اقراره السابق
أوجب رفع حكم دعواه اللاحقة.
فإن قلت كيف يحكم بإيجابه رفع حكمها مع أنه لا معارضة بينهما إذ يمكن الجمع بينهما بحمل
إقراره على النسيان أو الجهل أو غير ذلك.
قلت التدافع بينهما إنما هي مبني على الظاهر الذي تقرر حجيته إذ الأصل عدم النسيان هذا وليس للأول
إلا ادعاء ظهور رواية الكيس بحمل لفظ الكل على حقيقته من دون جعل قول الآخر بمنزلة الاستثناء منه وهو
فاسد لما قد عرفت سابقا من ظهور الرواية في الاستثناء فراجع.
وبالجملة لا أرى وجها للقول بسماع دعوى الشخص بعد اقراره بما ينافيها فإنه إن كان من جهة الجمع
بين قوليه وحملهما على الصحة كما يظهر من بعض ففيه انه لا دليل على ذلك سيما بعد توقفه على حمل اقراره
السابق بما ينافي الأصل من أصالة عدم النسيان وغيره وإن كان من جهة عدم دليل على سماع اقراره السابق
من ظهور قوله اقرار العقلاء في الاثبات ففيه مضافا إلى أن مجرد عدم قيام الدليل على سماع الاقرار لا يكفي
في سماع دعواه بعد كون مقتضى الأصل الأولي هو عدم السماع فتأمل المنع من الظهور المذكور وعلى فرض

354
تسليمه نقول بأن اقراره بعدم كون العين ماله يستلزم اثباته للغير فبهذا الاعتبار يرجع إلى الاثبات فهو مثل
ما لو صرح بالاثبات للغير ضرورة عدم الفرق في أخذ القاضي (العاقل خ) بما التزم على نفسه بين دلالة كلامه
عليه بالمطابقة أو الالتزام العقلي أو العرفي أو الشرعي ولو بوسايط عديدة.
ومنه يظهر فساد ما قد يتوهم من أن مجرد النفي عن النفس والاثبات للغير ما لم يكن هناك امارة على
كون المقر به ملكا للمقر كاليد لا يكفي في صدق الاقرار على نفسه وجه الفساد ان اقراره بكون المال مالا
لغيره يستلزم اقرارا على نفسه وهو عدم جواز تصرفه فيه بدون اذنه ونحوه وقد عرفت أنه لا فرق في الدلالة بين
أقسامها هذا وقد يستدل على المطلب بأن الاقرار بما ينافي الدعوى اللاحقة إذا كان موجبا لعدم سماعها مع البينة
حسبما نفى الخلاف عنه فإيجابه عدم سماعها بدونها بطريق أولى فتدبر.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من عدم السماع بين أن يكون هناك امارة توجب شرعا الحكم بملكية
المنفي بالاقرار السابق للمالك كاليد ونحوها أم لا وبعبارة أخرى لا فرق فيما ذكرنا بين الدعوى الموافقة
للقاعدة أو المخالفة لها هذا ولكن قد يقال بل قيل بالفرق بينهما من حيث إن بعد تعارض القولين من المدعى
وتساقطهما في الصورة الأولى توجب الرجوع إلى القاعدة فيحكم بالملكية بخلاف الصورة الثانية وهو نظير ما لو
أنكر الرجل زوجية امرأة في زمان ثم أقر بها مع تصديق المرأة لادعائه اللاحق هذا وأنت خبير بفساد تفصيل
المذكور لان اقرار السابق كما أوجب رفع الحكم دعواه اللاحقة كذلك أوجب رفع حكم يده أيضا كما لا يخفى.
وأما قياس ما نحن فيه بمسألة ادعاء الزوجية مع تصديق المرأة بعد نفيها سابقا ففيه مضافا إلى الالتزام
بعدم السماع في الصورة أيضا لعدم تأثير تصديق المرأة في رفع أثر الاقرار السابق انه قياس مع الفارق إذ يمكن أن
يقال في الفرض بالسماع من حيث إنه حكم الشارع بنفوذ الاقرار على نفس المقر إنما هو من جهة مراعاة حق
المقر له فإذا فرض رفع المقر له يده عن حقه فيمكن أن يقال بسماع الدعوى المسبوقة بالاقرار وهذا بخلاف ما
نحن فيه هكذا ذكره الأستاذ العلامة دام ظله العالي.
قوله لو انكسرت سفينة في البحر فما أخرجه البحر فهو لأهله وما أخرج بالغوص فهو لمخرجه آه.
أقول نسب القول في الكفاية إلى المشهور ورده بعض مشايخنا قدس سره بعدم التحقق نعم حكى عن العلامة
في الارشاد والتذكرة والتحرير القول به ونسبه في المسالك إلى الشيخ في النهاية بل ربما يظهر منه كونه مذهب
المشهور حيث رد توقف المصنف في المسألة من جهة كون الرواية الواردة فيها ضعيفة بان ضعف الرواية لا يوجب
رد حكمها على مذاق المصنف وغيره من حيث بنائهم على جبر الضعف بالشهرة ونحوها.
وكيف كان الأصل في المسألة رواية حسن بن علي بن يقطين عن أمية عميرة عن الشعبة الذي هو
إسماعيل بن زياد السكوني المشهور قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن سفينة انكسرت في البحر فاخرج بعضه بالغوص
وأخرج البحر بعض ما غرق منها فقال (عليه السلام) ما أخرجه البحر فهو لأهله الله تعالى أخرجه لهم وأما ما أخرج
بالغوص فهو لهم وهم أحق به وجه دلالته على ملكية ما خرج بالغوص للغواص بمقتضى ظاهره ظاهر واحتمال
كون المراد من الضمير المجرور هو المالك كما احتمله بعض مشايخنا أو الجزم به كما عن بعض الأصحاب
مخالف لظاهر الخبر من وجوه شتى لا تخفى على المتأمل فيه.
نعم لا إشكال في ضعف سنده ومخالفته للقواعد المتبعة الآبية عن التخصيص فلا بد من تأويله إن لم نقل
بطرحه نظرا إلى عدم جواز الخروج عن مقتضى القواعد الكلية المسلمة بمجرد معارض لها ولو كان صحيحا

355
فضلا عن أن يكون ضعيفا غير معمول به عند المعظم لان ما حكي عن الكفاية من نسبته العمل به إلى المشهور
وربما يظهر من عبارة ثاني الشهيدين في المسالك المتقدمة لم يعلم له حقيقة.
ولأجل ما ذكرنا من عدم مقاومة الرواية للقواعد المسلمة من جهة ضعفها وعدم الجابر لها
تمحل جماعة من الأصحاب لتطبيقها عن القواعد فعن بعض شروح الارشاد (1) ان فقه الحديث هو ان للمخرج
بالغوص للغواص ان ملكه المالك وإلا فإن أذن له في الغوص فله الأجرة وإلا فلا أجرة له أيضا وعن بعض تطبيقها
على القواعد من حيث حصول التلف بالغرق وزوال علاقة الملكية بينه وبين المالك فيصير كالمباحات
فللغواص حيازته كساير المباحات إذ كما أنه قد يخرج الملك عن ملكية المالك من جهة خروجه عن قابلية
التملك كما في الأجزاء الغير القابلة للتجزية وقد يخرج عن ملكه من جهة عدم قابلية المالك لقيام الملك به
كما إذا مات وصار من الجمادات كذلك قد يخرج عن الملك من جهة ارتفاع العلاقة التي كانت بينه وبين
المالك عرفا وكانت مقومة لصدق وجود ملكه عندهم فإذا ارتفعت تلك العلاقة ارتفعت الملكية وصدق التلف
العرفي الذي هو المناط فيه لاستحالة التلف الحقيقي للملك بعد الوجود ولهذا رتب الأصحاب على تلف المبيع
قبل القبض بالغرق ونحوه حكمه وليس إلا من جهة ما ذكرنا من ترتب الأحكام المترتبة على التلف شرعا
على التلف العرفي المتفاوت وضوحا وخفاء بحسب المقامات.
وعن الحلي قدس سره في ير حمله على ما هو الغالب من حصول الاعراض والياس للمالك بعد الغرق و
هما من أسباب الخروج عن الملكية بمقتضى القواعد قال في محكي السرائر في نوادر القضاء وجه فقه هذا
الحديث ان ما أخرجه البحر فهو لأصحابه وما تركه أصحابه آيسين منه فهو لمن وجده وغاص عليه لأنه صار
بمنزلة المباح ومثله من ترك بعيره من جهد في غير كلاء ولا ماء فهو لمن أخذه لأنه خلاه آيسا منه ورفع يده
عنه فصار مباحا وليس هذا قياسا وإنما هذا على جهة المثال والمرجع فيه إلى الاجماع وتواتر النصوص دون
القياس والاجتهاد انتهى كلامه وقال بعض مشايخنا بعد نقله ما عرفت من كلام الحلي رحمه الله ما هذا لفظه قلت
لعل هذا هو العمدة في تملك المعرض عنه مضافا إلى السيرة في حطب المسافر ونحوه انتهى كلامه إلى غير
ذلك من كلماتهم.
والحق تطرق النظر إلى جميع ما ذكروه من المحامل والوجوه إما الأول وهو ما ذكره بعض شراح
الارشاد ففيه انه عين القول بطرح الرواية والرجوع إلى القواعد العامة.
وأما الثاني وهو القول بحصول التلف بالغرق ففيه المنع من ذلك ودعوى الوجدان فيه من العرف
مكابرة ومناقضة للوجدان إذ لو سلم تلف المالية بالغرق فلا إشكال في بقاء الملكية والاختصاص ولو سلم ارتفاع
الملكية أيضا فلا إشكال أيضا في بقاء ربط بينه وبين المالك كالبيض الفاسد والخمر المهروق في وجه الأرض
إلى غير ذلك فالمالك أحق به ما دام يقبل الانتفاع به ولو لم يكن فعليا وهو يمنع من صيرورته كالمباح ودخوله
في ملك الغواص بمجرد الغوص.
والسر فيما ذكرنا من عدم ارتفاع الملكية والعلقة المطلقة ولو لم يعبر عنها بالملكية بزوال المالية
ان ارتباط الملك بالمالك إنما هو من حيث وجوه الانتفاع به فكلما كانت وجوه الانتفاع والتصرف كثيرة كانت
العلقة بينهما شديدة ويسمى باعتبارها مالا وهكذا إلى أن ينتهي إلى مرتبة لا تصلح إلا للانتفاع به في بعض الوجوه



(1) حكاه الأستاذ العلامة (منه قدس سره)
356
فكلما كانت صلاحية الانتفاع به باقية فالمالك أحق به من غيره نعم لو وصل إلى مرتبة لا يصلح للانتفاع به أصلا
فيخرج عن ملكية المالك وسلطانه ويكون مع غيره في شرع سواء هذا مضافا إلى أنه لو قيل بحصول التلف
بمجرد الغرق للزم القول به في صورة اخراج البحر أيضا فيكون الحكم بكونه ملكا للمالك على خلاف القواعد
ولم يذهب إليه أحد بل ظاهرهم الاطباق على كون الفقرة الأولى من الرواية موافقة للقواعد.
وأما الثالث وهو القول بكون الحكم في الرواية مبنيا على مقتضى الاعراض ففيه بعد توجيهه بحمل
الرواية على الغالب وهو حصول الاعراض بعد الغرق سيما إذا وصل إلى قعر البحر كما هو الغالب انه لا دليل على
إفادة الاعراض نقل الملك ولو مع اليأس أيضا ونقل الاجماع والنصوص المتواترة عليه مما لم نحققه وجريان
السيرة في بعض الموارد كما في حطب المسافر لا يصير دليلا للحكم على خلاف القواعد المتقنة كلية.
وبالجملة لا أرى دليلا على إفادة الاعراض نقل الملك وخروجه عن ملك المالك أصلا ودعوى الاجماع
عليه مما لا يجوز الاتكال عليه أصلا كما لا يخفى على من راجع كلمات الأصحاب كيف وقد استشكل جماعة
في حصول الإباحة بالاعراض بل رجح بعضهم العدم مع عدم العلم بإباحة المالك كما في بعض المقامات مثل نثار
العرس ونحوه وأعجب من دعوى الاجماع دعوى النصوص المتواترة مع انا لم نقف على نص يدل عليه عموما.
ومما ذكرنا يظهر أيضا فساد ما ربما يقال من حمل الرواية على الملك بعد التصرف بناء على إفادة -
الاعراض الإباحة وإفادة التصرف الملكية ولو بالتصرف المتوقف على الملك في المعاطاة بناء على القول
المشهور من إفادتها الإباحة وحصول النقل بالتصرف وجه الفساد مضافا إلى كونه مخالفا لظاهر الرواية انه لو سلم
إفادة الاعراض الإباحة فلا نسلم إفادته إباحة التصرف المتوقف على الملك لعدم الدليل عليه أصلا كيف وقد منعه
جماعة في المعاطاة فضلا عن المقام والقول بحصول النقل بمجرد التصرف فاسد جدا لعدم الدليل عليه جزما
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من عدم إفادة الاعراض الملكية بين اليسير والخطير ولا بين كونه في مهلكة وغيرها
فتحصل مما ذكرنا أن الأقوال في الاعراض من حيث سببيته لخروج المعرض عنه عن ملك المعرض
مطلقا أو في الجملة أو عدم سببيته لذلك مطلقا وسببيته لإباحة التصرف فيه مطلقا أو عدم سببيته لذلك إلا مع العلم
بإنشاء الإباحة من المالك كثيرة وقد عرفت عدم الدليل على سببيته لخروج الملك عن الملكية مطلقا عدا ما
يتمسك به ابن إدريس رحمه الله من الاجماع والنصوص المتواترة اللذين لم تحققا لنا وأما رواية البعير فلا دخل لها
بالمقام وإنما هي واردة في مسألة اللقطة وأما التمسك بذيلها وهي قوله وإنما هو كالشئ المباح بناء على القول
بإفادة الاعراض الإباحة من حيث دلالته من جهة العموم على حصول الملك في مباح بأخذه ففاسد جدا إذ
من المعلوم ان المراد من المباح فيه هو المباح الأصلي فلا عموم له يشمل المقام نعم ما جرت السيرة عليه في
بعض الموارد كحطب المسافر فنقول به لكن لا يجوز التعدي منه إذ لا قياس في مذهبنا.
وأما إفادته الإباحة من حيث هو فلا إشكال في عدم إفادته في نفسه الإباحة المالكية المتوقفة على الانشاء
منه نعم لا إشكال في إفادته تلك في بعض الموارد الخاصة لا من حيث هو هو كما في نثار الأعراس حيث نعلم أن
المالك إن شاء إباحة اخذه لكل أحد.
وأما إفادته الإباحة الشرعية فإن قيل بعدم تفكيك الاعراض عن رضاء المعرض بتصرف كل من
يأخذه وطيب نفسه بذلك كما مال إليه الأستاذ العلامة فلا إشكال في حصولها به لما دل على حل التصرف في
ملك الغير بعد طيب نفسه ورضائه به ومنه يظهر فساد ما ذكره بعض مشايخنا من عدم الإباحة إلا مع العلم بإنشاء

357
المالك إياها إلا أن يكون مراده الإباحة المالكية لكنه بعيد عن كلامه جدا.
وإن لم يقل بذلك فالذي جزم به الأستاذ العلامة في مجلس البحث سببيته لها أيضا للأصل الأولي
المستفاد من قوله تعالى خلق لكم الآية وغيره ولا مخرج عنه لان ما دل على حرمة التصرف في مال الغير
إلا بإذنه فإنما هو من جهة كونه منافيا لاحترام المالك المنفي قطعا في صورة الاعراض فالحرمة حقيقة مستندة
إلى كون التصرف منافيا للاحترام لا إلى عدم الإذن هذا محصل ما ذكره وللتأمل فيه مجال وعليه يمكن تطبيق
الرواية على مقتضى القاعدة بعد رفع اليد عن ظهور اللام في الملكية.
ثم إن هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها الأول انه لا إشكال في عدم حصول الملكية بالغوص إذا كان
المالك في صدد اخراجه باستيجار عليه ونحوه بناء على القول به لعدم حصول الاعراض الذي لا بد من حمل -
الرواية عليه بناء على كونه الغالب وكذا لا إشكال في عدم حصول الإباحة أيضا لحرمة التصرف في مال الغير
المنافي لاحترامه هكذا ذكره الأستاذ العلامة لكن في كلام جماعة اطلاق القول بحصول الملكية فتأمل الثاني
انه لا إشكال في جريان البحث المتقدم في المسألة فيما لو أخرج الغواص المال من قعر البحر بحيث انقطع رجاء
خروجه واما لا مع ذلك كما إذا كان في وسط البحر أو في قريب من سطحه ففيه وجهان الثالث انه ذكر
جماعة ان حكم المال المخرج بالغوص على القول بعدم حصول الملك به هو حكم مال اللقطة والمجهول المالك
وهو كذلك والله العالم.
قوله لو تنازعا عينا في يدهما ولا بينة قضى بها بينهما نصفين آه أقول اطلاق التداعي والتنازع في
المقام إما من باب التغليب أو محمول على المعنى اللغوي وكيف كان إذا تداعى الشخصان في عين فلا يخلو إما
أن لا يد لأحدهما عليه أو يدهما عليه أو يد أحدهما عليه وعلى جميع التقادير إما أن يكون لكل منهما بينة
على ما يدعيه أو لا بينة لأحدهما أو يكون لأحدهما دون الآخر.
أما الأول فإن كان تداعيهما على وجه الترتيب والتعاقب عرفا فلا إشكال في سماع دعوى السابق منهما
فيها لعدم المعارض لها بناء على ما عرفت من سماع كل دعوى لا معارض لها فيكون على اللاحق البينة لان القول
قوله السابق هذا بناء على كون المراد من قولهم قضى له هو حصول الملكية واليد للمدعي حسبما استظهرناه
فلا إشكال واما بناء على كون المراد منه هو الحكم بكون المدعى به ملكا للمدعي مراعى ففيه اشكال لكن
صرح الأستاذ العلامة بعدم الاشكال فيه أيضا من حيث كون دعواه امارة على الملكية المعتبرة شرعا بالفرض
فيكون قوله موافقا للأصل بالمعنى الذي عرفته سابقا.
وإن لم يكن على وجه التعاقب بل على الدفعة العرفية فهل يحكم بتساقطهما من حيث حصول
المانع من تأثير كل منهما لان كل منهما موجب للحكم بمقتضاه لولا الآخر فنسبة التأثير إلى كل منهما مما لا
معنى له وإلى أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح والحكم بتأثير كل منهما في النصف خلاف مقتضاه فلا بد
من الحكم بالتساقط أو الرجوع إلى القرعة من حيث كونها لكل أمر مشتبه أو الحكم بالتنصيف من حيث إن
الاخذ بكل منهما ولو في الجملة أولى من طرحهما وجوه مبنية على مسألة تعارض مطلق الأسباب والمعرفات
الشرعية وقد ذكرنا غير مرة ان مقتضى الأصل الأولي فيها هو التساقط والرجوع إلى القرعة يحتاج إلى
جابر قوي للعمومات الدالة عليها من حيث وهنها وأما الحكم بالتنصيف فلا دليل عليه سبيل الكلية وما
ذكر لا يصلح وجها له فتأمل هذا.

358
وقد يتوهم ان المقام مما يعمل فيه بموازين القضاء من جهة كون كل منهما مدعيا ومنكرا لما يدعيه
الأخر عليه ولكنك خبير بأنه ليس كما يتوهم لمنع كون كل منهما مدعيا ومنكرا لان الدعويين منهما بمنزلة
الدعوى الواحدة لا مقابل لها بل كل منهما يتعلق أولا وبالذاب بالعين المقتضى للحكم بكونها لمدعيها وهذا مما لا
سترة فيه أصلا هذا ولكن ذكر الأستاذ العلامة فيما سيجئ نقله ان صورة منه داخلة فيما يعمل فيه بموازين القضاء.
وأما الثاني وهو ما لو كان لكل منهما يد على العين فلا إشكال بل لا خلاف في أن الحكم التنصيف
بينهما لو لم يكن هناك بينة بل الاجماع عليه محققا ومنقولا كما عن جماعة.
مضافا إلى دلالة بعض الأخبار عليه مثل ما في المرسل ان رجلين تنازعا في دابة ليس لأحدهما بينة
فجعلها النبي (صلى الله عليه وآله) بينهما.
إنما الكلام في أن الحكم فيه بالتنصيف على خلاف القاعدة كما في القسم الأول أو على وفقها وجهان
مبنيان على أن اليد من كل منهما هل هي كاشفة عن السلطنة على تمام العين وملكيته لكل منهما كما في
صورة الانفراد فيكون من قبيل تعارض الأسباب الشرعية كما في الصورة السابقة أو كاشفة عن ملكية النصف
والسلطنة عليه بمعنى ان يدهما بمنزلة اليد الواحدة والسلطنة الواحدة على التمام فلكل منهما يدنا قصة على
التمام تكون امارة ودليلا على تملك النصف فكل منهما مدع بالنسبة إلى ما في يد الآخر ومنكر بالنسبة إلى
ما في يده فيعمل بموازين القضاء ويكون مقتضاها مع حلف كل منهما وعدم البينة التنصيف ظاهر بعض مشايخنا
الأول وظاهر المشهور الثاني وهو الوجه.
وتفصيل القول فيه انا ذكرنا غير مرة ان الأسباب الشرعية والامارات المعتبرة شرعا كالبينة والاقرار
واليد واليمين إلى غير ذلك كلها أمور كانت معتبرة عند العرف من حيث كشفها عن مداليلها ظنا وظهورها فيها ولو
نوعا وطبعا فاعتبرها الشارع أيضا بهذه الملاحظة ومعنى اعتباره امضائه ما عليه بناء العرف سوى القرعة حيث إن
الوجه في اعتبارها هو التعبد لا الظهور والكشف النوعي وان احتملنا سابقا كون الوجه في اعتبارها هو ذلك
أيضا فإذا كان الوجه في اعتبارها هو ذلك.
فنقول انا نمنع من كون اليد امارة عرفا على السلطنة المطلقة وتملك تمام العين في صورة الانضمام
والاشتراك وإنما هي امارة على التملك في الجملة نعم هي امارة على السلطنة المطلقة بشرط التجرد فاليد بشرط
شئ دليل عند العرف على تملك التمام لا لا بشرط.
وبعبارة أخرى اليد المجردة امارة على السلطنة المطلقة لا مجرد اليد وإنما هي امارة على السلطنة في
الجملة فامارية اليد على تملك المجموع عند العرف انما هي من جهة تجردها وانفرادها ففي صورة الانضمام
والاجتماع لا يكشف كل منهما إلا عن تملك النصف فلا تعارض بينهما بالنسبة إلى ما يقتضي كل منهما وهذه
بخلاف سائر الأسباب كالبينة والدعوى المجردة والاقرار فإنها مقتضية حتى في صورة التعارض لتملك تمام العين
وامارة عليه نوعا فيكون كل منهما مزاحما للآخر.
والسر فيه أن قول البينة هذا المال لزيد وقول المدعي هذا لي إنما يكون مدلولهما اللفظي كون
تمام المال لزيد والمدعى وهذا بخلاف اليد فإنها ليست دالة على ذلك لعدم تعلقها بالتمام على وجه التمام
والكمال لاستحالة ذلك وإنما هي متعلقة به على وجه النقص فتكون امارة على تملك النصف المشاع لا أن تكون
متعلقة بالنصف المشاع لان تعلقها بذلك يستلزم تعلقها بالتمام كذلك وقد فرضنا استحالته من حيث إن لكل

359
منهما مزاحمة الآخر.
والحاصل ان لليد معان ثلاثة أحدها الجارحة المخصوصة ولا إشكال في أنه لا يعقل تعلقها بالتمام
مطلقا ثانيها الاستيلاء الحسي الكاشف عن السلطنة المعنوية وهذا أيضا لا معنى لتعلقها بالتمام على وجه الكمال
في الفرض لفرض وجود المزاحم ثالثها السلطنة المعنوية المعبر عنها بالملكية المستكشفة عن الاستيلاء الحسي
وهي تابعة اطلاقا وتقييدا تماما ونقصا لكاشفها ولما كان الاستيلاء الحسي في المقام على التمام على وجه النقص
فتكون امارة على السلطنة الناقصة المتعلقة بالتمام المعبر عنها بملكية النصف لا أن يكون متعلق اليد الحسية
هو النصف المشاع إذ هو غير معقول ومنه يظهر ايراد آخر على شيخنا المتقدم ذكره حيث ذهب في بعض كلامه
إلى أن لكل منهما يدا تامة على النصف المشاع وكيف كان ما ذكرنا مما لا إشكال فيه.
فهل يحتاج الحكم بالتنصيف إلى حلف كل منهما لصاحبه من حيث كون كل منهما منكرا فعليه
اليمين كما عن الأكثر بل عن المشهور أو لا يحتاج إلى ذلك كما عن بعض ونسب إلى ظاهر الغنية والمصباح
وجهان أوجههما عند شيخنا المتقدم كما هو قضية صريح كلامه ولازم مذهبه هو الثاني وعندنا هو الأول لما
قد عرفت من الوجه سابقا.
ومما ذكرنا كله يظهر ان وجه القول بعدم الاحتياج ليس إلا كون يد كل منهما امارة على التمام
كالدعوى التي لا معارض لها وكالبينة في صورة التعارض فلا معنى لأعمال موازين القضاء على هذا التقدير لعدم
وجود المنكر بالفرض ثم إن نسبة المصنف القول المشهور إلى القيل يشعر بتمريضه كما لا يخفى هذا.
وربما يجمع بين القول بالاحتياج وعدمه كما عن بعض بوجهين أحدهما ما تفرد به الأستاذ العلامة
من ورود كلام القائل بعدم الاحتياج في مقام بيان المهملة وهي ان الحكم في الصورة هو التنصيف في الجملة على
خلاف الصورة الأولى فلا يدل على كون مذهبه نفي الاحتياج إلى اليمين ثانيهما ما ذكره الفاضل الهندي في
محكي شرحه وتبعه بعض أجلة السادة من تنزيل كلام من ذكر الحلف على جهة التخيير بمعنى انه لو أراد كل
منهما تحليف صاحبه ورضى الآخر بذلك فله ذلك لا على جهة الشرطية والاحتياج بمعنى توقف الحكم عليه ثم
استظهر الفاضل ما جمع به بين القولين من كلام المصنف في النافع قال ولذا قال في النافع بعد الحكم بكونها
بينهما ولكل منهما احلاف صاحبه انتهى ما حكى عنه هذا.
ولكنك خبير ببعد الوجه الأول عن كلامهم وفساد الوجه الثاني لأنه بعد البناء على سماع الدعوى فلا
معنى للقضاء من الحاكم بدون اليمين فإن عدم إرادة المدعي احلاف المنكر لا يقتضي سقوط اليمين في مقام -
الحكم وجوازه بدونها وإنما مقتضاه بقاء العين في يد المدعى عليه وبقاء الخصومة ومما ذكرنا يظهر انه لا دلالة
لكلام المصنف على ما ذكره من الجمع بوجه ضرورة ان إحالة التحليف على استحلاف المدعي لا يقتضي لجواز
القضاء بدونها وإنما هو نظير قولهم فيستحلف المنكر ان طلبه الخصم من حيث كون الحق له كما أنه لا يلزم
بإقامة البينة لو لم يرد رفع الخصومة.
ثم إنه بعد البناء على ما عليه الأكثر فلا يخلو إما أن يحلف كل منهما أو لا يحلف واحد منهما أو يحلف
أحدهما دون الآخر فإن حلف كل منهما فلا إشكال في كون الحكم فيه التنصيف عملا بما قضت به اليد مع عدم
المانع منه فإن لم يحلف واحد منهما لا لاثبات ما يدعيه ولا لنفي ما يدعيه الخصم فلا إشكال في كون الحكم فيه
التنصيف سواء على القول بالقضاء بالنكول وعدمه والوجه فيه ظاهر فإن حلف واحد منهما دون الآخر فيحكم

360
بالتمام للحالف فهل يكفي اليمين الجامعة أو يحتاج إلى يمينين وجهان أوجههما بالنظر إلى قضية الأصل هو
الثاني وقد مضى بعض الكلام فيه في طي كلماتنا السابقة ولعلنا نتكلم فيه إن شاء الله فيما بعد.
ثم إنهم ذكروا في باب الصلح فروعا بعضها مخالف للقاعدة وبعضها موافق للقاعدة وبعضها محتمل
للامرين قد أورد بعض الأجلة من أفاضل المتأخرين تدافعا بين بعض ما ذكروه هناك وما ذكروه في المقام لا بأس
بالإشارة إلى جملة منها حتى يتبين مورد التدافع.
أحدها انه لو كان لاحد ثوب بعشرين درهما وللآخر ثوب بثلثين ثم اشتبها فإن خير أحدهما صاحبه
فقد أنصفه وان تعاسرا بيعا وقسما بينهما وأعطى صاحب العشرين سهمين من خمسة وللآخر ثلاثة وبه رواية عن إسحاق
بن عمار عن مولانا الصادق (عليه السلام) وهذا وإن كان الحكم فيه على خلاف القاعدة إلا أنه لا دخل له بما نحن
فيه من وجهين أحدهما عدم فرض الترافع فيها (فيه خ) ثانيهما عدم فرض الاشتراك واليد فيها (فيه خ) فلا
ربط لها (له خ) بالمقام أصلا.
ثانيها انه لو أودعه انسان درهمين واخر درهما وامتزجت ثم تلف أحد الدراهم بدون تعد وتفريط من
الودعي فيعطى صاحب الدرهمين درهما فيقسم الأخر بينهما نصفين وبه أيضا رواية عن السكوني عن مولانا
الصادق (عليه السلام) وهذا وإن كان الحكم فيه على خلاف القاعدة كما لا يخفى على المتأمل إلا أنه لا دخل له بالمقام
أيضا لما قد عرفت من عدم اليد والشركة وعدم فرض الخصومة فيه إما الثاني فظاهر ذكره الأستاذ العلامة دام
ظله لكن لا يخفى عليك ان الحكم في مورد الترافع يكون كذلك أيضا أما الأول فلأنك قد عرفت في طي كلماتنا
السابقة ان اختلاط الدرهمين والثلاثة لا يوجب الاشتراك والمزج العرفي وإنما هو من باب الاشتباه فلا دخل له
بصورة حصول الاشتراك وإن توهم فيه أيضا حصول الاشتراك لكنه بمعزل من التحقيق.
ثالثها انه لو كان مع الرجلين درهمان وادعاهما أحدهما وادعى الآخر أحدهما كان لمدعيهما درهم و
نصف وللآخر الباقي وبه روايتان إحديهما عن عبد الله بن المغيرة عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله
(عليه السلام) في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما الدرهمان لي وقال الآخر هما بيني وبينك قال فقال أبو
عبد الله (عليه السلام) أما الذي قال هما بيني وبينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين ليس له فيه شئ وانه لصاحبه ويقسم
الدرهم الثاني بينهما نصفين.
وهذا كما ترى لو حمل على الاشتراك والإشاعة كما هو ظاهر صدر الحديث من حيث ظهور لفظ البين
في الاشتراك فيكون منافيا للقاعدة من وجهين أحدهما ان مقتضى القاعدة كما تقرر عندهم انه لو ادعى واحد
ممن في يدهما العين ان تمامها لي وادعى الآخر ان نصفها لي ونصفها لك ان الحكم فيه التنصيف بعد حلف مدعي
النصف لكونه منكرا والآخر مدعيا لكون يد كل منهما على النصف ثانيهما ان مقتضى القاعدة هو الحكم بعد
الحلف لكون كل منهما منكرا بالنسبة إلى أحد الدرهمين بحسب ما في يده مع أنه لم يذكر الحلف أصلا.
ولو حمل على التعيين كما هو ظاهر جواب الإمام (عليه السلام) من حيث ظهور لفظ أحد الدرهمين في عدم
الاشتراك الكاشف عن كون مراد السائل من لفظ البين ما هو خلاف ظاهره فإن حمل على صورة عدم العلم
بكذب أحدهما وكون يده عادية واحتمال اشتراكهما فيه حسبما هو قضية يدهما ففيه وإن لم يكن مخالفة من
حيث الوجه الأول إلا أن فيه مخالفة من حيث الوجه الثاني وان حبل على ما هو الغالب من صورة العلم بكون
أحدهما كاذبا في دعواه وعدم اشتراك الدراهم بينهما فليس فيه أيضا مخالفة الا من حيث الوجه الثاني على

361
احتمال لكنه لا دخل له بالمقام أيضا أصلا كما لا يخفى.
فنقول دفعا للمنافات بين ما ذكروه في المقام وما ذكروه من الفرع المستفاد من الحديث ان صدر
الحديث وإن كان له ظهور في صورة احتمال الإشاعة إلا أن ظهور ذيله في نفيه حاكم عليه كما لا يخفى وان
احتمل كون اطلاق الأحد باعتبار كون كيفية التقسيم على هذا الوجه غالبا لكنه خلاف الظاهر وعلى فرض
كون المراد منه التعيين وإن كان محتملا للوجهين اللذين عرفتهما إلا أن الظاهر منه بملاحظة العلة هو الاحتمال
الثاني فلا دخل له بالمقام وإن كان فيه مخالفة للقاعدة فإن كلامنا في اثبات عدم التنافي لا في اثبات عدم كون
الفروع المذكورة مخالفة للقواعد المقررة فإنه غير مقصودة في المقام ثم إن هذا كله فيما لم يكن لهما بينة وأما
لو كانت هناك بينة فسيجئ حكمه إن شاء الله.
هذا كله فيما لو كانت يدهما عليه وأما لو كان في يد أحدهما وكان الآخر خارجا ففي صورة عدم
البينة لا إشكال في الحكم بكون العين لمن في يده مع حلفه لكونه منكرا ومع عدم حلفه يبتنى الحكم على القضاء
بالنكول وعدمه وأما لو كانت للمدعي بينة على ما يدعيه فسيجئ حكمه إن شاء الله.
قوله ولو كانت يدهما خارجة فإن صدق آه أقول ما ذكرنا سابقا من حكم ما لو لم يكن يكن العين في يدهما
إنما كان في صورة عدم البينة وعدم كونها في يد ثالث وقد عرفت أن الحكم فيه بالنظر إلى الأصل الأولى في
تعارض الأسباب هو التساقط من غير أن يراعى فيه أحكام التداعي.
ولكن قد ذكر الأستاذ العلامة انه يتصور على صورتين إحديهما ما لو ادعى كل منهما من غير أن
يكون مقصوده نفي ملكية العين للآخر وفي مقام الخصومة معه بأن ادعاها مع عدم اطلاعه بدعوى الآخر وان
هناك مدعيا آخر ثانيتهما ما لو ادعى كل منهما في قبال دعوى الآخر بأن تحقق هناك خصومة ففي الأولى الحكم
ما ذكرنا سابقا وفي الثانية يراعى فيها أحكام التداعي لوجود الخصومة والترافع بينهما وأما لو كانت هناك
بينة فستعرف حكمه.
وأما لو كانت في يد ثالث فلو صدق أحدهما المعين دون الآخر قضى للمقر له ان حلف على طبق
دعواه لصيرورته مدعى عليه بعد الاقرار له من ذي اليد عرفا مضافا إلى قوله اقرار العقلاء على أنفسهم جايز فإنه
باقراره يجعله للمقر له فاقراره امارة على كون المقر به ملكا للمقر له هذا وقد ذكر الأستاذ العلامة انا (اني خ)
في سابق الزمان كنت بانيا على جعل العلة في صيرورته مدعيا عليه هو الوجه الأول وكنت متأملا في الاستدلال
بالوجه الثاني وكيف كان لا إشكال في كونه مدعى عليه من أي طريق كان.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا بين كون اقراره لأحدهما قبل دعوى الآخر عليه أو بعدها لأنه بالاقرار يخرج
عن موضوع المدعى ويدخل في موضوع المنكر ومما ذكرنا يظهر التأمل فيما ذكره بعض مشايخنا من المناقشة
فيما ذكرنا تبعا للأصحاب بما حاصله انه إنما يتم لو أقر لأحدهما قبل دعوى الآخر عليه وأما بعدها فلا لان
الاقرار اللاحق لا يجعله منكرا بعد ما كان مدعيا.
وإن نكل عن الحلف فيقضى بها للمدعي الآخر بالنكول أو بعد الرد على القولين وللمدعي قبل
أخذ العين دعوى على الثالث أيضا بأنه أتلف عليه ماله لتغريمه فإن حلف فهو وإن لم يحلف فيقضى عليه بالغرامة
بمجرد النكول أو بعد حلف المدعي وحينئذ فإن أخذ العين من المقر له من جهة نكوله عن الحلف وحلف المدعي
فيجب عليه رد الغرامة لكونها بدلا عن التالف واحتمال عدم وجوب الرد كما عن بعض مشايخنا من جهة كونها

362
كسبا باليمين مما هو فاسد في الغاية كما لا يخفى على من له أدنى دراية.
ثم إن الحلف المتوجه على الثالث هل هو على البت أو على نفي العلم بعد دعوى العلم عليه وجهان بل
قولان ظاهر الفاضل في كشف اللثام وجماعة الثاني وظاهر آخرين وصريح بعض مشايخنا الأول وقد استقرب
الأستاذ دام ظله القول الثاني لا من جهة عدم تحقق موضوع الاتلاف المتعقب للضمان في صورة عدم العلم كما قد
يتوهم بل من جهة رجوع الدعوى على الثالث إلى مالية ما أتلفه للغير الذي هو المدعى فيرجع نفيه نفي فعل الغير
أو ما في حكمه نظير نفي الاخوة في دعواها.
نعم لو وقع النزاع في أصل الاتلاف بحيث كان مالية ما ادعى تلفه للغير مسلما كان النزاع راجعا
إلى فعل النفس فلا بد من أن يكون اليمين على البت هذا وفي عد ولو كانت في يد ثالث حكم لمن يصدقه
بعد اليمين منهما وفي كشف اللثام أي الثالث ومن يصدقه وأورد عليه بعض مشايخنا بأن يمين المصدق
لا دخل لها في الحكم بها لمن صدقه ثم احتمل أن يكون مرجع ضمير التثنية هو المتداعيين وضعفه ببعده
هذا كله لو صدق أحدهما.
وأما لو صدقهما فإن حلفا أو نكلا فلا إشكال في كون الحكم التنصيف بينهما والوجه فيه ظاهر ولا
يخفى عليك ان حكم المصنف هنا بالتنصيف بعد حلف كل منهما لصاحبه ينافي عدم حكمه بالحلف فيما لو
كانت يدهما عليها بل اشعاره بتمريضه وان حلف أحدهما دون الآخر فيقضى بها له ولكل منهما دعوى النصف
على الثالث فيما حكم بالتنصيف بينهما وللناكل وحده دعواه في الصورة الأخيرة فإن حلف فهو وإلا فيغرم
لكل منهما النصف هذا كله لو ادعيا عليه بعد انقضاء دعواهما وأما لو ادعيا عليه قبله فإن حلف فهو وإلا فيغرم
لكل منهما النصف ويجب على كل من حكم بتمام العين له بعد ترافعهما كما في بعض الصور رد النصف الذي أخذه
إلى الثالث لما قد عرفت سابقا هذا وفي كشف اللثام للفاضل الأصفهاني وإن نكل أحدهما كان الكل للآخر وغرم
الثالث النصف ان سلمه إلى الناكل وادعى الحالف عليه فأحلفه فنكل انتهى كلامه واستفاد منه بعض مشايخنا
ذهابه إلى جواز أخذ الغرامة مع أخذ الكل بالحلف وقد عرفت فساده ويحتمل أن يكون فرض كلامه فيما لم
يسلم الناكل النصف إلى الحالف إما باختيار الحالف أو ظلما منه من وجوده أو تلفه هذا كله فيما لو صدقهما أو صدق
أحدهما المعين.
وأما لو لم يكن الامر كذلك فهنا صور إحديها أن يكذبهما ويدعيه لنفسه ثانيتها ان يدفعهما عن
نفسه بأن يقول ليست لكما من دون اثباتها لاحد ثالثتها أن يقول لا أعرف صاحبها أو ليست لي رابعتها أن
يقول إنها لأحدكما.
أما الصورة الأولى فإن حلف فهو وإلا فإن قلنا فالقضاء بالنكول أو حلفا على ما يدعيانه فيصير كما
لا يد لاحد عليه وقد مضى الكلام في حكمه وإن لم نقل به ونكلا فيحكم به للثالث وان حلف أحدهما دون
الآخر فيحكم بكونها له فرجع دعوى صاحبه عليه فيحلف له ويأخذ العين لصيرورته زايدا عليها.
وأما الثانية فإن حلف الثالث فهو وإلا فيأتي فيه الكلام السابق وأما الصورة الثالثة فحكمها
كما لا يد لاحد عليه.
وأما الرابعة ففيها وجهان بل قولان أحدهما القرعة كما هو مختار العلامة في عد لتساويهما في الدعوى
مع عدم البينة ثانيهما التنصيف كما هو مختاره في التذكرة والمحكي عن الفاضل في شرحه على القواعد أوجههما

363
الأول كما يظهر وجه بالتأمل وعليه فهل يحتاج بعد القرعة في الحكم بها ان خرجت باسمه القرعة إلى حلفه
فإن حلف كانت له وإن نكل حلف الآخر وكانت له وإن نكلا قسمت بينهما كما هو المحكي عن التحرير والفاضل
في الكشف أو لا يحتاج إلى ذلك وجهان أوجههما الأول والوجه فيه ظاهر لان القرعة تكشف عن كون من
خرجت باسمه هو المقر له فيصير زايدا عليها فيراعى حكمه ومما ذكرنا كله يظهر فساد ما ذكره بعض مشايخنا
من الحكم بالتنصيف هنا مستندا إلى أصل لم يعلم له أصل أصلا ثم الحكم بعدم الاحتياج إلى اليمين على القول
بالقرعة لكونها ميزان القضاء في الفرض والله العالم.
قوله ويتحقق التعارض في الشهادة مع تحقق التضاد مثل ان يشهد الشاهدان آه أقول لما فرغ المصنف
من بيان حكم صور التداعي فيما لم يكن هناك بينة أصلا أراد أن يذكر حكم صورة وجود البينة ولما
كان حكم صورة وجود البينة لأحدهما معلوما تعرض لحكم صورة وجودها لكل منهما ولها صور فبالحري
قبل التعرض لها وحكمها أن نبين المراد من التعارض والفرض بينه وبين التكاذب الذي جعله بعض الأصحاب غير
التعارض موضوعا وحكما.
فنقول إما التعارض فهو تفاعل من العرض وهو الورود كما في قولهم عرض الناقة على الحوض المراد
من تعارض الكلامين سواء في المقام أو غيره هو تنافي مدلولهما فيشمل التضاد والتناقض فلو شهدت إحدى البينتين
بأن هذا مال زيد في الأمس والأخرى بأنه مال عمرو في الحال لم تكونا متعارضتين بخلاف ما لو شهدت كل منهما
بملكيته لكل منهما في زمان خاص أو مطلقا فإنه لا إشكال في كونهما من المتعارضين فلا بد من وحدة الموضوع
فيهما نعم لو كانا في كلام متكلم واحد أو متكلمين منزلين منزلة متكلم واحد من حيث كشف كلام كل منهما
عن مراد الآخر كما في تعارض الاخبار من الرسول المختار والأئمة الأخيار عليهم سلام الله الملك الجبار ربما يجمع
بينهما بجعل أحدهما قرينة للآخر وهذا بخلاف ما لو كانا في كلامين لمتكلمين لا دخل لأحدهما بالآخر كما
في المقام فإنه لا معنى للجمع بينهما بالمعنى المذكور من جعل أحدهما قرينة للآخر نعم قد يجمع بينهما
بملاحظة مستندهما حسبما سيأتي تفصيل القول فيه لكنه لا دخل له للجمع بالمعنى المتقدم كما لا يخفى هذا.
وأما التكاذب فقد صرح العلامة في محكي القواعد بكونه غير التعارض وجزم بكون الحكم فيه
التساقط مطلقا بخلاف التعارض ومثل له بما لو شهدت أحد البينتين بأن زيدا قتل عمروا مثلا في زمان وشهدت
الأخرى التي أقامها زيد المدعى عليه بأنه لم يكن عند عمرو في الزمان المذكور بل كان في بلد اخرا وعند
الشاهدين ونحوهما وقرره الفاضل في كشفه ومثل له حسبما حكى عنه بما لو شهدت إحدى البينتين بأن
الولد للمرأة الخاصة وانها ولدته وشهدت الأخرى بأنه ولد من مرأة أخرى وانها ولدته وحكى عن الشيخ
رحمه الله في صورة التكاذب اجراء حكم التعارض من حيث كون كل منهما حجة شرعية يجب العمل به مهما أمكن
فلا وجه للحكم بتساقطهما مطلقا.
فإذا نقول إنه يحتمل ان يكون المراد من التكاذب أحد أمور ثلاثة أحدها ما حكاه الأستاذ العلامة
عن ظاهر الفخر رحمه الله من كونه ما لم (لا خ) يمكن الجمع بين البينتين بتأويل قريب ثانيها أن يكون المراد منه
ما لو علم بتعمد إحديهما في الكذب أو اشتباهها وخطأها الغير المستند إلى خطأ المستند الشرعي كالأصل واليد و
نحوهما فإن في صورة تعارض البينتين يعلم إجمالا بعدم موافقة إحديهما للواقع فتارة يكون السبب في وقوع
الشاهد في خلاف الواقع خطأ المستند الشرعي وأخرى تعمده في الكذب أو اشتباهه في حسه أو حدسه ثالثها

364
أن يكون المراد منه كون إحدى البينتين ناظرة إلى نفي ما شهدت به الأخرى وتكذيبها فيما شهدت به من غير
أن يكون مقصودها اثبات شئ وأمثلته كثيرة منها ما مثل به العلامة في محكي القواعد كما لا يخفى وأما
ما مثل به الفاضل في شرحه فيمكن أن يكون منها أيضا بأن يكون المقصود الأصلي للبينة الثانية مجرد تكذيب
البينة الأولى وان الولد ليس ممن شهدت بولادتها له من غير أن يكون المقصود اثبات الولد للمرأة الأخرى
ومما ذكرنا يظهر ان خير الأمور هو الأخير لانطباقه على ما فرعه (فرضه خ) العلامة رحمه الله وكون المتعين فيه التساقط
حسبما ذكره قدس سره ووجهه غير مخفي.
وأما الأمران الأولان فمع كونهما خلاف الظاهر من كلام المفرق لا دليل على كون الحكم فيهما خلاف
صورة مقابلهما التي تسمى بالتعارض كما لا يخفى.
إذا عرفت ما قدمنا لك فلنرجع إلى التكلم في حكم الصور المتصورة في صورة وجود البينتين
فنقول انه لو لم تكونا متعارضتين بالمعنى المتقدم فلا إشكال في وجوب العمل بكل منهما لسلامته
عن المانع وهذا معنى قولهم إنه مهما أمكن التوفيق بينهما فيجب لوجوب العمل بما دل على اعتبار كل
منهما مهما أمكن.
نعم ربما يشكل ما ذكرنا بما ورد في بعض الأخبار مثل خبر أبي بصير سئل الصادق (عليه السلام) عن رجل
يأتي القوم فيدعي دارا في أيديهم ويقيم الذي في يده الدار البينة انه ورثها من أبيه ولا ندري كيف كان أمرها
فقال أكثرهم بينة يستحلف وتدفع إليه الحديث وذكر الراوي في ذيل الحديث أرأيت إن كان الذي ادعى الدار
قال إن أبا هذا الذي هو فيها أخذها بغير ثمن ولم يقم الذي هو فيها بينة إلا أنه ورثها عن أبيه قال (عليه السلام) إذا كان
أمرها هكذا فهي للذي ادعاها وأقام البينة عليها وجه الاشكال انه حكم الإمام (عليه السلام) بالترجيح في مورد السؤال
المتفرع على التعارض وعدم وجوب التوفيق مع أنه مما يمكن التوفيق فيه بين البينتين كما لا يخفى فان مستند
بينة الوارث ليس إلا أصالة الصحة وهي لا تعارض بينة المدعي.
ثم إن الاشكال منه حكم الإمام (عليه السلام) بتقديم بينة المدعي من دون ملاحظة ترجيح في ذيل الرواية
مع أن مجرد ادعاء المدعي لا يوجب انقلاب الحكم ما لم يقم البينة عليه نعم لو كان المفروض فيه إقامة البينة
على طبق ما يدعيه لا على أصل الاستحقاق لم يتوجه عليه إشكال أصلا لكنه بمكان من البعد من الرواية وسيأتي
التكلم على الرواية بعد هذا إن شاء الله.
وإن كانتا متعارضتين فلا يخلو من صور ثلاث إحديها ما لو كانت العين في يدهما ثانيتها ما لو كانت بيد
أحدهما ثالثتها ما لو لم تكن بيد أحدهما.
أما الصورة الأولى فالذي صرح به شيخنا الشهيد في المسالك انه لا إشكال في الحكم بها بينهما نصفين
لكن اختلف في سببه فقيل لتساقط البينتين بسب التساوي فيبقى الحكم كما لو لم يكن بينة وقيل لان مع كل
منهما مرجحا باليد على نصفها فقدمت بينته على ما في يده وقيل من جهة تقديم بينة كل منهما بالنسبة إلى ما
في يد الآخر بناء على تقديم بينة الخارج ووافقه الأستاذ العلامة على ذلك فقال إن السبب في الحكم بالتنصيف
بعد مفروغيته إما تساقط البينتين كما هو مختار بعض أو تقديم كل من بينة الداخل على بينة الخارج من حيث
كون بينة كل منهما بالنسبة إلى ما في يده بينة الداخل وبالنسبة إلى ما في يد الآخر بينة الخارج على القول
بتقديم بينة الداخل أو العكس على القول بالعكس هذا ولى فيه تأمل والوجه فيه أن مفروغية التنصيف إنما

365
هو على فرض القول بعدم احتياج الحلف من كل منهما في الحكم بالتنصيف على القول بالتساقط وإلا فقد يصير
تمامه لأحدهما كما لا يخفى فتأمل.
وقد نفى بعض مشايخنا الخلاف عن كون الحكم التنصيف حتى على القول بالرجوع إلى المرجحات في
غير الصورة إلا من القديمين وكيف كان لا بد من تعيين سبب الحكم به لاختلاف الثمرة.
فنقول انه قد جزم الأستاذ العلامة بأن السبب فيه ما عليه المشهور من تقديم بينة الخارج لا التساقط
ولا تقديم بينة الداخل وإن قلنا به في الصورة الثانية وهي ما لو كانت بيد أحدهما حسبما عليه جماعة.
فلنا في المقام دعويان لنا على أوليهما ما تمسك به الأكثرون من أن الأصل في البينة أن تكون من
المدعي فلا تسمع في مقابلها بينة غيرها ولنا على الثانية إما على عدم كون السبب التساقط فلانه فرع مقاومة كل
من البينتين مع الأخرى وقد عرفت عدم سماع بينة المنكر في مقابل بينة المدعي فإنا وإن رجحنا سابقا وفاقا
لجماعة سماع بينة المنكر إذا كان لانكاره جهة ثبوتية بمعنى كونها مغنية عن يمينه الا انا ذكرنا هناك أيضا
انها انما تسمع فيما لم يكن للمدعي بينة على خلافها فبينة المنكر والمدعي من قبيل الأصل والدليل فليستا
في مرتبة واحدة حتى تتعارضان فيحكم بالتساقط بينهما هذا مضافا إلى أنه تعارضهما لو اقتضى الحكم بتساقطهما
فلم لم يحكم به في الصورة الثانية فإن قيل إن الوجه فيه وجود المرجح فيها لبينة الداخل وهو اليد قلنا المفروض
وجوده في المقام أيضا بالنسبة إلى كل منهما هكذا ذكره الأستاذ العلامة وفيه تأمل (1) مضافا إلى إمكان أن
يقال إنه يمكن أن يكون الوجه في عدم الحكم بالتساقط في الصورة الأخيرة من جهة ورود الاخبار على تقديم
بينة الداخل على الخارج وهو الفارق والمانع من الاخذ بمقتضى القاعدة وهو التساقط.
واما على عدم كون السبب تقديم بينة الداخل وإن قلنا به في الصورة الآتية فلان الوجه فيه لا يخلو من
أحد أمور ثلاثة أحدها ما ورد من الاخبار التي ستمر بك فيما سيأتي الدالة على تقديم بينة الداخل ثانيها الحكم
بتساقط البينتين وجعل اليد مرجعا ومعنى تقديم بينة الداخل على هذا التقدير جعل العمل على طبقها لا الاستناد
إليها حسبما هو قضية ظاهره كما لا يخفى ثالثها ترجيحها على بينة الخارج من حيث اعتضادها باليد وشئ من
هذه الوجوه لا يصلح وجها للحكم بتقديم بينة الداخل في المقام.
أما الأول فلاختصاص ما ورد من الاخبار حسبما ستعرف الحال فيه بما إذا كانت العين في يد أحدهما
والقول بأنه وإن لم يشمل المقام من حيث اللفظ إلا أنه يستفاد حكمه منه من جهة وجود حكمة التقديم في
مورده فيه وهي الاعتضاد باليد فيه ما لا يخفى مضافا إلى ما ستقف عليه من عدم وجود حكمته فيه.
وأما الثاني فلما قد عرفته في فساد جعل السبب هو التساقط من عدم اتحاد المرتبة وأما الثالث فلوجهين
أحدهما ان الاعتضاد باليد في المقام مستلزم للتبعيض في اعتضاد مفاد الدليل وهو مما لا معنى له وهذا
بخلاف الترجيح باليد في الصورة الآتية فإنه سليم عن محذور لزوم التبعيض في المرجح (الترجيح خ) بالنسبة إلى الدليل
الواحد كما لا يخفى هذا وفيه ما لا يخفى وقد أعرض الأستاذ العلامة عنه أيضا بعدما تمسك به أولا في ظاهر كلامه.
ثانيهما ما ذكره شيخنا الأستاذ دام ظله معتمدا به غاية الاعتماد مصرا على تماميته نهاية الاصرار
من أن من المعلوم ضرورة ان الترجيح بشئ يشترط أن لا يكون مفاده منافيا لما أريد ترجيحه به ومفاد كل



(1) وجه التأمل ما سيمر عليك في كلام الأستاذ العلامة من عدم إمكان كون اليد هنا مرجحة وإن كان لنا كلام فيه ولهذا
علل التساقط في المسالك بتعارض البينتين وتساويهما (منه قدس سره)
366
من اليدين بعد ملاحظتهما ينافي مفاد كل من البينتين القائمتين على ملكية المجموع لكل من المدعيين
لان مفاده بعد الملاحظة المذكورة ملكية النصف بشرط لا ومفاد كل من البينتين ملكية المجموع ومن المعلوم
منافاة الأول للثاني أما كون مفاد الثاني هو ملكية المجموع فظاهر لأن المفروض كونها موردا له أما كون
مفاد الأول هو ملكية النصف بشرط لا فلان لازم دلالة كل من اليدين على تملك النصف الذي هي عليه الدلالة
على عدم تملكه لمن لا يكون يده عليه الذي قضى به بينته فمقتضى بينته تملكه لمجموع العين ومقتضى يده بعد
فرض دلالة يد صاحبه على عدم تملكه للنصف الذي خارج عن يده تملكه للنصف بشرط لا وهذا ما ذكرنا من المحذور.
وبعبارة أخرى كل من البينتين امارة نوعا على تملك مجموع العين لمن أقامها وكل من اليدين
امارة نوعا أو شخصا بعد ملاحظة مفادهما على ملكية نصفها بشرط لا لان كلا من خارج أحدهما يصير مرجوحا
بداخل صاحبه ضرورة كون قضية التقابل ذلك فيرجع الامر بعد ملاحظتهما إلى قيام امارة على تملك النصف
بشرط لا وقيام أخرى على تملك المجموع ومن المعلوم تنافيهما فلا يعقل ان يجعل أحدهما مرجحا للآخر
نعم لو كان مفاد كل من اليدين ملكية النصف لا بشرط أمكن جعله مرجحا لما دل على ملكية المجموع لان لا
بشرط يجامع مع ألف شرط لكن الفرض ليس كذلك وهذا كما ترى لا دخل له بحديث عدم إمكان التبعيض في الترجيح
كيف وهو يفصح عن إمكانه.
هذا محصل ما ذكره الأستاذ العلامة لعدم إمكان جعل اليد في المقام معاضدة ويمكن المناقشة فيه
بأنا لا نفهم من ملاحظة اليدين والبينتين إلا صيرورة كل منهما معاضدة لما يوافقه من البينتين بالنسبة إلى ما
تكون عليه من النصف وموهنة لما تخالفه منهما فيصير كل من البينتين معاضدة بالنسبة إلى نصف مضمونها من
جهة اليد الموافقة لها وموهونة بالنسبة إلى نصفه الآخر من جهة اليد المخالفة لهما فمفاد كل من اليدين ليس
إلا ملكية النصف لا بشرط.
وأما الدلالة على عدم تملك النصف الآخر فإنما هي من جهة اليد القابلة لها فرجع الامر إلى أن
كلا من البينتين معاضدة في بعض مضمونها من جهة إحدى اليدين وموهونة في بعضه الآخر من جهة
الأخرى وهذا مما لا استحالة فيه أصلا إذ ليس مفاد كل من اليدين هو ملكية النصف بشرط لا وإنما هو
ملكيته لا بشرط.
وإن كان لك ريب فيما ذكرنا فانظر بعين الانصاف إلى ما نمثل لك من نظير المقام فإنه يزول الريب
عنك قطعا وهو انه لو كان هناك عبدان أحدهما في يد شخص والآخر في يد شخص آخر وادعى كل منهما
ملكية كلا العبدين وأقام بينة عليه ثم أقام كل منهما بينة أخرى على ملكية ما في يده من العبدين فإنه لا -
إشكال في صيرورة كل منهما معاضدا لما يوافقه من البينتين القائمتين على تملك المجموع لكل من المدعيين
وإن صار موهنا بالنسبة إلى ما يخالفه فاليد منهما في المثال نظير البينة منهما لان كلا من اليدين لا يكون امارة
الأعلى تملك النصف لا انه ينفي ملكية التمام وإن قلت إنه إذا صار كل منهما راجحة من جهة وموهنة من أخرى
ولو بالسببين يرجع الامر إلى التسوية فهذا غلط قطعا وإن كان لك شئ آخر يدل على استحالة تعاضد بعض
مضمون البينة باليد فلتذكر حتى ننظر فيه هذا ما أدي إليه نظري القاصر وعليك بالتأمل فيه لعلك تجده حقيقا
بالقبول وهو غاية المسؤول هذا تمام الكلام في تعيين السبب للتنصيف.
بقي الكلام في أنه هل يتوقف الحكم بالتنصيف من جهة الأسباب المذكورة إلى انضمام الحلف من

367
كل منهما فإن حلف أحدهما دون الآخر حكم بالكل للحالف أو لا يحتاج إلى ذلك ظاهر جماعة الفرق بين
الأسباب فيما ذكر فحكموا بالافتقار على تقدير القول بكون السبب هو التساقط دون غيره ولهذا جعل التحالف
ثمرة بين القول به وبين غيره وظاهر بعض توقف الحكم بالتنصيف على التحالف مطلقا هذا.
ولكن الحق أن يقال إنه على تقدير القول بكون السبب التساقط يحتاج إلى التحالف وأما على القول
بكون السبب هو العمل بمقتضى بينة الداخل فإن جعل وجه تقديمها الترجيح باليد فلا إشكال في عدم الافتقار
إلى الحلف وإن جعل النص فيمكن القول بالاحتياج إلى التحالف وإن جعل وجهه تساقط كل من البينتين على
التمام وكون اليد مرجعا فيصير إذا معنى تقديم بينة الداخل هو العمل بمضمونها حسبما هو أحد الوجوه الذي
نسب إلى بعض في وجه تقديم بينة الداخل فيحتاج إلى التحالف من حيث كون كل منهما منكرا هذا على -
القول بكون اليد على النصف وأما على القول بكونها على التمام في المقام حسبما هو قضية صريح كلام بعض
مشايخنا الاعلام فيحتمل الوجهان أوجههما عند الأستاذ الافتقار وعنده عدمه.
وأما على القول بكون السبب هو تقديم بينة الخارج كما عليه المعظم الأقرب بالقبول فلا إشكال
في عدم الافتقار إلى التحالف لان مقتضى التحالف لا يخلو عن أمور ثلاثة أحدها تساقط البينتين مع كون اليد
من كل من المدعيين على النصف ثانيها تساقطهما مع تساقط اليدين أيضا على القول بكونهما على التمام كالبينتين
فتتساقطان حسبما هو قضية الأصل في تساقط الأسباب ثالثها النص الوارد بالتحالف إذا كان في يدهما وأقام
كل منهما بينة مثل خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) ان رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في
دابة في أيديهما وأقام كل واحد منهما البينة انها نتجت عنده فأحلفهما علي (عليه السلام) فحلف أحدهما وأبى الآخر أن
يحلف فقضى بها للحالف فقيل له فلو لم تكن في يد واحد منهما وأقاما البينة فقال أحلفهما فأيهما حلف ونكل الآخر
جعلتها للحالف فإن حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين قيل فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعا البينة قال
اقضي بها للحالف الذي هو في يده فيجعل النص إما دليلا تعبديا على التحالف في المقام على خلاف القواعد أو
كاشفا عن اسقاط بينة الداخل بينة الخارج فيرجع إلى مقتضى القاعدة ومما يدل على عدم كون التحالف من باب
مجرد التعبد عدم حكمه بالتحالف فيما كان بيد أحدهما بل حكم بالحلف على من كانت في يده وجده وشئ
من هذه الأمور لا يصلح وجها للحكم بالتحالف في المقام.
أما الأول والثاني فظاهر لابتنائهما على سماع بينة المنكر في مقابل بينة المدعي وقد عرفت غير
مرة انا وإن نرجح سماع بينة المنكر إذا كانت لها جهة ثبوتية بمعنى اسقاطها اليمين عنه تبعا لجماعة إلا انا
لا نقول بسماعها في مقابل بينة المدعي.
وأما الثالث فلمعارضته بخبر المنصور الظاهر في خلافه كما سيأتي نقله والترجيح له من وجوه عديدة
لا تخفى على الخبير ومع فرض التكافؤ فالمرجع العمومات الدالة على التنصيف في الفرض من غير حلف من -
الاخبار أو إلى ما دل من الأدلة المتقدمة على أنه ليس على المدعي إلى البينة من قوله البينة على المدعي وغيره هذا.
ولكن الحق أن يقال بعدم اعتبار خبر اسحق في نفسه لا من جهة المعارضة وترجيح معارضه عليه كما
ذكرنا أولا لأنه لو بنى على اعتباره في نفسه لم يكن معنى لترجيح معارضه عليه من حيث السند لان النسبة
بينه وبين خبر المنصور هو الخصوص والعموم كما لا يخفى فيتعين الاخذ به على تقدير اعتباره لما حقق في محله
من أن الرجوع إلى مرجحات السند أو جهته إنما هو بعد فقد المرجح من حيث الدلالة.

368
والوجه في عدم اعتباره في نفسه مضافا إلى عدم صحته وعدم حصول الوثوق منه مخالفته للقاعدة
الثابتة بالاجماع والنصوص المستفيضة بل المتواترة من عدم سماع بينة المنكر في مقابل بينة المدعي والخبر
وإن كان أخص منها إلا أن رفع اليد عنها بمثله لا يجوز جدا لما قد عرفت غير مرة ان رفع اليد عن القواعد المسلمة
بمجرد ورود خبر على خلافها ما لم يجبر بالعمل وتمسك الأصحاب لا يجوز قطعا فضلا عن اعراض المعظم عنه
في مثل المقام فلا بد من طرح الخبر.
فظهر مما ذكرنا كله ان الحق في المقام هو الحكم بالتنصيف من جهة العمل ببينة الخارج من دون
الاحتياج إلى اليمين هذا.
ثم إنه بقي في المقام قولان آخران أحدهما الرجوع إلى القرعة كما حكي عن بعض الأصحاب ثانيهما
الرجوع إلى المرجحات كما حكي عن القديمين وغيرهما ومستند الأول عموم ما دل من الاخبار على أن المرجع
في كل أمر مشكل هو القرعة وقد عرفت غير مرة انه موهون يحتاج إلى جابر قوي مفقود في المقام كما يظهر
من الرجوع إلى كلمات الاعلام ومستند الثاني ليس إلا ما دل من الاخبار على الترجيح بها المدعى شمولها
للمقام وسيجئ التكلم عليها على فرض شمولها للمقام في الصورة الثانية هذا مجمل القول فيما لو كانت
العين بيدهما.
وأما الصورة الثانية وهي ما لو كانت العين بيد أحدهما وأقام كل منهما البينة على ما يدعيه فهل
الحكم فيه تقديم بينة الداخل وهو ذو اليد كما عن بعض الأصحاب أو تقديم بينة الخارج حسبما عليه المعظم
المدعى عليه الاجماع في كلام جماعة من الأصحاب في الجملة كما عن الخلاف والغنية والسراير وظاهر المبسوط.
وتفصيل القول في المقام بحيث يكون جامعا لجميع ما ذكره علمائنا الاعلام وأصحابنا الكرام
عليهم رضوان الله الملك العلام ورافعا لحجب الاجمال عن وجه المرام يقتضي التكلم في ثلاثة مقامات أحدها
في تقديم بينة الخارج على الداخل وعدمه وبعبارة أخرى في سماع بينة الداخل في مقابل بينة الخارج وعدمه
ثانيها في الترجيح بينهما بذكر السبب في إحديهما وعدمه في الأخرى الذي يسمى بالجمع في كلماتهم توسعا
ثالثها في الترجيح بينهما من حيث الأوصاف كالأعدلية والأكثرية والأضبطية ونحوها وأما الترجيح بالدخول
والخروج المذكور في كلماتهم فالثاني منهما كما عليه الأكثر يرجع إلى نفي سماع بينة الداخل والأول منهما
يرجع إلى المقام الثاني فإن المقصود منه الترجيح بما يوجب أبعدية إحديهما عن الخطأ فلا نجعله مقاما برأسه
هكذا ذكره الأستاذ العلامة دام ظله العالي.
وبالحري قبل الخوض في التكلم فيها ان ننبه على أمرين ذكرهما الأستاذ العلامة أحدهما ان المراد
من بينة الداخل والخارج في كلماتهم ليستا خصوص بينة ذي اليد ومقابله حسبما هو المرئي من أول النظر في
كلماتهم بل المراد منهما كل من يدعي أمرا على وفق الأصل بالمعنى الأعم ومن يدعي خلافه سواء كان اليد
أو أصالة الصحة في العقود أو أصالة البراءة أو غيرها فذكر اليد من باب المثال أو الكناية عن مطلق الحجة الشرعية
وبعبارة أخرى المراد من بينة الداخل هي بينة المنكر ومن بينة الخارج هي بينة المدعي ولو سلم عدم -
الشمول بحسب العنوان فلا إشكال في كون المراد الأعم بحسب الحكم وبعبارة أخرى لو لم يكن ما ذكرنا
داخلا في العنوان موضوعا ولكن لا إشكال في دخوله فيه حكما ويشهد لما ذكرنا من التعميم ما سيجئ من
ابتنائهم حكم التداعي في كثير من صور التداعي في العقود على تقديم بينة الداخل أو الخارج هذا ملخص ما -

369
ذكر دام ظله وهو لا يخلو عن إشكال سيما على التعميم لكل مدع ومنكر حتى يشمل الدعوى في غير الأعيان من -
الديون وغيرها لان لخصوص اليد خصوصية من بين سائر الأصول والامارات المعتبرة من حيث ورود بعض الأخبار
على تقديم بينة ذيها هذا مقتضى ما يخطر ببالي القاصر عاجلا وعليك بالتأمل في كلماتهم لعلك تجدها منطبقة
على ما ذكره الأستاذ العلامة.
ثانيهما ان المقامات الثلاثة مرتبة بمعنى ان التكلم في المقام الثالث بعد فرض عدم وجود المرجح بالمعنى
المذكور في المقام الثاني بأن تكونا مسببتين أو مطلقتين وإلا فهو مقدم قطعا لأنه نظير الجمع في الاخبار من
حيث الدلالة فإنه مقدم على الترجيح بحسب السند والتكلم في المقام الثاني بعد الفراغ عن المقام الأول واثبات
كون بينة الداخل حجة وإلا فلا معنى للتكلم في المقام الثاني لان ملاحظة الترجيح فرع التعارض المتوقف
على حجية كل من المتعارضين وكونهما في مرتبة واحدة من الاعتبار هكذا ذكره الأستاذ العلامة.
إذا عرفت هذا فنتكلم فيما كنا بصدده فنقول إما الكلام في المقام الأول فالحق بالنظر إلى الأصل
الأولى المستفاد من العمومات الدالة على اعتبار البينة لو قلنا بوجودها حسبما هو قضية كلمات جماعة من الأصحاب
وإن كان هو حجية بينة الداخل أيضا وسماعها في مقابل بينة الخارج لأنهما متساويتان بالنظر إليها إلا أن
مقتضى الأصل الثانوي المستفاد مما ورد في باب القضاء عدم سماع بينة الداخل في مقابل بينة الخارج فإنا وإن
بنينا سابقا وفاقا لجماعة منهم الشهيد في الدروس على أنه لا يدل على نفي سماعها مطلقا ولو لم يكن هناك بينة
للمدعي بمعنى عدم اغنائها عن اليمين لما قد عرفت من أن عمدة متمسك القائلين بعدم السماع من رأس ليس
إلا قوله (عليه السلام) البينة على المدعي واليمين على من أنكر إما باعتبار الحصر المستفاد من اللام أو التفصيل القاطع
للشركة وهو لا يدل عليه من أحد وجهين قد عرفت فيما مضى تفصيل القول فيهما.
أحدهما ان القضية وإن كانت ظاهرة بنفسها في حصر ميزان المدعي في البينة والمنكر في اليمين
خلافا لمن لم يسلم ذلك كبعض مشايخنا المتأخرين إلا انا ذكرنا أن قرينة المقام وهي ورود الالزام باليمين
في حق المنكر من جهة التسهيل توجب التجوز في لفظ على وان المراد منه الكفاية لا عدم غيرها فإن
شئت قلت إن إلزام المنكر باليمين وارد في مقام دفع توهم عدم القناعة عنه إلا بالبينة وهو الأثقل فهو نظير -
الامر الوارد في مقام توهم الحظر وبيان آخر الرواية وإن كانت ظاهرة في عدم سماع البينة من المنكر إلا انا
نصرفها عن هذا الظهور بإحدى القرينتين الأولى قرينة داخلية وهي ورود الالزام باليمين في حق المنكر في
مقام الترخيص من جهة رفع توهم تعين البينة في حقه كما في حق المدعي الناشئ من إلزام المدعي بالبينة
أولا الثانية قرينة خارجية وهي قوله في بعض ما ورد في الدماء ان الله حكم في دمائكم على خلاف ما حكم في
أموالكم حكم فيها ان البينة على من ادعى واليمين على المدعى فإن الاجماع واقع على كفاية البينة من -
المدعي في الدماء فيكون مقتضى الحكم بالمخالفة كون يمين المنكر أيضا للترخيص وأما حديث قطع التفصيل
للشركة فمسلم إلا أن التفصيل هنا إنما هو بحسب الالزام والمطالبة لا السماع.
ثانيهما تسليم ظهور القضية في الحصر المذكور مطلقا إلا انا نقول إنه إنما يدل على عدم سماع البينة
من المنكر من حيث إنه منكر حسبما ورد في بعض الروايات من أن وجه عدم إلزام المنكر بالبينة كونه جاحدا
وهو لا يمكنه إقامة البينة فبينته غير مسموعة في مجرد النفي والانكاء فلا تدل على عدم سماعها منه إذا كان
لانكاره جهة ثبوتية حسبما هو محل الكلام إلا أنه يدل على عدم سماع البينة من المنكر في مقابل بينة المدعي

370
ودلالته عليه بأحد وجهين.
أحدهما من جهة دلالته على كون بينة المدعي علة تامة لاثبات الحق بها وليس للحاكم بعدها حالة
منتظرة للحكم بها فيدل على عدم سماع بينة المنكر في مقابلها وإلا لروعي أحكام التعارض وبعبارة أخرى
مقتضى العمومات الأولية وإن كان حجية كل منهما في نفسه ولازمها وقوع التعارض في صورة الاجتماع بمعنى
كون كل منهما مقتضيا للحكم بمقتضاه في صورة التعارض وإن كان علة تامة في صورة عدمه إلا أن هناك
أخبارا أخص منها تدل على كون بينة المدعي علة تامة مطلقا في صورة التعارض وعدمه ولازمها عدم اعتبار بينة
المنكر في مقابلها وكونها كالأصل في جنبها ضرورة ان المقتضى لا يصلح أن يقاوم العلة التامة ويمنع عن تأثيرها
وهي تمنع اقتضائه وتصلح له.
ثانيهما من جهة دلالته بالصراحة أو بالظهور على عدم سماع بينة المنكر في مقابل بينة المدعي
فالاخبار المانعة طائفتان.
أما ما تدل على المنع من الوجه الأول فهي كثيرة إلا انا نذكر برهة منها فمنها قوله (عليه السلام) في بعض الأخبار
استخراج الحقوق بأربعة وعد منها البينة فإن ظاهره كون الأربعة علة تامة لاستخراج الحق بها.
لا يقال إن البينة فيه أعم فتشمل بينة المنكر أيضا لأنا نقول قد عرفت سابقا ان بينة المنكر كيمينه
ليست من المستخرجات بها وإنما هي تدفع مزاحمة المدعي وترفع دعواه.
ومنها ما ورد في جملة من الروايات من أن طريقة النبي (صلى الله عليه وآله) إذا ترافع إليه خصمان كانت على
سؤال البينة من المدعي فإن كان له بينة أنفذ الحكم بها وإلا فيطلب اليمين من المدعى عليه بعد استحلاف المدعي
ووجه دلالته على المدعى واضح فإنه لو كانت بينة المنكر أيضا حجة في مقابل بينة المدعي لم يكن وجه لانفاذ
الحكم بها مطلقا وإن قال المدعى عليه ان لي بينة أيضا.
لا يقال إن الرواية من مقولة حكايات الأحوال ومن المعلوم أنه إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب -
الاجمال وسقطت عن قابلية الاستدلال إذ لا عموم لها في المقال.
وبعبارة أخرى قضاء النبي (صلى الله عليه وآله) في واقعة على النحو المذكور قضية في واقعة لا ظهور لها في المدعى
إذا لفعل أمر مشتبه قابل للوقوع على وجوه كثيرة وجهات متعددة فلعل كان حكم النبي (صلى الله عليه وآله) فيها بالنهج
المذكور من جهة عدم وجود البينة فيها للمدعى عليه فحكاية هذا الفعل مما لا يجدي في شئ.
لأنا نقول ما قرع سمعك من أن حكايات الأحوال ونقل الأفعال مما لا ظهور لها حتى يصلح للاتكال
مما لا دخل له بالمقام إما أولا فلان الرواية ليست من مجرد نقل الفعل بل هي أخبار عن طريقة النبي (صلى الله عليه وآله)
المستمرة في فصله بين الناس ومن المعلوم ان له ظهورا كظهور الأقوال والقول بأنها لعل كانت من جهة عدم
وجود البينة للمدعى عليه إنما يصح إذا كانت في واقعة أو وقايع خاصة لا فيما دام العمر وأما ثانيا فلانه فيما إذا
لم تكن الحكاية على جهة الاستدلال وأما إذا كانت عليها حسبما هو في الرواية فتنزل منزلة العموم في المقال
لتصير بمنزلة الكبرى الكلية فتأمل ومن هنا يمكن التمسك بالرواية على عدم وجوب سؤال الجرح من المنكر
وانه هل جارح لما أقامه المدعي من البينة أو لا.
ومنها قوله (عليه السلام) البينة على المدعي واليمين على من أنكر أو على من ادعى عليه بضميمة قوله إنما أقضي
بينكم بالبينات والايمان وقوله أحكام المسلمين على ثلاثة بينة عادلة الحديث إلى غير ذلك فإنه يدل بضميمة

371
المذكورات على كون بينة المدعي علة تامة لاثبات حقه.
لا يقال إن قوله البينة على المدعي كما يدل على سماع بينته كذلك يدل على سماع بينة المنكر أيضا
حسبما بنيت عليه الامر سابقا من كون إلزام المنكر باليمين من قبيل الالزام بالأسهل فإذا دل على سماع بينة
المنكر أيضا فبضميمة المذكورات يدل على كون بينة المنكر أيضا علة تامة ولازمه في صورة الاجتماع التعارض
كما ذكرت في العمومات الأولية.
لأنا نقول انا وإن بنينا على دلالة الرواية على سماع بينة المنكر أيضا إلا أن دلالتها على سماع بينة
المنكر إنما هي في مقام توجه اليمين عليه فهي في مرتبة اليمين ومن المعلوم إجماعا وضرورة ان مرتبة اليمين
متأخرة عن مرتبة بينة المدعي فكذلك بينته من حيث كونها بدلا عنها فكل من يمينه وبينته أيضا علة تامة
لرفع الخصومة لكن في مرتبة فدلالتها على سماع البينة من المنكر ولو بضميمة العمومات لا تنفع لاثبات كونها
حجة في مقابل بينة المدعي نعم تدل على كونها علة تامة في مورد سماعها.
لا يقال كون مرتبة اليمين متأخرة عن مرتبة بينة المدعي لا يستلزم كون بينة المنكر أيضا متأخرة
بحسب الرتبة لان دلالة الرواية على سماعها من حيث كون الالزام فيها باليمين من حيث الالزام بالأسهل لا تدل
على كونها بدلا عن اليمين إذ لا ملازمة بينهما أصلا.
لأنا نقول هب انها لا تدل على ذلك إلا أنها لا تدل أيضا على كون مرتبتها في عرض مرتبة بينة المدعي
فهي ساكتة عن الجهتين والمفروض انه لا اطلاق لقوله إنما أقضي بالنسبة إلى مورد السماع وإن دل على كون
البينة علة تامة في كل مورد سمعت فثبت المطلوب أيضا للقطع بحجية بينة المدعي مطلقا والشك في حجية
بينة المنكر في مقابلها.
هذا محصل ما ذكره الأستاذ العلامة في تقريب الاستدلال بالرواية وأنت خبير بأن للتأمل فيه
مجالا إذ لنا ان نتمسك بالعمومات الأولية على سماع بينة المنكر في كل مورد ونثبت كونها علة تامة بعده
بقوله إنما أقضي فتأمل هذا.
واما ما تدل على المنع من الوجه الثاني فهي جملة من الأخبار الخاصة منها خبر منصور عن الصادق
(عليه السلام) قلت له رجل في يده شاة فجاء رجل وادعاها وأقام البينة العدول انها ولدت عنده لم يبع ولم يهب وجاء
الذي في يده بالبينة مثلهم عدول انها ولدت عنده لم يبع ولم يهب قال أبو عبد الله (عليه السلام) حقها للمدعى ولا أقبل
من الذي في يده البينة لان الله عز وجل أمر أن يطلب البينة من المدعي فإن كانت له بينة وإلا فيمين الذي في
يده هكذا أمر الله عز وجل والمنصور وإن كان مشتركا بين من هو مقبول الخبر ومردوده ومقتضاه الحكم
بضعف الرواية إلا أن رواية القميين عنه مما يوجب وثاقته وعدم كونه من الضعاف هذا مضافا إلى كونه معمولا
به عند من يرى العمل بأخبار الآحاد كابن إدريس رحمه الله هكذا ذكره الأستاذ العلامة ولكن المحكي عن الحلي
في ير استناده في الحكم بتقديم بينة الخارج إلى أصول المذهب والرواية وإن كانت ظاهرة في بادي النظر في
عدم سماع بينة المنكر أصلا حتى مع عدم المعارضة إلا أن مقتضى التأمل فيها كون المراد منها هو عدم السماع
في مقابل بينة المدعي وكيف كان لا إشكال في دلالتها على عدم سماع بينة المنكر في الفرض.
ومنها ما أرسله الفاضل الهندي رحمه الله في كشف اللثام عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي ذيله وإن كان في يد
أحدهما فالبينة فيه على المدعي واليمين على المدعى عليه ومنها قول أبي عبد الله في ذيل خبر أبي بصير المتقدم

372
ذكره وإن كان صدره يدل على خلاف المقصود إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع في كتب الاخبار من -
الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
ثم إن هنا أيضا روايات تدل على تقديم بينة الداخل فهي تكشف عن مقاومة بينة المنكر لبينة
المدعي سواء حكم بتقديمها عليها مطلقا كما في بعض الروايات أو بعد الحلف كما في بعضها الآخر أو الرجوع
إلى المرجحات كما في صدر خبر أبي بصير.
فمنها خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) المتقدم ذكره وفي ذيله فإن كانت في يد أحدهما و
أقاما جميعا البينة قال اقتضى بها للحالف الذي في يده ومنها خبر غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام) ان أمير المؤمنين (عليه السلام)
اختصم إليه رجلان في دابة كلاهما أقاما البينة انه أنتجها قضى بها للذي هي في يده وقال لو لم تكن في يده جعلتها
بينهما نصفين ومنها ما روته العامة عن جابر بن عبد الله الأنصاري ان رجلين تداعيا دابة وأقام كل منهما بينة انها
دابته فقضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) للذي في يده ومنها ما روي عن عبد الله بن سنان ان أمير المؤمنين (عليه السلام) كان إذا اختصم
الخصمان في جارية فزعم أحدهما انه اشتراها وزعم الآخر انه أنتجها فكان إذا أقاما البينة جميعا قضى بها
للذي أنتجت عنده.
وأجاب الأستاذ العلامة عنها بأنه وإن لم يكن بين ما ذكرنا وبين هذه الروايات ترجيح بحسب السند
إلا أنه لا إشكال في كون دلالة ما ذكرنا أظهر وأقوى لان جملة منها تكون من قبيل قضية في واقعة مضافا إلى
ما في خبر اسحق من الحكم بتقديم بينة ذي اليد مع الحلف المبني على تساقط البينتين مع كونه على خلاف
ما دل من الاخبار على ملاحظة الترجيح هذا مضافا إلى اعتضاد ما ذكرنا بما استفيد من القواعد العامة من تقديم بينة
الخارج التي قد عرفت الإشارة إليها وإلى كيفية استفادتها مما تقدم من الاخبار من النبوي والامامي ومخالفة تلك
لها فتعين المصير إلى كون قضية الأصل الثانوي هل الحكم بعدم سماع بينة الداخل في مقابل بينة الخارج هكذا
ذكره الأستاذ العلامة فتحصل من جميع ما ذكره ان حكم بينة المنكر حكم يمينه فكما أن توجه اليمين
عليه وتحليفه بها موقوف على عدم إقامة المدعي البينة على طبق دعواه كذلك سماع بينته موقوف على عدم بينة
المدعي فهما من قبيل الأصل والدليل هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو الترجيح بالاطلاق والتقييد وبعبارة أخرى بذكر السبب وعدمه
الذي يسمى جمعا بين البينتين باعتبار فيقع في مقامين أحدهما في تقدمه على الترجيح بما سيجئ في المقام
الثالث على فرض قيام الدليل على اعتبارهما ودوران الامر بينهما ثانيهما في اثبات اعتباره وانه هل لنا دليل يدل
على الترجيح بالمعنى المذكور أو لا.
أما الكلام في المقام الأول فنقول قد عرفت في طي كلماتنا السابقة ان المقامات مترتبة ومقتضاه الحكم
بتقديم الترجيح بالمعنى الامتناع فيه على الترجيح بالأوصاف والوجه فيه حسبما مضى القول فيه سابقا أيضا
ان الترجيح بهذا المعنى حقيقة تصديق لكلتا البينتين وجمع بينهما في العمل بخلاف الترجيح بالأوصاف فإنه
لا ينفك عن تكذيب المرجوح وطرح دليل الحجية بالنسبة إليه فإن الحكم بتقديم البينة المقيدة على المطلقة
من جهة احتمال اعتماد الثانية على ما لا ينافي ما يشهد به الأولى كالأصل واليد ونحوهما ليس تكذيبا للمطلقة
بخلاف الحكم بتقديم الأعدل أو الأكثر ونحوهما فكما أن الجمع في الروايات تصديق لكلا المتعارضين واعمال
لدليل الحجية بالنسبة إليهما بخلاف الترجيح فكذلك في المقام غاية الأمر الفرق بينهما من جهته الأخرى و

373
هي ان الجمع في الروايات إنما هو بحسب الإرادة وجعل إحدى الروايات قرينة لبيان المراد عن (من خ) الأخرى
وفي المقام بحسب المضمون لكنهما مشتركان في إعمال أدلة الحجية بالنسبة إلى كل من المتعارضين وبالجملة
ما نحن فيه نظير الحكم بتقديم بينة الجرح على التعديل من حيث استناد الثانية على الأصل والأولى على الحس
لا يقال مرجع الترجيح الذي سميته بالجمع في المقام إلى تخطئة إحدى البينتين ولو من جهة خطأ
مستندها فكما أن مقتضى الأدلة تصديق البينة مهما أمكن كذلك مقتضاها عدم تخطئتها مهما أمكن ولا ترجيح
لرفع اليد عن مقتضى أحدهما والعمل بمقتضى الآخر.
لأنا نقول التخطئة من جهة خطأ المستند الشرعي ليست تخطئة دل الدليل على عدم جوازها مهما
أمكن وبعبارة أخرى الخطأ الذي قضية الأصل عدمه هو خطأ المخبر في اخباره من حسه وأما خطأ المستند
الشرعي الذي استند إليه في اخباره فليس حقيقة تخطئة له لان خطأ المستند له بخطأ المخبر وهذا أمر
ظاهر لا سترة فيه عند ذوي الأفهام المستقيمة هذا ملخص ما أفاده الأستاذ العلامة.
وأما الكلام في المقام الثاني فتحقيق القول فيه يقتضي بسطا في المقام فنقول بعون الملك المتعال
ان البينتين لا يخلو أمرهما من صور أربع لأنهما ان تكونا مطلقتين أو مقيدتين أو بينة الخارج مقيدة والداخل
مطلقة أو العكس لا إشكال بناء على ما ذكرنا كما عليه المشهور أيضا من عدم سماع بينة الداخل في مقابل بينة
الخارج في صورة التعارض في غير الصورة الأخيرة.
وأما هي فالذي عليه الأكثر كالشيخ في كتابي الاخبار والمبسوط والقاضي والطبرسي والفاضلين والشهيدين
حسبما حكى عنهم والمصنف بل حكى عن الأول نفي الخلاف عنه كون بينة الداخل مقدمة على بينة الخارج
سواء كان التقييد بما لا يتكرر كالنتاج ونحوه أو بما يتكرر كالبيع ونحوه والمحكي عن ابن إدريس رحمه الله في -
السرائر ومقتضى اطلاق بمقتضى جماعة بتقديم بينة الخارج كما عن الصدوقين والمفيد والحلبي وابن زهرة هو الحكم
بتقديم بينة الخارج.
واستدل الأكثرون بوجوه أحدها ما حكي عن الشيخ رحمه الله من قوة بينة الداخل في الفرض وفيه أن
الترجيح بالقوة والضعف إنما هو بعض اثبات مقاومة بينة الداخل لبينة الخارج وكونهما في مرتبة واحدة من -
الاعتبار وقد عرفت عدم ثبوت هذا المعنى بل الثابت خلافه هذا مضافا إلى أن الترجيح بالقوة على ذلك التقدير
يحتاج إلى دليل مفقود في المقام فتأمل ثانيها ما نسب إلى بعض الأصحاب من التمسك بما في خبر عبد الله بن
سنان أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان إذا اختصم الخصمان في جارية فزعم أحدهما انه اشتراها وزعم الآخر انه أنتجها
فكان إذا أقاما البينة جميعا قضى بها للذي أنتجت عنده بناء على أن مبنى ذلك قوة النتاج على الشراء ورده
بعض المشايخ بأنه يقتضي الترجيح في الأسباب ولم يلتزموا به ثالثها ما تمسك به بعض مشايخنا المتأخرين
من اطلاق ما دل على تقديم بينة الداخل على الخارج وفيه ما فيه رابعها ما ذكره في المسالك من أن حجة القول
بتقديم بينة الداخل هو الجمع بين ما دل على تقديم بينة الداخل مع ذكر السبب وما دل باطلاقه على تقديم بينة
الخارج بجعله على صورة اطلاقهما أو تخصيص بينة الخارج بالسبب وفيه ما عرفت من عدم مقاومة تلك
الأخبار
لما دل على عدم سماع بينة الداخل في مقابلة بينة الخارج خامسها ما ذكره الأستاذ العلامة في مجلس البحث
وملخص ما ذكره انه ان قلنا بعدم سماع بينة الداخل أصلا كما هو الظاهر من جماعة أو قلنا بسماعها
لكن فيما لم يكن هناك بينة للمدعي كما في الشاهد واليمين حيث إن اعتبارهما فيما إذا لم يكن بينة عادلة

374
إجماعا فلا إشكال في الحكم بتقديم بينة الخارج وإن قلنا إن غاية ما استفدنا من الأدلة انه في مورد التعارض
لا اعتبار ببينة الداخل فيمكن القول بتقديم بينة الداخل والعمل عليها من جهة الحكم بعدم التعارض بينهما
بملاحظة ما دل على وجوب تصديق كل من البينتين مهما أمكن وعدم طرحه فمقتضاه الجمع بينهما حيثما أمكن
وهو في المقام ممكن بحمل كون بينة الخارج مستندة إلى أصل أو يد سابقة بحيث لا ينافي معه ما يشهد به بينة
الداخل من حيث احتماله فيها من جهة اطلاقها.
لا يقال نظير هذا الاحتمال يجري في طرف بينة الداخل أيضا لاحتمال استنادها في الحكم بالملكية
من جهة الشراء إلى أصالة الصحة.
لأنا نقول هذا الاحتمال أبعد من الأول أو يجري في بينة الخارج أيضا فتختص باحتمال لا يجري في
بينة الداخل وبعبارة أخرى بينة الخارج ساكتة عما تنطق به بينة الداخل نظير بينة الجرح والتعديل فيجب
الحكم بتقديم بينة الداخل لأنه حقيقة عمل بهما.
وبعبارة ثالثة بينة الخارج تنفي ما يثبته بينة الداخل فهي أولى بالتقديم لما دل على تقديم بينة -
الاثبات على النفي فما دل على عدم سماع البينة من المنكر من حيث كونه جاحدا ولا يمكنه إقامة البينة كما
في بعض الأخبار يدل على عدم سماع البينة من المدعي في الفرض لوجود مناطه فيه فالحكم بتقديم بينة -
الخارج في الفرض أو الداخل مبني على أن المستفاد من الأدلة هل هو عدم سماع بينة الداخل بأحد من المعنيين
الأولين أو الثالث فالظاهر أن المستفاد مما دل على عدم سماعها هو المعنى الثاني لما دل على كون بينة المدعي علة
تامة لاثبات حقه بحيث يجب الحكم به بعد قيامها من دون التفات إلى شئ وكذلك المستفاد من رواية منصور
فإنها تدل على كون الحجة في صورة الخصومة هي بينة المدعي ان وجدت لأنها المأمور بالمطالبة أولا هذا لو
قلنا بأن المستفاد منها هو المعنى الثاني وأما لو قلنا بأن المستفاد منها هو المعنى الثالث فالحكم هو تقديم بينة
الداخل جمعا بينهما هذا ملخص ما ذكره دام ظله.
وفيه أن الحق لو قلنا بأن المستفاد منها هو المعنى الثالث أيضا هو الحكم بتقديم بينة الخارج أيضا وما ذكره
للحكم بتقديم بينة الداخل (الخارج خ) على هذا التقدير لا يصلح دليلا له لأنا نمنع من كون العمل على الوجه
المذكور جمعا في العمل بهما حتى يوجب رفع التعارض الموجود أولا لان الجمع على الوجه المذكور يتوقف
على تأويل في بينة الخارج واخراجها عن ظهورها في الاستناد إلى الحس فكما أن الأصل وجوب تصديق البينة مهما
أمكن كذلك الأصل وجوب العمل بظاهر كل بينة مهما أمكن ولا أولوية لترجيح أحدهما على الآخر فالجمع
بدون التكذيب ولو بحسب ظاهر الكلام غير ممكن في الفرض فلا معنى لرفع التعارض.
وأما قياس ما نحن فيه بمسألة تعارض البينتين في الجرح والتعديل أو الاثبات والنفي فقياس مع الفارق
أما الأولى فلان المفروض فيها العلم باستناد بينة المعدل فيها إلى الأصل بخلاف المقام فإن الاستناد إليه مجرد
احتمال خلاف لظاهر كلام البينة فالجمع في الأولى لا يستلزم ارتكاب خلاف أصل أصلا بخلاف المقام فإنه
مستلزم له قطعا كما لا يخفى فأين الجمع في أحدهما من الجمع في الآخر.
وأما الثانية فلان كلا من البينتين هنا مثبت حسبما هو المفروض وأما النفي اللازم من الشهادة على
الاثبات فهو لازم لكل منهما وسار في جميع موارد بينة المدعي فالمقصود من بينة النفي هي ما يكون أصل
موردها النفي أولا وبالذات من غير أن يكون مستلزما لمطلب ثبوتي.

375
والقول بأن بينة الخارج تنفي بنفيها الملكية للداخل الشراء الذي سبب لها وتثبته بينة الداخل
بالمطابقة بخلاف بينة الداخل فإنها تنفي ما تثبته بينة الخارج مثل نفيها ما تثبته بينة الداخل وبعبارة أخرى
كل من البينتين له جهة نفي موجودة بعينها في الأخرى وهي عدم ملكية ما يشهد بملكيته لمن قام له لخصمه
وبينة الخارج مشتملة على نفي خاص زايدا تثبته بينة الداخل وهو نفي السبب وبعبارة ثالثة هما وإن كانتا
متساويتين بالنسبة إلى أصل المدعى من جهة الاشتمال على نفي واثبات ولكنهما غير متساويتين بالنسبة إلى
السبب فإنه تثبته إحديهما وتنفيه الأخرى.
فاسد جدا لان نفي السبب الخاص في بينة الخارج إنما جاء من نفي الملكية للداخل المستلزم لنفي
جميع أسبابها كما في النفي الذي في جانب بينة الداخل وليس هناك نزاع متعلق بالسبب ونفي متعلق به حتى
يتوجه عليه ما ذكر فتبين لك من جميع ما ذكرنا أن الحق هو الحكم بتقديم بينة الخارج مطلقا وفي جميع
الصور الأربع هذا مجمل القول في المقام الثاني.
وأما الكلام في المقام الثالث هو الترجيح بالأوصاف كالأعدلية والأكثرية ونحوهما فيقع أيضا في
مقامين أحدهما في أصل ثبوته وقيام الدليل عليه ثانيهما في جواز التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى
ما يفيد مفادها كالأضبطية والأعرفية والأخبرية حيث إنها توجب أقربية المشتملة عليها من البينتين إلى الواقع
كالأعدلية والأكثرية المنصوصتين وعدمه وسيجئ تفصيل القول في كل من المقامين إن شاء الله في المقام الثالث
وهو ما لو كانت العين خارجة عن يدهما
ثم إن هنا أمورا ينبغي البينة عليها وإن مضى القول في بعضها على سبيل الاجمال
في طي كلماتنا السابقة.
الأول انه لا فرق فيما مضى من الكلام بين أن يكون المنكر ذا اليد وغيره ممن يدعى أمرا ثبوتيا
فالمراد من بينة الداخل في كلماتهم هي بينة كل من تشبث بالدليل المعتبر إذا كان لدعواه جهة ثبوتية
وشهد لما ذكرنا من التعميم وإن كان الظاهر بحسب بادي النظر التخصيص ملاحظة كلماتهم في أبواب العقود
والايقاعات وغيرها فإنك لا تزال تراهم كثيرا ما يبنون حكم تعارض البينتين في صحة العقد وفساده على تقديم
بينة الداخل والخارج هذا.
إلا أن المستفاد من العلامة في بعض كتبه تبعا للمحكي عن الشيخ رحمه الله في المبسوط الاشكال في اجرائه في
جميع صور الفرض فإنه ذكر في مسألة ما لو كانت العين بيد ثالث وأقام كل منهما بينة وصدق أحدهما انه على
القول بتقديم بينة الداخل هل يحكم بتقديم بينة المصدق بالفتح أولا اشكال هذا ملخص ما حكي عنه ولكن
قد صرح في جملة من كتبه بعدم الاشكال في تقديم بينته على القول بتقديم بينة الداخل كما صنع غيره في غيره هذا.
ولكن يمكن أن يكون مبنى الاشكال الاشكال في خروجه عن كونه مدعيا بإقرار الثالث له كما
تقدم عن بعض لا الاشكال في تعميم الحكم لجميع صور موارد بينة المنكر فتأمل هذا ملخص ما ذكره.
الأستاذ العلامة دام ظله.
وأنت خبير بأن الحكم بالتعميم وإن كان يستفاد من بعض لكن الحكم باستفادته من كلام الجميع
لا يخلو عن تأمل أو منع كيف وان بناء الجل على عدم سماع بينة المنكر عن رأس لبنائهم على كون وظيفته اليمين
ليس إلا لقضية التفصيل القاطع للشركة إلا أنهم من جهة ورود الأخبار الخاصة في خصوص بينة ذي اليد اختلفوا
في الحكم بتقديمها مطلقا أو في بعض الصور بل قد عرفت أن بناء المشهور مع ذهابهم إلى عدم حجية بينة المنكر

376
على تقديم بينة الداخل فيما إذا كانت مقيدة وبينة الخارج مطلقة وليس هذا إلا من جهة العمل بالاخبار
ومن هنا وجه الحكم بالتقديم من المشهور في الصورة في المسالك بالجمع بين الاخبار وإن كان الظاهر من المتن
خلافه حسبما عرفت سابقا والقول بأن اليد في الاخبار كناية عن مطلق الامارة المعتبرة فيه ما لا يخفى على من
راجع إليها وسيرها سيرا إجماليا.
نعم لا إشكال في أن الحكم بتقديم بينة الخارج يجري في جميع الصور لان ما تقدم من الوجه لتقديمها
من جهة عدم اعتبار بينة المنكر أصلا كما عن المشهور أو في خصوص التعارض كما عرفت منا من جهة الوجهين
السابقين جار في جميع الصور أما ما ذكره المشهور فواضح.
وأما ما ذكرناه فأما الوجه الأول وهو كون بينة المدعي علة تامة فجريانه أيضا واضح وأما الوجه الثاني
وهو الأخبار الخاصة مثل مرسلة أمير المؤمنين (عليه السلام) المروية في كشف اللثام للفاضل الأصفهاني ورواية منصور و
نحوهما أما الأولى فلاطلاقها وأما الثانية فلعموم التعليل المذكور فيها فإن موردها وإن كان مختصا بصورة وجود
اليد إلا أن التعليل فيها لتقديم بينة المدعي عام.
وأما ما يتوهم من اختصاص التعليل بصورة وجود اليد من جهة قوله وإلا فيمين الذي في يده ففاسد
جدا توضيح الفساد ان المستفاد من الرواية أمور ستة تعليلان لمطلبين وتفريعان أما المطلبان فهما سماع بينة
الخارج دون الداخل المستفادان من قوله حقها للمدعي ولا أقبل من الذي في يده بينة وأما التعليلان فهما أمر الله تبارك وتعالى بمطالبة البينة من المدعي وعدم أمره بمطالبتها من المنكر الكاشفان عن كون كل من أمر
ابتداء بمطالبة البينة منه فبينته مقدمة المستفاد ان من قوله لان الله عز وجل أمر أن تطلب البينة من المدعي
المقصود منه المفهوم قطعا فيدل عقده الايجابي على الأول والسلبي على الثاني وأما التفريعان فهما قوله فإن
كانت له بينة وقوله وإلا فيمين الذي في يده إذا عرفت ذلك علمت أن قوله وإلا فيمين الذي في يده تفريع
على العلة لا جزء لها فلا يدل على حصر العلة بصورة وجود اليد.
الثاني انه لا فرق فيما ذكر من الحكم لصورة تقييد إحدى البينتين وإطلاقها بين أن يكون بذكر
السبب وعدمه وبين اطلاق السبب وتقييده بعد ذكره وهذا أمر واضح لا سترة فيه أصلا كما لا يخفى.
الثالث لا إشكال في جريان ما ذكر في بينة الداخل والخارج من الخلاف الذي في تقديم إحديهما
فيما إذا أقام الداخل بينة قبل حكم الحاكم بمقتضى بينة الخارج سواء كان قبل إقامة الخارج البينة أو بعد
اقامته لها وقبل ثبوت عدالتها أو بعده.
كما أنه لا إشكال ولا خلاف في سماع بينة الداخل بعد الحكم لو أقامها على حصول نقل العين إليه بعده
حسبما أدعاه الأستاذ العلامة في مجلس البحث تبعا لجماعة ممن تقدم عليه لانقلاب الدعوى وصيرورة المنكر
مدعيا بدعواه النقل بعد الحكم كدعوى الابراء بعد الحكم باشتغال الذمة من جهة الشهادة الاستصحابية.
وأما لو أقامها بعد الحكم لا على الوجه المذكور فهناك صور ثلاث إحديها ان يطلق الدعوى بحيث
احتمل كونها دعوى الملكية السابقة على الحكم واللاحقة ثانيتها أن يقيدها بالملكية السابقة لكن مع إزالة
يده الحسية ثالثتها الصورة مع عدم إزالة يده الحسية عن العين وإن زالت السلطنة المعنوية.
أما الصورة الأولى فالذي صرح به الشهيد رحمه الله في القواعد الاشكال في سماعها وربما يظهر من عبارة
الفاضل في عد حيث قال الثاني من المرجحات اليد فيقدم الداخل على قول والأقوى العكس لما مر إلا أن يقيمها

377
بعد بينة الخارج على إشكال فلو ادعى عينا في يد غيره فأقام البينة فأخذها منه ثم أقام الذي كانت في يده انها
له نقض الحكم وأعيدت له على إشكال انتهى كلامه.
ولكن المستفاد من كلام الفاضل الأصفهاني في كشف اللثام كون المراد منها هو الصورة الثانية حيث
قال في شرح العبارة قبل التفريع في وجه الاشكال من انقلاب الداخل خارجا والعكس وهو اختيار الشيخ ولكن
بناء على تقديم بينة الداخل لانكشاف بينته لذي اليد ومن اتحاد الدعوى فلا يختلف الحال بتأخير إقامة البينة
وتقديمها واليد الطارية لإقامة البينة لا دلالة لها على شئ وهو الأقوى انتهى كلامه وهو صريح في حمله العبارة
على الصورة الثانية سيما من ملاحظة نسبة الخلاف إلى الشيخ المخالف في المسألة الثانية
وفيه بعد الغض عن استلزام حمل العبارة على ما ذكره التكرار (1) لان الصورة الثانية مذكورة في كلام
الماتن بعدها صريحا ان توجيه الحكم بما ذكره من ابتناء الخلاف في المسألة على الخلاف في تقديم بينة
الداخل والخارج بدعوى تحقق الخروج وعدمه مما لا معنى له حسبما ستقف عليه بل الحق ان الخلاف في الصورة
الثانية مبني على القول بتقديم بينة الداخل لما ستسمعه إن شاء الله وأما الخلاف في الصورة فمبني على ما ذكره الأستاذ
العلامة دام ظله وجمع ممن تقدم عليه.
والذي استفاده شيخنا الشهيد الثاني رحمه الله من عبارة المصنف فيما سيجئ هو عدم سماعها لكن قد صرح بعض
مشايخنا بأن مراده من العبارة هو الصورة الثانية وهو ليس ببعيد لتعرض المصنف نسبة الخلاف إلى الشيخ رحمه الله في العبارة.
والذي جزم به الأستاذ العلامة دام ظله موافقا لجمع ممن تقدم عليه منهم الشهيد في المسالك بل
ادعى عدم وجود مفت بالخلاف وإن كان المتشكل موجودا سماعها لعموم ما دل على وجوب سماع الدعوى
مهما أمكن وهو ممكن في المقام لاحتمال كون مراد المدعي الملكية اللاحقة لا السابقة.
وأما مستند المستشكل فاحتمال إرادة الملكية السابقة المانعة من السماع واللاحقة الغير المانعة و
المفروض أنه لا معين في البين فيتوقف وأما عموم ما دل على سماع البينة فلا يصلح معينا لأنه موقوف على احراز
قابلية المحل وأما مستند القائل بالمنع على فرض وجوده فيعلم مما ذكرنا هذا وخير الأقوال بالسماع لما قد
عرف ومجرد احتمال كون المراد الملكية السابقة لا يصلح سببا لرفع اليد عن مقتضى العمومات وأما القول
بأن اجراء العموم يتوقف على احراز قابلية المحل وهي هنا مشكوكة لاحتمال كون المراد هي الملكية السابقة
ففيه انا نحرز القابلية بنفس العموم لأنه بعد فرض وجود محله يكشف عن قابليته لتعلق الحكم به وكونه مرادا
من العام وإلا لزم التخصيص فيه مع عدم ما يقتضيه وهذا أمر واضح لا سترة فيه أصلا قد نبهنا عليه في غير مورد
هذا مجمل الكلام في الصورة الأولى.
وأما الصورة الثانية وهي ما لو ادعى بعد القضاء الملكية السابقة عليه مع إزالة اليد الحسية فالمحكي
عن الشيخ رحمه الله في المبسوط الحكم بالنقض بناء على تقديم بينة الداخل حسبما بنى عليه الامر والمصرح به في كلام
العلامة رحمه الله في القواعد والشهيد في القواعد وبعض آخر من الأصحاب الاشكال في النقض بناء على تقديم بينة الداخل
والذي ذهب إليه جماعة من الأصحاب منهم المصنف في الكتاب عدم السماع وعدم جواز نقض الحكم ومستند القول
بالسماع ونقض الحكم وجهان.



ايراد التكرار مندفع عنه بلزومه على كل تقدير لان صورة الاطلاق مذكورة أيضا فيما بعد عن قريب لكن المستفاد منه على
كل تقدير الاشكال (منه قدس سره)
378
أحدهما ما ذكره في كشف اللثام ويستفاد من كلام الشهيد رحمه الله في المسالك أيضا من صيرورته خارجا
بالقضاء فيصير بينته بينة الخارج فتقدم على ما هو المشهور من تقديمها على بينة الداخل فالحكم بالسماع مبني
على القول بتقديم بينة الخارج من حيث صيرورة الداخل خارجا بعد القضاء والخارج داخلا وهذا معنى ما ذكره في كشف
اللثام من انقلاب الداخل خارجا وبالعكس هذا محصل ما ذكروه وفيه أنه فاسد من حيث الابتناء والمبني جميعا.
أما الأول فلان من تصفح كلمات الأصحاب من زمان الشيخ رحمه الله إلى زمان ثاني الشهيدين يعلم علما
لا يعتريه شك أبدا ان الفرع المذكور من فروع القول بتقديم بينة الداخل كما صرح به الشهيد رحمه الله في عد حسبما
ستعلم من ملاحظة كلامه الذي سيمر بك وبعض شراح الارشاد حسبما حكي عنه حيث إنه ذكر في الفرع المذكور
انه لا يخلو إما أن نقول بكونه داخلا أو لا وعلى التقديرين إما نقول بتقديم بينة الداخل أو لا فإن قلنا بالأولين من
شقي الترديدين فنحكم بنقض الحكم وإلا فلا.
وبالجملة من لاحظ كلماتهم لا يرتاب في كون السماع وعدمه في الفرض مبنيين على تقديم بينة
الداخل كما ينادي بذلك ذكرهم إياه في طي فروع اليد بعدما جعلوها من المرجحات لا أن يكون الأول مبنيا
على تقديم بينة الخارج والثاني مبنيا على تقديم بينة الداخل كما توهم.
وأما الثاني فلان الدخول والخروج اللذين يمكن أن يجعلا مناطين للحكم بتقديم بينة المتصف بهما
هما الدخول والخروج المتحققان مع قطع النظر عن القضاء ونفوذه وأما المسببان منه فلا يمكن أن يجعلا مناطا
للحكم المذكور وإلا لزم من نفوذ الحكم عدم نفوذه ومن وجوده عدمه وما يستلزم وجوده عدمه محال.
وبعبارة أخرى الخارج الذي يمكن القول بتقديم بينته هو الخارج مع قطع النظر عن القضاء وأما
الخارج الذي صار خارجا بالقضاء فلا لأنه لا يصير خارجا إلا بنفوذ الحكم ومعنى نفوذ الحكم رفع الخصومة
التي وقع القضاء لرفعها ومعنى سماع بينته على الدعوى المذكورة عدم نفوذ الحكم المذكور ولغويته وهذا معنى
ما ذكرنا من استلزام نفوذ القضاء عدم نفوذه.
وبعبارة ثالثة قد انعقد الاجماع على عدم جواز نقض الحكم بعد وقوعه وصحته إلا إذا كان مراعى و
معلقا فإنه يجوز نقضه حينئذ بعد وجود ما علق القضاء على عدمه إلا أنه ليس هذا في الحقيقة نقضا كما لا يخفى ولما
كان التنجيز في الحكم والتعليق فيه بملاحظة مستنده وإلا فالقضاء منجز دائما فمعنى تعليقه في المقام كون
اعتبار بينة الخارج التي وقع الحكم بمقتضاها معلقا والمفروض على القول بتقديم بينة الخارج عدم إمكان
تعليق اعتبارها بعدم وجود بينة الداخل بعد الحكم لان وجودها قبل الحكم لم يكن له أثر في الفرض ففي بعده
بالأولوية والذي لا بد أن يكون هو مراد الخصم تعليق اعتبارها على عدم وجود بينة الداخل في زمان كونها
خارجا والخارج داخلا ولما كان تحقق هذا العنوان فرعا لتصديق بينة الخارج والقضاء بمقتضاها لان معنى
القضاء بالبينة ليس إلا تصديقها فلا يعقل أن يجعل سببا لتكذيبها وإلا لزم ما عرفت من المحذور وأيضا يلزم
من المعنى المذكور الحكم بمقتضى بينة الخارج لو أقام بعد القضاء للداخل في الفرض بينة على ما يدعيه وهكذا
فيلزم نظير التسلسل فتأمل وأيضا هذا معنى جواز تجديد المرافعة والخصومة المستلزم لبقاء الخصومة المنافي
لما دل على عدم جواز نقض القضاء من جهة منافاته لحكمة تشريعه فلا ينبغي الاشكال حينئذ في فساد التوجيه المذكور
ولا التفوه به من أحد.
ثانيهما ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله بناء على القول بتقديم بينة الداخل تبعا للشهيد قدس سره في -

379
القواعد من انا وأن نسلم عدم جواز نقض الحكم بعد تحققه على الوجه المعتبر لما قد عرفت من قيام الاجماع
عليه إلا انا نقول إن العمل ببينة الداخل في الفرض المزبور ليس نقضا بناء على القول بتقديم بينة الداخل سواء
كان من باب الترجيح أو التساقط أو التعبد من جهة الاخبار لان القضاء ببينة الخارج على هذا التقدير ورفع
اليد عن مقتضى اليد كان مبنيا على عدم وجود بينة الداخل فإذا فرض وجودها فقد ارتفع موضوع القضاء
فعدم العمل ببينة الخارج بعد قيام بينة الداخل ليس نقضا للقضاء لان القضاء في الموضوع الذي وقع عليه لا ينقض أبدا.
وبعبارة أخرى لا يجوز رفع اليد عن مقتضى اليد إلا باليقين أو بالظن الذي أقيم مقامه والظن لا يصير
قائما مقامه فعلا ومعتبرا كذلك إلا بعد دفع معارضه ولو بالأصل فاعتبار بينة المدعي في الفرض بحيث يجوز
معها رفع اليد عن مقتضى اليد إنما هو بضميمة أصالة عدم المعارض فيكون الحكم بها ظاهريا فإذا كشف وجوده
في الواقع تبين ان رفع اليد عن مقتضى اليد كان بما لا يجوز رفع اليد معه عنه واقعا وإن لم يعلم حين الاخذ به
وهذا نظير الحكم بمقتضى البينة العادلة من جهة استصحاب عدالتها أو شهادة البينة من جهة استصحاب عدالتها
فإنه إذا تبين فسقها بعد الحكم وجب رفع اليد عنه على ما عليه جماعة منهم المصنف في ما سيجئ في باب الشهادات
من جهة كونه مبنيا على وجود ما انكشف عدم وجوده.
وبعبارة ثالثة أوضح الحكم وإن كان منجزا دائما إلا أنه يراعى حكم المعلق إذا كان مستنده معلقا بالنظر
إلى ذاته كما إذا كان استصحابا أو العمل عليه معلقا كما في الامارات حيث إن العمل بها موقوف على عدم
المعارض لها فإذا وجد الدليل على الخلاف في الصورة الأولى والمعارض في الصورة الثانية فقد انقلب موضوع
الحكم وهذا لا دخل له بالنقض والحاصل ان كل ما كان وجوده مانعا عن الحكم إذا وجد قبل القضاء فوجوده
بعده مانع عن بقاء أثر الحكم هذا محصل ما ذكره دام ظله.
قال الشهيد قدس سره في القواعد بعد ذكر مواضع للتكلم في حكم البينة ما هذا لفظه السادس اقامتها
بعد الحكم والتسليم إلى الخارج فيحتمل السماع لان اليد إنما أزيلت لعدم الحجة وهي قائمة الآن ويحتمل
عدمه لان القضاء لا ينقض إلا بقطعي ولان الأول صار خارجا (داخلا ظ) انتهى كلامه وهذا كما ترى صريح فيما ذكره
الأستاذ العلامة من حيث الابتناء ومبنى السماع هذا.
لكن؟ الحق الحقيق بالمصير إليه هو القول بعدم السماع على تقدير القول بتقديم بينة الداخل
لاستلزامه نقض القضاء الذي فرض الفراغ عن اثبات عدم جوازه وأما ما ذكره دام ظله تبعا لما عرفت عن الشهيد رحمه الله
بصيرورة القضاء معلقا فلا يكون على تقديره نقضا فمما لا يصلح له.
أما أولا فالبنقض بصورة خروج العين عن يدهما فإنه إذا أقام أحدهما بينة على طبق دعواه فالحكم بها انما
هو مبني على عدم وجود المعارض وهي بينة صاحبه فإذا وجد المعارض بعد الحكم فيرفع اليد عن الحكم لكشفه عن وجود
ما كان الحكم مبنيا على عدمه حسبما ذكرت في الداخلي والخارج فإن التعليق في الخارج في الفرض إنما جاء من ضميمة
الأصل وهي بعينها موجودة في المقام أيضا مع أن أحدا لا يلتزم بهذه المقالة وبالجملة فتح هذا الباب موجب
لهدم كثير من القواعد.
لا يقال فرق بين المقامين فإن في صورة وجود البينة لصاحب المدعى في الخارجين قبل الحكم قد يحكم
بمقتضى بينة من حكم بمقتضاها في صورة فقدانها كما إذا كانت أرجح فلا نعلم أن مجرد وجود البينة بعد
القضاء يرفع العمل بالبينة المحكوم بها وهذا بخلاف المقام.

380
لأنا نقول الكلام فيما إذا أقام المدعي الآخر البينة الأرجح فنقول حينئذ ان العمل بالبينة
للمدعي الذي أقامها موقوف على عدم وجود البينة الأرجح للآخر وقد فرض وجودها مع أن أحدا لا يلتزم
بالنقض في هذه الصورة هذا مع أن في صورة عدم الترجيح من الطرفين أيضا يكون الحكم غير العمل بمقتضى
البينة الأولى كما لا يخفى هذا.
ثم إنه أجاب الأستاذ العلامة عن النقض المذكور بأن مقتضى ما ذكرنا وإن كان الالتزام به إلا أن البناء
عليه لما يوجب خلاف الحكمة التي شرع لا جعلها القضاء وهي عدم استمرار الخصومة لأنه قد تصير البينة
المرجوحة راجحة كما إذا كانت أقل عددا ثم صارت أكثر عددا وهكذا فيلزم نقض الحكم بتغيير حال البينتين
من حيث العدد والعدالة ونحوهما دائما ومن المعلوم ضرورة ان هذا مناف لحكمة تشريع القضاء بين الناس
فنقول ان العبرة في هذه الصورة على وجود الترجيح في زمان القضاء ولا يكفي وجوده بعده وأما إذا كانت
بيد أحدهما فيحكم بالتعليق في القضاء سواء على القول بتقديم بينة الداخل حسبما عرفت أو الخارج بعد البناء
على سماع بينة الداخل في غير صورة التعارض كما عرفت تفصيل القول فيه بمعنى انه لو أقام الداخل بينة وحكم
بمقتضاها ثم أقام الخارج بينة على طبق دعواه فيحكم له بناء على القول بتقديم بينته وهذا ملخص ما ذكره
في الجواب عن النقص وهو لا يخلو عن شوب الاشكال وهو العالم بحقايق الأحوال.
وأما ثانيا فبالحل وتوضيحه انا نمنع من كون الحكم بمقتضى البينة للخارج في الفرض مستندا إلى
أصالة عدم المعارض فيكون رفع اليد عن اليد ظاهريا بمقتضى البينة المنضمة إليها أصالة عدم المعارض كما
في الحكم بالبينة العادلة من جهة استصحاب العدالة وعدم الفسق بل مستند بالبينة مع القطع بعدم المعارض فإن
الذي يكون معارضا لبينة الخارج هو قيام بينة الداخل وشهادتها واخبارها لان الامر بتصديق اخبارها ينافي
الامر بتصديق بينة الخارج والا فنفس وجودها لا يكون معارضا لبينة الخارج ولهذا يحكم بمقتضى بينة الخارج
مع القطع بوجودها في زمان الحكم مع اطلاع الداخل بها وعدم اقامتها ومعلوم ان اخبار بينة الداخل وشهادتها
في زمان الحكم ببينة الخارج لم يكن موجودا قطعا وإنما صار موجودا بعد القضاء فيصدق بعد وجودها ان الحكم
قد وقع بمقتضى البينة التي لم يكن لها معارض زمان الحكم واقعا وهذا بخلاف تبين الفسق أو قيام البينة على
فسق الشهود بعد القضاء فإنهما يكشفان عن وقوع الحكم بمقتضى البينة الفاسقة حين الحكم بها وشتان بينهما.
فإن قلت قيام البينة بعد الحكم وإن لم يكشف عن وجود المعارض حين الحكم كما في تبين الفسق
حيث إنه يكشف عن وجود الفسق حين الحكم إلا أن مقتضى ما دل على تصديق بينة الداخل وإن وجدت بعد
الحكم تعليقه بعدم وجودها بعده فنقول بناء على القول بتقديم بينة الداخل ان نفوذ الحكم بمقتضى بينة -
الخارج موقوف على عدم وجود بينة الداخل أصلا ولو لم يكشف عن وجودها حين الحكم بل قطع بوجودها بعده
قلت بعد تسليم وقوع القضاء منجزا لا يمكن جعله معلقا بما دل على سماع بينة الداخل لان ما دل
على عدم جواز نقض الحكم من الاجماع وغيره حاكم على أدلة جميع الامارات والتكاليف فلا يمكن اثبات
التعليق فيه بها بعد ما لم يكن مستنده معلقا فهل ما ذكرته إلا معنى القول بجواز نقض القضاء وهذا الذي ذكرنا
لا سترة فيه عند ذوي الأفهام المستقيمة فتبين لك من جميع ما ذكرنا أن الحق هو القول بعدم سماع بينة الداخل
في الفرض لما عرفت هذا مجمل القول في الصورة الثانية.
وأما الكلام في الصورة الثالثة فالذي جزم به جماعة منهم الشيخ رحمه الله والعلامة في التحرير والقواعد

381
بمفهوم ضعيف وصريح الفاضل في شرحه والشهيد في عد بل قيل إنه المشهور سماع بينته فيها ورفع اليد عن
الحكم لما قد عرفت من الوجهين في الصورة الثانية وما ذكره جماعة من بقاء اليد حسا فيشمله ما دل على
تقديم بينة ذي اليد من الاخبار.
وهذه بخلاف الصورة السابقة فإنه قد ارتفعت اليد فيها ولأجل ما ذكر جزموا بسماع البينة في الفرض
واستشكلوا في السابقة قال الشهيد رحمه الله في القواعد ما هذا لفظه الخامس اقامتها بعد القضاء للخارج وقبل التسليم فالظاهر أنه
من باب بينة ذي اليد لأنها باقية حسا انتهى هذا.
ولكن الحق ان التفرقة بين الصورتين فاسدة فلا بد إما من القول بالسماع في الصورتين كما حكي عن
الشيخ رحمه الله واختاره في المسالك لما قد عرفت عدم تفصيله واما من القول بعدمه فيهما فالاشكال في الأولى والجزم
في الثانية مستندا إلى ما عرفت مما لا معنى له.
لان المراد من بقاء اليد في الصورة الثانية وعدمه في الصورة الأولى إن كان مع قطع النظر عن نفوذ
القضاء فهو مما لا معنى له لوجود اليد في المقامين لان أخذ المدعي العين في الفرض على هذا الفرض نظير أخذه
بدون القضاء وإن كان بملاحظته فإن قلنا بأن نفوده معلق حسبما عرفته من شيخنا الأستاذ العلامة و
غيره فبوجود البينة يرتفع في الصورتين وإن قلنا بأنه منجز حسبما عرفت فلا وجه للفرق أيضا بل يحكم
بعدم السماع في الصورتين.
وبعبارة أخرى المراد من اليد في الاخبار وكلمات أصحابنا الأخيار هي المعتبرة شرعا لا الحسية
فبقائها وعدمه مما لا يترتب عليه أثر.
فإن قلت كيف تحكم بعدم الفرق بين الصورتين والحال انه موجود قطعا فإن مقتضى أصالة صحة اليد
في الصورة الثانية كون الحكم بملكية ما عليه اليد لذيها (صحيحا خ) وهذا بخلاف الصورة الثالثة فإن مقتضى
الأصل المذكور فيها سماع بينة الداخل لاحتمال وقوع القضاء فاسدا.
قلت الشك في صحة يد المدعي في الصورة الثانية وعدمها مسبب عن الشك في أن خروج العين من يد
المدعى عليه هل كان على وجه صحيح أم لا فبعد البناء على كون القضاء معلقا فيكشف قيام بينة المدعى عليه
عن عدم صحتها وكذلك الشك في صحة اليد في الصورة الثالثة مسبب عن الشك في التعليق والتنجيز فبعد البناء على
كل من القولين يرتفع الشك المذكور وهذا الذي ذكرنا كله لا إشكال فيه إن شاء الله.
ثم إن الذي عرفته من الكلام في الصور إنما هو في صورة إعادة المرافعة عند الحاكم الذي وقعت المرافعة
عنده وأما إذا أريد تجديدها عند غيره فإن علم بالحال وبأنها المرافعة المجددة فحكمه كما سمعت وإلا فتسمع
على كل تقدير والله العالم وهو الحاكم.
الرابع إذا أقام ذو اليد البينة للتسجيل فهل تسمع منه أم لا وجهان الذي عليه جماعة منهم العلامة
في القواعد ومحكي التحرير والفخر في محكي الايضاح والشهد رحمه الله في القواعد بل قيل إنه المشهور هو الأول ولا بد
ان يكون المراد من النسبة إلى الشهرة هي الشهرة بين من تأخر عن العلامة لأنه قد اعترف في محكي التحرير
بعدم نص من الأصحاب على السماع ويمكن القول بالثاني حسبما حكي عن بعض لما ستسمعه إن شاء الله
ثم إن العبارة تحتمل معنيين أحدهما ان التسجيل هل يمكن أن يصير سببا لسماع البينة فيما لم
تكن هناك خصومة فعلية أم لا ثانيهما انه هل يصير التسجيل غاية لسماع البينة والحكم بمقتضاها حتى

382
يترتب عليه جميع أحكام القضاء على القول بتقديم بينة الداخل فيصير القضاء ببينة الداخل قبل حضور الخصم
كالقضاء ببينته بعده فبالنسبة إلى كل شئ كانت معلقة عليه في حال الحضور فتكون معلقة عليه في حال عدمه
أيضا كما بالنسبة إلى البينة على الجرح وبالنسبة إلى كل شئ تكون منجزة في تلك الحال تكون منجزة
بالنسبة إليه في حال عدمها.
وبالجملة يصير حال وجود الخصم وعدمه سيين في الحكم فما نحن فيه على العكس من مسألة القضاء
على الغائب في الجملة فإن في تلك المسألة المدعى عليه غائب وفي المقام المدعى غائب وإن تفارقتا في أن المدعى
عليه ثمة معلوم معين وفي المقام المدعى غير معلوم بل غير موجود إلا بالفرض وكيف كان الظاهر أن المراد
من العبارة هو المعنى الثاني حسبما صرح به في محكي التحرير.
ثم إن هناك مسألة أخرى أعم مما ذكروه وهي انه هل تسمع البينة للتسجيل أم لا كما في كلام
جماعة فإنه قد ذكر الأستاذ العلامة دام إفادته ان بينة التسجيل قد تتصور لغير ذي اليد أيضا كما إذا كانت العين
في يد ثالث وأقام أحد المدعيين بينة للتسجيل لكن فرضه لا يخلو عن إشكال وما ذكره شيخنا الأستاذ لا يخلو عن
تأمل ومناقشة كما لا يخفى وكيف كان يعلم حكم المسألة مما سنذكره في بينة الداخل.
فنقول انه لا إشكال ولا خلاف في نفوذ الحكم بالبينة فيما كانت ثمة خصومة فعلية كما أنه لا إشكال
في عدم الدليل على نفوذه عموما وإن أدعاه بعض فيما لم يكن هناك خصومة أصلا لا فعلية ولا شأنية وإن اتفق وجودها
في بعض الأحيان إلا أن المورد لم يكن من مظان وجودها كما في حكم الحاكم بالموضوعات الخارجية
المترتبة عليها الأحكام الشرعية في غير الاملاك كحكمه بثبوت الهلال أو نجاسة شئ أو طهارته إلى غير ذلك.
إنما الاشكال في نفوذه فيما لم يكن ثمة خصومة فعلية لكن كانت خصومة شأنية كما في دعوى
الاملاك فذهب جمع إلى نفوذه وبعض آخر إلى عدمه ومبنى الاشكال ان المستفاد من عمومات القضاء
بالبينة وحرمة نقضه ورده لأنه موجب للرد على الله بالواسطة هل الأعم من صورة وجود الخصومة الفعلية
فيشمل الشأنية أو خصوص الأولى والظاهر بمقتضى النظر الدقيق هو الثاني وإن كان ربما يظهر في بادي
الرأي الأول هذا.
ولكن ربما يظهر من استدلال الفخر في محكي الايضاح على السماع بأن التسجيل من الفوايد والأغراض
ان الخصم يسلم العموم إلا أنه يدعى العراء عن الفائدة من جهة أن الحكم بالملكية يكفي فيه اليد هذا كله على
تقدير القول بتقديم بينة الداخل وأما على القول بتقديم بينة الخارج فينحصر الثمرة في اغنائها عن اليمين
في صورة وجود الخصم وعدم اقامته البينة إن قيل باغنائها عن اليمين كما سيجئ تفصيل القول فيه إن شاء الله.
الخامس انه ذكر الأستاذ العلامة انه على القول بتقديم بينة الداخل لا بد من أن يسئل أولا من وجود
البينة عن الداخل عكس ما هو المشهور على ما هو المشهور من تقديم بينة الخارج لان مناط وجوب السؤال
عن البينة عن المدعي على القول المشهور وهو كون مرتبة وجود اليمين متأخرة عن البينة يجري بعينه على
هذا القول أيضا لان بينة المدعي في جنب بينة المنكر على هذا القول كيمين المنكر وبينة المدعي لا يقال إن
ما ذكرته مناف لما يستفاد من الاخبار المبينة فيها سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) والوصي (عليه السلام)
من استقرارها على
سؤال البينة من المدعي.
لأنا نقول هذه اخبار تدل على عدم سماع بينة الداخل عند التعارض والكلام على تقدير القول بتقديمها

383
وكونها علة تامة كبينة الخارج على القول المشهور فكل ما يكون علة تامة بوجوده لا بد أولا من السؤال
عنه لان معه يتم الامر هذا ملخص ما ذكره وهو كما ترى لم يصرح به أحد بل لا يظهر من كلماتهم بل
الظاهر منها خلافه.
فالحق على القول بوجوب السؤال هو السؤال عن بينة المدعي ولو قلنا بتقديم بينة المنكر عند
التعارض لان التقديم عند التعارض لا يدل على التقديم من حيث السؤال لان الحجة على كل من يدعي خلاف
الأصل كما عليه بناء العقلاء والسر فيه ما عرفت غير مرة ان الأصل في الطرف الموافق للأصل يكفي عندهم لدفع
المدعي وإن لم يكتف به في مقام الحكم شرعا فالعلة في سؤال البينة عن المدعي ليست هي كون بينته علة تامة بل
من جهة كون الحجة أولا على المطالب ومن بدء بالدعوى والحاصل ان تقديم بينة الداخل عند وجودها لا يدل
على وجوب السؤال عنها أولا فافهم واغتنم.
ثم إنه على القول بتقديم بينة الداخل سواء قلنا بوجوب السؤال عنها أو لا لو أقام الخارج بينة قبل
السؤال عنه أو بعدها نسيانا فهل يجب الفحص والسؤال بعدها عن بينة الداخل أولا يجب ذلك سيما بعد
فرض علم الداخل بأن له إقامة البينة وجهان أوجههما عند الأستاذ العلامة الأول لما قد بنى عليه الامر سابقا
من أن رفع اليد عن اليد إنما هو ببينة المدعي بضميمة اثبات عدم المعارض ولو بالأصل ولا يجوز التمسك بالأصل
في المقام بعد الشك في وجود البينة للمنكر قبل الفحص عنه.
ولكن الحق الثاني أما أولا فلما عرفت سابقا من أن المعارض لبينة المدعي هو اخبار بينة المنكر و
شهادتها لا مجرد وجودها الواقعي ففي صورة نقطع بعدم المعارض وأما ثانيا فلانه بعد تسليم ان اثبات عدم
المعارض في الفرض إنما هو بالأصل لا دليل على وجوب الفحص في اجراء الأصل في المقام لأنه من قبيل
الموضوع بل نفسه فتأمل.
ثم إنه يظهر مما ذكرنا حكم جواز الحكم بمقتضى البينة العادلة من دون الفحص عن الجارح فإنه
مبني على ما ذكرنا ثانيا وما ذكره الأستاذ العلامة.
السادس انه لو أقام الداخل بينة فهل تغني عن يمينه أم لا الظاهر من جماعة منهم العلامة في القواعد
نعم بناء على القول بالقضا ببينة الداخل وظاهر بعض لا وتحقيق الحق في المقام بحيث يكشف القناع عن
وجه المرام يقتضي بسطا في الكلام.
فنقول بعون الملك العلام ودلالة أهل الذكر عليهم الصلاة والسلام انه لا يخلو إما أن نقول في صورة
التعارض بتقديم بينة الخارج أو تقديم بينة الداخل فإن قلنا بالأول فإن جعلنا الوجه فيه ما عليه المشهور من
عدم حجية بينة المنكر مطلقا فلا إشكال في عدم اغنائها في المقام عن اليمين وإن جعلنا الوجه فيه ما بنينا عليه من
عدم حجيتها عند التعارض لا مطلقا فلا إشكال في اغنائها عن اليمين لان معنى ما ذكرنا كونها بدلا عن اليمين
فتقوم مقامها وإن قلنا بالثاني فإن جعلنا وجه تقديمها عند التعارض تساقط البينتين والرجوع إلى اليد فلا إشكال
في اغنائها عن اليمين في صورة عدم التعارض لان دافع الحجة لا يكون إلا حجة في نفسه ولازم الحجية النفسية
كونها علة تامة عند عدم التعارض.
وبعبارة أخرى التساقط فرع التعارض وهو فرع حجية كل من المتعارضين في نفسه ولازمها كون
كل منهما علة تامة في صورة عدم التعارض وهذا بخلاف الموهن والجابر فإن الأول عدمه معتبر في الحجة

384
الشأنية كما أن الثاني وجوده معتبر في الحجة الشأنية فهو متمم لأصل الدليل بحسب الشأن.
وأما المعارض فعدمه وإن كان معتبرا في الحجية الفعلية إلا أنه ليس معتبرا في الحجية الشأنية ولهذا
لا يشترط في الأولين اعتبارهما في أنفسهما بخلاف الثالث فإن المانع عن المقتضي للحجية لا يكون إلا حجة
فإن المنع والمزاحمة فرع لمقاومة المانع المتفرعة على حجيته كما لا يخفى وإن جعلنا وجه تقديمها الترجيح
باليد فلا إشكال في اغنائها عن اليمين في الفرض لأن عدم افتقارها إلى اليمين مع التعارض يقتضي عدم افتقارها
إليها في صورة عدمه بالأولية القطعية الواضحة وإن جعلنا الوجه فيه التعبد من جهة الأخبار الواردة على
تقديمها فإن جعلنا المستند فيه ما دل من الاخبار على التقديم من دون يمين فلا إشكال في الاغناء عن اليمين
في الفرض بالأولوية القطعية وإن جعلنا المستند فيه ما دل من الاخبار على التقديم مع انضمام اليمين حيث إن
الأخبار الواردة في الباب حسبما عرفتها مختلفة فلما لم يكن الوجه في الافتقار إلى انضمام اليمين معلوما إذ
يحتمل أن يكون التساقط ولازمه اغنائها عن اليمين في الصورة ويحتمل أن يكون مجرد التعبد وان بينة المنكر
في كل مورد سمعت فيه فلا بد من انضمام اليمين إليها فلا بد من التوقف بحسب الاجتهاد والحكم بعدم الكفاية
والاغناء بحسب الأصل العملي هذا ولكن الحق على هذا التقدير أيضا اغنائها عن اليمين لما قد عرفت في طي
كلماتنا السابقة من أن الاحتمال الثاني مما لا معنى له لان انضمام اليمين إلى البينة في صورة عدم المعارضة
مستلزم للغوية كما لا يخفى.
السابع انك قد عرفت في طي كلماتنا الماضية انه لا إشكال في سماع البينة من الداخل لو أقامها بعد
القضاء على حصول النقل من المدعي إليه بعده لانقلاب الدعوى وصيرورة المدعي منكرا والمنكر مدعيا فلا
مانع من سماعها لأنها دعوى جديدة على ما هو الشأن في جميع ما كان من أمثال الفرض كدعوى الابراء بعد
حكم الحاكم بالاشتغال من جهة الاستصحاب أو الشهادة المستندة إليه وهذا لا إشكال فيه أصلا إنما الاشكال
في أنه لو ادعى الداخل الانتقال بعد القضاء ولم يكن له بينة على دعواه في مجلس الدعوى فهل تقف الدعوى
إلى أن يحضرها مطلقا أو لا تقف كذلك أو يفصل في الامهال بين حضور البينة في البلد وغيبتها فينتزع العين من يده
في الصورة الثانية ويحكم عليه معلقا ومراعى إلى أن تقوم البينة فتنزع من يد المدعي بخلاف الصورة الأولى وجوه.
ثم إنه ذكر الأستاذ العلامة دام ظله ان مبنى المسألة على أن الفحص عن معارض ميزان القضاء
واجب على الحاكم إذا كان منضما إليه أصل عملي كما يجب الفحص عن معارض الدليل على المجتهد أم لا
وبعبارة أخرى هل يجب الفحص عن المعارض في العمل بالأصل في المقام كما بجب في الاحكام أم لا ولما لم يكن
الكلام مختصا بالمقام فبالحري أن يحرر البحث على وجه التفصيل لينفع في نظايره.
فنقول إن كان مستند القضاء منجزا فلا إشكال في عدم وجوب الفحص عن شئ في الحكم به وإن كان
معلقا فتارة يكون اثبات أصله معلقا بمعنى ان اثبات أصل المستند قد صار بأصل من الأصول المعلقة بعدم
قيام الدليل على خلافها كاثبات البينة العادلة بأصالة عدم صدور الفسق منه وأخرى يكون تطبيقه على المدعى
معلقا على أصل كالشهادة على الملك الفعلي أو الاشتغال الفعلي من جهة الاستصحاب فإن تطبيق الشهادة على المدعى
وهو الملكية الفعلية والاشتغال الفعلي في المثالين لا يمكن إلا بالاستصحاب إذا كان هناك حالة سابقة ولم يعلم
بقائها وثالثة يكون العمل عليه معلقا على أصل كالعمل ببينة الخارج مستندا إلى أصالة عدم وجود بينة الداخل أو
أصالة عدم وجود بينة الابراء والانتقال كما في المقام.

385
أما الصورة الأولى فقد حكموا فيها من غير نقل خلاف حسبما حكى الأستاذ العلامة انه لو ادعى
المدعى عليه ان له بينة على الجرح يقف الحكم ان داعى حضورها ويمهل ثلاثا أو أقل إن ادعى غيبتها وأما
في الصورتين الأخيرتين فالمشهور بينهم عدم سماع دعوى البينة فيهما وإيقاف الحكم بل يحكم مراعى بعدم
قيام البينة على الخلاف كما في القضاء على الغائب.
فبالحري أن نبين ما هو مقتضى القاعدة الأولية في جميع الصور ثم نتكلم في وجود المخرج عنها
بالنسبة إلى كلها أو بعضها.
فنقول قد يقال إن مقتضى الأصل الأولي هو عدم وجوب الفحص في المقام لأنه من الشبهة الموضوعية
ومن المعلوم المقرر في محله ان اجراء الأصل فيها لا يتوقف على الفحص كما في الشبهة الحكمية من غير فرق
فيما ذكر بين الصور الثلاث ولا بين صور الحضور والغيبة.
وقد يقال إن مقتضى الأصل الأولي في جميع الصور هو عدم وجوب الفحص في صورة الغيبة لا في
صورة الحضور فإن البناء على اجراء الأصل فيها من دون فحص موجب للوقوع في مخالفة الواقع كثيرا فيجب
الفحص عن الموارد كما هو الشأن في كثير من الموضوعات كما في الضرر والشك في بلوغ المال بقدر الاستطاعة
أو نصاب الزكاة إلى غير ذلك فإن أمثال هذه الموضوعات نظير الاحكام يلزم من اجراء الأصل فيها من دون
فحص مخالفة كثيرة فيجب الفحص فيها كما هو أحد الأدلة على وجوب الفحص من الدليل في اجراء الأصل
في الأحكام الشرعية الكلية وهذا بخلاف صورة غيبة البينة فإنه لا يلزم من الرجوع إلى الأصل فيها المحذور
اللازم في صورة دعوى حضورها هذا.
ولكنك خبير بأن الفرق من الجهة المذكورة بين الصورتين لا يخلو عن تأمل لا تأمل في وجهه أصلا لكل
من تأمل فيه هنيئة فالحق في التقرير هو التقرير الأول لما قد عرفت مضافا إلى اطلاق ما دل على القضاء بالميزان
المفروض وجوده وسلامته عن المعارض ولو بالأصل فتأمل.
وبالجملة فمقتضى الأصل الأولي بالنظر إلى ما ذكرنا في جميع الصور هو عدم الانتظار والايقاف
إلا أن الظاهر من جماعة الفرق بين الحضور والغيبة كما أن الظاهر من الأصحاب بل المحكي عليه الاجماع
هو الحكم بالانتظار في الجملة في صورة الغيبة في دعوى الجرح وإن اختلفوا في غيرها فذهب الأكثر.
فيه إلى عدم وجوب.
وقال الأستاذ العلامة ان قضية التحقيق مع قطع النظر عن مقتضى الأصل الأولي هو التفصيل في صورة
دعوى وجود البينة بين الحضور والغيبة في القسمين الآخرين كما أن قضيته التفصيل في صورة الغيبة بين دعوى
الجرح وغيرها ففي صورة دعوى الحضور يمهل في جميع الأقسام الثلاثة وفي صورة دعوى الغيبة يمهل في الجملة
في دعوى الجرح ولا يمهل في القسمين الأخيرين فلنا في المقام دعويان.
لنا على أوليهما وجوه من الأدلة أحدها ان مقتضى تعلق حق المدعي هو وجوب الامهال في صورة
دعوى وجود البينة الحاضرة وإلا لزم تفويت حقه من دون موجب له لأن المفروض عدم ايجابه تفويت حق من
أقام البينة وهذه بخلاف صورة الغيبة فإن مراعاة حق مدعي وجود البينة فيها معارض بمراعاة حق من أقام
البينة على دعواه ثانيها ان مقتضى نصب الحاكم للقضاء بين الناس والنظر في أمورهم هو وجوب التأمل في أمر
المرافعة ما لم يوجب تفويت حق من أحد المترافعين ثالثها ان بناء العرف بل سيرة المتشرعة بل سيرة المترافعين

386
على الامهال في الصورة بحيث يعدون مطالبة من أقام البينة فيها الحكم له مجرد العناد ولعل مرجع هذا الوجه
إلى أن دعوى وجود البينة في الصورة توجب سقوط اعتبار الأصل قبل الفحص والانتظار هذا ملخص ما ذكره
دام ظله على ما استفدنا من كلامه من الوجوه على وجوب الايقاف في الصورة وللتأمل فيه بعد ملاحظة اطلاق ما
دل على القضاء بالميزان الشرعي المفروض وجوده مجال فتأمل.
لنا على الثانية إما على عدم الامهال في غير دعوى البينة على الجرح من القسمين الأخيرين أما فيما
إذا انقلب الدعوى وصار المدعي منكرا أو المنكر مدعيا كما في دعوى الابراء والشراء فلان دعوى وجود البينة
الغائبة على المدعى في الفرض كدعوى وجودها في الدعوى الابتدائية الغير المسبوقة بدعوى أخرى لاتحاد المناط
فيهما ومن المقرر في محله جواز ردع المدعي عن المنكر ورفع يده عنه في الصورة الثانية مع ادعاءه البينة
الغائبة وعدم سؤاله احلاف المنكر لعدم وجود الرافع للعمل بالأصل في طرف المنكر بمجرد ادعائه وجود
البينة من (على خ) المدعي فإذا أقر المنكر في الفرض بالاشتغال الذي هو مدعى المدعي بادعائه الابراء منه فقد
جعل الأصل على خلاف قوله فيعمل الحاكم به ما لم يثبت الرافع له.
فإن قلت فرق بين الصورتين فإن الكلام في الفرض في جواز قضاء الحاكم بالاشتغال وأخذ
الحق من المنكر بمجرد الشهادة الاستصحابية أو الاقرار الموجب لتحقق الأصل مع ادعاء المدعي ما يكون
وجوده رافعا لميزان القضاء أم لا.
وبعبارة أخرى الكلام في المقام في تمامية ميزان الحكم والقضاء مع ادعاء المدعي البينة الغائبة على
دعواه وفي الصورة السابقة في جواز العمل بالأصل في طرف المنكر مع ادعاء المدعي البينة الغائبة فليس
الكلام فيه في جواز قضاء القاضي بالأصل الموافق لقول المنكر حتى يدعي المنع من تمامية ميزان القضاء مع
دعوى المدعي وجود البينة له وإنما الكلام فيه في مجرد العمل بالأصل مع أنه ليس أيضا متفقا عليه بينهم لمخالفة
جمع فيه وحكمهم بالايقاف في الجملة.
قلت لا نعني من القضاء التعليقي في المقام إلا إلزام الحاكم المدعي على العمل الذي أحدث موضوعه
بادعائه فانتزاع العين أن أخذ ما في الذمة من المنكر في الفرض مثل رفع يد المدعي عن العين في الصورة السابقة
في كون كل منهما من جهة ملاحظة الأصل ولا نعني بالقضاء التعليقي إلا هذا ومجرد تسمية الثاني عملا بالأصل
والأول قضاء لا يوجب التفرقة بينهما مع عدم وجود ثمرة بينهما أصلا كما لا يخفى.
وأما فيما إذا لم ينقلب الدعوى بل ادعى وجود البينة على طبق ما يدعيه كدعوى الداخل البينة الغايبة
على ما في يده مع إقامة الخارج البينة على دعواه بناء على القول بتقديم بينة الداخل عند التعارض فلان بينة
المدعي في الفرض لا تقتصر عن الأصل في طرف المنكر فيما إذا ادعى المدعي البينة الغائبة فقد عرفت أن الحكم
فيه عدم الايقاف هذا كله في عدم الايقاف في الصورتين الأخيرتين.
واما الدليل على الايقاف في الجملة في دعوى البينة الغائبة على الجرح فلان مرجع الدعوى فيها إلى
دعوى عدم تمامية الميزان فهي ترجع إلى الخدشة في أصل الميزان ولا دخل لها بدعوى البينة على خلاف الدعوى
ومن المعلوم ان الفحص عن أصل ميزان القضاء واجب على الحاكم.
وبعبارة أخرى مرجع دعوى وجود البينة على الجرح إلى دعوى عدم المقتضي للحكم لخلل في
أصل الميزان بخلاف دعوى وجود البينة في غير دعوى الجرح فإن مرجعها إلى وجود المانع عن العمل بالمقتضي

387
المدفوع بالأصل وبعبارة ثالثة المدعى عليه في دعوى وجود البينة على الجرح هو نفس الحاكم من حيث
رجوع دعوى الجرح إلى أن الحكم بالبينة حكم بالجور فلا يجوز له العمل بالأصل بل يجب الفحص عليه
بخلاف دعواه في غير الصورة فإنها دعوى على المدعى فالحاكم يفصل بينهما بما جعل ميزانا له
ولو بضميمة الأصل.
هذا ملخص ما أفاده الأستاذ العلامة في وجه الفرق وأنت خبير بإمكان المناقشة فيه بأن دعوى
وجود البينة من المدعي إن كان مسقطا للأصل عن الاعتبار فلا فرق بين المقامات وإلا فلا معنى للفرق أيضا
فنقول في صورة دعوى وجود البينة على الجرح ان الميزان تام ولو بضميمة الأصل المعتبر بالفرض وبالجملة ما
ذكره من الوجوه اعتبارات لا تصلح للفرق والله العالم.
الثامن ذكر الفاضل في القواعد وبعض الأصحاب في غيره مسألة انه هل يكون البينة حجة على غير
المدعى عليه أم لا واختار عدم الحجية ومجمل القول فيها انه إن أريد من الحجية على غير المدعى عليه انه لا يجوز
له الدعوى على المدعي أصلا ولا المخاصمة مع المدعى في العين التي أقام البينة على كونها ملكا له عند الحاكم
فلا دليل عليه أصلا بل مقتضى الأدلة حتى الاجماع خلافه وإن أريد ان بعد حكم الحاكم بالبينة يجب على
الناس إنفاذه وترتيب أثر ملكية المدعي على العين التي أقام البينة على كونها ملكا له فإن أريد صورة العلم
بالخلاف فلا معنى له أيضا وإن أريد صورة الجهل فلا إشكال فيه لأنه معنى اعتبار البينة في مقابل انكار
المنكر ووجوب إنفاذ حكم الحاكم والله الحاكم بالصواب هذا بعض الكلام في الصورة الثانية وهي ما لو
كانت العين بيد أحدهما.
وأما الكلام في الصورة الثالثة وهي ما لو كانت خارجة عن يدهما فإن كانت بيد ثالث صدقهما أو صدق
أحدهما فتدخل في الصورة الأولى على الأول وفي الصورة الثانية على الثاني بناء على ما عرفت من أن اقرار ذي اليد
يجعل المقر له ذا اليد عرفا وشرعا وإن لم تكن في يد ثالث أو كانت ولم يثبتها لأحدهما فلا يخلو إما أن يكون لاحدى
البينتين مزية على الأخرى أم لا فالكلام يقع في المقامين.
أما الكلام في المقام الأول وهو ما لو كانت لاحدى البينتين مزية على الأخرى فيقع في مقامات أحدها
في الترجيح بالمزية في الجملة وإن كان بالمزية المنصوصة ثانيها في التعدي عنها إلى غيرها من المزايا ثالثها
في الافتقار إلى اليمين بناء على الترجيح بالمزية وعدمه.
أما الكلام في المقام الأول فيقع أيضا في مقامين أحدهما في تحقيق ما هو قضية الأصل الأولي في
الترجيح ثانيهما في وجود المخرج عنه.
أما الكلام في المقام الأول فنقول ان الذي يقتضيه التحقيق المحقق مستقصى في محله بالنظر إلى
الأصل الأولى هو عدم الترجيح بالمزية الغير المعتبرة كما أن الأصل عدم الحجية في الظن الغير المعلوم اعتباره
من الدليل القطعي سواء كان اعتبار البينتين من باب التعبد أو الظن النوعي فالبينة الراجحة بالنظر إلى مقتضى
الأصل سواء في الحكم مع البينة المرجوحة.
فبعد ما كان مقتضى الأصل الأولى عدم الترجيح بالمزية فهل مقتضاه ايقاف الدعوى لعدم وجود الميزان
للقضاء لفرض تساوي البينتين من حيث الحكم أو الحكم بالتنصيف من حيث كونه جمعا بين العمل بالبينتين أو
انتقال الميزان إلى اليمين وكونها الفاصلة للخصومة للفرض أو إلى القرعة بدون الاحتياج إلى انضمام اليمين

388
أو معها (معه خ) وجوه أوجهها عند الأستاذ العلامة ثالثها لوجوه.
أحدها ما دل على كون الميزان للمدعي والفرض عليه في صورة تعذر البينة هي اليمين لا يقال إن
مقتضى قاعدة التعذر هو تعذر الإقامة كما فيما لا يعلم إلا من قبله لا تعذر العمل من جهة وجود المزاحم.
لأنا نقول بعد تسليم كون المراد منها ما ذكر أنه لا إشكال ان مناط القاعدة وهو لزوم تضييع حق
المدعي لو بنى على عدم القناعة منه باليمين الذي شرع لعدمه القضاء بين الناس موجود في الفرض أيضا فلا بد أن
يكون الميزان فيه هو اليمين أيضا وإلا لزم المحذور المذكور هذا.
ثانيها ما دل من الاخبار على حصر ميزان القضاء بالبينة والايمان فإذا لم يمكن القضاء بالأولى فلا بد
من القضاء بالثانية كقوله (صلى الله عليه وآله) إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان ونحوه لا يقال الاخبار الحاصرة إنما وردت
مورد بيان المهملة فالمرجع هي الاخبار المفصلة مثل قوله البينة على المدعي واليمين على من ادعى عليه
أو على من أنكر وهي تدل على حصر اليمين في حق المنكر فلا تكفي في حق المدعي لأنا نقول الاخبار إنما تدل على
حصر اليمين في المنكر إذا كان هناك مدع ومنكر لا في مثل الفرض فيرجع فيه إلى الاخبار الحاصرة وبمثله
يجاب عما دل على حصر المستخرج بما يكون مثل اليمين في الفرض خارجة عنه كقوله استخراج الحقوق
بأربعة لأنه حصر في مقام الاستخراج ولازمه وجود منكر في مقابل مدع لأنه مقتضى قضية ظاهر
لفظ الاستخراج.
لا يقال مقتضى ما دل على كون القرعة من الموازين عدم انحصار الميزان في صورة تعذر العمل بالبينة
في اليمين كقوله أحكام المسلمين على ثلاثة بناء على أن يكون المراد من السنة الجارية فيه هي القرعة وغيره
فيحمل عليه اطلاق ما دل على الحصر بالبينة واليمين.
لأنا نقول ما دل على كون القرعة أيضا من الموازين إنما هو في صورة عدم اليمين لا مطلقا لا يقال قوله
إنما أقضي الحديث إنما يدل على الحصر فيما يجب فيه القضاء والكلام في أصل وجوبه لأنا نقول مقتضى اطلاق
ما دل على وجوب القضاء بين الناس بالحق هو وجوب القضاء في الفرض إذ لا مانع عنه مع فرض وجود الميزان له.
ثالثها ما دل على أن كل منكر عليه اليمين فإن كلا من المدعيين في الفرض منكر بالنسبة إلى ما
يدعيه الآخر وإن كان مدعيا بالنسبة إلى ما يدعيه فعليه اليمين بمقتضى ما دل على أن كل منكر عليه اليمين
لا يقال المراد من الانكار هو الانكار الابتدائي لا الانكار اللازم من الادعاء إذ لو بنى على التعميم لزم عدم تخصيص
اليمين بالمنكر إذ كل مدع فهو منكر باعتبار.
لأنا نقول نمنع من اللزوم المذكور لان المدعي الذي نجعله منكرا إنما هو المدعي الذي كان في
مقابله مدع آخر لا الذي يكون في مقابله المنكر حتى يلزم عدم تخصيص اليمين بالمنكر هذا ملخص ما
ذكره دام ظله لاثبات كون الميزان في الفرض هو اليمين وللنظر فيه مجال واسع يطول المقام بذكر وجهه
ولعلنا نشير إليه في بعض كلماتنا الآتية إن شاء الله.
ثم ذكر دام ظله انه إذا ثبت كون الميزان هو اليمين فحينئذ لا يخلو إما أن يحلفا أو ينكلا أو يحلف أحدهما
وينكل الآخر فإن حلف أحدهما ونكل الآخر فلا إشكال في القضاء على الناكل نعم يبقى الكلام في وجهه و
انه هل هو من جهة القضاء ببينة الحالف من حيث كون نكول الناكل مع حلف الحالف بمنزلة الاقرار للباذل
فيكون مكذبا لبينته فيبقى بينة الحالف سليمة عن المعارض فيكون القضاء بها أو القضاء بيمينه من جهة تساقط

389
البينتين بالتعارض فينتقل الميزان إلى اليمين حسبما هو الوجه لما قد عرفت وإن حلفا أو نكلا فالمتعين هو القرعة
لما قد دل عليها من الاخبار فحينئذ إن قلنا بأنها بنفسها فاصلة وميزان للقضاء من دون الاحتياج إلى انضمام اليمين
كما في البينة واليمين حسبما هو قضية كلام بعض فلا إشكال وإن قلنا بأن القضاء بها يتوقف على حلف من خرج
باسمه القرعة من حيث صيرورته بالقرعة منكرا من جهة موافقة قوله للأصل المعتبر شرعا وهي القرعة كما
عليه المشهور حسبما حكاه جماعة فإن حلف فلا إشكال أيضا وإن نكل فهل يترتب عليه جميع أحكام المنكر
من القضاء بالنكول في نفسه أو بعد الرد فإن حلف المردود إليه فهو وإلا فيقضى عليه أو لا يترتب عليه ذلك بل
إنما يكون حكمه حكم المنكر في مجرد توجه اليمين فكأن القرعة تعين من يحلف من المدعيين فيرجع بعد
نكول من خرج باسمه القرعة إلى التنصيف فيكون على هذا للقضاء في الفرض موازين أربعة مترتبة لا يرجع إلى
كل لاحق إلا بعد تعذر سابقه حسبما هو قضية الترتيب بين الشيئين وجهان أوجههما عند الأستاذ العلامة ثانيهما
فلعله يأتي التكلم فيه بعد هذا إن شاء الله.
فإن قلت بعد البناء على الافتقار إلى انضمام اليمين في القضاء بالقرعة فما وجه الرجوع إلى أدلة الموازين
(اليمين خ) ثم إلى أدلة القرعة بعد حلفهما أو نكولهما فليرجع إلى أدلة القرعة من أول الأمر ويتعين الحالف
من المدعيين بعد إقامتهما البينة حسبما هو مورد البحث بالقرعة ثم الحكم بها بعد الحلف.
قلت لا وجه للرجوع إلى القرعة من أول الأمر أما الأخبار الخاصة فلاختصاصها بصورة تعذر القضاء
باليمين والبينة وأما الأخبار العامة الدالة على أن القرعة لكل أمر مشكل بناء على تعميمها بالنسبة إلا ما كان
مشكلا واقعا وظاهرا حسبما عليه المشهور حتى تشمل المقام أيضا فلانها إنما هي فيما إذا دار الامر بين الاخذ
بأحد الطرفين كما في تزاحم الحقين المعلوم وجوب مراعاتها بقدر الامكان ولو بالأخذ بأحدهما.
وأما فيما إذا لم يكن الامر دايرا بينهما كما في تعارض مطلق الأمارات الشرعية حيث إن مقتضى
الأصل الأولي فيه تساقط المتعارضين فيه من حيث جواز العمل بكل منهما فلا معنى للرجوع إليها فإن شئت
قلت إن ما دل على وجوب الرجوع إلى اليمين يرفع الاشكال الذي يجري من جهته أدلة القرعة هذا كله مضافا إلى أنه
لو بنى على تعيين الحالف منهما بالقرعة بعد إقامتهما البينة من جهة العمومات فليبن على تعيين من يقيم البينة
منهما لأجل العلة المذكورة.
فإن قلت إن أدلة القضاء باليمين لا تجري قبل تعين من يحلف من جهة عدم التأثير في حلفهما ونكولهما قلنا
بمثله بالنسبة إلى عمومات العمل بالبينة فإن العمل بالبينتين أيضا غير ممكن هذا.
ثم إنه ذكر الأستاذ العلامة بعدما عرفته انه يمكن الخدشة فيما ذكرنا توضيحها ان ما ذكرنا من
كون الميزان بعد كون الأصل عدم ترجيح أو فرض عدم وجوده الرجوع إلى اليمين ثم إلى الحلف ثم إلى القرعة
ثم إلى التنصيف كان مبنيا حسبما عرفت على مقدمات إحديها تعذر الفصل بالبينة في الفرض ثانيتها ان كلما
تعذر الفصل بالبينة يجب الرجوع فيه إلى اليمين إن أمكن من جهة أحد الوجوه المتقدمة ثالثتها إمكان القضاء
باليمين فإن اجراء أدلتها موقوف عليه قطعا.
ولنا أن نتكلم على كل منها إما على الأول فبأنا نمنع تعذر القضاء بالبينة لامكان القضاء بها على جهة
التنصيف ليكون جميعا بينهما في العمل فإنه وان استلزم طرح العلم الاجمالي بكون تمام العين لأحدهما في
بعض المقامات أو أدلة العمل بالبينة في الجملة إلا أنه فصل بين المتخاصمين ورفع ليد كل منهما عما يدعيه

390
من النصف الذي حكم لصاحبه بالميزان الشرعي وهي البينة والأول لا يضر لوقوع نظيره في الشريعة كثيرا
سيما بالنسبة إلى الشخصين بعد حصول الثاني.
وبعبارة أخرى أوضح أن المقصود من القضاء بالبينة شيئان أحدهما احراز الحق الواقعي بها مهما أمكن
ثانيهما رفع يد الخصم وأمره بالخروج عن عهدة ما أقامت عليه حتى يكون رفع خصومته بالميزان الشرعي
والمقصود الأول وإن لم يمكن تحصيله في المقام إلا أنه لا يضر بعد فرض حصول الثاني لان رفع يد كل من
المتخاصمين
عن النصف إنما هو من جهة بينة صاحبه فلو قال إن لي بينة على تمام العين قلنا في جوابه ان لصاحبك أيضا بينة على
تمام العين هذا ملخص ما ذكره في الايراد على المقدمة الأولى وبيان منع تحققها.
لكنه تنظر فيه بأنه فاسد لمنع تحقق المقصود الثاني أيضا لان القضاء بالنصف على كل منهما لصاحبه
ليس قضاء بالميزان الشرعي لفرض تعارض كل من البينتين في كل من النصفين بالأخرى فلا جواب للمدعي لو قال
بأنك حكمت علي بالنصف بالجور لان الجواب باني قضيت عليك بالميزان الشرعي وهي بينة صاحبك لا معنى له
بعد فرض تعارض بينة الصاحب ببينة المدعي فيرجع الامر إلى عدم الميزان والحكم بالتنصيف من جهته.
والحاصل ان ما يصلح أن يصير ميزانا هي البينة السليمة عن المعارض وأما البينة المعارضة بمثلها
المدفوعة بها فلا تصلح له فإن شئت قلت إن صيرورة كل من البينتين ميزانا بالنسبة إلى النصف إنما هو بعد قيام
الدليل على العمل بها على النحو المذكور وما دل على اعتبارها لا يدل عليه لأنه ليس حقيقة عملا بالبينة بل طرح
لها بالنسبة إلى مدلولها فتدبر.
وأما على الثانية (1) فبالمنع من أن مثل هذا النحو من التعذر موجب للانتقال إلى اليمين وما ادعى دلالته
عليه من الوجوه الثلاثة لا يصلح وجها له أما قاعدة التعذر فإنما تجري فيما لزم من عدم اعمال اليمين تفويت حق
المدعي كثيرا وهو في المقام ممنوع لان القدر المخرج باليمين في الفرض يخرج بالقرعة أيضا.
وأما الاخبار الحاصرة فلأنك قد عرفت انها ليست في مقام اثبات وجوب القضاء بالبينة واليمين في كل
مقام وإنما هي في مقام انه لو وجد قضاء في الخارج فلا بد أن يكون باحديهما هذا.
ولكن يمكن أن يقال إن في بعض الأخبار دلالة على وجوب القضاء بالبينة واليمين في جميع المقامات
مع الحصر فيهما كقوله اقض بينهم بالبينات وأضفهم إلى اسمى وأما الاخبار المفصلة فلمنع صدق المنكر و
المدعى عليه على كل منهما بالفرض سلمنا صدقه لكن نقول إن المراد من المنكر فيها هو المنكر ابتداء لا من
جهة لزومه للدعوى الثبوتية فتدبر.
وأما على الثالثة فبانا نمنع من إمكان القضاء باليمين في الفرض حسبما قضت به أدلتها من كونها
علة تامة لا بد من الفصل بها متى وجدت حتى لا يجوز التقاص بعدها أيضا احتراما لاسم الله تعالى ومعلوم انه
لا يمكن الفصل بالمعنى المذكور في المقام لان من صور المقام أن يحلفا جميعا فيكشف هذا عن عدم كون
الميزان للقضاء هو اليمين.
والحاصل ان المعهود من طريقة الشارع عدم ايقاف القضاء بعد اليمين ففي كل مورد لا يمكن الفصل
بها ولو من جهة التحالف فيكشف عن عدم كونها ميزانا للقضاء وإلا لما تخلف القضاء عنها وأما التحالف الذي
ثبت من الشرع كما لو كانت العين بيدهما ولم يكن لهما بينة فإنما هو فيما يقضى بحلف كل من المتحالفين.



(1) والجواب عن المقدمة الثانية لم يصرح به في مجلس البحث إلا انا استفدناه من كلامه في خارجه (منه قدس سره)
391
وبعبارة أخرى التداعي في الصورة ينحل إلى دعويين وانكارين فكل منهما مدع بالنسبة إلى شئ و
منكر بالنسبة إلى شئ آخر فلا بد حينئذ من يمينين حتى يتم الحكم بالتنصيف وهذا بخلاف المقام فإن المفروض
ان بعد التحالف لا يحكم بشئ وإنما يرجع إلى ميزان آخر فيلزمه إلغاء حلف كل منهما وهو ما عرفت من
كونه غير معهود من طريقة الشارع.
وبعبارة أخرى مطالبة الحلف منهما إن كانت من جهة القضاء باليمين من كل منهما فالمفروض في
المقام عدم الالتزام به ورفع اليد عنهما وإن كانت من جهة تحصيل الميزان ولو في بعض الصور وهو ما لو
حلف أحدهما ونكل الآخر كما في مطالبة البينة منهما حيث إن المفروض انتقال الميزان إلى غيرها في صورة
التعارض ففيه انه إنما هو بعد نفع اليمين في حق الناكل وتوجهها إليه شرعا لان النكول إنما يثمر فيما إذا
توجهت اليمين شرعا إلى الناكل ولا يمكن القول بتوجهها إليهما من حيث استلزامه طرح اليمينين وهذا
لغو صرف لا يصدر من الحكيم تعالى وهذا بخلاف البينة فإن اقامتها ليست مشروطة بإذن الحاكم وفي صورة
اذنه بأن يقول إن من كان له بينة فليقمها إن شاء لان يعلم بوجود البينة لكل منهما.
نعم لو قيل بأن اليمين كالبينة في الفرض من حيث كونها قائمة مقامها فلا يحتاج إلى أمر من الحاكم و
إنما المحتاج إليه اليمين من المنكر التي هي حق للمدعي أمكن القول بتساويهما وكون اجراء دليل إحديهما
في الفرض مثل اجراء دليل الأخرى لكنه اثباته لا يخلو عن إشكال.
هذا ملخص ما ذكره في بيان وجه منع المقدمة الثالثة ولكنك خبير بأنه لا يخلو عن شوب إشكال ولا
يعرى عن ثوب إجمال لان الفرق بين اليمين والبينة من جهة ما ذكره في غاية الاشكال والله العالم بحقيقة الحال
فتبين من جميع ما ذكرنا أن مقتضى الأصل الأولي بعد تعذر القضاء بالبينة هو الرجوع إلى القرعة من غير الانتقال
إلى اليمين حسبما عليه المشهور المدلول عليه بطايفة من الروايات التي ستمر بك فيتحد مقتضى الأصل الأولي
والأصل الثانوي المدلول عليه بالروايات.
نعم يبقى الكلام على تقديره في مقامين أحدهما في أن ما ذكرنا من كون المرجع هو القرعة هل هو
جار في جميع الصور أو مختصر بما لم يرضيا بحلف أحدهما وإلا فالميزان هو نفس القرعة وجهان إلا وجه هو الثاني
لان اعتبار القرعة بعد وقوع التراضي على الوجه المذكور مما يلغو بناء على ما سيجئ من اعتبار الحلف بعدها
فإنها لا تخلو إما أن تخرج باسم من تراضيا على حلفه أو على اسم صاحبه فإن خرجت باسم الأول فلا تأثير لها وإن
خرجت باسم الثاني فينتقل اليمين إلى الأول أيضا من جهة رضائه بحلفه المنزل منزلة رده الحلف إليه أو نكوله
اللهم إلا أن يقال بوجود الثمرة على تقدير خروج القرعة باسم الأول بين الاخراج (الاقراع خ) ومجرد الرضاء
من صاحبه لعدم جواز رفع اليد عن مقتضى القرعة بخلاف الثاني فإنه يجوز رفع اليد عنه إذ لا دليل على
لزومه بمجرد تحققه.
ثانيهما في أنه هل يحتاج القضاء بالقرعة إلى انضمان اليمين ممن خرجت باسمه أم لا وجهان أوجههما
عند بعض الأصحاب الثاني ولكن الذي عليه الجمهور المحكي عليه الشهرة في كلام جماعة هو الأول ولا يبعد
أن يكون هذا هو الأقرب إلى الصواب حسبما سيعلم إن شاء الله هذا كله بالنظر إلى الأصل الأولي الذي يرجع
حاصله إلى أن مقتضى الأصل عدم الترجيح كما أن مقتضاه الرجوع إلى القرعة بعد تعذر القضاء والفصل بالبينة.
وأما بالنظر إلى الأصل الثانوي المستفاد من الاخبار المروية من الأئمة الأطهار عليهم السلام فتحقيق

392
القول فيه بحيث ترتفع غواشي الأوهام عن وجه المرام يقتضي ذكر جملة منها حتى يعلم ببركتها ان مقتضى
التحقيق هل هو ما ذهب إليه المشهور من الرجوع إلى القرعة مطلقا بعد الترجيح في الجملة أو ما ذهب إليه الشيخ
رحمه الله من الرجوع إلى القرعة في صورة الشهادة على الملك المطلق وإلى التنصيف في صورة شهادة الشاهدين على الملك
المقيد والحكم بمقتضى المقيد في صورة اختلافهما اطلاقا وتقييدا.
فيقع الكلام في مقامين أحدهما في أن مقتضى الاخبار بعد فرض عدم وجود الترجيح في صورة تعارض
البينتين هل هو الرجوع إلى القرعة مع الحلف أو مطلقا أو الرجوع إلى التنصيف بعد الحلف أو مطلقا أو يختلف
مقتضاها بالنسبة إلى الموارد ففي بعض الموارد تقتضي الأول وفي بعضها تقتضي الثاني ثانيهما في أن مقتضاها هل
الترجيح بما يوجد مع إحدى البينتين من المزايا في الجملة أو مطلقا حتى يخرج بها عن مقتضى الأصل الأولي
أو لا يكون مقتضاها ذلك الذي كان هو المقام الثاني من المقامات الثلاثة.
أما الكلام في المقام الأول فنقول ان الأخبار الواردة في الرجوع إلى القرعة فكثيرة كما أن الأخبار الدالة
على التنصيف في صورة تعارض البينتين أيضا كثيرة وكل منهما على قسمين أحدهما الدالة على الرجوع
إلى القرعة أو التنصيف مطلقا والثاني الدالة على الرجوع إليها أو إلى التنصيف بعد الحلف فالأخبار الواردة بأسرها
بين أربعة طوايف لكن بعد حمل مطلقاتها على مقيداتها ينحصر التكلم في صنفين أحدهما ما دل على الرجوع
إلى القرعة مع انضمام اليمين ثانيهما ما دل على التنصيف بعد الحلف من كل منهما فنحن نذكر أولا الأخبار الواردة
في الارجاع إلى القرعة ثم نذكر الأخبار الواردة الدالة على التنصيف ثم نعقبه بذكر العلاج بينهما.
أما الأخبار الواردة في حكم القرعة فقد عرفت انها كثيرة جدا فمنها ما في خبر بصرى عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال كان علي (عليه السلام) إذا أتاه رجلان يختصمان بشهود عدلهم سواء وعددهم سواء أقرع بينهم على أيهم يصير اليمين
قال وكان يقول اللهم رب السماوات السبع أيهم كان الحق له فاده إليه ثم يجعل الحق للذي يصير عليه اليمين إذا حلف.
ومنها ما في صحيح داود عن أبي عبد الله (عليه السلام) في شاهدين شهدا على أمر واحد وجاء آخران فشهدا على
غير الذي شهد الأولان عليه واختلفوا قال يقرع بينهم فأيهم قرع عليه فعليه اليمين وهو أولى بالقضاء له ونحوه
الصحيح الآخر عنه أيضا غير أنه قال في ذيله أولى بالحق بدل أولى بالقضاء.
ومنها ما في موثقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) ان رجلين اختصما إلى علي (عليه السلام) في دابة فزعم كل واحد
منها انها نتجت على مذوده وأقام كل واحد منهما بينة سواء في العدد فأقرع بينهم سهمين فعلم السهمين كل واحد
منهما بعلامة ثم قال اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم عالم الغيب والشهادة
الرحمن الرحيم أيهما كان صاحب الدابة وهو أولى فأسئلك أن يخرج سهمه فخرج سهم أحدهما فيقضى له
بها ونحوه خبر عبد الله بن سنان إلا أنه قال في آخره فأسئلك ان يقرع ويخرج اسمه فخرج اسم أحدهما
فيقضى له بها إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في بيان القرعة وبعد حمل المطلق منها كما في الخبرين
الآخرين على مقيدها كما في الثلاثة الأولية يصير المحصل عنها ان الميزان بعد تعارض البينتين هي القرعة مع
حلف من خرجت باسمه هذا.
وأما ما ورد في كون الميزان هو التنصيف بعد التحالف أو مطلقا فجملة من الروايات منها ما تقدم في رواية
اسحق عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حكاية قضاء أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أن قال فقيل فلو لم يكن في يد واحد منهما و
أقاما البينة قال أحلفهما فأيهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف فإن حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين الخبر

393
ومنها خبر غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام) ان أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دابة كلاهما أقاما البينة
انه أنتجها فقضى بها للذي هي في يده وقال لو لم يكن في يده جعلتها بينهما نصفين.
ومنها خبر تميم بن طرفة ان رجلين ادعيا بعيرا فأقام كل واحد منهما بينة فجعله أمير المؤمنين (عليه السلام)
بينهما إلى غير ذلك وبعد حمل مطلقها كما في الأخيرين على مقيدها كما في الأول يتحصل منها ان الميزان
في الفرض هو التنصيف بعد التحالف.
وأنت بعدما عرفت ما تلونا عليك من الاخبار وكيفية الحمل فيها علمت أنه لا يمكن حمل ما دل على
التنصيف على ما في بعض اخبار القرعة من الحكم بالتنصيف فيما إذا أنكل من خرجت باسمه القرعة لان الحمل
عليه ينافي حمله على التنصيف بعد التحالف مضافا إلى بعد هذا الحمل عن سياق الخبر غاية البعد لاستلزامه
تقديرا كثيرا يأبى عنه سياق الكلام كما انك علمت أنه لا يمكن الجمع بينهما بحمل أحدهما على قضية في واقعة
لما قد عرفت مرارا من أن ذكر القضاء في الواقعة في مقام الاستشهاد والاستدلال دليل على إرادة العموم منه.
نعم اخبار القرعة أعم مطلقا عن بعض أخبار التنصيف من حيث شمولها للمسببتين والمطلقتين
والمختلفتين واختصاصه بالمسببتين فكما انه يجب حمل ما دل على التنصيف مطلقا عليه ان ثبت هنا اتحاد
تكليف كذلك يجب حمل اخبار القرعة عليه والحكم باختصاصها بالمطلقتين أو الأعم منهما ومن المختلفتين
إن لم نقل بخروج هذه الصورة عن تحت أخبار القرعة لكونها من موارد الجمع المقدم على الطرح ولو في الجملة
حسبما عليه بناء أكثر الأصحاب.
وما يقال إن في بعض أخبار القرعة ما يكون مباينا لذلك الخبر لاختصاصه أيضا بالمسببتين مثل
موثقة سماعة من حيث كونها ظاهر الاختصاص بهذه الصورة كما يدل عليه قوله فزعم كل واحد منهما الخبر ففاسد
جدا إذ لم يظهر من الخبر ان شهادة البينة أيضا على وجه التقييد إذ القول المذكور إنما هو في كلام الراوي
ولم يعلم أنه جزء من دعوى المدعي حتى يقال بإقامته البينة عليه.
إلا أنه لا عامل بهذا الخبر من أخبار التنصيف لان القائل بالتنصيف إنما هو الشيخ وهو لا يشترط فيه
الحلف مع اعتباره في الخبر فبعد طرح هذا الخبر تصير النسبة بين أخبار التنصيف والقرعة التباين الكلي
فلا بد من الرجوع إلى المرجحات السندية أو المضمونية على القول به.
فإذا نقول إن الترجيح مع اخبار القرعة لكونها أصح سندا ومعمولا بها عند المشهور وموافقة للاجماع
المنقول عن الغنية وأما أخبار التنصيف فلم نجد من عمل بها إلا الشيخ رحمه الله في بعض الصور وهو ما إذا كانت البينتان
مسببتين لكنه أيضا ليس عملا بها حق العمل لان مقتضى ما ذكرنا في أخبار التنصيف هو القول بمقتضاها على
تقديره مع التحالف لا بدونه فاخبار التنصيف لا عامل بها على ما يقتضيه التحقيق.
نعم لو عمل بها مع الالتزام بالحلف كان قول الشيخ رحمه الله أقرب وأنسب بالمنقول كما صرح به في المتن
لأنه قال في صورة اطلاق البينتين بالقرعة وفي صورة تقييدهما بالتنصيف على ما يقتضيه حمل المطلق على المقيد
وفي صورة الاختلاف بالجمع على ما يقتضيه قاعدة الجمع إن قيل بها حسبما عليه المشهور الذي قد عرفت التأمل
فيه لكن العامل بها على الوجه المذكور غير موجود فلا بد من طرحها والاخذ بمقتضى أخبار القرعة هذا كله
لو كان الاختلاف بين الأصحاب مستندا إلى الاخذ بسند بعض الأخبار وطرح بعضها الآخر.
وأما لو كان من جهة الاختلاف في دلالة الاخبار وكون المراد منها أي شئ وإلا فليس التأمل في

394
سندها حسبما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله من أن أكثر الاختلافات بين الأصحاب في الروايات من جهة الدلالة
فيكون الحكم بعد التكافؤ أيضا الاخذ بالقرعة لعموماتها لتعين الرجوع إليها بعد تكافوء المتعارضين من حيث
الدلالة والحكم بإجمالهما فالمرجع هو عمومات القرعة إن لم نقل بالترجيح بها من حيث الاعتضاد حسبما عليه
جماعة وإلا فيرجع ما دل على الرجوع إلى القرعة من المتعارضين من جهة اعتضادها بالعمومات فتعين على كل
تقدير المصير إلى ما ذهب إليه المشهور هذا بعض الكلام في تعيين ميزان القضاء بعد تعذر اعمال البينة من الاخبار
بعد فقد الترجيح أو فرض عدم الحكم به.
وأما الكلام في الترجيح بما يوجد مع إحدى البينتين من المزايا الداخلة من جهة الاستفادة من
الاخبار وإلا فإنك قد عرفت أن قضية الأصل الأولي هو عدم الترجيح مطلقا فيقع في مقامات ثلاثة أحدها في
الترجيح بالأكثرية والأعدلية الموجودتين في أخبار الباب ثانيها في التعدي عنهما إلى غيرهما ثالثها في حكم صورة
تعارض الاعدلية والأكثرية.
أما الكلام في المقام الأول فملخصه انه يمكن أن يقال بالترجيح بهما في خصوص المقام كما
عليه جماعة من الاعلام بل المعظم بل المشهور شهرة محققة ومحكية قد تجاوزت حد الاستفاضة لدلالة جملة
من الأخبار المتقدمة عليه.
ومنها رواية البصري التي قد نقل الإمام (عليه السلام) فيها حكم علي أمير المؤمنين (عليه السلام) بالقرعة بعد مساواة
البينتين في العدد والعدالة الدالة بالمفهوم على الترجيح بهما عند التفاوت والخدشة فيها بأن الفعل لا ظهور ولا
عموم لا حتى يمكن به الاستدلال قد عرفت فسادها غير مرة.
لا يقال إن المستفاد من الرواية من جهة المفهوم على تقدير القول به انتفاء القرعة في صورة عدم
التسوية حسبما هو قضية المفهوم المقرر في محله من أن المستفاد منه نفي الحكم المذكور في المنطوق
وأما اثبات ضده فلا وأين هذا من دلالته على الترجيح بالأعدلية والأكثرية سيما مع احتمال كون الحكم
هو التنصيف بعد القرعة. لأنا نقول المستفاد من الرواية بحسب قاعدة المفهوم المقررة في محله وإن كان ما ذكرت إلا أنه
قد تقرر في محله أيضا انه قد يستفاد من المفهوم في خصوص بعض المقامات من جهة العرف ان المراد هو اثبات
الضد فنقول ان المستفاد من الرواية عرفا الترجيح بالوصفين المذكورين لا الاخذ بالمرجوح وإلا لزم ترجيحه
على الراجح ولا الحكم بالتنصيف لأنا نعلم أنه ليس الإمام (عليه السلام) في الرواية في صدد بيانه فإن شئت قلت إن
الرواية وإن لم تدل بنفسها من جهة مجرد المفهوم على الترجيح إلا أنها بضميمة نفي الرجوع إلى المرجوح
والتنصيف لما ذكرنا تدل عليه وهذا نظير الاستدلال بآية النبأ على حجية خبر العادل بمفهوم الشرط.
ومنها موثقة سماعة وهي من جهة الدلالة أضعف من الرواية السابقة كما لا يخفى وهي مع ذلك مختصة
بالأكثرية ولا تدل على الترجيح بالأعدلية ودعوى الاجماع المركب لا تخلو عن إشكال.
ومنها ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مرسلا المتقدم في بعض المسائل السابقة في البينتين تختلفان في الشئ
الواحد يدعيه الرجلان انه يقرع بينهما فيه إذا اعتدلت بينة كل واحد منهما الرواية إلى غير ذلك من الاخبار
وهذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني فنقول انه قد يقال بالتعدي منهما إلى ما يكون مثلهما كالأخبرية والأعرفية

395
مما تعد من المرجحات الداخلية من جهة اطلاق قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في المرسل إذا اعتدلت بحسب
المفهوم وشموله لجميع المرجحات مما يتوهم الترجيح بها هذا ولكن الرواية ضعيفة ولا جابر لها في المقام
لعدم وجود القول بين الأصحاب بالتعدي مع امكان أن يقال إن المراد الاعتدال بحسب المرجحات المعتبرة
شرعا مضافا إلى ما في بعض النسخ بدل اعتدلت عدلت وعليه فلا تدل على المقصود أصلا كما لا يخفى هذا مع أنها
معارضة بما دل على سببية التسوية من حيث العدد والعدالة في الاقراع فتقيد به فتأمل وبالجملة التعدي من
المزايا المنصوصة إلى غيرها في غاية الاشكال.
وأما الكلام في المقام الثالث وهو ما لو تعارض الاعدلية والأكثرية بأن وجدت إحديهما في إحدى البينتين
والأخرى في الأخرى فنقول انه قد يقال بتقديم الأكثرية كما عليه جماعة من الأصحاب بل كلهم حسبما هو ظاهر
نسبة الشيخ رحمه الله والحلي في السرائر لاطلاق ما دل على الترجيح بها من الاخبار مثل قوله في رواية أبي بصير
المتقدمة في أخبار الداخل والخارج أكثرهم بينة يستحلف مع نقله (عليه السلام) قضاء أمير المؤمنين (عليه السلام) على النهج
المذكور في صورة اختلاف البينتين في العدد فإنه باطلاقه يدل على الترجيح بالأكثرية وإن كانت البينة
الأخرى أعدل ومثل قوله (عليه السلام) في موثقة سماعة وأقام كل واحد منهما بينة سواء في العدد فاقرع بينهم
سهمين الخبر فإنه يدل بمفهومه على فقد القرعة في صورة انتفاء التسوية من هذه الجهة سواء كانتا متساويتين
من حيث العدالة أم لا.
فإن قلت مفهوم الرواية معارض بمفهوم خبر البصري المتقدم في أخبار الباب الدال على اشتراط
القرعة بالاستواء من حيث العدالة أيضا وهو أخص من مفهوم رواية سماعة فتخصص به حسبما هو قضية العلاج
بين ما كانت النسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا كما تقرر في محله فتصير الرواية مثل رواية البصري ساكتة
عن حكم صورة التعارض.
قلت ما ذكرت من وجوب تقييد اطلاق رواية سماعة برواية البصري مسلم لكن الحاصل من التقييد هو
اشتراط الحكم المذكور في المنطوق وهو القرعة بصورة اجتماع الشرط وهو الاستواء في العدد مع الاستواء في
العدالة فهو شرط في تأثير السبب في المسبب في طرف الوجود وأما في طرف الانتفاء فعدمه ليس شرطا في تأثير
الانتفاء وبعبارة أخرى أوضح ان رواية البصري إنما تعارض رواية سماعة في الحكم المذكور في المنطوق وهو
الاقراع لا في الحكم المذكور في (المستفاد من خ) المفهوم وهو انتفاء القرعة والترجيح مطلقا في صورة انتفاء الشرط
مطلقا لان رواية البصري ساكتة عن حكم صورة التعارض فيجب الرجوع إلى اطلاق مفهوم رواية سماعة في الحكم
بسببية الأكثرية لانتفاء القرعة والترجيح سواء كانت البينتان متساويتين من حيث العدالة أم لا.
فإن قلت قد تقرر في محله ان اطلاق المفهوم وتقييده وعمومه وخصوصه تابعة للمنطوق فإذا فرض
تقييد المنطوق بوجود شئ فلا بد من تقييد المفهوم أيضا بعدمه وبعبارة أخرى القيد المعتبر في المنطوق معتبر
في المفهوم أيضا وبعبارة ثالثة أوضح بعد تسليم تقييد اطلاق الرواية بخبر البصري يكون حكمه حكمه
فكأنه جمع في الرواية أيضا بين التسوية في العدد والعدالة كما في الخبر فتصير الرواية ساكتة عن حكم صورة
التعارض فيجب التوقف والرجوع إلى القرعة بناء على كونها المرجع في صورة عدم وجود المرجح.
قلت فرق واضح بين ذكر القيد في القضية الشرطية على وجه الجزئية كما في رواية البصري أو الشرطية و
عدم ذكره وثبوت الاشتراط لتأثير الشرط في المنطوق من الخارج كما في المقام فإن في الأول لا بد من التوقف في صورة

396
انتفائهما في استناد الحكم إلى انتفاء أيهما لاستوائهما في المدخلية في الحكم فتخصيص أحدهما على التعيين ترجيح
بلا مرجح وأما في الثاني فنحكم بأن انتفاء الحكم المذكور في المنطوق مستند إلى نفس الشرط الذي يعبر عنه
بالسبب لوقوعه في حيز أدوات الشرط الظاهرة في سببية الشرط للجزاء لا إلى انتفاء شرطه.
والحاصل ان في المقام صورا خمسا إحديها ما إذا تساوت البينتان من حيث العدد والعدالة ثانيتها
ما إذا تفاوتتا من الحيثيتين جميعا لكن مع التعاضد بأن تجتمعا في إحدى البينتين ثالثتها ما إذا لم تتساويا
من حيث العدد فقط رابعتها ما إذا لم تتساويا من حيث العدالة فقط خامستها ما إذا لم تتساويا من الحيثيتين
على وجه التعارض بأن توجد إحديهما في إحدى البينتين والأخرى في الأخرى.
لا إشكال في كون الحكم في الصورة الأولى هي القرعة بمقتضى كلتا الروايتين كما أنه لا إشكال في
الترجيح بالأعدلية والأكثرية في غير الصورة الأخيرة.
وأما هي فإن كان المستند في الترجيح بهما خبر البصري فلا بد من الحكم بالتوقف فيها لان ظاهره
ان الحكم المذكور في المنطوق مستند إليهما معا بحيث لا يكون لأحدهما مزية في استناد الحكم إليه
ولازمه الحكم بالتوقف في صورة تعارضهما لان استناد انتفاء الحكم إلى أحدهما ليس بأولى من استناده إلى
الآخر لوقوع كل منهما في حيز الشرط على نهج سواء فهو نظير ما إذا قال المولى لعبده أكرم زيدا إن جاءك
مع عمروا وإن جاءك زيد وعمر فأكرم زيدا فإن في صورة عدم مجيئهما لا معنى لاستناد الحكم إلى عدم
مجيئي زيد بخصوصه.
وإن كان رواية سماعة فالمتعين هو الحكم بترجيح الأكثر لان السبب حقيقة في القرعة هو الاستواء
في العدد (الأكثرية خ) الأكثرية غاية الأمر انه ثبت لاقتضائه الحكم مطلقا وتأثيره فيه في جميع الأحوال شرط
وهو الاستواء في العدالة أيضا وفي صورة انتفائهما يكون انتفاء الحكم مستندا إلى نفس عدم السبب لأنه أولى
بالاستناد من عدم الشرط فيدل على أن الترجيح إنما هو بالأكثرية فمجرد اثبات الاشتراط والتقييد من الدليل
الخارج لا يجعل الشرط كالجزء المذكور في الكلام لتفاوت استناد انتفاء الحكم المذكور بانتفائهما عرفا وإن
لم يتفاوت في نظر العقل من حيث إن انتفاء كل من أجزاء العلة التامة علة تامة لانتفاء المعلول في نظره فاستناد
انتفاء الحكم في صورة انتفاء جملة منها في زمان واحد إلى واحد بالخصوص ترجيح بلا مرجح في حكمه إلا أنه
لا إشكال في أن بناء العرف ليس على ذلك بل يسندون انتفاء الحكم قطعا في صورة انتفاء السبب والشرط إلى انتفاء الأول
كما يسندون انتفائه في صورة عدم المقتضي ووجود المانع إلى الأول كما لا يخفى على من راجع إليهم فما هو
مناط في الترجيح من استناد انتفاء الحكم في المنطوق عرفا إلى إحديهما متحقق بالنسبة إلى الأكثرية دون
الاعدلية فلا بد من الترجيح بها هذا محصل توجيه القول بتقديم الأكثرية.
ولكنك خبير بفساده لان رواية أبي بصير مختصة بالداخل والخارج ولا عموم لها يشمل المقام فإن
كان المستند في الترجيح بالأكثرية في المقام هو قول أبي عبد الله أكثرهم بينة يستحلف فهو ظاهر بل صريح
في الداخل والخارج لان مرجع الضمير فيه هو خصوص المتداعيين المفروضين والقول بأن الدعوى على القوم
الذين يكون العين في أيديهم لا تسلتزم ثبوت يد جميعهم عليها فلعل كانت العين في يد من لا ينكر كونها للمدعي
فيشمل المقام فاسد جدا وإن كان المستند فيه قضاء أمير المؤمنين (عليه السلام) بالأكثر الذي حكاه الإمام (عليه السلام) فإن
لوحظ مع قطع النظر عن استشهاد الإمام (عليه السلام) فلا يجوز الاستدلال به أصلا لكونه من قبيل قضايا
الأحوال وإن

397
لوحظ بالنظر إلى استشهاده صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين فهو وإن دل على إرادة العموم منه
حسبما عرفت غير مرة فينزل منزلة اللفظ إلا أن من المعلوم ان غاية ما يستكشف منه عمومه لمورد الاستشهاد لا
مطلقا والقول بأنه لا بد أن يجعل بمنزلة الكبرى الكلية يشمل غيره فاسد جدا اللهم إلا أن يقال بدلالته على
الترجيح بالأكثرية في الفرض بعد تسليم اختصاصه بالداخل والخارج بالأولية القطعية فتأمل.
وأما رواية سماعة فيمكن منع دلالتها على تقديم الأكثرية في المقام من وجهين أحدهما المنع من
ترجيح استناد الانتفاء إلى انتفاء بعض اجزاء العلة التامة في صورة انتفاء جميعها في زمان واحد سيما إذا كان
أحدها سببا والآخر شرطا فإن السبب بدون الشرط لا تأثير له شيئا (إلا شأنا خ) وهذا بخلاف عدم المانع فإنه
شرط في الاقتضاء الفعلي دون الثاني حسبما هو قضية التحقيق المحقق في محله عند المحققين ثانيهما انا نسلم
ما ذكر الا انا نمنع من كون الرواية من مقولته فإنها غير مشتملة على أدات الشرط حتى تدل على كون الاستواء
في العدد سببا والاستواء في العدالة شرطا غاية ما هناك انه لا بد أن يكون له مدخل في الحكم بالقرعة لما قد
عرفت مرارا من أن الخصوصيات المذكورة في نقل فعل الامام الماضي (عليه السلام) لو لم يكن لها مدخلية لم يكن وجه
لتخصيصها بالذكر من بين الخصوصيات الغير المتناهية فإذا الثابت من الرواية مجرد مدخلية الاستواء في
العدد الأكثرية (الأكثرية خ) في الحكم بالقرعة كما أن الثابت من الخارج مدخلية الاستواء في العدالة أيضا في
الحكم المذكور هذا مجمل القول في وجه القول بتقديم الأكثرية.
وأما وجه القول بتقديم الاعدلية كما نسب إلى المشهور فلم نقف على ما يعتد به إلا المرسل المروي
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) على تقدير قراءة عدلت أو اعتدلت بمعنى عدلت وهو كما ترى مضافا إلى أنه يرد عليه
ما ورد على وجه القول بتقديم الأكثرية فراجع فإذا الحق هو التوقف في مادة التعارض والرجوع إلى القرعة
هذا مجمل القول في المقامين الأولين.
وأما الكلام في المقام الثالث وهو الافتقار إلى انضمام الحلف على كل من تقديري القرعة والترجيح
بالأكثرية والأعدلية فيقع في مقامين أحدهما في الافتقار إليها في مورد القرعة ثانيهما في الافتقار
إليها في صورة الترجيح.
أما الكلام في المقام الأول فملخصه انا ان قدمنا اخبار القرعة على اخبار التنصيف من حيث ترجيح الأدلة
وجعلنا وجه القرعة هو الأخبار الواردة في الباب فلا إشكال في الحكم بافتقار اليمين ممن خرجت باسمه القرعة
لأنه قضية الجمع بين الاخبار حسبما عرفت تفصيل القول فيه وإن جعلنا الوجه في القرعة هو عموماتها بعد تعارض
أخبار التنصيف وأخبار القرعة وتساقطهما وصيرورة العمومات مرجعة فقد يقال بعدم الافتقار إلى انضمام اليمين لان
مقتضاها رفع الاشكال بعد القرعة فلا معنى للقول بتوقف القضاء على انضمام اليمين.
لكن الذي صرح به الأستاذ العلامة دام ظله مرسلا إياه إرسال المسلمات توقف الحكم بالقرعة
على التقدير المذكور أيضا على انضمام اليمين أما أولا فلان عمومات القرعة على النهج المذكور لا جابر لها
في المقام وأما ثانيا فلان مقتضى الجمع بينها وبين الاخبار الحاصرة لميزان القضاء في البينة واليمين هو الحكم
بالقرعة مع اليمين هذا ملخص ما ذكره دام ظله.
وهو مما لا ريب فيه إن كان الاقراع على ما في بعض أخبار القرعة من أنه يقرع على أيهم يصير اليمين
لا بمعنى ان هنا من عليه يمين واقعا ولا نعلمه فنعينه بالقرعة حسبما قد يتوهم لأنا نعلم بانتفاء هذا المعنى في

398
الواقع قطعا بل بمعنى انه يقرع حتى يحصل منها من قوله موافق للأصل فيصير عليه اليمين لا بمعنى انه يقرع
في الحق الواقعي حتى يحكم باليمين على من خرجت القرعة بأن الحق له كما هو أحد محتملي الاخبار حسبما
احتمله الأستاذ العلامة.
فالمراد بأي هو من خرجت باسمه القرعة لكن لا من جهة صيرورته منكرا بالقرعة وإن كانت
القرعة على نفس الواقع حسبما بنى عليه شيخنا العلامة وحكم بكونه المراد من الاخبار ففيما ذكره تأمل
لا يخفى وجهه هذا وقد ذكر الحلي في السرائر ما يظهر منه دعوى الاجماع في المسألة حيث قال وإن
استويتا في جميع الوجوه فالحكم عند أصحابنا المحصلين القرعة على أيهما خرجت أعطى وحلف الآخذ انه
يستحقه وهو له انتهى.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو الافتقار إلى اليمين في صورة وجود الترجيح فالذي صرح به في
محكي التحرير هو الافتقار إلى يمين من كان أرجح بينة ونسبه في كشف اللثام للفاضل الأصبهاني إلى صريح
أكثر الأصحاب وفي السرائر إلى الأصحاب حيث قال ما هذا لفظه فأما إن كانت العين المتنازع فيها خارجة من
يد المتداعيين وهي في يد ثالث غيرهما ثم أقام كل واحد منهما بينة بها فإن أصحابنا يرجحون بكثرة الشهود
فإن استويتا في الكثرة رجحتا بالتفاضل في عدالة البينتين فيحكم في المال المتنازع فيه وتقدم (بتقديم خ) بينة
صاحب الترجيح مع يمينه انتهى ونفى عنه الخلاف سيد مشايخنا في الرياض والذي يظهر من كلمات جماعة
وصرح به العلامة في بعض كتبه حسبما حكى عنه عدم الافتقار إلى اليمين.
والأقرب عند الأستاذ العلامة هو الأول لعموم ما دل على انحصار القضاء بالبينات والايمان لا يقال إن
بعد الترجيح يكون القضاء بالبينة الراجحة فلا وجه لانضمام اليمين.
لأنا نقول ما المراد من الترجيح فإن كان المراد منه ما هو عليه اصطلاح أهل الأصول من اقتران
إحدى الامارتين بما يوجب مزيتها على الأخرى بحيث يسقطها عن الحجية الفعلية فتصير الامارة الموافقة لها
سليمة عن المعارض فنمنع قيام الدليل على ثبوت الترجيح بهذا المعنى فإنه ليس في اخبار الباب عين وأثر من
لفظ الترجيح حتى يدعى ظهوره في المعنى المذكور غاية ما فيها هو نفي القرعة عند عدم مساواة البينتين الدال
على تقديم قول ذي البينة الراجحة فيصير مثل ذي اليد وإن كان المراد منه اقتران إحدى البينتين بمزية
توجب تقديم قول من يكون بينته مشتملة عليها حسبما هو المستفاد من الاخبار لا الزايد عليه فهو لا يدل على
تقديم البينة المشتملة عليها فصار الحاصل ان مجرد تعارض البينتين أوجب تساقطهما فإن كانتا متساويتين
فالميزان القرعة بانضمام حلف كل من خرجت باسمه وإن كانتا متفاوتتين يكون الميزان هو يمين ذي البينة
الراجحة فالقضاء إنما هو لأرجح البينتين لا ما رجحهما وعلى هذا المعنى يمكن أن ينزل كلمات من كانت
ظاهرة في نفي الافتقار إلى اليمين.
هذا مضافا إلى إمكان الاستدلال بالافتقار في المقام بخبر البصري المتقدم ذكره حيث ذكر فيه
القضاء للأكثر مع استحلاف المدعي فإنه وإن كان مختصا بالخارج والداخل حسبما قد عرفت سابقا إلا أنه يمكن
الحاق المقام بمورده بالاجماع المركب فتأمل جيدا.
ثم إن بنينا على عدم الافتقار إلى انضمام اليمين في القرعة والترجيح فلا إشكال وإن بنينا على الافتقار
إليه فإن حلف من عليه اليمين فلا إشكال أيضا وإن لم يحلف فلا إشكال في كون الميزان حينئذ يمين صاحبه

399
لا بمعنى كونها يمينا مردودة بل لما بنينا (بينا خ) من أدلة الحصر فحينئذ لا مصرح للقضاء بالنكول في المقام على تقدير
القول به في غيره حسبما بنينا عليه الامر سابقا فإنه إنما هو في نكول المنكر أو المدعي فيما إذا ردت إليه اليمين
حسبما قضت به أدلة القضاء بالنكول فإن حلف من عليه اليمين ثانيا فلا إشكال أيضا وإن لم يحلف فهل يحكم
بالتنصيف بينهما من جهة حصر الامر فيه إذ المفروض عدم وجود شئ سواه والايقاف لا معنى له إذ لا أمد له
حسبما نسب إلى المشهور أو ايقاف الدعوى أو القرعة وجوه أوجهها عند الأستاذ العلامة دام ظله العالي تبعا
للمشهور هو الأول.
واستدل عليه بأنه جمع بين البينتين وعمل على كل منهما ولو في الجملة وهو مقدم على طرح كل
منهما رأسا لان مقتضى عمومات وجوب اعمال البينة بقدر الامكان فيما إذا دار الامر بين طرح البعض وطرح
الكل تقديم الأول على الثاني فيكون اعطاء النصف لكل من المترافعين من جهة القضاء ببينته فلما لم يكن له
بينة سليمة بالنسبة إلى النصف الآخر فيحكم بإيقاف دعواه بالنسبة إليه ومعنى إيقاف دعواه بالنسبة إلى النصف
هو معنى ايقافها بالنسبة إلى الكل لو أدعاه ولم يكن له ميزان أصلا وهو الحكم برفع يده عنه لا يقال لو كان
القاضي بالتنصيف نفس عمومات أدلة البينة (القرعة خ) في المقام فلم ما بنيت عليه من أول الأمر ولم تجعله مقدما
على سائر الموازين فإن المفروض ان القضاء بالبينة مقدم على القضاء بساير الموازين.
لأنا نقول إنما لم نبن عليه الامر سابقا من جهة وجود الميزان للقضاء في الفرض السابق فلا يلزم من
عدم الحكم بالتنصيف ابطال حق فلا داعي إلى طرح العلم الاجمالي فيه مع كون العمل بساير الموازين أيضا
عملا بإحدى البينتين قطعا إذ لا يشترط في العمل بالبينة قصده وهذا بخلاف الفرض فإنه يلزم من عدم الحكم
بالتنصيف فيه ابطال الحق إذ المفروض ان الامر داير بين الطرح رأسا والتنصيف.
وأما القرعة فلا وجه للرجوع إليها وإن كان هو مقتضى الأصل لان ما دل على الرجوع إليها من
العمومات لا جابر لها في المقام حتى يجوز التمسك بها وقد عرفت مرارا ان العمومات الموهونة بواسطة خروج
الأكثر لا يجوز التمسك بها ما لم تنجبر بالعمل فتعين التنصيف هذا مضافا إلى الأخبار الواردة الكثيرة التي قد
عرفتها على التنصيف فإنه لا بد من أن يعمل عليها ولو في بعض الموارد وهو منحصر في الفرض لان غيره لا يصلح له
حسبما عرفت تفصيل القول فيه هذا مجمل ما ذكره دام ظله في المقام وهو لا يخلو عن تأمل.
أما أولا فلان ايقاف الدعوى في النصف في الفرض مع أنه ليس من الايقاف في شئ لان الايقاف لا يجامع
إعطاء النصف بالخصم بل هو عين الفصل إن كان من جهة معارضة البينة بمثلها فهي موجودة بالنسبة إلى كل جزء
يفرض وإن كان من جهة شئ آخر فليبين حتى ننظر فيه.
وأما ثانيا فلان إبداء الفرق بين ما نحن فيه وبين الفرض السابق الذي حكم بعدم التنصيف فيه بما
ذكره لا معنى له لان مجرد وجود الميزان للقضاء لا يصلح للعدول إليه مع وجود عمومات البينة وكون القضاء
بها مقدما على سائر الموازين فإن كان التنصيف من جهة القضاء بالبينة فلا معنى للحكم بعدم جوازه من جهة
إمكان القضاء بما يكون القضاء به مترتبا عليه وإن كان المانع هو العلم الاجمالي الذي لا يجوز طرحه ففيه ان
عدم جواز طرحه لا يدور مدار وجود الميزان وعدمه فإن كان جايزا فيجوز مطلقا وإلا فلا وأما لزوم ابطال الحق
في الفرض فلا يصلح مجوزا له لان البطلان إنما نشأ من جانب ذي الحق من جهة عدم حلفه.
وأما ثالثا فلان ما ذكره مناف لما قرره في بحث تعارض الأدلة من أن في صورة تعارض الشيئين اللذين

400
يكون المناط في اعتبارهما هو الطريقية وغلبة الايصال إلى الواقع يكون مقتضى الأصل الأولي فيه هو التوقف
لا الجمع وقد عرفت سابقا ان الوجه في اعتبار جميع الموازين هو كشفها عن الواقع نوعا وغلبة ايصالها إلى الواقع
نعم لو بنى على أن الوجه في اعتبار البينة مجرد السببية والتعبد لأمكن المصير إلى الثاني لكنك قد عرفت أن بناء
الأستاذ العلامة على خلافه.
وأما رابعا فلان التمسك بأخبار التنصيف مما لا وجه له بعدما قد عرفت سابقا من البناء على طرحها
من جهة ترجيح أخبار القرعة عليها سندا وعملا واعتضادا بالعمومات فتأمل فالحق إذا هو ايقاف الدعوى لعدم
الميزان له لا التنصيف الذي جعله مرتبة رابعة وأما استلزام الايقاف لابطال الحقوق فلا ضير فيه بعد عدم الميزان
واقدام ذي الحق عليه بعدم الحلف هذا.
ثم إنه دام ظله ذكر ان ما ذكرنا من كون مقتضى القاعدة التنصيف إنما هو في صورة وجود البينة
لكل من المدعيين وأما لو تداعيا ولم يقيما بينة فإن كان هناك علم إجمالي بعدم خروج العين عن بينهما أو أقر
الثالث بأنها لأحدهما على سبيل الترديد ونكلا عن الحلف فالحكم بالنظر إلى القاعدة هو التنصيف أيضا لان
نكول كل منهما موجب لسقوط اختصاصه من العين لا أصل الاستحقاق فإن ضم إليه حلف صاحبه فيأخذها
بتمامها وإلا فيأخذ كل منهما نصفها لقضية النكولين السببين لسقوط الاستحقاق من بعض العين وأيضا الحكم
بالايقاف في الفرض موجب لابطال الحق قطعا فلا معنى للحكم به وأما القرعة فهي وان يقتضيها القاعدة إلا أن
الحكم بها لعدم العامل بها في غاية الاشكال وإن لم يكن هناك علم إجمالي ولا إقرار من الثالث بكون العين
لأحدهما على سبيل الترديد فالذي يقتضيه النظر الدقيق هو الحكم بالايقاف لا التنصيف لعدم الموجب له حتى
النكول مع كل منهما لعدم توجه الحلف إليهما حتى يثمر نكولهما إذ ليس هناك مرافعة وخصومة حقيقة ولا
القرعة لعدم انحصار الحق فيهما فيقر في يد الثالث حتى يوجد من يأخذها بطريق شرعي هذا ملخص ما
ذكره دام ظله العالي وهو غير نقي عن الاشكال.
أما أولا فلانه لا وجه للحكم بالتنصيف في الصورة الأولى مع عدم ما يقتضيه وأما ما ذكره من سببية
نكول كل منهما في ذلك فلم يعلم له وجه لأنه إن بنى على القضاء بالنكول في الفرض فليقض به بمجرد نكول
الأول وإن لم يبن عليه كما هو قضية صريح كلامه دام ظله فلا معنى لتأثيره أصلا إلا في عدم الحكم للناكل
لكن لا بالنسبة إلى بعض العين بل بالنسبة إلى تمامها فنكول كل منهما موجب لسقوط حقه عن العين بالتمام
وأما استلزام الايقاف لابطال الحق فقد عرفت ما فيه فالحق إذا الحكم بالقرعة إن كان هناك من عمل بها وإلا فالايقاف.
وأما ثانيا فلان الفرق بين الصورتين مما لم نجد له وجها لان في الصورة الثانية إن بنى على تعارض
الدعويين فيها فيوجد هناك خصومة بين المدعيين فلا بد من رفعها باليمين بعد تعذر رفعها بالبينة وإن بنى على
عدمه فالدعوى من كل منهما سبب للقضاء له لكونها دعوى لا معارض لها فإذا اجتمعتا كما في الفرض فتصيرا
بمنزلة السبب الواحد للحكم بالتمام فيقضى بالتنصيف بينهما فتأمل ولأجل ما ذكر سوى جماعة بين الصورتين
في الحكم منهم العلامة في محكي القواعد والتذكرة والتحرير قال في محكي القواعد لو قال ليست لي أو لا أعرف صاحبها
أو هي لأحدكما ولا أعرف عينه أقرع بينهما لتساويهما في الدعوى وعدم البينة انتهى وعن التحرير فمن خرجت باسمه
حلف وكانت له وإن نكل حلف الآخر وإن نكلا قسمت بينهما انتهى كلامه وتفصيل القول في المسألة وتحقيقه
قد تقدم فيما سبق فراجع إليه حتى تطلع على حقيقة الحال والله العالم بالحقايق وهو المطلع على السرائر.

401
قوله ويتحقق التعارض بين الشاهدين والشاهد والمرأتين ولا يتحقق بين الشاهدين وشاهد ويمين آه
أقول لما فرغ المصنف من التكلم في حكم تعارض الشاهدين أراد التكلم في حكم تعارض الشاهد والمرأتين والشاهد
واليمين ونحن نفصل القول في المقام بحيث يرفع غواشي الأوهام عن وجه المرام فنقول بعون الله الملك العلام و
دلالة أهل الذكر عليهم السلام ان الكلام يقع في مقامين أحدهما في حكم تعارض كل منهما مع مثله ثانيهما في
حكم تعارض كل منهما مع الشاهدين ومع الآخر.
أما الكلام في المقام الأول فنقول انه لا ريب ولا شك في تعارض كل منهما مع مثله لان مقتضى اعتبارهما
بالذات ذلك فإن شئت قلت إن ما دل على اعتبارهما يشمل صورة التعارض كقوله استخراج الحقوق بأربعة
الحديث ونحوه فيرجع في مادة التعارض إلى ما تقتضيه العمومات من القرعة أو الحلف أو غير ذلك مما عرفت الكلام
فيه من الاحكام الموافقة للأصل المأخوذ بها في صورة تعارض مطلق الحجة الشرعية أو إلى ما ثبت لتعارض
البينتين إن قلنا بصدق البينة عليهما حسبما ستعرف القول فيه إن كان هناك أحكام خاصة مخالفة للأصل قد قام
الدليل على ثبوتها في البينة من حيث هي.
وأما الكلام في المقام الثاني فنقول أما الشاهد والمرأتان فالظاهر أنه لا إشكال بل لا خلاف في تعارضهما
ومقاومتهما للشاهدين لكونهما في مرتبة واحدة من الاعتبار إما لما دل على أن المرأتين في الشرع بمنزلة رجل واحد
وعدلتا به واما لصدق البينة عليهما فيراعى فيهما جميع أحكام تعارض البينتين لو كان هناك أحكام على خلاف
الأصل رتبت على خصوص تعارضهما كالترجيح بالأعدلية ونحوها وإلا فلا يحتاج إلى اثبات الصدق وبالجملة لا
إشكال في مقاومة الشاهد والمرأتين للشاهدين في مقام المعارضة وقد نفى عنه الخلاف في كلام جمع من الأصحاب
بل في كلام بعض دعوى الاجماع عليه.
وأما اجراء أحكام تعارض البينتين عليهما فإن كانت مما لا يترتب على موضوع تعارض البينتين بل
على مطلق تعارض الحجتين فلا إشكال وإن كانت مما يترتب عليه فإن قلنا بصدق البينة على الشاهد والمرأتين
حسبما بنى عليه فلا إشكال أيضا وإلا ففي اجرائها عليهما وجهان من عموم المنزلة الثابت ببعض الاخبار ومن أن
التنزيل إنما هو فيما لم يعلم كونه من خواص المنزل عليه وإلا فلا يقبل للتنزيل وهذا هو الوجه هكذا ذكره
الأستاذ العلامة.
وأما الشاهد واليمين فالذي حكى عن الشيخ رحمه الله انه يتحقق التعارض بينهما وبين الشاهدين فيقرع بينهما
ناسبا له إلى مذهبنا والذي عليه المشهور عدم وقوع التعارض بينهما وبين الشاهدين وعلله بعض مشايخنا بعدم
صدق البينة عليهما فلا يندرج حينئذ في النصوص وفيه أن التعليل المذكور على فرض تماميته إنما يصلح للحكم
بعدم ترتب الأحكام الخاصة الثابتة لتعارض البينتين عليهما لا لأصل عدم المقاومة والتعارض وعدم ترتب مطلق
الأحكام الثابتة لتعارض الحجتين عليهما هذا.
وبالحري أن نبين معنى البينة حتى يتبين صدقها على الشاهد واليمين ثم نتعرض لبيان الوجه في عدم مقاومتهما
للشاهدين مع كون كل منهما من أفراد البينة فنقول ان البينة عبارة عن كل حجة معتبرة للمدعي بالمعنى الأعم
خارجة عن قوله فيخرج الدعوى التي لا معارض لها واليمين سواء كان قول واحد أو أزيد وسواء كان الرجل
أو المرأة فتشمل شهادة الشاهدين وأزيد والشاهد والمرأتين والشاهد واليمين والشاهد الواحد والمرأة الواحدة
والدليل على كون معناها ما ذكر تبادره منها عند التأمل وأما ما يقال من ظهورها في الشاهدين فلا تشمل

402
باقي الحجج ففيه ان هذا الظهور على فرض تسليمه ظهور بدوي قد نشأ من انس الذهن من جهة كثرة
الدوران وإلا فعند التأمل يعلم أن المتبادر منها ما ذكرنا من المعنى الأعم فعلم من ذلك كله ان البينة تشمل
الشاهد واليمين أيضا هذا مضافا إلى دلالة ما دل على حصر القضاء في البينة واليمين فإنه يدل على عدم صحة
سلب البينة من الشاهد واليمين وصحة اطلاقها عليهما وإلا لزم عدم صحة الحصر والمفروض ثبوته.
هذا ملخص ما ذكره الأستاذ وللتأمل فيه خصوصا في الاستدلال بالاخبار الحاصرة مجال لان غاية
ما يستفاد منها عدم خروجهما من البينة واليمين وأما دخولهما تحت الأولى لا الثانية فلا بل قد يقال بأولوية دخولهما
تحت الثانية فتأمل هذا مجمل القول في اثبات صدق البينة على الشاهد واليمين وأما الكلام في عدم مقاومتهما
للشاهدين بعد البناء على دخولهما في البينة وصدقها عليهما فملخصه انه قد استدل عليه بوجوه أحدها ما ذكره
في المسالك من أن الشاهد لا يستقل بالحجية واليمين معه وإن أوجب ثبوت المال إلا أنه حجة ضعيفة ومن ثمة اختلف
في ثبوته بهما ثانيها ما ذكر فيه أيضا من أن الذي يحلف مع الشاهد يصدق نفسه والذي يقيم شاهدين يصدقه غيره
فهو أقوى جانبا وأبعد عن التهمة هذا.
وأنت خبير بضعف كلا الوجهين أما الأول فلانه إن أريد من الضعف في الحجية ان حجيتهما موقوفة
على عدم قيام حجة على خلافهما لضعفهما في مرتبة الحجية ففيه المنع من ثبوت ذلك سيما بعدما عرفت من صدق
البينة عليهما فما دل على اعتبار الشاهدين فهو بعينه يدل على اعتبارهما فلا يعقل الحكم بتفاوت افراده في مرتبة
الحجية وإن أريد من الضعف في الحجية عدم اعتبارهما في جميع الموارد بل في حقوق الناس في الجملة بخلاف
الشاهدين فإنهما معتبران في أكثر الموارد ففيه ان عدم اعتبارهما في جميع الموارد لا يدل على تقدم الشاهدين
عليهما في مورد اعتبارهما حسبما هو محل الكلام كيف ولو بنى على ذلك لجرى مثله في الشاهد والمرأتين
أيضا ضرورة ضعفهما بالنسبة إلى البينة لاعتبارها فيما لا يعتبران من غير عكس حسبما يستفاد من الاخبار والحاصل
ان الكبرى وهي ان كل قوي مقدم على كل ضعيف ولو بالمعنى المذكور غير مسلمة وأما وقوع الاختلاف فيه فإن
أريد اختلاف العامة فهو إن لم يوجب قوته لان الرشد في خلافهم فلا يؤثر في ضعفه وإن أراد الاختلاف منا فغير
موجود كما لا يخفى.
وأما الثاني فلانه ليس إلا مجرد اعتبار إذ بعد فرض قيام الدليل على اعتبار الشاهد واليمين سيما إذا كان
ما دل على اعتبار البينة لا معنى للكلام المذكور إذ بعد اعتبار تصديق النفس يصير كتصديق الغير وأما مجرد الأقربية
إلى التهمة والأبعدية عنها لا يوجب الحكم بتقديم الأقرب على الأبعد لعدم قيام دليل على تقدم كل بعد عن
التهمة على أقرب إليها كما لا يخفى ولعمري ان مثل هذه الوجوه مما أوجب قدح الاخبارية في المجتهدين
والطعن عليهم بأنهم يعتمدون على قواعد العامة.
ثالثها ما استدل به الأستاذ العلامة دام ظله من أن ما دل على الترجيح بالكثرة كقوله في جملة
من الأخبار المتقدمة أقام كل منهما شهودا سواء في العدد يدل على ترجيح الشاهدين على الشاهد واليمين
بناء على أن لا يكون المراد من الاستواء في العدد الاستواء في التعدد بل الاستواء في أصل العدد وإلا
فلا ينفعنا إن لم يضرنا وأن لا يكون المراد من الشهود الجمع بل الجنس لا يقال لو بنى ما ذكر لزم ترجيح الشاهد
والمرأتين على الشاهدين لان الأول أكثر عددا من الثاني لأنا نقول بعد تنزيل المرأتين منزلة الشاهد الواحد
لا معنى لملاحظة تعددهما لا يقال لو كان مجرد التنزيل كافيا في الاستواء في العدد لقلنا بمثله في الشاهد و

403
اليمين أيضا لأنهما نزلا أيضا منزلة الشاهدين لأنا نقول لم يقم دليل على التنزيل المذكور أصلا كما لا يخفى.
هذا ملخص ما ذكره ويرد عليه بعد منع ظهور ما ذكره من الرواية انه مناف لما بنى عليه الامر سابقا
من عدم دلالة اخبار الترجيح على تقديم الراجح على المرجوح في الحجية الفعلية وإنما يستفاد منها تقدم قول
ذي البينة الراجحة والحاصل ان المقصود في المقام اثبات عدم كون الشاهد واليمين في مرتبة البينة و
كونهما كالأصل بالنسبة إليها ومعلوم ان الأخبار المذكورة حسبما اختاره الأستاذ العلامة لا تدل على المعنى
المذكور أصلا وتتميم المدعى بالاجماع المركب فيه ما لا يخفى.
رابعها ما ذكره الأستاذ العلامة أيضا من أن قضية ما دل على الترجيح بالعدد كقوله أكثرهم بينة
يستحلف وغيره بناء على حمله على ظاهره من كون المراد من العدد التعدد هو اعتبار التعدد في البينة الشرعية
لان الامر بأخذ أرجح الحجتين في شئ في مقام التعارض يدل على اعتبار هذا الشئ في اعتبارهما كأمره بترجيح
أعدل الراويين فإنه يدل على اعتبار العدالة في الراوي وهذا مما لا سترة فيه أصلا فمقتضى الاخبار عدم اعتبار الشاهد
واليمين مطلقا غاية الأمر ثبت اعتبارهما في غير مورد المعارضة في الجملة وأما مورد المعارضة فلا ولو فرض اطلاق
لما دل على اعتبارهما فيقيده بصورة عدم المعارضة هذا حاصل ما ذكره وهو لا يخلو عن تأمل.
خامسها ما ذكره أيضا من أن المستفاد من بعض الأخبار الدالة على اعتبار الشاهد بانضمام اليمين كون
الأصل فيهما هو الشاهد وان الوجه في اعتباره عدم لزوم بطلان حق المؤمن واما اليمين فإنما هي شرط له جئ
بها لرفع التهمة كتعليله في بعض الأخبار قبولها بقوله لئلا يبطل حق امرء مسلم ولا يرد شهادة مؤمن فيدل
على أن الوجه في اعتباره هو لزوم بطلان الحق لولاه فتدل على عدم اعتباره فيما لو كان هناك مثبت للحق وهو -
الشاهدان هذا فصار المحصل ان المستفاد من الاخبار قوة الشاهدين على الشاهد والمرأة فيقدمان عليهما في
مقام التعارض وإن كان كل منهما من أفراد البينة وهذا هو مراد العلامة في تعليله تقديم الشاهدين عليهما
بكونهما أقوى إذ ليس مراده ان مجرد القوة أوجب تقديمهما حتى يقال بأنه وجه اعتباري لا يصلح للاعتبار بل إن
المستفاد من الاخبار تقديمهما عليهما من جهة القوة والضعف وعليه يمكن أيضا تنزيل ما قد عرفت من المسالك
هذا ملخص ما ذكره دام ظله والله العالم بحقيقة الحال.
هذا كله في تعارض كل من الشاهد والمرأتين والشاهد واليمين مع البينة وأما حكم تعارض كل
منهما مع الآخر فيعلم مما مر في حكم تعارضهما مع الشاهدين لان بعد تنزيل الشاهد والمرأتين منزلة الشاهدين
يصير حكمهما واحدا وهذا مما لا سترة فيه إن شاء الله.
قوله وفي كل موضع قضينا فيه بالقسمة آه أقول لا إشكال بل لا خلاف بل لا يعقل الخلاف في أن القضاء
بالتنصيف والقسمة إنما هو فيما كان قابلا للقسمة ولو بحسب المالية وأما فيما لا يقبلها فلا يعقل القول فيه بها
لفرض عدم إمكانها فيه كما أنه لا إشكال ولا خلاف في أن الميزان فيه هو القرعة لما في مرسل داود بن زيد العطار
عن الصادق (عليه السلام) في رجل كانت له امرأة فجاء رجل بشهود فشهدوا ان هذه المرأة امرأة فلان وجاء آخرون فشهدوا
انها امرأة فلان فاعتدل الشهود وعدلوا قال يقرع بين الشهود فمن خرج اسمه فهو المحق وهو أولى بها وكونه مرسلا
لا يقدح في التمسك به كما لا يخفى.
إنما الاشكال بل الخلاف في أن الحكم بها هل يتوقف على انضمام اليمين إليها وإلا فيحكم لمن لم
تخرج القرعة باسمه بعد حلفه أو لا يتوقف على ذلك الذي صرح به في المسالك عدم الافتقار إليه لان فائدته القضاء

404
للآخر مع نكوله وهو منفي هنا ويستفاد ذلك من كلام الفاضل في بعض كتبه أيضا والذي صرح به بعض مشايخنا
المتأخرين الافتقار إليه لعدم المانع منه مع أن قضية الأدلة ذلك لان المنفي في الفرض التنصيف لا اليمين وعدم
تعرض الخبر المتقدم لليمين لا ينافي ثبوتها من غيره.
والحق هو عدم الافتقار إلى انضمام اليمين لما قد عرفت مرارا ان توجه اليمين إنما هو فيما إذا ترتب
على النكول عنها ثمرة وهي هنا غير موجودة لان القضاء بالنكول في الفرض مما لا معنى له والرد إلى الآخر أيضا
كذلك لنقل الكلام إليه فإن على نكوله أيضا لا يترتب ثمرة لفرض انتفاء التنصيف والحكم بتوجه اليمين إليه
لعله يحلف أو يحلف صاحبه مما لا معنى له لما قد عرفت مرارا ان مجرد احتمال وجود الميزان لا يوجب الحكم
بتوجه اليمين ما لم يترتب على نفس النكول ثمرة فلا بد من القضاء بنفس القرعة ولا ينافي هذا الاخبار الحاصرة لميزان
القضاء في البينات والايمان لعدم امكان القضاء بهما في الفرض والله العالم وهو الحاكم.
قوله فالشهادة بقديم الملك أولى من الشهادة بالحادث الخ أقول هذه من إحدى المرجحات التي
ذكرها معظم الأصحاب كالاطلاق والتقييد والدخول والخروج والقوة والضعف فالكلام في المقام مسوق لبيان
أصل كون الشهادة بالقدم من الرجحات مع قطع النظر عن اجتماعها مع سائر المرجحات فإن الشهادة بالقدم
والشهادة بالحدوث قد تكونان مطلقتين وقد تكونان مقيدتين وقد تكونان مختلفتين وقد تكون العين في يد
أحد المدعيين وقد تكون في يدهما وقد تكون خارجة عن يدهما إلى غير ذلك إلا أن الكلام في المقام في اثبات
الترجيح بالقدم والحدوث من حيث هما كساير المرجحات فإن التكلم في جميعها من هذه الحيثية وأما حكم صورة
تعارضهما مع سائر المرجحات فلعلنا نشير إليه إن شاء الله.
فليفرض الكلام فيما إذا كانت العين خارجة عن يدهما وأقام كل منهما بينة مطلقة غير مشتملة على مزية
فنقول ذهب جماعة من الأصحاب حسبما نسب إليهم كالشيخ وابني إدريس وحمزة والفاضل في بعض كتبه بل في
المسالك انه المشهور بينهم إلى أن الشهادة بقدم الملك أو أقدمه مقدمة على الشهادة بحادث الملك وقديمه
كما إذا شهدت إحدى البينتين انها ملك زيد منذ سنة والأخرى انها ملكه في الحال أو أطلقت أو شهدت إحديهما
انها ملك زيد منذ سنتين والأخرى انها ملكه منذ سنة قال ابن إدريس في السرائر فإن لم يكن ترجيح وهو في يد
ثالث وأقام أحدهما بينة بقديم الملك والآخر بحديثه وكل منهما يدعي أنه ملكي الآن وبينة كل واحد منهما
تشهد بأنه ملكه الآن غير أن إحدى البينتين تشهد بالملكية الآن وبقديم الملك والأخرى بالملكية الآن وبحديث
الملك مثاله ان إحدى البينتين تشهد بالملك منذ سنتين والأخرى منذ سنة فالبينة بينة قديم الملك وهي
المسموعة والمحكوم بها دون بينة حديث الملك انتهى ما أردنا نقله ومن نسب الترجيح إليه قد استفاده
من هذه العبارة.
ولكنه قد صرح في موضع آخر من الكتاب المذكور قريب من العبارة المزبورة بأن الذي ذكره لم
يكن مختارة حيث قال والذي اعتمده وأعتقده عليه بعد هذه التفاصيل جميعها الا يرجح إلا بالعدد وبالتفاضل
في عدالة البينتين فحسب دون الأسباب وقدم الاملاك لان القياس عندنا باطل على ما قدمناه.
وإنما فصلنا ما فصلناه على وضع شيخنا في مسائل خلافه وهي من فروع المخالفين ومذاهبهم فحكاها
واختارها دون أن يكون مذهبا لنا ولبعض مشيختنا ولأوردت به أخبارنا ولم يذهب إليه أحد من أصحابنا انتهى
ما أردنا حكايته وهذه العبارة كما ترى صريحة في عدم قوله بالترجيح المذكور بل صريحة في عدم ذهاب أحد

405
من الأصحاب إليه غير الشيخ رحمه الله وذهب بعض بل جماعة منهم الحلي مما عرفت من كلامه إلى مساواتهما.
استدل للمشهور في المشهور بأن الزائدة تثبت الملك في وقت لا تعارضها الأخرى فيه وإنما تتساقطان في
محل التعارض دون السابق الذي لا معارض لها فيه والأصل في الثابت دوامه ولهذا له المطالبة بالنماء في ذلك
الزمان ممن تصرف فيه لأنه ملك لا معارض له فيه فيجب استدامته وأن لا يثبت لغيره ملك إلا من جهته
هذا ملخص ما ذكروه.
وحاصله يرجع إلى أن المرجح بعد تعارض البينتين في مورده استصحاب بقاء الملكية للذي شهدت
بينته بالقدم الذي وجد من البينة التي لا معارض لها فإن التي تشهد بالقدم سليمة عن معارضة التي شهدت بالحال
بالنسبة إلى الزمان الزائد فيكون القضاء حينئذ حقيقة بالبينة بضميمة الاستصحاب لا أن يكون المرجع الأصل كما
قد يتوهم في معنى كلام المشهور بمعنى كون القضاء به مستقلا مع تساقط البينتين عن رأس فيكون هو الميزان
للقضاء في الفرض حتى يقال بأنه لا دليل على جواز القضاء بالأصل بل مقتضى العمومات الحاصرة عدمه والمفروض
ان أحدا لم يلتزم باليمين في الفرض حتى يقال بأن القضاء بها إذ لا معنى لاجراء الأصل بعد الحكم بتساقط -
البينتين حتى في غير مورد التعارض لما قد عرفت من أن تحقق الأصل إنما هو من البينة القديمة من جهة سلامتها
عن المعارض بالنسبة إلى الزمان الزائد فلا معنى للحكم بوجوده مع انتفائها.
ومن هنا يظهر فساد ما قد يتوهم من كون الوجه لتقديم البينة القديمة عندهم الترجيح بالأصل لا
الرجوع إليه بعد التساقط في مادة التعارض وجه الفساد ما عرفت من عدم وجود الأصل في المقام مع قطع النظر
عن البينة القديمة حتى ترجح به هذا.
وأورد عليه بوجوه أحدها ما قد يستفاد من كلام بعض مشايخنا طيب الله رمسه ويختلج ببالي الفاتر
ونظري القاصر من أن ما ذكروه مبني على التبعيض في البينة القديمة بالنسبة إلى الزمانين وهو مما لا يدل عليه
أدلة تصديق البينة بل قد يقال إن مقتضاها عدم جوازه وفيه أن التبعيض الذي دل الدليل على عدم جوازه هو
التبعيض في مورد التعارض بأن يعمل بإحدى البينتين في بعضه وبالأخرى في بعضه الآخر كالتنصيف في العين التي
تداعياها رجلان أقام كل منهما بينة سواء على كونها ملكه لان هذا النحو من التبعيض لا يجامع القول باعتبار
البينة من باب الطريقية حسبما قد عرفت تفصيل القول فيه وأما التبعيض بالمعنى المقصود في المقام وهو عدم
الاخذ بالبينة في مورد التعارض والاخذ بها في غير مورده من جهة سلامته عن المعارضة فليس فيه ما يشينه بل هو
قضية ما دل على وجوب تصديق البينة بقدر الامكان فتأمل.
ثانيها ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله ويستفاد من كلام غيره ممن تقدم عليه من الأصحاب من أن
مقتضى وجوب الجمع والتوفيق بين البينتين وتصديقهما مهما أمكن هو القضاء بالبينة التي تشهد بالحدوث والحال
وتقديمها على التي تشهد بالقدم.
لاحتمال استناد الثانية إلى ما اطلع الأولى بزواله ووجود الرافع له كالاستناد إلى الاستصحاب من
جهة اليد السابقة أو غيرها فتصدق البينتين بحمل كون شهادة إحديهما من جهة الاستناد إلى الأصل وشهادة
الأخرى من جهة الاستناد إلى ما يزيله كالبيع والهبة والاقرار ونحوها من الأسباب الناقلة والكاشفة.
وأما القول بإمكان الجمع بينهما بحمل استناد الأولى إلى أصل وهو أصالة الصحة في البيع ونحوه واطلاع
الثانية إلى ما يزيله لان هذا أيضا محتمل كالاحتمال السابق ففيه ان هذا الاحتمال موجود بعينه في الثانية أيضا

406
بالنسبة إلى السبب السابق لاحتمال استنادها فيه إلى أصالة الصحة فهو مما لا ينفع أصلا وقد عرفت مرارا في
طي كلماتنا السابقة ان الاحتمال الذي يصلح لحمل إحدى البينتين عليه ويجمع به بينهما هو الاحتمال المتطرق
في إحديهما الغير المتطرق في الأخرى وأما الذي متطرق فيهما فلا يعقل ان يجعل مستندا للجمع بينهما
للزوم الترجيح بلا مرجح وإن شئت توضيح ذلك فارجع إلى ما فصلناه في وجه تقديم المشتملة على السبب على
غيرها وبالجملة كلما احتمل في إحدى البينتين ما لا يحتمل في الأخرى بل احتمل فيها الاطلاع على ما يقتضي
رفعه والاستناد عليه فيجب الجمع بينهما والحكم بتحقق الاحتمالين فيهما وهذا أصل قد بنوا عليه في
كثير من مسائل تعارض البينات كما في مسألة تعارضها في الجرح والتعديل والتقييد والاطلاق والاثبات
والنفي إلى غير ذلك.
فنقول في المقام ان قضية التحقيق وإن كانت ما ذكروه لو كانت البينتان في مرتبة واحدة من -
القوة إلا أنه لا ريب ان البينة القديمة ضعيفة بالنسبة إلى ما تشهد عليه بالحال لضعف مستندها وهو الأصل
هذا ملخص ما ذكره دام ظله العالي في مجلس البحث وهو كما ترى على فرض صحته يقتضي المصير إلى
عكس ما عليه المشهور.
وإلى ما ذكره أشار الفاضل في القواعد في وجه عدم التقديم ويكون هو المراد من كلامه فبالحري
نقله بألفاظه حتى تطلع على حقيقة مرامه قال في مقام بيان المرجحات وتعدادها الثالث اشتمال إحدى البينتين
على زيادة كزيادة التاريخ فإذا شهدت بينة على أنه ملكه منذ سنة والأخرى انه ملكه منذ سنتين حكم للأقدم لان
بينته أثبتت الملك له في وقت لم يعارضها فيه البينة الأخرى فثبت الملك فيه ولهذا له المطالبة بالنماء في ذلك الزمان
وتعارضتا في الملك في الحال فسقطتا وبقي ملك السابق فيجب استدامته وان لا يثبت لغيره ملك إلا من جهته ثم
قال ويحتمل التساوي لان المتأخرة لو شهدت انه اشتراه من الأول لقدمت على الأخرى فلا أقل من التساوي انتهى
كلامه رفع الله في الخلد مقامه.
وأنت بعد التأمل في كلامه تعلم أن مراده ما ذكره شيخنا الأستاذ العلامة لان مقصوده من كلامه الأخير انه
لو فرض اشتمال المتأخرة على ذكر السبب فلا إشكال في تقديمها فلا بد من أن يحكم في صورة اطلاقهما بالتسوية
لو لم يحكم بترجيح المتأخرة من حيث لزوم الجمع بين البينتين مهما أمكن بحمل المتأخرة على الاطلاع على
السبب الناقل والمتقدمة على الاستناد بالأصل حسبما عرفت من كلام الأستاذ العلامة فالحكم بترجيح الثانية على
الأولى مما لا وجه له هذا.
وفيه أولا انا نفرض الكلام فيما إذا علمنا باستناد كل من البينتين إلى العلم بالمشهود به وهو الملكية
في الحال ومن المعلوم عدم جريان ما ذكر فيه وتوهم خروجه عن محل الكلام فيه ما لا يخفى وثانيا سلمنا عدم
العلم بذلك لكن مقتضى ظاهر كلامهما هو الحمل على ذلك وإن كان الاستناد إلى الأصل أيضا جايزا لا يستلزم
تجوزا في اللفظ على تقديره حسبما عرفت تفصيل القول فيه إلا أنه خلاف الظاهر قطعا فلا يجوز المصير إليه إلا مع
دلالة صارفة ومجرد العلم باستناد إليه في الغالب على تقديره لا يصلح صارفا كما لا يخفى.
والقول بأن مقتضى الشهادة الحالية الاطلاع على النقل من المدعى إلى من قامت له بخلاف الشهادة
على القدم فيه ما فيه لأنه ليس معنى الشهادة الحالية والمتأخرة كونها مصرحة بالنقل والسبب لان الشهادة على
الحال لا دلالة على ذلك أصلا فضلا عن أن تكون صريحة فيه لان الشهادة في الحال إنما تثبت الملكية فيها

407
مع السكوت عن سببه وعما قبلها فيحتمل استناد كل منهما في الشهادة على الملك في الحال إلى الاستصحاب مع
عدم اطلاع المتأخرة على ما يزيل مقتضى المتقدمة.
ومنه يظهر ان اطلاق الحادثة على المتأخرة كما في كلام بعض الأصحاب مسامحة لان الكلام ليس
مفروضا فيما إذا شهدت إحديهما على حدوث الملك وانتقاله عن الآخر كما أنه يظهر منه فساد القول بأن البينة
المتأخرة وإن لم تكن صريحة فيما ذكر إلا أنها ظاهرة فيه وجه الفساد ما عرفت من عدم دلالتها على ذلك أصلا
وسكوتها عنه جزما.
فنقول بناء على تسليم وجوب الجمع بين البينتين بالمعنى المذكور مهما أمكن حسبما عليه
المشهور كما تقدم في مسألة الاطلاق والتقييد وإن بنينا على عدم وجوبه من حيث عدم قيام الدليل عليه ان
الجمع بالمعنى المذكور غير ممكن في المقام لتطرق كل احتمال يتطرق في إحديهما في الأخرى أيضا
فلا يمكن الجمع بينهما فتأمل.
وثالثا ان ما ذكروه من حديث الاطلاق والتقييد أو النصوصية والظهورية من حيث الاستناد إلى
الأصل وما يقتضي رفعه خروج عن محل الكلام لأنه في اثبات الترجيح بنفس التقدم والتأخر مع قطع النظر
عن سائر المرجحات حسبما عرفت الإشارة إليه في أول المسألة فنفرض الكلام فيما إذا كان مستند كل منهما
شيئا واحدا كما إذا اعتقدت كل منهما ان الثالث الذي بيده المال وكيل عن الذي شهدت له ونحو ذلك فالترجيح
بغيرهما خروج عن محل الفرض.
هذا ما ذكره شيخنا الأستاذ العلامة بعد نقل كلام العلامة الذي مر بك بناء على ما ذكره الفاضل
في كشف اللثام في شرح قوله فلا أقل من التساوي من قوله إن لم نقل بالرجحان أيضا لأنها تدعي أيضا الاطلاع
على ما لم تطلع عليه الأخرى فإنه ما لم يظهر لها ما يرجح الملك أو يعينه منذ سنة فكيف تشهد به وغاية الأخرى
انها لم يظهر لها ذلك والاثبات مقدم.
ثالثها ما يستفاد من كلام الفاضل في القواعد أيضا من انا نمنع من سماع البينة بالنسبة إلى الزيادة مع
قطع النظر عن سماعها في الحال لأنا انما سمعنا البينة القديمة من حيث شهادتها بالملكية الحالية ولهذا لو شهدت
البينة بالملكية في زمان سابق على زمان الدعوى ولم تتعرض له أصلا لا بنفي ولا اثبات مثل أن يقول اني اشهد
ان الدار الفلاني ملك زيد قبل سنة لم تسمع قطعا واستصحاب الحاكم لا دليل عليه مع احتماله قطع البينة
على خلاف الحالة السابقة قال في القواعد بعد كلامه الذي عرفته ما هذا لفظه وثبوت الملك في الماضي من غير
معارضة إنما يثبت تبعا لثبوته في الحال ولهذا لو انفرد بادعاء الملك في الماضي لم تسمع دعواه ولا بينته وكذا
البحث لو شهدت إحديهما بالملك في الحال والأخرى بالقديم انتهى كلامه وورود هذا الايراد وعدمه يتضح مما
سنذكره من التكلم في جواز القضاء بالبينة بضميمة الاستصحاب مع سكوت الشاهد عن الحالة الثانية فانتظر
ثم إن الأستاذ العلامة بعد ما ذكر جملة من الكلام على كلمة الطرفين قال فبالحري أن نفرد كل صورة مما يتصور
في المقام بالتكلم فيها حتى يتضح حقيقة الامر.
فنقول ان لتعارضهما صورا إحديها أن نعلم باستناد البينة المتقدمة في شهادتها على البقاء والملكية
الحالية إلى الاستصحاب كما هو الغالب ففي هذه الصورة تقدم المتأخرة عليها سواء أسندت إلى سبب نقل من
المدعي أو أسندت إلى سبب نقل ولم يذكر المنتقل عنه أو أسندت إلى غير المدعي كما لو قالت اني اشهد أنه

408
ملكه منذ سنة واشتراه من فلان أو اشتراه من عمرو مثلا أو أطلقت وسواء علمنا التقدير الثاني بكون استنادها
في الملكية المطلقة إلى علمه بها أو لم نعلم ذلك أو علمنا باسناده إلى أمر غير علمي كاليد الظاهرة في الملك.
ووجه التقديم في غير الصورة الأخيرة واضح لأنه جمع قد حققنا غيره مرة وجوبه وفصلنا القول في
مسألة تعارض البينتين في الجرح والتعديل.
وأما فيها فوجه الجمع أيضا القاعدة المذكورة لأن المفروض ان البينة المتأخرة من جهة استنادها
إلى اليد المتقدمة على الاستصحاب الحاكمة عليه ناطقة عما يسكت عنه المتقدمة ومطلعة على ما لم تطلع عليه
ومدعية للدراية بالنسبة إلى ما لا تدريه فلا بد من الجمع بينهما وتصديقهما.
فإن قلت كما يكون مستند البينة المتقدمة في الفرض الاستصحاب وعدم العلم بالفرض ولهذا تكون
البينة المتأخرة مقدمة عليها كذلك يكون مستند البينة المتأخرة في الفرض الأصل وعدم العلم والدراية لفرض
احتمالها كون اليد والتصرف مما يجامع عدم الملكية أيضا كاليد العارية والوديعة ونحوهما غاية الأمر انها لما
لم تعلم بذلك نفته بالأصل من جهة الغلبة ويحتمل اطلاع البينة المتقدمة على كونها يد غير ملك ولهذا لم تعبأ
بها وأجرت الاستصحاب وشهدت على خلافها.
قلت مجرد اشتمال مستند البينة المتأخرة على جهة غير علمي لا يوجب الحكم بتقدم غيرها عليها أو
مساواته معها مع فرض عدم تعرضه بالعلم بذلك لان الذي تقرر في محله وقام الدليل عليه انه لو شهدت إحدى
البينتين بشئ من جهة عدم العلم بما ينافيه ويرفعه وشهدت الأخرى بخلافها من جهة علمها به بحيث ادعت الدراية
بالنسبة إلى ما لم تدره الأولى قدمت عليها لا انه إذا شهدت إحدى البينتين بشئ من جهة عدم العلم بما ينافيه
ولم تدع الأخرى العلم به أصلا ولم يكن شهادته ظاهرة فيه أيضا تقدم عليها.
وبالجملة البينة المتأخرة من جهة استنادها باليد الحاكمة على الاستصحاب تدعي الدراية بالنسبة
إلى ما لا تدري به المتقدمة والبينة المتقدمة لا تدعي الدراية بالنسبة إلى ما تدري به المتأخرة.
نعم لو فرض العلم بعلمها بكون المشهود به عارية أو وديعة ممن تشهد له عند من تشهد البينة المتأخرة
له قدمت عليها لأن استصحاب كون اليد عارية حاكم على اليد لأنه يشخص بحكم الشارع كون اليد من القسم
المجامع مع عدم الملكية لكن مجرد احتمال ذلك لا يوجب الحكم به ورفع اليد عن ظهور اليد هذا ولكنك
خبير بأن الترجيح من الجهة المذكورة ليس من الترجيح بالتقدم والتأخر أصلا اللهم إلا أن يقال بمدخليتهما
فيه لأنه لو شهدت إحدى البينتين بالملكية في زمان كمنذ سنة والأخرى بالملكية السابقة ولم تعين الزمان
لا يجوز الحكم في هذه الصورة بتقديم الأولى على الثانية لاحتمال كون زمان السابقة متأخرا عن السنة فتأمل.
ثم إن ما ذكرنا في القديم والحادث يجري في القديم وإلا قدم أيضا لان بينة القديمة وإن فرض
استنادها في البقاء إلى الاستصحاب لكن التعارض بينها وبين بينة الأقدم إنما هو في الزمان الذي تشهد فيه
بالحدوث وبينة الأقدم بالبقاء فإذا فرض العلم باستناد الثانية في البقاء إلى الاستصحاب والأولى إلى غيره جرى فيه
جميع ما تقدم كما لا يخفى.
ثانيتها ان تشهد المتأخرة بالملك والمتقدمة به مستندة إلى التصرف واليد بحيث علم استنادها به ولم يعلم
استناد الأولى به ففي هذه الصورة أيضا لا إشكال في تقديم المتأخرة لاشتمالها على زيادة لا تكون في المتقدمة و
كونها ناطقة بخصوصية أثبتها المتقدمة بعدم العلم لان التصرف أعم من الملكية غاية الأمر ظهوره في الملكية من جهة

409
الغلبة فهي لا تقاوم ما تشهد بالأخص وسيجئ بعض الكلام في ذلك بعد هذا إن شاء الله وأنت خبير بأن هذا أيضا ليس من
الترجيح بالقدم والحدوث ولا دخل له بهما أصلا ولهذا لو شهدتا في الحال على النهج المذكور قدمت البينة
التي تشهد بالملك على التي تشهد بالتصرف حسبما ستقف عليه إن شاء الله.
ثالثتها عكس الصورة بأن تشهد المتقدمة بالملك والمتأخرة بالتصرف ولم يعلم استناد المتقدمة على
الاستصحاب فينعكس الامر على اشكال.
رابعتها ان تشهد كل منهما بسبب متحد يعلم به كما إذا كان مستند شهادة إحديهما اعتقادها كون
الثالث وكيلا مثلا للذي تشهد له ومستند شهادة الأخرى أيضا اعتقادها بأنه وكيل للذي تشهد له ففي هذه الصورة
لو حكم بترجيح ليس إلا من جهة التقدم والتأخر فنقول انه لا إشكال في تساقطهما بالنسبة إلى الحال وأما بالنسبة
إلى الزمان السابق فإن قلنا بجواز القضاء بالبينة المنضمة بالاستصحاب مع سكوت البينة عن الحالة اللاحقة
فنقول بترجيح البينة المتقدمة في الصورة ونقضي بها وإن لم نقل به فلا معنى للترجيح بالتقدم فتحقيق القول
في الفرض مبني على هذه المسألة وسيجئ التكلم فيها إن شاء الله.
خامستها ان تشهد كل منهما بالملك المطلق من دون استناد إلى الأصل واليد والتعرض للسبب ونحوها
وهذا على قسمين أحدهما أن تشهد المتأخرة بالحدوث بمعنى تعيينها لزمان حدوث الملك مع كون شهادتها
بالملك المطلق بحيث يرجع تعارضها مع البينة المتقدمة في جزء من الزمان من حيث الحدوث والبقاء ثانيهما
أن تشهد المتأخرة بالملك المطلق في الحال من غير تعيين زمان الحدوث.
أما القسم الأول فالظاهر فيه تقديم المتأخرة من حيث جريان احتمال في المتقدمة وهو أن تكون
شهادتها بالبقاء مستندة إلى الاستصحاب لا يجري في المتأخرة فهي تشتمل على زيادة معنوية وحكمية بالنسبة إلى
المتقدمة وأما سائر الاحتمالات فهي احتمالات تجري في كل منهما فلا تصلح أن تصير سببا لنقص في محتملها
وإلا لزم الترجيح بلا مرجح.
وأما الدليل على الترجيح بمجرد طرو احتمال في إحدى البينتين لا يطرء في الأخرى فهو ما عرفت في
طي بعض كلماتنا السابقة من كونه جمعا بين البينتين وتصديقا لهما فيدل عليه عموم ما دل على اعتبارهما و
تصديقهما مهما أمكن.
توضيح ذلك أن الترجيح قد يكون بالزيادة الحسية كالترجيح بتقدم الزمان وتأخره حسبما عليه
المشهور كما في المسالك وقد يكون بالزيادة المعنوية وضابطها ان تشتمل إحدى البينتين على خصوصية لا تشتمل
عليها الأخرى بل كانت أعم منها فيرجع النسبة بينهما إلى الأعم والأخص وهذا قد يوجد بالنسبة إلى نفس المشهود به
كما في الشهادة على التصرف والملك بناء على اعتبار البينة في الأول وكفايتها عن الشهادة بالملك بحيث يحكم
بها لولا المعارض وقد يوجد بالنسبة إلى مستند الشهادة كما إذا أسندت إحديهما إلى الأصل والأخرى إلى غيره
مما يكون أخص منه ولك أن ترجع هذا إلى القسم الأول لان الملكية المستندة إلى الأصل أعم من نفس الملكية
إما اعتبار الترجيح بالمعنى الأول حيثما وجد فمبني على ما عرفت من سماع البينة المنضمة إلى الاستصحاب مع
عدم تعرض الشاهد للحال الثاني أصلا وسيجئ تفصيل القول فيه وأما اعتباره بالمعنى الثاني فهو مما لا إشكال
فيه بناء على ما تقرر عند الأصحاب من وجوب الجمع بين البينتين بقدر الامكان عملا بأدلة تصديقهما.
فنقول في المقام ان مقتضى ما دل على تصديق البينتين هو الجمع بينهما بحمل التي تشهد بالقدم على

410
كون استنادها في الشهادة على البقاء إلى الأصل وعدم العلم بالمزيل وحمل التي تشهد بالحدوث على كون
استندها إلى ما يقتضي حدوث الملكية كالشراء ونحوه لاشتمالها على زيادة معنوية لا تشتمل عليها الأخرى
هذا ملخص ما ذكره دام ظله.
وفيه أولا ان مقتضى ما دل على تصديقهما هو تصديقهما حسب ما يقتضيه ظاهر شهادتهما وهو كونهما
عن حس وقطع كما إذا لم تكونا متعارضتين وبعبارة أخرى حملهما على الواقع كما في صورة عدم التعارض
فإن أمكن مع ذلك الجمع بينهما وتصديقهما كما إذا شهدت إحديهما بالتصرف والأخرى بالملك أو شهدت
إحديهما بالملكية استنادا إلى الأصل والأخرى بها استنادا إلى الوجدان فإن واقع التصرف أعم من الملك وكذلك
بالنسبة إلى الأصل والملكية فهو وإلا كما في المقام لاحتمال استناد كل منهما إلى سبب متحد كالوجدان و
التصرف ونحوهما فلا وأما ما يقال من عدم إمكان الشهادة بالبقاء إلا من جهة الاستصحاب ففيه ما لا يخفى لامكان
الاستناد فيها إلى سبب مستمر من زمان الحدوث كاليد والتصرف على ما عرفت فرضه.
وثانيا سلمنا عدم وجوب الحمل على ذلك بل الحمل بمقتضى ما دل على تصديقهما على أقل ما يجوز
للبينة الاستناد إليه وهو استصحاب بقاء الملك بالنسبة إلى البينة التي تشهد بالقدم إلا انا نقول إن أقل المستند
بالنسبة إلى البينة التي تشهد بالحدوث أيضا يكون هو الاستصحاب بأن استندت إلى شرائه من مستصحب الملكية
فاتحدت البينتان من هذه الجهة أيضا فلا يمكن الجمع بينهما بالحمل على أقل المستند.
توضيح ما ذكرنا أنه قد نقول بوجوب حمل البينتين على الواقع والحس كما في صورة عدم المعارضة
فلا يمكن الجمع بينهما بعد الحمل عليه في المقام وإن أمكن في غيره حسبما هو قضية كلام المشهور فإن
حكمهم بالتساقط في محل التعارض وبقاء القديمة سليمة عن المعارض بالنسبة إلى الزايد مبني على حمل
كل منهما على الواقع وقد نقول بوجوب حملهما في مورد التعارض على أقل ما يجوز لهما الاستناد إليه وإن
لم نقل به في غير مورد التعارض لعدم الداعي له والمراد بأقل المستند هو ما لا يلزم مع الحمل عليه تكذيب للبينة
أو تخطئة لها من غير جهة خطأ المستند حسبما هو قضية كلام الأستاذ العلامة دام ظله فإن كان أقل المستند في
إحديهما حاكما على أقل المستند في الأخرى كما إذا كان في إحديهما اليد وفي الأخرى الاستصحاب مثلا
فيحكم بتقدمها عليها بعد البناء على هذا المبنى الفاسد وإن كان في كل منهما ما يكون في عرض الآخر و
مساويا له فلا معنى لترجيح إحديهما على الأخرى.
فإذا نقول في المقام انه يمكن استناد كل من البينتين إلى أصل مساو مع الأصل الآخر الذي هو المستند
للأخرى بأن يكون مستند البينة المتقدمة استصحاب البقاء ومستند المتأخرة الشراء عن مستصحب الملكية
فإنه لا تحكيم لاحد المستندين حينئذ على الآخر إن لم نقل بتحكيم استصحاب البقاء من جهة احتمال اطلاع المتقدمة
على فساد الحالة السابقة للأصل الذي هو مستند المتأخرة لا يقال إن الشراء حاكم على الاستصحاب ومقدم عليه
فلا معنى للحكم بالتسوية بينهما بل ترجيح الثاني لأنا نقول الشراء الذي هو حاكم على الأصل الذي في مقابله
هو الشراء الذي لم يعلم حاله وأما الشراء الذي علم أنه عن مستصحب الملكية فلا يزيد على استصحاب الملكية
فيصير المشتري حينئذ كالبايع المحكوم بكون المبيع ملكا له بالاستصحاب هذا.
وقد ذكر الأستاذ العلامة بعدما ذكر أولا من كون مقتضى القاعدة تقديم بينة الحادث لما قد عرفت أن
هذا الكلام ظاهري ربما يترائى في بادي النظر والذي هو قضية التحقيق بعد البناء على حمل كلتا البينتين

411
على الظاهر هو الحكم بالمساواة بينهما لان مرجع التعارض بين البينتين وإن كان إلى التعارض في البقاء والحدوث
إلا من المحقق في محله ان البينة التي تشهد في البقاء إنما تكون مرجوحة بالنسبة إلى التي تشهد بالحدوث
من حيث ظهور الأولى في الاستناد إلى عدم العلم والثانية إلى العلم وأما إذا فرض رجوع الأولى على تقدير إلى العلم
بالنسبة إلى الثانية وإلى عدمه على تقدير آخر وكذلك الثانية بالنسبة إلى الأولى فلا معنى للحكم بترجيحها عليها
لمساواتهما من جميع الجهات والمفروض ان الترجيح بالحدوث والبقاء ليس من جهة التعبد بل من جهة رجوع الثاني
إلى عدم العلم والأول إلى العلم كما لا يخفى فالحق بعد البناء على حملهما على الظاهر هو الالتزام بالتساقط لكن
هذا البناء فاسد بل الحق في صورة تعارض البينات ان يتبع الجمع سواء حصل بحملهما على الواقع أو الظاهر
أو حمل إحديهما على الأول والأخرى على الثاني لأنه مقتضى وجوب العمل بالبينة مهما أمكن ووجوب تصديقها
فعليه يمكن أن يقال في المقام بترجيح البينة على الحدوث
توضيح ذلك أنه قد يقال في صورة تعارض البينتين بوجوب حمل المشهود به لكل منهما على الواقع
من حيث ظهور اللفظ فيه وإن كان بعيدا كما في غير صورة التعارض فإنه يجب حمله على الواقع اتفاقا و
قد يقال بوجوب حمله على الظاهر من جهة العلم بعدم استناد البينة فيه إلى العلم عادة بل إلى الأمارات الشرعية
وقد يقال بوجوب حمله على ما يحصل معه الجمع بين البينتين بأي نحو كان وبكل وجه اتفق من غير
النظر إلى الواقع والظاهر.
فإن قيل بالأول حسبما هو قضية ظاهر كلام المشهور في المقام فلا مناص من الحكم بتساقطهما في الفرض
لعدم إمكان الجمع بينهما بعد حمل كل منهما على الواقع وإن رجعت شهادتهما إلى الشهادة على البقاء والحدوث
ضرورة وجود المنافات بين بقاء العين واقعا في ملك أحد وحدوثه في ملك الآخر فتتساقطان في مورد التعارض وتبقى
البينة القديمة بالنسبة إلى الزمان المتقدم سليمة عن المعارض فيبتنى القضاء بها بضميمة الاستصحاب وعدمه على ما سيجئ
وإن قيل بالثاني فإن أمكن حمل إحديهما المعين على ظاهر حاكم على ما استند إليه الأخرى من غير
إمكان العكس فيتعين الحمل عليه وإلا كما في المقام حسبما عرفت من إمكان حمل كل منهما على ما يكون
حاكما على مستند الأخرى فلا بد من الحكم بالتساقط في مادة التعارض وأما بالنسبة إلى الزمان الزايد فهل
يحكم ببقاء البينة المتقدمة سليمة عن المعارض بالنسبة إليه حتى يصير حكم الصورة مثل الصورة المتقدمة مبنيا
على جواز القضاء بالبينة منضمة إلى الاستصحاب أو لا يحكم بذلك نظرا إلى عدم احراز الحالة السابقة للبينة المتقدمة
في الصورة إذ لعلها كانت مستندة إلى استصحاب ما اطلع البينة المتأخرة على فساد مأخذه إذ المفروض احتمال
استناد البينة المتقدمة إلى شراء من مستصحب الملكية كالمتأخرة فلعله اطلع البينة المتأخرة على فساد مأخذ
الاستصحاب الذي هو المستند للبينة المتقدمة وبعبارة أخرى أوضح انا نعلم اجمالا بارتفاع الاستصحاب الذي هو
مستند البينة المتقدمة إما باعتبار البقاء على تقدير كون الحدوث بعد الحالة السابقة أو باعتبار الحدوث لو كان
قبله واطلعت البينة المتأخرة على فساد الحالة السابقة هكذا ذكر الأستاذ العلامة دام ظله ولعل لنا فيه كلاما
سيأتي في طي بعض كلماتنا الآتية إن شاء الله.
وإن قيل بالثالث فقد عرفت أنه لا بد من أن يتبع على تقدير القول به حسبما هو الحق امكان الجمع
بأي وجه اتفق بحيث يصدق كل من البينتين فإن تساوت البينتان من جميع الاحتمالات بمعنى تطرق كل احتمال
في إحديهما في الأخرى أيضا فلا يعقل معنى للجمع حينئذ للزوم الترجيح من غير مرجح وإن لم تتساويا من تلك

412
الجهة بل احتمل في إحديهما المعين ما لا يحتمل في الأخرى مما يوجب كونها مستندة إلى ما يكون حاكما
على ما استندت إليه الأخرى فيجب الجمع بينهما بالحمل على ما ذكر حسبما هو قضية ما دل على تصديقهما
مهما أمكن ومنه يظهر فساد ما ذكره بعض مشايخنا تبعا للحلي في السرائر من أن الترجيح بهذه المرجحات
من القواعد العامة وأصولهم الفاسدة.
فنقول في المقام ان مقتضى ما ذكر هو القضاء بالبينة المتأخرة لاحتمال استنادها إلى شراء من الذي
يشهد له البينة المتقدمة ومعلوم ان هذا الاحتمال لا يجري في البينة المتقدمة لأنها لا تقبل التأخر عن زمان
شهادتها وأما سائر الاحتمالات كاحتمال اطلاع البينة المتقدمة على فساد الشراء ونحوه فيجري بالنسبة إلى البينة
المتقدمة بالنظر إلى سبب حدوثها فلا يصلح وجها للجمع.
وبعبارة أخرى للبينة المتقدمة حدوث وبقاء وللبينة المتأخرة حدوث فحسب فكل احتمال يجري
في المتأخرة من جهة مبدء حدوثها يجري في المتقدمة أيضا وكل احتمال يجري في المتقدمة بالنسبة إلى بقائها
لا يجري في المتأخرة كاحتمال ارتفاع بقائها بالبينة المتأخرة فلا بد من تصديقهما وحملهما على ذلك ليحصل
الجمع بينهما وبعبارة ثالثة أخصر تصديق البينة المتقدمة مع تصديق البينة المتأخرة ممكن ولو على تقدير
وأما تصديق المتأخرة مع تصديق المتقدمة والحكم بالبقاء من جهتها فغير ممكن بعد فرض عدم صلاحية
الاحتمال الجاري في كل منهما للحمل عليه فيجب تصديق المتأخرة.
فإن قيل إن التعارض بين البينتين إنما هو في مبدء حدوث البينة المتأخرة وبقاء المتقدمة فيه وأما
حدوث المتقدمة فلا معارض له أصلا فلا بد من تصديق البينة فيه فإذا عورض احتمال استناد المتقدمة في البقاء
إلى الاستصحاب وعدم العلم بالزوال باحتمال استناد المتأخرة على شراء من مستصحب الملكية فلا معنى لمعارضته
باحتمال استناد المتقدمة أيضا بالنسبة إلى زمان حدوثها إلى شراء عن مستصحب الملكية واطلاع المتأخرة
على فساد الحالة السابقة له.
قلنا عدم المعارضة بين حدوث المتأخرة وحدوث المتقدمة إنما يسلم على تقدير عدم ملاحظة منشأ
حدوثهما وأما مع ملاحظته فيجئ التعارض بالنسبة إلى منشأ حدوث المتقدمة.
وبعبارة أخرى إذا لوحظ الاحتمالات الجارية في المشهود به من جهة استناد البينة في منشأ حدوثه
فلا معنى للتفرقة بينهما لان الاحتمال الجاري في منشأ الحدوث يسري بالنسبة إلى المشهود به سواء فرضت
زمان الحدوث متقدما أو متأخرا وهذا مما لا سترة فيه عند ذوي الأفهام المستقيمة هذا ملخص ما ذكره دام ظله.
وأنت خبير بأن مبنى هذا الجمع على ما ذكره مرارا كثيرة من أنه كلما تعارضت البينتان واحتمل
في إحديهما ما لا يحتمل في الأخرى يجب الجمع بينهما بالحمل على ذلك وقد عرفت أيضا فساد البناء على
هذا بما لا مزيد عليه فراجع إليه حتى تقف على حقيقة الامر هذا مجمل القول في القسم الأول وهو ما إذا شهدت
المتأخرة مع اطلاقها الملك على الحدوث.
وأما الكلام في القسم الثاني وهو ما إذا شهدت المتأخرة مطلقا من غير تعيين لزمان الحدوث مع
الاشتمال على الزمان في الجملة بحيث احتمل تقدمه على زمان المتقدمة حسبما صرح به الأستاذ العلامة وقال إنه
المراد من الاطلاق والتاريخ في كلامهم لا ما إذا شهدت المتأخرة على الملك من غير اشتمال على الزمان
أصلا فإن مرجعها إلى الشهادة على الحدوث فإن المراد منها ليس ما ينفي الملكية قبل زمان الشهادة فإذا

413
شهدت البينة على الملك المطلق فقد شهدت على الملك الحالي من حيث كونه القدر المتيقن فيصير مثل ما
إذا صرحت بالملكية الحالية.
والحاصل ان المذكور في كلام الأصحاب أقسام ثلاثة لتعارض البينتين في المقام أحدها تعارض
القديم والأقدم كما إذا شهدت إحديهما على الملك منذ سنة والأخرى على الملك منذ سنتين.
ثانيها تعارض القديم والحادث العرفيين كما إذا شهدت إحديهما على الملك منذ سنة أو الأمس والأخرى
على الملكية في الحال بمعنى كونها نصا في الملكية الحالية سواء كان من جهة التصريح بلفظ الحال أو ذكر لفظ
كان القدر المتيقن منه هي الملكية الحالية.
ثالثها تعارض المطلق والمؤرخ كما إذا شهدت إحديهما على الملكية المشتملة على التاريخ المعين
والأخرى على الملكية المشتملة على التاريخ في الجملة ويشهد لما ذكرنا من المعنى للاطلاق والتاريخ ما
سيمر بك من كلام الفاضل الأصفهاني في كشف اللثام هذا ملخص ما ذكره دام ظله العالي لتعيين المراد من
الاطلاق والتاريخ وهو لا يخلو عن تأمل.
وكيف كان فالذي صرح به العلامة طيب الله رمسه في القواعد هو الحكم بالتساوي في الفرض من غير
ترجيح بالتاريخ وفرق بينه وبين القسمين الأولين حيث قال ولو أطلقت إحديهما وورخت الأخرى تساويا وعلله
في كشف اللثام باحتمال الاطلاق سبق التاريخ فإن كان المراد من التاريخ تاريخ البينة المطلقة فيصير قرينة
على ما ذكره شيخنا العلامة دام ظله وإن كان المراد تاريخ البينة المؤرخة لم يكن له دلالة على ما ذكره
إن لم يدل على خلافه.
وكيف كان حاصل ما ذكره من الدليل يرجع إلى أن الحكم بالترجيح والتقديم في القديم والأقدم
والحادث والقديم إنما هو من جهة الحكم بتساقطهما في مورد التعارض وسلامة القديم أو الأقدم عن المعارض
بالنسبة إلى جزء من الزمان الذي يكون تسميته بالترجيح حقيقة من باب المسامحة كما لا يخفى وهذا المناط
غير موجود بالنسبة إلى المطلقة والمؤرخة لاحتمال كون تاريخ المطلقة مقدما على المؤرخة ولم أر من الأصحاب
من فرق بين الصور في الحكم غير العلامة قدس سره وأما الحكم بترجيح المطلقة فقد صرح الأستاذ العلامة دام
ظله بأنه لا معنى له على تقدير القول به في الصورتين الأوليين لان كل احتمال يجري في المؤرخة يجري في
المطلقة أيضا فلا معنى للترجيح بينهما بعد مساواتهما من جميع الاحتمالات لأنه كما يحتمل تقدم المطلقة على
المؤرخة كذلك يحتمل العكس هذا.
ثم إنه يتوجه على ما ذكره الفاضلان في المتن وشرحه من التفصيل بين الصورة والصورتين السابقتين
إشكالان أحدهما ان مقتضى أصالة تأخر الحادث الحاق الصورة بالصورتين الأوليين لأنه بسببها يثبت كون تاريخ
المطلقة مؤخرا من تاريخ المؤرخة ولا يمكن العكس كما في مجهولي التاريخ كما لا يخفى لا يقال إن الحكم
بتأخر التاريخ من جهة الأصل ليترتب عليه أحكام المتأخر إنما هو مبني على اعتبار الأصول المثبتة وهو غير
ثابت عند المحققين.
لأنا نقول عدم اعتبار الأصول المثبتة إنما هو إذا بنى على اعتبار الاستصحاب من باب الاخبار لا من
باب الظن حسبما عليه بناء جميع العامة والمتقدمين من الخاصة حتى العلامة قدس سره في النهاية وغيرها
والسؤال إنما هو على من يذهب إلى اعتبار الاستصحاب من باب الظن ومع ذلك يفرق بين الصور هذا.

414
وقد أجاب الأستاذ العلامة دام ظله العالي عن هذا الاشكال بأنه لا شك ولا ريب في أنه يشترط في اجراء
أصالة التأخر القطع بحدوث شئ والشك في زمانه فإن أريد الحادث في المقام الملك فالمفروض عدم القطع بثبوته
لا واقعا ولا ظاهرا أما الأول فلانه المفروض وأما الثاني فلعدم ما يصلح له إلا البينة لقضية الفرض ومن المعلوم
ضرورة ان البينة المثبتة للملك الظاهري إنما هي البينة الغير المعارضة بمثلها وإن أريد منه الشهادة فلا يعقل شك
في زمانها لفرض العلم به وإن أريد منه مراد الشاهد من الزمان المجمل وإن الأصل عدم كون مراده إلا الزمان
المتأخر ففيه بعد الغض عن عدم معقولية هذا المعنى انه إن أريد منه اثبات كون الزمان المتأخر هو زمان الحدوث
وابتداء الشهادة كما هو المقصود فمعلوم انه لا يثبت من الأصل المذكور وإن أريد اثباته به لم يخل عن المعارضة
كما لا يخفى وإن أريد منه كونه متيقن المراد للشاهد فلا يجدي للحكم بسلامة المتقدمة عن المعارض لتوقفه
على اثبات كون التعارض بين بقائها وحدوث غيرها وهو لا يمكن اثباته في الفرض لاحتمال كون المراد من الزمان
المجمل هو ابتداء زمان الشهادة المتقدمة هذا ملخص ما ذكره دام إفادته وعليك بإمعان النظر فيه وعدم المبادرة
إلى رده مع مراعاة الانصاف ومتابعة الحق فإنه أحق ان يتبع.
ثانيهما ان مقتضى نفس إجمال المدة في المطلقة وبيانها في المؤرخة هو الحكم بوجوب الاخذ بالثانية
بالنسبة إلى مقدار من الزمان يحتمل تأخر المدة المجملة عنها لعدم ثبوت المعارض لها بالنسبة إلى هذا المقدار
فلا عذر لعدم الاخذ بها بالنسبة إلى هذا الزمان فيرجع إلى الاستصحاب بعد الحكم بتساقط البينتين بالنسبة إلى
الزمان المتأخر مما يكون متبين (متيقن خ) المراد للبينة المطلقة.
وبعبارة أخرى القدر الذي يكون البينة المطلقة ناطقة بالنسبة إليه هو الملكية في الزمان المتأخر
فيحكم بتعارضهما وتساقطهما بالنسبة إليه وأما الزايد عليه فهو وإن كان محتملا إلا أنه لا دلالة لكلام البينة عليه
لفرض اجماله بالنسبة إليه ومن المعلوم عدم جواز رفع اليد عن أمر مبين بأمر مجمل فلا يجوز عدم تصديق
البينة المؤرخة بالنسبة إلى الزمان السابق بواسطة البينة المطلقة فيبقى استصحاب الملكية السابقة الثابتة
بالبينة المؤرخة سليما عن المعارض فيرجع إليه ويقضى به على تقدير القول بالقول بهذا القسم من الاستصحاب
المنضم إلى البينة والحاصل ان مجرد احتمال كون المراد من التاريخ المجهول في البينة المطلقة هو أول تاريخ
المؤرخة لا يصلح للحكم بالقائها بالنسبة إليه هذا.
وقد أجاب الأستاذ العلامة دام ظله عن هذا الاشكال أيضا بأنه كما أنه لا قطع بمعارضة المطلقة
لأول تاريخ المؤرخة فتبقى بالنسبة إليه سليمة عن المعارضة فيقضى بها بضميمة الاستصحاب كذلك لا قطع بمعارضة
المؤرخة لأول الزمان الواقعي للمطلقة إذ يحتمل كونه مقدما على المؤرخة فيحكم بعد تساقطهما في الحال
باستصحاب مقتضاها من الزمان الواقعي الذي هو مبدء شهادتها فيتعارض الاستصحابان من الطرفين والمفروض
انه لا مرجح في البين فيحكم بتساقطهما.
وبعبارة أخرى أوضح كما أنه يحتمل أن يكون البينة المطلقة مؤخرة عن المؤرخة فتكون معارضة
مع بقائها فتبقى المؤرخة سليمة عن المعارض بالنسبة إلى جزء من الزمان كذلك يحتمل أن تكون مقدمة على المؤرخة
فتكون المعارضة بينهما على العكس فيصير بالعكس أو مقارنة معها فتتساقطان عن رأس فكما انه يستصحب
مقتضى البينة المؤرخة بالنسبة إلى جزء من الزمان الذي لم يثبت له معارض مع وجود ما يحتمل أن يكون معارضا
معه كذلك يستصحب مقتضى البينة المطلقة بالنسبة إلى جزء من زمانها الواقعي لعدم ثبوت المعارض له بالنسبة

415
إلى ذلك الزمان لاحتمال تقدمه على أول زمان المؤرخة وتأخره عنه.
وما قد يتوهم من اشتراط العلم التفصيلي بابتداء زمان المستصحب وهو بالنسبة إلى المؤرخة موجود
دون المطلقة فاسد جدا لعدم الدليل على اشتراطه أصلا بل مقتضاه خلافه جزما وهذا بخلاف القديم والأقدم
أو القديم والحادث فإن التعارض فيهما ممحض في بقاء الأقدم وحدوث القديم أو بقاء القديم وحدوث الحادث وبعد
الحكم بتساقط البينتين في مورد التعارض تبقى البينة المتقدمة بالنسبة إلى جزء من الزمان سليمة عن المعارض
فيؤخذ بها ويستصحب مقتضاها هذا ملخص ما ذكره دام ظله.
ثم إنه ذكر بعد ما عرفته ان حاصل ما ذكرنا من أول المسألة إلى هنا ان في المسألة وجوها بل
أقوالا ثلاثة أحدها ما ذهب إليه الأكثرون من تقديم أقدم القديم ثانيها ما ذهب إليه ابن إدريس ناسبا له إلى
الأصحاب في ظاهر كلامه وإن لم نحققه بل المحقق خلافه وتبعه بعض من تأخر عنه من الحكم بالتساوي والتساقط
عن رأس ثالثها ما جنح إليه الفاضل الأصفهاني في الكشف وجزم به المحقق جمال الدين قدس سره في تعليقاته
على الروضة على ما حكي عنه من الحكم بتقديم المتأخرة.
والدليل على ما ذهب إليه الأكثرون أمران أحدهما ما ذكروه في كلماتهم من تعارض البينتين في
مورده وتساقطهما فيه فتبقى البينة المتقدمة سليمة عن المعارض بالنسبة إلى الزمان الزايد فيقضى بها بضميمة
الاستصحاب ثم الوجه في الحكم بتساقط البينتين إما حمل كلامهما على الواقع أو عدم تسليم قاعدة الجمع هنا على
ما سيأتي وجهه وان حمل على الظاهر.
ثانيهما دلالة بعض الأخبار عليه وهو صحيحة ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) عن علي (عليه السلام) انه كان إذا اختصم
الخصمان في جارية فزعم أحدهما انه اشتراها وزعم الآخر انه أنتجها وكانا إذا أقاما البينة جميعا قضى بها للذي
أنتجت عنده وجه الدلالة انه (عليه السلام) كان يقضي بالبينة التي تشهد بالانتاج مع كونه مقدما على الاشتراء الذي تشهد
به البينة الأخرى فيكشف هذا عن كون البينة المتقدمة مقدمة على المتأخرة والقول بعدم دلالته على ذلك لاحتمال
كون الشراء مقدما على الانتاج بأن يشتري الجارية في بطن أمها بالبيع فاسد جدا لمخالفته لظاهر
الرواية كما لا يخفى.
وأما الدليل على ما ذهب إليه ابن إدريس ومن تبعه من الحكم بالتساوي وعدم القول بالترجيح
بالقدم والحدوث أصلا فهو ما ذكره العلامة رحمه الله في القواعد من عدم الدليل على القضاء بالبينة المنضمة إلى
الاستصحاب في جميع التقادير.
وأما الدليل على ما مال إليه في كشف اللثام وجزم به المحقق المتقدم ذكره من الحكم بتقديم
المتأخرة فهو قاعدة الجمع بين البينتين مهما أمكن بحمل المتقدمة على كون مستندها في الشهادة على البقاء
هو الاستصحاب والمتأخرة على كون مستندها في الشهادة على حدوث ما يزيل الاستصحاب ويرفعه والدليل على
الجمع المذكور أمران أحدهما نفس ما دل على تصديق البينتين والعمل بهما بقدر الامكان فإن مقتضاه الجمع
بينهما ولو بحمل إحديهما أو كلتيهما على ما لا تكون ظاهرة فيه حسبما عرفت تفصيل القول فيه غير مرة
ثانيهما مقتضى تعليله (عليه السلام) سماع الشاهد في بعض أخبار الشاهد واليمين بقوله (عليه السلام) لئلا يرد شهادة مؤمن فإن
مقتضاه التحري لعدم الرد بقدر الامكان.
ثم إن هنا سؤالا على الأكثرين وهو انه كيف حكموا في المقام بتساقط البينتين بالنسبة إلى مورد

416
التعارض والرجوع إلى البينة المتقدمة فيما تكون سليمة عن المعارض بالنسبة إليه مع أن بنائهم على الجمع
في غير المقام بقدر الامكان كما في المطلق والمسبب والجرح والتعديل وأشباههما فهم مسلمون قاعدة الجمع
في غير المقام فأي شئ دعاهم على عدم الالتزام بمقتضاها والحكم بتقديم المتأخرة حسبما عليه جمال الملة
والدين والحكم بأن الداعي لهم على عدم الالتزام به الخبر المتقدم وهو صحيحة ابن سنان فيه من البعد
ما لا يخفى على المتأمل هذا.
وقد أجاب الأستاذ العلامة دام إفادته هن هذا السؤال بأن ما التزموا به من الجمع في غير المقام كما
في مسألة تعارض البينتين في الجرح والتعديل لا دخل له بما هو المراد في المقام ولا تلازم بينهما أصلا لان الجمع
الذي بنوا عليه واتفقوا عليه هو فيما إذا رجعت النسبة بين البينتين إلى العلم وعدمه بحيث كانت إحدى البينتين
مزيلة للأخرى من دون ارتكاب حمل فيها كما في الجرح والتعديل والاثبات والنفي إذا كان مستند المعدل
والنافي هو الأصل وعدم العلم كما في الغالب فإن التي تشهد على الزناء مثلا ترفع وتزيل البينة التي تشهد بالعدالة
من جهة عدم علمها بالزناء ودفعها بالأصل فمقتضى نفس تصديقهما من دون ارتكاب حمل في مدلول كلام الجارح
هو العمل بالتي تشهد على الجرح لكونه عملا بها بخلاف العكس.
وكذا الكلام في مسألة الاطلاق والتقييد فإنه بعد فرض استناد البينة المطلقة إلى الأصل أو اليد
أو حملها عليه تكون البينة المقيدة التي تشهد بالسبب مزيلة لها من دون الاحتياج إلى ارتكاب تأويل فيها كما
إذا شهدت المطلقة انها ملكه والمسببة انه اشتراها فإن شهدت بالشراء عن الذي شهدت المطلقة له فلا إشكال
في كونها كالشهادة على العدالة والفسق وإن شهدت بالشراء عن غيره أو أطلقه فكذلك أيضا فإن مقتضى نفس
كونها مشتراة لغير الذي شهدت البينة بكونها ملكه من جهة اليد أو ما هو أدون منها كون يده عليها
عارية ويد غير مالك.
وهذا بخلاف الجمع في المقام فإنه يحتاج إلى ارتكاب حمل في المتأخرة بكون استنادها في الشهادة
على ما يزيل مستند المتقدمة كالشراء مثلا حيث إن المتأخرة غير صريحة فيه لان احتمال استنادها إليه كاحتمال
استنادها إلى غيره مما هو في عرض مستند المتقدمة أو أدون منه فنفس الشهادة في المقام غير كافية للحكم بكونها
مزيلة لمقابلها إلا بارتكاب تأويل فيها.
فإن قلت ارتكاب التأويل والحمل محتاج إليه في الجمع بينهما في مسألة الجرح والتعديل وأشباهها
فإنه لو لم تحمل البينة التي تشهد بالعدالة على كون مستندها فيها استصحاب الملكة وأصالة عدم موجب الفسق
لم يكن معنى للحكم بكون التي تشهد بالفسق من جهة العلم بصدور المعصية مزيلة لها وكذا لو لم يحمل البينة
المطلقة على كون مستندها في الشهادة على الملك هو اليد لم يكن معنى للحكم بأن البينة المثبتة مزيلة لها وكذا
الامر في غيرهما من الصور التي اتفقوا على وجوب الجمع بين البينتين فيها فما الفارق بينهما بعد احتياج الجمع
إلى ارتكاب التأويل في جميعها.
قلت الجمع وإن كان محتاجا إلى ارتكاب الحمل في جميع الصور في الجملة إلا أن الفارق بينهما ان
في غير المقام مما اتفقت كلمتهم على الجمع فيه لا يحتاج الحكم بالجمع فيه إلا بارتكاب الحمل في إحدى البينتين
معينا على ما يكون ظاهرها الاستناد إليه وفي المقام لا يمكن الجمع بينهما إلا بارتكاب تأويل في كلتا البينتين فإن
مجرد حمل المتقدمة على كون شهادتها بالبقاء من جهة الاستصحاب لا يوجب الجمع بينها وبين المتأخرة إلا

417
بحمل كون شهادتها بالحدوث من جهة استنادها إلى الشراء ونحوه مما يكون مزيلا للاستصحاب لان معنى
الشهادة على الحدوث حسبما عرفت سابقا ليس هو الشهادة على الانتقال من الأول أو مطلقا كما قد يتوهم بل هو
ساكت (هي ساكتة خ) عن الزمان السابق فيحتمل استنادها إلى ما يكون في عرض مستند المتقدمة في الشهادة
إلا أنها تحمل غير غيره مراعاة للجمع بين البينتين وشتان بينهما.
وبعبارة أخرى أوضح السر في عدم التزامهم بالجمع في المقام هو ان البقاء الناشئ عن الاستصحاب
على فرض استناد المتقدمة عليه إنما هو معلق عندهم على ظن الزوال والبينة المتأخرة لا يحصل منها الظن بالزوال
إلا بعد ارتكاب التأويل فيها وحملها على كون استنادها إلى ما يكون مزيلا للاستصحاب لاحتمال استنادها إلى
ما لا يكون مزيلا له وهذا بخلاف البينة التي تشهد بالفسق أو التي تشهد بالملك استنادا إلى السبب فإنهما
بأنفسهما مزيلتان للأصل الذي استند إليه البينة التي تشهد بالعدالة أو الملك المطلق.
وبعبارة ثالثة للبينة المتقدمة حدوث وبقاء والبينة المتأخرة إنما تعارض بقائها إلا أن جهة التعارض
يحتمل أن تكون هي البقاء فقط فيبقى حدوث المتقدمة سليما عن المعارض ويحتمل أن تكون هي الحدوث
ولازمه رفع البقاء أيضا لان تحقق البقاء إنما هو بتحقق الحدوث فالحكم برفع المتأخرة البقاء فقط ليحصل
الجمع بينهما يتوقف على حمل المتأخرة على الاستناد إلى ما يرفع البقاء فقط كالشراء بعد الزمان السابق
والمفروض ان الحكم بارتفاع البقاء من جهة ارتفاع الحدوث ليس ارتكابا لخلاف أصل زائد على طرح الحدوث
حتى يعين بما دل عدم جوازه كون جهة التعارض منحصرة فيه.
والحاصل انه لا ريب ولا شك في وجود الفرق المذكور بين الصور التي حكموا بالتفرقة والتفصيل فيها
لكن الشأن في اثبات كون المقدار المذكور من الفرق مجديا في الحكم بالتفصيل المذكور لان الحامل على
الجمع المذكور في صورة حصوله بارتكاب التأويل في إحديهما المعينة ليس إلا ما دل على تصديق البينتين بقدر
الامكان وهو بعينه يجري فيما يحتاج الجمع إلى ارتكاب التأويل في كلتيهما كما لا يخفى.
وبعبارة أخرى الامر دائر في المقام بين أمور أحدها تكذيب البينة المتقدمة بالنسبة إلى زمان
حدوثها فيلزمها عدم الاخذ بها بالنسبة إلى البقاء أيضا لعدم تعقل التفكيك بينهما ثانيها تكذيب المتأخرة
بالنسبة إلى زمان حدوثها فيلزمه طرحها رأسها. ثالثها عدم الاخذ بالبينة المتقدمة بالنسبة إلى بقائها من جهة الحكم
باستنادها فيه إلى الاستصحاب والاخذ بالبينة المتأخرة من حيث كونها رافعة لبقاء البينة المتقدمة ولو بعد الحمل
فلا يلزم طرح أصلا ومعلوم ان الأخير أولى من الأولين فهو المتعين هذا ملخص ما ذكره دام ظله في المقام وقد
عرفت في طي كلماتنا السابقة ما يمكن أن يورد عليه فراجع إليه.
ثم إنه ذكر دام ظله كلاما على ما ذكروه من الحكم بالتساقط بقول مطلق والرجوع إلى الأصل
بضميمة البينة حتى في صورة العلم باستناد المتقدمة في الشهادة على البقاء إلى الاستصحاب على ما صرح به ثاني
الشهيدين رحمه الله من شمول محل الكلام له أيضا وان حكمهم بالتساقط والرجوع إلى البينة المتقدمة بالنسبة إلى
الزمان المقدم يشمله قطعا.
وهو انه بعد العلم باستناد البينة المتقدمة إلى الاستصحاب والحكم بتساقطهما مع البينة المتأخرة في
مورد التعارض لم يكن معنى للحكم برجوع الحاكم إلى استصحاب مقتضى البينة المتقدمة بالنسبة إلى الزمان
الأول وإن فرض القول به في غير الصورة لأن المفروض ان بقاء المشهود به في الزمان الثاني في اعتقاد الشاهد إنما

418
كان بالاستصحاب فالبينة المتأخرة التي تعارض المتقدمة من حيث البقاء المستند إلى الاستصحاب تمنع من
تمسك الحاكم بالاستصحاب أيضا لوحدة المناط هذا مخلص ما ذكره دام ظله العالي.
والحق عدم توجه ما ذكره على ما ذكروه لأن استصحاب الحاكم ليس في عرض استصحاب الشاهد حتى
يعارضهما البينة المتأخرة ولهذا لا يجوز للحاكم الاخذ بالاستصحاب لو لم يكن هناك بينة على البقاء مع فرض
وجود البينة على الحدث وإنما يكون مرجعا بعد تساقط البينتين من جهة معارضة كل منهما بمماثله نظير
الأصل في طرف الملاقي مع الأصل في طرف الملاقي وصاحبه.
والحاصل انه لا مانع من رجوع الحاكم إلى الأصل في الصورة أيضا لتحقق موضوعه بالنسبة إليه و
هو اليقين السابق والشك اللاحق لان ابتلاء البينة المتأخرة بمثلها يمنع من رفعها الشك اللاحق كما لا يخفى
هذا مجمل القول في الترجيح بالتقدم والتأخر.
وأما الكلام في حكم صورة تعارض هذا المرجح مع المرجحات الأخر فيقع في مقامات أربعة أحدها
في تعارضه مع الكثرة والعدالة ثانيها في تعارضه مع الدخول والخروج ثالثها في تعارضه مع الاطلاق والتسبب
(والتقييد خ) رابعها في تعارضه مع الشهادة على التصرف والملك ثم إن الكلام في كل من المقامات يقع في
مقامين أحدهما في حكم المعارضة بناء على القول بتقديم المتقدمة ثانيهما في حكمهما بناء على القول بتقديم
المتأخرة وأما بناء على القول بالتساوي حسبما هو قضية صريح كلام الحلي في ير فلا يعقل هناك ترجيح حتى
يتكلم في حكم تعارضه مع سائر المرجحات كما لا يخفى.
فنقول أما الكلام في المقام الأول على القول بترجيح التقدم (المتقدمة خ) فلا إشكال في الحكم
بترجيح الأكثرية والأعدلية لان معنى الترجيح بالتقدم حسب ما قضيت به كلمتهم هو تساقط البينتين في مورد
التعارض وسلامة المتقدمة عن المعارض بالنسبة إلى الزمان السابق فيرجع إليها ويقضى بها بضميمة الاستصحاب
وهذا بخلاف الترجيح بالأوصاف فإنه يوجب الاخذ بالراجحة من البينتين ومعلوم تقدمه على التساقط.
وبعبارة أخرى التساقط فرع التكافؤ ومع فرض وجود المزية المعتبرة مع إحدى البينتين
لا تكافوء بينهما كما لا يخفى وأما على القول بترجيح المتأخرة فلا إشكال في كون الحكم العكس بناء على ما عرفت
من أن مبنى الترجيح بالتأخر هو قاعدة الجمع ومعلوم تقدمه على الطرح ولو بالترجيح كما لا يخفى ومن هنا
يعلم أن إطلاق الترجيح على الاخذ بالمتأخرة مجاز.
وأما الكلام في المقام الثاني فيقع في أربعة مقامات أحدها في حكم تعارض التقدم مع الخروج
بناء على الترجيح بهما حسب ما عليه المشهور ثانيها في حكم تعارض التأخر معه بناء على الترجيح بهما ثالثها
في حكم تعارض التقدم مع الدخول بناء على القول بالترجيح بهما رابعها في حكم تعارض التأخر مع الدخول
بناء على القول بالترجيح بهما.
أما الكلام في المقام الأول وهو تعارض التقدم مع الخروج بحسب الزمان بأن تكون بينة الداخل
مقدمة على بينة الخارج فلا إشكال في الحكم بترجيح الخروج سواء على القول بأن الوجه في ترجيح بينة
الخارج على بينة الداخل هو عدم استماع البينة من ذي اليد أصلا حتى في غير مورد التعارض حسب ما عرفته
من جماعة أو قلنا بان الوجه فيه عدم مقاومة بينة الداخل لبينة الخارج عند التعارض وإن كانت مسموعة في
صورة عدم المعارضة إلا أنها عند المعارضة غير مسموعة والوجه فيما ذكرنا ظاهر لان التساقط والرجوع

419
إلى المتقدمة فرع التعارض والمقاومة وهي غير موجودة بالفرض.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو تعارض التأخر مع الخروج بأن يكون بينة الخارج مقدمة والداخل
مؤخرة فلا بد من أن ينظر في وجه الترجيح بالخروج فإن قلنا بأن الوجه في تقديم الخارج على الداخل هو
عدم سماع بينة الداخل رأسا حتى في غير مورد المعارضة فلا إشكال في الحكم بتقديم الخروج وترجيحه بل لا
يسمى ترجيحا أصلا كما لا يخفى وإن قلنا بأن الوجه في الترجيح بالخروج هو عدم سماع بينة الداخل فيما لو وجدت
هناك بينة للخارج فلا إشكال في الحكم بترجيح الخروج أيضا وإن قلنا بأن الوجه في الترجيح بينة الخارج على
بينة الداخل هو عدم سماع بينة الداخل عند التعارض والتنافي لبينة الخارج أو قلنا إن الوجه فيه دلالة الاخبار
عليه فيحكم بترجيح المتأخر من حيث كون الترجيح جمعا بين البينتين المقتضي لرفع التنافي بينهما هكذا
ذكره الأستاذ العلامة ولنا عليه بعض كلام ذكرناه في مسألة تعارض الخروج مع التقييد فراجع إليه.
وأما الكلام في المقام الثالث وهو تعارض التقدم مع الدخول بناء على القول بالترجيح بهما بأن كانت
بينة الخارج مقدمة والداخل مؤخرة فإن جعل الوجه في الترجيح بالدخول هو اعتضاد بينة الداخل باليد و
ترجيحها بها أو دلالة الاخبار عليه فلا إشكال في الحكم بترجيح الدخول لان التساقط فرع التكافؤ وعدم قيام
الدليل على الاخذ بإحدى البينتين تعبدا وإن جعل الوجه فيه تساقط البينتين وكون اليد مرجعا ففيه اشكال
إلا أن الحق فيه ترجيح التقدم لكونه عملا بالبينة في الجملة وهو مقدم على العمل باليد كما لا يخفى وأما الكلام
في المقام الرابع فيعرف بالنظر إلى ما ذكرنا في المقامات الثلاثة والله العالم وهو الحاكم.
وأما الكلام في المقام الثالث وهو تعارض التقدم والتأخر مع الاطلاق والتقييد فقد ذكر الأستاذ العلامة
انه لا يتعقل له فرض لأنه ان صرح المتأخرة بانتقال الملك إلى من شهدت له بشراء ونحوه عمن شهدت المتقدمة
له بضميمة الاستصحاب فلا تعارض بينهما حتى يلاحظ الترجيح بينهما لان المتأخرة أيضا تصدق المتقدمة في
الملكية السابقة وإن شهدت المتأخرة بانتقال الملك إليه بشراء ونحوه وأطلقه أو أضافه إلى غير المدعي فهذا
هو معنى الشهادة بالحدوث (1) والقدم أو القديم والأقدم لان المراد من الحدوث في كلماتهم ليس هو عدم اطلاع البينة
بالملكية قبل زمان الشهادة لان الشهادة عليه (عليها خ) بهذا المعنى ترجع إلى الشهادة المطلقة في مقابلة المؤرخة
بل المراد منه حسب ما هو الظاهر من لفظ الحدوث هو انتقال الملك ووجوده بعد ما لم يكن فهذا الانتقال لا بد
له من سبب ففي صورة الشهادة عليه يعلم باستناد الشاهد إلى أحد الأسباب الناقلة سواء صرح بخصوص بعض
الأسباب أو لم يصرح به.
وأما الحدوث بغير الأسباب فلم يعلم له معنى محصل فلو شهدت المتأخرة بالملك في زمان من جهة
قيام الطرق الشرعية عليه كاليد ونحوها فليست من الشهادة على الحدوث لان قضية الطريقية سبق ذي الطريق
بحسب الوجود عليها وإلا لزم عدم كونها طريقا.
ثم لو فرض حدوث بغير الأسباب أو جعل المراد من الحدوث المعنى الأول فحكم تعارض التقدم والتأخر
معه على كل من قولي تقدم المتقدمة والمتأخرة مما لا إشكال فيه لأنا ان فرضنا التقييد في المتأخرة بناء على
القول بترجيح التقديم فلا شبهة في تقديم المتأخرة المتقدمة 1 من باب التساقط وكونها مرجعه بالنسبة إلى الزمان



1 لا يخفى عليك ان ما ذكره الأستاذ العلامة في معنى الشهادة على الحدوث في المقام مخالف لما ذكره في بعض
كلماته السابقة فراجع (منه قدس سره) 1. لان تقديم المتقدمة.
420
السابق والحكم بتقديم المشتملة على السبب على المطلقة إنما هو من جهة الجمع ومعلوم انه مقدم على الطرح
ولو في الجملة وإن قلنا بتقديم المتأخرة وفرضنا التقييد في المتقدمة بالنسبة إلى مبدء الحدوث فلا ريب أيضا
في الحكم بتقديم المتأخرة لان تقديمها على المتقدمة إنما هو من جهة الجمع وهو هنا يحصل أيضا بتقديم المتأخرة
إذ لو فرضنا تقديم المتقدمة لزم طرح المتأخرة لان الاستناد إلى السبب في أصل مبدء زمان الشهادة لا ينفع في
مقام التعارض فالشهادة في مورد التعارض مستندة إلى الأصل ونحوه هذا مجمل القول في المقام الثالث.
وأما الكلام في المقام الرابع وهو تعارض التقدم والتأخر مع الشهادة على الملك والتصرف فقد ذكر
الأستاذ العلامة انه لا يتصور اجتماعهما أيضا بناء على ما ذكره من معنى القدم والحدوث وعلى تقديره فإن شهدت
المتأخرة على الملك والمتقدمة بالتصرف فلا إشكال في ترجيح المتأخرة بناء على القول بالترجيح بالملك والتصرف
أما على القول بتقديم المتأخرة فظاهر وأما على القول المشهور من تقديم المتقدمة فكذلك أيضا لأنه بعد البناء
على الترجيح بهذه الزيادة الحكمية لا معنى للحكم بتساقط البينتين وإن شهدت المتقدمة بالملك والمتأخرة
باليد فإن بنى على الترجيح بالتقدم فلا إشكال وإن بنى على الترجيح بالتأخر فالظاهر على هذا القول أيضا
ترجيح المتأخرة فتأمل.
ثم بالحري صرف العنان إلى التكلم فيما وعدناك سابقا من جواز القضاء بالبينة منضمة إلى الاستصحاب
وعدمه فنقول ان في المسألة وجوها بل أقوالا ثلاثة.
أحدها وهو الذي اختاره المصنف حسب ما استظهر من عبارته في المسالك الجواز وإن لم تضم البينة
إلى شهادتها بالملكية السابقة شيئا من قولها ولا أعلم له مزيلا أو لا أدري زال أم لا إلى غير ذلك.
ثانيها جوازها مع تعرض البينة لما يفيد شكها وعدم علمها بالملكية الحالية وزوالها من غير فرق بين
ما يدل عليه من قولها لا أعلم أو لا أدري زال أم لا أو غيرهما وهذا هو الذي اختاره في المسالك حيث قال بعد ما
استظهر القول الأول من المصنف وحكى عن المشهور اشتراط انضمام قول الشاهد ولا أعلم له مزيلا ما هذا لفظه
الحق ان اطلاق الشهادة بالملك القديم لا تسمع لعدم التنافي بين كونه ملكا له بالأمس مع تجدد انتقاله عنه
اليوم وإن كان الشاهد يعلم بذلك بل لا بد من إضافة ما يفيد عدم علمه بتجدد الانتقال وذلك يتحقق بهذا السياق
(بهذه الصيغ خ) وإن كان الاختصار على ما لا يشتمل على التردد أولى انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
ثالثها وهو الذي عليه المشهور حسب ما في المسالك وغيره جوازه مع إضافة قول الشاهد ولا أعلم له مزيلا
وعدم جوازه فيما لم يضف إلى شهادته شيئا أصلا أو أضاف إليها ما يفيد تردده كقوله ما أدري انه زال أم لا أو قال
أشهد انه كان ملكه بالأمس والله أعلم بالحال إلى غير ذلك مما يظهر منه تردده في الملكية الحالية بل في محكي
القواعد لو قال اعتقد انه ملكه الآن بالاستصحاب ففي قبوله إشكال وفي محكي كشف اللثام في شرح العبارة من أنه
تصريح بمستند الشهادة بالملك في الحال إذ لا طريق إلى العلم فكما تسمع مع الاهمال تسمع مع التصريح
وهو خيرة التحرير ومن انه ربما انضم إلى الاستصحاب أمور أخر تقوي بقاء الملك حتى يكاد يحصل العلم به و
هو الأقوى انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
وذكر الأستاذ العلامة دام ظله العالي بعد نقل الأقوال المتقدمة ان مقتضى القاعدة الأولية عدم جواز
القضاء بمجرد الشهادة بالملكية السابقة بضميمة الاستصحاب لكونه حقيقة قضاء بالاستصحاب لا بالبينة لان المدعى
الملكية الحالية لا السابقة وإلا لم تسمع دعواه حسب ما قضت به كلمتهم ولا بها بإضافة ما يدل على كون الشاهد

421
شاكا في الملكية الحالية على ما جزم به في المسالك لان اضافته لا تقتضي صدق كونه شاهدا على الدعوى ومخبرا بالمدعى
كما لا يخفى والذي قضت به الأصول والقواعد في باب القضاء هو حجية شهادة الشاهد لا مجرد اعتقاده واقتضاء
تكليفه كما في بعض الموارد حيث إن نفس اعتقاد المخبر حجة فيه وإنما الاخبار اعتبر من جهة مجرد الكاشفية عنه والطريقية إليه.
وبالجملة قد ذكرنا مرارا في طي كلماتنا السابقة ان ما يعتبر فيه اخبار المخبر على ثلاثة أقسام قسم
يعتبر فيه لمجرد الطريقية إلى الاعتقاد ولازمه انه لو انكشف المخبر عنه لغيره لكان معتبرا وفي الحقيقة المعتبر
هو الاعتقاد لا الخبر كما في الفتوى واخبار الأجير عند جماعة من الأصحاب وقسم يعتبر فيه من باب الموضوعية
بحيث لو قطعنا باعتقاده من دون الاخبار لم يكن له نفع أصلا ولم يترتب عليه أثر أصلا كما في البينة في باب
القضاء فان اعتبارها فيه انما هو من باب الموضوعية ولهذا لو قطعنا بكونه معتقدا بالملكية بأي نحو كان ولو
من كتابه لم نحكم بمجرده فالمعتبر إنما هو شهادتها على المدعى عرفا ولو استنادا إلى الطرق العرفية
الممضات عند الشارع أو الشرعية المبنية عليها عند العرف وقسم يشك فيه أنه من أي القسمين فيعرض
على الأصول والقواعد.
فتلخص مما ذكرنا أن مجرد العلم بكون الشاهد شاكا في الملكية اللاحقة وإن تكليفه الاخذ
بالاستصحاب ولو من اخباره لا ينفع ما لم يشهد بها ولو بضميمة الاستصحاب فما ذكره في المسالك مما لا وجه له
نعم لو شهد بالملكية الآنية ولو بضميمة الاستصحاب بحيث علمنا منه ذلك كانت شهادته مسموعة كافية لصدق
الشهادة عرفا لأنه لا يشرط في صدقها قطع الشاهد بالمشهود به أو احتمالنا قطعه وإلا لاختل أمر الشهادة في أغلب
الموارد بل كلها إلا قليل منها لعدم إمكان العلم بالمشهود به عادة في كثير من الموارد.
والحاصل انه كلما شهد الشاهد بشئ فإن جوزنا كون الشهادة به من علم وجزم كالشهادة بالاقرار
والأسباب فنحملها عليه بل نقول برجوعه في الشهادة إلى الحس وإن قطعه بالمشهود به إنما حصل من المبادى
المحسوسة كما هو الأصل في الاخبار عن الأمور الحسية أو ما هو مباديه منها حسب ما تقرر في محله وإن لم نجوز
ذلك في حقه بل قطعنا باستناده في الشهادة إلى ما يجوز له الاستناد عليه من الطرق المعتبرة عند العقلاء الممضات عند
الشارع أو الشرعية المبنية عليها عندهم فلا إشكال في سماعه أيضا ولو كان هو الاستصحاب.
ولا يتوهم منه انه قضاء بالاستصحاب لا بالبينة لعدم صدق الشهادة على الملكية الواقعية بعد العلم باستناد
الشاهد إلى الاستصحاب لصيرورة المشهود به حينئذ الملكية الظاهرية لأنك قد عرفت مرارا كثيرة في طي كلماتنا
السابقة فساد هذا التوهم وان المشهود به في صورة استناد الشهادة إلى الطرق المعتبرة شرعا ولو كان اعتبارها
من باب التعبد الشرعي هو الامر الواقعي والملكية الواقعية بعد الجعل والتنزيل بمعنى ان أهل العرف ينزلون
مفاد الامارة منزلة الواقع ويجعلونه من أفراده ادعاء فيخبرون عن الواقع ويشهدون به فليس الامر في شهادتهم
إلا كساير اخبارهم عن الأمور النفس الامرية فيما قامت الطرق عليها فإنه لا شك ولا ريب ان المخبر به في هذه
المقامات ليس الامر الظاهري مع أنه لو كان الامر الظاهري لم يضر في صدق البينة وجواز القضاء بها لان الذي
يشترط في البينة هو مطابقتها مع دعوى المدعي ولا ريب ان دعوى المدعي فيما لا يمكن حصول العلم بواقعها
عادة مبنية على الطرق الشرعية أيضا كشهادة الشاهد.
وبالجملة لا إشكال في جواز القضاء بالبينة إذا شهدت بالملكية الحالية سواء أسندت إلى الاستصحاب

422
أو إلى غيره من الطرق الشرعية إنما الاشكال فيما إذا شهدت بالملكية السابقة ولم يتعرض للحال أصلا أو تعرض
بما يدل على تردده فيها حسب ما بنى عليه الامر في المسالك من سماع الشهادة حينئذ فإن مقتضى التحقيق على ما بنينا
عليه فساد ما ذكره قده لعدم جواز ابطال انكار المنكر بمجرد الاستصحاب إذ المفروض ان البينة غير نافعة
بالنسبة إلى الملكية الحالية التي هي مورد الدعوى مع أنه لو بنى على جوازه لم يكن معنى لاشتراط تعرض الشاهد
بما يدل على تردده في الملكية الحالية لان مجرد احتمال علمه بالزوال مع عدم التعرض لا يقتضي رفع اليد عن
مقتضى الملكية السابقة بل أقول إنه لو بنى الامر على جواز القضاء في المقام باستصحاب الحاكم حسب ما بنى
عليه في المسالك جاز القضاء به وإن فرض القطع بعلم الشاهد بالزوال لأن الشك المعتبر في الاستصحاب هو
شك
المستصحب لا غيره فوجود الشك لغيره وعدمه سيان في جريان الاستصحاب في حقه كما لا يخفى على
ذوي الأفهام المستقيمة.
فإن قلت لو كان الامر كما ذكرت من عدم جواز القضاء بالبينة بضميمة الاستصحاب من الحاكم ولو
تعرض الشاهد بما يدل على شكه في الملكية الحالية فما وجه ما اتفقت عليه كلمة المشهور من جواز القضاء
بالشهادة على الملكية السابقة في صورة إضافة الشاهد قوله ولا أعلم له مزيلا وأي فرق بينه وبين إضافة
قوله لا أدري زال أم لا.
قلت ليس فيما ذكرنا منافاة لما عليه المشهور المتفق عليه بينهم لان قول الشاهد ولا أعلم له مزيلا
عبارة أخرى عندهم عن الاستصحاب فالشاهد بمقتضى الإضافة المذكورة قد شهد بالملكية الحالية استنادا إلى
الاستصحاب ومنه يظهر الفرق بينه وبين قوله لا أدري زال أم لا فإنه صريح في عدم استصحابه وكونه مترددا في
البقاء غير بان على الحكم به للاستصحاب ومما يدل على كون مرادهم من قوله لا أعلم له مزيلا هو الشهادة
بالملكية الحالية مستندا إلى الاستصحاب ما ذكره العلامة في يه في المقام حيث قال ما هذا لفظه ولو شهدت البينة
بان الملك له بالأمس ولم تتعرض للحال لم تسمع إلا أن نقول وهو ملكه في الحال أو لا نعلم له مزيلا ولو قالت
لا ندري زال أم لا لم تقبل ولو قال اعتقد انه ملكه بمجرد الاستصحاب ففي قبوله إشكال انتهى كلامه رفع في الخلد
مقامه ولا يخفى عليك ظهوره فيما ذكرناه وهكذا ذكره غيره أيضا من الأصحاب ومما ذكرنا يظهر أيضا فساد
ما ذكره بعض مشايخنا المتأخرين من الاشكال في القضاء بالبينة في الصورة التي ذكرها المشهور مستندا إلى ما
عرفت منا من عدم صدق البينة في صورة عدم استصحاب الشاهد.
فإن قلت لو كان الاستناد في الشهادة إلى الاستصحاب جايزا فما وجه الفرق بين تصريح الشاهد
باني استند في الملكية إلى الاستصحاب واعتقدها من جهته وعدم ذكره لذلك مع علمنا باستناده في الواقع
إليه مع أن الفاضلين في القواعد وشرحه بنيا على التفصيل بينهما على ما عرفت من كلامهما المتقدم بل
يظهر من غيرهما أيضا.
قلت وجه تفصيلهما على ما ربما يظهر من عبارة الفاضل في الشرح هو ان الشهادة بالملكية المعتقدة
لأجل الاستصحاب ليست شهادة على طبق دعوى المدعي بل هو شهادة على اقتضاء الاستصحاب واخبار بأن
الاستصحاب يقتضي كذا فكأنه قال الشاهد الاستصحاب يقتضي كذا لكني لا أعلم هذا مضافا إلى أن تفصيلهما
لا يوجب نقضا على ما قدمنا من قضية الأصل والقاعدة فنقول بعدم التفصيل بين الصورتين ونلتزم به ولا يد عليه شئ
أصلا ودعوى عدم صدق الشهادة في الصورة الأولى لا شاهد لها أصلا بل الشاهد على خلافها جزما.

423
فإن قلت لو كان ما ذكرت من عدم كفاية الشهادة على الزمان السابق ولو بضميمة استصحاب الحاكم
صحيحا لما كان فرق بين الشهادة على الملكية السابقة أو الأسباب كالاقتراض والدين والنكاح ونحوها في دعوى
الاشتغال الفعلي والزوجية الفعلية وغيرهما لان نفس الشهادة على السبب في الزمان السابق لا يقتضي الحكم بوجود
المسبب في الزمان اللاحق مع احتمال ارتفاعه إلا بضميمة استصحاب الحاكم مع أن بنائهم على القضاء بالشهادة
على السبب في الزمان السابق وإن لم يتعرض الشاهد للحال أصلا.
قلت الفرق بين المقامين مما لا يكاد أن يخفى على الأوائل فضلا عن الأواخر لان الشهادة على سبب
الاشتغال أو غيره في زمان تقتضي بنفسها بطلان انكار المنكر ورفع الأصل الذي اعتمد عليه في انكاره
والتزامه بمقتضاه بحيث لا يرفع اليد عنه إلا بدعوى خروجه عنه فينقلب مدعيا والمدعي منكرا فما لم يدع
الخروج عن مقتضى السبب يلزمه الحاكم على مقتضاه وإن لم يشهد الشاهد بالمسبب في الحال أصلا بل ولو لم
يتعرض لما يدل على شكه فيه في الحال بل ولو قطعنا بعلمه بزوال المسبب في الحالة الثانية وهذا بخلاف
المقام فإن الشهادة على نفس الملكية في زمان سابق لا تلزم شيئا على منكره إلا بضميمة الاستصحاب فيرجع
إلى ابطال الانكار بالاستصحاب لا بالبينة.
والحاصل ان نفس الشهادة في الزمان السابق قد توجب التزاما على المنكر وابطال انكاره بحيث لا
يحتاج إلى شهادة الشاهد بالنسبة إلى الزمان اللاحق أصلا بل ولو كان معتقد الخلاف ما يقضى به في الزمان
اللاحق وقد لا توجب نفس الشهادة في الزمان السابق إلزاما على المنكر أصلا بحيث لا تنفع المدعي في ابطال
انكار خصمه إلا بضميمة الشهادة على الحال ولو بالاستصحاب على القول بجواز الاتكال عليه في الشهادة وسماع
الشهادة المستندة إليه حسب ما هو المفروض.
فإن كانت من القسم الأول فلا إشكال في جواز القضاء بها وإن كان الشاهد في الزمان اللاحق قاطعا
بخلاف ما شهد في الزمان السابق لأنه بشهادته في الزمان الأول قد أبطل انكار المنكر وامتناعه فالقضاء بها
قضاء بالبينة ورفع للخصومة بها ومن هنا نقول إنه تسمع دعوى المدعي السبب من دون الاحتياج إلى انضمام
دعوى المسبب إليها حسب ما عليه جماعة لأنها دعوى ملزمة مسموعة فالاقتصار بها كاف في اثبات المدعى
من غير الاحتياج إلى انضمام دعواه.
وإن كانت من القسم الثاني فلا يجوز القضاء بها لأن المفروض انها بمجرد التحقق في الزمان السابق لم
تلزم شيئا على الخصم فالقضاء عليه في الزمان اللاحق وابطال انكاره لا بد أن يكون بالاستصحاب من الحاكم وقد
عرفت غير مرة ان ابطال الانكار بالأصل مما لا يجوز قطعا.
فإن قلت المحذور اللازم من القضاء بالشهادة في الزمان السابق في القسم الثاني بعينه يلزم من القضاء
بها في القسم الأول أيضا لأن المفروض ان المدعى هو الاشتغال في الزمان اللاحق مثلا والشهادة على وجود سببه
في الزمان السابق غير منطبقة عليه فيرجع القضاء بالآخرة إلى القضاء بالاستصحاب من الحاكم وبعبارة أخرى الشهادة
بالسبب والمقتضى في زمان لا تثبت وجود المسبب في زمان لاحق عليه مع الشك في وجود الرافع للمقتضي
والمسبب فيه إلا بضميمة الاستصحاب فيرجع الامر بالآخرة إلى القضاء به وهو المحذور اللازم في القسم الثاني.
قلت لسنا ندعي انه لا يجوز للحاكم بضميمة الأصل أصلا وكيف وكثيرا ما يحتاج إليها بل المدعى
والمحذور اللازم في القسم الثاني هو لزوم ابطال امتناع الخصم وقوله بالأصل ومعلوم ان هذا غير لازم في القسم

424
الأول لأن المفروض ان الشهادة بالاقتراض في الزمان السابق أبطلت انكار المنكر الاشتغال رأسا من حيث
اقتضائها حدوث الاشتغال في الجملة وهذا بخلاف القسم الثاني لان مجرد الشهادة في الزمان السابق لا يلزم
شيئا على المنكر.
وبالجملة كلما يكون المشهود به والمستصحب بحدوثه ووجوده في الزمان السابق مقتضيا لابطال
انكار الخصم وامتناعه بحيث يرجع يمينه إلى يمين الاثبات أو إلى تكذيب البينة فالقضاء بالشهادة به جايز
لاقتضائها بطلان انكار المنكر فالقضاء عليه قضاء بالبينة فيصير كما لو أقر باشتغال الذمة أو وقوع سببه كالاقتراض
مثلا سابقا فإنه لا إشكال في القضاء عليه لو لم يدع الابراء من غير فرق فيما ذكرنا بين الشهادة على السبب
كالاقتراض ونحوه أو المسبب كالاشتغال ونحوه ولا بين الحقوق والذمم والأعيان كالزوجية والانتقال والاشتغال
والاشتراء من المنكر ولا بين الداخل والخارج والخارجين فإن المناط في جميع الصور ما ذكرنا من اقتضاء
الشهادة في السابق إلزاما على المنكر فيقضى بها وإن كان الشاهد قاطعا بالخلاف في الزمان اللاحق بل وشاهدا
به في الجملة كما سيأتي الإشارة إليه.
وكلما لم يكن المشهود به حدوثه مقتضيا للالزام على المنكر ولا ابطال انكاره فلا يجوز القضاء
بالشهادة السابقة وإن كان الشاهد شاكا في الزمان اللاحق بل وقاطعا فيه غير شاهد على مقتضى قطعه بل مقتصرا
على الشهادة في الزمان السابق أما الدليل على عدم جواز القضاء في الصورة الثانية فواضح وأما الدليل على الجواز
في الصورة الأولى وإن كان يعلم من ملاحظة ما ذكرنا والتأمل فيه فهو ان الشهادة في الزمان السابق قد اقتضت
بنفسها ابطال انكار المنكر وامتناعه بحيث لا يمكنه إقامة الحجة عليه وهي اليمين لان المراد من الاشتغال الذي
ينكره المنكر في الزمان اللاحق مثلا إما أن يكون هو الاشتغال القديم أو الحادث.
وبعبارة أخرى المراد من دعواه البراءة في الزمان اللاحق إما أن يكون البراءة الأصلية أو الحادثة
فإن كان الأولى فهو تكذيب للبينة فلا تسمع دعواه فلا تقبل يمينه ولا يجوز تصديقه بل يقضى عليه بها وإن
كان الثانية فيرجع يمينه عليه إلى اليمين على الاثبات وهي غير مسموعة فالدليل على ابطال انكار المنكر و
امتناعه هو نفس البينة لان حيث الانكار في إنكار الاشتغال هو البراءة القديمة وهي قد ارتفعت بالبينة وصار مقتضى الأصل
على خلافها كما لا يخفى وإن كان القضاء بالاشتغال الفعلي محتاجا إلى انضمام استصحابه.
لا يقال ابطال انكار المنكر بالبينة يتوقف على سماعها وإنما تسمع إذا كانت على طبق الدعوى حسب
ما بنيت عليه الامر سابقا والمفروض عدم المطابقة بينهما في المقام لان المدعى الاشتغال الفعلي والمشهود به
الاشتغال السابق فإذا كانت فاقدة لشرط السماع وهي المطابقة فلا معنى لابطال الانكار بها.
لأنا نقول نمنع من توقف سماع البينة على مطابقتها للدعوى وإلا لم تسمع البينة على الاقرار بالاشتغال
في دعوى الاشتغال مع أنه لا إشكال في سماعها عندهم مع كونها غير مطابقة للدعوى كما لا يخفى وإنما الشرط
في سماعها انتفاع المدعي بها ولو في إبطال إنكار الخصم وهذا بخلاف البينة على الملكية السابقة لاحد المتداعيين
في الخارجين أو الخارج في الداخل والخارج لان البينة في الصورتين لا تكون مطابقة للدعوى ولا تلزم شيئا على
المدعي الآخر فإن كانت للمدعي الآخر في الصورة الأولى بينة فيقضى بها وإلا فيحكم بسقوط دعواه لعدم
الميزان لا لقيام البينة كما أنه يحكم بسقوط دعوى الآخر أيضا لعدم اقامته بالحجة النافعة له وبالجملة فرق
بين الحكم بسقوط الدعوى لعدم الميزان أو ابطال الدعوى والانكار من جهة الميزان فإن الثاني عين معنى القضاء

425
كما أن الأول عين معنى عدمه هذا في الخارجين.
وأما الخارج والداخل فلان نفس الشهادة على الملكية السابقة لا تقتضي ابطال انكار الداخل لان
حيث انكاره إنما هو جهة تشبثه وهي موجودة بالفرض والبينة على الملكية السابقة لم يبطل حكمها أيضا لعدم
المنافات بينهما فإن حلف أو قام بينة على ملكية ما في يده بناء على سماع البينة منه بمعنى اسقاطها اليمين
عنه حسب ما بنينا عليه سابقا فيما لم يكن هناك بينة معتبرة للمدعي فهو وإلا فيقضى عليه بالنكول أو
بحلف المدعي على القولين.
وبالجملة الحكم كما لو لم يكن هناك بينة أصلا نعم لو شهدت البينة على الشراء من الداخل في
الصورة الثانية ومن أحد الخارجين فيهما كان الحكم كما ذكرنا في الشهادة على الاشتغال السابق في دعواه فإن
الشهادة على السبب المذكور في الفرض (الفرضين خ) توجب إلزاما على المدعى عليه وهو القيام بوظائف النقل فتأمل
ثم إن ما ذكرنا من عدم اشتراط مطابقة البينة للدعوى في سماعها بل إنما الشرط فيه الانتفاع بها ولو في
ابطال قول الخصم يستفاد من كلام جماعة من الاعلام منهم العلامة قدس سره في القواعد حيث قال في آخر باب القضاء
منه ما هذا لفظه ولو شهد أحدهما ان له عليه ألفا وشهد الآخر انه قضاه ألفا لمن يثبت الألف لان شاهد القضاء لم يشهد
عليه بألف وإنما تضمنت شهادته انها كانت عليه والشهادة لا تقبل إلا صريحة انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه
وهو ظاهر في أن القادح في السماع ليس إلا عدم الصراحة وحكي عنه في التحرير الحكم بعدم ثبوت الألف في
الفرض المزبور مستندا إلى تكذيب الشاهد بالقضاء لدعوى المدعي وهو كما ترى ظاهر أيضا في أن القادح ليس
إلى المنافات والتكاذب بين الشهادة والدعوى.
وبالجملة الفرق بين المقامين مما لا يكاد ان يخفى على جاهل فضلا عن عالم ولهذا تراهم يفرقون في
سماع الدعوى بين أن يدعي المدعي ان هذه الثمرة من شجرتي وان يدعي ان هذا الغزل من قطني وان هذا
الطحين من حنطتي فيحكمون بعدم سماع الدعوى في المثال الأول إلا بضميمة ما يدل على دعوى ملكية الثمرة
كقوله هذه الثمرة من شجرتي وملكي ونحوه ويحكمون بسماعها في المثالين الأخيرين من حيث رجوعها إلى
دعوى سبب الملك في تملك الحنطة مقتضى لتملك الطحين أيضا وإن تأمل بعض في الفرق بين الأمثلة حيث إن
تملك الشجرة أيضا مقتض لتملك الثمرة.
وأما ما علل به السماع في كلام بعض الأصحاب كثاني الشهيدين في المسالك من كون تملك الحنطة
مثلا عين تملك الطحين فدعوى ملكية أحدهما عين دعوى ملكية الآخر فمما لا يرجح إلى محصل كما لا يخفى
لان تملك الحنطة ليس عين تملك الطحين كيف ويجوز التفكيك بينهما كما لا يخفى وإنما سبب له.
نعم لو ادعى ان هذه الحنطة من صبرتي بمعنى التبعيض سمعت دعواه بلا إشكال وإن لم نسمعها
(تسمع خ) في المثالين أيضا.
وملخص ما ذكرنا من أول المسألة إلى هنا انه في صورة دعوى الحالية لو أقام المدعي البينة على نفس
المدعى في الحال فلا إشكال وإن لم يقمها عليه فهيهنا صور.
إحديها أن يقيمها عليه في السابق مع استناد البينة فيه إلى سبب يردد انكار المنكر بين انكار
أصله أو بقائه من حيث الاقتضاء لوجود الرافع له كما لو شهدت بالاشتغال سابقا من جهة الاقتراض أو شهدت بالملكية
السابقة من جهة الاشتراء من المدعى عليه أو مع عدم الاستناد إليه مع انحصار سببه فيما لو استندت إليه وصرحت

426
به في السبب المذكور كما في الشهادة على الاشتغال سابقا.
ففي هذه الصورة لا إشكال في سماع البينة والقضاء بها ما لم يدع المنكر الابراء والأداء والانتقال وإن
احتاج الحاكم معه إلى انضمام أصالة عدم الرافع لان احتمال الرافع مما لا يعتنى به عند العقلاء بعد وجود المقتضي له.
فإن قلت كيف يحكم بسماع البينة في الفرض مع عدم مطابقتها للمدعى وقد صرحوا باشتراط المطابقة
في سماع البينة من المدعي.
قلت هذا المقدار من المطابقة كاف عندهم في سماع البينة من المدعي ولم يعلم من كلامهم اشتراط أزيد من ذلك بل يستفاد من كلام جماعة التصريح بعدم اشتراطه منهم العلامة رحمه الله فيما عرفت من كلامه فراجع.
ثانيتها أن يقيمها عليه في السابق مستندة إلى سبب يردد انكار المنكر بين انكار أصله أو سببه أو بقائه
كما إذا شهدت بالملكية السابقة مستندة إلى الشراء مع الاطلاق أو الإضافة إلى غير المدعى عليه ولو بأن تشهد باني
اشهد أنه ملكه بالأمس اشتراه من زيد وهو مالكه أو من مالكه ففي هذه الصورة لا تسمع البينة لعدم مطابقتها
للدعوى ولو بالشهادة على السبب لاحتمال رجوع انكار المنكر إلى ملكية من اشترى المدعي منه فلا تسمع لما
سيجئ ان البينة على نفس الملكية في السابق غير مسموعة.
فإن قلت إذا شهدت البينة على الشراء من مالكه في السابق فقد شهدت على السبب لأن الشراء من المالك
سبب لبقاء الملكية ما لم يوجد المانع منه كما لا يخفى وقد بنيت على كفاية هذا المقدار من المطابقة.
قلت شهادة البينة على الشراء من مالكه تنحل إلى شهادتين إحديهما الشراء ثانيتهما كونه من مالكه
والشهادة على الشراء إنما تكون شهادة على السبب بعد الفراغ عن مالكية المالك وتسالمهما عليها كما في الصورة
السابقة وأما إذا احتمل رجوع الانكار إلى انكار الملكية للبايع فلا نسلم انها شهادة على السبب للمنع من
سماعها بالنسبة إلى الملكية السابقة كما سيجئ وبعبارة أخرى نحتمل تعلق انكار المنكر في الفرض إلى
أحد أمور أربعة حدوث الاشتراء وبقائه وحدوث الملكية للبايع وبقائها في ملكه ولما توقفت سببية الشراء
على الملكية من البايع فكلما فرض النزاع فيها لا يمكن الحكم بثبوتها إلا بعد اثبات الملكية.
ثالثتها أن تشهد بالمسبب في الزمان السابق المردد أمره بين استناد البينة فيه إلى الامارة أو السبب
الملزم النافع أو غيره كما لو شهدت في دعوى الملكية السابقة على الملكية السابقة ففي هذه الصورة أيضا لا
تسمع البينة لعدم مطابقتها للدعوى ولا شهادتها على ما يقتضي المدعي في الزمان الثاني بحيث انحصر رجوع انكار
المنكر بعد تصديق البينة فيما شهدت به من حيث المطالبة إلى ادعاء الرافع.
فإن قلت قد تقرر في محله انه كلما يكون الاقرار به نافعا للمقر له يكون البينة عليه مسموعة منه في
صورة الانكار وظاهرهم الاطباق على القضاء باقرار المنكر انه كان ملكه سابقا.
قلت أولا انا نمنع الملازمة المذكورة لان الاقرار قبل تحرير الدعوى نافع ويلزم بمقتضاه المقر بعده
بخلاف البينة فإنها لا تسمع قبله إجماعا وثانيا ان سماع الاقرار بالملكية السابقة إنما هو من حيث مطابقتها
للمدعى من حيث كونه سببا.
لا يقال الملكية السابقة أيضا مما إذا وجد لا يرفع إلا برافع فلم لا تسمع البينة عليها.
لأنا نقول نمنع من اقتضاء نفس الملكية في الزمان السابق الملكية في الزمان اللاحق لان كلا منهما
مسبب عن شئ واحد فهما في مرتبة واحدة ليست بينهما سببية ومسببية كما لا يخفى وهذا بخلاف الاقتراض فإنه

427
سبب للاشتغال في البابين هذا ملخص ما ذكره الأستاذ العلامة دام ظله العالي مطلبا ودليلا واستشهادا وللتأمل
في بعض ما ذكره مجال واسع لا يخفى على المتأمل وتركنا التعرض له تقليلا لاسائة الأدب.
ثم إن ها هنا أمورا بالحري ان ننبه عليها الأول انه لا إشكال بل ولا خلاف ظاهرا إلا من بعض في جواز
القضاء بإقرار المنكر بالملكية للمدعي في الزمان السابق ما لم يدع الشراء منه لان مقتضى قوله اقرار العقلاء
على أنفسهم جايز هو أخذ المقر باقراره ما لم يثبت الخروج عن مقتضاه ولهذا يلزمه الحاكم عليه ولو كان اقراره
قبل تحرير الدعوى بزمان كثير وهذا بخلاف البينة فإنه ليس له هذه المرتبة من الاعتبار ولهذا لا تسمع قبل
تحرير الدعوى بل وبعده وقبل المطالبة من المدعي وإنما تسمع بشرايطها إذا كانت مطابقة للدعوى أو نافعة في
المدعى ولو بإبطال انكار منكره والبينة على الملكية السابقة غير مشتملة على أحد الامرين حسب ما عرفت سابقا
فلمكان القوة والضعف في الاعتبار بين الاقرار والبينة المستفادين من أدلتهما جاء هذا التفصيل وإلى ما ذكرنا
يرجع ما علل به الفرق في القواعد حيث قال ولو قال المدعى عليه كان ملكك بالأمس انتزع من يده لأنه مخبر
عن تحقيق فيستصحب بخلاف الشاهد فإنه يخبر عن تخمين انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه ومن لم يتأمل فيه
وإن كان يسئ الأدب بالايراد عليه بأن الاخبار عن تخمين إذا فرض اعتباره كما هو المفروض فما الفرق بينه و
بين الاخبار عن تحقيق إلا أن من تأمل فيه يعلم أن مراده ما أشرنا إليه من حيث القوة والضعف المستفادين من
دليل اعتبارهما هكذا ذكره الأستاذ العلامة دام ظله العالي ولا يخفى عليك ان ما ذكره خلاف ما يستفاد من
ظاهره كلامه سيما بملاحظة قوله بعد العبارة المتقدمة وكذا تسمع من الشاهد لو قال هو ملكه بالأمس اشتراه
من المدعي عليه بالأمس أو أقر له المدعى عليه بالأمس لأنه استند إلى تحقيق انتهى كلامه رفع مقامه فالظاهر أن
مراده ملاحظة القوة والضعف من حيث المستند وكيف كان لا إشكال في التفرقة المذكورة إلا أن الظاهر من
بعض مشايخنا المتأخرين عدم الفرق بين الاقرار بالملكية السابقة والبينة على الاقرار بها والبينة على نفس
الملكية السابقة.
الثاني ان ما ذكرنا كله من الكلام في المسألة في صورة شهادة الشاهد على السبب في الزمان السابق
إنما هو مع تعرضه للمسبب في ذلك الزمان وإن لم يتعرض في الزمان اللاحق كما لو قال مثلا اني أشهد انه ملك
المدعي في الأمس اشتراه من المدعى عليه وأما لو شهد بنفس السبب في ذلك الزمان من دون تعرض للمسبب
أصلا لا فيه ولا في الزمان اللاحق فهل يقضى به على تقدير القول بالقضاء في الصورة السابقة أم لا يقضى به وجهان
مبنيان على سماع البينة على نفس السبب وعدمه وربما يظهر من الشهيد في القواعد عدم السماع وربما يبني
السماع وعدمه على سماع دعوى السبب مجردا وعدمه وفي هذا البناء نظر لا يخفى وجهه والله العالم.
الثالث انك قد عرفت الكلام في طي كلماتنا السابقة في تقديم الشهادة على الملك المسبب على
الشهادة على الملك المطلق وان المشهور بينهم هو ذلك استنادا إلى ما عرفت منهم جامعا بين جميع صور
الزيادة من الحسية والحكمية من قاعدة الجمع وإن تكلمنا عليه بعض الكلام تبعا لبعض مشايخنا الاعلام وأصحابنا
الكرام وأنكره الحلي في السرائر ناسبا له إلى كونه من قضية أصول أهل الخلاف وأما الترجيح بشهادة إحدى
البينتين على الملك والأخرى بالتصرف أو شهادة إحديهما بسبب الملك والأخرى بالتصرف فالمشهور بينهم أيضا
تقديم الأولى على الثانية في المقامين كما هو صريح القواعد والمتن وغيرهما والدليل عليه هو قاعدة الجمع
وللتأمل فيه مجال للمتأمل في القاعدة في أمثال المقام والله العالم بحقايق الاحكام.

428
قوله لو ادعى شيئا فقال المدعى عليه آه أقول قد مضى بعض الكلام في هذا الفرع في بعض كلماتنا
السابقة ونقول هنا أيضا انه إذا ادعى شخص ملكية ما في يد شخص فإن صدقه فيحكم له بلا إشكال وإن كذبه
وأثبته لنفسه فيجري عليه أحكام المنكر بلا إشكال فيه أيضا وإن نفاه عن نفسه فلا يخلو إما أن يقتصر عليه بأن
يقول ليس لي أو يضيفه إلى من يحتمل أن يكون المدعى كأن يقول هو لشخص لا اسميه أو لا أعرفه أو يضيفه
إلى شخص مجهول لا يحتمل ان يكون المدعى كأن يقول هو لغيري ولغيرك أو يضيفه إلى شخص معلوم بأن يقول هو
لزيد فهل تصرف عنه الخصومة في جميع هذه الصور فتبقى العين في يده ما لم يقم المدعي البينة عليه أو ينتزع
من يده الحاكم إلى أن يقيم المدعي البينة أو لا تصرف في جميعها وينتزع من يده على تقدير النكول عن الحلف
أو فيه تفصيل بين الصور وجوه أوجهها الأخير ثم إن المراد من صرف الخصومة عنه إنما هو بالنسبة إلى دعوى
ملكية ما في يده وأما سائر الخصومات والدعاوى فلا تصرف عنه قطعا.
ثم بالحري ان نفرد كل واحدة من هذه الصورة بالكلام ليتضح المرام فنقول بعون الملك العلام إما
الصورة الأولى فالذي صرح به بعض الأصحاب هو صرف الخصومة عنه لأنه بنفيه المال عن نفسه يخرج عن كونه
مدعى عليه فتصرف عنه الدعوى وينتزع الحاكم المال من يده والذي صرح به في المسالك وغيره عدم صرف الخصومة
عنه بمجرد نفيه عن نفسه وعدم انتزاع المال من يده وعلله بما هذا لفظه لأن الظاهر أن ما في يده ملكه وما
صدر عنه ليس بمزيل ولم يظهر لغيره استحقاق انتهى ما أردنا نقله وفيه ما لا يخفى على المتأمل وجهه الأستاذ
العلامة بعد المصير إليه بأن مقتضى القاعدة عدم صرف الدعوى عنه إذ لعله يقر بعد هذا للمدعى ولا مانع من سماع
دعواه حتى على قول الشيخ رحمه الله كما لا يخفى.
وأنت خبير بأن ما ذكره بناء على ما عليه الأكثرون من سماع الدعوى لاحتمال الاقرار في غاية المتانة
والوجاهة وأما بناء على ما بنى عليه دام ظله سابقا من عدم كون احتمال الاقرار من موجبات سماع الدعوى
فالحق هو القول بصرف الخصومة عنه هذا كله بالنسبة إلى صرف الخصومة عنه.
وأما بالنسبة إلى انتزاع المال من يده وعدمه فظاهر المسالك ان الانتزاع وعدمه متفرعان على -
القول بصرف الخصومة وعدمه فعلى الأول ينتزع وعلى الثاني لا ينتزع واستشكل فيه الأستاذ العلامة بأن القول
بصرف الخصومة عنه لا يلازم القول بالانتزاع لان مقتضى أصالة حجية اليد عدم جواز الانتزاع من يده وإن لم
يمكن الحكم بملكيته من جهة نفيها عن نفسه.
وأما الصورة الثانية فيعلم تفصيل القول فيها مما ذكرنا في الصورة الأولى بل ربما قيل بكون الحكم
بالسماع فيها أقوى وأولى من الحكم به في الصورة الأولى وحكم جماعة منهم الفاضل في بعض كتبه بأنه يلزم
بالتفسير فراجع ولعلنا نتكلم فيه إن شاء الله.
وأما الصورة الثالثة فالذي هو قضية كلامه جماعة حسب ما حكاه شيخنا الأستاذ دام إفادته هو الحكم
بعدم صرف الخصومة عنه كما في الصورتين الأوليين لان الاقرار للمجهول لا يوجب حقا له ولا يقتضي رفع الخصومة
عن المقر فالعين باقية على حالها فكأنه لم يقر بها أصلا والذي جزم به الأستاذ هو الحكم بصرف الخصومة عنه للمنع
من عدم ايجاب الاقرار للمجهول احداث حق له وما ذكره لا يخلو عن تأمل فلعل الحكم بعدم الصرف على القول
به في الصورتين الأوليين لم يكن بعيدا عن الصواب والله العالم بالمبدء والمآب.
وأما الصورة الرابعة فلا إشكال في صرف الخصومة عن المقر بالنسبة إلى ملكية ما في يده وتوجهها

429
بالنسبة إلى من أقر له بل لا خلاف فيه عند أهل العلم والوجه فيه مما لا يكاد يخفى عن جاهل فضلا عن عالم فإن
كان للمدعي بينة على ملكية ما يدعيه جامعة للشرايط المعتبرة فيها وأقامها وحكم الحاكم بمقتضاها وأخذه
فلا كلام له على المقر سواء كان المقر له حاضرا أو غايبا ممن يمتنع مخاصمته وممن يجوز على إشكال في الثاني
من الأول والأول من الثاني من حيث عدم استقرار الثابت بالبينة فيهما وتزلزله وقد مضى شطر من الكلام في
ذلك في طي كلماتنا السابقة فراجع إليها وإن لم يكن الامر كما ذكر فلا إشكال في أن له الخصومة مع المقر
بدعوى اتلاف ماله عليه بالاقرار فإن كان له بينة فيحكم بتغريمه من دون تأمل فيه وإن لم يكن له بينة فإن
قلنا بأن المقر يلزم بالاقرار ثانيا لغير من أقر له أولا حسب ما عليه المشهور فلا إشكال أيضا في سماع دعواه
الاتلاف على المقر إذ لعله يقر له ثانيا بناء على ما عليه الأكثرون من أيجاب احتمال الاقرار لسماع الدعوى وإن
قلنا بأنه لا يلزم بالاقرار ثانيا حسب ما عليه الشيخ رحمه الله في أحد قوليه يبنى السماع وعدمه على ما في المسالك على
كون اليمين المردودة بعد النكول من المدعي عليه هل هو كالاقرار أو كالبينة فعلى الأول يحكم بعدم السماع
وعلى الثاني يحكم بالسماع حيث قال وحيث ينصرف الخصومة عنه وطلب المدعي احلافه انه لا يعلم أن العين
له ففي اجابته قولان مبنيان على أنه لو أقر له بعدما أقر لغيره هل يغرم القيمة له أم لا فيه قولان مذكوران في
محله فإن قلنا نعم وهو الأظهر فله احلافه فلعله يقر فله القيمة وإن قلنا لا وهو أحد قولي الشيخ رحمه الله فإن قلنا إن
النكول ورد اليمين كالاقرار لم يحلفه لأنه وإن أقر أو نكل وحلف المدعي لا يستفيد شيئا وإن قلنا كالبينة فله
التحليف لأنه قد ينكل فيحلف المدعي فإذا حلف وكانت العين تالفة أخذ القيمة وحيث قلنا بوجوب القيمة
فأخذها باقرار المدعى عليه ثانيا أو يمين المدعي بعد نكوله ثم سلمت له العين بالبينة أو بيمينه بعد نكول المقر له
فعليه رد القيمة لأنه إنما أخذ القيمة للحيلولة وقد زالت انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
وأورد عليه بعض مشايخنا بعد نقله بما هذا لفظه وفيه بعد الإغماض عما في تقييده بتلف العين ان
غاية ذلك كون اليمين المردودة كالبينة على اقراره مع علمه بكونه للمدعي والفرض عدم اقتضاء ذلك العزم لو
أقر به هو وليس هو بينة على كون المال له ضرورة كون الدعوى علمه بالمال (بالحال خ) فهي تكون كالبينة على ذلك
ولا تزيد على الاقرار المفروض عدم العزم به كما هو واضح ولذا حكى عن الشيخ رحمه الله اطلاق عدم توجه اليمين على التقدير
المزبور فتأمل انتهى كلامه رفع مقامه.
والحق عدم ورود شئ مما ذكره من الايرادين أما الأول فبأن مقصود الشهيد من تلف العين إنما هو
التلف بالاقرار الذي يوجب ضمان الحيلولة على ما صرح به في كلامه.
وبالجملة من نظر إلى ما في المسالك يقطع بعدم ورود هذا الايراد عليه فإن كلامه صريح في فرض
بقاء العين وإن المراد من التلف هو التلف بالاقرار الحائل بين المالك وماله وأما الثاني فبأنا قد حققنا فيما مضى من
كلماتنا قبالا لشيخنا المتقدم ان اليمين المردودة حتى فيما لا يستحق المدعي على المدعى عليه إلا الحلف على
عدم العلم إنما هي على الواقع لا علم المدعى عليه به لان اليمين بالنسبة إلى المدعي يمين على فعل النفس فلا معنى
لكونه على العلم فيكون بناء على القول بكونها كالبينة كالبينة على الواقع لا على العلم وذكرنا ثمة أيضا فساد ما
توهمه شيخنا المذكور من كون اليمين المردودة هي يمين المدعى عليه ردت على المدعي بمقتضى دعواه فلما
كانت دعواه علم المدعى عليه بالحال فلا بد من أن يكون يمينه على علمه به.
توضيح الفساد ان كونها يمينا مردودة لا يقتضي كونها على العلم لان المراد من اليمين المردودة

430
هي ما لا يتوجه على المدعى إلا بعد امتناع المنكر من الحلف حسب ما عرفت تفصيل القول فيه وإن كانت هي
غير ما يتوجه عليه بحسب النصف.
وأما دعوى العلم فقد ذكرنا في محله انه على القول باشتراطها في توجه الحلف فيما يكون على عدم
العلم ليست من مقومات أصل سماع الدعوى ولهذا تسمع في صورة وجود البينة للمدعي وإن لم يدع علم المدعى
عليه بل إنما هي شرط في توجه اليمين على المدعى عليه من حيث اشتراط المطابقة وهذا لا ينافي كون اليمين
المردودة على الواقع لا على العلم.
هذا على القول باشتراط دعوى العلم على ما عليه المشهور وأما على ما بنى عليه سابقا من عدم اشتراطها
لعدم الدليل عليه غاية الأمر كون الاعتراف بعدم العلم مانعا فالامر واضح كما هو واضح.
نعم ذكرنا سابقا انه قد يتعلق الغرض بدعوى العلم بحيث انه لا يترتب على دعوى الواقع شئ ففي
هذا المورد لا مجال للقول بعدم اشتراط دعوى العلم لكن على هذا التقدير تكون البينة على العلم مجدية أيضا
كما لا يخفى لأنه بنفسه صار موردا للاثبات والنفي من المدعي والمنكر فتحصل ما ذكرنا أن ما ذكره شيخنا المتقدم
لا ورود له على ما ذكره في المسالك أصلا.
نعم يتوجه عليه ما ذكره الأستاذ العلامة من أن مجرد احتمال النكول المترتب عليه الفائدة كيف
يوجب الحكم بسماع الدعوى لكنه أيضا مدفوع بناء على ما استقرت عليه طريقتهم من الحكم بسماع الدعوى
في كل مورد يرجى ترتب الفائدة عليها وإن شئت توضيح ذلك فارجع إلى بعض ما أسلفناه.
قوله إذا ادعى مدع انه اجراه الدابة وادعى اخر انه أودعه إياه آه أقول لا يخفى عليك ان المسألة
من جزيئات التداعي في العين مع كونها في يد الثالث فيجري فيها جميع ما تقدم في كلي المسألة من حكم
صورة تصديق المتشبث لهما أو لأحدهما وحكم صورة عدم تصديقه لأحدهما وصورة وجود البينة لهما بدون
الترجيح أو معه أو لأحدهما وصورة عدم وجودها لأحدهما ومن هنا أورد الأستاذ العلامة دام ظله العالي على أنه
لا وجه لذكر المسألة هنا بعد التكلم في كلي المسألة بشقوقها وأقسامها لان الكلام في المسألة فيما مضى كان
أعم من صورة اطلاق الدعوى منهما أو تقييدها بالسبب منهما بأي سبب كان متحدا أو متعددا أو من أحدهما إلى
غير ذلك فلا وجه لذكر الخاص بعد العام اللهم إلا أن يكون من جهة ورود النص به أو من جهة تبعية القدماء
حيث إنهم عنونوا المسألة أو من جهة الإشارة إلى كفاية دعوى التمليك الضمنية إلى غير ذلك.
وبالجملة العبارة ظاهرة بل صريحة في كون المسألة من الاختلاف في الاملاك لا من الاختلاف في العقود
ولهذا ذكره المصنف في فصله كما صنعه غيره أيضا قال في الارشاد حسبما حكى عنه نعم لو أقام بينة بايداع ما في
يد الغير منه واخر بينة باستيجار القابض منه أقرع مع التساوي ومثله حكى عن التحرير هذا.
ولكن ذكر في المسالك ان ذكر المسألة في باب الاختلاف في العقود أولى حيث قال في شرح العبارة ما
هذا لفظه المراد ان الدابة في يد المدعى عليه والمدعيان خارجان فادعى أحدهما أنه اجرها من صاحب اليد و
ادعى الآخر انه أودعه إياها فإن لم يقيما بينة حكم بها لمن يصدقه المتشبث وإن أقام كل منهما بينة بدعواه
تحقق التعارض بين البينتين مع الاطلاق أو اتحاد التاريخين وحينئذ فيرجع إلى ترجيح إحدى البينتين بالعدالة أو
العدد فإن انتفى فالقرعة ولو تقدم تاريخ أحدهما بنى على الترجيح به وعدمه وقد تقدم نظيره في الملك وسيأتي
مثله وقد كان ذكر هذه المسألة في المقصد الثاني أولى لان الاختلاف فيها اختلاف في العقود انتهى كلامه

431
رفع في الخلد مقامه وقد عرفت بأن المسألة لا دخل لها بالاختلاف في العقود.
وذكر بعض مشايخنا بعد نقل ما عرفته من المسالك ما هذا لفظه وفيه مع أن ظاهره عدم العبرة بتصديق
المتشبث مع قيام البينتين انه قد جعل المسألة من الاختلاف في العقود الذي معناه الاختلاف فيها مع الاتفاق
على المالك وهو غير ما ذكرناه على أن قوله أولا في يد المدعى عليه يقتضي كون الدعوى منهما عليه مع أن المسألة
في الدعوى بينهما مع قطع النظر عمن في يده فتأمل انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه ودرجته.
وهو في غاية الجودة من حيث فهم المراد من العبارة إلا أن في ايراده على صاحب المسالك في أول كلامه
بقوله مع أن ظاهره عدم العبرة وفي آخره بقوله على أن قوله أو لا آه فيه ما فيه لان مقصوده من قوله فإن لم
يقيما بينة آه هو بيان حكم صورة عدم البينة لا بيان كون الاقرار غير مفيد مع إقامة البينة وكلامه ليس مسوقا
لبيان هذا قطعا على أن المقصود من عدم الإفادة في صورة وجود البينة هو عدم الحكم بمقتضاه وهو حق لا
عدم ترتب فايدة عليه أصلا ولو بجعل بينة المقر له بينة الداخل أو ما في حكمه وأما ما ذكره عليه أخيرا فلو لا
أمر بالتأمل فيه لذكرنا بعض ما يرد عليه هذا.
وذكر الأستاذ العلامة في توجيه ما ذكره صاحب المسالك من أن الأولى ذكر المسألة في المقصد الثاني
ان مقصوده مما ذكره هو انه إن أراد المصنف مما ذكره بيان حكم الاختلاف في الإجارة والعارية من حيث الاختلاف
في الملك كما هو ظاهر كلامه فهو مما لا يناسب لأنه في قوة التكرار وإن أراد بيان حكمه من حيث الاختلاف
في العقد فالمناسب ذكر حكم صورة الاختلاف في العقد في بابه لا في المقام لا أن يكون مراده أولوية ذكر هذه
المسألة الخاصة في باب الاختلاف في العقود حتى يقال إنها اختلاف في الملك لا في العقد هذا ملخص ما ذكره و
هو لا يخلو عن تأمل مع أنه قد يقال بأن صاحب المسالك قد فهم من العبارة ان أصل الفرض هو الاختلاف في العقد فتدبر
وبالجملة لا إشكال في أن فرض المصنف هو التداعي في الاملاك.
ولكن لا بأس في التعرض لحكم التداعي في الإجابة والعارية أو الوديعة من حيث التداعي في العقد فنقول
ان التداعي فيهما قد يكون بين المالك والأجنبي بأن يكون العين في يد الأجنبي فادعى أحدهما كونها في يده
من جهة العارية والآخر من جهة الإجارة أو الوديعة وقد يكون بين الأجنبيين وعلى التقدير الأول قد يكون مدعي
الإجارة المالك وقد يكون الأجنبي.
فإن كان مدعى الإجارة المالك ومدعي الوديعة أو العارية غيره فالظاهر أن الأصل هنا مع الأجنبي
لا من جهة ما قد يتوهم من أن مقتضى يده على العين تقديم قوله ضرورة سقوط حكم اليد بعد اجتماعها
مع إقرار صاحبها بكون العين من مال الغير وادعى ما يخالف دعواه وإن هو إلا نظير اختلاف المالك
والأجنبي في كون ما في يد الأجنبي إجارة أو غصبا فادعى المالك الثاني والأجنبي الأول فإنه لا إشكال بل لا
خلاف في أنه لا يحكم بكون القول قول الأجنبي لليد.
وبالجملة لا إشكال في أن اليد المجامعة مع الاقرار لا تجعل ذا اليد منكرا بل من جهة أصالة براءة ذمته
عن مال الإجارة وعدم حصول التملك فحينئذ إن لم يكن للمالك بينة فيحكم للأجنبي مع يمينه فإن كان له
بينة ولم يكن هناك بينة للأجنبي فلا إشكال في الحكم للمالك وإن كانت بينة للأجنبي أيضا يبني على
مسألة تعارض بينة الداخل والخارج وقد تقدم تفصيل القول فيه.
وإن كان مدعي الإجارة الأجنبي ومدعي الوديعة أو العارية المالك فالظاهر أن القول قول المالك لأصالة

432
عدم التملك ولا تعارض بوجود اليد للأجنبي لما قد عرفت من عدم نفع فيها ولا بأصالة عدم حصول الاذن من
المالك في التصرف لأن المفروض اتفاقهما عليه.
ويدل على ما ذكرنا مضافا إلى ما عرفت ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في الثوب يدعيه الرجل في
يد رجل فيقول الذي هو في يده هو لك عندي رهن ويقول الآخر هو لي عندك وديعة قال القول قوله وعلى الذي
في يده البينة انه رهن عنده فإذا كان القول قول المالك فإذا أقاما بينة فلا إشكال في أن البينة بينة الأجنبي
لأنها بينة المدعي وهي مقدمة على بينة المنكر حسب ما عليه المشهور هذا.
ولكن حكي عن عد وشرحه للفاضل ما ينافي ما ذكرنا وان البينة من كل منهما بينة المدعي قال في
القواعد في باب الاختلاف في العقود ولو ادعى استيجار العين وادعى المالك الايداع تعارضت البينتان وحكم بالقرعة
مع تساويهما انتهى قال الفاضل في شرحه ولو ادعى استيجار العين وادعى المالك الايداع فكل منهما يدعي
عقدا يخالف لما يدعيه الآخر وإن تضمن الأول تسلط ذي اليد على المنافع دون الثاني فإذا أقام كل منهما
بينة تعارضت البينتان وحكم بالقرعة واليمين مع تساويهما فيما عرفت ومن نكولهما يقتسمان المنافع بانقسام
المدة أو العين في تمام المدة انتهى ما حكي عنه.
وأنت خبير بأنه لا معنى للحكم بالتعارض بين البينتين مع كون إحديهما بينة المدعي والأخرى بينة
المنكر حسب ما عليه المشهور والفاضلان أيضا ومجرد ادعاء كل منهما عقد أيخالف عقد الآخر لا يجعلهما مدعيين
مع كون الأصل على طبق أحدهما كما عرفت ومن هنا قال الفاضل في الشرح بعد ما عرفت والأقوى ان القول
قول المالك والبينة بينة الآخر للاتفاق على أن العين والمنافع ملك له فمن يدعي الاستيجار يدعي تمليك
المنافع وهو ينكره انتهى.
وأضعف من الحكم بالتعارض في الفرض الحكم بتقديم بينة المالك من حيث كون بينة الأجنبي بينة
الداخل حيث إن المفروض كون العين في يده قال في الكشف بعد الحكم بتقديم بينة الأجنبي حسب ما عرفت و
يحتمل العكس بعيدا بناء على أنه ذو يد واليد كما ترجح ملك العين ترجح ملك المنفعة انتهى قال بعض مشايخنا
بعد نقل هذا الكلام عنه ما هذا لفظه فهو جيد لكن ينبغي بناء المسألة على تقديم الخارج والداخل انتهى
كلامه رفعه في الخلد مقامه ولكنك خبير بأنه غير جيد لأنا نمنع من ترجيح اليد ملك المنفعة مع اقرار ذيها
بكون العين والمنفعة ملكا للغير الذي يدعي خلاف ما يدعيه ويريد أخذ العين عنه هذا كله لو كان التداعي
في الإجارة وغيرها بين المالك والأجنبي.
وأما لو كان بين الأجنبيين بان ادعى أحدهما ان المالك قد أجرها إلى سنة مثلا والآخر ان المالك أو
دعنيها أو أعارنيها السنة المزبورة وكان المالك غائبا أو حاضرا مع عدم إمكان الوصول إليه واستعلام الحال منه
فلا إشكال في تعارض البينتين منهما فيما لو كانت البينة لكل منهما لان كلا منهما مدع لأنه يدعي خلاف الأصل
فإن كان هناك ترجيح لاحدى البينتين على الأخرى فيحكم به على تقدير القول به وإلا فيحكم بالتساقط والرجوع
إلى القرعة مع اليمين أو بدونها هذا كله مما لا إشكال فيه إنما الاشكال فيما قد يتوهم في المقام وفيما ذكر الفاضل
في الفرض السابق على القول بتعارض البينتين فيه من الحكم بالتنصيف بعد التحالف فإنه لا دليل عليه أصلا سيما
على الوجه الذي ذكره الفاضل فالحكم هو الايقاف بعد التحالف ومن هنا يمكن أن يقال إن انضمام اليمين إلى
القرعة في المقام مما لا معنى له لعدم ترتب الفائدة على النكول عنها إلا على تقدير فتأمل (فتنبه خ).

433
قوله لو ادعى دارا في يد انسان وأقام بينة انها كانت في يده آه أقول الكلام في المقام قد يقع في
سماع البينة على الملكية السابقة وقد يقع في سماعها على اليد السابقة مع دعوى المدعي الملكية
الحالية في كل منهما.
أما الكلام في سماعها في القسم الأول والقضاء بها فقد تقدم تفصيل القول فيه في مطاوي كلماتنا السابقة
ونشير إليه في المقام على سبيل الاختصار والاجمال حتى يكون على ذكر منك فنقول الحق عدم سماع البينة في
المقام لعدم مطابقتها للدعوى وعدم ابطالها حيث الانكار أما الأول فظاهر وأما الثاني فلأنك قد عرفت سابقا ان
البينة لا ترفع انكار المنكر ولا تنفع للمدعي في صورة عدم المطابقة إلا أن تشهد بشئ على المنكر في الزمان
السابق بحيث كان هو نفسه مقتضيا للالزام عليه في الزمان اللاحق ما لم يتحقق الرافع له بحيث يعد القضاء بها
عند العرف قضاء بالبينة من جهة عدم اعتنائهم باحتمال الرافع وهو لا يكون إلا سببا يثبت شيئا على المدعى عليه
كالشراء منه إذا شهدت البينة عليه أو ما هو مسبب عن هذا السبب الذي يرجع الشهادة عليه إلى الشهادة على
سببه ومنه الاشتغال على السابق كما أن من الأول الاقرار السابق إذا شهدت البينة عليهما ومن المعلوم ان الملكية
السابقة لا تكون سببا لالزام شئ على المدعى عليه ولا مسببة عن سبب كذلك.
لا يقال إن الملكية السابقة لا تتحقق بدون السبب فالشهادة عليها شهادة على السبب فلا بد من أن
تكون مسموعة حسب ما بنيت عليه.
لأنا نقول أولا ان الشهادة على الملكية السابقة لا يلزم أن تكون من جهة وجدان السبب لاحتمال
استنادها إلى اليد ونحوها وثانيا سلمنا لزوم استنادها إلى السبب لكن من المعلوم الذي عرفته سابقا ان سبب
الملكية السابقة للمدعى أعم من أن يثبت شيئا على المدعى عليه لاحتمال كونه هو الشراء من غير المدعى عليه
فليست هي شهادة عليه فلا دليل على سماعها.
فإن قيل الشراء من غير المدعي أيضا على تقدير ثبوته سبب ومقتض لملكية المدعي ما لم يتحقق
الرافع عنه فالشهادة عليه شهادة على المقتضي والسبب قلنا إن الشراء الواقعي عن مالكه الواقعي وإن كان سببا
لاقتضاء الملكية في الزمان اللاحق أيضا إلا أن البينة عليه لما لم تكن بينة على المدعى عليه لم تسمع نعم لو
قيل بسماعها أثبت شيئا على المدعى عليه لكن اثبات كونها بينة على المدعى عليه بسماعها دور ظاهر لأن المفروض
ان سماعها أيضا يتوقف على كونها على المدعى عليه.
لا يقال إن من المقرر في محله ان كلما كان الاقرار به من المدعى عليه نافعا كانت البينة عليه
مسموعة ومقبولة ومن المحقق عند المحققين بل عند الجميع حسب ما حكي وإن استشكل فيه بعض ان اقرار
المدعى عليه بالملكية السابقة للمدعي مما يلزم به ويؤاخذ عليه ويقضى به فليكن البينة عليها كالاقرار
بها للملازمة المذكورة.
لأنا نقول نمنع الكلية المذكورة أو نسلمها ونقول ان الانتفاع بالاقرار إنما هو من حيث إنه اقرار فهذا
النفع من لوازم موضوع الاقرار ومن المعلوم الذي لا ريب فيه أصلا ان المقصود من الكلية المذكورة بالنسبة
إلى غير هذا الانتفاع وقد أشرنا إلى ذلك في كلماتنا السابقة وتكلمنا فيه بعض الكلام فراجع عليه إما ان
هذا النفع من لوازم موضوع الاقرار لأنه بنفسه مقتض وسبب لالزام المقر به ولو كان في الزمان السابق فيكون
كالبينة على الاشتراء من المدعى عليه بل أقوى منه ببعض الاعتبارات.

434
فإذا لم يبق في المقام إلا استصحاب الحاكم ولعمري انه أوهن من بيت العنكبوت إما أولا فلعدم
الدليل على ثبوت المستصحب بعدما عرفت من عدم الدليل على سماع البينة وإن أريد اثبات سماعها بكونها
مطابقة للدعوى بضميمة الاستصحاب لم يخل عن الدور كما لا يخفى وأما ثانيا فلعدم جواز القضاء بالاستصحاب
لو فرض هناك دليل على ثبوت المستصحب كأن يدعى ان مقتضى ما دل عموما على العمل بالبينة وتصديقها جواز
العلم بها للحكم في غير مقام القضاء فيستصحب مقتضاها وأما ثالثا فلعدم جواز القضاء به في مقابل اليد وإن
قلنا بجواز القضاء به في الجملة ضرورة حكومة اليد على الاستصحاب.
ثم إن من التأمل فيما ذكرنا يظهر لك ضعف متمسك المصنف والشيخ رحمه الله في أحد قوليه لما ذهبوا إليه
من جواز القضاء بالبينة على الملكية السابقة وهو ان الملكية السابقة أولى من اليد الحالية لدلالتها على الملك
في الحال مع انفرادها بالزمان السابق فيكون أرجح من اليد وأما المطابقة فموجودة بعد استصحاب الحاكم
ثم إن الفرق بين المسألة وما ذكره المصنف وتقدم في مسألة القديم والأقدم الموجب للإعادة والمصحح
لها هو ما ذكره في المسالك من أن الكلام في المسألة السابقة إنما كان في حكم تعارض البينة التي تشهد بالملكية
السابقة والبينة التي تشهد على الملكية اللاحقة الفعلية وفي المقام في حكم تعارض البينة التي تشهد بالملكية
السابقة مع اليد فالكلام في إحدى المسألتين لا دخل له بالكلام في الأخرى كما لا يخفى قال في المسالك بعد
نقله دليل المصنف لما ذهب إليه حسب ما عرفته ما هذا لفظه وقد تقدم البحث فيه والفرق بين هذه والسابقة
الموجب لإعادة البحث ان المعارضة في هذه بين اليد المتحققة واليد السابقة الثابتة بالبينة أو الملك السابق كذلك
والسابقة وقع فيها التعارض بين البينتين الدالة إحديهما على اليد في الحال مع عدم ظهورها في غيره والأخرى
على الملك السابق فلا تعرض فيها للمعارضة بين اليد السابقة والحالية انتهى كلامه.
وذكر بعض مشايخنا قده فرقا آخر بين المسألتين فإنه قال في جملة كلام له يطعن فيها على ما ذكره
في المسالك ويستغرب عنه ما هذا لفظه.
وبالجملة لا يخفى على من تأمل كلمات الجميع ما فيها من الخلط والخبط في موضوعات المسائل إذ
من المعلوم ان المراد من المسألة السابقة التي قدمنا فيها بينة الملك القديم على بينة الملك الحادث كون كل
من البينتين تشهد بالملك فعلا للمال الخارج عنهما وتتعارضان في ذلك ولكن إحديهما تشهد مع ذلك بملك
سابق لا تعارضها الأخرى فيه فترجح حينئذ أو يبقى استصحابه سالما عن المعارض وهذه غير الشهادة بالملك أمس فقط
أو باليد السابقة الدالة عليه انتهى ما أردنا نقله.
وأنت خبير بأن ما ذكره من الفرق وإن كان هو الفارق بين المسألة السابقة والمقام في كلام غير
المصنف من الأصحاب إلا نه لا دخل له بكلام المصنف لأنك قد عرفت سابقا ان المستفاد من كلام المصنف في
تلك المسألة هو كفاية قيام البينة على الملكية السابقة وإن لم تتعرض للملكية الحالة أصلا حسب ما صرح به
في المسالك فالفرق بينهما على هذا التقدير ليس إلا ما ذكره في المسالك هذا مضافا إلى أن اشتراط خروج المال عن
يد المدعيين في المسألة السابقة مما لم يعهد عن أحد بل الظاهر منهم خلافه ولهذا ذكروا مسألة تعارض القديم
والأقدم مع الدخول والخروج كما عرفت تفصيل القول فيها فلا معنى لاخذه في بيان الفرق كما صنعه والله العالم
هذا مجمل القول في المقام الأول وهو ما لو قامت البينة على الملكية السابقة.
وأما لو قامت على اليد السابقة مع كون دعوى المدعي الملكية الحالية فالذي يظهر من الشيخ في

435
أحد قوليه والمصنف وبعض من تبعهما سماعها أيضا ولكن الأكثرين على عدم سماعها أيضا فهذه الصورة
كالصورة الأولى عندهم في الحكم إلا أنه يظهر من العلامة في القواعد سماعها مع قوله بعدم السماع في الصورة
الأولى حيث قال بعد الحكم بعدم السماع فيما لو شهدت بالملكية السابقة مع عدم التعرض للحال الثاني أصلا
ولو شهد انه كان في يد المدعي بالأمس قبل وجعل المدعي صاحب يد وقيل لا يقبل لان ظاهر اليد الآن
(الآنية خ) الملك فلا يدفع بالمحتمل انتهى كلامه.
وقد حكم بعض مشايخنا بعد نقله ما عرفته من القواعد بالتدافع بين الكلامين وتنافيهما واستشكل
في محكي الارشاد في الحكم بالسماع في الصورة بعد جزمه في الصورة السابقة حيث قال ولو شهدت انه كان
في يده أمس ثبتت اليد وانتزعت من يد الخصم على إشكال انتهى كلامه.
لا إشكال في دليل القول بالسماع على تقدير القول به في الصورة السابقة بناء على كفاية الشهادة باليد
حسب ما هو قضية كلماتهم كما أنه لا إشكال في دليل القول بعدم السماع كما عن الأكثرين إنما الاشكال في
دليل التفصيل بين الصورتين والحكم بعدم السماع في السابقة مع الحكم به في المقام فقد يقال في وجه الفرق
ان الشهادة على اليد السابقة مع قطع النظر عن استصحاب الشاهد تجعل اليد اللاحقة يد غير مالك وانه لا بد
من أن يكون دعوى صاحبها راجعة إلى دعوى الانتقال أو إلى تكذيب البينة فيما تشهد به فالشهادة في هذه
الصورة بنفسها ترفع حيث انكار المنكر وهذا بخلاف الشهادة على الملكية السابقة فإنها لا تلزم شيئا على
المنكر ولا تبطل حيث انكاره أيضا هذا.
ولكنك خبير بفساد هذا التوهم لان الشهادة على الملكية السابقة إن لم تكن أقوى وأعلى من -
الشهادة على اليد فلا أقل من التساوي ضرورة انه يحتمل في الشهادة على الملكية السابقة الاستناد إلى ما يكون
أقوى من اليد في الدلالة على الملكية كالاقرار والاشتراء ونحوهما بخلاف الشهادة على اليد ومن هنا لو
قيل بالعكس لكان له وجه.
والحاصل انه لا بد من الاخذ باليد اللاحقة ما لم يتحقق هناك معارض لها والبينة على اليد السابقة
لا تصلح ان تعارضها لعدم مطابقتها للدعوى ولا الزامها شيئا على المدعى عليه لان مجرد كون الشئ في
يد غيره سابقا لا يلزم شيئا عليه ومن هنا يكون اثباته بالبينة ولو بضميمة استصحاب الحاكم دوريا كما
لا يخفى وإلى ما ذكرنا لا بد أن يرجع ما ذكروه في دليل المنع من أن ظاهر اليد الآنية الملك فلا يدفع
بالمحتمل فتأمل هذا.
ولشيخنا الأستاذ العلامة دام ظله العالي تحقيق في المقام وتفصيل في الكلام لا بد من التعرض له وهو
ان المراد من السماع وعدمه في البينة وعدمه في البينة على اليد السابقة إن كان هو القضاء بها وعدمه كما هو ظاهر المتن وجملة
من كتب الجماعة فالحق هو ما عرفت من عدم التفرقة بين المقامين وإن كان هو جعل المدعي منكرا وقلب
الدعوى والحكم بكون ذي اليد الحالية مدعيا كما هو ظاهر القواعد وأظهر منه عبارة الارشاد ولا ينافيه
الحكم بالانتزاع ممن ينكر اليد السابقة لان المراد من الانتزاع ليس هو القضاء بل مجرد أخذ العين من يده
حتى يقيم البينة أو يحلف المنكر وبه يندفع ما أورده بعض مشايخنا على القواعد من التدافع بين الموضعين منه
كما لا يخفى حيث إن التدافع إنما يلزم لو كان المراد من الانتزاع هو القضاء فالحق ثبوت الفرق بين المقامين
سواء شهدت البينة باليد السابقة مع انضمام قولها ولا أعلم لها مزيلا شرعيا أو بدونه لان نفس دعوى كون الشخص

436
منكرا دعوى ملزمة يترتب عليها فائدة مقصودة والبينة على اليد السابقة مما يلزم شيئا على ذي اليد بالنسبة
إلى هذه الدعوى فلا بد من الحكم بسماعها هذا ملخص ما أفاده دام ظله من التحقيق والتفصيل.
وفيه مضافا إلى أن الظاهر من كلماتهم هو القضاء بالبينة على اليد السابقة لا قلب الدعوى حتى من كلام
الفاضل في الكتابين أيضا لأنه وإن كان ربما يظهر منهما في بادي النظر ما ذكره الأستاذ العلامة إلى أن مقتضى
التأمل فيهما موافقتهما لغيرهما في المراد من السماع في المقام ان البينة على اليد السابقة لا تنفع في شئ أصلا
حتى بالنسبة إلى جعل المدعي منكرا لان المقصود إن كان هو الحكم بكونه منكرا في الزمان السابق وقبل
الدعوى فمن المعلوم أنه لا يترتب عليه شئ أصلا وإن كان المقصود هو الحكم به في زمان الدعوى فمن العلوم
عدم مطابقتها للمدعى كما لا يخفى والتشبث بذيل استصحاب الحاكم والاتصال بحبله مما لا يجدي في شئ
والقول بأن نفس البينة على اليد السابقة يلزم شيئا على المدعى عليه بخلاف البينة على الملكية مما لم يفهم
له معنى لأنك قد عرفت أن المنكرية قبل الدعوى مما لا يجدي في شئ أصلا نعم لا إشكال في سماع البينة على
اليد السابقة بضميمة قولها ولا أعلم لها مزيلا شرعيا سواء كان المقصود القضاء بها أو غيرها لأنها مطابقة للدعوى
حسب ما عرفت تفصيل القول فيه فهذا الفرض خارج عن محل البحث هذا مضافا إلى أنه قد يتأمل في سماع
دعوى كون المدعي منكرا فتأمل.
فتلخص من جميع ما ذكرنا أن استصحاب الحاكم فيما لا يترتب إلزام على مجرد البينة على الملكية
السابقة مما لا يسمن ولا يغني من جوع نعم لا إشكال في سماع البينة على الملكية الآنية ولو بضميمة الاستصحاب
أو على الملكية السابقة مع ضميمة قولها ولا أعلم لها مزيلا التي ترجع إلى الشهادة على الملكية الآنية بضميمة
الاستصحاب كما تقدم تفصيل القول فيه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن هنا إشكالا ربما يورد على ما ذكرنا لم أعلم سبق غير الأستاذ العلامة إليه
وهو ان الاستصحاب في مقابل اليد الفعلية إن كان معتبرا أو لم يحكم بحكومة اليد عليه فلم لا يجوز استناد الحاكم
إليه وإن لم يكن معتبرا في مقابلها مستندا إلى الحكومة المذكورة فكيف تسمع شهادة من يعلم استناده إليه
أو يصرح بالاستناد وكيف يجوز شهادته مع أن النسبة بين مقام العمل ومقام أداء الشهادة إما هو الأعم مطلقا كما
هو الحق بمعنى ان كلما يجوز الاستناد إليه في مقام أداء الشهادة يجوز عمل الشاهد عليه ولكن لا عكس ولهذا لا
تسمع الشهادة على الشهادة أو التساوي كما هو قضية كلام جماعة هذا ملخص ما ذكره الأستاذ العلامة من الاشكال.
وتفصى عنه بما حاصله المنع من اعتبار اليد في مقابل الدعوى مع العلم بكون دعوى المدعي موافقة
للواقع في زمان وعدم الملازمة بين جواز استناد الشاهد إلى الاستصحاب في الشهادة واستناد الحاكم إليه في القضاء.
توضيح ذلك على سبيل الاجمال والاختصار بحيث لا يورث الملال ولا يبقى في المقام بعده شبهة ولا
إشكال بعون الملك المتعال هو انه لا ريب عند ذوي الأفهام المستقيمة ان اعتبار اليد وكونها دليلا على الملك
ليس من باب أصالة الصحة في تصرف المسلم كما توهمه جماعة وعليه كان بنائنا أيضا في سالف الزمان ولا بمعنى
السلطنة وإلا لم يكن معنى للحكم بالملكية من جهتها فيما لا يجري فيه الصحة والفساد ولا السلطنة كما في يد
اللقيط فإنها ليس لها صحة وفساد وتسلط ومع ذلك يحكمون بكونه مالكا لما احتوت عليه يده بلا إشكال بل من
باب ظهورها في الملكية الناشئ من الغلبة في الأيدي وهذا الظهور من الظواهر المعتبرة عند أهل العرف والعقلاء
قد أمضاه الشارع أيضا من جهة ما يراه من المصالح كما في أكثر الطرق الشرعية في الاحكام والموضوعات.

437
فحينئذ نقول على سبيل الضابطة انه إذا كان مال بيد أحد وشك في ملكيته له فلا يخلو إما أن يعلم أن يده
عليه قبل زمان الشك يد عارية وديعة أو غصب أو نحوها من أنحاء يد غير المالك أو لا يعلم ذلك.
فإن كان من القسم الأول فلا إشكال في عدم الحكم بالملكية له ما لم يدع الملكية ففي هذه الصورة
يعمل بالاستصحاب من دون ريب ويحكم ببقاء اليد على ما كانت عليه لان هذا القسم من اليد قد خرجت من
الغلبة المذكورة فيحكم ببقائها على ما كان فيشخص بالاستصحاب من باب الحكومة ان اليد في الزمان اللاحق
هي اليد في الزمان الأول فهذا نظير الاخذ باستصحاب حكم المخصص بعد الشك في بقائه إذا لم يكن للمخصص
عموم زماني وان ادعى الملكية ففيه تفصيل ستطلع عليه إن شاء الله.
وإن كان من القسم الثاني فلا يخلو أيضا إما أن لا يعلم بأن له مالكا غيره أصلا أو يعلم ذلك وعلى
التقديرين فلا يخلو أيضا إما أن يدعي ملكيته أو لا وعلى التقديرين أيضا إما أن يدعي ملكيته غيره أو لا لا إشكال
في الحكم من جهة اليد بالملكية والعمل بمقتضاها ما لم يقم هناك ما هو حاكم عليها في القسم الأول سواء ادعى
الملكية أم لا وسواء لم يكن هناك من يدعي الملكية أو كان كما أنه لا إشكال في الحكم بالملكية من جهة اليد
وترتب آثار الملك على ما تكون عليه إذا لم يكن هناك من يدعيه غير ذي اليد أو كان ولم يكن من علم بملكيته له سابقا
في القسم الثاني سواء ادعى ذو اليد الملكية أيضا أو لا على إشكال في الأخير يجري في هذا القسم من القسم
الأول أيضا وأما إذا كان هناك من يدعيه وكان هو المالك الأولى فالذي يقتضيه التحقيق في المقام هو عدم جواز
العمل باليد بل لا بد من العمل بالاستصحاب وجعل ذي اليد مدعيا والحكم بكون غيره منكرا.
والدليل على ما ذكرنا مضافا إلى جريان السيرة عليه عدم ظهورها في الملكية في الفرض وعدم دليل
صالح على جعلها طريقا إلى الملك في الفرض لان الدليل عليه إن كان الاجماع قولا وعملا فمعلوم عدم تحققه
في المقام إن لم ندع انه على الخلاف وإن كان غيره من الاخبار فالظاهر منها غير هذا الفرض فنحن نذكر جملة
منها في المضمار حتى تعلم حقيقة الحال ولا يبقى بعد التأمل فيها للشبهة مجال فمنها خبر حفص بن غياث المروي
في الكتب الثلاثة وفيه أرأيت إذا رأيت في يد رجل شيئا أيجوز اشهد أنه له فقال نعم قلت فلعله لغيره قال ومن
أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار
ملكه إليك من قبله ثم قال ولو لم يجز هذا لما قام للمسلمين سوق ومنها الخبر المروي في الوسائل عن تفسير
علي بن إبراهيم صحيحا وعن الاحتجاج مرسلا عن مولانا الصادق (عليه السلام) في حديث فدك ان مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)
قال يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله تعالى في المسلمين قال لا قال فإن كان في يد المسلمين شئ يملكونه
ثم ادعيت انا فيه من تسأل البينة قال إياك كنت أسأل البينة على ما تدعيه قال له فإذا كان في يدي شئ فادعى
فيه المسلمون تسئلني البينة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده ولم تسئل المؤمنين على
ما ادعوا علي كما سئلتني البينة على ما ادعيت عليهم الخبر ومنها موثقة يونس بن يعقوب في المرأة تموت
قبل الرجل أو رجل يموت قبل المرأة قال له ما كان من متاع النساء فهو للمرأة وما كان من متاع الرجل والنساء
فهو بينهما ومن استولى على شئ منه فهو له إلى غير ذلك من الاخبار التي ادعوا دلالتها على اعتبار اليد.
أما ظهور الأخيرين في صورة عدم المعارضة مع العلم بسبق الملك للمدعي فظاهر (1) ومن هنا يسقط
الاستدلال للعموم بترك الاستفعال حيث إنه فيما لم يكن هناك ظهور بالنسبة إلى بعض الصور في المقال وأما الأول



(1) فيه تأمل (منه قدس سره)
438
فقد يقع الكلام في دلالة ذيله وقد يقع في دلالة صدره حيث إن كلا منهما مما يدل على اعتبار اليد في الجملة و
يتوهم دلالته على المدعي.
أما ذيله فالظاهر أنه لا دلالة له على المدعي أصلا حيث إنه في قوة التعليل لجواز الشراء والمعاملة مع
ذي اليد في الجملة لا لجواز الشهادة ولا لجواز الشراء منه ولو مع العلم بكون ما في اليد للغير سابقا مع ادعاء
الغير لعدم ايجاب عدم جوازهما المحذور المذكور ومن هنا قد يمنع من دلالته على اعتبار اليد مطلقا وفي
نفسها وإن لم تنضم إليها دعوى الملكية من ذي اليد أو عرض ما في اليد معرض الشراء ونحوه مما هو في قوة
دعوى الملكية فإن المحذور اللازم إنما هو على تقدير عدم جواز المعاملة مع ذي اليد بقول مطلق ولو مع
دعوى الملكية أو ما هو بمنزلها لا مطلقا ولو في صورة عدم الدعوى والعرض معرض الشراء فالمقصود انه لولا
جواز المعاملة السوقية للزم المحذور المذكور.
والقول بأن المشار إليه هو الشراء الخاص أي الشراء من جهة اليد فيدل على اعتبار اليد فيه ما لا يخفى لان
استناد جواز الشراء إلى اليد المستفاد من صدر الرواية لا يوجب ظهور الذيل في اعتبار نفس اليد ضرورة ان الاستناد
المذكور ليس من خصوصيات الشراء وقيوده حتى يقال بأن المشار إليه هو الشراء الخاص فإذا لم يدل الذيل على
اعتبار
اليد من حيث هي ولو لم ينضم إليها شئ فلا يدل على اعتبارها في صورة المعارضة والفرض بالأولوية القطعية
فتأمل وأما صدره فإن كان له ظهور في أن جواز الشراء من جهة نفس اليد ولهذا حكم الإمام (عليه السلام) بجواز
الشهادة من جهتها من جهة الملازمة المذكورة في الرواية فيدل على اعتبار اليد من غير ضميمة أصلا حسب ما هو
قضية ظاهر كلماتهم والخبرين الآخرين إلا أنه لا ظهور له بالنسبة إلى الفرض والتمسك بترك الاستفصال كما
صدر عن بعض مما يمكن التأمل فيه فتأمل مضافا إلى أنه لو كان له ظهور فيمكن صرفه بملاحظة كلماتهم
الظاهرة في جواز الشهادة مستندا إلى الاستصحاب في المقام وبجريان السرة على عدم العمل بها في الفرض فالحاصل
ان اليد إنما هي حجة وحاكمة على أصالة عدم تملك ذيها وأما بالنسية إلى استصحاب ملكية الغير فإن لم
ينضم إليه دعوى الغير فالظاهر أنه لا إشكال في حكومة اليد على الاستصحاب أيضا وإن كان ربما بتأمل فيه
وإن انضمت إليه دعوى المالك السابق فالظاهر حينئذ سقوط اليد من الاعتبار فالمسقط لاعتبار اليد شرعا وعرفا
هو نفس دعوى المالك السابق في الفرض فيعمل بالاستصحاب لسقوط اليد من الاعتبار بالدعوى فلا يقال حينئذ انه
إن كان للاستصحاب صلاحية المعارضة مع اليد والتقديم عليها فأي فرق بين صورة وجود الدعوى من المالك
السابق وعدمه وإن لم يكن له صلاحية المعارضة مع اليد من جهة حكومتها عليه كما هي قضية التحقيق فأي
فرق بين الصورتين.
فإن قلت ما ذكرته من الاشكال فإنه مبني على جواز الاستناد في الشهادة إلى الاستصحاب والقضاء
بها وهو ممنوع لأنه لا يجوز الاستناد في الشهادة إلا إلى ما يفيد العلم لاخبار كثيرة مع أن في الروايات ما يدل
على عدم جواز الاتكال والاستناد في الشهادة إلى الاستصحاب كما في ذيل صحيحة معاوية بن وهب قال قلت
الرجل يكون له العبد والأمة فيقول ابق غلامي وأبقت أمتي فيؤخذ في البلد فيكلفه القاضي البينة ان هذا غلام
فلان لم يبعه ولم يهبه أفنشهد على هذا إذا كلفناه ونحن لم نعلم أنه أحدث شيئا فقال كلما غاب من يد المرء
المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم تشهد به وكما في رواية أخرى عنه قلت له ابن أبي ليلى يسألني الشهادة عن
هذه الدار مات فلان وتركها ميراثا وانه ليس له وارث غير الذي شهدنا له فقال اشهد بما هو علمك قلت له انه ابن أبي ليلى

439
يحلفنا الغموس فقال احلف إنما هو على علمك.
قلت أولا ان الخدشة في جواز الاستناد في الشهادة إلى الاستصحاب والحكم بمقتضى البينة المستندة إليه
والتأمل فيه كما صدر عن بعض الأصحاب في غاية الظهور من الفساد لاتفاق كلمتهم ظاهرا على جوازه وجواز الحكم
بمقتضى البينة المستصحبة كما يظهر مما ذكروه في القضاء بالشهادة على الملكية السابقة مع قول الشاهد ولا أعلم له
مزيلا حيث إن ظاهرهم عدم الخلاف في القضاء به ومن غيره مما ذكروه في المقام وفي باب الشهادة فراجع إلى كتبهم
حتى تقف على حقيقة الامر هذا مضافا إلى دلالة جملة من الروايات عليه سيأتي ذكرها إن شاء الله في محله.
وأما ما ذكر من الروايتين فشئ منهما لا يدل على عدم جواز الاستناد إلى الاستصحاب في الشهادة
أما الثاني فظاهر لان المراد به ما علمت به سابقا أو تعلم العمل به هكذا ذكره الأستاذ العلامة وأما الأول فلان
الظاهر منه كما لا يخفى لكل من تأمل فيه هو جواز الاستناد إلى الاستصحاب في الشهادة لان المراد من قوله (عليه السلام)
كلما غاب من يد المرء المسلم آه ليس هو انشاء الحكم بعدم جواز الاستناد وعدم جواز الشهادة بل انشاء التعجب
والتوبيخ على عدم جواز الشهادة وانه كيف يمكن أن يكون الامر كذلك سيما بملاحظة توصيف المرء بالمسلم
وقوله لم تشهد لان المناسب للمعنى الأول كما لا يخفى لا تشهد فهو في معنى الاستفهام الانكاري فهو قريب من
قوله في بعض روايات اليد ولولا هذا لما قام للمسلمين سوق في دلالته على الكبرى الكلية وبالجملة لا ينبغي
التأمل في ظهور الرواية صدرا أو ذيلا في المدعي سيما بملاحظة بعض الأخبار الأخر الوارد بهذا المضمون
الظاهر في جواز الاستناد.
وثانيا ان كلامنا في المقام إنما هو على تقدير ثبوت جواز الاستناد فالاشكال الذي ذكرنا إنما هو على
تقدير القول به فلا معنى بعده لان يقال إنه لا دليل على جواز الاستناد فتلخص من جميع ما ذكرنا أنه لا إشكال
في جواز العمل باليد في صورة عدم المعارضة مع ظهور شئ من ذي اليد يدل على ملكية ما في يده كدعوى الملكية
أو التصرف فيه تصرف الملاك كما أنه لا إشكال في عدم جواز الاستناد إليه في صورة المعارضة مع العلم السابق وأما
العمل بها مع قطع النظر عن انضمام شئ إليها ففيه إشكال عند الأستاذ العلامة إلا انك قد عرفت أن الحق هو
العمل باليد حينئذ أيضا.
فإن قلت لو كان الامر كما ذكرت من جواز استناد الشاهد في الشهادة إلى الاستصحاب وجواز القضاء
أيضا من الحاكم لجاز للحاكم القضاء على ذي اليد فيما لو عليم بالملكية السابقة للمدعى وإن كان شاكا في الملكية
الحالية لان علم الحاكم معه الاستصحاب ليس بأدون من البينة الاستصحابية
قلت لا ملازمة بين جواز القضاء بالبينة الاستصحابية وبين جوازها بالعلم بالمدعى في السابق بضميمة
الاستصحاب لان القضاء بالأولى قضاء بالبينة لمطابقتها مع المدعى ولو بالاستناد إلى الاستصحاب. وهذا بخلاف
الثاني فإن القضاء فيه قضاء بالاستصحاب حيث إن العلم بالمدعى في غير زمان المدعى ليس مطابقا له فهو لا ينفع
أصلا والتطبيق بالاستصحاب يرجع إلى القضاء به كما لا يخفى فالقضاء بالعلم في الصورة كالقضاء بالبينة على الملكية
السابقة بضميمة استصحاب الحاكم في كون كل منهما غير مطابق للدعوى ولا يلزم شيئا على المدعى عليه في زمان
حتى ينفع في المدعى ضرورة ان العلم بالملكية السابقة لمدعيها كالبينة عليها في عدم الزامها شيئا على المدعى
وأما ما قرع سمعك من جواز القضاء للقاضي بعلمه فإنما هو بالنسبة إلى علمه في حال الدعوى الذي هو طريق إلى
الحق قهرا أو انجعالا حسب ما هو قضية عدم قابليته للجعل.

440
نعم لو تعلق علم الحاكم في الزمان السابق بما يكون نافعا في الدعوى وملزما على المدعى عليه كما
إذا تعلق بسبب الاشتغال أو الاقرار منه أو الاشتراء منه أيضا إلى غير ذلك كان القضاء به بضميمة الاستصحاب جائزة
كالقضاء بالبينة التي تشهد بهذا الامر كما عرفت تفصيل القول فيه وبالجملة علم الحاكم بالملكية السابقة كالبينة
عليها فيما يجوز القضاء به وما لا يجوز به لا كالبينة على الملكية الحالية ولو كانت مستندة إلى الاستصحاب.
فإن قلت لو كان الامر كما ذكرت من عدم اعتبار اليد فيما لو علم بخلافها في السابق مع معارضة من علم
بكون ما في اليد ملكه سابقا بل المعتبر حينئذ الاستصحاب فلا بد من أن يحكم الحاكم في الصورة فيما لو كان عالما بإقامة
البينة على ذي اليد لا على المدعى لأن المفروض ان الأصل الذي يرجع إليه في العمل هو الاستصحاب المطابق لقول
المدعي لا اليد المطابقة لقول ذيها فتنقلب الدعوى بمجرد علم الحاكم مع أنه لم يعهد من أحد الالتزام به.
قلت لا ملازمة بين جواز العمل بالاستصحاب في الواقع وترتيب أحكام ملك المدعى على ما يعلم
بملكيته له سابقا في الصورة وبين جواز إلزام ذي اليد بالبينة لأن المفروض عدم حجية العلم على ذي اليد وعدم
ايجابه شيئا عليه حتى يصح رفع أحكام يده بالنظر إلى ما يرد عليه فالزام ذي اليد بالبينة مع عدم قيام حجة
عليه كالقضاء عليه في الفرض المزبور وإن هذا إلا كالبينة على الملكية السابقة فإنها وإن لم يجز القضا بها من
حيث عدم كونها حجة على المدعى عليه إلا أنه يجوز العمل بمقتضاها للحاكم وغيره أيضا لو قلنا بثبوت ما دل
بالعموم على وجوب تصديق البينة في اعمال النفس وإن لم تكن مطابقة للدعوى فتعمل بها بضميمة الاستصحاب
في زمان الدعوى ويحكم بأن الأصل مع المدعي إذ لا فرق في جريان الاستصحاب بين ثبوت المستصحب في الزمان
السابق بالعلم أو بما هو قائم مقامه مع أنك لا تحكم بقلب الدعوى فيها وإن أبيت إلا عن ثبوت الفرق بينهما أو
الالتزام بالاشكال المزبور فيهما بأن تقول ان تشخيص المدعي والمنكر إنما هو بالنظر إلى نظر الحاكم من حيث
كون قول أحد المتداعيين مخالفا للأصل الذي يجب العمل به باعتقاد الحاكم أو موافقا له فلا نتحاشى من الالتزام
بالقلب في المقام والله العالم بحقايق الاحكام.
وحاصل ما ذكرنا من أول المسألة إلى هنا انه لو لم يكن هناك علم سابق على خلاف اليد أو كان ولم
يكن هناك معارضة ممن يعلم بسبق ملكه فلا إشكال في الالتزام بمقتضى اليد والعمل عليها مع دعوى ذي اليد الملك
أو تصرفه فيه تصرف الملاك في الصورتين كما أنه لا إشكال في عدم جواز العمل عليها لو كان هناك علم سابق على
خلافها مع دعوى المالك السابق ومعارضته بل العمل حينئذ على الاستصحاب.
وأما لو لم يكن في الصورتين الأوليين دعوى الملكية من ذي اليد ولا التصرف منه تصرف الملاك
بل كان مجرد اليد ففي العمل بها إشكال لعدم دليل يمكن الركون إليه لكون اليد في نفسها دليل الملك
لأنه ليس ما يصلح له إلا إطلاق صدر رواية الحفص وإطلاق قوله في الموثقة من استولى على شئ منه الذي هو
بمنزلة القاعدة الكلية وهما لا يصلحان له ولا يجوز التمسك بهما بعد البناء على عدم جواز العمل باليد في
صورة المعارضة ممن يعلم بملكيته في السابق.
أما الأول فلان الظاهر منه الاختصاص بما إذا لم يعلم سبق الملك لغير ذي اليد أصلا كما يشهد به قوله
فلعله لغيره فإن الظاهر منه عدم العلم بسبق الملك للغير أصلا فلو سلم فإنما هو في الغير الغير المعين لا فيه كما لا يخفى
لكل من تأمل في الرواية فلا يدل على أن مجرد اليد دليل على الملك وإن كان هناك علم سابق والقول بأن
الظاهر منه عدم العلم بالمالك حال وجود اليد وإن علم به في السابق خلاف الانصاف هذا مع أنه لو كان هناك

441
اطلاق فلا بد من رفع اليد عنه فإن مورد الرواية السؤال عن جواز الشهادة الذي يلزمه فرض التداعي فلو كان
له اطلاق لصورة العلم للزم الالتزام والقول بتقديم اليد على الاستصحاب في صورة المنازعة مع العلم مع أن المفروض
البناء على عدم جوازه فلا بد من الحكم بعدم الاطلاق للرواية وبعبارة أخرى المستفاد من الرواية قاعدة كلية
قد أشرنا إليها غير مرة وهي انه كلما يجوز العمل به يجوز الشهادة استنادا إليه حسب ما صرح به جماعة أيضا
والمفروض البناء على جواز العمل والشهادة في صورة العلم بخلاف اليد سابقا مع دعوى المالك فلو كان في
الرواية اطلاق للزم التدافع فيه كما لا يخفى.
وبمثله يجاب من التمسك باطلاق الموثقة وأما رواية الفدك فغير منطبقة على القواعد بحسب ظاهرها
لاعتراف الإمام (عليه السلام) بكونه مال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في زمان حياته وانه انتقل إليهم فيكون مدعيا فلا بد من توجيهها
بما يوافق القواعد هذا ملخص ما ذكره دام ظله وللتأمل فيه مجال.
ولنتم الكلام في المقام بذكر كلمات جماعة من أصحابنا الكرام وعلمائنا الاعلام مما له تعلق بالمقام
فمنها ما ذكره العلامة في المختلف قال في آخر باب الشهادات ما هذا لفظه وقال أبو الصلاح وإذا كان الشاهد
عالما بتملك غيره دارا أو أرضا أو غير ذلك ثم رأى غيره متصرفا فيها من غير منازعة من الأول ولا علم بإذن ولا مقتض
لإباحة التصرف من إجارة أو غير ذلك لم يجز له أن يشهد بتملك واحد منهما لها حتى يعلم ما يقتضي ذلك في المستقبل
وليس بجيد لان العلم السابق يستصحب حكمه إلى أن يظهر المزيل والتصرف مع السكوت لا يدل على الخروج
عن الملكية بخلاف ما لو شاهد غيره يتصرف في ملك بغير منازع ولم يعرف سبق ملك لاحد عنه فإن جماعة من
أصحابنا جوزوا له أن يشهد له بالملك المطلق إما مع سبق العلم بالملك للغير فلا قال وإذا غاب العبد أو الأمة عن
مالكه لم يجز له أن يشهد بما كان يعلمه من تملكه لهما إلا أن يعلم غيبته لا باق أو اذن المالك وليس بجيد
كالأول نعم ان اعترضه شك في بقاء الملك لم يجز له أن يشهد بأنه الآن ملكه بل إنه كان في ملكه في الزمان
الماضي وكان مقصوده ذلك وحينئذ يصح ما قال رحمه الله انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه وهو كما ترى موافق لما ذكره
الأستاذ في الجملة ومراده مما ذكره في صورة عروض الشك كما هو ظاهر ليس مجرد الشك المعتبر في موضوع
الاستصحاب بل قسم خاص منه وهو ما يوجب التحير والتزلزل بحيث ليس بناء العقلاء على الاخذ بالاستصحاب في
مورده ولو بعد ملاحظة الحالة السابقة.
ويقرب منه ما ذكره في القواعد من أنه لو قال الشاهد اشهد أنه ملكه بالاستصحاب لم تقبل شهادته
مع قوله عقيبه لو قال اشهد أنه كان ملكه سابقا ولا أعلم له مزيلا سمعت شهادته كما تقدم القول فيه وفي توجيهه
وهذا الكلام وإن كان يناقش فيه بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الاخبار حسب ما عليه جملة من أصحابنا
الأخيار من المتأخرين إلا أنه بناء على اعتباره من باب بناء العقلاء كما عليه المتقدمون منهم فغير بعيد لأنه يصح
أن يقال إن بنائهم في غير مورد من الموارد على عدم العمل بالاستصحاب في أمورهم كما لا يخفى ويمكن أن يقال إن
مرجع هذا الكلام إلى اشتراط حصول الظن الشخصي من الحالة السابقة في اعتبار الاستصحاب فتأمل
قال في الوسائل في باب وجوب الحكم بملكية صاحب اليد حتى يثبت خلافها وجواز الشهادة لصاحبها
بعد نقله الأخبار الدالة على ذلك مما تقدم تفصيل القول فيه ما هذا لفظه أقول لا ينافي هذا ما يأتي في الشهادات
من جواز الشهادة باستصحاب بقاء الملك لأن المفروض هناك عدم دعوى المتصرف الملكية على أنه لا منافاة بين جواز
الشهادة وبين عدم قبولها لمعارضة ما هو أقوى منها ولا بين جوازها وعدم وجوب القضاء بها وتقدم ما يدل

442
على ذلك في ترجيح البينات وغير ذلك ويأتي ما يدل عليه انتهى كلامه.
ولا يخفى عليك وجه ما ذكره من التوجيهين الأولين سيما الأول منهما لان مرجعه إلى عدم جواز الشهادة
بالاستصحاب في صورة التداعي مع أنك قد عرفت أن القدر المتيقن من أدلة جواز الشهادة بالاستصحاب والقضاء
بها إنما هو في صورة المعارضة فما ذكره مما لا معنى له ولا ينطبق على كلام أحد بل ظاهر كلمات الأصحاب
خلافه وأما ما ذكره أخيرا فمرجعه إلى ما ذكرنا من جواز الشهادة بمقتضى الاستصحاب والقضاء بها في صورة
المعارضة وعدمه في غير الصورة هكذا ذكره الأستاذ العلامة فتأمل.
قال الشهيد رحمه الله في جملة كلام له ما هذا لفظه وقيل قد يكون ذكر السبب قادحا في الشهادة كما لو قال اعتقد ان
هذا ملكه بالاستصحاب وإن كان في الحقيقة مستندا إلى الاستصحاب وكذا لو صرح بأن هذا ملكه علمته
بالاستفاضة وهذا ضعيف لان الشرع جعل الاستفاضة من أسباب التحمل فكيف يضر ذكرها وإنما يضر ذكر
الاستصحاب إن قلنا به لأنه يؤذن بشكه في البقاء ولو أهمل ذكره وأتى بصورة الجزم زال الوهم ولو قيل بعدم
الضرر أيضا كان قويا انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
وقال في موضع آخر من الكتاب المعتبر في علم الشاهد حال التحمل ولا يشترط استمراره في كثير من
الصور كالشهادة بدين أو ثمن مبيع أو ملك لوارث مع إمكان أن يكون قد دفع الدين وثمن المبيع وباع المورث
وكالشهادة بعقد بيع أو إجارة مع إمكان الإقالة بعد والمعتمد في هذه الصور إنما هو الاستصحاب إما الشهادة على
النسب والولاء فإنها على القطع لامتناع انتقالهما وكذا الشهادة على الاقرار فإنه اخبار عن وقوع النطق في
الزمان الماضي إما الشهادة بالوقف فإن منعنا بيعه فهي من قبيل القطع انتهى كلامه.
وقال في طي قاعدة أخرى بعد كلامه الذي ذكرنا أولا ما هذا لفظه والحق الصريح ان الشاهد إذا
ذكر السبب واقتصر عليه لم تسمع شهادته لأن هذه الأسباب إنما تصح الشهادة بهذا إذا أفادت الشهادة القطع ولم
يتعرض له الشاهد هنا وإن ذكر السبب وقال انا أشهد بصورة القطع لم يضر ذكر السبب وكذا لو صرح وقال مستند
شهادتي السبب المعين الذي حصل لي منه القطع أو الذي يجوز الشهادة به وكان من أهل المعرفة فإنه يسمع الشهادة
في الصورتين انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه وقد يتوهم منه انه مناف لما ذكره سابقا وهو توهم فاسد يظهر
وجهه بالتأمل.
قوله إذا اتفقا على استيجار دار معينة شهرا معينا واختلفا في الأجرة آه أقول إذا اختلف للمتداعيان في
عقد فلا يخلو إما أن يكون لكل واحد منهما بينة على ما يدعيه أو لا يكون لأحدهما بينة عليه أو يكون لأحدهما
بينته دون الآخر كما في الاختلاف في الاملاك فلا بد في المقام من التكلم في حكم كل واحد من هذه الأقسام.
وليعلم أولا انه قد يشتبه كون التداعي في العقد أو الملك من حيث كون متعلق الدعوى ذا جهتين كما في
التداعي في عقد الإجارة فيما فرضه المصنف من المثال وغيره فلا بد من أن يلاحظ ان مصب الدعوى منهما هل
هو العقد أو الملك فقد يعلم أن المقصود من اختلافهما هو أخذ الزائد من مال الإجارة والفرار عنه بحيث لا غرض
لهما إلا ذلك كما في الأغلب وقد يعلم أن المقصود من اختلافهما هو اثبات كل منهما ما يدعيه من العقد الخاص
لتعلق غرض له بحيث لا غرض لهما إلا ذلك وقد لا يعلم شئ منهما أما الأول فلا إشكال في خروجه عن محل
الكلام فإن مجرد ذكر السبب في التداعي لا يخرج الفرض عن التداعي في الاملاك بعد فرض كون المقصود الأصلي
هو اثبات المسبب وهذا أمر واضح قد نبهنا عليه في غير موضع من كلماتنا السابقة وأما الثاني فداخل في الفرض

443
وستقف على حكمه وأما الثالث فيرجع فيه إلى ظهور تحرير الدعوى منهما ويؤخذ به.
فالمقصود من اختلاف المتداعيين في الإجارة فيما فرضه المصنف إن كان هو التوصل إلى المقدار الزايد
من المال ودفعه عن النفس كما هو الغالب فقد عرفت أنه لا إشكال في خروجه عن الفرض ودخوله في التداعي في
الاملاك فيراعى فيه حكمه فإن كان مدعى الزيادة المؤجر فلا إشكال في الحكم بكونه مدعيا والمستأجر منكرا
لادعاء الأول ما يخالف أصالة البراءة والثاني ما يوافقها لرجوع نزاعهما إلى اشتغال ذمة المستأجر بالمقدار الزايد
وعدمه بعد اتفاقهما على اشتغالها بالأقل على ما هو قضية الاختلاف بين الأقل والأكثر في الذمة لأنها تقتضي
تعيين الأقل والاتفاق عليه والتداخل فيه وإنما الاختلاف في المقدار الزايد فإن لم يكن لهما بينة فالقول قول
المستأجر مع يمينه على ما هو شأن المنكر وإن كان لأحدهما بينة فإن كان المؤجر فلا إشكال وإن كان المستأجر
فيبنى على القضاء ببينة المنكر واغنائها عن اليمين وإن كان لكل منهما بينة فالحق هو تقديم بينة المؤجر على
ما عليه المشهور المنصور من عدم اعتبار بينة المنكر في مقابلة بينة المدعي ولا وجه للتحالف ولا للقرعة ولا لتقديم
بينة المستأجر وبالجملة الحكم في الفرض هو الحكم في مطلق التداعي على الاملاك وقد تقدم تفصيل القول فيه
فراجع إليه وإن كان مدعي الزيادة هو المستأجر ومدعي القلة هو المؤجر فلا إشكال في صيرورة الفرض على عكس
الفرض السابق إن فرض رجوع الدعوى إلى الدعوى في المال وإن كان المقصود مما ذكره هو الاختلاف والتنازع
في العقد على الأقل والأكثر من حيث هو لتعلق غرض به فلا إشكال في كون كل منهما مدعيا ومنكرا لأن العقد
الواقع على الأقل ومباين له ضرورة ان قلة مال الإجارة وكثرته مما يتعدد العقد بهما بمعنى عدم اندراج
العقد الواقع على الأقل في ضمن العقد غير الواقع على الأكثر.
وبما ذكرنا يظهر انه لو كان مراد من ذهب إلى القرعة كما عن الشيخ رحمه الله في ف أو إلى التحالف كما عن
الشيخ في المبسوط هو ما ذكرنا أخيرا من فرض الاختلاف في العقد من حيث هو فلا وجه لما أورد عليه في
المسالك وغيره من أن المتعين كما عليه المشهور هو الرجوع إلى قواعد المدعي والمنكر وإن كان مراده ما
ذكرنا أولا فما أرده عليه في المسالك مما لا محيص عنه والظاهر بل المقطوع انه حمل كلامه في المسالك على هذا الفرض
كما هو الغالب في التداعي في مقدار مال الإجارة.
قال في المسالك ما هذا لفظه فهيهنا مسئلتان الأولى ان يعد ما البينة والمشهور بين الأصحاب تقديم قول المستأجر
مع يمينه لأنه منكر للزايد الذي يدعيه المؤجر مع اتفاقهما على ثبوت ما يدعيه المستأجر فيكون الامر بمنزلة ما لو
ادعى عليه عشرة دنانير مطلقا فأقر له منها بخمسة فإن القول قوله في نفي الزائد بغير إشكال لأنه منكر له والمؤجر
مدع فيدخلان في عموم الخبر وللشيخ في رحمه الله في المبسوط قول بالتحالف وثبوت أجرة المثل ووافقه بعض المتأخرين نظرا
إلى أن كلا منهما مدع ومدعى عليه لأن العقد المتشخص بالعشرة غير العقد المشتمل على الخمسة خاصة فيكون
كل واحد منهم مدعيا لعقد غير العقد الذي يدعيه الآخر وهذا يوجب التحالف حيث لم يتفقا على شئ ويختلفان
فيما زاد عنه ويضعف بأن العقد لا نزاع بينهما فيه ولا في استحقاق العين المؤجرة للمستأجر ولا في استحقاق
المقدار الذي يعترف به المستأجر وإنما النزاع في المقدار الزايد فيرجع فيه إلى عموم الخبر.
إلى أن قال والحق ان التحالف إنما يرد حيث لا يتفق الخصمان على قدر ويختلفان في الزائد عنه كما لو
قال المؤجر اجرتك الدار شهرا بدينار فقال بل بثوب أو قال اجرتك هذه الدار بعشرة فقال بل تلك الدار ونحو ذلك
وأما في التنازع فالقول المشهور من تقديم قول المستأجر هو الأصلح وللشيخ رحمه الله في موضع من ف قول آخر بالقرعة

444
لأنه أمر مشكل وكل أمر مشكل فيه القرعة والمقدمة الثانية مسلمة دون الأولى لأنه لا إشكال مع دخوله في عموم
اليمين على من أنكر انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
وهذا كما ترى صريح في أن فرضه فيما إذا كان التداعي من حيث المال وقد عرفت أن ما ذكره
على هذا التقدير حق ويمكن أن ينزل كلام غيره على غير الصورة فيرتفع النزاع في البين ومن هنا ذكر بعض
مشايخنا ان النزاع بينهما لفظي هذا.
ولكن قد يسبق إلى الذهن مما ذكره ان المراد عنه عدم إمكان وقوع التداعي في الاختلاف في الإجارة
من حيث مال الإجارة في العقد فيرد بأنه مما لا معنى له لظهور فساده لكنه يمكن أن يقال إن كلامه منزل على
الغالب وعليه لا معنى للايراد عليه.
ثم إنه ذكر في المسالك ان في هذا الفرض لو أقام أحدهما بينة فمما لا إشكال فيه فقد يتأمل فيه أن هذا الكلام
ينافي ما عليه المشهور من عدم سماع البينة من ذي اليد أصلا فكيف جعل صورة إقامة أحدهما البينة دون الآخر
الشاملة لإقامة المنكر البينة مما لا إشكال فيه هذا ولكنه مدفوع بما ذكرنا سابقا من أنه مبني على جواز -
القضاء ببينة المنكر عند عدم المعارضة وقد جعلنا هذا الكلام من لك فيما سبق مؤيدا لما اخترناه من جواز
القضاء ببينة المنكر عند عدم المعارضة فالذي ذكره إنما هو مبني على ما بنى الامر عليه نعم لو كان هذا في كلام
الأكثرين لكان منافيا لما ذهبوا إليه من عدم سماع البينة من المنكر أصلا ورأسا.
ثم إن الاختلاف في العقد يكون في الثمن مع الاتفاق على المثمن كما لو قال البايع بعتك الفرس بدينار
وقال المشترى اشتريته بثوب وقد يكون في المثمن مع الاتفاق على الثمن كما لو قال البايع بعتك العبد بمئة و
قال المشتري بل بعتني الجارية بمئة وقد يكون فيهما معا لكن مع فرض تنافي دعوى كل منهما مع دعوى
الآخر وعدم إمكان الجمع بينهما كما إذا كان اختلافهما في تعيين العقد الشخصي الواقع بينهما سواء علم من
الخارج تسالمهما على العقد الشخصي أو من كلامهما كما لو قال البايع بعتك العبد في أول الظهر بثوب وقال
المشتري بل بعتني الجارية في هذا الوقت بفرس.
وأما لو أمكن الجمع بينهما بأن لم يعلم كون الاختلاف في تعيين العقد الشخصي واحتمل صدق
كل منهما في دعواه كما لو قال البايع بعتك الدار بمئة وقال المشتري اشتريت منك الجارية بفرس بحيث كان
كل من الدعويين دعوى مستقلة لا ربط لها بالأخرى فلا إشكال في خروجه عن هذا الفرض فإن أقام كل منهما
بينة على دعواه فيقضى بها وإن لم يقمها أحدهما فيقضى لكل منهما بعد حلفه على نفي ما يدعيه الآخر
فالمناط في تحقق التنازع في العقد هو عدم إمكان تصديقهما والجمع بينهما بأن يصير مورد النزاع العقد الشخصي
وأما لو أمكن تصديقهما فهو خارج عن الفرض والحكم بمقتضى يمين كل منهما في صورة عدم البينة منهما لا
محذور فيه أصلا وإن كان يستفاد من كلام كل منهما وقوع عقد بينهما بعد الانضمام لأن هذه الاستفادة إنما
هي من باب استلزام دعوى عقد خاص لادعاء ما يصدق عليه لا من باب القصد والتسالم فلا يمكن أن يقال حينئذ
انهما
متفقان على وقوع أحد العقدين فكيف يحكم بعدم تحققهما في صورة عدم البينة واليمين منهما لان هذا الاتفاق
انتزاعي انتزع واعتبر من دعوى الخصوصية فلا عبرة به كما لا يخفى.
ثم إن المقصود الأصلي من تعرضهم لذكر الاختلاف في العقود في المقام هو بيان حكم صورة تعارض
البينتين لا صورة عدم البينة نعم نتعرض لحكمها أيضا استطرادا ومنه يظهر دفع ما قد يورد في المقام من أنه أي

445
وجه في التعرض لحكم اختلاف العقود في المقام مع أن بنائهم على تعرض حكم الاختلاف في العقد في كل عقد
في بابه فيلزم التكرار عليهم في أحد المقامين.
وحاصل الدفع ان تعرضهم لحكم الاختلاف في العقد في بابه إنما هو من جهة تشخيص من هو قوله
موافق للأصل وهذا بخلاف المقام فإن مقصودهم فيه التعرض لحكم صورة الاختلاف مع البينة.
إذا علمت ما قدمنا لك من الكلام في تحرير مورد البحث فاستمع لما يتلى عليك من تحقيق القول
في المقام فنقول بعون الملك العلام ودلالة أهل الذكر عليهم ألف الصلاة والسلام انك قد عرفت أن الكلام
يقع في مقامات ثلاثة.
أما المقام الأول وهو ما لو أقام كل من المتداعيين في العقد بينة على ما يدعيه فإن كانت لاحدى البينتين
مزية على الأخرى بالمزايا المعتبرة التي تقدم تفصيل القول فيها فيؤخذ بالراجحة منهما ويطرح المرجوحة
وإن تساويتا فيها فالذي يقتضيه الأصل الأولي بالنظر إلى أصل أدلة الموازين في المقام هو الحكم بان الميزان
هو التحالف كما جزم به الشيخ رحمه الله في أحد قوليه ومال إليه بعض من تأخر عنه ولا مانع من إعمال قضية الأصل
في المقام كما كان يمنع من إعمالها في التداعي في الاملاك حيث انا ذكرنا هناك ان إعمال أدلة اليمين فيه غير
ممكن أما الأدلة الخاصة بإثبات اليمين في حق خصوص المنكر فظاهر لان المتداعيين في العين إذا لم يكن
يدهما عليه وكانا خارجين لا يصدق عنوان المنكر عليهما.
وأما الأدلة العامة الحاصرة لميزان القضاء بالبينة واليمين فلما قد عرفت مفصلا ان الحكم بتوجه اليمين
إنما هو فيما إذا ترتب عليها وعلى النكول عنها أثر والمفروض انه لا يترتب على حلفهما وعلى نكولهما أثر
في المقام لعدم إمكان القضاء بهما فلا بد من القاء هذا الميزان والرجوع إلى غيره مما هو مترتب عليه كالقرعة.
وهذا بخلاف المقام فإن إعمال أدلة اليمين فيه بكلا قسميها ممكن إما الأدلة الخاصة فظاهر
لان كلا من المتداعيين في المقام مدع ومنكر لان كلا منهما يدعي عقدا وينكر عقدا آخر هكذا ذكره الأستاذ
العلامة وجماعة.
وأما الأدلة الحاصرة لميزان القضاء في البينات والايمان فلامكان القضاء بحلفهما ونكولهما
في المقام بأن يحكم بعدم وقوع عقد كما يحكم به فيما إذا لم يكن لهما بينة أصلا كما سيجئ.
وهذا المعنى لم يكن معقولا في ذلك المقام لقضاء صريح العقل فيه بملاحظة أدلة اعتبار البينات و
ما دل على وجوب مراعاة حق المؤمن الذي شرع لأجله القضاء بالتنصيف فيه بعد العجز عن إعمال البينة في التمام
وهذا بخلاف المقام فإنه لا محذور للحكم بعدم وقوع عقد بينهما إذا حلفا أو نكلا كما حكموا به
في صورة عدم البينة حيث إن ظاهرهم الاطباق على الحكم بالتفاسخ فيها عدا ما يظهر من الشيخ رحمه الله في ف من
الرجوع إلى القرعة في الفرض أيضا.
فإن قلت كيف يحكم بعدم المانع من إعمال أدلة الحلف والنكول في المقام بأن يحكم بمقتضاها بالتفاسخ
مع أنه مخالف للعلم الاجمالي بوقوع أحد العقدين وصيرورة المثمن ملكا للمشتري في مقابل أحد الثمنين أو
الثمن ملكا للبايع في مقابل أحد المثمنين.
قلت مخالفة العلم الاجمالي في المقام للحاكم مما لا مانع عنها لأنه مأمور بالفصل بالموازين الشرعية
فيما بين الخصوم وإن لزم منه مخالفة العلم الاجمالي وإن هو إلا كحكم المجتهد بجواز الصلاة لكل من واجدي

446
المني في الثوب المشترك وكذا غير الصلاة مما لا يجوز على الجنب من الأعمال مع علمه إجمالا بان أحدهما
جنب في الواقع وبالجملة مخالفة العلم الاجمالي في نظير المقام فوق حد الاحصاء ولا مانع عنها وتفصيل القول
فيه محرر في الأصول والمتكفل له على وجه الكمال رسالة حجية الظن من مصنفات شيخنا الأستاذ العلامة.
فإن قلت هب ان العلم الاجمالي لا يكون بمجرده مانعا لكن المانع موجود من غير جهته وهو ان -
التفاسخ لو كان ظاهريا من حين التحالف فكيف يجامع هذا مع القول بعدم جواز المقاصة بعد الحلف كما اتفقت
عليه كلمتهم واستفاضت الاخبار عليه لان معنى التفاسخ الظاهري بقاء كل من المالين في ملك مالكه وإن كان
واقعيا كما هو قضية ظاهر كلمات الأكثرين فهو وإن سلم عن المحذور الوارد على التقدير الأول إلا أنه خلاف
مقتضى أدلة التحالف لان غاية ما تقتضيها سقوط الدعوى مع الطرفين لا خروج المال عن ملك مالكه الواقعي.
قلت ما ذكر من المحذور لا يصلح مانعا لان لنا أن نختار التفاسخ الظاهري كما عليه جماعة ونلتزم
بجواز المقاصة في الفرض لعدم منافاتها لما دل على حرمتها بعد اليمين وإن كان الحالف في الواقع مبطلا لأن هذه
المقاصة من قضية نفس تصديق اليمين فلا يكون لها تناف مع ما دل على وجوب تصديق الحالف والتقاص الذي
اقتضى هذا الدليل حرمته هو الذي كان منافيا لتصديق الحالف وقد تقدم تفصيل القول في ذلك في طي بعض كلماتنا.
السابقة فراجع إليه هذا كله فيما لو حلف كل منهما.
وأما لو نكلا عن اليمين فيمكن التفكيك بين المقام وهو صورة وجود البينة لهما وبين الصورة الآتية و
هي ما لم يكن لأحدهما بينة فنكلا عن الحلف بأن نحكم بالتفاسخ فيما سيأتي حيث إن نكول كل منهما عن الحلف
مطلقا نكول عن اليمين المردودة أيضا فيكون بمنزلة يمين المنكر فيسقط حقه حسب ما ورد في جملة من الاخبار
بخلاف النكول في المقام فإنه ليس النكول عن اليمين المردودة بل هو نكول عن اليمين التي توجهت إليه
بمقتضى العمومات فيمكن أن يقال بعدم إيجابه سقوط الحق الموجب للتفاسخ فيمكن الحكم فيه بعد النكول
منهما بالتنصيف أو الايقاف.
هكذا ذكره الأستاذ العلامة ثم أورد عليه بأنا ذكرنا سابقا ان معنى قولهم سقط حقه ليس هو السقوط
رأسا بل السقوط من جهة عدم الميزان الشرعي فراجع إليه هذا وأنت خبير بالاشكال في أصل تمامية الفرق و
ما ذكره من التنصيف ضرورة ان الكلام في المقام إنما هو من حيث التداعي في العقد ولا معنى للحكم
بالتنصيف فيه كما لا يخفى.
ثم إن الذي ذكرنا كله من الفرق في قضية الأصل الأولي بين التداعي في الاملاك والمقام إنما هو
ملخص ما ذكره الأستاذ العلامة وإلا قد عرفت فيما مضى من كلماتنا انه لا مانع من إعمال الأصل الأولي بالنسبة
إلى التداعي في الاملاك أيضا وإن أردت الوقوف عليه فراجع إليه هذا كله بالنظر إلى قضية الأصل الأولي.
واما بالنظر إلى الدليل الوارد والاخبار الخاصة فالذي يقتضيه التحقيق تبعا لأهله هو كون الميزان
بعد تعذر القضاء بالبينات في المقام القرعة لما ورد من الأخبار المستفيضة الواضحة الدلالة عليها وقد تقدم ذكرها
في باب تعارض البينات في الاملاك فراجع إليه والمفروض عدم المعارض لها في المقام فيجب الاخذ بها والحكم
بمقتضاها ودعوى اختصاصها بالتداعي في الاملاك مما يقضى قضية ظاهرها بفسادها.
ثم بعد القرعة هل يفتقر إلى انضمام اليمين ممن خرجت باسمه فإن حلف فهو وإلا فيحلف صاحبه أو لا
يفتقر إلى ذلك بل يحكم بها مجردة عن اليمين وجهان من اشتمال أكثر أخبار القرعة عليها وانها جزء للميزان

447
فتحمل عليه مطلقاتها مضافا إلى أنه قضية الجمع بين العمومات الحاصرة وأدلة القرعة من العمومات والخصوصات
ومن عدم توجه اليمين في المقام لعدم ترتب فايدة على النكول عنها إذ المفروض انه لو نكل صاحبه عنها أيضا
لا يقضى عليه بمجرد النكول منه إذ ليس هي نكول المنكر حتى يقضى عليه بنكوله.
لأنا وإن ذكرنا أن كلا من المدعيين في المقام منكر أيضا إلا أن من المعلوم ان الحكم بتوجه الحلف
عليه ليس من حيث انكاره لفرض اقامتها البينة على دعواه فلا معنى لإحلافه بل من جهة التعبد والاخبار
الخاصة أو العامة بعد الجمع بينهما أو أخبار القرعة من العمومات والخصوصات والقول بأن خروج القرعة
باسمه يجعله منكرا أو ان القرعة إنما هي لتعيين الحالف منهما كما تخيله بعض فلا معنى لعدم اعتبار اليمين
يعلم الحال فيه مما ذكرنا سابقا.
والذي يكشف عن عدم كون اليمين في المقام من حيث الانكار الحاصل من القرعة كما قد يتوهم
اتفاقهم ظاهرا على عدم كفاية الحلف على النفي في المقام واتفاقهم عليها في غيره كما في ذي اليد وغيره وإن
ذكر جماعة كفاية اليمين على الاثبات في ذي اليد أيضا فالمتعين حينئذ الرجوع إلى عمومات القرعة والقضاء بها من
دون احتياج إلى انضمام شئ والقول بأنه يقرع أولا ويحكم بالافتقار إلى انضمام اليمين ثم إن نكلا عن
اليمين يقرع ثانيا ويقضى بالقرعة مجردة قد عرفت ما فيه فيما سبق فراجع هذا مجمل القول في المقام الأول
وهو ما لو أقام كل منهما بينة على ما يدعيه
وأما الكلام في المقام الثاني وهو ما لو لم يقم أحدهما بينة فالذي يقتضيه النظر وفاقا لأكثر أهل
النظر هو الحكم بالتحالف في المقام لما قد عرفت من الأخبار الخاصة الدالة على أن اليمين على من أنكر والأخبار العامة
الحاصرة لميزان القضاء في البينة والايمان فإن حلفا أو نكلا فيحكم بالتفاسخ وإن حلف أحدهما دون
الآخر يقضى للحالف منهما على غيره وقد عرفت بعض ما يتعلق بالمقام من الكلام فيما تقدم وحكي عن الشيخ
رحمه الله في الخلاف القول بالقرعة في المقام أيضا لما دل عموما على أن كل مشكل فيه القرعة ويمكن النظر فيه بأنه
بعد دلالة الأدلة التي قدمناها على وجوب الرجوع إلى اليمين في المقام لا يبقى مجال للشبهة والاشكال حتى يحكم
بالقرعة من جهة عموماتها وهذا أمر واضح لا سترة فيه إن شاء الله وأما الكلام في المقام الثالث وهو ما لو كانت لأحدهما
بينة دون الآخر فالامر فيه واضح والله العالم بحقايق الاحكام.
قوله وقيل القول قول المؤجر والأول أشبه لان كلا منهما مدع آه أقول لا يخفى عليك إن ظاهر كلمات
الأصحاب كما يعلم من الرجوع إليها في المقام وفي باب الإجارة عدم الفرق بين ما إذا كان الاختلاف والتنازع
في مال الإجارة أو العين المستأجرة في الحكم بكون مدعي الناقص منكرا في كلتا الصورتين أو الحكم بالرجوع
إلى القرعة والتحالف عدا ما يظهر من المصنف في الكتاب حيث إنه تردد في الصورة السابقة واستظهر القرعة في
المقام وما حكى عن العلامة في التحرير من الجزم بالفرق.
والذي يقتضيه النظر الدقيق عدم الفرق بينهما ولهذا ذكر في المسالك ان الفرق بينهما بعيد وأضاف
إليه بعض مشايخنا ان تعليله هو التحالف لا القرعة لان كون كل منهما مدعيا ومنكرا في صورة عدم وجود
البينة يوجب المصير إلى التحالف كما لا يخفى هذا.
ووجه الفرق الأستاذ العلامة دام ظله وفاقا لبعض مشايخنا بأن الاختلاف إذا كان في العين المستأجرة
يمكن أن يقال برجوع الامر إلى التنازع في المتبائنين لان تمليك البيت في ضمن الدار ليس تمليكا مستقلا

448
بل إنما هو تمليك تبعي نشأ من تمليك الدار وهذا بخلاف ما إذا كان الاختلاف في مال الإجارة حيث إن محله
الذمة واشتغال الذمة بالزايد اشتغال مستقل غير الاشتغال بالأقل ومن هنا يمكن الفرق بينهما وفيه مضافا إلى
انتقاضه بما إذا كان مال الإجارة أيضا من الأعيان ان ما ذكر من الفرق كلام صوري لا حقيقة له كما اعترف
به الأستاذ العلامة.
وأما ما ذكره بعض المشايخ من منافاة التعليل للمدعى فقد أورد عليه شيخنا دام إفادته بأن ما ذكر
وإن كان مستقيما بحسب ما يرى في بادي النظر من العبارة إلا أن مقتضى التأمل كون مقصوده الحكم بالقرعة في
صورة وجود البينة كما فهمه صاحب المسالك على ما هو مقتضى صريح كلامه وعليه فلا وقع للايراد المذكور كما
لا يخفى والقرينة على كون مراده هو هذه الصورة لا صورة عدم وجود البينة هي ان المصنف قد تبع الشيخ رحمه الله
في المبسوط على ما يستفاد من ظاهر كلامه وقد صرح الشيخ رحمه الله في الكتاب حسب ما حكاه الأستاذ العلامة عنه بأن القرعة
إنما هي في صورة وجود البينة لا مطلقا وكلام الفاضل في التحرير أيضا مفروض في الصورة.
قوله ولو أقام كل منهما بينة تحقق التعارض مع اتفاق التاريخ آه أقول إذا أقام كل منهما بينة و
قلنا بتحقق التعارض بينهما من جهة كون كل منهما مدعيا على خلاف التحقيق الذي عرفته فإن كان مع إحديهما
مزية من المزايا المعتبرة فهو وإلا فيبنى الحكم على القولين في المسألة من التحالف أو القرعة مع يمين من
خرجت فاسمه فإن حلفا أو نكلا على الأول فيحكم بتنصيف مدلول البينتين فيرجع إلى المؤجر ربع الدار مع
تمام مال الإجارة حسب ما هو قضية القاعدة في التقسيم في كل ما كان هناك بينتان متعارضان وعلى الثاني فإن
حلف من خرج باسمه القرعة فهو وإلا فإن حلف صاحبه فلا إشكال أيضا وإلا فيحكم بالتقسيم بينهما حسب ما
عرفت في الأول هذا كله إذا كان النزاع بينهما قبل التصرف في الدار واستيفاء المستأجر المنفعة وأما إذا كان بعد
مضي المدة والتصرف من المستأجر فيرجع المؤجر إليه فيما حكمنا فيه بالتقسيم بأجرة المثل للربع من الدار هذا.
ولكن في المحكي عن كشف اللثام للفاضل الأصبهاني يحكم بالقرعة مع اليمين فإن نكلا فالظاهر أن
البيت لما اتفقتا على اجارته فهو في اجارته إلى أن يمضي المدة ويقتسمان الباقي نصفين ويسقط من الأجرة بالنسبة
وكذا مع الاختلاف بالزمان يقتسمان شهرا من الشهرين فيكون الدار عند المستأجر شهرا ونصفا ويسقط من
الأجرة ربعها وإن كان الترافع أو رفعه بعد مضي المدة وتصرف المستأجر في تمام الدار وتمام الشهرين يثبت
للمالك في نصف غبر البيت أو في نصف شهر أجرة المثل انتهى ما حكي عنه زاد الله في علو مقامه.
وفيه انظار أحدها ما عرفت من مطاوي كلماتنا السابقة من أنه لا معنى لسقوط الأجرة بالنسبة إلى
ما يسترده المؤجر من الدار لان مقتضى التقسيم في الفرض هو تنصيف مدلول البينتين فيحكم باستيجار نصف البيت
بنصف الأجرة بمقتضى بينة المؤجر التي شهدت بإجارة تمام البيت بتمام الأجرة ويحكم باستيجار نصف تمام الدار
أيضا بنصف تمام الأجرة فيحكم للمؤجر بنصف الباقي من غير ما صدقنا فيه بينته وهو نصف البيت وتمام الأجرة هذا
ولو بنى على الاخذ بما اتفقت عليه البينتان لم يكن الحكم ما ذكره أيضا لأنهما كما اتفقتا على إجارة الدار كذلك
اتفقتا أيضا على الأجرة فيحكم بتنصيف ما اختلفتا فيه وهو الباقي من الدار فلا معنى لتسقيط الأجرة أيضا.
ثانيها ان مقتضى ما ذكرنا من التقسيم هو كون ربع البيت أيضا من المؤجر لا أن يكون تمامه من المستأجر حيث إن
الذي يرد إلى المؤجر هو الجزء المشاع من الدار لا المعين ثالثها انه لا دليل على التقسيم بحسب الزمان حسب
ما ذكره وقد مر الكلام فيه فيما تقدم من كلماتنا فراجع إليها هذا.

449
وقد ذكر الأستاذ العلامة دام ظله في توجيه كلامه دفعا للاشكال الأول بأن المقصود من تقسيط الأجرة
هو تقسيط مجموع ما تشهد به البينتان فإذا كانت الأجرة عشرة مثلا فشهدت إحدى البينتين على إجارة
البيت بعشرة والأخرى على إجارة الدار بعشرة فيصير المجموع عشرين فيسقط من العشرة في كل منهما نصفه
فيستحق المؤجر عشرة فقد أسقطنا حينئذ نصف الأجرة من بينة المستأجر هذا ولكنه في غاية البعد من كلامه إن لم
يكن خلاف صريحه.
وفي الدروس فإن اتحد التاريخ أعلمتا أو أسقطتا أو أقرع مع اليمين انتهى كلامه وذكر بعض مشايخنا
بعد نقل هذا الكلام من الدروس ما هذا لفظه ولعل اعمالهما بمعنى تقديم بينة الداخل أو الخارج واسقاطهما
بمعنى الرجوع إلى الحكم مع عدم البينة كل على مختاره فيه.
وأما احتمال كون المراد باعمالهما بطلان الإجارة في البيت وصحتها في بقيته بالنسبة بعد تصويرها
بإيقاع ذلك من الأصيلين والوكيلين فبعيد أو باطل انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه وفيه أن حمل اعمالهما
على القول بتقديم بينة الداخل أو الخارج لا وجه له لأنه ليس إعمالا لهما فيحتمل أن يكون مراده من إعمالهما هو
التنصيف ابتداء بمقتضى الجمع بين البينتين فتأمل.
قوله ومع التفاوت في التاريخ يحكم للأقدم آه أقول لا إشكال في الحكم بصحة الأقدم زمانا وبطلان
المتأخرة بالنسبة إليه لو فرض وحدة العقد المتنازع فيه لان الأقدم من حيث عدم معارض له يحكم بتصديقه و
المفروض ان المحل ليس قابلا لوقوع إجارتين عليه في زمان فيحكم ببطلان المتأخرة.
والحاصل ان الحكم بصحة الأقدم يرفع قابلية صحة المتأخرة كما لا يخفى وهذا مما لا إشكال
فيه بل لم يظهر فيه مخالف من الأصحاب هذا إذا لم يكن محل للحكم بصحة المتأخرة أصلا ولو في بعض الدار
وأما لو كان له محل بأن كانت بينة البيت متقدمة وبينة الدار متأخرة فإنه يمكن الحكم حينئذ بصحة
الثانية بالنسبة إلى ما عدا البيت فالذي صرح به المصنف وجماعة من غير ظهور حكم مخالف لهم فيما أعلم هو الحكم
بصحة المتأخرة أيضا بالنسبة إلى بقية الدار تصديقا للبينة بقدر الامكان فإذا لم يمكن في مجموع الدار من جهة
سبق إجارة البيت فتصدق بالنسبة إلى ما يمكن تصديقها فيه فيثبت على المستأجر من الأجرة بالنسبة إلى القدر
الذي صدقنا بينته فيه زائدا على القدر الثابت ببينة المؤجر فإذا فرض مثلا ان الأجرة التي اتفقا عليها عشرة
لكن ادعى المستأجر انها أجرة مجموع الدار وادعى المؤجر انها أجرة البيت مع تقدم تاريخ بينة المؤجر حسب
ما هو المفروض ثبت على المستأجر خمسة عشر في مقابلة المجموع عشرة أجرة البيت بمقتضى بينة المؤجر
وخمسة في مقابلة باقي الدار بمقتضى بينة المستأجر.
وليس فيما ذكرنا إلا مخالفته لفرض وحدة العقد والعلم بأن الأجرة عشرة ليس إلا وإنما الاختلاف في
تعيين مقابلها ولا ضير فيه أصلا لان الحاكم مأمور بالعمل بمقتضى البينتين والقضاء به وإن حصل له
العلم إجمالا بخروج ما حكم به عن مدلولهما كما في الحكم بالتنصيف في التداعي في العين الشخصية مع
إقامة البينة لكل من المدعيين.
وبالجملة مخالفة العلم الاجمالي في أمثال المقام مما لا دليل على المنع عنها فتأمل هذا كله فيما
لو كان العقد المتنازع فيه واحدا.
وأما لو احتمل تعدده ووقوع الثاني بعد خلو المحل عن الأول فيمكن الحكم بتصديقهما وثبوت

450
الأجرتين على المستأجر هذا وفي الدروس بعد الحكم بما عرفته في الصورة السابقة ذكر ما هذا لفظه ويحتمل
الحكم بصحة الإجارتين مع عدم التعارض لان الاستيجار الثاني يبطل ملك المستأجر فيما سبق انتهى كلامه وفيه أن
ما ذكره في صورة احتمال التعدد وجيه حسب ما عرفت لكن مفروض كلام القوم كما يظهر منه غير
الصورة كما لا يخفى.
قوله ولا يقبل قول البايع آه أقول لا إشكال في قبول قول البايع لأحدهما وصيرورته باقراره له ذا اليد
شرعا وعرفا فيما لم يكن هناك بينة لأحدهما أصلا كما في التداعي في الاملاك من غير فرق بين المقامين أصلا
وقد تقدم تفصيل القول فيه فيما تقدم وإن استشكل فيه بعض الأصحاب.
إنما الاشكال في سماع اقراره لأحدهما بعد إقامة البينة منهما كما فيما فرضه المصنف كما يجري
بعينه في هذا الفرض في التداعي في الاملاك أيضا فيجعل المقر له داخلا وغيره خارجا فيبنى على ترجيح بينة
الداخل أو الخارج. فالمحكي عن الشيخ رحمه الله في المبسوط هو التردد في المسألة بل الميل إلى السماع بناء على القول
بتساقط البينتين عند التعارض حتى بالنسبة إلى نفي الثالث فنزلهما منزلة البينة التي تشهد على طبق دعوى
أحدهما لا بعينه فإن وجود مثل هذه البينة كعدمها وربما يستظهر من العلامة في القواعد أيضا حيث قال في باب
التداعي في الاملاك مع كون العين في يد ثالث فيما لو أقام كل منهما بينة بعد بيان حكم تعارضهما ما هذا لفظه
ولو أقر الثالث لأحدهما فالوجه انه كاليد تترجح البينة فيه انتهى كلامه رفع مقامه وهو مقتضى كلام الفاضل في
الكشف أيضا حيث في شرح قوله فالوجه انه كاليد ما هذا لفظه تقدم على قيام البينتين أو تأخر لقيام المعنى
القائم في اليد فيه وجزم به في المقصد السابع ويحتمل العدم بعد إقامة البينتين لكشفهما من أن يد المقر مستحقة
للإزالة فاقراره كاقرار الأجنبي انتهى كلامه رفع مقامه وهو كما ترى ظاهر في ذهابه إلى السماع بعد إقامة البينة
أيضا وربما يقتضيه أيضا ظاهر كلام بعض مشايخنا طاب ثراه في المقام حيث إنه أورد على ما ذكره الفاضل في
الكشف في باب البيع في المسألة المفروضة في شرح قول المصنف بمثل ما قاله المصنف هنا من احتمال القبول بما
هذا لفظه وفيه أن جزم المصنف وغيره بعدم قبول قول البايع مبني على كون ذلك قد كان منه بعد الحكم
بمقتضى القرعة وبعد انتزاعها منه بالبينتين فلا وجه للاحتمال المزبور انتهى كلامه رفع مقامه.
والذي جزم به الأستاذ العلامة هو عدم سماع الاقرار بعد إقامة البينتين وذكر ان الذي ادعى ظهوره
من القواعد من ذهابه إلى السماع كما هو مقتضى شرح الفاضل في غير محله حيث إن كلامه ليس في مقام بيان
حكم الاقرار بعد تعارض البينتين وإلا للزم أن يعبر عنه بأن الوجه يسمع لان معنى السماع في المقام هو عين
الترجيح بل مقصوده بيان حكم الاقرار قبل تعارض البينتين ولهذا عبر عنه بما عبر حيث إن الاختلاف في الاقرار
قبل إقامة البينة إنما هو في ترجيح البينة به كاليد وإلا فأصل سماعه اتفاقي وأما الذي ذكره العلامة في المقصد
السابع وجزم به فإنما هو ترجيح البينة بالاقرار كاليد فيما لم يكن هناك بينة لا تعميم القول بالنسبة إلى بعد البينة.
وبالجملة لا إشكال في أن الحق في الفرض هو عدم سماع الاقرار من ذي اليد كما في التداعي في الاملاك
أيضا لعدم دليل على سماعه في المقام لان الذي دل الدليل عليه هو سماعه فيما كان راجعا على نفس المقر بحيث
لولا الاقرار لحكمنا به له فالاقرار الذي هو قسم من الاخبار إن كان راجعا إلى الاخبار عما على المقر بعد الاقرار
وله قبل الاقرار كان مقتضى قوله إقرار العقلاء على أنفسهم جايز سماعه واعتباره وإلا فلا ففي المقام لما كان مقتضى
البينتين خروج المال عن ملك البايع فإقرار البايع بعدهما ليس اخبارا عما عليه بعد الاخبار وله قبله لأنه لولاه

451
لحكمنا بخروجه عن ملكه وسلطانه بمقتضى البينتين.
نعم لو قلنا بتساقط البينتين عند التعارض مع التساوي مطلقا حتى بالنسبة إلى نفي الثالث والرجوع
إلى القرعة لم يكن بعد في الحكم بسماع الاقرار من البايع كما لو لم يكن بينة هناك أصلا كما هو مفروض كلام
الشيخ الفاضل في الكشف حسب ما عرفت لكن الحكم بترتب أحكام بينة الداخل والخارج بعدها بمجرد إقامة
السابق لا يخلو عن إشكال.
وكيف كان فلا بد من أن يبتنى القول بالسماع على القول بالتساقط لكن أصل القول بالتساقط ضعيف
لأنه لا مانع من سماع البينتين بالنسبة إلى نفي الثالث لتعاضدهما فيه وقياس المقام على البينة التي شهدت
لأحدهما لا على التعيين قياس فاسد حيث إن في الصورة لا مقتضى لسماع البينة أصلا حتى ينفى بها الثالث
وهذا بخلاف المقام فإن المانع من العمل إنما هو التعارض الغير الموجود بالنسبة إلى نفي الثالث والقول بأنه
لا معنى لتصديق البينتين بالنسبة إلى نفي الثالث مع فرض عدم تصديقهما بالنسبة إلى ما تشهد ان عليه لقضية
التنافي من حيث استلزامه للتفكيك بين التابع والمتبوع من جهة تبعية دلالة الالتزام للمطابقة فاسد جدا حيث إن
قضية التبعية هي عدم جواز الانفكاك بين دلالة الالتزام والمطابقة من حيث الوجود لا من حيث الاعتبار وهذا أمر
واضح قد فصلنا القول فيه في مسألة تعارض الأدلة في الأصول هذا مضافا إلى إمكان ان يقال إنه على القول
بالتساقط أيضا نحكم بعدم السماع من جهة ما دل على أن الحكم بعد تعارض البينتين هو القرعة وهي الميزان
ليس إلا هكذا ذكر الأستاذ العلامة.
وفيه تأمل من حيث إن سماع الاقرار لا ينافي اطلاق ما دل من الاخبار على أن الميزان في صورة تعارض
البينتين هو القرعة حيث إنه في مورد تساوي البينتين من جميع وجوه التراجيح فالاقرار يرفع موضوع القرعة
لا أن يكون ما دل على سماعه معارضا ومنافيا لما دل على اعتبار القرعة وإلا حكم بعدم سماع الاقرار في صورة عدم
وجود البينة أيضا من جهة ما دل على أن الميزان هو اليمين فتأمل.
لا يقال لو كان الامر كما ذكرته من عدم سماع الاقرار إلا فيما كان على المقر بعد الاقرار وله قبله
للزم الحكم بعدم سماع إقرار ذي اليد في صورة عدم وجود البينة أيضا لو أقر أولا لأحدهما على سبيل الاهمال
ثم أقر لاحد معين من المتداعيين أو قال أولا ليس لي ثم أقر لاحد المتداعيين أو أقر لواحد غير معين من غير المتداعيين
ثم أقر لأحدهما المعين لعدم وجود المعنى الذي ذكرته في هذه الصور حيث إنه باقراره أولا خرج المال عن كونه
له وحكم بعدم كون يده يد مالك إلى غير ذلك مع أن قضية كلمتهم الاطباق على سماعه في جميع الصور المذكورة
وأمثالها مما لم نذكره.
لأنا نقول الاقرار في الصور المذكورة لواحد معين من المتداعيين بعد الأقارير المفروضة إنما هو
تفصيل لما أجمله أولا فكأنهما إقرار واحد في غير الصورة الثالثة وأما فيها فالحق عدم سماع الاقرار السابق
أصلا
بمعنى عدم تأثير له حتى بالنسبة إلى النفي عن نفسه ولهذا يسمع اقراره ثانيا لنفسه ويحكم بكونه منكرا لو نفى
ملكيته من غيره وقد تقدم تفصيل القول فيه فيما قدمنا لك من الكلمات فراجع إليها هذا ملخص ما ذكره دام ظله.
ويمكن الخدشة فيه بأنه لو كان البناء على ما ذكر في ضابط الاقرار المسموع للزم الحكم بعدم سماع
إقرار ذي اليد لشخص بعد اقراره لشخص آخر مع أن بناء المشهور بل الكل عدا الشيخ رحمه الله في أحد قوليه على سماع
كلا الاقرارين فيحكم للأول بالعين وللثاني بالقيمة والقول بأن إلزامه بالقيمة إنما هو بالاقرار بحيث لولاه

452
لم يلزم به وهذا معنى ما ذكره من الضابط من الاخبار بما له قبل الاقرار وعليه بعده فيه ما لا يخفى.
فالحق أن يقال إن كلما صدق على إقرار المقر انه إقرار على النفس يسمع الاقرار منه سواء كان المقر
له له قبل الاقرار أو لا وحينئذ نقول إن كان خروج ما في اليد عن ملك ذيها بمقتضى اقراره فلا يضر في صدق هذا
العنوان على اقراره ثانيا وإن كان من جهة أمر آخر كالبينة ونحوها يكون مضرا بصدق العنوان المذكور
فإن شئت قلت إنه كلما رجع أخبار ذي اليد إلى الاخبار عما عليه بحيث لو لم يسبق منه إقرار آخر كان له
يسمع اقراره وكلما لم يرجع إلى غير ذلك لم يسمع إقراره سواء كان عدم الرجوع من جهة البينة أو غيرها هذه غاية
ما قيل أو يقال ومع ذلك المسألة في غاية الاشكال.
قوله ولو نكلا عن اليمين قسمت بينهما ويرجع كل منهما بنصف الثمن أقول لا ريب ولا إشكال في أنه
بعد نكول من خرج باسمه القرعة من الحلف مع نكول صاحبه عنه أيضا قسمت العين بينهما حسب ما هو قضية
ما قررناه في كلماتنا السابقة فيما إذا كان المقصود من التداعي هو أخذ المال لا بمعنى تقسيم البيع الواقع عليها
كما قد يتوهم لعدم قابليته للتقسيم بل بمعنى تقسيم أثره ويرجع كل من المتداعيين إلى البايع بنصف الثمن
حيث كان المفروض قبضه للثمنين هذا فيما إذا لم يعترفا ولم يعترف أحدهما ولم تشهد بينتهما ولا بينة
أحدهما على قبض المبيع.
وأما إذا اعترفا أو أحدهما أو شهدت بينتهما أو بينة أحدهما على قبضه فالمصرح به في كلام جماعة
هو عدم رجوع من اعترف بالقبض أو شهدت بينته عليه إليه لأنه قد تلف عليه بعد قبضه فلا معنى لرجوعه على
البايع قال في المسالك في المسألة الأخيرة ما هذا لفظه وحيث قلنا بثبوت الخيار على تقدير القسمة فذلك إذا لم
يتعرض البينة لقبض المبيع ولا اعترف به المدعي وإلا فإذا جرى القبض استقر العقد وما يحدث بعده فليس على
البايع عهدته انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
وقال في محكي التحرير مثله وقال في محكي كشف اللثام في المسألة بعد الحكم برجوع كل منهما
إلى البايع بنصف الثمن ما هذا لفظه إلا إذا اعترفا أو اعترف أحدهما أو شهدت بينتاهما أو إحديهما بقبض المبيع
فمن قبضه من بايعه باعترافه أو بشهادة بينته لم يكن له الرجوع عليه بشئ من الثمن لثبوت استحقاقه له بالاقرار
أو بالبينة غاية الأمر انه اغتصب منه نصف العين بعد ذلك انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه هذا.
ولكن المصرح في كلام بعض مشايخنا جواز الرجوع في الفرض أيضا حيث ذكر بعد نقل ما عرفته
من المسالك والكشف ما هذا لفظه وفيه أن الاعتراف بالقبض أو ثبوته بالبينة لا ينافي الرجوع بالثمن بعد ثبوت استحقاق
المبيع لغير البايع بالبينة كما هو واضح اللهم إلا أن يقال إن عدم الرجوع بعد القبض لتركهما اليمين باختيارهما
ولكن ذلك غير موافق لما سمعته من التعليل بل لا يتم فيما سمعته من كشف اللثام أخيرا على أن ترك اليمين لو كان
مقتضيا لذلك فلا فرق فيما بين قبل القبض وبعده انتهى كلامه.
وأنت خبير بأنه لا ورود لما اعترضه عليهم أصلا لأن المفروض ان كلا من المتداعيين يعتقد كذب الآخر
في دعواه وان البايع إنما بايعه ليس إلا فلا ربط لهذا بحديث خروج المبيع مستحقا لغير البايع المفروض فيما
إذا وقع بيعه على مال الغير بغير اطلاع من المشتري ثم انكشف خلافه فتلف بعض المبيع بالبينة على كل من المتداعيين
في المقام ليس إلا كتلف المبيع بعد قبضه بآفة سماوية أو حصول الحيلولة بين المبيع والمشتري بعد قبضه مع
اعتقاده بكون المبيع ماله وإن البايع إنما وقع البيع على ملك نفسه وأين هذا من مسألة خروج المبيع مستحقا للغير.

453
والحاصل ان المفروض في المقام اختلاف المتداعيين في العقد الشخصي الواقع بين البايع وأحدهما
بحيث يكون ملكية المبيع للبايع مفروغا عنها بينهما ومع ذلك كيف يتصور مسألة خروج العين مستحقة للغير
نعم لو أثبت أحدهما كون اشترائه متقدما على اشتراء الآخر مع عدم اعتقاد الآخر بكذبه كان الامر كما ذكره لكن
من المعلوم ان مفروض كلماتهم كما فرضناه أولا بحيث لا يرتاب فيه ذو مسكة.
ومما ذكرنا كله يعلم الوجه في فرض المصنف وجماعة بثبوت الخيار لكل منهما في صورة التقسيم
من حيث تبعض المبيع عليه وعدم مانعية الامتناع عن الحلف عنه فيما قبل القبض وإلا فلا خيار وقد صرح بعدم
ثبوت الخيار بعد ثبوت القبض الفاضل في الكشف معللا بما عرفته وفساد ما أورده عليهم شيخنا المتقدم بقوله و
فيه ما عرفت من عدم الفرق في ثبوت الخيار بالتبعض قبل القبض وبعده بعد إن كان ذلك بثبوت استحقاقه للغير بالبينة
انتهى كلامه زاد الله في علو مقامه.
قوله وإن أنكرهما وكان التأريخ مختلفا أو مطلقا قضى بالثمنين جمعا آه أقول لا يخفى عليك ان القضاء
بالثمنين جميعا في الصورتين كما صدر عن المصنف وجماعة إنما هو مبني على ما تقدم تفصيل القول فيه مرارا كثيرة
في طي كلماتنا السابقة من قاعدة وجوب الجمع بين البينتين بقدر الامكان ومن هنا يعلم أن الحكم مختص بما إذا لم
يعلم من حالهما الاتفاق على العقد الشخصي وإلا فيكون حال الصورتين كما إذا اتحد التاريخ هذا.
وقد يتأمل في الحكم المذكور فيما لو كان الظاهر من حالهما الاتفاق على عدم وقوع أزيد من عقد
بحيث أقام كل منهما البينة على كون العقد الواقع الشخصي واقعا بينه وبين المشتري من حيث عدم دليل يعتد
به لعموم القاعدة في المقام (للمقام خ) ولهذا احتمل في المسالك عدم القضاء بالثمنين فيما لو كانت البينتان مطلقتين
أو إحديهما مطلقة والأخرى مؤرخة بل الحكم كمتحدي التاريخ وحكى عن الشيخ رحمه الله التردد ومنه يظهر
أيضا
ضعف ما استدل به بعض مشايخنا للقضاء بالثمنين بقول مطلق بعد نقل التردد من الشيخ رحمه الله بقوله لكن لا يخفى عليك
ظهور البينة في التعدد والأصل تعدد المسبب بتعدد سببه انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
ثم إن الوجه في فرق جماعة من الأصحاب كالمصنف والفاضل وغيرهما بين المسألة والمسألة السابقة
التي فرض فيها النزاع بين المشتريين حيث حكموا فيها بالرجوع إلى القرعة بعد تساوي البينتين بقول مطلق
من غير فرق بين صور شهادة البينة من حيث الاطلاق والتاريخ وفي المسألة فرقوا بين الصور وحكموا في بعضها
بالقضاء بالثمنين هو ما أشار إليه الفاضل في محكي القواعد بان الانسان لا يشتري مال نفسه ففرض تعدد الشراء لا
يمكن إلا بتوسط النقل فيلزم تعدد الثمن وهذا بخلاف البيع فإن الانسان قد يبيع مال غيره.
وأورد عليه بعض مشايخنا طاب ثراه بان احتمال الشراء لمال نفسه فضولا عن الغير أيضا ممكن
إذ كما أن الانسان قد يبيع مال غيره فضولا كذلك قد يشتري مال نفسه لغيره فضولا ففرضه في المقام بأن يشتري
المال عن أحد المتداعيين بثمن معين ثم يوكل المدعي الآخر لان يبيع ما اشتراه من شخص آخر ثم يقبل
هو فضولا عن هذا الشخص.
ثم قال بعد الحكم بجريان ما ذكر في المسألة السابقة في المقام فلا يصلح فارقا ما هذا لفظه فالأولى
في وجه الفرق اتحاد المدعى به في المسألة السابقة وهو شراء المبيع من مالكه إلا أنه لم يعلم السابق منهما ليكون
الشراء اللاحق في غير محله بخلاف المقام فإن المدعى به استحقاق الثمن الذي ثبت بثبوت سببه فمع فرض
قيام البينة به في وقتين مثلا وجب المسبب حتى لو كان المدعى واحدا نعم لو فرض كون الثمن معينا.

454
وكل منهما قد أدعاه بسبب كونه البايع لمثمنه وأقام كل منهما بينة تحقق التعارض ولو مع اطلاقهما انتهى
كلامه زاد الله في علو مقامه.
وفيه أن فرض كون الشخص مشتريا لمال نفسه فضولا وإن كان ممكنا فيفرض وقوع شرائين
أحدهما أصالة والآخر فضولا مع عدم تخلل الانتقال إلا أن فرضه في المقام غير ممكن حيث إن المفروض ان
المتداعيين كل منهما يدعي الثمن من المشتري وإن كان نزاعهما في العقد إلا أن المقصود منه أخذ الثمن ولا
معنى لمطالبة الفضولي منهما للثمن كما لا يخفى وهذا بخلاف البيع فإنه قد يبيع الانسان مال غيره مع زعم
المشتري انه مال البايع هكذا ذكره الأستاذ العلامة.
قوله الصغير المجهول النسب إذا كان في يد واحد وادعى رقيته قضى بذلك ظاهرا آه أقول هذا الحكم
مما لم يوجد فيه مخالف بل ولم ينقل فيه خلاف أيضا في الجملة وإن اختلفت كلمتهم فيه من حيث الافتقار
إلى انضمام اليمين كما ذهب إليه الشيخ في أحد قوليه حسب ما حكاه الأستاذ العلامة عنه وعن العلامة في التذكرة
أيضا وعدمه كما عن الأخيرين.
نعم حكي عن الشيخ رحمه الله في المبسوط توقف ثبوت رقية المميز إلى البينة بحيث لا أثر لدعوى ذي اليد فيه أصلا ومن
حيث سماع دعوى الصبي بعد البلوغ الحرية كما جزم به في محكي الارشاد وموضع من القواعد ويظهر من المصنف
أيضا أو عدم سماعها كما في المسالك ومحكي التحرير وموضع آخر من القواعد والتذكرة أيضا في الجملة.
وبالجملة الأقوال في كل من سماع دعوى ذي اليد رقية الصبي الذي في يده ودعوى الصبي
الحرية بعد البلوغ ثلاثة
أما في الأول فأحدها السماع مطلقا من غير احتياج إلى الحلف ولا إلى غيره وسواء كان الصبي مميزا
أو غيره بحيث كان القضاء واقعا لا يسمع دعوى الصبي الحرية بعد البلوغ ولو مع البينة كما هو ظاهر جماعة منهم
ثاني الشهيدين في المسالك حيث قال بعد الجزم بثبوت الحكم في المسألة ما هذا لفظه وحيث ثبت الرقية لا يلتفت
إلى انكار الصغير بعد بلوغه لسبق الحكم بالرقية انتهى وظاهر هذا الكلام كما ترى عدم سماع دعوى
الصبي ولو مع البينة هذا.
ولكن ذكر شيخنا دام ظله في طي إفاداته في مجلس البحث ان القول بعدم السماع حتى مع إقامة البينة
غير موجود وان المقصود من عدم الالتفات إلى انكاره إنما هو من حيث عدم تأثيره في توجه الحلف على ذي
اليد لا سقوط قوله ولو مع البينة.
وبعبارة أخرى المقصود منه عدم سماع انكاره من حيث الانكار لا عدم سماع دعواه مع البينة هكذا
ذكره وهو لا يخلو عن تأمل ثانيها السماع ظاهرا من دون ضميمة الحلف كما ذهب إليه المصنف وجماعة أو معها
كما عن الشيخ والعلامة في التذكرة من غير فرق بين المميز غيره ثالثها السماع في غير المميز وعدمه في
المميز إلا بضميمة البينة الذي يرجع حقيقة إلى عدم السماع من الجهة المقصودة في المقام وهذا هو
المحكي عن الشيخ رحمه الله في المبسوط.
وأما في الثاني فأحدها عدم السماع مطلقا كما تقدم استظهاره من جماعة وإن استظهر الأستاذ العلامة
خلافه وانه لم يذهب أحد إلى القضاء التنجيزي في المقام بحيث لم تسمع دعوى الصبي بعد البلوغ مع البينة أيضا
حيث إن جهة السماع إما اليد أو نفس الدعوى من حيث عدم المعارض لها ومعلوم ان شيئا منهما لا يصلح

455
للقضاء التنجيزي ثانيها السماع مطلقا فإن كان له بينة فهو وإلا فله استحلاف ذي اليد ثالثها السماع إذا كان
له بينة وعدمه فيما إذا لم تكن.
ثم إن جهة سماع دعوى ذي اليد في المقام يحتمل ان يكون دعواه حسب ما هو ظاهر جماعة حيث
عللوا السماع بأن دعوى ذي اليد الرقية دعوى لا معارض لها ويحتمل أن يكون يده ويحتمل أن يكون اليد
والدعوى معا لأنه لو لم يكن في يده لم يسمع دعواه فيكشف ذلك عن مدخلية اليد ويظهر الثمرة فيما إذا ادعى
الصبي الحرية بعد البلوغ مع إقامة البينة من كل منهما فإنه لو قيل بان جهة السماع اليد فيحكم بتقديم بينة
الصبي بناء على المشهور من تقديم بينته ولو قيل بأن جهة السماع الدعوى لا اليد بحيث يكون وجودها كعدمها
وإنما سمعت دعوى صاحبها الرقية على خلاف أصالة الحرية من جهة عدم وجود المعارض لدعواه فيحكم بتقديم
بينة ذي اليد على القول المشهور لأنه يصير خارجا والصبي داخلا من حيث موافقة قوله للأصل وإنما سمعت دعوى
ذي اليد الرقية ظاهرا من جهة ما دل على سماع الدعوى التي لا معارض لها هذا كله بناء على عدم القول بأن معنى
سماع الدعوى ممن لا معارض له هو جعله ذا اليد وإلا فيرتفع الثمرة من البين.
ثم إن انضمام اليمين على القول بكون جهة السماع هي اليد يحتمل أن يكون من باب الاستظهار أو
عموم ما دل على حصر ميزان القضاء بالبينة والايمان أو تقديم الحلف الذي يستحقه الصبي بعد دعوى الحرية
مع عدم البينة كما في القضاء على الغائب وعلى القول بكون جهة السماع هي الدعوى يحتمل أحد الأخريين.
ثم إن المراد من القضاء بالرقية يحتمل أمرين أحدهما ما هو الظاهر منه سواء كان معلقا أو منجزا
ثانيهما هو البناء على كون الصبي رقا ويترتب آثار الرقية عليه إلى أن يبلغ وظاهرهم هو الأول وإن كان الثاني
هو الأظهر بناء على احتمال كون جهة السماع هي اليد مع عدم انضمام اليمين هذا كله بناء على فرض وجود الثمرة
بين القضاء التعليقي والبناء العملي وإلا كما ربما يستظهر من الأستاذ العلامة فلا يفترق المعنيان.
إذا عرفت ذلك كله علمت أن تحقيق القول في المرام وتفصيل الكلام في المقام لا بد أن يقع في موضعين
أحدهما في سماع دعوى ذي اليد الرقية قبل البلوغ ثانيهما في سماع دعوى الصبي الحرية بعد البلوغ.
أما الكلام في الموضع الأول فنقول ان الحق فيه سماع دعوى ذي اليد من غير فرق بين كون الصبي
مميزا وعدمه من غير احتياج إلى انضمام اليمين أصلا بل ويحكم بملكيته بمعنى بناء العمل عليها وإن لم يدع
الرقية إذا تصرف فيه تصرف الملاك في املاكهم كعرضه معرض البيع ونحوه من تصرف الملاك فالمناط في الحكم
بالرقية هو ادعاء ذي اليد لها إما قولا أو فعلا.
ويدل على ما ذكرنا مضافا إلى ظهور عدم خلاف يعتد به بين أصحابنا الأخيار رضوان الله عليهم ما دل
على اعتبار اليد والحكم بمقتضاها من السيرة والاخبار.
توضيح ما ذكرنا على سبيل الاختصار بحيث لا يوجب الملال ويرفع كل شبهة حدثت أو تحدث من
هذا المضمار بعون الملك المتعال هو ان موارد الحكم باليد والاستكشاف منها حسب ما يستفاد من كلماتهم
في الجملة ثلاثة متدرجة من حيث العموم والخصوص.
أحدها في مورد الشك في الاختصاص بحسب ما في اليد بقول مطلق فيجعل دليلا على الاختصاص
الملكي وغيره فيتمسك بها للحكم بسماع دعوى ذي اليد النسب كالبنوة والاخوة وغيرهما بالنسبة إلى من في يده
لا من جهة اقراره بما يرجع على نفسه فإن هذا أمر واضح لا سترة فيه ولا دخل لليد فيه أصل بل من جهة دعواه

456
فتثبت النسب الواقعي بينهما كما لو أقام البينة عليه.
ثانيها في مورد الشك في ثبوت الاختصاص الملكي سواء كان من جهة الشك في كون ما في اليد مما يقبل
الملك أو كونه مما لا يقبله أو من جهة الشك في اختصاصه بذي اليد بعد مفروغية قابليته للتملك ففي هذا المورد
يستكشف من اليد زايدا على التخصيص المالكي أصل الاختصاص وقابلية التملك أيضا.
ثالثها في مورد الشك في المالك بعد الفراغ من اثبات قابلية التملك لما في اليد بحيث يكون الشك
ممحضا من هذه الجهة وهو أخص من الأولين وهذا معنى ما اشتهر في السنة أهل العصر ومن قاربه من أن اليد إنما
تكون معتبرة في تشخيص المالك لا في تشخيص الملك واثبات أصل قابلية التملك والاستيلاء العرفي ومن هنا قال
بعض مشايخنا في جملة ما يستشكل به على ما ذكره من سماع دعوى ذي اليد ما هذا لفظه مع أن اليد مقتضاها
الملك في معلوم المالية لا انها تنقح المشكوك في ماليته انه مال انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه إذا عرفت أن
موارد استعمال اليد والاستكشاف بها ثلاثة.
فنقول أما المورد الأول فالحق انه لا دليل على اعتبار اليد فيه وانها امارة معتبرة بالنسبة إلى مطلق
الاختصاص حتى بالنسبة إلى النسب لا من السيرة ولا من الاخبار أما الأول فواضح وأما الثاني فكذلك أيضا لان
كل من راجع الأخبار الواردة في اليد يعلم علما يقينيا بحيث لا يعتريه شك بعدم دلالتها على اعتبار اليد
بالنسبة إلى مطلق الاختصاص وانها مختصة بالاختصاص الملكي كما أنه لا إشكال في وجود الدليل على اعتبارها
في المورد الثالث مطلقا.
وأما المورد الثاني فالحق اعتبار اليد إذا كانت مجتمعة مع تصرف الملاك وبعبارة أخرى إذا كانت
مقرونة بالدعوى القولية أو الفعلية من ذي اليد وأما إذا لم تكن كذلك فالحق عدم دليل على اعتبارها ففي المقام
دعويان لنا على أوليهما ما دل على اعتبار اليد من السيرة والاخبار أما السيرة فواضحة لأنا نرى بالوجدان استقرار
طريقة المسلمين وبنائهم على سماع دعوى ذي اليد رقية من في يده والاشتراء منه إذا عرضه معرض البيع
وأما الاخبار فلاطلاقها كما لا يخفى لكل من راجعها خصوصا قوله (عليه السلام) في رواية الفدك إذا كان شئ في
يد المسلمين يملكونه لأنك قد عرفت أن المراد من تملكهم ليس هو التملك الشرعي والا لجاء الدور بل التملك
العرفي الذي يعبر عنه بالاستيلاء.
ويدل على ما ذكرنا زيادة على ما مر الأخبار الواردة في المقامات الخاصة منها رواية سعد بن صدقة كل
شئ هو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل ثوب يكون عليك قد اشتريته وهو
سرقة أو المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر الحديث ومنها صحيحة العيص عن مملوك ادعى انه
حر ولم يأت بينة على ذلك اشتريه قال نعم ومنها رواية حمزة بن حمران أدخل السوق فأريد أن أشتري جارية
تقول إني حرة فقال (عليه السلام) اشترها إلا أن تكون لها بينة.
وجه دلالة الأولى ظاهر لان المقصود من المملوك فيه هو المملوك بحسب اليد وإلا لم يحتمل الحرية إلا
بالتحرير والعتق وهو خلاف ظاهر الرواية لان ظاهرها احتمال الحرية الأصلية لا العرضية وأما الأخيرتان فظاهرهما
وإن كان في البالغ إلا أن المقام يثبت منهما بالأولوية وهذا مما لا إشكال فيه.
إنما الاشكال في أصل دلالتهما على المدعى وظهورهما فيه لان الامر فيهما داير بين ارتكاب التأويل
في أحد الظاهرين إما بحمل الجارية والمملوك فيهما على ما تكون كذلك بحسب الظاهر مع كون المراد

457
من الحر هو الحرية الأصلية فيدل بناء عليه على المدعى.
واما بحمل الحر على ما حصل بالعرض من التحرير مع ابقاء الجارية والمملوك على ظاهرهما ولو
في الجملة فلا يدل على المدعى وإن لم نقل بكون الثاني هو الأظهر فلا أقل من التساوي فيسقط الاستدلال بهما
على المدعى هذا مع أنه لو كان لهما ظهور في المعنى الأول بالنظر إلى أنفسهما تعين صرفهما عنه والحكم بكون
المقصود هو المعنى الثاني إذ ظاهرهما خلاف الاجماع حيث إنه لم يذهب أحد إلى سماع دعوى ذي اليد الرقية
بمجردها ولو كان من في يده مدعيا للحرية مع كبره فلا بد إما من حملهما على سبق تصرف من ذي اليد بحيث
يكشف عن الملكية فينطبق على المدعى أيضا وأما على دعوى التحرير وكيف كان فيما قدمنا من السيرة
وإطلاقات أخبار اليد غني وكفاية وإن بنى على الخدشة في إطلاقات الاخبار بأنها واردة في مقام بيان الحكم
باليد في معلوم القابلية أو هي ساكتة عن ذلك وعن التعميم فيكون القدر المتيقن منها هو ذلك أيضا فلتتمسك
بذيل السيرة فإنها تغنيك مؤنة التمسك بغيرها.
ثم إن ما ذكرنا من اعتبار اليد في المقام في اثبات أصل القابلية لا ينافي ما اتفقت كلمتهم عليه من باب
الغصب من أن اليد لا تتعلق بالحر ولو كان صغيرا لان المقصود من نفي اليد ليس هو نفي الاستيلاء العرفي بل الاستيلاء
المتعقب للضمان شرعا حيث إنه لم يثبت من مجرد اليد فإن القدر الثابت منه من قوله (عليه السلام) على اليد ما أخذت حتى
تؤدي هو القيمة على القول بثبوتها منه وأما الذمة فلا هذا.
ثم إن هنا أمورا تدل على خلاف ما ذكرنا لا بد من التعرض لها والتفصي عنها أحدها الأصل الأولي
فإن الملكية أمر حادث لا توجد إلا بسبب والأصل عدمها نعم قد يحكم بكون نفس الدعوى سببا لها من حيث
كشفها عن سببها كما في الكافر الحربي والمباحات الأصلية إذا ادعيت ملكيتهما مع ثبوت اليد عليهما فإن نفس
الدعوى حينئذ كاشفة عن قصد الحيازة.
ثانيها ما ورد في بعض الأخبار من قوله (عليه السلام) الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالرقية وهو مدرك
أو شهدت البينة عليها صغيرا كان أو كبيرا وهذا مساوق للأصل الأولي لان الاستثناء المذكور فيه يكشف عن عدم كون
المقصود هو الرقية الواقعية وإلا لم يعقل استثناء صورة الاقرار وقيام البينة ضرورة ان الاقرار والبينة لا يغيران الشئ
عما هو عليه في الواقع بل الرقية الظاهرية على ما هو الشأن في كل حكم أخذ فيه عدم العلم أو عدم ما يقوم مقامه
من الطرق مثل قوله (عليه السلام) في ذيل رواية مسعد بن صدقة والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غيره أو يقوم به البينة
فالرواية مقررة لمقتضى الأصل الأولي وهذا معنى ما اشتهر في ألسنتهم من أن الأصل الحرية.
ثالثها خبر حمران بن أعين سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن جارية لم تدرك بنت سبع سنين مع رجل وامرأة
ادعى الرجل انها مملوكة له وادعت المرأة انها ابنتها فقال (عليه السلام) قد قضى علي (عليه السلام) قلت وما قضى قال كان يقول الناس
كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالرقية ومن أقام بينة على من ادعى من عبد أو أمة فإنه يدفع إليه فيكون
رقا قلت فما ترى أنت قال أرى أن تسئل الذي ادعى انها مملوكة له بينة على ما ادعى فإن أحضر شهودا يشهدون
انها مملوكة لا يعلمون انه باع ولا وهب دفعت الجارية إليه حتى يقيم المرأة من يشهد لها ان الجارية ابنتها حرة
مثلها فلتدفع إليها وتخرج من يد الرجل قلت فإن لم يقم الرجل شهودا انها مملوكة له قال تخرج من يده فإن
أقامت المرأة البينة على انها ابنتها دفعت إليها وإن لم يقم الرجل البينة على ما ادعى ولم يقم المرأة البينة على ما
ادعت خلى سبيل الجارية تذهب حيث شاءت هذا.

458
ولكنك خبير بعدم مقابلة ما ذكر لما ذكرنا إما الأول فلان الأصل وإن كان ما ذكر إلا أن ما قدمنا
على اعتبار اليد والظهور المستفاد منها حاكم عليه كما في سائر الأصول والظواهر المعتبرة القائمة على خلافها
وأما الثاني فلان صدره موافق للأصل المتقدم وأما ذيله فهو وإن كان له ظهور بحسب بادي النظر في الخلاف
من حيث إن الاستثناء كاشف عن أن المخرج عن هذا الأصل ليس إلا الاقرار أو البينة فيحكم بمقتضى الحصر
المستفاد منه بعدم سماع دعوى ذي اليد في المقام لخروجها عن المستثنى إلا أن مقتضى النظر الدقيق خلاف ما
ذكر لان الحصر ليس بالنسبة إلا جميع المقامات بل إنما هو في مورد التنازع والتداعي بقرينة قوله أو شهدت
البينة عليه فإنه ظاهر في مورد التداعي إما في الكبير فواضح وأما في الصغير فبأن يكون المدعي غيره
فالحكم بسماع دعوى ذي اليد في المقام ليس تخصيصا في الخبر حيث إن المفروض كون الحصر الواقع فيه
مختصا بمورد التنازع.
نعم لو لم يكن لنا دليل على سماع دعوى ذي اليد لحكمنا بعدم سماعها لا من جهة الحصر بل من
جهة صدر الرواية المطابق للأصل الأولي هذا كله مضافا إلى أنه لو فرضنا دلالة الخبر على عدم اعتبار اليد في المقام
لوجب الخروج عنه بمقتضى ما قدمنا من الأدلة على اعتبارها من السيرة والاخبار هذا ملخص ما ذكره دام ظله.
ويمكن الخدشة فيه بأنه كيف يحكم بالخروج عن مقتضى الخبر بالأدلة المذكورة مع أن بعضها غير
تام في نفسه كالاخبار الخاصة وبعضها لا يقاوم الخبر كالسيرة فان اعتبارها مشروط بعدم الردع فلا يعقل ان تعارض
ما يشتمل على الردع وبعضها يصلح للمعارضة لكن يرجع التعارض بينه وبين الخبر إلى تعارض العامين من وجه كما
في اخبار اليد فيحكم في مادة الاجتماع وهي محل البحث بالتساقط والرجوع إلى الأصل الأولي وهو أصالة عدم الرقية
أو ترجيح الخبر بناء على كون دلالته من باب العموم ودلالة تلك من باب الاطلاق.
وأما الثالث فيعلم الجواب عنه بملاحظة ما ذكرنا في الجواب عن الثاني مضافا إلى إمكان القول بخروج
مقتضاه عن محل الفرض فإن ظاهر الحديث كون الجارية في يدهما والكلام في اليد الغير المعارضة لان اليد المعارضة
ليس لها ظهور في الرقية هذا مجمل القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو عدم اعتبار اليد في الحكم بالرقية بمجردها ما لم ينضم إليها تصرف
أو دعوى فلعدم الدليل على اعتبار اليد في اثبات أصل القابلية بمجردها وإن قلنا باعتبارها في تشخيص المالك
فيما ثبت مملوكية ما في اليد في الجملة لا من السيرة ولا من الاخبار هذا كله مضافا إلى النزاع في دلالة اليد
بمجردها على الرقية وعدمها في المقام غير مفيد لان اليد الظاهرة في الملك لا توجد في المقام بحسب الموضوع
إلا بالتصرف الظاهر في الملك أو الدعوى لان مجرد اليد على الانسان سيما إذا كان أبيض لا ظهور لها في الملكية
أبدا ومن المعلوم ان من يقول باعتبار اليد بمجردها في اثبات القابلية لا يقول إلا فيما كان لها ظهور فيها واليد
على الانسان أعم من اليد المالكية ومن هنا يعلم أنه لا بد من أن يحمل كلامهم في المقام لو كان المقصود منه القضاء
بدعوى الرقية من ذي اليد من جهة ظهور يده في الرقية مع قطع النظر عن الدعوى على ما ذكرنا نعم يمكن أن
يقال بظهور اليد بمجردها في الملكية لو كان من تعلق اليد به أسود ثم إنه يعلم أدلة سائر الأقوال والجواب عنها
بالتأمل ذكرنا فتأمل حتى يظهر لك حقيقة الامر هذا مجمل القول في الموضع الأول.
وأما الكلام في الموضع الثاني وهو سماع دعوى الصبي الحرية بعد البلوغ وعدمه فقد عرفت اختلاف
كلمتهم فيه والحق سماعها سواء كان له بينة على ما يدعيه أولا لان ما قام الدليل عليه هو القضاء بمقتضى دعوى

459
ذي اليد ظاهرا بل قد يتأمل في ذلك أيضا لو كان هناك ثمرة بينه وبين العمل باليد ومن المعلوم ان القضاء
الظاهري المراعى بعدم البلوغ والدعوى لا يقتضي عدم السماع فإن لم يكن له بينة فله استحلاف ذي اليد ان
قلنا بظهور اليد واعتباره مع دعوى الحرية وعدم تعليقها بعدم دعواه مع بلوغه وإن كان له بينة فيقضى بها إن لم
يكن لذي اليد بينة وإلا فيبنى على الترجيح بالدخول أو الخروج وأدلة سائر الأقوال وأجوبتها ظاهرة فلا
جدوى في تعرضها فالاعراض عنها أجدر.
وينبغي التنبيه على أمور الأول انه هل يجري ما ذكرنا في الصغير الذي لا يد عليه مع عدم معارضة
دعوى المدعي بدعوى غيره أو لا وجهان من عموم ما تمسك به جماعة للحكم في الفضولي من سماع الدعوى إذا
لم يكن لها معارض للمقام أيضا ومن أن القدر المتيقن من كلماتهم هو الصورة الأولى ولا دليل على سماع الدعوى
التي لا معارض لها كلية وإنما الذي قام الدليل عليه هو سماعها في الاملاك وهذا هو الوجه فتوجه.
الثاني انه هل يجري ما ذكروه في الصغير المجهول النسب في المعلوم النسب أيضا إذا كان ممكن
الرقية أم لا وجهان أوجههما الأول لعموم ما تقدم من الدليل في القسم الأول والتقييد الواقع في كلماتهم بمجهول
النسب إنما هو لاخراج معلوم النسب الذي يمنع العلم بنسبه من الحكم بالرقية وقد صرح بما ذكرنا بعض مشايخنا
طاب ثراه وقد كان الأستاذ العلامة مائلا إليه.
الثالث انه هل يجري ما ذكرنا في الصغير في المجنون الكبير أو العاقل الكبير إذا كان ساكتا أم لا
وجهان أوجههما الأول لعموم ما تقدم من الأدلة في الصغير قال في محكي غاية المرام والصحيح الحكم برقية
الكبير الساكت وهو قضية كلام الأصحاب انتهى كلامه وحكى عن المصنف التصريح به في كتبه ولكن عن العلامة
في الارشاد الاشكال في الأخير لأصالة الحرية في الآدمي هذا كله فيما إذا كان العاقل الكبير ساكتا وأما
إذا كان منكرا للرقية فإن تقدم على انكاره يد ظاهرة في الملكية فالقول قول مدعي الرقية ولا يلتفت إلى
انكاره إلا ببينته وإلا فالقول قوله وإلى ما ذكرنا يحمل الأخبار الواردة في عدم سماع دعوى الحرية من
المملوك كما تقدم إلى جملة منها الإشارة والله العالم.
قوله ولو ادعى اثنان رقيته فاعترف لهما قضى عليه أقول إذ ادعى اثنان رقية انسان فلا يخلو إما أن
يعد ما البينة أو يجداها أو يعدمها أحدهما ويجدها الآخر فإن عدما البينة فلا يخلو إما أن ينكرهما المدعى عليه
أو يقر لهما أو يقر لأحدهما فإن أنكرهما فلا شئ لهما عليه وإن أقر لهما فيحكم به لهما على سبيل الإشاعة وإن
أقر لأحدهما فيقضى به له كل ذلك لعموم ما دل على نفوذ الاقرار على النفس وخصوص ما ورد من الأخبار الكثيرة
التي قد تقدم إلى جملة منها الإشارة الصريحة في نفوذ الاقرار بالرقية مع كون المقر مدركا.
والخدشة في صدق موضوع الاقرار على النفس على اقراره كما وقعت عن بعض لأنه إن كان حرا فلا
يملك نفسه ولا يد له على نفسه وإن كان عبدا فكذلك أيضا لأنه لمالكه فاسدة جدا لأنه إذا فرض كون مملوكيته
لاحد ضررا عليه فإذا أقر بها فقد أقر على نفسه فيدخل في عموم ما دل على نفوذ الاقرار هذا كله مضافا إلى
كونها مصادمة للاخبار المصرحة بلفظ أقر على نفسه فراجع.
ومن هنا يظهر ما فيما حكى عن الشيخ رحمه الله في مسألة دعوى العبد العتق والآخر الشراء في انكار كون
العبد ذا يد على نفسه ما يظهر منه عدم قبول الاقرار بالرقية حيث إنه علل عدم يده بأنه لو كان ذا يد لقبل إقراره
بالملكية لاحد المتنازعين فيه وهذا الكلام كما ترى يظهر منه المفروغية من عدم قبول اقراره ولكنا لا نفهمه

460
وإن وجداها فالحكم هو ما تقدم في تعارض البينتين في الاملاك.
ولكن المحكي عن الفاضل في كشف اللثام انه لو أقر بالرقية لأحدهما لم يلتفت إلى اقراره ولا يترجح
به إحدى البينتين مع ذهابه إلى الترجيح بالاقرار من ذي اليد بعد إقامة البينة من المتداعيين في الاملاك وعلله
بما لا يسلم عن المناقشة حيث قال وإذا أقاما بينتين متعارضتين فصدق إحديهما خاصة لم تترجح به بينته لأنه
لا يد له على نفسه فإنه إن كان حرا فلا يد له وإن كان مملوكا فلا يد عليه إلا لمالكه انتهى كلامه رفع في الخلد
مقامه وهو كما ترى بظاهره فاسد لاقتضائه عدم سماع اقراره مطلقا حتى فيما لم يكن هناك بينة أصلا وهو مناف
لما اعترف به سابقا من قبول اقراره في صورة عدم البينة منهما بل ظاهره المحكي الاجماع عليه هذا.
ولقد كان الأستاذ العلامة في مجلس البحث ذاهبا إلى الفرق بين المقامين وموجها لما ذكره الفاضل
في الكشف بما حاصله انه قد تقرر في محله ان الوجه في الترجيح باقرار ذي اليد وجهان ذهب إلى كل فريق.
أحدهما صيرورة المقر له بالاقرار ذا اليد عرفا بحيث يكشف الاقرار عن كون يد المقر هي يد المقر
له فكأنه نائب عنه فحينئذ أما أن يقدم بينة المقر له أو صاحبه على الخلاف في ترجيح بينة الداخل أو الخارج وقد تقدم
في مطاوي كلماتنا السابقة ان هذا الوجه يظهر من جماعة من الأصحاب.
ثانيهما صيرورة مقر له بالاقرار ذا الحجة شرعا فيقدم بينته أو بينة صاحبه على الخلاف في ترجيح
بينة الداخل والخارج حيث إنك قد عرفت فيما سبق ان المراد من الداخل والخارج ليس هو خصوص ذي اليد وغيره
بل كل متشبث بالامارة الشرعية سواء كانت أصلا أو غيره ولم توجد للآخر.
أما الوجه الأول فلا يمكن اجرائه في المقام ضرورة انه لا يد للانسان على نفسه سواء كان حرا أو رقا
حتى يعطيها بمن يقر له بالرقية وهذا معنى ما ذكره الفاضل في الكشف.
لا يقال لو لم يكن يد المقر في المقام على نفسه فكيف يجعل المقر له ذا يد عليه في صورة عدم البينة
حسبما اعترف به الفاضل في الكشف.
لأنا نقول صيرورة المقر له ذا يد على المقر في صورة عدم البينة ليست من جهة كشف الاقرار عن
بدلية يد المقر عن يد المقر له بل من جهة ان بعد قيام الحجة على ملكية المقر للمقر له وهي اقراره يحكم بكونه
ملكا له فيصير ذا يد عليه فهو كما لو شهدت البينة على الملكية فإن صيرورته ذا اليد بعدها إنما هي من
الحيثية التي ذكرناها.
وأما الوجه الثاني فهو وإن كان جاريا في صورة عدم البينة منهما حسب ما عرفته لكنه لا يجري في
صورة إقامة البينة منهما لان البينتين اتفقتا على عدم صلاحية المقر للاقرار وخروجه عن القابلية من حيث كونه
مملوكا لأحدهما وهذا بخلاف البينتين القائمتين على ملكية ما في يد الثالث للمتداعيين فإنهما لا تخرجان
المقر عن قابلية الاقرار فيمكن القول بسماع الاقرار ثمة وصيرورته مرجحا لاحدى البينتين ولا نقول به في المقام
نعم لو لم نقل بسماع الاقرار هناك ففي المقام لا نقول به بالأولوية وإن شئت قلت في وجه الفرق ان البينة القائمة
على خلاف المقر ويخالفها الاقرار تخرج المقر عن قابلية الاقرار في المقام وهذا بخلاف ذلك المقام فإن المقر باق
على قابلية الاقرار ولو بملاحظة البينة القائمة على خلاف اقراره هذا ملخص ما ذكره دام ظله وهو كما ترى لا
يخلو عن شوب الاجمال وتطرق النظر.
أما أولا فلامكان أن يقال بثبوت اليد للانسان على نفسه لان المراد من اليد ليس هو الملك حتى

461
يقال بعدم تعقل كون الشخص مالكا لنفسه بل هو الاستيلاء الكاشف عن الاختصاص الملكي لو وجد محلا
قابلا وإلا لأمكن المناقشة في صدق الاقرار على النفس على اقراره لان من لا يكون مسلطا على شئ لا يصدق
على اقراره به انه إقرار على نفسه فتأمل.
وثانيا سلمنا انه لا يد له على نفسه لكن نقول إنه لا يعقل الفرق بين المقامين في سماع الاقرار لأنه لو
بنى على ملاحظة ما اتفقت عليه البينتان واعتبارهما فيه فلا يعقل الحكم بسماع الاقرار في المقامين لأنهما كما
تخرجان المقر عن قابلية الاقرار في المقام كذلك تخرجان المقر به عن قابلية الاقرار به في ذلك المقام.
وبعبارة أخرى أوضح كما يتوقف صدق الاقرار على النفس الذي أمضاه الشارع على قابلية المقر
كذلك يتوقف على عدم كون المقر به مالا لغير المقر بالبينة الشرعية وإلا لم يصدق على الاقرار به انه إقرار على
النفس بل على الغير فالفرق على هذا التقدير غير معقول وإن لم يبن على ملاحظة ما اتفقت عليه البينتان بل
ملاحظة الاقرار مع قطع النظر عن البينتين أو معه والحكم بعدم اعتبارهما حتى في القدر المتفق عليه فلا معنى
للتفرقة أيضا بل لا بد من البناء على السماع في المقامين وبالجملة كلما نتأمل لا نعقل الفرق بينهما والله العالم.
قوله لو ادعى دارا في يد زيد وادعى عمرو نصفها وأقاما البينة آه أقول لا إشكال في القضاء لمدعي الكل
بنصفه حسب ما عليه المشهور سواء أقر له مدعي النصف به أو سكت لتمحض النزاع على كل تقدير في النصف
من الكل فإن حلف من خرج باسمه القرعة أو حلف صاحبه على تقدير نكوله عن الحلف فهو وإلا فيقضى بينهما
نصفين فيكون لمدعي الكل ثلاثة أرباع منه ولمدعي النصف ربع.
وكذا لا إشكال في القضاء لمدعي الكل بالكل لو كان في يدهما وأقاما بينة على ما هو المشهور من تقديم
بينة الخارج لخروج النصف عن يد مدعي الكل ودخوله في يد مدعي النصف فيأخذه مدعي الكل بالبينة والنصف
الآخر من جهة عدم المعارضة هذا هو المشهور في المقامين ويقتضيه التحقيق.
خلافا لابن الجنيد فذهب إلى تقسيم العين في المقامين أثلاثا على طريق العول والذي حكاه عنه
في المسالك وإن كان فيما لو كانت العين في يدهما مع البينة منهما أو بدونهما إلا أن من التأمل في كلامه يعلم
عدم فرقه بين الصور.
قال فيما حكي عنه ويقتسمان الدار مع البينة وعدمها على طريق العول فيجعل لمدعي الكل
الثلثان ولمدعي النصف الثلث لان المنازعة وقعت في أجزاء غير معينة ولا مشار إليها بل كل واحد من أجزائها
لا يخلو من دعوى كل منهما باعتبار الإشاعة فلا يتم ما ذكروه من خلوص النصف لمدعي الكل بغير منازع
بل كل جزء يدعي مدعي النصف نصفه ومدعي الكل كله ونسبة إحدى الدعويين إلى الأخرى بالثلث فتقسم العين
أثلاثا واحد لمدعي النصف واثنان لمدعي الكل فيكون كضرب الديان في مال المفلس والميت انتهى كلامه رفع
في الخلد مقامه.
وهذا الكلام منه مبني على ما تقدم منا في معنى الإشاعة وانه عبارة عن تعلق حق كل من الشريكين
بكل جزء يفرض من العين فإذا فرض كون النصف الذي يدعيه مدعي النصف هو النصف المشاع لا المعين حسب
ما هو المفروض فيتعلق دعواه بكل جزء يفرض من العين فلم يبق هناك جزء يتسالم لمدعي الكل فإذا أردنا
تصديقهما مع عدم قابلية العين لتصديقهما فيها بالنسبة إلى تمام ما يدعيانه فلا بد من أن يرد النقص على كل
منهما بالنسبة إلى نصيبه بحيث تكون نسبتهما بعد ورود النقص عليهما كنسبتهما قبله مثلا نسبة النصف والكل

462
نسبة الثلث والثلثين فلا بد من أن يكون نسبة ما ينقص عنهما أيضا هو الثلث والثلثين وهذا معنى العول ولازمه
اعطاء الثلث لمدعي النصف والثلثين لمدعي الكل كما في الغريمين للميت إذا كانت نسبة حقهما نسبه النصف و
الكل نعم لو كان نزاعهما في النصف المعين من العين بحيث كان هو مورد النزاع ليس إلا لتم ما ذكره المشهور إذ
وقوع النزاع في جزء معين من الدار لا يقتضي وقوعه في الجزء الآخر.
هذا ملخص ما ذكره قده وهو كما ترى يرجع إلى دعوى سببية كل من الدعويين أو البينتين بالنسبة إلى
ما يتعلق به والمفروض ان مدعي الكل إنما يريد تخليص كل جزء من العين وملكيته له ومدعي النصف يريد
الاخذ من كل جزء يفرض من العين ويدعي استحقاقه في الجملة فليس هنا جزء من العين متسالم ملكيته لمدعي
الكل أو غير متنازع فيه لمدعي النصف بل تزاحمهما (نزاعهما خ) بالنسبة إلى الجميع.
وفيه أولا ان هذا لا يستقيم على تقدير القول باعتبار البينة أو اليد من باب السببية وإنما يستقيم مع
غمض النظر عما سيجئ على تقدير القول به من باب السببية فإن صورة الاجتماع حينئذ تصير مورد التزاحم لوجود
ما هو المناط للتأثير في كل واحد منهما على ما هو شأن المتزاحمين من بقاء الجهة في كل منهما في مورد الاجتماع
وإنما القصور من المحل ليس إلا وهذا بخلاف القول بالطريقية فإن جهة الاعتبار ومناطه غير موجودة في
أحدهما قطعا فلا مقتضى للاخذ بكل منهما في مورد الاجتماع قطعا هذا.
ولكنك خبير بعدم ورود ما ذكر عليه لان كلامه إنما هو على المشهور الملتزمين بالتقسيم في أمثال
المقام من جهة أدلة تصديق البينتين أو غيرها فاما مبنى الكلام منه ومنهم على اعتبار الامارات من باب السببية
في مقام الترافع أو على اعتبارها من باب الطريقة والالزام (الالتزام خ) بالتبعيض بالنسبة إلى جهة كشفها وترتب
الأثر عليها والحكم بصدقهما على ما هو معنى تبعيض الشئ بالنسبة إلى ما يقتضيه.
وثانيا ان مجرد وقوع النزاع في سبيل الإشاعة السارية في جميع الأجزاء لا يقتضي عدم سلامة جزء
لمدعي الكل إذ كما يقال إن كل جزء يفرض من العين يريد مدعي النصف نصفه كذلك يقال إن كل جزء يريد
مدع النصف من المجموع نصفه يبقى نصفه الآخر لمدعي الكل بلا منازع ومدعي الكل وإن كان مقصوده رفع
يد مدعي النصف من كل جزء لكن بالنسبة إلى نصفه فهو إنما يقيم البينة على المجموع من حيث اشتماله على
المدعى وهو النصف لا أن يكون المقصود هو اثبات الكل من البينة من حيث الكل كما قد يتوهم فالتزاحم إنما
وقع حقيقة بالنسبة إلى نصف الكل فلا بد من الحكم بتقسيم البينتين بالنسبة إليه فيقسم العين أرباعا ثلاثة أرباع
لمدعي الكل وواحد لمدعي النصف.
وهذا لا دخل له بمسألة العول ولا مسألة اجتماع حقوق الغرماء في مال المفلس والميت الغير الكافي
بها فإن المفروض في هذه المسائل تعلق كل من الحقين الزايد والناقص بالمال واقعا وإنما القصور في العين
فصاحب الحق الزايد فيها معترف بثبوت الحق الناقص لصاحبه وانه لو وفى به المال لكان له جميع حقه وكذا
صاحب الحق الناقص بالنسبة إلى الزايد.
وهذا بخلاف المقام فإن الذي يدعيه مدعي النصف هو بعينه الذي يدعيه مدعي الكل ويكذب مدعي
النصف بالنسبة إليه وأما مدعي الكل فلا يكذبه مدعي النصف بالنسبة إلى النصف المشاع من المال وإنما يكذبه
بالنسبة إلى نصف من الكل مشاعا فيحكم بالتقسيط بينهما بالنسبة إلى مورد التداعي وهو النصف من العين في مقابل
النصف الآخر الذي يكون اخريته باعتبار المعتبر وبالجملة لا أرى وجها للحكم بالتقسيم على طريق العول في المقام.

463
ثم إنه حكى تنظير ما نحن فيه عن ابن الجنيد بما لو كانت تركة الميت بمقدار ألف دينار وكان
لاحد الغريمين عليه ألف وللآخر عليه ألفان فكما انه في الفرض لا يحكم بتقسيم الألف أرباعا من حيث اعتراف
صاحب الألف بكون نصفه لصاحب الألفين بإزاء الألف بل تقسم بينهما على سبيل العول أثلاثا كذلك في المقام
وأجاب عنه العلامة قده بخروجه عن محل الفرض لان الحق من كل منهما في المثال مستوعب لتمام المال فكل
منهما يريد تمامه فلا جزء هنا يسلم لمريد الزيادة وهذا بخلاف المقام.
وأورد شيخنا الأستاذ دام ظله العالي على ما ذكره العلامة قدس سره بأن ما ذكره من التقسيم على
طريق العول جار فيما إذا كان حق أحد الغريمين في المثال أنقص من الألف فهو فرار عن الجواب والحق في
الجواب ما ذكرنا من فساد المقايسة على ما عرفته.
ثم إن هذا كله فيما إذا كان التداعي بين شخصين وأما إذا كان بين أزيد من الشخصين فتارة لا يستوعب
ما يدعيه غير مدع الكل الكل بأن ادعى أحدهما النصف والآخر الثلث وأخرى يستوعبه سواء ساواه كما لو ادعى
أحدهما الثلثين والآخر الثلث أو زاد عنه كما لو ادعى أحدهما الثلثين والآخر النصف.
أما الأول فالظاهر أنه لا إشكال في مساواة حكمه للصورة السابقة فيبقى السدس سليما عن المزاحم
لمدعي الكل فيقسم الباقي باعطاء اثنين لمدعي النصف وواحد لمدعي الثلث وثلاثة لمدعي الكل إذ مزاحمة
مدعي الثلث إنما هو مع مدعي الكل إذ لا تعارض بينه وبين مدعي النصف أصلا فلا معنى لورود النقص على حصته ولا
فرق فيما ذكرنا بين ملاحظة المدعيين للكسرين ومدعي الكل مجتمعين أو متفرقين كما لا يخفى واحتمل
في القواعد في المقام القول بالتقسيم على طريق العول على ما ذهب إليه ابن الجنيد ويحتمله عبارته في المختلف أيضا
ولم يعلم وجه الفرق بينه وبين الصورة الأولى وهو ما لو كان التداعي بين النصف والكل.
وأما الثاني وهو صورة الاستيعاب سواء كان مع مساواة الكسور للكل أو زيادتها منه فالذي عليه
المشهور عدم الفرق أيضا فيقسم على غير طريق العول من غير فرق بين ملاحظة المدعيين مجتمعين أو متفرقين
ويظهر من العلامة رحمه الله موافقته لابن الجنيد في الصورة لعدم بقاء جزء من العين خال عن المزاحم له وكلامه وإن
كان مطلقا شاملا للصورة السابقة أيضا إلا أنه حمله الفاضل في الكشف على صورة الاستيعاب من حيث عدم وجه
للفرق بين صور عدم الاستيعاب حيث قال بعد نقله ما ذكره الفاضل في المتخلف من قوله بعد نقل خلاف ابن
الجنيد وهو الأقوى عندي لو زاد المدعون على اثنين ما هذا لفظه يعني واستوعب دعاوى غير مدعي الجميع للعين
أو زادت عليها كما إذا ادعى أحد الثلاثة الجميع وآخر منهم الثلثين وآخر منهم الثلث أو النصف فإنه حينئذ لا يبقى في العين
جزء لا تزاحم فيه بخلاف ما إذا ادعى أحد الجميع وكل من الآخرين الثلث انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
فتلخص مما ذكرنا أن الأقوال في المسألة ثلاثة أو أربعة والحق هو ما ذهب إليه المشهور في جميع
الصور ويدل على ما ذكرنا مضافا إلى ما عرفت مرسل ابن المغيرة عن الصادق (عليه السلام) في رجلين كان
بينهما درهمان
فقال أحدهما الدرهمان لي وقال الآخر هما بيني وبينك فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أما الذي قال هما بيني وبينك فقد
أقر بأن أحد الدرهمين ليس له في شئ وانه لصاحبه وأما الآخر فبينهما خلاف وكذا مرسل ابن أبي حمزة عنه
أيضا وجه الدلالة انك قد عرفت في طي كلماتنا السابقة ان الرواية ظاهرة في صورة الإشاعة بملاحظة قوله بيني و
بينك ولو لم تكن ظاهرة فيها يمكن القول بظهورها في المدعى أيضا بملاحظة التعليل هكذا ذكره الأستاذ العلامة
وتوهم اختصاص كلام ابن الجنيد بصورة عدم الاقرار مما هو فاسد جزما هذا.

464
وذكر بعض مشايخنا طيب الله تربته بعد كلام له في المقام على ما ذكره ابن الجنيد ما هذا لفظه
ولكن الانصاف مع ذلك عدم خلو كلام ابن الجنيد من قوة مع تزاحم الأمارات الشرعية ولم يكن شئ متسالم
عليه فيما بينهم انه لأحدهم ولعله ذلك أو لما يقرب منه سمعت الميل إليه في المختلف فيما فرضه فلاحظ
وتأمل انتهى كلامه.
قوله إذا تداعى الزوجان متاع البيت آه أقول في المسألة ونظايرها أقوال.
أحدها ما عليه المشهور حسب ما حكي بل حكى عليه في الرياض عدم الخلاف انه لو كانت لأحدهما
بينة قضى له بها وإن كانت لكل منهما بينة يدخل فيما تقدم حكمه كلية في باب تعارض البينات إذا كانت العين
بيدهما وإن لم تكن هناك بينة أصلا فيقضى بينهما بالتنصيف بعد حلف كل منهما لصاحبه من غير فرق في ذلك
كله بين ما يختص بالرجال مثلا كالعمائم أو النساء كالحلي والمقانع مثلا وبين أن يكون الدار لهما أو لأحدهما و
سواء كانت الزوجية باقية أو زائلة بل في محكي كشف اللثام وسواء كانت يداهما عليه مشاهدة كالعمامة أو الخلخال
يلبسانه أو حكما وهو الكون في بيت يسكنانه وسواء جرت العادة بجهاز مثلها بقدره أم لا انتهى واستدلوا عليه
بعموم ما دل على أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ولا يخفى عليك ان هذا الدليل على فرض تماميته
لا يقتضي الحكم بالتمام إذا كان لأحدهما بينة بناء على القول المشهور من عدم سماع البينة من المنكر أصلا و
المفروض ان كلا منهما بالنسبة إلى نصف ما في يدهما منكر نعم بناء على ما ذكرنا من سماع البينة من المنكر
إذا لم يكن بينة للمدعي كان ما ذكروه في غاية الوجاهة.
ثانيها ما حكي عن الشيخ رحمه الله في ف من أنه ما يصلح للرجال للرجل وما يصلح للنساء للمرأة وما يصلح لهما
يقسم بينهما بعد التحالف أو النكول وقد سبقه إلى ذلك الإسكافي ولحقه جماعة بل في المسالك نسبته إلى الأكثر
بل عن نكت النهاية للمصنف نسبته إلى المشهور بل عن الخلاف والسراير الاجماع عليه ومستند هذا القول
صحيح النحاس عن الصادق (عليه السلام) إذا طلق الرجل المرأة وفي بيتها متاع فلها ما يكون للنساء وما يكون للرجال
والنساء يقسم بينهما قال وإذا طلق الرجل المرأة فادعت ان المتاع لها وادعى الرجل ان المتاع له كان له ما للرجال
ولها ما للنساء وبمضمونه أيضا روايات إلا أنها مختصة ببعض الأشياء وبما يصلح للمرأة إلا أن يفهم منها التعميم من
الجهتين بالحمل على التمثيل والمفهوم فراجع إليها.
ثالثها انه للمرأة وأفتى بها الشيخ رحمه الله في المبسوط وتبعه جماعة ومستنده صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج
وخبر آخر قال عبد الرحمن بن الحجاج سألني أبو عبد الله كيف قضاء ابن أبي ليلى قلت قد قضى في مسألة واحدة
بأربعة وجوه في التي يتوفى عنها زوجها فيجئ أهلها وأهله في متاع البيت فقضى فيها بقول إبراهيم النخعي
ما كان من متاع الرجل فللرجال وما كان من متاع النساء فللمرأة وما كان من متاع يكون للرجل والمرأة
قسمت بينهما نصفين ثم ترك هذا القول فقال المرأة بمنزلة الضيف في منزل الرجل لو أن رجلا أضاف رجلا
فادعى متاع بيته كلف البينة وكذلك المرأة تكلف البينة وإلا فالمتاع للرجل ورجع إلى قول آخر فقال القضاء
ان المتاع للمرأة إلا أن يقيم الرجل البينة على ما أحدث في بيته ثم ترك هذا القول ورجع إلى قول إبراهيم الأول
فقال (عليه السلام) القضاء الأخير وإن كان رجع عنه المتاع متاع المرأة إلا أن يقيم الرجل البينة وقد علم من بين
لا بيتها يعني بين جبلي منى لأنه قال له ونحن يومئذ بمنى ان المرأة تزف إلى بيت زوجها بمتاع الحديث والخبر
أيضا قريب منه إلا أن فيه استثناء الميزان هذا ملخص الأقوال وملخص أدلتها.

465
وقد ذكر الأستاذ العلامة انه لا إشكال ان مقتضى الأصل الأولي هو الحكم بخروج يد المرأة عن
المتاع لو كان الدار للرجل وكذا بالعكس لو كان الامر بالعكس لان اليد على الدار في نفسها تقتضي اليد على
متاعها نعم لا إشكال في كون منهما ذا اليد بالنسبة إلى ما في يده حقيقة كلباسه وهو خارج عن اطلاق المتاع
ففيه يحكم بمقتضى القاعدة ويدل على ما ذكرنا ما في بعض الروايات من استولى على شئ فهو له وإن تمت
الأخبار الواردة في حكم المتاع من غير فرق فيما ذكرنا من مقتضى الأصل بين ما يصلح للرجل وما يصلح للمرأة
وما يصلح لهما وبين جريان العادة على حمل المتاع من بيت الرجل وبالعكس إلا أنه في بعض الصور يكون
مقتضى العادة الظنية والظهور على خلاف ما ذكرنا وهما لا يقتضيان الخروج عن مقتضى الأصل الأولي ما لم
يقم الدليل على اعتبارهما لأنك قد عرفت أن المناط في صدق المدعي والمنكر هو الظهور المعتبر لا مطلق الظهور
سيما وإن المقام من الموضوعات فكيف يقال باعتبار مطلق الظهور فيه نعم ما جرى عليه الأولون يكون على طبق
الأصل لو كانت الدار بينهما هذا بالنظر إلى مقتضى الأصل الأولي إلا أن مقتضى صحيحة عبد الرحمن الحجاج
الحكم بكون اليد للمرأة ولا يخفى ان مقتضى التعليل المذكور فيها هو كون المناط في الحكم بتحقق اليد
هو استقرار العادة بحيث أمكن الحكم بمقتضاها على سبيل الاطمينان والوضوح فلو فرض ان في بلد استقرت العادة
على عكس ما في مكة يحكم بمقتضاها فيحكم باليد للرجل ولو لم تستقر عادة من الطرفين يرجع إلى الأصل الذي
قررناه ويمكن أن يحمل عليه ما في جملة من الروايات من الحكم باختصاص ما يصلح للرجال بالرجل وما يصلح
للنساء بالمرئة فيقال ان الرواية واردة فيما استقرت العادة على أن ما يصلح للرجال فيشتريه الرجل وما يصلح
للنساء فتشتريه المرأة وتزف إلى بيت الرجل فتصير الصحيحة بمقتضى ظهور التعليل دليلا على اعتبار مثل الظهور
المفروض فيه في جميع المقامات وبالجملة لو قامت حجة قاطعة على الخروج من مقتضى الأصل الأولي فهو وإلا
فالمتعين الجري عليه ومما ذكرنا كله يظهر فساد ما ربما تمسك به جماعة للقول الرابع من الاعتياد ووجه
الظهور ظاهر.
هذا ملخص ما أفاده دام ظله وقد سبقه إلى ما ذكره في كيفية الاستدلال بالرواية ثاني الشهيدين في
المسالك وإن خالفه في تقرير الأصل الأولي وبعض أشياء أخر حيث قال ما هذا لفظه والمعتمد ان نقول إنه إن كان هناك
قضاء عرفي يرجع إليه ويحكم به بعد اليمين وإلا كان الحكم فيه كما في غيره من الدعاوى إلى أن قال لنا ان
عادة الشرع في باب الدعاوى بعد الاعتبار والنظر راجعة إلى ما ذكرناه ولهذا حكم بقول المنكر مع اليمين بناء
على الأصل وبأن المتشبث أولى من الخارج لقضاء العادة بملكية ما في يد الانسان غالبا إلى أن قال واعلم أن
ما رواه الشيخ رحمه الله من الأحاديث يعطي ما فصلناه نحن أولا ويدل عليه حكمه (عليه السلام) بان العادة قاضية بأن المرأة تأتي
بالجهاز من بيتها فيحكم لها به وإن العادة قاضية بأن ما يصلح للرجال خاصة فإنه من مقتضياته دون مقتضيات
المرأة وكذا ما يصلح للمرأة خاصة يكون من مقتضياتها دون مقتضيات الرجل إلى أن قال ولو فرض خلاف هذه
العادة في وقت من الأوقات أو صقع من الأصقاع لم يحكم لها ضرورة ان مبناه أولا وآخرا الرجحان الناشئ من
العادة إلى آخر ما ذكره قده.
أقول لا يخفى ان ما ذكره الأستاذ العلامة من مقتضى الأصل الأولي لم يسبقه إليه أحد بل ظاهر كلماتهم
خلافه وهو الحق لان من الواضح انه لا يحكم أهل العرف بتسلط المالك منهما للدار بالنسبة إلى ما فيها من المتاع
المشترك بينهما في الاستعمال سيما مع ملاحظة استقرار السيرة على حمل المتاع إلى بيت الرجل من المرأة

466
ولو في الجملة ومن المعلوم ان الحكم بتحقق اليد عرفي لا يتبع مالكية الدار وعدمها فما ذكره الأولون هو
مقتضى الأصل الأولي بالنسبة إلى غير ما في يدهما حقيقة كاللباس ونحوه نعم ما ذكره في استفادة المطلب من
الروايات في غاية المتانة إلا أن عدم العمل بها سيما مع استثناء الميزان ونحوه في بعضها يوجب الوهن فيها فتأمل.
قوله لو مات الأب المسلم عن ابنين فتصادقا على تقدم اسلام آه أقول لا يخفى عليك ان ما ذكره من باب
مجرد المثال ضرورة انه لا فرق في الحكم المذكور بين كون المورث الأب وغيره فحينئذ لا يخلو إما أن يكون تاريخ
اسلام المختلف في زمان اسلامه مع تاريخ موت المورث كلاهما مجهولين وإما أن يكون تاريخ الموت معلوما
وتاريخ الاسلام مجهولا وإما أن يكون الامر بالعكس.
لا إشكال عندنا وعند كل من تعرض للمسألة حسب ما حكي في كون القول في الصورتين الأوليين قول
المتفق على اسلامه زمان الموت لأنه مقتضى أصالة عدم اسلام الآخر في زمان موت المورث فيثبت تمام الإرث
للمتفق على اسلامه مع حلفه على نفي علمه ان ادعى عليه العلم بناء على ما هو المشهور من اشتراط دعوى العلم
فيما يكون الميزان فيه اليمين على نفي العلم ولا يعارضها في الصورة الأولى أصالة عدم تقدم الموت على الاسلام
لأنه لا يترتب عليها أثر إلا على القول باعتبار الأصول المثبتة الغير الثابت عندنا لان الذي يترتب عليه الأثر هو
كون الموت مؤخرا عن الاسلام وبعده ومن المعلوم ان هذا لا يجوز اثباته بالأصل المذكور على ما عرفت
ومثل هذا لا يجري في الأصل الجاري في الطرف المقابل لان مجرد عدم اسلام الابن في زمان موت المورث الذي
هو عين المستصحب يكفي في الحكم بعدم استحقاقه للإرث لأنه عبارة عن استحقاق القريب من قريبه شيئا بموته
وانتقال المال منه إليه بواسطة موته بشرط كونه مسلما فالسبب هو الموت عن قريب مسلم فمجرد عدم الاسلام
في زمان الموت يكفي في الحكم المذكور من غير احتياج إلى شئ.
ومحصل ما ذكرنا في المقام انا قد ذكرنا في الأصول غير مرة بل في الفقه أيضا بحسب اقتضاء المقام
انه كلما تعارض الأصل في حادثين شك في تقدم أحدهما على الآخر مع عدم معلومية تاريخ أحدهما فلا بد من أن يلاحظ
ان الأثر الشرعي هل يترتب على عدم كل منهما في زمان وجود الآخر أو على تأخر كل منهما وجودا عن الآخر أو
على عدم أحدهما في زمان وجود الآخر ففي الأول لا إشكال في وقوع التعارض وفي الثاني لا إشكال في
عدم اعتبارهما بالنسبة إلى هذا الأثر إلا على القول باعتبار الأصول المثبتة فيصير كالأول وفي الثالث يؤخذ بالأصل
الذي يترتب الحكم الشرعي على نفس مجريه وهو عدم وجوده في زمان وجود الآخر ولا يعارض بالأصل الذي لم
يترتب الحكم الشرعي على مجريه بل على تأخره عن وجود الحادث الآخر ففي هذا المقام لا يحكم بوقوع المعارضة
بينهما كما لا يخفى على الفطن هذا ملخص ما يستفاد من كلامهم في المقام.
واستشكل فيه بعض مشايخنا بان ذلك إنما يتم على تقدير كون الاسلام شرطا في الإرث لا كون
الكفر مانعا حيث قال ولكن قد يشكل الأول بل والثاني بناء على أن أصالة تأخر الحادث لا تفيد تأخر نفس
المدعى به عن نفس الآخر المعلوم تاريخه بأن ذلك يقتضي عدم الحكم باسلامه قبل موت الأب وذلك لا يكفي
في نفي الإرث المقتضى له نفس الولدية والكفر والرق مانعان لا الاسلام والحرية شرطان حتى يكفي فيه عدم
تحقق الشرط انتهى كلامه.
وتحقيق القول وتفصيله في المقام على وجه يرفع غواشي الأوهام عن وجه المرام يقتضي التكلم
في المقامين أحدهما في توريث المختلف في زمان اسلامه وعدمه ثانيهما في اثبات كون جميع الإرث للمتفق

467
على اسلامه بعد البناء على الحكم بعدم توريث الآخر.
فنقول إما المقام الأول فلا إشكال في أن الحق هو ما عليه المشهور من عدم توريث المختلف في بدو
زمان اسلامه فيما لم يكن له بينة بناء على ما عرفت من تحقيقنا المتقدم من عدم التعارض بين الأصلين في الحادثين
إذا ترتب على عدم أحدهما في زمان الآخر اثر شرعي من غير عكس.
وأما ما ذكره شيخنا المتقدم ففيه أولا ان ما ذكره إنما يكون صحيحا إذا قلنا بأن الكفر أمر وجودي
فإنه حينئذ يمكن أن تردد الامر بين كونه مانعا أو كون الاسلام شرطا وأما إذا قلنا بكونه عدميا حسب ما عليه
جماعة ومال إليه الأستاذ العلامة في مجلس البحث فلا معنى للترديد المذكور لان المانع لا يكون إلا وجوديا
فيستكشف من استلزام العدم للعدم ان الوجود شرط لان هذا هو معنى الشرط ولعمري انه وقع كثير إما هذه
المغالطة في كلماتهم في جملة من المسائل كما في مسألة الموت والتذكية وغيرها وأما ذكرهم الكفر في
عداد المانع فإنما هو مبني على التسامح كما في كثير من الموانع التي ذكروها فارجع إلى قواعد الشهيد حتى
تعلم حقيقة الحال.
وثانيا انه على فرض تسليم كون الكفر أمرا وجوديا نقول إن الحكم الشرعي وهو الإرث وعدمه إنما
ترتب في الشرع على الاسلام وعدمه لا على الاسلام والكفر لأنا نقطع بأن الحكم الشرعي عدم توريث غير المسلم
من المسلم وإن فرض عدم تدينه بإحدى الملل الفاسدة.
وثالثا سلمنا ان الكفر مانع لكنه لا يجدي في المقام لان الرجوع إلى أصالة عدم المانع إنما هو فيما
لم يكن المانع مسبوقا بالوجود وإلا فيستصحب بقائه فيرتفع الثمرة حينئذ بين كون الاسلام شرطا والكفر مانعا
وهذا أمر واضح عند ذوي الأفهام المستقيمة.
ثم إنه ربما يستفاد من مطاوي كلمات شيخنا المتقدم التمسك في قبال المشهور بعموم ما دل على
ارث القريب من القريب خرج منه معلوم الكفر فيبقى الباقي وقد وقع مثل هذا كثيرا في كلماتهم وهو أيضا
فاسد لأنا حققنا في محله ان التمسك بالعام في المجمل المصداقي لا يجوز إلا إذا كان هناك أصل موضوعي يشخص
كونه من المخصص لا من أفراد المخصص كما إذا ورد من المولى أكرم العلماء ثم ورد لا تكرم فساقهم وشككنا
في فرد غير معلوم الفسق سابقا انه فاسق أو عادل فبأصالة عدم فسقه يحرز كونه غير فاسق وتمام الكلام مذكور في
محله فافهم هذا كله بالنسبة إلى الكفر.
وأما الرقية فلا يخلو إما أن نقول بأن الرق غير قابل للتملك أصلا بحيث ان مقتضى التملك فيه ليس
بموجود كما عليه المشهور وإما أن نقول بأن عدم تملكه من جهة المانع فعلى الأول يكون كالأول فيجري فيه
جميع ما عرفته فيه وأما على الثاني وإن لم يرد عليه جميع ما تقدم في الأول إلا أنه يجري فيه أيضا الايراد
الثالث كما لا يخفى هكذا ذكره الأستاذ العلامة.
ولكن يرد على المشهور في القسم الأول ان ما ذكروه إنما يكون وجيها بناء على ما عرفته منا من عدم
جواز الاتكال على الأصول المثبتة وهذا هو الذي دعانا إلى التفصيل بين الأصلين الجاريين في الحادثين بما عرفته
وأما بناء على ما عليه الأكثرون من كون اعتبار الاستصحاب من باب الظن وعدم الفرق فيه بين الأصول المثبتة
وغيرها فما ذكروه لا يخلو عن إشكال لان أصالة عدم الاسلام في زمان الموت على هذا التقدير لا تسلم عن معارضة
أصالة عدم تحقق الموت قبل الاسلام فثبت تحققه بعده وهذا الاشكال مما لا مدفع له عن كلام المشهور.

468
نعم ذكر الأستاذ العلامة في وجه دفعه ان المشهور إنما يلتزمون بالأصول المثبتة فيما كان
من اللوازم العقلية للمستصحب أو العادية لا فيما كان من الاتفاقيات والمقارنات وفيه على تقدير صدق النسبة
انا نطالبهم بدليل هذا التفصيل بعد فرض كون اعتبار الاستصحاب من باب الظن والطريقية نعم يمكن
أن يقال إن بعد تعارض الأصلين وتساقطهما يكون المرجع أصالة عدم تحقق الاستحقاق فتأمل هذا مجمل
القول في المقام الأول.
وأما الكلام في المقام الثاني وهو اثبات تمام الإرث للمتفق على اسلامه زمان الموت فالحق فيه أيضا
مع المشهور حيث إن الذي يقتضيه التحقيق المحقق في محله كون نفس القرابة مقتضيا لانتقال تمام المال
إلى القريب فيقع التزاحم بين الوارثين فيكون التقسيط بينهما من جهة وجود مقتضى التمام في كل منهما
فيفضي إلى التبعيض بمقتضى التزاحم بعدم بطلان التخيير فالمانع من انتقال تمام المال إلى كل من الوارثين
ليس إلا وجود الوارث الآخر فإذا ثبت عدم وجوده فيرتب حكمه عليه وبعبارة أخرى المقتضى لانتقال تمام
الإرث إلى الابن مثلا عدم وجود ابن مسلم آخر مثلا معه فإذا ثبت عدم وجوده فلا بد من الحكم بانتقال تمام
المال إليه وهذا مما لا إشكال فيه إن شاء الله هذا مجمل القول في الصورتين الأوليين.
وأما الكلام في الصورة الثالثة وهي ما إذا كان زمان الاسلام معلوما وزمان الموت مجهولا فالذي
يظهر من المصنف في المتن ومن غيره في غيره ان القول قول من يدعي تأخر زمان الموت إما لاستصحاب بقاء حياة
المورث إلى زمان حصول العلم بالموت كما عن جماعة واما من جهة عدم العلم بتحقق المانع من وجود مقتضى
حسب ما صرح به بعض مشايخنا بناء على ما عرفت منه وعرفت ما فيه.
ولكن الذي يقتضيه التحقيق تطرق الاشكال إلى ما ذكروه بناء على ما هو المحقق عندنا من عدم
الاعتبار بالأصول المثبتة لأن استصحاب حياة المورث لا يثبت تأخر زمان موته عن زمان الاسلام وبدونه لا ينفع
نعم ما ذكروه بناء على ما بنوا على الامر من عدم الفرق بين الأصول المثبتة وغيرها مما لا ضير فيه.
لا يقال لا حاجة إلى اثبات تأخر الموت عن زمان الاسلام حتى يقال إن اثباته بالأصل لا يجوز لأنه بعدما
علم من الشرع ان موت أحد القريبين مع اسلام الآخر يوجب انتقال ماله إليه فيحكم بمقتضى استصحاب الحياة
التعليقي إلى زمان الاسلام وبعده بانتقال المال إلى الوارث المسلم.
لأنا نقول الشرط في الإرث هو الموت عن قريب مسلم وهذا العنوان لا يمكن اثباته باستصحاب الحياة
لأنه غير نفس الحياة إلى زمان الاسلام وبعده فتدبر هذا كله فيما إذا كان الاختلاف في زمان اسلام أحد
القريبين المتيقن كفره في برهة من الزمان وأما إذا كان الاختلاف بين المتفق على اسلامه وغيره في أصل الاسلام
الغير فمقتضى الأصل وإن كان ما ذكرنا من عدم الحكم بالاسلام وان القول قول المتفق على اسلامه إلا أنه
إذا كان هناك امارة شرعية على اسلامه فيرفع اليد عن الأصل بها كما إذا كان في دار الاسلام كما أنه إذا
كان مقتضى الامارة الشرعية الكفر كما إذا كان في دار الكفر لم يحكم بالإرث حتى على قول من يذهب إلى
الحكم بالإرث بمقتضى الأصل.
ثم إن هذا الذي ذكرنا كله أيضا فيما إذا كان هناك من يتفق على اسلامه قبل موت المورث وأما
إذا اتفقا على عدم اسلامهما في جزء من زمان حياة الأب وادعى كل منهما اسلامه قبل زمان موته واسلام صاحبه
بعده فهل يحكم لو لم يكن هناك بينة لأحدهما بالتنصيف بينهما نظرا إلى ثبوت المقتضي للتوريث وعدم ثبوت

469
المانع حسب ما يظهر من كلام شيخنا المتقدم ذكره أو من جهة ظهور يد كل منهما على الدار في الفرض المذكور
في المتن في كونه ملكا له فيأخذ كل منهما نصفه بعد الحلف لصاحبه كما في المسالك أو لا يحكم به لشئ
منهما نظرا إلى عدم ثبوت الشرط في زمان الموت لو قلنا بأن الاسلام شرط أو انتفاء المانع ولو بالأصل ولو
قلنا بأن الكفر مانع لأن المفروض سبق كفر كل منهما فيستصحب وجهان أوجههما الأخير حسب ما يستفاد
من كلام الفاضل في كشف اللثام فراجع والوجه فيه يعلم من ملاحظة ما ذكرنا فلاحظ.
قوله دار في يد انسان وادعى آخر آه أقول لا يخفى عليك ان الامر لا يخلو في الصورة عن أن المدعي
إما يقيم بينة كاملة على ما أدعاه أو لا فإن أقامت بينة كاملة فلا إشكال بل لا خلاف في أنه يدفع إليه نصفه والوجه
فيه واضح فالمناقشة في عدم ثبوت النصف له بعد فرض عدم تسلطه على تمام الدار بمكان من السقوط وكذا لو
فرض كون المدعي غير الابن أو الحق غير النصف بأن يكون الوارث أزيد من اثنين فيدفع إليه بقدر نصيبه أيضا
إن أراده وطالبه وإلا فيحكم له بثبوت الحق في العين على وجه الإشاعة بنسبة حقه فهل ينتزع النصف الآخر
عن يد المنكر ويجعل في يد أمين أو يحفظه حاكم الشرع إلى حضور الغائب أو لا ينتزع منه إلا النصف الذي
هو حق المدعي وأما النصف الآخر فيبقى في يده إلى زمان حضور الغائب وجهان بل قولان للشيخ في ف والمبسوط
وتبعه في كل منهما جماعة ممن تأخر عنه للأول عموم ما دل على كون البينة حجة شرعية والمفروض ان
الحاكم ولي الغائب فيؤخذ نصيبه ممن قام البينة عليه ولأنه بإنكاره سقط عن الأمانة ولما في كشف اللثام على
ما حكي عنه من أن الدعوى للميت والبينة له ولذا تقضى منها ديونه وللثاني عدم موجب للانتزاع لعدم
صلاحية ما ذكر له أما العموم فإن كان المراد منه عموم ما دل على وجوب العمل بالبينة حسب ما هو الظاهر
من كلام المستدل ففيه انه على فرض وجوده لا ينفع إلى لترتب الآثار العملية عليها لا الانتزاع من يد المنكر
الذي بمعنى الحكم والقضاء بمقتضى البينة وإن كان المراد منه عموم ما دل على وجوب القضاء بالبينة ففيه انه
مختص بما إذا كان هناك مدع كما قد مضى تفصيل القول فيه في طي كلماتنا السابقة مضافا إلى كونه من الأمور
الواضحة وإقامة البينة من أحد الوارثين لا يقتضي إلا جواز القضاء بالنسبة إلى ما يتعلق به ويصح له دعواه و
تسمع فيه وأما الثاني فلان خروجه عن الأمانة موقوف على حجية البينة بالنسبة إلى حق الغائب أيضا وقد عرفت
ما فيها وأما ما ذكره في كشف اللثام فبعدم دلالة له على المدعى إن لم يدل على الخلاف حيث إن مقتضى كون
الدعوى للميت والبينة له وإنما يدعيه الوارث من حيث كونه وليه عدم ثبوت شئ من المال بدون حضور جميع
الورثة حيث إن الولاية قائمة بهم جميعا سلمنا عدم قيامها بالمجموع من حيث المجموع لكنه لا ينتج إلا ولايته
بالنسبة إلى مقدار حقه في مال الميت فتدبر هذا وقد ذكر في المسالك الدليل الأخير للقول الثاني ولم يعلم له وجه
أيضا ومما ذكرنا يظهر الكلام في دلالة ما ورد في بعض الروايات من أن الحق للميت والدعوى له وانه لا حق
للوارث بالنسبة إلى غير نصيبه.
ثم إن المراد من البينة الكاملة حسب ما صرح به جماعة هي البينة العادلة الخبيرة التي تشهد على عدم
وارث للميت غير المدعي ومن يقر به من جهة عدم علمه به.
وبعبارة أخرى هي البينة التي تشهد بانحصار الوارث في المدعي ومن يقر به من جهة عدم علمه به
مع كونها من أهل الخبرة فلو شهدت بعدم الوارث عن علم لم تبطل شهادتها بذلك وإن لم يكن دعوى العلم
منها صحيحة لا بمعنى كونها محرمة بل بمعنى كونها في غير محلها وجزافا لبعد حصول العلم على العدم في أمثال

470
المقام فالقاطع فيه يكون قطاعا لكن لا إشكال (1) في سماع شهادته لأنها ليست بأدون من الشهادة المستندة إلى
عدم العلم والأصل لكن لا تعارض بينة الاثبات قطعا إلا أن تسند علمها إلى السبب المتعارف كأن تدعي علمها بكون
الميت خصيا هذا ويظهر من بعض مشايخنا عدم سماع الشهادة على وجه عدم العلم واشتراط الشهادة على
النفي واقعا وسيجئ ما فيه.
ثم إنه لا إشكال في اشتراط الخبرة في البينة في المقام كنظايره مثل مسألة التقويم وغيرها لفحوى ما
دل على وجوب التبين في خبر الفاسق لان الفسق ربما لا يقتضي الكذب لحصوله بغيره من المعاصي وهذا
بخلاف عدم الخبرة في أمثال المقام فإنه يوجب الوقوع في خلاف الواقع كثيرا ما يكون مثل خبر الكذوب
في كثرة مخالفة الواقع.
فمما ذكرنا يظهر فساد ما ربما يظهر عن بعض المشايخ من الحكم بعدم اشتراط الخبرة لاغناء اشتراط
العدالة عنه حيث قال ودعوى المفروغية من الاجتزاء بشهادة ذي الخبرة بنفي العلم محل منع وإن جزم به في
الدروس كدعوى المفروغية من عدم قبول شهادة غير ذي الخبرة بالنفي على وجه القطع بل هو في الحقيقة قدح
في الشاهد العدل فالتحقيق حينئذ الاكتفاء بالشهادة بالنفي من العدل مطلقا وعدم الاكتفاء بها إذا كانت بنفي العلم
كذلك إلا إذا أريد من عدم العلم النفي فيما يعلم فإنها شهادة بالنفي حينئذ انتهى كلامه.
وأنت خبير بما فيه لان ما ذكره أخيرا يرجع إلى ما تقدم منه غير مرة من الاشكال في صدق الشهادة
على الشهادة على نفي العلم وقد عرفت أيضا في طي كلماتنا السابقة وجوه فساده وأما ما ذكره أولا من أن اشتراط
الخبرة قدح في الشاهد العدل ففيه ان الاخبار بعدم العلم بالوارث بل وبالنفي واقعا عن علم به وإن كان في غير
محله مع عدم الخبرة لا ينافي العدالة أصلا وما ذكرنا من عدم السماع بدون الخبرة إنما هو بالنسبة إلى تكليف
الحاكم والقاضي ومن هنا ذكروا في شرايط قبول خبر المخبر الضبط مع اشتراطهم العدالة.
ثم إنه يظهر من شيخنا الشهيد في المسالك وقوع الخلاف في معنى البينة الكاملة حيث قال واعلم أنه قد
اختلف عبارات الأصحاب في معنى البينة الكاملة ها هنا فمقتضى عبارة المصنف والأكثر ان المراد بها ذات
الخبرة والمعرفة بأحوال الميت سواء شهدت بأنها لا تعلم وارثا غيرهما أم لا وحينئذ تنقسم إلى ما يثبت بها حق المدعي
بأن تشهد بنفي وارث غيره وإلى غيره وهي التي لا تشهد بذلك ويوجد في كلام بعضهم وبه صرح في الدروس ان المراد
بالكاملة ذات الخبرة كذلك مع شهادتها بنفي وارث ولو بعدم العلم بغيره فانتفاء الكمال يحصل بانتفاء الخبرة
والشهادة بنفي العلم أو أحدهما ولكل وجه لان الكمال أمر إضافي فيصدق بهما وإن كان الأول أبعد حملا للكمال
على ما يثبت به الحق وهو لا يثبت انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
وأنت خبير بأنه ليس هنا نزاع معنوي يترتب عليه أثر بل إنما هو نزاع على تقديره في اللحاظ
والاعتبار فإن بعضهم لاحظ الكمال بالنسبة إلى شرايط قبول البينة مع قطع النظر عن المدعي وبعضهم لاحظ
ان المدعي لما كان هو كونه وارثا وغيره ليس بوارث كما يشهد له ظاهر عنوانهم فالبينة الكاملة من يشهد
بالجزأين والناقصة من يشهد بأحدهما فصار الامر بنظر المعتبر هذا كله فيما لو أقام المدعي بينة على ما أدعاه



(1) قد يستشكل في سماع الشهادة على نفي الوارث عن علم بناء على عدم شمول أدلة تصديق البينة والقضاء بها
البينة التي تستند في شهادتها إلى الأسباب الغير المتعارفة فيحصل لها القطع فيما لا يحصل القطع فيه لمتعارف الناس مع عدم
استنادها إلى الأصل المعتبر شرعا بالفرض فمستند شهادتها فاسد فلا يقبل شهادتها فتأمل (منه قده)
471
وأما لو لم يقم بينة عليه فلا إشكال في أن الأصل مع المدعي لان الأصل عدم كون وارث غيره لكن من الواضح
الغير المحتاج إلى البيان لكل أحد ان العمل بهذا الأصل من دون فحص يوجب الوقوع في مخالفة الواقع كثيرا
لاستلزامه ابطال حقوق أكثر المستحقين فلا يجوز العمل به قبل الفحص وإن كان مقتضى القاعدة هو عدم
وجوب الفحص في اجراء الأصل في الموضوعات إلا انا ذكرنا في غير مورد انه قد يكون بعض الموضوعات مثل
الأحكام الشرعية يلزم من الرجوع إلى الأصل فيه قبل الفحص محذور يلزم من الرجوع إلى الأصل قبل الفحص
في الشبهات الحكمية من المخالفة الكثيرة ففي هذا المورد لا يحوز العمل بالأصل قبل الفحص قطعا ويجب العمل
به بعد الفحص لاستلزام ترك العمل به مطلقا تعطيل الحقوق أيضا وهو أيضا باطل. وبالجملة الاشكال في وجوب
الفحص والبحث عن الوارث على الحاكم في دفع المال إلى المدعي فاسد جدا وإن كان مع أخذ كفيل منه
ضرورة انه قد يتعلق غرض الوارث بنفس أعيان التركة.
وينبغي البينة على أمور الأول انه لا إشكال بل لا خلاف انه لا يجب على القابض للنصف أو غيره إقامة
ضمين لما قبض إذا كانت هناك بينة والوجه فيه واضح حيث إن البينة طريق إلى الواقع وكاشفة عنه فيجب
العمل بمقتضاها فيدفع المال إلى المدعي من دون أخذ ضمين منه وأما لو لم يكن هناك بينة بل دفعنا المال
من جهة الأصل بعد الفحص فظاهرهم عدم جواز الدفع إلا مع أخذ ضمين منه لأنه جمع بين مراعاة حق الوارث
المحتمل والموجود. نعم ظاهر بعض مشايخنا بل صريحه ان أخذ الضمين إنما هو من جهة الوثوق والاطمينان
لعدم ورود الضرر على الوارث المحتمل فلو حصل هذا الاطمينان من دون ضمين كما إذا كان الوارث مليا غير
مماطل في أداء حقوق الناس فلا يجب أخذ الضمين منه إذ ليس مبناه على النص والتعبد كما لا يخفى وظاهره في
أول كلامه الاستشكال في أصل وجوب الضمين من حيث إن الأصل براءة ذمة الوارث المعلوم بعد ثبوت ما
يقتضي دفع حقه إليه وأنت خبير بأنه ليس بوجه. الثاني انه إذا تمكن المدعي من إقامة البينة على الانحصار
فهل يجوز للحاكم العمل بمقتضى الأصل بعد الفحص أو لا يجوز إلا بعد تعذر إقامة البينة وجهان من أنها لا مزية لها
على الحاكم لأنها أيضا تشهد بالانحصار من جهة الأصل فتأمل ومن أن الأصل في ميزان القضاء هو البينة
والذي يقتضيه ظاهر كلمات جماعة هو الثاني ولا يبعد أن يكون هو الوجه. الثالث ان القضاء فيما يعمل الحاكم
بالأصل مع الفحص هل هو بالبينة المنضمة إلى الأصل لو كان ثبوت وراثة المدعي بالبينة أو العلم المنضم
إليه لو علم بكونه وارثا أو يحتاج إلى انضمام اليمين في الصورتين أو في الصورة الأخيرة وجهان أوجههما
بالنظر إلى ما يقتضيه النظر عاجلا الثاني فتدبر حتى لا يختلط عليك الامر.
قوله إذا ماتت امرأة وابنها فقال أخوها آه أقول لا يخفى عليك ان كلامهم في المقام مفروض فيما
لم يعلم تاريخ موت أحدهما وإلا فيحكم بتوريث من جهل تاريخ موته من غير فرق بين أن يكون هي الامرأة
أو ابنها لان على بقاء حياة كل منهما في زمان موت الآخر يترتب التريث لان الشرط فيه موت أحد القريبين
في زمان حياة قريبه فيكون استصحاب حياة كل منهما نظير أصالة عدم الاسلام في ما كان زمان الموت
معلوما في المسألة السابقة فلا يرجع إلى الأصل في أحدهما إلى الأصول المثبتة بل يترتب على مجرى كل منهما أثر
شرعي هذا ومما ذكرنا كله يظهر ما ذكره بعض مشايخنا من ابتناء الحكم فيما علم تاريخ موت أحدهما على
الحكم في المسألة السابقة وقد عرفت الفرق بينهما فافهم. وأما ما يظهر من بعض مشايخنا من تقييد كلامهم
بما إذا لم يعلم سبق موت أحدهما فليس له وجه لان مجرد العلم بسبق موت أحدهما مع أن ما ذكره تقييد

472
لكلامهم بفرد نادر لا يوجب تغاير الحكم مع ما لم يعلم السبق هناك أصلا كما لا يخفى هذا ويمكن حمل كلامه
على ما ذكرنا فتدبر وعلى ما ذكرنا يحمل أيضا ما ذكروه في مسألة الغريقين المتوارثين.
نعم يمكن القول في صورة اتفاقهما على سبق موت أحدهما واختلافهما في السباق بالقرعة لأنها لكل
أمر مشكل لكن القول بالرجوع إليها يحتاج إلى جبرها بعمل جماعة بها على ما هو الشأن في جميع العمومات
الموهونة من حيث كثرة الخارج منها وكيف كان إذا لم يكن هناك ما يقضي بكون أحدهما مدعيا والآخر
منكرا فإن أقام أحدهما بينة دون الآخر يقضى على دعواه بها فإن كان الأخ فيعطى ما يدعيه من الربع وإن كان
الزوج فيعطى ما يدعيه من التمام وإن أقام كل منهما بينة فيقع التعارض بينهما فيعمل في الصورة بما قررناه سابقا في
حكم التعارض وإن لم يقم أحدهما بينة فلا يقضى بالنصف المختلف فيه لأحدهما لعدم المقتضي له كما لا يخفى
إلى هنا جف قلمه الشريف قدس سره.
وليعلم ان المؤلف لهذا الكتاب المستطاب قده وإن تعرض فيه لمسألة قضاء الأعلم على نحو الاختصار إلا أنه قده
لما أفرد هذه المسألة بالبحث عنها مفصلا في رسالة ألفها فيها قبيل سنة توفي فيها بأشهر وكانت المناسبة قاضية بنشرها
منضمة إلى هذا الكتاب صدر الامر من ناحية حضرة الناشر للكتاب دام ظله بطبعها تلوه تتميما للنعمة ونسئل الله تعالى أن
يوفقه دامت أيام بركاته لنشر سائر مؤلفاته النفيسة التي منها كتاب الخلل وكتاب الوقف وكتاب الإجارة وكتاب الرهن
وكتاب الصيد والذباحة وكتاب احياء الموات وكتاب الخمس وغير ذلك من الكتب والرسائل التي ألفها في الفقه
وجملة من
المباحث المهمة الأصولية والممتثل لهذا الامر المبارك المطاع العبد الفاني علي الأشتياني عفى عنه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله
على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
مسألة اعلم أن فقهائنا رضوان الله تعالى عليهم أجمعين اختلفوا في تعين قضاء الأعلم كاختلافهم في تعين
تقليده ونحن وإن حررنا المسألة فيما حررناه في كتاب القضاء والشهادات ملخصا إلا أن التماس جمع من حاضري
مجلس البحث في المسألة دعانا إلى تحريرها ثانيا مستقلا مفصلا.
فنقول بعون الله تعالى وتوفيقه ودلالة أهل الذكر صلوات الله عليهم أجمعين انه قد يبحث عن حكم
المسألة في زمان الحضور وقد يبحث عنه بالنسبة إلى زمان الغيبة والبحث من الحيثية الأولى ليس من حيث
التكلم في بيان تكليف الحجة على الخلق صلوات الله عليه حتى يقال بل قيل إن ساحة شأنه وعلو مقامه وعلم
مطلقه وولايته المطلقة وعصمته ومكانته تمنعنا من ذلك مع أنه لا يتعلق غرض بذلك بل من حيث جعل ما ورد
منه في باب النصب خصوصا أو عموما دليلا على حكم المسألة في الزمانين وإن قيل بأن نصب المفضول بالنصب
الخاص في زمان الحضور لا يصلح دليلا على الجواز لما ستقف عليه ثم إن المذكور في كلام غير واحد منهم شيخنا
الأفقه في جواهره كون ملاك مسئلتنا ومسألة تقليد الأعلم واحد أو كونهما من واد واحد قولا ودليلا لكنه
ليس على ما ينبغي كما ستقف عليه.
وقبل الخوض في المسألة لا بد من تقديم مقدمة مشتملة على أمور توجب الإحاطة على أطراف المسألة
والبصيرة بها والوقوف على مدرك القولين أو الأقوال فيها.

473
الأول انه لا خلاف ظاهرا في كون القضاء والحكم اللذين يراد بهما الالزام بما يقتضيه تكليف الملزم
في مرحلة تكليفه ولو ظاهرا بحسب جعله الأولي من مناصب خليفة الله على خلقه ومن أغصان ولايته المطلقة
العامة فلا يجوز التعرض لغيره له إلا بإذنه أو نصبه خصوصا أو عموما ويدل عليه مضافا إلى الاجماع الظاهر والمنقول
المعتضد بالشهرة المحققة العظيمة الكتاب والسنة.
أما الأول فيدل عليه منه قوله تبارك وتعالى يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق
فإن التفريع في الآية الشريفة له دلالة ظاهرة على ذلك فتدبر ومثله قوله تبارك وتعالى إنا أنزلنا إليك الكتاب
بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله وقوله تعالى وإذا تنازعتم في شئ الآية إلى غير ذلك.
وأما الثاني فيدل عليه منه أخبار كثيرة بالغة حدا الاستفاضة فيها الصحاح وغيرها ونحن نذكر شطرا
منها مما له دلالة واضحة على ذلك بإسقاط السند اختصارا منها ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح قد جلست مجلسا
لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي ومنها ما عن الصادق (عليه السلام) اتقوا الحكومة إنما هي للامام والعالم بالقضاء العادل
بين المسلمين كنبي أو وصي ومنها مقبولة عمر بن حنظلة الآتية ومنها رواية أبي خديجة الآتية إلى غير ذلك من
الاخبار الظاهرة في ذلك وإن كان أصل سوقها لبيان مطلب آخر كالروايتين الأخيرتين.
فبالجملة لا إشكال في كون القضاء من توابع الرياسة العامة الكلية الإلهية عندهم بالنظر إلى ما عرفت
وهذا بخلاف الافتاء للناس وبيان الحق لهم أو بيان ما يرجح في نظر المفتى لهم لاخذهم به في مقام العمل فإنها
ليست من فروع النبوة والرياسة الكلية الإلهية بل هي واجبة عليه بجعل أولي إلهي من غير توقف على نصب
الولي وإن كان أصل ثبوتها في الشرع ببيانه كثبوت أكثر الاحكام والأصل فيها عدم المشروعية فيما شك فيه من
جهة خصوصيات المفتي والمحل وغيرهما كما هو الشأن في القضاء أيضا على ما ستقف عليه فالافتاء نظير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الراجعين إلى إلزام الناس بما يقتضيه تكليفهم عند الخاصة القائلين بعدم كونه من
توابع الرياسة العامة وخصائصها فليكن هذا في ذكر منك لينفعك فيما سنورده عليك في مطاوي الكلام في المسألة
نعم ربما يستشكل فيما ذكرنا في حكم القضاء وكونه منصبا إلهيا للولي بحيث لا يجوز التصدي لغيره له إلا بعد
الرجوع إليه والاستيذان منه أو نصبه خصوصا أو عموما من وجهين.
أحدهما انه ينافي ما تسالموا عليه في ظاهر كلماتهم من ثبوت قاضي التحكيم في أزمنة الحضور في
الحملة كما استظهر من جملة من الاخبار أيضا وإن كان في دلالتها نظر ظاهر وإن التجويز في زماني الحضور
والغيبة بعد ورود الدليل على النصف بعنوان العموم مثل مقبولة ونحوها ضرورة ان توقف جواز تصدي القضاء
على الاذن أو النصب ينافي ثبوت مشروعية قاضي التحكيم وجواز الرجوع إليه ونفوذ حكمه ولو في الجملة لدلالة
مشروعيته على كونه حكما إلهيا.
والقول بأن جواز القضاء للقاضي فيما تراضى الخصمان على الرجوع إليه وفي هذه الصورة الخاصة
لا ينافي كون القضاء بحسب الأصل منصبا إلهيا للنبي والوصي بحيث لا يتوقف نفوذه منهما وممن نصباه على التراضي
من الخصمين أصلا شطط من الكلام.
ثانيهما ان ما ذكر ينافي ما قضت به كلماتهم ونادى به صريح مقالتهم من كون القضاء واجبا على
الكفاية على ما في محكي التحرير وغيره من كتب القوم بل في الرياض نفي الخلاف فيه بيننا ضرورة منافاة
وجوبه على الكفاية على جميع من اجتمع فيه شرائط القضاء من الأمة لكونه منصبا إلهيا مختصا بالخليفة بل

474
ربما يقال بأن اتفاق كلمتهم على وجوب القضاء عقلا من حيث توقف حفظ نظام العالم المطلوب لخالقه من باب
وجوب اللطف عليه تبارك وتعالى شأنه ينافي كونه منصبا للخليفة فإن الظلم من شيم النفوس البشرية وإن كان مما
يستقل العقل بقبحه فلا بد من حاكم ينتصف من الظالم للمظلوم وما قيل من أن كونه واجبا على الكفاية لا
ينافي كونه منصبا ومتوقفا على اذن خليفة الله تعالى كما في غسل الميت وتجهيزه حيث إنهما مع وجوبهما على
الكفاية يتوقفان على اذن ولي الميت ربما ينظر فيه بأن الخطاب في غسل الميت مثلا إنما تعلق أولا بجميع
المكلفين غاية ما هناك كون الاستيذان من الولي عند التمكن شرطا لصحة العمل ممن يقوم به وإن استشكل في
اعتبار اذن الولي بل منعه بعض الفقهاء مع الالتزام بالوجوب على الكفاية من جهة التنافي بينهما وهذا بخلاف
المقام فإن كون القضاء منصبا للخليفة بحسب الجعل الأولي لا يجامع كونه على الكفاية وحمل كلامهم على
صورة اذنه لعنوان عام أو نصبه (عليه السلام) له بحيث ينطبق على الواجب الكفائي كما ترى كحمله على عدم إرادة الواجب
الكفائي بالمعنى المصطلح من اطلاقه في المقام بل ما يشابهه من حيث حصول الغرض منه من السياسة بقيام من
به الكفاية ممن نصبه الخليفة ودفع هذا الاشكال كما ترى في غاية الاشكال وأشكل منه دفع الاشكال الأول نعم
ثبوته في حكم العقل من حيث السياسة النوعية لا ينافي كونه منصبا للولي الذي كان غاية لخلق العالم كما هو ظاهر.
الثاني أن لا إشكال بل لا خلاف في أن مقتضى الأصل والقاعدة الأولية على القول بكون القضاء منصبا
هو البناء على عدم الثبوت عند الشك في أصله أو بعض خصوصياته وضعا بل تكليفا أيضا بل الامر كذلك على القول
بعدمه أيضا بحسب الحكم الوضعي بل التكليفي أيضا لأن جواز إلزام الناس على ما لا يقتضيه تكليفهم نوع
سلطنة عليهم ينفى بدليل نفي السلطنة لاحد على أحد إلا من كان أولى من أنفس الناس بهم.
كما أنه لا إشكال بل لا خلاف أيضا في أن مقتضى الأصل الأولي عند الشك في التقليد على أحد الوجهين
البناء على عدم جوازه من حيث كونه مقتضى الأصل في كل ما شك في طريقيته واعتباره شرعا بالنظر إلى الأدلة
الأربعة حسبما فصل حقه في محله لكنه كما ترى لا تعلق له بالأصل في المقام أصلا.
الثالث انك قد عرفت في مطاوي ما ذكرنا في المراد من القضاء وللحكم في المقام عدم تعلق له أصلا بمسألة
التقليد وبيان الحق للناس والامر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يجوز التمسك في شئ من مسائل الباب بما
ورد من العمومات والاطلاقات في البابين فما في كلام بعض مشايخنا في شرحه على ئع من التمسك بما ورد في
البابين في المقام لا يخلو عن المناقشة فإن الالزام بما لا يقتضيه تكليف الناس المراد بالقضاء لا تعلق له بإلزامهم بما يقتضيه
تكليفهم الذي يراد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما أنه لا تعلق له بالاخبار عن الحكم الواقعي على
وجه الافتاء للناس وبيان الحق لهم على وجه النقل عن المعصوم ضرورة رجوعهما إلى الاخبار عن الحكم الواقعي
الذي لا ربط له بالحكم بمعنى الانشاء والالزام بالحق فافهم ولا تغفل.
الرابع انه لا إشكال في أن مقتضى عمومان نصب الحكام من الأئمة (عليهم السلام) فيما كان هناك عموم أو
اطلاقاته فيما كان هناك اطلاق على ما ستقف على شرح القول فيه ثبوت ولاية القضاء للمفضول كثبوتها للفاضل
من غير فرق بينهما حتى فيما إذا اختلفا بحسب الرأي في الشبهات الحكمية لان نصب كل منهما يجامع الاختلاف
والاتفاق معا من دون تفاوت بينهما حيث إن من باب اعطاء الولاية بل الامر كذلك عند التحقيق والنظر الدقيق على
القول بكون القضاء للحكام منصبا إلهيا ابتدائيا لهم من دون توسيط نصب الولي فإن ما ذكرنا من عدم الفرق بين الفاضل
والمفضول مترتب على كون القضاء بمعنى الولاية الخاصة على ما قضت به كلماتهم في بيان المراد منه في أول

475
كتاب القضاء وإن لم يساعده استعمالات المشتقات منه سواء كان بجعل أولي إلهي أو ثانوي خلقي فلا بد للقول
بالفرق من إقامة برهان عليه نعم على تقدير عدم عموم أو اطلاق لدليل النصب مع الفراغ عن الثبوت في الجملة
يكون القائل بالفرق مستريحا عن كلفة إقامة الدليل لما أسمعناك من مقتضى الأصل الأولي في باب القضاء
تكليفا ووضعا.
وهذا بخلاف ما يكون مبناه على الطريقية كالامارات المعتبرة الحكمية والموضوعية والفتوى فإنه
لا يمكن شمول دليل اعتباره ولو كان له عموم للمتعارضين المختلفين منه ضرورة ارتفاع مناط الاعتبار عنه
عند الاختلاف والتعارض بل الامر كذلك عند التحقيق على القول بالسببية المحضة في الامارات حتى على القول
بالتوصيب فضلا عن التخطئة لعدم تصور التزاحم بالنسبة إلى المتعارضين حتى يقال بكون مقتضى القاعدة الحكم
بالتخيير بينهما فيما لم يكن أحدهما أهم لا التوقف والتساقط بالنسبة إلى مورد التعارض هذا وإن أردت الوقوف
على شرح القول في ذلك ودليله فارجع إلى ما عقلناه على ما أملاه شيخنا العلامة قده في مسألة تعارض الأدلة.
فعلى هذا لا فرق بين الفاضل والمفضول في سقوط الاعتبار في باب التقليد عند اختلافهما في المسألة
فالقائل بالتخيير بينهما يحتاج إلى الدليل عليه كالقائل بالترجيح من غير فرق بينهما.
نعم لو فرض هناك دليل على الحجية الفعلية ولم يكن له اطلاق ودلالة على التخيير كالاجماع كان المتيقن
منه اعتبار رأي الفاضل فيرجع بالنسبة إلى رأي المفضول إلى أصالة عدم الحجية فيكون مقتضى الأصل على
التقدير المزبور الترجيح ومن هنا حكموا وحكمنا بأن مقتضى الأصل لزوم تقليد الأعلم والأعدل عند اختلاف
المجتهدين في الرأي وعدم ورود عمومات أدلة التقليد أو اطلاقاتها عليه.
وهذا بخلاف المقام فإن عموم دليل نصب على ما أسمعناك عن قريب يمنع من الرجوع إلى الأصل
بالنسبة إلى قضاء المفضول ومن هنا حكمنا بمغائرة البابين خلافا لشيخنا المقدم ذكره قده.
إذا عرفت ما ذكرنا لك من المقدمة المشتملة على ما سمعت من الأمور فاستمع لما يتلى عليك من
الكلام في المسألة فنقول ان الكلام في المسألة قد يقع في الشبهات الموضوعية وقد يقع في الشبهات الحكمية
والكلام في الثاني قد يقع فيما اختلف الفاضل والمفضول في حكم المسألة وقد يقع فيما يتفقان فيه والكلام
في الصورة الأولى إنما هو فيما إذا لم يختلفا في ميزان القضاء وإلا فيرجع إلى الشبهة الحكمية بالنسبة
إلى مورد الاختلاف.
ثم إن محل الكلام ظاهرا إنما هو فيما إذا تمكن من رفع الامر إلى الأعلم وإلا فلا خلاف ظاهرا في
جواز الرجوع إلى المفضول وليس المقام من قبيل الرجوع إلى العامي العارف بحكم القضايا عن تقليد حيث إنه
لا يجوز الرجوع إليه مطلقا حيث إن اعتبار الاجتهاد في المرجع شرطا مطلقا عند المعظم القائلين باعتباره و
ليس شرطا اختياريا يسقط بالعجز.
ثم إن ظاهر كلمات غير واحد بل صريح بعض وإن كان عدم الفرق في حكم المسألة بين الصور المذكورة
كما يقتضيه ظاهر كلام جماعة في مسألة تقليد الأعلم حيث أطلقوا القول بوجوبه من غير فرق بين اختلافهما
في الرأي وبين عدمه.
لكن الذي يقتضيه التحقيق كما عن بعض المحققين وعليه شيخنا العلامة قده في مجلس البحث عن
المسألة والتقليد الفرق في الحكم بين صورتي الاتفاق في الرأي والاختلاف فيه في البابين كما أن مقتضاه الفرق

476
في المقام بين الشبهة الموضوعية والحكمية.
ونحن نورد أولا ما ذكروه وجها للقولين في المقام ثم نعقبه بذكر ما يقتضيه النظر الثاقب ولابد قبل
ذكر وجوه القولين من نقل ما ورد في الباب من الاخبار وبيان ما يستفاد منها لعله تزول ببركتها الشبهات الحادثة
في هذا المضمار بل في باب التقليد أيضا فنقول ما ورد في الباب مما له تعلق بالمقام ويمكن استفادة
حكمه منه اخبار.
منها مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة المروية في الأصول المعتبرة قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين
من أصحابنا تكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك فقال (عليه السلام)
من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت فإذا حكم له (وما يحكم له خ) فإنما يأخذه سحتا وإن
كان حقه ثابتا لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله تعالى أن يكفر به قلت فكيف يصنعان قال (عليه السلام) ينظران
إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضيا به حكما فإني قد جعلته
عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا الراد على الله و
هو على حد الشرك بالله قلت فإن كان كلواحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا
فيما حكما به وكلاهما اختلفا في حديثكم فقال (عليه السلام) الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث
وأورعهما ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر قال فقلت فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على
صاحبه قال (عليه السلام) ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به
من حكمهما ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه الحديث.
ومنها ما عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رواية أبي خديجة إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى حكام الجور
ولكن انظروا إلى رجل يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضيا فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه.
ومنها منا عن أبي خديجة أيضا قال بعثني أبو عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابنا فقال (عليه السلام) قل لهم إياكم إذا
وقعت بينكم خصومة أو ترادى في شئ من الاخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق اجعلوا بينكم
رجلا ممن قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته قاضيا وإياكم أن يتحاكم (يخاصم خ) بعضكم بعضا
إلى السلطان الجائر.
ومنها ما عن داود بن الحصين في رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه اختلاف
فرضيا بالعدلين واختلف العدلان بينهما عن قول أيهما يمضي الحكم فقال (عليه السلام) ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا و
أورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر.
ومنها ما عن النميري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن رجل تكون بينه وبين أخ له منازعة في حق
فيتفقان على رجلين يكونان بينهما حكما فاختلفا فيما حكما قال (عليه السلام) وكيف يختلفان قلت حكم كل واحد منهما
للذي اختاره من الخصمين فقال (عليه السلام) ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله فيقضى حكمه إلى غير ذلك من الروايات.
ثم إنه لا تأمل ولا إشكال في دلالتها على نصب كل من كان من الامامية فقيها عدلا للقضاء بين الناس
إلى يوم انقضاء التكليف سواء كان في أزمنة حضورهم (عليهم السلام) أو غيبتهم فإن لهم صلوات الله عليهم ذلك وهذا معنى
قولهم اعطاء الولاية يشبه اعطاء ولاية الوصاية فلا يرتفع برحلة الإمام (عليه السلام) كما أن لهم (عليهم السلام) الاذن والتوكيل في
القضاء لشخص أو أشخاص معينة فينعزلون بموت الإمام (عليه السلام) كما هو الشأن في كل ما كان علته حدثا وبقاء

477
الاذن ومن هنا قالوا إذا مات الإمام (عليه السلام) انعزل القضاة أجمع فمرادهم القضاة المأذونون للقضاء لا المنصوبون.
كما أنه لا إشكال في دلالتها على نصب كل من الفاضل والمفضول عند عدم الاختلاف عند التأمل فإنه
إنما حكم بالترجيح فيها عند الاختلاف كعدم التأمل والاشكال في دلالتها على الترجيح من حيث الأوصاف
في الجملة عند اختلاف الحكام في الرأي.
إنما الكلام والاشكال في جميعها من حيث كون الترجيح المفروض فيها من جهة الحكم بالمعنى
المبحوث عنه في المقام أو الحكم بالمعنى المنطبق على الفتوى فتكون دليلا على لزوم تقليد الأعلم.
ونحن نورد الكلام تارة في فقه المقبولة وأخرى في فقه غيرها مما فرض فيه تعدد الحكمين و
اختلافهما والحكم بالترجيح بينهما فنقول لا إشكال في ظهور المقبولة صدرا بل صراحتها في بيان الحكم الحكومة
بالمعنى المبحوث عنه في المقام فإنه الذي حكم بكون رده في حد الشرك بالله مع فرض المورد المنازعة و
الاختلاف في الدين والميراث من جهة الشبهة الحكمية كما يتفق كثيرا فيهما كما لا يخفى على ما يشهد به فرض
السائل استناد اختلاف الحكمين إلى اختلاف الحديث المستند لحكمهما.
إلا أن التباني من المتنازعين على الرجوع إليهما إنما هو بعنوان السؤال عن حكم الواقعة ومعرفة -
الحكم الشرعي لا المرافعة المعهودة فالمراد من اختلاف الحكمين فيما حكما به هو اختلافهما في بيان حكم
المسألة من حيث الرأي فلا ينطبق على الحكم بالمعنى المبحوث عنه في المقام بل ينطبق على التقليد فلا يرد
عليها شئ من الاشكالات المعروفة نعم يتوجه عليه مخالفته لظاهر سياق الرواية ولزوم التفكيك في بادي النظر
إلا أنه لا محيص عنه بعد التأمل وإمعان النظر فيها كما لا يخفى فلا يمكن استفادة حكم المقام منها إلا بدعوى
عدم القول بالفصل بين القضاء والتقليد ودون اثباتها خرط القتاد ولما جاز للراوي العمل بالروايات كما جاز له
التقليد على ما كان تكليف العوام في زمان الحضور بخلاف زماننا وأشباهه من زمن الغيبة وكان الحكم بالتخيير
في الرجوع إلى الفقيهين مع التسوية لا يرفع الخصومة بينهما كما هو ظاهر فأرجعهما الإمام (عليه السلام) إلى الترجيح
من حيث مستند الحكمين ومع فقده حكم بالتوقف وإرجاء الواقعة لان الحكم بالتخيير الذي هو حكم تعادل
الخبرين كلية ينافي فرض الخصومة والنزاع ضرورة اختيار كلواحد ما يفيده من الخبرين فتبقى معه الخصومة
فهذا هو الوجه في الحكم بالارجاء فلا تعارض ما ورد من التخيير فيما تعادل الخبران فيه ولا تنافيه أصلا حتى
نحتاج إلى العلاج بينه وبين المقبولة بمثل حملها على صورة التمكن من تحصيل العلم وحمل اخبار التخيير
على صورة العجز عنه ونحوه من المحامل المذكورة في كتب القوم.
وحمل المقبولة على صورة العلم باختلاف من له أهلية المرجعية من دون رجوع فعلي فيفيد تعين الرجوع إلى
الفاضل من الحكمين من أول الأمر عند العلم باختلافهما في الرأي قبل الرجوع للحكم بالمعنى المبحوث عنه
في المقام كما ترى كالالتزام بثبوت تقديم حكم الفاضل على حكم المفضول بعد الرجوع الفعلي إليهما واختلافهما
في الحكم بالمعنى المبحوث عنه في المقام وإن لم يلتزم بالترجيح عند العلم بالاختلاف من دون رجوع على ما
جزم به بعض مشائخنا قده في شرحه حيث قال بعد كلام طويل في إثبات عدم الفرق بين الفاضل والمفضول في -
المقام وفي التقليد وإن الحكم التخيير في الرجوع إليهما في البابين مع العلم بالاختلاف وعدمه متمسكا بعموم
أدلة النصب والتقليد ما هذا لفظه نعم لو فرض ان المتخاصمين قد حكموا رجلين فصاعدا في أمرهم فاختلف الحكم
الصادر منهم في ذلك رجح بالمرجحات المذكورة ودعوى اقتضاه ذلك الترجيح في أصل المراجعة وفي التقليد

478
ابتداء مع الخلاف أو مطلقا فممنوعة كل المنع انتهى كلامه رحمه الله وهذا كما ترى يحتمل معنيين أحدهما ما
عرفت من ثبوت الترجيح بعد الرجوع إلى شخصين في قضية جزئية وهذا غير الترجيح في كلي الواقعة من أول -
الامر وابتداء ثانيهما الالتزام بالترجيح في قاضي التحكيم فيما إذا حكم الخصمان رجلين فصاعدا فاتفق الاختلاف
بينهما هذا المعنى كما ترى أردأ من سابقه لانقطاع التحكيم بعد ورود المقبولة وأشباهها من عمومات
النصب كما هو واضح.
وأما الاحتمال الأول فيتوجه عليه ان تعين الترجيح عند الاختلاف في كلي الواقعة أوجب الاخذ
بالراجح في شخص الواقعة المختلف فيها لا ان الرجوع الفعلي صار سببا لذلك كما هو ظاهر واضح ويتوجه عليه
مضافا إلى ما عرفت أن سوق التقليد مساق الحكم في الرجوع إلى عمومات البابين والحكم بالتخيير بين الفاضل
والمفضول قد أسمعناك ما فيه من الفرق بين عمومات البابين وعدم إمكان التمسك بعمومات التقليد واعتبار
الفتوى لاثبات التخيير بين الرأيين المختلفين في المسألة من المجتهدين بل لا بد له من التماس دليل من خارج
وهذا بخلاف عمومات نصب القضاة فإن مقتضاها على ما عرفت حتى صدر المقبولة نصب كلواحد ممن اجتمع
فيه شوائط النصب حتى في صورة الاختلاف في الرأي هذا.
وهنا معنى ثان للمقبولة تنطبق بملاحظته مع مرفوعة زرارة الواردة في باب تعارض الخبرين صدرا
وذيلا وهو حمل الحكم فيها على نقل كل منهما الحديث المتضمن لحكم الواقعة التي اختلف فيها الرجلان
وإن اعتقد كل من الفقيهين مضمون ما رواه إلا أن الرجوع إليه إنما هو من حيث كونه راويا لا مفتيا ولا حاكما
ويرشد إليه الترجيح بالأصدقية فيها فإنه لا معنى له إلا مع هذا المعنى فتكون الأوصاف المذكورة فيها من
مرجحات الرواية كالمرفوعة وما قيل كما لا يأبى عنه كلام شيخنا العلامة قده في الرسالة التي أملاها في التقليد
من عدم منافاة الترجيح بالأصدقية بمعنى شدة الملكة كشدة سائر الملكات لترجيح الفتوى المستندة إلى
الروايات في تلك الأزمنة ضعيف وإن كان ممكنا لعدم التزامهم به في ظاهر كلماتهم في باب التقليد فراجع و
تدبر هذا بعض الكلام في فقه المقبولة.
وأما غيرها مما عرفت من أخبار الباب الظاهرة في التفصيل والترجيح عند اختلاف الحكمين في الرأي
فالظاهر انطباقها مع المقبولة من حيث كون النزاع من جهة الجهل بالمسألة والرجوع إلى العدلين من جهة
رفع الجهل فالمراد من الحكم الذي اختلف فيه العدلان هو المجعول للقضية المنطبق على الفتوى لا الحكم
بمعنى الانشاء والالزام فلا تنطبق على المقام كالمقبولة وحمله على بيان المرجع للقضاء فيما إذا علم اختلاف
المجتهدين في الرأي بالفحص قبل الرجوع أو بعده بجعله كاشفا عن تحقق الاختلاف وعدمه لا أن يكون في
نفسه جائزا حتى ينافي قواعد القضاء الغير المجامعة لتعدد الحكومة كما ترى فمفاده كالمقبولة لزوم الترجيح
بالأوصاف في باب التقليد لا القضاء ودعوى عدم الفصل بين البابين قد عرفت ما فيها.
هذا بعض الكلام فيما ورد من الاخبار وبيان المراد منها وإذ قد عرفت ما يستفاد منها فلنصرف العنان
إلى ما عاهدنا من ذكر وجوه أقوال المسألة.
فنقول استدل للقول بتعين قضاء الأعلم بوجوه الأول الأصل حيث إن مقتضاه سيما على القول بكون
القضاء منصبا حسبما يقتضيه كلامهم ودل عليه غير واحد من الاخبار على ما أسمعناك عدم جواز قضاء المفضول وعدم نفوذه
ولا يزاحمه استصحاب جوازه فيما فرض سبق التفاوت بالفضل بالعلم بالتسوية المتمم بعدم الفصل في غير الفرض

479
لعدم جريان الاستصحاب بعد فقد الموضوع فإن شئت قلت الحكم بالتخيير بين المتساوين مترتب على التساوي
ولا أقل من الشك في ترتبه عليه فلا يجري استصحابه مع ارتفاع التساوي لاشتراط العلم ببقاء الموضوع في التمسك
باخبار الاستصحاب الثاني قبح التسوية بين الفاضل والمفضول كقبح ترجيح المفضول على الفاضل ومن هنا
تمسكوا بهذه القاعدة العقلية في مسألة الخلافة الكبرى على تقدير كون النصب من الخالق الثالث كون رأي الفاضل
أقوى نوعا من رأي المفضول الرابع الاجماع المدعى في كلام غير واحد منهم السيد في محكي الذريعة وثاني
المحققين في محكي حواشي الشرائع على لزوم تقديم الأعلم في المقام وفي باب التقليد الخامس ما عرفت من
الأخبار المتقدمة فإنها تدل على لزوم التقديم في الجملة بلا إشكال فإن لم يكن هناك قول بالفصل استدل بها
بانضمامه على تعين الرجوع إليه مطلقا هذا.
واستدل للقول بعدم تعينه والتسوية بينهما بوجوه أيضا الأول عموم ما دل من النصب مما عرفت من
الاخبار فإن مقتضاه على ما عرفت جواز الرجوع إلى المفضول مع الاختلاف فضلا عن الاتفاق وبه يرفع اليد عن
الأصل في المسألة وإن كان مقتضاه تعين قضاء الأعلم بالتقريب الذي عرفته ولا يخصصه ما دل الترجيح عند
الاختلاف لما عرفت من اختصاص الترجيح في الحكم بالمعنى المنطبق على التقليد لا القضاء ولا علم بعدم الفصل
بين المسألتين إن لم ندع العلم بوجود الفصل بينهما وأما تخصيصه بنقل الاجماع في المسألة ممن عرفت ففيه
مضافا إلى ابتنائه على حجيته مطلقا مع ما يتطرق إليه من المنع على ما فصلنا القول فيه في محله من الأصول
بذهاب جمع إلى القول بخلافه فتدبر.
وأما تخصيصه بحكم العقل فيتوجه عليه مضافا إلى اقتضائه على تقدير تسليمه عدم جواز النصب من
الإمام (عليه السلام) للرعية مطلقا بعدم تماميته في أمثال المقام حتى يوجب التخصيص ورفع اليد عن عمومات النصب
وإنما يتم في مسألة الخلافة حيث إن مرجع الفرق بين الفاضل والمفضول في هذه المسألة إلى الفرق بين العالم
والجاهل حيث إن الفاضل عالم بجميع ما تحتاج إليه الأمة ومحيط به والمفضول جاهل ببعضه فيقبح التسوية
بينهما فضلا عن ترجيح المفضول وإليه أشار في قوله تبارك وتعالى هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون
وهذا بخلاف مسئلتنا هذه فإن مرجع الفرق بينهما إلى شدة الملكة العلمية بالنسبة إلى المسائل وضعفها و
هذا كما ترى لا تعلق له بالعلم والجهل هذا.
وأما قوة الظن بالنسبة إلى فتوى الأعلم فيتوجه عليه على تقدير التسليم انه إنما ينفع فيما إذا دار الامر
بينها وبين فتوى غيره بحيث يكون الدليل والحجة إحديهما كما في مسألة التقليد لا فيما نحن فيه مما قام
الدليل فيه على نصب كلواحد من العلماء هذا فإن شئت قلت إن مبنى الترجيح على التعارض بحيث يدور الامر بين
كون الدليل والحجة الفعلية أحدهما على التعيين أو كلواحد على البدل والتخيير وهذا كما ترى أجنبي عما نحن
فيه كما هو ظاهر ومما ذكرنا كله تعرف فساد وجوه القول بتعين قضاء الأعلم مطلقا.
الثاني لزوم الحرج الشديد من تعين قضاء الأعلم وهذا بخلاف تعين تقليده والفرق بينهما لا يكاد
أن يخفى على الأوائل فلو فرض هناك ما يقتضي بظاهره تعين قضاء الأعلم فلا بد من رفع اليد عنه بهذا الوجه
نعم على القول بكون المنفي بدليل نفي الحرج الحرج الشخصي لا الغالبي الاكثري النوعي لم يتم هذا الوجه
باطلاقه ولا يتممه عدم القول بالفصل فتدبر.
الثالث كونه خلاف السيرة المستمرة بين العلماء بل بين أصحاب الأئمة (عليهم السلام) أيضا فإنه لا يكاد يرتاب

480
في تصدي المفضول للقضاء مع وجود الفاضل وهذا الوجه ذكره غير واحد ممن أركن إليه تمام الركون سيما
بعض مشايخنا في شرحه على الشرايع لكنه كما ترى لا يخلو عن مناقشة لان استمرار سيرة المفضولين المعتقدين
بكونهم كذلك فيما علم الاختلاف بينه وبين الفاضل في الشبهة الحكمية مع التمكن من رفع الامر إلى الفاضل
من دون حرج أول الدعوى.
الرابع نصب النبي (صلى الله عليه وآله) أو الوصي (عليه السلام) للمفضول أو اذنه في القضاء مع وجود الفاضل فإنه أمر لا
يرتاب فيه ولا ينكره أحد ومنه إذن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لغير أمير المؤمنين (عليه السلام) من الصحابة في القضاء مع
كونه (عليه السلام) أفضل من جميعهم باتفاق الأمة فيدل على التسوية بينهما والاعتذار عنه بأن خلله في زمان الحضور
كان ينجبر بنظر الإمام (عليه السلام) كما اعتذر عنه به غير واحد ربما يتوجه عليه بما في كلام غير واحد منهم شيخنا
الأفقه في شرحه بأنه إنما يتم مع قربه منه (عليه السلام) واطلاعه (عليه السلام) على أحكامه لا مع بعده عنه على وجه لا يعلم شيئا
من وقائعه وإن نوقش فيه بأنه أجنبي عن كلام المعتذر حيث إن مراده ليس الانجبار في القضايا الشخصية من
حيث صدور الخطأ منه فيكون معتصما بنظر الإمام (عليه السلام) بل الانجبار الكلي والتأييد منه (عليه السلام) للمأذون بحيث
يكافئ شدة الملكة للفاضل وهذا لا تعلق له بقربه من الإمام (عليه السلام) واطلاعه (عليه السلام) على وقائعه ضرورة عدم الفرق
بين الحالات في هذا المعنى.
هذا مضافا إلى أن الاعتراض المذكور راجع إلى جهل الإمام (عليه السلام) بما يصدر عن رعيته إذا لم يكن
بمسمع ومحضر منه تعالى شأنه عن ذلك وهو خازن علم الله تبارك وتعالى ومحل مشيته بل الذي فوض أمره إليه
صلوات الله وسلامه عليه.
الخامس لزوم العسر من تشخيص الأعلم حيث إن الملكة مقولة بالتشكيك في القوة والضعف بحيث
يصعب تمييز مراتبها مع الاختلاف مع تقارب اللاحق نعم فيما كان الاختلاف في المرتبة بينا واضحا يسهل تشخيص
الحال هذا وفيه ما لا يخفى فإن تشخيص الفضل وإن كان أصعب عند المنصف من تشخيص أصل الاجتهاد سيما مع
تقارب اللاحق إلا أنه ليس بحيث يبلغ مرتبة الحرج الشديد الرافع للتكليف على الاطلاق.
هذا بعض الكلام في وجوه اطلاق القولين ومن التأمل فيه يعرف وجه التفصيل بين الشبهات الموضوعية
والحكمية والتفصيل في الشبهة الحكمية بين صورتي اختلاف الفاضل والمفضول في الرأي واتفاقهما في الرأي كما
عن غير واحد كما أن منه يعرف ما هو الأوجه من الأقوال وهو التسوية بين الفاضل والمفضول مطلقا ووجه من
عمومات النصب مما عرفتها وعدم ما يقتضي لصرفها عن العموم فلا حاجة إلى بسط القول في ذلك مع كونه تطويلا
لا طائل به.
تذييل مشتمل على فروع الأول انه على القول بتعين قضاء الأعلم هل يجب الفحص عن حال القضاة
لتشخيص القاضي لهم أو لا يجب الفحص عنه كما أنه على القول بالتفصيل بين صورتي اختلافهما في الرأي واتفاقهما
في الرأي هل يعتبر الفحص في تشخيص الاختلاف أو يكفي في الرجوع إلى المفضول عدم العلم بالاختلاف وهذا
كما ترى جار في مسألة التقليد أيضا بناء على لزوم تقليد الأعلم.
والأصل وإن اقتضى عدم المزية بل عدم الاختلاف أيضا والشبهة موضوعية في المقام وفي مسألة التقليد إلا أن
الرجوع إليه يشبه الرجوع إلى الأصل في الشبهة الحكمية من دون فحص من حيث الوقوع في مخالفة الواقع كثيرا
على تقدير الرجوع إليه بدون الفحص للعلم بتفاوت العلماء في الفضل واختلافهم في الرأي كثيرا بل غالبا هذا مع

481
ما قيل من أن مرجع الفحص في باب التقليد إلى الفحص عن الطريق الشرعي الفعلي للعامي نظير الفحص عن
المعارض للاخبار والأدلة والمرجح للمتعارضين في حق المجتهد وفي باب القضاء إلى الفحص عن المرجع للحكم
ومن نصبه الإمام (عليه السلام) للقضاء بين الناس فيجب احرازه وإلا فالأصل عدم نفوذ قضاء مشكوك الحال والمسألة غير
نقية عن الاشكال من حيث إن الفرع غير مذكور في كلمات جلهم نعم تعرض له بعض مشايخنا في شرحه على
سبيل الاجمال حيث قال ما هذا لفظه ثم إنه بناء على تقديم الأفضل فهل هو في حكم المانع أو الشرط وجهان
لا تخفى الثمرة بينهما انتهى كلامه رفع مقامه والغرض من كونه في الحكم المانع عدم لزوم الفحص عنه كما أن
الغرض من كونه في حكم الشرط لزوم الفحص عنه وبعد الإحاطة بما ذكرنا تعرف ما يتوجه عليه من المناقشة
الثاني انه على القول بتقديم الأعلم في المقام هل يقدم الأعدل والأورع على العادل والورع أم لا وجهان
ظاهر غير واحد حيث ذكروها في عنوان تقديم الفاضل والمفضول وصريح بعض التقديم وظاهر آخرين
حيث اقتصروا على تقديم الأعلم عدمه والأقوى هو الأول بناء على الاستناد في تقديم الأعلم إلى الأخبار المتقدمة بعد
حمل العطف على كفاية كلواحدة من الفضائل للترجيح كما عليه الفتوى ويشهد له قول السائل الذي قرره
الإمام (عليه السلام) قلت جعلت فداك كلاهما عدلان مرضيان لا يفضل أحدهما على صاحبه فقد علم كون مدار الترجيح
على مطلق الفضيلة بل إلى غيرها أيضا في الجملة كما هو ظاهر ومنه يعلم أنه لا مناص عن الترجيح بالفضيلة
المذكورة في باب التقليد بناء على حمل الأخبار المتقدمة على ما ينطبق عليه حسبما اخترناه.
الثالث انه على تقدير الترجيح بكل من الأفقهية والأعدلية فهل تقدم الأولى عند التعارض أم لا صريح
من تعرض للفرع في المقام وفي مسألة التقليد هو التقديم ولا يستفاد من أخبار الباب بناء على حملها على الحكومة
بل على التقليد أيضا بل على الترجيح من حيث تعارض الاخبار أيضا حكم تعارض الفضائل وفي كلام بعض
الأصحاب التعليل له بما لا يخلو عن مناقشة نعم يمكن التمسك له بعد منع التمسك باطلاق الاخبار لصورة تعارض
الصفات بالأصل المحكم المرجع في المقام بل في التقليد وتعارض الاخبار أيضا بعد فرض كون الأفقه
متيقن الاعتبار والمرجعية
الرابع انه لا إشكال في كون المراد بالأعلم في الأبواب الثلاثة هو الأعلم بالفقه يعني أشد ملكة
بالنسبة إليه وإن كان لتكميل المقدمات سيما علم الأصول ولمزاولة الفقه مدخل فيه ومن هنا وقع التعبير
بالأفقة في المقبولة والأفقه بدين الله في رواية النميري وينطبق عليه الأعلم بالحديث في رواية داود بن الحصين
فإن الأفقهية في ذلك الزمان إنما كانت تحصل بالأعلمية بأحاديث الأئمة (عليهم السلام) فلا تنافي بين الاخبار.
الخامس انه لا إشكال في ثبوت سائر الولايات العامة الحسبية المختصة بالمجتهدين للمفضول كثبوتها
للفاضل على القول باختصاص ولاية القضاء به بل الظاهر أنه مما لا خلاف فيه لعموم ما دل عليه من الاخبار سيما
التوقيع الشريف الدال على كونهم حجة من الحجة أرواحنا له الفداء على الخلق وانهم المرجع للحوادث الواقعة
وانتفاء ما يقتضي تخصيصه بطائفة منهم وهو أمر ظاهر.
السادس انه على القول بتعين قضاء الفاضل هل له اذن المفضول وتوكيله أو نصبه للقضاء كما أن للإمام (عليه السلام)
كلا من التوكيل والنصب في زمان حضوره أوليس له ذلك وجهان أوجههما الثاني لان القضاء وإن كان قابلا
للتوكيل والنصب في الجملة على ما عرفت إلا أنه لما كان على خلاف الأصل والقواعد فيقتصر في حق الإمام (عليه
السلام) وليس هنا دليل خاص يقتضي الجواز كما أنه ليس هنا عموم منزلة يقضى بثبوت ماله (عليه السلام) للفقيه إلا ما خرج

482
ونظيره الوصي فإنه ليس له إيصاء الغير إلا بتصريح الميت وكذا الوكيل من شخص في عمل ليس له توكيل الغير
فيه إلا بتصريح الموكل فنصب الإمام عليه السلام الأفضل في زمان الغيبة لا يقتضي اذنه في نصب غيره.
ومما ذكرنا كله يظهر الكلام في مسألة أخرى وهي انه هل يجوز للفقيه الجامع لشرائط الحكومة
والفتوى المنصوب من الإمام (عليه السلام) في زمان الغيبة نصب العامي العارف بمسائل القضاء من رأيه للحكومة بين
الناس أو توكيله في ذلك بعد البناء على عدم جوازها له ابتداء واشتراط الملكة في القاضي كما هو المشهور بين
الأصحاب قديما وحديثا وإن مال بعض مشائخنا في شرحه إلى الجواز بل قال به كما يظهر لمن راجع الكتاب
المسطور أو لا يجوز له ذلك وجهان ظاهر الأصحاب الأول والمحكى عن المحقق القمي قده في أجوبة مسائله
الميل إلى الثاني وهو صريح بعض مشائخنا في شرحه بالنسبة إلى التوكيل إن لم يكن إجماع على خلافه لعموم
دليل الوكالة وجه الأول ظاهر بعد فرض اعتبار ملكة الاجتهاد في القاضي كما هو المفروض وإلا كان العامي
العارف بالمسائل عن تقليد في عرض العالم عن ملكة كالفاضل والمفضول على القول بعدم الفرق بينهما فلا معنى
لنصب العامي بل على القول باعتبار المعرفة النظرية لا مورد لنصب الإمام (عليه السلام) العامي فضلا عن نصب المجتهد
مع أنه على تقدير جواز النصب له (عليه السلام) يمكن منعه بالنسبة إلى المجتهد من جهة منع عموم المنزلة كما
أسمعناك بالنسبة إلى جواز نصب المفضول للفاضل على القول بالترجيح بينهما هذا بالنسبة إلى النصب.
وأما التوكيل فلا مجال له بعد اعتبار الاجتهاد في القاضي كما هو المفروض لان دليل الوكالة لا يكون
مشرعا هذا وإن شئت قلت أولا انه ليس في باب الوكالة ما يقتضي بعمومه كون كل فعل قابلا للنيابة والوكالة
وان الوكالة تجري في كل فعل إلا ما خرج على ما يدعيه بعض مشائخنا في شرحه خلافا لما أثبتنا وأوضحناه
في كتاب الوكالة وثانيا انه على تقدير ثبوت العموم فإنما هو بالنسبة إلى ما لم يقم دليل على اختصاص صدوره
بطائفة خاصة فإذا دل الدليل على حصر (قصر خ) نصب الإمام (عليه السلام) لمن كان ناظرا في الحلال والحرام وعارفا
بجميع الاحكام بمعنى كونه واجدا لملكة معرفة الجميع كما هو المفروض فكيف يجوز له توكيل العامي في
القضاء والحكم بين الناس.
ثم إن محل الكلام في المسألة في قضاء العامي بأحد الوجهين وأما توكيله في مقدمات القضاء
كاستماع الشهود والحلف مع كون الحكم بفعل المجتهد فقد صرح ثاني الشهيدين في المسالك بجوازه وهو
الظاهر من غيره لكنه لا يخلو عن إشكال إن لم يكن إجماع عليه لعدم دليل عليه على ما أسمعناك عن قريب و
الأصل في المعاملة الفساد باتفاق منهم والله الهادي وهو المصلح لمفاسد أمور عباده.
هذا آخر ما أردنا إيراده في هذه الأوراق مع اختلاف البال وتشتت الفكر والخيال والبهت الحاصل
للنفس في شهر الصيام والحمد لله أولا وآخرا وله الشكر دائما سرمدا والصلاة على نبيه وآله الطيبين الطاهرين
أبدا أبدية السماوات والأرض وقد وقع الفراغ منه في ليلة الثامن من شهر الصيام في البلد المشحون بالهموم
والأحزان من سنة الثامن عشر بعد الألف وثلاثمائة من الهجرة النبوية.

483
/ 1