كتاب الصلاة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

كتاب الصلاة - نسخه متنی

عبد الکریم حائری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: كتاب الصلاة
المؤلف: شيخ عبد الكريم الحائري
الجزء:
الوفاة: 1355
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: 1362 ش
المطبعة: دفتر تبليغات إسلامي
الناشر: مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي - قم - ايران
ردمك:
ملاحظات:
كتاب الصلاة
تأليف
آية الله حاج شيخ عبد الكريم حائري
قدس سره
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما أنعم وعلم الانسان ما لم يعلم وأودع فيه لطائف الحكم
والصلاة والسلام على النبي الخاتم ونتيجه العالم محمد صلى الله عليه وآله أفضل
من تأخر وتقدم وعلى آله مصابيح الظلم ومفاتيح الحكم وبعد فان مفاتيح أبواب
السعادة بعد المعرفة العلم بالنواميس الإلهية أعني العلم بالأحكام الشرعية الفرعية
ولا ريب ان الصلاة من مهام الفروع بل هي عمود الدين ان قبلت قبل ما سواها وان
ردت رد ما سواها فيا بشرى لعلماء العصر وفضلاء الدهر بل الاعصار والدهور إلى يوم
الظهور هذه رسالة وجيزة في احكام الصلاة مشتملة على مهمات مسائلها من دون اطناب
ممل ولا ايجاز مخل ولعمري انها مع اختصارها حاوية لمطالب عالية وفرائد غالية
كاشفة عن رموز كأنها درر مكنونة في كل عقد منها كنوز من جواهر الكلام وفى كل باب
منها مسالك تهدي إلى شرايع الاسلام وفى كل فصل منها عيون تبتسم من فيضانها
أزهار رياض الاحكام وهي رشحة من رشحات أقلام مصدر التحقيق وقطرة من فيضان
منبع التدقيق وحيد العصر وفريد الدهر جامع شتات العلم وحامل عرش الفضل محيي
مدارس التحقيق بعد اندراسه ومعيد مشهد العلم بعد انطماسه حجة الاسلام وآية الله
على الأنام العلامة العليم الحاج الشيخ عبد الكريم اليزدي الحائري المتوفى سنة
(1355) تغمده الله بغفرانه ورضوانه وأسكنه بحبوحة جنانه فإنه قد شيد أركان الدين
وأقام شريعة سيد المرسلين وجدد مسلك التقى والسداد في زمان آل سوق الديانة
إلى الكساد ومال أهله إلى البغى والفساد فجزاه الله عن الاسلام أفضل الجزاء
وأعلى ذكره بأحسن الدعاء والثناء

1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من فضله على العالمين محمد خاتم النبيين
وعلى آله الكهف الحصين سيما على بقية الله في ارضه، المنتقم من أعدائه.
وبعد فيقول العبد الراجي إلى عفو ربه الرحيم عبد الكريم الحائري عفى الله
عن جرائمه هذه مجموعة نفيسة قد ذكرت فيها من المسائل المتعلقة بالصلاة تذكرة
لنفسي وذخيرة ليوم فاقتي وبؤسي مقتصرا على المسائل المهمة مع تنقيح مبانيها
ومداركها مجتنبا عن ذكر ما لا فائدة مهمة في تعرضه وأسئل الله تعالى ان ينفع
بها إخواني الفضلاء وان لا ينسوني من الدعاء في حياتي وبعد وفاتي عند مطالعتها والله
الموفق والمستعان.
كتاب الصلاة
وفيه مقاصد
المقصد الأول
في مقدماتها وفيها أبحاث: فالأول منها يشتمل على فصول:
الأول في اعداد الصلوات اليومية ونوافلها وهي إحدى وخمسون ركعة ثمان
منها فريضة الظهر والعصر وسبع منها فريضة المغرب والعشاء واثنتان منها فريضة الصبح

2
وست عشرة منها نافلة الظهر والعصر وست منها تعد بخمس نافلة المغرب والعشاء
وثلث عشرة منها نافلة الليل والشفع والوتر ونافلة الفجر وتسقط نافلة الظهرين
عن المسافر وفى مواضع التخيير هل تسقط مطلقا أولا مطلقا أو يفصل بين ما إذا
اختار القصر فتسقط أو التمام فلا تسقط يمكن القول بالأول بناء على اختصاص أدلتها
بصورة تعيين التمام وهي حال الحضر فلا تفي بمشروعيتها بعنوان الرواتب في حال عدم تعين
التمام ومقتضى الأصل عدم المشروعية.
نعم يحكم بالاستحباب من حيث إنها صلاة وهي خير موضوع ان لم نقل بحرمة
التطوع في وقت الفريضة ويمكن القول بالثاني بناء على اختصاص أدلة السقوط بصورة
تعين القصر واما الدليل على الثبوت فبعض الأخبار الدالة على أن سقوط النافلة في السفر
لعدم صلاحية الزام المكلف بأزيد من ركعتين هما فريضة فيستفاد من ذلك أنه لو صلح
ذلك ولو تخييرا لا تسقط النافلة ويؤيد هذا القول التعليل الوارد في بعض الأخبار الدالة
على جواز التمام في الأمكنة المخصوصة بحب اكثار الصلاة فيها ويمكن القول بالتفصيل
بناء على أن معنى قوله عليه السلام في بعض اخبار سقوط النافلة ركعتان ليس بعدهما ولا قبلهما
شئ ان الركعتين وان لم تتعينا ليس بعدهما شئ والحاصل ان المستفاد من تلك الأخبار
ان الصلاة متى وقعت ركعتين في الخارج وان كان بواسطة اختيار المكلف لا يكون
لها نافلة ولازم ذلك ثبوتها فيما إذا اختار التمام.
وفيه ان تلك الأخبار ناظرة إلى صورة تعين الركعتين لا صورة وقوعهما ولو
بواسطة اختيار المكلف فلاحظ ومما ذكرنا ظهر ان القول بالثبوت لا يخلو عن قوة ويدل
على المختار مضافا إلى ما تقدم اخبار خاصة ظاهرة فيه غاية الظهور وقد عقد لها في آخر
كتاب الصلاة من الوسائل بابا من أراد فليراجعه وهل تسقط الوتيرة من المسافر أو
لا وجهان من عموم الأخبار الدالة على سقوط النافلة من الرباعيات مطلقا وخصوص
الخبر المروى عن الرضا عليه السلام انما صارت العتمة مقصورة وليس تترك ركعتاها لان
الركعتين ليستا من الخمسين وانما هي زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بهما بدل كل ركعة
من الفريضة ركعتين من التطوع.

3
ويظهر من الخبر ان عدم سقوط الوتيرة ليس تخصيصا في أدلة سقوط النافلة من
كل رباعية فان مقتضاه عدم كون الوتيرة نافلة العشاء هذا.
ولكنه موهون بعدم عمل الأكثر به ولولا ذلك لكان العمل به قويا وعلى كل
حال لو جئ بها برجاء المطلوبية كان احتياطا حسنا خصوصا بعد تصريح جملة من الاخبار
بكونهما بدل الوتر عجل بها مخافة كون الليل بلا وتر ولا يسقط باقي النوافل بحال ويزاد
على ناقلة الظهرين في يوم الجمعة أربع.
ثم لا يخفى ان مقتضى الاخبار ان النوافل التي يؤتى بها لتكملة الفرائض هي أربع و
ثلاثون ركعة وهي التي خرجت بمقتضى أدلتها عن عموم أدلة حرمة التطوع في وقت
الفريضة أو كراهته فالحكم باستحباب صلاة أخرى غير ما ذكرنا خصوصا في أوقات
الصلوات المفروضة يحتاج إلى دليل.
في مشروعية صلاتي الغفيلة والوصية
ومن جملة الصلوات التي أفتى البعض باستحبابها وقواه في نجاة العباد صلاتان
إحديهما صلاة الغفيلة والأخرى صلاة الوصية وكل منهما ركعتان بين العشائين
يقرأ في الركعة الأولى من الأولى الحمد و " ذو النون إذ ذهب مغاضبا إلى قوله تعالى و
كذلك ننجي المؤمنين " وفى الركعة الثانية منها الحمد ووعنده مفاتح الغيب الآية وفى
الأولى من الثانية الحمد وإذا زلزلت الأرض ثلث عشرة مرة وفى ثانيتها الحمد وقل هو الله
أحد خمس عشرة مرة والأصل في صلاة الوصية ما رواه الشيخ (ره) في المصباح عن الصادق
عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال أوصيكم بركعتين بين العشائين
يقرأ في الأولى الحمد إلى اخر الخبر وفى صلاة الغفيلة ما رواه في الوسائل عن محمد بن علي
بن الحسين قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين
فإنهما تورثان دار الكرامة قال (ره) وفى خبر اخر: دار السلام وهي الجنة وساعة الغفلة ما بين
المغرب والعشاء الآخرة وروى غيره مثل ذلك.
وفى المصباح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال من صلى بين المغرب و

4
العشاء ركعتين يقرأ في الأولى الحمد وذا النون إذ ذهب مغاضبا إلى قوله وكذلك ننجي
المؤمنين وفى الثانية الحمد وعنده مفاتح الغيب الآية فإذا فرغ من القراءة رفع
يديه وقال اللهم إني أسئلك بمفاتح الغيب إلى أن قال عليه السلام وسأل الله حاجته أعطاه
الله ما سأل.
قلت لم يظهر من الروايات كونهما من الصلوات المندوبة مستقلة لاحتمال كون
المراد من الأولى التوصية بايقاع الركعتين من نافلة المغرب على تلك الكيفية الخاصة
وكذا الرواية الأخيرة المشتملة على الكيفية المذكورة والحاصل انه من المحتمل ان
الروايتين المشتملتين على الكيفية المخصوصة في الصلاتين وردتا في استحباب اتيان
الركعات المستحبة بعد المغرب بكيفية مخصوصة والروايات الاخر الآمرة بالتنفل
بين العشائين ولو بركعتين خفيفتين يحتمل ان يكون المراد منها التأكيد في عدم
ترك نافلة المغرب رأسا ويكون مفادها مفاد بعض الاخبار المرخصة للاقتصار على
الركعتين من نافلة المغرب والمؤكدة لعدم ترك الجميع وعلى هذا اتيانهما بعد أداء نافلة
المغرب لا دليل عليه فيشملهما أدلة النهى عن التطوع في وقت الفريضة نعم لو لم نقل بحرمة
التطوع في وقت الفريضة فلا بأس باتيانهما رجاء لادراك المستحب لوجود الاحتمال وعدم
المحذور في فعلهما بناء على الفرض المذكور.
والأولى بملاحظة الاحتياط في التطوع في وقت الفريضة اتيان نافلة المغرب
ركعتين منها بالكيفية التي سمعتها في صلاة الوصية وركعتين منها بالكيفية التي
ذكرت في صلاة الغفيلة لان نافلة المغرب لم يعتبر فيها كيفية خاصة فإذا اتى بتلك
الكيفية فقد أدرك نافلة المغرب قطعا ويحتمل ادراكه لمستحب آخر بناء على أن
يكون المراد من الروايات ما احتملنا فيها هذا لكن مقتضى ما ذكر عدم قصد ورود تلك
الكيفية بل يأتي بها قاصدا للرجحان المطلق ولعله إلى ما ذكرنا ينظر سيد مشايخنا
الميرزا الشيرازي قدس سره حاشيته على نجاة العباد ويمكن ان يأتي بالصلاتين قاصدا
للخصوصية بان يقصد الركعتين الأولتين اللتين شرعتا بالكيفية المخصوصة سواء
كانتا من نافلة المغرب أم غيرها ثم يقصد الركعتين الأخيرتين اللتين شرعتا بكيفية

5
أخرى سواء كانتا من نافلة المغرب أم لا ويقتصر في تطوعه بعد المغرب على اتيان هاتين
الصلاتين ولكن يضعف الاحتمال الذي ذكرنا ان ظاهر الدليل الدال على مشروعية
الصلاتين بالكيفية الخاصة الحث والترغيب إلى أصل العمل وحمله على بيان فضيلة
الكيفية في الصلاة المشروعة من أدلتها خلاف الظاهر هذا.
ولكن لا يخفى جواز اتيان الركعتين بالكيفية الخاصة الواردة في الغفيلة بقصد
امتثال كلا الامرين أعني الامر بنافلة المغرب والامر بالغفيلة وهكذا الكلام في صلاة
الوصية فيكون الآتي بالغفيلة والوصية آتيا بنافلة المغرب أيضا. نعم لو اتى بنافلة
المغرب على غير تلك الكيفية تبقى الغفيلة والوصية غير مأتي بهما كما هو الحال
في الامر بالمطلق والامر بالمقيد مستقلا من دون ان يكون راجعا إلى تقييد
ذلك المطلق.
في المواقيت في اختصاص أول الزوال
بالظهر بمقدار أدائه
الفصل الثاني في أوقات الاجزاء والفضل للفرائض يدخل وقت الظهر
بزوال الشمس عن سمت الرأس إلى جانب المغرب ووقت العصر بعد مضى مقدار ما يصلى المصلى
المختار بحسب حاله الظهر ويشتركان بعد ذلك في الوقت إلى أن يبقى مقدار ما يؤدى العصر
كما ذكر إلى غروب الشمس الذي هو أول وقت المغرب ويدخل وقت العشاء بعد المغرب
كالعصر بعد الظهر ويشتركان إلى أن يبقى مقدار ما يؤدى العشاء كما ذكر إلى نصف
الليل هذا على المشهور فهيهنا أمور:
أحدها اختصاص أول الزوال بالظهر إلى أن يصلى المصلى صلاة الظهر على حسب
حاله وقيل باشتراك الوقت للفرضين من أول الزوال والدليل على الأول مضافا إلى الأصل ما
رواه الشيخ (ره) عن داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا زالت الشمس
فقد دخل وقت الظهر حتى يمضى مقدار ما يصلى المصلى أربع ركعات فإذا مضى ذلك فقد
دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلى المصلى أربع ركعات. الخبر
وبإزاء هذا الخبر اخبار اخر كثيرة دالة على اشتراك الفرضين في الوقت من أول الزوال

6
وفى بعضها إذا زالت الشمس دخل الوقتان الا ان هذه قبل هذه وهو يدل على أن الوقت لكلتا
الصلاتين حين زوال الشمس لكن يشترط في العصر تقدم الظهر والرواية الأولى وان
كانت مرسلة الا ان سندها صحيح إلى الحسن بن فضال وبنو فضال ممن امر بأخذ رواياتهم
وكتبهم مضافا إلى عمل المشهور بها ودلالتها صريحة فيما يقوله المشهور بحيث لو
اخذت الأخبار الدالة على الاشتراك لزم طرحها رأسا بخلاف تلك الأخبار فإنه من المحتمل
ان يكون المراد كون الوقت صالحا للفرضين لولا حيث تقدم الظهر على العصر و
بملاحظة هذه الحيثية جعل الوقت بمقدار أداء الفريضة وقتا للظهر والحاصل ان مفاد
الرواية والله أعلم على هذا انه زالت الشمس دخل الوقتان بموجب الاقتضاء الذاتي الا
ان قبلية الظهر على العصر أوجبت جعل مقدار من الوقت خاصا له.
وهذا نظير ما ورد في بعض اخبار النافلة الا ان بين يديها سبحة وحاصل المعنى ان
وقت فضيلة الفريضة أول دخول الوقت ذاتا الا ان ملاحظة الشارع تحقق النافلة أوجبت
تأخير وقت فضيلتها بمقدار أداء النافلة.
وهذا المعنى ليس ببعيد خصوصا بعد وجود النظير له في اخبار النافلة فيجب
بمقتضى وجوب الجمع بين النص والظاهر التصرف في الأخبار الدالة على الاشتراك.
في اشتراك الوقت للمختار إلى مقدار أداء العصر
الامر الثاني امتداد وقت الظهر للمختار إلى أن يبقى من الزمان مقدار ان يصلى
المصلى فرضين فان لم يبق الا مقدار أداء العصر خرج وقت الظهر ويختص الوقت
بالعصر خلافا لبعض من العلماء حيث جعل آخره صيرورة الظل مقدار سبعي الشاخص
ولبعض آخر حيث جعل آخره صيرورة ظل كل شئ مثله ولبعض اخر حيث ذهب إلى أن
آخره صيرورة الظل أربعة أسباع.
ويدل على المشهور ما تقدم من مرسلة داود بن فرقد وما رواه الشيخ (ره) عن عبيد
بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل
قال عليه السلام ان الله تعالى افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل

7
منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس الا ان هذه قبل ومنها
صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل الا ان هذه قبل هذه تقريب
الاستدلال به مع أنه يدل على اشتراك الوقت من أول الزوال إلى الغروب وهو خلاف
مدعى المشهور انه بعد الجمع بينه وبين المرسلة المتقدمة بحمل الخبر الدال على
الاشتراك على صلاحية الوقت لهما ذاتا وان أوجب الترتب جعل مقدار من الوقت من
أوله للظهر ومن آخره للعصر يبقى الباقي مشتركا بينهما.
ويدل على المقصود أيضا رواية أخرى لعبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن وقت الظهر والعصر فقال عليه السلام إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعا
الا ان هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس وما ورد من الاخبار
الحاكية عن انتهاء وقت الظهر إذا صار ظل كل شئ مثل أو إذا صار الظل أربعة أسباع
الشاخص ومثل ذلك محمول على الفضل واختلاف الاخبار محمول على اختلاف
مراتب الفضل.
وحمل اخبار التوسعة على الأعم من وقت المختار والمضطر أبعد من حمل تلك الأخبار
على الفضيلة فان وقت المضطر ليس بوقت على الاطلاق بل هو وقت بشرط
الاضطرار بخلاف وقت الفضل فإنه وقت بقول مطلق من دون الاشتراط بشئ وإضافة
الوقت إلى العمل بملاحظة الفضل إضافة صحيحة متعارفة. على أن اختلاف تلك الأخبار
شاهد قوى على إرادة الفضل والجمع بينهما بالحمل على مراتب الفضل جمع عرفي هذا.
في اختصاص آخر النهار بالعصر
واما اختصاص آخر النهار بالعصر مقدار أدائها فيدل عليه مضافا إلى مرسلة داود
بن فرقد المتقدمة ما رواه الحلبي في من نسى الظهر والعصر ثم ذكر عند غروب الشمس
قال عليه السلام ان كان في وقت لا يخاف فوت إحديهما فليصل الظهر ثم ليصل العصر وان هو خاف ان
تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخرها فيكون قد فاتتاه جميعا الخبر.
واستدل بعض من عاصرناه من الأعاظم " قدس سره " للزوم اتيان العصر إذا بقى

8
مقدار أدائها قبل مغيب الشمس بالاخبار الدالة على أن وقت الظهر والعصر من حين
زوال الشمس إلى الغروب الا ان هذه قبل هذه فزعم أن قوله عليه السلام الا ان هذه قبل هذه يدل
بالالتزام العقلي على امتناع تعلق التكليف بفعل الظهر في آخر الوقت مع كونه مكلفا
بايقاع العصر بعدها كما انها تدل على امتناع تعلق التكليف بالعصر في أول الزوال مع كونه
مكلفا بايقاع الظهر قبلها.
ونحن نذكر عبارته فلعل الناظر فيها يطلع على ما لم نطلع عليه قال (ره) بعد ذكر
ان آخر الوقت يختص بصلاة العصر ما هذا لفظه: فان قوله عليه السلام في الأخبار المتقدمة
الا ان هذه قبل هذه كما يدل بالالتزام العقلي على امتناع تعلق الامر بفعل العصر في
أول الوقت مع كونه مكلفا بايقاع الظهر قبلها (كك) يدل على امتناع تعلق التكليف
بفعل الظهر في آخر الوقت مع كونه مكلفا بايقاع العصر بعدها فلو تعلق امر مطلق
مثلا بصلاة الظهر من الزوال إلى الغروب على سبيل التوسعة ثم ورد امر آخر
بايقاع العصر بعدها كذلك وجب تقييد كل من الامرين بالآخر وجعلهما بمنزلة
امر واحد متعلق بكلا الفعلين على الترتيب فيتضيق وقتهما إذا لم يبق من الوقت الا مقدار
أدائهما فلو اخر عن هذا الوقت فقد عصى فلو تركهما حتى لم يبق من الوقت الا مقدار
أداء إحدى الصلاتين فقد فاتت الظهر إذ لا يعقل بقاء الامر بها مع كونه مأمورا بايقاع
العصر بعدها قبل ان تغيب الشمس واما العصر فوقتها الذي كان مأمورا بايقاعها فيه
باق فلم يتحقق عصيانها بعد والترتيب بين الصلاة غير معتبر عند استلزام رعايته فوت
الحاضرة انتهى كلامه رفع مقامه ثم أيد هذا المطلب برواية الحلبي المتقدمة.
في الاشكال على بعض الأعاظم (قده)
أقول: ولعمري ان ما جعله مؤيدا هو الدليل الواضح.
واما ما استدل به من استفادة الاختصاص من قوله عليه السلام في طي اخبار الاشتراك
الا ان هذه قبل هذه ففيه نظر لان هذه الكلمة اما لبيان الترتيب فقط واما لبيان دخول وقت
الظهر أول الزوال قبل العصر وعلى الثاني فلا دلالة لها على تعيين خصوص العصر في

9
آخر الوقت وعلى الأول تدل على اشتراط الترتيب بين الظهر والعصر أعني كون العصر
مرتبا على الظهر فتكون الظهر من الشرائط الوجودية للعصر كالطهارة وأمثالها.
ولازم ذلك وإن كان اختصاص الوقت الفعلي من أول الزوال بالظهر لعدم امكان
العصر فيه الا في مورد سقوط الترتيب وهو النادر ولكن اختصاص آخر الوقت بالعصر
لا يفهم من اعتبار الترتيب بنحو من الالتزام فإنه بعد فرض عدم اتساع الوقت
الا لأربع ركعات لو كان اشتراط الترتيب محفوظا فلا يمكن العصر لأنه فاقد
الشرط ولو كان ساقطا فهما على حد سواء فان الوقت صالح لهما بالفرض والترتيب
ساقط فيحتاج تعيين أحد الفرضين إلى دليل آخر.
فان قلت لو بقى من الوقت مقدار ثمان ركعات أليس يتضيق وقت الصلاتين لا سبيل
إلى انكار ذلك ومقتضى ذلك تعين الظهر في القطعة الأولى وتعين العصر بعدها في القطعة
الثانية فإذا لم يأت بالظهر في القطعة المعينة فقد عصى تكليف الظهر واما العصر فلم يعص
بعد غاية الامر عدم القدرة على ايجادها مرتبا على الظهر والمفروض سقوط الترتيب
في حال العجز.
قلت هذه مغالطة فان تضيق الظهر انما هو بملاحظة الترتيب المعتبر في العصر و
الا فكلتا القطعتين صالحتان للظهر كما أنهما صالحتان للعصر بالفرض وبعبارة أخرى
تعلق بالظهر تكليفان أحدهما نفسي لأنها من الفرائض والثاني غيري فان وجودها مما
يتوقف عليه صحة العصر والتضيق العارض للظهر انما هو بالنسبة إلى التكليف الغيري ففي
الحقيقة الضيق وقت العصر فان العصر المرتب على الظهر يحتاج إلى مجموع الزمانين
وبعد مضى مقدار أربع ركعات في المفروض لو بقى اشتراط الترتيب فقد فاتت العصر لعدم
امكان اتيانها عقيب الظهر واما الظهر فوقتها باق بمقتضى الاشتراك ولو سقط الاشتراط
فالظهر والعصر على حد سواء.
في بيان الأدلة على تحقق الغروب بسقوط القرص
الامر الثالث يدخل وقت المغرب عند غروب الشمس وهذا مما دلت عليه الأخبار

10
المتواترة وانعقد عليه الاجماع انما الاشكال والكلام في أن المحقق لغروب الشمس
هل هو سقوط القرص عن أفق المصلى أو زوال الحمرة المشرقية ومنشأ هذا الاشكال
اختلاف الاخبار فمنها ما دل على أنه لا يتحقق الا بزوال الحمرة من جانب المشرق
بل في بعضها زيادة اعتبار تجاوزها قمة الرأس فلاحظ الكتب الموضوعة لذكرها.
ان قلت إن كون المغرب هو غروب الشمس ورد في الأخبار المتواترة وليس لللفظ
المذكور مفهوم مجمل حتى يحتاج إلى الشرح والبيان بل يتم انطباق هذا المفهوم على
سقوط القرص عن أفق المصلى فما ورد من الأخبار الدالة على أنه لا يتحقق الا بزوال الحمرة
من ناحية المشرق نعلم بمخالفة مضمونها للواقع بداهة تحققه قبل ذلك.
قلت نحمل الأخبار المذكورة على بيان ما هو موضوع للحكم الشرعي ومحصل
مدلولها ان الغروب الذي هو موضوع للحكم الشرعي هو المعنى الذي يلازم مع ذهاب
الحمرة المشرقية ولا يتحقق قبل ذلك ولا اشكال في أن لفظ غروب الشمس وان كان معناه
العرفي هو سقوط الشمس عن أفق المصلى الا انه للشارع ان يريد به في مقام جعله موضوعا
للحكم غياب عينها وارتفاع اثرها توسعا وبعد امكان ذلك يكون الأخبار الدالة على عدم
تحقق الغروب الا بزوال الحمرة شارحة لهذا المعنى وبعبارة أخرى لفظ غيبوبة الشمس
وسقوطها قابل لان يراد بها استتارها مع اثرها وشعاعها الباقي فوق الأفق الزائل
بزوال الحمرة من المشرق فكيف يجوز طرح الأخبار الكثيرة الدالة على عدم تحقق الغروب
الا بذهاب الحمرة المشرقية.
فان قلت: كما يمكن حمل تلك الأخبار على ما ذكرت يمكن حملها على اخذ زوال
الحمرة امارة للشاك الذي لا يعلم بسقوط القرص من جهة وجود الغيم ونحوه.
قلت يأبى مضمون جل من الاخبار عن إفادة كون زوال الحمرة امارة حيث إن
مفاده اتحاد وقت غروب الشمس مع وقت زوال الحمرة واقعا لان ان زوال الحمرة يوجب
العلم بغروب الشمس (فح) يتعين كون مفاد تلك الأخبار المعنى الذي ذكرنا وهو شرح
موضوع الحكم.
ومما ذكرنا يعلم عدم التعارض بين هذه الأخبار والأخبار الدالة على أن وقت

11
صلاة المغرب هو غروب الشمس نعم يوجد في الأخبار الدالة على كون الوقت سقوط
القرص ما لا يقبل ان تكون تلك الأخبار شارحة له مثل مرسلة على بن الحكم عن
أحدهما عليهما السلام انه سئل عن وقت المغرب فقال عليه السلام إذا غاب كرسيها قلت ما
كرسيها قال عليه السلام قرصها فقلت متى يغيب قرصها قال عليه السلام إذا نظرت إليه فلم تره. ومثل
رواية زيد الشحام قال صعدت جبل أبى قبيس والناس يصلون المغرب فرأيت الشمس
لم تغب وانما توارت خلف الجبل عن الناس فلقيت أبا عبد الله عليه السلام فأخبرته بذلك فقال عليه السلام
لي ولم فعلت ذلك بئس ما صنعت انما تصليها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت ما لم
يتجللها سحاب أو ظلمة وانما عليك مشرقك ومغربك.
ومحل الاستدلال قوله عليه السلام انما تصليها إذا لم ترها واما قوله عليه السلام غابت أو غارت
مع أن الملاك ليس غيبوبة الشمس عن النظر ولو بالحيلولة فمحمول على أن بقاء الشمس
على قلل الجبال العالية بحيث يخرج علوها عن المتعارف عرفا لا ينافي غروبها بالنسبة
إلى من كان دونها لاختلاف الأفقين إذ يمكن ان يكون علو المحل الذي صعده الراوي
لكشف حال الغروب خارجا عن المتعارف ولذا بينه بقوله عليه السلام وانما عليك مشرقك
ومغربك الدال على أن المشرق والمغرب باعتبار أفق من كان دون الجبل غيرهما باعتبار
من كان فوقه ومثل رواية زرارة قال قال أبو جعفر عليهما السلام وقت المغرب إذا غاب
القرص فان رايته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام ان
كنت أصبت منه شيئا. وجه الدلالة مضافا إلى صدر الخبر تفريع الإمام عليه السلام بقوله
فان رايته بعد ذلك (الخ) فان الظاهر أن ملاك الإعادة والكف عن الطعام مجرد ثبوت القرص
فوق الأفق وهذا واضح.
وهذه الرواية رواها الشيخ (قده) في الصحيح ومثل رواية أبان بن تغلب عن الربيع
بن سليمان وابان بن أرقم وغيرهما قالوا أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الأخضر إذا
نحن برجل يصلى ونحن ننظر إلى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسنا فجعل يصلى ونحن
ندعو عليه ونقول هو شاب من شباب أهل المدينة فلما اتيناه إذا هو أبو عبد الله جعفر بن
محمد عليهما السلام فنزلنا فصلينا معه عليه السلام وقد فاتتنا ركعة فلما قضينا الصلاة قمنا إليه

12
فقلنا له جعلنا فداك هذه الساعة تصلى؟! فقال عليه السلام إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت والدلالة
واضحة واما حكاية القوم لوجود شعاع الشمس فمحمول اما على وجوده على الجبال العالية
فوق حد المتعارف كما قلنا في الرواية السابقة أو يكون المراد من شعاع الشمس بياضها
مقارنا لسقوط قرصها من الأفق فلا ينافي ثبوته مع غروب القرص.
وعلى أي حال هذا أولى من الالتزام بوقوع صلاة الإمام عليه السلام قبل غروب
الشمس مع عدم القول به من العامة وأي تقية تقتضي ايجاد العمل على نحو ينكره
جميع أهل الاسلام ومثل رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلى المغرب من حين تغيب الشمس حيث يغيب حاجبها
ومثل رواية محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلى
المغرب ويصلى معه حي من الأنصار يقال لهم بنو سلمة منازلهم على نصف ميل فيصلون معه ثم
ينصرفون إلى منازلهم وهم يرون موضع سهامهم ومعلوم ان هذا لا ينطبق على القول بان
الوقت زوال الحمرة خصوصا مع التزامهم بنوافل المغرب هذا كله مضافا إلى تكرر عنوان
غروب الشمس في الاخبار بحيث صار فوق حد التواتر.
ومن البعيد إرادة خلاف الظاهر في تمام هذه الموارد العديدة واخفاء القرينة فان
مجوز ذلك وجود مصلحة تقتضي عدم سوق المتكلم الكلام لإفادة المقصود الواقعي
وتحقق تلك المصلحة وان كان من الممكنات الا انه من الأمور النادرة التي قد يتفق في
الخارج وثبوتها في تمام موارد الاخبار التي ذكر فيها لفظ غروب الشمس في غاية
البعد هذا.
في اختيار اعتبار زوال الحمرة
ولكن الانصاف ان كثرة اخبار اعتبار زوال الحمرة وانه هو الوقت الذي عينه
الشارع لصلاة المغرب والافطار من الصوم تمنع الفقيه عن طرحها وعدم العمل
بها رأسا مع أنها شارحة للمراد بالنسبة إلى اخبار غروب الشمس وقد أشرنا سابقا إلى أن
إرادة استتار الشمس مع اثرها من لفظ غروب الشمس ليس بعيدا وان كان خلافا للظاهر

13
وبعد وجود القرينة على إرادة المعنى الذي ذكرنا لا مجال للاخذ بظاهر الاخبار
المشتملة على التحديد بغروب الشمس والمفروض ان الأخبار الدالة على اعتبار
زوال الحمرة بلسانها شارحة ومبينة للمراد من غروب الشمس.
واما الاخبار التي تنافى اعتبار ذهاب الحمرة بحيث تكون صريحة في سقوط
القرص كمرسلة على بن الحكم والرواية الحاكية لفعل الصادق عليه السلام وأمثالها فمجمل
الكلام فيها ان الاخذ بالروايات بعد الفراغ عن السند والدلالة يحتاج إلى الفراغ عن
جهة الصدور أيضا بان لم تكن جهة صدورها غير إفادة الحكم الواقعي وكونها لبيان
الواقع وان كان مطابقا للأصل ولكنه قد سقط هذا الأصل عن الاعتبار لوجود بعض
الامارات الدالة على التقية كخبر جارود قال قال لي أبو عبد الله يا جارود ينصحون فلا
يقبلون وإذا سمعوا شيئا نادوا به أو حدثوا بشئ أذاعوه قلت لهم مسوا بالمغرب قليلا
فتركوها حتى اشتبكت النجوم وانا الان أصليها إذا سقط القرص. وهل يبقى بعد هذا
التصريح ظهور لصلواته عليه السلام مقارنا لسقوط القرص في كونها موافقة للحكم الواقعي
أو وهل يبقى ظهور لتصريحه عليه السلام بان وقت المغرب إذا غاب كرسيها إلى آخر الخبر.
واما الرواية الحاكية عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وان قوما من الأنصار يقال
لهم بنو سلمة يصلون معه المغرب وينصرفون إلى منازلهم وهم يرون موضع سهامهم
فلا تنافى اعتبار ذهاب بالحمرة المشرقية لامكان صلاة المغرب في المدينة مقارنا لذهاب
الحمرة المشرقية والمراجعة إلى منازلهم التي على نصف ميل مع ظهور محل سقوط النبل
كما لا يخفى.
فالأقوى ما عليه المشهور وان كان الاحتياط في هذه المسألة المعضلة لا ينبغي تركه
بان يصلى الظهرين قبل سقوط القرص والمغرب بعد زوال الحمرة ولو لم يبق له إلى
سقوط القرص الا بمقدار اتيان أربع ركعات ولم يصل الظهرين فالأحوط اتيان العصر ثم اتيان
الظهر والعصر ثانيا بين سقوط القرص وذهاب الحمرة غيرنا وفى الظهر للأداء والقضاء

14
في بقاء الوقت للعشائين اختيارا إلى نصف الليل
الامر الرابع امتداد وقت المغرب إلى أن يبقى إلى نصف الليل مقدار أداء العشاء
بحسب حاله فإذا بقى هذا المقدار يختص بالعشاء والدليل على ذلك رواية داود بن فرقد
عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضى
مقدار ما يصلى المصلى ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء
الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلى المصلى أربع ركعات فإذا بقى مقدار
ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقى وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل.
وما دل من الاخبار على انتهاء وقته إلى غيبوبة الشفق محمول على وقت الفضل
فان انتهاء حقيقة الوقت إلى غيبوبة الشفق بحيث تكون الصلاة فيما بعدها قضاء خلاف
نص الخبر السابق فيدور الامر بين حمل الوقت في هذه الأخبار على وقت الفضيلة حتى
توافق ظاهر الخبر السابق وبين حمله على وقت المختار فتنافي ظاهر الخبر السابق
فإنه لابد من حمل الوقت في الخبر السابق على الأعم من الوقت الاختياري والاضطراري وهو
خلاف ظاهر الخبر المذكور فان الظاهر منه جواز تأخير المختار العمل فبعد لزوم التصرف
في الأخبار الدالة على انتهاء الوقت إلى غيبوبة الشفق يتعين التصرف على نحو لا ينافي
الاخر فان أصالة ظهوره سليمة عن المعارض هذا.
مضافا إلى أن إضافة الوقت إلى الصلاة بملاحظة زمان الفضيلة إضافة شايعة
فليس في حمل الوقت في الأخبار المذكورة على وقت الفضيلة استبعاد أصلا بخلاف حمل
الخبر السابق على تعرض حكم المختار والمضطر معا فإنه مستبعد جدا كما لا يخفى
في الاشكال في امتداد الوقت اضطرارا إلى طلوع الفجر
انما الاشكال فيما قيل من امتداد وقت العشائين للمضطر إلى طلوع الفجر ويدل
عليه رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ولا تفوت
صلاة النهار حتى تغيب الشمس ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ولا يتوهم دلالتها على
توسعة الوقت اختيارا إلى الفجر فان عدم الفوت لا يلازم جواز التأخير مضافا إلى أدلة أخرى

15
صريحة في عدم جواز التأخير من نصف الليل.
ويدل عليه أيضا الأخبار الواردة في الحائض الدالة على وجوب أداء الصلاتين عليها
إذا طهرت من الحيض قبل طلوع الفجر إذا أدركت من الوقت مقدار أدائهما ويدل
عليه أيضا صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في النائم والناسي ان استيقظ قبل
الفجر قدر ما يصليهما يجب عليه الصلاتان وان خاف ان تفوته إحديهما يبدأ بالعشاء
ولا يتوهم أخصية الدليل من المدعى لكون مورده الحائض والنائم والناسي فان دليل
وجوب الصلاة على الحائض إذا طهرت قبل الفجر بضميمة الأدلة الدالة على عدم ثبوت القضاء
عليها الا إذا طهرت في الوقت يقتضى ان يكون ما قبل طلوع الفجر وقتا لصلاة الليل
هذا مضافا إلى اطلاق رواية عبيد بن زرارة المتقدمة وبالجملة دلالة الاخبار على اتساع
الوقت للمضطر إلى الفجر غير قابلة للانكار الا ان اعراض المشهور يمنعنا عن الجزم به
فلا ينبغي ترك الاحتياط.
مسألة المتيقن من مدلول الخبر الدال على اختصاص اخر الوقت بالعصر بمقدار أدائه عدم
جواز فعل الشريكة في ذلك في صورة اشتغال ذمة المكلف بالأخرى فلو صلى العصر قبل الظهر
في الوقت المشترك نسيانا فلا مانع من الاتيان بالظهر في الوقت المختص بالعصر أداء تمسكا
بظواهر أدلة الاشتراك وكذا لا مانع من قضاء صلاة أخرى في الوقت المذكور سواء كانت
من صنف صاحبة الوقت أم من غيره هذا فيما إذا كان مؤديا لصاحبة الوقت ظاهر.
واما لو لم يكن مؤديا لها وكانت ذمته مشغولة بها فقد يقال بعدم صحة صلاة أخرى
قضاء لانحصار تكليفه فعلا بأداء صاحبة الوقت وفيه ان اشتغال الذمة بالواجب الفوري
لا ينافي صحة عبادة أخرى مضادة له اما بناء على تعلق الامر بالموسع فعلا أيضا على نحو
الترتب واما بناء على عدم احتياج العبادة إلى الامر الفعلي وقد بين ذلك كله في الأصول في مسألة الضد.
في تحقيق مدلول اخبار قاعدة من أدرك
مسألة لو أدرك الحاضر خمس ركعات من الوقت يجب عليه الظهران معا وكذا
لو أدرك المسافر ثلث ركعات وكذا العشائان فالحاضر المدرك لخمس ركعات يجب
عليه كلتا الصلاتين وكذا المسافر المدرك لأربع ركعات هذا ما هو المشهور والأصل

16
في ذلك ما روى عن الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين عليه السلام قال من أدرك من الغداة
ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة وموثق عمار فان صلى ركعة من الغداة ثم
طلعت الشمس فليتم الصلاة وقد جازت صلوته وان طلعت الشمس قبل ان يصلى ركعة
فليقطع الصلاة ولا يصلى حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها وما روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من
أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة.
أقول ولولا الفتوى المذكورة شهرة بين العلماء قد هم بل يمكن عد المسألة
من المسلمات عندهم لكان للخدشة فيما ذكرنا من المدرك مجال لضعف سند الأول
وارسال الأخير وامكان ان يكون المراد مما ورد في الغداة مضافا إلى اختصاص المدلول
بها وجوب اتمام الصلاة التي وقعت ركعة منها في الوقت في مقابل قطعها من دون
تعرض للأداء والقضاء بقرينة ذيل الموثقة وان طلعت الشمس قبل ان يصلى ركعة فليقطع
الصلاة ولا يصلى حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها وأن يكون المراد من النبوي صلى الله عليه وآله وسلم
ان أدرك ركعة من الصلاة مع الامام بمنزلة ادراك الجميع إذ ليس فيه ما يدل على أن التنزيل
المذكور بملاحظة الوقت.
هذا مضافا إلى أن الحكم في الأخبار المذكورة معلق على مضى الركعة وليس
فيها تعرض لصحة الدخول في الصلاة من أول الامر إذا علم بعدم سعة الوقت الا لادراك
ركعة فيجوز ان يكون الحكم لمن دخل في الصلاة غافلا أو باعتقاد ادراك التمام ثم ينقضي
الوقت بعد ادراك الركعة الا ان يقال ان معنى المضي في أمثال هذه العبارات ليس مقصودا
عرفا فقوله عليه السلام من أدرك ركعة فكذا مفاده جعل الحكم للمدرك ركعة فاذن التمسك
بالنبوي ص المتقدم بعد انجبار سنده بعمل الأصحاب قديما وحديثا لوجوب المبادرة
إلى الصلاة لو اتسع الوقت لركعة منها مما لا ينبغي الاشكال فيه ويؤيده النصوص الخاصة
في صلاة الغداة الا ان الاستدلال به لوجوب المبادرة للصلاة فيما لم يزاحمها واجب
مضيق آخر في محله كصلاة الغداة التي تقع ركعة منها بعد طلوع الشمس و
كصلاة العصر التي تقع ثلث ركعات منها في المغرب.
واما لو زاحمها ذلك كما في الظهرين إذا كان له خمس ركعات فاشتغل بالظهر

17
حيث تقع ثلث ركعات منها في الوقت المختص للعصر الذي تعين عليه الاتيان به
بمقتضى الأدلة فمحل الاشكال لان مجرد جعل وقت وقتا لصلاة الظهر عند الاضطرار أو
بمنزلة الوقت لها لا يقتضى وجوب تقديمها على العصر بل وجوب تأخيره عن وقته
الأصلي الحقيقي وهكذا الكلام في العشائين لو بقى من الوقت مقدار خمس ركعات.
ويمكن ان يقال ان كل واحد من الظهر والعصر وان كان مطلوبا مستقلا لكن
يصدق ان مجعول الصلاتين مطلوب للشارع ولا يمكن ادراكهما في الوقت الأصلي
المجعول لهما ولكن يمكن ادراك ركعة من كل منهما في وقتها الأصلي فيجب المبادرة
إلى اتيان ركعة من كل منهما في الوقت والباقي في خارج الوقت وبعبادة أخرى
لو جعلنا دليل وجوب الظهر ودليل وجوب العصر كالدليل الواحد وقلنا بان المطلوب
ثمان ركعات بين زوال الشمس والمغرب على نحو لا يتعدى الظهر عن زمان يبقى من
غروب الشمس مقدار ما يصلى المصلى أربع ركعات ولا يتعدى العصر عن المغرب ثم دل
دليل اخر على أن من لم يتمكن من اتيان ثمان ركعات على النحو المذكور وتمكن من
اتيان ركعة من كل واحدة من الأولى والثانية على ذلك النحو يجب عليه المبادرة إليهما
فمقتضى الدليلين ان من أدرك خمس ركعات قبل المغرب يجب عليه الاتيان بهما و
كذا من أدرك خمس ركعات قبل انتصاف الليل فإنه يدرك لكل من الصلاتين ركعة في
الوقت ومن أدرك ركعة من صلوته في الوقت فهو كمن أدرك الجميع فيجب الاتيان بهما
وكيف كان فهل الموضوع هو المدرك للركعة الاختيارية بحسب حاله مع قطع
النظر عن ضيق الوقت أو هو أعم منه وممن أدرك الركعة بملاحظة الاضطرار الناشئ عن
ضيق الوقت فعلى الأول من كان وظيفته الصلاة مع الطهارة المائية لو لم يدرك من الوقت
الا بمقدار ركعة مع التيمم لا يشمله الدليل المذكور بخلافه على الثاني.
ومنشأ الإشكال في شمول الخبر للركعة الاضطرارية بملاحظة ضيق الوقت ان
صدق ادراك الركعة يتوقف على كون التيمم مشروعا في حقه والا لم يكن مدركا للركعة
قطعا ومشروعية التيمم في حقه موقوفة على توسعة الوقت في حقه وهي موقوفة على
صدق ادراك الركعة.

18
ويمكن ان يقال ان دليل تنزيل الوقت متعرض لحيث توسعة الوقت فقط من
دون نظر إلى سائر الشرائط فلو أحرز باقي الشرائط بنفسها أو بتنزيل شئ اخر منزلتها يتم
المأمورية وكذلك دليل تنزيل التيمم منزلة الماء متعرض لهذا الجعل فقط من دون نظر
إلى باقي الشرائط ومقتضاه أيضا انه لو أحرز باقي الشرائط اما بنفسها واما بشئ
يقوم مقامها يتم المأمور به فالصلاة الواحدة لو كان التوقف في صحتها من جهة أمرين
أحدهما فقدان الطهارة والثاني عدم كونها في الوقت المجعول لها يحكم بصحتها
بواسطة الدليلين لان كلا منهما متعهد للصحة من جهة أحد الامرين اللذين كانا منشأ
لعدم الحكم بها.
ولكن يشكل الامر بان توسعة الوقت انما هي لمدرك الركعة من الصلاة ولا شك في أن
المقصود من ادراك الركعة ادراكها بشرائطها المقررة في حقه لولا ضيق الوقت فلو
كان شرط صلوته الطهارة المائية فادراك ركعة من الصلاة بالنسبة إليه ادراكها مع الطهارة
المائية وهكذا سائر الشرائط كالستر وطهارة الساتر وطهارة اللباس والبدن وأمثال ما ذكر
وبعبارة أخرى فرق بين القول بان من أدرك ركعة من الصلاة في الوقت فكما أدرك الصلاة
جميعا وبين القول بان من أدرك الوقت بمقدار ركعة فكما أدرك الوقت كله و
العبارة الثانية ظاهرة في توسعة الوقت ولازم ذلك أنه لو ضاق هذا الوقت الثانوي عن
تحصيل الطهارة المائية ينتقل إلى التيمم.
ولكن عبارة الرواية المنقولة مطابقة للأول وظاهره ان التنزيل متوجه إلى
ركعة من الصلاة مدركة في الوقت ومن الواضح ظهور ركعة من الصلاة في الجامعة
للشرائط بحسب حال المكلف.
في بيان مقتضى القاعدة في حق ذوي الأعذار
مسألة - إذا حصل للمكلف أحد الاعذار المانعة من التكليف بالصلاة كالجنون و
الحيض والاغماء وقد مضى من الوقت مقدار فعل الصلاة مع الشرائط المعتبرة بحسب
حاله ولم يصل وجب عليه القضاء بلا اشكال لعموم أدلة القضاء وأما إذا لم يكن زمان الفراغ

19
من المانع متسعا لأداء الصلاة كذلك فقد يتمكن من أداء الصلاة مع اسقاط بعض
الشرائط أو تمامها وقد لا يتمكن من ذلك أيضا فهل يجب عليه القضاء مطلقا أو لا مطلقا أو يفصل
بين الصورتين الذي ينبغي ان يقال ان القضاء تابع لصدق الفوت وهو وان لم يكن دائرا مدار وجود
التكليف في الوقت لكنه يتوقف على ثبوت المقتضى وان لم يكلف بالعمل لمانع و
طريق احراز ثبوت المقتضى للعمل الخطابات اللفظية بمعنى ان كل قيد اخذ في الخطاب
اللفظي قيدا للحكم يحكم بان له دخلا في اقتضاء الفعل وكل قيد لم يؤخذ في الدليل
يحكم بمقتضى أصالة الاطلاق ان تمت شرائطها بعدم دخله فيه وان كان مما يعتبر في
الحكم عقلا كالقدرة مثلا.
في بيان مقتضى النص بالنسبة إلى
صلاة الحائض وبالنسبة إلى اخر الوقت وأوله في الحيض
إذا عرفت هذا فنقول لو طرء عليها الحيض بعد دخول الوقت فان اتسع الوقت لاتيان
الصلاة بحسب حالها حتى بملاحظة ضيق الوقت بان تأتى بها مع اسقاط الشرائط التي
تسقط عند الاضطرار أو مع البدل الاضطراري كالطهارة الترابية يجب عليها الأداء و
لو تركتها يجب القضاء وان لم يمكن لها الأداء بنحو لعدم الوقت لها أو لعدم القدرة على
ما هو شرط مطلقا لعدم وجود الماء والتراب لا يتوجه عليها التكليف الأدائي ولكن يجب
القضاء لما مر وهكذا الكلام فيما ارتفع الحيض اخر الوقت هذا مقتضى القاعدة ولكن
عارضنا النص في اخر الوقت فما أوجب القضاء ولا الأداء على من لم تدرك من الوقت
بمقدار الصلاة مع شرائطها الاختيارية واما فيما لو طرء الحيض بعد الوقت فلم يرد نص
فمقتضى القاعدة ما ذكرنا ولكن يمكن القول بسقوط القضاء عمن ليس لها وقت لصلاة
المضطر أيضا بواسطة الأخبار الدالة على عدم وجوب قضاء الصلوات التي تركت للحيض
واما لو كان لها وقت لصلاة المضطر كالصلاة مع التيمم أو مع اسقاط بعض الشرائط التي
تسقط عند الاضطرار فتركها ليس مستندا إلى الحيض.
لا يقال ان ترك الصلاة مع الشرائط الاختيارية مستند إلى الحيض إذا الفائتة في

20
حقها هي الصلاة الاختيارية.
لأنا نقول الفوت ينسب إلى الصلاة وهي تختلف باختلاف الأحوال فتارة شرطها الطهارة
المائية وأخرى الترابية وكذا تارة يشرط فيها الستر وأخرى يسقط عنها وبعد ما فرضنا
ان المجعول في حقها بواسطة الحيض الصلاة مع التيمم أو مع عدم الستر أو اللباس النجس
ففوت الصلاة منها ليس مستندا إلى الحيض وهذا واضح.
ولكن يمكن ان يقال ان المستفاد من النص في أول الوقت أيضا هو اعتبار اتساع
الوقت بمقدار الصلاة الاختيارية فمع عدمه لا يجب عليها القضاء ولا الأداء كما كان
هو الحال في آخره وهو المشهور بل المدعى عليه الاجماع وذلك لورود السؤال فيه عن
المرأة التي دخل عليها الوقت وهي طاهرة فاخرت الصلاة حتى حاضت ولا يخفى ظهور
قوله فاخرت الخ في مضى الوقت بمقدار الصلاة التي هي وظيفتها بحسب حالها وكانت
تصليها بحسب طبعها والإمام عليه السلام قد قرر في هذا التقييد لأنه عليه السلام قال تقضى إذا طهرت
ولولا التقرير لزم التنبيه عليه انه لا فرق في لزوم القضاء بين التأخير بهذا المقدار أو
بمقدار الصلاة الاضطرارية.
ويدل علينا أيضا ما ورد في المرأة التي صلت من الظهر ركعتين ثم طمثت حيث حكم
بعدم القضاء عليها فان المراد بصلاة الركعتين اتيانهما على حسب ما تأتي بهما في سائر
الأيام من الاستجماع لجميع الشرائط ولا يخفى انه بحسب الغالب ملازم لمضى مقدار
الصلاة الاضطرارية ومع ذلك حكم عليها بعدم وجوب القضاء من دون استفصال.
في حجية البينة لتشخيص الوقت
الفصل الثالث في امارات الوقت اعلم أن مقتضى القاعدة عدم الاكتفاء في تشخيص
الوقت بغير العلم كما هو الحال في كل ما رتب عليه الحكم سواء تمكن من تحصيله على
التفصيل أم لم يتمكن الا بالانتظار فكل امارة يحكم بقيامها مقام العلم تحتاج إلى
الدليل المعتبر نعم لو لم يتمكن من تحصيل العلم بالوقت ولو بمعونة الانتظار يحكم
العقل بقيام الظن الاطميناني مقامه ان تمكن من تحصيل ذلك والا فدونه بمقدار وسعه

21
لاستقلاله بوجوب الإطاعة بقدر الامكان فلو لم يتمكن من الامتثال القطعي يتنزل إلى
الامتثال الاطميناني والا يتنزل إلى ما دونه وهكذا وهذا لا اشكال فيه.
انما الكلام فيما دل الدليل على الاكتفاء به اما مطلقا أو إذا لم يتمكن من تحصيل
العلم الا بالانتظار وما قيل أو يقال بأنه من القسم الأول المور أحدها البينة وهذا مبنى على
عموم حجيتها في الموضوعات ولا يبعد دعوى ذلك بل المتتبع في موارد اعتبارها يطمئن
بان اعتبارها امر مفروغ عنه عند الشارع.
في الاشكال في العدل الواحد
الثاني اخبار العدل الواحد كما ذهب إليه صاحب الجواهر قدره وعطفه في نجاة
العباد على البينة والذي يمكن ان يستدل به عليه الأخبار الدالة: على اعتبار اذان الثقة
العارف بالوقت وسيجئ الكلام فيه والا فالاستدلال بمفهوم آية النباء مخدوش لعدم
المفهوم لها كما بين في الأصول وأيضا قلنا بأنها على تقدير دلالتها بالمفهوم على اعتبار
خبر العادل لا تدل على الغاء احتمال الاشتباه الصادر منه بل تنحصر دلالتها في الغاء احتمال
تعمد الكذب فيثمر اخباره فيما إذا كان احتمال الاشتباه موردا للأصل العقلائي وليس
ما نحن فيه من ذلك على اطلاقه بل يختلف الحال باختلاف الموارد
ومن هنا يسرى الاشكال في الحكم بالاعتماد على البينة على نحو لاطلاق بل
ينبغي التقيد بصورة عدم الاخبار عن اجتهاد كما لا يخفى.
في الاشكال في اذان الثقة لو لم يفد الاطمينان
الثالث اذان الثقة العارف بالوقت والأصل فيه الأخبار الكثيرة الظاهرة بحسب
الاطلاق في أن اعتباره ليس من باب إفادة الظن الفعلي بل حاله حال سائر الطرق النوعية
المعتبرة من باب المطابقة الغالبية بنظر الشارع وان لم يفد الظن فعلا ولا ينافي ذلك
ما ورد في رواية على بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام الدالة على عدم جواز الاعتماد
على اذان المؤذن لأنها مخصوصة بصلاة الصبح ولعل وجه الخصوصية عدم موافقة العامة معنا
في وقت الصبح فلا يكون إذا نهم امارة لدخول الوقت.

22
والحاصل ان المستفاد من اخبار الاذان جواز الاعتماد على اذان الثقة في المورد
الذي يحكى اذانه عن دخول الوقت وليس لهذا معارض لكن ما ذكرنا خلاف ما ذهب
إليه المشهور بل نقل الاجماع على عدم جواز التعديل على غير العلم للمتمكن وان كان
الثاني على فرض تحصيله لا يضرنا أيضا فكيف مع كونه منقولا لوضوح ان الاجماع على
فرض تحققه انما يكون على القاعدة القابلة للتخصيص ولذا من ذهب إلى كفاية البينة
لا يعد مخالفنا للاجماع المذكور وكيف كان لولا خوف مخالفة الشهرة لكان القول
بالاكتفاء قويا بل يظهر من بعض الاخبار الباب ان المناط مجرد اعلام من يوثق به وان كان
بغير اذانه كالتعليل الوارد في بعض الاخبار عن الصادق عليه السلام في جواز صلاة الجمعة باذان العامة
بأنهم أشد شئ مواظبة على الوقت.
ويؤيد ذلك ما ورد في رجل صلى الغداة بليل غرة من ذلك القمر ونام حتى طلعت
الشمس فأخبر انه صلى بليل قال عليه السلام يعيد صلوته إذ لولا اعتبار قول المخبر لما كان
لوجوب اعادته وجه فتأمل ويمكن ان يقال ان الارجاع إلى اذان المؤذنين لا يعلم منه انه
طريق نوعي مجعول بل لعله من باب إفادة الاطمينان الذي هو طريق عقلائي كما يأتي فان
قلت إن مقتضى الاطلاق عدم تقيده بحصول الظن فضلا عن الاطمينان قلت قد تحقق في محله
ان العمل باخبار الثقة امر مرتكز في أذهان العقلاء والأوامر المتعلقة بالأمور الارتكازية
راجعة إلى مرتكزاتهم والظاهر أن بنائهم على اتباع قول الثقة ليس الا من جهة سكون
النفس بصدق المضمون فيرجع إلى الاطمينان الذي يأتي تحقيقه.
في حجية الاطمينان من أي سبب حصل
الرابع الاطمينان الذي يسمى بالعلم العادي من أي سبب حصل والذي يدل على
اعتبار ذلك معاملة العقلاء مع هذا معاملة العلم الحقيقي من دون ردع من ناحية الشارع
فانا بينا في محله ان ما يتخيل ان يكون رادعا لهم هو الآيات الناهية عن العمل بالظن ولا تصلح
للراد عنه ولعل مراد الفقهاء قدهم المعبرين بلفظ العلم في المقام ما يعم ذلك أيضا هذا إذا
تمكن من تحصيل العلم.

23
وفى حجية مطلق الظن مع عدم امكان تحصيل العلم الا بالانتظار
وأما إذا لم يتمكن من ذلك الا بالانتظار فهل يجب عليه الصبر حتى يستيقن كما
هو مقتضى القاعدة أو يكتفى بالظن مطلقا أو يفصل بين ما إذا كانت علة المنع عامة كالغيم
أو مخصوصة به كالعمى والحبس وجوه ولعل الأوسط منها هو الأخير لنا على عدم جواز
الاكتفاء في صورة خصوصية العذر القاعدة التي أشرنا إليها سابقا وعلى جواز الاكتفاء
في صورة كون علة المنع عامة الأخبار الواردة في صياح الديكة التي يظهر من رواية
الفقيه وغيره لها الاعتماد عليها وكلها واردة في يوم غيم وخبر أبي الصباح الكناني سئلت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت وفى السماء علة فأفطر ثم إن
السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب قال عليه السلام قد تم صومه ولا يقضيه بناء على عدم الفرق
بين الصلاة والصوم.
وموثق سماعة عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس والقمر ولا النجوم فقال
عليه السلام تجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك والاستدلال به للمقام مبنى على كون نظر السائل
في السؤال إلى اشتباه الوقت اما فقط أو مع اشتباه القبلة واما لو كان النظر في
السؤال إلى الثاني فالرواية لا تدل الا على اعتبار الظن في القبلة عند عدم التمكن من
العلم ولا ينفع للمقام.
ومن هنا يشكل الحكم بكفاية مطلق الظن بأي سبب حصل لان اخبار الديكه
لا تشمل امارات آخر وخبر أبي الصباح مخصوص بالافطار من الصوم ولا نعلم بعدم الفرق
بين الصوم والصلاة والأخير عرفت حاله وهنا اخبار آخر يتمسكون بها لكفاية مطلق الظن
كلها غير دالة.
لكن الانصاف عدم القصور في دلالة الموثقة لان ظاهر السؤال مسوق لبيان اشتباه
الأوقات للصلوات المجعولة في الليل والنهار مع عدم رؤية الشمس والقمر والنجوم وحملها
على اشتباه القبلة بعيد لوجهين:
أحدهما ان عدم رؤية تلك العلامات لا يوجب اشتباه القبلة الا في السفر وحمل سؤال

24
السائل على السفر بعيد.
والثاني ان مفروض السائل ان ما كان معرفا له من العلامات مفقودة وجواب
الإمام عليه السلام بقوله عليه السلام اجتهد رأيك لا يناسب السؤال بخلاف ان يكون السؤال من جهة
اشتباه الوقت فان حاصل الجواب ان الاجتهاد في تحصيل الرأي واجب عليك وطريق
الاجتهاد التوجه إلى القبلة فإنه يمكن ظهور بعض الآثار من طرف القبلة كما لا يخفى و
اما الرواية الدالة على جواز الافطار إذا ظن بغياب الشمس فالاستدلال بها لا يبتنى على
عدم القول بالفرق بين الصوم والصلاة بل الظاهر من اعتبار الظن كونه من باب انه طريق
شرعي إلى الوقت وبعد كون الوقت موضوعا لجواز الافطار ووجوب الصلاة معا يصح الصلاة
أيضا لوجود الطريق إلى الوقت.
وكيف كان فلو قلنا بكفاية مطلق الظن فاللازم الاقتصار على أن ظن القوى الاطميناني
ان أمكن والا فما دونه والحاصل يجب عليه تحصيل الامارات الموجبة للظن بقدر الوسع
لأنه معنى الاجتهاد المأمور به في الموثقة المتقدمة فإنه عبارة عن بذل الطاقة مع أنه يكفي
الحكم كونه على خلاف القاعدة فيقتصر على المتيقن.
في حكم الصلاة لو انكشف الخطاء
وكيف كان فلو انكشف له الخطاء حتى بان سبق الصلاة تماما على الوقت
استأنف فان احرازه الوقت لو كان بواسطة القطع فقد اتى بالعمل بتخيل الامر فلا يجزى
عن الواقع وان كان بواسطة طريق معتبر فالمأتي به وان كان موافقا للامر الشرعي
الظاهري لكن تحقق في الأصول ان الأصل في امتثال الامر الظاهري عدم الاجزاء عن الواقع
هذا مضافا إلى وضوح المسألة.
واما ان انكشف له الخطاء وقد دخل عليه الوقت الذي تصح فيه الصلاة المتلبس بها
وهو في أثنائها ولو قبل الاتمام بجزء فقد حكم جمع بعدم وجوب الاستيناف بل لعله المشهور
والأصل في ذلك خبر إسماعيل بن رباح عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا صليت وأنت ترى انك
في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك والتردد في حال

25
إسماعيل لا وجه له بعد كون الراوي عنه ابن أبي عمير واعتماد المشهور على الرواية
واما مدلول الرواية فالظاهر أن شموله لصورة القطع بدخول الوقت مما لا اشكال فيه نعم
يمكن الاشكال في شموله للامارة المعتبرة فيشكل الحكم فيما إذا دخل في الصلاة
بواسطة الامارة على الوقت لا يقال لفظ الخبر وان كان لا يشمل الصورة المفروضة لكنها
تلحق به بواسطة دليل الحجية إذ حال الامارة بعد ملاحظة دليل الحجية حال العلم فيما
يترتب عليه لأنا نقول دليل الامارة نازل إلى تنزيل مفاد الامارة منزلة الواقع لا إلى تنزيل
الظن المستفاد منها منزلة القطع فيما يكون لوصف القطع من الآثار اللهم الا ان يقال
قد أريد من لفظ ترى في الخبر العلم على أنه طريق لا على أنه صفة خاصه فالامارة المعتبرة
من مصاديق العلم بالمعنى المذكور حقيقة فافهم.
في حكم الشك في دخول الوقت في الأثناء وبعد الفراغ
والشاك في دخول الوقت في الأثناء يجب عليه الاستيناف وان كان قد يستشكل بعدم
القطع بتوجه الخطاب عليه أصلا إذ مع عدم حضور الوقت لم يكن مكلفا ومع حضوره
يحتمل سقوطه بايجاد ما اتى به ولكنه وهم لما بين في محله من أن التكليف المشروط
الذي يعلم بتحقق شرطه حال عند العقل حال التكليف المطلق من دون تفاوت فذمة
المكلف اشتغلت بتكليف من الشارع قطعا ويشك في الفراغ بل يمكن القول بلزوم
الجمع بين اتيان الباقي والإعادة بناء على لزوم الاتمام على تقدير دخول الوقت في
الأثناء للعلم الاجمالي بين وجوب الاتمام ووجوب الصلاة تامة الا ان يقال ان وجوب الاتمام
وحرمة الابطال انما يتعلق بالصلاة التي يتمكن من اتمامها بقصد الامتثال القطعي فالمردد
بين الباطل والصحيح لا يجب اتمامه واقعا وان كان صحيحا في الواقع هذا إذا كان
الشك في الأثناء.
واما لو حدث الشك بعد الفراغ فلو لم نقل بجريان قاعدة الشك بعد الفراغ يجب
الإعادة بمقتضى قاعدة الاشتغال هذا حال الشك وكذا حال الظن بدخول الوقت في الأثناء
لو لم يكن ظنه معتبرا كما هو واضح.

26
ولو شك بعد الفراغ من الصلاة التي شرع فيها قبل دخول الوقت واحتمل دخوله في
أثناء العمل فقد شك في بطلان العمل المفروض وصحته فيشمله أدلة الشك بعد الفراغ الا ان
يقال باختصاصها بقرنية التعليل الوارد في بعض اخبار الوضوء من قوله عليه السلام هو حين يتوضؤ
أذكر بما إذا كان الشاك محتملا في حقه الالتفات حين العمل فيخرج ما نحن فيه عن
مورد الاخبار الا ان يحتمل كونه محرز الدخول الوقت في الأثناء واما بناء على الاخذ باطلاق
باقي الاخبار وحمل التعليل المذكور في خبر الوضوء على الحكمة فالمقام من جزئيات
تلك المسألة اللهم الا ان يدعى انصراف الاطلاقات إلى صورة احتمال كون المأتى به
مطابقا لما امر به أولا فتخرج الصورتان عن موردها ولا يخرج عن تعسف بل منع فان الصلاة
التي دخل فيها بزعم دخول الوقت ثم دخل الوقت في الأثناء وان لم تكن مأمورا بها واقعا
ولا ظاهرا ولكنه تقبلها الشارع بعنوان الصلاة فيترتب عليما كلما يترتب على
الصلاة ومن هنا يظهر انه لو قطع بدخول الوقت في الأثناء يجب عليه الاتمام ويحرم
الابطال هذا.
ولو دخل في الصلاة قبل الوقت عالما بالحكم والموضوع فلا اشكال في عدم الاجزاء
واما لو دخل فيها قبله باعتقاد انه وقت العمل من جهة الجهل بالحكم أو بواسطة
الطريق المعتبر كما لو اخذ بمضمون الأخبار الدالة على دخول وقت المغرب بسقوط
القرص ثم انكشف له الخطاء وقد وقع جزء من صلوته في الوقت فهل يحكم بالاجزاء
أولا من صدق انه دخل في الصلاة وقد رأى دخول الوقت مع وقوع بعض من صلوته في الوقت
ومن أن الظاهر من قوله عليه السلام وأنت ترى انك في وقت ولم يدخل الوقت ان المفروض في
الرواية ما إذا كان مشتبها في دخول الوقت المحرز وقتيه لا إذا كان مشتبها في كون
هذا الزمان الداخل وقتا فح يتعين الثاني والجاهل بالموضوع أو الحكم لو صلى وقد
وقعت صلوته في الوقت تصح على الأقوى مع وقوع العمل منه في الخارج على نحو
يحمل به القربة.

27
في وجوب العدول من اللاحقة إلى السابقة لو تذكر في الأثناء
مسألة يجب الترتيب بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فمن تركه عمدا أعاد
ما قدمه سواء كان عالما بالحكم أو جاهلا به واما الساهي فلا يعيد إذا وقع العمل في
الوقت المشترك فان ذلك مقتضى القاعدة الثانوية المتلقاة من الشرع وان كانت القاعدة
الأولية تقتضي وجوب الإعادة في الصورة الثانية أيضا ولو ذكر في أثناء العصر عدم الاتيان
بالأولى عدم بنيته إلى الأولى لحسنه الحلبي سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل أم قوما في
العصر فذكر وهو يصلى انه لم يكن صلى الأولى قال عليه السلام فليجعلها الأولى التي فاتته و
يستأنف بعد صلاة العصر وقد قضى القوم صلوتهم ولرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام المشتملة
على فقرات عديدة منها قوله عليه السلام إذا ذكرت انك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد
صليت منها ركعتين فانوها الأولى ثم صل الركعتين الباقيتين وقم فصل العصر الخبر
وكذا بعض الاخبار الاخر بهذا المضمون فمقتضى القاعدة جواز العدول في الأثناء من
العصر إلى الظهر بل وجوبه بناء على ظاهر الأوامر الواردة في الأخبار المذكورة مضافا
إلى الجمع بين مقتضى أدلة حرمة القطع وأدلة الترتيب.
في الاشكال في العدول في الوقت المختص
انما الكلام في مقامين أحدهما ان الحكم المذكور هل هو مختص بما إذا دخل في
العصر في الوقت المشترك أو يعم ذلك وما إذا دخل فيه في الوقت المختص بالظهر الثاني
ان الحكم مخصوص بما إذا تذكر في الأثناء أو يعم ما إذا تذكر بعد الفراغ من العصر مقتضى
أدلة الباب العموم في كلا المقامين اما في المقام الأول فلان قوله عليه السلام إذا ذكرت انك لم
تصل الأولى وأنت في صلاة العصر لا ظهور له في خصوص الصورة التي شرع في العصر في
الوقت المشترك بل يعمها وما إذا شرع فيه في الوقت المختص بالظهر
لكن الانصاف عدم استفادة ذلك من اخبار الباب لان بعض الروايات مورده بعد
مضى الوقت المختص للظهر كرواية امامة القوم في العصر والرواية لواردة فيمن نسى
الظهر حتى دخل وقت العصر واما صحيحة زرارة فان الغفلة عن صلاة الظهر في أول

28
الزوال والدخول في العصر في غاية الندرة خصوصا بعد معروفية التفكيك بين الصلاتين
في ذلك لزمان فتذكر عدم الاتيان بصلاة الظهر في أثناء العصر نظير تذكر عدم الآيتان
بالعصر في أثناء المغرب والفرق ان هذا التذكر بعد مضى وقت العصر وانقضائه وهو من
العدول عن الحاضرة إلى الفائتة والتذكر في أثناء العصر بعد مضى زمان الفضيلة للظهر
الذي كان المتعارف اتيانها فيه نعم لو قلنا بالاشتراك من أول الوقت جاز العدول في
أثناء العصر إلى الظهر لو دخل العصر أول الزوال ناسيا فان اطلاق الأدلة وان كان لا
يشمله الا ان المستفاد من اخبار الباب ان الصلاة الجامعة لشرائط الصحة الفاقدة للترتيب
يجوز العدول عنها إلى سابقتها.
في الاشكال في العدول لو تذكر بعد الفراغ
واما المقام الثاني فمقتضى التصريح في بعض فقرات رواية زرارة المتقدمة ذلك قال عليه السلام
في بعض فقراتها إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك
فانوها الأولى ثم صل العصر فإنما هي أربع مكان أربع وكذا ظهور رواية الحلبي قال سئلته
عن رجل نسى ان يصلى الأولى حتى صلى العصر قال عليه السلام فليجعل صلوته التي صلى الأولى ثم
ليستأنف العصر الحديث.
ولولا اعراض المشهور لكان القول به متعينا وقد تحقق في الأصول ان العمل
بالاخبار المنقولة عنهم عليه السلام كما أنه يحتاج إلى الفراغ عن الصدور يحتاج إلى الفراغ عن
جهة الصدور أيضا والامر الثاني وان كان موافقا للأصل وبناء العقلاء الا انه بعد اعراض
المشهور عن العمل مع صحة السند وصراحة الدلالة لا يبقى مجال للأصل المذكور والاحتياط
في المقام الثاني ان ينوى ما اتى به الأولى ثم يأتي بالأخرى بقصد ما في الذمة وفى الأول
ان يتم العمل بقصد الظهر ثم يعيد بعده الظهر ثم العصر.
في كيفية استقبال القبلة للقريب والبعيد
البحث الثاني في القبلة وفيها فصول
الأول مقتضى الأدلة الأولية التي جعلت الكعبة المشرفة قبلة للمصلى وجوب

29
استقبالها على عامة المكلفين من القريب والبعيد وليس معنى ذلك وجوب وقوف المصلى
البعيد في مقابلها على نحو لو اخرج خط من موقفه مستقيما على جهته لم يخرج عن
جرم لكعبة بل استقبال الشئ معنى يصدق على وقوف البعيد بحذائه بحيث لو كان ذلك
الشئ المستقبل مشاهدا من بعيد يرى أنه مقابل له وان كان لم يعلم بأنه لو اخرج خط
مستقيم على جهته لم يتجاوز عينه بل ولو علم عدمه كما يشاهد ذلك من مقابلة الأجسام
البعيدة ودعوى ان ذلك ليس من الاستقبال الحقيقي بل هو تخيل محض غيره مسموعة فانا
بعد المراجعة إلى الوجدان نرى صدق مفهوم الاستقبال على المصداق المذكور صدقا
حقيقيا بلا تجوز وعناية وعلى هذا لا داعي إلى ارتكاب ان البعيد لما تعذر عليه استقبال
العين سقط عنه ذلك وجعلت قبلته الجهة فإنه لو كان المراد منها المعنى الذي ذكرنا
فليس هذا من جهة عدم التمكن من استقبال العين بل لو تمكن من القيام على نحو يخرج
الخط المستقيم من جهته إلى العين لم يجب عليه ذلك لما عرفت من صدق الاستقبال بالنسبة
إلى البعيد على الأعم من ذلك وان كان المراد منها ما هو أوسع من ذلك فاختصاص
العاجز به وان كان على طبق القاعدة لكن القول به منوط بعدم الاكتفاء به للمتمكن
أيضا كما ستعرف الحال في ذلك.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أن مقتضى القاعدة تحصيل العلم بالقبلة للقريب و
البعيد بالمعنى الذي ذكرنا فلو تمكن من ذلك باجتهاد نفسه أو بالسؤال ممن يعرف
ذلك حتى يحصل له العلم وجب عليه ذلك ولا يجوز له الاكتفاء بغيره وهل لنا دليل يدل
على الاكتفاء الشارع بغير ذلك حتى للمتمكن من تحصيل العلم بالجهة بالمعنى الذي
ذكر أولا قد يقال بدلالة الاخبار الحاكية عن أن ما بين المشرق والمغرب قبلة كله على أن
ذلك قبلة عامة المكلفين وان كانوا قادرين على تحصيل الجهة المعلومة خصوصا ما
وقع منها في جواب سؤال السائل عن تعيين حد القبلة وفيه ان ظهور تلك الأخبار في كون
ذلك قبلة بنحو الاطلاق ممنوع كما ستعرف انشاء الله ولو سلم فهي معارضة مع ما دل على لزوم
تحويل الوجه إلى القبلة فيما إذا التفت المصلى إلى كونه منحرفا عنها مع أنه غير خارج
عما بين المشرق والمغرب ومقتضى الجمع حمل الأخبار المتقدمة على بيان القبلة التي

30
لا يمكن خلو الصلاة منها في حال من الحالات بحيث لو خلت منها تكون فاسدة بقول مطلق
في اثبات التوسعة في القبلة للبعيد العاجز عن جهة الواقعية
نعم يمكن ان يستدل لاثبات التوسعة في الجملة ببعض الاخبار الوارد في الجدي
فان أمرهم عليهم السلام بوضع الجدي في القفا أو بين الكتفين مع عدم تعيين نقطة
خاصة منهما بل وعدم تعيين حالات الجدي من كونه في غاية الارتفاع والانخفاض أو
غيرهما يدل على التوسعة وان لم تصل بمقدار ما بين المشرق والمغرب والحاصل انا وان
لم نقل بمقتضى ظاهر الاخبار المحددة للقبلة بما بين المشرق والمغرب ولكن لا ينبغي
الاقتصار على لجهة الواقعية بحيث لو وقع الانحراف يسيرا يخرج عن حد القبلة بل الصحيح
بملاحظة ما ذكرنا هو القول الثالث الذي يكون وسطا بينهما وامرا بين الامرين و
يؤبد عدم التضييق ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام التعرض لبيان ما هو ضابط لها
مع كونه من أهل المهمات وترك أصحاب الأئمة عليه السلام التعرض لأمرها بالسؤال عنهم
عليهم السلام مع أنهم كانوا يسئلونهم عن كثير مما لا يحتاج إليه الانادد أهذا ولكن لا
يخفى ان الأخبار الواردة في الجدي لا يظهر منها التوسعة حتى في حق المتمكن من تحصيل
الجهة الواقعية ضرورة انه غير محتاج إلى السؤال فالاخبار وان كان يظهر منها التوسعة
ولكن بالنسبة إلى العاجز عن تحصيل العلم بالجهة الواقعية التي عرفت انها استقبال
الكعبة حقيقة.
فان قالت إن السائل عن القبلة وان كان غير عالم وغير متمكن من تحصيل العلم
الا بالواسطة السؤال عن الإمام عليه السلام الا ان جوابه عليه السلام يرجع إلى رفع جهله ودلالته إلى القبلة
المأمور بها واقعا وحيث إن المعلوم اتحاد قبلة السائل مع غيره نعلم اتساعها بذلك المقدار
حتى لمتمكن من تحصيل العم بالجهة الواقعية الخاصة بل للعالم أيضا لما ذكرنا
من اتحاد قبلة الجميع.
قلت فرق بين السؤال عن الأحكام الشرعية التي رفع جهل السائل من وظايف
الإمام عليه السلام وبين السؤال عن مثل هذا الموضوع الذي ليس له طريق إلى العلم بمصداقه
الحقيقي ولا يمكن دلالته إلى امر يوصله إليه فالسؤل عن القبلة عن مثل هذا الشخص يرجع

31
إلى القبلة التي تكون موضوعا لحكمه في هذه الحال ومعلوم ان جواب الإمام عليه السلام بقوله ضع
الجدي بين كتفيك أو على قفاك لا يظهر منه الا القبلة المأمور بها بالنسبة إلى حاله.
فان قلت إن مقتضى بعض الأخبار الواردة في الجدي جواز الانحراف القطعي عن
الجهة الواقعية للقبلة بمقدار معتد به توضيح ذلك أن الرواية الامرة بوضع الجدي على
القفا بقرينة كون الراوي وهو محمد بن مسلم عراقيا تدل على انها قبلة أهل العراق و
لا شبهة ان أراضي العراق غير واقعة في طرف الشمال للكعبة حقيقة بل هي مائلة إلى الشرق
ولذا جعل الأصحاب إحدى علائم أهل العراق ومن والاهم جعل الجدي محاذى خلف
المنكب الأيمن ومقتضى الرواية المذكورة جواز التوجه إلى نقطة الجنوب ان أريد من
لفظ القفا وسطه الحقيقي وان أريد منه الأعم كما هو الظاهر منه عرفا يلزم جواز الانحراف
إلى المغرب وهكذا الكلام في الرواية الأخرى الدالة على جعل الجدي بين الكتفين
في طريق مكة.
قلت لا باس بالالتزام بذلك بعد مساعدة الدليل ولو أغمضنا عن الروايتين الواردتين
في الجدي فنقول استقبال الكعبة للبعيد الغير المتمكن من تعيين الجهة الحقيقية
يصدق عرفا على استقبال السمت العرفي وهو عبارة عن قطعة خاصة يحتمل كل جزء منها
ان يكون هي الجهة الواقعية ويقطع بعدم خروجها عن جميع اجزائها وليس هذا من
باب الامتثال الاحتمالي لحكم الشارع المتعلق بالصلاة إلى القبلة حتى يستشكل بلزوم
المخالفة القطعية الاجمالية فيما لو صلى الظهرين كلا منهما في جزء من تلك القطعة
المفروضة مخالف لما صلى الأخرى فيه بل التفصيلية بالنسبة إلى العصر فإنها باطلة قطعا
اما من جهة الاخلال بالقبلة واما من جهة عدم الترتيب بل الدعوى ان امتثال الامر بالصلاة إلى
القبلة بالنسبة إلى البعيد العاجز عن تحصيل الجهة الواقعية اتيان الصلاة في أحد الاجزاء من
القطعة المفروضة الا ترى ان العرف بعد ما سمع استحباب زيارة قبر الحسين عليه السلام من يعيد يتوجه
إلى الجهة التي يعلم اجمالا اشتمالها على القبر الشريف حتى أن جماعة لو اشتغلوا بهذا
العمل ترى كل واحد متوجها إلى جزء خاص من تلك الجهة مع أنه يصدق على كل واحد انه
متوجه إلى القبر الشريف ويمكن حمل الروايتين الواردتين في الجدي على المعنى الذي

32
ذكرنا فيكون التوسعة المستفادة منهما بالنسبة إلى الجهات المحتملة بحسب حال
السائل ومحله.
وكيف كان بعد احراز القبلة المطلوبة شرعا للمصلى وهي ما قلنا من الجهة مع مقدار
من التوسعة فاللازم تحصيل ذلك بالعلم أو بما يكون في عرض العلم من حيث الاعتبار كالبينة
الشرعية ان لم يرجع احتمال مخالفة قوله للواقع إلى الخطاء في الاجتهاد كما أسلفناه
في الاخبار بالوقت وان لم يتمكن من ذلك فمقتضى بعض الأدلة لزوم الجهد في تحصيل
الظن بذلك كقوله عليه السلام في خبر سماعة حين سئله عليه السلام عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم
ير الشمس ولا القمر ولا النجوم اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك:
وفى دلالته على لزوم بذل الجهد لتحصيل القبلة نظر أسلفنا وجهه ولكن يكفي
للزوم تحصيل الظن بعض الاخبار الاخر كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال عليه السلام يجزى
التحري ابدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة وغير ذلك من المؤبدات ويختلف التحري وبذل
الجهد بالنسبة إلى الاشخاص فبذل الجهد بالنسبة إلى أهل الفن مراعاة القواعد المحققة
في علم الهيئة وبالنسبة إلى الجاهل السؤال عمن يقدر على مراعاة تلك القواعد.
في وجوب الاجتهاد في القبلة بعد تعذر العلم والعلمي
ثم إن مقتضى الاجتهاد ان يتفحص إلى أن يطمئن بعدم وجود امارة تنافى ما حصله
وهل يجب عليه تقوية ظنه بتحصيل امارة موافقة لما حصله أولا من أن الامر بالاجتهاد انما
هو بملاحظة حصول الظن وقد حصل ومن عدم حصول بذل الجهد فيجب عليه الفحص عن
الامارات الموافقة مهما أمكن ولعله الأقوى ولو لم يتمكن من الاجتهاد بنحو ولكنه يعلم
ما بين المشرق والمغرب فقد يقال انه قبلته ح لاطلاق ما دل على أنه قبلة مطلقا خرج من
ذلك القادر على تحصيل الجهة وبقى الباقي فإذا صار هذا قبلة لغير المتمكن يجب عليه
تحصيله بالعلم أو بما هو كالعلم وان لم يتمكن فبالاجتهاد كما ذكرنا مراتب ذلك في
قبلة القادر.
وفيه نظر لعدم استفادة الاطلاق من الأدلة فان الاخبار متعرضة لصحة صلاة من دخل
فيها محرزا للقبلة ثم انكشف الخلاف بعد الفراغ كما في بعض الروايات وفى الأثناء

33
كما في بعض آخر ومعلوم ان الأخبار المذكورة لا تدل على جواز الدخول في الصلاة بين
المشرق والمغرب وان كان جاهلا غير متمكن لتحصيل القبلة الواقعية وهذا نظير الرواية
الدالة على أن من دخل في الصلاة بزعم دخول الوقت فدخل الوقت قبل تمام الصلاة صحت
صلوته وهل يتوهم متوهم دلالتها على جواز الدخول في الصلاة قبل دخول الوقت لمن يعلم
بدخوله في الأثناء.
في أن من لا يتمكن الا من احراز ما بين المشرق والمغرب
لا يجوز له الاكتفاء به
فان قلت إن قول الإمام عليه السلام بين المشرق والمغرب قبلة كله في جواب السائل أين
حد القبلة كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام يدل على أن ما بين المشرق والمغرب
قبلة مطلقا خرج منه العالم والمتمكن من تحصيل الجهة الخاصة.
قلت لا يستفاد الاطلاق من الصحيحة أيضا فإنها في مقام تحديد القبلة التي يوجب
الاخلال بها ناسيا بطلان الصلاة بعد الفراغ وهذا المضمون كما ذكرنا سابقا لا يدل على
جواز الدخول ملتفتا فان هذا لسؤال والجواب في الصحيحة واقعان بعد قوله عليه السلام
لا صلاة إلى القبلة الظاهر في الشرطية المطلقة حتى للغافل والناسي ولا ينافي ذلك عدم
جواز الدخول من أول الامر للملتفت فتبين ان السمت المتوجه إليه لو لم يحرز الا كونه
بين المشرق والمغرب فلا دليل على جواز الصلاة إليه ومقتضى القاعدة الاحتياط بتكرار
الصلاة إلى أن يعلم وقوعها إلى الجهة الخاصة العرفية التي ذكرنا سابقا.
تنبيه قد عرفت في طي البحث عدم جعل علامة خاصة من الشارع بحيث يرجع
إليها عموم الناس فتكون من الظنون الخاصة المقدمة على مطلق الظن كالبينة فان العلامة
المنسوبة إلى الشارع ليست الا الجدي وهي ليست علامة لعامة الناس بل عرفت عدم
كونها علامة لأهل العراق أيضا بل ذكرها لإرادة الطريق للسائل بحسب حاله نعم يستفاد
من الروايتين ان امر القبلة للبعيد مبنى على التوسعة فح لو تعارض قول الخبر مع قبلة

34
البلد مثلا فان صار أحدهما مظنونا والاخر موهوما يجب الاخذ بالمظنون لما دل على
وجوب التحري المستلزم للزوم الاخذ بالأخرى والا يتخير ان لم يخرج عن حد الجهة العرفية
ولو تباينت الجهتان فمقتضى القاعدة الاحتياط ولو علم عدم الخروج عما بين المشرق
والمغرب لما ذكرنا سابقا.
في حكم المتحير في القبلة بين الجهات الأربع
وان لم يتمكن من تحصيل ما بين المشرق والمغرب أيضا صلى إلى أربع جهات على
ما نسب إلى المشهور والأصل في ذلك مرسلة خراش عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
عليه السلام قال جعلت فداك ان هؤلاء المخالفين علينا يقولون إذا أطبقت علينا أو اظلمت فلم
نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد فقال عليه السلام ليس كما يقولون إذا كان ذلك
فليصل لأربع وجوه ومرسلة أخرى أرسلها الصدوق قدره بحذف قذف قصة المخالفين ولعلها
عين الأولى ولا يخفى ما في الأولى من مخالفة مضمونها لما عليه الاخبار ونص الأصحاب
من وجوب الاجتهاد في القبلة هذا مضافا إلى ضعف السند الا ان يوجه دلالتها بان المراد
الاجتهاد في حكم المسألة كما لا يبعد وبازائهما بعض الأخبار الصحيحة الدالة على
الاجتزاء بصلاة واحدة أينما يتوجه فإذا يقوى القول بكفاية صلاة واحدة لولا
مخالفة الشهرة.
في فروع الصلاة إلى أربع جهات
ثم انه لو بنينا على الاخذ بالمرسلة الامرة بتكرار الصلاة إلى أربع جهات يتفرع
عليه أمور منها ان المنصرف من الرواية وجوب كون الصلاة على جهات متقاطعة على
زوايا قوائم عرفية فلا يجوز التعدي عما دل عليه الرواية لعدم العلم ببرائة الذمة بغير
ذلك ومنها انه يجوز للمكلف ان يأتي بالعصر إلى غير الجهات التي صلى إليها الظهر
لاطلاق الدليل ودعوى ان ذلك يوجب العلم اجمالا بمخالفة إحدى صلاتيه للقبلة الواقعية

35
غير مسموعة لان القبلة في حق المتحير ما يستكشف من الرواية المذكورة ومنها انه
يجوز للمصلى الشروع في العصر قبل الفراغ من تمام جهات الظهر لان أحرار الترتيب
كما أنه يحصل باتيان العصر بعد الفراغ عن الظهر إلى الجهات كذلك يحصل باتيانه
بعد كل ظهر إلى الجهة التي صلى الظهر إليها ومبنى توهم لزوم الشروع في العصر بعد
الفراغ من تكرار الظهر لزوم الجزم في النية بقدر الامكان والمفروض انه متمكن
من الجزم حين الاتيان بالعصر يتحقق الترتيب الذي هو شرطه وقد حقق في محله عدم
اعتبار الجزم بالنية بوجه فلا يكون لهذا التوهم موقع أصلا.
في عدم اعتبار القبلة في النافلة في حال المشي والركوب
الفصل الثاني فيما يستقبل له ويعتبر تحصيل القبلة في الفرائض اليومية بالكيفية
التي سبقت وتوابعها التي منها سجدتا السهو على اشكال فيهما أحوطه ذلك وفى غير
اليومية من الفرائض حتى صلاة الجنائز وتسقط عن النوافل في حال المشي والركوب
على الدابة أو السفينة وان لم يكن ممن اضطر إليه ومقتضى الأدلة عدم اعتبار الاستقبال
حتى في حال التكبيرة ولكن الأولى رعايته فيها وهل تجوز النوافل إلى غير القبلة
في حال الاستقرار على الأرض أولا مقتضى عموم قوله عليه السلام لا صلاة الا إلى القبلة الثاني و
مقتضى بعض الأدلة الأول كقوله عليه السلام في صحيحة زرارة ولا تقلب وجهك عن القبلة
فتفسد صلاتك فان الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في الفريضة فول وجهك شطر المسجد
الحرام دلت على أن تشريع القبلة على وجه الوجوب انما هو في الفريضة ويؤيده رواية
على بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال سئلته عن الرجل يلتفت في صلوته هل يقطع ذلك صلوته
فقال عليه السلام إذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلوته وان كانت نافلة لم بقطع ذلك
صلوته ولكن لا يعود هذا ولكن الأحوط مراعاة القبلة في حال الاستقرار بملاحظة
ذهاب المشهور إليه.

36
في بيان المراد من النافلة والفريضة
ثم إن الظاهر أن المراد من النوافل التي لم يعتبر القبلة فيها هي ما تكون كذلك
بالذات وان صارت واجبة بالعرض كما أن الظاهر أن المراد من الفريضة التي اعتبر فيها
القبلة هي ما تكون كذلك بالأصل وان صار نفلا كالصلاة المعادة والدليل على ذلك مضافا
إلى ظهور اللفظين أعني لفظي الفريضة والنافلة فيما هو كذلك بحسب أصل الشرع ان
عروض الوجوب على العنوان المطلق لا يعقل ان يكون موجبا لزيادة لقيد في المتعلق
وكذا عروض الندب لا يمكن ان يكون مسقطا للقيد المعتبر في متعلقه فان اعتبار
الاطلاق والتقييد انما يكون قبل تعلق الحكم وهذا واضح الا ان يقال انا ان استظهرنا
من الأدلة ان الصلوات الواجبة مطلقا يشترط فيها القبلة لا نحملها على أن الوجوب سبب
لتحقق ذلك الاشتراط حتى يكون مستحيلا كما ذكرت بل نحملها على أن ايجاب الصلاة
مما لا ينفك عن اشتراط القبلة فيها فلو أوجب الشارع صلاة نستكشف ببركة ما استظهرنا
من الأدلة حسب الفرض تقييدها بالقبلة فلا محذور.
فان قلت سبب الوجوب في النافلة المنذورة هو النذر ومن المعلوم عدم تعلقه
بالمقيد ولا يدل دليل وجوب الشئ بالنذر على وجوب اتيان ما لم يلتزم المكلف به فكيف
يجب عليه بعنوان وجوب الالتزام بما التزم به خصوص العمل المقيد الذي لم يجعله
على نفسه.
قلت القيود المتعلقة بالعمل كما انها قد تكون لأجل الدخل في المقتضى كك قد
تكون لأجل ملاحظة المانع وأمثلة ذلك كثيرة فنقول ان تقييد الصلاة بالقبلة ليس من
جهة عدم السعة في المقتضى بل من جهة ان الفرد الفاقد للقبلة ليس قابلا لتعلق الايجاب
به من جهة المانع فينحصر مورد الوجوب بالفرد الاخر قهرا فظهر مما ذكرنا ان تقيد
الصلوات الواجبة مطلقا وان كان وجوبها بالعرض بالقبلة امر ممكن في مرحلة الواقع
واما الكلام في مرحلة الاثبات فالأدلة تحتمل أمورا خمسة أحدها اعتبار القبلة فيما
يكون واجبا بالأصالة وسقوطها عما يكون نفلا كك والثاني اعتبارها فيما يكون

37
واجبا فعلا وان لم يكن كل بحسب أصل الشرع كالنافلة المنذورة وسقوطها عما يكون
نقلا فعلا وان لم يكن كك يحسب أصل الشرع كالمعادة.
والثالث اعتبارها فيما هو وواجب في الجملة سواء كان كك بحسب الأصل أم عرض
عليه الوجوب بسبب خارجي ويترتب عليه اشتراط القبلة في الصلوات الفريضة الأصلية
وان صارت مستحبة فعلا كالمعادة وفى النوافل التي صارت واجبة بالعرض فالتي يسقط
عنها القبلة تنحصر في النافلة الذاتية التي بقيت على صفة نفلها فعلا والرابع عكس ذلك
وهو اعتبارها فيما يكون واجبا ذاتا وفعلا وسقوطها عما ليس كك ويتفرع عليه سقوط القبلة
عن المعادة والصلوات النافلة مطلقا سواء بقيت على نفلها أم صارت واجبة بالعرض والخامس
ان الأدلة متعرضة لسقوط القبلة عما هو نفل ذاتا وفعلا وثبوتها لما هو واجب ذاتا و
فعلا واما النفل الذي صار واجبا بالعرض والواجب الذي صار نفلا كك وهما خارجان
عن مورد الدليل فيجب الرجوع إلى العموم لو كان وإلا فإلى الأصول ولا يخفى ظهور
الأدلة في الأول إذ لا ينسبق إلى الذهن من لفظي النافلة والفريضة الا ما هو كك بأصل الشرع فان
النافلة المنذورة لا تطلق عليها الفريضة بل يجب بمقتضى وجوب الوفاء بالندر اتيان
النافلة امتثالا للامر الندبي وكذا المعادة لا تطلق عليها النافلة بل يستحب اتيان الفريضة
ثانيا ولذا يختار الله أفضلهما وأحبهما على ما في بعض الروايات ومن المعلوم ان
الثاني لو كان أفضل يتحقق به امتثال الامر الوجوبي ويكون مصداقا للفريضة
المأمور بها.
في حكم انكشاف الخطاء في القبلة باقسامه
الفصل الثالث في احكام الخلل من جهة القبلة لو صلى الفريضة مع الاجتهاد في القبلة أو لضيق الوقت أو مع
سعته وقلنا بالتخيير للمتحير ثم انكشف انه صلى إلى غير القبلة فلا يخ اما يتبين انه صلى ما بين
المشرق والمغرب واما يتبين انحرافه بأزيد من ذلك وعلى الثاني اما ان يكون مستدبرا واما لا
يكون كك والقسم الأول يصح عمله فلا إعادة عليه في الوقت ولا في خارجه والأخير يعيد في الوقت
ويسقط عنه القضاء في خارجه وهل يلحق به الثاني مقتضى اطلاقات الأدلة انه كك ولا

38
مقيد لها الا ما أرسله في النهاية انه وردت رواية بأنه إذا صلى إلى استدبار القبلة ثم علم بعد خروج
الوقت وجب إعادة الصلاة.
وقد يستدل على ذلك أيضا برواية معمر بن يحيى قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
صلى إلى غير القبلة ثم تبينت القبلة وقد دخل في وقت صلاة أخرى قال عليه السلام يعيدها قبل ان
يصلى هذه التي قد دخل وقتها الا ان يخاف فوت التي دخل وقتها تقريب الاستدلال بها انه
بعد الاجماع على عدم وجوب الإعادة لو انكشف خارج الوقت في غير الاستدبار تحمل
الرواية على صورة الاستدبار فتصير كالخاص المطلق بالنسبة إلى الأخبار الدالة على عدم
وجوب الإعادة لو انكشف وقوع الصلاة على غير جهة القبلة مطلقا وفيه ان مجرد الاجماع
على خروج قسم من افراد العام أو المطلق لا يكون موجبا لمعاملة الخاص المطلق مع
الدليل الذي هو عام أو مطلق صورة كما بين ذلك في الأصول هذا مضافا إلى ضعف السند
كما قيل ويحتمل ان يوجه الرواية بان فرض السائل بطلان صلوته وانه يجب عليه
الإعادة خارج الوقت والمقصود من سؤاله انه هل يأتي بها قبل الحاضرة أو
يشتغل بالحاضرة قبلها فاجابه عليه السلام باتيان الفائتة الا إذا خاف فوت الحاضرة
فلا ينافي ما نحن فيه فإذا سقوط القضاء من المستدبر قوى وان كان الأحوط خلافه.
ثم على تقدير الاخذ بالمرسلة ينبغي تقييد تلك المطلقات بمقدار دلالة المرسلة و
هو ثبوت القضاء في صورة الاستدبار فلو انحرف عن المشرق إلى الشمال أو عن المغرب
إليه لا إلى حد الاستدبار يسقط عنه القضاء عملا بالاطلاقات:
في الحاق الناسي والساهي بالمجتهد في سقوط القضاء
وهل الحكم المذكور يعم كل من صلى سواء كان دخوله في العمل بوجه شرعي
أو عقلي أو يختص بالأول فالناسي والساهي لا يسقط عنهما القضاء مطلقا ظاهر اطلاق كثير
من الاخبار التعميم ولكن بعض الاخبار يدل على أن جهة سقوط القضاء عنه اتيانه بما هو
مكلف به ظاهرا شرعا كخبر سليمان بن خالد حيث يقول عليه السلام وان كان مضى الوقت فحسبه
اجتهاده فالظاهر أن الاجتهاد من حيث كونه مقدمة للعمل على طبق الامر الظاهري

39
صار سببا للحكم المزبور وكذا قوله عليه السلام في جواب السؤال عن الأعمى يؤم قوما وهو
على غير القبلة انه يعيد ولا يعيدون معللا عدم إعادة المأمومين بالتحري فمقتضى
الجمع بين المطلقات ومفاد ما ذكر من الاخبار تخصيص مورد سقوط القضاء بما إذا دخل في
الصلاة بعد احراز القبلة شرعا.
فان قلت إنه بناء على لزوم التقييد ينبغي تخصيص مورد سقوط القضاء بما إذا أحرز
القبلة بالاجتهاد فلو دخل في الصلاة الضيق الوقت أو قلنا بأنه يجزى للمتحير صلاة واحدة
ولو في سعة الوقت لم يحكم بسقوط القضاء عنه لو بان انه صلى إلى غير القبلة وان كان دخوله
في الصلاة بالامر الظاهري الشرعي.
قلت ظاهر التحري والاجتهاد المذكورين في الخبر انه من حيث كونه مقدمة
لاحراز الحكم الشرعي وان أبيت عن هذا الظهور فلا أقل من الاحتمال فلا يرفع اليد عن
اطلاقات الأدلة بالمقدار المعلوم.
ويمكن ان يقال بان التحري والاجتهاد كما أنه يحتمل ان يكون مقدمة للامر
الظاهري كك يحتمل ان يكون في قبال المسامحة فيكون جهة سقوط القضاء عن
المجتهد والمتحري عدم المسامحة حين الدخول في الصلاة وهذه العلة موجودة
في الناسي والساهي فلا يرفع اليد عن الاطلاقات الشاملة لسقوط القضاء عن الناسي
والساهي فإذا سقوط القضاء عمن دخل في الصلاة مع عدم تقصيره في مراعاة
القبلة قوى.
ولو أدرك ركعة من الصلاة في الوقت ثم بان انحرافه عن القبلة إلى ما يوجب
الإعادة دون القضاء هل يتم الصلاة متوجها إلى القبلة ويعتد بها أو يحكم ببطلان الركعة
المفروضة ووجوب الاستيناف وجهان للأول اطلاقات أدلة سقوط القضاء عمن لا يتمكن
من إعادة الصلاة في الوقت ولازم ذلك صحة الركعة المفروضة وللثاني ان مورد الاخبار
بحسب الظاهر هو الفراغ من مجموع العمل فلا تشمل الأثناء وعليه يرفع اليد عن
الركعة المفروضة ويستأنف خارج الوقت والأحوط اتمام العمل متوجها ثم اتيانه خارج الوقت.

40
البحث الثالث
في الستر والساتر وفيه فصول:
الأول يجب على المختار ستر العورة في الصلاة سواء كانت فريضة أم نافلة وكذا
توابعها والحكم المذكور في الجملة من المسلمات لكن الكلام في مقدار الستر الواجب
وفى العورة التي يجب سترها والحالة التي يجب في تلك الحالة الستر والمراد من الوجوب
الذي ذكرنا هو الوجوب الشرطي لا النفسي الذي ينبغي ان يقال انه لو استظهر من الأدلة
اشتراط ما هو مفاد اللفظ المذكور أعني ستر العورة عند الاطلاق فمقتضى ذلك القول
باشتراط ما هو مصداق عرفي لذلك المفهوم بحسب الواقع في جميع حالات المكلف
فالحكم بصحة الصلاة في حالة خاصة يحتاج إلى دليل مخرج وان بنينا على عدم ذلك وقلنا
بان المقدار المتيقن من الاجماع أو غيره اشتراطه في حالة خاصة وفى غيرها يشك في الشرطية
فتكون الصلاة في غير الحال التي علم إناطتها بالستر مما يشك في كونه مشروطا ومن قال
بالبرائة في الشرط المشكوك يتمسك بها في المقام.
إذا عرفت هذا فنقول ما يمكن ان يكون وجها للأول أمور منها اطلاق معاقد الاجماعات
وفيه انه مبنى على استكشاف انهم تلقوا تلك القاعدة من الإمام عليه السلام اما باللفظ المذكور واما
بلفظ آخر مرادف له ولا شبهة في عدم القطع بذلك بل من المحتمل انهم اخذوا معنى عبروا
عنه باللفظ المذكور فلا يجرى على اللفظ المذكور حكم لفظ الإمام عليه السلام حتى يؤخذ
بمفهومه العرفي ويحكم باطلاق الحكم بالنسبة إلى مصاديقه.
في عدم استفادة الاطلاق من أدلة اشتراط الستر
ومنها صحيح ابن مسلم في الرجل يصلى في قميص واحد فقال عليه السلام إذا كان كثيفا
فلا بأس حيث إن الظاهر أن القيد المذكور انما يكون بملاحظة ستر العورة فيستفاد منه
اشراطه وفيه أولا امكان منع كون القيد المذكور بملاحظة ستر خصوص العورة بل ورد
في بيان ستر جميع البدن وحيث انه لا يجب اجماعا يحمل على الفضل فلا يمكن الاستدلال
به للمقام وثانيا على تقدير كون القيد بملاحظة ستر العورة غاية ما يستفاد من الخبر

41
المذكور تقييد الساتر لمن يجب عليه الستر بكونه كثيفا وليس في مقام بيان الشرطية
المطلقة له كما لا يخفى.
ومنها صحيح على بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام قال سئلته عن الرجل قطع عليه أو
غرق متاعه فبقى عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلى قال عليه السلام ان أصاب حشيشا يستر به
عورته أتم صلوته بالركوع والسجود وان لم يصب شيئا يستر به عورته أومى وهو قائم
وفيه أيضا انه ليس في مقام بيان شرطية الستر حتى يؤخذ باطلاقه كما لا يخفى.
ثم انك قد عرفت انه بناء على استفادة وجوب الستر على الاطلاق الحكم بصحة
صلاة مكشوف العورة في حال من الحالات يحتاج إلى دليل وقد وردت صحيحة على بن جعفر
عن أخيه عليه السلام بصحة صلاة من صلى مع عدم الستر وهو لا يعلم قال سألته عن الرجل يصلى
وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله.
قال عليه السلام لا إعادة عليه وقد تمت صلوته والظاهر منها انها واردة في صورة الالتفات
بعد الفراغ من مجموع العمل وأيضا الظاهر أن موردها خصوص الغافل دون الناسي
فالغافل المستمر غفلته إلى الفراغ من المجموع ليس عليه الإعادة بمقتضى الصحيحة فيبقى
غيره تحت القاعدة الأولية.
في حكم الملتفت في الأثناء بعد التكشف نسيانا أو غيره
ويمكن استفادة حكم الناسي المستمر نسيانه إلى آخر العمل من حديث الرفع
بناء على عدم اختصاص المرفوع بالعقوبة كما يشهد به الرواية الواردة في الاستكراه
على الحلف بالطلاق فيبقى الناسي الذي التفت في الأثناء وكذلك الغافل الذي التفت
في الأثناء وكذا من انكشف عورته بغير اختيار في الأثناء بريح أو غيره بلا دليل.
فان قلت حديث الرفع كما أنه يشمل صورة النسيان المستوعب كذلك يشمل
النسيان في البعض فلم خصصت مورده بالأول قلت من جهة ان البطلان في الصورة الثانية مستند
إلى عدم الستر في حال الالتفات فلا يدل على صحة الصلاة المفروضة ان قلت لو دل على صحة
صلوته في حال النسيان لزم منه الاغماض عن الستر في حالة الالتفات بالمقدار الذي يتمكن

42
فيه من المبادرة في تحصيل الساتر إذ لولا ذلك لزم لغويته.
قلت لو كان الحديث نصا في خصوص ذلك لصح ما ذكرت وليس كك فلم يكن دعوى
الشمول ورفع لغويته باستكشاف الاغماض بالمقدار المذكور بأولى من دعوى عدم شمول
الدليل للزوم اللغوية لا يقال اطلاق الدليل يقتضى الشمول فيؤخذ بلازمه وهو العفو عن
الستر في المقدار الخاص لأنا نقول الاطلاق المذكور معارض باطلاق أدلة الستر فالأخذ
بالأول موجب لطرح الثاني في حال الالتفات الذي لا حكومة لحديث الرفع عليه في تلك
الحال فافهم هذا ويمكن القول بصحة الصلاة في جميع الفروض المذكورة ببيان آخر اما
فيما إذا التفت في الأثناء بعد النسيان فلشمول حديث الرفع حال النسيان بملاحظة نسيانه
وشموله حالة الالتفات في المقدار الذي يتمكن فيه من الستر بملاحظة اضطراره إذ
يصدق انه مضطر إلى ترك الستر في المقدار المخصوص بالنسبة إلى هذه الصلاة الشخصية
وان لم يكن مضطرا إلى ترك الستر بالنسبة إلى الصلاة في مجموع الوقت فالمكلف بالنسبة
إلى هذه الفرد من الصلاة له حالات ثلث حالة النسيان وحالة الاضطرار وحالة الالتفات
والاختيار فلو راعى الستر في الحالة الأخيرة لم يكن عليه الإعادة لدلالة الدليل على
ارتفاع الشرطية في الحالتين الأوليين واما في صورة الالتفات في الأثناء بعد الغفلة فلشمول
الصحيحة المذكورة حال الغفلة وشمول حديث الرفع حال الالتفات في المقدار المخصوص
بملاحظة الاضطرار ودعوى عدم شمول الصحيحة الغفلة المنقطعة في الأثناء مدفوعة
بأنه لو جعل الموضوع هو الغفلة الخارجية المستمرة فتحققها انما يكون بعد تمام العمل
فيكون الحكم بعد الفراغ من الصلاة والحكم المذكور في الصحيحة ظاهر في اسقاط
الشرطية واقعا كما يدل عليه قوله عليه السلام تمت صلوته وهذا لا يمكن تحققه بعد العمل
كما لا يخفى.
نعم يمكن جعل الموضوع هو الغفلة التي تستمر في علم الله وهو متحقق في حق
من لم يلتفت في الأثناء من أول الامر لكن كون الموضوع هذا العنوان الانتزاعي خلاف
ظاهر الدليل فيتعين ان يكون الموضوع هو النسيان الخارجي المتحقق ومتى ثبت

43
يترتب عليه الحكم سواء استمر أم لا واما في صورة ارتفاع الستر من دون اختياره بريح
أو غيره فلان الستر متحقق بالنسبة إلى حال القدرة واما حال عدم القدرة والاضطرار فهو
مرفوع بالدليل ومن هنا يعلم حال من التفت بعد الغفلة ثم نسى حتى فرغ أو غفل ثانيا حتى
فرغ أو التفت بعد النسيان ثم غفل أو نسى حتى فرغ هذا والمسألة محل اشكال فلا ينبغي
ترك الاحتياط في إعادة الصلاة لو التفت بعد العمل وكان ناسيا واتمام الصلاة ثم الإعادة
لو التفت في الأثناء مطلقا وان كان الذي يقوى في الغفلة والنسيان المستمرين إلى
آخر العمل هو الحكم بالصحة بواسطة قاعدة لا تعاد.
في تحديد العورة في كل من الرجل والمرأة
وكيف كان فالعورة التي يجب سترها في الصلاة هي التي يجب سترها عن الناظر
المحترم وهي الدبر والقضيب والأنثيان وليس العجان منها وهي ما بين الدبر والأنثيين
ولا السرة ولا الركبة وما بينهما وان قلنا باستفادة وجوب ستر العورة من الاخبار على نحو
الاطلاق وذلك لان المتيقن من مورد شمول عنوان العورة ما ذكرنا وعورة المرأة جميعها
الا الوجه واليدين إلى الزندين والقدمين إلى الساقين فهنا أمران: أحدهما عدم كون
المرأة مثل الرجال في الاكتفاء بستر ما هو عورة عرفية في الصلاة.
والثاني عدم وجوب ستر ما استثنى من الأمور والدليل على الأول الأخبار الكثيرة
الدالة على عدم جواز اكتفاء المرأة بالثوب الواحد الذي لا يشمل جميع بدنها بل في
بعضها انها تصلى في ثلاثة أثواب: ازار ودرع وخمار وفى بعضها كفاية الدرع والمقنعة
إذا كان كثيفا وفى بعضها كفاية ملحفة واحدة إذا التفت بها ويعرف من مجموع تلك الأخبار
اشتراط ستر الرأس والبدن اما بثلاثة أثواب واما بثوبين واما بملحفة واحدة واما عدم
وجوب ستر ما ذكرنا من الأمور فيكفي فيه عدم دلالة الأخبار المذكورة على الوجوب لعدم
الملازمة بين لبس الدرع والخمار والإزار وستر ما ذكرنا بل المتعارف في حال لبس الثياب
المذكورة عدم ستر ما ذكر ومما ذكرنا ظهر عدم الفرق بين ظاهر القدمين وباطنهما
فان باطنهما وان كان مستورا بالأرض لكن لم يظهر من الأخبار المذكورة الشرطية كما

44
لا يخفى وما في حاشية شيخنا المرتضى قدس سره على نجاة العباد في هذا المقام من أن الأحوط
ستر الباطن لعله من جهة اشتراط ستره وان لم يظهر من الاخبار الا انه لم يظهر منها
عدم اشتراطه إذ يمكن كونه شرطا ولم يتعرض الشارع له اعتمادا على كونه مستورا
غالبا إذ هو في حالة القيام مستور بالأرض وفى غيرها مستور بالثياب و ح وان كان مقتضى
الأصل الذي حققه في الأصول عدم وجوب الستر الا انه اشكال في أن مقتضى الاحتياط
مراعاة الستر.
ثم إن مقتضى ما ذكرنا من عدم اشتراط ستر الوجه والكفين والقدمين في الصلاة
بمقتضى الأصل والاخبار عدم الفرق بين كون المذكورات مما يجب سترها عن الناظر
الأجنبي ومما يحرم على الأجنبي النظر إليه أولا فلو صلت المرأة وكانت ساترة لبدنها الا
ما ذكر صحت صلوتها وان كان الناظر المحترم موجودا وقلنا بوجوب الستر عليها مطلقا من
دون استثناء شئ من جسدها غاية الامر تحقق الاثم في هذه الصورة كما أن الحكم كك
لو صلت مكشوفة الوجه مع وجود الناظر بريبة والأمة لا يجب عليها ستر رأسها في الصلاة
وكذا العنق على الأقوى نعم المبعضة حكمها حكم الحرة وذلك لان الأدلة التي توجب
الستر عامة فان موضوعها المرأة خرجت منها الأمة وهي ظاهرة في غير المبعضة وبقيت
المبعضة تحت العمومات ولو أعتقت في أثناء الصلاة فلو لم يتخلل زمان بين عتقها وستر
رأسها فلا اشكال في الصحة ولو تخلل زمان الا انها بادرت إلى الستر في الباقي من صلوتها
من دون فعل مناف.
في إعادة الكلام في الملتفت في الأثناء
فالكلام فيه هو الكلام في الملتفت في أثناء الصلاة وقد أسلفنا ما يمكن ان يقال
فيه ولكن فيما أسلفنا نظر من جهة ان التمسك بحديث الرفع لرفع شرطية الستر في حال
الالتفات في الأثناء لكون تركه مما اضطر إليه كما تقدم ممنوع لان الاضطرار إلى ترك
الشرط انما يفيد رفع الشرطية إذا تحقق بالنسبة إلى أصل الطبيعة المأمور بها ومن المعلوم
عدم تحققه في المقام الا بالنسبة إلى شخص هذه الصلاة التي التفت في أثنائها مع بقاء اختياره

45
في حفظ الشرط بالنسبة إلى أصل الطبيعة الا ان يفرض ذلك في ضيق الوقت فان ترك
الستر بالمقدار المخصوص ح مغتفر من باب أهمية الوقت من حفظ الستر لا من باب
حديث الرفع.
نعم يمكن ان يقال بناء على استفادة الشرطية المطلقة بحكومة دليل لا تعاد و
تقريب ذلك أنه ليس المصرح في الدليل ان المعفو خصوص الخلل الواقع مقارنا للسهو
حتى يقال ان الاخلال المفروض خارج عن مورد الدليل بل يعم كل خلل واقع عن غير عمد
وان صار ذلك الخلل ملتفتا إليه في حال نعم لو سامح ولم يبادر إلى رفعه لصار من افراد
الخلل المستند إلى العمد وبعبارة أخرى عدى الستر الملتفت إليه بين الصلاة وان كان
مقارنا للالتفات ولكنه غير مستند إلى الالتفات فلا مانع من شمول دليل لا تعاد وحكومته
على دليل اشتراط الستر واما بناء على عدم استفادة الشرطية المطلقة فالامر أوضح فان
أدلة الباب على هذا واردة في مقام بيان حكم اخر نعم تفيد الشرطية على نحو الاجمال و
المتيقن منها بطلان الصلاة لعدم الستر لو كان مستندا إلى العمد والاختيار فمن كان
عاريا من أول الصلاة سهوا ثم التفت في الأثناء فبادر إلى الستر من دون مسامحة لم يكن
عدم ستره في تلك الصلاة مستندا إلى العمد والاختيار والفرق بين المبنيين انه على الأول
يحكم بالصحة بواسطة حكومة دليل لا تعاد وعلى الثاني دليل الصحة هو الأصل لاحتمال
شرطية الستر زمان الالتفات في عالم الثبوت ومما ذكر يعرف حال الأمة المعتقة في
أثناء الصلاة ولو لم تعلم بالعتق حتى فرغت من الصلاة فان كانت غافلة لا يجب عليها الإعادة
لعموم قوله عليه السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة واما لو التفت إلى ذلك فأتمت الصلاة من جهة
استصحاب عدم الحرية فالحكم بالصحة تابع للقول باجزاء الامر الظاهري أو اجراء
عموم لا تعاد في مثله والأول وان حقق في محله خلافه ولكن الثاني لا مانع من المصير إليه
الثاني في الساتر ويعتبر فيه أمور.

46
في حكم الصلاة في الثوب المغصوب
الأول الطهارة بل هي شرط في جميع لباس المصلي وتفصيل ذلك موكول إلى كتاب
الطهارة الثاني الإباحة واعتبارها في خصوص الساتر مبنى على كون الستر معتبرا في
الصلاة عبادة حتى لا يصح التقرب به مع كونه محرما واما لو قلنا باعتبار الستر لا من باب
العبادة فلا ينافي تحققه بالفعل المحرم نعم بطلان الصلاة ح انما يكون من جهة اتحاد
التصرف فيه مع الافعال الصلاتية مثل الركوع والسجود كما قيل وعلى هذا فلا تفاوت
بين الساتر وغيره من اللباس المغصوب.
وقد يتأمل في بطلان الصلاة مع اللباس المغصوب من جهة ان المحرم هو التصرف في
اللباس الحاصل بكونه تحت يد الغاصب ولبسه إياه والنحو الخاص من التصرف ليس
محرما مستقلا إذ مع عدم ذلك النحو أيضا متصرف في مال الغير فذلك النحو الخاص
وجوده وعدمه سيان فركوع المصلى ليس فردا اخر من الغصب حتى يحرم بل هو
غاصب سواء ركع أم سجد قام أم قعد لايق بعد كون التصرف في مال الغير بطبيعته السارية
محرما يلزم حرمة كل جزئي يتحد معه تلك الطبيعة فكما ان لبس الثوب محرم كذلك نقله
من محل إلى محل اخر تبعا لحركة اللابس محرم اخر لأنا نقول ان المحرم انما هو التصرف
في اللباس من جهة لبسه واما تغير هيئاته بتبع حركات اللابس بمشيه أو قيامه أو قعوده
وأمثال ذلك مما لا يكون انتفاعا آخر به سوى اللبس ولا يكون موجبا لتلفه واندراسه فلا
يكون مبغوضا آخر للمالك حتى يتبعه النهى الشرعي ضرورة ان المبغوض للمالك في حالات
اللابس من قيامه وقعوده وانحنائه شئ واحد وهو كونه لابسا وليس مبغوضا في حال القيام
أمرين أحدهما كونه لابسا والثاني وجود هيئة خاصة حاصلة للملبوس من جهة قيامه وكذا في
حال الانحناء فعلى هذا يكون المحرم أمرا واحدا في مجموع الحالات وهو التصرف اللبسي
وكونه لابسا شئ والركوع والسجود والقيام شئ اخر مقارن له فلا يلزم من كونه
محرما تحريم ما هو اجزاء للصلاة وقد يتفصى عن كون المورد من قبيل اجتماع الأمر والنهي
بوجه آخر وهو ان اتحاد التصرف في اللباس مع اجزاء الصلاة مبنى على أن المعتبر

47
في الصلاة نفس ما فيه المكلف كالقيام والهوى وأما إذا قلنا بان المعتبر فيها هي
الهيئة الحاصلة من الهوى والقيام فلا يتحد المأمور به مع المحرم لان المحرم هو القيام
والهوى والمفروض عدم كونهما من أفعال الصلاة بل هما مقدمتان لحصول الهيئة الخاصة
التي هي من اجزاء الصلاة ولا مانع من تحصيل الواجب من المقدمة المحرمة.
وفيه أولا ان نتيجة الافعال الأولية لا يتعلق بها التكليف الا بملاحظة المعنى
المصدري وهي ملاحظة الإضافة الخاصة إلى المكلف وهي بهذه الملاحظة تنطبق على
الفعل الأولى للمكلف مثلا لو قلنا في باب الوضوء ان المكلف به هو الطهارة الحاصلة
من الغسلتين والمسحتين فيرجع هذا القول إلى تعلق التكليف بتحصيل الطهارة الذي
هو عنوان ثانوي للغسلتين والمسحتين فيتحد الغسلتان والمسحتان مع المكلف به
مصداقا وان اختلفا عنوانا ونقول فيما نحن فيه ان المكلف به على الاحتمال المذكور
هو تحصيل الهيئة المذكورة وهو متحد مع الهوى والقيام الذين هما متحدان مع الغصب
فعاد المحذور وثانيا على فرض امكان تعلق التكليف بنفس النتيجة من دون الارجاع
إلى المعنى المصدري نقول لا يكاد يمكن حصول القرب من نتيجة فعل يكون محرما
لان حسن الافعال وقبحها انما يكون بملاحظة اختيار الفاعل ولو فرضنا ان الفاعل لم
يتحقق منه الا الاختيار السوء وقصد المعصية فكيف يمكن ان يكون نتيجة هذا الاختيار
السوء حسنا ومقربا وما قرع سمعك من عدم منافاة تحقق الواجب العبادي مع كون
المقدمة محرمة فهو فيما إذا بقى للمكلف اختيار بعد الفراغ عن تلك المقدمة
المحرمة كما في مثال الحج مع ركوب الدابة المغصوبة دون ما إذا لم يكن له الا اختيار
واحد كما فيما نحن فيه فليتأمل جيدا.
وكيف كان لو بيننا على بطلان الصلاة في اللباس المغضوب يعتبر فيه ان لا يكون
معذورا فيه عقلا أو شرعا والا يصح الصلاة وان انكشف اتحادها مع الغصب في الخارج والسر في
ذلك أن بطلان العمل فيما نحن فيه ليس من جهة فقد انه لسائر الشرائط المعتبرة فيه بل هو من
جهة فقدانه لقصد التقرب وحصول القرب له بذلك العمل ومع معذورية المكلف عن المحرم

48
يحصل له القرب باتيان الصلاة اما في صورة العذر الشرعي بان يكون المورد مما رخص
شرعا فواضح فإنه بعد ما لم تكن حرمة الغصب مانعة للرخصة الشرعية لم تكن مانعة
للوجوب أيضا فلا مانع من بقاء الامر بالصلاة واما في صورة العذر العقلي فنقول أولا لا
مانع من فعلية الامر بالصلاة في مورد تحقق العذر للمكلف عن الحرام الواقعي بقاعدة
الترتب التي حققناها في الأصول وثانيا على فرض عدم امكان فعلية الامر في مورد
يكون محرما في نفس الامر نقول ليست صحة العبادة مما يحتاج إلى الامر بل يكفي
وقوع الفعل على نحو يوجب القرب والمفروض ان الجهة المحسنة موجودة في الفعل
فلو أتى بقصد تلك يؤثر في القرب عقلا فان ما يتوهم كونه مانعا لا يؤثر في القبح الفاعلي
بحيث يوجب بعده عن ساحة المولى لكونه معذورا فيه فالمقتضي للقرب يكون بلا
مزاحم فتحصل ان المعيار في بطلان العبادة المتحدة مع الحرام وصحتها هو ثبوت العذر
للمكلف بالنسبة إلى ذلك الحرام وعدمه ولا يتفاوت بين ان يكون جاهلا بالحكم أو
بالموضوع أو ناسيا لأحدهما نعم الجهل بالفساد لا ينفع للحكم بالصحة وان كان معذورا
في هذا الجهل والوجه فيه واضح،
الثالث ان يكون بل مطلق اللباس مذكى ان كان مما تحله الحياة من اجزاء ذي
النفس ووجه التقييد بكونه من اجزاء ذي النفس قيل عدم تعارف استعمال جلد غير
ذي النفس وهو مشكل بل الظاهر أن معهودية نجاسة الميتة ووضوح المناسبة بين
النجاسة والمنع من الصلاة أوجبت انصراف الأخبار المانعة إلى إرادة الميتة النجسة ولولا
ذلك لاشكل استفادة حكم كثير من أنواع ذي النفس مما لا يعتاد استعمال جلده من
تلك الأخبار كما لا يخفى ولو شك في لباس انه من المذكى أو من الميتة فهل الأصل يقتضى
عدم كونه ميتة أو عدم كونه مذكى قد يقال بالثاني فان الموت امر عدمي فان كل
حيوان لم يذك على الوجه المعتبر شرعا فهو ميت والتذكية مسبوقة بالعدم فيستصحب
بخلاف التذكية فإنها امر وجودي سواء جعلناها عبارة عن نفس الافعال المخصوصة الواردة

49
على المحل القابل أم قلنا بأنها امر بسيط يتحصل من تلك الأفعال نعم على الأول موضوع
الأصل هو الحيوان لا الجلد فيشكل الحكم بعدم التذكية فيما لم يكن هناك حيوان
شك في تذكيته كما إذا قطعنا بكون الحيوان المخصوص المذبوح في الخارج مذكى
والاخر العين ميتة وشك في أن الجلد من أيهما اخذ لعدم كون حيوان في الخارج
مشكوك التذكية حتى يحكم بعدم تذكيته بالأصل وانما الشك في أن الجلد المخصوص
مأخوذ من أيهما ولا أصل في البين يعين كونه مأخوذا من الميتة واما بناء على ما قلنا بان
التذكية عبارة عن حالة بسيطة تتحصل من الافعال المخصوصة فلا اشكال في أن تلك
الحالة تسرى في جميع اجزاء الحيوان مما تحله الحياة فاللحم يصير مذكى بواسطة
تلك الأفعال وكذا الجلد فيصح ان يقال ان هذا الجلد المخصوص يشك في ورود التذكية
عليه والأصل عدمه ولقائل ان يقول بعد فرض كون الجلد المفروض مما يحتمل ان يكون
منفصلا من الحيوان المذكى بالقطع التفصيلي لا مجال لاستصحاب عدم التذكية لان رفع
اليد عن عدم لتذكية يمكن ان يكون من مصاديق نقض اليقين باليقين لا بالشك فان الجلد
المفروض لو كان هو الذي نعلم تفصيلا بتذكيته انتقض اليقين السابق فيه باليقين فالتمسك
بعموم لا تنقض في المثال لا يمكن مع الشبهة في المصداق.
لا يقال هذه الشبهة جارية فيما إذا احتمل وجود اليقين التفصيلي بخلاف السابق
مثلا لو علم بنجاسة شئ سابقا ثم شك ولكنه احتمل يقينه بالطهارة وارتفاع النجاسة
السابقة أليس من المحتمل انتقاض يقينه السابق باليقين والحال ان استصحاب النجاسة
في المثال المفروض جار من دون شبهة ولا اشكال لأنا نقول فرق بين ما نحن فيه والمثال
الذي ذكرت فان العلم التفصيلي فيما نحن فيه بوجود المذكى موجود فعلا بخلاف المثال
إذ ليس المفروض الا احتمال العلم التفصيلي وهو لا يزيد على احتمال كون الواقع على
خلاف الحالة السابقة ومن المعلوم عدم منافاته مع الشك في البقاء فعلا واما فيما نحن
فيه فالعلم التفصيلي بشخص المذكى موجود فعلا ونحتمل كون المشكوك منطبقا على
الذي نعلم تفصيلا بكونه مذكى وعلى فرض الانطباق انتقض اليقين السابق باليقين

50
التفصيلي الفعلي وان شئت قلت إن الشك المفروض ليس من افراد الشك في البقاء بل يشك
في أنه هل انفصل مما هو باق على عدم التذكية قطعا أو من غيره ويؤيد ذلك بعض الاخبار
المرخصة الظاهرة في أن الترخيص حكم الشك في التذكية من حيث إنه مشكوك من
دون ملاحظة كونه في سوق المسلمين أو في أيديهم فلاحظ اخبار الباب بل يمكن ان يقال
بناء على كون المقام من موارد جريان الاستصحاب بان اللازم رفع اليد عنه لمكان تلك الأخبار
فيتأمل جيدا فان المقام جدير به.
في التكلم في اخبار الباب
فان قلت هب ان مقتضى القاعدة وظهور بعض اخبار الباب ان حكم الشك الترخيص
ولكن بعض الاخبار المصرحة بعدم جواز الصلاة فيما اخذ من يد الكافر يدل على أن حكم
الشك فيما نحن فيه ليس هو الترخيص إذ من المعلوم ان يد الكافر ليست امارة على
عدم التذكية فالحكم بعدم جواز الصلاة في المأخوذ من يده ليس الا من باب عدم وجود
الامارة على التذكية.
قلت أولا نذكر الأخبار المانعة من الصلاة فيما اخذ من يد الكافر ثم نتكلم فيها
فنقول منها رواية على بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام قال سألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق
فليس يدرى لمن كان هل يصح الصلاة فيه قال عليه السلام ان كان اشتر به من مسلم فليصل فيه وان
اشتريه من نصراني فلا يصل فيه حتى يغسله ومنها رواية إسحاق بن عمار عن العبد الصالح
قال لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وما صنع في ارض الاسلام قال قلت فان كان فيها غير
أهل الاسلام قال عليه السلام إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس ومنها رواية إسماعيل بن عيسى
قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجيل أيسأل
عن ذكوته إذا كان البائع مسلما غير عارف قال عليه السلام عليكم ان تسألوا عنه إذا رأيتم
المشركين يبيعون ذلك وإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه ولا يخفى ان الرواية الأولى
لا ربط لها بما نحن فيه فان احتمال عدم التذكية في الثوب المشترى من نصراني لا يرتفع
بالغسل فيعلم ان الامر بالغسل من جهة النجاسة العرضية وهو محمول على الاستحباب

51
يقينا واما الأخيرتان فهما وان كانتا ظاهرتين في اعتبار ارض الاسلام وبد المسلم في
الحكم بالتذكية ولزوم الفحص في غيرهما الا انه بملاحظة الاخبار المرخصة الظاهرة في أن
الرخصة فيها انما هي من جهة الشك لا من جهة وجود الامارة لابد من حمل الخبرين
المذكورين على كراهة الاخذ واستحباب التفتيش عن الذكوة إذا اخذ من غير المسلم
أو غير السوق الذي غلب عليه المسلمون كما يحمل النهى عن الصلاة في الثوب المشترى
من نصراني على الكراهة قطعا.
في اشتراط ان لا يكون مما لا يؤكل لحمه
الرابع عدم كونه بل مطلق اللباس من اجزاء ما لا يؤكل لحمه والأصل في ذلك
الاخبار منها موثق ابن بكير قال سأل زرارة أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الثعالب و
الفنك والسنجاب وغيره من الوبر فاخرج كتابا زعم أنه املاء رسول الله صلى الله عليه وآله ان الصلاة
في وبر كل كل شئ حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شئ منه
فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما أحل الله اكله ثم قال يا زرارة هذا عن
رسول الله صلى الله عليه وآله فاحفظ ذلك يا زرارة فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وشعره وروثه
وألبانه وكل شئ منه جائز إذا علمت أنه ذكى قد ذكاه الذبح وان كان غيره مما قد نهيت
عن اكله وحرم عليك اكله فالصلاة في كل شئ منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكه وفى
معنى ذلك اخبار اخر دالة على المنع عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه لكنها ليست كالموثقة
بحيث تشتمل جميع الاجزاء مما لا يؤكل حتى الروث واللبن ونحوهما وفى بعضها تعيين
مورد نهى الرسول صلى الله عليه وآله فيما يأكل اللحم وكان ذا ناب ومخلب فيصير شارحا لمضمون
الموثقة ولولا اشتهار الحكم بين الأصحاب بحيث يكاد يعد من المسلمات لكان حمل
الروايات على خصوص ما إذا كان مما يأكل اللحم قويا
في حكم المحمول
مسائل الأولى الظاهر من حرمة الصلاة في الجلد والوبر كونهما لباسا للمصلى
الا ان عطف الروث والبول والألبان في الموثقة يدل على إرادة الأعم من ذلك وهل يحكم

52
بان المانع مطلق المعية حتى مثل الشعرات الملقاة على الثوب أو المعية على نحو خاص
بان كان لباسا أو ملصقا به على نحو يكون كالجزء منه كالشعرة الملتقة به وكالروث
إذا تلطخ به الثوب أو التفصيل بين الشعر والوبر والجلد وبين الروث والبول وأمثالهما بان
يعتبر التلبس في الأول ومطلق المعية أو هي على نحو خاص في الثاني وجوه من أن عطف
الروث وأمثاله يدل على عدم إرادة الظرفية من لفظ في فيحمل على مطلق المعية ومن أن
عدم امكان إرادة لظرفية لا يستلزم الحمل على مطلق المعية بل المتعين الحمل على
المعية الخاصة التي تشبه بالظرفية ومن أن الظرفية يمكن حفظها في مثل الشعر و
أمثاله وانما لا يمكن في الروث ونحوه ففي مثل الأول يعتبر التلبس وفى مثل الثاني يعتبر
المعية مطلقا أو على نحو خاص ولا يتوهم ان الاحتمال الأخير مبنى على تقدير لفظ في
في المعطوف بمعنى اخر غير المعنى الذي أريد من الملفوظ في المعطوف عليه لأنا
نقول ان لفظ في في المعطوف عليه أريد منه الجامع بين الظرفية والمعية لكن تعلق
الجامع بالجلد والوبر مثلا يوجب الانصراف إلى التلبس وبالروث ومثله يوجب الانصراف
إلى المعية الخاصة ولا أقل من الشك في شمول الزائد فيرجع إلى الأصل والثمرة بين
الاحتمالات واضحة ولقائل ان يقول إن حفظ معنى الظرفية لكلمة في حتى تحمل على معنى
يشابه الظرفية بملاحظة بعض المعطوفات في الموثقة مبنى على أن يكون كلمة في وبره وشعره
الخ في الموثقة قيدا للمصلى وأما إذا كان قيدا للصلاة كما هو الظاهر فلم يرد منها معنى
الظرفية فان اللباس انما هو ظرف للمصلى وليس ظرفا للصلاة فكلمة في الموثقة
غير مستعملة في الظرفية ولو لم يكن مثل المعطوفات المذكورة مذكورا فيها بل
أريد منها المعية ويشهد لذلك رواية إبراهيم بن محمد الهمداني قال كتبت إليه يسقط
على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة فكتب عليه السلام
لا يجوز الصلاة فيه فالأقوى المنع مضافا إلى كونه موافقا للاحتياط المطلوب في الشريعة.
الثانية هل يشترط في المنع كونه مما تجوز فيه الصلاة منفردا ان كان من جلد
ما يؤكل لحمه أو شعره أو وبره أولا مقتضى الاطلاقات الثاني بل لم نقف على مخصص
في الجلد والشعر نعم صحيح محمد بن عبد الجبار يدل على جواز الصلاة في

53
القلنسوة والتكك من وبر ما لا يوكل لحمه قال كتبت إلى أبى محمد عليه السلام أسأله
هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر
الأرانب فكتب عليه السلام لا تحل الصلاة في الحرير المحض وان كان الوبر ذكيا حلت الصلاة
فيه انشاء الله بإزائه خبر على بن مهزيار كتب إليه إبراهيم بن عقبة عندنا جوراب وتكك
تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية فكتب عليه السلام
لا يجوز الصلاة فيها ونحوه خبر أحمد بن إسحاق الأبهري وحمل الصحيحة على مورد
الضرورة والتقية للسائل مقتضى الجمع لأنهما من افراد المطلق والمقيد كما لا يخفى.
الثالثة قد استثنى من الكلية السابقة الوبر الخالص للخز والمراد خلوصه من
وبر الأرانب والثعالب وأمثالهما مما لا يؤكل لحمه والأدلة على ذلك من حيث السند
والدلالة لا اشكال فيها واما الجلد منه فقد ذهب إلى جواز الصلاة فيه جماعة بل قيل إنه
المشهور ويدل على ذلك اطلاق بعض الاخبار المشتمل على لفظ الخز مضافا إلى خبر
ابن أبي يعفور قال كنت أبى عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل بين الخزازين فقال له
جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز فقال عليه السلام لا بأس بالصلاة فيه فقال له الرجل
جعلت فداك انه ميت وهو علاجي وانا اعرفه به فقال أبو عبد الله عليه السلام انا اعرف به منك فقال
له الرجل انه علاجي وليس أحد اعرف به منى فتبسم أبو عبد الله عليه السلام ثم قال له أتقول
انه دابة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج فإذا فقدت الماء ماتت فقال الرجل
صدقت جعلت فداك هكذا هو فقال له أبو عبد الله عليه السلام فإنك تقول انه دابة تمشى على
أربع وليس هو (على خ ل) في حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء فقال له الرجل
أي والله هكذا أقول فقال له أبو عبد الله عليه السلام فان الله تعالى أحله وجعل ذكاته موته كما
أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها فان حل الصلاة في الخز معللا بان ذكوته موته صريح
في أن المقصود هو الجلد إذ الذكوة غير معتبرة في الوبر بقى هنا شئ وهو ان مجرد
دلالة النصوص على جواز الصلاة في الخز يكفي في الحكم بالجواز فيما يكون في
زماننا مسمى بالخز عند العرف أولا منشأ الاشكال احتمال كون الخز في زمن صدور

54
الأدلة اسما لحيوان ثم نقل وصار اسما لحيوان آخر وليس في البين ما يدفع هذا الاحتمال
الا أصالة عدم النقل واعتبارها عند العقلاء في مثل المقام محل اشكال إذ المتيقن منها
ما إذا علم معنى اللفظ في السابق على التفصيل فشك في نقله لا مثل المقام الذي يعلم
المعنى في الحال ويشك في اتحاده مع المعنى السابق وأيضا هنا اشكال آخر وهو انه ولو
فرضنا العلم بعدم النقل أو قلنا باعتبار أصالة عدم النقل ولكن من المحتمل ان
يكون المتعارف في ذلك الزمان القسم الخاص منه وتكون الأدلة مشيرة إلى ذلك
لا ان يكون المفهوم من تلك اللفظة موضوعا للجواز في أي فرد وجد وظهور القضية
في كون الحكم دائرا مدار مفهوم اللفظ ممنوع إذ من الممكن قريبا ان يكون اللفظ
المذكور مشيرا إلى الافراد المتعارفة في زمن الصدور والحاصل ان الدافع للاحتمال
الأول هو أصالة عدم النقل وللاحتمال الثاني هو ظهور القضية وللخدشة في كل منهما مجال
ومما استثنى من الكلية المزبورة السنجاب عند بعض وأبقاه بعض تحت العموم
ومنشأ ذلك اختلاف الاخبار ويدل على الجواز ما رواه ابن راشد قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ما
تقول في الفراء أي شئ يصلى فيه (منها خ ل) قال عليه السلام أي الفراء قلت الفنك والسنجاب والسمور
قال عليه السلام فصل في الفنك والسنجاب واما السمور فلا تصل فيه ونحو ذلك في تجويز الصلاة
في السنجاب اخبار اخر والدليل على المنع موثقة ابن بكير المتقدم ذكرها حيث إنها
وان كانت من العمومات الا ان خصوص السنجاب لما كان مذكورا فيها تكون نصا
بالنسبة إليه فيقع المعارضة بين الأخبار المجوزة والموثقة بملاحظة اشتمالها على ذكر
السنجاب والجواب ان ذكر السنجاب في الموثقة انما هو من باب المثال ولا خصوصية له
في نظر السائل كما هو الظاهر من قوله سأل زرارة أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الثعالب
والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فمورد السؤال جواز الصلاة في الأوبار وذكر
السنجاب من باب المثال وليس العام الوارد في مثل المقام نصا فيما ذكر بالخصوص كما
لا يخفى فالنسبة بين الموثقة والأخبار المجوزة العموم والخصوص المطلقان هذا مضافا
إلى تعدد الأخبار الدالة على الجواز واشتمالها على الصحيح وابائها عن الحمل على تقية

55
الإمام عليه السلام أو بيان حكم حال التقية لاشتمالها على ما ينافي ذلك كالتفصيل بين السنجاب
والثعالب أو السمور كما في بعض الاخبار.
في حكم الخز المغشوش
وفى الصلاة في الخز المغشوش بوبر الأرانب والثعالب روايتان أصحهما المنع على
ما قاله المحقق قدس سره ولعل الوجه عدم تحقق العامل برواية الجواز الا الصدوق رحمه الله
حيث قال بعد ما رواها على ما حكى عنه هذه رخصة الاخذ بها مأجور والراد لها
مأثوم والا صل ما ذكره أبى في رسالته إلى: وصل في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر
الأرانب هذا مضافا إلى تطرق احتمال التقية في الخبر الدال على الجواز خصوصا
إذا كان السائل رجلا غير معروف كما أن المنقول عن الشيخ قدس سره باسناده عن سعد
عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى عن داود الصرمي انه سأل رجل أبا الحسن
الثالث عليه السلام الخ فان احتمال ان الرجل السائل كان ممن لا يمكن اظهار الحق عنده
قريب ولكن بطريق ينتهى السند إلى بشير بن بشار قال سئلته عن الصلاة في الخز
يغش بوبر الأرانب فكتب عليه السلام يجوز ذلك وكيف كان يكفي في الحكم بالمنع هجر
دليل الجواز بين الأصحاب رضي الله عنهم واحتمال ورودها لضرب من التقية ولو كانت من جهة
السائل المبتلى بالمعاشرة مع العامة.
ثم انه لا يعفى ان الرواية الدالة على الجواز غير مذكور فيها الا وبر الأرانب
والمغشوش بوبر الثعالب لم نقف له على دليل فما افاده المحقق قدس سره من أن في الصلاة
في الخز المغشوش بوبر الأرانب والثعالب روايتين اما مبنى على فهم المثال من رواية
جواز الصلاة في المغشوش بوبر الأرانب وان مستفاد منها عدم الباس في المغشوش
بوبر ما لا يؤكل لحمه مطلقا واما وقف على ما لم نقف وكيف كان الأحوط بل الأقوى
المنع لما عرفت.
وفى الصلاة في الثعالب والأرانب أيضا روايتان يعرف الكلام فيهما مما ذكرناه

56
سابقا لان العاقل لا يطمئن بعد ملاحظة التأكيدات من الأئمة عليهم السلام في المنع عن الصلاة
فيما لا يؤكل لحمه واظهار كتاب هو املاء رسول الله صلى الله عليه وآله لزرارة بان الأخبار الدالة
على الجواز وردت لبيان التخصيص للعمومات فهي لا سيما بعد ورود اخبار خاصة أخرى
واردة في المنع في قبالها محمولة اما على بيان حكم السائل المبتلى بمعاشرة العامة
واما على التقية هذا حكم المسألة بحسب الكبرى.
تحقيق في حكم الصلاة في اللباس المشكوك
ولو شك في أن الجلد أو الوبر الموجود في الخارج هل هو مما يؤكل لحمه
أو من غيره فهل الأصل يقتضى جواز الصلاة فيه أو عدم الجواز وجهان ولابد لنا من
بيان مقدمات لتوضيح الحكم في المسألة إحداها انه لا اشكال في أن المكلف به
لو قيد بقيد مبين المفهوم فلابد للمكلف من احرازه في مقام الامتثال سواء كان ذلك القيد
وجوديا أم عدميا وان كان في الثاني كلام يأتي انشاء الله اشكالا ودفعا الثانية تقييد الصلاة بان
لا تكون فيما لا يؤكل لحمه يتصور على أنحاء أحدها ان يكون لللباس على تقدير كونه
من اجزاء الحيوان بمعنى انه اعتبر في الملبوس الحيواني للمصلى ان لا يكون من غير
المأكول وفى الحقيقة هذا تقييد في لباس المصلي على تقدير كونه من اجزاء الحيوان الثاني
ان يكون عدم لبس غير المأكول قيدا للصلاة وهذا أيضا على نحوين.
أحدهما ان يكون القيد عدم الحقيقة في مقابل صرف الوجود والثاني ان يكون
عدم كل فرد قيدا مستقلا وتظهر الثمرة بين الاعتبارين فيما لو اضطر إلى لبس غير المأكول
فعلى الأول لا يجب عليه الاقتصار على مقدار الضرورة فإنه اضطر إلى عدم مراعاة ما
هو قيد للصلاة وعلى الثاني يجب عليه الاقتصار على مقدار الضرورة لان الزائد عليها مانع
مستقل ليس مضطرا إليه إذا عرفت هذا فنقول لا اشكال في الحكم بالبرائة بناء على الأخير
بعد الفراغ عن الامرين في الأصول أحدهما القول بالبرائة في الدوران بين الأقل والأكثر
جزءا وقيدا في الشبهات الحكمية والثاني عدم الفرق في الحكم بالبرائة العقلية التي
منشأها قبح العقاب من دون حجة في الشبهات البدوية بين الشبهة الحكمية والموضوعية
ضرورة ان العلم بالكبرى لا يكون حجة على الصغريات المشكوكة فان قلت إن الامرين

57
المذكورين بوجبان الحكم بالبرائة وان كانت الصلاة مقيدة بعدم صرف الوجود من غير
المأكول فان عدم حقيقة وجود غير المأكول مع المصلى عبارة عن اعدام متعددة بعدد وجودات
خاصة لعنوان غير المأكول وما هو معلوم كونه مصداقا لغير المأكول يعلم اعتبار عدمه في
الصلاة والمشكوك لا يعلم اعتباره فيكون من مصاديق تردد الامر بين الأقل المتيقن والأكثر
المشكوك ولكن الشبهة موضوعية وعلى ما ذكرت من عدم الفرق بين الشبهة الموضوعية
والحكمية يجب الحكم بالبرائة في الصورة المفروضة أيضا قلت انما قلنا بعدم الفرق بين
الشبهة الحكمية والموضوعية فيما إذا كان الشك في أصل التكليف لا فيما إذا كان
الشك في انطباق المكلف به على الخارج ولو كان النهى على وجه ينحل إلى تكاليف
عديدة فتعلقه بالمشكوك موقوف على كونه مصداقا لغير المأكول والمفروض انه
مشكوك فتعلق النهى به مشكوك فيصير من افراد الشك في قيد زائد على القيودات المتيقنة
واما لو كان النهى متعلقا بأمر واحد معين مفهوما من دون ان ينحل إلى أمور متعددة مستقلة
فأين القيودات المتيقنة والزائد المشكوك إذا عرفت ما حررنا فنقول الظاهر من النواهي
المتعلقة بالعناوين التي لها افراد في الخارج تعلقها بها على نحو السر بان الاستقراقي
بمعنى كون كل جزئي خارجي يصدق عليه عنوان المنهى عنه موردا للنهي الاستقلالي
سواء في ذلك النواهي النفسية والغيرية مثلا النهى عن لبس الحرير عرفا ظاهر في أن
افراد تلك الحقيقة كل واحد محرم مستقل يوجب العقاب عليه فلو لبس فردين منه
يستحق العقوبة على كل منهما ولو اضطر إلى لبس واحد يجب الاقتصار عليه ولا يجوز له
التعدي إلى أزيد منه وكذا لو نهى عن لبس غير المأكول في الصلاة فهذا النهى أيضا ينحل إلى
نواهي عديدة بعدد الجزئيات الواقعة تحت عنوان غير المأكول ولكون النهى المفروض سيق
لبيان القيدية للصلاة يستفاد منه تقيد الصلاة بعدم كل واحد من افراد ذلك العنوان فلو
كان للعنوان المذكور افراد معلومة وفرد مشكوك يصح ان يقال ان تقيد الصلاة بعدم المصاديق
المعلومة متيقن وتقيدها بعدم الفرد المشكوك فيه تقيد زائد مشكوك فيه وهو مجرى
البراءة بناء على أن الشك في القيد الزايد وكذا الجزء الزائد مرجعه البراءة وكون
الشبهة موضوعية لا يوجب الفرق بعد صيرورة الشبهة في اعتبار امر زائد على المتيقن

58
كما هو واضح.
فان قلت إن موثقة ابن بكير التي هي العمدة في الباب وان كان صدرها
ظاهرا في المنع عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه مطلقا ومقتضى الظهور العرفي على
ما ذكرت انحلاله إلى تقييدات عديدة ولكن ذيلها ظاهر في خلاف ذلك وهو
قوله عليه السلام لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما أحل الله اكله فان هذه الفقرة بعد القطع
بعدم كون ظاهرها مرادا كما واضح يلزم ان تحمل على الشرطية المعلقة والمعنى
على هذا عدم قبول صلاة من لبس شيئا من اجزاء الحيوان إذا كان ذلك مما لم يؤكل
لحمه بل يجب على الشخص المفروض ان يصلى فيما أحل الله اكله ومفاد هذا شرطية
جواز اكل اللحم على تقدير كونه مستصحبا للجزء الحيواني قلت لا يخفى على العارف
بأسلوب الكلام ان هذه الفقرة ليست مما تفيد مطلبا اخر سوى ما استفيد من صدر
الرواية لان قول الإمام عليه السلام هذا تفريع على ما مر منه في صدر الرواية ومحصل المعنى
على هذا انه لما كانت الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل فاسدة لا يقبل الله تلك الصلاة حتى
تصلى في غيره وانما ذكر عليه السلام ما أحل الله اكله من جهة ان الصلاة فيه من مصاديق
الصلاة ة المقرونة بعدم المانع.
ثم انه على تقدير تسليم ان مفاد الفقرة المذكورة شرطية لبس مأكول اللحم
على تقدير كونه لابسا للجزء الحيواني نقول يكفي في صدق الشرط المذكور ان
يكون معه لباس مما أحل الله اكله وان كان معه أيضا ما يشك كونه كذلك فإنه
بعد احراز الشرط الذي استفيد من الفقرة المذكورة على الفرض ليس لنا شك الا
من جهة مانعية اللباس الاخر وقد قلنا انه من تلك الجهة مورد للأصل الا ان يدعى ان
مفاد تلك الفقرة انه على تقدير لبسه شيئا من الحيوان يشترط كون ذلك الشئ
الملبوس مما يوكل لحمه ففي المشكوك أصل الاشتراط معلوم وانما الشك في
وجود الشرط واللازم في مثله الاحتياط وكيف كان نحن في سعة لما ذكرنا من وضوح
ان ذيل الرواية لا يفيد شيئا زائدا عما يتفرع على مضمون الصدر.
فان قلت عدم إفادة ذيل الرواية شيئا زائدا على مضمون الصدر كما ذكرت

59
امر واضح لا ريب فيه الا انه يمكن ان يقال ان المراد من صدر الرواية اعتباران
لا يكون مع المصلى على تقدير كونه مستصحبا للحيواني حقيقة غير المأكول
ولازم ذلك توقف صحة الصلاة مع الفرض المزبور على أن يكون مع ما اكل
لحمه وحمل صدر الرواية على المعنى المذكور وان كان خلاف الظاهر ولكنه
يقربه المناسبة مع ذيل الرواية قلت ظهور صدر الرواية في المانعية المطلقة على
نحو الاستغراق أقوى من ظهور ذيلها في توقف الصلاة على كونها فيما اكل لحمه
بالخصوص ويؤيده ظهور اخبار آخر في المانعية المطلقة ويدل على جواز الصلاة في
المشكوك حديث الرفع حيث إن كون الجلد المشكوك من غير المأكول حتى تبطل
به الصلاة مما لم يعلم ومقتضى الحديث الشريف الوارد في مقام التوسعة منة ارتفاع
اثره ولا فرق في شمول حديث الرفع بين القول بان المانع صرف الوجود لغير المأكول
أو وجوداته الخاصة فان بطلان الصلاة في صورة كون الجلد المشكوك مما لا يؤكل
لحمه مستندا إلى شخصه على كلا التقديرين بل يمكن ان يقال ان مثل قوله عليه السلام كل
شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه يدل على المقصود
أيضا وتقريبه ان الحل والحرمة كما أنهما يطلقان على النفسيين كذلك يطلقان
على الغيريين وقد شاع استعمالهما في هذا المعنى في الاخبار مثل قوله عليه السلام في رواية
عبد الله بن سنان كلما عليك ومعك مما لا تجوز فيه الصلاة منفردا الخ وكذا
قوله عليه السلام لا يجوز الصلاة في شئ من الحديد وفى رواية إبراهيم بن محمد الهمداني
لا يجوز الصلاة فيه وفى صحيحة عبد الجبار لا تحل الصلاة في الحرير المحض وفى صحيحة
أخرى له لا تحل الصلاة في حرير محض وفى صحيحة على بن مهزيار هل يجوز
الصلاة في وبر الأرانب إلى أن قال فكتب لا تجوز الصلاة فيها وفى رواية الحلبي
كل ما لا يجوز الصلاة فيه وحده إلى غير ذلك من الموارد والحاصل ان الحل والحرمة
في لسان الأئمة عليهم السلام استعمل في الأعم من النفسي والغيري كما يشهد به ما
ذكرناه من الاخبار و ح نقول ان مقتضى ظاهر الرواية المذكورة جواز الصلاة في
المشكوك فإنه شئ لا يعلم أنه حلال أو حرام وكذا يقال ان الجلود والأصواف مثلا

60
لها قسم يحل فيها الصلاة وقسم لا يحل فيه الصلاة وقد قال عليه السلام كل شئ فيه حلال وحرام
فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه.
في اعتبار عدم كونه من الذهب للرجال
الخامس ان لا يكون بل ومطلق اللباس من الذهب ان كان المصلى من الرجال
والأصل في ذلك الاخبار منها موثق عمار عن الصادق عليه السلام لا يلبس الرجل الذهب ولا
يصلى فيه لأنه من لباس أهل الجنة وفى خبر موسى ابن أكيل عنه عليه السلام أيضا جعل الله
الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه وفى خبر جابر بن
الجعفي المروى عن الخصال عن أبي جعفر عليه السلام يجوز للمرأة لبس الديباج إلى أن قال (ع)
ويجوز ان تتختم بالذهب وتصلى فيه وحرم ذلك على الرجال والمناقشة فيها بان
حرمة اللبس نقسا لا تلازم بطلان الصلاة في غير محلها فان دليل بطلان الصلاة النهى
المتعلق بالصلاة في الذهب لا تحريم اللبس فالنهي المتعلق بالعبادة يقتضى الفساد
كما حرر في محله نعم ليس النهى في المقام كالنهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه
بحيث يستفاد منه المانعية ابتداء فان ظاهر قوله عليه السلام في خبر موسى بن أكيل
فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه ومثل ذلك أن تحريم اللبس والصلاة فيه من سنخ
واحد فمانعية لبس الذهب للصلاة تابعة لتنجز النهى وفعليته فلو كان معذورا في اللبس
صحت صلوته لان المقتضى للصحة موجود وهو الصلاة الجامعة للشرائط الواقعية وليس
ما يمنع التقرب المعتبر في العبادة موجودا.
وكيف كان فهل المانع للصلاة خصوص ما يصدق عليه اللبس أو مطلق التحلي
والتزين ظاهر ما مضى من الاخبار الأول ولا ينافي كون مطلق التحلي به حراما
نفسيا كما هو ظاهر بعض الاخبار والحاصل ان مجرد اشتغال المصلى بفعل محرم
لا يوجب بطلان صلوته نعم لو اتحد المحرم مع الأكوان الصلاتية تبطل بناء على امتناع
اجتماع الأمر والنهي وليس بين التحلي بالذهب وافعال الصلاة اتحاد أصلا فالحكم
بالبطلان ينحصر فيما دلت عليه الأخبار والظاهر منها المنع في خصوص اللباس ويمكن ان

61
يقال ان النهى عن الصلاة في الذهب وان كان بحسب النظر البدوي ظاهرا في الملبوس
كما أن النهى عن اللبس أيضا بظاهره لا يشمل مطلق التزين الا ان التأمل التام يقتضى ان
تحريم اللبس من حيث إنه زينة لا من جهة خصوص اللبس لتفريع حرمة لبسه على الرجال على
كونه بحسب الجعل الإلهي زينة للنساء كما في خبر موسى بن أكيل فيصير معنى الخبر والله
العالم انه لما جعل الله الذهب زينة مخصوصة للنساء حرم تزين الرجال به ولما كان
التزين بالذهب بحسب الغالب في اللبس مثل الخاتم والسوار والخلخال وأمثال ذلك
عبر به وما يحرم نفسا يحرم الصلاة فيه ويتفرع على ذلك حرمة كل ما يصدق عليه التزين
بالذهب ولو كان بمثل التمويه وأزرار الثوب ونحو ذلك ولو كان معذورا في اللبس بحيث لم
يكن معاقبا عليه فالظاهر صحة صلوته لان المنع عن الصلاة في الذهب في الاخبار ليس كالنهي
عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه بحيث يفهم منه الوضع ابتداء بل البطلان انما جاء من
جهة التحريم النفسي للصلاة في الذهب وظاهر ان استلزامه له فيما إذا كان النهى
منجزا كما أن الظاهر صحة الصلاة فيما جاز فعله وان صدق اللبس عرفا كالسيوف المحلاة
والخناجر وغيرها من أنواع السلاح.
اما الدليل على جواز فعله فهو خبر داود عن الصادق عليه السلام ليس بتحلية المصاحف
والسيوف بالذهب والفضة بأس ونحوه خبر عبد الله بن سنان واما عدم منعه للصلاة فان الظاهر
من الأخبار السابقة ان وجه المنع في الصلاة كونه محرما فما لم يكن محرما ليس مانعا
عن الصلاة ومما ذكرنا تعرف عدم الباس في شد الأسنان بالذهب اما لعدم صدق
الصلاة فيه واما لدلالة بعض النصوص على جوازه وقد سبق انه كلما جاز فعله لا يمنع عن
الصلاة ويمكن ان يقال بقصور النواحي المتعلقة بلبس الذهب والتزين عن شمول
حلية السيف ونحوها فلا يكون الأدلة الدالة على جواز تحلية السيف بالذهب مخصصة
لتلك النواهي.
في اعتبار عدم كونه حريرا محضا للرجال
السادس لا يجوز لبس الحرير المحض للرجال ولا الصلاة فيه اما الأول فقد

62
حكى اجماع المسلمين عليه مضافا إلى النصوص واما الثاني فلدلالة النصوص المعتبرة
عليه ففي مكاتبة محمد بن عبد الجبار إلى أبى محمد عليه السلام أسأله هل يصلى في قلنسوة حرير
محض أو قلنسوة من ديباج فكتب عليه السلام لا تحل الصلاة في حرير محض ورواية إسماعيل
بن سعد الأحوص قال سألت الرضا عليه السلام هل يصلى الرجل في ثوب إبريسم قال عليه السلام لا ورواية
أبى الحارث قال سألت الرضا عليه السلام هل يصلى الرجل في ثوب إبريسم قال عليه السلام لا
إلى غير ذلك من الاخبار واما رواية ابن بزيع عن الرضا عليه السلام الدالة على جواز الصلاة
في الديباج للرجال ما لم يكن فيه تماثيل فمحمولة على غير المحض قرينة ذكر الديباج
في مكاتبة ابن عبد الجبار المتقدمة في قبال الحرير المحض.
في اختصاص المنع بما لا تتم به الصلاة وعدمه
وهل المنع يختص بما تتم به الصلاة أو يعم غيره قولان ومنشأ الاختلاف اختلاف
الاخبار وقد مضى مكاتبه ابن عبد الجبار في السؤال عن الصلاة في قلنسوة حرير محض وجواب
الإمام عليه السلام وان كان عاما الا انه في صورة وروده في جواب السؤال عن الخاص يصير نصا
فيه وليس هذا مثل جوابه عليه السلام في موثقة ابن بكير المتقدمة حيث قلنا بأنه ليس نصا
في السنجاب مع كونه مذكورا في السؤال لان ذكر السنجاب هناك انما كان من باب
المثال كما هو ظاهر من كيفية سؤاله بخلاف ذكر القلنسوة في المكاتبة المذكورة فان
الظاهر أن ذكرها ليس من باب المثال لمطلق الحرير.
نعم يمكن كونه مثالا لما لا تتم به الصلاة وله أيضا مكاتبة أخرى هل يصلى
في قلنسوة عليها وبر مالا يؤكل لحمه أو تكة حريرا وتكة من وبر الأرانب فكتب عليه السلام
لا تحل الصلاة في الحرير المحض وفى موثقة الساباطي عن الثوب يكون علمه ديباجا قال
عليه السلام لا يصلى فيه وبإزاء ما ذكر رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام كلما لا تجوز
الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار
يكون في السراويل ويصلى فيه ولكن في طريقه أحمد بن حلال وهو ضعيف كما قيل الا انه
لا بأس به مع اعتناء العلماء به لأنهم رضي الله عنهم بين عامل به ومتوقف من جهته ومرجح لاخبار

63
المنع عليه والجميع فرع الحجتية هذا مضافا إلى ما قيل من أن ابن الغضايري لم يتوقف
في حديثه عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب لأنه قد سمع كتابيهما جل أصحاب الحديث
والحاصل ان طرح الرواية من جهة ضعف السند لاوجه له وعلى هذا فالجمع بينه وبين ما
تقدم من الصحيحتين حمل النهى فيهما على الكراهة وهو جمع عرفي حسن فان استعمال
النهى في الكراهة كاستعمال الامر في الاستحباب شاع بحيث يكاد ان ينكر ظهورهما في
التحريم والوجوب وفيه ان الرواية الدالة على المنع ليست متعرضة لخصوص مثل
القلنسوة والتكة من الإبريسم حتى يجمع بينها وبين الرواية الدالة على الجواز بالحمل
على الكراهة بل السائل سئل عن حكم التكة والقلنسوة فأجاب الإمام عليه السلام بقوله لا تحل
الصلاة في حرير محض وحيث إن العام المذكور سيق للجواب عن الخاص صار بالنسبة إليه
كالنص ولا شك ان النهى عن الصلاة في الحرير المحض بنحو الاطلاق ليس قابلا للحمل
على الكراهة كما لا يخفى.
في جواز لبس الحرير في الضرورة والحرب
ويجوز لبس الحرير في حال الضرورة والصلاة فيه اما الأول فواضح واما الثاني
فلعدم سقوط الصلاة في حال هذا ان كانت الضرورة متحققة حال الصلاة واما لو لم تكن
كذلك بان يتمكن من نزعه مقدار ان يصلى ثم يلبسه فالقول بصحة صلوته معه أو البطلان
مبنى على أن المانع للصلاة بمقتضى الأدلة هل هو متحد مع المحرم النفسي أو لا يفهم منها
ذلك فان قلنا بالأول فاللازم في الفرع المذكور صحة العمل فان نزع اللباس الحرير
لا يجب عليه ما دام لم تنقطع الضرورة وان كان نزعه في زمن يسير لا يوجب ضررا
ولكن فهم ذلك من الأدلة مشكل ومقتضى اطلاق أدلة النهى عن الصلاة في الحرير
البطلان فلو تمكن من نزعه حال الصلاة بحيث لم يكن يترتب عليه ضرر يجب
نزعه وكذا يجوز لبسه حال الحرب والمراد الحرب المرخص فيه شرعا وان كان للدفع
عما له الدفع دون الممنوع منه لظهور الاخبار في ذلك ولكن ليس في الأدلة تعرض لجواز
الصلاة فيه وانما تكون متعرضة لرفع التحريم نفسا فالحكم بجوز الصلاة مبنى على

64
ان المنع عن الصلاة في الحرير كان بملاك التحريم النفسي وحيث جاز اللبس تكليفا جاز الصلاة
فيه فدليل جواز اللبس في الحرب كما يكون مخصصا لدليل الحرمة التكليفية يكون مخصصا لدليل
بطلان الصلاة أيضا ولكن فهم هذا من الأدلة مشكل كما سلف في المسألة السابقة وقد
يقال بان اطلاق دليل الجواز يشمل حال الصلاة وهو يلازم الصحة وفيه ان معنى الاطلاق
عدم تقييد الجواز بغير حال الصلاة والقطع به لا يلازم صحة الصلاة فضلا عن الاطلاق
وعلى فرض التسليم يعارض باطلاق دليل المنع من الصلاة في الحرير فإنه ما
قيد بكونه حراما الا ان يقال على هذا يرجع إلى الأصل ويمكن ان يقال انه بعد ارتكاز
حرمته الذاتية في أذهان المسلمين لا يفهمون من النواهي المتعلقة بالصلاة في الحرير
مجرد إفادة المانعية بل تنصرف أذهانهم إلى أن ممنوعية الصلاة انما هي من جهة الحرمة
الذاتية ولا أقل من الاجمال فيرجع إلى الأصل وهو الصحة كما سلف وقد يتوهم انه في
موارد عدم كون لباس الحرير مانعا للصلاة كما في حال الضرورة والحرب يجب
ان يكون مع المصلى ساتر من غيره من جهة ان عدم مانعية الحرير للصلاة لا يلازم تحقق
الستر الذي هو شرط لها به ودليل الستر قد قيد بعدم كونه من الحرير المحض فالصلاة
في الحرير المحض مع عدم ساتر اخر غيره في حال الضرورة أو الحرب وان كانت حالية
عن المانع الا انها فاقدة للشرط وفيه ان الأدلة الدالة على المنع عن الصلاة في الحرير لا
تدل على تقييد الستر بل تدل على اعتبار عدم لبس الحرير في الصلاة في عرض اعتبار
الستر فيها ففي صورة انحصار اللباس في الحرير الستر المعتبر في الصلاة موجود فالصلاة
في هذه الحالة واجدة للشرط ولكنها مقرونة بالمانع فإذا ارتفعت المانعية صحت كيف
ولو حملنا الاخبار على تقيد الستر لوجب الحكم بصحة الصلاة لو كان الساتر من غير الحرير
وان كان لابسا للحرير أيضا في حال الاختيار لان صلوته على هذا الفرض واجدة لتمام ما
اعتبر فيها وحرمة لبس الحرير حتى في حال الصلاة لا تلازم البطلان كما لا يخفى.

65
في المسائل المتعلقة بالستر والساتر وفى عدم اعتبار جنس
خاص في الساتر
الفصل الثالث في بيان مسائل متعلقة بالستر والساتر الأولى هل يعتبر في الستر
المعتبر في الصلاة ان يكون مما يعد من جنس الملبوس كالقطن والصوف المنسوجين
أو منهما وان لم يكونا منسوجين أولا يعتبر شئ خاص بل يصح الستر اختيارا بكل شئ
مثل الورق والحشيش بل الطين بل ستر الدبر بالأليتين والقبل باليدين ومثل ذلك ثم لا
يخفى ان هذا الاشكال انما هو في الستر المعتبر شرطا للصلاة دون ما هو واجب نفسي إذ لا
ينبغي الاشكال في تحققه بكل شئ إذ المقصود هناك حفظ العورة عن عين الناظر ولو بان
يقف في محل مظلم لا يرى بشرة عورته.
فنقول ليس في الأدلة ما يدل على اشتراط ما هو من سنخ اللباس والثوب ونحو
ذلك حتى يقال به ان ما هو خارج عما ذكر لا يتحقق به الستر ولا فيها ذكر الساتر حتى
يدعى انصرافه إلى المتعارف واما ما ذكر في الأدلة من لفظ القميص والدرع والملحفة وأمثال
ذلك فليس لخصوصية فيها بل جرى ذكرها فيها مجرى العادة ولذا لا يشك أحد في جواز
الستر بثوب مستحدث لم يطلق عليه أحد العناوين المذكورة في الأدلة.
والحاصل ان الأدلة ساكنة عن اشتراط خصوصية زائدة فيكفي في الحكم بالصحة
الأصل العملي واما صحيحة على بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل
قطع عليه أو غرق متاعه فبقى عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلى قال عليه السلام ان أصاب
حشيشا يستر به عورته أتم صلوته بالركوع والسجود وان لم يصب شيئا يستر به عورته
أومأ وهو قائم فقد يتوهم منها ان جواز الستر بالحشيش ومثله مرتب على فقدان اللباس
وفيه انه ليس في القضية المنقولة عن الإمام عليه السلام ما يدل على أن الحكم بجواز الستر بالحشيش
مشروط بعدم التمكن من غيره بل هو مفروض في كلام السائل فلا يعلم إناطة الحكم به على
نحو يثبت المفهوم للقضية نعم لا يصح التمسك بالاطلاق في غير الموضوع المفروض
كما لا يخفى ولا يحتاج الحكم بالصحة إلى الدليل الدال على ذلك بل يكفي لنا

66
الأصل كما ذكرنا.
في كفاية الستر بالطين اختيارا خلافا لبعض المشايخ قدس سره
وذهب بعض المشايخ تبعا للجواهر قدس سرهما إلى جواز التستر بنحو الحشيش اختيارا
دون مثل الطين متمسكا في الأول بما سمعت وفى الثاني بما حاصله ان المنساق من الأخبار الواردة
في الباب انه يعتبر في صحة الصلاة اختيارا ان لا يكون المصلى عاريا ومن الواضح
انه لا يخرج الشخص بطلي الطين أو الحناء ونحوهما عن مصداق العاري هذا مضافا إلى أنه
لو كان الطلى بالطين ونحوه من مصاديق الستر المعتبر في الصلاة للزم تنزيل الأخبار المستفيضة
الواردة في كيفية صلاة العاري على الفرض النادر إذا الغالب تمكنه من تحصيل
ما يطلى على عورته من طين ونحوه ولو بمزج شئ من التراب في فضالة طهوره انتهى مخلصا
وفيما افاده نظر اما أولا فلان المنساق من الاخبار وان كان اعتباران لا يكون المصلى عاريا
ولكن ما ذكر من عدم خروجه بطلي الطين ونحوه عن مصداق العاري ان أراد صدق
العاري عليه بالمسامحة فلا ينفع ضرورة صدقه كذلك فيما ستر عورته بالحشيش بل يصدق
مسامحة على من كان ساترا لعورته وليس عليه شئ زائد على ذلك وان أراد انه يصدق على
من اخفى عورته بطلي الطين ان عورته غير مستورة فهو في وفى محل المنع كيف ولو كان كذلك
لما كان كافيا عند وجود الناظر المحترم.
فان قلت فرق بين الستر الواجب عن الناظر المحترم والستر الذي هو شرط في
الصلاة لان الواجب في الأول حفظ العورة بحيث لا يقع على بشرتها النظر وان كان بالذهاب
إلى المكان المظلم أو الورود في الماء ونحو ذلك وليس الستر الواجب في الصلاة كذلك
كما هو واضح قلت ستر العورة بحسب المفهوم لا يمكن ان يكون مختلفا في المقامين و
الفرق بين المقامين ان الستر الواجب النفسي مشروط بوجود من ينظر إلى العورة أو عدم
الامن منه فإذا لم يكن هناك ناظر أو كان ولم يبصر لوجود حائل لا يحب الستر فالاكتفاء
بذهاب العاري في المكان المظلم أو الورود في الماء لأجل ارتفاع شرط الوجوب لا لأنه
من مصاديق الستر وهذا العنوان أعني ستر العورة شرط مطلقا للصلاة سواء كان هناك أحد

67
أم لا وبعد فرض ان الطلى بالطين يكفي في تحقق الستر الواجب مع الشرط الذي
ذكرنا يلزم كفايته للستر الواجب للصلاة فإنك عرفت ان المتيقن اعتبار استتار
العورة في قبال انكشافها.
واما ثانيا فلان ما افاده من لزوم حمل الأخبار المستفيضة على الفرض النادر فيه ان
الاخبار متعرضة لحكم الفرد النادر وليس المقام من باب حمل الاطلاق على الافراد
النادرة بل مورده العناوين الشاملة صورة للأفراد الغالبة والنادرة فحملها
على خصوص الافراد النادرة واخراج الافراد الغالبة مما يأبى عنه الاطلاق القضية
واما القضية الواردة في بيان حكم الفرد النادر فلا يجوز رفع اليد عنها بمجرد
ندرة وجود موضوعها نعم لا يبعد عدم صدق الستر في بعض افراد الطلى بالطين
والحناء وأمثالهما كما إذا كان رقيقا بحيث يعد من لون الجسم فهو كما لا يكتفى به في
الستر الواجب في الصلاة كذلك لا يكتفى به في الستر الواجب عن الناظر المحترم ثم
انه على فرض عدم الاكتفاء بالطين ونحوه حال الاختيار لا ينبغي الاشكال في الاكتفاء به
حال الاضطرار لقوله عليه السلام في صحيحة على بن جعفر عليه السلام المتقدمة وان لم يصب شيئا يستر به
عورته المفهوم منه انه لو وجد شيئا يستر به عورته يصلى صلاة المختار فلا وجه للقول بان
الشخص المفروض يصلى صلاة العاري وان وجب عليه طلى العورة بالطين ان كان هناك مطلع
وكيف كان فلو أراد المصلى الذي ليس له ما يستر به عورته سوى الطين ومثله الاحتياط و
الاتيان بجميع المحتملات يصلى ثلث صلوات أحدها صلاة المختار مع الركوع و
السجود والثانية الصلاة قائما موميا والثالثة الصلاة قاعدا موميا لاختلاف الاخبار و
الأقوال في صلاة العاري كما يأتي إن شاء الله.
في كيفية صلاة العاري منفردا
ولو لم يجد ساترا يصلى فيه يصلى عريانا بلا اشكال لان الصلاة لا تترك في حال انما
الاشكال في أنه هل يصلى قائما مطلقا أو قاعدا مطلقا أو يصلى قائما ان كان يأمن ان يراه أحد وان لم
يأمن صلى جالسا ومنشأ الإشكال اختلاف الاخبار ومما يدل على أنه يصلى قائما صحيحة

68
على بن جعفر عليه السلام المتقدمة وان لم يصب شيئا يستر به عورته أومى وهو قائم وفى ذيل
صحيحة ابن سنان وان كان معه سيف وليس معه ثوب فيتقلد السيف ويصلى قائما ومما يدل
على أنه يصلى جالسا صحيحة زرارة أو حسنته قال قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل خرج من سفينته
عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلى فيه فقال عليه السلام يصلى ايماءا وان كانت امرأة جعلت
يدها على فرجها وان كان رجلا وضع يده على سوئته ثم يجلسان فيؤميان ايماءا ولا يسجدان
ولا يركعان فيبدوا ما خلفهما تكون صلوتهما ايماء برؤسها ومما يدل على التفصيل
ما رواه ابن مسكان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يخرج عريانا
فتدركه الصلاة قال يصلى عريانا قائما ان لم يره أحد فان رآه أحد صلى جالسا وهذه
الرواية إلى ابن مسكان صحيحة وكون المرسل من الثقات بل من اجلها يمنع من أن
يروى من الضعفاء أو المجاهيل مع أنه ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ويدل
على التفصيل أيضا صحيحه الاخر المروى عن المحاسن عن أبي جعفر عليه السلام إذا كان حيث لا يراه
أحد فليصل قائما والمروى عن نوادر الراوندي عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام في
العريان ان رآه الناس صلى قاعدا وان لم يره الناس صلى قائما.
وكيف كان ذهب المشهور إلى التفصيل بين الامن من المطلع وعدمه ففي الأول
حكموا بوجوب القيام وفى الثاني أوجبوا الجلوس مستدلين بالروايات المذكورة
وفيه انها ليست مفصلة بين الامن من المطلع وعدمه بل مدلولها التفصيل بين وجود الرائي
وعدمه فلو لم يوجد الناظر فعلا ولكن لم يأمن من حضوره لا تدل الروايات على وجوب
الجلوس كما يذهب إليه المشهور ويمكن الجواب عن ذلك بان المعلوم من سوق الاخبار
المفصلة ان الشارع اغمض عن القيام الواجب في الصلاة بملاحظة الواجب الاخر الذي
هو أهم من ذلك وذلك الواجب انما هو حفظ الفرج عن الناظر وهذا لا يحصل الا بالستر
في موارد امكان وجوده والحاصل انه بملاحظة ما ذكرنا يفهم العرف من قوله عليه السلام
فان رآه أحد ان المقصود كونه بحيث يمكن ان يراه أحد لأنه في هذا الحال لو لم يستر عورته
ولو بالجلوس لم يكن حافظا لفرجه وفيه ان حفظ العورة حاصل سواء صلى قائما أم قاعدا
بعد سقوط الركوع والسجود الاختياريين فتعين القيام مطلقا أو القعود كذلك أو التفصيل

69
المذكور ليس الا من باب التعبد ولو قيل بالتخيير بين القيام والجلوس وان الأولى
عند وجود الرائي الجلوس وعند عدمه القيام فلعله أولى فإنه على هذا ليس الا رفع
اليد عن ظهور الامر في التعيين في الأدلة الامرة بالقيام والجلوس وعن ظهوره
في الوجوب في الاخبار المفصلة وهذا أهون من التقييد في المطلقات الواردة في مقام
البيان هذا.
واما كيفية الركوع والسجود فالظاهر أنه لا اشكال في أن الجالس ان كان غير
مأموم يومي بدل الركوع والسجود وان كان مأموما فسيأتي الكلام فيه انشاء الله تعالى واما
القائم فهل يومي أيضا مطلقا أو عند عدم الامن من المطلع واما في صورة الامن منه فيصلى صلاة
المختار كما ذهب إليه بعض وقواه في نجاة العباد الأقوى الأول لصحيحة على بن جعفر عليه السلام
المتقدمة وليس في الأدلة ما يعارضها من هذه الجهة فكلما قيل تأييدا لوجوب
الركوع والسجود الاختياريين في حال الامن من المطلع فهو من قبيل الاجتهاد في
مقابل النص.
فروع
الأول هل يجب ان يجعل ايمائه إلى السجود اخفض منه إلى الركوع أولا مقتضى
الاطلاقات الثاني ومقتضى الخبر المروى في قرب الاسناد الأول فلا ينبغي ترك الاحتياط
الثاني هل يجب الانحناء فيهما بقدر الامكان مع عدم بدو العورة أولا الظاهر الثاني
لخلو الاطلاقات الواردة في مقام البيان عن ذلك وقيل بالأول تمسكا بالاستصحاب وفيه
انه لا وجه للتمسك به مع وجود المطلقات مضافا إلى أن المعتبر في الصلاة هو الهيئة
الخاصة من الانحناء فهذا الانحناء الذي يتأتى من العاري انما كان واجبا في السابق
مقدمة للهيئة المخصوصة وبعد عدم التمكن من ايجاد تلك الهيئة لاوجه لاحتمال وجوب
الانحناء الممكن نعم لو قلنا بان الواجب في الصلاة هو الهوى إلى حد خاص لكن
التمسك باستصحاب وجوب المقدار الممكن لو لم يكن في قبال الاطلاقات الثالث هل
يجب على القائم ان يجلس لايماء السجود أولا الظاهر الثاني لاطلاق صحيحة على بن جعفر عليه السلام
وقيل بالأول لأنه أقرب إلى هيئة السجود ولقوله صلى الله عليه وآله إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم

70
ولاستصحاب وجوب الجلوس للسجود وفيه ما لا يخفى.
المسألة الثانية تشرع الجماعة للعراة لصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألت
عن قوم صلوا جماعة وهم عراة قال عليه السلام يتقدمهم الامام بركبتيه ويصلى بهم جلوسا وهو جالس
وموثقة إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام قوم قطع عليهم الطريق واخذت ثيابهم
فبقوا عرائا وحضرت الصلاة كيف يصنعون قال عليه السلام يتقدمهم امامهم فيجلس ويجلسون
خلفه فيؤمى ايماءا للركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم
هذا ولكن ظاهر ذيل خبر أبي البختري المروى في قرب الاسناد عن الصادق عليه السلام
فان كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى عدم مشروعية الجماعة
لهم وحمله على عدم إرادة الجماعة بعيد جدا فالأولى طرحه لقوة المعارض في نفسه أو
حمله على الأرجح جمعا.
وهل يتعين عليهم الايماء جميعا أو يتعين الايماء على الامام واما المأمومون
فيركعون ويسجدون نسب الأول إلى الأكثر بل عن الحلي دعوى الاجماع عليه واستدل
عليه بصحيحة ابن سنان المتقدمة ولم افهم وجه دلالتها على المدعى فإنها ليست متعرضة
لكيفية الركوع والسجود الا ان يراد دلالتها بضميمة سائر الأخبار الواردة في صلاة
العاري جالسا فان تلك الأخبار تعين الايماء للمصلى العاري جالسا وان لم يظهر منها
مشروعية الجماعة للعراة والصحيحة السابقة تدل على مشروعية الجماعة لهم فهذه
الصحيحة مع تلك الأخبار تدل على أن العراة في حال الجماعة أيضا يؤمون للركوع و
السجود ويدل على هذا القول أيضا عموم التعليل الوارد في حسنة زرارة المتقدمة من
قوله عليه السلام ولا يسجدان ولا يركعان فيبدوا ما خلفهما فان مقتضى ذلك أن بدو ما خلف المصلى في
الصلاة لا يرضى به الشارع وفيه انه ليس للمشهور التمسك بما ذكرنا لان اخبار الجلوس
عندهم محمولة على عدم الامن من المطلع كما عرفت سابقا ومعه يسقط الركوع والسجود
ومن يدعى وجوب الركوع والسجود في هذه المسألة على المأمومين انما يدعى في ما
إذا كانوا مأمونين من المطلع فلا تكون الأخبار السابقة منافية لمدعاهم وعلى فرض
القول بان الأخبار السابقة ليست مخصوصة بحال عدم الامن لا تزيد على كونها مطلقات

71
يمكن الخروع عنها بالدليل والموثق المتقدم يدل على أن المأمومين يركعون و
يسجدون خلف الامام على وجوههم والخدشة في السند من حيث اشتماله على ابن جبلة
الواقفي وإسحاق بن عمار الفطحي وفى الدلالة باحتمال ان يكون المراد من قوله عليه السلام
وهم يركعون ويسجدون خلفه عليه وجوههم انهم يركعون ويسجدون على الوجه
الذي لهم من الايماء مما لا ينبغي اما الأول فلان المحقق في محله حجية خبر الثقة و
ان كان الراوي منحرفا عن المذهب الحق واما الثاني فلبعد الاحتمال المذكور بحيث
يكاد يقطع بعدمه خصوصا بعد ملاحظة ما في الرواية من التفصيل بين الإمام والمأموم
هذا والاحتياط لا ينبغي تركه بان يتباعدوا ويصلوا فرادى كما امر به سيد أساتيذنا
الميرزا قدس سره في حاشية نجاة العباد.
في جواز البدار للعاري إلى الصلاة وعدمه
المسألة الثالثة يجب تحصيل الساتر كغيره من الشرائط المعتبرة شرعا وهل
يجوز له البدار إلى فعل الصلاة عاريا في سعة الوقت عند احتمال حدوث القدرة في أثناء
الوقت أو العلم به أو لا يجوز الا بعد العلم بعدم تجدد القدرة أو ما يقوم مقامه أو يفصل بين
مجرد الاحتمال فيجوز أو العلم أو ما قام مقامه فلا يجوز مبنى القول الأول أحد أمور:
اما التمسك باطلاق أدلة الصلاة وانها واجبة فعلا في الحالة التي هو عليها فيلزم من
ذلك سقوط الستر إذ لو كان شرطا لزم التكليف بما لا يطاق أو تقييده بحال التمكن و
الأول خلاف العقل والثاني خلاف الفرض واما التمسك باطلاق أدلة صلاة العاري وانها
تقتضي صحة الصلاة منه في كل زمان حضرت الصلاة ولم يكن عنده ما يستر به عورته واما
القول بان أدلة شرطية الستر لم يعلم منها شرطيته بالنسبة إلى العاجز الفعلي وان
كان قادرا بملاحظة مجموع الوقت والأول منها بعيد فان الاطلاقات ليست ناظرة إلى
اثبات القدرة ولكن الأخيرين يمكن الالتزام بهما خصوصا الأول منهما فان المطلقات
ظاهرة في أن العاري إذا حضرت الصلاة يصلى عاريا ولا يجب عليه الانتظار ولا يعارضها
خبر أبي البختري من غرقت ثيابه فلا ينبغي له ان يصلى حتى يخاف ذهاب الوقت

72
يبتغى ثيابا فان لم يجد صلى عريانا فإنه لا ينبغي رفع اليد عن المطلقات الكثيرة الواردة
في مقام البيان بلفظة لا ينبغي الظاهرة في حد نفسها في الاستحباب كما لا يخفى و
مدرك القول الثاني ان مقتضى شرطية الستر بطلان الصلاة لو كان المصلى عاريا خرج
عن القاعدة بمقتضى الأدلة غير المتمكن من تحصيل الساتر في مجموع الوقت ومبنى
الثالث أحد الامرين اما اختياران موضوع الأدلة الواردة في صلاة العاري المضطر
في مجموع الوقت ولكنه مع الشك يستصحب الحالة المتيقنة الموجودة فان الحالة
الموجودة لو كان لبقائها في المستقبل اثر فعلى فلا مانع لاستصحابها واما الالتزام بان
اطلاقات الأدلة الواردة في صلاة العاري تشمل صورة احتمال زوال العذر في أثناء الوقت
دون صورة العلم به كما قيل معللا في الأول بكثرة وجود الاحتمال المذكور مع عدم
تعرض في الأدلة الكثيرة لاشتراط عدمه وفى الثاني بعدم انسباق صورة العلم بزوال
العذر إلى الذهن بعد معلومية كون هذا الحكم حكما عذريا ومواقع النظر فيما ذكر
لا تكاد تخفى على المتأمل
في حكم ما إذا وجد الساتر في أثناء العمل
المسألة الرابعة لو وجد الساتر في أثناء العمل فلا يخلو اما ان يكون ذلك في ضيق
الوقت بحيث لو رفع اليد عن هذه الصلاة المشتغل بها لم يدرك ولو ركعة واما ان يكون
بحيث لو تركها يدرك الصلاة كلها في الوقت واما ان يكون بحيث لو تركها يدرك
ركعة منها في الوقت اما القسم الأول فلا اشكال في وجوب المضي وعدم جواز رفع
اليد عن الصلاة التي هو فيها سواء تمكن من الستر للباقي من دون فعل المنافى
أم لا لكنه على الأول يجب عليه البدار إلى الستر وعلى الثاني يجب عليه اتمام العمل
عاريا وهذا لا اشكال فيه.
واما القسم الثاني فان قلنا بان جوار الصلاة عاريا يتوقف على كونه غير متمكن
في مجموع الوقت فالتمكن من الستر في الأثناء في الفرض كاشف عن عدم صحة الصلاة
التي اشتغل بها وان قلنا بان الموضوع هو الغير المتمكن الفعلي فان توقف الستر على فعل

73
المبطل فيرفع اليد من الصلاة التي اشتغل بها ضرورة ان اتمامها عاريا لا دليل عليه بل الدليل
الدال على اشتراط الستر للمتمكن يدل على فساد تلك الصلاة وتحصيل الستر بايجاد المبطل
لا ينفع لهذا العمل لفرض بطلانه بايجاد المبطل الا ان يقال انه بعد فرض شمول أدلة ترخيص
الصلاة للعاري من يكون عاريا حين العمل ولو كان متمكن من الستر في الأثناء يلزم
امكان ان يكون العمل الذي اشتغل به بواسطة ترخيص الشرع مجزيا إذ لا معنى للامر
بصلاة لا يمكن في الواقع ان تكون مجزية.
وبعبارة أخرى: امر الامر بعمل يعلم كونه لغوا غير معقول فلابد اما من القول
بعدم شمول الأدلة للفرض المزبور أو الالتزام بصحة الصلاة باتمامها عاريا بل الشخص
المفروض مندرج فيمن لا يتمكن من الستر في الصلاة فان احرازه موجب لابطال العمل
الذي دخل فيه صحيحا وهو محرم عليه فلا يتمكن من احراز الستر عرفا فتأمل فالأولى
ان يقال بعدم شمول الاطلاقات هذه الصورة بل كان موضوع الأدلة العاري بمقدار مجموع
العمل وان لم يكن عاريا بالنسبة إلى مجموع الوقت.
والحاصل ان عدم تقييد العاري في موضوع الأدلة بكونه في مجموع الوقت
المضروب للعمل لا ينافي تقييده بكونه بمقدار مجموع العمل ولا يخفى ظهور اطلاق أدلة
الباب في عدم اعتبار كون المصلى عاريا في مجموع الوقت بخلاف هذا المقام فان المنساق
منها كون المصلى عاريا في مجموع حال العمل فح لو وجد الساتر في أثناء العمل يكشف
عن عدم كونه موضوعا للحكم المتعلق بالعاري.
ومن هنا تعرف الاشكال فيما إذا لم يتوقف الستر في الأثناء على فعل المبطل
أيضا فان التمكن في الأثناء كاشف عن عدم كون الشخص المفروض موضوعا لجواز
الصلاة عريانا ومما ذكرنا تعرف ان الفرق بين ما إذا توقف الستر على ايجاد المنافى و
ما لم يتوقف عليه غير جيد على كل حال فان العاري ابتداء العمل المتمكن في الأثناء
ان جعلناه مشمولا للحكم المستفاد من الأدلة فلا ينبغي الحكم بالبطلان حتى فيما توقف
الستر في الأثناء على ايجاد المنافى لما قلنا من أن الاذن في العمل الذي يصير لغوا لا يصدر
من الامر الملتفت وان لم نجعله مشمولا له فلا ينبغي الحكم بالصحة حتى فيما لم يتوقف

74
الستر على فعل المنافى لما ذكرنا من أن التمكن في الأثناء يكشف عن عدم كونه موضوعا
للحكم من أول الامر غاية بما يمكن ان يقال في الفرق بين المسئلتين ان اطلاق أدلة
صلاة العاري يشمل كلا الموردين الا انه فيما يتوقف الستر على ايجاد المبطل معارض
باطلاق أدلة شرطية الستر للمتمكن منه واما فيما لم يتوقف الستر على ايجاد المنافى
فليس لاطلاق الأدلة الواردة في صلاة العاري الشامل للمفروض معارض فان الاجزاء
الباقية يؤتى بها مع الستر.
نعم هو في الزمان اليسير الواقع بين الاجزاء السابقة واللاحقة يتمكن من الستر
مع أنه عار ولكن دليل اشتراط الستر يقصر عن إفادة شرطية الستر حتى بالنسبة إلى هذا
الشخص الذي لم يقع منه المسامحة في تحصيل الساتر في أول زمن الامكان.
والحاصل ان الفرق بين المسئلتين ان اطلاقات أدلة الباب في الأولى معارضة بمثلها
فتسقط بخلاف الثانية فان اطلاق أدلة صلاة العاري سليم عن المعارض فيها هذا وفيه أولا
ان مقتضى تعارض الاطلاقين في الأولى تساقطهما فكما انه لا دليل على اسقاط الشرطية
كك لا دليل على الشرطية فالواجب الرجوع إلى الأصل وهو يقتضى الصحة كما هو التحقيق
في الشك في قيود المأمور به وثانيا كما يمكن دعوى قصور الأدلة الدالة على شرطية
الستر عن إفادة الشرطية بالنسبة إلى هذا الشخص الذي يبادر في الأثناء إلى تحصيله في
أول أزمنة الامكان كذلك يمكن دعوى قصورها عن إفادة الشرطية بالنسبة إلى الشخص
الذي لا يتمكن من تحصيل الساتر الا بايجاد المنافى للصلاة التي اشتغل بها فان دعوى
قصور الأدلة منشاؤها عدم اطلاق لها بحيث يتمسك به في موارد الاختلاف كما لا يخفى
على من لاحظها.
والحق ان يقال ان اطلاق الأدلة الامرة بالصلاة عاريا لا يشمل ما إذا وجد الساتر في أثناء
الصلاة سواء توقف لبسه على الفعل المنافى أم لا لكن يستكشف منها بواسطة اطلاق
المادة سقوط الستر لمطلق العاري فلو وجد الستر في الأثناء فالذي أتى به عاريا محكوم
بالصحة فلو أمكن تصحيح الباقي بانضمام دليل آخر يحكم بصحة المجموع والا يبطل
لعدم امكان تصحيح الباقي إذا عرفت هذا فنقول ان واجد الستر في أثناء الصلاة إذا لم

75
يتوقف ستره على الفعل المنافى فصلوته هذه مشتملة على ثلث قطعات الأولى وقعت صحيحة
لسقوط الستر منها من دون اشكال والقطعة الأخيرة واجدة للشرط كما هو المفروض
والوسطى وان كانت بدون الستر مع كون المكلف قادرا ومقتضى الشرطية للقادر البطلان
الا ان خلوه عن الستر في الصلاة الشخصية ليس باختياره وخبر لا تعاد الصلاة الا من خمسة
الخ الحاكم على الأدلة الناطر إلى الصلاة الشخصية التي بيده يدل على عدم وجوب إعادة
ما مضى منها اللازم منه العفو عن الستر في الحالة الوسطى المفروضة فيحكم بصحة
الصلاة بهذه الأدلة الثلاثة المفروضة وأما إذا توقف الستر على الفعل المنافى فالماضي من
صلوته وان وقع صحيحا ولكنه لا يمكن تصحيح ما بقى منها بدليل من الأدلة فإنه ان
تستتر للباقي يبطل الصلاة لوجود المنافى وان صلى عريانا فقد ترك الستر في بقية أفعال
صلوته اختيارا ومجرد انه يترك الستر لان الستر موجب للبطلان من جهة فعل المنافى
لا يخرجه عن الاختيار فلا يشمله دليل لا تعاد كما هو واضح ومن هنا يظهر حال من تمكن
من الستر في الأثناء في وقت لا يسع الا لادراك ركعة لو استأنف فان ما مضى من صلوته
صحيح قطعا فإنه غير قادر بالفرض وبعد ما صار قادرا يزاحم الوقت شرطية الستر وإذا
فرضنا الأهمية الوقت يسقط الستر به فالصلاة المفروضة محكومة بالصحة من دون ستر من
جهة عدم القدرة على الستر في بعضها ومن جهة مزاحمة الوقت في الاخر نعم لو لم يحرز
أهمية من الطرفين يحكم بالتخيير عقلا.
في حكم ما لو اضطر إلى لبس الممنوع في الصلاة
المسألة الخامسة لو اضطر إلى لبس ما يكون ممنوعا في الصلاة فان كان منحصرا في
جنس واحد فلا اشكال في صحة الصلاة معه فإنه بعد تجويز الشارع اللبس لدفع الضرورة يلزم
اما اسقاط الصلاة واما عدم كون الملبوس المفروض مانعا وان لم يكن منحصرا في جنس
واحد فان كان أحد اللباسين مما يحرم لبسه نفسا والاخر مما يحرم وضعا فقط كما إذا كان
أحدهما غصبا أو حريرا مثلا والاخر مما لا يؤكل لحمه أو نجسا هل يجب دفع الضرورة بالثاني
والاجتناب عن الأول مطلقا أو يتخير كك أو يفصل بين ما إذا كان المحرم النفسي الذي صار طرف

76
الدوران مانعا للصلاة شرعا أيضا كالحرير أو لا يكون مانعا شرعا بل يكون المنع عقليا
من جهة اتحاد الحرام مع الواجب فان كان من قبيل الأول يجب دفع الضرورة بغيره مما
يكون مانعا للصلاة فقط وان كان من قبيل الثاني تخير بينهما وهذا هو الراجح في بادي
النظر اما تعيين دفع الضرورة في الأول بالمحرم الوضعي فقط فلان الصلاة لابد وأن تكون
مقرونة بالمانع ولا يمكن ايقاعها مع تمام القيود المعتبرة فيها شرعا كما هو المفروض
فلو اتى بها فيما هو محرم وضعا واجتنب عما كان مع كونه كك مبغوضا للمولى فقد
راعى بعد عدم امكان اتيان الصلاة الا مقرونة بالمانع غرض المولى في اجتناب ذلك
المبغوض النفسي ولو لبس ما هو مبغوض نفسا مع كونه مانعا للصلاة شرعا فقد ارتكب
مبغوض المولى من دون مجوز.
واما كونه مخيرا في القسم الثاني فلانه لابد وان يقع في أحد مبغوضي المولى اما
ترك الصلاة مع تمام القيود المعتبرة فيها واما ارتكاب المحرم النفسي وحيث لم يثبت
الترجيح فالتخيير مقتضى القاعدة نعم لو ثبت من دليل كون أحد المبغوضين أشد من
الاخر فاللازم دفع الضرورة بما هو أضعف.
فان قلت إن المحرم النفسي مانع عن الصلاة أيضا فجهة المنع عن الصلاة موجودة
في كليهما فيجب اجتنابه معينا لعدم المسوق لارتكابه من حيث إنه محرم نفسا قلت
المانعية هنا عقلية وهي متفرعة على الحرمة الفعلية فلو دفعنا الحرمة لم يبق لنفس العمل
جهة منع أصلا هذا ومن هنا يعلم حال ما لو كان اللباسان مشتركين في الحرمة النفسية
ويختص أحدهما بالمنع الوضعي فان القاعدة تقتضي الاجتناب عما هو مانع عن الصلاة
فإنه غير مضطر إلى الصلاة الناقصة بل هو مضطر إلى ايجاد المحرم النفسي نعم لو علم الأهمية
فيما يكون ممحضا في الحرمة النفسية بحيث يكون أشد كراهة عند الشارع من الاخر
الذي هو واجد للجهتين تعين دفع الضرورة بالآخر ومحصل الكلام انه لو دار الامر بين
ما يكون المنع فيه من جهة واحدة وما يكون المنع فيه من جهتين تعين دفع الضرورة بالأول
الا إذا علم الأهمية فيه وإن كان المنع فيه من جهة واحدة ولو دار الامر بين أحد الشيئين
اللذين يكون كل منهما ممنوعا من جهة واحدة فمقتضى القاعدة التخيير الا ذا علم من

77
الخارج الأهمية من أحد الجانبين هذا ولكن يمكن ان يقال ان مراعاة المحرم النفسي
في مقابل الممنوع الوضعي لازم مطلقا سواء كان المحرم النفسي ممنوعا لبسه و
الصلاة فيه أيضا كالحرير أم لا.
وتوضيح المقام انه في صورة الدوران بين المحرم النفسي والوضعي لو ارتكب المحرم
النفسي ارتكب المبغوض المطلق ولو ارتكب الممنوع الوضعي فالصلاة الجماعة للقيود و
إن كانت متروكة ولكنه اتى بالناقص الذي هو في حال الاضطرار مطلوب للمولى فمقتضى
القاعدة ترك المحرم النفسي والآتيان بالصلاة فاقدة للقيد المعتبر حال الاختيار.
فان قلت نسبة الاضطرار إلى كليهما على حد سواء فبم صار اللبس الممنوع وضعا
مورد الاضطرار حتى يصير مأمورا به قلت مجوز الارتكاب في المحرم النفسي ملاحظة
الأهم منه مثل حفظ النفس وهذا ليس تقييدا في مادة المنهى بل مبغوضيته تامة
حتى في حال الاضطرار.
فان قلت إن المحرمات الشرعية مجوزة في حال الاضطرار شرعا كما يدل عليه
حديث الرفع فكما ان المضطر إلى لبس غير المأكول يجوز له اللبس في حال الصلاة ويؤمر
باتيان الصلاة الناقصة كك المضطر إلى لبس المغصوب يجوز له اللبس فإذا جاز اللبس يصح
الصلاة معه والمفروض ان نسبة الاضطرار إلى كليهما على حد سواء بمعنى انه يضطر إلى لبس
أحدهما فما الترجيح لإضافة النسبة إلى خصوص لبس غير المأكول قلت على فرض القول
بدلالة الحديث على رفع الأثر في الموضوعات المحرمات المضطر إليها وتجويز ارتكابها
نقول التجويز بملاحظة أهمية المطلوب الاخر الذي لو ترك المحرم المفروض لوقع
في مخالفة ذلك الأهم ففي الحقيقة المبغوضية الأولية للمحرم مطلقة وانما جاز ارتكابه
لحفظ ما هو أهم منه ولذا لو كان له مندوحة يجب التشبث بها ولا يجوز له ارتكاب المحرم
فاطلاق مبغوضية المحرم يلجئه إلى التشبث بالمندوحة وهذا معنى الاضطرار فلو فرضنا
ان الاضطرار يكون موضوعا لاثر شرعي آخر مثل جواز الصلاة مع ما اضطر إليه
يترتب عليه.
فان قلت كما أن مبغوضية المحرم مطلقة كك مبغوضية ترك الصلاة مع القيود المعتبرة

78
الاختيارية أيضا مطلقة بناء على عدم جواز تحصيل الاضطرار اختيارا فح كما أن مبغوضية
اللبس المحرم نفسا تلجئ المكلف إلى اللبس الممنوع في الصلاة كذلك مبغوضية
ترك الصلاة المفروضة تلجئه إلى اللبس المحرم فكما ان المضطر إلى اللبس الممنوع
موضوع لاثر شرعي وهو وجوب الاتيان بالصلاة الفاقدة للقيد كك المضطر إلى اللبس
المحرم موضوع لاثر شرعي وهو الجوار فما المرجح لاختيار اللبس الممنوع وضعا قلت
كما أنه لو دار الامر بين ارتكاب المبغوض المطلق والمباح يجب عقلا رفع اضطراره
بالمباح كذلك لو دار الامر بين مخالفتين إحديهما أشد من أخرى يجب رفع اضطراره
بما هو أخف وفيما نحن فيه لو اتى بالصلاة مع اللباس الممنوع في حال الاختيار فهو وان خالف
المطلوب الأولى الواقعي ولكنه اتى ببدله الاضطراري ولو مرتبة ناقصة من المطلوبية بخلاف
ما لو اتى بالصلاة مع اللباس المحرم نفسا كالمغصوب فالصلاة وان وقعت تامة لكنه وقع
في مخالفة حرمة الغصب ولا بدل له ولا شك في أن المخالفة التي لها بدل أخف من الأخرى
التي ليس لها بدل في حد ذاتها نعم لو علم الأهمية في الطرف الذي له بدل يجب اختيار
الاخر وان لم يكن له بدل فتدبر ومن هنا يظهر انه لو كان الثوب منحصرا في المحرم ولم
يكن له ساتر للصلاة غيره يصلى عاريا كما يظهر من كلماتهم أيضا الا ان يعلم أهمية
الصلاة مع الستر لما سلف.
في حكم ما لو اشتبه ساتر القابل بغيره
المسألة السادسة لو اشتبه الساتر القابل بغيره مما يحرم لبسه فهل الترجيح الذي
ذكرنا سابقا جار هنا بان يقال ان اللازم الموافقة القطعية للمحرم النفسي بالاجتناب عن
كليهما والصلاة عاريا بملاحظة ان الأول ليس له بدلا والثاني له بدل اضطراري أو
لا من جهة انه واجد للستر واقعا وان لم يتميز عنده فهو مكلف بالصلاة مع الستر كما أنه
مكلف بترك الغصب والترجيح الذي ذكرنا انما هو من جهة ان الامر بعد أن برئ ان امر
المكلف دائر بين اتيان ما هو مبغوض فعلا من دون ان يكون له بدل وترك ما هو المطلوب
ولكنه له بدل عند الامر فالعقل يرى بنحو الكشف ان الامر لا يجوز في هذا الحال ارتكاب
المبغوض وبعد عدم تجويزه لو كان الثوب منحصرا فيه يضطر إلى صلاة العاري وان كان

79
عنده ثوب مما لا يؤكل لحمه فيكون حاله حال من كان ثوبه منحصرا فيه واما فيما نحن
فيه فالامر دائر بين ان يأتي بما هو مطلوب أولى ويترك المبغوض وبين ان يأتي بالمبغوض
ويأتي بمطلوب واقعي اخر فأي شئ اقتضى ان الامر يجعل البدل الناقص حتى يحصل مخالفة
قطعية للمطلوب الأولى هذا إذا كان الاشتباه بين المحرم النفسي والمحلل وأما إذا كان
بين المحلل والمحرم الوضعيين كالمشتبه بغير المأكول كرر الصلاة حتى يقطع
بوقوعها في المحلل ولو ضاق الوقت بحيث لا يتمكن الامن اتيان صلاة واحدة فان علم أهمية
أحد الامرين يتعين مراعاته والا تخير بينهما فان الصلاة في كل منهما امتثال احتمالي
ومخالفة احتمالية ولو انحصر الثوب فيما منع وضعا كغير المأكول فان علم أهمية الستر
أو المانع يتعين مراعاة الأهم والا يجب الاحتياط بالجمع بين الصلاة عاريا ومع ذلك
اللباس المفروض في سعة الوقت وفى ضيقه يتخير بينهما هذا إذا قلنا بعدم تقييد في الستر
بل يكون هو معتبرا في عرض اعتبار عدم الموانع واما لو قلنا بان الستر المعتبر في
الصلاة مقيد بعدم كونه حراما نفسا ووضعا فاللازم سقوطه فيما يكون اللباس منحصرا
في المحرم النفسي أو الوضعي لعجزه عما اعتبر شرطا للصلاة قطعا فاطلاق دليل المانع
يقتضى الصلاة عاريا.
ولو انحصر الثوب فيما يشك كونه مما يؤكل لحمه أو من الحرير المحض فعلى
ما أسلفناه من البراءة في الشبهات الموضوعية في المانع لا اشكال في صحة الصلاة واما
بناءا على الاحتياط فيمكن القرق بين ما يشك في كونه حريرا وبين ما يشك في كونه
غير مأكول اللحم بالأخذ بالبرائة في الأول حتى على القول بالاحتياط في المسألة بناء
على أن الموضوع في الحرير المانع للصلاة ما يكون محرما فعليا على وجه التنجيز
فلما كان الأصل في المحرم النفسي حتى في الشبهة الموضوعية هو البراءة فلا يكون المشكوك
منه مانعا قطعا واما بناء على كون مانعية الحرير للصلاة في عرض الحرمة النفسية أو
قلنا بأنها مرتبة على الحرمة الواقعية وان لم تكن منجزة فحال المشكوك منه حال
المشكوك من غير المأكول.
وكيف كان فعلى القول بالاحتياط في المسألة هل يجب الاجتناب عن المشكوك

80
المفروض في الصلاة أولا من أن القول بالاحتياط في المسألة انما هو من جهة لزم امتثال
الامر المتعلق بالصلاة بقيودها الواقعية المسلمة وهذا في مورد يكون المكلف قادرا
على الاتيان بها بنحو القطع بالاجتناب عن المشكوك واخذ ساتر من جنس مأكول اللحم
وفيما نحن فيه لو اجتنب عن اللباس المفروض لا يتمكن من اتيان الصلاة الا عريانا ولو
فرضنا القطع بكونه من غير المأكول لا يقتضى القاعدة اسقاط الساتر والصلاة عاريا
الا إذا علم أهمية المانع كما ذكرنا سابقا والحق ان يقال انا نفرض الثوب المشكوك
المنحصر كالمقطوع كونه من غير المأكول فلو كان في سعة الوقت يجمع بين الصلاة
معه وبين الصلاة عاريا وفى ضيق الوقت يتخير والله العالم.
في حكم الصلاة في المكان المغصوب
البحث الرابع في مكان المصلي وفيه مباحث:
الأول لا يعتبر في مكان المصلي الا عدم كونه غصبيا وهو من جهة امتناع ان يكون
الوجود الواحد الشخصي الذي به يعاقب المكلف مقربا من المولى فمن كان تصرفه
في ملك الناس على نحو يعاقب به لا يصح صلوته بناء على عدم كفاية تعدد الجهة سواء كان
الشخص المذكور غاصبا أم غيره ومن لم يكن تصرفه عصيانا فعلا وموجبا لترتب العقاب
صحة صلوته مطلقا سواء كان ممن له ذلك أو مأذونا منه وان كان غاصبا في غير ذلك التصرف
أو كان معذورا عقلا أو شرعا وقد فصلنا ذلك في الأصول ومن أراد فليراجع و ح لو
صلى في مكان غصبي مع كونه معذورا في التصرف فقد صحت صلوته واقعا وان انكشف له
كون المكان الذي صلى فيه مغصوبا ولو صلى في مكان اعتقد كونه مغصوبا فانكشف
انه ملكه فان كان المصلى ممن يعتقد بطلان عمله بسبب اعتقاد انه عمل محرم لا يمكن
ان يصير عبادة فلا اشكال في بطلان عمله واقعا من جهة عدم تمشى قصد القربة منه وأما إذا
لم يعتقد ذلك بان كان ممن يكتفي بتعدد الجهة فهل صلوته محكومة بالبطلان عند
من لا يكتفى بتعدد الجهة أو محكومة بالصحة عنده وجهان: من كون صلوته تامة من جميع
الجهات حتى القربة المعتبرة فيها بأنه لا مانع من حصول القرب بعد ما قصد الامتثال

81
وليس في الفعل جهة المنقصة كما هو المفروض ومن أن الفاعل متجر بهذه الحركات و
التجري وان لم يكن موجبا لقبح الفعل الخارجي الا انه اشكال في أنه قصد السوء وعزم
على المعصية وهما قبيحان عند العقل فكيف يمكن حصول القرب من الفعل الذي
حصل بمثل هذا القصد وفيه انه قصد الطاعة أيضا كما هو المفروض فما المانع من تأثير
قصد الطاعة واتيان ما هو طاعة في الخارج واقعا في حصول القرب ثم انه لا فرق في بطلان
الصلاة بين ان يكون المغصوب العين أو المنفعة بل لو تعلق بالمكان حق آخر لاخر من
قبيل الرهانة أو التحجير فصلى فيه من دون اذن من له الاذن بطلت صلوته فان الملاك في
الكل واحد وهو حرمة التصرفات المتحدة مع الأكوان الصلاتية ولو ثبت حق لواحد
في الأوقات العامة مثل المسجد وأمثاله بالسبق فمنعه اخر من ذلك المكان ثم صلى ذلك
القاهر عليه فيه فهل يحكم ببطلان صلوته أولا بل المتحقق مجرد اثم ولا يضر بحال
عبادته وجهان: مبناهما ان المكان المذكور صار بواسطة السبق حقا للسابق فالمتصرف
فيه متصرف في حق الغير عدوانا فيبطل صلوته وان المكان المذكور كما أنه حق لمن اخذ منه
قهرا كك حق للاخذ.
وبعبارة أخرى المسجد حق لمن يصلى فيه فالقاهر الذي اخذ المكان من غيره يتصرف في حقه
دون حق الناس نعم ما دام السابق متصرفا فيه ليس لأحد مزاحمته ولو زاحمه ودفعه عن
مكانه اثم بذلك ولكن بعد ما صار الحيز فارغا كل أحد يتصرف فيه فهو من أهله سواء كان
هو الدافع الظالم أم غيره والمسألة محل اشكال لابد من النظر فيه.
بقى هنا كلام ينبغي ان يشار إليه وهو ان بطلان الصلاة في المكان المغصوب نسب إلى
اجماع الامامية وعن الشهيد قدس سره في المحكى عن الذكرى انه قال اما المغصوب فتحريم
الصلاة فيه مجمع عليه واما بطلانها فقول الأصحاب رضي الله عنهم وعليه بعض العامة وأيضا نسبة
القول بالبطلان إلى علماء الإمامية رضوان الله عليهم في كتب الأصحاب كثيرة و ح فان علم أنه
ليس في البين الا المسألة العقلية وهي مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي في شئ واحد
ذي جهتين وعدمه فالمجوز يحكم بصحة الصلاة مطلقا والمانع يحكم بالبطلان عند تنجز
تحريم الغصب وبالصحة عند المعذورية كما بينا وجهه في الأصول وأما إذا لم يعلم ذلك

82
فهنا صورتان: إحديهما ان يقال الاجماع المحكى وان كانت حكاية متواترة أو مستفيضة
الا انه لما كان في البين مدرك عقلي يحتمل تمسك المجمعين به فليس بحجة والثانية ان
يقال ان القدر المتيقن منه بطلان الصلاة في المكان المغصوب لدى تنجز تحريم الصلاة فيه
وعلى أي حال احتمال المانعية المطلقة للصلاة موجود غاية الامر ليس الاجماع المحكى
حجة عليها على الأولى أو في غير قدر المتيقن على الثانية والمشكوك الذي ليس له حجة
شرعا يرجح فيه إلى الأصل فمن قال بالبرائة في الأقل والأكثر يحكم بصحة صلوته مع
هذا الشك ومن قال بالاحتياط يلزم عليه مراعاة القيد المشكوك فيه وهو عدم كون
المكان مغصوبا فح يقال لمن يجوز الاجتماع ويحتاط في الأقل والأكثر كيف تدخل في
الصلاة في المكان المغصوب وتحكم بالاجزاء مع احتمال المانعية الواقعية وأيضا يقال
للمانع المصلى في المكان المغصوب معذورا كيف تحكم بصحة الصلاة مع القول بلزوم
الاحتياط في الأقل والأكثر فالفارق من هذا الاشكال القائل بالبرائة في المسألة المفروضة
ثم انك قد عرفت ان الملاك في بطلان الصلاة بواسطة المكان اتحاد الأكوان
الصلاتية مع التصرف المحرم ولا فرق بين غصبية الأرض أو الفراش سواء استقر عليه بلا
واسطة أو مع الوسايط ولو صلى تحت سقف مغصوب لم يبطل صلوته لعدم حرمة الأكوان
المتحققة منه تحت السقف ولو صلى تحت الخيمة المغصوبة فهل يحكم بصحة صلوته
أو البطلان من أنه كمن صلى تحت سقف مغصوب ولم يكن البطلان صلوته موجب بعد كون
الأرض التي يتصرف فيها مباحة ومن ظهور الفرق بينهما بان التصرف في الخيمة عبارة
عن التعيش تحت فيئها بخلاف التصرف في السقف فالدليل الدال على حرمة التصرف في
مال الغير يدل على حرمة الكون تحت الخيمة المغصوبة نعم لو كان بعض أطنابها أو أوتادها
مغصوبا لا يوجب حرمة الكون تحتها كما إذا غصب بعض جدار الدار.
في حكم الصلاة حال الخروج عن المكان المغصوب
ولو ضاق الوقت وهو في مكان مغصوب فان أمكن له مراعاة ما هو شرط مطلقا
كالقبلة من دون استلزام غصب زائد صلى حال الخروج مراعيا لما ذكر والظاهر عدم

83
الاشكال في صحة الصلاة خصوصا إذا كان الخروج عن ندم وتوبة فان منشأ توهم الاشكال
من جهتين إحديهما عدم الاستقرار له حال الصلاة والثانية وهي العمدة مبغوضية الكون
المذكور وانه معاقب عليه فلا يكون مقربا والجواب عن الأول واضح فان الاستقرار مما
يسقطه الاضطرار.
وعن الثاني بالنقض أولا بما إذا ورد في دار مغصوبة ولم يتمكن من الخروج إلى
آخر عمره فهذا القائل لابد وان يلتزم بسقوط تكليف الصلاة عنه لعدم قدرته على اتيانها
وهذا مما لا أظن أن يلتزم به أحد وبالحل ثانيا وهو ان الحركة الخروجية وان كانت
مبغوضة حين الوقوع ولكن هذا البغض لما لم يكن منشئا للأثر فلا ينافي إرادة ايجادها
على نحو خاص إذا كانت الخصوصية مشتملة على غرض آخر للمولى مثلا لو فرضنا ان المولى
نهى عبده عن مطلق الكون في المكان الفلاني فأوقع نفسه في ذلك بسوء اختياره ثم لم
يمكنه الخروج من ذلك المكان ابدا فلا شك في أن الأكوان الصادرة من العبد كلها
مبغوضة للمولى ويستحق عليها العقاب وان سقط عنها النهى لعدم تمكن العبد من الترك
فعلا ثم لو فرضنا ان خياطة الثوب مطلوبة للمولى من حيث هي فهل تجد من نفسك ان تقول
لا يمكن للمولى ان يأمره بخياطة الثوب في ذلك المكان لان أنحاء التصرفات والأكوان
المتحققة في ذلك المكان مبغوضة له ومنها الخياطة فلا يمكن ان يتعلق ارادته بما يبغضه
وهل ترضى ان تقول ان المولى بعد عدم وصوله إلى الغرض الذي كان له في ترك الكون في
ذلك المكان يرفع يده من الغرض الاخر من دون وجود مزاحم أصلا وبالجملة لا ينبغي
ان يشتبه هذا على أحد وان صدر خلافه عن بعض الأساطين قدس سره هذا إذا كان دخوله في
الدار على وجه الغصب والعصيان واما لو دخل باذن صاحبه ثم نهاه عن البقاء فلا اشكال في
صحة الصلاة النافلة منه إذا صلاها مشتغلا بالخروج مطلقا والفريضة أيضا إذا ضاق الوقت ولم
يتمكن من اتيانها في غير ذلك المكان مستقرا هذا لو كان نهيه عن البقاء قبل
تلبسه بالصلاة ولو نهاه عنه بعد تلبسه بالصلاة وقد اذن له فيها اما بالخصوص أو في ضمن
ما يشملها فهل يتم صلوته مستقرا ولا يلتفت إلى نهيه أو يرفع اليد عن الصلاة ويأتي بها
خارج الدار لو كان الوقت متسعا وفى حال الخروج ان ضاق أو يأتي بها في حال الخروج

84
مطلقا وان اتسع الوقت وجوه: مبناها ملاحظة حرمة الابطال ولزوم الاستقرار في الصلاة
وحرمة التصرف في مال الغير مع عدم رضاه ولو منعنا حرمة ابطال العمل فلا اشكال في
لزوم رفع اليد عنه في سعة الوقت كما أنه لو قلنا بحرمة الابطال في الجملة ولكن المتيقن
من ذلك فيما إذا تمكن من اتمام العمل بشرائطه بحسب حاله والمفروض انه في سعة
الوقت ومقتضى شرطية الاستقرار وحرمة الغصب عدم التمكن من اتمام العمل فيجب قطعه
والآتيان به مستقرا في محل آخر ويبقى الاشكال فيما إذا ضاق الوقت فان رجحنا جانب.
حرمة التصرف في مال الناس يجب عليه اتمام الصلاة حال الخروج وان رجحنا جانب لزوم
الاستقرار في الصلاة يجب اتمامها مستقرا والمسألة محل اشكال كما استشكله شيخنا المرتضى
قدس سره في حاشية نجاة العباد ولكن مقتضى ما أسلفناه سابقا ترك المبغوض المطلق و
الاتيان بما هو بدل عن المطلوب الواقعي الأصلي فيتعين ان يصلى في حال الخروج
ولا فرق فيما ذكرنا من الاشكال بين ما اذن له في الصلاة اطلاقا أو خصوصا أو دخل فيها
باعتقاد انه مأذون فيها لصحة ما مضى من صلوته مع المعذورية في التصرف وبعد الدخول
في الصلاة والالتفات إلى نهى المالك يأتي الوجوه المتقدمة كما لا يخفى.
في حكم صلاة الرجل مع محاذاة المرأة المصلية أو تقدمها
البحث الثاني هل يجوز ان يصلى الرجل والى جنبه امرأة تصلى أو امامه مطلقا أو لا
يجوز الا مع وجود حائل بينهما أو البعد بمقدار عشرة أذرع قولان منشأهما اختلاف الاخبار.
حجة القائلين بالمنع روايات منها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سئلته
عن امرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا قال عليه السلام لا ولكن يصلى الرجل فإذا
فرغ صلت المرأة ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الرجل والمرأة
يصليان جميعا في المحمل قال عليه السلام لا ولكن يصلى الرجل وتصلى المرأة بعده وصحيحة
إدريس بن عبد الله القمي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلى وبحياله امرأة قائمة
على فراشها أجنبية فقال عليه السلام ان كانت قاعدة فلا يضرك وان كانت تصلى فلا وصحيحة ابن أبي
يعفور قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اصلى والمرأة إلى جنبي وهي تصلى فقال عليه السلام

85
لا الا ان تتقدم هي أو أنت ولا باس ان تصلى وهي بحذاك جالسة أو قائمة بناء على كون
المراد بالتقدم ان يصلى أحدهما أولا ثم يصلى الاخر لا التقدم في المكان بشهادة
الروايات المتقدمة وموثقة عمار عن الصادق عليه السلام انه سئل عن الرجل يستقيم له ان يصلى
وبين يديه امرة تصلى قال عليه السلام لا يصلى حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع
وان كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك وان كانت تصلى خلفه فلا باس
وان كانت تصيب ثوبه وان كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا باس حيث
كانت والتعبير بأكثر من عشرة أذرع لعله من جهة ان العلم بحصول الفصل بهذا المقدار
يتوقف عادة على تحقق الأكثر بشهادة بعض الاخبار الاخر الدالة على كفاية العشرة
وصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن امام كان في الظهر
فقامت امرأة بحياله تصلى وهي تحسب انها العصر هل يفسد ذلك على القوم وما حال
المرأة في صلوتها معهم وقد كانت صلت الظهر قال عليه السلام لا يفسد ذلك على القوم وتعيد
المرأة صلوتها بناء على أن وجه الإعادة لها وقوفها بحيال الرجل إذا احتمال ان يكون
اقتداء العصر بالظهر أو اشتراط تأخرها عن الامام في صحة الاقتداء وان كان لا يأبى عنه
جواب الإمام عليه السلام لكن يظهر من كلام السائل ان نظره إلى وقوف المرأة
بحيال الرجل إذ جلالته تأبى ان يكون غير ذلك مما ذكر منشئا لتوهم فساد صلاة
القوم كما لا يخفى.
وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة تصلى عند الرجل قال عليه السلام
إذا كان بينهما حاجز فلا باس لكن ليس في الصحيحة تصريح بكون الرجل مصليا ولعله
أريد بها مطلق صلاة المرأة عند الرجل ويكون النهى تنزيهيا وصحيحة الحلبي عن
الصادق عليه السلام قال سئلته عن الرجل يصلى في زاوية الحجرة وابنته أو امرأته تصلى
بحذائه في الزاوية الأخرى قال عليه السلام لا ينبغي ذلك الا ان يكون بينهما ستر فان كان
بينهما ستر أجزأ ونحوها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام الا ان المذكور
فيها فان كان بينهما شبر (بالشين المعجمة والباء الموحدة) وصحيحة زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام قال عليه السلام إذا كان بينها وبينه قدر ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فلا

86
باس وصحيحة معوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن الرجل والمرأة يصليان
في بيت واحد فقال عليه السلام ان كان بينهما قدر شبر صلت بحذائه وحدها وهو وحده
ولا بأس وخبر أبي بصير قال سئلته عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد المرأة عن
يمين الرجل بحذاه قال عليه السلام لا الا ان يكون بينهما شبر أو ذراع ثم قال عليه السلام كان طول
رحل رسول الله صلى الله عليه وآله ذراعا وكان صلى الله عليه وآله وسلم يضعه بين يديه إذا صلى يستره ممن يمر بين يديه
ومرسلة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلى والمرأة بحذائه أو إلى جانبه
فقال عليه السلام إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس بناء على كون المراد محاذاة موضع
سجودها لموضع ركوعه وبهذا المضمون مرسلة ابن فضال عن جميل عن أبي عبد الله
عليه السلام ولو حمل الأخبار الدالة على كفاية الفصل بالشبر والذراع وما لا يتخطى على
ما كان حاجب بينهما بهذا المقدار لكان المحصل من مجموع الاخبار الباب انه لا يجوزان
يصليا معا الا ان يتقدم الرجل عليهما ولو بصدره أو يكون الفصل بينهما بمقدار عشرة
أذرع أو يكون حاجب بينهما بمقدار طول شبر أو أزيد ويشهد لذلك قوله عليه السلام في خبر أبي
بصير كان طول رحل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذراعا إذ يستفاد من ذلك أنه يكفي في الحاجز المعتبر
في هذا الباب مثل ما يكفي حاجزا عمن يمر بين يدي المصلى هذا ولكن الاكتفاء بهذا المقدار
من الحاجب في رفع المنع لا يساعد عليه كلماتهم.
في ذكر اخبار الجواز وترجيحها على ما يعارضها
وكيف كان بإزاء هذه الأخبار الدالة على الجواز صريحا منها صحيحة جميل
عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا باس ان تصلى المرأة بحذاء الرجل وهو يصلى فان النبي صلى الله
عليه وآله كان يصلى وعايشة مضطجعة بين يديه وهي حائض وكان صلى الله عليه وآله إذا أراد ان يسجد
غمز رجلها فرفعت رجلها حتى يسجد ومنها خبر ابن فضال عمن اخبره عن جميل بن
دراج عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلى والمرأة تصلى بحذاه فقال عليه السلام
لا باس والخدشة في الصحيحة باشتمالها على علة غير مناسبة لا وجه لها فان عدم فهم
المناسبة لا يوجب رفع اليد عن صدر الرواية الناص بعدم الباس عن صلاة المرأة بإزاء
الرجل مع امكان ان يقال وجه توهم المنع في أذهان السائلين كونها شاغلة لقلب

87
الرجل فيكون وجه استشهاد الإمام عليه السلام انه لو كان هذا مقتضيا للمنع لما صلى رسول الله
صلى الله عليه وآله في تلك الحالة ومنها صحيحة الفضيل المروية عن العلل عن أبي جعفر قال عليه السلام
انما سميت مكة بكة لأنه تبك فيها الرجال والنساء والمرأة تصلى بين يديك و
عن يمينك وعن يسارك ومعك ولا باس بذلك وانما يكره في سائر البلدان ولا
يخفى ان الاستدلال بهذه الرواية مبنى على ظهور قوله عليه السلام وانما
يكره الخ في الكراهة المصطلحة أو دعوى عدم الفرق بين مكة و
غيرها في الجواز والحرمة ومنها خبر عيسى بن عبد الله القمي (1) سأل الصادق
عليه السلام عن امرأة صلت مع الرجال وخلفها صفوف وقدامها صفوف قال عليه السلام مضت صلوتها
ولم تفسد على أحد ولا تعيد ثم إن مقتضى الجمع بين هذا الاخبار وما تقدم هو حمل ما تقدم
على الكراهة واما تقييد هذه بصورة وجود الحائل أو البعد ففيه ان التصرف في هيئة
المقيد أهون من التصرف في مادة المطلق الوارد في مقام البيان ثم لا يخفى انه على تقدير المنع
لو صليا معا وكل منهما بحذاء الاخر فالمنع راجع إلى كلتا الصلاتين وان تأخر أحدهما عن
الاخر فالنهي راجع إلى المتأخر كما سيأتي انشاء الله تعالى ففي الأول تبطل الصلاتان وفى
الثاني تبطل صلاة المتأخر فلو دخلا في الصلاة معا باحداث ستر بينهما ثم ارتفع بين الصلاة
تبطل الصلاتان لأنه بعد ارتفاع الستر يكون المورد من مصاديق صلاة المرأة بحذاء
الرجل وبالعكس من دون حائل ولو تأخر أحدهما من الاخر ودخل في الصلاة بعد
احداث الستر صحت صلوته ما دام الستر موجودا فإذا ارتفع بطلب صلاة المتأخر فان
صلاة المتقدم ليس لها شرط وانما يكون على المتأخر ان لا يصلى بحذاء الاخر الا مع
الحائل مثلا.
في تنبيهات المسألة
وينبغي التنبيه على أمور أحدها انه على تقدير المنع هل تبطل صلاة الرجل والمرأة



(1) لما أظفر بهذا الخبر بعد المراجعة إلى مظانه من كتب الاخبار وانما نقلناه من بعض الكتب
الفقهية لبعض الأجلة قدس اسرارهم منه رحمه الله.
88
معا مطلقا أو في صورة الاقتران والا تبطل اللاحقة فقط قد يقال ان مقتضى القاعدة الأول
فان الأخبار الناهية دلت على اشتراط صلاة كل منهما فصار الشرط في صحة صلاة الرجل
ان لا يكون واقفا بحذاء المرأة المصلية وكذا الحال في صلاة المرأة لكن الانصاف ان الاخبار
ظاهرة في المنع عن صلاة من يتحقق به المحاذاة أعني من تكون المحاذاة مستندة إليه
ومحققة بفعله فح لو اقترنا فهما سواء في تحقق المحاذاة بهما ولو كان أحدهما لاحقا
فالمحاذاة جاءت من فعله والممنوع بمقتضى ظواهر الاخبار صلوته دون من لم
يكن كذلك.
وقد يتوهم ان اللاحقة لا تبطل السابقة لبطلانها والصلاة التي تبطل بسببها الصلاة
الأخرى هي الصلاة الصحيحة بخلاف السابقة فإنها صحيحة حين انعقاد الثانية فالمصلى اللاحق
صلى بحذاء المصلى السابق الذي تكون صلوته صحيحة فيشمله النواهي بخلاف
المصلى السابق فإنه لم ينعقد بحذائه صلاة صحيحة حتى يشمله النهى وفيه انه لو سلم
ظهور النواهي في مانعية المحاذاة مطلقا سواء حصلت من أول العمل أو آخره فلابد من
تقييد صحة صلاة كل منهما من غير جهة المحاذاة والا لم يتحقق موضوع النهى لا
بالنسبة إلى السابق ولا بالنسبة إلى اللاحق ضرورة ان المحاذاة التي تكون مانعة للصلاة
محققة في حق كل منهما غاية الامر لأحدهما في أول العمل وللآخر في الأثناء ومع عدم
شمول النهى تكون كل من الصلاتين صحيحة ويلزم من صحة كل منهما فساد وهو ظاهر
لا يخفى فالمراد من الصحة التي نقول بها في المقام ونقيد بها الصلاة هي الصحة من غير
جهة المحاذاة وهي حاصلة لكل من السابقة واللاحقة والمقارنة فالعمدة في اختصاص
اللاحقة بالبطلان ما ذكرنا هذا.
الامر الثاني لو جعلنا المقام من قبيل النهى في العبادة فالبطلان مختص بصورة
عدم معذورية المكلف في ارتكاب المحرم واما في صورة المعذورية اما للنسيان أو الجهل
فالعبادة محكومة بالصحة كما حقق ذلك في الأصول ولكن الظاهر أن أمثال هذه النواهي
ليست بنواهي نفسية بل هي واردة لبيان قيد العمل فهذه نواهي ارشادية مبنية لاشتراط
الصلاة هكذا فح مقتضى اطلاقها عدم اختصاص مانعية المحاذاة بصورة العمد بل تعم

89
تمام الحالات وان لم يكن التكليف منجرا في بعض الصور كاشتراط الاستقبال والطهارة فلو
صلى ثم التفت بعد الفراغ انه كان محاذيا لامرأة مصلية كانت صلوته باطلة بمقتضى اطلاق
الأدلة لكن هنا قاعدة ثانوية يحكم من جهتها بالصحة في حال نسيان الموضوع وهي
القاعدة المستفادة من قولهم عليهم السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسه وهي حاكمة على الأدلة
الأولية واما في حال نسيان الحكم أو الجهل بالموضوع أو الحكم فهي وان كانت بعمومها
شاملة لكن الأصحاب رضي الله عنهم ما تمسكوا بها ولا يبعد دعوى شمولها للجهل بالموضوع
أيضا فليتدبر جيدا.
الامر الثالث لو شك في أنه هل تصلى بحذاه امرأة فمقتضى الأصل عدمه
وكذا لو شك في أن المصلى الواقف بحذاه هل هو رجل أو امرأة فالأصل عدم تحقق
المحاذاة مع المرأة المصلية ولا يعارضه أصالة عدم تحقق المحاذاة مع الرجل المصلى
فان هذا الأصل لا يجرى لعدم الأثر الشرعي لهذه المحاذاة كما لا يخفى هذا ان اعتبر
عدم المحاذاة قيدا للمصلى كما هو الظاهر واما لو جعل قيدا للصلاة فلا يحرز بالأصل كما
لا يخفى ولو قطع بوقوفه بحذاء امرأة مصلية ولكن شك في تقدمه عليها أو تقدمها عليه
فلو جعلنا منشأ بطلان صلوته صحة صلاة من وقف بحذاه فمقتضى أصالة صحة صلاة المرأة
الواقفة بحذاه بطلان صلوته ولا يعارضها أصالة صحة صلوته لأن الشك فيها مسبب عن
الشك في صحة صلاة المرأة المفروضة هذا لو احتملنا كونها ملتفتة حين العمل واما لو
قطعنا بغفلتها حينه فلا يجرى أصالة الصحة في عملها فتكون صلاة الرجل محكومة
بالصحة بمقتضى أصالة عدم تحقق المانع هذا لو قلنا بان وجه بطلان عمل المتأخر وقوعه
بحذاء من يعمل العمل الصحيح واما لو قلنا بان الوجه ان المتأخر محقق للتحاذي دون
المتقدم ففي صورة الشك مقتضى الأصل صحة العمل مطلقا كما لا يخفى.
في اعتبار طهارة مسجد الجبهة وعدمه في غيره من
مكان المصلي
المبحث الثالث في خصوص مسجد الجبهة من مكان المصلي والكلام فيه في طي

90
مقامات الأول: يشترط فيه الطهارة دون ما عداه بما يصلى عليه وهذا يتضمن دعويين إحديهما
اعتبار الطهارة في خصوص مسجد الجبهة والثانية عدم اعتبارها فيما عداه مما يصلى
عليه اما الأولى فقد ادعى عليها الاجماع فان تم فهو الحجة والا يمكن المناقشة فيها
لعدم الظفر بدليلها بل مقتضى اطلاقات الأدلة خلافها نعم يمكن ان يستفاد من صحيحة
ابن محبوب عن الرضا عليه السلام انه كتب إليه يسئله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام
الموتى فيجصص به المسجد أيسجد عليه فكتب عليه السلام إليه ان الماء والنار قد طهراه ان عدم
جواز السجدة على النجس امر مفروغ عنه واما الثانية فيدل عليها اخبار كثيرة:
منها صحيحة على بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام انه سئله عن البيت والدار
لا يصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما من الجنابة أيصلى فيهما إذا جفا قال
عليه السلام نعم وصحيحته الأخرى عن البواري يصيبها البول هل يصح الصلاة عليها إذا جفتا من
غير أن تغسل قال عليه السلام نعم لا بأس وصحيحته الأخرى أيضا قال سألته عليه السلام عن البواري يبل
قصبها بماء قذرا يصلى عليها قال عليه السلام إذا يبست فلا بأس وموثقة عمار قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل يجوز الصلاة عليها فقال عليه السلام إذا جفت
فلا باس بالصلاة عليها وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الشاذكونة
عليها جنابة أيصلى عليها في المحمل قال عليه السلام لا باس وخبر ابن أبي عمير قال قلت لأبي
عبد الله عليه السلام اصلى على الشاذ كونه وقد اصابتها الجنابة قال عليه السلام لا باس وبإزاء هذه الأخبار
موثقة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام في الشاذ كونه يصيبها الاحتلام أيصلى عليها
قال عليه السلام لا وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الموضع القذر يكون في
البيت وغيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر قال عليه السلام لا يصلى عليه و
اعلم موضعه حتى تغسله وعن الشمس هل تطهر الأرض قال عليه السلام إذا كان الموضع قذرا
من البول أو غير ذلك فاصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة و
ان اصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطبا فلا تجوز الصلاة حتى ييبس وان
كان رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع
القذر فلا تصل على ذلك الموضع حتى ييبس وان كان غير الشمس اصابه حتى ييبس

91
فإنه لا يجوز ذلك وخبر زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن البول يكون على السطح
أو في المكان الذي يصلى فيه فقال عليه السلام إذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر وفى
خبر آخر سأل زرارة وحديد بن الحكم أبا عبد الله عليه السلام السطح يصيبه البول أو يبال عليه
يصلى في ذلك المكان؟ فقال عليه السلام ان كان تصيبه الشمس والريح وكان جافا فلا باس
به الا ان يكون يتخذ مبالا هذا ولكنه لابد من حمل هذه الأخبار المانعة عن الصلاة
على الموضع النجس مطلقا على الكراهة أو على خصوص موضع الجبهة والأول أولى
كما لا يخفى جمعا بينها وبين الأخبار المتقدمة الصريحة في الجواز.
ثم انه لابد من اشتراط عدم كون النجاسة مسربة كما يدل عليه بعض الأخبار المتقدمة
وخلو البعض الاخر عن هذا التقييد انما هو من جهة انه مسوق لبيان حكم
الموضع فلا اطلاق له حتى ينافي أدلة اعتبار الطهارة في البدن واللباس وبعبارة أخرى
لو لم تكن في هذه الأخبار التقييد باليبوسة والجفاف أيضا لما جاز لنا الاخذ باطلاقها و
الحكم بعدم مانعية نجاسة الموضع حتى إذا أصاب الثوب أو البدن فان هذه الأخبار
في مقام بيان عدم اعتبار طهارة موضع المصلى ولا تدل على سقوط اشتراط طهارة لباس المصلي
أو بدنه ومن هنا يظهر ان ذكر القيد في بعض الاخبار لمجرد تنبيه المخاطب
على مراعاة طهارة الثوب والبدن لا لإفادة امر آخر.
وقد يتوهم دلالة الاخبار على اعتبار القيد المذكور في المكان فيكون مفادها ان نجاسة
الموضع لا باس بها بشرط الجفاف فلو كان رطبا لا يجوز الصلاة عليه لا من جهة استلزام
الرطوبة فقدان طهارة الثوب أو البدن وتظهر ثمرة هذا القول في مقامين أحدهما ان
هذا القائل لا يلتزم بتقييد الرطوبة بكونها مسرية بل يأخذ باطلاق الدليل ويحكم
بأنه متى وجد في الموضع رطوبة وان لم تكن مسربة لا يجوز الصلاة عليه.
والثاني انه لا يلتزم أيضا بتقييد النجاسة بكونها غير معفو عنها لما ذكرنا من
الوجه هذا ولكن أصل التوهم فاسد من وجهين: أحدهما انه لما كان اعتبار الطهارة في
الثوب والبدن مرتكزا في الأذهان يفهم من العبارة ان ذكر هذا القيد انما هو
لمجرد التنبيه على اعتبار طهارة الثوب والبدن والثاني ان القيد الصالح لكلا

92
الامرين وان لم ندع ظهوره فيما قلنا لا يكون ظاهرا في إفادة امر زائد فيرجع إلى
الشك في اعتبار امر زائد وقد فرغنا في الأصول انه مجرى للبرائة.
في فروع المقام
بقى هنا أمور مرتبطة بالمقام أحدها انه هل يعتبر طهارة تمام موضع الجبهة أو يكفي طهارة
مقدار يتحقق به السجدة من عدم دليل لفظي في المقام والمتيقن من الاجماع طهارة موضع
الجبهة في الجملة فتأخذ بالمتيقن ومن أن ظاهر كلمات المجمعين اعتبارها في تمام ما يقع
عليه الجبهة كما لا يخفى فان استكشف من اتفاقهم ان المضمون مأخوذ من الإمام عليه السلام
وان كان التعبير منهم فحال الكلام الصادر منهم حال متون الروايات الا ان الشأن في
العلم بذلك ويمكن ان يقال ان حقيقة السجدة لما كانت من الأمور المتحصلة بالقصد فلو
وضع جبهته على ارض يكون بعضها طاهرا وبعضها نجسا بقصد السجود على الجزء
الطاهر يصدق انه سجد على ارض طاهرة ويصدق ان محل سجوده كان طاهرا واما مماسة
جبهته للمحل النجس فليست داخلة في السجود فهو مثل من وضع جبهته على ما يصح
السجود عليه ووقع مقدار آخر منها على غيره.
وكيف كان فطريق الاحتياط في المسألة معلوم كما أن الأصل فيها معلوم الثاني
ان المشتبه بالنجس بالشرائط المقررة في محلها حكمه حكم النجس بالتفصيل فكما
انه لا يجوز السجود على الأرض النجسة كذلك لا يجوز على الأرض المشتبهة وهو واضح
الثالث لو لم يتمكن من تحصيل الأرض الطاهرة فالظاهر سقوط شرطية الطهارة فان
طهارة الأرض لا يخلو اما ان تكون شرطا للصلاة واما تكون شرطا للسجدة وعلى الأول
لو بقيت على شرطيتها حال عدم التمكن لزم سقوط الصلاة وهو مقطوع البطلان و
على الثاني لما كان المثبت لهذا الشرط الاجماع فالمتيقن منه حال التمكن واما حال
عدمه فمقتضى اطلاق دليل جزئية السجدة ان يؤتى بها وان لم يكن موضع الجبهة طاهرا
ومع الاغماض عن ذلك وفرض الاطلاق لدليل اشتراط طهارة الموضع وتقييد دليل
السجدة مطلقا وان كان مقتضاه سقوط السجدة ولكن قاعدة الميسور تدل على عدم سقوط

93
المقيد بمجرد عدم التمكن من قيده إذا كان الفاقد عند العرف ميسورا للواجد كما
فيما نحن فيه وعلى أي حال لا اشكال في تعين السجدة على الموضع النجس والله العالم.
فيما يصح السجود عليه اختيارا
المقام الثاني يعتبر في مسجد الجبهة عند الاختيار ان يكون أرضا أو نباتا أو
قرطاسا ولا يصح على ما عداها ويستثنى من الثاني ما يكون ماكولا أو ملبوسا فهيهنا
أمورا أحدها جواز السجود على الأرض مطلقا والثاني جوازه على نبات الأرض الا المأكول
والملبوس والثالث جوازه على الكاغذ والرابع عدم جوازه على ما سوى ذلك
اختيارا اما الدليل على الأولين فصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال
له أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز قال عليه السلام السجود لا يجوز الا على الأرض
أو على ما أنبتت الأرض الا ما اكل ولبس وهذه الرواية رواها الشيخ ره والصدوق ره الا ان
الثاني زاد فيها فقال جعلت فداك ما العلة في ذلك قال عليه السلام لان السجود خضوع لله عز وجل
فلا ينبغي ان يكون على ما يؤكل ويلبس لان أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في
سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين
اغتروا بغرورها الحديث وما روى الشيخ باسناده عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام انه
قال السجود على ما أنبتت الأرض الا ما اكل ولبس وفى الخصال باسناد عن الأعمش عن جعفر بن
محمد في حديث شرائع الدين قال عليه السلام لا يسجد الا على الأرض أو ما أنبتت الأرض الا المأكول
والقطن والكتان وذكر القطن والكتان في الاستثناء الظاهر أنه من جهة انحصار الملبوس
من نبات الأرض فيهما غالبا فلا ينافي الأخبار الدالة على عدم جواز السجدة على
مطلق الملبوس من البنات.
ثم اعلم أن كلما يصدق عليه الأرض عرفا يصح السجود عليه بمقتضى هذه الأخبار و
ان كان يطلق عليه المعدن أيضا لان المعدن ليس مستثنى من الأرض في هذا الباب وانما منع
من منع السجدة عليه من جهة خروجه عن اسم الأرض عرفا فعلى هذا لا يهمنا تحقيق مفهوم
المعدن في هذا الباب لعدم اثر له وانما المهم تحقيق معنى الأرض وتشخيص مصاديقها و

94
المعيار هو العرف ومتى شك في شئ انه الأرض أولا فالرجوع إلى الأصل العملي وهو
الاحتياط هنا وان قلنا بالبرائة في الأقل والأكثر لان المعيار في الرجوع إلى البراءة في
دوران الامر بين الأقل والأكثر ان يكون هناك متيقن ويرجع الشك إلى امر زائد وليس
ما نحن فيه من هذا القبيل لان السجدة على الأرض مطلوبة قطعا وليس المشكوك أمرا
وراء ذلك حتى يدفع بالأصل انما الشك في حصول هذا المعنى فالشك هنا في المحصل و
المرجع الاحتياط يقينا.
نعم لا باس باستصحاب جواز السجود لو كان الموضوع العرفي موجودا ولو شك
في بقاء الموضوع العرفي فلا يمكن استصحاب الحكم لعدم احراز الموضوع ولا استصحاب
الموضوع لأن المفروض عدم الشك في بقاء امر خارجي بل الشك في مفهوم لفظ الأرض
فافهم والمقصود من الأرض ما يعم اجزائها المنفصلة مع بقائها على حقيقتها وان لم يصدق
عليها الأرض عرفا من جهة الانفصال ويدل على ذلك التزام مولينا الصادق عليه السلام بالسجدة
على تربة أبى عبد الله روحي فداه واخبار جعل الخمرة والحصى على الطنفسة من جهة السجود
نعم لو خرجت عن حقيقتها لا يجوز السجود عليها سواء كانت متصلة أم منفصلة فمثل الزجاج
والذهب والفضة ونحوها خارج عن حقيقة الأرض عرفا وان كان منها قبل الخروج واما
الجص والنورة والخزف والاجر فهي وان استشكل فيها بعض هنا وفى مبحث التيمم الا
ان الظاهر عدم خروجها عن حقيقة الأرض عرفا كما أن اللحم المشوي لا يخرج عن
حقيقة اللحم بواسطة الشئ هذا مضافا إلى صحيحة حسن بن محبوب في خصوص الجص قال
سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد
أيسجد عليه فكتب عليه السلام إلى بخطه ان الماء والنار قد طهراه وهذه الصحيحة تدل على جواز
السجود على الجص من وجهين أحدهما ان السائل زعم أن المانع للسجود ليس الا النجاسة
فقرره الإمام عليه السلام على ذلك والثاني جوابه عليه السلام بما يفيد جواز السجود لأنه عليه السلام نفى ما
كان مانعا بنظر السائل نعم يبقى في الرواية اشكال آخر وهو ان الماء والنار ليسا مطهرين
للجص قطعا والمناسب لجواب السائل ان يقال ان الجص لا يتنجس بمجرد ايقاد العذرة و
عظام الموتى تحته ويمكن ان يكون المراد من هذه العبارة تفهيم السائل عدم التنجس

95
ببيان أبلغ وحاصله ان الماء والنار شأنهما التطهير فكيف يكونان منشئا لتنجس
الشئ وكيف كان ظهور الرواية في جواز السجود على الجص مما لا ينكر واما الساروج
فالظاهر عدم جواز السجود عليه لاشتماله على الرماد وهو ليس بأرض ولا من نباتها وان
كان خارجا منه وليست اجزاؤه الأرضية ممتازة فيه بحيث يصدق انه سجد على الأرض
ولخبر عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال عليه السلام لا يسجد على الفقر ولا على
القير ولا على الساروج.
واما الزجاج فلا شبهة في انقلابه عن الحقيقة الأرضية عرفا ومقتضى القاعدة عدم
جواز السجود عليه واستدل على ذلك أيضا بصحيحة محمد بن الحسين قال إن بعض أصحابنا
كتب إلى أبى الحسن الماضي عليه السلام يسئله عن الصلاة على الزجاج قال فلما نفذ كتابي إليه
تفكرت وقلت هو مما أنبتت الأرض وما كان لي ان اسأل عنه قال فكتب عليه السلام إلي لا تصل
على الزجاج وان حدثتك نفسك انه مما أنبتت الأرض ولكنه من الملح والرمل وهما
ممسوخان وهذه الصحيحة وان دلت بظاهرها على المنع من السجدة على الزجاج ولكن
فيها اشكال من بعض الجهات إحداها تخيل السائل انه مما أنبتت الأرض وتقرير الإمام عليه السلام
إياه وليس من سنخ نبات الأرض والثانية انه عليه السلام بين ان جهة المنع كونه من الملح والرمل
ومقتضى ذلك عدم جواز السجدة على الرمل أيضا والثالثة كون الملح والرمل ممسوخين
فلو كان المراد من المسخ هنا الخروج عن الصورة الأرضية فهو صحيح في الملح ولا يصح
في الرمل ويمكن ان يكون قوله عليه السلام ولكنه من الملح والرمل بيانا لردع السائل حيث
زعم أنه مما أنبتت الأرض والمعنى انه وان حدثتك نفسك انه مما أنبتت الأرض ولكنه
ليس كك لأنه من الملح والرمل فيتوهم اشكال آخر وهو انه وان لم يكن مما أنبتت الأرض
ولكنه من اجزاء الأرض فينبغي جواز السجود عليه وقوله عليه السلام وهما منسوخان جواب
لهذا الاشكال المتوهم وحاصله ان الملح والرمل ليسا باقيين على الصورة الأرضية اما الملح
فواضح واما الرمل فبعد ما صار زجاجا انقلبت حقيقته الأصلية والله تعالى هو العالم.
واما القير فلا ينبغي التأمل أيضا في عدم كونه من مصاديق الأرض عرفا ومقتضى عدم
جواز السجود على ما عدا الأرض وما أنبتته والقرطاس عدم جواز السجود عليه لأنه ليس من

96
أحدها ولكن مقتضى بعض الصحاح جواز السجود عليه بل يظهر من بعضها دخوله فيما أنبتت
الأرض ولكنه معارض ببعض الصحاح الاخر الظاهر في المنع فلابد من أحد أمرين اما حمل
النهى على الكراهة واما حمل الأخبار الدالة على الجواز على الضرورة أو التقية كما هو
المحكى عن الشيخ واستجوده بعض الأعاظم قدس سرهم وفيه انه لا يلائم ما ورد في بعض الصحاح
من أنه من نبات الأرض فان مقتضاه جواز السجود عليه اختيارا والانصاف انه لو قيل
بالجواز وحمل النهى على الكراهة لكان حسنا ان لم ينعقد الاجماع على خلافه كما
افاده في المدارك.
واما النبات فلا يجوز السجود على المأكول والملبوس منه كما يدل عليه الأخبار المتقدمة
والمراد من المأكول ما أعد للاكل بحسب العادة لاما قد يتفق اكله بل ولو
صار شئ ماكولا عاديا لشخص من دون ان يكون من المأكولات العادية فالظاهر جواز
السجود عليه حتى لذلك الشخص لعدم شمول الاستثناء فيبقى داخلا في عموم المستثنى
منه نعم لو كان ماكولا عاديا لصنف من الناس أمكن ان يقال بشمول دليل المنع فلا يجوز
السجود عليه مطلقا حتى لمن ليس معتادا بأكله ولا باس بالسجود على ما يؤكل في المخمصة
واما العقاقير التي شاع استعمالها في حال المرض ففي جواز السجود عليها اشكال ثم انه
ليس المراد من المأكول خصوص ما يكون قابلا للاكل فعلا كالخبز والحبوب
المطبوخة بل يعم ذلك بما يصلح للاكل بواسطة العلاج كالحنطة والشعير ونحوهما
لأنهما من المأكول عرفا بل يصدق المأكول على الحنطة المكتسية لقشرها الاعلى
وعلى مجموع اللوز والجوز وان لم يؤكل الا لبهما فلا يجوز السجود على قشرهما
حين الاتصال ولو انفصل منهما فهل يصح السجود عليه فيه وجهان من استصحاب المنع و
من أن جهة المنع في حال الاتصال كون المجموع من مصاديق المأكول عرفا فإذا استقل
خرج عن صدق المأكول فيكون من مصاديق المستثنى منه ومنه يعرف عدم صحة التمسك
باستصحاب المنع.

97
في استثناء المأكول من النبات
ثم انك عرفت في بعض الأخبار المتقدمة استثناء المأكول من نبات الأرض
وفى بعض الاخبار استثناء الثمرة وبينهما عموم من وجه فان بعض اقسام الثمرة كالحنظل
وثمرة الشوك ونحو ذلك لا يصدق عليه المأكول وبعض اقسام المأكول من النباتات لا
يصدق عليه الثمرة كالخس وأمثاله فيقع التعارض بين العقد الاثباتي لكل طائفة من
الدليلين وبين العقد السلبي لهما في موردي الافتراق مثلا الاخبار التي استثنى المأكول
فيها تدل على جواز السجدة على غير المأكول مطلقا ولو كان من الثمار فيعارضها استثناء الثمار
مطلقا في الاخبار الاخر من نبات الأرض وكذلك هذه الطائفة من الاخبار تدل على جواز
السجود على غير الثمرة وان كان ماكولا فيعارضها تلك الطائفة التي استثنى فيها
المأكول مطلقا وطريق الجمع اما بتقييد كل من المأكول والثمرة بالآخر فيكون المراد
من المأكول في الاخبار الأول المأكول من جنس الثمرة والمراد من الثمرة في الطائفة
الأخرى الثمرة التي تكون صالحة للاكل فيبقى المأكول من غير الثمرة والثمرة الغير
القابلة للاكل داخلين في المستثنى منه واما بحمل الثمرة في الاخبار على مطلق المأكول
فيكون السر في التعبير عن المأكول بالثمرة هو الغلبة واما بحمل المأكول في الاخبار
الاخر على مطلق الثمرة والتعبير عنها به من جهة الغلبة والأوسط أظهر لخلو الأول عن
شاهد فيدور الامر بين بقاء عنوان المأكول على ظاهره من الموضوعية والغاء عنوان
الثمرة عن الموضوعية وجعلها تكنية عن المأكول وبين عكس ذلك والأول أظهر
للتعليل الوارد في بعض الاخبار من أن بناء الدنيا عبيد ما يأكلون الخ.
وهل يجوز السجدة على ما كان من سنخ نبات الأرض مما يخلق معجزة أو على وجه
الماء الظاهر العدم لخروجه عما أنبتت الأرض حقيقة ولو سلم الشك في الصدق من جهة
احتمال ان يكون المراد من قوله عليه السلام ما أنبتت الأرض ما من شانه ان ينبت منها فمقتضى
الأصل الاحتياط فان تقييد السجود بقيد وجودي معلوم انما الشك في تحققه.

98
في استثناء الملبوس
والكلام في الملبوس كالكلام في المأكول من أنه أعم من الملبوس فعلا بحسب
العادة أو ما يكون كذلك بالقوة القريبة واما القطن والكتان قبل النسج فمقتضى
الاخبار التي استثنى فيها المأكول والملبوس جواز السجود عليهما لعدم كونهما في
هذه الحالة من مصاديق الملبوس عرفا فيكونان داخلين في المستثنى منه واما بعد النسج
فكونهما من الملبوس واضح هذا ولكن الاخبار اختلفت فيهما ففي طائفة جواز السجود
عليهما مطلقا وفى أخرى عدمه كك فمن الأولى رواية داود الصرمي قال قلت لأبي الحسن الثالث
عليه السلام هل يجوز السجود على القطن والكتان من غير تقية فقال عليه السلام جائز وخبر الحسين
بن علي بن كيسان الصنعاني قال كتبت إلى أبى الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن السجود
على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة فكتب إلى ذلك جائز وخبر منصور بن حازم
عن غير واحد من أصحابنا قال قلت لأبي جعفر عليه السلام انا نكون بأرض باردة يكون فيها
الثلج أفنسجد عليه قال عليه السلام لا ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا وخبر ياسر
الخادم قال مربى أبو الحسن عليه السلام وانا اصلى على الطبري وقد القيت عليه شيئا اسجد
عليه فقال لي مالك لا نسجد عليه أليس هو من نبات الأرض بناء على كون الطبري شيئا
معهودا متخذا من القطن أو الكتان بشهادة ذكر العلماء رضي الله عنهم هذه الرواية في عداد
الأدلة الدالة على جواز السجود على القطن والكتان ومن الثانية خبر الأعمش المروى عن
الخصال عن جعفر بن محمد عليه السلام في حديث شرائع الدين قال عليه السلام لا يسجد الا على الأرض
أو ما أنبتت الأرض الا المأكول والقطن والكتان وخبر أبي العباس الفضل بن عبد الملك
قال قال أبو عبد الله عليه السلام لا تسجد الا على الأرض أو ما أنبتت الأرض الا القطن والكتان.
في طريق الجمع بين اخبار القطن والكتان
والجمع اما بحمل الطائفة الأولى على الجواز والثانية على الكراهة واما بحمل الأولى على
حال الضرورة أو التقية أعني تقية السائل لا تقية الإمام عليه السلام في مقام الجواب
لان ذلك في الحقيقة طرح للطائفة الأولى والثانية على حال الاختيار وعدم التقية واما

99
بحمل الأولى على ما قبل النسج والثانية على ما بعده والثاني لا يلائمه تقييد السائل بعدم
الضرورة والتقية ويبعد الأول عطف الملبوس في الأخبار السابقة على المأكول واشتراكهما
بمقتضى الرواية المشتملة على ذكر علة المنع في العلة فيتعين الأخير.
ويمكن ان يقال ان القطن والكتان ليسا مما يطلق عليه الملبوس بقول مطلق فان
الظاهر من الملبوس في الاخبار المتضمنة لمنع السجود عليه هو ما أعد للبس كما أن
المأكول أيضا كك ومجرد قابلية الشئ لان يكون ملبوسا لا يوجب صدق عنوان
الملبوس عليه فعلى هذا يكون كل من القطن والكتان على قسمين قسم يكون معدا
لللبس كالمنسوج بنحو خاص وقسم آخر يكون معدا للافتراش كالمنسوج بكيفية
أخرى إذا عرفت ذلك فنقول ان الأخبار المجوزة للسجود على مطلق القطن والكتان
تخصصها الأخبار المانعة عن السجود على الملبوس فان اخراج الملبوس من خصوص
القطن والكتان عن تحت أدلة المنع يوجب تقييد موردها بالفرد النادر وهو الملبوس
من غيرهما في جنس النباتات بل لعله لم يكن موجودا في زمن صدور الأدلة فلابد من
حفظ الملبوس من جنسهما تحت أدلة المنع وتقيد مورد أدلة الجواز بغير ما يكون معدا
لللبس كالفراش ونحوه مما تعارف اتخاذه منهما و ح لو قلنا بان العام المخصص بالتخصيص
المنفصل في حكم الخاص يخصص بأدلة الجواز عموم الأخبار الناهية عن السجود على
القطن والكتان ويقيد موردها بما يكون ملبوسا وان أبيت عن ذلك وقلت بان حال
العام مع عام آخر قبل ملاحظة خروج فرد من أحدهما وبعدها سواء قلنا بتخصيص
الأخبار المانعة عن السجود عليهما بمفهوم الحصر المستفاد من استثناء الملبوس في غير
واحد من الاخبار.
لا يقال ان مفهوم الحصر عام يعارض العموم الدال على المنع عن السجود على
القطن والكتان وان كان غير ملبوس لأنا نقول نقول العموم المذكور يعارض معنى الحصر
المستفاد من كلمة الا ولا ريب في أن ظهورها أقوى من العموم الدال على المنع وان
أبيت عن ذلك أيضا فلا أقل من عدم حجية دليل المنع من السجود على القطن والكتان
بالنسبة إلى غير الملبوس منهما لتعارضه مع العموم المستفاد من الحصر في خصوص غير

100
الملبوس منهما فلا تعارض بين الطائفتين فيما كانتا حجة فان الطائفة المجوزة بقيت حجة
في غير الملبوس منهما والمانعة في الملبوس منهما فلا تعارض بينهما وان أبيت عن ذلك
كله وما رضيت الا بالتعارض بين الطائفتين نقول حال المتعارضين لا يخلو من أن يرجح
إحديهما على الأخرى سندا أو يؤخذ بالتخيير فان رجحت الأخبار المانعة عن السجود على
مطلق القطن والكتان سواء كانا ملبوسين أم غيرهما لزم اخراج غير الملبوس منهما
أو الحكم بالاجمال بالنسبة إليه لما تقدم وان رجحت الأخبار المجوزة فلابد لنا من
تخصيصها واخراج الملبوس منهما لما عرفت ويظهر الحال لو قيل بالتخيير وعلى أي
حال جواز السجود على الملبوس منهما لا وجه له.
نعم لو قلنا بان القطن والكتان قبل النسج أيضا من المصاديق العرفية للملبوس فحال
الأدلة المانعة عن السجود على الملبوس كحال الأدلة المانعة عن السجدة على القطن
والكتان ونسبة الدليل المجوز للسجود عليهما إلى كليهما نسبة التباين لان الملبوس
العادي من جنس النبات ليس خارجا عن القطن والكتان ولا بأس بالسجود على
الخوص والقنب وان كانا من الملبوس أحيانا فان الظاهر من الملبوس هو ما يكون
كذلك عادة كما قلنا نظير ذلك في المأكول بل ولو صار شئ منهما لباسا بالفعل للمصلى
يجوز سجوده عليه على الظاهر لما ذكرنا من الوجه.
في السجود على القرطاس
واما القرطاس فيدل على جواز السجود عليه بعض الأخبار الصحيحة كصحيحة
على بن مهزيار قال سال داود بن فرقد أبا الحسن عليه السلام عن القراطيس والكواغذ المكتوبة
هل يجوز السجود عليها فكتب عليه السلام يجوز وصحيحة صفوان الجمال قال رأيت أبا عبد الله
عليه السلام في المحمل يسجد على القرطاس وصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام
انه كره ان يسجد على قرطاس عليه كتابة وظاهرها انتفاء الكراهة عند انتفاء
الكتابة الا ان الكلام في أنه هل يصح بهذه الأدلة الحكم بجواز السجدة على كل ما
يصدق الكاغذ في زماننا أولا منشأ الاشكال احتمال تعارف اتخاذ الكاغذ من القطن و

101
الكتان قبل النسج أو من بعض النباتات الاخر مما يجوز السجود عليه وليس هذا
تقييدا في الأدلة حتى يدفع باطلاقها بل حمل لها على تمام الافراد المتعارفة للعنوان
المأخوذ فيها في زمن الصدور نعم لو ظهر من الأدلة موضوعية الكاغذ في الحكم المذكور
فيها مثل الأرض ونباتها لصح الحكم بجواز السجود على كل ما يصدق عليه الكاغذ
وان كان في هذا الزمان متخذا من غير ما كان متخذا منه في زمن الصدور ثم انه
على تقدير القول بجواز السجود على الكاغذ يشترط في صحته ان كان مكتوبا
ان لا تكون الكتابة مانعة عن وصول الجبهة إلى الكاغذ بان يكون الفاصل بين
الخطوط بقدر ما يحصل به مسمى السجود على الكاغذ أو يكون الخطوط كالصبغ
الغير المانع عن مباشرة الجبهة الكاغذ عرفا فلا مانع من السجدة في الصورتين وان
كانت مكروهة لصحيحة جميل بن دراج المتقدمة وهل يكره مطلقا أو يختص بمن
أبصر أو بمن أبصر وأحسن القراءة لكل قائل ولا يبعد الأخير لان مجرد كراهة مولينا
الصادق عليه السلام لا يدل على الكراهة بالنسبة إلى مطلق المصلين إذ لعل كراهته عليه السلام من
جهة كونه مبصرا ومحسنا للقراءة نعم لو قرءان يسجد بالبناء على المفعول لتم دليلا
على الكراهة.
وأفضل ما يسجد عليه التربة الحسينية عليه السلام التي تخرق الحجب السبع كما في
خبر معوية بن عمار المروى عن مصباح الشيخ قدس سره قال كان لأبي عبد الله عليه السلام خريطة
ديباج صفراء فيها تربة قبر الحسين عليه السلام فكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته
وسجد عليه ثم قال عليه السلام ان السجود على تربة أبى عبد الله عليه السلام يخرق الحجب السبع وعن
ارشاد الديلمي قال كان الصادق عليه السلام لا يسجد الا على تربة الحسين عليه السلام تذللا لله و
استكانة إليه وعن الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن جعفر الحميري عن صاحب
الزمان عجل الله فرجه انه كتب إليه يسئله عن السجدة على لوح من طين القبر
هل فيه فضل فأجاب عليه السلام يجوز وفيه الفضل وعن الصدوق قدس سره مرسلا
قال قال الصادق عليه السلام السجود على طين قبر الحسين عليه السلام ينور إلى
الأرضين السبع.

102
فيما يصح السجود عليه اضطرارا
المقام الثالث لو لم يتمكن من السجود على ما يصح السجود عليه أو شق
عليه ذلك لا يسقط أصل السجود بتعذر شرطه أو تعسره بلا خلاف على الظاهر
ويدل عليه مضافا إلى قاعدة الميسور الاخبار الآتية وهل يكون في هذا الحال بدل
شرعي عنه أو لا بل الواجب عليه اقرار جبهته ح على أي شئ يكون كباقي المساجد
تحقيق ذلك يحتاج إلى ذكر الأخبار الواردة في الباب فمنها خبر أبي بصير عن أبي جعفر
عليه السلام قال قلت له أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف اصنع
قال عليه السلام تسجد على بعض ثوبك قلت ليس على ثوب يمكن ان يسجد على طرفه ولا ذيله قال
عليه السلام اسجد على ظهر كفك فإنها إحدى المساجد ومنها خبر الاخر المروى عن العلل قال
قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى
عريانا في سراويل ولا يجد ما يسجد عليه يخاف ان سجد على الرمضاء أحرقت وجهه قال
عليه السلام يسجد على ظهر كفه فإنها إحدى المساجد ومنها خبر الاخر سال أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يصلى في حر شديد يخاف على جبهته الأرض قال عليه السلام يضع ثوبه تحت جبهته
ومنها صحيحة القاسم بن الفضيل عن أحمد بن عمر قال قلت للرضا عليه السلام جعلت فداك
الرجل يسجد على كمه من اذى الحر والبرد قال عليه السلام لا باس به ومنها خبر عيينة بياع
القصب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ادخل المسجد في اليوم الشديد الحر فأكره ان اصلى
على الحصى فابسط ثوبي فاسجد عليه قال عليه السلام نعم ليس به باس ومنها خبر أحمد بن
عمر قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يسجد على كم قميصه من اذى الحر والبرد
أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره مما لا يسجد عليه فقال عليه السلام لا باس به ومنها خبر محمد
بن القاسم بن الفضيل بن يسار قال كتب رجل إلى أبى الحسن عليه السلام هل يسجد الرجل على
الثوب يتقي به وجهه من الحر والبرد ومن الشئ يكره السجود عليه فقال عليه السلام نعم
لا باس به ومنها خبر على بن جعفر عليه السلام المروى عن قرب الاسناد عن أخيه موسى عليه السلام
قال سألته عن الرجل يؤذيه حر الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له

103
ان يضع ثوبه إذا كان قطنا أو كتانا قال عليه السلام إذا كان مضطرا فليفعل إذ عرفت هذا فنقول
اما الاخبار التي تشتمل على نفى الباس بعد سؤال السائل عن السجود على الثوب فلا
يعرف منها تعين ذلك وكونه بدلا عند الاضطرار بالخصوص كما لا يخفى لكن الخبر
الأول ظاهر في وجوب السجود على الثوب أولا وعند عدم التمكن على ظهر الكف بل
يمكن ان يستدل لعدم جواز السجود على أي شئ مطلقا في حال عدم التمكن بالعموم
الدال على عدم السجود الا على النبات والأرض الظاهر في عدم الصحة حتى في حال عدم
التمكن باطلاق المادة خرج منه السجود على الثوب عند الاضطرار وان لم يكن فعلى
ظهر الكف.
وهل يقيد الثوب بالقطن والكتان كما هو مقتضى الخبر الأخير أولا الأقوى الأخير
لان التقيد ليس في كلام الإمام عليه السلام بل هو في فرض السائل فلا يصلح لرفع اليد عن
الاطلاقات السابقة.
نعم قد يقال بدلالة صحيحة منصور بن حازم على تعيين القطن والكتان وهي هذه
قال قلت لأبي جعفر عليه السلام انا تكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه
قال عليه السلام لا ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا بناء على أن قول السائل انا
نكون بأرض باردة لبيان حال الضرورة كما هو الظاهر وأما إذا كان لمجرد بيان وجود
الثلج في ارضه فالصحيحة أجنبية عن المقام فإنها ح من الأدلة الدالة على جواز السجود على
القطن والكتان اختيارا هذا ولكن من البعيد تقييد المطلقات السابقة الواردة في مقام
البيان فحمل الصحيحة على بيان أحد الافراد أو الأفضل منها أولى وان كان الأحوط عدم
السجود على غير القطن والكتان عند وجودهما وفى صورة عدمهما يسجد على غيرهما من
افراد الثوب.
لا يقال انه بعد فرض التقييد لا يمكن التمسك باطلاق الثوب الوارد في الاخبار
حتى في صورة عدم التمكن من السجود على القطن والكتان فان مقتضى التقييد حمل
الثوب في تلك الأخبار على خصوص القطن والكتان مطلقا لأنا نقول اطلاق المادة في
دليل المتقيد وهو الدليل المعين للقطن والكتان لا يشمل صورة عدم التمكن منهما لأنه

104
في غاية الندرة فالمتيقن من التقييد على القول به انما هو حال التمكن وهو الحال الغالب و
ويبقى حال عدم التمكن وهو الحال النادر تحت اطلاق الدليل المنفصل المستقر ظهوره
ولا يجوز السجود على الوحل الذي لا يحصل معه للجبهة التمكن الواجب في السجود
عليه وأما إذا حصل معه التمكن الواجب فلا بأس به ويدل على الأول موثقة عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام قال سألته عن حد الطين الذي لا يسجد عليه ما هو فقال عليه السلام إذا غرفت
الجبهة ولم تثبت على الأرض الخبر وان لم يجد غير الوحل يسقط السجود وينتقل إلى
الايماء بدلا عنه وان كان منافيا لقاعدة الميسور للأخبار الخاصة الواردة في المقام وظاهر
بعضها وصريح الاخر عدم وجوب الانحناء إلى أن تصل الجبهة إلى الوحل وكذا عدم وجوب
الجلوس للتشهد فما قد يقال من وجوبهما تمسكا بقاعدة الميسور مما لا وجه له بل يمكن
ان يقال بعدم الاجزاء لو جلس للتشهد والسجود مع زيادة الانحناء في الثاني لان ذلك
خارج عن مصداق الايماء عرفا مضافا إلى موثقة عمار المصرحة بالايماء بالسجود وهو قائم
وانه يتشهد وهو قائم الا ان يقال ان الامر في المقام لوقوعه مورد توهم الخطر لا يفهم منه
الا الترخيص ويؤيد ذلك موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصيبه المطر وهو في
موضع لا يقدر ان يسجد فيه من الطين ولا يجد موضعا جافا قال عليه السلام يفتتح الصلاة فإذا
ركع فليركع كما يركع إذا صلى فإذا رفع رأسه من الركوع فليؤم بالسجود ايماء وهو
قائم الخ فان سؤال السائل عن حال موضع لا يقدر ان يسجد فيه لعدم الجفاف ظاهر في أن
عدم القدرة المفروض في كلامه هو الجرح من جهة تلطخ أعضائه وثيابه بالطين وان
تمكن من استقرار الجبهة عليه ثم ازالته عن جهته لأجل السجدة الثانية فالامر بالايماء
لو لم نقل بظهوره في رفع الوجوب فلا أقل من عدم ظهوره في الوجوب فالمتيقن منه تقييد
الوجوب فيكفي لصحة السجود الحقيقي اطلاق المادة كما بين ذلك في الأصول وكيف
كان لا ينبغي الاشكال مع اختيار الايماء في عدم وجوب الجلوس وزيادة الانحناء والله العالم.
المبحث الرابع يعتبر في مكان المصلي كونه قارا على وجه لا يفوت معه الاستقرار
الواجب على المصلى فيه فلو صلى اختيارا في سفينة أو على حيوان ونحوهما بحيث لم
يكن مستقرا حين الصلاة بطلت ويأتي ذكر أدلة وجوب الاستقرار في الصلاة

105
بعد ذلك انشاء الله تعالى
في الصلاة في السفينة اختيارا
واعلم أن مجرد جريان السفينة على الماء لا يمنع عن صدق الاستقرار عرفا فلو
تحفظ على باقي الشروط المعتبرة في الصلاة فالظاهر صحة الصلاة في السفينة وان كانت
سائرة لكن بشرط عدم اضطرابها بحيث يخرج المصلى عن الاستقرار والدليل على ذلك
مضافا إلى الأصل الأخبار المستفيضة ففي مصححة جميل بن دراج انه قال لأبي عبد الله
عليه السلام تكون السفينة قريبة من الشط فاخرج وأصلي قال عليه السلام صل فيها اما ترضى بصلاة
نوح على نبينا وآله وعليه السلام ورواية المفضل بن صالح انه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في
الفرات وما هو أضعف منه من الأنهار في السفينة قال عليه السلام ان صليت فحسن وان خرجت فحسن
ومصححة على بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام قال سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلى في
السفينة الفريضة وهو يقدر على الجدد قال عليه السلام نعم لا بأس إلى غير ذلك من الأدلة الابى
بعضها عن الحمل على خصوص صورة الاضطرار أو على النافلة احتج المانع بحسنة
حماد بن عيسى بن هاشم قال سمعت أبا عبد الله يسئل عن الصلاة في السفينة فيقول
ان استطعتم ان تخرجوا فاخرجوا فان لم تقدروا فصلوا قياما فان لم تستطيعوا فصلوا
قعودا وتحر والقبلة ومضمرة على بن إبراهيم قال سألته عن الصلاة في السفينة قال عليه السلام
يصلى وهو جالس إذا لم يمكنه القيام في السفينة ولا يصلى في السفينة وهو يقدر على الشط وفيه
ان مقتضى الأخبار السابقة جواز الصلاة في السفينة اختيارا فاللازم حمل الخبرين على
أفضلية الخروج أو على صورة عدم امكان استيفاء باقي أفعال الصلاة إذ لا يمكن حمل الأخبار المجوزة
على صورة تعذر الخروج أو تعسره كما لا يخفى.
ويؤبد الأخير ان مفروض السائل في الأخبار المجوزة كون السفينة قريبة من
الأرض اما من جهة كونها في الأنهار الصغار أو في الفرات وأمثاله لكنها قريبة من
الأرض وذكر السائل هذه الخصوصية اما من جهة بيان صرف القدرة على الخروج أو هي
مع أن السفينة مأونة من الاضطراب المانع للاستقرار لقلة الماء في الصغار وفى قرب

106
ساحل الشطوط كما لا يخفى فيكون نظر السائل إلى سير السفينة المعتدل وتبعية الراكب
لسيرها وبعد وجود هذا الاحتمال فالمتيقن من دلالة الأخبار المجوزة تجويز الصلاة
في السفينة مع عدم الاضطراب المنافى للاستقرار كما أن المتيقن من الأخبار المانعة
حال اضطرابها كما أن الغالب في سير السفينة كك هذا.
ولا اشكال في جواز الصلاة في السفينة الجارية مع الاضطرار وان فات الاستقرار
لعدم سقوط الصلاة في كل حال ولكن مع حفظ ما يجب مراعاته بقدر الامكان لقاعدة الميسور
وللاخبار المستفيضة قيل بل ربما كانت متواترة في خصوص مراعاة لقبلة بقدر الوسع ففي
رواية سليمان بن خالد فان دارت السفينة فليدر معها ان قدر على ذلك وفى رواية الحلبي
يستقبل القبلة ويصف رجليه فإذا دارت واستطاع ان يتوجه إلى القبلة والا فليصل حيث
توجهت إلى غير ذلك من الاخبار وان لم يتمكن من مراعاة القبلة أصلا ولو في جزء من
اجزاء صلوته فهل يسقط الاستقبال من رأس أو يجب تحرى الأقرب فالأقرب مقتضى
اطلاقات الأخبار الواردة في مقام البيان الأول لكن يقوى مراعاة ما بين المشرق و
المغرب ان قدر على ذلك لأنه بمقتضى بعض الاخبار قبلة خرج من ذلك المتعمد القادر و
ما ذكرناه في الصلاة في السفينة في حال الاضطراب يأتي في الصلاة على الدابة
والمحمل هذا.
في التقدم على قبر أحد المعصومين عليهم السلام
المبحث الخامس هل يجوز ان يتقدم المصلى على قبر أحد المعصومين عليهم السلام أولا
وعلى الثاني هل يجوز ان يقف محاذيا للقبر الشريف عن يمينه أو شماله أو لا نسب إلى
المشهور في الفرع الأول الجواز على كراهة ولازمه عدم الحرمة في الثاني بطريق أولى
والمحكي عن الحدائق انه لم يقف على من قال بالتحريم سوى شيخنا البهائي وشيخنا
المجلسي قدس سرهما ومنشأ ذلك مكاتبة محمد بن عبد الله الحميري قال كتبت إلى الفقيه عليه السلام
أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم السلام هل يجوز ان يسجد على القبر أم لا وهل
يجوز لمن صلى عند قبور هل عليهم السلام ان يقول وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه

107
ورجليه وهل يجوز ان بتقدم القبر ويصلى ويجعله خلفه فأجاب عليه السلام وقرأت التوقيع ومنه
نسخت اما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فرضية ولا زيارة بل يضع خده الأيمن
على القبر واما الصلاة فإنها خلفه ويجعله الامام ولا يجوز ان يصلى بين يديه لان الامام
لا يتقدم ويصلى عن يمينه وشماله والخبر المروى في الاحتجاج وفيه بعد السؤال عن ذلك
اما الصلاة فإنها خلفه ويجعل القبر امامه ولا يجوز ان يصلى بين يديه ولا عن يمينه ولا
عن يساره لان الامام لا يتقدم ولا يساوى أقول اما الرواية الثانية فلا يجوز التمسك بها
على حرمة الصلاة بين يدي القبر الشريف لعطف الصلاة عن يمين القبر الشريف
وشماله عن الصلاة بين يديه والرواية السابقة مصرحة بجواز الصلاة عن يمينه وشماله
ومقتضى القاعدة حمل النهى في المعطوف عليه اما على الكراهة واما على الجامع بين
التحريم والكراهة وعلى أي حال يسقط عن الاستدلال للتحريم هذا مضافا إلى ضعف
الخبر الثاني وقصوره عن مرتبة الحجية لأنه روى في الاحتجاج مرسلا عن الحميري واما
الرواية الأولى فقد ضعفها في المعتبر قال في المدارك وهو غير واضح ولعل وجه الضعف
ان الشيخ ره رواه عن محمد بن داود عن الحميري ولم يبين طريقه إليه أو لأن الفقيه في عرف
الرواة عبارة عن أبي الحسن الماضي عليه السلام وليس الحميري ممن أدرك زمانه فقوله كتبت
اما مقول قول شخص آخر فحذفت الواسطة واما مقول قوله ولكنه جرى على غير الاصطلاح
و ح بشكل الجزم بإرادته أحد الأئمة عليهم السلام الذين أدرك صحبتهم ووجه الصحة عند من
صحح الرواية ان طريق الشيخ ره إلى محمد بن داود ثقات معروفون وحذف الواسطة خلاف
الظاهر وجلالة شأن الحميري تمنع من احتمال سؤاله عن غير الامام.
والانصاف عدم دلالة متن الخبر على الحرمة وان قلنا بصحة السند لان دلالته على
ذلك تبتنى على أن يكون المراد من الامام في قوله عليه السلام لان الامام لا يتقدم هو امام الجماعة
ويكون قوله عليه السلام ويجعله الامام بكسر الهمزة والمراد به أيضا هو امام الجماعة فيكون
المحصل ان يجعل المصلى القبر الشريف بمنزلة امام الجماعة لكن لافى تمام الخصوصيات
الواجبة في الجماعة بل في خصوص عدم التقدم ولكن هذا الاحتمال معارض باحتمال
آخر لعله أظهر وأقوى من الأول كما قيل ولا أقل من التساوي وهو ان يكون قوله

108
عليه السلام ويجعله الامام بفتح الهمزة ويكون المراد من الامام في قوله عليه السلام فان الامام
لا يتقدم أحد المعصومين عليهم السلام فيكون المحصل ان المصلى يجعل القبر الشريف
قدامه ولا يتقدم عليه لان الامام لا يتقدم عليه فح هذه العلة يشترك فيها المصلى وغيره فلو
كانت موجبة للحرمة لحرم التقدم على القبر في غير حال الصلاة أيضا وليس كك قطعا
ما لم يكن مستخفا به نعم عدم التقدم نحو من الأدب ينبغي مراعاته في تمام الأحوال فالعلة
ح لا تصلح الا لان تكون علة للكراهة بقى هنا شئ وهو انك عرفت ان ابقاء ظاهر النهى
عن الصلاة بين يدي القبر الشريف على حاله من الحرمة مبنى على الاحتمال الأول فح
لو قلنا بالحرمة لا تدل الرواية الا على عدم جواز وقوف المصلى قدام القبر لشريف لاقدام
المدفون فيه صلوات الله عليه والمراد من القبر على الظاهر هو مجموع ما اشتمل عليه
الصندوق والشباك وعلى هذا فسمت الرأس الشريف بتمامه يمين القبر كما أن سمت الرجل
المبارك بتمامه شماله فلا بأس ان يصلى المصلى في أي موضع شاء منهما نعم بناء على الاحتمال
الثاني المعيار عدم التقدم على الإمام عليه السلام فلابد ان يلاحظ خصوص موضع دفنه عليه السلام و
قد عرفت انه بناء على هذا لا يصلح العلة الا للكراهة.
في الصلاة بين المقابر وعليها وإليها
ويكره الصلاة بين المقابر وعليها وإليها على المشهور في الجميع اما الأول
فللجمع بين موثقه عمار الناهية عن ذلك وبعض الصحاح النافية البأس عنه كصحيحة على
بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام وصحيحة على بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام وصحيحة
معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام واما الثاني فيدل عليه
قول النبي صلى الله عليه وآله في حديث النوفلي الأرض كلها مسجد الا الحمام والقبر ورواية
يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى ان يصلى على قبر
أو يقعد عليه أو يبنى عليه والنهى وان كان ظاهرا في التحريم الا انه في الخبر بملاحظة عطف
القعود والبناء لا يمكن استعماله في التحريم فاما أريد منه خصوص الكراهة أو لأعم وعلى
أي حال لا يظهر منه التحريم.

109
واما الصلاة إلى القبر فيدل على كراهتها صحيحة معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام
قال لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال قلت له الصلاة بين القبور قال عليه السلام بين خللها ولا يتخذ شيئا منها قبلة فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
نهى عن ذلك وقال صلى الله عليه وآله وسلم لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا فان الله عز وجل لعن الذين
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وعن البعض تقوية الحرمة للصحيحتين وتقييد بعض الصحاح
النافية للبأس عن الصلاة بين القبور بما إذا لم يكن إليها وفيه انه اخراج للفرد الغالب
كما لا يخفى فالأولى الحمل على الكراهة لمكان بعض الصحاح النافية للبأس عن الصلاة
بين القبور مطلقا بقى هنا اشكال وهو ان النهى عن الصلاة إلى القبور سواء حملناه على
التحريم أم على الكراهة ينافي الأخبار المستفيضة الامرة بالصلاة خلف قبور الأئمة
عليهم السلام وكون التحريم أو الكراهة خاصا بغير الأئمة عليهم السلام ينافي
صحيحة زرارة المتقدمة المتضمنة لنهى النبي صلى الله عليه وآله جعل قبره قبلة والتفصيل بين
قبور الأئمة عليهم السلام وقبر النبي صلى الله عليه وآله يقطع بعدمه ويمكن ان يكون المراد
باتخاذ قبره الشريف قبلة المعاملة معه معاملة القبلة بان يكون مقصودا بالتوجه
اما مستقلا أو مشاركا مع الكعبة المشرفة وتقييد جواز الصلاة بين المقابر بعدم اتخاذ
القبر قبلة لعله لوجه من المناسبة وان كان لا يوهم الكلام السابق جواز اتخاذ القبر
قبلة بالمعنى الذي ذكرنا حتى يحتاج إلى الاخراج ولعل تعبير الامام روحي فداه في جواب
الحميري بقوله عليه السلام اجعله الامام بناء على كسر الهمزة إشارة إلى أن الممنوع جعل
القبر قبلة واما جعله بمنزلة الامام الذي لا ينبغي للمصلى التقدم عليه فلا بأس به بل هو امر
حسن وعلى هذا فالحكم بكراهة الصلاة إلى قبور غير المعصومين عليهم السلام مشكل إذ لا
دليل عليها سوى ما ذكر الذي عرفت حاله والله العالم.
في الصلاة في جوف الكعبة
ومن الأمكنة التي حكم بكراهة الصلاة فيها جوف الكعبة والحكم بالكراهة
مشهور بين العلماء وربما قيل بالتحريم والأصل في ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن

110
أحدهما عليه السلام لا تصل المكتوبة في الكعبة قال العلامة قدس سره في المختلف ان الرواية
محمولة على الكراهة ولعله للجمع بينها وبين رواية ابن فضال عن يونس بن يعقوب قال
قلت لأبي عبد الله عليه السلام حضرت الصلاة المكتوبة وانا في الكعبة أفأصلي فيها قال عليه السلام صل
لكن يشكل بما ورد في رواية أخرى عن محمد بن عبد الله بن مروان قال رأيت يونس بمنى
يسئل أبا الحسن عليه السلام عن الرجل إذا حضرته صلاة الفريضة وهو في الكعبة فلم يمكنه
الخروج من الكعبة قال عليه السلام استلقى على قفاه ويصلى ايماءا وذكر قول الله عز وجل
أينما تولوا فثم وجه الله حيث إنه لو كانت الصلاة في جوف الكعبة جائزة لما جاز اسقاط
القيام والركوع والسجود والتشهد وحملها على صورة العجز عن القيام خلاف الظاهر
الا انه لا مناص عنه بعد مخالفتها للقواعد وكيف كان فالأولى عدم الصلاة فيها اختيارا
وكذا يكره الصلاة على سطحها على المشهور لرواية الحسين بن يزيد (زيد خ ل) عن الصادق
عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال عليه السلام نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة على ظهر
الكعبة المحمول على الكراهة لان النهى الذي أخبر به مولينا الصادق عليه السلام ليس
بالنهي التحريمي لوجود المكروهات فيما عد في ذلك الحديث واما رواية عبد السلام عن
الرضا عليه السلام في الذي تدركه الصلاة وهو فوق الكعبة قال عليه السلام ان قام لم يكن
له قبلة ولكن يستلقي على قفاه ويفتح عينيه إلى السماء وبعقد بقلبه القبلة التي في السماء
البيت المعمور ويقرء فإذا أراد ان يركع غمض عينيه وإذا أراد ان يرفع رأسه من الركوع
فتح عينيه والسجود على نحو ذلك فلم يعمل بمضمونها ظاهرا وان حكى عن الشيخ قدس سره
الاجماع على مضمونه ولكن المحكى منه في المبسوط جواز الصلاة على سطح الكعبة
قائما وهو مخالف لظاهر مضمون الرواية كما لا يخفى وكيف كان ان جوزنا الصلاة على
سطح الكعبة فيجب عليه ابراز شئ منها ليستقبله فلو وقف في موضع يقع سجوده على
نقطة الانتهاء بطلت صلوته لعدم الاستقبال في تمام الحالات.
في الأذان والإقامة
البحث الخامس في الاذان الإقامة وفيه فصول.

111
الفصل الأول هما مستحبان مؤكدان للصلوات الخمس أداءا وقضاءا سفرا وحضرا
في الصحة والمرض للجامع والمنفرد وقيل بوجوبهما في الجماعة وقيل بوجوبهما
في الصبح والمغرب ووجوب الإقامة في جميع الصلوات الخمس وقيل فيهما
أقوال اخر لا يهمنا ذكرها وينبغي تأسيس الأصل في المقام حتى يرجع
إليه لو لم يكن دليل في البين فنقول تارة يشك في الوجوب الشرطي وأخرى في الوجوب
النفسي والأصل في الثاني هو البراءة والأول من جزئيات الأقل والأكثر الارتباطيين
وحيث بنينا في الأصول على البراءة فمقتضى الأصل عندنا البراءة مطلقا سواء شك
في الوجوب الشرطي أو النفسي وكذا لو شك في كليهما مع وجود احتمال ثالث وهو
عدم الوجوب مطلقا نعم لو علم بأصل الوجوب وشك في أنه شرطي أو نفسي فمقتضى
الأصل عدم الاكتفاء بالصلاة بدونهما لان العلم الاجمالي أوجب تنجز الواقع على ما هو
عليه إذا عرفت هذا فنقول يكفينا في الحكم بعدم الوجوب عدم دليل ظاهر فيه والأدلة
التي يتمسك بها كلها مخدوشة من حيث الدلالة اما في الاذان فلان ظاهر بعضها وان
كان وجوبه مطلقا كموثقة عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لابد للمريض ان يؤذن
ويقيم إذا أراد الصلاة ولو في نفسه ان لم يقدر ان يتكلم سئل فان كان شديد الوجع قال عليه السلام
لابد من أن يؤذن ويقيم لأنه لا صلاة الا باذان وإقامة وظاهر بعض الاخبار وجوبه في
الجملة كقوله عليه السلام في خبر سماعة لا تصل الغداة والمغرب الا باذن وإقامة ورخص في
سائر الصلوات بالإقامة والاذان أفضل الا انه لابد لنا من التصرف في ظاهر مثل هذه الأخبار
بواسطة الاخبار المرخصة في ترك الاذان مطلقا كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
عن الرجل يجزيه في السفر والحضر إقامة ليس معها اذان قال عليه السلام نعم لا بأس
به أو في خصوص المنفرد كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام يجزيك
إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير اذان وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه انه كان
إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذن إلى غير ذلك من الاخبار المرخصة في ترك
الاذان لمطلق الصلوات اما مطلقا أو في الجملة فالجمع بينها وبين ما دل على ثبوت الاذان
في تمام الصلوات مطلقا أو لبعضها أو في بعض الحالات يحمل اخبار الثبوت على الفضيلة

112
ولها مراتب وفضله بالنسبة إلى المغرب والغداة أشد منه بالنسبة إلى غيرهما وهكذا الجماعة
بالقياس إلى المنفرد وبعد صرف تلك الأخبار بالنسبة إلى الاذان بما عرفت لم يبق لها
ظهور في الوجوب بالنسبة إلى الإقامة أيضا فان قوله عليه السلام في موثقة سماعة لا صلاة
الا باذان وإقامة لا يمكن حفظ ظهوره من دون تجوز لأنه مستلزم لوجوب الاذان وقد
عرفت خلافه فلابد من أحد أمور.
اما حمله على نفى الكمال في كليهما أو على نفى الحقيقة وادعاء سلب الحقيقة
عما ليس معه اذان فقط أو على نفى الحقيقة مع ادعاء سلب الحقيقة عما ليس معه اذان
وإقامة ومن جهة تردد القضية بين الاحتمالات لم يبق لها ظهور بالنسبة إلى وجوب الإقامة
وكذا قوله عليه السلام لا تصل المغرب والعشاء الا باذان وإقامة بعد لزوم صرف النهى عن ظاهره
بالنسبة إلى الاذان فلابد من حمله اما على خصوص الكراهة أو على مطلق المرجوحية و
على أي حال لا يكون دليلا على الحرمة في الإقامة هذا حال الاذان.
واما الإقامة فالأدلة التي يتمسك بها على وجوبها على أنحاء منها ما سبق وسبق الكلام
فيه ومنها المستفيضة الدالة على أن الإقامة هي أدنى ما يجزى وهي لا تدل على عدم اجزاء
الصلاة بالنسبة إلى الامر الوجوبي المتعلق بها مع عدم الإقامة إذ كما يصح ذلك يصح
أيضا ان يكون عدم الاجزاء بملاحظة الامر الاستحبابي المتعلق بأفعال مخصوصة
قبل الصلاة الا ان يقال ان هذا الاحتمال خلاف الظاهر فان قوله عليه السلام أدنى ما يجزيك
أو أقل ما يجزيك إقامة واحدة يفهم منه انه ليس للمكلف اتيان الصلاة بدون الإقامة
ومنها الأخبار الدالة على نفى الأذان والإقامة للنساء الدالة بالمفهوم على ثبوتهما
للرجال وهذه وان كانت ظاهرة في نفى المشروعية لكن بعد العلم بكونهما مشروعين
للنساء تصير ظاهرة في نفى الوجوب وبمقتضى المفهوم يثبت الوجوب للرجال غاية الامر
انه ثبت عدم وجوب الاذان بمقتضى بعض الاخبار الاخر وتبقى الإقامة تحت ظاهر هذه الأخبار
وفيه انه بعد صرف هذا الظهور على تقدير التسليم في الاذان لا يبقى لها ظهور
في الإقامة فالمتجه حملها على نفى الرجحان المؤكد في النساء دون الرجال ومنها النصوص
الدالة على لزوم مراعاة الشرائط المعتبرة في الصلاة في الإقامة أيضا كالطهارة وعدم

113
التكلم وغير ذلك وفيه ان وجوب هذه الأشياء شرطا لا ينافي استحباب أصل المشروط كما
هو ظاهر ومنها المستفيضة الدالة على قطع الصلاة لتدارك الإقامة إذ لولا وجوبها لما صح
تجويز قطع الصلاة المحرم في حد نفسه لأجل تداركه وفيه انه بعد تسلم ان قطع العمل
محرم في حد ذاته نستكشف من الاخبار المرخصة لذلك ان المقتضى للتحريم مخصوص
بغير هذا المورد لئلا ينافي القاعدة العقلية الحاكمة بعدم جواز الاقدام على المحرم
لتدارك المستحب هذا أيضا حال الاخبار في الإقامة وقد عرفت ان المقام يكفي له الشك
في الوجوب مطلقا سواء احتمل كونهما واجبين نفسيين أم غيريين على المختار هذا
ولكن الانصاف ان ملاحظة مجموع الاخبار تدل على كون الإقامة من المسلمات بحيث
لا يتطرق إليها الترخيص ومحل الكلام فيها سؤالا وجوابا هو الاذان فقط.
ويمكن استكشاف استحبابها من الأخبار الدالة على أن من صلى باذان وإقامة
صلى خلفه صفان من الملائكة ومن صلى بإقامة صلى خلفه صف واحد تقريب الاستدلال
ان الصلاة المفروضة في تلك الأخبار ظاهرة في المستجمعة لجميع شرائط الصحة من قبيل
الطهارة والاستقبال وغيرهما والإقامة موجبة لاقتداء الملك ولولاها لم يكن المصلى
مقتديا للملك ولو كانت الإقامة شرطا لصحة الصلاة فبعدمها تكون باطله خارجة عما
فرض في القضية فانا فرضنا ان الصلاة في تلك الأخبار التي جعلت الإقامة موجبة لاقتداء الملك
مع قطع النظر عن الإقامة تامة من حيث الشرائط والاجزاء وتلك الصلاة المفروضة
لو اتى بها مع الإقامة فلها هذه المزية ويدل على ذلك بعض الأخبار الواردة بهذا المضمون
حيث يقول عليه السلام في مقام الترغيب في عدم ترك الاذان مع الإقامة اغتنم الصفين فان
المتفاهم من هذه العبارة ان الاتيان بمثل الصلاة التي يقتدى صفان من الملائكة خلف
المصلى غنيمة ولو كان ترك الإقامة موجبا للبطلان لا يصح ان يقال فات عنه غنيمة.
في موارد سقوط الاذان
الفصل الثاني يسقط الاذان وحده في موارد منها عصر يوم الجمعة ولم نظفر له
على دليل وفى (ك) ناقلا عن الشيخ ره انه استدل على ذلك بما روى في الصحيح عن رهط منهم

114
الفضيل وزرارة عن أبي جعفر عليها السلام.
ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهر والعصر باذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء
باذان واحد وإقامتين وبما روى عن حفص بن غياث عن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال عليه السلام
الاذان الثالث يوم الجمعة بدعة أقول ولم يعلم وجه الاستدلال بالأولى لأنها لا تدل الا على
جواز الجمع بين الفريضتين باذان واحد في يوم الجمعة وغيره ولا تدل على سقوطه للعصر
في صورة الجمع لا مطلقا ولا في خصوص يوم الجمعة.
واما الثانية فبعد الغض عن سندها مجملة يتطرق فيها وجوه ومنها عصر يوم عرفة
وعشاء المزدلفة ويدل عليهما صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال السنة في الاذان يوم
عرفة ان يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلى ثم يقوم فيقيم للعصر بغير اذان وكك المغرب و
العشاء بمزدلفة ويدل على الأخير صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام لا تصل المغرب حتى
تأتى جمعا فصل بها المغرب والعشاء الآخرة باذان واحد وإقامتين وصحيحة منصور بن
حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن صلاة المغرب والعشاء بجمع فقال عليه السلام باذان و
إقامتين لا تصل بينهما هكذا صلى رسول الله صلى الله عليه وآله.
ثم إن سقوط الاذان في الموردين يحتمل ان يكون على نحو الرخصة بان يكون
باقيا على الرجحان الفعلي وان كان مرجوحا بالإضافة إلى الاشتغال بالفريضة فيكون
كباقي العبادات المكروهة ويحتمل ان يكون على نحو العزيمة بمعنى عدم مشروعيته
فلو اتى به بعنوان العبادة يكون مشرعا واما احتمال كونه من المحرمات الذاتية فلا منشأ
له والثمرة بين الحرمة على النحو الثاني والأخير تظهر عند الشك بمعنى انه لو احتمل
الحرمة في مورد على النحو الأخير فلا يحسن الاحتياط عقلا ولو احتمل على النحو الثاني
يحسن الاتيان رجاءا لكونه مطلوبا لانتفاء التشريع بذلك.
إذا عرفت هذا فنقول قد يقال بان مقتضى العمومات استحباب الاذان لكل صلاة
كقوله عليه السلام لا صلاة الا باذان وإقامة وقوله عليه السلام في خبر سماعة لا تصل الغداة والمغرب
الا باذان وإقامة ورخص في سائر الصلوات بالإقامة والاذان أفضل وغير ذلك وما مر من
الأخبار الدالة على السقوط لا يفهم منها الا رجحان الجمع بين الفريضتين باذان واحد

115
وإقامتين وهو لا ينافي كون الاذان أيضا راجحا بالإضافة إلى تركه المطلق وان كان تركه
والاشتغال بالفريضة والمبادرة إليها أفضل فالعمومات الدالة على رجحان الاذان لم يعلم
لها مخصص أصلا هذا.
وفيه أولا ان العمومات المذكورة على تقدير تسليمها مخصصة على أي حال فان
استحباب الاذان بمقتضى ظواهر الأدلة مقدمي أي موجب لتكميل الصلاة المتعقبة له
كما ينادى بذلك المستفيضة الدالة على أن من صلى باذان وإقامة صلى خلفه صفان من
الملائكة ومن صلى بإقامة صلى خلفه صف واحد فالأدلة الدالة على فضيلة الاذان كلها
راجعة إلى أن الصلاة المتعقبة للاذان أفضل من الصلاة الفاقدة له فلو فرضنا اطلاق هذه
الأدلة في تمام الحالات فمقتضاها كون صلاة العصر في يوم عرفة لمن كان بها مع الاذان
أفضل وكذا عشاء المزدلفة ومقتضى النصوص الواردة فيهما أفضلية الاكتفاء للعصر و
والعشاء في الموقفين بإقامة وايجادهما مع الظهر والمغرب ولا اذان وهل هذا الا التنافي
بالعموم والخصوص المطلق فالعمومات مخصصة بالنصوص الواردة في الموقفين نعم خروج
العصر والعشاء في الموقفين عن عموم أدلة أفضلية الاذان يمكن على وجهين أحدهما على
نحو لا ينافي بقاء أصل الرجحان الفعلي كما لو فرضنا انه يكون لأصل الفريضة مقدار
من المصلحة وتزيد بواسطة الاذان ولكن المبادرة إليها في خصوص مكان خاص توجب
زيادة مصلحة أشد مما حصل بواسطة الاذان والثاني على نحو لا يكون للاذان في الموردين
رجحان ولكن العمومات الدالة على مشروطية الاذان لما كانت بلسان أفضلية الصلاة
الواجدة له قد خصصت وليس لنا دليل اخر نتمسك به على بقاء رجحانه ومن هنا يعلم
الفرق بين الاذان فيما نحن فيه وبين التطوع حيث إن التطوع بمقتضى أدلته مستحب ولا
تدل الأدلة الواردة في مورد الجمع على تخصيص تلك الأدلة لامكان بقائه على الاستحباب
فعلا غاية الامر ان المبادرة إلى الفريضة تكون أفضل وأرجح فأصالة العموم في أدلة رجحان
التطوع باقية بحالها بخلاف الاذان فان مقتضى دليله انه موجب لأفضلية الصلاة مطلقا
حتى في الموقفين مع الجمع بينهما وبين سابقتها كما هو المفروض ومقتضى أدلة هذا
المقام ان اللاحقة إذ اجتمعت مع السابقة من دون اذان مستقل لها أفضل وهذان الحكمان

116
أعني أفضلية اللاحقة في حال الجمع مع الاذان وأفضليتها في هذا الحال بلا اذان مما لا
يمكن اجتماعهما.
وثانيا انا لا نسلم عموم الأدلة الدالة على استحباب الاذان لمثل المورد وان كان
لها عموم أفرادي إذ هو غير نافع للمقام بل النافع له العموم بالنسبة إلى الأحوال والدال
على ذلك لو كان هو اطلاق القضية وهو هيهنا ممنوع لان المتعارف في الأزمنة السابقة التفريق
بين الصلوات في أوقات معينة والموارد التي يستحب فيها الجمع نادر جدا فلا يشملها
الاطلاق ومن هنا تعرف ان الحكم بمشروعية الاذان في مطلق موارد الجمع في الخارج وان
لم يكن مستحبا كما صار متعارفا في زماننا مشكل جدا لتعارف خلافه في زمان صدور
الروايات فالاطلاقات منزلة على المتعارف في زمان الصدور اللهم الا ان يقال ان الأدلة
المجوزة لفعل الفريضة الثانية عقيب الفراغ من الأولى كما توجب مشروعية أصل الصلاة
كك توجب مشروعية الاذان لها لأنه والإقامة من متعلقات الصلاة فالعمدة في الجواب هو
الأول وعلى هذا لابد من الخروج من قاعدة استحباب الاذان بالمقدار المتيقن وهي
الموارد التي أمرنا الشارع بالجمع بين الصلاتين باذان وإقامتين واما الموارد التي يؤتى
بالجمع في الخارج ولو لم يكن مستحبا فلا دليل على سقوط الاذان ومن هنا يعرف انه لو
تنفل بين الصلاتين فمقتضى العمومات ثبوت الاذان للثانية فان القدر الخارج منها في
الموارد المخصوصة ما إذا اتى بالثانية من دون فصل التطوع ويدل على ذلك أيضا موثقة
محمد بن حكيم قال سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام يقول الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن
بينهما تطوع فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع وبهذا المضمون موثقته الأخرى.
ويمكن ان يستدل على عدم مشروعية الاذان الثاني في موارد الجمع مطلقا بصحيحة
ابن أذينة السابقة الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه وآله عن مولينا أبي جعفر عليه السلام ان رسول الله
جمع بين الظهر والعصر باذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء باذان واحد وإقامتين
تقريب الاستدلال ان الظاهر من هذه العبارة ان الاذان المذكور ليس للظهر أو المغرب
فقط بل يحسب في مورد الجمع بين الاذان الواحد لكلتا الصلاتين كما أن جماعة المأمومين
يكتفون باذان واحد منهم أو الامام وكذا إقامة واحد منهم أو الامام فكما ان الجماعة

117
ليست صلوتهم بلا اذان وإقامة في الفرض المذكور كك فيما نحن فيه ليست العصر و
العشاء بلا اذان فلا نسبة الاذان إلى الصلاتين على حد سواء وعلى هذا فالاذان الاخر
للعصر أو للعشاء غير مشروع كما أنه في مورد الجماعة بعد اذان واحد منهم ليس للباقي
ان يؤذن كل واحد منهم وربما يؤيد ذلك موثقة محمد بن حكيم المتقدمة آنفا حيث إن
نفى الجمع عن صورة وقوع التطوع بين الصلاتين يبعد ان يكون المراد منه عدم كون
المورد مصداقا عرفيا للجمع مع قطع النظر عن وظيفة الجمع فلابد ان يقال بان للجمع وظيفة
لا تترتب تلك الوظيفة على الصلاتين اللتين وقع بينهما التطوع وليست الوظيفة
المتصورة الا الاكتفاء باذان واحد فيهما ولو قلنا بان وظيفة الجمع الاكتفاء باذان واحد وترك
الاذان للثانية فالاذان للثانية مرجوح والمرجوح أعني الذي يتركه أولى من فعله لا يمكن
ان يكون مأمورا به.
فان قلت: لعل مرجوحيته من قبيل مرجوحية العبادات المكروهة فلا تنافى
رجحانه الذاتي قلت المكروه مع وصف بقائه على الرجحان الذي هو ملاك العبادة
يتصور على وجهين أحدهما ان يكون هناك أمران لا يمكن الجمع بينهما ويكون
أحدهما أرجح من الاخر فيقال ينبغي ترك غير الأرجح للتوصل إلى الأرجح ولا ينافي
بقاء الاخر على صفة الرجحان بحيث لو اتى به لكان راجحا وعبادة والثاني ان يكون
عنوان شئ راجحا مطلقا ولكن لو انضم إلى ذلك العنوان خصوصية خاصة تصير موجبة
لحزازة ذلك العنوان في الجملة فترك الفرد المشتمل على تلك الخصوصية باتيان فرد
آخر ليست فيه تلك الحزازة أولى كالصلاة في الحمام ومرجوحية الاذان فيما نحن فيه
ليست من قبيل الأول لعدم وجود شئ آخر أرجح حتى يكون ترك الاذان للتوصل إليه فان
المبادرة إلى الصلاة الثانية ليست راجحة مطلقا ولو نظرنا إلى الصلاة فيقال ان الصلاة الثانية
في حال الجمع مع ترك الاذان أرجح منها مع الاذان فيكون الاذان من قبيل الخصوصية التي
صارت موجبة للمرجوحية بالنسبة إلى غيرها كالايقاع في الحمام فيكون ترك تلك الخصوصية
أولى من فعلها فعلى أي حال يكون الاذان في حال الجمع مرجوحا بمعنى ان تركه أولى مطلقا
لا انه مرجوح عبادي حتى لا ينافي رجحانه.

118
ومنها العصر والعشاء للمستحاضة التي تجمعهما مع الظهر والمغرب وهكذا
المسلوس في بعض الأحوال هذا ما افاده في نجاة العباد ويدل على الحكم المذكور
في المسلوس صحيحة حريز إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة اتخذ
كيسا وجعل فيه قطنا ثم علقه عليه وادخل ذكره فيه ثم صلى يجمع بين صلوتين الظهر
والعصر يؤخر الظهر ويعجل العصر باذان وإقامتين ويؤخر المغرب ويعجل العشاء باذان و
إقامتين ويفعل مثل ذلك في الصبح ولكني لم اقف في اخبار المستحاضة على ما يدل
على ذلك ولعله قدس سره استفاد من مجموع الاخبار ان كلما استحب الجمع بين الصلاتين
يسقط اذان الثانية وليس ببعيد بل قد عرفت مما أسلفناه الاكتفاء باذان واحد
في مطلق موارد الجمع وان لم يكن مستحبا.
في سقوط الأذان والإقامة
الفصل الثالث يسقط الاذان مع الإقامة إذا صلى الامام جماعة ثم جاء آخرون
قبل تفرق صفوفهم وهذا اجمالا لا ريب فيه انما الاشكال والاختلاف في أن الحكم
بالسقوط عن الآخرين فيما إذا يصلون جماعة أو يعم الجماعة والفرادى وفى انه مخصوص بمريد
الجماعة أو يعم ذلك وفى انه هل هو مخصوص بخصوص المسجد الذي له امام راتب أو مطلقا
أو يعم المسجد وغيره وفى ان السقوط هل هو رخصة أو عزيمة ولنذكر اخبار الباب لعله يظهر
لنا ببركتها حال المسألة: فاعلم أن مستند الحكم الأخبار المستفيضة منها خبر أبي على
قال كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فاتاه رجل فقال جعل فداك صلينا في المسجد الفجر وانصرف بعضنا
وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فاذن فمنعناه ودفعناه عن ذلك فقال أبو عبد الله
عليه السلام أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع فقلت فان دخلوا فأرادوا ان يصلوا فيه جماعة قال
عليه السلام يقومون في ناحية المسجد ولا يبدو بهم (ولا يبدو لهم خ ل) امام الحديث ورواية
السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام انه كان يقول إذا دخل الرجل المسجد وقد صلى
أهله فلا يؤذنن ولا يقيمن ولا يتطوح حتى يبدء بصلاة الفريضة ولا يخرج منه إلى غيره
حتى يصلى فيه وخبر أبي بصير قال سألته عن الرجل ينتهى إلى الامام حين يسلم فقال عليه السلام

119
ليس عليه ان يعيد الاذان فليدخل معهم في اذانهم فان وجدهم قد تفرقوا أعاد الاذان
وخبره الاخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم أيؤذن
ويقيم قال عليه السلام ان كان دخل ولم يتفرق الصف صلى بآذانهم وإقامتهم وان كان تفرق الصف
اذن وأقام وخبر عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام قال دخل رجلان المسجد
وقد صلى علي عليه السلام بالناس فقال عليه السلام لهما ان شئتما فليؤم أحد كما صاحبه ولا يوذن ولا يقيم
وعن كتاب زيد النرسي عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا أدركت الجماعة وقد
انصرف القوم ووجدت الامام مكانه وأهل المسجد قبل ان يتفرقوا أجزأك اذانهم
وإقامتهم فاستفتح الصلاة لنفسك وإذا وافيتهم وقد انصرفوا عن صلوتهم وهم جلوس
أجزأ إقامة بغير اذان وان وجدتهم قد تفرقوا وخرج بعضهم من المسجد فاذن وأقم
لنفسك وبإزاء هذه الأخبار موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن الرجل أدرك الامام
حين سلم قال عليه السلام عليه ان يؤذن ويقيم ويفتح الصلاة وخبر معوية بن شريح عن أبي عبد الله
عليه السلام انه قال إذا جاء الرجل مبادرا والامام راكع أجزأه تكبيرة واحدة إلى أن قال ومن
أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة وليس عليه اذان
ولا إقامة ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة.
والكلام في المقام تارة في التعارض بين الأخبار السابقة وهذين الخبرين وأخرى في
التعارض الواقع بين مدلول الأخبار السابقة حيث إن سقوط الأذان والإقامة في بعضها معلق
على عدم حصول التفرق وفى آخر على بقاء بعض من الجماعة الأولى وان حصل التفرق
بذهاب البعض الاخر.
اما المقام الأول فنقول ذهب بعض إلى حمل الخبرين الأخيرين على صورة التفرق
وهو في غاية البعد خصوصا بملاحظة فرض السائل في موثقة عمار ادراك الامام حين سلم والخبر
الثاني وان كان المفروض فيه ادراك الامام وقد سلم لكن من الواضح ان المصداق الواضح لهذا
العنوان هو حال عدم التفرق كما لا يخفى وذهب بعض الأعاظم إلى حمل الاخبار الأول
على الكراهة بمعنى المرجوحية بالإضافة حتى لا تنافى العبادية والخبرين الأخيرين
على أصل المشروعية والاستحباب وفيه نظر أيضا فان المبادرة إلى الصلاة من دون اذان وإقامة

120
أفضل بحسب الفرض فيكف يحسن مع هذا التعبير بمثل قوله عليه السلام عليه ان يؤذن ويقيم
نعم لو قال عليه السلام في هذا المقام لا بأس ان يؤذن ويقيم لكان هذا الجمع حسنا فالأولى
ان يقال بالتعارض وعدم الجمع العرفي فان بين قوله عليه السلام في بعض الأخبار السابقة
ليس عليه ان يعيد الاذان وفى بعض اخر لا يؤذنن ولا يقيمن وأمثال ذلك وبين قوله عليه السلام
عليه ان يؤذن ويقيم تعارضا قطعا والوجوه التي ذهب كل واحد إلى بعضها في مقام الجمع
ليست مما يرتضيه العرف نعم يمكن ترجيح الاخبار الأول في مقام التعارض من جهة
كثرتها واشتهار مضمونها بين الطائفة بحيث لأراد منهم لهذا الحكم ولا مخالف على
ما حكى عن الحدائق.
واما المقام الثاني فنقول قد يقال ان المراد من التفرق في الاخبار المعلقة
للسقوط على عدمه ليس المصداق العقلي للتفرق بين المجموع الحاصل بذهاب واحد و
لا المصداق العقلي للتفرق بين كل واحد الحاصل بذهاب المجموع بحيث لو ذهب
الكل الا اثنان منهم يبقى الحكم بالسقوط بل المدار على بقاء هيئة الصف وعدمه وان ذهب
البعض بل وان ذهب الأكثر مع قيام هيئة الصف بالباقين والحاصل ان سقوط الأذان والإقامة
فيما لم ينعدم آثار الجماعة ولو بقيام بعض بهيئة الصف نعم لو طال جلوسهم وصاروا مشتغلين
بأمر اخر أجنبي عن الصلاة لم يبعد عدم السقوط ومن هنا ظهر عدم المنافاة بين ما دل على
السقوط بعدم التفرق وما دل عليه بذهاب بعض وبقاء اخر وفيه ان استفادة هذا المعنى من
لفظ التفرق الوارد في الاخبار مشكل بيان ذلك أن مصداق التفرق وان كان يؤخذ من
العرف كما هو الحال في سائر المفاهيم المتعلقة للأحكام الشرعية في الاخبار الا انه من
الواضح اطلاق هذا المفهوم فيما إذا كان هناك أمور مجتمعة والمجتمع فيما نحن فيه
لا يخلو اما ان لوحظ بعض مجموع المصلين مع بعض اخر واما ان لوحظ كل فرد مع الاخر
على نحو الاستغراق الافرادي فعلى الأول المصداق العرفي للتفرق ذهاب بعض المجموع
ولو كان واحد وعلى الثاني المصداق العرفي له تفرق كل فرد من المصلين عن الاخر
بحيث لو بقى اثنان منهم لم يصدق التفرق عرفا نعم لو لم يبق الا واحد يصدق التفرق
بهذا المعنى نظير افتراق المتبائعين الحاصل بذهاب أحدهما وبقاء الاخر في مجلس البيع

121
ويؤيد اللحاظ الثاني مضافا إلى ظهور الأدلة رواية أبى على الظاهرة في أن بقاء البعض
موجب للسقوط وان لم يكن بهيئة الصف والجماعة.
فان قلت إن مقتضى تلك كفاية بقاء واحد منهم في السقوط مع انك قلت بان مقتضى
التفرق بالمعنى المذكور ثبوت الأذان والإقامة عند ذهاب الجميع الا الواحد قلت رواية
أبى على ظاهرة في بقاء أزيد من واحد الا ترى يقول دخل علينا رجل فاذن فمنعناه و
دفعناه ومن الواضح ظهور هذه الكلمات في أن الباقي للاشتغال بالتعقيب كان
أكثر من واحد:
في فروع المقام
فروع: الأول هل السقوط مبنى على الرخصة أو العزيمة التحقيق في ذلك أن
يقال ان أدلة استحباب الأذان والإقامة قد خصصت في المقام كما ذكرنا بيانه في مسألة
سقوط الاذان لعصر عرفة وعشاء المزدلفة ولا دليل هنا على بقاء أصل المشروعية وان كان
ممكنا كما سبق فيكفي لعدم المشروعية الأصل السالم عما يرد عليه ويؤيده قوله عليه السلام
في خبر أبي على للرجل المانع للمؤذن أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع نعم لو
جمعنا بين هذه الأخبار والخبرين الدالين على الاستحباب بحمل تلك على المرجوحية
أعني المرجوحية بالإضافة حتى لا تنافى الرجحان في حد نفسه وذينك على الرجحان لصح
القول بالاستحباب لكن قلنا بان هذا الجمع مما لا يرتضيه العرف فالخبر ان الدالان على
الاستحباب مطروحان في مقام المعارضة.
الثاني هل الحكم يختص بالمسجد أو يعم غيره مقتضى القاعدة الأول لان السقوط
مخالف للعمومات والمتيقن من تخصيصها فيما إذا نعقد الجماعة في المسجد ومقتضى
اطلاق بعض الاخبار الثاني ولا يعبد تنزيل الاطلاق منزلة الغالب فان انعقاد الجماعة
بحسب الغالب انما يكون في المسجد.
الثالث هل الحكم يختص بالجماعة أو يعم المنفرد الأقوى الأخير لاطلاق غالب
الاخبار فتخصيصه بالجامع مما لا وجه له " الرابع " هل الجماعة الثانية كالأولى في سقوط

122
الأذان والإقامة عمن يلحقهم قبل التفرق أولا من أنهم مثل الأولى في كون صلوتهم واجدة
للاذان والإقامة لأنهم صلوا بآذانهم وإقامتهم ومن خروجهم عن مورد الاخبار وكون
صلوتهم مع الأذان والإقامة للأولى انما يقتضى سقوطهما عنهم واما ان صلوتهم تكون
بمنزلة الصلاة المقرونة في جميع الآثار حتى في سقوطهما عمن يلحقهم فلا يدل عليه
دليل فمقتضى العمومات ثبوت الأذان والإقامة.
الخامس هل السقوط مختص بمريد الجماعة أو يعم غيره مقتضى الاطلاق الثاني
الا ان ينزل على المتعارف في ذلك الزمان وفيه منع فان المتعارف في ذلك الزمان الايتمام
عند ادراك الجماعة لان المتعارف ان كل من يقصد المجلس كان مريدا للجماعة فالقول
بالسقوط مطلق أقوى " السادس " اطلاق الاخبار لا يشمل صورة تعدد المكان عرفا و
لا صورة ادراك جماعة القضاء عن النفس أو الغير وبالعكس بل يمكن عدم شموله لصورة
تعدد الصلاة لمواظبتهم على أوقات الصلوات وان يصلوا كل صلاة في وقت معين غالبا في
ذلك الزمان فورد من عليه الظهر بعد مثلا على الجماعة التي أدت العصر نادر فمقتضى
القاعدة في الموارد المذكورة ثبوت الأذان والإقامة اقتصارا في الخروج عن العمومات على
المتيقن ولو احتاط في هذه الموارد بان يأتي بهما رجاء كان حسنا لعدم احتمال الحرمة
الذاتية فيهما غاية الامر عدم المشروعية فالحرمة ان كانت فهي من باب التشريع وهو
منتف باتيانهما رجاء والله العالم.
المقصد الثاني في أفعال الصلاة وهي اما واجبة أو مندوبة وفى الواجبات منها
أبحاث الأول في النية وهي واجبة في الصلاة اجماعا بل ضرورة فان كونها من الواجبات
العبادية من الواضحات بين أهل الاسلام وتوقف العبادة على النية مما لا يعتريه شك ولا ريب
والخلاف في أنها جزاء أو شرط مما لا فائدة فيه للاتفاق على أن تركها مبطل عمدا وسهوا
وبعض الثمرات التي توهم ترتبها على الجزئية كالتي توهم ترتبها على الشرطية مخدوش
وقد اشتهر الخلاف في أنها هل هي الداعي أو الاخطار بالبال بعد أن اتفقت كلمتهم
على أنه لو اقترن أول جزء العمل المستطيل بها لكفى وان غربت عن الذهن في الأثناء
ويعبرون عنه بالاستدامة الحكمية وتوضيح الحال يحتاج إلى بسط في المقال.

123
في شرح حقيقة النية
فاعلم أنه لا اشكال في أن الفعل الاختياري لابد من أن يسبقه إرادة باعثة عليه
منبعثة عن تصوره مشتملا على المصلحة أو دفع المضرة ولا فرق في العمل المركب من
الاجزاء المتدرجة في الوجود بين الجزء الأول منه وما عداه من الاجزاء في كون كل
منها اختياريا الا انه يكفي في اتصال ما عدا الجزء الأول بالاختيارية ما يبقى مرتكزا في
الذهن من التصور والقصد المتعلقين بمجموع العمل أو لا بل اتصاف الجزء الأول أيضا قد
يكون بهذا المعنى بان يكون للفعل مقدمات فتصور الفعل ومنفعته ثم اراده واشتغل به
مقدماته ثم بقى ذلك التصور والإرادة مرتكزين في نفسه إلى آخر العمل نعم يشترط في
اتصاف مجموع العمل بالاختيارية بقاء ذلك الامر الارتكازي في النفس فلو غرب عنها
بالمرة لم يكن الفعل مستندا إلى الإرادة والاختيار قطعا لان الإرادة السابقة انما توجد
الجزء المقترن بها لا غير ومما ذكرنا يظهر انه لا فرق بين العمل الواحد والعملين و
ان لم يكن بينهما جهة جامعة بحكم العادة النوعية أو الشخص فان ما يوجد في الخارج
ان كان في حال لم تكن الحالة الاجمالية المؤثرة موجودة في النفس وانما أوجده الفاعل
بواسطة العادة فلم يكن من الأفعال الاختيارية له قطعا سواء كان ذلك الموجود من اجزاء
العمل الواحد أو عملا آخر غير مرتبط بالسابق وان كان في حال توجد في نفسه تلك
الحالة فالموجود من آثار تلك الحالة سواء كان له جهة ربط مع السابق أم لا فما افاده
شيخنا المرتضى " قدره " في المقام مما لم افهم مراده ولننقل عبارته المتعلقة بالمقام قال ره
في كتاب الطهارة ما لفظه.
ثم المراد باجزاء الفعل ما كان مربوطا به بجامع بحكم العادة النوعية أو الشخصية
مثلا إذا تصور المختار المشي إلى السوق لأجل شراء اللحم فقام للبس ثيابه ونعله وكفى
القصد التفصيلي في أول قيامه واما لبس ثيابه ونعله فضلا عن أول جزء من المشي فيكفي
فيها الامر المركوز في النفس وان ذهل عن هذه الأفعال تفصيلا لكنها أفعال اختيارية
صادرة عن قصد واختيار يترتب عليها ما يترتب على الفعل الاختياري لو فرض صدوره من
أوله إلى آخره بالقصد والتصور التفصيلين نعم لو لم تكن الحركة اللاحقة مرتبطة

124
بالسابق لم يكتف بقصد المجموع في أول الامر بعد تصوره فمن أراد شراء اللحم ثم زيارة
مؤمن لم يكف في صدور زيارة المؤمن التصور والقصد المتعلقان في أول الشروع
بالشراء والزيارة بل لابد عند الاشتغال بالمشي للزيارة من تصور وقصد متجددين انتهى
كلامه رفع الله في الجنان مقامه.
إذا عرفت ما ذكرنا فنقول لا اشكال في توقف العبادة على كون الفعل اختياريا
بالمعنى الذي ذكرنا وان يؤتى به على وجه يوجب القرب سواء اتى به بداعي امره أم
بداعي رجحانه الذاتي أم بداعي المصلحة الموجودة فيه أم بداعي التقرب إلى المولى إلى
غير ذلك من الوجوه المحسنة للفعل الموجبة لصيرورة الفاعل ذا مزية على من لم يأت به
كك فمن يعتبر في العبادة النية بمعنى الاخطار بالبال ان كان غرضه اعتبار ذلك دون
ما ذكرنا فهو مقطوع الفساد لوضوح ان العبادة لا تتحقق مع الاخلال بما ذكرنا وإن كان
غرضه اعتبار شئ اخر زائدا على ما ذكرنا فيدفعه الأصل بعد القطع بكفاية ما ذكرنا
في تحقق العبادة فلا نطيل الكلام بذكر العبارات المتعلقة بالمقام.
فان قلت اعتبار ان يؤتى بالعمل على نحو يوجب القرب ان كان من جهة توقف
معنى العبادة عليه ففيه انه من المعلوم عدم التوقف ضرورة صدق العبادة على العبادات
المحرمة وعلى عبادة الصنم ونحو ذلك وان كان من جهة أخرى فما الدليل عليه.
قلت نعم لا يتوقف تحقق العبادة على ذلك ولكن الظاهر الاتفاق على ذلك ولذا
ذهب القائلون بعدم جواز اجتماع الأمر والنهي إلى بطلان الصلاة في الدار المغصوبة وليس
الوجه فيه الا عدم حصول القرب المعتبر في العبادة من الوجود الشخصي الذي يكون
مبغوضا ومبعدا.
في بيان مراتب القرب
ثم بعد ما عرفت ان العبادة لا تتحقق الا ان يؤتى بالفعل على نحو يوجب القرب
عند المولى فاعلم أن مراتب حصول القرب تختلف باختلاف مراتب الفاعل في كمال النفس
وضعفها فالانسان الكامل لا يقصد بطاعته الا أهلية المطاع للإطاعة فلا داعي له إلى

125
الفعل الا القيام بما يستحقه المولى من دون ان يلاحظ في الإطاعة عود فائدة إليه عاجلا
وأجلا حتى التقرب إلى المطاع وهذه مرتبة لا توجد الا للأوحدي بل كما قال به شيخنا
المرتضى قدس سره في مبحث النية من كتاب الطهارة لا ينبغي دعواها الا لمن ادعاها بقوله
صلوات الله عليه وعلى أولاده الطاهرين ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن
وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك ودونه في الكمال من يقصد بإطاعته فائدة راجعة إليه و
يختلف مراتب هؤلاء أيضا فقد يكون أقصى غرضه حصول القرب إلى المولى ولا يكون
شيئا أحب إليه من هذا وقد يقصد القرب إليه من جهة ان القرب إليه يوجب دخول الجنة و
البعد عن النار وقد يقصد بالطاعة الثواب الذي وعد المولى للمطيعين أو زيادة النعم
الدنيوية أو بقاء النعم التي أعطاها المولى إلى غير ذلك والحق ان كل ذلك لا ينافي العبادية
ولا تخرج العبادة عن كونها عبادة مع توسط عنوان الإطاعة لما نرى بالوجدان ان العبد
الذي يطيع المولى بغرض ان يشمله ألطافه يعد من المقربين ولولا ذلك لما صح عبادة
عامة الناس وكانت ينحصر تحققها في الأوحديين من الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم
وبالجملة فلا ينبغي الاشكال في صحة عبادة من يقصد بطاعته ان يصير موردا لاحسان
المولى وتفضله فما حكى عن القواعد من أن نية الثواب والعقاب توجب فساد العبادة وكذا
عن أجوبة المهنائية للعلامة ره اتفقت العدلية على أن من فعل فعلا لطلب الثواب أو
لخوف العقاب لا يستحق بذلك ثوابا لعله أريد بذلك ترتب الثواب على ذات العمل
من دون توسيط قصد الإطاعة بل من جهة انه من الخواص الذاتية للعمل وهو مما لا اشكال
فيه ومن هنا يظهر صحة صلاة الليل مثلا ان كان المقصود بها در الرزق بسبب إطاعة
المولى لا انه من الخواص المترتبة عليها ذاتا والله العالم.
في اعتبار قصد التعيين
بقى هنا أمور أحدها ان تعيين المأمور به وامتيازه في الذهن عما سواه يعتبر
من جهة توقف قصد الامر عليه إذ لا يدعو الامر الا إلى متعلقه وقد يكتفى بالتعيين
الاجمالي كالقصد إلى الصلاة التي اشتغلت ذمته بها في صورة عدم الاشتراك كمن يعلم

126
بان ذمته مشغولة اما بصلاة الظهر أو العصر وقد لا يكتفى بذلك كمن كان ذمته
مشغولة بصلاتين مختلفتين بالحقيقة متحدتين بحسب الصورة كمن يجب عليه الظهر
والعصر مثلا فلابد من تعيين الظهرية والعصرية إذ بدون ذلك لا يقع الفعل امتثالا لاحد
من الامرين لاستحالة الترجيح بلا مرجح ولو كان عليه الظهر أداء والعصر قضاء مثلا
فله ان يعين مورد كل من الامرين بالظهرية والعصرية وان يعينه بالأدائية والقضائية
ولو كان عليه الظهران أداء وقضاء فهل عليه ان يعين ما يأتي به انه أداء أو قضاء ظاهر
كلماتهم لزوم التعيين فان الظهر الأدائي له امر مستقل وموضوعه أربع ركعات
بعنوان الظهرية مقيدا بالوقت الخاص والظهر القضائي أيضا له امر مستقل وموضوعه
أربع ركعات بالعنوان المذكور ولكن لا مقيدا بوقت خاص وبعد فرض ان العبادة
تتوقف على أن يكون الامر داعيا له ان قصد إلى المقيد بالخصوص بداعي امره يقع
امتثالا للامر الأدائي وان قصد إلى المطلق بقصد امره يقع امتثالا للامر القضائي وان
قصد أصل العمل من دون ملاحظة التقييد والاطلاق فليس امتثالا لأحدهما وفيه انه بعد
فرض الأداء والقضاء حقيقة واحدة غاية الامر ان التقييد بايقاعها في الوقت في أحدهما
مأخوذ دون الاخر فما المانع من أن يأتي بتلك الحقيقة الواحدة بقصد كلا الامرين
بالاشتراك لان الفرض ان كليهما مشتركان في اقتضاء أصل العمل غاية الامر أحدهما
مع خصوصية قيد الوقت والاخر مع عدمه ولا يشترط في العبادة قصد الامر الخاص و
يمكن ان يقال انا نقطع بان موضوع امر القضاء ليس مجرد عنوان الظهر مثلا من
دون التقييد بالوقت والا كان اللازم الاكتفاء بظهر واحد في وقته لوضوح ان الاتيان
بالمقيد يكفي لامتثال المطلق بل كل من الامرين متعلق بفرد غير ما يتعلق الاخر به
ونقطع أيضا بان تعدد الظهرين لا يكون باعتبار الوجود كان يقول الامر أوجد ظهرا
وأوجد ظهرا اخر فان الامر بصلاة الظهر بالنسبة إلى من عليه قضاء ظهر ومن لم يكن
عليه على حد سواء فلابد ان يكون تعددهما بملاحظة الضميمة المقرونة بهما وليس
في الخارج الا كون أحدهما تداركا لما فات منه سابقا والاخر أداء لفريضة اليوم فلابد
ان يقصدا حتى يكون الامر المتعلق به داعيا له ولو علم كون الفعل مطلوبا ولكن

127
لا يعلم أنه واجب أو ندب يكفي القصد إلى ما هو مطلوب بهذا الطلب الشخصي وان كان
مجهولا عنده وصف الطلب بل ولو اعتقد وجوبه وكان ندبا في الواقع أو بالعكس صح
العمل إذ قصد حقيقة المطلوب الواقعي واتى به بداعي امره الواقعي واعتقاد ان مطلوبية
العمل على نحو الحتم أو على نحو الاستحباب لا يضر تخلفه عن الواقع كما لا ينفع
اصابته بعد خروجه عن مقصود الفاعل نعم لو كان المفصود هو وصف الوجوب الذي
اعتقده لا يصح لان المقصود غير واقع كما أن الواقع غير مقصود بل لا يبعد الصحة
لو بنى على وجوب ما كان مطلوبا بالامر الندبي تشريعا وبالعكس ولم يكن العمل في
الخارج مستندا إلى الوصف الذي بنى عليه تشريعا بل كان مستندا إلى الامر الموجود
الفعلي وان اثم بتوصيفه في النفس بخلاف ما كان عليه واقعا.
والحاصل ان المعيار في صحة العبادة ان يتحرك الفاعل بالامر الموجود المتعلق
بالعمل أو ببعض الجهات الموجودة فيه الراجعة إلى المولى وتخيل ان الامر الموجود
موصوف بوصف كذا والبناء عليه ما لم يكن مؤثرا في نفس الفاعل في ايجاد الفعل
لا دخل له في بطلان العبادة ولا في صحتها.
في رفع توهم اعتبار قصد الوجه
الثاني قد يقال بان قصد وجه المأمور به في الفعل الخاص معتبر في العبادات
عند التمكن ويتفرع على ذلك أمران أحدهما لزوم تحصيل العلم التفصيلي بالوجوب
أو الندب في الفعل الذي يقطع بتعلق الامر من الشارع به المردد بين الوجوب والندب
لان يأتي به بداعي وجه الامر المعلوم والثاني لزوم تحصيل العلم التفصيلي فيما إذا
علم بالوجوب مثلا وتردد متعلقة بين أمرين أو أزيد إذا تمكن من ذلك والتحقيق عدم
اعتبار ذلك وقد فصلنا الكلام فيه في الأصول ومجمل القول فيه ان منشأ توهم ذلك أحد
أمرين اما توقف صدق الإطاعة عقلا أو عرفا عليه واما احتمال دخله في غرض الشارع
وحيث انه من القيود الطارية على الامر ولا يمكن دخله في الموضوع فالأصل فيه
الاحتياط وفساد كليهما ظاهر:

128
اما الأول فلوضوح انه لو اتى شخص بفعل من دون اعمال الدواعي النفسانية
بل بمجرد انه مطلوب المولى موافق لغرضه وان لم يعلم أنه مطلوب بالطلب الحتمي
أو الندبي يعد مطيعا عند العقل والعقلاء وكذا لو اتى بفعلين مثلا بداعي أداء ما هو
واجب في الواقع.
واما الثاني فلعدم احتمال ذلك أولا إذ لو كان كك لكان له اثر مع كثرة ابتلاء
عموم الناس بالعبادة وكيف يمكن ان يكون لهذا المعنى الذي يغفل عنه عامة المكلفين
دخل في صحة عبادتهم ولا يوجد له ذكر في الكتاب والسنة أصلا وثانيا لا نجد فرقا
بين القيود الممكن اخذها في المأمور به وبين غيرها في البراءة والاحتياط فان
البراءة ان جرت في القيود المشكوكة كما هو مقتضى التحقيق تجرى في كلا المقامين
لان الميزان قبح العقاب مستندا إلى امر مجهول والابان يكتفى في البيان بأصل الخطاب
الموجود في البين فلا يختلف المقامان أيضا في لزوم الاحتياط والله العالم.
في الضمائم المباحة
الامر الثالث الضمائم المنضمة إلى داعي الطاعة على قسمين أحدها ما يوجب
تعيين الفرد واختياره من بين سائر افراد الطبيعة المأمور بها والثاني ماله دخل في
التأثير بالنسبة إلى نفس المأمور به في عرض داعي الطاعة وهو اما ان يكون من
الأمور الراجحة أو المحرمة أو المباحة.
اما القسم الأول والأول من القسم الثاني فلا اشكال في عدم اخلاله بالعبادة فان
اختيار الفرد من بين سائر افراد المأمور به لابد وأن يكون مستندا إلى غير الامر
المتوجه إلى الطبيعة لأنه لا يقتضى الا صرف وجود الطبيعة والخصوصية الزائدة عن صرف
الوجود خارجة عما يقتضيه الامر فلا محيص من أن يكون باختيار المكلف والضميمة الراجحة
كما في الأول من القسم الثاني تزيد العمل كمالا فلا تضر بالعبادة قطعا فالكلام في الضمائم
المباحة والمحرمة فهيهنا مقامان:
المقام الأول في الضمائم المباحة التي لها دخل في أصل العمل دون ماله دخل
في ترجيح الفرد وقبل التكلم في حكم هذا القسم لا بأس بتوضيح القسمين حتى يميز

129
بينهما فنقول توضيحا لذلك ان من يكن له داع إلى غسل الوجه واليدين ولا استعمال
الماء أصلا وقد امره الشارع بالوضوء فلابد له من اختيار ماء له اما الحار واما البارد ولو
اشمئزت نفسه من استعمال الماء لحار مثلا يختار الماء البارد وبالعكس وهذا ترجيح
راجع إلى داعيه النفساني لما عرفت من أن الامر بالطبيعة باعتبار صرف الوجود لا يقتضى
الفرد الخاص وهذا الوجود الخاص وان كان متأثرا من الداعيين ولكن داعي الخصوصية
غير مؤثر في أصل الوضوء المطلوب للشارع كما أن الداعي الشرعي غير مؤثر في
اختيار الفرد كما هو واضح ولعل من هذا القبيل أعني من قبيل ترجيح الفرد ما لو
فرضنا ان المكلف بالوضوء له قصد التبريد في حال الوضوء ويكون داعيه إلى ذلك من
قبل نفسه بحيث لا تقتضي الا صرف وجود هذه الطبيعة اما ايجادها بصب الماء على الوجه
أو بالرمس في الماء البارد أو بغير ذلك من الوجوه مثل الصاق الثوب الرطب على جسده
أو الجلوس في محل بارد فلابد ان يتعين بداع اخر وكذا امر الشارع بالوضوء
دعاه إلى ايجاد تلك الحقيقة من دون اقتضاء لخصوصية خاصة مثل ايجادها باستعمال
الماء البارد أو الحار فيختار المكلف بالوضوء الماء البارد للوصول إلى ذلك الغرض
النفساني في ضمن امتثال امر الوضوء كما أنه يختار صب الماء البارد على الوجه من بين
سائر افراد التبريد لأمر الشارع بالوضوء إذ لولا ذلك لم يكن له داع في خصوص هذا لقسم
من التبريد كما هو المفروض ففي هذا القسم يصح ان يقال عقلا ان الوضوء وهو الافعال
الخاصة لا يكون مستندا الا إلى امر الشارع وهو واضح ولكن لو كان الداعي الموجود
من قبل نفسه يقتضى خصوص صب الماء البارد على الوجه مثلا ولو من جهة عدم
تمكنه من فرد اخر أو غير ذلك من الجهات فصب الماء على الوجه الذي يكون أحد
اجزاء الوضوء اجتمع فيه داعيان أحدهما الامر بالوضوء والثاني الداعي الموجود من
قبل نفسه وبعبارة أخرى في القسم الأول الداعي النفساني اقتضى اختيار الماء
البارد في مقام الاستعمال واما الاستعمال المخصوص وهو الصب على الوجه فلم يكن
له إليه داع الا الامر بالوضوء وفى القسم الثاني اقتضى الصب على الوجه وهو الذي
يقتضيه الامر بالوضوء.

130
إذا عرفت هذا فلنرجع إلى المقصود وهو التكلم في الضميمة المباحة من قبيل
التبريد في الوضوء إذا كان داعي الفاعل يدعو إلى نفس ما يقتضيه الامر بالوضوء كما ذكرنا
فنقول هذا يتصور على اقسام.
أحدهما ان يكون داعي الطاعة والموجود في نفسه كلاهما تامين بحيث يصلح كل
منهما في نفسه ان يؤثر في الفعل مستقلا ولكن لما كان المحل غير قابل للتعدد سقط كل
واحد عن الاستقلال.
والثاني ان يكون كل منهما ناقصا بحيث لا يصلح للتأثير في العمل من دون
انضمام الاخر.
والثالث ان يكون داعي الإطاعة تاما وما يكون من قبل نفسه ناقصا.
والرابع عكس ذلك لا ينبغي الاشكال في بطلان القسم الرابع لان المستقل في
التأثير فيه هو الداعي النفساني لان ملاحظته تكفى في تحقق الإرادة في النفس ولا
تحتاج إلى انضمام ملاحظة داع اخر فح داعي الطاعة منعزل عن التأثير لان وجود
هذا الضعيف وعدمه سيان بالنسبة إلى العمل في الخارج نعم يظهر ثمرة ذلك الداعي الضعيف
فيما لو ضعف ذلك القوى وسقط عن التأثير لولا تأكده بهذا الداعي الضعيف فيدخل
ح في القسم الثاني من الأقسام الأربعة المذكورة والحاصل ان الداعي الضعيف إذا
انضم إلى الداعي القوى التام في التأثير فله شأنية التأثير بالضميمة لا ان الأثر
الفعلي يستند إليه ولو في الجملة كما أن الظاهر صحة عكس ذلك وهو ما يكون
داعي الطاعة تاما وذلك الاخر ناقصا لان الفعل في الخارج مستند إلى داعي الطاعة
والاخر ليس له الأثر فعلا وكذا ينبغي الجزم ببطلان القسم الثاني وهو ما إذا كان
كل من الداعيين ناقصا فان الفعل الموجود بتأثير مجموع الامرين من امر المولى
والاغراض النفسانية لا يسمى إطاعة للمولى وعبادة له انما الاشكال في القسم
الأول فقد يقال بالصحة كما نسب إلى كاشف الغطاء ولعل الوجه في ذلك أن المعتبر
في العبودية ان يصير العبد بحيث يكون تأثير أو امر المولى في نفسه بالنسبة إلى
متعلقاتها كتأثير العلل التكوينية في معلولاتها ومن ارتاض نفسه بهذه المثابة ووصل إلى

131
هذه المرتبة فمتى يأمر المولى يتحرك عضلاته نحو المأمور به بواسطة الامر ويتقرب بواسطة
تلك الحركة إلى المولى لأنه عبد تهيأ لتحصيل مقاصد المولى غاية الامر لو لم يكن له
غرض نفساني في الفعل فالمستند في ايجاد الفعل هو الامر مستقلا وان كان له غرض أيضا
فالمستند هو المجموع لا من باب عدم تأثير امر المولى في نفسه بل من جهة عدم قابلية
المحل لان يستند إلى كل واحد مستقلا واستحالة الترجيح من دون مرجح فكما ان
الأول مقرب له عند المولى كك الثاني فان ملاك القرب في الأول صدور الفعل من عبد تابع
لإرادة المولى وهذا لمعنى موجود في الثاني أيضا ويشهد لهذا انه لو امر آمران بفعل واحد
وكان الشخص بحيث يؤثر كل واحد من الامرين في نفسه ثم اتى بذلك الفعل امتثالا لهما
يصير مقربا عند كل منهما:
نعم يمكن تخليص داعي الطاعة بان يأتي بما يحصل به غرضه في ضمن شئ اخر ان
أمكن أو تضعيف الداعي النفساني بحيث يسقط عن الأثر لكن لا دليل على وجوب
ذلك بل لا يتفق الثاني الا لمثل النفوس الزكية التي لا ترى شيئا الذي من إطاعة أوامر المولى
فإذا تعلق امر من المولى بما تشتهيه أنفسهم أغمضوا عن مراداتهم وهموا بإطاعة المولى
لأنه لا شئ أهم عندهم من ذلك نعم لاشك في أن هذا النحو من العبادة أتم وأكمل
انما الكلام في الدليل على وجوب هذه المرتبة من العبادة بعد صدقها على المرتبة
النازلة وآية الاخلاص تدل على وجوب تخليص عبادة الله عن عبادة الأوثان و
الأدلة الحاصرة للعباد فيمن يعمل طمعا في الثواب ومن يعمل خوفا من العقاب
ومن يعمل حبا لله انما تدل على بطلان العمل المستند إلى شئ آخر بدل
هذه الأمور ولا تنافى صحة عمل من يوجد أحد هذه الأمور في نفسه تاما وانما
استند العمل فعلا في الخارج إليه والى شئ آخر لعدم قابلية المحل لان يكون مستندا
إلى كل واحد مستقلا والحاصل ليس في الأدلة ما يدل على لزوم استقلال
داعي الطاعة بعد وصوله مرتبة يصلح لان يكون مؤثرا نعم لو ثبت اجماع في المقام
نستكشف منه ان القرب المعتبر في العبادة ما يحصل بتخليص داعي الطاعة وهو
ممنوع ويشهد لهذا ذهاب المشهور كما في المدارك إلى صحة ضم المتوفى إلى نية

132
القربة فوائد اخر كالتبريد والتسخين وغيرهما اللهم الا ان ينزل كلام المشهور على
صورة تبعية قصد تلك الفوائد أعني صورة ضعف الداعي إلى تلك الفوائد وكمال داعي
الطاعة بحيث لا يكون المؤثر فعلا الا داعي الطاعة أو ينزل على الصورة التي تقدم
الإشارة إليها وما ذكرنا في تقريب الاكتفاء في العبادات بمجرد كون الداعي الطاعة صالحا
للتأثير من أنه لولا ذلك لزم عدم امكان تحقق العبادة في بعض الأوقات الا للنفوس الزكية
مخدوش بان الداعي على الشئ وان كان قويا يتمكن الانسان من عدم الإرادة على طبقه
ولولا ذلك لم يمكن النهى عما يشتاق إليه الانسان كمال الاشتياق فإذا جاز للمكلف ان
لا يريد ما يشتاق إليه النهى الشارع جاز له أيضا ان لا يريده لان يكون عمله خالصا لله تعالى
شأنه ويشهد لهذا ان مراجعة كلماتهم توجب الاطمينان باعتبار الاخلاص في العبادة
عندهم وهو لا يتحقق الا مع وجود داعي الطاعة في العمل والخلو عن دواع اخر الا ان
يقال ان المقصود من الاخلاص في كلماتهم عدم الاحتياج إلى الضميمة كما في الفرض و
كيف كان فالأحوط في المقام ترك تلك الضمائم والله تعالى هو العالم.
في الضمائم المحرمة
المقام الثاني في الضمائم المحرمة وأوضح افرادها الرياء أعاذنا الله منه وحرمته
ثابتة بالنصوص بل الاجماع القطعي ودخله في العمل على أنحاء تارة يكون علة مستقلة و
أخرى جزء لها اما لنقص كل من الجزئين واما لعدم قابلية المحل وثالثة يكون تبعا
لإرادة الطاعة على نحو ما ذكرنا في الضميمة المباحة ورابعة يكون موجبا لترجيح فرد
بين سائر افراد طبيعة الطاعة وتصويره ان يكون له داع لأصل الطاعة كاملا وكذا له داع
اخر لإرائة طاعته ليمدحه الناس فالامر بالصلاة مثلا اقتضى اتيان الطبيعة المذكورة
بأي نحو من الوجود فهو يتحرك إلى أصل الصلاة من قبل الامر بها خاصة ولكن اختيار
ايجادها بمحضر من الناس يكون من جهة مدحهم إياه وهذا الداعي اما نشأ من قبل امر
الشارع بمعنى انه لولا الامر بالصلاة لم يكن له داع لتحصيل المحبوبية عند الناس ولكن
لما ألجأه الامر بالصلاة إلى اتيانها والمفروض عدم اقتضاء الامر الا نفس متعلقه من دون

133
اقتضاء كيفية خاصة فيأتي بالصلاة بداعي الامر بها خاصة ولكن بمحضر من الناس بداعي
مدحهم إياه واما انه كان في نفسه ولكن لولا امر الشارع بالصلاة لتوصل إلى غرضه
بموجب اخر ولما صار مكلفا بالصلاة والمفروض عدم اقتضائه الا اتيان صرف وجودها
اختيار اتيانها بمحضر من الناس جمعا بين الطاعة والوصول إلى غرضه كما مر نظير
ذلك سابقا في مثال الوضوء.
إذا عرفت ذلك فنقول بطلان عمل المرائي وعدم اجزائه مشهور بين العلماء رضوان الله
عليهم أجمعين والمنسوب إلى المرتضى قدس سره عدم البطلان وان كان ساقطا عن مرتبة القبول
بمعنى ترتب الثواب عليه وهذا الكلام محجوج عليه باخبار الباب الظاهرة في البطلان و
كيف يمكن الالتزام بصحة العمل عبادة مع امرة تعالى الملائكة ان يجعلوه في سجين كما
هو مقتضى بعض الاخبار وبالجملة التمسك بالاخبار كفانا مؤنة تطبيق بطلان عمل
المرائي على بعض القواعد الاخر كعدم الخلوص في النية أو امتناع اجتماع العبادة مع
المحرم الا ان الكلام في أن الاخبار هل تشمل تمام الصور التي ذكرناها أو هي
مختصة بالبعض:
اما الصور الثلث المتقدمة أعني صورة استقلال داعي الرياء في التأثير وصورة
اشتراكه مع داعي الطاعة اما بان يكون كل منهما ناقصا أو كان كل منهما صالحا للتأثير
ولكنهما سقطا عن الاستقلال لوحدة المتأثر فهي المتيقن من اخبار الباب واما الأخيرتان
فيمكن منع شمولها لهما لان مدلولها ان ما يكون محرما هو اظهار العبادة على خلاف ما
في السريرة بمعنى انه يظهر للناس كون العمل لوجه الله خالصا ولم يكن كك في الواقع
فلا يدخل فيها من يظهر العمل الخالص لله لغرضه النفساني وبعبارة أخرى لم يظهر من اخبار
الباب فساد العمل من جهة اظهار ما في سريرته واقعا بل الفساد فيما أظهر ما لم يكن
في سريرته ومن هنا تعرف عدم كون هذا القسم من الرياء المحرم في الاخبار فما افاده
شيخنا المرتضى قدس سره من بطلان هذا معللا بحرمة هذا الفرد وبظهور الأخبار الدالة على
بطلان العمل لغير الله مع أنه يصدق على هذا العمل الشخصي انه لغير الله تعالى مخدوش
اما الحرمة فلما عرفت من أن الاخبار لا تدل الا على حرمة اعلان العبد في مقام الطاعة على

134
خلاف ما يسير واما البطلان فلان الخصوصية لا يقتضيها امر الشارع فلا محيص الا ان يؤتى
بها من داع آخر فلو أخل بالعبادة هذا النحو من الدخل لبطل كل عبادة إلا ما اتى بتمام
خصوصياته الشخصية الخارجة عن المأمور به بداعي الإطاعة ولو لأمر آخر وهذا فاسد
قطعا والحاصل ان الاخبار انما تدل على حرمة العمل بداعي الاظهار عند الناس في محل
يقتضى امر الشارع ان يؤثر فيه واما لو كان هذا لاظهار بعد الفراغ عن تأثير امر الشارع
في الطبيعة فلا دلالة في الاخبار على افساده ولا على حرمته.
نعم لو كان الاتيان بالخصوصية ولو بعد الفراغ من تأثير الامر بالطبيعة من جهة
الرياء في تلك الخصوصية كمن يصلى في المسجد لاظهار انه طالب لامتثال هذا الامر
الاستحبابي ولم يكن كك واقعا فهو من الرياء المحرم ويفسد أصل الصلاة أيضا لأنه موجود
بوجود هذا المحرم ولو كان مقصود المرائي اظهار الكون في المسجد وانه يحب الإقامة
فيه فصلى مع داعي القربة في أصل صلوته فصحة الصلاة وبطلانها مبنيان على جواز اجتماع
الأمر والنهي وعدمه والفرق بينه وبين الفرع السابق ان المفروض في السابق كون المرائي
قاصدا للصلاة في المسجد فالمحرم هو هذا العنوان فيكون من قبيل النهى في العبادات
وفى الأخير مقصود المرائي إرائة الكون في المسجد فيكون هذا الكون محرما فيتحد في
الخارج مع الكون الصلاتي كالكون في المكان المغصوب المتحد معه والله العالم.
بقيت في المقام صورة أخرى وهي ان يكون داعي الطاعة في نفسه مؤثرا تاما ولكن
في نفسه أيضا داع ضعيف غير قابل للتأثير مستقلا فإذا اتى بالعبادة والحال انه كذلك
فهل يكون مصداقا لمن ادخل في عمله رضا غيره تعالى كما هو مدلول بعض الاخبار نظرا
إلى أن الداعي الضعيف وإن كان غير مؤثر مستقلا ولكنه لما انضم إلى الداعي القوى صار
منشئا لزيادة الشوق إلى العمل فيكون العمل مستندا إلى هذا الداعي المؤكد قد
يقال بان الواقع وان كان كك ولكن مقتضى بعض الاخبار صحة العمل الذي يأتي به
وإذا رآه بعض الناس يسر بذلك فان السرور عند رؤية الناس يكون منشئا لزيادة
الشوق والعمل يستند إلى الشوق المؤكد ويمكن ان يقال ان بعض الاخبار المتضمن
لعدم الباس بالسرور برؤية الناس محمول على أن السرور بعد تأثير داعي الامر في

135
نفسه وبعبارة أخرى يسر ان يرى الناس اطاعته الواقعية فلا يكون هذا النحو من السرور
ضميمة لداعي الطاعة فافهم.
ولو قصد الرياء في الاجزاء المندوبة يفسد تلك الأجزاء ولم يكن آتيا بأفضل
الافراد وهل يفسد بذلك أصل الصلاة الأقوى العدم لأنه يصدق على المقدار الواجب من
الصلاة انه اتى به بقصد الطاعة خالصا وتوهم دخول العمل المفروض فيما ادخل فيه
رضى غير الله تعالى فيفسد من أصله بمقتضى بعض الاخبار فاسد فان دخوله في هذا
العنوان انما يكون بملاحظة المجموع المشتمل على الجزء المستحب ففساده بهذه
الملاحظة لا يقتضى الا سقوطه عن كونه أفضل الافراد لا عدم اجزائه من الطبيعة المأمور بها
هذا في الاجزاء المندوبة.
واما الاجزاء الواجبة فلا اشكال في أنه لو اتى بها رياء لم يكن ممتثلا بهذا العمل
و ح فلو لم يكن التدارك فالعمل فاسد من أصله وان أمكن التدارك فالبطلان يبتنى
على صدق الزيادة العمدية على هذا الجزء الماتى به رياء وفى شمول أدلة الزيادة للمورد
منع واضح فلا يبعد القول بالصحة بالتدارك إذا لم يكن موجبا للفساد من جهة أخرى
مثل كون ما اتى به رياء من الافعال الكثيرة الماحية لصورة الصلاة مثلا والله العالم.
في تكبيرة الافتتاح
البحث الثاني في تكبيرة الافتتاح وهي واجبة في الصلاة اجماعا وتبطل الصلاة
بنقصها عمدا وسهوا للاخبار الامرة بإعادة الصلاة إذا ترك التكبيرة سهوا كصحيحة
زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح قال عليه السلام يعيد و
صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام في الذي يذكر انه لم يكبر في أول صلوته
فقال عليه السلام إذا استيقن انه لم يكبر فليعد ولكن كيف يستيقن وصحيحة الفضل بن
عبد الملك وابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلى ولم يفتتح بالتكبير هل
يجزيه تكبيرة الركوع قال عليه السلام لا إلى غير ذلك من الأخبار الآمرة بإعادة الصلاة
بترك التكبيرة نسيانا فإنها كثيرة جدا وفى مقابل هذه الروايات روايات أخر دالة

136
على أن الناسي لا يجب عليه الإعادة كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن
رجل نسى ان يكبر حتى دخل في الصلاة قال عليه السلام أليس من نيته ان يكبر قال نعم قال
عليه السلام فليمض على صلوته وصحيحة البزنطي عن الرضا عليه السلام قال قلت له رجل نسى ان
يكبر تكبيرة الاحرام حتى كبر للركوع قال عليه السلام أجزأه وحملها الشيخ ره على
صورة الشك وهو بعيد جدا فان تم الاجماع كما هو الظاهر فهو والا فالجمع بحمل
الأخبار الآمرة بالإعادة على الاستحباب أولى.
ثم إن المعروف بينهم بل المسلم ان تكبيرة الافتتاح ليست الا واحدة وهي ركن
تبطل الصلاة بزيادتها ونقصها مطلقا فلو كبر ثلثا أو سبعا فليجعل إحدى التكبيرات تكبيرة
الافتتاح ولو قصد الافتتاح بالأولى ثم بالثانية تبطل كلتاهما فيحتاج الصلاة إلى ثالثة
بقصد الافتتاح وهكذا تبطل بالشفع وتصح بالوتر هذا ولكن الناظر في الاخبار يقطع
بان مفادها غير ما أفتوا به فان مفاد الاخبار ان افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات أفضل
ودونه في الفضل ثلث ودونه واحدة وهي أول مرتبة الاجزاء وأين هذا من أن افتتاح
الصلاة انما يكون بالتكبيرة الواحدة والبقية تكون خارجة عن تكبير الافتتاح حتى
لو قصد بالتكبيرين الافتتاح بطل كلاهما ولنذكر في هذا المقام بعض الاخبار تيمنا
ففي رواية زيد الشحام قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الافتتاح فقال عليه السلام تكبيرة تجزيك
قلت فالسبع قال عليه السلام ذلك الفضل وعن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام الامام
تجزيه تكبيرة واحدة وتجزيك ثلاثا مترسلا إذا كنت وحدك وعن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليه السلام قال التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزى والثلث أفضل و
السبع أفضل كله وفى خبر أبي بصير إذا افتتحت فكبر ان شئت واحدة وان شئت
ثلاثا وان شئت خمسا وان شئت سبعا وكل ذلك مجز عنك وقس على ذلك باقي
الاخبار ولكن المعروف بين الأصحاب كون الافتتاح بواحدة الا والد المجلسي قدس سرهما
حيث إن المحكى عنه كون الافتتاح بمجموع ما يختاره من الثلث أو الخمس أو السبع
لظاهر الاخبار ولقد أجاد في فهم الاخبار.
وكيف كان فعلى المعروف هل يتعين ان يقصد الافتتاح بالأولى أو بالأخيرة أو

137
يتخير في السبع أيها شاء أو يتخير بين التعيين وعدمه بان يجعل تكبيرة الافتتاح
واحدة من السبع من دون تعيين يدل على الأول الخبران الواردان في علة زيادة الست
على تكبيرة الاحرام وهي ان الحسين (ع) كان إلى جنب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فافتتح رسول
الله ولم يحر الحسين عليه السلام بالتكبير ثم كبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يحر الحسين
عليه السلام وهكذا حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وآله سبعا فأحار الحسين عليه السلام في السابعة وعلى
الثاني رواية أبي بصير وفيها بعد ذكر الدعاء بعد التكبيرات الثلث بقوله اللهم أنت
الملك الحق المبين والدعاء عقيب الاثنتين بقوله لبيك وسعديك وعقيب السادسة
بقوله يا محسن قد اتاك المسيئ قال عليه السلام ثم كبر للاحرام وفى الرضوي واعلم أن
السابعة هي تكبيرة الاحرام ولا يخفى ان شيئا مما ذكر لا يصلح لان يكون مستندا
للوجوب بل لا دليل على لزوم التعيين فلا يبعد الاكتفاء بالقصد الاجمالي بواحدة من
السبع وان كان الأحوط جعلها الأخيرة حذرا من مخالفة الاجماع المدعى في الغنية
ولو كبر ونوى الافتتاح ثم كبر ثانيا كك فلو فعل ذلك عمدا فلا اشكال في بطلانه
وابطال الأول اما الأول فلكونه تشريعا محرما واما الثاني فلكونه زيادة عمدية فتأمل
ولو فعل سهوا فابطاله للأول مبنى على الركنية المصطلحة على ما هو المعروف بينهم
وان منعنا ذلك فلا يضر بالتكبير الأول ولا يجب عليه التكبير الثالث ثم على تقدير
كون الزيادة مبطلة وان كانت سهوا تبطل التكبيرة الأولى وهل تنعقد الصلاة بالثانية
قد يقال بعدم المانع من حصول الاثرين بها الابطال والانعقاد لان المانع في الصورة الأولى كون
الثانية محرمة والمفروض عدم الحرمة في هذه الصورة وفيه ان المبطل انما صار مبطلا لتضاده
مع الأثر المقصود من العمل فكيف يمكن ان يكون مع ذلك جزءا له هذا إذا لم ينو الخروج قبل
التكبيرة الثانية أو نواه وقلنا بان نية الخروج ليست بمؤثرة والا تنعقد الصلاة بالتكبيرة
الثانية ثم لا يخفى ان الحكم ببطلان الصلاة هنا لا يستلزم الحكم ببطلان صلاة من زعم
تمام صلوته فاحرم لصلاة جديدة لان التكبيرة الثانية ليست زيادة لا في الصلاة الأولى ولا في
الثانية هذا ثم اعلم أن تكبيرة الافتتاح جزء من الصلاة ولا خلاف في ذلك كما أنه
لا خلاف أيضا في أن حرمة المنافيات انما هي بعد تماميتها قد يشكل ذلك باطلاق ما دل

138
على حرمة المنافيات في الصلاة ويقتضي بان الفراغ منها كاشف عن جزئيتها من أول
الامر جمعا بين أمور ثلاثة أحدها حرمة المنافيات في أثناء الصلاة والثاني عدم حرمتها
الا بعد تمامية التكبير والثالث كون التكبيرة مركبة من اجزاء ومتى صار مشغولا بها
فهو داخل في الصلاة والقول بان الفراغ كاشف عن الجزئية من أول الامر من جهة رعاية
الأمور المذكورة لان من اتى بالمنافي قبل تمامية التكبيرة لم يأت به في الصلاة لان ما
اتى به ليس جزء للصلاة ويمكن التفصي بوجه اخر وهو ان ما هو جزء جزء للصلاة ليس مجرد اللفظة
المخصوصة التي هي مركبة من اجزاء بل الجزء في الحقيقة اظهار كبريائه جلت عظمته
بلفظ مخصوص وهو امر بسيط وان كان محصله مركبا فما لم يفرغ من اللفظ المخصوص
بتمامه لم يتحقق جزء الصلاة ويمكن التفصي بوجه اخر وهو ان عموم حرمة المنافيات
في الصلاة ليس عموما عقليا غير قابل للتخصيص وإذا دل الدليل على عدم حرمة المنافى
الا بعد الفراغ من التكبيرة يخمص به عموم ما دل على حرمة المنافى في الصلاة مطلقا.
وصورتها ان يقول الله كبر فإنه هو المتعارف من التكبير المنقول من صاحب
الشرع صلى الله عليه وآله والتابعين له صلى الله عليه وآله وسلم فيكون الاجتزاء به من القدر المتيقن والاشكال بان
ذلك لا يكون دليلا على التعيين فما امر به مردد بين المطلق والمقيد فيكفي للقول
بالاكتفاء بغير الصورة المذكورة من الصور التي يمكن ان تؤدي أصالة البراءة عند من
يرى جريانها في نظير المقام كما قويناه في الأصول بعد فرض عدم الدليل على التقييد
والاطلاق كما هو المفروض مدفوع بان المأمور به ليست القضية الدالة على كبريائه
جل جلاله وتردد الامر بين ان يكون الواجب اتيانها بصورة معينة أو مجرد التكلم بها بأي
صورة كانت بل العنوان المأمور به هو تكبيرة الافتتاح وهي التي سميت بتكبيرة الاحرام
وبها يدخل المكلف في حريم الصلاة ولا اشكال في أن ذلك ليس وظيفة كل تكبيرة
فإذا علم أن الصورة الخاصة من التكبيرة يتحقق منها هذا المعنى المطلوب يجب ان
يقتصر عليها لأنه يقطع ح بفراغ ذمته من المطلوب المعين بحسب المفهوم إذ لو اتى
بصورة أخرى غير معلومة يشك في البراءة بعد القطع باشتغال ذمته ومعنى البراءة في
الشك في قيد المأمور به ان اشتغال الذمة بغير المفهوم الجامع بين المطلق والمقيد غير

139
معلوم وهنا ليس كك لان اشتغال الذمة بالتكبير المحقق لافتتاح الصلاة معلوم كما هو
المفروض وإذا جاء بكيفية يشك في أنه محقق للافتتاح يشك في براءة ذمته بعد اليقين
بالاشتغال نعم لو كان في مثل المقام أصل شرعي يحرز به عنوان المأمور به نستريح به
كما لو قلنا بان المأمور به في باب الوضوء والغسل هو الطهارة فقد تحرز نفس الطهارة
بواسطة الاستصحاب مثلا وقد تحرز بواسطة تنزيل موضوع مقام المحصل للطهارة كما يقال
لذي الجبيرة مثلا اغسل الجبيرة أو امسح على الجبيرة فيفهم ان الغسل والمسح
المذكورين يفيدان فائدة الغسل والمسح على البشرة في إفادة الطهارة وكذا الحال في
الاجزاء مثل ما اشتغل ذمته بقراءة الحمد في الصلاة فإنه ليس له عقلا ان يكتفى الشك في
الاتيان الا ان يأذنه الشارع بالاكتفاء بالمشكوك كما في الشك بعد المحل
وبعد الفراغ.
فان قلت أي فرق بين الشرط والمانع حيث إن المشكوك في الثاني يتمسك فيه
بحديث الرفع وان كان المورد من قبيل الشك في محصل دون الأول مثلا لو أمرنا بتحصيل
الطهارة ودلنا الشارع على أن طريق تحصيلها الغسلتان والمسحتان وشككنا في أن
الاشتغال بأمر من الأمور غير الوضوء مانع لتحصيل الطهارة أولا أفلا يدفع هذا الاحتمال
بحديث الرفع ويقال بحصول الطهارة شرعا مع وجود الاحتمال المذكور ما الفرق بين
هذا الاحتمال واحتمال اعتبار ان يكون الغسل من الأعلى إلى الأسفل فكما يصح في
السابق رفع مانعية الشئ المشكوك بحديث الرفع كك يصح في المثال الثاني رفع قيدية
المشكوك به وكما يترتب على الفرض السابق حصول الطهارة مع ذلك المانع المشكوك
كك يصح في المثال ان يقال بحصول الطهارة مع عدم ذلك القيد المشكوك.
قلت لا نضايق رفع الشرطية المحتملة بحديث الرفع كما أنه ترفع به المانعية
المحتملة لأنهما من باب واحد بمعنى ان جريان الأصل في كل منهما من جهة انهما
مما تناله يد تصرف الشارع ولكن ليس الشك في كون الشئ مقيدا بأمر شكا في
شرطية ذلك الامر مثلا لو قال الامر أعتق رقبة مؤمنة فليس الامر المذكور أمرا بعتق
الرقبة وجعل كونها مؤمنة شرطا للصحة بل الامر تعلق موضوع واحد وهو المقيد وان

140
كان ينسب إلى المهملة ويمكن ان يقال ان حديث الرفع على تقدير كونه ناظرا إلى
جميع الآثار ينصرف إلى الموضوعات التي لها اثار من قبل الشارع بالاستقلال فليتأمل
ومما يؤيد تعين الصورة المعهودة المتعارفة الاجماع لمدعى في الغينة والمنتهى على أن الله
تعالى لا يقبل صلاة امرء حتى يضع الطهور مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر و
العاجز من أداء التكبيرة بالكيفية المعتبرة ان قدر على تعلمها في الوقت يجب عليه وان
قدر قبل الوقت مع العلم بعدم التمكن بعده يجب عليه لنعلم قبل الوقت كما هو الحال في
كل مقدمة للعمل الواجب في الوقت المتأخر إذا لم يقيد وجوبه بالقدرة في الوقت كما
بين ذلك في البحث عن وجوب المقدمة ولو عجز عن التعلم ولكن يحتمل حصول العلم له
في اخر الوقت فليس له البدار إلى العمل وقياس ذلك بمن عجز عن الطهارة لمائية في أول
الوقت مع رجاء القدرة في اخره أو من عجز عن الساتر كك لا وجه له فان التمكن والعجز
في المثالين قيد شرعي فيمكن ان يتمسك باطلاق خطاب التيمم للعاجز عن استعمال الماء
وكذا باطلاق مشروعية الصلاة عاريا للعاجز عن الستر لتصحيح عمل العاجز في أول الوقت
واما فيما نحن فيه فالتمكن شرط عقلي ولا يجوز عند العقل الاكتفاء بالفعل الاضطراري
مع رجاء التمكن من الاختياري هذا مضافا إلى أن الأقوى في المثالين أيضا عدم جواز البدار
بواسطة اطلاق مادة الخطاب بالفعل التام:
نعم قد يقال بعدم ثبوت الجزئية المطلقة للتكبيرة بالكيفية المخصوصة بل
المتيقن هو الجزئية المطلقة لأصل التكبير وهو الثناء على الله تعالى بصفة الكبرياء واما
كون ذلك في ضمن القول المخصوص فهو انما ثبت بالنسبة إلى القادر بالفعل واما العاجز
فعلا عن أداء القول المخصوص فيبقى له اطلاق دليل التكبير المتحقق بغير هذه الطريقة
وان أبيت عن الاطلاق فيكفي له الأصل وفيه ان الأخبار الواردة في التكبير ليست في
مقام بيان التكبير المجزى حتى يؤخذ باطلاقها مضافا إلى امكان كون لفظ التكبير
من المصادر الجعلية مثل الحوقلة والبسملة وعلى هذا يكون عبارة عن لفظ مخصوص واما
الأصل فقد عرفت ان المقام مما يجرى فيه قاعدة الاشتغال للعلم بوجوب ما يفتح به الصلاة
ويدخل به فيها ومتى شك في ذلك يجب عليه الاحتياط ولو ضاق الوقت أو تحقق عجزه من

141
تعلمه قبل فوات الوقت فتارة يقدر على الاتيان بالملحون من التكبيرة بحيث يصدق
عليه التكبرة عرفا وأخرى لا يقدر على ذلك فان كان قادرا على الاتيان بالملحون فالظاهر
وجوبه مقدما على الترجمة لقاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور مضافا إلى قوله عليه السلام
في خبر عمار لا صلاة بغير افتتاح تقريب الاستدلال به انه بعد القطع بان العاجز مكلف
بالصلاة والمفروض عدم تحققها بغير افتتاح يلزم ان يكون متعلق امره هو الذي يقدر
عليه والا لزم أحد الامرين اما عدم وجوب الصلاة عليه شرعا واما التكليف بالمحال و
الأول خلاف الفرض والثاني محلا عقلا والا فهل يحرم بالترجمة أي ما يرادفها من لغة
أخرى أو يسقط منه نسب في المدارك لزوم الترجمة إلى علمائنا وقال هذا مذهب علمائنا
وأكثر العامة وقال بعضهم يسقط التكبير عمن شأنه هذا وقد يقال في وجه لزوم الترجمة ان
الواجب بمقتضى الأدلة التكبير وهو ظاهر بحسب وضعه اللغوي في مطلق الثناء على
الله تعالى شأنه بصفة الكبرياء والقدر المتيقن من تقييده بالصيغة الخاصة انما هو بالنسبة
إلى القادر فيبقى على اطلاقه بالنسبة إلى العاجز.
وفيه أولا ان المطلوب ليس اظهار المعنى باللفظ الخاص لان ذلك لا يتحقق الا مع
الالتفات إلى الموضوع والمحمول والجزم بالنسبة الخبرية وانى يتحقق ذلك لذوي
الألسن المختلفة واللغات المتشتتة مع أن تكبير الافتتاح واجب على العامة لا أقول بان
الواجب قصد اللفظ المجرد عن المعنى بل أقول ان الواجب ليس الا ذكر اللفظ وثانيا
ان الدليل دال على لزوم التكبير لي في مقام بيان كيفية حتى يؤخذ باطلاقه نعم
لو كان المطلق اظهار الثناء على الله عز وجل بصفة الكبرياء وأغمضنا عن الخدشة الأولى
لأمكن القول بلزوم الترجمة على العاجز لقاعدة لزوم الميسور بخلاف ما لو قلنا بلزوم
لفظ الخاص فان الترجمة بلغة أخرى مباينة له كما لا يخفى.
ويمكن ان يستدل بخبر عمار المشار إليه سابقا لا صلاة بغير افتتاح بتقريب ان
حقيقة الصلاة لا تتحق من دون الافتتاح والعاجز عن التكبيرة باللفظ المعهود بعد فرض
عدم السقوط الصلاة عنه واستحالة التكليف بالمحال يعلم بان تكليفه الافتتاح بشئ اخر
يتمكن منه فيجب بمقتضى الاحتياط الاتيان بالقدر المتيقن ومن المقطوع انه على

142
تقدير وجوب شئ لا يكون الا الترجمة.
في حكم الأخرس وأقسامه
والأخرس الذي لا يقدر على التكلم أصلا على ثلاثة اقسام:
أحدها من سمع ألفاظ التكبيرة وأتقنها ولكنه لا يقدر على التلفظ بها.
الثاني من لم يسمع تلك الألفاظ ولكنه علم بان لافتتاح الصلاة صيغة خاصة.
الثالث من لم يدر ذلك أيضا مقتضى القاعدة في الأقسام الثلاثة ان يقال ان بيننا على أن
الواجب في الافتتاح هو معنى التكبير وهو اظهار كبريائه تعالى شأنه غاية الامر قيد
في حق القادر بالصيغة المخصوصة فالأخرس الذي لا يقدر على التكلم بها ولو بنحو
ناقص يسقط عنه تلك الصيغة فيكون الواجب في حقه حقيقة التكبيرة بمقتضى اطلاق
دليلها فيعقد القلب على معناها ويظهرها على نحو ما يبرز سائر مقاصده من الإشارة بالإصبع
أو تحريك اللسان أو الشفتين وأمثال ذلك وان بيننا على أن الواجب هو الصيغة المخصوصة
فالعاجز مثل الأخرس يجب عليه بمقتضى قاعدة الميسور ان يروم حول تلك الصيغة بان
يحرك لسانه قاصدا إلى ألفاظ تلك الصيغة حرفا بحرف ان كان سامعا لتلك الصيغة كما
في القسم الأول والا فان أمكن افهامه تلك الصيغة تفصيلا يجب افهامه والا فان فهم اجمالا
ان للافتتاح صيغة مخصوصة يحرك لسانه أو شفتيه مثلا قاصدا إلى تلك الصيغة والا فان
أمكن افهامه يفعل كك والا يسقط عنه لعدم تمكنه من اتيان الميسور من الواجب
أصلا هذا مقتضى القاعدة.
واما الخبر المتمسك به في المقام فهو ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام انه
قال عليه السلام تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه واشارته
بإصبعه بناء على اتحاد حكم ما ذكر في الرواية مع التكبيرة والظاهر أن موردها هو
الأخرس الذي يعلم بان للصلاة ألفاظا يتلفظ بها المصلى ولو اجمالا وهو عاجز عن التنطق
بها فتحريك لسانه انما يكون بقصد تلك الألفاظ واشارته إليها أيضا واما الأخرس الذي
لا يعلم بذلك أصلا ولو اجمالا فهو خارج عنها لندرته جدا.

143
في تحقيق ان الركن من القيام ماذا
البحث الثالث في القيام وهو من واجبات الصلاة وهو ركن اجمالا على ما هو المعروف
بل المسلم بينهم قال في المدارك هذا مذهب العلماء كافة واستشكل بان ناسي القراءة و
ابعاضها تكون صلوته صحيحة مع فوات بعض القيام المستلزم لفوات المجموع ولذا قيده
بعضهم بالقدر المتصل بالركوع وقال الشهيد ره في بعض فوائده ان القيام بالنسبة إلى
الصلاة على أنحاء فهو في النية شرط وفى التكبير تابع له في الركنية وفى القراءة واجب
غير ركن والقيام المتصل بالركوع ركن فلو ركع جالسا بطلت صلوته وان كانت ناسيا
والقيام من الركوع واجب غير ركن إذ لو هوى من غير رفع وسجد ساهيا لم يبطل صلوته
والقيام في القنوت تابع له في الاستحباب فعلى ما افاده الشهيد قدره الركن منه في الركعة
الأولى هو المقدار الذي يسع للافتتاح والمقدار الذي يتكون منه تقوس الركوع وان
حصل في ضمن ما للافتتاح فان كبر قائما وانحنى للركوع ناسيا للقراءة فقد تحقق
القيام الذي هو ركن للصلاة وفى باقي الركعات الركن هو الثاني خاصة.
وكيف كان الظاهر من كلماتهم بطلان صلاة من ركع جالسا ولو سهوا كما
عرفت من عبارة الشهيد قدس سره ووجه البطلان فقد القيام المتصل بالركوع بحيث
لا يمكن تداركه إذ لو تداركه زاد الركوع.
ويشكل بان هذا مبنى على كون الركوع الركني هو الجامع بين الركوع عن قيام
وقعود واما لو كان الركن الركوع عن قيام فما وجد ليس بركن فيجب عليه بعد
الالتفات القيام ثم الركوع لتحصيل الركوع الذي هو الركن والقيام المتصل به
الهم الا ان يحكم ببطلان الصلاة من جهة انه لم يعلم أن الركن من الركوع هل هو
الجامع أو خصوص الركوع عن قيام والمعلوم أيضا وجوب القيام المتصل بالركوع
الذي هو ركن للصلاة وتحقيقه بالقيام ثم الركوع غير معلوم لأنه من المحتمل اتصاله
بالركوع الزائد ومقتضى ذلك العلم الاحتياط باتيان صلاة أخرى هذا.
لكن لا يخفى ان مراعاة جميع المحتملات بان يركع قائما ويتم الصلاة

144
ثم يعيدها إذ من المحتمل صحة تلك الصلاة واقعا وحرمة ابطالها ويمكن ان يقال ان
القيام في حال التكبيرة والقيام المتصل بالركوع أي الذي منه ينحنى للركوع لا زمان
مطلقا بحيث لو أخل بأحدهما ولو سهوا تبطل الصلاة.
اما الأول فلموثق عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وجب عليه صلاة من قعود
فنسي حتى قام وافتتح الصلاة وهو قائم ثم ذكر قال عليه السلام يقعد ويفتتح الصلاة وهو قاعد
ولا يعتد بافتتاحه الصلاة وهو قائم وكك ان وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح
الصلاة وهو قاعد فعليه ان يقطع صلوته ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم الخبر وهو صريح
في عدم الاعتداد بالتكبيرة التي وقعت في حال الجلوس للقادر وان وقعت نسيانا ويدل أيضا
على أنه شرطا للتكبيرة التي هي أول الصلاة إذ لو كان واجبا مستقلا في عرض التكبيرة لما
صحت الصلاة بالثانية لأنها من زيادة الركن. واما الثاني فلانه بعد ما فرضنا وجوب القيام
لمن كان قادرا وصحيحا بمقتضى الأدلة فالامر بالركوع الظاهر في وجوب احداثه يرجع
إلى وجوب الانحناء الخاص على من يكون قائما وحاصله لزوم الانحناء الخاص عن استقامة
وإقامة للصلب فلو ركع جالسا لم يأت بما هو ركن أعني الركوع عن استقامة ولا اشكال
في بطلان صلاة من لم يأت بالركوع الذي هو جزء لصلوته وان كان ساهيا فإنه من
المستثنيات في حديث لا تعاد الصلاة الخ نعم يبقى الكلام في أمرين أحدهما ان بطلان
الصلاة في القسمين مستند إلى فقدان شرط ما هو ركن كالتكبيرة والركوع وأين هذا
من كون القيام من الأركان كما هو المدعى والثاني انه لا يقتضى ما ذكرت بطلان صلاة
من ركع جالسا ساهيا فان الركوع الركني في حق القادر ليس الجامع بين الركوعين
بل خصوص الركوع عن قيام كما هو المفروض فمن ركع جالسا ساهيا والتفت قبل السجود
فمقتضى القاعدة في حقه وجوب القيام والآتيان بالركوع عن قيام الهم الا ان يتمسك بذيل
الاجماع في كلا المقامين اما الأول فبدعوى انه بعد تسلم ركنية القيام يكون البطلان
مستندا إلى امر بن واما الثاني فبدعوى الاجماع أيضا على أن زيادة مسمى الركوع الجامع
بين الركوعين موجبة للبطلان هذا ولكن الدعوى الأولى ليست ببعيدة واما الثانية
ففيها اشكال ثم انهم اعتبروا في القيام أمورا.

145
في اعتبار الاستقلال
أحدها الاستقلال وعدم الاستناد إلى شئ على وجه الاعتماد على المشهور بل عن
بعض الاجماع عليه وما يمكن كونه مستندا لذلك أمور:
أحدها قاعدة الاشتغال المقتضية للعلم بالبرائة وهو لا يحصل الا بذلك.
الثاني تبادره عن مفهوم لفظ القيام الوارد في الاخبار.
الثالث صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام لا تمسك بخمرك " خ لا تستند
بغيرك " وأنت تصلى ولا تستند إلى جدار الا ان تكون مريضا ورواية عبد الله بن بكير
المحكية عن قرب الاسناد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصى
أو حائط قال عليه السلام لا، ما شأن أبيك وشأن هذا ما بلغ أبوك هذا بعد وفيما تقدم على الروايتين
ما لا يخفى واما الروايتان فهما وان كان ظهورهما في المدعى لا ينكر الا انهما معارضتان
بصحيحة على بن جعفر عن أخيه عليهما السلام عن الرجل هل يصح ان يستند إلى حائط المسجد
وهو يصلى أو يضع يده على الحائط من غير مرض ولا علة فقال عليه السلام لا بأس وعن الرجل يكون
في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأولتين هل يصلح له ان يتناول حائط المسجد فينهض
يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة قال عليه السلام لا بأس به وبموثقة ابن بكير لا بأس
بالتوكي على عصى والتوكي على الحائط والجمع بحمل الأول على الكراهة والثاني
على الترخيص أولى من حمل الاستناد في دليل الترخيص على ما لا يكون على وجه
الاعتماد كما قيل لولا خوف مخالفة الشهرة المحققة والاجماع المحكى.
في اعتبار القيام على رجلين
الثاني القيام على رجلين ودعوى التبادر هنا قوية جدا لا بمعنى عدم صدق القيام على
القيام على رجل واحدة بل للانصراف عند الاطلاق ولا ينافي ذلك ما ورد في بعض الاخبار من أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلى وهو قائم على إحدى رجليه حتى انزل الله تعالى " طه ما أنزلنا
عليك القرآن لتشقى " فان الظاهر أن هذا العمل منه صلى الله عليه وآله كان في الصلاة النافلة التي

146
ليس من شرطها القيام واما لزوم الاعتماد عليهما فلا دليل عليه وان نسب إلى المشهور
كما حكى عن البحار ومما ذكرنا يظهر الوجه في اشتراط عدم التباعد بين الرجلين
بحيث يخرج عن المتعارف هذا ولكن لا يخفى ان مقتضى الانصراف فيما ذكر عدم صحة
اخذ الاطلاق من القيام ولا يدل على اعتبار ما ذكر قيدا فان هذه الدلالة مبنية على كون
الانصراف بمرتبة صار بمنزلة القيد اللفظي وليس كك فيما نحن فيه كما لا يخفى غاية
ما في الباب ان الغلبة وكون المتعارف من افراد القيام كونها على وجه خاص بحيث
يكون غيره من النوادر الملحقة بالمعدوم أوجبت عدم تمامية مقدمات الاطلاق فإنه
لو كان المراد هو المقيد لم يجب عليه ذكر القيد لاستغنائه عن ذلك بعدم وجود غير
المقيد في الخارج الا نادرا فلا يكون عدم ذكر القيد مع دخله في المطلوب نقصا للغرض.
في اعتبار الاستقرار
الثالث الاستقرار في مقابل الجري والاضطراب اما اعتبار الوقوف في مقابل الجري
فيدل عليه مضافا إلى الاجماع المحكى عن الايضاح وشرح المفاتيح وشرع الشرائع رواية
السكوني عن الرجل يريدان يتقدم قال عليه السلام يكف عن القراءة حال مشيه ونحوها
الرواية الواردة في الإقامة وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة وفى الأخير نظر
فان الاستدلال به مبنى على ظهور الرواية في اشتراط التمكن في الإقامة لكن
المفروض العلم بعدم اشتراطه فيها بل هو من شرائط كمالها فتسقط الرواية عن الدلالة
واما الأول فلا بأس به بعد انجبار ضعفه بالعمل مضافا إلى امكان دعوى صحة
سلب مفهوم القيام عن المشي عرفا واما اعتبار السكون في مقابل الاضطراب فاستدل عليه
برواية هارون ابن حمزة الغنوي انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في السفينة فقال عليه السلام
ان كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرك فصل قائما وان كانت خفيفة تكفأ فصل
قاعدا وهذه الرواية رواها المشايخ الثلاثة رضي الله عنهم والخدشة في دلالتها بان المراد
بالتحرك ما تكفأ معه السفينة أي تنقلب بقرينة المقابلة غير مسموعة لان الظاهر أن المراد
من قوله عليه السلام تكفأ هو التحرك إذ من الواضح عدم انقلاب السفينة بقيام واحد فيها

147
في حكم السهو عن بعض هذه الأمور
ثم اعلم أن القيام الذي فرضناه ركنا للصلاة أو شرطا لما هو ركن لو اعتبر فيه
أحد الشروط المذكورة على نحو الاطلاق لا يغتفر السهو في ذلك الشرط لان السهو في
الشرط يرجع إلى السهو في المشروط فان ما جعل ركنا تبطل الصلاة بنقصه سهوا فلو
كان مقيدا بشئ وتركه سهوا لم يأت بما هو ركن نعم لو كان القيد المفروض غير
معتبر في الركن بل اعتبر في الصلاة في عرض ما هو ركن فيها وكان شرطيته في
خصوص حال العمد وان كان من جهة القدر المتيقن من الأدلة وعدم وجود اطلاق لها لم
يحكم ببطلان الصلاة إذا ترك سهوا إذا تمهد هذا فنقول المتصور في اعتبار الأمور المذكورة
في القيام أمور.
أحدها ان تكون معتبرة في الصلاة بمعنى انه اعتبر في الصلاة ان يكون قائما
في بعض حالاتها وأن يكون القيام الواجب على نحو الاستقرار والاستقلال أو غيرهما.
والثاني ان تكون معتبرة في الأذكار بمعنى ان أذكار الصلاة من التكبيرة و
القراءة مثلا يعتبر فيها القيام والاستقرار وأمثاله في عرض واحد.
والثالث ان تكون شروطا في القيام بمعنى ان القيام الواجب في الصلاة مشروط
بكونه كذا وكذا وعلى أي حال اما ان يكون الشرطية المفروضة على نحو الاطلاق واما
ان تكون مخصوصة بحال خاص ولا يهمنا التعرض للثمرات المترتبة على كل واحد من
الأقسام المذكورة انما المهم بيان ما هو المستفاد من الأدلة.
فنقول المستفاد من الأخبار الكثيرة وجوب القيام على القادر وعدم الانتقال إلى
الجلوس الا مع العجز عنه والعجز عن القيام لا يصدق الا إذا لم يقدر عليه بتمام مراتبه
والأمور التي مر اعتبارها لو كانت شروطا للقيام على نحو الاطلاق لزم الانتقال إلى
الجلوس مع العجز عن القيام الخاص وان كان قادرا على أصل القيام وللزم لزوم
الجلوس مع العجز عن القيام الخاص وان كان قادرا على أصل القيام وللزم لزوم الجلوس
على الانسان الصحيح في بعض الأوقات وهذا مناف للاخبار المتكثرة إذ فيها ما يجعل

148
القيام فرضا للصحيح والجلوس فرضا للمريض وفيها ما يجعل القيام فرضا للقادر والجلوس
فرضا للفاخر أو فيها ما يحيل القدرة على وجدان المكلف بقوله عليه السلام ان الانسان على
نفسه بصيرة أو هو اعلم به ولا يخفى اباء هذه العناوين عن أن يكون القيام المعتبر مشروطا
بشرط تعبدي مضافا إلى عدم دلالة شئ على قيد في القيام فضلا عن أن يكون بنحو الاطلاق
إذ من المحتمل كون هذه الأمور على تسليم كونها معتبرة من قيود الصلاة كما أنه
من المحتمل كونها من قيود الذكر فيها فإذا اطلاق الأدلة الدالة على لزوم القيام
للقادر عليه بحاله نعم يمكن كون القيام مشروطا بالأمور المذكورة في حال التمكن
منها ويبقى القيام مجردا عنها في حال عدم التمكن منها ومن هنا يظهر ان من قدر على
القيام بأي نحو لا ينتقل إلى الجلوس ولو لم يقدر معه على الاستقلال والاستقرار وأمثالهما
في حكم الدوران بين بعضها وبين القيام
فان قلت لو كان الاستقلال ونظائره قيودا للصلاة في عرض القيام فلابد لترجيح
القيام عليه من اثبات الأهمية وليس في البين ما يدل على أهمية القيام بنظر الشارع بل
لعل الامر بالعكس كما يساعده الاعتبار.
قلت الظاهر أنه ليس هنا مورد التزاحم والترجيح فان المفروض ان حفظ الاستقرار
مثلا لا يمكن الا مع الجلوس وهو مرتب على العجز عن القيام بنحو الاطلاق كما هو المفروض
فمع القدرة على القيام ليس له الصلاة جالسا حتى يحفظ فيها الاستقرار ومن هنا يظهران
الأمور المذكورة سواء جعلناها قيودا للقيام عند التمكن أم جعلناها قيودا للصلاة أو الذكر
فيها متى دار الامر بينها وبين القيام يجب على القادر على القيام حفظ القيام بأي نحو كان
متمكنا وتسقط الأمور المذكورة.
نعم تظهر الثمرة بين الاعتبارات المذكورة في أن المتمكن من الأمور المذكورة
لو تركها ساهيا فلو جعلناها شروطا في القيام فالقيام الذي يكون ركنا في الصلاة و
شرطا لتحقق الركن كالقيام في حال التكبرة والقيام المتصل بالركوع كأنه لم يوجد وان
جعلناها شروطا للذكر فمن تركها سهوا في حال الذكر الركني كتكبيرة الاحرام

149
تبطل صلوته وان جعلناها شروطا للصلاة فمن تركها سهوا تصح صلوته.
يبقى الكلام في بعض الأمور المعتبرة التي مع عدمه نشك في صدق القيام كالاستقرار
في مقابل الجري والانتصاب في مقابل الانحناء بمعنى انه لو لم يتمكن من القيام
الا ماشيا فهل يصدق انه متمكن من القيام حتى يتعين بمقتضى ما ذكرنا أو لا يصدق
على الماشي انه قائم عرفا حتى يجب عليه الجلوس لعجزه عن القيام العرفي وكذا من
لم يقدر على القيام الا منحنيا.
في حكم الدوران بين بعضها مع بعض
اما الثاني فالظاهر تقدم الانحناء بجميع مراتبه على القعود ولو بلغ حد الركوع
لصحيحة على بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها
على القيام يصلى فيها وهو جالس يومي أو يسجد قال عليه السلام يقوم وان حتى ظهره مضافا إلى
دعوى الاتفاق:
واما لأول فقد يقال بوجوب الجلوس بما تقدم من رواية هارون بن حمزة
الغنوي الواردة في الصلاة في السفينة من أنها ان كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها لم
تتحرك فصل قائما وان كانت خفيفة تكفأ فصل قاعدا فإنه لو أهمل القيام بواسطة حركة
المصلى اضطرارا فمع الاضطرار إلى المشي يهمل بالأولية القطعية.
وفيه انه لا يبعد حمل الأكفاء على الاضطراب السفينة بحيث يكون القيام فيها
حرجيا كما هو المشاهد المحسوس في بعض الحالات فلا يكون دليلا على وجوب العقود
بمجرد عدم التمكن من حفظ السكون حتى يلحق المثال به بالأولية فح لو كان صدق القيام
على حال المشي مفروغا عنه قلنا بوجوبه وتقدمه على العقود واما مع الشك في صدق القيام
فيشك في أنه هل يجب عليه الصلاة ماشيا أو جالسا وليس هنا محل الترجيح بالأهمية لو كانت
والا فالتخير لما أسلفنا من أن فرض الجلوس مرتب على العجز من القيام فلابد من
الاحتياط بالجمع بين الصلاتين ولو دار الامر بين الامرين الذين اعتبر كلاهما في فريضة
المصلى كما لو لم يتمكن المصلى القادر على القيام من الجمع بين الاستقلال والاستقرار

150
فاللازم الاخذ بما هو أهم واهمال غيره ان أحرز الأهم من بينهما ولو احتمل الأهمية في
أحدهما ولم يحتمل في الاخر لزم الاخذ بما كانت أهمية محتملة لكون المورد من دوران
الامر بين التعيين والتخيير الشرعيين وقد حقق في محله لزوم الاحتياط بالأخذ بالمتيقن
وان كان الاحتمال في كليهما فهل يحكم بالتخيير أو بوجوب الاحتياط بالجمع
بين الصلاتين الأقوى الثاني للعلم الاجمالي بوجوب الصلاة على أحد النحوين اللذين
لا يمكن الجمع بينهما في صلاة واحدة كما هو المفروض نعم لو لم يحتمل الأهمية أصلا في
الطرفين يتعين التخيير.
فان قلت ما الفرق بين ما نحن فيه وبين الواجبين النفسيين لو عجز عن اتيانهما
جمعا حيث إنه لو لم يعلم الأهمية يحكم بالتخيير.
قلت الحاكم في الواجبين النفسيين في مورد التزاحم ليس الا العقل إذ الحجة
الشرعية نسبتها إلى كل من الطرفين على حد سواء ولكن العقل في مورد العلم بأهمية
طرف معين يحكم بتعين امتثال الأهم حفظا لغرض الشارع المنجر بالعلم واما لو لم
يعلم ذلك لم يكن عليه شئ لان العقاب على ترك الطرف المعين مع اتيان العبد بالطرف
الاخر عقاب بلا بيان واما في المركبات أو المقيدات فالتكليف بالناقص منها جزءا وشرطا
شرعي لا عقلي إذ مع العجز عن اتيان التام لو لم يكلف الشرع بالناقص يسقط التكليف
فح بعد طرو العجز على المكلف لو علم بثبوت تكليف من المولى مردد بين الامرين يجب
الاحتياط فيهما ولو كان أحد الطرفين هو القدر المتيقن يكون من موارد الشك بين التعين
والتخيير الشرعيين والأصل فيه الاحتياط.
في الفروع المناسبة للمقام
ولو تجدد العجز في أثناء الصلاة عن تمام مراتب القيام قعد للأدلة الآمرة
بالجلوس في صورة عدم القدرة على القيام هذا فيما إذا استمر العجز إلى آخر الوقت
لا اشكال فيه واما فيما إذا لم يستمر إلى آخر الوقت فالحكم بالاجزاء مبنى على اطلاق
الدليل الدال على الانتقال إلى الجلوس لمثل الفرض ويتفرع على ذلك جواز المبادرة

151
إلى الصلاة جالسا وان علم بزوال عجزه في سعة الوقت كما أنه لا يبعد القول به في المقام
وان لم نقل به في سائر التكاليف العذرية فان القدرة هنا قيد شرعي فلا يمكن التمسك
باطلاق المادة للقول بان مطلوب الشارع الصلاة عن قيام بنحو الاطلاق بخلاف الصلاة
عاريا مثلا في صورة عدم التمكن من الساتر فان المجعول الأصلي هو الصلاة مع الساتر
بدون قيد التمكن والذي وجب على غير المتمكن المتيقن من دليلة تقييد الوجوب
فأصالة اطلاق المادة أعني موضوع الوجوب أو لا تبقى على حالها نعم هيهنا أمران
يجب تعرضهما.
أحدهما ان أدلة الباب وان لم تكن محمولة على العجز المستوعب للوقت ولكنها
لا تشمل صورة العجز عن بعض الصلاة فالعاجز الذي يتجدد له القدرة في الأثناء وكذا
القادر الذي يتجدد له العجز كك لا يشملها كل واحد من أدلة الطرفين ولكن يعلم
حكمها من أدلة الطرفين جميعا فان الظاهر من دليل وجوب القيام على القادر ان
القدرة على القيام في كل جزء اعتبر فيه القيام شرط في ذلك الجزء لا ان القدرة على
القيام في مجموع الصلاة شرط واحد وكذا العجز والظاهر عدم الاحتياج إلى مزيد
توضيح وبيان.
الامر الثاني لو دار الامر بين القيام في أول الصلاة وبين القيام في الجزء
الاخر المرتب عليه بحيث يقدر على القيام في أحدهما على البدل فالظاهر تقديم الأول
لقدرته على القيام فعلا فيجب عليه للعمومات فإذا طرء العجز يعمل على العاجز وقد
يستشكل بان وجوب الاجزاء ليس كوجودها على وجه الترتيب بل وجوبها في ضمن
وجوب المركب يتحقق قبل الشروع فعند كل جزء يكون هو وما بعده على حد سواء
في صفة الوجوب والمفروض ثبوت العجز عن أحدهما لا بعينه فيتصف المقدور وهو
الواحد على البدل بالوجوب وهو يقتضى التخيير ان لم يكن مرجح ولذا ذهب جماعة فيما
لو دار الامر بين القيام لقراءة ركعة وبين القيام لركوعها إلى تقدم القيام للركوع لأهمية
ادراك الركوع القيامي والقيام المتصل بالركوع ولكن الظاهر أن هذا الاشكال ليس في محله
فان القدرة على أحد الواجبين لو كانت شرطا عقليا فالامر كما ذكره المستشكل لكنك

152
عرفت ان القدرة فيما نحن فيه شرط شرعي في كل جزء في محله والمفروض وجود هذا الشرط
في أول الصلاة فلو اتى بالجزء الأول قائما عمل بتكليفه الوجود شرطه ولم يوجد الشرط في الجزء
الثاني فلا يكون القيام فيه واجبا ولشيخ مشائخنا الأنصاري قدس سره في جواب هذا الاشكال كلام
لا يخلو عن اغلاق ونحن نذكره بألفاظه قال قدس سره الشريف في جواب المستشكل المذكور
قلت أولا ان الجزء الثاني يجب اتيانه قائما بعد اتيان الواجبات المتقدمة عليه التي منها
القيام والفرض ان اتيانه قائما كذلك غير ممكن فلا يقع التكليف به فتعلق الوجوب
بالاجزاء وان لم يكن فيه ترتيب كنفس الاجزاء الا انه انما يتعلق بكل شئ مقدور في محله
وهذه قاعدة مطردة في كل فعلين لوحظ بينهما الترتيب شرعا ثم تعلق العجز بأحدهما
على البدل انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه.
في حكم القراءة في حال الهوى
أقول بعد تسليم ان الجزء الثاني مقيد بوقوعه بعد الجزء الأول من أين صار
القيام معتبرا في الجزء الأول مع كون نسبة العجز إلى الجزئين على حد سواء ولو فرض
شرطية القدرة في كل جزء في محله شرعيا كما مر تقريبه صح وجوب اتيان الجزء الأول
قائما ولكنه لا دخل للترتيب بين الجزئين في ذلك بل كان من جهة ان القيام في الجزء
الأول شرطه موجود فلو اتى به اتى بالواجب الفعلي وارتفع شرط الواجب الاخر ودفع
الشرط الشرعي وان كان بالاختيار لا مانع منه كما هو واضح وكيف كان فلو تجدد العجز
قبل القراءة أو قبل تمامها فهل يجب عليه الاشتغال بالقراءة في أثناء الهوى نظرا إلى وجوب
القراءة في حال القيام وان الانحنائات المتدرجة مراتب من القيام فيجب ان يوقع فيها ما
تسعه من القراءة أو لا نظرا إلى لزوم الاستقرار المفقود في حال الهوى يمكن القول بالثاني
لان الاستقرار شرط للصلاة في عرض القيام على وجه الاعتدال فلا يقدم عليه القيام
الاضطراري لأنه بدل عما هو في عرضه الا ان يقال ان الاستقرار قد اعتبر في القيام بمعنى
ان الواجب في الصلاة هو القيام على وجه الاستقرار وفى حال العجز من القيام
بمراتبه ينتقل إلى الجلوس ويعتبر فيه أيضا الاستقرار كما أنه يعتبر للقيام قح يجب

153
اتيان الواجب في حال القيام بالمقدار الممكن وهو القيام من غير اعتدال ولا استقرار
أو بقوله تعالى بان الدليل على اعتبار الاستقرار ليس الا الاجماع المفقود في المقام
بخلاف القيام فإنه يدل عليه الاخبار فيجب مراعاته.
والتحقيق ان يقال لو صدق على الانحناءات المتدرجة القيام يجب فيها
القراءة لما أسلفنا سابقا من أن القيام بتمام مراتبه مقدم على الجلوس لكنه محل
اشكال بل منع فإنه وان لم نقل بان المأخوذ فيه الاستقرار حتى في مقابل الجري بل
قلنا بصدق القائم على الماشي ولكن الظاهر اعتبار الوقوف على حد خاص غير حد
الجلوس فيه ففي حال الهوى لا يطلق عليه القائم ولا الجالس بل هو بين الحدين أترى ان
العاجز عن القيام لو أقاموه لغرض أو قام مع صعوبة تامة ثم أراد ان يصلى وسمع ان
الشارع أسقط القيام في الصلاة عن العاجز يرى نفسه ملزما بقراءة التكبيرة ومقدار
من الحمد بقدر ما يسعه الهوى إلى الجلوس ولواية أو يجلس للصلاة بمجرد سماع
ان الشارع جعل صلاة العاجز في حال الجلوس أظن أنه لاوجه للاحتمال الأول وليس
ذلك الا لعدم كون هذه الانحناءات المتدرجة محسوبة من القيام هذا ولكن وجوب
القراءة في حال الهوى نسب إلى الأكثر بل المحكى عن الذكرى نسبة إلى الأصحاب
واستظهره شيخ مشائخنا المرتضى قدره وعمدة دليله عموم أدلة القيام ولو مع الانحناء
التام وقد عرفت انه مع صدق القيام على هذه الانحناءات الغير القارة لا اشكال في
ذلك ولا يزاحمه شرطية الاستقرار وان سلم اطلاق دليله وكونه شرطا في الصلاة كما
مر منا تقريب ذلك الا ان صدق القيام في المحل المفروض ممنوع هذا ولكن لا ينبغي ترك
الاحتياط في المسألة بعد نسبة القول بوجوب القراءة في حال الهوى إلى الأكثر بل
إلى الأصحاب وطريق الاحتياط ان يقرء حال الهوى ثم يعيدها حال القعود بقصد القربة
المطلقة في كل منهما ان احتملنا عدم جواز الترك في حال الهوى واما لو قلنا بجواز
تبديل حال الاختيار بحال الاضطرار والآتيان بوظيفة المضطر فيجوز له ترك القراءة
إلى أن يجلس فيأتي بوظيفة صلاة الجالس ثم على تقدير القول بالوجوب لو ترك
عامدا حتى صار مصداق للمضطر يجزى اتيان ما هو وظيفة المضطر وان اثم بتركها

154
حال الاختيار كما لا يخفى ولو تجددت له القدرة بعد تمام القراءة قام للركوع وليس
عليه إعادة القراءة بناء على أن مقتضى اطلاق أدلة الباب ان العاجز في أي زمن وقت
صلوته فرضه الجلوس لا ان الحكم بالجلوس معلق على العجز المستوعب والا لكان
طر والقدرة في الوقت كاشفا من بطلان عمله ولو قدر في الركوع قبل الطمأنينة ارتفع
منحنيا إلى حد الركوع ولا يجوز له الانتصاب لأنه لو ركع بعد الانتصاب لزم زيادة
الركن ولو لم يركع لزم تفويت ما وجب في الركوع عمدا بل لو ركع ثانيا مع مراعاة
واجبات الركوع لزم تفويتها أيضا لان ما وجب في الركوع انما وجب في الركوع
الذي يكون ركنا للصلاة لا ما هو زائد فيها ومن هنا يظهر ان انتصاب الشخص
المفروض مبطل لصلوته وان لم يكن زيادة الركوع بمبطلة فإنه لا يتمكن بعد ذلك
من اتيان ما وجب في ركوعه الواجب لكن المحكى عن الروض والذكرى في هذا
المقام عدم جواز الانتصاب لئلا يزيد ركنا وعن جامع المقاصد لئلا يزيد ركنين و
الظاهر من هذه الكلمات انه لولا زيادة الركن أو الركنين لم يكن مانع للانتصاب
وفيه ما عرفت ثم إن المقصود من زيادة الركنين في كلام جامع المقاصد هو الركوع
والقيام المتصل ويمكن الخدشة فيه أيضا بان القيام المتصل بالركوع الواجب في
الصلاة ركن دون المتصل بالزائد المبطل الا ان يقال ان الركن هو القيام المتصل
بجنس الركوع ولو قدر بعد الطمأنينة وقبل الذكر الواجب في الركوع فان قلنا
باعتبار القيام في حال الذكر للمختار كما أنه يعتبر في ركوعه يجب ان يقوم
منحنيا للذكر واما ان قلنا ان الذكر واجب فيما يتحقق به فرض الركوع من دون
اعتبار القيام في نفس الذكر فيكفي هنا أداء الذكر في هيئة الركوع الجلوسي ولا
يخفى عليك ان الوجهين جاريان في الطمأنينة أيضا ولكن الظاهر من كلماتهم عدم
الاكتفاء فيها ولو قدر بعد الركوع وذكره انتصب للارتفاع منه ولو قدر بعد الارتفاع
والطمأنينة ففي الذكرى الأقرب وجوب القيام ليسجد عن قيام وفيه اشكال لمنع مدخلية
الهوى عن قيام في ماهية السجود.

155
في القراءة
البحث الرابع في القراءة وفيه مواقع الكلام.
الأول يجب في الأوليين من الفرائض قراءة الحمد ويدل على ذلك مضافا إلى
الاجماع رواية أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسى أم القران قال عليه السلام
إن كان لم يركع فليعد أم القران ورواية سماعة قال سألته عن الرجل يقوم في
الصلاة فينسى فاتحة الكتاب قال عليه السلام فليقل استعيذ بالله من الشيطان الرجيم ان الله
هو السميع العليم ثم ليقرأها ما دام لم يركع فإنه لا قراءة حتى يبدء بها في جهر أو
اخفات فإنه إذا ركع أجزأه والأخبار الدالة على جواز الاكتفاء في الفريضة بفاتحة
الكتاب وحدها الظاهرة في عدم جواز ترك الحمد في الصلاة نعم ليست مما تبطل
الصلاة بتركه سهوا كما هو مقتضى الاخبار أيضا ويأتي في بحث الخلل انشاء الله تعالى.
الثاني المشهور وجوب سورة كاملة في الصلاة غير الحمد بل عن جميع من
الأعاظم دعوى الاجماع عليه وعن الصدوق والخلاف والمبسوط نسبته إلى ظاهر
روايات أصحابنا ومذاهبهم وما يمكن ان يكون مستندا لذلك الروايات منها رواية
يحيى بن عمران الهمداني انه كتب إلى أبى جعفر عليه السلام يسئله عمن ترك البسملة في
السورة قال عليه السلام يعيد وفيه ان الرواية لا تدل على وجوب إعادة الصلاة بترك البسملة
في السورة حتى تكون دليلا على وجوب السورة بل الظاهر منها إعادة البسملة وهذا
لا يدل الا على كون البسملة جزء ومنها حسنة عبد الله بن سنان بابن هاشم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال للمريض ان يقرء في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها ويجوز للصحيح
في قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار ومنها مفهوم صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال عليه السلام لا باس بان يقرء الرجل بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوليين إذا ما أعجلت به
حاجة أو تخوف شيئا ومنها ما ورد في المعتبرة من امر المأموم المسبوق بقراءة أم لكتاب
وسورة فان لم يدرك السورة تامة أجزء أم الكتاب ومنها ما روى عن الفضل بن شاذان
عن الرضا عليه السلام انما امر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا

156
ويكون محفوظا مدروسا فلا يضمحل ولا يجهل وانما بدء بالحمد في كل قراءة دون
سائر السور لأنه ليس شئ من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة
ما جمع في سورة الحمد الحديث ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن معوية بن عمار قال
قلت لأبي عبد الله عليه السلام اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب قال عليه السلام نعم قلت
فإذا قرأت الفاتحة اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة قال عليه السلام نعم ومنها ما يظهر
منه اعتقاد لراوي لوجوب السورة وتقرير الإمام عليه السلام إياه كصحيحة محمد بن مسلم في تارك
الفاتحة وفيها بعد قوله عليه السلام لا صلاة له الا ان يبدء بها في جهر أو اخفات فلت فأيهما أحب إليك إذا
كان خائفا أو مستعجلا يقرء صورة أو فاتحة الكتاب قال عليه السلام فاتحة الكتاب فان هذا
السؤال لا يحسن الا بعد العلم بوجوب كليهما في حد ذاتهما والترديد في سقوط أيهما في
مقام الدوران والمفروض تقرير الإمام عليه السلام إياه فإنه عليه السلام حكم بوجوب مراعاة
الحمد عند الدوران وما تضمن السؤال عن الاكتفاء بفاتحة الكتاب عند الاستعجال و
مثل مضمرة محمد بن إسماعيل أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في مواضع فيها
الاعراب أنصلي المكتوبة على الأرض فنقرء أم الكتاب وحدها أم نصلي على الراحلة فنقرء
فاتحة الكتاب والسورة قال عليه السلام إذا خفت فصل على الراحلة المكتوبة وغيرها و
إذا قرأت الحمد وسورة أحب إلى ولا أرى بالذي فعلت بأسا ومثل ما دل على عدم جواز
العدول بعد النصف الظاهر في وجوب الاتمام ومثل ما ورد في بيان كيفية صلاة الآيات
وكميتها لزرارة ومحمد بن مسلم السائلين عنها بقولهما كم رهى ركعة وكيف نصليها
فقال عليه السلام عشر ركعات وأربع سجدات تفتتح الصلاة بتكبيرة وتركع بتكبيرة حيث إنه
عليه السلام لم يتعرض لوجوب السورة ولا الفاتحة فيها مع وجوبهما فيها كما يدل عليه ذيل
الخبر فقدا حال عليه السلام ذلك على علم السائل بوجوب السورة كالفاتحة في كل فريضة
ومثل ما ورد في بيان صلاة العيدين مع وجوب السورة فيها كما اعترف به بعض منكري
وجوبها في غيرها مدعيا عليه الاجماع هذه جملة ما استدل به على وجوب السورة
الكاملة في الأوليين وقد استدل بها شيخنا المرتضى قدره في صلوته ثم قال قدره بعد
التمسك بما ذكر كيف ويكفي في المسألة التي لا يبعد في مثلها لزوم الاحتياط تحكيما

157
لقاعدة الشغل واحد مما قدمناه من الاخبار بعد الاعتضاد أو الانجبار بالاجماعات المستفيضة
المعتضدة بالشهرة العظيمة التي لا يبعد معها دعوى ندرة المخالف انتهى.
في التوفيق بين اخبار المسألة
أقول الانصاف ان القول بوجوب السورة بمقتضى الاخبار الواصلة إلينا مشكل جدا
فان ما ذكر من الاخبار بعضه لا يدل على المقصود وبعضه ظاهر في الوجوب الا ان في قباله
اخبارا صحيحة تنفى البأس بالاقتصار على الفاتحة وحدها في الفريضة وبعضها يصرح بجواز
الاقتصار على بعض السورة مثل ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (ع)
قال سمعته يقول إن فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة وفى الصحيح عن الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام قال إن فاتحة الكتاب تجوز وحدها وتجزي في الفريضة وصحيحة سعد بن
سعد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سئلته عن رجل قرء في ركعة الحمد ونصف سورة هل
يجزيه في الثانية ان لا يقرء الحمد ويقرء من بقى من السورة قال عليه السلام يقرء الحمد ثم يقرء
ما بقى من السورة وصحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل قرء سورة في ركعة فغلط
أبدع المكان الذي غلط فيه ويمضى في قراءته أو يدع تلك السورة ويتحول عنها إلى غيرها
فقال عليه السلام كل ذلك لا باس به وان قرء آية واحدة فشاء ان يركع بها ركع وصحيحة إسماعيل
ابن الفضل قال صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام وأبو جعفر عليه السلام فقرء بفاتحة الكتاب وآخر سورة
المائدة فلما سلم التفت إلينا فقال عليه السلام اما انى أردت ان أعلمكم وصحيحة على بن
يقطين قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن تبعيض السورة فقال عليه السلام أكره ولا باس به
في النافلة وحمل هذه الأخبار على حال الضرورة أو الاستعجال بعيد في الغاية بخلاف
حمل الاخبار الأول على الاستحباب وحمل الأخبار الأخيرة على التقية انما يجوز لو لم
يكن بين الطائفتين جمع عرفي ومن المعلوم ان العرف لو التفت إلى كلام ظاهر في
وجوب شئ بواسطة افعل ثم التفت إلى كلام آخر ينفى الوجوب عن ذلك الشئ يفهم
ان المراد من الدليل الدال بظاهره على الوجوب هو الاستحباب ولولا الشهرة العظيمة
والاجماعات المنقولة المستفيضة لكان القول بالاستحباب قويا كما ذهب إليه

158
صاحب المدارك الا ان مخالفة الأعاظم مشكلة وإن كان مخالفة الاخبار أشكل.
اللهم الا ان يعلم باعراض الأصحاب عن العمل بهذه الاخبار المصرحة بعدم وجوب
السورة الكاملة إذ لو ثبت ذلك لم تكن داخلة تحت دليل الحجية فان لزوم العمل
بالخبر كما أنه يتوقف على صدوره من الإمام عليه السلام يتوقف على احراز جهة صدوره وانه
ورد لبيان الحكم الواقعي وهذا وإن كان مطابقة للأصل العقلائي ولكن الأصل المذكور
لا يجرى مع اعراض الأصحاب عن العمل به كما لا يخفى فطرح الأخبار المذكورة انما
هو لعدم الحجية لا الترجيح بمخالفة العامة حتى يقال انه فرع المعارضة وعدم
امكان الجمع العرفي.
حكم الاستعجال وضيق الوقت
ثم إن ما افاده قدس سره أخيرا من لزوم الاحتياط في المسألة مبنى على القول به في
الأقل والأكثر الارتباطيين وهو خلاف التحقيق عنده لأنه يذهب إلى البراءة خصوصا في
الاجزاء الخارجية ولعل الاشتغال بكتابة هذه المسألة كان قبل التحقيق في تلك المسألة
وكيف كان يجوز الاقتصار على الحمد وحده للمرض والاستعجال بل قد يجب كما في
الخوف وهل ضيق الوقت من افراد الضرورة الموجبة لترك اجزاء الصلاة مجموعها
في الوقت أولا.
قد يقال بالأول نظرا إلى أن ادراك مجموع الصلاة في الوقت غرض مطلوب للعقلاء
والمتدينين مضافا إلى دعوى نفى الخلاف ويشكل بان سقوط السورة مبنى على
صدق المستعجل امر ديني أو دنيوي عقلائي والمفروض ان المقصود ليس الاتيان مجموع
الصلاة المجعول بالنسبة إليه في الوقت والصلاة مع السورة ليست واجبة عليه لعدم
القدرة عليها وسقوط السورة عن صلوته لا دليل عليه إذ يمكن ان يكون الواجب ادراك
ركعة من الصلاة في الوقت مع السورة ويمكن ان يقال انه لو فرض التمكن من اتيان
تمام الصلاة مع السورة على النحو الغير المعتاد المتعارف من حاله بان يأتي بالقراءة و
سائر أفعال الصلاة وأذكارها سريعا مع اسقاط المستحبات ثم يأتي بها بهذا النحو لغرض

159
ادراك مجموع الصلاة في الوقت يقال عجل في اتيان الصلاة لادراكها في الوقت فلو دل
الدليل على سقوط السورة عن المستعجل يشمل الشخص المفروض لأنه مستعجل بل
لا يخرج عن عنوان المستعجل بعد سقوط السورة أيضا فان سقوط السورة من الشخص
المفروض لا يوجب له السعة بحيث يمكن له التأخير بل يجب عليه سريعا الاشتغال غاية
الامر انه لو لم تكن السورة ساقطة كان استعجاله في اتيان الصلاة أشد هذا ولكن البيان
المذكور حسن لو كان قادرا على اتيان الصلاة مع السورة على نحو السرعة والعجلة و
اما لو لم يكن قادرا الا على اتيان الصلاة بلا سورة فيشك فيما هو واجب عليه وانه هل
الصلاة مع السورة وادراك ركعة منها في الوقت أو الصلاة بلا سورة مع اتيان أربع ركعات
في الوقت والفرق بين هذه الصورة والصورة السابقة ان جزئية السورة في السابقة امر
معلوم ولكن الدليل الدال على الاكتفاء بفاتحة الكتاب رخص الترك لصدق الاستعجال
بخلاف الصورة الثانية فان جزئية السورة غير معلومة لاحتمال سقوطها عزيمة لادراك
أربع ركعات من الصلاة في الوقت واحتمال ثبوتها ولزوم اتيانها مع ادراك ركعة أو أزيد
والحق ان يقال ان اجزاء الصلاة وكذا شرائطها جعلت شرعا في عرض واحد مثلا لا يقال
ان الحمد جزء للصلاة المشتملة على السورة والركوع والسجود وغير ذلك بل الحمد
جزء للصلاة في عرض باقي الاجزاء وكذلك حال الشرائط فيقال من شروط الصلاة
اتيانها في الوقت المضروب لها ثم لو فرضنا ان أحد الاجزاء انما يجب اتيانه إذا لم يكن
وجوده منافيا لغرض من الاغراض العقلائية ولكن بقية الاجزاء والشرائط وجوبها
بحسب تشريع الشارع غير مقيد بشئ بل على سبيل الاطلاق فلو لم يكن الجمع بين
ذلك الجزء المفروض وبقية الاجزاء والشرائط يجب ان يسقط ذلك الجزء فان ثبوته
موجب لفوات بعض الاجزاء أو الشرائط الذي تعلق غرض الشارع بوجوده على سبيل
الاطلاق وقد عرفت ان بعض الاخبار يدل على سقوط السورة عن المستعجل لحاجة من
الحاجات فيعلم من تلك الأخبار انه متى زاحم وجود السورة حاجة من الحاجات العقلائية
لا يجب على المكلف وأي حاجة أعظم من الاتيان بما هو واجب على نحو الاطلاق في الوقت
الذي ضرب له كذلك ومن هنا تعرف الجواب عن الاشكال الذي قررنا سابقا من أن المجعول

160
لو فرض الصلاة مع السورة لزم التكليف بالمحال واسقاطها عن صلاة من ضاق وقته أول
الكلام وحاصل الجواب ان السورة جزء بحسب الجعل الابتدائي لكن وجوبها مقيد
بما إذا لم تزاحم حاجة من الحاجات وإذا كانت كذلك لا تجب و ح لو كانت تلك الحاجة
من الأمور الدنيوية أو من المستحبات يجوز اتيانها وان فاتت تلك الحاجة وان كانت
من الأمور الحتمية بحسب جعل الشرع فلابد من تركها على نحو العزيمة.
في حكم من قدم السورة على الحمد ومن قرأ سورة طويلة
مفوتة للوقت بأقسامهما
لو قدم السورة على الحمد عمدا بطلت صلوته ان استلزم ذلك عدم قصد امتثال الامر كما
لو فعل ذلك في صورة العلم بعدم جواز التقديم ولكن استلزام ذلك عدم قصد الامتثال انما
هو فيما إذا قصد العمل بغير الترتيب المجعول شرعا على نحو التشريع وأما إذا قصد امتثال
الامر الواقعي المتعلق بالصلاة ثم اتى بالسورة قبل الفاتحة تشريعا فلا ينافي قصد الامتثال
كما لا يخفى وعمدة ما استدل به على البطلان انه لو لم يأت بها عقيب الحمد نقص صلوته
ولو اتى بها لزمت الزيادة العمدية وفيه انه لا دليل على ابطال ما يتصف بصفة الزيادة بعد
وجوده وانما المسلم ابطال ما يوجد زائدا من الأول الامر ويمكن ان يقال بان اتيان بعض
اجزاء الصلاة على النحو المحرم الشرعي ما ح لصورة الصلاة عند المتشرعة فيكشف عن أن
الهيئة المتخذة من الشرع امر ينافي وجود بعض الاجزاء على النحو الحرام وبذلك
يمكن ان يقال ببطلان الصلاة إذا وقع بعض اجزائها رياء ولعل الاجماع الذي ادعى على أن
الكلام المحرم موجب لبطلان الصلاة راجع إلى ما ذكرنا واما لو فعل ذلك للجهل
باعتبار الترتيب فان قلنا بان الترتيب شرط في الصلاة تبطل الصلاة أيضا لفقد الشرط و
عدم امكان التدارك وان قلنا بكونه قيدا للسورة فبطلان الصلاة مبنى على صدق الزيادة
العمدية على ذلك وفيه خفاء من حيث إن ذات الفعل وان وجد عمدا الا ان اتصافه بالزيادة
انما هو بعد الاتيان بالسورة في محلها وقد عرفت عدم الدليل على ابطال ما يتصف بالزيادة
بعد وجوده.

161
ولو قرء سورة طويلة يفوت بها الوقت عالما عامدا فان قلنا بحرمة ما يفوت به
الواجب الفعلي فالكلام هو الكلام فيمن اتى بالسورة قبل الحمد عالما عامدا من أنه
قد يرجع إلى عدم قصد الامتثال وقد يرجع إلى اتيان بعض اجزاء العمل على النحو المحرم
واما لو قلنا بعدم الحرمة لعدم كون فعل الضد علة لترك الضد الاخر كما حقق ذلك في
الأصول فان اتى بها بقصد الامر يكون تشريعا فان الامر بالشئ وان لم يكن مقتضيا للنهي
عن ضده لكنه مقتض لعدم الامر به لاستحالة الامر بالضدين فيكون الكلام فيه كما
سبق في نظيره واما لو اتى بها بقصد رجحانها الذاتي فيمكن القول بصحة العمل سواء
أدرك ركعة أم لا فان الصلاة الواقع بعضها في الوقت والباقي خارج الوقت راحجة ويفهم
رجحانها من دليل الأداء والقضاء فهذه الصلاة وقعت عبادة وان قارنت عصيان المولى
بتركه الصلاة في الوقت المضروب لها هذا ولكن المعروف عدم الجواز بل عن الحدائق
نسبة التحريم والبطلان إلى الأصحاب والمحكي عن الرياض عدم الخلاف فيه الا عن
بعض المتأخرين ولعل المنشأ رواية سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن الصادق
عليه السلام لا تقرء في الفجر شيئا من الحم فان الظاهر كون النهى لفوات الوقت كما
أفصح عنه روايته الأخرى عن عامر بن عبد الله قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من قرء
شيئا من الحم في صلاة الفجر فاته الوقت وضعف السند فيهما منجبر بالعمل لو اخر
ركونهما مستندين لفتوى المشهور لكن دلالة الخبرين على بطلان العمل مبنية
على أحد أمرين:
اما استفادة الحرمة النفسية بعد انضمام ما قلنا سابقا من أن الاشتغال باجزاء الصلاة على نحو
محرم شرعي يوجب البطلان واما استفاده الحرمة الوضعية أعني المانعية للصلاة وكلاهما
ممنوعان لظهور النهى في الارشاد المحض في مثل المقام لكفاية الداعي المجعول من قبل
المولى في ردع المكلف عما هو ضد الواجب فان الامر بالشئ وان لم نقل باقتضائه للنهي عن
ضده الخاص ولكنه يكفي في ردع المكلف عن ضده وفى مثل ذلك لو نهى عن ضده فنهيه ظاهر في
الارشاد كما أنه لو امر بالاحتياط في موارد يحكم العقل بوجوبه كأطراف الشبهة المحصورة
لا يفهم منه الا الارشاد كما لا يخفى.

162
وحكم السهو في المسئلتين عدم بطلان الصلاة الا ان السهو في المسألة الأولى
يوجب وجوب اتيان سورة بعد الحمد ان جعلنا الترتيب قيد للسورة ولو جعلناه
شرطا للصلاة فيسقط عنه السورة لعدم امكان حصول الترتيب بعد ما اتى بالسورة قبل
الحمد واما في المسألة الثانية فالظاهر عدم وجوب سورة أخرى لعدم امكان اتيان
الصلاة في الوقت مع سورة أخرى فان المفروض فوات الوقت باتيان السورة المقروءة
نعم لو بقى الوقت بقدر ادراك الركعة كما لو اتفق ذلك في الركعة الأولى وبقى الوقت
إلى أن يقرء سوره قصيرة ويركع عنها يمكن القول بوجوبها لان السورة التي قرأها ليست
جزء للصلاة لكونها منهيا عنها غاية الامر معذوريته للسهو والمفروض تمكنه من اتيان
سورة قصيرة مع ادراك الصلاة في الوقت الاضطراري ولكنه مخدوش بان السورة الماتى
بها لم تخرج عن قابلية الجزئية وان كانت منهيا عنها لعارض نعم لو استفدنا من النهى
عنها المانعية للصلاة فلا يمكن ان تكون جزء فيجب الاتيان بسورة أخرى قصيرة في الفرض
المذكور ولو تذكر في الأثناء وكان الوقت متسعا ولو لادراك ركعة عدل عنها إلى غيرها
والقران بين السورتين وان قلنا بمنعه وعممنا المنع لما إذا قرء سورة تامة وأخرى ناقصة
لا نقول بمنعه في مثل المقام لعدم جواز اتمامها كما هو المفروض على أن الأقوى جواز
القران كما يأتي انشاء الله تعالى.
في عدم جواز قراءة العزيمة في الفريضة
ولا يجوز قراءة إحدى سور العزائم على الأشهر بل المحكى عن صريح الانتصار
والخلاف والغنية ونهاية الاحكام وكشف الالتباس وارشاد الجعفرية وظاهر التذكرة
الاجماع والأصل في ذلك ما رواه الشيخ عن زرارة عن أحدهما عليه السلام قال عليه السلام لا تقرء في
المكتوبة بشئ من العزائم فان السجود زيادة في المكتوبة وفى الطريق القسم بن عروة
وهو مجهول وعبد الله بن بكير وهو فطحي هكذا في المدارك ولكن ابن بكير من أصحاب
الاجماع فليس وهن الخبر الا من جهة القسم وهذا سهل بعد انجباره بعمل الأعاظم و
بخبر سماعة لا تقرء في الفريضة واقرء في التطوع وبإزاء ما ذكر اخبار آخر كحسنة

163
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن الرجل يقرء السجدة في آخر السورة قال عليه السلام
يسجد ثم يقوم فيقرء فاتحة الكتاب ثم تركع ويسجد وصحيحة محمد عن أحدهما عليه السلام
قال سئلته عن الرجل يقرء السجدة فينساها حتى يركع ويسجد قال عليه السلام يسجد إذا ذكر
إذا كانت من العزائم وصحيحة على بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن امام
قرء لسجدة فأحدث قبل ان يسجد كيف يصنع قال عليه السلام يقدم غيره فيتشهد ويسجد وينصرف
هو وقد تمت صلوتهم ورواية على بن جعفر عليه السلام سئل أخاه موسى عليه السلام عن الرجل
يقرء في الفريضة سورة والنجم أيركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرء بغيرها قال عليه السلام يسجد
ثم يقوم فيقرء فاتحة الكتاب ويركع وذلك زيادة في الفريضة ولا يعود يقرء في الفريضة بسجدة.
فيما يستفاد من اخبار المقام وينبغي التكلم في مقامين
أحدهما في مفاد رواية زرارة التي هي مدرك فتوى المشهور وما يتقرع
على ذلك.
في الجمع بينها وبين الاخبار المعارضة لها اما الأول فنقول وبالله المستعان ان
تعليل النهى عن قراءة العزائم بان السجود زيادة ظاهر في أن حرمة القراءة انما هي من
جهة انها موجبة لوجوب السجود الذي هو مبطل للصلاة لكونه زيادة عمدية في
المكتوبة فيستفاد من ذلك حرمة كل ما يوجب ذلك مثل الاستماع بل السماع
إذا كان قادرا على محافظة سمعه من أن يقرعه صوت من يقرء آية السجدة نعم من سمع
قهرا أو قرء سهوا لم يرتكب المحرم وان كانا أيضا موجبين لوجوب السجود ويتفرع
على ذلك أن غير القراءة العمدية لا يكون مبطلا للصلاة ما لم يسجد به سواء كان محرما
كالاستماع والسماع الاختياري أم لا واما قراءة العزيمة عمدا فبطلان الصلاة بها يبتنى
على ما ذكرنا سابقا من أن الكلام المحرم في الصلاة وان كان ذاتا من الأذكار أو الاجزاء
للصلاة يوجب بطلانها لكونه ماحيا لصورتها عند المتشرعة مضافا إلى دعوى الاجماع على
ذلك واما الموجبات الاخر الخارجة عن الكلام أو غير المحرمة فلا وجه لبطلان الصلاة
بمجرد وجودها نعم لو سجد عقيبها يبطل صلوته بالزيادة العمدية.

164
فان قلت إن الموجبات المذكورة لكونها موجبة لايجاب السجدة نبطل بها الصلاة
لوجوب ابطالها بسبب تلك الموجبات.
قلت أولا لا يبعد عدم وجوب السجدة فعلا عقيب وجود الموجب فورا ويكون
المراد من قوله عليه السلام في رواية زرارة فان السجود زيادة في المكتوبة ان
القراءة توجب السجود ذاتا فان فعلته بطلت الصلاة وان تركته وأتممت الصلاة أخللت
بحقها من التعجيل ولذلك لا يجوز فعل موجبها فورود المحذور في طرف السجود تركا
وفعلا صار سببا للنهي لا ان فعل الموجب حرم لكونه سببا لابطال الصلاة وثانيا لا نعقل
ان مجرد الامر بابطال الصلاة بالسجدة يكون موجبا لبطلانها الا من جهة اقتضاء
الامر بالشئ النهى عن ضده الخاص أو من جهة اقتضائه عدم الامر بالضد مع احتياج
صحة العبادة إلى الامر وقد حقق في الأصول عدم اقتضاء الامر بالشئ النهى عن ضده و
وكك عدم احتياج العبادة إلى الامر الفعلي بل يكفي رجحانها ذاتا وعلى تقدير
الاحتياج إلى الامر لا مانع من الامر بالضد مرتبا على ترك ضده الاخر كما بينا ذلك
في الأصول ومما ذكرنا يظهر وجه صحة اتمام الصلاة في غير صورة القراءة العمدية مطلقا
سواء قلنا بوجوب السجدة فورا أم لا والفرق بين القولين انه على الأول كانت العبادة
مقارنة للعصيان بخلاف الثاني.
ويمكن ان يستظهر من دليل وجوب الايماء على من سمع قراءة الغير كما في
رواية سماعة وان ابتليت بها مع امام لا يسجد فيجزيك الايماء والركوع وكما في
رواية أبي بصير ان صليت مع قوم فقرء الامام اقرأ باسم ربك الذي خلق أو شيئا
من العزائم ولم يسجد فأوم ايماء وكما في رواية على بن جعفر عليه السلام عن أخيه
موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرء انسان
السجدة كيف يصنع قال عليه السلام يومى برأسه قال وسألته عن الرجل يكون
في صلاة فيقرء آخر السجدة قال عليه يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الا ان يكون
في فريضة فيومي برأسه ايماء وجوب الايماء على كل من تحقق له موجب
السجود غير من قرء عمدا سواء أو استمع أو قرء سورة العزيمة سهوا

165
واما من قرء عمدا فقد عرفت الكلام فيه ووجه تعميم وجوب الايماء مع أن الأخبار المذكورة
مخصوصة بحال السماع انه بعد دلالة الدليل على وجوب السجود فورا بعد
تحقق موجبه لو وجوب الايماء في الصلاة نعلم بان جعل الايماء بدلا في حال الصلاة انما
هو من جهة أهمية اتمام الصلاة وحفظها عن البطلان إذ لا شبهة في أن الايماء بدل
اضطراري للسجود ولا يتصور الاضطرار هنا الا من جهة أهمية اتمام الصلاة ووجوبه
على المكلف فعلا ومن هنا يعرف الجواب عن شبهة أخرى وهي انه بعد ما لم يوجب
الاستماع مثلا الا الايماء للسجود فلا وجه للحكم بحرمته لان الحرمة انما جاءت من
جهة كونه موجبا للسجود المبطل للصلاة والمفروض عدم وجوب السجود في حال
الصلاة بل اكتفى الشارع بالايماء بدلا عنه على ما قلت وحاصل الجواب ان الايماء
بدل اضطراري والتسبيب إلى ايجاد موجب السجود الذي من حقه ايجاد السجود
بعده فورا والجاء نفسه إلى ترك المطلوب المطلق ولو ببدله الاضطراري حرام وقد
مر سابقا ان من كان قادرا على عدم مخالفة المطلوب المطلق للمولى فعمل بسوء
اختياره ما اضطره إليه يكون عاصيا وان كان الشارع جعل البدل لذلك المتروك
اضطرارا ومحصل الكلام ان التسبيب إلى مزاحمة المضيقين الموجب لترك أحدهما
حرام فلو كان السبب المفروض تلاوة العزيمة عمدا تبطل الصلاة من حيث كونها
من الكلام المحرم وان كان غيرها لم تبطل الصلاة بمجرد وجوده لكن الامر يدور
بين ان يسجد فيقع في محذور مخالفة حرمة الابطال أو لا يسجد فورا فيقع في مخالفة
وجوب السجود فورا وحيث إن الأخبار المتقدمة دلت على وجوب الايماء لو سمع
تلاوة الغير علمنا بان اتمام الصلاة أهم في نظر الشارع فصار المكلف بواسطة حكم
الشارع مضطرا إلى ترك السجود فجعل الايماء بواسطة الاضطرار بدلا للسجود هذا
ولكن الأحوط في الموارد المذكورة الايماء ثم السجود بعد اتمام الصلاة.
الكلام في الاخبار المعارضة
واما الكلام في المقام الثاني أعني الاخبار المعارضة للرواية المذكورة

166
فنقول وان أمكن حمل بعضها على صورة النسيان أو على النافلة ولكن
رواية على بن جعفر عليه السلام المتقدمة صريحة في الفريضة وظاهرة في حال العمد كمال
الظهور وكالصريح في أنه يسجد ويقوم للركوع في الفريضة التي قرأ فيها العزيمة و
ان كان ذيل الرواية قوله عليه السلام وذلك زيادة في الفريضة ولا يعود يقرء في الفريضة
بسجدة الا ان جعل ذيل الرواية جوابا لسؤال السائل وحمل سابقتها على ما ليس
مربوطا بسؤاله بعيد كل البعد فيتعين بمقتضى الجمع بين الروايات حمل النهى في
رواية زرارة على الكراهة وحمل الزيادة الموجبة للنهي على الزيادة الصورية الموجبة
للنهي التنزيهي لا الزيادة المبطلة للصلاة عمدا ويدل على ذلك أيضا قوله عليه السلام في
اخر الرواية المتقدمة ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة الظاهر في صحة الصلاة
المفروضة وان المنهى العود إلى مثلها هذا ولكن الشهرة العظيمة بل دعوى عدم
المخالف في المسألة تمنع عن القول بالكراهة قال شيخنا المرتضى قدس سره في صلوته ما
محصله ان الاخبار المخالفة محمولة على التقية لاطباق العامة على الجواز كما عن
جماعة بل يجب حملها في أنفسها على النافلة أو على النسيان أو التقية الداعية لقراءتها
في بعض الأوقات لاختصاص اخبار المنع بغير هذه فالميل إلى الجواز وحمل اخبار
المنع على الكراهة ضعيف جدا انتهى ولو قرء بعض السورة غير آية السجدة فما دل
على المنع غير شامل لهذه الصورة نعم لو كانت هذه القراءة بداعي قراءة المجموع
يمكن ان تندرج في الكلام المحرم فان ما لم يكن موجبا لايجاد المبطل وان لم
يكن محرما واقعا لكن يمكن ان يدعى ان الكلام الذي يوجده بداع سوء ويتصف
بالقبح عقلا من باب التجري حاله حال الكلام المحرم واما لو قرء لا بقصد التمام اما
من جهة الاكتفاء بالبعض على القول بجوازه أو العدول إلى غيرها على القول بوجوب
سورة تامة فلا وجه لبطلان نعم لو قلنا بعدم الاكتفاء ببعض السورة وحرمة القران
بين السورتين وان كانت إحديهما ناقصة تبطل صلوته بمجرد الشروع في العزيمة
لدوران الامر بين أمور ثلاثة كلها مبطلة للصلاة أحدها الاقتصار على بعض السورة
والثاني العدول إلى غيرها والثالث اتمام العزيمة ولكن القران بين السورتين لو

167
قلنا بمنعه ولو بين قطعة منها وسورة أخرى لا نقول به في المقام مما يحرم اتمامه
مضافا إلى أن الأقوى جواز القران وان كان بين سورتين تامتين كما يأتي في محله
انشاء الله ومما ذكرنا يظهر انه لو قرءها ساهيا ثم التفت في الأثناء قبل تلاوة آية
السجدة عدل إلى غيرها وان تجاوز النصف ثم إن المعروف تخصيص المنع بالفريضة
فيجوز قراءتها في النوافل وعن الحدائق انه لا خلاف فيه وعن الخلاف الاجماع ويدل
عليه الرواية السابقة المحكية عن كتاب المسائل لعلي بن جعفر عليه السلام والتقييد في
رواية زرارة بالمكتوبة وفى رواية سماعة بالفريضة بل التصريح فيها بالجواز في
التطوع هذا مضافا إلى أدلة الجواز فإنه بعد المنع في الفريضة يتعين موردها في
التطوع ويظهر منها وجوب السجدة فورا في أثناء الصلاة وليست السجدة زيادة في
مطلق الصلاة بل هي زيادة في المكتوبة تعبدا وعلى فرض كونها زيادة لم تكن
بمانعة بعد تصريح الأخبار ومتى سجد لها فقام ولم يبق شئ من قراءته قرء الفاتحة ندبا
ليركع عن قراءته كما في بعض الاخبار ويجزى إحدى المعوذتين لأنهما من القران
ويدل على ذلك بالخصوص ما رواه ثقة الاسلام رض في الصحيح عن صفوان الجمال قال
صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام المغرب فقرء المعوذتين في الركعتين وعن صابر مولى بسطام
قال امنا أبو عبد الله عليه السلام في صلاة المغرب فقرء المعوذتين ثم قال عليه السلام هما من القران
فلا يقدح خلاف ابن مسعود بعد ما سمعت من تصريح الصادق بخطائه.
في وحدة سورة الضحى والم نشرح وكذا الفيل ولايلاف
ثم إن المحقق قدس سره قال في الشرايع روى أصحابنا ان الضحى والم نشرح سورة
واحدة وكذلك الفيل ولايلاف ومن جملة الروايات التي استدل بها على ذلك صحيحة
زيد الشحام قال صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام فقرء الضحى والم نشرح في
ركعة ومنها ما رواه المفضل قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا تجمع
بين السورتين في ركعة واحدة الا الضحى والم نشرح وسورة الفيل ولايلاف ومنها
ما أرسله الطبرسي في مجمع البيان بقوله روى أصحابنا ان الضحى والم نشرح سورة

168
واحدة تعلق إحديهما بالأخرى ولم يفصلوا بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم وجمعوا بينهما
بالركعة الواحدة الفريضة وكك القول في ألم تر كيف ولايلاف قريش انتهى وعن أبي
العباس عن أحدهما عليه السلام قال ألم تر كيف فعل ربك ولايلاف قريش سورة واحدة ومنها
ما عن كتاب القراءة لأحمد بن محمد بن سيار روى البرقي عن القاسم بن عروة عن أبي
العباس عن الصادق عليه السلام قال الضحى والم نشرح سورة واحدة هذا ولكن صحيحة الشحام
لا تدل على وجوب الجمع كما لا يخفى مع أنه رووا بطريق آخر عن زيد الشحام قال صلى بنا
أبو عبد الله عليه السلام فقرء بنا بالضحى والم نشرح من دون قوله في ركعة وبطريق آخر عنه
أيضا قال صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام فقرء في الأولى الضحى وفى الثانية ألم نشرح لك صدرك.
واما رواية المفضل فغاية الامر دلالتها على جواز الجمع لان الاستثناء فيها اما
يكون عن المحرم واما رواية أبى العباس فهي معارضة بما رواه سعيد بن هبة الله الراوندي
في الخرائج والجرائح عن داود البرقي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال فلما طلع
الفجر قام فاذن وأقام وأقامني عن يمينه وقرء في أول ركعة الحمد والضحى وفى الثانية
بالحمد وقل هو الله أحد وبالجملة الحكم بالوحدة بواسطة ما ذكر من الاخبار بحيث
لا يكتفى بواحدة منها في الصلاة مشكل جدا إذ غاية ما يحصل منها جواز الجمع بين الضحى
والم نشرح كذلك الفيل ولايلاف ولكن يظهر من كلماتهم كون الوحدة من المسلمات
الا ترى قول المحقق قدس سره روى أصحابنا ان الضحى والم نشرح سورة واحدة وكذلك الفيل
ولايلاف وكذا قول الطبرسي في مجمع البيان والشيخ قدس سره حمل الرواية المتضمنة
لقراءة أبى عبد الله عليه السلام الضحى في الأولى والم نشرح في الثانية على النافلة قال لان هاتين
السورتين سورة واحدة عند آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمحكي عن السرائر ونهاية الاحكام
والتذكرة والمهذب البارع انه قول علمائنا وعن الانتصار انه الذي تذهب إليه الإمامية
وعن الأمالي ان من دين الإمامية الاقرار بذلك وفى منظومة الطباطبائي قدس سره.
والضحى والانشراح واحدة * بالاتفاق والمعاني شاهدة
كذلك الفيل مع الايلاف * وفصل بسم الله لا ينافي
إلى غير ذلك من العبارات ولعل هؤلاء الأعاظم قدس سرهم اطلعوا على غير ما

169
بأيدينا من الاخبار والله تعالى هو العالم وطريق الاحتياط واضح.
في جزئية البسملة
والبسملة جزء في افتتاح كل سورة الا البراءة اما فاتحة الكتاب فهو قول علمائنا أجمع
كما في المدارك وقد ورد بذلك روايات الكثيرة كصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت
أبا عبد الله عليه السلام عن السبع المثاني والقرآن العظيم هي الفاتحة قال عليه السلام نعم قلت
بسم الله الرحمن الرحيم من السبع قال عليه السلام نعم هي أفضلهن وصحيحة معاوية بن عمار قال قلت
لأبي عبد الله عليه السلام إذا قمت إلى الصلاة اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قال عليه السلام نعم قلت فإذا قرأت
فاتحة الكتاب اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة قال عليه السلام نعم والمروى عن العسكري
عليه السلام عن ابائه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين في حديث انه عليه السلام قال
بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم
وفى عيون الاخبار قيل لأمير المؤمنين عليه السلام أخبرنا عن بسم الله الرحمن الرحيم أهي من
فاتحة الكتاب قال فقال عليه السلام نعم فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقرؤها ويعدها آية منها ويقول
فاتحة الكتاب هي سبع المثاني ولا يعارضها ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون إماما فيستفتح بالحمد ولا يقرء
بسم الله الرحمن الرحيم فقال لا يضر ولا بأس لان فرض السائل المصلى إماما يدل على أن ورائه
من يترك البسملة وكان ممن يتقى منه والا لم يكن لذكر الامام خصوصية في هذا السؤال
فيكون حاصل السؤال ان من ترك البسملة في الفاتحة تقية هل تجزى صلوته أو يجب
الإعادة فأجاب عليه السلام بعدم وجوب الإعادة.
واما كونها جزء لسائر السور سوى البراءة فقد قال به الشيخ قدس سره في المبسوط
والخلاف وبه قطع عامة المتأخرين كما في المدارك ويدل عليه بعض الاخبار مثل ما رواه
معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إذا قمت للصلاة اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
في فاتحة الكتاب قال عليه السلام نعم قلت فإذا قرأت فاتحة القرآن اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع
السورة قال عليه السلام نعم وعن يحيى بن أبي عمران قال كتبت إلى أبى جعفر عليه السلام جعلت فداك

170
ما تقولون في رجل ابتدء ببسم الله الله الرحمن الرحيم في صلوته وحده في أم الكتاب فلما
صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها فقال العباسي ليس بذلك بأس فكتب بخطه
يعيدها مرتين على رغم أنفه يعنى العباسي.
وبإزاء ما ذكر صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الرجل
يفتتح القراءة في الصلاة يقرء بسم الله الرحمن الرحيم قال عليه السلام نعم فإذا افتتح الصلاة
فليقلها في أول ما يفتتح ثم يكفيه ما بعد ذلك وصحيحة عبيد الله بن علي وأخيه محمد بن علي
الحلبيين عن أبي عبد الله عليه السلام انهما سألاه عمن يقرء بسم الله الرحمن الرحيم حين يريد
يقرء فاتحة الكتاب قال عليه السلام نعم ان شاء سرا وان شاء جهرا فقالا فيقرأها مع السورة الأخرى
فقال عليه السلام لا والصحيحة الأولى تدل على عدم وجوب البسملة في الحمد أيضا في الركعة
الثانية وهو خلاف الاجماع والاخبار وهذا شاهد قوى على ورودها مورد التقية كما أن
قوله عليه السلام في الصحيحة الثانية نعم ان شاء سرا وان شاء جهرا مشعر بذلك فالعمل بالاخبار
السابقة لذهاب المشهور إليه متعين والله العالم.
في لزوم تعيين السورة حين البسملة
وهل يجب ان يعين السورة الخاصة حين قراءة البسملة أو بجوزان يكون في
تلك الحالية مرددا بين سورتين أو أزيد الظاهر الأول لوجوب قراءة إحدى السور
المنزلة بتمامها وما لم يقصد فيحال البسملة كونها حكاية عن البسملة المنزلة مع
التوحيد مثلا لم يصدق انه قرء جزء من التوحيد ومجرد قراءة التوحيد عقيبها لا يوجب
صيرورتها جزء له لأن المفروض انها لم توجد بقصد حكايتها عن بسملة التوحيد فالتوحيد
وجد من دون بسملة مختصة به.
وتوضيح ذلك أن الجزء المشترك بين مركبين تارة لا يكون لقصد الفاعل مدخل في قابليته
لان يصير جزء من كل منهما كنحت قطعة من الخشب قابلة لان تصير قائمة للسرير أو الباب فإنها
لا يخرج عن القابلية سواء قصد بها ان تكون قائمة للباب أو السرير أم لم يقصد شئ منهما وهكذا
الحال في كل جزء مشترك بين مركبين خارجيين عينيين وأخرى يكون لقصد الفاعل

171
مدخل فيه لكن لا على وجه الحكاية عن اللفظ الاخر مثل قول القائل سبحان الله أو سبحان
ربى فان كلا منهما لا يكون ذكرا الا بعد قصد الفاعل معناهما المشتمل على تنزيه
الباري جل اسمه والجزء المشترك بينهما يصير من اجزاء الذكر بذلك القصد ولو قصد
الذكر بقوله سبحان الله ثم بداله بعد التلفظ بالجزء المشترك ان يضم إليه كلمة ربى يصدق
انه ذكر الله سبحانه بقوله سبحان ربى وثالثة يكون جزء المركب على نحو لا يصدق
عليه انه جزء لذلك المركب الا ان يؤتى به بقصد الحكاية عن الألفاظ الخاصة كقراءة
اجزاء القران فان قراءة القرآن عبارة عن التكلم بألفاظه النوعية حكاية عن خصوص
الألفاظ المنزلة لا أقول على نحو الحكاية التصديقية بان يرجع قول القارئ الحمد لله رب
العالمين إلى قضية تصديقية حاكية عن قول الله عز وجل على نحو التصديق الخبري بل
أقول على نحو الحكاية التصورية كاستعمال اللفظ في معناه فالألفاظ المنزلة بمنزلة
المعنى للألفاظ المقروة فقراءة سورة التوحيد عبارة عن التكلم بألفاظها النوعية بقصد
حكاية ذلك الكلام الشخصي وان أراد قراءة تمامها من الابتداء إلى الانتهاء فلابد ان يأتي
بما يحكى عن تمام تلك القطعة الشخصية المنزلة التي أولها البسملة فإذا قرأ البسملة
من دون تعيين بسملة التوحيد فما اتى بما يحكى عن البسملة التي هي جزء للتوحيد وإذا
قرأ بعد ذلك باقي السورة بقصد الحكاية الألفاظ الشخصية المنزلة يصدق انه قرأ سورة
التوحيد الا بسملتها والمفروض وجوب سورة تامة في الصلاة.
فان قلت أليس الشخص المفروض قرء مجموع ألفاظ أولها البسملة واخرها
كفوا أحد وهل كانت سورة التوحيد مثلا الا هذه فلا شئ لا يصدق انه قرء سورة تامة
قلت من المسلم انه من قرء هذا المجموع بقصد استعمال ألفاظه في معانيها
لا يصدق انه قرء سورة القران فقراءة سورة القران ليست عبارة عن التكلم بألفاظها النوعية
بأي نوع كان بل لابد في صدق القرآنية على التكلم بالألفاظ المذكورة من قصد الحكاية
بها عن الألفاظ الشخصية المنزلة وبعبارة أوضح من قرء البسملة ثم اتى بمثل ألفاظ سورة
التوحيد إلى اخرها بأي نحو كان فهو وان كانت الابعاض المقروة اجزاء للكلام الصادر من
نفسه لكن لا يكفي ذلك في صدق سورة القران الذي هو كلام الله المنزل بل صدق تلاوة

172
السورة التي هي الكلام المنزل منوط بقراءة ابعاضها بقصد الحكاية عن الكلام الشخصي
المنزل فكل بعض لم يأت بهذا القصد لا يكون جزء من تلك السورة.
فان قلت البسملة التي قرئها بقصد سورة لا بعينها هل هي من القران أو خارجة
عنه لا سبيل إلى الثاني فإذا فرضنا انها قران فلابد من أحد أمرين اما القول بأنها جزء
سورة معينة واما القول بأنها جزء أي سورة قراها بعد ذلك لا سبيل إلى الأول قطعا فيتعين الثاني
قلت كونها من القران مسلم فإنه بعد فرض كون الاشخاص منزلة فالجامع بينها
منزل قطعا ولكن لا يلزم من حكاية الجامع حكاية الشخص الا ترى انه لو جاء زيد يصدق
جاء انسان ولكن ليس الاخبار عن مجئ الانسان حكاية عن مجئ زيد ولا عن مجئ
غيره من الاشخاص وقد عرفت ان صدق قراءة القرآن يتوقف على التكلم بألفاظ النوعية على
سبيل الحكاية عن الكلام المنزل فان قصد به الحكاية عن الجامع بين الكلامين يصدق عليه
قراءة القرآن ولكن لا يصدق عليه قراءة القرآن الخاص لأنه ما قصد الحكاية عن الشخص
فظهر انه بعد ما فرضنا ان قراءة البسملة بقصد إحدى السور يطلق عليها قراءة القرآن
لا يلزمنا القول بأنها جزء سورة معينة ولا جزء أي سورة قرئها بعد ذلك نعم كانت قابلة لان
يقصد بها سورة معينة حين القراءة لا ان هذه التي لم يقصد بها سورة معينة قابلة لان تصير
جزء لكل سورة ضمها إليها هذا مما استفدنا من كلمات شيخنا المرتضى قدس الله نفسه الزكية
ولقد أجاد فيما أفاد.
في نقل ايراد بعض الأعاظم قدس سرهم
وقد تعرض للايراد عليه بعض الأعاظم من علماء العصر قدس سره.
قال بعد فرض صدق قراءة القرآن على هذه البسملة كما هو الحق وجب ان
يكون المقر ومن اجزاء القران ضرورة عدم صدق قراءة القرآن على قراءة ما ليس من
اجزائه فصحة سلبه القراءة عن كل جزء جزء يناقض ثبوتها في الجملة فالذي يصح
سلب هو نفيه عن كل واحدة منها بعنوانها المخصوص بها من جزئيتها لهذه السورة أم من
ذيك واما بعنوان كونها بسملة من حيث هي فكل منها مصداق لها كما في مثال الطلب فان

173
معنى انه لم يطلب زيدا أو عمرا أو بكرا هو ان واحدا منها بخصوصه لم يتعلق به الطلب لا انه
مغاير لما تعلق به الطلب وهو فرد ما من الرجل ولا امتنع تحقق الامتثال به بل كل منها
مصداق المطلوب ولكن خصوص شخصه غير مقصود بالطلب فهذا معنى انه لم يطلب زيدا
والا فما يأتي به من المصاديق أينما تعلق به الطلب فان الكلى الطبيعي الذي هو متعلق الطلب
أين مصاديقه الخارجية ففيما نحن فيه نقول إذا التفت اجمالا إلى وجود البسملة في القران
أو قوله تعالى " فبأي آلاء ربكما تكذبان " في سورة الرحمن فقرئها في صلوته بقصد تلك
الآية التي تصورها على سبيل الاجمال صدق عليه انه قرء اية من القران أو من سورة الرحمن
فقرئها في صلوته بقصد تلك الآية التي تصورها على سبيل الاجمال صدق عليه انه قرء آية
من القران أو من سورة الرحمن لكن المقر وهو طبيعة تلك الآية الصادقة على كل من
مصاديقها فيصدق على كل منها انها هي الآية التي قرأها ولكن لا على وجه يميزها عما يشاركها
في المهية فيصح ان يجعلها جزء من أي سورة شاء بانضمام الباقي إليها لأنه بعد الانضمام
يصدق انه قرء مجموع هذه الآيات التي هي تمام السورة اما الجزء الأول الذي هو البسملة
فقد قرئها على سبيل الابهام والاجمال وما عداه تفصيلا نعم لا يقع مثل هذه القراءة إطاعة
للامر بقراءة هذه السورة لو كانت هي بعينها متعلقة للطلب كما في فاتحة الكتاب لعدم
وقوع جزئها الأول على الوجه الذي تعلق به الطلب أي بعنوان جزئيتها لهذه السورة وأما إذا
كان المأمور به قراءة سورة على الاطلاق كما فيما نحن فيه فلا مانع عن صحتها بعد فرض
كون هذا العنوان مقصودا له حال الاتيان ببسملتها فالأظهر عدم اعتبار قصد سورة
معينة ولكن لو عينها خرجت البسملة عن صلاحية الجزئية لما عداها انتهى كلامه
رفع مقامه.
في الجواب عنه أقول وان ظهر الاشكال في كلماته مما بينا لكن
نقول زيادة للتوضيح ان امر الشارع بقراءة إحدى السور حاله بعينه حال الطلب
المتعلق بالطبيعة كما بينه المستشكل ثم نسئل منه ان امتثال الامر المذكور
هل هو الا الاتيان بفرد خاص منها لا سبيل له إلى انكار ذلك فاذن امتثال امر الشارع
باتيان إحدى السور أو طبيعة السورة القرآنية ليس الا اتيان السورة المعينة التي يقال

174
لها التوحيد معينا أو الجحد أو غير ذلك ثم نسئل منه انه لو قرء بسملة على نحو الاجمال
والابهام ثم قرء بقية سورة التوحيد هل يصدق انه قرء سورة خاصة وهي سورة التوحيد
فان قال نعم كما هو مقصوده الأصلي يقال لو فلو فرضنا انها المأمور بها بالخصوص تحقق
الامتثال فلم أنكر ذلك وقال في طي كلامه نعم لا يقع مثل هذه القراءة إطاعة للامر
بقراءة هذه السورة لو كانت هي بعينها متعلقة للطلب وان قال إنه لا يصدق على نحو هذه
القراءة قراءة سورة معينة فلابد ان يلتزم بوجوب قصد التعيين أول القراءة والحاصل ان
الطلب وان كان متعلقا بطبيعة لسورة القرآنية أو بإحدى السور ولكن امتثاله ليس
باتيان إحدى السور على سبيل الابهام بل الامتثال لا يقع الا باتيان السورة المعينة وان شئت
زيادة توضيح لذلك فلاحظ إذا قال الامر بع أحد هذين العبدين فهل يكون امتثاله الا ببيع
الأحد المعين وان كان متعلق طلب الامر بيع أحد العبدين على سبيل الاجمال والابهام
والسر في ذلك أن متعلق الطلب بيع أحدهما المعين لكن جعل التعيين على عهدة المأمور
وما نحن فيه من هذا القبيل بعينه فان امر الشارع بقراءة سورة من السور القرآنية على
سبيل الاجمال وعدم تعيينها من قبل الشارع يقتضى اتيان سورة معينة مشخصة في الخارج
ولكن التعيين جعل على عهدة المكلف واختياره فإذا قرء البسملة ولم يعين سورة خاصة
لا يمكن ان تصير بعد انضمام بقية سورة معينة جزء لتلك السورة المخصوصة فان البسملة
وان كانت من أول القراءة قابلة لان تصير جزء لسورة خاصة ولكنها بعد وجودها
على سبيل الاهمال والاجمال لا يمكن ان يجعل الألفاظ المقروة الماضية حكاية
عن البسملة الشخصية ولقد أطلنا الكلام توضيحا لكلمات شيخ مشايخنا العظام عليه
رحمة الله الملك العلام.
في المناقشة الأخرى مع جوابها
ويمكن ان يناقش في ذلك بان ما ذكرنا سابقا من لزوم تعيين سورة خاصة عند
قراءه البسملة مبنى على اللزوم كون المقر وفى الصلاة سورة شخصية خاصة بمعنى انه يجب
على المصلى قراءة سورة معينة يختارها بحيث يصدق على ما قراها في الخارج اما تمام

175
سورة التوحيد واما تمام الجحد وما غيرهما بعنوانها المخصوص ولكن يمكن ان
يمنع ذلك ويقال يكفي قراءة قطعه خاصة يطلق عليها سورة تامة وان لم يطلق عليها خصوص سورة
خاصة فان الطبيعة المأمور بها أعني السورة التامة تصدق على ما ذكرنا وعدم تحقق
الامتثال الا بايجاد فرد معين انما هو فيما لم يمكن غير ذلك واما في الطبايع التي يكون
وجود افرادها متقوما بالقصد فيمكن ايجاد افرادها على نحو الابهام فان القصد يمكن
تعلقه بالمبهم مثلا لو امر الامر ببيع أحد عبديه فكما انه يمكن امتثاله ببيع الأحد المعين
من عبديه كذلك يمكن امتثاله ببيع أحدهما على سبيل الاهمال وفيما نحن فيه لو قرء
بسملة بقصد البسملة النازلة فقد قرء جزء من إحدى السور القرآنية على سبيل الاجمال
ولو انضم إليها بقية سورة الجحد مثلا إلى آخرها يصدق انه قرء سورة تامة وان لم
يصدق انه قرء سورة الجحد تامة فان نقص سورة الجحد ليس الا من جهة البسملة لكن
المفروض وجود البسملة لإحدى السور فإذا انضمت إلى بقية سورة الجحد إلى آخرها
يطلق عليها سورة تامة.
وفيه بعد تسليم ان اتيان سورة بهذا النحو يصدق عليها سورة تامة ان صحة ذلك
مبنية على أن متعلق الطلب يكون طبيعة السورة وهو خلاف الظاهر بل الظاهر وجوب
سورة من السور على سبيل الفرد المردد كما أن المثال المذكور أيضا ظاهر في ذلك
فان قول القائل بعني أحد عبديك ظاهر في أحدهما المعين المشخص لكن التعيين جعل
على عهدة المأمور فظهر مما ذكرنا كله ان تعيين السورة لازم عند قراءتها لكن
لا يخفى انه لا يلزم التعيين تفصيلا بل يكفي على نحو الاجمال لما ارتكز في ذهنه وان
لم يلتفت تفصيلا فمن يرى نفسه في آخر سورة أو في أواسطها يكفيه ذلك فان دخوله
في سورة خاصة بعد البسملة يكشف عن تعينها في نفسه وان لم يكن متلفتا
إليها تفصيلا ويمكن ان يقال ان الإشارة إلى شخص سورة بوجه من الوجوه تعيين
لها بنحو الاجمال كالإشارة إلى شخص السورة الخاصة التي يختارها في علم الله تعالى
أو نحو ذلك ومما ذكرنا يتضح الحال فيما إذا عين سورة فقرء أخرى فإنه لا يكفي
بطريق أول.

176
في بعض فروع المقام
الأول لو عين حين البسملة إحدى السورتين من الجحد والتوحيد ونسي ما عينه
فان قلنا بجواز العدول من إحديهما إلى الأخرى فطريق الاحتياط ان يقرء بسملة بقصد
إحديهما معينة ويقصد بذلك القربة المطلقة فان كان ما عينه ثانيا هو الذي عينه أولا
في الواقع فلا باس فإنه ما صدر منه الا تكرار البسملة بقصد القربة وان كان غيره فقد
عدل من إحدى السورتين إلى الأخرى ولا باس أيضا كما هو المفروض واما ان قلنا بعدم
جواز العدول من إحديهما إلى الأخرى كما لا يجوز العدول من إحديهما إلى غيرهما
فيشكل الامر الا ان يقال بان المتيقن من أدلة عدم جواز العدول صورة العلم بتحقق
العدول فلا يشمل ما نحن فيه وان كان عدولا في نفسه الامر أو يقال بجواز القران بين
السورتين و ح فطريق التصحيح ان يقرء مع هذه البسملة إحديهما ثم يقرء الأخرى
معينا لها في حال البسملة فان البسملة الأولى لو كانت بقصد السورة التي قرئها أولا فقد
أوجد سورة كاملة بالأولى ولا يضر قراءة سورة أخرى بقصد القربة كما هو المفروض ولو كانت
بقصد الثانية فقد اتى بسورة كاملة بالثانية غاية الامر تكرار البسملة فيها ووقوع الأولى
بلا بسملة ولا يضر ذلك أيضا.
الثاني لو عين سورة حين البسملة ولم يدر انها اية سورة من السور فالظاهر كفاية
إعادة البسملة بقصد اية سورة شاء فإنه لم يدر أن صلوته قيدت بخصوص إحدى السورتين و
مقتضى الأصل براءة ذمته عن هذا القيد المشكوك.
الثالث لو قرء البسملة وشك في أنه هل عين معها سورة خاصة أولا
فان قلنا بعدم كفاية الابهام يجب عليه إعادة البسملة بقصد سورة معينة وان
قلنا بكفاية ذلك غاية الامر لو عين سورة معها لا يكتفى باتيان غير ما عين فهل يجوز
قراءة اية سورة شاء نظرا إلى أصالة عدم تعيين سورة خاصة الأظهر العدم فان مقتضى
الأدلة وجوب السورة الكاملة وأصالة عدم التعيين لا يترتب عليها ان ما اتى به هو
السورة الكاملة الا بالأصل المثبت فمقتضى القاعدة على هذا القول أيضا إعادة البسملة

177
اما على وجه الابهام ويقرء بعدها اية سورة شاء واما على وجه التعيين ويقرء السورة المعينة
حتى يقطع بقراءة السورة الكاملة.
الرابع لو كان بانيا من أول الصلاة ان يقرء سورة معينة فنسي وقرء سورة أخرى
سواء كانت السورة المقروة عادة له أم لا كفى وكذا لو كانت عادته سورة معينة فقرء غيرها
كل ذلك من جهة ان السورة المقروة لم تصدر منه بغير قصد واختيار بل انما تحققت
من جهة نسيان الداعي السابق وحدوث داع جديد ولو لم يكن مفصلا عنده.
الخامس إذا شك في أثناء سورة أو بعد تمامها انه هل عين البسملة لها أو لغيرها
وقرئها نسيانا بنى على عدم تعيين غيرها لان النسيان خلاف الأصل.
ثم انه يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يتجاوز النصف الا من
الجحد والتوحيد فإنه لا يجوز العدول منهما مطلقا الا في يوم الجمعة إلى الجمعة والمنافقين
فهنا أمور.
أحدها جواز العدول من سائر السور غير الجحد والتوحيد في الجملة.
الثاني عدم جواز العدول في الموضوع المفروض لو تجاوز النصف.
الثالث عدم جواز العدول من الجحد والتوحيد بمجرد الشروع.
الرابع جواز العدول منهما إلى الجمعة والمنافقين في خصوص يوم الجمعة.
والدليل على الأول انه مقتضى الأصل فان المركب المأمور به ما لم يتم اجزائه
للمكلف ان يرفع اليد عنه ويأتي بفرد اخر كما أنه من أول الامر مخير بين افراده و
منشأ توهم عدم الجواز أمور: أحدها انه ابطال للعمل وهو محرم ومن جهة انه يتحقق
بالسورة الثانية يلزم حرمتها وعدم صحتها. الثاني كون المعدول عنه زيادة في
الصلاة عمدا. الثالث لزوم القران بين السورتين والجواب عن الأول ان النهى عن
الابطال ظاهر في ابطال العمل الأصلي التام الذي يكون منشأ للفوائد الأخروية
كابطال الصدقات بالمن والأذى فلا يشمل دفع اليد عن الجزء واتيان فرد آخر مثله
وعن الثاني ان أدلة حرمة الزيادة العمدية ظاهرة فيما إذا كان الشئ زيادة من أول
وجوده لاما إذا أوجد صفة الزيادة فيه بعد وجوده وعن الثالث منع حرمة القران كما

178
يأتي انشاء الله مضافا إلى روايات كثيرة دالة على جواز العدول من كل سورة إلى أخرى
سوى التوحيد والجحد.
والدليل على الثاني ما أورده الشهيد قدره في الذكرى نقلا عن كتاب البزنطي
عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يريد ان يقرء سورة فيقرء في أخرى قال
عليه السلام يرجع إلى التي يريد وان بلغ النصف وهذه الرواية صريحة في جواز العدول
وان بلغ النصف وظاهرة في عدم جواز العدول إذا تجاوزه فان الظاهر أن النصف أقصى
محل من السورة يجوز العدول منها إلى غيرها ومثله في الدلالة على جواز العدول إلى
النصف رواية أبي بصير المصححة في الرجل يقرء في المكتوبة بنصف السورة ثم ينسى
فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل ان يركع قال عليه السلام يركع ولا يضره
وجه الدلالة انه لو كان العدول ممنوعا ببلوغ النصف لم يجتزء بالمعدول إليها الا ان
يقال ان المنع مختص بالمتعمد فالناسي يكتفى بما اتى به وكيف كان لا يضرنا عدم
دلالة هذه الرواية على جواز العدول ببلوغ النصف بعد ما كان العدول مقتضى القاعدة.
انما المهم الدليل على عدم جواز العدول إذا تجاوز النصف وقد عرفت ظهور الأولى
فيذلك ولا يعارضها اطلاقات ما دل على جواز الرجوع من كل سورة إلى غيرها الا
التوحيد والجحد فإنها في مقام بيان أصل جواز الرجوع في مقابل الجحد والتوحيد
وعلى فرض الاطلاق يقيد بمدلول الرواية المذكورة هذا ولكن بعض الاخبار يدل
على جواز العدول إلى ثلث السورة وهي موثقة عبيد بن زرارة فإنها على ما في الوسائل
هكذا عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يريد ان يقرء السورة فيقرء غيرها قال عليه السلام له ان يرجع
ما بينه وبين ان يقرء ثلثيها ولولا خاف مخالفة الاجماع لأمكن القول بان حد جواز
العدول هو ما بين الثلثين المستلزم لجواز العدول وان تجاوز النصف بقليل ورواية
البزنطي ليست صريحة بل ولا ظاهرة في أن النصف هو الحد الذي ليس له العدول بعده
فان استفادة ذلك انما تكون من لفظة ان الوصلية وهي لا تدل إلا على أن النصف هو الفرد
الخفي من جواز العدول ولا تنافى وجود فرد اخفى منه ينتهى إليه جواز العدول ويمكن
ان يكون المراد ان حد جواز العدول هو الاشراف على قراءة الثلثين وهو ينطبق على

179
التجاوز عن النصف.
والدليل على الثالث الاخبار المتعددة الدالة على عدم جواز الرجوع من
الجحد والتوحيد. منها ما رواه عمر بن أبي نصر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يقوم
في الصلاة فيريد ان يقرء سورة فيقرء قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون فقال
عليه السلام يرجع من كل سورة الا من قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون ومنها
ما رواه الحلبي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل قرء في الغداة سورة قل هو الله أحد قال
عليه السلام لا باس ومن افتتح سورة ثم بداله ان يرجع في سورة غيرها فلا باس الا
قل هو الله أحد ولا يرجح منها إلى غيرها وكك قل يا أيها الكافرون ومنها ما رواه على
بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال سئلته عن الرجل إذا أراد ان يقرء سورة فقرء غيرها هل
يصلح ان يقرء نصفها ثم يرجع إلى السورة التي أراد قال عليه السلام نعم ما لم تكن قل هو الله أحد
وقل يا أيها الكافرون ولا يخفى ان اطلاق هذه الأخبار يشمل العدول من إحدى
السورتين إلى الأخرى فلا يجوز العدول من التوحيد إلى الجحد أو بالعكس.
والدليل على الرابع ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل
يريد ان يقرء سورة الجمعة في الجمعة فيقرء قل هو الله أحد قال عليه السلام يرجع إلى سورة الجمعة وما
رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت
تريد ان يقرء بغيرها فامض فيها ولا ترجع الا ان تكون في يوم الجمعة فإنك ترجع إلى
الجمعة والمنافقين وما رواه عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أراد ان
يقرء في سورة فاخذ في أخرى قال عليه السلام فليرجع إلى السورة الأولى الا ان يقرء
بقل هو الله أحد قلت رجل صلى الجمعة فأراد ان يقرء سورة الجمعة فقرء قل هو الله أحد قال
عليه السلام يعود إلى الجمعة وما رواه على بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام قال سئلته عن القراءة
في الجمعة بما يقرء قال عليه السلام بسورة الجمعة وإذا جائك المنافقون وان اخذت في غيرهما و
ان كان قل هو الله أحد فاقطعها من أوله وارجع إليها.
ثم لا يخفى ان اطلاق هذه الأخبار يدل على جواز الرجوع وان تجاوز النصف كما

180
انه نسب إلى الشيخ والفاضل قدس سرهما القول به بل في الجواهر انه صريح بعض متأخري
المتأخرين والمحكي عن مجمع البرهان انه قال لا أرى دليل على عدم جواز الرجوع
مع تجاوز النصف.
فان قلت إن مقتضى اطلاقات الأخبار السابقة عدم جواز العدول من غير السورتين
بعد تجاوز النصف حتى إلى الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة فإذا لم يجز ذلك في
غيرهما لم يجز فيهما بطريق أولى لان امر العدول فيهما أصعب.
قلت هذا ليس أول من أن يقال ان مقتضى الاطلاقات في الاخبار المرخصة
للرجوع من السورتين إلى الجمعة والمنافقين جوازه وان تجاوز النصف وإذا جاز العدول
هنا يجوز في باقي السور بطريق أولى فيقع التعارض بين الطائفتين من الاخبار بضميمة
الأولوية المقطوعة فالمرجع هو القاعدة وقد عرفت انها جواز العدول مطلقا مع امكان ان
يقال ان العدول في يوم الجمعة إليها والى المنافقين ليس من باب مجرد الترخيص بل
هو مأمور به وان كان بالامر الندبي فان مفاد الاخبار هو الامر بالرجوع إليهما مثل
قوله عليه السلام في رواية على بن جعفر عليه السلام وان اخذت في غيرهما وان كان قل هو الله أحد
فاقطعها من أولها وارجع إليهما والامر بالقطع والرجوع وان كان من جهة كون المورد
موردا لتوهم الحظر ليس ظاهرا الا في الترخيص ولكنه بملاحظة تأكد استحباب
السورتين في الجمعة حتى أنه تخيل وجوب قراءتهما فيها يصير ظاهر في الاستحباب
بملاحظة حفظ السورتين في الجمعة والدليل الدال على التحديد بالنصف أو بما بين
الثلثين متعرض لجواز العدول والترخيص فيه إلى الحد المخصوص وهذا لدليل مخصص
بالنسبة إلى الصلاة في يوم الجمعة فان العدول فيها إلى الجمعة والمنافقين ليس على
وجه الترخيص بل على وجه الندب والمحدود الذي يبقى تحت الدليل المذكور هو
قراءة السورة في غير يوم الجمعة وهي التي ينتهى جوازها إلى حد خاص وبعبارة أخرى
الدليل المتضمن للحد مثل قوله عليه السلام في الموثقة له ان يرجع ما بينه وبين ثلثيها ومثل
قوله عليه السلام يرجع إلى التي يريد وان بلغ النصف خصص بأمرين أحدهما ما دل على حرمة
العدول من الجحد والتوحيد والثاني ما دل على استحباب الرجوع إلى الجمعة والمنافقين

181
مطلقا حتى لو كان ما بيده هو التوحيد والجحد فيكون مفاد الأدلة الثلاثة جواز العدول
من كل سورة وترخيصه إلى غيرها الا سورة الجحد والتوحيد فان العدول فيهما يحرم
والا العدول من أي سورة في يوم الجمعة إليها والى المنافقين فإنه يستحب العدول
فالباقي تحت العام الأول غير الجحد والتوحيد وغير القراءة في يوم الجمعة وهو الذي
يبقى تحت الجواز الترخيص الصرف وهو محدود بحد خاص.
في بيان محل الجواز في المستثنى
ومحل جواز العدول هل هو مختص بصلاة الجمعة أو يعم صلاة الظهر أيضا في يوم
الجمعة أو مع العصر أو يعم مطلق الصلاة الواقعة في يوم الجمعة وجوه: من ظهور بعض
الاخبار كما سمعت في الأول نعم في رواية الحلبي عبر عن محل العدول بيوم الجمعة
لكنه يحمل على خصوص الجمعة بقرينة سائر الأخبار كما ذهب إليه صاحب الحدائق
منكرا على ما عند الأصحاب من التعميم ومن أن الاخبار الظاهرة في حكم العدول في
صلاة الجمعة لا تنافى الرواية الدالة على الجواز في يوم الجمعة حتى تفيد تلك الرواية بها
فيؤخذ بمضمون كلتا الطائفتين و ح فان تم الانصراف إلى خصوص الجمعة أو إليها مع
العصر والا يجب الحكم بجواز العدول في مطلق صلوات يوم الجمعة من الغداة والظهر
والجمعة والعصر والمسألة محل اشكال حيث لا نجزم بالانصراف المذكور ولا نرى في
التعميم إلى مطلق الصلوات الواقعة في الجمعة حتى الغداة والعصر موافقا من الأصحاب
والأحوط عدم العدول في غير صلاتي الجمعة والظهر منها.
بل لا يبعد القول باختصاص الحكم بالجمعة والظهر دون الغداة والعصر فان
مورد بعض اخبار العدول صلاة الجمعة وبعضها القراءة في يوم الجمعة والثاني مع امكان
منع الاطلاق فيه إلى كل صلاة يجب تقييده بما دل على المقيد فإنهما وان كانا من
المثبتين ولكن ثبت في محله لزوم تقييد الاطلاق لو أحرز اتحاد الحكم فان الحكم
الواحد لو دار امره بين حفظه في المطلق أو المقيد لزم الثاني فان حفظ الاطلاق موجب
لالغاء القيد أصلا وحمله على بيان أحد الافراد وهو خلاف الظاهر بخلاف تقييد المطلق

182
فإنه وان كان خلاف الظاهر ولكنه ليس بمثابة الأول والاخبار المتضمنة للعدول في
صلاة الجمعة ليست ظاهرة في خصوص الجمعة التي جرى عليها الاصطلاح في مقابل
الظهر بل هي أعم منها ومن الظهر لشيوع اطلاق الجمعة في الاخبار وأسؤلة الرواة
على الظهر في يومها على وجه لا يبقى لدعوى الانصراف إلى خصوص الجمعة المصطلحة
وجه بل يمكن ان يقال ان الظهر هي القدر المتيقن من الاخبار الباب لان الظاهر أن
أصحاب الأئمة عليه السلام لم يكونوا يؤمون الناس في صلاة الجمعة كي يحسنان يوجه إليهم
الخطاب بالعدول من سورة إلى الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة.
في فروع متعلقة بالمقام
الأول قيل إن المتيقن من مورد جواز العدول من الجحد والتوحيد في المحل
المذكور هو صورة نسيان المكلف حين الشروع فيهما فلو شرع في إحديهما متعمدا
لا يجوز العدول تمسكا باطلاق أدلة المنع وفيه ان اطلاق بعض الاخبار كرواية
على بن جعفر عليه السلام يقتضى التعميم وليس في الاخبار الاخر ما يدل على التقييد إذ غايته
كون صورة النسيان متيقنة وهو لا يقتضى التقييد مضافا إلى ما قد يقال من أن عمومات تحريم
العدول قد خصصت وخرج منها الفرد الخاص من العدول ولو في حال وبقاء دلالتها في
حال اخر يحتاج إلى عموم حالي وإذ ليس فليس.
الثاني هل يجوز العدول من الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة إلى غيرهما أولا
مقتضى اطلاقات الأدلة الأول، والظاهر من تجويز العدول من الجحد والتوحيد إليهما
في اليوم المفروض مع كونه محرما في غير هذه الصورة كونهما في هذا الحال أشد اقتضاء
للمنع من الجحد والتوحيد هذا مضافا إلى التصريح به في رواية دعائم الاسلام قال روينا
عن جعفر بن محمد عليه السلام انه قال عليه السلام من بدء بالقراءة في الصلاة بسورة ثم رأى أن
يتركها ويأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف سورة الأخرى الا ان يكون
بدء بقل هو الله أحد فإنه لا يقطعها وكذلك سورة الجمعة أو سورة المنافقين في الجمعة لا
يقطعهما إلى غيرهما الخبر، لكن الرواية مرسلة والوجه الأول ليس سوى الاعتبار

183
الذي ليس له اعتبار وطريق الاحتياط واضح.
الثالث هل يحرم العدول من الجحد والتوحيد إلى غيرهما سوى ما استثنى كما
هو ظاهر الاخبار وفتاوى الأخيار أو يكره كما نسب إلى المحقق في المعتبر يمكن
ان يقال ان الاخبار ليست متعرضة لشئ منهما بل مفادها ان من أراد سورة تامة اما
لوجوبها واما لفضلها فله العدول في غير الجحد والتوحيد واما فيهما فليس له العدول بل
يتمهما فان قلنا بوجوب سورة كاملة في الصلاة يحرم العدول ويجب المضي فيهما وان
قلنا باستحبابها فيكون الفضل في اتمامها ومن هنا يظهر عدم دلالة الاخبار المتضمنة
للنهي عن العدول من الجحد والتوحيد والامر بالمضي فيهما على وجوب السورة الكاملة
في الصلاة حتى تكون معارضة لما دل على عدم الوجوب.
الرابع لو نسى بعض السورة أو خاف فوت الوقت باتمام السورة التي شرع فيها أو عرض
مثل ذلك من الموانع التي لا يمكن معها اتمام السورة. قيل يجوز العدول إلى سورة أخرى
وان كان المعدول منه التوحيد والجحد أو تجاوز النصف في مطلق السور ويشكل بأنه
كما أن اتيان السورة الكاملة واجب في الصلاة كذلك العدول ممنوع والضرورة كما
انها يمكن ان تبيح العدول كذلك يمكن ان تبيح الاقتصار على بعض السورة فإنه
جائز أيضا في حال الضرورة فما الترجيح لإباحتها العدول اللهم الا ان يدعى ان أدلة
وجوب السورة الكاملة ظاهرة في أن المقتضى لإتيانها موجود حتى في حال الضرورة وانما
رفع اليد عنها لمانع بخلاف أدلة المنع عن العدول فان المنساق منها ان المقتضى للمنع
مقيد بحال تمكنه من اتمام المعدول منه وفيما لم يتمكن لا مقتضى للمنع و ح فيجب
العدول فان المقتضى لاتيان السورة موجود ولا مانع له لكن الشأن في تمامية هذه الدعوى
وان كنت ليست ببعيدة ويمكن ابتناء الامر على تحريم العدول نفسا أو وضعا فعلى الثاني
يجب الاقتصار على بعض السورة التي بيده فان المفروض عدم كون غير السورة المقر و
بعضها جزء لصلوته فحاله حال من لم يتمكن من اتمام حقيقة السورة لمانع ولا اشكال
في وجوب اقتصاره على البعض المقدور وعلى الأول يتخير بين الاقتصار على البعض والعدول
إلى غيرها فان الامر دائر بين المحذورين: أحدهما ارتكاب ما هو محرم ذاتا وهو العدول

184
هو العدول والثاني ترك ما هو الواجب مطلقا وان بنى الامر على وجوب المضي وان النهى
عن العدول يكون من باب الارشاد إلى المضي يسقط الوجوب بعدم التمكن فيجب الاتيان
بسورة تامة أخرى لعدم المزاحم الا ان يكون وجوب المضي لبيان جزئية خصوص السورة التي
بيده وسقوط باقي السور عن الجزئية والحاصل انه بناء حرمة العدول نفسا يتخير بينه
وبين الاقتصار لدوران الامر بين محذورين وعدم احراز الأهم في البين وبناء على حرمته
وضعا يتعين الاقتصار على البعض المقروء وبناء على عدم حرمة العدول وان النهى عنه
يكون ارشاد إلى المضي فان كان وجوب المضي نفسيا بتعيين العدول بعدم القدرة على
المضي فيجب عليه الاتيان بسورة أخرى تامة وان كان وضعا لبيان جزئية بمعنى كون
السورة التي هي جزء لصلوته فعلا منحصرة فيما شرع فيه بتعين الاقتصاد على البعض المقر و
فان غير السورة المفروضة ليس جزء لصلوته والتي شرع فيها لا يمكن له الاتمام.
الخامس لو نذر أن يأتي بصورة خاصة في صلوته فنسي وقرء غيرها فهل يجوز
العدول لو التفت في الأثناء وكان ما شرع الجحد فيه أو التوحيد أو كان غيرهما وقد
تجاوز النصف أولا الظاهر الثاني لعدم كون النذر مشرعا فما لم يكن العمل راجحا مع
قطع النظر عن النذر لم تنعقد فضلا عن أن يكون ممنوعا شرعا.
فان قلت لا اشكال في رجحان قراءة السورة المنذورة حين النذر فانعقد النذر و
وجب الوفاء به و ح السورة المعدول منها التي شرع فيهما مما لم يمكن اتمامها شرعا
لمكان وجوب الوفاء بالنذر الذي سبق انعقاده.
قلت المعتبر من الرجحان هو حين الوفاء لا حين النذر فان قراءة السورة المنذورة
في حال العدول الجحد عن أو التوحيد مثلا لو كانت مرجوحة لم يشملها أدلة الوفاء بالنذر
فلم ينعقد النذر بالنسبة إليها في هذا الحال والى ما ذكرنا ينظر فتواهم بانحلال النذر
بأمر الوالدين بل باستدعاء المؤمن ويمكن ابتناء المسألة على تحريم العدول فلا يجوز
فان السورة المنذورة مرجوحة فعلا أو على وجوب المضي فيقع التزاحم بين واجبين أحدهما
الوفاء بالنذر والثاني المضي الواجب الا ان يكون وجوب المضي لبيان الجزئية المحضة
فيتعين ح لفوت محل النذر والله العالم.

185
في كراهة القران بين السورتين
الظاهر جواز القران بين السورتين على وجه الكراهة جمعا بين الأخبار الناهية
عنه وصحيحة على بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن القران بين السورتين في
النافلة والمكتوبة قال عليه السلام لا باس مضافا إلى عدم ظهور اخبار المنع في الحرمة بقرينة
بيان جهة المنع في بعض الاخبار باعطاء كل سورة حقها من الركوع والسجود ويشهد
على الكراهة أيضا ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب حريز عن
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام لا تقرنن بين السورتين في الفريضة فان ذلك أفضل.
ثم إن هينا اشكالا عقليا بناء على القول بكراهة القران وهو ان القائل
بالكراهة ملتزم بان السورة الثانية لو وجدت نوجد عبادة والمفروض رجحان
تركها على الاطلاق والعبادات المكروهة حيث كانت لابد وأن يكون وجودها أرجح من
تركها المطلق ومعنى الكراهة فيها كونها مشتملة على حرازة ليست في غيرها من
الافراد فتركها المطلق مرجوح وتركها إلى البدل مطلوب والمفروض هنا عدم البدل
للسورة الثانية بل تركها مطلوب فكيف يجتمع هذا المعنى مع العبادية التي
تتوقف على رجحان الفعل ونظير هذا الاشكال جار في صوم يوم العاشور حيث إنه مكروه
وراجح تركه المطلق مع كونه عبادة.
في دفع الاشكال العقلي عن القول بكراهته
والجواب عن هذا الاشكال بوجهين:
أحدهما ان يقال ان النهى عن القران انما هو بملاحظة ان تركه ملازم لعنوان
وجودي أرجح من السورة الزائدة ولا يمكن الجمع بينهما فالنهي عن القران بملاحظة
تحقق ذلك العنوان الوجودي.
والثاني ان يقال ان تركه يكون مصداقا لعنوان أرجح من الفعل ولهذا أراد
الشارع الترك لكونه محققا لذلك العنوان الأرجح وعلى كلا الوجهين تكون قراءة
السورة الثانية عبادة وان كان الوجه الثاني لا يخ عن اشكال نبهنا عليه في الأصول.

186
فان قلت لو لم يكن رجحان الفعل منافيا لمرجوحيته بالمعنى الذي ذكرت فما الوجه في
انحلال النذر باستدعاء الاخوان ترك المنذور وهل يكون رجحان الترك الا من جهة
ملازمته لعنوان قضاء حاجه المؤمن ولا ينافي بقاء الرجحان في أصل الفعل وصحة النذر
ووجوب الوفاء به لا تتوقف الا على رجحان المنذور وهو حاصل بل وكذا الاشكال في انحلال
النذر بنهي الوالدين عن فعل المنذور وان قلنا بوجوب إطاعتهما لما ذكر من أن ترك انما
يصير مندوبا إليه من جهة كونه محققا لعنوان الإطاعة ولا ينافي بقاء الفعل على صفة
الرجحان فح يقع موردا لتزاحم الواجبين حيث إن وجوب الوفاء بالنذر يقتضى ايجاده و
وجوب إطاعة الوالدين يتقضى تركه.
قلت يمكن ان يكون الوجه في ذلك أن المستفاد من الاخبار اشتراط صحة النذر
بان يكون المورد مما تعلق به إرادة الامر فما لم يكن موردا لإرادة الامر فعلا لم يصح
النذر فيه وإن كان راجحا كالمورد المبتلى بالمزاحم الأهم بل يشترط ان يكون العنوان
المنذور بالخصوص متعلقا للإرادة لا بالعنوان الأعم منه ومن غيره كالصلاة في الحمام
والصلاة في آخر الوقت فإنهما وإن كانا من حيث كونهما مصداقين للصلاة يقع بهما
امتثال امر الصلاة ولكن لو نذر الناذر اتيان الصلاة في خصوص الحمام أو في خصوص
آخر الوقت لم ينعقد نذره لعدم توجه الامر إليهما بالخصوص.
فان قلت على هذا لا يصح نذر من نذر ان يعطى المال المخصوص صدقة أو يتصدق
للفقير المخصوص فان خصوص المال والفقير ليس تحت إرادة الشارع.
قلت استحباب التصدق بالمال عام استغراقي فكل فرد من المال بالخصوص تحت
العموم ومن طرف الفقراء عموم بدلي يشمل كل فرد بالخصوص على البدل فالنذر المتعلق
بالمال المخصوص وكذا الفقير تعلق بما يكون تحت إرادة الامر وتمام الكلام
في محله.
ثم انه بناء على التحريم هل تبطل الصلاة به أولا قد يحتمل البطلان من جهة
ان المستفاد من الاخبار اما شرطية الاتحاد أو مانعية القران عن الصلاة كالتكلم و
ونحوه وفيه ان الظاهر نظرا إلى بعض التغييرات الواقعة في الاخبار مثل قوله عليه السلام

187
أعطوا كل سورة حقها ان النهى عن القران انما هو من جهة مراعاة هذا الحق ولو
حمل على التحريم يكون نفسيا بحسب الظاهر كما لا يخفى ولكن يمكن القول
ببطلان الصلاة من جهة ان السورة الثانية بناء على حرمتها تكون من الكلام المحرم
الذي حكى الاجماع على أنه مبطل للصلاة مضافا إلى أن الظاهر أنه ماح لصورة الصلاة
عند المتشرعة كما سبق فيمن قرء آية السجدة على أنه من مصاديق الزيادة العمدية مع قصد
الجزئية كما هو المفروض وهل القران المنهى هو ما لو قرء الأكثر بقصد الجزئية أو أعم
من ذلك ومن قراءته بقصد القرآنية صرح غير واحد بالأول.
أقول قراءة السورة الزائدة تتصور على وجوده:
أحدها ان يقصد امتثال الامر بحقيقة السورة المجعولة في الصلاة باتيان
سورتين بزعم ان الامر بالطبيعة كما أنه يتحقق امتثاله بفرد واحد كذلك يتحقق امتثاله
بفردين متعاقبين.
والثاني ان يأتي بالسورة الزائدة مع العلم بامتثال الامر باتيان الأولى لأجل
انه يحتمل كون الزائدة أوفق بالجزئية للصلاة فان للعبد بعد اتيانه بفرد للمأمور به و
قبل استعمال الامر إياه في الغرض ان يأتي بفرد آخر أوفق بالغرض بداعي تبديل الامتثال
الأول كما بين ذلك في الأصول.
والثالث ان يأتي بالسورة الزائدة لأجل انه يحتمل فساد بعض كلمات الأولى
مثلا ولا يتمكن من اعادتها بالوجه المقطوع الصحة وهي وان كانت محكومة
بالصحة ظاهرا بمقتضى قاعدة الفراغ لكنه يأتي بالثانية لداعي احراز الصحة الواقعية
والفرق بين هذين القسمين والقسم الأول انه في الأول يأتي بالثانية بداعي الجزئية المقطوعة
وفى الآخرين بداعي الجزئية المحتملة.
والرابع ان يأتي بالثانية لمحض القرآنية إذا عرفت ذلك فنقول اما القسم الأخير
فينبغي القطع بعدم دخوله في القران المنهى كما أنه ينبغي القطع بدخول الأول واما
الاخر ان فيحتمل قويا دخولهما أيضا فإنه يصدق عليه انه جمع بين السورتين لأجل رعاية
الجزئية للصلاة ودعوى ان المتفاهم من القرآن كونه بقصد الجزئية المقطوعة لا شاهد لها

188
كما أن التعليل باعطاء كل سورة حقها لا منافاة فيه مع التعميم كما لا يخفى واذن فالأحوط
بناء على الحرمة تركهما أيضا.
فيما يتعلق بالجهر والاخفات بالقراءة
الموقع الثالث فيما يتعلق بالجهر والاخفات بالقراءة وفيه مسائل:
الأولى يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح والأولتين من المغرب
والعشا والاخفات في العصر مطلقا والظهر في غير يوم الجمعة واما يوم الجمعة
فيأتي انشاء الله الكلام فيه ومحصل الكلام في المقام انه لا اشكال ظاهرا
في أن المتعارف في الطائفة الأولى الجهر وفى الثانية الاخفات من لدن شرع الصلاة
إلى زماننا هذا حتى سميت الأولى بالجهرية والثانية بالاخفاتية ويدل على ذلك
الاخبار الحاكية عن سؤال الرواة عن علة جعل الجهر في الطائفة الأولى
والاخفات في الثانية وغيرها من الاخبار بحيث يقطع بان الجهر في الأولى والاخفات في
الثانية كان من المسلمات بين المسلمين انما الكلام في أن هذا الجعل هل هو على سبيل
الوجوب بحيث لو أخل بهما فقرء الجهر في موضع الاخفات أو العكس تبطل الصلاة
أولا مقتضى كثير من الاخبار.
الأول مثل رواية فضل بن شاذان في ذكر العلة التي من اجلها جعل الجهر في
بعض الصلوات دون بعض من أن الصلوات التي يجهر فيها انما هي في أوقات مظلمة فوجب
ان يجهر فيها الخبر.
ورواية محمد بن عمر ان في ذكر العلة في ذلك أيضا من أن النبي صلى الله عليه
وآله لما اسرى به إلى السماء كان أول صلاة فرض الله عليه الظهر يوم الجمعة فأضاف
الله عز وجل إليه الملائكة تصلى خلفه وامر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ان يجهر فيه بالقراءة ليتبين لهم
فضله ثم فرض عليه العصر ولم يضف إليه أحدا من الملائكة وأمره ان يخفى القراءة لأنه لم
يكن ورائه أحد ثم فرض عليه المغرب وأضاف إليه الملائكة فأمره صلى الله عليه وآله بالاجهار و
كذلك العشاء الآخرة فلما كان قرب الفجر نزل ففرض عليه الفجر فأمره بالاجهار الخبر.

189
ورواية زرارة قلت له عليه السلام رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه أو اخفى فيما
لا ينبغي الاخفات فيه قال عليه السلام أي ذلك فعل متعمدا فقد نقص صلوته وعليه الإعادة خلافا
للإسكافي فاستحبهما في مواضعهما وعن السيد انه من السنن المؤكدة ومال إليه جماعة
مطلقا أو لولا خوف الاجماع واستدل على ذلك مضافا إلى أصالة البراءة بقوله تعالى و
لا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا قال في المدارك وجه الدلالة ان
النهى لا يجوز تعلقه بحقيقة الجهر والاخفات لامتناع انفكاك الصوت عنهما بل المراد والله أعلم
ما ورد عن الصادق عليه السلام في تفسير الآية وهو تعلق النهى بالجهر العالي الزائد عن
المعتاد والاخفات الكثير الذي يقصر عن الاسماع والامر بالقراءة المتوسطة بين الامرين
وهو شامل للصلوات كلها وصحيحة على بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام قال سألته عن
الرجل يصلى من الفرائض ما يجهر فيه بالقراءة هل عليه ان لا يجهر قال عليه السلام ان شاء جهر وان
شاء لم يجهر.
وفيه ان الأصل محكوم للأدلة واما الاستدلال بالآية فغريب بعد القطع بمشروعية
الجهر في بعض الصلوات والاخفات في بعضها إذ لا اشكال في رجحان الجهر والاخفات
في مواضعهما والامر بالقراءة المتوسطة بين الامرين في تمام الصلوات كما افاده قدره
مناف لما هو معلوم من الخارج ولعل المراد والله أعلم النهى عن الجهر الزائد عن المعتاد
في الصلوات الجهرية وعن الاخفات الكثير في الاخفاتية والامر بالجهر المتوسط في
محله وكذا الاخفات المتوسط وهذا ينطبق على ما ورد من الصادق عليه السلام أيضا كما هو
واضح واما الصحيحة فلا تخلو من اغتشاش في المتن حين ان السائل بعد فرض ان الصلاة
مما يجهر فيه بالقراءة ويقطع برجحان الجهر فيه يكون المناسب سؤاله عن جواز
الاخفات والمفروض ان عبارة السؤال ظاهرة في احتمال لزوم الاخفات وهي قوله هل
عليه ان لا يجهر ومن المحتمل ان بعض الصلوات الاخفاتية صار مما يجهر فيه عند العامة
وغرض السائل في مثله السؤال عن وجوب الاخفات بمعنى الشرطية المطلقة أو الاجتزاء
بما تعارف عندهم فيكون محصل الجواب على هذا انه ان شاء جهر يعنى يصلى بمحضر
منهم تقية ويجهر بالقراءة وان شاء لم يجهر يعنى يصلى في مكان اخر ولم يجهر هذا بقى

190
الكلام في صلاة الجمعة وظهرها.
في صلاة الجمعة وظهرها
اما الأول فلا اشكال في رجحان الجهر فيها ويدل عليه بعض الاخبار مثل صحيحة
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن صلاة الجمعة في السفر قال عليه السلام يصنعون
كما يصنعون في الظهر ولا يجهر الامام فيها بالقراءة وانما يجهر إذا كانت خطبة وروى
ابن أبي عمير في الصحيح عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام نحو ذلك واما الوجوب قال في
المدارك وقد قطع الأصحاب بعدمه والمحكي عن العلامة في المنتهى انه أجمع كل من
يحفظ عنه العلم على أنه يجهر بالقراءة في صلاة الجمعة ولم اقف على قول للأصحاب في
الوجوب وعدمه والأصل عدمه انتهى ويظهر من هذا الكلام عدم تحقق الاجماع على نفى
الوجوب في الواقع ولذا تمسك قدره بالأصل و ح تكون المسألة من جزئيات الشك في
اعتبار القيد الزائد والامر سهل بعد ما كان المختار فيها البراءة وليس في البين ما يظهر
منه الوجوب حتى يكون حاكما على الأصل المذكور فان الصحيحة السابقة لا يظهر منها
الا اثبات الجهر في صلاة الجمعة في قبال منعه في الظهر.
فان قلت إن الأخبار الآمرة بالجهر متعددة من دون معارض فما الوجه في عدم.
الاخذ بظهورها في الوجوب.
قلت لعل الوجه في ذلك أن تلك الأخبار مشتملة على ذكر أشياء بعضها مستحب
قطعا كالتوكؤ على القوس أو العصا للامام في حال الخطبة ونحو ذلك من آداب تلك الصلاة
أو من آداب يوم الجمعة كالغسل فلا يبقى ظهور للامر بالجهر في طيها في الوجوب فراجع.
واما ظهر يوم الجمعة فقد ذهب المشهور إلى استحباب الجهر فيه ومستندهم
صحيحة عمران الحلبي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام وسئل عن الرجل يصلى الجمعة أربع ركعات
أيجهر فيها بالقراءة قال عليه السلام نعم والقنوت في الثانية وصحيحة محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال عليه السلام لنا صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة و
اجهروا بالقراءة فقلت انه ينكر علينا الجهر في السفر قال عليه السلام اجهروا بها وحسنة
الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدى أربعا اجهر

191
بالقراءة فقال عليه السلام نعم وبإزاء هذه الأخبار صحيحة جميل قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الجماعة يوم الجمعة في السفر قال عليه السلام تصنعون كما تصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر
ولا يجهر الامام انما يجهر إذا كانت خطبة وروى نحو ذلك محمد بن مسلم في الصحيح
ولذا ذهب بعض الأصحاب إلى المنع ونقل عن المحقق في المعتبر ان هذا أشبه بالمذهب.
أقول ينبغي التكلم في مقامين أحدهما رجحان الجهر في ظهر يوم الجمعة في
مقابل القول بالمنع والثاني في أنه هل هو سبيل الوجوب بحيث لا يجزى
الاخفات أو الاستخبات اما التكلم في المقام الأول.
فملخصه انه لا اشكال في دلالة الأخبار السابقة على رجحان الجهر واما الصحيحتان
فيمكن حملهما على حال تقية السائل والشاهد على ذلك قوله في رواية ابن مسلم انه
ينكر علينا.
واما المقام الثاني فالحق عدم دلالة الأخبار السابقة على تعيين الجهر فان غاية
الامر دلالتها على مساواة حكم الظهر يوم الجمعة مع الجمعة وقد عرفت حال الجمعة
وانه لا يجب الجهر فيها فاحتمال تعيين الجهر من جهة هذه الأخبار في غاية الضعف والسقوط
فاذن الأفضل بمقتضى الاخبار الجهر بالقراءة في الظهر يوم الجمعة والأحوط الاخفات
كما لا يخفى.
فيما إذا جهر موضع الاخفات أو العكس
الثانية إذا جهر في موضع الاخفات أو أخفت في موضع الجهر فان كان ذلك عمدا
فقد بطل صلوته واما ان كان ناسيا للحكم أو للموضوع أو جاهلا بأحدهما فلا إعادة
عليه وتكون الصلاة صحيحة والأصل في ذلك رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل
جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه وأخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه فقال عليه السلام أي ذلك فعل متعمدا
فقد نقص صلوته وعليه الإعادة فان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى فلا شئ عليه
وقد تمت صلوته الخبر ولا شبهة في أن اطلاق قوله عليه السلام ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى
يشمل الحكم والموضوع كما أن الظاهر أن قوله عليه السلام أو لا يدرى يشمل صورة

192
عدم الالتفات أصلا والجاهل المركب واما الشاك فمقتضى الجمود على معنى اللفظ لغة
شموله له لأنه حقيقة ممن لا يدرى ولكن المنساق في مثل المقام خروجه عنه ويمكن
التفصيل بين الشاك المتمكن من الفحص وغيره بخروج الأول لانصراف قوله عليه السلام
لا يدرى عنه بل لدخوله تحت قوله عليه السلام فعل متعمدا ودخول الثاني ويمكن ان
يقال بعدم شمول قوله عليه السلام لا يدرى للشاك كما أن الشرطية الأولى وهوى قوله عليه السلام
فان كان عمدا بطلت صلوته لا تشمله أيضا فان الصحيحة متعرضة لحكم من جهر في
موضع الاخفات وبالعكس مستندا إلى العمد وغيره فكما ان الشاك إذا جهر في موضع
الاخفات لا يصدق عليه انه عمد لاتيان شئ لا ينبغي فلا يستند عمله على العمد بذلك
العنوان كذلك لا يستند عمله إلى غير العمد بالعنوان المذكور فان الشك ليس موجبا
لايجاد أحد طرفيه بالخصوص بل اتيان أحد طرفيه مستند إلى العمد بعنوان آخر غير
العنوان المذكور وهو عنوان الاحتياط والرجاء فاتيان الشاك الجهر في موضع الاخفات
خارج عن القضيتين فإنه ما تعمد باتيان غير ما ينبغي فان المفروض انه شاك وليس عمله
مستند إلى غير العمد بالعنوان المذكور فان المفروض انه شاك والشك بنفسه لا يوجب
ايجاد طرف بالخصوص بل كان عمله مستندا إلى العمد لشئ آخر وهو الاحتياط
بخلاف السهو والنسيان فان الجهر في موضع الاخفات وكذا العكس يستند ان
إليهما بل ومثل السهو والنسيان الجريان على اللسان من جهة الأمور الغير
الاختيارية فان المعيار الجهر في موضع الاخفات والاخفات في موضع الجهر مستند
إلى غير العمد:
ثم انه لو قلنا بشمول الرواية للشاك اما مطلقا أو خصوص غير المتمكن من السؤال
فلا اشكال في تمكنه من القربة المعتبرة في العبادات بان يأتي به في هذا الحال رجاء لادراك
الواقع فإنه يكفي في القرب المعتبر في باب العبادة كما تقرر في محله فلا وجه للاشكال
بان عمل الشاك المتلفت فاسد من جهة الاخلال بالقربة نعم لو قلنا بان المعتبر في العبادة
صدورها بداعي الامر مطلقا يبطل عمل الشاك لعدم كونه لداعي الامر الواقعي ولكن
لازمه الحكم ببطلان الاحتياط في العبادات مطلقا ولا يلتزم به أحد ولا وجه أيضا

193
للقول بما يلزمه ذلك أصلا هذا مضافا إلى أن الشاك لو التفت إلى هذا الحكم أعني كون
صلوته صحيحة في حال الشك وان جهر في موضع الاخفات أو العكس واقعا يقدر على اتيان
العمل بداعي الامر أيضا.
في ايراد اشكال وحله
بقى في المقام اشكال وهو ان مقتضى الصحيحة صحة صلاة الجاهل بالحكم في
هذه المسألة بل هي مما لا ريب فيها نصا واجماعا ولكن قد يشكل تعقلها من جهة ان
شرطية الجهر والاخفات في موضعهما ان كانت منوطة بالعلم بها فهو من المحال لعدم
امكان ان يكون العلم بالشئ محدثا له وان كانت مطلقة يلزم بطلان العمل لكونه فاقدا
للشرط وان كان المقام من باب تقبل الشارع العمل الناقص بعد وجوده بدلا عن
التام واسقاط ما هو واجب أولا عن عهدة المكلف فهو ينافي ما يظهر من الأصحاب من
عدم معذورية الجاهل في هذه المسألة من حيث استحقاق المؤاخذة فان اسقاط الواجب مع
بقاء وقته والمؤاخذة على مخالفته يأبى عنه العقل ولا يصح دفع الاشكال بالتزام ان
الطبيعة الجامعة لها مصلحة ملزمة باعتبار صرف الوجود وايجادها في الفرد الخاص
واجب آخر فإذا اتى في الفرد لخاص امتثل الواجبين وإذا اتى في غير ذلك الفرد امتثل
الامر بالطبيعة وفات محل الاخر فمن جهة انه اتى بالطبيعة المأمور بها صح العمل
ومن جهة تقويت المحل للاخر عصى واستحق العقوبة ووجه عدم صحة دفع الاشكال
بما ذكر انه يلزم صحة العمل وان اتى بالطبيعة الجامعة متعمدا فان الاتيان بها على
الفرض عبادة وان قارن عصيان الامر الاخر نعم لو قلنا باقتضاء الامر بالشئ النهى عن
ضده الخاص يلزم القول ببطلان العمل من حيث المضادة ولكنا لم نقل بذلك.
وحل أصل الاشكال ان المصلحة القائمة بالطبيعة الجامعة انما حدثت بعد
الجهل بالحكم وفى الرتبة المتأخرة وليس المقام من قبيل وجود المصلحة الملزمة
في المطلق والمقيد في عرض واحد حتى يرد الاشكال المتقدم ويتفرع على ذلك أمور
ثلاثة من دون منافاة لبعضها مع الاخر: أحدها تمامية الصلاة التي ينطبق عليها

194
الجامع عند الجهل بلزوم الخصوصية والثاني استحقاق العقوبة على ترك الخاص
إذا كان مستندا إلى تقصيره والثالث عدم الصحة لو تعمد في ترك الخاص و
الاتيان بالجامع،
في فروع متعلقة بالمقام
الثالثة لو تذكر قبل الركوع لا يجب عليه إعادة القراءة بل وكذا لو تذكر في أثناء
القراءة حتى لو قرء آية ثم تذكر كل ذلك لاطلاق الرواية.
فان قلت ليست الرواية متعرضة للأثناء فان المفروض فيها الفراغ من
الصلاة بدليل الامر بإعادتها في صورة العمد والحكم بصحتها وتماميتها في الصور
الأخرى.
قلت المفروض وان كان كذلك الا انه يفهم ان الحكم المذكور في القضية ليس منوطا
باتمام العمل فان قوله عليه السلام فقد نقص صلوته في الفقرة الأولى يدل على بطلان العمل
حين الاجهار موضع الاخفات أو العكس عمدا ولا يناط البطلان باتمام العمل قطعا و
كذلك مقابله في الفقرة الثانية فقد تمت صلوته يظهر منه التمامية حين وقوع أحدهما
موقع الاخر كما كان كذلك في الفقرة الأولى هذا ولكن الأحوط إعادة القراءة في تمام
موارد امكان التدارك.
الرابعة لا فرق في صحة عمل الجاهل بالحكم بين ان يكون جاهلا بوجوب
الجهر والاخفات أو جاهلا بمحلهما بان تخيل وجوب الاخفات في صلاة الصبح أو المغرب
أو العشاء ووجوب الجهر في صلاة الظهر أو العصر وكذا لا فرق ظاهرا بين ان يكون
جاهلا بحكمهما أو موضوعهما كان تخيل أدنى الجهر اخفاتا للجهل بمفهوم الجهر
لأنه لم يتعمد عنوان الجهر في موضع الاخفات وان تعمد فعل ما هو جهر في الواقع ولو
علم بوجوب الجهر في بعض الصلوات والاخفات في بعض وشك في محلهما تفصيلا
فالكلام في شمول الرواية له وعدمه هو الكلام في شمولها للشك الابتدائي من دون
تفاوت كما لا يخفى وهل المأموم المسبوق الذي يجب عليه الاخفات في القراءة وان

195
كان في الصلاة الجهرية يعذر لو كان جاهلا أولا لا يبعد دعوى انصراف الرواية إلى
غيره ولا أقل من عدم ظهور في الشمول فيجب التمسك فيه بالقواعد وهكذا الكلام في
شمولها لمن جهر بالتسبيحات الأربع في الركعتين الأخيرتين.
الخامسة لا يجب الجهر على النساء في الصلوات الجهرية وهذا مسلم ويدل عليه
بعض الاخبار بل يتخيرن بين الجهر والاخفات إذا لم يسمع الأجنبي واما مع سماعه فان
قلنا بحرمة اظهار صوتها عنده فالمسألة من جزئيات باب الاجتماع بين الأمر والنهي
هذا في الجهرية واما في الاخفاتية فيتعين عليهن الاخفات كالرجال إذ لا دليل على
ترخيصهن في الجهر فيكفي العمومات الدالة على الاخفات في الصلوات المخصوصة ولو
جهرت بالصلوات الاخفاتية نسيانا أو جهلا فحالها حال الرجال في المعذورية فان مورد
رواية زرارة وان كان السؤال عن حال الرجل الا انه من المعلوم انه من باب المثال و
الحكم المستفاد من الجواب يشترك فيه الرجال والنساء.
السادسة يتحقق الجهر عرفا بظهور جوهر الصوت واما تحقق الاخفات بمجرد
عدم ظهور جوهر الصوت وان سمع البعيد فمحل اشكال ولا يبعد اعتبار عدم سماع
البعيد مع ذلك بل قد يشكل كفاية ظهور جوهر الصوت في تحقق الجهر وان لم يسمع
القريب نفس الكلمات والحروف والأولى ارجاع الجهر والاخفات المأمور بهما في
في الصلوات إلى السيرة المستمرة العملية فان كيفية الصلوات الجهرية والاخفاتية
معلومة من المسلمين فلا حاجة إلى تحديد مفاهيمهما هذا واما نفس القراءة فالمناط في
تحققها كونها بحيث يسمع نفسه تحقيقا أو تقديرا لرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال
لا يكتب من القراءة والدعاء الا ما اسمع نفسه والظاهر أنه لو كان القراءة بحيث ما
اسمع نفسه لا يصدق عليها القراءة عرفا وكذلك الدعاء وليست الرواية متعرضة لاعتبار
شرط زائد.
السابقة لو أفرط في الجهر وخرج عن المعتاد كالصياح فالظاهر بطلان صلوته
للنهي عن الجهر العالي في قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها كما ورد تفسيره
في رواية سماعة قال سألته عن قول الله عز وجل ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها

196
قال عليه السلام المخافتة ما دون سمعك والجهران ترفع صوتك شديدا وكذا رواية اسحق
ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال عليه السلام
الجهر بها رفع الصوت والتخافت ما لم تسمع نفسك الثامنة لا اشكال في وجوب الجهر بالبسملة
في موضع يجب فيه الجهر بالقراءة كسائر اجزاء القراءة واما في مواضع يتعين فيها القراءة
والاخفات بها فالمشهور استحبابه مطلقا والدليل على أصل رجحان الاجهار في الصلوات
الاخفاتية في الجملة النصوص المستفيضة واطلاقها يشمل الامام وغيره ومجرد كون الامام
موردا في بعض الاخبار لا يوجب الاختصاص به مع اطلاق باقي الاخبار مضافا إلى كون بعض
الاطلاقات أبية عن التقييد مثل ما دل على كونه من علامة المؤمن وكذا لا فرق بمقتضى
الاطلاقات بين الأوليين والأخيرتين من الاخفاتية وكذا ثالثة المغرب والأخيرتان من
العشاء ان اختار الحمد لعدم دليل لفظي في الأخيرتين يقتضى وجوب الاخفات وانما
دليله الاجماع المفقود في البسملة كما لا يخفى وهل يجب الاجهار بها كما ذهب إليه
بعض أولا كما هو المشهور وجهان يدل على الأول منهما رواية الأعمش المحكية عن
الخصال ان الاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجب وليس في اخبار الباب ما
يدل صريحا على الاستحباب حتى يوجب صرف تلك الرواية عن ظاهرها فان مجرد ذكر
الجهر ببسم الله في عداد المستحبات لا يدل على عدم وجوبه إذ من الممكن اشتراك بعض
الواجبات مع بعض المستحبات في كونه علامة المؤمن.
نعم يمكن ان يقال ان رواية الأعمش لا ظهور لها في الوجوب الاصطلاحي بل المقصود
منه المطلق الثبوت في مقابل البدعة ويؤيد ذلك رواية سليم بن قيس المروية عن روضة
الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة يذكر فيها احداث الولاة الذين قبله إلى أن قال
عليه السلام وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم بناء على أن المراد الجهر بها في
الصلوات كما هو الظاهر إذ لو كان الجهر واجبا لما كان الزامه عليه السلام مستندا إلى بدعة
السابقين والاحتياط في المسألة عدم ترك الجهر في الأوليين وترك القراءة في الأخيرتين
وهل يعم الحكم ما لو وجب الاخفات لعارض الجماعة أو لا الظاهر الثاني لانصراف الأدلة
إلى غير الفرض فالأدلة الدالة على لزوم الاخفات بالقراءة خلف الامام في المأموم

197
المسبوق سليمة عن المعارض.
في وجوب تعلم القراءة
الموقع الرابع في وجوب تعلم القراءة وما يتعلق به وكيفية أداء الكلمات مادة
وهيئة وحكم من لا يحسن القراءة فهيهنا مسائل:
الأولى يجب تعلم القراءة كوجوب تعلم باقي اجزاء الصلاة في الوقت بل قبله بناء
على ما هو التحقيق من وجوب تحصيل مقدمة الواجب المشروط بشرط يعلم تحققه في محله
وان علم بقدرته على التعلم في الوقت أيضا إذ على هذا يتخير بين التعلم قبل الوقت وبعده
وقد حققنا ذلك في الأصول هذا إذا لم يتمكن من الايتمام ولو تمكن منه فلا يجب
عليه تعلم ما يسقط عنه به على الأقوى خلافا لمحكي عن الجواهر من تقويته وجوب
التعلم عينا ولو مع التمكن من الايتمام بعد أن حكى التصريح بذلك عن كاشف
الغطاء وفرع عليه انه لو تركه في السعة وائتم اثم وان صحت صلوته وما قيل في
وجه ذلك من أن الايتمام لأجل توقفه على فعل الغير الخارج عن قدرته ليس فعلا اختياريا
له حتى يتخير بينه وبين التعلم مدفوع بان الكلام انما هو مع فرض التمكن ولا
يكون الا مع تحقق ما هو خارج عن قدرته وبعبارة أخرى فرض الكلام فيما يكون
صلاة الجماعة أفضل فردي الواجب ولا اشكال في أن الامر بتلك الصلاة ليس أمرا
بما هو خارج عن قدرة المكلف بل قد يكون واجبا عينيا كما إذا لم يقدر على
اتيان الفرد الاخر ويمكن ان يكون مراد كاشف الغطاء فيما إذا لم يحرز تمكنه
من الايتمام واتفق له ذلك فيصح في مثل ذلك القول بصحة الصلاة مع الاثم اما صحة
الصلاة فواضحة واما الا ثم فللتجري وكيف كان فلا اشكال في ذلك كما لا اشكال
أيضا في جواز ترك التعلم لو تمكن من اتباع القارئ ولو تمكن من القراءة من المصحف
فهل يجوز ذلك مع القدرة على الحفظ أولا ذهب جماعة إلى الجواز لاطلاق دليل القراءة
وخصوص رواية الحسن بن زياد الصيقل قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في الرجل
يصلى وهو ينظر في المصحف يقرء فيه يضع السراج قريبا منه فقال عليه السلام لا بأس وعن

198
جماعة المنع الا على تقدير عدم التمكن من الحفظ استنادا إلى وجوه ضعيفة الا رواية
على بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام قال سألته عن الرجل والمرأة يضع المصحف امامه
ينظر فيه ويقرء ويصلى قال عليه السلام لا يعتد بتلك الصلاة وفيه أيضا ان مقتضى الجمع
بينها وبين رواية الحسن بن زياد الحمل على الكراهة مع امكان ان يكون المراد من
الروايتين قراءة القرآن من المصحف حال الصلاة غير القراءة الواجبة في الصلاة
كقراءة الحمد والسورة وعلى هذا ليست الروايتان متعرضتين لما نحن بصدده اثباتا
ونفيا ويكفي للحكم بالجواز اطلاق الأدلة وان أبيت فالمرجع الأصل وهو البراءة
على ما هو التحقيق وقد تحصل مما ذكرنا ان المتمكن من التعلم له الخيار بين
تحصيل العلم بالقراءة وايجادها في الصلاة عن ظهر القلب وبين أحد من الثلاثة المتقدمة
هذا في سعة الوقت ولو ضاق الوقت فان تمكن من القراءة بواسطة اتباع قار أو على
المصحف يتعين عليه ذلك من دون اشكال ان لم يتمكن من الايتمام ويتخير بينه وبين
الايتمام ان تمكن منه واما لو لم يتمكن من القراءة بأحد النحوين أيضا فهو من افراد
المسألة الآتية.
في لزوم الايتمام لو عجز عن التعلم
المسألة الثانية غير القادر على التعلم لضيق وقت ونحوه لو لم يتمكن من
القراءة بأحد النحوين المتقدمين أيضا وتمكن من الايتمام فهل يتعين عليه الايتمام
أو يتخير بينه وبين ما يتمكن من القراءة الناقصة مقتضى القاعدة الأول لان الانتقال إلى
البدل انما يجوز في صورة تعذر الأصل والمتمكن من ايجاد الصلاة عن ايتمام متمكن
من ايجاد الأصل وقد يقال بالثاني تمسكا باطلاق ما دل على الاكتفاء بالناقص في حق
من لم يحسن القراءة ومقتضى ذلك كون الناقص في الموضوع المفروض بمنزلة التام
في حق القادر فكما ان القادر يكون مخيرا بين القراءة تامة والايتمام كذلك العاجز
يكون مخيرا بين الصلاة مع القراءة الناقصة والايتمام هذا ولكن لم نعثر في الأدلة
على ما يقتضى هذا النحو من الاطلاق بل دعوى الاطلاق بحيث يكون بدلا للايتمام غريبة

199
جدا للزوم ان لا يجب عليه التعلم وان علم بعدم تمكنه من الايتمام فان عدم التعلم يجعله
موضوعا لوجوب الناقص الذي هو مثل التام من دون تفاوت وقد يقال بان دليل
استحباب الجماعة يقتضى باطلاقه كونها مستحبة حتى في الحال المفروض وفيه ان
أدلة الجماعة لا تدل الا على استحبابها الذاتي فلا تنافى صيرورتها واجبة في بعض الأحيان
لعارض كما لا يخفى.
والحاصل ان القول بوجوب التعلم لا يناسب مع تجويز ترك الايتمام عند عدم
القدرة على التعلم والاكتفاء بالقراءة الناقصة نعم ان قلنا بان الاكتفاء بالقراءة الناقصة
انما هو لمن لا يكون مقصرا واما المقصر فيعاقب على ترك الصلاة ولم تكن الصلاة
الناقصة واجبة عليه فهو
كمن ترك الصلاة حتى خرج الوقت صح ان يقال ان قراءة غير
المقصر على نحو ما يحسنه حالها حال القراءة الصحيحة عند الشارع فكما ان القادر
على القراءة الصحيحة يتخير بين الصلاة منفردا والايتمام كذلك من يأتي بها على حسب
حاله من دون ان يكون مقصرا في ذلك لكن هذا خلاف ظاهر اطلاق الأدلة مضافا
إلى أن الالتزام بجواز ترك الصلاة في الوقت ولزوم القضاء عليه بعد تعلم القراءة في
غاية البعد هذا.
في ايراد اشكال مع حله
ولكن في المقام كلام ينبغي ان ينبه عليه وهو ان الواجبات التي لا يكون
لها بدل عند العجز يجب تحصيل مقدماتها ولو لم يحصلها وصار عاجزا بعد ذلك
يعاقب على تركها إذ يكفي في صحة العقوبة قدرة المكلف في زمان ولا يلزم استمرار
القدرة واما الواجبات التي تنتقل إلى البدل في زمان العجز بحيث يكون الآتي به عند
العجز كالآتي بالأصل عند القدرة في جميع الآثار فلم يكن لوجوب تحصيل المقدمة
الوجودية وجه عقلي والمفروض ان ما نحن فيه كذلك فان العاجز عن القراءة
الصحيحة يجب عليه ما يحسنه من الناقصة ويكون صلوته بذلك صحيحة تامة فما الوجه
لوجوب التعلم ان كان الوجه الاجماع فينبغي ان يقال بان التعلم واجب نفسي و

200
دليله الاجماع إذ لا يفوت بتركه واجب آخر حتى يكون وجوبه مقدمة له.
فان قلت إن مجرد وجوب امر عند الاضطرار لا يلازم ان تكون المصلحة الواحدة
الموجبة للايجاب قائمة بأمر مخصوص للمختار وهي بعينها تكون قائمة بأمر آخر عند
الاضطرار نظير القصر في السفر والاتمام في الحضر بل ممكن ان يكون المطلوب
الذي تقوم به المصلحة الايجابية مطلق غير مقيد بقيد الاختيار بل انما قيدت الهيئة
والمادة باقية على صفة المطلوبية حتى بالنسبة إلى العاجز وأن يكون العجز موجبا
الامرين أحدهما سقوط الامر والثاني احداث طلب آخر متعلق بالمرتبة الناقصة بل قد
يصير المطلوب المطلق بواسطة طر وعنوان آخر محرما وكذا يصير المحرم المطلق بواسطة
عنوان آخر واجبا وفائدة اطلاق المطلوب في المثالين عدم جواز تحصيل العنوان المغير
للحكم اختيارا ولو أقدم على ذلك اختيارا يكون عاصيا لمخالفة التكليف الأول و
الدليل على ذلك اطلاق الأدلة حيث إنه لم يقيد فيها قيد الاختيار فمقتضى اطلاق المادة
هو المطلوبية المطلقة حتى بالنسبة إلى العاجز فلا يجوز تحصيل العجز اختيارا
بترك التعلم.
قلت هذا تحقيق حسن ولكن يلزم من ذلك صدق الفوت بالنسبة إلى ما هو مطلوب
مطلقا أي باطلاق المادة إذ يكفي في صدق الفوت المطلوبية المطلقة بحسب المادة
وان سقط امره بل وان لم يتعلق به التكليف أصلا كالنائم في تمام الوقت ومقتضى ذلك
ثبوت القضاء ولو مع اتيان ما هو واجب على العاجز ولم يلتزموا بذلك.
فان قلت إنه مع وجود الدليل الاضطراري القائم مقام الأصل لم يفت منه العمل.
قلت إن كان البدل قائما مقام الأصل فيما هو ملاك الوجوب فهو بدل اختياري بمعنى
انه يجوز للمكلف اختيارا لعنوان الذي يكون موضوعا لوجوب البدل وهذا خلاف الفرض و
الا فقد فات منه ما هو واجب بالأصل. وحل الاشكال ان يقال ان مقتضى المطلوبية المطلقة المستفادة من اطلاق المادة صدق
الفوت إذا عجز عن اتيان المطلوب بالأصل ولكن الأدلة اللفظية ومعاقد الاجماعات دالة
على أن العاجز يأتي بالصلاة وتمثيل الامر المتعلق بحقيقة الصلاة بكيفية خاصة غير ما

201
يجب على القادر وقضية الدليلين ان العاجز لو اتى بما هو مكلف به في حال عجزه لم
يفت منه ما هو فائت وبعبارة أخرى مقتضى مطلوبية المادة ان العاجز فات منه ما هو
مطلوب أولا ومقتضى الدليل الثاني ان العاجز لو اتى بما هو تكليفه في حال العجز لم
يفت منه المأمور به والجمع بينهما بحمل الدليل الثاني على التنزيل بملاحظة الأثر
الشرعي فيقال ان للفوت اثرا عقليا غير قابل للرفع وهو المعذورية لو لم يكن مستندا
إلى اختياره واستحقاق العقوبة لو كان مستندا إلى اختياره واثرا شرعيا وهو ثبوت
القضاء وهو قابل للرفع فيصير مقتضى الدليلين عدم جواز تحصيل العجز اختيارا وعلى فرض
حصوله ولو بالاختيار سقوط القضاء عنه.
في تفصيل كيفيات القراءة
المسألة الثالثة يجب قراءة الحمد والسورة بتمامهما في الثنائية والأوليين من
الثلاثية والرباعية ولا تصح الصلاة مع الاخلال بشئ منهما ولو بحرف واحد عمدا بحيث
يعد ملحونا كما لو نقص حرفا واما ابداله بحرف اخر فان كان ممنوعا في المحاورة
فلا اشكال في بطلان الصلاة به لو تعمد به وان كان سائغا في المحاورات كقلب اللام راء
في مثل قل ربى أو النون الساكنة ميما إذا اتصل بالباء كما في كلمة أنباء ومثلها أو ابدالها
بواحد من حروف يرملون حين ادغامها فيه وغير ذلك مما صار متعارفا فلا اشكال
في جوازه وعدم بطلان الصلاة به بل قد يستشكل لو قرء على نحو الوضع الأولى مثل ان
يظهر النون الساكنة عند التقائها مع واحد من حروف يرملون وان كان المظنون
ان هذا الاشكال ليس في محله إذ لا وجه للحكم بغلطية ذكر الألفاظ بنحو الوضع
الأولى لها بمجرد جرى العادة حين قراءتها على نحو آخر ويشهد بذلك ان نظير
هذه التبديلات شائع في سائر اللغات ولا يقال لمن تكلم على نحو الوضع الأولى للألفاظ
انه غلط الا ترى ان العجمي لو قال " من ميايم " يدرج النون الساكنة في الميم ولو لم يدرج
واحد وتكلم بهذه الكلمة بصورتها الأولية فهل يحكم بكون كلامه لحنا وهكذا سائر
التبديلات المرسومة.
واما التشديد فان كان معتبرا في قوام ذات الكلمة بحسب وضعها الافرادي

202
كتشديد الباء من كلمة الرب مثلا فلا اشكال في أن الاخلال به يوجب البطلان وأما إذا كان
يحدث بواسطة التقاء بعض الحروف مع الاخر في كلمتين كالادغام الحاصل في حروف
يرملون عند التقائها مع التنوين والنون الساكنة بل وكذا ادغام لام التعريف في الراء
والسين وكذا ادغام اللام الساكنة في الراء في مثل قل ربى مما يجرى على اللسان
بحسب المحاورة فلا اشكال في صحة الكلام مع هذه الادغامات واما الحكم ببطلان
القراءة مع الاخلال بها والتكلم على حسب الوضع الأولى للفظ فيشكل كما أشرنا إليه
سابقا وان كان الأحوط مراعاة الجميع واما الادغام الكبير وهو ادراج المتحرك بعد
الاسكان في المتحرك متماثلين أو متقاربين في كلمة كسلككم وخلقكم أو كلمتين كيعلم
ما بين أيديهم ومن زحزح عن النار فالالتزام بجواز ذلك واتيان الكلمة على غير وضعها
الأولى مشكل والأحوط تركه فان صحة الكلمة إذا اتيت على حسب وضعها الأولى معلومة
وصحتها على غير هذا الوجه مما يقوله بعض القراء غير معلومة.
واما المد فالمقدار المتيقن من اللزوم ما إذا توقف أداء الكلمة على حسب
وضعها مادة وهيئة عليه مثل كلمة الضالين فان تجاوز الضاد المفتوحة من الألف الساكنة
إلى اللام المشددة يتوقف على مد في الجملة إذ بدونه مع حفظ تشديد اللام تكون الكلمة
على هيئة ضلين ومع حفظ الألف الساكنة تكون ضالين بتخفيف اللام وما عدا ذلك
مما التزمه القراء لا شاهد له والأصل هو البراءة كما هو المحقق في محله وان كان مراعاته
مواقفا للاحتياط.
واما الاعراب فقد نسب إلى المشهور عدم صحة الصلاة مع الاخلال به عمدا بل
المحكى عن المعتبر دعوى الاجماع عليه وعن المنتهى نفى الخلاف فيه ولا اشكال في
البطلان لو كان الاخلال موجبا لتغيير المعنى كضم تاء أنعمت فان كلمة أنعمت بالضم
بوضعها التركيبي من حيث المادة والهيئة تفيد معنى غير ما تفيد كلمة أنعمت بفتح التاء
والمنزلة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللفظة الثانية الحاوية لمعناها فتلك اللفظة لو قرئت بالضم
ليست جزء من سورة الفاتحة واما مثل الاعراب الذي يعرض اخر المعرب من الرفع
والنصب والجر أو الحركة والسكون الواقعتين في آخر المبنى فقد يقال بعدم

203
بطلان الصلاة بالاخلال بنحو الأمور المذكورة لان القران عبارة عن أصل اللفظة المخصوصة
واما الهيئة الشخصية وان كانت هي المنزلة فلا مدخلية لها في صدق القرآن بل تعتبر في
صحته واطلاق دليل وجوب القران يقتضى الاجزاء ولعل ما نسب إلى السيد المرتضى قدس سره
من صحة الصلاة بالاخلال بالاعراب ما لم يكن مغيرا للمعنى راجع إلى ما ذكرنا ومحصل
الفرق عدم صدق القران لو قرء على وجه يغير المعنى وصدقه لو لم يغير المعنى وان كان غلطا
بل قد يقال بالبطلان لو اتى بها صحيحة بمقتضى العربية ولم تكن موافقة لقراءة أحد
القراء السبعة الذين ادعى جماعة الاجماع على تواتر قراءاتهم أو العشرة بزيادة خلف
ويعقوب وأبى جعفر الذين حكى عن بعض الأصحاب ادعاء تواتر قراءاتهم وفى المحكى
عن المدارك قال صرح المصنف بأنه لا فرق في بطلان الصلاة بالاخلال بالاعراب بين
كونه مغيرا للمعنى ككسر كاف إياك وضم تاء أنعمت أو غير مغير لان الاعراب كيفية
للقراءة فكما وجب الاتيان بحروفها وجب الاتيان بالاعراب المتلقى عن صاحب الشرع،
وقال إن ذلك قول علمائنا أجمع وحكى عن بعض الجمهور انه لا يقدح في الصحة الاخلال
بالاعراب الذي لا يغير المعنى لصدق القراءة معه وهو منسوب إلى المرتضى في بعض مسائله
ولا ريب في ضعفه ثم قال ولا يخفى ان المراد بالاعراب هنا ما تواتر نقله في القرآن لا
ما وافق العربية لان القرآن سنة متبعة انتهى.
في حال تواتر القراءات
أقول يمكن ان يقال ان القرآن عبارة عن الألفاظ المنزلة واما الحركات المختلفة
الجارية على حسب القواعد فلا مدخلية لها في صدق عنوان القران نظير الوقف والوصل
من العوارض الشخصية للكلام مما لا يوجب اختلافها زوال الاسم وانتفاء المسمى ثم إن
تواتر القراءات السبع مما لم يثبت بل ثبت خلافه خصوصا إذا كان الاختلاف في المادة
أو الصورة النوعية للكلام بحيث يكون موجبا لانقلاب ماهية الكلام عرفا سواء تغير
المعنى كمالك وملك أم لا كالاختلاف في كلمة كفوا إذ من المعلوم ان المنزل على النبي
صلى الله عليه وآله ليس متعددا ويدل عليه اخبار أهل بيت العصمة عليهم السلام أيضا مثل ما رواه الكليني

204
باسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال عليه السلام ان القرآن واحد نزل من عند الواحد ولكن الاختلاف
يجيئ من قبل الرواة وعن الفضيل بن يسار في الصحيح قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
ان الناس يقولون نزل القرآن على سبعة أحرف فقال عليه السلام كذبوا أعداء الله
ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد والحاصل ان نزول القرآن على النبي
صلى الله عليه وآله وسلم متعددا مما يقطع بخلافه وعلى فرض الاحتمال ليس الا مجرد
النقل ولا يكون تواترا حقيقيا والذي يمكن ان يقال صحة كل من القراءات السبع في
مقام تفريع الذمة عن التكليف بقراءة القرآن وان لم يعلم بموفقة المقر وللقران المنزل
بل وان علم عدمه كما هو مقتضى الأخبار الآمرة بقراءة القرآن كما يقرء الناس كخبر سالم بن أبي
سلمة ة قال قرأ رجل على أبى عبد الله عليه السلام وانا استمع حروفا من القرآن ليس على ما
يقرء الناس فقال أبو عبد الله عليه السلام كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرء الناس حتى يقوم
القائم عجل الله تعالى فرجه فإذا قام القائم عجل الله تعالى فرجه قرء كتاب الله على حده و
مرسلة محمد بن سليمان عن أبي الحسن عليه السلام قال جعلت فداك انا نسمع الآيات من القرآن
ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن ان نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم فقال عليه السلام
لا اقرؤا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم وخبر سفيان بن السمط قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن ترتيل القرآن فقال عليه السلام اقرؤا كما علمتم.
فان قلت لعل الاخبار ناظرة إلى الكف عن قراءة ما في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام
مما أسقطوه أصلا أو غيروه عن صورته مثل كنتم خير أمة الذي ورد في بعض الاخبار انه في
الأصل خير أئمة ومثل واجعلنا للمتقين إماما الذي ورد انه في الأصل واجعل لنا من المتقين
إماما وأمثال ذلك مما هو محفوظ في المصحف الذي جمعه مولينا أمير المؤمنين عليه السلام و
يظهره ولده المهدى وأرانا طلعته المباركة فلا دلالة ح للأخبار المذكورة على جواز
قراءة كل من القراءات المختلف فيها من الرواة وبعبارة أخرى انا مأمورون بالكف
عما هو محفوظ عند أهله وان نقرء مثل قراءة الناس فإذا اتفق الناس على قراءة فنحن
مأمورون باتباعهم وان علمنا بعدم موافقة المقروء للقرآن المنزل وأما إذا اختلفوا
فلا تدل الأخبار المذكورة على جواز متابعة كل واحد منهم على سبيل التخيير.

205
قلت لسان بعض الاخبار هو الامر بالقراءة كما تعلموا من الناس فإذا تعلم واحد
من قار يقرء على صورة خاصة يجوز اتباعه بمقتضى الرواية وان كانت القراءة عند قار آخر
على نحو آخر وليس هذا من قبيل الارجاع إلى الخبرة حتى يكون اختلافهم موجبا
للتحير كالأمر المتعلق بالطرق فان أمرهم عليه السلام بالرجوع إلى معلمي القراءة ليس من جهة
طريقية قولهم للواقع بل لمصلحة أخرى أوجبت ارجاع الناس إلى معلمي القرآن ولا
شك في أن مثل هذا الامر يوجب التخيير في صورة اختلافهم كما لا يخفى.
في الترتيل في القراءة
تتمة ويستحب الترتيل في القراءة وتفسيره مأخوذ من الاخبار فعن مولينا
الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى ورتل القرآن ترتيلا انه عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام
بينه تبيانا ولا تهذه هذ الشعر ولا تنثره نثر الرمل ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية
ولا يكن هم أحدكم آخر السورة وعن الصادق هو ان تتمكث فيه وتحسن به صوتك وفى
مرسلة ابن أبي عمير وينبغي للعبد إذا صلى ان يرتل في قراءته فإذا مر بآية فيها ذكر
الجنة والنار سأل الله الجنة وتعوذ من النار وإذا مر بيا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا
فيقول لبيك ربنا والمروى عن علي عليه السلام انه حفظ الوقوف وبيان الحروف ويمكن ارجاع ما ورد في
اخبار إلى معنى واحد بل يمكن ارجاع كل ما نقل عن أهل اللغة من تبيين الحروف
والترسل فيها وتحسين تأليفها والتؤدة فيها بتبيين الحروف واشباع الحركات إلى معنى
واحد أيضا كما لا يخفى.
ومن المستحبات كما في الشرائع وغيره الوقوف على مواضعه والظاهر أن المراد
به الوقف التام وهو عبارة من قطع الكلام في موضع لا يتعلق بما بعده لا لفظا ولا معنى
لكن لو قلنا بأن الترتيل معنى من لوازمه الوقوف على مواضعه فلا يكون مستحبا آخر.
في الوقف بالحركة والوصل بالسكون
ثم اعلم أن الوقف عبارة عن قطع الكلام وجعل الفصل بينه وبين الكلام
المتأخر ومقابله الوصل وكل منهما يمكن على قسمين مع التحريك ومع التسكين

206
لكن في الغالب لو وقف على كلام أسكن كما أنه لو وصل بما بعده يظهر حركة آخر الكلام
وهل يصح الوقف مع ابقاء حركة الاخر ويسمى الوقف على الحركة وكذا يصح الوصل مع
اسكان آخر الكلام ويسمى الوصل بالسكون أو لا مط أو يفصل بينهما ويظهر من شيخنا
المرتضى قدس سره التفصيل بين الوقف بالحركة والوصل بالسكون والقول بالجواز في الأول
دون الثاني قال قدس سره اما الوصل بالسكون فالأقوى فيه عدم الجواز لان الحركة في آخر
الكلمة من قبيل الجزء الصوري فإذا وقف عليها سقطت لقيام الوقف مقامها في عرف
العرب وعند القراء وأهل العربية واما سقوطها مع الوصل فهو نقص للجزء الصوري
ولا فرق بين حركات الأواخر وغيرها في أن ابدالها أو حذفها موجب لتغيير الجزء
الصوري انتهى.
تحقيق في المقام
أقول حركة آخر الكلمة تارة لها دخل في الوضع مثل ضم التاء في أنعمت و
فتحها وكسرها وأخرى ليس لها دخل في ذلك بل الموضوع للمعنى المقصود هي
الكلمة مجردة عن الاعراب وانما يدخلها الاعراب لمقتضى آخر مثل كلمة المستقيم
والدين والعالمين وأمثالها ونعني بالاعراب هنا حركة آخر الكلمة سواء كانت من
المعربات في اصطلاح النحاة أم من المبنيات اما القسم الأول فلا اشكال في أن مقتضى
القاعدة الأولية لزوم اتيان الكلمة بصورتها الموضوعة في تفريغ ذمة المكلف فاسكان
التاء في مثل أنعمت يكون اخلالا بالجزء الصوري للكلمة كما أن كسرها أو فتحها
يكون كذلك فإذا ثبت جواز الاسكان في حال الوقف مثلا وسقوط الحركة في تلك الحالة
في عرف العرب وأهل اللسان لا يلازم جواز الحذف في غير تلك الحالة مثل
حال الوصل.
واما القسم الثاني فاتيان الكلمة مجردة عن الحركة موافقة لمقتضى وضعها
وان كانت الحركة المناسبة لها بحسب القواعد راجعة إلى الوضع أيضا لكن لم يعلم أن
الواضع جعل على الناس ان لا يتكلموا بهذه الألفاظ مجردة عن الحركة الا في حال الوقف
بل القدر المسلم انه عند وجود الداعي على ايجاد الكلمة محركة يجب مراعاة

207
الحركة المخصوصة فلو أبدلت بغيرها يعد من اللحن في الكلام وان شئت توضيح ذلك
فلاحظ الاعلام الشخصية فان لفظة زيد مثلا موضوعة للشخص الخاص مجردة عن الاعراب
لكن في مقام التعبير عنه تقتضي القاعدة اتيانها منصوبة كما إذا وقعت عقيب قولك
رأيت وقد تقتضي اتيانها مرفوعة كما إذا وقعت عقيب قولك جاء وقد تقتضي اتيانها مجرورة
كما إذا وقعت مدخولة لحرف من الحروف الجارة ولو تكلم متكلم بهذه اللفظة
مجردة عن الحركة أترى انه أخل بالجزء الصوري لها حتى يحتاج إلى دليل مجوز
ما أظن أن تلتزم به والحاصل ان الوصل بالسكون كالوقف بالحركة لا دليل على
بطلان الكلام بهما ومقتضى الأصل براءة ذمة المكلف عن مراعاتها.
في من لم يحسن القراءة
المسألة الرابعة لو لم يحسن القراءة ولم يتمكن من التعلم ولا من الايتمام أو
متابعة القارئ أو القراءة من المصحف فان تمكن من الحمد ولم يتمكن من السورة اما
مطلقا أو تامة فيجزى في حقه الحمد وحده في الصورة الأولى ومع ما يحسنه من السورة
في الثانية من دون تعويض عن المجهول بلا خلاف ظاهر لعدم الدليل على ذلك والأصل
عدم الوجوب واما لو تمكن من بعض الفاتحة دون المجموع فان كان البعض الذي
يحسنه يصدق عليه القرآن عرفا مع قطع النظر عن قصد القارئ فالظاهر وجوب قراءة ذلك
البعض معينا بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه وإن كانت الوجوه التي استدل بها
عليه لا يخلو عن نظر كقوله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمرتكم بشئ الخ وكقاعدة عدم سقوط الميسور
بالمعسور وما لا يدرك كله لا يترك كله وأما إذا لم يكن ما يحسنه يطلق عليه القران
فالمشهور انه يجب ان يقرء من غير فاتحة الكتاب من القران لصحيحة ابن سنان الدالة
على وجوب الذكر على جاهل القران بحيث يظهر منها ان العالم بالقران فرضه في
الصلاة قراءته مؤيدا بالنبوي صلى الله عليه وآله وسلم ان كان معك قران فاقرء به والا فاحمد الله وهلله
وكبره وفيه نظر لان الصحيحة في مقام بيان الفرق بين مثل الركوع والسجود والقراءة
الواجبة في الصلاة حيث إنها لا يعوضان بشئ آخر بخلاف القراءة وليس لها دلالة على
وجوب الاتيان بقران آخر غير القراءة الواجبة عند عدم التمكن منها وهكذا الكلام

208
في النبوي صلى الله عليه وآله مضافا إلى ضعف السند وهل يجب عليه في الصورة الأولى التعويض
عن المجهول أولا قيل بالأول الأمور.
منها انه مقتضى الاحتياط اللازم في مثل ذلك.
ومنها ان ما دل على لزوم البدل عند تعذر جميع الفاتحة دل على لزومه عند تعذر
كل جزء منها.
ومنها عموم فاقرؤا ما تيسر من القرآن.
ومنها عموم قوله عليه السلام لا صلاة الا بفاتحة الكتاب خرج الصلاة المجردة عنها
المشتملة على بدلها.
ومنها ان النبي صلى الله عليه وآله امر الأعرابي بالتسبيحات الأربع بعد أن يكون
جاهلا بالحمد بمقدار يطلق عليه القران كالبسملة والحمد لله رب العالمين فلو لا
وجوب التعويض ولو بالذكر لاستغنى بالمقدار المذكور عن الذكر هذا.
والأول من هذه الأمور مبنى على القول بالاشتغال في دوران الامر بين الأقل
والأكثر وقد قلنا بالبرائة في الأصول والخدشة في باقي الأمور واضحة فاذن الأقوى
عدم وجوب التعويض كما ذهب إليه صاحب المدارك وحكى عن صريح المعتبر
والمنتهى.
ثم لو فرضنا لزوم التعويض فهل يتعين تكرار ما يحسن من الحمد أو يتعين
الابدال من غيره ذهب إلى كل من القولين بعض متمسكا ببعض الوجوه بالاعتبارية والحق
ان المرجع في هذه المسألة أيضا هو الأصل إذ لا دليل في البين وهو الاحتياط بالجمع
بين البدلين إن كان الدوران بين أحد المتعينين كما أنه لو شك في أن البدل يجب ان
يكون بقدر المبدل من جهة الحروف أو الآيات أو لا يرجع إلى البراءة وطريق الاحتياط
في المسألة واضح.
ثم انك قد عرفت ان مقتضى الصحيحة السابقة وجوب العوض على من لم يحسن
القراءة الواجبة وهل العوض الواجب مطلق الذكر أو خصوص التسبيح أو بإضافة التهليل و
والتكبير والتحميد. مقتضى الصحيحة الاكتفاء بالتسبيح فان التكبير في قوله عليه السلام

209
أجزأه ان يكبر ويسبح ظاهر في تكبيرة الاحرام ولا أقل من الاحتمال فلا يبقى ما يدل
الدليل وجوبه بعنوان البدلية للفاتحة غير التسبيح ولكن الأحوط إضافة التحميد و
التهليل والتكبير إليه للامر بهذه الثلاثة في النبوي.
ثم انه لو قلنا بوجوب المساواة فهل يكفي اتيان الذكر بمقدار الفاتحة أو يجب
ان يكون مساويا لمجموع القراءة من الفاتحة والسورة الظاهر الأول لاختصاص أدلة
التعويض بجاهل الفاتحة بحيث يظهر منها ان العوض عوض الفاتحة والسورة لا عوض
لها ولهذا لو علم بالفاتحة وحدها يكتفى بها من دون تعويض للسورة ولكن يشكل
بما مر منا في معنى الصحيحة من أن البدل جعل للقراءة الواجبة وعلى هذا لا فرق
بين الفاتحة والسورة ولكن الامر سهل بعد عدم الدليل على لزوم المساواة والله
تعالى هو العالم:
ومن لا يقدر الا على الملحون اعرابا أو مادة لو تمكن من الايتمام يجب عليه لما
قلنا من أنه لا أصل ولا ينتقل إلى البدل مع التمكن من الأصل واما لو لم يتمكن عنه
فهل يجب عليه قراءة الملحون أو الانتقال إلى قرآن غيره ان أحسنه أو إلى الأذكار وجهان
من أن الملحون هو الميسور مما وجب عليه ابتداء ومن أن مقتضى الأدلة المتقدمة
لزوم انتقال من لم يحسن الفاتحة إلى البدل وهذا العنوان أعم من عدم العلم بها أصلا أو العلم
بها غلطا ولكن الذي سهل الخطب وجود الأخبار الخاصة بكفاية الملحون في حق العاجز
ولو مع التمكن من الايتمام مضافا إلى ظهور الاتفاق المدعى في كلام بعض.
في حكم الأخرس
المسألة الخامسة الأخرس على ثلاثة اقسام:
أحدها من سمع ألفاظ القراءة وأتقنها بل تكلم بها مدة ثم عرض له هذه الحالة.
الثاني من لا يعمل ذلك ولكنه يعلم بان في الوجود كلاما وقراءة.
الثالث من لا يعلم ذلك أيضا إذا عرفت ذلك فنقول مقتضى القاعدة في القسم
الأول مضافا إلى تحريك لسانه تطبيق حركات اللسان على حروف القراءة جزء فجزء

210
بحيث يكون صوته بمنزلة كلام غير متمائز الحروف فان هذا منه قراءة عرفا وفى القسم
الثاني تحريك اللسان وان ينوى كون الحركة حركة قراءة بمعنى ان يوجد الحركة
بقصد حكايتها عن القراءة فان هذا هو الميسور في حقه واما القسم الثالث فالقول
فيه بوجوب تحريك اللسان مشكل فإنه مع عدم انضمام قصد القراءة ليس ميسورا
لها لصلاحيته لغيرها والمفروض عدم الالتفات إلى أن في الوجود قراءة.
نعم يمكن ان يلتفت إلى معاني القراءة مع عدم التفاته إلى نفسها لكن قصد
المعنى لم يكن مطلوبا من أحد حتى يكون هذا المقدار ميسورا بالنسبة إلى الأخرس
فالذي يقتضيه القاعدة في حق مثله السقوط بالمرة نعم رواية السكوني عن أبي
عبد الله عليه السلام قال عليه السلام تلبية الأخرس وتشهده وقراءة القرآن في
الصلاة تحريك لسانه واشارته بإصبعه تدل على عدم السقوط وانه يجب عليه تحريك
اللسان والإشارة بيده إلى المعاني الا ان يقال ان المراد من الإشارة في خبر
السكوني الإشارة إلى ألفاظ القراءة فيختص الحكم بمن يعلم بوجود الألفاظ و
لو اجمالا.
وكيف كان لو لم يمكن تفهيمه شيئا لا ألفاظ القراءة ولا معناها فالظاهر
سقوط تحريك اللسان عنه فإنه لم يكن واجبا مع القراءة حتى يبقى تعذرها كما
لا يخفى واما رواية السكوني فهي محمولة على من يمكن تفهيمه شيئا من القراءة أو المعنى
ليشير إليه بقرينة ذكر الإشارة فيها نعم يمكن القول بوجوب الوقوف بقدر القراءة
فإنه كان واجبا معها كذلك الكلام بالنسبة إلى القادر على الكلام الجاهل بالقرآن
والذكر وفيه نظر لا يخفى وان كان ما ذكرنا أحوط وهل يجب على الأخرس وعلى
مطلق من لا يقدر على تعلم القرآن والذكر في مدة عمره وان كان قادرا على الكلام
الاقتداء لو تمكن منه أولا قد بينا سابقا ان مقتضى القاعدة لزوم الاقتداء لان صلاة
المقتدى صلاة المختار بل هي أكمل افرادها فلا ينتقل إلى العمل المجعول للمضطر
وقد سبق ان القول بعدم وجوب الايتمام على من لا يتمكن من القراءة يبتنى على أحد
أمرين اما الاطلاق في الأدلة الدالة على جعل الناقص بدلا واما الاطلاق في أدلة استحباب

211
الجماعة بحيث يشمل الصورة المفروضة وقد عرفت سابقا عدم كل منهما في المسألة
الثانية ولكن يمكن ان يقال هنا بصحة التمسك بأدلة الجماعة والحكم بأنها مستحبة
في هذا الحال والفرق بين المقامين انه لو لم نقل فيما نحن فيه بالاستحباب وقلنا
بوجوب الجماعة لزم تخصيص الفرد بخلاف المسألة السابقة فان الجماعة مستحبة
حتى للشخص المفروض ولكن لا ينافي وجوبها في حال من الحالات فتأمل هذا مضافا
إلى عدم الخلاف في المسألة كما قيل ولزوم الحرج لو قلنا بلزوم الافتداء دائما في
تمام صلواته فتأمل.
فيما يتعلق بالأخيرتين
الموقع الخامس فيما يتعلق بثالثة المغرب وأخيرتي الرباعية وفيه مسائل:
الأولى يتخير في الركعة الثالثة من المغرب والأخيرتين من الظهرين و
العشاء بين قراءة الحمد والتسبيح والظاهر عدم الاشكال في اجزاء كل منهما من غير فرق
بين المنفرد والجامع إماما كان أم مأموما وكذا لا اشكال بمقتضى مجموع اخبار الباب
في التخيير بينهما على وجه التساوي بالنسبة إلى المنفرد وربما يظهر من بعض الاخبار
تعين القراءة على من نسيها في الأولين كرواية الحسين بن حماد عن أبي عبد الله
عليه السلام قال قلت له عليه السلام أسهو عن القراءة في الركعة الأولى قال عليه السلام
اقرأ في الثانية قلت أسهو في الثانية قال عليه السلام اقرأ في الثالثة قلت أسهو في صلاتي
كلها قال عليه السلام إذا حفظت الركوع والسجود تمت صلاتك وهي أخص من العمومات
الدالة على التخيير أو أفضلية التسبيح لكنها معارضة بصحيحة معاوية بن عمار المروية
في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين
الأولتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين انه لم يقرء قال عليه السلام أتم الركوع
والسجود قلت نعم قال عليه السالم انى أكره ان اجعل آخر صلاتي أولها فإنها كالنص
في أن النسيان لا يوجب تغيير ما هو وظيفة للآخرتين من التخيير مع أفضلية
التسبيح والجمع بين الصحيحة والرواية بحمل الصحيحة على أن المكروه قراءة الفاتحة

212
مع السورة في الأخيرتين ولا ينافي تعين الفاتحة وحدها كما هو مفاد الرواية غير صحيح اما
أولا فلان مورد السؤال في كل منهما السهو عن القراءة فأي وجه للحمل على الفاتحة وحدها
في إحديهما وعلى مجموع الفاتحة والصورة في الأخرى واما ثانيا فلانه لو كان المقصود
قراءة المجموع دون قراءة الفاتحة وحدها لم يبين تكليف السائل لعدم اطلاعه بسبب
هذا المضمون الا على كراهة المجموع واما انه هل يتعين عليه قراءة الفاتحة وحدها أو
يتخير بينها وبين التسبيح فالرواية ساكتة عنه واما ثالثا فلما أشرنا إليه سابقا من أن
الرواية ناطقة بان وظيفة الأخيرتين لا يتغير بنسيان القراءة في الأوليين.
فان قلت يمكن الجمع بينهما أيضا بان يقال ان الصحيحة تدل على أن وظيفة
الاخرتين لا تغير بواسطة نسيان القراءة في الأوليين وما هو الوظيفة في الأخيرتين التخيير
فلا يتغير بان يتعين القراءة ولا ينافي التخيير مع أفضلية القراءة في حال نسيانها في
الأوليين فيحمل الامر بالقراءة في رواية الحسين على الفضل جمعا.
قلت مقتضى عدم تغيير النسيان والسهو ما هو الوظيفة في الأخيرتين أفضلية التسبيح
أو مساواته القراءة فان المفروض أفضليته لولا النسيان أو مساواته للقراءة فتحصل من
ذلك كله ان الروايتين معارضتان ولا يمكن الجمع بينهما عرفا ورواية الحسين على
تقدير حجيتها في حد ذاتها لا تكافؤ الصحيحة لترجحها على الرواية سندا وعلى فرض
التكافؤ يرجع إلى العمومات هذا كله على تقدير ان يكون رواية الحسين أخص ويمكن
الخدشة في ذلك بان الأخصية انما هوى بملاحظة ان موضوع الامر بالقراءة السهو فيها في
الركعة السابقة ومن المعلوم عدم مدخلية السهو في الأولى في وجوب القراءة في الثانية
فان القراءة في الثانية واجبة سواء اتى بها في الأولى أم سهى عنها وباعتبار السياق يظهر
عدم مدخلية السهو في الثانية في وجوب القراءة في الثالثة و ح لو حملناه على وجوب
القراءة تعيينا يعارض اخبار التخيير وان حملنا على الأفضلية يعارض كلما دل على
أفضلية التسبيح.
واما الإمام والمأموم فمقتضى ظاهر بعض الروايات تعين القراءة على الامام و
تعين عدمها على المأموم كرواية جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عما يقرء الامام

213
في الركعتين في اخر الصلاة فقال عليه السلام بفاتحة الكتاب ولا يقرء الذين خلفه ومقتضى
البعض الاخر العكس كرواية سالم بن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام إذا كنت امام
قوم فعليك ان تقرء في الركعتين الأولين وعلى الذين خلفك ان يقولوا سبحان الله و
الحمد لله ولا اله الا والله أكبر وهم فيام فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين
خلفك ان يقرؤا فاتحة الكتاب وعلى الامام ان يسبح مثل ما يسبح القوم في الركعتين
الأخيرتين لكن الرواية الثانية يحتمل حملها على صورة كون اقتداء القوم في الركعتين
الأخيرتين بل هو المتعين بقرينة قوله عليه السلام في ذيلها مثل ما يسبح القوم في الركعتين
الأخيرتين فتخرج عن محل الكلام والرواية الأولى معارضة برواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
لا تقرأن في الركعتين الأخيرتين شيئا إماما كنت أو غير امام الخبر ويؤيدها الأخبار الدالة
على أن الوظيفة في الأخيرتين التسبيح في قبال الأوليين المعللة تارة بأنهما فرض
النبي صلى الله عليه وآله وأخرى بعلة أخرى مضافا إلى ما يظهر من بعض الاخبار من أن أفضلية
التسبيح كانت من المسلمات كما في رواية محمد بن عمران ان سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال لأي
علة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة الخ ومجموع تلك الأخبار
معارضة ببعض الاخبار المصرحة بالتساوي بين القراءة والتسبيح حتى أنه عليه السلام اكد ذلك
بالحف وحمل ما دل على التساوي على المنفرد وما دل على أفضلية الحمد على الامام وما دل
على أفضلية التسبيح على المأموم وان كان يشهد له بعض الروايات مثل صحيحة معاوية
بن عمار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين
فقال عليه السلام الامام يقرء فاتحة الكتاب ومن خلفه يسبح فإذا كنت وحدك فاقرء فيهما وان
شئت فسبح لكن يعارضها الصحيحة الأخرى لزرارة التي أشرنا إليها سابقا المصرحة بعدم
الفرق بين الامام وغيره وان الامام وغير الامام يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
الخ.
ويمكن ان يقال ان الرواية المصرحة بالتساوي ناظرة إلى المجعول في الأخيرتين
من حيث إنهما الأخيرتان من الصلاة مع قطع النظر عن عنوان اخر مثل الإمامة والمأمومية
كما أن الحمد جزء للصلاة مع سقوطه عن المأموم وكما أن الجهر واجب في بعض

214
الصلوات مع لزوم الاخفات على المأموم المسبوق فلا ينافي رجحان القراءة للامام ورجحان
التسبيح للمأموم وكونهما على حد سواء للمنفرد كما هو مقتضى الصحيحة السابقة.
واما الصحيحة المصرحة بعدم الفرق بين الامام وغيره فيمكن ان تكون إشارة
إلى عدم الفرق بين الإمام والمأموم المسبوق لا مطلق المأموم حيث إنه يتخيل ان المأموم
المسبوق يتعين عليه القراءة لما فاتته الركعتان الأولتان فبين عليه السلام ان حاله حال الامام
في الأخيرتين في عدم تعين القراءة وهذا الاحتمال وان كان بعيدا ولكن يخرج الصحيحة
عن كونها نصا حتى يعارض النص الدال على رجحان الحمد للامام والقراءة للمأموم و
انهما سواء بالنسبة إلى المنفرد.
في بيان الذكر الواجب كما وكيفا
الثانية لو اختار الذكر في الأخيرتين فيجزى ان يقول سبحان الله والحمد لله و
لا إله إلا الله والله أكبر لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ما يجزى من القول في
الركعتين الأخيرتين قال عليه السلام ان تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر و
تكبر وتركع ومقتضى اطلاقها الوارد في مقام البيان الاكتفاء بالمرة واما صحيحة
زرارة المنقولة في أول السرائر عن كتاب حريز عن أبي جعفر عليهما السلام قال عليه السلام
لا تقرء في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو
غير امام قلت فما أقول فيهما فقال عليه السلام إذا كنت إماما أو وحدك فقل سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر ثلث مرات ثم تكبر وتركع فلا تدل على الوجوب لوضوح ان النهى
عن القراءة في صدر الخبر ليس للتحريم فالسؤال بعد هذا النهى المراد منه المرجوحية
عما ينبغي ان يقال بدل القراءة لكن يشكل بان كون النهى للمرجوحية على تقدير التسليم
لا يلازم كون العدد المذكور في التسبيحات للفضل بل الظاهر أن أفضل الفردين فعل
التسبيحات ثلاث مرات لا ان الواحدة منها أفضل بالنسبة إلى القراءة والتكرار أفضل
من ذكرها مرة واحدة والأولى ان يقال ان تقييد المطلق في مقام البيان مادة خصوصا في مثل
هذه المسألة التي محل للابتلاء في كل يوم مرات في غاية البعد ولا بعد في التصرف في

215
الهيئة بحمل الامر بالتكرار على الاستحباب هذا مضافا إلى نقل هذه الرواية على
أنحاء اخر تارة بحذف التكبير وزيادة قوله تكمله تسع تسبيحات وأخرى بحذف
التكبير أيضا وابدال الزيادة بقوله ثلث مرات ومثل هذا الاضطراب مما يوهن التمسك
بها فالاكتفاء بالذكر المذكور مرة مما لا اشكال فيه ظاهرا انما الكلام في تعينه
أعني عدم جواز الاكتفاء بغيره ان اختار الذكر كما هو ظاهر الصحيحة المذكورة أو انه
يكفي تسع تسبيحات صورتها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلثا كما هو مقتضى
صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام بعد نهيه عليه السلام عن القراءة وسؤاله عما يقول في الركعتين
الأخيرتين قال عليه السلام ان كنت إماما أو وحدك فقل سبحان الله والحمد الله ولا اله الا لله ثلث
مرات تكمله تسع تسبيحات أو يكفي التسبيح والتحميد كما هو مقتضى صحيحة عبيد بن
زرارة أو يكفي قوله الحمد الله وسبحان الله والله أكبر كما هو مقتضى صحيحة عبيد الله بن علي
الحلبي أو يكفي سبحان الله ثلاثا كما في رواية أبي بصير أو يكفي مطلق الذكر كما
في رواية على بن حنظلة ولا يعبد الاكتفاء بكل منها مع الاختلاف في مراتب الفضل و
ولكن رواية على بن حنظلة يمكن ان تكون إشارة إلى الذكر المخصوص فلا يصح
التمسك بها لجواز مطلق الذكر فالاجتزاء بكل من الأمور المذكورة لا يخلو عن قوة قال
المحقق في المعتبر بعد نقل جملة من الروايات المذكورة والوجه عندي القول بالجواز
في الكل إذ لا ترجيح وان كانت الرواية الأولى وأشار بالأولى إلى رواية زرارة المتضمنة
للأربع قال في المدارك ويمكن ان بكون وجه الأولوية ذهاب المفيد ومن تبعه إلى العمل
بها انتهى ويمكن ان يكون وجه الأولوية كونها أجمع لاشتمالها على التسبيح و
التحميد والتهليل والتكبير دون باقي الروايات والأولى تكريرها ثلاثا فيكون
المجموع اثنتي عشرة تسبيحة اما ذكر من صحيحة زرارة المنقولة عن كتاب حريز
ولأن عمل الرضا عليه السلام كان على ذلك كما نقل عن رجاء بن أبي ضحاك المصاحب له عليه السلام
من المدينة إلى مرو.
واما الاستغفار فمقتضى اطلاق الروايات الواردة في مقام البيان وخلوها عنه عدم
وجوبه فما في بعض الاخبار مثل صحيحة عبيد بن زرارة تسبح وتحمد الله وتستغفر

216
لذنبك محمول على الاستحباب لقوة تلك المطلقات الكثيرة هذا ولكن الاحتياط لا ينبغي
تركه ولو بان يقول اللهم اغفر لي.
في وجوب الاخفات في الأخيرتين
الثالثة المشهور وجوب الاخفات في الأخيرتين من كل رباعية والثالثة من المغرب
سواء اختار الفاتحة أو الذكر اما الأول فلنقل الاجماع في الغنية والخلاف عليه واما الذكر
فلان المستفاد من بعض الأخبار الدالة على بدلية الفاتحة ان اجزائها انما هو من جهة
كونها تحميدا ودعاء ولولا اتحاد الفاتحة مع الذكر في الاخفات لم تكن العلة في الاجزاء
مجرد كونها تحميدا ودعاء بل هو مع وصف كونها بوصف الاخفات ولما شهد به في
الذكرى من عموم النص بالاخفات قال قدس سره رادا على السرائر حيث أنكر النص
على الاخفات ان عموم الاخفات في الفريضة بمنزلة النص ولما يشعر به صحيح على بن
يقطين سأل أبا الحسن عليه السلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام ايقرء فيهما بالحمد
وهو امام يقتدى به فقال عليه السلام ان قرء فلا بأس وان صمت فلا بأس بناء على أن المراد
الركعتان الأخيرتان ووصفهما بذلك وتقرير الإمام عليه السلام ظاهر في بنائهما على الاخفات.
ولرواية زرارة في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه بناء على أن التسبيح مما لا ينبغي
الجهر فيه لظهور الاتفاق على رجحان الاخفات فيه فحكم الإمام عليه السلام في جواب
السائل بوجوب الإعادة في صورة العمد دليل على وجوب اخفات فيه والكل محل نظر
واضح فليس في المسألة الا الشهرة العظيمة والاحتياط لا ينبغي تركه نعم لو اختار الحمد
ولا يبعد استحباب الجهر بالبسملة لما في بعض الروايات من استحباب الجهر بها مطلقا
وان كان الاسرار بها الأحوط.
الرابعة لو نسى الحمد في الأولتين لم يتعين عليه الاتيان به في الأخيرتين لاطلاق
أدلة التخيير بل أدلة أفضلية التسبيح وخصوص رواية معوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين
انه لم يقرء قال عليه السلام أتم الركوع والسجود قلت نعم قال عليه السلام انى أكره ان اجعل آخر

217
صلاتي أولها لكن المحكى عن الخلاف ان القراءة له أحوط وعن التنقيح نسبة تعيينها
إلى الشيخين وعن المبسوط ان في رواية تعين القراءة و ح الأحوط اختيار القراءة لما
سمعته من هؤلاء الأعاظم قدس سرهم وقد مضى بعض الكلام في المسألة.
في حكم الاخلال الأخيرتين باخفات
الخامسة لو قلنا بوجوب الاخفات في الركعتين الأخيرتين فان اجهر فيهما
عمدا بطلت صلوته واما ان اجهر جهلا أو نسيانا فان كان عن جهل أو نسيان بالموضوع
أمكن الحكم بصحة صلوته بمقتضى القاعدة الأولية حيث إنك عرفت انه ليس في المقام
دليل لفظي يدل على وجوب الاخفات حتى يؤخذ بالاطلاق في مورد الجهل والنسيان
والمتيقن من الدليل اللبي هو حالة الالتفات إلى الموضوع والعلم به واما في حال الجهل
أو النسيان به فالشك في تقييد زائد مدفوع بالأصل بناء على امكان اختصاص الناسبي
بتكليف وعلى جريان البراءة في القيد الزائد وقد حقق كلا الامرين في الأصول واما لو
كان عن جهل بالحكم أو النسيان له فمقتضى القاعدة الأولية البطلان لعدم امكان اختصاص
الجاهل بالحكم والناسبي له بتكليف خاص للزوم اختصاص التكليف الواقعي بالعالم
به وهو محال فإذا الحكم بالصحة في هاتين الصورتين يحتاج إلى دليل آخر يقتضى الاجزاء
على خلاف القاعدة الأولية وما يمكن ان يتمسك به في المقام أمران.
أحدهما عموم لا تعاد الصلاة حيث لم يقيد بحال نعم خرج منه صورة الاخلال
العمدي باجماع والضرورة وبقى الباقي.
الثاني صحيحة زرارة الواردة في من اجهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه حيث حكم
الإمام عليه السلام بصحة صلاة من فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى والمورد داخل فيما اجهر
فيما لا ينبغي الاجهار فيه بحكم الفرض هذا ولكن التمسك بعموم لا تعاد يوهنه عدم
استدلال الفقهاء " رض " به في غير مورد النسيان للموضوع بل قد يدعى انصراف القضية
إلى صورة النسيان للموضوع وليس ببعيد وان كان دعوى الجزم بعيدة أيضا.
واما صحيحة زرارة فاطلاقها مبنى على كون المراد بالموصول المقرو واما

218
ان كان المراد به الصلاة فيكون السؤال عن الاجهار في الصلوات الاخفاتية
والاخفات في الصلوات الجهرية ولا ينبغي الاشكال في أن الظاهر حينئذ
ان مورد السؤال هو القراءة في الأولتين هذا مضافا إلى أن الشيخ قدس سره روى هذه
الرواية باسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام هكذا قال قلت له رجل جهر
بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه الخبر ولا اشكال في عدم شموله للأخيرتين والمسألة
محل اشكال.
السادسة الظاهر بقاء التخيير في أثناء العمل فلو شرع في أحدهما جاز له
العدول إلى الاخر.
في بعض المسائل المناسبة
السابعة لو قصد الحمد فسبق لسانه إلى التسبيحات أو العكس فالظاهر الاجتزاء
به فان التعبد بالامر التخييري لا يقتضى الا كونه داعيا للمكلف على أحد الطرفين
واما تعيين أحدهما فهو خارج عن مقتضاه وهذا المقدار حاصل في المقام قطعا نعم
لو كان المأمور به اتيان أحد الامرين بقصد التقرب المخصوص به فاللازم عدم
الاكتفاء بما صدر منه عن غير قصد نعم لو لم يقصد امتثال الامر الداعي إلى أحدهما
وشرع في أحدهما غفلة لم يجتزء به لعدم تحقق قصد القربة الا ان يكون العمل مستندا إلى
الداعي الارتكازي فيصح.
الثامنة إذا قرء الحمد بتخيل انه في إحدى الأولتين فبان انه في إحدى الأخيرتين
ففي الصحة وعدمها اشكال من أنه اتى بالمأمور به بقصد التقرب ومن انه ما قصد التعبد
بالامر المتوجه إليه بل قصد التعبد بأمر اخر لم يكن متوجها إليه فان الامر المتوجه
إليه تعلق بأحد الامرين لا خصوص الفاتحة والامر الذي قصد امتثاله هو المتعلق بخصوص
الفاتحة فالامر المقصود امتثاله ليس له واقع وماله واقع ليس بمقصود فالأحوط إعادة
الفاتحة أو قراءة التسبيحات وكذلك حال العكس بان يقرء الفاتحة بتخيل انه في الأخيرتين
فبان انه في الأولتين.

219
التاسعة قد ذكرنا ان مقتضى اطلاق الاخبار جواز الاكتفاء بالتسبيحات
الأربع مرة فمن اتى بثلاث منها فالظاهر انطباق الواجب على الأولى منها والزائد
يتصف بالاستحباب لأنه لو كان الواجب من طبيعة صرف وجودها في الخارج وكان
الزائد مستحبا لانطبق هذا المعنى أعني صرف الوجود على الوجود الأول وعنوان
الزائد ينطبق على الثاني قهرا دون العكس نعم لو كانت هذه التسبيحات حقايق مختلفة
وكانت إحدى تلك الحقايق واجبة ولا معين لها الا قصد الفاعل وكذا حقيقة التسبيحة
المستحبة صح القول بامكان اتصاف كل منه بالوجوب وان كانت التسبيحة الأخيرة
لان الاتصاف بالوجوب تابع لقصد التعيين كما أنه على هذا المبنى يمكن ان تكون
الثلاث كلها متصفة بالوجوب لأنها أحد طرفي الواجب التخييري وليس هذا
تخييرا بين الأقل والأكثر حتى يقال بعدم امكانه بل يرجع إلى المتبائنين لان
التسبيحة الواحدة على هذا الفرض حقيقة مباينة للتسبيحات الثلاث لكن كل هذا
خلاف الظاهر ومقتضى الظاهر ما ذكرنا من انصاف أول الافراد بالوجوب الزائد
بالاستحباب.
في نسيان الركوع والتذكر بعد السجدتين
البحث الخامس في الركوع يجب في كل ركعة ركوع واحد تبطل
الصلاة بتركه عمدا مطلقا اجماعا وسهوا مع تجاوز المحل على المشهور عن المبسوط
انه لا تبطل بتركه في أخيرتي الرباعية إذا ذكر بعد السجدتين بل يسقط السجود
فيركع ثم يسجد ولعل مستنده رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في
رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع قال عليه السلام فان استيقن فليلق السجدتين
اللين لا ركعة لهما فيبنى على صلوته على التمام الخبر وهذه الرواية مع اغتشاشها
حيث إن الظاهر السؤال عن الشك دون اليقين والجواب عن اليقين و
عدم اختصاصها بالأخيرتين معارضة باخبار كثيرة معتضدة بفتوى الأصحاب فلا
يرفع اليد عنها.

220
وفيه ان هذه الرواية مروية في الفقيه بطريق صحيح على نحو يسلم من هذا
الاغتشاش فإنها مروية فيه هكذا في رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع فقال عليه السلام
يمضى في صلوته حتى يستيقن انه لم يركع فان استيقن انه لم يركع فليلق السجدتين
اللتين لا ركوع لهما ويبنى على صلوته على التمام فان كان لم يستيقن الا بعد ما فرغ و
انصرف فليقم وليصل ركعة وسجدتين ولا شئ عليه واما عدم اختصاصها بالأخيرتين
فلا يضر لوجود القائل بالتلفيق مطلقا كما حكى عن المبسوط عن بعضا أصحابنا
واما معارضتها بما هو أكثر فبعد عدم سقوطها عن الحجية لا تضر أيضا لكونها صريحة
في القاء السجدتين والبناء على ما مضى فيمكن الجمع بينها وبين الأخبار الدالة
على الاستيناف والاستقبال على إعادة الركعة التي أخل ركوعها لا استيناف الصلاة
رأسا تحكيما للنص على الظاهر اللهم الا ان يقال ما تضمنته هذه الرواية من قوله
عليه السلام وان كان لم يستيقن الا بعد ما فرغ فيلقم وليصل ركعة وسجدتين
ولا شئ عليه مما لم يقل به أحد ولا شك في أن اشتمال الرواية على ما هو خلاف الاجماع
من الموهنات.
لا يقال ان القائل بالتلفيق مطلقا ملتزم بحسب الظاهر باسقاط الزائد فحاله بعد اسقاطه
الزائد حال من ذكر بعد التسليم نقصان ركعة.
لأنا نقول مقتضى ما تضمنته الرواية انه لو استيقن بعد الفراغ من الصلاة
فوت الركوع يأتي بالركوع وسجدتين ولا شئ لا انه يأتي بالركوع وما بعده مطلقا وهذا
مما لم يقل به أحد.
لا يقال لعل المراد من الركعة المذكورة في الرواية هي الركعة التامة
المشتملة على الركوع وسجدتين والتشهد والتسليم والمراد من السجدتين سجدتا
السهو ويؤيد ذلك عدم اطلاق الصلاة على الركوع فلا يقال صل ركوعا بخلاف الركعة
فيقال صل ركعة.
لأنا نقول انه على هذا لابد وأن يكون المراد بالسجدتين المعطوف على الركعة
سجدتا السهو فيصير الكلام في قوة ان يقال فليصل ركعة وليصل سجدتي السهو بخلاف ما إذا كان

221
المراد من الركعة المذكورة فيها الركوع فإنه ليس بمستنكر اطلاق الصلاة عليه فإنه
من اجزائها بل هو العمدة منها.
فان قلت: سلمنا ان ذيل الرواية غير معمول به ولكنه ليس موجبا لسقوط
الباقي عن الحجية.
قلت نعم لو كان بين الفقرة الأخرى المشتملة على القاء السجدتين وبين الأخبار الدالة
على استيناف الصلاة جمع عرفي لكان حسنا ولكن الجمع بينهما بحمل الاستيناف
على إعادة الركعة التي أخل لركوعها أو على التخيير بين قطع ما بيده وإعادة
الصلاة أو القاء السجدتين والبناء على ما مضى على نحو التساوي أو أفضلية الاستيناف
كما احتمله بعض مما لا يرتضيه العرف ومجرد صراحة أحد الطرفين وعدم صراحة الاخر
لا يوجب التصرف في غير الصريح ما لم يكن مما يرتضيه العرف وان كان بعد القطع بصدور
الدليلين لا مناص من مثل هذا التأويل كما بين ذلك في مبحث التعادل والتراجيح
فالمقام من موارد تعارض الخبرين فلو كان أحدهما متضمنا لما هو خلاف الاجماع وان
كان لا يخرج الباقي عن الحجة في حد ذاته ولكن اشتماله على خلاف الاجماع من المضعفات
والموهنات بحيث يرجح الطرف الآخر عليه هذا ولكن طريق الاحتياط واضح هذا
كله في نقيصة الركوع واما زيادته فتبطل الصلاة بها عمدا وسهوا اما بطلان الصلاة
بزيادته عمدا فلأدلة بطلان الصلاة بالزيادة العمدية واما بزيادته سهوا فللاجماع وقد
يتمسك بحديث لا تعاد حيث استثنى فيه الخلل الواقع في الصلاة من ناحية الركوع و
هو من النقيصة والزيادة وفيه منع وتمام الكلام في بحث الخلل انشاء الله وواجباته أمور:
منها الانحناء بمقدار تصل أطراف مجموع أصابعه التي منها الابهام إلى ركبتيه
بمعنى انه لو أراد ان يضع شيئا منها عليهما لوضعه واما الانحناء بمقدار وصول الراحة
عليهما فلا يجب على الأقوى لصحيحة زرارة وان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى
ركبتيك أجزأك ذلك وأحب إلى أن تمكن كفيك من ركبتيك الخبر وان كان الأولى
ذلك كما صرح به الصحيحة بل الأحوط لفتوى جماعة بالوجوب واما وضع اليد فالظاهر
من كلماتهم عدم وجوبه ولكن الظاهر من اخبار الباب وجوبه فراجع.

222
الا ان يقال ان الظاهر من بعض التعبيرات الواردة في الاخبار مثل قوله عليه السلام في
صحيحة زرارة بلغ بأطراف أصابعك عين الركبة ومثل قوله عليه السلام في صحيحته الأخرى
فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك وأحب إلى أن تمكن
كفيك من ركبتيك إلى آخر انها في مقام بيان حد انحناء الركوع كما لا يخفى على من نظر
في أمثال هذه التعبيرات مثل قول القائل القائل نصل يد فلان إلى محل كذا فان الظاهر منه بيان
طول القامة لا الوصول الفعلي ويشهد لهذا موثقة عمار الواردة في ناسي القنوت قال عليه السلام
وان ذكر وقد أهوى إلى الركوع قبل ان يضع يديه على الركبتين فليرجع قائما إلى أن
قال عليه السلام وان وضع يده على الركبتين فليمض في صلوته فان المقصود من هذه الرواية بيان
انه يرجع ما لم يدخل في الركوع ومتى دخل في الركوع يمضى كما ينادى بذلك موثقته
الأخرى أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال إن نسى الرجل القنوت في شئ من الصلاة حتى
يركع فقد جازت صلوته وليس عليه شئ الخ والموثقة الأولى بمنزلة الشرح للثانية و
الحاصل منهما ان ناسي القنوت لو وصل إلى الركوع لا يرجع والوصول إلى الركوع
بان يضع يده على ركبتيه ومعلوم ان الوضع الفعلي لليد على الركبة ليس محققا لعنوان
الركوع فلابد ان يكون المراد منه بيان حد الانحناء الركوعي.
ثم انه لو فرضنا دلالة الاخبار على استحباب الوضع الفعلي لليد أو وجوبه لم يعلم
تحديد انحناء الركوع منها إذ من الممكن كون الواجب في الصلاة الركوع بمقدار
الصدق العرفي والانحناء بالمقدار المخصوص انما جعل للوصول إلى مستحب اخر أو
واجب اخر فلو قلنا بوجوبه فهو وجوب اخر في الركوع لا انه مقوم له فلو تركه سهوا لم
يضر بصلاته.
ومنها الذكر ووجوبه مما لا اشكال فيه وهل يتعين خصوص التسبيح كما نسب إلى
المشهور أو الأشهر أو إلى مذهب المعظم أو إلى الاجماع وانه من متفردات الامامية أو
يكفي مطلق الذكر من التسبيح أو التحميد أو التهليل أو التكبير وجهان من الأخبار الكثيرة
الظاهرة في تعين التسبيح وان أدنى ما يجزى في الركوع ثلاث تسبيحات مترسلا
أو واحدة تامة ومن صحيحتي هشامين ابني الحكم وسالم سئلا أبا عبد الله عليه السلام انه يجزى

223
عنى ان أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر
قال عليه السلام نعم كل هذا ذكر الله ومقتضى هذا التعليل كفاية مطلق الذكر مضافا إلى عدم
القول بالفصل بين مورد الرواية وغيره والأقوى الثاني لعدم اباء مضمون الأخبار الواردة
في التسبيح عن الحمل على الفضل فمقتضى الجمع العرفي بين الاخبار القول باجزاء مطلق
الذكر وأفضلية التسبيح.
ثم انه على القول بكفاية مطلق الذكر الظاهر أنه يجب ان يكون بمقدار الثلاث
الصغريات أو الواحدة الكبرى فلا يجزى الله أكبر مرة لرواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام
قال لا يجزى الرجل في صلوته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن والظاهر أن المراد من كون
مطلق الذكر بقدر التسبيحات ان يكون ما يطلق عليه الذكر ثلث مرات لا ان يكون
ما يذكر به مطابقا للتسبيحات بعدد الحروف والله العالم.
ثم انه على تقدير تعين التسبيح يتخير بين التسبيحات الثلاث الصغريات مترسلا
والواحدة الكبرى لأنه المستفاد من الاخبار بعد ضم بعضها إلى بعض ففي صحيحة معوية بن
عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة قال عليه السلام ثلاث تسبيحات
مترسلا تقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله ونحوها مضمرة سماعة مضافا إلى الأخبار المستفيضة
الدالة على اجزاء ثلث تسبيحات الظاهرة في الصغريات واما ما دل على كفاية
الواحدة الكبرى فرواية هشام بن سالم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذكر في الركوع
والسجود قال عليه السلام تقول في الركوع سبحان ربى العظيم وبحمده وفى السجود سبحان
ربى الاعلى وبحمده ورواية الحضرمي قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أي شئ حد الركوع و
السجود قال عليه السلام تقول سبحان ربى العظيم وبحمده ثلاثا في الركوع وسبحان ربى الاعلى
وبحمده ثلاثا في السجود فمن نقص واحدة نقص ثلث صلوته ومن نقص ثنتين نقص ثلثي
صلوته ومن لم يسبح فلا صلاة له هذا مع أن في بعض الروايات ما يستفاد منه التخيير كصحيحة
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له ما يجزى من القول في الركوع والسجود قال عليه السلام
ثلاث تسبيحات في ترسل وواحدة تامة تجزى فان الظاهر أن المراد من التامة هي الكبرى
إذ لا مناسبة في توصيف واحدة من الصغريات بالتامة كما لا يخفى بل لو لم نقل بتعين

224
التسبيح وقلنا بكفاية مطلق الذكر لا يجزى سبحان الله مرة واحدة لما سمعت
من رواية مسمع لا يجوز للرجل في صلوته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن وإذا ضممت
إليها ما يدل على الاكتفاء بمطلق الذكر يصير المحصل ان أدنى ما يجزى في الصلاة
ثلث تسبيحات صغريات أو مثلهن في الذكر سواء في ذلك التسبيحة الكبرى لاشتمالها
على ثلاثة أذكار أو غيرها من الأذكار هذا ولكنه ينافي ذلك ما في بعض الاخبار من التصريح
بكفاية تسبيحة واحدة كصحيحة على بن يقطين عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال سئلته
عن الركوع والسجود كم يجزى فيه من التسبيح قال عليه السلام ثلاثة ويجزيك واحدة
إذا أمكنت جبهتك من الأرض وصحيحته الأخرى عنه عليه السلام أيضا قال سألته عن الرجل
يسجد كم يجزيه من التسبيح في ركوعه وسجوده فقال عليه السلام ثلث ويجزيه واحدة و
يمكن حمل التسبيح في الصحيحتين على التام لشيوع استعمال التسبيح في الأذكار
المصدرة به كالتسبيحات الأربع وكاطلاق تسبيحة واحدة على التسبيحة التامة فيصير مفاد
الصحيحتين والاخبار الاخر واحد.
ومنها الطمأنينة وهي سكون الأعضاء واستقرارها في هيئة الراكع باتفاق
علمائنا كما في المعتبر والمنتهى وباجماعهم كما في جامع المقاصد وعن الناصريات
والغنية ويدل على ذلك مضافا إلى ما ذكر قوله عليه السلام في رواية قرب الاسناد إذا ركع
أحدكم فليتمكن وقوله عليه السلام لمن علمه الصلاة ثم اركع حتى تطمئن راكعا ورواية
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال عليه السلام بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس في المسجد إذ دخل
رجل فقام يصلى فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقر كنقر الغراب لئن
مات هذا وهكذا صلوته ليموتن على غير ديني.
واما احتمال كونها ركنا فهو وان كان موافقا للأصل من جهة الابطال بالنقيصة
ولو سهوا ولكنه مناف لعموم قوله عليه السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة الا ان يدعى كونها
شرطا أو شطرا للركوع وليس ببعيد وان كانت دعوى الجزم به مشكلة أيضا فلابد من
الرجوع إلى الأصل العملي فلو سهى في الطمأنينة وتذكر بعد الفراغ من الصلاة أو بعد
الوصول إلى محل لو تداركها لزم زيادة الركن كما لو تذكر بعد السجدتين فمقتضى القاعدة

225
الصحة لأن الشك يرجع إلى أن الطمأنينة هل كانت معتبرة حتى فيحال السهو أولا فالأصل
البراءة واما لو تذكر قبل ذلك كما لو تذكر فيحال القيام من الركوع فلا يجرى البراءة
لأنه من موارد دوران الامر بين لزوم شئ وحرمته لأنه لو كان الركوع الذي هو ركن
في الصلاة متقوما بالطمأنينة وجب عليه اعادته لأنه لم يأت بما هو ركن في الصلاة وان لم
يكن متقوما بها فلا يجوز له إعادة الركوع لأنها موجبة لزيادة الركن فإذا يحتاط باتمام
الصلاة واستينافها من أس.
ويمكن ان يقال بعدم الانتهاء إلى الأصل العملي لان اطلاق أدلة وجوب الطمأنينة
يقتضى بطلان الصلاة بنقيصتها ولو سهوا وعموم قوله لا تعاد انما ينافي القول بركنيتها
مستقلة في قبال الخمسة المذكورة في الرواية لا كونها مقومة للركوع والمفروض
احتمال ذلك فلا حكومة لمفاد لا تعاد على اطلاق مدخلية الطمأنينة.
فان قلت قد علم تقييد المطلقات الدالة على شرطية شئ أو جزئيته للصلاة بحال
العمد والذكر والمفروض انه من المحتمل كون المورد مصداقا للعنوان الخارج من
الاطلاق فلا يجوز التمسك بالاطلاق فان شموله مبنى على كون الطمأنينة من مقومات
الركوع وهو مشكوك.
قلت تقييد المطلقات الدالة على شرطية الطمأنينة غير معلوم أصلا بل المعلوم
انه على تقدير كونها شرطا في الصلاة مختصة بغير حال السهو فلا مانع من الاخذ
بالاطلاق واستكشاف حال الشرط وانه شرط للركوع لا للصلاة ثم انه لو قلنا بركنيتها
فهو بمقدار يتحقق به الركوع عن استقرار لا بمقدار الذكر الواجب إذ احتمال ركنيته
كذلك يدفعه عموم رواية لا تعاد فحال الاستقرار في الذكر الواجب حاله في سائر الأذكار
الواجبة في الصلاة ودليله الاجماعات المحكية على اشتراط الاستقرار في الصلاة في هيئاتها
الأربع الركوع والسجود والقيام والجلوس.
الا ان يقال احتمال كونه شرطا لتحقق الركوع يكفي في عدم جواز التمسك
بعموم لا تعاد فان الركوع الذي ترك فيه الاستقرار بمقدار الذكر الواجب يشك في
كونه الركوع المجعول للصلاة حتى يكون السهو في الطمأنينة بمقدار الذكر غير

226
راجع إليه حتى يكون من موارد السهو في غير الخمسة المستثناة أو لا حتى يكون السهو
في الطمأنينة راجعا إلى السهو في الركوع المستثنى من دليل لا تعاد فالتمسك بدليل
لا تعاد في مثل المقام من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية والأدلة المذكورة
لوجوب الطمأنينة في حال الركوع وان كانت غير دالة على اعتبارها بالمقدار المذكور
ولكن اعتبارها كذلك ليس مقطوع العدم كيف وقد ادعى بعض الأعاظم الاجماع على ذلك
وفى بعض كلماتهم دعوى عدم الخلاف وفى محكى المنتهى يجب الطمأنينة في الركوع
بقدر الذكر الواجب إلى أن قال وهو قول علمائنا أجمع وهذه العبارات وان لم تكن
صريحة في كون الطمأنينة بالمقدار المذكور شرطا في تحقق الركوع ولكن ليس لنا
طريق إلى الجزم بعدم الاشتراط أيضا فيكون المرجع الأصل العملي لا عموم دليل لا تعاد
والأصل العملي وان كان عندنا البراءة في الشك في الشرطية ولكنه قد يعلم اجمالا
اما بوجوبه واما بمنعه كما لو تذكر حال القيام فإنه لو كان شرطا في الركوع يجب
الركوع ثانيا لعدم الاتيان بالركوع المأمور به والا لا يجوز له الركوع لأنه زيادة في
الركن فيجب الاحتياط بالاتمام والاستيناف.
اللهم الا ان يتمسك بالأصل الشرعي لرفع القيدية وان الركوع الموجود هو
الركوع المأمور به في الظاهر فيكتفى به أو يتمسك باستصحاب وجوب الركوع ويؤتى
به ثانيا وليس حال الاستصحاب هنا حاله في موارد الشك في الأقل والأكثر فان الاستصحاب
هناك لا يثمر فان الوجوب الاستصحابي كالوجوب الواقعي في أن التردد بين الأقل والأكثر
موجب للبرائة واما استصحاب وجوب الركوع فيما نحن فيه فيوجب الركوع عن استقرار لعدم
جواز تركه عن عمد الا ان يستشكل في جريان الاستصحاب بعدم احراز الموضوع فان كلا
من الركوع عن طمأنينة خاصة والمجرد عنها ليس متيقن الوجوب حتى يستصحب واختلاف
الوصف في الموضوعات الشخصية الخارجية لا يوجب التعدد عرفا كما في الماء المتغير
الخارجي الذي ارتفع تغيره واما في الكليات والمفاهيم فلا اشكال ظاهرا في تعدد المفهوم
المقيد والمطلق العاري عن القيد عرفا نعم ثبوت الوجوب للركوع الجامع بين المطلق
والمقيد متيقن واستصحابه لو صححنا لا يثبت وجوب الركوع المقيد كما لا يخفى.

227
ويمكن استكشاف عدم كون الطمأنينة من مقومات الركوع من الأخبار الواردة
في بيان الركوع وكيفياته الواجبة والمستحبة لان عدم ذكر الطمأنينة
فيها مع كونها في مقام البيان دليل على عدم ارتباطها بالركوع فما دل من
الأدلة على وجوب الطمأنينة في الركوع محمول على كونها واجبة في الصلاة وما لم
يدل دليل على اعتباره أصلا كالطمأنينة بمقدار الذكر الواجب مدفوع بالأصل العملي
نعم يجب الطمأنينة في حال الذكر كما يجب الاستقرار في الصلاة في هيئاتها
الأربع الركوع والسجود والقيام والجلوس ولا شبهة في أن السهو في مثلها ليس
راجعا إلى السهو في الركن.
في حكم المريض الغير المتمكن من الطمأنينة
ولو كان مريضا لا يتمكن من الطمأنينة قال في الشرائع سقطت عنه كما لو
كان العذر في أصل الركوع والظاهر أن المستند قاعدة الميسور مع أن الصلاة
لا تترك بحال.
فان قبل لو دار الامر بين الركوع قائما بلا طمأنينة أو جالسا معها فما الوجه في
تقديم الأول فإنه كما يقتضى اطلاق دليل القيام سقوط الطمأنينة لعدم القدرة عليها
كذلك يقتضى اطلاق دليل الطمأنينة اتيان الركوع جالسا معها.
قلت لو قلنا بان الطمأنينة ليست من مقومات الركوع بل شرط للصلاة حال
الركوع فالامر واضح فان الشخص المفروض قادر على الركوع عن قيام فلا وجه
لتبديل فرضه بالجلوس وقد عرفت ان هذا هو الظاهر المستفاد من الاخبار ولو قلنا
بكونها من مقومات الركوع فح وان كان يصدق انه عاجز عن الركوع المقيد قائما ولكن
منشأ عجزه هو العجز عن القيد ومقتضى سقوط ما يعجز عنه سقوط القيد وهو اعتبار
الطمأنينة كما يشهد لذلك استدلال الإمام عليه السلام بقاعدة نفى الحرج على سقوط مماسة الماسح
لبشرة الممسوح وتبديله بالمسح على المرارة فإنه مع وجود المرارة على الحرج
وان كان يصدق ان الوضوء المجعول أولا حرجي لكن لا يقتضى القاعدة نفى أصل الوضوء

228
والانتقال إلى التيمم بل يرفع ما هو حرجي في الوضوء مع بقاء باقي أفعاله بحاله.
نعم لو قدر على أحد الامرين المتدرجين في الوجود وعجز عن الاخر كما لو قدر
على الركوع القيامي مطمئنا في ركعة واحدة وعجز عنه في غيرها يمكن ان يقال
ان نسبة العجز والقدرة إلى الأولى وغيرها على حد سواء فإنه كما يقدر على الركوع
القيامي في الركعة الأولى كذلك يقدر على الركوع القيامي في الركعة الثانية باتيان
الأولى جالسا والذي يعجز عنه اتيانهما معا على هيئة ركوع المختار والعجز عن
المجموع كما لا يصح نسبته إلى الركعة الأولى كذلك لا يصح نسبته إلى خصوص الثانية
فلا وجه لتقديم الأولى والعمل في الثانية على كيفية ركوع العاجز.
ونظير ذلك ما تعرضوا في مبحث القيام من أن من قدر على القيام زمانا لا يسع
القراءة والركوع هل يجب عليه تقديم القراءة والجلوس للركوع كما صرح به
في الجواهر أو التخيير كما أشرنا إلى وجهه أو تقديم الركوع كما نسب إلى جمع بل
المنسوب إلى بعض نسبة هذا القول إلى رواية أصحابنا وليس المقصود هنا تحقيق
خصوص هذا الفرع وانه هل يوجد في الاخبار ما يدل على تقديم الركوع على القراءة
أولا بل المقصود بيان القاعدة في مقام عدم امكان اتيان المركب المأمور به المتدرج
في الوجود على نحو وجب على للمختار مع فرض ان المجعول للعاجز غيره وانه لو
دار الامر بين ان يؤتى بالجزء السابق على النحو الواجب على المختار ومراعاة
العجز في اللاحق أو العكس فهل يتعين الأول أولا قال في الجواهر في وجه تقدم القراءة
فيما لو قدر على القيام زمانا لا يسع للقراءة والركوع ان العجز الذي هو شرط جواز
القعود لم يتحقق بعد فإذا انتهى الركوع صار عاجزا واندرج في الموضوع الذي
شرع له الصلاة قاعدا انتهى ولا يخفى انه كما أن العجز لم يتحقق بالنسبة إلى الجزء
الأول كذلك لم يتحقق بالنسبة إلى الجزء الثاني لأنه أيضا مقدور بالواسطة والعجز
عن المجموع لا يصح نسبته إلى خصوص أحدهما نعم لو كان الترتيب بين الاجزاء كما أنه
لو حظ في الوجود كذلك لو حظ في الوجوب بان كان وجوب اللاحق بعد وجوب
السابق لصح ما افاده فان الجزء السابق واجب فعلا وهو قادر على ايجاده على نحو
المختار وإذا اتى به يجب الثاني مع عجزه ولكن ليس كذلك فان اجزاء الواجب

229
وجبت في عرض واحد وليس الترتيب في الوجود كالترتيب في الوجوب قال شيخنا -
المترضي قدس سره بعد بيان ما قلنا بلسان الاشكال قلت أولا ان الجزء الثاني انما يجب
اتيانه قائما بعد اتيان الواجبات المتقدمة عليها التي منها القيام والمفروض انه اتيانه
قائما كذلك غير ممكن فلا يقع التكليف به فتعلق الوجوب بالاجزاء وان لم يكن فيه
ترتيب كنفس الاجزاء الا انه انما يتعلق بكل شئ مقدور في محله وهذه قاعدة مطردة
في كل فعلين لو حظ فيهما الترتيب شرعا ثم تعلق العجز بأحدهما على البدل كما
في من نذر الحج ماشيا فعجز عن بعض الطريق وكما فيمن عجز عن تغسيل الميت
بالأغسال الثلاثة فإنه يجب في الموضعين وأمثالهما اتيان المقدار المقدور بحسب الترتيب
الملحوظ فيهما عند القدرة على المجموع انتهى ما أردنا من نقل كلامه رفع الله في الخلد مقامه
وفيه ان مجرد ترتب الجزء الثاني على الأول بعد الواجبات المتقدمة عليه لا يوجب
سقوط القيام عن الثاني لأنه كما أن من الواجبات في الجزء الأول القيام كذلك من الواجبات
في الجزء الثاني أيضا القيام ومجرد عدم القدرة على اتيان الجزء الثاني قائما مرتبا
على الجزء الأول قائما لا يوجب سقوط القيام عن الثاني كما لا يخفى.
فان قلت إن مقتضى الأدلة ان القدرة حين العمل شرط شرعي والشرط الشرعي
للتكليف لا يجب تحصيله بل يجوز ان يعمل عملا يوجب سلب تلك القدرة كما بين
في محله فح نقول ان الشخص المفروض حين اشتغاله بالقراءة قادر على القيام فلا
يجوز له الجلوس وإذا وصل إلى الركوع يعرض العجز فيجلس.
قلت أدلة الصلاة واجزائها وكيفياتها باطلاقها المادي تقتضي مطلوبية الصلاة
التامة والاجزاء حتى من العاجز غاية الامر ان تكليف العاجز مستحيل عقلا فيقيد
هيئة الطلب بالاختيار والقدرة وإذ دل دليل منفصل على وجوب الصلاة التامة على
القادر على اتيانها مع أنه موافق لحكم العقل فلا يفهم منه تقييد المادة فان المتقين منه
تقييد الهيئة وأصالة اطلاق المادة بحالها ومقتضى اطلاق المطلوبية عدم جواز سلب
القدرة وتحصيل الاضطرار عمدا وقد أشرنا إلى ذلك سابقا وان عنوان القادر والعاجز
ليس كعنوان الحاضر والمسافر فان الثاني قيد شرعي ليس للعقل مدخلية فيه فلا بد

230
وان يرجع إلى اختلاف المصلحة في المادة بخلاف الأول فان الهيئة مقيدة بالقدرة
عقلا فيبقى أصالة الاطلاق في المادة بحالها.
ويمكن ان يقال ان التفصيل بين القادر والمضطر في مقام العمل ليس تقييدا في
الدليل الأول حتى يرجع اما إلى تخصيص المجعولات الأولية بحال القدرة واما إلى
التقييد العقلي للطلب المتعلق بها فان تبديل التكليف للمضطر إلى الناقص مما لا يحكم
به العقل بل هو قانون شرعي ورد في مقام مراعاة المطلوب الواقعي ولا شك ان هذا
القانون جار في الموضوع الذي لاحظه الشارع كسائر الأحكام المتعلقة بموضوعها و
الظاهر من الأدلة ان القيام مثلا يجب على القادر على العمل في ظرف قدرته فالقدرة التي
جعلت شرطا في هذه الأدلة ليست مطلق القدرة التي هي موجبة لتنجز التكليف عقلا بل
هي قدرة خاصة ولا يوجب ذلك جواز سلب القدرة وتحصيل الاضطرار عمدا لما أشرنا
إليه من أن هذا لا يرجع إلى التقييد في الدليل الأول بل هو قانون جعل مراعاة التكليف
الأولى وبعبارة أخرى هذا حكم ثانوي جعل في مرحلة امتثال المطلوب الأولى فلا يقيد
به المطلوب الأولى ويترتب على ذلك أنه لو كان قادرا في زمان لا يجوز له سلب القدرة و
ان يجعل نفسه مضطرا ولو كان مضطرا يمكن له سلب الاضطرار وتحصيل القدرة يجب
عليه ذلك.
فان قلت ما الفرق بين العناوين المأخوذة في الموضوع التي توجب تنويع المكلف
مثل الحاضر والمسافر وبين عنواني القادر والعاجز حيث إن تلك العناوين توجب تحديد
الواجب الأولى بحد خاص في عنوان وبحد آخر في عنوان آخر ومقتضى ذلك جواز البدار إلى
امتثال حكم متعلق بالعنوان المتصف به فعلا وجواز الخروج من عنوان والدخول
تحت عنوان آخر قلت عنوان المسافر مثلا مع قدرته على اتيان التمام إذا وجب عليه
القصر فلا وجه له الا ان مطلوبية الصلاة بمقتضى المصلحة انما هي بهذا المقدار واما العاجز
فلو وجب عليه الناقص يحتمل وجهان أحدهما ان المطلوب الأصلي في حق العاجز غير
ما هو مطلوب في حق القادر كما في المسافر والحاضر والثاني ان المطلوب الأصلي
بالنسبة إلى القادر والعاجز على حد سواء ولكن العاجز لعدم تمكنه من اتيان المطلوب

231
الأصلي جعل في حقه الناقص حفظا للواجب الأصلي بعض مرتبته ولكون هذا العنوان
محتملا لامرين لا يستكشف من الدليل الدال على حكم العاجز تقييد اطلاق الدليل
الأول مادة فأصالة الاطلاق في مثل ما دل على اشتراط القيام مثلا في الصلاة تبقى على
حالها ومن هنا يظهر الوجه في وجوب تحصيل القدرة في المقام وعدم وجوب تحصيل الاستطاعة
في مسألة الحج لان الدليل الدال على وجوب الحج مشروط بالاستطاعة وليس دليل
آخر يدل على وجوبه على الاطلاق حتى يتمسك باطلاقه المادي على مطلوبيته المطلقة
حتى في غير حق المستطيع.
ومنها رفع الرأس من الركوع بان يقوم منتصبا فلو هوى للسجود من دون
انتصاب عمدا بطلت صلوته لقوله عليه السلام في رواية أبي بصير إذا رفعت رأسك من الركوع
فأقم صلبك فإنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه وظاهر الرواية وان اقتضى البطلان بتركه و
لو سهوا كما نسب إلى الشيخ قدس سره مستدلا بالرواية لكن يدفعه عموم لا تعاد وليس حال
الدليل المذكور الا كحال الدليل الدال على نفى الصلاة التي لا فاتحة فيها.
وتجب الطمأنينة بان يستقر ويسكن ولو يسيرا اجماعا محققا ومستفيضا و
حكى عن الشيخ في الخلاف القول بركنيتها والكلام فيه هو الكلام في السابق مضافا
إلى مكان دعوى ان المحقق من الجماع الذي هو المرجح في المقام اعتبار الطمأنينة حال
الالتفات واما حال السهو فلا دليل على اعتبارها والمرجع هو الأصل.
فيما لو تجدد القدرة في أثناء الصلاة
فروع: الأول لو تجدد القدرة في أثناء الصلاة فلا يخلو اما ان يكون ذلك قبل
القراءة أو قبل اتمامها أو بعد القراءة قبل الركوع أو بعد الركوع قبل الطمأنينة فيه أو بعدها
قبل الذكر أو بعد الذكر أو بعد رفع الرأس من الركوع قبل الطمأنينة الواجبة في الانتصاب
منه أو بعدها فان كان قبل القراءة يجب عليه القيام للقراءة وان كان في الأثناء يجب عليه
القيام لاتمامها ولو استلزام فوات الموالاة بين القراءة لطول زمان نهوضه يمكن ان
يقال بوجوب القراءة في حال النهوض أو قاعدا تحصيلا للموالاة ويحتمل وجوب

232
السكوت ترجيحا للقيام في القراءة وعلى الثاني يستأنف القراءة بعد النهوض لبطلان
الأولى بفوت الموالاة فان قلنا بحرمة ابطال اجزاء العمل وجعلها غير قابلة للجزئية
يتعين اتمام القراءة جالسا وان قلنا بعدم الحرمة أو قلنا بعدم امكان حفظ الموالاة في
المقام قام أو قرء جالسا اما الأول فواضح واما الثاني فلعدم مشروعية الجلوس في حقه
فان المفروض انه قادر يتعين عليه القيام واستيناف القراءة واما القراءة في أثناء النهوض
فلا يعرف له وجه فان القادر يقرء قائما والعاجز يقرء جالسا واما القراءة بين القيام و
الجلوس فغير مجعولة لاحد من المصلين والظاهر الثاني.
لا يقال يمكن حفظ الموالاة بترك القيام كما أنه يمكن حفظ القيام بترك الموالاة
فما الوجه في تعيين حفظ القيام.
لأنا نقول أولا بعدم دليل لفظي على حرمة ابطال الجزء واتيانه ثانيا محافظا
للموالاة وثانيا بان القراءة المجعولة في حق المصلى يجب الموالاة بين اجزائها و
المجعول على القادر هو القراءة عن قيام فكيف يحفظ الموالاة بين ما يقرء القادر جالسا
وبين ما قرء في حال العجز وبعبارة أخرى مراعاة الموالاة في المرتبة المتأخرة عن
المجعول في حقه فالعاجز يجب ان يقرء مع حفظ الموالاة جالسا والقادر يجب ان يقرء
مع حفظها قائما والمفروض قدرة المصلى في الحال ولا يمكن له القراءة قائما مع حفظ
الموالاة الا باستينافها وابطال القراءة السابقة.
ولو كان طرو القدرة قبل الركوع ينتصب قائما ويركع.
ولو كان بعد رفع الرأس من الركوع والطمأنينة فلا يجب اعادته بل لا يجوز
لتحقق الركوع في حقه فيصير الثاني زيادة في الركن بل في الركنين.
ولو كان بعد رفع الرأس وقبل الطمأنينة يجب عليه الانتصاب لتحصيل الطمأنينة
ولو كان بعد تمام الذكر يجب القيام للانتصاب بعد الركوع مع الطمأنينة ولو كان قبل
الذكر أو قبل تمامه فهل يجب عليه ان يقوم منحيا إلى حد القيام للراكع ويأتي بالذكر على
هيئة القيام الركوعي أو يأتي بالذكر في الركوع الجلوسي من أنه قادر على اتيان الذكر
أو اتمامه على نحو الركوع القيامي مع عدم زيادة في الركوع فان تبديل الركوع من هيئة

233
إلى أخرى ليس احداثا لفرد اخر عرفا ومن أن الركوع عبارة من الانحناء عن اعتدال
وقيامه راكعا متقوسا ليس من الركوع المختار بالمعنى الذي ذكرنا بل هذا المعنى
صار متحققا ببدله وهو الانحناء عن الاعتدال الجلوسي فصار هذا هو الركوع الذي
يكون ركنا في الصلاة ومحل الذكر انما هو الركوع الذي صار جزء للصلاة فيتعين
الذكر في هذا الركوع.
نعم لو وجب الذكر في هيئة الركوع القيامي وان لم يكن من الركوع الذي
يكون جزء للصلاة تعين القيام متقوسا لكنه خلاف الظاهر ويتفرع على هذا الذي
ذكرنا انه لو نسى الذكر حتى جلس قبل السجود فعلى الأولى فات محل الذكر و
على الثاني يمكن تدارك الذكر في محله بان يقوم منحنيا إلى حد هيئة الركوع القيامي
ولو كان طر والقدرة بعد الانحناء إلى حد الركوع قبل الطمأنينة فلو قلنا بان
الاستقرار مقوم للركوع يجب عليه القيام والركوع عن قيام لان الركوع لم يتحقق من
قبل حتى يصير الركوع عن قيام زائدا وان قلنا بعدم كونه مقوما فالكلام فيه هو الكلام في
الذكر الواجب من دون تفاوت.
في حكم من كان كالراكع خلقة أو لعارض
الثاني إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض فان تمكن من الانتصاب ولو
باعتماد على شئ يجب عليه لتمكنه من الركوع عن انتصاب ومن القيام المتصل
بالركوع ومن القيام الواجب في القراءة وان لم يتمكن لما ذكر وتمكن للركوع
فقط يجب عليه ذلك لان الميسور لا يسقط بالمعسور وان لم يتمكن لذلك أيضا فان
تمكن من الانتصاب في الجملة يجب عليه لادراك الميسور من القيام المتصل بالركوع
ومن الركوع عن قيام وان لم يتمكن منه أيضا يجب الانحناء في الجملة ان لم يخرج منه
عن حد الركوع لأنه يجب عليه احداث الركوع لا نفس تلك الهيئة أعم من الاحداث
والابقاء وان كان بحيث يخرج منه عن حد الركوع بان يكون إلى حد أقصى الركوع
فهل يجب عليه الانحناء يسيرا بحيث يحصل الفرق بين قيامه وركوعه وان كان يخرج

234
بهذا الانحناء عن حد الركوع الشرعي أو هو داخل في من عجز عن الركوع فيجب عليه
الايماء بدلا عنه أو يقال هو مكلف بابقاء تلك الهيئة بان لا يقعد ولا يسجد مثلا وجوه:
من أن الشخص المفروض قيامه عبارة عن الهيئة التي هو عليها بل هو القيام
حقيقة وإقامة الصلب واجب آخر على القادر عليها فركوعه انحنائه يسيرا من
هذا القيام ولذا لو امر هذا الشخص بالركوع عند أمير من الامراء تعظيما له فانحنى
من هذه الهيئة يسيرا عد ممتثلا عند العرف ومن أن الانحناء إلى حد خارج عن الوجوب
والاستحباب ليس بركوع مشروع وان كان احداثا للركوع العرفي بالنسبة إلى
إلى هذا الشخص فهو عاجز عن احداث ما هو ركوع شرعا والمفروض ان الامر بالركوع
يوجب احداث الركوع لا الأعم منه ومن الا بقاء فهو في الحقيقة داخل في من عجز عن
الركوع والمسألة محل تأمل والأحوط ان يجمع بين الانحناء اليسير والذكر في
تلك الحالة والرجوع إلى الحالة الأولى فيؤمى للركوع واما من لم يصل انحنائه إلى
أقصى الحد وان كان وصل إلى حد الواجب الشرعي فلا مانع من انحنائه يسيرا إلى
حد الأقصى لما عرفت من صدق احداث الركوع التعظيمي عرفا والمفروض عدم
خروجه عن حد الركوع شرعا وان كان الاحتياط الذي أشرنا إليه سابقا يحسن مراعاته
أيضا والله العالم.
فيما لو نسى الركوع وهوى إلى لسجود
الثالث لو نسى الركوع وهوى إلى السجود فان تذكر قبل وضع الجبهة على الأرض
فلا اشكال في وجوب رجوعه قائما ثم يركع عن انتصاب واما ان تذكر بعد تحقق مسمى السجود
فذهب المشهور إلى بطلان الصلاة وتحقيق الحال يقتضى التكلم في مقامين:
أحدهما في حكم من نسى الركوع حتى سجد سجدة واحدة أو سجدتين على القاعدة
مع قطع النظر عن اخبار الباب.
والثاني فيما يستفاد من الاخبار.

235
فنقول ترتيب اجزاء الصلاة بعضها على بعض يتصور على وجهين: الأول كونه
قيدا للجزء والثاني كونه من القيود المعتبرة في الصلاة في عرض الاجزاء ويترتب
على الأول ان من اتى بالجزء اللاحق قبل السابق نسيانا ثم التفت يجب الغاء ما اتى به و
اتيان الاجزاء على الترتيب الملحوظ فيها فان ما اتى به من جهة خلوه عن القيد المعتبر
فيه ليس جزء للصلاة وعلى الثاني الجزء اللاحق وجد كما اعتبر والذي لم يوجد انما هو
ترتبه على السابق فلو فرضنا سهوه مغتفرا يجب على الاتيان بالجزء السابق فقط لكن
الاشكال في أنه لم يقل أحد في اجزاء الصلاة بالنحو الثاني فان لازمه الاكتفاء بما وجد
لاحقا والآتيان بالجزء السابق بعده ولازم الأول الغاء ما اتى به واتيان الاجزاء على الترتيب
المعتبر فمن اتى بالركوع قبل القراءة أو بالسجدة بل السجدتين قبل الركوع يجب
عليه على هذا الغاء ما اتى به والاخذ من حيث ترك واتيان ما أوجده أولا مثل الركوع و
السجود بعد ذلك ولا يلزم من ذلك زيادة الركن فان ما أوجده أولا لخلوه من القيد ليس جزء
للصلاة حتى يكون الثاني زيادة عليه.
والتحقيق ان يقال ان الجزء اللاحق لو وجد سابقا ليس مصداقا لجزء المركب
المأمور به من دون ان يقيد الامر كل جزء بكونه مرتبا على سابقه فان الصلاة على
نحو ما لاحظها الامر ترتب كل جزء لاحق على سابقه حاصل في عالم اللحاظ ولا يحتاج
إلى التقييد فإذا اتى المكلف الاجزاء في الخارج على نحو ما لاحظها الامر فقد اتى بمصداق
المأمور به وأما إذا اتى بنحو آخر فليس مصداقا للمأمور به وقد ذكرنا نظير هذا المطلب
في الأصول في تصوير المقدمة الموصلة حيث قلنا ان الايصال وان لم يكن قيدا ولكن
المطلوب ذوات المقدمات في لحاظ الايصال فعلم من ذلك أن الاجزاء لو اتى بها بدون
الترتيب فلابد ان يعامل معها معاملة العدم فلو ركع قبل القراءة مثلا يقتضى ما ذكرنا
لزوم الغاء الركوع واتيان القراءة ثم الركوع بعدها ولو دل دليل على بطلان العمل
باتيان الركوع الثاني بواسطة زيادة الركوع وان كان الأول عاريا عن القيد الملحوظ فيه
لبا نقول من جهة الدليل والا فمقتضى القاعدة الغائه وجعله كالعدم هذا تمام الكلام في
مقتضى القاعدة.

236
واما الأخبار الواردة في الباب فمنها الصحيح عن رفاعة سألته عن رجل نسى ان يركع
حتى يسجد ويقوم قال عليه السلام يستقبل.
ومنها موثقة إسحاق بن عمار سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل ينسى ان
يركع قال عليه السلام يستقبل حتى يضع كل شئ من ذلك موضعه ومنها خبر أبي بصير إذا أيقن
الرجل انه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة وخبره
الاخر سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل ينسى ان يركع قال عليه السلام عليه الإعادة وأنت خبير بان ليس
شئ من هذه الأخبار ظاهرة في بطلان الصلاة بمجرد الدخول في السجدة الأولى بل
خبر أبي بصير ظاهر في إناطة البطلان بالفراغ من السجدتين ولو فرض اطلاق لبعض
الاخبار الاخر يجب تقييده به لكن الاحتياط لا ينبغي تركه بالرجوع إلى الركوع و
اتمام الصلاة ثم الإعادة لان المعروف بطلان الصلاة حتى أن صاحب الجواهر قدس سره قال لم
اقف على من فصل بين السجدة الواحدة والسجدتين سوى ما ظهر من صاحب المدارك و
تبعه صاحب الحدائق من المناقشة في البطلان بل قال الثاني ان الحكم بالبطلان لا
يوافق ما ذكروه في غير المقام من غير خلاف بينهم ان من سهى عن واجب يمكن تداركه
ثم تداركه صحت صلوته انتهى والانصاف ان هذا اشكال في محله هذا.
ولكن يعارض الأخبار السابقة ما روى الشيخ ره باسناده عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليه السلام في رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع قال قال عليه السلام فان استيقن فليلق
السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبنى على صلوته على التمام فان كن لم يستيقن الا بعد
ما فرغ وانصرف فليتم الصلاة بركعة وسجدتين ولا شئ عليه وعن الصدوق عن محمد بن مسلم
بطريق صحيح عن أبي جعفر عليه السلام أو عن أبي عبد الله عليه السلام نحوه الا انه قال في رجل شك بعدما
سجد انه لم يركع فقال عليه السلام يمضى في صلوته حتى يستيقن انه لم يركع فان استيقن انه لم
يركع فليلق السجدتين اللتين لا ركوع لهما ويبنى على صلوته على التمام وان كان لم يستيقن
الا بعد ما فرغ وانصرف فليقم وليصل ركعة وسجدتين ولا شئ عليه وعن مستطرفات السرائر انه
روى هذه الرواية من كتاب حسن بن محبوب عن العلا عن محمد بن مسلم باختلاف في التعبير
عن أبي جعفر عليه السلام قال في رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع قال عليه السلام يمضى على شكه حتى

237
يستيقن ولا شئ عليه وان استيقن لم يعتد بالسجدتين اللتين لا ركعة معهما ويتم ما بقى من
صلوته ولا سهو عليه والجمع بينهما بحمل الأخبار السابقة على الاستقبال والاستيناف
من محل الفوت بعيد جدا بحيث لا يكاد يعد من الجمع العرفي المعمول بين الظاهر و
النص الا ان تضمن الرواية الدالة على الغاء السجدتين والبناء على الصلاة ما في ذيلها
من قوله عليه السلام وان كان لم يستيقن الا بعد ما فرغ وانصرف فليقم وليصل ركعة وسجدتين
ولا شئ عليه موهن لها القول به بين الأصحاب وحمل السجدتين فيها على سجدتي
السهو ينافيه عطفهما على الركعة خصوصا مع قوله عليه السلام ولا شئ عليه كما لا يخفى و
اشتمال الرواية على خلاف الاجماع وان سلمنا انه لا يضر بالتمسك بالباقي الا انه
لا ريب في رجحان الاخبار المعارضة عليها من جهة خلوها عن مثل هذا الموهن.
فيما لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء
الرابع لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء فتارة يكون نسيانه قبل الوصول
إلى حد الركوع وأخرى بعده وعلى التقديرين تارة يتذكر قبل التجاوز عن أقصى الحد
وأخرى بعده فهذه صور أربع الأولى طر والنسيان قبل الوصول والتذكر بعد التجاوز
عن أقصى الحد والثانية طرو النسيان قبل الوصول والتذكر قبل التجاوز عن أقصى
الحد والثالثة طرو النسيان بعد الوصول إلى حد الركوع والتذكر بعد التجاوز من
الحد الأقصى والرابعة طرو النسيان بعد الوصول والتذكر قبل التجاوز من الأقصى.
واما الصورة الأولى فلا اشكال في جواز انتصابه قائما ثم الهوى بقصد الركوع لان
السابق عليه ليس بركوع شرعي حتى يكون اللاحق زائدا وفى جوازه عوده إلى محل
النسيان منحنيا ثم الانحناء بقصد الركوع إلى حده اشكال ينشأ من أن الملفق من السابق
واللاحق ركوع واحد عن اعتدال قيامي ومن أن القيام المتصل بالركوع الذي عدوه
من أركان الصلاة لو كان معناه القيام الذي ليس بينه وبين الركوع شئ آخر كما هو
الظاهر لم يتحقق هذا النحو من القيام ضرورة الفصل بينه وبين الركوع بالهوى الذي
ليس من الركوع نعم لو كان معناه القيام المتصل بمطلق الانحناء وان لم يصل إلى حد

238
الركوع يتعين عوده إلى محل النسيان منحنيا فان انتصابه موجب لتعدد القيام الركني
ومن هنا يظهر حكم الصورة الثانية وهي ما إذا طرء النسيان قبل الوصول إلى الركوع
وتذكر قبل التجاوز عن أقصى الحد كما لا يخفى.
واما الصورة الثالثة وهي ما إذا طرء النسيان بعد الوصول إلى حد الركوع و
تذكر بعد التجاوز من الحد الأقصى فهل يجب عليه العود إلى حد الركوع متقوسا و
يراعى الاستقرار والذكر في المحل المذكور أو يجب عليه الانتصاب والركوع عن
انتصاب وعدم الاعتداد بما وقع أو يكتفى بالركوع الذي صدر منه ويغتفر ترك الطمأنينة
والذكر لان تركهما من السهو المغتفر بالقاعدة الثانوية المستفادة من لا تعاد الصلاة
الا من خمسة وجوه تبتنى على شرح ما يعتبر في الركوع الشرعي قيد أو يتقوم به
فنقول لا اشكال ظاهرا في اعتبار قصد التواضع والتعظيم ولو بنحو الاجمال مثل الانحناء
بقصد الركوع الذي جعل جزء للصلاة كما أنه لا اشكال ظاهرا في اعتبار كونه عن اعتدال
قيامي للقادر وهل يعتبر انتهاء الانحناء والهوى إلى الحد الشرعي أو يصدق الركوع
الشرعي بمجرد الوصول إلى الحد المخصوص فعلى الثاني الركوع الذي هو جزء ركني
في الصلاة تحقق وانما المتروك الطمأنينة والذكر نسيانا وهما ليس من مقوماته فما
هو ركن تحقق وما ترك نسيانا يغتفر بحكم القاعدة بل يسقط عنه الانتصاب بعد الركوع
لعدم امكان الانتصاب من الركوع فان هذا الهوى الزائد ليس من الركوع حتى يكون
الانتصاب منه الانتصاب من الركوع وعلى الأول لم يتحقق الركوع لعدم انتهاء الركوع
المعتبر في الصلاة إلى حد فان الهوى المفروض بين ما هو واجد للقصد وفاقد للنهاية
وما هو واجد للنهاية وفاقد للقصد فيتعين عليه الانتصاب والركوع عن اعتدال قيامي
والتحقيق ان اعتبار الانتهاء في صدق الركوع لا سبيل إلى الجزم به وان لم
نجزم بعدمه فيكون من القيود المشكوكة التي تدافعه البراءة الأصلية كما هو المختار
واما الصورة الرابعة فهي وإن كانت كالثالثة دقة ولكن لما كان الانحناء الغير
الركوعي يسيرا جدا لو عاد إلى محل النسيان لم يخرج عن صدق الركوع عن اعتدال فلا
يبعد لزوم العود لادراك الطمأنينة والذكر.

239
في أنه لو اتى بالذكر أزيد من مرة يتصف الأولى
بالوجوب قهرا
الخامس لو اتى بالذكر أزيد من مرة لا يجب عليه تعيين الواجب والمندوب بل يكفي الاتيان
بكل واحد من الثلاثة أو الخمسة أو أزيد بقصد التقرب لعدم اعتبار نية الوجه في صحة العبادة على
ما هو الأقوى. نعم لو أراد الاتيان بقصد الوجوب والاستحباب يأتي بالأول قاصدا للوجوب
وبالزائد قاصدا للاستحباب إذ احتمال وجوب الجميع على أن يكون طرفا للتخيير مندفع
وكذا احتمال كون الواجب غير ما يؤتى به أولا اما الأول فلان التخيير بين ذات الأقل
والأكثر غير معقول لان الأكثر مسبوق بالأقل دائما فلا يبقى الطلب في نفس الامر بعد
تحقق الأقل واخذ عنوانيهما في المأمور به يصح تعلق الطلب التخييري بهما لو كان للمكلف
قدرة على اختيار الثالث بعد الاتيان بالأقل كالمشي قدمين وأربعة اقدام حيث إن المكلف
يتمكن بعد المشي قدمين من الوقوف على هذا الحد والتجاوز إلى الحد الثاني والوقوف
على ثلاثة اقدام فيمكن ان يجب عليه أحد الامرين على سبيل التخيير اما الوقوف على
الحد الأول واما الوصول إلى الحد الثاني فيكون الامتثال بايجاد أحد الحدين والمخالفة
بالتجاوز عن الحد الأول وعدم الوصول إلى الحد الثاني واما فيما لم يكن بعد الوصول
إلى الحد الأول الا أحد الامرين الذين كل منهما واف بغرضه ولا يتصور ايجاد امر ثالث
مخالف للغرض فلا يعقل بقاء الالزام في نفس الامر وما نحن فيه من هذا لقبيل فإنه بعد الاتيان
بالتسبيحة الواحدة لا يخلو من أحد الامرين اما الاتيان بالزائد أو عدمه وفى كليهما حصول
المطلوب الوجوبي.
نعم يمكن ان يكون التخيير في مثل المقام بين اتيان الواحد بقصد الوحدة من الأول
والثلاثة بقصد الثلاثة كذلك مثلا فلو اتى بالواحد بقصد الثلاثة من أول الامر لم يأت بالمطلوب
النفسي بل اتى بجزء المطلوب لكن احتمال هذا النحو من التخيير يدفعه اطلاق أدلة
وجوب الذكر كما لا يخفى واما الثاني فلان فردين من الطبيعة الواحدة لو فرض كون
أحدهما مطلوبا بالطلب اللزومي والاخر بالطلب الاستحبابي من دون امتياز في الواقع

240
بين ذينك الفردين فاللازم انطباق الواجب على الأول منهما قهرا والزائد يتصف
بالاستحباب والسر في ذلك أن من يريد فردا من الطبيعة إرادة مانعة من النقيض فصرف
الوجود من الطبيعة وهو نقيص العدم الأصلي يتصف بالوجوب لا محالة ضرورة انه لا يرضى
بتركه مع تعلق طلبه بفرد ما من تلك الطبيعة ولا اشكال في أنه ينطبق على أول وجودات
تلك الطبيعة لأنه الذي تنقص به العدم فلو بقى في نفسه طلب استحبابي كما هو المفروض و
لابد ان يكون متعلقه فردا اخر فليتأمل جيدا.
السادس في ركوع المرأة
مقتضى بعض الاخبار انه يكفي في ركوع المرأة الانحناء بمقدار تصل يداها إلى
فخذيها فوق ركبتيها فيكون ركوعها أقل انحناء من ركوع الرجل كما في رواية زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام المرأة إذا قامت في الصلاة جمعت بين قدميها إلى أن قال عليه السلام فإذا
ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطأ كثيرا فترتفع عجيزتها
والرواية ظاهرة في كون ركوعها أقل انحناء من ركوع الرجل وقد حكى عن الذكرى
وجامع المقاصد ان عمل الأصحاب على هذه الرواية لكن الأحوط ان يكون انحنائها مساويا
لانحناء الرجل لكن لا تطأطأ كثيرا بان تضع يديها على ركبتيها وتردهما إلى خلفها
لئلا ترتفع عجيزتها والله العالم.
البحث في السجود
البحث السادس في السجود وهو لغة كما قيل الخضوع ولا يخفى ان المفهوم العرفي منه ليس
كذلك بل يعتبر فيه الانكباب على الأرض في الجملة وهل يعتبر فيه وضع الجبهة على الأرض
ولو بوسائط أو يكفي مطلق الانكباب وان كان بوضع الخد ونحو ذلك كل منهما محتمل بعد
ظهور عدم اعتبار الوضع على خصوص الأرض أو ما أنبتته في المفهوم العرفي وتظهر الثمرة في
السجدة التي لم يدل دليل على اعتبار امر آخر وراء مفهوم اللفظ كسجدة التلاوة والشكر
والسجود لغير الله والشك في ذلك أن كان فيما تعلق الامر به في قيد المطلوب فهو من جزئيات
دوران الامر بين المطلق والمقيد فمن قال بالبرائة يكتفى بالفرد المشكوك ومن قال

241
بالاحتياط لا يكتفى به وان كان فيما تعلق النهى به فالفرد المشكوك مشكوك الحرمة
بالشك البدوي ومرجعه البراءة هذا ولكن قد يكون كلا الامرين محلا للابتلاء
فيورث العلم الاجمالي بمخالفة أحد الأصلين للواقع كمن يريد ان يكتفى في سجدة التلاوة
بوضع الخد بمقتضى أصالة البراءة عن الفيد ويأتي بهذا النحو من التعظيم عند بعض
المشاهد المقدسة بمقتضى كونه مشكوك الفردية والأصل فيه عدم الحرمة فيقطع بمخالفة
أحد التكليفين لأنه لو كان هذا من افراد السجدة فقد خالف دليل حرمة السجود لغير الله
تبارك وتعالى والا فقد خالف دليل وجوب السجدة وبعبارة أخرى يعلم اجمالا اما
بوجوب وضع الجبهة واما بحرمة وضع الخد مثلا فيجب الاحتياط باتيان الأول وترك الثاني
هذا على تقدير رجوع الشبهة إلى المفهوم واما لو قلنا بتبين المفهوم ورجوع الشبهة إلى
المحقق كما أنه من المحتمل ان يكون السجدة عبارة عن كمال الخضوع ويختلف ذلك
باختلاف الساجدين ويشك في دخل وضع الجبهة في سجدة الانسان فمقتضى القاعدة عدم
الاكتفاء بالمصداق المشكوك في الشبهة الوجوبية نعم في الشبهة التحريمية مقتضى
الأصل البراءة.
وكيف كان يجب في كل ركعة من الصلاة سجدتان اجماعا بل يمكن ان يكون
ضروريا وهما معا ركن بمعنى انه تبطل الصلاة بتركهما رأسا وان كان سهوا ولا تبطل
بترك إحديهما سهوا لعدم كونها ركنا فتدخل في عموم قوله عليه السلام لا تعاد الصلاة الا من
خمسة هذا.
وهنا اشكال معروف على المشهور حيث حكموا هنا بكون السجدتين ركنا بالمعنى
الذي عرفت وحكموا أيضا بان الركن تبطل زيادة السهوية كما تبطل نقيصته كذلك و ح
يتوجه الاشكال بأنه لو كان الركن مجموع السجدتين فاللازم بطلان الصلاة بترك إحديهما
سهوا فان المجموع ينتفى بانتفاء البعض ولو كان الركن الحقيقة المتحققة بالواحدة
فاللازم بطلان الصلاة بزيادة السجدة الثالثة سهوا لان ما هو ركن تبطل الصلاة بزيادته
سهوا كما تبطل بنقيصته كذلك وقد ذكر في حل ذلك وجوه غير حاسمة لمادة الاشكال.
والذي يختلج بالبال هو ان يقال ان أركان الصلاة عبارة عن الاجزاء التي تكون

242
عمدة في هذه الحقيقة بحيث يكون قوامها بها ومعنى زيادة الركن زيادة شئ غير واجب ولا
مستحب مجانس لاحد تلك الأجزاء و ح لو فرضنا ان السجدتين كانتا بحيث يصلح كل
واحدة منهما لان يكون عمادا لتلك الحقيقة فاللازم انه لو وجدت
واحدة وتركت أخرى سهوا تقوم الحقيقة بالواحدة الموجودة ولو وجدت اثنتان تقوم
بالمجموع لصلاحية كل واحدة منهما كما هو المفروض والسجدة الثالثة لا تتحقق الا بعد
تحقق اثنتين فالثالثة متحققة في صورة تقوم الحقيقة بالمجموع فالركن في هذا المركب
الموجود هو السجدتان معا وقد عرفت ان زيادة لركن عبارة عن زيادة شئ مجانس
لما هو عماد الحقيقة فزيادة الواحدة ليست زيادة شئ مجانس لما هو عماد الصلاة فعلا فان
المفروض انه المجموع فزيادة الركن في هذا المركب لا يتحقق الا بزيادة المجموع فلا تنافى
بين قولهم تصح الصلاة بترك إحديهما سهوا وزيادة إحديهما كذلك مع حفظ الركنية
المصطلحة للسجدة وواجباته أمور:
في تحديد مسجد الجبهة
منها وضع المساجد السبعة على الأرض.
أحدها الجبهة وهي كما قيل ما بين الجبينين والجبين على ما حكى عن المصباح ناحية
الجبهة من محاذاة النزعة إلى الصدغ وفى المحكى عن مجمع البحرين الجبين فوق الصدغ
والظاهر أنها العضو المسطح الواقع فوق الحاجبين لا خصوص الجزء الواقع فيما بينهما إلى
الناصية ولكن في بعض الاخبار ما يدل بظاهره على اختصاص موضع السجود بالخط المتوهم
من طرف كل من الحاجبين المتصل بطرف الانف الاعلى مصعدا إلى الناصية كخبر عمار
الساباطي عن الصادق عليه السلام قال عليه السلام ما بين قصاص الشعر إلى طرف الانف مسجد فما أصاب
الأرض منه أجزأك ورواية يزيد عن أبي جعفر عليه السلام كما رواها الشيخ باسناده عن محمد بن علي
بن محبوب عن موسى بن عمر عن الحسن بن علي بن فضال عن أبي بكير وثعلبة بن ميمون
جميعا الجبهة إلى الانف أي ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك ولا ينافي ذلك ما ورد
في بعض الاخبار من التحديد بما بين قصاص الشعر وحاجبيه فان الظاهر أن المراد هو

243
الخط المتصل بطرف الانف الاعلى إذ لو كان المراد تمام الحاجبين لزم جواز السجود على
طرفي الحاجب المائلين إلى الصدغ والظاهر عدم جواز الالتزام به ولكن الانصاف عدم
ظهور للخبرين المذكور في بيان حد الجبهة بل هما في مقام بيان عدم وجوب
الاستيعاب وكفاية المسمى ولما كان بحسب المتعارف لا يتستر جزء من طرف الانف
الاعلى إلى قصاص الشعر وان كان رأسه مستورا بالعمامة أو القلنسوة أو غير ذلك صرح عليه السلام
بكفاية وقوع بعض من تلك الأجزاء فتأمل جيدا حتى يتضح لك ما ذكرنا.
والثاني والثالث الكفان والظاهر أن المراد من الكفين الوارد في بعض الاخبار
اليدان لوقوع التعبير في بعض الاخر باليدين وليس هنا موقع حمل المطلق على المقيد
بعدم الظهور العرفي للفظة الكف في خصوص بطن الراحة بل شاع استعمالها فيما دون
الزند إلى الأصابع فيجب الاخذ بالمعنى المبين وحمل المجمل عليه ولو فرض ظهوره العرفي
في ذلك يبعد حمل بعض المطلقات الواردة في مقام البيان على المقيد للزوم تأخير البيان
عن وقت الحاجة وهو وان كان ممكنا لاقتضاء بعض المصالح في بعض من الأوقات لكنه
بعيد جدا بخلاف حمل لفظة الكف على اليد فإنه ولو سلمنا كونه خلاف الظاهر
ليس ببعيد.
ثم انه نسب إلى المشهور الاكتفاء بالمسمى كالجبهة فلا يعتبر فيه الاستيعاب
بل في بعض الكلمات دعوى الاجماع على ذلك فان أرادوا بذلك الاجتزاء بأي جزء كما
هو المنصوص في الجبهة فالظاهر أنه خلاف المتعارف إذ كما ينصرف في المقام لفظة اليد
إلى باطنها مع كونها أعم وهكذا تنصرف إلى ما دون الزند مع كونها أعم من ذلك أيضا
كذلك تنصرف إلى أزيد مما يكتفى به في الجبهة ولو قال أحد إذا هويت الأرض فضع يدك
عليها فهل يظن أنه يكفي في صدق ذلك وضع شئ من الأصابع وان كان قليلا وان أرادوا
عدم لزوم الاستيعاب بحيث لا يكفي خروج جزء قليل فالانصاف انه حق لا محيص عنه
ولا يبعدان يكون مرادهم بالاكتفاء بالمسمى ذلك وان كان يأبى كلمات بعضهم عنه.
الرابع والخامس الابهامان لعدهما في الاخبار المتعددة من الأعضاء السبعة
التي يجب السجود عليها ومقتضى اطلاق الاخبار عدم تعين موضع خاص منهما فيكفي

244
السجود على المسمى ظهرا أو بطنا وسجود مولينا الصادق عليه السلام على أنامل إبهامي الرجلين
كما في خبر حماد لا يدل على الوجوب ولو وضع الطرف من كل منهما كان أحوط كما لا
يخفى والسادس والسابع الركبتان لذكرهما في الاخبار في عداد السبعة التي يجب
السجود عليها ومقتضى اطلاق الاخبار الاكتفاء بالمسمى فيهما أيضا.
ثم إن المذكور في بعض الاخبار الامر بارغام الانف حال السجود مع التصريح بان
الفرض ينحصر في السبعة المذكورة واما الارغام فهو سنة من رسول الله صلى الله عليه وآله ويمكن ان
يكون اطلاق السنة عليه من جهة انه فرض النبي صلى الله عليه وآله فلا ينافي كونه واجبا كما أطلق
السنة في الاخبار على القراءة مع كونها واجبة وعلى هذا يجب الاخذ بظاهر الامر المتعلق
بارغام الانف لكن ينافي ما ذكرنا قوله عليه السلام في رواية محمد بن مصادف انما السجود على
الجبهة وليس على الانف سجود.
لا يقال ان الرواية دالة على عدم وجوب السجود عليه ولا اشكال في عدم اعتبار الارغام
جزءا للسجود الواجب ولا ينافي كونه واجبا آخر معتبرا في الصلاة.
لأنا نقول الظاهر من اخبار المصرحة بأنه سنة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدم الفرق
بينه وبين سائر المساجد الا من جهة انها فرض الله تعالى وهذا سنة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو كان
المراد من السنة هنا الوجوب لوجب السجود عليه كالسجود على باقي المواضع السبعة
غاية الأمران وجوب السجود عليها جاء من قبل الله سبحانه ووجوب السجود عليه جاء من
قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يصح ح نفى وجوب السجود عليه واما ما ذكرت من احتمال كونه
واجبا مستقلا في الصلاة غير مرتبط بالسجود فيدفعه انه لو كان كذلك لكان التفاوت
بينه وبين السبعة المذكورة من جهتين إحديهما انها مأخوذة في السجدة وهو معتبر
مستقلا في الصلاة والثانية انها من قبل الله تعالى وهو من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمفروض
ان ظاهر الاخبار عدم التفاوت بينه وبين السبعة الامن جهة انها فرض الله تعالى وانه سنة
النبي صلى الله عليه وآله فتحصل ان الجمع بين الاخبار المفيدة لحصر التفاوت بينها وبينه بكونها
فرضا وكونه سنة وبين الواردة في نفى وجوب السجود عليه لا يمكن الا بجعل المراد
من السنة الاستحباب.

245
ويؤيد ما ذكرنا أيضا ان الارغام على حسب الفهم العرفي من مراتب التعظيم السجودي
لا انه شئ اخر واجب في السجود أو في الصلاة فلابد من أن يكون اما واجبا واما مستحبا و
حيث وقع التصريح بعدم وجوبه في الخبر لزم الحكم بالاستحباب ويؤيد ذلك أيضا ان
تعبير الإمام عليه السلام في بعض اجزاء الصلاة الواجبة بالسنة انما هو في مقام بيان
فرق بينهما في مقام العمل كما أن تعبيره عليه السلام بان القراءة سنة لتفريع عدم
بطلان الصلاة لو تركت سهوا وكذا تعبيره عليه السلام ان الأخيرتين سنة والأولتين فرض
لتفريع دخول السهو فيهما بخلاف الأولتين واما لو فرض عدم الفرق بين الامرين
المفروضين في وجوب العمل فلا يناسب ذكر ان أحدهما فرض من الله والاخر فرض
من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فان قلت لعل المقصود بيان عدم بطلان الصلاة لو ترك الارغام سهوا.
قلت أو لا يستبعد ملاحظة احكام الخلل في موارد عد الاجزاء أو الشرائط للصلاة و
ثانيا لا نسلم بطلان الصلاة بترك غالب من السبعة المذكورة المعدودة من فرض الله سبحانه
فاذن ينحصر التفاوت الراجع إلى العمل في جواز ترك الارغام اختيارا دون السبعة
المذكورة فافهم.
ومنها عدم علو الجبهة من الموقف أزيد من مقدار لبنة موضوعة على أكبر
سطوحها كما هو مقتضى بعض الاخبار الذي يأتي ذكره واما التقدير بأربعة أصابع
مضمومة فليس موجودا في الاخبار والظاهر أن هذا تحديد من العلماء للبنة المتعارفة
في ذلك الزمان كما قد يشاهد ذلك في الأبنية القديمة وكيف كان فالذي يدل على عدم
جواز العلو الا بالمقدار المذكور رواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام قال
سألته عن السجود على الأرض المرتفعة قال عليه السلام إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع
بدنك قدر لبنة فلا بأس والسند متصف بالحسن بناء على أن النهدي الذي يكون في
سلسلة رواة هذا الخبر هو الهيثم بن مسروق بقرينة رواية ابن محبوب عنه مضافا
إلى كونه مدركا لفتوى الأعاظم والمناقشة في الدلالة بان الموجود في بعض
النسخ عن موضع يديك بالتحتانيتين فلا دلالة فيها (ح) على المطلوب مدفوعة من وجوه:

246
أحدها ان العلماء على اختلاف طبقاتهم قد أفتوا باعتبار عدم علو المسجد من
الموقف مستندين إلى هذه الرواية فيكشف عن كون النسخ الموجودة عندهم
متفقة على لفظ البدن بالباء الموحدة فالذي وجد في بعض النسخ انما كان من
غلط الناسخ.
وثانيها ان موضع اليدين قريب من موضع الجبهة فلا يعد موضع الجبهة مرتفعا
عن موضع اليدين غالبا لان وضع الجبهة على التربة الحسينية عليه السلام المعمولة في هذه الأزمنة
لم يكن معمولا في الأزمنة السابقة وانما كان المتعارف السجدة على الأرض ولا اشكال في أن
مسجد اليدين ح قلما يتفق انخفاضه عن مسجد الجبهة.
وثالثها ان الظاهر أن اعتبار عدم العلو في الرواية انما هو من جهة حفظ حد
خاص للانحناء ولا اشكال في أنه لا يختلف الانحناء قلة وكثرة الا من جهة اختلاف
مسجد الجبهة مع الموقف ولا يوجب اختلافه مع مسجد اليدين اختلافا في حد
الانحناء كما لا يخفى ويشهد لذلك أيضا سؤال عبد الله بن سنان راوي هذا الخبر
عن أبي عبد الله عليه السلام في رواية أخرى عن كون موضع الجبهة ارفع من مقامه هذا
مضافا إلى أن اعتبار عدم علو مسجد الجبهة عن خصوص مسجد اليدين بأزيد من لبنة لم
يقل به أحد فان الأصحاب بين معتبر ذلك بين مسجد الجبهة والموقف وبين من اعتبره
بالنسبة بقية المساجد.
ثم إن الظاهر كون المراد من موضع البدن موضعه حين الجلوس أو حين السجود
فلا بأس بكون موضعه حين القيام اخفض من مسجد جبهته بأزيد من المقدار المزبور إذا
انتقل عند الجلوس إلى ما يساوى موضع الجبهة أو اخفض بالمقدار المذكور لما قلنا من أن
الظاهر من الرواية تحديد الانحناء اللازم للسجود وهو يتحقق بملاحظة موضع الجبهة
مع الموقف حين الجلوس.
ثم انه لا يعتبر في باقي المساجد عدم علو بعضها عن بعض فان المراد من موضع
البدن ان كان هو موضع الرجل عند الجلوس فعدم دلالة الخبر على اعتبار عدم
العلو في باقي المساجد واضح وان كان ما يقع على الأرض حين السجود وهو اليدان و

247
الركبتان والابهامان من الرجل فيدل على اعتبار عم علو موضع الجبهة عن كل
واحد من هذه المواضع المذكورة ولا يدل أيضا على اعتبار عدمه بين بعضها من بعض إذ
يمكن كون موضع الركبتين ارفع من موضع اليدين بمقدار أزيد من لبنة وعدم كون
موضع الجبهة مرتفعا بأزيد من لبنة بالنسبة إلى كل واحد من المواضع نعم من جهة
الترديد في أنه أريد من موضع البدن موضعه حين الجلوس أو حين السجدة لزم مراعاة
عدم ارتفاع موضع الجبهة عن كل واحد من المواضع الستة الباقية وان أمكن ان يقال
بان الرواية لما كانت بصدد تحديد الانحناء المعتبر في حال السجود يعلم أن العلو
المذكور فيها غير معتبر بالنسبة إلى موضع اليدين لان علو موضع الجبهة بالإضافة إليهما
ومساواته لا يوجبان اختلاف كيفية في الانحناء وانما يختلف باختلاف محل الجبهة
والركبتين وكذا الابهامان فيكون المراد من موضع البدن بهذه القرنية موضعه
عند الجلوس وهو موضع الرجل الذي يصير موضعا للابهامين عند السجود وموضع عظم
الساق الذي يصير موضعا للركبتين في حال السجود أيضا.
في وجوب الذكر والطمأنينة حاله والجلوس بعد
السجدة الأولى
ومنها الذكر وقد بسطنا الكلام فيه في مبحث الركوع إذ لا خصوصية لذكر السجود
الا فيما لو أراد التسبيحة الكبرى فإنه يبدل العظيم بالأعلى.
ومنها الطمأنينة بمقدار الذكر الواجب ويدل عليه مضافا إلى ظهور عدم الخلاف صحيح
ابن يقطين ويجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض وصحيح على بن جعفر
عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام سألته عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكن جبهته
من الأرض فقال عليه السلام يحرك جبهته فينحني الحصى عن جبهته وفى خبر الهذلي المروى عن
أربعين الشهيد بسند صحيح إليه عن علي بن الحسين عليه السلام فإذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض
ولا تنقر كنقرة الديك وفى دلالة ما ذكر من الاخبار على وجوب الطمأنينة المفسرة بسكون
سائر الأعضاء تأمل لكن أصل الحكم من المسلمات بين الأصحاب انما الكلام في أنه هل هي واجبة

248
بهذا المقدار في السجود أو مقدمة للذكر الواجب وتظهر الثمرة فيما إذا سقط الذكر
فعلى الأول وجبت بقدره وعلى الثاني يكفي مسماها المعتبر في أصل السجود
والأقوى هو الثاني إذ هو المتيقن كسائر أذكار الصلاة وشرطيتها لأصل السجود زائدا
على ذلك مشكوكة ومقتضى الأصل خلافها و ح فلو شرع في الذكر قبل الوضع عمدا
بطل لكونه مخصوصا بحال خاص ولو كان ملتفتا إلى الحكم أيضا ومع ذلك اتى بقصد
كونه جزء من الصلاة تبطل الصلاة أيضا به وان لم نقل ببطلان العمل من جهة التشريع
الداخل فيه فان هذا المأتى به من الزيادة العمدية واما لو لم يكن متلفتا إلى
الحكم بل تخيل ان محل الذكر المخصوص في هذا الحال يبتنى الحكم ببطلان
الصلاة على عد هذا من الزيادة العمدية وان كان ناشيا من السهو في الحكم كما هو ظاهر
الأصحاب حيث يحكمون بان الجاهل بالحكم كالعامد الا في القصر والاتمام والجهر
والاخفات ويأتي لذلك توضيح في مبحث الخلل انشاء الله تعالى ولو اتى به سهوا وجب التدارك
لو تذكر قبل رفع الرأس وكذلك الكلام لو اتى به بعد رفع الرأس بمعنى ان عمده كعمد
السابق وكذلك سهوه الا ان سهوه غير قابل للتدارك.
ومنها الجلوس بعد السجدة الأولى مطمئنا ويدل على ذلك مضافا إلى الاجماع
المحكى قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير وإذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك
حتى ترجع مفاصلك وإذا سجدت فاقعد مثل ذلك وإذا كنت في الركعة الأولى والثانية
فرفعت رأسك من السجود فاستتم جالسا حتى ترجع مفاصلك.
ومنها وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه من الأرض وما نبت منها غير المأكول
والملبوس وقد مر البحث عن ذلك في البحث عن مكان المصلي.
ومنها طهارة مسجد المصلى أعني خصوص موضع الجبهة اجماعا مع امكان استفادة
ذلك من صحيحة ابن محبوب عن الرضا عليه السلام انه كتب إليه يسأله عن الجص يوقد عليه
بالعذرة وعظام الموتى يجصص به المسجد أيسجد عليه فيكتب عليه السلام إليه ان الماء و
النار قد طهراه لكون السؤال والجواب ظاهرين في أن عدم جواز السجود على النجس
امر مفروغ عنه.

249
في اشتراط عدم المانع من وصول الجبهة و
حكم الشك فيه
ويشترط مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه فلو كان هناك مانع يجب ازالته
سواء كان على الجبهة أم على المحل ولو شك فيه لا يكفي أصالة العدم لان عدم
المانع ليس موضوعا لحكم شرعي بل هو معتبر في تحقق عنوان السجدة على الأرض و
لا يمكن احراز هذا لعنوان المطلوب الا بالأصل المثبت نعم لو جعلنا أصالة عدم المانع
من الأصول العقلائية المعتبرة مع قطع النظر عن الأدلة الشرعية الدالة على عدم جواز
نقض اليقين بالشك أمكن التمسك بها لاثبات المطلوب لكن هذا الاحتمال انما هو
عند الشك في أصل المانع واما الشك في مانعية الموجود فلا مجال لهذا الاحتمال فيه
أصلا ففي مثل الشعر الواقع على جبهة المرأة لو شكت في كونه مانعا عن مباشرة جبهتها
وجب عليها دفعه بحيث تعلم المباشرة ولو لصق الطين بالجبهة فهل يجب ازالته للسجود
أولا وجهان مبنيان على اعتبار احداث السجود على ما يصح السجود عليه أوانه يكفي
كون الجبهة موضوعة عليه ولو على نحو الايقاء المتبادر من الأخبار الآمرة بالسجود
على الأرض أو ما أنبتته الأول لكن التبادر المذكور ابتدائي لا يمكن الاعتماد عليه في
تقييد المطلوب وان كان يمنع عن الحكم باطلاق أيضا فاعتبار انفصال الجبهة حين الهوى
للسجود عن الموضوع عليه امر مشكوك فيه يجرى فيه الأصل هذا مضافا إلى امكان استفادة
عدم اعتبار ذلك من علة منع السجود على المأكول والملبوس من أن أبناء الدنيا عبيد
ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي ان يضع جبهته
في سجوده على معبود أهل الدنيا فان الظاهر من هذا الخبر ان النظر في تجويز السجود
على بعض الأشياء والمنع عن آخر إلى حالة كون العبد ساجدا وبعبارة أخرى يعتبر ان
يكون الجبهة في هذه الحالة موضوعة على الأرض أو ما أنبتته غير المأكول والملبوس
هذا ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

250
في حكم ما إذا وضع جبهته على موضع لا يجوز السجود عليه
فروغ الأول لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه سهوا يجب عليه الجر و
لا يجوز رفع الجبهة لاستلزامه زيادة السجدة عمدا ولا يلزم من الجر ذلك لان تعدد السجدة
انما هو بتعدد الوضع الحاصل بانفصال الجبهة عن الأرض في المرة الأولى ومن هنا يظهر
جواز الجر أيضا مع الوضع على ما يصح لطلب الأفضل أو الأسهل ونحو ذلك ولو لم يمكن
الجر فمقتضى قاعدة الشرطية بطلان الصلاة ولكن لما كان مقتضى الأصل الثانوي عدم
البطلان من جهة السهو في غير الأشياء المعروفة يتجه الصحة ولا فرق فيما لو التفت قبل
اتمام الذكر أو بعده وان كان الاحتياط باتمام الصلاة ثم الإعادة حسنا ولو وضع الجبهة
على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر فهل يتعين عليه الجر أو جاز له الرفع أيضا
وهذا بعد الفراغ من الصدق العرفي للسجدة والا فلا اشكال في جواز الرفع.
توضيح الامر ان الأمور المعتبرة في السجود تتصور على وجهين أحدهما ان
تكون قيودا للسجدة المأمور بها والثاني ان تكون شروطا للصلاة في حال السجدة فعلى
الأول يجوز رفع الرأس لو تحققت فاقدة للقيد المعتبر فيها لان التي وقعت ليست من
السجدة المأمور بها فلا يلزم من رفع الرأس والآتيان بالسجدة على نحوها امر بها زيادة و
ان كان يجوز أيضا جر الوجه وجعل السجدة الفاقدة للشرط واجدة له وعلى الثاني لا
يجوز رفع الرأس للزوم الزيادة بل يجب جر الجبهة إلى محل اعتبر شرعا في السجود ان
أمكن والا يغتفر من جهة القاعدة الثانوية المستفادة من قوله عليه السلام لا تعاد الصلاة الا من
خمسة ومما ذكر تعرف ان جر الجبهة ان أمكن مبرء قطعي سواء كان القيد من قبيل الأول
أم الثاني ولو تردد الامر بين الامرين فاللازم ما هو مبرء قطعي.
لا يقال لو رفع رأسه واتى بالسجدة على نحو ما اعتبر شرعا فقد اتى بالسجدة مع القيد
المعتبر فيها ويشك في اتيان الزيادة والأصل عدمه فالبرائة القطعية تحصل بواسطة الأصل
لأنا نقول قد قامت الحجة على لزوم تحصيل القيد المزبور وحصوله بجر الجبهة متيقن
وبنحو اخر مشكوك فاللازم في مثله الاحتياط كما لا يخفى وجهه.

251
ويمكن ان يستكشف عدم اعتبار القيد في السجود بأصالة الاطلاق بالنسبة إلى
أدلة السجود ويلزم من ذلك اعتباره في الصلاة ولا يعارض بأصالة اطلاق دليل وجوب
الصلاة لعدم الاطلاق له سواء قلنا بان لفظة الصلاة موضوعة للصحيح أو الأعم منه ومن
الفاسد كما بين في محله هذا القيود الخارجية من قبيل طهارة المحل وكونه من
الأرض أو ما ينبت منها ونحوهما واما تحديد مقدار الانحناء بان لا يكون موضع جبهة
المصلى أعلى من موقفه الا بقدر لبنة مع أن حقيقة السجود تتحقق بأقل من الانحناء المذكور
فالظاهر أنه قيد للسجود بمعنى عدم تحقق السجدة المأمور بها في الصلاة لو وقعت جبهته
على محل ارفع من موقفه زائدا على مقدار اللبنة فان الظاهر من دليل السجود السجود
على الأرض المرتفعة سؤالا وجوابا تحديد مقدار الانحناء المعتبر في السجود شرعا
واحتمال كون الزائد عن مقدار الصدق العرفي أمرا آخر معتبرا في الصلاة بعيد جدا
كما أن تحديد الركوع بايصال الأصابع للركبة مع صدق الركوع بأقل من ذلك حاله
كذلك هذا مضافا إلى امكان ان يقال ان الانتهاء إلى حد داخل في حقيقة السجود كما قيل
ذلك في الركوع فح لو اختلف تحديد الشرع مع العرف فالمعتبر هو المحدود بالحد
الشرعي ويصح سلب حقيقة السجود عما انتهى الانحناء إلى أقل مما حده الشرع فلو
انتهى انحنائه في السجود إلى أن وضع جبهته على محل ارفع من موقفه بأزيد من لبنة فح
وان كان يصدق انه سجد عرفا ولكنه ما سجد شرعا فيجوز له له رفع الرأس واتيان سجدة
أخرى على نحو ما قرره الشارع ومن هنا يمكن ان يقال انه لو تحققت سجدتان على النحو
المقرر شرعا وسهى عن القيود المعتبرة فيهما من قبيل طهارة المحل ونظائرها صحت
الصلاة وان كانت تلك القيود بمقتضى الأدلة الأولية قيودا للسجدة فان المستثنى من حديث
لا تعاد نفس السجدة ويأتي انشاء الله لذلك مزيد توضيح في مبحث الخلل ويدل على
جواز رفع الرأس إذا وقعت جبهته على مكان مرتفع مضافا إلى ما ذكرنا خبر الحسين بن
حماد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اسجد فتقع جبهتي على المواضع المرتفع فقال عليه السلام ارفع
رأسك ثم ضعه ولا يعارضه صحيحة معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه السلام إذا أوضعت جبهتك
على نبكة فلا ترفعها ولكن جرها والنبكة هي الأكمة المحددة الرأس وقيل النباك

252
التلال الصغار ورواية أخرى للحسين بن حماد أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له أضع
وجهي على حجر أو على موضع مرتفع أحول وجهي إلى مكان مستو فقال عليه السلام نعم جر
وجهك على الأرض من غير أن ترفعه فان حمل الأول على الرخصة لعدم إفادة الامر في مقام
توهم الخطر أزيد منها وما دل على جر الوجه على الاستحباب طريق الجمع عرفا.
في حكم ما إذا تعذر السجود على الجبهة
الثاني من كان على جبهته دمل أو غيره ان لم يستوعبها وأمكن وضع السليم منها
على الأرض ولو بحفر حفيرة لوضع غير السليم منها وجب عليه لتمكنه من السجدة
الواجبة على المختار ولما رواه الشيخ عن مصادف قال خرج بي دمل فكنت اسجد على
جانب فرأى أبو عبد الله عليه السلام اثره فقال عليه السلام ما هذا فقلت لا أستطيع ان اسجد من اجل الدمل
فإنما اسجد منحرفا فقال عليه السلام لا تفعل ذلك احتفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع
جبهتك على الأرض ولو تعذر وضع الجبهة على الأرض مطلقا سجد على أحد الجبينين
بلا خلاف ظاهرا كما يشهد به كلمات الأعاظم ولولا ذلك لكان للمناقشة مجال واسع
لما رواه الكليني ره عن علي بن محمد باسناد له قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عمن بجبهته علة
لا يقدر على السجود عليها قال عليه السلام يضع ذقنه على الأرض ان الله تبارك وتعالى يقول
" ويخرون للأذقان سجدا " وليس في البين ما يقيد به اطلاق هذه الرواية.
نعم يمكن ان يستفاد جواز السجدة على الجبينين لا تعينها من هذه الرواية حيث إن
الإمام عليه السلام يستدل بالآية الشريفة الدالة على أن وضع الذقن على الأرض من مصاديق
السجدة فتدل الرواية على أن العاجز عن السجود على الجبهة ينتقل فرضه إلى مطلق
السجدة ولا اشكال في أن وضع أحد الجبينين أيضا من مصاديق السجدة بل يمكن استفادة
ذلك من خبر مصادف أيضا فان قوله لا أستطيع ان اسجد من اجل الدمل وجواب الإمام عليه السلام
لا تفعل ذلك احتفر حفيرة يستفاد منهما انه عليه السلام قرره على أن العاجز عن السجود على
الجبهة يجزئه السجود على الجبين لكنه عليه السلام دله على طريق للاستطاعة لم يكن متنبها له
هذا ولكن استفادة ذلك من خبر مصادف مبنى على أن يكون مراد السائل من قوله وكنت اسجد
على جانب السجدة على الجبين بالمعنى الذي نسب إلى بعض أهل اللغة أعني ناحية الجبهة من

253
محاذاة النزعة إلى الصدغ ولكن كلامه غير ظاهر في ذلك فان السجدة على جانب أو منحرفا
يصدق على السجدة على ما فوق الحاجبين الذي من اجزاء الجبهة على انها هي المستوى بين
الحاجبين كما هو المتبادر والمنقول من الخليل ويؤيد ذلك استبعاد ظهور اثر السجود
على الجبين بالمشافهة كما يصرح السائل برؤية مولينا الصادق عليه السلام اثره وأيضا السجدة على
الجبين يلازم الانحراف عن القبلة فيبعد صدور هذا العمل من السائل بطبعه فيمكن
ان يكون سجوده على ما فوق أحد الحاجبين الذي هو في جانب من موضع السجود المتعارف
والإمام عليه السلام دله على طريق يسجد على جزء من الخط الطولى من قصاص الشعر إلى طرف
الانف لادراك الفضل وقوله عليه السلام حتى تقع جبهتك على الأرض في ذيل الخبر وان كان
ظاهرا في أن ما صدر منه قبل ذلك السجدة على غير الجبهة ولكن بعد ملاحظة ما ذكرنا
حمله على الجبهة بالنحو المتعارف.
ومن جملة اخبار الباب موثقة إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل
بين عينيه قرحة لا يستطيع ان يسجد عليها قال عليه السلام يسجد ما بين طرف شعره فان
لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن فان لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر فان لم يقدر فعلى ذقنه
قلت على ذقنه قال عليه السلام نعم اما تقرء كتاب الله عز وجل ويخرون للأذقان
سجدا وهي أيضا كخبر مصادف ساكتة عن الجبينين وانما حكمت بالعدول عما
بين العينين إلى القصاص ثم إلى الحاجبين على الترتيب وكل ذلك داخل عند العرف في
الجبهة فيحمل الترتيب المذكور على الاستحباب نعم بالنسبة إلى الذقن محمول على الوجوب
واطلاقها شامل لما إذا تمكن من الجبينين ومنها الرضوي فان كان في جبهتك علة لا تقدر
على السجود أو دمل فاحفر حفيرة فإذا سجدت فاجعل الدمل فيها وان كان على جبهتك
علة لا تقدر على السجود من اجلها فاسجد على قرنك الأيمن فان تعذر عليه فعلى قرنك
الأيسر فان تعذر عليه فاسجد على ظهر كفك فان لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك لقول
الله تبارك وتعالى " ان الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا إلى
قوله تعالى ويزيدهم خشوعا " والقرنان لم يعلم خروجهما عن حدود الجبهة واذن فليس
في الاخبار ما يستفاد منه حكم الجبينين وينحصر مدركه في الاجماعات المنقولة فالأحوط

254
الجمع بين السجود على أحدهما مع الذقن ولو بتكرر الوضع فإنه غير مستلزم لزيادة
السجدة إذا كان بعنوان الاحتياط كما أن القصد المعتبر في تحقق السجود يكفيه القصد
الاجمالي ولا ترتيب بين الجبينين وان كان الأحوط تقديم الأيمن خروجا من خلاف
ابن بابويه حيث عينه ولو تعذر السجدة على أحد الجبينين يسجد على الذقن للرواية السابقة
التي تمسك بمضمونها الأصحاب قال في المدارك وهذه الرواية وان ضعف سندها الا ان مضمونها
مجمع عليه بين الأصحاب.
في حكم ما إذا تعذر أصل السجود
الثالث لو عجز عن السجود وكذا عن مطلق الانحناء يومي برأسه ايماء وان
تمكن من رفع المسجد يرفعه حتى يضع جبهته عليه لأنه المقدار الميسور ولرواية الشيخ ره
عن إبراهيم الكرخي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلا
ولا يمكنه الركوع والسجود قال عليه السلام ليؤم برأسه ايماء وان كان له من رفع الخمرة إليه
فليسجد وان لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه نحو القبلة ايماء والظاهر عدم وجوب رفع المسجد
لما في بعض الاخبار بعد سؤال السائل عن المريض الذي لا يقدر على السجود قال عليه السلام
يومي برأسه ايماء وان يضع جبهته على الأرض أحب إلى وان لم يتمكن من الايماء بالرأس
فبالعينين لقول الصادق عليه السلام في المريض الذي لا يقدر على القيام والجلوس صلى مستلقيا فإذا
أراد ان يركع غمض عينيه ثم سبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع
فإذا أراد السجود غمض عينيه ثم سبح فإذا صبح فتح عينيه فيكون رفع رأسه من السجود ثم اعلم أن
مقتضى اطلاق ما ذكر من الاخبار انتقال العاجز من السجود إلى الايماء سواء تمكن
من الانحناء الواجب في السجود أو مطلق الانحناء أم لا وكذا مقتضى الاطلاق عدم وجوب
وضع سائر المساجد في محالها وان قدر على ذلك هذا ولكن مقتضى بعض الكلمات لزوم
الانحناء بقدر الامكان وكذا لزوم وضع باقي المساجد في محالها والظاهر أن ذلك من جهة
قاعدة الميسور ويشكل بان العمدة في السجود هو وضع الجبهة على الأرض ومطلق الانحناء
لا يحسب ميسورا للسجود وناقصا له إذ ناقص الشئ ما يطلق عليه ذلك الشئ بالمسامحة

255
نعم بتم هذا في الركوع لأنه عبارة عن مرتبة خاصة من الانحناء ولو عجز عن تلك المرتبة
فالانتقال إلى النازلة يعد من الركوع الناقص وكذلك وضع سائر المساجد في محالها من جهة
كونه من الآداب المعتبرة في السجدة فلا يعد مجرد ذلك الوضع مجردا عن وضع الجهة
ميسورا للسجود هذا ولكن الاحتياط حسن جدا.
الرابع لو وضع جبهته على الأرض ثم ارتفع قهرا فله صورتان إحديهما وقوعها
عليها ثانيا قهرا والأخرى قدرته على حفظها عن الوقوع لا اشكال في عدم كون الوقوع
الاضطراري سجدة أخرى لاعتبار القصد في تحقق مفهومها وهل يكون هذا الوقوع الاضطراري
عودا إلى السجدة الأولى عرفا أو يحسب من الافعال الغير المضرة بالصلاة لعدم كونه
من الزيادة العمدية وعدم كونه ماحيا لصورة الصلاة ولا يكون داخلا في عنوان أحد من
المبطلات الاخر وتظهر الثمرة في أنه يجب تدارك ما فات منه في الوضع الأول من
الآداب الواجبة في السجود على الأول دون الثاني وأيضا لو قلنا بان الوضع الثاني عود
إلى السجدة الأولى يجب عليه الوضع الثاني ان كان مختارا لتمكنه من واجبات السجدة
التي يعود إليها بخلاف ما لو قلنا بأنه فعل آخر مستقل فإنه يحسب على هذا من زيادة
السجدة فيجب الاعتداد بما وقع ويمكن الاستشهاد للأول بالخبر المروى عن كتاب
الغيبة للشيخ والاحتجاج للطبرسي عن محمد بن أحمد بن داود القمي قال كتب محمد بن
عبد الله بن جعفر الحميري إلى الناحية المقدسة يسأل عن المصلى يكون في صلاة الليل
في ظلمة فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته على مسح أو نطع فإذا رفع رأسه وجد
السجادة هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها فوقع عليه السلام ما لم يستو جالسا فلا شئ عليه
في رفع رأسه لطلب الخمرة فان الظاهر من السؤال ان رفع الرأس لطلب السجادة ثم الوضع
عليها هل يكون من زيادة السجدة فلا يجوز بل يجب الاعتداد بما وقع أم ليس من زيادة
السجدة والتوقيع الشريف يدل على جواز رفع الرأس لطلب الخمرة ما لم يستو جالسا.
في استحباب الجلسة بعد السجدة الثالثة
الخامس المشهور استحباب الجلوس عقيب السجدة الثانية مطمئنا ويسمى ذلك
بجلسة الاستراحة بل عن بعض دعوى الاجماع عليه وحكى عن السيد قدس سره القول

256
بوجوبها محتجا عليه بالاجماع والاحتياط وعن محكى كاشف اللثام الميل إليه وفى
الحدائق وتقوية لظاهر الامر في موثق أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال رفعت رأسك
في السجدة الثانية من الركعة الأولى حين تريدان تقوم فاستو جالسا ثم قم وهو عمدة ما
استدل به للوجوب واما بعض الروايات الاخر الامرة بالجلوس المعللة بأنه وقار المؤمن
الخاشع لربه أوانه من توقير الصلاة أو ان من يفعل خلاف ذلك فهو أهل الجفاء من الناس
فلا يدل على الوجوب لو لم يكن شاهدا ومؤيدا للاستحباب واما الموثق المذكور فهو
معارض بما رواه الشيخ (ره) عن زرارة قال رأيت أبا جعفر عليه السلام وأبا عبد الله عليه السلام إذا
رفعا رؤسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا ومقتضى الجمع بينها وبين الموثق حمل الاخر
فيه عليه الاستحباب الا ان الاشكال في أن حكاية زرارة فعل أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام
بمثل قوله إذا رفعا رؤسهما الخ مما يدل على بنائهما عليهما السلام على ذلك دائما وهذا بعيد غاية
البعد بل الظاهر أنه مما يقطع بخلافه إذ كيف يحتمل ذلك مع صراحة الاخبار المتعددة
في أن بنائهم عليهم السلام على الجلوس مستويا قبل النهوض وعدهم عليهم السلام ذلك من
توقير الصلاة ومن وقار المؤمن الخاشع لربه والتارك له من أهل الجفاء والحق ان الرواية ان
صحت فهي محمولة على رؤية زرارة فعلهما عليهما السلام في وقت من الأوقات وان كان مخالفا
لظاهر التعبير المذكور وفى المدارك بعد ما نقل احتجاج العلامة ره في المختلف بالموثق
السابق قال وهو معارض بما رواه الشيخ عن زرارة قال رأيت أبا جعفر وأبا عبد الله
عليهما السلام إذا رفعا رؤسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا ثم قال والسندان
متقاربان أقول فعلى هذا لا يصح رفع اليد عما يدل عليه رواية زرارة صريحا من عدم
وجوب جلسة الاستراحة بمجرد ظهورها فيما يقطع بخلافه بل يتعين الاخذ بصريحها
والتصرف في ظاهرها كما يجب التصرف في الامر بالجلوس الوارد في الموثق بحمله
على الاستحباب ويؤيد الاستحباب أيضا ما رواه الشيخ ره في التهذيب عن رحيم قال قلت
لأبي الحسن الرضا عليه السلام جعلت فداك أراك إذا صليت فرفعت رأسك من السجود في الركعة
الأولى والثالثة فتستوي جالسا ثم تقوم فنصنع كما تصنع قال عليه السلام لا تنظروا إلى ما اصنع انا
اصنعوا كما تؤمرون.

257
في أن التقية في العبادات تورث الاجزاء
السادس يجوز في حال التقية السجود على غير ما يصح السجود عليه كالفراش
ونحوه لو لم يتمكن من الصلاة المشتملة على السجدة على ما يصح شرعا في تمام الأمكنة
والوقت الموظف لها ضرورة معلومية عدم سقوط الصلاة رأسا وكذا السجدة ولازم ذلك
سقوط مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه وهذا مما لا اشكال فيه ولكن ينبغي التكلم
في المسألة بحيث ينفع في سائر العبادات والتكلم فيها في مقامين.
أحدهما اجزاء الفعل الصادر تقية عن الواقع وكونه مصداقا لامتثال الامر
المتعلق بالطبيعة المأمور بها والثاني اعتبار عدم المندوحة في الاجزاء وعدمه.
فنقول ان أدلة التقية كثيرة منها ما لا يستفاد منه الا الحكم التكليفي أعني
الرخصة في العمل الموافق لمذهب العامة عند الضرورة ولازم ذلك وجوبه ان كانت الضرورة
مثل هلاك النفس مما لا يرضى الشارع الوقوع فيه وجوازه ان كان من غير هذا القبيل
مثل ان يترتب على تركه الضرر الشديد الذي لا يحتمل عادة وعلى أي حال لا يستلزم الاجزاء
العمل الصادر تقية عن الواقع الصحيح إذا الضرورة كما قد تقتضي جواز شرب الخمر بل
وجوبه كذلك قد تقتضي جواز ترك الصلاة عن رأس أو وجوبه وقد تقتضي اتيان صلاة مطابقة
لصلاة المخالفين حفظا لدمه أو عرضه ولا يلزم من ذلك كون هذا الماتى به امتثالا للامر
المتعلق بالصلاة حتى يكون مسقطا للإعادة والقضاء فالتمسك بمثل هذه الأخبار لأصل
الاجزاء في غير محله فضلا عن استفادة اعتبار عدم المندوحة وعدمه نعم يوجد في بعض
الموارد الخاصة ما يدل على اكتفاء الشارع بالعمل الصادر عن تقية بدلا عن الواقع مثل
رد الشعر والمسح على الخفين والصلاة مع المخالف حيث يترك فيها بعض ماله دخل فيها
ويوجد بعض الموانع مثل التكفير ونحوه فان أدلة تلك الموارد ظاهرة في تعيين الوضوء
والصلاة للشخص المبتلى بالمخالف واما اعتبار عدم المندوحة وعدمه فهو تابع لاطلاق
الأدلة المرخصة مثلا قوله عليه السلام في رواية صفوان بعد سؤال السائل هل يرد الشعر ان كان
عنده أحد فعل والا فلا ان قلنا بأنه في مقام بيان مورد التقية بتمام حده فاللازم عدم مدخلية

258
عدم المندوحة إذ يصدق في الحال المتصف بها هذا الشرط المذكور في الرواية وان قلنا
بأنه في مقام الايجاب الجزئي في مقابل السلب الكلى فالمتيقن منه صورة عدم المندوحة
والظاهر الأول ولا يهمنا التكلم في هذه الموارد المخصوصة بل العمدة تحصيل دليل
عام يدل على اجزاء العمل الواقع موافقا للعامة عن الواقع في صورة عدم تمكنه من
اتيان العمل على الوجه المطلوب ثم التكلم في اعتبار عدم مندوحة.
فنقول يمكن استفادة ما ذكر من مثل قوله عليه السلام التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم
فقد أحله الله تقريب الاستدلال ان الحلية معناها عدم المنع سواء كان نفسيا أم غيريا ومعنى
احلال الشئ رفع المنع الثابت له فان كان المنع نفسيا فمعنى احلاله رفع ذلك وان كان غيريا
فمقتضى احلاله أيضا رفعه فإذا اضطر الانسان إلى السجدة على ما لا يصح مثلا أو إلى
التكفير في الصلاة أو مثل ذلك يرفع المنع المضاف إليه وهو المنع الغيري الذي يرجع إلى
المبطلية ولازمه الصحة والاجزاء.
فان قلت من يتمكن من رفع ضرر المخالف بترك الصلاة مثلا ليس مضطرا إلى
فعلها متكتفا فاتيان العمل موافقا للمخالف ليس مما اضطرا إليه نعم لو كان دفع ضرر
المخالف متوقفا على العمل الموافق لهم يصدق ان هذا العمل مما اضطر إليه ومقتضى اطلاق
دليل المنع بطلان العمل المفروض ولكن الاضطرار أوجب حلية ايجاد العمل الباطل
كما أنه يوجب حلية شرب المسكر وأين هذا من اجزائه عن الواقع وصيرورته مصداقا
لامتثال الامر المتعلق بالصلاة.
قلت المفروض عدم كون الصلاة متكتفا من المحرمات النفسية بل المنع غيري
فإذا فرض رفع المنع الغيري بمقتضى الرواية في حال الاضطرار كما أنه المفروض فلازمه
صحة العمل فقياس الاضطرار إلى الصلاة متكتفا بالاضطرار إلى شرب المسكر في غير محله
قال شيخنا المرتضى قدس سره في جواب الاشكال المذكور في الرسالة المشتملة على مسائل
التقية ما لفظه قلت لا نسلم توقف الاضطرار إلى هذه الأمور على الاضطرار إلى الصلاة
التي تقع فيها بل الظاهر أنه يكفي في صدق الاضطرار إليه كونه لابد من فعله مع وصف
إرادة الصلاة في ذلك الوقت لا مطلقا نظير ذلك انهم يعدون من أولى الأعذار

259
من لا يتمكن من شرط الصلاة في أول الوقت مع العلم أو الظن بتمكنه
منه فيما بعده فان تحقق الاضطرار ثبت الجواز الذي هو رفع المنع الثابت فيه حال عدم
التقية وهو المنع الغيري انتهى كلامه رفع مقامه وأنت خبير بان هذا لا يتم من دون
انضمام شئ آخر كما سنبينه عليه بعد ذلك انشاء الله تعالى فان المضطر إلى شئ على
تقدير إرادة الصلاة مع عدم اضطراره إلى الصلاة لا يكون مضطرا فعلا إلى ذلك الشئ
فالعمدة في الجواب ما ذكرنا وهو انه في حال الاضطرار إلى الصلاة بطريق العامة
يدل الدليل على الاجزاء بالتقريب المتقدم ويكفي هذا دليلا على ثبوت الاجزاء في الجملة
واما الاجزاء في موارد عدم الاضطرار إلى العمل الموافق للعامة فنتكلم فيه في طي البحث
في المقام الثاني وهو اعتبار عدم المندوحة.
ثم اعلم أن مقتضى اطلاق رفع المنع عند الاضطرار عدم الفرق بين الاضطرار الحاصل
عن اختيار المكلف وغيره في اجزاء العمل عن الواقع نعم مع قطع النظر عن الأدلة الآتية
لا يجوز عقلا تحصيل الاضطرار إلى ايجاد مثل ذلك العمل الممنوع بمقتضى الأدلة
الأولية فتلخص مما ذكرنا انه في صورة تحقق الاضطرار إلى اتيان العمل على وجه
التقية يقع صحيحا ولو كان مقرونا بما يكون مبطلا لولا التقية وان كان الاضطرار
حصل باختياره.
ويبقى الكلام فيما لم يكن الاضطرار حاصلا فعلا إلى ايجاد العمل الموافق
للتقية اما بتمكنه من ترك العمل رأسا واما بايجاده في وقت آخر أو في مكان آخر مما لم
يدل ما أسلفنا على اجزاء العمل وان كان الاجزاء في خصوص بعض العبادات منصوصا في
الجملة لكن المقصود إقامة الدليل على الاجزاء فيكل عبادة لو دخل فيهما لابد من
ايجاده على وجه التقية وان كان قادرا على تركها مطلقا أو في قطعة خاصة من الوقت
وايجادها في قطعة أخرى أو في مكان خاص وايجادها في مكان آخر وبعبارة أخرى المقصود
اثبات كفاية الاضطرار التقديري أعني انه لو دخل في العبارة يصير مضطرا إلى ارتكاب
ما كان ممنوعا لولا التقية.
فنقول يكفي في ذلك الأخبار الدالة على رجحان المعاشرة والمخالطة ومعهم

260
والصلاة في عشائرهم والصلاة بصلاتهم والدخول معهم في الأمور الخيرية فإذا انضمت
هذه الأخبار إلى ما دل على رفع المنع الغيري عند الاضطرار يصير المحصل من الطائفتين
انه يحسن للمكلف ان يضطر نفسه إلى التكتف في الصلاة مثلا بمقتضى الطائفة الأولى
والمنع الغيري مرتفع عن المضطر بمقتضى الطائفة الثانية فيلزم من ذلك صحة الصلاة
مثلا وهكذا في سائر العبادات ومن هنا يظهر عدم الفرق بين وجود المندوحة وعدمها
نعم في بعض الاخبار ما يدل بظاهره على اعتبار عدم المندوحة وعدم التمكن من
رفع موضوع التقية مثل رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن إبراهيم بن شيبه قال كتبت
إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام عن الصلاة خلف من يتولى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يرى المسح
على الخفين أو خلف من يحرم المسح على الخفين وهو يمسح فكتب عليه السلام ان جامعك وإياهم
موضع لا تجد بدا من الصلاة معهم فاذن لنفسك وأقم فان سبقك إلى القراءة فسبح وعن
دعائم الاسلام عن أبي جعفر الثاني عليه السلام لا تصلوا خلف ناصب ولا كرامة الا ان تخافوا على
أنفسكم ان تشهروا ويشار إليكم فصلوا في بيوتكم ثم صلوا معهم واجعلوا صلاتكم
معهم تطوعا قال شيخنا المرتضى قدس سره في رسالته الموضوعة لمسائل التقية بعد ذكر
الخبرين وبعض الاخبار الاخر المؤيدة لاعتبار عدم المندوحة وبالجملة فمراعاة عدم
المندوحة في الجزء من الزمان الذي يوقع فيه الفعل أقوى مع أنه أحوط انتهى كلامه
رفع مقامه.
أقول ان اخذ بمفهوم قوله عليه السلام في رواية ابن شيبه ان جامعك وإياهم موضع
لا تجد بدا من الصلاة معهم (الخ) يلزم عدم الجواز لو تمكن من ترك الصلاة مطلقا في
تمام الوقت وكذا لو تمكن من الصلاة في وقت آخر مع أن الأول مقطوع العدم والثاني
خلاف الظاهر كما افاده شيخنا المرتضى قدس سره قال قدس سره في تلك الرسالة ان
حمل اخبار الاذن في التقية في الوضوء والصلاة على صورة عدم التمكن من اتيان الحق
في مجموع الوقت مما يأباه ظاهر أكثرها بل صريح بعضها بل لا يبعد ان يكون وفاقيا
انتهى كلامه ره (فح) حمل الرواية على اعتبار عدم التمكن من تبديل المكان أو التخيل
في ازعاج من يتقى عنه عن مكانه لئلا يراه ليس بأولى من حملها على اضطرار التقديري بمنى ان

261
مريد الصلاة لو لم يجد بدا من أن يصلى معهم تصح صلوته مع اشتمالها على التكفير و
ونحوه في مقابل من يتمكن ان يصلى منفردا أو مع امام عادل من دون محذور بل الثاني
أولى إذ الظاهر من الاخبار الاذن في العمل على وجه التقية في أفعالهم المتعارفة من
دون الزامهم بترك ما يريدون فعله بحسب مقاصدهم العرفية أو فعل ما يريدون تركه كذلك
كما لا يخفى.
السابع إذا نسى سجدة أو سجدتين وتذكر قبل الدخول في ركن آخر يجب
التدارك فان كان جزء فاتت لا يلزم من تداركه زيادة ركن يجب تداركه وإذا تذكر
بعد الدخول في الركوع فلو كان المنسى سجدة واحدة قضاها بعد الصلاة وان كان اثنتين
بطلت الصلاة وبما ذكرنا من الميزان في تدارك المنسى ظهر انه لو نسى سجدة أو
سجدتين في الركعة الأخيرة يأتي بها قبل الاسلام وبعده الا إذا اتى بما يبطل الصلاة عمدا
أو سهوا فيقضى فيما كان المنسى سجدة واحدة ويعيد الصلاة لو كان اثنتين.
لا يقال ان السلام يوجب القطع فلا يرتبط ما يؤتى به بعده بالصلاة المفروضة
خالية عن السجدة ولازم ذلك بطلانها لو كان الناقص سجدتين ولزوم القضاء لو كان
سجدة واحدة.
لأنا نقول كون مطلق السلام قاطعا محل منع بل الظاهر أنه السلام الواقع في
محله فلاحظ فتوى المشهور فيمن نقص من صلوته ركعة وتذكر بعد السلام فان الظاهر
منهم الاتفاق على لزوم الحاق الركعة لو تذكر قبل فعل المنافى اللهم الا ان يقال ان المراد
من السلام المحلل ما يقع في الركعة الأخيرة وان كان قد نقص منها جزء وما يقع قبل الركعة
الأخيرة ليس محللا فلا ينافي في فتوى نقص عنه صلوته ركعة مع القول ببطلان الصلاة في من
ترك السجدتين والأخيرة وفيه تحكم لا يخفى فان القول بكون السلام محللا انما هو من جهة
الأدلة الدالة على أن تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ومن الواضح انصراف التسليم
في الدليل إلى التسليم الواقع في محله شرعا هذا.
ولكن يضعفه ما رواه العيون باسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في
كتابه إلى المأمون ولا يجوز ان تقول في التشهد الأول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين

262
لان تحليل الصلاة التسليم فإذا قلت هذا فقد سلمت ونظيرها ما عن الخصال في حديث
شرائع الدين عن الأعمش عن جعفر بن محمد عليهما السلام ومقتضى ذلك بطلان الصلاة
بعد السلام بترك السجدتين في الأخيرة ولزوم القضاء في صورة ترك سجدة واحدة كما في
سائر الركعات.
والحق ان يقال مقتضى الجمع بين ما يدل على كون السلام محللا ولو وقع
في غير محله وبين الاخبار المصرحة بعدم بطلان الصلاة بوقوع السلام قبل تمامية تمام
ركعاتها سهوا بل في كثير منها عدم البطلان وان تكلم بزعم الفراغ تحصيص الأول
بحال العمد.
فان قلت فعلى هذا لو أحدث بعد السلام مع تركه سجدة واحدة يلزم بطلان صلوته
لا قضاء السجدة فإنه بعد ما لم يكن السلام محللا فقد أحدث في أثناء الصلاة ولا شك ان الحدث في
أثناء الصلاة مبطل لها فيجب الإعادة.
قلت كون الحدث مبطلا للصلاة لا يخ اما يكون من جهة ان الطهارة لما كانت
شرطا في تمام حالات المصلى وأكوانه الصلاتية فمع فقدها لم يكن مصليا لا يتمكن من
الحاق الاجزاء الباقية واما يكون من جهة انه بنفسه قاطع للصلاة بمعنى انه لا يقدر على
على تنظيم الاجزاء اللاحقة مع السابق على هيئتها المخصوصة المعتبرة شرعا وبطلان
الصلاة على كل من التقديرين موقوف على وجوب اتيان المكلف الصلاة المأمور بها
أولا على هيئتها المطلوبة شرعا واما لو أحدث في الأثناء ولكنه دل الدليل على الاكتفاء
بما صدر منه وان لم يأت بعض الاجزاء أصلا واتى ببعضها في غير محله كما أنه في مورد
الفرض ترك سجدة واحدة واتى بالتشهد والتسليم في غير المحل فالحدث وان كان واقعا
في الأثناء لكنه لعدم احتياج المكلف إلى ارتباط اجزاء الصلاة بنحو مطلوب الأولى
لا وجه لكونه مبطلا للصلاة والدليل على عدم بطلان هذه الصلاة الغير المرتبط بعضها
مع الاخر على نحو المطلوب الأولى صحيحة منصور عن الصادق عليه السلام في رجل صلى فذكر
انه زاد سجدة قال عليه السلام لا يعيد صلاة من سجدة فإنها وان وردت في جواب السائل عن
زيادة سجدة ولكن ظاهر الجواب ان الخلل الوارد على الصلاة من جهة سجدة واحدة

263
سواء كانت زائدة أم ناقصة لا يوجب بطلانها ويدل على المطلوب أيضا الأخبار الدالة على أن
ناسي السجدة لو تذكر في حال القيام يتدارك ولو لم يتذكر حتى ركع يمضى في صلوته
ويقضى بعد الصلاة فإنها وان وردت في غير السجدة أخيرة الا انه يستظهر منها ان نسيان
السجدة الواحدة إذا انقضى محل تداركها يوجب اكتفاء الشارع بالتقية ولزوم قضائها
بعد الصلاة هذا ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط في هذه المسألة بقضاء السجدة وإعادة
الصلاة كما أنه لا ينبغي ترك الاحتياط فيما لم يصدر منه ما ينافي الصلاة
بتلافي ما فات منه وإعادة الصلاة لو ترك السجدتين واما لو ترك واحدة فيحصل الاحتياط
باتيانها بقصد ما في الذمة ثم اتيان التشهد والتسليم رجاء والله العالم.
في كراهة الاقعاء في الصلاة
الثامن يكره الاقعاء في الجلوس بين سجدتين بل في مطلق الجلوس في حال الصلاة
وهو على ما فسره الفقهاء وضع الأليتين على العقبين معتمدا على صدور القدمين وفى بعض
العبارات لم يذكر القيد الأخير واما وضع الأليتين على العقبين فالظاهر أنه مسلم من تفسير
الفقهاء ولعل هذا النحو من الوضع مستلزم للاعتماد على صدور القدم لأنه لو جعل ظهر
قدميه على الأرض يقع الجلوس على بطن القدمين لا على العقبين فعلى هذا عدم ذكر الاعتماد
على صدور القدمين في بعض العبارات يكون من جهة الحاجة إلى الذكر ولا يرجع
إلى مخالفة وكيف كان لا اشكال في أن الاقعاء عند الفقهاء مفسر بهذا المعنى الذي ذكرنا
وحكموا بكراهة هذا النحو من العقود بواسطة الأخبار الناهية عن الاقعاء انما الكلام
في فهم مستندهم مع أنه في اللغة ان يجلس على ألييه وينسب ساقيه ويتساند إلى ظهره أو
يضع يديه على الأرض والذي يشهد لهذا التفسير منسوب إلى الفقهاء أمور.
أحدها ورود النهى في بعض الاخبار عن الاقعاء على القدمين ولا شك ان المعنى
الذي يقول به أهل اللغة ليس هو الاقعاء على القدمين وان كان لا يثبت المعنى المنسوب إلى
الفقهاء أيضا الا بضميمة بعض التكلفات.
والثاني التعليل الوارد في الصحيح الآتي لزرارة من التأذي وعدم الصبر للتشهد

264
والدعاء وعدم القعود على الأرض بل هو قعود بعض على بعض مما لا ينطبق الاعلى المعنى
المنسوب إلى الفقهاء كما لا يخفى.
الثالث ان هذا النحو من الجلوس معروف عند العامة وسنة عندهم والظاهر أن النصوص
الناهية تكون إشارة إلى فعلهم.
الرابع ذيل رواية معاني الأخبار والاقعاء ان يضع الرجل ألييه على عقبيه في
تشهده بناء على كونه تتمه الرواية هذا مضافا إلى اتفاق الفقهاء مما يوجب القطع بان هذا
المعنى مراد في الأخبار الدالة على النهى عن الاقعاء بقى الكلام في أن الاقعاء بالمعنى الذي
ذكرنا يكره في مطلق الجلوس في حال الصلاة ولا يختص بخصوص الجلوس بين السجدتين
ويدل على ذلك بعض الاخبار المشتمل على أن الاقعاء ليس جلوسا بل هو قعود بعض على بعض
فكلما يطلب الجلوس في الصلاة فلا ينبغي ان يكون على هذا الوجه وفى صحيح زرارة ولا تقع
على قدميك.
واما الدليل على الكراهة مع كونه منهيا في الاخبار فقوله عليه السلام في صحيح
الحلبي لا باس بالاقعاء في الصلاة فيما بين السجدتين وفى خبر زرارة المروى عن مستطرفات
السرائر نقلا من كتاب حريز لا بأس بالاقعاء بين السجدتين نعم يشكل الحكم بالكراهة
في التشهد من جهة ذيل خبر معاني الأخبار ولا يجوز الاقعاء في موضع التشهد الا من علة
لان المقعى ليس بجالس انما جلس بعضه عليه بعض وفى صحيح زرارة وإياك والقعود
على قدميك فتتأذى بذلك ولا تكون قاعدا على الأرض فيكون انما قعد بعضك على بعض
على بعض فلا نصبر للتشهد والدعاء الا ان يقال ان التعليلات المذكورة مشعرة بالكراهة
كما لا يخفى هذا ويمكر القول بكراهة الاقعاء بالمعنى اللغوي أيضا لرواية الشيخ
(ره) بأسانيده عن معوية بن عمار وابن مسلم والحلبي انهم قالوا لا تقع بين السجدتين
اقعاء الكلب والسند وان كان لا يتصل إلى الإمام عليه السلام لكنه معلوم من
حال هؤلاء الأجلة انهم لا يفتون الا بمضمون الاخبار الواصلة إليهم بل يمكن كون
هذا المنقول عنهم لفظ الخبر هذا ولكن الكراهة بهذا المعنى يختص بما بين
السجدتين إذ لا دليل على غيره.

265
لكن لا يبعد ان يكون المراد من التشبيه في الرواية المذكورة المشابهة
في أصل الاقعاء وان كانت كيفية اقعاء الكلب والانسان مختلفة ويؤيد ذلك أن
ذيل رواية معاني الأخبار ظاهر في تفسير أصل الاقعاء وهو الذي نهى عنه بين
السجدتين ورخص فيه في دليل آخر وفصل بينه وبين الاقعاء في التشهد في دليل ثالث.
فان قلت بعد فرض كون الاقعاء بالمعنى المذكور مكروها في التشهد بل أشد
كراهة من بين السجدتين فما الوجه في التقييد بما بين السجدتين.
قلت التقييد انما هو بملاحظة الثانية التي ليس في حال الجلوس منها ذكر
ودعاء بل الجلوس بعد رفع الرأس منها ليس الا مقدمة للقيام والله العالم.
التاسع يكره ان ينفخ موضع سجوده لرواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال قلت له عليه السلام الرجل ينفخ موضع سجوده فقال عليه السلام لا وفى حديث
المناهي ونهى ان ينفخ في طعام أو شراب وان ينفخ في موضع سجوده وبإزاء ما ذكر
بعض الاخبار المصرحة بعدم الباس فالجمع بالحمل على الكراهة ويمكن ان يقال
ان الكراهة مختصة بما إذا خاف ان يتأذى إحدى في جنب المصلى وأما إذا لم يكن
مخافة ذلك فلا كراهة كما يدل عليه خبر ليث المرادي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
الرجل يصلى فينفخ في موضع جبهته فقال عليه السلام ليس به بأس انما يكره ذلك أن
يؤذى من إلى جانبه.
في حكم سجدة التلاوة
خاتمة في سائر اقسام السجود وهي بين واجب ومندوب ومن الأول السجود
للسهو وسيأتي في مبحث الخلل انشاء الله.
ومنه السجود على من قرء إحدى آياته الأربع في السور الأربع المسماة بالعزائم
وكذا على المستمع لإحدى تلك الآيات ووجوبه على القارئ والمستمع لا اشكال
فيه بملاحظة الأدلة بل ولا خلاف فيه بين العلماء قدس سرهم انما الخلاف في وجوبه على
السامع فذهب جمع إلى وجوبه عليه أيضا بل قطع به ابن إدريس (ره) مدعيا عليه الاجماع

266
ويدل عليه اطلاق كثير من الروايات بل بعضها مما يأبى الحمل على خصوص الاستماع كخبر
على بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام قال سئلته عن الرجل يكون في صلوته
فيقرء آخر السجدة فقال عليه السلام يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الأربع ثم يقوم
فيتم صلوته الا ان يكون في فريضة فيؤمى برأسه ايماء إذ حمل مورد هذه الرواية على
صورة الانصات والاستماع مع كونه مشغولا بصلاته كما هو مفروض السؤال في غاية
البعد وذهب آخرون إلى اختصاص الوجوب بالمستمع واستدل الشيخ قدس سره في الخلاف
عليه باجماع الفرقة وبما رواه عبد الله بن سنان قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
سمع السجدة تقرأ قال عليه السلام لا يسجد الا ان يكون منصتا لقراءته مستمعا لها أو
يصلى بصلاته فاما ان يكون يصلى في ناحية وأنت تصلى في ناحية أخرى فلا تسجد إذا
سمعت وفى طريق الرواية محمد بن عيسى عن يونس وقد نقل الصدوق (ره) عدم اعتماد
شيخه ابن الوليد (ره) على ما تفرد به محمد بن عيسى عن يونس وان قال قدس سره ورأيت
أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون من مثل أبى جعفر محمد بن عيسى وتقييد المطلقات
بمثل هذه الرواية مع اغتشاشها بحسب المتن أيضا من جهة اشتمالها على وجوب السجود
على من سمع قراءة من يصلى بصلاته مع ممنوعية قراءة العزائم في الصلاة مشكل جدا فلا
ينبغي ترك الاحتياط.
في بعض فروع هذه السجدة
فروع الأول لا يجب السجود بقراءة بعض الآية ولا باستماعه لان المتيقن من الأدلة
سببية قراءة الآية التامة وكذا سماعها أو استماعها على الخلاف ولا دليل على وجوب
السجود عند قراءة بعض الآية ومقتضى الأصل البراءة.
الثاني من ترك السجود نسيانا يسجد عند التذكر لصحيح ابن مسلم سألته
عن الرجل يقرء السجدة فينساها حتى يركع ويسجد قال عليه السلام يسجد إذا
ذكر إذا كانت من العزائم ومن هنا يعلم أن الفورية المستفادة من ظواهر الأدلة
ليست قيدا للمطلوب بل هي مطلوبة بالاستقلال فلو عصى أيضا بالتأخير لم يسقط عنه
الثالث لو قرء بعض الآية وسمع بعضها الاخر بناء على كفاية السماع أو

267
استمع فلا دليل على وجوب السجدة لعدم شمول الأدلة لهذا المورد وان كان
الاحتياط حسنا.
الرابع يمكن القول بايجاب قراءة القرآن غلطا السجدة أيضا لاطلاق الأدلة الا ان
يدعى انصرافها إلى الصحيحة.
الخامس هل يتعدد السجود بتعدد الموجب أولا لا اشكال في أن من قرء مكررا
يجب عليه وعلى المستمع أو السامع السجدة عند الفراغ من كل قراءة لان ذلك لازم
الفورية المستفادة من الأدلة ولرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته
عن الرجل يتعلم السورة من العزائم فيعاد عليه مرارا في المقعد الواحد قال عليه السلام
عليه ان يسجد كلما سمعها وعلى الذي يعلمه أيضا ان يسجد انما الكلام في أنه لو اخر
القارئ أو المستمع السجدة في المثال المفروض عصيانا أو نسيانا حتى كررت الآية
أو قرء الآية واستمع من آخر فهل يكفي في هذه الصور السجدة الواحدة للجميع أو يجب
لكل من الموجبات المفروضة سجدة مستقلة مقتضى القاعدة الأول لعدم ظهور الأدلة
الا في وجوب حقيقة السجدة بعد تحقق هذه الموجبات وهي تحصل بالواحدة.
نعم لو تحقق الموجب فسجد ثم تحقق فرد آخر يجب سجدة أخرى ولا يكتفى
بالسابقة لان مقتضى هذه الأدلة لزوم تحقق السجدة عقيب هذه الموجبات وهكذا
حال سائر الأدلة الواردة في مقامات آخر من الأسباب والمسببات فالقول بلزوم سجدة مستقلة
لكل موجب يحتاج إلى دليل وليس في المقام ما يدل على ذلك.
السادس لو قرئها في أثناء الصلاة سهوا لا يبعد وجوب السجدة عليه
فورا ثم يتم صلوته ويجتزى بها لبعض الأخبار الدالة على أن من قرء السجدة في الصلاة
يسجد ثم يقوم ويتم الصلاة المحمولة على القراءة عن سهو جمعا بينها وبين الأخبار الناهية
عن قراءة العزائم والأحوط إعادة الصلاة بعد ذلك.
السابع من سمع اية السجدة وهو في الصلاة يومي ايماء للمحكى عن كتاب
المسائل لعلي بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون في
صلاة في جماعة فيقرء انسان السجدة كيف يصنع قال عليه السلام يومي برأسه قال وسئلته

268
عن الرجل يكون في صلاة فيقرء آخر السجدة قال عليه السلام يسجد إذا سمع شيئا من
العزائم الا ان يكون في فريضة فيؤمى برأسه ايماء.
الثامن إذا حصل موجب السجود حاله يجب رفع الرأس منه ليحقق فردا آخر
من السجدة ولا يكفي إطالة الأولى لان مقتضى أدلة الباب وجوب احداث السجدة عند
سببها فلا يجتزى بالابقاء.
التاسع يعتبر في هذه السجدة إباحة المكان كسجدة الصلاة لوحدة المناط و
هو امتناع تحقق العبادة بالمحرم فيها ولا يبعد أيضا اعتبار عدم علو المسجد بما يزيد
على اللبنة وكذا لا يبعد اعتبار وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه في الصلاة لاطلاق
أدلتهما واما سائر ما يعتبر في سجدة الصلاة من طهارة المحل ووضع سائر المساجد
في محالها والطهارة من الحدث والخبث وغير ذلك فلا يدل على اعتبارها في هذه السجدة
دليل فمقتضى الأصل عدم وجوب شئ منها بل الاخبار مصرحة بعدم اعتبار الطهارة
عن الحدث بكلا قسميه نعم يعارض تلك الروايات في خصوص حدث الحيص ما رواه
عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الحائض هل تقرء القرآن
وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة قال عليه السلام لا تقرء ولا تسجد وما رواه غياث عن جعفر
عن أبيه عن علي عليهم السلام قال عليه السلام لا تقضى الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت
السجدة قال الشيخ قدس سره أمرها بالسجود محمول على الاستحباب ونهيها عنه محمول
على جواز الترك هذا وحمل النهى على مجرد الاذن مع كونه خلاف الظاهر لعله من جهة
وروده مورد توهم الوجوب فلا يكون ظاهرا في المرجوحية كما أن الامر الوارد في
مقام توهم الحظر لا يفيد الا مجرد الاذن في الفعل ولكن يبعد هذا في خبر غياث من جهة
عطف قوله عليه السلام ولا تسجد على قوله عليه السلام لا تقضى ويمكن الحمل على باقي سجدات
القران بقرينة باقي الأخبار الآمرة بالسجود عند سماع العزائم وهذا بعيد أيضا و
يمكن حمل الخبرين الناهيين عن السجود على التقية لموافقتهما مذهب العامة كما قيل
والله أعلم.

269
في استحباب سجدة الشكر وحرمة السجود لغيره تعالى
ويستحب السجود للشكر عند تجدد كل نعمة أو تذكرها أو دفع نقمة أو
للتوفيق لأداء خير من الفريضة أو النافلة أو غيرهما ولو مثل الصلح بين اثنين قال الباقر
عليه السلام ان أبى على بن الحسين عليهما السلام ما ذكر لله عز وجل نعمة عليه عليه السلام
الا سجد ولا قرء آية من كتاب الله فيها سجود الا سجد ولا دفع الله عنه سوء يخشاه أو كيد
كائد الا سجد ولا فرغ من صلاة مفروضة الا سجد ولا وفق لاصلاح بين اثنين الا سجد و
وكان اثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمى السجاد لذلك بل يمكن القول
باستحبابه مطلقا من دون سبب وانه كالنفل من الصلاة لاطلاق بعض الأدلة في مشروعيته
ويحرم السجود لغيره تبارك وتعالى للاخبار الكثيرة والظاهر عدم اختصاص المحرم
بوضع الجبهة على الأرض بل يتحقق به وبوضع الخد أو الذقن أو الرأس والحاصل ان
الانحناء بحيث يستقر أحد الأعضاء المذكورة على الأرض ولو ببعض الوسائط سجدة
وهو محرم بالأدلة كما يدل على ذلك خبر عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام
المشتمل على قصة مجيئ بعير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فضرب بجر انه الأرض
فسأل رجل عنه صلى الله عليه وآله اسجد لك هذا البعير فنحن أحق ان نسجد فقال صلى الله عليه وآله لا، بل اسجدوا
لله ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم لو أمرت أحدا ان يسجد لاحد لأمرت المرأة ان تسجد لزوجها و
المروى في احتجاج الطبرسي باسناده عن العسكري عليه السلام في احتجاج النبي صلى الله
عليه وآله على مشركي العرب إلى أن قال صلى الله عليه وآله وسلم أخبروني عنكم إذا عبدتم صور
من كان يعبد الله فسجدتم له وصليتم ووضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها
فما الذي أبقيتم لرب العالمين الخ فما يفعله سواد الناس عند قبور الأئمة صلوت الله
عليهم في غاية الاشكال لو لم يكن قصدهم به سجدة الشكر لله تعالى لتوفيقه لهم لادراك
الزيارة نعم الظاهر عدم الباس بتقبيل العتبة الشريفة والانحناء المخصوص بقصد كونه
مقدمة للتقبيل لا بقصد التعظيم والتذلل للمزور عليه السلام.

270
في بيان صورة التشهد
البحث السابع في التشهد وهو واجب في كل ثنائية مرة وفى كل رباعية وثلاثية
مرتين باجماع العلماء كافة والاخبار وهو عبارة عن الشهادتين إحديهما بالوحدانية
والأخرى بالرسالة والقول باجزاء الشهادة الواحدة في التشهد الأول ضعيف وان كان
مستنده صحيحة زرارة قال قالت لأبي جعفر عليه السلام ما يجزى من القول في التشهد الأول
قال عليه السلام ان تقول اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له قلت فما يجزى من تشهد
الأخيرتين قال عليه السلام الشهادتان فإنه لم يعمل بظاهر هذه الرواية الا صاحب الفاخر على
ما حكى فهي اما مأولة أو مطروحة وهل يجزى مطلق الشهادتين أو يعتبر كيفية
خاصة الأقوى الثاني لان ما يوهم الاكتفاء بأي نحو اتفق بعض الأخبار الآمرة بالشهادتين
كقول أبي جعفر عليه السلام في خبر سورة بن كليب قال سألته عليه السلام عن أدنى ما يجزى من
التشهد قال عليه السلام الشهادتان ونحو ذلك وأنت خبير بعدم كونها في مقام الاطلاق بل
هذه المطلقات كلها واردة في مقام نفى وجوب الزائد من الأدعية والتحيات كما
يظهر من النظر فيها ولا اشكال في الاجتزاء بقوله اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له
واشهد ان محمدا عبده ورسوله وهل يتعين ذلك مقتضى صحيحة ابن مسلم هو التعين
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام التشهد في الصلاة قال عليه السلام مرتين قال قلت وكيف مرتين
قال عليه السلام إذ استويت جالسا فقل اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا
صلى الله عليه وآله عبده ورسوله ثم تنصرف وما وقفنا على ما يعارض هذه الصحيحة الا رواية الحسن
بن الجهم في من أحدث حتى جلس في الرابعة ان كان قال اشهد ان لا إله إلا الله
وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يعيد وان كان لم يتشهد قبل ان يحدث
فليعد وهذه الرواية وان سيقت لبيان عدم بطلان الصلاة بالحدث بعد التشهد وبطلانها
قبله لكن يفهم منها كفاية الصورة المذكورة فيها هذا ولكن الرواية دالة على عدم
الوجوب الشرطي للسلام والصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله فهي منافية للأخبار الدالة
على أن تحليل الصلاة انما يكون بالتسليم ومنافية أيضا لفتاوى العلماء قدس سرهم

271
كلا الا من شذ بوجوب الصلاة على النبي وآله في التشهد فلابد من طرح هذه الرواية
فيما سيقت له وطرحها فيه واخذها فيما تضمنته تبعا من الاجتزاء بالصورة المذكورة
فيه ما فيه.
في وجوب الصلاة على النبي وآله في التشهد
واما وجوب الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله فنقل الاجماع عليه مستفيض
جدا وهو العمدة في الباب إذ ما ذكر من الأدلة الاخر غير خال عن المناقشة مثل الاستدلال
بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ببيان ان ظاهره وجوب
الصلاة في الجملة وليس الوجوب مختصا بغير الصلاة اجماعا هذه صورة الاستدلال وقد
نقلناها عن كتاب الصلاة لشيخنا المرتضى قدس سره وفيه انه لو كان المراد دعوى الاجماع على
عدم وجوبها في غير حال الصلاة فبعد تسليم هذا الاجماع لا ينحصر توجيه الآية بتنزيلها
مورد الصلاة بل يمكن حمل الامر فيها على الاستحباب حتى لا ينافي الاجماع المدعى و
استدل له أيضا برواية أبي بصير وزرارة قال، قال أبو عبد الله عليه السلام ان الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله
من تمام الصلاة ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وفيه ان الشيخ قدس سره روى بعين
اسناد الرواية السابقة رواية أخرى أيضا عن أبي بصير وزرارة جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال
من تمام الصوم اعطاء الزكاة كما أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله من تمام الصلاة ومن صام ولم
يؤدها فلا صوم له ان تركها متعمدا ومن صلى ولم يصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وترك ذلك
متعمدا فلا صلاة له إلى آخر الخبر والرواية الثانية أدل على خلاف المطلوب حيث إن
تشبيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله بالزكاة يقتضى عدم بطلان الصلاة بتركها كما أنه
لا يبطل الصوم بترك الزكاة اجماعا فالمشابهة تقتضي كونها شرطا لكمال الصلاة والرواية
الأولى لعلها تكون متحدة مع الثانية وقد لخصها الصدوق قدس سره باسقاط ما هو متعلق
بالصوم والزكاة وعلى فرض التعدد تحمل الأولى على نفى الكمال بقرينة الثانية ومما
يستدل به ما حكى عن اعلام الدين للديلمي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صلى ولم يذكر الصلاة
على وعلى آلى سلك به غير طريق الجنة وفيه بعد الغض عن سنده انه ظاهر في الاستحباب

272
وهذا نظير قوله صلى الله عليه وآله من ذكرت عنده ولم يصل على أخطأ طريق الجنة والعجب من شيخنا
المرتضى قدس سره حيث عد هذه الرواية مما يسمع منه صيحة الاستحباب وذكر النبوي صلى الله عليه وآله
السابق من جملة أدلة وجوب الصلاة على النبي (ص) في الصلاة وبالجملة القول بوجوب الصلاة
على النبي صلى الله عليه وآله في الصلاة بواسطة الاخبار مشكل جدا لعدم ما يساعده هذا مضافا إلى صحيحة
ابن مسلم المتقدمة الدالة على الانصراف بعد الشهادتين ورواية زرارة المصححة ان كان
الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته ولكن العمدة في المسألة الاجماعات المستيضة
بل يمكن دعوى الاجماع المحقق حيث إنه ما نسب الخلاف الا إلى ظاهر قول الصدوق
ووالده قدس سرهما مع امكان حمل كلامها على ما يوافق القوم بقرينة ما ذكره في الأمالي من أن
من دين الإمامية انه يجزى في التشهد الشهادتان والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وهذا كالصريح
في أن ما ذكر أدنى ما يجزى به فيظهر من هذا الكلام موافقته للقوم بل موافقة والده
قدس سره أيضا فان من البعيد نسبة هذا المعنى إلى دين الإمامية مع مخالفة والده الذي
كان رئيسا لهم والا إلى ابن الجنيد وليس كلامه بأيدينا وعلى تقدير مخالفته لا يضر
بتحقق الاجماع لحصول الحدس القطعي بأقل من هذه الاتفاق الموجود في المسألة
والحمد الله.
ثم اعلم أن وجوب إضافة الآل إلى النبي صلى الله عليه وآله بعد ثبوت وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وآله انما هو
من جهة الأخبار المستفيضة الدالة على عدم اجزاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله بدون الصلاة على آله
صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين بل يظهر من بعض الاخبار ان الاقتصار على
النبي صلى الله عليه وآله وعدم الحاق الآل به يوجب البعد عن رحمة الله تعالى كما ورد في بعض الروايات
من صلى على محمد صلى اله عليه وآله ولم يصل على آله صلى الله عليه وآله لم يجد ريح الجنة وريحها يوجد من
مسيرة خمسمأة عام والمنقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال لا تصلوا على صلاة مبتورة بل
صلوا إلى أهل بيتي ولا تقطعوهم فان كل نسب وسبب منقطع يوم القيمة الا نسبي وفى
حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم لأمير المؤمنين عليه السلام الا أبشرك قال عليه السلام بلى إلى أن
قال صلى الله عليه وآله وإذا صلى على ولم يتبع بالصلاة على أهل بيتي صلى الله عليه وآله كان بينها وبين السماوات

273
سبعون حجابا ويقول الله تبارك وتعالى لا لبيك ولا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعائه
الا ان يلحق بالنبي صلى الله عليه وآله عترته فلا يزال محجوبا حتى يلحق بي أهل بيتي
إلى غير ذلك من الاخبار التي بظهر منها ان الاقتصار على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس مرضيا لله و
رسوله الله صلى الله عليه وآله.
واما الكيفية فلا اشكال في كفاية قولنا اللهم صل على محمد وآل محمد لورودها
في الاخبار المشتملة على بعض المستحبات ولهذا لا يصح الاستدلال بها على تعيين هذا القول
ولكن الأشهر كما عن الذكرى تعيينه ولعله للنبوي صلى الله عليه وآله وسلم إذا تشهد أحدكم في صلوته
فليقل اللهم صل على محمد وآل محمد فان تمت الشهرة وثبت استنادها إلى النبوي فهو
والا في المقدار المحقق مما ذكر وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله والخصوصية غير معلوم
اعتبارها فيدخل في جزئيات الشك في القيد ومقتضى الأصل كما هو التحقيق البراءة
والمسألة لا تخلو عن الاشكال والاحتياط لا ينبغي تركه.
في عدم وجوبها في غير التشهد عند ذكره
ثم إن المشهور عدم وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله عند ذكره
صلى الله عليه وآله وسلم تلفظا وسماعا بل عن جمع من الأساطين الاجماع
عليه وذهب بعض من العلماء إلى الوجوب كالفاضل المقداد والمحكي
عن الصدوق والبهائي وصاحب المدارك والبحار والمحدث الكاشاني والبحراني و
الفاضل المازندراني والشيخ عبد الله بن صالح البحراني ونحن نذكر طرفا من الاخبار
المتعلقة بالمسألة تيمنا.
منها صحيحة زرارة المروية في باب الاذان قال عليه السلام وصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلما
ذكرته أو ذكر عندك ذاكر ومنها رواية عبيد بن عبد الله عن رجل أبي جعفر عليه السلام
قال عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث ومن ذكرت عنده ولم يصل على فلم يغفر الله له وأبعده
الله ومنها رواية عبد الله بن علي بن الحسين عليه السلام عن أبيه عن جده عليه السلام قال قال رسول الله
صلى الله عليه وآله البخيل حقا من ذكرت عنده فلم يصل على ومنها رواية محمد بن محمد
المفيد في المقنعة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في حديث ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال، قال لي

274
جبرئيل عليه السلام من ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله قلت امين ومنها ما رواه أحمد بن
فهد في عدة الداعي في حديث قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أجفى الناس رجل ذكرت بين يديه
فلم يصل على ومنها رواية محمد بن هارون عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا صلى أحدكم ولم
يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلوته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة قال وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من
ذكرت عنده فلم يصل على فدخل النار فأبعده الله. إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة و
الانصاف ان الحكم بعدم الوجوب مع وجود هذه الأخبار وعدم المعارض لها مشكل و
الحكم بالوجوب أشكل لأنه مع كونه خلاف المشهور مستبعد جدا من جهة ان عموم
البلوى به كان يقتضى اشتهار وجوبه على تقدير الوجوب بين العوام فيكف خفى على
العلماء حتى ادعى الاجماع مستفيضا على عدم الوجوب فلا طريق أحسن من الاحتياط
بالصلاة عليه وعلى آله عند ذكره أو سماعه من ذاكر.
بيان الخلاف في وجوب السلام واستحبابه
البحث الثامن في التسليم والأقوى وجوبه وذهب جماعة إلى الاستحباب بل
نسب إلى أكثر المتأخرين لنا الأخبار الكثيرة منها ما رواه الشيخ والمرتضى وابن بابويه
قدس سرهم عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مفتاح الصلاة الطهور و
تحريمها التكبير وتحليلها التسليم وارسال الرواية لا يضر بعد ما رواه الكليني قدس سره
في الكافي مسندا عن أبي عبد الله عليه السلام وبعد استدلال السيد وابن زهرة بها مع أنهما
لا يعملان الا بالاخبار القطعية دلت الرواية على انحصار التحليل في التسليم اما من جهة
ان المصدر المضاف يفيد العموم فيكون جميع افراد التحليل مصاديق للتسليم واما من
جهة ان التسليم حيث وقع خبرا فلا يصح ان يكون أخص فلابد ان يكون مساويا أو أعم و
اما من جهة ان الظاهر أن التحليل خبر مقدم لأنه عارض للتسليم لان التسليم عارض
للتحليل فيناسب كون التسليم مبتدءا مؤخرا والتحليل خبرا مقدما وتقديم الخبر
يفيد الحصر في المبتدا وعلى أي حال ظهور العبارة في حصر التحليل في التسليم كظهور
العبارة السابقة عليها في حصر التحريم في التكبير واضح غير قابل للمناقشة كما أنه

275
لا يصح المناقشة في السند بعد ما عرفت وبعد تكرر هذا المضمون في الأخبار الكثيرة مثل
ما رواه الصدوق بسنده الحسن كالصحيح إلى الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام فيما كتبه
إلى المأمون قال عليه السلام ولا يجوز ان تقول في التشهد الأول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
لان تحليل الصلاة التسليم فإذ قلت هذا فقد سلمت وعنه عن الفضل أيضا عنه عليه السلام
قال عليه السلام انما جعل التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدلها تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا
اخر لأنه لما كان في الدخول في الصلاة تحريم كلام المخلوقين والتوجه إلى الخالق كان
تحليلها كلام المخلوقين وابتداء المخلوقين وابتداء المخلوقين في الكلام أولا بالتسليم وعن الخصال عن
الأعمش عن جعفر بن محمد عليهما السلام انه لا يقال في التشهد الأول السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين لان تحليل الصلاة هو التسليم فإذا قلت هذا فقد سلمت وفى المرسل
المروى عن علي بن الحسين عليهما السلام قيل له ما افتتاح الصلاة قال عليه السلام التكبير قال
ما تحليلها قال عليه السلام التسليم وعن المفضل بن عمر قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العلة التي
من اجلها وجب التسليم في الصلاة قال عليه السلام لأنه تحليل الصلاة وفى رواية عبد الله بن الفضل
الهاشمي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التسليم في الصلاة قال عليه السلام التسليم علامة الامن و
تحليل الصلاة إلى أن قال عليه السلام فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة وتحليلا للكلام
وامنا من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها والسلام اسم من أسماء الله تعالى واقع على الملكين
الموكلين به.
فان قلت غاية ما ثبت مما ذكر عدم تحليل المنافيات قبل التسليم ولا يلازم ذلك
كون التسليم من الاجزاء الواجبة لامكان كونه أمرا خارجا من الصلاة موجبا لتحليل
المنافيات أو جزء مستحبا كذلك وبعبارة أخرى يمكن ان يكون المنافى للصلاة منافيا
لها بعد الصلاة أيضا كما يكون منافيا لها في أثنائها ويتوقف رفع اثره على وقوع التسليم
قلت اما احتمال كون التسليم أمرا خارجا يوجب التحليل فيدفعه أدلة حرمة
المنافيات فإنها تدل على كونها مبطلة إذا وقعت في الأثناء واما احتمال كونه جزء
مستحبا يتوقف التحليل عليه فيدفعه ان الأوامر بالتسليم ظاهرها الوجوب وانما
يحملها القائل بالندب على الاستحباب من جهة بعض الأدلة الظاهرة في عدم توقف التحليل

276
على التسليم كما سنذكرها وبعد الاخذ بالأدلة الدالة على حصر التحليل في التسليم
وتوقفه عليه ورفع اليد عما يعارضه أو حمله على ما لا ينافي تلك الأدلة فلا وجه لرفع اليد
عن ظهور الأوامر الدالة على الوجوب هذا مضافا إلى بعض الاخبار الدال على أن التسليم
آخر الصلاة الظاهر في أنه أجزء الحقيقة دون الفرد المستحب.
ومما استدل به على وجوب التسليم ما دل على فساد صلاة المسافر بالاتمام من
الاخبار المصححة المذكورة في باب صلاة المسافر وفى بعضها تعليل الفساد بأنه زاد
في فرض الله عز وجل وتقريب الدلالة ان الامتثال لو حصل بالفراغ من التشهد لم يقدح
زيادة ما بعده لأن المفروض وقوعها بعد تمام الصلاة وما وقع بعد الفراغ من
الصلاة لا يضر بها قطعا كما لو اتى بركعة أو أزيد بعد السلام وتقييد مورد تلك
الأدلة بما نوى التمام ابتداء يحتاج إلى دليل بل يمكن ان يستفاد من التعليل المذكور
ان مورد الأدلة خصوص ما إذا بدا له الاتمام بعد التشهد فان البطلان بمقتضى التعليل مستند
إلى الاتيان بالزيادة فلو نوى الاتمام من أول الامر لم يتحقق منه امتثال المأمور
به أصلا فتأمل.
وفيه انه لا ينافي صدق الزيادة كون التشهد آخر العمل الواجب إذا اتى بالزائد
بقصد لحوقه بالعمل المأتى به كالزيادة في الطواف وعدم لحوق الزبادة بالصلاة بعد
التسليم انما هو من جهة الأخبار الدالة على انقطاع المصلى عن الصلاة به وانه يوجب عدم
طر والفساد لها ولولا ذلك لقلنا بان من اتى بركعة أو أزيد بعد السلام بقصد البقاء في
الصلاة وان الماتى به منها زاد في صلوته.
احتج القائل بعدم الوجوب بأمور عمدتها بعض الأخبار الدالة على تمامية
الصلاة بالتشهد الأخير مثل صحيحة الفضلاء إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلوته فان
كان مستعجلا في امر يخاف ان يفوته فسلم وانصرف أجزأه وصحيحة ابن مسلم إذا استويت
جالسا فقل اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف
وغيرهما من الأخبار الدالة على تمامية الصلاة بالتشهد والأخبار المستفيضة الدالة على أن
الحدث بعد التشهد لا يوجب بطلان الصلاة.

277
والجواب عن الصحيحة الأولى ان ذيلها أدل على وجوب التسليم من صدرها على
الاستحباب وعن الثانية ان الانصراف فيها محمول على الانصراف بالتسليم أو يكون
المراد من الانصراف التسليم فقوله عليه السلام ثم تنصرف معناه ثم تسلم ويؤيده ما ورد من أنه
إذا قلت السلام علينا الخ فهو الانصراف ويؤيد أحد الحملين ان الظاهر من الجملة الخبرية
وجوب الانصراف بعد التشهد ولا يجب الا بالتسليم واما عن الاخبار الاخر فكلما يتضمن
الامر بالانصراف فحاله حال الصحيحة السابقة وكلما لا يتضمن الامر بالانصراف فالتشهد
فيه محمول على ما يعم التسليم بقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ويؤيد ذلك رواية
أبي بصير حيث قال عليه السلام بعد ذكر ما ينبغي ان يقال في التشهد الأخير ثم قل السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام على أنبياء الله ورسله السلام على جبرئيل والملائكة
المقربين السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبي بعده السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين ثم تسلم واما المستفيضة الدالة على أن الحدث بعد التشهد وقبل التسليم لا يوجب
بطلان الصلاة فالمراد من التسليم فيها خصوص الصيغة الأخيرة لأنه هو المتعارف بين
الخاصة والعامة كما ادعى في الذكرى ويدل عليه رواية أبي بصير المتقدمة.
نعم رواية الحسن بن الجهم في من أحدث حين جلس في الرابعة ان كان قال اشهد
ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فلا يعيد غير قابلة للحمل على ما ذكر فلابد من طرحها من
جهة عدم الاشتمال على الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله مع ضعف السند ومعارضتها مع الأخبار الكثيرة
المتقدمة أو حملها على التقية هذا.
ولكن الانصاف ان حمل الأخبار الدالة على عدم بطلان الصلاة بوقوع الحدث بعد
التشهد وقبل التسليم على وقوع الحدث بعد السلام الأول وهو السلام علينا الخ وقبل السلام
الأخير بعيد جدا والذي يقوى في النظر في الجمع بين الاخبار ان يقال بوجوب السلام و
كونه محلا لكنه خارج من اجزاء الصلاة بل تتم اجزاء الصلاة بتمامية التشهد المشتمل
على الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم لا أقول بكونه واجبا مستقلا نفسيا بل أقول انه واجب
غيري لكنه جزء المركب المأمور به وبعبارة أخرى المأمور به مركب من الصلاة وما
هو خارج عنها فلو لم يأت به عمدا لم يأت بالمأمور به وان جاء بتمام اجزاء الصلاة وقبل

278
التسليم لا يجوز له ارتكاب المحرمات التي حرمت على المصلى عمدا فإنه قضية كونه محللا و
اما ارتكاب بعضها من غير اختيار فليس بمبطل من جهة الأدلة وبعضها الاخر مبطل وان
كان من غير عمد كزيادة الركعة مثلا أو ركوع واحد أو سجدتين لصدق زيادة ما هو ممنوع
مطلقا كما أنه قبل تمامية التشهد الأخير بعض المنافيات يكون مبطلا مطلقا كالحدث
وبعضها يكون مبطلا إذا صدر عن عمد كالتكلم مثلا ومن الجائز ان يكون مانعية الحدث
بمحو الاطلاق إذا وقع في أثناء الصلاة لا بعد الصلاة وقبل وجود المحلل واما لو وقع بعد
الصلاة عن غير عمد فلا يكون مبطلا وان كان قبل التسليم المحلل وبهذا يحصل الايتلاف
بين اخبار الباب مما دل على وجوب التسليم وما دل على كونه محللا وما دل على أنه إذا فرغ
من التشهد الأخير تمت ومضت صلوته وما دل على أن الحدث بعد التشهد ليس مبطلا للصلاة
فان قلت إن هذا الذي ذكرت لا يلائم الأخبار الدالة على أن آخر الصلاة التسليم
فان الظاهر منها انه الجزء الأخير للصلاة كما أن التكبير جزئها الأول.
قلت اطلاق آخر الشئ على ما ليس جزء له بل هو خارج عنه اطلاق شايع وان كان
الظاهر من الأخبار المذكورة كونه جزء أخيرا من الصلاة كما أن التكبيرة جزء أول منها
لكنه لو جمع بينها وبين الاخبار الاخر بالتصرف في هذا الظاهر بنحو ما قلنا ليس خارجا
عن الجمع العرفي.
ويمكن توجيه عدم بطلان الصلاة لوقوع الحدث قبل السلام على نحو لا ينافي
جزئية السلام للصلاة بان كون الحدث مبطلا انما هو من جهة عدم امكان الحاق الاجزاء
الباقية وارتباطها بما مضى فلو فرضنا اغماض الشارع عن اتيان اللاحق على نحو يرتبط بالسابق
ورضى بما وقع مع قضاء ما بقى كما في التشهد والسجود المنسيتين فما اتى به محكوم بالصحة
وان كان ناقصا بملاحظة ما كلفه الشارع أولا ويؤيد ذلك موثقة زرارة قلت لأبي عبد الله عليه السلام
الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال عليه السلام قد تمت صلوته وانما التشهد
سنة في الصلاة فيتوضؤ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا ويتشهد وبهذا المضمون خبر ابن مسكان
المروى عن كتاب المحاسن عن أبي عبد الله عليه السلام ولا ينافي وجوب التشهد كما هو مورد الاخبار
مع دلالة الاخبار فان المراد بالسنة هنا ما يقابل فرض الله تعالى كما وقع مثل هذا التعبير بالنسبة

279
إلى بعض الاجزاء الواجبة الاخر وحاصل المعنى على هذا والله العالم ان التشهد لما كان وجوبه
غير ما دل عليه الكتاب بل هو داخل في فرض النبي صلى الله عليه وآله أوجب رفع اليد عن الحاقه بما
مضى من صلوته في صورة الاضطرار واكتفى الشارع باتيانه قضاء فلا يجوز طرح
الخبرين بواسطة التصريح بكون التشهد سنة مع أنه واجب بالاجماع والاخبار
نعم لو ثبت اجماع محقق على أن الحدث الواقع بين الاجزاء الواجبة للصلاة مطلقا
يوجب البطلان وجب طرح الخبرين وينحصر توجيه عدم البطلان بوقوع الحدث بعد
التشهد وقبل التسليم بما قدمناه.
في بيان صورة السلام
بقى الكلام في تعيين صيغة التسليم واعلم أنهم اختلفوا في ذلك فذهب جماعة
إلى أن صورته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أو السلام عليكم ورحمة الله و
بركاته والأكثر كما في المدارك إلى تعيين الثاني وحكى عن ظاهر كلام الفاضل يحيى بن
سعيد في الجامع تعيين الأول وتوضيح المقام ان القائل بتعين الثاني لو أراد ان تحليل
الصلاة منحصر فيه فيرده الأخبار المستفيضة الدالة على أن قول السلام علينا الخ
تحليل للصلاة كما أن القائل بتعين الأول لو أراد حصر المحلل فيه يرده اجماع العلماء
بل المسلمين على الخروج بالصيغة الثانية نعم ما يمكن ان يقال في المقام هو ان تحليل
الصلاة يحصل بإحدى الصيغتين اما الأولى فبالأخبار المستفيضة واما الثانية فبالاجماع
وخصوص بعض الاخبار لكن إذا قدمت الأولى تجب الثانية أيضا وان حصل التحليل
بالأولى ولا منافاة بينهما إذ يمكن حصول التحليل بمعنى عدم حرمة المنافيات و
بقاء جزء آخر للمركب غاية الامر عدم بطلان العمل بوجود المنافاة بنيه وبين خصوص
هذا الجزء الأخير.
لكن يرد هذا ان كثيرا من الأخبار الواردة في السلام الأول يدل على أنه موجب
لانقطاع الصلاة وانه انصراف منها وهذا ينافي بقاء جزء آخر واجب بعده إذ لازمه عدم الانصراف
وكون المصلى بعد في الأثناء.

280
نعم يمكن ان يقال بالوجوب النفسي وانه لو اتى بالصيغة الأولى يخرج من الصلاة و
لكن يجب عليه الاتيان بالثانية أيضا نفسا وان لم يؤت بالأولى يحصل الخروج بالثانية
فالاتيان بالثانية واجب مطلقا سواء اتى بالأولى أم لا والدليل على هذه الدعوى اما
على الشق الثاني فما ذكرنا من الاجماع وبعض الاخبار واما على الأول فلظاهر
الأخبار الواردة في نسيان التشهد حيث امر عليه السلام بالتسليم بعد تمامية الصلاة والتسليم
فيها محمول على التسليم الأخير لكونه المتعارف ويعلم ذلك من تتبع الاخبار ومن
جملة الأخبار الدالة على وجوب التسليم بعد تمامية الصلاة ورواية ابن أبي يعفور فيمن
صلى ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتى يركع قال عليه السلام يتم صلوته ثم يسلم و
يسجد سجدتي السهو. ونحوها غيرها الوارد في المسألة المذكورة وأصرح من الكل
ما ورد في تلك المسألة عن سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام حيث قال وان لم يذكر
حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلم وليسجد سجدتي السهو هذا. وفيه ان
ظاهر رواية مفضل بن عمر المشتملة على سؤاله عن علة وجوب التسليم في الصلاة و
جواب الإمام عليه السلام بقوله عليه السلام لأنه تحليل الصلاة يقتضى حصر علة وجوب التسليم
في التحليل فإذا حصل التحليل بالسلام الأول كما هو المفروض فلا يبقى لوجوب الأخير جهة
فمقتضى الجمع بين الروايات المذكورة ورواية المفضل حمل الأوامر المتعلقة بالتسليم
في الطائفة الأولى على الاستحباب فتحصل مما ذكرنا ان مقتضى مجموع أدلة الباب ان
الفراغ من الصلاة يحصل بكل من الصيغتين بملاحظة الأدلة الدالة على وجوب التسليم
وان جهة وجوبه ليس الا التحليل يكون كل منهما واجبا على سبيل التخيير لكنه لو اتى
بالسلام علينا الخ يستحب ان يؤتى بالآخر أيضا واما لو اتى بالسلام عليكم فلا دليل على
استحباب الاخر.
بقى هنا شئ ينبغي التنبيه عليه وهو ان استحباب السلام الأخير بعد قول المصلى
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين مما لا اشكال فيه انما الكلام في أنه هل هو جزء
استحبابي للسلام المحلل بمعنى ان المصلى مختار بين ان يحلل صلوته بالسلام

281
الأول أو بالثاني أو بكليهما والأخير أفضل الافراد وان التحليل انما يحصل بالأول
والثاني جزء مستحب للصلاة ولكن لا يحرم المنافيات بينه وبين ما مضى من سائر الأجزاء
لتخلل المحلل بينهما أو يكون أمرا خارجا من الصلاة مستحبا في عداد
التعقيبات ويشكل الأول بان حقيقة التحليل لو حصل بالسلام الأول فلا يمكن تأثير
الثاني في التحليل لعدم امكان التأثير في امر حاصل نظير تعاقب علتين مع كون المعلول
غير قابل للتعدد الا ان يفرض ان السلام الأول ليس محللا بذاته بل في مورد قصد
المصلى الخروج به وحده وكذلك السلام الثاني ويقال بان المصلى مختار بين ان يقصد
الخروج بالأول وحده أو بالثاني كذلك أو بكليهما وهذا خلاف مدلول الاخبار إذ مدلولها
كون أصل السلام محللا من دون التقييد بقصد الخروج ويشكل الثاني بتصريح كثير
من الأخبار الواردة في السلام الأول بأنه موجب لانقطاع الصلاة وانه انصراف منها
وهذا ينافي بقاء جزء آخر لها وان كان مستحبا ويشكل الثالث بان الالتزام بأنه مستحب
مستقل من دون ارتباطه بالصلاة بل يكون حاله حال التعقيب الوارد عقيبها في غاية
البعد بالنسبة إلى أذهان المتشرعة بل كاد ان يقطع بان السلام الأخير كما أنه لو اتى به
وحده كان مربوطا بالصلاة كذلك لو اتى به عقيب الأول غير أنه على التقدير الثاني لم يحصل
به التحليل لحصوله بالأول ويمكن ان يقال بان السلام الثاني لو اتى به بعد الأول جزء
مستحب للمركب المأمور به لا انه جزء للصلاة فإنها انقطعت وتمت بالأول فهو خارج
عن الصلاة لكنه جزء للمركب المأمور به على وجه الاستحباب فلو اتى به بعد
السلام الأول يكون هذا الفرد المشتمل على السلام الثاني عقيب الأول أفضل افراد
المأمور به.
في حكم نسيان السلام وتقوية صحة الصلاة معه
مسائل: الأولى بعد ما عرفت كون التسليم من الاجزاء الواجبة يعتبر فيه كلما
يعتبر في الصلاة من الاستقبال وستر العورة والطهارة وغيرها لعموم أدلة هذه الأمور
في الصلاة.

282
الثانية التسليم ليس ركنا فلا تبطل الصلاة بتركه سهوا لقوله عليه السلام لا تعاد الصلاة
(الخ) فلو سهى عنه وتذكر بعد اتيان شئ من المنافيات عمدا وسهوا أو بعد فوات الموالاة
تمت صلوته على الأقوى لا يقال مقتضى كون السلام تحليلا وقوع الحدث مثلا في الأثناء
فتبطل الصلاة من هذه الجهة لأنا نقول مقتضى حكومة لا تعاد تخصيص جزئية بحال
التذكر وكون الحديث مثلا في الأثناء منشائه جزئية السلام وقد ارتفعت فالحدث واقع
بعد تمامية الصلاة.
لا يقال جزئية السلام انما ترتفع بعد وقوع الحدث إذ قبل وقوعه لو تذكر
يجب عليه التسليم قطعا ولازم ذلك وقوع الحدث في الأثناء.
لأنا نقول لا معنى لاسقاط الجزئية بعد عدم امكان التدارك نعم يمكن العفو
والاغماض وتقبل الناقص مكان التام ولو فرضنا ان مقتضى قولهم (ع) لا تعاد جعل
المركب الناقص في حق الساهي كما هو الظاهر منه وفرغنا عن امكان ذلك عقلا
كما قرر في الأصول فاللازم ان الجزئية تكون ساقطة في حق من يسهو عنه ويستمر
سهوه في علم الله تعالى إلى مضى محل التدارك فوقوع الحدث بعد سهوه عن التسليم
كاشف عن عدم كونه جزء من أول الامر نعم لو قلنا بعدم امكان تخصيص الساهي بتكليف
وحملنا قولهم عليهم السلام لا تعاد على العفو عما هو عليه يمكن ان يقال ان العفو انما
ثبت هنا من حيث ترك التسليم.
واما من حيث وقوع المنافى المطلق في الأثناء فلا يدل على العفو ولعل هذا
هو منشأ الاحتياط بل الفتوى لسيد مشايخنا الميرزا الشيرازي قدس سره في حاشية
نجاة العباد مع امكان ان يقال انه لا معنى للابطال الا عدم لحوق الاجزاء الباقية إلى
الماضية وبعد ما فرضنا الاغماض عما بقى فلا معنى لابطال ما وقع بينه وبين الاجزاء
الماضية وبعبارة أخرى بطلان الاجزاء الماضية بالحدث مثلا معناه عدم قابليتها للحوق
الباقي وبعد فرض الاغماض عن الباقي لا معنى للبطلان نعم لو قلنا بان الاجزاء الماضية
تبطل من جهة ان كلا منها يشترط فيه عدم وقوع الحدث مقارنا له ولا بعده إلى أن يتم
العمل بحيث لو وقع قبل الجزء الأخير مثلا يفسد كل جزء من جهة فقدانه للقيد

283
المعتبر فيه لصح ان يقال ان الاغماض عن الجزء الأخير لا يلازم صحة الاجزاء
السابقة.
وفه انه لا دليل على ذلك بل مقتضى الدليل اعتبار قيد الطهارة عن الحدث
للمصلى والمفروض انه بعد وقوع الحدث لا نقول بكونه مصليا فعلا بل نقول باكتفاء
الشارع بما مضى من صلوته وقبوله بدلا عن الصلاة التامة.
فان قلت كما أن ترك التسليم سهوا أوجب الاغماض عنه والاكتفاء بالباقي
كذلك عدم الطهارة حال كونه مصليا أوجب بطلان الصلاة وقضية لا تعاد الصلاة الا
من خمسة وان كان عدم وجوب الإعادة من جهة ترك التسليم ولكن مقتضى الرواية
المذكورة وجوب الإعادة من جهة الخلل الواقع من عدم الطهارة التي هي من
المستثنيات ولا تنافى بينهما فان الاغماض عن جزء لا يلازم الاغماض عن خلل اخر.
قلت مقتضى الاغماض عن جزء كون ما بقى منه مصداقا للامتثال ولو تنزيلا
فاللازم مراعاة وقوع الخلل في الباقي وبعبارة أخرى لو فرضنا ان الدليل قام على
الاغماض عن التسليم فمعناه ان المركب الذي صدر منه وهو الموجود في الخارج الذي
أوله التكبيرة واخره التشهد تمام صلوته عند الشارع فلو وقع شئ من المنافيات
المطلقة بين ذلك المركب يكون باطلا والمفروض عدم وقوع الحدث في أثناء المركب
المذكور فشمول دليل السهو للسهو في التسليم وان كان لا يلازم عدم البطلان من
جهة خلل آخر ولكنه بعد ما كان مدلوله تحديد المأمور به ولو تنزيلا كان لازمه عدم
مانعية الحدث الواقع بعد عروض السهو في السلام لأنه كالحدث الواقع بعد تمامية
الصلاة واقعا هذا مضافا إلى امكان ان يقال ان مبطلية الحدث في الأثناء بنحو الاطلاق
محل منع بل المسلم فيما إذا وقع قبل تمامية ما هو أركان للصلاة ويؤيد ذلك صحيحة
زرارة الدالة على أن من أحدث بعد السجدة الأخيرة قبل التشهد يتطهر ويطلب مكانا
نظيفا للتشهد معللا بان التشهد سنة ويظهر منها حكم الحدث قبل التسليم وعلى هذا
لا يحتاج في الحكم بالصحة إلى ترك التشهد أو التسليم سهوا بل لو كان متذكرا ووقع
الحدث قهرا يحكم بصحة صلوته.

284
تنبيه بعد ما عرفت ان مقتضى الأدلة اجتماع السببين في التشهد المنسى والتسليم
المنسى للعفو عنهما فالظاهر لزوم مراعاة سببية نفس الجزء المتروك للعفو مع قطع
النظر عن طرو السهو عليه فان استناد الأثر إلى ذات الشئ مع فرض اقتضائه أولى
من الاستناد إلى السبب الطارئ لتقدم رتبة الذات ولو فرضنا ان السببين في عرض
واحد فاللازم استناد الأثر المشترك إلى مجموع السببين ولو اختص أحدهما باثر خاص
فاللازم اخذه إذا عرفت ذلك فنقول ان مقتضى ظاهر رواية زرارة المتقدمة ان كون
التشهد سنة أوجب أمرين أحدهما سقوطه عن الصلاة التي وقع الحدث بينها وبين
التشهد الأخير والاخر لزوم الاتيان به متطهرا فيظهر من هذه العلة انه كلما وقع الحدث
ولم يبق من الصلاة الا ما هو سنة وخارج عما فرض الله تعالى لا يضر بالصلاة بل يجب ان
يتطهر ويأتي به ومقتضى ذلك وجوب تحصيل الطهارة والآتيان بالتسليم في محله أو محل
آخر نظيف هذا ولكن الاحتياط في هذه المسألة المشكلة من جهة ذهاب الأكثر إلى
بطلان الصلاة كما صرح به شيخنا المرتضى قدس سره في صلوته لا ينبغي تركه بإعادة
الصلاة بعد قضاء التسليم المتروك متطهرا.
الثالثة يكفي في الصيغة الثانية السلام عليكم بحذف قوله ورحمة الله وبركاته
للأصل وعموم الاخبار فتأمل وخصوص رواية الحضرمي عن الصادق عليه السلام قال قلت له
عليه السلام انى اصلى بقوم فقال عليه السلام تسلم بواحدة ولا تلتفت قل السلام عليك أيها النبي و
رحمة الله وبركاته السلام عليكم ومثلها في حذف الزيادة روايات اخر واردة بعد الصيغة
الأولى والمشتمل على الزيادة مثل رواية أبي بصير ومثل صحيحة على بن جعفر عليه السلام
الحاكية لفعل الإمام عليه السلام لا يفيد الا الرجحان.
الرابعة لو قال سلام عليكم فاجزائه مبنى على اطلاق الأدلة على التسليم
وفيه منع واضح.
الخامسة لا اشكال ظاهرا في عدم جواز الاقتصار بقول السلام علينا من دون
الاكمال لتعليق انقطاع الصلاة في الاخبار المتكثرة على هذا القول مع انضمام وعلى
عباد الله الصالحين.

285
السادسة هل يجب ان ينوى بالتسليم انه يخرج من الصلاة أولا قولان أقواهما العدم لاطلاق
الأدلة السابقة إذ لم يذكر في دليل ان الخروج من الصلاة يشترط فيه ذكر إحدى الصيغتين
بقصد انها مخرجة منها بل ظاهر قولهم (ع) ان قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد
انصرفت أو فإذا قلت ذلك مشيرا إلى الصيغة المذكورة فقد انقطعت الصلاة ان الخروج انما هو
من احكام السلام واستدل على وجوب قصد الخروج بوجوه ضعيفة منها ما حكى
عن الذكرى من أن السلام مناقض للصلاة ولهذا لو وقع في الأثناء يكون مبطلا
لها حيث إنه خطاب آدمي ولو لم يقترن به ما يصرفه إلى التحليل كان مناقضا للصلاة
مبطلا لها وفيه ان نقضه للصلاة موقوف على وقوعه في الأثناء وأما إذا وقع في محله
فقد صرفه الشارع إلى التحليل من دون احتياج إلى قصد المصلى ومنها الوجه
المحكى عن غاية المراد من أن التسليم عمل يخرج من الصلاة فيجب له النية لعموم
انما الأعمال بالنيات وفيه انه لا نقول ولا يقول أحد بان التسليم يخرج مع عدم النية
أصلا كيف وهو من اجزاء الصلاة يعتبر فيه كل ما يعتبر فيها ومنه وقوعه عن إرادة
وقصد التقرب بل نقول انه متى تحقق مع الشرائط المعتبرة في باقي اجزاء الصلاة
يكون مخرجا ولو لم يقصد به الخروج.
ثم انه لو اتى بالصيغتين وقصد الخروج بالثانية فعلى المختار خرج بالأولى
وصحت الصلاة واما قصده الخروج بالثانية فان رجع إلى قصد السلام الذي امر به
الشارع بعد السلام الأول استحبابا غاية الامر اعتقد انه مخرج من الصلاة جهلا
أو تشريعا فقد امتثل امر السلام مع لغوية هذا القصد المقرون بالعمل على فرض
الجهل وكونه معاقبا على فرض التشريع هذا على تقرير القول بان التشريع يوجب
العقوبة على العمل القلبي واما لو قلنا بأنه يوجب العقوبة على العمل الخارجي
المقرون بهذا القصد فلا يتصف العمل بالاستحباب الا في صورة الجهل واما ان رجع
قصده إلى اتيان السلام الذي جعله مخرجا بعد الصيغة الأولى فهو ليس امتثالا لأمر
السلام بوجه لعدم وجود مثل السلام المزبور شرعا فما قصده لم يكن له واقع سواء
كان منشأ هذا القصد الجهل أم التشريع وعلى أي حال صحت صلوته على المختار

286
لأنه خرج بالأولى عنها واما بناء على لزوم قصد الخروج فان بنينا على تعين الثانية
للخروج وزيادة الأولى فالصلاة باطلة من جهة زيادة الأولى عمدا وان بنينا على تعين
الأولى وزيادة الثانية فالصلاة أيضا باطلة من جهة زيادتهما اما الثانية فواضح واما
الأولى فلعدم الاتيان بها مع القيد المعتبر فيه فما وقع يكون زائدا في الصلاة وان
بنينا على تعين الثانية وقلنا بمشروعية الأولى أيضا غاية الامر انها غير مخرجة صحت
الصلاة بلا اشكال أصلا وان بنينا على تعين الأولى فالصلاة باطلة من جهة الزيادة
فان ما عين للخروج لم يقصد به ذلك فوقع زائدا وان قلنا بالتخيير بمعنى انه مخير
في قصد الخروج بأي منهما فان قلنا بعدم مشروعية الأخرى فالصلاة باطلة للزيادة
وان قلنا بالمشروعية ولكن المخرج ما قصد به ذلك صحت ولو اتى بهما وقصد
الخروج بالأولى فعلى المختار صحت صلوته بلا اشكال لان قصد الخروج بما يكون
مخرجا ليس بمضر قطعا وكذا على لزوم قصد الخروج ان بنى على تعين الأولى
وكذا لو بنى على التخيير واما لو بنى على تعين الثانية فالصلاة باطلة ووجهه ظاهر
ثم اعلم أنه لو أراد أحد الاحتياط بحيث يأتي بما هو جامع لملاحظة تمام
الأقوال في المسألة لا يمكن فغاية الاحتياط الممكن ان يأتي بالصيغتين ويقصد
الخروج بما عينه الشارع له على تقدير التعين وعلى التقدير الاخر يعين في نفسه
إحديهما وما ذكره شيخنا المرتضى قدس سره في صلوته من أنه لو جمع بين الصيغتين
من دون قصد الخروج بالأولى كان أحوط الاحتمالات لا يخفى ما فيه لأنه تبطل الصلاة
على هذا مذهب من يوجب قصد الخروج فليس لهذا العمل مراعاة لهذا القول
أصلا بخلاف ما ذكرنا فإنه مراعاة له على تقادير متعددة.
نعم لو كان مبنى موجب القصد هو تعين الثانية مع عدم مشروعية الأولى تبطل
الصلاة كما لا يخفى وأحوط من ذلك الاتيان بالسلام على النبي صلى الله عليه وآله لوجود القول
به ويشهد لهذا القول بعض الروايات الامر به لكن يرد هذا القول التصريح في
رواية أبى كهمش بعدم حصول الانصراف بقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله

287
وبركاته بضميمة ما دل على حصر علة وجوب التسليم في التحليل فتأمل مضافا إلى
صحيحة ابن مسلم إذا استويت جالسا فقل اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له و
اشهد ان محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف بناء على أن المراد بالانصراف هو الاتيان
بالسلام الموجب للانصراف فيدل على أنه بعد ذكر الشهادتين لا يجب عليه سوى
السلام المحلل وليس السلام على النبي صلى الله عليه وآله محللا بمقتضى الرواية
السابقة.
السابعة الظاهر عدم المانع من قصد المصلى من السلام التحية على من ذكر
في الروايات كأن يقصد الامام الملكين والمأمومين والملائكة عليهم السلام و
يقصد المأموم مع من ذكر الرد على الامام ويقصد من على يمينه وبالثاني الرد على
من على شماله ان كان أحد على شماله ويظهر من بعض الاشكال في السلام بقصد
التحية بل صريح نجاة العباد المنع من ذلك فان كان المنع من جهة ان المكلف
به هو ايجاد اللفظ وامتثال مثل هذا التكليف بان يقصد اتيان اللفظ مستقلا ولا
يمكن قصد المعني بعد الالتفات والقصد إلى اللفظ مستقلا فهو واضح الدفع بعد أدنى
تأمل وان كان من جهة ان السلام بقصد التحية كلام آدمي مبطل للصلاة فهو أيضا
مدفوع بأنه وان كان كذلك الا انه انما يضر لو اتى به في الأثناء ولا ينافي كونه جزء
آخر الصلاة كما صرح به بعض الاخبار.
الثامنة قد حكموا باستحباب الايماء للمنفرد بالتسليم الأخير وكذا الامام إلى
يمينه بمؤخر عينه أو بأنفه واما المأموم فان لم يكن على يساره أحد فكذلك وان كان
على يساره بعض المأمومين فيأتي بتسليمة أخرى موميا إلى يساره وليس في الاخبار
ذكر لهذا النحو من الايماء بل ظاهر الروايات كرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك وكذا صحيحة عبد الحميد ان
كنت تؤم قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك وكذا ما ورد في المأموم الذي على
يساره أحد والذي لا يكون على يساره أحد ان الالتفات بالوجه إلى اليمين بالنسبة
إلى الامام والمنفرد والمأموم الذي ليس على يساره أحد والى الجانبين بالنسبة
إلى المأموم الذي يكون في يساره أحد راجح ومقتضى الجمع بين هذه الأخبار ودليل

288
اعتبار الاستقبال في تمام الصلاة تقييد هذه الأدلة بالالتفات اليسير الغير الخارج
عن الاستقبال ولو فرض عدم صدق الاستقبال عرفا حتى مع الالتفات اليسير فتخصيص
دليل الاستقبال بالنسبة إلى هذا الجزء المستحب الواقع في آخر الصلاة بعد الفراغ
عن تمام واجباتها أول من الحمل على الايماء بمؤخر العين أو بالأنف كما لا يخفى والله
العالم.
التاسعة لو أحرز الوقت بالطريق المعتبر وشرع في الصلاة ثم دخل عليه الوقت
وهو في الصلاة صحت صلوته وان كان قبل السلام أو في أثنائه اما لو اتى بالسلام الأول
ودخل عليه الوقت قبل السلام الثاني أو في أثنائه ففيه اشكال من أنه خارج عن مهية
الصلاة ومن انه غير خارج عن الفرد الخاص أعني المشتمل على الجزء الأخير المستحب
وكذا الاشكال فيما لو شك في شئ من الصلاة بعد السلام الأول هل يعامل مع هذا الشك
معاملة الشك بعد الفراغ عن العمل أو قبله لكن الظاهر في هذا المثال عدم الاعتناء
بالشك لأن الشك في المثال اما راجع إلى اتيان جزء من اجزاء العمل وعدمه واما
راجع إلى قيد وجودي أو عدمي معتبر في العمل فان كان من الأول فيكفي قاعدة
الشك بعد تجاوز المحل لان كل جزء وجوبي فرض للصلاة فمحله انما يكون قبل
اتيان السلام الأول وان كان من قبيل الثاني فنقول بان الركعات الأربع شئ فرغنا
عنه فيشمله عموم قوله عليه السلام انما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه هذا إذا قلنا بان
قاعدة الشك بعد الفراغ قاعدة أخرى مستفادة من الاخبار العامة سوى قاعدة الشك
بعد المحل واما لو قلنا باستفادة قاعدة واحدة وهي قاعدة الشك بعد المحل فنقول
أيضا بان القيود المشكوك فيها شئ قد مضى محله بعد السلام الأول قطعا فالشك
فيها لا يعتنى به بمقتضى القاعدة وان أبيت عن شمول لفظ الشئ لمثل القيود لا سيما
العدمية وادعيت انصرافه إلى الاجزاء الخارجية فنقول وان كان كك في حد نفسه
لكن التعليل الوارد في بعض الاخبار بأنه حين العمل أذكر يوجب عدم اختصاص
المورد بالاجزاء الخارجية كما لا يخفى.

289
فصل في قواطع الصلاة
أحدها كل ما يبطل الطهارة سواء دخل تحت الاختيار أم خرج وسواء وقع عمدا
أم سهوا كالبول والغايط وغيرهما من موجبات الوضوء والجنابة والحيض من موجبات
الغسل وقيل لو أحدث ما يوجب الوضوء سهوا تطهر وبنى قال المحقق في الشرائع
وليس بمعتمد.
أقول ينبغي ذكر الأخبار الواردة في المسألة التي يتمسك بها للقولين ومما
استدل به على القول الأول رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس يرخص
في النوم في شئ من الصلاة ومنه رواية أبى بكر الحضرمي عن أبي جعفر وأبى عبد الله
عليهما السلام انهما كانا يقولان لا يقطع الصلاة الا أربعة الخلاء والبول والريح والصوت ومنه
رواية زيد الشحام قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام قول الله عز وجل ولا تقربوا الصلاة وأنتم
سكارى، فقال عليه السلام سكر النوم ومنه الخبر المعروف لا تعاد الصلاة الا من خمسة الطهور
الخ ومنه رواية حسين بن حماد عن أبي عبد الله (ع) قال إذا حس الرجل ان بثوبه بللا
وهو يصلى فليأخذ ذكره بطرف ثوبه فليمسحه بفخذه فان كان بللا يعرف فليتوضأ
وليعد الصلاة وان لم يكن بللا فذلك من الشيطان ومنه رواية حسن بن الجهم التي
سبقت في باب التشهد وقد سئل أبا الحسن عليه السلام عن رجل أحدث حين جلس للركعة
الرابعة فأجاب عليه السلام ان كان قال اشهد ان لا إله إلا الله واشهد ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فلا يعد وان كان لم يتشهد قبل ان يحدث فليعد ومنه رواية على بن جعفر عليه السلام عن أخيه
عليه السلام قال سئلته عن الرجل يكون في الصلاة فيعلم ان ريحا قد خرجت فلا يجد ريحها
ولا يسمع صوتها قال (ع) يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتد بشئ مما صلى إذا علم ذلك
يقينا وقال على بن جعفر عليه السلام أيضا وسئلته عن رجل وجد ريحا في بطنه فوضع يده على
أنفه وخرج من المسجد حتى اخرج الريح من بطنه ثم عاد إلى المسجد فصلى فلم يتوضأ
هل يجزيه ذلك قال (ع) لا يجزيه حتى يتوضأ ولا يعتد بشئ مما صلى وبإزاء هذه الأخبار
اخبار اخر دالة على عدم بطلان الصلاة بالحدث الواقع في الأثناء في الجملة

290
منها صحيحة فضيل بن يسار قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني
أو اذى أو ضربانا قال عليه السلام انصرف ثم توضأ وابن علي ما مضى من صلاتك ما لم تنقض
الصلاة بالكلام متعمدا وان تكلمت ناسيا فلا شئ عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة
ناسيا قلت وان قلب وجهه عن القبلة قال نعم وان قلب وجهه عن القبلة ومنها صحيحة
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة و
قبل ان يتشهد قال ينصرف ويتوضأ فان شاء رجع إلى المسجد وان شاء ففي بيته وان
شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلم وان كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلوته و
منها رواية أبى سعيد القماط قال سمعت رجلا يسئل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وجد في
بطنه اذى أو عصرا من البول وهو في صلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو
الثالثة أو الرابعة قال فقال عليه السلام إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بان يخرج لحاجته تلك
فيتوضؤ ثم ينصرف إلى مصلاه الذي كان يصلى فيه فيبنى على صلوته من الموضع الذي
خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة لكلام قال قلت وان التفت يمينا وشمالا أو ولى
عن القبلة قال (ع) نعم كل ذلك واسع وانما هو بمنزلة رجل سهى فانصرف في ركعة
أو ركعتين أو ثلاثة من المكتوبة فإنما عليه ان يبنى على صلوته ومنها صحيحة
زرارة عن أحدهما (ع) قال قلت له رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة ثم
أحدث فأصاب الماء قال عليه السلام يخرج ويتوضأ ثم يبنى على ما مضى من صلوته التي صلى
بالتيمم ومنها صحيحة زرارة بهذا المضمون أيضا وعن الفقيه باسناده عن زرارة ومحمد
بن مسلم قالا قلنا لأبي جعفر عليهما السلام في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلى
ركعتين ثم أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثم يصلى قال عليه السلام لا
ولكن يمضى في صلوته ولا ينقضها لمكان انه دخلها على طهور بتيمم قال زرارة فقلت
له دخلها وهو متيمم فصلى ركعة واحدة واحدث فأصاب ماء قال عليه السلام يخرج ويتوضأ ويبنى
على ما مضى من صلوته التي صلى بالتيمم وأفتى بمضمون الأخبار الواردة في التيمم
المفيد قدس سره في المقنعة والشيخ في النهاية والمبسوط ففصلا بين التيمم وغيره
أقول: لو بنينا على ملاحظة الروايات المذكورة فالأنسب حمل الأولى منها على

291
صورة العمد والاختيار والثانية على صورة السهو والاضطرار لكن اعراض المشهور
عن الطائفة الثانية مع صحة أسانيدها خصوصا مع اشتمالها على جواز الانصراف عن
القبلة ولو بالاستدبار بل جواز الفعل الكثير يوجب سكون النفس بورودها مورد
التقية والحق ان يقال ان الأخبار الأخيرة لا تصح ان تكون مستندة لما نسب إلى خلاف
المشهور من أنه لو أحدث ما يوجب الوضوء سهوا تطهر وبنى.
توضيح ذلك أن منها ما اشتمل على ما لم يقل به أحد من الأصحاب وهو ما يدل
على أن من وجد في بطنه اذى أو غمزا وهو في صلوته ينصرف ويخرج لحاجته ثم
يتوضأ وينصرف إلى مصلاه ويبنى على صلوته من الموضع الذي خرج منه فان مقتضى
ذلك جواز قضاء الحاجة بين الصلاة اختيارا وعدم مبطلية الحدث العمدي ولا يقول به
القائل المذكور مضافا إلى استلزام الفصل الطويل والفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة
والانحراف عن القبلة كما يصرح به هذه الطائفة من الاخبار حيث إنه بعد سؤال السائل
فان قلب وجهه عن القبلة يجاب نعم وان قلب وجهه عن القبلة والتفصيل بين الانحراف عن
القبلة والكلام حيث اشتمل بعض تلك الروايات على عدم البأس بالأول دون الثاني فهذه
الطائفة من الروايات يجب طرحها لمخالفتها الاجماع القطعي وان لم يكن معارض فرضا
ومنها ما يدل على تحديد الصلاة بما وقع قبل الحدث وهو ما يدل على صحة الصلاة لو أحدث
بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة وحاصل مضمونه تحقق الامتثال بالصلاة الخالية
عن التشهد الأخير بعد تحقق أركانها لو وقع الحدث عن غير اختيار المصلى كما هو
الظاهر من مورد الرواية ويؤبد ذلك التعليل في بعض الروايات بان التشهد سنة كما
أوضحنا ذلك في البحث عن التشهد ومنها ما ورد في المتيمم الذي يصيب الماء في
أثناء صلوته بعد أن صار محدثا وهذا وان كان موافقا للطائفة المقابلة للمشهور حيث إنه
يدل على وجوب الوضوء والبناء على ما مضى من صلوته الا انه يمكن تخصيصه بخصوص
المتيمم والتفريق بينه وبين المتوضي كما ذهب إليه المفيد ره في المقنعة واختاره
الشيخ ره في النهاية والمبسوط وابن أبي عقيل وقواه في المعتبر كما حكي عن المدارك
إذ كما يمكن ان تصح صلاة المتيمم الذي أصاب الماء في أثناء الصلاة كما هو مقتضى

292
صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم التي سبق ذكرها مع أنه محدث واجد للماء فعلا كذلك يمكن
ان يكون تجدد حدث آخر بين صلوته غير موجب لبطلان ما وقع منه قبل الحدث بل
يكون رافعا لكون مبيحا بالنسبة إلى البقية ومن هنا يمكن القول بان المتيمم لو أحدث
بين الصلاة ولم يجد الماء يتيمم لبقية الصلاة.
في حكم المشهور بقاطعية التكفير
منها التكفير بمعنى وضع إحدى اليدين على الأخرى على المشهور بين
الأصحاب واستدل على ذلك بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال قلت له
الرجل يضع يه في الصلاة اليمنى على اليسرى قال عليه السلام ذلك التكفير فلا تفعل ورواية
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال وعليك بالاقبال على صلاتك إلى أن قال عليه السلام ولا تكفر
فإنما يصنع ذلك المجوس ومرسلة حريز عن أبي جعفر عليه السلام أيضا بهذا المضمون والمروى
عن قرب الاسناد عن علي بن جعفر عليه السلام قال قال أخي عليه السلام قال على بن الحسين عليهما السلام
وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل وليس في الصلاة عمل.
أقول النواهي المتعلقة بشئ في حال الصلاة وان كانت ظاهره في الوضع وانه
يوجب البطلان كالنهي عن الصلاة في النجس وفيما لا يؤكل لحمه وأمثال ذلك الا ان
التعليل في بعض هذه الروايات يقتضى كون هذا العمل محرما أو مكروها نفسا نعم
المنقول عن علي بن الحسين عليه السلام من أن وضع الرجل إحدى يديه الخ يمكن ان يستفاد
منه المانعية وتقريبه انه بعد العلم بان كل ما يطلق عليه العمل ليس ممنوعا في الصلاة
فاللازم حمل العمل الذي في الصغرى على العمل المقصود به انه من الصلاة أو من آدابها
كما يزعمه العامة فالصغرى ان التكفير عمل خارج عن الصلاة يؤتى به بعنوان انه
من آدابها ويكون الكبرى ان كل عمل يكون كذلك فهو منفى في الصلاة والمقصود
من النفي هنا المنع الوضعي بمعنى كونه مبطلا من وجهين.
أحدهما ظهور النواهي المتعلقة بشئ في الصلاة في كونه مبطلا كما أسلفنا
ولا منافي لظهور هذه القضية لان النهى فيها علل بكونه عملا في الصلاة ولا يعارض هذا

293
التعليل التعليل في بعض الاخبار الاخر من أنه صنع المجوس لامكان تعدد جهة المنع
بعضها يوجب المنع نفسا والاخر يوجبه وضعا.
الوجه الثاني ان المنع النفسي لمثل هذا العمل الغير المشروع بقصد المشروعية
لا اختصاص له بحال الصلاة فجعل متعلق النهى العمل في خصوص حال الصلاة بقوله
عليه السلام وليس في الصلاة عمل يقتضى كون المنع وضعيا وعلى ما ذكرنا فما يهمنا التكلم
في مفهوم التكفير وانه هل هو مطلق وضع إحدى اليدين على الأخرى أو بكيفية خاصة
فان معيار المبطل في الرواية المذكورة اتيان عمل غير مشروع في الصلاة بعنوان
انه منها هذا ولكن الانصاف ان المعنى المذكور خلاف الظاهر ويمكن ان يقال ان
التكفير اجتمع فيه جهتان للمنع إحديهما جهة المنع النفسي التحريمي والثانية جهة
الكراهة وهي ان التكفير عمل خارجي ولا ينبغي ان يعمل في الصلاة عملا غير أفعالها
كما أنه يؤيد ذلك ما ثبت من كراهة العبث في الصلاة ويدل على التحريم النفسي
مضافا إلى ظهور التعليل في بعض الاخبار من كونه تشبها بالمجوس رواية على بن جعفر
عليه السلام عن أخيه عليه السلام قال سئلته عن الرجل يكون في صلوته يضع إحدى يديه على
الأخرى بكفه أو ذراعه قال (ع) لا يصلح ذلك فان فعل فلا يعودن له حيث إنها تدل على
عدم بطلان الصلاة مع النهى عن العود لكن ما ذكرنا لم يذهب إليه أحد من الأصحاب
فإنهم بين من يقول بالحرمة ومن يقول بالكراهة ومن قال بالحرمة منهم من مال إلى
الحرمة الغيرية وجعله من مبطلات الصلاة وهم الأكثرون وبعضهم مال إلى الحرمة
النفسية واما القول بالحرمة النفسية من حيث إنه تكفير وتشبه بالمجوس والكراهة من
حيث إنه عمل خارجي في الصلاة فلم نطلع على قائله وكيف كان فلا ينبغي ترك الاحتياط.
في قاطعية الانحراف عن القبلة
ومنها الالتفات وهو على قسمين أحدهما ان لا يخرج عما بين المشرق والمغرب
والثاني ان يتجاوز عنه اما الالتفات على النحو الأول فلا اشكال في أنه ليس من
القواطع بنحو الاطلاق لما دل على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة المحمول على

294
حال عدم الاختيار واما الالتفات على النحو الثاني فقد اختلف فيه والمحكي عن
البيان نسبة عدم بطلان الصلاة بالاستدبار سهوا إلى ظاهر أكثر الأصحاب والمحكي
عن الدروس نسبة عدم بطلان الصلاة بالاستدبار سهوا إلى الشهرة والمحكي عن
ظاهر كثير من القدماء والمتأخرين التعميم وهذا هو الأقوى والدليل عليه ان جملة
من الاخبار تدل على قاطعية الالتفات عن القبلة المقيد في جملة منها بكونه فاحشا
أو كونه بكله ويستفاد منها أمور.
أحدها ان الانحراف عن القبلة من قواطع الصلاة فاحتمال اشتراط القبلة
في خصوص أفعال الصلاة دون الأكوان الخارجة عنها يدفعه ظهور تلك الأخبار بل
صراحتها.
الثاني ان الانحراف سواء كان بحيث لا يخرج عما بين المشرق والمغرب أم لا
يقطع الصلاة.
الثالث ان الانحراف سواء حصل عمدا أم لا يقطع الصلاة وإذا ضممنا هذه
الطائفة من الاخبار إلى ما دل على أن الانحراف عن القبلة خطأ ان لم يخرج عما بين
المشرق والمغرب لا يضر بالصلاة معللا في بعضها بان ما بين المشرق والمغرب قبلة
بل يصرف وجهه إلى القبلة الواقعية لو التفت بين الصلاة فاللازم تقييد قاطعية الانحراف
الواردة في تلك الأخبار إذا لم يخرج عما بين المشرق والمغرب بحال العمد ويبقى
اطلاقها بالنسبة إلى القاطعية إذا خرج عما بين المشرق والمغرب بحاله مضافا إلى
دلالة الاخبار المفصلة بين الانحراف إلى ما بين المشرق والمغرب وبين ما هو خارج
عنه على بطلان صلاة من خرج عما بين المشرق والمغرب مفهوما وصراحة ويمكن
الاستدلال أيضا على المدعى بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام انه قال لا صلاة الا إلى
القبلة قلت له أين حد القبلة قال عليه السلام ما بين المشرق والمغرب قبلة كله وبهذا
المضمون صحيحة معوية بن عمار بيان ذلك أن الصحيحة تدل على عدم جواز
خلو الصلاة عن القبلة التي هي عبارة عما بين المشرق والمغرب مطلقا وإذا ضممناها
إلى الأخبار الدالة على قاطعية الانحراف واستفدنا منها ان شرطية القبلة ليست

295
مختصة بحال الاشتغال بأفعال الصلاة ينتج ان انحراف الساهي عن قبلة المختار
إلى جزء آخر مما بين المشرق والمغرب انصراف من القبلة إلى القبلة وإذا تجاوز
عن ذلك فلا صلاة له وان كان عن سهو.
فان قلت إن مقتضى أدلة اعتبار القبلة في الصلاة وأدلة قاطعية الانحراف شرطية
القبلة وقاطعية الانحراف وعرفنا من الاخبار هنا عدم جواز خلو أفعال الصلاة عن
القبلة التي هي ما بين المشرق والمغرب مطلقا ولا ينافي ذلك تقييد قاطعية الانحراف
بكونه عمدا بمعنى انه لو وقع سهوا أو من غير اختيار ورجع إلى القبلة من دون فصل واشتغل
ببقية أفعال الصلاة صحت تلك الصلاة لوقوع تمام أفعالها إلى القبلة والدليل على اختصاص
قاطعيته بحال العمدان ان الخلل الواقع في الصلاة من جهة الانحراف عن القبلة غير الخلل
الواقع فيها من جهة نفس القبلة فيكون داخلا فيما عدا الخمسة المستثناة من رواية
لا تعاد.
قلت أولا لا يكاد يفهم من الأخبار الدالة على قاطعية الانحراف الا ان جهة
قاطعيته كيفية اعتبار القبلة ولو لم تكن معتبرة في أكوان الصلاة لما كان الانحراف
عنها قاطعا للصلاة ويشهد لذلك أيضا التعليل في بعض الأخبار الدالة على صحة صلاة
من لم يخرج عما بين المشرق والمغرب بان ما بين المشرق والمغرب قبلة الظاهر في أن
ما هو شرط للصلاة موجود فيما صلى بين المشرق والمغرب بخلاف ما إذا صلى خارجا عنه
فإنه ما صلي إلى القبلة والمقصود من الاستشهاد بتلك الأخبار مع أنها واردة في بيان الفرق
بين من اتى بأفعال الصلاة بين المشرق والمغرب وبين من اتى بها خارجا عنه ان المستفاد
منها ان وجه التفصيل بين الانحرافين انه على الأول لم يفت عنه ما هو شرط لصلوته
واما على الثاني فصلوته خالية عن القبلة ونظير هذا المعني يستفاد من اخبار قاطعية
الانحراف أعني يستفاد منها ان وجه القاطعية خلو الصلاة عما هو شرط لها ويترتب على
ذلك كون القبلة في تمام حالات الصلاة لما مر.
وثانيا مع قطع النظر عن هذا الظهور العرفي لا معنى لقاطعية الانحراف عن
القبلة عقلا سوى اعتبار القبلة في الصلاة عن نحو يقطع الصلاة انحراف المصلى

296
عنها فانا لو فرضنا ان المركب المأمور به قد اتى به بجميع ما له دخل فيه من الاجزاء
والشرايط فلا يعقل كون شئ اخر أجنبي عنه مبطلا له من دون ان يرجع إلى تقيد
ذلك المركب بعدمه ما دام مشتغلا به وغير فارغ عنه فلابد ان يرجع قاطعية الانحراف
إلى أن الصلاة مقيدة بعدم الانحراف عن القبلة ولا معنى لهذا التقييد الا اعتبار كون
المصلى إلى آخر صلوته متوجها إلى القبلة وانحراف الساهي إذا لم يخرج عما بين المشرق
والمغرب انحراف من القبلة إلى القبلة بمقتضي الأخبار المتقدمة وما إذا خرج عنه
وان كان عن سهو فصلوته خالية عن هذا الشرط الذي لم يغتفر نقصانه وظني ان هذا واضح
والعجب عن مثل شيخنا المرتضى قدس سره حيث عنون مسألة الالتفات وانه هل يختص
بصورة العمد أو يعم غيره واقتصر على قوله وجهان من عموم الاخبار ومن المقبولة
المشهورة رفع عن أمتي ثم قال قدس سره والتعميم أقوى لظهور المقبولة في رفع
المؤاخذة انتهى كلامه قدس سره.
في قاطعية الكلام العمدي
منها الكلام بما ليس بدعاء وذكر وقرآن إذا وقع عمدا ويدل عليه الأخبار المستفيضة
الدال بعضها على قاطعية التكلم على نحو الاطلاق وبعضها مقيدة بصورة
العمد مع التصريح بعدم الباس إذا وقع نسيانا ولا اشكال في الحكم بحسب الكبرى واما
تشخيص الصغرى فقد حكى عن بعض عدم الخلاف بين العلماء وكذا بين اللغويين في صدق
الكلام على ما تركب من حرفين وظاهرهم عدم الفرق بين المهمل والمستعمل ويظهر من
مجمع البحرين اشتراط كونه موضوعا لمعنى حيث قال الكلام في أصل اللغة عبارة
عن أصوات متتابعة لمعنى مفهوم وفى عرفت النحاة اسم لما تركب من مسند ومسند إليه
انتهى ويظهر من بعض العلماء التأمل في صدق الكلام على ما تركب من حرفين إذا
كان مهملا.
والذي يظهر لي المعتبر في صدق الكلام ان يؤتى به على نحو الحكاية عن
معنى سواء كان موضوعا له أم لا وعلى الثاني سواء كان بين المعنى المحكى وبين
المعنى الحقيقي للفظ علاقة أم لا وعلى الثاني سواء كان من الاستعمالات الصحيحة عند

297
العرف مثل التكلم بالألفاظ المهملة بقصد الحكاية عن نوعها كلفظ ديز في قولك ديز
مهمل أم كان الاستعمال غلطا.
واما لو تلفظ من دون الاستعمال في معنى بل كان غرضه نفس ايجاد الحرف
لتعلم مخرجه أو لغرض اخر فلا يصدق التكلم سواء في ذلك أن يكون الملفوظ
حرفا واحدا أم مركبا من حرفين فصاعدا نعم قد يكون التلفظ بنحو ما ذكرنا
ما حيا لصورة الصلاة فيبطل من تلك الجهة لا من جهة صدق التكلم.
والحاصل ان المعيار في صدق التكلم اتيان لفظ حاكيا عن معنى سواء كان
الحرف واحدا كقولك " ق " مقصودا به معنى الامر الحاضر من الوقاية أو كقولك (و)
مقصودا به العطف أم كان أزيد من حرف واحد ولو لم يأت باللفظ على نحو الاستعمال و
الحكاية لم يصدق التكلم وان كان اللفظ موضوعا كما لو تلفظ بلفظ (ق) لا بعنوان الحكاية
عن المعنى بل لغرض تعلم مخرج القاف على النحو الصحيح والتمسك بمرسلة الصدوق
وكذا خبر طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عليهما السلام ان عليا عليه السلام قال من أن في صلوته فقد
تكلم في اثبات ان المركب من حرفين كلام وان كان مهملا ضعيف فان أنين المريض
في بعض الأحيان ليس مشتملا على حرف فضلا عن أن يتركب من حرفين وحمل
الرواية على خصوص ما إذا تلفظ بحرفين ليس بأولى من حملها على بيان المصداق
التعبدي بملاحظة اشتراكه مع التكلم الدال على الاخبار بمرضه هذا.
في عدم قاطعية القرآن والذكر
تنبيه لا اشكال في عدم قاطعية ما كان داخلا في الأذكار والأدعية وقراءة القرآن وان
كان لغرض يترتب عليه اما برفع صوته كايقاظ الغير أو لكونه مدلولا التزاميا له
أو جزئيا من الحكم الكلى المستفاد من الآية أو الدعاء أو الذكر أو لكونه مناسبا
للآية التي يقرأها فينتقل الذهن إليه من باب الإشارة وغير ذلك مما لا يستلزم استعمال
اللفظ في المعنى الذي تعلق غرضه به واما لو استعمل اللفظ في المعنى الذي تعلق غرضه
بافهامه كما إذا وجه الخطاب إلى شخص مسمى بيوسف وقال يوسف اعرض عن هذا أو إلى

298
شخص مسمى بيحيى وقال يا يحيى خذ الكتاب بقوة وأمثال ذلك فالظاهر أنه لا يصدق عليه
القراءة بل اتى بألفاظ مماثلة لألفاظ القرآن لإفادة مقصوده إذا عرفت ذلك فقد يتخيل هنا
اشكال على القائلين بجواز رد السلام في الصلاة بقوله سلام عليكم بقصد القرآنية
قاصدا به رد تحية المسلم تبعا.
وبيان الاشكال ان قراءة القرآن لا تصدق الا إذا صدر الألفاظ من القارئ
بعنوان الحكاية عن الألفاظ المنزلة كما أن الألفاظ المستعملة في معانيها نحكي
عنها بحيث تكون فانية في المعاني ورد التحية يتوقف على أن يوجه سلامه إلى
المسلم مخاطبا إياه والمفروض ان قوله سلام عليكم بقصد الألفاظ المنزلة لم يكن
خطابا للشخص المسلم حتى يكون رد تحيته وليس هذا من جهة الاشكال في عدم
امكان الجمع بين قصد اللفظ وقصد المعنى فان هذا الاشكال مندفع بامكان ذلك
طولا بان يقصد اللفظ ويقصد من اللفظ المقصود معناه بل الاشكال في المقام من جهة
ان اللفظ المقصود ليس معناه السلام على هذا الشخص المسلم حتى يقصد تبعا ويصير
ردا لتحيته وبالآخرة القول بجواز رد السلام بقوله سلام عليكم بقصد قراءة القرآن
يتوقف على جواز استعمال اللفظ في معنيين أحدهما المجازى وهو اللفظ المنزل و
الثاني المعنى الحقيقي وهو على تقدير جوازه غير مقصود للقائل بجواز رد السلام
كذلك فإنه يصرح بتبعية قصد الرد وعلى فرض استعمال اللفظ في المعنيين يكون
كلاهما في عرض واحد.
ودفع الاشكال بان المتكلم بسلام عليكم انما يقصد بلفظه حكاية الكلام
المنزل مع قصده من الكلام المحكى الخطاب إلى المسلم لا انه يسلم على المخاطب
باللفظ الصادر منه ونظير ذلك كتابة السلام عليكم لشخص تريد ان ترسل المكتوب
إليه فان المكتوب انما قصد به الحكاية عن السلام الملفوظ وتقصد من السلام
الملفوظ المحكى الخطاب إلى المخاطب الخاص ومن هنا تعرف انه يمكن ان تقرأ
قوله تعالى يا إبراهيم اعرض عن هذا مثلا وتقصد بالتبع الخطاب إلى شخص مسمى
بإبراهيم بمعنى ان تقرأ هذه الألفاظ بقصد الحكاية عن الألفاظ المنزلة وتقصد من تلك

299
الألفاظ المنزلة المحكية الخطاب إلى الشخص الخاص ولا يرجع ذلك إلى تفسير
الألفاظ المنزلة بما ليس بمراد قطعا كما لا يخفى على المتنبه فافهم فإنه لا يخلو
عن دقة.
ثم إن العبرة في قاطعية الكلام انما يكون بحصوله عمدا وأما إذا صدر سهوا
فليس بقاطع كما يشهد به جملة من الاخبار منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج
سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول أقيموا صفوفكم قال
يتم صلوته ثم يسجد سجدتين فقلت سجدتا السهو قبل التسليم أو بعده قال عليه السلام بعد
ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ومنها صحيحة فضيل بن يسار الا ان الأخيرتين
لم تتعرضا لسجدتي السهو وفى حكمه لو تكلم بظن الفراغ من صلوته على الأظهر كما
دلت عليه جملة من الاخبار ولو تكلم مكرها فعدم البطلان مبنى على كونه مشمولا
لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم وما استكرهوا عليه وليس ببعيد بناء على أن المراد رفع جميع
الآثار دون خصوص المؤاخذة ولكن في بعض الاخبار الحكم ببطلان الصلاة إذا
صدر الكلام عمدا وعدم البطلان إذا صدر ناسيا ويظهر من ذلك ظهورا قويا ان
الكلام الصادر عن اكراه ليس قسما ثالثا حتى يلحق بكلام الناسي بواسطة
حديث الرفع.
ومنها القهقهة عمدا ويدل عليه مضافا إلى دعوى الاجماع عليه من غير واحد صحيحة زرارة
أو حسنته عن أبي عبد الله عليه السلام قال القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة وموثقة سماعة
قال سئلته عن الضحك هل يقطع الصلاة قال عليه السلام اما التبسم فلا يقطع الصلاة واما القهقهة
فهي تقطع الصلاة ومضمرة ابن أبي عمير عن رهط سمعوه يقول إن التبسم في الصلاة لا
ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء انما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة. ومرسلة الصدوق
قال قال الصادق عليه السلام لا يقطع التبسم الصلاة ويقطعها القهقهة ولا تنقض الوضوء وخبر
أبي بصير ومحمد بن مسلم المروى عن الخصال عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال
قال أمير المؤمنين عليه السلام لا يقطع الصلاة التبسم وتقطعها القهقهة.

300
في قاطعية ما عدا التبسم من الضحك
لا اشكال بمقتضى الأخبار المتقدمة ان ما يسمى بالقهقهة مبطل للصلاة وما
يسمى بالتبسم غير مبطل لها انما الاشكال في أنه بناء على تفسير القهقهة بالترجيع في
الضحك وشدته أو الاغراق والمبالغة فيه كما ينقل من أهل اللغة فالضحك المشتمل
على الصوت من دون الشدة والترجيع غير داخل في القهقهة ولا في التبسم فلا دليل على
كونه مبطلا كما أنه لا دليل على عدم كونه كذلك فالمرجع فيه الأصل العملي الذي
هو البراءة على ما هو التحقيق واما بناء على تفسيرها بالضحك المشتمل على الصوت
مطلقا وان لم يكن فيه ترجيع وشدة فيبطل به الصلاة لأنه من افراد القهقهة والظاهر
هو الأول فان تلك الكلمة اسم لقسم من الضحك الذي يصدر من الضاحك ما يشبه
بقهقهة ومن المعلوم ان كون الضحك مشتملا على الصوت لا يكون بهذه الكيفية الا انه
من الممكن ان يقال ان الضحك المشتمل على الصوت الخارج عن حد التبسم
ملحق بالقهقهة حكما وان كان غير داخل فيها موضوعا بيان ذلك أن السؤال في بعض
اخبار الباب عن قاطعية حقيقة الضحك وتفصيل الإمام عليه السلام في الجواب بين التبسم و
القهقهة مع وجود فرد اخر غير داخل فيهما يقتضى ان يكون النظر إلى تحديد الضحك
الغير القاطع بالتبسم الذي ذكر أولا في جواب السائل واما قاطعية القهقهة فهي من
باب خروجها عن التبسم وانما خصت بالذكر من جهة ان الغالب في صورة الخروج
عن حد التبسم الوصول إلى حد القهقهة الا ترى انه عليه السلام لو اقتصر في الجواب على قوله
اما التبسم فلا يقطع الصلاة لكان ظاهرا في أن الضحك القاطع هو غير التبسم وذكر القهقهة
بعد ذلك لا يصرفه عن هذا الظهور.
ثم إن الضحك المبطل لو وقع سهوا فمقتضى دليل عدم وجوب الإعادة من جهة
الخلل الواقع سهوا عدا ما هو المستثني عدم بطلان الصلاة واما لو وقع عن غير
سهو فهو على قسمين أحدهما ان يكون قادرا على كف النفس عن حصوله مع تحقق
موجبه والثاني ان لا يكون قادرا على ذلك مقتضى عمومات الأخبار قاطعية القسمين

301
المذكورين أيضا.
فان قلت إن الظاهر من الافعال المنسوبة إلى الفاعل المختار ان يكون صادرا.
عن اختيار فالضحك الحاصل بغير اختياره لا يشمله الاخبار.
قلت هذا في الافعال التي يمكن حصولها بواسطة تأثير إرادة الفاعل لا مثل
الضحك الذي لا يحصل الا من أسباب اخر غير إرادة الفاعل نعم قد يكون مختارا
في ايجاد مقدماته وكذا قد يكون مختارا في كف النفس بعد تحقق مقدماته ومجرد ذلك
ليس بموجب للانصراف وان شئت توضيح ذلك فانظر إلى قول القائل رأيت زايدا على
السطح فإنه لا ينسبق إلى الذهن الا هذا المعنى الأعم من أن يكون حصوله بالمقدمات
الاختيارية أو غيرها وكذلك الأعم من أن يكون بقائه على السطح باختياره أو لا بخلاف
قول القائل رأيت زيدا يصعد الدرج فإنه ينسبق إلى الذهن صعوده بالإرادة والاختيار
والحاصل انه لا اشكال في شمول الدليل تمام افراد القهقهة.
نعم يمكن القول بعدم قاطعية الفرد الاضطراري الذي لا يتمكن من الكف
عنه بواسطة حكومة حديث الرفع بناء على عدم الاختصاص برفع العقوبة. والكلام في
قاطعية البكاء الاضطراري بعد الفراغ عن قاطعية أصل البكاء كما يأتي انشاء الله تعالى هو
الكلام في قاطعية القهقهة الاضطرارية.
في قاطعية فعل الكثير
ومنها الفعل الكثير وادعى عليه الاجماع بل قيل إنه من المسلمات بين الخاصة
والعامة واختلف في تحديده فعن جماعة انه ما يسمى كثيرا في العرف وعن أخرى
انه ما يخرج به فاعله عن كونه مصليا وعن ثالثة انه ما لو اطلع على فاعله يقال انه
معرض عن الصلاة ولا يخفى ان الكثرة غير منضبطة بل هي من الأمور الإضافية ويختلف
صدقها بحسب اختلاف المقامات مثلا يقال لظرف من الطعام المعد لواحد أو الاثنين
انه كثير ولو جئ به لجماعة يقال انه قليل وقد يقال لمقدار من الحنطة المنشرة في
الأرض انه كثير وهو قليل بالنسبة إلى القبة من الحنطة وكذا القبة التي يصدق عليها

302
الكثير قليلة بالنسبة إلى ما يحتاج إليه أهل القرية أو البلد وعلى هذا لو فرضنا تحقق
الاجماع على العنوان المذكور بحيث يستكشف منه كون هذه القاعدة بهذه العبارة
متلقاة من الشرع ويصح ان يعامل معها معاملة ما لو وقعت هذه الكلمة في رواية معتبرة
يتحير العرف في تشخيص مصداق الكثرة بالإضافة إلى حال الصلاة وكيف له الجزم
بان الوثبة الواحدة بين الصلاة من الفعل الكثير وتحريك الأصابع من أول الصلاة إلى اخرها
ليس من افراد الكثير.
والذي يمكن ان يقال في المقام ان بعض الأفعال مما يعده التشرعة منافيا
للصلاة بحيث يستكشف ان الهيئة المأمور بها المتلقاة من الشارع هيئة خاصة
تنافى وجود ذلك الفعل فيها ويطلق عليه ما حي صورة الصلاة بمعنى ان الصلاة
المأمور بها لها صورة خاصة تمحو تلك الصورة بواسطة ذلك الفعل والمقصود من
العرف المرجع في هذا التشخيص هو العرف المتشرعة الذين تلقوا صورة الصلاة
المأمور بها من الشارع لا العرف العام إذ لا مدخلية لهم في ذلك و (ح) فنقول قد يقطع
المتشرعة بمحو الصورة المأمور بها بوجود فعل مطلقا كالسكوت الطويل وقد تقطع
بذلك عند وجود فعل عمدا ولا تقطع إذ أوجد سهوا وقد لا تقطع بكون وجود فعل
ماحيا لصورة الصلاة اما في مورد القطع فيحكم ببطلان الصلاة لان المستكشف من
المتشرعة اعتبار قيد في المأمور به ينافي الفعل المذكور واما في مورد الشك فيرجع
إلى الأصل العملي من البراءة والاحتياط على الخلاف المعروف.
في قاطعية البكاء لأمور الدنيا وابطال توهم الفرق بين
الممدود والمقصور
ومنها البكاء لشئ من أمور الدنيا والدليل على ذلك مضافا إلى الشهرة بل
عدم ظهور الخلاف كما قيل ما رواه الشيخ ره في التهذيب باسناده عن النعمان بن عبد
السلام عن أبي حنيفة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة
فقال عليه السلام ان بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة وان ذكر ميتا

303
له فصلوته فاسدة وضعف الرواية مجبور باشتهارها بين الأصحاب واستنادهم إليها و
هل البكاء المبطل هو المشتمل على الصوت أو الأعم من ذلك ومن مجرد خروج الدمع
قد يقال بالأول نظرا إلى تفسير بعض أهل اللغة البكاء الممدود بما يشتمل على الصوت و
الواقع في النص هو الممدود ولا أقل من أنه المتيقن وهو وان كان في كلام السائل
لكن الجواب ينطبق على مورد السؤال كما لا يخفى وفيه ان لفظي البكاء والبكى
ليسا من الألفاظ الجامدة حتى يحتمل كون كل منهما موضوعا لمعنى غير ما وضع
الاخر له بل من المصادر المأخوذة من مادة مهملة وهي (ب ك ى) ودلالة المصدر على
المعنى المصدري كدلالة باقي المشتقات على معانيها انما هي من جهة تركيب تلك
المادة مع هيئة خاصة ولا اشكال في أن هيئة المصدر لا تفيد الا قيام المبدء بفاعل ما
فان كان معنى المادة هو المشتمل على الصوت فاللازم ان يكون المصدر المأخوذ منها
مفيدا لهذا المعنى سواء كان ممدودا أم مقصورا وان كان معنى المادة شيئا آخر فكذلك
يلزم ان يكون المصدر المأخوذ منها مفيدا لذلك الشئ ولا يكاد يتصور التفاوت بين
الممدود والمقصور واحتمال ان تكون المادة موضوعة لمعنيين والبكاء الممدود
مأخوذا منها بملاحظة المعنى الخاص بخلاف المقصور وسائر المشتقات فإنهما
مأخوذ ان منها بذلك المعنى الاخر الأعم كما ترى والاستدلال بقول الشاعر
بكت عيني وحق لها بكاها ولا يجدى البكاء ولا العويل لا يظهر له وجه بل الظاهر أن
الممدود الذي جاء به في المصرع الأخير يوافق مع الأول من حيث المعنى وانما جاء
به مقصورا في المصرع الأول للإضافة إلى الضمير كما في نظائر هذه الكلمة كما لا
يخفى وبالجملة القول باختصاص المبطل بما كان مشتملا على الصوت من جهة اختلاف
معنى الكلمة ممدودة ومقصورة مما لا أرى له وجها.
نعم يمكن دعوى التبادر بمناسبة المقام إلى ما يشتمل على الصوت فان مجرد
خروج الدمع من العين من دون صوت ليس مما يعتد به حتى يحتمل كونه
من قواطع الصلاة فيكون خارجا عن مورد سؤال السائل وطريق الاحتياط غير خفى

304
في عدم جواز ابتداء السلام في الصلاة وتفصيل
الكلام في وجوب ردها فيها
ومنها الابتداء بالسلام على غيره تحية كما تعارف بين المسلمين عند ملاقاة
بعضهم بعضا فإنه من مصاديق الكلام بل لو قصد الدعاء فلا (يخ) عن اشكال فان الدعاء
المجوز في الصلاة هو المناجاة مع الله تعالى فلو قال في الصلاة اللهم اغفر لفلان
لا تبطل به الصلاة واما لو قال لشخص مخاطبا إياه غفر الله لك أو سلمك الله فهو يناسب
كلام الآدميين في مقام تخاطب بعضهم مع بعض كما أن قول القائل صبحك الله بالخير
دعاء ولا يجوز التكلم به في الصلاة ومن هنا يسرى الاشكال في تسميت العاطس أيضا
وان كان الجواز هو المعروف بين الأصحاب ولعلهم عثروا على ما يدل على جوازه و
استحبابه حتى في الصلاة بحيث فهم منه عدم القاطعية ولا يمكن التمسك باطلاق
أدلة استحباب التسميت لعدم منافاته للصلاة كما كما لا يمكن التمسك باطلاق أدلة
استحباب إجابة المؤمن في اكل شئ لعدم كونه قاطعا للصلاة ونظير ذلك اطلاق
دليل تشييع الجنائز المستلزم للفعل الكثير أو الاستدبار واطلاق دليل استحباب
المجامعة مع زوجته هذا مما لا اشكال فيه ومن هنا تعرف انه لا يمكن التمسك باطلاق
أدلة وجوب رد التحية لوجوب رد السلام على المصلى مع كونه باقيا على حال الصلاة
فان اطلاق دليل الوجوب لو اقتضى رد السلام في حال الصلاة فلازمه وجوب قطعها
لا عدم بطلان الصلاة به هذا ولكن الاخبار دلت على وجوب رد السلام في الصلاة و
عدم بطلانها به.
منها موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يسلم عليه وهو
في الصلاة قال يرد يقول سلام عليكم ولا يقول وعليكم السلام فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان
قائما يصلى فمر عمار بن ياسر فسلم عليه فرد عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هكذا.
ومنها صحيحة محمد بن مسلم سئل أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يسلم على القوم في
الصلاة فقال إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلم عليه تقول السلام عليك و

305
أشر بإصبعك ومنها خبر عبد الله بن جعفر المروى عن قرب الاسناد عن علي بن جعفر
عن أخيه قال سئلته عن الرجل يكون في الصلاة فيسلم عليه الرجل هل يصلح
ان يرد قال عليه السلام يقول السلام عليك ويشير بإصبعه وعن الصدوق مرسلا قال قال أبو
جعفر عليه السلام سلم عمار على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة فرد عليه ثم قال أبو جعفر عليه السلام
السلام من أسماء الله عز وجل وعن الشهيد في الذكرى قال وروى البزنطي عن الباقر
عليه السلام قال إذا دخلت المسجد والناس يصلون فسلم عليهم وإذا سلم عليك فاردد فانى
افعله وان عمار بن ياسر مر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلى فقال السلام عليك يا رسول الله
ورحمة الله وبركاته فرد عليه السلام وصحيحة محمد بن مسلم قال دخلت على أبى جعفر عليه السلام
وهو في الصلاة فقلت السلام عليك فقال عليه السلام السلام عليك كيف أصبحت فسكت
فلما انصرف قلت أيرد السلام وهو في الصلاة فقال عليه السلام نعم مثل ما قيل له وصحيحة
منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا سلم عليك الرجل وأنت تصلى ترد عليه
خفيا كما قال ويظهر من اخبار المسألة أمور:
أحدها وجوب رد السلام على المصلى والثاني عدم كونه مبطلا والثالث كون
الرد على نحو خاص والخصوصية وإن كانت مختلفة بحسب الاخبار الا ان الجمع بينها
ان الممنوع في الرد تقديم الظرف كما هو المتعارف في الرد في غير حال الصلاة بمعنى
انه يجب الرد على نحو ما يتكلم المسلمون في مقام التحية من قولهم سلام
عليك وسلام عليكم والسلام عليك والسلام عليكم لا انه يجب إحدى الصيغ
بالخصوص ولا المماثلة بين الرد وتحية المسلم في الافراد والجمع والتعريف و
والتنكير.
فوائد: الأولى الأحوط في الموارد التي لم يثبت وجوب الرد لبعض الشبهات
الموضوعية أو الحكمية الرد بالصيغة الواردة في القران على ما بينا سابقا في طي مسألة
جواز قراءة القرآن في الصلاة ولولا ذلك الوجه الذي قدمناه لا شكل القول بصيرورة
قراءة القرآن ردا للتحية فان تحقق القرآنية يتوقف على أن يجعل ما يقرئه حاكيا عن
الألفاظ المنزلة وتحقق رد التحية موقوف على جعل اللفظ حاكيا لمعناه وكون

306
المخاطب في قوله سلام عليكم مثلا الشخص الخاص وهذان مما لا يمكن الجمع
بينهما:
الثانية لو سلم أحد على جماعة المصلين فرد واحد منهم فهل يجوز للباقين
الرد وان سقط الوجوب عنهم لكون الرد واجبا كفائيا كما تدل عليه الاخبار بل
ادعى عليه الاجماع أو لا يجوز فإنه كلام آدمي قاطع للصلاة بمقتضى الأدلة خرج المورد
الذي يدل الاخبار على لزومه ولعل الثاني أقوى مع أنه أحوط ومن هنا يظهر وجه
الاشكال بل المنع في الحاق ورحمة الله وبركاته فان القدر المتيقن الخارج عن تحت
القاطعية هو الصيغة مجردة عن ذلك.
الثالثة لو ترك رد السلام ومضى في صلوته فالصحة والبطلان مبنيان على
اقتضاء الامر بالشئ النهى عن ضده الخاص وحيث قررنا في الأصول عدم الاقتضاء
بمقتضى القاعدة الصحة بل لو سكت بمقدار يفوت محل الرد صحت الصلاة على
القولين.
في مبطلية قول آمين
منها قول آمين في آخر الحمد على المشهور بين الأصحاب بل عن جماعة دعوى
الاجماع عليه وقيل هو مكروه واستدل على المشهور بجملة من الاخبار.
منها حسنة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كنت خلف امام فقرء الحمد و
فرغ من قراءتها فقل أنت الحمد لله رب العالمين ولا تقل آمين. ونحوها في النهى عن
ذلك عدة روايات اخر وليس في البين ما يعارضها غير صحيحة جميل قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرء فاتحة الكتاب آمين قال عليه السلام ما أحسنها
واخفض الصوت بها بناء على كون ما أحسنها بصيغة التعجب ولا يخفى ان الرواية على
هذا الاحتمال غير معمول بها إذا القول بالاستحباب لم يحك عن أحد من الأصحاب مضافا
إلى معارضة هذا الاحتمال باحتمال كونه بصيغة المتكلم مع كون كلمة ما نافية
فالانصاف سلامة تلك الأخبار عن المعارض لكن قد يخدش في دلالتها على الابطال نظرا

307
إلى أن الظاهر من النواهي المذكورة كونها في مقام الردع عما هو المتداول بين العامة
فان كان هو قول آمين بعنوان انه مستحب نفسي محله بعد الفراغ من حمد الصلاة فلا
يستفاد منها أزيد من الحرمة التشريعية وان كان هو القول بعنوان الجزئية الاستحبابية
فاللازم حصول الزيادة العمدية فيحكم بالبطلان من هذه الجهة على القول به وعلى
تقدير عدم القوم فاللازم أيضا هو الحرمة التشريعية ولا يضر بالصلاة.
اللهم الا ان يقال بعد تحقق عنوان التشريع به انه داخل في مصداق الماحي لأنه
قول محرم وقد مضى في بعض الأبحاث السابقة انه لا يبعد كون القول المحرم إذا اتى به
في أثناء الصلاة ماحيا للهيئة الصلاتية في أذهان المتشرعة كالوثبة والسكوت الطويل
ومنها يمكن القول بالابطال في الدعاء لطلب الحرام فان طلب المحرم من المولى
يعد قبيحا عند العقلاء فلا يبعد كونه داخلا في عنوان الماحي.
في أدلة حرمة قطع الصلاة
خاتمة لا يجوز قطع الصلاة الواجبة اختيارا بلا خلاف ظاهر بل عن جملة
التصريح بالاجماع في جملة من المنافيات بل لعله من الأمور المسلمة لديهم ويمكن
الاستدلال عليه مضافا إلي ذلك بثلث طوائف من الاخبار.
الأولى نصوص التحريم والتحليل بدعوى ظهورها في حرمة المنافيات من
حين التلبس بتكبيرة الاحرام إلى تحقق التسليم المحلل ولا يكفي في صحة اطلاق
التحريم والتحليل مجرد المنع الشرطي والا لصح هذا الاطلاق في سائر المركبات
الشرعية مثل الوضوء والغسل ونحوهما مما يكون لها في الشرع منافيات مع أنه لم
يعهد في لسان الشرع هذا الاطلاق الا في بابي الصلاة والاحرام وهذا يدل على تمحض
النظر فيه إلى حيث الحرمة التكليفية سواء اجتمعت مع الوضعية كما في قواطع الصلاة
أم لا كما في بعض المحرمات حال الاحرام.
والثانية ما دل على التوبيخ على الاخلال ببعض الأمور المعتبرة في الصلاة
الشخصية بحيث يستظهر منه ان علة التوبيخ نفس هذا العنوان لا ما يلازم الاكتفاء

308
بالصلاة المذكورة من ترك الصلاة الصحيحة مثل مصححة زرارة قال بينا رسول الله
صلى الله عليه وآله جالس في المسجد إذ دخل رجل فقال يصلى فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال صلى الله عليه وآله وسلم
نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلوته ليموتن على غير ديني ورواية عبد الله
بن ميمون القداح المروى عن محاسن البرقي عن أبي عبد الله عليه السلام قال أبصر علي بن أبي طالب
عليهما السلام رجلا ينقر صلوته فقال عليه السلام منذ كم صليت بهذه الصلاة قال له
الرجل منذ كذا وكذا فقال عليه السلام مثلك عند الله كمثل الغراب إذا ما نقر لومت مت على
غير ملة أبى القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال عليه السلام اسرق الناس من سرق من صلوته موضع الاستشهاد
من هاتين الروايتين فقرات:
الأولى قوله صلى الله عليه وآله في الأولى وهكذا صلوته والثانية قوله عليه السلام
في الثانية منذ كم صليت بهذه الصلاة والثالثة قوله عليه السلام في الثانية اسرق الناس
من سرق من صلوته تقريب الاستشهاد اما بالأوليين فهو ان الظاهر منهما كون
الموجب للخروج عن الدين والملة أمرا وجوديا هو صدور الصلاة الشخصية منه
بالوصف المذكور لاما يلازم الاكتفاء به من ترك الصلاة المفهومية الذي هو امر
عدمي فان ظاهر العنوان هو الموضوعية.
واما بالأخيرة فلان السرقة يحتاج إلى المسروق منه الخارجي ولا يصدق
بالنسبة إلى الصلاة الكلية المفهومية فلا يقال لمن لم يأت بالصلاة بكيفياتها المعتبر
انه سرق من هذا المفهوم بل يقال تركه نعم يصدق ذلك بالنسبة إلى مصداقه فيقال
سرق من هذه الصلاة جزئها الفلاني مثلا واطلاق السرقة بالنسبة إلى المفهوم منحصر
بمقام الجعل والتشريع بان ينقض أحد من الصلاة المفهومية شيئا منها بعنوان
الجعل والتشريع وبالجملة فاطلاق السرقة في الخبر بل جعله اسرق الناس فيه
دلالة ظاهرة على حرمة الابطال للصلاة الشخصية اما بترك ما يعتبر وجوده أو بفعل
ما يعتبر عدمه فمساق هاتين الروايتين مساق ما ورد في تأخير الصلاة إلى اخر وقتها
من أن الصلاة تدعو على المصلى وتقول ضيعتني ضيعك الله حيث إن الظاهر منه
أيضا حصول التضييع بالنسبة إلى الصلاة الشخصية وصدور الدعوة منها لا بالنسبة

309
إلى الامر المفهومي الكلى.
الثالثة ما دل على تعليق جواز القطع بالمعنى الأعم المقابل للحرمة على
بعض الأمور كالخوف من الحية ونحوه مثل ما رواه الصدوق في الصحيح عن حريز بن
عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد ابق
أو غريما لك عليه مال أو حية تتخوفها على نفسك فاقطع الصلاة وابتغ غلامك أو
غريمك واقتل الحية فان المذكور في جانب الشرط الخوف الأعم من كونه مما
يجب التحفظ عنه كالخوف من الحية ومما لا يوجب كالخوف من ذهاب المال بإباق
العبد أو الغريم فان طلب الآبق غير واجب بل يعد من بعض الاشخاص قبيحا وليس
كالقاء المال في البحر حتى يكون تضييعا محرما بل كوضعه في محل يترقب اخذ
بعض المارة له وانتفاعه به ولا امر في مثل ذلك باحراز المال لا وجوبيا و
لا ندبيا.
نعم النهى عنه حرجي فلابد ان يكون مجوزا مباحا وعلى هذا فالمراد بقوله
عليه السلام اقطع الصلاة هو الجواز بالمعنى الأعم حتى يصح انطباقه على كلا الموردين
إذا عرفت هذا فنقول قوله إذا كنت في صلاة الفريضة الخ وان كان غير مسوق
لبيان المفهوم لان الشرط فيه محقق الموضوع إذ لا قطع على تقدير عدم الكون في
الصلاة كما لا ابتغاء على تقدير عدم الإباق لكن هنا استفادة أخرى غير راجعة إلى
المفهوم وهي استفادة ان جواز القطع بالمعنى الأعم ليس من اثار نفس الصلاة من
حيث ذاتها والا كان التعليق على الامر الخارج غلطا فحيث علق على الأمور المذكورة
دل على عدم استناده إلى ذات الصلاة واحتياجه إلى علة خارجية ولازم ذلك أنه مع
قطع النظر عن العلة الخارجية من المحرمات المسلوب عنها الجواز بالمعنى الأعم
نعم هذا المقدار انما يفيد حرمة القطع في الجملة واما تعميمها بحيث يكون مرجعا
في موارد الشك فيحتاج إلى التشبث بدليل اخر أو أصل ولا يكفيه هذا القدر الذي
استفدناه أعني كون الجواز محتاجا إلى علة وان الأمور المذكورة علة ومن المعلوم
احتمال قيام علة أخرى مقامها فلو شك في أن حدوث الامر الفلاني علة أو لا فلا
عموم ينفيه.

310
نعم لا نشك في الجواز في موارد صدق الخوف على النفس أو على المال
المعتد به لان ذكر الحية وإباق العبد والغريم من باب المثال ويبقى الشك بالنسبة
إلى موارد لا تندرج تحت أحد هذين العنوانين فق يقال في أمثالها بالرجوع إلى
الأصل الموضوعي أعني أصالة عدم جعل الشارع هذا المشكوك علة وسببا.
والاشكال بان عنوان السبب لم يرتب عليه في الأدلة الشرعية اثر وانما رتب على
مصاديقه والحاكم بترتيب المسبب على عنوان السبب هو العقل واجراء الأصل
بلحاظ هذا الأثر ترتيبه من العقل غير جائز الا على القول بالأصل المثبت
مدفوع بان الترتيب انما يكون عقليا بالنسبة إلى واقع عنوان السبب واما بلحاظ
حال الشك فليس الترتيب الا وظيفة للشرع وقد تقرر في محله ان عموم لا تنقض
لا يحتاج إلى أزيد من كون المورد مما يناله يد الجعل واذن فالأصل المذكور سليم
عن اشكال المثبتية ولكن يرد عليه ان عنوان السبب مثل عنوان المانع لا اثر له
حتى عقلا وانما الأثر مرتب على مصاديق ذلك والمفروض عدم الشك في الخارج
إذ نعلم بتحقق الشئ المشكوك السببية ونقطع بعدم تحقق غيره والذي ينبغي ان
يقال في المقام ان مقتضى القاعدة عدم الجواز في موارد الشك والشبهة وإن كانت
تحريمية ومقتضى العقل والنقل فيها حكمية كانت أم موضوعية هو البراءة كما
حقق في الأصول لكن محل ذلك غير ما نحن فيه وأمثاله من كل مورد ورد فيه
الدليل على احتياج حلية شئ إلى السبب وانه في نفسه ليس من المحللات ففي
أمثال ذلك لا نجد من وجداننا جواز الاقدام بمحض الشك وعدم الدليل على التحريم
اتكالا على قبح العقاب أو على الأدلة النقلية المرخصة من حديث الرفع ونحوه بل
نرى العقلاء يذمون الفاعل ولا يعدونه معذورا وليس ذا الا لأجل ان قول المولى
يحتاج حلية الامر الفلاني إلى السبب حجة عندهم لموارد الشك بمعنى انه
يستفاد منه مضافا إلى الحكم الواقعي قاعدة ظاهرية وحاصله القاء الشك عن
السببية هذا مضافا إلى تحقق الأصل الحكمي غالبا فيما نحن فيه تقريره
انه قبل عروض الامر الفلاني كنا نقطع بحرمة القطع وبعده نشك فالأصل بقاء

311
الحرمة بحالها والله العالم بحقايق الاحكام.
المقصد الثالث في الخلل الواقع في الصلاة وهو اما بحدوث نقص في الصلاة
أو بالشك المردد للامر بين الزيادة والنقيصة المبطلتين والجامع بينهما خروج الصلاة
عن قابلية الامتثال الا بالطريق الظاهري الذي يبحث عنه في هذا الباب وكيف كان
فيقع الكلام هنا في فصول.
في الزيادة والنقيصة السهويتين
الأول في السهو اعلم أن الأصل الأولى في الزيادة عدم كونها مبطلة للصلاة
الا ان توجب الخلل في القربة كان يقصد إلى امتثال الامر المتعلق بالمركب المشتمل
على الزائد اعتقادا أو تشريعا وأما إذا لم توجب الخلل فيها كان يقصد الامر الواقعي
المتعلق بالصلاة واعتقد اشتمالها على الزائد أو اعرض عن الجزء الماتى به فمقتضى
القاعدة عدم البطلان لعدم تعقل كون الزائد على المأمور به مبطل له الا ان يكون عدمه
شرطا والأصل عدمه هذا الا ان الاخبار قد دلت على بطلان الصلاة بالزيادة مثل ما وراء
الشيخ عن زرارة وبكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا استيقن انه زاد في صلوته
المكتوبة لم يعتد بها واستقبل الصلاة استقبالا وعن أبي بصير قال قال أبو عبد الله
عليه السلام من زاد في صلوته فعليه الإعادة ثم الزيادة في الصلاة اما ان تكون من قبيل الزيادة
في العمر في قولك زاد الله في عمرك فيكون المقدر الذي جعلت الصلاة ظرفا له هو
الصلاة فينحصر المورد بما كان الزائد مقدارا يطلق عليه الصلاة مستقلا كالركعة و
اما ان يكون المقدر شيئا من الصلاة سواء كان ركعة أم غيرها واما ان يكون مطلق
الشئ فيشمل ما لو ادخل فيها شيئا من غير سنخها لا يبعد ظهور اللفظ في الأول ولا
أقل من الاحتمال فالقدر المتيقن من القضية بطلان الصلاة بزيادة الركعة هذا مضافا
إلى أن رواية زرارة وبكير بن أعين رواها في الكافي بزيادة الركعة ولا أقل من مكافئة
الاحتمالين الموجبة لسقوطها عن صلاحية الاستدلال واما رواية أبي بصير فقد
عرفت اجمالها وان المتيقن منها زيادة الركعة ومما يؤيد ذلك أن الاخذ باطلاقها

312
خلاف الاجماع وتقييدها بالعمد بواسطة الدليل الخارجي يوجب التقييد بالفرد
النادر ولا فرق في البشاعة والاستهجان عند العرف بين تخصيص الأكثر والتقييد
بالنادر بواسطة الدليل المنفصل كما لا يخفى.
ويمكن ان يستفاد من بعض الاخبار ابطال زيادة الجزء مثل مرسلة سفيان
بن السمط عن أبي عبد الله (ع) قال تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك
أو نقصان فإنها ظاهرة بقرينة عطف النقصان في زيادة الاجزاء المعجولة على نحو
الوجوب أو الاستحباب ولو لم يكن عمدها موجبا للبطلان لما كان سهوها موجبا للسجدة
المعجولة لتدارك الخلل كما أنه يمكن استفادة ابطال شئ خارج من ماهية الصلاة
بقصد كونها منها من بعض الاخبار أيضا مثل ما ورد في التكفير من أنه عمل ولا عمل
في الصلاة حيث إن الظاهر منه ان وجه الابطال كونه عملا خارجيا جئ به في الصلاة
بقصد انه من آدابها وكيفياتها.
وفيه أيضا ان اجزاء الصلاة اما من قبيل الأركان واما من غيرها من قرآن و
أذكار ودعاء وما كان من قبيل الأول لا فرق فيه بين زيادية العمدية والسهوية فإنها موجبة
لبطلان الصلاة ومتى حكمت الصلاة بالبطلان فليس لها سجدتا السهو وما كان من
قبيل الثاني لا يتصور فيه الزيادة بعد ما امر به في الصلاة بل مقتضى بعض الروايات ان
كل ما ذكرت الله ورسوله فهو من الصلاة فأين الزيادة التي لو وقعت عمدا تبطل الصلاة
ولو وقعت سهوا توجب سجدتي السهو ويمكن ان يكون المراد من الزيادة في
المرسلة ما اعتبر عدمه في الصلاة من قبيل البكاء والقهقهة والوثبة والتكلم بغير
الذكر والقران فيكون معنى المرسلة والله العالم ان في ترك كل ما اعتبر وجوده في
الصلاة أو فعل كل ما اعتبر عدمه فيها سهوا سجدتي سهو وهذا الاحتمال وان لم أر في
كلام أحد من العلماء رضوان الله عليهم ولكن أظن أنه بعد ملاحظة ما ذكرت ليس
ببعيد ومن هنا يظهر وجه لحل الاشكال في رواية زرارة الواردة في النهى عن قراءة
سور العزائم في الصلاة المعللة بان السجود زيادة في المكتوبة.
تقريب الاشكال ان سجدة التلاوة ليست من اجزاء الصلاة وليس المقصود جزئيتها

313
للصلاة الشخصية حتى يناسب اطلاق الزيادة عليها.
وتقريب الحل انه بعد ما فرضنا ان الزيادة عبارة عما منع الشارع ايجاده في
الصلاة فالمرجع في تشخيص موضوعها هو الشرع لا العرف فان اطلاق الزيادة على
شئ على ما ذكرنا انما هو بعد نهى الشارع عن ذلك الشئ في الصلاة فقد يمنع الشارع
عن وجود شئ في الصلاة فيصير مصداقا للزيادة المبطلة وقد يطلق على شئ انه زيادة
فيستكشف انا كونه ممنوعا في الصلاة ولا يجوز بمجرد اطلاق الشارع عنوان الزيادة
على شئ خاص التعدي إلى أمثاله ونظائره كما لا يخفى هذا في الزيادة.
واما الكلام في النقيصة فالأصل فيها الابطال إذا وقعت عمدا واما لو وقعت
سهوا فان كان دليل اعتبار ما نقص له اطلاق يشمل حال السهو فمقتضى القاعدة البطلان
واما لو لم يكن له اطلاق فقد ذهب شيخنا المرتضى قدس سره إلى أنه كذلك إذ الساهي
مكلف بعين ما كلف به العامد لعدم امكان اختصاص الساهي بخطاب وفيه أولا منع
الملازمة بين عدم امكان اختصاص الساهي بالخطاب وبين كونه شريكا مع العامد في
الخطاب لامكان عدم كونه مخاطبا أصلا لا بالتام ولا بالناقص بل هو كذلك لعدم قدرته
على التام لغفلته عنده وعدم امكان اختصاصه بالخطاب بالناقص كما هو المفروض و
ان أريد من الخطاب صرف الاقتضاء والمصلحة فنسبة الامكان إلى الناقص والتمام
سواء.
لا يقال لعل نظره قدس سره فيما ذكره إلى أن الاجماع قائم على أن لكل أحد
خطابا (فح) حكم بان خطاب الناسي هو عين خطاب العامد لعدم امكان اختصاصه
بخطاب خاص فيكون النسيان كالجهل مانعا عن التنجز.
لأنا نقول دعوى الاجماع بالنسبة إلى نسيان الموضوع ممنوعة نعم نسيان
الحكم لا يوجب اختلافا فيه والا لزم التصويب الباطل.
إذا عرفت هذا فنقول: ان الناسي ليس مخاطبا بخطاب فعلى لما ذكر من عدم
امكان اختصاصه بخطاب ولغوية الخطاب بالتام المغفول عنه ولكن نعلم بثبوت الاقتضاء
لاحد الخطابين فان كان الناقص مقتضيا للخطاب في حقه فقد أتى به والا يصير

314
مكلفا بالتام بعد الالتفات والأصل براءة الذمة من التكليف بالتام.
لا يقال انا نستصحب بقاء الإرادة الذاتية التي كانت ثابتة في حال النسيان.
لأنا نقول المعلوم منها وهي المتعلقة بالقدر المشترك بين الأقل والأكثر
مقطوع الامتثال والزائد مشكوك الحدوث فالأصل عدمه والبرائة عنه.
هذا مع امكان تصور ان للناسي خطابا يختص به وهو بان يكلف بأصل الصلاة
في ضمن مطلق الانسان ثم يشرح اجزائها المطلقة والذي يختص بالذاكر و (ح)
فلو لم يلتفت إلى الجزء المختص بالذاكر فهو يأتي بباقي الاجزاء بعنوان انها
عين الصلاة المأمور بها كما انها كذلك في الواقع وغفلته عن كونه ناسيا لا يضر
بصدق امتثال الخطاب الواقعي له كما لا يخفى وان التفت إلى الجزء المختص بالذاكر
فهو ينوى العبادة بحسب ما يطرء عليه من الحالة في علم الله فان فرغ من الصلاة
ولم يأت بالجزء المختص بالذاكر ناسيا فقد امتثل الامر الواقعي المتوجه إليه
هذا ما أفادنا السيد الأستاذ نقلا عن سيد أساتيذنا الميرزا الشيرازي أعلى الله مقامهما
وقد تلخص من هذا الكلام ان الأصل الأولى في النقيصة السهوية الإعادة لو كان
لدليلها اطلاق يشمل حال السهو والا فمقتضى الأصل الاجزاء بناء على القول
بالبرائة في الأقل والأكثر فالقول بالاجزاء في القسم الأول يحتاج إلى دليل كما أنه
على ما ذهب إليه شيخنا المرتضى القول به في كلا القسمين يحتاج إلى دليل والذي
يتمسك به في الباب قوله عليه السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة الخ.
في بيان الأصل الثانوي في النقيصة السهوية
وينبغي ان نتكلم في مفاد الرواية لأنها هي الأصل في استنباط الأصل الثانوي
في هذا الباب والكلام فيه في مواقع:
الأول الظاهر من عموم الرواية انه لا خصوصية لموجبات الخلل وانها
لا توجب الإعادة الا إذا كان من الخمسة المذكورة نعم العمد لكون نفى الإعادة مع
الخلل المستند إليه منافيا لفرض كون الناقص معتبرا في الصلاة خارج عنها ولكن

315
ظاهر الأصحاب الاتفاق على أن الجهل بالحكم وان كان عن نسيان ليس عذرا واما
الجهل بالموضوع فالامر فيه مشكل من حيث إن ظاهر كلماتهم انه لا يعذر من
اجله والالتزام بخروج ما ذكر يخرج الرواية عن صحة التمسك بها في مواقع السهو
والنسيان للموضوع لان خروج الجهل بالحكم ونسيانه والجهل بالموضوع من
تخصيص الأكثر ولا يبقى معه أصالة العموم الا ان يدعى انصرافه إلى الخلل الحاصل
بالسهو والنسيان في الموضوع وليس ببعيد وبيان ذلك يبتنى على مقدمتين.
إحديهما ان ظاهر قوله عليه السلام لا تعاد هو الصحة الواقعية وكون الناقص مصداقا
واقعيا لامتثال امر الصلاة ويؤيده الأخبار الواردة في نسيان الحمد حتى ركع فإنها
حاكمة بتمامية الصلاة وقد قررنا امكان تخصيص الساهي بتكليف خاص بما
لا مزيد عليه.
المقدمة الثانية ان الظاهر من الصحيحة ان الحكم انما يكون بعد الفراغ من
الصلاة وان أبيت عن ذلك فلابد من اختصاصها بصورة لا يمكن تدارك المتروك كمن
نسى القراءة ولم يذكر حتى ركع فلا يمكن ان يكون مستندا لجواز الدخول في
الصلاة بل يكون مستندا لمن دخل في الصلاة وقصد امتثال الامر الواقعي باعتقاده
ثم تبين الخلل في شئ من الاجزاء أو الشرائط فالعامد الملتفت خارج عن مصب
الرواية كالشاك في وجوب جزء أو شرط وكذاك الشاك في وجود شرط بعد الفراغ عن
شرطيته أو الشاك في جزء من الاجزاء بأنحائه فان مرجع ذلك كله إلى قواعد اخر
لابد ان يراعيها حتى يجوز له الدخول في الصلاة فلا يجوز للشاك في وجوب الحمد
مثلا الدخول في الصلاة تاركا للحمد بقصد الامتثال مستدلا بقوله عليه الصلاة والسلم
لا تعاد الصلاة الا من خمسة.
نعم لو اعتقد عدم وجوب شئ أو عدم شرطية شئ أو كان ناسيا لحكم شئ
من الجزئية والشرطية يمكن توهم شمول الصحيحة وان لا يجب عليه الإعادة لكن
يدفعه ما ذكرنا في المقدمة الأولى من أن ظاهر الصحيحة الحكم بصحة العمل واقعا و
مقتضاها عدم كون المتروك جزءا وشرطا ولا يعقل ان يقيد الجزئية والشرطية بالعلم بهما

316
بحيث لو صار عالما بعدمهما بالجهل المركب لما كان الجزء جزء ولا الشرط
شرطا نعم يمكن على نحو التصويب الذي ادعى الاجماع على خلافه بمعنى ان المجعول
الواقعي وهو المركب التام يكون ثابتا لكل أحد ولكن نسيان الحكم أو الغفلة
عنه أو القطع بعدمه بالجهل المركب صار سببا لحدوث مصلحة في المركب
الناقص على حد المصلحة في التام فيكون الاتيان به في تلك الحالة مجزيا عن
الواقع فيصح اطلاق التمامية في مقام الامتثال على الناقص الماتى به وهذا الاحتمال
مضافا إلى ظهور كونه خلاف الاجماع ينافيه ظهور بعض الاخبار في أن عدم الإعادة
لنقص بعض ولزومها في بعض آخر من جهة كون الأول سنة والثاني فريضة فيكون
المحصل من مفاد الاخبار ان المجعول في الشريعة هو المركب من اجزاء بعضها من الفريضة
وبعضها من السنة وما يكون من السنة ليس تركه مضرا بالمركب في بعض الحالات
بمقتضى الجعل الأولى لا ان المجعول الأولى بالنسبة إلى الاجزاء على حد سواء ولكن بعض
العناوين المتأخرة رتبة صار سببا لوجوب الناقص في مورده وبعبارة أخرى صلاة
الناسي وصلاة الذاكر مثل صلاة الحاضر والمسافر لا ان الناسي تعلق به تكليفان
أحدهما في رتبة الذات وهو باق حتى في حال نسيانه والثاني في مرتبة المتأخرة عنها.
فتحصل مما ذكرنا مرتبا على المقدمتين ان الأقسام المتوهم دخولها في عموم الصحيحة
بعضها خارج عن مصب الرواية وبعضها خارج من جهة أخرى الأول مثل الجاهل البسيط
بالحكم أو الموضوع فان الأول يجب عليه التعلم والثاني مرجعه إلى القواعد المقررة
للشاك والثاني مثل الجاهل المركب بالنسبة إلى الحكم الشرعي مثل الجزئية و
الشرطية وكذلك السهو والنسيان بالنسبة إليه فان الحكم بعدم الجزئية والشرطية
في تلك الحالة وصحة عمله واقعا كما هو مقتضى عدم لزوم الإعادة موجب للتصويب
المحال عقلا أو ما هو باطل اجماعا فيبقى السهو والنسيان والجهل المركب بالنسبة
إلى الموضوع.
فان قلت الشكوك الراجعة إلى الموضوع كطهارة البدن أو اللباس وكون
الملبوس من غير ما اكل لحمه وان لم يكن المرجع في جواز الدخول من أول الامر

317
معها الصحيحة لكن بعد ما يدخل في الصلاة مستندا إلى أصالة الطهارة أو أصالة
البراءة الشرعية أو العقلية في الأخير بناء عليه لو تبين بعد الفراغ من الصلاة نجاسة
بدنه أو لباسه أو كون ملبوسه حال الصلاة من غير المأكول اللحم فما المانع من الاخذ
بعموم الصحيحة والحكم بعدم وجوب الإعادة.
قلت بعد فرض دلالة الصحيحة على أن الصلاة الناقصة في بعض الأحوال تمام
الصلاة على ما قررنا في إحدى المقدمتين فاللازم ان يكون الامر بالناقص بالنسبة
إلى بعض الاشخاص من أول الامر وان لم يكن محركا له تفصيلا كما تصورنا امكان ذلك
ولا يمكن الالتزام بان الشاك في الموضوع من أول الامر مكلف واقعا بالصلاة مع
هذا اللباس المشكوك كونه من غير مأكول اللحم فان المانع بحسب الأدلة ليس
مقيدا بالمعلومية كيف ولو كان كذلك لا يحتاج إلى التمسك بالصحيحة للاجزاء و
فرضنا عدم جواز التمسك للمصلى بالصحيحة لرفع مانعية اللباس المشكوك
والا لما كان محتاجا إلى التمسك بالأصل فلازم القول بالاجزاء بعد التبين والفراغ
هو الالتزام بالعفو عنه وهذا خلاف ما استكشفنا من الصحيحة.
فان قلت لو شك في الشئ بعد تجاوز المحل أليس يمضى بمقتضى الحكم
الظاهري بالمضي ولو تبين بعد ذلك عدم اتيان ذلك الشئ لا يجب عليه الإعادة وليس
ذلك الا من جهة التمسك بالصحيحة.
قلت لو تبين عدم الاتيان فلو كان محل التدارك باقيا يجب التدارك والا فيدخل
فيمن نسى ذلك الشئ وكان مكلفا في الواقع بالناقص نعم لو لم يكن دليل المضي بعد
المحل لكان الواجب عليه تدارك الفائت المشكوك والخروج عن موضوع ناسي
الجزء مثلا لكن القاعدة جوزت المضي الا ان لا يبقى محل للتدارك وبعد ذلك
ليس الحكم بصحة الصلاة من جهة القاعدة بل من جهة انه ناسي للجزء ولم يكن
ذلك جزء للمركب المأمور به في حقه وبعبارة أخرى ناسي القراءة بعد الدخول في
السورة يمضى في صلوته بحكم القاعدة فإذا ركع ليست القاعدة مدركا لصحة عمله
فان القراءة اما اتى بها واما لا فعلى الأول لا يحتاج إلى شئ وعلى الثاني فهو ممن ترك

318
نسيانا ركع حتى وهو من مصاديق عدم وجوب الإعادة واقعا.
الثاني هل المناط في السهو مجرد ان يكون الترك مسببا عنه وان كان بحيث
لو لم يكن أيضا لكان الترك محققا لوجود سبب آخر كما لو كان الساهي للموضوع
جاهلا بالحكم أيضا فالترك فعلا مستند إلى السهو في الموضوع لكونه أسبق في
التأثير ولكنه لو كان ملتفتا إليه لترك أيضا للجهل بالحكم ظاهر اطلاق الرواية الأول
وكذا اطلاق الأخبار الواردة في الموارد الجزئية ودعوى الانصراف إلى مورد لم يكن
جاهلا بالحكم بعيدة كما أن مقتضى الاطلاق عدم الفرق بين كون السهو مستندا
إلى تقصير المكلف وعدمه.
الثالث الظاهر من قوله عليه السلام لا تعاد ان هذا الحكم انما يكون بعد تمامية
الصلاة فلو التفت في الأثناء لا تنفى الإعادة بحكم الرواية الا ان يقال مضافا إلى شيوع
استعمال الإعادة في الاستيناف ان مقتضى تعليله عليه السلام بان القراءة سنة ان تركها عن
سهو لا يوجب الخلل حين تركه لا انه مراعى بتمامية الصلاة.
الرابع الظاهر أن الرواية متعرضة للنقيصة الواردة على الصلاة واما الزيادة
فهي ساكتة عنها في المستثنى والمستثنى منه مع احتمال شمولها لها وعلى الثاني يمكن
ان يدخل الزيادة في المستثنى منه لأنها نقيصة في الصلاة من جهة اعتبار عدمها فيها
فيراد ان كل نقيصة تدخل في الصلاة سهوا سواء كان من جهة عدم الاتيان بجزء أم
قيد وجودي أو عدمي فلا يضر بالصلاة الا من نقص الخمسة المذكورة فيكون زيادة
الركوع والسجود داخلة في المستثنى منه ويمكن ان تدخل في المستثنى أيضا فيكون
المراد من قوله عليه السلام الا من خمسة الا من النقص الوارد على الصلاة من ناحية الخمسة
فزيادة الركوع نقص وارد على الصلاة من ناحية الركوع كنقيصته وكذا السجود.
ثم على فرض القول بشمول الرواية الزيادة لو قلنا بدخولها في المستثنى و
المستثنى منه كليهما فالنسبة بينها وبين ما دل على أن من تيقن انه زاد في صلوته
فعليه الإعادة عموم من وجه لافتراق الدليلين في النقيصة والزيادة الركنية واجتماعهما
في الزيادة الغير الركنية بل قد يقال كذلك وان قلنا بعدم الدخول في المستثنى و

319
دخولها في المستثنى منه فقط للقطع بابطال الزيادة في الأركان فليس لما دل على بطلان
الصلاة بزيادة الأركان سهوا معارض أصلا إذ التعارض أيضا منحصر في الزيادة السهوية
في غير الأركان هذا ولكن لا يخفى ان كون النسبة عموما من وجه انما ينفع لو قلنا
بحكومة لا تعاد فان الدليل الحاكم يقدم وان كانت النسبة بينه وبين المحكوم
عموما من وجه لكن حكومة الدليل الدال على نفى الإعادة على الدليل الدال على
وجوب الإعادة لا يتصور لها وجه نعم لو كان الدليل الدال على مبطلية الزيادة النهى
عنها كالتكلم مثلا صحت الحكومة هذا كله بناء على مبنى الأصحاب رضوان الله
عليهم في معنى الزيادة واما بناء على ما احتملنا من اختصاص أدلة ابطال الزيادة بزيادة
الركعة وحملنا الزيادة في مرسلة سفيان على ما اعتبر عدمه في الصلاة كالتكلم ونحوه
فلا معارضة بين دليلين أصلا والله العالم.
الخامس قد يكون الترك مستندا إلى جزم المكلف عدم الوجوب مع كونه
ملتفتا إلى الموضوع والى مفهوم الوجوب والى النسبة الناقصة بينهما وهذا هو المتيقن
مما حكم الأصحاب بعدم المعذورية كما إذا كان الترك مستندا إلى نسيان المكلف
مفهوم الوجوب والنسبة الناقصة بينه وبين المتروك وقد يكون مستندا إلى عزوب
الموضوع عن ذهنه بحيث لو التفت إليه لعلم بحكمه على ما هو عليه وهذا أيضا هو المتيقن
مما حكموا بدخوله تحت الخبر المذكور واما لو التفت إلى الموضوع وغفل عن مفهوم
الوجوب بحيث لو التفت إليه لجزم بالنسبة الحكمية أو التفت إلى مفهوم الوجوب
أيضا وغفل عن النسبة الناقصة بينه وبين الموضوع ذلك فهل يكون ملحقا بالسهو في
الموضوع في المعذورية أو يكون ملحقا بالسهو في الحكم في عدم المعذورية مقتضى
ما قررناه من أن الحالة الطارية على الحكم لا يمكن ان تكون سببا للتقييد في
الموضوع الاعلى التصويب الباطل لحوق ما ذكر بالسهو في الحكم نعم لو قلنا بعموم
الصحيحة وخروج ما خرج بواسطة الاجماع لزم الاقتصار على متيقن.
السادس لو شك ان الترك كان مستندا إلى سهو أو عمد فلا يجوز التمسك
بالرواية لأنه من التمسك بالعام في الشبهات المصداقية الا ان يقال ان الخارج هو

320
العمد المعلوم وهو كما ترى وهل يحكم بالصحة من جهة قاعدة الفراغ من اطلاق
الأدلة ومن عدم مناسبة التعليل الوارد في بعض الاخبار من كونه حين العلم أذكر
للمقام فان صحة العمل بعد القطع بالترك موقوفة على عدم كونه ذاكرا حين العمل
هذا تمام الكلام في هذا الخبر الشريف.
في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر والاخفات
ثم انه بعد البناء على عدم معذورية الجاهل بالحكم استثني من ذلك
موردان:
أحدهما الجهل بالجهر والاخفات فلو قرء جهرا فيما لا ينبغي الجهر فيه أو
أخفت فيما لا ينبغي الاخفات فيه جاهلا بالحكم صحت صلوته ولا يجب الإعادة في الوقت
فضلا عن خارجه. وثانيهما الجهل بوجوب التقصير فلو صلى تماما في السفر مع جهله بالحكم لا
يجب عليه الإعادة والأصل في الأول صحيحة زرارة في رجل جهر فيما لا ينبغي ان يجهر
فيه أو اخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه فقال عليه السلام أي ذلك فعل متعمدا فقد نقص صلوته و
عليه الإعادة فان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى فلا شئ عليه والمراد من الموصول
يحتمل ان يكون الصلاة أي جهر في الصلاة الاخفاتية وأخفى في الصلاة الجهرية
فيكون مورد السؤال ظاهرا في القراءة في الأولتين ويحتمل ان يكون المراد المحل
فيشمل التسبيح في الأخيرتين أو القراءة فيهما ويمكن الحاق الأخيرتين بالأولتين و
ان لم نقل بظهور للوصول في الثاني لان الأوليين هما فرض الله والأخيرتين فرض النبي
صلى الله عليه وآله وسلم فهما أولى بالعذر وفيه ما لا يخفى وكيف كان الظاهر من مورد السؤال الاجهار
فيما لا ينبغي الاجهار فيه بالأصل لا بالعارض فجهر المأموم المسبوق لا يدخل في
الرواية وان توهم اطلاق الصحيحة وشمولها له وكذلك جهر المرأة في مورد يجب عليها
الاخفاء لسماع الأجنبي صوتها بناء على كون صوتها عورة أو لكونه موجبا للريبة و
لو التفت إلى ابدال الجهر بالاخفات أو العكس في أثناء القراءة فمقتضى القاعدة ان
نقول ان جعلنا الجهر والاخفات قيدين للقراءة فيجب الإعادة لبقاء محل التدارك و

321
ان جعلناهما معتبرين في الصلاة فلا يجب التدارك لفوات المحل ويشهد للأخير قوله
عليه السلام فقد نقص صلوته فإنه ظاهر في أن نقض الصلاة انما هو من جهة تفويت الجهر أو
الاخفات لا انه مستند إلى نقصان القراءة المقيدة ولا وجود الزائد في الصلاة ولو قرء
بالصاد المهملة تكون دلالته على ما ذكرنا أقرب مضافا إلى أن بطلان الصلاة لو وقع
الجهر في مورد الاخفات عمدا يكون حين الابدال فيكون الشق الثاني ظاهرا في أنه
حين الابدال لا شئ عليه.
ثم انه لا اشكال في أن اطلاق قوله عليه السلام ناسيا أو ساهيا يشمل السهو والنسيان
في الحكم والموضوع كما أن الظاهر أن قوله عليه السلام أو لا يدرى يشمل عدم الالتفات أصلا
والجهل المركب واما الشاك فمقتضى المفهوم اللغوي للفظ المذكور شموله له ولكن
لا يبعد خروجه عنه عرفا لان المنساق في أمثال المقام إرادة غيره.
ويمكن التفصيل بين الشاك المتمكن من الفحص وغيره بخروج الأول عن قوله
عليه السلام لا يدرى بل يمكن كونه داخلا في قوله عليه السلام فعل متعمدا ودخول الثاني ثم انه لا
اشكال في صلاة الشاك من جهة قصد القربة لأنه يأتي بها رجاء لادراك الواقع مضافا إلى
امكان الجزم في النية مع كونه شاكا في مسألة الجهر والاخفات بان يلتفت إلى أن
حكم الجاهل الاجزاء وان تخلف عن الواقع فالاشكال في صحة صلاة الشاك من جهة
الاخلال بقصد القربة ليس في محله والعمدة شمول الرواية له وعدمه وهل يجزى الجهر
في مورد الاخفات أو العكس جهلا بالموضوع أو من جهة سبق اللسان أولا لا يبعد الأول
لظهور الرواية في أن المناط في البطلان هو العمد هذا تمام الكلام في الجهل بحكم
الجهر والاخفات نعم بقى اشكال عقلي يجب التنبيه عليه وعلى دفعه.
اما الاشكال فهو من جهة الحكم بالاجزاء بالنسبة إلى الجاهل بلزوم الجهر
والاخفات في الصلاة التي يصليها وليس الاجزاء هنا بمعنى خروج المكلف عن قابلية
الامتثال لدلالة الصحيحة على تمامية الصلاة ومقتضاها عدم اعتبار الجهر والاخفات
في موردهما بالنسبة إلى الجاهل واشتراط وجوبهما بالعلم به وهو محال بل مقتضى ما
نسب إلى ظاهر الأصحاب عدم المعذورية من حيث استحقاق العقوبة لو كان الجهل

322
مستندا إلى التقصير وكيف يمكن الجمع بين تمامية العمل وصحته واستحقاق العقوبة
على التكليف المتعلق بذلك العمل.
واما الدفع فبيانه ان من الجائز ان يصير الجهل بالحكم موجبا لاحداث مصلحة
ملزمة لطبيعة الصلاة من حيث هي وكونها في ضمن الفرد المشتمل على خصوصية
الجهر والاخفات فيه مصلحة أخرى ملزمة أيضا فاجتماع كلتا المصلحتين في حالة
مخصوصة صار سببا لتأكد طلب الخاص وإذا اتى المكلف الطبيعة في ضمن فرد آخر
فقد أحرز المصلحة الملزمة التي فرضناها في أصل الطبيعة ويسقط الطلب المتعلق
بالمقيد فان المطلوب به اتيان صرف الوجود بالكيفية الخاصة فإذا تحقق صرف الوجود
لا يمكن ايجاده ثانيا.
فان قلت بعد فرض وجوب كيفية خاصة في صلوته يكون هذا الفرد الذي يأتي به
موجبا لمخالفة الواجب فيصير محرما فيكف يصح وقوعه عبادة.
قلت مخالفة التكليف بالمقيد انما تحصل بترك ذلك المقيد لا باتيان ضده
وقد حقق في الأصول ان فعل الضد ليس علة لترك الضد الاخر كما أن ترك أحد الضدين
ليس مقدمة لفعل الاخر ومما ذكرنا يظهر الجواب عن اشكال ربما يتوهم وهو انه لو
فرضنا ان في الطبيعة من حيث هي مصلحة ملزمة وفى المقيد مصلحة ملزمة أخرى لزم
القول بالاجزاء ان أوجدها في غير تلك الخصوية المعتبرة وان عصى بترك المقيد
المأمور به.
وحاصل الجواب انه لم نقل بان في الطبيعة من حيث هي مصلحة ملزمة مطلقا
بل قلنا انه من الممكن احداث مصلحة ملزمة فيها في حال الجهل بالحكم الأول.
في معذورية الجاهل بالحكم في القصر والاتمام
واما القصر والاتمام فالمشهور على أنه لو أتم في السفر جهلا بحكم المسافر
لا يعيد والأصل في ذلك صحيح زرارة ومحمد بن مسلم قالا قلنا لأبي جعفر عليه السلام رجل صلى
في السفر أربعا أيعيد أم لا قال عليه السلام ان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا

323
أعاد وان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة ودلالته عليه المطلوب واضحة ولا
يعارضه الصحيح الاخر لعبيد الله بن علي الحلبي قلت لأبي عبد الله عليه السلام صليت الظهر أربع ركعات
وانا في سفر قال عليه السلام أعد لكون الأول أخص بل يمكن منع اطلاق الثاني لصورة
الجهل بالحكم الذي هو المورد للصحيح الأول لان الراوي في الثاني فرض نفسه المصلى
أربعا في السفر ويستبعد جدا كون مثل هذا الشخص الجليل جاهلا بمثل هذا الحكم
فسؤال مثل هذا الشخص يحمل على النسيان في الموضوع ولعله لذا امر الإمام عليه السلام
بالإعادة من دون استفصال ولا يعارضه أيضا صحيحة العيص عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته
عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة قال عليه السلام ان كان في وقت فليعد وان كان الوقت قد
مضى فلا لكون صحيحة المتقدمة أخص.
لا يقال نفى الإعادة في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ليس صريحا في خصوص
الوقت بل يعمه وخارج الوقت فلا تعارض بينهما بالنسبة إلى الإعادة خارج الوقت فان
وجوبها منفى بمقتضى كلتا الصحيحتين كما أنه لا تعارض بينهما بالنسبة إلى غير الجاهل
بالحكم فمورد التعارض الإعادة في الوقت في خصوص الجاهل بالحكم فان اطلاق الصحيحة
الأولى ينفي الإعادة والثانية توجبها.
لأنا نقول دلالة الأولى على نفى الإعادة في الوقت كادت تكون صريحة بملاحظة
مقابلته مع الفقرة السابقة المشتملة على وجوب الإعادة على من قرء عليه آية التقصير
وفسرت ولا أقل من كون ظهور الرواية في نفى الإعادة في الوقت أقوى من شمول خبر
العيص للجاهل بالحكم.
لا يقال من قرئت عليه آية التقصير وفسرت يقطع بتعين القصر في المسافر
فكيف يمكن ان يصلى أربعا الا مع نسيان الحكم أو الموضوع والمفروض ان ناسي الحكم
أو الموضوع يجب عليه الإعادة في الوقت دون خارجه لتقييد اطلاق وجوب الإعادة في
صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم بخصوص الوقت بقرينة الاخبار المفصلة وكذلك تقييد اطلاق
عدم وجوب الإعادة في الشق الثاني أعني الجاهل بالحكم بخارج الوقت.
لأنا نقول على هذا ليس للجهل بالحكم مدخلية في عدم الإعادة فان المفروض

324
ان العالم بالحكم أيضا لو نسى أو نسى الموضوع ليس عليه الإعادة خارج الوقت مع أن
الرواية صريحة في التفصيل بين العالم والجاهل واما ما ذكرت من أنه كيف يصلى أربعا
في السفر من يقطع بتعين القصر عليه الا ناسيا للحكم أو الموضوع فصحيح لكن
لم يقع هذا العنوان مورد السؤال ابتداء وكذا لم يتعلق به حكم الإمام عليه السلام ابتداء بل وقع
من الراويين سؤال تفريعا على المطلب السابق أعني بعد ما بين وجوب التقصير على
المسافر عزيمة وبين عدم المنافاة بين وجوب التقصير وقوله تعالى لا جناح
عليكم ان تقصروا من الصلاة قالا فمن صلى أربعا في السفر عليه الإعادة أم لا ففصل
الإمام عليه السلام بين من قرئت عليه آية التقصير وفسرت وبين غيره وهذا غير الصورة التي
يقال ابتداء من قرء عليه آية التقصير وفسرت ثم صلى أربع ركعات يجب عليه الإعادة
حتى يستبعد شموله للعالم بالحكم والموضوع والحاصل ان دلالة الرواية على نفى
الإعادة في الوقت بالنسبة إلى الجاهل بالحكم ليست قابلة للترديد والتأمل وبها
يخصص بعض الاخبار الدال على أن من صلى أربع ركعات في السفر يعيد في الوقت
دون خارجه لو قلنا بشموله للجاهل بالحكم والا مثل ان قلنا بان مصب ذلك البعض ناسي
الموضوع فلا ينافي الحكم بعدم الإعادة في الجاهل بالحكم أصلا هذا تمام الكلام فيمن
صلى في السفر تماما للجهل بالحكم.
ولو انعكس الفرض بان صلى من فرضه التمام لإقامة ونحوها قصرا فقد نسب
إلى المشهور الحكم بالبطلان ولزوم الإعادة لعدم الاتيان بالمأمور به ولكن صحيح
منصور عن الصادق (ع) يدل على الاجزاء قال (ع) إذا اتيت بلدة وأزمعت المقام بها
عشرة قائم الصلاة وان تركه رجل جاهلا فليس عليه الإعادة فان ثبت اعراض الأصحاب
عنه كما قيل إنه من الشواذ ولم يفت به الا ابن سعيد وبعض متأخري المتأخرين لا يعمل به
والا فالقول بالاجزاء متين كما أفتى به بعض.
والحق ان يقال ان الصحيح المذكور ليس صريحا ولا ظاهرا في سقوط
الإعادة عن الجاهل بوجوب التمام في الوقف كما أنه في المسألة السابقة التي

325
كانت عكس ذلك دلت صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم على نفى الإعادة في
الوقت.
بيان ذلك أنه فرق بين ان يترتب عدم الإعادة على القصر في مورد التمام أو
على ترك التمام عن جهل فلو كان الحكم بعدم الإعادة مرتبا على القصر في مورد
التمام فمقتضاه عدم الإعادة في الوقت بواسطة تحقق القصر كما أن صحيحة محمد بن
مسلم وزرارة المتقدمة رتبت عدم الإعادة على التمام في موضع القصر وقلنا بان
مقتضاها سقوط الإعادة في الوقت ولكن صحيحة منصور التي هي مدرك المسألة
تدل على سقوط الإعادة عمن ترك التمام في بلد الإقامة جهلا وترك الواجب الموسع
لا يصدق الا بعدم اتيانه في مجموع الوقت فمن علم بالحكم في الوقت بعد تحقق القصر
لم يصدق انه ترك التمام جهلا نعم يدل على سقوط القضاء عنه.
ويؤيد هذا المطلب أعني سقوط القضاء عن المقصر في موضع التمام الرواية
الواردة في المرأة المسافرة التي صلت المغرب في سفرها ذاهبة وجائية حيث حكم
بعدم شئ عليها فعلم مما ذكرنا ان عدم فتوى المشهور بسقوط الإعادة في الوقت
ليس اعراضا عن مضمون الرواية نعم لو أفتوا بلزوم القضاء أيضا لعدت الصحيحة
المذكورة من الشواذ التي اعرض عنها.
مسألة لو أخل بالطهارة الخبثية جاهلا بالموضوع فان لم يلتفت حتى فرغ من
الصلاة صحت صلوته للاخبار الكثيرة.
منها صحيحة زرارة الطويلة التي تمسكوا بها في باب الاستصحاب وفيها
فان ظننت انه اصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا فصيلت فيه فرأيت فيه قال عليه السلام
تغسله ولا تعيد الصلاة قلت لم ذلك قال عليه السلام لأنك كنت على يقين من طهارتك
فشككت الخ.
ومنها صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل صلى في ثوب فيه جنابة
ركعتين ثم علم به قال عليه السلام عليه ان يبتدء الصلاة قال وسئلته عن رجل يصلى وفى ثوبه
جنابة أو دم حتى فرغ من صلوته ثم علم به قال عليه السلام مضت صلوته ولا شئ عليه.

326
ومنها صحيحة محمد بن مسلم فان أنت نظرت فلم تصبه ثم قد صليت فيه ثم
رأيت بعده فلا إعادة عليك.
اعلم أن الاخبار في هذا الباب اختلفت ومن جبهته اختلفت الفتاوى منها ما عرفت
مما يدل على صحة الصلاة لو جهل المكلف بالنجاسة سواء تفحص أم لا ومنها ما يدل
على اشتراط عدم الإعادة بالنظر والفحص كالصحيحة الأخيرة ورواية صيقل قال
قلت له رجل اصابه جنابة بالليل واغتسل فصلى فما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة قال
الحمد لله الذي لم يدع شيئا الا وقد جعل له حدا ان كان حين قام نظر فلم ير شيئا
فلا إعادة عليه وان كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة وصحيحة معوية بن عمار عن
ميسر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام آمر الجارية فتغسل ثوبي من المنى فلا تبالغ في
غسله فأصلي فيه فإذا يابس قال (ع) أعد صلواتك اما لو كنت أنت غسلته لم يكن
عليك إعادة والجمع بحمل المطلقات على صورة الفحص أو صوره العلم أو الاطمينان
بعدم النجاسة بجعل الفحص والنظر المذكور في الأدلة طريقا إلى احراز عدم
النجاسة لا يمكن بملاحظة التعليل الوارد في الصحيحة حيث إن المذكور فيها ان
عدم الإعادة مستند إلى الطهارة الظاهرية المدلولة بقولهم (ع) لا تنقض الخ ولا
مدخلية للنظر والفحص في جريان الأصل في الموضوعات اجماعا وأيضا ينافي
جواب الإمام عليه السلام لزرارة في هذه الصحيحة بعد ما يسئل عن وجوب النظر بقوله
عليه السلام لا ولكنك تريد ان تذهب بالشك الذي وقع في نفسك إذ لو كان فائدة النظر
عدم الإعادة بعد التبين لكان المناسب ان يذكر الإمام عليه السلام تلك الفائدة فالأولى
حمل الأخبار الآمرة بالإعادة في صورة عدم النظر على الاستحباب.
ويمكن ان يقال ان الاخبار المعلقة لعدم وجوب الإعادة على عدم العلم بالنجاسة
لا تشمل صورة امكان تحصيل العلم بالنحو المتعارف من دون مشقة ولذا يجب
الفحص في الشبهات الحكمية وعدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية انما
يكون بواسطة الاجماع وهو ينفع للاخذ بالأحكام الظاهرية المجعولة للشاك لا
مثل عدم الإعادة عند كشف الفساد إذ ليس هو من قبيل الاحكام الظاهرية المجعولة

327
للشاك كما هو واضح فلا ينافي كون مشكوك الطهارة والنجاسة بل مظنونها بالظن
الغير المعتبر محكوما بالطهارة من دون توقف على الفحص ان يكون عدم إعادة
الصلاة عند زوال الشك وكشف الخلاف معلقا على الفحص.
فان قلت إن مقتضى صحيحة زرارة ان عدم الإعادة لو صلى في النجاسة مع
الجهل بها انما يكون من جهة قاعدة عدم صلاحية نقض اليقين بالشك ولا ريب ان
الشك المأخوذ في تلك القاعدة لا يتوقف اجراء الحكم عليه على الفحص فكيف
يحمل عدم العلم المأخوذ في باقي الاخبار على ما بعد الفحص.
قلت كون صحيحة زرارة من أدلة هذه المسألة قابل للانكار جدا وان عدت
منها لاحتمال ان يكون مراد السائل من قوله فرأيت فيه رؤيته مع احتمال التجدد
بعد الصلاة وهذا انسب بجعل عدم الإعادة مستندا إلى قاعدة نقض اليقين بالشك
كما أجاب به الإمام عليه السلام ولو كان مراد السائل من قوله رأيت فيه وجود النجاسة
حال الصلاة لا يكون الإعادة من صغريات نقض اليقين بالشك حتى يوجب عدم صلاحية
نقض اليقين بالشك عدم الإعادة الا بتمحل وتكلف بين في الأصول في مبحث
الاستصحاب و (ح) فأدلة المسألة هي الاخبار التي علق فيها عدم الإعادة على عدم العلم
بالنجاسة.
تنبيه ربما يتوهم هنا اشكال وهو انه لو كان عدم الإعادة والاجزاء مرتبا على عدم
العلم بالنجاسة فلا يكون للطهارة الواقعية اثر شرعي حتى يكون الشك فيها
موردا لقاعدة حرمة نقض اليقين بالشك وأيضا مع وجود موضوع الحكم الواقعي
لا وقع للحكم الظاهري ولا يحتاج إليه أصلا وبعبارة أخرى الشاك في الطهارة
لعدم علمه بالنجاسة يقطع بجواز دخوله في الصلاة واقعا وعدم وجوب الإعادة عليه
مطلقا سواء تحققت الطهارة واقعا أم لا ومن كان هذا حاله كيف ينبعث من حكم
ظاهري يدور مدار الشك.
وحاصل الدفع ان الطهارة شرط واقعا وعلى تقدير عدمها عدم العلم بالنجاسة
يقوم مقامها ومن لم يعلم بالنجاسة وان كان يقطع بصحة صلوته اجمالا ولكنه لا يدرى

328
ان صحة صلوته مستندة إلى الطهارة الواقعية أو إلى عدم العلم بالنجاسة ولو كان
له طريق أو أصل يحرز الطهارة الواقعية يبنى على صحة صلوته من جهة وجود الطهارة
تعبدا وهذا المقدار من الأثر يكفي في جريان حكم القاعدة وبعبارة أخرى لو
فرضنا امكان الجمع ما بين العلم بالطهارة وعدم العلم بالنجاسة في مكلف واحد
لكانت الصحة مستندة إلى الطهارة لا إلى عدم العلم بالنجاسة فان تأثير عدم العلم
بالنجاسة انما هو بعد عدم الطهارة الواقعية نعم عند كشف الخلاف يعلم أن الصحة
كانت مستندة إلى عدم العلم بالنجاسة وثبوت الطهارة بطريق شرعي أو أصل
شرعي بمنزلة العلم بها فتأمل جيدا.
في حكم ما لو تبين في الأثناء النجاسة
ولو تبين النجاسة في الأثناء فان لم يتمكن من الغسل أو الاستبدال بحيث
لا يستلزم المبطل بطلت بلا اشكال وان تمكن من ذلك فمقتضى صحيحة زرارة الطويلة
بطلان الصلاة حيث قال قلت إن رأيته في ثوبي وانا في الصلاة قال عليه السلام تنقض
الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته وان لم تشك ثم رأيته رطبا
قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدرى لعله شئ أوقع عليك فليس
ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك وكذا مقتضى صحيحة أبي بصير السابقة وحمل
الأخير وان كان ممكنا على صورة عدم امكان الاستبدال أو التطهير كما هو الغالب
فيما بين الصلاة الا ان صحيحة زرارة ناصة في البطلان وان كان متمكنا من ذلك
فلاحظ فليس في البين الا مجرد استبعاد صحة الصلاة مع وقوع تمامها في النجاسة
وبطلانها مع وقوع بعضها فيها وهو استبعاد في مقابل النص.
الا ان الاشكال في أن المشهور لم يفتوا بمضمون الصحيحتين الدالتين على
بطلان الصلاة ووجوب الإعادة لو تبين في الأثناء وجود النجاسة وقد دخل في الصلاة
جاهلا بها بل قالوا بصحة ما مضى من مصلوته ووجوب إزالة النجاسة أو القاء الثوب
النجس وستر العورة بغيره ان أمكن واتمام الصلاة وان لم يمكن الا بفعل

329
المبطل أبطلها.
فان قلت نظر المشهور إلى رواية محمد بن مسلم الامرة بوجوب طرح الثوب
النجس واتمام الصلاة في غيره ومن هذه الجهة حملوا الصحيحتين الظاهرتين في
بطلان الصلاة على معنى لا ينافي ذلك جمعا.
قلت لا يكاد يصح التمسك بالرواية المذكورة لما نحن فيه.
وبيان ذلك موقوف على نقل الرواية وهي حسنة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام
انه قال له الدم يكون في الثوب على وانا في الصلاة فقل عليه السلام ان رأيته وعليك
ثوب غيره فاطرحه وصل في غيره وان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة
عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم فان كان أقل من درهم فليس بشئ رأيته أو لم تره.
وعلى ما رواه في التهذيب وما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشئ بزيادة
الواو وحذف جملة فان كان أقل من درهم فعلى رواية التهذيب الدم المفروض في
الشقين الأولين هو الزائد عن الدرهم ولازم ذلك الحكم بصحة الصلاة مع الدم المفروض
ان لم يكن عليه ثوب آخر ولم يقل به أحد اللهم الا في ضيق الوقت مثلا وعلى رواية
أخرى ان جعلنا قوله عليه السلام ما لم يزد على مقدار الدرهم قيدا لكلا الشقين فلازمه
وجوب طرح الثوب النجس بالدم المعفو في الصلاة وابتناء المضي في الصلاة بالثوب
المفروض على الانحصار وان جعلناه قيدا للأخير فاللازم ابتناء المضي على انحصار
الثوب بما كان نجسا بالدم المعفو ثم على فرض جعل القيد للأخير والاغماض عن
الاشكال فيه والاستفادة من الشق الأول عدم بطلان الصلاة لو تبين في الأثناء النجاسة
لا صراحة له في كون النجاسة من أول الصلاة بل يعم ذلك وأن يكون رؤيتها في
الأثناء مع احتمال التجدد وصحيحة زرارة المتقدمة صريحة في أن تبين النجاسة
في أثناء الصلاة مع العلم بوقوع ما مضى منها فيها موجب للإعادة فيجب حمل الظاهر
على النص.
فان قلت مضمون صحيحة زرارة لكونه معرضا عنه لا يكون محلا للاعتماد
حتى يكون مخصصا لهذه الرواية.

330
قلت لو تحقق الاعراض والسقوط عن الاعتبار لا نحتاج إلى التمسك بهذه
الرواية المضطربة المتن بل يكفي الأدلة الدالة على كفاية عدم العلم بالنجاسة
لصحة الصلاة فما مضى من الصلاة المفروضة محكوم بالصحة للجهل بالنجاسة والاجزاء
الباقية واجدة للشرط بالفرض.
ومحصل الكلام ان الاشكال في المسألة عدم موافقة المشهور والا فدلالة
ما قدمنا من الاخبار على بطلان صلاة من علم في الأثناء سبق النجاسة مما لا اشكال
فيه وليس في الاخبار ما يصلح ان يكون معارضا.
في حكم ما لو نسى النجاسة وصلى
ولو نسى نجاسة ثوبه أو بدنه فصلى مع النسيان فالمشهور بطلان الصلاة
فيجب الإعادة في الوقت والقضاء خارجه وعليه اخبار كثيرة فيها الصحاح وغيرها
الوارد بعضها في الاستنجاء والاخر في غيره.
وفيه ان الأخبار الواردة في الاستنجاء معارضة بمثلها لورود الاخبار بعدم وجوب
الإعادة على من صلى ونسي الاستنجاء واما الأخبار الواردة في غيره فهي أيضا معارضة بصحيح
العلا قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصيب ثوبه الشئ فينجسه فينسى ان يغسله وصلى
فيه ثم ذكر انه لم يكن غسله أيعيد الصلاة قال عليه السلام لا يعيد قد مضت صلوته وكتبت له ولو
حملت الأدلة السابقة على الاستحباب جمعا بينها وبين ما يصرح بعدم وجوب
الإعادة لكان حسنا لكنه مشكل من جهة مخالفة المشهور واشكل من ذلك حمل
الأدلة الامرة بالإعادة على الإعادة في الوقت والأدلة النافية على القضاء إذ لا شاهد
لهذا الجمع سوى ما توهم من رواية ابن مهزيار قال كتب إليه سليمان بن راشد انه
أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك انه اصابه ولم يره وانه مسحه بخرقة ثم نسى
ان يغسله ثم تمسح بدهن فمسح به كفيه ووجهه ورأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلي
فاجابه بخطه اما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشئ الا ما تحقق فان تحققت ذلك
كنت حقيقا ان تعيد الصلوات التي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن
في وقتها وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل ان الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة

331
الا ما كان في وقت وإذا كان جنبا أو على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي
فاتته لان الثوب خلاف الجسد فاعمل على ذلك انشاء الله وأنت خبير بعدم صحة
الاعتماد على مثل هذه الرواية مع ما في متنها من شدة الاجمال والاشكال حتى أنه قال
في الواقع يشبه ان يكون قد وقع فيه غلط من النساخ.
فيما لو تبين النجاسة في الأثناء مع ضيق الوقت
مسألة لو بنينا على أن تبين النجاسة في الأثناء لا يوجب بطلان ما مضى بل يتم
الصلاة لو تمكن من الغسل أو الاستبدال بحيث لا يستلزم المبطل أو كان معه ثوب آخر
يتمكن من الصلاة فيه مع طرح الثوب النجس فلو التفت إلى النجاسة ولم يسع الوقت
لغسل موضع النجاسة أو لم يتمكن من الغسل لفقدان الماء مثلا فان قلنا بأنه عند
دوران الامر بين ان يصلي عريانا أو في ثوب نجس يقدم الثاني مطلقا أو فرض اضطراره
إلى اللبس لبرد شديد ونحوه يمضي في صلوته فان ما مضى من اجزاء الصلاة لا يضر
فيه النجاسة للجهل بحكم الفرض وما بقى سقط عنه شرطية الطهارة وان قلنا بأنه
عند الدوران يتعين الصلاة عاريا يجب عليه طرح الثوب النجس وتتميم الصلاة عاريا
الا إذا كان مضطرا إلى لبس النجس فيتم صلوته في ذلك الثوب ولتحقيق سقوط الستر
أو الطهارة عند الدوران محل آخر واما بناء على البطلان كما عرفت انه مقتضى ما
مضى من الاخبار فلو تبين النجاسة في الأثناء ولم يتمكن من الاستيناف فهل يجزى
اتمام هذا العمل أم لا مقتضى القاعدة الثاني فان ما مضى بمنزلة العدم لكونه فاقدا للشرط
فحاله حال من لم يصل إلى أن ضاق الوقت عن ادراكها.
لا يقال مقتضى أهمية الوقت رفع اليد عن طهارة الثوب والبدن لوقوع الصلاة في
وقتها المضروب لها.
لأنا نقول هذا صحيح البقية التي لم يأت بها واما الاجزاء الماضية التي اتى بها
فاسدة بواسطة فقدان الشرط فلا يقتضى دليل الأهمية امضائها بعد وجودها فاسدة ومن
هنا يظهر بطلان الصلاة على المبنى المذكور وان تمكن من الغسل أو الاستبدال

332
للاجزاء الباقية.
مسألة لو أخل بستر العورة سهوا وأتم الصلاة فالأقوى صحة صلوته وان
التفت في الأثناء واتسع الوقت لاستيناف العمل مع الستر قيل لو تمكن من
المبادرة بالستر بحيث يقع الاجزاء الباقية مع الشرط يصح الصلاة وفيه اشكال
وقد مضى الكلام في ذلك مفصلا في البحث عن لباس المصلي فراجع.
مسألة لو ضاق الوقت عن تحصيل الثوب الطاهر ففي وجوب الصلاة مع الثوب
النجس أو الصلاة عاريا أو التخيير بينهما وجوه والكلام هنا تارة في حكم المسألة
بمقتضى القواعد وأخرى بمقتضى الأخبار الواردة فيها فنقول قد عرفت مما مضى في البحث
عن لباس المصلي ان الركوع والسجود الاختياريين ساقطان عن المصلى العاري بل يومي
ايماء وانما الكلام في أنه يجب على القيام أو القعود أو يتخير بينهما.
إذا عرفت ذلك فنقول ان قلنا ان الستر المعتبر في الصلاة هو الستر الواجب عن
الناظر المحترم بمعنى انه يشترط في الصلاة ستر العورة بأي شئ حصل ولو باليد
فحينئذ يدور الامر بين لبس النجس الذي يفوت به شرط الصلاة وهو الطهارة عن
الخبث والصلاة عاريا ويفوت بها الركوع والسجود الاختياريان دون الستر فإنه
يمكن ستر القضيب باليد والدبر مستور بالأليتين ومقتضى القاعدة تعين الصلاة عاريا
لان الصلاة في هذه الصورة غير فاقد للشرط واما الركوع والسجود الاختياريان فهما
مقيدان بعدم العراء واما في حاله فقد تبدلا شرعا بالايماء وان بنينا على عدم كفاية هذا
النحو من الستر في الصلاة فالامر في المقام دائر بين فقدان أحد الشرطين من الستر
والطهارة ومقتضى القاعدة التخيير واما تبديل الركوع والسجود الاختياريين
بالايماء فقد عرفت الحال فيهما هذا حال المسألة بمقتضى القاعدة مع قطع النظر عن
الأخبار الخاصة واما بملاحظتها فالاخبار مختلفة بعضها يدل على لزوم لبس النجس
بل في بعضها النهى عن الصلاة عريانا والاخر يدل على لزوم الصلاة عريانا موميا
للركوع والسجود مع اختلاف في هذا القسم من حيث القيام والقعود وحمل بعضهم
الأول على صورة التضرر من جهة البرد الشديد بشهادة صحيحة الحلبي عن الرجل

333
يجنب في الثوب أو يصيب البول وليس معه ثوب غيره قال يصلى فيه إذا اضطر إليه
بحمل الاضطرار في الرواية على الاضطرار الخارجي لا الشرعي الحاصل من شرطية
اللبس وظهورها فيما ادعوه وان كان غير بعيد الا ان حمل المطلقات المتعددة الواردة
في مقام البيان على هذا المعنى بعيد بل الحق ان يقال ان الصحيحة من أدلة تعين
الصلاة عاريا فان دليل المنع من الصلاة في الثوب النجس انما يدل على المنع مع
قطع النظر عن الاضطرار وكذلك اطلاق دليل تعين الصلاة عاريا مع قطع النظر عن
الصحيحة مقيد بعدم الاضطرار فدلالة اخبار وجوب الصلاة عاريا بعد ملاحظة
الصحيحة المذكورة كدلالتها قبلها ففي الحقيقة ليس في البين الا أدلة وجوب
الصلاة عاريا وأدلة وجوب الصلاة مع الثوب النجس.
وقد يقال بالتخيير بينهما فان أريد الواقعي فهو فرع كون هذا جمعا عرفيا
وهو محل منع خصوصا مع النهى عن الصلاة عريانا في صحيحة على بن جعفر عليه السلام و
ان أريد الظاهري وهو التخير بين الخبرين فهو فرع التكافؤ والأخبار الدالة على لزوم
اللبس أصحها سندا.
وربما يجمع بينهما بحمل الأخبار الدالة على تعيين الصلاة عاريا على صورة
الامن من المطلع فان خروج صورة عدم الا من منها قطعي فيخصص بها الأخبار الدالة
على وجوب اللبس وفيه مضافا إلى عدم كون الجمع المذكور جمعا عرفيا فان
خروج بعض الافراد من تحت المطلق بالمخصص الخارجي المنفصل لا يوجب صيرورة
المطلق مقيدا انه يلزم حمل المطلقات الدالة على وجوب اللبس على الفرد النادر
جدا فان عدم امكان ستر العورة من الناظر المحترم بعد فرض تبديل الركوع
والسجود بالايماء ولا سيما لو جوزنا القعود مجتمعا كما هو مقتضى بعض الاخبار
في غاية الاستبعاد فالأقوى بحسب الأدلة تعين اللبس لكون الأخبار الدالة عليه
أصحها سندا وليست معرضا عنها بحيث يوجب الوهن في السند لان جماعة من
العلماء قدس سرهم بنوا على التخيير وهو فرع الاخذ بالسند والعمل به وان كان
القول بالتخيير منهم مخدوشا لما مضى من أن التخيير الواقعي فرع كونه جمعا

334
عرفيا والظاهري فرع تكافؤ السند ولكن المقصود ان السند ليس مطروحا
بحيث يعد الأخبار المذكورة مما لم يعمل بها هذا ولكن التحقيق هو القول
بالتخيير واقعا حملا لظاهر كل من الطائفتين على نص الأخرى إذ كل منهما نص
في الرخصة وظاهر في التعيين فيؤخذ النص من كل منهما ويطرح الظاهر واما
النهى عن الصلاة عريانا فمحمول على الكراهة جمعا فيصير المحصل من الاخبار
تخيير المكلف بين الامرين كما هو مقتضى القاعدة الأولية أيضا كما عرفت لكن
الأفضل له الصلاة في النجس كما اختاره بعضهم وان أبيت عن كون هذا جمعا
عرفيا فلا محيص عن التخيير الظاهري بعد ما عرفت من وجود النص الصحيح
في كلا الطرفين.
فيما لو صلى في المكان المغصوب جاهلا
مسألة لو صلى في المكان المغصوب جاهلا فان كان جهله عذرا شرعيا أو عقليا صحت
صلوته وان تبين انه صلى في المكان المغصوب فان إباحة المكان ليست من الشرايط
الشرعية للصلاة حتى يكون الاخلال بها موجبا للفساد بل فساد الصلاة في المكان
المغصوب انما يكون من جهة الاتحاد مع المنهى عنه المانع من حصول القرب وبعد
ما كان معذورا من الحرمة الواقعية لا مانع من حصول القرب وقد حررنا المسألة
مفصلة في الأصول فراجع واما لو لم يكن معذورا فمقتضى القاعدة بطلان الصلاة على
القول بعدم كفاية تعدد الجهة وعلى هذا فقد يقال بعدم لزوم الإعادة متمسكا بحديث
لا تعاد وفيه نظر فان عدم حصول القرب في المسألة على المبنى المذكور عقلي والخبر
لا يدل على الاكتفاء بالعمل المقطوع فساده انما يدل على الاكتفاء بالعمل الناقص
الذي يقتضى القاعدة فساده ثم استكشفنا بدلالة الخبر صحته واقعا من جهة اسقاط
الشرطية أو الجزئية في حال الجهل مثل.
لا يقال ان من الشروط المعتبرة التقرب وعموم الخبر يقتضى كونه شرطا حال
الالتفات واما حال الجهل وان كان مقصرا فيكتفى بصورة العمل مثل التوصليات.

335
لأنا نقول ينفى هذا الاحتمال التعليل في ذيل الصحيحة بان القراءة سنة والتشهد سنة و
لا تنقض السنة الفريضة فان حاصل هذا التعليل راجع إلى أنه بعد حفظ ما هو العمدة في
الصلاة لا يضر الخلل الحاصل من ترك الباقي ومعلوم ان التقرب أهم من الأمور المذكورة بل
ما وجب الصلاة الا مقدمة لحصوله وكيف يمكن عدم رفع اليد من الشارع عن
مثل الركوع ورفع اليد عن حصول القرب الذي هو الغرض الأصلي لتشريع الصلاة هذا
مضافا إلى أن الخبر انما هو متعرض للاجزاء والقيود المرتبطة بموضوع الوجوب و
ان الخلل المستند إلى تركها لا يوجب الإعادة الا من الأشياء المذكورة ولا تعرض
له للخل المستند إلى ترك ما هو خارج عن موضوع الحكم ومرتبط بالغرض كحصول
القرب فمقتضى القاعدة بعد القطع بعدم حصول القرب عقلا بواسطة اتحاد الصلاة
مع ما هو المبغوض فعلا والمعاقب عليه واقعا وجوب الإعادة.
في الاخلال بالأشياء المرتبطة بالركوع
والسجود
مسألة قد عرفت في طي البحث ان الاخلال سهوا بغير الخمسة المستثناة في الخبر لا يوجب
الإعادة فلو أخل سهوا بما هو مرتبط بالركوع أو السجود كالاخلال بالانحناء المعتبر فيهما
بعد صدق الاسم عرفا أو السجود على ما لا يصح أو على مكان نجس أو فقد غير ذلك من الأمور
المعتبرة فهل يحكم بعدم الإعادة أولا فيه اشكال منشأه ان الأمور المذكورة هل هي قيود
للركوع والسجود أم قيود للصلاة وانما يكون الركوع والسجود محلين لها ان قلنا بالثاني
فهي داخلة في المستثنى منه بلا اشكال وان قلنا بالأول فيشكل من جهة ان الاخلال
بتلك القيود اخلال في الركوع والسجود المعتبرين في الصلاة اللهم الا ان يقال ان
الركوع والسجود المذكورين في الرواية هو المسمى العرفي لا ما هو المعتبر في
الصلاة ومنه يستكشف ان تلك الأمور اما قيود للصلاة واما قيود للركوع والسجود
في حال الالتفات والمسألة محل اشكال ويزيد الاشكال فيما اعتبر من الانحناء الخاص
في الركوع والسجود فإنه من المحتمل ان يكون هذا التحديد راجعا إلى تعيين المفهوم

336
وتخطئة للعرف في التطبيق على ما هو خارج عن الحد الشرعي والحق ان يقال ان
الأمور المذكورة في عقد الاستثناء عبارة عما اعتبر شرعا فلو علم بان الكيفية المعتبرة في
حال الركوع والسجود من قيود الصلاة فلا اشكال في أن الاخلال بها لا يوجب
الإعادة كما أنه لو علم بأنها معتبرة في الركوع والسجود فالقاعدة تقتضي الإعادة ولو
شك في ذلك فلو لم يكن لدليل ذلك المقيد اطلاق بحسب المادة يشمل حال السهو يكون
من جزئيات الشك بين الأقل والأكثر وان كان لدليل القيد اطلاق مادة فمقتضى القاعدة
الاحتياط للشك في حكومة لا تعاد فتأمل جيدا.
في حكم زيادة الأركان وغيرها
مسألة إذا زاد ركعة أو ركوعا أو سجدتين في ركعة واحدة أو تكبيرة الاحرام
سهوا بطلت صلوته اجماعا وأما إذا زاد ما عدا المذكورات من الاجزاء غير الأركان
لم تبطل وهل يجب عليه سجدتا السهو في الزيادات الغير المبطلة مقتضى مرسلة
سفيان بن السمط عن أبي عبد الله عليه السلام قال تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك
أو نقصان الوجوب ويدل عليه صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام إذا كنت لا تدرى أربعا
صليت أم خمسا ان نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد، سجدتين بغير ركوع ولا قراءة
سواء كان المعطوف عليه فعل الشرط أم معمول قوله عليه السلام لا تدرى فإنه على الثاني يدل
على ثبوت السجدتين عند العلم الاجمالي بتحقق النقيصة أو الزيادة ومعلوم انه لو لم
يكن كل واحد منهما موجبا للسجدة لما كان هذا العلم موجبا لها.
نعم لو كان معطوفا على معمول لا تدرى ولم يكن قوله أم زدت طرفا لقوله عليه السلام
أم نقصت بل كان طرفا كل منهما عدمه فيكون المعنى لا تدرى نقصت أم لا أو زدت أم لا
فليس دليلا على المطلب لكنه خلاف ظاهر هذا التركيب كما لا يخفى ومثل هذا الصحيح
في المضمون بعض الاخبار الاخر هذا ولكن قد عرفت فيما سبق تقريب ان المراد
بالزيادة كل ما اعتبر عدمه في الصلاة كالتكلم والقهقهة ونظائرهما فلا يكون المرسلة
وما في معناها دليلا على وجوب سجدتي السهو في الزيادة بالمعنى المعروف نعم دلالتها
على لزوم سجدتي السهو في النقيصة ظاهرة ولكن الذي يبعد لزوم سجدتي السهو
في النقيصة ان بعض الأخبار الواردة فيها خال عن ذكرهما مع كونه في مقام البيان
فيدور الامر بين رفع اليد عن ظواهر المطلقات المذكورة أو ظاهر تلك الأخبار الدالة

337
على الوجوب بحملها على الاستحباب أو مطلق الرجحان وليس الأول أولى من
الثاني لو لم نقل بالعكس والمسألة محل اشكال وطريق الاحتياط واضح.
مسألة يستثنى من بطلان الصلاة بزيادة الركعة ما إذا أتم المسافر جهلا بالحكم
وقد مر الكلام فيه وما إذا انسى المسافر السفر أو حكمه والمستند في ذلك خبر أبي بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل ينسى فيصلى في السفر أربع ركعات قال عليه السلام
ان ذكر في ذلك اليوم فليعد وان لم يذكر حتى يمضى ذلك اليوم فلا إعادة عليه والظاهر أن
لفظ اليوم جئ به كناية عن الوقت وضعف الخبر منجبر بالشهرة العظيمة وحكى
عن جماعة دعوى الاجماع عليه والمنقول عن المحقق في المعتبر تواتر الاخبار به
وانه عليه العمل والفتوى من فقهاء آل الرسول صلى الله عليه وآله ويدل على المطلوب أيضا صحيح
العيص قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة قال عليه السلام ان كان
في وقت فليعد وان كان الوقت قد مضى فلا فإنه تدل على ما نحن فيه بالاطلاق.
مسألة لو علم بترك سجدتين ولم يدر انهما من ركعة واحدة أو من ركعتين فتارة
يفرض الكلام بعد الفراغ من الصلاة وأخرى في الأثناء وعلى الثاني تارة يفرض
الكلام بعد عدم امكان تدارك ما فات جزما كما لو دخل في الركوع مع احتمال كون
الفائتين أو إحديهما من الركعة التي قام عنها وأخرى في حال امكان التدارك على
بعض التقادير كما في الصورة السابقة قبل الدخول في الركوع وعلى الثاني تارة
يفرض الكلام في صورة انقضاء محل الفائت وتجاوزه كما لو عرض له هذه الحالة في
المثال السابق حال القيام عن الركعة السابقة أو حال التشهد و أخرى يفرض حال
عدم تجاوز المحل على بعض التقادير اما لو علم بذلك بعد الفراغ من الصلاة فقيل
بوجوب الإعادة فقط دون قضاء السجدتين وقيل بالعكس و قيل بالجمع بينهما.
وتحقيق الحال ان مقتضى العلم الاجمالي بوجوب أحد الامرين اما إعادة
الصلاة واما قضاء السجدتين هو الجمع بينهما لكن الحكم بوجوب الإعادة وعدم
وجوب قضاء السجدتين مقتضى الأصل الجاري في طرفي العلم فان مقتضى استصحاب
بقاء التكليف بالصلاة ووجوب الفراغ من الاشتغال الثابت إعادة الصلاة ومقتضى

338
استصحاب عدم التكليف بالقضاء وأصالة البراءة عنه عدم وجوب القضاء وقد برهن في
محله ان العلم الاجمالي في أمثال المقام لا يؤثر.
لا يقال ان ترك السجدتين معلوم وكون ذلك على وجه تبطل به الصلاة غير
معلوم فالأصل عدمه فيجب قضاء السجدتين لما دل على أن ترك السجود موجب للقضاء.
لأنا نقول ليس كل ترك موجبا للقضاء بل كان بقيد الوحدة وهو أيضا مشكوك
والأصل عدمه فيتعارض الأصلان كما أن قاعدة الشك بعد التجاوز أيضا متعارضة بالنسبة
إلى الطرفين ويمكن للقائل بوجوب الإعادة التمسك بالاستصحاب الموضوعي و
تقريبه ان يقال ان إحدى السجدتين متروكة في إحدى الركعتين يقينا ونشك في
وجود أخرى وعدمها ومقتضى الاستصحاب عدمها فيتحقق موضوع وجوب الإعادة
بانضمام ما هو المعلوم بالوجدان مع ما تحقق بالأصل هذا لكن نظير هذا الأصل جار
لاثبات قضاء السجدة بان يقال نقطع بوجود سجدة في إحدى الركعتين ونشك في
وجود أخرى وعدمها ومقتضى الاستصحاب العدم فيتحقق به موضوع قضاء السجدة و
هذان الأصلان وان كان أحدهما مخالفا لواقع ولكن مجرد مخالفة مفاد الأصل للواقع
المعلوم بالاجمال لا يوجب رفع اليد عن مفاده ما لم يوجب المخالفة القطعية العملية
فيجب بمقتضى الأصلين الإعادة وقضاء إحدى السجدتين واما الأخرى فهي وان كانت
في الوجوب ملازمة معها ولكن لا منجز لها في مرحلة الظاهر فتدبر.
ويشكل بان قضاء السجدة لا يترتب الا على ترك السجدة المنفردة في الصلاة
الصحيحة وبعد ما حكم ببطلانها بمقتضى الأصل الأولى فلا يبقى للأصل الجاري لاثبات
قضاء السجدة موضوع فتحصل مما ذكرنا ان مقتضى الأصل الموضوعي وجوب
الإعادة كما أن مقتضى الأصل الحكمي ذلك واما قضاء السجدتين فمنفي بأصالة العدم
والبرائة.
الا ان يقال ان قاعدة الشك بعد تجاوز المحل بالنسبة إلى الموجب للإعادة
سليمة عن المعارض فتجري ويترتب عليها عدم وجوب الإعادة واما القضاء فيجب عقلا
لعدم لجواز المخالفة القطعية.

339
بيانه ان موضوع دليل قضاء السجدة هو الصلاة الصحيحة غير أنه فاتت منها
السجدة كما أشير إليه سابقا فلا يجرى الأصل المثبت لهذا الأثر أو النافي له الا بعد
احراز ذلك الموضوع والمفروض كون الصلاة مرددة فعلا بين الصحيحة والفاسدة
فلا يجرى قبل احراز صحتها الأصل الموجب لعدم قضاء السجدة فالأصل الموجب
لعدم الإعادة سليم عن المعارض في مرتبته وبعد جريان هذا الأصل لوجود المقتضي
فيه وعدم المانع وان كان موجبا لاحراز صحة الصلاة ولكن لا يجرى الأصل الاخر
للزوم كون الأصل الأول لغوا هذا ما نقل من تقرير بعض أساتيد العصر أدام
الله بقاه.
وفيه منع ان موضوع دليل قضاء السجدة هو الصلاة صحيحة ومجرد لغوية
قضاء السجدة في الصلاة الباطلة لا يوجب ان يكون دليل قضاء السجدة الصلاة
الصحيحة.
بيان ذلك أن الاحكام الواردة لتدارك الخلل الوارد على الصلاة مثل قضاء
الجزء الفائت في بعض الموارد وسجدتي السهو في البعض الاخر احكام حيثية توجب
عدم بطلان الصلاة من جهة خاصة فمن ترك سجدة واحدة فدليل قضائها يقتضى عدم
طرو البطلان للصلاة من هذه الجهة بل يتدارك بقضائها بعد اتمام الصلاة فلو ترك
الركوع أو ركنا آخر مع السجدة الواحدة فدليل وجوب قضائها وان كان غير مفيد
لكن لامن جهة تقيد موضوعه بالصلاة الصحيحة بل من جهة عدم تعرضه لصحة الصلاة
من جهة ترك الركوع أو ركن آخر.
ويترتب على ما ذكرنا انه لو شك في ترك ركن بعد تجاوز محله وشك أيضا في
ترك سجدة واحدة بعد تجاوز محلها أيضا فدليل قاعدة الشك بعد التجاوز يوجب صحة
الصلاة من كلتا الحيثيتين في عرض واحد فلو علم اجمالا بأحد التركين وكان لكل
منهما اثر خاص كما فيما نحن فيه يتساقط الأصلان بالتعارض ومقتضى ذلك التمسك
باستصحاب بقاء التكليف لاثبات وجود الإعادة وبقاعدة البراءة لاثبات عدم وجوب
قضاء السجدة والمسألة محل اشكال والاحتياط بالجمع بين الإعادة وقضاء السجدتين بل

340
وسجود السهو لهما طريق النجاة والله الهادي.
ولو عرضت له الحالة المذكورة في الأثناء بعد ما لم يمكن التدارك فيمكن
ان يقال بعدم ثبوت على الاجمالي بين أحد التكليفين المطلقين بل يعلم اما بثبوت
تكليف مطلق أعني وجوب استيناف الصلاة واما بثبوت تكليف مشروط باتمام الصلاة
وهو قضاء السجدة فلا مانع لاجراء قاعدة الشك بالنسبة إلى احتمال فوات السجدتين
معا فيترتب عليه عدم وجوب الإعادة وكذا بالنسبة إلى فوتهما منفردتين فيترتب
عليه عدم وجوب القضاء على تقدير التمام والعمل على طبق الأصلين وان كان مخالفا
للواقع ولكنه ليس مخالفا للتكليف القطعي الفعلي الذي يكون مخالفته مانعة
لجريان الأصول في أطراف العلم الاجمالي هذا ولكنه مخدوش بما قررنا في الأصول
في تحقيق الواجب المشروط من أن مخالفته من غير ترك الشرط الذي علق عليه
محرمة بحكم العقل كالواجب المطلق وفر عنا عليه وجوب المقدمات قبل تحقق الشرط
لو علم بتحقق الشرط في محله فح الاذان الذي يترتب عليه مخالفة أحد التكليفين اما
المطلق واما المشروط في ظرف تحقق شرطه قبيح كالاذن في مخالفة أحد الواجبين
على الاطلاق ولكن يمكن ان يقال ان الاتمام الذي يترتب عليه قضاء السجدتين على
تقدير الصحة لا يجب لان وجوبه انما هو من جهة حرمة القطع وهي على فرض التسليم
المتيقن منها فيما يمكن الاتمام الذي يوجب الفراغ القطعي واما في مثل الصلاة التي
لا يجوز الاكتفاء بها في مقام الامتثال فلا دليل على حرمة قطعها وان كانت صحيحة
في الواقع وعلى هذا يجوز قطع الصلاة واستينافها رأسا فيكون هذا الفرع كالسابق
في الاكتفاء بالإعادة وعدم قضاء السجدتين والفرق ان ذلك في السابق بواسطة انحلال
العلم الاجمالي بالأصل الجاري في طرفيه وفى المقام بواسطة القطع بوجود التكليف بالصلاة
وعدم الموجب لقضاء السجدتين.
نعم لو أتمها رجاء يأتي فيها ما مر في الفرع السابق ونظير ذلك في الحكم
ما لو علم بذلك في حال امكان التدارك ولكن بعد أن قام من الركعة السابقة أو دخل في

341
التشهد فان له شكوكا ثلاثة أحدها كون المتروك سجدتين من ركعة سابقة والثاني
كونه سجدتين من هذه الركعة التي قام عنها والثالث كون إحديهما من السابقة و
الأخرى من هذه وكل من هذه الشكوك شك في شئ بعد التجاوز عن المحل فيأتي
فيه ما تقدم في الفرع السابق نعم لو عرض له تلك الحالة في حال الجلوس وكان من
أطراف الاحتمال كون السجدتين الفائتتين من هذه الركعة فمقتضى القاعدة وجوب
اتيان السجدتين في هذه الركعة واتمام الصلاة ولا شئ عليه لجريان قاعدة الشك
بالنسبة إلى احتمال كون السجدتين معا أو إحديهما من الركعة الماضية واما احتمال
كون الفائت من هذه الركعة فليس الشك فيه بعد التجاوز عن المحل فمقتضى لزوم
الاتيان بالمشكوك قبل التجاوز عن المحل لزوم اتيان السجدتين في هذه الركعة
فينحل العلم الاجمالي.
ولو علم بعد الدخول في السجود انه فاته ركوع أو قراءة فان قلنا بعدم
وجوب سجدتي السهو للقراءة المنسية صحت الصلاة لجريان قاعدة الشك بالنسبة
إلى احتمال ترك الركوع من دون معارض وان قلنا بوجوب سجدتي السهو
لم تتعارض القاعدة فيهما فيحتاط بالاتمام وسجدتي السهو ثم إعادة الصلاة هذا إذا قلنا بعدم
امكان تدارك الركوع بعد الدخول في السجدة الأولى والا فيحتاط بالركوع واتمام الصلاة
وسجدتي السهو ولا شئ عليه لان احتمال زيادة الركن ينفى بالأصل وكذا لو علم
اجمالا بعد الدخول في السجدة الأولى بفوات الركوع من هذه الركعة أو السجدة الواحدة
من السابقة فيحتاط على القول بعدم امكان تدارك الركوع بالاتمام وقضاء السجدة و
الإعادة وعلى القول بالامكان باتيان الركوع واتمام الصلاة وقضاء السجدة ولو علم
بفوات السجدتين من الركعة التي قام عنها أو القراءة من هذه الركعة تلافاهما ولا
شئ عليه الا ان الاحتياط حسن لاحتمال زيادة الركن في الصلاة.
ولو سهى عن التسليم والتفت قبل وجود ما يبطل مطلقا يتدارك وان التفت
بعده فهل يحكم بالصحة من حيث إن التسليم ليس من الأركان أو البطلان لان المنافى

342
وقع في أثناء الصلاة وجهان: الظاهر الأول فان المنافى وان وقع في الأثناء الا ان دليل
اسقاط الجزء المنسى يجعله كالواقع بعد الصلاة هذا ان قلنا بان موضوع العفو عن
الساهي يتحقق بطر وشئ يوجب عدم امكان التدارك واما ان قلنا بان الموضوع السهو
المستمر في علم الله إلى زمان لا يقبل التدارك فالامر فيه أسهل فان وقوع المنافى
يكشف عن أن التسليم لم يكن جزء من أول الامر.
في احكام الشكوك
الفصل الثاني في الشك وهو اما في أصل الصلاة واما في الشرائط والاجزاء
واما في الركعات.
اما القسم الأول ففيه مسائل: الأولى من شك في أنه هل صلى أولا فان انقضى
الوقت لا يعتنى به يبنى على عدم وجود المشكوك وان كان الوقت باقيا وجب الاتيان به و
هذا لا اشكال فيه للأخبار الخاصة والعمومات الدالة على أن الشك في وجود الشئ
بعد انقضاء محله ليس بشئ.
الثانية لو علم بأنه صلى صلاة العصر ولم يدر هل صلى الظهر أو لا يجب عليه
صلاة الظهر فان محله لم ينقض لاختصاص الترتيب بالملتفت مع أنه لو كان الترتيب
من الشروط الواقعية لما أوجبت القاعدة إلا صحة العصر من حيث ترتبه على الظهر
لا وقوع الظهر من حيث إنه واجب مستقل ويحتمل عدم الاعتناء بناء على كون المحل
الملحوظ في الدليل أعم من المحل العادي ويؤيد ذلك التعليل الوارد في بعض
الاخبار بأنه حين العمل أذكر فان ظاهره ان احتمال عدم وجود المشكوك لكونه
على خلاف العادة لا يعتنى به.
الثالثة لو لم يبق الا مقدار الاختصاص بالعصر وعلم أنه اتى بها وشك في أنه
اتى بالظهر أولا فان قلنا بشمول الأدلة للتجاوز عن المحل العادي فلا اشكال وان
خصصنا المحل الملحوظ في الأدلة بالمحل الشرعي فعدم الاعتناء بهذا الشك مبنى
على جعل الوقت في الجزء الأخير من النهار مختصا بالعصر مطلقا وان لم تكن الذمة

343
مشغولة بها واما لو قلنا باختصاص الوقت للعصر لمن اشتغلت ذمته بها واما من فرغ
ذمته منها ولم يصل الظهر فالوقت باق للظهر حقيقة فحينئذ الشك في وجود الظهر في
وقت العصر الشك في الشئ مع بقاء محله شرعا.
ولو كان شاكا في الظهر ولم يكن آتيا للعصر لم يلتفت إلى الشك في اتيان
الظهر لأنه من الشك في الشئ بعد انقضاء وقته ومحله وان كان الأحوط قضاء الظهر
أيضا.
ولو كان شاكا في الظهر والعصر في الوقت المختص بالثاني اتى بالثاني
لأن الشك فيه من مصاديق الشك في الشئ قبل انقضاء محله فمقتضى هذه القاعدة و
الاستصحاب وجوب الاتيان به واما الأول فلا يجب الاتيان به لانقضاء محله شرعا بحكم
القاعدة والاستصحاب وان كان من المحتمل بقاء محله واقعا بان كان آتيا بالعصر
واقعا وقلنا بأنه على هذا التقدير لم ينقض وقت الظهر ويمكن ان يقال بان القاعدة
والاستصحاب وان اقتضيا وجوب الاتيان بالعصر ولكن الحكم بوجود الظهر من باب
قاعدة الشك بعد الوقت يتوقف على اتصاف الشك الموجود بكونه بعد الفراغ ولا
يثبت الاتصاف المذكور بالقاعدة والاستصحاب الا بالأصل المثبت.
فان قلت لما كان المفروض انه لم يبق من الوقت الا مقدار أداء العصر فالظهر
غير واجب عليه وبعد الفراغ من العصر يشك في توجه امر القضاء ومقتضى الأصل
البراءة.
لا يقال يكفي في لزوم القضاء استصحاب عدم الاتيان بالظهر.
فانا نقول ان القضاء تابع لصدوق الفوت واستصحاب العدم لا يثبت الفوت.
قلت فوت الصلاة التي فيها مصلحة تامة كما هو المفروض ليس الا عدم ايجادها
إلى زمان لا يمكن الوصول إليها وليس أمرا وجوديا يكون للعدم دخل في تحققه
نظير عنوان الحدوث المنتزع من عدم الشئ إلى زمان ووجوده متصلا بذلك الزمان و
بعبارة أخرى حقيقة الفوت عبارة عن انتهاء لعدم الخاص إلى زمان لا يمكن ان يتدارك
والصلاة في الوقت يستصحب عدمه إلى زمان لا يمكن تداركها وليس الفوت الا هذا المعنى

344
إذا شك في فعل الصلاة وقد بقى من الوقت ركعة
الرابعة إذا شك في فعل الصلاة وقد بقى من الوقت مقدار ركعة فهل ينزل
منزلة تمام الوقت ويحكم على هذا الشك بما يحكم على الشك في فعل الصلاة في
الوقت أولا وجهان منشأ الأول دليل تنزيل الوقت ومنشأ الثاني ان التنزيل انما
وقع لمن لم يدرك الصلاة في الوقت الاختياري وهو مشكوك بل مقتضى الاخذ بالقاعدة
لتحقق موضوع مع قطع النظر عن هذا التنزيل ادراك المكلف المذكور مجموع
الصلاة في الوقت المجعول للمختار فان الشك في الصلاة بعد مضى الوقت المجعول
لها أولا شك فيها بعد خروج الوقت ومقتضى قاعدة الشك بعد الوقت الحكم بتحققها
فيخرج به عن موضوع دليل تنزيل الوقت ويمكن ان يقال انه يكفي في صدق الشك
في الصلاة مع بقاء وقتها كون الوقت صالحا لوقوع العمل فيه شرعا ولو على تقدير
عدم الصلاة قبله وهذا المقدار محقق بعد تنزيل هذا الوقت منزلة الوقت الأصلي لمن
لم يأت بالصلاة.
وفيه ان مجرد صلاحية الوقت للعمل على تقدير عدمه قبله غير مفيد ما لم يحرز
التقدير المفروض وهو غير محرز واحرازه بواسطة الاستصحاب غير صحيح لتقدم
القاعدة عليه كما حقق في محله هذا مضافا إلى امكان ان يقال ان التنزيل
ليس ناظرا إلى تنزيل الشك منزلة الشك في الوقت.
نعم يمكن ان يقال ليس موضوع التوسعة من لم يصل إلى زمان لم يدرك الا مقدار
ركعة بل الموضوع من لم يكن له الوقت المضروب للصلاة أولا الا مقدار ركعة و
تظهر فائدة هذه التوسعة لمن لم يصل إلى ذلك الوقت وفرق ظاهر بين الامرين و (ح)
ان قلنا بان الوقت المجعول لمن لم يدرك وقت واقعي فلو شك من لم يدرك الا ركعة في
أصل صلوته شك فيها في وقتها الواقعي وجدانا وان قلنا بان الزائد يقع خارج الوقت
ولكن الشارع نزله منزلة الوقت الواقعي فدليل التنزيل حاكم على أدلة الوقت
كما أنه حاكم على أدلة الشك بعد الوقت.

345
فان قلت على فرض التنزيل القدر المتيقن هو ترتيب آثار الوقت وفائدته تظهر
لمن لم يصل إلى ذلك الوقت واما تنزيل الشك منزلة الشك في الوقت فلا.
قلت لا مانع من الاخذ باطلاق التنزيل فان من آثار بقاء الوقت واقعا ان من
شك في الصلاة فيه يجب عليه الاتيان بها كما أن من آثاره انه من لم يصل يجب عليه
الاتيان بها فحال الوقت التنزيلي حال الوقت الثابت بالاستصحاب فان من آثاره وجوب
الصلاة على من لم يصل إلى ذلك الزمان ومن آثاره أيضا ان من شك في اتيان الصلاة
يكون شاكا فيها في الوقت وان كان يكفي في هذه المسألة نفس اشتغال الذمة بالصلاة
شرعا لعدم احراز ان الشك المزبور شك في العمل بعد الوقت حتى يكون حاكما
على الاستصحاب المثبت للاشتغال.
ولو شك في الظهرين وقد بقى من الوقت
خمس ركعات
ولو شك في الظهرين وقد بقى من الوقت خمس ركعات فتارة يعلم بعدم
التفكيك بينهما وأخرى يحتمل التفكيك.
وعلى الثاني تارة يعلم بأنه لو اتى بأحديهما لكان هي الظهر وأخرى يحتمل
ان المأتى بها كل واحدة من الصلاتين.
اما القسم الأول وهو يقطع اما بعدم الاتيان بكلتا الصلاتين واما باتيانهما
معا فعلى ما قررنا سابقا يكون الشك في الظهر شكا بعد الوقت فان المفروض عدم
بقاء أربع ركعات للظهر واما الشك في العصر فيكون شكا فيها في وقتها ومقتضى
ذلك الحكم بوجود الظهر وعدم الاتيان بالعصر الا ان الاشكال القطع بلغوية العصر
فإنه يعلم اجمالا اما بوجودها سابقا واما بكونها باطلة للاخلال بالترتيب فهل يمكن
ان يقال ببرائة الذمة من كلتيهما اما الظهر فلقاعدة الشك بعد الوقت واما العصر
فللقطع باللغوية أو يجب عليه العصر على نحو يقطع بفراغ ذمته وهو ان يأتي بالظهر
مراعيا للترتيب المعتبر أظهر هما الثاني لأنه لو كانت ذمته مشغولة بالعصر واقعا،

346
فلا تفرغ الا باتيان العصر مرتبا على الظهر والمفروض اشتغال ذمته بحكم القاعدة
فيجب عليه اتيان الظهر رجاء مقدمة لحصول الترتيب نعم يجوز له على المبنى
المتقدم التأخير إلى أن لا يبقى الا مقدار أربع ركعات من الوقت لفراغ ذمته من الظهر
بحكم القاعدة وعدم تضيق الوقت بمقدار تأخيرها ركعة واحدة هذا إذا قطع بعدم
التفكيك بين الظهرين في التحقق وعدمه واما لو احتمل التفكيك فلو لم يحتمل
الاتيان بالعصر دون الظهر كانت الاحتمالات بين ثلث اتيانهما معا وعدم اتيانهما
كذلك والآتيان بالظهر دون العصر فشكه في الظهر شك فيها بعد مضى وقتها و
شكه في العصر يكون في وقتها والكلام فيه هو الكلام في السابق واما لو احتمل
الاتيان بالعصر دون الظهر مع الاحتمالات الثلاثة المتقدمة فلا يمكن اجراء حكم الشك
بعد الوقت بالنسبة إلى الظهر لاحتمال كون الوقت المفروض وقتا للظهر واقعا
فيعامل في هذا الفرض معاملة القطع بعدم الاتيان بهما معا هذا كله بناء على أن
موضوع توسعة الوقت بقاعدة من أدرك هو من لم يصل حتى ضاق الوقت الا بمقدار
ادراك ركعة واما بناء على أن الموضوع من لم يكن له الوقت المضروب أولا فالشك
بالنسبة إلى كلتا الصلاتين شك قبل مضى الوقت فيعامل على هذا المبنى معاملة القطع
بتركهما معا في جميع الصور الثلث المتقدمة.
الخامسة لو شك في بقاء الوقت مع كونه شاكا في الصلاة فحكمه
حكم من شك في الصلاة مع بقاء الوقت واقعا فان استصحاب الوقت يترتب عليه هذا
الحكم كما مر بيانه سابقا.
السادسة لو شك في أثناء العصر انه صلى الظهر أولا وكان في الوقت المشترك فان
قلنا بان المعتبر في الشك بعد المحل مضى المحل الشرعي فالشك في المثال المفروض داخل
في الشك في الشئ مع بقاء الوقت فيعدل إلى الظهر وان قلنا بما يعم المحل العادي
فهذه الشك لا ينبغي به واما لو كان في الوقت المختص بالعصر فيبنى على وجود الظهر
على أي حال.
السابعة ولو علم باتيان أحد من الظهرين فلو كان في الوقت المشترك يجزيه

347
الاتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمة اما لو كان في الوقت المختص بالعصر فيمكن
جعل الواقع ظهرا لأن الشك بالنسبة إليه شك بعد الوقت ولو بضميمة استصحاب عدم
العصر كما بينا سابقا لكن قد مر الاشكال فيه أيضا فراجع ولو علم باتيان أحد العشائين
ففي الوقت المشترك يأتي بهما جميعا اما في الوقت المختص بالعشاء فيبنى على وقوع
المغرب وعدم وقوع العشاء ولكن يأتي فيه الاشكال السابق أيضا.
في بعض من الكلام في قاعدة التجاوز
واما القسم الثاني وهو الشك المتعلق بالشرائط والاجزاء فمحصل الكلام
فيه انه كلما شك في شئ من الصلاة سواء كان من اجزائها الخارجية أم من القيود فان
لم يتجاوز محل المشكوك يجب الاتيان به وان تجاوز محل المشكوك لا يجب والميزان
في صدق التجاوز انه لو اتى به فعلا يقع على خلاف الترتيب المجعول له شرعا أو عادة
على اشكال في الثاني واما الدخول في الغير فان كان محققا للتجاوز فلا اشكال في
اعتباره والا ففي اعتباره اشكال من حيث إن الدخول في الغير وان كان مذكورا في بعض
الاخبار ولكنه غير مذكور في الاخر ومقتضى الاخذ بالاطلاق عدم اعتباره ومجرد ذكره
في بعض الأدلة لا يصلح لان يكون مقيدا للاطلاق المستقر ظهوره لعدم ظهوره في
القيدية بل احتمال وروده مورد الغالب قريب جدا.
ثم على تقدير اعتبار الدخول في الغير فهل يكفي مطلق الغير حتى مثل
الهوى والنهوض إلى القيام مما ليس من اجزاء الصلاة أو يعتبر الغير المخصوص
الظاهر الأول لاطلاق بعض الأدلة
لا يقال تقييد الإمام عليه السلام عدم الاعتناء بالشك في الركوع بالدخول في السجود
وكذا عدم الاعتناء بالشك في السجود بالقيام يدل على عدم الاكتفاء بكل شئ
يكون مرتبا على المشكوك والا لوجب ذكر الهوى في الأول والنهوض إلى القيام
في الثاني.

348
لأنا نقول هذا أيضا لا يصلح لان يكون تقييدا لاحتمال وروده مورد الغالب
فان الغالب عدم تحقق الشك في الركوع عند الهوى لقربه من المشكوك وهكذا
الشك في السجود بالنسبة إلى حال النهوض إلى القيام ومما ذكرنا من عدم اعتبار
الدخول في الغير يظهر عدم الاعتناء بالشك في الكيفية المعتبرة في القراءة مثلا
بعد المضي عن نفس القراءة وان لم يدخل في الغير فان محل تلك الكيفية
قد انقضى.
ولو شك في الشرط المعتبر في الصلاة فان كان قبل الشروع فيها فلا اشكال
في لزوم احرازه وان كان بعد الفراغ منها فالشك فيه بالنسبة إلى الصلاة الماضية
شك في الشئ بعد انقضاء محله وبالنسبة إلى الصلوات الآتية شك في الشئ قبل
انقضاء محله فيجب احراز الشرط للصلوات الآتية وهذا مما لا اشكال فيه.
في حكم الشك في الشرط في أثناء الصلاة
واما لو التفت في الأثناء فهل يحكم بوجود الشرط لهذه الصلاة المتلبس
بها أولا يمكن القول بالأول نظرا إلى أن الاجزاء اللاحقة وان كانت مشروطة
بالشرط كالسابقة وذلك الشرط بملاحظة الاجزاء الآتية من الصلاة محله باق الا ان
محل احراز ما يكون شرطا لمجموع الصلاة ليس الا قبل الصلاة فهو بهذه الملاحظة
مما قد انقضى محله ويمكن ان يفرق بين يكون الشرط المشكوك فيه في الأثناء
من قبيل الستر وبين كونه من قبيل الطهارة إذ في القسم الأول ما هو شرط للصلاة
شرعا هو التستر الذي يكون محله مجموع الصلاة فهو بالنسبة إلى ما بقى من الصلاة
محله باق واما ما كان محله قبل الصلاة فهو مقدمة لهذا الشرط الشرعي لا
نفس الشرط.
واما القسم الثاني فان جعلنا الشرط للصلاة هو نفس الغسلتين والمسحتين فلا
اشكال في أنه لو شك في الأثناء فهو شك في الشرط بعد انقضاء محله وان جعلنا
الشرط هو الطهارة المتحصلة من الافعال المذكورة فمحل نفس الشرط وان لم ينقض

349
بعد في الأثناء الا ان محل المحصل قد انقضى فالشك في المحصل شك في الشئ
بعد انقضاء محله فمقتضى عموم اخبار الباب البناء على تحققه فيترتب عليه الطهارة
لهذه الصلاة المتلبس بها نعم لا ينفع للصلوات الآتية كما لا يخفى ودعوى ظهور الأدلة
في ما إذا كان المشكوك من الاجزاء والشرائط للعمل ممنوعة.
في مسائل متعلقة بالمقام
مسائل: الأولى قد عرفت ان مقتضى الاطلاق كفاية تجاوز المحل في عدم
الالتفات إلى الشك وان سلم اعتبار الدخول في الغير يكفي مطلق الغير المرتب على
المشكوك وان كان مثل الهوى والاخذ في القيام لكن قد ورد النص في الشك في
السجود بأنه ما لم يستو قائما يرجع وهو رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال
قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل ان يستوى جالسا فلم
يدر اسجد أم لم يسجد قال عليه السلام يسجد قلت فرجل نهض من سجوده فشك قبل
ان يستوى قائما فلم يدر اسجد أم لم يسجد قال عليه السلام يسجد و (ح) فيجب
الاقتصار على خصوص الشك في السجود فلو شك في التشهد وهو آخذ في القيام
لم يلتفت لاطلاق القاعدة والظاهر أن مورد السؤال الشك في السجود في حال الاشتغال
بالقيام عن السجدة لا عن التشهد فلو شك في السجود وهو اخذ في القيام عن
التشهد لم يلتفت وكذا لو شك في السجود وهو مشتغل بالتشهد.
الثانية الظاهر جريان القاعدة في صلاة المضطر فمن كان فرضه الجلوس
فشك في السجود وهو في حال الجلوس فان علم أن هذا الجلوس بدل عن القيام
لا يلتفت وان شك في ذلك ففيه اشكال من حيث عدم احراز موضوع القاعدة حتى
يبنى على الوجود وعدم احراز مورد صحة الاستصحاب حتى يبنى على العدم فان
الاستصحاب قد خصص في مورد جريان القاعدة واقعا ومقتضى الاحتياط اتمام الصلاة
اما باتيان السجدة واما بعدمه ثم الاستيناف ويمكن القول بكفاية تدارك السجدة
واتمام الصلاة فإنه لا يبقى الا احتمال الزيادة ومقتضى الأصل عدمها ولكن يمكن

350
ان يقال بدخول الشك المفروض في موضوع الشك قبل التجاوز اما بواسطة استصحاب
عدم الدخول في الغير ان اعتبرناه واما بواسطة استصحاب عدم تجاوز المحل ان
لم نعتبر الدخول في الغير.
ويمكن القول بجريان استصحاب عدم الاتيان بالجزء المشكوك فيه.
بيان ذلك أن القواعد الحاكمة على الأخرى ليست من قبيل المخصصات الواقعية بل يكون
حكومتها على الأخرى بعد فعليتها والالتفات إليها واما نفس المجعول الواقعي من
دون ان يكون للمكلف طريق إليه فليس منافيا للحكم المجعول في قاعدة أخرى
إذ ليس المجعول في تلك القواعد الحاكمة الا مثل المجعولات الأولية فكما ان
النجاسة الواقعية مثلا لا تنافى الحكم بالطهارة ظاهرا عند الشك كذلك النجاسة
المجعولة باستصحاب الحالة السابقة لو لم يكن للمكلف طريق إليها لا تنافى جعل
الطهارة ظاهرا.
في بيان حكومة قاعدة التجاوز على الاستصحاب
إذا عرفت ذلك فنقول لو جعلنا تقدم قاعدة الشك بعد المحل على الاستصحاب
من باب الحكومة فلازم ذلك أن رفع اليد عن الاستصحاب انما يكون في مورد
يصح الاستناد إليها حتى تكون رافعة للشك المأخوذ في الاستصحاب ولو حكما و
اما فيما نحن فيه فلما لم يمكن الاستناد إلى القاعدة لعدم احراز الموضوع فالمرجع
هو الاستصحاب لتحقق موضوعه وعدم ارتفاع الشك المأخوذ فيه بواسطة حكومة
القاعدة كما هو المفروض.
إذا عرفت ذلك فنقول ان مقتضى التعليل الوارد في القاعدة بأذكرية المكلف عند
العمل ان النظر إليها نظر الطريقية وان لم نقل بكونها طريقا على الاطلاق كالأمارات و
لكن حالها حال الاستصحاب في كونها ناظرة إلى اثبات الواقع للشاك وفى دوران الامر بين
تقديم الاستصحاب على القاعدة أو العكس رجحنا العكس للزوم لغوية القاعدة لو قدم
الاستصحاب (فح) يكون القاعدة طريقا بالنسبة إلى الاستصحاب وقد بينا سابقا ان دليل

351
القواعد الحاكمة على الأخرى ليس مخصصا بحسب الواقع لمدلول القاعدة المحكوم
عليها بل يقدم بعد التفات المكلف إليه وصيرورته مورد التمسك فلو لم يحرز موضوع
دليل الحاكم كما فيما نحن فيه فلا وجه لرفع اليد عن عموم دليل الاخر.
الثالثة لو شك في شئ وهو دخل في غيره ولكن احتمل شكه فيه قبل ذلك و
قد غفل ودخل في الغير يجرى فيه الاشكال السابق فإنه لو كان مشكوكا قبل ذلك
فالشك الموجود ليس من مصاديق الشك بعد المحل فان المراد منه الشك الحادث
بعده وعلى هذا الفرض هو عين الشك السابق الذي غفل عنه فلا يعلم دخوله في القاعدة
ولا في الاستصحاب لما مضى وحينئذ فان كان المشكوك من قبيل القراءة فيأتي بها
بقصد القربة المطلقة وان كان من قبيل الأركان يمكن القول بكفاية الاتيان به
على نحو الاحتياط واتمام الصلاة فإنه ليس في البين الا احتمال الزيادة المدفوع
بالأصل هذا ولكن قد مر في المسألة السابقة تقريب جريان استصحاب عدم الجزء
المشكوك فيه.
في الشكوك المتعلقة بالركعات
واما القسم الثالث وهو الشك المتعلق بالركعات فيقع الكلام فيه في طي
مقامات: الأول المشهور اعتبار الظن في عدد الركعات مطلقا سواء كان في الأخيرتين
أم في الأوليين وهو في الأخيرتين لا اشكال فيه ظاهرا واما الأوليان فقد استدل على
حجية الظن فيهما بالنبوي صلى الله عليه وآله وسلم إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أي ذلك أحرى
فليبن عليه بناء على أنه ليس المراد الشك في أصل الصلاة لعدم اعتبار الظن فيه قطعا
فالمراد الشك المتعلق بركعات الصلاة والأعم منها ومن الافعال وبمصححة صفوان
إذا لم تدر كم صليت ولم يقع وهمك على شئ فأعد الصلاة والمراد به اما ما اصطلح
عليه الفقهاء وهو التردد بين احتمالات كثيرة أو مطلق الشك في الأوليين وعلى أي
حال فهي واضحة الدلالة على اعتبار الظن في الأوليين اما مطلقا ان قلنا بالاحتمال
الثاني واما في الجملة ان قلنا بالأول ويتم بعدم الفصل وعلى أي حال يجب تقديمها

352
على الأدلة الدالة على اعتبار اليقين في الأوليين فإنه لو جعلنا اعتبار الظن هنا بملاحظة
كونه طريقا وانه بمنزلة العلم فلا اشكال في تقديم دليل اعتباره لحكومته على تلك
الأدلة وان جعلنا الاخذ بطرف الراجح تعبدا صرفا يقدم على تلك الأدلة أيضا
لا خصية هذا الدليل هذا غاية تقريب الدليل في اعتبار الظن في الأوليين ولا يخفى ما فيه
لان النبوي صلى الله عليه وآله وسلم غير معتبر سندا ومجرد مطابقته لفتوى المشهور لا يوجب الانجبار
ما لم يعلم استنادهم إليه وهو غير معلوم واما رواية صفوان فلاحتمال ان يكون المراد
التردد بين احتمالات كثيرة ويكون النسبة بينها وبين الأدلة الدالة على اعتبار العلم
عموما من وجه لان التردد بين احتمالات كثيرة أعم من أن يكون قدر متيقن في البين
أولا فمن موارده إذا حفظ الأوليين ثم تردد بين احتمالات شتى نعم لو استفدنا كون
اعتبار الظن من حيث الطريقية يتم المقصود فإنه يكون دليل اعتباره حاكما على
أدلة اعتبار العلم في الأوليين ولكنه في غاية الاشكال.
في بيان حال الظن في الافعال
الثاني هل الظن معتبر في الافعال أولا المشهور نعم واستدل عليه بعد نقل
الاجماع بالنبوي صلى الله عليه وآله السابق بناء على شموله للشك في الافعال وبأنه لو كان الظن
معتبرا في الركعة كان اعتباره في فعل من أفعال الصلاة أولى قطعا فان الركعة
ليست الا مجموع الافعال فإذا اعتبر في المجموع كان بالحجية في ابعاضها أولى بل
يمكن عده من دلالة اللفظ بمفهوم الموافقة وبان الأوليين انما لم يعتبر فيهما الشك
لكونهما فرض الله كما نص عليه في كثير من الروايات فإذا اعتبر الظن فيهما كما أنه
المفروض فاعتباره في مثل القراءة التي هي سنة أولى ولا فرق بين القراءة والأركان
قطعا وبأنه كيف يعتبر الظن في الركعة التي لا تسقط بحال ولا يعتبر في مثل
السورة التي تسقط بمجرد مسمى الاستعجال وبأنه لو فرضنا المصلى شاكا بين الاثنتين
والثلث وكان شاكا في أنه فعل السجدة من الركعة التي هو متلبس بها أولا وظن أنه
لو فعل السجدة كانت الركعة المتلبس بها ثالثة مثلا وظن أنه فعل السجدة فهل ترى

353
انه يأخذ بظنه بان الركعة ثالثة لأدلة اعتبار الظن في الركعات ولا يأخذ بظن بتحقق
السجدة بل يلزم في بعض فروض التفكيك بين الاخذ بالظن في الركعات وعدمه
في الافعال فساد الصلاة للعلم بزيادة الركن فيها أو نقصه مثل ان يظن في حال الجلوس
بفعل السجدتين وعلم بأنه على تقدير الاتيان بالسجدتين الركعة المتلبس بها هي
الرابعة فيظن بان الركعة هي الرابعة فلازم اعتبار الظن في عدد الركعات البناء على
الأربع ومقتضى عدم اعتباره في الافعال اتيان السجدتين ويعلم انه على تقدير كون
الركعة رابعة فالسجدتان زائدتان وعلى تقدير كون الركعة ثالثة فالصلاة
نقصت ركعة.
وربما يستأنس لذلك بما ورد في تعليل الشك بعد الفراغ بأنه حين يتوضأ
أذكر منه حين يشك وبان المأموم يتبع الامام في الافعال عند الشك فيها وبما ورد
في اعتبار قول الصبي في عدد أشواط الطواف الظاهر في اعتبار قوله في ساير ما يرجع
إلى الطواف من الاجزاء والشرائط ويتم في الصلاة بعكس التشبيه وفى ساير أسباب
الظن بعدم القول بالفصل هذا غاية ما يمكن ان يقال وفى الكل تأمل بل في بعضها
منع واضح والمسألة محتاجة إلى التأمل.
في ايجاب الشك في الأوليين للإعادة
الثالث يستفاد من الاخبار المتكثرة ان الشك في الأوليين موجب للبطلان
دون الأخيرتين ومن جملتها ما رواه الصدوق قدس سره باسناده عن زرارة بن أعين
قال قال أبو جعفر عليه السلام كان الذي فرض الله على العباد عشر ركعات وفيهن
القراءة وليس فيهن وهم يعنى سهوا فزاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعا وفيهن الوهم و
ليس فيهن قراءة فمن شك في الأوليين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين ومن شك
في الأخيرتين عمل بالوهم والظاهر أن المراد من العمل بالوهم هو البناء على
وجود المحتمل واتمام الصلاة ثم اتيان ما احتمل من النقص بعد الصلاة احتياطا
ويظهر من تفريع لزوم الإعادة على عدم الوهم في الأوليين ان الاستصحاب

354
غير معتبر في عدد ركعات الصلاة فالشكوك التي بين الأقل الصحيح والأكثر
الباطل كالشك بين الثلث والخمس ونظير ذلك كلها باطلة الا الشك بين الأربع والخمس
بعد السجدتين لوجود النص.
وتوضيح ذلك أن مقتضى الرواية ان الركعات المفروضة من الله تعالى
ليس فيهن الوهم أي لا يجرى فيهن حكم السهو وإذا ضممنا إلى هذه الرواية الموثقة
الدالة على انحصار حكم السهو بالبناء على الأكثر ثم الاتيان بالنقيصة المحتملة
مستقلة كما يفصح عن ذلك قوله عليه السلام اجمع لك السهو في كلمتين الخ يتحصل من
ذلك أن هذا الحكم أعني البناء على الأكثر ثم تدارك النقص المحتمل ليس في
الركعات المفروضة من الله تعالى شأنه وبعد تفريع لزوم الإعادة فيما لم يجز فيه حكم السهو
بقوله عليه السلام فمن شك في الأوليين أعاد حتى يحفظ نفهم انه متى لم يجر في السهو
في الركعات حكم لزوم البناء علي الأكثر يجب الإعادة وان كان الشك بين الأقل الصحيح
والأكثر الباطل.
الرابع من شك في الأوليين أعاد عند علمائنا وعليه الأخبار المستفيضة كما
مر وإذا حصل الأوليين وأحرزهما فالصور التي حكم بصحة الصلاة مع الشك خمس
والكلام في ما به يحرز الأوليان فقد يقال انه بالدخول في ركوع الثانية وقد يقال بالدخول
في السجدة الثانية من الركعة الثانية وقد يقال بالفراغ من الذكر الواجب منها وقد
يقال برفع الرأس منها وربما يمكن ان يقال ان تحققه بعد القطع بوقوع التشهد منه بناء على
كونه من الركعة الثانية لكنه لم يقل به أحد وكيف كان فظاهر حفظ الأوليين وعدم كون
الشك في وجودهما وجوب العلم بحصول تمام الاجزاء الواجبة للركعة الحاصل بالعلم
بالفراغ من الذكر الواجب للسجدة الثانية ودعوى انه إذا كان شاكا في أن الركعة المتلبس
بها الفارغ هو عن واجباتها هل هي الثانية أو الثالثة يصدق انه شاك بين الاثنتين والثلث
وانه شاك في الثانية مدفوعة بان مجرد قابلية لحوق شئ بالثانية لا يصدق انه شاك فيها
وهو ظاهر.
لا يقال ان المراد من الشك في الأوليين الشك الواقع فيهما بمعنى كون الأوليين

355
ظرفا للشك.
لأنا نقول هذا خلاف الظاهر ولو سلمنا لا يمكن بالفساد أيضا لعدم احراز ان
الركعة المتلبس بها هي الثانية فمن المحتمل وقوع هذا الشك في الثالثة الا ان يقال
يكفي في الحكم بالفساد عدم وجود طريق للعلاج واما القول بان كمال الركعة
بالدخول في السجدة الثانية لان ترك الذكر نسيانا يغتفر فضعيف والا لكان العبرة
بالدخول في السجدة الأولى فان ترك الثانية أصلا وترك الذكر في الأولى نسيانا
غير مضر بالصلاة واضعف منه دعوى ان الركعة اسم للركوع فإذا دخل في الركوع
الثاني فقد أوجد فرض الله الذي ليس فيه وهم لان الظاهر من الركعة انها اسم
للمجموع المشتمل على السجدتين وذكرهما فانتفاء الشك فيها ملازم لليقين
بوجود جميع ما يعتبر فيها.
واما اقسام الشكوك المحكومة بالصحة
أحدها الشك بين الثنتين والثلث.
والثاني الشك بين الثلث والأربع.
والثالث الشك بين الاثنتين والثلث والأربع.
والرابع الشك بين الاثنتين والثلث والأربع.
والخامس الشك بين الأربع والخمس بعد احراز الأربع بالفراغ من السجدة
الثانية وذكرها والحكم بالصحة في الأخير بالبناء على الأربع والآتيان بسجدتي
السهو بعد التسليم لوجود النص الدال على ذلك كما يأتي انشاء الله واما بقية
الأقسام فيستفاد كلها من الأدلة المفصلة بين الأوليين والأخيرتين بان الأوليين
ليس فيهما سهو وانما السهو في الأخيرتين وتوضيح ذلك أن المستفاد من الرواية
المتقدمة ان الركعات المفروضة من الله عز وجل ليس فيهن السهو أي لا يجرى
فيهن حكمه وانما يجرى في الأخيرتين ويدل على التفصيل بين الأوليين والأخيرتين
في حكم السهو روايات اخر أيضا والمراد من حكم السهو البناء على وجود الركعة
المحتملة ثم تداركها بعد السلام مفصولة ويدل على ذلك موثقة عمار عن أبي عبد الله

356
عليه السلام انه قال يا عمار اجمع لك السهو كله في كلمتين متى شككت فخذ بالأكثر
فإذا سلمت فأتم أو فأتمم ما ظننت انك نقصت وموثقة الأخرى قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام
عن شئ من السهو في الصلاة فقال عليه السلام الا أعلمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت انك أتممت
أو نقصت لم يكن عليك شئ قلت بلى قال عليه السلام إذا سهوت فابن على الأكثر فإذا فرغت
وسلمت فقم فصل ما ظننت انك نقصت فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شئ
وان ذكرت انك كنت نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت وقريب منهما موثقة الثالثة
ومقتضى الاخذ بمفاد الروايات السابقة والموثقات ان الأخيرتين من الرباعية يبنى
على وجودهما عند الشك ويتدارك النقص المحتمل بعد الفراغ ففي الشك بين الاثنتين
والثلث بعد احراز الاثنتين الركعة المشكوكة هي الثالثة فيبنى على وجودها ويؤتى
بالأخرى ثم يتدارك بعد السلام بالركعة المفصولة وكذلك الشك بين الثلث والأربع
مع فرض يقين الثالثة الركعة المشكوك فيها هي الرابعة فيبنى على وجودها ثم
يتدارك بعد السلام مفصولة وكذلك الشك بين الاثنتين والأربع بعد تيقن الاثنتين
الركعة المشكوك فيها هي الثالثة والرابعة وهكذا الشك بين الاثنتين والثلث والأربع
الركعة المشكوك فيها هي الثالثة والرابعة أيضا ولكن الفرق بين الأخير وسابقه
ان التدارك في السابق باتيان ركعتين مفصولتين وفى الأخير باتيان ركعة واحدة
مفصولة مع الركعتين المفصولتين لاحتمال كون الناقص ركعة واحدة.
في الشكوك الأربعة الهدمية
ثم اعلم أن هنا أقساما من الشكوك الحقوا بالشكوك الخمسة بعد هدم الركعة
المتلبس بها كالشك بين الأربع والخمس في حال القيام والشك بين الخمس والست حال
القيام أيضا والشك بين الثلث والخمس حال القيام والشك بين الثلث والأربع والخمس
حاله وهل الحكم بالصحة في الشكوك الأربعة لأنه بعد هدم القيام ينقلب الشك
إلى إحدى الصور الخمس أو لجهة أخرى قال شيخنا المرتضى قدس سره في صلوته
في مسألة الشك بين الأربع والخمس حال القيام بعد أن نسب إلى المشهور هدم القيام

357
والعمل بمقتضى الشك بين الثلث والأربع ما لفظه لا لرجوعه إليها بعد الهدم حتى
يقال انه لا دليل على الهدم وقلب الشك ولابد من تشخيص حكم الموضوع حال
حدوث الثلث بل لدخوله حال القيام في عمومات البناء على الأكثر انتهى قلت لقد
أجاد قدس سره فيما أفاد من عدم انقلاب الشك بواسطة الهدم ولكن قوله قدس سره
بل لدخوله حال القيام في عمومات البناء على الأكثر ان كان مراده ان العمومات
يقتضى كون ما بيده هو الخامسة ولهذا يجب الهدم ففيه ان الأكثر الذي يبنى عليه
بحكم العمومات هو الركعة التي بعد البناء عليها والاتمام بناء على تحققها يحتمل
نقص الصلاة بركعة ولذا يجب تداركها بعد السلام لا الأكثر زائد الذي يجب
رفع اليد عنه وهذا واضح.
والتحقيق ان الشكوك الأربعة حكموا فيها بالهدم كلها داخلة في أحد
الشكوك الخمسة حال القيام ويحكم عليها بالصحة بمقتضى أدلتها وبيان ذلك وان
سبق اجمالا لكن يذكر توضيحا انه من شك في أن الركعة المتلبس بها هل هي
رابعة أو خامسة مثلا فشكه راجع فعلا إلى أنه صلى ثلثا أو أربعا فتحقق الثلث متيقن
انما الشك في تحقق الرابعة وقد بينا سابقا ان مقتضى الروايات ان الركعة اللاتي
زادها النبي يجرى فيها حكم السهو أعني البناء على التحقق وتدارك النقص المحتمل
بعد السلام وهذا هو المراد من البناء علي الأكثر أي من لم يدر انه ثلثا صلى أم أربعا
فليبن على تحقق أربع فالشخص القائم الذي لا يدرى ثلثا صلى وما بيده الرابعة أم صلى
أربعا وما بيده هي الخامسة فمقتضى البناء على الأكثر انه صلى أربعا ومن صلى
أربعا ليس عليه الا الاتيان بالتشهد والتسليم ولم يحتمل النقص واقعا يجب الاتيان
بالركعة المفصولة بمقتضى الأدلة ومن شك في أن الركعة المتلبس بها هل هي خامسة
أو سادسة فشكه راجع إلى أنه صلى أربعا أو خمسا ومن كان كذلك ليس عليه الا
التشهد والتسليم والآتيان بسجدتي السهو بمقتضى النص فيجلس لأداء الوظيفة و
هكذا سائر الشكوك التي حكموا فيها بالهدم حال القيام ويمكن ان يكون هذا
أيضا مراد شيخنا المرتضى قدس سره لا ما سبق إلى الذهن أولا إذا حفظت ما

358
ذكرنا ولنشرع في ذكر اقسام الشكوك الخمسة المحكومة بالصحة بأدلتها الخاصة.
في الشكوك الخمسة المنصوصة
الأول الشك بين الاثنتين والثلث قد عرفت وجه دلالة المطلقات المفصلة بين
الأوليين والأخيرتين على لزوم البناء على الأكثر والآتيان بالنقيصة المحتملة مفصولة كما
عليه المشهور وبإزاء تلك المطلقات بعض الروايات الاخر بين ما يكون مجملا وبين
ما يكون مصرحا بخلاف ما عليه المشهور مثل رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سئلته عن رجل لم يدر ركعتين صلى أم ثلثا قال عليه السلام يعيد قلت أليس يقال لا يعيد
الصلاة فقيه فقال عليه السلام انما ذلك في الثلث والأربع ويمكن حملها على التخيير بين
نحوي الامتثال من اتمام ما بيده على النحو المقرر شرعا ورفع اليد عنه واستيناف
الصلاة.
الثاني من شك بين الثلث والأربع بنى على الأربع ثم يأتي بركعة من قيام
أو ركعتين من جلوس بعد التسليم اما البناء على أربع فبمقتضى الأخبار المستفيضة وان
كان في شمولها لصورة الشك في أن الركعة المتلبس بها ثالثة أم رابعة تأمل ويمكن
ادراج هذه الصورة في المسألة السابقة بل الظاهر أنه المتعين لأنه لم يدر في تلك
الحالة ثلثا صلي أم اثنتين فمقتضى البناء على وقوع الثالثة الاتيان بركعة أخرى ثم
التدارك بعد السلام واما التخيير بين الركعة عن قيام وركعتين عن جلوس فيدل عليه
صريح مرسلة جميل وفيها فهو بالخيار ان شاء صلى ركعة وهو قائم وان شاء صلى
ركعتين وأربع سجدات وهو جالس وان قيل هذه مرسلة فلا يتصرف بها في ظواهر
الأخبار المستفيضة الدالة على تعيين الجلوس. قلت إن عمل الأصحاب يجبرها والأحوط
في هذه الصورة الجلوس لوجود الأخبار المستفيضة كما أن الأحوط في السابقة القيام
لان دلالة المطلقات تامة ولا معارض لها سوى عدم القول بالفصل بينها وبين الصورة
الثانية.

359
الثالث من شك بين الاثنتين والثلث والأربع بنى على الأربع واحتاط بركعتين
من قيام وركعتين من جلوس كما عليه المشهور وربما يحتمل الاحتياط بركعة من
قيام وركعتين من جلوس وعن الشهيد انه موافق للاعتبار ولعل غرضه من ذلك أنه
ينضم الركعتان بالركعة ان كان الناقص ركعتين ويحسب الزائد نافلة ان كان
الناقص ركعة وان شئت قلت إنه بعد الاتيان بركعة من قيام أحرز ثلث ركعات و
يشك في وجود الرابعة ومقتضى الشك بين الثلث والأربع الاتيان بركعتين
جالسا كما يدل عليه الاخبار ويدل عليه أيضا رواية ابن حجاج عن أبي إبراهيم عليه السلام
عن أبي عبد الله عليه السلام ولكنها مضافا إلى ما في سندها من عدم معهودية
سؤال أبى إبراهيم عليه السلام عن أبي عبد الله عليه السلام عن مثل هذه المسألة وفى متنها من
اختلاف النسخ فان في بعض النسخ بدل ركعة من قيام ركعتين من قيام معارضة
بمرسلة ابن أبي عمير المصرحة بوجوب ركعتين من قيام وركعتين من جلوس و
هي في حكم الصحيح لكون المرسل ابن أبي عمير الذي هو من أصحاب الاجماع
مضافا إلى اشتهار العمل بها بين الأصحاب واماما مر منا في توجيه كلام الشهيد قدس سره
ان الاتيان بركعة من قيام وركعتين من جلوس موافق للاعتبار ففيه ان الظاهر من
المطلقات الامرة بالبناء على الأكثر والآتيان بمحتمل النقص مستقلا ان ما يؤتى به
لاحتمال النقص يكون موجبا لتدارك ما يحتاج إليه الصلاة على تقدير النقص وفى
المفروض لو كانت الصلاة ناقصة بركعتين فالركعة الواحدة ليست موجبة لتدارك
مجموع ما يحتاج إليه فهذا النحو من التدارك خارج عن مفاد الاخبار ومن هنا يظهر
ان الاتيان بركعتين من قيام وركعتين من جلوس خارج عن مفاد المطلقات فان الركعتين
من قيام على تقدير احتياج الصلاة إلى ركعة واحدة لا يتدارك بهما نقص الصلاة مع
كونها ناقصة والركعتان من جلوس أيضا لا يتدارك بهما نقص الصلاة للفصل بالناقلة
المحضة فالعمدة في المسألة النص الوارد فيها وقد عرفت تعين العمل بمرسلة ابن أبي
عمير المطابقة لما عليه المشهور وهل يتعين تقديم الركعتين من قيام أولا الأقوى الأول
لظهور المرسلة العاطفة للركعتين من جلوس على الركعتين من قيام بلفظ ثم الظاهر

360
في الترتيب وهل يجوز تبديل الركعتين من جلوس بركعة من قيام وجهان من ظهور
المرسلة ومن ظهور المطلقات في جواز القيام مضافا إلى أن الركعتين من جلوس قائمتان
مقام الركعة عن قيام فيبعد عدم الاكتفاء بالأصل ولكن المشهور هو الأول ووجهه
أظهرية المرسلة في تعيين الركعتين جالسا من المطلقات خصوصا بعد اقتران الركعتين
عن جلوس فيها بالركعتين عن قيام كما لا يخفى مضافا إلى ما عرفت من الاشكال في شمول
المطلقات للمقام فالعمل على ما عليه المشهور أقوى مع كونه أحوط.
الرابع من شك بين الاثنتين والأربع يبنى على الأربع ويسلم ثم يأتي بالركعتين
قائما على ما هو المعروف فتوى وعليه روايات كثيرة وقوى في المدارك التخيير بين
المعروف والبناء على الأقل جمعا بين تلك الروايات وما رواه الكليني قدس سره في
الصحيح عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال قلت له من لم يدر في أربع هو أم في
ثنتين وقد أحرز الثنتين قال عليه السلام يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة
الكتاب ويتشهد ولا شئ عليه (الخبر) ولا يخفى انه لا ظهور لها فيما استفاده ان لم تكن
ظاهرة في مدعى المشهور بقرينة تعيين الفاتحة وعن الصدوق قدس سره في هذه الصورة
الحكم بالإعادة والظاهر أن مستنده صحيحة محمد بن مسلم قال سئلته عليه السلام عن الرجل
لا يدرى صلى ركعتين أو أربعا قال عليه السلام يعيد الصلاة ويحتمل حملها على صورة عدم
اكمال السجدتين جمعا بينها وبين الروايات الخاصة الصحيحة الصريحة وحملها
الشيخ قدس سره على صلاة المغرب أو الغداة وهو بعيد ويمكن حملها على الاستحباب
أيضا وهذا ليس ببعيد فان مقتضى أدلة البناء على الأكثر إرائة طريق للامتثال القطعي و
لا ينافي ذلك تجويز طريق اخر بل رجحانه والله هو العالم.
الخامس من شك بين الأربع والخمس بنى على الأربع ويسلم ثم يسجد سجدتي
السهو على المشهور ويدل عليه رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام إذا
كنت لا تدرى أربعا صليت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما
وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا فاسجد
سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثم سلم بعدهما وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله

361
عليه السلام قال عليه السلام إذا لم تدر أربعا صليت أو خمسا أم زدت أم نقصت فتشهد وسلم واسجد
سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا والمحكي عن الصدوق في
المقنع انه قال إذا لم تدر أربعا صليت أو خمسا أو زدت أو نقصت فتشهد وسلم وصل
ركعتين بأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك وفى حديث آخر تسجد سجدتين
بغير ركوع ولا قراءة ولعل مستنده مضمرة شحام قال سئلته عن رجل صلى العصر ست
ركعات أو خمس ركعات قال إن استيقن انه صلى خمسا أو ستا فليعد وان كان لا يدرى
أزاد أم نقص فليكبر وهو جالس ثم ليركع ركعتين يقرء فيهما بفاتحة الكتاب في آخر
صلوته ثم يتشهد (الحديث) فان الظاهر من قوله عليه السلام وان كان لا يدرى الخ انه بيان مفهوم
القضية الأولى وذكر النقيصة اما من جهة الجري على العادة في مقام التعبير عن عدم
الزيادة أو أن المقصود به بيان عموم الحكم لصورة النقيصة أيضا لكن بالنسبة إليها
يقيد بما إذا كان الشك في نقصان ركعة لا أزيد جمعا بين الأدلة لكن المضمرة لا تصلح معارضة
للمعتبرة المستفيضة المعمول بها لدى الأصحاب التي هي كالنص في عدم وجوب الركعتين
جالسا والا لكان أولى بالتعرض من ذكر السجود.
في أن للشك بين الأربع والخمس أحوالا
وليعلم ان المتيقن من مورد النصوص ان يكون الشك بعد اكمال الركعة
المرددة بين كونها رابعة أو خامسة وتمام الركعة بالفراغ عن ذكر السجدة الثانية فلو
وقع الشك قبله كحال القيام أو حال الركوع فهو خارج عن مورد الأدلة المتعرضة
للشك بين الأربع والخمس فيمكن ان يقال في الصورة الأولى بهدم الركعة المتلبس
بها ومعاملة الشك بين الثلث والأربع لا لان الهدم يوجب الانقلاب ولا لاطلاق أدلة وجوب
البناء على الأكثر لظهور ان موردها ما إذا كان الأكثر جزء للصلاة لا زايدا
يجب رفع اليد عنه بل لان أدلة الشك بين الثلث والأربع يشمله لان هذا الشك
بملاحظة الركعة المتلبس بها وان كان شكا يبن الأربع والخمس
ولكنه بملاحظة الركعة الماضية شك بين الثلث والأربع فالأدلة الدالة

362
على أن الشاك في أنه صلى ثلثا أو أربعا تشمله واما الصورة الثانية فسنطلع عليها في
طي الشكوك الغير المنصوصة.
في الشكوك الغير المنصوصة
اعلم أن الشكوك الغير المنصوصة اما ان يمكن فيها الهدم وارجاعها إلى
المنصوصة أولا وعلى الأول اما ان يكون الركعة المتلبس بها معلوم الزيادة كالشك
بين الخمس والست في حال القيام أولا وعلى الثاني من القسمين الأولين اما ان
يكون الشك مركبا من الشكوك المنصوصة أولا.
اما القسم الأول فهو داخل في المنصوص بملاحظة الركعة التي قام عنها
وان كان لا يشمله النص بملاحظة الركعة المتلبس بها فالشاك بين الأربع والخمس في
حال القيام لا يدرى ثلثا صلى أو أربعا والشاك بين الخمس والست في حال القيام
لا يدرى أربعا صلى أو خمسا فيترتب عليهما الحكم المستفاد من النصوص و
الفرق بين هذين القسمين انه في القسم الثاني بعد هدم الركعة والآتيان بوظيفة
الشك بين الأربع والخمس بين الأربع والخمس يأتي بسجدتي السهو للقيام الزائد وأيضا يأتي بهما للذكر
ان اشتغل به ان قلنا بوجوب السجدة لكل زيادة سهوية واما القسم الأول ففي لزوم
سجدتي السهو للقيام أو الذكر على فرض الاشتغال به اشكال من جهة انه لم يحرز
زيادتهما في حال وجودهما لاحتمال وقوعهما على طبق الواقع نعم طرء عليهما صفة
الزيادة بعد رفع اليد عن الركعة المتلبس بها وبعبارة أخرى انما طرء وصف الزيادة
بعد حكم الشارع بتحقق الركعة الرابعة قبل ذلك مع احتمال عدم كونه زائدا حال
الوجود نعم لو اقتضى الدليل الدال على لزوم البناء على وجود الرابعة ان ما
وقع من القيام وغيره زيادة سهوية يترتب عليه حكمها لكن دلالته على ذلك
ممنوعة.
فان قلت إن الدليل الدال على البناء على الأكثر وان لم يدل على أن القيام
والأذكار المتحققة في حاله من الزيادة السهوية ولكنه بعد البناء على الأكثر واتمام

363
الصلاة يعلم اجمالا اما بزيادة في صلوته سهوا واما بنقيصة الركوع والسجدتين وحيث إن
الدليل دل على لزوم البناء على الأكثر وان لزم النقص يلزم مراعاة طرف آخر
للعلم الاجمالي حتى لا يلزم المخالفة القطعية نظير ذلك لو فرضنا انا نعمل اجمالا
بنجاسة أحد الانائين وصار أحدهما محكوما بالطهارة بواسطة أصل خال عن المعارض
فلا يمكن ان يقال بان الطرف الآخر أيضا محكوم بالطهارة لكونه شبهة بدوية فان معاملة
الطهارة في كلا الطرفين مخالفة للعلم الاجمالي.
قلت البناء على الأكثر وتدارك النقص المحتمل ليس من قبيل الحكم
الظاهري المستفاد من الأصل بل هو حكم واقعي يوجب العمل به امتثال التكليف
المتوجه على المكلف كما هو المنصوص المصرح به وحينئذ فلا علم اجمالي بالنقص
الموجب للبطلان أو الزيادة الموجبة لسجدتي السهو بل اتمام الصلاة بهذا النحو صحيح واقعا
وانما الشك في تحقق الزيادة سهوا وكيف كان فمما ذكرنا يظهر ان الشكوك التي
اشتهر في ألسنتهم انها تنقلب إلى المنصوصة بواسطة هدم القيام داخلة في الشكوك
المنصوصة قبل الهدم كالشك بين الأربع والخمس في حال القيام والشك بين الخمس
والست في حال القيام والشك بين الثلث والأربع والخمس في حال القيام.
واما الشكوك التي ليست كذلك بمعنى انه لا يمكن ادراجها في المنصوصة
بالمعنى الذي ذكرنا فقد ذكرنا انها على قسمين الأول الشكوك المركبة من الآحاد
المنصوصة والثاني الشكوك البسيطة التي أحد طرفيها التمام والاخر الزيادة ما
سوى الشك بين الأربع والخمس الذي ذكرنا حكمه اما القسم الأول فقد يقال
بالبطلان لسقوط الاستصحاب في باب ركعات الصلاة وعدم شمول النصوص الآحاد
للمركبة منها فان الشك بين الثلث والأربع والخمس ليس في الحقيقة مركبا من
شكين أحدهما الشك بين الثلث والأربع والاخر الشك بين الأربع والخمس حتى يؤخذ
حكمه من الأدلة الدالة على حكم كل منهما ولكن يمكن ان يقال بجريان حكم
الآحاد على الشكوك المركبة ففي ما إذا شك بين الثلث والأربع والخمس يسلم ويأتي
ركعة عن قيام أو ركعتين عن جلوس ويأتي بسجدتي السهو وفى الشك بين الاثنتين والأربع

364
والخمس يأتي بركعتين قائما ثم يسجد سجدتي السهو وهكذا اما العمل بالاحتياط
فللعمومات الدالة على حكم السهو في الأخيرتين ومقتضاها ان الركعة المحتملة في
الأخيرتين يمكن ان يبنى على وجودها ثم تداركها بعد السلام فان كانت الصلاة ناقصة
يكون تمامها والا تقع نافلة واما سجدتا السهو فلان الشك بين الأربع والخمس وان
لم يشمل هذا المورد لفظا ولكن الظاهر أن احتمال زيادة الخامسة ليس مضرا مع فرض
معلومية الأربع والمفروض انا علمنا بتحقق الأربع بالعمل بالاحتياط ويمكن الاستدلال
على كفاية سجدتي السهو في صورة الشك في الخامسة بل في مطلق الشك في زيادة
الصلاة على الأربع بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا لم تدر أربعا صليت
أو خمسا أم زدت أم نقصت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع بناء على كونه
معطوفا على قوله عليه السلام أربعا صليت واما بناء على كونه معطوفا على الشرط فيكون
المراد بهما صورة تيقن الزيادة والنقيصة ويكون مطابقا لمضمون المرسلة الدالة
على وجوب سجدتي السهو في كل زيادة ونقيصة ويؤيد الأول صحيحة زرارة أو حسنته
قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا شك أحدكم في صلوته فلم يدر
أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس وسماهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرغمتين
تقريب الاستدلال بالصحيحتين بعد حمل الأولى أيضا على صورة الشك انه بعد عدم امكان
الحمل على مورد العلم الاجمالي لابد من الحمل على صورة الشك في الزيادة وعدمها و
الشك في النقيصة وعدمها ومن هنا يظهر لك حال الشكوك البسيطة التي أحد طرفيها التمام
والاخر الزيادة فان مقتضى ما ذكر ان يكون كلها صحيحة بمعنى انه يبنى على التمام ويسجد
سجدتي السهو ويؤيد الصحة مضمرة الشحام قال سئلته عن رجل صلى العصر ست ركعات
أو خمس ركعات قال عليه السلام ان استيقن انه صلى خمسا أو ستا فليعد وان كان لا يدرى أزاد أم
نقص فليكبر وهو جالس ثم ليركع ركعتين يقرء فيهما بفاتحة الكتاب في آخر
صلوته ثم يتشهد (الحديث) فان الظاهر أن قوله عليه السلام وان كان لا يدرى الخ مفهوم للقضية
الأولى فيدل على أن مطلق احتمال الزيادة لا يضر بالصلاة بل وظيفته ما ذكر من
الركعتين جالسا، فيجمع بينها وبين ما يدل على لزوم سجدتي السهو في الشك في

365
الزيادة بالحمل على التخيير واما ذكر النقيصة فيحتمل ان يكون من باب الجري
على العادة والغرض منه عدم الزيادة فكأنه قال وان كان لا يدرى أزاد أم لا ويحتمل ان
يكون المقصود بيان حكم صورة النقيصة أيضا فيقيد بالنسبة إليها بما إذا كان الشك
في نقص ركعة واحدة جمعا بين الأدلة هذا ولكن الأحوط في الشكوك التي ذكرناها
من المركبة الخارجة من النص والبسيطة المرددة بين التمام والزيادة غير الشك
بين الأربع والخمس العمل على طبق ما ذكرنا ثم الاستيناف واما الشك بين الأربع
والخمس أو الأزيد في حال الركوع فلا يمكن اندراجه تحت موضوع الأدلة التي
ذكرناها فلو صح التمسك بالأصل في باب ركعات الصلاة يبنى على الأقل والا فالحكم
البطلان نعم يحتمل بعيدا دخوله في موضوع من لم يدر انه أربعا صلى أم خمسا بملاحظة
ان الركعة وان كانت ناقصة الا ان العمدة فيها وهي الركوع متحققة ودونه في البعد
ما لو شك وهو السجدة الأولى ودونه في البعد ما لو شك وهو في السجدة الثانية قبل
الفراغ عن الذكر الواجب والله العالم.
في وجوب التروي في المطلق الشكوك
مسائل: الأولى يجب التروي في كل شك سواء كان من الشكوك الموجبة للإعادة
أم للحكم بالصحة والدليل على ذلك انصراف الشك الذي جعل موضوعا للعلاج إلى ما
بعد التروي فان الشاك ابتداء يرجع إلى الامارات المزيلة لشكه فان لم توجد واستقر
شكه يحتاج إلى العلاج.
الثانية في الشكوك المعتبر فيها اكمال السجدتين كالشك بين الثنتين والثلث
وأمثاله لو شك في اتيان السجدتين أو إحديهما مع الشك في عدد الركعات فلو كان قبل
الدخول في شئ آخر يعيد الصلاة لعدم احراز الأوليين وان دخل في القيام فالظاهر
الحكم بالصحة فان دليل الشك بعد المحل يجرى فيجوز الأوليان واما ان دخل
في التشهد فشمول دليل القاعدة مشكل لاحتمال عدم الترتب بين التشهد المفروض
والسجدة المشكوكة فإنه على تقدير كون الركعة ثالثة وقع التشهد في غير محله

366
فمحل السجدة غير ماض بعد.
ويمكن ان يقال انه بعد الدخول في التشهد يقطع بان الركعة السابقة على
هذا التشهد اما الركعة الثالثة واما الثانية فعلى الأولى فرغ من الأولتين وعلى الثاني
يكون شكه في تحقق السجدة شكا بعد المحل والمفروض انه على هذا التقدير
السجدة المشكوك فيها محكومة بالثبوت فالفراغ من الأولتين محقق علما على تقدير
وتعبدا على آخر فيبنى على أن الركعة المتلبس بها هي الثالثة ويرفع اليد عن التشهد
ويأتي بالسجدة المشكوك فيها بعنوان سجدة الركعة الثالثة ويشكل بان ذلك
موجب للجمع بين الحكم على تقدير ونقيضه بقول مطلق.
توضيح ذلك أن مقتضى الاخذ بقاعدة الشك بعد المحل على تقدير كون
الركعة التي بيده ثانية ولازم ذلك أنه لو اتى بسجدة أخرى تكون صلوته باطلة
على التقدير المفروض ومقتضى اجراء قاعدة البناء على الأكثر ان يفرض الركعة
التي بيده ثالثة والغاء احتمال كونها ثانية ومقتضى ذلك كون الشك في السجدة
شكا في المحل فيجب الاتيان بها فيصير المحصل من القواعد المذكورة لزوم البناء
على تحقق السجدة في الركعة التي بيده على تقدير كونها ثانية ولكن يجب البناء
على عدم تحقق التقدير المفروض فيجب اتيانها ومن الواضح عدم امكان الجمع بين
الحكم بتحقق السجدة على تقدير والحكم بعدم تحققها بقول مطلق وكذلك الجمع
بين بطلان الصلاة باتيان سجدة أخرى على تقدير ولزوم اتيانها بقول مطلق وليست
إحدى القواعد من الاحكام الواقعية والأخرى من الاحكام الظاهرية حتى يرتفع
التنافي بينهما بواسطة اختلاف الرتبة بل كل منهما من القواعد المجعولة للشاك
في عرض واحد هذا نعم لو قلنا بعدم اعتبار الترتيب الشرعي بين ما دخل فيه وبين
المشكوك يكفي فيما نحن فيه الدخول في التشهد للحكم بتحقق السجدة فان
الدخول في التشهد من دون ان يسجد في الركعة المتلبس بها لا يكون جريا
على العادة.
الثالثة لو شك بين الثلث والأربع حال القيام وعلم بترك سجدة من الركعة

367
التي قام عنها بطلت الصلاة اما من جهة انه يجب عليه هدم هذه الركعة فينقلب شكه
إلى الشك بين الاثنتين والثلث قبل الاكمال واما من جهة انه في حال القيام ليس داخلا
فيمن لا يدرى اثنتين صلى أو ثلثا مع احراز الثنتين واما الشاك في أن الركعة المتلبس
بها ثالثة أو رابعة وان كان يصدق عليه لكن الاخبار الحاكمة بالعلاج في الشك بين
الثلث والأربع ناظرة إلى الركعة المفروغ عنها لا المتلبس بها واما من جهة ان
الأدلة وان كان أعم لكن فيما إذا كانت الركعة المتلبس بها قابلة لصيرورتها جزء
للصلاة لا في مثل هذه الركعة التي يجب هدمها ويكفي في الحكم ببطلان الصلاة عدم
كون الشك المفروض موردا لشمول الأدلة وهكذا الكلام في الشك بين الثلث و
الأربع والخمس في حال القيام هذا واما بناء على القول بشمول أدلة الشك بين الثلث
والأربع الركعة المتلبس بها والقول باطلاق أدلة وجوب البناء على الأكثر وشمولها
حتى الصورة التي يرفع اليد عن الركعة المتلبس بها فاللازم الحكم بصحة العمل
فإنه يبنى على أن الركعة المتلبس بها رابعة وان كان يجب هدمها لتدارك
السجدة.
لا يقال يقع التعارض بين هذا الدليل والدليل الدال على أن الشك قبل احراز
الأولتين موجب للإعادة وهذا الشاك غير محرز للأولتين لاحتمال كون الركعة التي
فرغ عنها ثانية والمفروض انه نقص منها.
لأنا نقول الشك في الركعات قبل احراز الأولتين ليس بنفسه مبطلا للصلاة
كسائر المبطلات بل وجه الإعادة فيه عدم كونه موردا للعلاج شرعا فلو عولجت
الصلاة من حيثية أخرى فلا تعارض بين ما يحكم بالإعادة وبين ما يجعل العلاج من
حيثية أخرى لكن الامر سهل من حيث انا قلنا بعدم شمول الاطلاقات الا الأكثر
الذي يكون متمما للصلاة والله العالم.
الرابعة لو شك في أن الحالة الموجودة في نفسه هل هو شك أو ظن كما ربما
يتفق لبعض الناس فالمذكور في بعض الرسائل العملية انه يترتب عليه حكم الشك
ولا يعلم وجهه الا ان يراد ان هذا الفرض غير متحقق بل الموضوع المفروض شاك

368
حقيقة ويتخيل كونه مرددا بين الظان والشاك والا فترتيب اثر خصوص الشك مع
عدم احراز موضوعه لا وجه له أصلا فالأولى ان يقال بعد فرض تحقق هذا الموضوع انه
لو اتفق هذا في الشكوك الموجبة للبطلان يعيد لان كونه ظانا غير محرز حتى يبنى
على ظنه ولو اتفق ذلك في الشكوك الصحيحة فان اتحدا في تتميم الصلاة يتمها ثم يأتي
بوظيفة الشك كمن تردد بين الثلث والأربع ولا يعلم بأنه شاك أو ظان بالأربع يتم
الصلاة على أن الركعة المشكوك فيها رابعة ثم يأتي بالصلاة الاحتياط بعد التسليم
ومثل من لا يدرى انه ظان بالأربع أو شاك بين الأربع والخمس يسلم ثم يأتي بسجدتي
السهو واما لو لم يتحدا في العمل مثل ان يشك في أنه شاك بين الثلث والأربع أو ظان
بالثلث فمقتضى القاعدة الاخذ بأحد طرفي هذا الترديد أعني معاملة الظن أو الشك
ثم استيناف العمل الا ان يقال ان الظن في النفس بحيث لا يلتفت انه ظان أولا وان
كان ممكنا الا انه ليس موضوعا للحكم بل الموضوع هو الحالة الملتفت إليها ولا
اشكال في أن الشخص المردد في أنه ظان أو شاك إذا لاحظ ركعات الصلاة يكون شاكا
حقيقة ولعل نظر من قال بجريان حكم الشك إلى ما ذكرنا.
الخامسة لو علم في أثناء الصلاة بطر وحالة عليه قبل ذلك والجري على مقتضاها
ولكنه لا يدرى هل هي ظن أو شك مثل ان يعلم أنه صار مرددا بين الاثنتين والثلث
وبنى على الثلث ولكنه لا يدرى هذا البناء من جهة انه صار مظنونا أو من باب حكم
الشك فان كان فعلا ظانا يعمل بمقتضى هذا الظن بلا اشكال فان الحالة الأولى سواء
كانت شكا أم ظنا فالمدار على الظن الموجود فعلا وان كان فعلا شاكا كما كان في
المثال المفروض بعد اتيان الركعة التي بنى على كونها الثالثة شاكا بين الثلث و
الأربع فان قلنا باتحاد حكمهما فلا اشكال وان قلنا بالاختلاف كما لو قلنا في الشك
بين الاثنتين والثلث بتعين الركعة قائما وفى الشك بين الثلث والأربع بالركعتين
جالسا فيشكل الامر من جهة ان الشك الموجود فعلا يمكن ان يكون عين الشك
السابق فلا يكون من مصاديق الشك بين الثلث والأربع فان المعيار حال حدوث
الشك فيجب عليه الجمع بين الوظيفتين.

369
ثم انه لو لم يكن فصل ما لم يكن وظيفة للشاك بين الصلاة وما هو وظيفته مضرا
فلا اشكال في براءة ذمته من التكليف بواسطة هذا الجمع واما ان قلنا بكون الفصل
مضرا فيشكل الامر من جهة انه لو قدم الركعة عن قيام يحتمل ان يكون وظيفته
ركعتين جالسا فيقع الركعة فاصلة بين الصلاة والوظيفة ولو قدم الركعتين جالسا
يحتمل ان يكون وظيفته الركعة قائما فيقع الفصل فالأحوط بملاحظة هذا الاحتمال
استيناف العمل بعد الجمع بين الوظيفتين هذا لو اتفق له في الأثناء واما لو اتفق له
بعد العمل فيجب عليه العمل بوظيفة الشك فان القطع بالبرائة لا يحصل الا بذلك
ولا يتوهم ان هذا شاك بعد الفراغ من العمل ولا شئ عليه لان هذا الشك من حيث إنه
شك في عدد الركعات لم يحرز انه حدث بعد الصلاة لامكان كون الحالة السابقة
شكا وقد بقى إلى ما بعد الفراغ نعم من حيث إن الحالة السابقة كانت شكا أو ظنا
شك حادث لكن من هذه الحيثية ليس شاكا في فقد ما يتعلق بالعمل شرطا أو شطرا
فان العمل مقطوع الصحة بحسب القواعد الشرعية انما الشك في أنه يجب تدارك
الركعة المشكوكة احتياطا تتميما لا لامتثال، ولا يجب والله العالم.
السادسة لو علم بعد الفراغ انه شك بين الاثنتين والثلث وبنى على الثلث ولا
يدرى ان الشك كان قبل اكمال السجدتين أم بعده فالظاهر الصحة اما بناء على كون
الشك في الأوليين بنفسه مبطلا للصلاة واقعا وكون الشاك في الأخيرتين بعد احراز
الأوليين مكلفا بالعمل على طبق وظيفة الشك واقعا فلا اشكال لان الشاك المفروض
بعد الفراغ شاك في أمرين أحدهما في وجود المانع للصلاة ثانيهما في وجود شرط
البناء على الثلث والعمل بعد الفراغ محكوم بالصحة سواء كان الشك من جهة وجود
مانع أم فقد شرط وان أبيت عن شمول الأدلة للموانع من حيث إن دليل القاعدة بعد
الفراغ هو دليل قاعدة الشك بعد المحل والظاهر من الثانية الشك في وجود ماله دخل.
نقول يكفي لرفع احتمال المانع الأصل وليس معارضا بالأصل في طرف الشرط لان القاعدة في
طرف الشك في الشرط جارية ومقدمة على الاستصحاب هذا وكذا لا اشكال في الحكم
بالصحة بناء على القول بعدم كون الشك قبل احراز الأوليين مانعا ولكن الشرط في صحة

370
الصلاة واقعا حفظ الأوليين تفصيلا فإنه بعد الفراغ يرجع شكه إلى أن صلوته هذه هل
هي واجدة للشرط أولا واما بناء على القول بان الشك ليس بمانع وان حفظ الأوليين
أيضا ليس بشرط صحة الصلاة بل الشك ان كان قبل السجدتين فليس له علاج شرعا
فلا يقدر المكلف على البناء على الأقل لاحتمال استلزامه الزيادة وكذا الأكثر
لاحتمال استلزامه النقيصة فقد يشكل بان هذا ليس موردا للقاعدة فان الصلاة التي
تمت على البناء على الأكثر في الفرض المذكور يقطع بوجدانها لجميع الشرائط
وفقدانها لجميع الموانع.
انما الاشكال في أنه لو اقتصرنا على هذا المقدار يحتمل النقص ولو زدنا عليه
ركعة يحتمل الزيادة ولكن يمكن ان يقال ان الصلاة وان كانت بملاحظة التكليف
الواقعي كذلك الا انها بملاحظة التكليف الذي جعل للشاك يشك في أن شرط صحتها
بالنسبة إلى هذا التكليف هل كان موجودا أولا مضافا إلى عموم التعليل في قوله عليه السلام
لأنه حين العمل أذكر فان البناء على الأكثر وتتميم الصلاة بفرض فراغ ذمته من
التكليف لا يمكن ان يكون من الشاك في الأوليين الا سهوا والتعليل المذكور ينفى
احتمال السهو.
لو شك في أن شكه في الصلاة كان
من أي الأقسام
السابعة لو شك في أن شكه في الصلاة هل كان موجبا للركعة أو الركعتين أو
سجدتي السهو يأتي بموجب الجميع ولا شئ عليه ان قلنا بعدم البأس بالفصل بين
ما يحتمل انضمامه إلى الصلاة وبينها والا فالاستيناف فالأحوط الجمع بين الوظائف و
استيناف العمل ولا فرق فيما ذكرنا بين ان يكون شكه منحصرا في الوجوه الصحيحة
أو لم يكن منحصرا فيها لان احتمال جريه على الشك مع عدم احراز الموضوع
مدفوع بقاعدة الشك بعد الفراغ فيبقى شكه بين الوجوه الصحيحة والعجب من
بعض أجلة العصر حيث إنه في مسألة من شك بعد الفراغ في أن شكه السابق كان موجبا

371
للبطلان أو البناء أفتى بالصحة وفى هذه المسألة حكم بالبطلان واعجب من ذلك تعليله
بأنه لا يدرى كم صلى.
الثامنة لو شك في الصلاة ولم يعلم حكمه فان ظن بالحكم اخذ به فعلا و
الا اخذ بأحد الاحتمالين ويتم الصلاة ثم بعد الصلاة يرجع إلى المجتهد ان كان عاميا
والى الأدلة ان كان مجتهدا فان وافق الواقع فهو وإلا يستأنف هذا هو مقتضى القاعد
ولا دليل على خلافها الا ما ينقل من الاجماعات على بطلان عمل التارك للاجتهاد والتقليد و
ليس شئ منها مما يوجب العلم بل ولا الظن فراجع.
التاسعة لو انقلب شكه بعد الفراغ إلى شك آخر فلو لم يكن الانقلاب موجبا
للعلم بالنقيصة أو الزيادة أو إحديهما فقد يقال بصحة الصلاة وعدم وجوب التدارك فان
الشك الذي أوجب التدارك زال والشك الحادث انما وقع بعد الفراغ ويشكل بان
الفراق في مورد الفرض انما هو من جهة تخيل بقاء الشك السابق فبنى على الأكثر
وسلم زاعما انه محكوم بذلك ودليل الشك بعد الفراغ ينصرف إلى الفراغ بعنوان
آخر الركعات واقعا لا أقول ان المقصود هو الفراغ الواقعي من الصلاة فان هذا
موجب لكون الشك بين النقيصة والتمام بعد السلام من الشبهة المصداقية لعدم احراز
انه بعد الفراغ أو قبله بل أقول ان مورد الدليل ان يأتي المصلى بالجزء الأخير بتخيل انه
الجزء الأخير واقعا لأبناء بواسطة تخيل الامر كما أن الشك المفروض ليس داخلا في الشك
قبل الفراغ وفى حال الصلاة حتى يترتب عليه حكم الشك في حال الصلاة وقبل الفراغ
ولا يكون من الشبهة المصداقية للشك قبل الفراغ اما الأول فواضح واما الثاني فللزوم
ان يكون الشك بين النقص والتمام بعد السلام من الشبهة المصداقية بين الامرين فإنه على
تقدير وقوع السلام في محله يكون مصداقا للشك بعد الفراغ وعلى تقدير آخر يكون مصداقا
للشك قبل الفراغ وأيضا يلزم ان يكون احراز الفراغ وعدم الفراغ موجبا لزوال الشك
فما لم يحرز لا يمكن اجراء حكمه عليه فإذا أحرز يزول الشك وأيضا يلزم ان يرجع
حكم الشارع في الشك بين الثلث والأربع بعد السلام مثلا إلى أنه على تقدير تمامية
الصلاة لا شئ على المصلى بمقتضى الشك الذي فرض انه بعد الفراغ وعلى تقدير نقص

372
صلوته ركعة وكونها ثلث ركعات يجب عليه البناء على الأربع لكونه على هذا التقدير
شاكا بين الثلث والأربع بل الشك قبل الفراغ عبارة عن الشك الذي حصل للمصلى
قبل السلام المحتمل كونه تحليلا للصلاة وجزء أخيرا منها وان كان من المحتمل
وقوعه سهوا أيضا فلو شك بعد التسلم البنائي فمن جهة انه شك بعد التسليم المحتمل
كونه جزء أخير من صلوته ليس مصداقا للشك قبل الفراغ ومن جهة ان التسليم
المفروض ليس بعنوان ان الجزء الأخير من صلوته الواقعية ليس مصداقا للشك بعد
الفراغ فيبقى احتمال عدم فراغ ذمة المكلف من التكليف الواقعي و (ح) لو اتى
بالنقيصة المحتملة موصولة برئت ذمته يقينا فإنه لو كانت صلوته تامة لم يضر الزيادة
بواسطة الفصل بالسلام الواقع في محله وان كانت ناقصة تكون ما اتى به متمما لها وبعد
انحصار العلاج بذلك يجب فان الاشتغال اليقيني يوجب البراءة اليقينية.
فان قلت الشك قبل الفراغ من الصلاة ليس له عنوان خاص في الأدلة فكل
شك لم يشمله أدلة الشك بعد الفراغ يجرى عليه احكام الشك في الصلاة فان قوله
عليه السلام إذا لم تدر ثلثا صليت أو أربعا مثلا يشمل الشك بعد الفراغ أيضا ولكنه خرج
بواسطة حكومة دليل الشك بعد الفراغ الحاكم بتحقق الرابعة ولو فرضنا عدم شمول
دليل القاعدة كما في الفرض فمقتضى اطلاق دليل حكم الشك بين الثلث والأربع الاتيان
بالركعة المشكوكة مفصولة.
قلت كما أنه لم يشمل دليل الشك بعد الفراغ لما نحن فيه لم يشمله الدليل
الدال على وظيفة الشاك بين الثلث والأربع المقتضى للبناء على الأكثر فان الدليل
الدال على وجوب البناء على الأكثر والآتيان بالنقيصة المحتملة مفصولة مصرح بان ذلك
انما هو من جهة حفظ الصلاة من الزيادة والنقيصة فان النقيصة متداركة بالركعة المفصولة
تعبدا والزيادة لا تضر لوجود السلام ومورد هذا الدليل ينحصر فيما إذا لم يتحقق
التسليم المحتمل لان يكون مانعا عن لحوق الزيادة واما فيما نحن فيه فلما
حصل الشك بعد تحقق التسليم المحتمل كونه في محله فلا تكون الزيادة مضرة قطعا ولو
كانت ناقصة يتدارك نقصها واقعا من دون حاجة إلى التعبد بل لو تدارك بالركعة المفصولة

373
فلا دليل على تداركها هذا كله فيما لم يوجب الانقلاب العلم بالنقيصة أو الزيادة واما
لو أوجب العلم بزيادة ركعة فلا اشكال في البطلان.
ولو أوجب العلم بالنقيصة كما لو انقلب الشك بين الثلث والأربع إلى الشك بين
الاثنتين والثلث فقد يقال باحراز الثلث بقاعدة الشك بعد الفراغ فإنه محتمل الوجود
فيكون كمن تيقن بنقص ركعة فيأتي بها.
لا يقال ان المصلى المفروض شاك بين الاثنتين والثلث في أثناء الصلاة فيجب
ان يعمل عمله لأنه يعلم بوقوع السلام لغوا.
لأنا نقول المراد من الشك بعد الفراغ وقوع الشك بعد الفراغ عن صورة
العمل لا الفراغ الواقعي والا لم يعقل ان يحصل الشك بعد الفراغ بين النقيصة و
التمام ومنه يظهر انه لو انقلب شكه إلى ما يعلم معه بأحد من الزيادة أو النقيصة
يمكن ان يدفع الزيادة بقاعدة الشك بعد الفراغ ثم يأتي بما يحتمل نقصانه هذا
ولكنه مخدوش بان مساق أدلة الشك بعد الفراغ وان لم يكن الفراغ الواقعي
الا انه فيما يمكن ان يكون السلام جزء أخيرا لصلوته كما أن مساق أدلة الشك
بعد المحل فيما يمكن ان يكون الجزء الداخل فيه جزء لصلوته بل التحقيق ان دليل
القاعدتين يرجع إلى مضمون واحد وحينئذ ففي صورة العلم بالنقيصة يعمل عمل
الشك في الأثناء لاطلاق أدلته وفى صورة العلم بأحديهما لو قلنا باعتبار الأصل في عدد
الركعات يبنى على الأقل وان لم نقل بذلك فلابد من الاستيناف ولو انقلب الشك
إلى شك مركب مما وقع في الصلاة وغيره كما لو انقلب الشك بين الاثنتين والأربع
إلى الشك بين الاثنتين والثلث والأربع أو الشك بين الثلث والأربع إلى الشك
بين الثلث والأربع والخمس فقد يقال بابتنائه على أن الشك الموجود بعد الصلاة
مركب من شكين أحدهما الشك الواقع في الصلاة والثاني الشك الحادث بعدها
أو شك واحد فعلى الأول يلزم ترتيب اثر ما هو واقع في الصلاة وعدم الاعتناء بما
وقع بعدها ففي ما انقلب الشك بين الاثنتين والأربع إلى الاثنتين والثلث والأربع
يأتي بركعتين قائما ولا يعتنى باحتمال فوت الركعة المشكوكة وعلى الثاني فمقتضى

374
القاعدة صحة الصلاة ولا شئ عليه فان الشك المقتضى للتدارك قد انقضى والشك الحادث
وقع بعد العمل.
وفيه ما عرفت سابقا من عدم شمول دليل الشك بعد الفراغ الفراغ المبنى
على البناء ولا يشمله أيضا دليل شكين فان الشك بين الاثنين والأربع معناه ان لا
يكون الثلث موردا للاحتمال والشك في أنه صلى ثلثا أو أربعا مقتضاه القطع
بوقوع الثلث فكيف يجتمع الشك في تحقق الثلث بل القطع بعدمه كما هو مقتضى
الشك بين الاثنتين والأربع مع القطع بوجوده كما هو مقتضى الشك بين الثلث
والأربع.
نعم الذي يمكن ان يقال ان الشك المركب المنقلب إليه بعد الفراغ المبنى
على البناء على قسمين أحدهما ان يكون منصوصا كالشك بين الاثنتين والثلث
والأربع والثاني ان لا يكون منصوصا كالشك بين الثلث والأربع والخمس اما
القسم الأول فيشمله دليله لأنه لا يدرى ثنتين صلى أم ثلثا أم أربعا فيشمله الدليل
بعد عدم شمول دليل الشك بعد الفراغ وما قلنا في الشك المنقلب إلى الثلث و
الأربع من عدم شمول الدليل الدال على حكمه لا يجرى هيهنا فان الصلاة ليست
مأمونة من عروض الزيادة والنقيصة المبطلتين باتيان الركعتين موصولتين وركعة
واحدة موصولة فلا مانع من الاخذ باطلاق دليله واتيان ركعتين من قيام منفصلتين
وركعتين من جلوس كذلك والأحوط إعادة الصلاة.
واما القسم الثاني فلا محيص عن إعادة الصلاة لعدم كونه منصوصا كما هو
المفروض كالشك بين الثلث والأربع والخمس نعم لو عاملنا مع الشك الحادث بعد
السلام المبتنى على البناء معاملة الشك بعد الفراغ أمكن ان يقال ان الحادث بعد الصلاة
هو احتمال وجود الخامسة واما احتمال وجود الرابعة فليس غير ما كان في بين
الصلاة فلا يعتنى بالأول ويحكم على الثاني بالوجود بمقتضى البناء على الأكثر و
يؤتى بركعة قائما أو ركعتين جالسا وقد عرفت سابقا الاشكال في ذلك وهنا طريق
آخر للحكم بالصحة في الشك المفروض وهو ان يقال ما يبنى على وجوده بحكم

375
بحكم الشارع بمنزلة الموجود المفروغ عن وجوده وحيث دل الدليل على لزوم البناء على
الرابعة في المثال فالشك في الخامسة يكون من مصاديق الشك بين الأربع والخمس
بعد الفراغ من الأربع فيترتب عليه حكمه من لزوم سجدتي السهو بعد السلام ولكن
هذا ضعيف وسيجئ بيان ضعفه في الفرع اللاحق انشاء الله.
العاشرة إذا شك بين الاثنتين والثلث فبنى على الثلث ثم شك في اتيان
ركعة أخرى فهل يعمل بدليل الشكين بمعنى ان الثلث يحسب مفروغا عنه بمقتضى
دليل الشك بين الاثنتين والثلث والشك الذي حدث بعده بحسب من الشك في
الرابعة ويعمل بحكمه أيضا أو يجرى عليه حكم الشك بين الاثنتين والثلث و
الأربع ويشكل الأول بان الدليل الدال على البناء على الأكثر ليس من قبيل الطريق
إلى ثبوته مطلقا بحيث يكون الشك الحادث بعده من الشك في وجود الرابعة
بعد احراز الثالثة بل مفاده تتميم الركعات الباقية مبنية على وجود الثلث وتدارك
الثالثة المشكوك فيها بعد السلام مفصولة وبعبارة أخرى لزوم البناء على الأكثر
انما يكون بملاحظة الأثر الخاص وهو الاتيان بالبقية لا مطلق الآثار والشك في
وجود الرابعة مع احراز الثالثة انما يكون بعد احراز الثالثة اما بالقطع أو بطريق
يقتضى تحققها مطلقا.
ويشكل الثاني أيضا بان معنى الشك بين الاثنتين والثلث والأربع ان
الركعة بملاحظة ظرف وقوعها يشك في كونها ثالثة أم رابعة والمفروض
ان الركعة المفروغ عنها المبنى على كونها ثالثة مرددة بين كونها ثانية أو ثالثة
ولا يحتمل كونها رابعة في حال حدوث الشك الثاني أيضا واحتمال وجود ركعة
أخرى انما حدث بعد ذلك وليس ذلك من قبيل انقلاب الشك بين الاثنتين
والثلث إلي الشك بين الاثنتين والثلث والا ربع حتى يجرى عليه حكمه وهذا
الشك الفعلي وان كان بين الاثنتين والثلث والأربع لكن من جهة انضمام شك
إلي شك آخر لا من جهة انقلاب شك إلى شك آخر فلا يشمله دليل الشك بين الاثنتين
والثلث والأربع وليس داخلا في الشك بين الثلث والأربع أيضا لأنه انما يصدق بعد

376
ما كان الثلث مفروغا عنه وقد عرفت انه بمجرد الحكم بالبناء على الثلث لا يكون مما
أحرز وجوده.
فان قلت يكفي للبناء على وجود الرابعة كونها من الأخيرتين وقد نص بعض
الروايات على أن في الأخيرتين الوهم فيبنى على وجودها كالثالثة ويتدارك كل منهما
منفصلا.
قلت ليس في الدليل المفصل بين الأوليين والأخيرتين اطلاق بحيث يشمل هذه
الصورة فان المراد بالوهم في الاخبار هو سهو أي حكم السهو والمراد من حكم السهو
كما هو مصرح في بعض الاخبار الاخر هو البناء على الأكثر ولا ريب ان البناء على
الأكثر انما يكون في مورد يكون الأقل مقطوعا به وفى المثال ليس الأقل مقطوعا به بل حكم
بالبناء عليه فاشك المفروض ليس من الشكوك التي حكم بالبناء عليه نعم لو جوزنا التمسك
بالاستصحاب في عدد الركعات عند عدم النص يصح لنا في المثال اتيان ركعة موصولة ثم تدارك
الركعة الثالثة المبنى عليها منفصلة لكن عرفت الاشكال في الاستصحاب في باب عدد الركعات
فالأحوط في المثال إعادة الصلاة بعد العمل بمقتضى الشكين ومما ذكرنا تعرف
الاشكال فيما إذا شك بعد البناء على الثلث في أنه اتى بركعة واحدة أم اثنتين فإنه لو
قلنا بان الركعة المبنى عليها كالركعة المحرزة يكون من الشك بين الأربع و
الخمس وقد دل على حكمه الاخبار والا فالشك المفروض وان كان فعلا بين الثلث والأربع
والخمس لكن لامن جهة الانقلاب بل من جهة انضمام شك آخر إلى الشك بين الاثنتين والثلث
والفرق بين المثالين انه لو قلنا بالانقلاب في المثال الأول يكون من الشكوك المعتبرة
بخلاف المثال الثاني فإنه على فرض القول بالانقلاب يكون من الشك بين الثلث والأربع
والخمس وليس من الشكوك المعتبر فالأحوط فيه أيضا الإعادة بعد مراعاة ما يقتضى الشك
بين الاثنتين والثلث وما يقتضى الشك بين الأربع والخمس.
الحادية عشرة المضطر الذي يصلى جالسا لو شك أحد الشكوك الصحيحة
فالظاهر جريان حكم الشك في حقه واحتمال اختصاص أدلة العلاج بالمختار يدفعه
ان الأدلة الأولية وان كانت كذلك الا ان الدليل الدال على أن المجعول في حق المضطر

377
الصلاة جالسا يوجب جريان احكام الصلاة على صلوته وعلى هذا لو كان شكه
موجبا للتخيير بين الركعة قائما بعد التسليم وركعتين جالسا فهل يتعين عليه
الركعتان جالسا أو يتعين عليه الركعة جالسا أو يتخير بينهما لكل وجه اما
وجه تعين الركعتين فهو انهما أحد فردي البدل في حال الاختيار فهو متمكن من
ايجاد الركعة قائما ببدله فلا وجه للاجتزاء بالركعة جالسا فان أدلة سقوط القيام لا يقتضى الا
السقوط في مورد لا يتمكن من ايجاد شئ يكون بمنزلة الركعة قائما واما وجه الركعة
جالسا فهو ان الركعتين جالسا في حقه تعدان ركعتين قائما فنزيد صلوته على
المقدار الموظف واما وجه التخيير فهو ان مقتضى اطلاق دليل سقوط القيام في حقه
ان الركعة جالسا بالنسبة إليه بمنزلة الركعة قائما فيكون الركعة جالسا في حقه طرفا
للركعتين جالسا والظاهر الأول لان التخيير موقوف على اطلاق دليل المضطر بالنسبة
إلى هذه الحالة التي يتمكن من البدل في حال الاختيار وهو محل منع.
واما ما ذكر في تعين الركعة جالسا من كون الركعتين منه تحسبان ركعتين
قائما ففيه ان هذا انما يكون في مورد اعتبر فيه القيام بحسب أصل التشريع لا فيما لم يكن
القيام فيه معتبر أصلا كما فيما نحن فيه فان الركعتين جالسا وجبتا بقيد الجلوس فلا يتفاوت
حال المختار والمضطر بالنسبة إليهما.
الثانية عشرة هل يجوز في الشكوك الصحيحة قطع الصلاة واستيناف العمل
من رأس أو يتعين عليه العمل بموجب وظيفة الشاك وجهان مبنيان على حرمة قطع
العمل وابطاله فان تم الاجماع والا فمقتضى القاعدة الجواز وعلى كل حال لو اتى
بالمنافي في أثناء العمل واستأنف يكون الثاني صحيحا ولو استأنف قبل اتيان المنافى
قيل يبطل الصلاتان اما الأولى فلانمحاء صورتها بالثانية واما الثانية فاما من جهة
ظهور الأدلة في تعين تكليفه حال الشك بالعمل بوظيفة الشاك واما من جهة ان الاجزاء المأتى
بها قد سقط أمرها لان المأتى به إلى حين وقوع الشك وقع صحيحا فلا يقع ثانيا على وجه الإطاعة
إذ لا امتثال عقيب الامتثال وفى كل منهما نظر لا يخفى وكذا الكلام لو استأنف بعد
العمل قبل الاتيان بالمنافي واما لو اتى بالمنافي بعد التسليم فان قلنا بلزوم مراعاة

378
الجزئية لما يحصل به التدارك فوقوع المنافى بينه وبين الصلاة كوقوعه في الأثناء و
ان لم نقل بذلك فالكلام في استيناف الصلاة بعد وقوع المنافى كالكلام في استينافها
في الأثناء قبله.
الثالثة عشرة في الشكوك الصحيحة إذا غفل عن شكه وأتم الصلاة ثم انكشف
تماميتها بحسب الواقع فالظاهر الصحة لأنه لم يعلم من الأدلة انقلاب التكليف بحسب
الواقع إلى وظيفة الشاك بل كل هذه الوظيفة انما جعلت لتحصيل العلم بالفراغ في
مرحلة الامتثال واما في الشكوك الباطلة لو غفل عنها وأتم فبان المطابقة للواقع
فيمكن القول بالصحة أيضا نظرا إلى ما قلنا ويمكن القول بالبطلان نظرا إلى أنها
صارت محكومة بالإعادة وفيه نظر ويمكن التفصيل بين الشك في الأوليين وبين غيره
من الشكوك الباطلة فيحكم بالبطلان في الأول والصحة في الثاني اما الصحة في القسم
الأخير فلما أسلفنا واما البطلان في القسم الأول فلان الأدلة ظاهرة في اشتراط الحفظ
والعلم في الأوليين والظاهر أن هذا قيد زائد اعتبر فيهما بملاحظة انهما فرض الله تعالى
لا مجردان الشك فيهما ليس له علاج فيعتبر ان يكون المصلى بعد التفاته في الجملة حافظا
لهما حين التلبس ومن هنا يظهر ان من شك في الأوليين في حال السجود مثلا ويعلم بأنه يلتفت
بعد رفع الرأس من جهة بعض الامارات فالحكم بصحة عمله والاكتفاء بالحفظ الذي يتعقبه
بعد ذلك ولو بزمان مشكل وان أفتى بالصحة بعض وسمعنا من سيده مشايخنا الميرزا الشيرازي
قدس الله تربته الزكية في درسه ويمكن ان يقال ان اعتبار الحفظ في الأوليين ليس من قبيل
اعتبار ماله دخل في صحة الصلاة بل من جهة انه لما لم يجعل فيهما حكم السهو
فلم يمكن المضي الا ان يحفظهما ويثبتهما فإذا غفل وأتم وطابق الواقع فليس عليه شئ
وكذا إذا شك في حال السجود ويعلم بأنه يلتفت بعد رفع الرأس ولا يبقى مرددا
حين العمل.
الرابعة عشرة لو نوى المسافر في أحد مواضع التخيير القصر ثم شك بين
الاثنتين والثلث بعد اكمال السجدتين فهل يحكم بالبطلان نظرا إلى أنه في الثنائية أو

379
يجوز له العدول إلى التمام والعمل بحكم الشك في أخيرتي الرباعية وعلى الثاني
هل يتعين ذلك عليه نظرا إلى امكان اتمام العمل صحيحا فيحرم عليه القطع و
الابطال أو يتخير بين العدول إلى التمام والعمل بمقتضى الشك أو البقاء على قصد القصر
وإعادة الصلاة وجوه.
والتحقيق بناء على عدم كون القصر والاتمام مختلفين بالحقيقة كما هو الظاهر
جواز اختيار التمام والعمل بحكم الشك فإنه بعد فرض عدم الاختلاف بينهما الا
من جهة الحد فكلما وجد من أول الشروع إلى هنا كما يصلح لان يكون مصداقا للثنائية
كذلك يصلح لان يكون مصداقا للرباعية وقصد المصلى لم يعينه في شئ فان أتمها
ثنائية يكون الشك فيها الشك في عدد الثنائية ويلزم حكمه وان أتمها رباعية يكون
الشك فيها شكا في أخيرتي الرباعية ويلزمه حكمه الا ان يقال ان الأدلة الدالة على
حكم الشك في أخيرتي الرباعية تنحصر بحسب المورد فيما عين رباعيا كما أن
الأدلة الدالة على الشك في عدد الثنائية كذلك فالشك المفروض غير مشمول لأدلة
الطرفين ولازمه البطلان لعدم العلاج شرعا وسقوط الأصل في باقي ركعات الصلاة
كما قيل ولازم ما ذكرنا هو القول بالبطلان وان قصد التمام من أول الامر وشك
في الأخيرتين ولكن هذا الاحتمال ضعيف فتعين ما ذكرنا.
وتوضيح ذلك أن الأدلة الخاصة الواردة في الثنائية والرباعية وان لم تشمل
المورد ولكن عموم الدليل الدال على وجوب البناء على الأكثر بعد قوله عليه السلام أجمع
لك السهو في كلمتين يكفي لجواز البناء على الأكثر ثم تدارك النقص المحتمل
بالركعة المفصولة فان الخارج من هذه القاعدة ليس الا السهو في الأوليين من كل
صلاة لأنهما فرض الله تعالى والصلوات المجعولة ركعتين من جانب الشرع وصلاة
المغرب وليست صلاة المسافر في مواضع التخيير مما جعله الشارع ركعتين كما
في غير تلك المواضع وليس القصر والاتمام حقيقتين متباينتين بالفرض والا لكان العدول
من أحدهما إلى الاخر محتاجا إلى دليل تعبدي آخر غير دليل التخيير فالصلاة المفروضة
مع كون المكلف شاكا فيها بين الثلث والأربع محكومة بالصحة غاية الامر على

380
فرض وجود الركعة الثالثة ينحصر امتثال الامر التخييري باتمامها رباعية وطريق
اتمامها رباعية معلوم شرعا كما ذكرنا ومن هنا يعلم وجوب البناء على الأكثر و
الاتيان بالركعة المفصولة على تقدير القول بحرمة الابطال والحكم بالصحة فيما
نحن فيه أولى من الحكم بالصحة فيما دخل في المغرب مثلا فشك بين الاثنتين والثلث
فذكر ان عليه فائتة رباعية فان جواز العدول إلى الرباعية والمعاملة مع الشك المفروض
معاملة الشك في الرباعية واتمام الصلاة بالبناء على الأكثر واتيان الركعة المشكوك
فيها بعد السلام مفصولة مشكل من جهة ان المغرب والعصر مثلا حقيقتان مختلفتان
والعدول عن إحديهما إلى الأخرى محتاج إلى دليل تعبدي وهو وان كان موجودا في الجملة
ولكن مورده ما كان محكوما بالصحة قبل العدول واما ما كان محكوما بوجوب
الإعادة فلا يشمله دليل العدول وهذا الاشكال غير جار فيما نحن فيه بالتقريب الذي
ذكرنا سابقا فلاحظ ولو انعكس الامر بان دخل في رباعية فشك بين الاثنتين و
الثلث بعد اكمال السجدتين فذكر ان عليه ثلاثية يلزم مراعاة الترتيب بينهما كمن
دخل في العشاء الحاضرة في الوقت المشترك فذكر عدم الاتيان بالمغرب أو دخل
في العشاء الغائتة فذكر ان عليه المغرب الفائتة قبل العشاء فمقتضى القاعدة البطلان
لعدم امكان العدول واجراء حكم الشك في الرباعية واتمامها عشاء يوجب عدم
ملاحظة الترتيب الا ان يقال بسقوط الترتيب عند تعذر العدول ومن هنا يظهر انه
لو لم يجب الترتيب كما لو دخل في الظهر فذكر ان عليه فائتة الغداة بعد الشك بين
الاثنتين والثلث بعد اكمال السجدتين يجب البناء على الأكثر واتمامها بعنوان
الظهر ثم تدارك الركعة الفائتة المفصولة.
صلاة الاحتياط
الفصل الثالث في صلاة الاحتياط وجملة من أحكامها وفيها مسائل:
الأولى الظاهر تعين الفاتحة في صلاة الاحتياط للامر بها في جملة من الاخبار
ولأنها صلاة منفردة بمقتضى ظواهر الأدلة الدالة على انها شرعت لتدارك النقص
المحتمل ولا صلاة الا بها وبملاحظة الثاني وجب فيها التكبير لأنه مفتاح كل صلاة

381
وهل يتعين فيها الاخفات أو يتخير بينه وبين الجهر لم أر في الاخبار التعرض لهذه
الجهة فمقتضى القاعدة التخيير ومقتضى الاحتياط الاخفات.
الثانية لو فعل ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط قيل يبطل الصلاة ويسقط الاحتياط
نظرا إلى أنها معرضة لان تكون متممة كما يدل عليه الامر باتمام ما نقص في موثقة
عمار ومقتضى وقوع الاحتياط تتمة للصلاة على تقدير النقص وقوع الحدث ونحو
في الأثناء على التقدير المذكور وكونه مسبوقا بالتسليم غير مجد لكونه على هذا التقدير
في غير محله فيكون ملحقا بالسهو والا لكان مانعا عن انضمام اللاحق بسابقة و
يؤيد هذا القول انه عليه السلام قد امر بسجدتي السهو لو تكلم بين صلاة الاحتياط و
صلاة الأصل في خبر ابن أبي يعفور الوارد فيمن لا يدرى صلى ركعتين أم أربعا
فقال يتشهد ثم يقول فيصلى ركعتين وأربع سجدات يقرء فيهما بفاتحة الكتاب
ثم يتشهد ثم يسلم إلى أن قال عليه السلام وان تكلم فليسجد سجدتي السهو بناء على
إرادة التكلم بين الصلاتين وفيه نظر فان مقتضى ظاهر الاخبار حصول الفراغ
والانصراف من الأول بالتسليم وكون الاحتياط صلاة منفردة ولذا استظهرنا
وجوب التكبيرة مع خلو الاخبار عن ذكرها بالخصوص وكونها معرضة للاتمام
لا يلازم الجزئية بحيث تكون مع الأولى صلاة واحدة وان كان لا ينكر كونها
جزء للمأمور به للشاك بحيث لا يفرغ ذمته الا بها كما لا يخفى واما الامر بسجدتي
السهو في خبر ابن أبي يعفور فمع احتمال ان يكون المراد التكلم في أثناء الصلاة
الأولى أو الثانية لا يدل على المدعى فان من المحتمل كونه حكما تعبديا في مورد
خاص فاذن المسألة لا تخلو عن اشكال وقوى شيخنا المرتضى قدس سره عدم البطلان
في صلوته وتبعه سيدنا الأستاذ وسمعنا من سيد مشايخنا الشيرازي البطلان في بحثه
والاحتياط لا يترك خصوصا في مثل المسألة التي يقع الشك فيها في طريق الامتثال
مع عدم اطلاق يدل على تدارك مثل هذه الصلاة المسبوقة بوجود المنافى بينها و
بين الفريضة الأصلية.
الثالثة لو تذكر الشاك بعد البناء على الأكثر والتسليم نقص الصلاة فاما

382
ان يتذكر النقص المحتمل وغيره وعلى التقديرين اما ان يكون قبل صلاة الاحتياط
أو بعده أو في أثناء الاحتياطين أو احتياط واحد وعلى تقدير كون التذكر بعد
الاحتياط أو في الأثناء اما ان يكون المأتى به مطابقا للمنقوص كما وكيفا أو
مخالفا له فيهما أو في أحدهما فان كان التذكر قبل صلاة الاحتياط فقد يقال انه
داخل في مسألة من تذكر نقص الصلاة بعد التسليم بركعة أو أزيد فتشمله الأخبار الدالة
على وجوب الحاق ما نقص.
وفيه نظر فان مورد تلك الأخبار صورة ما لو صدر منه التسليم بزعم الفراغ
لا مثل ما نحن فيه وقد يقال ان الأخبار الواردة في ذلك المقام وان لم تشمل المورد
الا ان الموردين مشتركان في الحكم من جهة ان الحكم المذكور مطابق للقاعدة
بعد العلم بان التسليم المأتى به في المقام كما في تلك المسألة غير موجب للبطلان
وفيه نظر أيضا لامكان ان يكون التسليم هنا مانعا من ضم الركعة المتصلة ما
يكون مانعا منه على تقدير التمامية وتدارك المنقوص بالمنفصل لا دليل عليه لاختصاص
دليله بما إذا كان باقيا على شكه في حال الاحتياط فاذن مقتضى القاعدة الجمع بين
العمل بالاحتياط والاستيناف للعلم الاجمالي بوجوب أحدهما.
فان قلت الشاك المحكوم بالبناء على الأكثر والاحتياط بعد التسليم هو
الشاك الذي يبقى شاكا إلى انقضاء تمام الوظيفة فمن يزول شكه بعد التسليم قبل
صلاة الاحتياط لم يكن موضوعا لوجوب البناء على الأكثر وانما بنى على الأكثر
بزعمه ان يبقى شكه فالتسليم منه وقع في غير مورده بزعم انه مأمور به فيدخل
حقيقة في من سلم سهوا.
قلت القول بان وجوب البناء على الأكثر موضوعه الشك المستمر لازمه القول
بان من لم يدر أن شكه يستمر أو يزول لا يتعين عليه البناء على الأكثر والمضي عليه
بل يجوز له رفع اليد عما بيده والاستيناف فإنه يشك في أن الشارع جعل لشكه
المفروض علاجا.
فان قلت انما يبنى على الأكثر للعلم الاجمالي بين وجوب البناء أو الاستيناف

383
قلت تعين البناء على الأكثر فيما كان موضوعه محققا ليس الا من جهة حرمة
الابطال والا فمقتضى القاعدة التخيير بين العمل بوظيفة الشاك واستيناف العمل
رأسا ولا دليل على حرمة الابطال فيما إذا لم تحرز الصحة بل يكون مرددا بين ان
يكون محكوما بالبطلان من جهة عدم العلاج أو الصحة والأولى ان يقال ان
الموضوع في باب الشكوك في ركعات الصلاة هو الشك المستمر إلى آخر الوظيفة
كما أن الموضوع في كل عمل متدرج الوجود المتعلق بعنوان خاص هو ذلك العنوان
الباقي إلى آخر العمل واما ما أوردت على هذا القول بان لازمه القول بان من
لم يدر ان شكه هل يبقى أم يزول يجوز له رفع اليد عما بيده واستيناف العمل ففيه
ان الشخص المفروض له طريق عقلائي يقتضى عدم زوال شكه وهو الغلبة بحيث
يكون خلافه نادرا جدا فان من استقر شكه بعد التروي لا يزول عادة قبل الاتيان
بتمام الوظيفة فلو زال شكه قبل ذلك يكشف عن خطأ طريقه فالسلام المبنى على
طريق انكشف خطائه بعده كالسلام المبنى على القطع الذي انكشف خطائه في دخوله
تحت السلام السهوي ولو فرضنا ان شخصا لم يكن تلك الغلبة النوعية معتبرة في
حقه مثل ان تكون الغلبة في مورده شخصا على خلاف العادة نلتزم بجواز رفع اليد
عما بيده واستيناف العمل ولا ضير فيه.
وان تذكر بعد الاحتياط فان تذكر النقص المحتمل فالظاهر الصحة كما
يصرح بذلك خبر عمار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن شئ من السهو فقال
عليه السلام الا أعلمك شيئا إذا فعلت ثم ذكرت انك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شئ
الخبر مضافا إلى ظواهر الاخبار الاخر الواردة في هذا الباب الدالة على أن تشريع
الاحتياط انما هو من جهة كونه متمما واقعيا على تقدير النقص وان زال الشك
بعده ولا يخفى ان التفصيل بين تخلل المبطل بين صلاة الأصل والاحتياط في هذه
المسألة غير وجيه فإنه ان قلنا باشتراط الاحتياط بعدم تخلل المنافى بينه وبين
الصلاة تبطل الصلاة بتخلل المنافى وان لم يتذكر النقص وان لم نقل بذلك وبنينا

384
على عدم كونه مانعا فمقتضى ذلك صحة باتيان الاحتياط وان تخلل المنافى
وكذا لا فرق بين موافقة الاحتياط للمنقوص كركعة من قيام فيما إذا كان المتروك ركعة
أو مخالفه له كركعتين من جلوس بدل ركعة من قيام إذا لشارع أقام الركعتين مقام
الركعة فلا يضر حينئذ المخالفة فما عن بعض من الحكم بالبطلان في الصورة الثانية
ضعيف جدا كالتفصيل الاخر المنقول عن بعض في ذي الاحتياطين بين ما إذا وقع ثانيهما
جابرا أو الأول واستشكل في الأول لوقوع الفاصل وفيه انه انما شرع كك فلا مجال
للاشكال.
وان تذكر نقصا لم يحتمله عند الشك فهو يتصور على قسمين تارة يكون النقص
أزيد من الاحتياط وأخرى بالعكس ففي الأول كما لو شك بين الثلث والأربع فبنى
على الأربع ثم اتى بالركعة احتياطا ثم على أن صلوته كانت ركعتين يحتمل الاكتفاء
بركعة أخرى متصلة ويحتمل الرجوع إلى حكم من تذكر نقص الصلاة بركعتين
والغاء الاحتياط ويحتمل وجوب الإعادة والأحوط الجمع بين ما ذكر والإعادة وفى
الثاني كما لو شك بين الاثنتين والأربع وسلم واتى بالركعتين فعلم نقص ركعة
يحتمل وجوب اتيان الركعة متصلة وكون الاحتياط نافلة ويحتمل بطلان الصلاة
والاحتياط اما بطلان الصلاة فلوقوع الفصل واما بطلان الاحتياط فان الشارع حكم
بالنافلة في الاحتياط الذي يقع بعد تمامية العمل لا ما يقع في أثنائه فالأحوط مع ما
ذكر إعادة الصلاة وان كان بين الاحتياطين فان كان ما اتى به موافقا للناقص كمن شك
بين الثنتين والثلث والأربع فبنى على الأربع وسلم ثم اتى بركعتين جالسا فتذكر
انه سلم على ثلث فالظاهر تدارك الركعتين جالسا للركعة الفائتة من صلوته لاطلاق
الدليل واحتمال تقييد الشك بكونه مسترا إلى آخر اتيان الركعتين اللتين لا ربط
لهما بتدارك الصلاة بل لو فرضنا بقاء شكه واتيان الركعتين قائما كانت نافلة مستقلة
لا دليل عليه بل ينفيه اطلاق الدليل وان كان ما اتى به غير موافق للناقص كما أنه في الفرض
المزبور تذكر بعد اتيان الركعتين جالسا نقصان صلوته بركعتين يحتمل الاكتفاء
بركعة موصولة ويحتمل وجوب ركعتين موصولتين والغاء ما اتى به ويحتمل البطلان و

385
إعادة الصلاة والاحتياط غير خفى.
الرابعة قد اشتهر في السنة الفقهاء قدس سرهم انه لا سهو في سهو وهذا اقتباس
من الأخبار الا ان في بعضها لا سهو على سهو وفى بعضها كما ذكر والظاهر أن كلمة
في سهو ظرف للنسبة المنفية كقوله تعالى لا ريب فيه لا قيد لاسم لا والمراد بالسهو
بقرينة الفقرات الاخر الواردة في سياق واحد في مرسلة ابن هاشم ليس على الامام
سهو إذا حفظ عليه من خلفه وليس على من خلف الامام سهوا إذا لم يسه الامام ولا سهو
في سهو وليس في المغرب سهو ولا في الركعتين الأولتين من كل صلاة سهو ولا سهو
في نافلة هو الشك والمراد من المنفى هو البناء على الأكثر والآتيان بما احتمل نقصه مستقلا
إذ هو القدر المشترك بين الموارد المذكورة وهذا يجامع مع الفساد والصحة فلا يصح التمسك
بهذه الرواية الا على عدم وجوب ما ذكر.
الخامسة لو شك في صلاة الاحتياط بعد العلم بالوجوب فان كان بعد الوقت
لم يلتفت لعموم القاعدة وان كان في الوقت وكان جالسا في محل الصلاة مع عدم وجود
المنافى فان لم يكن بين زمان الشك والسلام فصل ينافي الفورية اتى بها وان طال الزمان
بحيث ينافي الفورية فان قلنا باعتبار الفورية شرعا فالشك فيه داخل في
الشك في الشئ بعد تجاوز محله شرعا وان لم نقل بذلك يكون من الشك في الشئ
بعد التجاوز عن المحل العادي كالفرع الآتي وتوهم عدم الاعتناء من جهة قوله عليه السلام
لا سهو في سهو قد عرفت دفعه وان قام من محل الصلاة أو اشتغل بفعل آخر ينافي الصلاة
احتمل عدم وجوب الاتيان وان قلنا بعدم كون المنافى مضرا بين الأصل والاحتياط لمضى
المحل العادي لها وفيه تأمل والأحوط الاتيان.
السادسة لو زاد فيما ركعة أو ركنا أو نقص كذلك ولا يقبل التدارك بطلت و
هل تبطل الصلاة أم لا بل يجب عليه إعادة الاحتياط يحتمل الأول لا لحصول الزيادة لأنه
لم يأت بها بقصد انها جزء للأولى ولأن السلام يمنع عن اتصال اللاحق بل للاخلال
بالفورية المستفادة من ظواهر الأدلة فتكون صلوته التي شك في عدد ركعاتها غير
قابلة لان يتدارك نعم يمكن ان يقال بعدم ظهور الأدلة في اعتبار الفورية بل غاية ما يقال

386
ان القدر المتقين من مفادها تدارك ما يؤتى به عقيب السلام من دون فصل معتد به فالأدلة
وان لم يكن لها اطلاق يدل على جواز التراخي ولكن لا دلالة لها أيضا على أنه لو وقع
الفصل يمنع من صحة الاحتياط ووقوعها جابرة للنقص المحتمل في أصل الصلاة وإذا
كان الحال كك فالامر دائر بين وجوب الاستيناف ووجوب الاتيان بالصلاة الاحتياطية
ومقتضى ذلك لزوم الاحتياط بالجمع بينهما الا ان يوجد أصل شرعي يوجب جواز الاكتفاء
بالصلاة الاحتياطية وتقرير الأصل المحتمل هنا من وجوه.
أحدها استصحاب وجوب صلاة الاحتياط وفيه ان اجراء الحكم المعلق بالمفاهيم
المقيدة على غيرها لا يمكن بالاستصحاب لتعدد الموضوع حتى بنظر العرف نعم لو كان
الحكم يسرى إلى الوجودات الخارجية المتصفة بالقيد يمكن استصحابه بعد زوال قيده
الا ترى ان حكم الماء المتغير بنحو الكلى لا يمكن اجرائه على الماء الغير المتغير ولكن
لو تحقق الماء المتغير في الخارج وصار محكوما بالنجاسة بواسطة انطباق ذلك
المفهوم على الفرد الخارجي الشخصي ثم زال تغيره من قبل نفسه يصح استصحاب
نجاسته فان معروض النجاسة كان ذلك الشخص الخارجي عرفا والحكم المتعلق
بأفعال المكلفين مما لا يسرى إلى الخارج بل الموجود الخارجي منها يوجب سقوط
الحكم.
والثاني استصحاب كون صلاة الاحتياط موجبة لتدارك الركعة المنسية
فإنها كانت كذلك قبل ذلك وفيه ان ايجابها للتدارك انما كان بوجودها الخارجي
لا بالوجود اللحاظي الذي كان موردا للامر والمفروض عدم تحققها في الخارج
قبل ذلك.
والثالث الاستصحاب التعليقي وبيانه من وجهين.
أحدهما ان صلاة الاحتياط قد جعل الشارع وجودها الخارجي موجبا لتدارك
النقص المحتمل فيقال ان الركعتين بعد التسليم فيما إذا شك المصلى بين الثنتين و
الأربع كانتا بحيث لو وجدتا في الخارج حصل بهما تدارك النقص المحتمل في الفريضة
شرعا وفى الزمن اللاحق يشك في ارتفاع هذا الأثر الشرعي المعلق على الوجود

387
الخارجي فيستصحب كاستصحاب النجاسة المعلقة على الغليان الخارجي وفيه ان تدارك
النقص المحتمل ليس مما جعله الشارع بل هو من فوائدها الواقعية صار موجبا لجعل
الشارع صلاة الاحتياط وبعبارة أخرى بناء الشاك بين الثنتين والأربع على الأكثر
ثم اتيان مقدار الناقص المحتمل بعد السلام مفصولا مشتمل على مصلحة موجبة
لتدارك ما فات من المصلى ولأجل ذلك امر الشارع بذلك لا ان الشارع امر بذلك وجعل
وجود الركعتين موجبا للتدارك بجعل آخر.
وثانيهما استصحاب كون الاحتياط على تقدير وجوده قبل ذلك متداركا
للنقص المحتمل فإنه كان كذلك من قبل فان التدارك وان قلنا بأنه ليس بمجعول
شرعي وليس له اثر شرعي أيضا ولكن تناله يد الجعل بتقبل ما يأتي به في حال عدم
الفورية مصداقا للمأمور به نظير استصحاب الطهارة حال الصلاة بعد ما كان
فارغا منها فان مصحح الاستصحاب ليس الا تقبل الشارع ما اتى به مصداقا
للمأمور به.
السابعة لو شك في أنه هل شك شكا يوجب الاحتياط أم لا فان كانت حالته
الفعلية القطع الصلاة فلا اشكال وان رأى نفسه شاكا فقد يقال بعدم وجوب
الاحتياط عليه لأصالة عدم تحقق موجبه ولا يعارضها أصالة عدم تحقق الشك بعد
الفراغ لأنه لا يترتب عليها الا عدم كون الصلاة محكومة بالتمامية من حيث الشك
بعد الفراغ ولا ينافي كونها محكومة بها من حيث آخر والمفروض تحقق أصل
الصلاة ولا نشك في صحتها الا من جهة احتمال احتياجها إلى الاحتياط وقد فرضنا
ان مقتضى الأصل عدم وجوبه وبعبارة أخرى نقص الصلاة من جهة الاحتياج إلى الاحتياط
مأمون بالأصل ومن جهة أخرى غير محتمل.
وفيه ان الأصل المذكور لا يحرز تمامية الصلاة ولا قطع لنا بها لا واقعا ولا ظاهرا
اما الأول فظاهر واما الثاني فلان المحرز للبرائة اما الاحتياط لو كان شاكا في الأثناء و
اما قاعدة الشك بعد الفراغ لو حدث شكه بعد الصلاة والمفروض ان كلا منهما
على خلاف الأصل فلم يبق ما يكون حجة للعبد على فرض نقص صلوته في الواقع مع

388
اشتغال ذمته باتيان أربع ركعات فمقتضى الاحتياط الاتيان بصلاة الاحتياط للقطع
بفراغ الذمة في مرحلة الظاهر فتدبر.
الثامنة لو نسى الاحتياط ودخل في فريضة مرتبة عليه قد يقال بوجوب العدول
إليه ان لم يجز عن محله وفيه منع لعدم شمول أدلة العدول للمورد وهو على خلاف
القاعدة فليقتصر على مورد الدليل وحينئذ فيمكن ان يقال بوجوب القطع والآتيان
بالاحتياط قضاء للترتيب والفورية ان لم يكن ما اتى به نسيانا منافيا للفورية والا فان
قلنا باعتبار الفورية فمقتضى ذلك بطلان الصلاة السابقة فيعدل إليها وان لم نجزم
باعتبار الفورية بل كانت الفورية هي القدر المتيقن من الأدلة فيدور الامر بين لزوم
الاتيان بالصلاة الاحتياطية واستيناف أصل الصلاة فيجب الاحتياط ان لم يكن أصل
يجوز الاكتفاء بالصلاة الاحتياطية وقد تكلمنا في الأصل النافع لا مثال المقام فراجع
واما لو نسى الاحتياط واشتغل بفريضة أخرى غير مرتبة وتذكر قبل فوات الفورية
فان قلنا بان اتمام السابقة لا ينافي صحة اللاحقة يأتي بوظيفته السابقة ثم يتم اللاحقة
وان قلنا بان اتمام السابقة يوجب بطلان اللاحقة تخير بين الامرين إذ ابطال إحدى
الصلاتين مما لا بد منه فان الاتيان بالثانية يوجب ابطال الأولى بفوات الفورية وتتميم
الأولى بالاحتياط يوجب ابطال الثانية على الفرض ولو شك في كون تتميم الأولى
بالاحتياط مبطلا للثانية يمكن القول بتعين تتميم الأولى فإنه يجوز اما تعيينا أو تخييرا.
في الأجزاء المنسية
الفصل الرابع في الأجزاء المنسية وهي على اقسام.
أحدها ما يجب تداركه فقط وهو كل جزء فات ولم يدخل في الجزء الركني سواء
كان الجزء الفائت ركنا أو غير ركن والدليل على ذلك الامر بذلك الجزء وعدم المانع من
اتيانه فإنه لا يستلزم الا الغاء ما اتى به مما هو مرتب على الجزء المنسى ولا باس به بعد عدم
كونه ركنا كما هو المفروض فمن ترك الحمد نسيانا حتى دخل في السورة يلغى ما قرء من
السورة ثم يقرء الحمد ويقرء السورة بعده ومن ترك الركوع حتى هوى إلى السجود

389
يرجع إلى القيام فيركع ومن نسي السجدتين أو واحدة منهما حتى تشهد مثلا يرجع
وهكذا.
فرعان: الأول مقتضى ما ذكرنا ان الناسي للركوع حتى دخل في السجدة
الأولى يرجع إلى الركوع لأنه لا يستلزم الا زيادة سجدة واحدة وهي
غير مضرة ولكن المشهور كما قيل على البطلان واستدل لهم بان الناسي للركوع
حتى يسجد لم يأت بالمأمور به على وجهه فبقى تحت عهدة التكليف إلى أن يتحقق
الامتثال وبما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن رجل
ينسى ان يركع حتى يسجد ويقوم قال عليه السلام يستقبل وبخبر أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال إذا أيقن الرجل انه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع
استأنف الصلاة وبموثقة إسحاق بن عمار قال سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل ينسى ان
يركع قال عليه السلام يستقبل حتى يضع كل شئ موضعه وبخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام
قال سألته عن الرجل نسى ان يركع قال عليه السلام عليه الإعادة وفى الكل نظر اما التمسك بالقاعدة
ففيه انه بعد ما يأتي بالركوع ويتم الصلاة بالترتيب المأمور به يتحقق الامتثال لأنه
لا يكون في صلوته الا زيادة سجدة واحدة وقد ورد عدم البأس بها واما الاخبار التي ذكرنا
فبين ظاهر فيما إذا فرغ عن السجدتين وصريح
في ذلك وساكت من هذه الجهة فراجع
والعجب ممن قبل دلالة الموثقتين على مذهب المشهور ولكن ردهما بضعف السند و
كذلك من صحح السند واستدل بهما على مذهب المشهور ومن الواضح ان قول السائل
الرجل نسى ان يركع يراد منه ان صلوته صارت خالية من الركعة من جهة النسيان
ومن المعلوم وجوب استيناف الصلاة المفروضة ولا يفهم من السؤال والجواب
ان مجرد تحقق نسيان الركوع من مبطلات الصلاة وان كان محل تداركه
باقيا.
الثاني لو هوى بقصد السجود ناسيا للركوع والتفت قبل ان يسجد فلا اشكال
في الرجوع إلى القيام ثم الركوع للقاعدة التي أشرنا إليها وأما إذا حصل النسيان بعد

390
هويه للركوع بان هوى أو لا للركوع ثم عرض النسيان في الأثناء وجعله هوى السجود
فهل يجب عليه أيضا ان يقوم ويركع كما هو مقتضى اطلاق بعض كلمات العلماء رحمهم
الله أم لا وعلى الثاني هل يجب عليه ان يوم منحنيا إلى حد الركوع ثم ينتصب أم لا
يمكن القول بوجوب القيام والركوع نظرا إلى أن هذا الهوى ليس بركوع وان كان
بقصده من أول الامر لا الاشتراط الاستقرار في الجملة في ماهيته بل لاعتبار الانتهاء إلى
حده وان كان متزلزلا.
لا يقال لو سلم ما ذكرت لا يتعين عليه القيام ثم الركوع لعدم نقص
في هذا الفرد من الركوع إلا عدم الانتهاء ويتحقق بقيامه منحنيا إلى حد الركوع.
لأنا نقول ان الركوع اسم للانحناء الحاصل من اعتدال قيامي أو جلوسي فلو
نهض منحنيا فلا يقال انه ركع فلا يجدى ذلك في تدارك المنسى فتأمل ثم اعلم أنه لو
أغمضنا النظر عما ذكرنا فلا يكون هذا موجبا لتعيين القيام على وجه الانحناء أيضا
غاية الامر التخيير بينه وبين القيام منتصبا وتجديد الركوع فلا وجه لتعيين القول
بذلك على كل حال اللهم الا إذا كان نظر القائل بتعيين القيام على وجه الانحناء إلى أن
الركوع قد حصل ولا يعتبر في تحققه الانتهاء ولكن الطمأنينة والانتصاب غير
حاصلين ويمكن تداركهما بالرجوع إلى حد الركوع منحنيا لان هذا لا يعد فردا
آخر من الركوع وكيف كان فالمسألة محل اشكال فلو اختار أحد الامرين اللذين
ذكرناهما ثم عاد الصلاة لكان أولى.
وثانيها ما تتم معه الصلاة من غير تدارك وهو كل جزء أو قيد أخل به نسيانا
ولم يلتفت حتى إذا فات محل التدارك ما عدا الأركان الخمسة وهي النية وتكبيرة الاحرام
والقيام حال التكبير وما قبل الركوع والركوع والسجدتان والدليل على صحة الصلاة
مع عدم تدارك ما ذكر انه لو وجب مراعاة الجزء المنسى في هذا الحال لوجب إعادة
الصلاة وعموم قولهم (ع) لا تعاد الخ ينفى الإعادة هذا مضافا إلى اخبار خاصة في بعض
الموارد كمن نسى القراءة حتى ركع وكمن نسى ذكر الركوع حتى رفع رأسه و
كذلك السجود وكذلك الجهر والاخفات في موضعهما وفوت محل التدارك فيهما ان

391
قلنا بتقييد القراءة بهما حال الدخول في الركوع وان قلنا بعدم التقييد بل هما قيدان
للصلاة في عرض القراءة يتحقق فوت محل تداركهما بنفس مضى القراءة وان
لم يركع بل لو تجاوز عن كلمة ودخل في كلمة أخرى ثم ذكر لم يرجع والدليل
الدال على تمامية الصلاة لو أخل بالجهر والاخفات في موضعهما ظاهر في الثاني
فراجع.
تنبيه الخصوصيات المعتبرة في حال الركوع والسجود ما كان منها يرجع إلى
قوام ماهيتهما به كالمقدار الخاص من الانحناء على احتمال فلا اشكال في أن نسيانه راجع
إلى نسيانهما وما كان منها ليس من هذا الباب كوضع الركبتين والابهامين مثلا في
حال السجود وكالاستقرار في حاله وفى حال الركوع وأمثال ذلك فان استفدنا من
الدليل كونه واجبا آخر في الصلاة في عرض الركوع والسجود فلا اشكال في عدم
كون نسيانه موجبا للبطلان ضرورة كونه على هذا الفرض داخلا في عموم المستثنى
منه من قولهم (ع) لا تعاد وان استفدنا كونه قيدا للركوع والسجود فيشكل الحكم
بعدم ابطال نسيانه حيث إن الخلل فيه على هذا يرجع إلى الخلل في الركوع
والسجود.
لا يقال مقتضى اطلاق الركوع والسجود في خبر لا تعاد ان القيود المذكورة
لا تكون معتبرة حال النسيان بل مختصة بحال الالتفات والعمل.
لأنا نقول ان الركوع والسجود المستثنيين في خبر لا تعاد انما لوحظا عنوانين
للركوع والسجود المعتبرين في الصلاة على نحو ما اعتبرا فيها فلا اطلاق لهما من
هذه الجهة اللهم الا ان يقال ان الحكم بالإعادة انما يكون فيما إذا فرض ثبوت اطلاق
لدليل اعتبار القيود المذكورة وليس كذلك بل المقدار المتيقن من اعتبار تلك
القيود هو حال الالتفات ومقتضى أصالة البراءة عدم مراعاة مثلها لو ترك حال النسيان و
يمكن ان يقال أيضا انه يستفاد من بعض الأدلة الواردة في الركوع ان الركوع
المعتبر في الصلاة هو الانحناء إلى حد مخصوص ولا يعتبر فيه شئ آخر فإنه من
المطلق الوارد في مقام البيان فانظر إلى الخبر الوارد في نسيان القنوت حيث فصل

392
عليه السلام في الجواب تارة بأنه لو لم يصل يداه إلى ركبتيه يرجع والا فلا يرجع وأخرى
بأنه لو وصل إلى حد الركوع فلا يرجع فيستفاد من المجموع ان الركوع المعتبر هو وصول
اليد إلى الركبتين ومن هنا يعلم أنه لو فرض اطلاق الأدلة تلك القيود لا ينافي اطلاق
دليل الركوع فان اطلاق تلك الأدلة يقيد الصلاة لا الركوع.
فرع وهل فوت الأمور المذكورة التي قلنا بعدم لزوم تداركها وان الصلاة
تتم مع فوتها نسيانا يوجب سجدتي السهو أم لا مقتضى ظاهر رواية سفيان بن السمط
تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان الوجوب ومقتضى اطلاق
الأخبار الواردة في ترك القراءة نسيانا عدم الوجوب كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام قال إن الله عز وجل فرض الركوع والسجود وجعل القراءة سنة
فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسى القراءة فقد تمت صلوته ولا شئ
عليه وموثقة أبي بصير قال إذا نسى ان يقرأ في الأولى والثانية أجزأه تسبيح الركوع
والسجود وان كان الغداة فنسي ان يقرء فيها فيمض في صلوته وخبر الحسين بن
حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قلت له أسهو عن القراءة في الركعة الأولى قال اقرأ في
الثانية قلت أسهو في الثانية قال اقرأ في الثالثة قلت أسهو في صلوته كلها قال عليه السلام
إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمت صلاتك ومثل هذه الأخبار الخبر الوارد
في نسيان ذكر الركوع وهو خبر القداح عن جعفر عليه السلام عن أبيه ان عليا عليه السلام
سئل عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا قال عليه السلام تمت صلوته وخبر على بن يقطين الوارد
في نسيان ذكر الركوع والسجود قال سألت أبا الحسن الأول عن رجل نسى تسبيحه
في ركوعه وسجوده قال عليه السلام لا بأس بذلك واحتمال ان الحكم بصحة الصلاة وتماميتها
وعدم الباس بترك القراءة وتسبيح الركوع والسجود وعدم شئ عليه انما يكون
في مقام نفى الإعادة ولا ينافي لزوم سجدتي السهو وان لم يكن بعيدا في بعض الاخبار
كصحيحة محمد بن مسلم ولكنه بعيد في الاخبار الاخر حيث إن الظاهر أن السائل في
تلك الأخبار يسئل عن حقيقة الحكم فيمن ترك القراءة نسيانا أو تسبيح الركوع
أو السجود فلو واجب عليه سجدتا السهو فمقتضى القاعدة ذكره في جواب السائل.

393
لا يقال غاية ما يدل هذه الأخبار عدم وجوب سجدتي السهو لخصوص ترك
القراءة وذكر الركوع والسجود ولا دلالة لها على عدم الوجوب في مطلق النقيصة
فيحكم بوجوبهما في باقي النقائص الواردة في الصلاة بمقتضى الخبر المذكور.
لأنا نقول ان الامر يدور بين ما ذكرت وهو حمل الخبر الوارد في سجدتي
السهو على ظاهره من الوجوب وتخصيص مورده بغير القراءة وذكر الركوع و
السجود أو حمله على الاستحباب حتى لا يوجب التخصيص وليس الأول بأولى من الثاني
ان لم نقل بالعكس ومن هنا يظهر عدم جواز التمسك بهذا الخبر للحكم بوجوب
سجدتي السهو في الزيادة السهوية أيضا فان النقيصة في الخبر قد عطفت على الزيادة
فهما بمقتضى العطف سواء في الحكم وقد عرفت اجمال الحكم في القضية في طرف
النقيصة فيصير مجملا بالنسبة إلى الزيادة أيضا.
وثالثها ما يتم معه الصلاة مع قضائه بعد الصلاة وسجدتي السهو وهو إذا ترك
سجدة أو التشهد ولم يذكر حتى ركع وهذا يتضمن أربع مسائل: إحداها وجوب قضاء
السجدة لو لم يذكر حتى ركع الثانية وجوب سجدتي السهو لها. الثالثة وجوب
قضاء التشهد لو نسى ولم يذكر حتى ركع. الرابعة وجوب سجدتي السهو له.
في وجوب قضاء السجود لو نسى حتى ركع
اما المسألة الأولى فيدل عليها روايات كثيرة منها ما رواه الشيخ في الصحيح
عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل نسى ان يسجد السجدة الثانية حتى
قام فذكر وهو قائم انه لم يسجد قال عليه السلام فليسجد ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد
ركوعه انه لم يسجد فليمض على صلوته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء.
ومنها ما رواه ابن بابويه قدس سره في الصحيح عن ابن مسكان عن أبي بصير بهذا
المضمون مع زيادة قوله عليه السلام وليس عليه سهو قال في المدارك بعد نقل الرواية عن أبي
بصير الظاهر أنه ليس المرادي.
ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا نسى

394
الرجل سجدة وأيقن انه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل ان يسلم.
ومنها موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن الرجل ينسى سجدة
فذكرها بعدما قام وركع قال عليه السلام يمضى في صلوته ولا يسجد حتى يسلم فإذا سلم سجد
مثل ما فاته قلت فان لم يذكر الا بعد ذلك قال عليه السلام يقضى ما فاته إذا ذكره.
ومنها خبر على بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى قال سألته عن الرجل يذكر
ان عليه السجدة يريد ان يقضيها وهو راكع في بعض صلوته كيف يصنع قال عليه السلام يمضى
في صلوته فإذا فرغ سجدها بناء على أن المراد من السجدة التي يريد أن يقضيها هي
السجدة المتروكة من الصلاة سهوا واما لو كان المراد غيره فيكون هذه الرواية
أجنبية عما نحن فيه وكيف كان يكفي في المسألة الأخبار المتقدمة والظاهر منها عدم
الفرق بين ان تكون السجدة من الركعتين الأولتين أو الأخيرتين بل هي كالنص في
الأولتين لأنها واردة في ما عدا الأخيرة وحملها على خصوص الثالثة من الرباعية بعيد
جدا وقال الشيخ في التهذيب ان كان اخلال من الركعتين الأولتين أعاد واستدل بما
رواه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سألت أبا الحسن عليه السلام
عن رجل صلى ركعتين ثم ذكر في الثانية وهو راكع انه ترك سجدة في الأولى قال
عليه السلام كان أبو الحسن عليه السلام يقول إذا تركت السجدة في الركعة الأولى فلم تدر واحدة أم
اثنتين استقبلت حتى يصح لك ثنتان وإذا كان في الثالثة أو الرابعة فتركت سجدة بعد أن
تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود وهذه الرواية وان كانت صحيحة السند
الا انها لا تقاوم الأخبار المتقدمة المتكثرة وفيها الصحاح والجمع بينها بحمل مورد
الأخبار المتقدمة على خصوص الثالثة من الرباعية في غاية البعد كما لا يخفى مع ما في
هذه الرواية من الاغتشاش في المتن فان السائل يسئل عن ترك سجدة واحدة ويجيب
الإمام عليه السلام عن فرض آخر غير مسؤول عنه وهو ما لم علم ترك السجدة ولم يعلم بأنها
واحدة أم ثنتان.
اللهم الا ان يكون غرض الإمام عليه السلام تفيهم السائل حكم المسألة المسؤول عنها
بقوله عليه السلام حتى يصح لك ثنتان فيفهم ان حكم أبى الحسن عليه السلام بوجوب الاستقبال في المورد

395
المفروض انما هو لأجل لزوم اتمام السجدتين في الركعة الأولى فكلما لم يتم السجدتان
معا في الأولى يجب الإعادة وكيف كان رد علم أمثال هذه الروايات إلى
أهلها أولى فالأقوى في المسألة ما عليه المشهور ونظير هذا القول في الضعف ما
حكى عن العماني وثقة الاسلام من بطلان الصلاة مطلقا ولعل مستند هذا القول مرسلة
معلى بن خنيس قال سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام في الرجل ينسى السجدة من صلوته
قال عليه السلام إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلوته ثم سجد سجدتي السهو
بعد انصرافه وان ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ونسيان السجدة في الأولتين و
الأخيرتين سواء ولا يخفى ان هذه الرواية مع ضعف سندها بالارسال غير ظاهرة في
المخالفة مع الأخبار السابقة لاحتمال ان يكون المراد من نسيان السجدة نسيان
جنسها لا نسيان سجدة واحدة إذ فرق واضح بين قولنا نسى سجدة من صلوته وقولنا
نسى السجدة من صلوته هذا مضافا إلى ندرة القائل بالبطلان والله العالم.
واما محل قضاء السجدة فبعد التسليم على المشهور كما قيل ويشهد له الأخبار المتقدمة
بل في بعضها النهى عن ايقاعها عن ايقاعها قبل التسليم ولكن يظهر من بعض الروايات
ان محلها قبل التسليم كصحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا نسى الرجل
سجدة وأيقن انه تركها فليسجد بعدما يقعد قبل ان يسلم الخبر وخبر جعفر بن بشير
المروى عن المحاسن قال سألت أحدهم عليه السلام عن رجل ذكر انه لم يسجد في الركعتين
الأولتين الا سجدة وهو في التشهد الأول قال عليه السلام فليسجدها ثم ينهض وإذا ذكره وهو
في التشهد الثاني قبل ان يسلم فليسجدها ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو ويمكن
حمل الصحيحة على صورة الالتفات قبل الركوع ويبقى الأخير غير قابل للمعارضة
مع الأخبار المتقدمة المصرحة بأنها بعد التسليم إذ الترجيح مع تلك الأخبار عملا و
رواية بل لم ينقل هذا القول الا عن الإسكافي والله العالم.
المسألة الثانية لزوم سجدتي السهو لترك السجدة الواحدة وهو على ما حكى
عن الجواهر ما ذهب إليه المشهور حتى كاد ان يكون اجماعا وادعى الاجماع عليه
في المحكى عن الخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة واستدل له بمرسلة سفيان بن

396
السمط قال تسجد السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان وقوله عليه السلام في
ذيل خبر جعفر بن بشير المتقدم وإذا ذكره وهو في التشهد الثاني قبل ان يسلم فليسجدها
ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو وخبر منهال القصاب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام أسهو في الصلاة
وانا خلف الامام فقال عليه السلام إذا سلم فاسجد سجدتين وبصحيحة فضيل بن يسار قال عليه السلام
من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو وانما السهو على من لم يدر في صلوته
أزاد أم نقص منها ونحوها موثقه سماعة وتقريب الاستدلال في الأخير انه اما المراد
الشك في الخصوصية بعد العلم بأحدهما كما هو الظاهر من مثل العبارة واما المراد
الشك في الزيادة وعدمها وفى النقيصة وعدمها وعلى كل حال ينفع للمقام اما على
الأول فللعلم بعدم مدخلية الشك في الخصوصية بل الملاك هو وقوع الزيادة أو النقيصة
سهوا واما على الثاني فلانه إذا وجب سجدتا السهو في حال الشك في النقيصة ففي
حال العلم أولى وفى الكل نظر اما أولا فلان الأدلة المذكورة على صنفين أحدهما
ما يدل بالعموم على المدعى بزعم المستدل والثاني ما يدل بالخصوص اما الأول فعلى
فرض تسليم هذه الدلالة مخصص بما دل على نفى سجدتي السهو في خصوص المورد
كصحيحة أبي بصير المتقدم ذكرها وكموثقة عمار وسئل عن الرجل ينسى الركوع
أو ينسى سجدة هل عليه سجدتا السهو قال عليه السلام لا قد أتم الصلاة ولا حاجة إلى القول
بان سقوط جزء من الخبر عن الحجية كنسيان الركوع لا يكون موجبا لسقوطه عن
الحجية فيما عداه فان السؤال عن لزوم سجدتي السهو فيما لم يكن نسيان الركوع
موجبا للبطلان كنسيانه قبل الدخول في السجود فيكون حاصل السؤال انه في مورد
يتدارك الركوع المنسى أو السجدة المنسية أو يقضيها بعد العمل هل يوجب نفس
هذا النسيان سجدتي السهو أم لا فاجابه بعدم وجوب سجدتي السهو فان المفروض
انه أتم صلوته اما بالتدارك واما بالقضاء بعد الفراغ واما الثاني كخبر جعفر بن
بشير فبعد الغض عما فيه يمكن حمله للجمع بينه وبين الصحيحة النافية للسهو صريحا
على الاستحباب واما ثانيا فلعدم تمامية الأدلة المذكورة ولو مع قطع النظر عن معارضة
الصحيحة اما المرسلة فلخلو الأخبار الخاصة الواردة في بعض الموارد كنسيان

397
القراءة وذكر الركوع والسجود عن سجدتي السهو بل في بعضها لا شئ عليها والناظر
فيها يفهم انها في مقام البيان ولو وجبت سجدتا السهو لزم بيانه فيها فيدور الامر بين
حفظ ظهور المرسلة في وجوب سجدتي السهو وتخصيصها بالأدلة الواردة في تلك
الموارد وبين حملها على الاستحباب ولا ترجيح للأول لو لم نقل بتعين الثاني هذا
مضافا إلى امكان منع صدق النقيصة في مثل المقام الذي يأتي بالفائت بعد الفراغ عن
الصلاة واما خبر جعفر بن بشير فهو مشتمل على لزوم تدارك السجدة قبل التسليم
وقد عرفت اعراض الأصحاب عنه واما خبر منهال فلا يظهر منه حكم مطلق السهو
بل يمكن ان يكون نظر السائل إلى تعيين محل سجدتي السهو إذا وقع موجبهما
كما لا يخفى واما صحيحة فضيل فيمكن ان يقال ان ناسي السجدة بعد قضائها بعد
الصلاة بحكم الشارع داخلا في من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو بمقتضى
صدر الخبر لعدم اختصاص الحكم المذكور بمن لم يقع منه السهو بل يشمل من سهى
والتفت وتدارك في المحل وكما أن التدارك يقع باتيانها في المحل إذا التفت قبل
الركوع كذلك يقع باتيانها بعد التسليم لو التفت بعد التسليم وان أبيت عن ذلك
فنقول ان ذيل الصحيحة بناء على حملها على العلم الاجمالي بأحد الامرين يصير دالا
بالعموم على لزوم سجدتي السهو في كل نقيصة والجواب عنه ما ذكرنا في المرسلة
وعلى الاحتمال الأخير لا ربط له بالمدعى ودعوى الأولوية ممنوعة.
المسألة الثالثة وجوب قضاء التشهد بعد التسليم لو نسى ولم يذكر إلى
حال الركوع وهو المشهور أيضا واستدل لهم بما عن الخلاف والغنية والمقاصد
العلية من دعوى الاجماع عليه وبعموم صحيحتي ابن سنان وحكم ابن حكيم
وفى الأولى إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي
فاتك سهوا وفى الثانية سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ينسى من صلوته ركعة
أو سجدة أو الشئ منها ثم يذكر بعد ذلك قال عليه السلام يقضى ذلك بعينه الخبر وبصحيحة
محمد بن مسلم عن أحدهما في الرجل يفرغ من صلوته وقد نسى التشهد حتى ينصرف
فقال إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد والا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه وقال

398
عليه السلام انما التشهد سنة في الصلاة وخبر علي بن أبي حمزة قال قال أبو عبد الله عليه السلام
إذا قمت في الركعتين الأولتين ولم تتشهد فذكرت قبل ان تركع فاقعد فتشهد
وان لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت فإذا انصرفت سجدت سجدتين
لا ركوع فيهما ثم تشهد التشهد الذي فاتك.
وللمناقشة في الكل مجال اما الاجماع فلعدم المحصل منه والمنقول لا دليل
على اعتباره واما صحيحة ابن سنان فوجوب القضاء فيما ذكر من الأمثلة فيها خلاف
الاجماع فكيف يسلم العموم المذكور في صدرها مع هذا الوهن ومع الغض عن
اشتمالها على الأمثلة المذكورة العموم المذكور في الصدر موهون أيضا من جهة
أخرى وهي خروج أغلب افراده عن تحت هذا الحكم لوضوح ان اجزاء الصلاة
سوى السجدة الواحدة المنسية والتشهد الذي هو محل البحث والكلام بين ما تبطل
الصلاة بتركه وما تتم الصلاة مع تركه من دون القضاء واما الصحيحة الثانية فان
كان المراد من الركعة فيها هي الركوع فالكلام فيها هو الكلام في الأولى وان
كان المراد منها الركعة التامة فليس القضاء فيما ذكر من المثالين خلاف الاجماع
بناء على كون المراد منه ما يعم التلافي الا ان مورد التمسك فيها قوله عليه السلام أو
الشئ منها بناء على كون مرجع الضمير هو الصلاة فيرد عليه ما ذكرنا في الصحيحة
الأولى أخيرا واما صحيحة ابن مسلم فلامكان ان يكون المراد من التشهد فيها هو
الأخير فتأمل أو الحمل على الاستحباب جمعا بينها وبين الاخبار المتكثرة الواردة
في مقام البيان المقتصرة على سجدتي السهو كما يأتي انشاء الله تعالى.
واما خبر ابن أبي حمزة فلامكان ان يكون المراد من التشهد المذكور فيه
هو التشهد بعد سجدتي السهو وأنه يكون موجبا لتدارك المنسى ويشهد لذلك
ذكر التشهد في هذا الخبر بعد السجدتين ولو كان المراد التشهد المستقل غير
التشهد في السجدتين لكان المناسب الامر بايقاعه قبل السجدتين كما هو مقتضى
قول المشهور.
واما الأخبار الدالة على عدم وجوب قضاء التشهد فكثيرة منها موثقة

399
أبي بصير قال سئلته عن الرجل ينسى ان يتشهد قال يسجد سجدتين ومنها خبر الحسن
الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الرجل يصلى ركعتين من الوتر ثم يقوم فينسى
التشهد حتى يركع فيذكر وهو راكع قال عليه السلام يجلس من ركوعه يتشهد ثم يقوم
فيتم قال قلت أليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلوته ثم سجد
سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهد فيهما قال عليه السلام ليس النافلة مثل الفريضة وصحيحة
أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يصلى ركعتين من المكتوبة
فلا يجلس فيهما فقال عليه السلام ان كان ذكره وهو قائم في الثالثة فليجلس وان لم يذكر
حتى يركع فليتم صلوته ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل ان يتكلم وخبر الحسين
بن أبي العلاء قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلى الركعتين من المكتوبة
لا يجلس فيهما حتى يركع في الثالثة قال عليه السلام فليتم صلوته ثم يسلم ويسجد سجدتي
السهو وهو جالس قبل ان يتكلم إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة وانما ذكرنا
جملة منها طلبا للاختصار ومن أراد الاطلاع على الكل فليطلبها من مظانها فإذا
القول بعدم وجوب قضاء التشهد من حيث المستند قوى جدا الا ان مخالفة المعظم
في غاية الاشكال فلا ينبغي ترك الاحتياط في المسألة باتيان السجدتين أولا ثم الاتيان
بقضاء التشهد وان كان هذا الترتيب أيضا خلاف الاحتياط لكنه مما لابد منه فافهم.
المسألة الرابعة لزوم سجدتي السهو للتشهد المنسى وهو المشهور أيضا و
يدل عليه المستفيضة التي تقدم ذكر بعضها والظاهر أن هذه المسألة سليمة عن
الاشكال الان يناقش في ظهور الامر في الوجوب كما حكى عن صاحب الذخيرة وقد
فرقنا عن البحث عن ذلك في الأصول والله الهادي.
ثم اعلم أن الأخبار الواردة في باب السجدة الفائتة والتشهد الفائت كلها
متعرضة لغير السجدة والتشهد الأخير كما عرفت فحال ترك السجدة الواحدة
من الركعة الأخيرة والتشهد الثاني لم يعرف من الأخبار المتقدمة فيمكن القول
بوجوب التدارك فيهما ما لم يأت بالمنافي المطلق ولا ينافي التسليم لوقوعه سهوا

400
في غير محله فيدخل في الفائت الذي لم يفت محل تداركه ويمكن ان يقال ان
مقتضى الأخبار الدالة على أن تحليل الصلاة بالتسليم عدم امكان تدارك السجدة
المنسية والتشهد المنسى وإذا ضممنا إلى ذلك ما يدل على أن التشهد سنة وما يدل
على عدم لزوم الإعادة بترك سجدة واحدة ينتج صحة الصلاة المفروضة واما لزوم
شئ آخر من القضاء وسجدتي السهو فان علم من الخارج اتحاد حكم نسيان السجدة
الأخيرة والتشهد الأخير مع غيرهما نعمل في نسيانهما مثل ما نعمل في نسيان
غيرهما من السجدة والتشهد والا فمقتضى الأصل عدم وجوب شئ آخر والأحوط
اتيانهما لا بقصد التلافي والقضاء ثم الاتيان بسجدتي السهو وكذلك الاحتياط فيما
لو تذكر بعد الاتيان بما ينافي مطلقا وان كان مقتضى القاعدة عدم الوجوب وصحة
الصلاة والله العالم.
وهل ترك بعض التشهد كترك الكل في الحكم أم لا المنسوب إلى الشيخ
وجمع من الأصحاب الأول واستدل عليه بوجوه ضعيفة جدا والأقوى بمقتضى القواعد
الثاني لان الدليل الدال على لزوم سجدتي السهو أو القضاء ان قلنا به مختص بنسيان
مجموع التشهد فنسيان البعض مما لا يوجب شيئا ولكن الاحتياط ينبغي مراعاته
والله العالم.
ورابعها ما تبطل الصلاة بنسيانه كما إذا ترك شيئا من الخمسة التي جرى الاصطلاح
على تسميتها أركانا نسيانا كمن أخل بالقيام حتى نوى أو بالنية حتى كبر أو بالتكبير
حتى قرأ أو بالركوع حتى دخل في السجدة الثانية على ما استظهرناه أو بمجرد
الدخول في الأولى على المشهور أو بالسجدتين معا حتى دخل في الركوع.
اعلم أن مقتضى كلام الأصحاب وجوب تكبيرة الافتتاح مقارنة للنية والقيام
ومحل مجموع هذه الثلاثة هو ابتداء الصلاة فلو أخل بشئ منها بان كبر بلا قيام أو
بلا نية أو قام بلا نية أو نوى بلا قيام أو قام ونوى بلا تكبيرة واشتغل بالقراءة بطلت
صلوته وان لم يدخل في الركوع اما التكبير بلا قيام فلكون القيام حال التكبير
ركنا وهو من المسلمات عندهم فيفسد هذا التكبير وليس قبله شئ يمكن ان يحكم

401
بالصحة مع تدارك التكبيرة فان ما هو جزء أو شرط للصلاة هو النية مقارنا للعمل
لا قبله وهذا معنى فساد العمل وكذكل حال التكبير بلا نية أو القيام بلا نية أو النية بلا
قيام أو كليهما بلا تكبير.
وتوهم ان فوت التكبير مع الاتيان بالقيام والنية لا يوجب بطلان الصلاة
ما لم يركع لامكان تدارك التكبير من دون احتياج إلى تجديد النية باطل.
اما أولا فلانه مبنى على أن النية هي الصورة المخطرة أو الإرادة التفصيلية و
اما على انها الداعي الارتكازي فلا وجه لهذا القول.
واما ثانيا فلان الظاهر عند أرباب القول الأول لزوم مقارنتها مع التكبيرة
فلا يكفي وجودها في السابق واما بطلان الصلاة بالاخلال بالركوع حتى دخل في
السجدة فقد مضي الكلام فيه وان الأدلة التي تمسكوا بها لا تدل على ذلك بل المتيقن
من موردها ان يكون الالتفات بعد الاتيان بهما فلاحظ ولكن يعارض تلك الأخبار
بعض الأخبار الصحيحة الدالة على اسقاط السجدتين والآتيان بالفائت مثل ما رواه
الشيخ في التهذيب باسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل شك بعدما
سجد انه لم يركع قال عليه السلام فان استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبنى
على صلوته على التمام فان كان لم يستيقن الا بعد ما فرغ وانصرف فليتم الصلاة بركعة
وسجدتين ولا شئ عليه ورواه الصدوق بطريق صحيح عن محمد بن مسلم مع اختلاف
يسير ومقتضى هذه الرواية عدم بطلان الصلاة وان علم بعد الفراغ أيضا بترك الركوع
بل يأتي بركعة وسجدتين ولعله من جهة ان بعد حذف الزائد مما هو مترتب على
الركوع المنسى حاله كحال من نقص ركعة من الصلاة نعم لابد من حمل الاطلاق
على صورة عدم الاتيان بالمنافي مطلقا ولولا اعراض المشهور عن الرواية لكان الجمع
بينها وبين ما دل على إعادة الصلاة بالحمل على التخيير مع استحباب الاستيناف
حسنا ومن هنا يظهر ان الإعادة موافقة للاحتياط فلا ينبغي تركه وأحوط منه اتمام
الصلاة أولا على نحو ما ذكر في الصحيحة ثم الإعادة.
واما ناسي السجدتين حتى دخل في الركوع فبطلان صلوته مشهور على ما

402
في الجواهر شهرة كادت تكون اجماعا ويظهر من بعض ان القائلين بالتلفيق لم
يفرقوا بين السجدتين والركوع ولكن الدليل كما عرفت يختص مورده في نسيان
الركوع فلا معنى للتعدية ويدل على بطلان الصلاة فيما نحن فيه ان صحة الصلاة مع
ترك جزء منها والاشتغال بالجزء المترتب عليه انما يكون بأحد أمرين لا ثالث لهما
اما بعدم كون الزيادة المفروضة التي كانت محلها بعد الجزء الفائت مضرة واما باسقاط
الجزء الفائت عن الجزئية حتى يصير الجزء اللاحق واقعا في محله فالناسي للسجدتين
لو تذكر بعد الدخول في الركوع فالحكم بصحة صلوته يتصور على أحد الوجهين
اما اسقاط السجدتين معا عن الجزئية حتى يكون الركوع المفروض جزء لصلوته
وواقعا في محله واما الاغماض عن زيادة الركوع المفروض في صلوته والأول مخالف
للنص الدال على أن الصلاة الخالية عن السجدتين باطلة وان نسيان السجدة المأمور
بها في الصلاة يوجب الإعادة كما هو صريح قولهم عليهم السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة الخ
والثاني مخالف للاجماع على أن زيادة الركوع موجبة لبطلان الصلاة الا ان يقال
بان المتيقن من الاجماع بطلان الصلاة بإضافة ركوع آخر على الركوع المأمور
به لا مثل هذا الركوع الذي صار متصفا بالزيادة بواسطة وقوعه في غير محله ويمكن
الاستدلال على عدم جواز تدارك الجزء الفائت بعد الدخول في الركوع بالأدلة
الواردة في نسيان سجدة واحدة المفصلة بين تذكره قبل الركوع وبعده حيث إنها
ناصة في فوت محل تداركها ولا يمكن القول بفوت محل تدارك السجدة الواحدة
وبقاء محل تدارك السجدتين.
فان قلت إن عدم جواز تدارك الواحدة انما هو من جهة السقوط عن الجزئية
فالركوع يكون واقعا في محله وجزء للصلاة فلا موجب لتداركها بخلاف المقام
حيث إنه لم يسقط عن الجزئية فإذا لم يتدارك يلزم خلو الصلاة عن السجدتين
بخلاف ما إذا تدارك فإنه لا يلزم محذور سوى اتصاف الركوع المأتى به في غير محله
بصفة الزيادة وقلنا بان كون هذا النحو من الزيادة مبطلا في حيز المنع.
قلت من الواضح ان المستفاد من الأدلة الواردة في نسيان السجدة الواحدة

403
ان الشارع يهتم بان يؤتى بالسجدة الواحدة المنسية في محلها مهما أمكن وانما
أسقط جزئيتها لعدم امكان التدارك فلو لم يكن لتداركها بعد ما ركع محذور لحكم
بالتدارك قطعا فاسقاط جزئية السجدة الواحدة منشائه عدم امكان التدارك لا انه
أسقط الجزئية لمقتض آخر غير عدم امكان التدارك وبعد عدم كونه جزء لا مقتضى
للتدارك.
ويؤيد ذلك بل يدل عليه تعبير الإمام عليه السلام في السؤال عمن نسى السجدة الواحدة
حتى ركع بأنها قضاء وكذلك في السؤال عمن ترك التشهد حتى ركع بان التشهد
سنة أيرضى أحد ان ينسب إلى الشارع ان الجزء الذي يحكم بأنه قضاء لو أمكن
اتيانه في محله لو يوجب ذلك بل أوجب قضاء ذلك الجزء بعد السلام أو ينسب إليه
بان التشهد الذي هو سنة ولا يجوز تركه عمدا لو أمكن تداركه في الصلاة لم يوجب
ذلك بل يسقطه عن الجزئية فظهر مما ذكرنا عدم صحة الصلاة إذا ترك السجدتين
ولم يلتفت حتى دخل في الركوع فيجب الإعادة لأنها خالية عن السجدتين.
تتميم في المسائل المتعلقة بالسجدة والتشهد المنسيين.
(1) قد عرفت ان المعروف وجوب قضائهما بعد الصلاة مع سجدتي السهو و
الظاهر أنه يشترط فيهما جميع ما يشترط في سجدة الصلاة وتشهدها من الطهارة و
الاستقبال والستر وغير ذلك سواء قلنا بجزئيتهما للصلاة أم لا بداهة ظهور الأوامر
المتعلقة باتيانهما بعد الصلاة في أنه لا اختلاف بين ما يؤتى به بعد الصلاة وبين ما هو
واجب في الصلاة الا من حيث المحل.
(2) هل السجدة المأتى بها بعد الصلاة جزء للصلاة أو شئ آخر يجب اتيانه
بعدها اما بالوجوب النفسي واما لتوقف قيام الناقص مقام التام على اتيانها مقتضي
ظاهر بعض الأدلة في المقام هو الأول ومقتضى الأخبار الدالة على أن الصلاة أولها
التكبير وآخرها التسليم الثاني وتظهر الثمرة في ابطال ما يبطل الصلاة مطلقا لو وقع
بين قضاء الجزء وبين الصلاة مطلقا أو تعمد بايجاد ما يبطل الصلاة عمدا وعدمه لا يبعد
دعوى قوة ظهور الاخبار الحاكمة بان آخر الصلاة التسليم وترجيحها على الدليل الدال

404
على الجزئية وعليه فلا تبطل الصلاة بما ذكر.
وتوضيح المقام يبتنى على ذكر المحتملات في مرحلة الثبوت ثم التكلم فيما
يقتضى الأدلة في مرحلة الاثبات ومجمل الكلام في الاحتمالات ان المقضى اما جزء
للصلاة أو خارج عنها وعلى الثاني اما الوجوب المتعلق به نفسي أو غيري وعلى كل
تقدير اما وجوبه فوري أولا وعلى أي تقدير اما وجوبه مقيد بعدم تحقق المنافى أولا
ثم كونه غيريا يحتمل وجهين:
الأول ان يتوقف صيرورة ما تقدم صلاة تامة على مجيئ السجدة عقيبه
فيكون السجدة شرطا متأخرا.
والثاني ان يكون ما تقدم صلاة ناقصة على كل حال ولكن الشارع يتقبله مع
هذه السجدة مكان التام فيكون هنا امر واحد بالمجموع المركب ويظهر الثمرة بين
الوجهين في أنه لو شك في دخل قيد وعدمه فعلي الأول هو من افراد الشك في الأقل و
الأكثر وعلى الثاني يتعين الاشتغال لأنه من باب الشك في مرحلة الامتثال هذا في
مرحلة الثبوت.
وملخص الكلام في مقام الاثبات ان احتمال كونه جزء أخيرا أو شرطا متأخرا
للصلاة يبعده ما دل على عدم لزوم إعادة الصلاة بفوات السجدة الواحدة عن محلها
المجعول لها بحسب الجعل الأولى الظاهر في كون آخر الصلاة في حق ناسي السجدة
كغيره هو التسليم من غير حاجة إلى جزء آخر متأخر عنه ولا شرط كذلك ومنه يظهر
منافاة الوجه الاخر لكونه غيريا للدليل المذكور أيضا فإنه مبنى على سقوط الصلاة
بفوات السجدة الواحدة عن مصداقية الامتثال وظاهر الدليل المذكور هو الصحة وعدم
الحاجة في امتثال امر الصلاة إلى ضم شئ آخر فيتعين الامر في كونه واجبا خارجا من
الصلاة نفسيا ولا يخفى انه على هذا لو شككنا في كونه على الفور أولا أو مشروطا
بعدم تحقق المنافى بينه وبين الصلاة أولا فالمرجع هو البراءة مع أن لنا ان نتمسك في
رفع الاشتراط الثاني باطلاق الامر الوارد به لخلوه عن ذكر هذا القيد مع كونه في
مقام البيان وغلبة كون المصلى بعد التسليم خاليا عن المنافيات ليست على حد يمنع

405
هذا الاطلاق كما لا يخفى هذا مضافا إلى ورود الرواية الخاصة الظاهرة في نفى الاشتراط
المذكور في هذا الباب وقضاء التشهد فما ورد في هذا الباب هو موثقة عمار في رجل
نسى سجدة فذكرها بعدما قام وركع قال عليه السلام يمضى في صلوته ولا يسجد حتى يسلم
فإذا سلم سجد مثل ما فات قلت فان لم يذكر الا بعد ذلك قال عليه السلام يقضى ما فاته إذا
ذكر وما ورد في قضاء التشهد هو صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام في الرجل
يفرغ من صلوته وقد نسى التشهد حتى ينصرف فقال عليه السلام ان كان قريبا رجع إلى مكانه
فتشهد والا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه وقال عليه السلام انما التشهد سنة في الصلاة فان ظاهر
هما وجوب القضاء ولو كان تذكره بعد فصل طويل واستدبار ونحو ذلك واما اشتراط
الفورية فلا يبعد اثباته لظهور الأوامر لكن لا على وجه يسقط الوجوب بانتفائه بل
يجب فورا ففورا بقرينة الخبرين المذكورين ثم لا يخفى عليك جريان ما ذكرنا
في المقام جميعا بالنسبة إلى قضاء التشهد أيضا والله تعالى هو العالم.
(3) من ترك بعض اجزاء التشهد القضائي والتفت قبل وقوع المنافى مطلقا تدارك
وإذا التفت بعد وقوع المنافى كك أعاد التشهد مستجمعا للشرائط لاستصحاب بقاء
الوجوب والأحوط أيضا مع ذلك إعادة الصلاة ولو اتى بما يوجب سجدتي السهو قبل الاتيان
بالمقضي وبعد السلام فالأقوى عدم الوجوب لان دليل وجوب سجدتي السهو عند إحدى
الموجبات مختص بحال الصلاة وكونه في هذه الحالة داخلا في الصلاة غير معلوم
بل مقتضى الأخبار الدالة على كون التسليم محللا خروجه عن الصلاة ولكن الأحوط
الاتيان بهما بعد الاتيان بالجزء المقضى وكذا الحال لو اتى بموجب السجود في أثناء
الجزء المقضى.
(4) لو تعدد نسيان السجدة يكفي اتيانهما واحدة بعد واحدة من دون ملاحظة
الترتيب ولا التعيين اما الأول فلان السبق في الوجوب على القول به لا يوجب السبق في
الامتثال بعد الاشتراك في زمن الامتثال واما الثاني فلان الموجبين قد أوجبا أمرين
مستقلين اقتضى كل منهما فردا من الطبيعة ويكفي في امتثالهما الاتيان بها مرتين من
دون تعيين واحتمال اعتبار قصد التعيين قيدا في المطلوب يدفعه أصالة الاطلاق وهكذا

406
الكلام في تعدد موجب سجدتي السهو وكذا لو كان عليه قضاء السجدة والتشهد وان
كان الأحوط في الكل التعيين وملاحظة الموجب السابق ثم اللاحق وعلى هذا لو شك
في السابق واللاحق يحتاط بالتكرار فيأتي بما قدمه مؤخرا أيضا ولو علم بنسيان أحد
الامرين من السجدة والتشهد يأتي بهما عملا بالاحتياط الواجب بملاحظة العلم الاجمالي
ولو أعاد الصلاة كان احتياطا حسنا لاحتمال كون الواجب عليه هو اللاحق وقد فصل
السابق بينه وبين الصلاة.
(5) لو نسى قضاء السجدة أو التشهد من صلاة الظهر ودخل في العصر
فان جعلناهما متممين للصلاة تعين عليه قطع العصر بملاحظة وجوب الترتيب بينه و
بين الظهر والا فان قلنا بعدم حرمة قطع الصلاة التي شرع فيها يجب عليه القطع بملاحظة
وجوب الفورية في قضائهما والا يقع التزاحم بين مراعاة الفورية فيهما واتمام الصلاة
التي شرع فيها ومقتضى القاعدة التخيير بعد عدم العلم بأهمية أحدهما.
(6) - لو كان عليه قضاء أحدهما في صلاة الظهر وضاق وقت العصر فان لم يدرك
على تقدير الاتيان به ركعة من العصر يقدم العصر قطعا سواء قلنا بكونه متمما أولا
واما لو أدرك ركعة من العصر بعد قضائه والمفروض انه على تقدير عدم الاتيان به يدرك
الجميع فان بنينا على أن المقضى متمم للصلاة الأولى يقدم وان بنينا على استقلاله
فان قلنا بالفورية من جهة الاجماع يمكن ان يقال ان المتيقن منه غير هذه الصورة
فيأتي بالعصر في الوقت الاختياري ثم يأتي بالجزء الفائت وان قلنا بالفورية من جهة
ظهور الأدلة فمقتضى القاعدة الاتيان بالجزء الفائت أولا ثم ادراك العصر ركعة في الوقت
لان ايجاب قضاء الجزء فورا محقق للاضطرار فيدخل من جهته في موضوع قوله عليه السلام من
أدرك ركعة من الوقت الخ وللتأمل في جميع ما ذكرنا مجال واسع لأنك قد عرفت
آنفا عدم كون السجدة المنسية والتشهد المنسى جزءا للصلاة ولا شرطا لصحتها
فالناسي للسجدة أو التشهد قد فرغ من صلوته ولم يبق له الا مقدار أداء اللاحقة في
الوقت الاختياري والمفروض عدم جواز التأخير عمدا إلى الوقت الاضطراري.
نعم لو كان مكلفا بواجب مضيق يوجب مراعاته تأخر زمان الصلاة

407
اللاحقة إلى الوقت الاضطراري يضطر إلى التأخير إلى ادراك الوقت الاضطراري كمن لم يبق
له إلا خمس ركعات ولم يصل الظهرين وفيما نحن فيه لو كانت الفورية المستفادة من
الأدلة على نحو يفوت الواجب مع عدم مراعاتها لصح ان يقال ان المكلف يضطر
إلى اتيان ذلك الواجب وتأخير صلوته إلى الوقت الاضطراري والمفروض انه ليس
كذلك فان قضاء السجدة والتشهد لو ترك سهوا لم يفت الواجب بل يجب عليه اتيانه
متى تذكر فح لو لوحظ مراعاة الوقت الاختياري المجعول للعمل تحقق موضوع
الاضطرار إلى ترك القضاء المنسى في أول الوقت ولو لوحظ مراعاة فورية القضاء
تحقق الاضطرار إلى تأخير الصلاة اللاحقة إلى الوقت الاضطراري وأي ترجيح
للثاني بل يمكن القول بأولوية مراعاة الصلاة في الوقت الاختياري.
نعم يتم ما ذكرناه أولا فيما لو كان عليه صلاة الاحتياط للظهر وضاق وقت العصر
وفى كلتا الصورتين في صورة تقديم العصر يأتي بما كان عليه ثم يحتاط بإعادة الظهر
والله العالم.
في موجبات سجود السهو
الفصل الخامس في موجبات سجود السهو قد مضى التكلم في وجوبه لو شك
بين الأربع والخمس وفى فوات السجدة الواحدة والتشهد ومن الموارد التي حكموا بوجوبه
التكلم في الصلاة ساهيا بغير قرآن أو ذكر أو دعاء والدليل على ذلك عدة اخبار.
منها صحيحة عبد الرحمن بن حجاج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يتكلم ناسيا في الصلاة يقول أقيموا صفوفكم قال عليه السلام يتم صلوته ويسجد سجدتين
فقلت سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد قال عليه السلام بعد وفى قبال الأخبار الدالة
بظاهرها على وجوب السجدة صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يسهو في
الركعتين ويتكلم فقال عليه السلام يتم ما بقى من صلوته تكلم أو لم يتكلم ولا شئ عليه وقد
حملت الصحيحة على نفى الاثم أو الإعادة جمعا بينها وبين ما دل على وجوب السجود

408
وفيه نظر إذ كما يمكن الجمع بهذا النحو يمكن الجمع بينهما بحمل تلك الأخبار
على الاستحباب بل لعله أقرب في نظر العرف لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بملاحظة
ذهاب العلماء قدس سرهم إلى الوجوب بل حكى عن العلامة في المنتهى دعوى اتفاق
أصحابنا عليه.
مسائل: (1) التكلم الذي وقع من جهة السهو في حكم الكلام لا تشمله الأدلة
الدالة على وجوب السجود ووجهه ظاهر واما الإعادة فيمكن نفيها بحديث لا تعاد بناء
على تعميمه لمطلق الخلل الصادر عن غير عمد وفيه اشكال مضى في أوائل المبحث.
(2) لو اعتقد كون كلام قرانا جهلا فان لم يكن هذا الاعتقاد مبتنيا على
غروب شئ عن ذهنه فلا اشكال في أنه لو تكلم بذلك الكلام باعتقاد انه قرآن لا يعد
من الكلام الصادر عن سهو واما لو كان اعتقاده مبتنيا على غروب شئ عن ذهنه
بحيث لو التفت إليه يعلم بان هذا ليس من القرآن فتكلم به بزعم القرآنية فهل
يعد من الكلام السهوي الذي يجب معه سجدتا السهو أم لا ونظير ذلك من سلم الظهر
على ركعتين بزعم انه شرع كذلك من جهة غفلته عما ارتكز في ذهنه من الضرورة
على أنه أربع ركعات وبعبارة أخرى الكلام الصادر منه من جهة السهو عن حكم من
الاحكام هل هو داخل فيما يوجب سجدتي السهو أم لا ومنشأ الإشكال صدق الكلام
السهوي عليه حقيقة وانصراف الأدلة إلى ما يكون الكلام صادرا عن السهو في
الموضوع لا الحكم ويمكن ان يقال ان المستفاد من مجموع الاخبار ثبوت السجدة
للتكلم الغير العمدي سواء كان من جهة السهو في الموضوع أو الحكم أو من جهة الجهل
به بل ولو كان من جهة سبق اللسان.
(3) لو بنى على الفراغ من جهة التعبد بالحكم الظاهري الشرعي كما لو شك
بعد الفراغ بين التمام والنقص فبنى على التمام بواسطة قاعدة عدم الاعتناء بالشك
بعد الفراغ فتكلم ثم انكشف نقص صلوته هل يترتب على هذا التكلم حكم الكلام
السهوي من سجدتي السهو الظاهر أنه لا اشكال في عدم اندراجه تحت الكلام السهوي
فان منشأ ذلك التعبد بالحكم الشرعي لا الذهول عن امر.

409
نعم يمكن ان يقال بعدم اندراجه تحت الكلام العمدي أيضا وبمقتضى ما ذكرنا
من دلالة الأدلة على أن كل كلام لا يكون عن عمد يوجب السجدة نقول بايجابه سجدتي
السهو والله العالم.
ومن الموارد التي حكم فيها بسجدتي السهو السلام في غير محله سهوا واستدلوا
لذلك بما لا يخلو دلالته عليه من تأمل مضافا إلى ظهور صحيحة محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى أنه قد أتم الصلاة وتكلم ثم ذكر
انه لم يصل الركعتين قال عليه السلام يتم ما بقى من صلوته ولا شئ عليه في عدم الوجوب وحملها على
خصوص نفى الإعادة انما يحسن بعد وجود الدليل الدال على وجوب السجدة الا ان يقال
باندراجه تحت الزيادة السهوية التي يأتي الكلام فيها أو تحت الكلام السهوي حيث
أطلق عليه الكلام الآدمي في الاخبار.
ومن الموارد التي حكم فيها بسجود السهو كل زيادة ونقيصة إذا لم يكن مبطلا
واستدل على ذلك بما رواه الشيخ عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن سفيان بن السمط
عن أبي عبد الله عليه السلام تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان بناء على
عدم كون الارسال وجهالة الراوي مضرا بواسطة ان المرسل ابن أبي عمير وانه
لا يروى الا عن ثقة وبصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا
ان نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما
تشهدا خفيفا بناء على أن المعطوف عليه لو كان فعل الشرط فهو عين المطلوب ولو
كان معموله فان حملنا المعطوف على العلم الاجمالي فهو كك أيضا لظهور ان هذا
الأثر لم يجئ من قبل اجمال العلم بل من جهة ثبوت المقتضى في طرفيه وان حملناه
على الشك بان يكون المراد من قوله عليه السلام أم نقصت أم لا تدرى نقصت أولا أم زدت أولا
فيثبت الحكم في صورة العلم بأحدهما بالأولوية القطعية وبما رواه ثقة الاسلام في
الحسن عن زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إذا شك أحدكم في صلوته فلم يدر أزاد
أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس وسماهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرغمتين بناء على

410
ان المراد اما الشك في التعيين مع العلم اجمالا بأحدهما واما الشك في أصل تحقق
الزيادة والنقيصة وعلى الأول يدل على المطلوب وعلى الثاني كذلك بضميمة الأولوية
القطعية وبصحيحة فضيل بن يسار سئل أبا عبد الله عليه السلام عن السهو فقال عليه السلام من حفظ
سهوه فليس عليه سجدتا السهو انما السهو على من لم يدر أزاد في صلوته أم نقص
منها بالتقريب المتقدم وفى الكل نظر اما في غير المرسلة من الروايات فلاحتمال
الرادة الشك منها كما هو الظاهر من حسنة زرارة والأولوية المدعاة ممنوعة واما في
المرسلة فلخلو بعض الأخبار الواردة في بعض النقائص مع كونها في مقام البيان
عن ذكر السجدة بل التصريح في بعض ما ورد في السجدة المنسية بعدمها فيناسب حمل
المرسلة على الاستحباب كما لا يخفى.
مسائل: (1) تعدد السجود بتعدد سببه وعدمه مبنى على الأصل في باب تداخل
الأسباب إذا لا خصوصية للمقام ونحن وان رجحنا التداخل هناك كما حررناه في
الأصول فيترتب عليه كفاية السجود الواحد للأسباب المتعددة لكن الذي يقتضيه
النظر عاجلا المصير إلى خلافه وحاصل وجهه ان القول بكون متعلق الأوامر هو
الطبيعة باعتبار صرف الوجود الذي هو مبنى القول بالتداخل كما بين في محله
خلاف التحقيق لان الذي يدل العقل على دخله في متعلق الطلب زائدا على مدلول
اللفظ انما هو مطلق الوجود ومن المعلوم ان عنوان الصرفية أو ناقصية الوجود للعدم
اعتبار زائد على ذلك فلا وجه للمصير إليه.
فان قلت وجهه ان وصف المأمور بهيئة لو كان عارضا على الطبيعة باعتبار
مطلق الوجود لزم استيعابه لجميع افرادها وهو خلاف ما تقضى به الضرورة من الاكتفاء
في مقام الامتثال بفرد واحد فهذا يكشف عن كون المعروض هو الطبيعة باعتبار صرف
الوجود الغير المنطبق الا على أول الافراد.
قلت ما ذكرت مبنى على توهم كون الامر من العوارض اللاحقة على الوجود
ولكنه خلاف الواقع بل الحق ان شأن الإرادة اعطاء الوجود آمرية كانت أم فاعلية
فحالها حال العلة التكوينية فكما ان العلة إذا كانت واحدة كان معلولها واحدا وإذا

411
كانت متعددة كان متعددا فكذلك حال الإرادة لا ان الوحدة في الإرادة الواحدة جاءت
من قبل كون المتعلق هو الطبيعة باعتبار صرف الوجود ولا لان المتعلق هو الطبيعة
بقيد الوحدة بل المتعلق نفس الوجود بلا قيد زائد عليه أصلا وصفة الوجدة منتزعة
قهرا بعد التأثير كالتعدد في الإرادات المتعددة وليست حالهما الا كحال كونه معلولا
لهذه العلة فإنه لا شبهة في كونه من الأمور المنتزعة متأخرا عن تأثير العلة لا ان العلة
تؤثر فيما هو المعلول لها فكذلك حال الوحدة والتعدد والحاصل ان الوحدة في
الإرادة الواحدة ليست من قبل تضيق في جانب المراد كما أن التعدد أيضا كذلك و
لازم ذلك أنه متى تعددت الإرادات تعدد المراد بتعددها.
نعم قد يكون تعددها صوريا فقط لا حقيقيا بمعنى انها ناشئة من منشأ واحد
بغرض التأكيد فلا تأثير لمثلها في تعدد المراد وأما إذا كانت كل واحدة من منشأ مستقل
فلا محيص عن التعدد فثبت من هذا البيان لزوم تعدد فعل الجزاء بتعدد الأسباب
الشرعية الواقعة في القضايا الشرطية ونحوها سواء قلنا بكون المسبب لهذه الأسباب
إرادة الجزاء أم نفس فعله والإرادة انما تعلقت باعطاء ذي حق حقه كما بين في
محله اما على الثاني فواضح واما على الأول فلكون المنشأ للارادات متعددا
فلا وجه لصيرورتها إرادة واحدة متأكدة كما يظهر من كلام شيخنا المرتضى
قدس سره.
فان قلت غاية ما لزم من هذه البيانات انه إذا كان السبب الشرعي متعددا تعدد
الفعل المسبب له لكن المتيقن من تعدد السبب صورة كونه من نوعين واما الفردان
من نوع واحد فلا دليل على كونهما سببين مستقلين فلعل السببية قائمة بصرف الوجود
في كل نوع.
قلت هذا أيضا مدفوع باطلاق السببية المستفادة من وقوع الطبيعة تلو كلمة
ان وأخواتها بلا تقييد بكونها أول الوجود أو الغير المسبوق بالمثل ونحو ذلك و
مقتضى ذلك تكرر السبب بتكرر الافراد فتحقق من جميع ما ذكرنا ان مقتضى الأصل
الأولى في كل باب عدم التداخل لا في جانب الأسباب ولا في طرف المسببات.

412
(2) ولو بنينا على التكرر بتكرر الموجب الأقوى عدم لزوم التعيين فلو تحقق
موجبان يكفي السجود مرتين من دون تعيين السبب فان احتمال تعيين السبب بالقصد
لو كان من جهة احتمال التقييد في موضوع الحكم فأصالة الاطلاق يدفعه وان كان
من جهة الدخل في قصد التقرب فلا اشكال في أن قصد الامر بحقيقة السجدة يكفي
في العبادية.
(3) لو سجد للكلام فبان ان الموجب غيره فالاجزاء مبنى على انحلال القصد فلو قصد
إلى امتثال الامر الواقعي واعتقد كونه من جهة الكلام صح ولو قصد الامر المقيد لم يصح
لان ما قصدة ليس له واقع وما له الواقع غير مقصود.
(4) لو بنينا على تكرر السجدة بتكرر الموجب فالظاهر أن معيار وحدة الكلام
وتعدده وحدة الداعي وتعدده كما أن المعيار في وحدة الزيادة وتعددها وحدة عنوان
المزيد وتعدده فقوله بحول الله وقوته أقوم واقعد في غير محله زيادة واحدة وقراءة
التسبيحات الأربع زيادة واحدة وان كرر ثلاث مرات وكذا الاستغفار بعدها زيادة
واحدة وكذا قراءة سورة بزعم انه في إحدى الأوليين وان طالت.
(5) محل السجدتين بعد التسليم مطلقا على الأشهر ومستنده الأخبار الكثيرة الصريح
بعضها في أنهما بعده وقيل إن محلهما قبله ومستنده خبر أبي الجارود قلت لأبي جعفر
عليه السلام متى اسجد سجدتي السهو قال عليه السلام قبل التسليم لأنك إذا سلمت فقد ذهب حرمة
صلاتك ولكن هذا القول مضافا إلى ضعف مستنده لم يعرف قائله وقيل بالتفصيل بين
الزيادة والنقيصة فان كانتا للأولى فبعد التسليم وان كانتا للثانية فقبله ومستند ذلك صحيح
سعيد (سعد خ ل) بن سعد قال قال الرضا (ع) في سجدتي السهو إذا نقصت قبل التسليم وإذا
زدت فبعده ومثل ذلك صحيح صفوان بن مهران عن الصادق عليه السلام ولكن اعتراض الأصحاب
عنهما يمنع عن التمسك بهما حتى أنه لم يعرف القائل به الا أبو على على ما حكى و
نسب إلى أبي حنيفة فيقوى في النفس صدورهما على جهة التقية.
(6) مقتضى الأدلة الواردة في المقام وجوب تحقق السجدة عرفا مرتين واما
الزائد على ذلك مما وجب في سجدة الصلاة من الطهارة والاستقبال ووضع الجبهة على

413
ما يصح السجود عليه والسجدة على الأعضاء السبعة مطمئنا وغير ذلك مما اعتبر في
سجدة الصلاة فلم نقف على دليل وجوبه ومقتضى اطلاقات الأدلة الواردة في المقام
عدم الوجوب وان كان الأحوط مراعاة جميع ذلك.
(7) لو شك في فعلهما بعد العلم بالوجوب وجب عليه بمقتضى الأصل وان طالت
المدة ولا يتوهم مضى محله باعتبار فوريته فان الفورية تكليف مستقل لا انه ظرف للعمل
بحيث لو لم يأت به فورا يكون قضاء ومن هنا علم أنه لو شك في اتيانهما بعد العلم بأصل
الوجوب لم يحكم بالاتيان وان خرج وقت الصلاة.
(8) لو علم بنقصان شئ يوجب السجود ثم شك بعد السلام في أنه هل تذكر قبل
فوت محله وتداركه أم لا فقد يحتمل ان يحكم بالاتيان من جهة قاعدة الشك بعد
المحل وفيه انه من المقطوع انه لم يأت به في المحل نسيانا ويمكن ان يكون المورد
مجرى لتلك القاعدة بملاحظة مضى المحل الذي جعله الشارع محلا للتدارك و
المفروض انه يحتمل الاتيان به في ذلك المحل ولكن التعليل الوارد في بعض الاخبار
بالذكرية حين العمل ربما ينافي ما ذكرنا ثم على فرض عدم جريان القاعدة فهل
يحكم بوجوب السجود بمقتضى استصحاب عدم الاتيان إلى زمان انقضاء محل التدارك
فيه اشكال من جهة ان الحكم لم يترتب عليه الفوت في المحل وعدم الاتيان إلى انقضاء
محل التدارك حتى يقال بان أحد الجزئين وجداني والاخر يحرز بالأصل بل بقاء
النسيان له مدخلية في الحكم المذكور ولذا لو التفت قبل انقضاء محل التدارك ولم
يأت بهما وجب عليها الإعادة دون السجود واستصحاب بقاء النسيان واستمراره لا ينقطع
لاثبات حكم المترتب على وصف استمراره بل انما يثبت الحكم المترتب على نفس
المستصحب وهو النسيان في المقام وقد عرفت ان الأثر في المقام مرتب على استمراره
فافهم فمقتضى القاعدة ان لم يجر قاعدة الشك لما ذكر من الاشكال عدم وجوب السجود
لأصالة عدم ثبوت موجبه.
الفصل السادس في بعض الشكوك التي لا اعتبار بها قد عرفت عدم الاعتبار بالشك
بعد المحل وبعد الفراغ من الصلاة في أثناء البحث ومن الشكوك التي لا اعتبار بها شك

414
كثير الشك سواء كان في الركعات أو الافعال أو الشرائط والأصل في ذلك الاخبار منها
حسنة زرارة وأبى بصير أو صحيحتهما قلنا له الرجل يشك كثيرا في صلوته حتى لا يدرى
كم صلى ولا ما بقى عليه قال (ع) يعيد قلنا يكثر عليه ذلك كلما عاد شك قال عليه السلام يمضى في
شكه ثم قال لا تعودوا الخبيث من أنفسكم بنقص الصلاة إلى آخر الرواية والظاهر
منه بمقتضى التعليلات الواردة فيها عدم الاعتناء بالشك الموجب للإعادة فلا يشمل
غيره من الشكوك ويمكن استفادة العموم من بعض الروايات الاخر مثل صحيحة محمد
بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك فإنه يوشك ان
يدعك انما هو من الشيطان فان اطلاق قوله عليه السلام يقتضى عدم الاعتناء بالشك مطلقا سواء
كان من الشكوك التي حكمها البطلان أو البناء أو التدارك والحاصل ان الظاهر من
الرواية ان كثير الشك يأتي بما بقى من عمله ويدع المشكوك بحاله ولازم ذلك البناء
على الأقل فيما كانت الزيادة مبطلة وعلى الأكثر فيما لم يكن كذلك كما أفتى به
الفقهاء رضوان الله عليهم.
مسائل: (1) الظاهر أن المراد من السهو في الصحيحة وغيرها من الأخبار الدالة
على نفى الحكم السهو في صورة الكثرة هو الشك لعدم إرادة خصوص معناه الحقيقي
لدخول كثير الشك في موضوع هذا الحكم للرواية السابقة فيدور الامر بين حمله على
خصوص الشك أو الأعم منه ومن السهو ولا ظهور للفظ في أحد المجازين الا ان الشك
متيقن على كل حال الا ان يقال ان الاخبار المشتملة على ذكر السهو محمولة على
على خصوص السهو بمعناه الحقيقي وحكم الشك يستفاد من الرواية الأولى وفيه
ان لفظ السهو في اخبار الخلل استعمل في الشك كثيرا بحيث لم يبق له ظهور في معناه
الحقيقي فتبقى اطلاقات الأدلة الحاكمة بوجوب التدارك أو سجدتي السهو عند حصول
موجباتهما سليمة عن المخصص.
(2) المرجع في كثرة الشك العرف إذ لا تحديد للشارع في المقام وما ورد
في الصحيحة عن الصادق (ع) قال إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلث فهو ممن كثر عليه
السهو على اجماله يحتمل ان يكون بيانا لاحد مصاديقه العرفية ويعتبر في صدقها

415
صيرورة كثرة الشك خلقا له فلو كثر شكه من جهة عروض عارض من خوف أو غضب أو هم
يوجب اغتشاش الحواس فلا تشمله الأدلة.
(3) لو كثر شكه في فعل خاص هل يعامل معه معاملة كثير الشك ولو في
فعل آخر لم يكثر شكه فيه أم يختص الحكم به قولان اختار أولهما في المدارك
عملا باطلاقات الأدلة والظاهر الثاني لأنه المتبادر منها سيما بملاحظة التعليلات الظاهرة
في أن كثرة الشك من الشيطان والعجب من استدلال القائل بالاطلاق بهذه التعليلات
كما نسب إليه وعلى ما قلنا لو شك اتفاقا في غير ذلك الفعل يعمل بحكم الشك ولو كان
كثير الشك في شك لا حكم له كالشك بعد الفراغ ومثله فلا اثر لكثرة شكه ويعمل
في باقي الشكوك لو اتفقت له بحكمها.
(4) لو شك في أنه حصل له حالة كثير الشك أم لا فان كان من جهة الشبهة في
الأمور الخارجية فمقتضى الأصل عدم حصول تلك الحالة وان كان من جهة الشبهة
في المفهوم فلا مجرى للاستصحاب لعدم شكه في بقاء امر خارجي فان قلنا بلزوم
الاقتصار في المخصص المنفصل المردد بين الأقل والأكثر على القدر المتيقن و
الرجوع إلى الاطلاق أو العموم في مورد اجمال المخصص فلا اشكال في أن اللازم على
الشخص المفروض العمل بقواعد الشك عملا بالعمومات وان قلنا باجمال العام
أيضا كما احتملناه في الأصول خلافا للمعروف فلا بدله من الاحتياط فلو شك في اتيان
فعل لا يضر زيادة صورته بالصلاة وكان في المحل يأتي به بقصد القربة المطلقة ولو شك
فيما يبطل زيادته كالركوع وقلنا بعدم جواز اتيانه لكثير الشك فاما ان يأتي به كما
هو وظيفة غير كثير الشك واما ان لا يأتي به كما هو وظيفة كثير الشك وعلى أي حال
يعيد الصلاة ولو شك في الركعات فان كان من الشكوك الموجبة للإعادة أعاد مع اتمام
العمل الذي يكون بيده وان كان من الشكوك الصحيحة التي لها حكم من الشارع
يتم صلوته ويأتي بوظيفة الشاك بعدها ويمكن ان يقال ان ما نحن فيه ليس من قبيل
دوران الأمر بين المانعية والجزئية فان العمل بوظيفة الشاك الكثير الشك ليس من
موانع الصلاة ابتداء بل هو من المحرمات النفسية فإنه عد في الاخبار من إطاعة

416
الشيطان ولو قلنا ببطلان الصلاة به فليس من جهة انه من الموانع بل من جهة عنوان
آخر من حصول الزيادة العمدية أو كونه ماحيا لصورة الصلاة أو غير ذلك وقد تقرر في
محله ان العلم الاجمالي لو جرى في طرفيه أصل بلا معارض لا نحل ويؤخذ بمقتضى
الأصلين وفيما نحن فيه احتمال الحرمة النفسية مدفوع بأصالة البراءة واحتمال الوجوب
يراعى بمقتضى الاحتياط اللازم أو الاستصحاب.
فان قلت بعد ما فرضنا اجمال العام بعد التخصيص بالمخصص المجمل من
حيث المفهوم فلا يبقى مجال للاستصحاب فان عمومه قد خصص في مورد كثير الشك
واقعا فلو شك في اتيان جزء واتى به يحتمل ان يكون اتى بالزيادة المبطلة
والمفروض عدم جريان استصحاب عدم الزيادة فيبقى احتمال الزيادة المبطلة مما
لا دافع له.
قلت أولا هذا الاشكال لا يجرى في مثل القراءة واجزائها فان الإتيان بها
بقصد القربة لا يعد زيادة وتبرئ الذمة لو كانت مشتغلة بها وثانيا ان منع جريان
الاستصحاب في مورد كثير الشك انما هو بواسطة المنع من اتباع شكه والمتيقن
من مورد المنع ان يكون متابعة إطاعة الشيطان وليس ترتيب اثر الشك بالنسبة إلى
من لا يدرى انه كثير الشك إطاعة الشيطان فالتمسك بالأصل العملي لمن كان كذلك
لا مانع منه وبعبارة أخرى المتيقن من تخصيص أدلة الأصول ما إذا علم أن ترتيب اثر
الشك من مكائد الشيطان هذا مضافا إلى امكان ان يقال ان أدلة كثير الشك تشتمل على
ما يفيد امارية كثرة الشك على أن المشكوك فيه وجد في الخارج وان الشك الحاصل
انما هو من الشيطان فكثرة الشك طريق شرعا إلى وقوع المشكوك والقواعد الظاهرية
التي بطريقيتها تقدم على أدلة الشكوك ما لم يلتفت إلى موضوعها وحكمها ليس
لها حكومة على أدلة الشك وقد بين ذلك في الأصول مشروحا و (ح) نقول بعد ما
فرضنا عدم التفات المكلف إلى أنه صار مصداقا لكثير الشك ليس له طريق إلى وجود
المشكوك حتى يرتفع موضوع الشك فالمرجع الحكم المتعلق بشكه من البناء
على الأكثر أو الاستصحاب أو غير ذلك.

417
(5) الظاهر من الأدلة عدم جواز اعتناء كثير الشك بشكه واحتمال كون
هذا مجرد ترخيص من الشارع فيتخير بين عدم الاعتناء والاعتناء والعمل بمقتضى شكه ان
فسادا ففسادا وان احتياطا فاحتياطا كما نسب إلى بعض الأعاظم خلاف ظاهر
الأدلة وكيف يناسب الترخيص في الشك الذي عد الاعتناء به من إطاعة الشيطان و (ح) لو شك
في الركوع ثم اتى به بطلت صلوته من جهة زيادة الركوع بل قد يشكل في اتيان القراءة
إذا شك فيها وان كان بقصد القربة المطلقة لو كان من حاله عدم الاتيان لولا الشك ضرورة
ان هذا يعد من الاعتناء بالشك وهو منهي عنه فتدبر.
ومن جملة الشكوك التي لا اعتبار بها شك كل من الإمام والمأموم مع حفظ
الاخر وهذا في الجملة مما لا اشكال فيه وفى المدارك ان هذا الحكم مقطوع به في كلام
الأصحاب ويدل عليه جملة من الاخبار الا ان المقدار المتحقق منها رجوع الشاك إلى القاطع
وهل يرجع الظان إلى القاطع أم لا الظاهر الثاني لظهور الاخبار في أن موردها من
كان وظيفته الرجوع إلى قواعد الشك لولا هذا الحكم فلاحظ وهل يرجع الشاك إلى
الظان أم لا قيل بالثاني لان مفاد الاخبار الارجاع إلى الحافظ والحفظ التام يساوق
العلم وفيه ان دليل حجية الظن يجعل الظان كالحافظ وهل يرجع المأموم إذا كثر
شكه إلى الامام الحافظ أو يأخذ بحكم كثير الشك وجهان مبنيان على أن حفظ الامام هل
هو طريق للمأموم أو حكم لشكه تعبدا فان ظهر من الأدلة الأول فاللازم الرجوع
لان حفظ الامام حينئذ بمنزلة حفظه فهو بمنزلة من لا شك له وان قلنا بالثاني فيقع
التعارض بين دليلي شك كثير الشك وشك المأموم مع حفظ الامام فيحتاط بالأخذ بأحد
الحكمين ثم إعادة الصلاة.
ويمكن ان يقال ان المقام من قبيل اجتماع السببين أحدهما يقتضى عدم
الاعتناء بالشك والآخر يقتضى الرجوع إلى الامام فيتخير عقلا بين الاخذ بأي منهما
شاء ولكن الحق ان طريقية حفظ الامام للمأموم وبالعكس يكون مقتضى ظاهر الأدلة
كما لا يخفى على من لاحظها وقد سبق أيضا ان دليل كثير الشك المقتضى لعدم الاعتناء
بشكه ليس من قبيل الأصول العملية حتى يقدم عليه الامارة بل يستفاد منه ان مشكوك

418
الوجود قد وجد واقعا وان الترديد الحاصل في النفس من مكائد الشيطان ولذا صارت
متابعته ممنوعة فعلى هذا يتعين الاخذ بحكم كثير الشك لوجهين أحدهما ما سبق ان
مقتضى أدلة رجوع كل من المأموم والامام إلى الاخر اختصاص موردها بما كان المرجع
حكم الشك لولا الأدلة المذكورة وبعد فرض ان كثير الشك له طريق شرعي إلى وجود
المشكوك فلا يشمله أدلة الرجوع والثاني ان طريقية حفظ أحد من الإمام والمأموم
للاخر انما هو بواسطة ضعف احتمال الخطاء في حفظ الطرف وبعد ما كان للمصلى طريق
إلى خلاف ما حفظه يكشف هذا الطريق عن خطائه في الحفظ فيسقط عن الطريقية
فافهم.
ولو شك كل منهما فان كان شكهما متحدا يعمل كل منهما عمل ذلك الشك
كما إذا شك كل منهما بين الثلث والأربع وان اختلف شكهما فان كانت بين شكيهما
رابطة قيل برجوع كل منهما إلى الاخر في نفى ما قطع بعدمه كما لو شك المأموم بين
الاثنتين والثلث والامام بين الثلث والأربع فينفي المأموم احتمال الاثنتين بقطع
الامام وبنفي الامام احتمال الأربع بقطع المأموم فيبنيان على الثلث ويشكل ذلك
بان أدلة رجوع كل من الإمام والمأموم إلى الاخر مقيدة بحفظ الاخر ولا ريب في
عدم كون أحد منهما حافظا ودعوى ان كلا منهما حافظ لما قطع به وان لم يكن حافظا
بالنسبة إلى ما شك فيه مدفوعة بان الظاهر من الأدلة غير هذا النحو من الحفظ وأيضا
لا وجه للتقييد بوجود الرابطة فإنه مع عدم الرابطة أيضا يمكن ان يرجع كل منهما
إلى قطع الاخر فان المأموم لو شك بين الواحدة والاثنتين والامام بين الثلث والأربع
فالمأموم قاطع بنفي الرابعة والامام قاطع بحصول الثانية فيمكن رجوع كل منهما
إلى قطع الاخر فيما يحتمله بان يبني المأموم على الاثنتين والامام على الثلث.
لا يقال مع عدم وجود الرابطة تبطل القدوة فينتفى موضوع الإمامة والمأمومية.
لأنا نقول نمنع بطلان القدوة ما لم يحصل من الامام ما يوجب فساد عمله باعتقاد
المأموم.
ويمكن ان يكون وجه التقييد في كلامهم بوجود الرابطة انه في صورة عدم

419
الرابطة يقطع كل منهما بفساد ما قطع به الاخر ابتداء وان كان لازم قطعه ما يحتمل
كونه صوابا مثلا لو شك المأموم بين الواحدة والاثنتين والامام بين الثلث والأربع
فالامام يقطع ابتداء بتجاوز المأموم عن الاثنتين وهذا القطع خطأ عند المأموم
ولازمه القطع بتجاوزه عن الواحدة وهو محتمل الصواب عنده والقطع الناشئ من
القطع الفاسد عند المأموم لا يصلح لان يكون طريقا له ويكون ذلك منشأ لانصراف الأدلة
إلى غير هذه الصورة فتدبر.
ثم انه على تقدير وحدة شكهما وكون الشك من الشكوك التي حكمه البناء
على الأكثر ثم الاحتياط لا اشكال في بقاء القدوة فيما بقى من الصلاة وهل يجوز الاقتداء
في الاحتياط فيه اشكال من جهة ان الصلاة الواجبة احتياطا تكون على تقدير احتياج
الصلاة إليها متممة لها وعلى التقدير الاخر نافلة فلا بد ان تقع على نحو يصلح لان يكون
نافلة على تقدير فلو وقعت جماعة لا يصلح لان يكون نافلة كذلك فلا تكون متممة
للفريضة على تقدير الحاجة إليها لان المأتى به جماعة ليس مما جعله الشارع متمما
للفريضة على تقدير الاحتياج والله العالم.
ومن جملة الشكوك التي لا اعتبار بها الشك في النافلة والمعروف التخيير
بين البناء على الأقل والأكثر ولم أجد ما يدل على ذلك نعم البناء على الأقل مقتضى الأصل
لعدم العلم بانقطاعه في غير الفريضة ولو شك في النافلة المنذورة فهل حكمه حكم الشك
في النافلة الباقية على وصفها أو يلحق بالشك في الفرائض الظاهر الأول لأنه
المنساق من الدليل النافي للشك في النافلة الا ان يقال ان نفى حكم الشك يناسب
ان يكون موضوعه هو النافلة الفعلية ولا أقل من أن يكون ما ذكرنا منشأ
لانصراف الدليل عن المنذورة فتلحق بالفريضة لان عموم قوله عليه السلام في بعض الاخبار
لأنهما ركعتان يشمل المورد الا ان يقال ان مصب التعليل هو ما يكون فرضا بالذات فح
النافلة المنذورة تكون خارجة من أدلة الطرفين فالمرجع الأصل وهو أصالة عدم
الأكثر كما كان هي المرجع قبل كونها منذورة وان قلنا بالتخيير فيها فمقتضى الأصل
بقاء التخيير لأنه الحكم الثابت قبل النذر والاشكال بان موضوع التخيير يحتمل ان

420
يكون هو النافلة الفعلية يدفعه كفاية الوحدة العرفية الموجودة في المقام.
ختام فيه مسائل متفرقة
(1) إذا شك في أن ما بيده ظهر أو عصر فان كان قد صلى الظهر بطل ما بيده لأنه
لا يعلم أنه دخل في الصلاة الثانية بعنوان انها عصر أو ظهر الا ان يعلم من حاله انه
حال دخوله في الصلاة كان عازما لأداء ما في الذمة فيصح ما بيده مطلقا وان قصده ظهرا
في نفس الامر لأنه من باب الخطاء في التطبيق وان كان لم يصلها أو شك في اتيانها
يجعل ما بيده ظهرا فإنه لو كان ظهرا من أول الامر فهو ولو كان عصرا يجب عليه
العدول إلى الظهر.
(2) لو شك في الركعة الرابعة البنائية في أن شكه السابق بين الاثنتين والثلث
كان قبل اكمال السجدتين أو بعده قيل يبنى على الثاني وفيه اشكال من جهة ان احتمال
المضي على الشك قبل اكمال السجدتين وان كان خلافا للأصل ولكنه لا يثبت به
حدوث الشك بعد الاكمال الذي هو موضوع للبناء فلا يمكن الرجوع إلى احكام الشك
مع الشك في المصداق فمقتضى الاحتياط العمل بقواعد الشك ثم إعادة الصلاة وكذا
الكلام فيما لو شك في ذلك بعد الفراغ نعم لو علم حكم الشك واحتمل المضي والبناء
على الثلث قبل اكمال السجدتين سهوا يمكن القول بعدم الاعتناء في كلا الفرضين.
(3) لو شك في العشاء بين الثلث والأربع وتذكر السهو عن المغرب يمكن ان
يقال بوجوب الاتمام عشاء بالبناء على الأكثر ثم الاحتياط بركعة لعدم امكان العدول
إلى المغرب فان العدول إليه موجب لوقوع الشك في ركعات المغرب وهو موجب
للبطلان ويمكن ان يقال ليس له العدول لما ذكر ولا اتمام العمل من جهة ترتب العشاء
على المغرب ولا دليل على سقوط الترتيب الا فيما أتم العمل سهوا لا في مثل المقام فتبطل
الصلاة التي بيده لأنه لا يقدر على اتمامها لا بعنوان المغرب ولا بعنوان العشاء و
الأحوط اتمامها عشاء مع صلاة الاحتياط ثم اتيانها بعد المغرب.
(4) لو تذكر في أثناء العصر انه ترك من الظهر ركعة يمكن ان يقال بقطع ما بيده

421
واتمام الظهر لعدم كون ما جاء به بعنوان العصر زيادة في الظهر واما احتمال العدول
إلى الظهر بجعل ما بيده ظهرا لو لم يدخل في ركوع الثانية فبعيد جدا فان مورد العدول
السهو عن السابق أصلا لا السهو عن ركعة منه.
(5) لو علم بنقص ركعة أو ركعتين من إحدى الصلاتين فان كان قبل التسليم
في الثانية يبنى على تمامية الأولى لأن الشك فيها بعد تجاوز المحل ويعمل بقاعدة
الشك في الثانية وان كان بعد التسليم في الثانية فقاعدة التجاوز معارضة فيهما فيجب
عليه ضمن ما احتمل نقصه بالثانية موصولة ثم يأتي بالأولى للعلم الاجمالي بوجوب
أحدهما هذا إذا لم يأت بالمنافي ولو اتى به يجب إعادة ما كانت باطلة منهما
ويكفي اتيان صلاة واحدة بقصد ما في الذمة ان اتفقا في العدد والا يأتي
بصلاتين.
(6) لو شك في أن الركعة التي بيده رابعة المغرب أو أولى العشاء وسلم المغرب
عليه الثلث فان كان قبل الركوع يجلس ويتشهد ويسلم وصحت المغرب قطعا كما هو
واضح وان كان بعد الركوع فيمكن الحكم بصحة المغرب فان احتمال البطلان ليس الا
من جهة احتمال الزيادة والأصل عدمها واما السلام فليس تركه مضرا سهوا مضافا إلى
امكان جريان قاعدة الشك بعد التجاوز بالنسبة إليه كما لا يخفى اللهم الا ان يقال بسقوط
الاستصحاب بالنسبة إلى ركعات المغرب وفيه تأمل لان المتيقن من مورد سقوط
الأصل هو الشك في أصل وجود الأكثر لدلالة الأدلة على بطلان صلاة المغرب إذا شك
في ركعاتها اما مع العلم بوجود الركعة الرابعة والشك في أنها هل وجدت بعنوان
المغرب أو العشاء فليس موردا للأدلة الدالة على البطلان فلا وجه لسقوط استصحاب
عدم الزيادة في المغرب.
(7) إذا شك بين الاثنتين والثلث بعد اكمال السجدتين وعلم بعدم اتيان التشهد
في هذه الصلاة فهل يستفاد من أدلة وجوب البناء على الأكثر مضى محل التدارك فيجب
عليه القضاء بعد الصلاة مثلا أم ليست متعرضة الا لجهة عدد الركعات ولا يثبت بها مضى
محل التدارك للتشهد ويترتب على الثاني وجوب الاتيان بالتشهد في الصلاة وقضائه

422
بعدها للعلم الاجمالي بأحد الامرين ولكن الظاهر الأول وكذا الكلام فيما إذا شك
بين الثلث والأربع وهو قائم وعلم بعدم الاتيان بالتشهد في الركعة الثانية من
دون تفاوت.
(8) لو شك في أنه بعد الركوع من الركعة الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة
وبعبارة أخرى يشك في أن الركعة التي بيده ثالثة أو رابعة ويعلم باتيان ركوعها
على تقدير كونها ثالثة وبعدم اتيانه على تقدير كونها رابعة فلا اشكال في وجوب البناء
على الأربع ولكن دليل البناء لا يثبت عدم الاتيان بالركوع والفرق بين المسألة و
المسألة السابقة التي قلنا بان دليل البناء يثبت عدم وجود التشهد في الصلاة بل
يقضيه بعدها انه من اللوازم الشرعية للثالثة عدم وجوب التشهد فيها فيثبت بواسطة
الدليل الدال على وجوب البناء على كونها ثالثة بخلاف المقام فان ايجاد الجزء
وعدمه ليس من الآثار الشرعية هذا ولكن يأتي بالركوع بواسطة ان اتيانه
مشكوك ومقتضى الاستصحاب عدمه والمفروض بقاء محله واما لو شك في أنه
بعد الركوع من الرابعة أو قبل الركوع من الثالثة عكس السابقة فمقتضى ما
ذكرنا من عدم تعرض أدلة البناء لايجاد الجزء وعدمه وجوب اتيانه أيضا لأنه
شك في الشئ قبل تجاوز المحل وقد يستشكل بحصول العلم الاجمالي بزيادة
ركوع أو نقصان ركعة فتبطل الصلاة بذلك ويمكن الجواب بان العالم الاجمالي
لا يوجب العلم ببطلان الصلاة إذ على تقدير نقص الركعة يتدارك بالاحتياط والذي
يظهر لي ان دليل البناء على الأكثر لا اثر له في المقام لا في الفرض الأول ولا
في عكسه.
وبيان ذلك أن دليل البناء ليس مقتضاه مقصورا على صرف الركعات ولا
ناظرا إلى خصوص الآثار الشرعية حتى يستشكل بأنه إذا شك بين الثلث والأربع
مع قطعه بأنه على تقدير الأكثر لم يركع وعلى تقدير الأقل تحقق الركوع
ليس من آثار كون ما بيده الأكثر تحقق ركوع الركعة الرابعة ولا عدمه بل معناه
فرض كون ما بيده رابعة ويأتي ببقية ما يحتاج إليه الركعة الرابعة في ما

423
لو فرض كونها رابعة لا يحتاج إلى الركوع يأتي بالبقية وفيما لو فرض كذلك و
يحتاج إلى الركوع يأتي به وبما بعده إذا عرفت ذلك ففي المسألة السابقة مقتضى
البناء على الثلث ان يقوم لاتيان الرابعة من دون تشهد وحيث يعلم اجمالا بترك
التشهد الأول في هذه الصلاة يعمل عمل التشهد المنسى مع فوت محل التدارك إذ
لولا ذلك تحصل المخالفة القطعية للعلم الاجمالي وهذا من قبيل الترخيص في بعض
أطراف العلم الاجمالي يقينا فيتعين لزوم الموافقة في غيره.
واما في المسألة الثانية وهي الصورة التي يشك في أن ما بيده ثالثة أو رابعة
مع علمه بأنه على التقدير الأول اتى بالركوع وعلى التقدير الثاني ما اتى به أو
بالعكس لو بنينا على الأكثر فمقتضى الفرض الأول لزوم الركوع فإذا سلم والحال
هذه يقطع بان صلوته على تقدير كونها ثلث ركعات باطلة بزيادة الركوع فلا
يشمله دليل الاحتياط فان دليله متضمن لتدارك الركعة لو كانت ناقصة وتدارك الركعة
انما هو في مورد لم يعرض العمل البطلان من جهة أخرى اما بالقطع واما من
جهة الأصل والمفروض ان العمل على تقدير كونه ناقصا من حيث الركعة مقطوع
البطلان ومقتضي الفرض الثاني عدم الاتيان بالركوع في الركعة التي بيده المفروض
كونها رابعة بنائية وبعد الفراغ يقطع بان صلوته على تقدير كونها ثلث
ركعات باطلة من جهة النقص في الركوع فلا يمكن تدارك نقصها بالركعة
المفصولة.
(9) إذا كان قائما في الركعة الثانية وعلم أنه اتى في هذه الصلاة بركوعين
ولكنه لا يعلم أنه اتى بكليهما في الأولى حتى تكون صلوته باطلة أو اتى في
كل من الركعتين بواحد فالظاهر بطلان الصلاة فإنه لا طريق له للحكم بصحتها
إذ لو اتى بركوع في هذه الركعة يقطع بزيادة ركوع ولو لم يأت بالركوع فمقتضى
الأصل عدم الصحة لأن الشك في ركوع هذه الركعة شك قبل تجاوز المحل والأصل
عدم الاتيان به.
(10) إذ اعلم أنه ترك سجدتين ولم يدر انهما من ركعة واحدة أو من ركعتين

424
فان احتمل كونهما معا من ركعة هو فيها ولم يتجاوز من محل سجدتها اتى
بهما في هذه الركعة ويتم الصلاة ولا شئ عليه لأن الشك بالنسبة إلى سجدتي
الركعة التي بيده شك في الشئ قبل تجاوز المحل وبالنسبة إلى الركعات السابقة
شك في الشئ بعد التجاوز ولو علم أن المتروك من الركعة التي بيده ليس السجدتين
معا فالشك بالنسبة إلى إحدى سجدتي هذه الركعة شك قبل التجاوز وحكمه
الاتيان فيبقى العلم بترك سجدة اما مع وصف الوحدة واما مع الانضمام فالشك
بالنسبة إلى السجدة المشكوكة وان كان بعد التجاوز الا ان الأصل فيه لا يثبت
ان المتروك هو السجدة الواحدة الا ان يقال ان وحدة الشئ ليس الا عدم شئ
آخر معه ففوت السجدة الواحدة معلوم وعدم فوت سجدة أخرى مقتضى قاعدة الشك
بعد المحل وليس موضوع القضاء أو سجدة السهو غير ذلك واما لو علم بترك
السجدتين من الركعات المتقدمة اما من ركعة واما من ركعتين فمجمل القول
فيه انه يعلم اجمالا اما بوجوب الإعادة واما بوجوب قضاء السجدة مع سجدتي
السهو وبعد تعارض القاعدة مقتضى الأصل الحكمي وجوب الإعادة وعدم وجوب
قضاء السجدة وسجدتي السهو وكذا حال كل مورد يعلم اجمالا اما ببطلان صلوته
واما بوجوب سجدتي السهو أو مع قضاء المنسى كما لو علم في السجدة الثانية انه
اما ترك القراءة أو الركوع لو قلنا بوجوب سجدتي السهو لنقص القراءة أو علم أنه
اما ترك السجدة الواحدة من الركعة السابقة أو ركوع هذه الركعة.
(11) لو علم قبل ان يدخل في الركوع بل في القنوت انه اما ترك سجدتين
من الركعة السابقة أو ترك القراءة يأتي بالقراءة لأن الشك فيه قبل تجاوز
المحل ولا يعتنى بالشك في السجدتين لأن الشك فيهما بعد تجاوز المحل
ولو كان هذا العلم الاجمالي بعد ما دخل في القنوت أو كان طرف العلم خصوص الحمد
وقد دخل في السورة يحتمل تعارض القاعدة بالنسبة إلى كل من الشكين فيجب
العود إليهما احتياطا ويحتمل وجوب العود إلى القراءة فقط فان وجوبها معلوم على كل
تقدير لأنه ان ترك السجدتين فالقراءة وقعت في غير محلها وان ترك القراءة

425
فيجب اتيانها فوجوب القراءة ثابت على أي حال فيكون الشك بالنسبة إلى ترك
السجدتين بدويا.
لا يقال ان مقتضى العلم بلزوم الترتيب بين الاجزاء ان يعلم بحصوله بين
السجدتين والقراءة ولا يحصل هذا العلم الا باتيان السجدتين ثم القراءة.
لأنا نقول الامر كذلك بمقتضى الأصل العقلي ولكن مقتضى قاعدة الشك
بعد التجاوز بالنسبة إلى السجدتين بلا معارض كما هو المفروض الحكم بثبوتهما
والآتيان بما بقى من الاجزاء المعلومة الا ان يقال ان المقطوع وجوب
القراءة مرتبا على السجدتين من الركعة السابقة ومجرد احتمال
وجود السجدتين بل القطع بوجودهما لا يغير التكليف بالقراءة التي
فرضناها مقيدة بالترتيب كما أن مجرد حصول الطهارة لا يغير التكليف بالصلاة
مع الطهارة مثلا ولا اشكال في أنه قيود المكلف به لو كانت معلومة يجب تحصيل البراءة عنها
لا يقال ان مقتضى شمول قاعدة التجاوز بالنسبة إلى سجدتين بلا معارض حصول
الترتيب المأمور به.
لأنا نقول هي معارضة بقاعدة التجاوز في أصل القراءة فيبقى الترتيب المأمور به
بلا دليل يدل على حصوله الا ان يقال ان القاعدة تدل على وجود الجزء جامعا للشرائط
الصحة أعني مقيدا بالقيود المعتبرة فيه وان لم تقتض وجود الجزء السابق عليه و
المفروض في المثال عدم وجود القراءة المقيدة بالترتيب قطعا فليس مجرى القاعدة
وتبقى السجدتان مما شك في تحققه مع تجاوز محله فتحكم القاعدة بوجودهما بلا
معارض وبعبارة أخرى لو كان داخلا في السورة وشك في وجود الحمد والسجدتين
فيعلم بمقتضى القاعدة المزبورة وجود الحمد المرتب على السجدتين وان لم يثبت بها
تحقق السجدتين فان الملازمة بين وجود الامر المرتب ووجود المرتب عليه عقلية
لا يثبت بالأصل ولكن في المفروض وجود السجدتين يثبت بالقاعدة الجارية فيهما
واما مع العلم الاجمالي بترك السجدتين أو الحمد يقطع بعدم تحقق الحمد المرتب

426
على السجدتين فليس مجرى للقاعدة فتبقى القاعدة بالنسبة إلى السجدتين بلا معارض
ولو علم بعد القيام إلى الركعة الثالثة انه اما ترك السجدتين أو التشهد فيجب عليه
هدم الركعة لان اشتغال ذمته بالتشهد معلوم وهل يكتفى به من جهة انه بعد اشتغال
ذمته به تجرى القاعدة بالنسبة إلى السجدتين من دون معارض كما قلنا في المسألة
السابقة فيه اشكال من جهة ان هدم القيام موجب لان يكون شكه في السجدتين في
حكم الشك قبل التجاوز فان المنساق من الأدلة الآمرة بالمضي عند تجاوز المحل
ما إذا أمكن احتساب الشئ المحقق لصدق التجاوز من الصلاة واما لو وجب الغائه
فلا يكون مصبا للاطلاقات فمقتضى الاشتغال الاتيان بالسجدتين مع التشهد فيعلم اجمالا
اما بزيادة السجدتين أو التشهد.
فان قلنا بان زيادة التشهد سهوا لا اثر له فلا اشكال في صحة صلوته فان منشأ
بطلانها ليس الا احتمال زيادة السجدتين المدفوع بالأصل واما ان قلنا بان زيادته يوجب
سجدتي السهو فيشكل من جهة ثبت العلم الاجمالي بين لزوم الإعادة وسجدتي السهو
فالأحوط في مثل الفرض اما الاتيان بالتشهد وحده ثم إعادة الصلاة واما مع سجدتين
ثم الإعادة مع سجدتي السهو وكذا الكلام لو علم بترك السجدتين أو التشهد ولم يقم ولو علم
بترك سجدة واحدة أو التشهد من الركعة التي قام عنها فالشك في كل منهما
شك بعد المحل فتارة نبني على عدم جريان القاعدة فيما يجب رفع اليد عن الحالة
التي هو عليها مثل ما نحن فيه وأخرى نبني على جريانها وعلى كل تقدير
اما يحتمل ترك كليهما أو يعلم بثبوت أحدهما كما يعلم بترك أحدهما فهذه
صور أربع:
الصورة الأولى العلم بترك أحدهما مع احتمال ترك كليهما مع البناء على
عدم جريان القاعدة والظاهر عدم الاشكال في لزوم اتيانهما بعد هدم القيام
لاستصحاب عدمهما.
الصورة الثانية العلم بترك أحدهما منضما إلى العلم بثبوت الاخر مع
البناء على عدم جريان القاعدة أيضا فقد يقال بأنه يجلس ويقتصر على التشهد من

427
حيث إنه مقطوع الوجوب لأنه لو كان هو المتروك يجب اتيانه ولو كان المتروك
السجدة فالذي اتى به من التشهد وقع في غير محله الا انه يشكل الامر بأنه لو لم
يأت بالسجدة مع أنها مشكوك الوجود في صلوته لا يقطع بالفراغ ولو اتى بها
يعلم اجمالا اما ببطلان صلوته من جهة زيادة السجدة عمدا واما بوجوب سجدتي السهو
من جهة وقوع التشهد سهوا فان الموجود لو كان التشهد فهو واقع في غير محله فيلزم سجدتي
السهو وان كان السجدة فهي زيادة عمدية مبطلة للصلاة.
الصورة الثالثة العلم بترك أحدهما مع احتمال ترك الاخر مع البناء على
جريان القاعدة في الحالة المفروضة والظاهر على هذا لزوم الهدم والتشهد فان
القاعدة تحكم بوجود السجدة ولا تعارض بمثلها في التشهد فان عدم وجوده صحيحا
مقطوع فان المتروك المعلوم بالاجمال اما هو واما السجدة وعلى التقدير الثاني اما
ترك التشهد أيضا واما جاء به وعلى التقادير الثلث يجب الاتيان به فإنه بين عدم وجوده
ووجوده في غير محله.
الصورة الرابعة العلم بترك أحدهما منضما إلى العلم بثبوت الاخر مع البناء
على جريان القاعدة والظاهر مساواة حكمه مع السابق من جهة البناء على وجود السجدة
من جهة القاعدة والبناء على عدم التشهد من جهة الاستصحاب فان المفروض عدم كونه
مجرى القاعدة فلا مانع من استصحاب عدمه ففي الحقيقة ينحل العلم الاجمالي بترك
أحدهما وثبوت الاخر بالأصلين أحدهما يعين مورد الثبوت والاخر يعين مورد النفي.
(12) لو علم بعد القيام إلى الثالثة انه ترك التشهد وشك في أنه ترك السجدة
أم لا يجب عليه العود إلى التشهد واما السجود ففي كونه مجرى لقاعدة
الشك بعد المحل وعدمه اشكال مضى وجهه و (ح) فالأحوط الصلاة مع الاتيان
بالسجود.
(13) لو علم باتيان أحد الامرين من السجدتين والتشهد وشك في الاخر فان
كان بعد الدخول في القيام فلا يعتنى بشكه لأنه شك بعد المحل وان كان قبل القيام
فالشك بالنسبة إلى التشهد شك قبل تجاوز المحل واما بالنسبة إلى السجدتين فان

428
اتى في الواقع بالتشهد فالشك فيهما بعد تجاوز المحل والا فهو أيضا كالشك في
التشهد فلا يعلم كون الشك في السجدتين مصداقا للشك قبل المحل ولا بعده
ولو فرض شمول القاعدة لهما معا بمعنى دخول كل منهما تحت الشك قبل
تجاوز المحل كما قاله بعض الأساطين لا يمكن تصحيح الصلاة بالاتيان بالسجدتين
والتشهد في محل الفرض لان هذا العمل يوجب العلم الاجمالي اما بزيادة السجدتين
الموجبة للإعادة أو زيادة التشهد الموجبة لسجدتي السهو بناء على القول بهما في كل
زيادة سهوية وكذلك لو تيقن باتيان سجدة واحدة وعلم اجمالا اما باتيان السجدة
الثانية أو التشهد وشك في الاخر ففي حال القيام لا يعتنى بشكه لأنه شك بعد تجاوز
المحل وفى حال الجلوس لا طريق له لاحراز أحد الامرين الذي شك فيه وان اتى
بكليهما حصل له العلم الاجمالي اما بزيادة السجدة الواحدة أو التشهد لأنا لو فرضنا ما
علم باتيانه هو التشهد في الواقع فلو كان مع ترك السجدة فهو واقع في غير محله
فيترتب عليه حكم الزيادة السهوية ولو كان مع اتيانها فالسجدة المأتى بها ثانيا تقع
زيادة عمدية وكذا لو فرضنا ما علم باتيانه هو السجدة في الواقع فالتي اتى بها ثانية
زيادة عمدية فيعمل اجمالا اما بوجوب الإعادة أو سجدتي السهو ويمكن ان يقال في مثل
المقام الذي فرض العلم بوجود أحد الامرين من السجدتين والتشهد أو من سجدة
واحدة والتشهد يأتي بالتشهد فقط فان المأتى به المعلوم اجمالا اما السجدة واما
التشهد فان كان المأتى به السجدة فلا يجب الاتيان بها قطعا وان كان التشهد فالشك
في السجدة شك بعد الدخول في الغير ويتحصل من الامرين عدم وجوب السجدة اما
لتحققها واقعا واما لكون الشك فيها بعد تجاوز المحل.
(14) لو علم أنه اما ترك السجدة من الركعة السابقة أو التشهد من هذه الركعة
فان كان قبل القيام اتى بالتشهد ويتم الصلاة ولا شئ عليه لأن الشك بالنسبة إلى السجدة
شك بعد المحل وبالنسبة إلى التشهد قبله وان كان بعده فمقتضى القاعدة العود إلى
التشهد وقضاء السجدة بعد اتمام الصلاة وسجدتا السهو لها لأنه يعلم اجمالا بوجوب
أحد الامرين واحتمال المضي في الصلاة وقضاء كل منهما مع سجدتي السهو بعد الصلاة

429
كما قيل لا أرى له وجها وكذا الحال لو علم اما بترك سجدة من الركعة السابقة أو من
هذه الركعة فان كان الشك قبل الدخول في القيام أو التشهد يأتي بسجدة في هذه الركعة
ولا شئ عليه وان كان بعد القيام أو بعد الدخول في التشهد يأتي بسجدة في هذه الركعة
ويأتي بقضاء السجدة بعد اتمام الصلاة مع سجدتي السهو واحتمال زيادة السجدة
مندفع بالأصل.
(15) إذا علم وهو في السجدة أو بعدها انه ترك السجدة من الركعة السابقة و
ركوع هذه الركعة يجعل السجدة للركعة السابقة ويأتي باللاحقة لبقاء محل
التدارك للسجدة الفائتة لأن المفروض عدم الاتيان بالركوع فيكون القراءة الواقعة
في البين أو غيرها من الزيادة الواقعة سهوا.
(16) إذا علم في صلاة العصر انه اما نقص من ظهره ركعة والركعة التي بيده
رابعة العصر واما اتى بالظهر تامة وهذه ثالثة العصر فبالنسبة إلى الظهر شك بعد الفراغ
وبالنسبة إلى العصر شك بين الثلث والأربع ومقتضى القاعدة اعمال القاعدتين.
لا يقال نعلم اجمالا بمخالفة إحديهما للواقع لان الظهر لو كانت تامة ليست
الركعة التي بيده الرابعة قطعا وان كانت هذه الركعة رابعة فليست
الظهر بتامة قطعا فاعمال القاعدتين يوجب العلم الاجمالي بأنه سلم إحدى الصلاتين
على الثلث.
لأنا نقول تسليم العصر على الثلث بعد كون نقصانها متداركا بالاحتياط
لا يضر قطعا ونقصان الظهر يدفعه قاعدة الشك فاعمال القاعدتين ما أوجب المخالفة
القطعية لاحتمال كون الناقص هو العصر ولا يضر نقصها بواسطة تدارك الاحتياط بحيث
يقوم مقام الركعة المتصلة في نفس الامر وكذا لحال في العشائين إذا علم أنه اما صلى
المغرب ركعتين وهذه رابعة العشاء أو ثلثا وهذه ثالثة العشاء.
ويمكن ان يقال ان دليل وجوب البناء على الأكثر لا يشمل مثل المقام فتبقى قاعدة
الشك بعد الفراغ بالنسبة إلى السابقة سليمة عن المعارض فإنه لو بنى في الفرض على
الأربع ويتشهد ويسلم بقطع بعدم صحة ذلك التشهد والتسليم فإنهما اما واقعان في

430
الركعة الثالثة أو واقعان على خلاف الترتيب المعتبر في الثانية ومقتضى ذلك الحكم
بصحة السابقة للشك بعد الفراغ وبطلان الثانية لعدم العلاج.
(17) إذا علم أنه صلى الظهرين ثمان ركعات واحتمل انه نقص من الظهر ركعة
وزاد في العصر ركعة فان كان بعد السلام فلا شئ عليه لان الصلاتين محكومتان
بالصحة وان كان قبل السلام يحكم بصحة الظهر لأن الشك فيها بعد الفراغ وفى العصر
يعامل معاملة الشك بين الأربع والخمس وهكذا الكلام في العشائين لو علم أنه أتى
سبع ركعات واحتمل انه نقص من المغرب ركعة وزاد في العشاء ركعة هذا إذا لم
يكن احتمال النقص في الثانية كما في الفرض المتقدم وأما إذا كان احتمال النقص في
الثانية أيضا كما إذا علم أنه صلى الظهرين ثمان ركعات واحتمل انه نقص من إحديهما
ركعة وزاد في الأخرى فلو كان بعد السلام فلا اشكال في صحتهما واما لو كان قبل ان
يسلم للعصر فالظهر محكومة بالصحة لكون الشك فيها بعد الفراغ واما العصر فالشك
فيها بين الثلث والأربع والخمس وقد مضى الكلام فيه في الشكوك في الركعات و
لو كان احتمال النقص في الثانية فقط دون الأولى بان يعلم أنه صلى الظهرين ثمان
ركعات ولا يدرى هل صلى الظهر أربعا وهذه رابعة العصر أو صليها خمسا وهذه ثالثة
العصر فلا اشكال فيما لو كان الشك بعد السلام واما قبل السلام فيحكم بصحة الظهر
لقاعدة الشك بعد الفراغ واما العصر فهي وان كان الشك فيها بين الثلث والأربع
لكن لا يمكن اعمال قاعدة الشك فيها للعلم بلغوية صلاة الاحتياط لأنه لو كان ظهره
أربعا فالعصر أيضا أربع ولو كانت خمسا فهي باطلة ويلزمه بطلان العصر لفوات
الترتيب وعلى الحالين لا موقع لصلاة الاحتياط.
نعم يمكن تصحيح ظهر في الواقع على نحو الاجمال بان يعدل بالثانية إلى الظهر و
يسلم فلو كانت الظهر باطلة تقع الثانية المعدول بها إليها مقامها ولو كانت صحيحة
تكون الثانية لغوا وهكذا الكلام في العشائين لو علم باتيان سبع ركعات وشك في أنه
هل نقص من الثانية ركعة وزاد في الأولى أم لا فإنه لو عدل بالثانية إلى المغرب بعنوان
الاحتياط والرجاء يقطع بتحقق مغرب صحيحة اما الأولى واما الثانية فإنه لو كان في

431
الواقع سلم في الأولى على ثلث ركعات فالأولى صحيحة والثانية باطلة ولو سلمها على
أربع ركعات فالثانية ثلث ركعات قطعا ويمكن أيضا القول بصحة السابقة لقاعدة
الشك بعد الفراغ من دون معارض لعدم شمول دليل العلاج في أمثال المقام فيحكم
بصحة الظهر في الفرض الأول والمغرب في الفرض الثاني وبطلان العصر والعشاء
في الفرضين وقد بينا وجه ذلك في بعض الفروع السابقة ومن الموارد التي يقطع
بالعدول صحة الأولى مرددة بين ان تكون من جهة ما وقع أولا أو ثانيا ما إذا علم أنه
أتى بالظهرين تسع ركعات قبل السلام للعصر ولا يدرى انه زاد في الأولى أو الثانية
لأنه لو عدل إلى الظهر يقطع بأنه اما وقعت الأولى أربع ركعات فتكون الثانية لغوا
واما وقعت الثانية أربع ركعات فتكون الأولى باطلة وعلى أي الحالين يكون الظهر
صحيحة ولا فرق فيما ذكرنا من العلم بصحة الظهر اجمالا بين ان يكون بعد اكمال
السجدتين أو قبله بل يصح لو كان في حال القيام أيضا هذا في الظهرين واما في العشائين
لو علم بزيادة ركعة في إحديهما فلابد من اعادتهما لعدم امكان تصحيح المغرب بالعدول
إليها لتجاوز محل العدول يقينا كما هو المفروض.
(18) لو اتى بالمغرب ثم نسى واعتقد عدم الاتيان بها فأتى بها ثانيا وتذكر قبل
السلام انه كان آتيا بها ولكن علم بزيادة ركعة اما في الأولى أو الثانية فلو أتم الثانية
يعلم اجمالا بالاتيان بالمغرب اما أولا واما ثانيا وله ان يرفع اليد عن الثانية و
يكتفى بالأولى لأن الشك فيها انما يكون بعد الفراغ وكذا الحال في غير المغرب.
(19) إذا شك في الركوع وهو قائم فنسي ان يأتي به حتى دخل في السجود ثم
التفت فالظاهر عدم جريان حكم الشك بعد المحل عليه لان هذا الشك بقاء الشك
قبل المحل فيكون حاله كمن ترك الركوع حتى دخل في السجدة الأولى وقد مضى
الكلام فيه.
(20) لو تيقن نسيان شئ قبل محل التدارك فنسي التدارك حتى دخل في ركن
آخر ثم انقلب علمه بالنسيان شكا فالظاهر جريان حكم قاعدة الشك بعد المحل عليه
والحكم بالصحة ان كان ركنا وعدم وجوب القضاء وسجدتي السهو فيما يجب فيه

432
ذلك واحتمال انه صار مكلفا بالتدارك فتبطل الصلاة لو كان ما كلف بتداركه ركنا
لعدم امكانه بعد الدخول في ركن آخر ويجب القضاء وسجدتا السهو أو سجدتا
السهو فقط لو لم يكن ركنا ضعيف جدا فان هذا التكليف منوط ببقاء موضوعه و
هو العلم بنسيان الجزء فلو تبدل علمه شكا يتبعه حكمه.
(21) إذا تيقن بعد السلام نقصان صلوته وشك في أن الناقص ركعة أو ركعتان
فان كان بعد اتيان المنافى مطلقا يعيد الصلاة وان كان قبل ذلك فيمكن اجراء قاعدة
الشك بعد الفراغ بالنسبة إلى الركعة المشكوكة فيلحق بالصلاة ركعة لا يقال نقطع
بعدم الفراغ لكون السلام لغوا على أي من الحالين لأنا نقول لو كان المراد من الشك
في موضوع القاعدة هو الشك بعد الفراغ الواقعي فلا يصح اجرائها في الشك بين نقص
الركعة والتمام لعدم احراز كون الشك بعد الفراغ وهو باطل قطعا فعلم أن المراد
بالفراغ هو الفراغ الصوري وهو يحصل مع القطع بالنقيصة كما يحصل مع الشك فيها
هذا ولكن الانصاف عدم شمول القاعدة للمورد لانصرافها إلى مورد يمكن الاكتفاء
بالسلام المحقق للفراغ واما مع القطع بلغويته فلا وقد مر نظير هذا المطلب في الشك في
السجدة في حال القيام مع القطع بعدم التشهد فالأقوى على هذا معاملة الشك بين
الاثنتين والثلث واتيان ركعة أخرى ثم الاحتياط.
وتظهر الثمرة بين الاحتمالين في أنه على الأول لو حصل مثل هذا الشك في
صلاة المغرب لا تبطل أيضا فان الركعة المشكوكة محكومة بالحصول بحكم
القاعدة والأخرى يأتي بها متصلة وعلى الثاني تبطل لوقوع الشك في عد الركعات
قبل الفراغ وهو موجب للبطلان في المغرب.
(22) لو تيقن بعد السلام قبل اتيان المنافى نقصان ركعة ثم شك في أنه اتى بها
أم لا اتى بها لأصالة عدمها وتوهم اجراء حكم الشك في عدد الركعات عليه فاسد
جدا فان مورده قبل وقوع السلام ويدل على ذلك ما يظهر من بعض الأخبار الواردة
في حكم الشك من أن هذه الطريقة انما جعلت لصيانة الصلاة عن الزيادة المتصلة و
النقيصة وفيما نحن فيه لو جاء بركعة متصلة يعلم بعدم زيادة في صلوته فإنه لو اتى بركعة

433
الواجبة عليه تصير هذه لغوا لوقوعها بعد تمامية تلك الركعة الواجبة بالسلام ولو
لم يأت بها تكون متممة للصلاة نعم لو تيقن بعد السلام نقصان ركعة ثم رأى نفسه
جالسا ولا يدرى انه دخل في الركعة الواجبة عليه بالتذكر وهذه جلسة عقيب السجدتين
أو انه لم يدخل في تلك الركعة أصلا يجرى عليه حكم الشك في الركعات بملاحظة
ما يدل عليه بعض الاخبار المفصلة بين الأولتين والأخيرتين بدخول الوهم فيهن فلاحظ.
(23) لو علم أن ما بيده رابعة ولا يدرى انها رابعة واقعية أو رابعة بنائية وانه
شك سابقا بين الاثنتين والثلث قد يقال بوجوب الصلاة الاحتياط عليه من جهة انه
فعلا شاك بين الثلث والأربع وفيه ان معيار الشك في عدد الركعات هو الشك
الحادث دون الباقي والمفروض احتمال كون هذا الشك هو ما استمر من الركعة
السابقة.
ويمكن ان يقال ان هذا الشك الموجود اما جاء من السابق فهو شك بين الاثنتين
والثلث واما حدث فعلا فهو الشك بين الثلث والأربع فيعلم اجمالا بوجوب صلاة
الاحتياط من جهة أحد الشكين و (ح) ان قلنا باتحاد حكمهما كما هو المشهور يعلم تفصيلا
بوجوب العمل المخصوص وان قلنا باختلاف حكمهما كما إذا قلنا بلزوم الركعة
قائما في الأول وركعتين جالسا في الثاني يحتاط بالجمع بينهما.
وفيه ان كون شكه شكا بين الثلث والأربع وان كان أحد طرفي العلم لكن
يقطع بالملازمة بين كون شكه كذلك وبين تمامية الصلاة إذا المفروض العلم بأنه
لو لم يشك بين الاثنتين والثلث فالركعة التي بيده رابعة واقعية والشك الذي يكون
وجوده ملازما لتمامية الصلاة لا يشمله أدلة الشكوك إذ هو غير محتاج إلى العلاج و
الشك بين الاثنتين والثلث مشكوك الحصول ومقتضى الأصل عدم حصوله من دون
معارض ويترتب عليه عدم وجوب صلاة الاحتياط والاكتفاء باتمام الصلاة التي بيده
لكنه يشكل بان اتمام ما بيده بعنوان الرابعة لا يوجب القطع بفراغ ذمته من
التكليف لأنه لا يدرى انه أربعة واقعية وما اتى أيضا بشئ يتدارك به النقص على تقدير

434
تحققه فالأولى ان يقال بلزوم اتمام ما بيده والآتيان بوظيفة الشاك بين الاثنتين والثلث
فيقطع حينئذ بفراغ ذمته فإنه اما اتى بأربع ركعات واقعا أو كان شاكا بين الاثنتين
والثلث واتى بوظيفة الشك المفروض.
(24) إذا علم في حال القيام انه ترك سجدة أو سجدتين أو التشهد من الركعة
التي قام عنه ثم شك انه تدارك ثم قام أو هذا القيام هو القيام الأول فالظاهر وجوب التدارك
لأصالة العدم واحتمال جريان قاعدة الشك بعد تجاوز المحل فاسد فإنه بالنسبة
إلى المحل الأولى الذي جعل له الشارع معلوم العدم وبالنسبة إلى المحل الثانوي
بملاحظة النسيان لم يتجاوز عنه.
(25) لو شك بين الثلث والأربع فبنى على الأربع ثم اتى بركعة أخرى سهوا
فالظاهر بطلان صلوته من جهة احتمال الزيادة مع عدم دافع له لسقوط الأصل بواسطة
دليل الشك واحتمال انه بعد الالتفات يكون شكه من الشك بين الأربع والخمس
مدفوع بما مر من اختصاص أدلة الشكوك بالشك الحادث وعدم شمولها للشك
الباقي.
(26) إذا شك في ركن بعد تجاوز المحل ثم أتى به نسيانا فهل تبطل صلوته
أم لا يحتمل الثاني لأصالة عدم الزيادة لعدم العلم بها وعدم ثبوت الزيادة بواسطة
القاعدة.
لا يقال فعلى هذا يصح لو أتى به في حال الالتفات أيضا لاحتمال عدم وجوده واقعا
فيأتي به رجاء ويبقى احتمال الزيادة المدفوع بالأصل.
لأنا نقول لا انقياد في رعاية هذا الاحتمال لتعارض احتمال المطلوبية مع
احتمال كونه ممنوعا ومبطلا في الواقع واما في مرحلة الظاهر فإنه وان اقتضى أصالة
عدم الزيادة عدم كونه مبطلا ولكن القاعدة تقتضي عدم لزوم الاتيان به فالاتيان به
ليس مراعاة للتكليف أصلا لا في الواقع ولا في الظاهر ومثل هذا العمل زائد في الصلاة قطعا سواء
كانت محتاجة إلى هذا الجزء أولا إذ على التقدير الأول لا يتحقق عبادة حتى يندرج
في اجزاء الصلاة لكن الانصاف ان مقتضى القاعدة وجود الجزء المشكوك فيه فلو أتى

435
به نسيانا والمفروض كونه ركنا يكون من زيادة الركن وبعبارة أخرى لو شك في
الركوع وقد تجاوز عن محله فمقتضى القاعدة البناء على وجوده في محله والمضي
على صلوته باتيان باقي الاجزاء والقيود المعتبرة فيها ومما اعتبر فيها عدا الركوع
عدم ركوع آخر ولو سهوا وحيث تحقق ركوع آخر نسيانا سوى الركوع المشكوك
فيه الذي حكم بتحققه شرعا فلازمه بطلان الصلاة في الظاهر.
(27) إذا شك بين الثلث والأربع وعلم أنه على فرض الأربع ترك ركنا فالظاهر
بطلان صلوته لا للعلم الاجمالي بترك الركن أو نقص الركعة إذ مجرد ذلك لا يوجب
البطلان فان نقص الركعة متدارك بالاحتياط وترك الركن خلاف مقتضى القاعدة
بل من جهة القطع بان التشهد والتسليم في هذه الصلاة غير واقعين في محلهما واقعا
اما لبطلان الصلاة واما لعدم كون الركعة هي الركعة الأخيرة والظاهر من الأدلة
الدالة على البناء على الأكثر وتتميم الصلاة ورودها في مورد يمكن ان يكون المتمم
متمما للصلاة واقعا.
(28) إذا تذكر في القيام انه ترك سجدة من الركعة التي قام عنها فان اتى
بالجلوس بين السجدتين يجوزان يسجد منحنيا من دون جلوس وان لم يأت به وجب
ان يجلس ثم يسجد وان جلس بقصد الاستراحة والجلوس بعد السجدتين فلا يبعد
الاكتفاء به فان احتمال عدم الكفاية اما ناش من احتمال كون القصد جزء للمطلوب
ويدفعه الاطلاق واما ناش من عدم صيرورتها عبادة من جهة قصده لأمر لم يكن والامر الذي
كان لم يقصده ويمكن ان يقال ان المقصود بالامتثال هو الامر الواقعي والتطبيق على الخاص
خطأ لا يضر بالامتثال والاحتياط لا يترك.
(29) إذا علم بعد القيام أو التشهد نسيان إحدى السجدتين وشك في الأخرى
فالظاهر وجوب اتيان المشكوك أيضا لما أسلفنا سابقا من أن المشكوك في أمثال
ما ذكر وان تجاوز محله ولكن المنساق من الأدلة ما إذا أمكن احتساب ما هو فيه
من الصلاة وأما إذا وجب رفع اليد عنه لتحققه في غير محله فليس مشمولا للأدلة فيجب
العود إلى المشكوك بمقتضى الأصل والأحوط مع ذلك إعادة الصلاة أيضا.

436
(30) إذا شك في الصلاة بين الثلث والأربع ثم قطع بعد السلام بالأربع ثم شك
فهل يجب عليه صلوته الاحتياط أو ليس عليه شئ لأن الشك قد زال والشك بعد القطع
حدث بعد الفراغ والانصاف عدم الجزم بشمول أدلة الشك بين الثلث والأربع ولا أدلة
الشك بعد الفراغ أما الأولى فلانقطاعها حال القطع فالتعرض للشك الموجود بعد
القطع يحتاج إلى عناية أخرى واما الثانية فلان هذا الشك هو الشك المتحقق
في الصلاة عرفا وليس شكا جديدا حادثا بعد الفراغ نعم لا يبعد اندراج الشك
المذكور تحت عنوان الشك بعد الفراغ لو كان ناشئا من منشأ آخر غير المنشأ الذي
أوجب الشك أولا في الصلاة وان كان لا يخلو من اشكال من جهة ظهور الدليل في الشك
الذي لم يكن سنخه في الصلاة ولو من منشأ آخر و (ح) يحتمل في الواقع صحة هذه
الصلاة من دون الاحتياج إلى شئ ويحتمل وجوب صلاة الاحتياط ويحتمل لزوم
اتيان ركعة متصلة عملا بالأصل فلو احتاط باتيان ركعة مع التكبيرة بقصد
القربة المطلقة والاحتياط لا بقصد الافتتاح وقراءة الحمد فالظاهر الصحة
والله العالم.
(31) إذا دخل في السجود من الركعة الثانية وشك في ركوع هذه الركعة
وسجدتين من الركعة الأولى فقد يتوهم بطلان الصلاة لأوله إلى الشك بين الواحدة
والاثنتين فإنه على تقدير عدم الاتيان بالسجدتين من الركعة السابقة والركوع
من هذه الركعة تحسب الركعتان ركعة واحدة لكنه مدفوع بان الشك وان كان
بين الواحدة والاثنتين الا انه مسبب عن الشك في الجزء أعني السجدتين من
الركعة السابقة والركوع من هذه الركعة وقد دل الدليل على عدم الاعتناء فيتم
الركعتان شرعا.
(32) إذا علم أنه اما ترك سجدة أو زاد ركوعا فان كان في حال القيام يقع
التعارض بين قاعدة الشك بعد تجاوز المحل بالنسبة إلى السجدة واستصحاب عدم
الركوع الزائد فان اعمال الأصلين يوجب المخالفة القطعية واستصحاب عدم وقوع
السجدة وأم لم يكن له معارض الا انه يبقى احتمال زيادة الركوع من دون دافع

437
له فيجب قضاء السجدة بمقتضى الأصل وإعادة الصلاة بمقتضى الاشتغال وان كان
بعد الفراغ من الصلاة يجب عليه قضاء السجدة من دون إعادة الصلاة فان قاعدة
الشك بعد الفراغ معارضة بالمثل لجريانها في الموردين فيبقى استصحاب العدم
في كل منهما من دون مانع وان كان في الصلاة لكن بعد تجاوز محل الركوع فان
قلنا بجريان قاعدة الشك بعد تجاوز المحل في القيود العدمية فحكمه الاقتصار
على قضاء السجدة فقط دون الإعادة عملا بالاستصحاب في كلا الشكين بعد سقوط
القاعدة فيهما بالتعارض والا فحكمه كما مضى في الأول.
(33) لو علم أنه اما ترك سجدة من الأولى أو زاد سجدة في الثانية فمقتضى
العلم الاجمالي وجوب سجدة السهو لأنه معلوم تفصيلا والبرائة عن قضاء السجدة
ولكن مقتضى الأصلي العملي وجوب قضاء السجدة وسجدتي السهو لها عملا بالاستصحاب
في كلا الشكين أو عملا بالاستصحاب في خصوص ترك السجدة واما زيادتها فيكفي
في عدم ترتب الأثر لها عدم احرازها.
(34) لو علم بترك أحد الامرين من سجدة واحدة والقراءة فلا يخلو اما ان
يكون هذا العلم بعد مضى وقت التدارك منهما واما ان يكون قبل ذلك وعلى الثاني
اما ان يكون بعد المحل الأصلي منهما كما إذا علم بأنه اما ترك السجدة من الركعة
التي قام عنها أو الحمد من الركعة التي بيده وقد اشتغل بالسورة واما ان
يكون قبل ذلك وعلى أي حال اما يحتمل ترك كليهما واما بقطع بثبوت أحدهما
فلو كان بعد مضى محل التدارك وكان المحتمل ترك كليهما فقد يقال بوجوب
قضاء السجدة وسجدتي السهو مرتين لجريان استصحاب عدم كل منهما بعد تعارض
القاعدة فيهما.
ولكن يمكن الاشكال في ذلك بان تعارض القاعدة في خصوص الموردين
لا ينافي ثبوت الواحد لا بعينه تحت القاعدة وهذا نظير تعارض الخبرين فإنهما بعد
سقوطهما عن الحجية تعينا يبقى أحدهما على سبيل الابهام والاهمال حجة فيكون
ذلك المبهم حجة على نفى الثالث وليس ذلك من جهة المدلول الإلزامي للخبرين

438
حتى يقال المدلول الإلزامي لا يؤخذ في باب الأصول العملية بل من جهة ان الحكم
الوارد على الشئ الخاص سواء كان ظاهريا أم واقعيا وضعيا كان أم تكليفيا يرد
على المهملة قهرا وإذا لم يمكن الاخذ بالحكم لعارض مثل لزوم الترجيح بلا
مرجح فالأخذ بالمهملة لا مانع منه وما قرع سمعك من أنه بعد العلم الاجمالي بوجود
التكليف لا يمكن الاخذ بالأصول المنافية له في طرفي العلم والاخذ في الطرف
المعين ترجيح بلا مرجح والاخذ بأحدهما غير مفاد الدليل المراد بأحدهما الذي
ليس مدلول الدليل هو أحدهما على نحو يكون المكلف مخيرا واما أحدهما المبهم
الذي لا ينتج الا نفى وجود التكليف الشرعي متعلقا بكل من الطرفين فليس
ترخيصا للمكلف في ارتكاب أحدهما باختياره بالفعل وعلى هذا فحكم المقام حكم
من علم بترك أحدهما وثبوت الاخر وهو وجوب سجدتي السهو مرة واحدة من دون
قضاء للسجدة لان المتيقن ثبوت تكليف واحد وهو لزم سجدتي السهو واما قضاء
السجدة فمشكوك فيه رأسا.
ولو كان العلم الاجمالي قبل مضى محل التدارك فقد قلنا انه تارة يكون
العلم الاجمالي بعد انقضاء المحل الأصلي منهما وأخرى قبل ذلك اما على الأول فان
قلنا بان دليل الشك بعد المحل يعم الصورة التي يجب رفع اليد عن الحالة التي هو
عليها فجريانه في السجدة لا مانع منه لعدم جريانه في الجزء اللاحق فإنه اما لم يؤت
به واما أتى في غير محله واما ان قلنا بعدم الجريان فلو جلس لتدارك السجدة ثم
قام وقرء الحمد فلو احتمل فوت كليهما فلا يضر واما لو علم بثبوت أحدهما فيشكل
بان الثابت لو كانت السجدة لزم بطلان الصلاة لزيادة السجدة الواحدة وان كان الحمد
يجب سجدتا السهو واما على الثاني أي الصورة التي يكون العلم الاجمالي بترك
أحدهما في حال بقاء المحل في كليهما فان كان المحتمل تركهما معا فلا
اشكال واما لو كان أحدهما معلوم الثبوت فيأتي فيه الاشكال المتقدم ومما ذكرنا يعلم
الحكم فيما إذا علم اجمالا بترك أحدهما وقد مضى محل تدارك أحدهما وكان المحل
الأصلي للاخر باقيا فان الأول محكوم بالثبوت والثاني محكوم بالعدم ولا فرق

439
في ذلك بين ان يحتمل ترك كليهما أو يعلم بثبوت أحدهما كما لا يخفى.
(35) لو علم أنه اما ترك سجدة أو تشهدا فان كان بعد مضى محل التدارك يأتي
بقضائهما وسجدتي السهو مرة بقصد ما في الذمة هذا إذا انضم إلى ذلك العلم باتيان
أحدهما أيضا والا بان احتمل ترك كليهما فقد يقال بوجوب سجدتي السهو مرتين
مضافا إلى قضائهما لاستصحاب ترك كل منهما لكن قد يشكل بان قاعدة الشك بعد
المحل وان كانت متعارضة الا انها تثبت أحدهما على سبيل الابهام كما مر بيانه
سابقا وان كان قبل ذلك فان كان في حال الجلوس فيشكل الامر من حيث إنه لو عاد
إلى السجود وتشهد يعلم اجمالا اما ببطلان صلوته من جهة زيادة السجدة واما بلزوم
السهو للتشهد الذي وقع في غير محله بناء على القول بوجوبهما لكل زيادة ونقيصة و
ان لم يسجد لم يحرز سجدة صلوته الا إذا احتمل ترك كليهما فإنه يأتي بهما ولا اشكال وان
كان حال القيام فقد يقال بوجوب العود إلى التشهد فقط لأنه معلوم الوجوب على كل حال لأنه اما
غير مأتي به أو وقع في غير محله فيبقى قاعدة الشك بعد المحل بالنسبة إلى السجدة
سليمة وفيه اشكال أشير إليه في بعض المسائل السابقة وهو ان جريان القاعدة في مثل
المقام مما لم يمكن مضيه على الحالة التي هو عليها بل يجب رفع اليد عنها غير معلوم
فيكون الاشكال في هذه المسألة كالاشكال في المسألة السابقة.
(36) إذا شك في أنه صلى المغرب والعشاء أو لا قبل انتصاف الليل وهو عالم بأنه
لم يصل في ذلك اليوم الا ثلث صلوات من دون العلم بتعيينها يأتي بالمغرب والعشاء و
يبنى على وقوع الصلوات النهارية فان الشك بالنسبة إليها شك بعد مضى الوقت و
بالنسبة إليها شك في الوقت ولو علم أنه لم يصل في ذلك اليوم الا صلوتين يأتي بالمغرب
والعشاء أيضا لما ذكر ويجعل الفائتة الواحدة الباقية من النهار مرددة بين الثنائية
والرباعية فيأتي ثنائية ورباعية بقصد ما في الذمة ولو علم أنه لم يصل الا صلاة واحدة
أضاف إلى المغرب والعشاء ثنائية ورباعيتين ووجهه ظاهر.
(37) إذا صلى الظهر والعصر ثم علم بأنه شك في إحديهما بين الثلث والأربع أو
الاثنين والثلث فبنى على الأكثر ولم يدر ان الشك المذكور في أيهما يأتي بصلاة

440
الاحتياط ثم يعيد الظهر احتياطا لاحتمال كون الشك فيها وقد صار فصل العصر بينها وبين
الاحتياط موجبا لبطلانها.
(38) إذا شك بين الاثنتين والثلث وبنى على الثلث ثم شك في اتيان ركعة
أخرى وعدمه فهل يعمل عمل الشكين أو عمل الشك بين الاثنتين والثلث والأربع
الظاهر الأول لان دليل الشك في الاثنتين والثلث والأربع ظاهر فيما وجد الشك ابتداء
هكذا والمقام ليس كذلك فان الشك من أول الامر كان بين الاثنتين والثلث فتعلق به
حكمه ولم يبق بعد هذا الحكم الا احتمال وجود الركعة الرابعة وحكمه البناء
على الوجود والاحتياط.
(39) إذا شك في أنه ترك الجزء الفلاني أو لا ولكنه يعلم بأنه على فرض الترك
تركه عمدا فمع بقاء المحل لا اشكال في وجوب الاتيان به واما مع تجاوز المحل فيشكل
الحكم بتحققه بواسطة القاعدة فان التعليل بالأذكرية حين العمل في بعض الاخبار
يدل على أن المورد ما إذا شك في تركه سهوا وعلى هذا فان بقى محل التدارك يأتي به
بمقتضى الأصل والا فان كان الجزء المشكوك فيه ركنا تبطل الصلاة فان مقتضى
الأصل عدم وجوده وهو موجب للبطلان وان لم يكن ركنا فالصلاة محكومة بالصحة
فان استصحاب العدم لا يثبت كون الترك حصل عن عمد الا على القول بالأصل المثبت
فالأصل عدم تحقق ما هو موجب البطلان هذا.
الا ان ما قلنا من التدارك في صورة التجاوز عن المحل مع بقاء محل التدارك
لا يخلو عن اشكال فان من دخل في الجزء المترتب على المشكوك والمفروض انه اما أتى
به واما تركه عمدا لا يجديه الاتيان به يقينا فإنه على تقدير الاتيان فالصلاة غير
محتاجة إليه وعلى تقدير عدمه فالصلاة باطلة فان المفروض انه لو تركه فإنما تركه
عمدا فدخوله في الجزء المترتب مع ترك السابق عليه زيادة عمدية موجبة لبطلان
الصلاة بل لو كان الجزء المشكوك فيه السجدة فالاتيان بها يوجب القطع ببطلان
الصلاة فإنه على تقدير عدم تحققها أولا بطلت الصلاة بالدخول في الجزء الاخر وعلى
تقدير تحققها بطلت من جهة السجدة الثانية الزائدة الا ان يقال وان لم توافقه كلمات

441
الأصحاب بان استناد المضي إلى الأذكرية يختص بصورة احتمال الترك سهوا كما هو
الغالب ولا ينافي ذلك وجوب المضي في الشكوك التي لا يجرى فيها التعليل المذكور
تمسكا بأصالة الاطلاق في باقي الاخبار.
(40) لو توضأ وصلى ثم علم بأنه اما ترك جزء من وضوئه أو ركنا من صلوته
يجب عليه إعادة الصلاة للقطع ببطلانها تفصيلا اما من جهة عدم الطهارة واما من جهة عدم
الركن فيبقى الوضوء مشكوكا بدويا وقد فرغ عنه واما لو علم بأنه اما ترك جزء
من وضوئه أو جزء غير ركن من صلوته مما يوجب تركه سجدتي السهو أو القضاء
معهما فيجب الاتيان بموجب ترك ذلك الجزء في الصلاة ثم الوضوء وإعادة الصلاة
لان إعادة الصلاة من دون إعادة الوضوء لغو قطعا كما لا يخفى ويمكن القول بكفاية
الاتيان بمقتضى ترك الجزء المفروض فان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى جزء يوجب
وجوده بطلان الصلاة لا تجرى فيبقى قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الوضوء سليمة عن
المعارض وعلى فرض التعارض ولزوم العمل بمقتضى العلم الاجمالي يمكن القول
بكفاية الإعادة فان لزوم القضاء أو السجدة مشروط باتمام الصلاة ولا دليل على وجوب
الاتمام في أمثال المقام الذي لا يوجب الا تمام فراغ ذمة المكلف بنحو القطع.
(41) لو كان مشغولا بالتشهد أو فرغ منه وشك بين الاثنتين والثلث يبنى على
الثلث ولا يجب عليه سجدة السهو له لعدم اثبات أدلة وجوب البناء على الأكثر كون
التشهد واقعا في غير محله وانه زائد وان كان الاحتياط سجدة السهو مراعاة
لاحتمال زيادة التشهد.
(42) لو شك في شئ وقد دخل في الغير الذي وقع في غير محله كمن شك في
السجدة في الركعة الأولى أو الثالثة وقد دخل في التشهد أو شك في السجدة من الركعة
الثانية وقد قام قبل ان يتشهد فيشكل الحكم بوقوع ذلك من جهة القاعدة لانصرافها
إلى مورد امكان احتساب ما بيده من الجزء المترتب على المشكوك من الصلاة فالأحوط
في المثال المذكورة إعادة الصلاة اما مع اتيان السجدة المشكوك فيها أو مع عدمه واما

442
لو كان الجزء المشكوك فيه من قبيل القراءة كمن شك فيها وقد دخل في القنوت مع عدم
الاتيان بسورة فالاتيان بالقراءة بقصد القربة المطلقة لا اشكال فيه ولو أتى بها كذلك لا
يجب عليه إعادة الصلاة.
(43) لو بقى من الوقت أربع ركعات وعليه صلاة للظهر فلو علم
بملاحظة انه وقت دخوله في الظهر كان الوقت موسعا للظهرين وبملاحظة انه لم يبق
الان الا أربع ركعات بان الظهر قد سلم على أربع فلا اشكال واما لو لم يعلم بذلك فقد يقال
بوجوب الاحتياط وتأخير صلاة العصر عن وقتها الاختياري ويشكل بان مزاحمة
صلاة الاحتياط للوقت الاختياري للعصر ان كانت من جهة ان صلاة الاحتياط في حكم
الركعة الموصولة فكما ان الركعة الموصولة تزاحم العصر فكذلك الاحتياط فإنه
بمنزلتها ففيه ان الركعة انما تزاحم العصر لو كان دخوله في الظهر في حال ضيق
الوقت عن اتيان ثمان ركعات والمفروض خلافه وان كانت من جهة لزوم
الترتيب بين العصر والظهر فوجوبه على نحو الاطلاق بحيث يجب مقدمة
العلمية كما فيما نحن فيه في محل المنع والحق ان يقال ان مزاحمة الركعة
الموصولة للظهر ليست مختصة بما إذا دخل فيها في ضيق الوقت كيف ومن جملة ما
استدلوا به على توسعة الوقت لمن أدرك ركعة ما ورد فيمن دخل في صلاة الصبح وبعد
اتيان ركعة منها خرج وقتها واطلاق ذلك يشمل صورة سعة الوقت من أول الصلاة
بمقدار واجباتها ولكنه بزعم السعة أتى ببعض المستحبات فلم يدرك الا ركعة منها.
نعم الفرق بين ما نحن فيه وبين ما إذا خرج الوقت في الأثناء العلم بنقص الركعة
من الفريضة في الثاني دون الأول فان المفروض احتمال وجود تمام ركعات الظهر و
الذي يزاحم العصر الركعة المفصولة التي تحسب نافلة على تقدير تمامية الظهر
ويمكن الجواب عن ذلك أيضا بان استصحاب بقاء الطلب المتعلق بالظهر يقتضى
لزوم الامتثال عقلا وطريق امتثاله منحصر باتيان الركعة المفصولة.
(44) لو عكس الترتيب الواجب كما إذا قدم السورة على الحمد فتذكر في

443
الركوع فهل يجب سجدتا السهو مرتين بناء على لزومهما لكل زيادة ونقيصة نظرا
إلى نقص الصورة المرتبة على الحمد وزيادة السورة التي جاء بها أم لا قد يتوهم ابتناء
ذلك على أن السورة الواجبة في الصلاة هل هي السورة المقيدة بكونها بعد الحمد أو
الواجب منها هي ذات السورة وترتيبها على الحمد واجب آخر اعتبر في الصلاة و
على الأول الصلاة المفروضة تشتمل على زيادة ونقيصة وعلى الثاني تكون الصلاة
واجدة للجزء من دون اشتمالها على الزيادة والمفقود منها هو الترتيب ولكن التوهم
المذكور في غير محله فإنه لو فرضنا كون الترتيب قيدا للسورة وان كان المقيد بما هو مقيد
غير موجود ولكن لا يصدق نقص الجزء لانصراف الدليل الدال على سجدتي السهو في
كل نقيصة إلى نقص أصل الجزء لا القيد المعتبر فيه كما أن نقص الركوع أو السجود
الموجب للبطلان يفهم منه نقص أصل الركوع أو السجود فلو اعتبر فيهما بعض
القيود كالطمأنينة وتركه سهوا لا يحسب من سهو الركوع أو السجود لترك الركوع
والسجود المقيد.
والحاصل ان نقص السورة سهوا عبارة عن ترك أصلها لا ترك المقيد بما هو مقيد
واما الزيادة في الصلاة فعبارة عن اتيان ما لا تحتاج إليه بعنوان الجزئية دون اتيان
ما تحتاج إليه الصلاة في غير محله نعم في الصورة المفروضة لو تذكر قبل الركوع و
أتى بالسورة بعد الحمد تتصف السورة المأتى بها سابقا بصفة الزيادة فظهر مما ذكرنا
انه لو قدم السورة على الحمد نسيانا وتذكر في حال الركوع وان لم يأت بالسورة
المرتبة على الحمد التي كانت واجبة عليه وأتى بالسورة الغير المرتبة على الحمد
التي لم تكن واجبة عليه لم تكن صلوته مشتملة على النقيصة والزيادة الموجبتين
لسجدتي السهو.
(45) إذا وجب عليه قضاء السجدة المنسية أو التشهد المنسى ثم أبطل صلوته
أو انكشف بطلانها سقط وجوبهما لأنه من جهة تتميم نقص الصلاة وحيث بطلت لا ينفع
التتميم بل وكذلك لو أوجد ما يوجب سجدتي السهو ثم أبطل صلوته أو ظهر بطلانها فان
وجوبهما وان كان استقلاليا لكن موضوع الوجوب بحسب ظواهر الأدلة هو الصلاة الصحيحة

444
فلو أعاد الصلاة احتياطا وجوبا وعلم وجود موجب السجود في كل منهما يكفي الاتيان مرة
واحدة لانحصار الصلاة الصحيحة بينهما في واحدة ولو علم به في إحديهما لم يجب الاحتمال
خلو ما هو الصحيح عما يوجب السجدة ومقتضى الأصل البراءة بل لاقتضاء القاعدة وجود
ما يكون تركه موجبا لسجود السهو في الصلاة الصحيحة من دون معارض ومن هنا يعلم
عدم وجوب قضاء السجدة أيضا وان قلنا بأنه متمم للصلاة.
(46) لو شك في أنه هل سجد سجدة واحدة أو اثنتين أو ثلثا فان لم يتجاوز محلها يبنى
على الأقل وان تجاوز محلها يبنى على وقوع الثانية بمقتضى القاعدة وعدم الثالثة
بمقتضى الأصل ولو علم بأنه على تقدير الاتيان بالثانية أتى بالثالثة أيضا وبعبارة
أخرى تردد بين النقص والزيادة فان بقى المحل فلا اشكال أيضا في البناء على النقص
والآتيان بسجدة واحدة وان تجاوز المحل يقع التعارض بين القاعدة في السجدة الثانية
والأصل في السجدة الثالثة لان الاخذ بمفاد كليهما موجب للمخالفة القطعية فيبقى
استصحاب عدم السجدة الثانية سليما عن المعارض فيأتي بها لو لم يدخل في الركوع
يقضيها لو دخل فيه مع سجدتي السهو لنقص السجدة الثانية واما احتمال السجود
للسجدة الزائدة وان كان لا يدفعه أصالة عدمها لأن المفروض سقوطها بالمعارضة الا
انه يكفي للعدم عدم احراز الموجب والله العالم.
في الجماعة
المقصد الرابع في الجماعة وفيه فصول:
الأول الجماعة من المستحبات المؤكدة في الفرائض خصوصا في الصبح والعشائين
وخصوصا لجيران المسجد أو من يسمع النداء وقد ورد في فضلها وذم تاركها من التأكيد
ما كاد ان يلحقها بالواجبات ومن أراد الاطلاق فليراجع إلى الكتب المعدة لبيان هذه الأخبار
والمقصود المهم هنا بيان مسائل:
(1) يجب الجماعة في الجمعة والعيدين مع اجتماع ساير الشروط كما يأتي

445
في محله انشاء الله تعالى كما أنه قد تجب بالنذر والعهد واليمين وان صحت الصلاة
مع المخالفة وان كانت عمدا لان الوفاء بها واجب نفسا ولا يوجب تقيدا في الصلاة
بل الظاهر وجوبها ان توقف ترك الوسواس عليها وكذا لو لم يدرك من الوقت مقدار
الركعة ويدرك مع الامام بان كان هناك امام في حال الركوع.
(2) المعروف عدم شرعية الجماعة في النوافل الا فيما يأتي استثنائه والاخبار
المستدل بها في هذا الباب وان كانت غير نقية بحسب السند الا انها موافقة لفتوى المشهور
ومخالفة للعامة ومعتضدة بنقل الاجماع عليه من المنتهى وعن كنز العرفان مضافا
إلى موافقتها للأصل وعدم ثبوت اطلاق في أدلة الجماعة كما ستطلع عليه انشاء الله
تعالى فاذن القول بعدم مشروعية الجماعة في النوافل وفاقا لمعظم الأصحاب (رض)
لا اشكال فيه.
نعم استثنى صلاة الاستسقاء من النوافل لمشروعية الجماعة فيها بالنصوص و
قيل صلاة الغدير أيضا وليس لمشروعية الجماعة فيها دليل يعتد به ويمكن ان تكون
صلاة العيدين عند اختلال بعض شرائط الوجوب من المستثنيات أيضا ويأتي الكلام
فيها انشاء الله تعالى.
(3) ظاهر عبارات الأصحاب في مسألة جواز اقتداء المفترض بالمفترض
مشروعية الجماعة في كل صلاة واجبة فيصح الجماعة في صلاة الطواف والاقتداء
فيها بمن يصلى الطواف أو الظهر أو غيرهما أو اقتداء من يصلى الظهر بمن يصلى
الطواف وهو مشكل لعدم ظهور اطلاق في الأدلة الواردة في الجماعة فان أظهرها
ما رواه زرارة والفضيل قالا قلنا له عليه السلام الصلاة في جماعة فريضة هي فقال عليه السلام
الصلوات فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها ولكنه سنة الخبر وأنت خبير
بان لفظ الصلوات في صدر الرواية لا يدل على مطلق الصلوات إذ ليس مطلقها بفريضة قطعا بل
المراد الصلوات اليومية بحكم الانصراف فيدل ذيل الخبر على كون الجماعة مسنونة
فيها لا في كل صلاة واجبة وحينئذ يحتاج القائل بمشروعية الجماعة في غير الفرائض
اليومية إلى دليل آخر غير الأدلة العامة الواردة في الحث على الجماعة وقد ورد في

446
بعض الصلوات الواجبة كالجنازة والآيات واما في مثل صلاة الطواف مما لم يرد فيه
نص بالخصوص فمقتضى الأصل عدم مشروعية الجماعة فيها ولا يتوهم كفاية احتمال
الرجحان والثواب في اثبات المشروعية بواسطة الأدلة الواردة في التسامح في أدلة
السنن فان الجماعة في الواجبات على تقدير مشروعيتها ليست من الأمور المستحبة
بل هي مصداق للواجب وأفضل الفردين منه فلا يمكن اثبات مشروعيتها بنفس الاحتمال
والدليل الضعيف كما لا يخفى ومن هنا يظهر حال الاقتداء في صلاة الاحتياط التي
أوجبها الشك في عدد الركعات سواء اقتدى بالاحتياط أو بإحدى الفرائض وكذا
حال اقتداء إحدى الفرائض بها فان ذلك كله خارج عن منصرف الأدلة واما الاقتداء
في الصلاة المعادة احتياطا بمن لم يصل فلا اشكال فيه ولا يحتاج إلى دليل آخر سوى
دليل استصحاب الجماعة في الفريضة إذ كما يحتمل بقاء الامر بأصل الفريضة يحتمل
بقاء الامر بالجماعة فيها فيأتي بها جماعة لاحتمال وجود الامرين وهذا
بخلاف الاقتداء فيها بمن يعيد صلوته احتياطا أيضا أو الاقتداء في الفريضة
اليومية لمن لم يصل بمن يعيدها احتياطا لعدم احراز مشروعية صلاة الامام في
الصورتين.
(4) يجب على المأموم نية الايتمام وجوبا شرطيا فلو لم ينوه لم ينعقد الجماعة
لقوه عليه السلام انما جعل الامام امام إماما ليؤتم به إذ الظاهر أن الايتمام لا يتحقق بدون القصد
وكذا يشترط كون الامام واحدا معينا عنده فلو اقتدى باثنين أو بواحد مردد بين متعدد
بطلت الجماعة فان أتى بوظيفة المنفرد صحت صلوته اما الأول فلانصراف أدلة
تشريع الجماعة عن مثله فمقتضى الأصل عدم مشروعية مثل تلك الجماعة واما
الثاني فلان بطلان أصل الصلاة لا وجه له الا احتمال كون الجماعة والفرادى
حقيقتين مختلفتين و (ح) فما اتى به لم يكن بمشروع وما كان مشروعا ما أتى به الا ان الظاهر
عدم كونهما حقيقتين بل يمكن دعوى القطع على خلافه هذا إذا لم يكن قصد الجماعة
على وجه التشريع واما لو كان مشرعا ففي بطلان أصل العمل وان كان آتيا فيه بما
يجب عليه المنفرد أو صحته وان اثم بالتشريع وجهان وقد يقال بابتناء ذلك على القول

447
بحرمة الفعل المشرع به وعدمه فلو قلنا بحرمة الفعل المشرع به في الخارج فمقتضى
القاعدة بطلان العمل وان قلنا بان التشريع لا يغير الخارج عما عليه وانما يقبح ما
ارتكب في النفس من جعل شئ واجبا أو حراما أو غير ذلك فان لم يكن له داع إلى العمل
غير قصد التشريع فالعمل باطل أيضا لعدم قصد القربة وان كان قاصدا إلى امتثال الامر
الواقعي وقصد أيضا امتثال ذلك الامر في ضمن الجماعة التي شرعها فالعمل صحيح و
ان كان آثما بالتشريع ولكن دقيق النظر يقتضى القول بصحة الصلاة وان قلنا
بحرمة الفعل المشرع به في الخارج فان قصد اتيان الجماعة من المشرع ينحل إلى
قصد امتثال الامر المتعلق بالصلاة مع انضمام القصد إلى ايجادها بكيفية الجماعة
فالمحرم ايقاع الصلاة المأمور بها على نحو التشريع لا الصلاة عن جماعة ومما ذكرنا
يعلم الصحة وان كان يكن له داع إلى خصوصية الجماعة الا الامر التشريعي
وكيف كان يكفي في التعيين التعيين الاجمالي كالاقتداء بهذا الحاضر الذي يشير
إليه حسا أو ذهنا وان لم يعرف اسمه ولا وصفه واما لو كان معينا عنده بالاسم أو الوصف
أو كليهما وليس بحيث يشار إليه لا حسا ولا ذهنا بل كان مرددا بين شخصين أو اشخاص
متعددة ففي صحة الاقتداء به اشكال من كونه معينا في الواقع ومن الشك في شمول
أدلة الجماعة له ومقتضى توظيفية الجماعة الاقتصار على المتيقن.
(5) لو شك في أنه نوى الايتمام أم لا فمقتضى الأصل العدم.
لا يقال ان مقتضى الأصل وان كان كك ولكن مقتضى قاعدة الشك بعد المحل
البناء على تحققه لو كان بحيث يظهر منه اثر الاقتداء كالسكوت حين قراءة الإمام
أو الانصات في قراءة الجهرية.
لأنا نقول ان مفروض الكلام فيما لو علم بتحقق النية منه فإنه دخل في الصلاة
على الوجه الصحيح وانما الشك في أنه نوى الايتمام حتى يسقط عنه القراءة أم
لا والقاعدة انما تجرى فيما لو لم تكن تلك القاعدة لكان مقتضى الأصل تداركه
لو كان محل التدارك باقيا أو البطلان فيما إذا كان الجزء المشكوك فيه ركنا ومضى

448
محل التدارك أو سجدتي السهو فيما ليس بركن وقد مضى محل التدارك ومع فرض
القطع بصحة الدخول في الصلاة يحرم قطعها والشروع فيها بنيته الاقتداء فكيف
يقتضى القاعدة الحاكمة على الاستصحاب بتحققها في محلها وبعبارة أخرى حكومة
القاعدة على الاستصحاب هي في مورد يقتضى الاستصحاب وجوب الاتيان بالمشكوك
واستصحاب عدم نية الاقتداء لا يقتضى لزوم العود إلى نية الاقتداء وقطع الصلاة
ممن دخل فيها على النحو الصحيح فاستصحاب عدم نية الاقتداء ليس له حاكم.
ومحصل الكلام انه يأتي بوظيفة المنفرد ولا يجوز له ترك القراءة ولا فرق
في ذلك بين ان ظهر له اثر الايتمام كالانصات ونحوه أم لا كما أنه لا فرق بين ان
قام من أول الامر بنية الجماعة فشك في أن وقت الدخول نوى الانفراد أم لا بل
ولا فرق بين ان يرى نفسه فعلا مقتديا أم لا نعم لو حصل من حالته الفعلية أو السابقة
أو كلتيهما العلم أو الاطمينان بدخوله في الصلاة بعنوان الجماعة فيجرى على ذلك
والا فمقتضى الأصل عدم الاقتداء ولزوم العمل بوظيفة الانفراد.
ولو شك في أنه نوى الاقتداء بعد ما ركع أو في الركعة الثانية مع القطع
بترك القراءة في الركعة الأولى فلا يخلو اما يقطع بتركها بزعم الجماعة مع الغفلة
عن الترديد في نية الاقتداء واما يعلم بان تركها كان بزعم انه يكفي في صحة
الجماعية الشك في نية الاقتداء من أول الامر واما يعلم بان تركها كان مستندا إلى
النسيان كما لو كان من عادته القراءة وان كان مقتديا فتركها نسيانا واما يحتمل
ان يكون تركها مستندا إلى العمد اما الصورة الأولى فمقتضى القاعدة صحة ما
مضى من صلوته ويأتي في الباقي بوظيفة المنفرد لأنه ترك القراءة في الصلاة بزعم
انها جماعة فيكون كمن تركها بزعم ان الركعة التي بيده ركعة ثالثة فان
ترك القراءة وان كان عن عمد ولكن منشائه الخطاء في الموضوع كمن تكلم عمدا
بعد السلام الذي وقع عنه سهوا ومما ذكرنا يعلم أيضا حال القسم الثالث الذي كان
ترك القراءة مستندا إلى النسيان فان تركها نسيانا لا يضر واما القسم الثاني وهو
ما إذا ترك من جهة احتمال انه يكفي في صحة الجماعة الشك في نية الاقتداء من

449
أول الامر اما من جهة المسامحة واما من جهة شبهة في الحكم فيشكل الحكم بصحة
الركعة الماضية التي لا قراءة فيها قطعا.
تتمة قد ظهر مما ذكر ان ترك القراءة في الصلاة بزعم الجماعة لا يضر لان
تركها لكونه ناشيا من الخطاء في الموضوع داخل في الترك السهوي كما لو
تركها بزعم ان الركعة التي بيده هي الركعة الثالثة مثلا ونحو ذلك وهذا مبنى
على أمرين أحدهما عدم كون الجماعة والفرادى حقيقتين مختلفتين بل الاختلاف
انما هو في الخصوصية الفردية وثانيهما ان تحقق الفرادى لا يحتاج الا قصد الانفراد
كما أن تحقق الجماعة يحتاج إلى قصد الايتمام اما الامر الأول وهو عدم كونهما
حقيقتين مختلفتين فإنه من الواضحات كيف ولسان الاخبار مصرح بان الجماعة
شرعت في الفرائض اليومية ومعنى ذلك أن صلاة الظهر التي أوجبها الله تعالى على
العباد يستحب ان يؤتى به جماعة وكذلك باقي الصلوات فكيف يحتمل ان الظهر
التي يؤتى بها جماعة حقيقتها غير الظهر التي يؤتى بها منفردا وهل هذا الا نظير
استحباب الاتيان بالصلوات في المسجد أترى من نفسك احتمال كون صلاة الظهر
التي يصليها في المسجد غير صلاة الظهر التي يصليها في غير المسجد مختلفتين
بالحقيقة واما الامر الثاني وهو عدم احتياج تحقق الفرادى إلى قصد الانفراد فان
من أتى بصلاة الظهر مع ما يعتبر فيها من الاجزاء والشرائط المعتبرة فيها قاصدا
للتقرب الا انه لم يخطر بباله كونه منفردا في مقابل الجماعة بل لو قصد الجماعة
ولم تتحقق للاختلال في بعض شرائطها أليس ينطبق المأمور به على ما أتى به في
الخارج ولازمه الاجزاء ولو فرضنا انه في هذا الفرض ترك القراءة بزعم الجماعة
يدل على صحة صلوته ما دل على عدم لزوم الإعادة الا من جهة الأشياء الخاصة وما
يظهر من كلام شيخنا المرتضى قدس سره في صلوته من الميل إلى بطلان صلاة من
نوى الايتمام بشخص فبان غير امام كالمأموم أو غير المصلى ان حصل منه ما يوجب
بطلان صلاة المنفرد وعد من ذلك ترك القراءة لا أرى له وجها الا ما ورد في الرجلين
المتداعيين للمأمومية من الحكم ببطلان صلوتهما ولزوم الاستيناف مع أن الغالب

450
في الايتمام ليس الا ترك القراءة فلو كان ترك القراءة لمن اعتقد الايتمام في حكم
تركها للمنفرد سهوا لما كانت صلوتهما باطلة وقد استدل قدس سره بالرواية الدالة
على ذلك مضافا إلى التمسك بعموم لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ولكنه قدس سره ذكر
معارضتها مع صحيحة زرارة المروية في الكتب الثلاثة فيمن دخل مع قوم مصلين غير
ناو للصلاة ثم أحدث الامام فاخذ بيد الرجل فقدمه عليهم قال عليه السلام تجزى القوم
صلوتهم المعتضدة بما ورد في امام تبين كونه يهوديا فان اليهودي غير مصل في الحقيقة
ثم أجاب عن المعارضة بقوله ره اللهم الا ان يخص الصحيحة وما في معناها بمورد
ها وهو ما إذا تحقق صورة الامامية والمأمومية فلا تدل على الصحة فيما نحن فيه مما
انكشف عدم الامامية والمأمومية ولو بحسب الصورة كما إذا اقتدى بمن تبين
انه مأموم أو غائب عن محل الصلاة أو انه حاضر مشغول بغير الصلاة مما يتخيله
الناظر صلاة أو غير ذلك.
أقول فيما افاده نظر اما أولا فلمنع التمسك بعموم لا صلاة الا بفاتحة الكتاب
لأنه محكوم بالنسبة إلى القاعدة المسلمة المستفادة من قولهم (ع) لا تعاد الصلاة
الا من خمسة واما ثانيا فلان حمل الصحيحة على الصورة الخاصة وهي ما إذا تحققت
صورة الامامية والمأمومية ليس بأولى من حمل رواية التداعي في الايتمام على المورد الخاص
بان يقال ان الخارج من القاعدة المقتضية لسقوط القراءة عمن اشتبه عليه هو مورد التداعي
في الايتمام مع أن حمل الصحيحة على صورة تحقق صورة الإمامة والمأمومية ان كان
لصحة الصلاة جماعة فهو مع أنه لا صراحة فيها مخالف لقاعدة الايتمام وان كان لصحة
أصل الصلاة فلا وجه لاحتمال مدخلية الصورة المذكورة فان صحة الصلاة في المورد
ونظائره مع عدم القراءة مطابقة للقاعدة فتحصل مما ذكرنا صحة صلاة من ترك
القراءة بزعم تحقق الجماعة الا في مورد التداعي للايتمام لوجود الرواية المنجبرة
بالعمل وطريق الاحتياط غير خفى اللهم الا ان يقال ان تحقق الفرادى وان لم يكن
محتاجا إلى القصد بل يكفي فيه عدم تحقق الجماعة وثمرة ذلك صحة الصلاة لو أتى
بوظيفة المنفرد فيما لو قصد الجماعة فانكشف بطلانها ولكنه لو ترك

451
القراءة بزعم تحقق الجماعة وانكشف عدمها لم يعد من قبيل ترك القراءة
للمنفرد سهوا.
توضيح ذلك أن الجماعة والفرادى يشتركان في أصل احتياج الصلاة إلى
القراءة وانما الفرق في أن المنفرد يجب عليه القراءة بمباشرته ومن دخل في
جماعة يقوم قراءة الإمام مقام قراءته ومن اجل ذلك يقال ان الامام ضامن لقراءة
المأموم فعموم قوله عليه السلام لا صلاة الا بفاتحة الكتاب لم يخصص بالنسبة إلى الجماعة
فترك القراءة من ناوي الجماعة الغير المتحققة واقعا موجب لبطلان صلوته فإنه
لا صلاة الا بفاتحة الكتاب فان قلت ترك القراءة منه انما كان من جهة شبهة الدخول
في الجماعة فيكون من قبيل الترك الواقع عن غير عمد فتصح الصلاة لعموم لا تعاد
الصلاة الا من خمسة الحاكم على أدلة الاجزاء والشرائط قلت فرق بين من ترك القراءة
بزعم انها ليست في عهدته كمن زعم الفراغ منها أو زعم كونه في الركعة الثالثة
مثلا فانكشف خلاف ذلك وبين من تركها مع العلم بأنها في عهدته ولكنه زعم
كون قراءة من زعمه إماما مسقطة لقراءته والأدلة الدالة على العفو عن
القراءة موردها الأول واما الثاني فمقتضى عموم لا صلاة الا بفاتحة الكتاب
البطلان.
فان قلت فما يمنعك من التمسك بعموم لا تعاد الصلاة الا من خمسة.
قلت العفو عن غير الخمسة انما هو في مورد خاص لم يذكر في الرواية
إذ تركه عمدا محضا مبطل للصلاة قطعا وليس مما علم خروجه من العام بدليل
خاص بل لا يشمله وكان من قبيل التخصص لا التخصيص والمتيقن من مورد العفو
هو الصورة التي ترك القراءة غير ملتفت ان عليه القراءة واما من يعلم بان عليه القراءة
وتركها بزعم كفاية قراءة الغير فهو داخل فيمن تركها عمدا ومقتضى ذلك بطلان
صلاة كل من ترك القراءة بزعم انه داخل في الجماعة خرج من ذلك صورة
تحقق صورة المأمومية والإمامة بمقتضى صحيحة زرارة المتقدمة ورواية
الاقتداء باليهودي بزعم انه مسلم جامع لشرائط صحة الإمامة كما افاده شيخنا المرتضى

452
قدس سره وبقى الباقي.
(6) لو اقتدى بشخص باعتقاد انه زيد فبان عمروا فهذا الاقتداء يتصور على
قسمين تارة يقتدى بهذا الشخص المصلى قدامه ويعتقد كونه زيدا فبان انه عمرو
وأخرى يقتدى بزيد يتخيل ان الحاضر زيد وفى كلا القسمين اما ان تكون عمرو
عادلا عنده أيضا أولا يكون فهذه صور أربع فان اقتدى على النحو الأول ويكون
عمرو أيضا عادلا عنده فالظاهر صحة صلوته لأنه اقتدى بهذا الشخص الموجود و
تخيل كونه زيدا مع كونه عمروا في الواقع لا يضر بصحة الاقتداء لأنه خطأ في
التطبيق ولا دخل له بما قصد كما أنه لا اشكال في بطلان صلوته جماعة لو اقتدى به
على النحو الثاني سواء كان عمرو عادلا عنده أيضا أم لا فان من قصده لم يكن في الواقع
ومن كان في الواقع لم يقصده واما لو اقتدى على النحو الأول وكان عمرو فاسقا عنده
فهل يصح الجماعة أو لا قيل بالثاني فان من كان مقتداه في الواقع يكون فاسقا عنده
ويمكن القول بصحة الجماعة في هذه الصورة أيضا فان صحة الاقتداء لا تتوقف الا
على احراز عدالة الامام لا العدالة الواقعية والامام في هذا الفرض هذا الشخص الحاضر
لا عمرو الذي علم فسقه وهذا الشخص محرز العدالة من جهة اعتقاد كونه زيدا
الا ان يقال بان الاقتداء بالشخص الحاضر باعتقاد انه زيد وان كان اقتداء بهذا
الشخص وكونه زيدا أو عمروا لا دخل له بتحقق أصل الاقتداء الا ان احراز عدالة
المقتدى الذي اعتبر في صحة الاقتداء لم يكن في المثال لان المقتدى هو الشخص
القائم في المحراب مثلا مع تجريده عن عنوان كونه زيدا والذي اعتقد عدالته هو
زيد بعنوان انه زيد لا الشخص المجرد عن كونه زيدا القابل لان يحمل عليه زيد وغيره
وان كان محموله باعتقاده زيدا ففي الحقيقة اقتدى بهذا الشخص القابل في حد
ذاته لان يكون زيدا ويكون معتقدا بعدالة زيد وعلى هذا لا فرق بين ان يكون عمرو
عادلا أو فاسقا فمقتضى الاحتياط في المثال سواء اقتدى بزيد فبان عمرا أو اقتدى بالشخص
الحاضر باعتقاد انه زيد فتبين كونه عمرا معاملة بطلان الجماعة بل بطلان الصلاة لو ترك
القراءة لما مر سابقا بيانه.

453
(7) إذا صلى اثنان وعلم بعد الصلاة ان نية كل منهما الإمامة لصاحبه صحت
صلوتهما ان لم يعمل واحد منهما بالوظيفة الخاصة للامام كرجوعه في الشك في
الركعات إلى المأموم والا فمقتضى القاعدة بطلان عمل من فعل ذلك والنص الوارد
في المسألة مع ضعف سنده ليس له اطلاق حتى يشمل الصورة التي ذكرناها وان
علم أن نية كل منهما الايتمام فان اتى كل واحد منهما بوظيفة المنفرد فلا اشكال في
الصحة والا فان تعدد الركن من جهة المتابعة فلا اشكال في البطلان وان كان الاختلاف
مع المنفرد في ترك القراءة فقط يمكن ان يحكم بالصحة من جهة ان ترك
القراءة بزعم الايتمام كتركها سهوا فيشمل حديث لا تعاد هذا المورد وقد مضى
ذلك مشروحا.
نعم روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام
في رجلين اختلفا فقال أحدهما كنت امامك وقال الآخر أنا كنت امامك فقال
عليه السلام صلاتهما تامة قلت فان قال كل واحد منهما كنت ائتم بك قال عليه السلام
صلوتهما فاسدة وليستأنفا والرواية وان كانت ضعيفة الا انها منجبرة بعمل الأصحاب
مضافا إلى ما مضى منافي كون البطلان مطابقا للقاعدة فتذكر.
ثم انه لو عملنا بالرواية فمقتضاها ما لو اطلع كل منهما على قصد الاخر اما لو
ائتم أحدهما فادعى الاخر أيضا انى كنت ائتم بك ولم يعلم صدق دعواه فيمكن الحكم
بصحة صلوته بمقتضي أصالة الصحة بعد الفراغ لا يقال ان القاعدة متعرضة للحكم
بالصحة من جهة احتمال الاخلال بالأمور الراجعة إلى المصلى وفساد صلاة هذا الشخص
انما هو من جهة قصد الغير الايتمام فلا تدل القاعدة على الصحة من هذه الجهة لأنا نقول
وان كان الصحة والفساد هنا منوطين بقصد الغير ولكن احراز ما هو شرط لصحة الايتمام
من وظيفة المصلى وهذا نظير الوقت الذي ليس ايجاده بيد المصلى لكن احرازه من جهة
انه شرط لصحة صلوته من وظيفته ولو شك كل منهما فيما أضمراه فالقاعدة الصحة
فان كان بعد الفراغ فلا شئ وان كان في الأثناء يتم منفردا.
(8) مقتضى توظيفية الجماعة عدم جواز الانتقال من امام إلى امام آخر ما لم

454
يعرض الامام المنتقل عنه ما يمنعه من اتمام صلوته من موت أو جنون أو اغماء أو حدث
ولو حصل بعض ما ذكر جاز للمأمومين تقديم امام آخر من المأمومين وكذا للامام استنابة
أحد من المأمومين واتمام الباقي الصلاة معه جماعة والدليل على ذلك الاخبار.
(9) المعروف جواز العدول من الجماعة إلى الانفراد بل حكى الاجماع عليه
من بعض الأساطين وما استدل به لا يخلو عن ضعف مثل ان الأصل في المستحب ان لا يجب
بالشروع ومثل استصحاب الصحة وعدم بطلانها بنية الانفراد ومثل دعوى ظهور
الروايات في كون الجماعة مما تكون مطلوبة في جزء جزء فالأولى ان يقال انه
تارة يبدو له العدول في الأثناء بعد ما كان عازما على الايتمام إلى آخر صلاة الامام و
أخرى يكون عازما من أول الامر على الايتمام في بعض الصلاة.
اما القسم الأول فيشمله أدلة الايتمام فيصير الدخول بذلك مشروعا فيلحقه
احكام الايتمام من سقوط القراءة وغيره فما مضى من صلوته كذلك محكوم بالصحة وبعد
العدول إلى الانفراد يأتي بما بقى من الصلاة تاما فلا وجه لاحتمال البطلان الا احتمال
كون قصد الايتمام منوعا وكون صلاة الجماعة حقيقة أخرى غير حقيقة صلاة
الفرادى وظاهر الأدلة يدفعه أو ان الجماعة وان كانت مستحبة من أول الامر ولكنها
تجب بعد الدخول وهذا أيضا خلاف أصل لا دليل عليه ومما ذكرنا يظهر جواز الاكتفاء
بقراءة الامام وان عدل قبل الركوع بل وان عدل في أثناء القراءة فيأتي بما بقى منها
واكتفى بقراءة الامام فيما مضى.
واما القسم الثاني فشمول أدلة الجماعة له محل تأمل فالأحوط عدم الدخول
في الجماعة كذلك ولو دخل فيها فالأحوط إعادة الصلاة لو خالفت صلاة المنفرد للشك
في سقوط القراءة واغتفار تعدد الركن في مثل هذه الجماعة هذا حال العدول من
الجماعة إلى الانفراد واما العكس فقد قال به بعض الا ان الانصاف عدم الجزم بشمول
أدلة الجماعة له فلا يعلم مشروعية هذا الايتمام فلو ائتم بعد الانفراد يعيد صلوته إذا
أتى بما لا يغتفر للمنفرد.
(10) لاشك في أنه لا يعتبر في صحة الصلاة قصد القربة في تمام الخصوصيات

455
المعتبرة معها بل يكفي قصد القربة في أصل الصلاة لكن تحقق هذا الامر أعني كون
الصلاة خالصة لوجه الله تبارك وتعالى مع ايجاد الضمائم المتحدة معها من جهة الاغراض
الدنيوية يتصور على وجوه:
أحدها ان يكون الداعي على ايجاد الخصوصية متولدا من امر الشارع المتعلق
بالطبيعة بمعنى ان إرادة امتثال امر الشارع ألجأته إلى تعيين فرد من بين افراد الطبيعة
ولولا امر الشارع بايجاد الطبيعة لم يكن له داع على ايجاد ذلك الفرد أصلا ولما امره
الشارع بايجاد أصل الطبيعة وصار عازما على ذلك ودار امره بين هذا الفرد وباقي الافراد
رجح هذا الفرد لكونه موافقا لبعض الاغراض الدنيوية وهذا لا اشكال فيه ولا يكاد
يتوهم كون اعمال الغرض في هذه المرحلة مضرا بالعبادة ضرورة عدم اقتضاء الامر
بالطبيعة ايجاد فرد خاص منها فتعيين الفرد انما هو باختيار المكلف.
ثانيها ان يكون ما يترتب عليه الغرض الدنيوي عنوانا آخر غير عنوان العبادة
يمكن اتحادهما في الخارج ويمكن انفكاكهما كما أن يحصل الغرض الدنيوي بنفس
الكون في مكان خاص سواء اتحد مع الصلاة أم لا فأوجد الصلاة بهذا الكون
بواسطة الامر بها.
ثالثها ان يحصل الغرض الدنيوي بالصلاة على وجه خاص وفى كل من القسمين
الأخيرين بعد فرض كفاية امر الامر في ايجاد العمل وان لم يضم إليه داع آخر اما
ان يكون الداعي الاخر أيضا يكفي في ايجاد العمل وان لم يكن امر الامر مؤثرا واما ان
يكون ضعيفا بحيث لو لم يكن امر المولى لم يكن مؤثرا في العمل وانما فرضنا كون
امر المولى مستقلا في التأثير من جهة انه في غير هذه الصورة لم يكن العمل عبادة
قطعا وقد عرفت عدم الاشكال في صحته.
القسم الأول من الأقسام المذكورة وهو ان يكون الداعي الراجع إلى نفسه
انما نشأ من امر المولى بمعنى ان امر المولى لما ألجأه إلى ايجاد الطبيعة من دون
اقتضاء لخصوص فرد من الافراد اختار الفرد الخاص منها لجهة من الجهات الراجعة
إلى نفسه كاختيار الماء البارد في الصيف للوضوء لانزجاره طبعا من الماء الحار أو كاختيار

456
الماء الحار في الشتاء لانزجاره من الماء البارد.
واما القسم الثاني فالظاهر أنه كالأول أيضا لعين ما ذكر في القسم الأول سواء كان
الداعي الذي تعلق بالعنوان الاخر غير العنوان المأمور به قويا بحيث يكفي في ايجاد
العمل لولا امر الامر أو ضعيفا.
واما القسم الثالث وهو ان يدعوه داعيه النفساني إلى ايجاد عنوان المأمور
به بكيفية خاصة فيشكل الامر فيه سواء كان ضعيفا أم قويا حيث إن العمل الخاص
مستند إلى المجموع في كلتا الصورتين اما في صورة قوة الداعي الراجع إلى نفسه
فواضح فان تعدد المؤثر لا يمكن مع وحدة الأثر واستناد الأثر إلى واحد منهما بعينه
دون الاخر ترجيح بلا مرجح واما في صورة ضعفه فلا شك في أنه يؤكد الداعي الراجع
إلى المولى فالاثر راجع إلى المجموع أيضا ولنفرض المثال حتى يتضح الحال فنقول لو فرضنا
شخصا له داع مستقل يدعوه إلى الصلاة بحيث لو لم يكن له داع آخر راجع إلى
نفسه يأتي بالصلاة بداعي امر المولى ولكنه يرى أنه لو صلى في مكان مخصوص فله
فائدة دنيوية فلو صلى في ذلك المكان بملاحظة مجموع الداعيين فلا اشكال في أن تلك
الصلاة وجدت بملاحظة مجموع الغرضين وليس من قبيل القسم الثاني لأنه في القسم
الثاني وهو ان يكون داعيه النفساني تعلق بعنوان آخر مباين كالكون في مكان مخصوص
فإنه لو صلى في ذلك المكان مع الداعيين وان كان الوجود الشخصي للصلاة انما تحقق
بواسطة المجموع لكنه بعد الانحلال يستند كل موجود من العنوانين إلى داع مخصوص
من دون اشتراك داع آخر فيه بخلاف القسم الثالث فان الداعي الاخر اثر في عنوان
العبادة فصار المأمور به العبادي مستندا إلى مجموع الداعيين والوجه في طول الكلام
مع أنه خارج عن وظيفتنا ان عبارات الفقهاء رضوان ا لله عليهم غير منقحة في المقام
وطريق التخلص في الفرض الذي ذكرنا رفع اليد عن الغرض الدنيوي والاغماض عنه
وجعل العمل خالصا لله تعالى وهذا ممكن بناء على ما قررناه في الأصول من كون
الإرادة من الأفعال الاختيارية للنفس فكما انه يمكن ايجادها لمصلحة فيها لا في
متعلقها كما أنه يريد ويقصد إقامة عشرة أيام في بلد خاص لان تكون صلوته تامة و

457
ان يصوم في شهر رمضان مع أنه لا حاجة له في بقاء ذلك المقدار فيه كذلك يمكن عدم
ايجادها لمحذور فيها وان كان الحب موجودا في النفس بالنسبة إلى المتعلق فالصلاة
الخاصة وان كانت فيها فائدة دنيوية ويشتاق إليها كمال الاشتياق لكنه لما يرى أنه
لو أراد ايجادها بهذا الداعي يخل بالقرب المأخوذ في العبادة فتكون باطلة من جهة
عدم تحقق ما اعتبر فيها على وجه اللزوم فينصرف عن ارادتها مستندا إلى الداعي
المذكور فيأتي بها بواسطة الامر المتعلق بها واما عند من يعتقد بان الإرادة تحدث
في النفس عقيب الحب الشديد والشوق الأكيد قهرا أو يقول بأنها ليست الا العلم
بالصلاح أو اعتقاد النفع فلا وجه له للتخلص الا ان يقول لا نسلم اعتبار الخلوص بالمعنى
المذكور بل المقدار المعتبر في العبادة كون الداعي الراجع إلى المولى تاما بحيث
يكفي في ايجاد العمل وان لم يضم إليه داع آخر واما تأثيره بنحو الاستقلال بحيث
لم يضم إليه داع آخر فلا نسلم اعتباره كما يظهر ذلك من كلمات بعضهم هذا كله في
الضمائم المباحة.
واما الضمائم الراجحة فقال شيخنا المرتضى قدس سره في كتاب الطهارة في
بحث نية الوضوء ما لفظه والظاهر أنها لا تخل بالعبادة وفى المدارك عدم الخلاف في
الصحة هنا وعن شرح الدروس الاتفاق عليه وهو غير بعيد لأنها تؤكد القربة المقصودة
بها لتأكيد الطلب المتعلق بها من حيث تحصيل راجحين بها لكنها انما يوجب التأكيد
إذا كان المقصود الأصلي هو الوضوء والضميمة من قبيل المشوق والمرغب إليه اما لو
انعكس الامر وكان ذلك الراجع هو المقصود الأصلي ففي تحقق الإطاعة نظر انتهي.
أقول الضميمة الراجحة ان كانت موجبة لاختيار الفرد من بين الافراد فلا اشكال
في صحة العبادة لأنها ليست بأدون من الضمائم المباحة وما ادعى الاجماع عليه وقربه
شيخنا المرتضى (ره) هي الصورة التي تكون الضميمة مؤكدة لداعي القربة وعلى
هذا نقول بان القرب المعتبر في العبادة ان كان هو القرب إليه تبارك وتعالى بواسطة
خصوص العمل المأمور به بالامر العبادي فاتيان الراجح الاخر المتحد مع عنوان
المأمور به وان كان يوجب القرب ولكن القرب المذكور انما تحقق من جهتين و

458
المفروض اعتبار القرب الحاصل من اتيان المأمور به خاصة وان كان المعتبر مطلق
القرب من أي وجه حصل فما الوجه في تقييد الصحة في كلام شيخنا المرتضى قدس سره
بكون المقصود الأصلي هو خصوص عنوان المأمور به والضميمة من قبيل المشوق و
المرغب إليه بل مقتضى ذلك الصحة وان انعكس الامر بل وان كانت الضميمة الراجحة
تمام المقصود فان المفروض حصول القرب بواسطة ايجاد العمل الخاص وليس المعتبر
غير ذلك والحاصل عدم اخلال الضمائم الراجحة ان كان اجماعيا فهو والا فالاشكال
الذي مر في الضمائم المباحة جار فيها.
واما الضميمة المحرمة المتحدة مع العمل الذي اعتبر فيه التقريب فبطلان
العمل بها مبنى على ما قرر في الأصول من عدم امكان حصول القرب بما يبعد الانسان
ويجعله موردا لسخط الله عز وجل ولكن بطلان العبادة بدخول خصوص الرياء فيه
قد دلت عليه الأخبار الكثيرة بل المستفاد منها ان عمل المرائي مردود مكتوب في
صحائف السيئات بل موجب للدخول في النار ومن أراد الاطلاع فليراجع الكتب
المعدة لذكر الاخبار لكن الذي ينبغي التعرض له انه قد عرفت ان الضميمة قد تكون
موجبة لترجيح فرد من بين افراد الطبيعة المأمور بها وقد تكون مرغبة في عرض
داعي الامر وهذه الضميمة ان كانت من قبيل الثاني فبطلان العبادة بعد فرض اعتبار
الاخلاص معلوم مضافا إلي الأخبار الكثيرة وان كانت من قبيل الأول فمقتضى القاعدة
عدم البطلان كما قلنا في الضميمة المباحة الا ان يدل الدليل على حرمة ذلك وبطلان
العمل به كما أفاد شيخنا المرتضى (قده) في كتاب الطهارة في البحث عن بطلان
عمل المرائي قال (ره) ما لفظه لا فرق في بطلان العمل بضم الرياء بين دخله في أصل
العمل أو في ترجيح بعض افراده على بعض فليس الرياء كالضميمة المباحة التي تقدم
انها لا تقدح في ترجيح بعض الافراد على بعض والوجه فيه واضح فان الامر بالكلي
انما يلزم منه التخيير في الافراد المباحة دون مطلق الافراد حتى المحرمة مع أنه
يصدق ان هذا العمل الخاص لغير الله انتهى ما أردنا من نقل كلامه في هذا المقام.
أقول ما افاده في وجه البطلان امر واضح لا شبهة فيه أعني ان الامر بالكلي

459
لا يقتضى التخيير بين مطلق الافراد حتى المحرمة منها ولكن السؤال في أنه أي دليل
يدل على أن الانسان إذا قام إلى الصلاة ابتغاء لوجه الله ثم رأى أن الامر لم يعين له
مكانا خاصا ولا اقتضى امره اتيانها في مكان مخصوص فاختار المكان المخصوص ليراه
الناس وليوجب حبهم إياه فصلوته هذه باطلة وداخلة تحت الرياء المحرم فانظر
اخبار الباب بعين التأمل والانصاف بعد ما نذكر لك جملة منها.
فنقول مستعينا بالله من الأخبار الدالة على بطلان عمل المرائي ما رواه أبو بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام يجاء بالعبد يوم القيمة قد صلى فقال يا رب قد صليت ابتغاء وجهك
فيقال له بل صليت ليقال ما أحسن صلاة فلان اذهبوا به إلى النار انظر هل يصح ان
يقال لعبد قام إلى الصلاة لأمر الشارع فقط ابتغاء وجهه ثم من جهة ان مقصود الشارع
في ايجاد أصل هذه الطبيعة ولا دخل ابدا لمكان خاص في غرضه اختار مكانا
مخصوصا ليرى بعض الناس هذا العمل الذي يكون امتثالا للامر الواقعي في جواب
قوله يا رب قد صليت ابتغاء وجهك بل صليت ليقال ما أحسن صلاة فلان أليس لذلك
العبد المفروض ان يقول يا عالم السر والخفيات أنت اعلم باني ما صليت الا ابتغاء وجهك
وانما أظهرت للناس صلاتي التي أمرتني بها واتيت بها امتثالا لأمرك لبعض الاغراض
الذي ما منعتني عن الوصول إليه.
ومنها رواية محمد بن يعقوب باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال ما يصنع أحدكم ان
يظهر حسنا ويسر سيئا أليس يرجع إلى نفسه فيعلم ان ذلك ليس كذلك والله عز وجل
يقول بل الانسان على نفسه بصيرة وهل يستفاد منها الا النهى عن اظهار فعل الحسن
من دون ان يكون حسنا في الباطن فأين هذا من اظهار ما يكون حسنا واقعا ويكون
ظاهر المظهر وسريرته على حد سواء ومنها رواية داود عن أبي عبد الله عليه السلام من أظهر للناس
ما يحب الله عز وجل وبارز الله بما كرهه لقي الله وهو ماقت له ولا اشكال في أن من أظهر للناس
ما يحب الله تعالى وبارز الله بما يحبه ليس مشمولا للرواية.
ومنها رواية زرارة وحمران عن أبي جعفر عليه السلام قال لو أن عبدا عمل عملا يطلب
به وجه الله والدار الآخرة وادخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا والظاهر أن أمثال هذه

460
الرواية مما يدل على أن دخل رضا المخلوق في العمل محرم وان كان الباعث الأصلي
طلب وجه الله تعالى والدار الآخرة أوجبت فتوى العلماء رضوان الله عليهم بحرمة
صلاة من يظهر الناس عمله المأتى به بداعي التقرب مستقلا فان هذه الصلاة خاصة
ادخل فيها رضا المخلوق.
وأنت خبير بان الظاهر منها ان العنوان الذي يطلبه الله تعالى لو اتى به لوجه
الله مع دخل رضا الغير فيه يكون مشركا فإنه في هذه يكون وجود عنوان المأمور
به مستندا إلى مجموع الداعيين وان كان أحدهما تاما والاخر مؤكدا وهذا مناسب
لاطلاق الشرك عليه وأما إذا كانت ايجاد أصل العمل المأمور به مستندا إلى القرب من
دون شركة داع آخر ولو تأكيدا وإيجاد الخصوصية التي لا يقتضيها امر الامر لا وجودا
ولا عدما مستندا إلى داع مباح وهو طلب المنزلة عند الناس ومدحهم له فلا يفهم من
الرواية أصلا وهذا نظير ما ورد في باب الرياء من عدم قبول ما كان لله ولغيره مثل رواية
على بن سالم قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول قال الله تعالى انا اغنى الأغنياء عن الشريك
فمن أشرك معي غيري في عمل لم اقبله الا ما كان لي خالصا ولا اشكال في أن مورد القبول
وعدم القبول ليس الا عنوان المأمور به فان كان له عز وجل خالصا يقبل وان كان غير خالص
لا يقبل واما الخصوصيات الخارجة المنضمة إلى المأمور به بواسطة ترجيح فرد من بين
الافراد لداع مباح فليس موردا للقبول وعدمه والحاصل ان الناظر في اخبار الباب يكاد
يقطع بان المحرم والممنوع والمبطل للعبادة هو اظهار عبادة الله تعالى مع أنه لا يكون
كذلك في نفسه لا مطلق الاظهار ولو كان مطابقا لما في نفسه ومما يصرح بذلك اطلاق
المخادع على المرائي في بعض الاخبار كرواية مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عن
آبائه (ع) ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل فيما النجاة غدا فقال انما النجاة في أن لا تخادعوا
الله فيخدعكم فإنه من يخادع الله يخدعه ويخلع منه الايمان ونفسه يخدع لو يشعر
قيل له صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يخادع الله قال يعمل بما امره الله ثم يريد به غيره (الخ) وهو يتوهم
ان اظهار الإطاعة الواقعية واظهار الصلاة التي لم يقصد في ايجادها الا وجه الله تعالى
يكون المخادعة معه أليست الرواية صريحة في العمل الذي يظهر للناس انه طاعة

461
له عز وجل مع أنه ليس كذلك بل يريد غيره لان هذا العمل هو الخدعة لا العمل
الذي يريد به وجه الله تعالى خالصا ثم اختار فردا من بين الافراد لعدم اقتضاء امره تعالى فردا
خاصا لداع من الدواعي المباحة التي منها جلب قلوب الناس وصيرورته محبوبا
عندهم.
(11) قد عرفت مما تقدم حكم اقدام الامام على الجماعة من دون قصد
الرجحان الشرعي وانه يبطل صلوته في بعض الصور وتصح في بعضها ولو اتى
المأموم الجماعة بلا قصد الطاعة فلو لم يخالف صلوته صلاة المنفرد فلا اشكال في أنه كالامام
فيما تقدم واما لو خالف صلوته صلاة المنفرد كترك القراءة أو تعدد الركن ففي
اجزاء صلوته اشكال من جهة عدم اطلاق في أدلة الجماعة.
فيما يتحقق به ادراك الجماعة
(12) المعروف ادراك الجماعة بادراك الامام راكعا وان لم يدرك تكبيرة
الركوع بل وان لم يدرك ذكره للأخبار الصحيحة منها صحيحة عبد الرحمن بن أبي
عبد الله قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إذا دخلت المسجد والامام راكع وظننت انك
ان مشيت إليه رفع رأسه فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك دلت بصريحها
على كفاية ادراك الامام راكعا من دون اشتراط ادراك التكبيرة معه وبظاهرها على
عدم اشتراط لحوق المأموم الامام في ذكر الركوع ومنها صحيحة سليمان بن خالد
التي رواها الشيخ وثقة الاسلام قدس سرهما ومنها صحيحة الحلبي التي رواها المشايخ
الثلاثة قدس سرهم وفى معناهما روايات اخر مشتركة كلها فيما ذكرنا وبإزاء هذه
الروايات صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها
مع الامام وقريب منها صحيحتان أخريان عن محمد بن مسلم عنه عليه السلام أيضا وحملها
الأكثر على كراهية الاقتداء بمعنى أقلية الثواب وفيه انه ان ان المراد كونه أقل
ثوابا من صلاة المنفرد فهذا راجع إلى عدم استحباب الجماعة بهذا النحو أصلا
فان صلاة المنفرد لا مزية فيها سوى مصلحة أصل الصلاة وهو ينافي الامر بادراك

462
مثل هذه الجماعة في الصحاح المتقدمة وان كان المراد كونه أقل ثوابا بالنسبة إلى
الجماعة التي أدرك الامام في حال التكبير ففيه ان كونه أقل ثوابا بالإضافة إلى ما ذكر
لا يوجب النهى عن الدخول في هذه الجماعة الموجب لتفويتها وتنزيل الكلام على صورة
انعقاد جماعة أخرى يمكن ادراك الامام معها في حال التكبيرة بعيد جدا كما أن الجمع
بتقييد الصحاح الدالة على كفاية ادراك الامام في حال الركوع وحملها على صورة
ادراك التكبيرة مع الأمم قريب جدا بل لا يمكن لان صحيحة عبد الرحمن صريحة في عدم ادراك
التكبيرة والصحاح الاخر واردة في مقام التجديد فلا يعامل معها معاملة الاطلاق و
كيف كان لابد من معاملة التعارض بين السندين والاخذ بالترجيح وقد يرجح الصحاح
الدالة على كفاية ادراك الامام راكعا بالأكثرية لان الأصل في الصحاح الدالة على
اشتراط ادارك التكبيرة هو محمد بن مسلم لانتهاء الكل إليه وفى هذا الترجيح نظر لان
الأكثرية ليست من المرجحات المنصوصة.
نعم لو كانت موجبة لغوية الظن بالصدور الموجبة لوهن صدور ما يقابلها يتعين
الاخذ بها وطرح ما يقابلها لرجوعه إلى عدم الجامعية لشرائط الحجية والانصاف انه ليس
كذلك فان الروايات المستندة إلى محمد بن مسلم في هذا الباب بواسطة الاجلاء الثقات
لا يحصل الوهن فيها بمجرد عدة روايات على خلافها نعم يمكن ان يقال اعراض المشهور
عن مضمونها يوجب الوهن في كونها في مقام بيان حكم الله الواقعي وان بنينا على
التعدي من المرجحات المنصوصة إلى مطلق المزية لزم الاخذ بالصحاح الأول المطابقة
اما أفتى به المشهور وطرح ما يقابلها.
ويحتمل ان يكون المراد من الصحاح الدالع على صحة الجماعة لو أدرك
الامام راكعا ما إذا ورد في حال ركوع الامام فمن كان في المسجد مثلا حين قيام
الامام ولم يقتد به حتى ركع خارج عن مدلول الصحاح المذكورة ومصححة محمد بن
مسلم تعم هذا المورد ومن كان مدركا للامام قبل الركوع ولم يركع عمدا حتى
ركع الامام فاللازم تخصيص مصححة محمد بن مسلم بالصحاح الدالة على جواز
الدخول في الجماعة لو وجد الامام راكعا وهذا الاحتمال وان لم أر في كلام أحد من

463
الأصحاب ولكنه ليس بذلك البعيد ويدل على المشهور أيضا التوقيع الشريف الصادر
من الحجة أرواحنا فداه في جواب سؤال الحميري على ما في الاحتجاج انه كتب إليه
عجل الله تعالى فرجه الشريف وسئله عن الرجل يلحق الامام وهو راكع فيركع معه و
يحتسب بتلك الركعة فان بعض أصحابنا قال إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له
ان يعتد بتلك الركعة فأجاب عليه السلام إذا لحق مع الامام من تسبيح الركوع تسبيحة
واحدة اعتد بتلك الركعة وان لم يسمع تكبيرة الركوع ولا يبعد ان يكون اشتراط
ادراك تسبيح الركوع كناية عن ادراك نفس الركوع لان المتعارف كون الامام
مشغولا بالذكر ما دام في الركوع فادراكه في الركوع ملازم غالبا مع ادراك تسبيحة
واحدة فيتحد مضمون التوقيع الشريف مع الصحاح السابقة الدالة على كفاية ادراك
الامام في حال الركوع فيكون هذا الخبر لكونه واردا بعد سؤال السائل عن اختلاف
الأصحاب في المسألة دليلا على لزوم الاخذ بالصحاح الدالة على عدم لزوم ادراك
التكبيرة مع الامام.
ثم انه بناء على هذا القول لو أدرك الامام رافعا رأسه ولكنه لم يتجاوز عن حد
الركوع فالظاهر عدم صحة الاقتداء لان الظاهر من الأدلة ادراك الامام في الركوع
الذي استقر عليه لا مطلق الركوع ويدل عليه التوقيع الشريف المتقدم على ما قلنا
من كون تسبيح الركوع المذكور فيه كناية عن كون الامام مستقرا في الركوع
ولو شك بعد نية الاقتداء والركوع انه أدرك الامام في حال الركوع أولا فان قلنا بان
الشرط هو ادراك الامام قبل رفع الرأس فمقتضى الأصل عدم تحقق هذا الشرط و
لا يجوز اجراء إضافة عدم رفع الرأس للامام لأنها لا تثبت ان ركوع المأموم كان قبل رفع
رأسه وان قلنا بان المعيار ان يكون المأموم راكعا ولم يرفع الامام رأسه يصح في
بعض الصور احراز هذا الامر بضميمة الأصل وهو ما إذا كان تاريخ ركوع المأموم معلوما
وجهل تاريخ رفع رأس الامام فيقال ان ما هو المعتبر أعني ركوع المأموم في حال عدم
رفع الامام رأسه بعضه ثابت بالوجدان وبعضه الاخر بالأصل فتأمل كما أنه في صورة العكس
أصالة عدم تحقق ركوع المأموم في حال ركوع الامام تقتضي بطلان الجماعة وكذا

464
الامر فيما لو جهل تاريخ كليهما فان أصالة عدم كل منهما في الزمان الذي شك في
وجوده لا تثمر لعدم احراز انطباقه على زمان وجود الاخر ولو سلم جريانها في حد ذاتها
كما يظهر من كلمات شيخنا المرتضى قدس سره فالأصل في كل منهما معارض بالمثل
فالمرجع أصالة عدم تحقق ما هو شرط في صحة القدوة فتدبر جيدا هذا إذا دخل في
الجماعة ثم عرض له الشك بعد ما ركع واما لو شك من أول الصلاة في أنه هل يلحق
الامام في ركوعه أولا وأراد ان يكبر ويهوي للركوع فقد قيل بالجواز لأصالة بقاء
الامام في حال الركوع بمقدار يلحقه المأموم وفيه ان القصد إلى ادراك الامام في حال
ركوعه لا يتمشى الا لمن يعتقد أو يطمئن ولا يجزى في تحقق هذا الامر التعبد ببقاء
الامام إلى أن يلحق مع أنه لا معنى للامر بالاقتداء والركوع مع الامام وان كان ظاهريا
مع لشك في القدوة.
نعم لا يبعد جواز اللحوق رجاء فان لحق صح والا فان رفع الامام رأسه قبل
انحنائه إلى حد الركوع ينفرد أو يصبر إلى أن يقوم الامام إلى الركعة الأخرى كما قيل
وان دخل في الركوع بطلت الصلاة لزيادة الركن وعدم الدليل على اغتفارها و
لا يجوز الاكتفاء بهذا الركوع فإنه بعد بطلان الجماعة لا يمكن القول بالصحة منفردا
لترك القراءة وقد مضى بيان ذلك سابقا.
(13) من كبر بقصد ادراك ركوع الامام باعتقاد الادراك أو رجاء كما قلنا ثم
رفع الامام رأسه يتخير بين قصد الانفراد والصبر إلى الركعة الأخرى هكذا يظهر من
كلماتهم اما قصد الانفراد بعد قصد الجماعة فهو مطابق للقاعدة كما أسلفنا خصوصا
في هذه الموارد التي لم يأت بشئ من وظيفة الجماعة واما البقاء على القدوة إلى
الركعة الأخرى فان كان المستند صدق الجماعة عرفا ففيه ان الاكتفاء بالصدق
العرفي لهذا المفهوم مبنى على ثبوت الاطلاق في أدلة الجماعة وفيه منع وان كان لدليل
خاص فلم أر مستندا خاصا.
نعم روى عمار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أدرك الامام وهو جالس بعد
الركعتين قال عليه السلام يصح الصلاة ولا يقعد مع الامام حتى قوم وهي على فرض الصحة

465
مختصة بالمورد الخاص ولا تشمل المقام ويمكن ان يستظهر البقاء على القدوة إلى الركعة
الأخرى من الأخبار الواردة في المسألة الآتية.
(14) لو أدرك الامام بعد رفع الرأس من الركوع يستحب له ان يكبر
ويدخل معه في السجود عند أكثر العلماء ولكن لم يعتد بالركعة اجماعا لما مضى
من أن منتهى حد ادراك الجماعة ادراك الامام راكعا وهل يستأنف التكبيرة أو
يكتفى بها لعل الظاهر بمقتضى الاخبار الثاني ففي رواية معلى بن خنيس إذا سبقك
الامام بركعة وأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتد بها والظاهر أن مرجع
الضمير هي السجدة وفى رواية معوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا جاء الرجل
مبادرا والامام راكع أجزئه تكبيرة واحدة إلى أن قال عليه السلام ومن أدرك الامام وهو
ساجد كبر وسجد معه ولم يعتد بها الخبر. وهذه مثل الأولى مضافا إلى أن الظاهر أن التكبير
المأمور به فيها هو تكبر الافتتاح ولا معنى للامر بالتكبير الذي يفسده السجدة و
يمكن ان يستظهر من هذين الخبرين انه لو أدرك الامام في السجدة وبقى من صلاة
الامام فتحقق الجماعة وجواز تبعيته للامام في الركعات الباقية انما هو بنفس
التكبيرة ولا يعتبر في صحة الاقتداء تبعيته في السجود الذي ليس من اجزاء صلوته
ولا يجوز ان يعتد به ويحتسبه من صلوته فان مقتضى رواية المعلى ان ادراك الامام في
الركعة الأولى جائز بعد رفع رأسه من الركوع ولكن الركعة المفروضة ليست
مما يحتسب ركعة للمأموم والسجود المأمور به مع الامام انما هو لمحض المتابعة و
ادراك الفضل كمتابعته في السجود في الركعة الأخيرة كما هو مقتضى رواية معوية
بن شريح ومن أدرك الامام فهو ساجد كبر وسجد معه ولم يعتد بها الخ فيكون المحصل
من مجموع الروايتين ان مدرك الامام في السجدة يكبر ويسجد معه فان كانت هي
سجدة الركعة الأخيرة يقوم ويتم صلوته منفردا بتلك التكبيرة وان بقي من صلاة
الامام شئ يصلى جامعا ولا شك في أن ادراك الامام في السجدة الأخيرة لا يتحقق به
الجماعة بل هو متابعة يدرك بها الفضل والظاهر أن متابعته في غير السجدة الأخيرة
أيضا كمتابعته في السجدة الأخيرة فائدتها ادراك الفضل فإنهما من باب واحد فتحصل

466
مما ذكرنا ان صحة الاقتداء والجماعة في غير الركعة التي أدرك الامام بعد رفع
رأسه عنها انما هي من جهة التكبيرة ويؤيد ذلك رواية عمار عن رجل أدرك الامام و
هو جالس بعد الركعتين قال عليه السلام يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الامام حتى يقوم فتدبر
جيدا وكيف كان لو احتاط باستيناف تكبيرة أخرى بعد القيام بقصد القربة
المطلقة كان حسنا ولا يحتاج في مراعاة الاحتياط إلى اتمام العمل من دون استيناف
التكبيرة ثم الإعادة.
(15) لو أدرك الامام وهو في التشهد الأخير فله ان ينوى ويكبر ويجلس مع
الامام ويصبر حتى يسلم فيقوم ويتم صلوته من دون استيناف التكبير ويدرك بذلك
فضيلة الجماعة والدليل على ذلك موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الرجل
يدرك الأمم وهو قاعد يتشهد وليس خلفه الا رجل واحد عن يمينه قال لا يتقدم الامام
ولا يتأخر الرجل ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الامام فإذا سلم قام الرجل فأتم
صلوته وان كان ينافيها صحيحة ابن مسلم قال قلت له متى يكون يدرك الصلاة مع
الإمام قال عليه السلام إذا أدرك الامام وهو في السجدة الأخيرة من صلوته فهو مدرك لفضل
الصلاة مع الامام لظهورها في أن انتهاء حد ادراك فضيلة الجماعة هو ادراك السجدة
الأخيرة فلا يدرك فضلها من أدرك الامام بعد رفع الرأس منها الا انها محمولة على مرتبة
كاملة جمعا بينها وبين الموثقة.
(16) إذا حضر والامام راكع وخاف ان يرفع رأسه ان التحق بالصف جاز ان
يكبر مكانه ويركع ويمشي حال الركوع أو حال القيام من السجود حتى يلحق بالصف
والأصل في ذلك صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
إذا دخلت المسجد والامام راكع وظننت انك ان مشيت إليه يرفع رأسه فكبر واركع
فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإذا قام فالتحق بالصف وان جلس فاجلس مكانك
فإذا قام فالتحق بالصف وصحيحة محمد بن مسلم المروية في التهذيب عن أحدهما عن
الرجل يدخل المسجد فيخاف ان يفوته الركعة فقال يركع قبل ان يبلغ القوم ويمشي
وهو راكع.

467
وينبغي التعرض لأمور: منها ان هذا الحكم هل هو مختص بصورة الظن بالفوت
أو المناط الخوف مقتضى الصحيحة الأولى الأول والثانية الثاني الا انه لا يبعد الاخذ
بمقتضى الثانية بان يقال الملاك هو الخوف المجامع للظن والشك وذكر الظن في
الصحيحة الأولى من باب كونه أظهر في تحقق الخوف به ومنها هل يختص جواز
الاقتداء في مكانه بما إذا لم يكن هناك مانع من موانع الاقتداء كالبعد المانع منه و
الحائل وكون مكان المأموم أسفل من مكان الامام وأمثال ذلك أم لا بل يصح مطلقا
أم يفصل بين البعد المانع من صحة الاقتداء في غير المورد وغيره من الموانع والأقوى
الأخير اما عدم قدح البعد المانع في غير هذا الحال فلان اخبار الباب واردة مورد
البعد المذكور بقرينة الامر باللحوق الظاهر في الوجوب وأيضا قوله وظننت انك ان
مشيت إليه ظاهر في كونه بعيدا عن الامام وغير متصل به ولو بواسطة الصفوف وكذلك الامر
بالالتحاق بالصف بعد القيام وان لم يلحق في القيام الأول ففي القيام الثاني لا يوافق الا مع كونه
غير متصل على نحو يصح الاقتداء في غير هذه الصورة وان أبيت عن ذلك فاطلاقها
شامل قطعا ودليل مانعية البعد وان كان مطلقا أيضا فيكون بينهما عموم من وجه
لكن ظهور اخبار الباب لهذا المورد أقوى فان هذا الحال لو لم يكن غالبا في مورد
اخبار الباب فلا أقل من التساوي بخلاف دليل مانعية البعد فان حالة خوف عدم اللحوق
بالنسبة إليه نادرة واما قدح الموانع الاخر فان قلنا بان اخبار الباب انما وردت
في بيان خصوص عدم قدح البعد فلا اشكال فيه وان قلنا بالاطلاق فيها فيتعارض مع اطلاق
أدلة تلك الموانع وما قلنا من أظهرية اخبار الباب في الفرض السابق لا يجرى
هنا كما لا يخفى فإذا وقع التعارض يرجع إلى الأصل وهو عدم صحة الاقتداء كما يأتي
انشاء الله العزيز.
الا ان يقال انه بعد فرض ثبوت اطلاق اخبار الباب وظهورها في عدم
قدح موانع اخر لا يقع التعارض بينها وبين أدلة الموانع لحكومة اخبار الباب
على أدلة الجماعة فان هذه الجماعة في الحقيقة نزلها الشارع منزلة الجماعة المشروعة
أولا فالعمدة في الجواب عدم اطلاق اخبار الباب بالنسبة إلى تلك الموانع وبقاء اطلاق

468
تلك الموانع على حاله ومنها ان مقتضى الصحيحة الأولى ان المشي إلى الصف يكون بعد القيام
والصحيحة الثانية تدل على أن المشي في حال الركوع وحكم الشيخ قدس سره في التهذيب
بالتخيير بين الامرين ولا بأس به لو ورد الدليل على كليهما ومقتضى اطلاق الصحيحة
جواز المشي في حال الركوع ذاكرا ولا بأس بالقول به بعد ورود الدليل ودليل
اعتبار الطمأنينة لا يعارض الاطلاق المذكور كما لا يخفى وجهه ومنها ان مقتضى ظاهر
الأدلة جواز المشي على وجه التخطي وروى الصدوق قدس سره مرسلا انه يجر قدميه على
الأرض ولا يتخطى وفى تقييد المطلقات بهذه المرسلة ما لا يخفي وان كان أحوط.
فيما يشترط في الجماعة
الفصل الثاني مضافا إلى ما مر في المسائل المتقدمة.
وينبغي تأسيس الأصل في القيود المشكوك اعتبارها في الجماعة حتى يرجع
إليه في كل مورد نشك في اعتبار شئ لا دليل عليه فنقول قد يقال حال صلاة الجماعة
كحال أصل الصلاة والكلام في اعتبار شئ فيها هو الكلام في الشك في اعتبار قيد
في المأمور به ومن قال بالبرائة كما قويناه في الأصول يقول بها هنا أيضا وفيه اشكال فان
الرجوع إلى البراءة على القول بها انما يصح فيما لم يكن هناك دليل اجتهادي وأما إذا
دل دليل اجتهادي على عدم صحة العمل مع فقدان القيد المشكوك اعتباره فكيف
يتمسك بالبرائة والتمسك بالبرائة فيما نحن فيه يقع في قبال الدليل بيان ذلك أن عموم قوله
صلى الله عليه وآله وسلم لا صلاة إلى بفاتحة الكتاب يقتضى بطلان كل صلاة خالية عن فاتحة الكتاب خرج
منه الجماعة الواقعية وإذا شك في اعتبار قيد فيها ولم يدل على ثبوته دليل ولا اطلاق
لدليل الجماعة يدل على عدمه فالعموم المذكور يقتضى بطلان تلك الصلاة لو ترك
القراءة فيها وبهذا العموم يستكشف عدم كونها من افراد الجماعة الواقعية فإنها
لو كانت من افراد الجماعة الواقعية كانت القراءة ساقطة منها.
فان قلت إن حديث الرفع بناء على دلالته على رفع الأحكام الوضعية يقتضى

469
عدم اعتبار القيد المفروض في الجماعة ومقتضى ذلك كونها جماعة شرعية بحسب
الظاهر ومن آثارها سقوط القراءة.
قلت الحكم المستفاد من حديث الرفع انما هو حكم مجعول للشاك ولو كان
هناك دليل اجتهادي يقتضى لزوم القراءة كما بينا فلم يبق للحكم المجعول للشاك
مورد كما هو واضح وقد كنت اعتمد على ذلك سابقا بحيث لم ينقدح لي وجه للتمسك
بأصالة البراءة في باب الجماعة ولكن اطلعت على عبارة شيخنا المرتضى قدس سره
في كتابه في صلاة الجماعة في البحث عن الحائل وهو متمسك بالبرائة وكيف يخفى
على مثله وهو امام الفن واستاد كل من تأخر عنه هذه الجهة التي ذكرناها ويمكن
ان يقال ان القراءة غير ساقطة عن الجامع بل الامام نائب عنه فيها فصلوة الجامع
مشتملة على القراءة كالمنفرد غاية الامر قراءة الإمام كافية عن قراءته وقوله
صلى الله عليه وآله لا صلاة الا بفاتحة الكتاب انما يدل على حصر الصلاة فيما كان مشتملا على
فاتحة الكتاب لا حصرها فيما يشتمل على فاتحة الكتاب التي يأتي بها
بالمباشرة.
نعم دليل الصلاة واجزائها لما كان متوجها إلى المخاطب المكلف يقتضى
اتيانها مباشرة ولو دل دليل على جواز الاستنابة في شئ منها بل في تمامها فلا يكون منافيا
للخطاب المتعلق بالمكلف وان كان ذلك الدليل من قبيل الحكم الظاهري المتعلق
بالشاك وعلى هذا يمكن ان يقال وان كانت البراءة العقلية لا يقتضى جواز النيابة فإنه
بعد تعلق التكليف وتوجهه إلى المخاطب لو لم يأت بالمأمور به مباشرة يصح عقوبته
لتمامية الحجة والبيان الا ان الأصل الشرعي لو اقتضى كون الصلاة المفروضة من
افراد الجماعة لم يكن له معارض لما قلنا.
فان قلت كيف لا يكون له معارض والحال ان الدليل يقتضى صدور العمل من
المكلف بنفسه.
قلت تقييد العمل بكونه صادرا عن المخاطب يمكن ان يكون من جهة
حسن الطلب بمعنى انه لا يمكن تعلق الطلب بأصل الفعل الأعم من أن يكون صادرا من

470
المخاطب أو من غيره ويمكن ان يكون من جهة دخله في المطلوب الحقيقي اللبي و
بعبارة أخرى يمكن ان يكون قيدا للهيئة ويمكن ان يكون قيدا للمادة واللفظ
لا يقتضى شيئا منهما على حسب الظهور اللفظي ولكن الحجة عند العقل قائمة على القيدية
للمادة بمعنى انه ان لم يكن دليل آخر في البين لو لم يأت بالمأمور به مباشرة يصح
عقوبته وأما إذا دل الشرعي وان كان من قبيل الحكم المتعلق بالشك فلا يعارضه
الدليل الأول المتوجه إلى المخاطب هذا غاية ما بينا في المقام من توجيه التمسك
بأصالة البراءة ولكن المسألة لا تخلو من اشكال فلا ينبغي ترك الاحتياط.
ثم اعلم أن ما احتمل اعتباره في صحة الجماعة على قسمين أحدهما ما لم يتعرض
له الدليل الوارد في باب الجماعة يقينا والثاني ما يشك في اندراجه تحت العنوان
المذكور في الدليل كالساتر بين المأمومين الواقفين في جناحي الباب مع اتصالهم
بمن كان واقفا بحيال الباب ومورد الاشكال انما هو في القسم الثاني واما قسم الأول
فالظاهر عدم الاشكال في عدم لزوم الاحتياط فان عدم التعرض في الاخبار مع ابتلاء
عامة المكلفين بصلاة الجماعة وغفلتهم عن اعتبار شئ في صحتها مما يشرف الانسان
على القطع بعدم الاعتبار نظير ما يقال في عدم اعتبار قصد الوجه في صحة العبادة من أن
دليل العبادة وان لم يكن له اطلاق يدفع به اشتراط قصد الوجه ولكن ابتلاء عامة الناس
بالعبادة في كل يوم وليلة مرات وعدم تعرض الشارع له مع كونه مغفولا عنه مما يورث
القطع بعدم اعتباره فاحفظ ذلك إذا عرفت هذا.
فنقول اشتراط عدم الحائل بين الإمام والمأموم الواقف في الصف الأول وبين
المأمومين الواقفين في الصفوف اللاحقة مع السابق مما لا اشكال فيه في الجملة ويدل عليه صحيحة
زرارة عن أبي جعفر ان صلى قوم وبينهم وبين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام عنهم بإمام وأي
صف كان أهله يصلون بصلاة امام وكان بينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى
فليس تلك لهم بصلاة فان كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة الا من كان
بحيال الباب قال عليه السلام وهذه المقاصير لم يكن في زمان أحد من الناس انما أحدثها

471
الجبارون وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة والكلام فيها
في مواقع:
أحدها ان لفظ ما لا يتخطى في الرواية ظاهرة في المسافة التي لا يمكن
طيها بخطوة لبعدها لكن هذا المعنى ينافي قوله عليه السلام بعد ذلك فان كان بينهم سترة
أو جدار فليس تلك لهم بصلاة على وجه التفريع على ما سبق لعدم المناسبة وحملها
على مقدار العلو بمعنى انه لا يمكن طيه بخطوة واحدة بل يحتاج إلى خطوة لأجل
الصعود عليه أو غير ذلك في قبال الجدار القصير الذي يمكن طيه بالخطوة المستقيمة
المتعارفة وان كان خلاف ظاهر تلك اللفظة ولكنه يناسب التفريع المذكور اللهم
الا ان يحمل قوله عليه السلام فإن كان بينهم سترة أو جدار على مانع مستقل لا التفريع على
السابق مع أنه حكى عن بعض نسخ الوافي بالواو والثمرة بينهما انه على الاحتمال
الأول لا فرق في الجدار بين ما يستر وبين غيره مما لا يستر كالجدار المصنوع من
الزجاج ومثل الشباك وكذا يستفاد منها عدم مانعية القصير الذي يمكن طيه بخطوة
واما على الثاني فما لم يكن ساترا كالشبابيك والجدار المصنوع من الزجاج غير
داخل في مدلول الرواية الا ان يفهم من الرواية كون الجدار مانعا مستقلا وان لم
يكن بساتر وكون الساتر أيضا مانعا مستقلا وان لم يكن بجدار كما يقتضى ذلك عطفه
على السترة لكنه خلاف الظاهر كما سنشير إليه واما الحائل القصير الذي يمنع
المشاهدة في بعض الحالات كحالة الجلوس أو السجدة فيمكن ان يقال بعدم دخوله
في مدلول الرواية فان الظاهر من قوله عليه السلام فان كان بينهم سترة أو جدار كون المانع
هو الساتر في جميع حالات الصلاة أو في غالبها بحيث يكون حال المشاهدة نادرا
كحال الركوع أو قرب السجود ونحو ذلك.
ثانيها ان عطف الجدار على السترة قد يوهم كونه مانعا مستقلا وان لم يحصل
به الستر كما أن المعطوف عليه وهي السترة قد لا يكون من سنخ الجدار ولكن
الظاهر من العبارة عرفا غير ذلك فان السترة ظاهرة فيما كان موضوعا للاستتار والجدار
وان كان مما يستر ولكنه ليس موضوعا لذلك فيكون الحاصل مانعية ما يحصل به الستر

472
فعلا سواء كان موضوعا لذلك كالسترة أم لا كالجدار.
ثالثها ان الظاهر من الصحيحة المتقدمة ان الجدار بين الصفين مبطل لصلاة
أهل الصف المتأخر أجمع الا من كان بحيال الباب إذا كان في الجدار باب يشاهد
بعض أهل الصف المتأخر من تقدمهم من الامام أو المأمومين وان كانت السترة أو
الجدار مستوعبا لما بين الصفين فصلوة كل من الصف المتأخر باطلة ومقتضى ذلك
عدم صحة صلاة من يصلى إلى جانبي المأمومين المشاهدين ان لم يشاهد المتقدم
بواسطة السترة أو الجدار وهو الذي صرح به الفريد البهبهاني ناسيا له إلى النص
وكلام الأصحاب والانصاف ان النص ظاهر فيما أفتى به فان الموصول في قوله عليه السلام
الا من كان بحيال الباب ظاهر في الاشخاص الذين يصلون بحيال الباب وجعل المراد
منه هو مجموع الصف المنعقد بحيال الباب فيكون المستثنى منه الصفوف اللاحقة
الذين يكون بينهم وبين من تقدم عليهم سترة مستوعبة خلاف الظاهر الا ان يقال
وان كان ظاهر الرواية في النظر البدوي كذلك لكن التأمل يقتضى صحة صلاة الواقفين إلى
جانبي من يصلى وهو مشاهد للصف المتقدم أو الامام.
بيان ذلك أن المعلوم ان اعتبار عدم السترة والجدار في الرواية الشريفة
على طبق اعتبار عدم البعد بما لا يتخطى وبعبارة أخرى يفهم من فقرات الرواية
اعتبار عدم البعد بما لا يتخطى بين المأموم والامام وبين المأموم في الصف اللاحق
وبين السابق وكذا اعتبار عدم الستر والجدار كذلك وهذه الاستفادة من الرواية
مما لا شبهة فيها وحينئذ نقول ان حمل قوله عليه السلام في أول الصحيحة ان صلى قوم وبينهم
وبين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمام وكذا قوله عليه السلام وأي صف كان
أهله يصلون بصلاة الامام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس
تلك لهم بصلاة على اعتبار عدم البعد بين الامام وبين مجموع الصف وان كان بين
بعض أهل الصف وبين الامام بعد ما لا يتخطى كمن كان في أحد جانبي الصف الأول
المستطيل فلابد ان يجعل العبارة المشتملة على اعتبار عدم الستر على هذا المعنى
فان اعتبارهما على نهج واحد فيكون المحصل اعتبار عدم الستر بين مجموع الصف

473
وبين من تقدم عليه فالصف المشتمل على من يشاهد المتقدم خارج عنه وان حمل
على اعتبار عدم البعد بما لا يتخطى بالنسبة إلى ابعاض الصف فاللازم الحكم ببطلان صلاة
من قام في الصف الأول المستطيل على جانبيه بحيث يكون بعيدا عن الامام بأكثر
من مقدار الخطوة.
وهذا مما لا يصح التزامه فيتعين المعنى الأول فيكون المحصل اعتبار القرب وعدم
الستر بين الهيئة المجموعية من الصف ومن تقدم من الامام والصف المتقدم فالصف المشتمل
على بعض الاشخاص المشاهدين للصف المتقدم بمجموعه مستثنى من الحكم بالبطلان
ويحتمل أيضا ان يقال ولو بقرينة المقام ان المقصود من الرواية اعتبار القرب وعدم الساتر
بين المأموم وبين من له دخل في تحقق الجماعة لذلك المأموم مثلا المأموم الواقف خلف
الامام أو في أحد جانبيه يعتبر في صحة صلوته ان لا يكون بينه وبين الامام بمقدار ما لا يتخطى
كما أنه يعتبر أيضا في صلوته عدم وجود الساتر بينه وبين الإمام والمأموم الواقف في الصف
الأول المستطيل يعتبر في صحة صلوته اتصاله بالمأموم الواقف إلى جنبه الذي يتصل ولو مع
الواسطة إلى من يتصل بالامام فيعتبر القرب وعدم الساتر بالنسبة إلى من يكون واسطة
للاتصال بالامام والمأموم في الصف اللاحق قد لا يكون محتاجا إلى من يصلى جماعة في
جانبيه كمن يقتدى خلف صف قريبا من أهله من دون سترة بينه وبينهم وقد يكون
محتاجا إلى ذلك كمن يكون بينه وبين السابق سترة ولكنه ينتهى إلى من ليس
كذلك كالصف المنعقد من اشخاص وقف بعضهم حيال الباب والمعتبر من القرب و
عدم الستر انما هو بالنسبة إلى المأموم ومن يكون واسطة في اتصاله وذكر الامام و
المأموم في الصف الأول والصف السابق واللاحق في الصفوف المتأخرة يكون من
باب المثال فيكون المحصل من الرواية والله العالم ان اللازم ان لا يكون بين المأموم
ومن يتحقق به عنوان الجماعة ورابطة الاجتماع مقدار ما لا يتخطى والساتر ففي
الصف الأول يعتبر الامر ان بالنسبة إلى المأموم المقتدى خلف الامام أو أحد
جانبيه بينه وبين الامام واما بالنسبة إلى المأموم في أحد طرفي الصف فيعتبر الأمران
ان بين المأموم وبين من يكون الواسطة في اتصاله إلى الامام والصف المشتمل على

474
بعض الاشخاص الواقفين بحيال الباب مع كون الجدار في جناحيه لو كان بين المأموم
ومن يحتاج في اتصاله إلى الامام إليه سترة أو جدار تبطل صلاة كل من أهل ذلك الصف
الا من كان بحيال الباب وان كان بينه وبين من وقف على يمينه أو يساره سترة لعدم
توقف تحقق الجماعة على وقوف أحد في أحد جانبيه لصحة صلوته بواسطة القرب
ومشاهدة الصف المتقدم واما لو لم يكن بين افراد المأمومين الواقفين في جناحي
الباب المذكور وبين من يكون الواسطة في الاتصال سترة ولا جدار فصلوة الكل صحيحة لعدم
المانع في صحة صلاة أحد منهم.
في شرائط عدم البعد
رابعها ان الصحيحة متعرضة لتحديد الحكم بين المأموم والامام وكذا بين الصفوف
بما لا يتخطى الظاهر في عدم امكان طي المسافة الواقعة بينهما بخطوة والظاهر منها
كون البعد بما لا يتخطى مانعا عن الصحة بملاحظة نفى الصلاة عن المأموم الذي
يكون بينه وبين الامام ما لا يتخطى وكذا عمن كان بينه وبين الصف المتقدم ما لا
يتخطى ولكن ذيلها ظاهر في استحباب مراعاة هذا المقدار من البعد فان عبارة
ذيلها هكذا قال أبو جعفر عليه السلام ينبغي ان يكون الصفوف تامة متواصلة
بعضها إلى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى يكون قدر مسقط جسد الانسان
إذا سجد الخ وظهور هذه الفقرة في الاستحباب مما لا يخفى لاشتمالها على ما لا يكون
لازما قطعا مضافا إلى لفظة لا ينبغي الظاهرة في الاستحباب في نفسها وحمل نفى الصلاة
في الصحيحة على نفى الكمال ينافي وحدة السياق إذ الظاهر أنه لم يرد من قوله
عليه السلام ليس تلك لهم بصلاة في حكم ما لا يتخطى الا ما أريد منه في الفقرة المذكورة بعدها
في حكم الحائل وحمل كلتا الفقرتين على الاستحباب ينافي قوله عليه السلام وهذه المقاصير
لم يكن في زمان أحد من الناس وانما أحدثها الجبارون.
والحاصل ان الصحيحة أولها ظاهر في مانعية البعد بما لا يتخطى بحيث تبطل
الصلاة مع البعد المفروض وحمله على الاستحباب بعيد غاية البعد وذيلها ظاهر في

475
استحباب مراعاة عدم البعد بالمقدار المزبور وحمله على الوجوب بعيد جدا وحمل
قوله عليه السلام وينبغي على مطلق الرجحان لئلا ينافي كون بعض ما ذكر بعده واجبا و
بعضه مستحبا وإن كان ممكنا لو كانت العبارة مذكورة في خبر مستقل واما في رواية
واحدة بعد ذكر الواجب قبل ذلك فذكره أيضا في عداد المستحبات بواسطة الاشتراك
في مطلق الرجحان مستبعد جدا ويمكن ان يقال ان لفظة ما لا يتخطى في أول
الصحيحة لوحظت باعتبار المحل الذي اخذه المصلى للصلاة أعني المقدار من الفضاء
الذي يتمكن من اتيان جميع أفعال صلوته التي منها السجود واعتبار المسافة اللازم
مراعاتها انما هو بين مسجد اللاحق وموقف السابق وهذه اللفظة المذكورة في ذيل
الصحيحة في طي المستحبات لوحظت باعتبار الصفين ويكون المحصل اشتراط ان
لا يكون بين مسجد المأموم وموقف الامام وكذا بين مسجد اللاحق وموقف السابق
ما لا يتخطى واستحباب ان لا يكون بين الموقفين ما لا يتخطى ويشهد لذلك الاستثناء
في الصحيحة بقوله عليه السلام الا من كان بحيال الباب فان الواقف بحيال الباب مع كون المأمومين
في الداخل يكون بينه وبينهم ما لا يتخطى غالبا والقول بان اطلاقه مسوق لبيان فقد المانع
من جهة المشاهدة وعدم الستر ضعيف مع اقترانه بوجود مانع آخر غالبا وهو البعد بما
لا يتخطى ومما يشهد لذلك الموثقة الواردة في الستر بين المرأة المقتدية بالرجل
الدالة على جواز اقتدائها به إذا كان بينها وبينه حائط أو طريق حيث لم يستفصل بين
الحائط الموجب لبعدها عن الامام بما لا يتخطى وغيره مع أن الفصل بالطريق ملازم
للبعد بما لا يتخطى.
في جريان الحكم في جماعة النساء
هذا كله في ايتمام الرجال واما ايتمام النساء فيمكن دعوى دخوله في عموم
الصحيحة فان قوله عليه السلام مشيرا إلى المقاصير ليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة
يعم الرجال والنساء الا ان المشهور في ايتمام النساء بالرجل عدم اشتراطه بعدم الحائل
بينهن وبينه لموثقة عمار المعتبرة لوجود أحمد بن فضال في الطريق للامر بأخذ كتب بنى

476
فضال قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلى بالقوم وخلفه دار فيها نساء هل يجوز
ان يصلين خلفه قال عليه السلام نعم ان كان الامام أسفل منهن قلت فان بينهن وبينه حائطا
أو طريقا قال عليه السلام لا بأس ولا يخفى ان الموثقة بعد تمامية سندها لا محيص عن جعلها مخصصة
للصحيحة ولا يتوهم ان النسبة بينهما عموم من وجه حيث إن الدار المذكورة في السؤال
تعم ما إذا أمكن ان يقف أحد حيال الباب ليرى الصفوف المتقدمة وغيره فالتعارض
بينها وبين الصحيحة في الثاني لان من المعلوم ان نظر السائل في هذا السؤال بعد
فرض مانعية الحائل في الجملة إلى أن المانع المذكور هل يعم النساء أم لا هذا مضافا
إلى منع العموم في الصحيحة للنساء فان مصبها ما إذا كان المأمومون رجالا بقرينة
قوله عليه السلام فان كان بينهم سترة أو جدار الخ واستفادة عموم الحكم للنساء في بعض
المقامات مع كون الخطاب اللفظي متوجها إلى الرجل مثل قوله عليه السلام اغسل ثوبك
عن أبوال ما لا يؤكل لحمه وأمثال ذلك انما هي بواسطة القرينة المقامية فلو احتملنا
كون الحكم مستفاد من الفظ الخبر مختصا بالرجل واقعا والمفروض كون المصب
هو الرجل خاصة دون المكلف الأعم ولم يكن هناك ما يوجب ظهور الغاء المورد فلا دليل
على اسرائه إلى المرأة نعم فيما نحن فيه نفس الشك في الاشتراط كاف في الحكم ببطلان صلاة
المرأة لو كان بينها وبين الامام أو الصف المتقدم سترة لكن هذا لو لم يكن مثل الموثقة الدالة
على الصحة في البين وبالجملة الحكم بصحة صلاة المرأة لو كانت مقتدية بالرجل مع
وجود الساتر قوى جدا كما أفتى بها المشهور بل عن التذكرة على ما حكى نسبته
إلى علمائنا واما لو كانت مؤتمة بالمرأة فالظاهر الاشتراط للصحيحة وان أبيت عن
عمومها فلا أقل من الأصل الذي قررنا.
خامسها الظاهر من لفظ السترة عند الاطلاق السترة في جميع الحالات فلو كان
بينهما سترة في حال القعود دون القيام مثلا فلا يدل الصحيحة على المنع بل يمكن
القول بدخوله في مفهوم القضية والحكم بعدم المنع من جهته.
نعم لو كان عدم الستر قليلا جدا كما إذا شاهد الامام أو المأموم المتقدم في

477
حال الركوع فقط فلا يبعد المنع لان الساتر (ح) ساتر على الاطلاق عرفا بتنزيل
المذكور لقلته منزلة العدم واما الشباك فعدم صدق الساتر عليه واضح وان منع بعض
تمسكا بعموم المقاصير وفيه من الوهن ما لا يخفى.
ومن شروط الجماعة ان لا يكون موقف الامام أعلى من موقف المأمومين
وقد استفاد ذلك من الصحيحة المتقدمة غير واحد بناء على أن الموصول في قوله
ما لا يتخطى هو مطلق البعد الذي لا يتعارف طيه بخطوة سواء كان قائما على الأرض
أو مبسوطا في الأرض لكن الانصاف انه بعيد خصوصا بعد لزوم التخصيص (ح) في
الرواية نظرا إلى أن العلو الذي لا يتخطى ليس مانعا بالنسبة إلى موقف المأموم و
كيف كان يدل على ذلك مفهوم الموثقة المتقدمة في اقتداء النساء خلف الدار غاية
الامر لزوم تخصيصه في صورة التساوي وموثقة أخرى مثلها في الاعتبار قال سئلته
عن الرجل صلى بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلى فيه فقال إن كان
الامام على شبه الدكان أو على موضع ارفع من موضعهم لم يجز صلوتهم الحديث و
اجمال ما في متن الرواية لا يمنع عن التمسك بصدرها كما لا يخفى هذا مضافا إلى
الأصل المؤسس في المسألة ثم إن المرجع في العلو المانع إلى العرف والظاهر
عدم البأس بوقوف الامام في الطرف الا على من الأرض المنحدرة لعدم صدق العلو
عرفا ويدل على ذلك ما في ذيل الموثقة المزبورة فان كان أرضا مبسوطة وكان في
موضع منها ارتفاع فقام الامام في المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة
الا انهم في موضع منحدر فلا بأس وتقييده عليه السلام عدم مانعية ارتفاع الامام بكون
الأرض مبسوطة يخرج ما إذا كان الانحدار شبيها بالتسنيم فمفهوم القضية الشرطية
يدل على المنع مضافا إلى الأصل الذي قررنا.
واما العلو اليسير الغير المعتد به من مثل شبر وما دون إذا كان دفعيا فليس
في الموثقة ما يوضحه فان الموثقة هكذا سألته عن الرجل يصلى بقوم وهم في موضع
أسفل من موضعه الذي يصلى فيه فقال عليه السلام ان كان الامام على شبه الدكان أو على
موضع ارفع من موضعهم لم تجز صلوتهم وان كان ارفع منهم بقدر إصبع أو أكثر

478
أو أقل إذا كان الارتفاع ببطن مسيل الخ كما عن المحكى عن الكافي وبعض نسخ
التهذيب وعن بعض آخر بقطع مسيل والمحكي عن نسخة بقدر يسير وأخرى بقدر
شبر وهذه الفقرة مع ما فيها من اختلاف النسخ لا يفهم منها شئ على أي تقدير و
كذا الفقرة السابقة عليها وهي قوله عليه السلام وان كان ارفع منهم بقدر إصبع أو أكثر
أو أقل لا يظهر منها هل هي شرطية مستقلة محذوف أو ساقط جزائها أو ان كلمة
ان وصلية حتى يكون المراد ان العلو الدفعي للامام مانع لصحة الجماعة وان كان
بقدر إصبع أو أكثر أو أقل وبالجملة العلو اليسير الدفعي لا يعلم حاله من الرواية
فالقدر المتيقن من العلو المانع الذي يفهم من الموثقة هو العلو الذي يكون مثل
الدكان وأمثاله وكذا يفهم من ذيلها عدم البأس في العلو على وجه الانحدار مع
كون الأرض مبسوطة والمرجع في الباقي هو الأصل وقد عرفت ان المرجع هو عموم
لا صلاة الا بفاتحة الكتاب.
في فروع المقام
فروع: (1) هل يعتبر في الصف السابق دخولهم في الصلاة فلا يجوز للاحق
البعيد عن الامام مثلا ان يحرم للصلاة الا بعد تحريم من يرتفع بواسطته البعد أم
لا بل يكفي مجرد كونهم مستعدين وجهان ولعل الأقوى الثاني لصدق عدم البعد
بين الصف اللاحق والصف السابق وان لم يكونوا متلبسين بالصلاة بعد ويشهد
لذلك بل يدل عليه ما وراه في المجالس مسندا عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم وأقيموها وسووا الفرج وإذا قال امامكم
الله أكبر فقولوا الله أكبر وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك
الحمد الخبر فان قوله صلى الله عليه وآله وسلم وإذا قال امامكم الله أكبر الخ وان كان واقعا في عداد
المستحبات ولا يصح الاستدلال به على لزوم تأخير تكبيرة المأموم الا ان دلالته
على اجراء تكبيرة المأموم عقيب تكبيرة الامام من دون انتظار السابق الذي به
يتحقق الارتباط ظاهرة.

479
(2) قد تقدم سابقا ان ما تضمنته الصحيحة من اشتراط عدم الستر والبعد
لا يختص بحال فلو حصل في الأثناء تبطل القدوة وان كان بدون اختيار المقتدى فلو
انتهت صلاة الصفوف المتقدمة فمقتضى ما ذكرنا بطلان القدوة ويمكن ان يقال بعدم
البطلان إذا انتقل بمجرد ذلك إلى محل الجواز من دون فصل نظرا إلى أن هذا
المقدار من البعد الحادث لعدم استقراره لا يعد في العرف مصداقا للبعد أو يستكشف
من أدلة جواز الشروع في مكان بعيد إذا خاف فوت الاقتداء ثم اللحوق بالصف صحة
البقاء على الاقتداء في صورة عروض البعد بشرط اللحوق بالصف أو يستكشف من
أدلة جواز تقديم المأمومين واحدا إذا مات الامام عدم بطلان القدوة لفقدان شرط
الجماعة في الأثناء مع امكان تحصيله ثانيا والمسألة محل اشكال ولا ينبغي ترك
الاحتياط بالعدول إلى الانفراد.
(3) هل يعتبر في دخول اللاحق احراز صحة صلاة السابق ولو بالأصل أم يكفي
مجرد كونهم مصلين وان كان اللاحق يعلم ببطلان صلوتهم أو يفصل بين ما إذا قطع
اللاحق بعدم معذورية السابق في هذه الصلاة وبين ما يحتمل في حقه المعذورية
وجوه الظاهر من الأدلة الأول واما احتمال الاكتفاء بمعذورية السابق من جهة
التقليد أو الاجتهاد وان كان اللاحق يعلم ببطلان عمله بحسب نظره فهو مبنى على
الاجزاء في العمل الذي يأتي به على مقتضى الامر الظاهري وانه صحيح لا يجب عليه
الإعادة والقضاء وان انكشف بطلانه وهذا خلاف الظاهر على ما تحقق في باب
الاجزاء.
(4) الفصل بالصبي المميز لا يضر ان قلنا بمشروعية صلوته كما هو الظاهر و
كذا لو شك في صحة عمله كما في غيره.
(5) هل يصح الجماعة بالاستدارة حول الكعبة الشريفة أم لا من كون
الجماعة توظيفية يجب الاقتصار فيها على المتقين وهو ما إذا كان المأموم متأخرا
عن الامام أو غير مقدم عليه وفى الجماعة المنعقدة على وجه الاستدارة يصدق ان المأموم
مقدم على الامام بالنسبة إلى الجهة التي توجه إليها الامام وان صدق تقدم الامام أيضا

480
بالنسبة إلى الجهة التي توجه إليها المأموم وحيث صدق تقدم المأموم تبطل القدوة
حيث إن معاقد الاجماعات بطلان الجماعة بتقدم المأموم.
نعم لو كان التقدم ملحوظا بالنسبة إلى الكعبة شرفها الله تعالى لا يصدق على
الامام والمأمومين المتقابلين الواقفين في الدائرة المفروضة حول الكعبة بحيث
يكون الكعبة مركزا لها ان أحدهما مقدم على صاحبه لكن الظاهر من التقدم الذي
هو مورد الأدلة انه لوحظ فيه الجهة الخاصة التي توجه إليها الامام التي ينتهى إلى محدد
الجهات ومن تحقق السيرة عليه في كل الاعصار وهذه السيرة وان لم تتحقق في زمن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا من أصحاب الأئمة صلوات الله عليهم حتى يستكشف بها رضا المعصوم
ولكن الظاهر تحققها في زمن الأئمة وان كان غير مبسوطي اليد ولو كان مثل هذه
الجماعة غير مرضية لا ظهروا الانكار كسائر البدع التي شددوا النكير عليها ولو عند
أصحابهم وحيث لم يكن ذلك منهم عليهم السلام يكشف عن مشروعية تلك الجماعة
والمسألة لا تخلو عن اشكال.
الفصل الثالث في احكام الجماعة وفيه مسائل: (1) اختلف الأصحاب في حكم
القراءة خلف الإمام المرضى والكلام في طي أربع مسائل:
الأولى في حكم القراءة في أولتي الاخفاتية.
الثانية في حكمها في أولتي الجهرية.
الثالثة في حكمها في أخيرتي الاخفاتية.
الرابعة في حكمها في أخيرتي الجهرية.
اما الأولى فمقتضى الجمع بين الأخبار الناهية عن القراءة خلف الإمام وبين رواية
المرافقي عن جعفر بن محمد (ع) التي رواها الشيخ وأفتى بمضمونها جواز القراءة والرواية
هكذا سئل عن القراءة خلف الإمام فقال إذا كنت خلف الامام تتولاه وتثويه فإنه يجزيك
قراءته وان أحببت ان تقرء فاقرء فيما يخافت فيه فإذا جهر فانصت ان الله عز وجل
يقول وانصتوا الخ وإذا ضممنا هذه الرواية إلى صحيحة عبد الرحمن عن الصلاة خلف
الإمام قال (ع) اما الصلاة التي لا يجهر فيها بالقراءة فان ذلك جعل إليه فلا تقرء خلفه واما

481
الصلاة التي يجهر فيها فإنما امر بالجهر لينصت من خلفه فان سمعت فانصت وان لم
تسمع فاقرء يفهم ان تفريع قوله (ع) فلا تقرء خلفه على قوله فان ذلك جعل إليه ليس الا
من جهة الترخيص في الترك فان رواية المرافقي مع اشتمالها على اجزاء قراءة الإمام
عن المأموم تصرح بجواز القراءة في الصلوات الاخفاتية فتكون الرواية شارحة لما
يترتب على ضمان الامام قراءة المأموم فلا وجه لرفع اليد عنها بواسطة معارضتها الأخبار الناهية
عن القراءة وان كانت أكثر عددا وأصح سندا فان الترجيح من جهة السند
انما يكون في غير مورد يصح الجمع بينهما عرفا.
واما الثانية أعني حكم القراءة في أولتي الجهرية فمقتضى الأخبار الكثيرة حرمتها
منها صحيحة زرارة قال قال أبو جعفر كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول من قرء خلف امام
يأتم به فمات بعث على غير الفطرة ودلالتها على الحرمة واضحة غاية الامر ان اللازم
تخصيص الحرمة بأولتي الجهرية بشرط سماع قراءة الإمام لما دل على جواز القراءة
في أولتي الاخفاتية والجهرية لو لم يسمع صوت الامام ولو همهمة وحمل الصحيحة على
الكراهة للزوم التخصيص فيها لو حملناها على الحرمة لجواز القراءة بل رجحانها
في بعض الموارد غير صحيح ودعوى شيوع التعبير بمثل تلك العبارة عن الكراهة عجيبة
فان العبارة من حيث الواضع دالة على أغلظ مراتب الحرمة ولا يمكن دعوى شيوع استعمالها
في الكراهة على نحو شيوع استعمال هيئة الأمر والنهي في الاستحباب والكراهة و
منها صحيحة ابن الحجاج عن الصلاة خلف الإمام قال عليه السلام اما الصلاة التي لا يجهر
فيها بالقراءة فان ذلك جعل إليه فلا تقرء خلفه واما الصلاة التي يجهر فيها فإنما امر بالجهر
لينصت من خلفه فان سمعت فانصت وان لم تسمع فاقرء ومنها رواية على بن جعفر عليه السلام
عن أخيه قال سئلته عن الرجل يكون خلف الامام فيجهر بالقراءة وهو يقتدى به هل
له ان يقرء من خلفه قال عليه السلام لا ولكن لينصت لقراءته ومنها صحيحة زرارة وان كنت
خلف امام فلا تقرء شيئا في الأولتين وأنصت لقراءته ولا تقرء شيئا في الأخيرتين ان الله
عز وجل يقول وإذا قرء القرآن الخ وليس في قبال الأخبار الناهية عن قراءة المأموم في
خصوص الجهرية ما يدل على جوازها حتى تحمل النواهي الواردة فيها على الكراهة

482
سوى ما قد يتخيل من أن النهى عن القراءة انما يكون بملاحظة الانصات كما هو
صريح بعض الروايات والمفروض ان الانصات بمعنى السكوت عن كل شئ والتوجه
إلى قراءة الإمام ليس واجبا بل هو مستحب فلا يمكن تحريم القراءة لأجل التوصل
إلى مستحب.
هذا مضافا إلى ورود النواهي في مورد توهم الوجوب فلا ظهور لها في التحريم
والجواب اما أولا فهو ان ترك القراءة ليس مقدمة للانصات بل القراءة والانصات ضدان
وجوديان لا يمكن اجتماعهما وقد حقق في الأصول ان ترك الضد ليس من مقدمات الضد
الاخر فالامر بالانصات سواء كان وجوبيا أم ندبيا لا يقتضى الامر بترك القراءة فالنهي
عن القراءة الظاهر في التحريم لا موجب لصرفه عن ظاهره.
نعم يمكن ان يكون النهى النفسي عن القراءة بملاحظة ترتب الانصات بمعنى
كون الانصات من قبيل الحكمة لتشريع الحرمة لمصلحة يراها الشارع ولو سلم ان
ترك القراءة من مقدمات الانصات فليس في الاخبار ما يدل على أن النهى عن القراءة
انما جاء تبعا لمطلوبية الانصات فان مجرد قوله (ع) لا تقرء وأنصت لقراءة الامام لا يدل على أن
النهى عن القراءة يكون من جهة الانصات لامكان كون ترك القراءة مطلوبا مستقلا
كالانصات فان علم استحباب الانصات من الخارج وان كان يوهن ظهور النهى عن
القراءة في التحريم ولكن لا يلزم رفع اليد عن النواهي الواردة في الاخبار الاخر مستقلا
مضافا إلى بعض الروايات الظاهرة في التحريم النفسي كقوله بعث على غير الفطرة بل
هذه الرواية صريحة في النهى النفسي وان حملناه على الكراهة فإنه من المقرر في البحث
عن مقدمة الواجب عدم ترتب شئ على مخالفتها من العقوبة أو الملامة.
ومحصل الكلام انه لا محيص عن الاخذ بظواهر النواهي المتعلقة بالقراءة في
أولتي الجهرية واما في أولتي الاخفاتية فظاهر النواهي وان كان حرمة القراءة
فيهما ولكن رفعنا اليد عن ظاهرها بواسطة رواية المرافقي المجبور سندها بالعمل هذا
كله في أولتي الجهرية والاخفاتية.
اما المسألة الثالثة وهي حكم القراءة في أخيرتي الاخفاتي فمقتضى صحيحة

483
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام اجزاء التسبيح الظاهر في عدم المنع عن القراءة
والصحيحة هكذا عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كنت خلف امام في صلاة لا يجهر فيها
بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القراءة فلا تقرء خلفه في الأوليين و
قال يجزيك التسبيح في الأخيرتين قلت أي شئ تقول أنت قال اقرأ فاتحة الكتاب
مضافا إلى التصريح في صحيحة زرارة بان الأخيرتين تابعتان للأولتين وقد عرفت ان
النهى عن القراءة في أولتي الاخفاتية ليس على وجه التحريم ومقتضى تبعية
الأخيرتين للأولتين عدم كون القراءة محرمة ومنه يظهر حال
المسألة الرابعة وهي حكم القراءة في الأخيرتين من الجهرية قال أبو جعفر
عليه السلام على ما في صحيحة زرارة وان كنت خلف امام فلا تقرأن شيئا في الأولتين و
أنصت لقراءته ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين فان الله عز وجل يقول للمؤمنين وإذا قرء
القرآن يعنى في الفريضة خلف الامام فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون والأخيرتان
تبعان للأولتين وفى بعض النسخ تبع للأولتين وحاصل مضمون الرواية بحسب الظاهر أن
النهى عن القراءة في الأخيرتين انما هو من جهة التبعية للأولتين فحيث قلنا
بالتحريم في الأولتين كما استظهرنا ذلك في أولتي الجهرية فاللازم ان نقول به في
أخيرتي الجهرية.
وحيث قلنا بعدم التحريم في أولتي الاخفاتية فاللازم القول به في أخيرتي
الاخفاتية وليس للصحيحة الدالة على تبعية الأخيرتين للأولتين معارض سوى ما قد
يتوهم من بعض الروايات إذا كنت امام قوم فعليك ان تقرء في الركعتين الأولتين
وعلى الذين خلفك ان يقولوا سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وهم قيام
فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك ان يقرؤا فاتحة الكتاب وعلى
الامام ان يسبح مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين وجه التوهم امر المأمومين
بالقراءة وان كانت الصلاة جهرية وهذا ينافي تبعية الأخيرتين للأولتين في الجهرية
حيث قلنا بتحريم القراءة فيهما والجواب ان الرواية غير ظاهرة في المأمومين الذين
كانوا مع الامام في أول صلاة بل من المحتمل ان يكون المراد المأمومين المسبوقين

484
الذين اقتدوا بالامام في الأخيرتين ولا شك ان وظيفتهم القراءة فان الركعتين
المفروضتين هما الأوليان بالنسبة إلى المأمومين بل لابد من الحمل على ذلك لمنافاة
الاحتمال الأول مع الأخبار الكثيرة الدالة على أفضلية التسبيح في الأخيرتين.
ومما يدل على التخيير بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين من الاخفاتية
صحيحة على بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام
أيقرء فيهما بالحمد وهو امام يقتدى به قال عليه السلام ان قرأت فلا بأس وان سكت فلا باس
فان المراد من الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام ان كان الأخيرتين كما هو منصرف
العبارة فهو وان كان المراد منهما الأولتين من الاخفاتية فيلحق الأخيرتان منها
بمقتضى التبعية المستفادة من صحيحة زرارة بل يمكن ان يستدل بهذه الصحيحة على
التخيير بين القراءة والتسبيح في الأولتين من الاخفاتية أيضا فان المراد من
الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام ان كان الأولتين من الاخفاتية فهو وان كان
المراد الأخيرتين فبمقتضى تبعية الأخيرتين للأولتين يستفاد حكم المتبوع لوحدة
الحكم في التابع والمتبوع.
(2) يجب على المأموم متابعة الامام في الافعال وحكاية الاجماع عليه مستفيضة
كما قيل واستدل عليه بالنبوي المحكى عن مجالس الصدوق (ره) وغيره انما جعل الامام
إماما ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا والكلام في
هذا المقام في بيان أمرين:
في وجوب المتابعة
أحدهما هل وجوب المتابعة شرطي أو نفسي يحصل بمخالفته الاثم دون البطلان
والتحقيق انه لو جعلنا المدرك في المسألة هو النبوي فالظاهر هو الشرطية لصحة
القدوة لكن ستعرف ان النبوي يحتمل ان يكون متعرضا للنهي عن التأخر الفاحش
فلا ربط له بمقامنا ولو جعلنا المدرك الاجماع فلا يعلم من كلماتهم الاتفاق على الشرطية
أو النفسية ويمكن ان يقال ببطلان الجماعة بل الصلاة لو تقدم في مثل الركوع

485
والسجود حتى على القول بالوجوب النفسي لان الركوع والسجود يعقان محرمين
لأنهما مصداقان للتقدم الحرام ولا يمكن الاتيان بهما ثانيا لان الزيادة فيهما توجب
البطلان ومن هنا يظهر انه بناء على الشرطية ليس التخلف موجبا لبطلان خصوص
الجماعة بل يوجب بطلان أصل الصلاة لان التقدم مع بقاء القدوة ليس موردا للامر.
وفيه انه ليس التقدم محرما الاعلى القول باقتضاء الامر بالشئ النهى عن
ضده الخاص لان المأمور به اما نفسا أو شرطا المتابعة وهي عبارة عن خصوص التأخر
أو الأعم منه ومن المقارنة وكل منها يضاد التقدم وقد قرر في الأصول عدم الاقتضاء
نعم يقتضى عدم الامر ولكنه يكفي في عبادية العمل كونه راجحا وان لم يكن موردا
للامر لمانع عقلي وقد ظهر مما ذكر انه لا وجه للحكم ببطلان أصل الصلاة بواسطة
عدم المتابعة كما حكى عن بعض العلماء قدس سره فان المتابعة ان كانت واجبة نفسا
فلا يلزم من مخالفتها الا الاثم وان كانت شرطا للقدوة فاللازم بطلان الجماعة لا أصل
الصلاة فالحكم ببطلان أصل الصلاة لم يظهر له وجه نعم يمكن ان يستدل لهذا القول
بما عن جامع الأخبار ومضمونه ان من المأمومين من لا صلاة له وهو من يركع و
يرفع قبل الامام ومنهم من له صلاة واحدة وهو من يركع معه ويرفع معه ومنهم من
له أربع وعشرون صلاة وهو من يركع بعده ويرفع بعده وأفتى به الصدوق وهو كاشف
عنه انه مأخوذ من الأصول المشهورة وفيه انه على فرض صحة السند لا يدل على
المطلوب فإنه لو كان المراد من قوله عليه السلام لا صلاة له في القسم الأول نفى حقيقة الصلاة
الذي هو عبارة عن بطلانها فاللازم ان يكون المراد من قوله عليه السلام في القسم الثاني
له صلاة واحدة انه ليس له فضيلة الجماعة وهذا مضاف لصحة الجماعة فلابد من حمل
الفقرة الأولى على عدم الصلاة له جماعة والثانية على أن له جماعة واحدة والثالثة على أن له
أربعا وعشرين جماعة.
ثم انه بعد ما عرفت عدم الوجه في بطلان أصل الصلاة يدور الامر
بين كون المتابعة واجبة نفسا أو شرطا لصحة الجماعة وعلى فرض الوجوب النفسي

486
يدور الامر بين وجوبها في كل فعل الصلاة على سيل العموم الاستغراقي أو
في معظم أفعالها وكذلك الحال إذا فرض كونها شرطا لصحة الجماعة أو على فرض
الوجوب النفسي يعلم بوجوبها في كل فعل وعلى فرض الشرطية شك في اشتراطها في
كل فعل من أفعال الصلاة أو في معظم الافعال أو ينعكس الحال فكل ما دار الامر
بين الوجوب النفسي والشرطي فلا أصل في البين يعين أحدهما واما لو دار الامر بين
الوجوب النفسي في كل من الافعال أو المعظم فترك المتابعة في بعض الأفعال لا يضر
للأصل فان وجوب المتابعة في معظم الافعال متيقن والزائد مشكوك فيه وإذا وقع
احتمال الشرطية في كل فعل طرفا لهذا العلم يجب مراعاة النفسية في المعظم والشرطية
في كل فعل وان وقع احتمال الشرطية في معظم الافعال طرفا للعلم المفروض مع
احتمال شرطية كل جزء فيكون الاشتراط في بعض من الافعال مشكوكا ولو لم يتحقق
المتابعة في فعل خاص كالركوع مثلا يشك في بطلان الجماعة وبقائها على الصحة
واستصحاب بقاء القدوة لا يجرى فان الشك ليس في امر خارجي وانما الشك في أن
الجماعة شرعا هل هي منطبقة على هذا الموجود الخارجي المعلوم حاله سابقا و
لاحقا أم لا وقد قلنا سابقا ان عموم لا صلاة الا بفاتحة الكتاب يقتضى عدم الاكتفاء بقراءة
الامام فلو سبق الامام إلى الركوع في الركعة الأولى مثلا وان كانت القراءة ساقطة
عنه لتحقق الجماعة واقعا لكن في الركعة الثانية مع فرض الشك في بقاء القدوة يجب عليه
القراءة بمقتضى عموم لا صلاة الا بفاتحة الكتاب وكذا لو علم اجمالا بالوجوب النفسي في
كل فعل والوجوب الشرطي في معظم الافعال مع احتمال الاشتراط في كل فعل على ما ذكرنا
وهكذا الحال لو علم بالوجوب الشرطي في كل من الافعال أو بالوجوب النفسي في
معظم الافعال لعين ما ذكرنا من الوجه.
والحاصل ان الحكم ببطلان الاقتداء لو ترك المتابعة في فعل لا يحتاج
إلى العلم بالشرطية بل يكفي احتمال الشرطية لما ذكرنا من القاعدة في باب
الجماعة.

487
الثاني هل المتابعة الواجبة عبارة عن عدم التقدم المجامع للمقارنة أو خصوص
التأخر قد يقال ان مقتضى النبوي الثاني وفيه تأمل فان ظاهر الصدر ان الغرض الايتمام
وهو يحصل عرفا باتيان الفعل مقارنا للامام بقصد المتابعة والقضايا المذكورة بعده
للتفريع على ذلك لا يبقى لها ظهور في اعتبار التأخر بعد ما يعلم أن الايتمام يحصل
بالمقارنة وظهور الصدر في أن الغرض الايتمام بل يقرب ان يكون تلك التفريعات
بملاحظة الغالب فان الغالب انه لا يحصل احراز عدم التقدم الا بالتأخر هذا مضافا
إلى احتمال ان يكون المراد من الرواية عدم التأخر الفاحش عن الامام فيصير أجنبيا
عن المقام فلا يبقى الا الاجماع المدعى والمتيقن منه عدم جواز التقدم وللخدشة
فيما ذكر مجال واسع اما الأول فلان تحقق مفهوم الاقتداء عرفا باتيان الفعل مقارنا
لا يقتضى رفع اليد عن ظهور قوله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كبر فكبروا الخ فان ذلك انما يصح إذا
كانت القضية مسوقة لبيان مطلوبية الايتمام فيكون التفريعات المذكورة في الرواية من جهة
بيان صغريات الايتمام وليس كذلك وقد استدلوا على وجوب المتابعة بهذه الرواية مع أن
الايتمام لا يكون واجبا قطعا لا ابتداء ولا استدامة بل لابد من حمل الرواية على أن الايتمام
غرض للشارع ولو أراد المكلف اتيان هذا الغرض يجب عليه نفسا أو شرطا ان يأتي بالافعال
المذكورة عقيب اتيان الامام إياها.
فان قلت بعد تسليم ان الامر بالتكبير والركوع والسجود كان وجوبيا وان
الايتمام غرض للشارع لو علمنا أن الغرض يحصل باتيان الفعل مقارنا نعلم بان الامر
بهذه المذكورات بعد فعل الامام انما هو من جهة غلبة عدم احراز التبعية الا باتيانها
عقيب اتيان الامام فلو فرض ان المكلف يقطع بان شروعه في العمل وكذلك ختمه له
يصير مقارنا للامام يقطع بحصول المقصود.
قلت قد تكون هذه الغلبة منشئا لايجاب الشارع العمل متأخرا عن الامام لئلا
يقع في مخالفة المقصود أحيانا واما الثاني فلانه مضافا إلى كونه خلاف الظاهر لا يناسب
الشرطية الأولى وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كبر فكبروا فإنه من المعلوم ان المقصود

488
ليس النهى عن التأخير الفاحش وحمل الشرطية الأولى على لزوم التكبير عقيب
فراغ الامام من التكبير والبقية على عدم التأخر الفاحش غير صحيح وحاصل الكلام
انه ليس لظهور الرواية في لزوم تأخير أفعال الصلاة عن الامام ما يوجب رفع اليد عنه
ومنشأ هذا الظهور ان الامر بالتكبير والركوع والسجود انما رتب على تحقق هذه الأفعال
من الامام كما يستفاد من اتيان الشرط بصيغة الماضي وظهوره في لزوم اتيانها
بعد تحققها من الامام مما لا ينكر واما في مثل قوله تعالى " وإذا قرء القرآن فاستمعوا له
وانصتوا " وكذا " إذا قرئت القرآن فاستعذ " " وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا " فالقرينة
قائمة على خلاف ذلك ثم لا يخفي عليك ان الامر باتيان أفعال الصلاة بعد اتيان الامام
متفرعا على الايتمام لا يقتضى الامر باتيان الأقوال بعد الامام إذ لا يعلم من الرواية
ان الايتمام في الأقوال أيضا مطلوب للشارع إذ لو جاز في الواقع عدم متابعة المأموم
في أذكار الصلاة مثل ان يقرء غير الذكر الذي يقرء الامام ليس منافيا للرواية بل
لازم ذلك كون الايتمام المطلوب في خصوص الافعال فلا ينبغي توهم ان مفاد الرواية
يكون قاعدة في وجوب تأخر أفعال المأموم وأقواله عن الامام.
وهل المتابعة شرط في صحة الجماعة أو واجبة لا تفسد الجماعة بالاخلال بها
ظاهر النبوي المتقدم الأول فان الامر بالافعال المذكورة وان كان يمكن ان يكون
نفسيا لكن الظاهر من الأوامر المتعلقة باجزاء المركب أو قيوده ان تكون لبيان
الجزئية والشرطية فمثل قول الشارع " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا " لا يفهم
العرف منه الا اشتراط الوضوء للصلاة وان كان من الممكن وجوب الوضوء نفسا عند
القيام إلى الصلاة ولو قطعنا النظر عن النبوي المتقدم والنبوي الاخر اما يخشى الذي
يرفع رأسه والامام ساجدان يحول الله رأسه رأس حمار لم يكن لنا دليل على أصل
الوجوب نعم يجب مراعاة الشرطية للقاعدة التي أشرنا إليها في باب الجماعة وأشرنا
أيضا إلى عدم جريان استصحاب الجماعة لان الشبهة فيها انما تكون من جهة المفهوم
وليس لنا مشكوك البقاء في الخارج.

489
حتى نستصحب والعجب من شيخنا المرتضى قدس سره الذي علم من تأخر عنه مشكلات
الأصول كيف تمسك هنا لصحة الجماعة بأصالة بقائها ولو أخذنا بالاجماع الذي
حكايته مستفيضة فلا يظهر منه النفسية أو الغيرية نعم لو كانت المتابعة في كل فعل واجبة
اجمالا ولو لم نعلم كونها من قبيل الوجوب النفسي أو الشرطي فاللازم مراعاة كليهما
بمعنى انه لو خالف وكان وجوب المتابعة نفسيا لصحت العقوبة وان صحت صلوته لكون
الوجوب النفسي طرفا للعلم الاجمالي الا ان يقال ان العلم الاجمالي انما ينجز الواقع
ان كان الاخذ بالأصول في أطرافه موجبا للمخالفة القطعية وليس ما نحن فيه من ذلك
فان المفروض ان الشك في الشرطية في باب الجماعة يقتضى مراعاتها لا معاملة الشك
في القيد أو جزء من اجزاء المركب الذي بنينا على البراءة فحينئذ لو بنى على بطلان
الجماعة ويأتي بالصلاة تامة بوظيفة الفرادى لا يكون قاطعا بالمخالفة نعم لو كان
المبنى على البراءة في القيد المشكوك في باب الجماعة لكان الاخذ بالبرائة من حيث
التكليف النفسي ومن حيث الشرطية موجبا للمخالفة القطعية.
فان قلت بأي وجه يسقط العلم الاجمالي المفروض عن الأثر بمجرد لزوم
مراعاة الشرطية من جهة أخرى أليس يمكن ان يكون لزوم مراعاة الشرطية
مستندا إلى جهتين إحديهما ما ذكرت من القاعدة في باب الجماعة والأخرى من جهة
العلم الاجمالي.
قلت لو كان الاخذ بمقتضى الشرطية هنا من باب الأصل التعبدي وهو حكم
الشك لكان لما ذكرت وجه وان كان قابلا للخدشة أيضا ولكنك عرفت ان ذلك من
باب الدليل اللفظي الدال على لزوم فاتحة الكتاب في الركعة المتأخرة عن الركعة
التي سبق الامام إلى الركوع ومقتضي العموم المذكور احتياج الركعة الآتية إلى
فاتحة الكتاب اللازم منه بطلان الجماعة فيكون من قبيل ما إذا قامت الامارة الشرعية
المثبتة لاحد طرفي العلم الاجمالي وقد قرر في الأصول انحلال العلم الاجمالي بذلك
وصيرورة الشك في الطرف الآخر بدويا نعم ما ذكرت يمكن تقريبه بالنسبة إلى
غير الركعة الأولى كمن سبق الامام في ركوع الركعة الثانية أو الثالثة مثلا لعدم ما

490
يدل على بطلان الجماعة في غير الأوليين فيدور الامر بين كون المتابعة واجبة نفسا
أو شرطا فان كانت واجبة نفسا يحرم وان كانت واجبة شرطا تبطل الجماعة لكن
يرد على ذلك أيضا ان السبق إلى الركوع لا يكون مخالفة قطعية للشارع فإنه لو
عامل مع هذه الصلاة معاملة غير الجماعة ولم يأت بعد ذلك بما هو وظيفة الجماعة لم
يحصل منه المخالفة القطعية.
نعم لو فرضنا انه أتى في هذه الصلاة بما هو وظيفة الجماعة مثل رجوعه في الشك
في الركعات إلى حفظ الامام وكان حكم شكه البطلان أو البناء على غير ما حفظ الامام
يقطع بحصول مخالفة منه فإنه يعلم أنه اما خالف الشرع في السبق إلى الركوع واما
خالفه في ابطال صلوته بناءا على القول بحرمة ابطال الصلاة لكن حصول المخالفة
على تقدير العمل بوظيفة الجماعة لا يوجب تنجيز الحرمة النفسية لترك المتابعة فإنه
بعد ما ترك المتابعة وان كان لا يدل دليل على بطلان الجماعة لكنه لا يقدر على البناء
على بقائها والعمل بوظيفتها بعد ذلك للشك في موضوع الجماعة فلابد له الا ان يعمل
بوظيفة المنفرد فإنه بذلك اما صار منفردا قهرا واما له العدول إلى الانفراد فلا يجوز
له بعد ذلك الرجوع إلى الامام في الشكوك ولا العمل بوظيفة أخرى من وظائف الجماعة
كالعود إلى الركوع إذا رفع رأسه قبل الامام سهوا مثلا.
ثم إن ما ذكرنا من عدم بطلان الصلاة إذا تقدم على الامام مبنى على اتحاد
صلاة الجماعة والفرادى في الحقيقة النوعية كما اخترناه سابقا واما على القول
باختلاف الحقيقة فيقوى الحكم ببطلان الصلاة فإنه بناء على الشرطية تبطل الجماعة
والمفروض عدم تحقق وصف الانفراد المتوقف على القصد فيعلم اجمالا ان التقدم
على الامام في الجماعة اما حرام نفسا واما موجب لبطلان صلوته فلا يمكن اجراء
البراءة فليس له ان يتقدم وإذا تقدم فالأحوط ان يتم الصلاة ثم يعيدها.
هذا كله في التقدم على الامام عمدا وأما إذا تقدم على الامام سهوا واحتملنا
بطلان الجماعة بذلك فمقتضى الأصل الذي قررنا في باب الجماعة لزوم اتيان الباقي
منفردا واما بناء على الاحتمال الاخر أعني اختلاف حقيقتي الجماعة والانفراد فيمكن

491
الحكم بالصحة بواسطة ما دل على عدم بطلان الصلاة بالسهو في غير الخمسة فإنه لو
كان عدم التقوى على الامام شرطا واقعيا حتى في حال السهو تبطل الصلاة التي
بيده لبطلان الجماعة كما هو المفروض وعدم كون الحقيقة الأخرى مقصودة لكنا
ذكرنا سابقا ان هذا المبنى خلاف التحقيق هذا مقتضى الأصل لكن ورد في خصوص
السبق إلى الركوع ما يدل على عدم بطلان الجماعة وجواز العود إلى المتابعة روى
الشيخ في الموثق عن علي بن فضال قال كتبت إلى الرضا عليه السلام في الرجل يكون خلف
امام يأتم به فركع قبل ان يركع الامام وهو يظن أن الامام قد ركع فلما رآه لم يركع
رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الامام أيفسد ذلك صلوته أم يجوز له الركعة فكتب
يتم صلوته ولا يفسد ما صنع صلوته ولم أجد في الأخبار المجوزة للعود ما يدل على
العود فيما سبق الامام إلى أفعال الصلاة غير ما ذكر من الرواية نعم لو سبقه إلى
رفع الرأس من الركوع والسجود يدل جملة من الاخبار على لزوم العود وان كانت
معارضة بما يدل على خلاف ذلك وسنذكر مسألة رفع الرأس قبل الامام بعد ذلك
انشاء الله.
وهل يقتصر في الحكم المستفاد من الرواية على خصوص السبق إلى الركوع
أو يضاف إلى ذلك سبقه إلى السجود أيضا قد يقال بالأول فان مقتضى القاعدة فيما يحتمل
بطلان الجماعة الرجوع إلى الانفراد خرج مورد النص وهو ما إذا ركع قبل الامام
سهوا وفى غير ذلك يعمل بمقتضى القاعدة ويمكن القول بالثاني بناء على أن المدرك
هو النبوي المتقدم فان قوله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا بعد قوله
صلى الله عليه وآله وسلم انما جعل الامام إماما ليؤتم به صريح في أن الايتمام صار منشئا لذلك والظاهر أن
سببية الايتمام لترتب ركوع المأموم على نهج سببيته لترتب سجوده وبعبارة أخرى الايتمام
صار منشئا للامر بترتيب ركوع المأموم وسجوده على ركوع الامام وسجوده فإذا علمنا أن
ركوعه قبل الامام سهوا لا يقتضى بطلان الجماعة نعلم بان ما يكون منشئا للترتب لا يقتضى
بطلان الجماعة لو وقع خلاف الترتيب سهوا وبعد العلم بوجدة المنشأ في ترتب الركوع و

492
السجود يستظهر انه لو وقع السجود من المأموم قبل الامام لا يكون مبطلا للجماعة
بل يمكن ان يستفاد من المكاتبة المتقدمة ان وجوب المتابعة وجوب نفسي تعبدي و
ليست المتابعة شرطا في صحة الجماعة وبيانه انه لو كانت المتابعة شرطا
مطلقا للزم بطلان الجماعة لو ركع قبل ركوع الامام ولو سهوا أو الرواية المتقدم
صريحة في خلاف ذلك ولو كانت شرطا عند الاختيار لزم تقييد المادة في قوله صلى الله
عليه وآله فإذا ركع فاركعوا بان يحمل على أن الركوع السابق على الامام الذي حصل
به ترك المتابعة انما يضر بالجماعة إن كان صدوره عن اختيار المصلى واطلاق المادة
ينافي ذلك ولو حملنا الوجوب المستفاد من القضية على الوجوب النفسي لا يلزم شئ
مما ذكر فان مطلوبية المتابعة نسفا لا تنافى صحة الجماعة مع تركها ولو عمدا كما
أسلفناه بل عمده موجب للإثم وسهوه معذور فيه.
نعم امر الشارع بالعود ثم المتابعة تكليف آخر لابد ان يلاحظ فيه هل هو على
سبيل الوجوب أو غيره وعلى الأول هل هو نفسي أو بيان للشرطية لصحة الجماعة وسيجئ
التكلم في ذلك انشاء الله تعالى.
الا ان يقال ان الموثقة السابقة لا تدل الا على أن من ركع قبل الامام بتخيل
ركوع الامام ثم عاد وتابعه في الركوع لا تبطل صلوته جماعة ومن المحتمل الغاء
الشارع الركوع الأول عن الجزئية وجعل ركوع صلوته هو الثاني ويتفرع على ذلك أنه
لو ترك العود وبقى على حاله حتى يلحقه الامام تبطل صلوته لخلوها عن الركوع
وأيضا يجب عليه رفع الرأس والانتصاب لادراك القيام المتصل بالركوع وأيضا يجب
عليه مراعاة الواجبات في الركوع الثاني من الذكر والطمأنينة وأيضا يجب عليه
المبادرة إلى العود بترك الذكر ان خاف عم ادراك ركوع الامام وأيضا ليس
له قصد الانفراد باتمام الصلاة بهذا الركوع فإنه ملقى بحسب الفرض ولا ان يركع مع
قصد الانفراد ركوعا آخر لزيادة الركوع الا ان يقال ان دليل ابطال الزيادة لا
يشمل مثل المورد فان الركوع الثاني على ما هو المفروض لا يكون زائدا لأنه جزء
صلوته والركوع الأول يعرضه عنوان الزيادة بعد الركوع الثاني ولا دليل على ابطال

493
ما يعرضه صفة الزيادة بعد وجوده بواسطة فعل آخر فالحاصل انه بعد وجود هذا
الاحتمال لا وجه لرفع اليد عن ظهور الدليل الدال على المتابعة في الوجوب الشرطي
لامكان كون المتابعة شرطا لصحة الجماعة مطلقا واما عدم بطلانها بالسبق بالركوع
سهوا فإنما هو من جهة اغماض الشارع عن الركوع وجعله كالعدم ولو لم يتابع
الامام في الركوع الثاني بطلت الجماعة لعدم تحقق شرطها وبطلت الصلاة أيضا لخلوها
عن الركوع.
فان قلت لم يعلم من الدليل الغاء هذا الركوع والحكم ببطلانه فمقتضى القاعدة
وقوع هذا الركوع ركوعا للصلاة فترك العود للركوع الثاني اما يكون اثما واما
تبطل به الجماعة وعلى أي حال لا تبطل الصلاة به.
قلت المكاتبة المتقدمة تدل على أحد الامرين كل منهما خلاف القاعدة اما
الغاء الركوع واما زيادة ركوع آخر وبعد كون كل منهما خلاف القاعدة لا وجه
لتعين أحد الامرين.
ومما ذكرنا يظهر الاشكال في صحة صلاة من سبق إلى ركوع الامام في
حال القراءة بيانه انه بعد ما لم يثبت كون المتابعة في الركوع واجبا نفسيا واحتمل
كونها شرطا لصحة الجماعة لو سبقه إلى الركوع في حال القراءة وفرضنا كون
المتابعة شرطا لصحة الجماعة لم يكن مقتديا فلا يكون لبقية القراءة مسقط فمقتضى
عموم لا صلاة الا بفاتحة الكتاب بطلان هذه الصلاة لو أتمها كذلك ولو عاد لقراءة ما
لم يسقط منه وركع ثانيا لزم زيادة الركوع ومن هنا يظهر الاشكال في صحة صلاة
من سبق الامام في الركوع سهوا ولم يرفع رأسه للمتابعة سهوا فإنه بعد احتمال الغاء
الشارع هذا الركوع عن الجزئية من دون دافع لهذا الاحتمال لا يمكن له الاجتزاء
بتلك الصلاة الا ان يقال بان مقتضى اطلاق الأدلة الدالة على جزئية الركوع احتساب
الركوع الصادر منه سهوا من الصلاة كما أشرنا إليه واما حكم الشارع بلزوم العود
أو مشروعيته فهو وان كان على خلاف القاعدة الأولية لكنه حكم متعلق بالجامع لا
انه حكم هذا الشخص سواء كان جامعا أو منفردا وهذا الحكم أيضا اما نفسي أو

494
غيري ورد لبيان وظيفة الجامع وعلى أي حال لا يوجب مخالفته بطلان صلاة من
ترك العود إلى المتابعة سواء تركه عمدا أم سهوا على تقدير نفسية الحكم فواضح
واما على تقدير الغيرية فلا يلزم منه الا بطلان الجماعة واحتمال الغاء الشارع الركوع
المفروض عن الجزئية وان كان ليس ببعيد وليس له دافع لكنه على تقديره انما يكون
في حق من يكون باقيا على عنوان الجماعة واما من صار منفردا فلا وجه لرفع
اليد عما تقتضي صلوته وكون المأتى به جزء من صلوته وبعبارة أخرى امر الشارع
بالعود إلى المتابعة ان كان نفسيا فمخالفته لا تضر بصلاته مطلقا أصلا وجماعة وان كان
غيريا فلازمه ان صحتها جماعة تتوقف على العود وان احتملنا انه على تقدير العود
اغمض الشارع عن الركوع الصادر منه.
فان قلت كيف يتصور رفع يد الشارع عن الركوع الأول على تقدير العود مع أن
العود على هذا الفرض محقق للجماعة والامر بالعود انما يكون قبل وقوعه
في الخارج فلا يكون جامعا حال الامر بالعود وتعلق الامر بشئ على تقدير
وجوده محال.
قلت لا نلتزم بان الامر بالمتابعة تعلق بمن يكون باقيا على وصف الجامعية
كيف ولا يمكن هذا الالتزام مع احتمال كون الامر بالمتابعة أولا على نحو الشرطية
المطلقة بل نقول بناء على كون الامر بالمتابعة أولا لبيان الشرطية المطلقة والامر
بالعود إلى المتابعة إذا سبق الامام ناسيا للشرطية المطلقة أيضا يلزم صحة صلاة
جماعة لو عاد إلى الركوع مع الامام ولازم ذلك بناء على التقدير المفروض الغاء
الركوع الصادر أولا بالركوع الذي اعاده ثانيا للمتابعة فمن سبق الامام إلى الركوع
فصلوته قابلة لان تكون جماعة بان يعود ويركع مع الامام كما انها قابلة لان تكون
فرادى بان يترك العود اما عمدا واما سهوا فالأحوط في صورة عدم المتابعة
الانتقال إلى الانفراد حتى في صورة عدم التمكن مع العود لاحتمال ان يكون وصف
الجماعة متوقفا على العود.

495
فرعان: الأول قد عرفت حكم سبق المأموم الامام بالركوع أو
السجود سهوا.
واما لو سبقه بالرفع عنهما سهوا فالمشهور انه يعود إليهما ويدل عليه
روايات منها صحيحة على بن يقطين عن رجل يركع مع الامام يقتدى به ثم يرفع رأسه
قبل الإمام قال عليه السلام يعيد ركوعه معه ورواية الفضيل عن رجل صلى مع امام يأتم به
ثم رفع رأسه من السجود قبل ان يرفع الامام رأسه من السجود قال عليه السلام فليسجد و
بهذا المضمون رواية ابن فضال وهذه الرواية كما ترى ليست مقيدة بحال السهو
ولكن دعوى ظهورها في حال السهو غير بعيدة لكن الرواية الواردة في الركوع
معارضة برواية غياث بن إبراهيم عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الامام
أيعود فيركع إذا أبطأ الامام ويرفع رأسه معه قال عليه السلام لا وحملها على العمد كما
قيل لا وجه له فان وجه الانصراف المدعى في الروايات السابقة موجود هنا بعينه فلو
جمع بينهما بالحمل على الاستحباب لكان أحسن لولا كونه خلافا للاجماع فالأولى
ان صح كون هذا الجمع مخالفا للاجماع ملاحظة الترجيح في السند وطرح ما كان
مرجوحا والترجيح هنا مع ما يدل على العود لصحة الرواية وكونها مدركا لفتوى
الأصحاب.
ثم إن الكلام في رفع الرأس منهما عمدا أو عدم العود إليهما عمدا أو سهوا
هو الكلام في المسألة السابقة ولو رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الامام
سهوا ثم عاد ولم يلحق الامام فالظاهر بطلان الصلاة في الأول لان الدليل الدال على
وجوب العود واغتفار تعدد الركوع مورده فيما أدرك الامام راكعا فلم يشمل محل
الفرض فتبطل الصلاة لزيادة الركن واما في الفرض الثاني وهو ما إذا عاد بتخيل
ادراك الامام في السجود ولم يدرك فان كان ذلك في السجدة الثانية فالظاهر عدم
البطلان فان الزيادة هنا سجدة واحدة وليست بركن ولكن يشكل الحكم ببقاء
الجماعة مع احتمال توقفها على المتابعة التي لم تتحقق وان كان ذلك في السجدة
الأولى فهل تبطل الصلاة أو تحتسب سجدة ثانية له فيتم صلوته منفردا أو يبقى حتى

496
يلحقه الامام وجوه.
ولو رفع رأسه فرأى الامام في السجدة فتخيل انها الأولى فعاد إليها بقصد
المتابعة فبان انها ثانية فهل تحتسب ثانية فيه اشكال من أن صيرورة اجزاء الصلاة
جزء موقوفة على اتيانها بقصد الجزئية وان كان على نحو الاجمال والمفروض انه
لم يأت بالسجدة بقصد انها جزء للصلاة نعم لو أتى بها بقصد الامر الواقعي مع تخيل
ان الامر الواقعي كان متعلقا بالسجدة للمتابعة تقع السجدة المأتى بها جزء لتحقق
القصد اجمالا وكذا لو رأى الامام في السجدة فتخيل انها الثانية فسجد بقصد انها
ثانية ثم بان الامام كان في السجدة الأولى فمقتضى القاعدة احتسابها ثانية الا ان
يرجع قصده إلى اتيان السجدة المأمور بها فعلا مع تخيل انها الثانية فانكشف كونها
مطلوبة بعنوان المتابعة.
ولو رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الامام سهوا ولكنه ترك الذكر
عامدا بطلت صلوته لترك الذكر عمدا.
في وجوب المتابعة في الأقوال وعدمه
الثاني هل يجب المتابعة في الأقوال والكلام اما في التكبيرة واما في غيرها
اما التكبيرة فالظاهر عدم الاشكال في عدم صحة الاقتداء إذا تقدم المأموم سواء
كان عمدا أو سهوا لعدم كون الامام إماما له مع عدم تلبسه بالتكبيرة نعم لا مانع من
صحة صلوته لو أتمها مراعيا لوظيفة المنفرد إذا كان التقدم سهوا ولو كان عمدا مع
اعتقاد عدم المنافاة فالظاهر أنه كذلك واما لو تقدم مع الالتفات إلى المنافاة على
وجه التشريع فبطلان التكبيرة مبنى على أن التشريع يوجب حرمة الفعل الذي
أتى به في الخارج مع القصد المخصوص واما لو قلنا بان الحرمة لا تسرى إلى الفعل
الخارجي فهو باق على ما هو عليه من الحكم وانما المبغوض هو الفعل الموجود في
النفس وهو البناء والالتزام بحكم لا يعلمه من الشارع فلا ينافي صحة التكبيرة و
لو كان مشرعا كما أن الظاهر عدم احتمال الوجوب النفسي للمتابعة هنا فإنه ما لم

497
يتلبس بالتكبيرة لم يدخل في موضوع المقتدى حتى يجب عليه المتابعة وهل يجوز
المقارنة في الشروع أم يعتبر التأخر وعلى الثاني هل يعتبر التأخر عن مجموع
التكبيرة بحيث يتعين عليه عدم الشروع الا بعد فراغ الامام أم يكفي دخول الامام
في الجزء الأول وعلى تقدير كفاية المقارنة أو التأخر بالمعنى الثاني هل يعتبر
مراعاة ما وجب عليه أولا إلى آخر التكبيرة بمعنى انه لو قلنا بالاكتفاء بالمقارنة
ليس له التقدم في جزء من اجزاء التكبيرة ولو قلنا بالتأخر يجب تأخره عن الامام
إلى آخر التكبيرة أو يكفي مراعاة هذا الامر أول الشروع.
وتوضيح الحال انه لو كان التمسك في المسألة بالنبوي فالظاهر اعتبار مضى
التكبيرة عن الامام لكنك عرفت سابقا انه بعد ظهور صدر الخبر في أن الغرض
تحقق الايتمام وان ما ذكر بعده من قوله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا كبر فكبروا الخ من باب التفريع
المدار على تحقق الايتمام وصدقه والظاهر صدقه مقارنا لدخول الامام بقصد التبعية
وفيه ما أشرنا إليه سابقا ان قوله صلى الله عليه وآله وسلم انما جعل الامام إماما لا يرجع إلى الامر
بالايتمام كيف وان الايتمام ليس بواجب لا نفسا ولا شرطا بل الايتمام غرض وحكمة
فلا يصح الاخذ باطلاق مفهومه فاللازم عند الشك الرجوع إلى القاعدة وقد أشرنا
إليها ومن هنا يظهر الحال لو كان التمسك بالاجماع.
واما غير التكبيرة من الأقوال فمحصل الكلام انه لا دليل على اعتبار المتابعة
بالمعنى المتقدم في الافعال وان كان ربما يتوهم دلالة النبوي عليه من جهة ذكر
التكبيرة وهي من أقوال الصلاة وفيه ان ذكر التكبيرة لعله من جهة خصوصية
فيها وهي عدم انعقاد الجماعة بالدخول فيها قبل الامام لا لأنها من الأقوال والاجماع غير
متحقق في المقام ولكن هل يرجع إلى الأصل الذي قررناه في خصوص الجماعة أو
يبنى على عدم الوجوب مطلقا أو يفصل بين السلام الذي به يفرغ عن الصلاة فلا يصح
تقدمه على الامام حيث إنه مثل التكبيرة التي بها يدخل في الصلاة وبين غيره من
الأقوال والأذكار الأظهر الثاني اما في خصوص السلام فلظاهر صحيح الحلبي عن
الصادق عليه السلام في الرجل يكون خلف الامام فيطيل الامام التشهد فقال عليه السلام يسلم من خلفه

498
ويمضى لحاجته ان أحب ورواية أبى المغرا عنه عليه السلام في الرجل يصلى خلف امام فيسلم
قبل الإمام قال عليه السلام ليس بذلك بأس إذ الظاهر منهما جواز السلام قبل الامام مع
كونه مقتديا الا ان يقال ان الروايتين لا تدلان الا على جواز التسليم قبل الامام ولا معنى
للتسليم قبل الامام عمدا لا إرادة الانفراد إذ لا يتصور في الجزء الأخير من الصلاة
التقدم على الامام مع بقائه على قصد الاقتداء ولا اشكال في جواز التقدم في الافعال
أيضا فضلا عن الأقوال ان كان مقرونا مع رفع ليد عن القدوة انما الكلام في جواز
التقدم مع بقائه على القدوة ومن هنا يظهر جواز التقدم في التسليم وان قلنا بعدم
الجواز في ساير الأقوال ولا حاجة في ذلك إلى التمسك بالروايتين واما في ساير
الأقوال والأذكار فلأنها مرددة بين ما يتحمله الامام وحده كالقراءة وبين ما يكون الراجح
فيها مخالفة المأموم الامام كما في الأخيرتين وبين ما هو مخير في اختيار خصوص
الفرد الذي اختاره الامام أو غيره كما في ساير الأذكار غير التكبيرة والتشهد و
بين ما لا يجب من أصله كالأذكار المستحبة وخروج هذه الأذكار من العموم بدليل
خارجي وابقاء ما لا يدل عليه دليل على لزوم المتابعة يوجب التخصيص المستهجن
وبذلك نستكشف ان النبوي ليس له تعرض للمتابعة في الأقوال وانما سيق لبيان
المتابعة في الافعال وحيث إن المغروض في أذهان العامة في باب الجماعة هو المتابعة
في الهيئات الملحوظة في الصلاة بحيث لم يتفق ابدا من واحد سؤال عن الأئمة
(ع) ولم يرد منهم عليهم السلام حكم في خصوص الأقوال يستكشف عدم لزوم
المتابعة في الأقوال وان كان لولا ذلك لقلنا باللزوم نظرا إلى الأصل الذي قررناه
في باب الجماعة.
تنبيه لعلك تقول ان الأصل الذي قررته مبنى على لزوم التمسك بالعام فيما
إذا كان عنوان المخصص المنفصل مجملا بحسب المفهوم وهذا المبنى غير مسلم
بل من الممكن القول بسراية اجماله إلى العموم كما في المخصص المتصل والجواب
عن ذلك أن ما نحن فيه ليس من قبيل تخصص العام بالمخصص المجمل بحسب
المفهوم فان المفهوم الجماعة ليس من المفاهيم المجملة بل الدليل الدال على

499
مشروعيتها ليس له اطلاق والمتيقن منه القسم الخاص من الجماعة والموارد
المشكوكة تبقى بلا دليل فلا مانع من التمسك بالعموم الدال على لزوم
القراءة.
(3) لو ترك الامام بعض ما يراه المأموم واجبا في الصلاة فهل تبطل القدوة
مطلقا أولا مطلقا أو يفرق بين بعض الموارد مع البعض الاخر.
تنقيح المقام ان ما تركه الامام اما ان يكون في ذلك معذورا عند المأموم
واما ان يكون ذلك مقتضى ما أدى إليه اجتهاده الصحيح والقسم الأول تارة يكون
العذر شرعيا بمعنى ان الشارع جعل في حقه الصلاة الناقصة كالعاجز عن القيام
حيث إن الشارع رخصه في الجلوس وتكون صلوته في هذه الحالة كالصلاة التي يأتي
بها المختار قائما وأخرى يكون العذر عقليا محضا كما يترك الصورة ناسيا لها
أو معتقدا عدم وجوبها وفى الصورة التي يكون الامام في الاخلال معذورا عقلا و
كذا الصورة التي أدى اجتهاده الصحيح إلى عدم الاعتبار تارة يقطع المأموم بفساد
صلوته وأخرى لا يقطع ذلك بل الفساد مقتضى الامارة التي يجب اتباعها عليه لا
اشكال في امكان صحة صلاة المأموم جماعة في جميع الصور المذكورة حتى فيما إذ
قطع المأموم بفساد صلاة الامام إذ لا ملازمة بين فساد صلاة الامام وفساد صلاة
المأموم كما أنه لا اشكال في امكان فساد الجماعة في جميع الصور المذكورة وحصر
الاقتداء الصحيح بما إذا كان الامام يصلى صلاة المختار من دون الاخلال بما اعتبر
فيها واقعا انما الكلام في مقتضي الدليل في مرحلة الاثبات إذا عرفت ذلك.
فنقول يمكن دعوى عدم شمول أدلة الجماعة الا للصلاة الاختيارية الواقعية
الملحوظ فيها جميع القيود والشرائط فيحكم ببطلان الجماعة في جميع الصور
المفروضة.
فان قلت غاية الامر عدم الاطلاق لأدلة الجماعة وليس لها دلالة على فساد
الاقتداء أيضا فيشك في اعتبار شئ في صحة صلاة المأموم والأصل البراءة عنه.
قلت أصالة البراءة تثمر لو شك في القيد الزائد بعد صدق الاقتداء المشروع

500
وفيما نحن فيه يشك في تشريع مثل هذا الاقتداء فليس لعموم مثل قوله عليه السلام لا
صلاة الا بفاتحة الكتاب وكذا عموم بطلان الصلاة بتعدد الركن مثلا دافع هذا مقتضى
القاعدة ولكن قد ورد في جماعة العراة ما يستفاد منه جواز اقتداء القاعد بالقاعد و
كذا ورد جواز اقتداء المتوضي بالجنب المتيمم معللا بان الله جعل له التراب طهورا
ومنه يستفاد جواز الاقتداء بذى الجبيرة.
وهل يقتصر على مورده أو يسرى بمقتضى العلة إلى كل صلاة جعلها الشارع
في حقه صلاة واقعا كصلاة الجالس العاجز عن القيام وكالصلاة مع الثوب النجس
مع عدم سبق علمه بالنجاسة أو يسرى إلى ما ذكر والى كل صلاة جعلها في حقه
صحيحة بالجعل الثانوي الطريقي والانصاف عدم شمول التعليل للمجعول الطريقي
وفى شموله للصلوات الناقصة المجعولة في حقه واقعا نظرا حيث إنه من المحتمل ان
يكون وجه صحة الاقتداء بالمتيمم عدم نقصان صلوته أصلا حيث إن الشارع جعل
التراب لفاقد الماء طهورا كما أنه جعل الماء لواجده طهورا أو من جهة انها وان
لم تكن كاملة واقعا ولكن الشارع جعلها بمنزلة الكامل الواقعي في صحة الاقتداء
لاشتمالها على الطهارة الترابية فلا وجه لتسرية الحكم إلى ما سقط عنه جزء أو شرط
بلا بدل ومما ذكرنا ظهر ان ابتناء صحة الاقتداء وعدمها فيما كان للمأموم طريق
يدل على خلاف مقتضى طريق الامام على كون الأوامر الطريقية هل هي ناشئة من
المصلحة المتعلقة بمتعلقاتها أم لا بل فائدتها كون المكلف معذورا ما دام شاكا فعلى
الأول يصح الاقتداء دون الثاني في غير محله إذ على تقدير عدم الاطلاق لأدلة الجماعة
وكون المتيقن من موردها هو الصلاة الواقعية التي اتى بها جبرئيل عليه السلام يبطل
الاقتداء على كلا التقديرين وعلى تقدير شمول اطلاقها للمورد الذي يحكم بالصحة
بحسب حاله وان لم يكن صحيحا في الواقع يصح الاقتداء على كلا التقديرين أيضا
الا ان يقال ان الأخبار الدالة على جواز اقتداء المتوضي بالمتيمم تدل بواسطة
التعليل على جواز الاقتداء في كل صلاة صحيحة كاملة واقعا فابتناء صحة الاقتداء
إذا كان طريق المأموم مخالفا لطريق الامام وعدمها على الوجهين المذكورين كما

501
عن بعضهم في محله هذا ولكن لا يخفى ان جعل المتيقن من مورد الأدلة هو الصلاة
الواقعية الأولية يوجب عدم صحة اقتداء من لم يأت بجزء متمسكا بالبرائة العقلية
بمن لم يأت به أيضا كذلك ضرورة عدم احراز ان ما يأتي به الامام هو الصلاة الواقعية
الأولية فان البراءة العقلية لا تعين موضوع التكليف بحسب الواقع وانما توجب رفع
العقوبة على ذلك الجزء المتروك لكونه مشكوكا والالتزام ببطلان الاقتداء في
المثال المفروض بعيد جدا بل لا يمكن الالتزام به.
فان قلت لعل وجه الصحة في هذا المثال اجراء أصالة البراءة فيما يعتبر في
الصلاة على تقدير عدم صحة الجماعة إذ كما أن كون الصلاة المفروضة مصداق الجماعة
غير معلوم كذلك كونها مصداق غير الجماعة فشمول الأدلة المعتبرة للفاتحة مثلا أو غيرها غير
معلوم فان الشبهة في ذلك بالنسبة إلى تلك الأدلة تكون من الشبهة المصداقية وان
كانت في حد نفسها من الشبهات الحكمية التي تكون رفعها وظيفة الشارع كما أنه
بعد خروج الشرط المحلل للحرام مثلا من عموم دليل نفوذ الشرط لو شك في شرط انه
محلل للحرام أم لا تكون الشبهة بالنسبة إلى العموم المفروض شبهة مصداقية بمعنى
انه ليس العام المذكور محكما فيها والحاصل ان المأموم المفروض لكونه بانيا
على اجراء البراءة الأصلية في الاجزاء والقيود كما أنه يرفع السورة بالأصل لو أتى
بالصلاة منفردا كذلك يرفع الحمد أيضا بالأصل لكونه غير عالم بجزئية الحمد لصلوته
وليس له دليل يعين ذلك.
قلت أولا عدم قراءة المأموم في الجماعة المشروعة انما هو من جهة كون الامام
ضامنا لها فعموم لا صلاة الا بفاتحة الكتاب لم يخصص بالنسبة إلى المأموم بل الساقط
مباشرته من جهة قيام قراءة الغير مقامها فإذا ترك القراءة في الاقتداء بصلاة لا يشمله
دليل الجماعة فصلوته خالية عن فاتحة الكتاب مباشرة ولا دليل له على قيام قراءة الغير
مقامها وثانيا انه على تقدير كونها جماعة مورد للتكليف الإلزامي الاخر كوجوب
المتابعة فيعلم اجمالا اما بوجوب القراءة في صلوته كما هو وظيفة المنفرد واما بوجوب
المتابعة كما هو وظيفة الجماعة ومع هذا العلم لا يمكن اجراء أصالة البراءة فتأمل جيدا

502
وهذا الاشكال يجرى في الصلاة التي تحدد بالأصل الشرعي بالنسبة إلى المصلى فلو
اقتدى من رأى اجتهادا أو تقليدا رفع الجزئية عن السورة مثلا بواسطة حديث الرفع
بمن يكون كذلك يأتي فيه الاشكال السابق نعم لو كان المتمسك في الاقتداء الأصل
الذي يوجب الصحة الواقعية حتى يجوز لغير المصلى ترتيب الأثر جاز الاقتداء مثل
أصالة الصحة التي مجربها الشبهة الموضوعية فتدبر في ذلك فان المسألة محل اشكال
بحسب الأدلة.
(4) في حكم المأموم المسبوق وفيه مسائل:
الأولى إذا لم يدرك الأوليين مع الامام وجب عليه القراءة فيهما لأنهما أولتا
صلوته وان لم يمهله الامام لاتيانها اقتصر على الحمد وترك السورة لصحيحة زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال عليه السلام إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف امام يحتسب
بالصلاة خلفه جعل أول ما أدرك أول صلوته ان أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء
ركعتين وفاتته ركعتان قرء في كل ركعة مما أدرك خلف الامام في نفسه بأم الكتاب
وسورة فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب الخبر والظاهر منها وجوب
القراءة وذهب العلامة ره إلى استحبابها مستندا إلى وجوه مخدوشة وكذا يستفاد منها
سقوط السورة بواسطة عدم امهال الامام وهل المراد بعد امهال الامام المجوز لترك
السورة ركوعه قبل ان يأتي بالسورة أو عدم امكان ادراك الامام راكعا فلو ركع
الامام ولم يقرء السورة أو لم يتمها ولكن يمكن ان يقرئها تامة ويدرك الامام في
ركوعه لم تسقط أو عدم امكان بقائه على القدوة عرفا لو قرء السورة التامة فلو أمكنه
قراءة السورة واللحوق بالامام في السجود لم تسقط.
قد يقال ان ذلك مبنى على تعيين المتابعة الواجبة في الجماعة فان قلنا ان
الواجب ركوع المأموم بعد ركوع الامام بلا فصل عرفا يلزم من ذلك سقوط السورة
لو لم يقدر على ذلك على فرض قراءتها وان قلنا بان الواجب ادراك الامام راكعا
فسقوط السورة انما يكون في صورة عدم امكان ذلك على فرض قراءتها وان قلنا بان
الواجب عدم التأخر الفاحش حتى يخرج عن صدق القدوة فلو علم بادراك الامام حال

503
السجود يجب عليه قراءة السورة.
ولكن يمكن ان يقال إذا لم يمكن متابعة الامام على النحو المتعارف في الجماعة
تسقط السورة وان لم يكن ذلك من المتابعة الواجبة شرعا فان دليل وجوب السورة
قد خصص بالمستعجل وان كانت العجلة لبعض الاغراض العرفية العقلائية كذهاب
الرفقة وان لم يكن معرضا للخوف والخطر وعلى هذا نقول بان تأخر المأموم عن
الركوع وان لم يكن ممنوعا شرعا ولكن وضع الجماعة على كون المصلين على
هيئة واحدة من القيام والركوع والسجود والجلوس فلو ركع الكل الا الواحد الذي
لم يقرء السورة يصدق انه مستعجل يريد ان يلحق الرفقة فسقوط السورة في الحالة
التي ذكرناها هو مقتضى أدلة سقوطها عن المستعجل ولا حاجة إلى النظر في دليل
اعتبار وجوب المتابعة هذا إذا لم يدرك السورة وأما إذا لم يدرك الحمد أيضا فيمكن
القول بسقوط القراءة لرواية معوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يدرك
آخر صلاة الامام وهو أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرء فيقضى القراءة في آخر
صلوته قال عليه السلام نعم ودلالتها على سقوط القراءة ظاهرة من حيث إن الإمام عليه السلام قرر
الراوي على ترك القراءة عند عدم امهال الامام واشتمالها على تعيين القراءة آخر
الصلاة بعنوان القضاء كما هو ظاهر ذيلها مع أنه لا نقول به لا يضر بما نحن فيه مع امكان
حمل القضاء على مطلق الاتيان فيكون قوله عليه السلام نعم دليلا على رجحان اختيار القراءة
على التسبيحات لمن لم يقرء القراءة في الأوليين.
ويؤيده الخبر المحكى عن دعائم الاسلام عن أمير المؤمنين عليه السلام إذا سبق الامام
أحدكم بشئ من الصلاة فليجعل ما يدرك مع الامام أول صلوته وليقرء فيما بينه وبين
نفسه ان أمهله الامام فان مفهومه يدل على عدم لزوم الفاتحة على تقدير عدم الامهال
لكن الأحوط اتمام الحمد واللحوق به في السجود أو قصد الانفراد بل الأحوط الانفراد
لاحتمال وجوب متابعة الامام في الركوع ولو قصد الانفراد يقرء جهرا إذا كانت
الصلاة جهرية إذ الاخفات فيها وظيفة المأموم المسبوق والمفروض انه صار منفردا
حينئذ لو لم يقرء الفاتحة أصلا يقرئها جهرا ولو قرء بعضها اخفاتا ثم انفرد لعدم امهال

504
الامام فهل يستأنف الحمد أو يجتزى بما قرء اخفاتا ثم يأتي بالبقية جهرا الظاهر الثاني
فان ما وقع صار جزء للصلاة فلا وجه لبطلانه وما بقى يأتي به جهرا للدليل الدال على
وجوب الجهر بالقراءة.
الثانية إذا أدرك الامام في الركعة الثانية تحمل عنه القراءة فيها ووجوب عليه
القراءة في ثالثة الامام الثانية له ويتابعه في القنوت في الأولى منه وفى القعود للتشهد.
اما وجوب القراءة في الثانية فلعموم أدلة وجوب القراءة وعدم شمول دليل
السقوط ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام
إذا سبقك الامام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة من صلوته وهي
ثنتان لك الخبر.
واما المتابعة في القنوت فلما روى الشيخ باسناده إلى عبد الرحمن بن أبي
عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يدخل الركعة الأخيرة من الغداة مع الامام فقنت
الامام أيقنت معه فان عليه السلام نعم ونجريه من القنوت لنفسه وظاهر الرواية الاكتفاء
بهذا القنوت عن القنوت في الركعة الثانية بمعنى عدم استحبابه فيها هذا ولكن لا بأس
باتيانه بداعي القربة المطلقة.
واما المتابعة في القعود للتشهد فلرواية إسحاق بن يزيد قال لأبي عبد الله عليه السلام
جعلت فداك يسبقني الامام بالركعة فتكون لي واحدة وله ثنتان فأتشهد كلما (حين خ ل)
قعدت قال عليه السلام نعم فان التشهد بركة وبهذا المضمون رواية داود بن حصين لكنها
واردة في خصوص صلاة المغرب ويستفاد منهما استحباب المتابعة في القول بقرينة
قوله عليه السلام انما التشهد بركة والأولى عدم التمكن بان يتجافى أو يقعى اقعاء كما ورد
في بعض الروايات بعد السؤال عمن يدرك الامام في الركعة الثانية وهي الأولى له كيف
يصنع فأجاب عليه السلام بأنه يتجافى ولا يتمكن من القعود وفى رواية أخرى من أجلسه الامام
في موضع يجب ان يقوم فيه يتجافى واقعي اقعاء ولم يجلس متمكنا.

505
في وجوب الاخفات في القراءة على المأموم المسبوق
الثالثة المأموم المسبوق يخفت في القراءة في الثانية له الثالثة للامام وان
كانت الصلاة جهرية وكذا من أدرك الأخيرتين للامام وهما الأولتان له يخفت في كل
منهما لقول أبى جعفر عليه السلام في رواية ان أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء
ركعتين وفاتته ركعتان قرء في كل ركعة مما أدرك خلف الامام في نفسه بأم الكتاب وسورة
والظاهر من قوله (ع) في نفسه بعد عدم كون المراد منه مثل حديث النفس هو ان يقرء بحيث
يسمع نفسه وكذا من اقتدى في الأولتين من الجهرية ولم يسمع صوت الامام فان القراءة
وإن كانت مستحبة له كما مضى ولكنه لو قرء يقرأ اخفاتا هكذا في بعض الكلمات
ولكن الدليل على ذلك غير واضح فانا ما وجدنا عليه دليلا الا بعض الأخبار الآمرة
بالقراءة لنفسه إذا لم يسمع صوت الامام كرواية قتيبة عن أبي عبد الله عليه السلام إذا كنت
خلف امام ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرء أنت لنفسك
وكما في رواية سماعة وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه وظهور القراءة لنفسه في الاخفات
غير واضح بل يحتمل قريبا ان يكون المراد عدم الاكتفاء بقراءة الامام بل يقرء
لنفسه و (ح) ليس متعرضا للجهر والاخفات أصلا.
وهل يجب الاخفات بالبسملة أيضا في الصورة التي يجب الاخفات بالقراءة
بواسطة الجماعة أو يستحب الجهر بها كما في الصلوات التي يتعين فيها الاخفات
الظاهر الأول لظهور الأدلة الدالة على لزوم الاخفات في القراءة في مجموعها ومن
ابعاضها البسملة والتمسك بالأدلة الدالة على استحباب الجهر بالبسملة في الصلوات
التي يتعين فيها الاخفات فاسد من وجوه أحدها انصراف تلك الأدلة إلى الصلوات
التي عين فيها الاخفات بحسب جعل الشارع أولا ولا تشمل ما وجب الاخفات فيه لعروض
الجماعة وثانيها انه على فرض تسليم الاطلاق لتلك الأدلة يجب تخصيصها بما يدل على
لزوم الاخفات في المأموم المسبوق وليس الدليلان من قبيل العامين من وجه حتى يكون
تعارضهما في المأموم المسبوق موجبا للاجمال فان دلالة ما دل على لزوم الاخفات بالبسملة

506
في المأموم المسبوق ليست من قبيل دلالة العام الاستغراقي على افراده بل الفاتحة
شئ واحد يدل الدليل على لزوم الاخفات في مجموعها فلو لم يكن الاخفات ببعضها
واجبا ليست دلالته على لزوم الاخفات في الباقي دلالة مستقلة ففي الحقيقة ادخال
البسملة تحت الدليل الدال على استحباب الجهر طرح للدليل الدال على لزوم الاخفات
بالمجموع وليس من باب رفع اليد عن بعض المدلول والاخذ بالباقي و ح يكون حال
الدليل حال العام والخاص المطلقين فتأمل ثالثها انه مع فرض معاملة العموم من
وجه بين الدليلين غاية الامر تعارضهما في المورد ولا دليل على استحباب الجهر فلا
يمكن اتيانها جهرا بعنوان العبادة وانها جزء من العمل.
ثم إن وجوب الاخفات هل هو نفسي أو شرطي الظاهر هو الثاني كما هو الحال
في نظائره وعلى هذا فهل هو شرط لأصل الصلاة أو الجماعة الظاهر الثاني ويتفرع
عليه عدم شمول الأدلة الدالة على عدم قدح الجهر في موضع الاخفات جهلا فلو
جهل بالقراءة جهلا بالحكم تبطل الجماعة كالاخلال بسائر وظائف الجماعة مع
امكان القول بعدم الشمول لو كان شرطا لأصل الصلاة أيضا فان ظاهر تلك الأدلة
الاجهار في موضع الاخفات في الصلاة التي تكون اخفاتية بحسب جعل الشرع أولا
بالذات كالظهرين لاما وجب الاخفات فيه لعارض.
نعم لو أخل ناسيا للجماعة يمكن القول بعدم الاخلال لعدم الدليل على
الشرطية حتى في حال النسيان مع امكان القول ببطلان الجماعة لاطلاق المادة الظاهر
في الشرطية المطلقة.
الرابعة إذا حضر المأموم للجماعة ولم يدر ان الامام في الأوليين أو في الأخيرتين
فليس له أصل موضوعي يحرز به حال الامام واستصحاب عدم فراغ الامام عن
الأولتين لا يثبت ادراك الأوليين معه حتى يترتب عليه سقوط القراءة واصل البراءة
عن القراءة لا يجرى بعد العلم بأنه يجب عليه اما القراءة واما اللحوق بالامام في الأوليين
فلابد له من اتيان القراءة بقصد القربة المطلقة فان كان في الأخيرتين فقد وقعت في
محلها وان كان في الأوليين فلا يضره ذلك.

507
الخامسة إذا تخيل كون الامام في الأوليين فترك القراءة ثم تبين انه في الأخيرتين
فان كان التبين قبل الركوع قرء ولو الحمد وحده ولو لم يمهله لقراءته فقد مضى
الكلام في سقوط الحمد عنه أيضا ومتابعة الامام في الركوع ومضى ان الأحوط القراءة
ثم اللحوق بالامام في السجدة أو قصد الانفراد ومضى أيضا ان الأحوط في ذلك الانفراد
ولو تبين بعد الركوع فصحة صلوته مبنية على شمول حديث لا تعاد للترك عن جهل
في الموضوع وعدم اختصاص مورده بالنسيان ودعوى الشمول وان كانت غير بعيدة لكن
مضى انصراف الحديث عما إذا كان الترك بزعم وجود المسقط.
(5) لو كان في النافلة فأقيمت الجماعة وخاف من اتمامها عدم ادراك الجماعة
جاز قطعها لان اتمام النافلة مستحب وادراك الجماعة أيضا مستحب وهو أهم في نظر
الشارع من النافلة فقطع النافلة والاشتغال بالجماعة أولى من اتمام النافلة هذا
لكن الحكم باستحباب القطع بمجرد ذلك مشكل فان وجود الأهم لا يوجب رجحان ترك
المستحب الاخر المضاد له في الوجود كما حقق البحث عن ذلك في مبحث الضد.
ولو كان مشتغلا بالفريضة منفردا وخاف من اتمامها فوت الجماعة استحب له العدول إلى
النافلة واتمامها ركعتين والدليل عليه ما رواه ثقة الاسلام عن محمد بن يحيى عن أحمد
بن محمد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينهما هو قائم يصلى إذا اذن المؤذن وأقام الصلاة قال
فليصل ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الامام وليكن الركعتان تطوعا هذا إذا
أمكن له اتمامها ركعتين ثم اللحوق بالجماعة وأما إذا لم يمكن له ذلك فقد حكموا
بجواز قطعها مطلقا أو بعد العدول إلى النافلة ولم يوجد على ذلك دليل واستفادة ما
ذكر من الرواية السابقة لا تخلو من اشكال فلا دليل على جواز رفع اليد عن الفريضة فان
المتيقن من مدلول رواية المجوزة لرفع اليد عن الفريضة انما هو ما إذا اتسع الوقت لاتمام
الصلاة ركعتين بل يمكن ان يقال ان المتيقن الاذن في العدول على فرض اتمامها ركعتين
والاشتغال بالجماعة فلو لم يسع الوقت للاتمام أو لم يتمها ركعتين أو لم يشتغل بالجماعة

508
أم يكن مأذونا وبعبارة أخرى المشتغل بالفريضة لا مانع من أن يقال له انك على تقدير
اتمام الصلاة ركعتين والاشتغال بالجماعة بعدها مأذون في رفع اليد عن الفريضة وفى
غير الفرض يجب عليك اتمام الفريضة.
فان قلت لو عدل عن الفريضة إلى النافلة فلابد ان يأتي بها بقصد انها نافلة فكيف
يمكن ان يكون الاذن مشروطا باتمام الصلاة.
قلت ليس في الرواية ما يدل على أن مريد الجماعة تنقلب صلوته نافلة حين الاتيان
بها بل مفادها انها بعد اتمامها ركعتين تحسب نافلة ولا مانع من صيرورتها على تقدير
تماميتها نافلة كما أنه لا مانع من اشتراط الاذن في رفع اليد عن الفريضة باتمامها ركعتين
والاشتغال بالجماعة.
فان قلت لو كان الاذن في رفع اليد عن الفريضة مشروطا باتمام الصلاة ركعتين
فيلزم ان يكون متأخرا عن اتمامها فيكون الاذن في رفع اليد بعد رفع اليد وهذا
واضح البطلان.
قلت ما يعبر عنه بالشرط في الانشاء كشرط الوجوب في الواجب المشروط
ليس كالشرائط الخارجية للوجود الخارجي للشئ كيف وتحقق الانشاء قبل تحقق
ما علق عليه في الواجبات المشروطة بل المراد بالشرط في الواجب المشروط ما يكون
انشاء الوجوب بعد فرض تحققه في الخارج لا بعد وجوده في الخارج فكما يمكن ان يكون
ظرف العمل بعد تحقق ما هو مفروض الوجود كذلك يمكن ان يكون ظرفه قبله أو
مقارنا له وكذلك حال الاذن المشروط من دون تفاوت وقد حققنا في الأصول معنى وجوب
الوجوب المشروط ومن أراد فليراجع.
فان قلت إن مقتضى الصحيحة السابقة الامر باتيان الصلاة ركعتين إذا اذن
المؤذن وأقام الصلاة وهو بين الصلاة والامر بذلك يقتضى كونه مأذونا في رفع اليد عن
الفريضة بين الصلاة وهذا ينافي كون الاذن في رفع اليد عن الفريضة مشروطا باتمام الصلاة
ركعتين.
قلت الامر باتمام الصلاة كما يمكن ان يكون من جهة انها نافلة بالفعل كذلك

509
يمكن ان يكون من جهة انما على فرض وجودها تحسب نافلة وليس في الرواية الا الامر
باتمامها ركعتين وان الركعتين المفروضتين من التطوع وكون مجموع الركعتين
تطوعا مع أن البعض الذي مضى منهما كان بقصد امتثال الامر الوجوبي لا يكون الا بواسطة
معاملة الشارع مع هاتين الركعتين معاملة الركعتين اللتين اتى بهما تطوعا من أول
الامر وكما أنه يمكن كذلك مع كون الاتمام مستحبا شرعيا كذلك يمكن مع عدم كونه
مستحبا بل يكون شرطا للاذن في رفع اليد عن الواجب ويكون الامر من جهة درك المكلف
فضيلة الجماعة من دون الوقوع في قطع الفريضة المحرم والحاصل ان الرواية المجوزة
للعدول إلى النافلة لمن يريد ادراك الجماعة لا يفهم منها الا اتمام الصلاة ركعتين و
الاشتغال بالجماعة مورد الترخيص وابطال الفريضة في غير هذه الصورة ولو بالعدول
إلى النافلة لا يدل عليه دليل فالاحتياط لا ينبغي تركه في غير الصورة المفروضة المتيقنة
اللهم الا ان يقال لا دليل على حرمة الابطال في مثل المورد فان دليلها الاجماع وهو
في مثل المقام ممنوع والأحوط اتمام الفريضة ثم الإعادة جماعة ان أراد وأمكن.
ثم الظاهر عدم الفرق في جواز العدول من الفريضة إلى النافلة لادراك الجماعة
بين كون الفريضة ثنائية أو غيرها والرواية المتقدمة وان كان المتبادر منها كون
الصلاة المشتغل بها غير الثنائية لكنه يفهم منها ان العدول إلى النافلة لادراك الجماعة
واتمام الصلاة تطوعا جائز فليتأمل.
(6) إذا تبين بعد الصلاة كون الامام كافرا أو فاسقا أو غير متطهر صحت الصلاة
المأموم وان اتى بما هو وظيفة المقتدى من ترك القراءة وتعدد الركن في مورد المتابعة
اما الأول فلرواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله في قوم خرجوا
من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمهم رجل فلما صاروا إلى الكوفة علموا انه يهودي
قال عليه السلام لا يعيدون وروى الصدوق ره باسناده عن زياد بن مروان القندي في كتابه
ان الصادق عليه السلام قال في رجل صلى بقوم حين خرجوا من خراسان حتى قدموا مكة فإذا
هو يهودي أو نصراني قال عليه السلام ليس عليهم إعادة والظاهر منها ومما سيجئ في مسألة

510
تبين حدث الامام صحة صلاة المأموم مطلقا وان ارتكب ما لا يغتفر للمنفرد وحمل الاخبار
على صورة عدم تخلف المأموم عن وظيفة المنفرد الا في ترك القراءة التي لا يوجر تركها
جهلا الإعادة لا وجه له إذ بهذه الاخبار أعني ما سمعته هنا وما سيجئ في مسألة تبين
حدث الامام يستكشف ان احراز الايمان والطهارة للامام يكفي في صحة اقتداء
المأموم هذا.
واما الثاني فللاجماع المركب والأولوية القطعية من جهة ان الكفر أعظم
أنواع الفسق ومن جهة ان الكفر والحدث موجبان لفساد الايتمام وفساد صلاة الامام
وليس الفسق موجبا لفساد صلاة الامام فهو أولى لكن الوجهين لا يفيدان الا الظن
كما لا يخفى فان تم الاجماع فهو والا ففيه اشكال.
وقد يقال ان دليل اعتبار العدالة لا يدل على اعتبار العدالة الواقعية فان
المتيقن من الاجماع عدم صحة الاقتداء بمن لم يحرز عدالته حين العمل وان ظاهر
قوله عليه السلام صل خلف من تثق بدينه وأمانته كون الايمان والعدالة من الشروط العلمية
حيث علق الاقتداء على الوثوق بهما لا على وجودهما في نفس الامر وفيه ان الظاهر أن
الخبر في مقام بيان الطريق لاثبات الدين والأمانة لا في مقام بيان ان الشرط
هو نفس الوثوق بهما ويشهد لذلك قول مولينا أبى الحسن عليه السلام لا تصل
الا خلف من تثق بدينه في جواب سؤال السائل اصلى خلف من لا اعرف على ما رواه الكشي
عن يزيد بن حماد هذا.
ويمكن ان يقال بكفاية احراز العدالة تمسكا بما ورد من صحة الاقتداء
باليهودي بتقريب ان المعتبر في امام الجماعة أمران في عرض واحد أحدهما الايمان
والاخر العدالة فان العدالة وان كان لا يمكن وجودها في الخارج الا بعد وجود
الايمان ولكن اعتبارهما في عرض واحد في امام الجماعة بمكان من الامكان فلا وجه
لرفع اليد عن ظاهر الأدلة المعتبرة لهما كما في سائر الشرائط المعتبرة في الامام
وحينئذ فنقول لو كان المعتبر في جانب العدالة هو الوجود الواقعي كان اللازم بطلان
الاقتداء باليهودي من جهة فقدان العدالة واقعا كما أنه لو كان المعتبر فيها وفى
الايمان كليهما هو الوجود الواقعي كان اللازم بطلان الاقتداء المذكور من جهة

511
فقدا ان كلا الامرين فحيث حكم الإمام عليه السلام بصحة الاقتداء دل على أن المعتبر في كل
منهما هو الاخر.
اشكال ودفع
واما الاشكال فهو انه بناء على ما ذكرت من كفاية احراز العدالة لا يمكن
اثباتها بالبينة والاستصحاب فان موردهما يختص بما إذا كان للواقع اثر شرعي
والمفروض في المقام ان العدالة الواقعية ليست موضوعا للأثر بل موضوع الأثر
احرازها هذا.
واما الدفع فهو ان كفاية الاحراز لصحة العمل لا تنافى كون العدالة أيضا
للحكم وقد عرفت ان الأدلة ظاهرة في اشتراط العدالة فلو دل الدليل على كفاية
الاحراز وعدم وجوب إعادة الصلاة التي صلاها خلف من أحرز عدالته وان تبين فسقه
فمقتضى الجمع كفاية أحد الامرين لا ثبوت اعتبار العدالة الواقعية أصلا
واما الثالث وهو صحة صلاة المأموم في صورة تبين حدث الامام فللأخبار المستفيضة
المعللة بعضها بعدم ضمان الامام وظاهر التعليل عدم استلزام فساد صلاة الامام لفساد
صلاة المأموم فيمكن ان يتعدى بواسطة تلك العلة العامة إلى كل مورد يتبين فساد صلاة
الامام من جهة الاخلال بشئ يعتبر فيها هذا ولكن قد يستشكل في هذا الحكم
أعني الحكم بصحة صلاة المأموم لو تبين كون الامام محدثا وفى التعدي عن ذلك
إلى كل مورد يتبين فساد صلاة الامام اما الأول فلمعارضة الأخبار الدالة على ذلك
بصحيحة معوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أيضمن الامام صلاة الفريضة فان
هؤلاء يزعمون أنه يضمن فقال عليه السلام لا يضمن أي شئ يضمن الا ان يصلى بهم جنبا
أو على غير طهر فان مقتضى الاستثناء بطلان صلاة المأموم في تلك الصورة إذ لو كانت
صلوتهم صحيحة ما فات منهم شئ حتى يكون الامام ضامنا.
واما الثاني فلانه بعد الغض عن تلك المعارضة والاخذ بمفاد الأخبار الدالة
على صحة صلاة المأمومين لا يمكن الاخذ بظاهر العلة المذكورة في بعض

512
تلك الأخبار فان من المسلم ضمان الامام القراءة عن المأموم والصلاة الفاسدة لا تشتمل
على قراءة صحيحة حتى تكون بدلا عن قراءة المأموم وبعبارة أخرى مقتضى القاعدة
الأولية انه لو تبين حدث الامام يكشف عن عدم كونه إماما وعدم كونهم مأمومين
فحكم الشارع بصحة صلاة المأمومين حكم تعبدي على خلاف القاعدة نظير الحكم
باجزاء العمل على طبق الحكم الظاهري فعدم إعادة المأمومين ليس مستنده الا هذا
الحكم لا عدم ضمان الامام ونحن نأخذ بمفاد الاخبار المصرحة بعدم لزوم الإعادة على
المأمومين ولكن العلة المذكورة لاجمالها مطروحة.
ويمكن ان يجاب عن المعارضة بان الصحيحة غير صريحة في بطلان صلاة
المأموم وان كانت ظاهرة في ذلك حين ان السؤال عن ضمان الامام للفريضة فنفيه
الا في صورة كونه جنبا أو على غير طهر ظاهر في بطلان صلاة المأموم عند كون
الامام جنبا أو على غير طهر لكن من المحتمل نفى ضمان الامام للمأمومين مطلقا الا ان
لا يصلى بهم جنبا أو على غير طهر وهذا لا ينافي صحة صلاة المأمومين إذا لم يعلموا
ان الامام كذلك والحاصل ان الامام متعهد للمأمومين بان لا يصلى على غير طهر فان
فعل ذلك عمدا اثم وان لم يتعمد ذلك فهو معذور واما المأموم فصلوته صحيحة بمعنى
اجزائها عن الواقع وان كانت غير كاملة ويتفرع على هذا الضمان والتعهد لزوم اعلام
المأمومين لو تبين للامام حاله في الأثناء.
واما الجواب من الاشكال الثاني فهو ان المراد من نفى الضمان في بعض الأخبار الدالة
على صحة صلاة المأمومين عدم استلزام فساد صلوته فساد صلاة المأموم
دفعا لتوهم ان الخلل الواقع في صلاة الامام يسرى إلى فريضة المأموم بحيث تكون
باطلة وان لم يعمل بوظيفة الجماعة واما فساد صلاة المأموم من جهة الاخلال ببعض
شرائط الجماعة التي منها صحة صلاة الامام واقعا وقد ترك القراءة بزعم صحة صلاة الامام و
كونه ضامنا لقراءته فقد نفاه دليل آخر جعل احراز صحة صلوته ولو بالأصل كافيا في
الصحة وعدم لزوم الإعادة وبعبارة أخرى ما يتخيل ان يكون موجبا لفساد صلاة المأموم
عند فساد صلاة الامام أمران.

513
أحدهما كون صحة صلاة الامام شرطا لصحة صلاة المأموم وفقدان شرط الصحة في
صلاة الامام مثل فقدان الشرط في صلاة المأموم بمعنى انه لو صلى الامام جنبا فكان
المأموم صلى جنبا والثاني ان صحة صلاة الامام موضوع لصحة الاقتداء فإذا لم تكن صلاة الامام
صحيحة فالاقتداء باطل وحيث إن المأموم ترك القراءة أو اتى بوظيفة أخرى للجماعة
فصلوته باطلة والرواية المتضمنة لعدم ضمان الامام ناظرة إلى الامر الأول واما
الامر الثاني فالذي يدل على عدم فساد صلاة المأموم إذا أحرز صحة صلاة الامام
بأصل أو امارة دليل آخر ومما ذكرنا يظهر انه لو تبين فساد صلاة الامام من غير جهة
الحدث أيضا يصح صلاة المأمومين لعموم العلة المذكورة فان المستفاد منها انه متى
لم يكن بطلان صلاة الامام مستلزما لبطلان صلاة المأموم لم يجب على المأموم
الإعادة ومنه يستكشف ان اشتراط صحة صلاة الامام للاقتداء يكفي فيه احراز
شرعا وان لم يكن مطابقا للواقع.
فرع إذا تبين للامام بطلان صلوته بعد الفراغ من جهة كونه محدثا فلا يجب
عليه اعلام المأمومين لتصريح الاخبار بعدم وجوب الاعلام عليه وانه موضوع عنه
وكذا لو تبين له بطلان صلوته من جهة الاخلال بشئ آخر للتعليل المتقدم ذكره
فإنه بعد ما لم يكن فساد صلاة الامام مستلزما لفساد صلاة المأموم كما هو مقتضى
التعليل المتقدم فأي فائدة في اعلام الامام حتى يجب بل يمكن ان يقال لا يجب على
الامام الاعلام وان تبين له البطلان في الأثناء فان اتمام المأمومين الصلاة مع الامام
مع هذا الحال موجب للاجزاء وسقوط التكليف واقعا فليس اخفاء حاله حينئذ موجبا
لالقائهم في خلاف الواقع لكن يمكن القول بوجوب الاعلام لو تبين في أثناء العمل
حدثه أو أحدث بواسطة الصحيحة المتقدمة فإنه بعد حملها على ما ذكرنا سابقا يكون
مفادها التعهد بان لا يصلى بهم على غير طهر فلو لم يعلمهم حتى أتموا الصلاة وان كان
لا يجب عليهم الإعادة لكنه اثم بذلك ولعل تفصيل بعض علماء العصر بين تبين بطلان
الصلاة للامام بعد الفراغ وبينه في الأثناء حيث أفتى بعدم وجوب الاعلام في الأول
ووجوبه في الثاني مستند إلى ما ذكرنا.

514
في شرائط الامام
الفصل الرابع فيما يعتبر في امام الجماعة يشترط فيه أمور.
أحدها ان يكون قابلا للتكليف بان يكون بالغا عاقلا اما اعتبار العقل
فموضع وفاق مضافا إلى التصريح في بعض الروايات كرواية أبي بصير وهو ليث المرادي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال خمسة لا يؤمون الناس وعد منهم المجنون ورواية حريز عن
زرارة عن أبي جعفر (ع) قال عليه السلام قال أمير المؤمنين (ع) لا يصلين أحدكم خلف المجنون
الخبر ولو كان أدوارا صح الاقتداء حال الإفاقة ولو احتمل طروه في الأثناء يبنى على
العدم لاستصحاب عدم عروض تلك الحالة ويمكن الخدشة في ذلك فيما إذا علم بأنه
ينكشف حال الامام في أثناء الصلاة لأنه يلزم على ذلك العلم بارتفاع موضوع الحكم
الظاهري قبل اتمام العمل فلا يمكن تعلق الحكم بشئ مع ارتفاع ذلك الحكم قبل
الاتيان به بل ومع الشك في ذلك لاحتمال عدم قابلية المحل للحكم الظاهري
الاستصحابي نعم يمكن القول بجواز الاقتداء رجاء فلو انكشف جنون الامام في الأثناء
يكشف عن بطلان الاقتداء أولا واما اعتبار البلوغ فهو المشهور بل المحكى عن
المنتهى نفى الخلاف فيه ويدل عليه العلوي المنجبر بالشهرة لا يؤم الغلام حتى يحتلم
وان أم جاز صلوته وفسد صلاة من خلفه ويعارضه خبرا طلحة بن زيد وغياث بن إبراهيم
المجوزان لامامة الصبي وآذانه وما ورد في جواز في عتق الغلام وصدقته وامامته مع بلوغ
العشر لكن الخبرين ضعيفان ولا جابر لهما واماما ورد في جواز صدقة الغلام وامامته
وعتقه فظاهره ان عشر سنين حد بلوغ الغلام لا ان الصبي الغير البالغ يجوز له هذه
الأمور كما هو محل البحث فيما نحن فيه فإذا القول بعدم جواز امامة الغير البالغ
كما عليه المشهور لا يخلو عن قوة.
تنبه مقتضى القاعدة فيما إذا ثبت شرطية شئ لصحة الاقتداء وأحرز أولا بأصل
أو امارة وتبين خلافه بعد العمل هو بطلان العمل ان أتى بوظيفة الجماعة من ترك
القراءة أو زيادة الركن بواسطة المتابعة أو غير ذلك مما يبطل الصلاة في حال

515
الانفراد بل الحكم كذلك فيما لو شك شرطيته ولم يكن لأدلة الجماعة اطلاق يدفع
الاشتراط خرج عن تلك القاعدة تبين عدم ايمان الامام وعدالته وطهارته عن الحدث
بل كل شرط يوجب فقدانه بطلان صلاة الامام كما سبق واما غير ذلك من الأمور
المعتبرة في الجماعة أو المشكوك اعتبارها ولم يكن دليل على اعتباره فمقتضى
القاعدة فساد صلاة المأموم لو أتى بوظيفة الجماعة من ترك القراءة وأمثاله لو تبين
فقد ذلك في الامام فلو تبين كون الامام مجنونا أو غير بالغ أو امرأة وأمثال ذلك وأتى
المأموم بوظيفة الجماعة فمقتضى القاعدة بطلان صلوته وان أحرز أولا خلاف ذلك
لعدم الدليل على كفاية الاحراز في صحة صلاة المأموم.
والثاني العدالة: اعلم أن اعتبار العدالة في الامام مما هو المقطوع به في
كلام الأصحاب كما في المدارك وان اختلف كلماتهم في حقيقتها من كونها كيفية
نفسانية باعثة على ملازمة التقوى أو هي مع المروة أو انها عبارة عن مجرد ترك المعاصي
أو خصوص الكبائر وان لم يكن عن ملكة أو انها عبارة عن الاستقامة الفعلية الناشئة
عن الملكة والمتبع هو الدليل والخبر المتضمن لشرح العدالة هو صحيحة ابن أبي
يعفور ولنذكرها تيمنا روى الصدوق ره باسناده عن عبد الله بن أبي يعفور قال قلت
لأبي عبد الله عليه السلام بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم
فقال إن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان وتعرف باجتناب
الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين
والفرار من الزحف وغير ذلك والدلالة على ذلك كله ان يكون ساترا لجميع عيوبه
حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه ويجب عليهم تزكيته
واظهار عدالته في الناس ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن و
حفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين وان لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم
الا من علة فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس فإذا سئل عنه في
قبيلته ومحلته قالوا ما رأينا منه الا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في
مصلاه فان ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين وذلك أن الصلاة ستر وكفارة

516
للذنوب وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلى إذا كان لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة
المسلمين وانما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلى ممن لا يصلى ومن
يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع ولولا ذلك لم يكن أحد ان يشهد على آخر بصلاح
لان من لا يصلى لاصلاح له بين المسلمين فان رسول الله صلى الله عليه وآله هم بان يحرق قوما
في منازلهم لتركهم الحضور في جماعة المسلمين وقد كان فيهم من يصلى في بيته فلم
يقبل منه ذلك فكيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله
عز وجل ومن رسوله صلى الله عليه وآله فيه بالحرق في جوف بيته بالنار وقد كان يقول صلى الله عليه وآله وسلم
لا صلاة لمن لا يصلى في المسجد مع المسلمين الا من علة الخبر والظاهر من الرواية
بيان معرفة العدالة في الخارج لا بيان مفهومها وحمل الكلام على بيان المعرف
المنطقي خلاف الظاهر وأيضا ظاهر السؤال عن طريق تشخيص العدالة ان يكون
مفهوما معينا عند السائل لأنها عرفا هي الاستقامة والاستواء في مقابل الاعوجاج
وإذا أطلق الشارع فلا يشك في أن المراد هو الاستقامة في جادة الشرع الناشئة من
الحالة النفسانية وهي التدين الباعث له على ملازمة فعل الواجبات وترك المحرمات
ولما لم يكن لهذا المعنى اثر خاص في الخارج بحيث يكون كاشفا قطعيا لوجوده
لكل أحد الا نادرا ألجأ السائل إلى أن يسئل طريقه عن الإمام عليه السلام فان ترك
المحرمات وفعل الواجبات وان صار خلقا وعادة لاحد ولكن لا يعلم أنه من جهة الديانة
الواقعية والخوف عن المخالفة أو من جهة أخرى مثل كونه محبوبا عند الناس أو غير مذموم
أو غير ذلك وكونه من جهة خصوص الديانة لا يعلمه الا الله في الغالب وهذا بخلاف سائر
الملكات كالشجاعة والسخاوة وأمثال ذلك فإنها تستكشف قطعا عند وجود آثارها
الخاصة فاجابه عليه السلام بالسر والعفاف الخ.
وهذه العناوين المذكورة في الجواب وان كانت مشتملة على الملكة ولكن
لا تدل على الملكة الخاصة التي هي التدين والخوف من عقوبة الله جلت عظمته فلا
ينافي جعلها طريقا تعبديا إلى ثبوت العدالة فاندفع بذلك ما قد يتخيل ان العناوين
المذكورة في جواب السائل لاشتمالها على بيان الملكة لا يمكن ان تكون طريقا إلى ثبوت

517
العدالة بل هي عين مفهوم العدالة ومن هذه الجهة حملت على المعرف المنطقي.
والجواب ما أشرنا إليه من أن تلك العناوين وان كانت مشتملة على المكلة فإنه
لا يقال رجل ستيرا وعفيفا لا بالنسبة إلى من كان الستر والعفاف ملكة له ولكنها لا تدل
على الملكة الخاصة التي هي الديانة والحكم بان العدالة محققة مع وجود الأوصاف
المذكورة ليس الا من جهة التعبد.
ثم إن معرفة الشخص بالستر والعفاف وانه تارك للقبائح على وجه الاطلاق
يحتاج إلى معاشرة تامة في جميع الحالات وهذه مما لا يتفق لغالب الناس فجعل
الشارع لذلك دليلا وطريقا آخر وهو كونه ساترا لعيوبه بين أظهر الناس مع احتمالهم
ارتكاب القبيح في الخلوة فجعل الشارع ستره عيوبه في الملاء طريقا ودليلا على كونه
غير مرتكب للقبيح مطلقا فيحكم بعدالته أيضا وجعل طريقا ثالثا أيضا نافعا لمن ليس له
معاشرة مع شخص مطلقا إلى في أوقات حضور الصلاة مع الجماعة فمن حضر جماعة المسلمين
يحكم بعدالته وانه لا يرتكب القبائح الشرعية مع الجهل بأحوال ذلك الشخص الحاضر
في جماعة المسلمين بل لحضور الشخص صلاة الجماعة ثلث فوائد إحداها ان ترك
الجماعة مع المسلمين بدون علة بحيث يعد اعراضا عنها من أعظم العيوب فمن
تركها كذلك فليس ساترا لعيوبه بل هو مظهر لها والثانية انه منلم يحضر الجماعة
لا دليل لنا على أنه يصلى والثالثة ان حضوره للجماعة دليل شرعا على كونه تاركا
لما نهى الله عنه وعاملا بكل ما امر الله تعالى به وقد أشار إلى كل واحد من الأمور
المذكورة الصحيحة المتقدمة فتدبر فيها.
بقى الكلام: في أمور أحدها هل المروة معتبرة في العدالة أم لا موضع الاستدلال
في الصحيحة فقرات إحداها قوله عليه السلام بان تعرفوه بالستر والعفاف بناء على أن
يكون المراد منها الستر والعفاف من كل ما يعد عيبا شرعا وعرفا الثانية قوله عليه السلام
وكف البطن والفرج واليد واللسان بناء على أن المراد منها كف هذه الأعضاء عن
مشتهياتها التي يذم عليها شرعا أو عرفا الثالثة قوله عليه السلام والدلالة على ذلك كله
ان يكون ساترا لجميع عيوبه بالتقريب الذي مضى والانصاف عدم الدلالة لان

518
صدور الكلام عن الشارع موجب للانصراف إلى ما يعد نقصا في الدين ومحرما في
الشريعة.
ثانيها مقتضى ما اشتهر بينهم ان الصغيرة لا تنافى العدالة وان كان ارتكابها محرما
وهذا مشكل جدا وكيف يرضى أحد ان يقول لمرتكب الحرام والعاصي لأمر الله
تعالى انه عادل فان صدور الذنب أحيانا وان كان لا ينافي بقاء الحالة النفسانية ولكن
ليست العدالة مجرد تلك الحالة النفسانية حتى يقال ببقائها في حال الصدور المعصية
بل هي عبارة عن كيفية نفسانية باعثة فعلا على ملازمة التقوى ومن الواضح ان
مرتكب المحرمات بواسطة غلبة القوى الحيوانية لم يؤثر فيه الخوف من الله تبارك
وتعالى.
نعم: لو تاب بمعنى انه ندم وبنى على عدم العود إلى المخالفة يعود وصف
العدالة لأنه ملازم للتقوى فعلا من جهة الهيئة الراسخة في النفس والحاصل ان
مرتكب الحرام في حال ارتكابه له لا يقال انه عادل سواء كانت ذلك الحرام من الصغائر
أم من الكبائر كما أنه بعد الندامة والتوبة الحقيقية واتصافه بعدها بالستر
والعفاف يقال انه عادل سواء كان الحرام الذي ارتكبه من الصغائر أم من الكبائر
أيضا وعمدة ما يمكن الاستدلال به لعدم منافاة ارتكاب الصغيرة للعدالة قوله عليه السلام في
صحيحة ابن أبي يعفور ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار وهو انما
يتم لو كانت القضية لبيان معرف المنطقي إذ مفهوم العدالة على هذا مساوق للاجتناب عن
الكبائر فقط واما لو حملناها على المعرف الشرعي أعني الامارة الشرعية التعبدية
المجعولة للشاك فمقتضاها ان الاجتناب عن الكبائر دليل شرعا على أنه يعمل
بالواجبات ويترك المحرمات ومن المعلوم ان الامارة الشرعية انما يؤخذ بها ما لم
يعلم الخلاف وقد شرحنا سابقا وقلنا ان الفقرات الواردة في الصحيحة محمولة على
بيان الامارة الشرعية ومن الغريب ما صدر عن بعض العلماء الاعلام في هذا المقام و
ها انا أذكر عين عباراته لعل الناظر فيها يحصل مراده غير ما فهمنا قال قدس سره
والذي يقوى في النظر ان صدور الصغيرة أيضا إذا كان عن عمد والتفات تفصيلي إلى

519
حرمتها كالكبيرة مناف للعدالة ولكن الذنوب التي ليست في أنظار أهل الشرع كبيرة
قد يتسامحون في أمرها فكثيرا ما لا يلتفتون إلى حرمتها حال الارتكاب أو يلتفتون إليها
ولكن يكتفون في ارتكابها باعذار عرفية كترك الامر بالمعروف والنهى عن المنكر
والخروج عن مجلس الغيبة ونحوها حياء مع كونهم كارهين لذلك في نفوسهم فالظاهر
عدم كون مثل ذلك منافيا لاتصافه بالفعل عرفا بكونه من أهل الستر والعفاف والخير
أو الصلاح وغير ذلك من العناوين المعلق عليها قبول شهادته في اخبار الباب وهذا
بخلاف مثل الزنا واللواط وشرب الخمر وقتل النفس ونظائرها مما يرونها كبيرة
فإنها غير قابلة عندهم للمسامحة ومانعة عن اتصاف فاعلها بالاستقامة والاعتدال
مطلقا فهذا هو الفارق بين ما يراه العرف صغيرة وكبيرة فان ثبت بدليل شرعي ان
بعض الأشياء التي يتسامح فيها أهل العرف ولا يرونها كبيرة كالغيبة مثلا حاله حال
الزنا والسرقة لدى الشارع في كونها كبيرة كشف ذلك عن خطأ العرف في
مسامحتهم وان هذا أيضا كالزنا مناف للعدالة مطلقا فالذي يعتبر في تحقق وصف العدالة
ان يكون الشخص من حيث هو لو خلى ونفسه كافا نفسه عن مطلق ما يراه معصية و
مجتنبا بالفعل عن كل ما هو كبيرة شرعا أو في أنظار أهل العرف والدليل على ما
قويناه ما تقدمت الإشارة إليه مرارا من أن المتبادر من اطلاق كون الرجل عدلا في
الدين ليس الا إرادة كونه ملازما للتقوى والصلاح بأداء الواجبات وترك المحرمات
ولم يظهر من صحيحة ابن أبي يعفور ولا من غيرها من الروايات إرادة ما ينافي ذلك
فمن شهد أهل العرف الذين ألقى إليهم الخطاب باشهاد ذوي عدل منهم بكونه
موصوفا بهذه الصفة جرى عليه حكمه وان كانت شهادتهم بذلك مبتنية على بعض
المسامحات المغتفرة لديهم كساير الموضوعات التي تعلق بها حكم شرعي مما يتحمل
المسامحات العرفية كاطلاق الصاع من الحنطة على الحنطة المدفوعة فطرة المشتملة
على شئ يسير من تراب أو تبن ونحوه مما يتسامح فيه فحكمهم متبع في تشخيص
موضوعات الاحكام وان كان مبتنيا على هذا النحو من المسامحات الغير الموجبة
لكون الاطلاق اطلاق مجازيا في عرفهم.

520
اللهم الا ان يدل دليل شرعي على خطائهم في مسامحتهم وان الذنب الفلاني
الذي يستصغره العرف ويتسامحون في امره ليس كما يرونه بل هو عظيم في الواقع
بحيث لو اطلع العرف على عظمته لرأوا كون مرتكبه خارجا عن حد الاعتدال خروجا
بينا غير قابل للمسامحة نظير ما لو دل الدليل في المثال على أن ما يرونه من التبن
المختلط ليس كما يرونه بل هو جسم ثقيل كقطع الحديد له مقدار معتد به من الوزن
غير قابل للمسامحة فليتأمل فإنه لا يخلو عن دقة انتهى كلامه رفع مقامه وليت شعري
انه بعد ما صرح بان صدور الصغيرة أيضا إذا كان عن عمد والتفات إلى حرمتها ينافي
العدالة كالكبيرة إلى أي وجه استند وعلى أي دليل اعتمد في الحكم ببقاء وصف
العدالة مع ارتكاب المعصية الصغيرة امن جهة عدم التفاتهم إلى حرمتها أو من جهة
انهم مع الالتفات إلى حرمتها يكتفون في ارتكابها باعذار عرفية كما صرح بكلا
الوجهين بعد التصريح بان ارتكاب الصغيرة كالكبيرة مناف للعدالة.
اما الوجه الأول فارتكاب المحرم مع الغفلة عن كونه محرما لا يكون
معصية وان كان من الكبائر فهو خارج عن محل البحث فان الكلام في أن المعصية
الصغيرة تنافى العدالة أم لا الا ان يكون الغفلة المفروضة ناشئة عن المسامحة الغير
الجائزة عليه فيكون خارجا عن حد الاستقامة والاعتدال.
واما الوجه الثاني فما ادرى أي متشرع يرى نفسه معذورا في مخالفة الشارع
وعصيانه بمجرد ان ما أتى به ليس من المحرمات التي وعد الله عليها العذاب مثلا و
أي معنى للمعذورية مع العلم بكون العلم منهيا شرعيا.
ثالثها مقتضى الصحيحة الواردة في بيان العدالة ان يكون الشخص متصفا
بالأوصاف المذكورة فيها مثل كونه ساترا لعيوبه فعلا وتاركا للكبائر ولا اشكال
في أن العيوب التي ليس قادرا على ارتكابها متروكة من جهة عدم القدرة ولا يقال
انه ساتر لها فالمراد ان يكون ساترا للعيوب التي تكون محلا لابتلائه وقادرا
عليها من جهة وجود أسبابها وكذا يكون تاركا للكبائر التي يتمكن من الوصول
إليها إذا عرفت ذلك.

521
فنقول لو حملنا الفقرات المذكورة في الصحيحة على المعرف المنطقي فاللازم
الحكم بعدالة من يكون قادرا على ارتكاب بعض المحرمات ولكنه يتركها خوفا
من الله تعالى ولكن نقطع بأنه لو قدر على حرام آخر لم يكن كافا لنفسه بل يغلب عليه
القوى الشهوية وكذلك اللازم ان يكون شخص عادلا في محل واقعا لعدم اجتماع
موجبات بعض المعاصي مع كونه كافا لنفسه عما يكون قادرا عليه وإذا قام في بلد
آخر وتهيأ له أسباب بعض المعاصي يكون غير عادل واقعا ولا أظن أنه يرضى بلك
أحد واما بناء على ما قلنا من كون الصحيحة لبيان الامارة على العدالة الواقعية
تعبدا فلا يلزم ذلك فان مقتضاها على هذا ان الاتصاف بهذه الأوصاف امارة تعبدية
على العدالة والاستقامة المطلقة فمن يعلم من حاله ان متروكية بعض المعاصي بالنسبة
إليه ليست الا من جهة عدم الأسباب فلا يحكم عليه بالعدالة ولا يترتب عليه آثار
العادل الواقعي فإنه من المعلوم عدم عدالته والامارة معتبرة من جهة الطريقية إلى
الواقع ومع العلم بمخالفة الواقع ليست بمعتبرة.
رابعها مقتضى اطلاق الرواية عدم تقييد الامارات المذكورة فيها بالظن بل
ولا بعدم الظن بالخلاف كما في غالب الامارات المجعولة تعبدا ويدل على ذلك مضافا
إلى اطلاق الصحيحة مرسلة يونس فإذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا جازت
شهادته ولا يسئل عن باطنه وقوله عليه السلام من صلى خمس صلوات في اليوم والليلة في
جماعة فظنوا به خيرا فان مساق الخبر وجوب المعاملة مع الشخص الذي يحضر
الجماعة في الأوقات الخمسة معاملة العادل لا انه ارشاد إلى ما يفيد الظن الفعلي
بعدالته كما لا يخفى وقوله عليه السلام من عامل الناس فلم يظلمهم الخ ودعوى انصراف الأدلة
المذكورة إلى صورة إفادة الصفات المذكورة فيها الظن الفعلي بحسن الباطن غير
جيدة كما أن دعوى ان اطلاق تلك الأدلة مقيد بما ورد في باب الجماعة من عدم جواز
الاقتداء الا بمن تثق بدينه وورعه غير صحيحة فان مقتضى الدليل المذكورة كون الوثوق
أيضا امارة في عرض الامارة المذكورة في الاخبار لا انه مقيد لتلك الأدلة ولذا
لا نرى من أنفسنا تقييد دليل حجية البينة بمثل الدليل المذكور هذا مضافا إلى أن القول

522
بالتقييد يوجب الالتزام بتقييد الوثوق أيضا بما إذا كان حاصلا من حسن الظاهر إذا لا وجه
لتقييد أحد الدليلين بالآخر دون العكس في المثبتتين الذين يكون بينهما عموم من وجه
وبعبارة أخرى الجمع بين الدليلين المذكورين اما بحمل موضوع كل منهما على
الموجب المستقل فينتج ما ذكرنا أولا من كون كل منهما امارة مستقلة لا يحتاج
إحداها إلى ضميمة أخرى واما بحمل موضوع كل منهما على جزء الموجب فينتج
ما ذكرنا أخيرا من أن اللازم الحكم بالعدالة في صورة الاجتماع.
خامسها الظاهر عدم الاشكال في أن المعاصي على قسمين صغيرة وكبيرة
فاللازم تشخيص الكبائر من الصغائر لا يقال بناء على ما قلت من أن ارتكاب الصغيرة
مناف للعدالة كالكبيرة فلا يبقى لتميز إحديهما عن الأخرى اثر عملي لأنا نقول
يكفي في الأثر المتعلق بالعمل جعل الشارع الاجتناب عن الكبائر طريقا إلى الحكم
بالعدالة دون الصغائر.
فان قلت كيف يتصور جعل خصوص الكبائر طريقا إلى العدالة مع أن
طريقية اجتناب الصغائر إليها أولى فان من يخاف الله في ارتكاب الصغيرة مع كون
محذورها أخف من الكبائر فهو أولى بعدم ارتكاب الكبائر مع ما أوعد الله عليها
من العذاب الغير القابل للتحمل.
قلت يمكن ان يقال ان وجه اختصاص اجتناب الكبائر في كونه طريقا
للعدالة ان الكبائر غالبا مقرونة بالدواعي النفسانية والقوى الحيوانية من الشهوية
والغضبية دون الصغائر فالاجتناب عن الصغائر يكفي فيه أول درجة من الايمان
والخوف من الله تبارك وتعالى بخلاف الاجتناب عن الكبائر فإنه يحتاج إلى ملكة قوية
غالبة على ما نفسه من الدواعي على المشتهيات النفسانية القوية ولذا من اثر
في نفسه نهى الشارع عن الكبيرة وصارت مشتهياته مقهورة مع قوتها فهو ممن
يترك الصغيرة بطريق أولى إذا عرفت هذا.
فاعلم أن الاخبار دلت على أن الكبائر ما أوعد الله أو ما أوجب عليه النار
و (ح) فكل معصية يدل الكتاب على كونها موجبة للدخول في النار يحكم بأنها

523
كبيرة وكذا كل ما دل الخبر على أنه مما أوجب الله عليه النار وكذا تعرف بالنص
المعتبر على انها كبيرة كما ورد في الحسن كالصحيح المروى عن الرضا عليه السلام
فإنه كتب إلى المأموم من محض الايمان اجتناب الكبائر وعد منها نيفا وثلثين و
كما في صحيحة عبد العظيم بن عبد الله الحسنى المروية في الكافي عن أبي جعفر
الثاني (ع) عن أبيه (ع) عن جده (ع) يقول دخل عمرو بن عبيد على أبى عبد الله (ع) فلما سلم
وجلس تلا هذه الآية " الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش " ثم أمسك فقال له أبو عبد الله
عليه السلام ما أمسكك قال أحب ان اعرف الكبائر من كتاب الله عز وجل فقال نعم يا عمرو أكبر
الكبائر الاشراك بالله إلى آخر الرواية وتعرف أيضا بأشدية معصية مما أوجب الله عليه
النار كما دل الدليل على أن الغيبة أشد منا الزنا وتعرف أيضا بناء على عدم قدح
الصغيرة في العدالة بورود النص على عدم قبول شهادة فاعلها إذ يستكشف منه كون
تلك المعصية منافية للعدالة فيحكم بعدم جواز الاقتداء أيضا كما أنه بناء عليه
أيضا إذا ورد نص على عدم جواز الاقتداء بمن يرتكب عملا مخصوصا يستكشف من
ذلك كونها كبيرة منافية للعدالة فلا يسمع شهادته أيضا.
سادسها لا يخفى انه بناء على ما قلنا لا يحكم بعدالة من ارتكب محرما وان
كان من الصغائر واما بناء على ما ينسب إلى المشهور من عدم منافاة الصغيرة
للعدالة وان معيار العدالة هو الاجتناب عن خصوص الكبائر فمن ارتكب كبيرة
وهو يرى أنها صغيرة أو لا يعلم بكونها كبيرة فهل يحكم بفسقه بملاحظة انه
غير مجتنب عن الكبائر فعلا أم لا بل يحكم بعدالته بعد فرض اجتنابه عن سائرا
لكبائر المعلومة عنده وكذا لو ارتكب صغيرة وهو يرى أنها كبيرة أو يحتمل
ذلك فهل يحكم بعدالته بعد فرض كونه مجتنبا عن الكبائر الواقعية أم يحكم
بفسقه من جهة انه مقدم على اتيان الكبائر غير مجتنب عنها نظير الاقدام على الضرر
والاجتناب عنه فمن بادر إلى امر يقطع بكونه مضرا أو يحتمله يصدق انه مقدم على
الضرر غير مجتنب عنه كما أنه في الفرض الأول يفصل بين ان يكون قاطعا بكون
الذنب صغيرة أو شاكا ففي الأول لا ينافي العدالة لعدم اقدامه بخلاف الثاني

524
فإنه مع الشك مقدم على ارتكاب الكبيرة والذي يظهر لي ان الكبائر ليست
بعنوانها موردا للحرمة بل المحرم أشياء خاصة بعناوينها الخاصة مثل الزنا وشرب
الخمر والسرقة وأمثال ذلك فمن اجتنب عن الزنا والسرقة وأمثال ذلك مما عد من
الكبائر يصدق انه مجتنب عن الكبائر ولو اتى بصغيرة واقعا بزعم انها كبيرة و
من ارتكب كبيرة بزعم انها صغيرة لا يصدق انه مجتنب عن الكبيرة ومن ارتكب
شيئا يشك في كونه صغيرة أو كبيرة فدخوله في عنوان المجتنب عن الكبائر غير
معلوم فلا يمكن الحكم بكونه مجتنبا عن الكبائر نعم يمكن استصحاب عدالته
لو كان سبقها معلوما.
والحاصل ان الاجتناب عن الكبائر عبارة عن الاجتناب عن العناوين التي
عدت من المحرمات الكبائر فمرتكبها غير مجتنب عن الكبائر وان اعتقد انها
صغيرة والمجتنب عنها مجتنب عن الكبائر وان اعتقد أن ما ارتكبه من الكبائر
اللهم الا ان يقال ان الكبائر وان كانت عبارة عن المحرمات الخاصة التي عدت
من الكبائر ولكن الظاهر من الرواية التي جعلت الاجتناب عنها معيارا للعدالة
ان يكون الاجتناب عنها من جهة ملكة الديانة التي تغلب على القوى الشهوية و
تصرفه عما تقتضيه القوى الحيوانية وذلك انما يكون إذا علم بان المحرم من
الكبائر فالاجتناب عن الكبائر الواردة في الصحيحة منصرف بهذه الملاحظة إلى
الاجتناب عن الكبائر المعلومة فما لم يكن العمل معلوما انه من الكبائر لا يمكن
ان يصير اهتمام الشارع بتركه صارفا عما يقتضيه القوى الشهوية فارتكاب الكبيرة
الواقعية بزعم انها صغيرة لا ينافي العدالة فإنها مع وصف مجهوليتها لا يمكن
ان تدعو إلى صرف دواعيه بعنوان انها كبيرة ومرتكب الصغيرة بزعم انها كبيرة
ليس لاهتمام الشارع واقع يصرفه عن مشتهياتها فلا ينافي كونه عادلا الا ان يقال انه
في الصورة الثانية يتجرى إلى المعصية الكبيرة والتجري إلى المعصية وان لم يكن
عصيانا ولكنه يقبح الفاعل كتقبيح المعصية الواقعية فالتجري إلى المعصية الكبيرة
يوجب القبح الفاعلي كقبح الذي ارتكب المعصية الكبيرة الواقعية فيكشف عن

525
ضعف الملكة المعتبرة في العدالة فان مثل هذا الشخص لا يؤثر النهى الشديد
من الشارع في حقه وليست قواه الشهوية مقهورة في جنب النهى الشديد من المولى الا ترى
ان من شرب مايعا باعتقاد انه خمر فهو ممن لا يؤثر فعلا في حقه النهى عن الشرب ولا
يعتنى بنهي الشارع عن شرب الخمر في قبال ما يشتهيه من جهة القوى الشهوية ومما
ذكرنا يمكن ان يقال ان المرتكب للمعصية مع احتمال كونه كبيرة خارج عن العدالة
أيضا وان لم يكن كبيرة في الواقع لأنه متجر إلى فعل الكبيرة فلم يؤثر في حقه
النهى الشديد من المولى كما أنه لو شرب مايعا يحتمل انه خمر وكان يجب عليه الاحتياط
لم يكن معتنيا بنهي الشارع عن شرب الخمر.
فتحصل مما ذكر ان مرتكب المعصية باعتقاد انها صغيرة مع تركه كل
ما اعتقد انه من الكبائر ليس خارجا عن العدالة واما مرتكب المعصية في غير الصورة
المفروضة فخارج عن العدالة سواء كان معتقدا بكونها كبيرة أم كان شاكا وسواء
كانت كبيرة في الواقع أم لا هذا بناء على أن يكون الفقرة الواردة في الصحيحة
لبيان مفهوم العدالة واما بناء على ما استظهرناه من كونها امارة تعبدية
مجعولة للشاك فالمرتكب للمعصية خارج عن حد الاستقامة والاعتدال سواء كانت
صغيرة أم كبيرة.
سابعها مقتضى ما أسلفناه سابقا كفاية احراز العدالة في صحة الايتمام و
ترتب احكام الجماعة على الايتمام بمن هو مؤتمن من جهة الديانة والورع وان
انكشف بعد ذلك كونه فاسقا بل كافرا كما مر في الايتمام بشخص انكشف
كونه يهوديا ولا ينافي كون العدالة بنفسها شرطا أيضا فان احرازها يقوم
مقامها عند عدمها واقعا وقد حققنا ذلك سابقا والمقصود هنا ان العدالة هل هي
معتبرة في صحة الإمامة أيضا فلا يجوز للامام ان يؤم الناس ما لم يحرز عدالة
نفسه فضلا عما لو أحرز فسقه ولا يصح الاعتداد بجماعته بالرجوع في شكه
مثلا إلى حفظ المأموم أو البناء على صحة صلوته فيما إذا كانت الجماعة شرطا للصحة
كالجمعة والمعادة أم الشرط في صحة الجماعة ليس الا كونه عادلا بنظر المأمومين

526
مقتضى الأدلة السابقة الثاني نعم قد يوهم الأول ما عن مستطرفات السرائر نقلا عن
كتاب أبى عبد الله السياري صاحب موسى والرضا (ع) قال قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام
قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيقدم بعضهم فيصلى بهم جماعة فقال عليه السلام
ان كان الذي يؤمهم ليس بينه وبين الله طلبة فليفعل قال وقلت له مرة أخرى ان قوما
من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيؤذن بعضهم ويتقدم أحدهم فيصلى بهم فقال
عليه السلام ان كانت قلوبهم كلها واحدة فلا بأس قلت ومن لهم بمعرفة ذلك قال عليه السلام فدعوا
الإمامة لأهلها الخ والذي يظهر لي ان الامام انما هو في مقام تهذيب مواليه ولا
دخل له باشتراط احراز الامام العدالة لنفسه في صحة الجماعة والحاصل من كلامه
عليه السلام ان من كان ذا نفس قدسية بحيث لا يكون مقصوده من التقدم على جماعة من
المصلين الا الاتيان بالوظيفة التي هي من أعظم شعار الديني من دون ان يحدث
له نشاط من جهة الترأس عليهم فليصل بهم والا فليدع فان حب الجاه والرياسة
وان لم يكن من المحرمات الشرعية لكنه مفتاح للوقوع في القبائح العظيمة
والمشي في الطرق الموبقة والمزلات المهلكة عصمنا الله تعالى منها بجاه محمد وآله
الأمجاد ولعله يشهد لذلك قوله عليه السلام في جواب السائل مرة أخرى ان كانت قلوبهم
كلها واحدة الخ فان قلوب المأمومين لا تتوجه الا إلى أداء الوظيفة الشرعية
فلو كان قلب من يتقدم كذلك أيضا فليتقدم.
الثالث من الشرائط المعتبرة في الامام الذكورة لو كان المأمومون أو بعضهم
رجالا وحكاية الاجماع عليه مستفيضة بل ادعى شيخنا المرتضى قدس سره في الصلاة
الاجماع المحقق ويدل عليه أيضا بعض الاخبار الضعيفة وقد يستدل أيضا بما دل على
مرجوحية محاذاة المرأة للرجل في الصلاة أو حرمتها مع أن الجماعة لازمها المحاذاة
أو تقدم الامام فالجماعة ملزومة لمحرم أو مكروه وهو باطل أقول ان بنينا على
الحرمة وقلنا بأنها وضعية بمعني بطلان صلاة المحاذي فمنافاة ذلك مع مشروعية
الجماعة واضحة إذ لا معنى لصحة الجماعة وبطلان أصل الصلاة واما بناء على كون
الحرمة نفسية فبطلان الجماعة مبنى على القول بسراية الأوامر المتعلقة بالطبيعة

527
إلى الافراد فان قلنا بها فيبطل الجماعة إذ لا معنى للامر بخصوص الجماعة المستلزمة
للمحرم ولو قلنا بعدم السراية فلا مانع من الصحة حيث إن الامر بطبيعة الجماعة ليس
مستلزما لوقوع المحرم وان بنينا على الكراهة فالظاهر عدم المنافاة غاية الامر كون
الجماعة المفروضة أقل ثوابا من غيرها كصلاة الجماعة في الحمام ثم على التقدير الأول
أعني البناء على الحرمة فالقول ببطلان الجماعة مبنى على تقديم دليل حرمة المحاذاة
على أدلة الجماعة ولو قيل بالعكس فنحكم بصحة الجماعة كما أنه يحكم بصحة
الجماعة أيضا لو أخذ بمقتضى الدليلين ورفع اليد عن دليل مانعية الحيلولة بين الإمام والمأموم
أو اخذ بمقتضى هذا الدليل أيضا ورفع اليد عن دليل عدم جواز تقدم المأموم
على الامام والظاهر عدم الاطلاق لأدلة الجماعة بحيث يشمل المقام بخلاف باقي
الأدلة فيجب الحكم ببطلان لأدلة الجماعة ولو سلمنا فغاية الامر يقع التعارض بين
الأدلة فليس لنا دليل على صحة هذا الاقتداء فلا يعلم بسقوط القراءة عن
الصلاة المفروضة ومقتضى عموم دليل القراءة وجوبها هذا كله في امامة النساء
للرجال.
واما امامة النساء للنساء فالمشهور جوازها بل المحكى عن الخلاف والتذكرة
والغنية وارشاد الجعفرية عليه الاجماع وحكى عن المنتهى انه قول من عدى علم
الهدى من أصحابنا وذهب جماعة من العلماء إلى عدم الجواز منهم المرتضى والإسكافي
والجعفي والعلامة في المختلف والمحقق البهبهاني قدس اسرارهم والاخبار في
طرفي المسألة كثيرة وفيها الصحاح وغيرها ويمكن الجمع بحمل الأخبار المانعة
على الكراهة.
الرابع ان لا يكون الامام قاعدا للقائمين ولا مضطجعا للقاعدين ولا مستلقيا
للمضطجعين ولا مستندا للمستقلين ولا من لا يحسن القراءة لمن يحسنها بل في
الاقتداء بالمعذور مطلقا غير المتيمم وذي الجبيرة والقاعد للقاعد اشكال كما عرفت
الكلام في ذلك مفصلا في بعض المباحث السابقة فراجع.
مسائل: (1) يجوز امامة الخنثى للأنثى في صلاة جمع فيها بين وظيفتي الرجال و

528
النساء وأما إذا اخذ بإحدى الوظيفتين وان كان جايزا له لمكان الحرج كما إذا
اختار الجهر في الصلوات التي يجب الجهر فيها للرجال مع تعين الاخفات عليه لو كانت امرأة
لمكان الأجنبي فصحة الاقتداء مبنية على جواز الاقتداء بالمعذور ولا يجوز إمامته للرجل
والخنثى للعلم الاجمالي للمأموم بأنه اما يجب عليه القراءة والمواظبة على سائر احكام الانفراد
واما يجب عليه مراعاة واجبات الجماعة من عدم الحيلولة بين الامام وبينه وعدم التقدم
على الامام وأمثال ذلك فلا يجزى منه الاخذ بأحد طرفي العلم الاجمالي.
(2) الظاهر بناء على مشروعية صلاة الصبي المميز صحة اقتداء غير البالغ
بمثله فان دليل منع امامة الصبي لو تم فلا يشمل الصورة المفروضة الا ان يقال يكفي
في الحكم بعدم الصحة احتمال المنع بناء على ما مر من أن المرجع في باب الجماعة
عموم لا صلاة الا بفاتحة الكتاب.
(3) قد ورد في بعض الاخبار المنع من امامة الأجذم والأبرص والمحدود بالحد
الشرعي والأعرابي وذهب بعض العلماء قدس سرهم إلى المنع لظاهر تلك الأخبار ولكن
ورد الترخيص في امامة الأجذم والأبرص فيما رواه الشيخ عن عبد الله بن زيد و
فيما رواه البرقي في المحاسن عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن زياد عن الحسين
بن أبي العلاء وسند الأول وان كان ضعيفا لوجود عبد الله بن زيد ولكن لا بأس بالثاني
بناء على أن محمد بن زياد الواقع في السند هو ابن أبي عمير كما في الوسائل هذا و
لا ريب في أن الأحوط المنع.
(4) يكفي في ثبوت العدالة الاطمينان بأي سبب حصل وكذا تثبت بالبينة
لعموم حجيتها ظاهرا ولو تعارضت البينتان يسقط كلتاهما ولو قامت البينة على العدالة
وأخبر عدل واحد بالفسق فالظاهر الاخذ بمقتضى البينة لعدم الدليل على حجية خبر
العدل الواحد فتكون البينة على العدالة غير معارضة بشئ ولو قامت البينة على الفسق
وحصل الاطمينان والوثوق بالعدالة فالظاهر التعارض وسقوط كلتا الامارتين و
لو قامت البينة على العدالة وحصل الاطمينان بالفسق فقد يقال بالأخذ بالبينة لعدم
الدليل على حجية الوثوق بالفسق حتى يعارض البينة ولكن الظاهر هو التعارض

529
كما في الفرع السابق إذ يكفي في حجية مطلق الاطمينان عدم الدليل على
العدم ولا يحتاج إلى الدليل على الثبوت فإنه من الطرق العقلائية التي يكفي في حجيتها
عدم الرد من الشارع.
الفصل الخامس في بعض مستحبات الجماعة وهو أمور:
أحدها ان يقف المأموم عن يمين الامام ان كان رجلا واحدا وخلفه ان كانوا
أكثر ورجحان ما ذكر معلوم لوجود الاخبار بهذا المضمون فيها الصحيح والحسن
بل قد يقال بوجوب ذلك عملا بظواهر تلك الأخبار ولا معارض لها نعم روى الشيخ
في التهذيب عن الحسين بن يسار المدائني انه سمع من يسئل الرضا عليه السلام عن رجل
صلى إلى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم كيف يصنع ثم علم وهو في الصلاة
قال عليه السلام يحوله عن يمينه لكن غاية ما يستفاد من الرواية عدم فساد الجماعة ولو اتى
بخلاف الطريقة المذكورة جهلا اللهم الا ان يقال بعد عدم امكان جعل الرواية
مخصصة للروايات الدالة على الشرطية لان مورد الرواية الجهل بالحكم فيدور
الامر بين رفع اليد عن الشرطية المستفادة من تلك الأدلة أو حمل هذه الرواية على
الاكتفاء بالناقص الفاقد لشرط الصحة وكلاهما خلاف الظاهر وفيه انه بعد تسليم
الدوران المذكور غاية الامر ليست الأدلة الواردة في المقام دليلا على الشرطية فيجب
الرجوع إلى حكم الشك وقد مر ان اجراء البراءة في القيود المشكوكة في صلاة
الجماعة مشكل وان قلنا بالبرائة في الأقل والأكثر والمسألة محل اشكال بحسب
الدليل وان كان القائل بالوجوب نادرا فلا ينبغي ترك الاحتياط الا ان يقال ان الأخبار الواردة
في رعاية الصف في الجماعة كلها ظاهرة في الاستحباب الا في مورد صرحت
بالاعتبار في الصحة مثل ما ورد في الساتر بين الإمام والمأموم أو البعد المفرط مثلا كما
في الصحيحة المتقدم ذكرها حيث نصت بأنه لو لم يكن كذلك فليس ذلك الامام لهم
بامام ولا تلك الصلاة لهم بصلاة واما ما سوى ذلك فظاهر في الاستحباب مثل ما ورد
في تقديم أولى الأحلام والنهى ومثل النهى عن وقوف المأموم الواحد عقيب الصفوف
ومثل الامر بتسوية الصفوف وسد الفرج بينها وأمثال ذلك ولعل السر في ذلك أن الجماعة

530
لما كانت من المستحبات فالأوامر الواردة في كيفيتها محمولة على الاستحباب الا ما
إذا دل الدليل على كون شئ شرطا للصحة.
الثاني انه لو كان المأموم امرأة واحدة مع كون الامام رجلا وقفت المرأة خلف
الامام وهذه المسألة أيضا كالسابقة ورد فيها الروايات الامرة بوقوف المرأة الواحدة
خلف الامام ولم نعثر على ما يرخص وقوفها حذائه بل لو قلنا بالمنع في مسألة محاذاة المرأة
للرجل يتعين هنا أيضا بطلان صلوتها ولو قلنا بعدما لمنع هناك يمكن هنا المنع لخصوصية
في الجماعة وقد نطقت الاخبار بوقوفها وراء الامام الظاهر في المنع عن وقوفها حذائه
ولكن المعروف الاستحباب ولعل الوجه فيه ما مر آنفا وينبغي للامرأة الواحدة مع
التأخر الوقوف إلى يمين الامام بحيث يكون سجودها بحذاء قدميه لما رواه الشيخ في
الصحيح عن الفضيل بن يسار.
الثالث تقارب الصفوف بعضها من بعض بان لا يكون بينهما أزيد من مقدار
مسقط جسد الانسان إذا سجد ويدل على استحباب ذلك ذيل صحيحة زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام المتقدم ذكرها في مسألة اشتراط عدم البعد والحائل
في الجماعة.
الرابع ان يبقى الامام على هيئة المصلى حتى يتم من خلفه من المسبوقين
لعدة روايات دالة على الرجحان بل يظهر من بعضها الوجوب كرواية أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام قال أيما رجل أم قوما فعليه ان يقعد بعد التسليم ولا يخرج من ذلك
الموضع حتى يتم الذين خلفه الذين سبقوا صلوتهم ذلك على كل امام واجب إذا علم أن
فيهم مسبوقا فان علم أن ليس فيهم مسبوق بالصلاة فليذهب حيث شاء لكنها محمولة
على تأكد الاستحباب جمعا بينها وبين رواية عمار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يصلى بقوم فيدخل قوم في صلوته بقدر ما صلى ركعة أو أكثر من ذلك فإذا
فرغ من صلوته وسلم يجوز له وهو امام ان يقوم من موضعه قبل ان يفرغ من دخل في
صلوته قال عليه السلام نعم ومورد بعض الروايات وان كان انتظار الامام حتى يتم المسبوقون
ولكن اطلاق البعض الاخر يقتضى عدم الفرق بينه وبين ما إذا كان المأموم حاضرا و

531
الامام مسافرا لرواية حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال ينبغي للامام ان
يجلس حتى يتم كل من خلفه صلوته وكذا رواية الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال لا ينبغي
للامام ان ينتقل إذا سلم حتى يتم من خلفه صلوته فمقتضى مجموع الروايات استحباب
انتظار الامام حتى يتم كل مأموم مشتغل بالصلاة سواء كان مسبوقا مع تمامية
فرضهما أو كان فرض المأموم الاتمام وفرض الامام القصر.
الخامس إذا صلى منفردا ثم وجد من يصلى تلك الصلاة جماعة يستحب له
الجماعة إماما كان أو مأموما للاخبار الصريحة في ذلك والمتيقن من مدلولها ما ذكرنا
وهو إعادة من صلى منفردا ثم وجد إماما مشتغلا بالجماعة أو وجد مأموما يريد ان
يأتم واما من صلى جماعة إماما كان أو مأموما فهو خارج عن مورد الاخبار وكذا من
صلى فرادى وأراد الايتمام بمن صلى فرادى أيضا فان مورد الاخبار ان يصير المصلى
المنفرد اما إماما لمن لم يصل واما مأموما لمن لم يصل ويمكن تصحيح الجماعة فيما
ذكر بالخبر الذي رواه في عوالي اللئالي انه صلى الله عليه وآله قال لأصحابه الذين صلوا معه الا
رجل يتصدق على هذا فيصله معه مشيرا إلى من دخل المسجد ولم يصل وهذه الرواية
لو تم سندها دلت على أمور أحدها جواز امامة من صلى جماعة لمن لم يصل والثاني
ايتمامه به والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله فيصلى معه فان الصلاة مع الاخر أعم من أن
يكون إماما له أو مؤتما به.
والثالث
ايتمام من صلى منفردا بمن هو كذلك فان المفهوم من الرواية
المذكورة ان صيرورة الانسان سببا لادراك الغير فضيلة الجماعة تصدق منه عليه فكل
من المصلين على وجه الانفراد في صورة الاقتداء متصدق على صاحبه لكونه سببا
لادراكه الجماعة.
والرابع ايتمام من صلى منفردا أو إمامته له لان عقد الجماعة لمن لم يدرك
الجماعة تصدق عليه نعم لو صلى جماعة ثم وجد جماعة مبتدئة أخرى منعقدة يشكل
الجواز ويمكن ان يستدل على الجواز بصحيحة زرارة لا ينبغي للرجل ان يدخل مع

532
قوم في صلوتهم وهو لا ينويها بل ينبغي ان ينويها صلاة وان كان قد صلى له صلاة
أخرى فان عموم قوله عليه السلام وان كان قد صلى يشمل ما لو صلى جماعة وكذا الاشكال
في ايتمام من صلى جماعة بمن صلى جماعة غير جماعة المأموم والانصاف ان كلا من
المذكورات مما لا ينبغي الجزم به والقدر المتيقن من الصحة ما ذكرنا أولا اللهم
الا ان يستند في التأمين إلى ترك الاستفصال في بعض روايات الباب فراجع.
بقى هنا أمور:
أحدها ان مقتضى بعض الاخبار ان المنفرد لو وجد جماعة ودخل معهم يجعل
الثانية فريضة ان شاء وفى بعض الروايات يختار الله أحبهما ويشكل بان تحقق الامتثال
بالثاني مناف للقاعدة العقلية المقتضية لتحقق الامتثال بالفرد الأول فيما إذا تعلق
الامر بصرف الوجود كما هو المفروض ولذا قيل بأنه لا معنى للامتثال عقيب الامتثال
ويجاب بان الطبيعة المتعلقة للأوامر بملاحظة صرف الوجود باعتبار الغرض الداعي
إليها على قسمين أحدهما ما يكون وجود الطبيعة محصلا لغرضه الأصلي كما إذا امر
المولى باحضار الماء وكان غرضه حضور الماء عنده آنا ما فإذا أحضر الماء عنده سقط
الغرض الأصلي فلا معنى حينئذ لاحضار الماء ثانيا تقربا إلى المولى والثاني ما يكون
وجود الطبيعة توطئة لتحصيل الغرض الاخر وان كان العبد غير مأمور الا بايجاد
الطبيعة المفروضة كما أنه امر باحضار الماء لغرض الشرب فان أحضر الماء حينئذ و
ان كان سقط عنه الامر ولكنه لو أتى ثانيا بفرد آخر من الماء بملاحظة انه أحلى
وأهنأ من الأول بداعي ان المولى يحصل الغرض الأصلي به يكون مقربا عقلا كما هو
واضح والمثال الذي ذكرنا في الموالي العرفية بالنسبة إلى عبيهم وان كان مفارقا مع
الامر الشرعي من حيث إنه ليس الأوامر الشرعية منبعثة عن اعراض الامر وحصول
المنابع لنفسه تعالى عن ذلك علوا كبيرا الا انه يمكن تصوير كلا القسمين في
الاغراض الراجعة إلى العبيد التي صارت موجبة لأمر الشارع وحينئذ فلو دل دليل
على أن الفرد الثاني يقع موقع الامتثال كما فيما نحن فيه فليس مخالفا للقواعد العقلية
لأنا نكشف من الدليل المذكور ان حال الاغراض الموجبة للامرين قبيل الثاني

533
الثاني ان قلنا بعدم مشروعية لمن صلى جماعة فعدم تكرير الإعادة
واضح وان قلنا بمشروعيتها فهل يجوز التكرير أم لا قيل بالأول ونسب القول إلى ظاهر
الشهيدين نظرا إلى العمومات فان من صلى المعادة ثم وجد من يصلى جماعة يصدق
انه دخل على قوم يصلون وقد صلى فيستحب له الدخول مع القوم في صلوتهم وكذا
الشخص المفروض لو وجد من يريد الايتمام به دخل في العمومات الامرة بالإمامة له
وفيه اشكال واشكل منه دعوى الاستحباب بواسطة فتوى الفقيه تمسكا بعمومات من
بلغه ثواب الخ ويمكن ان يستدل عليه برواية العوالي اللئالي فان الشخص المفروض
لو صار سببا لانعقاد الجماعة لمن لم يصل فذلك تصدق منه عليه.
الثالث الموارد التي قلنا بعدم الدليل على مشروعية الجماعة لا اشكال في
جواز الدخول فيها رجاء لادراك الجماعة من دون ان يكتفى بها عن الفريضة فلو اقتدى
المصلى جماعة صحيحة بجماعة أخرى رجاء لادراك ثواب الجماعة لا اشكال في حسنه
وان كان اخذا بلوازم الجماعة احتياطا من ترك القراءة وتعدد الركن للمتابعة و
الرجوع إلى الامام في الشك وأمثال ذلك انما الاشكال في اكتفاء من لم يصل بالصلاة
التي أتى بها جماعة مع الاخذ بلوازم الجماعة في الموارد التي ذكرنا الاشكال في
صحة الجماعة مثل رجوع الامام في المثال المتقدم في شكه إلى المأموم المفروض و
الاكتفاء بالصلاة التي بنى في الشك فيها على حفظ المأموم المذكور ومثل اقتداء
من لم يصل بمن صلى جماعة قبل ذلك أن استشكلنا في الاقتداء به وأراد الاكتفاء
بالصلاة المفروضة عن فريضته مع اتيانه بوظيفة الجماعة من الأمور التي
لا يغتفر للمنفرد.
الرابع لو ظهر بطلان الأولى فيما شرعت المعادة فهل يكون الثانية مجزية
عن الأولى أم لا من أن الشارع امر بالثانية لتدارك الفضيلة التي فاتت في الأولى فبعد
ظهور بطلان الأولى تكون الثانية بلا محل ومن أن الظاهر من اخبار المسألة من
قولهم (ع) يجعلها الفريضة أو يختار الله أحبهما أو يحسب له أفضلهما وأتمهما
اتحادهما في قابلية حصول الامتثال بهما فيكون الامر بالإعادة ليحصل الامتثال بالفرد

534
الأكمل لا ان فائدة الثانية انما هي تدارك ما فات من الفضل في الأولى حتى يقال بأنه بعد بطلان
الأولى رأسا ليس لتدارك الفضل محل والأقوى الثاني لما عرفت من دلالة الاخبار ولكن ينبغي
ان يعلم أن الاكتفاء بالثاني عند ظهور بطلان الأول انما يكون فيما إذا اتى به بجميع ما
اعتبر في صحته ومنه التقرب المعتبر في العبادات وحينئذ فلو اتى بالثاني بداعي
مطلق الامر وان كان معتقدا بان المطلق المفروض لا وجود له الا في ضمن الامر
الاستحبابي يكتفى به عند ظهور بطلان الأول لما عرفت من دلالة الاخبار على أن
الثاني يحصل به الامتثال واما لو اتى به بقصد الامر الاستحبابي بحيث كانت الخصوصية
مقومة لقصده فيشكل الاكتفاء به عند ظهور بطلان الأول فان الثاني باطل من جهة
عدم حصول القرب المعتبر في العبادة فان ما قصده من الامر لم يكن وما كان ليس
مقصودا فيكف يكتفى بعمل باطل عن باطل آخر وهكذا الكلم في كل عمر امر
به ثانيا كالوضوء على الوضوء ومثل ذلك الا ان يقال بعد ما فرض ان العمل هو عين ما
تعلق به الامر الوجوبي لو أتى به بداعي الامر الاستحبابي بعنوان الامر الاستحبابي
يتحقق به الاجزاء فان العبادة تتحقق باتيان ما هو مطلوب واقعا بشرط حصول القرب
للفاعل باتيانه والقرب المطلوب حاصل بواسطة اتيان الفعل بداعي الامر الاستحبابي
المتخيل الا ترى انه لو أتى بما يتخيل انه مستحب بداعي الاستحباب يتحقق له القرب
الانقيادي وان لم يكن ما أتى به مطلوبا أصلا فلو كان ما أتى به مع هذا الحال مطلوبا
أيضا يصدق انه جاء بما هو مطلوب للمولى وان كانت المطلوبية بعنوان الوجوب
واقعا ولكنه أتى بالعمل بعنوان انه مستحب والحاصل انه يمكن ان يقال بمنع
الالتزام بكون القرب المعتبر في العبادات هو ما يتحقق بقصد الامر الواقعي المتعلق
بها بل يكفي حصول القرب بواسطة العمل بقصد امتثال امر المولى وان كان الامر
المقصود غير ما تعلق بتلك العبادة.

535
في صلاة الآيات وأسبابها
المقصد الخامس في صلاة الآيات وهي فريضة على كل مكلف من الرجال
والنساء والخناثى والدليل على اشتراك النساء مع الرجال في هذا الحكم مضافا إلى
ظهور ان الاحكام الصادرة من الأئمة عليهم السلام موضوعها العموم وان كان
المخاطب فيها الرجال خصوص خبر على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال
سئلته عن النساء هل على من عرف منهن صلاة النافلة وصلاة الليل والزوال وصلاة
الكسوف ما على الرجال قال عليه السلام نعم واما الخناثى فلعدم خروجها عن الطائفتين وكيف كان
يقع الكلام هنا في مقامات:
المقام الأول في سببها وهو أمور الأول والثاني كسوف الشمس وخسوف
القمر ولو لم يحصل بهما خوف وذلك لاطلاق الأدلة والمراد انطماس نورهما كلا
أو بعضا بأي سبب كان ضرورة عدم مدخلية السبب في مفهوم اللفظين نعم يمكن
ان يقال بعدم وجوب الصلاة إذا انكشف الشمس ببعض الكواكب الذي لا يظهر
الا لبعض الناس لضعف الانطماس للشك في اندراجه تحت المفهوم عرفا أو انصراف
الاطلاق إلى غيره نعم لو كان مخوفا لأواسط الناس على تقدير الاطلاع يجب الصلاة
لدخوله تحت أخاويف السماء التي تكون من الموجبات كما يأتي ولا ينافي عدم
خوف أكثر الناس لعدم اطلاعهم نعم من لم يحرز ذلك بالطريق المعتبر لا يجب عليه
الصلاة ظاهرا بحكم الأصل لا انه على تقدير كونه في الواقع على نحو ما ذكرنا
ليس موضوعا للحكم وكذلك الكلام في انكساف بعض الكواكب ببعض فان معيار
وجوب الصلاة كونه مخوفا.
والثالث الزلزلة وهي أيضا موجبة لوجوب الصلاة وان لم يحصل بها الخوف
لاطلاق خبر الديلمي عن الصادق عليه السلام إذا أراد الله ان يزلزل الأرض امر الملك ان
يتحرك عروقها فتحرك باهلها قلت فإذا كان كذلك فما اصنع قال صل صلاة الكسوف
مضافا إلى دعوى الاجماع عليه من بعض الأساطين.

536
والرابع كل مخوف سماوي من ريح أو ظلمة ونحوهما لصحيحة محمد بن مسلم
وزرارة قالا قلنا لأبي جعفر عليه السلام أرأيت هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلى لها فقال عليه السلام
كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن و
الظاهر من أخاويف السماء ما يظهر منها فوق الأرض فحينئذ يشكل الحكم فيما
يظهر في الأرض من قبيل الخسف وخروج النار من الأرض وأمثال ذلك الا ما كان
منصوصا بالخصوص كالزلزلة ويحتمل ان يراد بها المنسوبة إلى خالق السماء كما
يقال الآفة السماوية والتلف السماوي نعم يمكن ان يستدل له بخبر الفضل بن شاذان
عن الرضا عليه السلام قال انما جعلت للكسوف صلاة لأنه من آيات الله لا يدرى الرحمة ظهرت
أم العذاب الخ والمرسل المروى عن دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (ع) قال يصلى
في الرجفة والزلزلة والريح العظيمة والظلمة والآية تحدث وما كان مثل ذلك كما
يصلى في صلاة كسوف الشمس والقمر سواء مع اعتبار سند الأول وانجبار الثاني
بالعمل واما الاشكال في دلالتهما بالاجمال رأسا أو التقييد بمخوف السماء فمدفوع بعدم
الاعتناء بالاحتمال في مقابل الظاهر وعدم صلاحية الصحيحة المتقدمة للتقييد لاجمالها
ذاتا وعلى فرض الظهور فغلبة كون المخوف سماويا تمنع عن تقييد المطلق المنفصل
ولعله إلى ذلك نظر العلامة الطباطبائي قدس سره حيث قال في منظومته
ومقتضى العموم في الرواية * فرض الصلاة عند كل آية
لكن يجب تقييدها بالمخوف كما هو ظاهر ثم انه على تقدير تعميم الآية
للآيات الأرضية الظاهر خروج مثل الوباء والطاعون وأمثالهما.
المقام الثاني في كيفيتها وهي اجمالا ان يصلى ركعتين في كل ركعة خمس
ركوعات وسجدتان ولو شك في عدد ركوعاتها يرجع إلى الأصل ظاهرا لان الأدلة
الشك في عدد الركعات لا تشملها وان عبر عن ركوعاتها بالركعات في الاخبار
كما أنه يمكن ان يقال ان أدلة البطلان في الشك في الثنائية منصرفة عن مثل هذه
فيرجع إلى الأصل في الشك في ركعتيها الا ان يمنع الانصراف في عموم تعليل
البطلان في بعض الاخبار بأنها ثنائية وعلى أي تقدير تفصيل الكيفية المذكورة ان

537
يكبر للاحرام مقارنا للنية المعتبرة في العبادة ثم يقرء الحمد وله ان يقرء بعد
الحمد سورة تامة ثم يركع ثم يقوم فيقرء الحمد أيضا وسورة أخرى أو عين تلك
السورة ثم يركع وهكذا يركع خمسا ثم يسجد سجدتين ثم يقوم ويصلى الركعة
الثانية كذلك ويتشهد ويسلم وهذه أفضل الكيفيات وأحوطها وله ان يوزع سورة
واحدة على الركوعات الخمسة في كلتا الركعتين وهاتان الكيفيتان مستفادتان
من النصوص الواردة عن أئمة الهدى عليهم السلام فمن ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح
ان ابن أذينة عن رهط عن كليهما عليهما السلام ومنه من رواه عن أحدهما
عليه السلام ان صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع
سجدات صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس خلفه في كسوف الشمس إلى أن قال عليه السلام
تبدء فتكبر بافتتاح الصلاة ثم تقرء أم الكتاب وسورة ثم تركع ثم ترفع رأسك من
الركوع فتقرء أم الكتاب وسورة ثم تركع الثانية ثم ترفع رأسك من الركوع
فتقرء أم الكتاب وسورة ثم تركع الثالثة ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرء
أم الكتاب وسورة ثم تركع الرابعة ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرء أم الكتاب وسورة
ثم تركع الخامسة فإذا رفعت رأسك قلت سمع الله لمن حمده ثم تخر ساجدا فتسجد
سجدتين ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى قال قلت وان قرء سورة واحدة في
الخمس ركعات يفرقها (خ ل ففرقها) بينها قال عليه السلام اجزائه أم القرآن في أول مرة
الخبر.
ثم إن استيفاء باقي صور التبعيض وفروعه يتم بتنقيح الكلام في موضعين
أحدهما حكم الأصل لو شك في مدخلية شئ في الصحة والثاني النظر في حال الأدلة
واطلاقها فمتى شك في مدخلية امر لو كان هناك اطلاق يتمسك به والا يرجع إلى الأصل
فنقول اما الموضوع الأول فقد يقال انه من جزئيات الأقل والأكثر إذ لا فرق بين الشك
في تقييد ما هو مأمور به بالامر التعييني أو ما هو طرف للتخيير في الواجب المخير و
التحقيق القول بلزوم أخذ القيود المشكوكة في المقام وان لم نقل بالاشتغال في
دوران الامر بين المطلق والمقيد والأقل والأكثر فان صحيحة الرهط التي سبقت قد

538
استقر ظهورها في تعيين الصورة الأولى وهي قراءة سورة تامة مع فاتحة الكتاب فاللازم
رفع اليد عن ظهورها بالمقدار المتيقن للبدلية وما شك في كونه بدلا فظهور تلك
الصحيحة محكم والحاصل انه فرق بين الواجب التخييري الذي ذكر طرفاه أو أطرافه
في خطاب واحد وبين ما دل الدليل على وجوبه الظاهري في كونه على وجه التعين ثم دل
دليل منفصل آخر على الاكتفاء بشئ آخر بدلا ففي الأول لو كان بعض أطرافه مجملا
بين الأقل والأكثر فلا يمكن التمسك باطلاق الدليل إذ لم يستقر ظهوره مع قطع
النظر عن ملاحظة الطرف المتصل بالكلام وفى الثاني لو كان ما يدل الدليل المنفصل
على كونه بدلا مرددا بين الأقل والأكثر ففي مقدار المتيقن نرفع اليد عن ظهور
الدليل الأول وفى الفرد المشكوك أصالة الظهور في الدليل الأول محكمة وما نحن
فيه من قبيل الثاني لما عرفت هذا.
ويمكن ان يقال بكون المقام من جزئيات الأقل أو الأكثر إذ القول بالاشتغال
كما عرفت فرع استقرار ظهور الاخبار في الامر التعييني بالنسبة إلى كيفية من
الكيفيات حتى يقال بان اجزاء غير تلك الكيفية يحتاج إلى دليل وإذ ليس فليس و
لكنا نمنع استقرار هذا الظهور بالنسبة إلى شئ من الكيفيات إذ ما من خبر وارد
في بيان كيفية هذه الصلاة الا وهو مشتمل على ذكر بعض المستحبات وهذا يمنع
ظهوره في أصل الوجوب فضلا عن الوجوب التعييني وحينئذ فكلما شككنا في اعتبار
قيد في كيفية هذه الصلاة فهو من الشك بين الأقل والأكثر والمرجع فيه البراءة
على ما هو المحقق في محله نعم هذا انما يصح بالنسبة إلى الكيفية واما بالنسبة إلى
كمية هذه الصلاة وعدد ركوعاتها فالحق استقرار ظهور الاخبار في اعتبار عشرة
ركوعات في حقيقة هذه الصلاة فان الاخبار من هذه الجهة بصدد شرح حقيقة هذه
الصلاة من دون ملاحظة حكمها على عكس لسانها في مقام بيان الكيفية كما
يظهر لمن راجعها نعم ورد في بعض الاخبار جواز الاكتفاء بأربعة ركوعات وفى آخر
بثمانية ولكن حيث إن الأصحاب (رض) اعرضوا عن العمل بمضمونهما فهما ساقطان
عن الحجية ذاتا فلا يصلحان لمعارضة ما دل على اعتبار العشرة.

539
اما الموضع الثاني وهو استفادة صور التبعيض من الأدلة فالذي يستفاد من
صحيحة الرهط جواز الاكتفاء بسورة واحدة في خمس ركعات على نحو التوزيع و
مقتضى الاطلاق جواز التفكيك بين الركعة الأولى التي تشتمل على خمسة ركوعات
وبين الثانية وفى صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قلت كيف القراءة
فيها قال (ع) ان قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب وان نقصت من السورة شيئا
فاقرأ من حيث نقصت وقريب منها ما نقل عن جامع البزنطي عن الرضا عليه السلام قال إذا
ختمت سورة وبدأت بأخرى فاقرأ بفاتحة الكتاب وان قرأت سورة في الركعتين أو
ثلث فلا تقرأ بفاتحة الكتاب حتى تختم السورة الخبر ويستفاد منهما جواز التفكيك
بين القيامات بان يقرأ في بعض القيامات ويوزع في الاخر فيستفاد منهما صور
عديدة كما لا يخفى ولكن لا يظهر منهما جواز الاكتفاء بأي بعض من السورة ولو
من وسطها أو آخرها ولا جواز العدول من سورة إلى أخرى قبل اتمامها بل يظهر من
الأولى وجوب الاخذ من موضع القطع ولا جواز الاكتفاء ببعض السور مطلقا وان
لم يتم السورة في القيامات الخمسة فمقتضى الاقتصار على مدلول ما ذكر هو ان المصلى
بعد الحمد ان اختار التبعيض يشرع من أول سورة فيقرء منها شيئا ثم يركع ثم يرفع
رأسه فيقرء من موضع القطع فان ختم السورة في هذا القيام تخير في القيام الثالث
بعد الحمد بين قراءة السورة تامة وبين التوزيع على نحو ما ذكرنا وهكذا.
ويستفاد من موثقة أبي بصير عدم وجوب الشروع من أول السورة وعدم وجوب
اتمام سورة في مجموع القيامات الخمسة بل العشرة وعدم وجوب الشروع من موضع
القطع فان عليه السلام فيها تقرأ في كل ركعة منها مثل سورة يس والنور إلى أن قال قلت
فمن لم يحسن يس وأشباهها قال (ع) فليقرأ ستين آية في كل ركعة ولكن الاحتياط
يقتضى مراعاة ما ذكرنا من القيود وهو الشروع من أول السورة والاخذ من موضع
القطع واتمام سورة واحدة في مجموع الركعات الخمس ثم إن مقتضى ما ذكر
من الاخبار وجوب الحمد ان ختم السورة في القيام السابق سواء قرء سورة تامة أو
أتم السابقة وعدم وجوبه ان اقتصر على بعض السورة وهل يكون ترك الحمد رخصة

540
أو عزيمة ظاهر بعض الاخبار الثاني واليه ذهب الأكثر ويمكن ان يقال ان أراد
القائل بالمنع مانعية الحمد عن صحة فلا تستفاد من النواهي الواردة في المقام
لظهور انها في مقابل الامر بها مع اكمال الصورة ولا يستفاد منها الا نفى الوجوب
في صورة الاقتصار على بعض السورة وان أراد عدم الدليل على الجزئية فلا يشرح
قراءته بقصد انه الجزء فهو صحيح ولكن لا يمنع قراءته بقصد مطلق الرجحان
والله العالم.
المقام الثالث في وقتها وقت صلاة الكسوفين من ابتداء الكسوف بالاجماع
ويدل عليه الاخبار مثل صحيحة جميل وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف
وانما الاشكال في آخره وفى انه هل يمتد إلى آخر الانجلاء أو إلى أول زمن الشروع
في الانجلاء ويدل على الأول مضافا إلى الاستصحاب صحيحة الرهط ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
صلاها في كسوف الشمس والناس خلفه ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها ورواية عمار
عن الصادق (ع) ان صليت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في
صلاتك فان ذلك أفضل فان ذهاب الكسوف انما يكون بالانجلاء التام ويؤيده ما دل على
استحباب تطويل هذه الصلاة وقراءة السور الطوال فيها فان هذا لا يناسب القول
بخروج وقته بالأخذ في الانجلاء لعدم العلم به ولا الظن غالبا وحمل الأخبار المذكورة
على صورة العلم أو الظن المعتبر حمل على الفرد النادر والتعويل على بقاء الوقت
بالاستصحاب وان كان يجوز التطويل لكن لا يناسب استحباب ذلك كما لا يخفى وقد
يستدل على القول الاخر بصحيحة حماد قال ذكرنا له عليه السلام انكساف القمر وما يلقى
الناس من شدته فقال عليه السلام إذا انجلى منه شئ فقد انجلى وعلى ذلك يحمل ما يظهر منه
بقاء الوقت إلى تمام الانجلاء.
وفيه ان إرادة هذا المعنى ليس له ربط بما ذكره حماد والأظهر ان الرواية
واردة في بيان إزالة الخوف عن الناس وادخال الطمأنينة في قلوبهم بعد الاخذ في الانجلاء
وحاصل المراد من الرواية في جواب حماد تساوى الحالتين في زوال الشدة وعليه فلا
دلالة لها على أن آخر وقت الصلاة الشروع في الانجلاء وهل الوقت المفروض وقت

541
لمجموع العمل أو وقت للتلبس به فيجوز التلبس بالعمل حين الانكساف وان فرغ منه
بعد الانجلاء بان يطول في الصلاة عمدا إلى أن ينجلي ويقع بعض صلوته بعد الانجلاء
أو يشرع فيها قبل الانجلاء بقليل ويتمها بعده مقتضى بعض الأخبار الدالة على أن وقت
هذه الصلاة هو الانكساف هو الأول كما أنه لو قال القائل ان وقت العمل الكذائي
الليل أو النهار يفهم منه لزوم وقوع مجموع العمل في ذلك الزمان ولا يكفي مجرد
التلبس به فيه نعم في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ما يظهر منه خلاف ذلك قال عليه السلام
فان فرغت قبل ان ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي فان انجلى قبل ان تفرغ من
صلاتك فأتم ما بقى الخبر وهذا يدل على جواز الشروع في الصلاة والاتمام بعد الانجلاء
ويمكن ان يقال ان الرواية ليست بصدد ذلك بل هي في مقام انه لو شرع في الصلاة
وطولها باعتقاد بقاء الوقت ثم اتفق الانجلاء فلا يجب عليه رفع اليد عما أتى به والآتيان
بصلاة أخرى قضاء بل يتمها ويكتفى بها فان العمل الذي اتى بعضه في الوقت وبعضه
في خارج الوقت ليس بأقل من العمل الذي اتى مجموعه خارج الوقت.
ويؤيد ما ذكرنا اطلاق القضاء على الصلاة التي يؤتى بها بعد الانجلاء في
الأخبار الكثيرة فان ظاهره ان وقت هذه الصلاة بمجموعها قبل الانجلاء لا وقت خصوص
الشروع والتلبس ويتفرع على ما ذكرنا أمور أحدها انه لو ضاق وقت الانكساف عن
اتيان تمام العمل لم يجب لا أداء ولا قضاء وان كان قادرا على اتيان الركعة منها في
الوقت اما الأداء في غير الصورة التي يدرك ركعة فظاهر واما في صورة ادراك الركعة
فلان دليل من أدرك لو لم نقل بان مورده خصوص اليومية فإنما يكون في مورد كان
الوقت متسعا للعمل من أول الامر وانما لم يدرك المكلف اما نسيانا أو عصيانا الا ركعة
ولا يشمل مثل الفرض الذي لم يتسع الوقت من أول الامر واما القضاء فلانه تابع للفوت
وصدقه تابع لوجود المقتضى وهو المطلوبية من قبل الشارع وان كان غير منجز عليه
مثل النائم والغافل والثاني انه لو كان وقت الكسوف متسعا ولكنه ما علم بذلك حتى
بقى منه مقدار لم يتسع لمجموع الصلاة وكان الانكساف جزئيا لم يجب الأداء ولا
القضاء أيضا لعين ما ذكر الثالث الصورة كذلك ولكن كان مطلعا على وقوع الانكساف

542
ولم يصل إلى أن بقى منه مقدار لم يتسع لاتيان الصلاة والامر في هذا القسم وان كان
مثل سابقيه في عدم وجوب البدار إلى العمل لكنه لما يجب القضاء يجوز ان يبادر إلى
العمل لان هذا المقدار الذي يؤتى به في الوقت ليس بأدون مما يؤتى به خارجه.
الرابع ان يكون الكسوف كليا وحكمه حكم السابق عليه سواء كان مطلعا
من أول الامر أم لا لوجوب القضاء عند احتراق تمام القرص مطلقا.
ثم انه لو فرضنا عدم الاستكشاف من الأدلة لتحديد وقت الصلاة بالمعنى الذي
ذكرنا فالمرجع الأصل لعدم اطلاق يدل على أن وقت الكسوف يجب الصلاة ولو لم يتسع
لتمام الصلاة فنقول لو ضاق زمان الانكساف عن اتيان مجموع الصلاة فمقتضى الأصل هو
البراءة عن الأداء والقضاء وهو ظاهر وكذلك لو كان الوقت متسعا ولكنه ما علم
به حتى بقى منه مقدار لم يتسع لمجموع الصلاة.
لا يقال مقتضى الاستصحاب لمجموع الصلاة.
لا يقال مقتضى الاستصحاب بقاء الوجوب.
لأنا نقول القدر المتيقن وجوب الركعتين في ظرف الانكساف فاجراء
الحكم الركعتين اللتين يقع بعضها في غير زمان الانكساف اجراء إلى غير
الموضوع المتيقن.
لا يقال ان الموضوع عرفا هو الصلاة وقلنا بكفاية وحدة الموضوع في القضية
المتيقنة والمشكوكة عرفا.
لأنا نقول الحكم الوارد على المفاهيم المقيدة الكلية لا يمكن اجرائه إلى
المفهوم الفاقد لذلك نعم لو سرى حكم من المفاهيم الكلية المقيدة إلى المصداق
الخارجي صح استصحابه مع زوال الوصف مثاله لو تغير ماء في الخارج بالنجاسة
بحكم بأنه نجس بواسطة انطباق مفهوم الماء المتغير بالنجس عليه ثم لو زال تغيره
بنفسه يشك في نجاسته فيستصحب النجاسة لان الماء المتغير في الخارج لو زال تغيره
لا يصير موضوعا آخر عند العرف بل بمقتضى قول الشارع لا تنقض اليقين بالشك يقول
هذا الماء كان نجسا في زمان التغير فنجاسته باقية واما الحكم على الماء المتغير
بالعنوان الكلى فليس له ان يجرى إلى الماء الغير المتغير فإنهما مفهومان متغايران

543
بنظر العرف أيضا.
فان قلت تعلق الوجوب بالصلاة الواقعة بتمامها في وقت الانكساف
غير معلوم.
قلت يكفي الاحتمال فإنه مع هذا الاحتمال اجراء الحكم السابق إلى ما كان
موضوعا له واقعا غير معلوم واللازم في باب الاستصحاب احراز الموضوع
بنحو القطع.
واما في الصورة التي علم سابقا ولم يصل عصيانا أو نسيانا إلى ضيق الوقت فالاشكال
في الاستصحاب وان كان كما مر سابقا ولكنه لما يجب القضاء في هذه الصورة يجوز
ان يبادر إلى الصلاة وان كان يقع بعضها بعد الانجلاء هذا إذا انكسف بعض القرص
وأما إذا انكسف تمام القرص فالحكم كذلك الا انه لا يشترط في لزوم القضاء العلم
بالانكساف سابقا.
فان قلت إنه في الصور التي كان وقت الانكساف متسعا الشك في أن موضوع
الوجوب هل هو الصلاة ركعتين بقيد الشروع في وقت الانكساف فقط أو بقيد زائد
على ذلك وهو اتمامها في حال الانكساف فالمتيقن من التقييد هو الأول واما القيد الثاني
فمشكوك فيه فمقتضى البراءة جواز الاقتصار على المجرد عن القيد المشكوك فيه لما
تحقق في الأصول من اجراء البراءة في قيود المأمور به.
قلت القيود التي يرفع اليد عنها بأصالة البراءة هي التي مع رفع اليد عنها يقطع ببقاء
التكليف بأصل الطبيعة المهملة مثاله لو قال المولى أعتق رقبة ولم يعلم بكونها مقيدة
بالايمان يرفع القيد بالبرائة ولكن يقطع بعدم ارتفاع التكليف عن رأس بل طبيعة عتق الرقبة
مهملة عن القيد معلومة الوجوب فيعتق العبد رقبة غير مؤمنة محتجا بأنه ما وصل إلى
من المولى الا وجوب عتق الرقبة وهو لا يقتضى أزيد مما اتيت به وأما إذا لم يأت بالعمل
إلى زمان يحتمل ارتفاع التكليف أصلا فبأي وجه يقطع بالبرائة عن التكليف
بالطبيعة المهملة وهل هذا الا اليقين بالاشتغال والشك في الاتيان بالمبرء.
نعم يمكن ان يقال في أمثال هذه الموارد يجب الاتيان بمقتضى الاشتغال

544
العقلي فان التكليف تنجز الاولا فان زال وقت العمل يستحق العقوبة قطعا وان لم
يزل وقت العمل وأتى به لا يستحق العقوبة فاتيان العمل في هذا الحال لازم عقلا
لامكان ان لا يكون بسببه مستحقا للعقوبة ولكن هذا انما يصح في بعض صور المسألة
وهو الصورة التي لم يصل عصيانا إلى أن ضاق الوقت واما في غير الصورة المفروضة
فلا يخلو عن تأمل.
ويمكن التمسك في بعض صور المسألة باستصحاب الوجوب المتعلق بالصلاة
مهملة من التقيد وهو الصورة التي كان الوقت متسعا من أول الامر بيان ذلك أن تعلق
التكليف بالمقيد موجب لصحة استناده إلى الطبيعة المهملة لاتحادها مع المقيد و
على هذا بنينا مسألة البراءة في الشك في اعتبار القيد وقلنا بان تعلق التكليف
بالطبيعة المهملة معلوم واعتبار الزايد على ذلك مشكوك فيه وفيما نحن فيه نقول
تعلق الوجوب بالصلاة ركعتين معلوم سابقا ونشك في ارتفاعه بواسطة مدخلية
وقوعها تماما في زمان الانكساف أو بقائه فمقتضى الاستصحاب بقائه.
فان قلت إن اللازم في استصحاب الاحكام جعل الحكم المماثل للأول ولو كان
الحكم الأول متعلقا بالموضوع المقيد فليس الحكم المجعول بالاستصحاب مماثلا له
مضافا إلى أن المهملة غير قابلة للجعل.
قلت لا نسلم ذلك ولا نلتزم به ولا دليل يوجب الالتزام بذلك فان مقتضى قول
الشارع لا تنقض اليقين بالشك الاخذ بالحالة السابقة عملا ولو فرضنا انا في الان اللاحق
صلينا ركعتين على الكيفية الواردة فقد عاملنا معاملة بقاء التكليف بذات الصلاة
ركعتين بكيفية خاصة وقد أشرنا إلى هذا المطلب في الأصول في استصحاب عدم
الحكم الأزلي في قبال من يقول بعدم جريان الاستصحاب فيه مستدلا بان العدم غير
قابل للجعل وليس له اثر شرعي وحاصل ما قلنا هناك عدم الالتزام بما ذكر بل مقتضى
الاستصحاب لزوم المعاملة على طبق الحالة السابقة ومقتضى استصحاب عدم الحكم
البناء على عدم حكم من الشارع عملا وينتج ذلك تخيير المكلف بين الفعل والترك
نعم لا يصح الحكم بان المكلف الخارجي ليس له حكم بواسطة استحباب العدم الأزلي

545
لان السالبة بانتفاع الموضوع التي كانت متيقنة لا يكون استصحابها موجبا لاثبات العدم
المربوط بالمكلف الخارجي الا بالأصل المثبت ولكن لا حاجة لنا إلى هذا الاستصحاب
بل يستصحب عدم الحكم للشخص الموجود الخارجي قبل بلوغه لوحدة الموضوع عرفا لان
الشخص الغير البالغ لا يصير بواسطة بلوغه موضوعا آخر بنظر العرف كالماء المتغير
الخارجي الذي زال تغيره من قبل نفسه كما ذكرنا سابقا ومما ذكرنا من صحة استصحاب
الحكم المتعلق بالطبيعة المهملة وعدم صحة استصحاب السالبة بانتفاء الموضوع
لاثبات السلب المربوط بالموضوع الموجود الخارجي يمكن القول بوجوب القضاء
لساير الآيات غير الكسوفين بمعنى ان القضاء فيها على طبق الأصل والقاعدة الا إذا
دل دليل على العدم.
بيان ذلك أنه بعد ما عرفت ان التكليف بالمقيد يصح اضافته إلى الطبيعة المهملة
فالتكليف المتعلق بعمل في وقت خاص يصح استناده إلى ذات العمل وإذا خرج الوقت
وثم يعمل واحتملنا تعلق تكليف آخر بذلك العمل في خارج الوقت فمقتضى هذا
الاحتمال الشك في بقاء التكليف المتعلق بالطبيعة المهملة وان كان تمام الموضوع
في الأول غير تمام الموضوع في الثاني باعتبار القيد لكنه يصدق ان التكليف المتعلق
بالطبيعة المهملة باق لو تعلق تكليف آخر بعد الوقت بتلك الطبيعة كما أنه لو كان
في الدار شخص خاص فخرج ودخل شخص آخر مقارنا لخروجه فإنه يصدق في هذه
الصورة بقاء الانسان في الدار وإذا شك في ذلك شك في بقاء الانسان نعم لما يكون
الشك هنا مستندا إلى الشك في دخول فرد آخر من الانسان فلو كان دخول فرد
آخر مجرى لاستصحاب العدم يكون معارضا لاستصحاب بقاء الكلى أو حاكما
على اختلاف المقامات وفيما نحن فيه وان كان الشك مسببا عن الشك في
حدوث تكليف جديد فان المفروض كون انقضاء بأمر جديد لكنه ليس مجرى
لاستصحاب العدم الا على نحو السالبة بانتفاء الموضوع فان القضاء الذي يشكك في وجوبه
هو اتيان ما هو فرض في وقت ولم يأت به في وقته وصلاة الآيات وان كانت من الفرائض
الموقتة ولم يأت بها كما هو المفروض ولكن ليس من المتيقن في زمان عدم لزوم

546
القضاء لهذه الفريضة المحققة وما هو المتيقن ليس الا عدم وجوب القضاء في وقت لم
يكن في ذلك الظرف تكليف ولا مكلف وقلنا سابقا ان استصحاب هذا النحو من
العدم لا يوجب ثبوت العدم المربوط بالموجود الخارجي.
هذا كله على فرض القول بالتوقيت في صلوات الآيات غير الكسوفين واما
لو لم نقل بذلك بل قلنا بسببية ظهورها لوجوب الصلاة مثل الزلزلة فالامر سهل بل
لو شككنا في ذلك واحتملنا فيها التوقيت يكفي للحكم بلزوم الاتيان بعد السكون
لمن بات في حال الظهور استصحاب الحكم المتعلق بطبيعة الصلاة لاحتمال بقاء
الحكم الأول من دون احتياج إلى الامر الجديد.
فتحصل مما ذكر انه متى شك في وجوب القضاء للصلوات الموقتة فمقتضى
الاستصحاب وجوبه وكذا في غير الموقتة لو شككنا في زوال الحكم بعد مضى مقدار
من الزمان وكذا فيما شك في كونه من الموقت أم لا اما في غير الموقتة فالاحتياج
إلى الاستصحاب من جهة ان الامر المتعلق بالمسبب عند وجود السبب ظاهر في لزوم
اتيان الفعل عقيب السبب واتيان الفعل متأخرا عن السبب بزمان طويل خلاف
ما يقتضيه ظاهر القضية الا ان يدل دليل آخر على جواز التأخير.
فان قلت لو كان مقتضى ظاهر الامر الوارد عقيب السبب اتيان العمل فورا
فمقتضى ذلك أنه لو لم يأت به فورا سقط التكليف وليس هنا مورد استصحاب
بقاء التكليف ولو بعنوان الطبيعة المهملة فان الشك في بقاء المهملة مسبب عن الشك
في تعلق التكليف بالعمل ثانيا.
قلت الفورية ليست من قيود الموضوع حتى يكون العمل في الوقت الثاني
موضوعا آخر بل هي من لوازم اقتضاء الامر للتأثير في متعلقه فان امر الامر من قبيل العلة
الموجدة للفعل فكما ان العلة التكوينية لا تنفك عن المعلول كذلك العلة التشريعية
تقتضي عدم انفكاكها عن معلولها فموضوع الوجوب في الزمان اللاحق لو كان واجبا
عين الموضوع في الان السابق فلو جاء امر من قبل الشارع في الزمان الثاني يجب
أيضا اتيانه فورا وهكذا ولعل الوجه فيما قالوا في صلاة الزلزلة من وجوبها فورا

547
ففورا هو ما ذكرنا. هذا كله إذا علم كون الآية من قبيل الأسباب مثل الزلزلة واما
لو شك في ذلك مثل باقي الآيات غير الكسوفين فلو شك في وجوب الصلاة بعد مقدار من
الزمان وكان واجبا قبل ذلك قطعا فيستصحب الحكم المتعلق بالطبيعة
المهملة لاحتمال زوال ما هو تمام الموضوع في السابق هذا كله مقتضى الأصل في
المسألة.
واما في الكسوفين فقد عينت لنا الاخبار موضع القضاء وعدمه فإنها وان
كانت بين مطلقات دالة على وجوب القضاء وبين ما يدل على عدمه لكن مقتضى
الجمع بينها وبين الاخبار المفصلة انه لو احترق القرص كله وجب القضاء سواء
علم بذلك أم لا فان لم يحترق الا بعضه ولم يطلع الا بعد الانجلاء فليس عليه القضاء
ولو اطلع ولم يصل فعليه القضاء وقد عرفت سابقا ان لزوم القضاء مقتضى الاستصحاب
وعرفت عدم معارضته باستصحاب عدم القضاء لان الثاني من قبيل السالبة بانتفاء
الموضوع فلم يكن لعدم القضاء الا البراءة العقلية وهي لا تجرى مع وجود استصحاب
الوجوب.
نعم لو قلنا بالبرائة الشرعية بمعنى ترخيص الشارع في موارد احتمال التكليف
يكون مقدما على استصحاب التكليف المتعلق بالطبيعة المهملة لان الأصل في الشك
في السبب مقدم على الأصل الذي موضوعه الشك المسبب عن الشك في السبب مطلقا
كما لو غسل الثوب النجس بالماء المشكوك الطهارة ولم يكن أصل في الماء الا
قاعدة الطهارة فيحكم بطهارة الماء بأصالة الطهارة وطهارة الثوب المغسول به وان
كان مسبوقا بالنجاسة.
لكن الذي يسهل الخطب ان الآيات ما هو منها موقت كالكسوف كفانا امره
الأخبار الواردة في حكم قضائه وغيرها على قسمين أحدها ما لا يكون موقتا قطعا
مثل الزلزلة والاخر ما لم يكن دليل على كونه موقتا وقد عرفت جريان استصحاب
وجوب الصلاة من دونا اشكال ومما ذكرنا تعرف ان مقتضى الأصل في ساير الآيات
المخوفة غير الكسوفين لزوم القضاء مطلقا سواء علم بذلك أم لا الا ان يكون اجماع

548
على خلاف ذلك كما قد يستظهر من بعض الكلمات انه لو لم يعلم بالآية في غير
الكسوف حتى خرج وقتها لم يجب القضاء وحكى عن المدارك ان هذا مذهب الأصحاب
لا اعلم فيه مخالفا ثم نقل عن جده في روض الجنان انه أحتمل وجوب القضاء لوجود
السبب وعموم قوله عليه السلام من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته وضعفه بان السبب انما
وجد في الأداء خاصة وقد سقط بفوات محله والفريضة لا عموم فيها بحيث يتناول موضع
النزاع بل المتبادر منها اليومية انتهى ومن هنا تعرف ان ما ذكره ليس بدعوى الاجماع
الاصطلاحي الكاشف عن رأى المعصوم عليه السلام ولذلك ما رد على جده بان هذا خلاف
الاجماع بل ضعف دليله فافهم وتأمل جيدا.
المقام الرابع في بعض أحكامها ونذكر ذلك في مسائل:
الأولى إذا حصل الكسوف أو غيره من الآيات في وقت صلاة حاضرة فلا يخلو
اما ان يكون وقت الاجزاء لكليهما موسعا واما ان يكون مضيقا لهما واما ان
يكون الوقت لإحديهما مضيقا وللأخرى موسعا وعلى الأول اما ان يكون وقت الفضيلة
للحاضرة مضيقا بحيث لو بدأ بالكسوف فات وقت فضيلة الحاضرة واما ان يكون
موسعا مقتضى القاعدة في صورة اتساع وقت الاجزاء لكلا الواجبين التخيير في
تقديم أيهما شاء كما أن مقتضى القاعدة في هذه الصورة استحباب تقديم ما يكون وقته
الفضيلي مضيقا كما أن مقتضى القاعدة الابتداء بما هو الأهم فيما إذا كان الوقت
لكليهما مضيقا كما أن مقتضى القاعدة استحباب البدار إلى ما هو الأهم فيما إذا كان
الوقت الفضيلي لكليهما مضيقا وهذا مما لا اشكال فيه واما الحكم المستفاد من
الاخبار فاللازم نقل ما ورد في هذا الباب واستنتاج المحصل منها بعون الله الملك
الوهاب.
فنقول من الأخبار الواردة صحيحة محمد بن مسلم وبريد بن معوية عن أبي جعفر
وأبى عبد الله (ع) قالا إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلها ما لم تتخوف ان
يذهب وقت الفريضة فان تخوفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت بدأت فيه من صلاة
الكسوف فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت واحتسب بما مضى

549
والمستفاد منها أمران: أحدهما لزوم البدئة في صلاة الآيات لو كان وقت الحاضرة
متسعا وهذا يؤيد لزوم المبادرة إلى صلاة الآيات عند ظهورها والثاني أهمية الحاضرة
من صلاة الآيات من جهة الامر بقطعها والاشتغال بالفريضة وان كان يفوت به
وقت صلاة الآيات الا ان يقال ان الصحيحة بحسب الظاهر متعرضة لحال حدوث
الكسوف أو غيره من الآيات في وقت الفريضة ومن المعلوم بقاء الوقت غالبا لصلاتها
بعد اتمام فريضة التي ضاق وقتها فالصحيحة غير متعرضة لضيق الوقت لكلتا الصلاتين
فاستكشاف الأهمية لإحديهما على الأخرى لا يمكن من الصحيحة بل لابد لنا من
دليل آخر ومن هنا يعلم أنه يحتمل ان يكون المراد من الوقت الذي يتخوف
ذهابه المذكور في الرواية هو وقت الفضيلة ويكون الحاصل ان وقت حدوث الآيات
لو كان بحيث لو اشتغل بصلاتها وأتى بها يفوت وقت فضيلة الفريضة بدأ بالفريضة
ولو كان في أثنائها قطعها واشتغل بالفريضة ويكون امر الشارع باتيان الفريضة
قبل صلاة الآيات في هذه الصورة محمولا على الاستحباب ويكون مانعا لظهور الامر
بالبدئة بصلاة الآيات في أول الصحيحة في الوجوب لاتحاد السياق.
ويؤيد كون المراد من الوقت في الصحيحة هو وقت الفضيلة صحيحة محمد بن
مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل
العشاء الآخرة فان صلينا الكسوف خشينا ان تفوتنا الفريضة فقال إذا خشيت ذلك
فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثم عد فيها الخ فان حمل هذه الصحيحة على إرادة خوف
فوت وقت الاجزاء بعيد.
ثم انه يستفاد من الصحيحة الأولى بل الثانية أيضا جواز البدار إلى صلاة
الآيات عند ظهورها وان كان الوقت متسعا لها وللفريضة وينسب إلى بعض القول بتعين
الفريضة والى آخر عكسه.
وقد يستدل للقول الأول بالصحيحة الامرة بقطع صلاة الآيات والاشتغال بالفريضة
بدعوى ان ظاهرها وجوب قطع صلاة الكسوف لادراك العشاء في أول وقتها وهو
مستلزم لعدم جواز الدخول فيها في أول الوقت بطريق أولى وهذا غريب لان الصحيحة صريحة

550
في جواز الاتيان بصلاة الكسوف ما لم يتخوف فوت وقت الفريضة ولو حملنا الوقت
المذكور فيها على وقت الاجزاء فجواز تقديم صلاة الآيات في سعة وقت الفريضة يصير
من الواضحات ولو حملنا على وقت الفضيلة كما استظهرنا من الصحيحة الثانية فيمتد
وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل أو ربعه كما ذكر في باب المواقيت فيمكن الاتيان
بصلاة الآيات والآتيان بالعشاء الآخرة في وقت الفضيلة والصحيحة صريحة في جواز
الاتيان بصلاة الآيات ما لم يتخوف وقت الفريضة هذا مضافا إلى أن قول القائل بوجوب قطع
صلاة الآيات لادراك العشاء في أول وقتها غريب أيضا بعد فرض عدم وجوب صلاة
العشاء ولا غيرها في أول وقتها إذ لا يناسب وجوب قطع فريضة مقدمة لادراك عمل مستحب
الا ان يقال بان صحة صلاة الآيات مشروطة بكون المكلف فارغا ذمته عن الفريضة
كما أن صحة العصر مشروطة بفراغ ذمته من الظهر لكن التصريح في الصحيحة بجواز
الاتيان بصلاة الآيات ما لم يتخوف فوت وقت الفريضة ينفى هذا الاحتمال.
ويمكن الاستدلال لهذا القول بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال سألته
عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة فقال ابدأ بالفريضة وبما حكى عن الفقه الرضوي
ولا تصلها في وقت الفريضة حتى تصلى الفريضة فإذا كنت فيها ودخل عليك وقت الفريضة
فاقعطها وصل الفريضة ثم ابن علي ما صليت من صلاة الكسوف لكن ينافي ذلك ما في
الصحيحة السابقة من التصريح بجواز الاتيان بصلاة الآيات ما لم يتخوف فوت وقت الفريضة و
يقدم لعدم المعارضة بين الصريح والظاهر فالمحصل من الجمع بين الاخبار التخيير في وسعة
وقت كلتا الصلاتين لكن يبقى الكلام في أنه هل يحمل الامر بصلاة الآيات قبل الفريضة على
مجرد الترخيص دفعا لاحتمال كون البدئة بالفريضة لازمة أو يحمل الامر بالبدئة بالفريضة
على مجرد الترخيص دفعا لتوهم كون الاتيان بصلاة الآيات عند ظهورها فوريا وجهان ولعل
الأظهر الأول فان قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم ابدا بالفريضة ظاهر في رجحان تقديم
الفريضة لدافع اشتباه السائل من جهة تقديم أيهما على الأخرى بخلاف قوله عليه السلام في الصحيحة
الأخرى صلها ما لم يتخوف الخ فإنه بعد فرض عدم الوجوب لما ذكرنا لا يشك أحد في عدم
رجحان تقديم صلاة الآيات على الفريضة فيحمل الامر في الصحيحة على مجرد الترخيص ثم

551
انك قد عرفت جواز قطع الكسوف في الأثناء والآتيان بالفريضة ثم العود من مكان
القطع والاشكال الذي يحكى من بعض الأساطين من أن البناء على موضع القطع بعد
تخلل الصلاة الأجنبية لم يعهد من الشارع تجويزه في غير هذا الموضع ليس في محله
ظاهرا بعد التصريح بالجواز في الاخبار المتعددة لكن الكلام في أنه هل يجوز لدى
العلم بضيق الوقت عن الاتيان بكلتيهما التلبس بصلاة الكسوف وقطعها ثم العود
إليها بعد أداء الحاضرة أم يختص ذلك بما إذا دخل فيها بزعم السعة ثم انكشف خلافه
في الأثناء وجهان:
الأظهر الأول لخلو الأخبار الواردة في هذا الباب من الاشتراط المذكور ومقتضى
الاطلاق جواز التلبس بصلاة الآيات مع العلم بتحقق الضيق لوقت الحاضرة في الأثناء
بل المستفاد من صحيحة محمد بن مسلم ان الامر بقطع صلاة الآيات وارد في مورد التفات
السائل إلى عروض الضيق في الأثناء فان قول السائل ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب
قبل العشاء الآخرة فان صلينا الكسوف خشينا ان تفوتنا الفريضة ظاهر في أن خشية
السائل كانت قبل التلبس بصلاة الآيات فلا يناسبه جواب الإمام عليه السلام بقوله إذا خشيت
فاقطع صلاتك والذي يناسب السائل ان يحمل قول الإمام عليه السلام على أن الخشية المفروضة
لا تمنع التلبس بالآيات ومتى خشيت فوت الفريضة في الأثناء فاقطعها.
المسألة الثانية يستحب الجماعة في صلاة الآيات بلا اشكال سواء احترق القرص
كله أو بعضه وما رواه الشيخ عند عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا انكسف
الشمس والقمر فإنه ينبغي للناس ان يفرغوا إلى امام يصلى بهم وأيهما انكسف بعضه فإنه
يجزى الرجل ان يصلى وحده محمول على تأكد استحباب الجماعة عند احتراق جميع
القرص واما كيفيتها فلم تتعرض لها الاخبار المرغبة في جماعة هذه الصلاة والظاهر عدم
الاشكال في اتحادها مع جماعة اليومية فيما يعبر في كيفية هيئة الاجتماع من مقدار البعد
بين الإمام والمأموم وكذا بين المأمومين وعدم الحائل بينهم وأمثال ذلك فان الأخبار الدالة
على ما ذكر وان كان موردها الفريضة اليومية ولكن يعلم منها ان ما ذكر معتبر في صحة
أصل الجماعة واما بعض الأحكام الواردة في جماعة اليومية بعد انعقادها مثل سقوط

552
القراءة في الاخفاتية مطلقا وفى الجهرية ان سمع قراءة الإمام ومثل ادراك الركعة
بركوع الامام وسقوط القراءة عنه وان كان غير مقتد به حين القراءة بل ولو لم يقرء
الامام القراءة أصلا كادراكه في ركوع الثالثة أو الرابعة وأمثال ذلك فاجرائه في هذه
الجماعة مما لا يمكن الجزم به الا انه لم يستشكل ذلك أحد من العلماء على الظاهر وعلى
هذا فلو أدرك الامام قبل الركوع الأول أو في أثنائه أيضا فقد أدرك الركعة واما ان أدركه
بعد رفع الرأس من الركوع فقد فاتته تلك الركعة وهل يلحق به في الثانية فيتم ركعة من
ركعتي صلوته مع الامام وينفرد بعد تسليمه أو قبله ويأتي بالثانية منفردا أو يجوز
الدخول في الجماعة في هذه الحالة وإذا سجد الإمام لم يسجد يأتي بما بقى من ركوعاته
ثم يأتي بالسجدتين ويلحق بالامام أينما كان أو يصبر حتى يقوم الامام إلى الثانية فإذا
ركع الامام في الثانية ركع معه ما بقى من ركوعات الأولى فإذا انتهى إلى الخامس
بالنسبة إليه سجد ثم لحق بالامام ويأتي بركوعات الركعة الثانية بعضها مع الامام
وبعضها منفردا الذي احتمله العلامة قدس سره على ما حكى عنه هو الأخير.
أقول بعد فرض اجراء احكام الجماعة الواردة في اليومية على الجماعة في هذه
الصلاة لو اقتدى في غير الركوع الأول فليس مأمورا بالسجود مع الامام سواء يأتي بباقي
ركوعاتها مستقلا في الركعة الأولى أو ينتظر حتى يقوم الامام ويأتي بما بقى من الركوعات
فان من احكام الجماعة لزوم متابعة الامام سواء قلنا بان وجوبها نفسي أو شرطي إذ على
الثاني يلزم عدم كونه جامعا مع المخالفة وعلى الأول عدم وجوب المتابعة يكشف عن عدم
كونه جامعا لان عدم المحمول ملازم مع عدم الموضوع الا ان يدل دليل على التخصيص و
المفروض عدم الدليل في خصوص هذه الجماعة والأصل عدمه وتجويز الشارع في بعض
الموارد تخلف المأموم عن الامام واستقلاله بالعمل مع بقاء وصف المأمومية لو قيل
انما هو بواسطة الدليل الوارد في ذلك المورد فلا يقاس به غيره فالأحوط ان لم يكن أقوى
عدم الاقتداء بعد الركوع الأول في الركعة الأولى نعم في الركعة الثانية يصح الاقتداء
قبل الركوع الأول أو بعده مع ادراك الامام راكعا للأدلة الدالة على أن من أدرك الامام في

553
ركوعه يحسب ذلك له ركعة.
الثالثة لو زاحمت الفريضة فعل الكسوف في ضيق وقتهما وكان المحترق بعض
القرص فان كان ذلك سبب اختياري له يدخل فيمن علم بالكسوف وترك الصلاة
عمدا وان كان غير مستند إلى اختياره بل بسبب حدوث الكسوف في ضيق الوقت
مع فرض عدم علمه بحدوث الكسوف في آخر وقت الفريضة أو من جهة كونه
معذورا في تأخير صلاة الآيات لجهة من الجهات الموجبة للعذر فلا اشكال في
تقديم اليومية انما الاشكال في أن ترك صلاة الآيات بواسطة اتيان الفريضة.
أو أهميتها هل يوجب القضاء أم لا فان قلنا بان القضاء تابع للفوت في كل صلاة
سواء كانت من اليومية أو غيرها يلزم القضاء لصدق الفوت في المثال وان قلنا باختصاص
ذلك في خصوص اليومية فالقول بثبوت القضاء مشكل فان دليل لزوم القضاء بعد الاطلاع
على الكسوف يختص بما إذا كان تركها مستندا إلى التضييع أو الغفلة مثل غلبة
النوم اللهم الا ان يجعل غلبة النوم في الاخبار مثالا للعذر العقلي مطلقا.
الرابعة الظاهر عدم ثبوت القضاء على من ترك صلاة الآيات لكونه فاقدا
للطهورين فان دليل ثبوت القضاء لكل فائت لا يشمل المقام كما أسلفنا والأدلة
المتعلقة بالباب موضوعها من هو مجعول في حقه الصلاة واما من لم يكن كذلك
فلا تعمه.
الخامسة الحائض المستوعب حيضه تمام زمان الكسوف ليس عليها القضاء
ظاهرا لما قلنا من عدم شمول عموم دليل القضاء للمورد وكذلك الأدلة الخاصة لاختصاص
موردها بمن كان العمل مجعولا في حقه تشريعا وانما تركه غفلة أو عمدا واما لو
فاجأها الحيض بعد ما كانت طاهرة وقت الانكساف فاما يتسع الوقت بقدر الصلاة
بشرائطها الاختيارية أم لا وعلى الثاني اما يتسع للصلاة في حال الاضطرار أم لا و
على أي حال اما تعلم بمفاجأة الحيض في حال الانكساف أم لا اما لو اتسع الوقت للعمل
الاختياري وكانت تعلم بعروض الحيض فهي داخلة فيمن ترك الصلاة اختياريا وهكذا
لو علمت بذلك وقد اتسع الوقت للصلاة في حال الاضطرار كالصلاة مع الطهارة الترابية

554
أو مع الستر النجس أو بدون الستر مثلا للأدلة الدالة على ذلك كله في حال
الاضطرار على اشكال يأتي انشاء الله تعالى في مبحث القضاء ولو لم تعلم بذلك
واتسع الوقت لإحدى الصلاتين فلزوم القضاء مبنى على القول به كل مورد لم
يؤت بها بواسطة عذر عقلي وان كان المكلف مطلعا على الانكساف فان تأخير
الصلاة للمرأة المفروضة جائز لعدم العلم بطر والحيض كما هو المفروض ولو لم
يتسع الوقت للصلاة على أحد الوجهين فلا دليل على لزوم القضاء سواء علمت بطر
والحيض أم لم تعلم فان الأدلة الواردة في قضاء هذه الصلاة كلها واردة فيمن جعلت عليه
الصلاة وانما تركها عصيانا أو غفلة واما من ترك الصلاة من جهة عدم اتساع الوقت للعمل
فليس موردا لها.
في صلاة القضاء
المقصد السادس في صلاة القضاء وفيه مباحث
الأول اعلم أن وجوب القضاء يحتاج إلى دليل جديد ولا يكفي في ذلك الدليل
الدال على وجوب الصلاة في الوقت لان كفاية ذلك مبنية على القول بان قول الشارع
صل في الوقت مثلا يستفاد منه ايجاب الصلاة على نحو الاطلاق وايجابها في الوقت
وبعبارة أخرى ينحل القول المذكور إلى ايجابين ايجاب أصل الصلاة وايجاب وجودها
في الوقت فلو لم يمتثل الثاني فالأول بحاله وهذا خلاف ما يستفاد من الظاهر فان
المستفاد منه ايجاب واحد متعلق بالمقيد ولا شبهة في زوال هذا الحكم بزوال القيد
فلو وجب القضاء لوجب بوجوب مستقل ومن هنا يعلم عدم صحة التمسك باستصحاب
بقاء الحكم في خارج الوقت لما عرفت من أن الحكم المذكور قد زال قطعا والحكم
الاخر مشكوك الحدوث ولا يتوهم هنا استصحاب الوجوب الكلى فان معنى استصحاب
الحكم ليس الا جعله مطابقا للسابق ولا يمكن جعل الوجوب متعلقا بالمقيد بالوقت
الخاص كما كان سابقا.

555
ولا يمكن أيضا جعله متعلقا بالطبيعة المهملة من دون ان تكون مقيدة بالوقت
ولا مطلقة بالنسبة إليه ولو أوجب الطبيعة المطلقة لكان الواجب هنا غير ما كان واجبا
في السابق ولو فرضنا صدق ابقاء سنخ الحكم وان كان متعلقا بموضوع مغاير للموضوع
الأول وبهذه الملاحظة يشمله عموم دليل الاستصحاب يعارضه استصحاب عدم وجوب
الطبيعة على نحو الاطلاق بل يكون الثاني حاكما على الأول فان الشك في بقاء الكلى
مسب هنا من جعل هذا الشخص من الوجوب لما عرفت من أنه لا طريق لابقاء الكلى الا
جعل هذا الشخص من الوجوب.
إذا عرفت ذلك تعرف ان العمدة في هذا الباب الأدلة المثبتة للقضاء والظاهر
منهم ان استفادة عموم وجوب قضاء الفائت من الاخبار من المسلمات وعلى هذا
فالمعيار في وجوب القضاء صدق الفوت والظاهر كفاية الترك مع ثبوت ملاك الوجوب
من دون توقف على وجود الطلب في الوقت ويحرز ذلك بالترك مع استجماع ما أنيط
به الطلب شرعا كالبلوغ والعقل والطهر من الحيض والنفاس وان لم يتنجز الطلب
من جهة فقدان ما يتوقف فعلية الطلب عليه عقلا كالقدرة على اتيان المأمور به مع تحقق
ساير القيود المعتبرة شرعا هذا لكن استفادة العموم من الأخبار المذكورة في باب القضاء
محل نظر إذ هي بين ما يدل على وجوب القضاء إذا ترك الصلاة نسيانا وما يدل على وجوبه إذا
تركت بغير طهور أو نام عنها وما ليس له اطلاق يفيد لما نحن فيه كالأوامر الواردة بوجوب
قضاء الفائت كما فات وحينئذ فينبغي الاقتصار على القول بالوجوب في ما ذكر في الاخبار
وما الحق به من الاجماع والقول بالبرائة في غير ما ذكر ولنذكر ما ثبت فيه القضاء
بمقتضى الدليل وما ثبت عدمه.
والأول مواضع منها ما إذا ترك الصلاة عمدا والدليل على ذلك مضافا إلى الاجماع
كما ادعى ما ورد في الحائض التي طهرت آخر الوقت الدال على وجوب القضاء عليها لو
أخرت الصلاة مسامحة فيستفاد منه بعد الغاء الخصوصية من الطهر في آخر الوقت وكون
المورد المرأة دون الرجل ان تضييع الصلاة موجب للقضاء فتأمل ومنها إذا تركها
سهوا أو نسيانا ومنها ما لو صلى بغير طهور ومنها ما لو نام عن الصلاة حتى ينقضي الوقت

556
ويدل على ذلك كله اخبار مذكورة في باب القضاء.
والثاني وهو ما ثبت بمقتضى الأدلة عدم القضاء مواضع: منها الصلاة التي تركت
في حال الصغر ومنها الصلاة التي تركت في حال الجنون وعدم القضاء فيها لا يحتاج
إلى دليل لسقوط عموم وجوب القضاء للصلوات الفائتة لما مضى من أن صدق الفوت مبنى
على استجماع شرائط الخطاب شرعا والعقل والبلوغ بمقتضى الأدلة من القيود
الشرعية ومنها الصلاة التي تركت في حال الكفر الأصلي ولا يجب عليه القضاء لو
أسلم فان الاسلام يجب ما قبله ولا اشكال في ذلك فتوى وانما الاشكال في تصوير انه
كيف يسقط عنه القضاء وهو مكلف به حال الكفر وتقرير الاشكال انه في حال الكفر لا يصح
منه العمل وان أسلم يسقط عنه التكليف فلا يتمكن من امتثال التكليف المذكور ومن
جهة هذا الاشكال ذهب صاحب المدارك (ره) إلى عدم كونه مكلفا بالقضاء حال الكفر
وان كان مكلفا بغيره من التكاليف والذي يمكن ان يقال في تصوير ذلك أنه في الوقت
مكلف باتيان الصلاة أداء ومكلف أيضا باتيانها خارج الوقت على تقدير تركها في
الوقت والتكليف الأول مطلق بعد دخول الوقت والثاني مشروط بترك العمل في الوقت
وقد قلنا في محله ان الواجب المشروط لو ترك مستندا إلى ترك غير ما علق عليه الطلب
يصح المؤاخذة عليه وحينئذ فيجب عليه الاسلام في الوقت مقدمة لصحة العمل الواجب
عليه أداء وكذا للعمل الواجب عليه خارج الوقت مشروطا بالترك في الوقت اما
كون الاسلام في الوقت مقدمة لصحة العمل أداء فواضح لعدم حصول التقريب له
في حال الكفر واما كونه مقدمة لصحة العمل القضائي فلانه لو لم يسلم في الوقت فلو بقى
على كفره لم يصح منه وان أسلم يخرج عن موضوع التكليف.
لا يقال انه يلزم من ذلك ثبوت المؤاخذة عليه وان أسلم خارج الوقت من جهة
عدم اسلامه في الوقت حتى يتمكن من القضاء.
لأنا نقول انه مكلف في الوقت بأحد أمرين اما الصلاة في الوقت واما الاسلام
خارجه ويجب عليه القضاء على تقدير ترك الصلاة في الوقت فلو أسلم خارج الوقت فقد
امتثل الواجب الأولى واتى بالغرض الأصلي بل التكليف بالقضاء كما أنه مشروط بترك

557
الصلاة في الوقت مشروط أيضا بترك الاسلام خارج الوقت لأنه يفيد فايدة الصلاة
في الوقت فلو تركهما يجب عليه القضاء وهو يتوقف على الاسلام في الوقت فالكافر
لو أسلم في الوقت وصلى فشكر الله سعيه وان بقى على كفره إلى أن مضي الوقت
ثم أسلم فلا يؤاخذ على ترك الصلاة وان أسلم في الوقت ولم يصل يؤاخذ على ترك
الصلاة في الوقت ويجب عليه الاتيان خارج الوقت ولو لم يأت بها خارج الوقت.
أيضا يؤاخذ على تركها كذلك وان بقى على كفره إلى أن مات يؤاخذ على ترك
الصلاة أداء وقضاء لتمكنه من كل منهما اما الأداء فلان المفروض قدرته على تمام
ما يتوقف عليه الصلاة ومنه الاسلام في الوقت الذي وجب عليه الصلاة واما القضاء فلما
عرفت انه متوقف على الاسلام في الوقت وكان قادرا عليه واما الاسلام بعد انقضاء
الوقت وان كان قادرا عليه أيضا ولكنه ليس مما يتوقف العمل عليه بل هو بدل عن
التكليف الأصلي الذي كان عليه في الوقت وبوجوده ينتفى موضوع القضاء وكون
التكليف في الزمان الذي كان قادرا على المقدمة مشروطا بالنسبة إلى القضاء لا يضر
بعد شهادة الوجدان على صحة المؤاخذة على ترك الواجب المشروط لو استند الترك
إلى غير ما علق عليه الوجوب فافهم فتدبر.
ومنها ما لو تركت من جهة الاغماء المستوعب للاخبار الكثيرة المصرحة
بنفي القضاء وفيها الصحاح وفى مقابلها روايات اخر تدل على وجوب القضاء مطلقا كما
في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام وبعضها تدل على وجوب قضاء ثلاثة أيام
وبعضها تدل على التفصيل بين اغماء ثلاثة أيام وأكثر وبعضها تدل على وجوب قضاء
يوم واحد ويمكن ان يكون المراد من الأخير اليوم الذي أفاق فيه ويكون المراد
من القضاء الأداء فيسقط عن المعارضة والتوفيق وبين الباقي وبين الأدلة المصرحة
بنفي القضاء بحمل ما دل على القضاء على الاستحباب لكثرة ما دل على نفى الوجوب
وصراحته وذكر العلة في بعضها بأنه مما غلب الله عليه ووجود الاختلاف في الأخبار الدالة
على القضاء بحيث لو لم يكن في مقابلها الأخبار الدالة على نفى القضاء لكان
الواجب حمل ما دل منها على القضاء مطلقا على الاستحباب لما دل منها على عدم وجوب

558
القضاء أزيد من ثلاثة أيام أو يوم واحد بناء على غير الاحتمال الذي ذكرنا والحاصل
ان الجمع المذكور توفيق بين الأدلة النافية والمثبتة وبين افراد خصوص الأدلة المثبتة
بحملها على مراتب الاستحباب.
ومنها ما لو تركها حال الحيض والنفاس وسقوط القضاء عما ترك في حال
الحيض والنفاس قطعي ويدل عليه الأخبار الكثيرة لكن يبقى هنا وفى كل مورد
ليس ترك الصلاة موجبا للقضاء امر يجب التنبيه عليه وهو انه لو عرضها الحيض
في زمان يسع لادراك الصلاة مع الطهارة الترابية أو مع القاء الساتر أو مع الساتر
النجس وأمثال ذلك من الصلوات الاضطرارية فهل يجب عليها الأداء ولو لم يأت به
عمدا أو عن غير التفات وجب عليها القضاء أو لا يجب.
قال الفاضل الهندي على ما حكى عنه في شرحه على الروضة يجب فان
أدلة لزوم الصلاة مع عدم التمكن من استعمال الماء أو الستر الطاهر وأمثال ذلك
تشمل المقام فيجب عليها الصلاة المجعولة عليها في حال الاضطرار فلو علمت بعروض
الحيض في زمان يتسع ما قبله للصلاة المجعولة عليها ولم تصل عصت ووجب عليها القضاء
وان لم تلتفت بذلك لم تأثم بالتأخير لكن يجب عليها القضاء فوجوب القضاء هو الذي
يقتضيه القاعدة في كلتا الحالتين واما لو طهرت آخر الوقت ولم يتسع الزمان الا
للصلاة في حال الاضطرار فالقاعدة وان كانت تقتضي الوجوب وان لم تأت فالقضاء
ولكن عارضها النص الوارد في آخر الوقت كما أشرنا إليه سابقا.
أقول يمكن ان يقال ان مقتضى القاعدة فيمن يعرضها الحيض ولم يتسع
الوقت لأدرك الصلاة مع الشرائط المجعولة في حقها لولا الحيض عدم لزوم القضاء ولا
الانتقال إلى العمل الاضطراري بيان ذلك أنه مع قطع النظر عن الدليل الدال على
سقوط الصلاة عن الحائض كانت على المرأة المفروضة المدركة للوقت والمتمكنة من
الطهارة المائية وسائر الشرائط الاختيارية الصلاة مع تمام الشرائط الاختيارية و
النهى عن الصلاة في حال الحيض يقتضى سقوط الصلاة الواجبة عليها لولا الحيض و
هي الصلاة الجامعة لجميع الشرايط الاختيارية ومنه يستكشف ان الطهارة من

559
الحيض شرط شرعي لوجوب الصلاة كالوقت فما ترك من جهة الحيض هو الصلاة الجامعة
لجميع الشرايط والأدلة الدالة على عدم القضاء للصلاة التي تركت من جهة الحيض
تقتضي عدم القضاء لهذه الصلاة المتروكة.
فان قلت سلمنا ذلك لكن الدليل الدال على بدلية التراب عند عدم التمكن
من الماء وكذا الدليل الدال على سقوط الستر يقتضى لزوم الاتيان بالبدل
في المورد.
قلت الانتقال إلى البدل انما هو في صورة كون العمل مع الشرائط الاختيارية
مطلوبا من المولى وان لم يكن موردا للإرادة الباعثة بواسطة عدم القدرة وبعبارة
أخرى الانتقال إلى البدل انما هو في مورد يكون المطلوب الأصلي مطلوبا مطلقا
باطلاق المادة وان كانت الهيئة غير قابلة للبقاء واما لو كان المطلوب الأصلي مختصا
بصنف خاص من المكلف وهو غير الحائض وهو غير مطلوب من الحائض أصلا فما معنى
البدل وبعبارة أوضح ان كلا من الانتقال إلى البدل والقضاء من جهة تدارك
المطلوب الأصلي الفائت وقد يكون تداركه بالاتيان بالمرتبة الناقصة كما في الوقت
وقد يكون بالاتيان في خارج الوقت واما لو لم يكن هناك مطلوب اصلى فما معنى
التدارك بأحد الوجهين.
والحاصل ان الدليل الدال على الاكتفاء بالمرتبة الناقصة انما يدل على ذلك
في مورد فوت المطلوب الأصلي التام سواء كان النقص من جهة الوقت الأصلي كوجوب
القضاء أو من جهة بعض الشرائط الاختيارية واما لو لم يكن مطلوب اصلى في البين
فلا يدل دليل على وجوب الناقص.
فان قلت المرأة التي يعرضها الحيض في زمان يسع قبله لادراك الصلاة مع
الطهارة الترابية وكانت مريضة لا تتمكن من استعمال الماء أو كانت فاقدة للماء
هل يجب عليها الصلاة مع التيمم أم لا لا سبيل إلى الثاني لمخالفته اطلاق الأدلة فان
دليل وجوب الصلاة التي لا تصح لا بالطهور لو ضممناه إلى دليل كون التيمم طهورا
لفاقد الماء أو المريض الذي يتضرر باستعمال الماء يدل على وجوب الصلاة مع التيمم

560
على المرأة المفروضة ومقتضى ذلك لزوم الاتيان بالبدل الاضطراري مع عدم
مطلوبية العلم الأصلي الاختياري فان المفروض مصادفة صلوتها الاختيارية مع
الحيض.
قلت فرق بين التيمم المجعول لخصوص الصلاة وبين التيمم المجعول
أحد الطهورين مطلقا ولو لم يكن عليه صلاة والأول لا ينفع لغير الصلاة كالتيمم في
ضيق الوقت والثاني ينفع لكل عمل مشروط بالطهارة بل يمكن ان يكون من
المستحبات النفسية في موضوعه فالأول هو الذي قلنا بأنه لا دليل عل مشروعية في
مورد عدم مطلوبية الصلاة الاختيارية فان ذلك من جهة التنزل إلى المرتبة الناقصة
بعد عدم امكان وجود المطلوب التام الاختياري فلو لم يكن هناك مطلوب اختياري
فلا دليل على ذلك واما الثاني وهو المجعول بعنوان انه أحد الطهورين بقول مطلق فإنه
بعد تحقق موضوعه يوجب الطهارة عن الحدث حكما ومن فوائده صحة الصلاة معه
فان من شرائط صحتها الطهور فالتيمم غير مجعول بملاحظة حال الصلاة حتى يقال
كيف يكون ذلك مع عدم مطلوبية المبدل بل مجعول في موضوعه بعنوان انه
أحد الطهورين ومن فائدته صحة الصلاة وبعد ما تتمكن من الصلاة الواجدة للشرط
يجب عليها.
ومنها ما لو استبصر المخالف فإنه لا يقضى الصلوات التي أخل بها في حال
المخالفة بشرط اتيانها موافقا لمذهبه ويدل على ذلك المعتبرة المستفيضة منها
رواية الفضلاء عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام انهما قالا في الرجل
يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب
ويعرف هذا الامر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو
ليس عليه إعادة شئ من ذلك قال عليه السلام ليس عليه إعادة شئ من ذلك غير الزكاة
ولابد ان يؤديها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وانما موضعها أهل الولاية.
ومنها خبر بريد بن معوية العجلي عن الصادق عليه السلام سألته عن رجل وهو في
بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم من الله تعالى عليه فعرف هذا

561
الامر يقضى حجة الاسلام قال عليه السلام يقضى أحب إلى وكل عمل عمله وهو في حال نصبه
وضلالته ثم من الله تعالى عليه وعرفه الولاية فإنه يوجر عليه الا الزكاة فإنه يعيدها
لأنه وضعها في غير مواضعها لأنها لأهل الولاية واما الصلاة والحج والصيام فليس
عليه قضاء ومصبها كما ترى من كان آتيا بالصلاة في حال المخالفة على وفق مذهبه
فمن لم يصل منهم أصلا أو صلى مخالفا لمذهبه ليس مشمولا لتلك الروايات فلو بنى
على عموم وجوب قضاء ما فات يجب عليهم القضاء.
نعم ربما يكون خبر عمار الساباطي مشعرا بسقوط القضاء مطلقا وان لم يصل في
تلك الحالة قال قال سليمان بن خالد لأبي عبد الله عليه السلام وانا جالس انى مذ (منذ خ ل) عرفت هذا
الامر اصلى في كل يوم صلوتين أقضي ما فاتني قبل معرفتي قال عليه السلام لا تفعل فان الحال
التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركته من الصلاة ولكن يمكن ان يكون المراد
من قول الراوي ما فاتني وقول الإمام عليه السلام من ترك ما تركه الصلاة الصحيحة الواقعية
إذ من العبيد ترك أصل الصلاة رأسا من الراوي قبل المعرفة فينطبق على باقي الروايات.
مسائل: (1) لا فرق في وجوب القضاء بين من ترك الصلاة رأسا وبين من أخل
بشرط من شرائطها المطلقة أو بجزء من اجزائها كذلك ولو أخل سهوا بشرط أو
جزء يختص شرطيته أو جزئيته بحال العمد لا يجب القضاء وهو واضح ولو أخل بما يجب
الاتيان به بحكم العقل بناء على الاشتغال في دوران الامر بين الأقل والأكثر فلو كان
ذلك منه عمدا فلا يبعد وجوب القضاء لصدق الفوات وان كان ما أتى به واجبا في نفس
الامر فإنه لا يعد مطيعا ومتقربا بما فعل بعد ما لم يكن فعله مطابقا لما حكم به العقل
في مرحلة الامتثال واما لو كان منه ذلك على طريق السهو والغفلة فالظاهر عدم
وجوب القضاء للشك في صدق الفوت ولا يجوز التمسك بأصالة عدم الاتيان بالمأمور
به لاحراز الفوت الاعلى القول بالأصول المثبتة.
(2) مقتضى اطلاق الأدلة عدم الفرق في سقوط القضاء عن المجنون والحائض
والنفساء والمغمى عليه بين ان يكون العذر قهريا أو باختيار المكلف وان كان قد
يوهم تعليل السقوط في بعض اخبار الاغماء بكونه مما غلب الله عليه ان ما كان بسبب

562
من نفسه لا يوجب السقوط لكنه لا يخفى انه لا يستفاد من التعليل انه المعيار في باب
وجوب القضاء وجودا وعدما بل غاية ما يستفاد منه ان الترك الذي كان لغلبة الله تعالى
ليس له قضاء فلا ينافي وجود موجبات اخر لسقوط القضاء ولكن الأحوط عدم الترك
خصوصا مع ملاحظة ان المغلوبية من جانب الله تعالى امر عرضي فلو كان الاغماء
موجب لسقوط القضاء مطلقا لما كان المناسب استناده إلى المغلوبية من جانبه تعالى لتقدم
الذاتي على العرضي طبعا.
(3) بناء على عموم قضاء ما فات يجب على المرتد قضاء أيام ارتداده سواء
كان عن ملة أو فطرة فان اخبار الجب لا تشمل الاسلام عقيب الارتداد ويصح من المرتد
العبادات وان كان عن فطرة على الأصح وما ورد من الأخبار الدالة على عدم قبول
توبته فهو مخصوص ببعض الآثار الذي يكون حدوث الكفر موجبا لتحققه كبينونة
زوجته وهدر دمه وتقسيم ما له بين الوراث لا ان تمام آثار الكفر يترتب
عليه من النجاسة وعدم صحة العبادة وأمثال ذلك مع أنه ليس بكافر حقيقة فلاحظ
اخبار الباب.
(4) فاقد الطهورين لا يجب عليه الأداء لظهور الدليل في أن حقيقة الصلاة لا
تتحقق في الخارج من دون طهور فإذا عجز من الطهور لفرض الفقدان فقد عجز عن
اتيان الصلاة في الخارج واما القضاء فصدق الفوت محقق لما قلنا من أن المعيار في
ذلك استجماع الشرائط التي لها مدخلية في طلب الشرع ولو دل العمومات على
وجوب قضاء ما فات من الصلوات اليومية كما هو مدعى الأصحاب رضوان الله عليهم
تم المطلوب هذا ولكن الأحوط عدم ترك الأداء أيضا باتيان الصلاة من دون طهور ثم
القضاء خارج الوقت مع الطهور.
(5) من وجب عليه الجمعة إذا تركها حتى مضى وقتها اتى بالظهر وان تركها
أيضا وجب عليه قضائها لاقضاء الجمعة اما عدم وجوب قضاء الجمعة ففي المدارك
انه اجماع أهل العلم ويدل عليه قوله في حسنة الحلبي فان فاتته الصلاة فلم يدركها
فليصل أربعا وفى صحيحة عبد الرحمن إذا أدركت الامام يوم الجمعة وقد سبقك

563
بركعة فأضف إليها ركعة أخرى واجهر فيها فان أدركه وهو يتشهد فصل أربعا
واما قضاء الظهر لو تركها في الوقت فلعموم قضاء ما فات.
(6) ليس لصلاة العيدين قضاء سواء كانت واجبة أم مستحبة وسواء تركها
عمدا أم سهوا وصرح بهذا العموم في المحكى عن التذكرة بل المحكى عنها ان
السقوط مذهب أكثر الأصحاب والدليل على ذلك مضافا إلى الأصل صحيحة زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال ومن لم يصل مع الامام في جماعة في العيدين فلا صلاة له ولا
قضاء عليه وروى أبو البختري عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال من فاتته
صلاة العيدين فليصل أربعا وفيه انه مع ضعف السند لا يتعين كون الأربع قضاء لما فات
منه إذ من الممكن استحباب أربع ركعات لمن لم يدرك صلاة العيدين.
(7) ما فات في السفر يقضى قصرا وان كان في الحضر وما فات في الحضر يقضى
تماما وان كان في السفر للأخبار الدالة على وجوب قضاء ما فات كما فات من قصر
واتمام ولو فاتت في أماكن التخيير فهل يخير في قضائها أو يقضى قصرا أو يفصل بين
قضائها في تلك الأماكن فالتخيير وفى غيرها فالقصر لا يخلو الثالث عن قوة فان المعلوم
من الأدلة ان جعل التمام بدلا للقصر في تلك الأماكن انما هو من خصوصيته لتلك
الأمكنة كما أنه يدل على ذلك التعليل في بعض الاخبار بان الله يحب اكثار الصلاة
فيها فلا يكون صلاة التمام في غير تلك الأمكنة قضاء لصلاة التمام فيها فان معنى
القضاء ان يؤتى بما فات بجميع ما له دخل في مطلوبيته سوى الوقت والذي يؤتى به
في غير تلك الأمكنة المشرفة فاقد لامرين أحدهما الوقت والثاني المكان الذي لشرافته
صارت الصلاة التامة مجزية عن القصر فالتمام لفقده الخصوصية الثانية لا يكون قضاء
وكيف كان لا اشكال ان الأحوط القصر.
(8) ولو كان في أول الوقت حاضرا وفى آخره مسافرا أو بالعكس وفاتت للصلاة منه
فان قلنا بان المعيار في الاتمام كونه حين دخول الوقت حاضرا ولو سافر بعده وكذا المعيار
في القمر كونه حين دخول الوقت في السفر وان حضر بعده فلا اشكال في تعيين التمام
عليه في الفرض الأول ويعين القصر في الثاني لكن هذا خلاف ما عليه المشهور وان

564
ورد على طبقه بعض الروايات وان قلنا بان القصر والتمام تابعان لعنوان المسافر و
الحاضر فما دام حاضرا يجب عليه التمام ومتى سافر تبدل تكليفه بالقصر كما عليه
المشهور فمقتضى القاعدة التخيير في القضاء لأنه فاتت منه إحدى الصلاتين وقد يتوهم
ان الفوت ينسب إلى ما تعين عليه في آخر الوقت وهو فاسد ضرورة انه لو كان آتيا بما
تعين عليه أول الوقت لما تحقق صدق الفوت كما أنه لو كان آتيا بما تعين عليه آخر
الوقت لما صدق الفوت أيضا فكيف ينسب الفوت إلى خصوص ترك ما وجب عليه آخر
الوقت ولكن الأحوط اختيار ما تعين عليه آخر الوقت وأحوط منه الجمع بين القصر
والاتمام مراعاة لاحتمال ان يكون المعيار هو أول دخول الوقت مع هذا الاحتمال
المتوهم بل الاتيان قضاء على طبق ما تعين عليه أول الوقت مقتضى بعض الاخبار وان
لم نقل بوجوب ذلك إزاء لما رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر بن
سويد عن موسى بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام انه سئل عن رجل دخل وقت
الصلاة وهو في السفر فاخر الصلاة حتى قدم فهو يريد يصليها إذا قدم إلى أهله فنسي
حين قدم إلى أهله ان يصليها حتى ذهب وقتها قال عليه السلام يصليها ركعتين صلاة المسافر
لان الوقت دخل وهو مسافر كان ينبغي ان يصلى عند ذلك.
المبحث الثاني في الترتيب وما يتبعه وفيه مسائل:
(1) لا ترتيب في قضاء غير اليومية لا بالنسبة إلى اليومية ولا بعضها مع بعض لعدم
الدليل عليه واما اليومية فيدل على الترتيب في قضائها بعض الاخبار مثل صحيحة
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء
صلوات فابدأ بأولاهن فاذن لها وأقم ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة الخبر
وبهذا المضمون بعض روايات اخر ولا شبهة في ظهورها في وجوب الترتيب واحتمال
ان يكون المراد ثبوت الاذان لأولاهن شروعا بعيد جدا هذا ولكن يمكن ان يقال
ان مصب اطلاق ما ذكر من الاخبار صورة العلم بالترتيب ومع الجهل لا دليل على لزوم
مراعاته فيسقط بمقتضى الأصل كما صرح بذلك في المدارك وقال وبه قطع العلامة
في التحرير وولده في الشرح والشهيدان.

565
ثم انه عليه فرض تمامية الاطلاق وشموله صورة الجهل لو كان عليه صلوات
وجهل ترتيبها يجب عليه تكرار الصلاة إلى أن يقطع بحصول الترتيب الا ان يكون
مستلزما للحرج الذي لا يتحمل عادة فيرفع اليد عن التكرار بمقدار رفع الحرج
(2) لو كان عليه صلاتان متحدتان من حيث العدد ولم يعرف الترتيب بينهما
وقلنا بوجوب احراز الترتيب فان كانتا متحدتين من حيث الجهر والاخفات كالظهر
والعصر فلا اشكال في جواز اتيان أربع ركعات بقصد ما فات أولا ثم أربع ركعات
آخر بقصد ما فات ثانيا واما لو كانتا مختلفتين من حيث الجهر والاخفات كالظهر
والعشا قيل أيضا بجواز الاتيان بصلاتين كما ذكرنا أولا بدعوى سقوط تعين الجهر
والاخفات عند الجهل وفيه نظر لعدم الدليل على سقوطهما والنص الدال على السقوط
انما هو فيما إذا كانت الفائتة واحدة مرددة بين الخمس فيأتي ثنائية وثلاثية ورباعية
كما دل عليه رواية على بن أسباط عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) فلا
يدل على سقوط الجهر والاخفات على من كان له فائتة جهرية وفائتة اخفاتية وجهل
ترتيب الفوت.
(3) لو تيقن فوت إحدى الصلاتين من الظهر والعصر واحتمل فوت كلتيهما و
على الثاني لا يعلم ترتيب الفائت فمقتضى الأصل عدم وجوب قضاء أزيد عن واحدة
ولكنه لو اتى بواحدة بقصد ما اشتغلت ذمته به لم يقطع بالفراغ لاحتمال الاشتغال
بصلاتين فلا يتعين ما اتى به في إحديهما واقعا فالأولى الاتيان بواحدة بقصد انها وجبت
عليه فعلا أعني من دون توقفها على أن تكون مسبوقة بصلاة فتصح هذه المأتى بها و
يدفع الزائد بالأصل.
(4) المشهور بين المتأخرين عدم وجوب الفورية في قضاء الصلوات الفائتة و
كذا عدم وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة مطلقا ولا يخفى ان المسئلتين لا تلازم
بينهما إذ يمكن القول بعدم لزوم الفور مع القول بوجوب تقديم الفائتة من جهة
انها شرط الصحة الحاضرة كما في وجوب تقديم الظهر على العصر كما أنه يمكن
القول بوجوب الفور مع القول بصحة الحاضرة وان لم يأت بالفائتة عصيانا فان بطلان

566
الحاضرة بناء على هذا القول انما يكون من جهة اقتضاء الامر بالشئ النهى عن
ضده الخاص أو عدم الامر به فتبطل لتوقف صحة العبادة على الامر وقد حقق في الأصول عدم
اقتضاء الامر بالشئ النهى عن ضده الخاص بل ولا عدم الامر به إذ تصورنا الامر بالضدين
على نحو الترتب ولو سلمنا عدم صحة الامر بالضد مع كون ضده الاخر مأمورا
به فعلا منعنا توقف صحة العبادة على الامر بل يكفي في الصحة حسن الفعل وكونه
مشتملا على المصلحة الملزمة وان لم يتعلق به الامر لمانع عقلي.
نعم من يرى اقتضاء الامر بالضد النهى عن ضده الاخر أو عدم الامر ويعتقد
توقف صحة العبادة على الامر لو بنى على فورية القضاء يلزم ان يحكم
بفساد الحاضرة في الوقت الموسع قبل اتيان الفائتة وكيف كان فالأصل في المسئلتين
البراءة.
اما مسألة فورية القضاء فالبرائة فيها واضحة لأن الشك انما يكون في التكليف
المستقل واما مسألة اشتراط الترتيب في صحة الحاضرة فهي من جزئيات الشك في المطلق
والمقيد والمختار فيه البراءة عقلا ونقلا والمهم النظر في الأدلة الحاكمة على
الأصلين فان لم يكن في البين ما يدل على المضايقة والترتيب يكفينا الأصل في
المقامين.
فنقول العمدة في هذا المقام روايات منها صحيحة زرارة عن رجل صلى بغير
طهور أو نسى صلاة لم يصلها أو نام عنها فقال عليه السلام يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها
من ليل أو نهار فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف ان يذهب وقت
هذه الصلاة التي قد حضرت وهذه أحق بوقتها فليصلها فإذا قضاها فليصل ما قد فاته
مما قد مضى ولا يتطوع بركعة حتى يقضى الفريضة كلها وفيه ان الظاهر من الرواية
وحدة الفائتة وقد اشتغل بها فدخل وقت صلاة أخرى قبل الاتمام ولا يمكن ان يكون اتمام
صلاة واحدة موجبا لذهاب وقت الاجزاء لصلاة أخرى التي دخل وقتها في أثناء العمل
فلابد ان يكون المراد من الوقت وقت الفضيلة فيكون مدلول الرواية ان ادراك الصلاة
في وقت فضيلتها أفضل من التعجيل في قضاء ما فات فيدل على أن التعجيل في القضاء مستحب

567
وادراك الصلاة في وقت فضيلتها أيضا مستحب فان أمكن الجمع بينهما فهو والا يقدم ادراك
الصلاة في وقت الفضيلة فهذه على خلاف مدعى القائل بالتضييق أدل.
ومنها الصحيحة الطويلة لزرارة أيضا عن أبي جعفر عليه السلام المشتملة على فقرات
تدل على المدعى بزعم الخصم إحداها قوله وان كنت قد ذكرت انك لم تصل العصر
حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب الخبر الثانية قوله عليه السلام
وان كنت قد صليت من المغرب ركعتين ثم ذكرت العصر فانوها العصر ثم قم فأتمها ركعتين
ثم تسلم الخبر. الثالثة قوله عليه السلام وان كنت قد ذكرتها يعنى العشاء الآخرة وأنت في
الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثم قم فصل الغداة الخبر. الرابعة وان
كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل ان تصلى الغداة ابدأ بالمغرب
ثم العشاء فان خشيت ان تفوتك الغداة ان بدأت بهما فابدء بالمغرب ثم صل الغداة ثم
صل العشاء فان خشيت ان تفوتك الغداة ان بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم صل المغرب
والعشاء الخبر ومنها صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه السلام قال سئلته عن رجل
نسى الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلى العصر قال عليه السلام كان أبو جعفر أو كان أبى
يقول إن أمكنه ان يصليها قبل ان تفوته المغرب بدء بها وإلا صلى المغرب ثم
صليها.
ومنها رواية أبي بصير عن رجل نسى الظهر حتى دخل وقت العصر قال عليه السلام يبدء
بالظهر وكذلك الصلوات تبدء بالتي نسيت الا ان تخاف ان يخرج وقت الصلاة فتبدء بالتي
أنت في وقتها ثم تقضى التي نسيت ومنها رواية البصري قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسى
صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى فقال عليه السلام إذا نسى صلاة أو نام عنها صليها حين يذكرها فإذا
ذكرها وهو في صلاة بدء بالتي نسى وان ذكرها مع امام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم
صلى المغرب ثم صلى العتمة بعدها ومنها رواية معمر بن يحيى قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل صلى على غير القبلة ثم تبين له القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى قال يعيدها قبل ان يصلى
هذه التي دخل وقتها الا ان يخاف فوت التي دخل وقتها والمحكي عن دعائم الاسلام قال
روينا عن جعفر بن محمد (ع) انه قال من فاتته صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى فان كان

568
في الوقت سعة بدأ بالتي فاتت وصلى التي هو منها في وقت وان لم يكن من الوقت الا
مقدار ما يصلى التي هو في وقتها بدأ بها وقضى بعده التي فاتت والمحكي عن كتب
الأصحاب مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا صلاة لمن عليه صلاة هذه جملة الأدلة التي استدل
بها على التضييق أو ترتب الحاضرة على الفائتة مضافا إلى وجوه اخر ما ذكرناها لضعفها
ووضوح الجواب عنها.
والجواب من الفقرة الأولى للصحيحة ان تقييد الابتداء بالعصر بعدم الخوف
عن وقت المغرب مع أن المفروض التذكر أول دخول الوقت دليل واضح على أن
المراد من وقت المغرب هو الوقت للفضيلة لا للاجزاء إذ لا يمكن ان يكون صلاة العصر
موجبة لفوت وقت الاجزاء للمغرب فيكون دليلا على جواز الاتيان بالمغرب بل على
رجحانه لو تضيق وقت الفضيلة لها وان كان في سعة من وقت الاجزاء فهو دليل على خلاف
مدعى القوم وحيث إن اتيان المغرب في وقت الفضيلة ليس بواجب قطعا بعد فرض
كون الوقت وقتا للفضيلة فالامر باتيان المغرب في صورة خوف الضيق معناه الاستحباب
قطعا ويكون بالامر باتيان المنسى في صورة عدم التخوف أيضا معناه الاستحباب
بقرينة مقابله فيكون مفاد الرواية رجحان تقديم الفائتة لو تمكن من الجمع بين
الفائتة وصاحبة الوقت في وقتها المجعول للفضيلة ورجحان تقديم صاحبة الوقت
لو تخوف الفوت.
ومنه يظهر الجواب عن الفقرة الثانية منها إذ بعد دلالة الأولى على استحباب
تقديم الفائتة في صورة عدم خوف ذهاب وقت الفضيلة ورجحان تقديم الحاضرة في
صورة الخوف يعلم أن العدول بعد تقييده بعدم الخوف من ذهاب وقت الفضيلة راجح
لا واجب إذ لا يمكن القول بعدم وجوب تقديم الفائتة في وقت الاجزاء للحاضرة
لو تذكر قبل الشروع في الحاضرة ووجوب العدول لو تذكر في الأثناء وكذا يظهر
الجواب عن الفقرة الثالثة والرابعة مع أن في الفقرة الرابعة تقديم المغرب و
العشاء المقضيتين على الغداة متقيد بعدم تخوف فوت الغداة والظاهر بقرينة الفقرة
الأولى ان المراد فوت الغداة في وقت الفضيلة وهو قبل تجلل الصبح كما في بعض

569
الاخبار فيجوز بل يرجح بمقتضى هذا التقيد تقديم الغداة لو خاف فوتها في وقت الفضيلة
وان كان في سعة من وقت الاجزاء وبهذا يجمع بين الصحيحة الامرة بتقديم المغرب
والعشاء المقضيتين على الغداة والصحيحة الأخرى الامرة بتقديم الغداة على
المغرب والعشاء.
ومما ذكرنا يظهر الجواب عن الصحيحة الثانية أيضا إذ تفصيل الإمام عليه السلام
بين امكان الاتيان بالظهر المنسى قبل فوت المغرب وعدمه مع أن المفروض وقوع
التذكر وقت غروب الشمس دليل واضح على أن المراد من وقت المغرب وقت الفضيلة
فيكون الصحيحة دليلا على جواز تقديم المغرب في صورة عدم امكان الجمع بينها
وبين الظهر المنسى في وقت الفضيلة للمغرب مع سعة وقت الاجزاء واما رواية أبي بصير
فالاستدلال بها مبنى على القول بعدم وقت الاشتراك بين الظهرين والعشائين ولا نقول
به وحمل وقت العصر فيها على وقت الفضيلة لا يصح إذ يلزم منه تقديم العصر مع
ذهاب وقت الفضيلة مع اشتراك الظهر في الوقت المفروض.
وبالجملة القائل باشتراك الوقت بين الظهرين والعشائين في غير ما اختص
بهما أولا وآخرا لابد له من حمل هذه الرواية على وجوب الاتيان بالظهر الذي في
وقت الفضيلة مع التذكر في وقت الفضيلة للعصر فان المفروض كونه وقتا للظهر أيضا
والآتيان بالعصر لو خاف فوتها في الوقت مطلقا واما رواية البصري فالظاهر منها
وان كان لزوم تقديم الفائتة مطلقا الا ان اللازم بقرينة ما سبق تقييد موردها بعدم
خوف ذهاب وقت الفضيلة للحاضرة فيرجع مفادها إلى ما سبق واما رواية معمر بن
يحيى فحالها حال ما سبق فان تقديم الفائتة قد قيد فيها بعدم خوف ذهاب وقت
الحاضرة مع أن المفروض فيها التذكر حين دخول وقت الحاضرة فاللازم ان يكون
المراد وقت الفضيلة وكذا الكلام في مرسلة دعائم الاسلام واما ما ارسل عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم في كتب الأصحاب لا صلاة لمن عليه صلاة فبعد دلالة الماضية على صحة
الحاضرة لمن عليه الفائتة اما يحمل على الصلاة نافلة فيخرج عما نحن فيه أو يحمل

570
على ضيق الوقت للصلاة التي تجب عليه فظهر بحمد الله تعالى انه يكفي للحكم
بعدم الترتيب بين الحاضرة والفائتة مطلقا الأدلة التي أقاموها على لزوم مراعاة
الترتيب حتى في فائتة اليوم التي حكى عن المختلف ترتب الحاضرة عليها فان
صحيحة زرارة الدالة على حكم من نسى العصر حتى دخل وقت من البدئة بالمغرب لو خاف
فوتها بعد فرض ان المراد هو وقت الفضيلة كما بينا سابقا كالصريحة في جواز
تقديم الحاضرة على فائتة اليوم مع سعة وقت الاجزاء للحاضرة وكذلك مصححة صفوان
بالتقريب السابق.
واما الاخبار التي استدل بها القائلون بالمواسعة فنذكر منها ما كان ظاهرا
أو صريحا في المقصود فمنها ما عن أصل الحلبي من قوله عليه السلام ومن نام أو نسى ان يصلى
المغرب والعشاء الآخرة فان استيقظ قبل الفجر مقدار ما يصليهما فليصلهما وان
استيقظ بعد الفجر فليصل الفجر ثم المغرب ثم العشاء ودلالته على المطلوب
ظاهرة فان الامر باتيان المغرب والعشاء قبل الفجر بضميمة ما دل على أنه وقت
للمضطر امر بايجادهما في الوقت المجعول لهما واما الامر بتقديم الفجر في الفقرة
الثانية فيدل على جواز تأخير القضاء عن الحاضرة في الوقت الموسع لها وهو المطلوب
وحمل قوله وان استيقظ بعد الفجر على القريب من طلوع الشمس في غاية البعد
فيكون مفاد الرواية رجحان الاتيان بصلاة الفجر في أول وقتها وان استلزم تأخير
القضاء وعدم ترتب الحاضرة على الفائتة.
ومنها مرسلة الوشاء عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت الرجل
يفوته الأولى والعصر والمغرب وذكرها عند العشاء الآخرة قال يبدأ بالوقت الذي
هو فيه فإنه لا يأمن الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت ثم يقضى ما
فاته الأولى فالأولى والمحكي عن المحقق في المعتبر روايتها عن جميل فلعله
اخذها من كتابه ودلالتها على تقديم الحاضرة على الفائتة في الوقت الموسع للحاضرة
واضحة من جهتين إحديهما قول السائل وذكرها عند العشاء إذ الظاهر بل الواضح
ان المراد ليس الوقت المختص به كما لا يخفى والثانية تعليل الإمام عليه السلام بقوله فإنه

571
لا يؤمن الموت فان وقت الفريضة لو كان مضيقا يجب عليه ان يأتي بها سواء امن من
الموت أم لا نعم هنا اشكال وهو ان المراد من تذكر المنسى الذي منه المغرب عند
العشاء اما تذكرة عند مطلق الوقت أو وقت الفضيلة لها وكلاهما لا يناسب جواب
الإمام عليه السلام على القول المشهور من اشتراكهما في الوقت الا بمقدار يختص بكل
منهما من أول الوقت وآخره فان الاتيان بالعشاء في الوقت المشترك بينهما وبين
المغرب وتأخير المغرب عنها لا يجوز قطعا والقول بان جواب الإمام عليه السلام مبنى على أن
لكل من المغرب والعشاء وقتا خاصا به وليس لهما وقت مشترك مما يوجب الوهن
في الرواية على القول المشهور الذي يدل عليه الاخبار.
والجواب ان السائل وان كان قد فرض فوت المغرب والتذكر عند العشاء
لكن جواب الإمام عليه السلام عنه ليس صريحا في وجوب تقديم العشاء مع كون الوقت للمغرب
أيضا لأنه عليه السلام قال يبدأ بالوقت الذي هو فيه بمعنى ان الظهر والعصر لخروج وقتها
تؤخران عما هو في الوقت أعني المغرب والعشاء.
نعم تقريره عليه السلام فوت المغرب الذي وقع في كلام السائل يحمل على التقية
ويمكن ان يكون مراد السائل من فوت المغرب فوته في وقت الفضيلة وعلى أي
حال لا يضر لظهور دلالة قوله عليه السلام على أن الصلوات خرج وقتها الواقعي تؤخر عما
وقته باق لكن يشكل هذا بأنه لا يناسب قوله بعد ذلك ثم يقضى ما فاته الأولى فالأولى
فان مقتضى هذا الكلام كون الفائت أكثر من اثنين كما لا يخفى ولكن مع هذا كله
لا يوجب سقوط الجواب عن قابليته للاستدلال فان ظهور الرواية في تقديم العشاء
الحاضرة مع سعة وقتها على قضاء الظهرين مما لا ينبغي انكاره ومنها ما عن السيد بن
طاوس في رسالة المواسعة على ما حكى عنه عن كتاب الحسين بن سعيد عن صفوان
عن العيص بن القسم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسى أو نام عن الصلاة حتى
دخل وقت صلاة أخرى فقال عليه السلام ان كانت صلاة الأولى فليبدء بها وان كانت صلاة
العصر صلى العشاء ثم صلى العصر وتقريب الاستدلال ان المراد من الصلاة الأولى اما
يكون مطلق الصلاة التي بعدها صلاة فيعم المغرب أو خصوص الظهر وعلى أي حال

572
دلالتها على جواز تقديم العشاء الحاضرة على العصر الفائتة مما لا ينكر وجعل الظهر
والمغرب في عداد المنسى حتى دخل وقت الثانية منهما لعله من جهة تركهما في الوقت
المجعول للفضيلة الذي كان المتعارف عدم التأخير عنه.
تنبيه قلنا في صدر المسألة ان الشك في فورية القضاء وكذا الشك في ترتب
الحاضرة على الفائتة مرجعها البراءة لكن فيه اشكال يجب التنبيه عليه وهو ان الامر
المتعلق بموضوع خاص غير مقيد بزمان وان لم يكن مدلوله اللفظي ظاهرا في الفور
ولا في التراخي ولكن لا يمكن التمسك به للتراخي بواسطة الاطلاق ولا التمسك
بالبرائة العقلية لنفى الفورية لأنه يمكن ان يقال بان الفورية وان كانت غير ملحوظة
للامر قيدا للعمل الا انها من لوازم الامر المتعلق به فان الامر تحريك إلى العمل وعلة
تشريعية وكما أن العلة التكوينية لا تنفك عن معلولها في الخارج كذلك العلة التشريعية
تقضى عدم انفكاكها عن معلولها في الخارج وان لم يلاحظ الامر ترتبه على العلة في الخارج
قيدا وهذا نظير ما اخترناه أخيرا في باب تداخل الأسباب ان الأصل عدم التداخل فان السببين
وان كانا واردين على الطبيعة الواحدة لكن مقتضى تأثير كل واحد منهما ان يوجد
وجود خاص مستند إليه كما أن مقتضى سببية النار لاحراق ما تماسه تحقق الاحتراق
المخصوص المستند إلى النار وان تعدد النار المماسة لجسم آخر مثلا يتحقق احتراق
آخر مستند إلى النار الأخرى وان كان هذان الوصفان أعني الاستناد إليها وكون الاحتراق
الثاني احتراقا آخر غير مستندين إلى تأثير السبب.
إذا عرفت ذلك فنقول الامر بالقضاء بنحو الاطلاق أعني بدون تحديد مدة له
لابد وان يعامل معه معاملة العلة للعمل في الخارج فهو حجة على العبد بمعنى ان العبد
ليس له ان يؤخر العمل ويعتذر بان الاطلاق ويعتذر بان الاطلاق يقتضى جواز التأخير أو يقول بان تقييد
العمل بالفورية مشكوك فيه ومقتضى الأصل البراءة هذا من جهة الشك في كون القضاء
واجبا فورا واما من جهة الشك في صحة الحاضرة من جهة احتمال ان يكون الشرط
في صحتها ترتبها على الفائتة كما في ترتب العصر على الظهر مثلا فنقول وان كان
الشك من هذه الجهة من مصاديق تردد الواجب بين المطلق والمقيد وبنينا على

573
البراءة في الأصول ولكن يحتمل هنا ان يكون القول بصحة الفريضة والقول بالمضايقة
في القضاء احداث قول ثالث كما يظهر من بعض الكلمات فالعمدة في المقام التمسك
بالاخبار الدالة على جواز البدئة بالفريضة مع كون الذمة مشغولة بالقضاء كما
شرحنا سابقا.
(5) يجوز النافلة في وقت الفريضة على الأقوى لدلالة بعض الأخبار الواردة
في المواقيت المصرحة بأنه انما جعل الذراع والذراعان لئلا يكون التطوع في وقت
الفريضة تقريب الاستدلال به ان تلك الأخبار تدل على أن الرواتب اليومية ليست
مصاديق للتطوع في وقت الفريضة مع أنها شرعت في وقت الفريضة فيعلم ان وقت
الفريضة الذي منع فيه عن التطوع هو وقت الفضيلة لا مطلق الوقت فبعض الأخبار الواردة
في المنع عن التطوع في وقت الفريضة يسقط عن الظهور في مطلق الوقت
بعد شرح الاخبار الماضية ثم إن وقت الفضيلة الذي منع فيه النافلة يمكن ان يكون مطلقا
كما يظهر من بعض الاخبار ويمكن ان يكون خصوص آخره بحيث يخاف من الاشتغال
بالنافلة ذهاب وقت الفضيلة رأسا فان كان الأول فالمنع من النافلة انما هو بملاحظة
أهمية وقوع الفريضة في أول وقت فضيلتها وان كان الثاني فالمنع انها هو بملاحظة
أهمية وقوع الفريضة في أصل وقت الفضيلة وعلى أي حال المنع عن الشئ بملاحظة الاهتمام
بمستحب آخر لا يفهم منه التحريم بل هو ارشاد إلى ذلك المستحب الأهم بل يمكن ان
يقال انه لا يفهم من أمثال تلك النواهي كون موردها أقل ثوابا من غيره إذ وجود مستحب
آخر أهم في نظر الشارع لا يستلزم عروض الحزازة لضده الموجبة لنقص المصلحة القائمة
بطبيعة النافلة.
وبيان ذلك أن النهى المتعلق بالنافلة في وقت الفريضة يحتمل وجوها:
أحدها ان يكون عنوان النافلة معرفا للركعتين في وقت خاص مثلا وهذا
خلاف الظاهر فان حكم المتعلق بعنوان خاص ظاهر في مدخلية العنوان لا انه
معرف للشئ الخارجي الذي ليس متصفا بالوصف المذكور والثاني ان يكون المراد
النافلة فعلا كما هو الظاهر من العناوين المجعولة موضوعة للحكم ومقتضى ذلك

574
كون النهى المتعلق به ارشادا إلى ما هو الأرجح لعدم امكان ان يكون ما هو المستحب
فعلا حراما ولا مكروها فان المفروض كونه مستحبا فعلا حتى بملاحظة الخصوصية
العارضة له والثالث ان يكون المراد ما هو نافلة مع قطع النظر عن الخصوصية
الطارية وبملاحظة الخصوصية المفروضة يمكن ان يصير محرما ومكروها
لكن بملاحظة الأخبار الدالة على أن جهة النهى عنها ليست الا وقوع الفريضة في
وقت الفضيلة يعرف ان الخصوصية الطارية ليست موجبة لمفسدة في النافلة حتى تصير
حراما ولا موجبة للحزازة فيها حتى تصير مكروهة والمفروض استحبابها ذاتا ومن
حيث هي والاستحباب الذاتي لو لم تكن الخصوصية العارضة مانعة لفعليته يكون
فعليا مع انا قد أشرنا سابقا إلى أن الحكم المتعلق بعنوان ظاهر في الفعلية المطلقة
فلا يكون النهى عنها الا ارشادا إلى ما هو الأهم وكيف كان ينبغي الجزم بعدم حرمة
النافلة في وقت الفريضة على الاطلاق لما مضى هذا مضافا إلى الاخبار المصرحة
بالترخيص.
واما التطوع لمن عليه فائتة فان بنينا على وجوب الاتيان بالفائتة فورا
فصحة التطوع وعدمها مبنية على مسألة اقتضاء الامر بالشئ النهي عن ضده والمختار
عدم الاقتضاء وعدم توقف العبادة على الامر وان قلنا بالسعة فالقاعدة تقتضي أيضا
صحة التطوع فالصحة مطابقة للقاعدة على أي حال الا ان بعض الاخبار تدل عن النهى
عن التطوع في حال اشتغال الذمة بقضاء الفريضة مثل ما رواه زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام في حديث ولا يتطوع بركعة حتى يقضى الفريضة كلها وروى يعقوب بن شعيب
عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلي
حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس فقال عليه السلام يصلى حين
يستيقظ قلت أيوتر أو يصلي ركعتين قال بل يبدأ بالفريضة ودل بعض الاخبار على
جواز قضاء نافلة الفجر أولا ثم قضاء صلاة الغداة لمن نام عن الغداة حتى طلعت الشمس
منها بصحيحة زرارة المشتملة على نوم النبي صلى الله عليه وآله حتى طلعت الشمس ومنها رواية
أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس فقال

575
يصلى ركعتين ثم يصلى الغداة ومنها ما رواه زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له
رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف ان يدركه الصبح ولم يصل صلاة ليلته تلك
قال يؤخر القضاء ويصلى صلاة ليلته تلك أقول مقتضى التأمل ان الأخبار المانعة
لا يستفاد منها بطلان النافلة لمن عليه الفائتة بل ولا أكملية النافلة المسبوقة بقضاء
الفائتة من النافلة في حال اشتغال الذمة بالفائتة بل النهى عنها انما يكون للارشاد
إلى اتيان ما هو في ذمته من الفرائض الفائتة إذا الاتيان بالنافلة مظنة فوت الفائتة
رأسا وان كان وقتها موسعا كما لا يخفى والدليل على ذلك أمران أحدها الظهور العرفي
لأمثال هذه العبارات في أن النهى انما يكون مراعاة لحفظ الواجب والثاني انه على
ذلك ليس الأخبار المجوزة لقضاء نافلة الفجر قبل قضاء صلاة الغداة تخصيصا لتلك
العمومات وكذا الخبر المرخص لصلاة الليل وتأخير القضاء لمن يشتغل بالقضاء و
أصالة عدم التخصيص تقتضي حمل اخبار المنع على ما ذكرناه.
بقى هنا اشكال يجب التنبيه عليه ويتوقف على ذكر بعض الروايات المشتملة
على نوم النبي صلى الله عليه وآله فنقول المحكى عن الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا حضر وقت صلاة مكتوبة فلا
صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة قال فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عيينة و
أصحابه فقبلوا ذلك منى فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر فحدثني ان رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم عرس في بعض أسفاره وقال من يكلؤنا فقال بلال انا وناموا حتى طلعت الشمس
فقال صلى الله عليه وآله وسلم ما أرقدك فقال يا رسول الله اخذ بنفسي الذي أخذ بأنفسكم فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة وقال يا بلال اذن فاذن
فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتي الفجر وامر الصحابة فصلوا ركعتي الفجر ثم قام فصلى
بهم الصبح وقال من نسى شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها فان الله عز وجل يقول
أقم الصلاة لذكرى قال زرارة فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه فقالوا نقضت
حديثك الأول فقدمت على أبى جعفر عليه السلام فأخبرته بما قال القوم فقال عليه السلام يا زرارة
الا أخبرتهم انه قد فات الوقتان جميعا وان ذلك كان قضاء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

576
وجه الاشكال ان هذه الصحيحة تدل بظاهرها على أن المراد بوقت الفريضة الذي نهى عن
التطوع فيه هو وقت الحاضرة دون الفائتة وبعض الصحاح الاخر يدل على أن المراد
به الأعم كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام انه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسى
صلاة لم يصلها أو نام عنها فقال يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار
فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف ان يذهب وقت هذه
الصلاة التي قد حضرت وهذه أحق فليقضها فإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى ولا
يتطوع بركعة حتى يقضى الفريضة كلها وكالصحيحة المشتملة على مقايسة الصلاة
بالصوم قال قلت لأبي جعفر عليه السلام اصلى النافلة وعلى فريضة أو في وقت فريضة قال لا انه
لا يصلى نافلة في وقت فريضة أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك ان تتطوع
حتى تقضيه قال قلت لا قال فكذلك الصلاة وهذه الصحيحة تكاد ان تكون صريحة
في أن موضوع النهى عن التطوع في وقت الفريضة هو الأعم من الحاضرة والفائتة.
والجواب ان جواب أبى جعفر عليه السلام في تلك الصحيحة المشتملة على نوم
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله عليه السلام ان ذلك كان قضاء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد قوله الا أخبرتهم
انه قد فات الوقتان جميعا ليس صريحا بل ولا ظاهرا في أن جهة عدم النهى كون
الفريضة المفروضة قضاء بل من المحتمل ان يكون الوجه هو فوت الجميع من النافلة و
الفريضة كما أشار إلى ذلك بقوله الا أخبرتهم بأنه قد فات الوقتان جميعا وعلى هذا
أيضا يحتمل أمرين أحدهما ان يكون المراد كونهما مطلقا حتى في صورة قضاء
النافلة في وقت وقضاء الفريضة في وقت آخر والثاني ان يكون المراد قضاء الفريضة
ونافلتها كما هو مورد الرواية وهذا هو المتيقن لو لم نقل بأنه الظاهر فنقول القدر
المتيقن من عدم البأس بالتطوع في وقت الفريضة هو ما إذا فاتت فريضة مع نافلتها و
يبقى الباقي وهو التطوع في وقت الفريضة الحاضرة والفريضة الفائتة غير المورد
المذكور تحت النهى المحمول على الارشاد إلى ما هو الأهم كما بينا سابقا.

577
المبحث الثالث في صلاة الاستيجار
يجوز الاستيجار للصلاة بل لسائر العبادات عن الميت فان الصلاة وغيرها من
العبادات عن الميت من الأعمال المشروعة التي يرجع نفعها إلى الغير وكل ما كان
كذلك تنفذ الإجارة فيه اما الكبرى فلعموم دليل الإجارة والوفاء بالعقود وتجارة
عن تراض وغير ذلك مما يتمسك به على صحة اخذ المال بإزاء سائر الأفعال المباحة
التي يرجع نفعها إلى الغير واما الصغرى فللأخبار الكثيرة الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله
والأئمة عليهم السلام في انتفاع الميت بما يفعله الاحياء فحينئذ فالمسألة خالية عن
الاشكال الشرعي والمناقشة في صحة الاستيجار بان اتيان الفعل بداعي استحقاق الأجرة
ينافي القربة المعتبرة في العبادات ليست في محلها كما أن الجواب عن
ذلك بان استحقاق الأجرة يكون داعيا لاتيان العمل بقصد القربة والدواعي
الراجعة إلى نفس العامل لو كانت في طول القربة لا تنافى القربة ليس في
محله أيضا.
توضيح ذلك أن القرب المعتبر في صحة الإجارة انما هو قرب المنوب عنه
لا قرب العامل حتى يجئ اشكال المستشكل من منافاة اتيان الفعل بداعي اخذ الأجرة
للقربة ويحتاج في تصحيح ذلك إلى القول بان الدواعي الموجودة في طول القربة
لا تنافى القربة فكل من الاشكال والجواب أجنبي عن المقام.
نعم هنا اشكال عقلي لا يختص بالاستيجار بل يجرى في صورة التبرع أيضا
وهو ان المعتبر في سقوط العبادات المتعلقة بذمة الغير ان يؤتى بها على نحو
يكون مقربا للغير أعني المنوب عنه والموجب للقرب عقلا الفعل الاختياري بداعي
الامتثال والقرب والمفروض ان المنوب عنه لم يصدر منه اختيار بالنسبة إلى الفعل
المأتى به لا مباشرة ولا تسبيبا كالميت الذي لم يوص بشئ أو لم يدع ما لا فكيف
يكون فعل الغير موجبا لحصول القرب له عند المولى ويمكن الجواب عن ذلك
بمنع انحصار موجب القرب بالفعل الصادر من الذي يتقرب بذلك الفعل فان اتيان

578
الفعل بقصد تقرب الغير به بمكان من الامكان وإذا امضى الشارع ذلك الفعل فلازمه
عقلا حصول القرب لذلك الغير المقصود والاشكال بأنه كيف يقصد تقرب الغير بفعل
لا يترتب على ذاته قرب الغير بل القرب متحصل بالقصد وهو مستلزم للدور مدفوع
بأنه لا يختص بالفعل المأتى به بداعي تقرب الغير بل يجرى في الفعل الذي يأتي بداعي
ان يتقرب نفس الفاعل به وحله ان نمنع توقف القربة بالفعل على اعتقاد ترتب
القربة على ذات الفعل بل لو رأى حصول القربة بنفس القصد يوجد القصد لما يرى
فيه من الفائدة ونظير ذلك قصد التعظيم بالانحناء مع أنه يعلم بان ذات الانحناء لا
يترتب عليه التعظيم فليتأمل جيدا.
فتحصل مما ذكرنا ان صحة الاستيجار في العبادات عن الغير مما لا اشكال فيه
في الجملة ولكن يمكن ان يقال ان ما قررنا أول البحث من كون العبادة عن الميت
مما ينفعه الذي هو بمنزلة الصغرى لدليل صحة الإجارة محل منع فان الأخبار الدالة
على ذلك مع كثرتها ليس لها اطلاق يدل على انتفاع الميت من عمل كل من صدر
عنه بعنوان الميت وان كان أجيرا على ذلك والمفروض ان القرب الراجع إلى الميت
من عمل الأجير موقوف على رضا الشارع بذلك بدلا عنه وبعد عدم الدليل على رضاء
الشارع بهذا العمل عوضا عن الميت فبأي وجه يتمسك لحصول التقرب للميت الذي
لم يصدر منه شئ وبعبارة أخرى المتيقن من الأدلة ان العمل الصادر من الولي أو
المتبرع مثلا عند الشارع كالعمل الصادر من الميت بمباشرة بدنه فيتحقق بذلك
التقرب المعتبر في العبادة للميت واما عمل الأجير فلم يدل على بدليته عند الشارع
دليل ويمكن الجواب عن ذلك بمنع الالتزام بان ما هو دين على الميت العمل الذي
يوجب حصول القرب له بل ذمته مشغولة بالعمل العبادي في مقابل العمل التوصلي
والعمل العبادي يتصور علي وجهين أحدهما اعتبار المباشرة بحيث لا يجزى فعل
الغير عوضا بل اللازم ان يأتي به بالمباشرة متقربا إليه عز وجل فيحصل القرب له و
الثاني عدم اعتبار المباشرة فيكفي ايجاد العمل في الخارج متقربا إليه عز وجل
سواء كان قصد التقرب ممن يباشر العمل أو ممن صار سببا لوجوده بواسطة الأجير

579
فالانسان ما دام حيا يجب عليه الصلاة مثلا بمباشرة بدنه مع قصده التقرب ولو مات
ولم يأت بها تبقى دينا على عهدته للأخبار الدالة على انها دين وحينئذ نقول اعتبار
المباشرة لو بقى على حاله بعد الموت بان كان المطلوب مادة الذي صار دينا على
الميت الصلاة الصادرة منه فاللازم عدم امكان أداء هذا الدين وقد فرض امكان
أدائه بعمل الولي أو المتبرع بدلالة الاخبار فعلم من ذلك سقوط المباشرة عما هو
على الميت مادة.
ثم بعد دلالة الاخبار على امكان أداء الصلاة التي صارت دينا على الميت هل
يعتبر ان تؤتى على وجه يرجع القرب إلي الميت بان يصلى بقصد تقرب الميت أو
يكفي اتيانها عبادة في مقابل التوصلي بان يصلى الصلاة الفائتة عن الميت عبادة
أو يكون السبب في ايجادها متقربا إلى الله عز وجل بان يستأجر قربة إلى الله تعالى
من يصلى تلك الفائتة وان كان المباشر لصلاة يأتي لغرض آخر وليس لاحد الوجوه
المذكورة دليل خاص ومقتضى القاعدة الاخذ بالمتيقن مما هو على الميت وهو ان
يؤتى بالصلاة التي تكون دينا على الميت على وجه العبادة وان كان المتقرب بايجاد
العمل غير من يباشره كالولي الذي يستأجر الاخر للعمل أو المتبرع الذي يستأجر
الاخر كذلك وان أبيت عن كفاية قصد التقرب من السبب نقول قصد التقرب من
الأجير من باب الداعي الطولى وان كان ينتهى إلى داعي تملك الأجرة فليتأمل جيدا.
وهل الأصل يقتضى جواز النيابة في كل عمل تعلق بالغير سواء كان عبادة أو
غيرها وسواء كان المنوب عنه حيا أو ميتا وسواء كان على تقدير حياته قادرا أو
عاجزا الا ما خرج بالدليل أو ان مقتضى الأصل عدم جواز الا ما خرج بالدليل لا
اشكال في أن مقتضى القاعدة الأولية عدم كفاية فعل الغير لظهور الأدلة الدالة على
التكاليف في اعتبار المباشرة.
نعم الرواية الواردة في قضية الخثعمية ربما تدل على كفاية فعل الغير بدلا
عن الاخر مطلقا حيث إنها سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت إن أبى أدركه الحج شيخا
زمنا لا يستطيع ان يحج ان حججت عنه أينفعه ذلك فقال لها أرأيت لو كان صلى

580
أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ذلك قالت نعم قال صلى الله عليه وآله وسلم فدين الله أحق بالقضاء تقريب
الاستدلال انه صلى الله عليه وآله وسلم قاس الحج بالدين بملاحظة انه دين الله فيعلم من هذا القياس ان
كل واجب حاله حال الدين فكما ان الدين يقضى باعطاء الغير مطلقا سواء كان المديون
حيا أو ميتا وسواء كان قادرا على الأداء أو عاجزا فكذلك الواجبات هذا ولكن
الاخذ بما ذكر خلاف الاجماع فالأولى الاقتصار على مورده وهو الحج إذا عجز عن
اتيانه فحينئذ فالقول بكفاية النيابة في كل مورد يحتاج إلى دليل وقد عرفت وجود
الدليل على النيابة على الواجبات العبادية التي بقيت في ذمة الميت ومما ورد
النيابة فيه المستحبات وهو في صورة موت المنوب عنه مما لا اشكال فيه وقد اختلف
الاخبار في جواز الاستنابة حال حياة المنوب عنه ففي رواية عبد الله بن جندب قال:
كتبت إلى أبى الحسن عليه السلام الرجل يريد ان يجعل أعماله من الصلاة والبر والخير
أثلاثا ثلثا له وثلثين لأبويه أو يفردهما بشئ مما يتطوع به وان كان أحدهما حيا
والاخر ميتا فكتب عليه السلام اما الميت فحسن جايز واما الحي فلا الا البر والصلة وروى
ثقة الاسلام ره باسناده إلى محمد بن مروان قال، قال أبو عبد الله عليه السلام ما يمنع منكم ان
يبر والديه حيين وميتين يصلى عنهما ويتصدق عنهما ويصوم عنهما فيكون الذي
صنع لهما وله مثل ذلك الخبر وفى رواية على بن حمزة قال قلت لأبي إبراهيم عليه السلام
أحج وأصلي وأتصدق عن الاحياء والأموات من قرابتي وأصحابي قال عليه السلام نعم صدق
عنه وصل عنه ولك اجر آخر بصلتك إياه ويمكن حمل رواية عبد الله بن جندب على
ما لا ينافي الأخبار الدالة على جواز نيابة للاحياء كما لا يخفى.
المبحث الرابع في قضاء الولي عن الميت
والكلام فيه تارة في القاضي وأخرى في المقضى وثالثة في المقضى عنه
واما القاضي فالمحكي عن المفيد قدس سره انه ان لم يكن له ولد من الرجال
قضى عنه أكبر أوليائه من أهله وان لم يكن فمن النساء وعن الإسكافي أولى الناس
بالقضاء عن الميت أكبر ولده الذكور وأقرب أوليائه إليه ان لم يكن له ولد والمحكي

581
عن الشيخ وأكثر من تأخر عنه اختصاص التكليف بأكبر أولاده الذكور ومقتضى
الروايات الواردة في الباب عدم اختصاص التكليف بالولد الأكبر وكذا عدم التعميم حتى
للنساء مثل صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يموت وعليه صلاة
أو صيام قال يقضى عنه أولى الناس بميراثه قلت فان أولى الناس به امرأة فقال عليه السلام لا الا
الرجال وبهذا المضمون مرسلة حماد الا انها مختصة بصوم رمضان ولا يخفى عدم صحة حمل
أولى الناس فيهما على الأولى من كل أحد يفرض وجوده وليختص بالولد الأكبر فإنه
لو كان المراد من الأولى هذا المعنى لما كان لسؤال السائل فان كان الأولى امرأة
وجواب الإمام عليه السلام لا الا الرجال وجه كما لا يخفى فتحصل ان مضمون الروايتين وجوب
القضاء على الأولياء في كل طبقة الأقرب إلى الميت فالأقرب مع استثناء النساء
منهم وهذا القول كما قيل لا قائل به بين الأصحاب فمن نفاه منهم عن النساء نفاه عن غير
الولد من الذكور ومن أثبت على من عدا الولد أثبت على النساء أيضا فان تم تحقق
الاجماع على خلاف هذا المضمون يتعين طرحهما والعجب من شيخنا المرتضى قدس
سره حيث جعل ذلك موجبا لحمل الأولى في الروايتين على الأولى من كل أحد
يفرض وجوده مع منافاة هذا المعنى للسؤال والجواب الواقعين في ذيل الروايتين
ومحصل الكلام في المقام ان مقتضى الروايتين السابقتين لزوم قضاء الميت
على من يكون أولى الناس بميراث الميت من الذكور ولا يبعد ان يكون المقصود
من الأولى في الرواية كل من كان أولى من غيره من الأقارب سواء كان في الطبقة
الأولى أم في طبقات متأخرة فيشمل من كان أكثر نصيبا ممن يكون في طبقته مثل
الولد الأكبر فإنه وان اجتمع معه أب الميت والأولاد الذكور سواء يكون أكثر
حظا ونصيبا من الجميع اما من الأب فواضح واما من ساير الاخوة فلاختصاصه بالحبوة
ويشهد لذلك ما رواه في الكافي عن أبي جعفر عليه السلام قال ابنك أولى بك من ابن ابنك
وابن ابنك أولى بك من أخيك قال وأخوك لأبيك وأمك أولى بك من أخيك لأبيك
وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك إلى أن قال عليه السلام وعمك أخو أبيك من أبيه أولى

582
بك من عمك أخي أبيك لامه إلى آخر الخبر الشريف والمقصود من ذكره انه عليه السلام ذكر
أكثر نصيبا في طبقة واحدة كالأخ للأب مع الأخ للام في عداد من يكون حاجبا
عن الغير هذا ولكن ما قلنا لا يثبت انحصار القاضي عن الميت في الولد الأكبر مطلقا
بحيث لو لم يكن له ولد لا يجب على أحد من أقاربه فلو مات عن أخ من الأب
وأخ من الام فمقتضى الرواية كون قضائه على الأخ من الأب فإنه أكثر نصيبا من الأخ
للام وكذا لو مات عن قريبين في الطبقة المتأخرة أحدهما من الأب أو الأبوين والاخر
من الام والحاصل انه لم اعرف وجه انحصار القاضي عن الميت بالولد الأكبر وما
يظهر من كلامهم انه في مقابل الحبوة التي تختص بالولد الأكبر لم نجد له اثرا
في الاخبار.
ثم إن هيهنا أمرا آخر يجب التنبيه عليه وهو ان المستفاد من صحيحة حفص
المتقدمة انه لو لم يكن للميت أولى بميراثه من الرجال لا يجب قضاء ما عليه من ماله
فإنه لو كان كذلك لكان اللازم على الإمام عليه السلام بعد سؤال السائل فان كان أولى الناس
به امرأة ان يقول يستخرج من ماله فان سؤال السائل ليس مقصودا على تعيين الشخص
الذي وجب عليه القضاء عن الميت بل سؤاله عن حال ما فات عن الرجل من الصوم والصلاة
فلو كان عند وجود ولى من الذكور عليه وعند عدمه على تركته لكان اللازم في مقام الجواب
بيان ذلك.
فان قلت ليس في سؤال السائل فرض عدم الولي من الذكور بل المراد انه هل
يشترك في هذا الامر امرأة فأجاب عليه السلام بأنه لا الا الرجال ولو كان سؤال السائل في فرض
عدم الرجل فلا يستقيم ان يجاب بأنه لا الا الرجال.
قلت لو كانت المرأة مع الرجل في طبقة واحدة لا يصح ان يقال ان أولى الناس
بالميت امرأة بل هي من جملتهم ولما سأل عن كونها أولى الناس بالميت يفهم ان
الرجال ليسوا في طبقتها واما جوابه بقوله لا الا الرجال فمنزل على أن هذا التكليف
ليس الا على الأولى بالميراث من الرجال ولو كان اللازم على الوارث مع هذا الفرض

583
الا خراج من ماله لكان اللازم بيانه بقوله عقيب هذا الكلام ولكنه يستخرج
من تركته كما يستخرج الديون المالية منها.
فان قلت إن مقتضى بعض الاخبار ان الصلاة دين وفى رواية الخثعمية ان دين الله
أحق بالقضاء والمفروض ان الديون المالية تقضى من تركة الميت فهذا الدين أيضا
يجب ان يقضى من تركته فان دين الله أحق بالقضاء بمقتضى الرواية هذا مضافا إلى ما
ورد في لزوم استيجار الحج من تركة الميت معللا بأنه بمنزلة الدين فيدل على أن
كل عبادة هي بمنزلة الدين تقضى من تركة الميت.
قلت اما اطلاق الدين على الصلاة فلا يستفاد منه انه كالدين المالي من حيث
الاحكام مطلقا كيف ولو كان كذلك يصح قضاء المتبرع عنه في حال حياته بل المستفاد منه
لزوم أدائه لئلا يبقى على عهدته كما أن قوله في رواية الخثعمية فان دين الله
أحق بالقضاء لا يستفاد منه الا الا حقية بالقضاء عنه في حال العجز ولا يمكن
ان يقال بان المستفاد من الرواية انه من الديون المالية التي يكون مال الميت
رهنا عليها.
بيان ذلك أن تنزل شئ منزلة شئ آخر وان كان بملاحظة الأثر ولكن ترتيب
جميع آثار المنزل عليه على المنزل انما يكون بواسطة الاطلاق المستفاد من السكوت في
مقام البيان وعدم ذكر اثر خاص فلو ذكر اثرا خاصا في مقام التنزيل لا يصح التعدي عنه مثلا
لو قال عليه عليه السلام العصير العنبي إذا غلا ولم يذهب ثلثاه خمر فلا تشربه فالقدر المتيقن
المستفاد من هذا التنزيل حرمة الشرب فلا يصح الحكم بنجاسته أيضا فلو كان مضمون
بعض الروايات ان الصلاة دين فإذا دخل وقتها فبادر إليها حتى تستريح كيف يمكن
ترتيب آثار الدين المالي عليها حتى في كون التركة رهنا على أدائها وهكذا رواية
الخثعمية لا تدل الا على أن دين الله عز وجل أحق بالوفاء كما أن الدين المالي حقيق
به وأين هذا من الأدلة على أنه يتعلق بتركة الميت كالديون المالية نعم في بعض
الروايات الواردة في استيجار الحج عن الميت من صلب ماله التعليل بأنه بمنزلة الدين
ولا يصح التعدي إلى غير مورده من ساير العبادات البدنية.

584
فان قلت مقتضى عموم العلة ان كلما كان بمنزلة الدين يستخرج من أصل المال
وقد فرضا ثبوت هذه المنزلة للصلاة فصارت صغرى لهذه الكبرى المستفادة
من العلة.
قلت العلة فيما نحن فيه ليست كالمفاهيم الواقعية التي لها مصاديق مع قطع
النظر عن جعل الشارع كالاسكار ونظائره بل العلة المفروضة كون الشئ بمنزلة
شئ آخر ولا اشكال في أن التنزيل المذكور راجع إلى جعل الأثر فكأنه قال عليه السلام
الحج بمنزلة الدين المالي في الاخراج عن صلب المال فهل يصح ان يتعدى من هذا
المورد إلى الصلاة بملاحظة انها نزلت منزلة الدين في لزوم الأداء فالمقدمتان
اللتان جعلت إحديهما صغرى والأخرى كبرى للقضية إحديهما ان الصلاة في الوقت
يجب أدائها والثانية ان الحج يجب اخراجه من صلب مال الميت وهل يتوهم كون
النتيجة الحاصلة منهما ان الصلاة يجب ان تستخرج من مال الميت.
والحاصل ليس لجواز اخراج الأعمال البدنية غير الحج من تركة الميت
دليل يصح الاعتماد عليه ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه باتفاق كبار الورثة على
افراغ ذمته.
واما المقضى فالمحكي عن المشهور انه جميع ما فات عن الميت وعن بعض
انه لا يقضى الا ما فاته إلى في مرض موته والمحكي من بعض انه يقضي ما فاته لعذر كالمرض
والسفر والحيض بالنسبة إلى الصوم لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه والأقوى الأول
لاطلاق ما دل على ذلك من الروايات ودعوى انصرافها إلى ما فات لعذر ممنوعة وندرة الترك
العمدي من المسلم لا توجب الانصراف بحيث يصير العذر قيدا في الكلام كما لا يخفى.
واما المقضى عنه فعلى المشهور الأب بناء على كون القضاء في مقابل الحبوة
وهي تختص بالولد الأكبر واما بناء على ما أسلفنا من مضمون الروايات فهل
يعم النساء أو يختص بالرجال وجهان لا يبعد الثاني لعدم الدليل على وجوب
القضاء عن المرأة فان مورد السؤال في صحيحة حفص ومرسلة حماد انما هو الرجل
ولا وجه لاسراء الجواب إلى غير موضوع السؤال الا بعد القطع بان ذكر الموضوع

585
الخاص ليس من جهة الخصوصية بل على سبيل المثال وانى لأجد القطع بذلك في المقام.
فان قلت إن في بعض الروايات وجوب القضاء عن الميت ولا شك في شموله
للنساء.
قلت تلك الرواية ليس لها اطلاق لا لانصراف لفظ الميت إلى الرجل كما ادعى بل
من جهة انها واردة في مقام بيان حكم آخر فان الرواية المحكية في الذكرى
عن كتاب السيد الاجل ابن طاوس هكذا قال عليه السلام الصلاة التي دخل وقتها قبل ان
يموت الميت يقضى عنه أولى الناس به فان المنساق منها تعيين محل القضاء عن
الميت وانه فيما يكون حيا بعد دخول الوقت في مقابل من مات قبل دخول الوقت
ولا يصح على هذا الاخذ باطلاق لفظ الميت وان شمل المرأة كما لا يخفى واستدل
للعموم أيضا بمصححة أبى حمزة عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت
فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضى عنها قال اما الطمث والمرض فلا واما السفر
فنعم ويمكن الجواب عن ذلك بأنه محمول على أصل المشروعية بمعنى ان السؤال
عن مشروعية القضاء عن المرأة المفروضة والجواب انه في الطمث والمرض لا يشرع
القضاء عنها وفى السفر مشروع ولا يدل على لزوم القضاء على وليها ومجرد دعوى
الاتفاق المحكى لا ينفع مع عدم ثبوت الاجماع المحقق المصطلح عند الإمامية مضافا إلى بعض
الاخبار التي كادت تكون صريحة بل صريحة جزما في عدم المشروعية بالنسبة إلى
المريضة التي مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال مثل ما رواه الكليني في الصحيح أو الموثق
عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال
فأوصتني ان أقضي عنها قال هل برئت من مرضها قلت لا ماتت فيه قال عليه السلام لا يقضى عنها فان الله
عز وجل لم يجعله عليها قلت فانى اشتهى ان أقضي عنها وقد أوصتني بذلك قال عليه السلام كيف
تقضى عنها شيئا لم يجعله الله عليها فان اشتهيت ان تصوم لنفسك فصم فان مقتضى الرواية
انه لا يقضى عنها وان أوصت بذلك ولو كان القضاء عنها راجحا لو يصح ان يحكم عليه السلام بعدمه
مع الوصية.

586
والحاصل ان مضمون الرواية السابقة المفصلة بين الطمث والمرض والسفر
يرجع إلى عدم مشروعية القضاء لما فات من الطمث والمرض ومشروعيته لما فات في
السفر ولا يكون دليلا على الوجوب هذا ولكن الاحتياط مما لا ينبغي تركه نظرا إلى
ذهاب بعض الأساطين إليه كشيخنا المرتضى قدس سره حيث قواه في رسالته والمحكي
عن صوم المبسوط والنهاية والغنيمة والمنتهى والتبصرة والله الموفق.
في صلاة المسافر
المقصد السابع في صلاة المسافر وفيه فصول:
الفصل الأول لا اشكال في وجوب القصر على المسافر باسقاط الأخيرتين من
الرباعيات واما الصبح والمغرب فلا قصر فيهما وشروط القصر أمور:
أحدها المسافة وهي ثمانية فراسخ امتدادية ذهابا أو إيابا وتحقق القصر بهذا النحو
من المسافة لا اشكال فيه ولو كانت الثمانية ملفقة من الذهاب والإياب فمقتضى غير واحد
من الاخبار لزوم القصر سواء كان الذهاب أربع فراسخ أم لا بل المعيار ان يكون المجموع
ثمانية وان كان الذهاب فرسخا والإياب سبعة فلاحظ ولا تعارض بين هذه بل الاخبار وبين ما دل
بظاهره على لزوم الثمانية الامتدادية لان هذه الأخبار شارحة للمراد من الثمانية هذا ولكن
في حصول التلفيق بالأقل من الأربعة ذهابا أو إيابا اشكال بل منع وان كان يظهر من شيخنا
المرتضى قدس سره تقويته لو لم يقم اجماع على خلافه ولعل الوجه فيما قواه ملاحظة التعليل
الوارد في بعض اخبار الأربعة بشغل اليوم وفى آخر بأنه إذا رجع كان سفره ثمانية
فراسخ فيتعدى بواسطة عموم العلة المذكورة إلى المورد المذكور لوجوب العلة
فيه وللخدشة فيه مجال واسع فان هذا انما يحسن لو كان العلة المذكورة علة تامة
لوجود القصر وهو مما يقطع بخلافه الا ترى ان من دار حول البلد فيما دون حد
الترخص بمقدار المسافة لا قصر عليه مع وجود العلة المذكورة فيه بل وكذا من تردد
فوق حد الترخص بمقدار فرسخ ذهابا وإيابا أربع مرات لا يلزمون بالتقصير فيه مع
وجود العلة فيه فهذا يكشف عن أن الموجب للقصر ليس هذا المعنى فقط بل هو مع

587
ضميمة تحقق موضوع السفر المتقوم مفهوم بالبعد عن الوطن وقد حدده الشارع بأربعة
فراسخ ذهابا وإيابا.
فان قلت القدر المتيقن مدخلية البعد بالمقدار الذي يعتبر عرفا في موضع السفر
والزائد عليه أعني خصوصية الأربعة مدفوع بعموم العلة.
قلت هذا يتم فيما كان من اخبار العلة مشتملا على العلة المذكورة ولكن لنا
اخبار اخر ظاهرة في التحديد بالأربعة مع خلوها عن ذكر العلة مثل ما ورد في بعض
الاخبار انه لما نزل جبرئيل بآية التقصير قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في كم ذلك فقال في بريد
فقال صلى الله عليه وآله وكم البريد قال ما بين ظل عير إلى في ء وعير وان رسول الله صلى الله عليه وآله جعل حد الأميال
الذي وضع عليها التقصير من ظل عير إلى ظل وعير ومثل قوله عليه السلام في رواية الفضل بن شاذان
انما وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين لا أكثر من ذلك لان ما يقصر فيه الصلاة
بريد ذاهبا وبريد جائيا والبريد أربعة فراسخ فوجبت الجمعة على من هو على نصف
البريد الذي يجب فيه التقصير وذلك لأنه يجئ فرسخين ويرجع فرسخين وذلك أربعة
فراسخ وهو نصف طريق المسافر إذا عرفت ذلك.
فنقول بعد ما فهمنا من الخارج ان لتحقق مقدار من البعد مدخلية في
حكم القصر والمفروض ان هذا المقدار ليس له حد محدود مضبوط عند العرف
بحيث لا يتحيرون في شئ من طرفيه فلو ورد من الشرع تحديد ذلك البعد بالأربعة
كما ورد تحديد القلة والكثرة في الماء ببلوغ الكر فأي منافاة بينه و بين التعليل
بشغل اليوم.
نعم فائدة التعليل المذكور رفع المنافاة بين اخبار الأربعة واخبار الثمانية
فيظهر منه ان المدار في القصر ليس على خصوص الثمانية الامتدادية بل على الأعم
منها ومن التلفيقية لاشتراكهما في شغل اليوم ومن هنا لا يستفاد من التعليل المذكور
اعتبار الرجوع ليومه فكما لا يعتبر في الثمانية الامتدادية طيها في يوم فكذا في التلفيقية
كما أن القول بالتخيير بين القصر والتمام في الأربعة جمعا بينها وبين اخبار الثمانية
لاوجه له أيضا خصوصا بعد صراحة اخبار التقصير في عرفات المشتملة على التشنيع

588
على من أتم الصلاة فيها كصراحتها في عدم اعتبار الرجوع ليومه فالأقوى بحسب
الأدلة ما ذكرنا وان كانت كلمات القوم لا تساعد ذلك والميزان فيما يوجب القصر
من الثمانية التلفيقية كونه قاصدا للرجوع من دون قصد الإقامة فلو كان قاصدا للإقامة
في المقصد عشرة أيام من أول الخروج لم يقصر وكذا لو كان مترددا في ذلك لأنه لم يقصد
ثمانية فراسخ من دون قاطع.
مسائل: (1) الفرسخ ثلاثة أميال بلا خلاف كما عن المنتهى وغيره وفي الوافي
واما تقدير الفرسخ بثلاثة أميال فمتفق عليه ويدل عليه بعض الاخبار أيضا والميل
أربعة آلاف ذراع على ما هو المشهور بين الناس كما في الشرايع وعن المدارك انه
مقطوع به بين الأصحاب والذراع طوله أربع وعشرون إصبعا كل إصبع عرض سبع
شعيرات كل شعيرة عرض سبع شعرات من أوسط شعر البرزون.
(2) كما ورد التحديد بثمانية فراسخ كذلك ورد بمسير يوم وبياضه وفى
مصححة أبي بصير وصحيحة أبى أيوب عن الصادق عليه السلام ان التقصير في بريدين أو بياض
يوم فهل المدار على كل منهما مستقلا أم المدار على أحدهما وذكر الاخر لانطباقه عليه
وتظهر الثمرة في الاكتفاء بكل واحد منهما ولو مع العلم بعدم تحقق الاخر
على الأول بخلاف الثاني ظاهر العطف في الرواية السابقة الأول وقواه في المدارك
على ما حكى عنه وعلى أي حال فالظاهر كفاية أحدهما ولو لم يعلم بتحقق الاخر اما
على الأول فواضح واما على الثاني فلان ما هو المتحقق اما هو الملاك واما امارة
عليه والانصاف عدم ظهور الأدلة في استقلال كل منهما وظاهر المروى عن علل الفضل
عن الرضا عليه السلام ان المدار على ثمانية فراسخ وان كونه مسيرة يوم للعامة والقوافل
انما يكون علة لتشريع ذلك ويؤيد ذلك كون التقدير بالفراسخ أضبط لامكان ان
يكون نقصان الفراسخ كاشفا عن عدم اعتدال السير من بعض الجهات بخلاف العكس
فالمدار على الفراسخ نعم لو لم يعلم بها وعلم بتحقق المسير على نحو الاعتدال لا بأس
بالاكتفاء به لكونه امارة عليه عند الشارع والله العالم.
(3) لا اشكال في أن الذراع الواقع في تحديد الأميال محمول على المتوسط

589
المتعارف كما أنه الحال في الإصبع الواقع في تحديد الذراع ولكنه لا شبهة في
اختلاف افراد المتوسط زيادة ونقصانا ولو يسيرا والمدار على أقل ما يصدق عليه
عرفا ويلغوا الزائد وان علم بأنه غير زائد بالنسبة إلى فرد آخر من المتوسط وذلك
من جهة انه لو صدق تحقق ثمانية فراسخ بملاحظة فرد من افراد الذراع المتوسط
يقتضى اطلاق الأدلة وجوب القصر على كل من قصد هذا المقدار ولا مجال لتوهم انه
كما يصدق ذلك بملاحظة فرد كذلك يصدق بملاحظة فرد آخر من الذراع المتوسط
ان المقدار المفروض أقل من ثمانية فراسخ فيجب التمام بمقتضى اطلاق الأدلة
الدالة على وجوبه على من كان مقصده أقل من الثمانية فان ثمانية فراسخ في الأدلة
لم تلحظ بالنسبة إلى ذراع خاص ولا شك في أن الاطلاق في هذه الصورة يقتضى الاكتفاء
بأقل مصداق وقع منها وعدم انطباق الطبيعة بملاحظة ذراع اخر لا يوجب عدمه
رأسا والمفروض ان مقتضى الاطلاق كفاية أصل التحقق.
(4) لو قصد الذهاب إلى مكان يشك في كونه مسافة فالظاهر وجوب التمام
فإنه لو جعل المعيار في وجوب القصر عنوان ثمانية فراسخ فلم يتحقق منه قطعا
ولو جعل المعيار قصد مسافة تبلغ بحسب الواقع ثمانية فراسخ فلم يعلم ذلك ومقتضى
الأصل عدم تحقق ما هو موجب للقصر فيخل به العلم الاجمالي لوجوب القصر أو الاتمام
والظاهر عدم التفاوت فيما ذكر بين ان يظن بالمسافة وعدمه فان الظن الغير المعتبر
لا يمنع عن اجراء الأصل.
(5) لا اشكال في ثبوت المسافة بالعلم سواء حصل من الاختبار أو من الشياع
أو غير ذلك من الأسباب وكذا تثبت بالبينة فإنه وان لم يرد دليل متكفل لحجيتها
على سبيل العموم الا انه يعلم مما ورد في الشرع ان اعتبارها وكونها كالعلم مفروغ
عنه واما العدل الواحد فلا دليل على اعتباره سوى ما يتوهم من عموم مفهوم آية النبأ
وعموم الصحيحة إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم وقد تقرر في الأصول في البحث عن
حجية خبر الواحد عدم دلالتهما والاحتياط حسن.
(6) هل يجب الفحص عند الشك في تحقق المسافة أم لا الأقوى الثاني لاطلاق

590
دليل الأصل ولا دليل هنا على التقييد لان الشبهة موضوعية ويظهر من شيخنا المرتضى
قدس سره الترديد في ذلك قال قدس سره وهل يجب الفحص أم لا وجهان من أصالة
العدم التي لا يعتبر فيها الفحص عند اجرائها في موضوعات الاحكام ومن تعليق الحكم
بالقصر على المسافة النفس الامرية فيجب لتحصيل الواقع عند الشك اما الجمع واما
الفحص والأول منتف هنا اجماعا فتعين الثاني انتهى كلامه رفع مقامه.
أقول إماما جعله مبنى لعدم وجوب الفحص فواضح واما ما جعله مبنى
لوجوبه فلم يتحصل منه شئ فان تعليق الحكم بالقصر على المسافة النفس الامرية
لا يوجب عدم جريان الأصل عند الشك وتحصيل الواقع وان كان واجبا مع قطع النظر
عن هذا الأصل الجاري في الموضوع للعلم الاجمالي بوجوب أحد التكليفين لكن
الأصل المفروض يوجب انحلاله بل لو لم يكن هنا هذا الأصل الجاري في الموضوع
لكفى في الحكم بلزوم التمام الأصلي الحكمي هذا ولكن الأحوط مع ذلك الفحص
لكن لا بملاحظة العلم الاجمالي المذكور لوضوح ان الفحص لا ينفع في رفع مقتضاه
بل بملاحظة ان الأصل النافي للتكليف اما عقلي كالبرائة واما نقلي كحديث الرفع
واستصحاب العدم وعلى كل حال لا مجرى له قبل الفحص سواء في الشبهة الحكمية
والموضوعية ولو فرض الشبهة بدوية.
اما العقلي فلوضوح ان ملاكه عدم البيان ومع عدم الفحص يشك في تحققه
إذ ليس المراد بالبيان المعتبر عدمه البيان الفعلي بل الأعم منه ومما يظفر به بعد
الفحص بالمقدار المتعارف ولا فرق فيه بين الشبهة الحكمية أو الموضوعية لوحدة
الملاك واما النقلي فلامكان دعوى انصراف لفظ الشك وعدم العلم عن مورد يمكن
تحصيل العلم بسهولة وبمقدار متعارف من الفحص فالأدلة المعلقة للترخيص على
هذين العنوانين غير شاملة للشك الابتدائي قبل الفحص وبعد عدم المؤمن من طرف
الشرع والمفروض احتمال وجود البيان على وجه يظفر به بعد الفحص يجب يحكم
العقل الاحتياط أو الفحص نعم خرج الشبهة التحريمية الموضوعية لقيام الاجماع

591
على الترخيص فيها قبل الفحص ويبقى ما عداها من الشبهة الحكمية بقسميها
والوجوبية من الموضوعية تحت القاعدة والله العالم.
(7) إذا تعارضت البينتان تتساقطان فيرجع إلى الأصل لأنه القاعدة في تعارض
الطريقين والقول بتقدم بينة المثبت لان البينة وظيفته أو النافي لاعتضادها بالأصل أو
التخيير لأنهما دليلان تعارضا كما نسب كل منها إلى بعض لا ينطبق على القواعد.
(8) قد مضى ان الشاك في المسافة يتم فلو قصر أعاد تماما نعم لو أنكشف كونه
مسافة أجزء بعد فرض حصول القربة منه لأنه اتى بما هو تكليفه الواقعي ولو عمل
على وفق التكليف الظاهري وهو التمام في محل الفرض ثم انكشف كونه مسافة
فالاجزاء مبنى على اقتضاء الامر الظاهري له وقد تقرر في الأصول ان الاجزاء خلاف
القاعدة ويظهر من شيخنا المرتضى قدس سره انه لو قصر أعاد وان انكشف كونه مسافة
ولعله قدس سره أراد صورة عدم تمشى قصد القربة منه والا لم يظهر له وجه أصلا و
لو اعتقد كونه مسافة فقصر ثم ظهر عدمها يعيد الصلاة وكذا لو اعتقد عدم كونه
مسافة فأتم ثم ظهر كونه مسافة يجب عليه الإعادة وعدم الاجزاء في الصورتين أوضح منه
فيما أتى بالتمام بمقتضى الأصل فانكشف كونه مسافة فان التمام في الأخير انما
كان بواسطة امر ظاهري من الشرع بخلاف الصورتين لعدم امر ظاهري من الشرع
في البين بل مجرد تخيل الامر.
(9) لو شك في كونه مسافة أو اعتقد العدم ثم بان كونه مسافة يكفي في لزوم
القصر وان لم يكن الباقي مسافة فان الظاهر من الأدلة ان المعيار في لزوم القصر
قصد مسافة تبلغ ثمانية فراسخ لا قصد عنوان الثمانية وهذا موجود من أول الامر بل
مقتضى القاعدة إعادة الصلاة قصرا لو أتمها بمقتضي الأصل أو بمقتضى علمه بعدم كونه مسافة.
(10) إذا بلغ الصبي في أثناء المسافة التي قصدها يقصر وان لم يبلغ الباقي مسافة
ضرورة صدق المسافر عليه من جهة خروجه من المنزل قاصدا ثمانية فراسخ غاية

592
الامر لا يتعلق به التكليف قبل البلوغ لفقد شرطه فإذا بلغ يشمله دليل وجوب القصر
على المسافة وكذا المجنون الذي يفيق في الأثناء إذا حصل منه القصد فالمدار على
كونه قاصدا للمسافة من حين الإفاقة.
(11) لو كان للبلد طريقان يبلغ أحدهما المسافة دون الاخر فان سلك الا بعد
قصر وان كان غرضه من السلوك التقصير لعموم الأدلة خلافا للقاضي ولعله من جهة
بعض الأدلة المعلقة لوجوب القصر على عدم كون السفر لهوا وباطلا والسفر المقصود
به القصر وان خرج عن كونه لهوا بهذه الملاحظة لكن هذا القصد انما جاء من قبل
الحكم ولا يمكن تتميم الموضوع بالحكم فاللهوية المأخوذة في دليل القصر هي
اللهوية مع قطع النظر عن الحكم ولا اشكال ان السفر المفروض مع قطع النظر عن
الحكم لهو أي ليس له داع من الدواعي العقلائية فيشمله دليل التمام هذه غاية تقريب
كلام المدعى والجواب ان ايجاب التمام في السفر الباطل واللهو لا يوجب تقيد
موضوع دليل القصر بما كان عن غرض عقلائي بل انما يقيد بعدم كون السفر لهوا
وباطلا ولا اشكال في سلب البطلان واللهو عن مثل هذا السفر ولو مع قطع النظر عن
الحكم فان الموجب لصدق البطلان واللهو انما هو بعض الأمور الوجودية وإذا لم
يخرج قاصدا تلك الأمور لا يصدق على سفره انه لهو وباطل فيدخل تحت أدلة لزوم
القصر.
(12) لو كانت المسافة مستديرة بان يكون الخط الموهوم الخارج من مبدء
حركة المسافر المنتهى إلى ذلك المبدء من قبيل الدائرة فان كان غرضه من حين
الخروج الانتهاء إلى مبدء الحركة ولم يكن له مقصد في البين فالظاهر أن الحركة
المفروضة ملفقة من الذهابية والإيابية ويكون مبدء العود النقطة المسامتة لمبدء
الحركة وهل المحسوب من الثمانية القوس المطوى من الدائرة أم ما بين النقطتين
وهو قطر الدائرة فلو كان مجموع الدائرة تسعة فراسخ فعلى الأول يكون ذهابه
أربعة فراسخ ونصفا وكذلك إيابه وعلى الثاني يكون ذهابه ثلاثة فراسخ وكذلك
إيابه فلم يتحقق منه المسافة الموجبة للقصر اختار شيخنا المرتضى قدس سره الثاني

593
وعبارته قدس سره غير خالية عن الاشكال ونحن ننقلها عينا حتى يتأمل فيها الناظر
قال قدس سره والمحسوب من الثمانية ما بين النقطتين وهو قطر الدائرة لا مقدار
القوس المطوى من الدائرة فلو فرضنا مجموع الدائرة تسعة فراسخ وبين النقطتين
وهو القطر ثلاثة فراسخ لم يتحقق في طيها مسافة القصر لان مقصده البعد عن البلد
بمقدار ثلاثة فراسخ ثم الرجوع ومروره في الأثناء على المنازل انما هو بالتبع لا بقصد
السفر إليها والمتبادر من أدلة تحديد المسافة تحديد ما بين مبدء حركة المسافر
والمقصد الذي يعد عرفا انه يسافر إليه لا مطلق ما يقصد الوصول إليه ولو لأجل الوصول
إلى غيره ولا يتوهم انه على هذا يكون مقدار البعد بين النقطتين أيضا لا عبرة به إذ
يدفعه ان مقدار هذا البعد مقصود جزما من السفر على وجه خاص وهي الاستدارة انتهى
كلامه رفع مقامه.
أقول لا اشكال في أن من مشى من مبدء الحركة إلى نقطة المسامتة له في
الدائرة المفروضة فقد سار من منزله أربعة فراسخ ونصفا وبعد انضمام الإياب وهو
أيضا مثل المقدار المذكور يتم ملاك القصر وان كان البعد من المنزل إلى النقطة
المسامتة بمقدار ثلاثة فراسخ لأنه ليس المعيار البعد من المنزل بل المعيار مقدار
السير ولذا لو اختار الطريق الأبعد وكان بمقدار المسافة يتعين عليه القصر وان لم
يصدق انه بعد من منزله هذا المقدار ولذا لو قصد نصف تلك الدائرة لأجل وقوع بلد
أو ضيعة على رأس ذلك القوس لا اشكال في احتساب المسافة مجموع ذلك القوس و
ان كان البعد بينه وبين مبدء الحركة أقل كما صرح به قدس سره وان كان المقصد على
قوس أقل من النصف فان بلغ أربعة فلا اشكال في حصول التلفيق والا فان قلنا بعدم
اعتبار كون الذهاب أربعة فلا اشكال أيضا والا فهل ينضم إليه ما يتمه نصفا بناء على أن
هذا التتميم كان مقصودا من أول الامر فينحصر العود في النصف الباقي أم لا بناء على أن
الحركة من المقصد إلى المنزل يسمى في العرف حركة إيابية الظاهر الأول
فان الحركة المفروضة لا اشكال في أن صورتها حركة ذهابية إلى نصف الدائرة وهذه
الصورة مقصودة فيكون بهذا الاعتبار النقطة المسامتة مقصدا ثانيا له ومن كان

594
في ذهابه مقاصد متعددة فالمعيار آخر المقاصد ولا فرق فيما ذكرنا بين ان يكون
البعد الحاصل بين المبدء والنقطة المسامتة مقدار أربعة فراسخ كما لو فرضنا مجموع
الدائرة اثنى عشر فرسخا أولا يكون بهذا المقدار إذ عرفت ان المعيار ان يسير من منزله إلى
المقصد أربعة فراسخ وان كان له على اجزاء الدائرة مقاصد متعددة قال شيخنا المرتضى قدس
سره ان الظاهر أن منتهى الذهاب آخر المقاصد وان قرب من محل الحركة وان احتمل أيضا
ان يكون منتهى الذهاب المقصد الذي لا يتحقق عند السير إليه صورة الرجوع وهو
الظاهر كما اختاره في المسالك بعد أن جعل الأول احتمالا فان العرف يرى في المقصد
الذي يتحقق عند السير إليه صورة الرجوع انه يمر على ذلك المقصد في الرجوع هذا لو
مشى حول الدائرة التامة بان ينتهى إلى مبدء الحركة واما لو كانت الدائرة ناقصة فلا اشكال
في كون المسافة بأجمعها ذهابية.
الشرط الثاني قصد قطع المسافة من حين الخروج فلو قصد أقل من المسافة
وبعد الوصول إلى المقصد بداله ان يسير مقدارا آخر يبلغ المسافة بانضمام ما سبق
لا يقصر وكذا الهائم الذي لا مقصد له وطالب الآبق الذي يقصد الرجوع متى وجده
لا يقصران وان زاد سيرهما على اضعاف المسافة والدليل على ذلك بعد الاجماع المحكى
عن غير واحد روايتا صفوان وعمار المرويتان في صوم التهذيب.
مسائل: (1) كما يتحقق القصد مستقلا كذلك يتحقق تبعا كالعبد والزوجة
إذا قصد المتابعة وعلما بقطع المتبوع مسافة وان لم يعلم المتبوع ذلك ولا
فرق بين ان يكون المتابعة المعلومة من جهة الوجوب الشرعي كالمثالين أو
للاضطرار العرفي أو للاكراه نعم لو كان التابع مضطرا عقلا بحيث لا تؤثر ارادته
في المشي ابدا كمن ألقى في السفينة أو اركب على الدابة من دون اختياره فوجوب
القصر عليه مبنى على أن المعيار فيه هو العلم بتحقق هذا المقدار من السير أو العزم
المؤثر في الحركة ظاهر الأدلة الثاني ولا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع.
(2) لو لم يعلم التابع مقدار سير المتبوع بقى على التمام لعدم تحقق ما هو ملاك
القصر وهو قصد المسافة نعم لو اطمئن بتحقق المسافة من المتبوع بحيث يتمشى

595
منه القصد لزم القصر وهل يلزم الاستخبار قيل نعم ولا أرى له وجها فان التابع في
هذه الحالة موضوع واقعي للتمام ولا دليل على لزوم اخراج نفسه عن هذا الموضوع
وادخاله في موضوع القصر.
(3) ولو علم التابع بمفارقة المتبوع قبل بلوغ المسافة يتم وكذا لو شك في
ذلك فضلا عن الظن لعدم تحقق ما هو ملاك القصر في تمام هذه الصور وهو قصد
المسافة وقيل في صورة الشك يقصر ولا أرى له وجها لما عرفت ومما ذكرنا يظهر
حال التابع العازم على مفارقة المتبوع مهما أمكنه أو معلقا لها على حصول امر
كالطلاق أو العتق وانه لو علم بعدم الامكان أو عدم حصول المعلق عليه يقصر لتحقق
القصد منه في هذه الصورة وكذا لو اطمئن بهما بحيث كان احتمال امكان المفارقة أو
حصول المعلق عليه موهوما جدا واما في غير هاتين الصورتين فيبقى على التمام لوجود
ملاكه وعدم تحقق ملاك القصر.
(4) لو اعتقد التابع ان المتبوع لم يقصد المسافة وفى الأثناء علم أنه قاصد لها
قيل بوجوب القصر عليه وان لم يكن الباقي مسافة لأنه قصد ما قصده متبوعه فهو قاصد
للمسافة واقعا كما لو قصد بلدا معينا واعتقد عدم بلوغه مسافة فبان في الأثناء انه مسافة
وفيه نظر فان مجرد قصد المصاحبة وعدم مفارقة المتبوع مع اعتقاده تفصيلا
بان المتبوع دون المسافة لا يوجب القصر والا لوجب أيضا على طالب الآبق لو علم
في الأثناء ان ما بقى من سيره بانضمام ما مضى منه يكون بمقدار المسافة فإنه قاصد
من أول الامر اجمالا إلى السير إلى أن يصل إليه وتنظيره بمن قصد بلدا معينا
يعتقد انه دون المسافة فبان انه بمقدارها في غير محله فان من قصد ذلك فقد قصد
مسافة تبلغ ثمانية فراسخ وان لم يقصد عنوان الثمانية والظاهر من الأدلة اعتبار
قصد المسافة الواقعية التي تكون ثمانية فراسخ في نفس الامر وفيما نحن فيه قصد
واقعا السير إلى ما دون المسافة واقعا لاعتقاده بانتهاء سير المتبوع إليه وكذا الكلام
فيما لو شك التابع في مقدار سير المتبوع مع كونه قاصدا للمتابعة.

596
الشرط الثالث استمرار قصد المسافة فلو عدل عن قصده أو تردد بحيث لم يبق
في نفسه قصد سير ثمانية فراسخ ولو بانضمام الإياب أتم ويدل على ذلك الرواية الواردة في
منتظر الرفقة قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوم خرجوا في سفر فلما انتهوا إلى الموضع
الذي يجب عليهم فيه التقصير قصروا من الصلاة فلما صاروا على فرسخين أو على
ثلاثة فراسخ أو على أربعة تخلف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم الا به فأقاموا ينتظرون
مجيئه إليهم وهم لا يستقيم لهم السفر الا بمجيئه إليهم فأقاموا على ذلك أياما
لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون هل ينبغي لهم ان يتموا الصلاة أم يقيموا
على تقصيرهم قال عليه السلام ان كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم
أقاموا أم انصرفوا وان كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة أقاموا أو
انصرفوا فإذا مضوا فليقصروا وزاد في محكى العلل قوله عليه السلام هل تدرى كيف صار
هكذا قلت لا قال لان التقصير في بريدين ولا يكون التقصير في أقل من ذلك فإذا كانوا
قد ساروا بريدا وأرادوا ان ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير وان كانوا قد ساروا
أقل من ذلك لم يكن لهم الا اتمام الصلاة قلت أليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون
فيه اذان مصرهم الذي خرجوا منه قال عليه السلام بلى انما قصروا في ذلك الموضع لأنهم
لم يشكوا في مسيرهم وان السير يجد بهم فلما جاءت العلة في مقامهم دون
البريد صاروا هكذا الرواية وهكذا صحيحة أبى ولاد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
انى كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة وهو من الكوفة
على نحو من عشرين فرسخا في الماء فسرت يومى ذلك أقصر الصلاة ثم بدا لي
في الليل الرجوع إلى الكوفة فلم أدر اصلى في رجوعي بتقصير أم بتمام وكيف كان
ينبغي ان اصنع فقال عليه السلام ان كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريدا فكان
عليك حين رجعت ان تصلى بالتقصير لأنك كنت مسافرا إلى أن تصير إلى منزلك قال
وان كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريدا فان عليك ان تقضى كل صلاة
صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل ان تريم من مكانك ذلك لأنك
لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه حتى التقصير رجعت فوجب عليك

597
قضاء ما قصرت وعليك إذا رجعت ان تتم الصلاة حتى تصير إلى منزلك الحديث
وهذه الصحيحة تقتضي عدم اجزاء ما صلى قصرا في حال قصد المسير ويعارضها ما دل
على عدم وجوب القضاء من التعليل الوارد في الرواية السابقة حيث إن الظاهر منه
إناطة وجوب القصر واقعا بعدم الشك في المسير لا بالمسير الواقعي ويمكن حمل
الامر بالقضاء في الصحيحة على الاستحباب بقرينة الامر بالتعجيل ولكن التعليل
في الرواية وهو قوله عليه السلام لأنك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتى رجعت
لا يلائم الاستحباب وكذلك قوله عليه السلام فوجب عليك قضاء ما قصرت ويدل على عدم
لزوم القضاء بل الإعادة في الوقت أيضا صحيحة زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده فدخل عليه الوقت وقد خرج من القرية على
فرسخين فصلوا وانصرف بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج ما يصنع بالصلاة التي
كان صلاها ركعتين قال عليه السلام تمت صلوته ولا يعيد ولعل هذه الرواية وما ذكرنا سابقا
مستند المشهور مضافا إلى ما قيل بأنه من صلى صلاة مأمورا بها والامر يقتضى
الاجزاء هذا ولكن للخدشة في كل ما ذكر مجال اما اقتضاء الامر للاجزاء فهو
مبنى على اثبات ان إرادة المسير ثمانية فراسخ مع الخروج عن حد الترخص تكون
موضوعا للحكم الواقعي بالقصر وان كان يبدو له العود واقعا ولم يستمر قصده في
الواقع واما ان كان الموضوع الواقعي السير ثمانية فراسخ مع القصد ابتداء واستمرارا
فالشخص المفروض وان أحرز الموضوع بزعمه ولكنه لم يكن محققا في الواقع
فالتقصير الحاصل منه انما يكون منشائه اعتقاد الامر لا الامر الواقعي فمقتضى القاعدة
بعد انكشاف ان الصلاة التي اتى بها ليست مأمورا بها لزوم القضاء.
ومن هذا يظهر الجواب عن الاستدلال بقوله عليه السلام في الرواية الواردة في منتظر
الرفقة لأنهم لم يشكوا في سيرهم إلى آخر فان هذا الكلام لا يدل على أن موضوع
وجوب القصر هو القطع بالسير وان انكشف خلافه بل يمكن ان يكون مراد الإمام عليه السلام
ان التقصير الذي حمل منهم انما كان من جهة احراز موضوع السفر الذي انكشف خلافه

598
فلم يكونوا مسافرين في الواقع ولم يكونوا مكلفين بالتقصير فأي منافاة بين ذلك وبين
لزوم القضاء بعد انكشاف الخلاف واما الصحيحة فالاستدلال بها على عدم لزوم القضاء
مبنى على أن يكون الرجل المسؤول عن حال صلوته التي وقعت قصرا هو الذي لم
يقض له الخروج ولم يتيسر له السفر من جهة انصراف البعض لحاجة واما لو كان
المقصود ان المنصرف لحاجة لم يقض له السفر واما الرجل الذي سئل عن حال
صلوته فقال الإمام عليه السلام تمت صلوته فهو باق على القصد الأول ولم يبدله العود فلا تدل
على المدعى.
فان قلت أي شبهة في صلاة من صلى قصرا مع عدم العزم على العود بل ومع
بقاء عزمه على السفر حتى يسئل عن الإمام عليه السلام.
قلت يمكن ذلك من جهة وقوع الصلاة من القوم جماعة كما أنه ليس ببعيد
بل قريب بحسب العادة في ذلك الزمان ومنشأ الشك في صحة صلاة الرجل المسافر
انه صلى جماعة مع من لم يكن تكليفه القصر واقعا فلو كان إماما فقد صلى هذا
الرجل مقتديا بمن كان صلوته باطلة وان كان مأموما فقد يكون موجبا لاتصال
الرجل المفروض بالامام فلو انكشف بطلان صلاة الامام أو من كان بسببه الارتباط
إليه يشك في بطلان صلاة هذا الرجل أيضا فقول الإمام بتمامية صلاة الرجل المفروض
يدل على انكشاف بطلان صلاة الامام والمأمومين الذي بسببهم يرتبط صلاة
الشخص بالامام لا يوجب بطلان صلاة ذلك الشخص كما أنه كذلك ومر في باب
الجماعة وعلى هذا فلا يكون للدليل الدال على وجوب القضاء على من قصر ثم بداله
العود إلى المنزل قبل ان يسير أربعة فراسخ معارض هذا مضافا إلى أنه موافق للاحتياط
فلا ينبغي تركه وان ذهب المشهور إلى الاجزاء وعدم لزوم القضاء.
ثم إن المعتبر من الاستمرار هو الاستمرار على قصد نوع المسافة لا شخصها الذي
عزم عليها أولا فلو قصر السفر إلى مكان مخصوص فعدل عنه إلى آخر يبلغ ما مضى وما
يقصد إليه مسافة قصد وكذا لو عدل من المسافة الذهابية إلى التلفيقية أو العكس

599
لما يستفاد من الأدلة مثل الصحيحة السابقة وغيرها ان المناط البقاء على قصد الثمانية
مطلقا.
ولو تردد ثم عاد إلى الجزم فان كان الباقي مسافة فلا اشكال في لزوم القصر والا
فان لم يقطع شيئا من الطريق في حال الترديد فالظاهر البقاء على التقصير فان قصد
الثمانية وان زال بحسب الدقة والذي وجد ثانيا قصد جديد لكنه بنظر العرف عود
القصد الأول ويدل على ذلك أيضا رواية اسحق الواردة في منتظر الرفقة وإذا مضوا
فليقصروا وأما إذا قطع بعضا من الطريق في حال الترديد ففي العود إلى القصد مطلقا
أو البقاء على التمام كذلك أو التفصيل بين ان يكون ما قطعه أولا حال الجزم مع ما
بقى بعد العود إلى الجزم بعد اسقاط ما تخلل بينهما مسافة أولا ففي الأول العود
إلى القصر وفى الثاني البقاء على التمام وجوه لا ينبغي ترك الاحتياط في جميع الفروع
المذكورة بالجمع ويمكن ان يقال ان مقتضى الأدلة ان مجرد التردد في الأثناء يخرج
عن كونه مسافرا فعوده إلى القصر يحتاج إلى انشاء سفر جديد بيان ذلك أن مقتضى
الأدلة ان السفر كما أنه يحتاج إلى السير المحدود شرعا ثمانية فراسخ كذلك إلى القصد
إلى ذلك من أول الامر مستمرا إلى تمام المساحة المحدودة اما أصل القصد فمضافا
إلى عدم الخلاف يدل عليه رواية صفوان الواردة فيمن خرج من بغداد يريد ان يلحق
رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى يبلغ النهروان وهي أربعة فراسخ حيث
سئل عن افطاره وتقصيره فقال عليه السلام لا يقصر ولا يفطر لأنه خرج من منزله وليس بريد
السفر ثمانية فراسخ واما استمرار القصد فلرواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته
عن الرجل يخرج في حاجة فيصير خمسة فراسخ ويأتي قرية فينزل فيها ثم يخرج
منها فيسير خمسة فراسخ أخرى أو سبعة فراسخ لا يجوز ذلك ثم ينزل في ذلك الموضع قال
عليه السلام لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتم الصلاة وقوله عليه السلام
لا يكون مسافرا الخ بعد فرض ان الرجل سار ثمانية فراسخ بل أزيد كالصريح في أن المساحة
المحدودة يعتبر فيها ان تكون مقرونة بالقصد بأجمعها واحتمال ان يكون القصد
معتبرا في خصوص حال السير خلاف الظاهر من أسلوب الكلام كما لا يخفى هذا مضافا إلى

600
التصريح في خبر منتظر الرفقة بوجوب التمام على المترددين بعد أن كان قصدهم
السفر من أول الامر فلو كانوا مسافرين في الواقع يكون هذا تخصيصا في دليل المسافر
فمقتضى أصالة عدم التخصيص كونهم خارجين من عنوان المسافر فرجوع المنتظرين
للرفقة إلى التقصير يحتاج إلى القصد إلى سفر جديد.
فان قلت هذا مناف لاطلاق قوله عليه السلام فإذا مضوا فليقصروا الشامل للصورة
التي لم يبق من موضع المضي إلى المقصود مقدار مسافة السفر ولو تلفيقا.
قلت يمكن منع الاطلاق من هذه الجهة بل الكلام مسوق لبيان ان ما مضى
لا يضم بالباقي لانقطاعه بالترديد فالسير الذي يحسب من السفر بشرائطه هو السير في
وقت المضي.
الشرط الرابع ان لا يكون قصده الإقامة في محل قبل بلوغ الثمانية وكذا
لا يكون قصده المرور على وطنه فان من كان قصده المرور على الوطن لا يكون قاصدا
للسفر حقيقة واما من كان قصده الإقامة قبل بلوغ الثمانية فيبتنى على عموم التنزيل
في الأدلة الدالة على أن المقيم في محل بمنزلة أهله ولو منع من ذلك وقيل بان مقتضى
العمومات وجوب القصر على من يسير من منزله إلى مقصده ثمانية فراسخ مطلقا خرج
منهما المقيم في بلد ما دام كذلك واما من كان قصده الإقامة بعد ذلك ولم يقم بعد فعليه القصر
وعلى هذا يقصر ما لم يصلى إلى البلد الذي يريد الإقامة فيه وإذا وصل وقصد الإقامة يتم و
إذا خرج يقصر أيضا هذا ولكن العمدة عدم ظهور الخلاف في المسألة كما صرح به
شيخنا المرتضى قدس سره في الصلاة واما التمسك باستصحاب التمام فمبني على عدم
العموم فيما دل على وجوب القصر على من يسير ثمانية فراسخ نعم لو منع العموم في تلك
الأدلة أيضا لكان التمسك باستصحاب التمام وجيها هذا ولكن الحق ان المستفاد من
الأدلة ان قصد الإقامة في محل موجب للخروج عن عنوان المسافر بمعنى انه لا يضم ما سبق
من سيره إلى الباقي ويترتب على ذلك أمران:
أحدهما اشتراط عدم قصد الإقامة في أثناء ثمانية فراسخ في تحقق السفر.

601
والثاني ان قصد الإقامة في محل بعد تحقق السفر قاطع له فلزوم القصر عليه
يحتاج إلى انشاء سفر جديد بيان ذلك أن السفر ضد الحضر عرفا ولغة فالغيبوبة عن
الوطن مأخوذة في مفهوم السفر ولا يصدق على من كان في بلده ولو بقصد المرور إلى
محل آخر انه حينئذ في حال السفر فدخول الشخص المفروض في عنوان المسافر
مشروط بالخروج عن المحل الذي فرضنا انه وطنه قاصدا إلى سير ثمانية فراسخ وهذا
واضح جدا وتحديد الشارع سير المسافر بثمانية فراسخ ليس ناظرا باطلاقه إلى
مثل هذا السير الذي يكون وطنه في طريقه بل المقصود هو تحديد مقدار السير في خارج
الوطن إذا عرفت هذا. فنقول ان مقتضى الدليل ان المقيم في محل بمنزلة أهل
ذلك المحل ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال من قدم مكة قبل التروية بعشرة
أيام وجب عليه اتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكة فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير
فإذا زار البيت أتم الصلاة وعليه اتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر.
فان قلت كون المقيم بمنزلة أهل ذلك المحل ليس على الاطلاق والا لزم
وجوب التمام عليه لو مر على المحل الذي أقام فيه دفعة واحدة بل انما يكون
بمنزلة أهل المحل ما دام مقيما فإذا خرج يكون مسافرا كما أنه كان كذلك
قبل الإقامة.
قلت لا اشكال في أن الظاهر من الحكم المرتب على عنوان خاص انه يدور
مدار ذلك العنوان حدوثا وبقاء ولكن نقول ان المقيم في بلد ما دام كذلك يترتب
عليه أمور: أحدها عدم انضمام السير السابق إلى ما يلحق عقيب الإقامة والاخر انه
يتم صلوته والثالث ان دخوله في عنوان المسافر الذي يقصر في صلوته يحتاج إلى
سفر جديد فان الشخص ما دام في وطنه لا يكون مسافرا فلا يضم سيره السابق إلى اللاحق
فيحسب المجموع سفرا وكذلك الذي يكون في محل جعله الشارع بمنزلة وطنه
وكما يجب على من كان في وطنه التمام كذلك يجب التمام على من كان في محل
جعله شارع بمنزلة وطنه وكما أنه من خرج من وطنه قاصدا سير ثمانية فراسخ يجب

602
عليه القصر ولا يجب القصر على من لا يقصد ذلك أو قصد دونه كذلك من خرج من محل
جعله الشارع بمنزلة وطنه إذا عرفت ما ذكرنا يظهر لك حال من خرج من محل الإقامة إلى
ما دون المسافة وتفصيل ذلك أن الخارج من محل الإقامة إلى ما دون المسافة تارة يكون عازما
على العود والإقامة المستأنفة وأخرى يكون عازما على الارتحال من ذلك المحل وثالثة
يكون مترددا ففي الصورة الأولى والأخيرة يتم صلوته ذاهبا وجائيا وفى المقصد و
محل الإقامة لما ذكرنا في طي البحث ان الإقامة قاطعة للسفر ولا ينضم ما سبق في سيره
إلى اللاحق وتقصير المقيم في محل يحتاج إلى سفر جديد ومن كان عازما على
إقامة عشرة مستأنفة في المحل الذي كان مقيما أولا وكذا من كان مترددا لا يقصد
تجديد السفر.
واما الصورة الثانية وهي الصورة التي يكون عازما على الارتحال من محل
الإقامة فهي على قسمين تارة محل اقامته في طريق وطنه كمن قصد الإقامة في بلدة قم
ثم خرج إلى شاه جمال ثم رجع إلى محل اقامته قاصدا إلى طهران وأخرى ليس
محل اقامته في طريق وطنه كمن كان وطنه في العراق وقصد إقامة عشرة أيام في
بلدة قم ثم خرج إلى شاه جمال ثم رجع إلى بلدة اقامته فلو خرج من تلك البلدة إلى
وطنه الأصلي يصير شاه جمال في طريقه فالصورة الثانية أيضا يتم في الذهاب والمقصد
والإياب ومحل الإقامة فان ذهاب فرسخ وكذا إيابه لا يعد جزء من السفر فانشاء
السفر الجديد انما يكون وقت خروجه من بلدة قم إلى وطنه الذي فرضناه العراق
نعم في ما يعد جزء من السفر كما في اعوجاج الطريق يقصر في الجميع واما الصورة
الأولى وهي الصورة التي يكون محل اقامته في طريق وطنه كالمقيم في بلدة قم الذي
فرضنا وطنه طهران فلا اشكال أيضا بحسب القاعدة انه يتم في الذهاب والمقصد لكن
الاشكال في حال إيابه وفى حال كونه في محل الإقامة ومنشأ الإشكال ان حال الشروع في
الإياب هل هو متلبس بالسفر الجديد فإنه قاصد للمسافة غاية الامر يمر على البلدة التي
أقام فيها والمفروض انها ليست وطنا له بل انما كانت بمنزلة الوطن ما دام مقيما فيها أو
ان انشاء السفر الجديد عرفا انما يكون وقت خروجه من تلك البلدة التي كان
مقيما بها.

603
فأقول هذه الصورة أيضا تتصور على قسمين تارة يكون خروجه عن محل
الإقامة مع رفع اليد عن الإقامة فيه وسلب العلاقة عن تلك البلدة بحيث يكون الورود
فيها كالمرور في أحد المنازل في طريق الوطن وأخرى يكون خروجه مقرونا ببقاء
العلقة السابقة فعلى الأول لا ينبغي الاشكال في أن مبدء سفره وقت خروجه من المقصد
وحال بلدة الإقامة حال باقي المنازل في الطريق وعلى الثاني يمكن ان يقال ان محل
الإقامة الذي صار بمنزلة الوطن ما لم يعرض عن الإقامة فيه لا يخرج عن صدق محل
الإقامة كما أن الوطن ما لم يعرض عنه لا يخرج عن صدق الوطنية وعلى هذا لو سافر
خارجا عن محل الإقامة مع بقاء العلاقة ثم رجع إليه يجب عليه التمام بعد الوصول
إلى المحل المفروض كمن سافر خارجا عن وطنه ثم رجع إليه ويدل على ذلك صحيحة
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال من قدم مكة قبل يوم التروية بعشرة أيام وجب عليه
اتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكة فإذا خرج إلى عرفات وجب عليه التقصير فإذا
زار البيت أتم الصلاة وعليه اتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر ومقتضاها ان
الخروج إلى عرفات مع كونه مسافة غير مبطل لحكم الإقامة كالمستوطن في مكة
حتى يرتحل منها إلى سفر لكن هذا على ما قيل مخالف للمشهور والأحوط لدى رجوعه إلى
محل الإقامة بعد خروجه منه لا بقصد الاعراض بل لقصد العود إلى محل الإقامة الجمع بين
القصر والاتمام سواء قطع المسافة أم لا.
ثم انه كما أن قصد المرور على الوطن وكذلك قصد الإقامة في بلد الثمانية
يوجبان البقاء على التمام كذلك احتمالها فان من يحتمل أحدهما لا يكون
قاصدا للثمانية من دون قاطع ولو كان حين الشروع في السفر قاصدا للإقامة أو
المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية أو كان مترددا في ذلك ثم جزم بعدم الامرين
في الأثناء فالمعيار ملاحظة ما بقى من المسافة فان كان مقدار الثمانية ولو مع
التلفيق قصر والا أتم ولو كان بانيا على عدم الإقامة أو المرور على الوطن من قبل نفسه
ولكن يحتمل عروض مقتضى لاحد الامرين في الأثناء فلو كان الاحتمال موهوما جدا لم

604
يضر بقصده والا فحاله حال المتردد من أول الامر والفرق بين هذه الصورة وبين التردد
من قبل نفسه أو لا لم يظهر له وجه.
الشرط الخامس ان لا يكون السفر حراما بنفسه ولا يكون غايته أمرا محرما
والا فلا يوجب القصر قال شيخنا المرتضى قدس سره المستفاد من أكثر الاخبار عدم
الترخص مع كون الغاية معصية ويمكن الحاق القسم الاخر به من باب الفحوى
مضافا إلى العموم المستفاد من تعليل عدم ترخص الصائد بكون التصييد سفرا باطلا
وانه ليس بمصير حق كتعليل ترخص المشيع لأخيه بأنه حق عليه مضافا إلى عدم
الخلاف في المسألة انتهى ويمكن ان يستفاد عدم الترخص في السفر الذي يكون
بنفسه حراما من رواية عمار بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول من سافر
قصر وأفطر الا ان يكون رجلا سفره إلى صيد أو في معصية الله أو رسولا لمن يعص الله
أو في طلب عدو أو شحناء أو سعاية أو ضرر علي قوم من المسلمين فان عطف قوله عليه السلام
أو رسولا الخ على ما سبق قرينة على أن المراد من قوله عليه السلام أو في معصية الله السفر
الذي يكون معصية بنفسه.
ثم إن السفر المستلزم لترك واجب كما إذا كان مديونا وسافر مع مطالبة الديان
وامكان الأداء في الحضر دون السفر ليس مما يكون بنفسه محرما بناء على منع
مقدمية ترك الضد للضد الاخر ولا مما يترتب عليه المحرم بناء على عدم مقدمية
فعل الضد لترك الضد الاخر فمقتضى القاعدة وجوب التقصير في السفر المذكور.
ويمكن ان يقال ان الامر وان كان كذلك عقلا كما حقق في مبحث الضد الا ان العرف
يرى ترتب ترك الواجب على السفر فإذا قصد بسفره التخلص عن اتيان الواجب تشمله
الأدلة الدالة على لزوم التمام على من قصد بسفره المعصية وحينئذ يفرق بين ما إذا سافر
بقصد التخلص من أداء الدين وبين ما لم يكن بهذا القصد فيتم في الصورة الأولى ويقصر
في الثانية.
ثم إن الظاهر من الأدلة ان السفر الحرام الذي يوجب التمام ما يكون محرما
بعنوان انه السفر واما لو كان هناك عنوان محرم آخر ينطبق على السفر فيجب

605
القصر كما إذا ركب دابة غصبية وسافر أو مشى في ارض مغصوبة فإنه في الصورتين
وان كان السير الشخصي محرما لكنه لا بعنوان السير والمشي بل بعنوان الغصب فمثل
هذا السفر داخل تحت العمومات الموجبة للقصر على المسافر.
فروع: (1) لو سافر بقصد صحيح ثم عدل إلى قصد المعصية يتم وان لم يكن ما بقى
منه بقدر المسافة وكذلك العكس فإنه فيما بقى من المسافة مسافر بقصد المعصية في
الأول ولا بقصدها في الثاني.
فان قلت إن العمومات تقتضي القصر على المسافر مطلقا خرج من يسافر بقصد
المعصية أو من يكون نفس سفره المعصية والظاهر من المستثنى ان يكون السفر بتمامه
كذلك فسفر الذي يكون بعضه بقصد الطاعة وبعضه بقصد المعصية خارج عن المستثنى
فمقتضى العمومات لزوم القصر في الصورتين.
قلت الظاهر من الأدلة تقييد المسافر بحال عدم المعصية بسفره واخراج
حال المعصية ففي كل حال يتبعه حكمه لا اخراج السفر الواقع بقصد المعصية عن
عموم السفر حتى يتوهم ما ذكر وعلى فرض ان يكون الخارج السفر في المعصية
ففي حال العدول عن قصد المعصية إلى قصد المباح يصدق على سيره بهذا القصد انه
سير في السفر المباح لان القصد السابق لم يخرج سيره عن صدق السفر فهذا المسافر
في مقدار من الزمان سار في سفر المعصية ولزمه حكمه الذي هو الاتمام وفى مقدار آخر سار
في سفر غير المعصية ولزمه حكمه أيضا الذي هو القصر ولا يحتاج لزوم القصر بعد العدول
عن قصد المعصية إلى قصد السفر الجديد ومن هنا يظهر حال من قصد في سره المباح ثم عدل
إلى المعصية وسار مقدارا مع هذا القصد ثم عدل إلى قصد المباح فإنه على ما قلنا يقصر في طرفيه
ويتم في الوسط وان لم يكن المجموع من ثلث قطعات أزيد من ثمانية فراسخ فان الحكم يدور
مدار موضوعه وجودا وعدما لكن هذا القول على ما يظهر من كلماتهم خلاف المشهور
نعم القول بانضمام القطعة الأولى في المثال إلى الأخيرة في المسافة كمن سار أولا
بقصد المباح ثلاثة فراسخ مثلا ثم عدل إلى قصد المعصية وسار ثلاثة فراسخ ثم عدل إلى

606
قصد المباح وسار خمسة فراسخ ينسب إلى جمع ومنهم على ما حكى شيخنا المرتضى
قدس سره قال في المحكى عن بعض مصنفاته فيمن لو سافر من منزله بقصد الطاعة
ثم عدل في الأثناء إلى قصد المعصية فقطع شيئا من المسافة بهذا القصد ثم عاد إلى
قصد الطاعة بعد حكايته كفاية بلوغه بضميمة ما مضى من المباح باسقاط المتخلل عن
جماعة كالصدوقين والشيخ والمحقق والشهيد في الذكرى وجماعة ممن تأخر عنه
وهو الأقوى لصدق التلبس بالسفر المباح بمجرد العدول كما تقدم فيما لو عاد إلى
قصد المسافة بعد تجدد قصد الرجوع أو التردد وقصد المعصية المتخلل بين المباحين
لا يوجب سلب الصدق ومنه يظهر فساد التمسك بالاستصحاب فان وجوب التمام عند
قصد المعصية لعدم دخوله في عنوان المتلبس بالسفر المباح بل لدخوله في عنوان
المتلبس بالسفر الباطل كما عرفت وليس هذا العنوان مما يقبل ان يكون حدوثه
كافيا في بقاء الحكم وان ارتفع لأنه عنوان الموضوع فكما ان عنوان المسافر
موضوع للحكم يرتفع بارتفاعه فكذلك هذه الخصوصية وهي كونه مسافرا بسفر
حق ومتلبسا به أو مسافرا بسفر باطل ومتلبسا به موضوعان للقصر والاتمام يدوران
مدارهما وجودا وارتفاعا.
فان قلت فعلى هذا لو كان تمام الماضي معصية فعدل إلى الطاعة يصدق انه
متلبس بالسفر المباح ولو بعد اشتغاله بجزء من السير مع أن الظاهر الاتفاق على
توقف القصر على التلبس بمسافة مستقلة جديدة.
قلت قد علم من الاجماع ومن أدلة ان سفر المعصية لا يوجب الترخص ان
شيئا منه ولو يسيرا لا يصح ان يكون مؤثرا في الرخصة فنفى سببيته للقصر إذا
كان مجموع المسافة معصية يوجب نفى تأثير شئ منه وعدم مدخليته في التقصير انتهى
كلامه رفع مقامه.
أقول ما حققه في بيان ان العدول إلى قصد الطاعة بعد قصد المعصية المعدول
إليها يوجب التقصير لو كان بضميمة ما مضى من المباح باسقاط المتخلل بينهما

607
مسافة حق لا ريب فيه واما ما اجابه عن المستشكل بقوله قلت قد علم من الاجماع و
من أدلة ان سفر المعصية الخ ففيه انه لو تم الاجماع المحقق الكاشف القطعي عن قول
المعصوم فليس ما ورائه شئ والا فالاستدلال الاخر غير خال عن الاشكال وبيانه ان من قصد
سير ثمانية فراسخ وتلبس به بقصد المعصية ثم بعد سير مقدار من المسافة عدل إلى قصد
الطاعة وسار بهذا القصد تمام المسافة هل يعد القطعتان من السير سفرا شرعا أم لا
لا سبيل إلى الثاني والا فلا وجه لضميمة ما مضى من السير بقصد الطاعة إلى ما بقى منه
باسقاط المتخلل من ما سار بقصد المعصية بل يحتاج إلى قصد مسافة جديدة بعد العدول
إلى الطاعة وعلى الأول يلزم التمام في القطعة التي سار بقصد المعصية والقصر في القطعة
التي سار بقصد الطاعة لان الحكم يدور مدار موضوعه وجودا وارتفاعا كما حققه حق التحقيق
واما قوله قدس سره بان مقتضى أدلة سفر المعصية انه لا يوجب القصر الخ فهل كان
مقتضاها أزيد من أنه لا يوجب القصر ما دام وصف الموضوع محققا كما افاده قدس سره ونحن
نحكم بمقتضاها ونقول بأنه ما دام يسير في سفر المعصية ليس عليه الا التمام واما القصر الذي
يجب عليه في السير بقصد الطاعة فليس مما يقتضيه سفر المعصية فإنه ارتفع مع اثره بل هو
مما يقتضيه السفر المباح الذي متلبس به فعلا والحاصل ان مقتضى الأدلة ضم ما مضى
بقصد المعصية إلى ما يسير بقصد الطاعة لكن لما كان هذا خلاف المشهور بل فيه خوف
خلاف الاجماع كما يظهر من كلام شيخنا المرتضى قدس سره فلا ينبغي ترك الاحتياط فيما
لو عدل من قصد المعصية إلى قصد الطاعة ولم يكن قاصدا للمسافة الجديدة بالجمع
بين القصر والاتمام والله العالم.
(2) لو كانت غاية السفر ملفقة من الطاعة والمعصية فتارة يكون كلا الداعيين
مستقلين بحيث لو لم يكن أحدهما كفى الاخر في البعث وأخرى يكون كل منهما
جزء للباعث بحيث لو لم يكن انضمام الاخر لم ينبعث وثالثة يكون داعي المعصية
مستقلا بحيث لا يحتاج في بعثه إلى الضميمة دون الاخر ورابعة يكون عكس ذلك
والضميمة في القسمين الأخيرين تتصور على وجهين:
أحدهما ان يكون وجودها وتحققها بواسطة الداعي على السفر.

608
والثاني ان تكون موجودة في النفس مع ذلك الاخر ولكنها لا تؤثر
لضعفها لا اشكال فيما إذا كان أحد الداعيين مستقلا والاخر انما تحقق وجاء من
قبل الداعي المستقل على السفر فان أصل السفر حينئذ تتحقق من جهة داعي خاص عليه
من دون اشتراك وما تحقق من جهة ذلك الداعي لا تأثير له في أصل السفر وانما يؤثر
في تعيين الفرد وأما إذا كان كل منهما متحققا مع قطع النظر عن الاخر سواء كان
كل منهما مستقلا في التأثير من دون احتياج إلى الضميمة أو كان كل منهما يحتاج
إلى الاخر أو كان أحدهما مستقلا غير محتاج بخلاف الاخر فبحمل القول في الصور
الأربع انه لو قلنا بان المستفاد من الأدلة ان السفر الذي يجب فيه التمام هو السفر
الذي يتحقق بداعي المعصية محضا ففي هذه الصور الذكورة كلها يجب القصر لعدم
تحقق السفر بداعي العصيان مجردا حتى فيما استقل داعي المعصية وكان كافيا في التأثير
وضعف داعي الطاعة فان تحقق السفر في الخارج فعلا مستند إلى الداعيين وان كان
بحيث لو لم يكن انضمام ذلك الداعي الضعيف إلى داعي المعصية لكفى في التأثير و
لو قلنا بان المستفاد من الأدلة كفاية استناد السفر إلى قصد المعصية وان كان للقصد
الاخر أيضا تأثير ففي جميع الصور يجب التمام لاستناد السفر إلى قصد المعصية في
الصور كلها حتى فيما إذا كان داعي العصيان ضعيفا وداعي الطاعة قويا غير محتاج إلى
الضميمة لما قلنا إذا عرفت ذلك.
فنقول ان الظاهر من الأدلة في ابتداء النظر ان السفر الواجب فيه التمام
هو الذي تحقق بقصد المعصية من دون اشتراك قصد آخر فالصور المذكورة كلها
داخلة في عمومات أدلة وجوب القصر نعم يمكن ان يقال لو كان أحد الداعيين ضعيفا
جدا والاخر قويا غير محتاج إلى الضميمة فالعرف يستند السفر إلى الداعي القوى
وان كان للضعيف أيضا تأثير بحسب الدقة العقلية فلو كان داعي العصيان
قويا غير محتاج إلى الضميمة وداعي الطاعة ضعيفا جدا يجب التمام وفى باقي الصور
أعني ما إذا كان كل من الداعيين مستقلا في التأثير لولا الاخر وما إذا كان كل منهما
يحتاج إلى الاخر وما إذا كان داعي الطاعة مستقلا دون داعي العصيان يجب القصر هذا.

609
ولكن الذي يقتضيه التحقيق ان السفر في معصية الله أو لغاية محرمة من جهة
عدم صلاحية صدوره عن العباد أوجب الله فيه اتمام الصلاة والصوم ولم يستوجب المكلف
السائر بهذا السير الموجب لسخط الشارع الارفاق الملحوظ لسائر المسافرين في
السفر المباح ويدل على ذلك مضافا إلى مناسبة الحكم والموضوع في المقام تعليل
لزوم التمام في بعض الاخبار بأنه مسير باطل والرواية الواردة في السفر بقصد الصيد
الدالة على أن من خرج لطلب الفضول فلا يقصر ولا كرامة وعلي هذا فالمعيار في لزوم
التمام كون المسير مسيرا باطلا وانه على خلاف رضاء الله جل جلاله ولا اشكال في أن
كون المسير باطلا وغير مرضى ليس متوقفا على أن يكون الداعي إليه الغاية
المحرمة محضا بل قد يكون السير باطلا مع عدم قصد غاية محرمة أصلا لكن يعلم
بأنه إذا سافر ومشى إلى محل خاص يضطر إلى ارتكاب الحرام فهذا السير باطل قطعا
وليس بداعي ارتكاب الحرام ومن كان قصده الحرام في سفره يصدق انه يمشى في طريق
المعصية وان كان قصد اتيان المباح منضما إلى قصده المذكور خصوصا إذا كان قصد
المعصية داعيا مستقلا غير محتاج إلى الضميمة فافهم وتأمل جيدا.
(3) لو شك في سفر انه معصية أم لا وكان هناك أصل يقتضى الإباحة يقصر و
يجزى وان انكشف كونه محرما في الواقع فان مدار التمام في السفر على كونه معصية
لا على كونه محرما كما أنه لو كان هناك أصل شرعي يقتضى الحرمة يكفي في جوب
التمام واقعا وان انكشف عدم كونه حراما في الواقع لصدق المعصية بمخالفة النهى
الشرعي ولو ظاهرا نعم لو كان السفر موردا للاحتياط العقلي مثل طرف الشبهة
المحصورة ففي كفاية مخالفة حكم العقل وعدمها اشكال والظاهر أن صدق المعصية
في المثال تابع لمطابقة المحرم الواقعي فحينئذ يجب عليه الجمع بين القصر والاتمام
للعلم الاجمالي بأحد الامرين الا ان يكون مسبوقا بأحدهما معينا فيستصحب.
(4) إذا نذر ان يتم الصلاة في يوم معين أو يصوم يوما معينا وجب عليه الإقامة
والوفاء بالنذر ولو خالف وسافر يقصر بناء على أن السفر المستلزم لترك الواجب

610
ليس بحرام وأما إذا قلنا بحرمة السفر المستلزم لترك الواجب فهل يحكم بحرمة
مثل هذا السفر أم لا فيه اشكال من جهة ان حرمته مما يلزم من وجوده العدم فان مقتضى
الحرمة وجوب التمام فيه وإذا وجب التمام ليس بحرام إذا لا منشأ لها الا تفويت
الواجب المطلق عليه وهو الاتمام كما أن إباحة هذا السفر أيضا يلزم من وجودها
عدمها فان مقتضى الإباحة لزوم القصر وهذا يوجب تفويت الواجب المطلق عليه
فيكون محرما ويمكن ان يقال في حل هذا الاشكال ان اللازم هيهنا الاخذ بعمومات أدلة
لزوم القصر على المسافر فان موضوعها وان كان هو السفر المباح لكن الظاهر أن
الإباحة المأخوذة في موضوعها هي الإباحة مع قطع النظر مما يطرء عليه من جهة
الحكم والحرمة الطارية على مثل هذا السفر انما جاءت من قبل حكم السفر
وهو لزوم القصر فعدم اجراء عموم دليل القصر في الموضوع تخصيص بلا وجه وإذا وجب
القصر بمقتضى العمومات يصير السفر محرما لكونه مفوتا للواجب المطلق ولكن
لا يمكن اجراء دليل لزوم التمام في مثل هذا السفر المحرم لان حرمة السفر انما
جاءت من قبل لزوم القصر فلا يمكن ان يكون مثل هذه الحرمة موجبا للزوم التمام
فعموم الأدلة الموجبة للتمام في السفر الحرام مخصص بالتخصيص العقلي فتأمل جيدا.
(5) إذا قصد مكانا لغاية محرمة فبعد الوصول إلى المقصد قبل حصول الغرض
يتم فإنه متلبس بالوصف الموجب للتمام واما بعد حصول الغرض فالظاهر لزوم
القصر فإنه زال عنه الوصف الموجب للتمام ولا تفاوت في ذلك بين التوبة وعدمها
فإنه في حال الرجوع مسافر ولا يصدق انه يسافر بقصد المعصية فيشمله عموم أدلة لزوم
القصر في السفر.
(6) لو قصد المعصية في ابتداء السفر فصام ثم عدل إلى قصد الطاعة فان كان العدول
قبل الزوال فلا اشكال في لزوم الافطار واما ان كان بعد الزوال فهل يتم صومه نظرا
إلى أن سفر المعصية حكمه حكم الحضر فهو كمن صام حاضرا وسافر بعد الزوال
أو يفطر نظرا إلى أنه من وقت العدول لا يصدق انه يمشى في معصية الله وهو الأظهر

611
فان الاتمام فيما يسافر بعد الزوال انما يكون لو أنشأ السفر بعد الزوال وهنا ليس
كذلك فإنه سافر قبل الزوال غاية الامر ما دام صدق العصيان يتمسك بمقتضى الأدلة
وبعد ما زال العنوان فهو داخل فيمن سافر قبل الزوال والأحوط الاتمام ثم القضاء و
لو انعكس الامر بان كان طاعة في الابتداء ثم عدل إلى قصد المعصية فان اكل شيئا
فلا يتحقق منه الصوم وان لم يأكل شيئا فان كان قبل الزوال فيمكن ان يقال بوجوب
قصد الصوم كمن كان مسافرا فحضر قبل الزوال ويمكن ان يقال بعدم صحة الصوم
منه نظرا إلى أن الأدلة الموجبة للصوم في السفر المقصود منه العصيان ظاهرة في أن
شرط صحة الصوم وقوع مجموعه في السفر الموصوف فيبقى مثل الصورة المفروضة
تحت عمومات لزوم الافطار والأحوط الامساك ثم القضاء.
الشرط السادس ان لا يكون ممن بيته معه كاهل البوادي الذين لا مسكن
لهم معينا بل يدورون في البراري ويطلبون موضع القطر والكلاء للاخبار ففي خبر
إسحاق بن عمار قال سألته عن الملاحين والاعراب هل عليهم تقصير قال عليه السلام لا بيوتهم
معهم وفى خبر سليمان بن جعفر الجعفري عمن ذكره عن أبي عبد الله قال عليه السلام الاعراب
لا يقصرون وذلك أن منازلهم معهم وفى خبر إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه
سبعة لا يقصرون الصلاة إلى أن قال عليه السلام والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت
الشجر الخبر نعم لو سافر والمقصد آخر من حج أو زيارة يجب عليهم التقصير ومقتضى
التعليل الوارد في بعض الأخبار السابقة ان الاتمام انما يكون فيما إذا ساروا مع
بيوتهم فلو سافر أحدهم لاختيار المنزل يقصر وليس ببعيد وان كان الأحوط له الجمع
لكن هنا اشكال لم اقف على من تنبه له وهو ان مقتضى التعليل المذكور ان وجه وجوب التمام
على البدوي الذي يطلب القطر هو كون بيوتهم معهم وانهم يمشون مع بيوتهم و
مقتضى ذلك انهم لو ارتحلوا مع بيوتهم لا لطلب القطر بل لجهة أخرى مثل ان يتحولوا
من صقع إلى صقع آخر لقهر قاهر أو لجهة أخرى لم يكن لهم التقصير بل يجب عليهم التمام
لأنهم يمشون مع بيوتهم وما أظن أن يلتزموا بذلك فليتأمل.
الشرط السابع ان لا يكون ممن اتخذ السفر عملا له كالمكاري والجبال و

612
الملاح والساعي ونحوهم ويدل عليه الأخبار الكثيرة مثل قوله عليه السلام في صحيحة هشام و
مقطوعة سندي بن الربيع المكاري والجمال الذي يختلف وليس له مقام يتم الصلاة و
يصوم شهر رمضان ومصححة زرارة أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر
المكاري والكري والراعي والاشتقان لأنه عملهم وخبر ابن أبي عمير المروى عن
الخصال مرفوعا إلى أبى عبد الله عليه السلام قال عليه السلام خمسة يتمون في سفر كانوا أو حضر المكاري
والكري والاشتقان وهو البريد والراعي والملاح لأنه عملهم وتفسير الاشتقان
بالبريد يمكن ان يكون من كلام الصدوق ويحتمل ان يكون جزء للرواية وكيف
كان لا يهمنا التعرض لذلك ولا تحقيق معنى الكرى بعد ذكر العلة المذكورة في
الاخبار بأنه عملهم وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما ليس على الملاحين في سفينتهم
تقصير ولا على المكارين ولا على الجمالين ورواية إسحاق بن عمار قال سألته عن
الملاحين والاعراب هل عليهم تقصير قال لا بيوتهم معهم ومكاتبة محمد بن جزك قال كتبت
إلى أبى الحسن الثالث عليه السلام ان لي جمالا ولى قواما عليها ولست اخرج فيها الا في طريق
مكة لرغبتي في الحج أو في الندرة إلى بعض المواضع فما يجب علي إذا انا خرجت
معهم ان اعمل أيجب على التقصير في الصلاة والصيام في السفر أو التمام فوقع عليه السلام
إذا كنت لا تلزمها ولا تخرج معها في كل سفر الا في طريق مكة فعليك القصر والافطار
(إلى مكة فعليك تقصير وافطار خ ل) وخبر على بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام
عن أبي عبد الله عليه السلام قال أصحاب السفن يتمون الصلاة في سفنهم ورواية إسماعيل بن أبي
زياد عن جعفر عن أبيه قال عليه السلام سبعة لا يقصرون الصلاة الجابي الذي يدور في جبايته
والأمير الذي يدور في امارته والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق والراعي
والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر الخ والمستفاد من مجموع هذه الأخبار
ان الموجب للتمام أمران أحدهما كون السفر عملا له والثاني كون البيوت
معهم متى ارتحلوا من مكان إلى مكان وبين العنوانين عموم من وجه فيتحدان في
البدوي الذي له وطن ومستقر معين يستقر فيه في فصل الشتاء مثلا ثم يسافر عنه في
بقية السنة طلبا لمواضع القطر مع بيوتهم أو يرتحلون إلى محل آخر مع بيوتهم لقهر

613
قاهر أو لغرض آخر والافتراق من طرف المسافر الذي يتتابع سفره بالانقطاع أو بتعدد
المقصد كالتاجر الذي يدور في عمله ومن طرف البدوي الذي يطلب القطر وبيته معه
من ليس له وطن ومستقر أصلا وليس له سفر ولا حضر بل ينزل في كل وقت في محل
مناسب لحاله ومقتضى كون من يسير وبيته معه عنوانا مستقلا ان من يكون له
مستقر معين بحيث يعد وطنا له لو سار مع بيته لطلب القطر أو لغرض آخر فعليه اتمام
الصلاة والصيام لوجود العلة وان لم يتعدد مقاصده ولم يدخل في عنوان كثير السفر
أو التاجر الذي يدور في عمله.
فان قلت قول الإمام عليه السلام في بعض الاخبار الحاكمة بوجوب التمام على
الاعراب وذلك أن منازلهم معهم كناية عن عدم مقر معلوم لهم متخذ على الوطنية ومن
كان شانه كذلك لا يتحقق في حقه السفر والحضر والاعراب الذي لهم وطن يستقرون
فيه في فصل الشتاء مثلا ثم يسافرون في بقية السنة طلبا لمواضع القطر ليسوا
داخلين في الذين بيتوتهم معهم وان كانوا أمتي ارتحلوا من مكان يرتحلون مع بيوتهم.
قلت حمل الكلام على ما ذكر انما يصح لو كان الموضوع لوجوب التمام ابتداء
في الاخبار هذا العنوان أعني الذين بيوتهم معهم وليس كذلك بل الموضوع الاعراب
والبدوي الذي يطلب مواضع القطر معللا بان بيوتهم معهم ولا شبهة في أن الحكم على
عنوان على سبيل الاطلاق معللا بعلة لا يصح الا ان تكون العلة سارية في جميع افراد
الموضوع أو في غالبها بحيث يكون الفرد الذي لا تسرى فيه العلة نادرا وهل يصح
قول القائل لا تأكل الرمان لأنه حامض في مورد يكون الحامض في افراد الرمان
قليلا أو مساويا مع الحلو إذا عرفت ذلك.
فنقول هل الغالب في افراد البدوي الذي يطلب القطر من ليس له محل متخذ
على الوطنية وكيف يحتمل ذلك لو لم نقل بان الغالب لهم محل مخصوص وارض مخصوصة
ويرتحلون في بعض الأزمنة في طلب القطر والمرتع رعاية لدوابهم وأغنامهم مثلا فلو
جعلنا من كان بيته معه عنوانا مستقلا وموضوعا آخر لوجوب التمام فاللازم حمله على
من كان بيته معه متى يرتحل من مكان إلى مكان سواء كان له مقصر معلوم متخذ

614
للوطينة أم لا فمن كان له مخصوص إذا سار مصاحبا لبيته لطلب القطر بل
لقهر قاهرا ولغرض آخر يجب عليه التمام ولا أظن أن يلتزموا بذلك فالمسألة
محل اشكال ثم انهم ذكروا ان من أقام في منزله عشرة أيام ثم أنشأ سفرا قصر
بل في كلام بعضهم انه مقطوع به بين الأصحاب واللازم هنا التعرض لهذه المسألة
في طي أمور:
أحدها الدليل على ذلك وما ورد في ذلك اخبار منها ما رواه الشيخ باسناده عن
يونس بن عبد الرحمن عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن حد المكاري الذي
يصوم ويتم قال عليه السلام أي مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقل من عشرة أيام وجب
عليه الصيام والتمام ابدا وان كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة
أيام فعليه التقصير والافطار ومنها المروى عن عبد الله بن سنان بسند غير صحيح عن أبي
عبد الله عليه السلام قال المكاري ان لم يستقر في منزله الا خمسة أيام وأقل قصر في سفره
بالنهار وأتم بالليل وعليه صوم شهر رمضان وان كان له مقام في البلد الذي يذهب
إليه عشرة أيام وأكثر قصر في سفره وأفطرا وعن الصدوق في الفقيه انه روى هذه الرواية
في الصحيح بنحو آخر قال المكاري إذا لم يستقر في منزله الا خمسة أيام أو أقل قصر في
سفره بالنهار وأتم صلاة الليل (صلوته بالليل خ ل) وعليه صوم شهر رمضان فان كان
له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر وينصرف إلى منزله ويكون له مقام
عشرة أيام أو أكثر قصر في سفره وأفطر ومنها صحيحة هشام بن حكم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال المكاري والجمال الذي يختلف وليس له مقام يتم الصلاة ويصوم شهر
رمضان ونوقش في الجميع اما في الرواية الأولى فبضعف السند مع أن ظاهرها عدم
الفرق بين الإقامة في منزله أو في البلد الاخر من حيث النية وهو خلاف المشهور واما
في خبر ابن سنان على ما رواه الشيخ فبضعف السند مع اشتماله على ما لا يقول به أحد و
هو ثبوت القصر في النهار على المكاري الذي يبقى في منزله أقل من خمسة أيام الشامل
لمن يبقى يومين بل يوما واحدا واما على ما رواه الصدوق فهو وان كان خاليا من
مناقشة السند لكن يرد عليه الاشكال السابق مع أن ظاهره ثبوت التقصير على من

615
أقام في البلد الذي يذهب إليه وفى بلده معا واما الصحيحة الأخيرة فبان المنساق منها اعتبار
عدم المقام العرفي في منزله ولا يدل على خصوص عشرة أيام.
أقول عمدة المستند في المسألة مرسلة يونس وضعفها منجبر بعمل الأصحاب
مضافا إلى ما قيل إنه من أصحاب الاجماع واما ما قيل من الخدشة في متن الرواية
من أن ظاهرها عدم الفرق بين الإقامة في منزله وبين البلد الاخر من حيث نية الإقامة
فيمكن دفعه بأنه لما كان الكلام مسوقا لبيان الإقامة التي تكون مانعة لتحقق وصف
العملية وتحديدها بعشرة أيام يفهم بواسطة تلك المناسبة ان الإقامة في تلك المدة في
غير منزله مشروطة بما إذا كان مثل وطنه حتى تكون اقامته في تلك المدة موجبة لتلبسه
بما ينافي في السفر إذ لا يمكن ان تكون الإقامة الغير المخرجة عن كونه مسافرا مانعة عن
تحقق الكثرة.
ومحصل المعنى والله العالم انه ان كان مقامه في منزله أو في البلد الذي
يكون في حكم منزله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير والافطار ومن هنا يعرف
انه كما أن بقاء عشرة أيام وتلبسه بما ينافي في السفر في تلك المدة يمنع من تحقق
وصف العملية كذلك لو بقى في تلك المدة بعد تحقق ذلك الوصف يخرج عن تحت
العنوان المذكور أي كون السفر عملا له فيحتاج في رجوعه إلى حكم المكاري الذي
يكون السفر عملا له إلى تكرار السفر كما اختاره بعض العلماء وما قيل في دفع
ذلك تارة بان الشخص المفروض داخل فيمن يكون السفر عمله ومقتضى ذلك أن
يكون عليه الاتمام والصيام خرج من ذلك سفرته الأولى واما السفرة الثانية ان لم
يقم في منزله أو في بلد الإقامة عشرة أيام فالواجب عليه التمام وأخرى باستصحاب
وجوب التمام الذي كان عليه حال الإقامة في المنزل مدفوع اما التمسك باستصحاب
التمام ففيه مع كونه محكوما باستصحاب القصر الثابت عليه في السفر قبل الشروع
في السفرة الأولى فان الشك في بقاء حكم التمام مسبب عن الشك في تغيير الحكم
السابق وهو انه لو سافر قصر وعدمه نظير حكومة الاستصحاب التعليقي على استصحاب
الحكم الفعلي انه لا مجال له في المقام فان عموم وجوب التمام على من كان شغله

616
السفر لو بقى على حاله وجب الرجوع إليه والا وجب الرجوع إلى عموم وجوب القصر
على المسافر واما التمسك بعموم وجوب التمام على من كان شغله السفر ففيه انه انما
يصح لو جعلنا الحكم بالقصر في السفرة الأولى على من أقام عشرة أيام في بلده من
باب التخصيص الحكمي لا الاخراج عن موضوع من كان عمله السفر تعبدا وقد أشرنا
ونبين هنا توضيحا ان سؤال السائل عن حد المكاري والجمال والضابط فيهما مع معلومية
مفهوم اللفظين عند العرف بطريق الوضوح يدل على أن العنوانين المذكورين نظير
أمثالهما من الصناعات لما كان المعتبر في صدقهما تكرار العمل من دون وقوف عن
الشغل أراد السائل فهم مقدار من التكرر الذي لا وقوف معه عن العمل وان أي مقدار
من الوقوف من العمل يخرجه عن كونه عملا له أو يمنع عن تحقق عنوان الشغلية و
العملية فبين الإمام عليه السلام ان الوقوف عن شغل السفر وتلبسه بضده وهو الوقوف في
منزله أو البلد الذي هو بحكم منزله عشرة أيام ينافي صدق العملية فالمكاري الذي
يبقى في منزله أو محل اقامته عشرة أيام ليس مصداقا لمن يكون السفر عمله شرعا
كما أنه لو بقى في منزله مدة متمادية ليس مصداقا لمن كان السفر عملا له عرفا أيضا
فالشارع حدد بقاء المقدار المنافى لصدق العملية بعشرة أيام فكما انه لو بقى مقدارا
زائدا من الزمان في بلده ثم أراد السفر يكون كالمبتدئ في أصل السفر يحتاج صدق
العملية لي إلى التكرار عرفا كذلك لو بقى مقدارا من الزمان الذي قرره الشارع و
جعله منافيا لصدق العملية ثم أنشأ السفر فهو كالمبتدئ في سفره يحتاج في العود إلى
صدق العملية إلى التكرار فليتدبر في المقام.
ثانيها لو سافر في غير شغله المعتاد له كالمكاري ونحو إذا أنشأ سفرا آخر من
زيارة ونحو ذلك مما لا ربط له بعمله هل يقصر أو يتم أو يفصل بين السفر الذي لا يطلق
عليه اسم الصنعة والشغل كسفر الزيارة وما يطلق عليه سفر الشغل وان ان غير الصنع
السابق صنفا كالمكاري لو بدل شغله بالتجارة والدوران في الأسواق فان هذا السير
سير في عمله وشغله وان كان غير الشغل السابق صنفا وجوه لا ينبغي الاشكال في
السفر الذي لا يعد من الصنعة كسفر الزيارة واما تبديل المكاري عمله بشغل آخر يعد

617
صنعة له مثل ان يسافر قبل اقامته عشرة أيام للتجارة من سوق إلى سوق فوجوب التمام
عليه أو القصر مبنى على أن العلة الواردة في بعض الاخبار الحاكمة بوجوب التمام في
المكاري وأمثاله وهي كونه عملا له هل المقصود كون السفر عملا له فيترتب على
ذلك أنه متى يسير في سفره بعنوان الشغل والعمل يتم وان كان شغله في السفرة
المفروضة غير الشغل السابق صنفا أو ان المقصود كون الأوصاف المذكورة في الاخبار
عملا له فيترتب على ذلك بعد الغاء الخصوصيات والاخذ بما هو العلة ان كل سير يكون
سيرا في عمله ففيه التمام.
ويظهر ذلك بذكر الأخبار الواردة في هذا الباب المعللة بالعملية والشغل منها
صحيحة زرارة قال قال أبو جعفر عليه السلام أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر
المكاري والكري والراعي والاشتقان لأنه عملهم. ومنها خبر ابن أبي عمير المروى
عن الخصال مرفوعا إلى أبى عبد الله عليه السلام قال خمسة يتمون في سفر كانوا أو حضر المكاري و
الكرى والاشتقان وهو البريد والراعي والملاح لأنهم عملهم.
أقول الظاهر أن الضمير في قوله عليه السلام لأنه عملهم يرجع إلى كل واحد
من العناوين المذكورة في الرواية أعني المكاري والراعي واما بعدها باعتبار
مبدء اشتقاقها فيصير حاصل المعنى ان يكون مشغولا بهذه الاشغال فعليه التمام سواء
كان في سفر أم في حضر ومقتضى ذلك بعد الاخذ بالعموم والغاء خصوصية العناوين
ان من يسير في شغله وعمله لو سافر في عمله وشغله فعليه التمام فان الشخص المفروض
حكمه في السفر والحضر سيان وأين هذا من مفاد لفظة لان السفر عملهم حتى يستفاد
منه ان السير في السفر الذي يكون أصل السفر عملا له يوجب التمام وليت شعري
بأي وجه جعلوا الضمير في قوله عليه السلام لأنه عملهم راجعا إلى السفر ثم متى يكون الراعي
الذي يكون أحد العناوين المذكورة في الرواية ممن عمله السفر نعم قد يتفق احتياجه
إلى طي مسافة السفر بملاحظة المواشي التي يريد رعيهن وكذا التاجر الذي يدور
في تجارته الذي يكون عليه التمام ليس عمله السفر بل عمله الدوران في أمكنة تناسب
تجارته وقد يحتاج إلى السفر الشرعي. والحاصل ان المستفاد من الاخبار بعد

618
ملاحظة التعليل المذكور ان السفرة التي يكون السير فيها سيرا في عمله وشغله
توجب التمام لا ان من صار السفر عملا له لو سافر فعليه التمام لكن هذا الذي ذكرنا
خلاف ما يظهر من الفقهاء رضوان الله عليهم ونحن وان استظهرنا من الروايات غير
ذلك ولكن لابد لنا في العمل من عدم المخالفة والاخذ بالاحتياط.
ويتفرع على ما استظهرنا من الاخبار ان الراعي مثلا لو صار عمله رعى المواشي
ولو في أطراف محله الساكن فيه لو سافر لرعي الدواب للحاجة إلى ذلك يتم فإنه يصدق
انه يسير في عمله وكذا التاجر الذي يدور في تجارته إذا صار شغله الدور في التجارة
من محل إلى محل آخر ولو في قرى متقاربة في أطراف مسكنه لو احتاج في عمله إلى
طي مسافة شرعية يتم فإنه يصدق انه يسير في عمله واما بناء على ما يظهر منهم من أن
الملاك كون السفر عملا فيحتاج كل منهما إلى أسفار متعددة أو سفر يعتد بطول
زمانه بحيث يصدق انه ممن عمله السفر وكذا يترتب على ما ذكرنا ان من صدق عليه
المكاري ولو بالسعي مع دوابه إلى محل قريب والرجوع من دون مقام وصار شغله
ذلك لو سافر في هذا الشغل يتم لأنه في سفره ممن يسير في عمله واما بناء على ما ذهبوا
إليه فيجب عليه التقصير لان السفر لا يكون عملا له نعم يمكن ان يفصل على ما قررنا
بين من اتخذ المكارات شغلا له من دون تقييد بكونها إلى محل خاص أو إلى مسافة
خاصة وبين من لم يكن كذلك فالأول يتم في سفره لما ذكرنا وانه مسافر فيما اخذه
صنعة وحرفة له بخلاف الثاني فإنه لو سافر في غير ما عين واتخذه صنعة له لا يقال انه سافر
في عمله وصنعته.
ثالثها ان الروايات الدالة على وجوب التقصير بعد إقامة عشرة أيام تختص
بالمكاري وهل يتعدى إلى كل من العناوين المذكورة في الاخبار مثل الراعي و
الجابي أو التاجر الذي يدور في تجارته أم لا المشهور كما ادعى الأول بل ادعى عدم
الخلاف بل الاجماع.
أقول ويمكن ان يكون هذا متفرعا على ما ذكرنا في فهم المراد من
الروايات فإنه لو كان الملاك في كل من العناوين المذكورة في الاخبار كون السفر

619
عملا له يمكن ان يستظهر من الروايات الواردة في المكاري نفى هذه العملية شرعا
بالتوقف في المنزل أو في بلد الإقامة واما على ما استظهرنا من الروايات من أن المفهوم
منها كون الملاك عملية العناوين المذكورية فيها فمقتضاها عملية الوصف المذكور
فيها. وبعبارة أخرى قوله عليه السلام المكاري والراعي وغير ذلك من العناوين يتم لأنه
عملهم يفهم منه ان الراعي يتم في سفره لان عمله الرعى وإذا سافر في عمله يتم وكذلك
المكاري وباقي العناوين.
فان قلت على ما قررت يكون العلة للتمام في السفر كون السفر سيرا في
عمله وان كان أول سفره ولازم ذلك لزوم التمام على التاجر الذي يكون ساكنا في محله
ثم بداله السفر في الشغل الذي كان عادته وهذا مما لا يمكن الالتزام به ولا يفهم من التعليل
المذكور قطعا.
قلت ليس المقصود مجرد السير في عمله حتى يلزم ما ذكرت بل المقصود ان المفهوم
من العلة السير الذي نفس السير عمله فان العناوين المذكورة في الاخبار يجمعها
ان المتصف بتلك العناوين عمله السير خارج محله فان الراعي عمله السير خارج
محله طلبا للأرض المخضرة والتاجر الذي بدور في تجارته يسير خارج محله من
سوق إلى سوق طلبا لمقصوده كذلك والجابي والمكاري مثلا وظيفته حمل المتاع إلى
الخارج والسير معه. والمقصود مما ذكرنا في فهم الروايات بملاحظة العلة المذكورة
ان من يكون السير إلى الخارج عمله لو اتفق له السير إلى المسافة في عمله المعتاد له
يتم فالراعي الذي يسير خارج محله ويطلب أرضا مناسبة لرعي مواشيه لو صار سيره
بقدر المسافة لهذا الغرض يتم فان السير في البر لرعي مواشيه عمل له وان لم يتعدد له السير
بقدر المسافة وكذا العناوين الاخر.
فان قلت على ما قررت لا يتوقف اتمام المكاري والجمال على تعدد السفر بل متى
صدق اسم المكاري عليه ولو بتكرر الاختلاف إلى ما دون المسافة والرجوع يجب عليه التمام
لأنه سير في عمله المعتاد له وهو المكارات.
قلت مقتضى ما استظهرنا من الروايات بضميمة التعليل المذكور في بعض الاخبار

620
كذلك وقد ذكرنا أولا ان هذا المعنى خلاف ما بنى عليه العلماء لكن لا يبعد اشتراط
تعدد السفر في المكاري لم يظهر من خبري إسحاق بن عمار كما أنه لا محيص جعل من
اشتراط عدم الإقامة عشرة أيام مخصوصا بالمكاري إذ دليله لا يعم سواه هذا ولكن لا مناص من
الاخذ بالاحتياط الذي هو طريق للنجاة.
الشرط الثامن من شرائط تقصير المسافر بلوغه إلى حد خاص يعبر عنه بحد
الترخص إذا خرج من وطنه أو من محل اقامته كما سيتضح انشاء الله والدليل على ذلك
اخبار منها صحيحة محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يريد السفر فيخرج
متى يقصر قال إذا توارى من البيوت الحديث ومنها صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله قال
سألته عن التقصير قال إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الاذان فأتم وإذا كنت
في الموضع الذي لا تسمع فيه الاذان فقصر وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك
والمروى عن محاسن البرقي في الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال
إذا سمع الاذان أتم المسافر وموثقة إسحاق بن عمار الواردة في وجوب التمام على
من تردد في الأثناء قبل الوصول إلى أربعة فراسخ حيث يقول السائل ليس قد بلغوا
الموضع الذي لا يسمعون فيه اذان مصرهم فان المستفاد من قول السائل ان إناطة القصر
بالوصول إلى الموضع الذي لا يسمعون اذان مصرهم كانت من المسلمات عند الشيعة
وهذه الروايات بأسرها متفقة الدلالة على أن التقصير يتوقف على بعد خاص من
البلد ولا يعارضها بعض الروايات الظاهرة في وجوب القصر بمجرد الخروج من المنزل
لعدم مقاومتها للصحاح المعتبرة مع شذوذها مع أنه يمكن منع دلالتها أيضا لامكان ورودها
مورد حكم آخر كرواية على بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يسافر في شهر
رمضان أيفطر في منزله قال عليه السلام إذا حدث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من
منزله لامكان ان يكون المقصود دفع توهم ان مريد السفر في الليل يجوز له
الافطار في بلد لأنه يعلم بعدم وجوب الصوم عليه واقعا وحاصل المراد على ما ذكرنا
والله أعلم انه لا يجوز لمريد السفر الافطار وان كان يعلم بأنه ليس الصوم واجبا عليه
بل جواز تناول المفطر موقوف على الخروج من البلد فلا منافاة بين هذا المدلول و

621
مدلول الروايات الدالة على المعيار في الخروج عن البلد وكيف كان فالمهم هنا التكلم
في أمور:
أحدها ان الاخبار التي أشرنا إليها تدل على اعتبار عدم سماع اذان المصر
الا صحيحة محمد بن مسلم فإنها تدل على اعتبار التواري من البيوت وقد عبروا عن هذا
المضمون بخفاء جدران البلد عن المسافر واشكل ذلك بان خفاء الجدران أخص
من خفاء الاذان غالبا بل دائما فلا يمكن الجمع بين الدليلين بالاكتفاء بأحد الامرين كما
هو مقتضى الشرطيتين اللتين يخالف منطوق كل منهما مفهوم الأخرى من تخصيص
مفهوم كل منهما بمنطوق الأخرى كما هو الأظهر في أمثال ذلك فان ذلك انما هو
في مورد يكون بين السببين عموم من وجه ولكن في مثل المقام الذي فرضنا كون
خفاء الجدران أخص فيلغوا السبب الأخص عن التأثير دائما مضافا إلى أن المقام ليس
من ذلك من جهة أخرى وهي ان الموجب للترخيص امر واحد وهو البعد الخاص من
البلد فلا يحسن هذا الجمع الدلالي ولو فرضنا ان بين الخفائين عموما من وجه و
الذي يخطر بالبال ان صحيح ابن مسلم جعل المعيار خفاء الشخص عن البيوت لاخفاء
البيوت عنه كما فهمه المشهور وبينهما فرق واضح إذ توارى الانسان من البيوت
أي من أهلها يحصل بمقدار من البعد الذي يخفى عليه الاذان غالبا فهما أعني توارى الشخص
عن البيوت وخفاء الاذان انما جعل كل منهما امارة لبعد واحد.
فان قلت لو حصل أحدهما دون الاخر فلا يمكن الاخذ بما يدل على الترخيص في
القصر فان المفروض ان كل واحد منهما جعل امارة للبعد الخاص وليس كل واحد سببا
حتى يكتفى بأحد هما وان لم يوجد الاخر فلابد من معاملة التعارض.
قلت كل من خفاء الاذان والتواري عن البيوت يحمل على التوسط إذ قد يكون
لا يسمع الاذان لضعف في حاسته أو في صوت المؤذن ونظير ذلك في التواري
عن البيوت ولا شك في أن التوسط لم مراتب والظاهر في أمثال المقام الاكتفاء
بأول المرتبة فإذا اختفى الاذان ولم يتحقق التواري عن البيوت وفرضنا ان خفاء
الاذان لا يكون الا بالحاسة المتوسطة والصوت المتوسط يستكشف ان عدم التواري

622
عن البيوت وان كان بملاحظة التوسط لكنه زائد عن أول مرتبة التوسط الذي هو
ملاك الحكم مثال ذلك لو فرضنا تحديد الفرسخ بالقدم المتوسط وبين افراد القدم
المتوسط اختلاف لكن كل منها يعد من مصاديق القدم المتوسط فالاعتبار بأدنى الافراد
نعم لو فرضنا القطع بوجود إحدى الامارتين وعدم الأخرى بملاحظة أدنى مرتبة التوسط
في كل منهما يقع التعارض فلابد من الرجوع إلى عمومات القصر في السفران
كانت والا فإلى استصحاب التمام لكن هذا مجرد فرض لا يحصل هذا الفرض لاحد ابدا.
ثانيها المشهور ان هذا الشرط كما يكون شرطا في ابتداء السفر كذلك يكون
شرطا في العود عنه فيجب عليه الاتمام لو وصل في الرجوع عن السفر إلى محل
الترخص ويدل على هذا التعميم قوله عليه السلام في ذيل صحيحة ابن سنان المتقدمة وإذا
قدمت من سفرك فمثل ذلك وقوله عليه السلام في رواية حماد إذا سمع الاذان أتم المسافر و
لا يعارضهما الأخبار الكثيرة الدالة على أن المسافر يقصر حتى يرد منزله كرواية
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتموا وإذا لم
يدخلوا منازلهم قصروا ورواية عيص عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يزال المسافر مقصرا حتى
يدخل بيته وخبر أبي اسحق عن ابن إبراهيم عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون مسافرا
ثم يدخل ويقدم فيدخل بيوت الكوفة أيتم الصلاة أم يكون مقصرا حتى يدخل أهله
قال عليه السلام بل يكون مقصرا حتى يدخل أهله إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على ذلك
وجه عدم المعارضة ان المطلق من هذه الأخبار مقيد بالخبرين المتقدمين وما ليس
منها قابلا للتقييد فلابد من طرحه أو حمله على التقية أو تأويل المنزل فيه على محل
رؤية البيوت وسماع الاذان وذلك لاعراض المشهور عنها الكاشف عن اطلاعهم على
قرينة دلتهم على عدم كون هذه الأخبار صادرة لبيان الحكم الواقعي.
ثالثها هل المقيم في بلد عشرا حكمه حكم أهل ذلك البلد في اعتبار حد الترخص
في وجوب القصر عليه إذا خرج عنه أولا بل يختص اعتباره بخصوص الخارج عن بلده ووطنه
فلا يعم مطلق الخارج ولو عن بلد الإقامة وجهان بل قولان أقواهما الثاني إذا قضى
ما يمكن ان يستدل به للأول هو انه لا يخلو اما ان نقول بان الإقامة قاطعة لحكم

623
السفر وان وجوب التمام على القاصد لها انما هو من باب التخصيص والخروج الحكمي
واما ان نقول بان الإقامة قاطعة لموضوع السفر تعبدا وان وجوب التمام على القاصد لها
من باب الحكومة والتنزيل الموضوعي كما دل عليه قوله عليه السلام في رواية زرارة
المتقدمة هو بمنزلة أهل مكة فعلى الأول يكون مقتضى الأصل أعني استصحاب وجوب
التمام هو اعتبار حد الترخص في وجوب القصر عليه وعلى الثاني يكون مقتضى
عموم التنزيل هو مساواته لأهل البلد في جميع أحكامهم التي منها اعتبار حد
الترخص في وجوب القصر عليهم إذا خرجوا منه بقصد المسافرة هذا كله مضافا
إلى شمول اطلاق نفس أدلة اعتبار هذا الشرط للمقيم أيضا فان قوله عليه السلام في صحيحة
ابن سنان المتقدمة وإذا كنت في الموضع الذي تسمع الاذان فأتم وقوله عليه السلام في صحيحة
حساد المتقدمة وإذا كنت في الموضع الذي تسمع الاذان فأتم وقوله عليه السلام في صحيحة
حساد المتقدمة إذا سمع الاذان أتم المسافر يشملان باطلاقهما المقيم أيضا ودعوى
انصرافهما إلى المسافر عن وطنه لا وجه لها فان المقيم إذا خرج عن محل اقامته لا يترتب
عليه حكم المسافر الا إذا أنشأ سفرا جديدا فيكون سفره بعد اقامته سفرا آخر و
حينئذ لو قيل إذا سمع الاذان أتم المسافر فيشمل المسافر الذي أقام في محل ثم سافر سفرا
آخر وفى الكل ما لا يخفى.
اما الاستصحاب فلان الرجوع إلى استصحاب حكم الخاص انما هو فيما إذا كان
مفاد الخاص اخراج فرد في خصوص زمان مع السكوت عما بعده وعدم عموم زماني
للعام دون ما إذا رجع مفاده إلى تقييد العام بعنوان كما في المقام فان اللازم حينئذ الاخذ
بالاطلاق دليل العام بعد زوال العنوان سواء كان للعام عموم زماني أم لا واما عموم التنزيل
فلان المنساق من قوله عليه السلام وهو بمنزلة أهل مكة ليس الا ان المقيم في بلد حيث يكون
اقامته فيه قاطعة لسفره فيكون كاهل ذلك البلد في وجوب التمام عليه وتوقف وجوب القصر
عليه على انشاء السفر واما كونه بمنزلة أهل ذلك البلد في جميع أحكامهم فلا يكاد
يستفاد منه أصلا كما لا يخفى واما عموم اطلاق أدلة اعتبار هذا الشرط فلانا لو سلمنا به
شمول اطلاق تلك الأدلة للمسافر الذي أقام في موضع ثم أنشأ سفرا آخر لكن لا يوجب
ذلك تخصيص عمومات أدلة وجوب القصر على المسافر بهذه الأدلة مطلقا حتى بالنسبة

624
إلى المقيم وذلك لما حققنا في محله من أن تقديم الخاص على العام ليس نظير تقديم
الحاكم على المحكوم في أنه لا يلاحظ في تقديم الحاكم أظهريته من المحكوم
بل يقدم الحاكم ولو كان ظهور دليله من أضعف مراتب الظهور على المحكوم ولو كان ظهور
دليله من أقوى مراتب الظهور والسر في ذلك هو ان العرف لا يرون بين دليل الحاكم
والمحكوم معارضة كي يحتاجون في الجمع بينهما إلى ملاحظة الأظهر وحمل الظاهر
عليه وهذا بخلاف الخاص والعام فإنهم يرون بين دليلهما المعارضة وانما يقدمون
الخاص على العام لمكان أظهرية دليله من دليل العام فإذا كان المنطق في تقديم الخاص
على العام أظهرية دليله من دليل العام فلو كان هناك للخاص فردان يكون ظهوره
بالنسبة إلى أحدهما أقوى من ظهور العام بالنسبة إليه وظهوره بالنسبة إلى الاخر أضعف
من ظهور العام بالنسبة إليه كما في المقام فاللازم تقديم الخاص في خصوص فرده الذي
يكون ظهوره فيه أقوى من ظهور العام بالنسبة إليه لا تقديمه على العام مطلقا ولو
بالنسبة إلى الفرد الذي يكون ظهور العام فيه أقوى من ظهور الخاص بالنسبة إليه
كما لا يخفى هذا ولكن يمكن ان يقال ان تقديم هذه الأدلة على أدلة وجوب القصر
على المسافر ليس من باب التخصيص إذ فيها ما يكون ناظرا إلى أدلة وجوب القصد
وحاكما عليها كصحيحي محمد بن مسلم وابن سنان المتقدمين فان قوله في الأولى قلت
له رجل يريد السفر متى يقصر وفى الثانية سئلته عن التقصير ناظر إلى أدلة وجوب
التقصير على المسافر وان وجوبه متى يثبت عليه فتبين مما ذكرنا ان الحاق محل
الإقامة بالوطن في اعتبار حد الترخص خروجا هو الأقوى لما عرفت من شمول أدلة
اعتباره للمقيم أيضا وهل يلحق بالوطن في اعتبار حد الترخص دخولا أيضا أم لا وجهان
بل قولان استدل للأول بعموم التنزيل المستفاد مما دل على أن المقيم في مكة
بمنزلة أهلها فان مقتضاه هو مساواة المقيم لأهل البلد في جميع أحكامهم التي منها
وجوب التقصير عليهم في عودهم إلى بلدهم إلى أن يبلغوا حد الترخص وباطلاق
قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان المتقدمة وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك واطلاق

625
قوله عليه السلام في رواية حماد المتقدمة إذا سمع الاذان أتم المسافر وفى الكل
ما لا يخفى.
اما الأول فلما عرفت من المنع عن شمول التنزيل المستفاد من قوله عليه السلام هو
بمنزلة أهل مكة لمثل هذا الحكم بل المنساق منه هو غيره من الاتمام في البلد و
توقف بثبوت التقصير له على انشاء السفر مضافا إلى أنه على فرض العموم انما يكون
في موضوع المقيم المتصف بهذا المبدء فعلا دون من لم يتصف بعد وان كان مشرفا
على الاتصاف.
فان قلت المراد من قوله عليه السلام من قدم قبل التروية بعشرة أيام يتم لأنه بمنزلة
أهل مكة هو الاشراف على القدوم لا القدوم الفعلي وذلك لورود هذه اللفظة في
صحيحة ابن سنان المتقدمة وهو قوله عليه السلام وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك مع أنه
لا شبهة في أنه ليس المراد منه هو القدوم الفعلي إذا لا معنى لاعتبار حد الترخص بعد
تحقق القدوم كما هو واضح فإذا كان المراد من القدوم في الصحيحة التي هي الأصل
هو الاشراف على القدوم فلابد ان يكون المراد منه في دليل التنزيل أيضا هو الاشراف
عليه لمن أراد الإقامة في مكة.
قلت إرادة الاشراف على القدوم في الصحيحة بقرينة خصوصية المقام لا توجب
ذلك في غيرها مما ليس فيه هذه القرينة المقامية بعد كون ظاهر اللفظ هو القدوم
الفعلي.
واما الثاني فلظهوره فيمن ينزل إلى منزله ووطنه فلا اطلاق له يعم من يدخل
محل اقامته واما الثالث فلانه وان كان مطلقا لكن يمكن الاخذ باطلاقه لان
شموله لكل مسافر يوجب الوهن في اطلاقه حيث إن مقتضاه هو وجوب الاتمام على
المسافر الذي يرد في كل موضع يسمع فيه الاذان مطلقا سواء كان ذلك الموضع
وطنه أو محل اقامته أو لم يكن وهذا مما لا يمكن الالتزام به ولكن مع ذلك يمكن
القول بالالحاق وفاقا لجمع من الأساطين قدس سرهم ويتوقف توضيح ذلك على
مقدمتين.

626
الأولى ان مبدء المسافة على ما يظهر من العرف والشرع هو خطة بلد المسافر
وآخره لا منزله اما عرفا فلان المعيار عندهم في مقام تعيين مقدار سير المسافر هو
البعد الواقع بين البلد الذي يخرج منه والبلد الذي يدخل فيه لا بين المكان الذي
يخرج منه والمكان الذي يدخل فيه ولذا لو كان مقدار البعد الواقع بين البلدين سبعة
فراسخ ونصفا بل ثلثين بل ثلاثة أرباع يرون سفر كل من سافر من أحد البلدين
إلى الاخر سبعة فراسخ وثلاثة أرباع من غير التفات إلى منازل الاشخاص الواقعة
في البلدين وان منزل هذا واقع في أول البلد ومنزل ذاك في وسطه أو أواخره
وحينئذ إذا قيل لهم التقصير في ثمانية فراسخ يلاحظون مقدار البعد الواقع بين البلدين
فان كان ثمانية فراسخ أو أكثر يقصرون والا فلا ولو كان البعد الواقع بين منازلهم
الواقعة في أحد البلدين والواقعة في البلد الاخر ثمانية فراسخ بل أكثر واما
شرعا فلقوله عليه السلام في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع في جواب السؤال عن
معنى الاستيطان في الضيعة ان يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر فإذا كان
كذلك يتم متى يدخلها حيث علق عليها السلام الاتمام على الدخول في الضيعة
لا على الدخول في المنزل فيكشف ذلك عن أن المناط في المسافة هو بعد ما
بين البلدين لا البعد الواقع بين مبدء السير ومنتهاه ولا ينافي ذلك ما في موثقة عمار
من قوله عليه السلام لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ
إذا لظاهر ان الترديد بملاحظة ان المنزل قد لا يكون في بلد أو قرية كما يومى إلى
ذلك كلام السائل هذا مضافا إلى أن اطلاق المنزل عرفا على البلد الذي يسكن
فيه شائع متعارف فيقال ان منزل فلان بلد كذا فتدبر جيدا ومن هنا يظهر انه لا
منافاة بين ما ذكرنا من كون مبدء المسافة هو آخر البلد وبين ما هو ظاهر بعض
الاخبار من أن المسافر يقصر حتى يرد منزله وجه عدم المنافاة هو امكان كون المراد
من المنزل في تلك الأخبار بلده.
الثانية انه لا شبهة في أن مقدار من أطراف البلد يعد عرفا جزء له ولذا تريهم
إذا وصلوا إلى خان أو قهوة أو بستان واقع خارج البلد يقرب منه يقولون وصلنا إلى

627
البلد وحينئذ فيحتمل ان يكون الوجه في اعتبار الوصول إلى محل الترخص في
ثبوت التقصير شرعا هو انه لما لم يكن ذلك المقدار من أطراف البلد الذي يعد عرفا
جزء له مضبوطا عند العرف فحدد الشارع ذلك المقدار بمحل الترخص نظير تحديده
الماء الكثير الذي لا يستقذر بملاقات النجاسة بالكر فإذا احتمل ان يكون اعتبار
حد الترخص في ثبوت التقصير لتحديد ما يعد جزء للبلد من أطرافه فيدوران يكون
وجوب التمام على المسافر قبل الوصول إلى حد الترخص من باب الحكومة التي
مرجعها لبا إلى التخصيص والخروج حكما عن أدلة وجوب القصر على المسافر أو
من باب التخصص والخروج موضوعا وقد حققنا في محله انه إذا دار الامر بين التخصيص
والتخصص يكون مقتضى أصالة العموم في العام تعين الثاني.
فنقول في المقام أيضا ان مقتضى أصالة العموم في أدلة وجوب القصر على
المسافر هو كون وجوب التمام عليه قبل الوصول إلى حد الترخص من باب التخصص
وكون ما قبل حد الترخص جزء للبلد ولو بتحديد الشارع فيكون القاصد للإقامة
في بلد بمجرد وصوله إلى حد الترخص من ذلك البلد واردا في محل الإقامة فيجب عليه
التمام حينئذ فتدبر جيدا.
الفصل الثاني في قواطع السفر وهي أمور:
أحدها الوطن والوطنية علقة خاصة حاصلة بين الشخص والمحل توجب كونه في
ذلك المحل الا إذا عرض عارض وإذا خرج منه لذلك العارض توجب تلك العلقة رجوعه
إليه متى زال سواء كانت تلك العلقة من جهة كون المحل موطنا لابائه وانه تولد ونشأ فيه
أو من جهة اتخاذه مقرا دائميا له ومتى تحقق الأول يتم المسافر إذا وصل إليه أو إلى ما دون
حد الترخص منه بلا اشكال ولو اعرض عنه ولم يكن له فيه ملك فالظاهر انقطاع حكمه لعدم
صدق الوطن بعد الاعراض عنه نعم لو كان له فيه ملك فيظهر من بعض الكلمات انه يتم فيه و
لعله لفحوى ما سيجئ من الحكم في الوطن الشرعي واما الوطن المتخذ وهو المحل
الذي بنى على كونه مقرا له دائما فلا اشكال أيضا في عدم اعتبار الملك ولا إقامة ستة
أشهر في تحقق موضوع الوطنية وقد يتحقق بإقامة شهر والظاهر اختلافه باختلاف

628
الاشخاص والخصوصيات نعم يظهر من بعض اعتبار إقامة ستة أشهر في ترتب حكم
الوطن عليه لما ورد في صحيحة ابن بزيع في تحديد الاستيطان وسيجئ الكلام فيها.
ثم إن المشهور من المتأخرين الحقوا بالوطن كل منزل أقام فيه ستة أشهر
مع ثبوت الملك له فيه وسموه وطنا شرعيا واستندوا في ذلك إلى صحيحة ابن بزيع
عن الرجل يقصر في ضيعته قال عليه السلام لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام الا ان يكون له
فيها منزل يستوطنه قلت وما الاستيطان قال عليه السلام ان يكون له منزل يقيم فيه ستة أشهر
فإذا كان كذلك يتم متى يدخلها وربما ينسب إلى المشهور اعتبار مقام ستة أشهر
بقصد كونه مقرا دائميا والمعيار ما يستفاد من الصحيحة فإنها مبينة للأخبار الدالة
على أن الملاك هو الاستيطان والأخبار الدالة على أن الملاك مجرد وجود الملك بل في
بعضها لزوم التمام وان لم يكن له الا نخلة واحدة إذا عرفت ذلك.
فنقول ان القول بعدم الوطن الشرعي موجب لطرح الأخبار الدالة على اعتبار
الملك في لزوم التمام إذ لا يعتبر في الوطن الأصلي والاتخاذي وجود الملك يقينا فيعلم
ان ما يعتبر فيه الملك وطن ثالث غير الأصلي والاتخاذي وقد قيد تلك الأخبار
الدالة على كفاية الملك بالاستيطان بمقتضى جملة من الأدلة وبين الإمام عليه السلام
المقصود من الاستيطان في الصحيحة بقوله عليه السلام ان يكون له منزل يقيم فيه ستة أشهر
ومقتضى الجمع بين مجموع الأدلة وجود الملك والإقامة ستة أشهر وان لم يكن الإقامة
في ملكه وظاهر العبارة كفاية إقامة ستة أشهر في سنة واحدة فان مادة الإقامة ستة
أشهر لا يمكن ان تكون الا ماضية أو مستقبلة ولا يمكن ان يكون متلبسا بها في الحال
والاستقبال ليس معيار الحكم قطعا فتعين المضي واعتبار امر حالي يحصل بتكرر
الإقامة ستة أشهر وهو العادة أو الملكة كما في قولنا المرأة ترى الدم في
أول الشهر ونعني به ان لها عادة رؤية الدم في أول كل شهر خلاف ظاهر الكلام
فان الظاهر أن المعيار تحقق المادة المعروضة للهيئة وهي الإقامة ستة أشهر لا امر آخر مأخوذ
من تكرر هذه المادة وكذا الظاهر منها أيضا كفاية نفس الإقامة في تلك المدة وان لم

629
تكن بقصد الاستيطان الدائمي لاطلاق الكلام الواردة في مقام البيان فتعين ان الأقوى
ان من كان له ملك في موضع وأقام فيه ستة أشهر ولو مرة واحدة لزمه التمام متى ورد
ذلك الموضع وهو بحكم الوطن الحقيقي له هذا ما قويناه سابقا.
والحاصل ان القول بالوطن الشرعي مقتضى الجمع بين جميع اخبار الباب منها
ما دل على أن من ورد ضيعته يجب عليه التمام ومنها ما دل على إناطة التمام بالاستيطان
وعدم كفاية كون الضيعة التي يرد عليها ملكا له. ومنها ما دل على بيان الاستيطان في
جواب السائل ما الاستيطان بحمل ما دل على ايجاب التمام في ضيعته التي هي ملك له
على أن الملك جزء السبب والجزء الاخر الذي به يتم السبب هو الاستيطان وحقيقة
الاستيطان إقامة ستة أشهر في محل ولو في سنة واحدة بمقتضى البيان المستفاد من
صحيحة ان بزيع هذا ولكن فيما ذكرناه وقررناه نظر واضح فان الاخبار المتعددة
الواردة في عدم الاعتبار بملكية الضيعة وإناطة التمام بالاستيطان لا يفهم منها العرف
الا الاستيطان العرفي الذي لا يتحقق الا بجعله واتخاذه وطنا فعليا وهذا المعنى
الشرعي الذي هو عبارة عن إقامة ستة أشهر في محل يكون له ملك في ذلك المحل و
ان اعرض عنه لا يخطر بذهنهم ابدا وصحيحة ابن بزيع ليست ناصة بل ولا ظاهرة في
المعنى المباين لما دل عليه الاخبار الاخر الواردة في الاستيطان فان قولنا يقيم زيد في
محل ستة أشهر مثلا وان لم يكن ظاهرا في الاعداد والملكة المتحققة بالتكرار و
لكن قولنا يكون لزيد دار أو منزل يقيم فيه ستة أشهر ظاهر في أن تلك الدار أو ذلك
المنزل معدة لاقامته ستة أشهر كما أن قولنا هذه الدار دار الإقامة لفلان ظاهر في كونها
معدة لاقامته.
والحاصل ان قولنا يقيم زيد في منزل كذا ستة أشهر وان كان لا يفهم منه الا
تلبسه بالإقامة في تلك المدة ولكن قولنا لزيد دار في محل كذا يقيم فيها ستة أشهر
يفهم منه ان تلك الدار معدة لذلك وبعبارة أخرى الاعداد يفهم من إضافة الدار إلى
الإقامة كقولنا دار الإقامة أو توصيفها بها كقولنا دار يقيم فيها مدة كذا أو على نحو
الاطلاق هذا مضافا إلى أن كون المعنى الذي يقول به القائل بالوطن التعبدي شرحا و

630
مبنيا لحقيقة الاستيطان في غاية البعد فان إناطة التمام بالاستيطان وردت في عدة
من الروايات من غير تعرض لشرحه ولا يفهم منه العرف الاتخاذ وطنا لا مجرد إقامة
مدة مخصوصة دفعة واحدة واحتمال معروفية هذا المعنى لدى السائل بحيث لم يكن
محتاجا إلى البيان في غاية البعد مع أن صحيحة ابن بزيع التي متضمن بيان معنى
الاستيطان تأبى عن إرادة غير المعنى العرفي لان الإمام عليه السلام أجاب السائل بما حاصله
ان الاتمام في ضيعته التي لا يريد إقامة العشرة فيها يحتاج إلى الاستيطان وسكت و
لولا سؤال السائل عن الاستيطان لاقتصر على ذلك كما في سائر الأخبار المعلقة للاتمام
على الاستيطان ولو كان المراد المعنى التعبدي الذي يقول به القائل بالوطن الشرعي
البعيد بنظر العرف لكان الواجب أو لا تعرضه لذلك المعنى ولعمري انه لو لم يكن في
البين الا هذه القرائن التي ذكرناها لكان اللازم حمل الفقرة الواردة في الصحيحة في
بيان الاستيطان على ما يطابق المعنى العرفي ولو كان خلاف الظاهر في الألفاظ
الواردة في التفسير والبيان كيف وقد ذكرنا ان ظاهرها مطابق للمفهوم العرفي
للاستيطان.
فان قلت لو كان المراد من الاستيطان المفهوم العرفي لم يكن لسؤال السائل
بقوله ما الاستيطان وجه فيكشف ان للاستيطان معنى اخر مرادا للشارع وكان ذلك
مرتكزا في ذهن السائل ويدل على ذلك أيضا انه لا مدخلية لوجود منزل مخصوص في
تحقق الاستيطان العرفي ولإقامة ستة أشهر بل يتحقق باتخاذ محل مقرا له في كل
سنة أربعة أشهر مثلا من دون ان يكون له منزل مخصوص.
قلت اما سؤال السائل عن الاستيطان فلا يدل على أن المرتكز في ذهنه كونه عند
الشارع أمرا وراء الاستيطان العرفي فإنه بعد ما علق الإمام عليه السلام الاتمام على الاستيطان
والمفروض ان وطن السائل محل آخر وليست الضيعة مقرا دائميا له سئل عن الاستيطان
في الضيعة التي ليست مقرا دائميا له على الفرض فاجابه الإمام عليه السلام بكفاية كونها
دائميا في ستة أشهر واما فرض المنزل فلان من يبنى على التوطن في كل سنة في محل
مدة يتخذ منزلا بل يهيأ أسباب المعيشة في ذلك المنزل غالبا والقيد الذي يمكن

631
وروده مورد الغالب لا يصح ان يقيد المطلقات الواردة في الاستيطان ومنه يظهر الجواب
عن ذكر ستة أشهر إذ شاع ذكر مدة معينة على سبيل المثل فكيف يكون قيدا للمطلقات
المستقر ظهورها والحاصل بعد ما فرضنا ظهور الألفاظ الواردة في تفسير الاستيطان
في الاستيطان العرفي يدور الامر بين تقييد الاستيطان العرفي بأمرين عند الشارع
أحدهما وجود المنزل الاختصاصي له المعد للإقامة والثاني كون مدة البقاء ستة أشهر
وبين ان يكون ذكر المنزل للغلبة وأن يكون ذكر ستة أشهر جاريا مجرى التمثيل
وهذا وان كان مانعا عن الاخذ باطلاق الاستيطان المذكور في صحيحة ابن بزيع
المفسرة بتلك الألفاظ ولكن لا يصح تقييد المطلقات المنفصلة الواردة في الأخبار الكثيرة
لما تقرر في الأصول من أن القيود الصالحة لان تكون قيودا ولأن تكون
مذكورة لجهة أخرى لا تمنع عن الاخذ بالاطلاقات المنفصلة عنها المستقر ظهورها
في الاطلاق.
الثاني من القواطع العزم على إقامة عشرة أيام متواليات في مكان واحد أو
العلم بذلك وان لم يكن الإقامة مسببة عن عزمه وارادته واعلم أن لزوم التمام على
المسافر العازم على الإقامة أو العالم بها لا اشكال فيه للاخبار البالغة حد التواتر ومن
جملتها الصحيح إذا دخلت أرضا فأيقنت ان لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة وان
لم تدر ما مقامك بها تقول غدا اخرج أو بعد غد فقصر ما بينك وبين ان يمضى شهر
فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة وان أردت ان تخرج من ساعتك ولا يكفي قصد إقامة
الخمسة والرواية الموهمة للاكتفاء به كحسنة أبى أيوب محمولة على التقية و
حملها الشيخ على خصوص الحرمين بقرينة رواية محمد بن مسلم وفى بعض الروايات
ما يدل على أن حكم الإمام عليه السلام بكفاية إقامة الخمسة ليس من جهة الحكم الواقعي
بل انما صدر من اجل التقية وهو ما رواه الصدوق في العلل في الصحيح عن معوية
بن وهب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام مكة والمدينة كسائر البلدان قال عليه السلام نعم قلت
روى عنك بعض أصحابنا انك قلت لهم أتموا بالمدينة لخمس فقال أصحابكم هؤلاء
كانوا يقدمون فيخرجون من المسجد عند الصلاة فكرهت ذلك لهم فلذا قلته فان

632
قوله عليه السلام أصحابكم هؤلاء الخ صريح في أن امره عليه السلام بالاتمام انما هو لغرض حفظ
الشيعة وتقييد الإقامة بكونها في محل واحد للظهور العرفي فان من عزم على إقامة
عشرة أيام في العراق مع ارادته ان يقيم في كل بلدة أو قرية يوما أو اثنين مثلا
لا يقال في حقه انه عازم على إقامة عشرة أيام في ارض ولا يضر بوحدة المحل فصل
مثل الشط كجانبي الحلة وبغداد فان مجموع طرفي الشط مكان واحد عرفا فمثل طرفي
بغداد مثلا محل واحد بخلاف مثل بغداد والكاظمية فمن عزم إقامة بعض العشرة ببغداد
وبعضها بالكاظمية لم ينقطع سفره.
نعم لا باس بعد تحقق العزم منه ان يمشى إلى محل آخر لشغل اتفاقي بشرط
ان يرجع قريبا بل لو كان من عادة أهل بلد الذهاب كل يوم إلى بلد آخر لاشغالهم
ثم الرجوع في الليل لا يبعد ان لا يضر بقصد اقامته عزم الذهاب إلى ذلك البلد فان
الذهاب في اليوم إلى ذلك صار عادة للمقيم في البلد المفروض فلا يضر قصده بالإقامة
وهل القصد الاجمالي كاف في تحقق الإقامة فالزوجة والعبد إذا قصدا المقام بقدر ما
قصده الزوج والسيد والمفروض انهما قصدا العشرة هل يكفي في وجوب التمام
عليهما مع كونهما غير عالمين وغير قاصدين للعشرة تفصيلا أم لا وتظهر الثمرة في أنه
لو بان في أثناء العشرة ان المتبوع قصد الإقامة فعلى الأول يجب على التابع
التمام وان لم يبق الا يوم أو يومان ويقضى صلوات الأيام الماضية ان لم نقل بإفادة
الامر الظاهري للاجزاء وعلى الثاني يقصر فيما بقى ويجزى ما مضى الظاهر الثاني
وان أفتى بعض أساطين العصر بالأول فان المعيار بحسب الأدلة العزم أو اليقين
التفصيليان والا فغالب المرددين في محل قاصدون لبقاء مقدار وقد ينطبق ذلك المقدار
المنوي اجمالا على عشرة مثلا لو أقام في بلد لمطالبة حقه من غريم فهو قاصد على
الإقامة في ذلك البلد إلى أن يأخذ حقه من غريمه وقد ينطبق ذلك على عشرة أيام أو أكثر
ولم يلتزم بوجوب الاتمام عليه أحد بل هو مصداق من يقول غدا اخرج أو بعد غد
المحكوم بوجوب القصر بحكم روايات الباب وهكذا الكلام فيمن نوى المقام إلى
آخر الشهر وقد بقي عشرة أيام واقعا مع عدم علمه بمقدار الباقي.

633
بقى الكلام في امر يجب التنبيه عليه لظهور فائدته في المسائل الآتية وهوان
المعروف بل ادعى الاجماع عليه ان عزم الإقامة بمقدار عشرة أيام قاطع للسفر
بمعنى ان لزوم القصر في حقه يحتاج إلى سفر جديد وبعبارة أخرى القصد المذكور يوجب
عدم ضم اللاحق إلى السابق ولم يوجد في اخبار الباب ما يفيد هذا المعنى إذ
ليس فيها الا وجوب التمام ما دام في بلد الإقامة قال شيخنا المرتضى قدس سره في
كتاب الصلاة والدليل على هذه القاعدة يعنى ان المقيم لا يحكم عليه بالقصر الا بعد
انشاء سفر جديد بعد الاجماع وعموم المنزلة في قوله عليه السلام من دخل مكة قبل
التروية بعشرة فهو بمنزلة أهل مكة اطلاق صحيحة أبى ولاد بوجوب التمام على
الراوي بعد صلاة التمام إلى زمان الزوج الظاهر في إرادة الخروج إلى وطنه انتهى
كلامه طاب ثراه.
أقول ان تم الاجماع فهو والا ففي ما استدل به نظر واضح فان رواية
المنزلة لا اطلاق لها من حيث جميع الآثار حتى من حيث الاحتياج في لزوم القصر إلى
سفر جديد بل الظاهر منها خصوص الاتمام في البلد فان الرواية المذكورة هكذا
من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه اتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكة الخ
ولا يخفى ظهورها في تعرض حكم التمام في البلد فقط واما الصحيحة فعلى الخلاف
أدل فان الظاهر منها وجوب التمام ما دام في بلد الإقامة فلو خرج إلى ما دون المسافة
لا تدل على وجوب التمام عليه بل مفهوم الغاية يدل على لزوم القصر والانصراف
المدعى من لفظ الخروج إلى الخروج إلى وطنه انصراف بدوي مضافا إلى أن خصوص
الخروج إلى الوطن المدعى انصراف اللفظ إليه ليس بملاك قطعا كما هو واضح.
ان قلت يكفي في الحكم باحتياج القصر إلى سفر جديد استصحاب وجوب
التمام في غير صورة العزم على الثمانية فان أدلة لزوم القصر على المسافر ليس فيها
ما يدل على عموم الحكم المذكور زمانا حتى يقتصر في تخصيصه على المتيقن فالمقام
مما يتمسك فيه باستصحاب حكم المخصص.
قلت التمسك باستصحاب حكم المخصص انما يكون فيما إذا خصص العام

634
باعتبار الزمان بمعنى خروج فرد منه في زمان بعد دخوله فيه في السابق والوجه
في التمسك بالاستصحاب ان العموم لا يدل على حكم الفرد المذكور بملاحظة الا
زمنة المتأخرة من الزمان الذي خرج من حكم العام فان المفروض عدم دلالة العام
على الاستقرار الزماني فيجب استصحاب حكم المخصص وليس فيما نحن فيه تخصيص
بملاحظة الزمان بل دليل لزوم القصر على المسافر قيد بأمور منها عدم العزم على
الإقامة عشرة أيام ويجب في مثل ذلك الرجوع إلى اطلاق تلك الأدلة في غير موارد
القيود الثابتة لان مفاد أدلة لزوم القصر على المسافر بعد انضمام القيود الثابتة
من الخارج انه متى تحقق المسافر المتصف بتلك القيود يجب عليه القصر إذا
عرفت هذا.
فنقول ان المسافر بمجرد العزم على الإقامة عشرة أيام لم يخرج عن
الصدق العرفي فهو مسافر يجب عليه التمام بمقتضى الأدلة المقيدة لاطلاق
دليل وجوب القصر على المسافر ومتى خرج من بلد الإقامة يشمله حكم المسافر
فمقتضى القاعدة الحكم بوجوب القصر عليه وان لم يكن قاصدا لسفر جديد هذا ولكن
الحق ما ذهب إليه المعظم من كون قصد الإقامة عشرة أيام من قواطع السفر والتقصير
يحتاج إلى سفر جديد لا لعموم المنزلة في الرواية الدالة على أن القادم إلى مكة
قبل التروية بعشرة أيام بمنزلة أهل مكة فقط القابلة للخدشة في عمومها بل بواسطة
الأخبار الدالة على وجوب القصر على الخارج من مكة إلى عرفات المعللة بكون
المشي إلهيا سفرا وفى بعضها وأي سفر أشد منه وهذه الأخبار وان كانت واردة فيمن
أقام بمكة عشرة أيام ولا تدل على أن مجرد عزم الإقامة إلى تلك المدة قاطع للسفر
ولكنها توجب ظهور الخبر المنزل قادم مكة منزلة أهلها في عموم الآثار كما لا يخفى
على ذوي الابصار والرواية هي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال من قدم قبل
التروية بعشرة أيام وجب عليه اتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكة فإذا خرج إلى
منى وجب عليه التقصير وقد حكم عليه السلام بوجوب التمام على قادم مكة المشرفة قبل
التروية بعشرة أيام بواسطة صيرورته بمنزلة أهلها ثم فرع على ذلك وجوب القصر

635
عليه بالخروج إلى منى وهو دليل واضح عليه ان القصر للقادم إلى بلد بقصد الإقامة
يحتاج إلى سفر جديد ولو كان انقضاء عشرة أيام في الخارج موجبا لقطع السفر دون
عزم الإقامة أولا لما كان لهذا التفريع وجه بل كان هناك أمران أحدهما وجوب
التمام على القادم العازم لإقامة عشرة أيام وسببه العزم عليها والثاني انقطاع السفر
وسببه بقاء تلك المدة في البلد والحاصل ان ظهور الرواية في أن اتمام الصلاة وانقطاع
السفر كليهما من جهة كون البلد الذي قصد الإقامة فيه بمنزلة الوطن والقاصد لذلك
بمنزلة أهله مما لا ينكر.
فرعان الأول إذا عزم على الإقامة أولا ثم بداله فيها قبل ان يصلى رباعية
رجع إلى القصر ولو صلى رباعية يبقى على التمام ما دام في ذلك المكان ويدل على كلا
الحكمين صحيحة أبى ولاد الحناط قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام انى كنت نويت حين
دخلت المدينة ان أقيم بها عشرة أيام وأتم الصلاة ثم بدا لي بعد أن لا أقيم بها فما ترى
لي أتم أم قصر ان كنت دخلت المدينة وصليت بها صلاة واحدة فريضة بتمام فليس
لك ان تقصر حتى تخرج منها وان كنت حين دخلتها على نية التمام فلم تصل فيها
صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك ان لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار ان شئت
فانو المقام عشرا وأتم وان لم تنو المقام عشرا فقصر ما بينك وبين شهر فإذا مضى لك
شهر فأتم الصلاة وظاهر الصحيحة إناطة عدم تأثير البداء بوقوع صلاة تامة صحيحة
أدائية منه في الخارج فلو صلى مثل صلاة الصبح والمغرب أو شرع في الرباعية لكن لم
يتمها وان دخل في ركوع الركعة الثالثة بل الرابعة رجع إلى القصر وكذا لو أتى
بغير الفريضة الرباعية مما لا يجوز فعله للمسافر كالنوافل والصوم أيرجع إلى القصر
مع العدول وان كان العدول بعد الظهر ومقتضى اطلاق الصحيحة عدم اعتبار الالتفات
إلى اقامته حين الصلاة فلو عزم وصلى رباعية تامة مع الغفلة عن اقامته يكفي في
البقاء على التمام وكذا لو صلاها تماما لشرف البقعة كمواضع التخيير وان كان الأحوط
في الصورتين الجمع بعد العدول لاحتمال ان يكون المعتبر اتيان الفريضة التامة و
مستندا إلى الإقامة وهو لا يتحقق الا مع الالتفات بل لا يخلو ذلك عن قوة.

636
الثاني إذا فاتته الرباعية بعد العزم على الإقامة ثم عدل بعد خروج الوقت
فان لم تكن مما يجب قضائه كما إذا فاتت لأجل الحيض أو النفاس يرجع إلى القصر و
كذا إذا كانت مما يجب قضائه وعدل قبل ان يقضى واما لو أتى بقضاء ما فات منه ثم
عدل فهل يكفي في البقاء على التمام أم لا من صدق انه أتى بالفريضة التامة بعد
العزم ومن انصراف الفريضة في الصحيحة لي الأدائية والاحتياط لا يترك بالجمع.
تنبيه العود عن الإقامة قبل الاتيان بفريضة تامة ليس كاشفا عن عدم انقطاع
حكم السفر في نفس الامر للزوم كون الامر بالتمام مشروطا بوقوعه ولو على
نحو الشروط المتأخر ومثل هذا الامر لا يمكن ان يدعو المكلف نحو العمل فتدبر
فيه ويتفرع على ما ذكر أمور منها انه لو فاتته الرباعية حين العزم على الإقامة يجب
قضائها تامة ولو بعد العدول عنها إذا كان زمان العزم على الإقامة متسعا لأدائها
ومنها انه لو صام يوما أو أياما ثم عدل قبل أن يأتي بفريضة تامة فصيامه صحيح نعم
لا يصح منه الصوم بعد العدول ومنها انه لو عزم فصام ثم عدل بعد الزوال قبل أن يأتي
بفريضة تامة فصوم ذلك اليوم صحيح وان كان يقصر في صلوته فهو كمن صام في وطنه
ثم سافر بعد الزوال ولكن يشكل الأخير بان الصوم امر واحد وهو الامساك من الفجر
إلى المغرب بقصد القربة وشرط صحته الحضر إذ لا يصح من المسافر صوم شهر رمضان و
مقتضى ذلك عدم صحة صوم رمضان ممن يصير مسافرا في النهار ولا من المسافر الذي
يصير حاضرا في النهار الا ان الخارج من تلك القاعدة أمران تعبدا أحدهما الحاضر
الذي يقصد الصيام ويسافر بعد الظهر والاخر المسافر الذي يحضر قبل الظهر ولم
يتناول شيئا من المفطرات والعازم على الإقامة الذي قصد الصيام ثم تردد بعد الزوال ليس
داخلا فيمن قصد الصوم حاضرا ثم سافر بعد الزوال.
فان قلت المحقق لعنوان السفر بعد الزوال في بعض الموارد السير إلى خارج
البلد مع قصد المسافة وفيما نحن فيه نفس التردد فمن عزم على الصيام ثم تردد

637
بعد الزوال ولم يأت بفريضة رباعية فهو داخل فيمن كان صائما ثم سافر بعد
الزوال.
قلت قد عرفت ان مقتضى الأدلة انقطاع السفر بنفس العزم على المقام فوجوب
التمام وصحة الصوم انما يكون لأجل كونه غير مسافر ولذا قلنا ان العود إلى القصر
يحتاج إلى سفر جديد ومن المعلوم ان مجرد التردد بل العزم على الخروج ليس
سفرا جديدا نعم مقتضى الرواية في الباب المعمول هنا عند الأصحاب لزوم القصر في
الصلاة لأنه لم يأت برباعية وهو لا تقتضي ان يعامل مع الشخص المفروض معاملة
الصائم المسافر بعد الزوال والحاصل ان صحة الصوم من الشخص المفروض بمقتضى
القواعد لانقطاع سفره بالعزم على المقام وعدم انشاء سفر جديد منه لا لكونه سافر
بعد الزوال ويمكن ان يقال ان لزوم القصر على من تردد ولم يأت بفريضة تامة
وان كان تعبديا لكن يظهر من الرواية الدالة عليه انه حينئذ داخل في المسافر
فان الصحيحة الدالة على الحكم المذكور علقت وجوب التمام عليه بأحد من الامرين
اما العزم على المقام عشرة أيام جديدا واما توقف ثلثين يوما مترددا وتعليق
وجوب الاتمام على أحد الامرين القاطعين للسفر دليل على أنه حال تردده محكوم
بحكم المسافر شرعا كمن دخل أرضا ابتداء.
فان قلت مقتضى ذلك كون العزم السابق على الإقامة غير مؤثر في قطع السفر
الا بعد اتيان فريضة تامة رباعية.
قلت مقتضى الجمع بين الرواية الدالة على الحكم في المقام وبين الرواية
الدالة على أن من قدم مكة قبل التروية بعشرة أيام بمنزلة أهلها فإذا خرج منها إلى
منى يقصر القول بان العزم على الإقامة عشرة أيام قاطع للسفر ووجوب التمام عليه
من جهة كونه غير مسافر كما أن تعليق وجوب القصر على الخروج من محل الإقامة قاصدا
للسفر الجديد من جهة انه بمنزلة الوطن له والتردد قبل الاتيان بفريضة رباعية هادم
لاثر ذلك القاطع من حين تحققه كما أن فسخ العقد هادم لاثره حين وجوده فالمتردد
بعد العزم قبل صلاة تامة يعامل معه معاملة من دخل البلد ابتداء من حين تردده

638
كذلك لا انه كاشف عن عدم كونه حاضرا بحكم الشرع ابتداء.
والحاصل ان الرواية الواردة في القادم إلى مكة المشرفة قبل التروية بعشرة
أيام ظاهرة في أنه بمجرد القدوم لكونه عازما للإقامة بمنزلة أهلها ولا يمكن اشتراط
ذلك باتيان صلاة رباعية فان الوجه في لزوم التمام عليه بمقتضى ظاهر الرواية انه
بمنزلة أهلها ولا يمكن ان يكون هذه المنزلة مشروطة باتيان صلاة رباعية والصحيحة
الدالة على الحكم في المقام دالة على أن التردد بعد العزم قبل اتيان صلاة تامة موجب
لصيرورته مسافرا ولا يكون الجمع بينهما الا بجعل التردد المذكور موجبا لهدم
الأثر السابق من حين تحققه فاضبط ذلك لعله ينفع في بعض الفروغ الآتية والحاصل
ان العازم على الصوم إذا تردد بعد الزوال قبل الاتيان بفريضة تامة مسافر بحكم
الشارع ولذا لا يصح منه الصوم في الأيام الآتية لو كانت من شهر رمضان وبقى على حال
الترديد نعم يبقى اشكال آخر في صوم اليد الذي تردد بعد الزوال وانه هل هو داخل
في صوم من سافر بعد الزوال حتى يجب اتمامه أو يجب الافطار بواسطة الأدلة الدالة
على عدم صحة الصوم من المسافر وانه متى قصر أفطر من حيث إن الشخص المفروض
ليس ممن أحدث السفر بعد الزوال بل عاد إلى كونه مسافرا بحكم الشارع ومقتضى
الاحتياط اتمام الصوم المفروض وقضائه في الحضر أو محل يكون بحكمه.
فائدة إذا عزم على المقام ثم تردد بعده ولم يعلم بوقوع فريضة تامة منه يحصل له
العلم الاجمالي بان الواجب عليه اما القصر واما الاتمام ومقتضى ذلك لزوم الجمع بين
الامرين الا إذا كان هنا أصل يوجب الانحلال ويعين أحد طرفيه والشك المفروض
يتصور على أنحاء.
أحدها انه صلى صلاة رباعية وتردد بعدها ولكنه لا يدرى صحة صلوته وفسادها
فان كانت صحيحة يجب عليه التمام بعد ذلك وان كانت فاسدة يجب عليها القصر فإنه
متردد ولم يأت بفريضة تامة صحيحة وهذه الصورة لا اشكال في لزوم ترتيب الأثر على
هذا التردد الواقع بعد تلك الصلاة على نحو التردد الواقع بعد رباعية تامة صحيحة
فان مقتضى حكم الشارع بصحة الصلاة المفروضة ترتيب آثار رباعية صحيحة عليها

639
ومن آثارها ان التردد الواقع بعدها لا يؤثر في القصر وهذا مما لا ريب فيه.
وثانيها انه تردد بعد انقضاء وقت الصلاة وفى هذه الصورة وان كان مقتضى الشك
بعد انقضاء الوقت الحكم بوقوعها شرعا لكن لا يثبت بذلك ان التردد المزبور واقع
في حال ايجاد الرباعية التامة والفرق بين هذه الصورة والصورة السابقة انه في السابقة
كان أصل الصلاة الرباعية مفروغا عنها ولكن الشك كان في صحتها والتردد وقع
بعدها وجدانا وفرضنا ان الصحة أيضا أحرزنا بحكم الأصل وفى هذه الصورة الشك في
وجود أصل الصلاة واحراز وجودها بالأصل لا يثمر في احراز ان التردد واقع حال
وجودها.
ثالثا انه تردد وصلى صلاة رباعية ولكنه لا يدرى ان صلوته وقعت قبل التردد
حتى يجب عليه البقاء على حكم التمام أو بعده حتى يجب عليه القصر ويمكن الحكم
بوجوب التمام في هذه الصورة وسابقتها باستصحاب عدم موجب القصر وهو التردد في
حال عدم اتيان الفريضة التامة.
فان قلت إن الشك في ذلك مسبب عن الشك في أن الصلاة التامة وجدت في حال التردد
أم لا ومقتضى الاستصحاب عدمها.
قلت يدفعه مضافا إلى ما ذكرنا في الأصول من عدم جريان استصحاب العدم فيما
علم وجوده وشك في تاريخ وجوده ان الأثر في المقام ليس مترتبا على عدم الفريضة
التامة فقط بل الأثر مرتب على الترديد في حالة خاصة وهي حال عدم الاتيان بالصلاة
التامة واستصحاب عدمها لا يثبت ان الترديد وقع في تلك الحالة كما أن استصحاب عدم
حصول الترديد إلى حال الصلاة التامة لا يثبت انه وقع بعد اتيانها وان أبيت عن ذلك
فيكفي للحكم بوجوب التمام واستصحاب الحكم ببقاء التمام عليه.
فان قلت الحكم بالتمام الذي جاء بسبب العزم على المقام قد انقطع قطعا والحكم
في الان اللاحق ان كان بالتمام فإنما هو بسبب آخر وهو الصلاة التامة قبل الترديد
كما أن الحكم بالقصر ان كان فهو بسبب الترديد الواقع قبلها وعلى أي تقدير
الحكم اللاحق غير الحكم السابق غاية الامر على تقدير ان المجعول وجوب التمام

640
يتحد مع السابق سنخا ومجرد اتحاد السنخ لا يوجب اطلاق البقاء عليه فلا يكون الشك
فيه شكا في البقاء.
قلت أو لا قد مر منا ما يوضح ان الترديد في حال عدم الصلاة التامة ليس سببا
للقصر على من يكون بحكم الحاضر ولا كاشفا عن أن قاطعية العزم على المقام مشروطة
بايجاد صلاة تامة بل موجب للعود إلى عنوان المسافر أولا والشخص المتردد المفروض
عند الشارع مثل من دخل في المحل ابتداء وعلى هذا لو تحقق التردد في الحالة المخصوصة
يعود الشخص مسافرا عند الشارع ويزول الأثر المسبب عن عزم المقام من حين التحقق ان لم
يتحقق ذلك فالحكم بالتمام ليس الا من جهة العزم السابق فالصلاة التامة مؤثرة في بقاء اثر
العزم السابق فالشك في وجود الموجب لصيرورته مسافرا يوجب الشك في بقاء الحكم
الأول المجعول على من كان في دار الإقامة وثانيا الشك في وجود القدر الجامع
بين الوجودين وان لم يكن شكا في البقاء لكن لا نسلم لزوم ذلك في الاستصحاب
لان الملاك في صحته صدق نقض اليقين بالشك وهو يتوقف على تحقق اليقين بشئ
في السابق وعروض الشك في عين ما كان متيقنا في الزمن اللاحق وبذلك نصحح
استصحاب ما يكون متدرجا في الوجود كالحركة وان لم يكن لها بقاء نعم يبقى
الاشكال على هذا الفرض في أن استصحاب الحكم راجع إلى جعل الحكم المماثل
للأول وليس الجامع قابلا للجعل والجواب عن ذلك انا لا نلتزم بذلك بل المحصل
في استصحاب الموضوع والحكم امر واحد وهو عمل وجود ما كان موجودا في
السابق وقد قررنا في الأصول صحة استصحاب عدم الحكم وان لم يكن قابلا للجعل
ولم يكن له اثر شرعي ولكن لما كان عمل بقاء العدم التخيير بين الفعل والترك تناله
يد الجعل وليس خارجا من وظيفة الشارع فيشمله عمومات الأدلة.
الثالث من القواطع توقف ثلثين يوما مترددا في مكان فإنه موجب لاتمام
الصلاة فيه ولو لناوي الخروج من ساعته لصريح الاخبار كصحيحة زرارة وصحيحة
معوية بن وهب وصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة على بن جعفر وغيرها من الأخبار المستفيضة
السليمة المعارضة بخبر حنان لقصوره من وجوه لا تخفى وهذا في الجملة

641
مما لا ريب فيه بل لا خلاف فيه كما في الرياض بل ادعى عليه الاجماع كما في المدارك
عن الخلاف وظاهر المنتهى والذخيرة.
وانما الكلام في موردين: أحدهما انه هل هو قاطع للسفر موضوعا ولو تعبدا
حتى يترتب عليه جميع احكام الوطن فيحتاج القصر إلى سفر جديد وبلوغ حد الترخص
ويكون العبور منه قاطعا للسفر ما لم يعرض عنه كما مر في إقامة عشرة أيام أو
حكما حتى يقتصر على القدر المتيقن ظاهر ما رواه في الوسائل عن الشيخ باسناده
عن صفوان عن إسحاق بن عمار قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن أهل مكة إذا زاروا
عليهم اتمام الصلاة قال عليه السلام نعم والمقيم بمكة إلى شهر بمنزلتهم هو الأول لكن
الرواية بظاهرها غير معمول بها لاشتمالها على ايجاب الاتمام على المقيم شهرا
الخارج إلى المسافة ولعله خلاف الاجماع نعم مقتضى اتحاد السياق بينه وبين مقيم
العشر في أكثر الروايات هو الخروج الموضوعي فيترتب عليه جميع احكام الحاضر
الا ما كان الاجماع على خلافه وهو أيضا مقتضى المناسبة بين الحكم والموضوع
بحسب الارتكاز العرفي حيث إن المركوز في أذهانهم ان المسافر إذا أقام مدة
في بلدة يسلب عنه اسم المسافر فحدد الشارع تلك المدة بمضي ثلثين يوما وهذه
المناسبة الارتكازية أيضا تقتضي كون المناط في الاتمام مضى ثلثين يوما دون الشهر
وان وقع في أكثر الروايات التعبير به لان ظاهر التحديد ان القاطع طول الزمان
وكثرة الأيام من دون خصوصيته في الشهر وما بين الهلالين مع أن الشهر في حد
نفسه لا يأبى عن الحمل على الثلثين بخلاف الثلثين فإنه يأبى عن الحمل على الشهر
ولذا قيل إن حمل الشهر عليه من حمل المجمل على المبين وليس ببعيد ومن هنا
يظهر عدم الفرق بين ابتداء المدة من أول اليوم أو أثنائه بعد تكميل ما نقص من آخر
المدة وكذا الحال في الليلة.
الثاني انه لا ريب في اشتراط التوالي بين الأيام لما مر من المناسبة بين الحكم
والموضوع بل وظهور نفس القضية في اعتباره كما لا يخفى فيخرج توقف شهر في
ضمن شهرين أو أكثر قطعا لكن الظاهر كفاية صدقه عرفا فلا يضر الخروج إلى

642
فرسخ أو فرسخين مع العود في ساعته أو ساعتين فإنه مع ذلك يصدق عرفا انه أقام ثلثين يوما
متوالية ولذا قلنا بتمشي قصد الإقامة ممن يكون قاصدا للخروج اليسير ابتداء نعم
لا اشكال في عدم الصدق لو لم يعد يوما أو يومين ولو خرج بعد ثمانية وعشرين يوما
فيحتاج الاتمام له بعد الإياب إلى استيناف الثلثين ان لم يقصد الإقامة واما ما حققنا
من وجوب التمام على المقيم عشرا الخارج إلى ما دون المسافة في الذهاب والمقصد
مع تفصيل في الإياب كما مر فليس لصدق الإقامة معه لأنها غير صادقة قطعا ولذا قلنا
بعدم تمشى القصد من ناوي مثل هذا الخروج ابتداء بل لقطع السفر بنية الإقامة مع
صلاة تامة فناوي الإقامة ما لم ينشئ السفر الجديد حكمه حكم الحاضر من دون
مدخلية لتوقف العشرة بخلاف إقامة الثلثين لا عن قصد فإنها بوجودها الخارجي
قاطعة للسفر فما لم تتحقق ولو بيوم لم يجب التمام نعم بعد التحقق يترتب عليها
جميع ما يترتب على إقامة العشرة من الآثار ويتأتى فيها ما مضى من الكلام والله العالم
بحقائق الاحكام.
في بعض احكام صلاة المسافر
الفصل الثالث في بعض احكام صلاة المسافر وفيه مسائل:
الأولى قد عرفت لزوم القصر على المسافر والتمام على الحاضر عزيمة و
استثنى من ذلك بعضهم من سار أربعة فراسخ فما زاد ولم يبلغ الثمانية ولم يرد الرجوع
ليوم وحكم بالتخيير بين القصر والاتمام وقد تقدم الكلام فيه مفصلا ومن الموارد
المستثناة من هذه القاعدة على المشهور المسافر إلى أحد المواطن الأربعة مكة
والمدينة ومسجد الكوفة وحائر الحسين سلام الله عليه فإنهم حكموا بالتخيير
بينهما وبان الاتمام أفضل ويأتي الكلام فيه انشاء الله تعالى ومن الموارد المستثناة
من هذه القاعدة على قول حكى عن الشيخ في الخلاف من سافر بعد دخول وقت
الصلاة فان المحكى منه قدس سره انه قال يخير بينهما وها انا أشرع في هذه المسألة
وأستعين بالله الكريم قال المحقق قدس سره في الشرايع إذا دخل الوقت وهو حاضر

643
ثم سافر والوقت باق قيل يتم بناء على اعتبار وقت الوجوب وقيل يقصر اعتبارا بحال
الأداء وقيل يخير وقيل يتم في السعة ويقصر في الضيق.
أقول ومنشأ الخلاف اختلاف الاخبار ومما يدل على الاعتبار بحال الأداء
صحيحة إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام يدخل على وقت صلاة
الظهر وانا في السفر فلا اصلى حتى ادخل أهلي فقال عليه السلام صل وأتم الصلاة
قلت فدخل على وقت الصلاة وانا في أهلي أريد السفر فلا اصلى حتى اخرج فقال عليه السلام
فصل وقصر فان لم تفعل فقد خالفت والله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أقول ذيل الصحيحة يدل على مخالفة هذا الحكم مذهب العامة ويمكن ان
يكون مخالفتهم من جهة كونهم قائلين بان الاعتبار بحال الوجوب ويمكن ان يكون
خلافهم راجعا إلى تعيين وقت الظهر بان يجعلوا حد وقت الاجزاء للظهر إلى أن يصير
ظل الشاخص مثله مثلا فإذا خرج من الحد المزبور يصير قضاء فالشخص الذي كان
في أهله وقت الصلاة ولم يصل حتى خرج وجاوز حد الترخص ما صلى في وقتها المجعول له و
انقضى وقتها على هذا القول فهذا كمن لم يصل حاضرا في الوقت حتى صار قضاء.
ومما يؤيد هذا الاحتمال ورود بعض الاخبار من طرق الخاصة مما يدل على
انقضاء وقت الاجزاء للظهر بدخول وقت العصر مثل خبر الفضيل بن يونس قال سألت
أبا الحسن الأول عليه السلام قلت المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع
بالصلاة قال عليه السلام إذا رأت الطهر بعد ما يمضى من زوال الشمس أربعة اقدام فلا تصلى الا العصر
لان وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم وخرج عنها الوقت وهي في الدم فلم يجب
عليها ان تصلى الظهر الحديث. وهذه الرواية صريحة في أن مضى أربعة اقدام من
زوال الشمس موجب لخروج وقت الظهر مطلقا حتى للمضطر ونظير هذا الخبر يوجد
في باب أوقات الصلاة وهو محمول على التقية بواسطة تظافر الاخبار بسعة وقت
الظهرين إلى الغروب ومما يدل على أن الاعتبار بحال الأداء صحيحة محمد بن مسلم
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس قال عليه السلام إذا
خرجت فصل ركعتين وما يدل عليه خبر الوشاء قال سمعت الرضا عليه السلام يقول إذا زالت

644
الشمس وأنت في المصر وأنت تريد السفر فأتم فإذا خرجت بعد الزوال قصر العصر
بناء على إرادة اتمام الظهر في المصر كما هو الظاهر ويشهد لذلك ذكر العصر
وحدها بعد الخروج وعن الفقه الرضوي فان خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت
الصلاة في الحضر فلم تصل حتى خرجت فعليك التقصير وان دخل عليك وقت الصلاة في
السفر ولم تصل حتى تدخل أهلك فعليك التمام.
ومما يدل على أن الاعتبار بحال الوجوب صحيحة ابن مسلم قال سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن الرجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق
فقال عليه السلام يصلى ركعتين وان خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا وخبر
بشير النبال قال خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام حتى اتينا الشجرة فقال لي أبو عبد الله
عليه السلام يا نبال قلت لبيك قال عليه السلام انه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر ان يصلى أربعا
غيري وغيرك وذلك أنه دخل وقت الصلاة قبل ان نخرج وموثقة عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال سئل عن لرجل إذا زالت الشمس وهو في منزله ثم يخرج في السفر قال
يبدء بالزوال فيصليها ثم يصلى الأولى بتقصير ركعتين لأنه خرج من منزله قبل ان
تحضر الأولى وسئل فان خرج بعدما حضرت الأولى قال يصلى الأولى أربع ركعات ثم
يصلى بعد النوافل ثماني ركعات لأنه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى فإذا حضرت
العصر صلى العصر بتقصير وهي ركعتان لأنه خرج في السفر قبل ان تحضر العصر.
وصحيحة زرارة المروية عن مستطرفات السرائر عن أحدهما انه قال في رجل
مسافر نسى الظهر والعصر في السفر حتى دخل أهله قال يصلى أربع ركعات وقال لمن
نسى الظهر والعصر وهو مقيم حتى يخرج قال يصلى أربع ركعات في سفره وقال إذا
دخل على الرجل وقت الصلاة وهو مقيم ثم سافر صلى تلك الصلاة التي دخل وقتها
وهو مقيم أربع ركعات في سفره وعن المحدث المجلسي في البحار من كتاب محمد
بن مثنى الحضرمي انه روى فيه عن جعفر بن محمد بن شريح عن ذريح المحاربي قال قلت
لأبي عبد الله عليه السلام إذا خرج الرجل مسافرا وقد دخل وقت الصلاة كم يصلى قال عليه السلام أربع
قال قلت وان دخل وقت الصلاة وهو في السفر قال عليه السلام يصلى ركعتين قبل ان يدخل أهله وان

645
وصل العصر فليصل أربعا هكذا على نقل وعلى آخر فان دخل المصر بدل وان وصل العصر.
أقول الجمع بين اخبار الباب والقول بالتخيير بين القصر والاتمام لمن خرج
في الوقت مسافرا كما نسب إلى الشيخ قدس سره ان كان الغرض منه الجمع بين
الطائفتين دلالة فلا يصح وكيف يمكن ذلك وقد دلت صحيحة ابن جابر المتقدمة على أنه
لو لم تقصير فقد خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله مؤكدا ذلك بالقسم وان كان الغرض التخيير
بين الاخذ بإحدى الطائفتين من الروايات بواسطة التعارض فله وجه ولكنه
انما يكون بعد عدم المرجح وقد ذكرنا سابقا ان الترجيح مع الأخبار الدالة على أن
الاعتبار بحال الأداء لامكان ورود الاخبار المخالفة لذلك مورد التقية بل يمكن
ادراجها في الاخبار المخالفة للكتاب والسنة. ومما ذكرنا يعرف حكم المسافر الذي
كان وقت الصلاة في السفر فدخل المنزل ولم يصل والوقت باق فإنه يصلى تماما
لاشتمال الصحيحة المتقدمة على كلا الحكمين ومع ذلك كله الاحتياط لا ينبغي تركه في
كلتا الصورتين. ومما ذكرنا يظهر انه لو ترك كلتا الصلاتين فالأحوط ان يقضى ما
وجب عليه أولا بمعنى انه لو خرج إلى السفر وقت الصلاة ولم يصل الصلاة التامة و
لم يقصر في السفر أيضا يقضى تماما وفى عكس ذلك يقضى قصرا فإنه على القول باعتبار
حال الأداء يخير بينهما وعلى القول الاخر يتعين قضاء ما وجب أولا فقضاء ما وجب عليه أولا
موافق للقولين.
فان قلت على القول باعتبار حال الأداء لا يصدق الفائتة الا على ما فات في
الحالة الثانية فمقتضى الاحتياط الموافق للقولين الجمع بين القصر والاتمام
في القضاء.
قلت ما ادرى ما وجه استناد الفوت إلى خصوص ما ترك أخيرا وان افاده بعض
الاعلام وقواه شيخنا المرتضى قدس سره في صلوته فان المفروض على هذا القول
انه لو أتى بالتمام في حال الحضر أو أتى بالقصر في حال السفر لم يفت منه الصلاة فالفوت
مستند إلى ترك كلتا الصلاتين في كلتا الحالتين فاسناد الفوت إلى خصوص ما
ترك في الحالة الأخيرة لا أرى له وجها هذا مضافا إلى ما ورد في بعض الروايات ان من

646
كان مسافرا فقدم ولم يصل في الحالين يقصر قضاء معللا بأنه وقت الصلاة كان مسافرا
وكان ينبغي له ان يقصر وهذه الرواية وان لم يستدل بها على أن الاعتبار بحال الوجوب
لكن لا بأس بالاستدلال بها على لزوم مراعاة وقت الوجوب في القضاء.
الثانية حال المكلف باعتبار حكم السفر وموضوعه يتصور على اقسام:
أحدها ان يعلم حكمه وموضوعه وهذا لا شبهة في تعين القصر عليه وعدم اجزاء
التمام في حقه.
ثانيها ان يكون شاكا ومرددا في الحكم والظاهر أيضا انه كذلك ولو فرضنا في
حقه عدم الالتفات بعد الفحص وصلي تماما بحكم الاستصحاب لا يجزى بناء على عدم
اجزاء الحكم الظاهري كما هو الحق.
ثالثها ان يكون جاهلا بالحكم بحيث لم يلتفت أصلا إلى أن المسافر له حكم
آخر غير ما قرر للحاضر فلو صلى تماما في السفر والحال هذه تجزى وان التفت بخلافه
في الوقت على المشهور بل حكى دعوى الاجماع عليه ويدل عليه صحيحة زرارة و
محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قالا (قال خ ل) قلنا لأبي جعفر عليه السلام رجل صلى في السفر أربعا
أيعيد أم لا قال عليه السلام ان كانت قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد وان لم
يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه ولا يعارضها قوله عليه السلام في خبر الأعمش
المروى عن الخصال ومن لم يقصر في السفر لم تجز صلوته لأخصية الصحيحة الدالة
على الاجزاء في خصوص الجاهل بالحكم ولا يعارضها أيضا صحيحة العيص الدالة
على وجوب الإعادة في الوقت وعدم وجوبها في خارجه فان الصحيحة الدالة على
عدم وجوب الإعادة على الجاهل بالحكم في حكم الأخص بل هي أخص فان نظر السائل
عن أن المتم في السفر يعيد أم لا إلى الصحة والفساد وتفصيل الإمام عليه السلام بين الجاهل
والعالم يرجع إليهما أيضا وحاصل مضمون تلك الصحيحة رجع إلى أن الجاهل بالحكم يجزى
صلوته ولا تكون محكومة بالفساد فظهر بذلك فساد ما ربما يتوهم من معاملة العامين
من وجه معهما لعدم معارضتهما بالنسبة إلى عدم إعادة الجاهل بالحكم خارج الوقت
وكذا بالنسبة إلى غير الجاهل بالحكم فينحصر مورد المعارضة في إعادة الجاهل

647
بالحكم في الوقت.
رابعها ان يكون ناسيا للحكم بعد العلم به وأتم الصلاة من جهة النسيان
فهل يحكم بعدم الإعادة من جهة عدم العلم به حينئذ فيكون مصداقا لمن لم يعلمها
الذي حكم عليه بعدم الإعادة في الصحيحة أو يجب عليه الإعادة من جهة انه ممن
قرئت عليه آية التقصير وفسرت له وعلمها أولا وجهان لا يبعد الأول لظهور قوله عليه السلام
في أن الجاهل في حال الصلاة الذي أتم صلوته لأجل الجهل بالحكم لا إعادة عليه في
قبال من صلى تماما متعمدا.
فان قلت لا يأتي أحد بالصلاة الفاسدة مع علمه بفسادها والعاصي لأمر الله
تعالى لا يصلي مثلا لا انه يصلى صلاة فاسدة مع علمه بفسادها وبناء على ما ذكرت
الشق الأول المذكور في الصحيحة مجرد فرض ليس له خارج.
قلت الظاهر أن الشق الأول المذكور في الصحيحة إشارة إلى المخالفين حيث إنهم
يتمون في السفر بناء منهم على أن الوجوب التعييني لا يستفاد من الآية الشريفة
ولم يعتنوا بالتفسير الوارد من الأئمة الأطهار فهم الذين قرئت عليهم آية التقصير و
فسرت لهم ومع ذلك يتمون الصلاة لعدم الاعتناء بتفسيرهم عليهم السلام وعلى فرض
عدم ظهور الصحيحة المذكورة في اجزاء صلاة الناسي للحكم حين الصلاة يحكم عليه
بوجوب الإعادة في الوقت وعدمه في خارجه فالقدر المتيقن عدم وجوب القضاء عليه لو تذكر
خارج الوقت نعم لو حملنا صحيحة العيص على من أتم ناسيا للموضوع فالناسي للحكم
يحكم عليه بوجوب الأداء والقضاء كليهما.
خامسها نسيان الموضوع وهو على قسمين أحدهما نسيان مفهوم السفر عند
الشارع كمن زعم أن السفر ينحصر في الثمانية الامتدادية بعد علمه سابقا بكفاية التلفيقية
والثاني نسيان كونه مصداقا للمسافر.
سادسها الجهل بالموضوع وهو أيضا ينقسم إلى قسمين كما فرضنا في النسيان
فإنه تارة لم يتلفت إلى أن الثمانية الملفقة من أربعة فراسخ ذاهبا. وأربعة جائيا من
افراد السفر شرعا بل يعتقدان السفر منحصر في السير ثمانية فراسخ امتدادية وأخرى

648
يعلم بذلك أيضا لكن يقصد السير إلى مقصد معين ويشك في أن المسافة من محل خروجه إلى
ذلك المقصد المعين ثمانية أو أقل.
سابعها النسيان في العمل خاصة مع علمه بالحكم والموضوع مفهوما ومصداقا
ومع ذلك يتم جريا على العادة مقتضى القاعدة في جميع الأقسام المتقدمة الإعادة في
الوقت والقضاء في خارجه ولكن صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم صرحت بعدم الإعادة
بالنسبة إلى الجاهل بحكم السفر ولا يعارضها بعض الاخبار الدال على الإعادة إذا أتم
في السفر وكذا بعض الاخبار الدال على الإعادة في الوقت دون خارجه لأخصية الصحيحة
كما عرفت واما الناسي لحكم السفر فان كان مشمولا للصحيحة فلا اشكال والا فعليه الإعادة
أو تذكر في الوقت وان لم يتذكر إلى أن يمضى الوقت فليس عليه القضاء لرواية
أبي بصير وفيها السؤال عن يتم في السفر ناسيا الشامل لمن نسى الحكم أيضا بل
لصحيحة عيص المذكورة كما يأتي تقريبه واما الأقسام الاخر التي فرضناها سابقا
ممن أتم في السفر فالظاهر أن الحكم فيها أيضا الإعادة في الوقت دون خارجه
لصحيحة العيص فان فيها السؤال عمن أتم في السفر فاجابه عليه السلام بأنه يعيد في الوقت
ولا يعيد بعد انقضائه فإنها اما ان تحمل على اطلاقها بحيث تشمل الاتمام في السفر
على كل حال خرج من هذا العموم من صلى تماما في السفر جاهلا بحكم التقصير
فيه بواسطة صحيحة محمد بن مسلم وزرارة لأخصيتها كما مر أو تحمل على من أتم
في السفر لعارضة من الجهل أو النسيان بأحد الأقسام المتقدمة وخرج أيضا الاتمام في
حال الجهل بأصل التقصير في السفر بواسطة الصحيحة المتقدمة وعلى أي حال تشمل
الاتمام في الأقسام المفروضة سابقا والفرق انها على الأول تدل على أن من أتم عمدا
ليس عليه الإعادة في الوقت دون خارجه وعلى الثاني يختص هذا الحكم بغير المتعمد
العالم والانصاف ان المتعمد خارج عن مورد الرواية سؤالا وجوابا فان فرض الاتمام
في حق من يعلم بان حكم الله القصر غير واقع في الخارج وتفصيل الإمام عليه السلام في
صحيحة محمد بن مسلم وزرارة انما يكون للإشارة إلى فعل المخالفين العالمين
بتفسير الأئمة عليهم السلام لآية التقصير كما عرفت ومن هنا يعلم أن موضوع صحيحة

649
العيص المتم في السفر لعارضة من العوارض والحكم بالإعادة في الوقت معناه انه
إذا ارتفعت العارضة في الوقت بعيد إذ الحكم بالإعادة مع وصف بقاء تلك
العارضة لغو.
والمحصل من مضمون الصحيحة ان من أتم بسبب من الأسباب في السفر
يعيد في الوقت إذا ارتفع ذلك السبب واختصاص موردها بخصوص الاتمام
نسيانا لمصداق السفر أو للأعم منه ومن مفهومه أو للأعم منهما ومن النسيان في أصل
الحكم لا وجه له بل يمكن دعوى شمولها لكثير السفر الذي أقام في بلده عشرة أيام
ثم سافروا تم في سفره للجهل بالحكم أو نسيانه وكذا من سافر بقصد المعصية ثم بداله في
الطريق وتبدل قصده إلى الطاعة وأتم صلوته جهلا أو نسيانا هذا.
الثالثة ومن الموارد الخارجة من قاعدة لزوم القصر في السفر تعيينا
صلاة المسافر في أحد المواطن الأربعة مكة والمدينة والمسجد الجامع بالكوفة
والحائر فإنه مخير في هذه المواطن مع كون الاتمام أفضل على المشهور وقيل بتعين
القصر الا ان يعزم على المقام عشرة أيام كسائر الأماكن وقيل بتعين التمام
ومنشأ ذلك اختلاف الاخبار منها ما يدل على التمام بحيث يفهم منه تعيينه ومنها
ما يدل على القصر كذلك وهذا أوقع السائلين في التحير وكانوا يسئلون الأئمة (ع)
عن تكليفهم وكيفية صلوتهم في الحرمين الشريفين والحق ما ذهب إليه المشهور
لا لما قد يتوهم من الجمع العرفي بين الطائفتين لما يظهر ولا يخفى على الناظر في
اخبار القصر انه لا يمكن حملها على مجرد الاذن والترخيص بل لتعين حملها على
التقية لاحتمال ورودها مورد التقية بخلاف الأخبار الدالة على التمام فإنها آبية عن
هذا الحمل واما ظهورها في تعيين التمام فيرجع اليد عنه بقرينة بعض الاخبار الاخر
الظاهرة أو المصرحة بأنها أفضل اما عدم امكان حمل الأخبار الدالة على التقصير على
مجرد الترخيص والاذن فيه فيتضح بالنظر فيها وانظر إلى صحيحة محمد بن إسماعيل بن
بزيع قال سئلت الرضا عليه السلام عن الصلاة بمكة والمدينة بتقصير (تقصير خ ل) أو تمام فقال
قصر ما لم تعزم على مقام عشرة أيام والى رواية على بن حديد قال سئلت الرضا عليه السلام

650
فقلت ان أصحابنا اختلفوا في الحرمين فبعضهم يقصر وبعضهم يتم وانا ممن يتم
على رواية قد رواها أصحابنا في التمام وذكرت عبد الله بن جندب وانه كان يتم قال رحم
الله عبد الله بن جندب ثم قال لي لا يكون الاتمام الا ان تجمع على إقامة عشرة أيام
والى صحيحة معوية بن وهب المروية عن العلل قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام مكة والمدينة
كساير البلدان قال عليه السلام نعم.
أقول وهل يمكن حمل مثل هذه الروايات على إرادة مجرد الترخيص في
القصر الغير المنافى لجواز الاتمام بل لأفضلية خصوصا صحيحة معوية بن وهب الدالة
بالصراحة على مساواة الحرمين الشريفين مع ساير البلاد واما اباء اخبار التمام
على الحمل على التقية فان المصرح فيها انه من مخزون علم الله سبحانه وهو يقتضى
ان يكون من الاسرار المودعة عند أهله وهو يقتضى ان لا يفشوها ويخفوها حتى عند
الشيعة في بعض الأوقات خوفا للإشاعة ومن جملتها صحيحة حماد بن عيسى قال قال
أبو عبد الله عليه السلام من مخزون علم الله تعالى الاتمام في أربعة مواطن حرم الله وحرم رسوله
وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين بن علي (ع) ومنها خبر مسمع عن إبراهيم قال عليه السلام
كان أبي يرى لهذين الحرمين ما لا يريه لغيرهما ويقول إن الاتمام فيهما من الامر
المذخور ومنها رواية معوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ان من الامر المذخور الاتمام في
الحرمين وعن الصدوق مرسلا عن الصادق عليه السلام قال من الامر المذخور اتمام الصلاة في أربعة
مواطن مكة والمدينة ومسجد الكوفة وحائر الحسين عليه السلام.
فان قلت الأخبار الدالة على تعيين القصر أيضا آبية عن الحمل على التقية فان
جمعا من المخالفين ذهبوا إلى التخيير بين القصر والاتمام في السفر بل الذاهبون إلى
هذا القول أكثر ممن قال منهم بتعيين القصر فالقول بتعيين القصر مخالف لأكثر الفقهاء
من العامة فكيف تحمل الأخبار الدالة على تعيين القصر على التقية.
قلت المقصود من التقية في هذا المقام اظهار عدم خصوصية لهذه الأمكنة
الشريفة واخفاء العلم المخزون وان هذه الأمكنة كسائر البلاد واما ان حكم السفر

651
تعين القصر فلا مانع عندهم لاظهاره وان كان مخالفا لجمع منهم فان مدرك هذا الحكم
هو الكتاب والسنة ومدرك الحكم الاخر المخزون شئ آخر يجب اخفاؤه في بعض
الأوقات ولا يصح اظهاره في كل وقت وحال ويؤيد ما ذكرنا صحيحة عبد الرحمن بن
حجاج قال قلت لأبي الحسن عليه السلام ان هشاما روى عنك انك امرته بالتمام في الحرمين
وذلك من اجل الناس قال عليه السلام لا كنت انا ومن مضى من آبائي إذ أوردنا مكة أتممنا الصلاة و
استترنا من الناس.
فان قلت صحيحة معوية بن وهب التي قدمنا ذكرها تدل على أن الامر بالاتمام
في الحرمين كان من جهة التقية فان بعد قوله عليه السلام نعم في جواب السائل مكة والمدينة
كسائر البلدان قال الراوي قلت روى عنك بعض أصحابنا انك قلت لهم أتموا بالمدينة
لخمس فقال عليه السلام ان أصحابكم هؤلاء كانوا يقدمون فيخرجون من المسجد عند الصلاة
فكرهت ذلك لهم فلهذا قلته.
قلت لا ينافي ذلك حمل اخبار التقصير على التقية من جهة وحمل الامر بالتمام
كما في الصحيحة أيضا على التقية من جهة أخرى اما جهة التقية في اخبار القصر في
الحرمين فلما أشرنا إليه واما جهة التقية في الامر بالتمام في الصحيحة فلما أشار عليه السلام
إليه من أنهم كانوا يخرجون من المسجد حال انعقاد الجماعة من العامة وخروجهم
وقتئذ معرض لمظنة انهم لا يعتنون بصلاتهم ويكون ذلك موجبا لوقوع الفتنة والفساد
وقد لا يكون الاعتذار منهم مسموعا بانا مسافرون ولا يمكن لنا الاقتداء خلف المقيم
فان من المسلم عندهم جواز اقتداء المسافر بالمقيم واتمام الصلاة معه وجعلوا ذلك من
أدلة تخيير المسافر بين القصر والاتمام كما يستفاد من التذكرة نقلا عنهم وفى هذه الصورة
أي عذر للخارج عن المسجد وقت انعقاد الجماعة الا عدم الاعتناء بهذا المذهب واما التخيير
بين القصر والاتمام فلصريح رواية على بن يقطين قال سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن التقصير بمكة
فقال عليه السلام أتم وليس بواجب الا انى أحب لك ما أحب لنفسي ورواية عمران بن حمران قال قلت
لأبي الحسن عليه السلام أقصر في المسجد الحرام أو أتم قال عليه السلام ان قصرت فذاك (فلك خ ل) وان
أتممت فهو خير وزيادة الخير خير ورواية الحسين بن المختار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال قالت له

652
انا إذا دخلنا مكة والمدينة نتم أو نقصر قال عليه السلام ان قصرت فذاك وان أتممت فهو خير تزداد
(يزاد خ ل) وصحيحة على بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في الصلاة بمكة قال من شاء أتم ومن شاء
قصر هذا فظهر من هذه الأخبار أفضلية الاتمام مضافا إلى بعض ما يدل بظاهره على أفضليته.
وبالجملة المتعين الاخذ بقول المشهور من التخيير بين القصر والاتمام في
المواطن الأربعة مع أفضلية التمام واما تعيين خصوص المواطن التي يخير فيها
بين القصر والاتمام فالأقوى ان الحكم المذكور بالنسبة إلى الحرمين الشريفين
لا يختص بخصوص المسجدين بل محله تمام البلدين لصحيحة ابن مهزيار المروية عن
التهذيب قال كتبت إلى أبى جعفر الثاني عليه السلام ان الرواية قد اختلفت عن آبائك في
الاتمام والتقصير للصلاة في الحرمين فمنها بان يتم الصلاة ولو صلاة واحدة ومنها
ان يقصر ما لم ينو عشرة أيام ولم أزل على الاتمام فيهما إلى أن صدرنا في حجنا في
عامنا هذا فان فقهاء أصحابنا أشاروا إلى بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيام فصرت
إلى التقصير وقد ضقت بذلك حتى اعرف رأيك فكتب إلى بخطه عليه السلام قد علمت يرحمك
الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما فانا أحب لك إذا دخلتهما ان لا تقصر و
تكثر فيهما من الصلاة فقلت له بعد ذلك بسنين مشافهة انى كتبت إليك بكذا و
أجبتني بكذا فقال نعم فقلت أي شئ تعنى بالحرمين فقال عليه السلام مكة والمدينة الخبر
ولا يخفى صراحة هذه الصحيحة في أن المراد من موضع التمام ليس خصوص المسجدين
بل هو تمام البلد فان ابن مهزيار الذي كان بنائه على التمام بمقتضى الروايات الواردة
عن الأئمة (ع) لا يحتمل ان يكون محل التمام موضعا خارجا من مكة والمدينة
فمحل السؤال بعدما امره بالتمام ان الموضع الذي أحب عليه السلام ان لا يقصر فيه ويكثر
فيه من الصلاة موضع خاص من البلدين الشريفين مثل المسجد أو يعم مطلق البلدين
فجوابه عليه السلام بقوله مكة والمدينة صريح في توسعة محل الاتمام. وهذه الصحيحة
شارحة للفظ الحرمين الوارد في اخبار متعددة ولا يصح تقييد ذلك بواسطة بعض
الاخبار الذي ذكر فيه لفظ المسجد لما عرفت من صراحة الصحيحة في التوسعة وليست
كالمطلقات التي يمكن رفع اليد عنها بالتقييد.

653
نعم لو كانت الاخبار المذكور فيها لفظ المسجد صريحة في الانحصار تحقق
التعارض بينهما وليست تلك الطائفة صريحة في ذلك لامكان ان يكون ذكر المسجد
فيها لغلبة وقوع الصلاة خصوصا من المسافرين فيه ومنه يظهر انه لو أغمضنا عن
صراحة الصحيحة وجعلناها كالمطلقات القابلة للتقييد فاللازم الاخذ بمفادها أيضا لان
القيد المنفصل ممكن وروده مورد الغالب لا يصلح ان يقيد المطلق الوارد في مقام البيان
المستقر ظهوره في الاطلاق. وبالجملة لا شبهة في رجحان التمام وأفضليته في مجموع
البلدين الشريفين.
واما مسجد الكوفة وحائر الحسين عليه السلام فقد يقال ان محل التخيير مجموع
البلدين للتعبير في بعض الاخبار بحرم أمير المؤمنين عليه السلام وحرم الحسين عليه السلام كما في
صحيحة حماد بن عيسى قال قال أبو عبد الله عليه السلام من مخزون علم الله الاتمام في أربعة
مواطن حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين بن علي
عليهما السلام.
وفيه انه لا يصح حمل هذه الكلمة على كل موضع صار محترما لأجلهما (ع) و
الشاهد على ذلك أن الموضع الذي صار محترما بواسطة القرب إلى البيت الشريف
ما كان يخفى على مثل ابن مهزيار ومع ذلك سئل عن المراد عن الحرمين ومثل
هذا السؤال والجواب ما وقع في مورد حرم أمير المؤمنين عليه السلام وحرم الحسين عليه السلام حتى
يرتفع الاشكال.
نعم في بعض الاخبار ان حرم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة مثل رواية حسان
بن مهران قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول قال أمير المؤمنين عليه السلام مكة حرم الله والمدينة
حرم رسول الله صلى الله عليه وآله والكوفة حرمي لا يريدها جبار بحادثة الا قصمه الله ونظير
ذلك بعض آخر ومن المعلوم انه لا يفهم من مثل هذه الأخبار انها ناظرة إلى شرح
الحرم الذي يكون محلا لجواز اتمام المسافر فالأحوط الاقتصار على المسجد كما
في بعض الاخبار واما الحاير فلم يقع التصريح به في الاخبار الا مرسلة الصدوق

654
عن الصادق عليه السلام قال من الامر المذخور اتمام الصلاة في أربعة مواطن مكة والمدينة ومسجد
الكوفة وحائر الحسين عليه السلام وعبر في جل الروايات بحرم الحسين وفى بعض الروايات
بعند قبر الحسين عليه السلام اما الحائر الشريف فالمحكي عن السرائر انه ما دار سور
المشهد والمسجد عليه دون ما دار سور البلد عليه لان ذلك هو الحائر حقيقة لان
الحائر في لسان العرب الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء قد ذكر ذلك المفيد في
الارشاد في مقتل الحسين عليه السلام لما ذكر من قتل معه من أهله فقال الحائر محيط بهم
الا العباس عليه السلام فإنه قتل على المسناة.
أقول ويمكن ان يكون لفظة الحور التي يستعملها العرب في زماننا مرادفة
للفظة الحائر التي كانت مستعملة في ذلك الزمان وهو المكان الذي يجتمع فيه
الماء عند طغيان الشط ويسقر فيه حتى ييبس في الصيف وكيف كان فالمتيقن من
لفظ الحرم والحائر وعند القبر الشريف أطراف الضريح المقدس والله العالم والحمد لله
أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
في صلاة الجمعة
المقصد الثامن في صلاة الجمعة وفيه فصول:
الأول في بيان حكمها في حال الغيبة فنقول هي فريضة أوجبها الله تعالى
على العباد سوى من استثنى منهم مثل العبد والمرأة والصغير والمجنون وبعض آخر ممن
نطق به الاخبار ووجوبها كذلك ليس محل ريب وشبهة بل مما دل عليه صريح الكتاب
والأخبار المستفيضة بل المتواترة وليس بن المسلمين خلاف في ذلك بل الاشكال
في أن هذا الوجوب التعييني الذي لا يعذر فيه أحد الا من استثنى في الاخبار هل هو
مطلق أي غير معلق على شئ أو مشروط بشئ والثمرة بينهما وان كانت معلومة
لكن نذكرها ايضاحا وهي انه على الأول لو دل دليل على اشتراط صحتها بأمر يجب
على المكلف تحصيله كالطهارة التي دل دليل على كونها شرطا للصلاة مثلا وعلى
الثاني لا يجب تحصيله كالحضر الذي شرط في وجوب الصوم إذ لا يجب على المكلف جعل

655
نفسه حاضرا مقدمة للصوم إذا عرفت ذلك فاللازم في المقام بيان أمور:
أحدها ان وجوب صلاة الجمعة المتوجه إلى المكلفين سوى من استثنى هل
مطلق أم مشروط.
الثاني على تقدير المشروطية لو لم يكن شرطه موجودا في زمان وسقط بذلك
التكليف التعييني هل يشرع اقامتها أم لا.
والثالث على تقدير المشروعية لو أقامها جماعة اختيارا هل تجب عليهم
عينا وكذا يجب على الآخرين المطلعين على ذلك السعي إليها أم لا.
اما الامر الأول فالحق ان وجوب صلاة الجمعة مشروط بشرط ليس ذلك
الشرط حاصلا في زماننا بل في غير زمان النبي صلى الله عليه وآله وأيام خلافة أمير المؤمنين عليه السلام
وليس المقصود هنا اثبات هذا المطلب بواسطة الاجماع حتى يرده بعض أصحابنا
الأخباريين بعدم صلاحيته لان يكون مدركا للأحكام الشرعية بل كلما يعمل به أو
عليه من حكم فرعى أو مدرك اصلى يجب ان يكون متمسكا فيه بكتاب الله تعالى
واخبار العترة بل نسبوا فقهائنا المتقدمين والمتأخرين إلى الاجتماع إلى الجهل
والقصور والغفلة والغرور وأمثال هذه الكلمات المشتملة على سوء الأدب عفى الله
تعالى عنهم وعنا وكأنهم لم ينظروا إلى كلماتهم في مسألة الاجماع وان المعتبر عندهم
ليس إلا قول المعصوم عليه السلام أو تقريره وان اعتبار الاجماع انما هو من جهة انه دليل
قطعي على قوله عليه السلام أو رأيه وأين هذا من الاعراض عن التمسك بقول العترة الطاهرة
وباي وجه ينسى القائل باعتبار هذا العنوان الذي يلازم قول المعصوم قطعا إلى
الجهل والقصور والغفلة نعم تحقق هذا المعنى أعني الاتفاق الكاشف القطعي عن
قوله عليه السلام في غاية الاشكال ولهذا قد لا يعتنى ببعض الاتفاقات المحققة فضلا عن المنقولة
وقد خرجنا عن المقصود وهو بيان كون وجوب صلاة الجمعة مشروطا لا مطلقا
بيان ذلك أنه لا شبهة في أن هذه الفريضة ليست كسائر الفرائض اليومية بحيث
يصلح ان يأتي بها المكلف وحده سواء اتى بها الآخرون أم لا بل شرط تحققها
الاجتماع والآتيان بها جماعة وهذه المقدمة مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه والتكليف

656
بالصلاة التي شرطها الاجتماع على نحو الاطلاق يتصور على وجهين أحدهما ان يكون
على وجه يقتضى ايجاب تحصيل الاجتماع على كل أحد وثانيهما ان يجب على كل
أحد بنفسه الحضور للعمل دون احضار غيره فان اجتمعوا يشتغلون بالعمل وان لم
يحضر أحد يعاقبون جميعا وان حضر بعضهم وامتنع آخرون يعاقب الممتنع لاستناد
الترك إليه ولنوضح الامر بالمثال الذي هو عين محل البحث وهو انه بعد فرض اشتراط
العدد اما خمسة أحدهم الامام أو سبعة كذلك لو فرضنا كون الشخص في محل لا يكون
العدد المخصوص موجودا ويكون بينه وبين المحل الذي ينعقد الجمعة أزيد من
فرسخين لا تجب الجمعة عليه ولا تصح بمقتضى الاخبار والآثار واما لو كان محله في
ارض يوجد ذلك العدد وما فوقه فاطلاق وجوب الجمعة عليه يتصور على نحوين:
أحدهما ان يكون على نحو يقتضى ايجاب احضار المقدار المذكور للصلاة
باي نحو كان ان تمكن وان عجز سقط عنه التكليف للمعذورية كسقوط الصلاة عن
فاقد الطهورين.
والثاني ان يكون على نحو يقتضى حضور نفسه فقط ولم يجب عليه احضار
الباقين فان حضر ولم يحضروا يعاقب الغير الحاضر لكون العدم مستندا إليه ولنذكر
خصوص الأخبار الدالة على وجوب الجمعة في محل ليس من يقيمها السلطان العادل
أو نائبه وهي الاخبار التي بها يتمسك بعض أصحابنا ويدعى صراحتها في أن صلاة
الجمعة ليس وجوبها مشروطا بان يقيمها السلطان العادل أو نائبه بل يكون وجوبها
العيني محققا في زمن الغيبة أو عدم بسط يده وانظر فيها بعين الانصاف هل تدل على
الوجوب المطلق بأحد الوجهين المذكورين أم لا؟
فنقول من الأخبار الواردة في هذا المقام خبر الفضل بن عبد الملك قال سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات فان كان لهم من
يخطب جمعوا إذا كانوا خمسه نفر وانما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين ومنها صحيحة
زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام على من تجب الجمعة قال عليه السلام على سبعة نفر من المسلمين
ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الامام فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا

657
أمهم بعضهم وخطبهم ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال سألته عن أناس في
قرية هل يصلون الجمعة جماعة قال نعم ويصلون أربعا إذا لم يكن من يخطب ومنها
صحيحة منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام قال يجمع القوم الجمعة إذا كانوا خمسة
فما زادوا فان كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم والجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر
الناس فيها الا خمسة المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي ومنها صحيحة
عمر بن يزيد عنه عليه السلام إذا كانوا سبعة سوم الجمعة فليصلوا في جماعة وهذه الروايات
بأسرها ظاهرة بل صريحة في عدم اشتراط الصحة بان يقيمها الامام المنصوب من جانب
الله تعالى أو نائبه انما الكلام في أنه هل تدل على اطلاق الوجوب على كل أحد بحيث
يقتضى ايجاب تحصيل مقدمات صحة العمل كايجاب الصلاة متطهرا الذي يقتضى
ايجاب تحصيل الماء أو التراب مثلا أو يقتضى ايجاب عدم امتناع كل أحد للعمل
بحيث لا يكون الترك مستندا إليه أم لا بل انما تدل على أن العدد المذكور في
الروايات لو اجتمعوا باختيارهم لصلاة الجمعة تصح منهم وهذا معنى الوجوب التخييري
الذي يقول به جمع كثير من علمائنا.
فنقول صدر رواية ابن عبد الملك يدل على أن القوم الساكنين في قرية من
القرى يجب عليهم في يوم الجمعة صلاة الظهر أربع ركعات ووجه التقييد بكونهم
في قرية مع أن الأحكام الشرعية لا تختص باهل الأمصار بل كل واجب مطلقا أم مشروطا
يعم أهل الأمصار والبوادي هوان القرى ليس فيهم السلطان أو نائبه بحيث يسوقهم
إلى الاجتماع بالجمعة فحاصل مضمون الرواية ان الجماعة الساكنين في محل ليس
فيهم السلطان أو نائبه يجب عليهم صلاة الظهر أربع ركعات سواء كانوا في القرى
أم في الأمصار وحال الشيعة حتى في زمان صدور أمثال هذه الروايات حال أهل القرى
يجب عليهم صلاة الظهر أربع ركعات فان من كان الامر بيده الغاصبة لم يكن اهلا
للإمامة فصلوة الجمعة معه باطلة قطعا ولو حضروا معه تقية يعيدوها ظهرا ولكن
إقامة الجمعة باختيارهم مع امام منهم يؤمهم كانت راجحة كما يدل عليه بعض الاخبار
الذي نشير إليه بعد ذلك انشاء الله.

658
والحاصل ان مضمون الرواية والله أعلم ان الساكنين في محل لا يسوقهم
الإمام العادل أو نائبه إلى الاجتماع بصلاة الجمعة الواجب عليهم ابتداء من دون
الاشتراط بشئ هو صلاة الظهر أربع ركعات ولا شك في أن اطلاق هذه العبارة يقتضى وجوب
صلاة الظهر عليهم وان كان العدد المعتبر في صحة الجمعة بل أزيد منه بمراتب
موجودا كما هو الغالب في القرى المسكون فيها وبعد القول بان التكليف المتوجه
إلى قرية سكن فيها جمع كثير وفيهم من يصلح للإمامة والخطبة صلاة الظهر أربع ركعات
فاللازم حمل الفقرة الأخيرة المشتملة على ايجاب الجمعة ان كانوا خمسة
نفر وفيهم من يخطب على الوجوب المشروط بحضور العدد المخصوص والواجب
المشروط بشئ يكون شرطا للوجوب لا يقتضى وجوب ايجاد شرط وهو من البديهيات
في المخاطبات وليس المخترع له علم الأصول وليس العامل به ممن ترك أحاديث
العترة الطاهرة بل مقتضى الرواية الصادرة عنهم سلام الله عليهم ذلك.
فان قلت الامر بصلاة الظهر أربع ركعات في يوم الجمعة انما توجه إلى من
سكن في محل يكون العدد الموجود فيه أقل من خمسة وفيهم من يخطب بقرينة
قوله عليه السلام بعد ذلك فان كان فيهم من يخطب جمعوا إذا كانوا خمسة نفر وحاصل
مضمون الرواية على هذا تقسيم أهل القرى على قسمين أحدهما عدم وجود العدد
المعتبر في صحة الجمعة والثاني وجود العدد المذكور وفيهم من يخطب والقسم
الأول يتعين عليه الظهر أربع ركعات والقسم الثاني يتعين عليه الجمعة واما قولك
بان عدم وجود خمسة فيهم ومن يصلح للإمامة والخطبة ولو على نحو الايجاز و
الاختصار نادر بل الغالب وجود ذلك المقدار بل الأضعاف منه فحمل الاطلاق على
ذلك حمل على الفرد النادر ففيه انه بناء على ما قلنا ليس للكلام اطلاق حتى يحتمل
على الفرد النادر بل الكلام من أول الامر متعرض النادر فلا اشكال من هذه الجهة
قلت ليس في القضية الأولى الحاكمة بوجوب صلاة الظهر أربع ركعات
اشتراط كون العدد أقل من خمسة بل تدل على وجوب صلاة الظهر أربع ركعات على

659
أهل القرى الذي عددهم في الغالب أكثر من خمسة وتقييد القضية الأولى بالقضية الثانية
المستقلة المنفصلة خلاف رسم التكلم والمحاورات العرفية مثال ذلك أنه لو فرض
ان الامر يريد بعث المأمور بأكل الرمان الحلو الموجود في البستان وصرفه عن
الرمان الحامض الموجود فيه وكان أغلب افراد رمان البستان حامضا والرمان الحلو
قليلا في النهاية فالعبارة المطابقة لهذا الغرض والمقصود ان يقول كل الرمان الحلو
في هذا البستان ولا تأكل الحامض وكون الحلو قليلا لا يضر لكونه متعرضا للفرد
النادر ابتداء اما لو قال هذا الشخص المفروض في مقام أداء الغرض الذي قلنا كل
رمان هذا البستان من دون قيد ولا تأكل الرمان الحامض فيعد من المستهجن و
بشاعة هذا الكلام كبشاعة العام المستثنى منه أغلب افراده ولم يبق تحته الا القليل
إذا حفظت ذلك.
فنقول ان الرواية بمقتضى أولى القضيتين تحكم بوجوب صلاة الظهر على
أهل القرى أربع ركعات من دون تقييد ثم بمقتضى القضية الثانية تدل على أنهم إذا
كانوا خمسة وفيهم من يخطب يصلون الجمعة ولا يصح ان تجعل القضية الثانية دليلا
وقرينة على التقييد المتصل في القضية الأولى كما ذكرنا في المثال بل يحمل قوله
في القضية الثانية إذا كانوا خمسة على أن الخمسة إذا كانوا حاضرين لانعقاد
الجماعة وفيهم من يتصدى للخطبة يصلون ركعتين جماعة فأهل القرى أعني الذين
ليس فيهم سلطان عادل يسوقهم ويجمع بهم يجب عليهم صلاة الظهر أربع ركعات
مطلقا سواء كانوا كثيرين أم قليلين فإذا حضر خمسة نفر لإقامة الجمعة وفيهم من
يخطب باختياره يصح منهم الجمعة وفى هذا الحال لا يتعين عليه الجمعة لاطلاق وجوب
الظهر وهذا مطابق مع الوجوب التخييري في زمن عدم بسط اليد من الإمام العادل
الذي يقول به جم غفير من أصحابنا الامامية رضوان الله عليهم وعلى هذا المنوال
باقي الأخبار الواردة في هذا الباب كصحيحة زرارة المتقدمة إذا اجتمع سبعة ولم
يخافوا أمهم بعضهم فان الظاهر من قوله عليه السلام إذا اجتمع سبعة اجتماعهم لإقامة
الجمعة فالاجتماع المذكور شرط لوجوب الجمعة وليس الوجوب مطلقا حتى

660
يجب على كل أحد تحصيل هذا الاجتماع أو حضوره بنفسه حتى لا يكون الترك
مستندا إليه.
فان قلت صحيحة منصور بن حازم تدل على أن العدد شرط للصحة والوجوب
مطلق على كل أحد فمقتضى ذلك لزوم تحصيل الاجتماع المذكور على كل أحد
فان الصحيحة هكذا عن الصادق عليه السلام يجمع القوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا
وان كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم والجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر
الناس فيها الا خمسة المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي فان ذيل الرواية
يدل على عدم معذورية أحد الا المذكورين في المستثنى فالخمسة الموجودون في
محل مع كونهم غير داخلين في المعذورين يجب عليهم إقامة الجمعة مطلقا فيجب
على كل واحد الحضور بل احضار الباقين حتى يتم العدد.
قلت قوم يجمع القوم إذا كانوا خمسة لا يخلو من أحد احتمالين الأول ان
يكون المقصود نفس وجودهم في محل واحد وان كانوا غير حاضرين لصلاة الجمعة
والثاني ان يكون المقصود كونهم حاضرين لصلاة الجمعة وعلى أي حال لا يصح الاخذ
بعموم القضية الواردة في ذيل الرواية وهي قوله والجمعة واجبة على كل أحد لا
يعذر الناس فيها الا خمسة المرأة والمملوك الخ فإنه على الأول العدد الذي يكون
أقل من خمسة من المعذورين أيضا قطعا وعلى الثاني من كان ساكنا في محل يكون
بينه وبين محل انعقاد الجمعة أبعد من فرسخين معذور أيضا وان كان أزيد من العدد
المعتبر بمراتب بمقتضى الروايات الدالة على ذلك فاللازم حمل القضية على كونها
في مقام الاهمال من حيث شرائط الوجوب العيني وبيان انه متى تجب شرعا لا يخرج
الا من هو المستثنى في الرواية ولعل الوجه في ذكر هذه الكلية مع أن المورد ليس من
موارد لزوم السعي إلى الجمعة مطلقا لعدم بسط يد المعصوم بيان ان العدد الذي بهم
يقام الجمعة لابد وأن يكون من غير صنف من استثنى بمعنى ان الخمسة التي بها
يقام الجمعة يلزم ان تكون من غير المرأة والعبد والعبد والمسافر والمريض والصبي فان
هؤلاء ليست الجمعة مشروعة في حقهم وبعبارة أخرى أوضح ان من هو المستثنى

661
في هذه الرواية لم يشرع في حقه صلاة الجمعة وغير مشروعية في حقه مطلقا كائنا
من كان وان كانت غير واجبة عليهم تعيينا فمن كان في زمن عدم بسط يد المعصوم
يجوز له الإقامة مع حضور العدد المعتبر وان كان غير ملزم عينا ومن كان أبعد من
محل إقامة الجمعة بفرسخين يجوز له الإقامة اما بعقد جماعة في محلهم يؤمهم واحد
منهم واما بالمجئ إلى بلد يقام فيه الجمعة وكذا من كان في محل يكون الموجودون
فيه أقل من خمسة مشروع في حقه الجمعة بالذهاب إلى محل يقام فيه الجمعة
أو بجمع العدد في محله من الخارج فالعام المذكور في القضية ليس فيه تخصيص
الا من ذكر في المستثنى.
وما يتوهم من أن المبعد لحمل العموم المذكور في القضية على ما ذكرنا
أمران أحدهما انه خلاف الظاهر في الوجوب المذكور في القضية فان الظاهر من
قوله عليه السلام الجمعة واجبة على كل أحد كونها واجبة فعلية مطلقا وحمله على صرف
التشريع الغير المنافى لكون فعليته مشروطة بشئ خلاف الظاهر والثاني ان العموم
المذكور لا ينطبق على المورد فان المورد مما بعث على الجمعة فعلا مع عدم الشرط
وهم وجود المعصوم المبسوط اليد.
فالجواب اما عن الأول فبان اطلاق الوجوب على الواجب بأصل الشرع مع
اهمال شرائطه غير عزيز كما يقال الصلاة واجبة في الشرع وكذا الزكاة والحج
مع أن وجوبها فعلا مشروطا بشرائط وعن الثاني فبان المناسبة لذكر العموم المذكور
في المقام لعلها التنبيه على أن العدد المعتبر في صحة الجمعة لابد وأن يكون من
غير المذكورين في الاستثناء فتبين مما ذكرنا ان القول بتعين الجمعة في زمان
عدم بسط يد المعصوم مما لا وجه له هذا تمام الكلام في الامر الأول من الأمور
الثلاثة المتقدمة وهو بيان ان وجوب الجمعة عينا هل يكون مشروطا بالسلطان العادل
أو نائبه أولا.
واما الامر الثاني وهو انه على تقدير الاشتراط هل يشرع اقامتها في زمن
انتفاء الشرط وسقوط الوجوب العيني أولا فنقول قد عرفت ان مقتضى الاخبار

662
المتقدمة انه لو اجتمع العدد المعتبر في انعقاد الجمعة تصح وتجزي عن الظهر بل
تكون أفضل ويدل على الأفضلية صحيحة زرارة قال حثنا أبو عبد الله عليه السلام على صلاة
الجمعة حتى ظننت انه يريد ان نأتيه فقلت نغدوا عليك فقال عليه السلام لا انما عنيت
عندكم هذا.
ولكن هنا اخبار اخر تدل على أن صلاة الجمعة وإقامتها من مختصات
الإمام عليه السلام ولا تصح الا به أو من يكون نائبا عنه بالخصوص ومن جهتها ذهب بعض
العلماء إلى عدم مشروعيتها في زمن الغيبة ونحن نذكر الأخبار المذكورة ثم
نشير إلى الجمع بينها وبين الاخبار المصرحة بصحة اقامتها من غير الامام
أو نائبه.
فنقول منها الخبر المروى عن دعائم الاسلام عن علي عليه السلام انه قال لا يصلح
الحكم ولا الحدود ولا الجمعة الا للامام أو من يقيمه الامام والمروى عن كتاب
أشعثيات مرسلا ان الجمعة والحكومة لإمام المسلمين. وعن رسالة الفاضل ابن عصفور
مرسلا عنهم عليهم السلام ان الجمعة لنا والجماعة لشيعتنا. وكذا روى عنهم
عليهم السلام لنا الخمس ولنا الأنفال ولنا الجمعة ولنا صفو المال. والنبوي أربع إلى
الولات الفئ والحدود والجمعة والصدقات. ونبوي آخر ان الجمعة والحكومة لإمام المسلمين
. وفى الصحيفة السجادية في دعاء الجمعة وثاني العيدين اللهم ان هذا المقام
لخلفائك وأصفيائك ومواضع امنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد
ابتزوها وأنت المقدر لذلك إلى أن قال عليه السلام حتى عاد صفوتك وخلفائك مغلوبين
مقهورين مبتزين يرون حكمك مبدلا إلى أن قال عليه السلام اللهم العن أعدائهم من الأولين
والآخرين ومن رضى بفعالهم وأشياعهم واتباعهم. وعن الجعفريات باسناده إلى على بن
الحسين عن أبيه ان عليا عليه السلام قال لا يصح الحكم ولا الحدود ولا الجمعة الا بامام وبهذا
الاسناد ان عليا عليه السلام سئل عن الامام يهرب ولا يخلف أحدا يصلى الناس كيف يصلون الجمعة
قال عليه السلام يصلون كصلاتهم أربع ركعات وعن دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (ع) انه
قال لا جمعة الا بامام عدل تقى، وعن علي عليه السلام انه قال لا يصلح الحكم ولا الحدود

663
ولا الجمعة الا بامام عدل والجمع بين الاخبار بحيث لا يخفى عن المنصف ان صلاة
الجمعة على حسب الجعل الأولى مشروط بان يقيمها النبي صلى الله عليه وآله والخلفاء من بعده
فإذا دعوا إليها يجب السعي إليها الا على من استثنى في الاخبار وفى زمن عدم حضورهم
أو كونهم غير مبسوطي اليد يجب على الناس في يوم الجمعة صلاة أربع ركعات
وفى تلك الحالة إذا اجتمعوا للجمعة بالعدد المعتبر يصح منهم الجمعة مع
بقاء مشروعية الظهر باطلاق المادة ونتيجته التخيير حينئذ بين الظهر والجمعة.
بقى الكلام في الامر الثالث من الأمور المتقدمة وهو انه بعد مشروعية
الجمعة حين حضورهم بالاختيار هل تجب حينئذ عينا وان كان لا يجب الحضور وكذا
يجب على الآخرين المطلعين السعي أوانها تبقى على التخيير كما قبل الحضور.
فنقول الحق هو الثاني والوجه فيه اطلاق دليل الظهر أربع ركعات لأهل القرى مادة
وبيان ذلك أنه لو ورد تكليف بعمل مخصوص على وجه الاطلاق ثم ورد تكليف
آخر مشروط بشئ على خلاف الأول فتارة لا يمكن الجمع بينهما الا بتقييد الأول أيضا
مادة وأخرى يمكن الجمع بالتصرف في الهيئة وابقاء المادة على اطلاقها مثل ما
امر الشارع بالصلاة مع الطهارة المائية من دون قيد ثم امر بان فاقد الماء يصلى مع
التيمم فالجمع بينهما يمكن بوجهين:
أحدهما ان يقيد الدليل الأول بحسب المادة أيضا بان يقال الصلاة مع الطهارة المائية
واجبة على من وجد الماء.
والثاني ان يقال ان دليل التيمم موجب للتصرف في الهيئة لا المادة بمعنى
ان فاقد الماء لم يجب عليه الصلاة مع الطهارة المائية ولكن مصلحة تلك الصلاة
غير مشروطة بشئ. وعلى هذا المبنى نقول بعدم جواز تفويت الماء في الوقت لان
يكون مصداقا للفاقد ومقتضى القاعدة الثاني حفظا لأصالة الاطلاق في المادة وفيما
نحن فيه نقول بان التكليف ورد أولا على أهل القرى بصلاة الظهر أربع ركعات من
دون تقييد واشتراط ثم على تقدير الاجتماع والحضور للجمعة بعدد مخصوص بصلاة
الجمعة ركعتين فمقتضى حفظ اطلاق المادة في القضية الأولى التصرف في الهيئة

664
بحمل الوجوب المستفاد منها على التخييري هذا مضافا إلى أنه لا معنى للتكليفين
المشروطين بالشرط الاختياري للمكلف الا التخيير كامر الشارع بصلاة التمام على
تقدير كونه في الحضر وبالقصر على تقدير كونه مسافرا والمفروض كونه مختارا في
دخوله في أي من العنوانين وهل هذا الا التخيير دائما بين ان يكون حاضرا و
يصلى تماما وأن يكون مسافرا ويصلى قصرا هذا ولا يكاد ينقضي عجبي من بعض
أصحابنا حيث ما أمعن النظر في مجموع اخبار الباب واعجب من ذلك نسبة الجهل أو
التجاهل والغفلة أو التغافل إلى اعلام الدين بل نسبة ترك العمل بالثقلين إليهم مع أن الاخبار
الصادرة من العترة الطاهرة قد عرفت حالها.
واما الكتاب فالآية المتضمنة لحكم صلاة الجمعة هي قوله تعالى في سورة
الجمعة يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و
وذروا البيع وتقريب الاستدلال بها على ما صرح به في الحدائق اتفاق المفسرين
على أن المراد بالذكر في الآية الشريفة صلاة الجمعة أو خطبتها أو هما معا نقل ذلك غير
واحد من العلماء والامر للوجوب إلى أن قال وسياق الآية ظاهر في إرادة الصلاة أو ما يشمل
الخطبة وكانه قال إذا نودي للصلاة فاسعوا إليها وسماها ذكرا تنويها بشأنها انتهى
موضع الحاجة من النسخة الموجودة عندي.
أقول اما أولا فمن لا يتمسك بالكتاب الا مع انضمام تفسير العترة الطاهرة عليه
ان يبين لنا أي خبر دل على أنه كل من نادى يوم الجمعة للصلاة يجب على كل أحد السعي
إليها سواء كان المنادى من جانب الرسول صلى الله عليه وآله أو أحد خلفائه أم لا أو إذا زالت الشمس
يوم الجمعة يجب على كل أحد السعي إلى صلوتها بتحصيل مقدماتها التي منها العدد
المعتبر ومنها من يصلح للإمامة والخطبة والاخبار التي قدمناها بين ما يدل على أن
الجمعة لا تصلح أو لا تصلح الا بواسطة رسول الله صلى الله عليه وآله أو خلفائه وبين ما يدل على أنه مع
عدم حضورهم أو بسط يدهم يصلون الظهر أربع ركعات وان شاؤوا ان يجتمعوا للجمعة بالعدد
المعتبر فلهم ان يصلوا الجمعة.
واما ثانيا وجوب السعي إلى صلاة الجمعة انما علق على النداء ومن الواضح

665
ان الوجوب المشروط بشئ لا يكون فعليا الا بعد تحقق شرطه فيقال هل النداء عبارة
عن مجرد الاذان وقت الزوال يوم الجمعة حتى يكون حال صلاة الجمعة حال صلاة
الظهر في غيرها في عدم توقفها الا على زوال الشمس أو عبارة عن النداء الجالب للناس
إلى خصوص الجمعة لا اشكال في كون الأول خلاف الظاهر فان استعمال كلمة من في
الظرفية خلاف المتعارف لا يقال اذن المؤذن من يوم الجمعة فتعين الثاني ويكون قوله
تعالى من يوم الجمعة متعلقا بالصلاة لا بالنداء فيصير المعنى والله العالم إذا نودي للصلاة
التي هي من يوم الجمعة ولا شبهة في عدم وجوب السعي إلى الجمعة عند نداء كل أحد وان
كان الموجودون في محل أقل من خمسة أو لم يكن بينهم من يصلح للإمامة والخطبة فاللازم
حمل هذا النداء على النداء الذي يحصل من منادي رسول الله صلى الله عليه وآله كما روى أنه صلى الله عليه وآله
إذا جلس على المنبر اذن بلال على باب المسجد وإذا نزل أقام الصلاة ومعلوم ان جلوسه
على المنبر للخطبة يوم الجمعة واذان مؤذنه دعوة للناس إلى صلاة الجمعة وليس لاحد عذر
الا للمعذورين الذين ذكروا في الاخبار والحاصل ان مقتضى الآية الشريفة انه عند دعوة
النبي صلى الله عليه وآله لا يعذر أحد في ترك السعي إلى الجمعة الا من علم من اخبار اخر معذوريتهم و
كذلك خلفائه الراشدون كما نص على ذلك الاخبار وعند قصور يدهم أذنوا
في عقد الجمعة إذا كان عددهم الحاضرون لها خمسة أو سبعة كما مر ذكر تلك الأخبار
ومما ذكرنا ظهر لك ان الوجوب التعييني لصلاة الجمعة بحيث لا يجوز تركها
ولا يجزى عنها صلاة الظهر أربع ركعات مشروط بدعوة النبي صلى الله عليه وآله أو أحد من
خلفائه الطاهرين وعدم دعوتهم قد يكون لقصور يدهم كزماننا هذا وأزمنة سلطنة الجور
وقد يكون لبعض مصالح اخر ويدل على ذلك بعض الاخبار الدال على ترخيص أمير المؤمنين
عليه السلام تركها لجماعة في بعض الأوقات كخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (ع) ان علي بن أبي
طالب كان يقول إذا اجتمع عيدان للناس في يوم واحد فإنه ينبغي للامام ان يقول
للناس في الخطبة الأولى انه قد اجتمع لكم عيدان فانا أصليهما جميعا فمن كان مكانه
قاصيا فأحب ان ينصرف عن الاخر فقد أذنت له وخبر سلمة عن أبي عبد الله عليه السلام قال اجتمع

666
عيدان على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فخطب الناس فقال هذا يوم اجتمع فيه عيدان فمن
أحب ان يجمع معنا فليفعل ومن لم يفعل فان له رخصة يعنى من كان منتحيا وخبر الحلبي
انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن الظهر والأضحى إذا اجتمعا في يوم الجمعة فقال عليه السلام اجتمعا
في زمان علي عليه السلام فقال من شاء ان يأتي إلى الجمعة فليأت ومن قعد فلا يضره وليصل
الظهر وخطب خطبتين جمع فيهما خطبة العيد وخطبة الجمعة.
الفصل الثاني في شرائط الجمعة وهي أمور:
الأول العدد ولا خلاف في أصله بل الخلاف في المقدار المعتبر منه فقيل هو
خمسة والامام أحدهم وقيل سبعة نفر ومنشأ ذلك اختلاف الاخبار.
فمنها ما يدل على انعقادها بخمسة مثل خبر ابن أبي يعفور لا تكون جمعة ما لم يكن
القوم خمسة ومنها صحيحة زرارة لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين
على أقل من خمسة رهط الامام وأربعة وغير ذلك من الاخبار الآتية الدالة على الاكتفاء
بخمسة وفى مقابلها ما دل على اعتبار السبعة لكنه على قسمين: الأول ما يدل على
عدم الاكتفاء بأقل منها مثل صحيحة عمر بن يزيد إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في
جماعة فإنها بالمفهوم تدل على عدم الاكتفاء بأقل من السبعة وصحيحة محمد بن مسلم
عن الباقر عليه السلام تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ولا تجب على أقل منهم الامام
وقاضيه الحديث فإنها صريحة في عدم الاكتفاء بأقل من السبعة والثاني ما يدل على
الاكتفاء بأحد الامرين السبعة أو الخمسة كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال
في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون
يوم الجمعة وصحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام على من تجب الجمعة فقال تجب على
سبعة نفر من المسلمين ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الامام فإذا اجتمع
سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم والجمع بين الأخبار المذكورة بحمل ما يدل
على كفاية الخمسة على أصل التشريع وما يدل على السبعة على الوجوب تعيينا
كما صنعه بعض الاعلام لا يصح على مذهب من لا يقول بالوجوب التعييني في زمن قصور
يد الإمام عليه السلام فان الأخبار المذكورة واردة في زمان قصور يدهم الشريفة كما هو واضح

667
فالأولى بل المتعين حملها على مرتبتي الفضل بمعنى ان عقد الجمعة بكل من العددين
يصح ويكون طرفا للتخيير بين الجمعة والظهر ولكن عقدها بسبعة نفر فما زاد أفضل من
عقدها بخمسة والله العالم.
الثاني الخطبتان والفرق بين هذا الشرط والعدد ان العدد شرط للوجوب وهذا
شرط للصحة فان الخطبتين كنفس الصلاة يجب ايجادهما عند تحقق شرائط وجوب
الجمعة تعيينا أو تخييرا لكي تكون الصلاة الواقعة بعدهما صحيحة ولا اشكال
في أصل الوجوب انما الاشكال في أنه هل يجوز ايقاعهما قبل الزوال حتى إذا فرغ
الامام زالت الشمس كما حكى القول به عن جماعة أولا يصح الا بعد الزوال كالمحكي
عن جمع آخر واستدل للأول بصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يصلى الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب في الظل الأول فيقول جبريل عليه السلام
يا محمد صلى الله عليه وآله قد زالت الشمس فأنزل فصل وبالروايات الدالة على توقيت صلاة الجمعة
بالزوال المستلزم لجواز تقدم الخطبتين ويشكل الاستدلال بالروايات الدالة على
التوقيت بمنع دلالتها على المدعى لشيوع اطلاق الجمعة على ما يعم الخطبتين كاطلاقها
على ما يعم الإقامة لكن الانصاف انه ليس حال الخطبتين بالنسبة إلى الصلاة كحال
الإقامة بالنسبة إليها وكيف كان يكفي للقائل بهذا القول الصحيحة المتقدمة فان
قول جبرئيل عليه السلام له صلى الله عليه وآله بعد خطبة في الظل الأول قد زالت الشمس فأنزل فصل
خصوصا بعد ملاحظة الأخبار الدالة على أن وقت صلاة الجمعة زوال الشمس كالصريح
في المدعى ولا يضر اجمال بعض الألفاظ الواردة في الصحيحة كلفظ الشراك والظل
الأول واستدل للثاني مضافا إلى أصالة الشغل بقوله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم
الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله حيث أوجب السعي بعد النداء فلا يجب قبله وبما رواه
محمد بن مسلم في الحسن قال سئلته عن الجمعة فقال اذان وإقامة يخرج الامام بعد
الاذان فيصعد المنبر فيخطب ولا يصلى الناس ما دام الامام على المنبر ثم يقعد الامام على
المنبر قدر ما يقرء قل هو الله أحد ثم يقوم فيفتح خطبة ثم ينزل فيصلى بالناس الخبر.
اما التمسك بالآية فصحته تبتنى على كون المراد من النداء هو الاذان وانه

668
لا يشرع قبل الزوال وان المراد من ذكر الله هو الخطبة وكل منها غير ثابت. واما
الرواية فالاستدلال بها مبنى على أن المراد من الاذان المذكور في قوله عليه السلام يخرج
الامام بعد الاذان فيصعد المنبر هو الاذان للصلاة وانه لا يشرع قبل الزوال واما لو كان
المراد منه مجرد التنبيه والاعلام لجلب الناس إلى استماع الخطبة أو قلنا بان اذان
الصلاة لا مانع من ايقاعه قبل الزوال ولو في خصوص يوم الجمعة فلا تكون دليلا على
لزوم ايقاع الخطبة بعد الزوال ثم على تقدير تسليم المقدمتين السابقتين لا تكون الرواية
دليلا على تعيين وقت الخطبة بعد الزوال بل غاية الامر تكون دليلا على رجحان
ذلك نعم بناء على هذا تكون معارضة مع الصحيحة السابقة حيث إنها تدل على مواظبة
النبي صلى الله عليه وآله على الخطبة قبل الزوال وكيف كان لو اخر الخطبة إلى أن تزول الشمس
فلا اشكال في الصحة فان الامر بالصلاة التي من مقدماتها الخطبة لا اشكال في أنه بعد
تحقق الزوال في حال الخطبة حال باقي المقدمات المربوطة بالصلاة كالإقامة ونحوها
فإتيان الخطبة بعد الزوال من مقتضيات الامر بالصلاة بعد الزوال التي لا تصح الا
باتيان الخطبة وان أمكن الاجزاء بالخطبة الواقعة قبل الزوال لكن يحتاج إلى
الدليل فصحة الصلاة بالخطبة الواقعة بعد الزوال متيقنة.
فان قلت أليس ذلك من افراد الشك بين المطلق والمقيد الذي فرغنا في
الأصول من أن مرجعه البراءة.
قلت مورد البراءة في القيد المشكوك فيه انما هو بعد توجه التكليف إلى المكلف
وكان مرددا بين كون محله مطلقا أو مقيدا فان تقريب البراءة فيه ان تعلق التكليف
بالطبيعة المهملة معلوم وتقييدها بقيد زائد غير معلوم وما نحن فيه ليس كذلك
فإنه قبل الزوال لم يعلم تكليف وبعد توجه التكليف بالصلاة التي تحتاج إلى الخطبة
يشك في كفاية الخطبة الواقعة قبل الزوال فالاتيان بالصلاة التي وقعت خطبتها قبل
لزوال امتثال احتمالي للتكليف المعلوم فتدبر.
ويجب ان يكون الخطبة مقدمة على الصلاة لظهور الأدلة في كونها شرطا

669
للصحة ومقتضى كونها شرطا سبقها على المشروط مضافا إلى الروايات المستفيضة
التي يفهم منها ان محل الخطبة انما يكون قبل الصلاة وفى الخبر المروى عن
العلل والعيون عن الرضا عليه السلام قال انما جعلت الخطبة يوم الجمعة في أول الصلاة
وجعلت في العيدين بعد الصلاة لان الجمعة امر قائم الحديث خلافا للمحكى عن ظاهر
الصدوق قدس سر لما رواه مرسلا عن الصادق عليه السلام انه قال أول من قدم الخطبة على
الصلاة يوم الجمعة عثمان ولا يخفى عدم اعتبار هذه الرواية مع شذوذ القول بها و
ارسالها ومعارضتها مع الروايات المعتبرة ولعله كما قيل وقع في هذه الرواية يوم
الجمعة سهوا من الراوي بدل العيد فإنه روى في صلاة العيد انه لما رأى نفار الناس
بعد الصلاة وعدم صبرهم على استماع الخطبة قدمها على الصلاة وكيف كان فلا ريب
في عدم جواز تأخير الخطبة فلو بدأ بالصلاة واخر الخطبة لم تصح. وهل يجزى إعادة
الصلاة بعد الخطبتين مع بقاء وقتها أم لا الظاهر الأول لو قصد امتثال الامر الواقعي
المتعلق بالخطبة وهل بطلان الصلاة التي وقعت قبل الخطبة مختص بالعامد أو يعم
الناسي وجهان من أن ظاهر الأدلة كون الخطبة شرطا لصحة الصلاة فالصلاة الواقعة
بدون سبق الخطبة باطلة ومن عموم قوله لا تعاد الصلاة الا من خمسة إذ مقتضاه ان
كل صلاة وجدت خالية مما اعتبر فيها نسيانا تصح الا ان تكون فاقدة لاحد الأمور
المذكورة في المستثنى ولا يخفى ان هذا الكلام جار في كل ما اعتبر في صحة الجمعة
لو ترك نسيانا كاعتبار عدم جمعة أخرى وبينهما دون ثلاثة أميال فلو وقعتا كذلك
نسيانا يصدق انها صلاة وقعت فاقدة للشرط المعتبر فيها وكذا لو جلس الخطيب في
حال الخطبة نسيانا ثم صلوا بعد ذلك وهكذا الكلام في باقي الشروط ولم أجد من
تمسك لصحة الصلاة بالعموم المذكور ودعوى انصراف الصلاة المذكورة في القاعدة
من مثل المقام أعني صلاة الجمعة لا يرى لها وجه ظاهر. ويمكن ان يقال بعدم جواز
التمسك بعموم القاعدة في مثل المقام على القول بتضييق وقت صلاة الجمعة وان
وقتها من الزوال بمقدار ما يتسع للاذان والخطبتين وصلاة الجمعة كما حكى ذلك
عن السيد بن زهرة مدعيا عليه الاجماع وحكى هذا القول أيضا عن الجعفي ويأتي

670
انشاء الله تحقيق القول في ذلك ولسنا في صدد تصحيح هذا القول والغرض انه بناء
عليه يمكن ان يقال بعدم شمول القاعدة لمثل المقام.
بيان ذلك أن قوله لا تعاد الصلاة الا من خمسة ظاهره ان الاخلال بما اعتبر في
الصلاة جزء أو شرطا الذي يوجب الإعادة بمقتضى اطلاق دليل الجزئية والشرطية
لو وقع نسيانا لا يضر بالصلاة ولا تجب الإعادة وفيما نحن فيه الاخلال لا يوجب الإعادة
قطعا لخروج وقت صلاة الجمعة بنفس العمل الفاقد للقيد المعتبر فيه بل يجب الظهر
فلا تشمل القاعدة المذكورة للمقام اللهم الا ان يقال ان قوله لا تعاد الصلاة كناية
عن الصحة من دون اعتبار قابلية الصلاة للإعادة فتدبر.
الثالث ان لا يكون هناك جمعة أخرى وبينهما دون ثلاثة أميال ويدل عليه
حسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال يكون بين الجمعتين ثلاثة أميال يعنى لا تكون
جمعة الا فيما بينه وبين ثلاثة أميال وليس يكون جمعة الا بخطبة قال فإذا كان بين
الجماعة ثلاثة أميال فلا بأس ان يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء وموثقته أيضا عن أبي جعفر عليه السلام تجب
الجمعة على من كان منها على فرسخين ومعنى ذلك إذا كان امام عادل وقال عليه السلام وإذا كان
بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس ان يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء ولا يكون بين الجماعتين
أقل من ثلاثة أميال وعد ذلك من الشرائط مبنى على كون النهى الوارد في
المقام لبيان الشرطية كما هو ظاهر العبارة الواردة في الحسنة لا تكون جمعة الا فيما
بينه وبين ثلاثة أميال فعلى هذا لو اقترنت الجمعتان في أقل من الحد المذكور بطلتا
وان وقعتا نسيانا أو من غير التفات المصلين قضاء للشرطية وامتناع الحكم بصحتهما
معا ولا مرجح لأحدهما. ولو سبقت إحديهما ولو بتكبيرة الاحرام بطلت المتأخرة
على ما في الشرائع والمحكي عن التذكرة الاجماع على صحة السابقة وبطلان
اللاحقة واستدل على ذلك بعض الاعلام باختلال شرط الثانية فتفسد به واما الأولى
فلا مانع من صحتها إذا لمتبادر من النص والاجماع انما اعتبار الفصل بين الجمعتين
الصحيحتين فالثانية غير صالحة للمانعية عن صحة الأولى.
فان قلت فعلى هذا لا يصلح كل منها للمانعية من صحة الأخرى مع

671
المقارنة أيضا.
قلت نعم هو كذلك إذ لا ممانعة بين فاسدتيها ولذا لا تصلحان للمنع عن صحة
ثالثة متأخرة عنهما وانما الممانعة بين صحيحتهما وهي مقتضية لامتناع حصولهما
معا الا فاسدتين من غير أن يكون بين الفاسدتين علية أو ترتب بل فساد كل منهما
مسبب عن امتناع اتصافهما بالصحة قضية للمانعية وامتناع اختصاص إحديهما بهذا
الوصف دون الأخرى لاستلزامه الترجيح من غير مرجح واما لو وجدتا تدريجا فلا
مانع عن صحة الأولى لأنها انعقدت صحيحة ومعها يمتنع صحة الثانية سواء قلنا
بتأثيرها في ابطال الأولى أم لم نقل فالثانية بذاتها لا تقع الا باطلة وقد عرفت ان
الباطلة ليست مانعة عن صحة غيرها فلا مانع عن صحة الأولى انتهى كلامه رفع مقامه
ولقائل ان يقول إن قولك بان المتبادر من النص والاجماع اعتبار الفصل بين
الجمعتين الصحيحتين ان أردت ان التمانع لا يقع الا بين الصحيحتين فعلا ومن جميع
الجهات فهذا امر غير معقول وكيف يمكن ان تصير الجمعة التي تقع صحيحة فعلا
فاسدة من جهة الجمعة التي وقعت كذلك وان أردت الصحة من غير جهة الاجتماع
فكما ان المقترنتين صحيحتان بهذا المعنى كذلك السابقة واللاحقة فان اللاحقة
صحيحة مع قطع النظر عن الاجتماع كالسابقة فكما ان اللاحقة يعرضها الفساد من
جهة الجمع كذلك السابقة يعرضها من حين اجتماعها مع اللاحقة نعم انعقدت
السابقة صحيحة بمعنى ان ما أتى به من الاجزاء قبل اللاحقة صالح للجزئية للمأمور
به ولا يثمر ذلك بعد طرو الفساد من جهة وصف الجمع هذا. والذي يمكن ان
يقال ان المانع في كل صلاة جمع المكلف إياها مع صلاة أخرى لا مجرد اجتماعهما
ولا اشكال في أن هذا المعنى محقق في اللاحقة دون السابقة مثلا لو قيل لزيد لا تجمع
نفسك مع عمرو في مجلس واحد فان حضرا في المجلس متقارنين فوصف الجمع
مستند إليهما وان سبق أحدهما إليه ولحقه الاخر فوصف الجمع مستند إلى اللاحق.
نعم لكل منهما دخل في بقاء الاجتماع والذي يرشد إلى ما ذكرنا قوله عليه السلام

672
في الروايتين السابقتين فإذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس ان يجمع
هؤلاء ويجمع هؤلاء فان تلك القضية بمفهومها تدل على أن الطائفة التي ليست بينهم
وبين الجمعة الأخرى ثلاثة أميال لا يجوز لهم ان يصلوا الجمعة ولا شك في أن الطائفة
السابقة ليست ممن ليس بينه وبين الجمعة الأخرى أقل من ثلاثة أميال فلا باس ان يجمعوا
بمقتضى الرواية بخلاف طائفة الثانية فان بينها وبين الجمعة الأخرى أقل من ثلاثة أميال
فليس لهم ان يجمعوا.
الفصل الثالث فيمن تجب عليه الجمعة اعلم أنه قد استثنى في الاخبار جماعة
ممن فرض الله تعالى عليه الجمعة ففي الصحيح عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر
عليه السلام قال انما فرض الله عز وجل على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلثين صلاة
منها صلاة واحدة فرضها الله عز وجل في جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة عن الصغير
والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس
فرسخين.
وفى خطبة أمير المؤمنين عليه السلام والجمعة واجبة على كل مؤمن الا على
الصبي والمريض والمجنون والشيخ الكبير والأعمى والمسافر والمرأة والعبد
المملوك ومن كان على رأس فرسخين. وفى صحيحة محمد بن مسلم منها صلاة واجبة على كل
مسلم ان يشهدها الا خمسة المريض والمملوك والمسافر والمرأة والصبي وصحيحة
المنصور الجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيهما الا خمسة المرأة والمملوك
والمسافر والمريض والصبي وفى النبوي الجمعة حق واجب على كل مسلم الا الأربعة
عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض إلى غير ذلك من الاخبار وليس في واحد
منها ذكر العرج سوى ما عن السيد في مصباحه مرسلا حيث قال على ما حكى عنه
وقد روى أن العرج عذر فان انجبر ضعفها بالشهرة والا فعده من جملة الاعذار
المسقطة للتكليف لا يصح. نعم لو كان السعي إلى الجمعة حرجيا يسقط عنه كما
يسقط عن كل من كان كذلك وان كان من غير من استثنى في الاخبار. واما من
استثنى في الاخبار فالجمعة ساقطة عنه وان لم يكن السعي إليها حرجيا نعم يمكن

673
اعتبار المشقة النوعية في مثل الشيخ الكبير والمريض والأعمى بواسطة مناسبة المقام
وان كان في بعض الافراد منها في غاية السهولة كما يقال في العفو عن دم الجروح و
القروح والأقل من درهم وما يظهر من بعض الاعلام من اعتبار المشقة العرفية في
المريض والشيخ بحيث يدور الحكم مدارها دون مثل الأعمى فإنه لا يعتبر المشقة
العرفية في افراده بل هي حكمة لسقوط التكليف عنه مما لا أرى له وجها.
ثم اعلم أن مقتضى الاخبار المشتملة على الاستثناء المذكورين فيها عدم مشروعية
الجمعة في حقهم أو عدم جواز التمسك بها على المشروعية بعد حضورهم فان
قوله عليه السلام في صحيح زرارة منها صلاة واحدة فرضها الله عز وجل في جماعة وهي الجمعة
ووضعها عن تسعة عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة إلى آخر
المذكورين لا يخلو من أنه اما أريد به أصل التشريع من دون اطلاق حالي واما محمول على
الاطلاق فعلى الأول مقتضى الاستثناء انها غير مشروعة في حق المذكورين وعلى الثاني لا
يمكن استكشاف أصل التشريع من هذه الأخبار.
نعم لو دل دليل على الاجتزاء بها عن هؤلاء بدلا للظهر لا تنافيه الأخبار المذكورة
على الثاني وما ترى من أن الخارج على رأس فرسخين لو حضر يجب عليه الجمعة
انما هو من جهة تبدل العنوان كالمسافر الذي يصير حاضرا واما الاشخاص التي لا يتبدل
عنوانها بالحضور كالمرأة والأعمى والعبد وأمثالها فلا يصح التمسك بتلك الأخبار على
الصحة فضلا عن الوجوب التعييني.
فان قلت من كان على رأس أزيد من فرسخين لا يجب عليه الجمعة تعيينا قطعا
فان من كان على رأس أزيد من فرسخين مع كونه كذلك لو كان قبل الزوال فلا يجب عليه و
على غيره الجمعة لعدم دخول الوقت وان كان بعد الزوال لا يمكن في حقه الجمعة
فإنه لو مشى إليها لا يدخل محل انعقاد الجمعة الا بعد الفراغ منها فلابد ان يحمل عدم
الوجوب في تلك الفقرة على عدم وجوب المشي والسير وبعد حمل تلك الفقرة
على ذلك يجب حمل باقي العناوين على ذلك أيضا لان كلها مورد لحكم واحد وحينئذ
يقال لا منافاة بين القول بعدم وجوب السير والحضور على هؤلاء بمقتضى الأخبار المذكورة

674
وصحة الجمعة في حقهم بل وجوبها على تقدير السير بمقتضى الأخبار الواردة في المقام
الغير المشتملة على الاستثناء.
قلت لا اشكال في أن مفاد الاخبار وجوب الجمعة على كل أحد الا المذكورين
لا نفس السعي إليها واما قولك بان من كان على رأس أزيد من فرسخين لا يجب عليه
الجمعة قطعا إلى آخر ما ذكرت فممنوع لامكان ان يجب الجمعة عليه قبل الزوال
فيلزم السعي إليها من باب المقدمة كما أنه يجب قبل الزوال الوقوف في العرفات
في أول الزوال فيجب السعي إليها قبل الزوال مقدمة وقد حققنا في الأصول ان الواجب
المشروط إذا علم بتحقق شرطه يجب عليه مقدمته التي لو لم يأت بها يفوت
الواجب.
فالحاصل من الروايات ان الجمعة واجبة عينا على كل أحد عند شرائطها
المعتبرة في تحققها كالعدد وحضور من له الامر وقدرته ولو لم يستثن هؤلاء
المذكور ون لكان الواجب على كل واحد منهم السعي إليها إذا علموا بتحقق الشرائط
المعتبرة حتى من كان على رأس أزيد من فرسخين إذ لولا الاستثناء لكان الواجب عليه
السعي من الصبح مثلا حتى يدرك الجمعة فالاستثناء صار موجبا لعدم لزوم السعي لأنه
ليس مقدمة للواجب عليه نعم لو سعى ووصل إلى محل إقامة الجمعة وجبت عليه
لتبدل العنوان كما لو صار المسافر حاضرا واما العناوين الاخر التي لا يتبدل
عنوانها بالحضور كالمرأة والعبد وأمثالهما فلا وجه للاستدلال بهذه الاخبار لصحة
صلوتهم بعد الحضور فضلا عن تعيينها عليهم نعم هنا بعض اخبار اخر تدل على وجوب
الجمعة على المذكورين إذا حضروا مثل خبر حفص بن غياث قال سمعت بعض
مواليهم سأل ابن أبي ليلى عن الجمعة هل تجب على العبد والمرأة والمسافر فقال
ابن أبي ليلى لا تجب الجمعة على أحد منهم ولا الخائف فقال ما تقول ان حضر
واحد منهم الجمعة مع الامام فصلاها معه هل تجزيه تلك الصلاة عن ظهر يومه فقال
نعم فقال له الرجل فيكف يجزى ما لم يفرضه الله عليه عما فرضه الله عليه وقد قلت إن
الجمعة لا تجب عليه ومن لم تجب عليه الجمعة فالفرض عليه ان يصلى أربعا ويلزمك

675
فيه معنى ان الله فرض عليه أربعا فكيف أجزء عنه ركعتان مع ما يلزمك ان من
دخل فيما لم يفرضه الله عليه لم يجز عنه مما فرضه الله عليه فما كان عند ابن أبي ليلى
فيها جواب وطلب إليه ان يفسرها له فأبى ثم سألته انا عن ذلك ففسرها لي فقال الجواب
عن ذلك أن الله عز وجل فرض على جميع المؤمنين والمؤمنات ورخص المرأة والمسافر
والعبد ان لا يأتوها فلما حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الأول فمن اجل
ذلك أجزء عنهم فقلت عمن هذا فقال عن مولانا أبى عبد الله عليه السلام وهذه الرواية تدل
على وجوب الجمعة على المرأة والعبد والمسافر عينا إذا حضروا وان الاجزاء عن
الظهر كان من الأمور المسلمة واشكال بعض الموالى على ابن أبي ليلى الذي عجز عن
جوابه اشكال علمي.
ولكن يشكل الاعتماد على هذا الخبر الذي أرسله عن بعض غير معروف وان
قيل بان الطائفة عملت بما رواه حفص عن أئمتنا وان له كتابا معتمدا ومع فرض
اعتبار السند معارض في المرأة بخبر أبى همام عن أبي الحسن عليه السلام قال إذا صلت
المرأة في المسجد مع الامام يوم الجمعة ركعتين فقد نقصت صلوتها وان صلى في
المسجد أربعا نقصت صلوتها لتصل في بيتها أربعا أفضل لصراحة هذا الخبر بان صلاة
المرأة الحاضرة في المسجد مع الامام يوم الجمعة ركعتين ناقصة ورجوعها إلى
بيته أفضل مع أن خبر حفص صريح في عكسه نعم يدل على صحة صلوتها واجزائها
عن الظهر لوصلت مع الامام ركعتين صلاة الجمعة بناء على أن كلمة أفضل في قوله عليه السلام
في بيتها أربعا أفضل لوحظ فيه كلتا الفقرتين السابقتين واما لو كان المراد
أفضلية صلوتها أربعا في البيت من صلوتها كذلك في المسجد فلا يدل على اجزاء
الجمعة لوصلت مع الامام عن الظهر لامكان كون كلتا الصلاتين ناقصتين وكان
النقص في الأولى بواسطة البطلان وفى الثانية بواسطة كونها مرجوحة بالإضافة
إلى صلوتها في البيت أربع ركعات ومما يدل على وجوب الجمعة على النساء خبر
على بن جعفر عليه السلام المروى عن قرب الاسناد انه سئل أخاه عن النساء هل عليهن من
صلاة العيدين والجمعة ما على الرجال فقال نعم ولكنه معارض بالاخبار المعتبرة

676
المستفيضة الدالة على أنه ليس على النساء جمعة وحمل تلك الأخبار على عدم لزوم
السعي والحضور وهذا الخبر على الوجوب على تقدير الحضور ليس له شاهد
وليس هذا الجمع بجمع عرفي مضافا إلى صراحة خبر أبي همام السابق بان المرأة
الحاضرة في المسجد لو صلت مع الامام الجمعة ركعتين فصلاتها ناقصة.
فتحصل مما ذكرنا الاشكال في صحة صلاة المعدودين في الاخبار الاستثناء
عمن وجب عليه الجمعة إذا تكلفوا الحضور الا من كان على رأس أزيد من فرسخين
فإنه يتبدل عنوانه بالحضور لكن هذا الذي ذكرنا خلاف المشهور بين الأصحاب
بل قيل إن كل هؤلاء لو تكلفوا الحضور للجمعة المنعقدة بغيرهم صحت منهم وأجزأتهم
عن الظهر بلا خلاف فيه على الظاهر بل المحكى عن المدارك انه مقطوع به بين
الأصحاب ومقتضى الاحتياط لو حضر أحد هؤلاء الجمعة مع استجماع باقي شرائط
الوجوب التعييني الجمع بين الجمعة والظهر واما في مثل زماننا فيأتي بالظهر أربع ركعات
فإنه المتيقن.
في بيان وقت صلاة الجمعة
الفصل الرابع في وقت صلاة الجمعة اعلم أنه لا اشكال بمقتضى الأخبار الكثيرة في أن
وقتها حين تزول الشمس وانما الاشكال في آخر وقتها فنسب إلى الأكثر ان وقتها
يخرج إذا صار ظل كل شئ مثله وحكى عن السيد بن زهرة وأبى الصلاح ان وقتها من
الزوال بقدر ما يتسع للاذان والخطبتين وصلاة الجمعة والمحكي عن الشهيد في
الدروس والبيان القول بامتداد وقتها بامتداد وقت الظهر ولعل هذا هو الأظهر للأدلة
الدالة على أنه إذا زالت الشمس دخل الوقتان الا ان هذه قبل هذه ثم إن المكلف
في وقت منهما إلى أن تغرب الشمس وليس في البين دليل يوجب تضيق وقت اجزاء
صلاة الجمعة بالخصوص سوى جملة من الاخبار المتضمنة لتضيق وقت الجمعة
فاللازم ذكرها حتى ينظر الناظر هل الظاهر تضيق أصل الوقت بحد خاص
بحيث لو خرج منه لا يجزى الجمعة ويتعين الظهر أو يكون المراد منها تضيق وقت الفضيلة.
فأقول من الاخبار المتضمنة للتضييق صحيحة زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام

677
يقول إن من الأمور أمورا مضيقة وأمورا موسعة وان الوقت وقتان والصلاة مما فيه
السعة فربما عجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وربما اخر الا صلاة الجمعة فان صلاة الجمعة من
الامر المضيق انما لها وقت واحد حين تزول ومنها خبر محمد بن أبي عمير قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة يوم الجمعة فقال نزل بها جبرئيل مضيقة إذا زال الشمس
فصلها قال إذا زالت الشمس صليت ركعتين ثم صليتها فقال قال أبو عبد الله عليه السلام اما
انا فإذا زالت الشمس لم ابدأ بشئ قبل المكتوبة ومنها خبر عبد الاعلى ابن أعين
المروى عن محاسن البرقي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال إن من الأشياء أشياء
مضيقة ليس تجرى الاعلى وجه واحد منها وقت الجمعة ليس لها الا وقت واحد حين
تزول الشمس ومنها خبر الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال إن من الأشياء أشياء
موسعة وأشياء مضيقة فالصلاة مما وسع فيه تقدم مرة وتؤخر أخرى والجمعة مما
ضيق فيها فان وقتها يوم الجمعة ساعة نزول ووقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها
وعن الصدوق مرسلا قال قال أبو جعفر عليه السلام وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول
الشمس ووقتها في السفر والحضر واحد وهو من المضيق وصلاة العصر يوم الجمعة
في وقت الأولى في ساير الأيام وهذه الأخبار ليست ناصة بل ولا ظاهرة في أن لصلاة
الجمعة وقتا محدودا على خلاف الوقت المجعول للظهر في سائر الأيام فان الظاهر أن
التضيق المذكور في الصحيحة الأولى انما هو بالنسبة إلى التوسعة المجعولة
للظهر في ساير الأيام وان هذا التضيق ليس مختصا بصلاة الركعتين اللتين يؤتى بهما
مع الامام بل هو حاصل لمن كان فرضه الانفراد لعدم وجود شرائط الجمعة أو لكونه
مسافرا.
ومما يدل على ذلك خبر محمد بن أبي عمير المتقدم إذ الظاهر أن المراد بالصلاة
يوم الجمعة في هذه الرواية هي فريضة الظهر لا خصوص الجمعة كما أن المراد من قول الإمام
بدأت بالمكتوبة لم يكن على الظاهر الا الظهر لا الجمعة التي لم يتيسر له و
لشيعته الا خلف الجائر تقية ويؤيد ذلك مرسلة الصدوق قال أبو جعفر عليه السلام وقت صلاة
الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول الشمس ووقتها في السفر والحضر واحد فإنه بعد

678
معلومية عدم وجوب الجمعة على المسافر يتعين ان يكون المراد ان صلاة الظهر
يوم الجمعة وقتها حين تزول الشمس والحاصل انه لا يستفاد من الاخبار المتضمنة
لتضيق وقت صلاة الجمعة الا تضيق وقتها الذي ينبغي فعلها فيه لا وقتها المطلق الذي
تفوت الصلاة بفوته وبعبارة أخرى المستفاد من الاخبار ان الصلاة في يوم الجمعة لما
لم يكن قبلها نافلة ضيق وقتها الذي ينبغي فعلها فيه سواء اتى بها ركعتين مع
الامام مع وجود الشرائط أم أتى أربع ركعات بخلاف الظهر في سائر الأيام فإنه
وسع في وقتها التفصيلي لمكان النافلة كما يدل على هذا المضمون الأخبار المذكورة
في بحث المواقيت ولا دلالة فيها على تحديد الوقت بحيث تفوت الصلاة بفوته فلا
مانع من الاخذ بعموم الأخبار الواردة في باب الأوقات الدالة على أنه إذا زالت الشمس
دخل الوقتان ثم انه موسع إلى أن تغرب الشمس وتخصيصها بغير صلاة الجمعة مما لا أرى له
وجها والله العالم.
الفصل الخامس في بعض مسائلها الأولى لو صلى الامام في الوقت الذي يسع
الخطبتين والصلاة ولكن لم يحضر المأموم الخطبة وأول الصلاة ولكنه أدرك مع
الامام ركعة صلى جمعة كما ادعى عليه الاجماع ويدل عليه جملة من الاخبار منها
صحيحة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا أدرك الرجل ركعة فقد
أدرك الجمعة فان فاتته فليصل أربعا ومنها صحيحة عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام
قالا إذا أدركت الامام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى
واجهر فيها وان أدركته وهو يتشهد فصل أربعا ومنها خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
انه سأله عمن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة فقال يصلى ركعتين فان فاتته الصلاة فلم
يدركها فليصل أربعا وقال إذا أدركت الامام قبل ان يركع الركعة الأخيرة فقد
أدركت الصلاة فان أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع ولا يعارضها صحيحة
ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يكون الجمعة الا لمن أدرك الخطبتين لصراحة
تلك الأخبار الصحيحة بخلافها وامكان حمل هذه الصحيحة على نفى الكمال ويتحقق
ادراك الركعة بادراك الامام قبل تكبيرة الركوع بلا اشكال وهل يتحقق لو أدرك

679
الامام راكعا في الثانية كما نسب إلى المشهور أم لا بل يعتبر ادراك تكبير الركوع
في ادراك الركعة كما حكى عن المفيد والشيخ في التهذيب والاستبصار والنهاية و
يدل على الأول الأخبار المستفيضة الدالة على ادراك الجماعة بادراك الامام راكعا قبل
ان يرفع رأسه.
حجة القول الثاني صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال إن لم تدرك
القوم قبل ان يكبر الامام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة وصحيحة الأخرى
أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الامام وصحيحه الثالثة
أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال إذ أدركت التكبيرة قبل ان يركع الامام فقد أدركت
الصلاة ورواية الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا لم تدرك تكبيرة الركوع
فلا تدخل معهم في تلك الركعة ولا يخفى عدم معارضة ما ذكر للنصوص
المستفيضة الدالة بالصراحة على صحة الاقتداء بادراك الامام راكعا لامكان حمل
ما يدل على عدم الاعتداد بالركعة التي لم يدرك تكبيرها مع الامام على عدم
الاعتداد من جهة الفضل لا الاجزاء بمعنى انه لا ينبغي تأخير الاقتداء إلى أن يركع
الامام اختيارا أو غير ذلك من المحامل.
نعم يمكن القول باختصاص الجمعة بهذا الحكم لرواية الحلبي المتقدمة
إذا أدركت الامام قبل ان يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة فان أنت
أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع بناء على ظهور قوله عليه السلام قبل ان يركع في
ادراك الامام قبل تحقق أصل الركوع منه لا في اتمامه كما أن قوله عليه السلام وان
أدركت بعد ما ركع أيضا ظاهر في ادراك الامام بعد تحقق أصل الركوع لا الفراغ منه
فادراك الامام في حال الركوع داخل في ادراكه بعد تحقق الركوع لكن الانصاف انه لا
يمكن تخصيص المطلقات الواردة في باب الجماعة الناصة في كفاية ادراك الامام راكعا في
صحة الجماعة بمثلها ويدل على ذلك أيضا صحيحة عبد الرحمن المتقدمة وان أدركته و
هو يتشهد فصل أربعا إذا الظاهر أن قوله عليه السلام وهو يتشهد كناية عن الفراغ عن الركوع
في الركعة الثانية كما لا يخفى.

680
في الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة
الثانية لا اشكال في رجحان الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة ويدل عليه الأخبار المستفيضة
منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال انما فرض الله عز وجل على الناس
من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة إلى أن قال والقراءة فيها بالجهر ومنها
صحيحة عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا أدركت الامام يوم الجمعة وقد سبقك
بركعة فأضف إليها ركعة أخرى واجهر فيها وان أدركته وهو يتشهد فصل أربعا.
ومنها صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال وليقعد قعدة بين الخطبتين ويجهز
بالقراءة ومنها صحيحة جميل قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجماعة يوم الجمعة في
السفر فقال تصنعون كما تصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر ولا يجهر امام فيها بالقراءة انما
يجهر إذا كانت خطبة ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال سألته عن صلاة الجمعة في السفر
فقال تصنعون كما تصنعون في الظهر ولا يجهر الامام فيها بالقراءة وانما يجهر إذا
كانت خطبة وليس في قبال هذه الأخبار ما يصرح بترخيص الاخفات فيها لكن نقل
الاجماع على الاستحباب كما قيل كالمتواتر والمحكي في المدارك انه قد قطع الأصحاب
بعدم وجوب الجهر في هذه الصلاة وأنت خبير بأنه مضافا إلى ظهور الأخبار المستفيضة
في لزوم الجهر يأبى بعض الاخبار إرادة الاستحباب كصحيحة جميل بن دراج وكذا
صحيحة محمد بن مسلم حيث نهى عن الجهر في السفر لعدم الجمعة عليه وقال عليه السلام يصنعون كما
يصنعون في الظهر وانما الجهر إذا كانت خطبة فان قوله عليه السلام لا يجهر الامام فيها أي في صلاة
الظهر لا يجوز حمله على المنع لما ثبت في محله بالأخبار الصحيحة من استحباب الجهر
في صلاة الظهر يوم الجمعة فلابد من حمل قوله عليه السلام ولا يجهر الامام فيها على عدم وجوب
الجهر فيكون معنى قوله عليه السلام وانما الجهر إذا كانت خطبة ان وجوب الجهر منحصر في
ما إذا كانت خطبة فليس للقول بالاستحباب مدرك سوى الاجماعات المنقولة
المستفيضة بل قيل إنها متواترة نعم استدل في المحكى عن المدارك بصحيحة على بن
جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل يصلى من الفرائض ما يجهر به

681
في القراءة هل عليه ان لا يجهر قال عليه السلام ان شاء جهر وان شاء لم يجهر لكن
الاستدلال بها مبنى على القول بنفي وجوب الجهر في سائر الصلوات الجهرية واما
على المشهور من لزوم الجهر في سائر الصلوات الجهرية فلا يصح الاستشهاد بها
إذا لا يصح صرف السؤال والجواب إلى خصوص صلاة الجمعة كما لا يخفى وكيف
كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالاتيان جهرا.
الثالثة المستفاد من الاخبار ان صلاة الجمعة هي الظهر بعينها في يوم الجمعة
كما يفصح عن ذلك صحيحة الفضيل بن عبد الملك قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات فان كان لهم من يخطب بهم
جمعوا إذا كانوا خمسة نفر وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال سألته عن أناس
في قرية هل يصلون الجمعة جماعة قال نعم ويصلون أربعا إذا لم يكن من يخطب و
غير ذلك من الروايات ومن ذلك يظهر انه لو وجبت عليه الجمعة عينا فصلى الظهر أربع ركعات
كانت صلوته باطلة ووجب السعي إلى الجمعة فان ادركها والا أعاد الظهر أربع ركعات
ولم يجتز بالأول والحاصل ان مقتضى الأدلة ان صلاة الظهر على من تحقق
له شرائط الوجوب العيني ركعتان بالكيفية الخاصة وعلى غيره أربع ركعات مثل
ان صلاة الظهر على الحاضر أربع ركعات وعلى المسافر ركعتان فلا يتوهم ان سقوط
الظهر عمن وجبت عليه الجمعة من جهة المزاحمة فيترتب عليه انه لو ترك الجمعة
واتى بالظهر تقع صحيحة وان عصى بترك الجمعة ولا فرق في ذلك بين العمد والنسيان
ولو شك في أنه متمكن من أداء الجمعة أم لا لم يكن له ان يأتي بالظهر ولا ان يتجزى
بها لو صلى الظهر والحال هذه نعم لو ظهر في الأثناء أو بعد الفراغ كون ما صدر عنه موافقا
لتكليفه الواقعي وانه في حال التلبس ما كان متمكنا من أداء الجمعة يمكن القول
بصحة صلوته ان تأتى منه قصد القربة ويمكن ان يقال لو شك في التمكن من أداء
الجمعة فشكه مسبب عن وجود شرائطها والمفروض انه مع عدم وجود الشرائط يجب
عليه الظهر ومقتضى الأصل عدم وجودها فيترتب عليه وجوب الظهر شرعا من دون
واسطة نعم لو ظهر بعد ذلك وجود شرائط الجمعة وان الظهر لم يكن وظيفته في الواقع

682
لم يجتز بها بل أعادها ظهرا ان لم يدرك الجمعة وهل يجب على الشاك الفحص أم لا
بل يجوز التلبس بالظهر وان تمكن من الفحص من دون مشقة من كون الشبهة
موضوعية فيصح الاخذ باطلاق دليل الأصل ومن امكان المنع من شمول الاطلاق المتعرض
لحكم الشك للشك الابتدائي الذي يمكن زواله بالفحص المتعارف على هذا المبنى
قلنا بلزوم التروي في الشك في ركعات الصلاة واجراء حكمه بعد استقراره نعم لا يلزم
الفحص في الشبهات التحريمية بالاجماع.
الرابعة الواجبات المتعلقة بالخطبة أمور:
أحدها ان تكون مقدمة على الصلاة كما هو المعروف من مذهب الأصحاب ويدل عليه
النصوص المشتملة على بيان الكيفية والروايات الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد تقدم
تفصيل القول فيه فيما تقدم فراجع.
ثانيها كون الخطيب قائما حين الخطبة والأخبار الواردة في كيفية الخطبتين
كثيرة ولكن سوق الخطبة والقيام فيها في عداد المستحبات يمنع من التمسك
بها للوجوب نعم في صحيحة معوية بن وهب قال قال أبو عبد الله عليه السلام ان أول من
خطب وهو جالس معوية واستأذن الناس في ذلك من وجع كان بركبتيه وكان يخطب
خطبة وهو جالس وخطبة وهو قائم يجلس بينهما ثم قال عليه السلام الخطبة وهو قائم
خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين و
دلالة هذه الصحيحة على شرطية القيام في الخطبتين واضحة فان الظاهر منها ان جلوس
الخطيب في حال الخطبة من الأمور المنكرة في الشرع هذا كله مع القدرة واما
مع العجز فالمنسوب إلى المشهور سقوط اعتباره وليس في الاخبار ما يدل على حكم العاجز ولعل
مستند المشهور قاعدة الميسور أو دعوى انصراف ما دل على القيام إلى صورة القدرة
فيبقى اطلاق ما دل على وجوب الخطبة سليما عن المقيد وفى كل منهما نظر اما
الأول فلان التمسك بقاعدة الميسور في المركبات التي يعجز المكلف عن اتيان
بعض اجزائها أو قيودها انما يحسن فيما إذا دار الامر بين سقوط لفعل التكليف أو
الاتيان بالميسور فتقتضى القاعدة الاتيان بالميسور وليس المقام كذلك لأنه بعد

683
فرض عدم التمكن من الشرائط الواقعية للجمعة يتعين عليه الظهر لا اتيان الجمعة
الناقصة وهل هذا الا نظير العجز عن أصل الخطبة وهل يمكن ان يقال لو عجز عن
الخطبة سقطت عنه ويأتي بالصلاة ركعتين من دون خطبة والفرق بين العجز عن
القيام في الخطبة والعجز عن أصل الخطبة لا أرى له وجها.
والحق ان يقال تارة نفرض زمان بسط يد الإمام عليه السلام وأخرى نفرض أمثال
زماننا اما زمان بسط يده الشريفة فما علينا ان نتكلم في تكليفه اما في زماننا
فتارة نتكلم على القول بالتخيير بين الظهر والجمعة كما هو المختار وأخرى
على القول بالتعيين اما على الأول فليس للتمسك بقاعدة الميسور مجال فان الامر دائر
بين تعين الظهر عليه فيما لم يقدر الامام الذي يخطب بهم على القيام أو التخيير بينها وبين
الجمعة مع ذلك الامام العاجز عن القيام ومقتضى القاعدة الظهر واما على القول الثاني
وهو تعين الجمعة كما ذهب إليه بعض أصحابنا فبعد ما دل الدليل على اشتراط القيام في
الخطبة على الاطلاق لا يقدر على الجمعة والعاجز عن الجمعة يتعين عليه الظهر لا الميسور من
الجمعة ثم لو أغمضنا عن ذلك فيدور الامر بين المعينين فيجب الجمع بينهما لا الاكتفاء
بالجمعة الناقصة واما الثاني فلامكان دعوى اطلاق المادة فيما دل على الاعتبار القيام بالنسبة
إلى حال العجز عنه مع أنه على فرض الغض عنه ليس لنا اطلاق فيما دل على وجوب
الخطبة حتى يحكم بمقتضاه بسقوط اعتبار القيام حال العجز فلابد من الرجوع إلى
الأصل العملي وحيث إن المورد بناء على المختار من جزئيات الدوران بين التعيين
والتخيير إذ على تقدير عدم السقوط يتعين عليه الظهر وعلى تقدير السقوط يتخير
بينه وبين الجمعة وقد تقرر في محله ان مرجعه الاشتغال فاللازم القول بعدم السقوط
وتعين الظهر هذا كله على تقدير العجز من القيام للخطبة واما في صورة التمكن
لو شك في وجوبه فلو قلنا به بمقتضى الأدلة التي ذكرناها فهو والا فيمكن القول
بالبرائة لكونه من جزئيات دوران الامر بين الأقل والأكثر الذي قوينا فيه البراءة
ومن هنا يظهر حال باقي الأمور المذكورة في الباب كالفصل بين الخطبتين
بجلسة ورفع الصوت في الخطبة بحيث يسمع العدد المعتبر فصاعدا والحاصل ان

684
الأصل في قيود المشكوك اعتبارها ان لم يكن دليل على اعتبارها البراءة على ما
قويناه في الأصول.
في صلاة العيدين
المقصد التاسع في صلاة العيدين الفطر والأضحى ووجوبها في الجملة مما
لا شبهة فيه ويدل على شرعيتها الكتاب والسنة قال الله تعالى قد أفلح من تزكى و
ذكر اسم ربه فصلى في الصافي عن القمي قال قد أفلح من تزكى قال زكاة الفطر
إذا أخرجها قبل صلاة العيد وذكر اسم ربه فصلى قال صلى الفطر والأضحى وفى
الفقيه عن الصادق عليه السلام انه سئل عن قول الله عز وجل قد أفلح من تزكى قال عليه السلام من
اخرج الفطرة قيل له وذكر اسم ربه فصلى قال خرج إلى الجنابة فصلى وقال تعالى فصل
لربك وانحر في الصافي عن تفسير للعامة ان المراد بالصلاة صلاة العيدين وبالنحر
نحر الهدى والأضحية واما السنة فمنها صحيحة جميل قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن التكبير في العيدين قال عليه السلام سبع وخمس وقال صلاة العيدين فريضة وعنه
أيضا في الصحيح قال صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة وخبر أبي أسامة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة وعن أبي
بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت
في البلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد وعن الفقه الرضوي قال وصلاة العيدين
فريضة واجبة مثل صلاة يوم الجمعة ولا يعارضها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال
صلاة العيدين مع الامام سنة ليس قبلهما ولا بعدهما صلاة ذلك اليوم إلى الزوال إذ
من المحتمل ان يكون المراد ان صلاة العيدين مع الامام الا صلى مجعولة بأصل
الشرع وجوبا ولا ينافي استحبابها في زمن عدم امكان ذلك وكيف كان لا ينبغي
الاشكال في أنها من إحدى الفرائض وانما الكلام في أمور.
أحدها انه يشترط في لزومها وجود السلطان العادل أم لا وعلى الأول هل
يشرع استحبابا مع عدمه أم لا وعلى الأول هل يتخير في اتيان هذه العبادة المستحبة

685
بين ان يأتي بها جماعة وفرادى أم لا.
اما الكلام في الامر الأول فالمشهور اشتراط وجوبها بوجود السلطان العادل
والدليل على ذلك الأخبار المستفيضة الدالة على نفى صلاة العيدين الا مع امام عادل
أو مع الامام الظاهر في كون المراد منه هو الامام الأصلي لا مطلق من يأتم به الناس
فان قلت ليس في الاخبار الا نفى صلاة العيدين الا بالامام ومن
أين يفهم ان المراد به الامام الا صلى المنصوب من جانب الله تعالى بل لعل
المراد كما فهمه بعض مطلق من يؤتم به فيكون المفهوم من الروايات المذكورة
اشتراط ان يكون جماعة في مقابل الفرادى.
قلت بعض الاخبار يأبى حمله على ذلك مثل رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال
لا صلاة في العيدين الا مع الامام وان صليت وحدك فلا بأس فان حمل الامام في هذه
الرواية على مطلق امام الجماعة ينافي قوله عليه السلام بعد ذلك فان صليت وحدك فلا بأس للزوم
التناقض.
فان قلت يمكن رفع التنافي بحمل نفى على نفى الكمال لا الحقيقة كقوله عليه السلام
لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد.
قلت ليس النفي في مثل قوله عليه السلام لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد وأمثاله
راجعا إلى الكمال في الاستعمال اللفظي ليكون معنى القضية المذكورة لا صلاة
كاملة وانما النفي راجع إلى حقيقة الصلاة ولما علم من الخارج بدليل آخر صحة الصلاة
في غير المسجد لجاره حمل النفي في القضية المذكورة على النفي ادعاء وكما أنه
قد تحمل حقيقة على غير مصداقها الواقعي ادعاء كقولنا زيد أسد لظهور أظهر آثاره فيه
كذلك قد تنفى حقيقة عن مصداقها الواقعي بواسطة عدم ظهور آثارها المترقبة فيه
فقوله عليه السلام لا صلاة في العيدين الا مع الامام لو كان المراد الواقعي نفى الكمال فلابد
ان يكون الصلاة الواقعة مع غير الامام أعني الفرادى بمنزلة العدم بمعنى ان يكون
الملحوظ في تلك القضية ان صلاة الفرادى ليست مصداقا للصلاة ادعاء فلا يناسب
عقيب هذه القضية بتلك الملاحظة قوله بلا فصل وان صليت فرادى فلا بأس.

686
فان قلت على أي شئ تحمل هاتين القضيتين اللتين صورتهما التناقض:
قلت يحمل القضية الأولى على نفى الحقيقة واقعا بحسب الجعل الأولى و
القضية الثانية على المجعول الثانوي أي بعد عدم التمكن من اتيان ما هو المقصود
أولا وحاصل المراد والله أعلم ان الصلاة الواجبة من الله تعالى أولا في العيدين هي
الصلاة التي يؤتى بها مع الامام المنصوب من الله تعالى وان لم تتمكن كما هو الغالب
في المخاطب في زمان صدور هذه الرواية وصليت منفردا فلا باس يعنى انها مشروعة
مستحبة فتأمل جيدا فيما ذكرناه لعلك تجد من نفسك صدق ما أسلفناه ومن
الروايات التي يتعين حمل الامام المذكور فيها على الامام الأصلي الرواية الأخرى لسماعة
أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له متى نذبح قال إذا انصرف الامام قلت فإذا كنت في
ارض (قرية خ ل) ليس فيها امام فأصلي بهم جماعة قال عليه السلام إذا استقلت الشمس وقال لا باس ان
تصلى وحدك ولا صلاة الا مع امام. وجه الدلالة ان قول السائل فإذا كنت في ارض ليس
فيها امام صريح في أن المراد هو الامام الأصلي لوجود الامام الجماعة قطعا ولهذا
قال فأصلي بهم جماعة وقوله عليه السلام بعد فرض السائل امكان الجماعة لا بأس ان تصلى
وحدك ولا صلاة الا مع امام صريح في المدعى بقى الكلام في مناسبة قول الإمام عليه السلام
إذا استقلت الشمس جوابا لسؤاله فان كنت في ارض ليس فيها امام فصلى بهم و
يمكن ان يقال ان السائل فهم من كلام الإمام عليه السلام إذا انصرف الامام في جواب سؤاله
متى نذبح ان انصرف الامام له دخل في الذبح ولذا قال وإذا كنت في ارض ليس فيها امام
فأصلي بهم جماعة يعنى يصح ان اصلى بهم ليتحقق وقت الذبح بانصرافي عن الجماعة
وجوابه عليه السلام ردع لهذا التوهم وبيان ان انصراف الامام إشارة إلى الوقت المخصوص
الذي ينطبق على انصراف الامام من صلاة العيد وهو استقبال الشمس واما صلاة العيد
فهي ليست الا مع امام ولا بأس ان تصلى وحدك فاتضح من ذلك أنه مع عدم وجود الامام
المنصوب المبسوط اليد لا تجب صلاة العيدين ولكن يستحب ان يأتي بها منفردا و
يدل على استحبابها جماعة أيضا صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال في صلاة
العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة

687
فان مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار السابقة الدالة على نفى حقيقة صلاة العيدين
الا مع الامام الأصلي ان المجعول أولا في الشرع اتيان هذه الصلاة مع الامام الأصلي
وبعد عدم التمكن من ذلك رخص في الاتيان بها جماعة مع غيره كما رخص في
الانفراد والحاصل ان مقتضى الاخبار ان الوجوب العيني لصلاة العيدين مشروط
بزمان حضور الامام وبسط يده الشريفة كصلاة الجمعة واما في غيره كزماننا فليست
بواجبة كما أن صلاة الجمعة أيضا ليست بواجبة عينا ولكن رخص في صلاة العيدين
فرادى وجماعة إذا اجتمعوا خمسة أو سبعة وكذلك رخص في صلاة الجمعة إذا
اجتمعوا كذلك الا ان الترخيص في صلاة الجمعة كذلك يرجع إلى التخيير بين الظهر
والجمعة والترخيص في العيدين معناه مجرد المشروعية والاستحباب.
والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب ولقد وقع الفراغ من تسويده في الثاني من شهر
ذي القعدة الحرام سنة الثالث والخمسين في ثلاثمائة بعد الألف من الهجرة.

688
/ 1